بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي مَنَّ على من شاء من عباده بالتوفيق إلى سواء السبيل, فأرسل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الثقلين ببيان الأحكام بالدليل.وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أدخرها ليوم يرى فيه المرء ما عمل حتى ما يزن الذر من المثاقيل. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الموحى إليه في محكم التنزيل (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء) أي إلا أوضحناه بالبيان والتفصيل.
ومع ذلك فقد اقتضت حكمة الله البالغة أن بعض الأحكام الشرعية قد يقصر عن إدراكها بعض أهل العلم دون بعض ابتلاء من الله وامتحانا مما ينتج عن ذلك وقوع الخلاف والنزاع بينهم فيها. بل لقد يحصل للعالم الواحد في الحكم التكليفي أكثر من رواية كما هو معلوم !!
وإن من الأحكام المتنازع فيها بين أهل العلم زكاة الحلي المباح من الذهب والفضة حيث ذهب بعضهم - وهم الجمهور – إلى عدم زكاته, وذهب البعض الأخر إلى وجوب زكاته. والخلاف في ذلك مشهور ومعروف كما هو مبسوط في كتب الأحكام من تفسير وحديث وفقه وألف في ذلك رسائل خاصة منها ما يلي:
1- (رسالة في وجوب زكاة الحلي) لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
2- (زكاة الحلي) لنبيل البصارة
3- (زكاة الحلي على المذاهب الأربعة) لفضيلة الشيخ عطية محمد سالم.
4- (البغية في أحكام الحلية) لزيد بن مرزوق بن عبدالمحسن.(1/1)
إلا أنه عند التحقيق لم يحصل فيما كتب في ذلك اقناع لطالب الحق مما جعل كثيراً من المسلمين في حيرة من هذه المسألة الهامة! وذلك لما يسمع ويقرأ من أن بعض أهل العم يفتي بإسقاطها. ولا بعض الأخر يفتي بوجوبها! فلا يدري مع أيهما الحق ليشكله! ولا ريب أن هذا هو الواقع عند بعض المسلمين فهو يقول: إن كان الحق مع المسقطين لزكاة الحلي فيكون القول بوجوبها تكليفاً للمسلمين بما لم يكلفوا به شرعاً وهو لا يجوز! وإن كان الحق مع الموجبين لها فيكون القول بإسقاطها إهمالاً لواجب من واجبات الإسلام. وهو بلا يجوز أيضاً!!
فانطلاقاً من هذا أحببت التحقيق في هذه المسألة أملاً في الوصول إلى معرفة الحق والصواب, فراجعت كلام أهل العلم في مظانه الميسرة لي ونظرت فيه والى ما أورده كل صاحب مذهب لمذهبه من أدلة أو تعليل أو طعن في المذهب الأخر. وعند التأمل والتحقيق في ذلك ظهر لي ظهوراً واضحاً أن القول بوجوب زكاته ضعيف وأن القول بإسقاطها هو الحق والصواب – إن شاء الله تعالى -.
وتعميماً للفائدة رأيت جمع ما تحصلت عليه من بحث وتحقيق في هذه المسألة العظيمة في كتيب لينتفع به المسلمون إن شاء الله وسميته : "امتنان العلي بعدم زكاة الحلي" وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
فما كان فيه من حق وصواب فبمحض فضل الله وتوفيقه وما كان من خطأ أو هفوة فمن نفسي, والله أسأل أن يعفو عني وأن يجعل عملي وقولي سديداً يصلح به عملي ويغفر به ذنبي كما أرجوه سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه مصيباً لشرعه وأن ينفع به المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
وكتبه
فريح بن صالح البهلال
في 21/4/1410 هـ
تعريف الزكاة(1/2)
الزكاة في اللغة: النماء والزيادة, يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد وكثر ريعه وفي الشرع: اسم لمخرج مخصوص بأوصاف مخصوصة من مال مخصوص لطائفة مخصوصة(1). والمراد بالمال المخصوص النامي. قال شيخ الإسلام: (ووضعها الشارع في الأموال النامية)(2) يعني الزكاة.
وقال العلامة عبد الرحمن بن قاسم : (والزكاة إنما شرعت في الأموال النامية)(3)(4).
والأموال النامية هي الأصناف الأربعة:
1- بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم.
2- الخارج من الأرض من الحبوب والثمار ونحوها.
3- الأثمان الدراهم والدنانير ونحوها.
4- عروض التجارة. قاله العلامة ابن سعدي(5).
وقال ابن سعدي أيضاً: (فلم يوجب الله الزكاة في الأموال التي ترتبط بها ضرورات الإنسان وحاجاته كالمنزل الذي يسكنه والعقار الذي يحتاج إليه والأواني والفرش, والأثاث ونحوها التي يستعملها وعبيد الخدمة وحيوانات العمل... بل ولم يوجبها في الخيل والبغال والحمير وأنواع الحيوانات غير الأصناف الثلاثة إلا إذا كانت للتجارة. وهذا برهان على أنها ما وجبت إلا في الأموال الفضلية لا في أموال القنية للحاجة) اهـ بتصرف(6).
__________
(1) - المطلع على المقنع للبعلي ص (122).
(2) - مجموع فتاوى شيخ الإسلام (25/8 ).
(3) - الأحكام شرح أصول الأحكام. (2/31) وحاشية الروض المربع (3/256) كلاهما لابن قاسم.
(4) - وهو ما من شأنه أن ينمي ولو عطله صاحبه.
(5) - إرشاد أولي البصائر والألباب لابن سعدي ص ( 71/73 ).
(6) - إرشاد أولي البصائر والألباب لابن سعدي ص (71).(1/3)
وقال النووي في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" أخرجه مسلم(1) وغيره. قال: (هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة. وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف إلا أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان ....)(2).
تعريف الحلي
قال ابن الأثير: الحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة والجمع حلي بالضم والكسر. وجمع الحلية حلى مثل لحية ولحى وربما ضم اهـ.(3)
وفي (لسان العرب) : الحلي ماتزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة قال:
كأنها من حسن وشاره
والحلي حلي التبر والحجارة
مدفع ميثاء إلى قراره
.........................
الليث: الحلي كل حلية حليت بها امرأة أو سيفا ونحوه.
الجوهري: الحلي حلي المرأة... وحليت المرأة أحليها حلياً وحلوتها إذا جعلت لها حلياً(4).
والمراد المتخذ من الذهب والفضة أي المصوغ منهما المباح استعماله حلية وزينة للنساء سواءً استعمل أو أعد للاستعمال أو العارية. كالطوق والخلخال والخواتم والسوار والقلائد والقرط ونحو ذلك.
? هل الحلي من أموال القنية أم من الأموال النامية؟
الذي يظهر لي أنه من أموال القنية(5). لوجوه.
الأول : أن الحلي في الواقع وفي نفس الأمر لا ينمي أبداً بل ينقص.
الثاني: أنه الظاهر من تعريف الزكاة المتقدم.
__________
(1) - صحيح مسلم (2/675 ) رقم ( 256 ) .
(2) - صحيح مسلم بشرح النووي ( 7/55).
(3) - النهاية لابن الأثير (1/435 )
(4) - لسان العرب ( 2/984 – 985 )
(5) - قنية المال اتخاذه وحفظه للحاجة إليه والمراد اتخاذ الحلي المباح قنية لاستعماله أو لإعداده للاستعمال.(1/4)
الثالث: أن القائلين بعدم زكاته –وهم الجمهور – نصوا على أنه من أموال القنية بالقياس على العروض. فنقل عنهم الإمام القرطبي أنهم قالوا: (قصد النماء يوجب الزكاة في العروض وهي ليست بمحل لإيجاب الزكاة كذلك قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حلياًّ للقنية يسقط الزكاة)(1)
الرابع: أن الحلي من حاجات النساء الضرورية لقوله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف:18).
قال أهل التفسير: المرأة ناقصة تحتاج إلى تنشئتها بزينة الحلي والتنشئة هي أن تربى وتنبت وتكبر في الحالية.
قال ابن كثير في الآية: أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ أن تكون طفلة ... ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كمال.
قال بعض شعراء العرب:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة
يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفراً
كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
اهـ بتصرف(2).
الخامس: أني لا أعلم أحداً قال: أنه من الأموال النامية.
السادس: أنه يتخذ حلياًّ للقنية لا للنماء. يقول ابن القيم رحمه الله: (ثم قسم -يعني الشارع- الذهب والفضة إلى قسمين: أحدهما ما هو معد للثمنية والتجارة به والتكسب ففيه الزكاة كالنقدين والسبائك ونحوها. وإلى ما هو معد للانتفاع دون الربح والتجارة كحلية المرأة وآلات السلاح التي يجوز استعمال مثلها فلا زكاة فيه) اهـ(3).
ومن هذه الوجوه نعلم أن حلي النساء المتخذ من الذهب والفضة من أموال القنية لا من الأموال النامية. والعلم عند الله.
زكاة الحلي
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن اللقرطبي (4/2965 ).
(2) - تفسير ابن كثير (4/125).
(3) - إعلام الموقعين (2/110 ).(1/5)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيها فذهب الجمهور إلى القول بعدم زكاته ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وهو مذهب فقهاء أهل الحجاز وبه قال إسحاق بن راهويه والليث بن سعد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر وإمام الائمة ابن خزيمة والذهبي وابن القيم وشيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب والشوكاني والبيضاوي ومفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم وابن قاسم وهو نص قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن سعدي وابن عبد البر.
قال النووي: وبه قال أكثر أهل العلم. وممن صححه من أصحابنا: المزني وابن القاص في "المفتاح" والبندنيجي والماوردي والمحاملي والقاضي وأبو الطيب في (المجرد) والدارمي في (الاستذكار) والغزالي في (الخلاصة) والرافعي في (كتابه) وآخرون لا يحصون وبه قطع جماعات منهم المحاملي في المقنع وسليم الرازي في (الكفاية) والمصنف في (عيون المسائل) والجرجاني في كتابيه (التحرير) و (البلغة) والشيخ نصر الدين المقدسي في (الكافي) وآخرون اهـ(1).
واليك نص أقوالهم من مصادرها:
قال الإمام مالك رحمه الله : (في كل حلي هو للنساء اتخذنه للبس فلا زكاة عليهن فيه قال- أي عبد الرحمن بن قاسم -: فقلنا لمالك: فلو أن امرأة اتخذت حلياً تكريه فتكتسب عليه الدراهم مثل الجيب وما أشبهه تكريه للعرائس لذلك عملته؟ فقال: لا زكاة فيه) اهـ (2).
وقال الشافعي: (وقد قيل: في الحلي صدقة. وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه. قال الربيع: قد استخار الله عز وجل فيه. أخبرنا الشافعي: وليس في الحلي زكاة ... وإن كان حلياً يلبس أو يدخر أو يعار أو يكرى فلا زكاة فيه. وسواء في هذا كثر الحلي لامرأة أو ضوعف أو قل وسواء فيه الفتوخ والخواتم والتاج وحلي العرائس وغير هذا من الحلي) اهـ باختصار(3).
__________
(1) - المجموع شرح المهذب (5/492).
(2) - المدونة الكبرى لمالك (1/211 ).
(3) - " الأم " للشافعي (2/41 – 42 ).(1/6)
قال النووي: (الصواب المشهور نصه في القديم: لا تجب وفي الجديد قولان نص عليهما في (الأم) ونص في البويطي أنه لا تجب كما نص في القديم. والمذهب لا تجب كما ذكرنا) اهـ(1).
وقال عبدالله بن الإمام أحمد : (سألت أبي عن الحلي هل فيه زكاة؟ فقال: إذا كان يعار ويلبس أرجو أن لا يكون فيه زكاة(2) وفي رواية قال: الحلي يعار ويلبس – يعني أنه زكاته. وجاء في مسائل الإمام أحمد لابنه صالح (2/272) رقم 778 : "لا زكاة في الحلي".
وقال أبو داود: (سمعت أحمد قال: الحلي ليس عندنا فيه زكاة. وسمعته مرة أخرى قال: زكاته أن يعار ويلبس)(3).
وقال إسحاق بن هانيء: (وسألته عن الحلي فيه زكاة؟ قال: زكاته عاريته)(4).
وقال ابن عبدالبر في (الكافي) في فقه أهل المدينة المالكي: (فإن كان المصوغ حلياً متخذاً لزينة النساء من كسبهن أو كسب أوليائهن أو أزواجهن ولم يكن لتجارة ولا لكراء سقطت عنه الزكاة) (5).
وقال ابن هبيرة: (واختلفوا في زكاة الحلي المباح إذا كان مما يلبس ويعار فقال مالك وأحمد: لا تجب فيه الزكاة وقال أبو حنيفة: فيه الزكاة. وعن الشافعي قولان كالمذهبين)(6).
وقال ابن رشد: (ذهب فقهاء الحجاز مالك والليث والشافعي إلى أنه لا زكاة فيه إذا أريد للزينة واللباس. وقال أبو حنيفة وأصحابه: فيه الزكاة) (7).
__________
(1) - المجموع شرح المهذب للنووي (5/492).
(2) - مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله ص(164 ).
(3) - مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص ( 78 ).
(4) - مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانيء ( 1/113 ).
(5) - الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبدالبر (1/286 ).
(6) - الإفصاح لابن هبيرة (1/207 ).
(7) - بداية المجتهد ( 1/257 ).(1/7)
وقال القرطبي: (اختلف العلماء في زكاة الحلي فذهب مالك وأصحابه واحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد إلى أنه لا زكاة فيه وهو قول الشافعي بالعراق ووقف فيه بعد ذلك بمصر وقال: أستخير الله فيه. وقال الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي في ذلك كله الزكاة (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما الحلي فإن كان للنساء فلا زكاة فيه عند مالك والليث والشافعي وأحمد وأبي عبيد ... وقيل: (فيه الزكاة .. وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والأوزاعي) اهـ باختصار (2).
وقال ابن قدامة في قول الخرقي : (وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره): (هذا ظاهر المذهب... وبه قال... مالك والشافعي وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور. وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى أن فيه الزكاة. وروى ذلك عن الثوري وأصحاب الرأي) اهـ باختصار(3).
وقال النووي: (الأصح عندنا أنه لا زكاة فيه وبه قال.. مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر. وقال الحسن بن صالح وسفيان الثوري وأبو حنيفة وداود: يجب فيه الزكاة) اهـ باختصار(4).
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: (باب ذكر الدليل على أن الزكاة غير واجبة على الحلي إذ اسم الورق في لغة العرب الذين خوطبنا بلغتهم لا يقع على الحلي الذي هو متاع ملبوس)(5).
وقال الذهبي: (ولا تجب الزكاة في الحلي المباح إذا كان معداً للاستعمال)(6).
وصرح بعدم زكاته ابن القيم في مواضع من كتبه(7).
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/2965 ).
(2) - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/16).
(3) - المغني لابن قدامة (3/11).
(4) - المجموع شرح المهذب ( 5/501 )
(5) - صحيح ابن خزيمة (4/34).
(6) - كتاب الكبائر للذهبي ص (33) الكبيرة الخامسة منع الزكاة.
(7) - انظر إعلام الموقعين ( 2/110 – 160 ) وبدائع الفوائد ( 3/143) كلاهما لابن القيم.(1/8)
وقال المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب: (ولا زكاة في الحلي المباح, المعد للاستعمال)(1).
وأيد هذا القول ونصره العلامة الشوكاني في (السيل الجرار) ورد قول المخالف(2).
وأفتى به البيضاوي في كتابه (الغاية القصوى في دراية الفتوى) (3).
وقال الشيخ مفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم: (حلي النساء من الذهب والفضة المتخذ للبس في تزكيته خلاف بين العلماء والراجح عندنا أنه لا زكاة فيه)(4).وأيده ابن قاسم في كتابه (إحكام الأحكام شرح أصول الأحكام)(5), وأيده ونصره الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن البسام (6).
وهو نص قول شيخ الإسلام من كلامه المتقدم وكذا العلامة ابن سعدي, وقد صرح به ابن عبدالبر فيما تقدم.
قلت: بل هذا المذهب هو الثابت من مذهب الصحابة رضي الله عنهم وبه قال أكثر التابعين – كما ستعرفه إن شاء الله تعالى – فيما يأتي. والأصل الذي اعتمدوا عليه في نفي زكاة الحلي سبعة أشياء:
1- استصحاب البراءة الأصلية.
2- السنة.
3- أقوال الصحابة وعملهم.
4- القياس.
5- الوضع اللغوي.
6- إن الحلي من أموال القنية لا من الأموال النامية.
7- ضعف أدلة إيجاب الزكاة فيه.
وسيأتي تفصيل هذه الأدلة إن شاء الله تعالى.
__________
(1) - مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب – الفقه (1/239).
(2) - السيل الجرار (2/21).
(3) - الغاية القصوى في دراية الفتوى للبيضاوي ( 1/379 ).
(4) - فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (4/95).
(5) - انظر ( 2/31).
(6) - نيل المآرب لابن بسام (1/302 – 305 ).(1/9)
وذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وداود والحسن ابن صالح إلى إيجاب الزكاة فيه كما تقدم. وعزى لعبدالله بن المبارك(1) وفي رواية لابن المنذر(2) وابن القيم(3) وهو قول ابن حزم(4) والأمير الصنعان(5) والساعاتي(6) والشيخ عبدالعزيز بن باز(7) والمباركفوري محمد(8) وعبيدالله(9) والشيخ محمد بن صالح العثيمين(10) ونبيل البصارة(11) وعطية سالم(12) وزيد ابن مرزوق بن عبدالمحسن(13).
والأصل الذي اعتمدوا عليه في إيجاب الزكاة في خمسة أشياء :
1- عموم أدلة زكاة الذهب والفضة.
2- أحاديث خاصة وردت بزكاته.
3- ما روي عن بعض الصحابة.
4- القياس.
5- الوضع اللغوي.
وسيأتي تفصيل هذه الأدلة ومناقشتها إن شاء الله تعالى.
أدلة القول بعدم زكاة الحلي
o الدليل الأول:
أنه لم يرد في الحلي دليل صحيح صريح يوجب زكاته. والأصل براءة الذمة من الواجب حتى يدل عليه دليل. وهذا أصل متفق عليه في علم الأصول. قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي: وهذا الأصل صحيح بإجماع أهل العلم(14).
__________
(1) - عزاه إليه الترمذي في سننه (3/29).
(2) - عزاه إليه المنذري في الترغيب والترهيب (2/116).
(3) - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. فصل فإذا قدر أن قوماً اضطروا إلى السكنى في بيت ص(256).
(4) - المحلى لابن حزم (6/92).
(5) - سبل السلام (2/230).
(6) - بلوغ الأماني شرح الفتح الرباني (9/ 25).
(7) - كتاب الدعوة – الفتاوى (1/99 – 100 ).
(8) - تحفة الأحوذي ( 3/283 ).
(9) - مرعاة المفاتيح (6/166).
(10) - رسالة وجوب زكاة الحلي لابن عثيمين.
(11) - كتاب زكاة الحلي لنبيل البصارة.
(12) - زكاة الحلي على المذاهب الأربعة لعطية محمد سالم.
(13) - البغية في أحكام الحلية لزيد بن مرزوق بن عبدالمحسن.
(14) - العدة في أصول الفقه (1/72).(1/10)
فإن قيل: عموم أدلة وجوب زكاة الذهب والفضة يشمل الحلي من غير فرق وهو وحده كاف في رفع هذه البراءة وشغل الذمة بهذا التكليف؟
قيل: هذا العموم ليس نصاً في المسألة لجواز تخصيصه بما ثبت عن الصحابة من عدم زكاته ولم يثبت عن أحد منهم خلاف ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
o الدليل الثاني:
ما رواه جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس في احلي زكاة) أخرجه ابن الجوزي في التحقيق(1) من طريق أحمد بن الحسن بن البناء قال: أنبأنا أبو الطيب الطبري نا أبو محمد عبدالله بن محمد نا أحمد بن المظفر نا أحمد ابن عمير بن جوصاء نا إبراهيم بن أيوب نا عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ((ليس في الحلي زكاة)).
وهذا الحديث ضعفه ابن رشد(2) وبالغ البيهقي في (المعرفة) في تضعيفه فقال: (والذي يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً لا أصل له فمن احتج به مرفوعاً كان مغرراً بدينه داخل فيما نعيب به المخالفين في الاحتجاج برواية الكذابين والله يعصمنا من أمثاله) اهـ بحروفه(3).
ونقل النووي عن البيهقي قوله هذا وعزاه إليه في (المعرفة) وزاد فيه أن البيهقي قال: (عافية بن أيوب مجهول)(4).
ونقله أيضاً الزيلعي وزاد فيه: أن البيهقي قال في (المعرفة): (باطل وعافية مجهول)(5).
وذكره الشوكاني في (موضوعاته) وقال : (قال البيهقي: باطل لا أصل له)(6).
__________
(1) - التحقيق لابن الجوزي من مخطوطات الجامعة الإسلامية برقم ( 377/378).
(2) - بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد (1/257).
(3) - معرفة السنن والآثار للبيهقي مخطوط ضمن مكتبة الشيخ حماد الأنصاري.
(4) - المجموع شرح المهذب (5/491).
(5) - نصب الراية للزيلعي (2/374).
(6) - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص (61).(1/11)
وقال الألباني: (باطل ثم أورد له ثلاث علل: الأولى : جهالة عافية بن أيوب. والثانية: أن إبراهيم بن أيوب ذكره أبو العرب في الضعفاء. والثالثة: الوقف على جابر(1).
وتعقب قول هؤلاء طائفة من أهل العلم كابن الجوزي وسماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ والغماري والشنقيطي فردوا هذه الشبه ورأوا أن الحديث قوي.
قال ابن الجوزي بعد أن ذكر الحديث: (قالوا: عافية ضعيف. قلنا: ما عرفنا أحداً طعن فيه. قالوا: قد ورد هذا الحديث موقوفاً على جابر. قلنا: الراوي قد يسند الشيء تارة ويفتي به أخرى) (2).
وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم: (وعافية بن أيوب نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال فيه: (لا بأس به وحديثه المذكور قواه ابن الجوزي في التحقيق وفي ذلك رد على دعوى البيهقي أن عافية مجهول وأن حديثه هذا باطل) اهـ(3).
وقال الغماري: بعد أن ذكر كلام البيهقي في تضعيف الحديث السابق: وهذا إسراف من البيهقي فإن عافية لم يثبت عنه ما يدل على ضعفه فضلاً عن كذبه وكونه رفع هذا الموقوف الواحد لا يدل على ضعفه فكبار الثقات الحفاظ رفعوا موقوفات ووقفوا مرفوعات فما أوجب ذلك ضعفهم. وقد يكون هو المصيب في الرفع دون من أوقف الحديث عن جابر. ويؤيده أن الحلي إما ذهب وإما فضة والزكاة فيهما معلومة بالضرورة فلولا إخراج الشارع للحلي من حكم الذهب والفضلة لما أمكن لجابر أن يخصص الحلي من رأيه.
__________
(1) - إرواء الغليل للألباني (3/294 ).
(2) - التحقيق لابن الجوزي مخطوط ضمن مخطوطات الجامعة الإسلامية رقم (377 – 378 ).
(3) - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (4/95).(1/12)
وذلك يدل على أن الحديث عنه مرفوع. وأن وقفه إنما هو اختصار. وقد قال الحافظ المنذري في عافية: لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه. وقد نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال فيه: ليس به بأس فهذا توثيق لعافية. وأما كونه مجهولاً فقد ذكر ابن ما كولا في الإكمال أنه روى عن حيوة بن شريح وسعيد ابن عبد العزيز ومالك بن أنس والليث بن سعد وغيرهم وروى عنه إبراهيم ابن أيوب وبحر بن نصر صاحب ابن وهب. وبهذا ترتفع جهالة عينه أيضاً(1).
وقال الشنقيطي: (ما قاله الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى من أن الحكم, برواية عافية المذكور لهذا الحديث مرفوعاً من جنس الاحتجاج برواية الكذابين فيه نظر لأن عافية المذكور لم يقل فيه أحد أنه كذاب وغاية ما في الباب أن البيهقي ظن أنه مجهول لأنه لم يطلع على كونه ثقة وقد اطلع غيره على أنه ثقة فوثقه. فقد نقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة قال ابن حجر في "التلخيص": عافية بن أيوب قيل: ضعيف. وقال ابن الجوزي: ما نعلم فيه جرحاً.
وقال البيهقي مجهول ونقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة.
ولا يخفى أن من قال: أنه مجهول يقدم عليه من قال: أنه ثقة لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه مدعي أنه مجهول ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. والتجريح لا يقبل مع الإجمال فعافية هذا وثقه أبو زرعة والتعديل والتجريح يكفي فيهما واحد على الصحيح في الرواية دون الشهادة قال العراقي في ألفيته:
وصححوا اكتفاءهم بالواحد
جرحا وتعديلا خلاف الشاهد
والتعديل يقبل مجملاً بخلاف الجرح للاختلاف في أسبابه قال العراقي في ألفيته:
وصححوا قبول تعديل بلا
ذكر لأسباب له أن تنقلا
ولم يروا قبول جرح أبهما
للخلف في أسباه وربما
استفسر الجرح فلم يقدح كما
فسره شعبة بالركض فما
هذا الذي عليه حفاظ الأثر
كشيخي الصحيح مع أهل الأثر
... الخ
__________
(1) - الهداية في تخريج أحاديث البداية للغماري (5/21).(1/13)
وهذا هو الصحيح فلا شك أن قول البيهقي في عافية: إنه مجهول أولى منه بالتقديم قول أبي زرعة, إنه ثقة لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ وإذا ثبت, الاستدلال بالحديث المذكور فهو نص في محل النزاع. ويؤيد ما ذكر من توثيق عافية المذكور أن ابن الجوزي مع سعة اطلاعه وشدة بحثه عن الرجال قال: إنه لا يعلم فيه جرحاً) اهـ(1).
الحاصل: أن البيهقي ومن قلده كالشوكاني والألباني حكموا على الحديث بالبطلان وأنه لا أصل له. والأصل الذي بنوا عليه حكمهم هذا هو أن عافية مجهول. وقد قال الحافظ الذهبي فيه: (تكلم فيه ما هو بحجة وفيه جهالة)(2).
قلت: وهذا غلط صريح لأنه مجرد دعوى ليس لها دليل. وغاية ما هنالك أن البيهقي رحمه الله ظن أنه مجهول – كما حقق ذلك الشنقيطي فيما تقدم – فقلده الباقون في ذلك. فقد ثبت تعديل عافية عن أهل العلم والتعديل فرع عن المعرفة وبيان هذا فيما يلي:
1- قال ابن أبي حاتم : (سئل أبو زرعة عن عافية بن أيوب فقال: أبو عبيدة عافية بن أيوب هو مصري ليس به بأس)(3).
2- وقال الزيلعي: (وقال الشيخ في الإمام: رأيت بخط شيخنا المنذري –رحمه الله– وعافية بن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه, قال الشيخ: ويحتاج من يحتج به إلى ذكر ما يوجب تعديله)(4).
3- وتقدم قول ابن الجوزي فيه: ما عرفنا أحداً طعن فيه.
4- وقال الحافظ ابن حجر: (وقال ابن عبد الهادي: عافية لا نعلم أحداً تكلم فيه).
5- ثم نقل الحافظ عن ابن ما كولا في ((الإكمال)) أنه ترجم له وذكر شيوخه وآخر من روى عنه وأنه بحر بن نصر... ثم قال: (ومقتضى هذا فليس هو بمجهول) اهـ بتصرف(5).
__________
(1) - أضواء البيان للشنقيطي (2/446).
(2) - ميزان الاعتدال (2/358).
(3) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/44).
(4) - نصب الراية للزيلعي (2/374).
(5) - لسان الميزان للحافظ ابن حجر (3/222).(1/14)
6- وقد استدرك الألباني بعد أن حكم على عافية بالجهالة الصواب أنه ثقة فقال: ولكني رأيت ابن أبي حاتم قال في ((الجرح والتعديل)): (سئل أبو زرعة عن عافية بن أيوب؟ فقال: هو مصري ليس به بأس) ولذلك قال الحافظ في ((اللسان)) عقب قول أبي زرعة هذا: فليس هذا بمجهول. وهذا هو الصواب. وفيه رد على الذهبي في قوله: تكلم فيه ما هو بحجة وفيه جهالة. فكأنه لم يقف - كغيره – على توثيق أبي زرعة المذكور. وهو إمام حجة لا مناص من التسليم لقوله) اهـ(1).
قلت: فكون أبي زرعة الرازي – وهو إمام في الجرح والتعديل – عدل عافية ابن أبي أيوب بقوله فيه: لا بأس به. وأن المنذري لم يبلغه فيه ما يوجب تضعيفه وأن ابن الجوزي لا يعرف أحداً طعن فيه وأن ابن عبد الهادي لا يعلم أحداً تكلم فيه. وأن الحافظ ابن حجر قال فيه: ليس بمجهول. وأن الألباني بعد أن حكم عليه بالجهالة تبين له فيه أن الصواب تعديله. وأن الصحيح عند أهل العلم بالحديث أن التعديل يقبل مبهماً دون التجريح فلا يقبل مبهماً.
كل ذلك يعطي حكماً علمياً بأن عافية بن أيوب – وهو ابن عبد الرحمن ابن مسلم أبا عبيدة المصري – معروف عند أهل هذا الشأن وأنه لا بأس به وأن جرح من جرحه بالجهالة غلط محض. والعلم عند الله.
ثم هب أن عافية مجهول فهل يحكم على ما يرويه من الحديث بالبطلان وأنه لا أصل له كما حكم به البيهقي ومن نهج نهجه؟
الجواب: لا, لأنه قد تقرر في علم الحديث أن ما يرويه المجهول أو من فيه جهالة يخرج للاعتبار به في الشواهد والمتابعات(2) ولا يحكم عليه بالبطلان البتة.
وهذا ما يمنع منعاً باتاً إطلاق حكم البطلان على حديث من انتفت جهالته وثبت تعديله وبهذا تبين أن قول البيهقي أن الحديث باطل, باطل. والله أعلم.
__________
(1) - إرواء الغليل ( 3/294).
(2) - نص عليه السخاوي في فتح المغيث شرح ألفية الحديث (1/372 ).(1/15)
وأما إعلال الألباني للحديث بإبراهيم بن أيوب – وهو الحوراني الدمشقي – بأن أبا العرب ذكره في الضعفاء نقلاً عن أحمد بن محمد بن عثمان المقدسي أنه قال: هو ضعيف كما في اللسان للحافظ. وأن أبا حاتم الرازي قال فيه: لا أعرفه ففيه نظر لوجوه:
الأول : أن جرحه مبهم غير مفسر والجرح المبهم لا يقبل على الصحيح عند أهل العلم بالحديث كما سلف.وهو الذي صوبه الخطيب البغدادي في "الكفاية" بقوله: (وهذا القول هو الصواب عندنا وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وغيرهما. فإن البخاري قد احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين وكإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو ابن مرزوق في المتأخرين وهكذا فعل مسلم بن الحجاج فإنه احتج بسويد ابن سعيد وجماعة غيره اشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم وسلك أبو داود السجستاني هذه الطريق وغير واحد ممن بعده فدل ذلك على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه وذكر موجبه(1).
ثم إن جارحه – وهو أحمد بن محمد بن عثمان المقدسي – غير مشهور في كتب التراجم فلا ندري أيعتمد قوله أم لا؟! فإذا كان شعبة بن الحجاج على علو منزلته قد ضعف رجلاً وعندما سئل عن سبب تضعيفه له قال: رأيته يركض على برذون لم يقبل قوله فيه لأنه جرح غير قادح! فكيف يقبل جرح مبهم غير مفسر من رجل غير مشهور عند أهل العلم ؟!
الثاني: أن من تكلم في الحديث محتجاً به كابن الجوزي أو مضعفاً له كالبيهقي لم يتعرض لإبراهيم بن أيوب. وهو ما يدل على سلامته من الطعن.
__________
(1) - الكفاية في علم الرواية للخطيب ص (108).(1/16)
الثالث: أن الألباني قد وهم في عزو القول إلى أبي حاتم أنه قال: لا أعرفه. فلم يقل أبو حاتم في إبراهيم بن أيوب الحوراني شيئاً البتة! وأعني بذلك ترجمته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وإنما قال هذا اللفظ : (لا أعرفه). في الذي بعده وهو إبراهيم بن أيوب الفرساني الأصبهاني.
الوجه الرابع: أن أهل العلم قد أثنوا على إبراهيم بن أيوب الحوراني الدمشقي خيراً وذلك على النحو التالي:
1- أثنى عليه عبدالله بن عبدالرحمن الدمشقي وقال: وكان رجلاً صالحاً.
2- وقال الخطيب البغدادي: كان من عباد الله الصالحين.
3- وقال ابن ماكولا: كان صالحاً.
4- وقال محمد بن مقاتل الصيرفي: كان من العباد. نقل هذه العبارات ابن عساكر في تاريخه(1).
5- وقال ابن أبي حاتم: إبراهيم بن أيوب الحوراني الدمشقي من العباد(2).
فهؤلاء خمسة من أهل العلم – كما ترى – قد اتفقوا على الثناء عليه بالصلاح والعبادة ولم يذكروا فيه جرحاً. وصالح الحديث قد صرح بعض أهل العلم بالاحتجاج بحديثه وقبوله, ذكره الذهبي في مقدمة ((ميزان الاعتدال)).
وقال بعضهم: لا يحتج به بل يخرج حديثه للاعتبار به في الشواهد والمتابعات وعلى هذا يكون سند حديث جابر هذا حسناً لذاته على قاعدة الذهبي أو صالحاً للاستشهاد به على قاعدة غيره. والعلم عند الله.
وقد أعل الحديث الألباني بعلة ثالثة قال: وهي الوقف وأن رفعه خطأ ودليله في ذلك مجيئه من طريق أخرى موقوفاً على جابر(3).
__________
(1) - تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (2/202).
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/88).
(3) - إرواء الغليل للألباني (3/295 – 296 ).(1/17)
وهذا الادعاء ليس بشيء لأن اختلاف الروايتين في الرفع ولوقف ليس علة قادحة عند أهل العلم بالحديث. قال الخطيب البغدادي: (اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفا لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة, ويرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة, ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه فحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعاً.
وقد كان سفيان بن عيينة يفعل هذا كثيراً في حديثه فيرويه تارة مسنداً مرفوعاً ويقفه مرة أخرى قصداً واعتماداً. وإنما لم يكن هذا مؤثراً في الحديث ضعفاً مع ما بيناه لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى. والأخذ بالمرفوع أولى لأنه أزيد كما ذكرنا في الحديث الذي يروى موصولاً ومقطوعاً. وكما قلنا في الحديث الذي ينفرد راويه بزيادة لفظ يوجب حكماً لا يذكره غيره أن ذلك مقبول, والعمل به لازم والله أعلم انتهى(1). وبمثله قال ابن الصلاح(2) والعراقي(3) وغيرهما.
وبهذا التحقيق المبارك إن شاء الله يكون سند الحديث قد سلم من العيوب الملصقة به, وأنه حسن إن شاء الله لا غبار عليه. وعلى تقدير أن إبراهيم ابن أيوب الحوراني ضعيف فيعضده ويقويه عمل الصحابة من عدم زكاة الحلي ولم يثبت عن أحد منهم خلاف ذلك كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
o الدليل الثالث:
__________
(1) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص (417).
(2) - علوم الحديث لابن الصلاح ص (65)
(3) - التبصرة والتذكرة شرح ألفية العراقي له (1/179).(1/18)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" أخرجه أحمد(1) والبخاري(2) ومسلم(3) والنسائي(4) ومالك(5) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وأخرجه مسلم(6) من حديث جابر بن عبدالله.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وفي الرقة ربع العشر" أخرجه أحمد(7) والبخاري(8) وأبو داود(9) والنسائي(10) من حديث أنس وأبي بكر رضي الله عنهما.
ووجه الدليل من الحديثين أن مفهوم لفظ "الورق" و "الرقة" يدل على عدم زكاة الحلي لأنهما اسم للدراهم المضروبة عند علماء المعاني نص عليه العلامة الشوكاني في معرض اعتراضه على من جعلهما متناولين للحلي قال ما نصه: (ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق والزكاة في الرقة في الأحاديث لأنه قد ثبت في كتب اللغة: الصحاح والقاموس وغيرهما أن الورق والرقة اسم للدراهم المضروبة فلا يصح الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في الحلية بل هما يدلان بمفهومهما على عدم وجوب الزكاة في الحلية بما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد مرفوعا بلفظ: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" أخرجه مسلم أيضاً من حديث جابر.
ووجه عدم صحة الاستدلال بهذا أنه قد بينه بقوله "من الورق" والورق هي الدراهم المضروبة كما عرفت فلا تدخل في ذلك الحلية بل مفهوم الحديثين يدل على عدم وجوبها في الحلية.
__________
(1) - مسند الإمام أحمد (3/86 ).
(2) - صحيح البخاري (2/125 – 133 ).
(3) - صحيح مسلم ( 2/673 ) رقم ( 979 ).
(4) - سنن النسائي ( 5/36 – 37 )
(5) - موطأ مالك ( 1 /245 – 248 )
(6) - صحيح مسلم (2/675 ) رقم ( 980).
(7) - مسند الإمام أحمد (1/12).
(8) - صحيح البخاري (2/124).
(9) - سنن أبي داود (2/224) رقم (1565).
(10) - سنن النسائي (5/23 – 29 ).(1/19)
وإذا عرفت هذا فقد قدمنا أن حديث السوارين قد قال الترمذي فيه: إنه لم يصح في الباب شيء والحديث الذي بعده عن عمرو بن شعيب ضعيف كما تقدم. فلم يبق في الباب ما يصلح للاحتجاج به ولاسيما مع ما ورد من أنه - صلى الله عليه وسلم - : "لما بعث معاذاً إلى اليمن أمره بأن يأخذ من كل أربعين ديناراً ديناراً ". وقد كان للصحابة وأهاليهم من الحلية ما هو معروف ولم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالزكاة في ذلك) انتهى(1).
قلت: وسيأتي في تفصيل الدليل اللغوي على عدم زكاة الحلي ما يؤيد هذا الدليل إن شاء الله تعالى.
o الدليل الرابع:
أن الثابت عن الصحابة - رضي الله عنهم - هو عدم زكاة الحلي ولم يثبت عن أحد منهم أنه قال بوجوب زكاته البتة!
وبيان هذا فيما يلي:
الأول: البرهان على صحة القول بعدم زكاة الحلي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وذلك يكون بصحة السند إليهم.
والثاني: البرهان على عدم ثبوت زكاته عن أحد منهم وذلك بضعف السند إلى من عزى إليه القول به منهم..
واليك التفصيل:
اعلم أخي المسلم – أرشدني الله وإياك لإصابة الحق – أنه ثبت عن سبعة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول بعدم زكاة الحلي وهم: جابر بن عبدالله, وعبدالله ابن عمر بن الخطاب, وأنس بن مالك, وعبدالله بن مسعود, وأم المؤمنين عائشة, وأختها أسماء بنت أبي بكر, وأسماء بنت عميس رضي الله عنهم.
o أما أثر جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - :
فهو ما رواه عمرو بن دينار قال: سئل جابر بن عبدالله أفي الحلي زكاة؟ قال: لا. قيل: وإن بلغ عشرة آلاف؟ قال: كثير.
أخرجه الشافعي(2) وعبد الرزاق(3) والبيهقي(4) من طريق سفيان الثوري عن عمرو بن دينار... به.
__________
(1) - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني (2/21 ).
(2) - مسند الشافعي ص (96) والأم له (2/21 ).
(3) - مصنف عبد الرزاق (4/82) رقم (7046 ).
(4) - سنن البيهقي (4/138 ).(1/20)
وأخرجه عبد الرزاق(1) من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع مثل ذلك من جابر.
وأخرجه عبد الرزاق أيضاً(2) من طريق معمر عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر مثله. وكذلك أخرجه أبو عبيد(3) إلا أنه قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب ... به.
وأخرجه ابن أبي شيبة(4) من طريق عبدة بن سليمان عن عبد الملك عن أبي الزبير, عن جابر ... به.
وأخرجه الدارقطني(5) من طريق أبي حمزة ميمون عن الشعبي عن جابر ابن عبدالله قال: (ليس في الحلي زكاة).
"وفي المدونة الكبرى لمالك"(6) قال أشهب: عن ابن لهيعة أخبرني خالد بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله أنه قال: ليس في الحلي زكاة إذا كان يعار ويلبس وينتفع به.
فقد جاء هذا الأثر من نحو ست طرق وكلها صحيحة رجالها رجال الصحيح ما عدا طريق الدارقطني وأشهب ففيهما مقال ولكن تعضدهما الطرق الصحيحة ويكون الجميع صحيحاً. والله أعلم.
o وأما أثر عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -:
فهو قوله ((ليس في الحلي زكاة)).
أخرجه عبد الرزاق(7) والبيهقي(8) والدارقطني(9) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ... به.
وأخرجه مالك(10) عن نافع أن عبدالله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة. ومن طريقه أخرجه الشافعي(11) والبيهقي(12) وابن زنجويه(13).
__________
(1) - مصنف عبد الرزاق (4/82) رقم (7048).
(2) - مصنف عبدالرزاق (4/82) رقم (7099 ).
(3) - الأموال لأبي عبيد ص (446 ) رقم (1275 )
(4) - مصنف ابن أبي شيبه (3/155 ).
(5) - سنن الدارقطني (2/107).
(6) - المدونة الكبرى لمالك (1/212).
(7) - مصنف عبد الرزاق (4/82) رقم (7047).
(8) - سنن البيهقي (4/138).
(9) - سنن الدارقطني ( 2/109).
(10) - موطأ مالك (1/250).
(11) - مسند الشافعي ص (96) والأم (2/41).
(12) - سنن البيهقي (4/138).
(13) - الأموال لابن زنجويه (3/979) رقم ( 1781).(1/21)
وقال العلامة الشنقيطي : (هذا الإسناد في غاية الصحة)(1).
وأخرجه أبو عبيد(2) من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزوج المرأة من بناته على عشرة آلاف فيجعل حليها من ذلك أربعة آلاف. قال: فكانوا لا يعطون عنه يعني الزكاة.
وأخرجه الدارقطني(3) من طريق أسامة بن زيد عن نافع قال: كان ابن عمر يحلي بناته بأربعمائة دينار ولا يخرج زكاته.
وهذا الأثر -كما ترى - جاء من خمس طرق وكلها صحيحة رجالها رجال الصحيح ما عدا الرابعة ففيها أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم. والخامسة أيضاً فيها أبو إسحاق السبيعي ثقة اختلط بآخره إلا أنهما ينجبران بالطرق الصحيحة قبلهما.
وروى عبدالله بن وهب في مطئه ص71 رقم187: حدثنا بحر، قال: قرئ على ابن وهب، أخبرك عبدالله بن عمر ومالك بن أنس وأسامة بن زيد ويونس ابن يزيد، وغير واحد، أن نافعاً حدثهم، عن عبدالله بن عمر أنه قال: ((ليس في الحلي زكاة)).
هذا وقد عزا العيني وتبعه المباركفوري إلى عبدالله بن عمر أنه قال في الحلي زكاة(4) ولم أجد له أصلاً فيما علمت. والعلم عند الله.
o وأما أثر أنس بن مالك - رضي الله عنهما -:
فهو أنه سئل عن الحلي؟ فقال: "ليس فيه زكاة".
__________
(1) - أضواء البيان للشنقيطي (2/448).
(2) - الأموال لأبي عبيد ص (447) رقم ( 1276).
(3) - سنن الدارقطني (2/109).
(4) - عمدة القاري للعيني (9/33) ومرعاة المفاتيح للمباركفوري عبيدالله (6/165).(1/22)
أخرجه الدارقطني(1) وابن زنجويه(2) والبيهقي(3) وعبدالله بن الإمام أحمد(4) كلهم من طريق شريك بن عبدالله النخعي عن علي بن سليم قال: سألت أنس بن مالك عن الحلي؟... الخ. وفي سنده شريك بن عبدالله القاضي وفيه كلام وحاصل القول فيه أنه ثقة صدوق يهم فإن حدث من كتابه فصحيح. وإن حدث من حفظه فإن كان قبل ولايته قضاء الكوفة فصحيح أيضاً وإن كان بعدها ففي حديثه تخليط واضطراب لأنه تغير وساء حفظه. وفيه علي بن سليم الحرار أو الحراني أو الجرار ذكره ابن حبان في الثقات(5) ولم يجرحه أحد.
وهو في ((المدونة)) من طريق أشهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية حدثه عن ربيعة أن عبدالله بن مسعود وأنس بن مالك كانا يقولان: (ليس في الحلي زكاة إذا كان يعار وينتفع به)(6).
وفي سنده ابن لهيعة صدوق خلطه بعد احتراق كتبه.
وفي ((المدونة)) أيضاً: قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبدالله وأنس بن مالك وعبدالله بن مسعود والقاسم بن محمد وسيعد ابن المسيب وربيعة وعمرة ويحيى بن سعيد وغيره قالوا: ليس في الحلي زكاة(7). وابن وهب وهو عبدالله بن وهب بن مسلم المصري الفقيه الثقة الحافظ العابد صرح بأنه أخبره رجال من أهل العلم – مع ثقته وحفظه – أن المذكورين ومنهم أنس بن مالك رضي الله عنه قالوا: ليس في الحلي زكاة.
فهذه الطرق الثلاث لأثر أنس بن مالك - رضي الله عنه - كل واحدة منهما لا تخلو من مقال إلا أن بعضها يشد بعضاً ويكون الأثر صحيحاً. والعلم عند الله.
o وأما أثر عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - :
فتقدم ذكره قريباً مع أثر أنس بن مالك من طريقين:
__________
(1) - سنن الدارقطني (2/109).
(2) - الأموال لابن زنجويه (3/981) رقم (1787).
(3) - سنن البيهقي (4/138).
(4) - مسائل الإمام أحمد لابنه عبدالله ص ( 164) رقم 617.
(5) - الثقات لابن حبان ( 5/162).
(6) - المدونة الكبرى لمالك (1/212 ).
(7) - المدونة الكبرى لمالك ( 1/212).(1/23)
أحدهما – طريق ابن لهيعة بلفظ: أن عبدالله بن مسعود وأنس بن مالك كانا يقولان: ليس في الحلي زكاة... الخ.
والثانية – طريق ابن وهب بلفظ: أخبرني رجال من أهل العلم عن جابر ابن عبدالله وأنس بن مالك وعبدالله بن مسعود... الخ.
وأما نا نقل عنه من أنه يقول فيه الزكاة فضعيف وسيأتي إن شاء الله تعالى.
o وأما أثر عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما:
فهو أنها كانت تحلي بنات أخيها, يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة.
أخرجه مالك(1) والإمام أحمد في مسائل عبدالله ابنه ص/ 164 رقم 616
من طريق عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تحلي... الخ. ومن طريقه أخرجه الشافعي(2) وابن زنجويه(3).
وأخرجه عبد الرزاق(4) من طريق الثوري عن عبد الرحمن..به.ومن طريقه أخرجه ابن أبي شيبة(5) والبيهقي(6) وهذا لفظ مالك والباقون بنحوه إلا عبد الرزاق فلفظه: "أن عائشة كانت تحلي بنات أخيها بالذهب واللؤلؤ فلا تزكية وكان حليهم يومئذ يسيراً ".
وأخرجه الشافعي(7) من طريق عبدالله بن مؤمل عن ابن أبي مليكة "أن عائشة رضي الله عنها كانت تحلي بنات أخيها بالذهب وكانت لا تخرج زكاته".
ومن طريق ابن أبي مليكة أخرجه أيضاً ابن زنجويه(8) بلفظ "عائشة أم المؤمنين تحلي بنات أخيها بالذهب في أيديهن وأرجلهن وأعناقهن ولا تزكي منه شيئاً".
__________
(1) - موطأ مالك ( 1/250).
(2) - مسند الشافعي ص (65) والأم (2/40).
(3) - الأموال لابن زنجويه ( 3/979) رقم (1782).
(4) - مصنف عبد الرزاق (4/83) رقم ( 7052).
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(6) - سنن البيهقي (4/138).
(7) - مسند الشافعي ص (65).
(8) - الأموال لابن زنجويه (3/980) رقم (1784).(1/24)
وأخرجه أبو عبيد(1) من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن إبراهيم ابن مغيرة قال: سألت القاسم بن محمد عن زكاة الحلي؟ فقال: ما رأيت عائشة أمرت به نساءها ولا بنات أخيها.
ومن طريقه أخرجه ابن زنجويه(2).
وأخرجه ابن أبي شيبة(3) من طريق علي بن مسهر عن الشيباني عن عبدالله ابن ذكوان وعمرو بن مرة عن القاسم قال: كان مالنا عند عائشة فكانت تزكيه إلا الحلي.
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً(4) من طريق وكيع عن دلهم بن صالح عن عطاء عن عائشة قال: كان لبنات أخيها حلي فلم تكن تزكيه.
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً(5) من طريق ابن إدريس عن محمد بن عمارة عن عبدالله بن أبي بكر عن عمرة قالت: كنا أيتاماً في حجر عائشة وكان لنا حلي فكانت لا تزكيه.
فأثر عائشة هذا جاء – كما ترى – من ست طرق. اثنتان صحيحتان: أحدهما طريق عبدالرحمن بن القاسم – وقد قال العلامة الشنقيطي فيها: هي في غاية الصحة(6) والثانية: طريق ابن أبي مليكة إلا طريق الشافعي ففيها مقال لأن فيها عبدالله بن مؤمل وفيه ضعف إلا أنه قد تابعه عمرو بن قيس الملائي عند ابن زنجويه وهو ثقة متقن فيكون السند صحيحاً.
واثنتان حسنتان وهما طريق علي بن مسهر رجالها رجال الصحيح غير علي ابن مسهر ثقة له غرائب بعد ما أضر قال الحافظ في ((التقريب)) وطريق عبدالله ابن إدريس رجالها رجال الصحيح خلا محمد بن عمارة بن عمرو الأنصاري صدوق يخطيء قاله الحافظ أيضاً.
__________
(1) - الأموال لابن عبيد (447) رقم (1278).
(2) - الأموال لابن زنجويه (3/980) رقم (1783).
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(4) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(6) - أضواء البيان للشنقيطي (2/448).(1/25)
واثنتان فيهما مقال وهما طريق إبراهيم بن أبي المغيرة ورجالها ثقات إلا إبراهيم هذا ذكره ابن حبان في الثقات(1) وقال أبو حاتم الرازي: مجهول(2) وطريق دلهم بن صالح رجالها رجال الصحيح ما خلا دلهم بن صالح هذا فضعفه بعضهم وفيه توثيق.
والطرق التي فيها مقال يجبر بعضها بعضاً وتعضدها الطرق الصحيحة وتكون كلها صحيحة – إن شاء الله – ودلالتها متطابقة على أن أم المؤمنين عائشة لا ترى الزكاة في الحلي ولا تزكيه.
وأما ما روي عنها أنها قالت: لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته فضعيف كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأما أثر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها كانت تحلي بناتها بالذهب قيمته خمسون ألفاً ولا تزكيه.
فأخرجه ابن أبي شيبة(3) وابن زنجويه(4) وعبدالله بن الإمام أحمد(5) والدارقطني(6) والبيهقي(7) كلهم من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر كانت... الخ. إلا أنه وقع عند ابن أبي شيبة (تحلي ثيابها الذهب) بدل ((بناتها)) وهو تصحيف بلا ريب.
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً(8) من طريق عبدة بن سليمان عن هشام... به. وإسناده صحيح إلا أن فيه عنعنة هشام بن عروة وربما دلس.
وأما أثر أسماء بنت عميس فهو أنه كان لها حلي فلم تكن تزكيه.
هكذا جاء من طريق أشهب عن المنذرين بن عبدالله أن هشام بن عروة حدثه عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت عميس أنه كان لها ... الخ (9).
__________
(1) - الثقات لابن حبان (6/23).
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 2/136).
(3) - مصنف ابن أبي حاتم ( 2/136).
(4) - الأموال لابن زنجويه (3/981) رقم (1788).
(5) - مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله ص ( 164) رقم 618.
(6) - سنن الدارقطني (2/109).
(7) - سنن البيهقي ( 4/138).
(8) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(9) - المدونة الكبرى لمالك ( 1/212).(1/26)
ورجاله ثقات غير المنذر بن عبدالله بن المنذر بن المغيرة لم أجد من وثقه غير ابن حبان(1).
فهؤلاء سبعة من الصحابة رضي الله عنهم قد ثبت النقل عنهم أن حلي الذهب والفضة لا زكاة فيه ولم يثبت عنهم ولا عن غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ما يخالفه! واليك البيان جملة وتفصيلاً:
أما البيان بالإجمال فهو نقل نص كبار أئمة أهل العلم أنه لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أن في الحلي زكاة. وهذه هي:
1- قال الإمام الباجي: "الحلي المتخذ للبس المباح لا زكاة فيه وهذا مذهب ظاهر بين الصحابة وأعلم الناس به عائشة رضي الله عنها فإنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن لا يخفى عليها أمره في ذلك وعبدالله بن عمر فإن أخته حفصة كانت زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكم حليها لا يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يخفى عنها حكمه فيه" اهـ(2) وقد تقدم بسند صحيح عن نافع مولى ابن عمر أنه قال : "وكانوا لا يعطون عنه يعني الزكاة" ص. 39.
2- وقال أبو عبيد: بعد أن ضعف حديث المسكتين: (ولو كانت الزكاة في الحلي فرضا كفرض الرقة ما اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة عنه في العالم: من كتبه وسنته ولفعلته الأئمة بعده وقد كان الحلي من فعل الناس في آباد الدهر فلم نسمع له ذكراً في شيء من كتب صدقاتهم... ولم تصح زكاة الحلي عندنا عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود) اهـ(3).
قلت: وحتى ابن مسعود لم يصح عنه في ذلك أثر - كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله قريباً - بل قد جاء عنه - كما تقدم - القول بعدم زكاته.
__________
(1) - الثقات لابن حبان (7/518).
(2) - المتقى شرح موطأ مالك للباجي (2/107).
(3) - الأموال لأبي عبيد ص (450).(1/27)
3- وقال الحافظ ابن حجر : (وقد أنكر الحسن - يعني البصري - كون عمر بن الخطاب أمر أبا موسى أن يأمر من قبله من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهنَّ فيما رواه ابن أبي شيبة قال: لا نعلم أحداً من الخلفاء قال في الحلي زكاة) اهـ بتصرف(1).
قلت: وأثر الحسن هذا صحيح وسيأتي إن شاء الله قريباً.
4- وسئلت عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن زكاة الحلي؟ فقالت : "ما رأيت أحداً يزكيه. وقد كان لي عقد فيه ثنتا عشرة مائة فما كنت أصدقه" . وإسناده صحيح – وسيأتي إن شاء الله.
5- وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم أنه سئل عن زكاة الحلي؟ فقال: "ما رأيت عائشة أمرت به نساءها" . وفي رواية : "ما رأيت أحداً يفعله "وإسناده حسن وسيأتي إن شاء الله.
6- وقال الشوكاني: (لقد كان للصاحبة وأهاليهم من الحلية ما هو معروف. ولم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالزكاة في ذلك)(2).
7- وقال عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي: (الاستعمال في عصر النبوة وبعده بدون زكاة)(3).
8- وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم : (زكاة الحلي لو كانت فرضا كسائر الصدقات المفروضة لانتشرت فرضيتها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفعلتها الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكان لها ذكر في شيء من كتب صدقاتهم وكل ذلك لم يقع كما بينه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال(4).
__________
(1) - التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (2/177).
(2) - السيل الجرار ( 2/21).
(3) - الإحكام شرح أصول الأحكام (2/31) وحاشية الروض المربع ( 3/256) كلاهما لابن قاسم.
(4) - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (4/95).(1/28)
9- وفي ((المدونة)) لمالك : (قال ابن وهب: أخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبدالله وأنس بن مالك وعبدالله بن مسعود والقاسم بن محمد وسعيد بن والمسيب وربيعة وعمرة ويحيى بن سعيد وغيره. قالوا: ليس في الحلي زكاة). وتقدم الكلام عليه عند أثر جابر بن عبدالله. وغير ذلك.
فاتفق نقل هؤلاء الأئمة الأجلاء على أن مذهب الصحابة هو عدم زكاة الحلي إذ لو كانت زكاته فرضا لانتشرت وذكرت في كتب صدقاتهم وكل ذلك لم يقع.
وأما البيان التفصيلي فينحصر في تخريج أثر من نسب إليه منهم القول بزكاة الحلي مع بيان درجته. وقد نسب إلى عمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمرو بن العاص وعائشة وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم وبيان ذلك فيما يلي:
o أثر عمر بن الخطاب:
عن شعيب بن يسار قال: كتب عمر - رضي الله عنه - إلى أبي موسى أن اؤمر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن. أخرجه ابن شيبة(1) والبخاري(2) والبيهقي(3).
وقال البخاري: مرسل. وقال البيهقي: شعيب بن يسار لم يدرك عمر.
وقال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف... وقد أنكر الحسن ذلك فيما رواه ابن أبي شيبة قال : (لا نعلم أحداً من الخلفاء قال في الحلي زكاة) اهـ(4).
قلت: وهو كما قالوا: إسناده ضعيف. وعلى ما فيه من الضعف لا يدل على أن عمر يقول بوجوب زكاة الحلي لأن لفظه: أن يصدقن من حليهن – كما عند ابن أبي شيبة- أي يتصدقن وإن لم يجدن إلا من حليهن فيتصدقن منه نظيره في هذا الحديث الصحيح ((يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير..)) الحديث متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري(5).
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة ( 3/153).
(2) - التاريخ الكبير للبخاري (4/217) رقم (2556).
(3) - سنن البيهقي (4/139).
(4) - التلخيص الحبير (2/177).
(5) - أخرجه البخاري (2/126) ومسلم ( 1/86) رقم (79).(1/29)
الحديث وارد في صدقة التطوع قطعاً. والأثر مثله.
o أثر عبدالله بن مسعود:
عن عبدالله بن مسعود أنه سألته امرأة عن حلي لها فيه زكاة؟ قال: إذ بلغ مائتي درهم فزكيه. قالت: إن في حجري يتامى لي أفأدفعه إليهم؟ قال: نعم.
أخرجه عبدالرزاق(1) والطبراني(2) ومحمد بن الحسن(3) من طريق حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود... به.
فالأثر في سنده علتان: الأولى: فيه حماد وهو ابن أبي سليمان صدوق له أوهام. والثانية: أنه مرسل فإبراهيم وهو النخعي لم يسمع من ابن مسعود إلا أن الحافظ ابن حجر حكى أن البيهقي يصحح مراسيله عن ابن مسعود(4).
وأخرجه عبد الرزاق أيضاً(5) والدارقطني(6) والبيهقي(7) وأبو عبيد(8) من طريق الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علقة قال: "قالت امرأة عبدالله إن لي حليا أفأزكيه؟ قال: إذا بلغ مائتي درهم فزكيه قالت: عندي بنو أخ لي أيتام أفأضعه فيهم؟ قال: نعم". وفيه انقطاع. يقول مسدد كان عبدالرحمن بن مهدي وأصحابنا ينكرون أن يكون إبراهيم سمع من علقمة(9). وفيه أيضا حماد بن أبي سليمان.
__________
(1) - مصنف عبد الرزاق (4/83) رقم (7055).
(2) - المعجم الكبير ( 9/371) رقم ( 9594).
(3) - كتاب الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن (1/451).
(4) - تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ( 1/179).
(5) - مصنف عبد الرزاق (4/83) رقم (7056).
(6) - سنن الدارقطني ( 2/108).
(7) - سنن البيهقي (4/139).
(8) - الأموال لأبي عبيد ص (445) رقم ( 1261).
(9) - المراسيل لابن أبي حاتم ص (19).(1/30)
وأخرجه الدارقطني(1) وأبو عبيد(2) ومحمد بن الحسن(3) من طريق سعيد ابن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم "أن امرأة ابن مسعود سألته عن طوق لها فيه عشرون مثقالاً من ذهب. فقالت: أزكيه ؟ قال: نعم. قالت: كم؟ قال: خمسة دراهم قالت: أعطيها فلاناً ابن أخ لها يتيم في حجرها؟ قال: نعم".
وهذا فيه مع الإرسال سعيد بن أبي عروبة وقد اختلط وهو مدلس أيضاً وقد عنعن.
وأخرجه الدارقطني(4) أيضاً والطبراني(5) ومحمد بن الحسن(6) من طريق حماد عن إبراهيم قال: كان لامرأة ابن مسعود حلي فقالت لابن مسعود: أعطي زكاته؟ قال: نعم.قالت: أعطي ابن أخي يتيماً؟ قال: نعم.
قال ابن حزم: هو في غاية الصحة(7). وتقدم قول أبي عبيد أنه لم يصح عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود.
قلت: وفي قولهما هذا نظر بل هو ضعيف كما ستعرفه قريباً إن شاء الله.
وأخرجه الدارقطني مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق محمد بن الأزهر ثنا قبيصة عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله "أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن لي حلياً وأن زوجي خفيف ذات اليد وأن لي بني أخ, أفيجزئ عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم؟ قال: نعم"(8). وأشار إليه البيهقي(9).
قال الدارقطني: هذا وهم والصواب عن إبراهيم عن عبدالله مرسل موقوف.
وقال البيهقي: (وقد روي هذا مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس بشيء) اهـ.
__________
(1) - سنن الدارقطني ( 2/109).
(2) - الأموال لأبي عبيد ص(445) رقم (1262 ).
(3) - الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن (1/457).
(4) - سنن الدارقطني (2/109).
(5) - المعجم الكبير للطبراني (9/371) رقم(9595).
(6) - الحجة على أهل المدينة (1/453).
(7) - المحلى لابن حزم (6/93).
(8) - سنن الدارقطني (2/108).
(9) - سنن البيهقي ( 4/139).(1/31)
وقال ابن التركماني: (وهذا السند رجاله ثقات والرفع فيه زيادة من ثقة فوجب قبوله) اهـ(1).
قلت: وقول ابن التركماني: رجاله ثقات فيه نظر, فإن في سنده شيخ الدارقطني أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة وفيه مقال. وكذا شيخه أحمد ابن محمد بن مقاتل أبو بكر الرازي ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وسكت عنه(2) وكذا شيخ الرازي وهو محمد بن الأزهر ذكره ابن حبان في الثقات(3) وقال الذهبي في "الميزان": نهى أحمد عن الكتابة عنه لكونه يروي عن الكذابين.وقال ابن عدي: ليس هو بمعروف(4). وفيه حماد بن أبي سليمان له أوهام وتقدم. وفيه انقطاع.
ورواه الدارقطني من طريق يحيى بن أبي أنيسة عن حماد... به ولفظه: عن عبدالله بن مسعود قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن لامرأتي حلياً من عشرين مثقالاً قال: "فأدي زكاته نصف مثقال"(5).
قال الدارقطني: يحيى بن أبي أنيسة متروك. وهذا وهم والصواب مرسل موقوف.
وقال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف جداً(6).
قلت: أثر ابن مسعود هذا بجميع ألفاظه مرفوعِه وموقوفِه مرسلِه وموصولِه جاء من طريق حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي. وحماد قد تكلم الناس فيه بكلام يجعل ما ينفرد به ضعيفاً. ويستثنى من ألفاظ هذا الأثر لفظ السؤال عن الطوق فإنه جاء من طريق سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم وتقدم أنها ضعيفة أيضاً.
__________
(1) - حاشية سنن البيهقي لابن التركماني(4/139).
(2) - تاريخ بغداد للخطيب (5/98).
(3) - الثقات لابن حبان (9/123).
(4) - ميزان الاعتدال للذهبي (3/467) والكامل لابن عدي (6/2143).
(5) - سنن الدارقطني (2/108).
(6) - الدراية لابن حجر (1/259).(1/32)
وله علة أخرى وهي الاضطراب والاختلاف فتارة جاء الأثر مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتارة جاء موقوفاً على ابن مسعود. وتارة جاء مرسلاً وتارة جاء موصولاً بعلقمة وتارة جاء السؤال عن طوق فيه عشرون مثقالاً من ذهب, وتارة جاء السؤال عن الحلي أفيه زكاة؟ قال: إذ بلغ مائتي درهم فزكيه. وتارة يكون السائل للنبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة وتارة يكون السائل له ابن مسعود.. إلى غير ذلك من الاختلاف والاضطراب. فالأثر إذن ضعيف جداً. ومما يزيده ضعفاً ما جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - بإسناد حسن انه كان يقول: ليس في الحلي زكاة. كما سلف.
o أثر عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:
عن عمرو بن شعيب عن سالم قال: كان عبدالله بن عمرو يأمرني أن أجمع حلي بناته كل عام فأخرج زكاته.
أخرجه من هذا الوجه أبو عبيد(1). وأخرجه الدارقطني(2) والبيهقي(3) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلى خازنه سالم أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة.
وأخرجه عبدالرزاق(4) وابن أبي شيبة(5) وأبو عبيد(6) من طريق عمرو ابن شعيب أيضاً عن عبدالله بن عمرو أنه كان يأمر نساءه أن يزكين حليهن.
فهذا الأثر مداره على عمرو بن شعيب وقد اضطربت روايته له -كما ترى- فتارة يرويه منقطعا.ً وتارة يرويه عن أبيه عن جده. وتارة يرويه عن سالم -وهو مولى عبدالله بن عمرو- وتارة تذكر الواو في "عمرو" كما عند أبي عبيد وعبدالرزاق في المرسل. وتارة تترك كما عند أبي عبيد من طريق سالم, وعند ابن أبي شيبة في المرسل فيشتبه بـ " عمر" بدون واو.
والاضطراب من العلل المانعة من صحة الأثر.
__________
(1) - الأموال لأبي عبيد ص(445) رقم (1264).
(2) - سنن الدارقطني (2/107).
(3) - سنن البيهقي (4/139).
(4) - مصنف عبدالرزاق (4/84) رقم (7057).
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(6) - الأموال لأبي عبيد ص (445) رقم (1263).(1/33)
ثم إن هذه الطرق لا يقوي بعضها بعضاً لأنها كلها تجتمع في طريق واحدة وهي: عمرو بن شعيب وعمرو بن شعيب ضعفه كثير من أهل العلم كما ستعرفه إن شاء الله ولهذا اضطرب في روايته لهذا الأثر.
ونضيف إلى هذا زيادة بيان فنقول.
أما ما جاء منقطعا فمعلول بالانقطاع. وأما ما جاء مرويا عن أبيه عن جده فضعيف كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله.
وأما ما جاء مروياً عن سالم فضعيف أيضاً لأن سالماً لم يوثقه غير ابن حبان(1) ولم يرو عنه غير عمرو بن شعيب.
o أثر عائشة رضي الله عنها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته)).
أخرجه الدارقطني(2) وأبو عبيد(3) والبيهقي(4) من طريق عمرو بن شعيب عن عروة بن الزبير عن عائشة... به.
وهذا الأثر مداره على عمرو بن شعيب وقد تفرد به ومع تفرده به قد عارضه ما هو أقوى منه من فعلها وقولها رضي الله عنها. أما فعلها فقد تقدم حكايته في سياق ما ثبت عنها من عدم زكاة الحلي وأما قولها فسيأتي إن شاء الله تعالى بإسناد صحيح ((أن عمرة بنت عبد الرحمن سألتها عن حلي لها أفيه صدقة؟ قالت: لا)).
وقد تقرر في علم الحديث أن من المرجحات قوة السند وكثرته وقد اجتمعا هنا, هذا من وجه.
ومن وجه ثان: أن عمرو بن شعيب قد ضعفه كثير من أهل العلم كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
ومن وجه ثالث: أنه رواه عن عروة بن الزبير وسيأتي إن شاء الله أن عروة لا يرى زكاة الحلي وكذلك عائشة قد ثبت عنها أنها لا تزكيه فيكون هذا الأثر وهماً من عمرو. والله اعلم.
? تنبيه:
تفرد عمرو بن شعيب في موضوع زكاة الحلي بثلاثة أسانيد:
أحدها: أثر عائشة هذا أنها ترى زكاة الحلي.
ثانيها: أثر عبدالله بن عمرو بن العاص المتقدم أنه يراها كذلك.
ثالثها: حديث المسكتين وسيأتي إن شاء الله.
__________
(1) - الثقات لابن حبان ( 4/308).
(2) -سنن الدارقطني (2/107)
(3) - الأموال لأبي عبيد ص (445) رقم (1265).
(4) - سنن البيهقي (4/139).(1/34)
o أثر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما:
لم أجد له أصلاً إلا قول الحافظ ابن حجر: (وأما أثر ابن عباس فقال الشافعي: لا أدري أثبت عنه أم لا؟! وحكاه ابن المنذر أيضاً والبيهقي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما) اهـ(1).
فهذا ما وقفت عليه من المروي عن الصحابة الذين عزي إليهم القول بزكاة الحلي وكما رأيت من سياق سند أثر كل واحد منهم وأنه لم يسلم من مقال يضعفه بل ويوهيه.
? الحاصل:
أنه تبين وثبت من عرض هذه الآثار عن الصحابة أن الثابت عنهم -رضي الله عنهم- هو القول بعدم زكاة الحلي وأنه لم يثبت عن أحد منهم أنه قال بزكاته. وعليه فيكون عمل الصحابة دليلاً واضحاً على أنه ليس في الحلي زكاة. والعلم عند الله تعالى.
o الدليل الخامس: القياس :
من الأدلة الدالة على عدم زكاة الحلي القياس وقد ذكره العلامة الشنقيطي، وهذا نصه:
(وأما القياس فمن وجهين:
الأول: أن الحلي لما كان لمجرد الاستعمال لا للتجارة والتنمية ألحق بغيره من الأحجار النفيسة كاللؤلؤ والمرجان, بجامع أن كلاً معد للاستعمال لا للتنمية. وقد أشار إلى هذا الإلحاق مالك – رحمه الله – في "الموطأ" بقوله: فأما التبر, والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله فليس على أهله فيه زكاة. قال مالك: ليس في اللؤلؤ ولا في المسك والعنبر زكاة.
الثاني: من وجهي القياس: هو النوع المعروف بقياس العكس وأشار له في مراقي السعود بقوله في كتاب الاستدلال:
منه قياس المنطقي والعكس
... ... ... ... ومنه فقد الشرط دون لبس
__________
(1) - التلخيص الحبير (2/178).(1/35)
وخالف بعض العلماء في قبول هذا النوع من القياس, وضابطه: هو إثبات عكس حكم شيء لشيء أخر لتعاكسهما في العلة, ومثاله حديث مسلم: "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر ؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟!"(1) الحديث. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أثبت في الجماع المباح أجراً وهو حكم عكس حكم الجماع الحرام لأن فيه الوزر لتعاكسهما في العلة. لأن علة الأجر في الأول اعفاف امرأته ونفسه وعلة الوزر في الثاني كونه زنى.
ومن أمثلة هذا النوع من القياس عند المالكية: احتجاجهم على أن الوضوء لا يجب من كثير القيء بأنه لما لم يجب من قليلة لم يجب من كثيرة عكس البول لما وجب من قليلة وجب من كثيره.
ومن أمثلته عند الحنفية: قولهم: لما لم يجب القصاص من صغير المثقل لم يجب من كبيره عكس المحدد لما وجب من صغيره وجب من كثيره.
ووجه هذا النوع من القياس في هذه المسألة التي نحن بصددها هو أن العروض لا تجب في عينها الزكاة فإذا كانت للتجارة والنماء وجبت فيها الزكاة عكس العين فإن الزكاة واجبة في عينها فإذا صيغت حلياً مباحاً للاستعمال وانقطع عنها قصد التنمية بالتجارة صارت لا زكاة فيها. فتعاكست أحكامها لتعاكسها في العلَّة. ومنع هذا النوع من القياس بعض الشافعية.وقال ابن محرز: إنه أضعف من قياس الشبه, ولا يخفى أن القياس يعتضد به ما سبق من الحديث المرفوع والآثار الثابتة عن بعض الصحابة لما تقرر في الأصول من أن موافقة النص للقياس من المرجحات) اهـ بحروفه(2).
__________
(1) - صحيح مسلم (2/697) رقم (1006) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(2) - أضواء البيان للشنقيطي (2/448 – 450 ).(1/36)
وقال ابن عبد البر: (من أسقط الزكاة عن الحلي المستعمل وعد الإبل والبقر العوامل فقد اضطرد قياسه، ومن أوجب الزكاة في الحلي والبقر العوامل فقد اضطرد قياسه أيضاً وأما من أوجب الزكاة في الحلي ولم يوجبها في البقر العوامل أو أوجبها في البقر العوامل وأسقطها من الحلي فقد أخطأ طريق القياس)(1).
وقال ابن القيم رحمه الله: (الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان. ولهذا لم تجب فيها الزكاة) اهـ(2)
o الدليل السادس: الوضع اللغوي:
ويقصد منه هنا الألفاظ الواردة في زكاة العين كلفظ "الرقة"(3) و "الورق"(4) ونحوهما في "لسان العرب" هل تشمل الحلي أم لا؟
فالمنقول والمقدم عند أهل اللغة المشهورين أن لفظي "الرقة" و "الورق" لا يشمل الحلي. وإليك سياق عباراتهم في ذلك:
1- قال الجوهري في "الصحاح" : "الورق" الدراهم المضروبة و "الرقة" ولهاء عوض من الواو وفي الحديث "في الرقة ربع العشر"(5).
2- وقال الفيروزآبادي في "القاموس": الورق مثَلَّثَةٌ وككتف وجبل الدراهم المضروبة.
3- وقال ابن منظور في "لسان العرب" والوَرِق والوِرْق والوَرْق والرِّقَة: الدراهم ثم نقل عن أهل اللغة ما يلي:
4- أبو الهيثم: الورق والرقة: الدراهم خاصة.
5- شَمِر: الرقة العين يقال: هي من الفضة خاصة والمعروف أن العين في لسان العرب هي النقد(6).
__________
(1) - الاستذكار ( 9/76) رقم 12501
(2) - إعلام الموقعين لابن القيم ( 2/160).
(3) - قطعة من حديث جابر بلفظ "وفي الرقة ربع العشر" وتقدم.
(4) - قطعة من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" وتقدم.
(5) - الصحاح للجوهري (4/1564).
(6) - لسان العرب لابن منظور (8/4816).(1/37)
6- وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال : (لا نعلم أن اسم الرقة في الكلام المعقول عند العرب يقع إلا على الورق المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس وكذلك الاواقي ليس معناها إلا الدراهم كل أوقية أربعون درهماً" اهـ(1).
7- وقال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" : (والرقة من الدراهم)(2).
8- وقال الأزهري في "تهذيب اللغة": (والورق اسم للدراهم وكذلك الرقة)(3).
9- وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: في كتاب العين: الورق والرقة اسم للدراهم(4).
10- وقال ابن الأثير في "النهاية": في حديث الزكاة "وفي الرقة ربع العشر " وفي حديث آخر: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة" يريد الفضة والدراهم المضروبة منها وأصل اللفظة: "الورق وهي الدراهم المضروبة خاصة"(5) ومثله قال في "جامع الأصول"(6).
11- وقال الخطابي في "معالم السنن" "في الرقة ربع العشر" فإن لم يكن إلا تسعون ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها فإن الرقة الدراهم المضروبة(7).
12- وقال إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" : (وأنشدنا أبو نصر:
كأن أيديهن بالقاع القَرِقْ
... ... أيدي عذارى يتعاطين الوَرِقْ
الورق يعني الدراهم والورق من الأثاث)(8).
13- وقال المطرزي الحنفي: الورق بكسر الراء: المضروب من الفضة وكذا الرقة وجمعها رقون. ومنه الحديث "وفي الرقة ربع العشر" وعرفجة - رضي الله عنه - اتخذ أنفاً من ورق(9).
__________
(1) - الأموال لأبي عبيد ص (449).
(2) - معجم مقاييس اللغة لابن فارس (6/102).
(3) - تهذيب اللغة للأزهري ( 9/288).
(4) - كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (5/210).
(5) - النهاية لابن الأثير ( 2/254).
(6) - جامع الأصول لابن الأثير( 4/583).
(7) - معالم السنن للخطابي (2/185).
(8) - غريب الحديث لإبراهيم الحربي ( 1/29).
(9) - المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي ص (482).(1/38)
إلى غير ذلك من نصوص وعبارات أهل اللغة والغريب مما يطول ذكره وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله.
وممن قال بهذا القول مؤيدا له ومحتجا به من أهل العلم بالحديث والفقه ما يأتي:
14- وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: (باب ذكر الدليل على أن الزكاة غير واجبة على الحلي إذ اسم الورق في لغة العرب الذي خوطبنا بلغتهم لا يقع على الحلي, الذي هو متاع ملبوس... ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : "ليس فيما دون خمس أواق من الورقة صدقة"(1).
15- وقال ابن قدامة الحنبلي: (الرقة هي الدراهم المضروبة)(2).
16- وقال ابن قيم الجوزية: (الرقة هي الورق وهي الدراهم المضروبة)(3).
17- وقال ابن مفلح الحنبلي: (في الرقة ربع العشر) هي الدراهم المضروبة(4).
18- وقال العلامة الشوكاني: (لا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحلية بما ورد من ذكر الزكاة في الرقة في الأحاديث لأنه قد ثبت في كتب اللغة "الصحاح" و "القاموس" وغيرهما – أن الورق والرقة اسم للدراهم المضروبة" (5) وتقدم.
19- وقال العلامة الشنقيطي: (قال أبو عبيد: الرقة عند العرب الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس ولا تطلقها العرب على المصوغ. وكذلك قيل في الأوقية.
قال مقيده عفا الله عنه: ما قاله أبو عبيد هو المعروف في كلام العرب... ثم أيد قوله بذكر كلام الجوهري في صحاحه وكلام الفيروزآبادي في القاموس المتقدمَيْن(6).
__________
(1) - صحيح ابن خزيمة ( 4/34).
(2) - المغني لابن قدامة (3/3 , 12).
(3) - إعلام الموقعين لابن القيم (2/160).
(4) - المبدع شرح المقنع لابن مفلح (2/370).
(5) - السيل الجرار للشوكاني (2/21).
(6) - أضواء البيان للشنقيطي (2/450).(1/39)
20- وقال سماحة مفتي البلاد السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم: (لفظ الرقة والأواق لا يتناول الحلي كما بينه الإمامان أبو عبيد بن سلام في "كتاب الأموال" وابن قدامة في "المغني" حيث ذكرا أن اسم الرقة لا يطلق عند العرب إلا على الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس وأن لفظ الأواقي لا يطلق عندهم إلا على الدراهم كل أوقية أربعون درهماً) اهـ (1).
فهؤلاء عشرون نفساً من أئمة المسلمين – كما ترى – أئمة في اللغة وأئمة في غريب الحديث وأئمة في الحديث وأئمة في الفقه قد اتفقوا على الجزم بأن الورق والرقة والأواقي هي الدراهم المضروبة. إلا أنه ربما أطلق غيرهم لفظ "الورق" على الفضة قال ابن منظور عن ابن سيده: (وربما سميت الفضة ورقاً)(2). ومن هذا القليل ما يلي:
1- قال ابن قتيبة في "غريب الحديث": (والورق والفضة وإذا ضربت دراهم فهي ورق. ويدلك على أن الفضة ورق أن عرفجة بن سعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من ورق فأنتن عليه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أنفاً من ذهب. والرقة أيضاً الفضة)(3).
2- وقال ابن الجوزي في "غريب الحديث" : "في الرقة ربع العشر" : (قال ابن قتيبة: الرقة الفضة دراهم كانت أو غيرها) (4).
3- ونقل ابن منظور عن أبي عبيدة: (الورق الفضة كانت مضروبة كدراهم أولا, ونقل أيضاً:
4- عن ثعلب قوله في الحديث "فاتخذ أنفاً من ورق": (الورق بكسر الراء الفضة)(5).
5- وفي "المعجم الوسيط": (الورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة)(6).
__________
(1) - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (4/96 – 97).
(2) - لسان العرب (8/4816).
(3) - غريب الحديث لابن قتيبة (1/26).
(4) - غريب الحديث لابن الجوزي (1/411).
(5) - لسان الرب لابن منظور (8/4816).
(6) - المعجم الوسيط (2/1026).(1/40)
6- وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (قوله باب زكاة الورق. أي الفضة)(1).وقال أيضاً: "في الرقة" بكسر الراء وتخفيف القاف: الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة(2).
وهذا إطلاق قليل – كما رأيت – لا يعارض به ما جزم به حذاق أئمة اللغة وأئمة غريب الحديث والفقه والحديث.
إذا تقرر هذا فإن لفظ "الورق" و"الرقة" و"الأواقي" الوارد في الزكاة لا يشمل الحلي وعليه فإن مفهوم تلك الألفاظ يدل على عدم زكاة الحلي كما قرره العلامة الشوكاني فيما تقدم وغيره. والعلم عند الله.
o الدليل السابع:
أن الزكاة إنما شرعت في الأموال النامية نص عليه أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية والنووي والقرطبي وابن سعدي وابن قاسم وتقدم حكاية نصوصهم في ذلك. يقول النووي رحمه الله في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" رواه مسلم وغيره, قال: هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة. وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف إلا أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان. وتقدم.
وتقدم أيضاً قول القرطبي:(احتج الأولون -يعني مسقطي الزكاة عن الحلية-, فقالوا: قصد النماء يوجب الزكاة في العروض وهي ليست بمحل لإيجاب الزكاة كذلك قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حلياً للقنية يسقط الزكاة).
وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام : (الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية فهذه قاعدتها العامة والحلي المعد للاستعمال ليس معداً للنماء فإذا زكي خرج عن قاعدتها وبعد عن معناها والشرع لا يفرق بين متماثلين) اهـ(3).
__________
(1) - فتح الباري للحافظ ابن حجر (3/310).
(2) - فتح الباري للحافظ ابن حجر ( 3/321).
(3) - نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب لابن بسام (2/304).(1/41)
وقال الزرقاني: (الأصل المجمع عليه في الزكاة إنما هو الأموال النامية أو المطلوب فيها النماء بالتصرف)(1) اهـ.
والحلي في الواقع وفي نفس الأمر لا ينمى بل ينقص كما هو معروف.
o الدليل الثامن:
ضعف أدلة القائلين بوجوب زكاة الحلي وسيأتي - إن شاء الله - بيان ذلك بإجمال والتفصيل في موضعه.
أدلة القول بوجوب زكاة الحلي
o الدليل الأول:
عموم قول تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة :34).
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار..." الحديث أخرجه مسلم(2) وغيره.
قالوا : الآية والحديث فيهما العموم في زكاة الذهب والفضة لم يخصص شيء دون شيء فمن ادعى خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل.
o الدليل الثاني: الأحاديث الواردة في زكاة الحلي:
(1) حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها : "أتعطين زكاة هذا؟" قالت: لا.قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله.
أخرجه أحمد(3) وأبو داود(4) والنسائي(5) والترمذي(6) وعبد الرزاق(7) وابن أبي شيبة(8)
__________
(1) - شرح الزرقاني على موطأ الامام مالك ( 2/103).
(2) - صحيح مسلم ( 1/680) رقم ( 987).
(3) - مسند الإمام أحمد (2/178/204/208).
(4) - سنن أبي داود (2/212) رقم ( 1563).
(5) - سنن النسائي (5/38).
(6) - سنن الترمذي (3/29) رقم ( 637).
(7) - مصنف عبد الرزاق (4/85) رقم (7065).
(8) - مصنف ابن أبي شيبة (3/153).(1/42)
والدارقطني(1) وأبو عبيد(2) والبيهقي(3) والبغوي(4) وابن حبان(5) وابن زنجويه(6) وابن حزم(7).
صحح إسناده أبو الحسن بن القطان(8) وابن الملقن(9) والأمير الصنعاني(10) ومحمد المباركفوري(11) وأحمد شاكر(12) وحسن إسناده النوودي(13) والألباني(14) والشيخ ابن باز(15) والشنقيطي(16) والحافظ ابن حجر(17) والساعاتي(18).
وقال المنذري: (إسناده لا مقال فيه تقوم به الحجة إن شاء الله)(19).
(2) حديث أم سلمة رضي الله عنها:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز".
__________
(1) - سنن الدارقطني (2/112).
(2) - الأموال لأبي عبيد ص (444) رقم ( 1260).
(3) - سنن البيهقي (4/140).
(4) - شرح السنة للبغوي (6/48) رقم (1583) ومشكاة المصابيح (1/567) رقم (1809).
(5) - المجروحون والضعفاء لابن حبان (2/73).
(6) - الأموال لابن زنجويه (3/973) رقم (1762).
(7) - المحلى لابن حزم (6/97).
(8) - عزاه إليه الزيلعي في نصب الراية (2/370) والقاري في مرقاة المفاتيح (2/439).
(9) - نقله عنه القاري المرجع السابق
(10) - سبل السلام للصنعاني ( 2/230).
(11) - تحفة الأحوذي للمبار كفوري (3/283).
(12) - شرح مسند الإمام أحمد لأحمد شاكر (10/150).
(13) - المجموع شرح المهذب (5/490).
(14) - آداب الزفاف للألباني ص (256).
(15) - فتاوى الدعوة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (1/100).
(16) - أضواء البيان للشنقيطي (2/452).
(17) - بلوغ المرام للحافظ ابن حجر ص ( 123 )
(18) - بلوغ الأماني شرح الفتح الرباني للساعاتي (9/21).
(19) - عزاه إليه الزيلعي في نصف الراية (2/370).(1/43)
أخرجه أبو داود(1) والدارقطني(2) والحاكم(3) والبيهقي(4) والطبراني(5) والجصاص(6).
وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري, وأقره الذهبي, وصححه ابن القطان(7) وعلي القاري(8) وعبيدالله المباركفوري(9). وقال النووي(10) والسيوطي(11) إسناده حسن. وقال ميرك(12) والعراقي(13) والعيني(14)
وابن باز(15) سنده جيد. وقوى سنده ابن دقيق العيد(16).
(3) حديث عائشة رضي الله عنها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا أو ما شاء الله. قال: هو حسبك من النار".
أخرجه أبو داود(17)
والدارقطني(18) والحاكم(19) والبيهقي(20) وابن زنجويه(21) والجصاص(22).
__________
(1) - سنن أبي داود (2/212) رقم (1564 ).
(2) - سنن الدراقطني (2/105).
(3) - مستدرك الحاكم (1/390).
(4) - سنن البيهقي (3/83/140).
(5) - المعجم الكبير للطبراني (23/281) رقم (613).
(6) - أحكام القرآن للجصاص (4/303).
(7) - بواسطة نقل الحافظ ابن حجر عنه في فتح الباري (3/272).
(8) - مرقاة المفاتيح لعلي القاري (2/439/440).
(9) - مرعاة المفاتيح للمباركفوري عبيد الله (6/172).
(10) - المجموع شرح المهذب للنووي (5/490).
(11) - الجامع الصغير/ فيض القدير (5/432).
(12) - نقله عنه القاري في مرقاة المفاتيح (2/439 – 440).
(13) - عزاه إليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/272).
(14) - عمدة القاري للعيني (8/254).
(15) - حاشية فتح الباري للشيخ ابن باز (3/272).
(16) - نقله عنه الحافظ في الدراية (1/259).
(17) - سنن أبي داود ( 2/213) رقم (1565).
(18) - سنن الدارقطني (2/105 ).
(19) - مستدرك الحاكم (1/390)
(20) - سنن البيهقي ( 4/139).
(21) - الأموال لابن زنجويه (3/974) رقم ( 1763).
(22) - أحكام القرآن للجصاص (4/303).(1/44)
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقال ابن دقيق العيد(1) والعيني(2): على شرط مسلم. وقال الحافظ ابن حجر: على شرط الصحيح(3) وصححه ابن حجر الهيتمي(4) وحسن إسناده النووي(5).
(4) حديث أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها:
عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها قالت: "دخلت أنا وخالتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها أسورة من ذهب فقال لنا: أتعطيان زكاته ؟ قالت: فقلنا : لا. قال: أما تخافان أن يسور كما الله أسورة من نار أديا زكاته".
أخرجه أحمد(6) والطبراني(7).
وقال العيني: صحيح(8) وقال المنذري(9) والهيثمي(10): إسناده حسن. وقال المباركفوري: يصلح للاستشهاد(11).
(5) حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - :
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن لي حلياً وإن زوجي خفيف ذات اليد وإن لي بني أخ أفيجزيء عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم؟ قال: نعم.
أخرجه الدارقطني(12) من طريق محمد بن الأزهر ثنا قبيصة عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله به. وأشار إليه البيهقي(13).
(6) حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الحلي زكاة".
__________
(1) - نقله عنه الحافظ ابن حجر في الدراية (1/259).
(2) - عمدة القاري للعيني (9/34).
(3) - التلخيص الحبير (2/178).
(4) - الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي (1/171).
(5) - المجموع شرح المهذب للنووي (5/490).
(6) - مسند الإمام أحمد (6/461).
(7) - المعجم الكبير للطبراني (24/170) رقم (431).
(8) - عمدة القاري ( 9/34).
(9) - الترغيب والترهيب (2/115).
(10) - مجمع الزوائد للهيثمي (3/67).
(11) - تحفة الأحوذي للمباركفوري (3/284).
(12) - سنن الدارقطني (2/108).
(13) - سنن البيهقي (4/139).(1/45)
أخرجه الدارقطني(1) بسند ضعيف جدا آفته من ميمون أبي حمزة القصاب التمار الكوفي قال فيه أحمد : متروك. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه(2).
وعنها قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بطوق * فيه سبعون مثقالاً من ذهب فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال.
أخرجه الدارقطني أيضاً(3) وعزاه الزيلعي لأبي نعيم الأصبهاني(4) وإسناده ضعيف جداً فيه أبو بكر الهذلي قال الدارقطني: متروك ولم يأت به غيره. وفيه نصر بن مزاحم قال أبو خيثم : كذاب. وقال: أبو حاتم: متروك(5). وفي طريق أبي نعيم عباد بن كثير, إن كان الثقفي فمتروك, وإن كان الرملي فضعيف جداً(6) والعلم عند الله.
(7) حديث مكحول الشامي:
عن مكحول أن امرأة كانت تطوف بالبيت ومعها ابنة لها في يدها سوار من ذهب فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتحبين أن يكون لك سوار من نار؟ قالت: لا يا رسول الله! قال: فأدي زكاته.
أخرجه محمد بن الحسن(7) بإسناد ضعيف لأن فيه علتين:
إحداهما: مخرجه وهو محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وقد ضعفه أهل العلم(8).
__________
(1) - سنن الدارقطني (2/107).
(2) - يراجع لهذه الأقوال سنن الدارقطني (2/107) وميزان الاعتدال للذهبي (4/234) رقم (8969).
*- الطوق حلي يجعل في العنق كما في اللسان لابن منظور ( 5/2724)
(3) - سنن الدارقطني (2/107).
(4) - نصب الراية للزيلعي (2/373) وقال:أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصفهان في باب الشين عن شيبان بن زكريا عن عباد بن كثير عن شعيب بن الحبحاب... الخ.
(5) - ميزان الاعتدال (4/253) ونصب الراية للزيلعي (2/373).
(6) - يراجع ترجمتهما في ميزان الاعتدال (2/370 – 371 ) رقم ( 4133 , 4134 ).
(7) - كتاب الحجة على أهل المدينة (1/449).
(8) - واليك بعض ما قيل فيه من الجرح والتعديل:
قال ابن المديني: صدوق. وقال الدارقطني: لا يترك حديثه. وقال ابن معين: ضعيف. ومرة قال: ليس بشيء لا يكتب حديثه. ومرة قال: كذاب. وقال المفضل العلائي: ضعيف. وقال عمرو بن علي: ضعيف. وقال أبو داود: لا شيء لا يكتب حديثه. ولينه النسائي وغيره. وذكره العقيلي في الضعفاء. وقال ابن عدي: لم تكن له عناية بالحديث وقد استغنى أهل الحديث عن تخريج أحاديثه. يراجع ترجمته في المصادر الآتية: ميزان الاعتدال (3/513) ولسان الميزان (5/121) وتعجيل المنفعة ص (362).(1/46)
والثانية: أنه مرسل حيث أن مكحولاً تابعي. والعلم عند الله.
o الدليل الثالث: ما نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم من القول بزكاة الحلي:
فقد نقل ذلك - كما تقدم - عن عمر بن الخطاب, وعبدالله بن مسعود, وعبدالله بن عمرو بن العاص, وابن عباس, وابن عمر, وعائشة, رضي الله عنهم, وتقدم التحقيق أنه لم يثبت عن أحد منهم أنه قال بها. والعلم عند الله.
o الدليل الرابع: القياس:
قال العلامة الشنقيطي: (وأما القياس فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك, بجامع أن الجميع نقد) اهـ(1).
o الدليل الخامس : الوضع اللغوي:
فقالوا: لفظ (الرقة) و (الأوقية) الثابت في الصحيح يشمل الحلي.
مناقشة أدلة القول بوجوب زكاة الحلي
قولهم إن آية التوبة: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وحديث (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها...) الحديث, فيهما العموم في زكاة الذهب والفضة لم يخصص شيء دون شيء فمن ادعى خروج الحلي المباح فعليه الدليل. هذا القول ضعيف جدا! فقد جاء المخصص بإخراج الحلي المباح من هذا العموم وأنه لا زكاة فيه, وبيان ذلك فيما يلي من الحقائق:
الأولى: أن المراد بالذهب والفضة في الآية الدنانير والدراهم فقد نص علماء التفسير على أن المراد بالضمير المنصوب في (ينفقونها) ذلك منهم أبو السعود(2) والإيجي الشافعي(3) والألوسي(4) والقاسمي(5) والشوكاني(6) ومحمد رشيد رضا(7) وغيرهم كثير.
قال محمد رشيد رضا في الآية ما نصه:
(
__________
(1) - أضواء البيان (2/454 ).
(2) - تفسير أبي السعود ( 2/547).
(3) - جامع البيان للإيجي (1/271).
(4) - روح المعاني للالوسي (5/88).
(5) - محاسن التأويل للقاسمي (8/3140).
(6) - فتح القدير للشوكاني (2/356).
(7) - تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (10/403).(1/47)
وأنث الضمير في "ينفقونها" وما قبله مثنى لأن المراد بالذهب الدنانير, وبالفضة الدراهم المضروبة من كل منهما لا جنس الذهب والفضة ومعدنهما الذي يصدق بالحلي المباح وغيره. فإن الدراهم والدنانير هي المعدة للإنفاق والوسيلة للمنفعة والارتفاق ...) اهـ.
وهذا هو ظاهر المنقول عن ابن مسعود في الآية حيث قال: "لا يعذب رجل بكنز يكنزه فيمس درهم درهماً ولا دينار ديناراً ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته ولا يمس درهم درهماً ولا دينار ديناراً"(1).
ويقول ابن العربي : (ثم عن الكنز لا يكون إلا في الدنانير والدراهم أو تبرها. وهذا معلوم لغة ثم أن الحلي لا زكاة فيه) اهـ(2).
الثانية: أن عموم الآية والحديث قد دخله التخصيص بالسنة وهي حديث جابر بن عبدالله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس في الحلي زكاة" وعلى فرض أن الحديث فيه مقال فقد اعتضد بما ثبت من عمل الصحابة رضي الله عنهم وأقوالهم وفتاويهم بعدم زكاة الحلي.
وتخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد جائز كما هو مقرر في علم أصول الفقه.
الثالثة: أنه ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم القول والفعل بعدم زكاته- كما تقدم وهم جابر بن عبدالله, وأنس بن مالك, وعبدالله بن عمر, وأم المؤمنين عائشة وأختها أسماء بنت أبي بكر, كما نقل عن عبدالله بن مسعود, وأسماء بنت عميس ولم يصح عن أحد من الصحابة أنه خالفهم. وقد تقرر في علم أصول الفقه أن قول الصحابي مخصص للعموم عند الحنفية والحنابلة نص عليه الغزالي(3)
__________
(1) - عزاه إليه ابن كثير في تفسيره (2/352) والسيوطي في الدر المنثور (4/179).
(2) - أحكام القرآن لابن العربي (2/930).
(3) - المستصفى للغزالي (1/355).(1/48)
وابن قدامة(1) والقاضي أبو يعلى(2) وعبد القادر بن بدران الدمشقي(3) والشوكاني(4) ومحفوظ الحنبلي(5) وأبو البقاء الفتوحي الحنبلي(6) وزاد أنه قال به المالكية وابن حزم وعيسى بن أبان وغيرهم.
الرابعة: أن من مخصصات العموم القياس. وقد نص أهل العلم على أن عدم قصد النماء في العروض مخصص للعموم هنا.
قال ابن رشد في مقدماته: قال مالك: (وسقطت الزكاة عنه -يعني الحلي- وتخصص من أصله بالقياس على العروض المقتناة التي نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سقوط الزكاة فيها بقوله عليه السلام : "ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة ". واعتبر في صحة العلة الجامعة بينهما * لقول الله عز وجل (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)(7) (الزخرف:18).
وقال القرطبي: (قصد النماء يوجب الزكاة في العروض وهي ليست بمحل الإيجاب الزكاة, كذلك قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حلياً للقنية يسقط الزكاة) وتقدم.
وقال ابن العربي: (قصد النماء لما أوجب الزكاة في العروض وهي ليست بمحل لإيجاب الزكاة كذلك قصد قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حلياً يسقط الزكاة فإن ما أوجب ما لم يجب يصلح لإسقاط ما وجب وتخصيص ما عم وشمل) اهـ(8).
__________
(1) - روضة الناظر وجنة المناظر ص ( 129).
(2) - العدة في أصول الفقه لأبي يعلى (2/579).
(3) - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران ص (252).
(4) - إرشاد الفحول للشوكاني ص(160).
(5) - التمهيد في أصول الفقه لمحفوظ (2/119).
(6) - شرح الكوكب المنير للفتوحي (1/208).
* العبارة فيها نقص كلمة أو أكثر ولعلها: "الحاجة في كلٍ من ذلك".
(7) - مقدمات ابن رشد/ حاشية المدونة لمالك (1/236).
(8) - أحكام القرآن لابن العربي (2/918).(1/49)
وهذا هو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية. فإنه قال في تفسير آيات أشكلت (2/622) في المصوغ من الدراهم والدنانير إذا كان مباحا كخواتيم الفضة وكحلية النساء...: فهذه لا يبيعها عاقل بوزنها فإن هذا سفه وتضييع للصنعة... إلى أن قال: وجمهور العلماء يقولون: لم يدخل في ذلك الحلية المباحة بل لا زكاة فيها.
وقال ابن القيم: فصل صدقة السائمة وإسقاطها عن العوامل.. ثم قال في آخره (وكتب عمر بن عبد العزيز أنه ليس في البقر العوامل صدقة, وحجة هؤلاء مع الأثر النظر فإن ما كان من المال معداً لنفع صاحبه كثياب بذلته وعبيد خدمته وداره التي يسكنها ودابته التي يركبها وكتبه التي ينتفع بها وينفع غيره فليس فيها زكاة, ولهذا لم يكن في حلي المرأة التي تلبسه وتعيره زكاة فطرد هذا لا زكاة في بقر حرثه وأبله التي يعمل فيها بالدولاب وغيره فهذا محض القياس كما أنه موجب النصوص والفرق بينها وبين السائمة ظاهر فإن هذه مصروفة عن جهة النماء إلى العمل فهي كالثياب والعبيد والدار. والله تعالى أعلم)(1).
وقال أيضاً: فصل الفرق بين مقادير الزكاة في الأنواع المختلفة يوافق القياس.. ثم قال في أثنائه: (ثم قسم الذهب والفضة إلى قسمين: أحدهما ما هو معد للثمينة والتجارة به والتكسب ففيه الزكاة كالنقدين والسبائك ونحوها, وإلى ما هو معد للانتفاع دون الربح والتجارة كحلية المرأة وآلات السلاح التي يجوز استعمال مثلها فلا زكاة فيه, ثم قسم العروض إلى قسمين: قسم أعد للتجارة ففيه الزكاة وقسم أعد للقنية والاستعمال فهو مصروف عن جهة النماء فلا زكاة فيه(2) وقال أيضاً : " يوضحه أن الحلية المباحة صارت من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان ولهذا لم تجب فيها الزكاة فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجرى بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها إلى أخره" إعلام الموقعين (2/160).
__________
(1) - أعلام الموقعين لابن القيم (2/100).
(2) المرجع السابق (2/110).(1/50)
وقال ابن قدامة: (ليس في حلي المرأة زكاة لأنه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل وثياب القنية) اهـ(1).
وفي " المجموع شرح المهذب" : (عللا -أي الشيرازي والنووي- عدم زكاته بأنه معد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من الإبل والبقر) اهـ(2).
وغير ذلك من عبارات الأئمة المعروفة في مواضعها وفيما ذكرناه منها كفاية إن شاء الله.
فهذه الحقائق الأربع قد اتفقت وتعاضدت على أن العموم في الآية والحديث لا يشمل الحلي المباح. والله أعلم.
مناقشة الأحاديث الواردة في إيجاب زكاة الحلي
أما الأحاديث الواردة في ذلك فضعيفة لا تصلح للاحتجاج وبيان ذلك فيما يلي جملة وتفصيلا:
أما الإجمال: فقد نص ما يزيد على عشرة من الأئمة على أنها ضعيفة ولا تصلح ومنهم ما يأتي:
1- قال الإمام الشافعي رحمه الله: (وقال بعض الناس في الحلي زكاة وروى فيه شيئاً ضعيفاً)(3).
2- وقال الترمذي رحمه الله : (ولا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء) اهـ(4).
3- وذكر البغوي قول الترمذي هذا مقرراً له(5).
4- وقال ابن العربي : (ولم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء) اهـ(6).
5- وقال ابن حزم: (واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلي بآثار واهية لا وجه للاشتغال بها إلا أننا ننبه عليها) اهـ(7).
6- وقال ابن الجوزي: (الأحاديث الخاصة ضعيفة)(8) يعني بالحلي.
7- وقال الفيروزآبادي: (وباب زكاة الحلي لم يثبت فيه شيء)(9).
__________
(1) - المغني لابن قدامة (3/12).
(2) - المجموع شرح المهذب للشيرازي والنووي (5/488/492).
(3) - المجموع شرح المهذب (5/490) والمعرفة للبيهقي / مخطوطة مكتبة حماد الأنصاري.
(4) - سنن الترمذي (3/30).
(5) - شرح السنة للبغوي (6/49).
(6) - أحكام القرآن لابن العربي ( 2/918).
(7) - المحلى لابن حزم ( 6/97).
(8) - تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي ( 2/1425).
(9) - سفر السعادة للفيروز آبادي ص(150).(1/51)
8- وقال السندي: (أجاب الجمهور عن الحديث وما في معناه بالضعف)(1).
9- وقال عمر بن بدر الموصلي: (لا يصح في هذا الباب شيء)(2).
10- وقال الشوكاني: (وقد كان للصحابة وأهاليهم من الحلية ما هو معروف ولم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر في الزكاة في ذلك) (3).
11- وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: (وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة كحديث المسكتين وحديث عائشة في فتخاتها من الورق وحديث أم سلمة في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها وحديث فاطمة بنت قيس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في الحلي زكاة. وحديث أسماء بنت يزيد في أسورة الذهب كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والنسائي والترمذي والدارقطني والبيهقي وابن حزم أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها ولا شك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح) اهـ (4).
12- وقال المنذري: (وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً وذكر أن المرسل أولى بالصواب) قال ذلك مقررا له ولم يتعقبه(5).
13- وقال ابن بسام: (إن الأئمة الثلاثة – يعني مالكا والشافعي وأحمد – قد ضعفوا هذه الأحاديث) اهـ(6).
__________
(1) - حاشية السندي على سنن النسائي (5/38).
(2) - جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب لأبي إسحاق الحويني ص(313).
(3) - السيل الجرار للشوكاني (2/21).
(4) - فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (4/97).
(5) - مختصر سنن أبي داود للمنذري (2/175).
(6) - نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب (1/304).(1/52)
فهذا بيان ضعفها من حيث الإجمال وأما التفصيل فيكون في بيان درجة كل حديث منها حسب قواعد علم الحديث وكلام أهل العلم فيه. والله أسأل التوفيق والسداد في ذلك وفي كل شأني إنه ولي ذلك والقادر عليه. وهذا أوان الشروع في مناقشتها فأقول:
أما حديث عمرو بن شعيب - وهو حديث المسكتين - فتقدم أنه قال بصحة سنده من أهل العلم: أبو الحسن بن القطان, وابن الملقن, والأمير الصنعاني, ومحمد المباركفوري, وأحمد شاكر.
وقال بحسن سنده: النووي, والألباني,وابن باز, والشنقيطي, وعُزِيَ للمنذري أنه قال: إسناده لا مقال فيه تقوم به الحجة.
واعلم أن قول المنذري هذا قد تعقبه أحمد شاكر قائلا: (إن هذا القول المنسوب للمنذري غير موجود في مختصر أبي داود له ولا في الترغيب والترهيب ولم أدر كيف هذا (1).!؟
قلت: وهو كما قال أحمد شاكر لم أجد هذا القول في المصدرين المذكورين وإنما الموجود خلاف ذلك. فقد قال المنذري في مختصر أبي داود ما نصه: (وأخرجه الترمذي بنحوه. وقال: لا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. وأخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً وذكر أن المرسل أولى بالصواب) اهـ (2).
وقال في "الترغيب والترهيب": ورواه النسائي مرسلاً ومتصلاً ورجع المرسل)(3).
قلت: الموجود في سنن النسائي أنه رواه من طريق خالد بن الحارث بن عبيد متصلاً, ومن طريق المعتمر بن سليمان مرسلاً وقال: قال أبو عبد الرحمن: خالد أثبت من المعتمر) اهـ(4) وهذا يعني خلاف ما نقله المنذري حيث رجح النسائي الطريق المتصلة. والعلم عند الله.
__________
(1) - شرح المسند لأحمد شاكر (10/152).
(2) - مختصر سنن أبي داود للمنذري (2/175).
(3) - الترغيب والترهيب للمنذري (2/114).
(4) - سنن النسائي ( 5/38).(1/53)
وبهذا يعلم أن تقوية المنذري للحديث غير موجودة وأن الموجود من قوله خلافها, وهو حكايته المتقدمة عن الترمذي أنه قال: لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء وأنه نقل عن النسائي أنه رجح المرسل. ثم أنه سكت عليه ولم يتعقبه.
وأما غير المنذري ممن صحح الحديث أو حسنه فقد خالفهم مثلهم بل أكثر منهم فضعفوه واليك بعض أقوالهم في ذلك:
1- قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (لا نعلمه يروى إلا من وجه واحد بإسناد قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا) اهـ(1).
2- وقال ابن رشد: ضعيف(2).
3- وقال البيهقي: يتفرد به عمرو بن شعيب(3).
4- وضعفه ابن حزم بعمرو بن شعيب(4).
5- وقال ابن قدامة: (وأما حديث المسكتين فقال أبو عبيد: لا نعلمه إلا من وجه قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا. وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء)(5).
6- وقال الشيخ عبد الرحمن بن قدامة المقدسي: نحو قول ابن قدامة قبله(6).
7- قال ابن مفلح : (ضعيف, قاله أبو عبيد والترمذي)(7).
8- وضعف ابن الجوزي الحديث من جميع طرقه(8).
9- وقال الشيخ منصور البهوتي: ضعيف(9).
10- وقال عبدالله بن بسام : (إن حديث عمرو بن شعيب هذا من قبيل المرسل والمرسل من أنواع الضعيف) اهـ(10).
11- وظاهر كلام ابن عبد الهادي تضعيف الحديث(11) إلى غير ذلك.
12- وقال ابن عبد البر: لا يحتج بمثله(12).
__________
(1) - الأموال لأبي عبيد ص (450).
(2) - بداية المجتهد لابن رشد ( 1/257).
(3) - سنن البيهقي (4/140).
(4) - المحلى لابن حزم ( 6/98).
(5) - المغني لابن قدامة (3/12).
(6) - الشرح الكبير لأبي الفرج ابن قدامة ( 1/666).
(7) - المبدع شرح المقنع ( 2/370).
(8) - تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (2/1425).
(9) - كشاف القناع للبهوتي(2/273).
(10) - نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب لابن بسام ( 1/304).
(11) - تنقيح التحفيق لابن عبد الهادي (2/1428).
(12) - التمهيد ( 20/147).(1/54)
وبهذا يكون عدد من حكم على حديث عمرو بن شعيب من أهل العلم تسعة وعشرين: سبعة عشر ضعفوه جملة – كما سلف – واثنا عشر ضعفوه تفصيلاً.
والتحقيق أن قول المضعفين للحديث هو الصواب لأنه قد تفرد به عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. ورواية عمرو بن شعيب متكلم فيها عند أهل العلم. بعضهم يصححها مطلقا وبعضهم بضعفها مطلقاً وبعضهم يفصل فيها كما هو مبسوط في موضعه.
وقد أفردت رواية عمرو بن شعيب ببحث خاص. وحاصل البحث المذكور: أنه تحقق أن روايته عن أبيه عن جده ضعيفة لوجوه:
الأول: أنه قد تعارض الجرح والتعديل في عمرو بن شعيب والجارحون له أكثر من المعدلين. وقد تقرر في علم الحديث أنه إذا تعارض الجرح والتعديل فالجرح مقدم على التعديل إذا كان عدد الجارح أكثر بالإجماع وكذا إذا استوى الجرح والتعديل قاله السبكي(1). وسيأتي من قول الخطيب ما يؤيد هذا قريبا إن شاء الله.
والثاني: أن من الثقات المشهورين الذين رووا عن عمرو بن شعيب أيوب السختياني وقد نقل عنه التحذير من الرواية عن عمرو بن شعيب. فقد جاء عنه قال لليث بن أبي سليم: (شد يدك بما سمعت من طاووس ومجاهد وإياك وجواليق وهب بن منبه وعمرو بن شعيب فإنهما صاحبا كتب يرويان عن الصحف) اهـ(2).
الثالث: إن إسحاق بن راهويه من الموثقين له وقد شرط في توثيقه له أن يكون الراوي عنه ثقة. وفي هذا نظر ! لأنه يبعد أن رواية الثقة عن رجل ضعيف تجعل ذلك الرجل ثقة ! أي كيف يسري توثيق من الراوي الثقة إلى من روى عنه إذا لم يكن ثقة بنفسه ؟!! فهذا غريب جدا فكم من ثقة روى عن ضعيف وبقي الضعيف على ضعفه كرواية سفيان الثوري عن عبدالله بن مسلم ابن هرمز المكي وغيره.
__________
(1) - قاعدة في الجرح والتعديل للسبكي ص (50).
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 6/238) وضعفاء العقيلي (3/273) وسير أعلام النبلاء للذهبي (5/178).(1/55)
الرابع: أنه نص كثير من أئمة الجرح والتعديل على أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ضعيفة لأنها وجادة صحيفة لم يسمعها شعيب من جده عبدالله بن عمرو وإليك نص عباراتهم في ذلك:
1- قال سفيان بن عيينة: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه عند الناس شيء(1).
2- وقال الإمام أحمد : هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص. ويقال: إن شعيباً حدث من كتاب جده ولم يسمعه منه(2).
3- وقال علي بن المديني في عمرو بن شعيب: (ما روى عن أبيه عن جده فإنما هو كتاب وجده فهو ضعيف) اهـ(3).
4- وقال يحيى بن معين: (ما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه وليس بمتصل وهو ضعيف من قبل أنه مرسل وجد شعيب كُتُبَ عبدالله بن عمرو فكان يرويها إرسالاً..)(4).
5- ولما سئل عنه أبو داود: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عندك حجة؟ قال: (لا, ولا نصف حجة)(5).
6- وقال ابن عدي: (أحاديثه عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتنبه الناس مع احتمالهم إياه. ولم يدخلوه في صحاح ما خرجوه وقالوا: هي صحيفة(6).
__________
(1) - تهذيب الأسماء واللغات للنووي ( 2/29).
(2) - المراسيل لابن أبي حاتم ص (78) رقم (141).
(3) - سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني في الجرح والتعديل رقم (116). وسير أعلام النبلاء (5/169).
(4) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/239) والضعفاء للعقيلي (3/274) وسؤالات ابن الجنيد لابن معين رقم ( 654) والضعفاء لابن حبان (2/72) وسير أعلام النبلاء (5/168/174) وتهذيب التهذيب (8/54).
(5) - سير إعلام النبلاء (5/169) وميزان الاعتدال (3/264) وتهذيب التهذيب ( 8/50).
(6) - الكامل في الضعفاء لابن عدي (5/1767/1768).(1/56)
7- وقال أبو زرعة: (إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقالوا: إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها... الخ)(1).
8- وقال ابن حبان: (عمرو بن شعيب إذا روى عن أبيه عن جده ففيه مناكير كثيرة لا يجوز الاحتجاج بشيء رواه عن أبيه عن جده لأن هذا الإسناد لا يخلو من أن يكون مرسلا أو منقطعاً... الخ)(2).
9- وقال الحاكم: فإنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو وشعيب لم يسمع من جده عبدالله بن عمرو(3).
10- وقال ابن حزم: (أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة لا تصح)(4). وقال مرة أخرى: (أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة مرسلة).(5).
11- وقال النووي: (قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: لا يجوز الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) اهـ(6).
12- وقال النووي أيضاً: (وكذا قال غيره من أصحابنا)(7).
13- وكان مغيرة بن مقسم الضبي لا يعبأ بصحيفة عمرو بن شعيب. وكان يقول: (ما يسرني أن صحيفة عبدالله بن عمرو عندي بتمرة أو تمرتين أو بفلس أو بفلسين) (8).
إلى غير ذلك من النقول عن أئمة الجرح والتعديل الذين صرحوا بضعف رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
__________
(1) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/239) وسير أعلام النبلاء (5/169) وتهذيب التهذيب (5/49).
(2) - المجروحون والضعفاء لابن حبان (2/72).
(3) - مستدرك الحاكم (1/197).
(4) - المحلى لابن حزم (5/344).
(5) - المحلى لابن حزم (6/86).
(6) - تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/29).
(7) - تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/29).
(8) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/238) والكامل لابن عدي ( 5/1767) وسير أعلام النبلاء (5/169) وميزان الاعتدال (3/266).(1/57)
الوجه الخامس: أن جرحه مفسر حيث قال بعضهم: (إنه كان يروي عن صحيفة وروايته لها وجادة بلا سماع. والصحف يدخل في روايتها التصحيف لاسيما في ذلك العصر إذ لا شكل ولا نقط بخلاف الأخذ من أفواه الرجال)(1).
وقال بعضهم: سمع شعيب من جده أحاديث يسيرة وحدث عنه بأحاديث كثيرة لم يسمعها منه فيكون مرسلاً.
وقال بعضهم: عنده مناكير كثيرة.
الوجه السادس: قد ثبت أن عمرو بن شعيب يروي عن صحيفة هو وأبوه والراوي إذا كان يوري عن صحيفة وجدها فإن عليه أن يقول: وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان أو بكتاب فلان بخطه: أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه ويسوق سائر الإسناد والمتن معا ونحو ذلك -كما تقرر في علم الحديث- وصنيع عمرو بن شعيب مع صحيفته ليس كذلك حيث أن روايته لها جاءت بالعنعنة أي عن أبيه عن جده.
وقد تقرر في علم الحديث أيضاً أن هذا من التدليس القبيح. يقول الإمام ابن الصلاح رحمه الله في شأن الوجادة: (وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه : "عن فلان أو قال فلان" وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه) اهـ(2).
وناهيك بهذا تضعيفاً له. يؤيد هذا الوجه السابع.
الوجه السابع: أن عمرو بن شعيب وأباه شعيباً قد وصمهما الحافظ ابن حجر بالتدليس حيث قال بعد أن ذكر كلام أبي زرعة الرازي فيه: (إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده. وقالوا: إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها... الخ. وقول هارون بن معروف: إنه لم يسمع من أبيه شيئا وقول ابن عدي: إن روايته عن أبيه عن جده صحيفة.. الخ. قال الحافظ: فعلى مقتضى قول هؤلاء يكون تدليسا لأنه ثبت سماعه من أبيه وقد حدث عنه بشيء كثير مما لم يسمعه منه مما أخذه عن الصحيفة بـ "عن" وهذه إحدى صور التدليس . والله أعلم) اهـ (3).
__________
(1) - سير أعلام النبلاء (5/174).
(2) - علوم الحديث لابن الصلاح ص (158).
(3) - طبقات المدلسين للحافظ ابن حجر ص (23, 24).(1/58)
وعلى هذا فاعلم أنه قد تقرر في علم الحديث أن الثقة إذا رمي بالتدليس ولم يصرح بالسماع أو التحديث ونحوهما بروايته يكون ما يرويه ضعيفاً. فكيف برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والحال أن المضعفين له أكثر من الموثقين مع وصمه هو وأبوه بالتدليس وقد أثبت أهل العلم إنهما يرويان عن صحيفة!!
الوجه الثامن: أنه ورد التصريح في أكثر من رواية – أن المراد بجده إذا قيل : (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) أنه محمد جد عمرو لاجد شعيب و هو عبدالله. ومحمد تابعي لا صحبة له فيكون الخبر مرسلا. وهذا يجوز احتمال أن يراد بجده في بعض الروايات أن يكون محمدا كما نص عليه ابن حبان وأحمد والدارقطني والبيهقي ومع هذا الاحتمال تكون روايته بهذه الصيغة ضعيفة.
الوجه التاسع: أنه قد اختلف في سماع شعيب من جده عبدالله. وما ذكر من الأدلة على صحة سماعه منه غير صريح الدلالة لأنها كلها معنعنة وقد رمي شعيب بالتدليس - كما سلف - فيحتمل أنه دلسها من صحيفة جده. ويحتمل أنه سمعها منه وليس هناك ما يرجح أحد الاحتمالين على الأخر. وذلك لجواز أن ينقل شعيب من الصحيفة بلفظ: عن جدي عبدالله أو عن عبدالله أي ينقل الموجود في الصحيفة وهو كتابة عبدالله بن عمرو: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - . وشعيب لم يسمع ذلك منه. والعلم عند الله(1).
فهذه تسعة براهين ساطعة كل واحد منها يكفي بتضعيف عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فكيف بها إذا اجتمعت وتظاهرت وتطابقت دلالتها على تضعيفه؟!!
وعلى هذا يكون حديث المسكتين ضعيفا لا تقوم به حجة. والله أعلم.
__________
(1) - بيان العيب في رواية عمرو بن شعيب للمؤلف مخطوط ص(12-16).(1/59)
فإن قيل: قال إسحاق بن راهويه: إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر(1).
قيل: قد تقدم الجواب عن ذلك في هذه الوجوه التسعة في الوجه الأول, والثاني والثالث بما يغني عن إعادته. وبه يتضح إن رواية الثقة عن عمرو ابن شعيب لا تفيده توثيقاً ولا تصحيحاً لروايته. والعلم عند الله.
فإن قيل: قال البخاري : (رأيت أحمد وعلي بن عبدالله والحميدي وإسحاق يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه)(2).
قيل: هذا القول فيه نظر وذلك للحقائق التالية:
1- أن الإمام أحمد نفسه نص على أن عمرو بن شعيب ليس بحجة(3) وكذا من ذكر معه في هذه العبارة كعلي بن المديني فقد سبق أنه يضعفه إذا روى عن أبيه عن جده. وتقدم الجواب عن توثيق إسحاق له قريباً.
2- أن البخاري نفسه قد حكم على عمرو بن شعيب بالضعف حيث ذكره في كتابه "الضعفاء الصغير"(4) وأنه لم يخرج له في صحيحة لا أصلاً ولا متابعة.
3- أن هذه العبارة المنقولة عن الإمام البخاري رحمه الله في احتجاج الأئمة المذكورين بعمر وقع فيها زيادة ألفاظ على ما هو الموجود في "التاريخ الكبير" للبخاري فزيد لفظ (أبو عبيد) بدل (الحميدي) وزيد لفظ (وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين فمن الناس بعدهم)!!
__________
(1) - سنن البيهقي (7/318) وسير أعلام النبلاء (5/176)، وتهذيب التهذيب (8/50) والكامل لابن عدي (5/1766) ومستدرك الحاكم (1/197) وتهذيب الكمال ترجمته.
(2) - التاريخ الكبير للبخاري (6/342) وسنن الدارقطني (3/51) وضعفاء العقليلي (3/274) والضعفاء لابن حبان (2/72) وتهذيب الكمال ترجمته وسير أعلام النبلاء (5/167) وميزان الاعتدال (3/264) وتهذيب التهذيب (8/49).
(3) - ضعفاء العقيلي ( 3/274) وسير أعلام النبلاء (5/166) وميزان الاعتدال (3/265).
(4) - الضعفاء الصغير للبخاري ص (88) رقم (261).(1/60)
ولا ريب أن زيارة هذه الألفاظ مما يضعف هذه العبارة. ولهذا استبعد صدور هذه الألفاظ من البخاري الإمام الذهبي بقوله : (أستبعد صدور هذه الألفاظ من البخاري وأخاف أن يكون أبو عيسى وهم. وإلا فالبخاري لا يعرج على عمرو. أفتراه يقول: "فمن الناس بعدهم؟ " ثم لا يحتج به أصلاً ولا متابعة!(1)
4- ومما يضعف هذه العبارة البراهين التسعة المتقدمة التي تطابقت ولا سيما النقول الكثيرة عن أئمة هذا الشأن على ضعف رواية عمرو بن شعيب إذا روى عن أبيه عن جده. والعلم عند الله سبحانه.
ثم إن حديث المسكتين هذا فيه غرابة ونكارة وذلك أن اليمانية خلعت السوارين فأقلتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت: "هما لله ولرسوله" وهذا يفهم منه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرها على صنيعها هذا!
فهل يصح شرعاً أن المال المزكى يدفع بكامله مع زكاته مع ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن أخذ كرائم الأموال في الزكاة؟!!
وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها: كنت ألبس أوضاحاً... الخ. فقد تقدم ذكر من صححه من أهل العلم وكذا من حسن إسناده أو قال إسناده جيد أو قوي. إلا أنه قد خالفهم غيرهم من أهل العلم فضعفوه. قال ابن عبد البر: (في سنده مقال)(2) وقال البيهقي : (يتفرد به ثابت بن عجلان)(3) وقال الذهبي في ترجمة ثابت بن عجلان: (هذا الحديث مما أنكر عليه لتفرده به)(4). وضعفه ابن الجوزي(5).
قلت: الصحيح من قولي العلماء أن الحديث ضعيف لوجود علتين في سنده: تفرد ثابت بن عجلان به والانقطاع.
__________
(1) - سير أعلام النبلاء ( 5/167).
(2) - نقله عنه الحافظ في فتح الباري (3/272).
(3) - سنن البيهقي ( 4/140).
(4) - ميزان الاعتدال للذهبي (1/365).
(5) - تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (2/1426).(1/61)
أما ثابت بن عجلان وهو الأنصاري السلمي الشامي الحمصي فقد اختلف فيه أهل العلم فوثقه ابن معين وقال دحيم والنسائي: (ليس به بأس)(1) وقال أبو حاتم: لا بأس به صالح الحديث(2).
وذكره ابن حبان في الثقات(3). وقال أبو الحسن بن القطان الفاسي: تفرده لا يضر لأنه قد وثق وصدقه في ذلك الحافظ ابن حجر(4). وقال في "التقريب": صدوق. وقال أحمد بن حنبل: أنا متوقف فيه(5) وسأله ابنه عبدالله عنه فقال: هو ثقة؟ فسكت كأنه مرض في أمره(6). وذكره العقيلي في الضعفاء وقال: لا يتابع عليه(7) وذكره ابن عدي في الضعفاء ثم ساق له ثلاثة أحاديث غريبة وقال: (وليس بالكثير)(8).
وقال عبد الحق الاشبيلي : (لا يحتج به)(9).
ولما ناقش الحافظ الذهبي اعتراض ابن القطان الفاسي على قول عبدالحق والعقيلي, قائلاً: (إنما يُمَسُّ بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقاً أما من عرف بها فانفراده لا يضر... قال الذهبي : أما من عرف بالثقة فنعم وأما من وثق ومثل أحمد الإمام يتوقف فيه ومثل أبي حاتم يقول: صالح الحديث فلا نرقيه إلى رتبة الثقة فتفرد هذا يعد منكراً فَرَجُحَ قول العقيلي وعبد الحق) اهـ(10).
وقال الذهبي أيضاً في "الكاشف" : صالح الحديث.
__________
(1) - تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (2/1426) وتهذيب التهذيب (2/10).
(2) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/455).
(3) - الثقات لابن حبان (6/125).
(4) - تهذيب التهذيب لابن حجر (2/10).
(5) - ميزان الاعتدال ( 1/364).
(6) - العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد (2/156).
(7) - الضعفاء الكبير للعقيلي (1/176).
(8) - الكامل في الضعفاء لابن عدي (2/524).
(9) - ميزان الاعتدال ( 1/365 ). وتهذيب التهذيب (2/10).
(10) - ميزان الاعتدال (1/365).(1/62)
فأنت ترى أنه قد تعارض في ثابت بن عجلان التعديل والتجريح فعدله سبعة من أهل العلم كابن معين والنسائي ودحيم وابن حبان وأبي حاتم وابن حجر وتكلم فيه ستة منهم الإمام أحمد وابن عدي والعقلي والبيهقي وعبدالحق الاشبيلي والذهبي. ولم يظهر لي سبب جرح من جرحه إلا ذكر ابن عدي والعقيلي بعض الأحاديث الغربية له. ولا سبب تعديله.
ومن كان على هذا الوصف فالجرح فيه مقدم على التعديل عند الجمهور بل قد حكى فيه الخطيب الإجماع. قال العراقي في شرحه لألفية المصطلح له: (إذا تعارض الجرح والتعديل في راو واحد فجرحه بعضهم وعدله بعضهم ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الجرح مقدم مطلقا ولو كان المعدلون أكثر ونقله الخطيب عن جمهور العلماء. وقال ابن الصلاح: أنه الصحيح وكذا صححه الأصوليون كالإمام فخر الدين والآمدي .. الخ.
الثاني: أنه إذا كان عدد المعدلين أكثر قدم التعديل. قال الخطيب: وهذا خطأ وبعد ممن توهمه...
والقول الثالث: أنه يتعارض الجرح والتعديل ولا يرجح أحدهما إلا بمرجح حكاه ابن الحاجب. وكلام الخطيب يقتضي نفي هذا القول فإنه قال: (اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعدله عدد من جرحه فإن الجرح به أولى. ففي هذه الصورة حكاية الإجماع على تقديم الجرح خلاف ما حكاه ابن الحاجب) اهـ باختصار(1).
وأما العلة الثانية للحديث فهي الانقطاع وذلك أن عطاء بن أبي رباح لم يسمع من أم سلمة رضي الله عنها. نص عليه علي بن المديني(2).
وعلى هذا يكون الحديث ضعيفاً. والعلم عند الله.
__________
(1) - التبصرة والتذكرة شرح ألفية العراقي ( 1/313).
(2) - المراسيل لابن أبي حاتم ص (129) رقم (283) وجامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ص (283) وجامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ص(237) رقم (520).(1/63)
وأما حديث عائشة أنه دخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يديها فتخات من ورق... الخ فقد تقدم ذكر من صححه وحسنه من أهل العلم إلا أنه خالفهم غيرهم من أهل العلم فضعفوه.
منهم ابن حزم فقد ضعفه بيحيى بن أيوب الغافقي(1) ومنهم ابن الجوزي(2) وقد علمت مما سبق أنه قد ضعف أحاديث زكاة الحلي نحو سبعة عشر من أهل العلم.
وقال المنذري: في إسناده يحيى بن أيوب الغافقي وقد احتج به الشيخان(3). أي قد تكلم فيه بما يضعف روايته غير أن احتجاج البخاري ومسلم به في صحيحيهما يقوي روايته هنا.
قلت: الحديث معلول بعلتين:
الأولى: أنه قد تفرد به يحيى بن أيوب الغافقي هذا وهو ممن قد تعارض فيه الجرح والتعديل وجارحوه أكثر من معدليه(4).
__________
(1) - المحلى لابن حزم (6/99).
(2) - تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (2/1427).
(3) - مختصر سنن أبي داود للمنذري (2/176).
(4) - قد ورد في كتب الجرح والتعديل جرحه وتعديله. وممن جرحه من أهل العلم ما يلي:
1- الإمام أحمد يقول فيه: سيء الحفظ يخطيء خطأ كثيرا إذا حدث من حفظه وإذا حدث من كتابه فليس به بأس.
2- ومثل هذا القول قال به الحاكم أبو أحمد.
3- وقال أبو حاتم : محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به.
4- وقال الإسماعيلي: لا يحتج به.
5- وقال ابن القطان الفاسي: هو ممن علمت حاله وأنه لا يحتج به.
6- وسئل مالك عن حديث من روايته فقال: كذب.
7- وقال النسائي: ليس بالقوي.
8- وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد يقول: ليس بذلك.
9- وقال ابن سعد : منكر الحديث.
10- وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب.
11- وذكره العقيلي في الضعفاء.
12- وكذا ابن عدي. وقال: صدوق لا بأس به.
13- وقال أحمد بن صالح: ربما خل في حفظه.
14- وقال الساجي: صدوق يهم.
15- وقال ابن صالح: له أشياء يخالف فيها.
16- وقال الذهبي: له غرائب ومنا كير يتجنبها أرباب الصحاح وينقّون حديثه وهو حسن الحديث.
17- وقال ابن حزم: ضعيف.
وأما المعدلون له فمنهم ما يلي:
1- تقدم قول ابن عدي: صدوق لا بأس به.
2- وقال ابن معين: صالح وقال مرة أخرى: ثقة.
3- وقال أبو داود: صالح.
4- وقال عثمان: صالح.
5- وتقدم قول الذهبي: حسن الحديث.
6- ذكره ابن حبان في الثقات.
7- وقال البخاري: ثقة.
8- وقال يعقوب بن سفيان: ثقة حافظ.
9- وقال إبراهيم الحربي: ثقة.
10- وقال الحافظ: صدوق ربما أخطأ.
مصدر هذه الأقوال ترجمة يحيى بن أيوب الغافقي في المراجع التالية: الكامل لابن عدي (7/2671) وضعفاء العقيلي (4/391) وميزان الاعتدال (4/362) وسير أعلام النبلاء (8/5) وتهذيب التهذيب ( 11/187) وشرح علل الترمذي لابن رجب (2/599) والجرح والتعديل (9/127) رقم (542) والثقات لابن حبان (7/600) والمحلى لابن حزم (6/99) وغيرها.(1/64)
وقد تقدم في الحديثين الذي قبل هذا أن الجرح مقدم على التعديل بالإجماع وعليه يكون السند ضعيفاً.
وأما احتجاج الشيخين به في صحيحيهما فلا يلزم منه أن تكون روايته صحيحة مطلقا لاحتمال فقد شرط من شروطهما ونحو ذلك.
يقول الحافظ المزي والحافظ الزيلعي في هذا المعنى: (لكن للشيخين شروط في الرواية عمن تكلم الناس فيه. منها أنهم لا يرون عنه إلا ما توبع عليه وظهرت شواهده وعلموا أن له أصلا. فلا يروون عنه ما انفرد به أو خالفه فيه الثقات. وهذه العلة قد راجت على كثير من الحفاظ لاسيما من استدرك على الصحيحين كأبي عبدالله الحاكم فكثيراً ما يقول: (وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما مع أن في هذه العلة إذ ليس كل حديث احتج براويه في الصحيح يكون صحيحا إذ لا يلزم من كون راويه محتجاً به في الصحيح أن يكون كل حديث وجدناه له يكون صحيحا على شرط صاحب ذلك الصحيح لاحتمال فقد شرط من شروط ذلك الحافظ)(1) اهـ.
فانظر - رحمك الله - إلى نقل هذين الإمامين رحمهما الله هذه الفائدة العظيمة الجليلة في شرط الشيخين رحمهما الله فيمن تكلم فيه وهي أنهما لا يرويان عنه ما انفرد به أو خالفه فيه الثقات.
ولما عيب على مسلم إخراج حديث أبي قدامة الحارث بن عبيد في صحيحه, قال ابن القيم رحمه الله: (ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه, كما يطرح من حديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه. فغلط في هذا المقام من استدرك عليه أخراج جميع حديث الثقة ومن ضعف جميع حديث سيء الحفظ فالأولى طريقة الحاكم وأمثاله.والثانية طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله. وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن. والله المستعان) اهـ(2).
__________
(1) - عزاه إليهما محمد جمال الدين القاسمي في قواعد التحديث ص (198).
(2) - زاد المعاد في هدي خير العباد ( فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في سجود القرآن ) ( 1/364).(1/65)
وهذا كلام نفيس جدا, حيث أن مسلما رحمه الله ينتقي من حديث من تكلم فيه ما يعلم أنه حفظه, ولم يلزم نفسه أن يخرج له في صحيحه جميع ما ورد عنه من حديث كما يطرح من حديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه.
وبهذا التحقيق يعلم ضعف حجة من احتج بمن أخرج له الشيخان أو أحدهما وعليه يكون يحيى بن أيوب الغافقي ضعيفاً لم يستفد من إخراج الشيخين له تقويه والعلم عند الله.
وأما العلة الثانية للحديث فهي مخالفته فقد خالف هذا الحديث المرفوع - مع ضعفه - ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها بسند صحيح من طريق القاسم ابن محمد وابن أبي مليكة وغيرهما - كما سلف ذكره في آثار الصحابة الذين قالوا بعدم زكاة الحلي - أنها كانت تلي بنات أخيها لهن الحلي فلا تزكيه.
فلا يمكن - شرعاً ولا عقلاً - أن تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوجب الزكاة في الحلي وتوعدها - إذا لم تزكه - أنه حسبها من النار ثم هي تخالفه فلا تخرج الزكاة منه!!
اللهم إلا على تقدير أنه مأمور به ثم نسخ. يقول الإمام البيهقي (رواية القاسم بن محمد وابن أبي مليكة عن عائشة في تركها إخراج الزكاة من الحلي مع ما ثبت من مذهبها إخراج الزكاة عن أموال اليتامى مُوقِعٌ رِيبةً في هذه الرواية. فهي لا تخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا فيما علمته منسوخاً. والله أعلم(1).
وأما ما أثر عنها رضي الله عنها أنها قالت: "لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته) فقد تقدم أيضاً الكلام فيه في الآثار المنقولة عن بعض الصحابة بزكاة الحلي بما يغني عن إعادته هنا وأنه ضعيف لا تقوم به حجة. والعلم عند الله.
وأما حديث أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها أسورة من ذهب... الحديث.
فقد تقدم ذكر من زعم صحته من أهل العلم أو حسنه. وقد خالفهم من أهل العلم آخرون فضعفوه.
__________
(1) - نقله عنه المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/176).(1/66)
قال الحافظ ابن حجر: في سنده مقال(1).
وقال الزيلعي : (قال ابن الجوزي: وعلي بن عاصم - يعني في سنده - رماه يزيد بن هارون بالكذب وعبدالله بن خيثم قال ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية. وشهر بن حوشب قال ابن عدي: لا يحتج به, وقال ابن حبان: كان يروي عن الثقات المعضلات والله أعلم) اهـ(2).
قلت: إسناده ضعيف فيه علي بن عاصم بن صهيب, وشهر بن حوشب وفيهما جرح وتوثيق وجارحوهما من أهل العلم أضعاف موثقيهم. وإذا تعارض الجرح والتعديل قدم القول بالجرح بالإجماع كما سلف تقريره.
وأما حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الحلي زكاة" فتقدم أنه ضعيف جداً. والله اعلم.
وأما حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن لي حلياً وإن زوجي خفيف ذات اليد وأن لي بني أخ أفيجزيء عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم؟ قال: نعم.
فتقدم أيضاً ذكره في الآثار المنقولة عن بعض الصحابة في زكاة الحلي وأنه ضعيف جداً.
وأما حديث مكحول الشامي أن امرأة تطوف بالبيت...الخ. فقد تقدم -عند الاستدلال به- بيان أنه ضعيف لإرساله ولأنه من طريق محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة وفي مقال كثير عند أهل العلم.
فإن قيل: هذه الأحاديث ثبت أن كل واحد بانفراده ضعيف لا تقوم به حجة, ألا يمكن القول أن بعضها يشد بعضاً وتكون دلالتها بمنزلة الحديث الحسن لغيره؟
قيل: بلى ولكن هذه الدلالة قد عارضها ما هو أثبت وأقوى منها وذلك شيئان:
أحدهما: حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما "ليس في الحلي زكاة" وهو حديث حسن لذاته أو لغيره كما تقدم.
ثانيهما: ما ثبت من عمل الصحابة وقولهم من عدم زكاة الحلي ولم يثبت عنهم ولا عن غيرهم ما يخالفهم في هذا.
__________
(1) - الدراية للحافظ ابن حجر ( 1/259).
(2) - نصب الراية للزيلعي ( 2/372).(1/67)
وأما الدليل الثالث وهو ما نقل عن بعض الصحابة من القول بزكاة الحلي فقد تقدم التحقيق في ذلك وأنه لم يثبت عن أحد منهم أنه قال بها والله اعلم.
وأما الدليل الرابع وهو قياس الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد فلا يصح ذلك لأن النقد في اللغة يطلق على الإثمان الدراهم والدنانير. قال في المعجم الوسيط: (النقود والعملة من الذهب أو الفضة وغيرها مما يتعامل به)(1).
وقال محمد بن أبي الفتح البعلي: النقد في الأصل مصدر نقد الدراهم إذا استخرج منها الزيف وهو هنا بمعنى النقود وهي الدراهم والدنانير انتهى(2).
ولأن الفارق بين الحلي وبين المسكوك والمسبوك موجود وهو أن الانتفاع بالحلي هو استعماله زينة وجمالاً وأما المسكوك فلا يصلح إلا أن يكون ثمناً للأشياء.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (لم يختلف المسلمون في الذهب والفضة المضروبين واختلفوا في الحلي وذلك أنه يستمتع به ويكون جمالاً وأن العين والورق لا يصلحان لشيء من الأشياء إلا أن يكون ثمناً لها ولا ينتفع منهما بأكثر من الإنفاق لهما فبهذا بأن حكمهما من حكم الحلي الذي يكون زينة ومتاعاً. فصار هاهنا كسائر الأثاث والأمتعة) انتهى بتصرف(3).
ولأن المسكوك ينمي بخلاف الحلي فإنه لا ينمي بل ينقص كما هو معروف والزكاة شرعت في الأموال النامية.
وأما الاستدلال بالوضع اللغوي وهو أن لفظ (الرقة) و (الورق) و (الأوقية) يشمل الحلي فلا يصح لأنه قد تحقق كما تقدم في الدليل السادس لإسقاط الزكاة - وهو الوضع اللغوي - أن المنقول والمقدم عند أهل اللغة المشهورين وعند أهل التحقيق من أهل العلم بالحديث والفقه والغريب أن لفظ الرقة والورق والأوقية لا يشمل الحلي.
__________
(1) - المعجم الوسيط ص (944).
(2) - المطلع على أبواب المقنع للبعلي ص ( 265).
(3) - الأموال لأبي عبيد ص ( 449).(1/68)
ولأن الاحتجاج بذلك يرده العمل المعمول به في المدينة ويخصصه. قاله الزرقاني(1) والله اعلم.
وبهذه المناقشة المباركة لأدلة إيجاب زكاة الحلي ثبت عدم صلاحيتها للاحتجاج لضعفها وأنها لا تقوم بها حجة. وأن أدلة إسقاط زكاته ثابتة قوية وقائمة بها الحجة إن شاء الله وهو الذي عليه عمل الصحابة كافة وجمهور التابعين أما عمل الصحابة بعدم زكاة الحلي فقد تقدم بسطه في موضعه وأما المنقول عن التابعين فعلى ثلاثة اضرب:
? ضرب قال بعدم زكاته
? وضرب قال بزكاته
? وضرب نقل عنه القولان.
من قال بعدم زكاة الحلي من التابعين
اعلم أنه قال بقول الصحابة بعدم زكاة الحلي من التابعين بضعة عشر نفراً وهاك أقوالهم بأسانيدها:
1- قال الحسن البصري: ليس في الحلي زكاة يعار ويلبس.
أخرجه ابن أبي شيبة(2) وعبد الرزاق(3) وأبو عبيد(4) وابن زنجويه(5) وإسناده صحيح بطرقه. وهو في "المدونة" لمالك(6) من طريق ابن مهدي عن هشام عن قتادة عن سعيد والحسن وعمر بن عبدالعزيز... به وإسناده صحيح. وعنه أنه سئل عن زكاة الحلي؟ فقال: (لم يبلغنا فيه شيء وأحب إلي أن يزكى) أخرجه أبو عبيد(7) معلقاً.
2- وعن عامر الشعبي قال: (ليس في الحلي زكاة لأنه يعار ويلبس).
أخرجه ابن أبي شيبة(8) وعبد الرزاق(9) وأبو عبيد(10) وابن زنجويه(11) بإسناد صحيح.
__________
(1) - شرح الزرقاني على موطأ مالك ( 2/102).
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(3) - مصنف عبد الرزاق (4/83 ) رقم ( 7053).
(4) -الأموال لأبي عبيد ص (447)رقم (1282).
(5) - الأموال لابن زنجويه (3/982) رقم ( 1789 – 1790).
(6) - المدونة لمالك (1/212).
(7) - الأموال لأبي عبيد ص (446) رقم (1273).
(8) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(9) - مصنف عبد الرزاق (4/82) رقم (7045).
(10) - الأموال لأبي عبيد ( 448) رقم ( 1285).
(11) - الأموال لابن زنجويه (3/983) رقم (1792).(1/69)
3- وعن طاووس بن كيسان قال: (لا زكاة في الحلي). أخرجه ابن أبي شيبة(1) وعبد الرزاق(2) بإسناد صحيح. وعنه قال: (في الحلي زكاة) أخرجه ابن أبي شيبة(3) وأبو عبيد(4) وابن زنجويه(5) بإسناد ضعيف.
4- وعن القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة أنه سئل عن زكاة الحلي ؟ فقال: (ما رأيت عائشة أمرت به نساءها ولا بنات أخيها). أخرجه أبو عبيد(6) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن إبراهيم بن أبي المغيرة وهو في المدونة لمالك(7) من طريق أشهب عن سليمان بن بلال أن يحيى بن سعيد حدثه أن, إبراهيم بن أبي مغيرة أنه سأل القاسم بن محمد عن زكاة الحلي؟ فقال القاسم: ما أدركت أو ما رأيت أحداً صدقه. وإبراهيم هذا ذكره ابن حبان في الثقات(8). وأخرجه أبو عبيد(9) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري أيضاً عن صاحب له أنه سأل القاسم بن محمد عن صدقة الحلي. وصاحبه لم أقف عليه ويمكن أن يكون إبراهيم المذكور في الطريق الأولى ويمكن أن يكون غيره. وعلى أي حال سنده حسن إن شاء الله.
5- وعن قتادة بن دعامة السدوسي قال: (كان يقال: زكاة الحلي أن يعار ويلبس) أخرجه أبو عبيد(10) بإسناد حسن.
6- وعن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: (ليس في الحلي زكاة) أخرجه ابن أبي شيبة(11) وابن زنجويه(12) بإسناد صحيح.
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(2) - مصنف عبد الرزاق (4/82) رقم (7050).
(3) - مصنف ابن أبي شيبة ( 3/154).
(4) - الأموال لأبي عبيد ص (446) رقم (1268).
(5) - الأموال لابن زنجويه (3/978) رقم (1777)
(6) - الأموال لأبي عبيد ص ( 447) رقم (1278).
(7) - المدونة لمالك (1/212).
(8) - الثقات لابن حبان ( 6/23).
(9) - الأموال لأبي عبيد ص ( 447) رقم (1279).
(10) - الأموال لأبي عبيد ص (448) رقم ( 1284).
(11) - مصنف ابن أبي شيبة ( 3/155).
(12) - الأموال لابن زنجويه ( 3/983) رقم (1791).(1/70)
7- وعن هشام بن عروة بن الزبير أنه قال : (لم أر عروة يزكي الحلي). هكذا جاء في "المدونة" لمالك(1) من طريق أشهب عن المنذر بن عبدالله. والمنذر ابن عبدالله هو ابن المغيرة وتقدم في أثر أسماء بنت عميس أن ابن حبان وثقه.
8- 9- , 10- وعن علي بن عبدالله البارقي الأزدي وخلاس بن عمرو الهجري وأبي حسان الأعرج مسلم بن عبدالله البصري أنهم قالوا : (ليس فيه زكاة).
أخرجه ابن زنجويه(2) بإسناد حسن.
11- وعن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية أنها سئلت عن زكاة الحلي ؟ فقالت: (ما رأيت أحداً يزكيه. وقد كان لي عقد فيه ثنتا عشرة مائة فما كنت أصدقه).
أخرجه ابن أبي شيبة(3) وأبو عبيد(4) وهو في "المدونة" لمالك(5) وإسناده صحيح.
12- وعن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم كانت تقول : (زكاته عاريته) أخرجه ابن زنجويه (6).
13- وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن الحلي المتخذ للنساء لا زكاة فيه وأنه العمل المعمول به في المدينة خارج عن قوله عليه الصلاة والسلام : "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" كأنه قال: "الصدقة واجبة من الورق فيما بلغ خمس أواق ما لم يكن حليا متخذا لزينة النساء بدليل ما انتشر في المدينة عند علمائها من أنه لا زكاة في الحلي" اهـ(7).
من قال بزكاة الحلي من التابعين
__________
(1) - المدونة لمالك (1/212).
(2) - الأموال لابن زنجويه (3/982 ) رقم (1789).
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(4) - الأموال لأبي عبيد ص (447) رقم (1280).
(5) - المدونة لمالك (1/212).
(6) - الأموال لابن زنجويه (3/985) رقم (1799).
(7) - الاستذكار (9/68) رقم 12457.(1/71)
1- عن إبراهيم النخعي قال : (في الحلي زكاة). أخرجه ابن أبي شيبة(1) وعبد الرزاق(2) وأبو عبيد(3) وابن زنجويه(4) بإسناد صحيح.
2- وعن مكحول الشامي قال: (في الحلي زكاة). أخرجه ابن أبي شيبة(5) بإسناد ضعيف فيه الحجاج بن أرطأة مدلس وقد عنعن ولم يسمع من مكحول, قاله أهل العلم.
3- وعن الضحاك بن مزاحم قال: (يزكى الحلي كل سنة). أخرجه ابن زنجويه(6) بإسناد حسن.
4- 5 - وعن علقمة والأسود قالا: (في الحلي زكاة) أخرجه ابن زنجويه(7) بإسناد فيه مسلم بن كيسان الضبي وهو ضعيف.
6-وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد أنه سئل هل في الحلي زكاة؟ قال: نعم إذا كان عشرين مثقالاً أو مائتي درهم.
أخرجه ابن أبي شيبة(8) وأبو عبيد(9) وفي سنده حبيب بن أبي حبيب الأنماطي وثقه بعضهم وضعفه آخرون.
7- وعن عبدالله بن شداد بن الهادي الليثي قال: (في الحلي زكاة حتى في الخاتم).
أخرجه ابن أبي شيبة(10) وعبد الرزاق(11) ومحمد بن الحسن(12) وابن زنجويه(13) بإسناد صحيح, إلا أن إيجابه الزكاة في أقل من النصاب فيه غرابة شديدة!!
8- وعن ميمون بن مهران أنه سئل عن زكاة الحلي فقال: (إن لنا طوقا لقد زكيته حتى أتى عليه نحو ثمنه).
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(2) - مصنف عبد الرزاق (4/84) رقم (7059).
(3) - الأموال لأبي عبيد ص (446)رقم (1266).
(4) - الأموال لابن زنجويه (3/976) رقم ( 1768).
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(6) - الأموال لابن زنجويه (3/978) رقم (1776).
(7) - الأموال لابن زنجويه (3/976) رقم (1771).
(8) - مصنف ابن أبي شيبة ( 3/154).
(9) - الأموال لأبي عبيد ص (446)رقم (1271).
(10) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(11) - مصنف عبد الرزاق (4/84) رقم (7058).
(12) - الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن (1/452).
(13) - الأموال لابن زنجويه (3/975) رقم (1767).(1/72)
أخرجه أبو عبيد(1) وابن زنجويه(2) بإسناد حسن.
9- وعن عمر بن ذر الهمداني قال: أوصاني أبي أن أزكي طوقاً في عنق أختي. قال أبي وكان يقال: إن الشيء الموضوع إذا زكي مرة فإنه لا يزكى حتى يقلب في شيء آخر).
أخرجه عبد الرزاق(3) وابن زنجويه(4) وإسناده جيد.
فهؤلاء تسعة من التابعين - كما ترى - نقل عنهم القول بزكاة الحلي. خمسة صح عنهم القول في ذلك وهم إبراهيم, والضحاك, وعبدالله بن شداد, وميمون بن مهران, وذر الهمداني. مع أن في قول عبدالله بن شداد وذر الهمداني نظرا. وأربعة في نسبته إليهم مقال.
أما ثلاثة منهم فلم يصح عنهم وهم مكحول, وعلقمة, والأسود. وأما جابر ابن زيد ففي نسبته إليه ضعف كما علمت.
الضرب الثالث من التابعين الذين نسب إليهم القولان
أعلم أنه نقل عن بعض التابعين القولان: القول بعدم زكاة الحلي والقول بزكاته ومن الذين نقل عنهم ذلك – فيما وقفت عليه – ما يأتي:
1- عن سعيد بن المسيب قال: (الحلي إذا لبس وانتفع به فلا زكاة فيه).
أخرجه ابن أبي شيبة(5) والبيهقي(6) وأبو عبيد(7) وابن زنجويه(8) بإسناد صحيح.
وهو في "المدونة" لمالك بنحو هذا اللفظ من طريق ابن مهدي عن هشام عن قتادة عن سعيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وتقدم أن سنده صحيحا أيضاً.
وعنه أنه سئل أفي الحلي الذهب والفضة زكاة ؟ قال: نعم. قيل: إذن يفنى ؟ قال : ولو).
أخرجه عبد الرزاق (9) بإسناد صحيح.
__________
(1) - الأموال لأبي عبيد ص ( 446) رقم (1274).
(2) - الأموال لابن زنجويه (3/976) رقم (1770).
(3) - مصنف عبد الرزاق (4/82) رقم (7045).
(4) - الأموال لابن زنجويه (3/976) رقم (1772).
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (3/155).
(6) - سنن البيهقي (4/140).
(7) - الأموال أبي عبيد ص (447) رقم ( 1281 – 1282 ).
(8) - الأموال لابن زنجويه (3/983) رقم (1793).
(9) - مصنف عبد الرزاق (4/84) رقم ( 7060).(1/73)
والقول الأول أرجح لكثرة طرقه ولأن رجال سنده اثبت وأحفظ من رجال طريق القول الثاني. والله اعلم.
2- وعن عمر بن عبد العزيز قال: زكاة الحلي أن يعار ويلبس. تقدم تخرجيه مع أثر سيعد بن المسيب والحسن البصري وأنه صحيح.
وعنه أنه يأمر بناته أن يزكين حليهن.
أخرجه ابن زنجويه(1) ورجاله ثقات غير زبان بن عبد العزيز لم أجد من وثقه غير ابن حبان(2).
ولعله يعني في أمره بناته بزكاة الحلي الإعارة واللبس كما نص عليه في الرواية الأولى. والعلم عند الله.
3- وعن سعيد بن جبير قال: (في الحلي الذهب والفضة زكاة). أخرجه ابن أبي شيبة(3) وعبد الرزاق(4) بإسناد الصحيح.
وعنه أنه لا زكاة فيه قاله النووي(5).
4- وعن محمد بن سيرين قال: (في الحلي في عشرين مثقالاً نصف مثقال وفي أربعين مثقالا مثقال). أخرجه أبو عبيد(6) وفيه منصور بن المعتمر يدلس وقد عنعن. وعنه لا زكاة في الحلي قاله النووي(7).
5- وعن عطاء بن أبي رباح قال: (إذا بلغ الحلي ما تجب فيه الزكاة ففيه الزكاة).أخرجه ابن أبي شيبة(8) وعبد الرزاق(9) وأبو عبيد(10) وابن زنجويه(11) وإسناده صحيح. وعنه أنه قال: لا زكاة فيه. نقله عنه النووي(12).
__________
(1) - الأموال لابن زنجويه (3/977) رقم (1774).
(2) - الثقات لابن حبان (6/347).
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(4) - مصنف عبد الرزاق (4/85) رقم (7063).
(5) - المجموع شرح المهذب للنووي (5/501).
(6) - الأموال لأبي عبيد ص (446) رقم (1272).
(7) - المجموع شرح المهذب (5/501).
(8) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(9) - مصنف عبد الرزاق (4/84) رقم (7061).
(10) - الأموال لأبي عبيد ص (446) رقم (1269 – 1270).
(11) - الأموال لابن زنجويه (3/977) رقم (1773).
(12) - المجموع شرح المهذب (5/501).(1/74)
6- وعن محمد بن شهاب الزهري قال: (الزكاة في الحلي في كل عام). أخرجه عبد الرزاق(1) وابن أبي شيبة(2) وابن زنجويه(3) وإسناده صحيح. وعنه لا زكاة فيه قاله النووي(4).
7- وعن مجاهد بن جبر قال في زكاة الحلي : (إذا بلغ مائتي درهم أو عشرين مثقالاً ففيه الزكاة).
أخرجه أبو عبيد(5) بإسناد ضعيف فيه مروان بن شجاع صدوق له أوهام وشيخه خصيف بن عبد الرحمن الجزري سيء الحفظ وقد اختلط في أخره.
وعنه لا زكاة في الحلي قاله النووي أيضاً(6).
فهؤلاء سبعة من التابعين نقل عنهم القول بزكاة الحلي والقول بعدم زكاته. وعند التحقيق تبين أن الراجح من قولي اثنين منهم عدم زكاته وهما سعيد ابن المسيب, وعمر بن عبد العزيز.
وأن الراجح من قولي ثلاثة منهم زكاته وهم سعيد بن جبير وعطاء ومحمد ابن شهاب الزهري لأنه قد صح سند نسبته إليهم. وأما القول بعدم زكاته فلم أقف له على سند إلا عزو بعض أهل العلم إليهم القول فيه كالنووي والشنقيطي(7) وغيرهما.
وأما مجاهد وابن سيرين ففي نسبة القولين إليهما مقال كما مر.
فهذا ما وقفت عليه من كلام التابعين الذين تكلموا في هذه المسألة وعددهم ثمانية وعشرون نفراً. والذين صح عنهم القول بعدم زكاته – كما سلف – أربعة عشر نفرا وهم الحسن البصري وعامر الشعبي وطاووس والقاسم بن محمد وقتادة بن دعامة ومحمد بن علي الباقر وعروة بن الزبير وعلي بن عبدالله البارقي وخلاس بن عمرو الهجري ومسلم بن عبدالله البصري وسعيد بن المسيب وعمر ابن عبد العزيز وعمرة بنت عبد الرحمن وفاطمة بنت الحسين.
__________
(1) - مصنف عبد الرزاق ( 4/83) رقم (7054).
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (3/154).
(3) - الأموال لابن زنجويه (3/978 ) رقم (1775).
(4) - المجموع شرح المهذب (5/501).
(5) - الأموال لأبي عبيد ص (446) رقم (1269).
(6) - المجموع شرح المهذب (5/501).
(7) - أضواء البيان للشنقيطي ( 2/445).(1/75)
وأن الذين صح عنهم القول بزكاته ستة وهم إبراهيم النخعي والضحاك وميمون بن مهران وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن شهاب الزهري.
وأما مذهب عبدالله بن شداد فلا يعتد به لشذوذه وذلك أنه أوجب الزكاة في أقل من النصاب بكثير وهو الخاتم وهذا مجرد رأي لا دليل عليه بل هو مخالف, للدليل في النصاب المعتبر في الذهب والفضة كما هو معروف!.
وكذلك مذهب ذر الهمداني في وصيته لابنه أن يزكي الطوق الذي في عنق أخته وذكره القول بأن الشيء الموضوع إذا زكي مرة فإنه لا يزكى حتى يقلب في شيء آخر فهو مجرد رأي لا دليل عليه بل هو مخالف للدليل. فالزكاة الشرعية في الذهب والفضة لابد من إخراجها في كل عام كما هو معلوم فكيف يمكن أن نوجب الزكاة في الطوق مرة واحدة ثم نترك زكاته حتى يقلب في شيء أخر! هذا لا يمكن شرعا بل هو تحكم!!
قال ابن حزم: (واتفقوا على أن الزكاة تتكرر في كل مال عند انقضاء كل حول حاشا الزرع والثمار فإنهم اتفقوا أن لا زكاة فيها إلا مرة واحدة في الدهر فقط) اهـ(1).
الحاصل
أنه لا زكاة في الحلي وذلك للحقائق التالية:
1- أنها قامت الأدلة من السنة وعمل الصحابة والقياس والوضع اللغوي على عدم زكاة الحلي.
2- أنه لم يقم دليل صحيح صريح على وجوب زكاته بل غاية ما ورد في ذلك أحاديث صريحة غير صحيحة.
3- أن المنقول من عمل الصحابة الثابت الصريح هو عدم زكاته. ولم يثبت عن أحد منهم أنه قال بزكاته.
4- أن عدم زكاة الحلي هو مذهب الجماهير من أهل العلم ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه والليث بن سعد وإمام الأئمة ابن خزيمة وغيرهم كما سلف ذِكر بعضهم.
5- أنه ثبت بالإجماع أن الشرع قد عفا عن زكاة المنازل السكنية وأثاثها وثياب البدن وعبيد الخدمة والبقر والإبل العوامل ومثلها سيارات الاستعمال ونحوها.
__________
(1) - مراتب الإجماع لابن حزم ص (38).(1/76)
يقول ابن هبيرة (واجمعوا على أنه ليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث والمنزل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة) اهـ.(1).
فإذا كانت المنازل السكنية لا زكاة فيها مع أنه قد يكون للإنسان الواحد أكثر من منزل, وقيمة المنزل الواحد قد تبلغ مئات الآلاف بل الملايين من الريالات وقد يكون له أكثر من سيارة. وقيمة السيارة تبلغ عشرات الآلاف من الريالات وليس فيها زكاة فكذلك الحلي قد عفا عنه لأنه مثل ذلك سواء بسواء, لأن علة العفو فيها كونها مستعملة أو معدة للاستعمال وأنها غير نامية وهذه العلة موجودة في الحلي فهو مستعمل مباح غير نامي كما هو معلوم. وعلى هذا فقد تحقق وجود علة الأصل في الفرع فيأخذ حكمه وهو عدم الزكاة في الفرع.
فكما أنه لو تغير وجه الانتفاع بهذه الأموال المذكورة وما في معناها من كونها معدة للاستعمال غير نامية إلى وجه آخر كإعدادها للنماء كالبيع والشراء لوجبت فيها الزكاة لأنها أصبحت عروض تجارة.
فكذلك يقال في الحلي المباح إذا أعد للنماء والتكسب والتجارة فإنها تجب فيه الزكاة سواء بسواء. لأن العلة في الجميع واحدة. والعلم عند الله تعالى.
هذا آخر ما قصدت بيانه في هذه المسألة الهامة. والله أسأل بأسمائه وصفاته أن يجعل عملي خالصا لوجهه مصيبا لشرعة نافعا لعباده إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وكان الفراغ من تبيض هذا الكتاب المبارك في ليلة الأحد الحادية والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة عشر وأربعمائة وألف هجرية 21/4/1410 هـ بقلم الفقير إلى الله المعترف بالتقصير والهفوات فريح بن صالح بن فريح البهلال. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبهدايته وتوفيقه تنال الغايات, وصلى الله وسلم على المبعوث بأكمل وأتم الرسالات نبينا محمد وآله وصبحه خير القرون المفضلات ومن اقتفى أثرهم بالأقوال والأعمال الصالحات.
(
__________
(1) - الإفصاح لابن هبيرة (1/218).(1/77)
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين).
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
جريدة المراجع
(أ)
1- " إحكام الأحكام شرح أصول الأحكام " لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم, الطبعة الأولى عام 1375 هـ
2- " أحكام القرآن " للجصاص, الطبعة الثانية.
3- " أحكام القرن " لابن العربي, الطبعة الثانية 1387 هـ.
4- " آداب الزفاف" للألباني, الطبعة الأولى الجديدة 1409 هـ.
5- " إرشاد أولي البصائر والألباب " للعلامة ابن سعدي. طبعة 1400 هـ.
6- " إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول " للعلامة الشوكاني, نشر دار الفكر.
7- " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقران " للإمام الشنقيطي, توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
8- " إرواء الغليل" للألباني, الطبعة الأولى 1399 هـ.
9- " الإفصاح عن معاني الصحاح " لابن هبيرة, نشر المؤسسة السعدية بالرياض 1398 هـ.
10- " إعلام الموقعين عن رب العالمين " , نشر مكتبة الكليات الأزهرية 1388 هـ.
11- " الأموال " لابن زنجويه, الطبعة الأولى 1406 هـ
12- " الأموال " لأبي عبيد, الطبعة الأولى 1406 هـ.
13- " الأم " للشافعي, الطبعة الثانية 1393 هـ.
(ب)
14- " بدائع الفوائد " للإمام ابن القيم, نشر دار العربي بيروت.
15- " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " لابن رشد, نشر مكتبة الكليات الأزهرية 1386 هـ .
16- " البغية في أحكام الحلية " لزيد بن مرزوق بن عبد المحسن, الطبعة الأولى 1407 هـ.
17- " بلوغ الأماني شرح الفتح الرباني " نشر دار الشهاب القاهرة.
18- " بلوغ المرام من أدلة الأحكام " للحافظ ابن حجر.
19- " بيان العيب في رواية عمرو بن شعيب " للمؤلف مخطوط.
(ت)
20- " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي " نشر دار الكتب العلمية – بيروت.
21- " التاريخ الكبير " للبخاري.(1/78)
22- " التبصرة والتذكرة شرح ألفية العراقي " كلاهما للعراقي, نشر دار الباز.
23- " تحفة الأحوذي" للمبار كفوري, الطبعة الثالثة, دار الفكر 1399 هـ.
24- " التحقيق" لابن الجوزي – مخطوط.
25- " الترغيب والترهيب " للإمام المنذري تحقيق عبد الحميد محي الدين, الطبعة الأولى 1379 هـ.
26- " تفسير أبي السعود " نشر مكتبة الرياض الحديثة 1401 هـ.
27- " تفسير القرآن العظيم " للإمام ابن كثير.
28- " تفسير المنار " لمحمد رشيد رضا, طبعة دار المعرفة – بيروت.
29- " التلخيص الجبير" للحافظ ابن حجر, طبع سنة 1384 هـ.
30- " التمهيد في أصول الفقه " لمحفوظ, الطبعة الأولى 1406 هـ.
31- " تنقيح التحقيق " لابن عبد الهادي. الطبعة الأولى 1409 هـ.
32- " تهذيب الأسماء واللغات " للإمام النووي. إدارة الطباعة المنيرية.
33- " تهذيب تاريخ دمشق" لعبد القادر بدران – دار المسيرة, الطبعة الثانية 1399 هـ.
34- " تهذيب التهذيب " للحافظ ابن حجر.
35- " تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي, مخطوط.
36- " تهذيب اللغة" للأزهري, نشر الدار المصرية 1384 هـ.
(ث)
37- " الثقات " لابن حبان, الطبعة الأولى 1393 هـ.
(ج)
38- " جامع الأصول" لابن الأثير " طبعة 1389 هـ.
39- " جامع البيان" للإيجي, الطبعة الثانية, 1397 هـ.
40- " جامع التحصيل في أحكام المراسيل" للعلائي, الطبعة الثانية 1407 هـ.
41- " الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي,طبعة دار الشعب.
42- " الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم, الطبعة الأولى 1371 هـ.
43- " جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب " للحويني, الطبعة الأولى 1407 هـ.
(ح)
44- " حاشية الروض المربع " لعبد الرحمن بن قاسم النجدي الحنبلي, الطبعة الثانية 1403 هـ.
45- " حاشية سنن البيهقي " لابن التركماني, الطبعة الأولى 1344 هـ.
46- " حاشية السندي على سنن النسائي " للسندي, الطبعة الأولى 1348 هـ.
(د)(1/79)
47- " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " للحافظ ابن حجر نشر دار المعرفة بيروت.
48- " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " للسيوطي, الطبعة الأولى 1403 هـ.
49- " رسالة وجوب زكاة الحلي " للشيخ محمد بن صالح العثيمين.
50- " روح المعاني " للألوسي – دار الفكر 1408 هـ.
51- " روضة الناظر وجنة المناظر " لابن قدامة, طبعة 1389 هـ.
(ز)
52- " زاد المعاد في هدي خير العباد " لشمس الدين ابن القيم, الطبعة الثالثة عشر 1406 هـ.
53- " زكاة الحلي على المذاهب لأربعة " لعطية محمد سالم.
54- " زكاة الحلي " لنبيل البصارة, الطبعة الأولى 1407 هـ.
55- " الزواجر عن اقتراف الكبائر " لابن حجر الهيتمي, دار المعرفة, ببيروت 1402 هـ,
(س)
56- " سؤالات ابن الجنيدي " لابن معين, الطبعة الأولى 1408 هـ.
57- " سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة " لابن المديني في الجرح والتعديل, الطبعة الأولى 1404 هـ.
58- " سبل السلام " للإمام الصنعاني, نشر مكتبة الجمهورية العربية 1397 هـ.
59- " سفر السعادة " للفيروز آبادي, الطبعة الثانية 1346 هـ.
60- " سنن أبي داود " الكتب الستة دار الدعوة 1395 هـ.
61- " سنن الترمذي " الكتب الستة دار الدعوة 1395 هـ.
62- " سنن الدارقطني " نشر دار المحاسن للطباعة – القاهرة.
63- " السنن الكبرى " للبيهقي, الطبعة الأولى 1344 هـ.
64- " سنن النسائي " الكتب الستة دار الدعوة 1395 هـ.
65- " سير أعلام النبلاء " للذهبي, الطبعة الثانية 1402 هـ.
66- " السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار " للشوكاني, الطبعة الأولى 1405 هـ.
(ش)
67- " شرح الزرقاني على موطأ مالك " دار المعرفة بيروت 1407 هـ.
68- " شرح السنة " للبغوي, الطبعة الثانية 1403 هـ.
69- " شرح علل الترمذي " للحافظ ابن رجب, الطبعة الأولى 1398 هـ.
70- " الشرح الكبير " لأبي الفرج ابن قدامة, طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – كلية الشريعة.(1/80)
71- " شرح الكوكب المنير " للفتوحي, الطبعة الأولى 1372 هـ.
72- " شرح مسند الإمام أحمد " لأحمد شاكر – دار المعرفة بمصر.
(ص)
73- " الصباح " للجوهري, الطبعة الثالثة 1403 هـ.
74- " صحيح ابن خزيمة " الطبعة الأولى.
75- " صحيح البخاري " – الكتب الستة دار الدعوة 1395 هـ.
76- " صحيح مسلم " - الكتب الستة دار الدعوة 1395 هـ.
(ض)
77- " الضعفاء الصغير " للبخاري, الطبعة الأولى 1406 هـ.
78- " الضعفاء الكبير " للعقيلي, الطبعة الأولى 1404 هـ.
(ط)
79- " الطرق الحكمية " للإمام ابن القيم, نشر أحياء علوم الدين – بيروت.
80- " طبقات المدلسين " للحافظ ابن حجر.
(ع)
81- " العدة في أصول الفقه" للقاضي أبي يعلى, الطبعة الأولى 1400 هـ.
82- " العلل ومعرفة الرجال " للإمام أحمد – استانبول 1987 م.
83- " علوم الحديث " لابن الصلاح, نشر المكتبة العلمية بيروت 1401 هـ.
84- " عمدة القاري " للعيني, نشر دار الفكر.
85- " الغاية القصوى في دراية الفتوى " للبيضاوي, نشر دار النصر للطباعة الإسلامية.
86- " غريب الحديث" لإبراهيم الحربي, الطبعة الأولى 1405 هـ
87- " غريب الحديث " لابن الجوزي, الطبعة الأولى 1405 هـ.
88- " غريب الحديث " لابن قتيبة, الطبعة الأولى 1408 هـ.
(ف)
89- " فتاوى الدعوة " لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز, الطبعة الثالثة 1409 هـ.
90- " فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ".
91- " فتح الباري شرح صحيح البخاري " , نشر دار البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
92- " فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية " للشوكاني, الطبعة الثالثة 1383 هـ.
93- " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للشوكاني, الطبعة الثانية 1392 هـ.
94- " فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي " الطبعة الثانية 1391 هـ.
(ق)
95- قاعدة في الجرح والتعديل " للسبكي, الطبعة الخامسة 1404 هـ.(1/81)
96- " قواعد التحديث " للقاسمي, الطبعة الأولى 1399 .
(ك)
97- " الكافي في فقه أهل المدينة " لابن عبد البر, الطبعة الأولى, نشر مكتبة الرياض الحديثة 1398 هـ.
98- " الكامل في ضعفاء الرجال " لابن عدي, الطبعة الأولى 1404 هـ.
99- " الكبائر " للذهبي, الطبعة الثالثة, مطبعة الاستقامة القاهرة .
100- " كتاب الحجة على أهل المدينة " لمحمد بن الحسن , الطبعة الثالثة 1403 هـ.
101- " كتاب العين " للخليل بن أحمد الفراهيدي, الطبعة الأولى , 1403 هـ.
102- " كشاف القناع عن متن الإقناع " للشيخ منصور البهوتي, مطبعة الحكومة بمكة 1394 هـ.
103- " الكفاية في علم الرواية " للخطيب البغدادي, نشر المكتبة العلمية المدينة المنورة.
104- " لسان العرب " لابن منظور, طبعة دار المعارف.
105- " لسان الميزان " للحافظ ابن حجر, الطبعة الثالثة 1406 هـ.
(م)
106- " مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب " الفقه نشر جامعة الإمام محمد.
107- " المبدع شرح المقنع " للعلامة ابن مفلح, نشر المكتب الإسلامي 1980 م.
108- " المجروحون من المحدثين والضعفاء والمتروكون" لابن حبان, الطبعة الثانية 1402 هـ.
109- " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " للهيثمي, الطبعة الثالثة 1402 هـ.
110- " المجموع شرح المهذب " للنووي, تحقيق المطيعي.
111- " مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية, الطبعة الأولى 1383 هـ.
112- " محاسن التأويل " للقاسمي, الطبعة الأولى 1376 هـ.
113- " المحلى " لابن حزم, نشر مكتبة الجمهورية العربية 1387 هـ.
114- " مختصر سنن أبي داود " للمنذري, دار المعرفة بيروت.
115- " المدونة الكبرى " لمالك,دار الفكربيروت.
116- " مراتب الإجماع " لابن حزم, نشر مكتبة القدس 1357 هـ.
117- " المراسيل " لابن أبي حاتم الرازي, الطبعة الأولى 1403 هـ.
118- " مرعاة المفاتيح " لعبيد الله المبار كفوري , الطبعة الثالثة.
119- " مرقاة المفاتيح " لعلي القاري, دار أحياء التراث.(1/82)
120- " مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود " الطبعة الثانية, نشر محمد أمين دمج بيروت.
121- " مسائل الإمام أحمد براوية ابنته عبدالله " , الطبعة الأولى, المكتب الإسلامي.
122- " مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ, الطبعة الأولى, المكتب الإسلامي.
123- " مستدرك الحاكم " , نشر مطابع النصر الحديثة.
124- " المستصفى" للغزالي, الطبعة الأولى 1322 هـ.
125- " مسند الإمام أحمد " , المكتب الإسلامي, الطبعة الرابعة.
126- " مسند الشافعي " , الطبعة الأولى 1322 هـ.
127- " مشكاة المصابيح " للتبريزي, الطبعة الثالثة 1399 هـ.
128- " مصنف ابن أبي شيبة ", الدار السلفية.
129- " مصنف عبد الرزاق" الطبعة الثانية, المكتب الإسلامي.
130- " المطلع على المقنع " للبعلي, طبعة المكتب الإسلامي.
131- " معالم السنن " للخطابي مختصر "سنن أبي داود " للمنذري, دار المعرفة بيروت.
132- " معجم مقاييس اللغة " لابن فارس, الطبعة الأولى 1366 هـ.
133- " المعجم الكبير" للطبراني, الطبعة الثانية.
134- " المعجم الوسيط في اللغة ".
135- " معرفة الآثار والسنن " للبيهقي, مخطوط.
136- " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي- نشر الكتاب العربي, بيروت.
137- " المغني " لابن قدامة, نشر مكتبة الجمهورية العربية.
138- " مقدمات ابن رشد " حاشية _ "المدونة" لمالك.
139- " المنتقى شرح موطأ مالك " للباجي, الطبعة الأولى, 1331 هـ.
140- " موطأ مالك ", دار الدعوة, الكتب الستة.
141- " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " للذهبي, الطبعة الأولى 1382 هـ.
(ن)
142- " النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير, الطبعة الأولى, أحياء التراث الإسلامي 1383 هـ.
143- " نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب " لابن بسام, الطبعة الأولى, مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة.
144- " نصب الراية " للزيلعي, نشر دار الحديث.
(هـ)
145- الهداية في تخريج أحاديث البداية " للغماري, الطبعة الأولى.(1/83)