وَكلُّ مَا أتْلَفَهُ المحْجُورُ فَغُرْمُهُ مِن مَالِهِ المشْهُورُ (وكل مَا أتْلفه الْمَحْجُور) صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا سَفِيها من مَال غَيره تَعَديا، بِأَكْل أَو حرق أَو كسر وَنَحْو ذَلِك وَلم يكن قد أَمن عَلَيْهِ (فغرمه من مَاله) الَّذِي بِيَدِهِ هُوَ (الْمَشْهُور) ظَاهره سَوَاء صرفه فِيمَا لَا بُد مِنْهُ أَو لَا، وَهُوَ كَذَلِك أَي: وَظَاهره أَيْضا وَلَو لم يكن بِيَدِهِ مَال وَقت إِتْلَافه فَإِنَّهُ يتبع بِهِ فِي ذمَّته إِن حصل لَهُ يسر فِي يَوْم مَا وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أودعته وَدِيعَة فاستهلكها ابْنه فَذَلِك فِي مَال الابْن فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَفِي ذمَّته، وَقَالَ الرجراجي فِي كتاب الْمديَان إِن جِنَايَة الصَّغِير على الْأَمْوَال لَازِمَة لمَاله وذمته اه. وَظَاهر النّظم أَيْضا ضَمَانه لما أتْلفه وَلَو كَانَ غير مُمَيّز كَابْن شهر، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة أَن الصَّبِي الَّذِي سنه فَوق شهر يَصح أَن يَتَّصِف بِمَا يُوجب غرمه وَهُوَ جِنَايَته على المَال مُطلقًا وعَلى الدِّمَاء فِيمَا قصر عَن ثلث الدِّيَة بِخِلَاف ابْن شهر، لِأَن فعله كالعجماء حَسْبَمَا تقرر فِي أول كتاب الْغَصْب اه. بل ذكر فِي الشَّامِل وضيح فِي بَاب الْغَصْب أَي: فِيمَن لم يُمَيّز لجنون أَو صغر كَابْن شهر أَو سِتَّة أشهر أَو سنة أَو سنتَيْن أَو أَكثر ثَلَاثَة أَقْوَال. قيل، هدر، وَقيل المَال هدر دون الدَّم فَهُوَ على الْعَاقِلَة إِن بلغ الثُّلُث وإلاَّ فَفِي مَاله، وَثَالِثهَا المَال فِي مَاله وَالدَّم على عَاقِلَته إِن بلغ الثُّلُث، واستظهره ابْن عبد السَّلَام وضيح لِأَن الضَّمَان من خطاب الْوَضع الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ تَكْلِيف وَلَا تَمْيِيز، وَهَذِه الطَّرِيقَة أرجح مِمَّا تقدم عَن ابْن عَرَفَة فالمميز لَا خلاف فِي ضَمَانه وَغَيره فِيهِ طرق وَالرَّاجِح الضَّمَان فتعبير النَّاظِم بالمشهور صَحِيح بِالنِّسْبَةِ لغير الْمُمَيز، وَهَذَا كُله إِذا لم يُؤمن عَلَيْهِ كَمَا قَررنَا، وَأما إِن كَانَ قد أَمن عَلَيْهِ فَفِيهِ تَفْصِيل أَشَارَ لَهُ بقوله: إلاَّ إذَا طَوْعاً إلَيْهِ صَرَفَهْ وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أتْلَفَهْ (إِلَّا إِذا طَوْعًا إِلَيْهِ صرفه) : بِأَن أَمنه عَلَيْهِ فَيصدق بِمَا إِذا أقْرضهُ إِيَّاه أَو بَاعه أَو ودعه أَو أَعَارَهُ إِيَّاه وَنَحْو ذَلِك. (و) الْحَال أَنه (فِي سوى مصلحَة) لنَفسِهِ (قد أتْلفه) الصَّبِي أَو السَّفِيه فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ لَا فِي المَال الَّذِي بِيَدِهِ وَلَا فِي غَيره لِأَن ربه بتأمينه إِيَّاه قد سلطه عَلَيْهِ، وَلذَا لَو بَاعَ الْوَدِيعَة أَو العَبْد الَّذِي بَعثه للإتيان بِهِ وأتلف ثمنه فِي غير مصلحَة فَإِن رب العَبْد أَو الْوَدِيعَة(2/500)
يأخذهما من مشتريهما وَالثمن قد ضَاعَ على المُشْتَرِي، وَمَفْهُوم قَوْله فِي سوى مصلحَة أَنه إِذا أتْلفه فِي مصْلحَته بِأَن أكله أَو لبسه أَو صرف ثمنه فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يضمن الْأَقَل مِنْهُ وَمِمَّا صونه كَمَا مر فِي الْوَدِيعَة، وَهُوَ مَحْمُول مَعَ جهل الْحَال على أَنه صرفه فِي غير مصلحَة حَتَّى يثبت أَنه صرفه فِيهَا على الْمُعْتَمد كَمَا مر. وَفِعْلُهُ بِعَوَضِ لاَ يُرْتَضَى وَإنْ أَجَازَهُ وَصِيُّهُ مَضَى (وَفعله) أَي الْمَحْجُور صَبيا كَانَ أَو سَفِيها مولى عَلَيْهِ أم لَا (بعوض) كَبَيْعِهِ لشَيْء من مَاله أَو إِجَارَته وَنَحْو ذَلِك (لَا يرتضى) أَي لَا يمْضِي بل هُوَ مَوْقُوف على إجَازَة وليه أَو الْحَاكِم إِن لم يكن لَهُ ولي (و) لذَلِك (إِن أجَازه وَصِيّه) وَنَحْوه من أَب أَو مقدم أَو الْحَاكِم إِن كَانَ مهملاً (مضى) حَيْثُ كَانَ فعله من بيع وَنَحْوه سداداً أَو عبطة أَو مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي نَفَقَته وإلاَّ لم يمض، وَلَو أَمْضَاهُ من ذكر لأَنهم معزولون عَن غير الْمصلحَة، وَتقدم قَرِيبا لِأَنَّهُ لَا يَمِين على الْوَلِيّ إِن ادّعى المُشْتَرِي من الْمَحْجُور أَن وليه أذن لَهُ فِي البيع وَنَحْوه، وَتقدم قَرِيبا أَيْضا أَنه إِذا تصرف بِمحضر وليه وسكوته فَإِنَّهُ مَاض لِأَن سُكُوته رضَا بِفِعْلِهِ، وَهَذَا إِذا كَانَ فعله سداداً ومصلحة وإلاَّ فَلَا، فَإِن لم يكن لَهُ ولي أَو كَانَ وَلم يعلم بِفِعْلِهِ حَتَّى رشد كَانَ النّظر إِلَيْهِ فِي الْإِجَازَة وَالرَّدّ وَلَو كَانَ سداداً، وَهَذَا إِذا لم يُغير الْحَال فِيمَا بَاعه بِزِيَادَة أَو نُقْصَان فِيمَا اشْتَرَاهُ كَمَا لِابْنِ رشد، وَانْظُر مَا تقدم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين عِنْد قَوْله: وَعكس هَذَا لِابْنِ سَحْنُون نمى الخ. وَتعْتَبر الْمصلحَة فِي رده وإمضائه يَوْم النّظر فِيهِ لَا يَوْم عقده على الْمُعْتَمد، وَهَذَا فِي عقد الْمُمَيز. وَأما غَيره فبيعه بَاطِل (خَ) : وَشرط عاقده تَمْيِيز الخ. وَفِي التَّبرُّعاتِ قد جَرَى العَمَلْ بِمَنْعِهِ وَلاَ يُجازُ إنْ فَعَلْ (وَفِي التَّبَرُّعَات) الصادرة من الْمَحْجُور كعتق وَهبة وَصدقَة أَو حبس (قد جرى الْعَمَل بِمَنْعه) مِنْهَا (وَلَا يجاز) فعله لَهَا (إِن) هُوَ (فعل) بل يتَعَيَّن على الْوَلِيّ ردهَا، فَإِن أجازها الْوَلِيّ أَو سكت عَنْهَا حَتَّى رشد وَملك أمره كَانَ النّظر فِي الرَّد وَالْإِجَازَة وَلَا يخرج من ذَلِك إِلَّا عتق أم وَلَده فَإِنَّهُ يمْضِي وَكَذَا وَصيته فَإِنَّهَا مَاضِيَة كَمَا يَأْتِي.(2/501)
وَظَاهِرُ السَّفَهِ جازَ الْحُلْمَا مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ فِيهِ خُلْفٌ عُلِمَا (وَظَاهر السَّفه) ثَابِتَة بِالْبَيِّنَةِ من نَعته وَصفته (جَازَ الحلما) حَال كَونه (من غير حجر) عَلَيْهِ بل بَقِي مهملاً لم يول عَلَيْهِ (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز فعله وَعدم جَوَازه (خلف علما) أَي قَولَانِ. أَحدهمَا. جَوَازُ فَعْلِهِ بأَمْرٍ لازِمِ لِمَالِكٍ والمَنْعُ لابنِ القَاسِمِ (جَوَاز فعله) وَلَو بِغَيْر عوض كعتق (بِأَمْر لَازم) وَهُوَ (لمَالِك) وكبراء أَصْحَابه لِأَنَّهُ يُرَاعِي فِي رد أَفعاله وجود الْولَايَة وَهِي مفقودة الْآن. (و) ثَانِيهمَا (الْمَنْع) من جَوَازه وَلَو بعوض وَوَافَقَ السداد (لِابْنِ الْقَاسِم) فَيكون لمن يولي عَلَيْهِ بعد النّظر فِي الرَّد وَالْإِجَازَة وَإِن لم يول عَلَيْهِ فالنظر لَهُ إِن رشد وَبِهَذَا الْعَمَل كَمَا مرّ، لِأَن ابْن الْقَاسِم يعْتَبر الْحَال وَبِه تعلم أَن خلاف ابْن الْقَاسِم لَيْسَ خَاصّا بالمهمل بل هُوَ حَتَّى فِي الْمولى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجوز فعله إِذا ظهر رشده وَلَو لم يُطلقهُ وليه كَمَا مر عِنْد قَوْله: والبالغ الْمَوْصُوف بالإهمال الخ. فالبيتان تكْرَار مَعَه. وبالّذي على صَغيرٍ مُهْمَلِ يُقْضَى إِذا صحَّ بمُوجبٍ جَلي (وَبِالَّذِي) ثَبت بِالْبَيِّنَةِ العادلة (على صَغِير مهمل) لَا وَصِيّ لَهُ وَلَا مقدم (يقْضِي) أَي يقْضِي القَاضِي بِالَّذِي ثَبت على المهمل من الْحُقُوق دُيُون أَو غَيرهَا من اسْتِحْقَاق أصُول أَو غَيرهَا بعد يَمِيني الْقَضَاء والاستحقاق (إِذا صَحَّ) الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ (بِمُوجب) بِكَسْر الْجِيم (جلي) بيِّن لَا مطْعن فِيهِ، وَلَا مَفْهُوم لصغير بل غَيره من سَفِيه مهمل أَحْرَى. وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغائِبِ إِلَى بُلُوغِهِ بِحُكْمٍ وَاجِبِ (وَهُوَ) أَي المهمل بَاقٍ (على حجَّته) إِذا وجد بَرَاءَة من الْحق أَو جرح بِبَيِّنَتِهِ فَإِنَّهُ ينفع (كالغائب) الْمُتَقَدّم فِي فَصله (إِلَى بُلُوغه) رشيدا حَال كَون بَقَائِهِ على الْحجَّة (بِحكم وَاجِب) فَقَوله: إِلَى بُلُوغه يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ بَاقٍ على حجَّته إِلَى بُلُوغه ورشده، كَمَا أَن الْغَائِب بَاقٍ عَلَيْهَا إِلَى قدومه وَإِلَى بِمَعْنى (عِنْد) وَلَا مَفْهُوم لقَوْله مهمل بل ذُو الْوَلِيّ كَذَلِك فِي بَقَائِهِ على حجَّته وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله فِي اللامية: بتعجيز ذِي الْإِيصَاء قَولَانِ حصلا الخ. وأصحهما كَمَا فِي أقضية المعيار أَنه بَاقٍ على حجَّته لِأَن وليه يعرف حججه الَّتِي تبطل مَا أثْبته الْقَائِم.(2/502)
وَيَدْفَعُ الْوَصِيُّ كلَّ مَا يَجِبْ مِنْ مَالِ مَنْ فِي حِجْرِهِ مَهْمَا طُلِبْ (وَيدْفَع الْوَصِيّ كل مَا يجب) وَيثبت على مَحْجُوره بعد عَجزه عَن الطعْن فِيمَا يثبت عَلَيْهِ (من مَال من فِي حجره) لَا من مَال نَفسه (مهما طلب) بذلك الدّفع وَحكم عَلَيْهِ الْحَاكِم بِهِ وَيبقى الْمَحْجُور على حجَّته على أصح الْقَوْلَيْنِ كَمَا مرّ. وَنَظَرُ الوصِيِّ فِي المَشْهُورِ مُنْسَحِبٌ عَلَى بَنِي المحْجُورِ (وَنظر الْوَصِيّ فِي الْمَشْهُور) الَّذِي بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان (منسحب على بني الْمَحْجُور) وَبنَاته تبعا لَهُ، وَظَاهره كَانُوا موجودين وَقت الْإِيصَاء أَو حدثوا بعده، وَخَالف ابْن زرب فِي ذَلِك وَقَالَ: لَا نظر للْوَصِيّ على بني مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم من القَاضِي قَالَ المكناسي فِي آخر مجالسه: وَبِه الْعَمَل وَالْقَضَاء، وَنَحْوه فِي وثائق الغرناطي والخرشي والزرقاني عِنْد قَوْله: وَالْوَلِيّ الْأَب الخ. فَتبين أَن كلا من الْقَوْلَيْنِ عمل بِهِ، وَلَكِن الَّذِي عول عَلَيْهِ ناظم عمل فاس هُوَ مَا للمكناسي وَمن مَعَه فَقَالَ: وَلَا انسحاب الْمُوصي على أَوْلَاد مَحْجُور بِمَوْت حصلا أَي: بِمَوْت الْوَصِيّ لَا بِمَوْت الْمَحْجُور، وَإِن كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الْمقري قَالَ: يظْهر لي أَن مَحل الْقَوْلَيْنِ فِي انسحاب نظر الْوَصِيّ على أَوْلَاد مَحْجُوره إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الْمَحْجُور حَيا، أما بعد مَوته فَيَنْبَغِي أَن يتَّفق أَن لَا يبْقى لَهُ نظر عَلَيْهِم لِأَن النّظر عَلَيْهِم إِنَّمَا كَانَ بِحَسب التبع لأبيهم، وَالْقَاعِدَة أَنه إِن عدم الْمَتْبُوع عدم التَّابِع اه. بِنَقْل (م) لَكِن بحث فِي شرح الْعَمَل مَعَ الْمقري الْمَذْكُور وَقَالَ: إِنَّه مُخَالف للمنصوص فَانْظُرْهُ فَوَجَبَ حمل مَا لناظم فاس على موت الْمُوصي كَمَا مر عَن المكناسي وَغَيره لَا على مَا قَالَ الْمقري إِذا لم يذكر أحد أَن الْعَمَل عَلَيْهِ مَعَ أَنه مُخَالف للمنصوص، وَأما مقدم القَاضِي فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل فِيهِ كَمَا فِي ابْن سهل أَنه لَا نظر لَهُ على أَوْلَاد مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم من القَاضِي، وَأما الْأَب فالمنصوص عَن مَالك أَنه ينطر لأَوْلَاد ابْنه السَّفِيه كَمَا ينظر لَهُ ويوصي عَلَيْهِم كَمَا يُوصي على ابْنه السَّفِيه كَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: وَإِنَّمَا يوصى على الْمَحْجُور عَلَيْهِ أَب الخ. نقل ذَلِك كُله شَارِح الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَفِي مَفْهُوم الْوَصِيّ فِي النّظم تَفْصِيل، وَظَاهر كَلَام الشَّامِل أَن الْعَمَل على أَنه لَا نظر للْوَلِيّ على أَوْلَاد مَحْجُوره وَصِيّا كَانَ أَو أَبَا أَو مقدما لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي نظر ولي السَّفِيه على ابْنه أَو لَا نظر لَهُ إِلَّا بِتَقْدِيم مُسْتَأْنف وَبِه الْعَمَل قَولَانِ اه. وَيَعْقِدُ النِّكَاحَ لِلإِمَاءِ وَالنَّصُّ فِي عَقْدِ البناتِ جاءِ (ويعقد) الْوَصِيّ (النِّكَاح للإماء) اللَّاتِي يملكهن مَحْجُوره بِلَا خلاف (وَالنَّص فِي عقد)(2/503)
النِّكَاح على (الْبَنَات) أَي بَنَات مَحْجُوره (جَاءَ) اسْم فَاعل أَي مَرْوِيّ عَن مَالك فيعقد على الْأَبْكَار البالغات والثيبات اللَّاتِي لم يملكن أَمر أَنْفسهنَّ وَرَآهُ وَصِيّا عَلَيْهِنَّ بِكَوْنِهِ وَصِيّا على أبيهن وَقيل لَا يكون وَصِيّا عَلَيْهِنَّ إِلَّا بِتَقْدِيم وَهُوَ مَا تقدم عَن ابْن زرب، وَأما بَنَاته اللَّاتِي ملكن أَمر أَنْفسهنَّ فَلَا يعْقد عَلَيْهِنَّ وَكَذَا لَا يعْقد على أَخَوَات مَحْجُوره وَسَائِر قراباته فَإِن فعل مضى على مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْهِنْدِيّ قَالَه فِي الْمُفِيد. وَفِي وثائق ابْن فتحون: أَن للْوَصِيّ أَن يعْقد على كل من كَانَ يعْقد عَلَيْهِ الْمَحْجُور لَو كَانَ رشيدا فَيدْخل إماؤه وأخواته وَسَائِر قراباته لِأَنَّهُ منزل فِي ذَلِك منزلَة محجورة، وَهَذَا كُله فِي الْأَبْكَار والثيبات البالغات. وَعْقَدُهُ قَبْلَ البُلُوغِ جَارِ بِجَعْلِهِ فِي البكْرِ كالإجْبَارِ (و) أما (عقده) على بَنَات مَحْجُوره (قبل الْبلُوغ) فَهُوَ (جَار بجعله) أَي العقد (فِي الْبكر) من بَنَات صلبه أَي: فَإِذا جعل لَهُ أَن يعْقد على بَنَات صلبه من غير جبر كَانَ لَهُ أَن يعْقد على بَنَات ذُكُور محاجيره من غير جبر أَيْضا (كالإجبار) أَي كَمَا أَنه إِذا جعل لَهُ إِجْبَار على بَنَات صلبه كَانَ لَهُ أَن يجْبر بَنَات ذُكُور محاجيره وَإِن جعله وَصِيّا وَأطلق وَلم يُقيد بجبر وَلَا عَدمه فعلى القَوْل بِأَنَّهُ يجْبر بَنَات صلبه فَإِنَّهُ يجْبر بَنَات مَحْجُوره كَذَلِك، وعَلى القَوْل بِعَدَمِ جبر بَنَات صلبه فَلَا يجْبر بَنَات مَحْجُوره، وَهَذَا كُله هُوَ الملائم لقَوْله: منسحب على بني الْمَحْجُور. وَقد قَالَ (خَ) : وجبره وَصِيّ أمره أَب بِهِ أَو عين الزَّوْج وَإِلَّا فخلاف، وسبك كَلَام النَّاظِم وعقده على بَنَات مَحْجُوره قبل بلوغهن جَار أَي جَائِز نَافِذ بِسَبَب جعله لَهُ فِي أبكار بَنَاته كَمَا أَن إجبارهن كَذَلِك جَار على جعله لَهُ فِي أبكار بَنَات صلبه، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ للْمُوصي ذُكُور وإناث وَجعل لَهُ الْجَبْر وَعَدَمه فِي الْإِنَاث، فَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا الذُّكُور وَأوصى عَلَيْهِم فَيجْرِي فِي جبر بناتهم الْخلاف الْمَذْكُور فِي بَنَات الصلب إِن أوصى عَلَيْهِنَّ وَأطلق وَالله أعلم. وَالنَّقْلُ لِلإيصَاءِ غَيْرُ مَعْمَلٍ إلاَّ لِعُذْرٍ أَوْ حُلُولِ أَجَلِ (وَالنَّقْل للإيصاء غير معمل) يَعْنِي أَن الْحَاكِم إِذا أَرَادَ أَن ينْقل الْإِيصَاء عَن الْوَصِيّ إِلَى غَيره، أَو أَرَادَ الْوَصِيّ أَن يتخلى عَن الْإِيصَاء بعد قبُوله إِيَّاه وَمَوْت الْمُوصي سَوَاء قبل بِاللَّفْظِ أَو بِالتَّصَرُّفِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يعْمل على ذَلِك (إِلَّا لعذر) كاختلال عقل الْوَصِيّ أَو طرُو فسقه أَو سَفَره سفرا بَعيدا (أَو حُلُول أجل) مَوته فَإِن للْحَاكِم أَن ينْقل الْإِيصَاء حِينَئِذٍ مَعَ الْعذر الْمَذْكُور،(2/504)
وللوصي أَن يُوصي بِهِ إِلَى غَيره عِنْد وَفَاته أَو سَفَره سفر انْقِطَاع أَو بَعيدا، وَهَذَا إِذا أَرَادَ أَن يعْزل نَفسه بعد موت الْمُوصي وقبوله الْإِيصَاء كَمَا قَررنَا، وَأما فِي حَيَاة الْمُوصي فَلهُ أَن يعْزل نَفسه (خَ) : وَله عزل نَفسه فِي حَيَاة الْمُوصي وَلَو قبل لَا بعدهمَا أَي بعد الْقبُول وَمَوْت الْمُوصي أَي قبل ثمَّ مَاتَ الْمُوصي أَو مَاتَ ثمَّ قبل، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور خلافًا لما فِي الطرر عَن ابْن زرب من أَنه إِذا قبل فِي حَيَاة الْمُوصي فَلَا يقبل مِنْهُ عزل نَفسه إِلَّا لعذر، وَإِن قبل بعد مَوته فللقاضي أَن يعفيه لغير عذر الخ فَإِنَّهُ مُقَابل لَا يعول عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بالعذر فِي كَلَام النَّاظِم الْعذر الشَّديد الَّذِي تَنْتفِي مَعَه قدرَة الْمُوصي على الْقيام بمصالح الْمَحْجُور بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْعذر الَّذِي يشق مَعَه الْقيام قَالَه فِي الطرر وَنَقله شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَلَا انحلال لوصي الْتزم إِلَّا لعذر بَين لما الْتزم وَلاَ يَرُدُّ العَقْدَ بَعْدَ أَنْ قَبِلْ إنْ مَاتَ مُوصٍ وَلِعُذْرٍ يَنْعَزِلْ هَذَا الْبَيْت غير ضَرُورِيّ الذّكر لِأَن مَا قبله يُغني عَنهُ كَمَا قَررنَا، وَقَوله: إِن قبل أَي بِاللَّفْظِ أَو بِمَا يدل عَلَيْهِ كالتصرف بِالْبيعِ وَقبض الدّين وَنَحْوهمَا، وَسَوَاء قبل فِي حَيَاة الْمُوصي وَاسْتمرّ عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ الْمُوصي أَو قبل مَوته، وَأما إِن قبل فِي حَيَاة الْمُوصي وَلم يسْتَمر عَلَيْهِ بل رَجَعَ عَنهُ فَإِن لَهُ ذَلِك وَإِن لم يقلهُ الْمُوصي كَمَا مر عَن (خَ) خلافًا لما فِي الْمُفِيد من أَنه إِذا قَالَه الْمُوصي جَازَت إقالته وَإِلَّا لزمَه النّظر اه. وَلاَ رُجُوعَ إنْ أَبَى تَقَدُّمَه مِنْ بَعْدِ أَنْ مَاتَ الَّذِي قَدْ قَدَّمَه (وَلَا رُجُوع) للْوَصِيّ إِلَى قبُول الْإِيصَاء (إِن) كَانَ قد (أَبى تقدمه) أَي قبُوله إِيَّاه (من بعد أَن مَاتَ الَّذِي قد قدمه) (خَ) : وَإِن أَبى الْقبُول بعد الْمَوْت فَلَا قبُول لَهُ بعده أَي: لِأَن إبايته صيرته أَجْنَبِيّا فقبوله بعد إبايته يحْتَاج لاستئناف إيصاء وَهُوَ مَفْقُود بفقد مَحَله، وَلَا مَفْهُوم للظرف بل كَذَلِك إِن أَبى الْقبُول قبل موت الْمُوصي، ثمَّ أَرَادَ أَن يقبل بعد مَوته فِيمَا يظْهر بِدَلِيل التَّعْلِيل الْمُتَقَدّم، وَهَذَا على أَن من بعد يتَعَلَّق بأبى، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بقوله: وَلَا رُجُوع أَي لَا رُجُوع لَهُ لقبُول الْإِيصَاء بعد موت الْمُوصي إِن كَانَت سبقت مِنْهُ إباية فِي حَيَاة الْمُوصي أَو بعد مَوته.(2/505)
وَكلُّ مَنْ قُدِّمَ مِنْ قاضٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ بَدَلاَ أَي: فَلَا يُوكل غَيره على أُمُور مَحْجُوره وَلَا يوصى عَلَيْهِ عِنْد حُضُور وَفَاته بِخِلَاف الْوَصِيّ، فَلهُ أَن يُوكل ويوصي، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ الْمَشْهُور كَمَا مر فِي الْوكَالَة وَتقدم هُنَاكَ أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل جَوَاز تَوْكِيله وَلَا زَالَ الْعَمَل على ذَلِك إِلَى الْآن. تَنْبِيه: كل من الْوَصِيّ والمقدم إِذا وكلا غَيرهمَا لَيْسَ لَهما أَن يجعلا الْإِقْرَار للْوَكِيل كَمَا أَنَّهُمَا لَيْسَ لَهما الْإِقْرَار على الْمَحْجُور، وَقد وَقعت نازلة فِي هَذَا الأوان وَهِي أَن رجلا ادّعى على وَصِيّ أَو مقدم أَن أَبَا محاجيره كَانَ تولى قبض مَتْرُوك وَالِده بوكالة مِنْهُ وزمم لَهُ زمامات تَرِكَة أَبِيه أَحدهَا باسكندرية وَآخر بالجزائر وَآخر بفاس وَحَازَ الزمامات الثَّلَاث وَطلب الْآن مِنْهُ إِحْضَار الزمامات الْمُدَّعِي بهَا على أبي محاجيره وإعمال الْحساب فِيهَا، أَو الْجَواب بِمَا يظْهر لَهُ حضر وَصِيّ المحاجير أَو مقدمهم، وَأجَاب: بِأَن أَبَا محاجيره كَانَ وَكيلا للْمُدَّعِي الْمَذْكُور وَقبض مَا وَجب من مَتْرُوك وَالِده بالزمامات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة، وَإِن أَرَادَ الْحساب يُعْطِيهِ إِيَّاه وَالنَّظَر للشَّرْع المطاع عرفا قدره الخ. وتقيد عقبه بِعدْل وَاحِد مَا نَصه بَعْدَمَا طلب الْمُدَّعِي أَعْلَاهُ من الْمُجيب إِحْضَار زِمَام تَرِكَة الجزائر، وَزعم الْمُجيب الْمَذْكُور أَن الزِّمَام الْمَذْكُور تلف لَهُ وطولب بإحضاره حضر أَحْمد بن عبد الله وَأشْهد أَنه ضمن عَنهُ مَا يجب عَلَيْهِ شرعا فِي إِحْضَار الزِّمَام الْمَذْكُور ضمانا لَازِما بِرِضا الْمَضْمُون لَهُ عرفا قدره الخ. وَقد كَانَ القَاضِي سدده الله سجن الْوَصِيّ الْمَذْكُور حَتَّى يحضر الزِّمَام الْمَذْكُور وَطَالَ سجنه، وسئلت عَن ذَلِك فأجبت بِأَن نَائِب المحاجير من وَصِيّ ومقدم ووكيل لَا يُؤمر وَاحِد مِنْهُم بِجَوَاب الْمُدَّعِي على موروثهم إِذْ من شَرط صِحَة الدَّعْوَى الَّتِي يُكَلف الْمَطْلُوب بجوابها أَن تكون بِحَيْثُ لَو أقرّ بهَا الْمَطْلُوب لزمَه إِقْرَاره احْتِرَازًا من الدَّعْوَى على الْمَحْجُور أَو موروثه، فَإِن الْمَحْجُور ونائبه لَا يُكَلف وَاحِد مِنْهُمَا بجوابها إِذْ إقرارهما بهَا لَا يُفِيد كَمَا فِي التَّبْصِرَة و (ح) وشراح اللامية، وَقد قَالَ (خَ) : يُؤَاخذ الْمُكَلف بِلَا حجر بِإِقْرَارِهِ لأهل ونائب الْمَحْجُور كالمحجور فَكَمَا لَا يُؤَاخذ الْمَحْجُور بِإِقْرَارِهِ كَذَلِك لَا يُؤَاخذ نَائِبه فتكليف نَائِب الْمَحْجُور بِالْجَوَابِ خطأ مِمَّن فعله، وَكَذَا أَخذ الضَّامِن مِنْهُ، وَلذَا قَالَ ابْن عرضون وَغَيره: ولتحذر أبدا أَن تبيح للْوَكِيل الْمَذْكُور الْإِقْرَار إِذْ ذَاك لَا يلْزم الْمَحْجُور وَإِن وكل الْأَب أَو الْوَصِيّ عَن نَفسه وَعَن مَحْجُوره. قلت: وكل فلَان فلَانا عَن نَفسه وَعَن مَحْجُوره لينوب عَنهُ فِي المحاكمة والمخاصمة وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فِي حق نَفسه وعَلى الْإِنْكَار دون الْإِقْرَار فِي حق مَحْجُوره اه. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن قَامَ الطَّالِب بدين على ميت فَإِن القَاضِي يَأْمُرهُ أَن يثبت موت الْمَطْلُوب وعدة ورثته من أجل مَا يحْتَاج من الْإِعْذَار إِلَيْهِم إِن كَانُوا مالكين أَمر أنفسهم، وَإِن كَانُوا صغَارًا وَجعل عَلَيْهِم وَصِيّ كلفه القَاضِي إِثْبَات الْإِيصَاء وَقبُول الْوَصِيّ بِالشَّهَادَةِ على عينه والإعذار فِيهَا إِلَيْهِ بِمَا ثَبت عِنْده من ذَلِك وَإِثْبَات صغَار الْوَرَثَة، فَإِذا أثبت الطَّالِب جَمِيع ذَلِك كَانَت الْخُصُومَة بَينه وَبَين الْوَصِيّ أَو الْمَالِك أَمر نَفسه أَن الْوَصِيّ لَا يُكَلف جَوَابا لِأَن إِقْرَاره لَا يعْمل، وَإِنَّمَا يُقَال للْمُدَّعِي(2/506)
أُثبت مَا تدعيه على الْمَحْجُور فَإِن أثْبته مكن الْوَصِيّ من الطعْن فِيهِ فَإِن عجز عَن الطعْن حكم على الْمَيِّت بِالدّينِ بعد يَمِين الْقَضَاء اه. وَقَالَ فِي نظم عمل أهل فاس فِي بَاب الْوَصَايَا مِنْهُ: وَمَا من الدّين بِهِ الْوَصِيّ قد أقرّ فِي تَرِكَة الْمَيِّت فسد فَهَذِهِ النُّصُوص كلهَا صَرِيحَة فِي أَن نَائِب الْمَحْجُور لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ، وَأَن جَوَابه بِأَن موروثهم قد قبض جَمِيع مَا وَجب لَهُ غير لَازم للمحاجير وَلَا إِشْكَال، وَكَذَا لَا يلْزمه هُوَ لِأَنَّهُ لم يقر على نَفسه بِشَيْء، وَإِنَّمَا أقرّ عَن الْغَيْر وَقد قَالَ ابْن عَرَفَة فِي حد الْإِقْرَار: هُوَ خبر يُوجب حكم صدقه على قَائِله فَقَط الخ. فَخرج بقوله على قَائِله كَمَا للرصاع الشَّهَادَة إِذْ الْخَبَر إِن أوجب حكمه على غَيره هُوَ الشَّهَادَة وَالْوَصِيّ أَو الْمُقدم أَو الْوَكِيل إِذا شهد على منوبه بِشَيْء وَكَانَ عدلا وَاسْتمرّ عَلَيْهَا وَلم يرجع عَنْهَا جَازَت شَهَادَته، وإلاَّ فَلَا. وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة وَنَقله (ح) وَغَيره عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَات: وَلَا من شهد لَهُ بِكَثِير وَلغيره بِوَصِيَّة الخ. هَذَا كُله لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ مَعْرُوف الْقدر وَالْجِنْس وَأما حَيْثُ كَانَت الدَّعْوَى فِي الزمامات من غير بَيَان قدر مَا فِيهَا وَلَا جنسه وَلَا صفته فَلَا يُكَلف الْمَطْلُوب بجوابها، وَلَو كَانَ غير مَحْجُور فضلا عَن كَونه مَحْجُورا أَو نَائِبا عَنهُ لكَونهَا من الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ فَفِي الْجَوَاهِر لَو قَالَ: لي عَلَيْك شَيْء لم تسمع دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا مَجْهُولَة، وَالْحكم بِالْمَجْهُولِ مُتَعَذر إِذْ لَيْسَ بعضه أولى من بعض اه. فَقَوله فِي الْمقَال قبض لَهُ مَتْرُوك وَالِده مَجْهُول الْقدر وَالْجِنْس كَقَوْلِه: قبض لَهُ أَشْيَاء من مَتْرُوك وَالِده وَلَا يدْرِي مَا هِيَ تِلْكَ الْأَشْيَاء هَل هِيَ من ذَوَات الْقيم أَو ذَوَات الْأَمْثَال وَلَا يدْرِي عَددهَا وَلَا وَزنهَا. وَقد قَالَ ابْن سهل: فَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي شَيْء فِي الذِّمَّة بَين قدره أَو فِي شَيْء من ذَوَات الْأَمْثَال بَين الْكَيْل وَالْوَزْن وَالْعدَد أَو فِيمَا تضبطه الصّفة فَلَا بُد من بَيَان الْقيمَة اه. وَهُوَ معنى قَول اللامية: لَكِن إِن كَانَ مُجملا كَلَام يبين الخ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) فيدعي بِمَعْلُوم مُحَقّق الخ. وَإِذا كَانَ الْبَالِغ الرشيد لَا يجب عَلَيْهِ أَن يُجيب عَن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَو أقرّ وَقَالَ: نعم لَهُ عَليّ مَا يَدعِيهِ وَأنكر وَقَامَت الْبَيِّنَة بذلك لم يحكم عَلَيْهِ بذلك الْإِقْرَار وَلَا بِتِلْكَ الْبَيِّنَة إِذْ الْكل مَجْهُول وَالْحكم بِهِ مُتَعَذر كَمَا مر، فَكيف يقْضى بِهِ على الْمَحْجُور أَو نَائِبه وَيلْزم بضامن فِيهِ، وَأما قَوْله بِالْعَدْلِ الْوَاحِد أَن الزِّمَام قد تلف لَهُ فقد سَاقه هَذَا الْعدْل مساق الْحِكَايَة فَلَا يُفِيد، نعم استفسر عَنهُ وَقَالَ: إِنَّه أقرّ عِنْدِي بذلك أَو أشهدني بِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يسْأَل الْوَصِيّ أَو الْمُقدم عَن ذَلِك، فَإِن قَالَ: إِنَّه تلف بعد وجوده فِي تَرِكَة أبي محاجيره وَقبل دُخُوله ليده أَو بعد دُخُوله، وَلَكِن بِغَيْر سَببه وَلَا تفريطه فَهُوَ مُصدق إِذْ الأَصْل عدم العداء وَهُوَ حِينَئِذٍ مقرّ عَن الْغَيْر إِذْ لَا يضمن مَا فِيهِ حِينَئِذٍ لعدم تسببه فِي تلفه وَيجْرِي حكمه على مَا مر من كَونه مقرا أَو شَاهدا، وَإِن قَالَ: تلف بِسَبَبِهِ فَهُوَ ضَامِن لما فِيهِ لقَوْل (خَ) فِي الزَّكَاة عاطفاً على مَا فِيهِ الضَّمَان أَو بإمساك وَثِيقَة أَو تقطيعها وَلَكِن يصدق بِقدر مَا فِيهِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ لم تقم عَلَيْهِ بَيِّنَة بذلك لقَوْله أَيْضا فِي الْغَصْب وَالْقَوْل لَهُ أَي للْغَاصِب فِي قدره وتلفه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. كذاكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَزِلا إلاَّ لِعُذْرٍ بَيِّنٍ إنْ قَبِلاَ(2/507)
(كَذَاك لَا يجوز) للمقدم من قَول القَاضِي (أَن ينعزلا) أَي يعْزل نَفسه أَو يعزله القَاضِي عَن التَّقْدِيم (إِلَّا لعذر بَين) من طرُو فسق أَو اختلال عقل كَمَا مر (إِن) كَانَ (قبلا) فَإِن كَانَ لم يقبل فَلَا إِشْكَال فِي أَن لَهُ أَن لَا يقبل. وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا فِي المَالِ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجرا (و) شخص (صَالح) فِي دينه لَا يشرب وَلَا يفسق (لَيْسَ يجيد) أَي لَا يحسن (النّظر فِي المَال) الَّذِي بِيَدِهِ (إِن خيف الضّيَاع) على مَاله لكَونه لَا يحسن إِمْسَاكه بل يبذره لكَونه لَا يعده شَيْئا أَو لكَونه يخدع فِي تَصَرُّفَاته مِمَّا لَا يتَغَابَن النَّاس بِمثلِهِ (حجرا) عَلَيْهِ أَي ولى الْحَاكِم عَلَيْهِ من يتَصَرَّف لَهُ ويحفظ مَاله وَأَحْرَى أَن لَا يُطلق من الْحجر إِذا كَانَ مولى عَلَيْهِ، وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله أول الْبَاب الرشد حفظ المَال الخ. إِذْ مَفْهُومه أَنه إِذا لم يكن حَافِظًا لمَاله لم يكن رشيدا وَوَجَب تحجيره وَإِن كَانَ صَالحا فِي دينه. وَشَارِبُ الخَمْرِ إِذا مَا ثَمَّرَا لمَا يَلي مِنْ مَالِهِ لَنْ يُحْجَرَا (و) شخص (شَارِب الْخمر) فَاسق فِي دينه (إِذا مَا) زَائِدَة (ثمرا) أَي أحسن النّظر والتنمية (لما يَلِي من مَاله لن يحجرا) عَلَيْهِ لِأَن التحجير إِنَّمَا هُوَ لضبط المَال لَا لفساد الْأَمْوَال لِأَن فَسَاد أَمْوَال الرجل لَا تعدوه إِلَى غَيره، وَإِذا بذر مَاله وأتلفه صَار عَالَة على الْمُسلمين وَرجعت نَفَقَته إِلَى بَيت مَالهم فوصل ضَرَره بتبذيره إِلَى جَمِيع الْمُسلمين، فَلهَذَا وَجب تحجيره قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ أَيْضا بمنطوق قَوْله: الرشد حفظ المَال مَعَ حسن النّظر فِيهِ الخ. إِذْ لَا يشْتَرط صَلَاح الدّين على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ خلافًا للمدنيين من اشْتِرَاط صَلَاح الدّين أَيْضا كَمَا مر. وَلِلْوَصِيِّ جائزٌ أَنْ يَتْجَرَا لكنه يَضْمَنُ مَهْمَا غَرَّرَا (وللوصي جَائِز أَن يتجرا) بأموال الْيَتَامَى على أَن الرِّبْح لَهُم والخسارة عَلَيْهِم (خَ) : وَله دفع مَاله قراضا أَو بضَاعَة وَلَا يعْمل هُوَ بِهِ الخ. وَإِنَّمَا لم يجز أَن يعْمل هُوَ بِهِ مَخَافَة أَن يحابي نَفسه فَإِن عمل بِهِ بِنَفسِهِ بقراض مثله جَازَ وَلم يكن عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَان إِن تلف وَكَانَ الرِّبْح بَينهمَا على مَا شَرط، وَإِن خسر لم يضمن وَإِن عمل بِهِ يجزء أَكثر من قِرَاض مثله فَإِنَّهُ يرد إِلَى جُزْء قِرَاض مثله فَإِن خسر أَو تلف فَاخْتلف هَل يضمن أم لَا؟ وَالْمُعْتَمد عدم الضَّمَان قَالَه ابْن رشد، وَظَاهره أَن لَهُ أَن يَدْفَعهُ قراضا وبضاعة وَلَو برا وبحراً وَهُوَ كَذَلِك مَعَ الْأَمْن كَمَا يفِيدهُ قَوْله: (لكنه يضمن(2/508)
مهما غررا) فِي تجره هُوَ بِهِ فِي وَقت فتْنَة وبلد خوف لَا تنالها الْأَحْكَام أَو يَدْفَعهُ لغير أَمِين يتجر بِهِ، أَو لمن يُسَافر بِهِ فِي الْبَحْر فِي وَقت هوله، أَو يسْلك بِهِ فِي طَرِيق مخوف وَنَحْو ذَلِك وأشعر قَوْله: وللوصي جَائِز أَن يتجرا الخ. أَنه لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا يجب عَلَيْهِ تنمية مَال مَحْجُوره على الْمَشْهُور، وَقَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: اتَّجرُوا بأموال الْيَتَامَى لِئَلَّا تأكلها الزَّكَاة الخ. مَحْمُول على النّدب كَمَا لِابْنِ رشد، وَلَا مَفْهُوم لقَوْله؛ أَن يتجرا بل كَذَلِك لَهُ أَن يَشْتَرِي لَهُم الرَّقِيق وَالْغنم للغلة وَيبِيع عَلَيْهِم وَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى إِثْبَات سداد كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا الخ. لَكِن هَذَا كُله على أَن أَمْوَال الْيَتَامَى تبقى بيد الأوصياء على وَجه الْوَدِيعَة وَلَا تدخل فِي ذمتهم، وَأما على مَا بِهِ الْعَمَل من إدخالها فِي ذمتهم كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَيجْعَل القَاضِي بِكُل حَال الخ. فَإِن الْوَصِيّ وَنَحْوه إِذا اتّجر بهَا فَإِن الرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ بل لَو بقيت بِيَدِهِ على وَجه الْإِيدَاع وَلم تدخل فِي ذمَّته واتجر بهَا لنَفسِهِ لَا لَهُم لَكَانَ الرِّبْح لَهُ والخسارة عَلَيْهِ كَمَا مرَّ عِنْد قَوْله فِي الْوَدِيعَة: واتجر بالمودع من أعمله الخ. تَنْبِيهَات. الأول: لَو قَالَ الْمُوصي: قبضت القراضات أَو الدُّيُون مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ فَذَلِك بَرَاءَة للْغُرَمَاء، وَكَذَا الْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ بِخِلَاف الْوَكِيل الْمَخْصُوص فَإِن ذَلِك لَا يكون بَرَاءَة إِلَّا بِبَيِّنَة على الدَّافِع، وَلَو قَالَ الْوَصِيّ أَو الْمُفَوض إِلَيْهِ: قبضت وَتلف مني صدق أَيْضا وَكَانَ بَرَاءَة لَهُم فَإِن ادّعى الْغُرَمَاء أَنهم دفعُوا للْوَصِيّ الدّين أَو الْقَرَاض وَأنكر ذَلِك حلف وَإِن نكل ضمن وَإِن قضى الْوَصِيّ غُرَمَاء الْمَيِّت بِغَيْر بَيِّنَة فَأنْكر وأضمن قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَإِذا دفع دينا على الْمَيِّت بِلَا يَمِين الْقَضَاء فَإِنَّهُ ضَامِن قَالَه (م) فِي شرح اللامية عِنْد قَوْله: يَمِين قَضَاء ذِي وَتلْزم مُطلقًا الخ. وَتقدم فِي بَاب الصُّلْح أَن للْوَصِيّ أَن يُصَالح عَن مَحْجُوره وَلَو فِي يَمِين الْقَضَاء إِذا رأى غَرِيمه الْخصم عَلَيْهَا وَنَقله (ح) فِي الصُّلْح والبرزلي فِي الْوكَالَة. الثَّانِي: ذكر أَبُو الْحسن عَن ابْن زرب أَنه سُئِلَ عَن الْوَصِيّ يَقُول: دفعت عَن الْيَتِيم الْعشْر والمغارم والجعائل لأهل الشرطة ونائب الْعَمَل فَقَالَ: إِن كَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بِالْبَلَدِ وَادّعى مَا يشبه أَن يُؤْخَذ بِهِ عَنهُ صدق اه. وتأمله مَعَ مَا فِي وَصَايَا المعيار من أَن الْوَصِيّ إِذا زعم أَنه كَانَ يخرج زَكَاة يتيمه فِي حَال صغره وَخَالفهُ الْيَتِيم فِي ذَلِك فَإِن الْوَصِيّ لَا يصدق حَتَّى يثبت ذَلِك اه. وَمثله فِي نَوَازِل السجسْتانِي وَفِي (ح) عِنْد قَول (خَ) : وَإِخْرَاج فطرته وزكاته الخ. أَن الْوَصِيّ إِذا لم يشْهد على إِخْرَاج زَكَاته يصدق إِن كَانَ مَأْمُونا قَالَ: وَانْظُر إِذا لم يكن مَأْمُونا هَل يلْزمه غرم المَال أَو يحلف لم أر فِيهِ نصا اه. قلت: وَالظَّاهِر أَن مَا فِي وَصَايَا المعيار إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يكن مَأْمُونا وَهُوَ الْمُوَافق لما تقدم عَن اللَّخْمِيّ وَابْن عَطِيَّة عِنْد قَوْله: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ. من قلَّة أَمَانَة أوصياء الزَّمَان، وَتقدم أَيْضا أَن ذَلِك هُوَ الْمُوجب لإدخال مَال المحاجير فِي ذمتهم، وَعَلِيهِ فَإِذا أَخذ نَائِب الشرطة الْوَصِيّ بِمَال الْمَحْجُور فَهَل يغرمه الْوَصِيّ للمحجور بِنَاء على أَن مَا فِي الذِّمَّة يتَعَيَّن أَو لَا يغرمه بِنَاء على أَنه لَا يتَعَيَّن؟ وعَلى الأول اقْتصر ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَمَا من الدّين لَهَا رب دفع لغاصب غَرِيمه لم يتبع وَفِي وَصَايَا المعيار أَن الْمَحْجُور إِذا جنى جِنَايَة فَأخذ وَصِيّه فِي جِنَايَته فَإِن ثَبت أَن الْوَصِيّ(2/509)
أَخذ بِسَبَب مَحْجُوره وَأَنه امْتنع حَتَّى أكره بالتهديد فَإِنَّهُ يكون مَا الْتَزمهُ من المَال مُتَعَلقا بِمَال الْمَحْجُور، وَأما الْقَرِيب إِذا أَخذ بِجِنَايَة قَرِيبه فقد بَينا حكمه فِي أسئلة محيي الدّين. الثَّالِث: على القَاضِي أَن يفْرض للْوَصِيّ أُجْرَة على نظره بِقدر شغله بِالنّظرِ فِي مَال الْيَتِيم من تصرف فِي غلات أُصُوله وَشِرَاء نَفَقَته إِذا طلب الْوَصِيّ أَو الْمُقدم ذَلِك فَإِن تورعا عَن ذَلِك فَهُوَ خير لَهما وللوصي والكافل والحاضن والمقدم أَن يؤاجروا محجورهم صَبيا كَانَ أَو سَفِيها وَيجوز دفع الْأُجْرَة لَهُ مَا لم يكن لَهَا بَال وَيكون الدّفع بمعاينة الشُّهُود قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَانْظُر ابْن سَلمُون وأوائل الْإِجَارَة من شرح الشَّامِل. الرَّابِع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَيصدق الْوَصِيّ فِي الْإِنْفَاق على الْيَتِيم إِن كَانَ فِي حجره مَا لم يَأْتِ بسرف وَإِن ولي النَّفَقَة عَلَيْهِم غَيرهم مِمَّن يحضنهم من أم أَو غَيرهَا لم يصدق فِي دفع النَّفَقَة إِلَى من يليهم إِلَّا بِبَيِّنَة اه. فقولها فِي الْإِنْفَاق أَي فِي أَصله وَقدره والحاضن والمقدم والكافل مثل الْوَصِيّ فِي ذَلِك، وَظَاهر قَوْلهَا لم يصدق فِي دفع النَّفَقَة الخ. أَنه لَا يصدق وَلَو علم فقر الحاضن من أم وَنَحْوهَا، وللخمي فِي ذَلِك تَفْصِيل (خَ) وَالْقَوْل لَهُ فِي قدر النَّفَقَة الخ. الْخَامِس: قَالَ مَالك فِي رجل أوصى لزوجته فَتزوّجت فخيف على المَال فَإِنَّهَا تكشف عَمَّا قبلهَا اه. وَفِي الطرر: إِذا علم أَنَّهَا صَالِحَة الْحَال وافرة المَال ظَاهِرَة السداد حَسَنَة النّظر أقرَّت بعد أَن يُحْصى المَال عِنْدهَا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَإِن جهل حَالهَا شُورِكَ فِي النّظر مَعهَا غَيرهَا وَيكون المَال عِنْده وَلَا يتْرك عِنْدهَا وَلَا تعزل عَن الْإِيصَاء إِلَّا أَن يثبت مَا يُوجِبهُ، وَلابْن رشد إِن جهل حَالهَا جعل القَاضِي عَلَيْهَا مشرفاً اه. وَهُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله: وطرو الْفسق يعزله، وَفِي ابْن سَلمُون إِذا قَامَ قريب الْمَحْجُور يُرِيد كشف وَصِيّه عَمَّا بِيَدِهِ لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يكون الْوَصِيّ لَا مَال لَهُ أَو يكون عَلَيْهِ دُيُون فَإِن القَاضِي ينظر فِي ذَلِك حِينَئِذٍ. أنظر بَقِيَّته فِيهِ وَانْظُر المعيار فِي الْوَصَايَا. وَعِنْدَمَا يأْنَسُ رشْدَ منْ حَجَرْ يُطْلِقُهُ ومالَه لَه يَذَرْ (وعندما يأنس) يبصر الْوَلِيّ أَبَا كَانَ أَو غَيره والظرف مضمن معنى الشَّرْط مَعْمُول لجوابه وَمَا مَصْدَرِيَّة (رشد) مفعول بِهِ (من) مُضَاف إِلَيْهِ وَاقع على الْمَحْجُور (حجر) صلَة من وَالتَّقْدِير وَعند إيناس الْوَلِيّ رشد مَحْجُوره (يُطلقهُ) أَي يجب عَلَيْهِ أَن يُطلقهُ من ثقاف الْحجر (وَمَاله) مفعول بقوله. (لَهُ يذر) أَي يتْرك لَهُ مَاله ويدفعه إِلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم(2/510)
أَمْوَالهم} إِلَى قَوْله: فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) أَي لِئَلَّا تغرموا لِأَن القَوْل للمحجور فِي عدم الدّفع على الْمَشْهُور. وَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَصَدَّى أَنْ يَضْمَنَ المَالَ لأنْ تَعَدَّى (وَحَيْثُ) علم الْوَلِيّ رشده وَوَجَب عَلَيْهِ إِطْلَاقه وَدفع مَاله إِلَيْهِ و (لم يفعل فقد تصدى) أَي تهَيَّأ (أَن يضمن المَال) إِذا تلف سَوَاء تلف بِبَيِّنَة أَو بغَيْرهَا كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا. (لِأَن تعدى) أَي لِأَنَّهُ قد تعدى بِعَدَمِ إِطْلَاقه وَدفع مَاله إِلَيْهِ فَهُوَ كغاصب حِينَئِذٍ وَالْغَاصِب يضمن مُطلقًا، وَظَاهره لَا فرق بَين أَن يعلم الْوَصِيّ وَحده برشده وَلم تقم بَيِّنَة بِهِ أَو لم يُعلمهُ وَقَامَت بِهِ بَيِّنَة لم يجد مطعناً فِيهَا فَإِنَّهُ يضمن فِي ذَلِك كُله، وَهَذَا ظَاهر على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم فِي قَوْله: ويكتفي الْوَصِيّ بِالْإِشْهَادِ الخ. وَأما على مَا تقدم هُنَاكَ عَن اللَّخْمِيّ وَابْن عَطِيَّة من عدم قبُول قَوْله فِي ترشيده فَإِنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا إِذا علم هُوَ فَقَط، وَإِنَّمَا يضمن مَعَ بَيِّنَة الرشد.
(فصل فِي الْوَصِيَّة)
وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عقد يُوجب حَقًا فِي ثلث عاقده يلْزم بِمَوْتِهِ أَو نِيَابَة عَنهُ بعده فَقَوله: يُوجب حَقًا الخ. أخرج بِهِ مَا يُوجب حَقًا فِي رَأس مَاله مِمَّا عقده على نَفسه من دين وَنَحْوه وَلَو بِإِقْرَار فِي صِحَّته أَو مَرضه لمن لَا يتهم عَلَيْهِ أَو هبة وَنَحْوهَا فِي صِحَّته لَا فِي مَرضه، فَإِنَّهَا فِي ثلثه. وَقَوله: يلْزم بِمَوْتِهِ أخرج بِهِ الْمَرْأَة إِذا وهبت أَو التزمت ثلث مَالهَا وَلها زوج، أَو من الْتزم ثلث مَاله لشخص فَإِنَّهُ يلْزم بعقده لَا بِمَوْتِهِ، وَكَذَا يخرج بِهِ التَّدْبِير أَيْضا لِأَنَّهُ يلْزم بعقده، وَقَوله: أَو نِيَابَة عَنهُ بعده عطف على حَقًا، وَالتَّقْدِير أَو يُوجب نِيَابَة عَن عاقده بعد مَوته فَيدْخل الْإِيصَاء بِالنّظرِ الَّذِي تضمنه الْكَلَام على الأوصياء فِي الْبَاب قبله. (وَمَا يجْرِي مجْراهَا) : من عدم محاسبة الْأَوْلَاد بِمَا أنفقة الْأَب عَلَيْهِم إِذا أوصى بذلك أَو كَانَ مَالهم عينا،. وَهِي أَي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ مَنْدُوبَة من خَصَائِص هَذِه الْأمة تكثيراً للزاد وأهبة للمعاد، وَفِي صَحِيح مُسلم: (مَا من حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي بِهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا(2/511)
ووصيته مَكْتُوبَة عِنْد رَأسه) اه. أَي: لَيْسَ من حَقه أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ دون أَن يكْتب وَصيته وَقد تجب كَدين لَا يتَوَصَّل لَهُ إِلَّا بهَا وَتحرم بِمحرم كنياحه وَتكره بمكروه كوصية بإطعام كَافِر من أضحيته المذبوحة فِي حَيَاته، أَو يُوصي بجز صوفها قبل الذّبْح ثمَّ تذبح وتباح بمباح كَبيع كَذَا وتنفيذ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَاجِب وَغَيرهمَا حكمه حكم أَصله. فِي ثُلُثِ المالِ فأَدْنَى فِي المرَضْ أَوْ صِحَّةٍ وَصِيَّةٌ لَا تُعْتَرَضْ (فِي ثلث المَال فأدنى) كالربع وَالْخمس، وَقد اسْتحبَّ بعض الْعلمَاء أَن لَا تبلغ الثُّلُث لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَالثلث كثير) . (فِي الْمَرَض) الَّذِي مَاتَ مِنْهُ (أَو صِحَة وَصِيَّة) مُبْتَدأ (لَا تعترض) خَبره وَفِي ثلث الخ. يتَعَلَّق بِهِ، وَالتَّقْدِير: وَالْوَصِيَّة لَا تعترض فِي ثلث المَال فأدنى سَوَاء كَانَت فِي الْمَرَض أَو فِي الصِّحَّة بل هِيَ صَحِيحَة. حَتَّى مِن السَّفِيهِ والصَّغِيرِ إنْ عَقَلَ القُرْبَةَ فِي الأُمُورِ (حَتَّى من السَّفِيه وَالصَّغِير) بِشَرْط وَهُوَ (إِن عقل الْقرْبَة فِي الْأُمُور) فَإِن لم يعقل الْقرْبَة فَلَا تصح وَصيته، وَأما إِصَابَته وَجه الْوَصِيَّة بِأَن لَا يكون فِيهَا تنَاقض وَلَا تَخْلِيط فَإِنَّهُ شَرط فِي صِحَة كل وَصِيَّة كَانَت من صَغِير أَو غَيره كَمَا يشْتَرط أَن يكون الْمُوصى لَهُ غير وَارِث وإلاَّ بِطَلَب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وامتنعت لوَارث الخ. وَظَاهره أَن الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ فدون نَافِذَة، وَلَو قصد الْمُوصي بهَا الضَّرَر بالورثة وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح، وَبِه الحكم كَمَا فِي ابْن نَاجِي على الْمُدَوَّنَة. وَالْعَبْدُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُطْلقا وَهْي مِنَ الكُفَّارِ لَيْسَتْ تُتَّقى (وَالْعَبْد لَا تصح) الْوَصِيَّة (مِنْهُ مُطلقًا) كَانَ خَالص الرّقّ أَو ذَا شَائِبَة، وَكَذَا لَا تصح من الْمَجْنُون إِلَّا أَن يُوصي حَال إِفَاقَته الَّتِي يعقل فِيهَا مَا يُوصي بِهِ فَإِن شهدُوا بِأَنَّهُ أوصى حَالَة إِفَاقَته وَشهد آخَرُونَ أَنه كَانَ ذَاهِب الْعقل فشهادة الْإِفَاقَة أولى. (وَهِي من الْكَافِر لَيست تتقى) بل تمْضِي وَإِن لمُسلم إِلَّا بكخمر (خَ) صَحَّ إيصاء حر مُمَيّز وَإِن سَفِيها وصغيراً وكافراً إِلَّا بكخمر لمُسلم. وَلها أَرْكَان: أَولهَا: الْمُوصي وَقد تقدم، وَثَانِيها: الْمُوصى لَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَهْيَ لِمَنْ تَمَلُّكٌ مِنْهُ يَصِحْ حَتَّى لِحَمْلِ وَاضِحٍ أَوْ لم يَضِحْ (وَهِي) تصح (لمن تملك مِنْهُ يَصح) حَقِيقَة كآدمي أَو حكما كقنطرة وَمَسْجِد بل تصح أَيْضا(2/512)
(حَتَّى لحمل وَاضح) أَي ظَاهر (أَو لم يضح) أَي لم يظْهر كَقَوْلِه: أوصيت لمن سيوجد من ولد فلَان أَو فُلَانَة أَو لمن يولدهما (خَ) صَحَّ إيصاء لمن يَصح تملكه كمن سَيكون إِن اسْتهلّ. لكنَّهَا تَبْطُل إنْ لم يَسْتَهلْ وَللعبيدِ دونَ إذْنٍ تَسْتَقِلْ (لَكِنَّهَا تبطل إِن لم يستهل) صَارِخًا وَلَا تحققت حَيَاته بِكَثْرَة رضَاع وَنَحْوهَا لِأَن الْمَيِّت لَا يملك (وللعبيد) وَلَو (دون إِذن) من السَّيِّد فِي قبُولهَا (تستقل) وَتَصِح وَتَكون للْعَبد حَتَّى ينتزعها مِنْهُ السَّيِّد (خَ) وَلم يحْتَج رق لإذن فِي قبُول كإيصائه بِعِتْقِهِ الخ. أَي بل يقبلهَا وَإِن بِغَيْر إِذن سَيّده وتنفذ وَصيته بِالْعِتْقِ وَإِن لم يقبل، وَإِذا بطلت حَيْثُ لم يستهل فترجع مِيرَاثا ثمَّ إِذا أوصى لمن سيوجد من ولد فلَان فَإِنَّهُ يخْتَص بهَا مَا يتكون من حمل زَوجته أَو أمته وَلَا يدْخل الْحمل الْمَوْجُود إِلَّا أَن يعلم أَنه قصد دُخُوله بِقَرِينَة خَارِجَة عَن اللَّفْظ فَإِن قَالَ: أوصيت لمن يُولد لَهُ فَالظَّاهِر شُمُول اللَّفْظ للْحَمْل الْمَوْجُود بِوَقْت الْإِيصَاء، وَأما لَو قَالَ: أوصيت لوَلَده وَالْحَال أَنه لَا ولد لَهُ حِين الْوَصِيَّة وَلَا حمل فَلَا يَخْلُو فإمَّا أَن يعلم الْمُوصى بذلك أم لَا. فَإِن لم يعلم فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَإِن تنَازعا فِي الْعلم وَعَدَمه فَالْقَوْل للْوَرَثَة كَمَا فِي (ح) وَإِن علم فَهِيَ صَحِيحَة وَتَكون لكل من يُولد لَهُ، وَإِذا صحت فِي هَذِه الصُّور وَولد لَهُ ولد واستهل فَيكون جَمِيع الْوَصِيَّة بِيَدِهِ على معنى الِانْتِفَاع على الرَّاجِح وكل من ولد بعد ذَلِك يدْخل فِيهَا وَالذكر وَالْأُنْثَى فِي ذَلِك سَوَاء إِلَّا أَن ينص على التَّفْضِيل، وَمن مَاتَ مِنْهُم لم يُمكن ورثته من الدُّخُول فِي حَقه حَتَّى ينقرضوا جيمعاً ثمَّ يكون لورثتهم أَجْمَعِينَ، وَإِذا أَخذ المَال من وجد من الْأَوْلَاد فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ أصل لتبقى عينه وَينْتَفع بغلته، وَقيل يتجر لَهُ بذلك المَال ثمَّ كَذَلِك كلما ولد ولد يتجر لَهُ مَعَ الأول، وَمن بلغ التَّجر تجر لنَفسِهِ فَإِن خسر فِيهِ أَو ضَاعَ مِنْهُ شَيْء فِي حِين التَّجر للصَّغِير لم يضمن لِأَن الصَّغِير لَا تعمر ذمَّته بذلك وَقد رَضِي الْمُوصى بِالْوَصِيَّةِ لَهُ على مَا توجبه الْأَحْكَام فِي الضَّمَان وَإِن بلغ وتجر لنَفسِهِ فَإِن خسر فِيهِ أَو ضَاعَ مِنْهُ شَيْء ضمن الخسارة والتلف قَالَه الرجراجي وَاخْتلف إِذا قَالَ: أوصيت لولد فلَان وَالْحَال أَن لَهُ ولدا مَوْجُودا وحملاً ثَابتا هَل يخْتَص بهَا الْمَوْجُود من الْحمل وَالْولد أَو تعم الْمَوْجُود وَمن لم يُوجد وَهُوَ الرَّاجِح كَمَا فِي تَكْمِيل الْمنْهَج قَالَ: وَالْخلف فِي وَلَده وَلم يزدْ هَل يدْخل الْوُجُود قطّ أَو يشْتَمل جَمِيعهم وَذَا ارتضى إِذْ ينْتَقل خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ، وَعَلِيهِ فَيجْرِي على حكم الْأَقْسَام قبله فِي التَّجر وَغَيره، وَأما إِن(2/513)
قَالَ: أوصيت لأَوْلَاد فلَان وهم عشرَة مثلا وَلَا ترجى لفُلَان ولادَة بعد، فَإِن من مَاتَ مِنْهُم قبل الْقسم فورثته يقومُونَ مقَامه سَوَاء سماهم أَو عينهم بِإِشَارَة كهؤلاء النَّفر أَو لم يسمهم وَلم يعينهم بِإِشَارَة وَلَا غَيرهَا اتِّفَاقًا فِي الأول وعَلى الْمَشْهُور فِي الثَّانِي، وَكَذَا إِذا كَانَ لَهُ أَوْلَاد وترجى لَهُ ولادَة فَإِنَّهُ إِذا سماهم أَو عينهم بِإِشَارَة فَإِن الْوَصِيَّة مَقْصُورَة عَلَيْهِم، وَمن مَاتَ مِنْهُم فوارثه قَائِم مقَامه وَلم يدْخل مَعَهم من يُوجد بعد وَإِن لم يسمهم وَلَا عينهم بِإِشَارَة فَتقدم أَن الرَّاجِح دُخُول من يُوجد بعد. تَنْبِيهَات. الأول: مَسْأَلَة التَّنْزِيل وَهِي أَن ينزل الْإِنْسَان أَوْلَاد وَلَده الْمَيِّت منزلَة أَبِيهِم جَارِيَة مجْرى الْوَصِيَّة وتقسم بَين المنزلين للذّكر مثل حَظّ الأثنين، كَمَا أفتى بِهِ أَبُو عبد الله المنصوري وَالشَّيْخ (ت) وَغَيرهمَا. الثَّانِي: اخْتلف فِي الْغلَّة الْحَاصِلَة قبل الْوَضع والاستهلال هَل هِيَ لوَرَثَة الْمُوصي لِأَن الْمُوصى لَهُ لَا يكمل إِلَّا بعد استهلاله وَتحقّق الْحَيَاة فِيهِ أَو هِيَ للْمُوصى لَهُ أَو لوَرثَته إِلَى أَن يستهل فتوقف إِلَى وَضعه وَالْمُعْتَمد الأول قَالَ ناظم الْعَمَل: وغلة قبل وجود الْمُوصى لَهُ لوَارث أنل تَخْصِيصًا الثَّالِث: إِذا تعلّقت الْوَصِيَّة بِمن يُولد لَهُ مُسْتَقْبلا وَمَات قبل أَن يُولد لَهُ أَو أيس من وِلَادَته رجعت الْوَصِيَّة مِيرَاثا، وَكَذَا إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل موت الْمُوصي وَهُوَ معنى قَوْله: على مَا يُوجد فِي بعض النّسخ. وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ لِمَنْ يُوصَى لَهُ إلاَّ إِذا الْمُوصِي يَمُوتُ قَبْلَهُ وَظَاهره أَنه لَا شَيْء لَهُ إِذا مَاتَ قبل موت الْمُوصي وَلَو كَانَ قبلهَا وَهُوَ كَذَلِك ثمَّ أَشَارَ إِلَى الرُّكْن الثَّالِث وَهُوَ الْمُوصى بِهِ فَقَالَ: وَهْيَ بِمَا يُمْلَكُ حَتَّى الثَّمَرْ وَالدَّيْنِ وَالحَمْلِ وَإنْ لَم يَظْهَرْ (وَهِي) تصح (بِمَا يملك) أَي بِكُل مَا يَصح ملكه وَإِن مَجْهُولا (حَتَّى الثَّمر) الْمَوْجُود فِي رُؤُوس الشّجر أَو قبل وجودهَا كغلة هَذَا الْعَام (وَالدّين) وَلَو على غَائِب أَو معدم (وَالْحمل) الظَّاهِر فِي جَارِيَته أَو نَاقَته بل (وَإِن لم يظْهر) كَقَوْلِه: مَا تلده أمتِي أَو نَاقَتي فِي هَذِه السّنة أَو إِلَى عشر سِنِين فَهُوَ لفُلَان وَتَصِح أَيْضا بآبق وبعير شارد وَلَا تصح بِمَا لَا يملك كخمر وخنزير. تَنْبِيهَانِ. الأول: قبُول الْوَصِيَّة شَرط فِي لُزُومهَا (خَ) : وَقبُول الْمعِين شَرط بعد الْمَوْت فالملك لَهُ بِالْمَوْتِ وَقوم بغلة حصلت بعده أَي بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول وَيكون لَهُ مَا حمله الثُّلُث من ذَلِك، فَإِذا أوصى لَهُ بحائط يُسَاوِي ألفا وَهِي ثلث الْمَيِّت وَحصل فِيهِ بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول(2/514)
غلَّة تَسَاوِي مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يكون لَهُ خَمْسَة أَسْدَاس الْحَائِط وَثلث سدسه كَمَا فِي طفي. قلت: وَهَذَا فِي الْوَصِيَّة، وَأما مَا بتله الْمَرِيض من حبس أَو صَدَقَة أَو نَحْوهمَا، فَهُوَ وَإِن كَانَ يجْرِي على حكم الْوَصِيَّة فِي كَونه يَصح فِي الثُّلُث أَو فِيمَا حمل مِنْهُ لَكِن الْغلَّة إِذا حدثت بعد التبتيل فَإِنَّهَا تكون للمعطى لَهُ حَيْثُ حمل الثُّلُث قَالَه أَبُو الْحسن فِي كتاب الْحَبْس. قَالَ: وَالْفرق أَن لَهُ الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة وَلَا رُجُوع لَهُ فِي التبتيل قَالَ: فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يلفظ بِلَفْظ البتل أَو بِلَفْظ الْوَصِيَّة أَو بِلَفْظ يصلح لَهما، فَإِن لفظ بالبتل كَانَ بتلاً، وبالوصية كَانَ وَصِيَّة، وبالمحتمل ينظر للقرائن فَإِن لم تكن قرينَة فَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة حمل على البتل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي الصَّحِيح، وَإِن كَانَ فِي الْمَرَض حمل على الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ الْغَالِب فِيهِ اه. الثَّانِي: إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ فِي حَيَاة الْمُوصي بطلت الْوَصِيَّة كَمَا مر، وَإِن مَاتَ بعده من قبل الْعلم بِالْوَصِيَّةِ أَو علم وَلم يقبل كَانَ ورثته مَكَانَهُ قَالَه اللَّخْمِيّ وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة. ابْن رحال: وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح وَأَن الْوَارِث يتنزل منزلَة الْمُوصى لَهُ علم بذلك أم لَا. قبل ذَلِك الْمُوصى لَهُ قبل مَوته أم لَا. فَإِذا قبل بَعضهم ورد الْبَعْض الآخر فحظ من رد وَلم يقبل يرجع مِيرَاثا، وَإِذا رد الْمُوصى لَهُ الْوَصِيَّة فِي حَيَاة الْمُوصي فَلهُ قبُولهَا بعد مَوته كَمَا لِابْنِ الْحَاج عَن مَالك قَائِلا: لِأَنَّهُ ردهَا فِي وَقت لم تجب لَهُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجب بِالْمَوْتِ. وَامْتَنَعَتْ لِوَارِثٍ إلاّ مَتَى إنْفَاذُ بَاقِي الْوَارِثِين ثَبتا (وامتنعت لوَارث) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن الله قد أعْطى لكل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث) (إِلَّا مَتى إِنْفَاذ بَاقِي الْوَارِثين ثبتا) أَي إِلَّا أَن يجيزها بَقِيَّة الْوَرَثَة فَهُوَ ابْتِدَاء عَطِيَّة مِنْهُم على الْمَشْهُور فتفتقر للحوز بمعاينة الْبَيِّنَة كَسَائِر العطايا، وَقد تقدم فِي الْحَبْس أَن الْحَوْز أقوى فِي الدّلَالَة على الْقبُول فَلَا وَجه لاعتراض الشَّيْخ الرهوني على مصطفى بِأَن الْقبُول العاري عَن الْحَوْز وَالْقَبْض لَا أثر لَهُ، فَإِن لم تحز حَتَّى حصل الْمَانِع من استحداث دين وَنَحْوه بطلت وَلَو كَانَ قد قبلهَا لِأَن الدّين الْحَادِث للمجيز من مَوَانِع الْحِيَازَة. (خَ) : وَبَطلَت إِن تَأَخّر لدين مُحِيط، وَقَوله فِي التَّوْضِيح: إِذا أجَاز الْوَارِث الْوَصِيَّة وَلَا دين عَلَيْهِ وَلم يقبل ذَلِك الْمُوصى لَهُ حَتَّى اسْتَدَانَ الْوَارِث أَو مَاتَ الخ. صَوَابه وَلم يقبض من الْقَبْض الَّذِي هُوَ الْحَوْز كَمَا فِي نقل (ح) والمتيطي وكما فِي مصطفى وشارح الْعَمَل، وَاعْتِرَاض الرهوني على مصطفى سَاقِط لَا وَجه لَهُ كَمَا مر. تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر النّظم أَن إجَازَة الْوَارِث لَازِمَة لَهُ وَلَو أجَاز فِي مرض الْمُوصي الَّذِي مَاتَ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِك لَكِن بِشُرُوط أَشَارَ لَهَا (خَ) بقوله: وَلُزُوم إجَازَة الْوَارِث بِمَرَض لم يَصح بعده إِلَّا لتبين عذر كَكَوْنِهِ فِي نَفَقَته الخ.(2/515)
الثَّانِي: قَالَ الْبَاجِيّ: تجوز الْوَصِيَّة لِابْنِ وَارثه أَو لأحد من قرَابَته مِمَّن يظنّ أَنه يردهَا للْوَارِث. روى ذَلِك يحيى عَن ابْن الْقَاسِم وَقَالَهُ مَالك فِي الْمَجْمُوعَة، وَوَجهه أَنه وَصِيَّة لغير وَارِث وَمَا يظنّ بِهِ من صرف ذَلِك للْوَارِث لَا يمْنَع الْوَصِيَّة لِأَن مُقْتَضى ملكه لمن أوصى لَهُ بِهِ أَنه يُعْطِيهِ لمن شَاءَ، فَإِن قصد ذَلِك الْمُوصي فَهُوَ آثم قَالَ: وَلَا يَمِين على الْمُوصى لَهُ أَن الْوَصِيَّة على وَجه التوليج لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة فِيمَا لَا يُمكن الِاحْتِرَاز مِنْهُ وَلَا الْمَنْع ثمَّ قَالَ: وَإِذا صرفه الْمُوصى لَهُ إِلَى الْوَارِث جَازَ ذَلِك وَكَانَ للْوَارِث أَخذه أَو تَركه اه. وَمَا ذكره من عدم الْيَمين نَحوه فِي ابْن سَلمُون عَن أصبغ، لَكِن قَالَ ابْن رشد: هُوَ جَار على الْخلاف فِي يَمِين التُّهْمَة يَعْنِي: وَالْمَشْهُور توجيهها. قَالَ: وَإِن قطع الْوَارِث بِأَن ذَلِك كَانَ توليجاً وَوجه الدَّعْوَى بذلك فاليمين وَاجِبَة بِاتِّفَاق اه. وَنقل (م) عَن أَوَائِل وَصَايَا المعيار إِنَّه إِذا اتهمَ أَن يكون اتّفق مَعَ الْمُوصى لَهُ أَن يردهَا على الْوَارِث وَأَن ذَلِك تحيل على الْوَصِيَّة للْوَارِث فَإِن الْمُوصى لَهُ يحلف للتُّهمَةِ الْمَذْكُورَة، فَإِن لم يحلف لم يُعْط الْوَصِيَّة اه. فَهُوَ جَار على توجه يَمِين التُّهْمَة. وَفِي الْمُنْتَخب وَصيته لأم وَلَده وَمَعَهَا ولد جَائِزَة وَلَا ترد الْوَصَايَا بالمظنة إِذْ الْأمة غير وارثة، وَفِيه أَن الزَّوْجَة لَا توصي لأم ولد زَوجهَا إِلَّا باليسير قَالَ: وَأما لأقارب زَوجهَا كأبويه وَصديقه الملاطف وكل مَا يخْشَى أَن يكون أَرَادَت أَن يرد ذَلِك على زَوجهَا فَهُوَ مَاض، وَلَو كَانَ الْإِيصَاء بِالْمهْرِ الَّذِي على زَوجهَا اه. وَهَذَا كُله إِذا لم يثبت أَنه أَرَادَ صرفهَا لبَعض الْوَرَثَة. قَالَ فِي المعيار عَن ابْن لب: إِن قَامَت شَهَادَة فِي الْعَهْد بِالثُّلثِ أَنه كَانَ من الْمعَاهد على وَجه الصّرْف على بعض الْوَرَثَة دون بعض فسد الْعَهْد وَصَارَ الْمَعْهُود بِهِ مِيرَاثا، وَالشَّهَادَة تكون بِالسَّمَاعِ أَي الفاشي أَو بِاشْتِرَاط من العاهد أَو باعتراف الْمَعْهُود لَهُ بذلك وَإِن لم تقم بَيِّنَة بذلك حلف الْمَعْهُود لَهُ أَن الْعَهْد لم يكن من العاهد على وَجه الصّرْف وَكَانَ لَهُ ملكا اه. وَلِلَّذِي أَوْصَى ارْتجَاعُ مَا يَرَى مِنْ غَيْرِ مَا بَتَّلَ أَوْ مَا دَبَّرَا (وللذي أوصى) فِي صِحَة أَو مرض بِعِتْق أَو غَيره (ارتجاع مَا يرى) من وَصيته كلهَا أَو بَعْضهَا أَو تغيرها لِأَنَّهَا لَا تلْزم إِلَّا بِالْمَوْتِ كَمَا مر (من غير مَا بتل) فِي مَرضه من صَدَقَة وَعتق وَأَحْرَى فِي صِحَّته (أَو مَا دبرا) فيهمَا أَيْضا فَإِنَّهُ لَا رُجُوع فِيمَا بتل أَو دبر. قَالَ فِي المعونة: الْوَصِيَّة فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض سَوَاء لِأَنَّهَا تنفذ بعد الْمَوْت وَلَيْسَت بلازمة وَله الرُّجُوع فِيهَا مَتى شَاءَ إِلَّا التَّدْبِير فَلَا رُجُوع فِيهِ لِأَنَّهُ إِيجَاب فِي الْحَيَاة، وَإِن كَانَ لَهُ حكم الْوَصِيَّة من بعض الْوُجُوه وَهُوَ خُرُوجه من الثُّلُث، وَكَذَلِكَ الْعتْق المبتل فِي الْمَرَض اه. وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهَا فِي الْمَرَض مثل الْعتْق فِيهِ فَإِنَّهَا تخرج من الثُّلُث إِن مَاتَ مِنْهُ وَلَا رُجُوع لَهُ فِيهَا. انْظُر مَا تقدم فِي التَّدْبِير، وَظَاهر قَوْله: ارتجاع مَا يرى الخ. سَوَاء كَانَ الارتجاع فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض كَانَ بالْقَوْل كرجعت عَنْهَا أَو(2/516)
أبطلتها أَو لَا تنفذوها أَو بِالْفِعْلِ كبيعها أَو عتقهَا (خَ) : وَبَطلَت بِرُجُوع فِيهَا وَإِن بِمَرَض بقول أَو بيع أَو عتق وَكِتَابَة وإيلاد الخ. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَن لَهُ أَن يرجع وَإِن الْتزم فِيهَا عدم الرُّجُوع وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ، وَذكر ابْن نَاجِي فِي الرهون وَكتاب التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك أَن بِهِ الْعَمَل، وَصرح بَعضهم بمشهوريته وَالْقَوْل الآخر إِنَّه لَا رُجُوع لَهُ. قَالَ ابْن عَرَفَة: إِنَّه الْأَصَح، وَقَالَ (ح) فِي التزاماته: أَنه الرَّاجِح، وَذكر القوري عَن العبدوسي أَن بِهِ الْعَمَل وَالْقَضَاء وَهُوَ الْأَقْوَى من جِهَة النَّقْل إِذْ بِهِ أفتى أَكثر الشُّيُوخ، وَقد علمت أَن عمل فاس لَا يتبع عمل تونس، وَإِنَّمَا يتبع عمل الأندلس كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَلَا وَجه لما ذكر ناظم عمل فاس من جَرَيَان الْعَمَل بِالصُّلْحِ فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَالصُّلْح فِي الْوَصِيَّة الَّتِي الْتزم أَنه لَا يرجع فِيهَا قد حكم وَإِن قَالَ إِنَّه قد حكم بِهِ سَيِّدي عَليّ بن هَارُون وسيدي عبد الْوَاحِد الونشريسي لِأَن الْعَمَل لَا يثبت بِحكم قَاض أَو قاضيين، وَأَيْضًا فَإِن ذَاك الْعَمَل لَا يُوَافق قولا من أَقْوَال الْمَسْأَلَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَن الْعَمَل لَا بُد أَن يسْتَند فِيهِ إِلَى قَول، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي التعويل على قَول الْأَكْثَر الْمَعْمُول بِهِ فِي هَذَا الْقطر من لُزُوم عدم الرُّجُوع وَمحل الْخلاف مَا لم يقل فِي الْتِزَامه كلما رجعت عَنْهَا فرجوعي تَأْكِيد لَهَا. أَو مهما وجد رسم برجوعي عَنْهَا فَهُوَ كذب فَإِن ذَلِك لَازم لَهُ خَارج عَن مَحل الْخلاف كَمَا فِي أجوبة الفاسي. وَفِي الَّذِي عَلِمَ موصٍ تَجْعَلُ وَدَيْنِ مَنْ عنِ اليَمِينِ يَنْكُلُ (و) الْوَصِيَّة (فِي الَّذِي علم موص) بِهِ قبل مَوته (تجْعَل) وَلَو أَفَادَهُ بعد الْوَصِيَّة وَلَو عمرى كَانَ مرجعها إِلَيْهِ بعد انْقِضَاء مدَّتهَا أَو بَعِيرًا شارداً أَو آبقا رجعا بعد مَوته أَو هبة أَو صَدَقَة لم تقع فيهمَا حِيَازَة حَتَّى مَاتَ على مَا رَجحه ابْن مَنْظُور وَلِأَن ذَلِك كُله مَعْلُوم لَهُ لَا فِيمَا جَهله قبل مَوته وَلم يعلم بِهِ فَإِنَّهَا لَا تكون فِيهِ (خَ) : وَهِي ومدبر إِن كَانَ بِمَرَض فِيمَا علم الخ. أَي لَا فِيمَا أقرّ بِهِ فِي مَرضه لمن يتهم عَلَيْهِ، وَهُوَ يظنّ أَن إِقْرَاره عَامل فِي ذَلِك أَو أقرَّ بِهِ فِي صِحَّته وَكذبه الْمقر لَهُ وَلم يعلم بتكذيبه حَتَّى مَاتَ وَلَا فِيمَا وَرثهُ وَلم يعلم بِهِ وَلَا فِيمَا أوصى بِهِ لوَارث وَلم تجزه الْوَرَثَة، وَإِنَّمَا تجْعَل فِيمَا علمه قبل مَوته كَمَا مر وَنَحْوه (و) فِي (دين من عَن الْيَمين ينكل) قَالَ ابْن سَلمُون: وَلَا تدخل الْوَصَايَا إِلَّا فِيمَا علمه الْمُوصي دون مَا لم يُعلمهُ من إِرْث وَنَحْوه، ثمَّ قَالَ: فَإِن أقرّ بدين لمن يجب إِقْرَاره لَهُ فنكل عَن يَمِين الْقَضَاء فَإِن الْوَصِيَّة تدخل فِي ذَلِك اه.(2/517)
وَكَذَا إِذا نكل عَن يَمِين النّصاب حَيْثُ لم يكن لَهُ إِلَّا شَاهد وَاحِد فَيجمع ذَلِك الدّين لبَقيَّة مَاله وَتخرج الْوَصِيَّة من الْمَجْمُوع. قَالَ ابْن زرب: لَو قَالَ الْوَرَثَة بعض المَال لم يعلم بِهِ الْمُوصي، وَقَالَ الْمُوصى لَهُ: بل علمه فعلى الْمُوصى لَهُ إِثْبَات أَنه علمه وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا أقرّ الْوَارِث بِعِلْمِهِ. وَصُحِّحَتْ لِوَلَدِ الأوْلاَدِ والأَبُ لِلميراثِ بالمِرْصَادِ (وصححت) الْوَصِيَّة (لولد الْأَوْلَاد و) الْحَال أَن (الْأَب) وَهُوَ أَب الْمُوصى لَهُ (للميراث بالمرصاد) خبر عَن قَوْله الْأَب وللميراث يتَعَلَّق بِهِ أَي يرصد مِيرَاث أَبِيه الْمُوصى ويرتقيه. قَالَ تَعَالَى: إِن رَبك لبالمرصاد} (الْفجْر: 14) أَي يرصد أَعمال الْعباد لَا يفوتهُ مِنْهَا شَيْء فيجازيهم عَلَيْهَا يُقَال: رصدته أَي ارتقبته، وَإِنَّمَا صحت لولد الْوَلَد لِأَنَّهُ غير وَارِث، وَلذَا صَار وَارِثا كَمَا لَو مَاتَ أَبوهُ قبل موت الْمُوصي لم تصح (خَ) : وَالْوَارِث يصير غير وَارِث وَعَكسه الْمُعْتَبر مآله الخ. وَظَاهر النّظم كَانَ الْوَلَد الْمُوصي لوَلَده مَوْجُودا وَقت الْإِيصَاء أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: حَتَّى لحمل وَاضح أَو لم يضح لَكِنَّهَا تبطل إِن لم يستهل ... الخ وَهَذَا الْبَيْت رُبمَا يسْتَغْنى عَنهُ بذلك وبمفهوم قَوْله: وامتنعت لوَارث وَلَعَلَّه إِنَّمَا ذكره دفعا لما يتَوَهَّم من أَن الْوَصِيَّة لولد الْوَلَد وَصِيَّة للْوَلَد، وَأَنَّهَا تبطل بالتهمة. وَقد تقدم أَنَّهَا لَا تبطل، وَتقدم أَيْضا أَن مَا حصل من الْغلَّة قبل وجود الأحفاد هُوَ للْوَرَثَة على الْمَعْمُول بِهِ، وَأَنَّهَا إِذا لم يكن فِيهَا لفظ حبس فَهِيَ مَحْمُولَة على التَّمْلِيك وتقسم رقبَتهَا على الأحفاد بِالسَّوِيَّةِ بعد انْقِطَاع ولادَة الْأَب بيأس مِنْهَا أَو مَوته، وَتقدم أَيْضا أَن من وجد من الأحفاد يخْتَص بالغلة وتقسم بَينه وَبَين من وجد مَعَه بِالسَّوِيَّةِ إِلَّا أَن ينص الْمُوصي على التَّفْضِيل وينتقض الْقسم كلما وجد ولد أَو مَاتَ إِلَى أَن ينْتَهوا بِمَوْت الْأَب، أَو الْيَأْس من وِلَادَته فَيقسم الأَصْل على الْمَوْجُودين من الأحفاد وَلَا يحيى الْمَيِّت بِالذكر، وَمن مَاتَ مِنْهُم فَيكون نصِيبه لباقي الأحفاد فَإِن مَاتُوا كلهم قسم الأَصْل على وَرَثَة من تقدم فِي الْمَوْت، وَمن تَأَخّر فيحيى الْمَيِّت بِالذكر وَيكون نصِيبه لوَرثَته فَإِن قَالَ: ثلث مَالِي لأَوْلَاد أَوْلَادِي فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَمَاتَ أحدهم بعد موت الْمُوصي وَقبل أَن يُولد بِهِ رَجَعَ حَظه لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ وَلَا يرجع لوَرَثَة الْمُوصي، وَإِذا عقبوا وَولد لكل مِنْهُم فَإِنَّهُ يقسم الثُّلُث على عدد من حضر من الأحفاد يَوْم الْقسم دون من مَاتَ قبله، وَهَذَا إِذا أجمل فِي(2/518)
الْوَصِيَّة، وَأما إِذا عين لأَوْلَاد كل قدرا من ذَلِك كَمَا لَو قَالَ: ثلث مَالِي لأَوْلَاد زيد وَأَوْلَاد عَمْرو وَأَوْلَاد بكر لأَوْلَاد كل وَاحِد ثلثه، فَإِن حَظّ من مَاتَ مِنْهُم قبل أَن يُولد لَهُ يكون للْوَرَثَة وَتبطل الْوَصِيَّة فِيهِ وَلَا تدخل الْوَصَايَا فِيمَا بَطل من ذَلِك وتقسم الْغلَّة أَثلَاثًا لأَوْلَاد كل فريق ثلثا قلوا أَو كَثُرُوا، وَمحل بطلَان حَظّ من مَاتَ إِذا لم يقل من مَاتَ عَن غير عقب يرجع نصِيبه لأَوْلَاد أَخَوَيْهِ فَإِن قَالَ ذَلِك فَلَا تبطل وَيرجع لأولادهما، وَهل يقسم هَذَا الرَّاجِع على عدد الرؤوس أَو لَا يجْرِي فِيهِ مَا تقدم فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: وكل مَا يشْتَرط الْمحبس الخ. فرع: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الصَّدَقَة: من تصدق على ابْنه الصَّغِير وعَلى من يُولد للمتصدق جَازَ، فَإِن مَاتَ الابْن الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فِي حَيَاة أَبِيه وقفت الصَّدَقَة بيد الْأَب حَتَّى ينظر أيولد لَهُ شَيْء أم لَا. وَلَا يجوز لَهُ بيعهَا فَإِن مَاتَ الْأَب عَن زَوْجَة فِي حَيَاة الابْن فَلَا يجوز للِابْن أَن يحدث فِيهَا شَيْئا إِلَّا بعد أَربع سِنِين أَو خمس على الِاخْتِلَاف فِي أقْصَى أَو بِالْحملِ، وَذَلِكَ إِذا لم تتَزَوَّج الْمَرْأَة بعده فَإِن لم يتْرك الْأَب زَوْجَة انْطَلَقت يَد الابْن فِي الصَّدَقَة، وَقد قيل أَنه إِذا تصدق على ابْنه وعَلى من يُولد للْأَب من مَجْهُول من يَأْتِي فَذَلِك حبس لَا سِيمَا إِذا أَدخل فِيهِ أَعْقَابهم اه. وَتقدم فِي الصَّدَقَة أَن القَوْل بِأَنَّهَا حبس هُوَ قَول مَالك، وَانْظُر التزامات (ح) فِي الْكَلَام على الشُّرُوط فِي الْهِبَة. فرع: لَو قَالَ الْمُوصي الَّذِي كتب وَصيته بِخَطِّهِ: فليشهد على خطي من وقف عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تنفذ وَلَو لم يشْهد عَلَيْهَا قَالَه اللَّخْمِيّ. وَنَقله فِي الْمجَالِس وَمثله لعياض قَائِلا: وَأما لَو كتبهَا بِخَطِّهِ وَقَالَ: إِذا مت فلينفذ مَا كتب بخطي فَإِنَّهَا تنفذ إِذا عرف أَنه خطه اه. فَقَوله: وَقَالَ الخ. يَعْنِي كتب لذَلِك ليُوَافق كَلَام اللَّخْمِيّ لَا أَنه قَالَ ذَلِك للنَّاس لِأَنَّهُ فِي معنى الْإِشْهَاد عَلَيْهَا، وَلَا خلاف حِينَئِذٍ فِي تنفيذها وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَإِن ثَبت أَن عِنْده خطه أَو قَرَأَهَا وَلم يشْهد أَو يقل أنفذوها لم تنفذ الخ. فمفهومه أَنه لَو كتب بِخَطِّهِ أنفذوها فَإِنَّهَا تنفذ وَنَحْوه قَول صَاحب الْعَمَل:(2/519)
وَكَاتب بِخَطِّهِ لم يشْهد عَلَيْهِ أَو يقل تنفذ أردد وَإنْ أبٌ مِنْ مالِهِ قَدْ أنْفَقَا عَلَى ابْنِهِ فِي حَجْرِهِ تَرَفَّقَا (وَإِن أَب من مَاله قد أنفقا على ابْنه) الصَّغِير وَله مَال وَقت الْإِنْفَاق حَال كَون الابْن (فِي حجره ترفقا) أَي على وَجه الترفق فَهُوَ رَاجع لقَوْله فِي حجره لَا للإنفاق لِأَنَّهُ لَو أنْفق عَلَيْهِ ترفقاً لم يكن لَهُ عَلَيْهِ رُجُوع. . فَجَائِزٌ رُجُوعُهُ فِي الحَالِ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ اكْتِسَابِ المَالِ (فَجَائِز رُجُوعه فِي الْحَال) أَي حَال قِيَامه (عَلَيْهِ من حِين اكْتِسَاب المَال) بِإِرْث أَو هبة أَو وَصِيَّة، وَمَفْهُومه أَن مَا أنفقهُ عَلَيْهِ قبل كَسبه المَال لَا رُجُوع لَهُ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَن نَفَقَته حِينَئِذٍ وَاجِبَة على أَبِيه قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: يلْزم الْأَب نَفَقَة أَوْلَاده الذُّكُور حَتَّى يحتلموا وَالْإِنَاث حَتَّى يدْخل بِهن أَزوَاجهنَّ إِلَّا أَن يكون للصَّبِيّ كسب أَي عمل يَد يَسْتَغْنِي بِهِ أَو مَال ينْفق عَلَيْهِ مِنْهُ اه. وَمحل رُجُوع الْأَب على وَلَده إِذا كَانَت عَادَة الْآبَاء الرُّجُوع بِالنَّفَقَةِ على أَوْلَادهم كَمَا تقدم عَن السيوري فِي النَّفَقَة، وَظَاهره أَنه لَا يَمِين على الْأَب أَنه أنْفق ليرْجع وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْفلس كاليمين المتوجهة على أحد أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُمَا لَا يحلفان وَأما إِذا مَاتَ الابْن وَطلب الْأَب النَّفَقَة فَأَرَادَ وَرَثَة الابْن إحلافه فَسَيَأْتِي آخر الْبَاب، هَذَا حكم رُجُوع الْأَب بِنَفسِهِ فَإِن مَاتَ الْأَب وَأَرَادَ الْوَرَثَة أَن يحاسبوا الابْن بِمَا أنفقهُ عَلَيْهِ أَبوهُ من وَقت اكتسابه لِلْمَالِ فَقَالَ ابْن رشد: لَا يَخْلُو مَال الْوَلَد من أَرْبَعَة أوجه. أَحدهَا: أَن يكون عينا قَائِما فِي يَد الْأَب. وَالثَّانِي: أَن يكون عرضا قَائِما فِي يَده أَيْضا. وَالثَّالِث: أَن يكون الْأَب قد اسْتهْلك مَال ابْنه الْعين وَحصل فِي ذمَّته. وَالرَّابِع: أَن يكون مَال الابْن لم يصل إِلَى يَده. فَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى الْوَجْه الأول بقوله: وَإنْ يَمُتْ وَالمالُ عَيْنٌ باقِي وَطَالَبَ الوَارِثُ بالإنْفَاقِ (وَإِن يمت) الْأَب (و) الْحَال أَن (المَال) أَي مَال الابْن (عين بَاقِي) فِي تَرِكَة الْأَب مَعْرُوف بِالْكِتَابَةِ عَلَيْهِ أَو الشَّهَادَة عَلَيْهِ أَنه مَاله (وطالب الْوَارِث) الرُّجُوع على الابْن (بالانفاق) مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي بِالْمَالِ الْمُنفق عَلَيْهِ. فمَا لَهم إِلَيْهِ مِن سَبِيلِ وَهُوَ لِلابْن دُونَ مَا تَعْلِيل (فَمَا لَهُم) أَي الْوَرَثَة (إِلَيْهِ) أَي الرُّجُوع (من سَبِيل وَهُوَ) أَي المَال الْمُنفق (للِابْن دون مَا)(2/520)
زَائِدَة (تَعْلِيل) لِأَن ترك الْأَب الْإِنْفَاق مِنْهُ عَلَيْهِ مَعَ تيسره دَلِيل على تبرعه. إلاَّ إذَا أوْصَى عَلَى الحِسَاب وَقَيَّدَ الإنْفَاقَ بالْكِتابِ (إِلَّا إِذا أوصى) الْأَب (على الْحساب و) كَانَ قد (قيد الانفاق بِالْكتاب) بِأَن كتبهَا بِخَطِّهِ وَأَحْرَى إِن أشهد عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ أَنه يُحَاسب، فَحِينَئِذٍ يُمكن الْوَارِث من الرُّجُوع فِي المَال الْعين، وَمَفْهُومه أَنه إِذا أوصى وَلم يَكْتُبهَا أَو كتبهَا وَلم يوص لم يكن للْوَارِث رُجُوع على الْوَلَد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صرح بِهِ ابْن رشد، وَوَجهه فِي الأول أَنَّهَا وَصِيَّة لوَارث، وَفِي الثَّانِي أَنه قد يَكْتُبهَا متروياً كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَترك الْكتب فَلَنْ يطالبوا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَا إِذا كَانَ مَال الابْن عرضا فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ عَرْضاً وَكانَ عِنْدَهُ فَلَهُمْ الرَّجُوع فيهِ بَعْدَهُ (وَإِن يكن عرضا) كأثاث ولباس وفراش وأصول ورثهَا من أمه أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ (وَكَانَ) ذَلِك (عِنْده) أَي عِنْد الابْن مَوْجُودا بِعَيْنِه فِي تركته (فَلَهُمَا الرُّجُوع) على الابْن كتبهَا عَلَيْهِ الْأَب أم لَا (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك المَال بِعَيْنِه (بعده) أَي بعد الْأَب فَإِن زَاد الْإِنْفَاق على ذَلِك المَال فَلَا تباعة على الابْن بِالزَّائِدِ. إلاّ إذَا مَا قَال لَا تُحَاسِبُوا وَتَرَكَ الكَتْبَ فَلَنْ يُطَالِبُوا (إِلَّا إِذا مَا) زَائِدَة (قَالَ لَا تحاسبوا و) كَانَ قد (ترك الْكتب فَلَنْ يطالبوا) الابْن بِشَيْء، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يقل لَا تحاسبوا فَإِنَّهُ يُحَاسب وَلَو كتبهَا لِأَنَّهُ قد يَكْتُبهَا متروياً غير عازم عَلَيْهَا، وَمَفْهُوم وَترك الْكتب أَنه إِذا كتب فَإِنَّهُ يُحَاسب وَإِن أوصى أَن لَا يُحَاسب لِأَنَّهُ لما كتب تقوى جَانب عدم التَّبَرُّع فَكَانَت وَصيته بِعَدَمِ المحاسبة وَصِيَّة لوَارث. وكالْعُرُوضِ الحَيوانُ مُطْلَقَا فِيهِ الرُّجوعُ بِالَّذِي قدْ أَنْفَقَا (وكالعروض الْحَيَوَان مُطلقًا) عَاقِلا كَانَ كالرقيق أَو غير عَاقل كالدواب والأنعام (فِيهِ(2/521)
الرُّجُوع) للْوَارِث على الابْن (بِالَّذِي قد أنفقا) عَلَيْهِ أَبوهُ إِلَّا أَن يَقُول: لَا تحاسبوه وَيتْرك الْكتب كَمَا مر فِي الْعرض. ثمَّ أَشَارَ للْوَجْه الثَّالِث، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الْأَب قد اسْتهْلك مَال الابْن الْعين فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ عَيْناً وَرَسْماً أصْدَرَا بأنَّهُ ذمَّتَهُ قدْ عَمَّرَا (وَإِن يكن عينا) سَوَاء كَانَ عينا بِالْأَصَالَةِ أَو كَانَ عرضا واستهلكه الْأَب وترتبت قِيمَته فِي ذمَّته أَو بَاعه واستهلك ثمنه (ورسماً أصْدرَا) أَي أشهد الْأَب عَدْلَيْنِ فِي رسم (بِأَنَّهُ) أَي المَال الْعين أدخلهُ فِي (ذمَّته) وَأَنه (قد عمرا) ذمَّته بِهِ. فَمَا تَحَاسُبٌ لِمُسْتَحِقِّ وَهُو كالحَاضِرِ دونَ فَرْقِ (فَمَا تحاسب لمستحق وَهُوَ) أَي المَال الْمَشْهُود بِهِ فِي الذِّمَّة (كالحاضر) عينا (دون فرق) بَين هَذَا الْوَجْه وَالْوَجْه الأول فَكَمَا لَا يُحَاسب فِي الْوَجْه الأول إِلَّا إِذا أوصى وَقيد بِالْكتاب فَكَذَلِك الحكم هَهُنَا. وَقد سُئِلَ ابْن رشد عَن وَصِيّ أشهد عِنْد مَوته أَن ليتيمة عِنْده عشْرين دِينَارا، فَلَمَّا طالبت بهَا قَالَ لَهَا الْوَرَثَة: إِنَّه كَانَ ينْفق عَلَيْك وأثبتوا ذَلِك فَقَالَ إِشْهَاد الْوَصِيّ لَهَا عِنْد مَوته بالعشرين دِينَارا يُوجِبهَا لَهَا وَتبطل حِينَئِذٍ دَعْوَى الْوَرَثَة عَلَيْهَا وَلَا يحاسبونها بِشَيْء اه. وَأَشَارَ لمَفْهُوم قَوْله: ورسماً أصْدرَا والموضوع بِحَالهِ فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ فِي مالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ بِذَاكَ أَعْمَلَهْ (وَإِن يكن) المَال الْعين (فِي مَاله قد أدخلهُ) بِأَن لم يُوجد بِعَيْنِه فِي تَرِكَة الْأَب وَلَا أشهد بِأَنَّهُ أدخلهُ فِي ذمَّته كَمَا قَالَ: (من غير إِشْهَاد بِذَاكَ أعمله. مَعْ عِلْمِ أَصْلهِ فَهَاهُنَا يَجِبْ رَجُوعُ وَارِثٍ بِإنْفَاقٍ طُلِبْ مَعَ علم أَصله) أَي علم أصل مَال الابْن بِبَيِّنَة شهِدت أَنه كَانَ ورث من أمه مائَة مثلا أَو تصدق عَلَيْهِ بهَا وَلم تُوجد بِعَينهَا فِي تَرِكَة الْأَب، وَلَا أشهد أَنه أدخلها فِي ذمَّته فَالْفرق بَين هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله يَلِيهِ هُوَ الْإِشْهَاد وَعَدَمه وَالْمَال عين على كل حَال (فههنا) أَي فِي عدم الْإِشْهَاد (يجب رُجُوع وَارِث بإنفاق طلب) صفة لإنفاق أَي طلب من الابْن، وَلَو قدم النَّاظِم قَوْله: وَإِن يكن عينا ورسماً أصْدرَا إِلَى قَوْله: طلب. إِثْر قَوْله: وَقيد الْإِنْفَاق بِالْكتاب، لَكَانَ أحسن لِأَن المَال الْعين فِيهِ ثَلَاثَة أَقسَام: إِمَّا أَن يُوجد فِي التَّرِكَة بِعَيْنِه فَلَا حِسَاب إِلَّا إِذا أوصى وَقيد فِي الْكتاب، وَإِمَّا أَن لَا يُوجد فِي التَّرِكَة فَإِن أشهد أَنه فِي ذمَّته فَلَا حِسَاب أَيْضا كَالْأولِ، وَإِن لم يشْهد حُوسِبَ. تَنْبِيه: لم يذكر النَّاظِم حكم مَا إِذا لم يُوجد الْعرض فِي تَرِكَة الْأَب وَلم يشْهد بعمارة ذمَّته(2/522)
بِثمنِهِ، وَالْحكم أَن الابْن يُحَاسب بِالنَّفَقَةِ بالأحرى مِمَّا إِذا وجد قَالَه (م) : ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْوَجْه الرَّابِع وَهُوَ مَا إِذا لم يدْخل مَال الابْن بيد الْأَب فَقَالَ: وَغَيْرُ مَقْبُوضٍ عَلَى الإطْلاَقِ كالْعَرْضِ فِي الرُّجُوعِ باتِّفَاقِ (وَغير مَقْبُوض) من مَال الابْن (على الْإِطْلَاق) عينا كَانَ أَو عرضا (كالعرض فِي الرُّجُوع) إِلَّا أَن يَقُول: لَا تحاسبوا وَترك الْكتب فَلَا رُجُوع (بِاتِّفَاق) . ثمَّ أَشَارَ إِلَى حكم موت الابْن قبل الْأَب وَطلب الْأَب محاسبته فَقَالَ: وَمَوْتُ الابْنِ حُكْمُهُ كَمَوْتِ الأَبِ وَقيلَ فِي يُسْرِ أبٍ حَلْفٌ وَجَبْ (وَمَوْت الابْن) فِي حَيَاة أَبِيه إِذا أَرَادَ الرُّجُوع عَلَيْهِ (حكمه كموت الْأَب) فِي جَمِيع التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم من كَون المَال عينا أَو عرضا الخ. وَلَا يَمِين على الْأَب إِذا أَرَادَ الْوَرَثَة إحلافه أَنه أنْفق ليرْجع لأَنهم قائمون مقَام الابْن وَلَا يَرِثُونَ عَنهُ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ وَلَيْسَ للِابْن أَن يحلف أَبَاهُ. (وَقيل) وَهُوَ لمَالِك فِي سَماع ابْن الْقَاسِم يفرق فَفِي عدم الْأَب وأمانته لَا يَمِين عَلَيْهِ و (فِي يسر أَب) وَعدم أَمَانَته (حلف وَجب) عَلَيْهِ، قَالَ فِي المقرب: سُئِلَ مَالك عَن الرجل يَمُوت وَلَده وَقد كَانَ للْوَلَد مَال فتقوم جدته أَو أمه تطلب مِيرَاثهَا فَيَقُول الْأَب: قد أنفقته عَلَيْهِ أَتَرَى عَلَيْهِ يَمِينا؟ فَقَالَ: إِن كَانَ رجلا مقلاً مَأْمُونا فَلَا أرى ذَلِك عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مُوسِرًا غير مَأْمُون أرى أَن يحلف لِأَن جلّ الأباء يُنْفقُونَ على أبنائهم وَإِن كَانَ لَهُم مَال اه. وَقَوله: لِأَن جلّ الْآبَاء الخ. يَقْتَضِي أَن الْغَالِب هُوَ إنفاقهم بِعَدَمِ قصد الرُّجُوع، ولذ قَالَ السيوري كَمَا مر فِي النَّفَقَات ينظر للْعَادَة. فرع: سُئِلَ ابْن لب عَن الَّذِي يلْتَزم لزوجته النَّفَقَة على أَوْلَادهَا على أَن يستغل مَا يكون لأولادها من المَال مُدَّة الزَّوْجِيَّة؟ فَقَالَ: الأَصْل فِي الْمَنْع لوجوه لَا تخفى إِلَّا أَن الْمُتَأَخِّرين من الموثقين جرت عَادَتهم بِالتَّخْفِيفِ فِي ذَلِك إِذا كَانَ فائد المَال المستغل يَسِيرا بِحَيْثُ أَن الْغَرَض الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ التَّبَرُّع بِالنَّفَقَةِ، وَيكون فائد المَال لَا يبلغ إِلَّا بعض النَّفَقَة.(2/523)
(فصل فِي الْإِقْرَار)
وَهُوَ لُغَة الِاعْتِرَاف. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: الْإِقْرَار وَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَة كلهَا إخبارات، وَالْفرق بَينهَا أَن الْإِخْبَار إِن كَانَ يقْتَصر حكمه على قَائِله فَهُوَ الْإِقْرَار، وَإِن لم يقْتَصر فإمَّا أَن لَا يكون للمخبر فِيهِ نفع فَهُوَ الشَّهَادَة أَو يكون وَهُوَ الدَّعْوَى اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: هُوَ خبر يُوجب حكم صدقه على قَائِله فَقَط بِلَفْظِهِ أَو بِلَفْظ نَائِبه الخ. فَقَوله: خبر أخرج بِهِ الإنشاآت كبعت وَطلقت، وَقَوله: يُوجب حكم صدقه على قَائِله أخرج بِهِ الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة لِأَن الْقَائِل إِذا قَالَ: الصَّلَاة وَاجِبَة مثلا فَذَلِك خبر أوجب حكم صدقه على مخبره وَغَيره، وَإِذا شهد على رجل بِحَق فَإِنَّهُ خبر أوجب حكم صدقه على غَيره، وَإِذا قَالَ: فِي ذِمَّتِي دِينَار فَهُوَ خبر أوجب حكم صدقه على الْمخبر وَحده وَهُوَ معنى قَوْله: فَقَط. وَأخرج بِهِ أَيْضا قَول الْقَائِل: زيد زَان لِأَنَّهُ وَإِن أوجب حكما على قَائِله فَقَط وَهُوَ حد الْقَذْف، لَكِن ذَلِك لَيْسَ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ الصدْق لِأَن الَّذِي اقْتَضَاهُ الصدْق هُوَ جلد غَيره مائَة أَو رجمه إِن كَانَ مُحصنا، وَزَاد قَوْله: أَو بِلَفْظ نَائِبه ليدْخل قَول الرجل لآخر أقرّ عني بِأَلف فَإِنَّهُ إِقْرَار لَا وكَالَة يحْتَاج فِيهَا إِلَى إِقْرَار الْوَكِيل كَمَا مّر فِي الْوكَالَة، وليدخل إِقْرَار الْوَكِيل عَن مُوكله. وَمَالِكٌ لأَمْرِهِ أقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لأَجْنَبِيَ اقتُفِي (وَمَالك لأَمره) أَي بَالغ رشيد غير مكره لِأَن الْمُكْره لَا يملك أمره وَلَا يلْزمه إِقْرَار كَمَا لَا يلْزم الْمَحْجُور من صبي وسفيه وَعبد وسكران ومرتد (خَ) : يُؤَاخذ الْمُكَلف بِلَا حجر بِإِقْرَارِهِ لأهل لم يكذبهُ الخ. لِأَن فَائِدَة الْحجر على من ذكر هِيَ رد تصرفاتهم الَّتِي من جُمْلَتهَا الْإِقْرَار بِالدّينِ إِلَّا أَن يُجِيزهُ السَّيِّد من العَبْد والسكران ومحجور عَلَيْهِ فِيمَا يتَعَلَّق بالأموال والمعاوضات بِخِلَاف الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالْجِنَايَة فَإِنَّهَا تلْزمهُ كَمَا قَالَ: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود وَالْمُرْتَدّ مَحْجُور عَلَيْهِ بعد إيقافه للاستتابة وَلَا إِشْكَال فِي ذَلِك إِن قتل، وَأما إِن رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام فَهُوَ مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا الْمُفلس فَهُوَ مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل يحاصص الْمقر(2/524)
لَهُ الْغُرَمَاء أم لَا (خَ) : وَقبل إِقْرَاره بِالْمَجْلِسِ إِن ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة وَهُوَ فِي ذمَّته الخ. وَدخل فِي كَلَامه الزَّوْجَة لِأَنَّهَا لَا حجر عَلَيْهَا فِي الْإِقْرَار وَلَو فِي زَائِد الثُّلُث، إِذْ لَيْسَ هُوَ من التَّبَرُّع، وَكَذَا الْمَرِيض فَإِن إِقْرَاره مَاض لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَلَو فِي الزَّائِد على الثُّلُث، وَقَول (خَ) لم يكذبهُ يَعْنِي فَإِن كذبه بَطل سَوَاء كذبه قبل الْإِقْرَار أَو بعده وَلَا يقبل رُجُوعه لتصديقه إِلَّا بِإِقْرَار ثَان، وَنَظِيره من قَالَ لامْرَأَة: تَزَوَّجتك فأنكرت ثمَّ قَالَت: نعم فَأنْكر فَإِن ذَلِك لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَن من شَرط صِحَة الْإِقْرَار أَن يتَّفق الْمقر وَالْمقر لَهُ فِي تَصْدِيق كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فِي وَقت وَاحِد، وَهَذَا إِذا لم يكن هُنَاكَ عذر وإلاَّ فرجوع الْمقر لَهُ لتصديق الْمقر بعد تَكْذِيبه مَقْبُول مثل أَن يقر أحد الْوَرَثَة أَن مَا تَركه أَبوهُ مِيرَاث بَينهم على مَا عهد فِي الشَّرِيعَة ثمَّ جَاءَهُ شُهُود أَخْبرُوهُ أَن أَبَاهُ أشهدهم أَنه تصدق عَلَيْهِ فِي صغره بِهَذِهِ الدَّار وحازها لَهُ، فَإِنَّهُ إِذا رَجَعَ عَن إِقْرَاره فَإِن التَّرِكَة كلهَا موروثة لَا هَذِه الدَّار الْمَشْهُود لَهُ بهَا دون الْوَرَثَة. وَاعْتذر بأخبار الْبَيِّنَة وَأَنه لم يكن عَالما بذلك حِين أقرّ بناه على الْعَادة فَإِنَّهُ تسمع دَعْوَاهُ وعذره وَلَا يكون إِقْرَاره السَّابِق مُكَذبا للبينة قادحاً فِيهَا قَالَه الْقَرَافِيّ فِي فروقه. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: اعْتمد مَا للقرافي غير وَاحِد من الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين وتلقوه بِالْقبُولِ مِنْهُم: أَبُو سَالم إِبْرَاهِيم اليزناسي اه. وَبِه تعلم ضعف مَا فِي (خَ) عَن سَحْنُون من أَن إِقْرَاره الأول مكذب للبينة فَلَا ينْتَفع بهَا. نَقله فِي بَاب الْإِقْرَار وَالْقِسْمَة بعد ان نقل عَن الْمَازرِيّ أَنه أفتى بِمثل مَا للقرافي، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَد مَا للقرافي وَبِه كنت أَفْتيت. انْظُر شرحنا للشامل، وَيُؤَيِّدهُ مَا مر أول الِاسْتِحْقَاق. ثمَّ اعْلَم إِن الْمَالِك لأَمره تَارَة يقر فِي صِحَّته وَتارَة فِي مَرضه، وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا أَن يكون الْمقر لَهُ وَارِثا أَو أَجْنَبِيّا فَأخْبر هُنَا أَن الْمَالِك لأَمره إِذا (أقرَّ فِي صِحَّته لأَجْنَبِيّ اقتفي) إِقْرَاره وَاتبع وَلزِمَ فَقَوله: اقتفى خبر عَن قَوْله وَمَالك لأَمره، وَالْجُمْلَة بعده صفة لَهُ وَمَفْهُوم لأَجْنَبِيّ هُوَ قَوْله: وَمَا لِوَارِثٍ ففيهِ اخْتُلِفَا وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهمْةٍ نَفَى (وَمَا) أقرّ بِهِ فِي صِحَّته أَيْضا (لوَارث فَفِيهِ اخْتلفَا) فَمنهمْ من أبْطلهُ للتُّهمَةِ وهم المدنيون فِي روايتهم عَن مَالك، وَمِنْهُم من أجَازه وهم المصريون فِي روايتهم عَن الإِمَام أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: (ومنفذ لَهُ) أَي لإِقْرَاره (لتهمة نفى) عَنهُ لكَونه فِي حَال الصِّحَّة فَلَا تلْحقهُ فِيهِ تُهْمَة وَلَا توليج. وَرَأْس مَتروكٍ المُقِرِّ أَلزَمَا وَهْوَ بهِ فِي فَلَسٍ كالغُرَمَا(2/525)
(و) إِذا لم يلْحقهُ ذَلِك ف (رَأس مَتْرُوك الْمقر) بِنصب رَأس مفعول بقوله: (ألزما) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير المنفذ وهم المصريون (و) إِذا كَانَ يُؤْخَذ من رَأس مَاله ومتروكه فَإِن وفى بِهِ فَلَا كَلَام، وَإِن لم يوف بِهِ لاستغراق الدُّيُون تركته ف (هُوَ) أَي الْمقر لَهُ يحاصص (بِهِ فِي فلس كالغرما) يحاصص بَعضهم بَعْضًا، وَلَكِن إِنَّمَا ذَلِك فِي الدّين الْحَادِث بعد الْإِقْرَار، وَأما الْقَدِيم قبل الْإِقْرَار فمقدم اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ح) ثمَّ إِن مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من نُفُوذ إِقْرَار الصَّحِيح لوَارِثه هُوَ الْمَشْهُور. قَالَ المتيطي: وَعَلِيهِ الْعَمَل، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن حَارِث، وَكَذَا صَاحب الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وكل من أقرّ لوَارث أَو غير وَارِث فِي صِحَّته بِشَيْء من المَال أَو الدّين أَو الْبَرَاءَة أَو قبض أَثمَان المبيعات فَإِقْرَاره عَلَيْهِ جَائِز لَا تلْحقهُ فِيهِ تُهْمَة وَلَا توليج، وَالْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث فِي ذَلِك سَوَاء، وَكَذَا الْقَرِيب والبعيد والعدو وَالصديق فِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة سَوَاء اه. ثمَّ مَحل الْخلاف فِي إِقْرَار الصَّحِيح للْوَارِث إِن كَانَ لَا يعرف وَجه مَا أقرّ بِهِ وَلَا سَببه، وَأما إِن عرف ذَلِك ككون أم الْمقر لَهُ مَاتَت وَتركت مَالا وَأقر أَبوهُ لَهُ بِهِ، أَو أقرّ لزوجته بِقدر كالىء صَدَاقهَا، أَو أقرّ لابنته بِعَدَد يعلم مِنْهُ أَنه كَانَ يلابسها وَيبِيع لَهَا مَا اكتسبته بِيَدِهَا، فَهُوَ جَائِز نَافِذ بِاتِّفَاق المصريين والمدنيين، وَإِقْرَار الْمَرِيض للْوَارِث مَعَ علم السَّبَب كَذَلِك يجوز اتِّفَاقًا أَيْضا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحينما الْإِقْرَار فِيهِ للْوَلَد الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الْمقر لَهُ مِمَّن يشبه أَن يملك مثل المقَّر بِهِ لكَونه مَعْرُوفا بالتكسب وَالْإِرْث من أمه وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يشبه أَن يكون تكسب أَو ورث مثل هَذَا المَال المقّر بِهِ بل مَا أقرّ بِهِ أَكثر مِمَّا يشبه تكسبه أَو إِرْثه أَو كَانَ لَا يعرف بتكسب وَلَا إِرْث أصلا فَلَا يعْمل بذلك الْإِقْرَار. قَالَ أَبُو الْفضل الْبُرْزُليّ فِي مسَائِل الْبيُوع من ديوانه مَا نَصه: إِقْرَار الْأُم بدين للابنة فِي صِحَّتهَا نَافِذا لَا أَن تكون الِابْنَة غير مَعْرُوفَة بتكسب وَلَا فائد من مِيرَاث أَو غَيره فإقرارها حِينَئِذٍ بِمَا لَا يشبه أَن يكون لَهَا مَحْض توليج اه. قلت: وَلذَلِك قَالُوا: إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة من مَتَاع الْبَيْت الَّذِي شَأْنه أَن يكون للنِّسَاء مَا لَا يشبه أَن تملكه لضعف حَالهَا وَقلة صَدَاقهَا وَعدم مَعْرفَتهَا بالتكسب لَا يكون لَهَا مِنْهُ إِلَّا قدر صَدَاقهَا كَمَا مر، فَكَذَلِك هَذَا لَا يكون لَهُ مِنْهُ إِلَّا قدر تكسبه أَو إِرْثه، وَظَاهر النّظم أَن إِقْرَاره نَافِذ وَلَو لم يتَقَدَّم من الْمقر لَهُ طلب فِي صِحَة الْمقر، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَلَكِن فِي نظم الْعَمَل أَن الْمقر لَهُ لَا ينْتَفع بِالْإِقْرَارِ إِلَّا مَعَ قيام الْبَيِّنَة أَنه كَانَ يطْلب الْمقر بِمَا أقرّ بِهِ فِي حَيَاته وَصِحَّته وَنَصه: والسر فِي الْإِقْرَار للْوَارِث مَا ينفع دون طلب قد علما وَمحل الْخلاف أَيْضا فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ وَنَحْوه مِمَّا لَا يعرف أصل ملكه للْمقر يَعْنِي بِعَيْنِه وَأما إِقْرَار الرجل فِي صِحَّته أَو مَرضه بِمَا يعرف ملكه لَهُ من شَيْء بِعَيْنِه أَنه لفُلَان وَفُلَان وَارِث(2/526)
أَو غير وَارِث فَإِنَّهُ يجْرِي مجْرى الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَيحل محلهَا إِن حَاز ذَلِك الْمقر لَهُ بِهِ فِي صِحَة الْمقر جَازَ لَهُ، وإلاَّ لم يجز بِلَا خلاف قَالَه ابْن رشد وَنَقله (ح) وَغَيره. وَفِي نَوَازِل الهبات من المعيار مَا نَصه: قَالَ ابْن دحون لِابْنِ زرب: فَلَو أَن رجلا أقرّ بدار لِابْنِ لَهُ صَغِير فَقَالَ: يحل هَذَا الْإِقْرَار مَحل الْهِبَة إِن كَانَت الدَّار مَعْرُوفَة للْأَب وسكنه فَإِن خرج مِنْهَا وحازها لِابْنِهِ بعد الْإِقْرَار وإلاَّ بَطل، وَإِن كَانَت غير دَار سكناهُ نفذ إِقْرَاره يَعْنِي لِأَن الْأَب يحوز لِابْنِهِ الصَّغِير غير دَار السُّكْنَى كَمَا قَالَ (خَ) إِلَّا لمحجوره إِذْ أشهد وَصرف الْغلَّة لَهُ وَلم تكن دَار سكناهُ الخ. قَالَ ابْن زرب: وَإِن لم يعلم فِي دَار السُّكْنَى أَو فِي غَيرهَا أَنَّهَا ملك للْمقر جَازَ وَإِن لم يحزها اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَمَا لم يعلم أَصله للْمقر وَصَحَّ فِيهِ إِقْرَار الصَّحِيح لوَارِثه وَمَا علم أَصله لَهُ من المعينات من أصُول وأثاث وحيوان أَن يجْرِي إِقْرَاره فِيهِ مجْرى الْهِبَة إِن حيّز فِي صِحَّته صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. وَيعرف أَصله للْمقر بِأَن كَانَ يحوزه ويتصرف فِيهِ سِتَّة أشهر أَو عشرَة كَمَا للوانشريسي إِثْر جَوَاب ابْن رشد، وَأما إِن أقرّ بأملاك لابنته عِنْد عقد نِكَاحهَا فَإِنَّهَا نَافِذَة وَلَو لَو تحز كَمَا تقدم فِي النِّكَاح. تَنْبِيه: وعَلى الْمقر لَهُ بِالدّينِ فِي الصِّحَّة الْيَمين أَنه ترَتّب لَهُ ذَلِك الْمقر لَهُ كَمَا فِي المعيار عَن ابْن لب، وَنَقله شَارِح الْعَمَل فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم وَنَحْوه فِي (ح) ونظم الْعَمَل الْمُطلق خلافًا لما فِي التَّبْصِرَة فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْعِشْرين من الْقسم الثَّانِي. ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِقْرَار الْمَرِيض بقسميه لِأَنَّهُ إِمَّا لأَجْنَبِيّ أَو قريب فَقَالَ: وَإنْ تَكُنْ لأجْنَبِيَ فِي المَرَضْ غَيْرِ صَدِيقٍ فَهْوَ نَافِذُ الغَرَضْ (وَإِن يكن) الْإِقْرَار (لأَجْنَبِيّ فِي الْمَرَض) الْمخوف (غير صديق) صفة لأَجْنَبِيّ (فَهُوَ) أَي الْإِقْرَار (نَافِذ الْغَرَض) مَعْمُول بِهِ ورث كَلَالَة أم لَا. وَمَفْهُوم لأَجْنَبِيّ أَنه إِذا كَانَ فِي الْمَرَض لقريب أَو لصديق ملاطف فَهُوَ قَوْله: وَلِصَدِيقٍ أوْ قَرِيبٍ لَا يَرِثْ يَبْطُلُ مِمن بِكلالةٍ وَرِثْ (ولصديق) ملاطف (أَو قريب لَا يَرث) كالخال والعمة وَالْخَالَة (يبطل) الْإِقْرَار حَيْثُ وَقع(2/527)
(مِمَّن بكلالة ورث) . وَمَفْهُومه أَنه إِذا ورث بِغَيْر كَلَالَة فَإِن إِقْرَاره صَحِيح وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره. وَهَذَا حَيْثُ لَا دين مُحِيط عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا يقبل إِقْرَاره لقريب وَلَا لملاطف، وَالْمرَاد بالكلالة هُنَا الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل بِأَن كَانَ فِيهَا أَبَوَانِ أَو زَوْجَة أَو عصبَة، وَأما الْكَلَالَة فِي بَاب الْمِيرَاث فَهِيَ الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا وَلَا وَالِد وفيهَا يَقُول الْقَائِل: ويسألونك عَن الْكَلَالَة هِيَ انْقِطَاع النَّسْل لَا محَالة وَلَا وَالِد يبْقى وَلَا مَوْلُود فَانْقَطع الْأَبْنَاء والجدود وقِيل بلْ يَمْضِي بكلِّ حَالٍ وَعِنْدَ مَا يُؤْخَذُ بالإِبْطَالِ (وَقيل بل يمْضِي) إِقْرَار الْمَرِيض لمن ذكر (بِكُل حَال) ورث كَلَالَة أَو لَا. وَالْقَوْلَان قائمان من الْمُدَوَّنَة ومشهورهما مَا تقدم. (وَعند مَا يُؤْخَذ) بالْقَوْل (بالإبطال) لكَونه ورث كَلَالَة وَهُوَ القَوْل الأول. قيل بإطْلاقٍ ولابنِ القَاسِمِ يمْضِي مِنَ الثُّلْثِ بِحُكْمٍ جازِمِ (قيل) يبطل (بِالْإِطْلَاقِ) وَلَا يكون للْمقر لَهُ شَيْء لَا من ثلث وَلَا رَأس مَال وَهُوَ الْمُعْتَمد (و) قيل وَهُوَ (لِابْنِ الْقَاسِم يمْضِي) إِقْرَاره (من الثُّلُث) إِن حمله أَو مَا حمله مِنْهُ (بِحكم جازم) وَعَلِيهِ فَتْوَى ابْن سراج فِي رجل كفل يَتِيما فَأشْهد لَهُ فِي صِحَّته بِعشْرَة دَنَانِير وَفِي مَرضه بِخَمْسِينَ دِينَارا عَن أُجْرَة لَهُ فَمَاتَ ونازعه الْوَرَثَة؟ فَأجَاب: أما الْعشْرَة فَتجب لَهُ، وَأما الْخَمْسُونَ فَإِن كَانَت قدر أجرته الْوَاجِبَة لَهُ فَتجب من رَأس مَاله وَإِن كَانَت أَكثر مِمَّا يجب لَهُ فِي إِجَارَته كَانَ قدر الْإِجَارَة من رَأس مَاله وَالزَّائِد من ثلثه اه. وَبَيَانه أَن الكافل يلاطف مكفوله، لَكِن مَا أقرّ لَهُ بِهِ فِي الصِّحَّة يمْضِي لَهُ على مَا مر من رِوَايَة المصريين، وَمَا أقرّ بِهِ لَهُ فِي الْمَرَض يمْضِي حَيْثُ كَانَ للإقرار سَبَب اتِّفَاقًا كَمَا هُنَا لِأَنَّهُ علم أَنه كَانَ يؤاجره، نعم قَوْله الزَّائِد على قدر الْإِجَارَة يكون فِي الثُّلُث إِنَّمَا يتمشى على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ ضَعِيف. ثمَّ أَشَارَ لمَفْهُوم قَوْله: لَا يَرث الخ. وَهُوَ إِقْرَاره لولد أَو زَوْجَة أَو غَيرهمَا كأخ مَعَ ظُهُور سَبَب الْإِقْرَار أَو عدم ظُهُوره فَقَالَ:(2/528)
وَحَيْثُما الإقْرَارُ فِيهِ لِلْوَلَدْ مَعْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ فيهِ مِنْ مَرَدْ (وحيثما الْإِقْرَار فِيهِ) أَي الْمَرَض (للْوَلَد مَعَ) وجود (غَيره) من الْوَرَثَة بَنِينَ أَيْضا أَو غَيرهم (فَلَيْسَ فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْإِقْرَار (من مرد) بل هُوَ صَحِيح لَازم. مَعَ ظُهُورِ سَبَبِ الإقْرَارِ فإنْ يَكُنْ ذَاكَ عَن اخْتِيَارِ (مَعَ ظُهُور سَبَب الْإِقْرَار) اتِّفَاقًا كَأَن تشهد بَيِّنَة بِأَن الْأَب قد قبض للْوَلَد أَمْوَالًا ورثهَا من أمه، أَو بَاعَ لَهُ أسباباً وَقبض أثمانها، أَو أوصى لَهُ بِوَصِيَّة وَقَبضهَا أَبوهُ، وَإِن لم يبينوا قدر الْمَقْبُوض لِأَن ظُهُور السَّبَب يَنْفِي التُّهْمَة بِشَرْط أَن يكون الْمقر لَهُ مِمَّن يشبه أَن يملك مثل المَال المقرّ بِهِ، وإلاَّ فَلَا كَمَا مر قَرِيبا فِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة. (فَإِن يكن ذَاك) الْإِقْرَار (عَن اخْتِيَار) بِأَن لم يظْهر سَبَب صِحَّته. فَذُو عُقوقٍ وَانْحِرَافٍ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ وَذُو البُرُورِ يُحْرَمُ (ف) ولد (ذُو عقوق) لِأَبِيهِ (وانحراف) عَن طَاعَته (يحكم لَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا يتهم على أَن يُعْطِيهِ وَيحرم الْبَار (و) الْوَلَد (ذُو البرور يحرم) من إِقْرَار الْأَب لَهُ للتُّهمَةِ، وَظَاهره أَنه يفصل فِيهِ التَّفْصِيل الْمَذْكُور سَوَاء أقرّ لَهُ وَحده أَو مَعَ أَجْنَبِي وَهُوَ كَذَلِك فنصيب الْوَلَد يفصل فِيهِ بَين ظُهُور السَّبَب فَيصح وَبَين عَدمه فذو عقوق يَصح أَيْضا وَذُو برور يحرم، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ أحد قَوْلَيْنِ متساويين فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ تَشْبِيها فِي الْقَوْلَيْنِ: كإقراره للْوَلَد الْعَاق الخ. فيستفاد من النَّاظِم أَن القَوْل بِالصِّحَّةِ هُوَ الرَّاجِح، وَمَفْهُومه أَنه إِذا أقرّ لأحد المتساويين فِي العقوق أَو البرور أَو أقرّ للأقرب مَعَ وجود الْأَبْعَد كإقراره لابنته أَو لأمه مَعَ وجود الْعصبَة فَإِنَّهُ يبطل اتِّفَاقًا فيهمَا (خَ) : لَا الْمسَاوِي وَالْأَقْرَب الخ. وَأما إِن أقرّ للأبعد مَعَ وجود الْأَقْرَب كإقراره للْعصبَةِ مَعَ وجود الْأُم أَو الْبِنْت فَإِقْرَاره صَحِيح. وَإنْ يَكن لِزَوْجَةٍ بِهَا شُغِفْ فَالمَنْعُ وَالْعَكْسُ بعكْسٍ يتَّصِفْ (وَإِن يكن) إِقْرَار الْمَرِيض (لزوجة بهَا شغف) حبا فَإِن ظهر لإِقْرَاره سَبَب كَكَوْنِهِ قبض لَهَا مَالا أَو عرف أَنه بَاعَ لَهَا أسباباً فلإقرار صَحِيح اتِّفَاقًا كَمَا مر، وَكَذَا لَو أقرّ لَهَا بِقدر كالىء صَدَاقهَا لِأَنَّهُ لَو لم يقرّ بِهِ لَأَخَذته من تركته إِذْ الْعَادة بَقَاؤُهُ كَمَا مر فِي النِّكَاح عِنْد قَوْله: وَأجل(2/529)
الكوالىء الْمعينَة الخ. وَإِن لم يظْهر لإِقْرَاره لَهَا سَبَب وَلَا كَانَ بكالىء صَدَاقهَا. (فالمنع) من صِحَة الْإِقْرَار لَهَا وَاجِب إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْوَرَثَة (وَالْعَكْس) وَهُوَ أَن لَا يكون مشغوفاً بحبها بل كَانَ يعرف ببغضها (بعكس يَتَّصِف) فَيلْزم الْإِقْرَار وَيصِح وَرثهُ ولد أم لَا. انْفَرَدت بالصغير أم لَا. على الْمُعْتَمد، وَانْظُر الْإِقْرَار بالمجمل للزَّوْجَة أَو غَيرهَا فِي (ح) وَمَا فِيهِ من الْخلاف أول بَاب الْإِقْرَار، وَقد أفتى هُوَ بِصِحَّتِهِ عِنْد قَوْله: كَزَوج علم بغضه لَهَا فيستفاد من فتواه أَن الرَّاجِح صِحَّته. وَإنْ جَهِلْنَا عِنْدَ ذَاكَ حَالَهْ فَالمَنْعُ مِمَّنْ إرْثُهُ كَلاَلَهْ (وَإِن جهلنا عِنْد ذَاك) الْإِقْرَار (حَاله) مَعهَا من محبتها والميل إِلَيْهَا أَو بغضه إِيَّاهَا فَإِن ورث كَلَالَة لم يَصح إِقْرَاره كَمَا قَالَ: (فالمنع مِمَّن إِرْثه كَلَالَة) وَإِن لم يُورث كَلَالَة بِأَن وَرثهُ ابْن وَاحِد ذكر صَغِير أَو كَبِير مِنْهَا أَو من غَيرهَا صَحَّ إِقْرَاره كَمَا قَالَ: وَمَعَ وَاحِدٍ مِنَ الذُّكُورِ فِي كلِّ حَالٍ لَيْسَ بالمَخظُورِ (وَمَعَ وَاحِد من الذُّكُور فِي كل حَال لَيْسَ بالمحظور) وَإِن وَرثهُ بنُون ذُكُور فَقَط أَو ذُكُور وإناث فالإقرار صَحِيح أَيْضا كَمَا قَالَ: 1413 كَذَاكَ مَعْ تَعَدُّدٍ فِيهِمْ ذَكَرْ مَا مِنْهُمُ ذُو صِغَرٍ وَذُو كِبَرْ (كَذَاك مَعَ تعدد) الْأَوْلَاد حَال كَونهم (فيهم ذكر) وَاحِد أَو مُتَعَدد كَانُوا كلهم مِنْهَا، أَو بَعضهم مِنْهَا وَبَعْضهمْ من غَيرهَا كبارًا كَانُوا أَو صغَارًا أَو مُخْتَلفين كَمَا قَالَ: (مَا مِنْهُم ذُو صغر و) لَا (ذُو كبر) يخْتَص بِصِحَّة الْإِقْرَار مَعَه بل هُوَ صَحِيح لَهَا مَعَ وجود كل من الْفَرِيقَيْنِ أَو أَحدهمَا، لَكِن إِن كَانَ فيهم صغَار فَيشْتَرط أَن يكون الصغار من غَيرهَا فَقَط أَو بَعضهم مِنْهَا وَبَعْضهمْ من غَيرهَا، أما إِذا كَانَ الصغار مِنْهَا فَقَط وَلَو إِنَاثًا وَبَقِيَّة الْوَرَثَة كبارًا مِنْهَا وَمن غَيرهَا أَو مِنْهَا فَقَط، فَإِن الْإِقْرَار لَا يَصح اتِّفَاقًا، وَلذَا قَالَ الشَّارِح: كَانَ حَقه أَن يزِيد بَيْتا فَيَقُول:
إِلَّا إِذا مَا كَانَ مِنْهَا الْأَصْغَر وَكَانَ من أم سواهَا الْأَكْبَر(2/530)
وَلَو قَالَ: وَكَانَ من غير وَمِنْهَا الْأَكْبَر وَتَكون الْوَاو فِي قَوْله: وَمِنْهَا بِمَعْنى (أَو) لوفي بِمَا تقدم. وَإنْ يَكُنْ بِغَيْرِ ذَاكَ مَطْلقَا قِيلَ مُسَوَّغٌ وقيلَ مُتَّقى (وَإِن يكن) أَي إِقْرَار الْمَرِيض للْمَجْهُول حَاله مَعهَا متلبساً (بِغَيْر ذَاك) أَي بِغَيْر مَا ذكر من الْكَلَالَة وَمن وجود الابْن أَو البنتين، بل كَانَ الْإِقْرَار لَهَا مَعَ وجود بنت أَو بَنَات (مُطلقًا) صغَارًا كن من غَيرهَا أَو كبارًا مِنْهَا فَقَط أَو مِنْهَا وَمن غَيرهَا فَقَوْلَانِ (قيل) الْإِقْرَار (مسوغ) لَهَا نظرا إِلَى أَنَّهَا أبعد من الْبِنْت (وَقيل متقى) نظرا إِلَى أَنَّهَا أقرب من الْعصبَة فَإِن وَرثهُ مَعَ الْعصبَة صَغِيرَة أَو أَكثر مِنْهَا لم يَصح إِقْرَاره لَهَا اتِّفَاقًا، وَلذَا قَالَ وَلَده: كَانَ حَقه أَن يزِيد بَيْتا أَيْضا فَيَقُول: إِلَّا إِذا كن صغَارًا أجمعا مِنْهَا فَحكم ذَاك أَن يمتنعا وَالْمرَاد بالعصبة مَا عدا الابْن وإلاَّ فَهُوَ مَا تقدم (خَ) : كَزَوج علم بغضه لَهَا أَو جهل وَورثه ابْن أَو بنُون إِلَّا أَن تنفرد بالصغير وَمَعَ الْإِنَاث والعصبة قَولَانِ الخ. وَلم أَقف على من رجح وَاحِدًا مِنْهُمَا إِلَّا مَا يظْهر من كَلَام الشَّامِل من رُجْحَان الأول، وَكَذَا النَّاظِم حَيْثُ صدر بِهِ هَذَا حكم الْإِقْرَار للْوَلَد وَالزَّوْجَة. وَإنْ يَكُنْ لِوَارِثٍ غَيْرِهما مَعْ وَلدٍ فَفي الأَصَحِّ لَزِما (وَإِن يكن) إِقْرَار الْمَرِيض (لوَارث غَيرهمَا) بِالْجَرِّ نعت لوَارث حَال كَون الْوَارِث (مَعَ) وجود (ولد) للْمقر وَلَو أُنْثَى كإقراره لأم مَعَ وجود ولد أَو لأخت مَعَ وجود بنت أَو بَنَات (فَفِي الْأَصَح) وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَرَوَاهُ ابْن عبد الحكم عَن مَالك (لزما) وَمُقَابِله نَقله ابْن سهل عَن ابْن زرب فِيمَا إِذا كَانَ الْوَلَد بِنْتا. وَدونَهُ لمالِكٍ قولانِ بالمَنْعِ وَالجَوَازِ مَرْوِيَّانِ (ودونه) أَي الْوَلَد أَي وَإِقْرَاره لوَارث غَيرهمَا دون وجود ولد لَهُ (لمَالِك) فِيهِ (قَولَانِ) أَحدهمَا (بِالْمَنْعِ و) الآخر ب (الْجَوَاز مرويان) عَنهُ، ومحلهما إِن كَانَ الْمقر لَهُ مُسَاوِيا كإقراره لأحد(2/531)
إخْوَته المتساويين فِي الدرجَة أَو بني عَمه كَذَلِك، أَو كَانَ أقرب كإقراره لأم مَعَ وجود أَخ أَو عَم وَالرَّاجِح مِنْهُمَا الْمَنْع كَمَا تقدم فِي مَفْهُوم قَوْله: فذو عقوق وانحراف يحكم لَهُ بِهِ الخ. وَأما إِذا أقرّ لوَارث أبعد مَعَ وجود الْأَقْرَب كإقراره للْعصبَةِ مَعَ وجود أم أَو أقرَّ لأخ لأَب أَو لأم مَعَ وجود شَقِيق فَإِن إِقْرَاره صَحِيح اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ق) عَن ابْن رشد، وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: ومريض إِن وَرثهُ ولد لأبعد الخ. وَصَوَابه ومريض لوَارث أبعد كَمَا لشراحه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِقْرَار الزَّوْجَة لزَوجهَا فِي الْمَرَض هُوَ كإقراره لَهَا فِي التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فَقَالَ: وَحَالة الزَّوْجَةِ والزَّوْجُ سَوا وَالْقَبْضُ للدَّيْنِ مَعَ الدَّيْنِ اسْتَوَى (وَحَالَة) إِقْرَار (الزَّوْجَة) لزَوجهَا (و) إِقْرَار (الزَّوْج) لزوجته (سوا) ء بِفَتْح السِّين فيفصل فِيهِ بَين حبها لَهُ أَو بغضها أَو جهل حَالهَا على مَا مر (و) إِقْرَار أَحدهمَا للْآخر ب (الْقَبْض للدّين مَعَ) إِقْرَاره ب (الدّين اسْتَوَى) ابْن رشد. إِقْرَار الزَّوْجَة لزَوجهَا فِي الْمَرَض كإقراره هُوَ لَهَا فِيهِ، وَلَا فرق بَين أَن يقر أَحدهمَا لصَاحبه بدين فِي ذمَّته أَو بِأَنَّهُ قبض مَاله عَلَيْهِ اه. وإطلاقه يَشْمَل الأصدقة وَغَيرهَا، فَإِذا قَالَت فِي مَرضهَا: قبضت ديني أَو مُؤخر صَدَاقي فَإِن عرف بغضها لَهُ صَحَّ، وَكَذَا إِن جهل وورثها ابْن أَو بنُون إِلَّا أَن ينْفَرد بالصغير مِنْهَا، وَأما إِقْرَاره بِأَن كالىء صَدَاقهَا بَاقٍ فِي ذمَّته فَهُوَ عاطل مُطلقًا وَإِنَّمَا يفصل فِي غَيره كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَإِن يكن لزوجة بهَا شغف الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى تعدد الْإِقْرَار فَقَالَ: وَمُشْهِدٌ فِي مَوْطِنَيْنِ بِعَدَدْ لِطَالِبٍ يُنْكِرُ أنَّه اتَّحَدْ (ومشهد) على نَفسه (فِي موطنين) أَي زمنين مثلا (بِعَدَد) وَاحِد مثل أَن يقر لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَيشْهد بذلك شَاهِدَانِ، ثمَّ يقر لَهُ فِي موطن آخر بِمِائَة دِرْهَم أَيْضا، وَيشْهد بذلك شَاهِدَانِ آخرَانِ وَلم يَأْمُرهُم بالكتب وَلَا ذكر السَّبَب الَّذِي من أَجله ترَتّب عَلَيْهِ ذَلِك فالإقراران مَعًا (لطَالب) وَاحِد (يُنكر أَنه) أَي الْمَشْهُود بِهِ فِي الموطنين (اتَّحد) وَيَدعِي أَنَّهُمَا مِائَتَان وَقَالَ الْمَطْلُوب: هِيَ مائَة وَاحِدَة أشهد لَهُ بهَا مرَّتَيْنِ. لَهُمْ بِهِ قَوْلان وَالْيَمِينُ عَلَى كلَيْهِمَا لَهُ تَعْيينُ (لَهُم بِهِ) أَي بِهَذَا الْفَرْع (قَولَانِ) لمَالِك فَقَالَ مرّة: القَوْل للطَّالِب بِيَمِينِهِ، وَقَالَ مرّة: القَوْل(2/532)
للمطلوب بِيَمِينِهِ وَهُوَ معنى قَوْله: (وَالْيَمِين على كليهمَا لَهُ تعْيين) وَالَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وَهُوَ الرَّاجِح أَن القَوْل للمطلوب، وَكَذَا لَو ادّعى على رجل بِمِائَة فَأقر لِرَبِّهَا وَادّعى الْقَضَاء وَأقَام شَاهِدين أَنه أقرّ أَنه قبض مِنْهُ خمسين وَآخَرين أَنه أقرّ أَنه قبض مِنْهُ خمسين فَقَالَ رب الْحق هِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَة من الْمِائَة أشهدت لَك بهَا قوما بعد قوم فَهِيَ خَمْسُونَ وَاحِدَة إِلَّا أَن يكون أشهدهم فِي كتابين كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَقَوْلِي: وَلَا ذكر السَّبَب احْتِرَازًا مِمَّا إِذا ذكره فَإِنَّهُ إِن اتَّحد فَهِيَ مائَة وَاحِدَة، وَإِن تعدد ككونها من بيع وَالْأُخْرَى من سلف فمائتان، وَقَوْلِي: وَلم يَأْمُرهُم بالكتب احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أَمرهمَا بِهِ أَولا وَثَانِيا فَهُوَ قَوْله: مَا لَمْ يَكُنْ ذَاك بِرَسميْنِ ثَبَتْ فَمَا ادَّعَاهُ مُشْهِدٌ لَا يُلْتَفَتْ (مَا لم يكن ذَاك) الْإِشْهَاد (برسمين ثَبت) فِي مَحل الْخلاف مُدَّة كَون الْإِشْهَاد لم يثبت فِي رسمين بل كَانَ فِي رسم وَاحِد أَو بِغَيْر رسم أصلا أَو برسمين بِأَمْر الْمقر لَهُ، أما إِذا كَانَا فِي رسمين بِأَمْر الْمقر (فَمَا ادَّعَاهُ مشْهد) من أَنَّهَا مائَة وَاحِدَة (لَا يلْتَفت) إِلَيْهِ وَيجب عَلَيْهِ المائتان. ابْن رشد: لَا خلاف فِي أَنه إِن كَانَ فِي كتاب وَاحِد أَنه حق وَاحِد، وَكَذَا الإخلاف فِي أَنه إِن أشهد قوما فِي كتاب ثمَّ أشهد آخَرين فِي كتاب آخر أَنه يقْضِي عَلَيْهِ بالمائتين، وَإِنَّمَا مَسْأَلَة الْخلاف وَإِذا أشهد شُهُودًا بعد شُهُود بِغَيْر كتاب وَبَينهمَا مُدَّة من الزَّمَان، وَإِن كتب صَاحب الْحق بِمَا شهد عَلَيْهِ كل جمَاعَة كتابا على حِدة لم يخرج بذلك عَن الْخلاف اه. وَحَاصِله أَن الصُّور الثَّلَاث: أَن يشْهد الْمقر جمَاعَة بعد أُخْرَى وَلم يكتبا أصلا أَو كتبا فِي كتاب وَاحِد، فَالْقَوْل للْمقر بِيَمِينِهِ أَنه حق وَاحِد على الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ، فَإِن نكل حلف الطَّالِب وَأخذ الْمِائَتَيْنِ. وَالثَّانيَِة: أَن يشهدهما الْمقر ويأمرهما بِكِتَابَة مَا أشهدهما بِهِ فكتباه فِي ذكرين فَيلْزمهُ المائتان كَمَا فِي النّظم. الثَّالِثَة: أَن يأمرهما بِالْكِتَابَةِ الْمقر لَهُ فَيَقُول، لكل جمَاعَة: اكتبا لي مَا سمعتما من فلَان فَإِن الْمقر لَا يلْزمه إِلَّا مائَة على الرَّاجِح أَيْضا، وَهَذِه هِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا ابْن رشد بقوله: وَإِن كتب صَاحب الْحق بِمَا أشهد عَلَيْهِ الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: مشْهد الخ. أَنه لَو شهد اثْنَان أَنه قبض مائَة بمحضرهما يَوْم الْأَحَد، وَشهد آخرَانِ أَنه قبضهَا بمحضرهما يَوْم الِاثْنَيْنِ فَعَلَيهِ مِائَتَان أَيْضا انْظُر الشَّيْخ (م) وَلَا بُد.(2/533)
وَمَنْ أَقَرَّ مَثَلاَ بِتِسْعَه وَصَحَّ أنْ دَفَعَ مِنْها السَّبْعَه (وَمن أقرّ) لزيد (مثلا بِتِسْعَة) دَنَانِير (وَصَحَّ) بِإِقْرَار زيد (إِن) قد (دفع) الْمقر (مِنْهَا السَّبْعَة) مثلا. ثُمَّ أَتَى مِنْ بَعْدِ ذَا بِبَيِّنَه بِقَبْضِ دِينارَيْنِ منْهُ مُعْلنَه (ثمَّ) لما طَالبه زيد بالاثنين الباقيين (أَتَى) الْمقر (من بعد ذَا) أَي إِقْرَار زيد (بِبَيِّنَة) شاهدة لَهُ (بِقَبض دينارين مِنْهُ معلنة) بذلك وبرىء على زَعمه، فَادّعى زيد المقرّ لَهُ أَن الدينارين الْمَشْهُود بهما داخلان فِي السَّبْعَة. فالْقَوْلُ قَوْلُه إنِ الخَصْمُ ادَّعَى دُخولَ دينَارَيْنِ فِيمَا انْدَفَعَا (فَالْقَوْل قَوْله) أَي الْمقر أَنَّهُمَا داخلان فِي السَّبْعَة (إِن) بِكَسْر الْهمزَة (الْخصم) وَهُوَ زيد (ادّعى دُخُول دينارين فِيمَا اندفعا) وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِهِ لقَوْل ابْن سَلمُون. وَعَن ابْن الْقَاسِم وَأصبغ: لَو أقرّ لَك بِاثْنَيْ عشر دِينَارا فَثَبت قبضك تِسْعَة مِنْهَا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَله بَيِّنَة بأَدَاء ثَلَاثَة، فَزَعَمت أَنَّهَا من التِّسْعَة فَالْقَوْل قَوْله بِأَنَّهَا سواهَا وبرىء من الْجَمِيع، وَنَحْوه فِي (ح) آخر الْإِقْرَار فَانْظُرْهُ إِن شِئْت، وَتَأمل قَول ابْن سَلمُون بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار، فَإِن الصَّوَاب حذف قَول بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ إِذا ثَبت لَهَا قبض تِسْعَة وَبَيِّنَة أُخْرَى ثَلَاثَة بالمعاينة فيهمَا فَإِنَّهُ يبرأ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَو شهِدت وَاحِدَة أَنه قبض مِنْهُ تِسْعَة بمحضرها ثمَّ ثَلَاثَة بمحضرها أَيْضا. وَبيْعُ مَن حَابَى من المُرْدُودِ إنْ ثَبَتَ التَّوْلِيجُ بالشُّهُودِ (وَبيع من حابى من الْمَرْدُود) تقدم بيع الْمُحَابَاة وتفصيله فِي فصل مصائلم من أَحْكَام البيع،(2/534)
أَنَّهُمَا قَولَانِ درج النَّاظِم هُنَاكَ على أَحدهمَا وَهنا على الآخر، والمحاباة هِيَ البيع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير لقصد نفع المُشْتَرِي أَو بِأَكْثَرَ لقصد نفع البَائِع، فَإِن لم يقْصد نفع من ذكر بل وَقع للْجَهْل بِقدر الثّمن فَهُوَ غبن، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي فَصله. وَأما قَوْله: (إنْ ثَبت التوليج بالشهود) فَهُوَ بِأَو العاطفة على حابى أَي: وَبيع من حابى أَو ثَبت توليجه بالشهود فَهُوَ من الْمَرْدُود، وَهَذِه النُّسْخَة هِيَ الصَّوَاب لِأَن التوليج والمحاباة متباينان، لِأَن التوليج هُوَ الْعَطِيَّة فِي صُورَة البيع، والمحاباة هِيَ البيع بِأَقَلّ من الْقيمَة أَو بِأَكْثَرَ كَمَا مر، وَأما نُسْخَة إِن ثَبت الخ. بِأَن الشّرطِيَّة فَلَا تصح إِلَّا على تَأْوِيل حابى بولج، فَيكون الْمَعْنى وَبيع توليج من الْمَرْدُود وَإِن ثَبت التوليج بالشهود الخ. وَهِي حِينَئِذٍ على هَذِه النُّسْخَة مَسْأَلَة وَاحِدَة بِخِلَافِهِ على النُّسْخَة الْأُخْرَى فهما مَسْأَلَتَانِ. أما مَسْأَلَة الْمُحَابَاة على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا فَلَا فرق فِيهَا بَين الْوَارِث وَغَيره، فَإِذا بَاعَ من أَجْنَبِي أَو ابْنه أَو زَوجته أَو أم ولد لَهُ مَا يُسَاوِي مائَة بِعشْرَة وَيشْهد بذلك أَرْبَاب الْبَصَر وَلم يُخرجهُ من يَده وَلَا حيّز عَنهُ حَتَّى حصل الْمَانِع فبيعه مَرْدُود، وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي إِلَّا ثمنه على أحد قَوْلَيْنِ وَهُوَ مَا للناظم هَهُنَا كَمَا مرّ والاتفاق الَّذِي فِي ابْن سَلمُون لَا يتم بِدَلِيل مَا تقدم فِي فصل أَحْكَام البيع، وَأما مَسْأَلَة التوليج فَلَا يرد البيع فِيهَا إِلَّا بِأحد أَمريْن. إِمَّا بِالإقْرَارِ أَوْ الإشْهَادِ لَهُم بهِ فِي وَقْتٍ الانْعِقَادِ (إِمَّا) بِأَن يشْهد الشُّهُود (بِالْإِقْرَارِ) من المُشْتَرِي بعد البيع وَحُصُول الْمَانِع للْبَائِع من موت أَو فلس أَو مرض أَن البيع إِنَّمَا كَانَ صُورَة وَإِنَّمَا هِيَ عَطِيَّة (أَو الْإِشْهَاد لَهُم) أَي للشُّهُود أَي أشهدهم المُشْتَرِي وَالْبَائِع (بِهِ) أَي بالتوليج (بِوَقْت الِانْعِقَاد) للْبيع فَيَقُولَانِ لَهُم وَقت العقد: اشْهَدُوا علينا بِأَن هَذَا البيع لَا حَقِيقَة لَهُ، وبمنزلة الْإِشْهَاد مَا إِذا حَضَرُوا مَعَهُمَا على وَجه الِاتِّفَاق وسمعوا مِنْهُمَا ذَلِك من غير إشهادهما إيَّاهُم. قَالَ ابْن سَلمُون: وَكَيْفِيَّة ثُبُوت التوليج أَن يَقُول الشُّهُود: توسطنا العقد بَينهمَا واتفقا مَعًا على أَن مَا عقداه من البيع والتصيير سمعة لَا حَقِيقَة لَهُ، أَو يَقُولُوا أقرّ لنا بذلك المُشْتَرِي بعد البيع اه. زَاد الشَّارِح: أَو يَقُولُوا أشهدنا فلَانا وَفُلَانًا على شَهَادَتهمَا بِأحد هذَيْن الْوَجْهَيْنِ اه. وَمَا زَاده إِنَّمَا هُوَ من بَاب النَّقْل للشَّهَادَة فَلَيْسَ خَارِجا عَمَّا(2/535)
فِي النّظم وَقَوْلِي: وَحُصُول الْمَانِع الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يحصل للْبَائِع مَانع فَإِن ذَلِك لَا يبطل بل هُوَ للْمُشْتَرِي إِن حازه كَانَ وَارِثا أم لَا. فَإِن ثَبت التوليج بِأحد الْأَمريْنِ فَلَا إِشْكَال، وَإِن لم يثبت بِمَا ذكر فَإِن لم يثبت ميل البَائِع للْمُشْتَرِي فَلَا يَمِين وَالْبيع صَحِيح. وَمَعْ ثُبُوتِ مَيلِ بائعٍ لِمَنْ مِنْه اشْتَرَى يَحْلِفُ فِي دَفع الثَّمَنْ (وَمَعَ ثُبُوت ميل بَائِع لمن) وَقع (مِنْهُ اشْترى يحلف) المُشْتَرِي (فِي دفع الثّمن) أَي أَنه دَفعه وَأَنه اشْترى شِرَاء صَحِيحا وَيصِح البيع، فَإِن نكل بَطل البيع بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة لَا ترد، وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين وَارِث وَغَيره وَهُوَ كَذَلِك، وَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن فُقَهَاء قرطبة خلاف الْمُعْتَمد لِأَن التوليج لم يثبت بِأحد أَمريْن كَمَا فِي مصطفى، وَظَاهره أَيْضا أَنه يحلف وَلَو عَايَنت الْبَيِّنَة دَفعه وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ مَعَ الْميل قد يدْفع إِلَيْهِ الثّمن ليَرُدهُ إِلَيْهِ وينتفي الْيَمين عَنهُ، وَقد عقد فِي لامية الزقاق للتوليج فصلا أَطَالَ فِيهِ، وَذكرنَا فِي حاشيتنا عَلَيْهِ مَا يشفي الغليل إِن شَاءَ الله، فَعَلَيْك بِهِ. وَانْظُر الكراس الْحَادِي عشر من معاوضات المعيار فِي مَسْأَلَة الْوَصَايَا اخْتلف فِيهَا فُقَهَاء بجاية إِن أردْت زِيَادَة التوسيع فِي هَذَا الْمَعْنى.
(فصل فِي حكم الْمديَان)
الصِّيغَة للْمُبَالَغَة، وَالْمرَاد الْمَدِين. وقسمه النَّاظِم إِلَى أَقسَام: أَولهَا الْغَنِيّ الْمُوسر بِالدّينِ وَهُوَ معنى قَوْله: وَمَن عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِمَّا مُوسِرُ فَمَطْلِ ظُلْمٌ وَلَا يُؤَخَّرُ (وَمن عَلَيْهِ الدّين إِمَّا مُوسر) فِي ظَاهر الْحَال يتهم بِمَال أخفاه كَمَا لِابْنِ سهل وَهُوَ يلبس الثِّيَاب الفاخرة وَله خدم وَلَا يعلم بأصول وَلَا عرُوض (فمطله ظلم) لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (مطل الْغَنِيّ ظلم) (وَلَا يُؤَخر) إِن لم يعد بِالْقضَاءِ وَلم يسْأَل التَّأْجِيل لثُبُوت عسره بل يسجن حَتَّى يُؤَدِّي فَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ التَّأْجِيل كاليومين وَالثَّلَاثَة أعْطى حميلاً بِالْمَالِ لِأَنَّهُ لما وعد بِالْقضَاءِ ظَهرت قدرته على المَال فَلم يقبل مِنْهُ إِلَّا حميل بِهِ وإلاَّ سجن، وَإِن سَأَلَ التَّأْجِيل لثُبُوت عسره فَإِنَّهُ يُؤَجل(2/536)
بحميل بِوَجْهِهِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الرَّاجِح. وَقَالَ سَحْنُون: بِالْمَالِ ووفق بَينهمَا بِأَن قَول سَحْنُون فِي الملد وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي غَيره، وَقَوله فِيمَا يَأْتِي وَالْحَبْس للملد وَالْمُتَّهَم الخ. هُوَ فِي ظَاهر الملاء أَيْضا فَالْأولى حذفه والاستغناء عَنهُ بِمَا هُنَا. تَنْبِيه: إِذا سجن ظَاهر الملاء وَطلب الْخُرُوج من السجْن لطلب مَا يَنْفَعهُ بحميل بِوَجْهِهِ ثمَّ يعود إِلَيْهِ إِن عجز عَن إِثْبَات مَا يَنْفَعهُ، فَإِنَّهُ يُمكن من ذَلِك قَالَه عِيَاض وَثَانِي الْأَقْسَام قَوْله: أوْ مُعْسِرٌ قَضاؤُهُ إضْرارُ فَينْبَغِي فِي شَأْنِهِ الإنْظَارُ (أَو مُعسر) لَا يعرف بناض وَلَكِن لَهُ عرُوض وأصول يحْتَاج فِي بيعهَا إِلَى فسحة وتوسعة فَإِنَّهُ يُؤَخر بِالِاجْتِهَادِ على قدر كَثْرَة المَال وقلته إِذْ (قَضَاؤُهُ) أَي القَاضِي بِبَيْعِهَا عَلَيْهِ عَاجلا من غير تَأْخِير فِيهِ (إِضْرَار) بِهِ (فَيَنْبَغِي) أَي يجب (فِي شَأْنه الإنظار) وَالتَّأْخِير بِقدر قلَّة المَال وكثرته كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وسلعة الْمديَان رهنا تجْعَل الخ. إِذْ هُوَ من تَتِمَّة مَا هُنَا وَظَاهره أَنه يُؤَخر بِدُونِ حميل لِأَن الرَّهْن كالحميل كَمَا يَأْتِي عَن ناظم عمل فاس إِذْ حَيْثُ جعلت السّلْعَة رهنا للأجل الْمَضْرُوب فَلَا سَبِيل لِرَبِّهَا إِلَى تفويتها، وَإِن فعل لم يمض تفويته إِيَّاهَا إِلَّا بعد أَدَاء مَا عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِك ثمَّ هَذَا الْقسم دَاخل فِي مَعْلُوم الملاء (خَ) : وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ. تَنْبِيه: فَإِن ادّعى رب الدّين أَن لَهُ مَالا ناضاً وَطلب تَحْلِيفه فَيجْرِي ذَلِك على الِاخْتِلَاف فِي يَمِين التُّهْمَة والمعمول بِهِ توجيهها كَمَا مّر فِي بَاب الْيَمين، وَمُقَابِله لأبي عمر الأشبيلي أَنه لَا يَمِين عَلَيْهِ محتجاً بقول مَالك: جلّ النَّاس لَيْسَ لَهُم ناض أَي: وَالْحمل على هَذَا الْغَالِب وَاجِب وَإِلَى هَذَا الْخلاف أَشَارَ (خَ) بقوله: فَفِي حلفه على عدم الناض تردد وَمحله إِذا لم يُحَقّق الدَّعْوَى عَلَيْهِ وإلاَّ تَوَجَّهت اتِّفَاقًا، فَإِن نكل حلف الطَّالِب وأجبر الْمَطْلُوب على الْأَدَاء وَلَا يُؤَخر قَلِيلا وَلَا كثيرا كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وثالث الْأَقْسَام قَوْله: أوْ مُعْدِمٌ وَقَدْ أَبَانَ مَعْذِرَه فواجِبٌ إنظارُهُ لميْسِرَه (أَو معدم و) الْحَال أَنه (قد أبان) أَي أثبت (معذرة) بِأَن شهِدت بَيِّنَة لَا مطْعن فِيهَا بِعَدَمِهِ وَحلف مَعهَا وأخرجها أول جُلُوسه عِنْد الْحَاكِم (فَوَاجِب إنظاره لِميسرَة) لقَوْله تَعَالَى: وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} الْآيَة (الْبَقَرَة: 280) وَمَفْهُوم قَوْله: وَقد أبان معذرة الخ. إِنَّه إِذا لم يثبت عَدمه أول جُلُوسه عِنْد الْحَاكِم فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا ظَاهر الملاء، وَقد تقدم أَو مَجْهُول الْحَال وَيحبس لثُبُوت عسره إِن لم يَأْتِ بحميل بِوَجْهِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحيثما يجهل حَال من طلب الخ: تَنْبِيه: ظَاهره أَنه لَا يلْزم بالتكسب وَهُوَ كَذَلِك مَا لم يداينه النَّاس ليقضيهم من صَنعته فقد قَالَ اللَّخْمِيّ: إِن الْمُفلس الصَّانِع يداين ليعْمَل وَيَقْضِي من عمله، ثمَّ عطل أجبر على الْعَمَل فَإِن(2/537)
لد اُسْتُؤْجِرَ فِي صَنعته تِلْكَ. قَالَ ابْن عَرَفَة: فَيلْزم مثله فِي الزَّوْج فِي النَّفَقَة إِذا ترك صَنعته، وَأما نَفَقَة الْأَوْلَاد فَلَا خلاف أَنه لَا يجْبر على الصَّنْعَة قَالَه الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح. ورابع الْأَقْسَام قَوْله: ومَنْ عَلَى الأَمْوَالِ قد تَقَعَّدَا فالضَّرْبُ والسِّجْنُ عَلَيْهِ سَرْمَدَا (وَمن) كَانَ مَعْلُوم الملاء و (على الْأَمْوَال قد تقعدا) ويشمل الْمُعسر الَّذِي لَهُ عرُوض الْمُتَقَدّم فِي الْقسم الثَّانِي كَمَا مر. قَالَ فِي التَّوْضِيح: ومثلوا مَعْلُوم الملاء بِمن أَخذ أَمْوَال النَّاس وَيقْعد للتِّجَارَة، ثمَّ يَدعِي ذهابها وَلم يثبت مَا يصدقهُ من احتراق منزله أَو سَرقته أَو نَحْوهمَا، (فالضرب والسجن عَلَيْهِ سرمدا) عِيَاض: وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ حميل لِأَنَّهُ ملد ظَالِم إِلَّا أَن يلْتَزم الْحميل دفع المَال فِي الْحَال إِن عرف أَنه من أهل الناض. ابْن عبد السَّلَام: وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يَبِيع عروضه كَمَا يَبِيعهَا على الْمُفلس لِأَن الْمُفلس قد ضرب على يَده وَمنع من مَاله. وَلَا الْتِفَاتَ عِنْدَ ذَا لبيِّنه لما ادَّعَى مِن عَدَمِ مُبيِّنه (وَلَا الْتِفَات عِنْد ذَا) أَي عِنْد تقعده على أَمْوَال النَّاس وادعائه الْعَدَم (لبينة لما ادّعى من عدم مبينَة) صفة لقَوْله لبينة، وَلما ادّعى مُتَعَلق بِهِ أَي: لَا يلْتَفت للبينة الشاهدة بِعَدَمِهِ دون أَن يشْهدُوا أَنه احْتَرَقَ منزله، أَو أَنه ذهب مَا بِيَدِهِ بِسَرِقَة أَو غصب أَو نزُول الْأَسْوَاق بِهِ وَنَحْو ذَلِك كَمَا للخمي وَنَصه: وَإِن شهِدت بَيِّنَة بالفقر سُئِلت كَيفَ علمت ذَلِك فَإِن كَانَ من قَول الْغَرِيم وشكواه ذهب مَا فِي يَدي وخسرت وَمَا أشبه ذَلِك لم تكن شَهَادَة، وَإِن قَالُوا: كُنَّا نرى تصرفه فِي بَيْعه وشرائه وَقدر أرباحه ونزول الْأَسْوَاق عَلَيْهِ وَنَفَقَته على عِيَاله وَنقص رَأس مَاله شَيْئا بعد شَيْء كَانَت شَهَادَة تَامَّة اه. وَنَحْوه للمازني، ودرج عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَلَا تقبل بَيِّنَة من علم ملاؤه إِلَّا بذهاب مَاله بِأَن تَقول: كُنَّا نرى بَيْعه وشراءه وَنَفَقَته وَنقص مَاله اه. وإنْ أَي بِضَامِنِ فبالأَدَا حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قَعَدَا (وَإِن أَتَى) مَعْلُوم الملاء (بضامن ف) إِنَّه يقبل مِنْهُ الضَّامِن (بالأدا) ء كَمَا مّر عَن عِيَاض (حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قعدا) ، وَظَاهره: أَن مَعْلُوم الملاء إِذا أَرَادَ أَن يُؤَدِّي بعض الْحق وأبى ربه من قبُوله إِلَّا بأَدَاء الْجَمِيع فَإِن القَوْل لرَبه وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد (خَ) : وَإِن علم بالناض لم يُؤَخر وَضرب مرّة بعد مرّة الخ. وَالظَّاهِر أَن ظَاهر الملاء إِذا سجن وتخلد فِي السجْن يجْرِي فِيهِ قَوْله(2/538)
فالضرب الخ. وَكَذَا الْمُعسر الَّذِي لَهُ أصُول وَأجل لبيعها فَلم يفعل بعد السجْن فَإِنَّهُ يضْرب أَيْضا إِذْ كل من لم يفد فِيهِ السجْن يضيق عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ. تَنْبِيه: بِمَنْزِلَة مَعْلُوم الملاء من أقرّ بالملاء ثمَّ ادّعى الْعَدَم فَفِي ابْن فتوح كتب الموثقين أَن الْمَدِين مَلِيء بِالْحَقِّ الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ حسن فَإِن ادّعى الْعَدَم لم يصدق وَإِن قَامَت لَهُ بِهِ بَيِّنَة لِأَنَّهُ قد كذبهَا إِلَّا أَن تشهد بَيِّنَة بعطب حل بِهِ بعد إِقْرَاره، وَفِي وثائق الفشتالي والمعيار: أَن عدم قبُول الْبَيِّنَة بِالْعدمِ مِمَّن اعْترف بالملاء هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، ويسجن أبدا حَتَّى يُؤَدِّي دينه أَو تبيض عَيناهُ مَا لم تقم بَيِّنَة بطروء آفَة أذهبت مَاله بِنَهْب أَو سَرقَة أَو احتراق اه. وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ فِي التَّنْبِيه السَّابِع عِنْد قَوْله: وَالْخلْع سَائِغ الخ. وخامس الْأَقْسَام قَوْله: وَحَيْثُما يُجْهَلُ حَالُ مَنْ طُلِبْ وَقصَدَ اخْتبارُهُ بِمَا يَجِبْ (وحيثما يجهل حَال من طلب) بدين هَل هُوَ مَلِيء أَو معدم فَإِنَّهُ يسجن إِلَى ثُبُوت فقره مَا لم يَأْتِ بحميل بِوَجْهِهِ فَإِن أَتَى بِهِ لم يسجن وَأخر لإِثْبَات عسره فَإِن أنقضى الْأَجَل وَلم يُثبتهُ أَو لم يَأْتِ بحميل أول الْأَمر فَلَا بُد من اختباره بالسجن والتضييق عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: (وَقصد اختباره بِمَا يجب) من السجْن الْمَذْكُور، وَلَعَلَّ لَهُ مَالا أخفاه وَلَكِن حَبسه يخْتَلف بقلة المَال وكثرته كَمَا قَالَ: فَحَبْسُهُ مِقْدَارَ نِصْفِ شَهْرِ إنْ يَكُنْ الدَّيْنُ يَسِير القَدْرِ (فحسبه مِقْدَار نصف شهر إِن يكن الدّين يسير الْقدر) كالدريهمات كَمَا فِي الْمُقدمَات. والحَبْسُ فِي تَوَسُّطِ شَهْرَان وضعفُ ذين فِي الخَطِير الشّانِ (والحَبْسُ فِي توَسط) أَي فِي المَال الْمُتَوَسّط بَين الْقلَّة وَالْكَثْرَة (شَهْرَان وَضعف دين) وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر فَيحْبس (فِي) المَال (الخطير الشان) وَوجه ذَلِك أَنه يحبس لاختبار حَاله، فَوَجَبَ أَن يكون على قدر الْحق الَّذِي عَلَيْهِ وَلم يذكرُوا للخطير حدا، وَلَعَلَّه يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس قَالَه (ت) فَإِذا انْقَضى نصف الشَّهْر أَو الشهران فِي الْمُتَوَسّط أَو الْأَرْبَعَة فِي الْكثير سرح من السجْن وخلي سَبيله (خَ) : وَأخرج الْمَجْهُول إِن طَال حَبسه بِقدر الدّين والشخص. وَحَيْثُ جاءَ قبلُ بالْحميلِ بِالْوَجْهِ مَا لِلسِّجْنِ منْ سَبِيلِ (وَحَيْثُ جَاءَ) الْمَجْهُول وَمثله ظَاهر الملاء (قبل) أَي قبل حَبسه (بالحميل بِالْوَجْهِ) وَطلب التَّأْجِيل ليثبت عَدمه ف (مَا للسجن من سَبِيل) بل يُؤَجل، فَإِذا انْقَضى الْأَجَل وَلم يثبت مَا ادَّعَاهُ حبس حِينَئِذٍ للاختبار كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ أول التَّقْرِير (خَ) : وَحبس لثُبُوت عسره إِن جهل حَاله وَلم(2/539)
يسئل الصَّبْر لَهُ بحميل بِوَجْهِهِ الخ. وَإِنَّمَا يحبس فِي مُجَرّد الدَّعْوَى بعد حلف الْمُدَّعِي أَن مَا ادَّعَاهُ حق كَمَا مر. عِنْد قَوْله: وضامن الْوَجْه على من انكرا دَعْوَى امرىء خشيَة ان لَا يحضرا الخ وَسِلعةُ المِدْيان رهنا تُجْعَلُ وَبَيْعُهَا عَلَيْهِ لَا يُعَجَّلُ (وسلعة الْمديَان) يُرِيد رب الدّين تَعْجِيل بيعهَا عَلَيْهِ وَطلب رَبهَا أَن لَا تفوت عَلَيْهِ وتوضع رهنا ويؤجل أَيَّامًا فَينْظر فِي الدّين فَإِن رَبهَا يُجَاب إِلَى ذَلِك، و (رهنا تجْعَل وَبَيْعهَا عَلَيْهِ لَا يعجل) لما فِي التَّعْجِيل من الضَّرَر بِهِ. وَحَقُّهُ مَعْ ذَاكَ أنْ يُؤَخَّرَا بِحَسَب المالِ لِما القاضِي يَرَا (وَحقه مَعَ ذَاك) أَي مَعَ جعلهَا رهنا (أَن يؤخرا) أَََجَلًا (بِحَسب المَال) قلَّة أَو كَثْرَة (لما القَاضِي يرى) بِاجْتِهَادِهِ. هَذَا الَّذِي جرى بِهِ الحكم وَمضى بِهِ الْعَمَل، وتدل عَلَيْهِ الرِّوَايَات عَن مَالك وَأَصْحَابه قَالَه ابْن رشد. وَتقدم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة من تَتِمَّة الْقسم الثَّانِي، بل لَو اسْتغنى بِهِ عَنْهَا لكفاه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يُؤَجل من غير رِضَاهُ بجعلها رهنا فأحرى مَعَ رِضَاهُ بذلك. تَنْبِيه: فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ مَا نَصه: كتب إِلَى شُيُوخ قرطبة فِيمَن عَلَيْهِ دين وَله أصُول مَأْمُونَة فَسَأَلَ تَأْخِيره حَتَّى يَبِيع الْأُصُول هَل يعْطى حميلاً بِالْوَجْهِ على مَا يُفْتِي بِهِ أهل طليطلة؟ فَأجَاب ابْن عتاب: يلْزمه حميل بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أصُول أَو لم يكن، وَبِه جرى الْعَمَل. قَالَ: وَيلْزم الْحميل وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن حَتَّى ينصفه وَهُوَ مَذْهَب الشُّيُوخ، وَأفْتى ابْن مَالك إِن كَانَ الْمَطْلُوب مَعْرُوف الْعين ظَاهر الملاء فَلَا أرى الْحميل بِالْأَمر اللَّازِم اه. وَإِلَى الأول أَشَارَ (خَ) بقوله: وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ كَمَا مر، وَإِنَّمَا نَقَلْنَاهُ لما فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة وَهِي أَنه يلْزمه الضَّامِن بِالْمَالِ وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن وتأمله مَعَ قَوْله بعد. سُئِلَ سَحْنُون عَمَّن وَجب عَلَيْهِ غرم مَال؟ فَقَالَ: هَذَا ربعي لم أجد من يَشْتَرِيهِ فَطلب مِنْهُ الطَّالِب حميلاً بِالْوَجْهِ فَقَالَ: لَا حميل عَلَيْهِ إِذا بذل من نَفسه ذَلِك وَلم يتهم، فَإِن زعم الطَّالِب أَنه يَقُول للْمُشْتَرِي: لَا تشتري(2/540)
فَإِن الْحَاكِم يشيده ثمَّ يَبِيعهُ بِالْخِيَارِ رَجَاء الزِّيَادَة اه. وَلَكِن مَا أفتى بِهِ ابْن مَالك وَقَالَهُ سَحْنُون هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عمل فاس قَالَ ناظمه: وَمن بدين قد أقرّ بسجن إِن لم يجىء برهن أَو من يضمن وَإِذا جعله رهنا وأشاده الْحَاكِم للْبيع بعد انْقِضَاء مَا أَجله إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يجْرِي على قَول (خَ) : وَعجل بيع الْحَيَوَان وَاسْتوْفى بعقاره كالشهرين الخ. وَقد تقدم أَنه إِذا انْقَضى الشهران يُبَاع وَلَو لم يبلغ الْقيمَة لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور، وَكَذَا قَالَ ابْن رشد فِي بيع ربع الْيَتِيم للنَّفَقَة عَلَيْهِ اه. وَالحَبْسِ لِلْمُلِدِّ وَالمُتَّهَمْ إِلَى الأداءِ أَوْ ثُبُوتِ العَدَمْ (وَالْحَبْس للملد وَالْمُتَّهَم) يسْتَمر (إِلَى الْأَدَاء أَو ثُبُوت الْعَدَم. ولَيْسَ يُنْجِيه مِن اعتقالِ إلاَّ حميلٌ غارمٌ للمالِ و) إِن وعد بِقَضَاء ف (لَيْسَ ينجيه من اعتقال. إِلَّا حميل غَارِم لِلْمَالِ) هَذَا هُوَ ظَاهر الملاء الْمُتَقَدّم، وَظَاهره أَنه لَا بُد لَهُ من حميل بِالْمَالِ وعد بِالْقضَاءِ أَو سَأَلَ التَّأْجِيل لثُبُوت عسره، وَهَذَا قَول سَحْنُون. وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمُقدمَات وَابْن سَلمُون، وتبعهما النَّاظِم. وَلَكِن الْمَشْهُور التَّفْصِيل بَين أَن يعد بِالْقضَاءِ فيؤجل بالحميل بِالْمَالِ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ (خَ) : وَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرا كَالْيَوْمِ أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وَبَين أَن يسْأَل التَّأْجِيل لثُبُوت عسره فبحميل بِالْوَجْهِ عِنْد ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الرَّاجِح. وَقَالَ سَحْنُون بِالْمَالِ أَيْضا. قَالَ ابْن سهل: وَأما من ظَاهره الملاء وَلم يعلم ملاؤه وَلَكِن يتهم على إخفاء المَال فَقَالَ سَحْنُون وَغَيره: يسجن حَتَّى يتَبَيَّن أمره. قَالَ سَحْنُون: وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ حميل بِالْوَجْهِ وَلَكِن بِالْمَالِ. قَالَ ابْن الْقَاسِم: يُؤْخَذ مِنْهُ الْحميل، وفهموه على أَنه يُرِيد حميل الْوَجْه، وَاخْتلف فِي قَول ابْن الْقَاسِم وَسَحْنُون فَقيل خلاف، وَقيل وفَاق. فَيحمل قَول سَحْنُون على إِنَّه كَانَ ملداً ظَاهر الملاء. وَقَول ابْن الْقَاسِم على غَيره اه. وَنَقله فِي التَّوْضِيح ودرج عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَمن تفالس وَظَاهره الملاء سجن أَيْضا وَلَو شهِدت بَيِّنَة بفقره إِن لم تزك وَحَيْثُ يقبل مِنْهُ الْحميل فَهَل بِمَال أَو وَجه؟ وَرجح قَولَانِ وَهل الْقَوْلَانِ على ظاهرهما أَو الأول للملد وَالثَّانِي لغيره؟ خلاف اه. ابْن رحال: الرَّاجِح فِيمَا يظْهر لنا أَنه وفَاق بِدَلِيل اقْتِصَار العبدوسي عَلَيْهِ اه. وَقد علمت من هَذَا أَن الرَّاجِح قَول ابْن الْقَاسِم وَإِن كَانَ فِي الْمُقدمَات اقْتصر على قَول سَحْنُون وَتَبعهُ ابْن سَلمُون والناظم وَقَررهُ (م) وَمن تبعه على ظَاهره، وَقد علمت أَيْضا أَن هَذَا لَيْسَ قسما زَائِدا على الْأَقْسَام الْمُتَقَدّمَة، وَأَن جعلهم الْمَجْهُول يَنْقَسِم إِلَى مُتَّهم وَغَيره غير سديد إِذْ لم يقلهُ أحد لِأَن الملد الْمُتَّهم غير الْمَجْهُول إِذْ لَا يحكم عَلَيْهِ باللدد والتهمة حَتَّى يكون ظَاهره يُخَالف دَعْوَاهُ وَهُوَ ظَاهر الملاء حِينَئِذٍ وَالله أعلم.(2/541)
وَبِالْجُمْلَةِ: فالأقسام ثَلَاثَة: مَجْهُول الْحَال، وَظَاهر الملاء وَعنهُ عبر ابْن رشد بالملد وَالْمُتَّهَم، وَمَعْلُوم الملاء وَيدخل فِيهِ الْمُعسر الَّذِي لَهُ عرُوض كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فَإِن كَانَ ثَابت الْعَدَم من أول الْأَمر كَانَت الْأَقْسَام أَرْبَعَة، وَلِهَذَا كَانَ الأولى للناظم حذف الأول من هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَيذكر ثَانِيهمَا عقب قَوْله: وَلَا يُؤَخر، ويحذف أَيْضا قَوْله: أَو مُعسر لِأَنَّهُ دَاخل فِي قَوْله: وَمن على الْأَمْوَال قد تقعدا الخ. كَمَا يحذف أَيْضا قَوْله: وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلى المَالِ إِلَى أدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقِلا (وَحبس من غَابَ على المَال) مُسْتَمر (إِلَى أَدَائِهِ أَو مَوته معتقلا) إِذْ هُوَ مَعْلُوم الملاء. وَقد تقدم لَهُ حكمه، وَبِالْجُمْلَةِ فقد وَقع للناظم رَحمَه الله فِي هَذِه الأبيات الْخَمْسَة عشر مَعَ الأبيات الثَّلَاثَة بعْدهَا من التَّدَاخُل والإطناب وَعدم التَّرْتِيب والإخلال بِبَعْض الْقُيُود مَا لَا يخفى، وَقد كنت أصلحتها فِي هَذِه الأبيات وَنَصهَا: وَمن عَلَيْهِ الدّين إِمَّا ظَاهر أَو مُبْهَم فِي حَاله أَو مُوسر فَأول يسجن للْأَدَاء مَا لم يكن وعد بِالْقضَاءِ فبحميل الْوَجْه جَاءَ ينظر عَنْهُم بِغَيْر ذَاك لَا يُؤَخر وَإِن يكن سَأَلَ للعدم الاجل فبحميل الْوَجْه فِي القَوْل الْأَجَل وَحَيْثُ جَاءَ الثَّانِي بالحميل بِالْوَجْهِ مَا للسجن من سَبِيل وَإِن يكن عَن الْحميل عَجزه فَوَاجِب بِالسنةِ اختباره فالدين إِن كَانَ يسير الْقدر فسجنه مِقْدَار نصف شهر وَالْحَبْس فِي توسيطه شَهْرَان وَضعف ذين فِي الخطير الشان وثالث بِالضَّرْبِ والسجن حكم وعسره الثَّابِت بعد كَالْعدمِ إِلَّا إِذا أشهد بالذهاب لِلْمَالِ بالحرق والاغتصاب وَإِن أَتَى بضامن فبالأدا حَتَّى يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ قعدا وكل من سَأَلَ تأجيلا لما يَبِيع من عروضه مُلْتَزما فبحميل المَال قد يُؤَجل بِقدر دينه يكون الْأَجَل وَقَوْلنَا: وكل من سَأَلَ الخ. يَشْمَل مَعْلُوم الملاء وَظَاهره ومجهوله إِذْ بِطَلَبِهِ التَّأْجِيل للْبيع علم ملاؤه. وَغَيْرُ أهْلِ الوَفْرِ مَهْمَا قَصَدا تأْخِيرَهُ وَبالقَضَاءِ وَعَدا(2/542)
(وَغير أهل الوفر) وَهُوَ فِي اللُّغَة المَال الْكثير، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مُطلق المَال وَغير أَهله هُوَ ظَاهر الملاء ومجهوله (مهما قصدا) أَي طلب (تَأْخِيره وبالقضاء وَعدا. مُكِّنَ مِنْ ذَاكَ بِضَامِنِ وإنْ لم يأتِ بالضَّامِنِ لِلْمَالِ سُجِنْ مكن من ذَاك بضامن) بِالْمَالِ (وَإِن لم يَأْتِ بالضامن بِالْمَالِ سجن) كَمَا مر فِي قَول (خَ) وَإِن وعد بِقَضَاء وَسَأَلَ تَأْخِيرا كاليومين أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وَإِلَّا سجن الخ. وَإِنَّمَا أدخلنا فِي كَلَامه الْمَجْهُول لِأَنَّهُ بوعده بِالْقضَاءِ انْتَفَى جَهله. وَمَنْ لَهُ وَفْرٌ فَلَيْسَ يُضْمَنُ فَإنْ قَضَى الْحَقَّ وَإلاَّ يُسْجَنُ (وَمن لَهُ وفر) وَهُوَ مَعْلُوم الملاء الْمَعْرُوف بالناض (فَلَيْسَ يضمن) وَلَا يُؤَخر (فَإِن قضى الْحق) الَّذِي عَلَيْهِ بذلك الناض فَذَاك (وَإِلَّا) يقضه (يسجن) (خَ) : وَإِن عرف بالناض لم يُؤَخر وَضرب الْمرة بعد الْمرة. وَأَوْجَبَ ابْنُ زَرْبٍ أَنْ يُحَلّفَا مَنْ كَانَ باكْتِسَابِ عَيْنٍ عُرفا (وَأوجب) القَاضِي أَبُو بكر (ابْن زرب أَن يحلفا من كَانَ باكتساب عين عرفا) وهم التُّجَّار لِأَن الْغَالِب على أَحْوَالهم حُضُور الناض، وَتقدم عِنْد قَوْله: أَو مُعسر الخ. أَن هَذِه الْيَمين جَارِيَة على إِيمَان التهم وَالْمَعْرُوف توجهها من غير فرق بَين تجار وَغَيرهم، وَابْن زرب توَسط فِي ذَلِك فأوجبها على التُّجَّار دون غَيرهم. ومُحْمِلُ النَّاسِ عَلَى حَال المَلاَ عَلَى الأَصَحِّ وَبِهِ الحُكْمُ خَلا (ومحمل النَّاس على حَال الملا) ء فَمن ادّعى الْعَدَم فَعَلَيهِ إثْبَاته (على الْأَصَح) قَالَه ابْن الْحَاج (وَبِه الحكم) وَالْعَمَل (خلا) وَمضى. وَهَذَا مِمَّا قدم فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل لِأَن الْإِنْسَان يُولد وَلَا شَيْء لَهُ لَكِن الْغَالِب عَلَيْهِ التكسب وَصفَة الشَّهَادَة بِالْعدمِ أَن يَقُولُوا: نَعْرِف فلَانا الْمعرفَة التَّامَّة ونشهد بِأَنَّهُ فَقير عديم لَا نعلم لَهُ مَالا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا، فَإِن قطع الشُّهُود وَقَالُوا: لَا مَال لَهُ ظَاهرا وَلَا بَاطِنا فَقيل: لَا تجوز لِأَنَّهَا تحمل على ظَاهرهَا من الْبَتّ، وَقيل تجوز وَتحمل على الْعلم، فَإِن صَرَّحُوا بالبت وَالْقطع لم تجز قولا وَاحِدًا قَالَه ابْن رشد. وَقد يغْتَفر للعوام التَّصْرِيح بِالْقطعِ فِيهَا قِيَاسا على مَا قيدوا بِهِ قَول (خَ) : أَو شهد وَحلف.(2/543)
وَيَشْهَدُ الناسُ بِضْعَفٍ أَوْ عَدَمْ وَلا غِنَى فِي الحَالَتيْنِ مِنْ قَسَمْ (و) يجوز أَن (يشْهد النَّاس) للْمَدِين (بِضعْف) لحاله وَقلة ذَات يَده لضعف صَنعته أَو تِجَارَته، وصفتها أَن يَقُولُوا: يعرف شُهُوده فلَانا ويعلمونه ضَعِيف الْحَال بَادِي الإقلال قَلِيل ذَات الْيَد مَقْدُورًا عَلَيْهِ فِي رزقه وحاله مُتَّصِلَة على ذَلِك إِلَى الْآن فِي علمهمْ، فَإِذا ثَبت هَذَا الرَّسْم أَخذ مِنْهُ الْقَلِيل الَّذِي فِي يَده وَدفع للْغُرَمَاء بعد أَن يحلف أَن لَا شَيْء لَهُ غَيره (أَو عدم) أَي كَمَا يجوز أَن يشْهد النَّاس للْمَدِين بِالْعدمِ الْمَحْض وَأَنه لَا شَيْء لَهُ فِي علمهمْ كَمَا مر قَرِيبا فَإِن شهِدت إِحْدَاهمَا بالضعف أَو الْعَدَم وَشهِدت أُخْرَى لرب الْحق بالملاء فَإِن بَيِّنَة الملاء تقدم على الْمَعْمُول بِهِ بيّنت أم لَا. كَمَا فِي الأَجْهُورِيّ خلافًا لما فِي (خَ) من أَنَّهَا لَا تقدم إِلَّا إِذا بيّنت أَنه أخْفى مَالا أَو عينت لَهُ دَارا مثلا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين الخ. وَتَقَدَّمت هَذِه الْمَسْأَلَة آخر الشَّهَادَات عِنْد الْكَلَام على تعَارض الْبَينَات فانظرها هُنَاكَ مَعَ نظائرها. (وَلَا غنى فِي الْحَالَتَيْنِ) وهما شَهَادَتهم بالضعف وشهادتهم بِالْعدمِ (من) أَي عَن (قسم) من الْمَدِين لِأَنَّهُ إِنَّمَا شهدُوا لَهُ بِظَاهِر الْحَال، فَلَا بُد من حلفه على الْبَاطِن وَاخْتلف هَل يحلف. بمَا اقْتَضاه الرَّسْمُ لَا اليقينِ إذْ لاَ يَصِحُّ بَتُّ ذِي اليَمِينِ (بِمَا) أَي على وفَاق مَا (اقْتَضَاهُ الرَّسْم) فَيقسم أَنه لَا يعلم لنَفسِهِ مَالا ظَاهرا وَلَا بَاطِنا على طبق مَا شهدُوا لَهُ بِهِ فِي الرَّسْم و (لَا) يُكَلف الْحلف على (الْيَقِين) والبت بِأَن يَقُول: لَا مَال لي وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ (خَ) والناظم وَعلله بقوله: (إِذْ لَا يَصح بت ذِي الْيَمين) لِإِمْكَان إِرْثه مَالا لم يعلم بِهِ أَو يحلف على الْبَتّ وَالْقطع فَيَقُول: لَا مَال لَهُ ظَاهرا وَلَا بَاطِنا وَإِن وجده ليقضينه وَهُوَ الْمَذْهَب، فَإِذا حلف أخر المعدم وَأخذ من الضَّعِيف مَا بِيَدِهِ وَدفع للْغُرَمَاء (خَ) : وَترك لَهُ قوته وَالنَّفقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لظن يسرته، ثمَّ إِذا ادّعى الطَّالِب عَلَيْهِ بعد هَذِه الْيَمين أَنه أَفَادَ مَالا لم يحلف الْمَدِين لرد هَذِه الدَّعْوَى لِأَنَّهُ قد حلف على ذَلِك حَيْثُ قَالَ: وَإِن وجده ليقضينه إِذْ لَا فَائِدَة لتِلْك الزِّيَادَة إِلَّا ذَاك. وَمَنْ نُكُولُهُ عَن الحَلْفِ بَدَا فَإنَّهُ يُسْجَنُ بَعْدُ أَبَدَا (وَمن نُكُوله عَن الْحلف بدا فَإِنَّهُ يسجن بعد أبدا) وَلَا يسرح حَتَّى يُؤَدِّي دينه لِأَن نُكُوله تُهْمَة.(2/544)
وَحَيْثُ تَمَّ رَسْمُهُ وَعُدَّمَا كانَ عَدِيماً لأولاءِ الغُرَمَا (وَحَيْثُ تمّ رسمه) وَحلف مَعَه (وعدما) بتَشْديد الدَّال أَي حكم الْحَاكِم بِعَدَمِهِ أَو ضعفه (كَانَ عديماً لأولاء الغرما) فَلَا مُطَالبَة لَهُم عَلَيْهِ وَلَو طَال الزَّمَان. إلاَّ إذَا اسْتَفَادَ مِنْ بعدِ العَدَمْ مَالا فَيَطْلُبُونَهُ بالمُلْتَزَمْ (إِلَّا أَن) يعلم أَنه (اسْتَفَادَ من بعد الْعَدَم) الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ (مَالا) بِإِرْث أَو هبة أَو تِجَارَة (ف) إِنَّهُم حِينَئِذٍ (يطلبونه بالملتزم) من الدّين الْبَاقِي فِي ذمَّته وَلَو داين غَيرهم من بعد ثُبُوت عَدمه فَقَامَ عَلَيْهِ غير الْأَوَّلين فَلَا دُخُول للأولين مَعَهم إِلَّا فِيمَا يحصل لَهُ من الرِّبْح، وَإِذا مَضَت مُدَّة من الْعَدَم الأول فَإِنَّهُ يُكَلف تَجْدِيد عدم للآخرين، وَإِن عَدمه الأول مُتَّصِل إِلَى الْآن وَلَا يعلمُونَ أَنه اسْتَفَادَ مَالا إِلَى قيام هَؤُلَاءِ الآخرين عَلَيْهِ، لِأَن الآخرين لم يحكم عَلَيْهِم وَلَا عذر لَهُم فِي شُهُود الْعَدَم الأول فَيجب أَن يجدد الْبَيِّنَة باتصال عَدمه ويعذر إِلَيْهِم فِيهَا قَالَه فِي الطرر وَابْن سَلمُون. وَمَفْهُوم قَوْله: إِلَّا إِن اسْتَفَادَ مَالا أَنه إِذا لم يعلم أَنه اسْتَفَادَ شَيْئا فَهُوَ على عَدمه وَإِن طَال الزَّمَان كَمَا قَررنَا. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل، وَفِي المعيار وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج: إِنَّمَا ينْتَفع بِبَيِّنَة عَدمه إِلَى سِتَّة أشهر فَإِن زَادَت الْمدَّة عَلَيْهَا فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف عدم آخر. قَالَ ابْن عَاشر فِي طرره: وَبقول ابْن الْحَاج رَأَيْت الْعَمَل بفاس اه. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. وَيَنْبَغِي إعْلانُ حَالِ المُعْدَمِ فِي كلِّ مَشْهَدٍ بِأَمْرِ الحَاكِمِ (و) إِذا ثَبت الْعَدَم بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا مطْعن فِيهَا ف (يَنْبَغِي إعلان حَال المعدم) وإشهار عَدمه (فِي كل مشْهد) فيطاف بِهِ فِي الْمجَالِس والأسواق (بِأَمْر الْحَاكِم) ليعلم النَّاس عَدمه فَلَا يغتر بِهِ أحد وَلَا يعامله أحد إِلَّا على بَصِيرَة من أمره قَالَ الشَّارِح: مَا ذكره النَّاظِم من إعلان حَاله وَهُوَ الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل من قُضَاة الْعدْل. وَالْأَصْل فِي ذَلِك فعل عمر رَضِي الله عَنهُ اه. وَهَذَا الإشهار نَظِير إشهار من حجر عَلَيْهِ القَاضِي وَقدم عَلَيْهِ (خَ) : ونادى بِمَنْع مُعَاملَة يَتِيم وسفيه، وَفِي المعيار عَن العبدوسي فِي امْرَأَة مُسِنَّة باعت حظها من دَار ثمَّ ثَبت حجرها قَالَ: وَأما النداء عَلَيْهَا فَلَيْسَ من حق المُشْتَرِي خَاصَّة بل من حُقُوق الْمُسلمين كَافَّة يُنَادى عَلَيْهَا فِي المحافل مكشوفة الْوَجْه لتعرف هَذِه فُلَانَة الساكنة(2/545)
بِموضع كَذَا ثَبت عِنْد القَاضِي حجرها فكونوا على حذر من معاملتها الخ. ويقام كل من الْمُفلس والمحجر عَلَيْهِ من السُّوق قَالَ فِي الشَّامِل: ويقام الْمُفلس من السُّوق على الْأَصَح كسفيه حجر عَلَيْهِ اه. وَذكر ابْن نَاجِي أَن الْعَمَل على عدم إشهار المعدم وَعدم إطاقته قَالَ: وَكَذَا الْعَمَل أَنه لَا يُقَام من السُّوق ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق أَيْضا، وَلَكِن تقدم فِي غير مَا مَوضِع أَن عمل فاس تَابع لعمل الأندلس لَا لعمل تونس فَلَا يعول على مَا لِابْنِ نَاجِي لما فِيهِ من غرر الْمُسلمين، وَلِأَن الرجل إِذا علم إشهاره عِنْد عَدمه لم يتجرأ على أَخذ الدّين وَإِذا أَخذه حمله ذَلِك على الْقَضَاء وَلِأَنَّهُ الْوَارِد عَن السّلف فَلَا يَنْبَغِي للْقَاضِي إهمال هَذَا الْفَصْل بِحَال، وإلاَّ فقد تعرض لتضييع حُقُوق الْمُسلمين وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ حفظهَا وَالله أعلم. وَمُثْبِتٌ لِلضَّعف حالُ دَفْعهِ لغُرَمَائِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ (ومثبت) مُبْتَدأ سوغه تعلق (للضعف) بِهِ (حَال دَفعه) مُبْتَدأ ثَان (لغرمائه) يتَعَلَّق بِدفع (بِقدر وَسعه) خبر الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَتقدم أَنه يدْفع لغرماء مَا بِيَدِهِ بعد حلفه وَهُوَ مُرَاده بِقدر وَسعه وطاقته، وَكَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ. وَطَالِبٌ تَفْتِيشَ دَارِ المُعْسِرِ ممتَنِعٌ إسْعَافُهُ فِي الأَكْثَرِ (وطالب تفتيش دَار) الْمَدِين (الْمُعسر) أَي مدعي الْعسر وَقبل ثُبُوته وحلفه نازعه رب الدّين وَادّعى أَن لَهُ أَمْوَالًا وأمتعة بداره وَسَأَلَ تفتيشها (مُمْتَنع إسعافه) أَي فَلَا يُجَاب إِلَى تفتيشها (فِي) قَول (الْأَكْثَر) ابْن عتاب وَابْن مَالك وَمن وافقهما. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل وَمُقَابِله لفقهاء طليطلة، وَقَالَهُ ابْن شعْبَان وَابْن الْقطَّان وَرجحه ابْن رشد. وَقَالَ ابْن سهل: أَنا أرَاهُ حسنا فِيمَن ظَاهره اللدد والمطل اه. قَالَ بعض: وَهُوَ اللَّائِق بِهَذَا الزَّمَان لِكَثْرَة اللدد والمطل. قلت: وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده وَعَلِيهِ فَمَا ألفى فِي دَاره من مَتَاع النِّسَاء فادعته زَوجته فَهُوَ لَهَا، وَمَا ألفى فِيهَا من مَتَاع الرِّجَال بيع وَقضى مِنْهُ دينه وَهُوَ مَحْمُول على أَنه لَهُ كَمَا يَأْتِي عِنْد قَول(2/546)
النَّاظِم: وَهُوَ مُصدق إِذا مَا عينا الخ. من أَنه لَا يصدق فِي دَعْوَاهُ أَنه عَارِية أَو وَدِيعَة حَتَّى يثبت ذَلِك بل يعين رَبهَا وَيشْهد لَهما النَّاس بذلك كَمَا قَالَ (خَ) : وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ أَي: بِأَن عِنْده قراضا أَو وَدِيعَة وَإِن لم تشهد بِعَينهَا، وَمَفْهُوم دَار أَنه إِذا سَأَلَ تفتيش جيبه أَو كمه أَو كيسه فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أخف من الدَّار. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه حكمت.
(فصل فِي الْفلس)
مُشْتَقّ من الْفُلُوس عِيَاض: لِأَن الْمُفلس صَار ذَا فلوس بعد أَن كَانَ ذَا ذهب وَفِضة الخ. وَالْمرَاد أَنه صَار وضيعاً بعد أَن كَانَ ذَا عز وَشرف، وَفِي الْخَبَر الصَّحِيح: (إِن نفس الْمُؤمن مَرْهُونَة بِدِينِهِ) أَي محبوسة عَن مقَامهَا الْكَرِيم فِي البرزخ فَلَا تكون منبسطة فِيهِ مَعَ الْأَرْوَاح المنبسطة فِيهِ، ومحبوسة أَيْضا بِمَعْنى معوقة عَن دُخُول الْجنَّة حَتَّى يرضيه الله من عِنْده، أَو يعوضه بِقدر دينه من حَسَنَاته إِن وجدت فَإِن لم تُوجد طرح عَلَيْهِ من سيئاته انْظُر (ز) . وَاعْلَم أَن لمن أحَاط الدّين بِمَالِه ثَلَاثَة أَحْوَال: الأولى: قبل قيام الْغُرَمَاء فَلَا يجوز لَهُ تصرف فِي شَيْء من مَاله بِغَيْر عوض كَالْهِبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْعِتْق وَالْإِقْرَار لمن يتهم عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذِه الْحَالة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَمَنْ بِمَالِهِ أَحَاطَ الدَّيْنُ لَا يَمْضي لَهُ تَبَرُّعٌ إنْ فَعَلا (وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين لَا يمْضِي لَهُ تبرع) من عتق وَمَا ذكر مَعَه وَلَهُم رده إِن لم يعلمُوا بِهِ إِلَّا حِين قيامهم (إِن) هُوَ (فعلا) وَمعنى أحَاط زَاد أَو سَاوَى لِأَن الْعلَّة وَهِي إِتْلَاف مَال الْغُرَمَاء دَاخِلَة فِي المساوى، وَهَذَا إِذا ثبتَتْ الْإِحَاطَة فَإِن لم تثبت فتبرعه مَاض حَتَّى تثبت فَيرد، وَمَفْهُوم تبرع أَن تصرفه بِالْبيعِ وَالشِّرَاء مَاض وَهُوَ كَذَلِك إِن لم يحاب، وَإِلَّا فالدين أَحَق بالمحاباة لِأَنَّهُ هبة وَكَذَا تمْضِي نَفَقَته على أَبِيه وَابْنه وَنَفَقَة عيدين وأضيحة لِأَنَّهَا لَيست من التَّبَرُّع وَلَو أسرف فِي ذَلِك وَفَاتَ بذهاب عينه تبعه بالسرف فَإِن كَانَت عينه قَائِمَة فَيرد السَّرف وَدخل فِي قَوْله: وَمن بِمَالِه أحَاط الدّين الخ: الْحميل إِذا تحمل بِمَا يُحِيط بِمَالِه فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّبَرُّع قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم(2/547)
أحَاط إِن من لم يحط الدّين بِمَالِه إِذا قَامَ عَلَيْهِ ربه، فَأَما ان يكون مَعْلُوم الملاء أَو ظَاهره أَو مَجْهُول الْحَال فَيجْرِي على مَا تقدم فِي الْفَصْل قبله، فَإِن ادّعى الْعَدَم وَأثبت ربه ملكا معينا لَهُ، فَإِن أقرّ بذلك أمره الْحَاكِم بِبيعِهِ فَإِن أَبى حكم عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ والسجن حَتَّى يَبِيعهُ وَلَا يَبِيعهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ كَبَيْعِهِ على الْمُفلس كَمَا مر، لِأَن هَذَا لم يفلس وَإِن أنكر أَنه ملكه بَاعه الْحَاكِم حِينَئِذٍ نَقله (ح) . تَنْبِيه: وكما للْغَرِيم مَنعه من تبرعه كَذَلِك لَهُ أَن يمنعهُ من سَفَره إِن كَانَ الدّين يحل بغيبته وَلم يُوكل من يَقْضِيه وَلَا ضمنه مُوسر، وإلاَّ فَلَا يمنعهُ فَإِن خشِي سَفَره حلف أَنه مَا يُرِيد سفرا فَإِن نكل كلف حميلاً ثِقَة يغرم المَال وَمحل تَحْلِيفه إِذا علم وُقُوفه عِنْد الْيَمين، فَإِن علم أَو ظن عدم وُقُوفه عِنْدهَا كلف حميلاً ثِقَة يغرم المَال لِأَن الْيَمين إِنَّمَا شرعت لحفظ المَال، فَإِن علم أَو ظن عدم الْحِفْظ لم تشرع وَيكون الْمَشْرُوع مَا يحصل بِهِ الْحِفْظ اه. انْظُر شرحنا للشامل، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي الضَّمَان: وَهُوَ بِوَجْه أَو بِمَال جَار الخ. من أَن الْإِنْسَان إِذْ بَاعَ سلْعَة إِلَى أجل فَظهر من المُشْتَرِي إخلال وَأَنه لَا يُوجد لَهُ عِنْد الْأَجَل شَيْء فَإِنَّهُ يُكَلف بحميل أَو رهن أَو يضْرب على يَده فِيمَا بِيَدِهِ. وَالْحَالة الثَّانِيَة بعد قيام الْغُرَمَاء وَقبل حكم الْحَاكِم بخلع مَاله فَلَا يجوز لَهُ تصرف بِبيع وَلَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ: وَإنْ يَكُنْ لِلْغُرَمَا فِي أمْرِهِ تَشَاوُراً فَلاَ غِنًى عنْ حجْرِهِ (وَإِن يكن للغرما فِي أمره تشاوراً) بِأَن قَامُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا تفليسه وَلَو لم يرفعوه للْحَاكِم (فَلَا غنى عَن حجره) لَهُم بِأَن لَا يمْضِي لَهُ بيع وَقع بعد قيامهم وَلَا شِرَاء وَلَا قَضَاء بعض غُرَمَائه دون بعض، وَلَا إِقْرَاره إِلَّا إِذا أقرّ لمن لَا يتهم عَلَيْهِ بِمَجْلِس الْقيام أَو قربه، وَالْحَال أَن جَمِيع دينه ثَابت بِإِقْرَار لَا إِن ثَبت جَمِيع دينه بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ أَدخل نقصا على من ثَبت دينه بِالْبَيِّنَةِ بِمُجَرَّد قَوْله بِأَن كَانَ بعضه بِإِقْرَار وَبَعضه بِبَيِّنَة، فَإِنَّهُ يدْخل مَعَ من ثَبت دينه بِإِقْرَار لَا بِبَيِّنَة، وَلَو تداين فِي هَذِه الْحَالة دخل الْأَولونَ مَعَ الآخرين فِيمَا بِيَدِهِ وَمَا ذكره النَّاظِم من أَن التشاور هُوَ حد التَّفْلِيس هُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَقيل التَّفْلِيس هُوَ حكم الْحَاكِم، وَقيل هُوَ سجن الْمَدِين. وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَن يقومُوا ويرفعوه للْحَاكِم وَيحكم بخلع مَاله لَهُم، وفائدتها أَنه إِذا تداين بعد الحكم الْمَذْكُور فَلَا دُخُول للأولين فِيمَا بِيَدِهِ إِلَّا أَن يكون فِيهِ فضل ربح كَمَا أَنه إِذا مكنهم قبل الرّفْع من مَاله فباعوا واقتسموا، ثمَّ داين غَيرهم فَلَا دُخُول للأولين مَعَ الآخرين إِلَّا إِذا بَقِي بِيَدِهِ فضل ربح أَيْضا وَأَشَارَ (خَ) إِلَى الْحَالة الأولى بقوله: للْغَرِيم منع من أحَاط الدّين بِمَالِه من تبرعه وسفره إِن حل بغيبته، وَإِلَى الْحَالة الثَّانِيَة بقوله: وفلس حضر أَو غَابَ إِن لم يعلم ملاؤه(2/548)
بِطَلَبِهِ دينا حل فَمنع من تصرف مَالِي الخ. فَقَوله: فلس أَي حجر، وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْله: بِطَلَبِهِ يعود على رب الدّين لَا على التَّفْلِيس كَمَا لشراحه أَي: بِطَلَب رب الدّين دينه الْحَال زَاد على مَاله أَو بَقِي مَا لَا يَفِي بالمؤجل وَطَلَبه هُوَ قِيَامه عَلَيْهِ بِهِ فيستتر الْمَدِين عَنهُ أَو يواعده للمحاسبة وَنَحْو ذَلِك، فيبيع أَو يَشْتَرِي فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن ذَلِك يرد لِأَنَّهُ بقيامه حكم الشَّرْع بحجره لَهُ، وَإِلَى الثَّالِثَة بقوله: وَلَو مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا ثمَّ داين غَيرهم فَلَا دُخُول للأولين مَعَ الآخرين كتفليس الْحَاكِم الخ. وكل حَالَة من هَذِه الْأَحْوَال تمنع بِمَا تَمنعهُ الَّتِي قبلهَا وَلَا عكس. وَلما كَانَت الْحَالة الثَّانِيَة حجرا شَرْعِيًّا كالثالثة قسم ابْن عَرَفَة التَّفْلِيس إِلَى أَعم وأخص فَقَالَ فِي الْأَعَمّ: قيام ذِي دين على مدينه لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ مُوجبه أَي ثَمَرَته منع دُخُول إِقْرَار الْمَدِين على مُتَقَدم دينه، وَقَالَ فِي الْأَخَص: حكم الْحَاكِم بخلع كل مَال الْمَدِين لغرمائه لعَجزه عَن قَضَاء مَا لزمَه مُوجبه منع دُخُول دين سَابق عَلَيْهِ على لَاحق بمعاملة بعده اه. وَاعْترض بِأَن من شَأْن الْأَعَمّ صدقه على الْأَخَص، وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِك إِذْ الْأَعَمّ قيام الْغُرَمَاء. والأخص حكم الْحَاكِم وهما متباينان، وَتقدم مثل هَذَا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي الشّركَة حَيْثُ قسمهَا إِلَى أَعم وأخص، وَمَا أُجِيب بِهِ عَنهُ هُنَا من الأعمية بِاعْتِبَار الْأَحْكَام لَا بِاعْتِبَار الصدْق، وَلَا شكّ أَن الْأَخَص إِذا ثَبت منع من كل مَا مَنعه الْأَعَمّ وَزِيَادَة دون الْعَكْس فَغير ظَاهر لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون حكم الْحَاكِم هُوَ الْأَعَمّ، وَقيام الْغُرَمَاء هُوَ الْأَخَص، وَالْوَاقِع فِي كَلَام ابْن عَرَفَة خِلَافه، وَإِنَّمَا الْجَواب الْحق أَن يُقَال إِنَّه لَا مباينة بَين الرسمين لِأَنَّهُ اعْتبر فِي الْأَخَص قيدين. أَحدهمَا: حكم الْحَاكِم، وَثَانِيهمَا: قَوْله لغرمائه إِذْ اللَّام فِيهِ يتَعَيَّن أَن تكون بِمَعْنى (عِنْد) كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) وَهُوَ على حذف مُضَاف دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي: هُوَ حكم الْحَاكِم عِنْد قيام الْغُرَمَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ قيام الْغُرَمَاء مَعَ حكم الْحَاكِم وَلم يعْتَبر فِي الْأَعَمّ حكما وَالشَّيْء مهما ازْدَادَ قيدا ازْدَادَ خُصُوصا نَظِيره الْحَيَوَان مَعَ الْحَيَوَان النَّاطِق، فَالْأول أَعم من الثَّانِي قطعا لصدقه بالناطق وَبِغَيْرِهِ، وَكَذَا قيام الْغُرَمَاء فِي كَلَام ابْن عَرَفَة هُوَ مُقَيّد فِي الْأَخَص بالحكم، وَلم يُقيد بِهِ فِي الْأَعَمّ. فالأحكام المترتبة على الْأَعَمّ فِي كَلَام ابْن عَرَفَة تُوجد بِوُجُودِهِ وجد مَعَ ذَلِك الْأَعَمّ حكم حَاكم أم لَا. وَالْأَحْكَام المترتبة على الْأَخَص لَا تُوجد إِلَّا مَعَ حكم الْحَاكِم. لَا يُقَال: إِذا مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا فقد وجد الحكم الْمُرَتّب على الْأَخَص وَهُوَ عدم دُخُول الْأَوَّلين مَعَ الآخرين مَعَ أَنه لَا حكم هُنَا لأَنا نقُول: تَمْكِينه من البيع وَالْقِسْمَة بِمَنْزِلَة حكم الْحَاكِم، إِذْ لَو رفع الْأَمر إِلَيْهِ لم يفعل غير ذَلِك، وَإِذا علمت صِحَة تَقْسِيم التَّفْلِيس بِمَعْنى التحجير إِلَى أَعم وأخص وَأَن كلا مِنْهُمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم لم يَتَرَتَّب على الآخر سقط بحث مصطفى رَحمَه الله مَعَ ابْن عَرَفَة بِأَن ابْن رشد لم يعبر بالأعم والأخص، وَبِأَن حدّه للأخص غير مُطَابق لِابْنِ رشد لِأَن ابْن رشد لم يَجعله حكم الْحَاكِم بخلع كل مَاله بل جعله التَّمْكِين من البيع واقتسام المَال إِنَّمَا هُوَ الْمَانِع من دُخُول الْأَوَّلين الخ. وَوجه سُقُوط بَحثه أَن ابْن رشد جعل كلا من التَّمْكِين وَحكم الْحَاكِم مَانِعا من دُخُول الْأَوَّلين، لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا مكنهم فباعوا واقتسموا فَذَلِك مَانع من دُخُول الْأَوَّلين كتفليس السُّلْطَان الخ. وتفليس السُّلْطَان هُوَ حكمه بخلع كل المَال الخ. وَإِذا صحت الأعمية والأخصية معنى صَحَّ التَّعْبِير بهما وَإِن لم يعبر بهما ابْن رشد وَلَا غَيره، وَالله أعلم.(2/549)
فرع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا كَانَ لشخصين دين منجم فَأذن أَحدهمَا للْآخر بِقَبض نجم من نجومه على أَن يقبض هُوَ النَّجْم الَّذِي بعده، فَلَمَّا قَبضه الأول فلس الْمَدِين فَليرْجع هَذَا على صَاحبه لِأَنَّهُ سلف مِنْهُ اه. وَحَلَّ مَا عليهِ مِنْ دُيُونِ إذْ ذَاك كالحُلُول بالمَنُونِ (و) إِذا قَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاء فمكنهم من مَاله فأرادوا البيع وَالْقِسْمَة أَو حكم الْحَاكِم بخلع كل مَاله (حل) بِوَاحِد من الْأَمريْنِ (مَا عَلَيْهِ من دُيُون إِذْ ذَاك) وَلَو دين كِرَاء وَلَو لم تستوف منفعَته كدار مثلا اكتراها وجيبة وفلس قبل مُضِيّ الْمدَّة، فَإِن الْمكْرِي يحاصص بكرائه (كالحلول) أَي كحلول الدّين وَلَو كِرَاء لم تستوف منفعَته أَيْضا (بالمنون) أَي بِالْمَوْتِ (خَ) : وَحل بِهِ وبالموت مَا أجل وَلَو دين كِرَاء، ثمَّ إِذا حل غير المستوفي منفعَته فَفِي الْمَوْت يبْقى الْكِرَاء لَازِما للمكري وَالْوَرَثَة ويحاصص المكرى بِهِ وَلَا خِيَار لَهُ، وَأما فِي الْفلس فَيُخَير الْمكْرِي بَين أَن يسلم الْمَنْفَعَة للْغُرَمَاء ويحاصص بالكراء، وَبَين أَن يرجع فِي عين شَيْئه كُله إِن لم يسْتَوْف شَيْئا من الْمَنْفَعَة فَإِن استوفى بَعْضهَا حاصص بِمَا يُقَابل مَا استوفى مِنْهَا وَيُخَير فِيمَا لم يسْتَوْف فِي الرُّجُوع فِيمَا بَقِي من الْمَنْفَعَة وَفِي إِسْلَامه والمحاصصة بِمَا ينوبه من الْكِرَاء. تَنْبِيهَانِ. الأول: يُبَاع مَاله بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا إِذْ بيع الْحَاكِم إِنَّمَا يكون بِمَا ذكر فَإِن بَاعَ بِغَيْر خِيَار فللغرماء أَو للْمُفلس رده كَمَا فِي (ز) . وَأما بيعهم حَيْثُ مكنهم مِنْهُ بِغَيْر حكم فَهُوَ بِغَيْر خِيَار وَيتْرك لَهُ قوته وَالنَّفقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لظن يسرته، وَيقسم مَا حصل من ثمن مَاله بِنِسْبَة الدُّيُون الخ كَمَا فِي (خَ) . الثَّانِي: مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من إِدْخَال صُورَة تَمْكِين الْغَرِيم من البيع وَالْقِسْمَة فِي كَلَامه هُوَ الْمُتَعَيّن كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاقه واطلاق غَيره خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ من أَنه لَا يحل الدّين فِي تِلْكَ الصُّورَة قَائِلا، وَإِنَّمَا يحل بالحكم فَقَط أَو الْمَوْت الخ. لما علمت من أَنه إِذا مكنهم من بيع كل مَاله لم يبْق شَيْء للمؤجل دينه فَيكون مُخَالفا لما مّر عَن (خَ) أَو بَقِي مَا لَا يَفِي الْمُؤَجل الخ. وَقد قَالَ اللَّخْمِيّ: الدُّيُون المؤجلة لَا حجر بِسَبَبِهَا إِلَّا أَن تَتَغَيَّر حَاله أَو يظْهر مِنْهُ إِتْلَاف يخْشَى مَعَه أَن لَا يُوجد عِنْده عِنْد الْأَجَل شَيْء فيحجر عَلَيْهِ، وَيحل دينه إِلَّا أَن يضمن لَهُ أَو يجد ثِقَة يتجر لَهُ بِهِ ويحال بَينه وَبَينه اه. ومخالف أَيْضا لما مر عَن ابْن رشد من أَن اقتسامهم لِلْمَالِ بِمَنْزِلَة تفليس السُّلْطَان سَوَاء، وَبعد كتبي هَذَا وجدت للشَّيْخ بناني اعتراضاً عَلَيْهِ بِمثل مَا ذكر. والاعِتصارُ لَيْسَ بالمُكَلِّف لَهُ وَلا قُبُولُ غَيْرِ السَّلَفِ (و) إِذا كَانَ الْمَدِين قد وهب لوَلَده شَيْئا قبل إحاطة الدّين بِمَالِه فالهبة صَحِيحَة فَإِذا فلس بعد ذَلِك ف (الاعتصار) للهبة الْمَذْكُورَة (لَيْسَ بالمكلف) أَي اللَّازِم (لَهُ) فَإِن اعتصر كَانَ للْغُرَمَاء(2/550)
أَخذهَا (وَلَا) يُكَلف عَلَيْهِ أَيْضا (قبُول غير السّلف) من هبة أَو صَدَقَة أَو مداينة وكل مَا تلْحقهُ فِيهِ منَّة، وَأما السّلف كَمَا لَو طاع شخص بأَدَاء الدّين عَن الْمَدِين وبقائه فَإِذا حصل لَهُ يسر مَا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا كَلَام للْمَدِين حَاضرا كَانَ أَو غَائِبا أذن فِي الْأَدَاء عَنهُ أم لَا (خَ) : تَشْبِيها فِي اللُّزُوم كأدائه رفقا لَا عنتاً الخ. وَتقدم قَول النَّاظِم: إِذْ قد يُؤَدِّي الدّين من لَا أذنا الخ. فَإِن قَالَ المسلف: أَنا لَا أسلفه إِلَّا إِذا رَضِي الْمَدِين بقبوله أَو طلبه مني فَإِن الْمَدِين لَا يلْزمه الْقبُول حِينَئِذٍ وَلَا الطّلب، فمفهوم النّظم فِيهِ تَفْصِيل. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمشَار لَهُ بقوله (خَ) : وَلَا يلْزم بتكسب وتسلف واستشفاع وعفو للدية وانتزاع مَال رَقِيقه وَمَا وهبه لوَلَده الخ. فَلَا مُعَارضَة بَين مَفْهُوم النّظم، وَمَا لخليل من عدم لُزُوم تسلفه، وَقَوله: وَلَا يلْزم بتكسب الخ. تقدم أَن مَحل هَذَا إِذا لم يداين ليقضيهم من صَنعته وإلاَّ أجبر عَلَيْهَا كَمَا مّر عِنْد قَوْله: أَو معدم وَقد أبان معذره الخ. وَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا مَا عَيَّنا مَالا لَهُ وَما عَلَيْهِ أُمِّنَا (وَهُوَ) أَي الْمُفلس (مُصدق إِذْ مَا قد عينا مَالا لَهُ وَمَا) أَي ومالاً (عَلَيْهِ أمنا) بِأَن قَالَ: هَذَا مَالِي وَهَذَا أَمَانَة عِنْدِي قِرَاض أَو وَدِيعَة أَو عَارِية أَو بضَاعَة فَلَا تقربوه وَيكون للْمقر لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الطرر، وَقيل لَا يصدق، وَثَالِثهَا الْمَشْهُور يصدق إِن قَامَت بِأَصْلِهِ بَيِّنَة تشهد أَنهم يعلمُونَ أَن عِنْده سلْعَة وَدِيعَة أَو قراضا وَإِن لم يعينوها وَلَا سموا رَبهَا وَيكون رَبهَا الَّذِي أقرّ بِهِ الْمقر أَحَق بهَا وَلَو مِمَّن يتهم عَلَيْهِ كأخيه وَابْنه لِأَن قيام الْبَيِّنَة يَنْفِي تهمته فَإِن لم يُعينهُ الْمقر وَلَا الْبَيِّنَة وَلم يدع تِلْكَ السّلْعَة أحد فتوضع فِي بَيت المَال على قَاعِدَة المَال الَّذِي ضل صَاحبه (خَ) : وَقبل تَعْيِينه الْقَرَاض والوديعة إِن قَامَت بَيِّنَة بِأَصْلِهِ الخ. وَظَاهره أَنه يَأْخُذهُ ذُو الْبَيِّنَة بِغَيْر يَمِين وَهُوَ كَذَلِك، وَمثل الْبَيِّنَة بِأَصْلِهِ مَا إِذا شهِدت أَنه أقرّ قبل التَّفْلِيس أَن بِيَدِهِ للْمقر لَهُ قراضا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي ابْن يُونُس: وَمن اكترى أَرضًا بِثمن إِلَى أجل فزرعها ثمَّ فلس أَو مَاتَ فَإِن الْمكْرِي يقدم فِي أَخذ كِرَاء أرضه من زَرعهَا على سَائِر الْغُرَمَاء، بل وعَلى ساقي الزَّرْع ومرتهنه فَلَا شَيْء لَهُم من زَرعهَا حَتَّى يَسْتَوْفِي الْمكْرِي كراءه كَمَا قَالَ:(2/551)
وَرَبُّ الأرْضِ المكْتَرَاةِ إنْ طَرَقْ تَفْلِيسٌ أَوْ مَوْتٌ بِزَرْعِها أَحَقْ (وَرب الأَرْض المكتراة إِن طرق تفليس أَو موت بزرعها حق) . لِأَن الزَّرْع كرهن بِيَدِهِ فِي كرائها فَيُبَاع وَيُؤْخَذ الْكِرَاء من ثمنه وحوز الأَرْض للزَّرْع كحوزه هُوَ لَهُ فَيقدم على حوز مرتهنه وساقيه لِأَن حوزها أَشد من حوزهما لِأَنَّهُ نَشأ عَنْهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه يَأْخُذ الزَّرْع فِي الْكِرَاء لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا، ثمَّ مَا ذكره من أَنه أَحَق فِي الْمَوْت والفلس خلاف الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه يكون أَحَق بِهِ فِي الْفلس لَا فِي الْمَوْت فَلَا يكون أَحَق بِهِ بل هُوَ إسوة الْغُرَمَاء فِيهِ (خَ) : وَقدم فِي زَرعهَا فِي الْفلس ثمَّ سَاقيه ثمَّ مرتهنه أَي مَا فضل عَن الْمكْرِي يقدم فِيهِ الساقي، وَمَا فضل عَنهُ يقدم فِيهِ الْمُرْتَهن، ثمَّ مَا فضل يكون للْغُرَمَاء. وَاحْكُمْ بِذَا لِبَائِعٍ أَوْ صَانِعٍ فِيمَا بِأَيْدِيهِمْ فمَا من مانِعِ (واحكم بذا) أَي بِكَوْنِهِ أَحَق فِي الْمَوْت والفلس (لبائع) سلْعَة مثلا (أَو صانع) كنساج وخياط فلس المُشْتَرِي قبل قبض السّلْعَة وَالْمُسْتَأْجر قبل أَخذ الثَّوْب من الصَّانِع، فَإِن البَائِع أَو الصَّانِع أَحَق (فِيمَا) أَي فِي السّلْعَة وَالثَّوْب اللَّذين (بِأَيْدِيهِم) حَتَّى يُبَاع ويستوفي الأول ثمنه وَالثَّانِي أجرته. (فَمَا من مَانع) لَهُم من ذَلِك (خَ) : والصانع أَحَق وَلَو بِمَوْت مَا فِي يَده الخ. وَمَفْهُوم بِأَيْدِيهِم أما بِالنِّسْبَةِ للصانع فَإِنَّهُ إِذا سلم الْمَصْنُوع لرَبه فَهُوَ إسوة الْغُرَمَاء كَمَا لَو لم يحزه أصلا كالبناء فَإِن رد لرَبه الْبَعْض وَبَقِي الْبَعْض الآخر فَفِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَا بِعقد وَاحِد وَلم يسم لكل وَاحِد قدرا فَلهُ حبس الْبَاقِي فِي أجرته وَأُجْرَة الْمَرْدُود، وَإِن تعدد عقدهما أَو اتَّحد وَلَكِن سمى لكل وَاحِد قدرا فَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس الْبَاقِي فِي أُجْرَة الْمَرْدُود قَالَه ابْن يُونُس. وَأما بِالنِّسْبَةِ للْبَائِع فَهُوَ قَوْله: ومَا حَوَاهُ مُشْترٍ ويحْضُرُ فَرَبُّهُ فِي فَلَسٍ مُخَيَّرُ (وَمَا) بيع من السّلع و (حواه) أَي حازه (مُشْتَر) من بَائِعه وَقبل أَن يدْفع ثمنه فلس (و)(2/552)
الْحَال أَن الْمَبِيع (محْضر) بِعَيْنِه قَائِم بِذَاتِهِ ثَابت أَنه لَهُ بِبَيِّنَة أَو اعْتِرَاف الْمُفلس قبل التَّفْلِيس (فربه) البَائِع لَهُ أَو الْقَائِم مقَامه بِإِرْث أَو هبة الثّمن أَو صدقته (فِي فلس مُخَيّر) إِن شَاءَ تَركه وحاص بِثمنِهِ وَإِن شَاءَ أَخذه وَلَا شَيْء لَهُ وَظَاهره أَن التَّخْيِير الْمَذْكُور ثَابت وَلَو زَادَت فِي سوقها أَو بدنهَا أَو نقصت فيهمَا وَهُوَ كَذَلِك. إِلَّا إذَا مَا الغُرَمَاءُ دفَعُوا ثمنَهُ فأَخْذهُ مُمْتنِعُ (إِلَّا إِذا مَا الْغُرَمَاء دفعُوا) لَهُ (ثمنه) وَلَو من مَالهم (فَأَخذه) لَهُ (مُمْتَنع) حِينَئِذٍ. فَهَذَا أحد شُرُوط التَّخْيِير، وَثَانِيهمَا: أَن يُمكن أَخذه لَا إِن لم يُمكن كبضع، وَثَالِثهَا: أَن لَا يتَغَيَّر عَن حَالَته لَا إِن تغير كَمَا لَو طحنت الْحِنْطَة أَو فصل الثَّوْب وَنَحْو ذَلِك. وَرَابِعهَا: أَن يكون الْمَبِيع مِمَّا يعرف بِعَيْنِه لَا إِن كَانَ مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه بعد الْغَيْبَة عَلَيْهِ كالمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود، وَمَفْهُوم فِي فلس أَنه فِي الْمَوْت إسوة الْغُرَمَاء (ح) : وللغريم أَخذ عين مَاله المحاز عَنهُ فِي الْفلس لَا الْمَوْت وَلَو مسكوكاً أَو آبقاً وَلَزِمَه أَي الْآبِق خلافًا لمن قَالَ: لَا يلْزمه لِأَن أَخذ الْآبِق ابْتِدَاء شِرَاء فَيكون فَاسِدا ثمَّ قَالَ: إِن لم يفده غرماؤه وَأمكن لَا بضع وعصمة وقصاص وَلم ينْتَقل لَا إِن طحنت الْحِنْطَة أَو خلط بِغَيْر مثلي الخ. ومحضر اسْم مفعول خبر لمبتدأ مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة حَالية كَمَا قَررنَا، وَفِي بعض النّسخ ويحضر بالمضارع الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول فإعرابه كَالْأولِ، وَمن اشْترى شَيْئا فَوجدَ عَيْبا بِهِ فَرده على بَائِعه ففلس البَائِع بعد رده عَلَيْهِ، وَقبل أَن يرد الثّمن للْمُشْتَرِي فَإِن الرَّاد لَا يكون أَحَق بِهِ بل إسوة الْغُرَمَاء كَمَا قَالَ: وَلَيْسَ مَنْ رَدَّ بِعَيْبٍ مَا اشْتَرَى أَوْلَى بِهِ فِي فَلَسٍ إنْ اعْتُرَى (وَلَيْسَ من رد بِعَيْب مَا اشْترى) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل (أولى بِهِ) من الْغُرَمَاء (فِي فلس إِن اعترى) وَغشيَ بل هُوَ إسوتهم كَمَا مر بِنَاء على أَن الرَّد بِالْعَيْبِ نقض للْبيع، وَأما على أَنه ابْتِدَاء بيع فَيكون أَحَق بِهِ كَمَا فِي الْمُقدمَات، وَظَاهره أَنه لَا يكون أَحَق بِهِ وَلَو أَخذ عَن دين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) عاطفاً على مَا لَا يكون أَحَق بِهِ مَا نَصه: ورد السّلْعَة بِعَيْب وَإِن أخذت بدين واحترزت بِقَوْلِي بفلس بعد ردهَا مِمَّا لَو ردهَا عَلَيْهِ بعد فلسه فَإِنَّهُ لَا يكون أَحَق بهَا مُطلقًا سَوَاء بنينَا على أَن الرَّد بِالْعَيْبِ نقض للْبيع أَو ابْتِدَاء بيع لِأَن ابْتِدَاء البيع بعد الْفلس يمْنَع من أَخذ البَائِع(2/553)
عين شَيْئه كَمَا قَالَ (خَ) كَبَيْعِهِ وَلم يعلم بفلسه، وَأما لَو أَرَادَ الرَّد وَأقر بذلك على نَفسه فَوجدَ البَائِع قد فلس فَفِي كَونه أَحَق بهَا وتباع فِي الثّمن، أَو لَا يكون أَحَق بهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة من ردهَا قبل الْفلس، وَصَوَّبَهُ ابْن عَاشر ومصطفى قَولَانِ. وَالْخُلْفُ فِي سِلْعَةِ بَيْعٍ فاسِدِ ثَالِثُهَا اخْتِصَاصُهَا بالناقِدِ (وَالْخلف فِي سلْعَة بيع فَاسد) كَمَا لَو ابتاعها بِشَرْط الثنيا أَو بِشَرْط الْحمل أَو وَقت نِدَاء الْجُمُعَة بِثمن نَقده فِيهَا أَو صيرت لَهُ فِي دين فِي ذمَّة بَائِعهَا، واطلع على الْفساد بعد تفليس البَائِع أَو مَوته وَفسخ البيع والسلعة لم تفت بيد المُشْتَرِي وَفَاتَ ثمنهَا، أَو كَانَ لَا يعرف بِعَيْنِه فَقَالَ سَحْنُون: المُشْتَرِي أَحَق بهَا مُطلقًا وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: لَا يكون أَحَق بهَا مُطلقًا (ثَالِثهَا) لِابْنِ الْمَاجشون (اختصاصها بالناقد) فَيكون أَحَق بهَا فِيهِ دون الْآخِذ لَهَا عَن دين فَلَا يكون أَحَق بهَا بل هُوَ إسوة الْغُرَمَاء (خَ) وَفِي كَون المُشْتَرِي أَحَق بالسلعة تفسخ لفساد البيع أَو لَا أَو فِي النَّقْد أَقْوَال الخ. وَقد علمت أَن مَحل الْخلاف إِذا اطلع على الْفساد بعد الْفلس وَأما لَو اطلع عَلَيْهِ قبله فَهُوَ أَحَق بهَا بِاتِّفَاق كَذَا فِي الرزقاني، وَالَّذِي فِي الرجراجي أَن من اشْترى شِرَاء فَاسِدا ففلس البَائِع بعد أَن رد المُشْتَرِي السّلْعَة فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا قولا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا حَقه فِي عين ثمنه إِن وجده فَإِن فلس بعد أَن فسخ البيع وَقبل أَن يرد المُشْتَرِي السّلْعَة فَهَل يكون أَحَق بالسلعة أم لَا؟ فَذكر الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة. وَقَوْلِي: والسلعة لم تفت احْتِرَازًا مِمَّا إِذا فَاتَت فَإِنَّهُ يمْضِي بِالْقيمَةِ ويحاصص بباقي الثّمن إِن كَانَت أقل، وَقَوْلِي: وَفَاتَ ثمنهَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يفت وَكَانَ يعرف بِهِ فَإِنَّهُ يكون أَحَق بِهِ اتِّفَاقًا. وَزَوْجَةٌ فِي مَهْرِها كالغُرَما فِي فَلَسٍ لَا فِي المَمَاتِ فاعْلَمَا (وَزَوْجَة) وَلَو لم يدْخل بهَا الزَّوْج حَيْثُ لم يكن دفع لَهَا الصَدَاق. (فِي مهرهَا كالغرما. فِي فلس لَا فِي الْمَمَات فاعلما) كَذَا فِي الْجلاب. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَلَا وَجه لهَذِهِ التَّفْرِقَة وَقيل لَا تحاصص فيهمَا. وَثَالِثهَا الْمَشْهُور تحاصص فيهمَا (خَ) : وحاصت الزَّوْجَة بِمَا أنفقت وبصداقها كالموت الخ. وَظَاهره أَنَّهَا تحاصص بِجَمِيعِهِ وَلَو فلس قبل الْبناء وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ دين فِي ذمَّته حل بِمَوْتِهِ أَو تفليسه، وَإِذا حاصت بِجَمِيعِهِ ثمَّ طَلقهَا قبل الْبناء فَإِنَّهَا ترد مَا زَاد على تَقْدِير المحاصة بِنصفِهِ وَقَوله: بِمَا أنفقت أَي على نَفسهَا أَو على الزَّوْج حَال يسره فِي غيبته أَو حَضرته، لَكِن فِي الْغَيْبَة إِنَّمَا تحاصص بِمَا أنفقت على نَفسهَا من يَوْم الرّفْع للْحَاكِم، وَسَوَاء تقدم إنفاقها على دين الْغُرَمَاء أَو تَأَخّر وَلَو بعد تفليسه لكنه يتْرك لَهُ النَّفَقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ وَمِنْه نَفَقَة الزَّوْجَة إِلَّا(2/554)
أَن أنفقت عَلَيْهِ حَال عسره، فَإِنَّهَا لَا تحاصص بهَا وَلَو غَابَ لسقوطها عَنهُ بالعسر. وَحَارِسُ المَتَاعِ والزَّرْعِ وَمَا أشْبَهَهُ مَعَهُمْ قد قَسَما (وحارس الْمَتَاع وَالزَّرْع وَمَا أشبهه) كأجير رعي أَو علف وَنَحْوه (مَعَهم) أَي الْغُرَمَاء (قد قسما) أَي حاصص بأجرته فِي الْمَوْت والفلس وَلَا يكون أَحَق بِمَا يَحْرُسهُ ويرعاه إِلَّا أَن يكون الرَّاعِي لَا يبيت بالماشية عِنْد رَبهَا بل يبيت بهَا بداره فَيكون أَحَق بهَا، وَمثل الحارس فِي عدم الِاخْتِصَاص صَاحب الْحَانُوت يحمل كراؤه على مكتريه حَتَّى فلس أَو مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يكون أَحَق بِمَا فِي الْحَانُوت (خَ) : تَشْبِيها فِيمَا لَا اخْتِصَاص فِيهِ كأجير رعي وَنَحْوه وَذي حَانُوت فِيمَا بِهِ الخ. وَأما مكتري الدَّابَّة يفلس مكريه أَو يَمُوت فَإِنَّهُ أَحَق بالمعينة أَو بمنفعتها قبضت أم لَا حَيْثُ نقد كراءها حَتَّى يَسْتَوْفِي مَا نَقده، وَأما غير الْمعينَة وَهِي الْمَضْمُونَة فَإِنَّهُ أَحَق بهَا إِن قبضت (خَ) : والمكتري بالمعينة وبغيرها إِن قبضت وَلَو أديرت الخ. تَتِمَّة: قَالَ الْمَازرِيّ: لَا يخْتَلف أَن الْوَرَثَة منهيون عَن البيع قبل وَفَاء الدّين فَإِن فعلوا فللغرماء فَسخه هَذَا إِن لم يقدروا على أَدَاء الدّين إِلَّا بِالْفَسْخِ، وَأما إِن قَضَاهُ الْوَرَثَة من أَمْوَالهم أَو أسقط الْغُرَمَاء حُقُوقهم فالأشهر من الْمَذْهَب أَن البيع لَا يفْسخ لِأَن النَّهْي عَن البيع لحق المخلوقين، وَقد سقط اه. ابْن عبد السَّلَام: وَخرج بَعضهم على رِوَايَة أَشهب عَن مَالك أَن الْوَرَثَة إِذا عزلوا للدّين أضعافه وَبَاعُوا ليرثوا أَن البيع بَاطِل وَيفْسخ فَيكون لجَمِيع الْغُرَمَاء إِذا لم يحضروا البيع أَخذ السّلع من أَيدي المشترين إِلَّا أَن يَشَاء المشترون أَن يدفعوا قيمَة مَا فِي أَيْديهم أَو ثمنه أَو بعضه إِن كَانَ قَائِما اه. وَقد تقدم فِي الْقِسْمَة وَالصُّلْح أَن الْوَرَثَة إِذا باعوا التَّرِكَة قبل الْقسم أَو بعده فبيعهم مَاض لَا ينْقض للدّين كَانَ فِيهِ مُحَابَاة أم لَا وَإِنَّمَا كررناها فِي هَذِه الْأَبْوَاب لِكَثْرَة وُقُوعهَا وَكَثْرَة التَّنَازُع فِيهَا.
(بَاب فِي الضَّرَر وَسَائِر الْجِنَايَات)
وَمُحْدِثٌ مَا فِيهِ لِلْجَارِ ضَرَرْ محَقَّقٌ يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ (ومحدث) بِكَسْر الدَّال (مَا) أَي شَيْئا (فِيهِ للْجَار ضَرَر مُحَقّق) بِالْبَيِّنَةِ كَونه ضَرَرا كالأمثلة الْآتِيَة لَا مُحْتَمل كَونه ضَرَرا أَو كَانَ غير ضَرَر كصوت الصّبيان فِي الْمكتب وَصَوت الرَّحَى وَنَحْوهمَا مِمَّا يَأْتِي فِي الثَّانِي عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع (يمْنَع) من إحداثه ويزال مَا أحدثه(2/555)
(من غير نظر) وَلَا توقف لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) أَبُو الْحسن: اخْتلف فِي مَعْنَاهُ فَقيل مَعْنَاهُ لَا تدخل على أحد ضَرَرا فالضرار تَأْكِيد للْأولِ، وَقيل الضَّرَر الَّذِي لَك فِيهِ مَنْفَعَة، والضرار مَا لَيْسَ لَك فِيهِ مَنْفَعَة وعَلى جَارك فِيهِ مضرَّة، وَهَذَا وَجه حسن فِي الحَدِيث قَالَه ابْن عبد الْبر اه. فاحترز النَّاظِم بالمحقق من الْمُحْتَمل كَمَا قَررنَا، والمحقق شَامِل لمحقق الْوُقُوع فِي الْحَال أَو فِي الْمُسْتَقْبل وَعبارَة (م) : وَاحْترز بِوَصْف الضَّرَر بالمحقق من الضَّرَر الَّذِي يكون متوقعاً غير وَاقع وَلَا مُحَقّق يَعْنِي الْوُقُوع فِي الْمُسْتَقْبل، وَذكر النَّاظِم للمحقق أَمْثِلَة فَقَالَ: كالفُرْنِ والبَابِ وَمِثْلِ الأَنْدَرِ أوْ مَا لهُ مَضَرَّةٌ بالجُدُرِ (كالفرن) يحدث قرب من يتَضَرَّر بدخانه أَو ناره وَمثله الْحمام (خَ) : وَقضى بِمَنْع دُخان ورائحة كدباغ الخ. وَأما دُخان المطابخ وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي المعاش وَيكون فِي بعض الْأَوْقَات فَقَط وَلَا يستدام أمره فَلَا يمْنَع مِنْهُ، وَلَو أَرَادَ صَاحب الدُّخان الْقَدِيم إِحْدَاث آخر ويضيفه للقديم يمْنَع من ذَلِك لزِيَادَة الضَّرَر، وفيهَا لَو اتخذ مكتري الدَّار تنوراً يجوز لَهُ عمله فِيهَا فاحترقت مِنْهُ الدَّار وبيوت الْجِيرَان لم يضمن وَلَو شَرط رَبهَا عَلَيْهِ أَن لَا يُوقد فِيهَا نَارا فَفعل ضمن (وَالْبَاب) يَعْنِي فِي السِّكَّة الْغَيْر النافذة أَي: فَلَا يجوز لوَاحِد من سكانها إِحْدَاث بَاب يُقَابل بَاب جَاره ويشرف عَلَيْهِ مِنْهُ، وَظَاهره وَلَو نكب أَي حرف الْبَاب الْمُحدث عَن بَاب جَاره بِحَيْثُ لَا يشرف مِنْهُ على مَا فِي دَار جَاره وَلَا يقطع عَنهُ مرفقاً من إِنْزَال أَصْحَابه ومربط دَابَّته، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن زرب وَابْن رشد، وَبِه الْعَمَل بقرطبة. ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل عندنَا اه. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة: إِنَّه الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب اه. وَمُقَابِله أَنه إِن نكب عَن بَاب جَاره بِحَيْثُ لَا يشرف عَلَيْهِ مِنْهُ وَلَا يقطع عَنهُ مرفقاً لم يمْنَع من إحداثه، وَبِه أفتى (خَ) إِذْ قَالَ: إِلَّا بَابا إِن نكب الخ. وَمَفْهُوم الْبَاب أَن الروشن أَو الساباط لمن لَهُ الجانبان يجوز لَهُ إحداثه بِغَيْر النافذة وَلَو بِغَيْر إِذن مِمَّن يمر تحتهما وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَقيل يمْنَع إِلَّا بِإِذن من يمر تَحْتَهُ، ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل. وَفِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار: أَن من أَرَادَ أَن يحدث ساقية أَو قادوساً من المَاء الحلو أَو غَيره فِي غير النافذة ويغطي ذَلِك بِالْحجرِ بِحَيْثُ لَا يضر أحدا فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من ذَلِك وَلَو بِغَيْر إذْنهمْ، وبنحوه أفتى السراج حَسْبَمَا نَقَلْنَاهُ فِي نوازلنا، وَأما السِّكَّة النافذة فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَك أَن تفتح فِيهَا مَا شِئْت وتحول بابك حَيْثُ شِئْت مِنْهَا. ابْن نَاجِي: ظَاهرهَا وَإِن كَانَ مُقَابلا لباب غَيره وَبِه الْعَمَل اه. وَنَحْوه للمعلم مُحَمَّد بن الرَّامِي قَائِلا: الَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن لَا يمْنَع من فتح بَاب وَإِن قَابل بَاب رجل آخر إِذا كَانَت الطَّرِيق بَينهمَا نَافِذَة اه. وَمَفْهُومه أَن إنْشَاء الْحَانُوت قبالة بَاب آخر يمْنَع مِنْهُ وَلَو فِي النافذة، وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أَشد ضَرَرا لتكرر الْوَارِد عَلَيْهِ قَالَه(2/556)
الْبُرْزُليّ: ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل، وَقيل لَا يمْنَع مِنْهُ كالباب. قَالَ ابْن رشد: وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة. قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه الْمَذْهَب فِي الْحَانُوت قبالة الْبَاب الْمَنْع مُطلقًا بسكة نَافِذَة أم لَا. ولفق ذَلِك فِي بَيْتَيْنِ نصهما: إِحْدَاث حَانُوت لباب غَيره يمْنَع مُطلقًا لَدَى المنتبه فِي نَافِذ وَغَيره لما يرى من عِلّة قد فهمت بِلَا مرا وَمَفْهُوم قبالة الْبَاب أَنه إِذا نكبه عَن الْبَاب جَازَ. قَالَ المتيطي: إِن الْحَانُوت لَا تتَّخذ للتِّجَارَة قبالة بَاب دَار جَاره إِلَّا مَعَ التنكيب وإلاَّ منع. (وَمثل الأندر) فَإِنَّهُ يمْنَع من إحداثه قبالة دَار وبستان لِأَن ربهما يتَضَرَّر بتبنه عِنْد الذرو قَالَه ابْن رشد (خَ) عاطفاً على مَا يمْنَع مِنْهُ وأندر قبل بَيت الخ. وَمثله نفض الْحَصِير على بَاب دَاره لتضرر الْمَارَّة أَو الْجَار بغباره (أَو) إِحْدَاث (مَا لَهُ مضرَّة بالجدر) جمع جِدَار كحفر مرحاض بِقرب جِدَار جَاره أَو بِنَاء رحى تضر بِهِ أَو حفر بِئْر كَذَلِك، فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك اتِّفَاقًا (خَ) : عاطفاً على الْمَنْع وَمُضر بجدار كاصطبل الخ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَمن بنى مَا يضر بجاره من حمام أَو فرن أَو لتشبيب ذهب أَو فضَّة أَو كير لعمل حَدِيد أَو رحى مِمَّا يضر بجاره فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَة: يمْنَع من ذَلِك، وَقَالَهُ مَالك. قَالَ ابْن حبيب: وُجُوه الضَّرَر كَثِيرَة، وَإِنَّمَا تتبين عِنْد نزُول الحكم فِيهَا فَمن ذَلِك دُخان الحمامات والأفران وغبار الأندر ونتن الدّباغ. الخ. وَمِنْه إِحْدَاث إصطبل فَإِنَّهُ يمْنَع من إحداثه ملاصقاً لدار جَاره مُطلقًا كَانَ قبالة بَاب جَاره أم لَا لما فِيهِ من الضَّرَر ببول الدَّوَابّ وزبلها وحركتها كَمَا فِي شرح ابْن حَال لِأَنَّهَا لَا تسكن أصلا بِخِلَاف الْبَقر اه. فَفِي الْبُرْزُليّ سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَمَّن يدق النَّوَى فِي بَيته لبقره ويبيتها فِي بَيته فَقَالَ: يمْنَع من ذَلِك لِأَنَّهُ يضر بِالْبِنَاءِ، وَأما تبييت الْبَقر فَلَا ضَرَر على الْجَار فِيهِ اه. الْبُرْزُليّ: ظَاهره وَلَو كَانَ يَقع مِنْهُ الندا، وَيحْتَمل أَن لَا يكون فِيهِ إِلَّا حَرَكَة الْبَقر خَاصَّة، وَأما لَو كَانَ مَعَه ندا وضرر للحائط لوَجَبَ مَنعه كَمَا تمنع الأروية الْمعدة للبهائم اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: تقدم أَن حفر الْبِئْر إِذا كَانَ يضر بجدار جَاره فَإِنَّهُ يمْنَع مِنْهُ، وَأما إِذا كَانَ لَا يضر بالجدار وَإِنَّمَا يضر ببئر جَاره فِي تقليل مَائِهَا أَو إعدائه بِالْكُلِّيَّةِ فَفِيهِ أَقْوَال. صدر فِي الشَّامِل فِي بَاب الْموَات بِعَدَمِ مَنعه وَهُوَ قَول أَشهب، وَرِوَايَته عَن مَالك قَالَ: لِأَنَّهُ قد أضرّ بِهِ تَركه كَمَا أضرّ بجاره حفره فَهُوَ أَحَق أَن يمْنَع جَاره من أَن يضر بِهِ فِي مَنعه الْحفر، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَهُوَ ظَاهر النّظم هُنَا حَيْثُ خصص الْمَنْع بِضَرَر الْجِدَار لَا بِمَاء بِئْر جَاره، واستظهره ابْن بعد السَّلَام أَيْضا قَائِلا: لِأَن ضررهما متقابل ويترجح جَانب من أَرَادَ الإحداث بِأَنَّهُ تصرف فِي ملكه، وَأما إِن وجد عَنهُ مندوحة وَلم يتَضَرَّر بترك حفره فَلَا يُمكن من حفره لتمحص إضراره بجاره حِينَئِذٍ، وَمُقَابِله لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة إِنَّه يمْنَع من حفره وَإِن اضْطر إِلَى ذَلِك. اللَّخْمِيّ: وَوَجهه أَن المَاء فِي يَد الَّذِي حفر أَولا مَعَ احْتِمَال أَن يكون هُوَ الَّذِي(2/557)
اختط تِلْكَ الأَرْض أَولا أَو آباؤه أَو الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَلَا ينتزع المَاء من يَده بِالشَّكِّ، وَثَالِثهَا يُمكن من حفره مَا لم يضر ببئر جَاره ضَرَرا بَينا، وَقد علمت أَن الأول هُوَ أقواها نقلا وَعلة، وَإِن قَالَ فِي التَّبْصِرَة: لَيْسَ عَلَيْهِ عمل لِأَنَّهُ أَي الأول مَرْوِيّ عَن مَالك، وَرجحه ابْن عبد السَّلَام وَاقْتصر عَلَيْهِ الفحول فَلَا يعدل عَنهُ بِحَال. الثَّانِي: ذكر فِي المعيار عَن ابْن الرَّامِي أَن ضَرَر الرَّحَى والإصطبل يرْتَفع عَن الْجِدَار ببعدهما عَنهُ بِثمَانِيَة أشبار أَو يشغل ذَلِك بالبنيان بَين دوران الْبَهِيمَة وحائط الْجَار انْظُر كَلَامه فِي (م) . فإنْ يكن يَضُرُّ بالمنافِعِ كالفُرْنِ بالْفُرْنِ فمَا مِنْ مَانِعِ (فَإِن يكن) الشَّيْء الْمُحدث (يضر بالمنافع) فَقَط (كالفرن) يحدثه (ب) قرب (الفرن) أَو الرَّحَى يحدثها بِقرب أُخْرَى أَو حمام كَذَلِك فتقل غلَّة الأول أَو تَنْقَطِع بِالْكُلِّيَّةِ (فَمَا من مَانع) من ذَلِك اتِّفَاقًا حَيْثُ كَانَ الْمُحدث لَا يضر بالقديم بِشَيْء من وُجُوه الضَّرَر، بل فِي نُقْصَان الْغلَّة أَو انقطاعها فَقَط قَالَه ابْن سهل. وَلَا مَفْهُوم للمنافع بل كَذَلِك إِذا كَانَ ينقص الثّمن لَا غير كَمَا أفتى بِهِ ابْن عتاب وَصَوَّبَهُ ابْن سهل خلافًا لأبي الْمطرف، وَنَقله المتيطي وَابْن عَرَفَة وَنَصه: فِي كَون إِحْدَاث حمام أَو فرن قرب دَار تجاوره لَا يَضرهَا بِدُخَان وَلَا غَيره إِلَّا أَنه يحط من ثمنهَا ضَرَرا يمْنَع أم لَا. نقل المتيطي مَعَ ابْن سهل عَن أبي الْمطرف مَعَ بعض شُيُوخ ابْن عتاب وَله مَعَ بعض شُيُوخه اه. فَلَو قَالَ النَّاظِم: فَإِن يكن يضر بالمنافع أَو ثمن فَمَا لَهُ من مَانع لشملهما. وَاسْتدلَّ ابْن عتاب لفتواه بِعَدَمِ اعْتِبَار نقص الْأَثْمَان باتفاقهم على عدم اعتبارهم نقص الْمَنَافِع إِذْ من لازمها نقص الْأَثْمَان، لَكِن قَالَ (ت) : أفتى ابْن مَنْظُور بمقابل مَا فِي النّظم وَإِن ضَرَر الْمَنَافِع يمْنَع مِنْهُ وَفِي الْبَيَان أَنه الْمَشْهُور ذكره فِي كتاب السداد والأنهار فِي رجل أحدث رحى قرب أُخْرَى اه. قلت: فَانْظُرْهُ مَعَ مَا نَقله الشَّارِح و (ح) عَن ابْن رشد أَوَائِل فصل مسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ من أَنه قسم الضَّرَر إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: مِنْهُ مَا يمْنَع عَنهُ بِاتِّفَاق كالحمام والفرن وَمِنْه مَا لَا يمْنَع مِنْهُ بِاتِّفَاق كإحداث فرن قرب فرن آخر يضر بِهِ فِي غَلَّته فَقَط، وَمِنْه مَا يخْتَلف فِيهِ كَأَن يحدث فِي أرضه بِنَاء قرب أندر جَاره يمنعهُ بِهِ الرّيح فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يمْنَع، وَاخْتلف فِيهِ قَول سَحْنُون. قَالَ ابْن رشد: وَالْأَظْهَر أَنه لَا يمْنَع اه. فَأَنت ترى ابْن رشد بِنَفسِهِ حكى فِي مَسْأَلَة النّظم الِاتِّفَاق على عدم الْمَنْع كَمَا ذكره ابْن سهل أَيْضا محتجاً بِهِ على عدم اعْتِبَار نقص الْأَثْمَان، وراجع مَا أَشَارَ لَهُ (ت) عَن الْبَيَان فَلم يسعني الْآن مُرَاجعَته، وَالَّذِي فِي المعيار عَن العبدوسي مثل مَا للناظم وَلم يحك فِيهِ خلافًا، وَكَذَا الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي مُفِيد الْحُكَّام والتبصرة، فَمَا للناظم هُوَ(2/558)
الْمُعْتَمد الَّذِي عَلَيْهِ الجادة وَلَا يعدل عَنهُ إِلَى سواهُ وَإِن صَحَّ تشهيره وَالله أعلم. ثمَّ بعد كتبي هَذَا وقفت على رُجُوع (ت) عَمَّا حَكَاهُ عَن الْبَيَان من التشهير انْظُر نَصه فِي نَوَازِل الضَّرَر من نوازلنا. تَنْبِيهَانِ. الأول: هَل يمْنَع أَرْبَاب النَّحْل أَو الْحمام أَو الدَّجَاج من اتِّخَاذه حَيْثُ أضرت بِالنَّاسِ فِي زروعها وبساتينها، وَهُوَ رِوَايَة مطرف عَن مَالك وَعدم مَنعهم وعَلى أَرْبَاب الزَّرْع وَالشَّجر حفظهَا وَهُوَ قَول لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن كنَانَة. قَالَ ابْن حبيب: وَلَا يُعجبنِي قَول ابْن الْقَاسِم، بل قَول مطرف أحب إِلَيّ، وَبِه أَقُول وَهُوَ الْحق إِن شَاءَ الله ابْن عَرَفَة: هَذِه النَّازِلَة تقع كثيرا وَالصَّوَاب أَن يحكم فِيهَا بقول مطرف وَابْن حبيب، وَإِن كَانَ خلاف قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن منع أَرْبَاب الْحَيَوَان أخف ضَرَرا من ضَرَر أَرْبَاب الزَّرْع وَالثِّمَار لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُم حفظهَا وَلَا يُمكنهُم نقل زرعهم وَلَا أَشْجَارهم، وَإِذ التقى ضرران ارْتكب أخفهما قَالَ: وَبَعْضهمْ يذكر ارْتِكَاب أخف الضررين حَدِيثا، وَبَعْضهمْ يذكرهُ أثرا، وَبَعْضهمْ يذكرهُ حكما مجمعا عَلَيْهِ اه. وَمَا ذكره ابْن عَرَفَة من تصويبه لقَوْل مطرف نَحوه لعيسى حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الضَّرَر من المعيار قَائِلا: هَذِه الْأَشْيَاء لَا يُسْتَطَاع الِاحْتِرَاز مِنْهَا، وَقد قيل فِيمَن لَهُ كوى فِي حَائِطه تَجْتَمِع فِيهَا البراطيل فتؤذي النَّاس فِي زُرُوعهمْ أَنه يُؤمر بسدها. وَقَالَ مَالك أَيْضا فِي الدَّابَّة الضارية بإفساد الزَّرْع تغرب أَو تبَاع على صَاحبهَا لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاع الِاحْتِرَاز مِنْهَا. وَانْظُر مَا مر آخر فصل الْإِجَارَة فِي الدَّوَابّ تتْلف الزَّرْع وَنَحْوه. الثَّانِي: ظَاهر النّظم أَن ضَرَر الْأَصْوَات غير مُعْتَبر، وَحكى ابْن نَاجِي فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال. قيل بلغوه مُطلقًا قَالَ: وَبِه الْعَمَل عندنَا، وَقيل يمْنَع مُطلقًا قَالَه ابْن عتاب، وَبِه أفتى شُيُوخ طليطلة، وَقيل إِن عمل بِالنَّهَارِ فَالْأول وبالليل فَالثَّانِي، وَقيل: يجوز إِن خف وَلم يكن فِيهِ كَبِير مضرَّة اه. وَمَا حكى بِهِ الْعَمَل هُوَ الْمَشْهُور قَالَ فِي المعيار عَن ابْن رشد: وَالْمَشْهُور عدم منع الْأَصْوَات مثل الْحداد والكماد والنداف اه. وَظَاهره وَلَو اشْتَدَّ ودام وَهُوَ ظَاهر (خَ) أَيْضا حَيْثُ قَالَ عاطفاً على مَا لَا يمْنَع مِنْهُ وَصَوت ككمد الخ. وَقَالَ ابْن رحال فِي شَرحه بعد: نقُول قد تبين من هَذَا أَن الصَّوْت إِذا كَانَ قَوِيا مستداماً فِي اللَّيْل فَإِنَّهُ يمْنَع على مَا يظْهر رجحانه من النقول اه. فَانْظُرْهُ. وَهُوَ عَلَى الحُدُوثِ حَتَّى يَثْبُتَا خِلافُهُ بِذَا القَضَاءُ ثَبَتَا (وَهُوَ) أَي الضَّرَر إِذا تنَازعا فِي قدمه وحدوثه مَحْمُول (على الْحُدُوث حَتَّى يثبتا خِلَافه بذا) أَي بِهَذَا القَوْل (الْقَضَاء) وَالْعَمَل (ثبتا) عِنْد الموثقين كَابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ وَصَاحب الْمُفِيد والمتيطي وَغَيرهم وَهَذَا على أَن الضَّرَر يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك كَمَا يَأْتِي فِي فصل مسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ. وَأما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك فَلَا يحْتَاج إِلَى النّظر فِي كَونه قَدِيما أَو حَادِثا بل يجب رَفعه وإزالته وَلَو طَالَتْ حيازته. وَإنْ يكن تَكَشّفاً فَلاَ يُقَرْ بِحَيْثُ الأشْخاصُ تَبِينُ والصُّوَرْ(2/559)
(وَإِن يكن) الضَّرَر الْحَادِث (تكشفاً) كَمَا لَو فتح كوَّة أَو بَابا فِي غرفَة يشرف مِنْهَا على مَا فِي دَار جَاره أَو اسطوانه أَو بستانه الَّذِي جرت الْعَادة بالترداد إِلَيْهِ بالأهل وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات كزمن الصَّيف كَمَا فِي (ح) وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج (فَلَا يقر) ذَلِك التكشف بل يزَال وتغلق الكوة وَالْبَاب بِالْبِنَاءِ وتقلع عتبتهما لِئَلَّا يحْتَج بهَا إِذا طَال الزَّمَان، وَيَقُول: إِنَّمَا أغلقتها لأعيدها (خَ) وَقضى بسد كوَّة فتحت أُرِيد سد خلفهمَا الخ. وَمحل إِزَالَته إِذا كَانَ قَرِيبا (بِحَيْثُ الْأَشْخَاص تبين و) تتَمَيَّز (الصُّور) فَيعرف زيد من عَمْرو وَالذكر من الْأُنْثَى وَالْحسن من الْقَبِيح، وَإِلَّا فَلَا يقْضِي بإزالته وَظَاهره وَلَو كَانَت الكوة عالية بِحَيْثُ لَا يُمكن الِاطِّلَاع مِنْهَا إِلَّا بسرير وَنَحْوه وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة عَن مَالك. قَالَ ابْن فتوح وَغَيره: وَبِه الْعَمَل خلافًا لما رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ من أَنه يوضع السرير من جِهَة الْمُحدث للكوة وَأَن يقف عَلَيْهِ وَاقِف، فَإِن أطلعه على دَار جَاره منع من ذَلِك وإلاَّ فَلَا. وَجعله (ح) تقييداً لقَوْل (خَ) وَقضى بسد كوَّة الخ. وَقد علمت أَن الْمَعْمُول بِهِ هُوَ قَول مَالك أَنه يمْنَع مهما يشْهد بِهِ أَنه ضَرَر من غير تَقْيِيد بسرير وَلَا غَيره كَمَا لأرباب الوثائق ابْن فتوح وَابْن فَرِحُونَ وَابْن سَلمُون وَغَيرهم فَلَا يعول على تَقْيِيد (ح) وَمَا فِي المعيار والتبصرة من أَن الكوة الَّتِي لَا يُمكن الِاطِّلَاع مِنْهَا إِلَّا بسلم وَشبهه لَا يقْضِي بسدها كُله خلاف الْمَعْمُول بِهِ من قَول مَالك فِيمَا يظْهر كَمَا مر. وَقَوْلِي فِي الْحَادِث احْتِرَازًا من الْقَدِيم فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بإزالته على الْمَشْهُور وَلَو لم تكن فِيهِ مَنْفَعَة. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: فَأَما كوَّة قديمَة أَو بَاب قديم لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهِ وَلَا مضرَّة على جَاره فَلَا يمْنَع مِنْهُ اه. وَيسْتَثْنى من الْقَدِيم الْمنَار فَإِنَّهُ يمْنَع الْمُؤَذّن من الصعُود إِلَيْهِ وَلَو قَدِيما حَتَّى يَجْعَل بِهِ سائراً يمْنَع من الِاطِّلَاع على الْجِيرَان من كل جِهَة حَتَّى لَا تتبين أشخاص وَلَا هيئات وَلَا أثاث قربت الدَّار أَو بَعدت كَمَا فِي (ح) فِي فصل الآذان. تَنْبِيهَات. الأول: من أحدث كوَّة يطلع مِنْهَا على مَا يطلع عَلَيْهِ غَيره فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك وَلَا حجَّة لَهُ فِي اطلَاع غَيره لِأَن هَذَا زِيَادَة ضَرَر بِمَنْزِلَة مَا تقدم فِي زِيَادَة الدُّخان وَسَوَاء كَانَ الزقاق نَافِذا أَو غير نَافِذ. الثَّانِي: من أحدث كوَّة تقَابل أُخْرَى فَطلب سد المحدثة فَقَالَ لَهُ الآخر: سد أَنْت الْقَدِيمَة فَإِنِّي إِنَّمَا سكت عَنْهَا نَحْو خمس سِنِين أَو أَربع على حسن الْجوَار، فَفِي كتاب ابْن سَحْنُون يحلف صَاحب الكوة المحدثة أَنه مَا ترك الْقَدِيمَة إِلَى هَذِه الْمدَّة إِلَّا على حسن الْجوَار غير تَارِك لحقه ثمَّ تسدان مَعًا. قَالَه ابْن الرَّامِي قَالَ: وَنزلت نازلة فِي رجل فتح كوَّة فِي دَاره لَا يتكشف مِنْهَا على جَاره غير أَنه يسمع كَلَامه فَرَأى بَعضهم أَنه ضَرَر وَلم يعتبره آخَرُونَ وَحكم بقول من لم يعتبره قَالَ: وَنزلت أَيْضا نازلة وَهِي أَن رجلا كَانَ لَهُ مطلع إِلَى سطح دَاره بسترة فَسَقَطت الستْرَة وَصَارَ(2/560)
كل من يطلع إِلَى السَّطْح ينظر لما فِي دَار الْجَار فَطلب مِنْهُ إِعَادَة الستْرَة فَحكم بِعَدَمِ إِعَادَتهَا وَلَكِن ينذرهم إِذْ صعد إِلَى سطحه قَالَ: وَسَأَلت القَاضِي ابْن عبد الرفيع عَمَّن أحدث كوَّة يرى مِنْهَا سطوح جِيرَانه وَبَعض الْجِيرَان يتَصَرَّف فِي سطحه بالنشر وَنَحْوه. فَقَالَ: لَا يمْنَع اه. قلت: تَأمل قَوْله: لَا يمْنَع فَإِنَّهُ مُخَالف مَا قَالُوهُ من أَن الْبُسْتَان الَّذِي يتَرَدَّد ربه إِلَيْهِ بالأهل وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات على الْمَعْمُول بِهِ كَانَ بِهِ بِنَاء أم لَا. كَمَا قَالَه ابْن زيتون فَإِنَّهُ يمْنَع من إِحْدَاث المتكشف عَلَيْهِ والسطوح أَكثر تردداً وَأقوى فَمَا قَالُوهُ من عدم الْمَنْع مُقَابل وَالله أعلم. الثَّالِث: من بنى عَرصَة وَفتح فِيهَا أبواباً أَو كوَّة يطلع مِنْهَا على قاعة غَيره فَأَرَادَ صَاحب القاعة مَنعه وَقَالَ: هَذَا يضرني إِذا بنيت أَنا قاعتي دَارا، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: وَهُوَ الْأَصَح كَمَا فِي الشَّامِل إِنَّمَا يمنعهُ إِذا بنى فَيَقْضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بسدها وَلَا يمنعهُ قبل الْبناء، وَقَالَ مطرف: يمنعهُ مُطلقًا. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَا يمنعهُ مُطلقًا. وَمَا بِنَتْنِ الرِّيح يُؤْذِي يُمْنَعُ فَاعِلُهُ كَالدَّبْغِ مَهْمَا يَقَعُ (وَمَا بنتن الرّيح يُؤْذِي) جَاره (يمْنَع) مِنْهُ (فَاعله) ومحدثه وَذَلِكَ (كالدبغ) والمجزرة والمرحاض الَّذِي لَا يغطيه (مهما يَقع) لِأَن الرَّائِحَة المنتنة تخرق الخياشيم وَتصل إِلَى الأمعاء فتؤذي الْإِنْسَان وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَسْبَمَا فِي الْمُوَطَّأ: (من أكل من هَذِه الشَّجَرَة يَعْنِي الثوم فَلَا يقرب مَسْجِدنَا يؤذينا) . وَتقدم قَول (خَ) ورائحة كدباغ. وَقَول مَنْ يُثْبِتْهُ مُقَدَّمُ عَلَى مَقالِ مَنْ بِنَفْيٍ يَحْكُمُ (وَقَول من) أَي شَاهد (يُثبتهُ) أَي الضَّرَر (مقدم) عِنْد التَّعَارُض (على مقَال من) أَي شَاهد (بِنَفْي) لَهُ (يحكم) أَي يشْهد قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَبِه الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل أَي لِأَن الْمُثبت مقدم على من نفى كَمَا مر آخر الشَّهَادَات خلافًا لما فِي المعيار من أَنه ينظر إِلَى أعدل الْبَيِّنَتَيْنِ، وَإِذا شهد بِنَفْي الضَّرَر وَحكم بِمُقْتَضَاهُ ثمَّ تبين خِلَافه نقض الحكم قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة يَعْنِي: وَكَذَلِكَ إِذا شهد بِالضَّرَرِ ثمَّ تبين خِلَافه. وَإن جِدَارٌ ساتِرٌ تَهَدَّمَا أَوْ كَانَ خَشْيَةَ السُّقُوطِ هُدِّمَا (وَإِن جِدَار سَاتِر) بَين دارين مَمْلُوك لأَحَدهمَا فَقَط وَلَيْسَ بمشترك (تهدما) وَحده بِأَمْر سماوي (أَو كَانَ) لم يتهدم وَحده بل (خشيَة السُّقُوط هدما) أَي هَدمه مَالِكه لميلانه وتلاشيه وخشية سُقُوطه وَلَو بِقَضَاء الْحَاكِم عَلَيْهِ بذلك لخشية سُقُوطه على الْمَارَّة أَو على الْجَار.(2/561)
فَمَنْ أَبَى بِنَاءَهُ لَنْ يُجْبَرَا وَقيلَ لِلطَّالِبِ إنْ شِئْتَ اسْتُرَا (فَمن أَبى بناءه) أَي السَّاتِر الْمُتَهَدِّم وَحده أَو خشيَة السُّقُوط (لن يجبرا) عَلَيْهِ إِذا طلبه صَاحبه على الْأَصَح وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم (وَقيل) أَي وَالْحكم إِذا لم يجْبر أَن يُقَال (للطَّالِب إِن شِئْت استرا) على نَفسك أَو اترك وَظَاهره أَنه لَا يجْبر، وَإِن كَانَ قَادِرًا على بنائِهِ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور فَلَو قَالَ الْمَالِك: إِنِّي مُحْتَاج إِلَى هَدمه فَقَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون: ينظر الْحَاكِم فِي ذَلِك فَإِن ظهر صدقه ترك يصلح على نَفسه وَأمر بإعادته للسترة الَّتِي قد لَزِمته. وَقَالَ أصبغ: لَا تلْزمهُ إِعَادَته. ابْن حبيب: وَبقول مطرف أَقُول نَقله فِي ضيح، فَلَو قَالَ الْجَار للْمَالِك: أَعْطِنِي أَرض حائطك بترابه وَعلي الطوب وَالنَّفقَة فَإِذا تمّ حملنَا عَلَيْهِ مَعًا فَقَالَ سَحْنُون: لَا يجوز لِأَنَّهُ عقد لغير أجل مَعْلُوم وَلَا سمى كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يحمل عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فعلى رب القاعة وَالتُّرَاب أَن يُعْطي لرب الطوب وَالْعَمَل قيمَة طوبه وَعَمله وَيكون الْجِدَار لَهُ وَلَو سَأَلَ من ذِي الْجِدَار المائل أَن يَأْذَن لَهُ فِي هَدمه وبنائه لَهُ على أَن يحمل عَلَيْهِ فَفعل فَقَالَ ابْن دِينَار: سَبِيل هَذَا سَبِيل الشِّرَاء فَلَيْسَ لرب الْحَائِط أَن يرفع خشب الْبَانِي عَنهُ وَإِن احْتَاجَ إِلَيْهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مَا مرّ وَهُوَ مَا إِذا تعمد الْهدم فَقَالَ: وعامِدٌ لِلْهَدْمِ دون مُقْتَضِ عليْهِ بالبِنَاء وحدَهُ قُضِي (وعامد للهدم) للجدار السَّاتِر بَينه وَبَين جَاره (دون) مَنْفَعَة لَهُ فِي الْهدم وَلَا (مُقْتَض) لذَلِك بل إِنَّمَا قصد بِهِ الضَّرَر لجاره أَو الْعَنَت (عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ وَحده) حَال والمجروران متعلقان بقوله: (قضي) وَالْجُمْلَة خبر عَامِد أَي قضى عَلَيْهِ بإعادته كَمَا كَانَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مضار بجاره (خَ) : وَقضى بِإِعَادَة السَّاتِر لغيره أَن هَدمه ضَرَرا لَا لإِصْلَاح أَو انْهَدم الخ. وَظَاهر كَلَام (خَ) هَذَا كَغَيْرِهِ أَنه يجْبر على إِعَادَته وَلَو لم يكن لَهُ مَال يَعْنِي وَيُبَاع مِمَّن يبنيه وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ رشد عَن سَماع يحيى وَعِيسَى وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يدل عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة، وَقيل إِنَّمَا يجْبر على إِعَادَته إِذا كَانَ لَهُ مَال وَإِلَّا أدب وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: إنْ كانَ ذَا وَجْهٍ وَكانَ مَالَهُ وَالْعَجْزُ عَنْهُ أدباً أنَالهُ (إِن كَانَ ذَا وَجه) أَي مَحل الْقَضَاء عَلَيْهِ بإعادته كَمَا كَانَ إِذا كَانَ الهادم ذَا مَال (وَكَانَ) الْجِدَار (مَاله) أَي ملكه وَحده، وَهَذَا قيد فِي أصل الْمَسْأَلَة أَي وَإِن جِدَار سَاتِر تهدما وَكَانَ مَاله أَي غير مُشْتَرك (وَالْعجز عَنهُ) أَي عَن بنائِهِ حَيْثُ هَدمه ضَرَرا (أدبا) مفعول بقوله (أناله) وَالْجُمْلَة خبر الْعَجز، وَمَفْهُوم قَوْله: مَاله أَنه إِذا كَانَ لغيره فَعَلَيهِ قِيمَته إِلَّا أَن يكون وَقفا فَعَلَيهِ إِعَادَته على خلاف فِيهِ كَمَا مر فِي بَاب الْحَبْس، وَأما إِن كَانَ مُشْتَركا فَهُوَ قَوْله: وإنْ يكن مُشْتَركاً فَمَنْ هَدَمْ دُونَ ضَرُورَةٍ بنَاءَهُ التَزَمْ(2/562)
(وَإِن يكن) الْجِدَار السَّاتِر (مُشْتَركا فَمن هدم. دون ضَرُورَة) توجب هَدمه من تلاشيه وخشية سُقُوطه (بناءه) مفعول بقوله (الْتزم) أَي لزمَه أَن يبنيه كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ أتلف مَال غَيره بِغَيْر مُوجب. وإنْ يكن لمقْتَضٍ فَالحُكْمُ أَنْ يَبْنِيَ مَعْ شَرِيكِهِ وَهُوَ السِّنَنْ (وَإِن يكن) هَدمه (لمقتض) كخشية سُقُوطه، وَأثبت ذَلِك بأرباب الْبَصَر وَبعد الْإِثْبَات هَدمه أَو انْهَدم الْحَائِط وَحده. (فَالْحكم أَن يَبْنِي) . ذَلِك الْحَائِط السَّاتِر (مَعَ شَرِيكه وَهُوَ السّنَن) أَي الطَّرِيق الْمَشْرُوع. مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ فإنْ أَبى قُسِمْ مَوْضِعُهُ بَيْنَهُمَا إذَا حُكِمْ (من غير إِجْبَار) لَهُ على الْبناء مَعَه يَعْنِي بل يُؤمر أَن يَبْنِي مَعَ شَرِيكه من غير قَضَاء عَلَيْهِ ابْتِدَاء على السّنَن الْمَشْرُوع (فَإِن) أَمر بِالْبِنَاءِ مَعَه ف (أَبى) وَامْتنع (قسم مَوْضِعه بَينهمَا) عرضا وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه مِمَّا يَلِيهِ وَبنى فِي نصِيبه (إِذا حكم) أَي أمكن قسمه فَعبر بالحكم عَن الْإِمْكَان لِأَنَّهُ لَازمه إِذْ من لَازم الحكم بالقسم إِمْكَانه فَإِن لم يُمكن قسمه لكَونه لَا يصير لكل مِنْهُمَا مَا ينْتَفع بِهِ بِبِنَاء مُعْتَاد فِيهِ فَأَما بنى مَعَه أَو بَاعَ لمن يبنيه. فَالْحَاصِل أَنه يُؤمر أَولا بِالْبِنَاءِ مَعَه من غير إِجْبَار فَإِن أَبى قسم بَينهمَا إِن أمكن فَإِن لم يُمكن أجبر على الْبناء أَو البيع على الْمُعْتَمد كَمَا فِي (ح) قَائِلا: هَذَا هُوَ الَّذِي رَجحه صَاحب الْكَافِي وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا، وَيكون حِين لم يُمكن قسمه من إِفْرَاد قَول (خَ) : وَقضى على شريك فِيمَا لَا يَنْقَسِم أَن يعمر أَو يَبِيع الخ. وَقَوْلِي: وَبعد الْإِثْبَات هَدمه الخ. احْتِرَازًا مِمَّا لَو هَدمه قبل الْإِثْبَات ونازعه شَرِيكه فِي خشيَة سُقُوطه وافتقاره للهدم فَإِن الهادم حِينَئِذٍ لَا يصدق وَيلْزمهُ بِنَاؤُه وَحده. تَنْبِيهَانِ. الأول: لَو كَانَت دَابَّة أَو معصرة أَو سفينة بَين رجلَيْنِ ولأحدهما مَا يطحن أَو يحمل عَلَيْهَا وَلَيْسَ للْآخر شَيْء يطحنه أَو يحملهُ وضع صَاحبه من الْحمل والطحن إِلَّا بكرَاء وَقَالَ الآخر: إِنَّمَا أطحن وأحمل فِي نَصِيبي، فَالْحكم أَنه يمْنَع من الْحمل والطحن حَتَّى يتراضيا على كِرَاء أَو غَيره وَإِلَّا بيع الْمُشْتَرك عَلَيْهَا كَمَا فِي (ح) . الثَّانِي: سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَن حَائِط فاصل بَين جنتين يعْمل عَلَيْهِ السِّدْرَة والشوك لدفع الضَّرَر فَدَعَا أحد الرجلَيْن للْبِنَاء وأبى الآخر وَقَالَ: من شكا الضَّرَر فليبن. فَأجَاب: إِن كَانَ بَقَاؤُهُ مهدوماً يضرهما فَمن دَعَا إِلَى الْبناء فَالْقَوْل قَوْله، وَإِن كَانَ الضَّرَر ينَال أَحدهمَا فبناؤه على من يَنَالهُ الضَّرَر دون صَاحبه، وَإِن لم يكن هُنَاكَ حَائِط فَلَيْسَ على من أَبى أَن يحدث حَائِطا جبرا إِلَّا أَن يدْخل ضَرَر على أَصْحَاب الجنات بَعضهم من بعض، فَالْقَوْل لمن دَعَا إِلَى التصوين وَالْبناء.(2/563)
وإنْ تَدَاعَيَاه فالقَضَاءُ لمن لهُ العُقُودُ والبِنَاءُ (وَإِن تداعياه) أَي الْجِدَار فَادَّعَاهُ كل لنَفسِهِ وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا (فالقضاء) يكون (لمن) شهد (لَهُ) بِهِ الْعرف وَهُوَ سِتَّة (الْعُقُود وَالْبناء) عَلَيْهِ وَالْبَاب والغرز والكوة وَوجه الْبناء فالعقود والقمط مُتَرَادِفَانِ وهما عبارَة عَن معاقد الْأَركان وَهِي إِدْخَال الْحَائِط فِي الآخر كاشتباك الْأَصَابِع، وَمِنْه تقميط الصَّبِي وَهُوَ إِدْخَاله وستره فِي الْخرق، وَإِنَّمَا قضى بِهِ لذِي القمط والعقود لِأَن الْحِيطَان الْمَعْقُود بَعْضهَا بِبَعْض كحائط وَاحِد بني فِي وَقت وَاحِد لمَالِك وَاحِد، وَقيل: الْعُقُود عبارَة عَن تدَاخل الْأَركان، والقمط عبارَة عَمَّا يشد بِهِ وَجه الْحَائِط ويمنعه من الانتثار من جير وجص وَنَحْوهمَا، وَقيل: القمط الْفرج غير النافذة، وَقيل: تَوْجِيه الْآجر، وَقيل: السَّوَارِي تبنى فِي الْحَائِط، فهما على هَذِه التفاسير متباينان وكل من هَذِه الْوُجُوه يشْهد لمن هِيَ إِلَى جِهَته بِلَا إِشْكَال، وَأما الْبناء فَمَعْنَاه أَن الْحَائِط إِذا كَانَ عَلَيْهِ بِنَاء لأَحَدهمَا دون الآخر فَهُوَ لمن لَهُ عَلَيْهِ الْبناء كسترة وَنَحْوهَا، وَكَذَا إِذا كَانَت بَابه لجِهَة أَحدهمَا دون الآخر، أَو كَانَت جُذُوع أَحدهمَا مَحْمُولَة عَلَيْهِ دون الآخر، أَو كَانَت الكوة الْغَيْر النافذة لجِهَة أَحدهمَا وَهِي الَّتِي تتَّخذ لرفع الْحَوَائِج، وَلَا بُد أَن تكون مَبْنِيَّة مَعَ بِنَاء الْحَائِط، وَأما المنقوبة فَلَا دَلِيل فِيهَا كَمَا أَن النافذة كَذَلِك، أَو كَانَ وَجه الْبناء إِلَى جِهَة أَحدهمَا دون صَاحبه، فَمن وجدت هَذِه الْأَشْيَاء أَو بَعْضهَا إِلَى ناحيته قضى لَهُ بِهِ إِذا لم تقم بَيِّنَة للْآخر، وإلاَّ فالاعتماد على الْبَيِّنَة. وَلَو وجدت هَذِه الْأَشْيَاء جَمِيعهَا فَلَو اشْتَركَا فِي هَذِه العلامات حلفا واشتركا فِيهِ كَمَا لَو كَانَت جُذُوع كل مِنْهُمَا مَحْمُولَة عَلَيْهِ أَو وَجه آجر الْبناء(2/564)
لجِهَة كل مِنْهُمَا أَو عقوده لكل مِنْهُمَا، فَإِن كَانَ أَحدهمَا انْفَرد بالقمط وَالْآخر بالخشب فَهُوَ لذِي القمط لِأَنَّهَا أقوى دلَالَة والخشب لم يرهَا. ابْن الماشجون حجَّة قَالَ: لِأَنَّهَا تغرز بِالْهبةِ وَالسَّرِقَة. قَالَ الْمعلم مُحَمَّد: مَا كَانَ مِنْهُمَا موصلاً وضع بِغَيْر حفر أوجب الْملك لِرَبِّهَا وَمَا وضع بالنقب فَلَا يُوجب ملكا وَلَو كَانَ لأَحَدهمَا بَاب وَللْآخر حمل الْخشب، فَقَالَ سَحْنُون: هُوَ لرب الْبَاب وَللْآخر حمل الْخشب، وَتقدم عِنْد قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر الخ. أَن القَاضِي يجب عَلَيْهِ أَن يشْتَرط على أَرْبَاب الْبَصَر أَن لَا يحكموا فِي شَيْء ويضعونه بِمَا يزِيل الْإِشْكَال وَينظر هُوَ فِيهِ.
(فصل فِي ضَرَر الْأَشْجَار)
وَمَا يُثمر مِنْهُ وَمَا لَا. وَكلُّ مَا كَانَ مِنَ الأَشْجَارِ جَنْبَ جِدَارٍ مُبْدِيَ انتِشَارِ (وكل مَا كَانَ من الْأَشْجَار جنب جِدَار) أَي حذوه حَال كَونه أَي الْأَشْجَار (مبدي انتشار) أَي آخِذا فِيهِ فَهُوَ على قسمَيْنِ: إِمَّا أَن يكون الْجِدَار سَابِقًا على الْأَشْجَار أَو الْعَكْس. فإنْ يَكن بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدا قُطِعَ مَا يُؤْذِي الجِدَارَ أَبَدَا (فَإِن يكن) الشّجر (بعد) بِنَاء (الْجِدَار وجدا) أَي غرس (قطع مَا يُؤْذِي الْجِدَار) مِنْهُ (أبدا) من غير خلاف. وَحَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ يُشَمَّرُ وَتَرْكُه وَإنْ أضَرَّ الأشْهَرُ (وَحَيْثُ كَانَ) الشّجر مَوْجُودا (قبله) أَي قبل الْجِدَار (يشمر) يقطع أغصانه الَّتِي انتشرت على الْجِدَار وأضرت بِهِ وَهُوَ قَول مطرف وَعِيسَى وَأصبغ وَابْن حبيب، واستظهره فِي الْبَيَان وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْمذهب، وَوَجهه أَن الْجِدَار بناه ربه فِي ملكه فأغصان الشّجر الممتدة عَلَيْهِ قد خرجت عَن ملك رَبهَا فَيجب قطعهَا لِأَنَّهَا ضَرَر على من خرجت إِلَيْهِ، وَمُقَابِله لِابْنِ الْمَاجشون أَنَّهَا لَا تشمر لِأَن الْبَانِي قرب شَجَرَة قد أَخذ من حريمها وَهُوَ يعلم أَن شَأْن الشّجر الانتشار وَلم يرجح (خَ) وَاحِدًا مِنْهُمَا بل قَالَ: وَيقطع مَا أضرّ من شَجَره بجدران تَجَدَّدَتْ وإلاَّ فَقَوْلَانِ. وَأما النَّاظِم فشهر الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: (وَتَركه) أَي التشمير (وَإِن أضرّ) الشّجر بالجدار هُوَ (الْأَشْهر) وَفِيه نظر فَإِن الْأَشْهر هُوَ الأول كَمَا مر لظُهُور علته وَكَثْرَة قَائِله، وَلذَا كَانَ لَا خُصُوصِيَّة للجدار بِمَا(2/565)
ذكر بل كَذَلِك إِذا امتدت أَغْصَانهَا على أَرض جَاره فَإِنَّهُ يقطع مِنْهَا مَا أضرّ بأرضه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وكل مَا خرج عَن هَوَاء صَاحبه الخ. ومَنْ تكُنُ لَهُ بِمِلْكٍ شَجَرَهْ أَغْصَانُهَا عاليَةٌ مُنْتَشِرَهْ (وَمن تكن لَهُ بِملك) أَي فِي ملكه وأرضه (شَجَرَة) من نعتها (أَغْصَانهَا عالية منتشرة) فِي هَوَاء ملك رَبهَا لم تخرج عَن هوائه محَال. فلاَ كلاَمَ عِنْدَ ذَا لِجَارِها لَا فِي ارْتِفَاعِهَا وَلا انْتِشَارِهَا (فَلَا كَلَام عِنْد ذَا لجارها لَا فِي ارتفاعها وَلَا) فِي (انتشارها) وَإِن منعته الشَّمْس وَالرِّيح فَلَا حجَّة لَهُ كالبنيان يرفعهُ الرجل فِي ملكه فَيمْنَع جَاره الشَّمْس وَالرِّيح كَمَا يَأْتِي آخر الْفَصْل بعده. وَكُلُّ مَا خَرَجَ عَن هَوَاءِ صَاحِبهَا يُقْطَعُ باسْتِوَاءِ (وكل مَا خرج) من أَغْصَانهَا (عَن هَوَاء) أَرض (صَاحبهَا) وامتد على أَرض جَاره فَإِنَّهُ (يقطع) ذَلِك الْخَارِج فَقَط (باستواء) وَظَاهره أَنه لَا حجَّة لَهُ فِي قَوْله: أَخَاف أَن يطرقني أَو يتكشف عَليّ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَلَكِن إِذا صعد عَلَيْهَا أنذره بطلوعه ليستتر مِنْهُ حريمه (خَ) عاطفاً على مَا لم يمْنَع فِيهِ وصعود نَخْلَة وأنذر بطلوعه، وَهَذَا إِذا كَانَت نابتة فِي أرضه فامتدت أَغْصَانهَا لأرض جَاره، وَأما لَو كَانَت لَك شَجَرَة نابتة فِي أرضه بَاعهَا لَك أَو خرجت لَك بقسمة وَنَحْوهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يقطع مَا طَال وانبسط مِنْهَا كَمَا قَالَ: وَإنْ تكن بِمِلْكِ مَنْ لَيْسَتَ لَه وَانْتَشَرَتْ حَتَّى أَظَلَّتْ جُلَّهُ (وَإِن تكن) شَجَرَة (بِملك من لَيست لَهُ) أَي فِي أَرض غَيره ملكهَا بشرَاء أَو هبة (وانتشرت) وعظمت (حَتَّى أظلت جله) أَي جلّ ملك الْغَيْر. فَمَا لربِّ الْمِلْكِ قَطْعُ مَا انْتَشَرْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَا شَأَنُ الشَّجرْ (فَمَا لرب الأَرْض قطع مَا انْتَشَر) مِنْهَا وَإِن أضرّ بأرضه (لعلمه بِأَن ذَا شَأْن الشّجر) قَالَه ابْن(2/566)
الْقَاسِم وَغَيره. وَهَذَا كُله فِي الأغصان، وَأما لَو كَانَت لَهُ فِي أرضه شَجَرَة فَخرجت عروقها لأرض جَاره فَنَبَتَتْ وَصَارَت شَجرا مثمراً فَإِن من نَبتَت فِي أرضه مُخَيّر بَين أَن يقلعها أَو يُعْطِيهِ قيمتهَا مقلوعة إِلَّا أَن يكون لصَاحب الشَّجَرَة مَنْفَعَة لَو قلعهَا وغرسها بِموضع آخر لنبتت فَلهُ قلعهَا وَأَخذهَا وَإِن كَانَت لَا مَنْفَعَة لَهُ فِيهَا وَلَا مضرَّة عَلَيْهِ فِيهَا فَهِيَ لرب الأَرْض انْظُر الْمواق. وَالحُكْمُ فِي الطّريقِ حُكْمُ الجَارِ فِي قَطْعِ مَا يُؤْذِي مِنَ الأَشْجَارِ (وَالْحكم فِي الطَّرِيق) تمتد أَغْصَان الْأَشْجَار عَلَيْهَا (حكم الْجَار فِي قطع مَا يُؤْذِي) المارين فِي الطَّرِيق (من الْأَشْجَار) لِأَن الطَّرِيق حبس على سَائِر الْمُسلمين وَذَلِكَ يُوجب اسْتِوَاء الحكم بَينهم وَبَين الْجَار، وَمَفْهُوم الْأَشْجَار أَن الْبناء بِالطَّرِيقِ يهدم وَإِن لم يؤذ المارين وَلَا ضيقها عَلَيْهِم (خَ) : ويهدم بِنَاء بطرِيق وَلَو لم يضر الخ. نعم لَا بَأْس بالروشن والساباط فَوق الطَّرِيق النافذة لمن لَهُ الجانبان حَيْثُ رفع على رُؤُوس الراكبين وَلم يظلماها كَمَا قَالَ (خَ) أَيْضا: وروشن وساباط لمن لَهُ الجانبان بسكة نفذت، وَتقدم مَا فِي ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: كالفرن وَالْبَاب وَكَذَا من ملك جَانِبي النَّهر فَلهُ أَن يَبْنِي ساباطاً فَوْقه وَلَيْسَ للسطان مَنعه وَلَا حجَّة لَهُ فِي أَن الْوَادي لَهُ نَقله (م) .
(فصل فِي مُسْقط الْقيام بِالضَّرَرِ)
على الْمَشْهُور بِأَنَّهُ يحاز بِمَا تحاز بِهِ الْأَمْلَاك. وَعَشْرَةُ الأَعْوَامِ لامْرِىءٍ حَضَرْ تَمْنَعُ إنْ قَامَ بِمُحْدِثِ الضَّرَرْ (وَعشرَة الأعوام) مَضَت (لامرىء) رشيد (حضر) إِحْدَاث ضَرَر عَلَيْهِ عَالما بِهِ سَاكِنا بِلَا عذر (تمنع) الْحَاضِر الْمَذْكُور (إِن قَامَ) بعْدهَا (بمحدث) بِفَتْح الدَّال (الضَّرَر) من إِضَافَة الصّفة للموصوف أَي الضَّرَر الْمُحدث، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ غَائِبا أَو مَضَت عَلَيْهِ أقل من عشرَة أَو كَانَ مَحْجُورا مولى عَلَيْهِ أَو صَغِيرا أَي غير عَالم أَو غير سَاكِت أَو كَانَ لَهُ عذر لَهُ فِي سُكُوته من سطوة وَنَحْوهَا فَهُوَ على حَقه، وَلَو طَالَتْ الْمدَّة حَتَّى تمْضِي عشر سِنِين من قدومه من الْغَيْبَة وَزَوَال الْحجر وَحُصُول الْعلم وَنَحْو ذَلِك.(2/567)
وَذَا بهِ الْحُكْمُ وبالْقِيَامِ قدْ قِيل بالزائِدِ فِي الأَيَّامِ (وَذَا) القَوْل الَّذِي قَالَ يسْقط حَقه بِمُضِيِّ الْعشْرَة وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَابْن نَافِع و (بِهِ الحكم) وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي المعيار عَن ابْن رشد، وَمثله فِي التَّبْصِرَة وَغَيرهَا، وَمُقَابِله لأصبغ أَنه لَا يسْقط حَقه إِلَّا بالعشرين سنة وَنَحْوهَا وَهُوَ معنى قَوْله: (وبالقيام قد قيل بِالزَّائِدِ) على الْعشْرَة (فِي الْأَيَّام) الْكَثِيرَة إِلَى عشْرين سنة وَنَحْوهَا، فَيسْقط حَقه حِينَئِذٍ وغايته أَنه أطلق جمع الْقلَّة على جمع الْكَثْرَة وَهُوَ كثير فِي الْعَرَبيَّة كَمَا فِي الْخُلَاصَة هَذَا هُوَ الظَّاهِر، فَيكون قد أَشَارَ إِلَى قَول أصبغ، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَة كالعشرة أَيَّام بِدَلِيل جمع الْقلَّة، وَيكون أَشَارَ إِلَى قَول من قَالَ: إِن الْعشْر سِنِين لَا تَكْفِي بل لَا بُد من مُطلق الزِّيَادَة عَلَيْهَا حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْن عَرَفَة فِي جملَة الْأَقْوَال الثَّمَانِية الَّتِي نقلهَا فِيمَا يسْقط بِهِ الضَّرَر، وَظَاهر النّظم أَن الْعشْرَة أَعْوَام قَاطِعَة لحقه، سَوَاء كَانَ الْحَائِز قَرِيبا للمحوز عَنهُ أَو أَجْنَبِيّا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الطرر وَغَيرهَا فَلَيْسَتْ حِيَازَة الضَّرَر كحيازة الْأَمْلَاك الَّتِي يفرق فِيهَا بَين الْأَقَارِب والأجانب، وَظَاهره أَيْضا أَنَّهَا قَاطِعَة لحقه كَانَ الضَّرَر مِمَّا لَا يتزايد كالكوة وَالْبَاب أَو مِمَّا يتزايد ضَرَره كالكنيف والمدبغ والحفر الَّتِي يستنقع المَاء فِيهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل: الضَّرَر المتزايد لَا يحاز بِالْعشرَةِ وَلَا بغَيْرهَا لِأَن الدّباغ والكنيف يحدثان بطول الزَّمَان وَهنا على وَهن وضعفاً فِي جِدَار الْجِدَار فَلهُ الْقيام بِمَا زَاد عَلَيْهِ من الضَّرَر وَلَو طَال، وَقيل: لَا يحاز الضَّرَر أصلا كَانَ مِمَّا يتزايد أم لَا. وَهُوَ قَول ابْن حبيب، وَعَلِيهِ فَفِي حوز الضَّرَر وَعَدَمه. ثَالِثهَا إِن كَانَ مِمَّا لَا يتزايد وعَلى الْحَوْز فَفِي كَونه بالعشر أَو بالعشرين ثَالِثهَا بالعشر وَزِيَادَة الْأَيَّام الْيَسِيرَة. وَمن رأى بُنْيَانَ مَا فِيهِ ضَرَرْ وَلَمْ يقُمْ مِنْ حِينِهِ بِمَا ظَهَرْ (وَمن رأى بُنيان مَا فِيهِ ضَرَر) عَلَيْهِ وَسكت (وَلم يقم من حِينه بِمَا ظهر. حَتَى رَأى الْفَرَاغَ مِنْ إتْمَامِهِ مُكِّنَ بالْيَمِينِ مِن قِيامِهِ حَتَّى رأى الْفَرَاغ من إِتْمَامه) أَي الْبُنيان وَفتح الْبَاب وَنَحْوهمَا فَقَامَ بِحقِّهِ بعد الْفَرَاغ بِالْقربِ(2/568)
وَأَحْرَى بعد طول وَقبل مُضِيّ مُدَّة الْحِيَازَة (مكن بِالْيَمِينِ من قِيَامه) أَي: فَيحلف أَن سُكُوته حَتَّى كمل الْبُنيان وَفتح الْبَاب مثلا مَا كَانَ عَن رضَا بِإِسْقَاط حَقه ويهدم الْبناء ويسد الْبَاب حِينَئِذٍ قَالَه فِي التَّبْصِرَة والوثائق الْمَجْمُوعَة وَابْن سَلمُون وَغَيرهم، وَفهم من قَوْله: وَلم يقم أَنه إِذا قَامَ حِين رَآهُ يَبْنِي وَأَرَادَ مَنعه من الْبناء فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من بنائِهِ وإتمام عمله حَتَّى يثبت الضَّرَر ويعذر للباني فِيهِ وَلم يجد فِيهِ مطعناً فيهدم الْبناء عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلَو كمل كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَالْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة النَّاظِم أَنه فِي هَذِه أَرَادَ أَن يمنعهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى حِين شُرُوعه فِي الْبناء أَو بعد أَن أثبت الْبَيِّنَة المحتاجة للتزكية والاعذار فَإِن الْبَانِي لَا يمْنَع من إتْمَام عمله حَتَّى يعجز عَن الدّفع كَمَا مر إِذْ لَا يحكم على أحد بِالْمَنْعِ من التَّصَرُّف فِي ملكه مَعَ قيام احْتِمَال صِحَة الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَعدم صِحَّتهَا وَبِه تعلم أَن مَا للشَّيْخ الرهوني من استشكال هَذِه الْمَسْأَلَة غير سديد كَمَا أَن مَا قَالَه من عدم وجوب الْيَمين فِي مَسْأَلَة النَّاظِم إِن قَامَ بِالْقربِ غير سديد أَيْضا إِذْ هَذِه الْيَمين يَمِين تُهْمَة والمعمول بِهِ توجهها فِي الْقرب والبعد كَمَا مر فِي بَاب الْيَمين. فإنْ يَبِعْ بَعْدُ بِلَا نِزَاعِ فَلَا قيامَ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ (فَإِن يبع) الْمُحدث عَلَيْهِ الضَّرَر (بعد) أَي بعد حُدُوثه عَلَيْهِ وَعلمه بِهِ حَال كَونه (بِلَا نزاع) فِيهِ أَي بَاعَ بعد الإحداث وَالْعلم بِهِ وَقبل النزاع فِيهِ (فَلَا قيام) وَلَا خصام (فِيهِ للْمُبْتَاع) اتِّفَاقًا كَمَا فِي (خَ) عَن ابْن عَرَفَة لِأَنَّهُ اشْترى على تِلْكَ الْحَالة، وَظَاهره وَلَو لم يعلم بِهِ، وَقيل: إِذا لم يعلم بِهِ المُشْتَرِي فَلهُ رده على البَائِع لِأَن الضَّرَر عيب لم يطلع عَلَيْهِ، فَإِذا رده فَللْبَائِع حِينَئِذٍ الْقيام بِهِ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن حبيب بن نصر، وَيَنْبَغِي حمله على التَّفْسِير لما درج عَلَيْهِ النَّاظِم: وإنْ يكُنْ حينَ الخِصَام بَاعَا فالْمُشْترِي يَخْصِمُ مَا اسْتَطَاعَا (وَإِن يكن) البَائِع لم يعلم بالإحداث أَو علم وَتكلم فِيهِ وَخَاصم و (حِين الْخِصَام) أَو عدم الْعلم (باعا فَالْمُشْتَرِي يخصم) فِي ذَلِك الضَّرَر (مَا استطاعا) لقِيَامه مقَام البَائِع حِينَئِذٍ وحلوله مَحَله إِذْ البَائِع حِينَئِذٍ بَاعَ مَا يملكهُ من الدَّار وَرفع الضَّرَر، وَالْمُشْتَرِي اشْترى ذَلِك فَقَامَ فِيهِ مقَام البَائِع، وَظَاهره أَن هَذَا البيع جَائِز وَلَيْسَ هُوَ من بيع مَا فِيهِ خُصُومَة. وَقَالَ ابْن بطال مَعْنَاهُ: إِن الْحَاكِم قضى بِإِزَالَة الضَّرَر وأعذر وَبَقِي التسجيل وَالْإِشْهَاد يَعْنِي على الحكم، وَأما لَو بَاعَ وَقد بَقِي شَيْء من المدافع والحجج لم يجز البيع لِأَنَّهُ بيع مَا فِيهِ خُصُومَة يَعْنِي: وَالْمَشْهُور مَنعه، وَقد أَطَالَ (خَ) من ذكر الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة والمعول عَلَيْهِ مَا للناظم وَالله أعلم.(2/569)
وَمَانِعُ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ مَعا لِجَارِهِ بِمَا بَنَى لَنْ يُمْنَعَا (ومانع الرّيح أَو الشَّمْس) أَو هما (مَعًا لجاره) مفعول بمانع وَاللَّام زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء (بِمَا بنى لن يمنعا) من ذَلِك على الْمَشْهُور ابْن نَاجِي وَبِه الْعَمَل، وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: وَمن رفع بُنْيَانه فَتَجَاوز بِهِ بُنيان جَاره وأفسد عَلَيْهِ كواه فأظلمت. أَبْوَاب غرفه وكواها وَمنعه الشَّمْس لم يمْنَع من هَذَا الْبُنيان اه. وَهَذَا إِذا كَانَ للباني فِي رفع بنائِهِ مَنْفَعَة قَصدهَا، وَأما إِذا لم يكن لَهُ فِي الْبناء مَنْفَعَة وَثَبت ذَلِك فَإِنَّهُ يمْنَع كَمَا قَالَه ابْن عتاب، إِذْ لَا ضَرَر أَكثر من أَن يمْنَع الْإِنْسَان جَاره الضَّوْء وَالرِّيح من غير نفع يعود عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَظَاهره أَنه لَا يمْنَع من رفع بُنْيَانه وَلَو منع الشَّمْس وَالرِّيح عَن الأندر السَّابِقَة على بنائِهِ وَهُوَ مَا اسْتَظْهرهُ ابْن رشد كَمَا مّر عِنْد قَوْله: فَإِن يكن يضر بالمنافع الخ. وَلَكِن الْمَشْهُور خِلَافه (خَ) : لَا مَانع شمس وريح إِلَّا الأندر أَي فَإِنَّهُ يمْنَع من بِنَاء مَا يمْنَع الشَّمْس وَالرِّيح، وَظَاهره وَلَو احْتَاجَ للبنيان وَكَانَت لَهُ فِيهِ مَنْفَعَة وَمثل الأندر مرج الْقصار ومنشر المعاصر وجرين التَّمْر وَالْفرق بَين الأندر وَغَيرهَا عِنْد ابْن الْقَاسِم فِيمَا يظْهر أَن الدَّار لَا يُمكن منع الضَّوْء مِنْهَا جملَة إِذْ مَا يقابلها من السَّمَاء يضيئها قطعا، وَكَذَا الشَّمْس، وَأما الرّيح فالمقصود مِنْهَا اتقاؤه بهَا والكوة يُمكنهُ فتحهَا لوسط دَاره بِخِلَاف الأندر وَمَا مَعَه فَإِن منفعَته تبطل كلهَا بِمَنْع الشَّمْس وَالرِّيح، وَأما الْبِئْر إِذا أَرَادَ حفرهَا فِي أرضه وَهِي تنقص مَاء بِئْر جَاره أَو تقطعه فقد يتَقَدَّم الْكَلَام عَلَيْهَا عِنْد قَوْله: أَو مَا لَهُ مضرَّة بالجدر.(2/570)
(فصل فِي الْغَصْب والتعدي)
قَالَ (خَ) : الْغَصْب: هُوَ أَخذ مَال قهرا تَعَديا بِلَا حرابة الخ. فَقَوله: أَخذ مَال كالجنس يَشْمَل أَخذ الْإِنْسَان مَال نَفسه من تَحت يَد الْمُودع وَغَيره، وَخرج بقوله مَال أَخذ امْرَأَة اغتصاباً كَمَا يَأْتِي، وَخرج بِهِ أَيْضا أَخذ رَقَبَة الْحر وَالْخِنْزِير وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يملكهُ الْمُسلم، وَقَوله قهرا مخرج للسرقة لِأَنَّهَا أَخذ مَال خُفْيَة وللغيلة لِأَنَّهُ لَا قهر فِيهَا لِأَنَّهَا بِمَوْت الْمَالِك، ومخرج أَيْضا لما أَخذه اخْتِيَارا كالسلف وَالْعَارِية والقراض وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهَا. وَقَوله: تَعَديا مخرج لما أَخذه من محَارب وَنَحْوه، وَلما إِذا أَخذ الشَّيْء الْمَغْصُوب من يَد غاصبه ولآخذ الزَّكَاة كرها من مُمْتَنع من دَفعهَا ولأخذ الْجِزْيَة ولأخذ السَّيِّد مَال عَبده ولأخذ الْأَب وَالْجد الغنيين مَال ولدهما لِأَن لَهما فِيهِ شُبْهَة، وَلذَا لم يقطعا فِيهِ فَإِن ذَلِك كُله مَأْخُوذ بالقهر، وَلَكِن لَا عداء فِيهِ. وَقَوله: بِلَا حرابة مخرج لما أَخذه الْمُحَارب فَإِن الْأَوْصَاف السَّابِقَة تصدق عَلَيْهِ والحرابة غير الْغَصْب لاخْتِلَاف أحكامهما. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَيْسَ كل غَاصِب مُحَاربًا لِأَن السُّلْطَان يغصب وَلَا يعد مُحَاربًا اه. وَاعْترض قَوْله: بِلَا حرابة بِأَنَّهُ يُوجب فِي الْحَد التَّرْكِيب الَّذِي هُوَ توقف الْمَحْدُود على معرفَة حَقِيقَة أُخْرَى لَيست أَعم مِنْهُ وَلَا أخص من أعمه، وَبِأَنَّهُ غير مَانع لدُخُول الْمَنَافِع فِيهِ كأخذه سُكْنى دَار وحرث عقار وَنَحْوهمَا. وَلَيْسَ غصبا بل تَعَديا فَلَو زَاد بعد قَوْله: مَال غير مَنْفَعَة، وأبدل قَوْله بِلَا حرابة بقوله بِلَا خوف فَقَالَ كَمَا فعل ابْن عَرَفَة لسلم من الِاعْتِرَاض، وَالْمرَاد بِالْأَخْذِ الِاسْتِيلَاء على المَال وَإِن لم يحزه لنَفسِهِ بِالْفِعْلِ، فَإِذا استولى الظَّالِم على مَال شخص وَحَال بَينه وَبَين مَاله وَقد أبقاه بموضعه الَّذِي وَضعه ربه كَانَ غَاصبا ضَامِنا لَهُ إِن تلف. وَأما التَّعَدِّي: فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة التَّصَرُّف فِي الشَّيْء بِغَيْر إِذن ربه دون قصد تملكه فَقَوله: التَّصَرُّف كالجنس يَشْمَل التَّصَرُّف بِالِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّف بالاستهلاك والإتلاف كلا أَو بَعْضًا، فَالْأول كَقَتل الدَّابَّة وَحرق الثَّوْب، وَالثَّانِي كخرق بخاء مُعْجمَة لثوب وَكسر بعصى صَحْفَة أَو عصى، وَقَوله بِغَيْر إِذن ربه مخرج للإجارة وَالْعَارِية وَنَحْوهمَا. وَقَوله: دون قصد تملكه مخرج للغصب لِأَن الْغَاصِب يقْصد تملك الْمَغْصُوب، وَقد فهم مِنْهُ أَن الْفرق بَين الْغَصْب والتعدي هُوَ قصد التَّمَلُّك وَعَدَمه، وَأَنه إِذا أقرّ بِقصد التَّمَلُّك أَو دلّت عَلَيْهِ قرينَة وَاضِحَة فَهُوَ غَاصِب تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامه، وَإِن أقرّ بِقصد الْمَنْفَعَة أَو قَامَت قرينَة عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ فتجري عَلَيْهِ أَيْضا أَحْكَامه، فَإِن لم يكن إِقْرَار وَلَا قرينَة فَالْقَوْل قَوْله فِيمَا يَدعِيهِ من غصب الْمَنْفَعَة أَو الذَّات إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله. وَالْقَاعِدَة أَن كل مَا لَا يعلم من الْأُمُور القلبية إِلَّا بقول مدعيه يصدق فِيهِ وَيتَصَوَّر التَّعَدِّي أَيْضا بِأَن يكون بعد تقدم إِذن من مَالِكه كتعديه فِي الْعَارِية أَو فِي الْكِرَاء أَو زِيَادَة الْمسَافَة أَو الْحمل فَمن أَحْكَام الْغَصْب قَوْله:(2/571)
وَغَاصِبٌ يَغْرَمُ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَرُدُّ أصْلَهُ (وغاصب) سوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس (يغرم مَا استغله من كل شَيْء) غصبه كَانَ الْمَغْصُوب حَيَوَانا أَو عقارا وَسَوَاء استغل بِنَفسِهِ فَركب الدَّابَّة أَو سكن الدَّار مثلا أَو أكراها لغيره (خَ) : وَضمن غلَّة مُسْتَعْمل الخ. أَي فَيرد قيمَة الْمَنْفَعَة وَالصُّوف وَالثَّمَرَة وَاللَّبن (وَيرد) أَيْضا (أَصله) وَهُوَ الْمَغْصُوب أَي فَيرد مَا ذكر مَعَ الْغلَّة من رد عين الشَّيْء الْمَغْصُوب. حَيْثُ يُرَى بِحَالِهِ فإنْ تَلِفْ قُوِّمَ والمِثْلُ بِذِي مِثْلِ أُلِفْ (حَيْثُ يرى) كل مِنْهُمَا بَاقِيا (بِحَالهِ) لم يتَغَيَّر وَلم يتْلف (فَإِن) تلف الصُّوف أَو الثَّمَرَة وَلم تقم على التّلف بَيِّنَة فَيغرم مكيلة الثَّمَرَة وَوزن الصُّوف إِن علما أَو قيمتهمَا إِن جهلا مَعَ رد عين الْمَغْصُوب لرَبه، وَإِن قَامَت بَيِّنَة على تلفهما بِغَيْر سَببه فَيرد الْمَغْصُوب فَقَط وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فيهمَا اتِّفَاقًا قَالَه ابْن رشد. وَأما إِن (تلف) الشَّيْء الْمَغْصُوب بسماوي أَو بِسَبَب عداء الْغَاصِب عَلَيْهِ (قوّم) على الْغَاصِب وَغرم قِيمَته يَوْم غصبه لَا يَوْم عدائه عَلَيْهِ وَلَا يَوْم التّلف بسماوي، وَأما إِن تلف بعداء أَجْنَبِي عَلَيْهِ عِنْد الْغَاصِب فَإِن ربه مُخَيّر بَين أَن يتبع الْغَاصِب بِقِيمَتِه يَوْم غصبه فَيتبع الْغَاصِب حِينَئِذٍ الْأَجْنَبِيّ بِقِيمَتِه يَوْم الْجِنَايَة وَلَو زَادَت على قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَتَكون لَهُ الزِّيَادَة، وَبَين أَن يتبع الْجَانِي بِقِيمَتِه يَوْم الْجِنَايَة وَلَو زَادَت على قِيمَته يَوْم الْغَصْب، فَإِن كَانَت أقل من قِيمَته يَوْم الْغَصْب أَخذهَا وَرجع على الْغَاصِب بِمَا بَقِي لَهُ لتَمام قِيمَته يَوْم الْغَصْب (خَ) : فَيغرم قِيمَته يَوْم غصبه، وَلَو قَتله الْغَاصِب تَعَديا وَخير فِي قتل الْأَجْنَبِيّ فَإِن تبعه تبع هُوَ الْجَانِي فَإِن أَخذ ربه أقل فَلهُ الزَّائِد من الْغَاصِب فَقَط الخ (والمثل) أَي: وَأما إِن كَانَ الْمَغْصُوب التَّالِف مثلِيا فَإِنَّهُ يضمن (بِذِي الْمثل ألف) سَوَاء تلف بسماوي أَو بِسَبَب الْغَاصِب فَيرجع الْمَغْصُوب مِنْهُ عَلَيْهِ بِمثلِهِ، أَو تلف بِسَبَب أَجْنَبِي فَيُخَير ربه بَين أَن يرجع عَلَيْهِ أَو على الْغَاصِب بِمثلِهِ. وَقَوله: استغله يَعْنِي مَعَ بَقَاء عينه أما الدَّنَانِير يتجر بهَا وَالزَّرْع يحرثه فَالرِّبْح لَهُ اتِّفَاقًا فِي طَريقَة. ابْن رشد: وَمَفْهُوم قَوْله استغله وَقَول (خَ) مُسْتَعْمل أَنه إِذا عطل كَمَا إِذا لَو ربط الدَّابَّة فَلم يستعملها وَلَا أكراها، أَو بور الأَرْض فَلم يحرثها، أَو أغلق الدَّار فَلم يسكنهَا بِنَفسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يغرم(2/572)
شَيْئا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور أَيْضا بِخِلَاف غَاصِب الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ يضمن الْغلَّة مُطلقًا سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل كَمَا يَأْتِي مَعَ بَقِيَّة الفروق بَينهمَا عِنْد قَوْله: كالمتعدي غَاصِب الْمَنَافِع الخ. وَظَاهر قَوْله: يغرم مَا استغله الخ. أَنه يضمن الْغلَّة، وَلَو فَاتَ الْمَغْصُوب بذهاب عينه ولزمت قِيمَته فَيرد الْغلَّة وَيغرم الْقيمَة، وَهُوَ قَول مَالك وَلكنه خلاف الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه مُخَيّر فِي أَخذ قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ من الْغلَّة وَالْولد أَو أَخذ الثَّمَرَة وَالْولد وَالْغلَّة وَلَا شَيْء لَهُ من الْقيمَة وَنَصهَا وَمَا أثمر عِنْد الْغَاصِب من نخل أَو شجر أَو نسل من الْحَيَوَان أَو جز من الصُّوف أَو حلب من اللَّبن فَإِنَّهُ يرد ذَلِك كُله مَعَ الْمَغْصُوب لرَبه، وَمَا أكل رد الْمثل فِيمَا لَهُ مثل وَالْقيمَة فِيمَا لَهُ قيمَة وَإِن مَاتَت الْأُمَّهَات وَبَقِي الْأَوْلَاد وَمَا جزّ مِنْهَا أَو حلب خير رَبهَا فَأَما أَخذ قيمَة الْأُمَّهَات يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ فِيمَا بَقِي من ولد أَو صوف أَو لبن وَلَا فِي ثمنه إِن بيع وَإِن شَاءَ أَخذ الْولدَان كَانَ ولد وَثمن مَا بيع من صوف أَو لبن وَنَحْوه، وَمَا أكل الْغَاصِب أَو انْتفع بِهِ من ذَلِك فَعَلَيهِ الْمثل فِي المثلى وَالْقيمَة فِي الْمُقَوّم وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من قبل الْأُمَّهَات. أَلا ترى أَن من غصب أمة ثمَّ بَاعهَا فَولدت عِنْد الْمُبْتَاع ثمَّ مَاتَت فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إِلَّا أَخذ الثّمن من الْغَاصِب أَو قيمتهَا يَوْم الْغَصْب، أَو يَأْخُذ الْوَلَد من الْمُبْتَاع وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا على الْغَاصِب فِي قيمَة الْأُم، ثمَّ يرجع الْمُبْتَاع على الْغَاصِب بِالثّمن وَلَا يجْتَمع على الْغَاصِب غرم ثمنهَا وَقيمتهَا اه. فَقَوله: فَأَما أَخذ قيمَة الْأُمَّهَات الخ. قَالَ ابْن رشد: لِأَنَّهُ إِذا ضمنه قيمَة الْأُم يَوْم الْغَصْب كَانَت الْغلَّة إِنَّمَا حدثت فِيمَا قد ضمن بِالْقيمَةِ. ابْن نَاجِي: مَا ذكره فِي الْكتاب هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب: يَأْخُذ قيمتهَا مَعَ عين الْوَلَد اه. وَقَول أَشهب هَذَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَلَكِن الْمَشْهُور خِلَافه كَمَا رَأَيْت وعَلى الْمَشْهُور، فَإِن مَاتَت الْأُم وَالْولد مَعًا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إِلَّا قيمَة الْأَلَم خلافًا لأَشْهَب وَإِن وجدهما حيين أخذهما مَعًا اتِّفَاقًا وَإِن مَاتَت الْأُم وَحدهَا فَلهُ أَن يَأْخُذ الْوَلَد وَلَا شَيْء لَهُ من قيمَة الْأُم أَو يَأْخُذ قيمَة الْأُم وَلَا شَيْء لَهُ فِي الْوَلَد وَيحد الْغَاصِب الواطىء، وَكَذَا المُشْتَرِي مِنْهُ والموهوب لَهُ العالمان بِالْغَصْبِ. وَقَوْلِي: لم يتَغَيَّر احْتِرَازًا مِمَّا تعيب وَلم تفت عينه فَأَما أَن يتعيب بسماوي وَلَو قلّ عَيبه فَيُخَير ربه بَين أَخذه قِيمَته معيبا وَلَا شَيْء لَهُ فِي النَّقْص، أَو يَأْخُذ قِيمَته يَوْم الْغَصْب وَلَا شَيْء لَهُ غَيرهَا، وَأما أَن يتعيب بِجِنَايَة من الْغَاصِب فَيُخَير بَين أَخذه قِيمَته يَوْم الْغَصْب أَو أَخذ الْمَغْصُوب مَعَ أرش الْعَيْب وَأما أَن يتعيب بِجِنَايَة من أَجْنَبِي فَيُخَير فِي أَخذ قِيمَته من الْغَاصِب يَوْم الْغَصْب وَيتبع الْغَاصِب الْجَانِي بِأَرْش الْجِنَايَة، وَفِي أَخذ الشَّيْء الْمَغْصُوب مَعَ أَخذ الْأَرْش من الْجَانِي لَا من الْغَاصِب (خَ) : وان تعيب وَإِن قل ككسر نهديها أَو جنى هُوَ أَو أَجْنَبِي خير فِيهِ الخ. وَكَيْفِيَّة التَّخْيِير هُوَ مَا تقدم. تَنْبِيه: وعَلى مَا مر أَن الْغَاصِب يغرم الْغلَّة فَإِنَّهُ يرجع على الْمَغْصُوب مِنْهُ بِمَا أنْفق على العَبْد وَالدَّابَّة وَسقي شجر ورعي مَاشِيَة وَنَحْو ذَلِك. وَيسْقط من الْغلَّة على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : وللغاصب مَا أنْفق الخ. وَهُوَ مَحْصُور فِي الْغلَّة لَا يتعداها إِلَى ذمَّة الْمَغْصُوب مِنْهُ حَيْثُ لم تف بِهِ الْغلَّة. وَالقَوْلُ لِلْغَاصِبِ فِي دَعْوَى التَّلَفْ وَقَدْرِ مَغْصُوبٍ وَمَا بِهِ اتَّصَفْ (و) إِذا تنَازع الْغَاصِب وَالْمَغْصُوب مِنْهُ فِي تلف الْمَغْصُوب وَعَدَمه أَو فِي قدره أَو صفته(2/573)
ف (القَوْل للْغَاصِب) بِيَمِينِهِ (فِي دَعْوَى التّلف) للشَّيْء الْمَغْصُوب إِذا ادّعى ربه أَنه بَاقٍ عِنْده وَأَنه يُرِيد أَن يفوتهُ عَلَيْهِ بغرم قِيمَته. (و) فِي (قدر مَغْصُوب) من كيل أَو وزن أَو عدد لِأَنَّهُ غَارِم (و) فِي (مَا بِهِ اتّصف) من رداءة بِحَيْثُ تكون قِيمَته على وَصفه دِرْهَمَيْنِ وعَلى وصف ربه عشرَة فَيحلف الْغَاصِب أَنه يَوْم استيلائه عَلَيْهِ كَانَ على الصّفة الَّتِي ذكرهَا وَيغرم دِرْهَمَيْنِ، وَهَذَا إِذا أشبه فَإِن وَصفه بِمَا لَا يشبه فَالْقَوْل للْمَغْصُوب مِنْهُ بِيَمِينِهِ إِن أشبه فَإِن لم يشبها فَقَالَ ابْن نَاجِي: يقْضِي فِي ذَلِك بالوسط من الْقيم بعد أيمانهما بِنَفْي كل مِنْهُمَا دَعْوَى صَاحبه وَتَحْقِيق دَعْوَاهُ اه. وَالسَّارِق مثل الْغَاصِب فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور وَالتَّقْيِيد بالشبه هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ أَشهب: يصدق الْغَاصِب مُطلقًا وَلَو أَتَى بِمَا لَا يشبه كَقَوْلِه: هِيَ بكماء صماء عمياء. قَالَ: وَمن قَالَ برعي الشّبَه فَقَط غلط، وَإِنَّمَا ذَلِك فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قلَّة الثّمن وكثرته والسلعة قَائِمَة اه. (خَ) : وَالْقَوْل لَهُ أَي للْغَاصِب فِي تلفه ونعته وَقدره الخ. وَظَاهر قَوْله: وَمَا بِهِ اتّصف الخ. أَنه يصدق فِي وَصفه وَلَو جحد الْغَصْب أَو لَا. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِذا أنكر الْغَاصِب الْغَصْب وَشهِدت الْبَيِّنَة باعترافه أَو بمعاينة غصبه فَالْقَوْل للْمَغْصُوب مِنْهُ بِيَمِينِهِ أَن صفته كَانَت كَذَا، وَيسْتَحق قيمَة وَصفه. وَقيل: لَيْسَ لَهُ بعد يَمِينه إِلَّا الْوسط وَالْأول أصوب اه. وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَن الْغَاصِب لَا يقبل وَصفه بعد تبين كذبه بجحده. تَنْبِيهَات. الأول: مَا ذكره النَّاظِم و (خَ) من أَن القَوْل للْغَاصِب فِي الْقدر وَالْوَصْف هُوَ الْمَشْهُور، وَلَكِن عمل فاس على خِلَافه قَالَ ناظمه: لولد الْقَتِيل مَعَ يَمِين القَوْل فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِين إِذا ادّعى دراهماً وأنكرا القاتلون مَا ادَّعَاهُ وطرا قَالَ النَّاظِم فِي شَرحه لنظمه هَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا جرى بِهِ الْعَمَل، وَهُوَ أَن وَالِد الْقَتِيل إِذا ادّعى دَرَاهِم من جملَة المنهوب وأنكرها القاتلون فَالْقَوْل قَول وَالِد الْقَتِيل، ثمَّ قَالَ نَاقِلا عَن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْقَاسِم بن النَّعيم مَا نَصه: الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل عندنَا فِي هَذِه النَّازِلَة وَمثلهَا أَن القَوْل قَول وَالِد الْقَتِيل مَعَ يَمِينه، والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْمَشْهُور خِلَافه، وَكم من مَسْأَلَة جرى الحكم فِيهَا بِخِلَاف الْمَشْهُور ورجحها الْعلمَاء للْمصَالح الْعَامَّة اه. وَقَالَ سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي مَا ذكره ابْن النَّعيم رَحمَه الله: شاهدنا الحكم بِهِ عَام قدوم الْخَلِيفَة أبي الْعَبَّاس الْمَنْصُور حَضْرَة فاس، وَقد انحشر النَّاس إِلَى الشكوى بالمظالم وَكَانَ يحضر مَجْلِسه أَي مجْلِس الْخَلِيفَة للْحكم فِيهَا عُلَمَاء فاس كشيخنا الْمَذْكُور، وَشَيخنَا الْمُفْتِي سَيِّدي مُحَمَّد الْقصار، وَشَيخنَا سَيِّدي عَليّ بن عمرَان، وعلماء مراكش، وقاضي مراكش، وقاضي شفشاون سَيِّدي مُحَمَّد بن عرضون رَحِمهم الله، فَكَانَ الحكم يصدر على الْوَجْه الْمَذْكُور قَالَ: وَالْعَام الْمَذْكُور عَام أحد عشر(2/574)
وَألف اه. كَلَام النَّاظِم بِلَفْظِهِ فِي شَرحه للبيتين. وَقَالَ الرعيني فِي كتاب الْغَصْب مَا نَصه قَالَ مَالك فِيمَن دخل عَلَيْهِ السراق فسرقوا مَتَاعه وانتهبوا مَاله وَأَرَادُوا قَتله فنازعهم وحاربهم ثمَّ ادّعى أَنه عرفهم أَو لم يعرفهُمْ أهوَ مُصدق عَلَيْهِم إِذا كَانُوا معروفين بِالسَّرقَةِ مستحلين لَهَا؟ قَالَ: هُوَ مُصدق وَقد نزلت مثل هَذِه بِالْمَدِينَةِ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي رجل دخل عَلَيْهِ السراق فانتهبوا مَاله وجرحوه، فَلَمَّا أصبح حمل إِلَى عمر فَقَالَ: إِنَّمَا فعل بِي هَذَا فلَان وَفُلَان وَقد انتهبوا مَالِي فأغرمهم عمر بقوله، ونكلهم وَلم يكلفه الْبَيِّنَة عَلَيْهِم اه. بِاللَّفْظِ. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ، وَغَيره وَنَحْوه ورد عَن يحيى بن يحيى، وبمثله أفتى الحفار حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الْبيُوع من المعيار قَائِلا قَالَ الْفُقَهَاء: من عرف بِالتَّعَدِّي وَالظُّلم يغلب الحكم فِي حَقه فَمن ادّعى على من بِهَذِهِ الْحَالة فَيحلف الطَّالِب وَيسْتَحق مَا طلب اه. وَنَحْوه رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك فِي الْمَرْأَة تَدعِي على المشتهر بِالْفِسْقِ أَنه اغتصبها وَتَأْتِي مُتَعَلقَة بِهِ، فَإِنَّهُ يجب لَهَا عَلَيْهِ صدَاق مثلهَا، وَبِه صدر فِي الْمُقدمَات والتصدير من عَلَامَات التشهير، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول الإِمَام الْأَعْظَم، وَمَعْلُوم تَقْدِيمه على قَول ابْن الْقَاسِم وَسَيَأْتِي ذَلِك عِنْد قَوْله: وَفِي وجوب الْمهْر خلف مُعْتَبر وَلَا فرق بَين الْفروج وَالْأَمْوَال، وَلِأَن الْفرج هُنَا آيل لِلْمَالِ وَعَلِيهِ فناظم الْعَمَل إِنَّمَا عَنى بنظمه هَذَا الْفِقْه، وَأَن الْمَعْرُوف بالظلم والتعدي يقْضى عَلَيْهِ بِمُجَرَّد دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنه غصبه أَو سَرقه، وَأَنه غصبه قدر كَذَا. وَقد اعْتمد المكناسي فِي مجالسه هَذَا الْفِقْه، وَكَذَا الْقَرَافِيّ كَمَا مر فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: فالمدعي من قَوْله مُجَرّد الخ. فَقَوله: لوالد الْقَتِيل يَعْنِي ادّعى عَلَيْهِم أَنهم قَتَلُوهُ ونهبوه أمتعته، وَمن جملَة المنهوب دَرَاهِم قدرهَا كَذَا، وَلَا يُرِيد خُصُوص أَنهم أقرُّوا بِالْقَتْلِ أَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ كَمَا هِيَ مَسْأَلَة الصرة الْآتِيَة عَن الْعُتْبِيَّة، وَفهم من قَوْله: إِذا ادّعى دَرَاهِم الخ. أَنه إِذا ادّعى ذَلِك تَحْقِيقا وَأَنه يعْمل بِدَعْوَاهُ فِي المَال فَقَط لَا فِي الْقَتْل، فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يقتل بِمُجَرَّد الدَّعْوَى لخطر الدِّمَاء وَالدَّعْوَى بِمَا يؤول لِلْمَالِ كَالْمَالِ لَا يَأْتِي فِي فصل الاغتصاب وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَإِن كَانَ لَا يقتل لَكِن يضْرب ويطال سجنه حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ السنون الْكَثِيرَة كَمَا يَأْتِي فِي الدِّمَاء، وَفهم من قَوْله فِي هَذِه النَّازِلَة وَمثلهَا، وَمن وَقَوله: والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ، وَمن قَوْله: رجحها الْعلمَاء للْمصَالح، وَمن قَوْله: وَقد انحشر النَّاس للشكوى بالمظالم إِلَى غير ذَلِك أَنه لَا مَفْهُوم لقتيل وَلَا لدراهم، بل كَذَلِك لَو كَانَت الدَّعْوَى بِالدَّرَاهِمِ وَالْقَتْل أَو بِالدَّرَاهِمِ فَقَط أَو بِالْحَيَوَانِ أَو الْعرُوض أَو غير ذَلِك، وَإِنَّمَا الْمدَار على كَون الدَّعْوَى على مَعْرُوف بِالتَّعَدِّي وَالظُّلم كقبائل الزَّمَان، فَإِن جلهم وغالبهم مَعْرُوف بالتهمة وَالْفساد وَالْحمل على الْغَالِب وَاجِب. وَقد قَالَ الشَّيْخ (م) فِي بعض فَتَاوِيهِ: قد آل بِنَا الْحَال إِلَى أَن يتبع الْمُسَافِرين بعض مَرَدَة أهل الْبَلَد وَنَحْوهَا مِمَّا قرب من الْبَلَد فيسفكون دِمَاءَهُمْ وينهبون أَمْوَالهم ويرجعون إِلَى الْبَلَد بالأمتعة فَلَا ينْتَقم مِنْهُم، وَلَا يستفتي عَن حكمهم، بل وَإِلَى مَا هُوَ أعظم من هَذَا من الْقَتْل صبرا وَنهب الْأَمْوَال من الدّور والحوانيت ثمَّ يكْتَسب فَاعل ذَلِك التَّعْظِيم والاحترام فضلا عَن عدم النكير عَلَيْهِ وَالضَّرْب على يَده مَعَ كَلَامه، وَإِذا كَانَ مثل هَذَا يَقع فِي حَضْرَة فاس كَمَا حَكَاهُ وكما هُوَ مشَاهد الْآن فِي وقتنا هَذَا، فَكيف بالبوادي وقبائل الزَّمَان؟ حَتَّى صَار قَاتل النَّفس لَا يضْرب فضلا عَن الْقصاص، وَالسَّارِق لَا يسجن فضلا عَن قطعه، بل كل مِنْهُمَا يعظم ويحترم وَلَا يشْهد أحد عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جرى الْعَمَل بإغرامهم بِمُجَرَّد الدَّعْوَى زجرا لَهُم ولأمثالهم، وَعَلِيهِ فَلَا يحْتَاج(2/575)
لإِثْبَات التلصص بِإِقْرَار وَلَا مُعَاينَة، بل بِمُجَرَّد كَونهم مِمَّن يشار إِلَيْهِم بِالتَّعَدِّي، وَالظُّلم يُوجب إغرامهم للْمصْلحَة الْمَذْكُورَة كَمَا مر عَن الرعيني وَغَيره. وَكَلَام ابْن رحال فِي شَرحه صَرِيح فِي أَن الْعَمَل بِهِ وَعَلِيهِ، فَمَا قَالَه سَيِّدي مُحَمَّد بن قَاسم فِي شرح الْعَمَل الْمَذْكُور من أَنه لَا بُد من ثُبُوت التلصص بِالْإِقْرَارِ أَو المعاينة كَمَا فِي مَسْأَلَة الصرة الْآتِيَة لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِنْهُ لمُخَالفَته لما نقل عَن الرعيني وَغَيره شَاهدا لنظم الْعَمَل الْمَذْكُور. وَمَا نَقله عَن أبي الْحسن الزرويلي وَابْن هِلَال من أَن مَا للرعيني خلاف الْأُصُول الخ. لَا يقْدَح فِي الْعَمَل الْمَذْكُور لِأَن مَا قَالَه من مُخَالفَته لِلْأُصُولِ إِنَّمَا هُوَ إِذا روعي الْمَشْهُور، وهم قد قَالُوا: إِن هَذَا الْعَمَل مُخَالف للمشهور فهم معترفون بمخالفته لِلْأُصُولِ، وَإِنَّمَا ارتكبوه للْمصْلحَة من عدم ضيَاع الْحُقُوق، وَذَلِكَ أَن الأَصْل عدم التَّعَدِّي وَالظُّلم، لَكِن لما كثر كل مِنْهُمَا فِي هَذَا الزَّمَان وَغلب أجروا الْأَحْكَام على مُقْتَضَاهُ، وحملوا النَّاس عَلَيْهِ لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب إِذا تَعَارضا فَالْحكم للْغَالِب لقَوْله تَعَالَى: وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) أَي احكم بِهِ. وَلذَا قَالَ أَبُو الْحسن فِي أجوبته فِي مَسْأَلَة من رفع شخصا لحَاكم جَائِر فأغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ بعد أَن حكى فِيهَا قَوْلَيْنِ مَا نَصه: وَهَذَا وَقد كَانَ الْحَاكِم يحكم بِحَق تَارَة وبباطل أُخْرَى، وَأما الْآن فالحاكم لَا يحكم إِلَّا بِالْبَاطِلِ، فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي أَنه يغرم مَا خسره اه. وَسلمهُ ابْن هِلَال فِي الدّرّ النثير فَأَنت ترَاهُ حمل الْحُكَّام على الظُّلم والتعدي حَيْثُ غلب مِنْهُم ذَلِك، وَأوجب على الشاكي الغرامة بِمُجَرَّد قَول الْمُدَّعِي إِن الْحَاكِم قبض مني وَقدر الْمَقْبُوض كَذَا، وَإِن كَانَ الأَصْل عدم العداء وَنَحْوه يَأْتِي عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِي التَّنْبِيه الرَّابِع حَيْثُ قَالَ: إِذا تقرر الْعرف فِي وُلَاة الظُّلم وأجنادهم بغرم المَال مِمَّن أَخَذُوهُ ظلما كَانَ القَوْل للمأخوذ مِنْهُ فِيمَا غرم من المَال لِأَن الْعرف شَاهد لمدعيه وَيقوم مقَام الشَّاهِد النَّاطِق الخ. وَيَأْتِي نَحوه فِي التَّنْبِيه الْخَامِس الخ. وقبائل الزَّمَان ومردة حواضرهم كَذَلِك لما كثر مِنْهُم العداء وَغلب كَانَ القَوْل للمنهوب وَالْمَغْصُوب أَنه غصبه، وَإِن قدر الْمَغْصُوب كَذَا كَمَا رَأَيْته فِيمَا يشبه أَن يملكهُ فَقَط كَمَا قَالُوهُ فِي منتهب الصرة الْآتِيَة. وَإِذا علمت هَذَا فَمَا جرى بِهِ الْعَمَل لَهُ مُسْتَند صَحِيح لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَله أصل أصيل فِي الشَّرِيعَة، وَهَذَا الْعَمَل حدث بعد زمَان أبي الْحسن وَابْن هِلَال كَمَا تقدم. وَلَو كَانَت الْقَبَائِل وَالنَّاس فِي زمانهما على مَا هم عَلَيْهِ فِي وَقت جَرَيَان الْعَمَل الْمَذْكُور مَا وسعهما أَن يَقُولَا بمخالفته لِلْأُصُولِ لاعترافهما بِأَن الحكم للْغَالِب كَمَا رَأَيْته، وَإِنَّمَا أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل استبعاد كثير من الإخوان مَا جرى بِهِ الْعَمَل لضعف مُسْتَنده عِنْدهم، وَحَمَلُوهُ على خُصُوص مَسْأَلَة الصرة الْمَذْكُورَة فِي الْعُتْبِيَّة وَهِي أَن رجلا اخْتَطَف صرة بمعاينة الْبَيِّنَة وَغَابَ عَلَيْهَا وَلم يعرف قدر مَا فِيهَا، فَالْمَشْهُور أَن القَوْل للْغَاصِب فِي قدرهَا وَقَالَ مَالك ومطرف: إِن القَوْل للمنهوب فِي قدرهَا، وَلَكِن لَيست مَخْصُوصَة بِالْعَمَلِ الْمُتَقَدّم خلافًا للرهوني فِي حَاشِيَته، وَتَخْصِيص الْعَمَل بهَا بعيد من الأنقال الْمُتَقَدّمَة بِدَلِيل تَعْلِيلهم بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّة، وَلَكِن يجْرِي الْعَمَل الْمَذْكُور فِيهَا بالأحرى. الثَّانِي: إِذا ثَبت التلصص أَو علم من عَادَة الْقَبَائِل كَمَا هُوَ مَوْجُود فِي قبائل الزَّمَان الْآن، فَإِن اللص وَالسَّارِق إِذا ظفر الْحَاكِم بهما أغرمهما كَمَا مرّ، وَإِذا لم يظفر بهما وَإِنَّمَا ظفر بِبَعْض قرابتهما أَو بعض من يحميهما من قبيلتهما وَلَو بجاهه فَإِنَّهُ يغرمه مَا أَخذه اللص أَو السَّارِق أَو(2/576)
اتهما بِهِ (خَ) فِي الْحِرَابَة وبالقتل يجب قَتله وَلَو بإعانة. قَالَ الزّرْقَانِيّ: أَي على الْقَتْل وَلَو بالتقوى بجاهه وَإِن لم يَأْمر بقتل وَلَا تسبب فِيهِ لِأَن جاهه أَعَانَهُ عَلَيْهِ حكما كَكَوْنِهِ من فِئَة ينحاز إِلَيْهِم قطاع الطَّرِيق فَيقْتل الْجَمِيع لأَنهم متمالئون اه. بِاخْتِصَار، وَنَحْوه فِي ابْن الْحَاج والشامل، وَإِذا كَانَ الْمعِين بجاهه والانحياز إِلَيْهِ مؤاخذاً بِالْقَتْلِ فَهُوَ مؤاخذ بِمَا نهبوه من الْأَمْوَال بالأحرى، وقبائل الزَّمَان مَعْلُوم مَا هم عَلَيْهِ من حمايتهم لمتلصصيهم وغاصبهم بِالْفِعْلِ فضلا عَن حمايتهم لَهُم بالجاه والانحياز، فَلَا إِشْكَال أَن غير الْمُبَاشر مِنْهُم مؤاخذ بِمَا فعله الْمُبَاشر وَلَو لم يظْهر مِنْهُ تسبب لِأَنَّهُ لَا أقل من أَن يكون حامياً للمباشر بجاهه أَو إيوائه إِلَيْهِ بل لَو لم يكن هُنَاكَ حماية أصلا لَا بالجاه وَلَا بالإيواء والانحياز وَلَا بِغَيْر ذَلِك لَكَانَ إغرامهم لما اتهمَ بِهِ سراقهم وغصابهم أمرا شَرْعِيًّا كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَلَا يُؤَاخذ بذنب الْغَيْر فِي كل شرع من قديم الدَّهْر إِلَّا إِذا سدت بِهِ الذريعة أَو خيف شرع شرعة أَو شيعَة وَالشَّاهِد فِي قَوْله: إِلَّا إِذا سدت بِهِ الذريعة، الخ. لأَنهم إِذا غرموا حملهمْ ذَلِك على حفظ طرقاتهم وَحفظ المارين بأرضهم وَعدم كتمان غصابهم وسراقهم، فضلا عَن التعصب عَلَيْهِم. وَقد بسطنا الْكَلَام على ذَلِك بِمَا يشفي الغليل إِن شَاءَ الله فِي الْفَصْل الثَّالِث وَالسَّادِس من أجوبتنا لأسئلة الإِمَام محيي الدّين. الثَّالِث: الحكم فِي الدَّعْوَى على المتهوم من وَظِيفَة الْوُلَاة كَمَا مر عَن الْخَلِيفَة أبي الْعَبَّاس الْمَنْصُور إِذْ هُوَ الَّذِي تولى الحكم فِي ذَلِك بِمحضر أُولَئِكَ الْعلمَاء، وَقد قَالَ الْقَرَافِيّ: يمتاز نظر القَاضِي وَنظر وَالِي الجرائم بِأُمُور. مِنْهَا: أَن وَالِي الجرائم يسمع الدَّعْوَى على المتهوم ويبالغ فِي كشفه بِخِلَاف القَاضِي، وَمِنْهَا أَن يعجل بِحَبْس المتهوم للاستبراء والكشف قَالَ: وَقد ورد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد فِي بعض غَزَوَاته رجلا فاتهمه بِأَنَّهُ جاسوس فعاقبه حَتَّى أقرّ، وَمِنْهَا أَنه يضْرب المتهوم مَعَ قُوَّة التُّهْمَة، وَمِنْهَا أَنه يتوعد المجرم بِالْقَتْلِ فِيمَا لَا يجب فِيهِ قتل لِأَنَّهُ إرهاب لَا تَحْقِيق، وَيجوز لَهُ أَن يُحَقّق وعيده بالأدب دون الْقَتْل بِخِلَاف الْقُضَاة فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك اه. بِاخْتِصَار. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته وَزَاد أَن لقضاة الْمَالِكِيَّة فعل ذَلِك وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَإِن يكن مطالباً من يتهم فَمَا لَك بِالضَّرْبِ والسجن حكم وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة أَيْضا: كَانَ مَالك يَقُول فِي هَؤُلَاءِ الَّذين عرفُوا بِالْفَسَادِ والجرم أَن الضَّرْب قل مَا ينكلهم، وَلَكِن أرى أَن يحبسهم السُّلْطَان فِي السجون ويثقلهم بالحديد وَلَا يخرجهم مِنْهُ أبدا فَذَلِك خير لَهُم ولأهليهم وللمسلمين حَتَّى تظهر تَوْبَة أحدهم، وَيثبت ذَلِك عِنْد السُّلْطَان فَإِذا صلح وَظَهَرت تَوْبَته أطلقهُ اه. من النَّوَادِر. فَهَذِهِ النُّصُوص متواترة بكشف المتهوم وَاحِدًا كَانَ أَو جمَاعَة من الْقَبَائِل أَو غَيرهم، وَمَعَ ذَلِك يضمنُون لما مر من الْمصلحَة الْعَامَّة أَو سداً للذريعة كَمَا مرّ، وَعَلِيهِ فإرسال المتهوم للْقَاضِي يحكم بَينهم من زِيَادَة الْفساد قطعا وإهمال سد الذرائع لَيْسَ بِالْأَمر الهين إِذْ فِيهِ إِعَانَة الظَّالِم على ظلمه لِأَن غَايَة مَا يَفْعَله القَاضِي أَن يُكَلف المنهوب بِالْبَيِّنَةِ، وَأَيْنَ هَذِه الْبَيِّنَة؟ إِذْ لَو حَضرته الْبَيِّنَة مَا غصب وَمَا سرق، وعَلى فرض وجودهَا فَلَا تكون إِلَّا من أهل الْبَلَد وهم على مَا هم عَلَيْهِ من الحمية والعصبية وَقُوَّة التُّهْمَة بِالتَّعَدِّي(2/577)
وَالْفساد، فَكيف يشْهدُونَ مَعَ كَونه نهب بأرضهم بل من شهد مِنْهُم عاقبوه وخشي على نَفسه لأَنهم مكتسبون بغصبهم التَّعْظِيم والاحترام كَمَا مرّ. وَمن أجل إهمال هَذَا الْبَاب غلب الظُّلم وَكثر الْفساد وسفكت دِمَاء وغصبت أَمْوَال يعلمهَا الْكَبِير المتعال، حَتَّى إِن الْمُسَافِر ينهب مَاله أَو يسفك دَمه فيرسله الْعَامِل للقضاة فيستبشر الْمُدعى عَلَيْهِ لعلمه أَن القَاضِي يردهُ للْيَمِين، وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يُرْسِلهُ للْقَاضِي بل يُبَالغ فِي كشفه بِالضَّرْبِ وَطول السجْن والإغرام على مَا مرّ، وقبائل الزَّمَان كلهم متهمون إِذْ غَالب أَحْوَالهم النهب وَالْغَصْب وَسَفك الدِّمَاء وَغَيرهم من مَرَدَة الحواضر تظهر تهمته بالقرائن وَدَلَائِل أَحْوَاله، وَلذَا جرى الْعَمَل بالإغرام لِأَن الْحمل على الْغَالِب وَاجِب، وَالْمرَاد إغرام لأربابه الطالبين لَهُ، وَأما مَا يَفْعَله جهال الْعمَّال من أَخذهم أَمْوَالًا من السراق والغصاب وَلَا يدْفَعُونَ للطَّالِب شَيْئا مِمَّا يَدعِيهِ فَذَلِك خرق للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع قَالَ تَعَالَى: لَا تَأْكُلُونَ أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} إِلَى قَوْله: وَمن يفعل ذَلِك عُدْوانًا وظلماً فَسَوف نصليه نَارا} (النِّسَاء: 30) الخ. الرَّابِع: إِذا كَانَ الْإِنْسَان مَعْرُوفا مَشْهُورا بِعَدَمِ التَّعَدِّي وَعدم أكل أَمْوَال النَّاس فرفعه شخص لجائر يتَجَاوَز الْحَد فِيهِ ويغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ فَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الشاكي يغرم للمشكو بِهِ مَا غرم كَمَا فِي الْمواق عَن ابْن لب وَنَحْوه فِي المعيار عَن العبدوسي، وَعَلِيهِ فَإِذا ثَبت الرّفْع للظالم وَقدر مَا دَفعه بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الشاكي فَلَا كَلَام، وَإِن لم يثبت ذَلِك وَادّعى المشكو بِهِ أَنه دفع كَذَا وَخَالفهُ الشاكي فَالْقَوْل للمشكو بِهِ كَمَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح قَائِلا: إِذا تقرر الْعرف أَن المشكو بِهِ لَا يُطلق إِلَّا بِمَال كَانَ القَوْل قَول المشكو بِهِ فِي أَنه دفع مَالا للظالم وَفِي قدره بِيَمِينِهِ لِأَن الْعرف كشاهد لمدعيه وَيجب رُجُوعه على الظَّالِم إِن قدر عَلَيْهِ، وَإِن لم يقدر فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَالَّذِي بِهِ الْفَتْوَى وَعَلِيهِ الْعَمَل رُجُوعه على الشاكي، وبمثله أفتى الْفَقِيه الجنوي وَغَيره، وَهَذِه الْمَسْأَلَة حكى (خَ) فِيهَا أقوالاً حَيْثُ قَالَ: وَهل يضمن شاكيه لمغرم زَائِد الخ. وَهَذَا إِذا كَانَ الشاكي ظَالِما كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما إِن كَانَ مَظْلُوما لَا يصل إِلَى حَقه إِلَّا بالشكوى للظالم الجائر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، والحكام الْيَوْم محمولون على الْجور كَمَا مّر عَن أبي الْحسن. الْخَامِس: قيل لِابْنِ سَحْنُون فَبِمَ يعرف السَّارِق الْمَشْهُور وَغير الْمَشْهُور؟ فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ الْعلمَاء. فَقيل: إِذا كثر طلابه بِالسَّرقَةِ وقويت فِيهِ التُّهْمَة فَهُوَ مَشْهُور. قَالَ: فَكل من ادّعى بِالسَّرقَةِ على السَّارِق الْمَشْهُور بهَا يحلف على شَيْئَيْنِ أَنه ضَاعَ وَتلف لَهُ مَا ادَّعَاهُ على السَّارِق، وَيحلف أَيْضا لقد اتهمه وَيغرم السَّارِق بِغَيْر بَيِّنَة لِأَن إشهاره بِالسَّرقَةِ هُوَ شَاهد عرفي أقوى من الْبَيِّنَة الناطقة. قَالَ: ويقوّم عَلَيْهِ قيمَة مُغَلّظَة لِأَنَّهُ أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ اه. من الدّرّ الْمكنون. يَعْنِي: وَالْغَاصِب الْمَشْهُور بِالْغَصْبِ مثل السَّارِق الْمَذْكُور، وَسَيَأْتِي فِي فصل السّرقَة أَن سراق الزَّمَان كلهم لصوص تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْحِرَابَة، وَيثبت ذَلِك وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي وَذكر فِي الدُّرَر المكنونة فِي نَوَازِل مازونة عَن سَحْنُون أَنه قَالَ: تجوز على السَّارِق شَهَادَة الصّبيان والرعاة إِذا عرفوه، وَقَالُوا: فلَان رَأَيْنَاهُ سرق دَابَّة فلَان وَتجوز عَلَيْهِم شَهَادَة السيارة عُدُولًا كَانُوا أَو غير عدُول وَلَيْسَ قَول من قَالَ: لَا يجوز عَلَيْهِم إِلَّا الْعُدُول بِشَيْء عندنَا، وَقد سُئِلَ مَالك عَن مثل(2/578)
هَذَا الْأَمر فِي لصوص أهل الْحجاز وبرابر برقة فَقَالَ: تجوز عَلَيْهِم شَهَادَة من لَقِيَهُمْ من النَّاس، فَقيل لَهُ: إِنَّهُم غير عدُول. قَالَ: وَأَيْنَ يُوجد الْعُدُول على مَوَاضِع السَّارِق واللص، وَإِنَّمَا يتبع اللص وَالسَّارِق الخلوات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْعُدُول. وَقَالَهُ مُحَمَّد بن سَحْنُون اه. وَنَحْوه فِي تَنْبِيه الغافل قَائِلا: تقبل شَهَادَة غير الْعُدُول على السَّارِق سَوَاء كَانَ الشَّاهِد رجلا أَو امْرَأَة وَلَو لم يغرم السَّارِق واللص إِلَّا بِشَهَادَة الْعُدُول لم يغرم السَّارِق أبدا، ثمَّ قَالَ: لَو شهد عَلَيْهِ وَاحِد يحلف صَاحب الْمَتَاع مَعَه وَيسْتَحق قَالَ: إِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وكل مَوضِع لَا يُمكن فِيهِ حُضُور الْعُدُول فالشهادة على التوسم بِظَاهِر الْإِسْلَام جَائِزَة احْتِيَاطًا لأموال النَّاس، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب قسَامَة بِغَيْر عدل تجب الخ فَهُوَ شَاهد لذَلِك. وَهَذَا كُله شَاهد لما تقدم من الْعَمَل الْمَذْكُور إِذْ شَهَادَة غير الْعُدُول كَالْعدمِ فِي نظر الشَّرْع، وَلَكِن اعتبروها فِي هَذَا الْمحل احْتِيَاطًا للأموال، وَبِه تعلم أَن اعْتِرَاض الشَّيْخ مصطفى فِي أَوَائِل الشَّهَادَات من حَاشِيَته على مَا تقدم عَن المازونية، ونوازل ابْن سَحْنُون قَائِلا ذَلِك كُله خلاف الْمَشْهُور لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن اعتراضه مَبْنِيّ على الْمَشْهُور، وكلامنا الْآن فِي الْمَعْمُول بِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ بِنَفسِهِ نقل عَن الذَّخِيرَة وَغَيرهَا أَنا إِذا لم نجد فِي جِهَة إِلَّا غير الْعُدُول فَإنَّا نجوز شَهَادَة أقلهم فجوراً والأمثل فالأمثل لِئَلَّا تضيع الْمصَالح والحقوق. وَقَالَ: وَمَا أَظن أحدا يُخَالِفهُ فَإِن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان الخ. وَلَا شكّ أَن مَوَاطِن الخلوات الَّتِي يقصدها الغصاب والسراق لَا يُوجد فِيهَا فِي الْغَالِب إِلَّا من ذكر من الرُّعَاة وَنَحْوهم فهم أمثل من وجد فِي تِلْكَ المواطن فَتجوز شَهَادَتهم للضَّرُورَة لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق كَمَا جَازَت شَهَادَة الأمثل غير الْعُدُول لذَلِك وَعَلِيهِ فَمَا مر عَن المازونية وَغَيرهمَا جَار على الْمَشْهُور، وَإِنَّمَا يعْتَبر الأمثل إِذا وجد مَعَ غَيره وإلاَّ لم يعْتَبر إِذْ التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان، وَمن قَالَ ذَلِك إِنَّمَا قَالَه لعدم إِمْكَان الْعُدُول فِي تِلْكَ المواطن كَمَا رَأَيْته ومراعاة الِاحْتِيَاط لأموال النَّاس كَمَا تقدم عَن تَنْبِيه الغافل فَلَا يَصح الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم، والقائلون بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور إِنَّمَا بنوه على مُرَاعَاة تِلْكَ الْمصَالح والضرورات ومراعاة الْعرف فِي زمنهم كَمَا مّر، وَرَأَوا أَن الشُّهْرَة بِالْفَسَادِ تنزل منزلَة التَّحْقِيق وَأَن ارْتِكَاب الْمَشْهُور فِي الزَّمَان الَّذِي غلب على أَهله الْفساد يُفْضِي إِلَى سفك الدِّمَاء وغصب الْأَمْوَال كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَقَول الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي فِي بعض فَتَاوِيهِ: إِن نَوَازِل ابْن سَحْنُون مطعون فِيهَا إِن كَانَ يُرِيد فِي جَمِيعهَا فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ يُرِيد فِي بَعْضهَا فَصَحِيح، وكل كتاب لَا يَخْلُو من ارتكابه غير الْمَشْهُور فِي بعض مسَائِله. وَالْغُرْمُ والضَّمَانُ مَعْ عِلْمٍ يَجِبْ عَلَى الَّذِي انْجرَّ إلَيْهِ مَا غُصِبْ (وَالْغُرْم وَالضَّمان مَعَ علم يجب) أَي: وكما يجب الْغرم وَالضَّمان على الْغَاصِب كَذَلِك يجبان (على الَّذِي انجر إِلَيْهِ مَا غصب.(2/579)
بإرْثٍ أَوْ مِنْ وَاهِبٍ أَوْ بائِعِ كالمُتَعَدِّي غَاصِبِ المنافِعِ بِإِرْث أَو) أنجر إِلَيْهِ (من واهب) وهبه لَهُ (أَو) من (بَائِع) بَاعه لَهُ مَعَ علمه فِي ذَلِك كُله بِالْغَصْبِ (خَ) : ووارثه وموهوبه إِن علما كَهُوَ أَي كَالْغَاصِبِ فيضمنون التّلف وَلَو بسماوي، ويردون الْغلَّة حَيْثُ استعملوا وَلم يفت الْمَغْصُوب، فَإِن فَاتَ لم يجمع للْمَغْصُوب مِنْهُ بَين الْقيمَة وَالْغلَّة كَمَا مّر فِي الْغَاصِب، وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم قبضهم للْمَغْصُوب، لِأَنَّهُ يَوْم الِاسْتِيلَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَيُخَير الْمَالِك فِي اتِّبَاع أَيهمْ شَاءَ، وَإِذا رَجَعَ الْمَالِك على وَاحِد مِنْهُم فَلَا رُجُوع لَهُ على الْغَاصِب كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِلَّا فِي المُشْتَرِي إِذا وجد الْمَغْصُوب بِيَدِهِ وَأَخذه ربه فَإِنَّهُ يرجع بِثمنِهِ على الْغَاصِب وَلَا يكون بِعِلْمِهِ بِالْغَصْبِ واهباً للثّمن على الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَو قصد الْهِبَة لم يرتبها على هَذَا العقد قَالَه أَبُو الْحسن. وَمَفْهُوم قَوْله مَعَ علم أَنهم إِذا لم يعلمُوا فَلَا يضمنُون السماوي حَيْثُ كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ أَو يُغَاب عَلَيْهِ وَقَامَت على تلفه بَيِّنَة، وَمعنى عدم ضَمَانه أَنهم لَا يكونُونَ غريماً ثَانِيًا للْمَالِك، بل إِنَّمَا يرجع بِقِيمَتِه على الْغَاصِب وَيَأْخُذ الْغَاصِب الثّمن من المُشْتَرِي إِن كَانَ لم يقبضهُ وَلَا يضمن المُشْتَرِي الْغلَّة الَّتِي استغلها غير عَالم وَلَا يضمنهَا الْغَاصِب أَيْضا على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ لم يسْتَعْمل، واحترزت بالسماوي من الْعمد فَإِنَّهُم يضمنُون، وَكَذَا الْخَطَأ على الْمُعْتَمد فَيُخَير الْمَالِك حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَة الشِّرَاء بَين الرُّجُوع على الْغَاصِب فَيَأْخذهُ بِقِيمَتِه يَوْم الِاسْتِيلَاء وَبَين الرُّجُوع على المُشْتَرِي فَيَأْخذهُ بِقِيمَتِه يَوْم التّلف، فَإِن كَانَت أقل من الْقيمَة يَوْم الْغَصْب رَجَعَ على الْغَاصِب بِتَمَامِهَا، وَرجع المُشْتَرِي على الْغَاصِب بِالثّمن الَّذِي دفع لَهُ. وَفِي مَسْأَلَة الْهِبَة لَا يُخَيّر الْمَالِك بل يبتدىء بِالرُّجُوعِ على الْغَاصِب فَيَأْخذهُ بِقِيمَة الْمَوْهُوب يَوْم الِاسْتِيلَاء أَو بالغلة الَّتِي استغلها الْمَوْهُوب لَهُ حَيْثُ اخْتَار تَضْمِينه الْغلَّة دون قيمَة الْمَوْهُوب، وإلاَّ فَلَا يجمع لَهُ بَينهمَا كَمَا مّر فَإِن أعْسر الْغَاصِب أَو لم يُوجد أَو وجد وَلم يقدر عَلَيْهِ فَيرجع حِينَئِذٍ على الْمَوْهُوب لَهُ لِأَنَّهُ الْمُسْتَهْلك ثمَّ لَا يرجع الْمَوْهُوب لَهُ على الْغَاصِب بِشَيْء كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة خلافًا لما فِي التَّوْضِيح لِأَنَّهُ يَقُول لَهُ: وَهبتك شَيْئا لم يتم لَك، وَفِي مَسْأَلَة الْوَارِث يُخَيّر الْمَالِك كتخييره فِي مَسْأَلَة الشِّرَاء حَيْثُ كَانَت تَرِكَة الْغَاصِب مَوْجُودَة، وَقَوْلهمْ يرد الْوَارِث الْغلَّة يَعْنِي إِن كَانَ الْمَغْصُوب قَائِما علم بِالْغَصْبِ أم لَا. وَفَاتَ بسماوي وَلم يعلم، وَأما إِن فَاتَ بِجِنَايَتِهِ عمدا أَو خطأ فَالظَّاهِر أَنه لَا يجمع لَهُ بَين الْغلَّة وَالْقيمَة فَتَأَمّله. تَنْبِيه: إِذا تلف الْمَغْصُوب فغرم الْغَاصِب قِيمَته ثمَّ وجده فَإِنَّهُ يكون لَهُ لَا لرَبه وَكَذَا الرَّاعِي والصانع وَالْمُسْتَعِير وَغَيرهم كَمَا تقدم الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي بَاب الصُّلْح. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى تَعْرِيف الْمُتَعَدِّي مشبهاً لَهُ بالغاصب فِي الضَّمَان فَقَالَ: (كالمتعدي) وَهُوَ (غَاصِب الْمَنَافِع) دون قصد تملك الرَّقَبَة كَمَا مّر أول الْفَصْل فَإِنَّهُ يضمن مَا(2/580)
تعدى عَلَيْهِ إِن هلك بِغَيْر سماوي وَيضمن الْغلَّة سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل بِخِلَاف الْغَاصِب فَلَا يضمن إِلَّا غلَّة مَا اسْتعْمل، ويفارقه أَيْضا فِي كَونه يضمن الْقيمَة يَوْم تعديه، وَلَا يضمن السماوي بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِنَّهُ يضمن الْقيمَة يَوْم الِاسْتِيلَاء وَيضمن السماوي ويفارقه أَيْضا فِي أَنه إِذا تعدى على مَنَافِع الْإِبِل وَنَحْوهَا فحبسها عَن أسواقها فَإِنَّهُ يضمن قيمتهَا إِن شَاءَ رَبهَا وَلَو شَاءَ ردهَا سَالِمَة بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِنَّهُ لَا خِيَار لِرَبِّهَا إِن جَاءَ بهَا سَالِمَة، ويفارقه أَيْضا فِي أَنه إِذا جنى على السّلْعَة فأتلف الْمَقْصُود مِنْهَا فَإِن رَبهَا يُخَيّر فِي أَخذهَا مَعَ مَا نَقصهَا أَو أَخذ قيمتهَا بِخِلَاف مَا إِذا لم يتْلف الْمَقْصُود مِنْهَا بل عيبها عَيْبا قَلِيلا فَلَا خِيَار لِرَبِّهَا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخذهَا مَعَ أرش الْعَيْب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: ومتلف مَنْفَعَة مَقْصُوده الخ. بِخِلَاف الْغَاصِب فَإِن رَبهَا يُخَيّر بِالْعَيْبِ الْقَلِيل وَالْكثير كَمَا مّر عِنْد قَوْله: فَإِن تلف قوم والمثل بِذِي مثل ألف. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن مَفْهُوم الْمُتَعَدِّي وَالْغَاصِب وَهُوَ من حَاز شَيْئا بِشُبْهَة من شِرَاء أَو غَيره ثمَّ اسْتحق من يَده بِوَجْه من الْوُجُوه الشَّرْعِيَّة لَا يرد الْغلَّة فَقَالَ: وَشُبْهَةٌ كالْمِلْكِ فِي ذَا الشَّأْنِ لِقَوْلِهِ الْخَرَاجُ بالضّمانِ (وشبهة) للْملك كمشتر ومكتر من غَاصِب لم يعلمَا بغصبه وكمجهول حَاله لَا يدْرِي هَل هُوَ غَاصِب أم لَا. وَهل واهبه غَاصِب أم لَا. وَكَذَا موهوب الْغَاصِب إِذا لم يعلم وَكَانَ الْغَاصِب مَلِيًّا إِذْ لَو كَانَ معدماً لم تكن لموهوبه غلَّة كَمَا مّر قَرِيبا لَا وَارِث الْغَاصِب فَلَا غلَّة لَهُ مُطلقًا كَمَا مر. (كالملك) التَّام الَّذِي لم يطْرَأ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق (فِي ذَا الشَّأْن) أَي شَأْن الْغلَّة فَلَا يردهَا وَاحِد مِمَّن تقدم حَيْثُ طَرَأَ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق (لقَوْله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْخراج) أَي الْغلَّة (بِالضَّمَانِ) وَالْمُشْتَرِي الَّذِي لم يعلم لَو هلك مَا اشْتَرَاهُ لَكَانَ ضَمَانه مِنْهُ بِمَعْنى أَنه لَا يرجع بِثمنِهِ على الْغَاصِب، فَكَانَت الْغلَّة لَهُ وَهُوَ معنى قَول الْفُقَهَاء من عَلَيْهِ التوا فَلهُ النما والتوا بِالْمُثَنَّاةِ وَالْقصر أَي ضَمَان الشَّيْء إِذا هلك، والنما بالنُّون الزِّيَادَة وَالْمرَاد بِهِ الْغلَّة. وَلاَ يَكُون الرَّدُّ فِي اسْتِحَقَاقِ وَفَاسِدِ الْبَيْعِ عَلى الإطْلاَقِ (و) لكَون الْخراج بِالضَّمَانِ (لَا يكون الرَّد) للغلة (فِي) طرُو (اسْتِحْقَاق) على من لَهُ شُبْهَة الْملك كَمَا مّر وَلَو فَرعه بِالْفَاءِ وَقدمه على قَوْله: الْخراج بِالضَّمَانِ لَكَانَ أحسن (خَ) : وَالْغلَّة لذِي الشُّبْهَة أَو الْمَجْهُول الحكم كوارث وموهوب ومشتر لم يعلمُوا الخ. وَمرَاده بالوارث وَارِث من جهلت حَاله أَو ظَهرت شبهته لَا وَارِث الْغَاصِب لما مر أَنه لَا غلَّة لَهُ علم أَو لم يعلم، وَكَذَا محيي أَرضًا يَظُنهَا مواتاً لَا غلَّة لَهُ كَمَا مر فِي ابْن يُونُس، لَكِن الْوَارِث ومحيي الأَرْض وَإِن كَانَا لَا غلَّة لَهما لَا يهدم بناؤهما وَلَا يقْلع زرعهما فذو الشُّبْهَة الَّذِي لَهُ الْغلَّة أخص من ذِي الشُّبْهَة الَّذِي لَا يقْلع غرسه وَلَا بِنَاؤُه بل يجْرِي على قَول (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق: وَإِن غرس أَو بنى قيل للْمَالِك(2/581)
أعْطه قِيمَته قَائِما الخ. وَدخل فِي النّظم من بَاعَ مَا يعرف لغيره زاعماً أَن مَالِكه وَكله على بَيْعه وَهُوَ من ناحيته وَسَببه فَلم يثبت التَّوْكِيل وَفسخ البيع فَلَا ترد الْغلَّة كَمَا للخمي، وَكَذَا إِذا بَاعَ الحاضن مَا لَيْسَ بِيَسِير ثمَّ فسخ بَيْعه فَلَا ترد الْغلَّة أَيْضا، وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ على الصَّغِير قَرِيبه كالأخ وَالْعم بِلَا إيصاء وَلَا حضَانَة فَكبر الصَّغِير وَأخذ شَيْئه، فَإِن المُشْتَرِي لَا يرد الْغلَّة وَلَو كَانَ عَالما يَوْم البيع بتعدي البَائِع، وَهَذَا على أَن الْقَرِيب لَا يتنزل منزلَة الْوَصِيّ، وَأما على أَنه يتنزل مَنْزِلَته وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا مّر فَلَا إِشْكَال أَنه لَا يردهَا بل وَلَا يفْسخ البيع وَأما من اشْترى حبسا من الْمحبس عَلَيْهِ وَهُوَ عَالم بالتحبيس فيردها كَمَا مّر فِي قَوْله: وَمن يَبِيع مَا عَلَيْهِ حبسا الخ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن زرب: من ادّعى أَنه ابْتَاعَ دَارا من رجل وَأنكر الرجل ذَلِك فَلم تقم للْمُدَّعِي بَيِّنَة أَنه يُؤْخَذ بخرجها فَقَالَ لَهُ ابْن دحون: أَلَيْسَ الْغلَّة بِالضَّمَانِ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ هَذَا مقرا بِأَن الدَّار كَانَت للقائم وَيَزْعُم أَنه ابتاعها وَلم يثبت لَهُ ذَلِك فَرجع عَلَيْهِ بالغلة. وَلَو قَالَ الدَّار ملكي وَلم يدع ابتياعها من الْقَائِم ثمَّ ثبتَتْ للقائم لم يرجع عَلَيْهِ بالغلة اه. ونظمها فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَغرم خراج من على غَيره ادّعى بِملك بِهِ سكناهُ بيعا تقبلا الخ وَهَذَا إِذا لم تمض الْحِيَازَة القاطعة كعشر سِنِين وإلاَّ فَيصدق وَإِن لم يُثبتهُ كَمَا مَّر فِي قَوْله: فِي الْحِيَازَة وَالْيَمِين لَهُ إِن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ معمله. وَانْظُر مَا يُعَارض مَا قَالَه ابْن زرب فِي فصل الِاسْتِحْقَاق من شرحنا للشامل، ثمَّ ذكر أَرْبَعَة أُمُور لَا ترد فِيهَا الْغلَّة لدخولها فِي الْخراج بِالضَّمَانِ فَقَالَ: (و) لَا ترد الْغلَّة أَيْضا فِي (فَاسد البيع على الْإِطْلَاق) كَانَ قَائِما وَفسخ البيع ورد الْمَبِيع أَو فَاتَ بِالثّمن أَو الْقيمَة (خَ) : وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ وَلَا غلَّة تصحبه، فَإِن فَاتَ مضى الْمُخْتَلف فِيهِ بِثمنِهِ وإلاَّ ضمن قِيمَته الخ. وَالرَّدِّ بالْعَيْبِ وَلا فِي السِّلْعَهْ مَوجُودَةً فِي فَلَسٍ وَالشُّفْعَهْ (و) لَا ترد أَيْضا فِي (الرَّد بِالْعَيْبِ) يطلع عَلَيْهِ بعد أَن استغل لكَون الضَّمَان مِنْهُ أَو هلك الْمَبِيع (وَلَا) ترد أَيْضا (فِي السّلْعَة) كسفينة ودابة مثلا اشتراهما واستغلهما قبل أَن يدْفع الثّمن وَكَانَت كلتاهما (مَوْجُودَة) بِحَالِهَا (فِي فلس) المُشْتَرِي فَإِن ربهما يكون أَحَق بهما فِي ثمنه وَلَا يرجع على الْمُفلس بِمَا استغله لكَون الضَّمَان مِنْهُ لَو هلكتا بِيَدِهِ. (و) لَا ترد أَيْضا فِي (الشُّفْعَة) يقوم بهَا الشَّرِيك بعد أَن استغل المُشْتَرِي لكَون الضَّمَان مِنْهُ لَو هلك الشّقص، وَقد(2/582)
أَشَارَ (خَ) لهَذِهِ الْأُمُور فِي الْعُيُوب حَيْثُ قَالَ: وَالْغلَّة لَهُ أَي للْمُشْتَرِي للْفَسْخ بِخِلَاف ولد وَثَمَرَة أبرت وصوف تمّ كشفعة وَاسْتِحْقَاق وتفليس وَفَسَاد الخ. وَقد اسْتُفِيدَ من قَوْله: بِخِلَاف ولد إِلَى قَوْله وصوف، تمّ أَن عدم رد الْغلَّة فِي هَذِه الْأُمُور الْخَمْسَة إِنَّمَا هُوَ فِيمَا حدث مِنْهَا بعد البيع، لَكِن إِن كَانَ ثَمَرَة غير مؤبرة يَوْم الشِّرَاء أَو حدثت بعده فَفِي الْعَيْب وَالْفساد يَسْتَحِقهَا المُشْتَرِي بِمُجَرَّد الزهو وَفِي الشُّفْعَة والاستحقاق باليبس وَفِي التَّفْلِيس بالجذاذ وَهُوَ الْقطع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن غَازِي بقوله: الجذ فِي الثِّمَار فِيمَا انتقيا يضبطه تَجِد عفزاً شسيا وَمعنى انتقيا اختير فالتاء فِي تَجِد للتفليس وَالْجِيم وَحدهَا أَو مَعَ الدَّال للجذاذ وَالْعين وَالْفَاء فِي عفزاً للعيب وَالْفساد وَالزَّاي للزهو والشين وَالسِّين فِي شسيا للشفعة والاستحقاق، وَالْيَاء لليبس فَإِن كَانَت صُوفًا غير تَامّ وَقت البيع أَو حدث بعده فَهُوَ لَهُ إِذا جزه قبل الِاطِّلَاع على الْعَيْب، فَإِن اطلع عَلَيْهِ قبل جزه فَهُوَ تبع للغنم وَلَو تمّ، وَإِن جزه بعد الِاطِّلَاع فَهُوَ رضَا. قَالَ فِي الْمُقدمَات: وَلَا يرجع الْمُبْتَاع بِشَيْء من نَفَقَته عَلَيْهَا بِخِلَاف النّخل، وَفِي الِاسْتِحْقَاق يَأْخُذهُ الْمُبْتَاع إِذا جذت وَكَذَا فِي الْفساد والتفليس وَلَا تتَصَوَّر الشُّفْعَة فِيهِ هَذَا حكم الْحَادِث من الْغلَّة فِي الْأُمُور الْمَذْكُورَة، وَأما مَا كَانَ مَوْجُودا قبل البيع فَفِيهِ تَفْصِيل أَيْضا فَالْوَلَد سَوَاء كَانَ مِمَّا لَا يعقل أم لَا لَيْسَ بغلة فِي الِاسْتِحْقَاق وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ والتفليس فَهُوَ للْبَائِع فِي الآخرين، وللمستحق فِي الأول سَوَاء اشْتَرَاهَا حَامِلا الْوَلَد أَو حدث الْوَلَد عِنْده، وَفِي الْفساد يفوتهُ وَيُوجب الرُّجُوع بِالْقيمَةِ وَفِي الشُّفْعَة لَا يتَصَوَّر فِيهَا، وَأما الثَّمَرَة المؤبرة حِين البيع فَهِيَ للْبَائِع أَلا أَن يشترطها المُشْتَرِي فَإِن اشترطها واطلع على عيب فيردها إِن كَانَت قَائِمَة وإلاَّ رد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت أَو ثمنهَا إِن بِيعَتْ لِأَن لَهَا وَقت البيع حِصَّة من الثّمن وَيرجع بسفيه وعلاجه، وَحكمهَا فِي البيع الْفَاسِد كَحكم الرَّد بِالْعَيْبِ، وَأما فِي التَّفْلِيس فالبائع أَحَق بهَا مَا لم تجذ فَإِن جذت كَانَ أَحَق بالأصول بِمَا ينوبها من الثّمن ويحاصص بِمَا يَنُوب الثَّمَرَة، وَأما فِي الِاسْتِحْقَاق وَالشُّفْعَة فَإِن طَرَأَ أَحدهمَا قبل طيب الثَّمَرَة فَهُوَ أَحَق بهَا بعد أَن يُؤَدِّي أُجْرَة السَّقْي والعلاج وَإِن طَرَأَ بعد طيب الثَّمَرَة قبل يبسها أَو بعد يبسها وَلم تجذ أَو بعد جذها وَهِي قَائِمَة أَو فَائِتَة فَإِن الْمُسْتَحق يَأْخُذ الثَّمَرَة بعد أَن يرفع أُجْرَة السَّقْي والعلاج على نَحْو مَا تقدم فِي الْعَيْب، وَالشَّفِيع يَأْخُذهَا مَعَ الْأُصُول مَعَ أُجْرَة السَّقْي والعلاج مَا لم تيبس وَإِلَّا فَيَأْخُذ الأَصْل ويحط عَنهُ مَا يَنُوب الثَّمَرَة من الثّمن كَمَا قَالَ (خَ) فِي الشُّفْعَة: وَحط حصَّتهَا إِن أزهت أَو أبرت الخ. وَأما الصُّوف التَّام وَقت البيع فَفِي الْعَيْب يردهُ مَعَ الْغنم فَإِن جزه وَفَاتَ رد مثله فَإِن لم يعلم وَزنه رد(2/583)
الْغنم بحصتها من الثّمن. اللَّخْمِيّ: وَإِن وجد الْعَيْب بعد أَن جزها وَعَاد إِلَيْهَا الصُّوف ردهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ للصوف الأول اه. وَلَا يرجع الْمُبْتَاع بِشَيْء من نَفَقَته عَلَيْهَا بِخِلَاف النّخل، وَالْفرق أَن للغنم غلَّة تبتغي مِنْهَا سوى الصُّوف وَفِي اسْتِحْقَاق الْغنم يَأْخُذهُ الْمُسْتَحق إِن كَانَ قَائِما أَو مثله إِن اسْتَهْلكهُ الْمُبْتَاع وَعلم وَزنه، وإلاَّ رد قِيمَته وَإِن كَانَ قد بَاعه رد ثمنه. وَفِي التَّفْلِيس يكون بَائِعه أَحَق بِهِ مُدَّة كَونه قَائِما وَإِن جزه الْمُفلس، وَإِن فَاتَ خير البَائِع بَين أَخذ الْغنم بِمَا ينوبها من الثّمن وحاص بِمَا يَنُوب الصُّوف مِنْهُ وَبَين تَسْلِيم الْغنم وحاص بِجَمِيعِ ثمنهَا وَفِي البيع الْفَاسِد قَالَ (ح) لم أَقف على نَص فِيهِ، وَالظَّاهِر أَن حكمه حكم الْعَيْب، وَأما فِي الشُّفْعَة فَلَا تتَصَوَّر فِي الصُّوف ثمَّ أَشَارَ إِلَى بَقِيَّة الْكَلَام على الْمُتَعَدِّي، وَتقدم أَنه إِذا أتلف الشَّيْء ضمنه، وَإِذا عَيبه فَيُخَير ربه بَين المفيت للمقصود دون غَيره فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أرش الْعَيْب فَقَالَ: وَمْتْلِفٌ مَنْفَعَةً مَقْصُودَهْ مِمَّا لَهُ كيْفيَّةٌ مَعْهُودَهْ (ومتلف مَنْفَعَة مَقْصُودَة) كقلع عَيْني عبد أَو قطع يَدَيْهِ أَو يَد وَاحِدَة وَهُوَ صانع أَو إذهاب لبن شَاة هُوَ مُعظم الْمَقْصُود مِنْهَا أَو قطع رجل وَاحِدَة من أَي حَيَوَان كَانَ أَو قطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة ومروءة كقاض وأمير وَكَاتب وشهيد أَو قطع طيلسان من ذكر أَو عمَامَته وَنَحْو ذَلِك. (مِمَّا لَهُ كَيْفيَّة معهودة) عِنْد ربه لَا يَسْتَعْمِلهُ إِلَّا على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة، وَإِنَّمَا كَانَ قطع الذَّنب وَمَا بعده مفيتاً وَإِن كَانَ عَيْبا يَسِيرا مُرَاعَاة لمَالِكهَا لِأَن ذَا الهيبة لَا يلبسهَا وَلَا يركبهَا على تِلْكَ الْحَال فَصَارَ قطعهَا كإتلافها عَلَيْهِ، وَلذَا وَجب لَهُ الْخِيَار كَمَا قَالَ: صَاحِبُهُ خُيِّرَ فِي الأَخْذِ لَهُ مَعْ أَخْذِهِ لأَرْشِ عَيْبٍ حَلَّهُ (صَاحبه خير) أَي يُخَيّر (فِي الْأَخْذ لَهُ) أَي للشَّيْء الَّذِي فَاتَ الْمَقْصُود مِنْهُ (مَعَ أَخذه لأرش عيب حلّه) فَيقوم سالما بِعشْرَة ومعيباً بِخَمْسَة مثلا فَيَأْخذهُ مَعَ الْخَمْسَة. أَوْ أَخْذِهِ لِقيمَةِ الْمَعِيبِ يَوْمَ حُدُوثِ حَالَةِ التَّغْيِيب (أَو) بِمَعْنى الْوَاو أَي وَفِي (أَخذه لقيمة الْمَعِيب) سالما مُعْتَبرَة (يَوْم حُدُوث حَالَة التعييب) وَهِي الْعشْرَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَيسلم الْمَعِيب للمتعدي. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مَقْصُوده فَقَالَ: وَلَيْسَ إِلَّا الأَرْشُ حَيْثُ المَنْفَعَهْ يَسِيرَةٌ والشَّيْءُ مَعْهَا فِي سِعَه(2/584)
(وَلَيْسَ) يجب لرَبه على الْمُتَعَدِّي (إِلَّا الْأَرْش حَيْثُ) كَانَت (الْمَنْفَعَة) الَّذِي أفسدها الْمُتَعَدِّي (يسيرَة) لَا تفيت الْمَقْصُود كإذهاب لبن بقرة أَو نَاقَة لِأَن فيهمَا مَنَافِع غير اللَّبن، وَمن ذَلِك من قتل عجلاً فَعَلَيهِ قِيمَته وَمَا نقصته أمه من حلابها، وَكَذَلِكَ قطع لبن حمارة أَو رمكة أَو قلع عين وَاحِدَة لعبد لِأَن الْعين الْبَاقِيَة يتَصَرَّف مَعهَا كَمَا يتَصَرَّف بالاثنين أَو قطع يَد وَاحِدَة وَهُوَ غير صانع أَو خرق ثوب أَو كسر قَصْعَة خرقاً وكسراً لَا يفيت الْمَقْصُود فَإِن الشَّيْء يقوم فِي ذَلِك كُله سالما بِعشْرَة مثلا ومعيباً بِثمَانِيَة وَيَأْخُذهُ مَعَ مَا نَقصه وَلَا خِيَار لرَبه. (و) إِنَّمَا لم يُخَيّر لِأَن (الشَّيْء) المجنى عَلَيْهِ لَا زَالَ (مَعهَا) أَي الْجِنَايَة (فِي سَعَة) لم يفت الْمَقْصُود مِنْهُ (خَ) والمتعدي جَان على بعض غَالِبا فَإِن أفات الْمَقْصُود مِنْهُ كَقطع ذَنْب دَابَّة ذِي هَيْئَة أَو أذنها أَو طيلسانه وَلبن شَاة هُوَ الْمَقْصُود، أَو قلع عَيْني عبد أَو يَدَيْهِ فَلهُ أَخذه ونقصه أَو قِيمَته، وَإِن لم يفته فنقصه الخ. لَكِن إِنَّمَا يَأْخُذهُ ربه مَعَ نَقصه فِي المفيت وَغَيره. مِنْ بَعْدِ رَفْوِ الثوْبِ أَوْ إِصْلاحِ مَا كانَ مِنْهُ قَابِلَ الصَّلاحِ (من بعد رفو الثَّوْب) الَّذِي خرقه عمدا أَو خطأ (أَو إصْلَاح مَا كَانَ مِنْهُ قَابل الصّلاح) كقصعة فيرقعها أَو عَصا فيجبرها أَو حلى فيصيغه، فَإِن رَجَعَ لحالته فَلَا شَيْء عَلَيْهِ والإغرام مَا نَقصه الثَّوْب وَنَحْوه بعد الرفو والترقيع لَا قبل ذَلِك، فَإِذا كَانَ أرش النَّقْص قبل الرفو دِرْهَمَيْنِ وَبعده درهما وَاحِدًا وَأجر الرفو نصف دِرْهَم فَإِنَّمَا يلْزمه دِرْهَم وَنصف وَإِنَّمَا يلْزمه رفوه فِي المفيت إِذا اخْتَار ربه أَخذه ونقصه إِذْ فِي حَالَة اخْتِيَار ربه الْقيمَة لَيْسَ على الْمُتَعَدِّي رفوه، وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَنه يلْزمه رفوه فِي المفيت وَغَيره هُوَ الْمَشْهُور. (خَ) : ورفو الثَّوْب مُطلقًا الخ. وَقيل إِنَّمَا يلْزمه الرفو فِي غير المفيت، وَرجحه ابْن يُونُس، ودرج عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ وَغَيرهمَا، وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة والناظم، بل صرح ابْن سَلمُون بِأَن القَوْل بالرفو فِي المفيت ضَعِيف، وَذَلِكَ كُله يُفِيد أَن مَا رَجحه ابْن يُونُس هُوَ الْمُعْتَمد، وَمَفْهُوم رفو الثَّوْب أَن الدَّابَّة لَا يلْزمه أَن يداويها، وَكَذَا أُجْرَة الطَّبِيب لَا تلْزمهُ، وَقيل يلزمانه (خَ) : وَفِي أُجْرَة الطَّبِيب قَولَانِ. وَرجح كل مِنْهُمَا فرجح (تت) فِي كبيره عدم اللُّزُوم قَالَ وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه الْمَشْهُور وَرجح الأَجْهُورِيّ وَمن تبعه الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي استحسنه اللَّخْمِيّ وَابْن عَرَفَة كَمَا نَقله الزّرْقَانِيّ فِي الدِّمَاء قَائِلا: ثمَّ الَّذِي استحسنه ابْن عَرَفَة القَوْل بِأَن على الْجَانِي أُجْرَة الطَّبِيب وَثمن الدَّوَاء سَوَاء برىء على شين أم لَا. مَعَ الْحُكُومَة فِي الأول، وَأما مَا فِيهِ شين مُقَدّر فَلَيْسَ فِيهِ دَوَاء، وَلَو برىء على شين سوى مُوضحَة الْوَجْه وَالرَّأْس فِيهِ أُجْرَة الطَّبِيب وَثمن الدَّوَاء اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون قَائِلا: وَالْحَيَوَان وَغَيره فِي ذَلِك سَوَاء يَعْنِي يلْزمه مداواة الدَّابَّة وَغَيرهَا كَمَا يلْزمه رفو الثَّوْب، وَبِهَذَا تعلم أَن مَا رَجحه الأَجْهُورِيّ وَمن تبعه أصح وَأقوى، وَعَلِيهِ فَإِن بَرِئت الدَّابَّة أَو غَيرهَا على غير شين فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد، وَإِن برئا على شين غرم النَّقْص فِي الدَّابَّة(2/585)
وَالْعَبْد وَفِي الْحر حُكُومَة بِنِسْبَة نُقْصَان الْجِنَايَة إِذا برىء من قِيمَته عبدا فرضا من الدِّيَة الخ. كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. وَمحل الْقَوْلَيْنِ فِي جرح خطأ لَيْسَ فِيهِ مَال مُقَدّر أَو عمدا لَا قصاص فِيهِ لإتلافه أَو لعدم الْمُسَاوَاة أَو لعدم الْمثل وَلَيْسَ فِيهِ مَال مُقَدّر أَيْضا، وَأما إِذا كَانَ فِيهِ مَال مُقَدّر فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ذَلِك المَال وَلَا يلْزمه دَوَاء وَلَا ثمنه، وَلَو برىء على شين كَمَا لِابْنِ عَرَفَة، وَكَذَا الْعمد الَّذِي فِيهِ الْقصاص فَإِن الْوَاجِب فِيهِ الْقصاص إِلَّا أَن يتصالحا على شَيْء يتفقان عَلَيْهِ. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رحال: تنزل عندنَا نازلة وَهِي أَن الخماس مثلا يخرج فِي وَقت الْحَصاد أَو الْحَرْث فَيمْنَع من الْعَمَل هَل يلْزم الْجَانِي أَن يُعْطِيهِ أَجِيرا يخْدم فِي مَحَله لِأَنَّهُ عطله وَلَا عِنْده مَا يعِيش بِهِ غير مَا ذكر قَالَ: وَيظْهر من كَلَام اللَّخْمِيّ أَنه يلْزم الْجَانِي ذَلِك لِأَنَّهُ ظَالِم أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ اه. قلت: هَذَا الْجرْح إِن كَانَ عمدا فَالْوَاجِب فِيهِ الْقصاص فَإِن تصالحا على شَيْء فَلَا كَلَام، وَإِن طلب الْقصاص فَلَيْسَ لَهُ أَن يقْتَصّ وَيَأْخُذ أَجِيرا يخْدم فِي مَحَله لِأَن الشَّارِع إِنَّمَا حكم بِالْقصاصِ من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا حجَّة فِي كَونه عطله لِأَن الْجَانِب كَذَلِك يعطل أَيْضا عَن حرفته وَقت قصاصه مِنْهُ، وَإِن كَانَ الْجرْح خطأ مِمَّا لَا قصاص أَو لكَونه من المتالف أَو لعدم المماثل فَهَذَا الَّذِي تقدم أَنه يجب فِيهِ أُجْرَة المداواة وَتجب فِيهِ الْحُكُومَة إِن برىء على شين، وَإِن كَانَ فِيهِ مَال مُقَدّر فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ذَلِك الْمُقدر كَمَا مرّ. فَقَوله يظْهر من كَلَام اللَّخْمِيّ الخ. غير ظَاهر وَبِهَذَا كنت اعترضته فِي شرحنا للشامل ثمَّ بعد ذَلِك بسنين وقفت على الشَّيْخ الرهوني اعْتَرَضَهُ أَيْضا بقول (خَ) : وَضمن مَنْفَعَة الْبضْع وَالْحر بالتفويت وَغَيرهمَا بالفوات الخ قَائِلا: فالمجروح إِن كَانَ حرا فَلَا شَيْء على من عطله إِذا لم يَسْتَعْمِلهُ كَمَا لَو عطله بشد يَده أَو غير ذَلِك من مَوَانِع الْعَمَل، وَإِن كَانَ عبدا وَجب عَلَيْهِ غرم قيمَة منفعَته لَا أَنه يَأْتِي بشخص آخر يعْمل مَكَانَهُ.
(فصل فِي الاغتصاب)
وَهُوَ وَطْء حرَّة أَو أمة جبرا على غير وَجه شَرْعِي. وَوَاطِىءٌ لِحُرَّةٍ مُغْتَصِبا صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ وَجَبَا (و) بَالغ (واطىء لحرة مغتصبا) بِكَسْر الصَّاد أَي مكْرها لَهَا (صدَاق مثلهَا) يَوْم الْوَطْء (خَ) : وَمهر الْمثل مَا يرغب بِهِ مثله فِيهَا بِاعْتِبَار دين وجمال وَحسب وَمَال وبلد الخ. أَي وَكَونهَا بكرا أَو ثَيِّبًا من جملَة مَا يرغب بِهِ فِيهَا. (عَلَيْهِ وجبا) ويتعدد الصَدَاق بِتَعَدُّد الوطآت بِخِلَاف وَطْء الشُّبْهَة (خَ) واتحد المهران اتّحدت الشُّبْهَة كالغالط بِغَيْر عَالِمَة وإلاَّ تعدد كَالزِّنَا بهَا أَو بالمكرهة الخ. وَالضَّمِير فِي قَوْله بهَا يعود على غير العالمة، وَمَفْهُوم قَوْله مغتصباً. وَقَول (خَ)(2/586)
بالمكرهة أَن الزِّنَا بالطائعة لَا صدَاق فِيهِ وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا أَذِنت فِي فَسَاد بضعهَا، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَت بَالِغَة يعْتَبر إِذْنهَا، وَانْظُر لَو كَانَت صَغِيرَة يُوطأ مثلهَا وطاوعته على الزِّنَا بهَا هَل عَلَيْهِ صَدَاقهَا وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن إِذْنهَا غير مُعْتَبر، وَأما من لَا يُوطأ مثلهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا شانها ونقصها عَن صدَاق مثلهَا لِأَن وَطأهَا جرح لَا وَطْء، واحترزت بِقَوْلِي بَالغ من الصَّغِير يطَأ السفيهة أَو الصَّغِيرَة البكرين فَعَلَيهِ مَا شانهما بِدَلِيل قَوْله: وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَة بِرِضا الصَّغِيرَة وموافقتها لَهُ على الْوَطْء، وَكَذَا السفيهة بِخِلَاف الرشيدة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الثّيّب، انْظُر الشَّارِح عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: ولولي صَغِير فسخ عقده الخ. إنْ ثَبَتَ الوطءُ وَلَو بِبَيِّنَهْ بأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا مُعْلِنَه (إِن ثَبت الْوَطْء) بالمعاينة أَو بِالْإِقْرَارِ من غير الْمَحْجُور بل (وَلَو بِبَيِّنَة بِأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا معلنة) صفة لقَوْله: بَيِّنَة أَي وَلَو بِبَيِّنَة معلنة أَي شاهدة بِأَنَّهُ احتملها بمحضرهم وَغَابَ عَلَيْهَا غيبَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء وادعته الْمَرْأَة وَلَو صَغِيرَة يُمكن وَطْؤُهَا أَو سَفِيهَة، فَإِنَّهُ يجب لَهَا جَمِيع الصَدَاق فَإِن صدقت الْغَاصِب فِي عدم الْوَطْء فَلَا شَيْء لَهَا وَلَو صَغِيرَة كَمَا يفهم من قَول (خَ) : وصدقت فِي خلْوَة الاهتداء فِي الْوَطْء وَفِي نَفْيه وَإِن سَفِيهَة وَأمة الخ. وَظَاهره أَن الْبكر لَا ينظرها النِّسَاء وَالْعَمَل على خِلَافه. وَقيمَةُ النَّقص عَلَيْهِ فِي الأَمَهْ هَبْهَا سِوَى بِكْرٍ وَغَيْرِ مُسْلِمَه (وَقِيمَة النَّقْص عَلَيْهِ فِي الْأمة) أَي وَعَلِيهِ فِي الْأمة مَا نَقصهَا وَطْؤُهُ عليا كَانَت أَو وخشاً طَائِعَة أَو مُكْرَهَة (هبها سوى) أَي غير (بكر) بِأَن تكون ثَيِّبًا (وَغير مسلمة) بِأَن تكون يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة، وَهَذَا حَيْثُ أقرّ بِوَطْئِهَا أَو قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بمعاينة الْوَطْء، وَأما إِن شهِدت بَيِّنَة بغيبته عَلَيْهَا غيبَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء فَالْمَشْهُور لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقيل يضمن قيمَة النَّقْص، وَيجب أَن يكون الْعَمَل عَلَيْهِ لموافقته لما مرّ فِي الْغَاصِب للصرة وَغَيرهَا. وَثَالِثهَا إِن كَانَت رائعة وَاخْتَارَهُ ابْن رشد، وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ مَا نَقصهَا فِي الثّيّب لِأَنَّهُ بِوَطْئِهِ أحدث فِيهَا عَيْبا وَهُوَ مؤالفتها للزِّنَا لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مُكْرَهَة فقد ترْضى بِهِ فِي ثَانِي حَال فتقوم على أَنَّهَا لم يَطَأهَا الْغَاصِب بِعشْرَة مثلا وبوطئة بِثمَانِيَة وَيغرم مَا بَينهمَا. وَالوَلَدُ اسْتُرِقَّ حَيْثُ عَلِمَا وَالحَدُّ مَعْ ذَاكَ عَلَيْهِ فِيهما (وَالْولد) من الْأمة الْمَذْكُورَة (اسْترق) أَي يحكم باسترقاقه (حَيْثُ علما) أَنه من الزِّنَا وَذَلِكَ بِأَن لم يكن لَهَا زوج وَلَا سيد أَو كَانَ لَهَا سيد ونفاه بِشَرْط اعْتِمَاده فِي نَفْيه على الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة(2/587)
وَولدت لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الزِّنَا (خَ) : وَلَا يَمِين إِن أنكرهُ ونفاه وَولدت لسِتَّة أشهر الخ. فَإِن لم ينفه وَادعت هِيَ أَنه من الْغَصْب فَلَا كَلَام لَهَا، وَكَذَا إِن قَالَت: هُوَ من الزَّوْج الأول وَقد أَتَت بِهِ لسِتَّة أشهر فَأكْثر من تزوج الثَّانِي فَلَا يقبل قَوْلهَا، بل هُوَ للثَّانِي حرَّة كَانَت أَو أمة، وَلَو صدقهَا الثَّانِي فِي ذَلِك فَلَا يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِلعان (خَ) : وَلَو تَصَادقا على نَفْيه (وَالْحَد مَعَ ذَاك) الْغرم للصداق أَو قيمَة النَّقْص (عَلَيْهِ فيهمَا) أَي الْحرَّة وَالْأمة، وَهَذَا إِذا شهد أَرْبَعَة بمعاينة الْوَطْء أَو أقرّ بذلك على نَفسه وَلم يرجع عَنهُ، وَأما إِن شهدُوا بِأَنَّهُ احتملها وَغَابَ عَلَيْهَا وَادعت الْمَرْأَة الْوَطْء وَأنكر هُوَ فَلَا حد عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الصَدَاق للْحرَّة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْأمة كَمَا مر. وَقَوله فِي المقرب: وَمن اغتصب امْرَأَة وَوَطئهَا فِي دبرهَا يَعْنِي ادَّعَت هِيَ ذَلِك بعد غيبته عَلَيْهَا فلهَا الصَدَاق دون الْحَد عَلَيْهِ، إِذْ لَا يجب الْحَد إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَو الْإِقْرَار كَمَا مر، وَأما الِاسْتِبْرَاء فَوَاجِب عَلَيْهَا (خَ) عاطفاً على مَا يُوجب قدر الْعدة أَو غَابَ غَاصِب أَو سَاب أَو مُشْتَر الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: إِن ثَبت الْوَطْء الخ. فَقَالَ: وإنْ يَكُنْ ذَا الْغَصْبُ بالدَّعْوَى فَفِي تَفْصِيلِهِ بَيَانُ حُكْمِهِ يَفي (وَإِن يكن ذَا الْغَصْب بِالدَّعْوَى) فَقَط من غير ثُبُوته بِبَيِّنَة وَلَا إِقْرَار (فَفِي تَفْصِيله) يتَعَلَّق بيفي آخر الْبَيْت (بَيَان حكمه) مُبْتَدأ خَبره (يَفِي) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالتَّقْدِير فبيان حكمه يَأْتِي مَذْكُورا فِي تَفْصِيله وَحَاصِل التَّفْصِيل أَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِمَّا أَن يكون مَعْرُوفا بِالدّينِ وَالْخَيْر، وَإِمَّا أَن يكون مَجْهُول الْحَال لَا يعرف بِخَير وَلَا فسق، وَإِمَّا أَن يكون مَعْرُوفا بِالْفَسَادِ وَالْفِسْق، وَفِي كل إِمَّا أَن تَأتي مستغيثة مُتَعَلقَة بِهِ عِنْد النَّازِلَة أَو تَدعِي عَلَيْهِ ذَلِك بعد حِين فالأقسام سِتَّة فَأَشَارَ إِلَى أَولهَا بقوله: فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى عَلَى مَنْ قَدْ شُهِرْ بالدِّيْنِ وَالصَّلاَحِ وَالفَضْلِ نُظِرْ (فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى على من قد شهر بِالدّينِ وَالصَّلَاح وَالْفضل نظر) . فِي ذَلِك.(2/588)
فإنْ تَكُنْ بَعْدَ التَّرَاخِي زَمَنَا حُدَّتْ لِقَذْفٍ وَبِحَمْلٍ للزِّنَا (فَإِن تكن) الدَّعْوَى (بعد التَّرَاخِي) عَن النَّازِلَة (زَمنا) قَرِيبا أَو بَعيدا (حدت لقذف) فتجلد ثَمَانِينَ (و) حدت أَيْضا (ب) سَبَب (حمل) ظهر بهَا (للزِّنَا) إِن كَانَت مُحصنَة وَلم ترجع عَن قَوْلهَا. وتجلد مائَة إِن كَانَت بكرا وَإِنَّمَا تعدد الْحَد لاخْتِلَاف موجبهما. وَحَيْثُما رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِي فالحدُّ تَسْتَوْجِبُهُ فِي الأَظْهَرِ (وحيثما رَحمهَا مِنْهُ) أَي من الْحمل (بَرى فالحد) للزِّنَا (تستوجبه) أَيْضا (فِي) القَوْل (الْأَظْهر) هَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ للْمَرْأَة، وَأما الرجل فَلَا يَمِين عَلَيْهِ وَلَا صدَاق كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف مهر وَلَا حلف الخ. وَأَحْرَى لَا حد عَلَيْهِ، وَظَاهره أَنه لَا يفصل فِيهَا التَّفْصِيل الْآتِي فِي مَجْهُول الْحَال بَين كَونهَا مَعْرُوفَة بالصيانة أَو لَا بل الحكم مَا ذكر فِي هَذَا الْقسم كَيفَ مَا كَانَت هِيَ، وَهُوَ ظَاهر ابْن رشد أَيْضا حَيْثُ قَالَ: فَإِن ادَّعَت على من لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك وَهِي غير مُتَعَلقَة بِهِ فَلَا خلاف أَنه لَا شَيْء على الرجل وَأَنَّهَا تحد لَهُ حد الْقَذْف وحد الزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل، وَإِن لم يظْهر بهَا فيتخرج وجوب حد الزِّنَا عَلَيْهَا على الِاخْتِلَاف فِيمَن أقرّ بِوَطْء أمة رجل وَادّعى أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَو وَطْء امْرَأَة وَادّعى أَنه تزَوجهَا، فتحد على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن ترجع عَن قَوْلهَا وَلَا تحد على مَذْهَب أَشهب اه. وَمَفْهُوم بعد التَّرَاخِي أَنَّهَا إِذا جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ فحد الْقَذْف لَازم لَهَا، وحد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَحَيْثُ دَعْوَى صاحبت تعلقا حد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا الخ. وَكَانَ حَقه التَّقَدُّم هَهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله: وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالاً إنْ جُهِلْ حالٌ لَهَا أَوْ لَمْ تَحُزْ صَوْناً نُقِل (وَذَاكَ) مُبْتَدأ خَبره نقل آخر الْبَيْت و (فِي الْمَجْهُول) يتَعَلَّق بِهِ (حَالا) تَمْيِيز محول عَن النَّائِب وَقَوله: (إِن جهل حَال لَهَا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (أَو لم تحز صونا) مَعْطُوف على الشَّرْط (نقل) وَالتَّقْدِير: وَذَاكَ الحكم الْمَذْكُور فِي الْمَعْرُوف بِالْخَيرِ هُوَ الحكم الْمَنْقُول فِي الْمَجْهُول حَاله وَإِن كَانَت هِيَ المجهولة الْحَال أَيْضا أَو مَعْرُوفَة بِعَدَمِ الصيانة والعفاف، وَعَلِيهِ فَإِن كَانَت(2/589)
الدَّعْوَى بعد التَّرَاخِي زَمنا حدت للقذف وللزنا إِن ظهر بهَا حمل وَكَذَا إِن لم يظْهر فِي القَوْل الْأَظْهر. وَإنْ تَكُنْ مِمَّنْ لَهَا صَوْنٌ فَفِي وجُوبِهِ تَخْرِيجاً الخُلْفُ قُفي (وَإِن تكن مِمَّن لَهَا صون) والموضوع بِحَالهِ من دَعْوَاهَا على مَجْهُول الْحَال (فَفِي وُجُوبه) أَي حد الْقَذْف عَلَيْهَا (تخريجاً الْخلف) مُبْتَدأ خَبره (قفي) وَفِي وُجُوبه مُتَعَلق بِهِ، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وتخريجاً مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول حَال من الضَّمِير فِي قفي، وَالتَّقْدِير: وَإِن تكن مِمَّن لَهَا صون فالخلف قفي فِي وجوب الْحَد عَلَيْهَا حَال كَونه مخرجا لَا نصا، وَظَاهره أَن الْخلاف فِي حد الزِّنَا وَالْقَذْف وَالَّذِي فِي ابْن رشد تَخْصِيصه بِحَدّ الْقَذْف وَيظْهر مِنْهُ أَنَّهَا تحد للزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل أَو لم يظْهر على مَا مر، وعَلى القَوْل بحدها لَهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ وعَلى مُقَابِله إِنَّمَا عَلَيْهِ الْيَمين كَمَا قَالَ: وَحَيْثُ قيل لَا تُحَدُّ إنْ نَكَلْ فالمَهْرُ مَعْ يَمِينِهَا لَهَا حَصَلْ (وَحَيْثُ قيل لَا تحد) فاليمين عَلَيْهِ (و) إِن (نكل) عَنْهَا (فالمهر) يلْزمه بِنُكُولِهِ (مَعَ يَمِينهَا لَهَا حصل) وَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يقر والظرف وَالْمَجْرُور يتعلقان بحصل. هَذَا حكم الْمَجْهُول إِذا لم تتَعَلَّق بِهِ، وَأما إِن جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ فَلَا حدّ عَلَيْهَا لَا للزِّنَا وَلَا للقذف حَيْثُ كَانَت من أهل العفاف وإلاَّ فَقَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَعدم الْحَد كَذَا للمنبهم حَالا الخ. وَما عَلَى المَشْهُورِ بالعَفَافِ مَهْرٌ وَلا حَلْفٌ بِلا خِلاَفِ (وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف) وَهُوَ الْقسم الأول (مهر وَلَا حلف بِلَا خلاف) وَكَانَ حَقه التَّقْدِيم إِثْر قَوْله: تستوجبه فِي الْأَظْهر ويصل بذلك قَوْله: وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعلُّقا حَدَّ الزَّنَا يَسْقُطُ عَنْهَا مُطْلَقَا (وَحَيْثُ دَعْوَى) على الْمَشْهُور بِالْخَيرِ والعفاف (صاحبت تعلقاً) بِهِ وَقت النَّازِلَة جَاءَت مستغيثة تدمى إِن كَانَت بكرا ف (حد الزِّنَا يسْقط عَنْهَا مُطلقًا) ظهر بهَا حمل أم لَا. لما بالغت من فضيحة نَفسهَا، وَمعنى التَّعَلُّق أَن تذكر ذَلِك فِي الْحِين وتشتكي بذلك لأَهْلهَا، وَلَيْسَ المُرَاد أَن تَأتي ماسكة بِيَدِهِ أَو بِثَوْبِهِ، فَهَذَا لَا يَتَأَتَّى لَهَا فِيمَن لَا قدرَة لَهَا عَلَيْهِ. قَالَ فِي أَوَائِل نَوَازِل(2/590)
الدَّعَاوَى من المعيار: معنى قَوْلهم تدمى أَن تَأتي صارخة مستغيثة، وَلَو كَانَت ثَيِّبًا وَلَيْسَت كل معصوبة تقدر على التَّعَلُّق. وَالْقَذْفُ فيهِ الحَدُّ لابْنِ القَاسِمِ وَخَلْفُهُ لَدَيْهِ غَيْرُ لازِمِ (و) أما (الْقَذْف) فَكَذَلِك لَا حد عَلَيْهَا عِنْد غير ابْن الْقَاسِم، و (فِيهِ الْحَد لِابْنِ الْقَاسِم وحلفه لَدَيْهِ) أَي ابْن الْقَاسِم (غير لَازم) . لِأَنَّهُ قد برأه ونزهه. وَمَن نَفَى الحَدَّ فَعِنْدَهُ يَجِبْ تَحْليفُهُ بأَنَّ دَعْوَاهَا كَذِبْ (وَمن نفى الْحَد) عَنْهَا بقذفه وَهُوَ غير ابْن الْقَاسِم (فَعنده يجب تَحْلِيفه) لَهَا (بِأَن دَعْوَاهَا) عَلَيْهِ (كذب) فَإِن حلف برىء. ومَعْ نُكُولِهِ لَهَا اليمينُ وتأْخُذُ الصَّداقَ مَا يكُونُ (وَمَعَ نُكُوله) عَن الْيَمين (لَهَا) هِيَ (الْيَمين) أَن مَا ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ لحق (ونأخذ الصَدَاق) أَي صدَاق مثلهَا (مَا) أَي شَيْء (يكون) قل أَو جلّ، وَمحل الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي حَدهَا للقذف إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت مَعْرُوفَة بالصيانة والعفاف. وَحَدُّهَا لهُ اتَفَاقاً إنْ تَكُنْ لَيْسَ لَهَا صَونٌ وَلا حالٌ حَسَنْ (و) الأوجب (حَدهَا لَهُ اتِّفَاقًا إِن تكن لَيْسَ لَهَا صون وَلَا حَال حسن) . وَهَذِه الأبيات من قَوْله: وَمَا على الْمَشْهُور بالعفاف إِلَى هُنَا كلهَا حَقّهَا التَّقْدِيم إِثْر قَوْله: يستوجبه فِي الْأَظْهر كَمَا مرت إِلَيْهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الدَّعْوَى على مَجْهُول الْحَال المصحوبة بتعلقها بِهِ فَقَالَ: وَعَدَمُ الحَدِّ كَذَا لِلْمُنْبَهِم حَالا إذَا كَانَت تَوَقَّى مَا يَصِم (وَعدم الْحَد) للقذف وَالزِّنَا (كَذَا) أَي وَاجِب اتِّفَاقًا فِي دَعْوَاهَا (للمنبهم) أَي عَلَيْهِ فَاللَّام بِمَعْنى (على) (وَحَالا) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَهَذَا (إِذا) جَاءَت مُتَعَلقَة بِهِ تدمى إِن كَانَت بكرا و (كَانَت) مَعْرُوفَة بالعفاف والصيانة (توقى) أَصله تتوقى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ لقَوْل صَاحب الْخُلَاصَة وَمَا بتاءين قد يقْتَصر فِيهِ على تا الخ. (يصم) أَي يعيب ويقبح. وَإنْ تَكُنْ لاَ تَتَوَقَّى ذَلِكْ فالخُلْفُ تَخْرِيجاً بَدَا هُنَالِكْ (وَإِن تكن لَا تتوقى ذَلِك) الَّذِي يصم ويعيب (فالخلف) فِي حَدهَا لَهُ للقذف (تخريجاً) حَال(2/591)
من فَاعل (بدا هُنَالك) وَكَانَ حَقه أَي يصل قَوْله: وَعدم الْحَد الخ. بقوله مَعَ يَمِينهَا لَهَا حصل كَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ، ثمَّ إِذا قُلْنَا: لَا تحد هُنَا اتِّفَاقًا فِي الصينة وعَلى أحد الْقَوْلَيْنِ فِي غَيرهَا، فَلَا بُد أَن يحلف فَإِن نكل حَلَفت واستحقت عَلَيْهِ صدَاق مثلهَا كَمَا قَالَ بعد: وَإِن يكن مَجْهُول حَال فَيجب تَحْلِيفه وَمَعَ نُكُول يَنْقَلِب الخ. فَكَانَ حَقه أَن يقدمهُ هَهُنَا ثمَّ أَشَارَ إِلَى الثَّالِث بقسميه أَي مَعَ تعلق بِهِ أَو بعد حِين فَقَالَ: وَفي ادِّعائِهَا عَلَى المَشْتَهَرِ بالْفِسْقِ حَالتَانِ للمُعْتَبِرِ (وَفِي ادعائها على المشتهر بِالْفِسْقِ حالتان للمعتبر) أحداهما. حالُ تَشبُّثٍ وَبِكْرٌ تُدْمَى فذِي سُقُوطُ الحدِّ عَنْهَا عَمَّى (حَال تشبث) أَن تعلق بِهِ أَي تذكر ذَلِك فِي الْحِين كَمَا مر (وَبكر تدمى فذي سُقُوط الْحَد عَنْهَا عمى. فِي القَذْفِ وَالزِّنَا وإنْ حَمْلٌ ظَهَرْ وَفِي وُجُوب المَهْرِ خَلْفٌ مُعْتَبَرْ فِي الْقَذْف وَالزِّنَا) إِن لم يظْهر بهَا حمل بل (وَإِن حمل ظهر) لما بالغت من فضيحة نَفسهَا ولشبهة دَعْوَاهَا عَلَيْهِ (وَفِي وجوب الْمهْر) لَهَا عَلَيْهِ (خلف مُعْتَبر) فروى عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ أشر من عبد الله بن الْأَزْرَق فِي زَمَانه، وَلَكِن بعد يَمِينه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يحلف مَجْهُول الْحَال لرد دَعْوَاهَا فأحرى هَذَا. وروى أَشهب عَن مَالك: لَهَا مهر مثلهَا إِن كَانَت حرَّة أَو مَا نَقصهَا إِن كَانَت أمة، وَبِه صدر فِي الْمُقدمَات وَنَحْوه فِي الْوَاضِحَة عَن مطرف وَغَيره، وَهُوَ الَّذِي يجب الْعَمَل بِهِ لموافقته لما مر فِي الْغَصْب عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْقَوْل للْغَاصِب فِي دَعْوَى التّلف الخ. لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمَعْمُول بِهِ فِي الْأَمْوَال أَن الْمَغْصُوب مِنْهُ مُصدق فأحرى فِي الْفروج وَلِأَنَّهُ رَاجع لِلْمَالِ، وَمن حمل النَّاس على خلاف الْمَعْمُول بِهِ الَّذِي قدمْنَاهُ فَإِنَّهُ يُرِيد زِيَادَة الْفساد وتضييع حُقُوق الْعباد. وَثَالِثهَا لِابْنِ الْمَاجشون لَهَا الصَدَاق إِن كَانَت حرَّة وَلَا شَيْء لَهَا إِن كَانَت أمة. وَحَيْثُ قِيلَ إنّهَا تَسْتَوْجِبُهْ فَبَعْدَ حَلْفٍ فِي الأَصَحِّ تَطْلُبُهْ (وَحَيْثُ قيل إِنَّهَا تستوجبه) أَي الصَدَاق (فَبعد حلف فِي الْأَصَح) عِنْد ابْن رشد وَهُوَ قَول(2/592)
ابْن الْقَاسِم (تطلبه) وَمُقَابِله لأَشْهَب عَن مَالك أَنَّهَا تَأْخُذهُ بِغَيْر يَمِين، وَرُبمَا يفهم من هَذَا أَن لِابْنِ الْقَاسِم قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ وَهِي رِوَايَة عِيسَى عَنهُ، وَالثَّانِي يُوَافق عَلَيْهِ مَالِكًا وَلَكِن يَقُول تَأْخُذهُ بِيَمِين. وَإنْ يَكُن مَجْهُولُ حالٍ فَيجِبْ تَحْلِيفُهُ وَمَعْ نُكُولٍ يَنْقَلِبْ (وَإِن يكن مَجْهُول حَال فَيجب تَحْلِيفه وَمَعَ نُكُول يَنْقَلِب) . وَتقدم أَن حَقه أَن يذكر هَذَا الْبَيْت عقب قَوْله: فالخلف تخريجاً بدا هُنَالك. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: حَال تشبث الخ. وَهِي الْحَالة الثَّانِيَة بِالنِّسْبَةِ للمشتهر بِالْفِسْقِ فَقَالَ: وحالةٌ بَعْدَ زَمَانِ الفِعْلِ فالحَدُّ سَاقِطٌ سِوَى مَعْ حَمْلِ (وَحَالَة) تَدعِي فِيهَا على المشتهر بِالْفِسْقِ (بعد زمَان الْفِعْل فالحد سَاقِط) عَنْهَا للقذف وَكَذَا للزِّنَا (سوى مَعَ حمل) يظْهر بهَا فتحد حِينَئِذٍ. وَلَا صَدَاقَ ثمَّ إنْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْ أَمْرِهِ بالسِّجْنِ شَيْءٌ فالحَلِفْ (وَلَا صدَاق) لَهَا فِي هَذِه الْحَالة، وَإِنَّمَا ينظر الإِمَام فِي أمره فيسجنه ويتجسس على حَاله وَيفْعل فِيهِ مَا ينْكَشف بِهِ أمره (ثمَّ إِن) فعل بِهِ مَا ذكر و (لم ينْكَشف من أمره ب) طول (السجْن شَيْء فالحلف) أَنه مَا اغتصبها وَاجِب عَليّ. وَإنْ أَبَى مِنَ اليَمينِ حَلَفَتْ وَلِصَدَاقِ الْمِثْلِ مِنْهُ اسْتَوْجَبَتْ (وَإِن أَبى من الْيَمين) أَي امْتنع مِنْهَا (حَلَفت) هِيَ (ولصداق الْمثل مِنْهُ اسْتَوْجَبت) قَالَه ابْن رشد وَحَاصِله أَنه لَا صدَاق لَهَا فِي مُجَرّد الدَّعْوَى على الصَّالح ومجهول الْحَال مُطلقًا وَكَذَا فِي الْفَاسِد إِن حلف مَعَ عدم تعلقهَا بِهِ فَإِن تعلّقت فالمعمول بِهِ أَن لَهَا الصَدَاق، وَأما الْحَد فَهُوَ مُنْتَفٍ على الرجل مُطلقًا، وَأما هِيَ فتحد مَعَ عدم التَّعَلُّق فِي الصَّالح ومجهول الْحَال للقذف وَالزِّنَا إِن ظهر بهَا حمل أَو لم يظْهر فِي القَوْل الْأَظْهر (خَ) : وَإِن ادَّعَت استكراها على غير لَائِق بِلَا تعلق حدث الخ. وَإِن تعلّقت فَلَا حد للزِّنَا وَإِن ظهر بهَا حمل وحدت للقذف فِي الصَّالح على قَول ابْن الْقَاسِم لَا على قَول غَيره، وَمحل الْخلاف إِن كَانَت صينة وَإِلَّا حدت اتِّفَاقًا وَلَا تحد للقذف اتِّفَاقًا مَعَ الصون فِي الْمَجْهُول الْحَال وَمَعَ عَدمه قَولَانِ. وَلَا تحد فِي الدَّعْوَى على الْفَاسِق مُطلقًا مَعَ التَّعَلُّق؛ وَكَذَا مَعَ عَدمه إِن لم يظْهر بهَا حمل وَالله أعلم. وَانْظُر أَوَاخِر فصل الصَدَاق من ابْن عَرَفَة فَإِنَّهُ أَطَالَ فِي الْمَسْأَلَة وَفِيه زِيَادَة على مَا فِي النّظم.(2/593)
(فصل فِي دَعْوَى السّرقَة)
وَهِي كَمَا فِي الشَّامِل أَخذ مَال أَو غَيره من حرز خُفْيَة لم يؤتمن فَقَوله أَو غَيره يُرِيد بِهِ الطِّفْل الصَّغِير الْحر الَّذِي لَا يعقل فَإِن آخذه يعد سَارِقا وَيقطع بِهِ وَلَيْسَ بِمَال، وَاحْترز بقوله: من حرز مِمَّا لَو أَخذه من غير حرز فَلَا يعد سَارِقا، والحرز هُوَ مَا لَا يعد الْوَاضِع فِيهِ مضيعاً فَلَا قطع فِي الْمَتْرُوك فِي السُّوق وَنَحْوه من الْأَمَاكِن الَّتِي لَا تعد صونا لِلْمَالِ عرفا لِأَنَّهُ فِي غير حرز وَبِقَوْلِهِ خُفْيَة، مِمَّا لَو أَخذه جهاراً فَإِنَّهُ لَا يُسمى سَارِقا بل مختطفاً أَو مُحَاربًا أَو غَاصبا وَبِقَوْلِهِ: لم يؤتمن عَلَيْهِ مِمَّا لَو أَخذ مَا فِي أَمَانَته فَإِن هَذَا خائن لَا سَارِق، وَلَا بُد أَن يكون المَال الْمَأْخُوذ نِصَابا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ، وَيكون أَخذه بِقصد وَاحِد فَلَا قطع على من أَخذ أقل من نِصَاب، وَلَا على من لَهُ شُبْهَة فِيهِ كَالْأَبِ يَأْخُذ مَال وَلَده وَالْعَبْد يَأْخُذ مَال سَيّده والمضطر فِي المجاعة يَأْخُذ مَا يسد جوعته، وَلَا على من أَخذ نِصَابا فِي مَرَّات مَعَ تعدد قَصده، وَلَا بُد أَن يكون الْآخِذ مُكَلّفا، وَلذَا حَدهَا ابْن عَرَفَة بقوله: أَخذ مُكَلّف حرا لَا يعقل لصغره أَو مَالا مُحْتَرما لغيره نِصَابا أخرجه من حرزه بِقصد وَاحِد خُفْيَة لَا شُبْهَة فِيهِ قَالَ: فَيخرج أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ وَمَا اجْتمع بِتَعَدُّد إِخْرَاج وَقصد وَالْأَب مَال وَلَده والمضطر فِي المجاعة اه. فاحترز بالمكلف من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَإِن مَا عَلَيْهِمَا ضَمَان المَال إِن تلف لَا الْقطع، وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرما من أَخذ الْأَسير مَال حَرْبِيّ أَو سَرقَة خمر لمُسلم، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ، وَإِن أَمن عَلَيْهِ فَلَو حذف غير لَكَانَ أحسن، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ خمر الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ مَعَ أَنه مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للذِّمِّيّ، وَلذَا كَانَ يجب عَلَيْهِ غرم قيمتهَا إِن تلف، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ أَخذ مَا فِي أَمَانَته لِأَنَّهُ مُحْتَرم أَيْضا، لَكِن هَذَا رُبمَا يُقَال أخرجه بقوله من حرزه إِذْ الْأمين لَيْسَ الْمَكَان حرْزا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي الدُّخُول إِلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ نِصَابا مِمَّا لَو سرق أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو من ربع دِينَار أَو من مقوم بهما، لَكِن يرد عَلَيْهِ من سرق ثوبا خلقا فَوجدَ فِيهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ يقطع مَعَ كَونه إِنَّمَا قصد الثَّوْب الَّذِي لَا يُسَاوِي ثَلَاثَة دَرَاهِم، فَإِن أَرَادَ مَا وجد فِيهِ النّصاب فَيرد عَلَيْهِ مَا إِذا سرق خَشَبَة فَوجدَ فِيهَا ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ لَا يقطع وَيُمكن الْجَواب بِأَن المُرَاد نِصَاب مَوْجُود مَقْصُود فَيخرج بموجود الثَّوْب الْمَذْكُور وبمقصود الْخَشَبَة الْمَذْكُورَة، وَبِقَوْلِهِ بِقصد وَاحِد مِمَّا لَو أخرج النّصاب فِي مَرَّات لَا بِقصد وَاحِد، بل كَانَت نِيَّته الِاقْتِصَار على مَا أخرجه أَولا ثمَّ بدا لَهُ فَرجع وَأخرج مَا كمل بِهِ النّصاب فَإِنَّهُ لَا قطع عَلَيْهِ وَهُوَ مُصدق فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله: فَإِن أخرج أَولا بعضه بنية أَن يرجع لما فِيهِ تَمام النّصاب فَأكْثر فَإِنَّهُ يقطع لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ أَنه أخرجه بِقصد وَاحِد وَيدخل فِي كَلَامه من سرق نِصَابا، ثمَّ سَرقه آخر من السَّارِق فَإِنَّهُمَا يقْطَعَانِ مَعًا لِأَن المَال مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للثَّانِي لِأَنَّهُ فِي ضَمَان الأول.(2/594)
فَائِدَة: قَالَ عِيَاض: أَخذ المَال بِغَيْر حق على ضروب عشرَة: حرابة وغيلة وغصب وقهر وخيانة وسرقة واختلاس وخديعة وتعد وَجحد، وَاسم الْغَصْب يُطلق على الْجَمِيع فِي اللُّغَة كالحرابة كل مَا أَخذ مُكَابَرَة ومدافعة، والغيلة مَا أَخذ بعد قتل صَاحبه بحيلة ليَأْخُذ مَاله، وَحكمه حكم الْحِرَابَة. وَالْغَصْب مَا أَخذه ذُو الْقُدْرَة وَالسُّلْطَان والقهر نَحْو مِنْهُ إِلَّا أَن يكون من ذِي الْقُوَّة فِي جِسْمه للضعيف وَمن الْجَمَاعَة للْوَاحِد، والخيانة كل مَا كَانَ لآخذه قبله أَمَانَة أَو يَد، وَالسَّرِقَة مَا أَخذ على وَجه الاختفاء، والاختلاس كل مَا أَخذ بِحَضْرَة صَاحبه على غَفلَة وفر آخذه بِسُرْعَة، والخديعة مَا أَخذه بحيلة كالتشبه بِصَاحِب الْحق، وَصَاحب الْوَدِيعَة أَو المتزيي بزِي الصّلاح ليَأْخُذ المَال بذلك، والجحد إِنْكَار مَا تقرر بِذِمَّة الجاحد وأمانته وَهُوَ نوع من الْخِيَانَة، والتعدي مَا أَخذ بِغَيْر إِذن بِحَضْرَتِهِ أَو مغيبه اه. وَمُدَّعٍ على امْرِىءٍ أَنْ سَرَقَهْ وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بالمُحَقَّقَهْ (ومدع على امرىء إِن سَرقه وَلم تكن دَعْوَاهُ بالمحققة) . أَي الْبَيِّنَة الَّتِي تحقق دَعْوَاهُ فَيشْمَل مَا إِذا قَالَ: اتهمته لِأَن دَعْوَى الاتهام لَا بَيِّنَة فِيهَا، وَمَا إِذا حقق عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَلم تقم لَهُ بَيِّنَة فَالْحكم فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِد كَمَا قَالَ: فإنْ يَكُن مُدَّعِياً ذَاكَ عَلَى مَنْ حَالُهُ فِي النَّاسِ حالُ الفُضَلاَ (فَإِن يكن مُدعيًا ذَاك على من حَاله فِي النَّاس حَال الفضلا فَلَيْس مِنْ كَشْفٍ لِحَالِهِ وَلا يَبْلُغُ بالدَّعْوَى عَلَيْهِ أمَلاَ فَلَيْسَ) على الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِين وَلَا (من) زَائِدَة (كشف لحاله) بالسجن وَنَحْوه (وَلَا يبلغ بِالدَّعْوَى عَلَيْهِ أملا) بل يلْزم الْمُدَّعِي الْأَدَب كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْغَصْب: وأدب مُمَيّز كمدعيه على صَالح الخ. وَانْظُر مَا تقدم فِي بَاب الْيَمين عِنْد قَوْله: وتهمة إِن قويت الخ. وَإنْ يَكن مُطَالِباً مَنْ يُتَّهَمْ فمالِكٌ بالضَّرْبِ وَالسِّجْن حَكَمْ(2/595)
(وَإِن يكن مطالباً) بِفَتْح اللَّام خبر يكن وَاسْمهَا (من يتهم) وَيجوز كسرهَا على أَنه خبر يكن أَيْضا وَاسْمهَا ضمير يعود على رب الْمَتَاع وَمن يتهم مفعول بالْخبر الْمَذْكُور (فَمَا لَك بِالضَّرْبِ والسجن حكم) كَمَا مرّ عَن الْقَرَافِيّ وَغَيره عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل للْغَاصِب فِي دَعْوَى التّلف وَظَاهره أَنه أطلق الْمُتَّهم على مَا يَشْمَل مَجْهُول الْحَال لِأَنَّهُ جعله قسما للمعروف بِالْفَضْلِ وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة قَائِلا مَجْهُول الْحَال عِنْد الْحَاكِم الَّذِي لَا يعرف ببر وَلَا فجور إِذا ادعِي عَلَيْهِ بتهمة فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يكْشف حَاله. هَذَا حكمه عِنْد عَامَّة عُلَمَاء الْإِسْلَام وَالْمَنْصُوص عِنْد أَكثر الْأَئِمَّة أَنه يحْبسهُ القَاضِي أَو الْوَالِي وَهُوَ مَنْصُوص لمَالِك وَأَصْحَابه اه. وَقَالَ قبل ذَلِك: إِن الْمُتَّهم بِالْفُجُورِ كالسرقة وَقطع الطَّرِيق وَالْقَتْل وَالزِّنَا لَا بُد أَن يكْشف ويستقصي بِقدر تهمته بذلك وشهرته بِهِ، وَرُبمَا كَانَ بِالضَّرْبِ قَالَ: وَلَيْسَ تَحْلِيفه وإرساله مذهبا لأحد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلَا غَيرهم، وَلَو حلفنا كل وَاحِد مِنْهُم وأطلقناه مَعَ الْعلم باشتهاره بِالْفَسَادِ فِي الأَرْض وَكَثْرَة سرقاته وَقُلْنَا: لَا نَأْخُذهُ إِلَّا بشاهدي عدل كَانَ ذَلِك مُخَالفا للسياسة الشَّرْعِيَّة، وَمن ظن أَن الشَّرْع تَحْلِيفه وإرساله فقد غلط غَلطا فَاحِشا مُخَالفا لنصوص رَسُول الله صلوَات الله عَلَيْهِ ولإجماع الْأَئِمَّة قَالَ: وَقد تقدم أول الْبَاب من أَفعَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يدل على عُقُوبَة الْمُتَّهم وحبسه. وَاعْلَم أَن هَذَا النَّوْع من المتهمين يجوز ضربه وحبسه لما قَامَ على ذَلِك من الدَّلِيل الشَّرْعِيّ قَالَ: وَفِي أَحْكَام ابْن سهل إِذا وجد عِنْد الْمُتَّهم بعض الْمَتَاع الْمَسْرُوق وَادّعى أَنه اشْتَرَاهُ وَلَا بَيِّنَة لَهُ لم يُؤْخَذ مِنْهُ غير مَا بِيَدِهِ، فَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال فعلى السُّلْطَان حَبسه والكشف عَنهُ، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بِالسَّرقَةِ حبس حَتَّى يَمُوت فِي السجْن اه. وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون وَأصبغ، وَتقدم مثله عَن مَالك عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل للْغَاصِب، وَقَوله: لم يُؤْخَذ مِنْهُ غير مَا بِيَدِهِ الخ. هَذَا إِنَّمَا يتمشى على الْمَشْهُور لَا على مَا مر فِي الْغَصْب من أَن الْعَمَل مُؤَاخذَة الْمُتَّهم بالغرامة بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فضلا عَن كَون بعض الْمَسْرُوق قد وجد بِيَدِهِ، وَأَن القَوْل للمسروق مِنْهُ فِي قدره، وَقَوله: حَتَّى يَمُوت الخ. بِمثلِهِ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز قَائِلا: يسجن حَتَّى يَمُوت. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: يَعْنِي إِذا لم يقرَّ بِهِ. وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الإقْرَارِ مِن ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لاخْتِبَارِ (وحكموا بِصِحَّة الْإِقْرَار) بِالنِّسْبَةِ لغرم المَال لَا للْقطع فَلَا يقطع (من ذاعر) بالذل الْمُعْجَمَة يَعْنِي مفزع ومخيف أَو بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الزَّانِي الْفَاسِق السَّارِق (يحبس) أَو يضْرب (لاختبار) فالمجهول إِذا أقرّ فِي السجْن عمل بِإِقْرَارِهِ وَغرم المَال، وَالْمُتَّهَم الْمَعْرُوف بالعداء إِذا أقرّ وَلَو تَحت الْعَصَا(2/596)
كَذَلِك لِأَنَّهُ لما جَازَ ضربه وسجنه شرعا كَمَا مر جَازَ إِقْرَاره إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا ذَاك وَالْإِكْرَاه الشَّرْعِيّ طوع وَلذَا قَالَ سَحْنُون: وَذَلِكَ خَارج عَن الْإِكْرَاه وَلَا يعرف هَذَا الْأَمر إِلَّا من ابْتُلِيَ بِهِ يَعْنِي من الْقُضَاة وَمن شابههم. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: كَأَنَّهُ يَقُول إِن ذَلِك الْإِكْرَاه كَانَ بِوَجْه جَائِز شرعا، وَإِذا كَانَ من الْحق عُقُوبَته وسجنه لما عرف من حَاله كَانَ من الْحق أَن يؤاخذه باعترافه اه. وَقَالَ ابْن رحال: إِن حبس القَاضِي الْمُتَّهم الَّذِي يجب حَبسه أَو تخويفه أَو ضربه فَأقر فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ على قَول سَحْنُون، فَيَنْبَغِي أَن يعْمل بِهَذَا بِالنِّسْبَةِ لغرم المَال اه. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: وَيضْرب السَّارِق حَتَّى يخرج الْأَعْيَان الَّتِي سَرَقهَا يَعْنِي إِن كَانَت قَائِمَة بَاقِيَة فَإِن كَانَت مِمَّا لَا يعرف بِعَيْنِه أَو مِمَّا يعرف بِعَيْنِه، وَلَكِن فَوتهَا فيكفيه إِقْرَاره بهَا ويؤاخذ بِهِ كَمَا مرّ، وَالْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كثير وَلَكِن الْمعول عَلَيْهِ مَا قدمْنَاهُ فِي الْغَصْب، وَمَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا. وَقد تقدم من كَلَام التَّبْصِرَة وَغَيرهَا مَا يشْهد لَهُ وَيشْهد لَهُ أَيْضا قَول الْقَرَافِيّ مَا نَصه: اعْلَم أَن التَّوسعَة على الْحُكَّام فِي أَحْكَام السياسة لَيْسَ مُخَالفا للشَّرْع بل تشهد لَهُ الْأَدِلَّة الْمُتَقَدّمَة وَتشهد لَهُ أَيْضا الْقَوَاعِد من وُجُوه. أَحدهَا: أَن الْفساد قد كثر وانتشر بِخِلَاف الْعَصْر الأول، وَمُقْتَضى ذَلِك اخْتِلَاف الْأَحْكَام اه. وَقَالَ أَيْضا: مَوْضُوع ولَايَة الْوَالِي الْمَنْع من الْفساد فِي الأَرْض وقمع أهل الشَّرّ، وَذَلِكَ لَا يتم إِلَّا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالجرائم بِخِلَاف ولَايَة الْقُضَاة، وَقد تقدم عَنهُ أَن هَذَا مِمَّا لَا يتَمَيَّز بِهِ نظر القَاضِي والوالي، وَإِذا كَانَ الْفساد قد كثر فِي زمن الْقَرَافِيّ فَكيف بذلك فِي زَمَاننَا؟ فَلَا يعْتَرض على النَّاظِم بِأَنَّهُ ارْتكب فِي هَذَا خلاف الْمَشْهُور الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ وَثَبت إِقْرَار إِن طاع وإلاَّ فَلَا. وَلَو عين السّرقَة أَو أخرج الْقَتِيل الخ. لِأَن مُقَابل الْمَشْهُور قد يجْرِي بِهِ الحكم وَالْعَمَل لِكَثْرَة الْفساد، وَقد قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا: وَلِأَن (خَ) يتبع مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَهِي إِنَّمَا قَالَت ذَلِك فِي وَقت عدم كَثْرَة الْفساد كَمَا قد رَأَيْته عَن الْقَرَافِيّ، وَلما زَاد هَذَا الْفساد وانتشر انتشار أبلغ الْغَايَة قَامَ مقَام التَّحْقِيق، وَلذَلِك جرى الْعَمَل بإغرام الْمُتَّهم بِمُجَرَّد الدَّعْوَى على مَا تقدم فِي فصل الْغَصْب، وَمَا يرْوى عَن مَالك وَغَيره من اخْتِلَاف الْأَقْوَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لَعَلَّه إِنَّمَا هُوَ باخْتلَاف النَّوَازِل والبلدان، فَرب بلد غلب على أَهلهَا الْفساد، وَرب بلد لم يغلب، وَرب شخص علم مِنْهُ الْفساد، وَرب شخص وَقع ذَلِك مِنْهُ فلتة فَلم يقل بخلوده فِي السجْن وَالله أعلم. وَيُقْطَعُ السَّارِقُ باعْتِرَافِ أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِلَا خِلاَفِ (وَيقطع السَّارِق باعتراف) بِالسَّرقَةِ طَائِعا لَا إِن اعْترف فِي السجْن أَو تَحت الْعَصَا فَلَا قطع، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْغرم حَيْثُ كَانَ مُتَّهمًا أَو مَجْهُول الْحَال كَمَا مر قَرِيبا، وَلَا بُد فِي الْقطع من كَونه مُكَلّفا وَكَون الْمَسْرُوق مَالا مُحْتَرما نِصَابا لم يُؤمن عَلَيْهِ لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ مأخوذاً من حرز وَهُوَ(2/597)
مِمَّا يَصح بَيْعه كَمَا مر. لَا إِن كَانَ كخمر أَو كلب وَلَو كلب الحراسة لوُجُود الْخلاف فِي بَيْعه أَو أضْحِية بعد ذَبحهَا وَجَبت بِالذبْحِ وَلَا تبَاع على الْمُفلس، بِخِلَاف مَا إِذا سرق لَحمهَا من متصدق عَلَيْهِ أَو طنبور لِأَنَّهُ لَا يُبَاع لِأَن منفعَته غير شَرْعِيَّة إِلَّا أَن يُسَاوِي بعد كَسره نِصَابا وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي (خَ) (أَو) بِشَهَادَة (شَاهِدي عدل) من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته كَصَلَاة الأولى وَمَسْجِد الْجَامِع وَعدل فِي الأَصْل مصدر يُوصف بِهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْجمع (بِلَا خلاف) . وَظَاهره أَنه لَا يشْتَرط فِي قبُول شَهَادَتهمَا بَيَان نوعها وصفتها وَلَا كَونهَا أخذت فِي ليل أَو نَهَار، وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَنه يسْتَحبّ للْحَاكِم أَن يسألهم عَن ذَلِك فَإِن قَالُوا: لَا نذْكر الْيَوْم وَلَا الْمَكَان قبلت عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَإِن ذكرُوا الْموضع وَالْيَوْم أَو النَّوْع وَاخْتلفُوا فِي شَيْء من ذَلِك فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ الآخر: يَوْم الْخَمِيس. أَو قَالَ: هَذَا سَرَقهَا من مَحل كَذَا وَقَالَ الآخر من غَيره، أَو قَالَ نوعها كَذَا وَقَالَ الآخر خِلَافه بطلت فالبطلان إِنَّمَا هُوَ إِذا قَالُوا تذكر الْيَوْم وَنَحْوه وَاخْتلفُوا، وَأما إِن قَالُوا لَا نذْكر ذَلِك فَلَا تبطل كَمَا لِابْنِ رشد، وَهَذَا على أَن سُؤَالهمْ مُسْتَحبّ كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْلهَا: يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يكْشف الشُّهُود بِالزِّنَا وَالسَّرِقَة فحملها (خَ) وَغَيره على الِاسْتِحْبَاب فَقَالَ: وَندب سُؤَالهمْ أَي شُهُود الزِّنَا كالسرقة مَا هِيَ وَكَيف أخذت الخ. وَقَالَ أَبُو الْحسن: إِلَّا أَن يَنْبَغِي فِي كَلَامهَا للْوُجُوب واستظهره (ح) وَابْن رحال. وَهَذَا فِي حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة لِأَن الْحُدُود يطْلب درؤها بِالشُّبُهَاتِ لَا فِي غَيرهَا من الْحُقُوق فَإِذا شهد شَاهد بِأَن لفُلَان فِي ذمَّة فلَان مائَة دِينَار مثلا فَلَا يكْشف عَن سكتها هَل هِيَ يزيدية أَو محمدية، وَلَكِن يقْضِي بالأغلب رواجاً فِي الْبَلَد كَمَا مر فِي صدر الْبيُوع، وَأَحْرَى أَن لَا يكْشف عَن الْيَوْم الَّذِي ترتبت فِيهِ فِي ذمَّته لِأَنَّهُ لَو أرخ بالشهر أَو ترك التَّارِيخ أصلا لم تبطل. تَنْبِيه: نقل الْبُرْزُليّ فِي نوازله: أَن سراق الْمغرب الْيَوْم كلهم لصوص تجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْحِرَابَة من الْقَتْل أَو الْقطع من خلاف أَو النَّفْي لَا أَحْكَام السّرقَة لأَنهم يجْعَلُونَ أحد السراق عِنْد رَأس صَاحب الْمنزل فِي الْحَاضِرَة أَو الْبَادِيَة مَتى رَآهُ تحرّك ضربه أَو هدده ويجعلون وَاحِدًا يخرج الْحَيَوَان وَالْمَتَاع وَالْبَاقُونَ واقفون بِالسِّلَاحِ يمنعونه مِمَّن يقوم عَلَيْهِ قَالَ: وَالْحكم فيهم أَنهم إِذا أخذُوا بعد أَن قتل أحدهم رب الْمنزل قتلوا جَمِيعًا، وَإِن لم يقتل أحد أجريت عَلَيْهِم أَحْكَام الْمُحَارب، وَإِذا أَخذ أحدهم كَانَ ضَامِنا لجَمِيع مَا أَخَذُوهُ اه. قلت: وَمَا قَالَه صَحِيح وَمَا ذكره من الحكم عَلَيْهِم بِمَا ذكر إِنَّمَا هُوَ إِذا ثَبت عَلَيْهِم ذَلِك وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي لقَوْل (خَ) فِي الْحِرَابَة: وَلَو شهد اثْنَان أَنه المشتهر بهَا ثبتَتْ وَإِن لم يعايناها، وَأما إِن لم يثبت ذَلِك لَا بِالسَّمَاعِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْغَالِب فِي هَذَا الْوَقْت لعدم وجود من يشْهد على من اكْتسب التَّعْظِيم والاحترام بتلصصه كَمَا مر فِي الْغَصْب، فَإِنَّهُ ينكل ويخلد فِي السجْن(2/598)
وَلَا أقل من أَن ينفى من الأَرْض مُؤَاخذَة لَهُ بالأيسر ردعاً لَهُ ولأمثاله. وَمَنْ أَقَرَّ وَلشُبْهةٍ رَجَعْ دُرِىءَ عَنْهُ الحَدُّ فِي الَّذي وَقَعْ (وَمن أقرّ) بِسَرِقَة (ولشبهة رَجَعَ) عَن إِقْرَاره كَقَوْلِه: أخذت مَالِي الْمُودع أَو الْمَغْصُوب مني أَو المعار، وظننت أَن ذَلِك سَرقَة أَو قَالَ: أضافني فلَان وأنزلني فِي بَيته فَأخذت مِنْهُ كَذَا فَظَنَنْت أَنه سَرقَة (درىء عَنهُ الْحَد فِي الَّذِي وَقع) مِنْهُ لِأَنَّهُ فِي الثَّلَاثَة الأول إِنَّمَا أَخذ مَتَاعه على زَعمه وَإِن كَانَ لَا يقْضِي لَهُ بذلك بِدُونِ بَيِّنَة، وَأَنه مَاله وَفِي الرَّابِعَة هُوَ خائن على زَعمه لَا سَارِق فَلَا قطع عَلَيْهِ كَمَا مر أول الْفَصْل. وَنَقَلُوا فِي فَقْدِهَا قَوْلَينِ وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الحَالَيْنِ (ونقلوا فِي) رُجُوعه عَن إِقْرَاره مَعَ (فقدها) أَي الشُّبْهَة كَأَن يَقُول: كذبت فِي إقراري أَو أنكر الْإِقْرَار من أَصله (قَوْلَيْنِ) فِي قبُول رُجُوعه وَعَدَمه وَالْمَشْهُور الأول (خَ) : وَقبل رُجُوعه بِلَا شُبْهَة وَمحل الْقَوْلَيْنِ إِذا لم يكن عين السّرقَة، وَأما إِن عينهَا ثمَّ أنكر الْإِقْرَار من أَصله فَإِنَّهُ لَا يقبل إِنْكَاره وَيقطع اتِّفَاقًا كَمَا لِابْنِ رشد، وَمثل السَّارِق فِي قبُول رُجُوعه لشُبْهَة ولغيرها الزَّانِي والشارب والمحارب وَقد جمعت فِي قَوْله: وسارق وَالزَّانِي ثمَّ الشَّارِب رجوعهم يقبل كالمحارب وَمثلهمْ من يشْهد عَلَيْهِ بمعاينة زِنَاهُ بالإحصان ثمَّ رَجَعَ عَنهُ، فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه ويجلد مائَة وَلَا يرْجم، وَكَذَا من أقرّ بقتل الغيلة ثمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ يقبل رُجُوعه، وَفَائِدَته أَنه إِذا عَفا عَنهُ الْوَلِيّ لم يقتل لِأَنَّهُ لم يبْق بعد عَفوه إِلَّا قَتله لحق الله وَهُوَ يدْرَأ بِالرُّجُوعِ لشُبْهَة وَغَيرهَا، وَمثله من أقرّ بِالْقَتْلِ عمدا لغير غيلَة فَرجع عَن إِقْرَاره مُنْكرا لَهُ، أَو قَالَ كذبت فِيهِ فَإِنَّهُ يسْقط عَنهُ ضرب مائَة وسجنه سنة، إِذا عَفا عَنهُ الْوَلِيّ وَالضَّابِط كل حد كَانَ حَقًا لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يسْقط بِالرُّجُوعِ عَن إِقْرَاره بِمُوجبِه فَإِن لم يرجع قَاتل الْعمد وَعَفا عَنهُ الْوَلِيّ فَلَا بُد لَهُ من ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) وَعَلِيهِ أَي قَاتل الْعمد مُطلقًا كَانَ مُسلما أَو كَافِرًا أَو عبدا جلد مائَة ثمَّ حبس سنة وَإِن بقتل مَجُوسِيّ أَو عَبده الخ. (و) إِذا سقط الْقطع عَن السَّارِق بِرُجُوعِهِ ف (الْغرم) لِلْمَالِ (وَاجِب) عَلَيْهِ (على) كلا (الْحَالين) الشُّبْهَة وَعدمهَا على القَوْل بِأَن رُجُوعه لغير شُبْهَة مُعْتَبر، وَهَذَا إِذا كَانَ حرا. وَأما العَبْد إِذا أقرّ بِالسَّرقَةِ وَرجع وَقد فَاتَ الْمَسْرُوق بذهاب عينه فَإِنَّهُ لَا غرم عَلَيْهِ لِأَن مَا بِيَدِهِ لسَيِّده فَلَا يمْضِي إِقْرَاره عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ (خَ) فِي الْإِقْرَار بقوله: كَالْعَبْدِ فِي غير المَال الخ. لَكِن يتبع بِهِ إِذا أعتق يَوْمًا مَا فَإِن لم يرجع عَنْهَا فالقطع وَلَا غرم عَلَيْهِ إِذا أعتق كَمَا يَأْتِي.(2/599)
وَكلُّ مَا سُرِقَ وَهُوَ بَاقِي فإنَّهُ يُرَدُّ باتِّفَاقِ (وكل مَا سرق وَهُوَ بَاقٍ) بِعَيْنِه بيد السَّارِق أَو غَيره (فَإِنَّهُ يرد) لرَبه (بِاتِّفَاق) أَي إِجْمَاعًا وَيرجع الْغَيْر على السَّارِق إِن كَانَ أَخذه مِنْهُ بعوض، وَلَو كَانَ السَّارِق عبدا فَإِنَّهُ يتبعهُ بِهِ إِذا عتق يَوْمًا مَا، وَظَاهره أَنه يرد وَلَو قطع وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُوم قَوْله: وَهُوَ بَاقٍ الخ. أَنه إِذا فَاتَ بذهاب عينه فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِن كَانَ مُتَّصِل الْيُسْر بالمسروق كُله أَو بعضه من يَوْم سرق إِلَى الْيَوْم إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يقطع وَيغرم كَمَا قَالَ: وَحيْثُما السَّارِقُ بالحُكْمِ قُطِعْ فبالّذي سَرَقَ فِي اليُسْرِ اتُّبِعْ (وحيثما السَّارِق بالحكم قطع) لعدم رُجُوعه عَن إِقْرَاره بهَا أَو لقِيَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ (فبالذي سرق فِي) حَال (الْيُسْر) المستمر إِلَى وَقت الْقطع (اتبع) وَإِن كَانَ وَقت السّرقَة مُعسرا أَو أعْسر فِي بعض الْمدَّة الَّتِي بَين السّرقَة وَالْقطع لم يلْزمه غرم وَلَو أيسر بعد الْقطع لخَبر إِذا أقيم الْحَد على السَّارِق فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ أَي: لَا يتبع بِهِ فِي عسره وَقت السّرقَة أَو فِيمَا بَين السّرقَة وَالْقطع لِئَلَّا يجْتَمع عَلَيْهِ عقوبتان قطع يَده وَاتِّبَاع ذمَّته، وَمَفْهُوم قطع أَنه إِذا لم يقطع لكَونه سَرقه من غير حرزة أَو لقِيَام شَاهد وَاحِد عَلَيْهِ بهَا أَو لكَون الْمَسْرُوق أقل من نِصَاب أَو لسُقُوط الْعُضْو الَّذِي يجب قطعه بسماوي أَو بِجِنَايَة عَلَيْهِ أَو لرجوعه عَن الْإِقْرَار بهَا، وَنَحْو ذَلِك اتبع بِهِ مُطلقًا مُوسِرًا أَو مُعسرا أَو يحاصص بِهِ ربه غُرَمَاء السَّارِق إِن كَانَ عَلَيْهِ دين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَوَجَب رد المَال إِن لم يقطع مُطلقًا. وَالحَدُّ لَا الْغُرْمُ عَلَى الْعَبْدِ مَتى أَقَرَّ بالسَّرِقَةِ شَرْعاً ثَبَتَا (وَالْحَد) أَي الْقطع (لَازم على العَبْد) لَا الْغرم فَلَا يلْزمه وَلَو كَانَ ذَا شَائِبَة (مَتى أقرّ بِالسَّرقَةِ) بِسُكُون الرَّاء للوزن أَي وَلم يرجع عَنهُ (شرعا ثبتاً) خبر ثَان أَي: وَالْحَد لَازم ثَابت شرعا(2/600)
على العَبْد الخ. وَمَفْهُوم أقرّ أَنه إِذا لم يقر بل شهد عَلَيْهِ شَاهد وَاحِد أَو أقرّ بهَا سَيّده دونه فَإِن العَبْد حِينَئِذٍ فِي جِنَايَته فَيُخَير سَيّده فِي إِسْلَامه أَو فدائه، لَكِن بعد يَمِين الْمَسْرُوق فِي الأولى، وَأما إِن ثَبت عَلَيْهِ بِشَاهِدين فالقطع وَلَا غرم، واحترزت بِقَوْلِي وَلم يرجع مِمَّا إِذا رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا قطع وَيتبع بهَا إِذا عتق كَمَا مر قَرِيبا، وَإِنَّمَا كَانَ العَبْد فِي جِنَايَته إِذا أقرّ بهَا سَيّده دونه لِأَن العَبْد إِذا ادعِي عَلَيْهِ بِمَا يُوجب الْقصاص أَو الْقطع أَو الْأَدَب فَإِنَّهُ الَّذِي يُجيب عَن ذَلِك لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤَاخذ بِهِ فِي بدنه لَو أقرّ بِهِ، وَأما إِذا ادعِي عَلَيْهِ بِإِتْلَاف زرع أَو دَابَّة عمدا أَو خطأ أَو قتل شخص أَو قطعه خطأ أَو سَرقَة شَيْء فَأنْكر، فَإِن الَّذِي يُجيب عَن ذَلِك هُوَ السَّيِّد، فَإِذا أقرّ لزمَه أَن يُسلمهُ أَو يفْدِيه (خَ) فِي آخر الشَّهَادَات وليجب عَن الْقصاص العَبْد وَعَن الْأَرْش السَّيِّد الخ.
(فصل فِي أَحْكَام الدِّمَاء)
وَهُوَ بَاب مُهِمّ بِلَا شكّ لِأَن حفظ النُّفُوس إِحْدَى الْخمس الَّتِي اجْتمعت الْملَل على وجوب حفظهَا فقد نقل الأصوليون إِجْمَاع الْملَل على حفظ الْأَدْيَان والنفوس والعقول والأعراض وَالْأَمْوَال، وَقد ذكر بَعضهم الْأَنْسَاب بدل الْأَمْوَال. وَفِي الحَدِيث الْكَرِيم: (لقتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا كلهَا) وَفِيه أَيْضا: (من أعَان على قتل أمرىء مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بَين عَيْنَيْهِ مَكْتُوب آيس من رَحْمَة الله تَعَالَى) اه. وَنَقله ابْن الْحَاج وَغَيره قَالَ: وَورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: (كل ذَنْب عَسى الله أَن يغفره إِلَّا من مَاتَ مُشْركًا أَو من قتل مُؤمنا مُتَعَمدا) وَقد أخبر تَعَالَى أَن قتل النَّفس بِغَيْر حق كَقَتل جَمِيع النَّاس فِي عظم الْإِثْم فَقَالَ: من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا} (الْمَائِدَة: 32) قَالَ مُجَاهِد: جعل الله جَزَاء من قتل نفسا بِغَيْر حق جَهَنَّم وَغَضب عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما، فَلَو قتل جَمِيع الْخلق لم يزدْ من الْعَذَاب على ذَلِك، وَمَا سَمَّاهُ الله عَظِيما لَا يعلم قدره إِلَّا هُوَ عز وَجل اه. وَاخْتلف فِي قبُول تَوْبَته على قَوْلَيْنِ مأخوذين من قَول مَالك لِأَنَّهُ مرّة قَالَ: لَا تجوز إِمَامَته وَإِن تَابَ، وَيُؤَيِّدهُ أَن من شَرط قبُول التَّوْبَة رد التباعات ورد الْحَيَاة على الْمَقْتُول مُتَعَذر إِلَّا أَن يحلله الْمَقْتُول قبل مَوته، وَمرَّة قَالَ: هُوَ فِي الْمَشِيئَة يكثر من الْعَمَل الصَّالح وَالصَّدَََقَة وَالْجهَاد وَالْحج فَيُؤْخَذ مِنْهُ قبُول تَوْبَته. ابْن رشد: من قَالَ إِن الْقَاتِل مخلد فِي النَّار أبدا فَقَط أَخطَأ، وَخَالف أهل السّنة لِأَن الْقَتْل لَا يحبط مَا تقدم من إيمَانه وَلَا مَا اكْتسب من صَالح أَعماله اه. وَحكى ابْن عَطِيَّة الْإِجْمَاع منا وَمن الْمُعْتَزلَة على أَن الْقصاص كَفَّارَة للْقَتْل لحَدِيث (من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ) قَالَ: وَالْجُمْهُور على قبُول تَوْبَته اه. وَمَا حَكَاهُ من الْإِجْمَاع طَريقَة لَهُ، بل حكى ابْن رشد فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ متساويين قيل كَفَّارَة، وَقيل لَيْسَ بكفارة لِأَن الْمَقْتُول لَا مَنْفَعَة لَهُ(2/601)
فِي الْقصاص، وَإِنَّمَا منفعَته عَائِدَة على الْأَحْيَاء ليتناهى النَّاس عَن الْقَتْل. قَالَ تَعَالَى: وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} (الْبَقَرَة: 179) أَي لكم فِي مَشْرُوعِيَّة الْقصاص حَيَاة لِأَن الشَّخْص إِذا علم أَنه يقْتَصّ مِنْهُ انكف عَن الْقَتْل وَهُوَ ضَرْبَان قتل خطأ وَسَيَأْتِي، وَقتل عمد وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا على الْمَشْهُور إِلَّا مَا ثَبت من شبه الْعمد عِنْد مَالك فِي رمي الْأَب وَلَده بحديدة على مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وغلظت فثلثت فِي الْإِبِل الخ خلافًا لمن أثبت شبه الْعمد فِي غير الْأَب وَإِلَى الْعمد الْمَحْض أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَالْقَتْلُ عَمْداً للقصَاصِ مُوجِبُ بعد ثُبُوتِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ (وَالْقَتْل) بِفعل حَال كَونه (عمدا) عُدْوانًا (للْقصَاص مُوجب بعد ثُبُوته) أَي الْعمد (بِمَا يسْتَوْجب) بِكَسْر الْجِيم وَفتح الْيَاء مَبْنِيا للْفَاعِل وَالسِّين وَالتَّاء زائدتان أَي الْقَتْل عمدا مُوجب للْقصَاص بعد ثُبُوته بِمَا يجب ثُبُوته بِهِ، وَالَّذِي يثبت بِهِ أحد أَشْيَاء ثَلَاثَة بَينهَا بقوله: مِن اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِقَتْلِ القَاتِلِ (من اعْتِرَاف) شخص (ذِي بُلُوغ عَاقل) طائع أَنه قتل فلَانا عمدا عُدْوانًا لَا باعتراف صبي أَو مَجْنُون أَو مكره، فَإِن أقرّ أَنه قَتله خطأ وَقَالَ الْأَوْلِيَاء: بل عمدا عُدْوانًا فَالظَّاهِر أَن القَوْل للأولياء كَمَا يَأْتِي فِيمَن قَامَت بَيِّنَة بضربه فَقَالَ: لم أقصد ضربه، وَقَالَ الْأَوْلِيَاء: بل قصدته فَإِن القَوْل لَهُم. (أَو شَاهِدي عدل) شَهدا (ب) معاينتهما ل (قتل) هَذَا (الْقَاتِل) الْعَاقِل الْبَالِغ لهَذَا الْمَقْتُول أَو شَهدا بمعاينتهما لضربه وَإِن بقضيب أَو لطمة أَو وكزة أَو حجر أَو عَصا فَمَاتَ عَاجلا أَو مغموراً لم يتَكَلَّم، فَإِن تكلم يَوْمًا أَو أَيَّامًا فالقصاص بقسامة أكل أَو لم يَأْكُل مَا لم ينفذ مَقْتَله فَلَا قسَامَة وَلَو أكل أَو شرب وعاش أَيَّامًا كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب وَلَا يصدق أَنه لم يقْصد ضربه وَلَا أَنه ضربه على وَجه اللّعب قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا يصدق فِي إِرَادَة اللّعب وَلَا أَنه لم يرد قَتله. وَاعْلَم أَن أَرْكَان الْقصاص ثَلَاثَة. أَولهَا: الْقَتْل أَي الْفِعْل عمدا وَهُوَ معنى مَا فِي الْبَيْت الأول، وَقَوْلِي بِفعل شَامِل للضرب والتخنيق والتثقيل وَمنع الطَّعَام وَطرح غير محسن العوم فِي(2/602)
نهر وَوضع مزلق بطرِيق، واتخاذ كلب عقور وَنَحْو ذَلِك. وَإِلَى هَذَا الرُّكْن أَشَارَ (خَ) بقوله: إِن قصد أَي تعمد ضرب الْغَضَب أَو عَدَاوَة وَإِن بقضيب لخنق وَمنع طَعَام أَو مثقل وَلَا قسَامَة إِن أنفذ مَقْتَله أَو مَاتَ مغموراً، ثمَّ قَالَ: وَإِن تصادما أَو تجاذبا مُطلقًا قصدا فماتا أَو أَحدهمَا فالقود وحملا عَلَيْهِ الخ. أَي: على الْقَصْد وَهُوَ يُوضح لَك أَن من وجد مِنْهُ الضَّرْب وَإِن بقضيب مَحْمُول على قَصده فَلَا يقبل مِنْهُ أَنه لم يَقْصِدهُ أَو أَنه قَصده على وَجه اللّعب. قَالَ ابْن فَرِحُونَ: وَيجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِأَنَّهُ قَتله عمدا عُدْوانًا، والعمدية صفة قَائِمَة بِالْقَلْبِ فَجَاز للشَّاهِد أَن يشْهد بهَا اكتفاه بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرَة الخ. يَعْنِي لما رَأَوْهُ من ضربه على وَجه الْغَضَب، وَظَاهر قَوْله عمدا أَنه يقتل بِهِ وَلَو تبين خلاف الذَّات الَّتِي قصد قَتلهَا كَمَا لَو ضربه على أَنه عَمْرو فَتبين أَنه زيدا وعَلى أَنه عَمْرو بن فلَان فَتبين أَنه عَمْرو بن فلَان آخر، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ كِلَاهُمَا مَعْصُوم وَلَا علينا فِي اعْتِقَاده، وَكَذَا لَو قصد ضرب رَأسه أَو رجله فَأصَاب عينه ففقأها فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ خلافًا لما فِي الرجراجي، وَأما لَو قصد ضرب هَذِه الذَّات عُدْوانًا فَأصَاب ذاتاً أُخْرَى فَلَا قَود وَهُوَ خطأ خلافًا لما فِي (ح) وَالْفرق أَنه فِي الأول قصد هَذِه الذَّات فَقَتلهَا فَتبين أَن الْمَقْصُود غَيرهَا وَهَذِه قصد ضرب هَذِه الذَّات فعدلت الرَّمية عَنْهَا إِلَى غَيرهَا. واحترزت بِقَوْلِي عُدْوانًا عَمَّا إِذا قصد ضرب شَيْء مُعْتَقدًا أَنه غير آدَمِيّ أَو أَنه آدَمِيّ غير مُحْتَرم لكَونه حَرْبِيّا أَو زَانيا مُحصنا، فَتبين أَنه آدَمِيّ مُحْتَرم فَلَا قصاص أَيْضا وَلَو تكافئا، وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة وَيصدق بِيَمِينِهِ أَنه ظَنّه حَرْبِيّا لِأَن هَذَا وَإِن كَانَ عمدا لكَونه لَيْسَ بعدوان فَإِنَّهُ مُلْحق بالْخَطَأ، وَمِمَّا إِذا كَانَ الضَّرْب على وَجه اللّعب وَقَامَت قرينَة عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا يصدق فِي إِرَادَته كَمَا مر، وَمِمَّا إِذا كَانَ الضَّرْب على وَجه الْأَدَب مِمَّن يجوز لَهُ كَالْأَبِ وَنَحْوه فَمَاتَ أَو كسر رجله أَو فَقَأَ عينه فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة إِن بلغت الثُّلُث وإلاَّ فَعَلَيهِ فَقَط. وَيصدق الْأَب والمعلم وَالزَّوْج فِي إِرَادَة الْأَدَب دون الْقَتْل إِن كَانَ بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا لَا إِن ضربه الْمعلم باللوح وَنَحْوه فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ، وَكَذَا إِن ذبح الْأَب وَلَده أَو شقّ بَطْنه لَا إِن رَمَاه بِالسَّيْفِ وَادّعى أَنه أدبه فَلَا يقْتَصّ مِنْهُ، وَثَانِيها الْقَاتِل وَشَرطه أَن يكون عَاقِلا بَالغا فَحَذفهُ من الْبَيْت الثَّانِي لدلَالَة الأول عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي أَنه يُزَاد على ذَلِك كَونه غير حَرْبِيّ مماثلاً للمقتول فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام حَيْثُ قَالَ: والقود الشَّرْط بِهِ المثليه فِي الدَّم وَالْإِسْلَام والحريه الخ. فَلَا يقتل حَرْبِيّ بِمُسلم قَتله فِي حَال حربيته ثمَّ أسلم، وَلَا مُسلم بِكَافِر وَلَو حرا، وَلَا حر مُسلم بِعَبْد كَمَا يَأْتِي. وَثَالِثهَا: الْقَتِيل وَشَرطه أَن يكون مَعْصُوم الدَّم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالشّرط فِي الْمَقْتُول عصمَة الدَّم الخ. فَلَا يقْتَصّ من مُسلم قتل مُرْتَدا أَو زَانيا مُحصنا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْأَمر الثَّالِث الَّذِي يثبت بِهِ الْقَتْل فَقَالَ: أَوْ بِالْقِسَامَةِ وَباللَّوْثِ تَجِبْ وَهْوَ بِعَدِلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ (أَو بالقسامة) وَهِي خَمْسُونَ يَمِينا على قتل حر مُسلم مُحَقّق الْحَيَاة فَلَا قسَامَة على قتل(2/603)
أضدادهم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين قسَامَة الخ (خَ) : والقسامة سَببهَا قتل الْحر الْمُسلم يَعْنِي الْمُحَقق الْحَيَاة، وَلَكِن لَا يُمكن مِنْهَا الْوَلِيّ مُطلقًا بل (وباللوث تجب) وَتثبت لَهُ بِدُونِهِ (وَهُوَ) أَي اللوث أَمر يحصل مِنْهُ غَلَبَة الظَّن بِصدق الْمُدَّعِي وينشأ عَن أُمُور خَمْسَة. أَحدهَا: أَنه ينشأ (بِعدْل) وَاحِد (شَاهد بِمَا طلب) من مُعَاينَة الْقَتْل أَو الضَّرْب أَو الْجرْح تَأَخّر الْمَوْت بِأَكْل أَو شرب أم لَا. كَانَ الْمَقْتُول بَالغا أم لَا. مُسلما أَو كَافِر، والمرأتان العدلتان كالشاهد الْوَاحِد فِيمَا ذكر فَيحلف الْأَوْلِيَاء يَمِينا وَاحِدَة تَكْمِلَة للنصاب أَنه لقد قَتله أَو ضربه ثمَّ خمسين يَمِينا أَنه لقد قَتله أَو لقد ضربه أَو جرحه وَلمن ضربه أَو جرحه مَاتَ ويستحقون الْقود فِي الْعمد وَالدية فِي الْخَطَأ أَو فِي عدم المماثل، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْهد بِأَنَّهُ قَتله غيلَة فَلَا يقسمون مَعَه لِأَنَّهُ لَا يقبل فِيهَا إِلَّا العدلان على الْمُعْتَمد كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن شَهَادَة الْعدْل لوث وَلَو لم يُوجد أثر الضَّرْب الَّذِي شهد بِهِ، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الضَّرْب قد لَا يظْهر أَثَره فِي خَارج الْجَسَد. وَثَانِيها: أَنه ينشأ عَن شَهَادَة اللفيف كَمَا قَالَ: أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ لَفِيفِ الشُّهَدَا وَيسْقُطُ الإعْذَارُ فيهم أبَدَا (أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا) اثْنَي عشر فَأكْثر على مَا بِهِ الْعَمَل شهدُوا بمعاينة قَتله أَو ضربه أَو جرحه على نَحْو مَا تقدم فِي الْعدْل الْوَاحِد، وَهَذَا على مَا عِنْد النَّاظِم، وَلَكِن الْعَمَل الْجَارِي بفاس قبُول شَهَادَة اللفيف فِي جَمِيع الْأُمُور فَإِن السِّتَّة مِنْهُم يقومُونَ مقَام الْعدْل الْوَاحِد، وَقد نَص ناظمه على أَن الْعَمَل جرى بِنَفْي الْيَمين مَعَ الاثْنَي عشر، وَظَاهر كَلَامه وَكَلَام شراحه وَلَو فِي الدِّمَاء لِأَن الاثْنَي عشر فِي مرتبَة العدلين وَنِصْفهَا فِي مرتبَة الْوَاحِد وَعَلِيهِ فشهادته لَيست لوثاً فَقَط بل قَائِمَة مقَام العدلين وَلَا سِيمَا على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب الخ. لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ حَيْثُ أوجب الْقسَامَة مَعَ غير الْعدْل المتحد أَنَّهَا لَا تجب مَعَ المتعدد الْكثير كَمَا فِي اللفيف الْمَذْكُور. (وَيسْقط الْإِعْذَار) للخصم (فيهم أبدا) لِأَنَّهُ مَدْخُول فيهم على عدم الْعَدَالَة فَلَا يقْدَح فيهم بِكُل مَا يقْدَح بِهِ فِي الْعُدُول من مطل وَلعب نيروز وَحلف بِعِتْق أَو طَلَاق وَعدم أَحْكَام الصَّلَاة وَالْوُضُوء وَالْغسْل وَنَحْو ذَلِك: نعم لَا بُد فيهم من ستر الْحَال فَلَا يقبل تَارِك الصَّلَاة وَلَا مجاهر بالكبائر من كَثْرَة كذب وَإِظْهَار سكر وَلعب بقمار وسفه ومجون، وَلَا مُتَّهم كصديق وَقَرِيب للْمَشْهُود لَهُ أَو عَدو للْمَشْهُود عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذا وجد فِي الْبَلَد أمثل مِنْهُم، وَأما إِذا عَم الْفساد بالسكر وَكَثْرَة الْكَذِب والمجاهرة بالكبائر. فَلَا يقْدَح فِي شَهَادَتهم بِشَيْء من ذَلِك كَمَا لشارح الْعَمَل عِنْد قَوْله: لَا بُد فِي شَهَادَة اللفيف من ستر حَالهم على الْمَعْرُوف(2/604)
الخ. وَإِذا سقط الْإِعْذَار فيهم بِمَا ذكر فَلَا بُد أَن يعْذر إِلَى الْقَاتِل فَيُقَال لَهُ: إِن كَانَت لَك مَنْفَعَة من غير بَاب شُهُود اللفيف فَأثْبت بهَا، أَو لَك تجريح بِالْقَرَابَةِ أَو الْعَدَاوَة أَو المجاهرة بالكبائر ويوسع لَهُ فِي الْأَجَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره. وَثَالِثهَا: أَن ينشأ عَن الْوَاحِد غير الْعدْل كَمَا قَالَ: وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ قَسَامَةٌ بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ (وَمَالك) مُبْتَدأ (فِيمَا رَوَاهُ أَشهب قسَامَة بِغَيْر عدل يُوجب) خبر وقسامة مَفْعُوله والمجروران يتعلقان بِهِ أَي: وَمَالك يُوجب الْقسَامَة بِشَهَادَة الْوَاحِد غير الْعدْل فِيمَا رَوَاهُ أَشهب وَلَا إعذار فِيهِ أَيْضا إِلَّا بِمَا يعْذر بِهِ فِي اللفيف الْمُتَقَدّم، وَهَذَا وَإِن كَانَ الْمَشْهُور خِلَافه، وَلَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يهدر هَذَا القَوْل ويلغى بِالنِّسْبَةِ للمتهم الْمَعْرُوف بالعداء لموافقته لما بِهِ الْعَمَل كَمَا مر فِي بَابي السّرقَة وَالْغَصْب وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بِأَن شَهَادَة غير الْعدْل لوث نظرا إِلَى كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مُتَّهمًا مَعْرُوفا بالعداء وَسَفك الدِّمَاء، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن ابْن رحال فِي التدمية الْبَيْضَاء، وَأَيْضًا فَإِن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان، وَقد لَا يحضر قَتله إِلَّا غير الْعدْل فشهادته، وَإِن لم توجب قصاصا فَلَا أقل من أَن توجب مَعَ الْقسَامَة الدِّيَة وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مَسْتُور الْحَال، فشهادته حِينَئِذٍ أقوى فِي اللوث من مُجَرّد قَول الْمُدَّعِي دمي عِنْد فلَان الَّذِي أَشَارَ لَهُ بقوله: أَو بمقَالةِ الْجَرِيحِ المُسْلِمِ البَالِغِ الحُرِّ فُلاَنٌ بِدمِ (أَو بمقالة الجريح) أَي الَّذِي بِهِ جرح لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ أَو أثر ضرب أَو أثر سم (الْمُسلم الْبَالِغ الْحر) الْعَاقِل وَلَو سَفِيها أَو مسخوطاً ادّعى بذلك على ورع أَو زَوْجَة على زَوجهَا أَو ولد على أَبِيه أَنه ذبحه أَو شقّ بَطْنه (فلَان بدمي) أَي قتلني كَانَ فلَان كَافِرًا ذكرا أَو أُنْثَى حرا أَو عبدا مُسلما أَو ذِمِّيا صَبيا أَو بَالغا عَاقِلا أم لَا. هَذَا إِذا قَالَ: قتلني عمدا بل وَلَو قَالَ: قتلني خطأ فَيقسم الْأَوْلِيَاء ويستحقون الْقود أَو الدِّيَة، وَمَفْهُوم قتلني أَنه إِذا قَالَ: جرحني أَو قطع يَدي فَإِنَّهُ لَا قسَامَة وَهُوَ كَذَلِك مَا لم تكن بَينه وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ عَدَاوَة فَإِنَّهُ يحلف ويقتص كَمَا يَأْتِي فِي الْجراح. يَشْهَدُ عَدْلاَنِ عَلَى اعْتِرَافِهِ وَصِفةُ التمييزِ مِنْ أَوْصَافِهِ (يشْهد عَدْلَانِ على اعترافه) أَي على قَوْله فلَان بدمي أَو قتلني وَيسْتَمر على إِقْرَاره، فَلَا(2/605)
قَالَ: قتلني فلَان بل فلَان بَطل الدَّم، وَكَذَا لَو قيل لَهُ من جرحك؟ فَقَالَ: لَا أعرفهُ، ثمَّ قَالَ: فلَان أَو قَالَ دمي عِنْد فلَان أَو فلَان على جِهَة الشَّك أَو دمي على جمَاعَة، ثمَّ أَبْرَأ بَعضهم أَو دمي على رجل ثمَّ دمي عَلَيْهِ وعَلى غَيره فَإِن تدميته سَاقِطَة كَمَا فِي الْبَيَان (و) الْحَال أَن (صفة التَّمْيِيز) وَقت اعترافه (من أَوْصَافه) فَلَا يقبل قَوْله مَعَ وجود اختلال فِي عقله وَلَو كَانَ بَالغا وَفهم من قَوْله الجريح إِن مقَالَة الَّذِي لَا أثر جرح فِيهِ وَلَا أثر ضرب وَلَا أَنه يتقيأ سما أَو يتنخم دَمًا لَا تقبل، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا لِأَنَّهَا تدمية بَيْضَاء، وَاعْتَمدهُ (خَ) حَيْثُ قَالَ: إِن كَانَ بِجرح. قَالُوا: وَعَلِيهِ فَلَا يسجن المدمي عَلَيْهِ قبل موت المدمى لِأَنَّهُ قد يتهم أَن يكون أَرَادَ سجنه بِدَعْوَاهُ، فَإِن مَاتَ سجن. وَقَالَ ابْن رحال: الْمَذْهَب قبُول التدمية الْبَيْضَاء لِأَنَّهُ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَبَعْضهمْ يَقُول: هُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة. قَالَ ابْن مَرْزُوق: وَهُوَ الرَّاجِح نقلا ونظراً قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي للمقلد أَن يُفْتِي بِهِ ثمَّ قَالَ: ومداره على غَلَبَة الظَّن بِصدق المدمى كَمَا قَالَه الشاطبي. أَلا ترى إِذا غضب شرير شَأْنه الفتك على صَالح لأجل شَهَادَة عَلَيْهِ مثلا فَقَالَ الصَّالح: دمي عِنْد فلَان فَإِنَّهُ يقتل بِهِ لِأَن الْغَالِب على الصَّالح أَنه لَا يكذب عَلَيْهِ انْتهى. وَكله مَأْخُوذ من كَلَام اللَّخْمِيّ، وَنَصّ الْمَقْصُود مِنْهُ على نقل الأبي الْقَائِل بأعمال التدمية، وَإِن لم يظْهر لَهَا أثر. أصبغ: وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق الرِّوَايَات وَالْقَائِل بإلغائها حَتَّى يظْهر الْأَثر. ابْن كنَانَة وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَابْن رشد وَبِه الْعَمَل. قَالَ اللَّخْمِيّ: إِلَّا أَن يعلم أَنه قد كَانَ بَينهمَا قتال وَيلْزم الْفراش عقب ذَلِك، أَو كَانَ يتَصَرَّف تصرف مشتك عَلَيْهِ دَلِيل المرضى وَتَمَادَى بِهِ ذَلِك حَتَّى مَاتَ قَالَ: يَعْنِي الأبي وباختيار اللَّخْمِيّ هَذَا أَفْتيت اه. وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا يَأْتِي فِي الْجراح من أَن من ادّعى على شخص أَنه قطع يَده مثلا وَكَانَت بَينهمَا عَدَاوَة أَنه يحلف ويقتص مِنْهُ، وَهَذَا كُله مِمَّا يُقَوي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب. من أَنه يعْمل بِشَهَادَة غير الْعدْل على الْمَعْرُوف بالعداء، وَيُقَوِّي أَيْضا مُسْتَند الْعَمَل الْمُتَقَدّم فِي الْغَضَب وَالله أعلم. وَاحْترز بِالْمُسلمِ من الْكَافِر، وبالبالغ من الصَّبِي، وبالحر من العَبْد، وبالمميز من المختل الْعقل فَلَا عِبْرَة بتدميتهم وَكَيْفِيَّة وثيقتها عاين شهيداه يَوْم تَارِيخه فلَانا وبرأسه أَو يَده أَو جسده جرح مخوف مِمَّا لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ أَو أثر ضرب أَو يتقيأ سما أَو يتنخم دَمًا أَو بجسده نفخ، وأشهدهم أَن فلَانا أَصَابَهُ بذلك عمدا أَو خطأ، أَو أشهدهم أَن مَمْلُوك فلَان أَصَابَهُ بذلك بِأَمْر سَيّده فلَان وتحريضه عَلَيْهِ، وَقَوله لَهُ: اضْرِب اضْرِب اقْتُل اقْتُل وَأَنه يجد من ذَلِك ألم الْمَوْت فَمَتَى قضى الله بوفاته ففلان المؤاخذ بدمه أَو فلَان ومملوكه المؤاخذان بِهِ إشهاداً صَحِيحا عَارِفًا قدره وَهُوَ فِي صِحَة عقله وثبات ميزه وَمرض من ألم الْجرْح وطوع وَجَوَاز وعرفه وَعرف المدمى عَلَيْهِ وَفِي كَذَا بِأَن سقط مِنْهَا مُعَاينَة الْجرْح الْمَذْكُور وَمَا مَعَه أَو لم يقل مخوف مِمَّا لَا يَفْعَله الْمَرْء بِنَفسِهِ الخ. فَإِنَّهَا تدمية بَيْضَاء لِأَن الْجرْح الْخَفِيف لَا يعْتَبر، وَقد علمت مَا فِي الْبَيْضَاء من الْخلاف، وَالرَّاجِح أَعمالهَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة لغَلَبَة الْفساد كَمَا مر، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت بَينهمَا عَدَاوَة. وَقَوْلِي: وأشهدهم الخ.(2/606)
لَا مَفْهُوم لَهُ بل وَكَذَلِكَ إِذا لم يشهدهم وَإِنَّمَا قَالُوا سمعنَا مِنْهُ ذَلِك يحكيه للْغَيْر كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْله: يشْهد عَدْلَانِ على اعترافه، وَقَوله: أَو بمقالة الجريح، وَقَول (خَ) : كَأَن يَقُول بَالغ حر الخ. وَقَوله: عمد أَو خطأ لَا مَفْهُوم لَهُ أَيْضا، بل كَذَلِك إِذا لم يبين عمدا وَلَا خطأ فَإِن أولياءه يبينون ويقسمون على مَا بينوا فيستحقون كَمَا قَالَ (خَ) أَو أطلق وبينوا لَا خالفوا أَي لَا إِن قَالَ عمدا وَقَالُوا هم خطأ أَو بِالْعَكْسِ، فَتبْطل التدمية. وَقَوْلِي: بِأَمْر سَيّده احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يقل ذَلِك فَإِن السَّيِّد لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقَوله: اضْرِب اضْرِب الخ. زِيَادَة تَأْكِيد وإلاَّ فَقَوله بِأَمْر سَيّده كَاف فِي مُؤَاخذَة سَيّده (خَ) وكأب أَو معلم أَمر ولدا صَغِيرا أَو سيد أَمر عبدا مُطلقًا الخ. وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي الثَّالِث أمره لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فالتدمية كَذَلِك لِأَنَّهَا هَهُنَا قَائِمَة مقَام الْبَيِّنَة. وَقَوله: وَأَنه يجد من ذَلِك ألم الْمَوْت إِلَى قَوْله إشهاداً صَحِيحا الخ. كُله إِن سقط من الرَّسْم لم يضر، وَكَذَا قَوْله عَارِفًا قدره لِأَنَّهُ مَحْمُول على مَعْرفَته، وَكَذَا قَوْله وَهُوَ فِي صِحَة عقله إِلَى قَوْله وَجَوَاز الخ. لِأَنَّهُ مَحْمُول على ثبات الْعقل والطوع وَالْجَوَاز حَتَّى يثبت اختلال عقله وإكراهه، وَأما السَّفِيه فَإِنَّهُ يعْمل بتدميتة، وَقَوله: وعرفه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سَقَطت الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف فَإِن كَانَ الشَّاهِد مَعْرُوفا بالضبط والتحفظ صحت وَإِلَّا سَقَطت، والا أَن تكون على مَشْهُور مَعْرُوف كَمَا مّر. قَوْله: وَعرف المدمى عَلَيْهِ لَا يضر سُقُوطه إِذا وَصفه بصفاته الَّتِي يتَمَيَّز بهَا كَمَا يَأْتِي آخر الْبَاب فِي قَوْله: وسوغت قسَامَة الْوُلَاة الخ. فَإِن لم يصفه فَلَا يضر أَيْضا لِأَن الأَصْل أَنه هُوَ حَتَّى يثبت من يُشَارِكهُ فِي الْبَلَد فِي اسْمه وَنسبه (خَ) آخر الْقَضَاء: وَإِن لم يُمَيّز فَفِي أعدائه أَو لَا حَتَّى تثبت أحديته قَولَانِ. أرجحهما أعداؤه وَعَلِيهِ إِثْبَات أَن هُنَاكَ من يُشَارِكهُ وَسُقُوط التَّارِيخ لَا يضر أَيْضا كَمَا مر أول الْكتاب، ثمَّ إِن الْأَوْلِيَاء لَا يمكنون من الْقسَامَة فِي هَذَا الْمِثَال، وَفِي غَيره حَيْثُ لم يحضر جسده حَتَّى يثبت موت المدمى كَمَا قَالَ (خَ) إِن ثَبت الْمَوْت، وَيَأْتِي قَول النَّاظِم أَيْضا بعد ثُبُوت الْمَوْت الخ. وَيكْتب فِيهِ عاين شهيداه يَوْم كَذَا فلَانا المدمى بمحوله أَو أَعْلَاهُ مَيتا أَو تَقول يعرف شُهُوده فلَانا معرفَة تَامَّة لعَينه واسْمه وَنسبه، وَمَعَهَا يشْهدُونَ بِأَنَّهُ توفّي من الْجرْح الَّذِي دمي بِهِ على فلَان قبل أَن يظْهر بُرْؤُهُ وتتبين إِفَاقَته، وَفِي كَذَا فَإِن سقط من الرَّسْم قبل أَن يظْهر بُرْؤُهُ الخ. لم يضر لِأَن الأَصْل الِاسْتِصْحَاب حَتَّى يثبت بُرْؤُهُ وهم إِنَّمَا عَلقُوا الحكم بالقسامة على ثُبُوت الْمَوْت لَا على كَونه قبل الْبُرْء، وَقَول صَاحب الْمُفِيد من تَمام الشَّهَادَة أَن يَقُولُوا إِن الجريح لم يفق من جرحه فِي علمهمْ الخ. إِنَّمَا يَعْنِي من تَمامهَا على وَجه الْكَمَال لَا على وَجه الشّرطِيَّة بِدَلِيل قَول ابْن مغيث وَغَيره: إِذا ثبتَتْ صِحَة المدمى سَقَطت التدمية وَبِه الْفتيا فَقَوله: إِذا ثبتَتْ الخ. صَرِيح فِي أَنه إِذا لم تثبت فَيبقى الْأَمر على حَاله. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى خَامِس الْأُمُور الَّتِي ينشأ عَنْهَا اللوث فَقَالَ عاطفاً على: بمقالة الجريح أَو على بِعدْل شَاهد بِمَا طلب. أَو بقتيلٍ مَعَهُ قد وُجِدَا مَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ عليهِ قَدْ بَدَا (أَو بقتيل) من نَعته وَصفته (مَعَه قد وجدا من) بِفَتْح الْمِيم مَوْصُول نَائِب فَاعل وجد (أثر(2/607)
الْقَتْل) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (عَلَيْهِ قد بدا) خَبره، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر صلَة من وَمَعَهُ يتَعَلَّق بوجد، وَالتَّقْدِير أَو بمقتول قد وجد مَعَه الشَّخْص الَّذِي أثر الْقَتْل قد بدا عَلَيْهِ، وَهَذَا نَحْو قَول الْجلاب إِن وجد قَتِيل وبقربه رجل مَعَه سيف أَو عَلَيْهِ شَيْء من دم أَو عَلَيْهِ أثر الْقَتْل فَهُوَ لوث (خَ) عاطفاً على مَا يُوجب اللوث أَو رَآهُ أَي الْعدْل الْوَاحِد أَو العدلان يَتَشَحَّط فِي دَمه وَالْمُتَّهَم قربه وَعَلِيهِ أَثَره الخ. أَي: أَو خَارِجا من مَكَان الْمَقْتُول وَلم يُوجد فِيهِ غَيره وَلَا مَفْهُوم لقَوْله يَتَشَحَّط كَمَا يفِيدهُ مرَّ عَن الْجلاب، وَقيل لَيْسَ ذَلِك بلوث، وَبِه قَالَ ابْن زرب، وَأفْتى بِهِ ابْن عتاب قَالَ ابْن سهل: وَبِه جرى الْعَمَل، وَبِه أفتى سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي حَسْبَمَا فِي أول الدِّمَاء من العلمي لَكِن اقْتِصَار (خَ) وَابْن الْحَاجِب على الأول يشْعر بِأَن ذَلِك الْعَمَل قد نسخ وَصَارَ الْعَمَل على خِلَافه إِذْ لَو كَانَ ذَلِك الْعَمَل مستمراً مَا صَحَّ لَهما إهماله وَعدم ذكره فَلَا تغتر بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور، وَلَا بِمَا أفتى بِهِ الجلالي تبعا لِابْنِ عتاب وَالله أعلم. وَفِي ابْن سهل عَن مَالك وَابْن الْقَاسِم فِي رجلَيْنِ شَهدا أَنه مر بهما ثَلَاثَة رجال يحملون خَشَبَة وَمَعَهُمْ صبي هُوَ ابْن لأَحَدهم، فَلَمَّا غَابُوا عَنْهُمَا سمعا وَقع الْخَشَبَة فِي الأَرْض وبكاء الصَّبِي فاتبعاهم فوجدا الْخَشَبَة فِي الأَرْض وَالصَّبِيّ يَمُوت فِي حجر أَبِيه وَمَات من سَاعَته قَالَ: هِيَ شَهَادَة قَاطِعَة تجب فِيهَا الدِّيَة على عواقلهم وَإِن لم يشْهدُوا بالمعاينة. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَمثله لَو شَهدا أَنَّهُمَا رَأيا رجلا خرج من دَار فِي حَال رِيبَة فاستنكراه فدخلا الدَّار من ساعتهما فواجدا قَتِيلا يسيل دَمه وَلَا أحد فِي الدَّار غير الْخَارِج فَهِيَ شَهَادَة قَاطِعَة، وَإِن لم تكن على المعاينة يَعْنِي يثبت الدَّم فِيهَا بِدُونِ قسَامَة. وَبَقِي على النَّاظِم مِثَال سادس، وَهُوَ أَن يشْهد شَاهِدَانِ بمعاينة جرح أَو ضرب لحر مُسلم أَو غَيرهمَا، سَوَاء وجدا أثر الْجرْح وَالضَّرْب أم لَا. ثمَّ يتَأَخَّر الْمَوْت عَن كَلَامه أَو أكله أَو شربه فَيقسم الْأَوْلِيَاء لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ ويستحقون الدَّم أَو الدِّيَة فِي الْخَطَأ، وَفِي غير المكافىء وَلَهُم أَن يتْركُوا الْقسَامَة ويقتصون من الْجَارِح فِي الْعمد وَيَأْخُذُونَ دِيَته فِي الْخَطَأ. وَمِثَال سَابِع، وَهُوَ أَن يشْهد شَاهد وَاحِد على إِقْرَار الْقَاتِل بِالْقَتْلِ عمدا إِلَّا أَن شهد على إِقْرَاره خطأ فَلَيْسَ بلوث لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل الِاعْتِرَاف على الْمُعْتَمد وَتَكون الدِّيَة فِي مَاله، نعم إِن شهد شَاهد بِإِقْرَارِهِ فِي الْخَطَأ وَشهد آخر بمعاينة الْقَتْل خطأ فلوث فيقسمون ويستحقون الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَهَذِه الْأَمْثِلَة كلهَا فِي (خَ) مَا عدا اللفيف وَغير الْعدْل. وَيُزَاد أَيْضا مِثَال ثامن، وَهُوَ السماع الفاشي بِأَنَّهُم قَتَلُوهُ كَمَا مّر فِي الشَّهَادَات وَأما مَا فِي (م) من زِيَادَة مِثَال شَاهد على الإجهاز أَي الْقَتْل أَو على مُعَاينَة الضَّرْب، ثمَّ يَمُوت بعد أَيَّام فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ بالمثال الأول فِي النّظم، وَكَذَا مَا زَاده (ت) من قَوْله: وكشاهد بذلك أَي بالمعاينة إِن ثَبت الْمَوْت الخ. فَإِنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ إِذْ هُوَ(2/608)
دَاخل فِي الْمِثَال الأول أَيْضا، وَأما قَوْله: إِن ثَبت الْمَوْت فَهُوَ شَرط فِي جَمِيع أَمْثِلَة اللوث كَمَا مر. وَهْيَ بخَمْسِينَ يَمِينا وُزِّعَتْ عَلَى الذّكُورِ وَلأُنْثَى مُنِعَتْ (وَهِي) أَي الْقسَامَة (بِخَمْسِينَ يَمِينا) الْبَاء زَائِدَة وَلَو حرك الْهَاء لاستغنى عَنْهَا (وزعت على الذُّكُور) الْمُكَلّفين من الْأَوْلِيَاء إِن كَانُوا أقل من خمسين كولدين فَيحلف كل مِنْهُمَا خمْسا وَعشْرين، فَإِن انْكَسَرت كثلاثة بَنِينَ حلف كل وَاحِد مِنْهُم سَبْعَة عشر، وَكَذَا لَو كَانُوا ثَلَاثِينَ أَخا فَإِنَّهُ يجب لكل وَاحِد يَمِين وَثُلُثَانِ فَيحلف كل وَاحِد يمينين فَإِن قَالُوا: يحلف عشرُون منا يمينين لكل وَاحِد وَعشرَة يَمِينا لكل وَاحِد لم يمكنوا من ذَلِك على الْأَصَح، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا جبرها على أَكثر كسرهَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِك فِي الْخَطَأ لِأَنَّهُ يحلفها كل من يَرث وَإِن وَاحِدًا أَو امْرَأَة وَفهم من قَوْله: وزعت أَنهم إِذا كَانُوا أَكثر من خمسين لَا توزع بل يَكْتَفِي بِحلف الْخمسين وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا كَانَ الْعصبَة خمسين أَو أقل أَو أَكثر فطاع إثنان يحلف جَمِيع الْأَيْمَان فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بذلك (خَ) : واجتزى بِاثْنَيْنِ طاعا من أَكثر. (ولأنثى منعت) فَلَا تحلف شَيْئا من أيمانها لِأَن الْحلف شَهَادَة وَالْأُنْثَى لَا تشهد فِي الْعمد، وَظَاهر أَن الْعصبَة يحلفونها وَإِن لم يرثوا بِأَن حجبهم ذَوُو الْفُرُوض وَهُوَ كَذَلِك فَإِن لم يُوجد للمقتول عاصب وَلَو من الموَالِي الأعلين صَار الْمَقْتُول بِمَنْزِلَة من لَا وَارِث لَهُ فَترد الْإِيمَان على المدمى عَلَيْهِ فَإِن حَلفهَا ضرب مائَة وَحبس عَاما وَإِلَّا حبس حَتَّى يحلف وَلَو طَال سجنه، ثمَّ إِنَّهُم إِنَّمَا يمكنون من الْقسَامَة حَيْثُ كَانَت الشَّهَادَة بِأَنَّهُ ضربه أَو جرحه وَتَأَخر مَوته وَلم يُوجد جسده حَيا وَلَا مَيتا. بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَوْتِ وَالْوُلاَةِ وَيَحْلِفُونَهَا عَلَى البَتَاتِ (بعد ثُبُوت الْمَوْت) كَمَا مّر لاحْتِمَال كَونه حَيا. وَقَوْلِي: ضربه الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا شهد شَاهد وَاحِد على مُعَاينَة قَتله أَو على إِقْرَاره بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج لثُبُوت الْمَوْت وَإِن رَجَعَ عَن إِقْرَاره لِأَنَّهُ ثَابت بِمَا ذكر (و) بعد ثُبُوت (الْوُلَاة) وَأَنَّهُمْ عصبته المستحقون لدمه فَحِينَئِذٍ يمكنون مِنْهَا (ويحلفونها) وَلَاء (على الْبَتَات) لَا على نفي الْعلم (خَ) وَهِي خَمْسُونَ يَمِينا مُتَوَالِيَة بتاً وَإِن أعمى أَو غَائِبا الخ. وَذَلِكَ لِأَن أَسبَاب الْعلم تحصل بِالسَّمَاعِ وَالْخَبَر كَمَا تحصل بالمعاينة فيعتمد كل وَاحِد مِنْهُم على ذَلِك ويبت الْيَمين (خَ) : وَاعْتمد البات على ظن قوي الخ. فَفِي الشَّاهِدين بمعاينة الضَّرْب أَو الْجرْح، ثمَّ يتَأَخَّر الْمَوْت يقسمون لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ وَفِي الشَّاهِد لوَاحِد بذلك(2/609)
يقسمون لقد ضربه وَلمن ضربه مَاتَ فِي كل يَمِين من الْخمسين، فَإِن شهد الْوَاحِد بمعاينة الْقَتْل فيقسمون لقد قَتله كَمَا مّر فِي الْمِثَال الأول، ثمَّ إِذا كَانَ الْقَتْل خطأ فَيحلف كل وَارِث مِنْهُم جَمِيع حَظه وَلَو قبل حلف أَصْحَابه، وَمن نكل سقط حَظه من الدِّيَة، وأمّا فِي الْعمد فَيحلف هَذَا يَمِينا وَهَذَا يَمِينا فَإِذا كَانُوا عشرَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم يَمِينا يَمِينا ثمَّ تُعَاد فَيحلف كل وَاحِد كَذَلِك، وَهَكَذَا لِأَنَّهُ فِي الْعمد إِذا نكل وَاحِد بَطل الدَّم فتذهب أَيْمَان من حلف بَاطِلا. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا قتل الْأَوْلِيَاء الْقَاتِل قبل الْقسَامَة فَهَل يقتلُون وَهُوَ الَّذِي فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْمَوَّاز لأَنهم قتلوا قبل أَن يستحقوا، أَو يمكنون من الْقسَامَة فَإِن نكلوا قتلوا حِينَئِذٍ، وَبِه أفتى المجاصي وَمن وَافقه، وَهُوَ الظَّاهِر من كَلَام ابْن عَرَفَة آخرا وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام العلمي فِي نوازله. الثَّانِي: لَو صَالح الْعصبَة على مَال بعد الْقسَامَة وَالْحَال أَنهم محجوبون بذوي الْفُرُوض، فَإِن مَا وَقعت الْمُصَالحَة بِهِ يكون مِيرَاثا بعد أَن تقضى بِهِ دُيُونه وَلَا شَيْء للْعصبَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: مَا أَخذ فِي صلح الْعمد تقضى بِهِ دُيُون الْمَقْتُول وَبَاقِيه يُورث على فَرَائض الله وَنَحْوه فِي أَوَائِل الدِّمَاء من العلمي، وَهَذَا ظَاهر إِذا لم يكن الْعصبَة اشترطوا على الْوَرَثَة أَنهم إِنَّمَا يصالحون إِذا أسهموهم من مَال الصُّلْح قدرا مَعْلُوما وإلاَّ فَيعْمل على شرطهم لأَنهم إِنَّمَا تركُوا قَتله حِينَئِذٍ لمَال يأخذونه فيوصى لَهُم بذلك وَالله أعلم. وَتُقْلَبُ الأَيْمَانُ مهما نَكَلاَ وَليُّ مَقْتُولٍ عَلَى مَنْ قَتَلاَ (وتقلب الْأَيْمَان) أَي أَيْمَان الْقسَامَة (مهما نكلا ولي مقتول) أَي نكلوا كلهم وهم فِي دَرَجَة وأحدة أَو بَقِي وَاحِد مِنْهُم وَلم يجد معينا يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهَا (على من قتلا) أَي تقلب على الْمُدعى عَلَيْهِ، فَإِن كَانُوا جمَاعَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم خمسين يَمِينا فَمن حَلفهَا برىء من الْقَتْل وَضرب مائَة وَحبس عَاما، وَمن نكل حبس حَتَّى يحلف وَلَو طَال سجنه على الْمَشْهُور (خَ) : ونكول الْمعِين غير مُعْتَبر بِخِلَاف غَيره وَلَو بعدوا، فَترد على الْمُدعى عَلَيْهِم وَيحلف كل خمسين يَمِينا وَمن نكل حبس حَتَّى يحلف وَلَا استعانة الخ. وَقيل لَهُ أَن يَسْتَعِين فَيحلف مَعَه عصبته كَمَا يَسْتَعِين ولي الْمَقْتُول بعصبته على مَا يَأْتِي، وَقَوْلِي: وَلم يجد معينا يَسْتَعِين بِهِ عَلَيْهَا الخ. إِشَارَة إِلَى أَنه لَا يبطل الدَّم بنكول الْبَعْض لِأَن نُكُوله قد يكون على وَجه التورع عَن الْأَيْمَان فِي الْغَالِب فللباقي أَن يحلف إِن كَانَ مُتَعَددًا وَإِن كَانَ وَاحِدًا فيستعين بعصبته وَلَا يبطل حَقه كَمَا جزم بِهِ (ت) تبعا(2/610)
للشراح خلافًا لما فِي ابْن رحال من أَنه يبطل بنكول الْبَعْض، وَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال وَلَكِن الَّذِي يجب اعْتِمَاده هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم. وَيَحْلِفُ اثنانِ بهَا فَمَا عَلاَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ بهَا لَنْ يُقْتَلاَ (وَيحلف اثْنَان بهَا) أَي فِي قسَامَة الْعمد (فَمَا علا) أَي فَمَا زَاد عَلَيْهِمَا (خَ) : وَلَا يحلف فِي الْعمد أقل من رجلَيْنِ عصبَة من نسب الْقَتِيل وَإِن لم يرثوا بِأَن حجبهم ذَوُو الْفُرُوض كَمَا مّر فَإِن لم يوجدوا فمواليه الذُّكُور الأعلون لأَنهم عصبَة، وَإِنَّمَا لم يحلف أقل من رجلَيْنِ لِأَن ذَلِك كَالشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يقتل بِأَقَلّ من شَاهِدين، وَلذَلِك لَا يحلفها النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ لَا يشهدن فِي الْعمد فَإِن لم يُوجد عاصب أصلا فَترد الْأَيْمَان على الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا مر. فَتحصل أَن الْأَيْمَان تقلب فِيمَا إِذا لم يُوجد عاصب أصلا وَفِيمَا إِذا وجدوا، وَلَكِن نكلوا عَنْهَا أَو عَن بَعْضهَا فَإِن وجد عاصب وَاحِد فَلهُ أَن يَسْتَعِين عَلَيْهَا بعصبة نَفسه، وَإِن لم يَكُونُوا عصبَة للمقتول كامرأة مقتولة لَيْسَ لَهَا غير ابْنهَا وَله أخوة من أَبِيه فيستعين بهم أَو بِوَاحِد مِنْهُم أَو بِعَمِّهِ، ثمَّ إِذا نكل هَذَا الْمُسْتَعَان بِهِ فنكوله غير مُعْتَبر (خَ) : وللولي الِاسْتِعَانَة بعاصبه إِلَى قَوْله ونكول الْمعِين غير مُعْتَبر الخ. يَعْنِي وَينظر الْوَلِيّ من يَسْتَعِين بِهِ غير هَذَا الناكل فَإِن لم يجد ردَّتْ الْأَيْمَان كَمَا مر. (وَغير وَاحِد بهَا) أَي الْقسَامَة (لن يقتلا) فَإِذا قَامَ اللوث على جمَاعَة أَو قَالَ دمي عِنْدهم أَو قَامَت بَيِّنَة بِالسَّمَاعِ الفاشي أَنهم قَتَلُوهُ فَالْمَشْهُور أَنهم يقسمون على وَاحِد مِنْهُم يعينونه لَهَا وَيَقُولُونَ لقد قَتله أَو لمن ضربه أَو جرحه مَاتَ وَلَا يَقُولُونَ لقد قَتَلُوهُ أَو لمن ضَربهمْ أَو جرحهم مَاتَ (خَ) : وَوَجَب بهَا الدِّيَة فِي الْخَطَأ والقود فِي الْعمد من وَاحِد يعين لَهَا الخ. وَقَالَ أَشهب: يقسمون على جَمِيعهم ثمَّ يختارون وَاحِدًا للْقَتْل: قلت: وَهُوَ أظهر لِأَن الْأَوْلِيَاء تَارَة يتَرَجَّح لَهُم الْأَقْوَى فعلا فيقسمون عَلَيْهِ، وَتارَة لَا يتَرَجَّح لَهُم فيقسمون على الْجَمِيع لِئَلَّا يحلفوا غموساً، وَالْمَشْهُور يَقُول فِي هَذِه إِمَّا أَن يحلفوا غموساً أَو يبطل حَقهم فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنه تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح مَعَ لُزُوم الْغمُوس أَو إهدار دم الْمَقْتُول، وَأَشْهَب لَا يلْزمه إلاَّ التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَالله أعلم. وعَلى الْمَشْهُور لَو قدم وَاحِد مِنْهُم للْقَتْل بعد الْقسَامَة عَلَيْهِ بِعَيْنِه فَأقر غَيره بِأَنَّهُ الَّذِي قَتله خير الْأَوْلِيَاء فِي قتل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا يمكنون من قَتلهمَا مَعًا قَالَه ابْن الْقَاسِم فِي الْمُوازِية والمجموعة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه لَا قسَامَة فِي غير الْحر الْمُسلم وَفِي غير مُحَقّق الْحَيَاة فَقَالَ:(2/611)
وَلَيْسَ فِي عبْدٍ وَلَا جَنينِ قَسَامَةٌ وَلاَ عَدُوِّ الدِّينِ (وَلَيْسَ فِي) قتل (عبد وَلَا جَنِين قسَامَة وَلَا) فِي قتل (عَدو الدّين) من ذمِّي أَو معاهد وَلَا فِي جرح فَإِذا قَالَ العَبْد أَو الْكَافِر: دمي عِنْد فلَان أَو قَالَت الْمَرْأَة: جنيني عِنْد فلَان فَيحلف الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِينا وَاحِدَة وَيبرأ وَكَذَا إِن قَالَ شخص: جرحني فلَان فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف لرد دَعْوَاهُ مَا لم تكن تقدّمت بَينهمَا عَدَاوَة على مَا يَأْتِي فِي فصل الْجراح، فَإِن قَامَ شَاهد وَاحِد على مُعَاينَة قتل العَبْد أَو ضرب الْمَرْأَة أَو على إِقْرَار الْقَاتِل أَو الضَّارِب بذلك أَو شَهَادَة سَماع على ذَلِك وَنَحْو ذَلِك من أَمْثِلَة اللوث حلف سيد العَبْد يَمِينا وَاحِدَة وَأخذ قِيمَته وَولي الْكَافِر وَأخذ دِيَته وَلَو من كَافِر مكافىء للمقتول ووارث الْجَنِين وَأخذ غرته، وَإِن نكلوا حلف الْقَاتِل وَاحِدَة أَيْضا وبرىء فَإِن ثَبت ضرب الْمَرْأَة حَتَّى أَلْقَت جَنِينهَا بِشَاهِد وَاحِد وَمَاتَتْ كَانَت الْقسَامَة فِي الْمَرْأَة وَيَمِين وَاحِدَة مَعَ الشَّاهِد فِي الْجَنِين، إِذْ لَا مدْخل للقسامة فِي الْجَنِين، وَكَذَلِكَ فِي الْجرْح يحلف مَعَ شَاهده وَاحِدَة ويقتص فِي الْعمد وَيَأْخُذ الدِّيَة فِي الْخَطَأ. (خَ) : وَمن أَقَامَ شَاهدا على جرح أَو قتل كَافِر أَو عبد أَو جَنِين حلف وَاحِدَة وَأخذ الدِّيَة يَعْنِي: واقتص فِي جرح الْعمد وَإِن نكل برىء الْجَارِح وَمن مَعَه إِن حلف وَإِلَّا يحلف غرم فِي الصُّور كلهَا مَا عدا جرح الْعمد فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يحلف. والقوَدُ الشَّرْطُ بهِ المُثْلِيَّه فِي الدَّمِ بالإسْلامِ وَالحُرِّيَّهْ (والقود) وَهُوَ الْقصاص سمي قوداً لِأَن الْعَرَب كَانَت تقود الْجَانِي بِحَبل وتسلمه لوَلِيّ الدَّم (الشَّرْط) مُبْتَدأ ثَان (بِهِ) أَي فِيهِ (المثلية) خبر عَن الثَّانِي وهما خبران عَن الأول (فِي الدَّم) يتَعَلَّق بِالشّرطِ (بِالْإِسْلَامِ) الْبَاء بِمَعْنى فِي يتَعَلَّق بالمثلية (وَالْحريَّة) مَعْطُوف على الْإِسْلَام وَالتَّقْدِير: والقود فِي الدَّم أَي الْقَتْل شَرط فِيهِ زِيَادَة على شَرْطِيَّة التَّكْلِيف الْمُتَقَدّمَة المثلية فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام من حِين السَّبَب أَي الرَّمْي إِلَى حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت. وَتقدم أَن من جملَة الشُّرُوط أَن يكون الْقَاتِل غير حَرْبِيّ فَلَا يقتل حَرْبِيّ بِمُسلم وَلَا مُسلم وَلَو عبدا بِكَافِر وَلَو حرا كذمي وَلَا حر مُسلم برقيق وَلَو مُسلما، وَكَذَا لَو رمى عبد رَقِيقا مثله فِي الدّين فَعتق الرَّامِي قبل موت المرمى لم يقتل بِهِ لزِيَادَة الرَّامِي بِالْحُرِّيَّةِ حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَته، وَلَو رمى حَرْبِيّ مُسلما ثمَّ صَار الرَّامِي من أهل الْإِسْلَام أَو أهل الذِّمَّة ثمَّ مَاتَ المرمى لم يقتل بِهِ لِأَنَّهُ حَرْبِيّ حِين السَّبَب وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو رمى حر ذمِّي عبدا ذِمِّيا ثمَّ حَارب الرَّامِي فَأخذ واسترق ثمَّ مَاتَ المرمى لم يقتل بِهِ لزِيَادَة الرَّامِي حِين السَّبَب عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِن ساواه حِين الْمَوْت، وَكَذَا لَو رمى مُسلم كَافِرًا أَو مُرْتَدا فَأسلم قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ ثمَّ وصلته لم يقتل لزِيَادَة الرَّامِي عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ حِين السَّبَب(2/612)
وَإِن ساواه حِين الْقَتْل، وَعَلِيهِ دِيَة مُسلم عِنْد ابْن الْقَاسِم كمن رمى صيدا وَهُوَ حَلَال فَلم تصل الرَّمية إِلَيْهِ حَتَّى أحرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ. (خَ) : إِن أتلف مُكَلّف وَإِن رق غير حَرْبِيّ وَلَا زَائِدَة حريَّة أَو إِسْلَام حِين الْقَتْل فالقود الخ. وَاحْترز النَّاظِم بقوله فِي الدَّم أَي فِي الْقَتْل من الْجرْح فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ من الْأَدْنَى للأعلى كَمَا يَأْتِي فِي فَصله إِن شَاءَ الله. وَقَتْلُ مُنْحَطٍ مَضَى بالعالِي لَا العكْسُ والنساءُ كالرِّجَالِ (وَقتل منحط مضى بالعالي) فَيقْتل العَبْد الْمُسلم بِالْحرِّ الْمُسلم، وَكَذَا الْكَافِر بِالْمُسلمِ وَلَو عبدا لِأَنَّهُ أشرف مِنْهُ (لَا لعكس) أَي لَا يقتل العالي بالمنحط عَنهُ لعدم وجود المثلية فَهُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ اشْترط فِي الْقود أَن يماثله من حِين السَّبَب أَي الرَّمْي إِلَى حِين الْمُسَبّب أَي الْمَوْت، فَإِذا كَانَ أَعلَى مِنْهُ بِالْحُرِّيَّةِ أَو الْإِسْلَام حِين السَّبَب أَو الْمُسَبّب لم يقتل بِهِ كَمَا مر فِي الْأَمْثِلَة، وَيفهم من هَذَا أَنه إِذا حدث الْعُلُوّ بِالْإِسْلَامِ وَالْحريَّة بعدهمَا أَي السَّبَب والمسبب لم يسْقط الْقصاص فَإِذا قتل عبد مثله أَو كَافِر مثله ثمَّ أسلم الْكَافِر أَو أعتق العَبْد فَلَا يسْقط الْقصاص لِأَن الْمَانِع إِذا حصل بعد ترَتّب الحكم لَا أثر لَهُ (خَ) : وَلَا يسْقط الْقَتْل عِنْد الْمُسَاوَاة بزوالها بِعِتْق أَو إِسْلَام الخ. وَمثل الْقَتْل الْجرْح فَإِذا قطع رِجل أَو يَد حر مُسلم ثمَّ ارْتَدَّ المقطوعة يَده فالقصاص، وَيفهم أَيْضا من حصره الْعُلُوّ فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام أَنه لَا علو إِلَّا بهما، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا أثر لعلو بشرف وَفضل أَو عَدَالَة أَو سَلامَة أَعْضَاء أَو رجولية، بل يقتل الشريف بالمشروف وَالْعدْل بالفاسق وَالصَّحِيح بالمريض وبالأعمى والمقطوع وَالرجل بِالْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ: (وَالنِّسَاء كالرجال) وَكَذَا لَا أثر للعدد أَيْضا فَتقْتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ (خَ) : وَقتل الْأَدْنَى بالأعلى كحر كتابي بِعَبْد مُسلم وَالْكفَّار بَعضهم بِبَعْض من كتابي ومجوسي وَمُؤمن كذوي الرّقّ وَذكر وصحيح وضديهما الخ. فَقَوله: وَالْكفَّار الخ. أَي لِأَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة فَيقْتل الْكِتَابِيّ بالمجوسي وَالْمُؤمن بِغَيْرِهِ، وَقَوله: كذوي الرّقّ أَي وَلَو كَانَ الْقَاتِل ذَا شَائِبَة فَإِنَّهُ يقتل بِمن لَا شَائِبَة فِيهِ، وَقَوله وضديهما أَي ضد الذّكر الْمَرْأَة وضد الصَّحِيح السقيم فَيقْتل الرجل بِالْمَرْأَةِ وَالصَّحِيح بالمريض، وَقَالَ أَيْضا: وَيقتل الْجمع بِوَاحِد والمتمالئون وَإِن بِسَوْط سَوط والمتسبب مَعَ الْمُبَاشر الخ. وَالشّرطُ فِي المقْتُولِ عِصمَةُ الدَّمِ زِيادةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ(2/613)
(وَالشّرط فِي الْمَقْتُول) الَّذِي يقْتَصّ لَهُ من قَاتله (عصمَة الدَّم) من حِين السَّبَب الَّذِي هُوَ الرَّمْي إِلَى حِين الْمَوْت فَلَو قتل مُسلم زَانيا مُحصنا أَو قَاتل غيلَة فَلَا يقْتَصّ مِنْهُ لعدم عصمَة دمهما وَإِن كَانَا متساويين لَهُ فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام، بل لَو قَتلهمَا ذمِّي لم يقتل بهما لعدم عصمَة دمهما وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَب للافتيات على الإِمَام، وَكَذَا لَو رمى مُسلم مثله فَارْتَد المرمى قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ فوصلت إِلَيْهِ وَمَات فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ وَكَذَا لَو جرحه فَارْتَد الْمَجْرُوح أَو زنى فِي حَال إحْصَانه ثمَّ نزى وَمَات لِأَنَّهُ صَار إِلَى مَا أحل دَمه فِي الصُّورَتَيْنِ وَلم تستمر عصمته للْمَوْت، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دِيَة الْمُرْتَد وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْمُحصن غير الْأَدَب لافتياته على الإِمَام. وَكَذَا لَو رمى كتابي مُرْتَدا فجرحه ثمَّ أسلم الْمُرْتَد ونزى وَمَات فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ لِأَنَّهُ حِين السَّبَب كَانَ غير مَعْصُوم (زِيَادَة) مَنْصُوب على الْحَال أَي حَال كَون الْعِصْمَة زِيَادَة (لشرطه) أَي على الشَّرْط فِي الْقصاص (المستقدم) لِأَنَّهُ تقدم لَهُ أَنه يشْتَرط فِي الْقصاص ثُبُوت الْقَتْل عمدا، وَكَون الْقَاتِل مُكَلّفا مكافئاً للمقتول أَي غير زَائِد عَلَيْهِ بحريّة أَو إِسْلَام وَغير حَرْبِيّ، وَيُزَاد على ذَلِك كَون الْمَقْتُول مَعْصُوم الدَّم لِأَنَّهُ قد يكون مكافئاً فِي الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام، وَلَكِن دَمه غير مَعْصُوم كَمَا مر. وَلَو أبدل النَّاظِم هَذَا الشّطْر بقوله: من حَالَة الرَّمْي لوقت الْعَدَم، لوفى بالمراد. وَقد اشْتَمَل كَلَامه من أول الْفَصْل إِلَى هُنَا على أَرْكَان الْقصاص الثَّلَاثَة كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهَا، وَالْفُقَهَاء يطلقون على الرُّكْن شرطا وَبِالْعَكْسِ، وَأَشَارَ (خَ) لهَذَا الرُّكْن بقوله: مَعْصُوما للتلف والإصابة الخ. أَي مَعْصُوما للْمَوْت لَا حِين الْجرْح فَقَط وللإصابة لَا حِين الرَّمْي فَقَط. وإنْ وَلِيُّ الدَّمِ للمَالِ قَبِلْ والقوْدَ استحقَّهُ فِيمَن قُتِلْ (وَإِن ولي الدَّم) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (لِلْمَالِ) اللَّام زَائِدَة لِأَنَّهُ مفعول لقَوْله (قبل) الْمُفَسّر للمحذوف الْمَذْكُور (و) الْحَال أَن (الْقود اسْتَحَقَّه) الْوَلِيّ الْمَذْكُور (فِيمَن) أَي فِي قَرِيبه الَّذِي (قتل) وَمَعْنَاهُ أَن الْوَلِيّ إِذا قبل المَال كَانَ أقل من الدِّيَة أَو أَكثر، وَقد كَانَ اسْتحق الْقود فِي قَرِيبه الْمَقْتُول بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة فَفِي ذَلِك قَولَانِ لأَشْهَب وَابْن الْقَاسِم. فأشهبُ قَالَ لِلاستِحْيَاءِ يُجْبَرُ قاتلٌ على الإعْطَاءِ (فأشهب قَالَ للاستحياء يجْبر قَاتل على الْإِعْطَاء) لِلْمَالِ الَّذِي قبله الْوَلِيّ إِذا كَانَ مَلِيًّا بِهِ.(2/614)
وليسَ ذَا فِي مَذْهبِ ابنِ القَاسِمِ دونَ اخْتيارِ قاتِلٍ بِلاَزمِ (وَلَيْسَ ذَا فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم دون اخْتِيَار قَاتل بِلَازِم) الْإِشَارَة بذا للجبر الْمُتَقَدّم أَي لَيْسَ الْجَبْر على دفع المَال الَّذِي قبله الْوَلِيّ لَازِما فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم دون اخْتِيَار الْقَاتِل لَهُ وَرضَاهُ بِهِ، لِأَن الْوَاجِب عِنْده هُوَ الْقود أَو الْعَفو مجَّانا وَالدية لَا تكون إِلَّا برضاهما مَعًا، فَإِذا قَالَ الْقَاتِل: إِمَّا أَن تقتص أَو تَعْفُو مجَّانا. وَقَالَ الْوَلِيّ: إِنَّمَا أعفو على مَال قدره كَذَا وَأَنت ملي بِهِ، فَإِن الْقَاتِل لَا يجْبر على ذَلِك فِي مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) فالقود عينا. وَقَالَ أَشهب: وَرَوَاهُ عَن مَالك يجْبر لِأَنَّهُ وجد سَبِيلا لحقن دَمه فَلَيْسَ لَهُ أَن يسفكه قَالَ: وَلَو فدَاه من أَرض الْعَدو لَكَانَ عَلَيْهِ مَا فدَاه بِهِ فالولي عِنْده مُخَيّر بَين أَن يقْتَصّ أَو يقبل الدِّيَة فَيجْبر الْقَاتِل على دَفعهَا حَيْثُ كَانَ مَلِيًّا بهَا. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَهُوَ مُقْتَضى الحَدِيث كَمَا فِي (ح) . وعفوُ بعضٍ مُسقِطُ القَصاصِ مَا لم يكن من قُعْدُد انتِقاصِ (وعفو بعض) الْأَوْلِيَاء الْمُسْتَحقّين للدم المتساوين فِي الدرجَة كَابْن من الْأَبْنَاء أَو عَم من الْأَعْمَام (مسْقط الْقصاص) لِأَن عَفوه يتنزل منزلَة عَفْو الْجَمِيع (خَ) : وَسقط إِن عَفا رجل كالباقي أَي مساوٍ للْبَاقِي فِي الدرجَة، وَإِذا سقط بِعَفْو الْبَعْض فَلِمَنْ لم يعف نصِيبه من دِيَة عمد كَمَا قَالَ أَيْضا: وَمهما أسقط الْبَعْض فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد (مَا لم يكن) الْعَافِي (من قعدد انتقاص) أَي أبعد من دَرَجَة من بَقِي فَعبر بانتقاص عَن الْأَبْعَد فَكَأَنَّهُ يَقُول: يسْقط الْقصاص بِعَفْو الْبَعْض مَا لم يكن الْبَعْض الْعَافِي من قعدد أبعد من قعدد من بَقِي من وُلَاة الدَّم كعفو الْعم مَعَ وجود الْأَخ أَو عَفْو الْأَخ مَعَ وجود الابْن فَإِنَّهُ لَا يسْقط الْقصاص بذلك إِذْ لَا كَلَام للأبعد مَعَ الْأَقْرَب. وَاعْلَم أَن الْمُسْتَحقّين للدم تَارَة يكون جَمِيعهم رجَالًا وَتارَة يكون جَمِيعهم نسَاء، وَتارَة يكونُونَ رجَالًا وَنسَاء فالقسم الأول يسْقط الْقَتْل بِعَفْو وَاحِد مِنْهُم وترتيبهم كَالنِّكَاحِ فَيقدم الابْن فابنه فأخ فابنه إِلَّا الْجد والأخوة فهما فِي مرتبَة وَاحِدَة فَلَا يقدم أَحدهمَا على الآخر (خَ) : والاستيفاء للعاصب كالولاء إِلَّا الْجد وَالْأَخ فسيان، وَالْقسم الثَّانِي إِمَّا أَن يحزن الْمِيرَاث كُله أَو لَا فَإِذا لم يحزنهُ كالبنات أَو الْأَخَوَات فَلَهُنَّ الْقَتْل وَإِن عَفا بَعضهنَّ نظر السُّلْطَان (خَ) : وَإِن عفت بنت من بَنَات يَعْنِي أَو أُخْت من أَخَوَات أَو بَنَات ابْن نظر السُّلْطَان فيمضي مَا يرَاهُ سداداً(2/615)
وصواباً من عَفْو أَو قتل، وَإِنَّمَا كَانَ ينظر لِأَنَّهُ يَرث الْبَاقِي، وَإِذا اجْتمعت الْأُم مَعَ الْبَنَات فَلَا كَلَام للْأُم فِي عَفْو وَعَدَمه بل الْكَلَام للبنات فَقَط كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، وَإِن حزن الْمِيرَاث كَبِنْت وَأُخْت فالبنت أولى بِالْقَتْلِ أَو بِالْعَفو (خَ) : وَالْبِنْت أولى من الْأُخْت فِي عَفْو وضده، وَالْقسم الثَّالِث: إِمَّا أَن يكون الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي دَرَجَة وَاحِدَة أم لَا. فَإِن كَانُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة كبنين وَبَنَات أَو إخْوَة وأخوات فَلَا كَلَام للنِّسَاء فِي عَفْو وَلَا ضِدّه، فَهُوَ كَمَا لَو انْفَرد الرِّجَال وحدهم كَمَا فِي الْقسم الأول، وَإِن لم يَكُونُوا فِي دَرَجَة وَاحِدَة، بل كَانَ الرِّجَال أبعد فإمَّا أَن يحوز النِّسَاء الْمِيرَاث كُله أم لَا. فَإِن لم يحزنهُ كالبنات والأخوة والأعمام فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماع الْبَعْض من الْفَرِيقَيْنِ، وَالْقَوْل لمن طلب الْقَتْل حَيْثُ انْفَرد أحد الْفَرِيقَيْنِ بِالْعَفو وَثَبت الْقَتْل بقسامة أَو بَيِّنَة، وَإِن حزنه كالبنات وَالْأَخَوَات والأعمام فَإِن ثَبت الْقَتْل بقسامة فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم أَيْضا، وَإِن ثَبت بغَيْرهَا فَلَا كَلَام للْعصبَةِ مَعَهُنَّ، وَإِلَى هَذَا الْقسم أَشَارَ (خَ) عاطفاً على الِاسْتِيفَاء للعاصب بقوله: وللنساء أَي والاستيفاء للنِّسَاء إِن ورثن وَلم يساوهن عاصب وَلكُل الْقَتْل وَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم كَأَن حزن الْمِيرَاث وَثَبت بقسامة الخ. فاحترز بقوله: إِن ورثن من نَحْو الْعمة وَالْخَالَة فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهما وَلَو انفردتا لعدم إرثهما، وَلَا بُد أَن يكون النِّسَاء الوارثات لَو قدرن ذكرا لعصبن لتخرج الْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة وَالْجدّة للْأُم لِأَنَّهُنَّ لَا كَلَام لَهُنَّ، وَإِن ورثن ولتدخل الْأُم لِأَنَّهَا لَو قدرت ذكرا عصبت، وَاحْترز بقوله: وَلم يساوهن عاصب مِمَّا لَو ساواهن عاصب فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهُنَّ مَعَه كَمَا مر فِي الْحَالة الأولى من هَذَا الْقسم، وَقَوله: وَلكُل الْقَتْل لَو أَخّرهُ عَن قَوْله: وَلَا عَفْو إلاّ باجتماعهم لَكَانَ أولى يَعْنِي إِذا لم يحز النِّسَاء الْمِيرَاث وعصبهن عاصب أَسْفَل مِنْهُنَّ فَلَا عَفْو إِلَّا باجتماع الْبَعْض من الْفَرِيقَيْنِ وإلاَّ فَالْقَوْل لمن طلب الْقَتْل كَمَا مر فِي الْحَالة الثَّانِيَة من هَذَا الْقسم أَيْضا. وَقَوله: كَأَن حزن الْمِيرَاث الخ. هِيَ الْحَالة الثَّالِثَة مِنْهُ، والتشبيه فِي قَوْله: وَلكُل الْقَتْل وَلَا عَفْو إِلَّا باجتماعهم، وَمَفْهُومه إِذا ثَبت الْقَتْل بِغَيْر قسَامَة لَا كَلَام لعاصب مَعَهُنَّ، وَقد نظم هَذِه الْأَقْسَام سَيِّدي عبد الْوَاحِد الوانشريسي بقوله: إِذا انْفَرد الرِّجَال وهم سَوَاء فَمن يعْفُو يبلغ مَا يَشَاء
ودع قَول الْبعيد بِكُل وَجه كَأَن ساوت بقعددهم نسَاء فَإِن يكن النِّسَاء أدنى فتمم بوفق جَمِيعهم عفوا تشَاء وَإِن إِرْثا يحزن فدع رجَالًا إِذا ثبتَتْ فَلَا قسم دِمَاء فالبيت الأول وَشطر الثَّانِي هُوَ مَا احتوى عَلَيْهِ الْقسم الأول من هَذِه الْأَقْسَام، وَقَوله: كَأَن ساوت الخ. هُوَ الْحَالة الأولى من الْقسم الثَّالِث. وَقَوله: فَإِن يكن النسا أدنى الخ. شَامِل للحالة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مِنْهُ إِلَّا أَنه فِي الثَّالِثَة إِذا حزن الْمِيرَاث وَثَبت بقسامة وَمعنى أدنى أقرب أَي أقرب من الرِّجَال، وَيقْرَأ النسا بِالْقصرِ للوزن وَقَوله: وَإِن إِرْثا يحزن الخ. هُوَ مَفْهُوم ثَبت بقسامة من الْحَالة الثَّالِثَة، وَبَقِي عَلَيْهِ الْقسم الثَّانِي من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَهُوَ: مَا إِذا لم يكن مَعَهُنَّ عاصب أصلا، وَلذَا ذيله الشَّيْخ (م) بقوله: كَذَا إِذا انفردن وحزن مَالا فَحكم للقريبة مَا تشَاء وَإِن إِرْثا يشط لبيت مَال فحاكمنا يجنب مَا يَشَاء(2/616)
وَإِنَّمَا أطلنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وتعرضنا لشرح نظمها لتشعبه وتشعبها على كثير من الطّلبَة. تَنْبِيه: إِذا لم يكن للمقتول مُسْتَحقّ لدمه لَا من الرِّجَال وَلَا من النِّسَاء فَإِن الإِمَام يقْتَصّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ الْعَفو إِلَّا أَن يكون الْقَاتِل والمقتول كَافِرين ثمَّ يسلم الْقَاتِل. وشُبْهَةٌ تدرَؤهُ وَمِلْكُ بعضِ دمِ الَّذِي اعتَرَاه الهلْكُ (وشبهة تدرؤه) أَي الْقصاص وتوجب الدِّيَة على الْعَاقِلَة كضرب الزَّوْج لزوجته وَالْأَب لوَلَده والمعلم للمتعلم بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا، وَيحمل فعله على الْخَطَأ لَا بِمَا لَا يُؤَدب بِمثلِهِ كلوح فَهُوَ على الْعمد كَمَا مر أول الْبَاب قَالَ فِي الشَّامِل: وَمن جَازَ لَهُ فعل بِضَرْب وَشبهه حمل على الْخَطَأ حَتَّى يثبت الْعمد كأب وَزوج ومعلم وطبيب وخاتن الخ (و) كَذَا يدرؤه (ملك بعض دم الَّذِي اعتراه الهلك) وَهُوَ الْمَقْتُول كأربعة أَوْلَاد قتل أحدهم أَبَاهُ فالدم للثَّلَاثَة، فَإِذا مَاتَ أحدهم سقط الْقصاص عَن الْقَاتِل لإرثه من أَخِيه الْمَيِّت بعض دم الْأَب فَصَارَ كعفو الْبَعْض، وَأَحْرَى لَو ملك جَمِيع دَمه كابنين قتل أَحدهمَا أَبَاهُ ثمَّ مَاتَ غير الْقَاتِل فورثه الْقَاتِل (خَ) : تَشْبِيها فِي سُقُوط الْقصاص كإرثه وَلَو قسطاً من نَفسه وإرثه كَالْمَالِ الخ. وَمَا بعد الْمُبَالغَة هُوَ نَص النَّاظِم. وَهَذَا الحكم إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الْبَاقِي يسْتَقلّ بِالْعَفو، وَأما إِن كَانَ لَا يسْتَقلّ كَمَا لَو كَانُوا رجَالًا وَنسَاء والتكلم للْجَمِيع كمن قتل أَخَاهُ وَترك الْمَقْتُول بنتين وَثَلَاثَة أخوة أشقاء غير الْقَاتِل فَمَاتَ أحدهم فقد ورث الْقَاتِل قسطاً من دم نَفسه فَلَا يسْقط الْقَتْل حَتَّى تَعْفُو البنتان أَو إِحْدَاهمَا. وحيثُ تَقْوَى تُهمةٌ فِي المدَّعَى عَلَيْهِ فالسِّجْنُ لَهُ قد شُرِعَا (وَحَيْثُ تقوى تُهْمَة فِي الْمُدعى عَلَيْهِ) وَلم تصل إِلَى حد اللوث الْمُوجب للقسامة وَأَحْرَى لَو وصل إِلَى حد الْقسَامَة وَلم يُوجد من يطْلبهَا أَو تورع الْأَوْلِيَاء عَنْهَا (فالسجن) الطَّوِيل (لَهُ قد شرعا) حَتَّى يكْشف أمره، وَظَاهره وَلَو كَانَ مَجْهُول الْحَال وَلَو بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي بَابي السّرقَة وَالْغَصْب، وَقد تقدم هُنَا مَا فِيهِ كِفَايَة. وَفِي ابْن سَلمُون: وَإِن قويت عَلَيْهِ تُهْمَة وَلم تتَحَقَّق تَحْقِيقا يُوجب الْقسَامَة حبس الْحَبْس الطَّوِيل. قَالَ ابْن حبيب: حَتَّى تتَحَقَّق بَرَاءَته أَو تَأتي عَلَيْهِ السنون الْكَثِيرَة. قَالَ مَالك: وَلَقَد كَانَ الرجل يسجن فِي الدَّم باللطخ والشبهة حَتَّى إِن أَهله يتمنون لَهُ الْمَوْت من طول سجنه اه. وَتقدم أَنه رُبمَا يسجن أبدا وَأَنه يضْرب وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف شهرته بذلك وَعدم شهرته، وَفِي أَحْكَام ابْن سهل الْكُبْرَى: وَمن جَاءَك وَعَلِيهِ جراح مخوفة فاحبس الْمُدعى عَلَيْهِ بِالدَّمِ حَتَّى يَصح الْمَجْرُوح أَو تتبين حَالَة توجب إِطْلَاقه، وَمن جَاءَك معافى فِي بدنه من الْجراح يَدعِي على رجل ضربا مؤلماً فَإِن ثَبت تعدِي الْمُدعى عَلَيْهِ فعزره وَإِن رَأَيْت حَبسه فَذَلِك إِلَيْك على مَا يظْهر لَك من شنعة مَا يثبت عَلَيْهِ، وَمن جَاءَ بِجرح خَفِيف وَهُوَ مِمَّن يظنّ بِهِ أَنه يرتكب مثل هَذَا من نَفسه فاسلك بِهِ سَبِيل الْمعَافى من الْجراح، فَإِذا فعلت(2/617)
هَذَا ارْتَفَعت الْيَد العادية وانتفعت بِهِ الْعَامَّة وحفظت بذلك دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ اه. بِاخْتِصَار. والعفوُ لَا يُغْنِي عَنِ القَرَابهْ فِي القَتْلِ والْغَيْلَةِ وَالحِرَابهْ (وَالْعَفو لَا يُغني من الْقَرَابَة) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة للعفو وَالتَّقْدِير: وَالْعَفو الْكَائِن من الْقَرَابَة حَال كَونه كَائِنا (فِي الْقَتْل والغيلة والحرابة) لَا يُغني عَن قتل الْقَاتِل لِأَن الْقَتْل فيهمَا حد من حُدُود الله تَعَالَى لَا يجوز إِسْقَاطه لَا للْإِمَام وَلَا لغيره، فَهَذَا الْبَيْت كالتخصيص لعُمُوم قَوْله: وعفو بعض مسْقط الْقصاص الخ. فنبه هُنَا على أَن ذَلِك خَاص بِغَيْر الغيلة والحرابة، وَأما هما فَلَا عَفْو فيهمَا، وَظَاهره وَلَو كَانَ الْمَقْتُول غيلَة وحرابة كَافِرًا أَو عبدا، وَظَاهره أَيْضا وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَلَو لم يُبَاشر الْقَتْل بل أعَان عَلَيْهِ وَلَو بجاهه وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) : وبالقتل يجب قَتله وَلَو بِكَافِر أَو إِعَانَة وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَلَيْسَ للْوَلِيّ الْعَفو الخ. لَكِن إِذا جَاءَ الْمُحَارب تَائِبًا قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ سقط حق الله وَبَقِي حق الْآدَمِيّ فَلهُ الْعَفو حِينَئِذٍ كَمَا لشراحه فَأَما الغيلة فَهِيَ من أَنْوَاع الْحِرَابَة وَهِي أَن يقْتله لأخذ مَاله أَو زَوجته أَو ابْنَته، وَكَذَا لَو خدع كَبِيرا أَو صَغِيرا فيدخله موضعا خَالِيا ليَقْتُلهُ وَيَأْخُذ مَاله (خَ) : ومخادع الصَّبِي أَو غَيره ليَأْخُذ مَا مَعَه. قَالَ فِي الرسَالَة: وَقتل الغيلة لَا عَفْو فِيهِ. الْجُزُولِيّ: يَعْنِي لَا للمقتول وَلَا للأولياء وَلَا للْإِمَام لِأَن الْحق فِيهِ لله تَعَالَى اه. وَظَاهره وَلَو جَاءَ تَائِبًا وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل إِذا جَاءَ تَائِبًا للْوَلِيّ الْعَفو كالمحارب والغيلة لَا تثبت إِلَّا بعدلين لَا بِشَاهِد وقسامة كَمَا مر، وَأما الْحِرَابَة فَتثبت حَتَّى بالشهرة (خَ) : وَلَو شهد اثْنَان أَنه المشتهر بهَا ثبتَتْ وَإِن لم يعايناها. وَمِائَة يُجْلَدُ بالأحْكَامِ مَن عَنهُ يُعْفَى مَعْ حَبْسِ عامِ (وَمِائَة يجلد) أَي يضْرب (فِي الْأَحْكَام من عَنهُ يُعْفَى) بعد ثُبُوت الْقَتْل عَلَيْهِ عمدا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو لوث بعد الْقسَامَة أَو قبلهَا، وَلَو قَامَ اللوث على جمَاعَة وقسموا على وَاحِد عينوه لَهَا فَإِن على أَصْحَابه ضرب مائَة (مَعَ حبس عَام) بعد الْجلد الْمَذْكُور وَلَا يحْسب فِيهِ سجنه قبل ذَلِك، وَلَا(2/618)
مَفْهُوم لقَوْله: يُعْفَى بل كَذَلِك إِذا لم يكن عَفْو، وَلَكِن سقط الْقَتْل لعدم التكافىء (خَ) : وَعَلِيهِ أَي الْقَاتِل عمدا وَلَو عبدا أَو ذِمِّيا جلد مائَة ثمَّ حبس سنة وَإِن بقتل مَجُوسِيّ أَو عبد الخ. وَالْحَبْس قبل الْعَفو لَا بُد فِيهِ من الْحَدِيد بِخِلَافِهِ بعده فَيحْبس بِغَيْر حَدِيد، وَتقدم فِي بَاب السّرقَة أَن الْقَتْل إِذا ثَبت بِإِقْرَار رَجَعَ عَنهُ وَعَفا عَنهُ الْوَلِيّ لَا حبس فِيهِ وَلَا ضرب. والصّلحُ فِي ذَاك مَعَ العَفْوِ استوَى كَمَا هما فِي حُكْمِ الإسقاطِ سَوَا (وَالصُّلْح فِي ذَاك) الْقصاص الْمُتَقَدّم (مَعَ الْعَفو) مجَّانا (اسْتَوَى) فِي جلد مائَة وسجن عَام لِأَن الضَّرْب والسجن الْمَذْكُورين حقان لله لَا يسقطان بِالْعَفو مجَّانا وَلَا بِالصُّلْحِ على مَال (كَمَا هما) أَي الْعَفو وَالصُّلْح (فِي حكم الْإِسْقَاط) للْقَتْل (سوا) وَهَذَا الشّطْر تتميم للبيت. وَديَةُ العَمْدِ كذاتِ الخَطَإ أَو مَا تَرَاضَى فِيهِ بينَ المَلإ (و) حَيْثُ عَفا بعض الْمُسْتَحقّين للدم أَو صَالح أَو عفوا كلهم أَو بَعضهم على دِيَة مُبْهمَة، فَالْوَاجِب لمن لم يعف وَلم يُصَالح فِي ذَلِك كُله (دِيَة الْعمد) كَمَا تقدم فِي قَوْله (خَ) : وَمهما أسقط الْبَعْض فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد لَا ينقص لَهُ من نصِيبه مِنْهَا شَيْء إِلَّا بِرِضَاهُ لتقرر الدِّيَة فِي ذمَّة الْقَاتِل بِعَفْو الْبَعْض أَو صلحه وقدرها. (كذات الخطا) فِي كَونهَا مائَة من الْإِبِل إِلَّا أَنَّهَا تكون مربعة بِحَذْف ابْن اللَّبُون كَمَا يَأْتِي فَيَأْخُذ من لم يعف، وَلم يُصَالح نصِيبه مِنْهَا حَيْثُ كَانُوا من أهل الْإِبِل أَو من قيمتهَا حَيْثُ كَانُوا من أهل بقر أَو غنم، وَيَأْخُذ نصِيبه من ألف دِينَار إِن كَانُوا من أهل الذَّهَب، وَهَكَذَا. وَقَوْلِي: مُبْهمَة مِثَاله أَن يَقُول: عَفَوْت عَنْك على دِيَة ويرضى الْقَاتِل فَإِن قدرهَا حِينَئِذٍ كذات الْخَطَأ فَإِن بَين شَيْئا كَأَن يَقُول: عَفَوْت عَنْك على ألف عبد أَو بقرة أَو جمل، وَنَحْو ذَلِك من قَلِيل أَو كثير عمل عَلَيْهِ حَيْثُ رَضِي الْقَاتِل بذلك كَمَا قَالَ: (أَو) للتنويع أَي نوع مِنْهَا قدره كذات الْخَطَأ وَهُوَ مَا تقدم وَنَوع مِنْهَا قدره (مَا تراضى فِيهِ) الْقَاتِل (بَين) أَي مَعَ (الْمَلأ) أَي جمَاعَة الْأَوْلِيَاء كَانَ مَا تراضوا عَلَيْهِ مثل دِيَة الْخَطَأ أَو أقل أَو أَكثر (خَ) : وَجَاز صلحه فِي عمد بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ أَي لِأَن الْعمد لَا شَيْء فِيهِ مُقَدّر من الشَّارِع، فَإِن لم يرض الْقَاتِل بِدفع المَال(2/619)
وَقَالَ: إِنَّمَا لَك الْقَتْل أَو الْعَفو مجَّانا فَإِنَّهُ لَا يجْبر على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَيجْبر على قَول أَشهب كَمَا مر. تَنْبِيه: إِذا عَفا الْوَلِيّ عَن الْقَاتِل عفوا مُطلقًا لم يذكر فِيهِ دِيَة ثمَّ بعد ذَلِك قَالَ: إِنَّمَا عَفَوْت لأجل الدِّيَة فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي ذَلِك إِلَّا أَن يظْهر من حَاله وقرائن الْأَحْوَال أَنه أَرَادَ ذَلِك كَقَوْلِه عِنْد الْعَفو: لَوْلَا الْحَاجة مَا عَفَوْت عَنهُ أَو يكون الْوَلِيّ فَقِيرا أَو الْقَاتِل مَلِيًّا كَمَا فِي ابْن رحال فَإِنَّهُ يحلف ويبقي على حَقه إِن امْتنع الْقَاتِل (خَ) : وَلَا دِيَة لعاف مُطلقًا إِلَّا أَن يظْهر إرادتها فَيحلف ويبقي على حَقه إِن امْتنع الخ. وَظَاهره كظاهر الْمُدَوَّنَة أَنه إِذا علمت الْقَرِينَة عِنْد الْعَفو يصدق سَوَاء قَامَ بِالْقربِ أَو بعد طول وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لما فِي الزّرْقَانِيّ. وَهْيَ إِذا مَا قُبِلَتْ وسُلِّمَتْ بحَسَبِ المِيراثِ قَدْ تَقَسَّمَتْ (وَهِي) أَي دِيَة الْعمد (إِذا مَا) زَائِدَة (قبلت) من الْقَاتِل تكون حَالَة عَلَيْهِ لَا منجمة إِلَّا بِرِضا الْأَوْلِيَاء وَتَكون فِي مَاله لَا على الْعَاقِلَة فَإِن كَانَ عديماً اتبعت ذمَّته بهَا (و) إِذا (سلمت) للأولياء وَدفعت لَهُم فَإِنَّهَا (بِحَسب الْمِيرَاث قد تقسمت) على فَرَائض الله تَعَالَى بعد قَضَاء دُيُونه فتأخذ مِنْهَا الزَّوْجَة وَالْأَخ للْأُم وَلَا شَيْء لأهل الْوَصَايَا مِنْهَا لِأَنَّهُ مَال طَرَأَ لم يعلم بِهِ الْمُوصي والوصايا إِنَّمَا تدخل فِيمَا علم بِهِ كَمَا مر فِي بَابهَا، بل لَو قَالَ: إِن قبل أَوْلَادِي الدِّيَة، أَو قَالَ: وصيتي فِيمَا علمت وَفِيمَا لم أعلم لم تدخل الْوَصَايَا فِي شَيْء من الدِّيَة، ابْن رشد: لِأَنَّهُ مَال لم يكن، نعم إِن أنفذت مقاتله وَقبل وَارثه الدِّيَة وَعلم بقبوله إِيَّاهَا فَإِن الْوَصَايَا حِينَئِذٍ تدخل فِي الدِّيَة، سَوَاء كَانَت الْوَصَايَا قبل الْعلم أَو بعده (خَ) : بِخِلَاف الْعمد فَلَا تدخل الْوَصَايَا فِي دِيَته إِلَّا أَن ينفذ مَقْتَله وَيقبل وَارثه الدِّيَة وَعلم الخ. بِخِلَاف دِيَة الْخَطَأ فَإِن الْوَصَايَا تدخل فِيهَا إِن عَاشَ بعد الْجرْح مَا يُمكنهُ فِيهِ التَّغْيِير فَلم يُغير، وَظَاهر قَول النَّاظِم: بِحَسب الْمِيرَاث الخ. وَلَو ثَبت الْقَتْل بقسامة الْعصبَة المحجوبين بذوي الْفُرُوض مثلا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر عِنْد قَوْله: ويحلفونها على الْبَتَات الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى قدر الدِّيَة وحبسها وَهِي كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة: مَال يجب بقتل آدَمِيّ حر عَن دَمه أَو بجرحه مُقَدرا شرعا لَا بِاجْتِهَاد الخ. فَقَوله مَال يَشْمَل الْإِبِل وَغَيرهَا، وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف النَّاس، وَخرج بِالْحرِّ العَبْد فَإِنَّمَا فِيهِ الْقيمَة أَو مَا نَقصه إِن برىء على شين، وَخرج بقوله مُقَدرا شرعا الْحُكُومَة فَإِنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَفِي جراح الْخَطَأ الْحُكُومَة الخ فَقَالَ: وَجُعِلتْ دِيةُ مُسلِمٍ قُتِلْ على البوادِي مائَة مِنَ الإبِلْ (وَجعلت دِيَة) حر (مُسلم قتل) خطأ أَو عمدا وعفي عَنهُ على دِيَة مُبْهمَة أَو عَفا الْبَعْض أَو(2/620)
صَالح فَلِمَنْ لم يعف وَلم يُصَالح نصِيبه من الدِّيَة كَمَا مر أَو قدرهَا فِي الْخَطَأ والعمد الْمَذْكُورين (على) أهل (الْبَوَادِي) القاتلين (مائَة من الْإِبِل) إِن كَانُوا أهل إبل إِلَّا أَنَّهَا فِي الْخَطَأ مخمسة كَمَا يَأْتِي منجمة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين تحل بأواخرها، والجاني كواحد مِنْهُم، وَأما فِي الْعمد فَهِيَ على الْقَاتِل وَحده حَالَة عَلَيْهِ مربعة كَمَا قَالَ: والحُكْمُ بالتَّرْبِيع فِي العَمْدِ وَجَبْ وألفُ دِينارٍ على أهْلِ الذّهَبْ (وَالْحكم بالتربيع فِي الْعمد وَجب) فَيُؤَدِّي خمْسا وَعشْرين من كل صنف من الْأَصْنَاف الْآتِيَة (خَ) : وربعت فِي عمد بِحَذْف ابْن اللَّبُون، وَفهم مِنْهُ أَنَّهَا لَا تربع فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة أَي لَا تغلظ فيهمَا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور بِخِلَاف الْمُثَلَّثَة الْآتِيَة فِي قَوْله: وغلظت وثلثت فِي الْإِبِل، فَإِنَّهَا تغلظ فِيهَا كَمَا يَأْتِي (و) قدرهَا (ألف دِينَار على أهل الذَّهَب) كالشامي والمصري والمغربي وَصرف الدِّينَار إثنا عشر درهما شَرْعِيًّا كَمَا تقدم فِي بَاب النِّكَاح. وَقَدْرُها على أُوْلي الوَرقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا أَدْنَى (وقدرها لأهل ورق) بِسُكُون الرَّاء لُغَة كالعراق وَفَارِس وخراسان. (اثْنَا عشر ألف دِرْهَم لَا أدنى) من ذَلِك فَإِن لم يَكُونُوا من أهل الْإِبِل وَلَا الذَّهَب وَلَا الْوَرق بل كَانُوا أهل خيل أَو بقر أَو غنم فَهَل يكلفون بِمَا يجب على أقرب الحواضر إِلَيْهِم أَو يكلفون بِدفع قيمَة الْإِبِل لِأَنَّهَا الأَصْل وَاسْتظْهر الأول. وَفهم من النّظم أَن الْمُعْتَبر أهل الْقَاتِل فِي جَمِيع هَذِه الْأُمُور لَا أهل الْمَقْتُول، وَفهم مِنْهُ أَيْضا أَن أهل الْإِبِل إِذا أَرَادوا أَن يؤدوها من الذَّهَب أَو أهل الذَّهَب أَرَادوا أَن يؤدوها من الْإِبِل لَا تقبل مِنْهُم إِلَّا بِرِضا الْأَوْلِيَاء ويراعى فِي ذَلِك حِينَئِذٍ بيع الدّين فَلَا يجوز أَخذ ذهب عَن ورق لأجل لِأَنَّهُ صرف مُؤخر، وَيجوز مَعَ حلولهما وتعجيلهما لِأَنَّهُ صرف لما فِي الذِّمَّة وَصرف مَا فِي الذِّمَّة جَائِز بعد حلولهما لَا قبله، وَأما أَخذ الْعرض نَقْدا من أهل الذَّهَب أَو الْوَرق فَجَائِز وَلَو لم يحل كَبيع الدّين، وَيجوز أَخذ الثَّوْب أَو الذَّهَب أَو الْوَرق من أهل الْإِبِل إِن عجل بِالْفِعْلِ، وإلاَّ فَلَا. لما يلْزم عَلَيْهِ من فسخ الدّين فِي الدّين، وَلَا يجوز أَيْضا أَخذ إبل أَو ذهب أَو ورق أقل من الْوَاجِب قبل حُلُول أجلهَا لما يلْزم عَلَيْهِ من ضع وتعجل، وَلَا أَخذ أَكثر لأبعد من الْأَجَل لِأَنَّهُ سلف بِزِيَادَة. ونِصْفُ مَا ذُكِرَ فِي اليَهُودِ وَفِي النّصَارى ثَابتُ الوُجودِ (وَنصف مَا ذكر) وَهُوَ خَمْسُونَ من الْإِبِل مخمسة فِي الْخَطَأ ومربعة فِي الْعمد أَو خَمْسمِائَة(2/621)
دِينَار أَو سِتَّة آلَاف دِرْهَم (فِي) قتل (الْيَهُودِيّ) ذِمِّيا أَو معاهداً (و) الحكم كَذَلِك (فِي) قتل الْوَاحِد من (النَّصَارَى) وَقَوله (ثَابت الْوُجُود) خبر عَن نصف وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِهِ قَالَ (ت) : وَكَانَ من حَقه أَن يزِيد هُنَا بَيْتا فَيَقُول مثلا: وَفِي الْمَجُوسِيّ وَفِي الْمُرْتَد ثلث خمس فادره بالعد وَيقْرَأ ثلث بِضَم اللَّام، وَخمْس بِسُكُون الْمِيم للوزن فديَة الْمَجُوسِيّ، وَالْمُرْتَدّ من الذَّهَب سِتَّة وَسِتُّونَ دِينَارا وَثلثا دِينَار، وَمن الْفضة ثَمَانمِائَة دِرْهَم، وَمن الْإِبِل سِتَّة أَبْعِرَة وَثُلُثَانِ. وَفِي النِّسَاءِ الحُكْمُ تَنْصِيفُ الدّيهْ وحالُهُ فِي كلِّ صِنْفٍ مُغْنِيَهْ (وَفِي النِّسَاء) من كل صنف تقدم مسلمات أَو كتابيات أَو مجوسيات أَو مرتدات. (الحكم تنصيف الدِّيَة) فديَة كل امْرَأَة على نصف دِيَة ذكر ملتها (وحاله) أَي التنصيف (فِي كل صنف مغنيه) عَن بَيَانهَا فَيجب فِي الْمسلمَة خَمْسُونَ من الْإِبِل، وَفِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية خمس وَعِشْرُونَ، وَفِي الْمَجُوسِيَّة والمرتدة ثَلَاثَة أَبْعِرَة وَثلث، وَقس على ذَلِك فِي الذَّهَب وَالْوَرق (خَ) : وَفِي الْكِتَابِيّ والمعاهد نصفه، والمجوسي وَالْمُرْتَدّ ثلث وَخمْس وَأُنْثَى كل نصفه. وَتَجِبُ الديةُ فِي قَتلِ الخَطَا والإبِلُ التّخميسُ فِيهَا قُسِّطا (وَتجب الدِّيَة فِي قتل الخطا) وَمِنْه عمد الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَمَا لَا يقْتَصّ مِنْهُ من الْجراح لإتلافه كجائفة وآمة وَكسر فَخذ فَإِن ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة، وَإِنَّمَا وَجَبت الدِّيَة فِي الْخَطَأ لقَوْله تَعَالَى: وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} (النِّسَاء: 92) (وَالْإِبِل) الْمَأْخُوذَة فِيهَا (التخميس) مُبْتَدأ ثَان خَبره (فِيهَا قسطا) عشرُون بنت مَخَاض وَهِي الَّتِي دخلت فِي السّنة الثَّانِيَة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَهِي مَا دخلت فِي الثَّالِثَة، وَعِشْرُونَ ابْن لبون كَذَلِك، وَعِشْرُونَ حقة وَهِي مَا دخلت فِي الرَّابِعَة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَهِي مَا دخلت فِي الْخَامِسَة، وَتقدم أَنَّهَا تربع فِي الْعمد بِحَذْف ابْن لبون. تَحمِلُهَا عاقِلَةٌ للقاتِلِ وَهْيَ القَرَابةُ مِنَ الْقَبَائِلِ (تحملهَا) أَي دِيَة الْخَطَأ (عَاقِلَة للْقَاتِل) وَهُوَ كواحد مِنْهُم وَتَكون منجمة عَلَيْهِم كَمَا يَأْتِي(2/622)
(وَهِي) أَي الْعَاقِلَة (الْقَرَابَة من الْقَبَائِل) أَرَادَ الطَّبَقَات الَّتِي ينتسب إِلَيْهَا الْقَاتِل بِدَلِيل قَوْله: بعد الْأَدْنَى فالأدنى فَيبْدَأ بالفصيلة ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الْبَطن ثمَّ الْعِمَارَة بِالْفَتْح ثمَّ الْقَبِيلَة ثمَّ الشّعب بِالْفَتْح، وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ: قَبيلَة قبلهَا شعب وبعدهما عمَارَة ثمَّ بطن يتلوه فَخذ وَلَيْسَ يأوى الْفَتى إِلَّا فصيلته وَلَا سداد لسهم مَاله قذذ جمع قُذَّة وَهِي ريش السهْم، فَهَذِهِ طَبَقَات قبائل الْعَرَب، فبنو الْعَبَّاس مثلا فصيلة، وَبَنُو هَاشم فَخذ، وَبَنُو قصي بطن، وقريش عمَارَة وكنانة قَبيلَة، وَخُزَيْمَة شعب. وَقَول ابْن الْحَاجِب: يبْدَأ بالفخذ يَعْنِي إِذا لم يكن فِي الفصيلة كِفَايَة، وَهَذَا التَّرْتِيب الْمَذْكُور هُوَ الَّذِي فِي ابْن الْحَاجِب وَهُوَ الْمَذْهَب وَهُوَ رَاجع إِلَى اللُّغَة (خَ) : وَهل حد الْعَاقِلَة سَبْعمِائة أَو الزَّائِد على ألف؟ قَولَانِ. وعَلى الأول الْعَمَل كَمَا فِي نظم الْعَمَل الْمُطلق فَإِذا وجد هَذَا الْعدَد مثلا من الفصيلة لَا يضم إِلَيْهِم الْفَخْذ وإلاَّ ضم إِلَيْهِم وَهَكَذَا، وَعَلِيهِ فَيُقَال فِي قبائل الْمغرب: يبْدَأ بِمد شَرّ الْقَاتِل الَّذين هم إخوانه وقرابته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة وَلم يحصل مِنْهُم الْعدَد الْمَذْكُور فجماعته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فربع قبيلته إِن كَانَ الْقَبِيلَة منقسمة أَربَاعًا مثلا، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فَجَمِيع قبيلته، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فأقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَغَيره وَهِي أَي الْعَاقِلَة الْعصبَة وبدىء بالديوان إِن أعْطوا ثمَّ يبْدَأ بهَا أَي بالعصبة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، ثمَّ الموَالِي الأعلون ثمَّ الأسفلون، ثمَّ إِذا لم يكن للْقَاتِل عصبَة وَلَا قَبيلَة فبيت المَال يعقل عَنهُ إِن كَانَ الْجَانِي مُسلما، فَإِن لم يكن بَيت مَال أَو كَانَ وَلَكِن لَا يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ، فَالدِّيَة على الْجَانِي وَحده بِنَاء على الْمَشْهُور من أَنه كواحد من الْعَاقِلَة وعَلى مُقَابِله تسْقط. وَقَوله: وبدىء بالديوان الخ. يَعْنِي أَنه يقدم الدِّيوَان على عصبَة الْجَانِي الَّذين لَيْسُوا مَعَه فِي الدِّيوَان، والديوان عبارَة عَن الذمام الَّذِي يجمع فِيهِ الإِمَام أَفْرَاد الأجناد على عَطاء يخرج لَهُم من بَيت المَال فِي أَوْقَات مَعْلُومَة أَي: فيقدمون قبل عصبَة الْجَانِي، وَإِن كَانُوا من قبائل شَتَّى لأجل تناصرهم، فَإِن لم تكن فيهم كِفَايَة فيعينهم الْعصبَة الَّذين لَيْسُوا مَعَه فِي الدِّيوَان، وَهَكَذَا على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم.(2/623)
وَمَا ذكره من أَنه يبْدَأ بالديوان هُوَ الَّذِي فِي الْمُوازِية والعتبية وَهُوَ خلاف ظَاهر الْمُدَوَّنَة من أَن الْعقل على الْقَبَائِل على التَّرْتِيب الْمُتَقَدّم كَانَ الْجَانِي دَاخِلا فِي ديوَان أم لَا. وَهُوَ الْمُعْتَمد وَالْقَوْل بتبدئة الدِّيوَان ضَعِيف كَمَا للخمي. تَنْبِيهَانِ. الأول: فِي نَوَازِل العلمي أَنه لَا عَاقِلَة فِي هَذَا الزَّمَان، وَلَا يُمكن الْوُصُول لبيت المَال، فَالدِّيَة فِي مَال الْجَانِي، وَسَيَأْتِي مثله لِابْنِ رحال عِنْد قَوْله: كَذَا على الْمَشْهُور من معترف الخ. الثَّانِي: عَاقِلَة الذِّمِّيّ أهل دينه الَّذين مَعَه فِي بَلَده فَلَا يعقل يَهُودِيّ مَعَ نَصْرَانِيّ وَلَا عَكسه، والمعاهد إِذا قتل أحدا فَإِن الدِّيَة فِي مَاله لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَة لَهُ، ثمَّ الْعَاقِلَة إِنَّمَا تحمل الدِّيَة. حيثُ ثبوتُ قَتْلِهِ بالبيِّنَه أَوْ بِقَسامَةٍ لَهُ مُعَيَّنَهْ (حَيْثُ ثُبُوت قَتله بِالْبَيِّنَةِ) التَّامَّة (أَو بقسامة) بشروطها الْمُتَقَدّمَة (لَهُ) أَي للْقَتْل خطأ (مُعينَة) . وَمَفْهُوم بِالْبَيِّنَةِ أَو الْقسَامَة أَن الْقَتْل إِذا ثَبت باعتراف الْقَاتِل لَا تحمل دِيَته الْعَاقِلَة، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: كَذَا على الْمَشْهُور من معترف الخ. لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل عمدا عداء وَلَا اعترافاً وَلَا قَاتل نَفسه عمدا أَو خطأ وَلَا مَا دون الثُّلُث كدية مُوضحَة، وَأما مَا بلغ الثُّلُث كدية الْجَائِفَة فتحمله كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الثَّالِث بعده، ثمَّ من الِاعْتِرَاف إِقْرَار الْمَرْأَة أَنَّهَا نَامَتْ على وَلَدهَا حَتَّى قتلته (خَ) : ونجمت دِيَة الْحر بِلَا اعْتِرَاف على الْعَاقِلَة الخ. فمفهومه أَن الِاعْتِرَاف لَا يكون على الْعَاقِلَة، بل هُوَ فِي مَال الْجَانِي فَلَو نَام الرجل مَعَ زَوجته فَأصْبح الْوَلَد مَيتا وَلَا يدْرِي من رقد عَلَيْهِ فَهُوَ هدر كَمَا أفتى بِهِ ابْن عبد السَّلَام، وَأما الْمَرْأَة الهاربة عَن رضيعها حَتَّى مَاتَ الْوَلَد من عدم اللَّبن فَقَالَ ابْن هَارُون: دِيَته على عاقلتها، وقاسها بالمسافرين الَّذين منعُوا المَاء حَتَّى مَاتُوا عطشاً. ابْن فَرِحُونَ: إِذا شربت الْحَامِل دَوَاء فَأَلْقَت جَنِينهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهَا إِذا كَانَ الدَّوَاء مَأْمُونا يَعْنِي لَا غرَّة عَلَيْهَا، وَلَو سقت وَلَدهَا دَوَاء فَمَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهَا. يَدفَعُها الأَدْنَى فالأَدْنى بِحَسَبْ أحوالِهِم وحكْمُ تَنجِيمٍ وَجَبْ (يَدْفَعهَا) إِلَى دِيَة الْخَطَأ (الْأَدْنَى) للْقَاتِل (فالأدنى) لَهُ فَإِن كَانَ فِي الفصيلة كِفَايَة لم يلْزم الْفَخْذ شَيْء كَمَا مر. وَتقدم هَل حَدهَا سَبْعمِائة الخ؟ وتقسط عَلَيْهِم (بِحَسب أَحْوَالهم) وَقدر طاقتهم (خَ) : وَضرب على كل مَا لَا يضر أَي: فالغني بِحَسبِهِ وَغَيره بِحَسبِهِ. قَالَ فِي المناهج:(2/624)
لَا حد لما يُؤْخَذ من كل وَاحِد مِنْهُم، وَإِنَّمَا ذَلِك على قدر الْيُسْر والعسر وَهُوَ الصَّحِيح اه. وَقَالَ الشَّافِعِيَّة: يُؤْخَذ من الْغَنِيّ نصف دِينَار وَهُوَ الَّذِي ملك عشْرين دِينَارا بعد الْمسكن وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَمن الْمُتَوَسّط ربع دِينَار وَهُوَ الَّذِي يملك أقل من ذَلِك اه. وَلَا تسْقط على فَقير وَلَا امْرَأَة، وَلَو وَقع الْقَتْل مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: من مُوسر الخ. (وَحكم تنجيم) للدية الْكَامِلَة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين (وَجب) فتؤدي فِي آخر كل سنة ثلثهَا وَابْتِدَاء التنجيم من يَوْم الحكم لَا من يَوْم الْقَتْل أَو الْخِصَام، واحترزت بالكاملة من غَيرهَا كَمَا لَو وَجب ثلث الدِّيَة كجائفة، فَإِنَّهَا تؤجل بِسنة وَالثُّلُثَانِ كآمة وجائفة بِسنتَيْنِ، فَإِن كَانَ الْوَاجِب نصفا كَقطع يَد فسنتان للثلث سنة وللسدس سنة أُخْرَى، وَكَذَا لَو كَانَ الْوَاجِب ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة كَقطع يَد وأصبعين وَسن وَاحِدَة بِخمْس وَسبعين من الْإِبِل فثلثاها بِسنتَيْنِ، وللزائد سنة أُخْرَى (خَ) : وَنجم فِي الثَّلَاثَة الأرباع بالتثليث وللزائد سنة. من مُوسِرٍ مُكَلَّفٍ حُرَ ذكَرْ موافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرْ ثمَّ بَين من تقسط عَلَيْهِ بقوله: (من مُوسر مُكَلّف حر ذكر) فَلَا تقسط على فَقير وَلَا صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا عبد وَلَا امْرَأَة، وَظَاهره وَلَو وَقع الْقَتْل مِنْهُم وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وعقل عَن صبي وَمَجْنُون وَامْرَأَة وفقير وغارم وَلَا يعْقلُونَ أَي: لَا يعْقلُونَ عَن أنفسهم وَلَا عَن غَيرهم، وَالْمرَاد بالغارم الْمديَان الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِالدّينِ أَو يبْقى بِيَدِهِ مَا يعد بِهِ فَقِيرا، وَشَمل قَوْله: مُكَلّف السَّفِيه فَإِنَّهُ كالرشيد فِي الْعقل عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَفهم مِنْهُ أَن الْمُعْتَبر وَقت الضَّرْب والتقسيط، فَإِذا أسلم الْكَافِر أَو عتق العَبْد أَو بلغ الصَّبِي بعد الضَّرْب وَقبل أَدَائِهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَلَا يقسط مَا ضرب على الْغَنِيّ بفقره بعد. (مُوَافق فِي نحلة) أَي دين فَلَا يعقل مُسلم عَن كَافِر مُطلقًا، وَلَو من عصبته على تَقْدِير إِسْلَامه وَلَا عَكسه وَلَا يَهُودِيّ عَن نَصْرَانِيّ وَلَا عَكسه. ابْن الْحَاجِب: وَلَا نضرب على فَقير وَلَا مُخَالف فِي دين الخ. وَلَيْسَ المُرَاد بالنحلة المَال المنحول أَي الْمُعْطى فِي الدِّيَة لِأَن هَذَا هُوَ قَوْله: (وَفِي مقرّ) أَي مَحل الْقَرار وَالسُّكْنَى (خَ) : وَلَا دُخُول لبدوي مَعَ حضري أَي: وَلَو من عصبَة الْقَاتِل، وَلَا شَامي مَعَ مصري وَلَو من عصبته أَيْضا مُطلقًا اتَّحد جنس الدِّيَة عِنْد كل أم لَا، وَذَلِكَ لِأَن الْعلَّة التناصر والبدوي لَا ينصر الحضري، وَكَذَلِكَ الشَّامي مَعَ الْمصْرِيّ، وَإِنَّمَا الدِّيَة على أهل قطره، فَإِن لم يكن فيهم الْعدَد الْمُعْتَبر فيضم(2/625)
أقرب الأقطار إِلَيْهِم كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا لَا تحمله الْعَاقِلَة فَقَالَ: وكونُهَا مِن مَال جانٍ إنْ تَكُنْ أَقَلَّ مِن ثُلْثٍ بذَا الحُكْمُ حَسَنْ (وَكَونهَا) أَي الدِّيَة وَمَا فِي مَعْنَاهَا من الْغرَّة والحكومة (من مَال جَان) حَالَة عَلَيْهِ (إِن تكن) هِيَ أَي الدِّيَة وَمَا فِي مَعْنَاهَا (أقل من ثلث) دِيَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ ودية الْجَانِي مَعًا فَمَتَى نقصت عَن دِيَتهمَا مَعًا فَهِيَ فِي مَال الْجَانِي حَالَة عَلَيْهِ كجناية حر مُسلم على مثله مُوضحَة أَو هاشمة أَو قطع أصْبع من مسلمة وَنَحْو ذَلِك، وَمَتى بلغت ثلث دِيَتهمَا مَعًا أَو ثلث دِيَة أَحدهمَا حملتها الْعَاقِلَة، فَإِذا قطع مُسلم من مَجُوسِيَّة أصبعين فَتحمل ذَلِك عَاقِلَته، وَإِن لم يبلغ ذَلِك ثلث دِيَته والإصبعان أَكثر من ثلث دِيَتهَا لِأَن لَهَا فيهمَا مثل مَا للرِّجَال من أهل دينهَا، وَذَلِكَ مائَة وَسِتُّونَ درهما وَثلث دِيَتهَا مائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ درهما وَثلث دِرْهَم، وَكَذَلِكَ كل امْرَأَة دِيَة إصبعها أَكثر من ثلث دِيَتهَا لِأَنَّهَا تَسَاوِي ذكرهَا لثلث دِيَته ثمَّ ترجع لديتها، فَإِذا قطع مُسلم أصبعين من ذِمِّيَّة فلهَا فيهمَا عشر من الْإِبِل لِأَنَّهَا كذكرها فيهمَا فَتحمل ذَلِك عَاقِلَته لِأَن عشرا من الْإِبِل أَكثر من ثلث خَمْسَة وَعشْرين الَّتِي هِيَ دِيَتهَا، وَإِن قطعت مَجُوسِيَّة أصبعاً وَاحِدًا من مُسلم حر فَذَلِك على عاقلتها لِأَن ذَلِك أَكثر من ثلث دِيَتهَا بل وَمن جَمِيع دِيَتهَا لِأَن عشرا من الْإِبِل الْوَاجِبَة فِي قطع أصْبع الْمُسلم أَكثر من ثَلَاثَة أَبْعِرَة وَثلث الَّتِي هِيَ دِيَة الْمَجُوسِيَّة وَهَكَذَا. (بذا الحكم حسن) بِضَم السِّين وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : ونجمت دِيَة الْحر الْخَطَأ بالاعتراف على الْعَاقِلَة والجاني إِذا بلغ ثلث دِيَة الْمَجْنِي أَو الْجَانِي وَمَا لم يبلغ فحال عَلَيْهِ الخ. وَاحْترز بِالْحرِّ من العَبْد فَإِن قِيمَته على الْجَانِي كَمَا مر، وَإِن كَانَ هُوَ الْجَانِي فَذَلِك فِي رقبته وَظَاهر النّظم و (خَ) إِن مَا لم يبلغ الثُّلُث هُوَ فِي مَال الْجَانِي وَلَو كَانَ صَبيا أَو مَجْنُونا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قرر بِهِ الزّرْقَانِيّ وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَالدية على عاقلتهما إِن بلغت الثُّلُث وإلاَّ فَفِي مَالهمَا أَو ذمتهما إِن لم يكن لَهما مَال الخ. وَاعْتِرَاض الشَّيْخ بناني على (ز) سَاقِط. كَذَا على الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفِ تُؤْخَذُ أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفِ (كَذَا على الْمَشْهُور من) مَال (معترف) بِالْقَتْلِ خطأ أَو بِالْجرْحِ خطأ (تُؤْخَذ) حَالَة من الْعَاقِلَة، وَبِه صدر فِي الشَّامِل، وَبِه قرر (خَ) شراحه. وَفِي الْمَسْأَلَة أَقْوَال. أَحدهَا: مَا تقدم وَقيل على الْعَاقِلَة بقسامة من الْأَوْلِيَاء، وَقيل على الْعَاقِلَة أَيْضا مَا لم يتهم الْمقر بإغناء الْوَرَثَة لكَوْنهم أقرباء لَهُ أَو ملاطفين لَهُ، وَقيل إِن كَانَ الْمقر عدلا، وَالَّذِي تجب بِهِ الْفَتْوَى، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن الْحَاجِب وَعَزاهُ ابْن الْجلاب لمذهبها وَهُوَ فِي الدِّيات مِنْهَا، وَرجحه ابْن مَرْزُوق وَابْن رحال فِي شَرحه: أَن الْمقر إِذا أقرّ لمن لَا يتهم عَلَيْهِ وَكَانَ عدلا مَأْمُونا لَا يخْشَى عَلَيْهِ أَخذ الرِّشْوَة فَالدِّيَة على(2/626)
الْعَاقِلَة بقسامة، فَإِن أَبَوا أَن يقسموا فَلَا شَيْء لَهُم على الْعَاقِلَة وَلَا على الْمقر، وَمِنْه تعلم أَن الْمَرْأَة لَا يقبل اعترافها بنومها على وَلَدهَا لاتهامها بإغناء إخوانه أَو أَبِيه، هَذَا إِذا كَانَ الْمُعْتَرف لَهُ عَاقِلَة، وَأما إِذا كَانَ لَا عَاقِلَة لَهُ فَقيل فِي مَاله أَيْضا، وَقيل فِي بَيت المَال، وَقيل مَا ينوبه فِي مَاله وَيسْقط الْبَاقِي، وَقيل هدر. قَالَ أَبُو الْحسن: وَكَانَ الْفَقِيه رَاشد يُفْتِي بِأَنَّهَا فِي مَاله أَخذ ذَلِك من قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمعَاهد يقتل مُسلما خطأ إِن ذَلِك فِي مَاله إِذْ لَا يتَوَصَّل إِلَى عَاقِلَته وَبَيت المَال مُتَعَذر اه. قَالَ ابْن رحال: وَمَا أفتى بِهِ الْفَقِيه رَاشد يُقَوي القَوْل بِأَن دِيَة الِاعْتِرَاف على الْمقر لِأَن بَيت المَال الْيَوْم مُتَعَذر وَالْأَخْذ من الْقَبَائِل كَذَلِك بِلَا ريب، فَإِن الْأَخْذ من الْقَبَائِل إِنَّمَا يكون بسطوة السُّلْطَان والاعتناء بذلك من السُّلْطَان غير كَائِن وَمن شكّ فَإِن الْعَرَب بِالْبَابِ اه. وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْأَخْذ من الْعَاقِلَة مُتَعَذر الْيَوْم لعدم اعتناء السلاطين بذلك وَهُوَ مَا تقدم عَن نَوَازِل العلمي. (أَو من عَامِد مُكَلّف) أَي: وكما أَن الدِّيَة تُؤْخَذ من الْمُعْتَرف بالْخَطَأ وَلَا تحملهَا الْعَاقِلَة، كَذَلِك تُؤْخَذ من الْعَامِد إِذا كَانَ مُكَلّفا لَا إِن كَانَ صَبيا أَو مَجْنُونا فَإِن عمدهما كالخطأ تحمله الْعَاقِلَة إِن بلغت الثُّلُث، وإلاَّ فَفِي مَالهمَا كَمَا مر، وَكَذَلِكَ لَا تحمل الْعَاقِلَة دِيَة غلظت على الْأَب وَإِن علا فِي عمد لم يقتل بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وغلظت فثلثت فِي الْإِبِل، وَكَذَلِكَ لَا تحمل الْعمد الَّذِي سقط فِيهِ الْقصاص لعدم المماثل بِخِلَاف الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ لإتلافه كجائفة ومأمومة وَكسر فَخذ، فَإِنَّهُ مُلْحق بالْخَطَأ فتحمله الْعَاقِلَة إِن بلغت الْحُكُومَة فِي كسر الْفَخْذ ثلث الدِّيَة كَمَا مر (خَ) : مشبهاً فِيمَا لَا تحمله الْعَاقِلَة مَا نَصه كعمد ودية غلظت وساقط لعدمه إِلَّا مَا لَا يقْتَصّ مِنْهُ من الْجراح لإتلافه فعلَيْهَا. وَفِي الجَنِينِ غَرَّةٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ قِيمَةٌ كالإرْثِ فِي اسْتِعمَالِهِ (و) يجب على المتسبب (فِي) إِلْقَاء (الْجَنِين) الْوَاحِد وَإِن علقَة وَهِي الدَّم الْمُجْتَمع الَّذِي إِذا صب عَلَيْهِ المَاء الْحَار لم يذب (غرَّة من مَاله) وَهِي عبد أَو وليدة أَي أمة صَغِيرَة كَبِنْت سبع سِنِين (أَو قيمَة) الْغرَّة وَهِي عشر دِيَة الْأُم إِن كَانَت أمة جرة أَو عشر قيمتهَا إِن كَانَت أمة فَفِي جَنِين الْحرَّة الْمسلمَة عشر دِيَة أمة وَهِي خَمْسُونَ دِينَارا على أهل الذَّهَب وسِتمِائَة دِرْهَم على أهل الْوَرق أَو عبد أَو وليدة تَسَاوِي ذَلِك وَهَكَذَا فِي جَنِين الْحرَّة الْكِتَابِيَّة والمجوسية، وَنَحْو ذَلِك إِذا كَانَ الْجَنِين مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، فَإِن كَانَ العَبْد أَو الوليدة لَا تَسَاوِي الْعشْر الْمَذْكُور بل نقصت عَنهُ، فَلَا يلْزم أهل الْغرَّة قبولهما، وَمهما بذل عشر دِيَة الْأُم أَو العَبْد أَو الوليدة الَّتِي تساويهم لَزِمَهُم(2/627)
الْقبُول، وَأما جَنِين الْأمة فَفِيهِ عشر قيمَة أمه مَا لم يكن من سَيِّدهَا الْحر الْمُسلم، فَإِنَّهُ كجنين الْحرَّة الْمسلمَة، وَكَذَلِكَ جَنِين الْيَهُودِيَّة والنصرانية من العَبْد الْمُسلم فَإِنَّهُ كَالْحرَّةِ الْمسلمَة أَيْضا، وَظَاهره أَن الْخِيَار للجاني فِي دفع الْعشْر أَو الْغرَّة وَهُوَ كَذَلِك فِي جَنِين الْحرَّة، وَأما جَنِين الْأمة فَيتَعَيَّن فِيهِ الْعين، وَظَاهره أَيْضا كَانَ الْجَنِين ذكرا أَو أُنْثَى كَانَت أمة مسلمة أَو كَافِرَة كَانَ أَبوهُ حرا أَو عبدا، لِأَن الْجَنِين تَابع لأمه، وَظَاهره أَيْضا كَانَ التَّسَبُّب فِي إلقائه عمدا أَو خطأ بِضَرْب أَو شتم أَو تخويف، وَهُوَ كَذَلِك لَا بِمُجَرَّد شتم فَإِنَّهُ لَا شَيْء فِيهِ، وَظَاهره كَانَ المتسبب أَبَاهُ أَو أمه أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك، فَلَو ضربت هِيَ بَطنهَا أَو شربت مَا تلقيه بِهِ أَو شمت رَائِحَة فألقته بذلك حَال تَقْصِيرهَا عِنْد الشم بتدارك أكل مَا شمته لوجدت الْغرَّة عَلَيْهَا، وَإِن شمت سمكًا أَو جبنا أَو نَحْو ذَلِك فعلَيْهَا طلب ذَلِك فَإِن لم تطلب وَإِن لم يعلمُوا بِحَالِهَا فعلَيْهَا الْغرَّة لتقصيرها وتسببها، فَإِن طلبت وَلم يعطوها فالغرة عَلَيْهِم علمُوا بحملها أم لَا، وَكَذَلِكَ إِن علمُوا بِهِ، وَأَن ريح الطَّعَام أَو السّمك يُسْقِطهَا، وَإِن لم تطلب كَمَا فِي (ز) وَقَوله: من مَاله أَي مَال الْجَانِي حَالَة عَلَيْهِ، وَهَذَا فِي الْعمد مُطلقًا وَفِي الْخَطَأ إِذا لم تبلغ ثلث دِيَة الْجَانِي، وَإِلَّا فتحملها الْعَاقِلَة. فَفِي الْمُدَوَّنَة وَإِن ضرب مَجُوسِيّ أَو مَجُوسِيَّة بطن مسلمة خطأ فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا حَملته عَاقِلَة الضَّارِب، وَمحل هَذَا كُله إِذا ألقته مَيتا أَو حَيا وَلم يستهل وَهِي حَيَّة وَإِلَّا بِأَن اسْتهلّ سَوَاء خرج مِنْهَا فِي حَال حَيَاتهَا أَو بعد مَوتهَا، فَفِيهِ فِي التَّسَبُّب خطأ الدِّيَة بقسامة، وَلَو مَاتَ عَاجلا فَإِن لم يقسموا فَلهم الْغرَّة، وَأما فِي التَّسَبُّب الْعمد الَّذِي قصد بِهِ إِلْقَاء الْجَنِين فألقته واستهل فَفِي الْقصاص وَعَدَمه خلاف وَالْمُعْتَمد الْقصاص، وَأما إِن ألقته مَيتا بعد مَوتهَا فَلَا شَيْء فِيهِ، وَإِنَّمَا الدِّيَة فِي أمه أَو الْقصاص، وَإِذا تعدد فَإِن الْغرَّة تَتَعَدَّد بتعدده، وَمحله أَيْضا إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِالسَّبَبِ الَّذِي أَلْقَت جَنِينهَا من أَجله من ضرب أَو تخويف وَأَنه أَمر يخَاف مِنْهُ وَأَنَّهَا لَزِمت الْفراش من وَقت السَّبَب الْمَذْكُور وَشهِدت النِّسَاء أَو غَيْرهنَّ على مُعَاينَة السقط، وَأَنه علقَة ففوق وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد وَقَوله: (كَالْإِرْثِ) حَال من الْغرَّة وَمَا عطف عَلَيْهَا أَي حَال كَون الْغرَّة أَو قيمتهَا الَّتِي هِيَ عشر دِيَة الْأُم مقسومة على فَرَائض الله كَالْإِرْثِ (فِي اسْتِعْمَاله) فَيكون للْأَب مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَللْأُمّ الثُّلُث مَا لم يكن لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس، وَإِن لم يكن لَهُ أَب فَهِيَ بَين الْأُم وَالإِخْوَة أَو غَيرهم من الْعصبَة إِلَّا أَن الضَّارِب أَي المتسبب لَا يَرث مِنْهَا وَلَو أَبَا أَو أما، وَلَا يحجب وَارِثا، وَسَوَاء كَانَ التَّسَبُّب عمدا أَو خطأ قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَإِلَى مَسْأَلَة الْغرَّة أَشَارَ (خَ) بقوله فِي الْجَنِين: وَإِن علقَة عشر أمه نَقْدا أَو غرَّة عبد أَو وليدة تساويه وَالْأمة من سَيِّدهَا والنصرانية من العَبْد الْمُسلم كَالْحرَّةِ إِن زايلها(2/628)
كُله حَيَّة إِلَّا أَن يحيى فَالدِّيَة إِن قسموا، وَلَو مَاتَ عَاجلا وَإِن تَعَمّده بِضَرْب ظهر أَو بطن أَو رَأس، فَفِي الْقصاص خلاف وتعدد المواجب بتعدده وَورث على الْفَرَائِض الخ. فَقَوله: نَقْدا أَي حَالَة من الذَّهَب أَو الْفضة لَا من الْإِبِل، وَقَوله: أَو غرَّة بِالرَّفْع عطف على عشر أمه، وَقَوله: عبد الخ. بدل من غرَّة، وَقَوله: من العَبْد الْمُسلم وَأَحْرَى من الْحر الْمُسلم وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ من الْكِتَابِيّ لَا غرَّة فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ عشر دِيَة أمه الْكِتَابِيَّة وَلَو أسلمت بعد الْحمل لِأَن الْجَنِين حِينَئِذٍ غير مَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ تَابع لِأَبِيهِ، فالغرة يشْتَرط فِيهَا حريَّة الْجَنِين وَكَونه مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ وَأما إِن كَانَ رَقِيقا فعشر قيمَة أمه، وَإِن كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فعشر دِيَة أمه وَبَاقِي كَلَامه يفهم مِمَّا مر بِأَدْنَى تَأمل. تَنْبِيه: تُؤْخَذ مَسْأَلَة تخويف الْحَامِل من قَول (خَ) فِي فصل حرم بِالْإِحْرَامِ وبسبب، وَلَو اتّفق كفزعه فَمَاتَ أَي فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ، فَكَذَلِك الْحَامِل عَلَيْهِ غرتها وَإِن لم يقْصد فزعها وَنزلت بسيدنا عمر رَضِي الله عَنهُ أرسل أعواناً فرأتهم امْرَأَة فخافت وَأَلْقَتْ جَنِينهَا فَسَأَلَ عمر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَقَالُوا: لَا يلزمك شَيْء لِأَنَّك مَا فعلت إِلَّا جَائِزا لَك. وَقَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ: يَا أَبَا الْحسن مَا تَقوله؟ فَقَالَ: أرى أَن عَلَيْك الْغرَّة فأداها عمر رَضِي الله عَنهُ. وغُلِّظتْ فَثُلِّثَثْ فِي الإبِلِ وقُوِّمَتْ بالْعَيْنِ فِي القَوْلِ الجَلِي (وغلظت) الدِّيَة على الْأَبَوَيْنِ وَإِن علوا وَلَو مجوسيين كَمَا يَأْتِي فِي عمد لم يقتلُوا بِهِ أَو جرح كَذَلِك كرميهم ولدهم بحديدة أَو سيف قصدُوا أدبه أَو لم يقصدوا شَيْئا، فضابطه أَن لَا يقصدوا إزهاق روحه. (فثلثت فِي الْإِبِل) بِثَلَاثِينَ حقة وَهِي الَّتِي دخلت فِي الرَّابِعَة، وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَهِي الَّتِي دخلت فِي الْخَامِسَة، وَأَرْبَعين خلفة وَهِي الَّتِي أَوْلَادهَا فِي بطونها بِلَا حدس فِيهَا (خَ) : وغلظت فِي الْأَب فِي عمد لم يقتلُوا بِهِ كجرحة بِثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة الخ. وغلظت أَيْضا بحلولها عَلَيْهِم فَهِيَ فِي مَالهم حَالَة لَا منجمة، فَإِن أعدموا فيتبعون بهَا كَمَا مرّ، وَكَذَا تغلظ عَلَيْهِم فِي الْجراح أَيْضا كموضحة أَو مأمومة، وَالْأَصْل فِي تثليثها مَا فِي الْمُوَطَّأ أَن رجلا من بني مُدْلِج حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فَأصَاب سَاقه فَمَاتَ، فَحكى ذَلِك لعمر فَقَالَ لسراقة. اعدد لي على مَاء قديد مائَة وَعشْرين من الْإِبِل حَتَّى أقدم عَلَيْك، فَلَمَّا قدم عمر رَضِي الله عَنهُ أَخذ مِنْهَا الْعدَد الْمَذْكُور وَدفعه لأخ الْمَقْتُول وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيْسَ للْقَاتِل شَيْء) اه. وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل على أَنَّهَا أخذت من إبل الْجَانِي وَحده، وَإِنَّمَا أَخذ كَونهَا من مَال الْجَانِي وَحده من دَلِيل آخر، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ دَلِيل مُقَابل الْمَشْهُور الَّذِي قَالَ: إِن الْمُغَلَّظَة تكون على الْعَاقِلَة، وَمَفْهُوم أَن لَا يقصدوا إزهاق روحه أَنهم إِذا قصدُوا إزهاقها أَو فعلوا فعلا لَا يُمكن مَعَه قصد الْأَدَب كَمَا لَو شَقوا بَطْنه أَو ذبحوه أَو جذوا يَده أَو وضعُوا أصبعهم فِي عينه فأخرجوها، فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِم الْقصاص وَلَا يقبل مِنْهُم إِرَادَة الْأَدَب.(2/629)
قَالَ الأَجْهُورِيّ: فهم مِمَّا ذكرنَا أَن الْأَب إِذا فعل بِابْنِهِ مَا يُمكن فعله إِلَّا لقصد الْقَتْل أَو الْجرْح فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ فيهمَا، وَإِن فعل مَا يحْتَمل قصد الْقَتْل أَو الْجرْح وَمَا يحْتَمل غَيرهمَا فَإِن اعْترف بِأَنَّهُ قصد بِهِ الْقَتْل أَو الْجرْح اقْتصّ مِنْهُ أَيْضا، وَإِن لم يعْتَرف بِهِ لم يتقص مِنْهُ سَوَاء ادّعى أَنه أَرَادَ الْأَدَب أَو لم يرد شَيْئا اه. يَعْنِي وتغلظ عَلَيْهِ الدِّيَة حَيْثُ كَانَ مَا رَمَاه بِهِ مَا لَا يُؤَدب بِمثلِهِ كالحديدة وَنَحْوهَا، وَأما إِن كَانَ مِمَّا يُؤَدب بِمثلِهِ فَإِن الدِّيَة على عَاقِلَته كَمَا مر أول الْبَاب وَعند قَوْله: وشبهة تدرؤه الخ. وَقد تقدم أول الْبَاب أَن الْقَتْل إِمَّا عمدا أَو خطأ لَا وَاسِطَة بَينهمَا عِنْد مَالك إِلَّا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي تغلظ فِيهَا الدِّيَة على الْأَب وَنَحْوه، فَإِنَّهَا من شبه الْعمد قَالَ الْبَاجِيّ: لَا خلاف فِي ثُبُوت شبه الْعمد فِي حق الْأَب اه. ابْن الْحَاجِب: وَلذَلِك لَا يَرث الْقَاتِل فِيهَا من مَال الْمَقْتُول شَيْئا وَيقتل غَيرهم بذلك، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَاسِطَة بَين الْعمد وَالْخَطَأ وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا غير هَذَا عِنْد مَالك خلافًا للخمي حَيْثُ أثبت شبه الْعمد فِي ثَلَاث مسَائِل غير هَذِه أَحدهَا: الْقَتْل بِغَيْر آلَة الْقَتْل كالسوط والعصا واللطمة. وَالثَّانيَِة: أَن يكون الْقَتْل صدر مِمَّن أذن لَهُ فِي الْأَدَب كالزوج والمعلم. وَالثَّالِثَة: أَن يصدر من المتلاعبين والمتصارعين الخ. وَتقدم أَن الْقَتْل بِالسَّوْطِ والعصا من الْعمد الَّذِي فِيهِ الْقصاص وَأَن الزَّوْج وَنَحْوه إِذا ضرب بِآلَة يُؤَدب بِمِثْلِهَا فَهُوَ من الْخَطَأ، وإلاَّ فَهُوَ من الْعمد وَإِن الْقَتْل من المتلاعبين خطأ كَمَا مر ذَلِك كُله فِي أول الْبَاب وَلما كَانَ التَّغْلِيظ لَيْسَ خَاصّا بِأَهْل الْإِبِل كَذَلِك تغلظ الدِّيَة على أهل الذَّهَب وَالْوَرق وَكَيْفِيَّة تغليظها عَلَيْهِمَا هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: (وقومت) دِيَة الْإِبِل مُثَلّثَة ومخمسة لأجل تغليظها (فِي) أَي على أهل (الْعين) أَي فتقوم الديتان مَعًا ليعلم مَا بَين القيميتن فيزاد بنسبته على الْألف دِينَار أَو الاثْنَي عشر ألف دِرْهَم، فَإِذا كَانَت قيمَة المخمسة على أسنانها وتأجيلها مائَة وَقِيمَة الْمُثَلَّثَة على أسنانها وحلولها مائَة وَعشْرين، فَإِن الْعشْرين الزَّائِدَة تنْسب إِلَى الْمِائَة، ونسبتها مِنْهَا خمس فَيدْفَع الْأَب وَنَحْوه ألف دِينَار وَخَمْسَة أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وخمسها، وَهَكَذَا إِذا زَادَت أقل من ذَلِك أَو أَكثر، وَيلْزم فِي المأمومة والجائفة ثلث الدِّيَة الْمُغَلَّظَة، وَكَذَا غَيرهمَا من مُوضحَة وَنَحْوهمَا مِمَّا فِيهِ شَيْء مُقَدّر فَفِي الْمُوَضّحَة عشر دِيَة مُغَلّظَة وَهَكَذَا (فِي القَوْل الْجَلِيّ) أَي الْمَشْهُور ومقابلة أَنَّهَا لَا تغلظ إِلَّا على أهل الْإِبِل دون أهل الذَّهَب وَالْوَرق، وعَلى الْمَشْهُور فَإِن الْمُغَلَّظَة تقوم حَالَة دون المخمسة فَإِنَّهَا تقوم على تنجيمها على الْمُعْتَمد كَمَا مر فِي الْمِثَال، وَفهم مِنْهُ أَن المربعة الْمُتَقَدّمَة فِي قَوْله: ودية الْعمد كذات(2/630)
الْخَطَأ لَا تغلظ على أهل الذَّهَب وَالْوَرق، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ أَشهب: بل تغلظ عَلَيْهِمَا أَيْضا وَعَلِيهِ فيسلك بهَا مَسْلَك الْمُثَلَّثَة. وهْيَ بالآباءِ والأُمَّهَاتِ تَخْتَصُّ والأَجْدادِ والجدّاتِ (وَهِي) أَي الْمُغَلَّظَة بالتثليث (بِالْآبَاءِ والأمهات) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام فيهمَا للوزن وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بقوله: (تخْتَص) وَقَوله (والأجداد والجدات) عطف على الْآبَاء، وَظَاهره وَإِن علوا كَانُوا من جِهَة الْأَب أَو الْأُم، وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح، وَفهم مِنْهُ أَن الْأَعْمَام والأخوة والزوجين لَا تغلظ بالتثليث فِي حَقهم وَهُوَ كَذَلِك، بل تربع حَيْثُ وَقع الْعَفو على دِيَة مُبْهمَة أَو عَفا الْبَعْض أَو صَالح فَلِمَنْ بَقِي نصِيبه من دِيَة عمد مربعة لما مر. وَلما قدم أَن الْقسَامَة خَمْسُونَ يَمِينا وَأَنَّهَا فِي الْعمد يحلفها الذُّكُور فَقَط دون الْأُنْثَى، وَأَنه لَا يحلفها أقل من رجلَيْنِ عصبَة كَمَا مر ذَلِك كُله فِي قَوْله: ولأنثى منعت إِلَى قَوْله وَيحلف اثْنَان بهَا فَمَا علا الخ. نبه هُنَا على أَنَّهَا فِي الْخَطَأ يحلفها كل من يَرث من الذُّكُور وَالْإِنَاث وَإِن وَاحِدًا أَو امْرَأَة فَقَالَ: وَيحلِفُ الذكورُ كالإنَاثِ بِنِسْبِة الْحُظُوظِ فِي المِيرَاثِ (وَيحلف الذُّكُور كالإناث) خمسين يَمِينا ويقتسمونها (بِنِسْبَة الحظوظ فِي الْمِيرَاث) فتحلف الزَّوْجَة ثمن الْإِيمَان مَعَ الْوَلَد وَالأُم سدسها وَهَكَذَا، وَفهم مِنْهُ أَن الْغُرَمَاء يحلفونها لأَنهم مقدمون على الْوَرَثَة وَإِن من لَا وَارِث لَهُ إِلَّا بَيت المَال فَلَا قسَامَة وَلَا دِيَة.(2/631)
وإنْ يمينٌ عِنْدَ ذَا تَنْكَسرُ يَحْلِفُها مَنْ حَظُّهْ مُوَفِّرُ (وَإِن يَمِين عِنْد ذَا) أَي عِنْد قسمهَا بِنِسْبَة الحظوظ (تنكسر يحلفها من حَظه موفر) أَي أَكثر كسراً كَبِنْت وَابْن ينوبها ثلث الْإِيمَان سِتَّة عشر وَثُلُثَانِ فتحلف سَبْعَة عشر وَيحلف الابْن ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ، فَإِن تَسَاوَت الكسور كثلاثة بَنِينَ أَو أَرْبَعَة كمل كل وَاحِد كَسره. وواحِدٌ يَجُوزُ أنْ يُحلَّفَا حيْثُ انْفَرادُهُ بِمَا تَخَلَّفَا (وَوَاحِد يجوز أَن يحلفا) بِضَم الْيَاء وَتَشْديد اللَّام مَبْنِيا للْمَفْعُول أَي يحلف يَمِينا كلهَا (حَيْثُ انْفِرَاده بِمَا) أَي بِالْمِيرَاثِ الَّذِي (تخلفا) عَن الْهَالِك بِأَن كَانَ لَا وَارِث لَهُ غَيره كَابْن أَو عَم بِخِلَاف الْعمد، فَإِنَّهُ لَا يحلف فِيهِ أقل من رجلَيْنِ كَمَا مر، وَإِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة من أَولهَا أَشَارَ (خَ) بقول يحلفها فِي الْخَطَأ من يَرث وَأَن وَاحِدًا أَو امْرَأَة وجبرت الْيَمين على أَكثر كسرهَا، وإلاَّ فعلى الْجَمِيع الخ. وَفهم من قَوْله: حَيْثُ انْفِرَاده إِنَّه إِذا لم ينْفَرد بِالْمِيرَاثِ بل كَانَ مَعَه غَيره فِيهِ، فَأَما أَن يكون هَذَا الْغَيْر بَيت مَال أَو أُخْت فَإِنَّهَا تحلف جَمِيع الْإِيمَان وَتَأْخُذ حظها من الدِّيَة وَيسْقط الْبَاقِي مِنْهَا لتعذر الْقسَامَة من بَيت المَال وَأما أَن يكون الْغَيْر عاصباً مُسَاوِيا فِي الدرجَة للحاضر كابنين أَحدهمَا غَائِب أَو صبي أَو ناكل فَإِن الْحَاضِر يحلف جَمِيعهَا أَيْضا وَيَأْخُذ حَظه فَقَط وَيسْقط حَظّ الناكل عَن الْعَاقِلَة، وَيُوقف حَظّ الْغَائِب وَالصَّبِيّ، فَإِذا بلغ الصَّبِي أَو قدم الْغَائِب حلف كل مِنْهُمَا حَظه من الْأَيْمَان وَأخذ حَظه من الدِّيَة، فَإِن مَاتَ الصَّبِي أَو الْغَائِب فوارثه يقوم مقَامه فَإِن كَانَ وَارثه هُوَ الْحَالِف لجميعها فَهَل لَا بُد من حلفه مَا كَانَ يحلفهُ موروثه أَو يَكْتَفِي بأيمانه السَّابِقَة؟ قَولَانِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْحَاضِر لَا يَأْخُذ حَظه إِلَّا إِذا حلف جَمِيع الْأَيْمَان لِأَن الْعَاقِلَة تَقول: لَا ندفع شَيْئا حَتَّى يثبت الدَّم وَهُوَ لَا يثبت إِلَّا بِحلف الْجَمِيع، وَهَذَا معنى قَول (خَ) : وَلَا يَأْخُذ أحد شَيْئا من الدِّيَة إِلَّا بعْدهَا أَي بعد جَمِيع أيمانها. وَهَذِه الأحْكامُ طُرًّا تُعْتَمَدْ بحيثُما يَسْقُطُ بالشَّرْعِ الْقَوَدْ (وَهَذِه الْأَحْكَام) الْمَذْكُورَة من حلف الْإِنَاث وَكَون الْأَيْمَان تقسم على حظوظ الْمِيرَاث وَأَنَّهَا تجبر على أَكثر الكسور وَأَن الْوَاحِد يحلفها إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهَا (طراً) أَي جَمِيعًا و (تعتمد) فِي قتل الْخَطَأ فَقَط، وَعنهُ عبر النَّاظِم بقوله (بحيثما يسْقط بِالشَّرْعِ الْقود) الْبَاء وَمَا زائدتان وَحَيْثُ ظرف مضمن معنى الشَّرْط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: هَذِه الْأَحْكَام إِنَّمَا تعتمد جَمِيعًا إِذا يسْقط الْقود بِالشّرطِ والقود إِنَّمَا يسْقط فِي الْخَطَأ لَا فِي الْعمد، وَحِينَئِذٍ فالعمد يُخَالف الْخَطَأ فِي(2/632)
هَذِه الْأَحْكَام فَلَا يحلف فِيهِ الْإِنَاث وَلَا تقسم الْأَيْمَان بِنِسْبَة الحظوظ فِي الْمِيرَاث بل يحلفها الْعصبَة، وَإِن لم يَكُونُوا وَرَثَة ويجتزىء فِيهَا بِاثْنَيْنِ طاعا من أَكثر وَلَا تجبر فِيهِ الْيَمين على أَكثر كسرهَا إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِك وَلَا يحلفها أقل من رجلَيْنِ كَمَا مر ذَلِك كُله. وَسُوِّغَتْ قَسَامَةُ الوُلاةِ فِي غَيْبَةِ الجَانِي على الصِّفَاتِ (وسوغت قسَامَة الْوُلَاة) أَي وُلَاة دم الْعمد (فِي غيبَة الْجَانِي على الصِّفَات) أَي على صِفَاته الَّتِي تعينه وتميزه من كَونه طَويلا أَو قَصِيرا أَو أَعور الْيُمْنَى وَنَحْو ذَلِك. وَيَنْفُذُ القِصَاصُ إنْ بهِ ظُفِرْ إقْراراً وَوِفَاقَ مَا مِنها ذُكِرْ (و) إِذا أَقْسمُوا على صِفَاته الْمَذْكُورَة ف (ينفذ) بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء المخففة من أنفذ الرباعي، وَيحْتَمل أَن يكون بِفَتْح الْيَاء وَضم الْفَاء وعَلى الأول ف (الْقصاص) مَفْعُوله وَإِقْرَار فَاعله، وعَلى الثَّانِي فالقصاص فَاعله وَإِقْرَار حَال الخ. (إِن بِهِ ظفر) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (إِقْرَار) فَاعل أَو حَال من الضَّمِير فِي بِهِ (أَو وفَاق) مَعْطُوف على إِقْرَار (مَا) أَي الصِّفَات (مِنْهَا) يتَعَلَّق بقوله (ذكر) وَالتَّقْدِير، على الِاحْتِمَال الثَّانِي وَينفذ الْقصاص إِن ظفر بِهِ حَال كَونه مقرا بِأَن تِلْكَ الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي رسم الْقسَامَة هِيَ صِفَاته أَو لم يقر بذلك، وَلَكِن صِفَاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآن مُوَافقَة لما ذكر مِنْهَا فِي رسم الْقسَامَة وَتَقْدِيره على الِاحْتِمَال الأول ظَاهر. وَأَشَارَ النَّاظِم بِهَذَا إِلَى قَول ابْن سَلمُون: فَإِن غَابَ الْجَانِي وعرفه الشُّهُود ووصفوه بصفاته الَّتِي ينْحَصر بهَا وَتقوم مقَام التَّعْيِين وَذهب الْأَوْلِيَاء إِلَى أَن يحلفوا فَلهم ذَلِك فَإِن استكملوا أَيْمَان الْقسَامَة استوجبوا الْقود مِنْهُ مَتى وجدوه، وَذَلِكَ بعد أَن توَافق صِفَاته الصِّفَات الَّتِي فِي عقد التدمية أَو يقر أَنه هُوَ الَّذِي دمى عَلَيْهِ بعد الْإِعْذَار إِلَيْهِ انْتهى. وَبِه تعلم أَن قَول ابْن رحال لم أَقف على خُصُوص مَسْأَلَة النَّاظِم بِعَينهَا قُصُور، وَقَول ابْن سَلمُون ووصفوه يَعْنِي: وَكَذَلِكَ إِن وَصفه المدمى حَيْثُ لَا شَاهد أصلا، وَمرَاده بالشهود مَا يَشْمَل الْعدْل الْوَاحِد بمعاينة الْقَتْل أَو الضَّرْب كَمَا مر.
(فصل فِي الْجِرَاحَات)
الْجَوْهَرِي: الْمُفْرد لفظان أَحدهمَا: جِرَاحَة بِكَسْر الْجِيم وَالْهَاء فِي آخِره وَجمعه جراحات وجراح بِوَزْن كتاب، وَثَانِيهمَا جرح بِضَم فَسُكُون وَجمعه جروح قَالَ تَعَالَى: والجروح قصاص} (الْمَائِدَة: 45) وَالْمرَاد بِهِ فِي التَّرْجَمَة مَا يَشْمَل الْقطع وَالْكَسْر والفقء وَإِتْلَاف الْمعَانِي من السّمع(2/633)
وَنَحْوه، وَإِن خالفته اللُّغَة والاصطلاح. ابْن عَرَفَة مُتَعَلق الْجِنَايَة غير النَّفس إِن أبانت بعض الْجِسْم فَقطع، وإلاَّ فَإِن أزالت اتِّصَال عظم لم يبن فَكسر وإلاَّ فَإِن أثرت فِي الْجِسْم فجرح، وإلاَّ فإتلاف مَنْفَعَة وَالْقصاص فِيهَا كالنفس إِلَّا فِي جِنَايَة أدنى على أَعلَى اه. (خَ) : وَالْجرْح كالنفس فِي الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، فَقَوله فِي الْفِعْل يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْقصاص فِي الْجرْح مَا اشْترط فِي الْقَتْل من كَونه عمدا عُدْوانًا وَهُوَ قصد الضَّارِب إِلَى الْمَضْرُوب كَمَا مر أول الْبَاب، وَقَوله: وَالْفَاعِل يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْجَارِح مَا اشْترط فِي الْقَاتِل من كَونه مُكَلّفا مكافئاً للمجروح غير زَائِد عَلَيْهِ بحريّة أَو إِسْلَام وَغير حَرْبِيّ أسلم كَمَا مر فِي قَول النَّاظِم: والقود الشَّرْط بِهِ المثلية الخ. فَكَمَا تعْتَبر تِلْكَ الْقُيُود فِي الْقصاص من الْقَاتِل كَذَلِك تعْتَبر فِي الْقصاص من الْجَارِح، وَقَوله: وَالْمَفْعُول يَعْنِي أَنه يشْتَرط فِي الْمَجْرُوح مَا اشْترط فِي الْمَقْتُول من كَونه مَعْصُوم الْعُضْو وَالدَّم إِلَى حِين الْإِصَابَة كَمَا مر فِي قَوْله: وَالشّرط فِي الْمَقْتُول عصمَة الدَّم الخ. فينتج من هَذَا أَن كل شَخْصَيْنِ يقْتَصّ من أَحدهمَا للْآخر فِي الْقَتْل يقْتَصّ من أَحدهمَا للْآخر فِي الْجرْح إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي أَن الْأَدْنَى إِذا جرح من هُوَ أَعلَى مِنْهُ كَمَا لَو قطع عبد يدحر مُسلم أَو جرحه أَو قطع كَافِر يَد مُسلم أَو جرحه، فَإِنَّهُ لَا يقْتَصّ للأعلى مِنْهُمَا على الْمَشْهُور، وَإِن كَانَ يقْتَصّ لَهُ مِنْهُمَا فِي النَّفس كَمَا مر فِي قَوْله: وَقتل منحط مضى بالعالي الخ. وَإِنَّمَا لم يقْتَصّ لَهُ مِنْهُمَا هُنَا لِأَن ذَلِك كجناية الْيَد الشلاء على الصَّحِيحَة وَهِي لَا قصاص فِيهَا، وَإِذا لم يقْتَصّ من الْأَدْنَى للأعلى فديَة الْجرْح فِي رَقَبَة العَبْد وَفِي ذمَّة الْكَافِر إِن كَانَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر من الشَّارِع كموضحة بَرِئت على شين أم لَا. وَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ مثلا فَحُكُومَة إِن برىء على شين وَإِلَّا فَلَيْسَ على العَبْد وَالْكَافِر إِلَّا الْأَدَب. جُلُّ الجَرَاحِ عَمْدَها فِيهِ القَوَدْ وديةُ معْ خَطَرٍ فِيهَا فَقَدْ (جلّ الْجراح عمدها) الثَّابِت وَلَو بِشَاهِد وَاحِد أَو قرينَة تقوم مقَامه كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين قسَامَة الخ. (فِيهِ الْقود) بعد الْبُرْء إِذْ لَا قصاص فِي جرح إِلَّا بعد برئه أَو مَعَ التكافىء، إِذْ لَا قصاص فِي جرح من غير مكافىء كَمَا مر قَرِيبا. وَهَذَا إِذا لم يكن فِي الْقود خطر ككسر الْفَخْذ وَعظم(2/634)
الصَّدْر والعنق والصلب ورض الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا قَود فِي مثل ذَلِك وَإِن ثَبت عمده لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى أَخذ النَّفس فِيمَا دونهَا، (و) عَلَيْهِ فَالْوَاجِب فِي ذَلِك (دِيَة) مُغَلّظَة بالتثليث فِي الْأَب وَفِي التربيع فِي غَيره، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ شَيْء مُقَدّر من الشَّارِع كرض الْأُنْثَيَيْنِ إِذْ فيهمَا دِيَة كَامِلَة وكدامغة فِيهَا ثلث الدِّيَة أَو حُكُومَة فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ وَعظم الصَّدْر إِن برىء على شين وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب، وَهَذِه الدِّيَة أَو الْحُكُومَة إِنَّمَا هما (مَعَ) وجود (خطر فِيهَا) أَي فِي الْقصاص من تِلْكَ الْجِرَاحَات الْمَذْكُورَة (فقد) أَي فَحسب والخطر الإشراف على الْهَلَاك وَيرجع فِي كَونه خطراً أَو عَدمه لأهل الْمعرفَة، وَمثل الْخطر فِي وجوب الدِّيَة مَا إِذا تعذر الْقصاص لعدم وجود المماثل من الْجَارِح. وَقَوْلِي. أَو قرينَة الخ. ليدْخل مَا إِذا لم يثبت الْجرْح بِشَاهِد، وَإِنَّمَا ادّعى الْمَجْرُوح أَن فلَانا جرحه وَأثبت أَنه كَانَت بَينهمَا ثائرة وعداوة، فَإِنَّهُ يحلف الْمَجْرُوح ويقتص مِنْهُ كَمَا أفتى بِهِ القوري وَابْن عرضون والتالي وَغَيرهم حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي خلافًا لفتوى أبي الْقَاسِم العبدوسي من أَن الْيَمين على الْجَارِح. وَقَوله: جلّ الْجراح هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: واقتص من مُوضحَة أوضحت عظم الرَّأْس والجبهة والخدين وَإِن كابرة واقتص أَيْضا من سابقها وَهِي سِتَّة. دامية: وَيُقَال لَهَا أَيْضا دامعة بِالْعينِ الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي تضعف الْجلد فيسيل مِنْهُ دم كالدمع. وحارصة: بالصَّاد الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي شقَّتْ الْجلد كُله وأفضت للحم وسمحاق: وَهِي الَّتِي كشطت الْجلد أَي أزالته عَن مَحَله فَيُقَال لذَلِك الْجلد سمحاق. وباضعة: وَهِي الَّتِي شقَّتْ اللَّحْم. ومتلاحمة: وَهِي الَّتِي غاصت فِيهِ أَي فِي اللَّحْم فَأخذت يَمِينا وَشمَالًا وَلم تقرب من الْعظم. وملطاة: بِكَسْر الْمِيم وَهِي الَّتِي شقَّتْ اللَّحْم وَقربت من الْعظم، فَهَذِهِ الْجِرَاحَات كلهَا يقْتَصّ مِنْهَا كَانَت فِي الرَّأْس أَو فِي غَيره من الْجَسَد، وَكَذَا يقْتَصّ من هاشمة ومنقلة فِي غير الرَّأْس، والهاشمة هِيَ الَّتِي هشمت الْعظم أَي كَسرته والمنقلة هِيَ الَّتِي أطارت فرَاش الْعظم بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا من أجل الدَّوَاء وَمحل الْقصاص فيهمَا فِي غير الرَّأْس إِذا لم يعظم الْخطر، وإلاَّ فَلَا قصاص، وَإِنَّمَا فيهمَا الْحُكُومَة إِذا برئا على شين وَإِلَّا فالأدب فَقَط، وَفهم من قَوْله: جلّ الْجراح أَن الْأَقَل لَا قَود فِيهِ وَذَلِكَ كالمنقلة والهاشمة فِي الرَّأْس، فَإِنَّهُ لَا قصاص فيهمَا. وَكَذَا لَا قصاص فِي أمة وَهِي الَّتِي أفضت لأم الدِّمَاغ أَي المخ الَّذِي فِي الرَّأْس، وَلَا فِي دامغة وَهِي الَّتِي خرقت خريطته أَي شقتها، وَإِنَّمَا لم يقْتَصّ من هَذِه الْجِرَاحَات فِي الرَّأْس لعظم خطرها، وَإِنَّمَا فِيهَا الدِّيَة. فَفِي الهاشمة والمنقلة عشر الدِّيَة وَنصفه وَفِي الْأمة والدامغة ثلث الدِّيَة، وَكَذَا لَا يقْتَصّ من الْجَائِفَة وَهِي الَّتِي أفضت للجوف من بطن أَو ظهر، وَإِنَّمَا فِيهَا ثلث الدِّيَة بِخِلَاف عظم ترقوة بِفَتْح التَّاء وَضم الْقَاف وَهُوَ الْعظم الَّذِي بِأَعْلَى الصَّدْر الْمُتَّصِل بالعنق، فالقصاص فِيهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا يقْتَصّ فِي الْعين وَالرجل وَالْأنف وَالْأُذن وَالسّن وَالذكر والأجفان والشفتين، وَكَذَا اللِّسَان إِن أمكن وَلم يكن متلفاً وإلاَّ فَلَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة.(2/635)
وَقد علمت من هَذَا أَن الْمُوَضّحَة وَمَا قبلهَا فِيهِ الْقصاص مُطلقًا، والهاشمة والمنقلة فيهمَا الْقصاص إِذا لم يعظم الْخطر وكانتا فِي غير الرَّأْس، وَأما إِذا كَانَتَا فِي الرَّأْس فَلَا قصاص فيهمَا بل الدِّيَة فَقَط كَمَا تجب الدِّيَة فِي الْأمة والدامغة وَلَا يكونَانِ، إِلَّا فِي الرَّأْس، وَفِي الْجَائِفَة وَلَا تكون إِلَّا فِي غَيره، فَهَذِهِ الْجِرَاحَات عمدها كخطئها فِي الدِّيَة إِلَّا أَنَّهَا يجب فِيهَا الْأَدَب فِي الْعمد زِيَادَة على الدِّيَة، وَبِهَذَا صَحَّ قَول النَّاظِم: جلّ الْجراح عمدها فِيهِ الْقود، فمفهومه أَن الْأَقَل لَا قَود فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة إِن كَانَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر أَو حُكُومَة إِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر عظم الْعُنُق والصلب وَغير ذَلِك مِمَّا مر. تَنْبِيهَات. الأول: لَا قصاص فِي لطمة أَو ضَرْبَة على الْخَدين بباطن الرَّاحَة إِذا لم ينشأ عَنْهَا جرح أَو ذهَاب معنى كبصر، وإلاَّ فيقتص مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَا قصاص فِيهَا حَيْثُ لم ينشأ عَنْهَا مَا ذكر لعدم انضباطها وَمثلهَا الضَّرْب بالعصا حَيْثُ لم ينشأ عَنْهَا مَا ذكر بِخِلَاف ضَرْبَة السَّوْط فَفِيهَا الْقصاص كَمَا فِي (ح) لانضباطه، وَإِذا لم يقْتَصّ من اللَّطْمَة وَالضَّرْب بالعصا فَلَا إِشْكَال أَن الْفَاعِل يُؤَدب كَمَا يُؤَدب من سل سَيْفه على أحد وَلَو على وَجه المزاح، وَكَذَلِكَ يُؤَدب من كسر الدعْوَة للْحَاكِم أَو قبل امْرَأَة كرها، وَلأبي الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن القَاضِي مَا نَصه: وَمن نضى سَيْفه يَوْمًا على أحد فالأربعون لَهُ إِن لِلْقِتَالِ نضى وَالسيف يرْوى لبيت المَال مصرفه وَقيل يقتل وَالْحكم بِذَاكَ مضى وَمن نضاه على وَجه المزاح فقد جَفا وَيضْرب عشرا حكمه فرضا وَالْأَرْبَعُونَ اذا مَا دَعَوْت كسرت لقاض أَو حَاكم للْمُسلمين قضى من قبل امْرَأَة يَوْمًا وأكرهها يُزَاد عشرا كَمَا إِن كَانَ مِنْهَا رضَا الثَّانِي: قد علمت مِمَّا مر أَنه لَا قصاص وَلَا حُكُومَة وَلَا دِيَة فِي جرح إِلَّا بعد برئه، وَأَن الدِّيَة والحكومة مغلظتان حالتان فِي مَال الْجَانِي وَحده وَأَن الْجَانِي يجْبر على دفع الدِّيَة، والحكومة فِيمَا وَجب فِيهِ ذَلِك بِخِلَاف مَا وَجب فِيهِ الْقصاص فَلَا يجْبر، بل إِذا قَالَ: إِمَّا أَن تقتص وَإِمَّا أَن تَعْفُو مجَّانا فَلهُ ذَلِك فَإِن تَرَاضيا على شَيْء من المَال قَلِيلا أَو كثيرا عمل عَلَيْهِ كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَإِن ولي الدَّم لِلْمَالِ قبل الخ. وَيجب تَأْخِير الْقصاص لزوَال حر أَو برد مفرطين لِئَلَّا يَمُوت إِذا اقْتصّ مِنْهُ فيهمَا فتؤخذ نفس فِيمَا دونهَا كَمَا تُؤخر الْحَامِل الجانية لوضع حملهَا، سَوَاء جنت على طرف أَو نفس (خَ) : وَآخر لبرد أَو حر كالبرء كدية خطأ أَو دِيَة عمد أَي. فَلَا تُؤدِّي دِيَتهمَا إِلَّا بعد الْبُرْء وَلَو كجائفة وحامل إِلَى أَن قَالَ: لَا بِدُخُول الْحرم أَي لَا يُؤَخر الْقصاص عَن الْجَانِي بِدُخُولِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام، بل يخرج من الْمَسْجِد الْحَرَام ليقام عَلَيْهِ الْحَد وَالْقصاص وَلَو كَانَ محرما بِحَجّ أَو عمْرَة، فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر إِلَى فرَاغ نُسكه بل يقْتَصّ مِنْهُ قبل فَرَاغه، وَسَوَاء فعل مَا يُوجب الْحَد أَو الْقصاص فِي الْحرم أَو خَارجه ولجأ إِلَيْهِ. الثَّالِث: إِذا كَانَ لَا يُؤَخر بِدُخُول الْحرم الشَّرْعِيّ الَّذِي هُوَ مَكَّة وَالْمَدينَة كَمَا مر فأحرى أَن لَا يُؤَخر بِدُخُولِهِ الزوايا مِمَّا لَيْسَ بحرم شَرْعِي، وَلذَا قَالَ أَبُو عبد الله الأبي: كَانَ ابْن عَرَفَة لَا يحل إيواء الظلمَة والجناة الهاربين إِلَى الزوايا قَائِلا: إِلَّا أَن يعلم أَنه يتَجَاوَز فيهم فَوق مَا يسْتَحقُّونَ اه. قَالَ الْعَارِف بِاللَّه سَيِّدي عبد الرَّحْمَن الفاسي عقب كَلَام الأبي مَا نَصه: هَذَا وَمَا(2/636)
يظْهر من أُمُور خَارِجَة عَمَّا ذكر من ظُهُور برهَان لمن تعدى على زَاوِيَة أَو رَوْضَة فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، وغيرلا من الله على أوليائه لَا تحد بِقِيَاس وَلَا تنضبط بميزان شَرْعِي وَلَا قانون عادي، فَإِن الموازين الشَّرْعِيَّة كليات وعمومات، وَقد يكون مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ فِي خُصُوص نازلة خلاف مَا تَقْتَضِيه العمومات، وَلذَلِك الْخَواص يفتقرون إِلَى إِذن خَاص فِي كل نازلة وَاعْتبر بتكرار قَوْله تَعَالَى: بإذني} (الْمَائِدَة: 110) فِيمَا أخبر بِهِ عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام من إبرائه الأكمه والأبرص وإحياء الْمَوْتَى وَغير ذَلِك انْتهى. قلت: قَوْله: فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى الخ رُبمَا يتَوَهَّم قَاصِر الْفَهم أَنه يُرَاعِي حرم الزاوية وَالرَّوْضَة لما يخْشَى من الْبُرْهَان كَمَا عَلَيْهِ الْعَامَّة الْآن قولا وفعلاً، وَهَذَا لَا يَقُوله أحد من الْأَئِمَّة وَلَا من أَصْحَابهم وَلَا من أهل السّنة، إِذْ لَا حرم لغير مَكَّة وَالْمَدينَة شرعا، وَغَايَة مَا ذكره الفاسي أَن الله تَعَالَى قد أَمر بِإِقَامَة الْحُدُود على كل من فعل موجباتها، وَكَون الله سُبْحَانَهُ ينْتَقم مِمَّن أخرجه من زَاوِيَة أَو رَوْضَة لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، لِأَن ذَلِك الْحَد والإخراج مِمَّا أَمر الله تَعَالَى بِهِ، وَقد يُرِيد خِلَافه فِي خُصُوص زيد الْجَانِي وَنَحْو ذَلِك، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد يَأْمر بالشَّيْء وَيُرِيد خِلَافه كَمَا أَمر بِإِيمَان الْكَفَرَة وَأَرَادَ مِنْهُم خِلَافه، وَهَذَا مِنْهُ رُبمَا يدل على أَن المصائب الَّتِي تنزل بمخرجهم من الزوايا انتقام من الله لَهُم على إخراجهم مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْجَانِي الْمُحْتَرَم بالزاوية أَو الرَّوْضَة يجب إِخْرَاجه لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ إِجْمَاعًا امتثالاً لأمر الله تَعَالَى، والمصيبة الَّتِي تنزل بمخرجه إِن وَقعت إِنَّمَا هِيَ اتفاقية مَكْتُوبَة عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} (الْحَدِيد: 22) أَي نخلفها وَلَيْسَت انتقاماً على الْإِخْرَاج لكَون الله أَرَادَ خِلَافه. أَلا ترى أَن الله سُبْحَانَهُ أوجب قتال الْكفَّار وَأمر بِهِ، والمصائب الَّتِي تنزل بهم عِنْد قِتَالهمْ من هزيمَة وَنَحْوهَا مَكْتُوبَة عَلَيْهِم لِأَن الله انتقم مِنْهُم لإرادته خلاف قِتَالهمْ أَو غيرَة عَلَيْهِم، بل ذَلِك مَكْتُوب عَلَيْهِم فِي أزله سُبْحَانَهُ ليعظم بذلك أُجُورهم وَيكثر بِهِ ثوابهم، فَكَذَلِك الْجَانِي فالمصيبة وَإِن وَقعت بأثر إِخْرَاجه إِنَّمَا هِيَ أَمر اتفاقي مَكْتُوب عَلَيْهِ نُزُولهَا بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت لَا بُد من وُقُوعهَا بِهِ أخرجه أَو لم يُخرجهُ ليعظم بهَا أجره وَيكثر بهَا ثَوَابه إِن صَبر واحتسب. وَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون كَمَا فِي الْآيَة. قَالَ تَعَالَى: قل لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم} (آل عمرَان: 154) وَذَلِكَ كُله امتحان واختبار للْعَبد هَل يصبر على المصائب حَتَّى يُؤَدِّي مَا أَمر بِهِ سُبْحَانَهُ أَو يرجع عَن ذَلِك وَلَا يصبر. قَالَ تَعَالَى: ليميز الله الْخَبيث من الطّيب} (الْأَنْفَال: 37) وَقَالَ: أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون} (العنكبوت: 2) وَقَوله: وغيرة من الله على أوليائه الخ. يُقَال لَهُ من لنا بِأَنَّهَا غيرَة من الله بل الْغيرَة من الله إِنَّمَا وَردت بارتكاب مَمْنُوع لَا بارتكاب وَاجِب، فَوَجَبَ أَن يكون أمرا اتفاقياً إِذْ الْمُؤمن لَا يَخْلُو من مصائب، وَقد تكون تِلْكَ المصائب من التواني فِي الِامْتِثَال أَو من اكْتِسَاب مَمْنُوع تقدم، وَلَو كَانَ ذَلِك غيرَة لَكَانَ نزُول المصائب بالكفار أولى حَيْثُ يمتهنونهم فِي الْأَرَاضِي الَّتِي دخلوها، وبمن يفعل الْفَوَاحِش ويسفك الدِّمَاء فِي أضرحتهم وزواياهم كَذَلِك، وَكم من فَاعل ذَلِك فِي أضرحتهم لم يصبهُ شَيْء، وَأَيْضًا لَو أقيم حد على شخص فَنزلت مُصِيبَة فِي الْحِين بمقيمه لوَجَبَ أَن يُقَال على هَذَا أَن ذَلِك غيرَة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الْمَحْدُود، وَذَلِكَ مِمَّا لَا معنى لَهُ بل الْوَلِيّ لَو كَانَ حَيا لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادرَة(2/637)
إِلَى إِقَامَته على من اجترم بِهِ، وَإِن حماه وَلم يفعل فَلَيْسَ بولِي لِأَن الَّذِي يحمي الظَّالِم ظَالِم. وَقَوله: وَلذَلِك الْخَواص يفتقرون إِلَى إِذن خَاص فِي كل نازلة الخ. مَعْنَاهُ على مَا قَالَ من مَذْهَب الْخَواص أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذا أَمر برجم كل فَاسق مثلا فِي كل مَكَان، فزنى زيد الْمُحصن فيحتاجون فِي رجمه إِلَى إِذن خَاص من الله سُبْحَانَهُ وَإِن زنى عَمْرو فيحتاجون فِي رجمه إِلَى إِذن خَاص، وَهَكَذَا وَلَا يتمسكون بِالْعُمُومِ الْمَذْكُور لِئَلَّا يكون مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ خلاف رجم ذَلِك الْمعِين بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا أَمر خَارج عَن الشَّرْع لم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ باتباعه لَا الْخَواص وَلَا غَيرهم لِأَن امْتِثَال الْأَوَامِر وَاجِب، وَإِن فَرضنَا أَن مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ خلاف مَا أَمر بِهِ، وَحِينَئِذٍ فمعاذ الله أَن لَا يُبَادر الْخَواص إِلَى تَنْفِيذ أوَامِر الله ويتربصون إِلَى أَن يرد عَلَيْهِم الْإِذْن الْخَاص خشيَة أَن يكون مُرَاده خلاف مَا أَمر بِهِ، إِذْ ذَلِك يَقْتَضِي أَنه لَا يُصَلِّي ظهر هَذَا الْيَوْم حَتَّى يرد عَلَيْهِ الْإِذْن الْخَاص فِي صلَاتهَا، وَهَكَذَا مَعَ أَنه مَأْمُور بالامتثال. وَلَو فَرضنَا أَنه علم أَن مُرَاده سُبْحَانَهُ خلاف ذَلِك لِأَنَّهُ مُكَلّف بِاتِّبَاع الْأَوَامِر وَلَا عَلَيْهِ فِي الْإِرَادَة، وَبِهَذَا احْتج إِبْلِيس اللعين فَقَالَ: كَيفَ أَسجد لآدَم وَالله لم يردهُ مني، وَهَذَا إِن زَعمه بعض النَّاس وَادّعى أَنه من الْخَواص وَأَنه يتربص فِي تَنْفِيذ أوَامِر الله إِلَى إِذن خَاص وَجب ضرب عُنُقه بِلَا ريب، وَلَو كَانَ يغوص فِي المَاء ويطير فِي الْهَوَاء. وَقَوله: وَاعْتبر بتكرار قَوْله تَعَالَى: بإذني} الخ إِنَّمَا يتم الِاحْتِجَاج بِهِ للخواص لَو كَانَ تكْرَار الْإِذْن فِي كل فَرد من أَفْرَاد الأكمة وَفِي كل فَرد من أَفْرَاد الْمَوْتَى الخ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فالحرم الشَّرْعِيّ لَا يجير عَاصِيا كَمَا فِي الحَدِيث فضلا عَن الزوايا وأضرحة الصَّالِحين، فَالْوَاجِب على من بسط الله يَده على عباده أَن لَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِمَّا يتخيله الْعَامَّة من كَون الله سُبْحَانَهُ ينْتَقم مِمَّن أخرجهم لإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِم، بل لَو تحققنا الانتقام الْمَذْكُور وَأَنه من أجل الْإِخْرَاج وَأَن الله سُبْحَانَهُ أَرَادَ عَدمه، لوَجَبَ علينا اخراجهم للامتثال كَمَا مّر، فَكيف والانتقام إِنَّمَا هُوَ متخيل متوهم، وعَلى فرض وُقُوعه فَلَيْسَ هُوَ من أجل الْإِخْرَاج بل هُوَ أَمر اتفاقي كَمَا مر، لَا لكَون الله أَرَادَ عدم إخراجهم. وَمن الْعَجَائِب أَنهم يعتبرون المصائب الَّتِي تنزل بعد الْإِخْرَاج ويعدونها انتقامات وَلَا يعتبرون المصائب الَّتِي تنزل مَعَ عدم إخراجهم مَعَ كثرتها وَلَا يعدونها انتقامات على عدم إلاخراج، وَعدم تَنْفِيذ أوَامِر الله مَعَ أَن الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا رتب المصائب على عدم الِامْتِثَال فَقَالَ: وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} (الشورى: 30) إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} (الرَّعْد: 11) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات. وَمَا انتقم الله من الْأُمَم السَّابِقَة إِلَّا لعدم امتثالهم أوامره بِاتِّبَاع رسله، وَقد نجا كل من امتثل أوامره باتبَاعهمْ، وَقد كثر الْفساد من عدم إِخْرَاج الجناة من الزوايا والأضرحة ويتخيلون أَن المصائب الَّتِي تنزل وَلَو بعد مائَة عَام إِنَّمَا هِيَ من ذَلِك، وَمَا أَظن ذَلِك إِلَّا من استخفاف الْحُكَّام بامتثال الْأَوَامِر وَإِقَامَة الْحُدُود مَعَ ضميمة التخيل الْمَذْكُور، وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. وَلما تكلم النَّاظِم على مَا يجب فِي جراح الْعمد شرع فِي أَحْكَام جراح الْخَطَأ فَقَالَ: وَفِي جِرَاحِ الخَطَإِ الْحُكْومهْ وَخمسةٌ ديتُهَا مَعْلُومَهْ(2/638)
(وَفِي جراح الْخَطَإِ) الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا مُقَدّر من قبل الشَّارِع ككسر الْفَخْذ والترقوة وَعظم الصَّدْر والعنق والصلب وَنَحْو ذَلِك (الْحُكُومَة) إِذا بَرِئت على شين، وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهَا لَا أدب وَلَا غَيره وَسَيَأْتِي تَفْسِير الْحُكُومَة (وَخَمْسَة) من جراح الخطا (دِيَتهَا مَعْلُومَة) وَكلهَا فِي الرَّأْس مَا عدا الْجَائِفَة. فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٌ فِي الْمُوضِحَهْ وَهْيَ الَّتِي تُلْفَى لعَظْمٍ مُوضِحَهْ (فَنصف عشر دِيَة فِي الْمُوَضّحَة) وَعرفهَا بقوله: (وَهِي الَّتِي تلفى لعظم مُوضحَة) أَي كاشفة أياً كَانَ الْعظم فِي الرَّأْس وَفِي غَيره، لَكِن الدِّيَة الَّتِي هِيَ نصف الْعشْر خَاصَّة بِمَا إِذا كَانَت. فِي رَأسٍ أَو وجهٍ كذَا المُنَقِّلهْ عُشْرٌ بهَا ونِصفٌ مَعْدِلَهْ (فِي رَأس أَو وَجه) يَعْنِي بِهِ الْجَبْهَة والخدين لَا إِن كَانَت فِي اللحى الْأَسْفَل أَو فِي غَيره من الْجَسَد، فَحُكُومَة إِن بَرِئت على شين، وَكَذَا بَقِيَّة جراح الْجَسَد من ملطاة وحارصة وَغَيرهمَا فَفِيهَا الْحُكُومَة إِن بَرِئت على شين، وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهَا. وَظَاهره أَن الْمُوَضّحَة فِيهَا مَا ذكر فَقَط بَرِئت على شين أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل إِذا بَرِئت على شين فيزاد على دِيَتهَا حُكُومَة على الْمَشْهُور فَيقوم عبدا صَحِيحا ومعيباً على مَا يَأْتِي وَيُزَاد على دِيَتهَا مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ، وَظَاهره أَيْضا أَن مَا قبل الْمُوَضّحَة من ملطاة وَنَحْوهَا فِي الرَّأْس وَالْوَجْه لَا شَيْء إِلَّا الْحُكُومَة وَلَيْسَ كَذَلِك بل الملطاة فِي الرَّأْس فِيهَا قَولَانِ. مَذْهَب ابْن كنَانَة أَن فِيهَا نصف دِيَة الْمُوَضّحَة، وَرُوِيَ أَن عُثْمَان وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا قضيا بذلك، وَقيل فِيهَا دِيَة الْمُوَضّحَة ذكر الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّامِل مصدرا بِالْأولِ. (كَذَا المنقلة) دِيَتهَا مَعْلُومَة وَهِي (عشر) بِضَم الْعين وَسُكُون الشين (بهَا وَنصف عشر) بِسُكُون الشين أَيْضا وَلَو قَالَ: عشرهَا وَنصفه (معدلة) لَا تزن الْبَيْت بِلَا كلفة أَي عشر الدِّيَة وَنصف عشرهَا يعدل جرحها حَال كَونهَا. فِي المَوْضِعين مُطْلقاً وهْيَ الَّتِي كسرَ فِرَاشِ العظمِ قد تَوَلَّتِ (فِي الْمَوْضِعَيْنِ) الرَّأْس وَالْوَجْه لَا فِي اللحى الْأَسْفَل أَو غَيره من الْجَسَد، فَفِيهَا الْحُكُومَة إِن بَرِئت على شين (مُطلقًا) عمدا أَو خطأ إِذْ لَا يقْتَصّ مِنْهَا فِي الْعمد كَمَا مر (وَهِي) أَي المنقلة (الَّتِي كسر فرَاش الْعظم) فَكسر مفعول بقوله. (قد تولت) أَي هِيَ الَّتِي تولت كسر صغَار عظم الرَّأْس أَي الَّتِي ينْقل الطَّبِيب مِنْهَا الْعِظَام الصغار كقشر البصل ليلتئم الْجرْح، وَتلك الْعِظَام هِيَ الَّتِي يُقَال لَهَا الْفراش بِالْفَتْح وَالْكَسْر فإضافته إِلَى الْعظم بَيَانِيَّة.(2/639)
وَعُشْرٌ ونِصْفُه فِي الهاشِمَهْ وهَي لِعْظمِ الرَّأْسِ تُلفَى هاشِمَهْ (وَعشر وَنصفه فِي الهاشمة وَهِي) الَّتِي (لعظم الرَّأْس) أَو الْوَجْه أَو الْخَدين (تلفى هاشمة) أَي كاسرة عمدا أَو خطأ أَيْضا، إِذْ لَا قصاص فِي عمدها. وَعند ابْن الْقَاسِم لَا بُد أَن تصير منقلة إِذْ مَا من هاشمة إِلَّا عَادَتْ منقلة، فَالصَّوَاب إِسْقَاطهَا على مذْهبه وَهُوَ الْمُعْتَمد. وَقيل نِصْفُ العُشْرِ أَوْ حُكُومَهْ وَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْمَأْمُومَهُ (وَقيل) الْوَاجِب فِي الهاشمة (نصف الْعشْر) كالموضحة، وَعَزاهُ ابْن عبد الْبر وَابْن رشد لِلْجُمْهُورِ. (أَو) أَي وَقيل الْوَاجِب فِيهَا (حُكُومَة) فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال مشهورها أَولهَا: (وَثلث الدِّيَة فِي المأمومة) وَيُقَال لَهَا أَيْضا الْأمة بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَسَوَاء كَانَت عمدا أَو خطأ أَيْضا. وَمَا انتهتْ للجَوفِ وَهِي الجائِفَهْ كذاكَ وَالْأولَى الدِّماغُ كاشِفَهْ (وَمَا انْتَهَت للجوف) وَإِن بِمِقْدَار إبرة (فَهِيَ الْجَائِفَة كَذَاك) فِيهَا ثلث الدِّيَة عمدا أَو خطأ أَيْضا، إِذْ لَا قصاص فِي عمدها، وَسَوَاء وصلت للجوف من الْبَطن أَو الظّهْر فَإِن نفذت مِنْهُمَا فجائفتان فيهمَا ثلث الدِّيَة. (وَالْأولَى) يَعْنِي المأمومة وَهِي الَّتِي ألفيت (الدِّمَاغ كاشفة) أَي أفضت لأم الدِّمَاغ وَبَقِي عَلَيْهِ الدامغة وَهِي الَّتِي خرقت خريطته كَمَا مر، وفيهَا ثلث الدِّيَة كَمَا مر. وَقد أَشَارَ (خَ) إِلَى مَا تقدم بقوله: إِلَّا الْجَائِفَة وَالْأمة فثلث، والموضحة فَنصف عشر، والمنقلة الهاشمة فعشر وَنصفه وَإِن بشين فِيهِنَّ وَإِن كن بِرَأْس أَو لحى أَعلَى الخ. وَاعْترض عَلَيْهِ ذكر الهاشمة لِأَنَّهَا المنقلة عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَبقيت عَلَيْهِ الدامغة أَيْضا وفيهَا ثلث الدِّيَة. وَقد تحصل مِمَّا مر أَن مَا فِيهِ ثلث الدِّيَة هُوَ على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ منجماً كَمَا مر، وَمَا لم يبلغ الثُّلُث كالمنقلة والموضحة هُوَ فِي مَال الْجَانِي حَال عَلَيْهِ كالعمد فَإِنَّهُ مغلظ حَال فِي مَال الْجَانِي وَأَن مَا فِيهِ الدِّيَة لَا حُكُومَة فِيهِ بعْدهَا برىء على شين أم لَا. إِلَّا الْمُوَضّحَة فَفِيهَا الْحُكُومَة زِيَادَة على الدِّيَة إِن بَرِئت على شين، وَإِن مَا عدا هَذِه الْجِرَاحَات الْمَذْكُورَة لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْحُكُومَة إِن برىء على شين فِي الْخَطَأ كَمَا قدمه فِي قَوْله: فِي جراح الْخَطَأ الْحُكُومَة الخ. وَأما جراح الْعمد فَفِيهِ الْقصاص أَو مَا تَرَاضيا عَلَيْهِ من قَلِيل أَو كثير إِلَّا مَا فِيهِ خطر فَلَا قصاص فِيهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ على وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون فِيهِ شَيْء مُقَدّر كالجائفة وَنَحْوهَا فَفِيهِ مَا قدره الشَّارِع مغلظاً، وَإِمَّا أَن لَا يكون فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ وَنَحْوه، فَفِيهِ الْحُكُومَة مُغَلّظَة مَعَ الْأَدَب فِي الْعمد من حَيْثُ هُوَ كَمَا قَالَ: وَلاجْتِهَادِ حاكِمٍ مَوْكُولُ فِي غيرِها التأدِيب والتَّنْكِيلُ(2/640)
(ولاجتهاد حَاكم موكول فِي غَيرهَا) أَي غير جراح الْخَطَأ وَهِي جراح الْعمد (التَّأْدِيب والتنكيل) أَي الْعقُوبَة أَي لَا بُد من الْأَدَب للجارح عمدا اقْتصّ مِنْهُ أَو لم يقْتَصّ لخطر الْجرْح أَو للعفو عَن قصاصه وَقدر الْأَدَب بِاجْتِهَاد الْحَاكِم فِي عظم الْجِنَايَة وخفتها واعتياد الْجَانِي لَهَا ووقوعها مِنْهُ فلتة كَمَا فِي ضيح. وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ التقويما فِي كونِهِ مَعيباً أَوْ سَليما (وَجعلُوا الْحُكُومَة) الْوَاجِبَة فِيمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر من جراح الْخَطَأ كالمنقلة والموضحة فِي غير الرَّأْس، وَنَحْو باضعة وسمحاق مُطلقًا وَعظم ترقوه وَفِيمَا فِيهِ خطر من جراح الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء مُقَدّر أَيْضا ككسر الْفَخْذ والعنق والصدر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ (التقويما) للمجروح بعد برئه بِتَقْدِير كَونه عبدا فرضا أَي مَفْرُوضًا عبوديته إِن ابيض فأبيض وَإِن اسود فأسود، وَينظر (فِي) قيمَة (كَونه معيبا) بتسعين مثلا (أَو) بِمَعْنى الْوَاو فِي قيمَة كَونه (سليما) من عيب الْجِنَايَة بِمِائَة مثلا فقد نَقصه عيب الْجِنَايَة الْعشْر فَيَأْخُذ من الْجَانِي عشر دِيَته كَمَا قَالَ: وَمَا تَزيدُ حالةُ السَّلاَمَهْ يأْخُذُهُ أَرْشاً وَلاَ مَلاَمَهْ (وَمَا تزيد حَالَة السَّلامَة) وَهُوَ الْعشْر فِي الْمِثَال الْمَذْكُور (يَأْخُذهُ) المجنى عَلَيْهِ (أرشاً) أَي يَأْخُذ بنسبته من دِيَته ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى أَو ذِمِّيا أَو غير ذَلِك، فَأخذ الذِّمِّيّ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور عشر دِيَته وَالْمَرْأَة عشر دِيَتهَا وَهَكَذَا، وَإِن نَقصه الْعَيْب سدس قِيمَته أَو ثلثهَا كَمَا لَو قوم معيبا بستين وسالماً بتسعين فيأخد سدس دِيَته أَو ثلثهَا، وَيكون على عَاقِلَة الْجَانِي فِي الْخَطَأ لِأَن الْحُكُومَة بلغت سدس دِيَة المجنى عَلَيْهِ، وَقد تقدم أَن مَا بلغ الثُّلُث هُوَ على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ وَمَا دون الثُّلُث فَهُوَ حَال فِي مَال الْجَانِي والحكومة فِي عمد الْقصاص فِيهِ تكون مُغَلّظَة بالتربيع والتثليث حَال فِي مَال الْجَانِي أَيْضا كَمَا مر، وأشعر قَوْله: معيبا أَن الْحُكُومَة إِنَّمَا تجب إِذا برىء على شين فَحِينَئِذٍ يَأْخُذ من دِيَته بِقدر نِسْبَة نقص قِيمَته معيبا عَن قِيمَته سالما، وَأما إِن برىء على غير شين فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب فِي الْعمد. (وَلَا ملامة) عَلَيْهِ فِي تقويمه عبدا تَقْديرا. وَيَثْبُتُ الجِرَاحُ للمَالِ بِمَا يَثْبُتُ ماليُّ الْحُقُوقِ فاعْلَمَا (وَيثبت الْجراح لِلْمَالِ) أَي لأجل المَال يَعْنِي الْجراح الَّتِي لَا قَود فِيهَا عمدا كَانَت أَو خطأ، وَإِنَّمَا فِيهَا المَال الْمُقدر من الشَّارِع أَو الْحُكُومَة (بِمَا يثبت) بِهِ (مَالِي الْحُقُوق) أَي الْحُقُوق الْمَالِيَّة وَهُوَ(2/641)
عدل وَامْرَأَتَانِ أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين (فاعلما) (خَ) : وَفِي الْجراح حُكُومَة بِنِسْبَة نُقْصَان الْجِنَايَة إِذا برىء من قِيمَته عبدا فرضا من الدِّيَة الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: لِلْمَالِ أَن جراح غير المَال وَهِي جراح الْعمد الَّتِي فِيهَا الْقصاص لَا تثبت بِمَا يثبت بِهِ مَالِي الْحُقُوق وَلَا بُد فِيهَا من عَدْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَفِي الْمُدَوَّنَة: وَمن أَقَامَ شَاهدا عدلا على جرح عمدا وَخطأ فَيحلف مَعَه يَمِينا وَاحِدَة ويقتص فِي الْعمد وَيَأْخُذ الْفِعْل فِي الْخَطَأ اه. وَتقدم قَول (خَ) : وَمن أَقَامَا شَاهدا على جرح حلف وَاحِدَة إِلَى آخر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ فِي عبد وَلَا جَنِين الخ. فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَيثبت الْجراح مُطلقًا بِمَا الخ. لوفي بالمراد وَثُبُوت جراح الْعمد بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين إِحْدَى المستحسنات الْأَرْبَع الَّتِي استحسنها الإِمَام وَلم يسمع فِيهَا شَيْئا من غَيره، ثَانِيهَا: شُفْعَة الثِّمَار الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الشُّفْعَة وكثمرة ومقائي الخ. وَتَقَدَّمت للناظم فِي الشُّفْعَة أَيْضا. وَثَالِثهَا: شُفْعَة الْأَشْجَار الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الشُّفْعَة أَيْضا وكشجر وَبِنَاء بِأَرْض حبس أَو معير الخ. وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا انقصت مُدَّة الْعَارِية وَبَاعَ أَحدهمَا واجبه فِي النَّقْص، فلصاحبه الشُّفْعَة إِن امْتنع الْمُعير من أَخذه. وَرَابِعهَا: أُنْمُلَة الْإِبْهَام فَفِيهَا نصف دِيَة الْأصْبع اسْتِحْسَانًا الْمشَار لَهَا بقول (خَ) فِي الدِّمَاء والأنملة ثلثه إِلَّا فِي الْإِبْهَام فنصفه فالمستحسنات اثْنَان مِنْهَا فِي الشُّفْعَة وَاثْنَانِ مِنْهَا فِي الدِّمَاء. وَفِي ادّعاءِ العَفْوِ مِنْ وَلِيِّ دَمْ أَوْ مِنْ جَريحٍ الْيَمِينُ تُلْتَزَمْ (وَفِي ادِّعَاء الْعَفو من ولي دم أَو من جريح الْيَمين) مُبْتَدأ خَبره (تلتزم) وَفِي مُتَعَلق بِهِ وَمَعْنَاهُ أَن الْيَمين تلْزم ولي الدَّم فِي ادِّعَاء الْقَاتِل عَلَيْهِ الْعَفو أَو ادِّعَاء الْجَارِح ذَلِك على الْمَجْرُوح (خَ) : وللقاتل الِاسْتِحْلَاف على الْعَفو فَإِن نكل الْوَلِيّ حلف أَي الْقَاتِل وَاحِدَة وبرىء وتلوم لَهُ فِي بَينته الغائبة يَعْنِي الْقَرِيبَة وَإِن نكل الْقَاتِل قتل، وَهَذَا صَحِيح على قَاعِدَة قَوْلهم: كل دَعْوَى لَو أنكرها الْمُدعى عَلَيْهِ انْتفع الْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ سَمِعت وتوجهت فِيهَا الْيَمين، ووارد على قَوْلهم كل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها لِأَن الْعَفو لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا تتَوَجَّه فِيهِ الْيَمين بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، وَهَذَا تَوَجَّهت فِيهِ. فالقاعدة الثَّانِيَة حِينَئِذٍ أغلبية وَإِنَّمَا خرج الْعَفو مِنْهَا للِاحْتِيَاط للدم وَعَلِيهِ، فَإِذا قَامَ للْقَاتِل شَاهد وَاحِد بِالْعَفو فَإِنَّهُ يحلف مَعَ شَاهد وَيبرأ كَمَا كَانَ يحلف مَعَ نُكُول الْوَلِيّ وَيبرأ، قَالَه بعض الْقرَوِيين لِأَن النّكُول بِمَنْزِلَة الشَّاهِد، وَقيل لَا تجوز شَهَادَة الشَّاهِد بِالْعَفو وَهِي كَالْعدمِ، وَحَكَاهُ ابْن أبي زيد فِي مُخْتَصره وَنَحْوه لأبي عمرَان. تَنْبِيه: إِذا عَفا الْمَجْرُوح عَن جرحه أَو صَالح ثمَّ مَاتَ فلورثته أَن يقسموا لمن ذَلِك الْجرْح مَاتَ ويقتصوا فِي الْعمد ويأخذوا الدِّيَة فِي الْخَطَأ، وَسَوَاء صَالح عَنهُ وَعَما يؤول إِلَيْهِ وَعنهُ فَقَط(2/642)
على الْمُعْتَمد خلافًا لما اقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون من أَنه إِذا صَالح عَنهُ وَعَما يؤول إِلَيْهِ فَلَا قيام لَهُم إِذا مَاتَ انْظُر (خَ) وشراحه فِي الصُّلْح. وقَوَدٌ فِي القَطْعِ للأَعْضاءِ فِي العَمْدِ مَا لَمْ يُفْضِ لِلْفَنَاءِ (وقود) يجب (فِي الْقطع للأعضاء) كيد أَو رجل أَو ذكر أَو شفتين أَو لِسَان أَو مارن أنف وَكَذَا لَو قطع بضعَة من لحم فَفِيهَا الْقصاص (فِي الْعمد مَا لم) يخف أَن (يفض) الْقود الْمَذْكُور (للفناء) أَي الْمَوْت كَقطع الْفَخْذ أَو اللِّسَان أَو الذّكر أَو الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا قَود لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى أَخذ النَّفس فِيمَا دونهَا. وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَة إِن كَانَ فِيهَا شَيْء مُقَدّر كاللسان وَالذكر والأنثيين كَمَا يَأْتِي، وَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء مُقَدّر ككسر الْفَخْذ والعنق فَفِيهِ الْحُكُومَة وَإِن برىء على شين وإلاَّ فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا الْأَدَب كَمَا مر، وَرُبمَا يسْتَغْنى عَن هَذَا الْبَيْت بقوله فِيمَا مر: ودية مَعَ خطر فِيهَا فقد. وَالْخَطَأ الدِّيَةُ فيهِ تُقْتَفَى بحَسَبِ الْعُضْوِ الَّذِي قدْ أُتْلِفَا (وَالْخَطَأ) مُبْتَدأ (الدِّيَة) مُبْتَدأ ثَان (فِيهِ تقتفى) خبر الثَّانِي وَهُوَ وَخَبره خبر الأول أَي: وَالْقطع خطأ تتبع الدِّيَة فِيهِ (بِحَسب الْعُضْو الَّذِي قد أتلفا) فَمِنْهُ مَا تجب فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة، وَمِنْه مَا يجب فِيهِ نصفهَا كَمَا قَالَ: وَديةٌ كاملةٌ فِي المُزْدَوِجْ ونِصفُها فِي واحِدٍ مِنْه انْتُهِجْ (ودية) لَو فَرعه بِالْفَاءِ لَكَانَ أولى (كَامِلَة فِي) قطع (المزدوج) من الْأَعْضَاء خطا كاليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين والشفتين والأنثيين والشفرين إِن بدا الْعظم وثديي الْمَرْأَة وحلمتيها إِن بَطل اللَّبن، فَإِن لم يبد الْعظم أَو لم يبطل اللَّبن بِقطع الحلمتين فَحُكُومَة، وَأما قطع ثديي الرجل ففيهما حُكُومَة فَقَط (وَنِصْفهَا) أَي الدِّيَة (فِي) قطع (وَاحِد مِنْهُ) أَي المزدوج (انتهج) أَي سلك. فَفِي الْيَد الْوَاحِدَة نصف الدِّيَة وَفِي الرجل الْوَاحِدَة كَذَلِك، وَفِي الْعين كَذَلِك وَهَكَذَا إِلَّا عين الْأَعْوَر فَفِيهَا الدِّيَة كَامِلَة كَمَا يَأْتِي. وَفي اللسَانِ كُمِلَتْ وَالذَّكَرِ والأَنْفِ وَالْعَقْلِ وَعينِ الأَعْوَرِ (وَفِي) قطع (اللِّسَان) كُله (كملت) الدِّيَة على عَاقِلَة قَاطِعَة، وَكَذَا تكمل إِن قطع مِنْهُ مَا مَنعه من الْكَلَام، فَإِن لم يمنعهُ من الْكَلَام فَحُكُومَة (خَ) عاطفاً على مَا فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة مَا نَصه:(2/643)
وَفِي لِسَان النَّاطِق وَإِن لم يمْنَع النُّطْق مَا قطعه فَحُكُومَة كلسان الْأَخْرَس وَالْيَد الشلاء والساعد وأليتي الْمَرْأَة وَسن مضطربة جدا وعسيب ذكر بعد الْحَشَفَة الخ. أَي هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي بعد الْكَاف إِنَّمَا فِيهَا حُكُومَة فَقَط. (و) كملت أَيْضا فِي قطع (الذّكر) كُله أَو فِي قطع حشفته فَقَط، فَإِن قطع بَعْضهَا كثلثها فَيَأْخُذ المجنى عَلَيْهِ من الدِّيَة بِحِسَاب ذَلِك، فَإِن قطع الذّكر والأنثيين فديتان كاملتان وَلَو بضربة وَاحِدَة على الْمَشْهُور، فَإِن كَانَ مَقْطُوع الْحَشَفَة وَقطع هَذَا عسيبه فَقَط فَحُكُومَة كَمَا مرّ. (و) كملت أَيْضا فِي قطع (الْأنف) كُله أَو فِي قطع مارنه وَهُوَ مَا لَان من الْأنف، فَإِن قطع بعض المارن فبحسابه أَيْضا، فَإِن كَانَ مَقْطُوع المارن وَقطع هَذَا بَاقِي الْأنف فَحُكُومَة فِيمَا يظْهر. (و) كملت أَيْضا فِي إذهاب (الْعقل) بضربة وَنَحْوهَا (و) فِي (عين الْأَعْوَر) للسّنة بِخِلَاف مَا عَداهَا من آحَاد المزدوجين كأذن أَو رجل فَإِنَّمَا فِيهِ نصف الدِّيَة وَإِن لم يكن لَهُ غَيره. وَفِي إزَالَةٍ لِسَمْعٍ أَوْ بَصَرْ والنصْفُ فِي النصفِ وَشَمَ كالنَّظَرْ (و) كملت أَيْضا (فِي إِزَالَة لسمع) كُله (أَو بصر) كُله بضربة أَو أكل أَو شرب أَو فعل من الْأَفْعَال (وَالنّصف) من الدِّيَة (فِي) إِزَالَة (النّصْف) من سمع أَو بصر أَو غَيرهمَا (و) إِزَالَة (شم ك) إِزَالَة (النّظر) فَإِن أزاله كُله فَالدِّيَة كَامِلَة. وَإِن أَزَال نصفه وَجب فِيهِ نصفهَا أَو ثلثه فثلثها وَهَكَذَا. وَالنطْقِ والصوتِ كَذَا الذوقِ وَفِي إذْهاب قوةِ الجماعِ ذَا اقتُفي (والنطق وَالصَّوْت) بِالْجَرِّ فيهمَا أَي فِي إِزَالَة كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة كَامِلَة وَلَا ينْدَرج أَحدهمَا فِي الآخر إِلَّا أَن يذهبا مَعًا بضربة أَو أكل، وَنَحْو ذَلِك فديَة وَاحِدَة. والنطق صَوت بحروف وَالصَّوْت هَوَاء منضغط يخرج من دَاخل الرئة كَانَ بحروف أم لَا، فعطفه على النُّطْق من عطف الْعَام على الْخَاص، إِذْ لَا يلْزم من ذهَاب الْخَاص ذهَاب الْعَام وَالْكَلَام هُوَ اللَّفْظ الْمُفِيد فَهُوَ أخص من النُّطْق، فَإِذا جنى عَلَيْهِ فَأذْهب كَلَامه ونطقه وصوته فديَة وَاحِدَة، وَإِذا أذهب الْكَلَام فَقَط بِحَيْثُ لَا يقدر على تركيب الْمُفْردَات حَتَّى تحصل الْفَائِدَة فديَة وَاحِدَة أَيْضا، فَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا النُّطْق بالمفردات فأذهبه أَو الصَّوْت فأذهبه فديَة كَامِلَة أَيْضا، وَإِذا أذهب بعض نطقه أَو صَوته فبحسابه من الدِّيَة. (كَذَا الذَّوْق) أَي فِي إذهابه كُله فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَبَعضه بِحِسَابِهِ (وَفِي إذهاب قُوَّة الْجِمَاع) بضربة أَو أكل وَنَحْوهمَا (ذَا) مُبْتَدأ أَي وجوب الدِّيَة الْكَامِلَة (اقتفي) فِي إذهاب قُوَّة(2/644)
الْجِمَاع بِأَن أبطل إنعاظه أَو قطع مَاءَهُ أَو أفْسدهُ حَتَّى صَار مَاؤُهُ لَا يتكون مِنْهُ نسل، وَكَذَا إبِْطَال قِيَامه أَو جُلُوسه أَو تجذيمه أَو تبريصه (خَ) : وَالدية فِي الْعقل أَو السّمع أَو الْبَصَر أَو الشم أَو النُّطْق أَو الصَّوْت أَو الذَّوْق أَو قُوَّة الْجِمَاع أَو نَسْله أَو تجذيمه أَو تبريصه أَو قِيَامه أَو جُلُوسه أَو تسويده إِلَى أَن قَالَ: وجرب الْعقل بالخلوات والسمع بِأَن يصاح من أَمَاكِن مُخْتَلفَة مَعَ سد الصَّحِيحَة وَنسب لسمعه الآخر، وإلاَّ فَسمع وسط وَله نسبته إِن حلف وَلم يخْتَلف قَوْله: وإلاَّ فَهدر وَالْبَصَر بإغلاق الصَّحِيحَة كَذَلِك، والشم برائحة حادة والنطق بالْكلَام اجْتِهَادًا بِأَن يَقُول أهل الْمعرفَة: ذهب من كَلَامه نصفه أَو ثلثه فَيعْطى بِقدر من دِيَته، والذوق بالمر كصبر بِفَتْح الصَّاد وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَقد تسكن فِي ضَرُورَة الشّعْر كَقَوْلِه: الصَّبْر كالصبر مر فِي مذاقته لَكِن عواقبه أحلى من الْعَسَل وَإِن لم يُمكن اختباره بِمَا تقدم أَو أخبر وأشكل أمره صدق مدعي ذهَاب الْجَمِيع بِيَمِين مَا عدا الْعقل فَإِنَّهُ لَا تمكن الدَّعْوَى فِيهِ من المجنى عَلَيْهِ، بل من وليه وَهُوَ لَا يحلف ليستحق غَيره فَيصدق بِغَيْر يَمِين. وكلُّ سِنَ فيهِ مِنْ جِنْسِ الإبِلْ خَمْسٌ وَفي الأصْبَعِ ضِعْفُهَا جُعِلْ (وكل سنّ) مُبْتَدأ خَبره (فِيهِ من جنس الْإِبِل خمس) أَي يجب فِي كل سنّ نصف عشر الدِّيَة مخمسة فِي الْخَطَأ ومثلثة فِي الْأَب وَنَحْوه، وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أولى ليشْمل الْمُسلم وَغَيره، فَفِيهَا فِي الْحر الْمُسلم على أهل الْإِبِل خمس من الْإِبِل، وعَلى أهل الذَّهَب خَمْسُونَ دِينَارا وَهَكَذَا، وَظَاهره ثنية كَانَت السن أَو ربَاعِية أَو ضرساً قلعت من أَصْلهَا أَو من اللَّحْم قلعهَا أَو سودها أَو اصْفَرَّتْ أَو احْمَرَّتْ أَو اضْطَرَبَتْ جدا، فَإِن كسرهَا فبحساب ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) : وَفِي كل سنّ خمس وَإِن سَوْدَاء بقلع أَو اسوداد أَو بهما أَو بحمرة أَو صفرَة إِن كَانَ عرفا كالسواد أَو باضطرابها جدا. (وَفِي الْأصْبع ضعفها) وَهُوَ عشرَة من الْإِبِل وَمِائَة دِينَار (جعل) وَفِي الْأُنْمُلَة ثلث إِلَّا فِي الْإِبْهَام فنصفه، وَسَوَاء كَانَت الْأصْبع من يَد أَو رجل وَلَو زَائِدَة حَيْثُ كَانَت لَا قُوَّة لَهَا كالأصلية، وَسَوَاء كَانَت الْجِنَايَة على الزَّائِدَة عمدا أَو خطأ إِذْ لَا قَود فِيهَا لعدم المماثل. تَنْبِيه: تقدم أَنه إِذا قطع ذكره وأنثياه وَلَو بضربة وَاحِدَة فديتان، وَكَذَا تَتَعَدَّد الدِّيَة لَو أذهب(2/645)
سَمعه وبصره أَو أذهب الذَّوْق وَقُوَّة الْجِمَاع أَو قطع يَده فَذهب عقله، وَهَكَذَا إِلَّا الْمَنْفَعَة بمحلها كَمَا لَو قطع أُذُنَيْهِ فَزَالَ سَمعه، أَو قطع مارنه فَذهب شمه، أَو قلع عَيْنَيْهِ فَذهب بَصَره فديّة وَاحِدَة لِأَن الْمَنْفَعَة بِمحل الْجِنَايَة، وَكَذَا لَو جنى على لِسَانه فَأذْهب ذوقه ونطقه أَو فعل بِهِ مَا أذهب النُّطْق والذوق بَقَاء اللِّسَان فديَة وَاحِدَة، وَأما إِن أوضحه فَذهب عقله، فَإِن قُلْنَا إِن مَحَله الرَّأْس كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَابْن الْمَاجشون، فَكَذَلِك وَإِن قُلْنَا إِن مَحَله الْقلب وَهُوَ قَول مَالك وَأكْثر أهل الشَّرْع فديّة لِلْعَقْلِ وَنصف عشرهَا للموضحة، وَهَذَا كُله إِن أذهب ذَلِك بضربة أَو ضربات فِي فَور، وَأما بضربات فِي غير فَور فتتعدد وَلَو بمحلها (خَ) : وتعددت الدِّيَة بتعددها إِلَّا الْمَنْفَعَة بمحلها الخ. ودِيةُ الْجُرُوحِ فِي النساءِ كدِية الرّجال بالسَّوَاءِ (ودية الجروح فِي النِّسَاء كدية الرِّجَال بالسواء) فديّة جرح الْمَرْأَة كديّة الرجل من أهل دينهَا فلهَا فِي الْمُوَضّحَة إِن كَانَت حرَّة مسلمة نصف عشر دِيَة الْحر الْمُسلم وَهُوَ خمس من الْإِبِل على أهل الْإِبِل وَخَمْسُونَ دِينَارا على أهل الذَّهَب وَلها فِي المنقلة والهاشمة عشر الدِّيَة وَنصف عشرهَا وَهُوَ خمس عشرَة من الْإِبِل وَمِائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا فَهِيَ وَالرجل فِي ذَلِك سَوَاء لِأَن ذَلِك لم يبلغ ثلث دِيَة الرجل من أهل دينهَا، وَلها فِي ثَلَاثَة أَصَابِع ثَلَاثُونَ من الْإِبِل وثلاثمائة دِينَار، وَهَكَذَا فِي كل جرح لم تبلغ دِيَته ثلث دِيَة الرجل من أهل دينهَا فَإِن بلغت ثلث دِيَته كجائفة ومأمومة فترجع لديتها كَمَا قَالَ: إلاّ إذَا زَادَتْ عَلَى ثُلْثِ الدِّيَهْ فَمَا لَهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ تَسْوِيَهْ (إِلَّا إِذا زَادَت) صَوَابه ساوت بهَا (على ثلث الدِّيَة فَمَا لَهَا من بعد ذَاك تَسْوِيَة) وَإِنَّمَا قُلْنَا صَوَابه ساوت لِأَن كَلَامه يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا ترجع لديتها إِلَّا إِذا زَادَت دِيَة جرحها على ثلث دِيَته كيد أَو رجل مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك بل ترجع لديتها إِذا ساوت دِيَة جرحها ثلث دِيَته كَمَا فِي الْجَائِفَة أَو المأمومة، فلهَا فيهمَا حِينَئِذٍ سِتَّة عشر بَعِيرًا وَثلثا بعير فأحرى إِذا زَادَت كيد أَو رجل فلهَا فيهمَا خمس وَعِشْرُونَ من الْإِبِل ومائتان وَخَمْسُونَ دِينَارا، وَلها فِي أَرْبَعَة أَصَابِع عشرُون من الْإِبِل (خَ) : وساوت الْمَرْأَة الرجل لثلث دِيَته فترجع لديتها الخ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَالْمَرْأَة تعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَته لَا تستكمله، فَإِذا بلغت ذَلِك رجعت إِلَى عقل نَفسهَا فلهَا فِي ثَلَاثَة أَصَابِع وَنصف أُنْمُلَة إِحْدَى وَثَلَاثُونَ بَعِيرًا وَثلثا بعير، وَالرجل فِي هَذَا وَهِي سَوَاء، وَإِذا أُصِيب مِنْهَا ثَلَاثَة أَصَابِع وأنملة رجعت إِلَى عقلهَا فَكَانَ لَهَا فِي ذَلِك سِتَّة عشر بَعِيرًا وَثلثا بعير اه. وَفِي الْمُوَطَّأ عَن ربيعَة قلت لِابْنِ الْمسيب: كم فِي ثَلَاثَة أَصَابِع من الْمَرْأَة؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قلت: فكم فِي أَربع؟(2/646)
قَالَ: عشرُون. فَقلت حِين عظم جرحها نقص عقلهَا. فَقَالَ: أعراقي أَنْت؟ فَقلت: بل عَالم متثبت أَو جَاهِل متعلم. فَقَالَ: تِلْكَ السّنة يَا ابْن أخي. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَنَّهَا إِذا ساوت ثلث الدِّيَة أَو زَادَت ترجع لديتها وَلَو تعدد الْفِعْل وَهُوَ كَذَلِك فِي الْأَصَابِع فَقَط حَيْثُ اتَّحد الْمحل، فَلَو قطع لَهَا أَرْبعا من الْأَصَابِع من كل يَد أصبعين بضربة وَاحِدَة أَو ضربات فِي فَور وَاحِد أَو جمَاعَة أَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد أَو رجل وأصبعاً من الْيَد أَو الرجل الْأُخْرَى بضربة أَو ضربات فِي فَور أَيْضا أخذت عشْرين من الْإِبِل فَقَط، لِأَن الْفِعْل الْوَاحِد وَمَا فِي حكمه يضم مَا نَشأ عَنهُ بعضه إِلَى بعض، وَلَو تعدد الْمحل كَافِي الْمِثَال، وَأَحْرَى لَو اتَّحد الْمحل وَلَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد وَاحِدَة أَو رجل بضربة أَو ضربات أخدت ثَلَاثِينَ من الْإِبِل لكل أصْبع عشر من الْإِبِل ثمَّ إِن قطع لَهَا بعد ذَلِك من تِلْكَ بِالْيَدِ أَو الرجل أصبعاً رَابِعا أَو أَكثر فلهَا فِي كل أصْبع خمس من الْإِبِل، وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا خمس فَقَط لِأَن مُتحد الْمحل يضم بعضه إِلَى بعض وَلَو تعدد الْفِعْل لكَونه فِي غير فَور، وَأما إِن تعدد الْفِعْل وَالْمحل مَعًا كَمَا لَو قطع لَهَا ثَلَاثًا من يَد فَأخذت ثَلَاثِينَ ثمَّ قطع لَهَا بعد ذَلِك ثَلَاثًا من الْيَد الْأُخْرَى فتأخذ ثَلَاثِينَ أَيْضا، وَلَا يضم من يَد أَحدهمَا للْآخر لتَعَدد كل من الْفِعْل وَالْمحل، وَهَذَا كُله فِي الْأَصَابِع لَا فِي الْأَسْنَان فَإِنَّهُ لَا يضم بَعْضهَا إِلَى بعض إِذا تعدد الْفِعْل، وَسَوَاء كَانَت من حنك أَو حنكين لِأَن الحنكين مَحل وَاحِد، فَإِذا قلع لَهَا عشر أَسْنَان فِي عشر ضربات متفرقات لَيست فِي فَور وَاحِد، فلهَا فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل، وَإِن قلعهَا فِي ضَرْبَة وَاحِدَة أَو مَا فِي حكمهَا كضربات فِي فَور فَإِنَّهَا تضم وَترجع إِلَى دِيَتهَا فِي سبع أَسْنَان فَأكْثر وَضم مُتحد الْفِعْل وَمَا فِي حكمه أَو الْمحل فِي الْأَصَابِع لَا فِي الْأَسْنَان.
(بَاب التَّوَارُث)
مصدر على وزن تفَاعل من توارث الْقَوْم إِذا ورث بَعضهم بَعْضًا، وَالْمِيرَاث اسْم لِلْمَالِ الْمَتْرُوك وَهُوَ مفعال من ورث يَرث ورثاً ووراثة وَالْإِرْث اسْم للشَّيْء الْمَوْرُوث وهمزته منقلبة عَن(2/647)
وَاو كأشاح وَسمي المَال الْمَتْرُوك مِيرَاثا لِأَنَّهُ يبْقى بعد موت صَاحبه، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَة لبقائهم بعد الْمَيِّت لأخذهم الْإِرْث. (والفرائض) جمع فَرِيضَة من الْفَرْض بِمَعْنى التَّقْدِير من قَوْله تَعَالَى فَنصف مَا فرضتم} (الْبَقَرَة: 237) أَي قدرتم أَي أوجبتم يُقَال: فرضت الشَّيْء أفرضه أَي أوجبته وَقدرته. وَتَسْمِيَة هَذَا الْعلم بِعلم الْفَرَائِض اصطلاحية، وإلاَّ فَعلم الْفَرَائِض فِي اللُّغَة يَشْمَل الْوَاجِبَات كلهَا من فَرَائض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغير ذَلِك، وَسمي بذلك لِكَثْرَة دوران الْفَرْض على أَلْسِنَة أَهله وَهُوَ علم قرآني جليل، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن الله لم يكل قسْمَة مواريثكم إِلَى أحد بل تولاها بِنَفسِهِ وَبَينهَا أتم بَيَان) وَقَالَ: (تعلمُوا الْقُرْآن وعلموه النَّاس وتعلموا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض وَأَن الْعلم سيقبض وَتظهر الْفِتَن حَتَّى يخْتَلف اثْنَان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يفصل بَينهمَا) . وَفِي الْجَوَاهِر عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: (تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم) . وَاعْلَم أَن علم الْفَرَائِض لَهُ حد، وموضوع وَغَايَة، فغايته أَي ثَمَرَته حُصُول ملكة للْإنْسَان توجب سرعَة الْجَواب على وَجه الصِّحَّة وَالصَّوَاب، وَأما حَده وموضوعه فَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَعلم الْفَرَائِض لقباً الْفِقْه الْمُتَعَلّق بِالْإِرْثِ وَعلم مَا يُوصل لمعْرِفَة قدر مَا يجب لكل ذِي حق فِي التَّرِكَة. وموضوعه التركات لَا الْعدَد خلافًا للصودي فَقَوله: لقباً مَعْنَاهُ أَن علم الْفَرَائِض نقل من مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ الَّذِي هُوَ علم الْوَاجِبَات وَصَارَ لقباً لهَذَا الْفَنّ فاحترز بقوله: لقباً من علم الْفَرَائِض مُضَافا بَاقِيا على إِضَافَته، فَإِنَّهُ أَعم لشُمُوله جَمِيع الْوَاجِبَات على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَمَا مر، فَهُوَ كَقَوْلِهِم بُيُوع الْآجَال لقباً وَإِضَافَة فَهُوَ إِضَافَة يَشْمَل كل بيع لأجل، ولقباً مَقْصُور على بُيُوع الْآجَال المتحيل فِيهَا على دفع قَلِيل من كثير، وَقَوله: الْمُتَعَلّق بِالْإِرْثِ أَي إِثْبَاتًا أَو نفيا من إِرْث وحجب وَتَعْيِين الْقدر الْمَوْرُوث، وَخرج بِالْإِرْثِ مَا تعلق بالعبادات وَالنِّكَاح والمعاملات. وَقَوله: وَعلم الخ. . هُوَ بِالرَّفْع مَعْطُوف على قَوْله الْفِقْه، وَمَا فِي قَوْله مَا يُوصل وَاقعَة على الْحساب الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ لمعْرِفَة قدر مَا يجب لكل وَارِث، فحقيقة هَذَا الْعلم مركبة من أَمريْن معرفَة من يَرث وَمن لَا يَرث، وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْقِسْمَة وَالْعَمَل فِي مسَائِل المناسخات وَغَيرهَا، وَهَذَا الثَّانِي لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ النَّاظِم بل هُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَقَوله: وموضوعه التركات الخ يَعْنِي لِأَنَّهَا يبْحَث فِيهَا عَن عوارضها الذاتية أَي عَن أحوالها اللاحقة لَهَا من كَون تجهيز الْمَيِّت يقدم ثمَّ تقضى دُيُونه ثمَّ وَصَايَاهُ، وَكَون هَذَا الْوَارِث لَهُ ربعهَا أَو نصفهَا وَهَذَا يَرث مِنْهَا وَهَذَا لَا يَرث وَنَحْو ذَلِك.(2/648)
وموضوع كل علم مَا يبْحَث فِيهِ من عوارضه الذاتية، فموضوع علم النَّحْو مثلا الْكَلِمَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها الَّتِي تعرض لَهَا فِي تركيبها من رفع وَنصب وتعريف وتنكير، وموضوع علم التصريف الْمُفْردَات لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن أحوالها من صِحَة وإعلال وتفكيك وإدغام، وَهَكَذَا. وَعَلِيهِ فَمن لم يتْرك شَيْئا فَلَيْسَ لهَذَا الْعلم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَوْضُوع، وَأما الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى الصودي الْمَالِكِي فقد قَالَ فِي شرح الحوفية: إِن مَوْضُوع هَذَا الْعلم الْعدَد، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْعدَد مَوْضُوع لعلم الْحساب وَلَا يكون الشَّيْء الْوَاحِد مَوْضُوعا لأمرين قيل: وَالْخلاف بَينهمَا فِي حَال لِأَن الصودي اعْتبر مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الفراض من إِلْغَاء التَّرِكَة لعدم انضباطها، وعمدوا إِلَى أعداد يحصرها الْعدَد ويضبطها الْحَد وسموها أصولاً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: سِتَّة الْأُصُول مِنْهَا فِي الْعَمَل الخ. فجعلوها كالقالب تفرغ فِيهِ كل تَرِكَة فَصَارَت تِلْكَ الْأَعْدَاد الَّتِي سَموهَا أصولاً مَوْضُوعَة لهَذَا الْعلم بِهَذَا الِاعْتِبَار وَأما ابْن عَرَفَة فراعى أَن التَّصَرُّف فِي تِلْكَ الْأَعْدَاد إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَة إِلَى التَّوَصُّل لمعْرِفَة كَيْفيَّة قسْمَة التَّرِكَة، فالمقصود بِالْقِسْمَةِ هُوَ التَّرِكَة. فَابْن عَرَفَة رَاعى الْمَوْضُوع بِالْقَصْدِ والذات، والصودي رَاعى الْمَوْضُوع بالأولية وَالْغَرَض والوسيلة، وكل من الاعتبارين صَحِيح، وَكَون الْعدَد مَوْضُوعا لعلم الْحساب لَا يمْنَع أَن يكون مَوْضُوعا لعلم الْفَرَائِض بِالِاعْتِبَارِ الْمُتَقَدّم. والتركة حق يقبل التجزأ ثَبت لمستحق بعد موت من كَانَ لَهُ بِقرَابَة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاء فَقَوله: حق بتناول المَال وَغَيره كالخيار وَالشُّفْعَة وَالْقصاص، فَكلهَا تَرِكَة وَكلهَا تقبل التجزأ لِأَن المُرَاد بِقبُول التجزىء مَا يُمكن أَن يُقَال فِيهِ لهَذَا نصفه وَلِهَذَا ثلثه مثلا، وَهَذِه الثَّلَاثَة كَذَلِك، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ خُصُوص مَا يقبل الامتياز حسا فَقَط كالعدد من الدَّرَاهِم والدور وَالْأَرْض، بل مَا يَشْمَل الامتياز حَقِيقَة كالأرض أَو حكما كالشفعة وَخرج بقابل التجزىء الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينْتَقل للأبعد بعد موت الْأَقْرَب لكنه لَا يقبل التجزأ، فَكَمَا لَا يُقَال لهَذَا نصف النّسَب كَذَلِك لَا يُقَال لهَذَا نصف الْوَلَاء الَّذِي هُوَ لحْمَة كالنسب، وَكَذَا ولَايَة النِّكَاح فَإِنَّهَا تنْتَقل بِمَوْت الْأَب مثلا وَلَا تقبل التجزأ وإلاَّ لم يَصح عقد الْأَوْلِيَاء المتساوين إِلَّا بموافقة جَمِيعهم، وَأما الْوَلَاء بِمَعْنى الْإِرْث فَهُوَ قَابل للتجزىء، وَخرج بقوله بعد موت من كَانَ لَهُ الْحُقُوق المنتقلة بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَة وَنَحْوهمَا، وَخرج بقوله بِقرَابَة الخ. الْوَصِيَّة على الْمَشْهُور من أَنَّهَا تملك بِالْمَوْتِ ثمَّ الْإِرْث بَين الْأَحْرَار الْمُسلمين يكون بِأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء أَشَارَ لَهَا النَّاظِم بقوله: الإرْثُ يُسْتَوْجَبُ شَرْعَاً وَوَجَبْ بِعِصْمَةٍ أَوْ بِوَلاءٍ أَوْ نَسَبْ (الْإِرْث) مصدر ورث وهمزته منقلبة عَن وَاو كَمَا مر (يسْتَوْجب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (شرعا) أَي يسْتَحق بِالشَّرْعِ وَهُوَ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس (وَوَجَب) لمستحقه بِالشَّرْعِ بِأحد ثَلَاثَة أُمُور. إِمَّا (بعصمة) أَي نِكَاح مُنْعَقد وَلَو فَاسِدا غير مُتَّفق على فَسَاده كَنِكَاح الْمحرم والشغار(2/649)
وَنِكَاح العَبْد وَالْمَرْأَة فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ أَحدهمَا قبل فَسخه وَرثهُ الآخر مَاتَ قبل الدُّخُول أَو بعده، فَإِن كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده كَنِكَاح ذَات محرم بِنسَب أَو رضَاع أَو خَامِسَة فَلَا مِيرَاث فِيهِ وَلَو بعد دُخُوله، وَكَذَا نِكَاح الْمَرِيض لَا إِرْث فِيهِ وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ لِأَن فَسَاده من جِهَة إِرْثه لثُبُوت الْإِرْث فِيهِ تَتِمَّة للغرض الْفَاسِد الَّذِي هُوَ إِدْخَال الْوَارِث، وَقد مر ذَلِك مُبينًا فِي فصل الْفَسْخ وَفِي فصل فَاسد النِّكَاح. (أَو بولاء) وَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب يحدثها الْعتْق، فَإِذا مَاتَ الْمُعْتق بِالْفَتْح وَلَا عاصب لَهُ من نسبه فَإِنَّهُ يَرِثهُ الْمُعْتق بِالْكَسْرِ، فَإِن لم يكن فعصبته من وَلَده وَإِن سفل، فَإِن لم يكن لَهُ ولد فأبوه وَإِن علا، فَإِن لم يكن لَهُ أَب وَلَا ولد فأخوه أَو عَمه، وَهَكَذَا فَإِن لم يُوجد الْمُعْتق وَلَا عصبته فمعتق الْمُعْتق بِالْكَسْرِ فيهمَا (خَ) : وَقدم عاصب النّسَب ثمَّ الْمُعْتق ثمَّ عصبته كَالصَّلَاةِ ثمَّ مُعتق مُعْتقه، وَلَا تَرثه أُنْثَى إِلَّا إِن باشرت عتقه أَو جَرّه وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق (أَو نسب) أَي قرَابَة من بنوة وأبوة وأخوة وعمومة وَنَحْوهَا. وَقد تَجْتَمِع الثَّلَاثَة كَابْن عَم لامْرَأَة مُعتق لَهَا زوج لَهَا أَو اثْنَان كَكَوْنِهِ معتقاً لَهَا، وَزوجهَا أَو زَوجهَا وَابْن عَمها، وَلَا يسْتَحق الْإِرْث بِشَيْء من هَذِه الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة إِلَّا بعد ثُبُوتهَا وَلَو بِالسَّمَاعِ الفاشي كَمَا مر فِي الشَّهَادَات، فَإِن لم يحط بِالْمِيرَاثِ شَيْء من هَذِه الْوُجُوه فبيت المَال كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبَيت مَال الْمُسلمين يسْتَقلّ الخ. واحترزت بِقَوْلِي الْأَحْرَار من الأرقاء فَإِن مَال الرَّقِيق وَلَو مبعضاً لسَيِّده (خَ) : ولسيده الْمُعْتق بعضه جَمِيع إِرْثه الخ. وتسميته إِرْثا مجَازًا وبالمسلمين من الْكفَّار فَإِنَّهُ لَا إِرْث بَين مُسلم وَكَافِر كَمَا يَأْتِي. جميعُها أرْكانُهُ ثَلاثهْ مالٌ وَمِقْدَارٌ وَذُو الوِرَاثَهْ (جَمِيعهَا) أَي الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة أَي كل فَرد مِنْهَا (أَرْكَانه ثَلَاثَة مَال) مَتْرُوك عَن الْمَيِّت (وَمِقْدَار) مَا يَرِثهُ كل وَارِث (وَذُو الوراثة) أَي معرفَة من يَرث مِمَّن لَا يَرث فَإِنَّهُ لَا يَصح الْإِرْث بالعصبة أَو الْوَلَاء أَو النّسَب إِلَّا باجتماع هَذِه الْأَركان الثَّلَاثَة وَمهما اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا لم يَصح.
(فصل فِي ذكر الْوَارِثين من الرِّجَال وَالنِّسَاء)
ذُكُورُ من حَقَّ لَهُ الميرَاثُ عَشْرَةٌ وَسَبْعٌ الإنَاثُ (ذُكُور من حق) أَي ثَبت (لَهُ الْمِيرَاث عشرَة) ويتفرعون إِلَى ثَمَانِيَة عشر كَمَا يَأْتِي (وَسبع(2/650)
الْإِنَاث) ويتفرعن أَيْضا إِلَى عشرَة كَمَا يَأْتِي فمجموع من يَرث ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، فالرجال الثَّمَانِية عشر. الأَبُ وَالْجَدُّ لَهُ وَإنْ عَلاَ مَا لم يكُنْ عَنْهُ بأنثى فُصِلاَ (الْأَب) يَرث بِالْفَرْضِ تَارَة كَمَا لَو كَانَ للهالك ولد ذكر، وبالفرض والتعصيب تَارَة كَمَا لَو كَانَ للهالك بنت أَو بنت ابْن اتّحدت أَو تعدّدت فَإِنَّهُ يفْرض لَهُ مَعهَا أَو مَعَهُنَّ السُّدس، وَيَأْخُذ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، فَإِن انْفَرد وَلم يكن للهالك غَيره فيرث الْجَمِيع بِالتَّعْصِيبِ (وَالْجد لَهُ) أَي للهالك (وَإِن علا) فيرث بِالْفَرْضِ تَارَة وبالفرض والتعصيب أُخْرَى وبالتعصيب والانفراد كَمَا مرَّ فِي الْأَب حرفا حرفا (خَ) : وَيَرِث بِفَرْض وعصوبة الْأَب ثمَّ الْجد مَعَ بنت وَإِن سفلت الخ. إِلَّا أَن الْأَب يحجب الْإِخْوَة وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم، فَلهُ مَعَ الْإِخْوَة أَو الْأَخَوَات الأشقاء أَو لأَب الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة وَله مَعَ ذِي فرض مَعَهُمَا السُّدس أَو ثلث الْبَاقِي أَو الْمُقَاسَمَة كَمَا يَأْتِي. (مَا لم يكن) الْجد (عَنهُ) أَي عَن الْهَالِك (بأنثى فصلا) فَإِنَّهُ لَا مِيرَاث لَهُ والمجروران يتعلقان بقوله: فصلا. وَخرج بذلك جد الْهَالِك لأمه وجد أَبِيه من جِهَة أمه. وَالزوْجُ وَابْن وَابْنُهُ هَبْ سَفُلاَ كذاكَ مَوْلى نِعْمةٍ أَوْ بِوَلاَ (وَالزَّوْج) وَيَرِث بِفَرْض فَقَط تَارَة كَمَا لَو كَانَ أَجْنَبِيّا أَو بِفَرْض وعصوبة كَمَا لَو كَانَ ابْن عَمها، فَإِنَّهُ يَرث النّصْف بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ من يُشَارِكهُ فِيهِ أَو من هُوَ أولى بِهِ مِنْهُ (وَابْن) للهالك فَإِنَّهُ يَرث بِالتَّعْصِيبِ فَقَط إِمَّا الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد ذَوي الْفُرُوض (وَابْنه) أَي ابْن الابْن حَيْثُ لم يكن ابْن (هَب) إِنَّه (سفلا) بِضَم الْفَاء وَفتحهَا وَهُوَ أشهر وَهُوَ عاصب فَقَط كالابن (كَذَاك مولى نعْمَة) وَهُوَ الَّذِي بَاشر الْعتْق بِنَفسِهِ وَلَو أُنْثَى فَإِنَّهُ عاصب حَيْثُ لَا عاصب للْمُعْتق بِالْفَتْح من نِسْبَة فيرث الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد الْفُرُوض، وَقد يَرث بِالْفَرْضِ وبالتعصيب كَمَا لَو كَانَ زوجا (أَو) مولى (بولا) وَهُوَ من لم يُبَاشر الْعتْق بل أعْتقهُ أَبوهُ أَو جده أَو أَخُوهُ أَو عَمه أَو جَرّه لَهُ الْوَلَاء بِوِلَادَة أَو أعتق فَإِنَّهُ عاصب يجْرِي فِيهِ مَا يجْرِي فِي مولى النِّعْمَة. وَالأَخُ وابنُ الأَخِ لَا لِلأُمِّ والعمُّ لَا لِلأُمِّ وَابْنُ العَمِّ (وَالْأَخ) الشَّقِيق أَو لأَب أَو لأم والأولان عاصبان فَقَط وَالثَّالِث من ذَوي الْفُرُوض، وَقد يَرث بِالْفَرْضِ والتعصيب كَابْن عَم وَأَخ لأم (وَابْن الْأَخ) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط (لَا) ابْن الْأَخ (للْأُم) فَإِنَّهُ لَا يَرث أصلا (وَالْعم) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط أَيْضا (لَا) الْعم(2/651)
(للْأُم) فَلَا يَرث أَيْضا (وَابْن الْعم) الشَّقِيق أَو للْأَب وهما عاصبان فَقَط، إِلَّا أَن يَكُونَا زَوْجَيْنِ، وَإِذا كَانَ الْعم للْأُم لَا يَرث فأحرى ابْن الْعم للْأُم، فَذَلِك لم يُقيد النَّاظِم ابْن الْعم بقوله: لَا للْأُم فَهَذِهِ عشرَة بجعله مولى النِّعْمَة وَالْوَلَاء قسما وَاحِدًا. وتتفرع هَذِه الْعشْرَة إِلَى سِتَّة عشر بتنويع الْمولى إِلَى نعْمَة أَو وَلَاء وتنويع الْأَخ إِلَى شَقِيق أَو لأَب أَو لأم وَالْعم إِلَى شَقِيق أَو لأَب أَو لأم وَابْن الْعم كَذَلِك كَمَا ترى، وَيُزَاد عَلَيْهِم عَم الْأَب وَبَنوهُ وَإِن سلفوا وَعم الْجد وَإِن علا وَبَنوهُ، فمجموع الْعدَد من الرِّجَال ثَمَانِيَة عشر كَمَا مرّ. وَيقدم فِي هَذِه الْأُمُور الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن غير شَقِيق والشقيق على الَّذِي للْأَب. ثمَّ أَشَارَ إِلَى النِّسَاء السَّبع فَقَالَ: والأُمُّ والزَّوْجَةُ ثمَّ البِنْتُ وابنةُ الابْنِ بَعْدَهَا وَالأُخْتُ (وَالأُم) تَرث الثُّلُث حَيْثُ لَا حَاجِب لَهَا من ولد أَو تعدد أخوة وَإِلَّا حجبت للسدس وَلها ثلث الْبَاقِي فِي زوج أَو زَوْجَة وأبوين (وَالزَّوْجَة) وَلها الرّبع مَعَ فقد الْوَلَد وَإِلَّا حجبت للثّمن (ثمَّ الْبِنْت) وَلها النّصْف إِذا انْفَرَدت فَإِن تعدّدت فلهَا الثُّلُثَانِ فَإِن كَانَ مَعهَا أَخُوهَا ورثت بِالتَّعْصِيبِ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَبنت الابْن بعْدهَا) أَي بعد الْبِنْت فِي الرُّتْبَة وَيجْرِي فِيهَا مَا جرى فِي الْبِنْت، وحجبها ابْن فَوْقهَا أَو بنتان فَوْقهَا إِلَّا الابْن فِي درجتها مُطلقًا أَو أَسْفَل فمعصب (وَالْأُخْت) شَقِيقَة أَو لأَب وَالأُم وَيجْرِي فِي الْأَوَّلين مَا جرى فِي الْبِنْت فيحجب الَّتِي للْأَب شَقِيق فَوْقهَا أَو شقيقتان فَوْقهَا إِلَّا أخاها للْأَب فِي درجتها فمعصب، نعم قَوْله أَو أَسْفَل مِنْهَا لَا يجْرِي هَهُنَا لِأَن ابْن الْأَخ لَا يعصب عمته فَلَا شَيْء لَهَا مَعَه، نعم إِذا اجتمعتا أَي الَّتِي للْأَب والشقيقة مَعَ الْبِنْت فهما عاصبتان كَمَا قَالَ: وَالْأَخَوَات قد يصرن عاصبات إِن كَانَ للهالك بنت أَو بَنَات الخ. وَالثَّالِثَة: وَهِي الْأُخْت للْأُم لَهَا السُّدس مَعَ الِانْفِرَاد فَإِن تعدّدت فَلَهُمَا أَو لَهُنَّ الثُّلُث. وَجَدَّةٌ للجِهَتَيْنِ مَا عَلَتْ مَا لم تَكُنْ بذَكَرٍ قَدْ فُصِلَتْ (وَجدّة للجهتين) أَي جِهَة الْأُم وَهِي أم الْأُم وَأمّهَا وَإِن علت، وجهة الْأَب وَهِي أم الْأَب وَأمّهَا (مَا علت مَا لم تكن بِذكر) يَعْنِي غير الْأَب (قد فصلت) فَلَا مِيرَاث لأم جد لهالك من جِهَة أَبِيه وَأمه لِأَنَّهَا مفصولة عَنهُ بِذكر غير الْأَب على مَذْهَب مَالك لِأَنَّهُ لَا يُورث أَكثر من جدتين وحجبتها الْأُم مُطلقًا، ويحجب الْأَب الْجدّة الَّتِي من جِهَته فَقَط، وَكَذَا تحجب الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا. كَذَاكَ مَوْلاَةٌ لَهَا العِتْقُ وَلَا حَقَّ لَهَا فِيمَا يكُونُ بِالْوَلاَ(2/652)
(كَذَاك مولاة) نعْمَة وَهِي الَّتِي (لَهَا الْعتْق) مُبَاشرَة أَو انجر لَهَا بِوِلَادَة أَو عتق فَإِنَّهَا وارثة بِالتَّعْصِيبِ فترث الْجَمِيع إِن انْفَرَدت أَو مَا بَقِي بعد الْفَرْض. (وَلَا حق لَهَا فِيمَا) لم تباشر عتقه وَلَا جَرّه لَهَا وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق لِأَنَّهُ إِنَّمَا (يكون) الْإِرْث (بِالْوَلَاءِ) لعاصب الْمُعْتق بِالْكَسْرِ فَقَط، فَإِذا مَاتَ الْمُعْتق بِالْفَتْح وَلَا عاصب لَهُ سوى ابْن سَيّده وبنته فَلَا مِيرَاث للْبِنْت بل المَال كُله أَو مَا بَقِي بعد ذَوي الْفُرُوض للِابْن دون الْبِنْت قَالَ فِيهَا: وَلَا يَرث أحد من النِّسَاء وَلَاء مَا أعتق أَب لَهُنَّ أَو أم أَو أَخ أَو ابْن والعصبة أَحَق بِالْوَلَاءِ مِنْهُنَّ، وَلَا يَرث النِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا من أعتقن أَو عَتيق من اعتقن أَو ولد من اعتقن من ولد الذُّكُور ذُكُورا كَانُوا أم إِنَاثًا وَلَا شَيْء لَهُنَّ فِي ولد الْبِنْت ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى الخ. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلَا تَرثه أُنْثَى إِلَّا أَن باشرت عتقه أَو جَرّه وَلَاء بِوِلَادَة أَو عتق الخ. فَهَذِهِ سبع نسْوَة فَجعل الْجدّة للجهتين قسما وَاحِدًا ويتفرعن إِلَى عشرَة بتنويع الْأُخْت إِلَى شَقِيقَة أَو لأَب أَو لأم، وتنويع الْجدّة إِلَى الَّتِي لأَب أَو لأم، فمجموع من يَرث ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ عدد حُرُوف الهجاء، وَقد تحصل أَن الذُّكُور كلهم عصبَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَالْأَب وَالْجد إِذا كَانَ مَعَهُمَا ولد، وَالْإِنَاث كُلهنَّ أهل فرض إِلَّا مولاة النِّعْمَة وَالْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات. وَبَيْتُ مَال المُسلَمين يَسْتَقِلْ بحيثُ لَا وَارِثَ أَو بِمَا فَضَلْ (و) إِن لم يُوجد وَاحِد مِمَّن ذكر أَو وجد وَلم يسْتَغْرق التَّرِكَة ف (بَيت مَال الْمُسلمين يسْتَقلّ) بِالْإِرْثِ فَيَأْخُذ المَال كُله (بِحَيْثُ) الْبَاء زَائِدَة أَي حَيْثُ (لَا وَارِث) أصلا (أَو) يخْتَص (بِمَا فضل) عَن ذَوي الْفُرُوض كَزَوْجَة وَأم أَو بنت وَبنت ابْن، وَإِذا مَاتَ الرجل بِبَلَد وَخلف فِيهِ مَالا وَخلف فِي بلد آخر مَالا وَلم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال، فَإِن عَامل الْبَلَد الَّذِي كَانَ مستوطناً فِيهِ أَحَق بميراثه مَاتَ فِيهِ أَو فِي غَيره من الْبِلَاد قَالَه فِي الْمُفِيد، وَظَاهر النّظم أَن الْبَاقِي بعد الْفَرْض يكون لبيت المَال وَلَا يرد أَي الْبَاقِي بعد الْفَرْض على ذَوي الْفُرُوض وَلَا يدْفع لِذَوي الْأَرْحَام، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ عَليّ رضى الله عَنهُ: يرد على كل وَارِث بِقدر مَا ورث سوى الزَّوْج وَالزَّوْجَة أَي: فَلَا يرد عَلَيْهِمَا إِجْمَاعًا كَمَا فِي ابْن يُونُس، وَقيد عدم رده على ذَوي الْأَرْحَام بِمَا إِذا كَانَ بَيت المَال منتظما وإلاَّ رد الْبَاقِي عَلَيْهِ. قَالَ ابْن رحال: وتوريث ذَوي الْأَرْحَام مُتَأَخّر عَن الرَّد على ذَوي الْفُرُوض بِحَسب ظَاهر أنقالهم. ابْن يُونُس: لَو أدْرك مَالك وَأَصْحَابه زمننا هَذَا لجعلوا الْمِيرَاث لِذَوي الْأَرْحَام لَا لبيت المَال لعدم انتظامه فِي هَذَا الزَّمَان، وَأطَال رَحمَه الله فِي الِاحْتِجَاج لتوريثهم. قَالَ ابْن نَاجِي: وَلَا أعرف الْيَوْم بَيت مَال، وَإِنَّمَا هُوَ بَيت ظلم وعَلى القَوْل بتوريث ذَوي الْأَرْحَام فَينزل ولد الْبَنَات وَالْأَخَوَات منزلَة أمهاتهم وَبَنَات الْأَخَوَات والأعمام(2/653)
منزلَة آبائهن والخالات والأخوال منزلَة الْأُم والعمات منزلَة الْأَب، فَإِذا ترك الْهَالِك بنت بنت فَيكون لَهَا النّصْف بِمَنْزِلَة أمهَا، وَهَكَذَا وأولو الْأَرْحَام سِتَّة رجال وَسبع نسْوَة، فالرجال ابْن الْبِنْت وَابْن الْأُخْت وَابْن الْأَخ للْأُم وَالْعم للْأُم وَالْخَال وَالْجد للْأُم وَالنِّسَاء بنت الْبِنْت وَبنت الْأُخْت وَبنت الْأَخ وَبنت الْعم والعمة وَالْخَالَة وَالْجدّة أم أبي الْأُم، وَزيد فِي الرِّجَال ابْن الْعمة وَابْن بنت الابْن وَعم الْأُم، وَفِي النِّسَاء بنت بنت الابْن وَبنت ابْن الْعم وَبنت بنت الْأَخ.
(فصل فِي ذكر أَحْوَال الْمِيرَاث)
وَهِي خَمْسَة وبيانها أَن: الحالُ فِي الميارثِ قد تَقَسَّما إِلَى وجُوبِ ولحَجْبٍ قُسِما (الْحَال فِي الْمِيرَاث قد تقسما إِلَى) وَجْهَيْن حَالَة (وجوب) بِحَيْثُ لَا يحجب أصلا كالأبوين وَالْأَوْلَاد وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَا سُقُوط لأَب وَلَا ولد وَلَا لزوجين وَلَا أم فقد (ول) حَالَة (حجب) وَهَذَا الثَّانِي (قسما لحجْبِ الإسْقَاطِ أَوِ النقْلِ وَذَا لِفَرْضٍ أَو تَعْصِيبٍ أبْدَى مَنْفَذَا لحجب الْإِسْقَاط) بِحَيْثُ لَا يَرث شَيْئا كالإخوة مُطلقًا مَعَ الْأَب أَو الْإِخْوَة للْأُم مَعَ الْجد وكالجدة مَعَ الْأُم وكابن الابْن مَعَ ابْن الصلب، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَأْتِي فِي فصل حجب الْإِسْقَاط. (أَو) أَي ولحجب (النَّقْل) من إِرْث إِلَى إِرْث (وَذَا) أَي حجب النَّقْل يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام. إِمَّا من فرض (لفرض) آخر كَزَوْجَة تنقل من الرّبع للثّمن بِوُجُود الْوَلَد، وكالأم تنقل من الثُّلُث إِلَى السُّدس بِوُجُود الْوَلَد أَو تعدد الْأُخوة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَأْتِي فِي فصل حجب النَّقْل، (أَو) أَي: وَإِمَّا من تعصيب لفرض كأب وجد فَإِنَّهُمَا عاصبان وينقلان للسدس مَعَ وجود ابْن أَو ابْن ابْن وَإِمَّا من فرض ل (تعصيب) كأخت أَو أَخَوَات مَعَ بنت أَو بَنَات (أبدى منفذا) أَي بِفَتْح الْمِيم وَالْفَاء وبالذال الْمُعْجَمَة مَعْنَاهُ الطَّرِيق فَقَوْل النَّاظِم: وَذَا لفرض الخ. يَشْمَل النَّقْل من فرض لفرض وَمن تعصيب إِلَى فرض، وَقَوله: أَو تعصيب أَي النَّقْل من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب، فالنقل ثَلَاثَة أَقسَام تضم لحالتي الْوُجُوب والإسقاط تكون الْأَحْوَال خَمْسَة كَمَا مر. وَهَذَا الْفَصْل كالتوطئة لما يَأْتِي لَهُ من ذكر حجب الْإِسْقَاط وحجب النَّقْل. وَاعْلَم أَن من الفراض من لَا يتَعَرَّض لهَذَا الْفَصْل وَلَا(2/654)
للَّذي قبله، وَإِنَّمَا يَقُول أَصْحَاب النّصْف كَذَا وَأَصْحَاب الثُّلُث كَذَا الخ. ثمَّ يَقُول: ولعاصب ورث المَال أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض وَيذكر الْعصبَة الْمُتَقَدّمَة وَهُوَ صَنِيع (خَ) وَمن وَافقه، وَمِنْهُم من يعد من يَرث على سَبِيل الْإِجْمَال، ثمَّ يتَعَرَّض لذَلِك على سَبِيل التَّفْصِيل كالناظم وَابْن الْحَاجِب وَمن وافقهما، وَأما هَذَا الْفَصْل واللذان بعده فهم قليلو الجدوى.
(فصل فِي ذكر الْمِقْدَار الَّذِي يكون بِهِ الْإِرْث)
وَهُوَ إِمَّا كل الْمَتْرُوك أَو جُزْء مُسَمّى مِنْهُ أَو مُسَمّى من الْبَاقِي بعد أَخذ فرض أَو أَكثر، فَالْمُرَاد بالمقدار مَجْمُوع الْمَتْرُوك، وَالْبَاء من قَوْله بِهِ بِمَعْنى فِي قَالَه (م) . القَدْرُ يُلْفَى باشْتِراكٍ فِيهِ فِي جُملةٍ المتروكِ أَو باقِيهِ (الْقدر) أَي الْمَتْرُوك الَّذِي يكون فِيهِ الْإِرْث تَارَة (يلفى) ملتبساً (بإشتراك فِيهِ فِي جملَة الْمَتْرُوك) أَي فِي جَمِيعه، وَهَذَا الِاشْتِرَاك إِمَّا بَين الْعصبَة كثلاثة بَنِينَ أَو إخْوَة، وَإِمَّا بَين ذَوي السِّهَام كَزَوج وَأُخْت أَو أم وَأَخ لأم وَزوج، وَإِمَّا بَين ذَوي سهم وعاصب كَبِنْت وَأُخْت أَو أم وَأَخ (أَو) أَي وَتارَة يلفى ملتبساً باشتراك فِي (بَاقِيه) أَي بَاقِي الْمَتْرُوك بعد أَخذ ذَوي الْفَرْض فرضهم كثلاثة أخوة مَعَ بنت أَو أبوين مَعَ زوج أَو زَوْجَة. أَو بانِفرادٍ باحِتيازِ المَالِ أجْمعَ فِيهِ وَهُوَ فِي الرّجالِ (أَو) أَي وَتارَة يلفى ملتبساً (بانفراد) فِيهِ كَابْن لَيْسَ مَعَه غَيره أَو أَخ كَذَلِك، وَكَذَا نَحْوهمَا من الْعصبَة، فَإِن العاصب يحوز جَمِيع المَال حيت انْفَرد كَمَا قَالَ: (باحتياز المَال اجْمَعْ فِيهِ) يتَعَلَّق بانفراد (وَهُوَ) أَي حوز جَمِيع المَال كَائِن (فِي الرِّجَال) الْمُتَقَدِّمين. عدا أَخاً للأُمِّ وَالزَّوْج وَفي مولاةِ نَعْمَى حُكمُ ذَلِك اقتُفِي (عدا أَخا للْأُم) مِنْهُم (و) عدا (الزَّوْج) فَإِنَّهُمَا ليسَا بعاصبين كَمَا تقدم (وَفِي مولاة نعمى) مُتَعَلق باقتفي أَي و (حكم ذَلِك) وَهُوَ حوز جَمِيع المَال (اقتفي) اتبع فِي مولاة نعْمَة وَإِنَّمَا تحوز الْجَمِيع إِذا لم يكن للْمُعْتق بِالْفَتْح عاصب كَمَا تقدم.(2/655)
(فصل فِي ذكر حالات وجوب الْمِيرَاث)
وَهِي ثَلَاثَة كَمَا قَالَ: ويَحْصُل الميراثُ حيْثُ حُتِما بِفَرْضٍ أَو تعصيبٍ أوْ كِليْهما (وَيحصل الْمِيرَاث حَيْثُ حتما) أَي وَجب (بِفَرْض) فَقَط كَأُمّ وَأَخ لأم وَزوج (أَو تعصيب) فَقَط كأب أَو جد أَو عَم (أَو كليهمَا) أَي فرض وتعصيب كأب أَو جد مَعَ بنت أَو بَنَات يَأْخُذ فَرْضه السُّدس، ثمَّ الْبَاقِي تعصيباً وَكَذَا أَخ لأم هُوَ ابْن عَم أَو زوج هُوَ ابْن عَم كَمَا مر. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يَرِثهُ العاصب فَقَالَ: والمالَ يَحْوِي عاصِبٌ مُنْفرِدُ أَو مَا عَنِ الفُروضِ بعدُ يُوجدُ (وَالْمَال) بِالنّصب مفعول مقدم (يحوي عاصب مُنْفَرد) كَابْن وَاحِد أَو أَخ أَو عَم كَذَلِك (أَو) يحوي (مَا عَن الْفُرُوض بعد يُوجد) أَي مَا يُوجد بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم كَزَوْجَة وَأم وعاصب أَو بنت وعاصب ويستبد العاصب بِالْجَمِيعِ أَو بِالْبَاقِي إِن انْفَرد. وقِسْمَةٌ فِي الحالتَيْن مُعْمَلَه إِمَّا عَلَى تَفَاضُلٍ أوْ مَعْدِلَهْ (و) إِمَّا أَن تعدد ف (قسْمَة) بَين الْعصبَة (فِي الْحَالَتَيْنِ) أَي حَالَة أَخذ الْجَمِيع أَو حَالَة أَخذ الْفَاضِل بعد الْفَرْض (معمله) هِيَ أَي الْقِسْمَة ثمَّ هِيَ (إِمَّا على تفاضل) كبنين وَبَنَات وحدهم أَو مَعَ زَوْجَة، فالمتروك كُله أَو الْبَاقِي بعد الزَّوْجَة يقسم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهَكَذَا فِي الْأَخ وَالْأَخَوَات وحدهم أَو مَعَ كَزَوْجَة أَو أم (أَو) أَي: وَإِمَّا أَن يقسم الْجَمِيع أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض على التَّسَاوِي (معدله) كبنين وحدهم لَيْسَ مَعَهم ذُو فرض أَو مَعَهم ذُو فرض كَزَوْجَة، وَكَذَا الْإِخْوَة للْأُم فَإِنَّهُم يقسمون حظهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الْفَصْل والفصلين قبله من التَّدَاخُل والتكرار.(2/656)
(فصل فِي ذكر أهل الْفَرَائِض وأصولها)
عطف على أهل، وَالْمرَاد بالفرائض الْأَجْزَاء المحددة شرعا الْمَعْلُوم نسبتها من جملَة المَال وَهِي سِتَّة: النّصْف وَنصفه وَهُوَ الرّبع وَنصف نصفه وَهُوَ الثّمن وَالثُّلُثَانِ ونصفهما وَهُوَ الثُّلُث وَنصف نصفهما وَهُوَ السُّدس، وَأَهْلهَا المستحقون لَهَا مَا يَأْتِي للناظم فِي قَوْله: أَولهَا النّصْف لخمسة جعل الخ. وَالْمرَاد بأصولها الْأَعْدَاد الَّتِي تقوم مِنْهَا تِلْكَ الْفَرَائِض أَي: أقل عدد يُؤْخَذ مِنْهُ ذَلِك الْفَرْض صَحِيحا، فالفريضة الَّتِي فِيهَا سدس أَصْلهَا من سِتَّة لِأَنَّهُ أقل عدد لَهُ سدس، وَالَّتِي فِيهَا ربع أَصْلهَا من أَرْبَعَة وَهَكَذَا، وَلِهَذَا كَانَت الْأُصُول خَمْسَة: اثْنَان وَأَرْبَعَة وَثَمَانِية وَثَلَاثَة وَسِتَّة، وَإِنَّمَا كَانَت خَمْسَة لَا سِتَّة كالفرائض لِاتِّحَاد مخرج الثُّلُث والثلثين، وَهَذَا على سَبِيل الِانْفِرَاد، وَأما مَعَ الِاجْتِمَاع فَإِن اجْتمع النّصْف مَعَ غَيره فَلَا يُوجب زِيَادَة على الْأَعْدَاد الْخَمْسَة كَمَا هُوَ وَاضح. وَأما الرّبع، فَاعْلَم أَنه لَا يجْتَمع مَعَ الثّمن لِأَن الثّمن للزَّوْجَة فَإِن كَانَ لَهَا ربع فَلَا ثمن، وَإِن كَانَ للزَّوْج فَلَيْسَ هُنَاكَ زَوْجَة، نعم قد يجْتَمع أَحدهمَا مَعَ الثُّلُث والثلثين أَو السُّدس فَإِن كَانَ الْمُجْتَمع مَعَ وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة هُوَ الرّبع فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أصل آخر وَهُوَ اثْنَا عشر، لِأَنَّهُ إِذا اجْتمع مَعَ الثُّلُث كَأُمّ وَزَوْجَة فَالثُّلُث مقَامه من ثَلَاثَة وَالرّبع مقَامه من أَرْبَعَة، وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، وَكَذَا إِن اجْتمع مَعَ الثُّلثَيْنِ كشقيقتين وَزَوْجَة، وَإِن اجْتمع مَعَ السُّدس كَأُمّ وَزَوْجَة وأخوين لأَب فَإِن السِّتَّة توَافق الْأَرْبَعَة بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر، وَإِن كَانَ الْمُجْتَمع مَعَ وَاحِد من ذَلِك هُوَ الثّمن فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَة أصل آخر وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ لِأَن الثّمن إِذا اجْتمع مَعَ الثُّلُث أَو الثُّلثَيْنِ فَتضْرب الثَّلَاثَة مقَامهَا فِي الثَّمَانِية مقَام الثّمن بأَرْبعَة وَعشْرين، وَإِن اجْتمع مَعَ السُّدس فالثمانية توَافق السِّتَّة بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر يخرج مَا ذكر، فأصول الْفَرَائِض على هَذَا سَبْعَة خَمْسَة مِنْهَا بسائط أَي غير مركبة وَاثْنَانِ مركبان من الضَّرْب، وهما الاثنا عشر وَالْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ وسيشير لَهما فِي قَوْله: وَالْأَصْل بالتركيب ضعف سِتَّة الخ. وَعَلِيهِ فالمنقسم إِلَى بسائط ومركبات هُوَ أصُول الْفَرَائِض لَا الْفَرَائِض كَمَا يُوهِمهُ قَوْله: ثُمَّ الفَرائِضُ البسَائِطُ الأُوَلْ سُتةٌ الأصُولُ مِنْهَا فِي العَمَلْ(2/657)
(ثمَّ الْفَرَائِض البسائط الأول) فَالصَّوَاب حذف قَوْله البسائط الأول، وَلَا يَصح أَن يكون الْفَرَائِض على حذف مُضَاف أَي أصُول الْفَرَائِض، وَيكون الْوَصْف بالبسائط رَاجعا لِلْأُصُولِ لِأَن البسائط من الْأُصُول إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة فَقَط وَهُوَ قد قَالَ: (سِتَّة) لِأَنَّهُ خبر عَن قَوْله الْفَرَائِض، وَقد تقدم أَن الْفَرَائِض سِتَّة، وأصولها سَبْعَة خَمْسَة مِنْهَا بسيطة وَاثْنَانِ مركبان، فَوَجَبَ حِينَئِذٍ حذف لفظ البسائط الأول لإيهامه غير الْمَقْصُود (الْأُصُول) مُبْتَدأ (مِنْهَا) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير الْأُصُول فرائضها مَأْخُوذَة مِنْهَا (فِي الْعَمَل) أَي عمل الْفَرَائِض، وَذَلِكَ لِأَن الرّبع مثلا هُوَ الْفَرْض وَالْأَرْبَعَة هِيَ أَصله، فَهُوَ مَأْخُوذ مِنْهَا أَي مقَامه مِنْهَا أَي مِنْهَا يَصح فِي عمل الْفَرَائِض مَا عدا النّصْف، فَإِنَّهُ لَيْسَ مأخوذاً من لفظ الِاثْنَيْنِ، وَإِن كَانَ مقَامه مِنْهُمَا، نعم الرّبع مقَامه من أَرْبَعَة، وَالثمن من ثَمَانِيَة، وَالسُّدُس من سِتَّة، وَالثلث وَالثُّلُثَانِ من ثَلَاثَة، وَلذَا كَانَت الْفَرَائِض سِتَّة، وأصولها البسائط خَمْسَة لِاتِّحَاد مخرج الثُّلُث والثلثين كَمَا مر. أَوَّلُها النصفُ لِخَمْسَةٍ جُعِلْ البنتِ والزوجِ إِذا لم ينتَقِلْ (أَولهَا) أَي الْفَرَائِض السِّتَّة (النّصْف) وَهُوَ (لخمسة جعل) أَحدهَا: (الْبِنْت) حَيْثُ انْفَرَدت لَا إِن كَانَت مَعَ معصب كأخ لَهَا فِي درجتها فَإِنَّهَا تَرث حِينَئِذٍ بِالتَّعْصِيبِ (و) ثَانِيهَا: (الزَّوْج إِذا لم ينْتَقل) أَي إِذا لم يحجب حجب نقل بِأَن لَا يكون للهالكة ولد وَإِلَّا بِأَن كَانَ ولد ذكر أَو أثنى وَإِن سفل وَإِن من زنا انْتقل للربع. ولابنَةِ ابْنٍ ولأُخْتٍ لَا لأُمْ وَنصْفُهُ الرُّبْعُ بِهِ الزَّوْجين أُمْ (و) ثَالِثهَا أَنه فرض (لابنَة ابْن) حَيْثُ لَا بنت للهالك وَلَا أَخ لَهَا فِي درجتها أَيْضا، فَإِن كَانَ لَهَا أَخ أَو ابْن عَم فِي درجتها كَانَت عاصبة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (و) رَابِعهَا وخامسها أَنه فرض (لأخت) شَقِيقَة أَو لأَب حَيْثُ انْفَرَدت وَلَا أَخ لَهَا فِي درجتها أَيْضا وَإِلَّا فَهِيَ عاصبة (لَا) أُخْت (لأم) فَلَيْسَتْ من أهل النّصْف، فَهَذِهِ خَمْسَة بتنويع الْأُخْت الشَّقِيقَة وَللْأَب (خَ) : من ذِي النّصْف الزَّوْج وَبنت وَبنت ابْن إِن لم تكن بنت وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب إِن لم تكن شَقِيقَة وَعصب كلا أَخ يساويها. ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَانِي الْفُرُوض فَقَالَ: (وَنصفه) مُبْتَدأ أَي نصف النّصْف وَهُوَ (الرّبع بِهِ الزَّوْجَيْنِ أم) بِضَم الْهمزَة فعل أَمر بِمَعْنى(2/658)
أقصد، وَبِه يتَعَلَّق بِهِ والزوجين مَفْعُوله، وَالْمعْنَى أَن نصف النّصْف وَهُوَ الرّبع أقصد بِهِ الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ فرض الزَّوْج من زَوجته مَعَ وجود الْوَلَد الْوَارِث لَهَا وَإِن سفل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى مِنْهُ أَو من غَيره وَإِن من زنا وَخرج بالوارث ولد ابْنهَا الْمَنْفِيّ بِلعان أَو قَامَ بِهِ مَانع من رق أَو كفر لِأَن من لَا يَرث لَا يحجب وَارِثا إِلَّا الْأُخوة للْأُم، فَإِنَّهُم يحجبون الْأُم للسدس مَعَ كَونهم محجوبين بالجد مثلا (خَ) وَالرّبع الزَّوْج بفرع الخ. وَالرّبع أَيْضا فرض الزَّوْجَة فَأكْثر من الزَّوْج مَعَ فقد الْوَلَد الْوَارِث لَهُ وإلاَّ بِأَن كَانَ لَهُ ولد وَارِث وَإِن سفل ذكرا أَو أُنْثَى مِنْهَا أَو من غَيرهَا حجب للثّمن، وَخرج بالوارث أَيْضا من قَامَ بِهِ مَانع من رق أَو كفر أَو لعان أَو كَانَ من زنا أَو نِكَاح فَاسد لَا يلْحق فِيهِ الْوَلَد وَنَحْو ذَلِك، فَإِن هَؤُلَاءِ لَا يحجبونها للثّمن كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وتنقل الزَّوْجَة من ربع إِلَى ثمن صَحِيح نِسْبَة من هؤلا ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَالِث الْفُرُوض فَقَالَ: وَنِصْفُهُ الثُّمْنُ لزوجةٍ وَفِي تعدُّدٍ قسمةُ حظيْهَا اقتُفِي (وَنصفه) أَي الرّبع وَهُوَ (الثّمن) ثَابت (لزوجة) فَقَط مَعَ وجود ولد وَارِث وَإِن سفل لزَوجهَا الْهَالِك، وإلاَّ يكن وَارِثا لم تحجب للثّمن كَمَا مر، فَإِن اتّحدت الزَّوْجَة أخذت الرّبع أَو الثّمن كُله (وَفِي تعدد) لَهَا بِأَن كَانَ لَهُ زوجتان فَأكْثر (قسْمَة حظيها) أَي الرّبع وَالثمن بَينهمَا أَو بَينهُنَّ (اقتفي) أَي اتبع (خَ) : وَالثمن لَهَا أَو لَهُنَّ بفرع لَاحق الخ. وَيشْتَرط فِي توارث الزَّوْجَيْنِ أَن يَكُونَا مُسلمين حُرَّيْنِ غير قَاتل أَحدهمَا الآخر كغيرهما، وَأَن يكون نِكَاحهمَا صَحِيحا أَو مُخْتَلفا فِيهِ لَا إِن كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده فَلَا إِرْث مَاتَ أَحدهمَا قبل الدُّخُول أَو بعده. ثمَّ أَشَارَ إِلَى رَابِع الْفُرُوض فَقَالَ: والثُلْثَان حِصةٌ لأَرْبَعِ بناتِ صُلبٍ وبناتِ ابنِ فَعِي (وَالثُّلُثَانِ حِصَّة لأَرْبَع) نسْوَة وَهن (بَنَات صلب) أَي اثْنَتَانِ فَأكْثر حَيْثُ لَا عاصب فِي درجتهما أَو درجتهن (وَبَنَات ابْن) أَي اثْنَتَانِ أَيْضا، فَأكْثر حَيْثُ لَا بنت لصلب وَلَا عاصب فِي الدرجَة (فعي) أَي احفظ. والأخْتِ لَا لِلأَمِّ فِي التَّعْدَادِ والثلْثُ للجَدِّ برَجْحِ بَادِي (وَالْأُخْت لَا للْأُم فِي التعداد) أَي فِي تعددها بِأَن تكون اثْنَتَانِ فَأكْثر وَأطلق فِي الْأُخْت فَشَمَلَ الشقيقتين واللتين للْأَب فِي عدم الشَّقِيقَة، فَلِكُل مِنْهُمَا الثُّلُثَانِ حَيْثُ لَا عاصب فِي درجتهما (خَ) : ولتعددهن أَي الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة أَو الَّتِي للْأَب الثُّلُثَانِ الخ.(2/659)
وَاحْترز بقوله: لَا للْأُم من الْأُخْت للْأُم إِذا تعدّدت فَلَيْسَتْ من ذَوي الثُّلثَيْنِ، بل من ذَوي الثُّلُث فَقَط كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. ثمَّ اشار إِلَى خَامِس الْفُرُوض فَقَالَ: (و) نصفهَا أَي الثُّلُثَانِ وَهُوَ (الثُّلُث) حِصَّة لثَلَاثَة (للْجدّ) فِي بعض أَحْوَاله وَهُوَ إِذا كَانَ مَعَ الْأُخوة وَلَيْسَ مَعَهم ذُو فرض فَإِنَّهُ فِي هَذِه الْحَالة يكون لَهُ الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة، فَإِذا كَانَ الْأُخوة ثَلَاثَة فَأكْثر فَالثُّلُث هُنَا يكون فَرْضه (برجح باد) أَي ظَاهر لِأَنَّهُ خير لَهُ من الْمُقَاسَمَة بِخِلَافِهِ مَعَ أَخ وَاحِد. فالمقاسمة أفضل لَهُ وَيَسْتَوِي الثُّلُث والمقاسمة إِذْ كَانَ مَعَ أَخَوَيْنِ، وَمَسْأَلَة الاسْتوَاء خَارِجَة بقوله: برجح وَلَا يضر خُرُوجهَا وَعدم شُمُوله لَهَا لِأَن الثُّلُث فِيهَا لَا يتَعَيَّن كَونه فرضا لَهُ الْجَوَاز أَخذه لَهُ بالمقاسمة بِخِلَافِهِ فِي الأولى، فَالثُّلُث فرض لَهُ على مَا للناظم، وَبَعْضهمْ لم يَجْعَل الْجد من أهل الثُّلُث لعدم استقراره عَلَيْهِ وَعَلِيهِ درج (خَ) : وَالأُمِّ دونَ حاجِب والإخْوَهْ لَهَا وَهُمْ فِي قَسْم ذَاك أُسْوَهْ (وَالأُم) عطف على الْجد أَي لَهَا الثُّلُث حَال كَونهَا (دون) وجود (حَاجِب) يحجبها عَنهُ للسدس (خَ) : وَالثلث للْأُم وحجبها للسدس ولد وَإِن سفل، وَأَخَوَانِ أَو أختَان مُطلقًا شقائق أَو لأَب أَو لأم (وَالإِخْوَة لَهَا) عطف على الْجد أَيْضا أَي الثُّلُث فرض الْأَخَوَيْنِ للْأُم فَأكْثر ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا أَو مُخْتَلفين (خَ) : وَمن ذَوي الثُّلُث الْأُم وولداها فَأكْثر إِلَى أَن قَالَ: وَسقط الْأَخ للْأُم بِابْن الْهَالِك وَابْنه وَبنت وَإِن سفلت وَأب وجد الخ. وَسَيَأْتِي ذَلِك للناظم فِي حجب الْإِسْقَاط: (وهم) أَي الْإِخْوَة للْأُم (فِي قسم ذَاك) الثُّلُث (إسوة) الذّكر كالأنثى لقَوْله تَعَالَى: فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث} (النِّسَاء: 12) وَالشَّرِكَة إِذا أطلقت حملت على التَّسَاوِي، وَهَذَا مُسْتَثْنى من قَاعِدَة كل ذكر وَأُنْثَى اجْتمعَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة فللذكر ضعف الْأُنْثَى أَي إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى سادس الْفُرُوض فَقَالَ: وَنِصْفُهُ السُّدْسَ لأمَ والأَبِ ولابْنَةِ ابنِ ولجَدَ اجْتُبِي (وَنصفه) أَي الثُّلُث وَهُوَ (السُّدس) كَائِن لسبعة (لأم) مَعَ وجود الْوَلَد ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل أَو مَعَ المتعدد من الْأُخوة كَمَا مر (وَالْأَب) مَعَ وجود الْوَلَد ذكرا أَو أُنْثَى وَإِن سفل أَيْضا، لَكِن إِن كَانَ ذكرا كَانَ لَهُ السُّدس ولأمه كَذَلِك كَمَا فِي الْآيَة الْكَرِيمَة. وَإِن كَانَ أُنْثَى وَلَو تعدّدت أَخذ كل مِنْهُمَا السُّدس أَيْضا وَأخذت الْأُنْثَى فَرضهَا وَأخذ الْأَب مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ حَيْثُ لم يستغرقه الْفَرْض، فَإِن كَانَ الْفَرْض مُسْتَغْرقا كبنتين وأبوين أَو معادلاً كَزَوج وبنتين وأبوين فَلَيْسَ للْأَب إِلَّا فَرْضه. (ولابنة ابْن) مَعَ بنت الصلب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا عاصب فِي(2/660)
درجتهما وإلاَّ فَهِيَ عاصبة فيقاسمها للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، سَوَاء كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها، فَإِن كَانَ أَسْفَل مِنْهَا اخْتصّت بالسدس وَأخذ هُوَ مَا بَقِي وتحجب بنت الابْن بِابْن فَوْقهَا أَو بنتين فَوْقهَا، فَإِذا خلف الْهَالِك بنت ابْن وَابْن ابْن وَبنت ابْن ابْن أَو خلف بِنْتي ابْن وَبنت ابْن ابْن فَلَا شَيْء لَهَا لِأَنَّهَا محجوبة بِمن فَوْقهَا إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَخُوهَا أَو ابْن عَمها فِي درجتها أَو أَسْفَل مِنْهَا، فَإِنَّهُ يعصبها فيأخذان مَا فضل عَن البنتين أَو بِنْتي الابْن اللَّتَيْنِ فَوْقهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ. (ولجد اجتبي) أَي اختير لَهُ مَعَ الْوَلَد أَو مَعَ استغراق الْفُرُوض كَزَوج وَأم وجد كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْجد مثل الْأَب مَعَ من ذكرا الخ. وَأما مَعَ عدم الْوَلَد وَعدم الِاسْتِغْرَاق فَلَيْسَ السُّدس فرضا لَهُ لعدم استقراره عَلَيْهِ بل يَأْخُذهُ لكَونه أحظى لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالسُّدُس أَن يرجح لَهُ مَتى صحب أهل الْفُرُوض صنف إخْوَة يجب وجدةٍ وَلأَخٍ مِن أُمِّ وَأَشْمَلْ لأُخْتٍ جِهةً فِي الْحُكْمِ (وَجدّة) لأم أَو لأَب وحجبت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا كَمَا مّر وأسقطتها الْأُم مُطلقًا كَمَا يَأْتِي (ولأخ) وَاحِد (من أم) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى فَإِن تعدد فَالثُّلُث كَمَا مر، وَهَذَا حَيْثُ لَا حَاجِب لَهُ وَإِلَّا سقط كَمَا مر. (واشمل) فعل أَمر (لأخت) مفعول بِهِ وَاللَّازِم زَائِدَة (جِهَة) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (فِي الحكم) يتَعَلَّق باشمل، وَالتَّقْدِير اشمل فِي الحكم بالسدس أُخْتا لجِهَة يَعْنِي الَّتِي للْأَب مَعَ الشَّقِيقَة لَهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَأما الْأُخْت للْأُم فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْأَخ من أم كَمَا قَررنَا، وتحجب الْأُخْت للْأَب بشقيق أَو بشقيقتين فَأكْثر فَلَا شَيْء لَهَا إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَخ لأَب فَيَأْخُذ الثُّلُث مَعهَا فِي الْحجب بالشقيقتين أَو النّصْف فِي الشَّقِيقَة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِن كَانَ مَعهَا ابْن أَخِيهَا فَقَط فَلَا شَيْء لَهَا فِي الْحجب بالشقيقتين، بل الثُّلُث الْبَاقِي يخْتَص بِهِ ابْن الْأَخ دون عمته وَدون أُخْته الَّتِي فِي دَرَجَته لِأَن بنت الْأَخ لَا تَرث وَلَو انْفَرَدت، وَابْن الْأَخ لَا يعصب عمته بِخِلَاف ابْن الابْن، فَإِنَّهُ يعصب أُخْته الَّتِي فِي دَرَجَته وَعَمَّته الَّتِي فَوْقه كَمَا مر، وَلم يذكر النَّاظِم فِي فصل حجب الْإِسْقَاط أَن بنت الابْن تحجب بِابْن فَوْقهَا أَو بنتين فَوْقهَا، وَلَا أَن الْأُخْت للْأَب تحجب بشقيق أَو شقيقتين، وَقد بَينا لَك ذَلِك هَا هُنَا.(2/661)
وَقد تحصل أَن جملَة الْفُرُوض على مَا للناظم اثْنَان وَعِشْرُونَ وَالصَّوَاب أَنَّهَا أحد وَعِشْرُونَ بِإِسْقَاط الثُّلُث للْجدّ لِأَنَّهُ لايأخذ فرضا بل لكَونه أحظى لَهُ، إِذْ لَو كَانَ يَأْخُذهُ بالفريضة لم ينْتَقل عَنهُ للمقاسمة إِذا كَانَت أحظى وإلاَّ لقيل إِن الْمُقَاسَمَة من فَرْضه أَيْضا إِذا كَانَت أحظى وَلم يقلهُ أحد، وَكَذَا السُّدس لَيْسَ فرضا لَهُ فِي اجْتِمَاع ذَوي الْفُرُوض والأخوة، وَلِهَذَا رمز بَعضهم لِذَوي الْفُرُوض على التَّرْتِيب السَّابِق بقوله: هبادبز، فالهاء لأَصْحَاب النّصْف، وَالْبَاء لأَصْحَاب الرّبع، وَالْألف لأَصْحَاب الثّمن، وَالدَّال لأَصْحَاب الثُّلثَيْنِ، وَالْبَاء بعد الدَّال لأَصْحَاب الثُّلُث، وَالزَّاي لأَصْحَاب السُّدس، فَلم يَجْعَل الْجد من أَصْحَاب الثُّلُث، وَلذَا رمز لَهُ بِالْبَاء دون الْجِيم لِأَنَّهُ لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَال السُّدس لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ أَيْضا فَلم عده من ذويه؟ لأَنا نقُول: إِنَّمَا لَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ فِي خُصُوص اجتماعه مَعَ ذَوي الْفُرُوض وَالإِخْوَة إِذْ لَهُ حِينَئِذٍ الأحظى لَهُ من السُّدس من رَأس المَال أَو ثلث الْبَاقِي أَو الْمُقَاسَمَة كَمَا يَأْتِي، وَأما مَعَ الْوَلَد أَو ولد الْوَلَد فَهُوَ مُسْتَقر على السُّدس لَا ينْتَقل عَنهُ إِلَى غَيره، فَحسن حِينَئِذٍ عده من أَصْحَابه، وَلَا يُقَال أَيْضا الزَّوْج ينْتَقل وَالزَّوْجَة وَالأُم كَذَلِك، وَكَذَا بنت الابْن وَالْأُخْت للْأَب، لأَنا نقُول: كل وَارِث فِي فَرِيضَة غير نَفسه فِي أُخْرَى، فالزوج مثلا مَعَ عدم الْوَلَد غير نَفسه مَعَ الْوَلَد، فَلِذَا تعدد فَرْضه وَكَذَا الزَّوْجَة وَالأُم وَمَا بعدهمَا. تَنْبِيه: كَانَ اللَّائِق للناظم الَّذِي مرامه الِاخْتِصَار أَن يقْتَصر على هَذَا الْفَصْل ويقدمه أول الْبَاب ثمَّ يَقُول: وفاضل هُنَا عَن الْفُرُوض لعاصب كَعَدم الْمَفْرُوض أَي كَمَا يكون للعاصب جَمِيع المَال إِن عدم الْمَفْرُوض لَهُ، ثمَّ يذكر الرِّجَال الْمُتَقَدِّمين فِي قَوْله: الْأَب وَالْجد لَهُ وَإِن علا الخ. وَيسْقط مِنْهُم الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم لِأَنَّهُمَا ليسَا من الْعصبَة وَيذكر بدلهما مولاة النِّعْمَة لِأَنَّهَا عاصبة كَمَا مر. وَاعْلَم أَن الْفَرِيضَة إِمَّا عادلة: وَهِي الَّتِي ساوت سِهَام أَصْحَابهَا كَزَوج وَأم وَأَخ لأم، وَإِمَّا نَاقِصَة وَهِي الَّتِي نقصت سهامها عَن أُصُولهَا كَزَوج وَبنت، وَإِمَّا عائلة وَهِي الَّتِي زَادَت سهامها على أُصُولهَا وإليها أَشَارَ بقوله: فإنْ يَضِقْ عنِ الفُرُوضِ المَالُ فالعولُ إِذْ ذَاك لَهُ اسْتِعْمَالُ (فَإِن يضق عَن الْفُرُوض المَال فالعول) أَي الزِّيَادَة (إِذْ ذَاك لَهُ اسْتِعْمَال) فتجعل الْفَرِيضَة على قدر السِّهَام، وَيدخل النَّقْص على كل مِنْهُم، وَذَلِكَ كَزَوج وَأُخْت وَأم، فَفِي هَذِه الْفَرِيضَة نِصْفَانِ وَثلث، وكيفما كَانَ المَال لَا يُوجد فِيهِ ذَلِك حَتَّى قَالَ ابْن عَبَّاس: من باهلني باهلته أَن الَّذِي(2/662)
أحصى رمل عالج عددا لم يَجْعَل فِي المَال نصفا وَنصفا وَثلثا، وَأنكر الْعَوْل وَقَالَ: إِن النَّقْص يدْخل على الْأُخْت وَحدهَا لِأَنَّهَا تنْتَقل من الْفَرْض إِلَى التَّعْصِيب بِخِلَاف الزَّوْج وَالأُم فَإِنَّهُمَا لَا ينتقلان إِلَّا إِلَى فرض آخر فهما أقوى مِنْهَا وَهَكَذَا. وَهَذِه أول فَرِيضَة عالت فِي الْإِسْلَام، وَقيل أول فَرِيضَة عالت زوج وأختان شقيقتان أَو لأَب، فتوقف فِيهَا عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ للصحابة: أَشِيرُوا عَليّ فَإِنِّي إِن أَعْطَيْت للزَّوْج فَرْضه لم يبْق للأختين فرضهما، وَإِن أَعْطَيْت للأختين لم يبْق للزَّوْج فَرْضه، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْعَبَّاس وَقيل عَليّ وَقَالَ: أَرَأَيْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن رجلا مَاتَ وَعَلِيهِ لرجل ثَلَاثَة دَنَانِير وَلآخر أَرْبَعَة وَلم يتْرك إِلَّا سِتَّة أَلَيْسَ يَجْعَل المَال سَبْعَة أَجزَاء وَيدخل النَّقْص على جَمِيعهم، فَأخذت الصَّحَابَة بقوله وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ، ثمَّ أظهر ابْن عَبَّاس الْخلاف فِي ذَلِك، وَأنكر الْعَوْل وَهُوَ محجوج بِإِجْمَاع الصَّحَابَة تَفْرِيعا على الْمُخْتَار من أَنه لَا يشْتَرط فِي الْإِجْمَاع انْقِرَاض الْعَصْر، وَإِن زَادَت الْفُرُوض أعيلت أَي: وَإِن زَادَت سِهَام الْفَرِيضَة على أَصْلهَا أعيلت أَي زيد أَصْلهَا حَتَّى يصير على قدر السِّهَام كَزَوج وأختين أَصْلهَا من سِتَّة لأجل النّصْف والثلثين لِأَنَّهُ أقل عدد لَهُ نصف وَثُلُثَانِ والسهام سَبْعَة: ثَلَاثَة للزَّوْج وَأَرْبَعَة للأختين والستة تضيق فِي ذَلِك فيعال فِيهَا أَي يُزَاد لِأَن الْعَوْل الزِّيَادَة فتجعل السِّتَّة سَبْعَة فقد عالت بِمثل سدسها، وَيَأْخُذ كل وَاحِد من السَّبْعَة مَا يَأْخُذهُ من السِّتَّة فَللزَّوْج ثَلَاثَة من سِتَّة يَأْخُذهَا من سَبْعَة، وللأختين أَرْبَعَة من سِتَّة تأخذانها من سَبْعَة أَيْضا، وَكَذَلِكَ فِي العائلة لثمانية كَزَوج وَأُخْت وَأم أَصْلهَا من سِتَّة أَيْضا وتعول لثمانية بِمثل ثلثهَا، فَيَأْخُذ الزَّوْج نصف السِّتَّة وَهُوَ ثَلَاثَة من ثَمَانِيَة، وَكَذَلِكَ الْأُخْت وَتَأْخُذ الْأُم ثلث السِّتَّة وَهُوَ اثْنَان من ثَمَانِيَة وتعول أَيْضا لتسعة بِمثل نصفهَا(2/663)
كَزَوج وأختين وأخوين لأم وتعول لعشرة بِمثل ثلثيها إِن زيدت الْأُم، وَيعرف قدر مَا انْتقصَ لكل وَارِث بِنِسْبَة الزَّائِد إِلَى الْمَجْمُوع، فَفِي الْمَسْأَلَة الأولى وَقع الْعَوْل بِوَاحِد ونسبته من سَبْعَة سبع فقد انْتقصَ لكل وَارِث سبع مَا بِيَدِهِ، وَفِي الثَّانِيَة وَقع بِاثْنَيْنِ ونسبتهما من الثَّمَانِية ربع فقد انْتقصَ لكل وَارِث ربع مَا بِيَدِهِ، وَفِي الثَّالِثَة انْتقصَ لكل وَاحِد ثلث مَا بِيَدِهِ، وَفِي الرَّابِعَة انْتقصَ لَك خمْسا مَا بِيَدِهِ وَهَكَذَا، فَإِذا قيل: لَك كم انْتقصَ لكل وَاحِد فَإنَّك تنْسب الْجُزْء الزَّائِد على أصل الْمَسْأَلَة إِلَى مَا انْتَهَت إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة بالعول، وَإِذا قيل لَك: بكم عالت فَإنَّك تنسبه إِلَى أصل الْمَسْأَلَة بِدُونِ عول، وَفِي ذَلِك قَالَ الشَّيْخ عَليّ الأَجْهُورِيّ رَحمَه الله: وعلمك قدر النَّقْص من كل وَارِث بِنِسْبَة عول للفريضة عائله وَمِقْدَار مَا عالت بنسبته لَهَا بِلَا عولها فَارْحَمْ بِفَضْلِك قَائِله وتعول الاثنا عشر لثَلَاثَة عشر بِمثل نصف سدسها كَزَوْجَة وأختين لأَب وَأَخ لأم، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث جُزْء من ثَلَاثَة عشر، وتعول أَيْضا لخمسة عشر بِمثل ربعهَا كَزَوج وأبوين وابنتين، وَقد انْتقصَ لَك وَارِث خمس مَا بِيَدِهِ وتعول أَيْضا لسبعة عشر بِمثل ربعهَا وسدسها كثلاث زَوْجَات وثمان أَخَوَات شقائق أَو لأَب وَأَرْبع لأم وجدتان لِلزَّوْجَاتِ الرّبع وللأخوات الثُّلُثَانِ وَالرّبع من أَرْبَعَة وَالثُّلُثَانِ من ثَلَاثَة وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر لِلزَّوْجَاتِ ربعهَا ثَلَاثَة وللأختين ثلثاها ثَمَانِيَة وللإخوة للْأُم ثلثهَا أَرْبَعَة، وللجدتين سدسها اثْنَان ومجموع ذَلِك سَبْعَة عشر، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث خَمْسَة أَجزَاء من سَبْعَة عشر، فَإِذا كَانَت التَّرِكَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة سَبْعَة عشر دِينَارا فَلِكُل وَاحِدَة دِينَار وَتسَمى أم الأرامل والدينارية الصُّغْرَى، وتعول الْأَرْبَعَة وَالْعشْرُونَ لسبعة وَعشْرين فَقَط بِمثل ثمنهَا كَزَوْجَة وأبوين وابنتين وَهِي المنبرية، وَقد انْتقصَ لكل وَارِث تسع مَا بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَن عليا رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: صَار ثمنهَا تسعا وَمضى على خطبَته الَّتِي أَولهَا: الْحَمد لله الَّذِي يحكم بِالْحَقِّ قطعا الَّذِي يَجْزِي كل نفس تسْعَى وَإِلَيْهِ الْمعَاد والرجعى فَقيل لَهُ: زَوْجَة وأبوان وابنتان فَقَالَ: صَار ثمنهَا تسعا الخ. وَجَاءَت إِلَيْهِ امْرَأَة فَقَالَت: أخي توفّي وَخلف سِتّمائَة دِينَار فَأعْطيت مِنْهَا دِينَارا وَاحِدًا فَقَالَ لَهَا: أَخُوك توفّي عَن زَوْجَتَيْنِ وابنتين وَأم واثني عشر أَخا وَأَنت؟ فَقَالَت: نعم. فَقَالَ: هُوَ حَقك. وَتسَمى هَذِه بالدينارية الْكُبْرَى، فَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يفهم(2/664)
على البديهة مَا لَا يفهمهُ المتبحر فِي الْعُلُوم لما رزقه الله من غزارة الْعلم وَركب فِيهِ من قُوَّة الْفَهم. وَالرّبْعُ كالثُّلْث وكالثُّلْثَيْنِ تَعْدمُهُ فرِيضةٌ مِثْلَيْنِ (وَالرّبع) مُبْتَدأ (كالثلث) حَال (وكالثلثين) مَعْطُوف عَلَيْهِ (تعدمه) أَي مَا ذكر (فَرِيضَة) فَاعل وَالْجُمْلَة خبر (مثلين) حَال. وَالتَّقْدِير أَن الرّبع حَال كَونه مماثلاً للثلث والثلثين تعدمهم الْفَرِيضَة حَال كَونهمَا مثلين فِيهَا فَلَا يُوجد فَرِيضَة فِيهَا ربعان، لِأَن الرّبع إِنَّمَا هُوَ للزَّوْج مَعَ الْوَلَد أَو الزَّوْجَة مَعَ فَقده، وَلَا يجْتَمع فِي فَرِيضَة زوج وَزَوْجَة، وَكَذَا لَا يجْتَمع فِي فَرِيضَة ثلث وَثلث لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون للإخوة للْأُم أَو للْأُم عِنْد فقد الْإِخْوَة، وَأما الْجد فَهُوَ وَإِن كَانَ يَأْخُذهُ فِي بعض الْأَحْوَال فَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ لكَونه أحظى لَهُ لكَونه فرضا كَمَا مر قَرِيبا، وعَلى تَقْدِير كَونه يَأْخُذهُ فرضا على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم، فَلَيْسَ فِي فريضته ثلث آخر لِأَن الْإِخْوَة للْأُم يحجبهم الْجد وَالأُم لَا تَرث الثُّلُث مَعَ تعدد الْإِخْوَة، وَهُوَ إِنَّمَا يَأْخُذهُ مَعَ تعددهم كَمَا مر، وَكَذَا الثُّلُثَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ ثلثين آخَرين فِي فَرِيضَة أبدا لِأَن الثُّلثَيْنِ لذِي النّصْف إِن تعدد وَهُوَ البنتان أَو بِنْتا الابْن فِي عدمهَا أَو الْأُخْتَيْنِ الشقيقتين أَو اللَّتَيْنِ للْأَب فِي عدم الشقيقتين وَرُبمَا وجدت بنتان لم يبْق لبنتي الابْن إِلَّا ثلث، فَإِن كَانَ مَعَهُمَا ذكر فِي درجتهما أَو أَسْفَل مِنْهُمَا عصبهما فِيهِ، وإلاَّ كَانَ للأختين بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَا بِنْتا الابْن مَعَ الْأَخَوَات يَرث الْأَخَوَات مَا فضل عَنْهُمَا بِالتَّعْصِيبِ كَمَا مر. وَثُمنٌ بالربْعِ غيرُ مُلْتَقِي وَغَيْرُ ذَاكَ مُطْلَقاً قد يَلْتقِي (وَثمن بِالربعِ غير ملتقي) لِأَن الثّمن إِنَّمَا هُوَ للزَّوْجَة مَعَ الْوَلَد فَإِن كَانَ لَهَا ربع مَعَ فَقده فَلَا ثمن، وَإِن كَانَ الرّبع للزَّوْج مَعَ الْوَلَد فَلَيْسَ هُنَاكَ زَوْجَة (وَغير ذَاك) الْمَذْكُور من الْأَجْزَاء (مُطلقًا) من غير تَقْيِيد (قد يلتقي) فالنصف يلتقي مَعَ الْجَمِيع، فيلتقي مَعَ الثُّلُث وَالسُّدُس فِي(2/665)
زوج وَأم وَأَخ لأم وَتسَمى فَرِيضَة عادلة كَمَا مر، ويلتقي مَعَ الرّبع وَالثمن فِي بنت وَزوج أَو بنت وَزَوْجَة وَأَخ وَتسَمى فَرِيضَة نَاقِصَة لنُقْصَان سهامها عَن أُصُولهَا، لِأَن العاصب لَيْسَ من أهل السِّهَام، ويلتقي أَيْضا مَعَ الثُّلثَيْنِ كَزَوج وأختين ويلتقي الثُّلُث وَالسُّدُس كَأُمّ وَأَخ لَهَا، وَكَذَا الرّبع وَالسُّدُس كَزَوج وَأم وَابْن، وَكَذَا الثّمن وَالسُّدُس كَزَوْجَة وَأم وعاصب وَتسَمى فَرِيضَة نَاقِصَة أَيْضا لنُقْصَان سهامها عَن أُصُولهَا، وَكَذَا يلتقي الثُّلُثَانِ وَالثلث كأختين شقيقتين وأخوين لأم، وَهِي عادلة، وَكَذَا الثُّلُثَانِ وَالسُّدُس كبنتين وَأم وَهِي نَاقِصَة، وَكَذَا الثُّلُثَانِ وَالثمن كبنتين وَزَوْجَة وَهِي نَاقِصَة أَيْضا، وَأما الثّمن وَالثلث فَلَا يَلْتَقِيَانِ خلاف ظَاهر كَلَامه لِأَن الثّمن فرض الزَّوْجَة مَعَ الْوَلَد فَقَط، وَحِينَئِذٍ فالأم إِنَّمَا لَهَا السُّدس كالجد وَلَا شَيْء للإخوة للْأُم لسقوطهم وَالثلث إِنَّمَا هُوَ فرض هَؤُلَاءِ، وَقد علمت أَن النَّاقِصَة هِيَ مَحل التَّعْصِيب، وَأما العادلة والعائلة المتقدمتان فَلَا تعصيب فيهمَا. وَلما قدم الْكَلَام على الْأُصُول البسائط تكلم على المركبة فَقَالَ: وَالأَصْلُ بالتركيبِ ضِعْفُ سِتَّهْ وَضِعْفُهَا لَا غَيْرُ ذَين البَتَّهْ (وَالْأَصْل بالتركيب ضعف سِتَّة) وَهُوَ اثْنَا عشر وَلَا يُصَار إِلَيْهَا إِلَّا إِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة فرضان متباينان كربع وَثلث فِي زوج وَأم، فمقام الرّبع من أَرْبَعَة وَالثلث من ثَلَاثَة، وهما متباينان فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر وكربع وَسدس فِي زوج وَأم وَابْن (خَ) : وَالرّبع وَالثلث أَو السُّدس من اثْنَي عشر (وضعفها) أَي ضعف ضعف السِّتَّة وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَهُوَ أصل لكل فَرِيضَة فِيهَا ثمن وَسدس كَزَوْجَة وَأم وَابْن أَو ثمن وَثُلُثَانِ كَزَوْجَة وابنتين وعاصب (خَ) : وَالثمن وَالسُّدُس أَو الثُّلُث من أَرْبَعَة وَعشْرين الخ. وَصَوَابه أَو الثُّلُثَانِ لما مّر من الثّمن وَالثلث لَا يَجْتَمِعَانِ (لَا غير ذين) العددين مَوْجُود فِي الْأُصُول المركبة (أَلْبَتَّة) أَي قطعا خلافًا لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالنَّوَوِيّ، وَمن وافقهما من الْمُحَقِّقين حَيْثُ زادوا فِي اجْتِمَاع الْجد وَالإِخْوَة مَعَ ذَوي الْفُرُوض أصلين آخَرين، وهما ثَمَانِيَة عشر وضعفها سِتَّة وَثَلَاثُونَ مِثَال الأول: أم وجد وَخَمْسَة إخْوَة لغير أم فللأم السُّدس من سِتَّة وَالْبَاقِي خَمْسَة الْأَفْضَل للْجدّ فِيهَا ثلث الْبَاقِي وَلَا ثلث لَهَا، فَتضْرب الْمَسْأَلَة فِي ثَلَاثَة مقَام الثُّلُث بِثمَانِيَة عشر وَمِثَال الثَّانِي أم وَزَوْجَة وجد وَسَبْعَة إخْوَة أَصْلهَا من اثْنَي عشر للْأُم سدسها وللزوجة ربعهَا تبقى سَبْعَة الْأَفْضَل للْجدّ ثلث مَا بَقِي وَلَا ثلث لَهَا فَتضْرب الثَّلَاثَة فِي أصل الْمَسْأَلَة بست وَثَلَاثِينَ. وَاعْلَم أَن الْعدَد الَّذِي تصح مِنْهُ الْفَرِيضَة تَارَة ينظر إِلَيْهِ من حَيْثُ اتِّحَاد الْفُرُوض وتعدادها، وَتارَة ينظر إِلَيْهِ من حَيْثُ اتِّحَاد رُؤُوس مستحقي السِّهَام وتعدادها، فالنظر الأول يُسمى أصلا وَالنَّظَر الثَّانِي يُسمى فرعا وتصحيحاً، وَلِهَذَا وَقع الْخلاف فِي الثَّمَانِية عشر وضعفها، فَرَأى(2/666)
الْجُمْهُور أَنَّهُمَا تَصْحِيح نَشأ من أصل السِّتَّة وضعفها، فالضرب فِي ثَلَاثَة إِنَّمَا هُوَ لأجل الانكسار الْوَاقِع فِي السهْم، ورأي الْأَقَل أَنَّهُمَا تأصيل، وَاحْتَجُّوا بِمَا إِذا كَانَ فِي الْفَرِيضَة زوج وأبوان فَإِن مَذْهَب الْجُمْهُور فِيهَا أَن أَصْلهَا من سِتَّة لأَنهم احتاجوا إِلَى عدد يَصح نصفه وَثلث مَا بَقِي فَقَالَ: لَهُم الْأَقَل كَذَلِك الفريضتان احتجتا فيهمَا إِلَى عدد يَصح سدسه وَثلث مَا بَقِي، وَإِلَى عدد يَصح سدسه وربعه وَثلث مَا بَقِي وإلاَّ لزمكم فِي زوج وأبوين إِن أَصْلهَا من اثْنَيْنِ وتبلغ سِتَّة لأجل الانكسار، وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِيمَن أوصى بِجُزْء أَو سهم من مَاله، فَإِن الحكم أَن الْمُوصى لَهُ يعْطى جُزْءا من أصل فَرِيضَة الْمُوصي كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوَصِيَّة: وبجزء أَو سهم فيسهم من فريضته، فعلى الأول يَأْخُذ الْمُوصى لَهُ وَاحِدًا من سِتَّة أَو ضعفها فِي هَاتين الفريضتين، وعَلى الثَّانِي يَأْخُذ وَاحِدًا من ثَمَانِيَة عشر أَو ضعفها، وَكَذَا تظهر فِيمَا إِذا بَاعَ أحد الْأُخوة حَظه من ربع ورثوه، فَإِذا قُلْنَا إِن الْجد يَأْخُذ ثلث مَا بَقِي بِالْفَرْضِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأَقَل فَإِنَّهُ على قَول أَشهب: لَا دُخُول للْجدّ مَعَ بَاقِي الْإِخْوَة فِي الشُّفْعَة لِأَنَّهُ ذُو سهم، وَلَا دُخُول لذِي سهم على الْعصبَة على قَوْله: وَإِن قُلْنَا إِنَّه يَرِثهُ بِالتَّعْصِيبِ، وَمَعْنَاهُ أَن مَا فضل عَن ذَوي الْفُرُوض يَأْخُذ الْجد والأخوة بِالتَّعْصِيبِ للْجدّ ثلثه وللأخوة مَا بَقِي، فالجد حِينَئِذٍ عاصب فَيدْخل عَلَيْهِم ويدخلون عَلَيْهِ. تَنْبِيه: تكلم النَّاظِم على أصُول الْمسَائِل. وَمَا يعول مِنْهَا وَبَقِي عَلَيْهِ كَيْفيَّة تَصْحِيح الْمسَائِل وَاعْلَم أَن الْمَسْأَلَة إِذا انقسمت سهامها على الْوَرَثَة كَزَوج وَثَلَاثَة بَنِينَ فَالْأَمْر وَاضح، وَإِن لم تَنْقَسِم وانكسرت فإمَّا على صنف أَو أَكثر، فَفِي الأول ينظر بَين عدد السِّهَام وَعدد رُؤُوس الصِّنْف الْمُسْتَحق لَهَا بالتباين والتوافق فَقَط، فَإِن توافقا رددت الرؤوس إِلَى وفقها وضربتها فِي أصل الْمَسْأَلَة كأربع بَنَات وَأُخْت الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة: للبنات سَهْمَان لَا ينقسمان عَلَيْهِنَّ لَكِن يتوافقان مَعَ رؤوسهن بِالنِّصْفِ فَترد الرؤوس إِلَى وفقها وتضربها فِي ثَلَاثَة بِسِتَّة ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان، فللبنات اثْنَان مضروبان فِي اثْنَيْنِ بأَرْبعَة، وَللْأُخْت وَاحِد فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَلَو ضربنا عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة من غير ردهَا إِلَى وفقها لحصل الْمَطْلُوب، وَلَكِن الْمَقْصُود الِاخْتِصَار، فَلذَلِك كَانَ إِخْرَاج الْمَسْأَلَة من الْعدَد الْكثير مَعَ إِمْكَان إخْرَاجهَا من الْقَلِيل مذموماً عِنْد الفراض، وَمِثَال آخر زَوْجَة وَسِتَّة إخْوَة لغير أم أَصْلهَا من أَرْبَعَة للإخوة ثَلَاثَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِم، وَلَكِن توافقهم بِالثُّلثِ فَتضْرب ثلثهم وَهُوَ اثْنَان فِي أَرْبَعَة بِثمَانِيَة، وَهَذَا فِي غير العائلة، وَكَذَا إِن كَانَت عائلة كَأُمّ وثمان أَخَوَات لغير أم وأخوين لأم أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول إِلَى سَبْعَة للْأُم وَاحِد وللأخوات أَرْبَعَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِنَّ، وَلَكِن توَافق رؤوسهن بِالربعِ فَتضْرب وفْق رؤوسهن وَهُوَ اثْنَان فِي الْمَسْأَلَة بعولها بأَرْبعَة عشر، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من سَبْعَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان فللأم وَاحِد فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وللأخوين لَهما اثْنَان فِي اثْنَيْنِ بأَرْبعَة، وللأخوات الثمنان أَرْبَعَة فِي اثْنَيْنِ بِثمَانِيَة وَاحِد لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِن لم يكن توَافق بَين رُؤُوس الصِّنْف وسهامه بل تباينا فَاضْرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة. ومثاله: كَبِنْت وَثَلَاث أَخَوَات لغير أم فأصلها من اثْنَيْنِ للْبِنْت سهم وللأخوات الثَّلَاث سهم لَا يَنْقَسِم عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافق رؤوسهن فَتضْرب الثَّلَاثَة عدد الرؤوس فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من اثْنَيْنِ أَخذه مَضْرُوبا فِي ثَلَاثَة كَمَا مر، وَكَذَا إِذا كَانَت(2/667)
عائلة فَإنَّك تضرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة بعولها. ومثاله: أَربع زَوْجَات وَأَرْبع بَنَات وأبوان فأصلها بالعول من سَبْعَة وَعشْرين، وَسَهْم الزَّوْجَات منكسر عَلَيْهِنَّ مباين لرؤوسهن فَتضْرب عددهن فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِمِائَة وَثَمَانِية ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ أَرْبَعَة. هَذَا كُله إِذا انْكَسَرت السِّهَام على صنف وَاحِد، وَأما إِن انْكَسَرت على صنفين فَإنَّك تنظر بَين كل صنف وسهامه بالنظرين الْمُتَقَدِّمين، وهما التوافق والتباين، فَمَا باين سهامه أثبت جملَته، وَمَا وافقها أثبت وَفقه. وَهَذَا الْمُثبت يُسمى فِي الِاصْطِلَاح بالراجع. ثمَّ هَذَانِ المثبتان لَا يَخْلُو حَالهمَا من أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا أَن يتماثلا أَو يتداخلا أَو يتوافقا أَو يتباينا، فَإِن تماثلا فَإِنَّهُ يُؤْخَذ أحد الراجعين وَيضْرب فِي الْمَسْأَلَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من عول وَعَدَمه، ثمَّ التَّمَاثُل فِيهِ ثَلَاث صور لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يحصل مَعَ مُوَافقَة كل من الصِّنْفَيْنِ لسهامه، أَو مَعَ مباينة كل مِنْهُمَا لسهامه، أَو مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر. وَهَذِه الصُّور الثَّلَاث تجْرِي أَيْضا فِيمَا إِذا تدَاخل الراجعان أَو توافقا أَو تباينا مِثَال التَّمَاثُل مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه: أم وَأَرْبَعَة إخْوَة لأم وَسِتَّة لأَب أَصْلهَا من سِتَّة لأم وَاحِد ولأولادها الْأَرْبَعَة سَهْمَان لَا ينقسمان عَلَيْهِم، لَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد الْأَرْبَعَة إِلَى اثْنَيْنِ وللإخوة للْأَب ثَلَاثَة لَا تَنْقَسِم عَلَيْهِم، لَكِنَّهَا توافقهم بِالثُّلثِ فتردهم إِلَى إثنين أَيْضا، فراجع الْإِخْوَة للْأُم وَالإِخْوَة للْأَب بَينهمَا تماثل، فتكتفي بِأحد المثلين وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْ عشر، وَمن لَهُ من شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ اثْنَان. ومثاله مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر وَسِتَّة أخوة لأم وَثَلَاث أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان لَا ينقسمان عَلَيْهِم، وَلَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد السِّتَّة إِلَى ثَلَاثَة وَالْأَخَوَات للْأَب أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ، فَتثبت عدد رؤوسهن وَبَين رؤوسهن وراجع السِّتَّة التَّمَاثُل، فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِأحد وَعشْرين، وَمن لَهُ شَيْء من أَصْلهَا أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ وَهُوَ ثَلَاثَة. ومثاله: مَعَ مباينة كل مِنْهُمَا لسهامه أم وَسَبْعَة إخْوَة لَهَا وَسَبْعَة أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان مباينان لرؤوسهم فَتثبت عدد رؤوسهم وللأخوات للْأَب أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عدد رؤوسهن، وَبَين المثبتين التَّمَاثُل فتكتفي بِأَحَدِهِمَا وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها بِتِسْعَة وَأَرْبَعين، وَمن لَهُ شَيْء من الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ وَهُوَ سَبْعَة فللأم وَاحِد فِي سَبْعَة بسبعة، وللإخوة لَهَا اثْنَان فِي سَبْعَة بأَرْبعَة عشر اثْنَان لكل وَاحِد، وللأخوات للْأَب أَرْبَعَة فِي سَبْعَة بِثمَانِيَة وَعشر وَأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُنَّ، وَأما إِن تدَاخل الراجعان فَإنَّك تكتفي بِالْأَكْثَرِ وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من عول وَغَيره، وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا كَمَا مر فِي التَّمَاثُل مِثَاله مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَثَمَانِية أخوة لَهَا وَسِتَّة لأَب أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وللإخوة للْأُم اثْنَان منكسران عَلَيْهِم، لَكِن يتوافقان بِالنِّصْفِ فَترد رؤوسهم إِلَى أَرْبَعَة وَيبقى للإخوة للْأَب ثَلَاثَة منكسرة، وتوافقهم بِالثُّلثِ فَترد رؤوسهم إِلَى اثْنَيْنِ، فالراجعان هُنَا أَرْبَعَة وَاثْنَانِ والأصغر دَاخل فِي الْأَكْبَر فتكتفي بِهِ، وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَعشْرين، وَمن لَهُ شَيْء من الأَصْل أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة. وَمثله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه زوجتان وَبنت وَأَرْبَعَة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَمَانِيَة للزوجين وَاحِد منكسر مباين فَتثبت رأسيهما،(2/668)
وللبنت أَرْبَعَة، وللإخوة ثَلَاثَة منكسرة مباينة أَيْضا، فَتثبت رؤوسهم فالمثبتان هُنَا أَرْبَعَة وَاثْنَانِ، فتكتفي بالأكبر وتضربه فِي أصل الْمَسْأَلَة. ومثاله مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر أم وَسِتَّة إخْوَة لَهَا وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة وتعول لسبعة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان توَافق عَددهمْ بِالنِّصْفِ فَترد عَددهمْ إِلَى ثَلَاثَة، وللأخوات أَرْبَعَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عددهن، فالثلاثة وفْق الْإِخْوَة للْأُم دَاخِلَة فِي تِسْعَة عدد الْأَخَوَات فتكتفي بالأكبر وتضربه فِي الْمَسْأَلَة بعولها، وَأما إِن توَافق الراجعان فَإنَّك تضرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، ثمَّ الْخَارِج فِي(2/669)
أصل الْمَسْأَلَة وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا مِثَاله: مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَثَمَانِية إخْوَة لَهَا وَثَمَانِية عشر أَخا لأَب أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وللإخوة لَهَا اثْنَان منكسرة مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَترد عَددهمْ إِلَى أَرْبَعَة وَيبقى للإخوة للْأَب ثَلَاثَة منكسرة مُوَافقَة لَهُم بِالثُّلثِ، فَترد عَددهمْ إِلَى سِتَّة، فالراجعان أَرْبَعَة وَسِتَّة، وهما متوافقان بِالنِّصْفِ فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر، ثمَّ تضرب هَذَا الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْنِ وَسبعين، ومثاله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه تسع بَنَات وَسِتَّة إخْوَة لأَب أَصْلهَا من ثَلَاثَة للبنات اثْنَان متباينان فَتثبت عددهن وللإخوة للْأَب وَاحِد مباين أَيْضا فَتثبت عَددهمْ فالمثبتان هُنَا تِسْعَة وَسِتَّة، وهما متوافقان بِالثُّلثِ فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثمَانِيَة عشر، ثمَّ الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَخمسين، ومثاله: مَعَ مُوَافقَة أَحدهمَا ومباينة الآخر أم وَاثنا عشر أَخا لأم وتسع أَخَوَات لأَب أَصْلهَا من سِتَّة، وتعول إِلَى سَبْعَة فنصيب الْإِخْوَة للْأُم اثْنَان موافقان لَهُم بِالنِّصْفِ فتردهم إِلَى سِتَّة، وللأخوات أَرْبَعَة مباينة فَتثبت عددهن، فالراجعان هُنَا سِتَّة وَتِسْعَة وهما متوافقان بِالثُّلثِ، فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثمَانِيَة عشر، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بعولها بست وَعشْرين وَمِائَة، وَأما إِن تبَاين الراجعان فَإنَّك تضرب الْكَامِل فِي الْكَامِل، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة وَفِيه ثَلَاث صور أَيْضا. مِثَاله: مَعَ مُوَافقَة كل صنف سهامه أم وَأَرْبَعَة إخْوَة لأم وست أَخَوَات لغَيْرهَا أَصْلهَا من سِتَّة. وتعول إِلَى سَبْعَة للْأُم وَاحِد ولأولادها اثْنَان منكسران موافقان بالإنصاف فَترد الْأَرْبَعَة إِلَى اثْنَيْنِ وللأخوات أَرْبَعَة مُوَافقَة فتردهن إِلَى ثَلَاثَة، فالراجعان اثْنَان وَثَلَاثَة وهما متباينان، فَتضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِسِتَّة، ثمَّ هِيَ فِي الْمَسْأَلَة بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين، ومثاله: مَعَ مباينة كل صنف سهامه ثَلَاث زَوْجَات وعاصبان أَصْلهَا من أَرْبَعَة لِلزَّوْجَاتِ وَاحِد منكسر مباين، فَتثبت عددهن وللعاصبين ثَلَاثَة مباينة لَهَا، فَتثبت عَددهَا أَيْضا فالراجعان ثَلَاثَة وَاثْنَانِ وهما متباينان، فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بأَرْبعَة وَعشْرين. ومثاله: مَعَ مباينة أَحدهمَا وموافقة الآخر أَربع أَخَوَات لغير أم وَثَلَاث أَخَوَات لأم أَصْلهَا من ثَلَاثَة للأخوات اثْنَان موافقان لَهُنَّ بِالنِّصْفِ فتردهن إِلَى اثْنَيْنِ وللإخوة للْأُم وَاحِد مباين لَهُم، فَتثبت عَددهمْ فالراجعان اثْنَان وَثَلَاثَة وهما متباينان، فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة بِثمَانِيَة عشر، هَذَا كُله إِذا انْكَسَرت السِّهَام على صنفين، وَأما إِن انْكَسَرت على ثَلَاثَة أَصْنَاف وَهِي غَايَة الانكسار فَإنَّك تنظر أَولا بَين كل صنف وسهامه بنظرين فَقَط الْمُوَافقَة والمباينة فَإِن وافقته سهامه فَأثْبت وفْق رؤوسه، ثمَّ انْظُر بَين رَاجع صنفين مِنْهَا بأَرْبعَة أنظار بالموافقة والمباينة والمداخلة والمماثلة، فَإِن باينت ضربت أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، وَنظرت بَينه وَبَين رَاجع الصِّنْف الثَّالِث بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا. فَإِن توافقا ضربت وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر، ثمَّ الْخَارِج فِي الْمَسْأَلَة وَإِن تباينا ضربت الْكل فِي الْكل، ثمَّ الْخَارِج فِي أصل الْمَسْأَلَة وَإِن تداخلا اكتفيت بالأكبر وضربته فِي الْمَسْأَلَة وَإِن تماثلا اكتفيت بِأَحَدِهِمَا وضربته فِي الْمَسْأَلَة أَيْضا. مِثَال تماثل الرواجع أَربع زَوْجَات وَسِتَّة عشر أَخا لأم وَأَرْبَعَة عصبَة أَصْلهَا من اثْنَي عشر لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَة مباينة لَهُنَّ، فَتثبت عددهن وللإخوة أَرْبَعَة مُوَافقَة لَهُم بِالربعِ فَترد عَددهمْ إِلَى أَرْبَعَة، فَإِذا نظرت بَين رَاجع هذَيْن الصِّنْفَيْنِ بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت بَينهمَا التَّمَاثُل فتكتفي بِأحد المثلين وَتنظر بَينه وَبَين رَاجع الصِّنْف الثَّالِث وهم الْعصبَة بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد راجعهم أَرْبَعَة أَيْضا لمباينة سِهَامهمْ لرؤوسهم، فالراجع حِينَئِذٍ أَرْبَعَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعَة وَكلهَا متماثلة، فتكتفي بأحدها وتضربه فِي اثْنَي عشر بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين، وَمن لَهُ شَيْء أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة، ليَكُون لكل زَوْجَة ثَلَاثَة، وَلكُل أَخ وَاحِد، وَلكُل عاصب خَمْسَة. وَمِثَال التَّدَاخُل زوجتان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أُخْتا لأَب، وَثَمَانِية أعمام فأصلها من اثْنَي عشر، للزوجتين ثَلَاثَة مباينة لَهُنَّ فَتثبت عددهن وَهُوَ اثْنَان، وللأخوات ثَمَانِيَة مُوَافقَة لَهُنَّ بِالثّمن فتردهن إِلَى أَرْبَعَة، ثمَّ انْظُر هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة فتجد الِاثْنَيْنِ داخلين فِي الْأَرْبَعَة، فتكتفي بهَا وَتنظر بَينهَا وَبَين رَاجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ ثَمَانِيَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد بَينهمَا التَّدَاخُل لِأَن الْأَرْبَعَة دَاخِلَة فِي الثَّمَانِية فتكتفي بالثمانية وتضربها فِي أصل الْمَسْأَلَة بِسِتَّة وَتِسْعين، وَمِثَال التوافق أَربع زَوْجَات وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ أُخْتا لأَب وَعشرَة أعمام، فأصلها من اثْنَي عشر لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَة مباينة، فَتثبت عددهن أَرْبَعَة وللأخوات ثَمَانِيَة مُوَافقَة لَهُنَّ بِالثّمن، فتردهن إِلَى وفقهن وَهُوَ سِتَّة، وَإِذا نظرت بَين هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت بَينهمَا التوافق بِالنِّصْفِ فَتضْرب نصف أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِاثْنَيْ عشر. ثمَّ انْظُر بَين هَذَا الْخَارِج وَبَين رَاجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ عشرَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْأَرْبَعَة أَيْضا، فتجد بَينهمَا التوافق بِالنِّصْفِ أَيْضا، فَاضْرب نصف الاثْنَي عشر وَهُوَ سِتَّة فِي عشرَة بستين، ثمَّ السِّتين فِي أصل الْمَسْأَلَة بِعشْرين وَسَبْعمائة لكل زَوْجَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَلكُل أُخْت عشرَة، وَلكُل عَم سِتَّة. وَمِثَال تبَاين الرواجع زوجتان وَثَلَاث أَخَوَات لأَب وَخَمْسَة أعمام، فأصلها من اثْنَي عشر للزوجتين ثَلَاثَة مباينة فَتثبت عددهما، للأخوات للْأَب ثَمَانِيَة مباينة، فَتثبت عددهن، وَإِذا نظرت بَين هذَيْن الراجعين بالوجوه الْأَرْبَعَة وجدت التباين، فَاضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِسِتَّة، وَانْظُر بَين السِّتَّة الْخَارِجَة بِالضَّرْبِ، وراجع الْأَعْمَام الَّذِي هُوَ خَمْسَة لمباينتهم لسهمهم بالوجوه الْمَذْكُورَة فتجد بَينهمَا التباين أَيْضا، فَاضْرب أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر بِثَلَاثِينَ، ثمَّ الثَّلَاثِينَ فِي اثْنَي عشر الَّتِي هِيَ أصل الْمَسْأَلَة بستين وثلاثمائة، وَمن لَهُ شَيْء من أَصْلهَا أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثُونَ، فَيكون لكل زَوْجَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَلكُل أُخْت ثَمَانُون وَلكُل عَم سِتَّة.
(فصل فِي ذكر حجب الْإِسْقَاط)
تقدم فِي فصل أَحْوَال الْمِيرَاث أَن الْوَارِثين على ثَلَاثَة أَقسَام: من لَا يحجب أبدا، وَمن(2/670)
يحجب فَلَا يَرث شَيْئا وَهُوَ حجب الْإِسْقَاط، وَمن يحجب عَن كَثْرَة الْمِيرَاث إِلَى قلته وَيُسمى حجب نقل وحجب نقص، وَتكلم هُنَا على أَعْيَان كل قسم، فَأَشَارَ للثَّالِث بِالْفَصْلِ بعد هَذَا وللأولين بقوله: وَلا سقوطَ لأَبٍ وَلَا وَلَدْ وَلَا لزوجين وَلَا أُمَ فَقَدْ (وَلَا سُقُوط لأَب) دنية بل وَإِن علا (وَلَا ولد) وَإِن سفل (وَلَا) سُقُوط أَيْضا (لزوجين وَلَا أم فقد) أَي فَحسب إِلَّا أَن يقوم بِوَاحِد مِمَّن ذكر مَانع من كفر أَو رق أَو قتل عمدا كَمَا يَأْتِي فِي مَوَانِع الْمِيرَاث. وَالجدُّ يحْجُبُهُ الأَدْنى والأَبُ كَذَا ابْنَ الأبْنَاءِ بالأَعْلَى يُحْجَبُ (و) لَكِن (الْجد) الْأَعْلَى (يَحْجُبهُ) الْجد (الْأَدْنَى) مِنْهُ فَلَا يَرث مَعَه شَيْئا (و) يَحْجُبهُ أَيْضا (الْأَب) فَلَا يَرث مَعَه شَيْئا، وكما يحجب الْجد بِالْأَبِ وبالجد الْأَدْنَى مِنْهُ (كَذَا ابْن الْأَبْنَاء) الْأَسْفَل (بالأعلى) مِنْهُ من ابْن أَو ابْن ابْن (يحجب) فَلَا يَرث مَعَ الْأَعْلَى شَيْئا. وَبأبٍ وابْنٍ وبابن ابنِ حُجِبْ إخْوَةُ مَنْ ماتَ فَلَا شيءَ يَجِبْ (وبأب وَابْن وبابن ابْن حجب إخْوَة من مَاتَ) أشقاء كَانُوا أَو لأَب أَو لأم (فَلَا شَيْء يجب) لوَاحِد مِنْهُم مَعَ وجود من ذكر. كَذَا بنُو الإخْوَةَ أَيْضا حُجِبُوا بالحدّ وَالإخْوةِ ضَمَّهُم أبُ (كَذَا بَنو الْإِخْوَة أَيْضا حجبوا بالجد و) حجبوا أَيْضا ب (الْإِخْوَة) حَال كَونهم (ضمهم أَب) لِأَن الْأَخ للْأَب مقدم على ابْن الْأَخ الشَّقِيق، وَأَحْرَى أَن يقدم الْأَخ الشَّقِيق على ابْن أَخِيه الشَّقِيق أَو لأَب. وَالْجدُّ بالحَجْب لإخوةٍ دَها فِيمَا انتَمَتْ لِمَالِكٍ وشبْهِهَا (وَالْجد بالحجب لإخوة دها) أَي أصَاب يُقَال مَا دهاك أَي مَا أَصَابَك كَمَا فِي الْجَوْهَرِي (فِيمَا) أَي فِي الْفَرِيضَة الَّتِي (انتمت لمَالِك) وَهِي زوج وجد وَأم وَأَخ لأَب وَأَخَوَانِ فصاعد الْأُم(2/671)
أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد وَللزَّوْج ثَلَاثَة وللجد وَاحِد يبْقى وَاحِد. قَالَ مَالك فِي مَشْهُور قَوْله: هُوَ للْجدّ أَيْضا لِأَنَّهُ يَقُول للْأَخ للْأَب: لَو كنت دوني لم يكن لَك شَيْء، وَكَانَ الثُّلُث الْبَاقِي للإخوة للْأُم، وَأَنا حجبتهم فَأَنا أَحَق بنصيبهم، وَقَالَ زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ: إِن السُّدس الْبَاقِي يكون للْأَخ للْأَب لِأَن الْإِخْوَة للْأُم محجوبون، وَوَافَقَهُ مَالك فِي قَوْله الآخر حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْن الْعَرَبِيّ والقرطبي فِي تَفْسِيره. وَلما كَانَ الْمَشْهُور عَن مَالك هُوَ الأول قيل: لم يُخَالف مَالك زيدا إِلَّا فِي هَذِه، وَلذَا سميت بالمالكية فَإِن كَانَ مَحل الْأَخ للْأَب أَخ شَقِيق فَهِيَ شبه الْمَالِكِيَّة كَمَا قَالَ: (وَشبههَا) عطف على مَا أَي، وَفِي شبه الْمَالِكِيَّة وَهِي زوج وَأم وجد وَأَخ شَقِيق وَأَخَوَانِ فَأكْثر لأم، فعلى قِيَاس مَشْهُور قَول مَالك: لَا شَيْء للشقيق لِأَن الْجد يَقُول لَهُ: لَو كنت دوني لَكُنْت تشارك الْإِخْوَة للْأُم فِي الثُّلُث الْبَاقِي الذّكر كالأنثى وَهِي الْمُسَمَّاة بالحمارية فَأَنت إِنَّمَا تَرث فِي الحمارية بِالْأُمِّ، وَأَنا أحجب كل من يَرث بِالْأُمِّ فَلَا شَيْء لَك، وَإِنَّمَا سميت بالحمارية حَيْثُ لَا جد فِيهَا لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قضى فِيهَا أَولا بِأَن لَا شَيْء للشقيق لاستغراق ذَوي الْفُرُوض التَّرِكَة للزَّوْج ثَلَاثَة وَللْأُمّ وَاحِد وللإخوة للْأُم اثْنَان، والشقيق عاصب لم يفضل لَهُ شَيْء، ثمَّ نزلت بِهِ فِي الْعَام الْقَابِل فاحتج عَلَيْهِ الأشقاء، وَقيل عَليّ رَضِي الله عَنهُ بقَوْلهمْ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا ورثوا بأمهم وَهِي أمنا. هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا أَو حجرا ملقى فِي اليم أليست الْأُم تجمعنا مَا زادنا الْأَب إِلَّا قرباً فَأَشْركهُمْ فِي الثُّلُث لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي الْأُم، وَقَوله: وَشبههَا إِنَّمَا سميت بشبه الْمَالِكِيَّة لِأَن مَالِكًا لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تكلم عَلَيْهَا أَصْحَابه، فَمنهمْ من قاسها على قَول مَالك فِي الْمَالِكِيَّة وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد النَّاظِم وَغَيره من شرَّاح (خَ) وَمِنْهُم من قَالَ فِيهَا بقول زيد وَأَن السُّدس الْبَاقِي يكون للشقيق، وَرجحه ابْن يُونُس قَائِلا: الصَّوَاب أَن يكون السُّدس الْبَاقِي فِي الْمَالِكِيَّة، وَشبههَا للأشقاء أَو للَّذين للْأَب، وحجتهم أَن يَقُولُوا: أَنْت لَا تسْتَحقّ شَيْئا من الْمِيرَاث إِلَّا شاركناك فِيهِ فَلَا تحاسبنا بأنك لَو لم تكن لِأَنَّك كَائِن بعد، وَلَو لزم مَا قَالَه الْجد للَزِمَ فِي ابْنَتَيْن وَبنت ابْن وَابْن ابْن أَن لَا تَرث بنت الابْن مَعَ ابْن الابْن شَيْئا، ويحتج بِمثل احتجاج الْجد اه.(2/672)
وَنَحْوه لِابْنِ خروف قَائِلا: وَقَول زيد أجْرى على الْقيَاس وَالْأُصُول قَالَ: وَالْحجّة الْمَذْكُورَة فِي شبه الْمَالِكِيَّة لَا يلْتَفت إِلَيْهَا لأَنهم إِنَّمَا شوركوا مَعَهم حِين ورثوا، فَإِذا سقطوا صَار الْآخرُونَ عصبَة فَجرى عَلَيْهِم حكم الْعصبَة اه. وَقَالَ الطرابلسي: مَا قَالَه زيد هُوَ الصَّحِيح لِأَن المحجوب عَن الْمِيرَاث كَأَنَّهُ لم يكن. تَنْبِيه: إِنَّمَا صوروا الْمَالِكِيَّة وَشبههَا بِتَعَدُّد الْإِخْوَة للْأُم ليتم احتجاج الْجد الَّذِي هُوَ قَوْله: لَو كنت دوني لم تَرث شَيْئا وَهُوَ إِنَّمَا لَا يَرث شَيْئا مَعَ فقدان الْجد إِذا تعدّدت الْإِخْوَة للْأُم، وَأما لَو كَانَ الْأَخ للْأُم وَاحِدًا فَلهُ وَاحِد وَيبقى للْأَخ للْأَب أَو الشَّقِيق وَاحِد، فَلَا يتم الِاحْتِجَاج حِينَئِذٍ، وإلاَّ فالجد يحجب الْأَخ للْأُم وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا فَيكون أَحَق بِنَصِيبِهِ فِي الْمَالِكِيَّة وَشبههَا على قَول مَالك: وَابنُ أخٍ بالْحَجْبِ للْعَمِّ وَفَا وَالعمُّ لِابْنِ العمِّ مَا كَانَ كَفَى (وَابْن أَخ) وَلَو لأَب (بالحجب للعم) وَلَو شقيقاً (وفا) أَي جَاءَ فِي الشَّرْع أَن ابْن الْأَخ يحجب الْعم لكَونه أقرب للهالك مِنْهُ (وَالْعم) حَاجِب (لِابْنِ الْعم مَا كَانَ) أَي كَيْفَمَا كَانَ الْعم شقيقاً أَو لأَب فَإِنَّهُ (كفى) فِي حجب ابْن الْعم شقيقاً أَو لأَب أَيْضا. والأمُّ كلتا الْجدتين تَحْجُبُ وَجَدَّةً لْلأَبِ يَحْجُبُ الأَبُ (وَالأُم كلتا الجدتين تحجب) بِضَم الْجِيم مَبْنِيا للْفَاعِل خبر عَن قَوْله: الْأُم، وكلتا مَفْعُوله أَي الْأُم تحجب جدة الْهَالِك من جِهَة أمه وجدته من جِهَة أَبِيه (وَجدّة للْأَب) بِالنّصب مفعول مقدم بقوله: (يحجب الْأَب) وَلَا يحجب جدة الْهَالِك من أمه بِخِلَاف الْأُم فَإِنَّهَا تحجب الْجدّة مُطلقًا (خَ) : وأسقطتها الْأُم مُطلقًا وَالْأَب الْجدّة من جِهَته. وَمَنْ دَنَتْ حاجبة لبُعْدَى جِهَتِها مِنْ غَيْر أَنْ تَعَدَّى (وَمن دنت) كَأُمّ الْأُم أَو أم الْأَب (حاجبة لبعدى جِهَتهَا) فتحجب كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أمهَا وَأم أمهَا وَإِن علت (من غير أَن تعدى) بحجب غير جِهَتهَا أَو مَا ذكره فِي قَوْله. وَقُرْبَى الأَمِّ حَجَبَتْ بُعْدَى لأَبْ وَالعكس إِن أَتَى فَمَا حجْبٌ وَجَبْ (وقربى الْأُم) كَأُمّ الْأُم (حجبت بعدى لأَب) كَأُمّ أم الْأَب (وَالْعَكْس) وَهُوَ أَن تكون الْجدّة(2/673)
للْأَب أقرب من الَّتِي للْأُم كَأُمّ أم أمه وَأم أَبِيه (إِن أَتَى) ذَلِك (فَمَا حجب وَجب) بل يَشْتَرِكَانِ فِي السُّدس، وَكَذَلِكَ إِن كَانَتَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة كَأُمّ الْأُم وَأم الْأَب فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ أَيْضا كَمَا قَالَ: وَحَظُّهَا السدْسُ فِي الِانْفِرَاد وَقِسْمَةُ السواءِ فِي التَّعْدَادِ (وحظها) أَي الْجدّة (السُّدس فِي الِانْفِرَاد وَقِسْمَة السوَاء فِي التعداد) حَيْثُ كَانَت الْجدّة للْأَب أقرب أَو كَانَتَا فِي رُتْبَة وَاحِدَة كَمَا مر. (خَ) : وأسقطت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم البعدى من جِهَة الْأَب وَإِلَّا اشتركتا. وَالإرْثُ لم يَحُزْهُ مِنْ هاتينِ تعدُّداً أكثَرُ مِنْ ثنْتَيْنِ (وَالْإِرْث لم يحزه من هَاتين) الجدتين أَي الَّتِي من جِهَة الْأُم وَالَّتِي من جِهَة الْأَب (تعدداً) أَي حَال تعددهن وَوُجُود جمَاعَة مِنْهُنَّ (أَكثر) فَاعل يحز (من اثْنَتَيْنِ) إِحْدَاهمَا أم الْأُم وَإِن علت وَالْأُخْرَى أم الْأَب وَأمّهَا وَإِن علت. قَالَ فِي الرسَالَة: وَلَا يَرث عِنْد مَالك أَكثر من جدتين أم الْأُم وَأم الْأَب وأمهاتهما، وَيذكر عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ أَنه ورث ثَلَاث جدات. وَاحِدَة من قبل الْأُم واثنتين من قبل الْأَب أم أم الْأَب وَأم أبي الْأَب وَإِن علين، وَلم يحفظ عَن الْخُلَفَاء تَوْرِيث أَكثر من جدتين اه. وَمُسْقِطٌ ذُو جِهَتَيْنِ أبدا ذَا جِهةٍ مهمَا تَسَاوَوْا قُعْدُدَا (ومسقط) خبر عَن قَوْله (ذُو جِهَتَيْنِ) جِهَة الْأَب وجهة الْأُم (أبدا) فِي جَمِيع الْمِيرَاث (ذَا جِهَة) مفعول بمسقط (مهما تساووا قعددا) أَي رُتْبَة فالأخ الشَّقِيق ذُو جِهَتَيْنِ حَاجِب للَّذي للْأَب وَالْعم الشَّقِيق حَاجِب الْعم للْأَب، وَابْن الْأَخ الشَّقِيق حَاجِب ابْن الْأَخ للْأَب وَابْن الْعم كَذَلِك، وَهَكَذَا وَيسْتَثْنى من كَلَامه الْأَخ للْأُم، فَإِنَّهُ ذُو جِهَة وَلَا يَحْجُبهُ الشَّقِيق، وَمَفْهُوم تساووا قعددا أَنهم إِذا لم يتساووا فِيهِ كالأخ للْأَب مَعَ ابْن الْأَخ الشَّقِيق أَنه لَا شَيْء لِابْنِ الْأَخ لِأَن الْأَخ أقرب مِنْهُ للهالك (خَ) : ثمَّ الْعم الشَّقِيق ثمَّ للْأَب ثمَّ عَم الْجد الْأَقْرَب بالأقرب وَإِن غير شَقِيق، وَقدم مَعَ التَّسَاوِي الشَّقِيق مُطلقًا. ومَنْ لَهُ حَجبُ بِحَاجِبٍ حُجِبْ فحجْبُهُ بمَنْ لهُ الحَجْبُ يَجِبْ(2/674)
(وَمن) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْأَخ للْأَب الَّذِي (لَهُ حجب بحاجب) هُوَ الشَّقِيق من نعت وَصفَة هَذَا الْحَاجِب الَّذِي هُوَ الشَّقِيق (حجب) أَيْضا بِولد الْهَالِك (فحجبه) أَي الْأَخ للْأَب (بِمن) أَي الَّذِي (لَهُ الْحجب) لحاجبه (يجب) فحجب مُبْتَدأ وضميره لمن الْوَاقِعَة على الْأَخ للْأَب مثلا، وَجُمْلَة لَهُ حجب صلته ولحاجب يتَعَلَّق بحجب، وَجُمْلَة حجب بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لحاجب وحجبه مُبْتَدأ خَبره يجب وبمن يتَعَلَّق بِهِ، وَجُمْلَة لَهُ الْحجب صلَة من وَالتَّقْدِير: وَالْأَخ للْأَب المحجوب بشقيق مَحْجُوب بِولد يجب حجبه عِنْد فقد الشَّقِيق بِالْوَلَدِ الْحَاجِب لحاجبه، فَإِذا هلك وَترك ابْنا وأخاً وشقيقاً وأخاً لأَب فالأخ للْأَب مَحْجُوب بالشقيق، والشقيق مَحْجُوب بالابن فَلَو عدم الشَّقِيق لم يَرث الْأَخ للْأَب شَيْئا لوُجُوب حجبه بالابن الَّذِي هُوَ حَاجِب حَاجِبه، وَهَكَذَا يُقَال فِي ابْن الْأَخ مَعَ وجود أَخ وَابْن للهالك، فَإِن ابْن الْأَخ مَحْجُوب بالأخ وَلَو عدم لَكَانَ محجوباً بالابن، وَكَذَا ابْن الْأَخ مَعَ الْعم وَابْن الْعم، فَإِن الْعم مَحْجُوب بِابْن الْأَخ وَابْن الْعم مَحْجُوب بالعم، فَلَو فقد الْعم لم يَرث ابْن الْعم لوُجُوب حجبه بحاجب حَاجِبه، وَهَذَا الْبَيْت مَعَ تعقيده قَلِيل الجدوى مَفْهُوم حكمه من الْبَيْت الَّذِي قبله، إِذْ من الْمَعْلُوم أَن حَاجِب الْحَاجِب لغيره حَاجِب لذَلِك الْغَيْر، وَأَن الْأَقْرَب يحجب الْأَبْعَد. وإخْوةُ الأمِّ بِمن يكُون فِي عَمُودَي النَّسَبِ حَجْبُهُمْ يَفي (وإخوة الْأُم) مُبْتَدأ (بِمن يكون فِي عمودي النّسَب) من ابْن أَو بنت للهالك وَإِن سفلت وَأب أَو جد وَإِن علا (حجبهم) مُبْتَدأ ثَان (يَفِي) خَبره وَالْمَجْرُور بِالْبَاء يتَعَلَّق بِهِ، وَالْجُمْلَة خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الْإِخْوَة للْأُم محجوبون بِمن يُوجد فِي عمودي النّسَب الْأَعْلَى والأسفل، فعموده الْأَعْلَى الْأَب وَالْجد وَإِن علا وعموده الْأَسْفَل الْوَلَد وَولده وَإِن سفل فَيدْخل فِي ذَلِك الْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفلت لِأَنَّهُمَا من عموده الْأَسْفَل قطعا (خَ) : وَسقط الْأَخ للْأُم بِابْن وَابْنه وَبنت وَإِن سفلت وَأب وجد الخ. وَإِنَّمَا حجبوا بِمَا ذكر لقَوْله تَعَالَى وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت} (النِّسَاء: 12) الْآيَة. والكلالة كَمَا فِي الْأَزْهَرِي وَغَيره الْفَرِيضَة الَّتِي لَا ولد فِيهَا وَلَا وَالِد وَلذَا قيل فِيهَا: ويسألونك عَن الكلاله هِيَ انْقِطَاع النَّسْل لَا محاله لَا ولد يبْقى وَلَا مَوْلُود فَانْقَطع الْأَبْنَاء والجدود(2/675)
وكلالة فِي الْآيَة إِمَّا تَمْيِيز وَالْأَصْل يَرِثهُ كَلَالَة بِالرَّفْع على الفاعلية، فَحذف الْفَاعِل وَبني الْفِعْل للْمَفْعُول فارتفع الضَّمِير واستتر، ثمَّ جِيءَ بالفاعل تمييزاً، وَإِمَّا حَال من ضمير يُورث أَي ذَا كَلَالَة، وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْل بعده أَن الْإِخْوَة للْأُم يحجبون الْأُم للسدس وَإِن كَانُوا محجوبين بالجد وَنَحْوه.
(فصل فِي ذكر (حجب النَّقْل) من تعصيب (إِلَى فرض))
أَو من فرض إِلَى فرض آخر، فَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَالْأُخْت من أَب وَإِن تعدّدت الخ. وَإِلَى الأول بقوله: الأبُ معْ فُرُوضِ الاسْتِغْرَاقِ وَالنقصُ يَحْوِي السُّدْسَ بالإِطْلاَقِ (الْأَب) هُوَ عاصب فِي الأَصْل لكنه ينْتَقل للْفَرض (مَعَ فروض الِاسْتِغْرَاق) أَي الْفَرِيضَة الَّتِي يستغرقها أهل فروضها، سَوَاء كَانَت عادلة كبنتين وَأب وَأم فَلهُ السُّدس وَللْأُمّ مثله وللبنتين الثُّلُثَانِ أَرْبَعَة أَو عائلة كَزَوج وَبنت وَأم وَأب أَصْلهَا من اثْنَي عشر، وتعول لثَلَاثَة عشر للزَّوْج الرّبع ثَلَاثَة وللبنت النّصْف سِتَّة وَللْأُمّ السُّدس اثْنَان وَللْأَب كَذَلِك، وَلَو بَقِي عاصباً على أَصله لأخذ الْوَاحِد الْبَاقِي من اثْنَي عشر وَلَا يعال لَهُ. (و) بيع فروض (النَّقْص) وَهِي الْفَرِيضَة الَّتِي نقصت فروضها عَن أَصْلهَا كَمَا مر كَبِنْت وَأم وَأب أَصْلهَا من سِتَّة للْبِنْت ثَلَاثَة وَللْأُمّ سدسها وَاحِد وَللْأَب كَذَلِك يبْقى وَاحِد يَأْخُذهُ الْأَب بِالتَّعْصِيبِ فَقَوله: (يحوي السُّدس) بِسُكُون الدَّال خبر عَن الْأَب وَقَوله (بِالْإِطْلَاقِ) أَي فِي جَمِيع مَا مرّ من العادلة والعائلة والناقصة إِلَّا أَنه فِي العادلة يَأْخُذ السُّدس من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا نقص مِنْهُ، وَفِي العائلة يَأْخُذ السُّدس إِلَّا مَا نَقصه الْعَوْل وَهُوَ جُزْء من ثَلَاثَة عشر فِي الْمِثَال الْمُتَقَدّم، وَفِي النَّاقِصَة يَأْخُذ السُّدس ثمَّ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَقد تقدم أَن كل ذكر عاصب إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وكما حوى السُّدس فِيمَا ذكر. كذاكَ يَحْوِي مَعَ ذُكْرَانَ الوَلَدْ أوْ وَلدِ ابْنٍ مِثلهُمْ سدْساً فَقَدْ (كَذَاك يحوي) أَيْضا (مَعَ ذكر أَن الْوَلَد) وَاحِدًا أَو أَكثر (أَو) مَعَ (ولد ابْن مثلهم) فِي كَونه ذكرا وَاحِدًا أَو أَكثر فالجمع فِي قَوْله: ذكران غير مَقْصُود، وَإِنَّمَا المُرَاد جنس الذُّكُور وَلَو وَاحِدًا من أَبنَاء الْهَالِك أَو أَبنَاء ابْنه، وَإِن سفلوا يحوي مَعَهم الْأَب (سدساً) بِسُكُون الدَّال مفعول بقوله يحوي (فقد) اسْم فعل بِمَعْنى حسب.(2/676)
والسدْسُ معْ أُنْثَى مِنَ الصنْفَيْن لهْ وَالباقي بِالتَّعْصِيبِ بَعْدُ حَصَّلَهْ (وَالسُّدُس) بِسُكُون الدَّال مُبْتَدأ (مَعَ أُنْثَى) وَاحِدَة أَو أَكثر (من الصِّنْفَيْنِ) صنف بَنَات الصلب وصنف بَنَات الابْن (لَهُ) خبر أَي: وَالسُّدُس كَائِن للْأَب وثابت لَهُ مَعَ بنت أَو بنتين فَأكْثر للهالك، وَمَعَ بنت ابْن أَو بَنَات ابْن يَأْخُذهُ بِالْفَرْضِ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ الثَّالِث مَعَ الْوَاحِدَة من الصِّنْفَيْنِ وَالسُّدُس مَعَ أَكثر يَأْخُذهُ (بِالتَّعْصِيبِ بعد) أَي بعد أَخذه السُّدس بِالْفَرْضِ (حصله) أَي حصل مَا ذكرُوا حفظه، وَدخل فِي كَلَامه مَا إِذا خلف بِنْتا وَبنت ابْن وَأَبا فللبنت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَللْأَب السُّدس وَاحِد ثمَّ يَأْخُذ الْوَاحِد الْبَاقِي تعصيباً فَإِن خلف بنتين فَلَا شَيْء لبِنْت الابْن، وَإِن تعدّدت لحجبها بالبنتين فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَللْأَب وَاحِد بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَهَذَا الْبَيْت تكْرَار مَعَ قَوْله: وَالنَّقْص إِذْ الْفَرِيضَة فِيهِ نقصت سهامها عَن أُصُولهَا. وَالجدُّ مِثْلُ الأَبِ مَعْ مَنْ ذُكِرَا حَالاً بحَالٍ فِي الّذِي تَقَرَّرَا (وَالْجد مثل الْأَب مَعَ من ذكرا) من أهل الْفُرُوض المستغرقة والناقصة وَأَبْنَاء الصلب وَأَبْنَاء الابْن حَال كَونه (حَالا بِحَال فِي الَّذِي تقررا) وَهُوَ أَخذ السُّدس فِي المستغرقة العادلة كَزَوج وَأم وجد، والعائلة كَزَوج وبنتين وجد أَصْلهَا من اثْنَي عشر، وتعول لثَلَاثَة عشر، والناقصة كَبِنْت وَأم وجد أَو بنت فَقَط وجد أَو بنتين وجد يَأْخُذ السُّدس فرضا، وَالْبَاقِي بعد الْبِنْت وَالأُم أَو بعد الْبِنْت أَو البنتين بِالتَّعْصِيبِ، وَله السُّدس فَقَط مَعَ ابْن الْهَالِك أَو ابْن ابْن فالأب وَالْجد متساويان فِي هَذِه الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة وَهِي أَن لَهما السُّدس فِي المستغرقة أَو النَّاقِصَة أَو مَعَ ابْن الصلب أَو ابْن الابْن وَزَاد الْجد على الْأَب فِي اجتماعه مَعَ الْإِخْوَة بِثَلَاثَة أَحْوَال أخر وَذَلِكَ لِأَن الْأَب يحجب إخْوَة الْهَالِك كَيْفَمَا كَانُوا وَلَا يَرِثُونَ مَعَه شَيْئا، وَالْجد لَا يحجب إِلَّا الْإِخْوَة للْأُم، وَأما غَيرهم فَلهُ مَعَهم على مَا ذكر النَّاظِم ثَلَاثَة أَحْوَال. الأولى: أَن يَكُونُوا كلهم شقائق أَو لأَب وَلَيْسَ مَعَهم ذُو فرض فللجد مَعَهم الْخَيْر من الثُّلُث أَو الْمُقَاسَمَة.(2/677)
الثَّانِيَة: أَن يكون مَعَهم ذُو فرض فَلهُ الْخَيْر من السُّدس من رَأس المَال أَو ثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض أَو الْمُقَاسَمَة. الثَّالِثَة: أَن يجْتَمع الشَّقِيق وَالَّذِي للْأَب فَالْحكم كَذَلِك لَكِن يعد الشَّقِيق على الْجد الْأَخ للْأَب ثمَّ يرجع عَلَيْهِ، والمعادلة تكون مَعَ انْفِرَاد الْإِخْوَة وَالْجد أَو مَعَ اجْتِمَاعهم مَعَ ذَوي الْفُرُوض فللجد على هَذَا سَبْعَة أَحْوَال: أَرْبَعَة هُوَ فِيهَا كَالْأَبِ وَزَاد عَلَيْهِ بِثَلَاثَة مَعَ الْإِخْوَة، فَأَشَارَ إِلَى الْحَالة الأولى الَّتِي زَاد بهَا عَلَيْهِ فَقَالَ. وَزَاد بِالثُلثِ إِن رَجْحٌ ظَهَرْ مَعْ صِنْفِ الإخْوَةِ وَقَسْمٍ كَذَكَرْ (وَزَاد بِالثُّلثِ إِن الرجح) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (ظهر مَعَ صنف الْإِخْوَة) كلهم أشقاء أَو كلهم لأَب (وَقسم) بِالْجَرِّ عطف على الثُّلُث، وَالْوَاو بِمَعْنى (أَو) أَي: وَزَاد الْجد يَأْخُذ ثلث جَمِيع المَال إِن كَانَ ذَلِك رجح لَهُ أَو مقاسمة. (كذكر) مِنْهُم إِن كَانَت أرجح لَهُ من الثُّلُث، وَحِينَئِذٍ فَإِذا زَاد عدد ذُكُور الْإِخْوَة على اثْنَيْنِ وَعدد الْإِنَاث على أَربع فثلث جَمِيع المَال أرجح لَهُ لِأَنَّهُ إِن قَاسم ثَلَاثَة إخْوَة أَو خمس أَخَوَات أَخذ أقل من ثلث لِأَنَّهُ ينوبه مَعَ ثَلَاث إخْوَة ربع الْمَتْرُوك، وَمَعَ خمس أَخَوَات سبعا الْمَتْرُوك وَذَلِكَ أقل من ثلث الْمَتْرُوك وَإِن نقص ذُكُور الْإِخْوَة عَن اثْنَيْنِ وَعدد الْأَخَوَات عَن أَربع، فالمقاسمة أرجح لَهُ لِأَنَّهُ ينوبه فِي مقاسمة الْأَخ الْوَاحِد النّصْف، وَفِي مقاسمة ثَلَاث أَخَوَات خمسان لِأَنَّهُ برأسين، وكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِرَأْس، ومجموع ذَلِك خَمْسَة والخمسان أَكثر من الثُّلُث لِأَن ثلث الْخَمْسَة وَاحِد وَثُلُثَانِ، وَذَلِكَ أقل من خمسين صَحِيحَيْنِ، وَأَحْرَى أَن يقاسم أُخْتا وَاحِدَة لِأَن لَهُ مَعهَا الثُّلثَيْنِ أَو أُخْتَيْنِ لِأَن لَهُ مَعَهُمَا النّصْف، وَهَكَذَا وَإِن كَانَ عدد ذُكُور الْإِخْوَة اثْنَيْنِ وَعدد الْأَخَوَات أَرْبعا فيستوي الثُّلُث والمقاسمة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَالة الثَّانِيَة الَّتِي زَاد الْجد بهَا على الْأَب فَقَالَ: وَالسُّدْسُ إنْ يَرْجَحْ لَهُ مَتى صَحِبْ أَهْلَ الفروضِ صِنفٌ إخْوَةٍ يَجِبْ (وَالسُّدُس) من جَمِيع المَال (أَن يرجح) على غَيره من الْمُقَاسَمَة أَو ثلث الْبَاقِي (لَهُ مَتى صحب أهل الْفُرُوض) مفعول مقدم على الْفَاعِل الَّذِي هُوَ (صنف الْإِخْوَة) كلهم أشقاء أَو كلهم لأَب (يجب) خبر عَن قَوْله: وَالسُّدُس وَالضَّمِير الْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ.(2/678)
أَوْ قِسْمَةُ السواءِ فِي البقِيهْ أَوْ ثُلْثُهَا إلاَّ فِي الأَكْدَرِيهْ (أَو قسْمَة السوَاء) بَينه وَبَين الْإِخْوَة إِن تكن أرجح لَهُ (فِي الْبَقِيَّة) من المَال بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم (أَو ثلثهَا) أَي الْبَقِيَّة إِن تكن أرجح لَهُ أَيْضا فَأَي الثَّلَاثَة كَانَ أرجح، فَهُوَ الْوَاجِب لَهُ فالسدس أرجح لَهُ فِي زوج وَأم وأخوين وجد وَتَصِح من سِتَّة لَهُ فِي الْمُقَاسَمَة ثلثا الْوَاحِد، وَكَذَا فِي ثلث الْبَاقِي وَفِي السُّدس وَاحِد كَامِل، وَكَذَا يكون السُّدس أرجح لَهُ فِي بنتين وجد وأخوين أَو ثَلَاث أَخَوَات، فَالْأولى من سِتَّة وَتَصِح من اثْنَي عشر، وَالثَّانيَِة من سِتَّة وَتَصِح من ثَمَانِيَة عشر، والمقاسمة أرجح لَهُ فِي أم وَأَخ وَاحِد أَصْلهَا من ثَلَاثَة للْأُم وَاحِد يبْقى اثْنَان لَهُ فِي السُّدس من رَأس المَال ثلث وَاحِد، وَفِي ثلث الْبَاقِي ثلثا الْوَاحِد، وَفِي الْمُقَاسَمَة وَاحِد كَامِل، وَكَذَا تكون الْمُقَاسَمَة أحظى لَهُ فِي زَوْجَة وجد وَأَخ تصح من ثَمَانِيَة وَثلث الْبَاقِي أحظى لَهُ فِي أم وَثَلَاثَة إخْوَة وجد أَصْلهَا من سِتَّة للْأُم وَاحِد، وَالْبَاقِي خَمْسَة ثلثهَا وَاحِد وَثُلُثَانِ وَهُوَ أَكثر من السُّدس وَاحِد، وَمن الْمُقَاسَمَة وَاحِد وَربع، وَكَذَا يكون أحظى لَهُ فِي أم وجد وَثَلَاثَة إخْوَة أَصْلهَا من سِتَّة وَتَصِح من ثَمَانِيَة عشر للْأُم ثَلَاثَة وللجد خَمْسَة تبقى عشرَة لكل وَاحِد من الْإِخْوَة الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وَثلث فَاضْرب عدد رؤوسهم فِي الْمَسْأَلَة فَمَا خرج فَمِنْهُ تصح وَيَسْتَوِي السُّدس والمقاسمة وَثلث الْبَاقِي فِي زوج وجد وأخوين. وَلما تقدم أَن الْجد يعصب الْأُخْت ويقاسمها اقْتضى ذَلِك أَنَّهَا تَرث بِالتَّعْصِيبِ وَأَنه مَعهَا كأخ وَعَلِيهِ فَلَا يفْرض لَهَا مَعَه بِحَال إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة استثناها بقوله: (إِلَّا فِي الأكدرية) أَلْقَاهَا عبد الْملك بن مَرْوَان على رجل يحسن الْفَرَائِض يُقَال لَهُ أكدر، فَأَخْطَأَ فِيهَا فنسبت إِلَيْهِ وَهِي زوج وَأم وجد وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب. فَالْعَوْلُ لِلأُخْتِ بهَا قد أُعمِلا وَاجْمَعْهُمَا وَاقْسِمْ وَجَدًّا فَضِّلا (فالعول للْأُخْت بهَا) أَي فِيهَا (قد اعملا) لِأَن أَصْلهَا من سِتَّة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة وَللْأُمّ(2/679)
الثُّلُث اثْنَان يفضل وَاحِد يَأْخُذهُ الْجد لِأَنَّهُ لَا ينقص مَعَ ذَوي الْفُرُوض عَن سدس جَمِيع المَال كَمَا مر لِأَنَّهُ فَرْضه مَعَهم، وَإِذا كَانَ السُّدس فَرْضه فَلَا يعصب الْأُخْت لِأَن ذَا الْفَرْض لَا يصير غَيره عاصباً إِلَّا الْبَنَات مَعَ الْأَخَوَات كَمَا يَأْتِي، وَإِذا لم يعصبها فَلَا بُد من الْفَرْض لَهَا لِأَنَّهَا من ذَوي الْفُرُوض وَلَيْسَ هُنَاكَ من ينقلها للتعصيب فأعيل لَهَا بِثَلَاثَة: نصف الْمَسْأَلَة فَصَارَت من تِسْعَة خُذ نصيب الْجد مِنْهَا وَهُوَ وَاحِد وَنصِيب الْأُخْت وَهُوَ ثَلَاثَة. (واجمعها) تكن أَرْبَعَة (وَأقسم) عَلَيْهِمَا (وجدا) مفعول بقوله (فضلا) لِأَنَّهُ كأخ لَهَا يَأْخُذ الثُّلثَيْنِ وَهِي الثُّلُث وَأَرْبَعَة على ثَلَاثَة منكسر مباين أضْرب عدد رُؤُوس المنكسر عَلَيْهِم وَهُوَ ثَلَاثَة فِي الْمَسْأَلَة بعولها وَهُوَ تِسْعَة بسبعة وَعشْرين، ثمَّ تَقول من لَهُ شَيْء من التِّسْعَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة: فَللزَّوْج ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة بِتِسْعَة وَللْأُمّ اثْنَان فِي ثَلَاثَة بِسِتَّة وللجد وَالْأُخْت أَرْبَعَة فِي ثَلَاثَة بِاثْنَيْ عشر لَهُ ثَمَانِيَة، وَلها أَرْبَعَة. وَمَفْهُوم قَوْله: للْأُخْت أَنَّهُمَا إِذا كَانَتَا أُخْتَيْنِ فَأكْثر لَا يعال لَهما وَهُوَ كَذَلِك، فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللجد السُّدس وللأختين فَأكْثر مَا بَقِي وَهُوَ السُّدس وَلَا يعال لَهما قَالَه مَالك، وَفِيه إِشْكَال قَالَه الْفَاكِهَانِيّ وَغَيره. وَاعْلَم أَن الْجد فِي الأكدرية ورث أَولا بِالْفَرْضِ، وَثَانِيا بِالتَّعْصِيبِ، إِذْ لَا يقاسمها إِلَّا بِتَقْدِير كَونه معصباً لَهَا وَكَونه من ذَوي الْفُرُوض معصباً فِي حَالَة وَاحِدَة لَا يعقل ويلغز بهَا من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن يُقَال أَرْبَعَة ورثوا مَيتا أَخذ أحدهم ثلث مَاله، وَأخذ الثَّانِي ثلث الْبَاقِي، وَأخذ الثَّالِث ثلث بَاقِي الْبَاقِي، وَأخذ الرَّابِع مَا بَقِي، وَجَوَابه هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن الزَّوْج أَخذ ثلث مَاله وَالأُم أخذت ثلث الْبَاقِي وَالْأُخْت أخذت ثلث بَاقِي الْبَاقِي، وَالْجد أَخذ مَا بَقِي، الثَّانِي قَالَ ابْن عَرَفَة: بِأَن يُقَال مَا فَرِيضَة أخر قسمهَا للْحَمْل فَإِن كَانَت أُنْثَى ورثت وَإِن كَانَ ذكرا لم يَرث شَيْئا. وَجَوَابه امْرَأَة تركت زَوجهَا وجدهَا وَأما حَامِلا. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَالة الثَّالِثَة وَهِي أَن يجْتَمع مَعَ الْجد الشَّقِيق وَالَّذِي للْأَب فَقَالَ:(2/680)
وَالقسمُ مَعْ شَقَائِقٍ وَمَنْ لأَبْ مَعًا لَهُ وَعَدُّ كُلِّهِمْ وَجَبْ (وَالْقسم) مُبْتَدأ (مَعَ) اجْتِمَاع إخْوَة (شقائق وَمن لأَب مَعًا) أَي جَمِيعًا (لَهُ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر وضميره للْجدّ أَي وَاجِب لَهُ (وعد كلهم) على الْجد ليحرم كَثْرَة الْمِيرَاث (وَجب) وَإِذا عد عَلَيْهِ الْجَمِيع وَأخذ كل حَظه، فَإِن الشَّقِيق يرجع على الَّذِي للْأَب فَيَأْخُذ مَا بِيَدِهِ كَمَا قَالَ: وَحَظُّ منْ لِلأَبِ لِلأَشِقّا وَحْدَهُمْ يكونُ مُسْتَحِقا (وحظ) مُبْتَدأ (من للْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ (للأشقا) يتَعَلَّق بمستحقا (وحدهم) حَال من الأشقاء (يكون مُسْتَحقّا) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير حَظّ الْإِخْوَة للْأَب يكون مُسْتَحقّا للأشقاء حَال كَونهم وحدهم، وَظَاهره أَن الشَّقِيق يعد الْأَخ للْأَب على الْجد، سَوَاء كَانَ مَعَهم ذُو فرض أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فَإِذا ترك أما وأخاً شقيقاً وأخاً لأَب وجدا، فَإِن الشَّقِيق يعد الْأَخ للْأَب فتستوي الْمُقَاسَمَة وَثلث الْبَاقِي بعد الْفَرْض، فَإِذا أَخذ الْجد حَظه رَجَعَ الشَّقِيق على الَّذِي للْأَب بِمَا فِي يَده، وَكَذَا إِذا لم يكن مَعَهم ذُو فرض فَإِذا ترك شقيقتين وأختاً لأَب فَالْمَسْأَلَة من خَمْسَة للْجدّ اثْنَان وللأخوات ثَلَاثَة، وَإِذا ترك شَقِيقَة وأختين أَو أَخا لأَب، فَكَذَلِك وَكَذَا أَخا شقيقاً وأختاً لأَب وَإِن ترك شقيقه وأختاً لأَب، فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ للْجدّ النّصْف وللأختين النّصْف، ثمَّ إِذا أَخذ كل حَظه فِي هَذِه الْأَمْثِلَة الَّتِي لم يبلغ فِيهَا عدد الْإِخْوَة مثلَيْهِ رَجَعَ الأشقاء على اللَّذين للْأَب بِمَا لَهُم لَو لم يكن لَهُم جد، وَلَا شكّ أَن فرض الشقيقتين فِي الْمقَال الأول لَو لم يكن جد الثُّلُثَانِ فيرجعان على الَّتِي للْأَب بِجَمِيعِ مَا أَخَذته، وَفرض الشَّقِيقَة فِي الْمِثَال الثَّانِي النّصْف فترجع بِوَاحِد وَنصف، وَيبقى نصف وَاحِد بيد أختيها أَو أَخِيهَا للْأَب، والشقيق يرجع على الَّتِي للْأَب بِجَمِيعِ مَا بِيَدِهَا، وَكَذَا الشَّقِيقَة فِي الْمِثَال الْأَخير، وافهم مثل هَذَا فِيمَا إِذا بلغ عدد الْإِخْوَة مثلَيْهِ أَو زادوا كَانَ مَعَهم ذُو فرض أَيْضا أَو لم يكن.(2/681)
وَالضَّابِط أَنه مهما كَانَ فِي الشقائق ذكر فَإِنَّهُ لَا شَيْء للَّذي للْأَب لِأَنَّهُ يَحْجُبهُ وَمثله شقيقتان فَأكْثر لِأَن لَهما الثُّلثَيْنِ وَالْجد لَا ينقص عَن الثُّلُث، فَلَا يفضل للَّذين للْأَب شَيْء، وَكَذَا شقيقه وَأُخْت لأَب وجد كَمَا فِي الْمِثَال الْأَخير، وَإِلَّا فيفضل للَّذين للْأَب كَمَا فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَمثله مَا إِذا كَانَت الشَّقِيقَة مَعَ أَخ وَأُخْت لأَب، أَو مَعَ ثَلَاث أَخَوَات لأَب فَإِنَّهَا تَأْخُذ نصفهَا وَالْبَاقِي وَهُوَ السُّدس يكون للَّذين للْأَب، وَبِه تعلم أَن قَوْله: وحظ من للْأَب للأشقا الخ. لَيْسَ على إِطْلَاقه بل فِي بعض الصُّور كَمَا ترى، وَعبارَة (خَ) أحسن إِذْ قَالَ: وَعَاد الشَّقِيق بِغَيْرِهِ ثمَّ رَجَعَ كالشقيقة لما لَهما لَو لم يكن جد الخ، وَلما تكلم على النَّقْل من تعصيب إِلَى فرض أَشَارَ إِلَى النَّقْل من فرض إِلَى فرض فَقَالَ: وَالأخْتُ منْ أبٍ وَإنْ تعدَّدَتْ مَعْ شقيقةٍ بسُدْسٍ أُفْرِدَتْ (وَالْأُخْت من أَب وَإِن تعدّدت) كَانَت فِي الأَصْل من ذَوَات النّصْف إِن اتّحدت أَو من ذَوَات الثُّلثَيْنِ إِن تعدّدت كَمَا مرّ، لَكِن إِذا كَانَت أَو كن (مَعَ) أُخْت (شَقِيقَة بسدس أفردت) أَي انْتَقَلت إِلَيْهِ حَال كَونه. تَكْمِلَةُ الثَّلُثَيْنِ وَالحُكْمُ كذَا معْ بنتِ صُلْبٍ لابْنَةِ ابْنِ يُحْتَذَا (تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ) فتأخذه وَحدهَا إِن اتّحدت وَيقسم على عددهن إِن تعدّدت إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَو مَعَهُنَّ أَخ لأَب فيقسمون ذَلِك للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا مر، وافهم قَوْله تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ أَنَّهَا لَا تَأْخُذهُ فرضا مُسْتقِلّا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهَا لَو باعت الشَّقِيقَة نصفهَا فِي أصل أَو الْعَكْس، فالأخرى أَحَق بِالشُّفْعَة من سَائِر الْوَرَثَة كإحدى الزوجتين فِي ثمن أَو ربع وعَلى أَنَّهَا تَأْخُذهُ فرضا مُسْتقِلّا لَا تكون أَحَق بهَا من الْوَرَثَة، وعَلى الأول عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَقدم مُشَاركَة فِي السهْم وَإِن كأخت لأَب أخذت سدساً. (وَالْحكم كَذَا مَعَ بنت صلب لابنَة ابْن يحتذا) فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالتَّقْدِير: وَالْحكم هَكَذَا يتبع لابنَة الابْن مَعَ بنت الصلب فللبنت النّصْف ولابنة الابْن وَاحِدَة، فَأكْثر السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ مَا لم يكن مَعهَا أَو مَعَهُنَّ ابْن ابْن آخر فِي درجتها كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها فيردها للتعصيب، ويقتسمون النّصْف الْبَاقِي بعد الْبِنْت للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِن كَانَ ابْن الابْن أَسْفَل مِنْهَا فَهِيَ غنية بسدسها كَمَا مر مُبينًا فِي فصل أهل الْفُرُوض عِنْد قَوْله:(2/682)
وَنصفه السُّدس لأم وَالْأَب الخ. وَالزَّوْجُ مِنُ نِصْفٍ لِرُبْعٍ انْتَقَلْ مَعَ ولَدٍ أَو وَلَدِ ابْنٍ هَبْ سَفَلْ (وَالزَّوْج من نصف لربع انْتقل مَعَ) وجود (ولد) لزوجته الهالكة ذكرا كَانَ الْوَلَد أَو أُنْثَى مِنْهُ أَو من غَيره وَإِن من زنا (أَو) وجود (ولد ابْن) لَهَا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، لَكِن لَا بُد أَن يكون لاحقاً بِأَبِيهِ (هَب) أَنه أَي ولد الابْن (سفل) أَي نزل بِضَم الْفَاء وَفتحهَا كَمَا مر. وَيَنْقُل الزوجَةَ مِنْ رُبْعٍ إلَى ثُمْنٍ صَحِيحٍ نِسْبَةُ مِح هَؤُلا (وينقل الزَّوْجَة من ربع إِلَى ثمن) بِسُكُون الْمِيم (صَحِيح) بِالرَّفْع فَاعل ينْقل (نِسْبَة من هؤلا) بِالْقصرِ وَالْإِشَارَة للْوَلَد وَولد الابْن العالي والنازل وَشرط فِي ولد الزَّوْج وَولد ابْنه أَن يكون صَحِيح النِّسْبَة احْتِرَازًا من ولد الزِّنَا والمنفي بِلعان فَلَا يحجبانها إِلَى الثّمن. وَالأَمُّ مِنْ ثُلْثٍ لِسُدْسٍ تُفْرَدُ بِهِمْ وَبالإِخْوَةِ إنْ تَعَدَّدُوا (وَالأُم من ثلث لسدس تفرد) أَي تنقل من الثُّلُث إِلَى السُّدس (بهم) أَي بِالْوَلَدِ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وبولد الابْن كَذَلِك وَإِن سفل (و) تنقل أَيْضا للسدس (وبالإخوة إِن تعددوا) أَي زادوا على الْوَاحِد، وَظَاهره مُطلقًا أشقاء كَانُوا أَو لأَب أَو لأم أَو مُخْتَلفين ذُكُورا أَو إِنَاثًا أَو مُخْتَلفين أَو خناثى، وَسَوَاء كَانُوا وارثين بالشخص كأب وَأم وأخوين مُطلقًا، وكأم وجد وأخوين لأم، فهم وَإِن كَانُوا محجوبين بِالْأَبِ فِي الأولى وبالجد فِي الثَّانِيَة يحجبان الْأُم للسدس فتأخذ السُّدس وَالْبَاقِي للْأَب فِي الأولى، وللجد فِي الثَّانِيَة، ثمَّ علل الْإِطْلَاق الْمَذْكُور بقوله: وَغيرُ مَنْ يَرِثُ لَيْسَ يَحْجُبُ إلاُّ أُولاءِ حَجَبُوا إذْ حُجِبُوا (وَغير من يَرث) أَي إِنَّمَا حجبت الْأُم بالإخوة مُطلقًا لِأَن غير من يَرث لمَانع بِهِ من رق أَو كفر أَو قتل عمد (لَيْسَ يحجب) بِضَم الْجِيم مَبْنِيا للْفَاعِل أَي: لَا يحجب غَيره حجب إِسْقَاط وَلَا(2/683)
حجب نقل (إِلَّا) هـ (ؤلاء) الْإِخْوَة (حجبوا) للْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس (إِذْ حجبوا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي حجبهم الْأَب مُطلقًا وَالْجد إِذا كَانُوا لأم كَمَا مر، وَهَذَا الْبَيْت قريب من قَول التلمسانية: وَفِيهِمْ فِي الْحجب أَمر عجب لأَنهم قد حجبوا وحجبوا وَقَول (ت) : حجبهم الْأَب أَو الْوَلَد أَو الْجد الخ. الصَّوَاب حذف الْوَلَد لِأَن الَّذِي نقل الْأُم للسدس هُوَ نفس الْوَلَد لَا الْإِخْوَة حَتَّى يُقَال: حجبوها وهم محجوبون بِالْوَلَدِ، وَلما قدم أَن للْأُم حالتين تَرث فِي إِحْدَاهمَا الثُّلُث وَفِي الْأُخْرَى السُّدس ذكر لَهَا حَالَة ثَالِثَة تَرث فِيهَا ثلث الْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي إِحْدَى الغراوين سميتا بذلك لشهرتيهما فَقَالَ: وَثُلْثُ مَا يَبْقَى مِنَ الزوجَيْنِ تأخُذُ مَعْ أبٍ بِغَرَّاوَيْنِ (وَثلث مَا يبْقى عَن الزَّوْجَيْنِ تَأْخُذ) الْأُم (مَعَ أَب بغراوين) إِحْدَاهمَا زَوْجَة وأبوان أَصلهمَا من أَرْبَعَة للزَّوْجَة الرّبع وَللْأُمّ ثلث الْبَاقِي وَللْأَب ثُلُثَاهُ، وَالثَّانيَِة زوج وأبوان أَصْلهَا من اثْنَيْنِ للزَّوْج وَاحِد، وللأبوين وَاحِد منكسر للْأُم ثلثه وَللْأَب ثُلُثَاهُ، فَتضْرب عدد الرؤوس فِي أصل الْمَسْأَلَة وَهُوَ ثَلَاثَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة، وَمن لَهُ شَيْء من أصل الْمَسْأَلَة أَخذه مَضْرُوبا فِيمَا ضربت فِيهِ، فَللزَّوْج وَاحِد فِي ثَلَاثَة بِثَلَاثَة، وللأبوين وَاحِد كَذَلِك بِثَلَاثَة للْأُم مِنْهَا وَاحِد وَللْأَب اثْنَان (خَ) : وَلها أَي الْأُم ثلث الْبَاقِي فِي زوج أَو زَوْجَة وأبوين الخ. فَلَو كَانَ مَوضِع الْأَب جد لَكَانَ للْأُم ثلث المَال لِأَنَّهَا تَرث مَعَ الْجد بِالْفَرْضِ وَمَعَ الْأَب بِالْقِسْمَةِ.
(فصل فِي ذكر حجب النَّقْل من الْفَرْض (للتعصيب))
وَذَلِكَ أَن الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالَّتِي للْأَب كُلهنَّ من ذَوي الْفُرُوض كَمَا تقدم، لَكِن مَحل ذَلِك إِذا لم يكن مَعَ الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ فَأكْثر أَخ يساويها فِي درجتها فَإِنَّهُ ينقلها من الْفَرْض ويصيرها عاصبة يقاسمها للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا قَالَ:(2/684)
لِلاِبْنِ شَرْعاً حَظَّ بِنتيْنِ ادَفَعِ مِن مالِ أوْ بَاقِيه فِي التَّنَوُّعِ (للِابْن شرعا) مُتَعَلق بادفع (حَظّ بنتين) مفعول بقوله (ادْفَعْ) أَي للِابْن اللَّاحِق لِأَبِيهِ بِالشَّرْعِ حَظّ بنتين (من) كل (مَال) للهالك حَيْثُ لم يكن فِي التَّرِكَة ذُو فرض (أَو) ادْفَعْ لَهُ من (بَاقِيه) أَي المَال بعد أَخذ ذَوي الْفُرُوض فروضهم حَيْثُ كَانَ فِيهَا ذُو فرض كَالزَّوْجَةِ وَالأُم مثلا فللزوجة الثّمن وَللْأُمّ السُّدس تصح من أَرْبَعَة وَعشْرين، وَالْبَاقِي بعد إِخْرَاج الثّمن وَالسُّدُس بَين الْأَب وَالْبَنَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ (فِي التنوع) أَي فِي تنوع الْوَرَثَة إِلَى ذَوي فروض وعصبة. وَوَلَدُ ابْنٍ مِثْلُهُمْ فِي الحُكْمِ وَإخْوَةٌ كَذَا لغير الأُمِّ (وَولد ابْن مثلهم) أَي مثل أَبنَاء الصلب (فِي الحكم) وَهُوَ قسم المَال كُله أَو بَاقِيه بعد ذَوي الْفُرُوض للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، لَكِن بنت الابْن يعصبها من فِي درجتها كَانَ أخاها أَو ابْن عَمها، وَكَذَا يعصبها من هُوَ أَسْفَل مِنْهَا كَمَا مر مفصلا عِنْد قَوْله: ولابنة ابْن ولجد اجتبى الخ. (وإخوة) ذُكُور مَعَ أخواتهم الْإِنَاث (كَذَا) لَهُم هَذَا الحكم إِذا كَانُوا (لغير الْأُم) بل كَانُوا أشقاء أَو لأَب فالشقيق يعصب شقيقته وَالْأَخ للْأَب يعصب أُخْته للْأَب للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي المَال كُله أَو الْبَاقِي بعد الْفَرْض، وَاحْترز بقوله لغير الْأُم مِمَّا إِذا كَانُوا إخْوَة لأم فَإِنَّهُم يقتسمون ثلثهم الذّكر كالأنثى كَمَا مر فِي قَوْله: وهم فِي قسم ذَاك إسوة الخ. وَالأُخْتُ لَا لِلأُمِّ كيفَ تَأتِي من شَأنِهَا التعصيبُ مَعْ بَنَاتِ (وَالْأُخْت) الشَّقِيقَة أَو لأَب (لَا) الَّتِي (للْأُم كَيفَ تَأتي) وَاحِدَة أَو أَكثر (من شَأْنهَا التَّعْصِيب مَعَ بَنَات) قَالَ فِي التلمسانية: وَالْأَخَوَات قد يصرن عصبات إِن كَانَ للهالك بنت أَو بَنَات فتأخذ الْبِنْت الْوَاحِدَة نصفهَا وَالْأُخْت وَالْأَخَوَات مَا بَقِي وَتَأْخُذ البنتان الثُّلثَيْنِ وَالْأُخْت فَأكْثر مَا بَقِي تعصيباً. كَذَا يُعْصِّبْنَ بنَات الابْنِ وَالعَوْلُ فِي الصَّنْفَيْنِ عَنهُ اسْتُغْنِي (كَذَا يعصبن) أَي الْأَخَوَات (بَنَات الابْن) مفعول يعصبن وَنون الْإِنَاث عَائِدَة على الْأَخَوَات(2/685)
كَمَا قَررنَا، فَإِذا ترك بنت ابْن وأختاً وأخوات فلبنت الابْن النّصْف وَللْأُخْت أَو الْأَخَوَات النّصْف الْبَاقِي، وَإِذا ترك بِنْتي ابْن فَأكْثر فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَللْأُخْت أَو الْأَخَوَات مَا بَقِي (والعول فِي الصِّنْفَيْنِ) صنف الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات أَو صنفهن مَعَ بَنَات الابْن (عَنهُ استغني) لِأَنَّهُنَّ أَي الْأَخَوَات يرثن مَا فضل من الْبَنَات أَو بَنَات الابْن بِالتَّعْصِيبِ والعاصب لَا يعال لَهُ، بِخِلَاف مَا إِذا اجْتمع الْأَخَوَات مَعَ غير الصِّنْفَيْنِ الْمَذْكُورين فَإِنَّهُنَّ يرثن بِالْفَرْضِ حَيْثُ لَا حَاجِب وَلَا معصب لَهُنَّ كَمَا فِي زوج وأختين أَو زوج وَأم وَأُخْت أَو زوج وَأم وأختين وَأَخ لأم فَالْأولى تعول لسبعة، وَالثَّانيَِة لثمانية، وَالثَّالِثَة لتسعة كَمَا مرّ فِي مسَائِل الْعَوْل، وَاعْلَم أَن العاصب يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة: عاصب بِنَفسِهِ وَهُوَ كل ذكر لم يفصل بَينه وَبَين الْهَالِك أُنْثَى، فالذكور المتقدمون فِي فصل عدد الْوَارِثين كلهم عصبَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وعاصب مَعَ غَيره وَهُوَ كل أُنْثَى تصير عاصبة مَعَ أُنْثَى أُخْرَى كالأخت مَعَ الْبِنْت أَو بنت الابْن، وعاصب بِغَيْرِهِ وَهُوَ النسْوَة الْأَرْبَع الْبِنْت وَبنت الابْن وَالْأُخْت الشَّقِيقَة وَالَّتِي للْأَب، وَإِذا اجْتمع كل مِنْهُنَّ مَعَ أَخِيه فَإِنَّهُ يصيرها عاصبة. وَبِنْتُ الابنِ إنْ تَكُنْ قدْ حُجِبَتْ بابْنِ مُسَاوٍ أَوْ أَحَطَّ عَصَّبَتْ (وَبنت الابْن إِن تكن قد حجبت) بِاثْنَتَيْنِ فَوْقهَا من بَنَات الصلب فَإِنَّهَا (بِابْن) ابْن فَهُوَ على حذف مُضَاف كَقَوْلِهِم: قطع الله يَد وَرجل من قَالَهَا بِقَرِينَة قَوْله: (مسَاوٍ) لَهَا فِي الدرجَة (أَو أحط) أَي أَسْفَل مِنْهَا بِدَرَجَة أَو دَرَجَات كَابْن ابْن أَخِيهَا (عصبت) فترث مَعَه الثُّلُث الْبَاقِي للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَقَوله: عصبت بِفَتْح الْعين وبابن يتَعَلَّق بِهِ لَا بحجبت لِأَنَّهَا إِذا حجبت بِابْن لَا تَرث شَيْئا (خَ) وحجبها ابْن فَوْقهَا أَو بنتان فَوْقهَا إِلَّا ابْن فِي درجتها مُطلقًا أَو أَسْفَل فمعصب الخ. وَمَفْهُوم حجبت أَنَّهَا إِذا لم تحجب كَمَا لَو كَانَت مَعَ بنت وَاحِدَة، فَإِنَّهَا تَأْخُذ السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي يَأْخُذهُ ابْن أَخِيهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر فِي قَوْله: وَالْحكم كَذَا مَعَ بنت صلب لابنَة ابْن يحتذا. وبأخٍ لَا بابْنِهِ أَخَوَاتُ الأبْ تَعْصِيبُهُنَّ مَعْ شَقيقَاتٍ وَجَبْ (وبأخ لَا بِابْنِهِ أَخَوَات) مُبْتَدأ وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء جمع مؤنث سَالم سكنت عينه للضَّرُورَة كَقَوْلِه:(2/686)
وحملت زفرات الضُّحَى فأطقتها وَمَا لي بزفرات الْعشي يدان قَالَ ابْن هِشَام: هِيَ ضَرُورَة حَسَنَة لِأَن هَذِه الْعين قد تسكن فِي الْمُفْرد كَقَوْلِه: يَا عَمْرو يَا ابْن الأكرمين نسبا بِسُكُون السِّين (الْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ وَيقْرَأ بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام للوزن (تعصيبهن) مُبْتَدأ ثَان (مَعَ شقيقات) يتَعَلَّق بقوله: (وَجب) وَكَذَا قَوْله بِأَخ، وَالتَّقْدِير وأخوات الْأَب تعصيبهن وَجب مَعَ شقيقات بِأَخ لَا بِابْن أَخ، وَمرَاده بالشقيقات اثْنَتَانِ فَأكْثر، وَالْمعْنَى أَن الْأُخْت للْأَب إِنَّمَا يعصبها أَخُوهَا الَّذِي فِي درجتها اجْتمع مَعَ شَقِيقَة وَاحِدَة أَو مَعَ شقيقتين فَأكْثر فَلَهُمَا النّصْف الْبَاقِي مَعَ الْوَاحِدَة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي مَعَ الشقيقتين فَأكْثر، كَذَلِك ابْن الْأَخ فَإِنَّهُ لَا يعصبها فَإِذا اجْتمعت مَعَ الْوَاحِدَة فلهَا السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَالثلث الْبَاقِي لِابْنِ أَخِيهَا، وَإِذا اجْتمعت مَعَ شقيقتين، فَأكْثر فَلَا شَيْء لَهَا بل الثُّلُث الْبَاقِي يخْتَص بِهِ ابْن الْأَخ لِأَنَّهُ لَا يعصبها بِخِلَاف بنت الابْن، فَإِن ابْن أَخِيهَا يعصبها فِي الثُّلُث الْفَاصِل عَن البنتين كَمَا مر، بِهَذَا وَردت السّنة كَمَا فِي ابْن يُونُس، وَتَقَدَّمت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْفِقْه عِنْد قَوْله: وأشمل لأخت جِهَة فِي الحكم. تَتِمَّة: تقدم أول الْبَاب أَن علم الْفَرَائِض على قسمَيْنِ معرفَة من يَرث وَمن لَا يَرث، وَتكلم عَلَيْهِ النَّاظِم من أول الْبَاب إِلَى آخر الْكتاب وَمَعْرِفَة مَا يُوصل لكل ذِي حق حَقه فِي المناسخات قد بَقِي عَلَيْهِ، وَهَا أَنا أذكر لَك كَيْفيَّة ذَلِك تتميماً للمقصود فَأَقُول صفة الْعَمَل فِي ذَلِك أَن تجْعَل الجامعة الَّتِي انْتَهَت إِلَيْهَا فريضتك إِلَى أئمتها الْأَوَائِل، وَتحفظ تِلْكَ الْأَئِمَّة ثمَّ تحل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِلَى أئمتها الْأَوَائِل وأئمة الْأُوقِيَّة هِيَ ثَمَانِيَة للأثمان وَاثنا عشر للفلوس وَثَمَانِية للحبوب وترتيبها هَكَذَا:(2/687)
ثمَّ بعد الْفَرَاغ من حل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وأئمة الجامعة تقَابل بَين مَا حللت إِلَيْهِ من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وأئمة الجامعة، وَلَا يَخْلُو الْحَال إِذْ ذَاك من أَرْبَعَة أوجه: إِمَّا مماثلة فِي الْجَمِيع، وَإِمَّا عدمهَا فِي الْجَمِيع، وَإِمَّا مماثلة فِي الْبَعْض دون الْبَعْض، ثمَّ هَذَا الْبَعْض المماثل إِن كَانَ من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَّا أَن يكون وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا، فَإِن كَانَت الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع فَالْمَال المقتسم هُوَ جُزْء سهم الجامعة ضَعْهُ عَلَيْهَا وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الأول، وَإِن وَقعت الْمُخَالفَة فِي الْجَمِيع فسطح أَئِمَّة الْأُوقِيَّة بأجمعها، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال المقتسم وَالْخَارِج هُوَ جُزْء سهم الجامعة اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على أَئِمَّة الجامعةكلها وَقدم فِي الْقِسْمَة أكبرها، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّانِي، وَإِن وَقعت الْمُمَاثلَة فِي الْبَعْض وَالْبَعْض الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث، وَإِن كَانَ الْبَعْض الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد فسطحه، وَاضْرِبْ الْخَارِج فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَهَذَا الْوَجْه الرَّابِع. وَهَذَا النّظر كُله فِي أَئِمَّة الْأُوقِيَّة، وَأما أَئِمَّة الجامعة فَإِن ماثلت كلهَا فَلَا يقسم الْخَارِج من ضرب مَا بيد كل وَارِث فِي جُزْء سهم الجامعة على شَيْء مِنْهَا، وَإِنَّمَا يقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب أَولا، ثمَّ الْخَارِج على اثْنَي عشر للفلوس ثَانِيًا ثمَّ الْخَارِج على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان ثَالِثا، وَإِن خَالَفت كلهَا فَلَا بُد من الْقِسْمَة عَلَيْهَا أَولا مرتبَة كعمل التَّسْمِيَة ثمَّ يقسم الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على نَحْو مَا تقدم، وَإِن ماثل بَعْضهَا وَخَالف الْبَعْض فأسقط المماثل وَلَا بُد من الْقِسْمَة أَولا على الْمُخَالف مِنْهَا، ثمَّ على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كَمَا تقدم، وَلَا بُد من تَرْتِيب أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على الْوَجْه الْمُتَقَدّم وإلاَّ فسد الْعَمَل بِخِلَاف أَئِمَّة الجامعة، فتقديم الْأَكْبَر بِالْقِسْمَةِ عَلَيْهِ أَولا أفضل فَقَط لِأَن النِّسْبَة وَاحِدَة تقدم الْأَكْبَر أَو الْأَصْغَر، وَإِذا ضربت مَا بيد كل وَارِث من الجامعة فِي جُزْء سهمها فأقسم الْخَارِج على إِمَام من الْأَئِمَّة الْمَذْكُورَة وَالْخَارِج من الْقِسْمَة أقسمه على الإِمَام الَّذِي قبله، وَالْبَاقِي ضَعْهُ تَحت الإِمَام الْمَقْسُوم عَلَيْهِ لِأَنَّك تنسبه إِلَيْهِ، وَهَكَذَا حَتَّى يفرغ الْمَقْسُوم فالباقي من الْقِسْمَة على إِمَام من أَئِمَّة الجامعة أَجزَاء مَأْخُوذَة من الْحبّ، وَالْبَاقِي من الْقِسْمَة على ثَمَانِيَة الْحُبُوب حبوب، وَالْبَاقِي من الْقِسْمَة على اثْنَي عشر للفلوس فلوس وَالْبَاقِي على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان أَثمَان فالقسمة على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان عدد صَحِيح فَإِذا فرغت من ضرب مَا بيد كل وَارِث من الجامعة فِي جُزْء سهمها، وَمن قسْمَة الْخَارِج على الْأَئِمَّة الْمَذْكُورَة رجعت إِلَى الاختبار بِالْجمعِ، فتجمع مَا تَحت الإِمَام الْأَخير وتقسم الْمُجْتَمع عَلَيْهِ وَالْخَارِج من الْقِسْمَة من جنس الإِمَام الَّذِي قبله ضَعْهُ تَحت جدوله واجمعه إِلَى الْأَعْدَاد الْمَوْضُوعَة تَحت ذَلِك الإِمَام واقسم الْمُجْتَمع أَيْضا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْقِسْمَة على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان فَيكون الْخَارِج من الْقِسْمَة عَلَيْهَا عددا صَحِيحا أَدخل بِهِ تَحت آحَاد الصَّحِيح فِي جدول المَال الموَالِي لجدول الْأَئِمَّة قبله واجمع مُرْتَفع المَال للمقسوم من غير تَحْرِيف وَلَو بِجُزْء دَقِيق، وَمهما لم يَنْقَسِم عدد على إِمَامه وَبقيت مِنْهُ بَقِيَّة فَالْعَمَل فَاسد، فَارْجِع وَانْظُر من أَيْن دخل الْفساد فكثيراً مَا يعتري من سرعَة الْيَد فِي الْعَمَل وَعدم(2/688)
التثبت فِيهِ، وَلَا بُد من أَمْثِلَة يَتَّضِح بهَا الْعَمَل الْمَقْصُود إِن شَاءَ الله، وتنوعها بِاعْتِبَار مَا ذكر من الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع وَعدمهَا فِي الْجَمِيع وَعدم وجودهَا فِي الْبَعْض الْمُفْرد والمتعدد، فمثال الْمُمَاثلَة فِي الْجَمِيع من ترك سِتَّة بَنِينَ توفّي أحدهم عَن زَوْجَة وَسِتَّة عشر ابْنا، فالفريضة الأولى من سِتَّة مَاتَ أحد الْبَنِينَ عَن سهم وَاحِد مِنْهَا، وفريضته صحت من ثَمَانِيَة وَعشْرين وَمِائَة، فَانْظُر بَين سَهْمه من الأولى وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته تَجِد بَينهمَا التباين لِأَن الْوَاحِد الَّذِي هُوَ سَهْمه من الأولى مباين للثمانية وَالْعِشْرين وَالْمِائَة الَّتِي صحت مِنْهَا فريضته، فارب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ سِتَّة فِي كَامِل الثَّمَانِية عملا بقول (خَ) وَإِن لم يتوافقا ضرب مَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته فِيمَا صحت مِنْهُ الأولى الخ. يخرج ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ وَسَبْعمائة وَهِي الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه، فَكل ابْن من الأولى لَهُ وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي الثَّمَانِية وَالْعِشْرين وَالْمِائَة يخرج لَك الْعدَد الْمَذْكُور بِعَيْنِه لِأَن الضَّرْب فِي الْوَاحِد لَا يزِيد فضع لَهُ ذَلِك الْعدَد فِي جدوله تَحت الجامعة، وللزوجة من الثَّانِيَة سِتَّة عشر تأخذها مَضْرُوبَة فِي سِهَام الْمَوْرُوث وَهُوَ وَاحِد بِسِتَّة عشر ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، وَلكُل ابْن من أبنائها من الثَّانِيَة سَبْعَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي سِهَام الْمَوْرُوث بسبعة ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة أَيْضا، ثمَّ اجْمَعْ ذَلِك فَإِن ارْتَفَعت الجامعة صَحِيحَة فَالْعَمَل صَحِيح، وإلاَّ فَارْجِع وَانْظُر من أَيْن دخل الْفساد، وَإِذا صحت الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ ثَمَان مَرَّات مثل أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فاسقط أَثمَان الجامعة كلهَا وَاجعَل المَال ولتفرضه عشر أواقي جُزْء سهم الجامعة ضَعْهُ عَلَيْهَا، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فَقَط على ترتيبها الْمَذْكُور، وَلَا تقسم على شَيْء من أَئِمَّة الجامعة لِأَنَّهَا ذهبت كلهَا للماثلة، فَيجب لكل ابْن من الأولى أُوقِيَّة وَخَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس، وللزوجة أُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس، وَلكُل ابْن من الثَّمَانِية ثَمَانِيَة أفلس وَسِتَّة حبوب وَهَكَذَا كَمَا فِي الْجَدْوَل: ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت ثَمَانِيَة الْحُبُوب تَجدهُ سِتَّة وَتِسْعين اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَا عشر ادخل بهَا تَحت جدول الاثْنَي عشر للفلوس، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يجْتَمع ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ وَمِائَة اقسمها عَلَيْهَا يخرج أَرْبَعَة عشر لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يرْتَفع أَرْبَعُونَ اقسمها عَلَيْهَا يخرج خَمْسَة من الصَّحِيح ادخل بهَا تَحت الْعشْر أواقي، واجمع يرْتَفع لمَال الْمَقْسُوم كَمَا هُوَ الْمَطْلُوب. وَمِثَال: مَا إِذا ماثلت أَئِمَّة الجامعة كلهَا وَبَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد امْرَأَة مَاتَت وَتركت أَبَاهَا وبنتها وَابْن ابْنهَا، ثمَّ مَاتَت بنتهَا عَن أَرْبَعَة بَنِينَ، ثمَّ مَاتَ أحد الْبَنِينَ عَن بنتين وَوَلَدي ابْن، فالفريضة الأولى من سِتَّة وَالثَّانيَِة من أَرْبَعَة والثالة من سِتَّة، فللبنت الهالكة من الْفَرِيضَة الأولى ثَلَاثَة، وفريضتها من أَرْبَعَة وَبَين سهامها وفريضتها التباين لِأَن الثَّلَاثَة اليت هِيَ سهامها مباينة للأربعة الَّتِي هِيَ فريضتها، فَاضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى فِي كَامِل الثَّانِيَة عملا بِمَا تقدم عَن (خَ) يخرج لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ هِيَ الجامعة للفريضتين ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي الثَّانِيَة وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه فالأب لَهُ وَاحِد من الأولى يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي أَرْبَعَة بأَرْبعَة، وَابْن الابْن لَهُ اثْنَان من الأولى يأخذهما مضروبين فِي أَرْبَعَة بِثمَانِيَة، وَلكُل وَاحِد من أَبنَاء الهالكة من الْفَرِيضَة الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه بِثَلَاثَة يجْتَمع من ذَلِك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ مَاتَ أحد الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة(2/689)
عَن بنتين وَوَلَدي ابْن وفريضته تصح من سِتَّة وسهامه الَّتِي مَاتَ عَنْهَا ثَلَاثَة، وَبَين فريضته وسهامه الَّتِي مَاتَ عَنْهَا التوافق بِالثُّلثِ لِأَن ثلث الثَّلَاثَة وَاحِد وَثلث السِّتَّة اثْنَان، فَتضْرب الجامعة الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فِي وفْق السِّتَّة وَهِي اثْنَان عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَضرب وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثة فللأب أَرْبَعَة من الأولى الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ لِأَنَّهَا صَارَت أولى بِالنِّسْبَةِ للَّتِي تَلِيهَا يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِثمَانِيَة ولولد الابْن مِنْهَا ثَمَانِيَة أَيْضا يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة عشر، وَلكُل ابْن من الْفَرِيضَة الثَّانِيَة ثَلَاثَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّة، وَلكُل بنت من الْفَرِيضَة الثَّالِثَة اثْنَان تأخذهما مضروبين فِي وفْق سِهَام موروثها وَهُوَ وَاحِد بِاثْنَيْنِ، وَلكُل ولد ابْن مِنْهَا وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه وَهُوَ وَاحِد بِوَاحِد، وضع لكل وَاحِد عدده الَّذِي لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة كَمَا مر، واجمع ذَلِك فَإِن صحت الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ أَربع مَرَّات قابلها بأئمة الْأُوقِيَّة التيهي ثَلَاثَة وَاثْنَانِ ثَمَان مَرَّات، واسقط المماثل يبْقى من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة اثْنَان أَربع مَرَّات سطحها، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال يخرج سِتُّونَ وَمِائَة هِيَ جُزْء السهْم ضَعْهُ على رَأس الجامعة، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَاحِد، واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب ثمَّ على اثْنَي عشر الْفُلُوس، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان وَلَا تقسم على شَيْء من أَئِمَّة الجامعة لمماثلتها كلهَا فَيجب للْأَب أُوقِيَّة وَخَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس، وَلابْن الابْن ثَلَاث أَوَاقٍ وَثمن الْأُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس، وَلكُل ابْن فِي الْفَرِيضَة الثَّانِيَة أُوقِيَّة وَثمنا الْأُوقِيَّة، وَلكُل بنت فِي الْفَرِيضَة الثَّالِثَة ثَلَاث أَثمَان الْأُوقِيَّة وَأَرْبَعَة أفلس وَلكُل ولد ابْن مِنْهَا ثمن الْأُوقِيَّة وَثَمَانِية أفلس هَكَذَا: ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت اثْنَي عشر الْفُلُوس تَجدهُ سِتَّة وَثَلَاثِينَ أقسمه عَلَيْهَا يخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يجْتَمع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اقسمها عَلَيْهَا تخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت جدول المَال واجمعها إِلَى مَا فَوْقهَا يرْتَفع لَك المَال بِتَمَامِهِ، وَأما إِذا بَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَإِن ذَلِك الإِمَام يضْرب فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم يضْرب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، وَيقسم على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على ترتيبها الْمَذْكُور وَلَا يقسم على شَيْء(2/690)
من أَئِمَّة الجامعة حَيْثُ ماثلت كلهَا كَمَا مر، فَإِن بَقِي شَيْء مِنْهَا لم يماثل فَلَا بُد من الْقِسْمَة عَلَيْهِ أَولا ثمَّ على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة على ترتيبها الْمَذْكُور، ومثاله: رجل مَاتَ وَترك زَوْجَتَيْنِ عَائِشَة وحدهم وَأَوْلَاده فَمن الثَّانِيَة مُحَمَّد، وَمن الأولى الطّيب وَفَاطِمَة وزهرة وَمن غَيرهمَا عبد الْقَادِر، وفريضته تصح من أَرْبَعَة وَسِتِّينَ لكل زَوْجَة أَرْبَعَة، وَلكُل ولد من أَوْلَاده الثَّلَاثَة أَرْبَعَة عشر، وَلكُل بنت سَبْعَة مَاتَت عَائِشَة عَن أَرْبَعَة، فَورثَهَا أَوْلَادهَا الطّيب وَفَاطِمَة وزهرة ونصيبها منقسم عَلَيْهِم، للطيب اثْنَان تضم للأربعة عشر الَّتِي بِيَدِهِ فَيصير بِيَدِهِ سِتَّة عشر، وَلكُل من أختيه وَاحِد يضم لما بِيَدِهَا، فَيصير بيد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثَمَانِيَة عملا بقول (خَ) : فَإِن انقسم نصيب الثَّانِي على ورثته صحتا الخ. ثمَّ مَاتَت حَدهمْ الْمَذْكُورَة فَورثَهَا وَلَدهَا مُحَمَّد فتضم أربعتها لنصيبه فَيصير بِيَدِهِ ثَمَانِيَة عشر، ثمَّ مَاتَت الزهرة فَورثَهَا شقيقاها الطّيب وَفَاطِمَة وفريضتها من ثَلَاثَة مباينة لسهامها الَّتِي هِيَ ثَمَانِيَة فَتضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ أَرْبَعَة وَسِتُّونَ فِي كَامِل الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ ثَلَاثَة عملا بقول (خَ) : وَإِن لم يتوافقا ضرب مَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته فِيمَا صحت مِنْهُ الأولى الخ. يخرج اثْنَان وَتسْعُونَ وَمِائَة هِيَ الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى ضرب لَهُ فِي الثَّانِيَة وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثه، فلمحمد من الأولى ثَمَانِيَة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بأَرْبعَة وَخمسين ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة، ولعَبْد الْقَادِر من الأولى أَرْبَعَة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين ضعها لَهُ تَحت الجامعة، وللطيب من الأولى سِتَّة عشر يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين وَله من الثَّانِيَة اثْنَان يأخذهما مضروبين فِي سِهَام موروثه الَّتِي هِيَ ثَمَانِيَة بِسِتَّة عشر، فَيكون مَجْمُوع مَا بِيَدِهِ من الأولى وَالثَّانيَِة أَرْبَعَة وَسِتُّونَ ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى ثَمَانِيَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بأَرْبعَة وَعشْرين، وَلها من الثَّانِيَة وَاحِد تَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي سِهَام موروثها وَهِي ثَمَانِيَة بِثمَانِيَة فيجتمع لَهَا من الأولى، وَالثَّانيَِة اثْنَان وَثَلَاثُونَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ثمَّ مَاتَ عبد الْقَادِر عَن زَوْجَة وَثَلَاث بَنَات عَائِشَة وَفَاطِمَة وآمنة وعصبة إخْوَته للْأَب الطّيب وَمُحَمّد وَفَاطِمَة المذكرون، وفريضته تصح من اثْنَيْنِ وَسبعين للزَّوْجَة تِسْعَة، وَلكُل بنت من بَنَاته سِتَّة عشر، وللطيب سِتَّة، ولمحمد كَذَلِك، ولفاطمة ثَلَاثَة وَبَين فريضته وسهامه التوافق بالأسداس لِأَن سدس الِاثْنَيْنِ وَالسبْعين اثْنَا عشر وَسدس الِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعِينَ سَبْعَة فَتضْرب حِينَئِذٍ الْفَرِيضَة الأولى الَّتِي هِيَ اثْنَان وَتسْعُونَ وَمِائَة فِي وفْق الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ الاثنا عشر عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَاضْرِبْ وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج أَلفَانِ وثلثمائة وَأَرْبَعَة هِيَ الجامعة، ثمَّ تَقول: من لَهُ(2/691)
شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه، فلمحمد من الأولى أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي اثْنَي عشر الَّتِي هِيَ وفْق الثَّانِيَة بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين وسِتمِائَة، وَله من الثَّانِيَة سِتَّة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة الَّتِي هِيَ وفْق سِهَام الْمَوْرُوث بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين، فتضم إِلَى مَا بِيَدِهِ فَيصير الْمَجْمُوع تسعين وسِتمِائَة. ضعها لَهُ فِي جدوله تَحت الجامعة وللطيب من الأولى أَرْبَعَة وَسِتُّونَ يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي الاثْنَي عشر بِثمَانِيَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة، وَله من الثَّانِيَة سِتَّة مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة وفْق سِهَام الْمَوْرُوث بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعين يصير مَجْمُوع مَا بِيَدِهِ ثَمَانمِائَة وَعشرَة. ضعها لَهُ تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى اثْنَان وَثَلَاثُونَ تأخذها مَضْرُوبَة فِي وفْق الثَّانِيَة بأَرْبعَة وَثَمَانِينَ ومثلثمائة، وَلها من الثَّانِيَة ثَلَاثَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة بِإِحْدَى وَعشْرين يجْتَمع لَهَا من الفريضتين أَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ولزوجة عبد الْقَادِر من الثَّانِيَة تِسْعَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة وفْق سِهَام موروثها بِثَلَاثَة وَسِتِّينَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، وَلكُل من بناتها الثَّلَاث سِتَّة عشر يأخذنها مَضْرُوبَة فِي سَبْعَة بِمِائَة واثني عشر لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، ثمَّ مَاتَت آمِنَة بنت عبد الْقَادِر الْمَذْكُور فورثتها أمهَا الْمَذْكُورَة وشقيقتاها فَاطِمَة وَعَائِشَة المذكورتان، وعصبها عماها مُحَمَّد وَالطّيب، وفريضتها تصح من اثْنَي عشر للْأُم اثْنَان، وللشقيقتين ثَمَانِيَة أَرْبَعَة لكل وَاحِدَة مِنْهَا ولعميها وَاحِد لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَبَين فريضتها وسهامها التوافق بالأرباع لِأَن سهامها الَّتِي هِيَ الاثْنَي عشر وَمِائَة لَهَا ربع وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، وفريضتها الَّتِي هِيَ الاثنا عشر لَهَا ربع وَهُوَ ثَلَاثَة، وَحِينَئِذٍ فَتضْرب الْفَرِيضَة الأولى أَعنِي الجامعة الَّتِي هِيَ أَلفَانِ وثلثمائة وَأَرْبَعَة فِي وفْق الثَّانِيَة، وَهِي ثَلَاثَة عملا بقول (خَ) : والأوفق بَين نصِيبه وَمَا صحت مِنْهُ مَسْأَلته وَاضْرِبْ وفْق الثَّانِيَة فِي الأولى الخ. يخرج لَك سِتَّة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَاثنا عشر وَهِي الجامعة الْأَخِيرَة الَّتِي انْتَهَت هَذِه الْفَرَائِض إِلَيْهَا ثمَّ تَقول: من لَهُ شَيْء من الأولى أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق الثَّانِيَة وَهُوَ ثَلَاثَة، وَمن لَهُ شَيْء من الثَّانِيَة أَخذه مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه وَهُوَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، فلمحمد من الأولى تسعون وسِتمِائَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِأَلفَيْنِ وَثَمَانِية وَتِسْعين، وَله من الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي وفْق سِهَام موروثه بِثمَانِيَة وَعشْرين يجْتَمع لَهُ ثَمَانِيَة وَتسْعُونَ وَأَلْفَانِ. ضعها لَهُ تَحت الجامعة، وللطيب من الأولى ثَمَانمِائَة وَعشرَة يَأْخُذهَا مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِأَلفَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاثِينَ، وَله من الثَّانِيَة وَاحِد يَأْخُذهُ مَضْرُوبا فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين يجْتَمع لَهُ أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَخَمْسُونَ ضعها لَهُ تَحت الجامعة، ولفاطمة من الأولى أَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِخَمْسَة عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلَا شَيْء لَهَا من الثَّانِيَة لِأَنَّهَا لَا تَرث فِي بنت أَخِيهَا، ولزوجة عبد الْقَادِر من الأولى ثَلَاثَة وَسِتُّونَ تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بِتِسْعَة وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلها من الثَّانِيَة اثْنَان تأخذهما مضروبين فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين بِسِتَّة وَخمسين يجْتَمع لَهَا مِائَتَان وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ضعها لَهَا فِي جدولها تَحت الجامعة، ولعائشة بنتهَا من الأولى اثْنَا عشر وَمِائَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَلَاثَة بست وَثَلَاثِينَ وثلثمائة، وَلها من الثَّانِيَة أَرْبَعَة تأخذها مَضْرُوبَة فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين بِاثْنَيْ عشر وَمِائَة يجْتَمع لَهَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعمِائَة، ولفاطمة أُخْتهَا مثلهَا، وَإِذا صحت هَذِه الجامعة فَحلهَا إِلَى أَوَائِل أئمتها وَهِي اثْنَان ثَمَان مَرَّات وَثَلَاثَة ثَلَاث مَرَّات قابلها بأئمة الْأُوقِيَّة فتماثلها كلهَا، وَيبقى من أَئِمَّة الجامعة ثَلَاثَة وَثَلَاثَة فَلَا بُد من الْقِسْمَة أَولا على هذَيْن الْإِمَامَيْنِ، ثمَّ الْخَارِج على أَئِمَّة الْأُوقِيَّة(2/692)
على ترتيبها الْمَذْكُور، فَيجب لمُحَمد ثَلَاث أَوَاقٍ وَثَلَاثَة أفلس وَثَلَاثَة حبوب وَثلث ثلث الْحبّ، ونسبته من المَال ثَلَاثَة أعشار وثُمن ربع الْعشْر وَثَلَاثَة أَثمَان ثلث ثمن ربع الْعشْر، فالفدان من الأَرْض مثلا يقسم على عشرَة أَجزَاء فَيَأْخُذ من ذَلِك ثَلَاثَة أَجزَاء، وَثمن ربع الْجُزْء وَثَلَاثَة أَثمَان ثلث ثمن ربع الْجُزْء لِأَن الْحُبُوب ثَمَانِيَة مِنْهَا فِي الْفلس، وَقس على هَذَا مَا بعده، وللطيب ثَلَاثَة أَوَاقٍ وَأَرْبَعَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَخَمْسَة أفلس، وَثَلَاثَة حبوب وَثلث ثلث الْحبّ، ولفاطمة أُوقِيَّة وَسِتَّة أَثمَان الْأُوقِيَّة وَسِتَّة حبوب ولزوجة عبد الْقَادِر ثمنا الْأُوقِيَّة وَعشرَة أفلس وَثلثا ثلث ثمن الْحبّ ولعائشة بنتهَا خَمْسَة أَثمَان الْأُوقِيَّة وفلسان وَحب وَثلثا الْحبّ وَثلث ثلث الْحبّ، ولفاطمة أُخْتهَا مثلهَا جدول هَكَذَا:
ثمَّ اجْمَعْ مَا تَحت الثَّلَاثَة تَجدهُ سِتَّة أقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت الثَّلَاثَة الْأُخْرَى واجمع يخرج سِتَّة أَيْضا اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد مِنْهُمَا ادخل بهما تَحت ثَمَانِيَة الْحُبُوب، واجمع يرْتَفع لَك سِتَّة عشر أقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت الاثْنَي عشر للفلوس يرْتَفع لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اقسمه عَلَيْهَا يخرج اثْنَان لكل وَاحِد ادخل بهما تَحت ثَمَانِيَة الْأَثْمَان، واجمع يرْتَفع لَك أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أقسمه عَلَيْهَا يخرج ثَلَاثَة لكل وَاحِد ادخل بهَا تَحت جدول المَال، واجمع يرْتَفع لَك المَال بِتَمَامِهِ. وَهَذِه الْفَرِيضَة هِيَ فَرِيضَة الوالدة رَحمهَا الله فِي أَبِيهَا مَعَ أخواتها، وَلما كنت صَغِيرا فِي الْمكتب رَفعهَا الْوَالِد رَحمَه الله لبَعض أَعْيَان فُقَهَاء فاس، فَلم يحسن قسمتهَا، وَلما منّ الله علينا بتَعَلُّم علم الْفَرَائِض استخرجتها كَمَا ترى، وَهِي أول فَرِيضَة ابتدأت بتعلمها. وَالْحَاصِل أَن أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِن ماثلت أَئِمَّة الجامعة وَلم يفضل شَيْء من أَحدهمَا فَالْمَال هُوَ جُزْء السهْم ضَعْهُ على الجامعة، وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب فِي الاثْنَي عشر للفلوس، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْأَثْمَان كَمَا فِي الْمِثَال الأول وَإِن ماثلت أَئِمَّة الجامعة كلهَا وَبَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة أَكثر من إِمَام وَاحِد فسطح الْبَاقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وَاضْرِبْهُ فِي المَال(2/693)
وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم، ضَعْهُ على الجامعة وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب أَيْضا، ثمَّ الْفُلُوس ثمَّ الْأَثْمَان كَمَا فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَإِن بَقِي من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَام وَاحِد، فَاضْرِبْهُ فِي المَال إِذْ لَا شَيْء هُنَاكَ يسطح فِيهِ، وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على ثَمَانِيَة الْحُبُوب إِلَى آخِره، وَتركت مِثَاله لفهمه من الَّذِي قبله، وَإِن ماثلت أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كلهَا وَبَقِي شَيْء من أَئِمَّة الجامعة فَالْمَال هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على مَا بَقِي من أَئِمَّة الجامعة، ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. كَمَا مر فِي هَذَا الْمِثَال الْأَخير، وَإِن لم تماثل أَئِمَّة الجامعة شَيْئا من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة فسطح أَئِمَّة الْأُوقِيَّة كلهَا، وَالْخَارِج اضربه فِي المَال وَهُوَ جُزْء السهْم، ضَعْهُ على رَأس الجامعة وَاضْرِبْ فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على أَئِمَّة الجامعة كلهَا، وَقدم فِي الْقِسْمَة أكبرها، ثمَّ اقْسمْ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَإِن بَقِي شَيْء من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة وَشَيْء من أَئِمَّة الجامعة لم يتماثلا فسطح الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِن كَانَ أَكثر من إِمَام وَاحِد، وَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث واقسم على مَا لم يماثل من أَئِمَّة الجامعة، وَقدم أكبرها فِي الْقِسْمَة ثمَّ على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَإِن كَانَ الَّذِي لم يماثل من أَئِمَّة الْأُوقِيَّة إِمَامًا وَاحِدًا فَاضْرِبْهُ فِي المَال وَالْخَارِج هُوَ جُزْء السهْم اضْرِب فِيهِ مَا بيد كل وَارِث، واقسم على مَا لم يماثل من أَئِمَّة الجامعة أَيْضا على ثَمَانِيَة الْحُبُوب الخ. وَتركت أَمْثِلَة ذَلِك لوضوحها مِمَّا مر وَالله أعلم.
(فصل فِي ذكر مَوَانِع الْمِيرَاث)
أَي: الْأَوْصَاف الَّتِي تمنع مِنْهُ. الكُفْرُ وَالرِّقُّ لإرْثٍ مَنَعَا وَإنْ هما بعدَ الممَاتِ ارْتَفَعَا (الْكفْر) الْأَصْلِيّ (وَالرّق) وَإِن بشائبة حريَّة كمكاتب وَأم ولد ومدبر ومعتق لأجل ومعتق بعضه (لإرث منعا) فَإِذا كَانَ لحر مُسلم ابْن كَافِر أَو رَقِيق وَمَات الْأَب أَو الابْن لم يَرث أَحدهمَا الآخر، بل مَال الْكَافِر لوَرثَته الْكفَّار وَمَال الرَّقِيق وَإِن بشائبة لسَيِّده، هَذَا إِذا اسْتمرّ الْكفْر وَالرّق إِلَى الْقسم، بل (وَإِن هما بعد الْمَمَات) وَقبل قسم المَال (ارتفعا) بل أسلم الْكَافِر أَو عتق العَبْد فِي عقب الْمَوْت وَقبل الْقسم إِذْ بزهوق الرّوح انْتقل الْإِرْث للْغَيْر. وَمِثْلُ ذَاكَ الحُكْمُ فِي المرْتَدِّ وَمُطْلَقاً يَمْنَعُ قتلُ العَمْدِ (وَمثل ذَاك) الْمَذْكُور فِي الْكفْر الْأَصْلِيّ (الحكم فِي الْمُرْتَد) الْعَارِض كفره، فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ قَرِيبه زمن استتابته لم يَرِثهُ وَلَو رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَلَو مَاتَ هُوَ على ردته لورثه بَيت المَال، وَهَذَا إِذا(2/694)
جهر بالارتداد، وَأما إِذا أسر بِهِ وَهُوَ الزنديق فَإِنَّهُ يقتل بِغَيْر اسْتِتَابَة وَمَاله لوَرثَته الْمُسلمين نظرا إِلَى مَا كَانَ يظهره من الْإِسْلَام (خَ) : وَقتل الْمُسْتَتر بِلَا اسْتِتَابَة إِلَّا أَن يَجِيء تَائِبًا وَمَاله لوَرثَته، (ومطلقاً) من غير تَقْيِيد بِالدِّيَةِ (يمْنَع قتل الْعمد) الْعدوان فَلَا يَرث من مَال وَلَا دِيَة إِن صَالحه الْأَوْلِيَاء بهَا إِجْمَاعًا مُعَاملَة لَهُ بنقيض قَصده لَا لتأديته لخراب الْعَالم لِأَنَّهُ مَحْفُوظ بمشروعية الْقصاص، وَظَاهره بَاشر الْقَتْل أَو تسبب فِيهِ، وَظَاهره وَلَو كَانَ الْقَاتِل صَبيا أَو مَجْنُونا، وَهُوَ كَذَلِك على مَا نَقله الطرطوشي وَغَيره عَن مَالك قَائِلا لِأَن الْمُرَاهق قد يتصابى وَهُوَ محتلم وَقد يتجان وَهُوَ عَاقل، وَمَفْهُوم الْعمد أَشَارَ لَهُ بقوله: وَإنْ يَكُنْ عَن خَطَإ فمنْ دِيَهْ وَحالةُ الشَّكِّ بمنْعٍ مُغْنِيَهْ (وَإِن يكن) الْقَتْل ناشئاً (عَن خطأ فَمن) إِرْث (دِيَة) يمْنَع لَا من إِرْث المَال (خَ) : وَلَا يَرث قَاتل عمد عُدْوانًا وَإِن أَتَى بِشُبْهَة كمخطىء من الدِّيَة الخ. نعم يَرث قَاتل الْعمد وَالْخَطَأ الْوَلَاء كَمَا قَالَ فِي التلمسانية: ويرثان مَعَ الْوَلَاء الخ. وَمعنى ذَلِك أَن من قتل شخصا لَهُ وَلَاء عتق وَالْقَاتِل وَارِث الشَّخْص الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يَرث مَاله من الْوَلَاء وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْمُعْتق بِالْكَسْرِ إِذا قتل عتيقه يَرِثهُ، بل هَذَا حكمه مَا مر من التَّفْصِيل بَين الْعمد وَالْخَطَأ، وَمَفْهُوم عدوان أَنه لَو قتل موروثه فِي باغيه أَو قصاص لم يمْنَع من إِرْثه (خَ) فِي الباغية: وَكره للرجل قتل أَبِيه وَورثه الخ. وَكَذَا لَو قَتله يَظُنّهُ حَرْبِيّا وَحلف أَو قَتله على وَجه اللّعب أَو تأديباً كَمَا مر أول الدِّمَاء، فَإِن ذَلِك كُله من الْخَطَأ لَا يمْنَع إِرْثه من المَال بل من الدِّيَة فَقَط وَقَوله: وَإِن أَتَى بِشُبْهَة يَعْنِي كَمَا لَو رمى وَلَده بحديدة فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ كَمَا مر فِي الدِّمَاء وَلَكِن لَا يَرِثهُ. تَنْبِيه: لَو أنفذ مَقْتَله وَارثه وأجهز عَلَيْهِ غَيره، فمذهب ابْن الْقَاسِم، وَرجحه ابْن رشد أَنه لَا يقتل بِهِ المجهز وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَب، وَإِنَّمَا يقتل بِهِ المنفذ لمقتله وَعَلِيهِ فَلَا يَرِثهُ وَقيل: يقتل بِهِ المجهز فَقَط وعَلى الآخر الْأَدَب لِأَنَّهُ بعد إنفاذها مَعْدُود من الْأَحْيَاء يَرث وَيُورث ويوصي بِمَا شَاءَ من عتق وَغَيره، فَإِذا مَاتَ أَخُوهُ قبل زهوق روحه، فَإِنَّهُ يَرِثهُ. وَإِذا كَانَ لَهُ أَخ عبدا وَكَافِر فَأسلم أَو عتق بعد إنفاذها وَقبل زهوق روحه فَإِنَّهُ يَرِثهُ. (وَحَالَة الشَّك) فِي التَّقَدُّم والتأخر أَو الْقَتْل عمدا أَو خطأ (بِمَنْع) مِيرَاث (مغنيه) فَإِذا مَاتُوا تَحت هدم أَو فِي سفر أَو غرق أَو حرق وَلم(2/695)
يعلم السَّابِق من اللَّاحِق أَو علم وجهلت عينه فَلَا مِيرَاث بَينهم لِأَن الْمِيرَاث لَا يكون بِالشَّكِّ، وَالْأَصْل فِيهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، فقد مَاتَت أم كُلْثُوم بنت عَليّ زوج عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم، وَابْنهَا زيد فِي وَقت وَاحِد فَلم يَرث أَحدهمَا الآخر وَكَذَا لم يتوارث من قتل يَوْم الْجمل وَيَوْم صفّين وَيَوْم الْحرَّة إِلَّا من علم أَنه مَاتَ قبل الآخر، وعَلى هَذَا فَإِذا مَاتَ رجل وَابْنه وَأمه وَإِحْدَى زوجتيه تَحت هدم مثلا، فللزوجة الْأُخْرَى جَمِيع الرّبع ويستبد بِمَال الْميتَة عاصبها، وَكَذَا الْأُم وَالِابْن، وَلَيْسَ من هَذَا الْمَعْنى من مَاتَ عِنْد الزَّوَال بالمشرق مَعَ من مَاتَ عِنْد الزَّوَال بالمغرب لِأَن زَوَال الْمشرق سَابق على زَوَال الْمغرب. تَنْبِيه: لَا يدْخل فِي كَلَام النَّاظِم كَمَا قَررنَا مَا إِذا شكّ فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ، وَبِه قرر الشَّارِح كَلَام أَبِيه، وقصره عَلَيْهِ لينتفي التّكْرَار مَعَ مَا يَأْتِي وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا شكّ فِي كَونه عمدا أَو خطأ، فَهُوَ مَحْمُول على الْعمد الْعدوان، إِذْ الأَصْل فِي أَفعَال الْعُقَلَاء هُوَ تعمدها، وَالْقَصْد إِلَيْهَا إِلَّا أَن تقوم قرينَة على عدم تعمدها من لعب وأدب وَنَحْوهمَا كَمَا مر أول الدِّمَاء، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يُقَال الشَّك فِي التَّقَدُّم والتأخر شكّ فِي السَّبَب وَهُوَ مُؤثر، وَالشَّكّ فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ شكّ فِي الْمَانِع الَّذِي هُوَ الْعمد وَهُوَ غير مُؤثر، لأَنا نقُول: حَيْثُ كَانَ مَحْمُولا على الْعمد فَلَا شكّ، بل هُوَ كمحقق الْوُجُود والنصوص فِيهِ تقدّمت فِي بَاب الدِّمَاء فنبه الشَّارِح وَغَيره على أَنه إِذا شكّ فِي كَونه عمدا أَو خطأ فَهُوَ مَحْمُول على الْعمد فَيمْنَع الْمِيرَاث وَالله أعلم. وَيُوقَفُ القَسْمُ مَعَ الحَمْلِ إِلَى إنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخاً فَيُعْمَلاَ (وَيُوقف الْقسم) للتركة (مَعَ) وجود (الْحمل) الْوَارِث كَانَت الْحَامِل زَوْجَة للهالك أَو أمة أَو غَيرهمَا كامرأة أَخِيه أَو عَمه، وَسَوَاء كَانَ الْحمل يَرث تَحْقِيقا أَو احْتِمَالا كالأم فِي الأكدرية الْمُتَقَدّمَة لِأَنَّهَا إِن ولدت أُنْثَى ورثت وإلاَّ لم تَرث (إِلَى أَن يستهل صَارِخًا فيعملا) حِينَئِذٍ على مَا تبين من استهلاله فيرث وَيُورث، وَمن عدم استهلاله فَهُوَ كَالْعدمِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَنَحْوه قَول ناظم عمل فاس: ووقف قسم مُطلقًا إِذا ادّعى حمل لزوجة لهالك نعى(2/696)
وَإِنَّمَا وقف الْقسم لاستهلاله للشَّكّ هَل يُوجد من الْحمل وَارِث أم لَا؟ وعَلى وجوده هَل هُوَ مُتحد أَو مُتَعَدد وَعَلَيْهِمَا هَل هُوَ ذكر أَو أُنْثَى أَو مُخْتَلف؟ وَظَاهره أَنه يُوقف جَمِيع الْمَتْرُوك وَلَا يعجل للزَّوْجَة وَنَحْوهَا أدنى من سهميها، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور عَن أَشهب يعجل الْقسم فِي الْمُحَقق فتعطى الزَّوْجَة أدنى سهميها وَهُوَ الثّمن وتعطى الْأُم أدناهما أَيْضا وَهُوَ السُّدس، وَذكر سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق فِي شَرحه للمختصر أَنه رأى بِخَط من يوثق بِهِ فِي قسم تَرِكَة الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه سَيِّدي أَحْمد بن عبد الله: أَنهم عزلوا حَظّ الْحمل على أَنه ذكر قَالَ: وَكَذَلِكَ فعلته فِي قسْمَة تَرِكَة كبراء بعض الْأَشْرَاف فَوضعت أُنْثَى فقسم فَاضل الْمَوْرُوث بَين الْوَرَثَة اه. وَذَلِكَ لِأَن الْغَالِب فِي الْحَوَامِل وضع شخص وَاحِد ذكر أَو أُنْثَى فيعجل قسم مَا عداهُ وَيُوقف مِيرَاث شخص وَاحِد لِأَنَّهُ الْمَشْكُوك على قَول أَشهب، وَقيل يُوقف للْحَمْل على قَوْله مِيرَاث أَرْبَعَة ذُكُور لِأَنَّهُ غَايَة مَا وَقع تَحْقِيقا لِأَن أم ولد أبي إِسْمَاعِيل ولدت أَرْبَعَة ذُكُور من حمل وَاحِد بِاتِّفَاق الروَاة، وَقيل يُوقف مِيرَاث خَمْسَة، وَقيل مِيرَاث اثْنَي عشر، وَقيل أَرْبَعِينَ. وَقَول النَّاظِم مَعَ الْحمل الخ. يَعْنِي مَعَ ظُهُوره وثبوته بِشَهَادَة النِّسَاء، وَأما لَو ادَّعَت الْمَرْأَة أَنَّهَا حَامِل فَإِن التَّرِكَة توقف أَيْضا حَتَّى تضع أَو يظْهر عدم حملهَا بِانْقِضَاء عدَّة الْوَفَاة وَلَيْسَ بهَا حمل ظَاهر، وَإِن قَالَت: لست بحامل قبل قَوْلهَا وَقسمت التَّرِكَة وَإِن قَالَت: لَا أَدْرِي أخر قسم التَّرِكَة حَتَّى يتَبَيَّن أَنَّهَا لَيست بحامل بِأَن تحيض حَيْضَة أَو يمْضِي أمد الْعدة وَلَا رِيبَة حمل بهَا قَالَه ابْن رشد. فَإِن رجعت عَن إِقْرَارهَا بِالْحملِ فَلَا تصدق حَتَّى تمْضِي عدَّة الْوَفَاة وَتشهد القوابل بِأَنَّهَا لَيْسَ بهَا حمل ظَاهر فتقسم التَّرِكَة حِينَئِذٍ قَالَه ابْن هِلَال. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا وَجب تَأْخِير قسم التَّرِكَة للْحَمْل وَكَانَ للْمَيت أم متزوجة بِغَيْر أَبِيه فَإِن ثَبت حِين وَفَاته أَنَّهَا حَامِل بِشَهَادَة النِّسَاء، فَإِنَّهُ يَرث وَلَو تَأَخّر وَضعه لأربعة أَعْوَام أَو لما فَوْقهَا فِيمَا دون الْخَمْسَة أَعْوَام وَإِن لم يثبت أَنَّهَا حَامِل وَلَا عرف ذَلِك إِلَّا بقولِهَا كَانَ لَهُ الْمِيرَاث إِن(2/697)
وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر من موت أَخِيه، وَلم يكن لَهُ مِيرَاث إِن وَضعته لأكْثر إِلَّا أَن يكون زَوجهَا مَيتا أَو غَائِبا يعلم أَنه لَا يصل إِلَيْهَا بعد وَفَاة ابْنهَا، وَلَا تصدق الْمَرْأَة وَلَا زَوجهَا إِن كَانَ حَاضرا وولدته لأكْثر من سِتَّة أشهر فِي أَنه لم يَطَأهَا بعد موت ابْنهَا قَالَه فِي قسْمَة المعيار عَن ابْن رشد. 5 الثَّانِي: إِذا فرعنا على الْمَشْهُور وتعدى الْوَرَثَة، وقسموا وأوقفوا للْحَمْل أوفر حظيه، ثمَّ هلك مَا بِأَيْدِيهِم كُله أَو بعضه ضمنُوا لتعديهم وَلم يكن لَهُم رُجُوع فِيمَا عزلوا إِن سلم، وَإِن ضَاعَ مَا وقف للْحَمْل فَقَط رَجَعَ على بَقِيَّة الْوَرَثَة وَمَا وقف لَهُ وَتلف كَالْعدمِ، فَإِن وجد بَعضهم عديماً قَاسم المليء مِنْهُم فِيمَا بِيَدِهِ على حسب الْمَوَارِيث وَاتبع جَمِيعهم المعدم كغريم طَرَأَ على وَرَثَة لَا كوارث طَرَأَ عَلَيْهِم، وَلَو نما مَا فِي أَيْديهم دخل عَلَيْهِم فِيهِ وَلم يدخلُوا عَلَيْهِ فِيمَا نما بِيَدِهِ، فالقسمة جَائِزَة عَلَيْهِم لَا عَلَيْهِ فَإِن قاسمهم وَصِيّه أَو القَاضِي أَو مقدمه جَازَت عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم، وَمَفْهُوم الْقسم أَن الدّين يعجل وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وأخرت أَي الْقِسْمَة لَا دين لحمل، وَفِي الْوَصِيَّة قَولَانِ مَحلهمَا فِي الْوَصِيَّة بِغَيْر عدد، وَأما الْوَصِيَّة بِالْعدَدِ فَإِنَّهَا كَالدّين تعجل اتِّفَاقًا. وَبَيْن مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقْ يَمْتَنِعُ الإرْثُ لجهلِ مَنْ سَبَقْ (وَبَين من مَاتَ) من الْأَقَارِب (بهدم أَو غرق يمْتَنع الْإِرْث لجهل من سبق) كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَحَالَة الشَّك بِمَنْع مغنيه. وَإرثُ خُنْثَى بمَبَالِهِ اعْتُبِرْ وَمَا بَدَا عَلَيْهِ فِي الحُكْم اقْتُصِرْ (وَارِث خُنْثَى) وَهُوَ من لَهُ فرج ذكر وَفرج أُنْثَى أَو لَا يكونَانِ لَهُ، وَلَكِن لَهُ ثقب يَبُول مِنْهُ، وَهَذَا الثَّانِي قد يتمحض للأنوثة بِسَبَب حيض أَو نَبَات ثدي وللذكورة بنبات لحية فَقَوله (بمباله اعْتبر) خَاص بالنوع الأول فَإِن بَال من فرج الذّكر فَهُوَ ذكر أَو من فرج الْأُنْثَى فَهُوَ أُنْثَى، وَكَذَا لَو كَانَ يَبُول مِنْهُمَا لَكِن بَوْله من أَحدهمَا أَكثر خُرُوجًا من الآخر أَو كَانَ خُرُوجه مِنْهُ أسبق من خُرُوجه من الآخر، فَالْحكم للكثير وللأسبق كَمَا قَالَ: (وَمَا بدا) من ذَلِك (عَلَيْهِ فِي الحكم اقْتصر) وَهَذِه العلامات تظهر فِي الصَّغِير وَلَا إِشْكَال إِذْ يجوز النّظر لعورته، وَأما الْكَبِير فَقيل(2/698)
يُؤمر بالبول إِلَى حَائِط أَو عَلَيْهِ، فَإِن ضرب بَوْله الْحَائِط أَو أشرف عَلَيْهِ فَذكر، وإلاَّ فأنثى، وَقيل تنصب لَهُ الْمرْآة وَتعقب بِأَن النّظر لصورة الْعَوْرَة كالنظر لَهَا. وَقد يُجَاب بِأَن ذَلِك للضَّرُورَة حَيْثُ لم يُمكن معرفَة حَاله بِغَيْر الْمرْآة وَظَاهر إطلاقاتهم أَنه لَا يشْتَرط التّكْرَار فَلَو تحققت حَيَاته وبال من أَحدهمَا مرّة وَاحِدَة ثمَّ مَاتَ كفى. وَإنْ يَبُل بالجهتين الْخُنْثَى فَنِصْفُ حَظَّيْ ذَكرٍ وَأُنْثَى (وَإِن يبل بالجهتين الْخُنْثَى) واستويا فِي السبقية وَالْكَثْرَة وقف الْقسم إِلَى بُلُوغه إِن كَانَ غير بَالغ على الْمَشْهُور، ووقف حَظّ ذكر فَقَط أَو أَرْبَعَة على مُقَابِله فَإِن نَبتَت لَهُ لحية دون ثدي أَو أمنى من ذكره فَذكر، وَإِن ظهر لَهُ ثدي كَبِير لَا يشبه ثدي الرِّجَال أَو حاض وَلَو دفْعَة فأنثى، فَإِن ثبتَتْ لَهُ اللِّحْيَة والثدي مَعًا أَو أمنى من فرجيه مَعًا أَو بَال مِنْهُمَا مَعًا واستويا فِي الْكَثْرَة والسبقية فَهُوَ خُنْثَى مُشكل دَائِم الْإِشْكَال، وميراثه من قَرِيبه حِينَئِذٍ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: (فَنصف حظي ذكر وَأُنْثَى) هُوَ الْوَاجِب لَهُ أَي نصف نصِيبه بِتَقْدِير كَونه ذكرا وَنصف نصِيبه بِتَقْدِير كَونه أُنْثَى، فَإِذا كَانَ لَهُ على تَقْدِير الذكورىة سَهْمَان، وعَلى تَقْدِير الأنوثية سهم وَاحِد فَيعْطى نصف النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ سهم وَنصف، وَهَذَا إِذا كَانَ يَرث بِكُل التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِن كَانَ يَرث بِتَقْدِير الذُّكُورَة فَقَط كعم أَو(2/699)
ابْن أَخ أَو بالأنوثة فَقَط كالأخت فِي الأكدرية فَيعْطى نصف مَا يَرث بِهِ وَإِن اسْتَوَى إِرْثه بهما كأخ لأم أعطي السُّدس كَامِلا. وَاعْلَم أَن الْخُنْثَى منحصر فِي الْأَوْلَاد وَأَوْلَادهمْ وَالإِخْوَة وَأَبْنَائِهِمْ والأعمام وَأَبْنَائِهِمْ والموالي وَلَا يَرث الْوَلَاء إِلَّا حَيْثُ يَرِثهُ النِّسَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بعاصب إِذْ لَا يستكمل المَال كُله، وَلَا يتَصَوَّر أَن يكون أَبَا وَلَا أما وَلَا جدا وَلَا جدة وَلَا زوجا وَلَا زَوْجَة لمنع منا كحته مَا دَامَ مُشكلا. قَالَ الزّرْقَانِيّ وَغَيره: فَإِن وَقع وَتزَوج وَولد لَهُ فَلَا شكّ أَن الْولادَة إِن حصلت من الْبَطن فَهُوَ أُنْثَى وَإِن حصلت من الظّهْر فَهُوَ ذكر إِلَّا أَن الْولادَة من الظّهْر لَا يكَاد يقطع بهَا، وَقد قيل أَنَّهَا نزلت بعلي رَضِي الله عَنهُ فِي رجل تزوج بخنثى وأصابها، فَوَقع الْخُنْثَى على جَارِيَة لَهَا فأحبلتها فَأمر عَليّ رَضِي الله عَنهُ بعدِّ أضلاع الْخُنْثَى، فَإِذا هُوَ رجل فزياه بزِي الرِّجَال وَفرق بَينهمَا، فَإِن ولد من الظّهْر والبطن فقد ذكر فِي الْمُقدمَات أَنه يَرث من ابْنه لصلبه مِيرَاث الْأَب كَامِلا، وَمن ابْنه لبطنه مِيرَاث الْأُم كَامِلا اه. وَلَا مِيرَاث بَين وَلَدي الظّهْر والبطن لِأَنَّهُمَا لم يجتمعا فِي ظهر وَلَا بطن فليسا أبوين لأَب وَلَا لأم، وَعَلِيهِ فَلَا يعْتق أَحدهمَا على الآخر إِذا ملكه، وَبِه تعلم أَن قَوْلهم لَا يتَصَوَّر أَن يكون أَبَا وَلَا أما وَلَا جدا وَلَا جدة بَاطِل، بل يتَصَوَّر، وَذَلِكَ كَمَا رَأَيْته وَيتَصَوَّر أَيْضا بِأَن يُوطأ بِشُبْهَة أَو غلط أَو زنا أَو لكَونه لم يعلم بِحرْمَة مناكحته وَهَكَذَا، وَقَول النَّاظِم: فَنصف حظي ذكر وَأُنْثَى الخ. هَذَا فِي الْخُنْثَى الْوَاحِد فَإِن هلك وَترك خُنْثَى وَاحِدًا وَمَعَهُ وَارِث مُحَقّق الذُّكُورَة أَو الْأُنُوثَة أَو بَيت المَال، فَإنَّك تصحح الْمَسْأَلَة على تَقْدِير تذكيره فَقَط وعَلى تَقْدِير تأنيثه فَقَط، ثمَّ انْظُر مَا بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ من تماثل فيكتفي بِأحد المثلين أَو تدَاخل فيكتفي بأكبرهما أَو توَافق فَتضْرب وفْق أَحدهمَا فِي كَامِل الآخر أَو تبَاين فَتضْرب الْكل فِي الْكل، ثمَّ اضْرِب الْخَارِج فِي حالتي الْخُنْثَى، واقسم الْخَارِج على التَّقْدِيرَيْنِ، فَمَا اجْتمع لَهُ فيهمَا فاعطه نصفه، وَكَذَلِكَ غَيره مِمَّن مَعَه فِي الْفَرِيضَة. مِثَاله: لَو هلك وَترك خُنْثَى وَاحِدًا وعاصباً وَلَو بَيت مَال فعلى تَقْدِير كَونه ذكرا لَهُ الْجَمِيع، وعَلى تَقْدِير كَونه أُنْثَى لَهُ النّصْف من(2/700)
اثْنَيْنِ وَبَين الْمَسْأَلَتَيْنِ التَّدَاخُل لِأَن الْوَاحِد دَاخل فِي الِاثْنَيْنِ، فتكتفي بِأَحَدِهِمَا واضربهما فِي حالتي الْخُنْثَى بأَرْبعَة لَهُ فِي التَّذْكِير أَرْبَعَة بِتَمَامِهَا. وَفِي التَّأْنِيث اثْنَان نصف الْأَرْبَعَة فمجموع مَا اجْتمع لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ سِتَّة فاعطه نصفهَا وَهُوَ ثَلَاثَة واعط للعاصب وَاحِدًا لِأَنَّهُ نصف مَا بِيَدِهِ، وَكَذَا لَو ترك خُنْثَى وبنتاً فالتذكير من ثَلَاثَة، والتأنيث من ثَلَاثَة أَيْضا فَبين مسألتيه التَّمَاثُل فتكتفي بِأحد المثلين، وَاضْرِبْهُ فِي حالتي الْخُنْثَى يخرج لَهُ سِتَّة فِي الذُّكُورَة مِنْهَا: أَرْبَعَة وَفِي الْأُنُوثَة اثْنَان فمجموع مَا بِيَدِهِ سِتَّة أَيْضا اعطه نصفهَا وَهُوَ ثَلَاثَة وبيد الْبِنْت أَرْبَعَة تَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ اثْنَان يبْقى وَاحِد يَأْخُذهُ العاصب، وَمِثَال التباين لَو ترك ابْنا وَخُنْثَى، فعلى ذكوريته الْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ، وعَلى أنوثته الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة، وَبَينهمَا التباين فَتضْرب الْكل فِي الْكل بِسِتَّة، ثمَّ اضربها فِي حالتي الْخُنْثَى بِاثْنَيْ عشر، فعلى الذكورية لكل وَاحِد سِتَّة، وعَلى الْأُنُوثَة لَهُ أَرْبَعَة وللابن ثَمَانِيَة، فمجموع حظيه فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة عشرَة، فَيَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ خَمْسَة ومجموع مَا بيد الابْن أَرْبَعَة عشر فَيَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ سَبْعَة. هَذَا كُله فِي الْخُنْثَى الْوَاحِد، وَأما إِذا ترك خنثيين فَإنَّك تصحح الْمَسْأَلَة على أَربع تقديرات على تَقْدِير كَونهمَا ذكرين مَعًا أَو أنثيين مَعًا أَو الْأَكْبَر ذكرا والأصغر أُنْثَى، وَبِالْعَكْسِ. ثمَّ انْظُر مَا بَين الْمسَائِل من تماثل وتداخل وتوافق وتباين على نَحْو مَا تقدم، وَاضْرِبْ الْخَارِج فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة واعط لكل وَاحِد ربع مَا اجْتمع لَهُ لَا نصف مَا اجْتمع لَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم النّظم، وَإِن كَانَ الخناثى ثَلَاثَة فصحح الْمَسْأَلَة على ثَمَان تقديرات، واعط لكل وَاحِد ثمن مَا اجْتمع لَهُ، وَهَكَذَا إِذْ نِسْبَة الْوَاحِد الهوائي لحالتي الخنثي الْوَاحِد النّصْف، ولأربعة أَحْوَال الخنثين الرّبع، ولثمانية أَحْوَال الخناثى الثَّلَاثَة الثّمن، وَقس على ذَلِك. فَلَو ترك خنثين وعاصباً فالتذكير من اثْنَيْنِ والتأنيث من ثَلَاثَة لَهما الثُّلُثَانِ وللعاصب الثُّلُث وَهُوَ وَاحِد، وعَلى تَقْدِير كَون الْأَكْبَر ذكر أَو الْأَصْغَر أُنْثَى وَبِالْعَكْسِ الْمَسْأَلَة من ثَلَاثَة أَيْضا، فَهَذِهِ الْفَرَائِض الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة مماثلة فتكتفي بِوَاحِدَة مِنْهَا وتضربه فِي اثْنَيْنِ الَّتِي هِيَ فَرِيضَة تذكيرهما مَعًا لمباينتها لَهَا يخرج لَك سِتَّة اضربها فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة بأَرْبعَة وَعشْرين أقسمها على كل حَال من الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة يحصل لكل خُنْثَى فِي تذكيرهما مَعًا اثْنَا عشر، وَلكُل مِنْهُمَا فِي تأنيثهما مَعًا ثَمَانِيَة، وللعاصب ثَمَانِيَة وَيحصل للأكبر فِي تذكيره فَقَط سِتَّة عشر، وَفِي تأنيثه فَقَط ثَمَانِيَة وَيحصل للأصغر فِي تذكيره وتأنيثه مثله، فيجتمع لكل مِنْهُمَا فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ، وللعاصب ثَمَانِيَة وَنسبَة الْوَاحِد الهوائي إِلَى الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة ربع فَيعْطى كل وَارِث ربع مَا اجْتمع لَهُ فَالْكل من الخنثيين أحد عشر، وللعاصب اثْنَان. تَتِمَّة: أول من حكم فِي الْخُنْثَى فِي الْإِسْلَام عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، وَأول من حكم فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّة عَامر بن الظرب بِكَسْر الرَّاء كَمَا فِي الصِّحَاح كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة لَا تقع لَهُم معضلة إِلَّا اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ وَرَضوا بِحكمِهِ فَسَأَلُوهُ عَن خُنْثَى أتجعله ذكرا أَو أُنْثَى فَقَالَ: امهلوني وَبَات ليلته ساهراً، وَكَانَت لَهُ جَارِيَة اسْمهَا سخيلة ترعى لَهُ غنما وَكَانَت تَأَخّر السراح والرواح حَتَّى تسبق، وَكَانَ يعاتبها على ذَلِك وَيَقُول: أَصبَحت يَا سخيلة أمسيت يَا سخيلة، فَلَمَّا رَأَتْ سهره وقلقه قَالَت لَهُ: مَا لَك فِي ليلتك هَذِه ساهراً؟ قَالَ: وَيحك دعِي أمرا لَيْسَ من شَأْنك، وَيُقَال: إِنَّهَا قَالَت لَهُ ذَلِك بعد إقامتهم عِنْده أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهُوَ يذبح لَهُم فَقَالَت لَهُ: إِن مقَام هَؤُلَاءِ أسْرع فِي غنمك، وَسَأَلته عَمَّا نزل بِهِ فَذكره لَهَا بعد أَن راجعته مرَارًا فَقَالَت:(2/701)
سُبْحَانَ الله اتبع الْقَضَاء للمبال. فَقَالَ: فرجتها وَالله يَا سخيلة أمسيت بعد هَذَا أم أَصبَحت، فَخرج حِين أصبح فَقضى بذلك. قلت: وَيُسْتَفَاد من هَذِه الْقَضِيَّة فَوَائِد: مِنْهَا أَن فِي ذَلِك ردعاً ومزدجراً لجهلة الْقُضَاة والمفتيين، فَإِن هَذَا مُشْرك توقف فِي حكم حَادِثَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم يتجرأ على أَن يحكم بِغَيْر علم، وَقد كَانَت الصَّحَابَة الَّذين هم أعلم الْأمة يتوقفون وَلَا يبادرون. قَالَ ابْن أبي ليلى: أدْركْت فِي هَذَا الْمَسْجِد مائَة وَعشْرين من الصَّحَابَة مَا سُئِلَ أحدهم عَن مَسْأَلَة إِلَّا وودَّ أَن صَاحبه كَفاهُ، وَكَانَ بَعضهم يحِيل على بعض، وَفِي الْمواق أَن الإِمَام النعالي سُئِلَ من برقة عَمَّن قَالَ لامْرَأَته: إِن فعلت كَذَا فلست لي بِامْرَأَة فَبَقيَ سنة كَامِلَة يَتَأَمَّلهَا فَمَا خرج الحكم بِلُزُوم الطَّلَاق إِلَّا بعد مُضِيّ سنة، وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي قَوْله: أولست لي بِامْرَأَة إِلَّا أَن يعلق فِي الْأَخير. وَمِنْهَا: أَن الْحِكْمَة فِي الْعلم قد يخلقها الله تَعَالَى على لِسَان من لَا يظنّ بِهِ مَعْرفَتهَا كهذه الْأمة وَإِن عجز عَنْهَا أهل الفطنة والعقول الراسخة، وَفِي التَّنْزِيل: يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} (الْبَقَرَة: 269) الْآيَة. وَمِنْهَا: أَنه يَنْبَغِي لمن نزل بِهِ أَمر معضل أَن يَسْتَعِين بِغَيْرِهِ كَمَا فعل هَذَا الجاهلي، وَلَو كَانَ الْغَيْر دونه عقلا وعلماً لِأَنَّهُ قد يُوجد فِي النَّهر مَا لَا يُوجد فِي الْبَحْر. وَمِنْهَا: وجوب الْإِنْصَاف إِذا ظهر الْحق كَمَا أنصف هَذَا الجاهلي لهَذِهِ الْأمة، واعترف لَهَا بِالْحَقِّ وَالْفضل، وَمَا أقبح بالإنسان أَن يَسْتَفِيد ويجحد، وَللَّه در شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ وَكَانَ يتَمَثَّل بِهِ كثيرا حَيْثُ قَالَ: وَإِذا جَلَست إِلَى الرِّجَال وأشرقت فِي جو باطنك الْعُلُوم الشرد فاحذر مناظرة الجهول فَرُبمَا تغتاظ أَنْت ويستفيد ويجحد وَمِنْهَا: أَن المذاكرة سَبَب النَّفْع كَمَا تَذَاكر هَذَا الجاهلي مَعَ هَذِه الْأمة، وَقد قيل فهم سطرين خير من حفظ، وقرين ومذاكرة اثْنَيْنِ خير من هذَيْن وَللَّه در الْقَائِل: وَللَّه قوم كلما جِئْت زَائِرًا وجدت قلوباً كلهَا ملئت حلما إِذا اجْتَمعُوا جاؤا بِكُل فَضِيلَة ويزداد بعض الْقَوْم من بَعضهم علما وَمِنْهَا: أَن قَول الْإِنْسَان لَا أَدْرِي لَا يُنَافِي كَمَال الْعلم والفهم كَمَا فعل الجاهلي حَيْثُ قَالَ: امهلوني. وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ يُسأل عَن عشر مسَائِل، ويجيب عَن وَاحِدَة. وَيَقُول فِي الْبَاقِي: لَا أَدْرِي، وَسُئِلَ مَالك عَن ثَمَان وَأَرْبَعين مَسْأَلَة فَقَالَ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: لَا أَدْرِي، وَمن كَلَامه رَحمَه الله: إِذا سُئِلت عَن علم وَأَنت لَا تعلمه فَقل: لَا أَدْرِي، فَإِن الله يعلمك مَا لم تكن تعلم، وَفِي الحكم من رَأَيْته مجيباً عَن كل مَا سُئِلَ، ومعبراً لكل مَا شهد، وذاكراً لكل مَا علم، فاستدل بذلك على جَهله، وَالْوَاو فِي كَلَامه بِمَعْنى (أَو) إِذْ كل من الثَّلَاثَة دَلِيل الْجَهْل، وَذَلِكَ لِأَن الْجَواب عَن كل سُؤال يتَضَمَّن دَعْوَى الْإِحَاطَة بِالْعلمِ وَلَيْسَت إِلَّا لعلام الغيوب. وَمِنْهَا: أَن الرياسة لَا تحصل إِلَّا بِالْعلمِ إِذْ النُّفُوس لَا تذعن إِلَّا لمن كَانَ أعلم مِنْهَا، فالعرب إِنَّمَا اتَّخذُوا ابْن الظرب رَئِيسا لما اعتقدوا فِيهِ من فهم المشكلات وَحل المعضلات، وَلم يخلق الله تَعَالَى أشرف مَعَ الْعلم، وَبِه شرفت الْمَلَائِكَة والأنبياء، وَمن أَجله سجدت الْمَلَائِكَة لآدَم حِين علمه ربه الْأَسْمَاء، وَلم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ نبيه بِطَلَب الزِّيَادَة من شَيْء إِلَّا من الْعلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد وَقل رب زِدْنِي علما، وَلذَا حث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام على طلبه فَقَالَ (اطْلُبُوا الْعلم وَلَو(2/702)
بالصين) وَقَالَ (كل يَوْم لَا أزداد فِيهِ علما يقربنِي إِلَى الله فَلَا بورك لي فِي طُلُوع شمس ذَلِك الْيَوْم) فَقَالَ الْفُقَهَاء: الْعلم الَّذِي يطْلب وَلَو بالصين هُوَ علم الْحَلَال وَالْحرَام، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ علم كتاب الله الْعَزِيز، وَقَالَ المحدثون: هُوَ علم الحَدِيث، وَقَالَ الصُّوفِيَّة: هُوَ علم النَّفس، وَالصَّحِيح أَن الحَدِيث الْكَرِيم شَامِل لذَلِك كُله، إِذْ علم الْحَلَال وَالْحرَام مستنبط من الْكتاب وَالسّنة وَعلم النَّفس رَاجع إِلَى ذَلِك كُله. وَهَذَا كُله فِي الْعلم النافع إِذْ مَا من فضل ورد فِيهِ إِلَّا وَهُوَ خَاص بِهِ، فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (الْعلم علمَان علم فِي اللِّسَان فَقَط وَهُوَ حجَّة الله على عَبده، وَعلم فِي الْقلب وَهُوَ الْعلم النافع) . قَالَ أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ، وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا: كل علم لَا يُورث لصَاحبه خشيَة فِي قلبه وَلَا تواضعاً وَلَا نصيحة لخلقه وَلَا شَفَقَة عَلَيْهِم وَلَا امتثالاً للأوامر وَلَا اجتناباً للنواهي وَلَا حفظا للجوارح، فَهُوَ الْعلم المحجوج بِهِ العَبْد الْمَحْفُوظ فِي اللِّسَان فَقَط، إِذْ الشَّهَوَات غالبة عَلَيْهِ أطفأت نوره وأذهبت ثَمَرَته وَهُوَ الْعلم الْغَيْر النافع، وكل علم تمكن فِي الْقلب وَحصل بِهِ تَعْظِيم الرب وأورث لصَاحبه خشيَة وتواضعاً ونصيحة لِلْخلقِ وشفقة عَلَيْهِم، وامتثال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي فَهُوَ الْعلم النافع، وَقد استعاذ عَلَيْهِ السَّلَام من علم لَا ينفع فَقَالَ (أعوذ بِاللَّه من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع) وَقَالَ: (مَا آتى لله عبدا علما فازداد للدنيا حبا إِلَّا ازْدَادَ من الله غَضبا وبعداً) : وَقَالَ: (أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لَا يَنْفَعهُ علمه) وَقَالَ تَعَالَى: يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} (الْأَحْزَاب: 30) الْآيَة. وَمَا ذَاك إِلَّا لكونهن رَضِي الله عَنْهُن أعلم النَّاس بِشَرِيعَتِهِ وسنته فبمخالفتهن لشريعته مَعَ علمهن بهَا وَجَبت مضاعفة الْعَذَاب وَالْخطاب لَهُنَّ وَلِجَمِيعِ الْأمة، لِأَن الْعَالم إِذا خرج عَن الطَّرِيق تبعه الْجَاهِل، واعتقد أَن ذَلِك حَلَال فَيكون هَذَا الْخَارِج قد أهلك نَفسه وَأهْلك غَيره كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (إِن الله لَا ينْزع الْعلم من صُدُور الرِّجَال انتزاعاً وَلَكِن يقبضهُ بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوهم بِغَيْر علم فقد ضلوا وأضلوا أَي هَلَكُوا وأهلكوا) . وَقَوله: بِغَيْر علم يَعْنِي إِمَّا عَن جهل ابْتِدَاء وَإِمَّا بعد علم، وَأفْتى بِغَيْر علم عمدا وَإِثْبَات الضلال والهلاك للأتباع يدل على أَنهم لَا يعذرُونَ بخطئهم فِي الإعتقاد وَهُوَ صَرِيح قَوْله تَعَالَى: رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار} (الْأَعْرَاف: 38) يَعْنِي أَن الْكفَّار يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة: رَبنَا هَؤُلَاءِ الْأَحْبَار والرؤساء أضلونا، وَزَعَمُوا أَن مَا يدعوننا إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان وَاتِّبَاع الشَّهَوَات وَمُخَالفَة الْأَنْبِيَاء هُوَ الطَّرِيق الْحق فاعتقدنا ذَلِك. وَنحن لَا نعلم فاعذرنا وآتهم عذَابا ضعفا من النَّار. قَالَ تَعَالَى: لكل ضعف} (الْأَعْرَاف: 38) فسوى بَين الْمَتْبُوع وَالتَّابِع فِي مضاعفة الْعَذَاب وَلم يعْذر التَّابِع بخطئه فِي اعْتِقَاده، وَقَوْلهمْ من قلد عَالما لَقِي الله سالما مَعْنَاهُ إِذا كَانَ الْعَالم مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالتَّقوى، فالتقوى تَمنعهُ من أَن يَقُول بَاطِلا، وَالْعلم يعرف بِهِ مَا يَقُول، وَإِن لم يكن كَذَلِك، فَلَا يجوز استفتاؤه وَلَا تَقْلِيده ومقلده مغرور لَاحق لَهُ الْوَعيد الْمَذْكُور. وَابْنُ اللّعان إرْثُهُ بأُمِّهِ مَا كَانَ وَالسُّدُسُ أقْصى سَهْمِهِ (و) لَا يَرث ملاعن من ملاعنة التعنت بعده فَإِن مَاتَ قبل التعانها ورثهَا، وَكَذَا لَا تَرث(2/703)
ملاعنة من زَوجهَا الملتعن قبلهَا لَا إِن التعنت هِيَ قبله وَمَات قبل التعانه فترث، فَإِن مَاتَ بعد التعانه الْوَاقِع قبل التعانها فعلى القَوْل بِوُجُوب إِعَادَتهَا تَرثه، وعَلى مُقَابِله لَا تَرثه هَذَا حكم الزَّوْجَيْنِ المتلاعنين، وَأما (ابْن اللّعان) الَّذِي وَقع اللّعان فِيهِ فَإِنَّمَا (إِرْثه بِأُمِّهِ) فَقَط (مَا كَانَ) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا فَلَا يَرِثهُ أَبوهُ الْملَاعن فِيهِ وَلَا يَرث هُوَ أَبَاهُ لانْقِطَاع نسبه مِنْهُ بِاللّعانِ إِلَّا أَن يستلحقه فيجلد أَبوهُ للقذف، وَيَقَع التَّوَارُث بَينه وَبَين أَبِيه حِينَئِذٍ، وَإِذا ثَبت إِرْثه بِأُمِّهِ فَمَاتَتْ فيرثها أَو مَاتَ هُوَ فترث مِنْهُ فَرضهَا وترث مِنْهُ جدته لأمه إِن لم تكن هُنَاكَ أم دون جدته لِأَبِيهِ، وَإِذا مَاتَ أَخُوهُ الْملَاعن فِيهِ أَو غَيره وَرثهُ. (وَالسُّدُس أقْصَى سَهْمه) مِنْهُ حَيْثُ اتَّحد فَإِن تعدد ورث الثُّلُث كَمَا تقدم فِي الْإِخْوَة للْأُم من أَن الْوَاحِد مِنْهُم لَهُ السُّدس والمتعدد لَهُ الثُّلُث. وَتَوْأَمَاهُ هَبْهُمَا تَعَدَّدَا هُما شَقِيقَانِ فِي الإرْثِ أَبَدَا (وتوأماه) أَي اللّعان يَعْنِي توأمي الْحمل الَّذِي وَقع اللّعان فِيهِ (هبهما تعددا) بِأَن وضعت ثَلَاثًا أَو أَرْبعا من ذَلِك الْحمل (هما شقيقان فِي الْإِرْث أبدا) فَإِذا مَاتَ أحد التوأمين انْفَرد التوأم الآخر بإرثه حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ أم وَلَا إخْوَة لأم، فَإِن كَانُوا ورثت أمه السُّدس وَإِخْوَته لأمه الَّذين لم يَقع اللّعان فيهم الثُّلُث وَورث التوأم الْبَاقِي مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ، وَفهم مِنْهُ أَن غير التوأمين ليسَا شقيقين، فَإِذا وَقع اللّعان فِي أَرْبَعَة أَوْلَاد كل وَاحِد من حمل، فَإِنَّمَا يتوارثون إِذا مَاتَ أحدهم بالإخوة للْأُم فَقَط، وَمثل توأمي الْمُلَاعنَة توأما المستأمنة والمسبية بِخِلَاف توأمي الزَّانِيَة والمغتصبة، فَإِن توارثهما بالإخوة للْأُم فَقَط على الْمَشْهُور.
(خَاتِمَة)
وَمَا قَصَدتُ جَمْعَهُ هنَا انْتَهَى وَالحمدُ لله بِغيْرِ مُنْتَهَى (وَمَا قصدت جمعه) من تَقْرِير الْأَحْكَام الَّتِي يكثر دورانها بَين الْقُضَاة والحكام (هُنَا انْتهى) وكمل. وَلما كَانَ إلهامه لهَذَا التَّأْلِيف وَخلق الْقُدْرَة لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى أتمه من أجل النعم، ومهماتها حمد الله تَعَالَى على ذَلِك بقوله: (وَالْحَمْد لله بِغَيْر مُنْتَهى) إِذْ كل نعْمَة تستوجب حمداً عَلَيْهَا، وَلَا سِيمَا النِّعْمَة الَّتِي يَدُوم ثَوَابهَا لصَاحِبهَا بدوام الِانْتِفَاع بهَا كالتأليف لِأَنَّهُ من الْأَعْمَال الَّتِي لَا تَنْقَطِع بِالْمَوْتِ لحَدِيث: (إِذا مَاتَ الْمَرْء انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ أَو علم يبثه فِي صُدُور الرِّجَال) . وبالصَّلاةِ خَتْمُهُ كَمَا ابْتُدِي عَلى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحمّدِ(2/704)
(وبالصلاة) خبر عَن قَوْله (خَتمه) وضميره للنظم الَّذِي قصد جمعه (كَمَا ابتدي) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه عَائِد على النّظم، وَمَا مَصْدَرِيَّة وَالْكَاف تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْجُمْلَة خبرية قصد بهَا الْإِنْشَاء أَي: وانشىء مختم هَذَا النّظم بِالصَّلَاةِ كابتدائه بهَا تبركاً بهَا فِي المحلين لما قيل من إِنَّهَا مَقْبُولَة قطعا، وَالْمولى سُبْحَانَهُ أكْرم من أَن يقبل للصلاتين ويدع مَا بَينهمَا (على الرَّسُول) يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ وَهُوَ إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه (الْمُصْطَفى) الْمُخْتَار من جَمِيع الْخلق (مُحَمَّد) بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة ابْن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس ابْن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ مَا كُوِّرَ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ (وَآله) هم أَقَاربه الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم، وَقيل: وَالْمطلب وَهُوَ أَخُو هَاشم، وَقيل هم بَنو قصي، وَقيل كل من اتبعهُ وآمن بِهِ فَهُوَ من آله (وَصَحبه) اسْم جمع لصَاحب بِمَعْنى الصَّحَابِيّ لَا جمع لصَاحب الَّذِي هُوَ مُطلق الصُّحْبَة لِأَن الصَّحَابِيّ أخص، إِذْ هُوَ كل من اجْتمع مُؤمنا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَرَآهُ أَو لم يره وَمُطلق الصاحب أَعم (الأخيار) جمع خير بعد تخفيفه وَالْخَيْر الْمُخْتَار. قَالَ تَعَالَى: كُنْتُم خير أمة} (آل عمرَان: 110) ثمَّ وقّت هَذِه الصَّلَاة بِمَا يُفِيد الدَّوَام والاستمرار فَقَالَ: (مَا) ظرفية مصدريه (كور) أَي أَدخل (اللَّيْل على النَّهَار) فيزيد وَأدْخل النَّهَار على اللَّيْل فيزيد أَيْضا أَي مُدَّة تكوير أَحدهمَا على الآخر، وَذَلِكَ مُدَّة بَقَاء الدُّنْيَا. قَالَ مُقَيّد هَذَا الشَّرْح الْمُبَارك عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي السبراري: هَذَا آخر مَا قصدناه من شرح هَذَا النّظم الْمقسم، فَالْحَمْد لله على مَا أنعم وألهم فجَاء شرحاً موفياً للمرام جَامعا إِن شَاءَ الله لأشتات الْمسَائِل الَّتِي يكثر نُزُولهَا بَين الْحُكَّام ينْتَفع بِهِ البادي ويستحسنه الشادي، وَهَا أَنا أختمه أَيْضا اقْتِدَاء بمؤلفه رَحمَه الله بِالْحَمْد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدد مَا ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون، وَعدد مَا فِي علم الله من يَوْم خلق الدُّنْيَا إِلَى قيام السَّاعَة وأحمده تَعَالَى بِجَمِيعِ محامده كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم على نعمه كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أثنى على نَفسه، وأسأله تَعَالَى(2/705)
أَن ينفع بِهِ من كتبه أَو طالعه أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ نفعا يَدُوم بدوام الله مدده، وَيبقى لآخر الْأَبَد مدده، وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مُوجبا للخلود مَعَ الْأَحِبَّة وَالْمُسْلِمين فِي جنَّة النَّعيم بجاه عين الرَّحْمَة الْوَاسِطَة فِي كل نعمه سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْكَرِيم الْقَائِل: توسلوا بجاهي فَإِن جاهي عِنْد الله عَظِيم، وأعتذر لِذَوي الْأَلْبَاب من الْخلَل الْوَاقِع فِيهِ فينظرونه بِعَين الرِّضَا، ويتأولون مَا بِهِ الْقَلَم طَغى من لفظ لَا يحاكيه وَلَا يدانيه أَو معنى لَا يوافيه وَلَا يجاريه وَالله يجازي الْجَمِيع على نِيَّته بِخَير الدَّاريْنِ خير الدُّنْيَا وَخير الْآخِرَة وَيَعْفُو عَمَّا اقترفه الْكل عفوا يُحِيط بِالذنُوبِ الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جواد كريم لَا تَنْفَعهُ طَاعَة وَلَا تضره مَعْصِيّة وَلَا ينقص ملكه بمجاوزته عَن عبد مثلي عَظِيم الْفِرْيَة، اللَّهُمَّ رب كل شَيْء وَولي كل شَيْء وقاهر كل شَيْء وفاطر كل شَيْء، والعالم بِكُل شَيْء، وَالْحَاكِم على كل شَيْء، والقادر على كل شَيْء، بقدرتك على كل شَيْء اغْفِر لي وَلمن نظر فِي هَذَا الْكتاب وَالْمُسْلِمين كل شَيْء. وهب لنا وَلَهُم كل شَيْء، وَلَا تسألنا عَن شَيْء وَلَا تحاسبنا بِشَيْء إِنَّك على كل شَيْء قدير، وبالإجابة جدير، وَيرْحَم الله عبدا يَقُول: آمين وَسَلام على كَافَّة رسل الله أَجْمَعِينَ، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَوَافَقَ الْفَرَاغ من تأليفه يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شَوَّال عَام سِتَّة وخسمين وَمِائَتَيْنِ وَألف.(2/706)
قيل لأبي الدَّرْدَاء: فلَان أعتق مائَة رَقَبَة. فَقَالَ: إِيمَان ملزوم وَلِسَانك رطب بِذكر الله أفضل من ذَلِك، وَالْقلب الخاشع هُوَ الَّذِي مَاتَت شهواته فذلت النَّفس لله وبرئت من الْكبر وَالْعجب وسيئ الْأَخْلَاق وخشع الْقلب بِمَا طالع من جلال الله الْملك الْحق وعظمته، وَالْعلم النافع هُوَ الَّذِي تمكن فِي الصَّدْر وتصور وانشرح بِهِ الْقلب وتنور، وَذَلِكَ أَن النُّور إِذا أشرق فِي الْقلب فصغرت الأمورحسنها وسيئها كل مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَوَقع لذَلِك ظلّ الصَّدْر هُوَ صُورَة الْأُمُور فَيَأْتِي حسنها ويجتنب سيئها، فَذَلِك الْعلم النافع من نور الْقلب خرجت تِلْكَ المعالم إِلَى الصُّدُور وَهِي عَلَامَات الْهدى وَمَا تعلمه قبل ذَلِك هُوَ علم اللِّسَان إِنَّمَا هُوَ شَيْء قد استودع الْحِفْظ والشهوة غالبة عَلَيْهِ، وَإِذا غلبت عَلَيْهِ أذهبت بضلمتها ضوءه فَلَا يكون بِهِ منتفع، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من علم لَا ينفع وقلب لَا يخشع وَدُعَاء لَا يسمع وَنَفس لَا تشبع، نَعُوذ بك من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع ونسألك علما نَافِعًا وَعَملا صَالحا متقبلاً وَرِزْقًا وَاسِعًا حَلَالا وعمراً طَويلا مُبَارَكًا، ونسألك الْعَافِيَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أبسط علينا رحمتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وانشر علينا رحمتك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة واتمم علينا نِعْمَتك يَا أكْرم الأكرمين، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك عَيْشًا قاراً وَعَملا باراً وَرِزْقًا دَارا وعافية كَامِلَة ونعمة شَامِلَة فَإِنَّهُ لَا غنى لنا عَن خيرك وبركتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ صلِّ وَسلم على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي الحبيب العالي الْقدر الْعَظِيم الجاه عدد ذرات الكونين وأنفاس الثقلَيْن، وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ آمين. وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك الْعَفو والعافية وَالْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لنا ولوالدينا وَأَوْلَادنَا وإخواننا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، وخصوصاً المحبين والمعتقدين وَأَن تَنْفَع بِهَذَا التَّأْلِيف من كتبه أَو قَرَأَهُ أَو حصله أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ بِفَضْلِك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ. يَا رب الْعَالمين أَنْت ولينا ومولانا وَنعم الْمولى وَنعم النصير، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك، عَلَيْك توكلت وَإِلَيْك أنيب وَلَا ملْجأ لي مِنْك إِلَّا إِلَيْك، فَاغْفِر بِفَضْلِك مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا علمت يداي وَمَا سطرته الحفظه عَليّ يَا كريم الصفح يَا عَظِيم الْمَنّ يَا حسن التجاوز يَا خير المسؤولين. وَيَا أكْرم المعطين، اللَّهُمَّ شفع فِينَا سيدنَا ومولانا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. قَالَ مُقَيّد هَذَا الشَّرْح الْمُبَارك عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي السبراري: هَذَا آخر مَا قصدناه من شرح هَذَا النّظم الْمقسم، فَالْحَمْد لله على مَا أنعم وألهم فجَاء شرحاً موفياً للمرام جَامعا إِن شَاءَ الله لأشتات الْمسَائِل الَّتِي يكثر نُزُولهَا بَين الْحُكَّام ينْتَفع بِهِ البادي ويستحسنه الشادي، وَهَا أَنا أختمه أَيْضا اقْتِدَاء بمؤلفه رَحمَه الله بِالْحَمْد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدد مَا ذكره الذاكرون وغفل عَن ذكره الغافلون، وَعدد مَا فِي علم الله من يَوْم خلق الدُّنْيَا إِلَى قيام السَّاعَة وأحمده تَعَالَى بِجَمِيعِ محامده كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم على نعمه كلهَا مَا علمت مِنْهَا وَمَا لم أعلم حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أثنى على نَفسه، وأسأله تَعَالَى أَن ينفع بِهِ من كتبه أَو طالعه أَو سعى فِي شَيْء مِنْهُ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ نفعا يَدُوم بدوام الله مدده، وَيبقى لآخر الْأَبَد مدده، وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مُوجبا للخلود مَعَ الْأَحِبَّة وَالْمُسْلِمين فِي جنَّة النَّعيم بجاه عين الرَّحْمَة الْوَاسِطَة فِي كل نعمه سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْكَرِيم الْقَائِل: توسلوا بجاهي فَإِن جاهي عِنْد الله عَظِيم، وأعتذر لِذَوي الْأَلْبَاب من الْخلَل الْوَاقِع فِيهِ فينظرونه بِعَين الرِّضَا، ويتأولون مَا بِهِ الْقَلَم طَغى من لفظ لَا يحاكيه وَلَا يدانيه أَو معنى لَا يوافيه وَلَا يجاريه وَالله يجازي الْجَمِيع على نِيَّته بِخَير الدَّاريْنِ خير الدُّنْيَا وَخير الْآخِرَة وَيَعْفُو عَمَّا اقترفه الْكل عفوا يُحِيط بِالذنُوبِ الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جواد كريم لَا تَنْفَعهُ طَاعَة وَلَا تضره مَعْصِيّة وَلَا ينقص ملكه بمجاوزته عَن عبد مثلي عَظِيم الْفِرْيَة، اللَّهُمَّ رب كل شَيْء وَولي كل شَيْء وقاهر كل شَيْء وفاطر كل شَيْء، والعالم بِكُل شَيْء، وَالْحَاكِم على كل شَيْء، والقادر على كل شَيْء، بقدرتك على كل شَيْء اغْفِر لي وَلمن نظر فِي هَذَا الْكتاب وَالْمُسْلِمين كل شَيْء. وهب لنا وَلَهُم كل شَيْء، وَلَا تسألنا عَن شَيْء وَلَا تحاسبنا بِشَيْء إِنَّك على كل شَيْء قدير، وبالإجابة جدير، وَيرْحَم الله عبدا يَقُول: آمين وَسَلام على كَافَّة رسل الله أَجْمَعِينَ، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَوَافَقَ الْفَرَاغ من تأليفه يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شَوَّال عَام سِتَّة وخسمين وَمِائَتَيْنِ وَألف.(2/707)