تحفة الأماجد
بسرد أدلة فضل الجلوس لانتظار الصلاة بالمساجد
مبحث يتضمن مجموعة أحاديث مختارة من صحيح البخاري ومسلم ومزدانة بشرحي ابن حجر في الفتح والنووي في شرحه لمسلم
أعدها وجمعها
أبو هريرة إبراهيم ابن أحمد الأثري
كان الله له وبعونه
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وخالق خلقه من تراب، هازم الأحزاب، مجري السحاب، وأصلي وأسلم على نبينا محمد حبيب الأحباب، وعلى آله والأصحاب، ومن اهتدى بهديه إلى يوم البعث والحساب، أما بعد:
فقد انتشر عندنا في كثير من المساجد وقوف الشباب أمامها للحديث مسببين الإزعاج للناس بحديثهم العالي ومفوتين على أنفسهم شيئين مهمين:
فضل الصلاة بالصف الأوفضل الجلوس لانتظار الصلاة بالمسجد.
فلهذا رأيت أن أجمع مجموعة أحاديث من صحيح البخاري ومسلم مع شرحهم من فتح الباري وشرح النووي وقد أسميته:
)تحفة الأماجد بسرد أدلة فضل الجلوس لانتظار الصلاة بالمساجد).
راجيا من المولى عز وجل أن يجزي كل من أعان على نشره لتعم الفائدة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه
الحديث الأول: (538):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/1)
قوله : ( حدثنا عبد الرحيم المحاربي ) كذا لأبي ذر , وقع لأبي الوقت وغيره عبد الرحيم بغير صيغة أداء , وهو عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي الكوفي , يكنى أبا زياد , وهو من قدماء شيوخ البخاري , وليس له في الصحيح عنه غير هذا الحديث الواحد . قوله : ( صلاة العشاء ) زاد مسلم " ليلة " وفيه إشعار بأنه لم يكن يواظب على ذلك . قوله : ( قد صلى الناس ) أي المعهودون ممن صلى من المسلمين إذ ذاك . قوله : ( وزاد ابن أبي مريم ) يعني سعيد بن الحكم المصري , ومراده بهذا التعليق بيان سماع حميد للحديث من أنس . قوله : ( كأني أنظر إلخ ) الجملة في موضع المفعول لقوله " زاد " . وقد وقع لنا هذا التعليق موصولا عاليا من طريق أبي طاهر المخلص في الجزء الأول من فوائده , قال : حدثنا البغوي حدثنا أحمد بن منصور حدثنا ابن أبي مريم بسنده وأوله " سأل أنس : هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما ؟ قال : نعم , أخر العشاء " فذكره , وفي آخره " وكأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ " الوبيص بالموحدة والصاد المهملة : البريق , وسيأتي الكلام على فضل انتظار الصلاة في أبواب الجماعة , وعلى الخاتم ولبسه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى .
الحديث الثاني: (565):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/2)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ فَجَاءَ فَقَالَ دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلَاءِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ انْتَظَرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ أَلَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلَاةَ قَالَ الْحَسَنُ وَإِنَّ الْقَوْمَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ قَالَ قُرَّةُ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/3)
قوله : ( حدثنا عبد الله بن صباح ) هو العطار وهو بصري وكذا بقية رجال هذا الإسناد . قوله : ( انتظرنا الحسن ) أي ابن أبي الحسن البصري . قوله : ( وراث علينا ) الواو للحال وراث بمثلثة غير مهموز أي أبطأ . قوله : ( من وقت قيامه ) أي الذي جرت عادته بالقعود معهم فيه كل ليلة في المسجد لأخذ العلم عنه . قوله : ( دعانا جيراننا ) بكسر الجيم , كأن الحسن أورد هذا مورد الاعتذار عن تخلفه عن القعود على عادته . قوله : ( ثم قال ) أي الحسن ( قال أنس نظرنا ) وفي رواية الكشميهني " انتظرنا " وهما بمعنى . قوله : ( حتى كان شطر الليل ) برفع شطر , وكان تامة , و قوله : ( يبلغه ) أي يقرب منه . قوله : ( ثم خطبنا ) هو موضع الترجمة لما قررناه من أن المراد بقوله " بعدها " أي بعد صلاتها . وأورد الحسن ذلك لأصحابه مؤنسا لهم ومعرفا أنهم وإن كان فاتهم الأجر على ما يتعلمونه منه في تلك الليلة على ظنهم فلم يفتهم الأجر مطلقا لأن منتظر الخير في خير فيحصل له الأجر بذلك , والمراد أنه يحصل لهم الخير في الجملة لا من جميع الجهات , وبهذا يجاب عمن استشكل قوله " أنهم في صلاة " مع أنهم جائز لهم الأكل والحديث وغير ذلك . واستدل الحسن على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه آنس أصحابه بمثل ذلك , ولهذا قال الحسن بعد : وأن القوم لا يزالون بخير ما انتظروا الخير . قوله : ( قال قرة : هو من حديث أنس ) يعني الكلام الأخير , وهذا هو الذي يظهر لي , لأن الكلام الأول ظاهر في كونه عن النبي صلى الله عليه وسلم والأخير هو الذي لم يصرح الحسن برفعه ولا بوصله فأراد قرة الذي اطلع على كونه في نفس الأمر موصولا مرفوعا أن يعلم من رواه عنه بذلك . ( تنبيه ) : أخرج مسلم وابن خزيمة في صحيحيهما عن عبد الله بن الصباح شيخ البخاري بإسناده هذا حديثا خالفا البخاري فيه في بعض الإسناد والمتن فقالا " عن أبي علي الحنفي عن قرة بن خالد عن قتادة عن أنس قال : نظرنا(1/4)
النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريبا من نصف الليل , قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى . قال : فكأنما أنظر إذا وبيص خاتمه حلقة فضة " . انتهى . وأخرجه الإسماعيلي في مستخرجه عن عمر بن سهل عن عبد الله بن الصباح كذلك من رواية قرة عن قتادة , ولم يصب في ذلك فإن الذي يظهر لي أنه حديث آخر كان عند أبي علي الحنفي عن قرة أيضا وسمعه منه عبد الله بن الصباح كما سمع منه الحديث الآخر عن قرة عن الحسن , ويدل على ذلك أن في كل من الحديثين ما ليس في الآخر , وقد أورد أبو نعيم في مستخرجه الحديثين من الطريقين : فأورد حديث قرة عن قتادة من طرق منها عن يزيد بن عمر صلى الله عليه وسلم عن أبي علي الحنفي , وحديث قرة عن الحسن من رواية حجاج بن نصير عن قرة , وهو في التحقيق حديث واحد عن أنس اشترك الحسن وقتادة في سماعه منه فاقتصر الحسن على موضع حاجته منه فلم يذكر قصة الخاتم وزاد مع ذلك على قتادة ما لم يذكره , والله أعلم .
الحديث الثالث: (261):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ هَلْ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا فَقَالَ نَعَمْ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/5)
قوله : ( سئل أنس ) تقدم التصريح بسماع حميد له منه في " باب وقت العشاء " . قوله : ( صلى الناس ) أي غير المخاطبين ممن صلى في داره أو مسجد قبيلته , ويستأنس به لمن قال بأن الجماعة غير واجبة . قوله : ( ولم تزالوا في صلاة ) أي في ثواب صلاة كما تقدم . قوله : ( وبيص ) بكسر الموحدة وبالمهملة أي بريقه ولمعانه , وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في " باب وقت العشاء " ويأتي الكلام على الخاتم في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى .
الحديث الرابع: (4520):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا قَالَ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ قَالَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:
حديث حميد " سئل أنس : هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما ؟ قال : أخر ليلة صلاة العشاء " الحديث . وقد تقدم شرحه في المواقيت من كتاب الصلاة . وقوله " وبيص " بموحدة وآخره مهملة هو البريق وزنا ومعنى , وسيأتي من رواية عبد العزيز بن صهيب بلفظ " بريقه " ومن رواية قتادة عن أنس بلفظ " بياضه " ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس في آخره " ورفع أنس يده اليسرى " أخرجه مسلم والنسائي , وله في أخرى " وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى " .
الحديث الخامس: (1012):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/6)
و حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسًا عَنْ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ أَوْ كَادَ يَذْهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلَاةَ قَالَ أَنَسٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ مِنْ فِضَّةٍ وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الْيُسْرَى بِالْخِنْصِرِ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:
قوله : " وبيص خاتمه " أي بريقه ولمعانه . والخاتم بكسر التاء وفتحها ويقال : خاتام وخيتام أربع لغات . وفيه : جواز لبس خاتم الفضة وهو إجماع المسلمين . قوله : ( قال أنس : كأني أنظر إلى وبيص خاتمه من فضة ورفع إصبعه اليسرى بالخنصر ) هكذا هو في الأصول بالخنصر , وفيه محذوف تقديره : مشيرا بالخنصر , أي أن الخاتم كان في خنصر اليد اليسرى , وهذا الذي رفع إصبعه هو أنس رضي الله عنه . وفي الإصبع عشر لغات : كسر الهمزة وفتحها وضمها مع كسر الباء وفتحها وضمها , والعاشرة : أصبوع . وأفصحهن : كسر الهمزة مع فتح الباء .
الحديث السادس: (1013):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/7)
و حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ نَظَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً حَتَّى كَانَ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ فِي يَدِهِ مِنْ فِضَّةٍ و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:
قوله : ( نظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريب من نصف الليل ) هكذا هو في بعض الأصول ( قريب ) , وفي بعضها ( قريبا ) , وكلاهما صحيح , وتقدير المنصوب حتى كان الزمان قريبا , وقوله : نظرنا . أي انتظرنا يقال : نظرته وانتظرته بمعنى .
من رواية أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها
الحديث الأول: (533):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرَكُمْ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/8)
قوله : ( عن عروة ) عند مسلم في رواية يونس عن ابن شهاب " أخبرني عروة " . قوله : ( وذلك قبل أن يفشو الإسلام ) أي في غير المدينة , وإنما فشا الإسلام في غيرها بعد فتح مكة . قوله : ( حتى قال عمر ) زاد المصنف من رواية صالح عن ابن شهاب في " باب النوم قبل العشاء " : " حتى ناداه عمر : الصلاة " . وهي بالنصب بفعل مضمر تقديره مثلا صل الصلاة , وساغ هذا الحذف لدلالة السياق عليه . قوله : ( نام النساء والصبيان ) أي الحاضرون في المسجد , وإنما خصهم بذلك لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم , ومحل الشفقة والرحمة , بخلاف الرجال . وسيأتي قريبا في حديث ابن عمر في هذه القصة " حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا " ونحوه في حديث ابن عباس , وهو محمول على أن الذي رقد بعضهم لأكلهم , ونسب الرقاد إلى الجميع مجازا . وسيأتي الكلام على بقية هذا الحديث في " باب النوم قبل العشاء لمن غلب " .
الحديث الثاني: (536):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ الصَّلَاةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ قَالَ وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/9)
قوله : ( حدثني أبو بكر ) هو عبد الحميد بن أبي أويس واسمه عبد الله أخو إسماعيل شيخ البخاري ويعرف بالأعشى . قوله : ( ولا تصلي ) بالمثناة الفوقانية وفتح اللام المشددة أي صلاة العشاء , والمراد أنها لا تصلى بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة , وبه صرح الداودي , لأن من كان بمكة من المستضعفين لم يكونوا يصلون إلا سرا , وأما غير مكة والمدينة من البلاد فلم يكن الإسلام دخلها . قوله : ( وكانوا ) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , وفي هذا بيان الوقت المختار لصلاة العشاء لما يشعر به السياق من المواظبة على ذلك , وقد ورد بصيغة الأمر في هذا الحديث عند النسائي من رواية إبراهيم ابن أبي عبلة عن الزهري ولفظه " ثم قال صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل " وليس بين هذا وبين قوله في حديث أنس " أنه أخر الصلاة إلى نصف الليل " معارضة لأن حديث عائشة محمول على الأغلب من عادته صلى الله عليه وسلم . ( فائدة ) : زاد مسلم من رواية يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث : قال ابن شهاب وذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة " وذلك حين صاح عمر , وقوله " تنزروا " بفتح المثناة الفوقانية وسكون النون وضم الزاي بعدها راء , أي تلحوا عليه , وروى بضم أوله بعدها موحدة ثم راء مكسورة ثم زاي أي تخرجوا .
الحديث الثالث: (1008):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/10)
و حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ حِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الْإِسْلَامُ فِي النَّاسِ زَادَ حَرْمَلَةُ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَنْزُرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ وَذَاكَ حِينَ صَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ و حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ وَذُكِرَ لِي وَمَا بَعْدَهُ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:(1/11)
قوله : ( حدثنا عمرو بن سواد ) هو بتشديد الواو . وقوله : ( أعتم بالصلاة ) أي أخرها حتى اشتدت عتمة الليل وهي ظلمته . قوله : ( نام النساء والصبيان ) أي من ينتظر الصلاة منهم في المسجد , وإنما قال عمر رضي الله عنه : نام النساء والصبيان ; لأنه ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تأخر عن الصلاة ناسيا لها أو لوقتها . قوله : ( وما كان لكم أن تنزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة ) هو بتاء مثناة من فوق مفتوحة ثم نون ساكنة ثم زاء مضمومة ثم راء أي تلحوا عليه , ونقل القاضي عن بعض الرواة أنه ضبطه ( تبرزوا ) بضم التاء وبعدها باء موحدة ثم راء مكسورة ثم زاي من الإبراز وهو الإخراج . والرواية الأولى هي الصحيحة المشهورة التي عليها الجمهور . واعلم أن التأخير المذكور في هذا الحديث وما بعده كله تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار وهو نصف الليل أو ثلث الليل على الخلاف المشهور الذي قدمنا بيانه في أول المواقيت .
الحديث الرابع: (1009):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/12)
حَدَّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ ح و حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ ح و حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ قَالُوا جَمِيعًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ لَوْلَا أَنَّ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:(1/13)
وقوله في رواية عائشة : ( ذهب عامة الليل ) أي كثير منه , وليس المراد أكثره , ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم : إنه لوقتها , ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل ; لأنه لم يقل أحد من العلماء : إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل . قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) معناه : أنه لوقتها المختار أو الأفضل ففيه تفضيل تأخيرها , وأن الغالب كان تقديمها , وإنما قدمها للمشقة في تأخيرها , ومن قال بتفضيل التقديم قال : لو كان التأخير أفضل لواظب عليه , ولو كان فيه مشقة , ومن قال بالتأخير قال : قد نبه على تفضيل التأخير بهذا اللفظ , وصرح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة . ومعناه - والله أعلم - أنه خشي أن يواظبوا عليه فيفرض عليهم , ويتوهموا إيجابه ; فلهذا تركه كما ترك صلاة التراويح , وعلل تركها بخشية افتراضها والعجز عنها , وأجمع العلماء على استحبابها لزوال العلة التي خيف منها , وهذا المعنى موجود في العشاء . قال الخطابي وغيره : إنما يستحب تأخيرها لتطول مدة انتظار الصلاة ومنتظر الصلاة في صلاة .
من رواية أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه
الحديث الأول: (170):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ
قال الإمام النووي في فتح الباري:(1/14)
قوله : ( ابن أبي ذئب ) تقدم أن اسمه محمد بن عبد الرحمن , والإسناد كله مدنيون إلا آدم وقد دخلها . قوله : ( ما كان في المسجد ) , أي ما دام , وهي رواية الكشميهني , والمراد أنه في ثواب الصلاة ما دام ينتظرها وإلا لامتنع عليه الكلام ونحوه , وقال الكرماني نكر قوله " في صلاة " ليشعر بأن المراد نوع صلاته التي ينتظرها , وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الصلاة في أبواب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى . قوله : ( أعجمي ) أي غير فصيح بالعربية سواء كان عربي الأصل أم لا , ويحتمل أن يكون هذا الأعجمي هو الحضرمي الذي تقدم ذكره في أوائل كتاب الوضوء . قوله : ( قال الصوت ) كذا فسره هنا , ويؤيده الزيادة المذكورة قبل في رواية أبي داود وغيره حيث قال " لا وضوء إلا من صوت أو ريح " فكأنه قال : لا وضوء إلا من ضراط أو فساء , وإنما خصهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبا في المسجد غيرهما , فالظاهر أن السؤال وقع عن الحديث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبا في الصلاة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الوضوء .
الحديث الثاني: (426):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/15)
قوله : ( الملائكة تصلي ) للكشميهني " إن الملائكة تصلي " بزيادة إن , والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك . قوله : ( تقول إلخ ) هو بيان لقوله تصلي . قوله : ( ما دام في مصلاه ) مفهومه أنه إذا انصرف عنه انقضى ذلك , وسيأتي في " باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة " بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أم تحول إلى غيره , ولفظه " ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة " فأثبت للمنتظر حكم المصلي , فيمكن أن يحمل قوله " في مصلاه " على المكان المعد للصلاة , لا الموضع الخاص بالسجود , فلا يكون بين الحديثين تخالف . و قوله : ( ما لم يحدث ) يدل على أن الحدث يبطل ذلك ولو استمر جالسا . وفيه دليل على أن الحدث في المسجد أشد من النخامة لما تقدم من أن لها كفارة , ولم يذكر لهذا كفارة , بل عومل صاحبه بحرمان استغفار الملائكة , ودعاء الملائكة مرجو الإجابة لقوله تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) وسيأتي بقية فوائد هذا الحديث في " باب من جلس ينتظر " إن شاء الله تعالى .
الحديث الثالث: (457):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/16)
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ وَتُصَلِّي يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:
حديث أبي هريرة الذي ساقه المصنف هنا أخرجه بعد في " باب فضل صلاة الجماعة " ويأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى . وزاد في هذه الرواية " وتصلي الملائكة . . . إلخ " وقد تقدمت في " باب الحدث في المسجد " من وجه آخر عن أبي هريرة . قوله في هذه الرواية ( صلاة الجميع ) أي الجماعة , وتكلف من قال التقدير في الجميع , و قوله : ( على صلاته ) أي الشخص . قوله : ( فإن أحدكم ) كذا للأكثر بالفاء , وللكشميهني بالموحدة وهي سببية أو للمصاحبة . قوله : ( فأحسن ) أي أسبغ الوضوء . قوله : ( ما لم يؤذ يحدث ) كذا للأكثر بالفعل المجزوم على البدلية ويجوز بالرفع على الاستئناف , وللكشميهني " ما لم يؤذ يحدث فيه " بلفظ الجار والمجرور متعلقا بيؤذ , والمراد بالحدث الناقض للوضوء . ويحتمل أن يكون أعم من ذلك , لكن صرح في رواية أبي داود من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بالأول .
الحديث الرابع: (611):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/17)
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/18)
قوله في حديث أبي هريرة ( صلاة الرجل في الجماعة ) في رواية الحموي والكشميهني " في جماعة " بالتنكير . قوله : ( خمسة وعشرين ضعفا ) كذا في الروايات التي وقفنا عليها وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة , بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة . قوله : ( في بيته وفي سوقه ) مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادي قاله ابن دقيق العيد , قال : والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا , لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا , قال : وبهذا يرتفع الإشكاك عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق . انتهى . ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة , إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر , وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا , بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد , والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين , والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد . وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع , وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره . وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته ؟ قال : حسن جميل . قال : فإن صلى في مسجد عشيرته ؟ قال : خمس عشرة صلاة . قال : فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه ؟ قال : خمس وعشرون . انتهى . وأخرج حميد بن زنجويه في " كتاب الترغيب " نحوه من حديث واثلة , وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل . قال : وصلاته في المسجد الذي يحمع فيه - أي الجمعة - بخمسمائة , وسنده ضعيف . قوله : ( وذلك أنه إذا توضأ ) ظاهر في أن الأمور المذكورة(1/19)
علة للتضعيف المذكور , إذ التقدير : وذلك لأنه , فكأنه يقول : التضعيف المذكور سببه كيت وكيت , وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته . وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى , فالأخذ بها متوجه , والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة , والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت , وكذا روى عن أحمد في فرض العين , ووجهوه بأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد , وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد , ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار . قوله : ( لا يخرجه إلا الصلاة ) أي قصد الصلاة في جماعة , واللام فيها للعهد لما بيناه . قوله : ( لم يخط ) بفتح أوله وضم الطاء . و قوله : ( خطوة ) ضبطناه بضم أوله ويحوز الفتح , قال الجوهري : الخطوة بالضم ما بين القدمين , وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح , وقال القرطبي : إنها في روايات مسلم بالضم , والله أعلم . قوله : ( فإذا صلى ) قال ابن أبي جمرة : أي صلى صلاة تامة , لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته " أرجع فصل فإنك لم تصل " . قوله : ( في مصلاه ) أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد , وكأنه خرج مخرج الغالب , وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك . قوله : ( اللهم ارحمه ) أي قائلين ذلك , زاد ابن ماجه " اللهم تب عليه " وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق " اللهم اغفر له " واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة , وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار(1/20)
والدعاء لهم . واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله " على صلاته وحده " يقتضي صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل , فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد , وما لا يصح لا فضيلة فيه . قال القرطبي وغيره : ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى ( أحسن مقيلا ) لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غير مقيدة بعدد معين , فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد , ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله " صلاة الفذ " صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر , فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل . وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا " إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما " . وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة , ثم رده بحديث " أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " واستدل بها على تساوي الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت , لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة , كذا قال بعض المالكية , وقواه بما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إبراهيم النخعي قال : إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين . انتهى . وهو مسلم في أصل الحصول , لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر , لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا " صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده , وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل , وما كثر فهو أحب إلى الله " , وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة , وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر , ويترتب على(1/21)
الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية , ولم يستحب ذلك الآخرون , ومنهم من فصل فقال : تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة , ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة , والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدني . وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا , ولذلك عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر , واستدل بها على أن أقل الجماعة إمام ومأموم , وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى .
الحديث الخامس: (619):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/22)
قوله : ( تصلي على أحدكم ) أي تستغفر له , قيل عبر بتصلي ليتناسب الجزاء والعمل . قوله : ( ما دام في مصلاه ) أي ينتظر الصلاة كما صرح به في الطهارة من وجه آخر . قوله : ( لا يزال أحدكم إلخ ) هذا القدر أفرده مالك في الموطأ عما قبله , وأكثر الرواة ضموه إلى الأول فجعلوه حديثا واحدا , ولا حجر في ذلك . قوله : ( في صلاة ) أي في ثواب صلاة لا في حكمها , لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة . قوله : ( ما دامت ) في رواية الكشميهني " ما كانت " وهو عكس ما مضى في الطهارة . قوله : ( لا يمنعه ) يقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور , وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر , وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه ؟ الظاهر خلافه , لأنه رتب الثواب المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة , لكن للمذكور ثواب يخصه , ولعل هذا هو السر في إيراد المصنف الحديث الذي يليه وفيه " ورجل قلبه معلق في المساجد " وقد تقدم الكلام في الطهارة على معنى قوله " ما لم يحدث " وفيه زيادة على ما هنا , وأن المراد بالحدث حدث الفرج , لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى , لأن الأذى منهما يكون أشد , أشار إلى ذلك ابن بطال . وقد تقدم الكلام على باقي فوائده في " باب فضل صلاة الجماعة " ويؤخذ من قوله " في مصلاه الذي صلى فيه " أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى , وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئه , أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر الآخر . قوله : ( اللهم اغفر له , اللهم ارحمه ) هو مطابق لقوله تعالى ( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ) , قيل : السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك , لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة , ولو فرض أن فيهم من(1/23)
تحفظ من ذلك فإنه يعوض من المغفرة بما يقابلها من الثواب .
الحديث السادس: (1976):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ وَقَالَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:
حديث أبي هريرة قد تقدم مستوفي في أبواب الجماعة . والغرض منه ذكر السوق وجواز الصلاة فيه , وقوله " لا ينهزه " بضم أوله وسكون النون وكسر الهاء بعدها زاي : ينهضه وزنا ومعنى , والمراد لا يزعجه , والجملة بيان للجملة التي قبلها وهي " لا يريد إلا الصلاة " وقوله " اللهم صل عليه " بيان لقوله يصلي عليه أي يقول اللهم صل عليه , وقوله " ما لم يؤذ فيه " , أي يحصل منه أذى للملائكة أو لمسلم بالفعل أو بالقول .
الحديث السابع: (2990):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/24)
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يُحْدِثْ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:
حديث أبي هريرة " أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه " وقد تقدم مشروحا أيضا في صفة الصلاة , وابن فليح هو محمد , ووقع في بعض النسخ ابن أفلح وهو تصحيف .
الحديث الثامن: (369):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْماَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا إِسْماَعِيلُ أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ حَدَّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكٌ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ جَمِيعًا عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ ذِكْرُ الرِّبَاطِ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ ثِنْتَيْنِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ(1/25)
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:
قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ) قال القاضي عياض : ( محو الخطايا ) كناية عن غفرانها , قال : ويحتمل محوها من كتاب الحفظة ويكون دليلا على غفرانها , ( ورفع الدرجات ) إعلاء المنازل في الجنة , وإسباغ الوضوء تمامه , والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك , وكثرة الخطا تكون ببعد الدار وكثرة التكرار وانتظار الصلاة بعد الصلاة , قال القاضي أبو الوليد الباجي : هذا في المشتركتين من الصلوات في الوقت وأما غيرهما فلم يكن من عمل الناس . وقوله : ( فذلكم الرباط ) أي الرباط المرغب فيه , وأصل الرباط الحبس على الشيء كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة . قيل : ويحتمل أنه أفضل الرباط كما قيل الجهاد جهاد النفس , ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أي أنه من أنواع الرباط . هذا آخر كلام القاضي وكله حسن إلا قول الباجي في انتظار الصلاة فإن فيه نظر . والله أعلم . قوله : ( وفي حديث مالك ثنتين : فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) هكذا هو في الأصول ثنتين وهو صحيح ونصبه بتقدير فعل أي ذكر ثنتين أو كرر ثنتين , ثم أنه كذا وقع في رواية مسلم تكراره مرتين , وفي الموطأ ثلاث مرات ( فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) . وأما حكمة تكراره فقيل : للاهتمام به وتعظيم شأنه وقيل : كرره صلى الله عليه وسلم على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه والأول أظهر . والله أعلم .
الحديث التاسع: (1059):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/26)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ ح و حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:(1/27)
قوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته , وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة ) المراد صلاته في بيته وسوقه منفردا هذا هو الصواب , وقيل فيه غير هذا , وهو قول باطل نبهت عليه لئلا يغتر به . والبضع - بكسر الباء وفتحها - وهو من الثلاثة إلى العشرة هذا هو الصحيح . وفيه : كلام طويل سبق بيانه في كتاب الإيمان , والمراد به هنا خمس وعشرون وسبع وعشرون درجة , كما جاء مبينا في الروايات السابقات . قوله : ( لا تنهزه إلا الصلاة ) هو بفتح أوله وفتح الهاء وبالزاي أي لا تنهضه وتقيمه , وهو بمعنى قوله بعده : ( لا يريد إلا الصلاة ) . قوله : ( حدثنا عبثر ) هو بالباء الموحدة ثم المثلثة المفتوحة . قوله : ( محمد بن بكار بن الريان ) هو بالراء والمثناة تحت المشددة .
الحديث العاشر: (1061):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:
و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ قُلْتُ مَا يُحْدِثُ قَالَ يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:قوله : ( يضرط ) هو بكسر الراء
من رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الحديث الأول: (537):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/28)
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ يَعْنِي ابْنَ غَيْلَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا إِذَا كَانَ لَا يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ وَقَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ الصَّلَاةَ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الْآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الْأُذُنِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ عَلَى(1/29)
الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ لَا يُقَصِّرُ وَلَا يَبْطُشُ إِلَّا كَذَلِكَ وَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:
قوله : ( حدثنا محمود ) هو ابن غيلان . قوله : ( شغل عنها ليلة فأخرها ) هذا التأخير مغاير للتأخير المذكور في حديث جابر وغيره المقيد بتأخير اجتماع المصلين , وسياقه يشعر بأن ذلك لم يكن من عادته . قوله : ( حتى رقدنا في المسجد ) استدل به من ذهب إلى أن النوم لا ينقض الوضوء , ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون الراقد منهم كان قاعدا متمكنا , أو لاحتمال أن يكون مضطجعا لكنه توضأ وإن لم ينقل , اكتفاء بما عرف من أنهم لا يصلون على غير وضوء . قوله : ( وكان ) أي ابن عمر ( يرقد قبلها ) أي قبل صلاة العشاء , وهو محمول على ما إذا لم يخش أن يغلبه النوم عن وقتها كما صرح به قبل ذلك حيث قال " وكان لا يبالي أقدمها أم أخرها " وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان ربما رقد عن العشاء الآخرة ويأمر أن يوقظوه , والمصنف حمل ذلك في الترجمة على ما إذا غلبه النوم , وهو اللائق بحال ابن عمر . قوله : ( قال ابن جريج ) هو بالإسناد الذي قبله - وهو محمود عن عبد الرزاق عن ابن جريج - ووهم من زعم أنه معلق , وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بالإسنادين , وأخرجه من طريقه الطبراني , وعنه أبو نعيم في مستخرجه . قوله : ( فقام عمر فقال الصلاة ) , زاد في التمني " رقد النساء والصبيان " وهو مطابق لحديث عائشة الماضي . قوله : ( واضعا يده على رأسه ) كذا للأكثر , وللكشميهني " على رأسي " وهو وهم لما ذكر بعده من هيئة عصره صلى الله عليه وسلم شعره من الماء , وكأنه كان اغتسل قبل أن يخرج . قوله : ( فاستثبت ) هو مقول ابن جريج , وعطاء هو ابن أبي رباح , ووهم من زعم أنه ابن يسار . قوله : ( فبدد ) أي فرق . وقرن الرأس جانبه . قوله : ( ثم ضمها(1/30)
) كذا له بالضاد المعجمة والميم , ولمسلم " وصبها " بالمهملة والموحدة , وصوبه عياض قال : لأنه يصف عصر الماء من الشعر باليد . قلت : ورواية البخاري موجهة , لأن ضم اليد صفة للعاصر . قوله : ( حتى مست إبهامه ) كذا بالإفراد للكشميهني , ولغيره " إبهاميه " وهو منصوب بالمفعولية وفاعله طرف الأذن , وعلى هذا فهو مرفوع . وعلى الرواية الأولى " طرف " منصوب وفاعله إبهامه وهو مرفوع , ويؤيد رواية الأكثر رواية حجاج عن ابن جريج عند النسائي وأبي نعيم " حتى مست إبهاماه طرف الأذن " . قوله : ( لا يقصر ولا يبطش ) أي لا يبطئ ولا يستعجل , ويقصر بالقاف للأكثر ووقع عند الكشميهني " لا يعصر " بالعين , والأولى أصوب . قوله : ( لأمرتهم أن يصلوها ) كذا بين ذلك في كتاب التمني عند المصنف من روايه سفيان بن عيينة عن ابن جريج وغيره في هذا الحديث وقال " إنه للوقت لولا أن أشق على أمتي " . ( فائدة ) : وقع في الطبراني من طريق طاوس عن ابن عباس في هذا الحديث بمعناه قال : وذهب الناس إلا عثمان بن مظعون في ستة عشر رجلا , فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ما صلى هذه الصلاة أمة قبلكم " .
الحديث الثاني: (614):
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/31)
قوله : ( أبعدهم فأبعدهم ممشي ) أي إلى المسجد , وسيأتي الكلام على ذلك بعد باب واحد . قوله : ( مع الإمام ) زاد مسلم " في جماعة " وبين أنها رواية أنها كريب - وهو محمد بن العلاء - الذي أخرجه البخاري عنه . قوله : ( من الذي يصلي ثم ينام ) أي سواء صلى وحده أو في جماعة , ويستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدم . ( تكميل ) : استشكل إيراد حديث أبي موسى في هذا الباب , لأنه ليس فيه لصلاة الفجر ذكر , بل آخره يشعر بأنه في العشاء . ووجهه ابن المنير وغيره بأنه دل على أن السبب في زيادة الأجر وجود المشقة بالمشي إلى الصلاة , وإذا كان كذلك فالمشي إلى صلاة الفجر في جماعة أشق من غيرها , لأنها وإن شاركتها العشاء في المشي في الظلمة فإنها تزيد عليها بمفارقة النوم المشتهي طبعا , ولم أر أحدا من الشراح نبه على مناسبة حديث أبي الدرداء للترجمة إلا الزين بن المنير فإنه قال : تدخل صلاة الفجر في قوله " يصلون جميعا " وهي أخص بذلك من باقي الصلوات . وذكر ابن رشيد نحوه وزاد أن استشهاد أبي هريرة في الحديث الأول بقوله تعالى : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) يشير إلى أن الاهتمام بها آكد . وأقول : تفنن المصنف بإيراد الأحاديث الثلاثة في الباب إذ تؤخذ المناسبة من حديث أبي هريرة بطريق الخصوص , ومن حديث أبي الدرداء بطريق العموم , ومن حديث أبي موسى بطريق الاستنباط . ويمكن أن يقال : لفظ الترجمة يحتمل أن يراد به فضل الفجر على غيرها من الصلوات , وأن يراد به ثبوت الفضل لها في الجملة , فحديث أبي هريرة شاهد للأول , وحديث أبي الدرداء شاهد للثاني , وحديث أبي موسى شاهد لهما , والله أعلم .(1/32)
الحديث الثالث: (6698):قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَخَرَجَ وَهُوَ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ يَقُولُ إِنَّهُ لَلْوَقْتُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي وَقَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا عَطَاءٌ لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ وَقَالَ عَمْرٌو لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إِنَّهُ لَلْوَقْتُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري:(1/33)
قوله : ( حدثنا علي ) هو ابن عبد الله بن المديني " وسفيان " هو ابن عيينة و " عمرو " هو ابن دينار و " عطاء " هو ابن أبي رباح . قوله : ( اعتم النبي صلى الله عليه وسلم ) تقدم شرح المتن في " كتاب الصلاة " مستوفى وهو من رواية عمرو عن عطاء مرسل , ومن رواية ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مسند ; كما بينه سفيان وهو القائل : قال ابن جريج عن عطاء إلخ , وهو موصول بالسند المذكور وليس بمعلق , وسياق الحميدي له في مسنده أوضح من سياق علي بن المديني , فإنه أخرجه عن سفيان قال : حدثنا عمرو عن عطاء , قال سفيان وحدثناه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس , فساق الحديث ثم قال الحميدي : كان سفيان ربما حدث بهذا الحديث عن عمرو وابن جريج فأدرجه عن ابن عباس , فإذا ذكر فيه الخبر فقال : حدثنا أو سمعت أخبر بهذا يعني عن عمرو عن عطاء مرسلا وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس موصولا . قلت : وقد رواه علي هنا بالعنعنة ومع ذلك فصله فلم يدرجه , وزاد فيه تفصيل سياق المتن عنهما أيضا حيث قال أما عمرو فقال : " رأسه يقطر " وقال ابن جريج " يمسح الماء عن شقه " إلخ , وقوله : وقال إبراهيم بن المنذر إلخ يريد أن محمد بن مسلم وهو الطائفي رواه عن عمرو , وهو ابن دينار عن عطاء موصولا بذكر ابن عباس فيه , وهو مخالف لتصريح سفيان بن عيينة عن عمرو بأن حديثه عن عطاء ليس فيه ابن عباس فهذا يعد من أوهام الطائفي , وهو موصوف بسوء الحفظ وقد وصل حديثه الإسماعيلي من وجهين عنه هكذا , وذكر أن من جملة من حدث به عن سفيان مدرجا كما قال الحميدي : عبد الأعلى بن حماد وأحمد بن عبدة الضبي وأبو خيثمة , وأن عبدة بن عبد الرحيم وعمار بن الحسن روياه عن سفيان فاقتصرا على طريق عمرو وذكرا فيه ابن عباس فوهما في ذلك أشد من وهم عبد الأعلى . وأن ابن أبي عمر رواه في موضعين عن ابن عيينة مفصلا على الصواب . قلت : وكذلك أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان مفصلا .(1/34)
الحديث الرابع: (1010):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:
و حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:
قوله : ( العشاء الآخرة ) دليل على جواز وصفها بالآخرة , وأنه لا كراهة فيه خلافا لما حكي عن الأصمعي من كراهة هذا . وقد سبق بيان المسألة . قوله : ( فقال حين خرج : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ) فيه : أنه يستحب للإمام والعالم إذا تأخر عن أصحابه أو جرى منه ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم ويقول : لكم في هذا مصلحة من جهة كذا أو كان لي عذر أو نحو هذا .
الحديث الخامس: (1011):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/35)
و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اللَّيْلَةَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:
قوله : ( رقدنا في المسجد ثم استيقظنا , ثم رقدنا ثم استيقظنا ) وفي رواية عائشة : ( نام أهل المسجد ) هذا محمول على نوم لا ينقض الوضوء , وهو نوم الجالس ممكنا مقعده . وفيه : دليل على أن نوم مثل هذا لا ينقض , وبه قال الأكثرون , وهو الصحيح في مذهبنا . وقد سبق إيضاح هذه المسألة في آخر كتاب الطهارة .
الحديث السادس: (1014):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/36)
و حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولًا فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يَتَنَاوَبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو مُوسَى فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي أَمْرِهِ حَتَّى أَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ عَلَى رِسْلِكُمْ أُعْلِمُكُمْ وَأَبْشِرُوا أَنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ أَوْ قَالَ مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ لَا نَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى فَرَجَعْنَا فَرِحِينَ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:(1/37)
قوله : ( بقيع بطحان ) تقدم الاختلاف في ضبط بطحان في باب صلاة الوسطى وبقيع بالباء . قوله : ( إبهار الليل ) هو بإسكان الباء الموحدة وتشديد الراء أي انتصف . قوله : ( فلما قضى صلاته قال لمن حضره : على رسلكم أعلمكم وأبشروا أن من نعمة الله عليكم أنه ليس ) إلى آخره , فقوله : ( رسلكم ) بكسر الراء وفتحها لغتان , الكسر أفصح وأشهر أي تأنوا . وقوله : ( أن من نعمة الله ) , هو بفتح الهمزة معمول لقوله : ( أعلمكم ) وقوله : ( أنه ليس ) . بفتحها أيضا . وفيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء إذا كان في خير , وإنما نهي عن الكلام في غير الخير .
الحديث السابع: (4596):
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه:(1/38)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ كُلُّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ مُجَمَّعِ بْنِ يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم:(1/39)
قوله صلى الله عليه وسلم : ( النجوم أمنة للسماء , فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ) قال العلماء : ( الأمنة ) بفتح الهمزة والميم , والأمن والأمان بمعنى . ومعنى الحديث أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية . فإذا انكدرت النجوم , وتناثرت في القيامة , وهنت السماء , فانفطرت , وانشقت , وذهبت , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأنا أمنة لأصحابي , فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ) أي من الفتن والحروب , وارتداد من ارتد من الأعراب , واختلاف القلوب , ونحو ذلك مما أنذر به صريحا , وقد وقع كل ذلك . قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) معناه من ظهور البدع , والحوادث في الدين , والفتن فيه , وطلوع قرن الشيطان , وظهور الروم وغيرهم عليهم , وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك . وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(1/40)