الزَّوْجَة فَقَط أَو على الزَّوْج فَقَط أَو على الزَّوْجَيْنِ على القَوْل الْمَرْجُوح يتنزل جَوَاب المزدغي، وَمن ذكر مَعَه لِأَن قبُول الْهَدَايَا وَحُضُور الْوَلِيمَة وَالسُّكُوت حِين الشُّهْرَة أقوى من قَول الْمَتْن وَإِن طَال كثيرا لزم الخ. وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ يُجَاب بِالْقبُولِ غَالِبا أَي غَالب أَحْوَالهم أَن يكون الْإِيجَاب من الْوَلِيّ بِشَيْء من تِلْكَ الْأَلْفَاظ الْمُتَقَدّمَة وتصدر عَنهُ حِينَئِذٍ تِلْكَ الْأَفْعَال، فَيَنْبَغِي أَن يكون الحكم للْغَالِب وَيجْرِي حِينَئِذٍ حكمه على الْوَجْه الَّذِي قبله وَإِن كَانَ قَوْله فِي السُّؤَال فيجاب بِالْقبُولِ الخ. مَعْنَاهُ أَنهم أجابوه بِإِظْهَار مَا يدل عَلَيْهِ من سرُور وميل وَلَيْسَ هُنَاكَ غَالب وَلَا يدْرِي هَل كَانَت هُنَاكَ صِيغَة أم لَا؟ وتوكيل واستئمار أم لَا؟ كَمَا هُوَ ظَاهر جَوَابه بِدَلِيل قَوْله: بِحَيْثُ يرتبون إِلَى قَوْله من إرْسَال الْحِنَّاء، وبدليل قَوْله الدّلَالَة الفعلية أقوى الخ. فَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يتنزل عَلَيْهِ جَوَاب المزدغي وَمن مَعَه لِأَن الْمُحَقق حِينَئِذٍ هُوَ الْميل وَالسُّرُور، وَبعث الْهَدَايَا وقبولها وَغير ذَلِك من الصِّيغَة وَنَحْوهَا مُحْتَمل مَشْكُوك هُوَ فِي حكم الْعَدَم، ونازلة المزدغي صرح السَّائِل فِيهَا بِالْعقدِ فَظَاهره أَنه إِنَّمَا فَاتَ فِيهَا التَّوْكِيل والاستئمار وَغير ذَلِك من الْأَركان كُله مَوْجُود، وَهَذَا لَا يتنزل عَلَيْهِ جَوَاب اليقيني إِن قُلْنَا أَن قَوْله فِي السُّؤَال اتَّفقُوا مَعْنَاهُ تعاقدوا كَمَا مرّ، وَأما إِن قُلْنَا مَعْنَاهُ وَقع مِنْهُم مَا يدل على الِاتِّفَاق وَلَا يدْرِي بِمَاذَا هُوَ وَلَا أَنه كَانَ بِحُضُور الْمَرْأَة أَو توكيلها وَلَا يَدْرُونَ ذَلِك فَهُوَ حِينَئِذٍ أشبه شَيْء بِهَذَا الِاحْتِمَال الَّذِي نَحن فِيهِ، لَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يُعلل بِعَدَمِ الْإِشْهَاد وَلَا بفقد الصِّيغَة، بل بِعَدَمِ وجود العقد من أَصله إِذْ الْمُحَقق حِينَئِذٍ هُوَ وجود تِلْكَ الْأَفْعَال وَغَيرهَا مُحْتَمل فِي حكم الْعَدَم وَهِي وَحدهَا لَا دلَالَة فِيهَا على العقد لِأَنَّهَا مُحْتَملَة للْعقد والوعد والمحتمل لَا دلَالَة فِيهِ، فَإِن كَانَت عَادَتهم وغالب أَحْوَالهم أَنهم يُرِيدُونَ بهَا انبرام العقد، وَأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا بعده فَيحسن حِينَئِذٍ التَّعْلِيل بِفَوَات الصِّيغَة الَّتِي هِيَ اللَّفْظ الدَّال على التَّزْوِيج والتزوج الخ. وَمُقَابِله من يَقُول أَن النِّكَاح ينْعَقد بِغَيْر صِيغَة بل بِإِشَارَة وَنَحْوهَا وَلَو مِمَّن يَتَأَتَّى مِنْهُ النُّطْق وَهُوَ ظَاهر قَول الْمقري فِي قَوَاعِده كل نِكَاح، فَالْمُعْتَبر فِي انْعِقَاده مَا دلّ على مَعْنَاهُ لَا فِي صِيغَة مَخْصُوصَة وَيكون حِينَئِذٍ الْخلاف فِي الْقسم الأول من أَقسَام صدر الْجَواب لَا فِي الْقسم الثَّالِث الَّذِي هُوَ جهل الْحَال بِمَا يُرِيدُونَ بِتِلْكَ الْأَفْعَال لما علمت من أَن الْمُحْتَمل لَا تثبت بِهِ الْأَحْكَام، وَبِالْجُمْلَةِ إِن حملنَا السُّؤَال فِي الأمليسية على الْمَعْنى الأول، فَالْحكم ظَاهر وَإِن حملناه على الثَّانِي كَمَا هُوَ مُقْتَضى جَوَاب سَيِّدي إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فَلَا يحسن الِاسْتِدْلَال بِمَا للمزدغي وَلَا بِمَا للبقيني إِن قُلْنَا أَن قَوْله فِي السُّؤَال اتَّفقُوا مَعْنَاهُ تعاقدوا، وَإِن قُلْنَا مَعْنَاهُ وَقع بَينهم اتِّفَاق فيفصل فَإِن كَانَ غَالب أَحْوَالهم أَنهم يقصدون بِتِلْكَ الْأَفْعَال الانبرام فَيجْرِي الْخلاف بَين من يشْتَرط الصِّيغَة الْمَخْصُوصَة وَمن لَا يشترطها كالمقري فِي أول الْأَقْسَام فَقَط لَا بَين من يشْتَرط الصِّيغَة وَبَين المزدغي الْمَذْكُور وَلَا فِي الْقسم الثَّالِث إِذْ الْأَفْعَال المحتملة لَا يثبت بهَا نِكَاح. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال وَجه الِاسْتِدْلَال بِمَا للمزدغي أَن رضَا الزَّوْجَة من أَرْكَان النِّكَاح، وَقد قَامَ مقَام رِضَاهَا أكلهَا وصبغها بِالْحِنَّاءِ أَو حُضُور وليمتها وَنَحْو ذَلِك. وَإِذا قَامَت الدّلَالَة الفعلية مقَام ركن من جَانب فَكَذَلِك تقوم مقَامه من جَمِيع الجوانب كَمَا فِي نازلتنا لكنه يحْتَاج لوصي بسفر عَنهُ، وَيكون حِينَئِذٍ مَا للمزدغي تَقْوِيَة لما للمقري من عدم اشْتِرَاط صِيغَة مَخْصُوصَة فتحسن الْمُقَابلَة حِينَئِذٍ بَين المزدغي، وَمن يشْتَرط صِيغَة مَخْصُوصَة لَكِن فِي الْقسم الأول فَقَط كَمَا مرّ لِأَن للمزدغي وَمن مَعَه إِنَّمَا هُوَ لكَون الْعَادة قطعت بِأَن ذَلِك الْفِعْل يدل على رِضَاهَا. وعَلى الْقسم(1/386)
الأول يَنْبَغِي أَن يحمل قَول ناظم الْعَمَل: وَفِي النِّكَاح إِن بدا الْقبُول الخ. فَتَأمل هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ بإنصاف وَلَا تغتر بِمَا سبق للأذهان من الانحراف. فَإِن قلت: الزَّوْجَة فِي نازلة المزدغي وَمن مَعَه مفتات عَلَيْهَا وَحكمهَا مَنْصُوص للأقدمين كَمَا قَالَ (خَ) أَو أَفْتيت عَلَيْهَا وَصَحَّ أَن قرب رِضَاهَا بِالْبَلَدِ الخ. فَمَا وَجه نسبتها للمتأخرين. قلت: الْمَنْصُوص للأقدمين أَن رِضَاهَا لَا يكون إِلَّا بالنطق كَمَا يَأْتِي، وَهَؤُلَاء جعلُوا تِلْكَ الْأَفْعَال قَائِمَة مقَام نطقها لِأَن تِلْكَ الْأَفْعَال بِمُقْتَضى الْعَادة كالنطق أَو أقوى فَلَعَلَّهُ لذَلِك نسبت إِلَيْهِم. تَنْبِيهَات. الأول: مِمَّا يشبه الأمليسية مَا جرت عَادَة أهل فاس أَنه إِذا حصل الْإِيجَاب من ولي الزَّوْجَة يتواعد مَعَ أهل الزَّوْج ليَوْم وَوقت يَجْتَمعُونَ فِيهِ فِي الْمَسْجِد مَعَ أهل الوجاهات من الشرفاء وَغَيرهم، فيجتمعون وَيسمع الْحَاضِرُونَ من ولي الزَّوْجَة أَنه زوج وليته من فلَان وَيقبل ولي الزَّوْج أَو من يَدعِي النِّيَابَة عَنهُ ويعينون الصَدَاق ويقرؤون الْفَاتِحَة وينصرفون وَلَا يسمعُونَ من الزَّوْج قبولاً وَلَا من الْمَرْأَة توكيلاً لعدم حضورهما، ثمَّ يطْرَأ موت أَو نزاع فيحتج الزَّوْج بِأَنَّهُ لم يحضر وَلم يرض، وَالْمَرْأَة بِأَنَّهَا لم توكل، وَالْحكم فِي هَذِه ظَاهر مِمَّا مر إِذْ الصِّيغَة فِيهَا مَوْجُودَة من الْوَلِيّ وَلَكِن وَقع الافتيات على الزَّوْج وَالزَّوْجَة على زعميهما. فَإِن ثَبت أَنه وجد من الزَّوْجَة وَالزَّوْج مَا يدل على رضاهما لزمهما النِّكَاح على خلاف مَا يَأْتِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف على الطَّرفَيْنِ، فَإِن لم يثبت شَيْء فَقَالَ الْقصار فِي جَوَاب لَهُ نَقله الزياتي فِيمَن عقد عَلَيْهِ أَبوهُ أَو أَخُوهُ نِكَاحا وَلم يسمع من الزَّوْج إِذن وَلَا قبُول حَتَّى مَاتَ بعد ثَلَاثَة أَعْوَام، وَالْحَال أَن الْعَاقِد لم يدع توكيلاً وَلَا افتياتاً مَا نَصه: عَاقد نِكَاح غَيره وَإِن غَائِبا يحمل على الْإِذْن لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يعْقد أحد نِكَاح غَيره إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَجَوَاب أخينا السراج بِغَيْر ذَلِك خلاف الصَّوَاب وَحمل على أكل أَمْوَال النَّاس كجوابه بِعَدَمِ انْعِقَاد النِّكَاح قبل الْإِشْهَاد وَمَا وَقع من ذَلِك لغيره إِنَّمَا هُوَ فِي قطر عَادَتهم أَن كل مَا فَعَلُوهُ قبل الْإِشْهَاد لَغْو وَلَيْسَ قطرنا كَذَلِك اه. وَنَحْوه لِابْنِ عرضون كَمَا مرّ وَصدق رَحمَه الله فِي كَون قطرنا لَيْسَ كَذَلِك إِذْ من مارس أنكحة فاس ونواحيها وجدهَا لَا تقع إِلَّا بِإِذن من الزَّوْجَيْنِ، وَظَاهر تَعْلِيله وَصدر جَوَابه أَن ذَلِك جَار حَتَّى فِي غيبَة الزَّوْجَيْنِ مَعًا كَمَا هِيَ عَادَة فاس، وَقَوله: وَجَوَاب أخينا السراج الخ. يُرِيد أَن السراج أفتى فِي مثل النَّازِلَة بِعَدَمِ ثُبُوت النِّكَاح قَائِلا لِأَنَّهُ لَا ينْعَقد إِلَّا بِقبُول الزَّوْج وقبوله لم يثبت. وَالْحَاصِل أَن الافتيات إِمَّا على الزَّوْج أَو على الزَّوْجَة أَو على الْوَلِيّ كَمَا تقدم ذَلِك عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. والافتيات على الْوَلِيّ الْمُجبر أَو على غَيره فِيهِ تَفْصِيل يَأْتِي فِي تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء وعَلى الزَّوْجَة وَالزَّوْج هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) عاطفاً على مَا لَا بُد فِيهِ من النُّطْق أَو أَفْتيت عَلَيْهَا الخ. وَبِقَوْلِهِ: وَحلف رشيد وأجنبي إِلَخ إِذْ ذَاك كُله فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف، وَقد تقدم عَن الفشتالي أَن فِيهِ أقوالاً ثَلَاثَة وَالنِّكَاح الْمَوْقُوف كَمَا للباجي الَّذِي وقف على إجَازَة الْوَلِيّ أَو أحد الزَّوْجَيْنِ، فَهَذَا مَوْقُوف أحد طَرفَيْهِ وَالْمَوْقُوف طرفاه أَن يُوقف على رضَا الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَالصَّحِيح فِيهِ الْفَسْخ مُطلقًا وَأما على أَحدهمَا فَيصح بالقيد الْمَذْكُور فِي (خَ) ابْن رشد: إِذا زوج الرجل وليته الْبكر أَو الثّيّب أَو ابْنه الْكَبِير أَو الْأَجْنَبِيّ فِي مغيبهم فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يزْعم حِين العقد أَنه أذن لَهُ فِيهِ الْغَائِب فَلَا يفْسخ النِّكَاح حَتَّى يقدم الْغَائِب فَإِن صدقه جَازَ النِّكَاح وَإِن بعد وَإِن أنكر الْإِذْن حلف وَلم يلْزمه، وَإِن قَالَ لم آمره وَلَكِنِّي(1/387)
أرْضى النِّكَاح جَازَ النِّكَاح فِي الْقرب دون الْبعد على الْمَشْهُور، وَأما إِن يزْعم حِين العقد أَنه لم يَأْذَن لَهُ وَأَنه مفتات فِي عقده فَالنِّكَاح فَاسد اتِّفَاقًا قرب أَو بعد، وَأما أَن يعْقد ويسكت وَلَا يبين شَيْئا فَهُوَ مَحْمُول على التَّوْكِيل حَتَّى يثبت خلاف ذَلِك انْتهى بِاخْتِصَار بِنَقْل الزياتي. لَكِن مَا ذكره من الِاتِّفَاق على الْفساد فِي الْوَجْه الثَّانِي خلاف تَفْسِير الْبَاجِيّ للنِّكَاح الْمَوْقُوف الْجَائِز عندنَا من أَنه الَّذِي يعقده الْوَلِيّ على وليته، وَيشْتَرط إجازتها وَأَنه لم يستأذنها الخ. فَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة قَادِح فِي الِاتِّفَاق الْمَذْكُور وَإِن كَانَ (خَ) درج فِي قَوْله وَلم يقر بِهِ حَال العقد على مَا لِابْنِ رشد انْظُر شرح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَمن تحمل عَن ابْنه النِّكَاح وَحمل الصَدَاق عَنهُ ليراح الثَّانِي: قَالَ فِي التَّكْمِيل عَن ابْن أبي زيد فِي الرجل يَقُول: زوجت ابْنَتي فلَانا إِن رَضِي أَن لَهُ الرِّضَا بِإِجْمَاع. قَالَ: وَسُئِلَ العبدوسي عَمَّن أشهد أَنه أنكح ابْنَته الْبكر من فلَان بِصَدَاق مُسَمّى فَلم يبلغهُ الْخَبَر إِلَّا بعد سِنِين، فَأجَاب: هَذَا يُجَاب للرجل الْمَذْكُور فِيهَا فَإِن قبله الزَّوْج حِين بلغه صَحَّ نِكَاحه قرب أم بعد، وَلَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف قَالَ: وَكثير من الطّلبَة يلبس عَلَيْهِ الْفرق بَين الصُّورَتَيْنِ اه. وَنَحْوه للقوري وَذكر فِي نَوَازِل الزياتي عَن العبدوسي أَن الْفرق بَين نِكَاح الْإِيجَاب وَالنِّكَاح الْمَوْقُوف هُوَ أَن الْإِيجَاب نِكَاح يعقده الْأَب على ابْنَته من غير أَن يقْصد العقد على الزَّوْج، فَهَذَا يَصح مهما قبله الزَّوْج وَلَو بعد طول وَإِن كَانَ صَغِيرا وَقَبله بعد الْبلُوغ أَو قبله وَكَانَ فِي سنّ من يُمَيّز معنى ذَلِك وَلم يردهُ بعد رشده فَإِنَّهُ منبرم أَيْضا بِخِلَاف الْمَوْقُوف فَإِنَّهُ الَّذِي يقْصد بِهِ العقد على الزَّوْج فَإِن قبله بِالْقربِ، وَكَانَ أَهلا للقبول صَحَّ، وَإِن طَال فسد على الْمَشْهُور اه. قلت: وَكَأن هَذَا الْفرق أَخذه من كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم وَتَأمل قَوْله: وَلَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف الخ. مَعَ أَن نازلته هِيَ عين قَول (خَ) وَصَحَّ إِن مت فقد زوجت ابْنَتي بِمَرَض وَهل إِن قيل بِقرب مَوته تَأْوِيلَانِ الخ. لِأَن مَسْأَلَة الْمَرَض رَاجِعَة بعد الْمَوْت لنازلته إِذْ الْإِيجَاب وَقع فِيهَا مُعَلّقا على الْمَوْت، ونازلة العبدوسي لَا تَعْلِيق فِيهَا، لَكِن اتحدتا بعد وُقُوع الْمُعَلق عَلَيْهِ، وَلذَا قَالَ الْعَوْفِيّ فِيهَا التَّعْلِيق وَقع فِي الْحَيَاة وَلَا عِبْرَة بطول مَرضه أَو قصره والإيجاب وَقع مَعَ الْمَوْت وَهُوَ الَّذِي يشْتَرط الْقبُول عقبه اه. وَقد ذكر ابْن رشد أَن الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي فِي النِّكَاح الْمَوْقُوف تجْرِي فِي مَسْأَلَة الْمَرَض هَذِه كَمَا فِي ضيح. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَاد العبدوسي لَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي الْمَوْقُوف نصا بل تخريجاً، لَكِن يُقَال هِيَ وَإِن لم يجر فِيهَا الْخلاف الَّذِي فِي الْمَوْقُوف نصا، لَكِن يجْرِي فِيهَا الْخلاف الَّذِي فِي مَسْأَلَة الْمَرَض نصا لِأَنَّهَا عينهَا على أَن نازلته هِيَ الْمُتَقَدّمَة عَن ابْن الْقَاسِم عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَمَسْأَلَة الْإِجْمَاع الْمُتَقَدّمَة لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيح بِأَن لَهُ الْقبُول وَلَو بعد طول، بل هَذِه ظَاهِرَة فِيهِ فَتحمل على الْقرب أَي لَهُ الرِّضَا بِالْقربِ بِإِجْمَاع، وَأما بعد طول فَفِيهِ خلاف بِدَلِيل مَسْأَلَة الْمَرَض وَتَخْرِيج ابْن رشد للأقوال يَقْتَضِي أَنه لم يسلم الْإِجْمَاع الْمُتَقَدّم وإلاَّ مَا صَحَّ لَهُ التَّخْرِيج لما تقرر فِي علم الْأُصُول أَن من قواد (ح) الْقيَاس كَونه فِي مَحل نَص أَو إِجْمَاع، وَقد علمت أَن الْمَشْهُور فِي الْمَوْقُوف اشْتِرَاط الْقرب فَيعلم مِنْهُ اشْتِرَاط الْفَوْر بَين الْقبُول والإيجاب إِلَّا الْفَصْل الْيَسِير، وَيَنْبَغِي أَن يُرَاعِي ذَلِك(1/388)
التشهير أَيْضا فِي مَسْأَلَة الْمَرَض وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَهَذَا مَا لم يكن زَوجهَا من صَغِير وإلاَّ فَلَا يضر تَأْخِير الْقبُول اتِّفَاقًا. الثَّالِث: قَالَ ابْن عرضون وَنَقله فِي نَوَازِل العلمي فِيمَن عقد لَيْلَة الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْعشَاء وَشهد على الزَّوْج بِالْقبُولِ يَوْم الْخَامِس وَالْعِشْرين: هَل تحسب تِلْكَ اللَّيْلَة من الثَّالِث وَالْعِشْرين وَيكون الْقبُول دَاخل الثَّلَاثَة الْأَيَّام مَا نَصه: إِن كَانَ الْأَمر كَمَا ذكر فَلَا يفْسخ النِّكَاح الْمَوْصُوف اه. قلت: وَفِي أنكحة المعيار فِي رجل عقد النِّكَاح على أُخْته يَوْم الْخَمِيس وَشهد على الزَّوْجَة يَوْم الْجُمُعَة وَقد كَانَ رَجَعَ الزَّوْج عَنهُ عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس أَن النِّكَاح مُنْعَقد بِإِجَازَة الزَّوْجَة وَرُجُوع الزَّوْج يعد طَلَاقا يلْزمه النّصْف فَانْظُرْهُ. الرَّابِع: قَالَ فِي ضيح فِي الْمسَائِل الَّتِي لَا يعْذر فِيهَا بِالْجَهْلِ: وَمِنْهَا الْمَرْأَة تزوج وَهِي حَاضِرَة فتسكت وَلَا تنكر حَتَّى يدْخل بهَا الزَّوْج ثمَّ تنكر النِّكَاح وَتقول: لم أَرض الخ. وَسُئِلَ ابْن مَرْزُوق عَمَّن علاتهم عدم الْكتب حِين العقد هَل يُكَلف الزَّوْج بعد الْبناء إِثْبَات النِّكَاح وَأَن الْقبُول وَقع ناجزاً فَقَالَ: دَعْوَى الْمَرْأَة عدم الرِّضَا بعد الْبناء لَا تقبل إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَا تعزل عَن الزَّوْج بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا ومحمل النِّكَاح على الصِّحَّة حَتَّى يتَبَيَّن الْفساد. وَرُبْعُ دِينارٍ أَقَلُّ المُصْدَقِ وَلَيْسَ لِلأَكْثَرِ حَدَّ مَا ارْتُقِي (وَربع) خبر (دِينَار) مُضَاف إِلَيْهِ (أقل) مُبْتَدأ (الْمُصدق) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد اسْم مفعول مُضَاف إِلَيْهِ أَي أقل الصَدَاق ربع دِينَار ذَهَبا وَصَرفه اثْنَا عشر درهما شَرْعِيًّا كصرفه فِي بَاب الدِّيَة، وَالصرْف وَالْيَمِين وَالسَّرِقَة بِخِلَاف صرفه فِي الزَّكَاة والجزية فعشرة دَرَاهِم فَقَط، وَقد نظم ذَلِك (تت) فَقَالَ: ديات وَصرف مَعَ يَمِين وسارق نِكَاح زَكَاة جِزْيَة تمّ عدهَا فصرف أخيرها بِعشر دَرَاهِم وللباقي زده اثْنَيْنِ غَايَة عدهَا وَسَيَأْتِي فِي بيع الحاضن أَن صرفه هُنَاكَ ثَمَانِيَة دَرَاهِم. (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (للْأَكْثَر) خَبَرهَا مقدم (حد) اسْمهَا مُؤخر (مَا) نَافِيَة (ارتقي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، وَالْجُمْلَة صفة لحد أَي لَيْسَ لأكثره حد من نَعته وَصفته لَا يرتقي عَلَيْهِ وَلَا يتَجَاوَز لقَوْله تَعَالَى: وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 20) ابْن رشد: وَالْقِنْطَار ألف دِينَار وَمِائَتَا دِينَار إِلَّا أَن اليسارة فِيهِ أحب لأهل الْعلم والمغالاة فِيهِ مَكْرُوهَة كَمَا فِي (خَ) وَغَيره قَالَ فِي الْمُقدمَات: كَانَت صدقَات أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبنَاته على قدر علو قدره وقدرهن اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشاً وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما، والنش عشرُون درهما فَذَلِك خَمْسمِائَة دِرْهَم.(1/389)
أَوَ مَا بِهِ قُوِّمَ أَوْ دَرَاهِمُ ثَلاَثَةٌ فَهْيَ لَهُ تُقَاومُ (أَو) للتنويع (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْعرض وَنَحْوه معطوفة على ربع (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله: (قوم) وَالْجُمْلَة صلَة والرابط الضَّمِير النَّائِب فِي قوم وَالضَّمِير الْمَجْرُور يعود على ربع أَي أقل الصَدَاق ربع دِينَار أَو عرض قوم بِهِ يَوْم العقد يَعْنِي أَو بِثَلَاثَة دَرَاهِم فَأَيّهمَا ساواه صَحَّ بِهِ النِّكَاح، وَلَو نقص عَن الآخر كَمَا فِي (ز) وَقيل لَا يعْتَبر التَّقْوِيم إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ. (أَو) للتنويع أَيْضا (دَرَاهِم) مَعْطُوف على ربع أَيْضا (ثَلَاثَة) صفة (فَهِيَ) مُبْتَدأ وَالْفَاء سَبَبِيَّة (لَهُ) يتَعَلَّق بقوله (تقاوم) أَي تعادل وتماثل وَالْجُمْلَة خبر وَالضَّمِير الْمَجْرُور يعود على ربع، وَمَفْهُوم أقل أَنه إِن نقص عَمَّا ذكر فسد وَهُوَ كَذَلِك (خَ) وَفَسَد إِن نقص عَن ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم خَالِصَة أَو مقوم بهما وأتمه إِن دخل وإلاَّ بَان لم يتمه فسخ فملخصه أَنه إِن بنى لزمَه إِتْمَامه وإلاَّ فَإِن أَرَادَهُ لزمَه الْإِتْمَام أَيْضا فَإِن لم يردهُ وعزم على عدم الْإِتْمَام فسخ وإلاَّ بَقِي لَهُ الْخِيَار إِلَّا أَن تقوم الزَّوْجَة بِحَقِّهَا لتضررها قَالَه (ز) وَقَوله: فسخ أَي على الْمَشْهُور. وَقَالَ ابْن وهب: لَا يفْسخ وَإِن وَقع بالدرهم وَالشَّيْء الْيَسِير كالشافعي قَائِلا لَا حدَّ لأقله كَمَا لَا حد لأكثره فَكل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا لشَيْء أَو أُجْرَة لشَيْء جَازَ أَن يكون مهْرا وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَقَله دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم. وَقَوله: فسخ أَي بِطَلَاق لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ وَلها نصف الْمُسَمّى كَمَا قَالَ (خَ) وَسقط بِالْفَسْخِ قبله الْإِنْكَاح الدرهمين فنصفهما الخ. وَلما ذكر أقل الصَدَاق ذكر قدر الثَّلَاثَة دَرَاهِم الشَّرْعِيَّة بِدَرَاهِم وقته فَقَالَ: وَقَدْرُهَا بِالدَّرْهِم السَّبْعَينِي نحوٌ مِنَ العِشْرِينَ فِي التَّبْيِينِ (وقدرها) مُبْتَدأ وَالضَّمِير للثَّلَاثَة دَرَاهِم (بالدرهم) يتَعَلَّق بالمبتدأ (السبعيني) صفة وَهُوَ نِسْبَة إِلَى سبعين أحد الْعُقُود أَي الدِّرْهَم الَّذِي سَبْعُونَ مِنْهُ فِي الْأُوقِيَّة الشَّرْعِيَّة وَالْأُوقِية الشَّرْعِيَّة أَرْبَعُونَ درهما شَرْعِيًّا قَالَ ابْن جزي: إِن الدَّرَاهِم كَانَت فِي الأندلس سبعين فِي الْأُوقِيَّة، ثمَّ ردَّتْ ثَمَانِينَ فِي الْأُوقِيَّة وَنَحْوه فِي (ق) قَالَه (ت) (نَحْو) خبر الْمُبْتَدَأ (من الْعشْرين) يتَعَلَّق بِهِ (فِي التَّبْيِين) فِي مَوضِع الصّفة لنَحْو قَالَ الشَّارِح عَن بَعضهم أَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ فِيهِ من دراهمنا يَعْنِي السبعينية(1/390)
سِتَّة دَرَاهِم وَثَلَاثَة أعشار الدِّرْهَم قَالَ: وَلَا شكّ إِنَّك إِذا ضربت ثَلَاثَة فِي سِتَّة وَثَلَاثَة أعشار كَانَ الْخَارِج ثَمَانِيَة عشر وَتِسْعَة أعشار. وَلذَا قَالَ النَّاظِم: نَحْو أَي يقرب من الْعشْرين، وَقد يكون فِيهَا مَعَ ذَلِك غش أَو نقص فَلِذَا قَالَ: وَيَنْبَغِي فِي ذاكَ الاحْتِياطُ بخَمْسَةٍ بِقَدْرِها تُنَاطُ (وَيَنْبَغِي) مضارع (فِي ذَاك) يتَعَلَّق بِهِ وَالْإِشَارَة للتبيين (الِاحْتِيَاط) فَاعل (بِخَمْسَة) يتَعَلَّق بِالِاحْتِيَاطِ أَي بِزِيَادَة خَمْسَة على الْعشْرين فَتكون خَمْسَة وَعشْرين (بِقَدرِهَا) يتَعَلَّق بقوله: (تناط) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة تَعْلِيل لما قبلهَا أَي يَنْبَغِي الِاحْتِيَاط فِي ذَلِك الْبَيَان بِزِيَادَة خَمْسَة إِذْ يقدرها مَعَ الْعشْرين تناط وتضبط الثَّلَاثَة الشَّرْعِيَّة، والنوط التَّعْلِيق يُقَال ناطه ينوطه أَي علقه، وَمعنى التَّعْلِيق هُنَا الضَّبْط لِأَنَّهُ يُفَسر فِي كل شَيْء بِمَا يُنَاسِبه، أَلا ترى أَنه فِي تَعْلِيق الْقُدْرَة بالممكنات بِمَعْنى التَّأْثِير، وَفِي تَعْلِيق الْعلم بالمعلومات بِمَعْنى الانكشاف، وَفِي تَعْلِيق الْمَجْرُور بعامله بِمَعْنى أَنه مَعْمُول لَهُ وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا ذكره الشَّارِح عَن بَعضهم من أَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ فِيهِ من الدَّرَاهِم السبعينية سِتَّة دَرَاهِم وَثَلَاثَة أعشار الخ. غير ظَاهر إِذْ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقِسْمَة الحيسوبية على مَا مرّ من أَن سبعين مِنْهَا فِي الْأُوقِيَّة وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما شَرْعِيًّا أَن يكون كل دِرْهَم شَرْعِي فِيهِ من الدَّرَاهِم السبعينية دِرْهَم وَثَلَاثَة أَربَاع الدِّرْهَم، فالثلاثة دَرَاهِم على هَذَا هِيَ خَمْسَة دَرَاهِم سبعينية وَربع دِرْهَم، فيشكل حِينَئِذٍ قَول النَّاظِم نَحْو من الْعشْرين الخ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مَعْنَاهُ نَحْو من الْعشْرين ربعا مِنْهُ أَي من الدِّرْهَم السبعيني وَنَحْو الشَّيْء مَا يزِيد عَلَيْهِ بِيَسِير أَو ينقص عَنهُ كَذَلِك كَمَا قَالَه شرَّاح الْمَتْن فِي فصل الْحيض عِنْد قَوْله النّصْف وَنَحْوه الخ. الثَّانِي: قدر الثَّلَاثَة الشَّرْعِيَّة بالدرهم الفاسي الْإِسْمَاعِيلِيّ عشرَة دَرَاهِم أَي عشر مزونات إسماعيلية هِيَ ثَلَاثَة دَرَاهِم شَرْعِيَّة لِأَن الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ فِيهِ من الدَّرَاهِم أَي المزونات الإسماعيلية ثَلَاثَة وَثلث بِالْوَزْنِ المرضي قَالَه (ت) . قلت: وَسمعت من أشياخنا أَن الدِّرْهَم السُّلَيْمَانِي الَّذِي فِيهِ سِتّ مزونات سليمانية هُوَ الدِّرْهَم الشَّرْعِيّ أَو يقرب مِنْهُ، فَيَنْبَغِي الزِّيَادَة على ذَلِك للِاحْتِيَاط.(1/391)
وَمِنْهُ مَا سُميَ أَوْ مَا فُوِّضا فِيهِ وحَتْماً لِلدُّخُولِ فُرِضَا (وَمِنْه) خبر عَن (مَا) الموصولة وصلتها (سمي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الصَدَاق والرابط بَين الْمَوْصُول وصلته مَحْذُوف وَإِن لم تتوفر شُرُوط حذف الْعَائِد فَهُوَ كَقَوْلِه: وَمن حسد يجور على قومِي وَأي الدَّهْر ذُو لم يحسدوني أَي: وَمن النِّكَاح النِّكَاح الَّذِي سمي الصَدَاق فِيهِ وَقدر كَمَا يُسمى الثّمن فِي الْمَبِيع إِلَّا أَنه يجوز فِيهِ خَفِيف الْغرَر لبِنَاء على المكارمة دون البيع (خَ) الصَدَاق كَالثّمنِ ثمَّ قَالَ: وَجَاز بشورة وَعدد من كإبل أَو رَقِيق أَو صدَاق مثل وَلها الْوسط حَالا الخ ثمَّ إِذا سمي عينا وَدفع عَنْهَا حليا وشورة كَمَا هِيَ عَادَة أهل الْبَوَادِي يسمون الصَدَاق دَنَانِير أَو دَرَاهِم، ثمَّ يَأْتِي الزَّوْج بكسوة وحلي ذهب أَو فضَّة وَيَقُول: اشْتريت هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا فَأفْتى السيوري بِفساد النِّكَاح. قلت: يُرِيد وَيفْسخ قبل الْبناء فَقَط وَمحل فَسَاده كَمَا للبرزلي إِذا لم يكن مَا يَأْتِي بِهِ مَعْرُوفا لَا يخْتَلف فِي عوائدهم وإلاَّ جَازَ لِأَن الْعَادة كالشرط وَكَأَنَّهُ تزَوجهَا بِتِلْكَ الْكسْوَة وَذَلِكَ الْحلِيّ ابْتِدَاء لِأَن الضمائر منعقدة على أَن الصَدَاق هُوَ تِلْكَ السّلع وَذَلِكَ الْحلِيّ وَالتَّسْمِيَة لَغْو وَلَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بتصيير كَمَا يَأْتِي فِي فَصله وَمَا علل بِهِ بَعضهم إِطْلَاق فَتْوَى السيوري من أَن ذَلِك يؤول إِلَى رَبًّا النسا فِي النَّقْد لِأَن الْعَادة كالشرط يرد بِأَن النَّقْد الْمُسَمّى فِي العقد لم يَتَقَرَّر فِي الذِّمَّة حَيْثُ كَانَ الْعرف أَنه يَأْتِي بِغَيْرِهِ، فَكَأَن النِّكَاح انْعَقَد ابْتِدَاء على شورة يَأْتِي بهَا قيمتهَا كَذَا. وَيُؤَيّد هَذَا مَا فِي بُيُوع الْبُرْزُليّ من أَنه إِذا سمي فِي البيع دَنَانِير، وَالْمَقْصُود صرفهَا بِدَرَاهِم أَو وَقع البيع بِجُزْء من دِينَار إِلَى أجل ودخلا على أَن يُعْطِيهِ فضَّة قدرهَا كَذَا جَازَ ذَلِك. وَيكون التَّعَامُل بِالْفِضَّةِ لَا بِالذَّهَب، وَقد نَص عَلَيْهِ أَوَاخِر صرف الْمُدَوَّنَة، وَذكر فِي المعيار عَن ابْن مَرْزُوق فِيمَن اشْترى شِقْصا بِدَرَاهِم وَنقد زيتاً أَنَّهُمَا إِن دخلا على ذَلِك ابْتِدَاء فَالشُّفْعَة بالزيت وبمثل مَا للبرزلي أفتى أَبُو الْفضل بن رَاشد وَغَيره، وَأفْتى جمَاعَة مِنْهُم أَبُو سَالم الجلالي بِمَا للسيوري من الْإِطْلَاق وَقد علمت ضعفه وَالله أعلم. قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي وَقَالَ ناظم الْعَمَل: وَمَا إِلَّا صَدَقَة من مُجَرّد تَسْمِيَة الْعين بِلَا تخلد بِذِمَّة مُقَومًا فَجَائِز الخ. (أَو) عاطفة (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على النِّكَاح معطوفة على مَا الأولى (فوضا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلتها ونائبه ضمير الصَدَاق (فِيهِ) يتَعَلَّق بالصلة هُوَ الرابط والتفويض كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عقد دون تَسْمِيَة مهر، وَلَا إِسْقَاطه وَلَا صرفه لحكم أحد فَخرج بالقيد الأول نِكَاح التَّسْمِيَة، وَبِالثَّانِي النِّكَاح الَّذِي دخلا على إِسْقَاط الصَدَاق فِيهِ فَإِنَّهُ فَاسد يفْسخ قبل الْبناء كَمَا فِي الشَّامِل وبالثالث(1/392)
نِكَاح التَّحْكِيم. قَالَ الرصاع: وَيرد عَلَيْهِ إِذا جرت الْعَادة وَالْعرْف بِمهْر، وَلم تقع تَسْمِيَة فَعَن اللَّخْمِيّ أَنه تَفْوِيض، وَعَن الْمَازرِيّ أَنه يُسَمِّيه. وَقَالَ ابْن رحال: هَذَا لَا يرد على حد ابْن عَرَفَة لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمهْر مَعْرُوفا عِنْدهم عَادَة فالتسمية فِيهِ مَوْجُودَة وَنَصّ مَا فِي المعيار والبرزلي. سُئِلَ الْمَازرِيّ عَن أنكحة الْبَادِيَة وَالْعَادَة أَنهم لَا يسمون صَدَقَاتهمْ وَلَا يشْهدُونَ عَلَيْهَا وَقت العقد بل عِنْد الْبناء وَالصَّدَاق عِنْدهم مَعْرُوف لَا يُزَاد عَلَيْهِ لجمال وَلَا ينقص عَنهُ لقبح، فَهَل يحكم لَهُ بِحكم التَّفْوِيض يسْقط فِي الْمَوْت وَيجب الْمِيرَاث وَيسْقط بِالطَّلَاق قبل الْبناء؟ فَقَالَ: إِن انْتَهَت الْعَادة بِأَنَّهُمَا مَا سكتا عَن التَّسْمِيَة إِلَّا للْعلم بهَا وتفاهمهما أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا عقد عَلَيْهَا فَهُوَ نِكَاح سمي صداقه وَإِن سكت عَن التَّسْمِيَة وَالزَّوْج غير مُلْتَزم إِلَيْهَا بل فوض الصَدَاق إِلَيْهِ أَو إِلَيْهَا فيفرض صدَاق الْمثل، فَهَذَا حكمه حكم التَّفْوِيض فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول حَتَّى يفْرض لَهَا ثمَّ قَالَ: وَلَو أشكل الْأَمر فِي قَصدهَا فَالْأَصْل أَنه تَفْوِيض إِذا زعم أَنه كَذَلِك اه بِاخْتِصَار. ثمَّ إِذا انْعَقَد النِّكَاح على التَّفْوِيض فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول حَتَّى يفْرض لَهَا فَإِن فرض لَهَا صدَاق الْمثل أَو أَكثر لَزِمَهَا، وَإِن فرض لَهَا أقل لم يلْزمهَا، وَله حِينَئِذٍ أَن يُطلق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ كَمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْمَوْت وَفِيه الْإِرْث، فَإِن لم يفْرض لَهَا حَتَّى دخل لزمَه صدَاق الْمثل كَمَا قَالَ: (وحتماً للدخول فرضا) فَاللَّام بِمَعْنى بعد كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) أَي فرض صدَاق الْمثل بعد الدُّخُول فرضا حتما أَي وجوبا محتماً صفة لمصدر مَحْذُوف بِمَعْنى محتماً وللدخول يتَعَلَّق بِفَرْض، وَأما قبل الدُّخُول فَلَا يتحتم الْفَرْض إِذْ لَهَا أَن لَا تمنع نَفسهَا قبله كَمَا مرّ وَله أَن يُفَارق وَلَو بعد إِرَادَة الدُّخُول. وَقَول الْمُدَوَّنَة لَيْسَ للزَّوْج الْبناء حَتَّى يفْرض مَعْنَاهُ إِذا منعت نَفسهَا مِنْهُ قبل الْفَرْض، وَبِالْجُمْلَةِ إِن أَرَادَ الدُّخُول ومكنته جَازَ إِلَّا أَنه يكره دون أَن يقدم ربع دِينَار، وَإِن امْتنعت من تَمْكِينه حَتَّى يفْرض لَهَا لزمَه أحد أَمريْن: إِمَّا الْفِرَاق أَو الْفَرْض، وَلَا يحمل النّظم على هَذَا الْأَخير بِجعْل اللَّام للتَّعْلِيل على حذف الْإِرَادَة لِأَن قَوْله حتما يُنَافِيهِ إِذْ لَا يتحتم الْفَرْض فِي هَذَا الْوَجْه كَمَا لَا يتحتم عَلَيْهِ إِذا لم يرد الدُّخُول وطلبته هِيَ بِالْفَرْضِ، بل يجْبر على أحد الْأَمريْنِ السَّابِقين (خَ) وَمهر الْمثل مَا يرغب بِهِ مثله فِيهَا بِاعْتِبَار دين وجمال وَحسب وَمَال وبلد وَأُخْت شَقِيقَة أَو لأَب الخ والحسب مَا يعد من مفاخر الْآبَاء ككرم ومروءة.(1/393)
وكُلُّ مَا يَصِحُّ مِلْكاً يُمْهَرُ إلاَّ إذَا مَا كَانَ فِيهِ غَرَرُ (وكل) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (يَصح) صلَة (ملكا) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل أَي ملكه (يمهر) خبر (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (كَانَ) فعل نَاقص (فِيهِ) خبر كَانَ (غرر) اسْمهَا وَالضَّمِير الْمَجْرُور بفي يعود على ملكا على حذف مُضَاف أَي إِلَّا إِذا كَانَ فِي بَيْعه غرر إِذْ الْغرَر إِنَّمَا هُوَ من عوارض البيع لَا من عوارض الْملك، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وَجَوَابه مَحْذُوف أَي: فَلَا يَصح كَونه مهْرا، وَبِهَذَا تكون عِبَارَته مُسَاوِيَة لقَوْل ابْن زرقون، وَلَا يجوز أَن يكون صَدَاقا إِلَّا مَا يجوز ملكه وَبيعه وَحَاصِل معنى النّظم أَن كل مَا يَصح ملكه يَصح كَونه مهْرا إِلَّا أَن يكون فِي بَيْعه غرر كثير كَعبد آبق وجنين وبعير شارد وَثَمَرَة لم يبد صَلَاحهَا وَنَحْو ذَلِك كجهل بكقدره وَيفهم مِنْهُ أَن مَا يَصح تملكه وَلكنه لَا يُبَاع أصلا كَجلْد الْميتَة وَالْأُضْحِيَّة وَالزَّيْت الْمُتَنَجس وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد لَا يكون صَدَاقا بالأحرى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ لَا يصدق مَا يَصح بَيْعه لَوْلَا الْغرَر، فأحرى الَّذِي لَا يَصح بَيْعه أصلا فالناظم نَص على المتوهم ليفهم غَيره بالأحرى، فعبارته رَحمَه الله وافية بِالْمَقْصُودِ وَالله أعلم (خَ) الصَدَاق كَالثّمنِ وَشَمل قَوْله ملكا الذوات وَالْمَنَافِع فَيدْخل فِيهِ نَحْو قَوْله تَعَالَى: على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} (الْقَصَص: 27) على الْمَذْهَب، وَيُؤَيِّدهُ الحَدِيث أنْكحهَا بِمَا مَعَك من الْقُرْآن وَشرع من قبلنَا شرع لنا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَقَوْلِي كثير احْتِرَازًا من الْيَسِير، فَإِنَّهُ يغْتَفر فِي الصَدَاق فَيجوز بشورة وصداق مثل كَمَا مرّ، وَلَا يجوز ذَلِك فِي البيع فالغرر الْيَسِير يفْتَرق فِيهِ النيع وَالنِّكَاح. ابْن سَلمُون: وَلَا بُد من بَيَان السِّكَّة إِن كَانَ الصَدَاق دَنَانِير أَو دَرَاهِم، فَإِن سقط ذكرهَا كَانَ لَهَا السِّكَّة الْجَارِيَة فِي الْبَلَد فِي تَارِيخ النِّكَاح فَإِن اخْتلفت أخذت من الْأَغْلَب فَإِن تَسَاوَت أخذت من جَمِيعهَا بِالسَّوِيَّةِ كمن تزوج برقيق وَلم يصف حمراناً وَلَا سوداناً اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَمثل هَذَا يَأْتِي فِي البيع إِن شَاءَ الله.(1/394)
والمَهْرُ والصَّدَاقُ مَا قَدْ أُصْدِقَا وَفِي الْكِتابِ بالمَجازِ أُطْلِقَا (وَالْمهْر وَالصَّدَاق) مُبْتَدأ ومعطوف عَلَيْهِ (مَا) مَوْصُول خبر (قد أصدقا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة (وَفِي الْكتاب بالمجاز) يتعلقان بقوله: (أطلقا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الصَدَاق وألفه للإطلاق لَا للتثنية (وَفِي) بِمَعْنى (على) وَيحْتَمل وَهُوَ الظَّاهِر أَن الْبَاء فِي قَوْله بالمجاز زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء لِأَنَّهُ مَنْصُوب على المفعولية الْمُطلقَة جر بِالْبَاء الزَّائِدَة أَي إطلاقاً مجازياً وَمَعْنَاهُ أَن الْمهْر وَالصَّدَاق اسمان لشَيْء وَاحِد وَهُوَ مَا يدْفع للزَّوْجَة صَدَاقا، وَيُطلق الصَدَاق وَحده على الْكتاب الَّذِي تقع فِيهِ شَهَادَة النِّكَاح مجَازًا، وَإِنَّمَا حَقه أَن يُسَمِّي كتاب الصَدَاق أَو كتاب النِّكَاح قَالَه ابْن سَلمُون. وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ أَن مرجعها إِلَى اللُّغَة الَّتِي لم تقصد بِهَذَا النّظم لينبه على أَن الْمَرْأَة إِذا اعْترفت بِإِعْطَاء صَدَاقهَا لزَوجهَا أَو غَيره، فَزعم الزَّوْج أَو الْغَيْر أَنَّهَا أَعطَتْهُ مَا فِيهِ هبة عَلَيْهِ وَزَعَمت هِيَ أَنَّهَا أَعطَتْهُ رسمه ليَكُون وَدِيعَة عِنْده، فَإِن القَوْل لَهَا لِأَنَّهَا ادَّعَت مَا هُوَ عرف النَّاس من إِطْلَاق الصَدَاق على الرَّسْم الْمَكْتُوب فَيكون الْبَيْت الْمَذْكُور رَاجعا لبَيَان الْأَحْكَام الْمَقْصُودَة من هَذَا النّظم على هَذَا الِاعْتِبَار إِذْ لَا زَالَ على ذَلِك عرف النَّاس إِلَى الْآن وَالله أعلم. وَيُكْرَهُ النِّكَاحُ بالمُؤَجَّلِ إِلَّا إذَا مَا كانَ مَعْ مُعَجَّلِ (وَيكرهُ) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (النِّكَاح) نَائِبه على حذف مُضَاف أَي عقد النِّكَاح (بالمؤجل) يتَعَلَّق بيكره أَي يكره عقده بِالصَّدَاقِ الْمُؤَجل كُله بِدَلِيل قَوْله: (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (كَانَ) فعل نَاقص وَاسْمهَا ضمير الْمُؤَجل (مَعَ) بِسُكُون الْعين (معجل) مُضَاف إِلَيْهِ والظرف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خَبَرهَا، وَيحْتَمل أَن تكون تَامَّة أَي إِلَّا إِذا كَانَ الْمُؤَجل مصحوباً بمعجل أَو وجد الْمُؤَجل مَعَ معجل بِأَن عقداه على أَن بعضه مُؤَجل وَبَعضه معجل فَلَا كَرَاهَة عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَعَلِيهِ عمل النَّاس الْيَوْم حَتَّى أَنه فِي القوانين جعل ذَلِك مُسْتَحبا، وَكَرِهَهُ مَالك بالمؤجل مُطلقًا، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وكراهته كالمغالاة فِيهِ وَالْأَجَل الخ. ثمَّ إِذا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ بالمؤجل مَعَ كَرَاهَته أَو بِدُونِهَا فَلَا بُد أَن يكون الْأَجَل مَعْلُوما. قَالَ فِي الشَّامِل: وَفَسَد بمؤجل بعضه بكمشيئته أَو بكموت أَو فِرَاق. وَقَالَ (خَ) أَيْضا عاطفاً على(1/395)
الْفَاسِد مَا نَصه: أَو بعضه لأجل مَجْهُول أَو لم يُقيد الْأَجَل الخ. وَالْمرَاد أَنه يفْسخ قبل الْبناء وَإِن رَضِي بتعجيله وَيثبت بعده بِالْأَكْثَرِ من الْمُسَمّى وصداق الْمثل كَمَا لشراحه، وَإِذا قُلْنَا لَا بُد من علم الْأَجَل فَاخْتلف فِي الْحَد الَّذِي يُؤَجل إِلَيْهِ فَفِي ابْن سَلمُون والكالىء هُوَ الْمُؤخر وتأجيله إِلَى الْعشْرين فَمَا دون جَائِز بِاتِّفَاق وَهُوَ معنى قَوْله: وَأَمَدُ الكَوالِىءِ المُعَيَّنَهْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِعِشْرِينَ سَنَهْ (وأمد الكوالىء) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (المعينه) بِفَتْح الْيَاء صفة أَي الْمعينَة آجالها كَقَوْلِه تَعَالَى: فِي عيشة راضية} (القارعة: 7) (سِتَّة أشهر) خبر لمبتدأ مُضْمر أَي الْحَائِز من ذَلِك التَّأْجِيل سِتَّة أشهر الخ. وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَيحْتَمل أَن يقدر هَذَا الْإِضْمَار قبل قَوْله: وأمد الخ. أَي والجائز من أمد أَي أجل الكوالىء الْمعينَة آجالها هُوَ سِتَّة أشهر (لعشرين سنه) وَاللَّام بِمَعْنى إِلَى وَسنة تَمْيِيز. بِحَسَبِ المهُورِ فِي المِقْدَارِ وَنِسْبَةِ الأزْوَاجِ والأَقْدَارِ (بِحَسب) خبر لمبتدأ مُضْمر أَي وَذَلِكَ يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف (المهور فِي الْمِقْدَار) أَي فِي مقدارها قلَّة وَكَثْرَة حَال معاقبة للضمير (و) يخْتَلف بِحَسب (نِسْبَة الْأزْوَاج) صغراً وكبراً وَلَو قَالَ وسني الْأزْوَاج (والأقدار) لَكَانَ أحسن قَالَه (م) قَالَ ابْن أبي لبَابَة: إِن كَانَ الزَّوْجَانِ صغيرين أجل الكالىء لعشرين سنة وَنَحْوهَا. ابْن عَرَفَة، عَن التّونسِيّ: التَّحْقِيق أَنهم إِنَّمَا كَرهُوا البيع وَالنِّكَاح إِلَى بعيد الْأَجَل الَّذِي لَا يُجَاوز عمر الْإِنْسَان لِأَنَّهُ يصير غرراً كحلوله بِمَوْتِهِ وَلَو نكح أَو اشْترى ابْن سِتِّينَ إِلَى عشْرين لم يجز لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يعِيش لذَلِك بِخِلَاف ابْن الْعشْرين لِأَن حَيَاته لَهُ مِمَّا الْغَالِب أَنه يعِيش لَهُ جَائِز اتِّفَاقًا وَمَا لَا يعِيش إِلَيْهِ غير جَائِز اتِّفَاقًا. وَقَول النَّاظِم: والأقدار أَي بِحَسب ضعة الأقدار وارتفاعها. وَظَاهره بل صَرِيحه أَن الِاخْتِلَاف بِمَا ذكر إِنَّمَا يعْتَبر دَاخل الْعشْرين، وَأما مَا زَاد عَلَيْهَا لَا يجوز تَأْجِيله إِلَيْهِ وَيفْسخ وَهُوَ رَأْي ابْن وهب، وَبِه كَانَ يَقُول ابْن الْقَاسِم أَيْضا، ثمَّ رَجَعَ ابْن الْقَاسِم إِلَى أَنه لَا يفْسخ فِي الثَّلَاثِينَ وَلَا فِي الْأَرْبَعين بل فِيمَا فَوْقهَا،(1/396)
وَعنهُ أَيْضا لَا يفْسخ إِلَّا فِي الْخمسين لِأَنَّهُ كَمَا للبساطي مَظَنَّة إِسْقَاطه وَظَاهره، وَلَو كَانَ الزَّوْجَانِ صغيرين يبلغهُ عمرهما ظَاهرا وَهُوَ الْمُعْتَمد وَعَلِيهِ حمل الشُّرَّاح قَول (خَ) أَو زَاد على خمسين سنة وَعنهُ أَيْضا لَا يفْسخ إِلَّا فِي السّبْعين والثمانين. ابْن عَرَفَة: مَا أجل لأجل مَجْهُول يفْسخ قبل الْبناء فَإِن بنى جَازَ النِّكَاح وَمَا بِمِائَة نَقْدا وَمِائَة لمَوْت أَو فِرَاق الْمَشْهُور كَذَلِك، وَمَفْهُوم الْمعينَة أَي آجالها أَن الْأَجَل إِذا لم يعين كَانَ فَاسِدا كَمَا مر. وَيَتَرَتَّب على ذَلِك فروع. الأول: إِذا كَانَ الْعرف أَن الصَدَاق إِلَى موت أَو فِرَاق، وَلَكِن عِنْد الْإِشْهَاد يكتبونه على الْحُلُول وَطلبت الزَّوْجَة قَبضه واحتجت بِالْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَة، فَهَل تمكن من قَبضه من الزَّوْج إِذا لم يكن طَلَاق؟ فَفِي الْبُرْزُليّ أَنه سُئِلَ ابْن عَرَفَة عَن ذَلِك فَقَالَ: اخْتلف فِيهَا الشُّيُوخ فَقيل: يقْضِي لَهَا، وَقيل: لَا لجري الْعَادة بِأَنَّهُ لَا يطْلب إِلَّا إِلَى موت أَو فِرَاق فألزم كَون أنكحتهم فَاسِدَة لِأَن الْعَادة كالشرط فَالْتَزمهُ قَالَ: وَفرق بَين مَا جرت الْعَادة بِتَأْخِيرِهِ وَبَين مَا جرت الْعَادة بِأَن الْمَرْأَة لَا تقوم بِطَلَبِهِ، وَنَقله العلمي أَيْضا وَزَاد إثره عَنهُ كَانَ شَيخنَا ابْن عبد السَّلَام لَا يقْضِي بِهِ، ثمَّ كتب لبَعض تلامذته بِالْقضَاءِ بِهِ كَدين حَال اه. وَتَأمل قَوْله: وَفرق بَين مَا جرت الْعَادة بِتَأْخِيرِهِ الخ. فَإِن الظَّاهِر أَنه لَا فرق بَينهمَا على أَنه إِذا جرى الْعرف فِي شَيْء بِمَا يُوجب فَسَاده فَلَا وَجه للتحرز مِنْهُ إِلَّا بِالْإِشْهَادِ بِمَا يُوجب جَوَازه من حُلُول أَو أجل مَعْلُوم، وَنَحْو ذَلِك، فَكيف يُقَال بإلغاء الْإِشْهَاد الْمَذْكُور، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال أَن قصدهم بِهِ عدم التَّحَرُّز لكَون عرفهم جرى بذلك فَتَأَمّله. ثمَّ ذكر العلمي الْمَذْكُور فِي نَوَازِل الْإِقْرَار عَن أبي عبد الله القوري وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد الزقاق أَن الْمَرْأَة لَا تمكن من قبض الكالىء بعد حُلُوله وَلَا يقْضى لَهَا بِقَبْضِهِ إِلَّا عِنْد موت أَو فِرَاق لِأَن الْعَادة جرت بذلك اه. وَذكر ابْن سَلمُون أول الْأَنْكِحَة الْقَوْلَيْنِ الْقَضَاء للْمُتَقَدِّمين وَعَدَمه للمتأخرين قَالَ: وَعَلِيهِ الْقَضَاء الْآن اه. وَظَاهر قَوْلهم لجري الْعَادة الخ. أَنه يحل بِالطَّلَاق كَمَا يحل بِالْمَوْتِ فَإِذا طَلقهَا وَبَعضه لم يحل أدّى لَهَا الْجَمِيع للْعَادَة الْمَذْكُورَة، وَرَأَيْت بعض أهل سجلماسة طلق زَوجته فطالبته بِمَا لم يحل مِنْهُ فَأمرهَا القَاضِي إِن ثَبت أَن عَادَتهم ذَلِك. الثَّانِي: إِذا تزَوجهَا بِمِائَة وَلم يسم نَقْدا وَلَا كالئاً فَهِيَ حَالَة كَمَا مرّ عَن الْمُدَوَّنَة عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَقد تقدم هُنَاكَ أَن أَبَا الْحسن قَالَ: إِذا اتّفق هَذَا فِي زَمَاننَا فَالنِّكَاح فَاسد لِأَن الْعرف جرى أَنه لَا بُد من الكالىء فيكونان قد دخلا عَلَيْهِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا، لَكِن قَالَ فِي الْفَائِق عَن بَعضهم: إِن قَول أبي الْحسن إِنَّمَا يجْرِي على قَول ابْن مغيث عَن بَعضهم أَنه إِذا كَانَ أجل الكوالىء متعارفاً عِنْد قوم فَتزَوج على نقد وكالىء وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا فَإِنَّهُمَا يحْملَانِ على الْعرف وَيكون النِّكَاح صَحِيحا، وَأما على الْمَشْهُور من أَنه لَا يُرَاعِي الْعرف وَيكون النِّكَاح فَاسِدا فالجاري عَلَيْهِ صِحَة النِّكَاح وَيحكم بالحلول وَلَا يعْتَبر الْعرف إِذْ لَا يُفَسر مَا أبهمه المتعاقدان وَهُوَ خلاف قَول أبي الْحسن فِي الْمَسْأَلَة اه. وَمَا ذكره ابْن مغيث نَقله ابْن سَلمُون وَغَيره. قلت: وَهَذَا يشبه مَا قَالُوهُ فِي البيع فِيمَن ابْتَاعَ سلْعَة بِثمن وَادّعى أَنه مُؤَجل. وَقَالَ البَائِع: حَال من أَن السّلْعَة إِذا كَانَ لَهَا أجل مَعْرُوف تبَاع عَلَيْهِ فَالْقَوْل لمدعيه فَانْظُر ذَلِك عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِقْرَار وَقبل أجل مثله فِي بيع الخ. وَعند قَوْله فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فَالْقَوْل لمنكر(1/397)
التقضي الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ للكالىء أجل مَعْرُوف غير الْمَوْت والفراق، أما إِذا كَانَ لَا عَادَة لَهُم فِيهِ إِلَّا هذَيْن كَمَا مرّ فِي الْفَرْع قبله أَو تَارَة بهما وَتارَة بِغَيْرِهِمَا فَلَا إِشْكَال فِي الْفساد، وَلَعَلَّه مُرَاد أبي الْحسن، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْكَلَام فِيمَا قَالَه أَبُو الْحسن ثَبت بِمُجَرَّد الْعَادة وتأجيله بِالْمَوْتِ والفراق كَذَلِك فَيكون فَاسِدا لِأَنَّهُ إِذا فسد للْعَادَة بتأخيرهما مَعَ الْإِشْهَاد بِمَا يُوجب الصِّحَّة على خلاف فِيهِ على مَا مرّ فَيَنْبَغِي أَن يتَّفق على فَسَاده فِيمَا إِذا لم يَقع إِشْهَاد أصلا. وَقَالَ ابْن مغيث وَصَاحب الِاسْتِغْنَاء: إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا ثَبت الكالىء بِالنَّصِّ أَو بِالْإِقْرَارِ وَكَانَ عرفهم تَأْجِيله بِغَيْر الْمَوْت والفراق كَمَا يعلم من كلاميهما الْمُتَقَدّم فالغرر فِي الْمَوْت والفراق أَشد مِنْهُ فِي غَيرهمَا فَقَوْل الْفَائِق أَن مَا لأبي الْحسن جَار على مَا لِابْنِ مغيث يُرِيد فِي مُرَاعَاة مُطلق الْعرف لَا من كل وَجه. وَقَوله: وَأما على الْمَشْهُور الخ. مَا ذكره من أَن الْمَشْهُور عدم مُرَاعَاة الْعرف هُوَ ظَاهر قَول النَّاظِم الْآتِي: وَأجل الكالىء مهما أغفلا الخ. وَهُوَ ظَاهر الْمُتَيْطِيَّة والفشتالي وَابْن سَلمُون وَغَيرهم وظاهرهم أَن مَا لِابْنِ مغيث مُقَابل، وَلَكِن قد علمت من الْفَرْع الَّذِي قبل هَذَا أَن الْمُتَأَخِّرين على اعْتِبَاره وَعَلِيهِ جَاءَت فتاويهم كَمَا مرّ عَن القوري والزقاق، وَفِي المعيار عَن العبدوسي فِي امْرَأَة ضَاعَ رسم صَدَاقهَا فطلبت هِيَ أَو ورثتها كالئها بعد موت زَوجهَا أَن الْمُتَأَخِّرين اخْتلفُوا، فَمنهمْ من قَالَ: يقْضِي لَهَا بكالىء مثلهَا مَعَ يَمِينهَا إِذْ الْعَادة ترك طلبَهَا لَهُ إِلَّا عِنْد موت أَو فِرَاق، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يقبل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل الْبَرَاءَة وَقد يَتَزَوَّجهَا بِغَيْر كالىء وَيلْزم الْوَرَثَة الْيَمين إِذا ادَّعَت عَلَيْهِم معرفَة ذَلِك، وبالأول أفتى أَبُو الْحسن الصَّغِير وَبِالثَّانِي أفتى غَيره اه. قلت: مَا أفتى بِهِ أَبُو الْحسن نَقله صَاحب الدّرّ النثير والبرزلي عَن أبي صَالح، وَأفْتى بِهِ غير وَاحِد من الْمُحَقِّقين كَابْن هِلَال والونشريسي وَابْن عرضون حَسْبَمَا فِي الزياتي وَغَيره، وَاقْتصر عَلَيْهِ غير وَاحِد حَتَّى قَالُوا إِنَّه لَا تُهْمَة فِي إِقْرَار الزَّوْج لزوجته فِي الْمَرَض بكالئها لِأَنَّهُ لَو لم يقر بِهِ لَأَخَذته من تركته بِدُونِ إِقْرَار للْعَادَة الْمَذْكُورَة، فَلَو لم تراع الْعَادة الْمَذْكُورَة عِنْدهم مَا أفتوا بِوُجُود الكالىء وببقائه فِي ذمَّته مَعَ أَنه قد يَتَزَوَّجهَا بِدُونِهِ، كَيفَ وَقد تقدم فِي الْفَرْع قبله أَن الْمُتَأَخِّرين على عدم تمكينها من طلبه لتِلْك الْعَادة وَأَن الْقَضَاء بقَوْلهمْ وظاهرهم أَنَّهَا تحاصص بِهِ أَرْبَاب الدُّيُون الثَّابِتَة بِالْبَيِّنَةِ لِأَن الْعرف قَائِم مقَام شَاهد أَو شَاهِدين كَمَا مرّ وَالشَّاهِد الْوَاحِد يحاصص بِهِ صَاحبه مَعَ ذِي الشَّاهِدين وَأَن كالئها لَا يبطل بطول الزَّمَان كالديون على الْمُعْتَمد فِيهَا، وَمِمَّنْ أفتى بِأَنَّهُ لَا كالىء لَهَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ابْن لبَابَة وَنَحْوه لسيدي إِبْرَاهِيم اليزناسني حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار فَتبين أَن الْمُعْتَمد عِنْد أَكثر الْمُتَأَخِّرين هُوَ مُرَاعَاة الْعرف الْمَذْكُور، وَعَلِيهِ فَيكون النِّكَاح مَعَه فَاسِدا عِنْدهم لِأَنَّهُ لمَوْت أَو فِرَاق وَمَا لِابْنِ مغيث فِيمَا إِذا كَانَ الْعرف مضبوطاً بغَيْرهَا كَمَا مرّ وَالْعَادَة الْيَوْم عندنَا أَنه يكْتب مُؤَجّلا من الْعشْرَة إِلَى الْعشْرين كَمَا للناظم، وَلَكِن لَا يطْلب إِلَّا بِمَوْت أَو فِرَاق فَيجْرِي فَسَاده على الْخلاف الْمُتَقَدّم إِن كَانُوا لَا يقصدون فِيمَا يظْهر بِضَرْب الْأَجَل الْخُرُوج من الْفساد كَمَا مرّ فحرر النَّقْل فِي ذَلِك، وَانْظُر الشُّرَّاح عِنْد قَول (خَ) أَو بعضه لأجل مَجْهُول وَالله أعلم. الثَّالِث: فِي أنكحة المعيار سُئِلَ اللَّخْمِيّ عَمَّن يَقُول يكون الصَدَاق وَقت الابتناء وَلم يعين وقته هَل يفْسد؟ فَأجَاب: بِأَن النِّكَاح جَائِز وَهُوَ الْقيَاس لِأَن الثّمن يدْفع عِنْد قبض الْمَبِيع لِأَنَّهُ مَتى(1/398)
عجلت السّلْعَة تعجل قبض الثّمن وَمَتى تَأَخَّرت تَأَخّر. قَالَ سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي: وَهُوَ الْأَشْبَه لِأَن مُرَاد النَّاس بذلك أَن وَقت قبض النَّقْد من حِين العقد إِلَى حِين الْبناء فَيكون على معنى الْحُلُول الخ. وعَلى هَذَا عمل فاس قَالَ ناظمه: والنقد إِن أجل بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ من عقد على الْحُلُول لِأَن الْمَعْنى أَن النَّقْد على الْحُلُول فتطلبه الْمَرْأَة مَتى مكنت من سلعتها، وَذَلِكَ فِي طوقها من الْآن كَمَا أَن السّلْعَة فِي البيع كَذَلِك خلافًا للسيوري الْقَائِل بِفساد النِّكَاح إِن لم يعلم وَقت الدُّخُول وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَإِلَى الدُّخُول إِن علم الخ. وَمحل مَا للخمي وَمن مَعَه إِذا كَانَت مطيقة وَهُوَ بَالغ فَإِن كَانَت غير مطيقة أَو كَانَ هُوَ غير بَالغ تعين على التَّنْصِيص على الْحُلُول أَو يعين الْأَجَل. الرَّابِع: إِذا مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ قبل الدُّخُول فِي النِّكَاح الْمُؤَجل نَقده بليلة الْبناء وَهِي مَجْهُولَة أَو كَانَ كالئه إِلَى غير أجل، وَقُلْنَا بِفساد النِّكَاح فَالَّذِي فِي ضيح عَن ابْن رشد: أَنه لَا صدَاق فِي الْفَاسِد لصداقه على الصَّحِيح، وَإِنَّمَا فِيهِ الْمِيرَاث. وَنقل العلمي عَن وَالِده أَن الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُتَأَخّرُونَ، وَبِه كَانَ يُفْتِي العبدوسي وَابْن آملال إجراؤه مجْرى نِكَاح التَّفْوِيض فِيهِ الْإِرْث دون الصَدَاق. قَالَ: وَبِه الْعَمَل وَنقل قبل ذَلِك عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي وسيدي مُحَمَّد بن سَوْدَة أَنَّهُمَا أفتيا فِيهِ بِلُزُوم الْإِرْث وَالصَّدَاق مَعًا. قَالَ ابْن سَوْدَة: وَاللَّازِم فِيهِ هُنَا الْمُسَمّى، وَذكر أَبُو الْحسن أَوَائِل النِّكَاح الثَّانِي من الْمُدَوَّنَة فِي الْفَاسِد لصداقه أقوالاً يمْضِي بِالْعقدِ يفْسخ قبل وَيثبت بعد، فَإِن طلق قبل الدُّخُول لم يكن لَهَا شَيْء كالتفويض يفْسخ قبل وَبعد قَالَ: وَاخْتلف فِي تَأْوِيل قَول مَالك فِي الْفَسْخ قبل فَمنهمْ من جعله على الْإِيجَاب عُقُوبَة لَهُ لِئَلَّا يعود إِلَى مثل ذَلِك، وَمِنْهُم من جعله على الِاسْتِحْبَاب وَالِاحْتِيَاط ليخرج من الْخلاف انْتهى بِاخْتِصَار. فَانْظُرْهُ وَهَذِه الْفُرُوع لَهَا تعلق أَيْضا بِمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَأجل الكالىء مهما أغفلا الخ
(فصل)
(فِي) تعْيين (الْأَوْلِيَاء) من هم وترتيبهم (وَمَا يَتَرَتَّب على الْولَايَة) من تَوْكِيل المالكة وَالْوَصِيَّة والمعتقة وَأَن الْمَرْأَة لَا تعقد نِكَاح امْرَأَة لِأَن الْوَلِيّ مَتى أطلق فَالْمُرَاد بِهِ ولي الْمَرْأَة، وَكَذَا ولي الزَّوْج(1/399)
إِذا كَانَ رَقِيقا أَو مَحْجُورا كَمَا يَأْتِي والأولياء جمع ولي. ابْن عَرَفَة: هُوَ من لَهُ على الْمَرْأَة ولَايَة ملك أَو أبوة أَو تعصيب أَو إيصاء أَو كَفَالَة أَو سلطنة أَو ذُو إِسْلَام فالإخوة للْأُم لَغْو، وَرُوِيَ على أَن زوج أَخ لأم مضى اه. فَقَوله: على الْمَرْأَة يَشْمَل الْحرَّة وَالْأمة، وَقَوله: أَو أبوة يَشْمَل الْجد للْأُم وَلَيْسَ بِمُرَاد. وَقَوله: أَو تعصيب كَانَ شقيقاً أَو لأَب، وَيدخل فِيهِ الْعم وَابْن الْعم، وَقَوله: أَو إيصاء يَشْمَل الْوَصِيّ ووصيه. وَقَوله: أَو كَفَالَة يَشْمَل الكافلة وَالْمذهب أَنه لَا ولَايَة لَهَا كَمَا فِي (ز) وَقَوله: أَو سلطنة يَعْنِي القَاضِي أَو نَائِبه. وَقَوله: أَو ذُو إِسْلَام مَعْطُوف على قَوْله: من لَهُ على الْمَرْأَة ولَايَة وَهُوَ أَعم الولايات قَالَه ميارة. وَعَاقِدٌ يَكُونُ حُرًّا ذَكَرَا مُكَلّفاً والقُرْبُ فِيهِ اعْتُبِرَا (وعاقد) مُبْتَدأ سوغه الْعُمُوم أَو كَونه صفة لمَحْذُوف أَي شخص عَاقد (يكون) اسْمه ضمير مستتر (حرا) خَبره (ذكرا) خبر بعد خبر، وَالْجُمْلَة من يكون وخبرها خبر الْمُبْتَدَأ (مُكَلّفا) خبر بعد خبر أَيْضا (والقرب) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ أَو بقوله (اعتبرا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَالْجُمْلَة خبر الْقرب وَالْجُمْلَة من الْقرب وَمَا بعده حَال، وَالْمعْنَى أَنه يشْتَرط فِي كل عَاقد على وليه أَن يكون حرا ذكرا مُكَلّفا أَي عَاقِلا بَالغا، وَأَن يكون قَرِيبا من المنكحة بِحَيْثُ يكون أَحَق مِمَّن هُوَ أبعد، وَهَذَا حَيْثُ يُمكن وجوده وإلاَّ فَلَا يشْتَرط كَمَا إِذا لم يكن لَهَا قريب أصلا. ابْن عَرَفَة: شَرط الْوَلِيّ عقله وبلوغه وحريته وذكوريته فالمعتوه أَو الصَّبِي سَاقِط وَكَذَا ذُو الرّقّ وَالْمَرْأَة ويوكلان لعقد مَا وكلا أَو أوصيا عَلَيْهِ أَو ملكته الْمَرْأَة فِي الْإِنَاث ويليانه فِي الذُّكُور اه. وَزَاد ابْن الْحَاجِب كَونه مُسلما لَا كَافِرًا حَلَالا لَا محرما، وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا أسقط الْإِسْلَام لِأَن الْكَافِر لَيْسَ مسلوب الْولَايَة على الْإِطْلَاق، بل على الْمسلمَة فَقَط لَا الْكَافِرَة إِذْ لَهُ أَن يُزَوّجهَا لمُسلم وَأسْقط كَونه حَلَالا لِأَن عدم الْإِحْرَام لَيْسَ شرطا فِي الْوَلِيّ فَقَط، بل هُوَ شَرط حَتَّى فِي الزَّوْجَة وَالزَّوْج (خَ) : وَمنع إِحْرَام من أحد الثَّلَاث الخ. أَي: وَيفْسد النِّكَاح بِسَبَبِهِ قبل الْبناء وَبعده وَأما الْعَدَالَة والرشد فَشرط كَمَال فِيهِ فَقَط (خَ) لَا فسق أَي فَلَا يسلب الْولَايَة وَإِنَّمَا يسلب الْكَمَال فَقَط فِي ثمَّ قَالَ: وَعقد السَّفِيه(1/400)
ذُو الرَّأْي بِإِذن وليه فَأفَاد أَن السَّفِيه إِن كَانَ ذَا رَأْي يعْقد على وليته لَكِن بِإِذن وليه، وَأما اشْتِرَاط الْقرب الَّذِي فِي النّظم فَمَعْنَاه أَنه شَرط فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء فَإِن وَقع فَفِي صِحَّته تَفْصِيل فالولي الْمُجبر لَا يَصح أَن يعْقد أحد على وليته بِدُونِهِ وَإِن عقده غير مجبر أبعد مَعَ وجود أقرب مِنْهُ صَحَّ (خَ) وَصَحَّ بأبعد مَعَ أقرب إِن لم يجْبر وَلم يجز، وَقَالَ أَيْضا: وَصَحَّ بهَا فِي دنية مَعَ خَاص لم يجْبر الخ. فَقَوله: والقرب الخ. كَلَام مُجمل يفصله مَا بعده من تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء، وَاخْتلف هَل الْولَايَة حق للْوَلِيّ فَلهُ العقد عَلَيْهَا بِغَيْر تفويضها وَهُوَ لِابْنِ حبيب، أَو حق للْمَرْأَة فَلَا يعْقد عَلَيْهَا الْوَلِيّ إِلَّا بتفويض مِنْهَا لَهُ على ذَلِك مَا عدا الْأَب وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. قَولَانِ حَكَاهُمَا فِي ضيح. قلت: الظَّاهِر أَن مَحل هَذَا الْخلاف إِذا وجدت الْكَفَاءَة ورضيت بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق هَل لَا يتَوَلَّى العقد حِينَئِذٍ حَتَّى تَأذن لَهُ فِيهِ أَو لَهُ أَن يعْقد بِغَيْر إِذن لوُجُود الرِّضَا؟ فَمَعْنَى كَونهَا حَقًا لَهَا على الثَّانِي أَنه لَا بُد من إِذْنهَا فِي العقد لوَلِيّهَا فَقَط كَمَا يرشد لَهُ قَول (خَ) ورضا الْبكر صمت كتفويضها قَالُوا لجَوَاز أَن تكون حَلَفت أَن لَا تتَزَوَّج بعقده، وَهَذَا فِي الْولَايَة الْعَامَّة والخاصة المتعددة كشقيقين لَهَا حَلَفت أَن لَا تتَزَوَّج بِعقد أَحدهمَا، فَلَا بُد حِينَئِذٍ من إِذْنهَا لَهُ فِي العقد وَلَيْسَ المُرَاد أَن لَهَا أَن تَأذن لمن شَاءَت وَلَو لأَجْنَبِيّ إِذْ هَذَا لم يقلهُ أحد وَالله أعلم. وَلما كَانَ الْقرب الْمُشْتَرط فِي الْولَايَة مُعْتَبرا بالأقرب فَالْأَقْرَب لَا مُطلقًا بَين الْأَقْرَب من غَيره مقدما على ذَلِك الْملك الْمُقدم على سَائِر الْقَرَابَة فَقَالَ: والسَّبْقُ لِلْمَالِكِ فابنٍ فأبِ فالأخُ فابْنِه فَجدِّ النِّسَبِ (فالسبق) مُبْتَدأ (للْمَالِك) خَبره أَي فيعقد على أمته وَلَو كَانَ لَهَا أَب أَو ابْن حران وَلَا ولَايَة لَهما مَعَه (فَابْن) بِالْجَرِّ عطف على الْمَجْرُور قبله أَي فَإِن لم يكن مَالك فالابن وَإِن سفل يقدم على من بعده وَظَاهره وَلَو من زنا وَهُوَ كَذَلِك إِن ثيبت بحلال ثمَّ زنت فَأَتَت بِهِ مِنْهُ لَا أَن ثيبت ابْتِدَاء بزنا فَأَتَت بِهِ أَو كَانَت مَجْنُونَة أَو سَفِيهَة وَلَو بتحديد حجر فِي وَقت يجوز فَإِن الْأَب ووصيه يقدمان عَلَيْهِ (فأب) بِالْجَرِّ أَيْضا عطف على مَا مر وَالْمرَاد بِهِ الشَّرْعِيّ لَا مُطلق من خلقت من مَائه إِذْ الْأَب الزَّانِي لَا عِبْرَة بِهِ وَالْوَصِيّ قَائِم مقَام الْأَب كَمَا يَأْتِي (فالأخ) بِالْجَرِّ أَيْضا وَالْمرَاد بِهِ لغير أم (فابنه) بِالْجَرِّ أَيْضا وَإِن سفل (فجد) بِالْجَرِّ أَيْضا (النّسَب) مُضَاف إِلَيْهِ أَي وَإِن علا وَاحْترز بِالنّسَبِ من الْجد للْأُم فَإِنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ وَمَا ذكره من تَقْدِيم الْأَخ على الْجد هُوَ الْمَشْهُور وَقَالَ الْمُغيرَة: الْجد قبل الْأَخ وَهَذَا أحد الْأَبْوَاب الَّتِي يتَقَدَّم فِيهَا الْأَخ وَابْنه على الْجد الْمشَار إِلَيْهَا بقول (عج) : بِغسْل وإيصاء وَلَاء جَنَازَة نِكَاح أَخا وابناً على الْجد قدم وعقل ووسطه بِبَاب حضَانَة وَهُوَ مَعَ الْآبَاء فِي الْإِرْث وَالدَّم(1/401)
وَهَذَا كُله فِي الْجد دنية فالجد الثَّانِي يقدم عَلَيْهِ الْعم لِأَن الْجد الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ للعم كالجد الأول بِالنِّسْبَةِ للْأَخ فَكَمَا يقدم الْأَخ وَابْنه على الْجد كَذَلِك يقدم الْعم وَابْنه على أبي الْجد قَالَه بعض. فالأقْرَبِينَ بَعْدُ بالتَّرْتِيبِ بحَسَبِ الدُّنوِّ فِي التَّعْصِيبِ (فالأقربين) عطف على الْمَجْرُور أَيْضا (بعد) بِالضَّمِّ لقطعه عَن الْإِضَافَة (بالترتيب) فِي مَوضِع نصب عَن الْحَال من الْأَقْرَبين أَي فالسبق بَعْدَمَا ذكر للأقربين حَال كَونهم مرتبين (بِحَسب الدنو فِي التَّعْصِيب) فِي الْمِيرَاث فَيقدم الْعم الشَّقِيق على الَّذِي للْأَب وَابْن الْعم الشَّقِيق على ابْن الْعم للْأَب وَهَكَذَا كَمَا أَن الشَّقِيق فِي الْأُخوة وفصولها مقدم على غَيره (خَ) : وَإِن تنَازع الْأَوْلِيَاء المتساوون فِي العقد نظر الْحَاكِم الخ. وَبَقِي على النَّاظِم الْمولى الْأَعْلَى لِأَنَّهُ عاصب ثمَّ الْأَسْفَل على خلاف فِيهِ، ثمَّ الكافل ثمَّ الْحَاكِم ثمَّ ولَايَة الْإِسْلَام فَإِن عقد الْأَبْعَد من هَذِه الْمَرَاتِب مَعَ وجود الْأَقْرَب وَعلمه بِهِ فإمَّا أَن يكون الْأَقْرَب مجبراً أم لَا فَفِي الأول لَا يجوز وَلَو أجَازه الْمُجبر كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله وبأبعد مَعَ أقرب إِن لم يجْبر وَلم يجز. وَقَالَ أَيْضا: وَصَحَّ بهَا فِي دنية مَعَ خَاص لم يجْبر كشريفة دخل وَطَالَ واحترزت بِقَوْلِي وَعلمه بِهِ مِمَّا إِذا لم يعلم بِهِ كَالْقَاضِي مثلا يثبت عِنْده أَنه لَا ولي للْمَرْأَة فيزوجها ثمَّ يتَبَيَّن أَن لَهَا وليا كَوَلَد وَنَحْوه، فَإِن النِّكَاح صَحِيح جَائِز ابْتِدَاء كَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: وعزر شَاهدا بزور الخ. وَقَالَ (خَ) أَيْضا: وَإِن أجَازه مجبر فِي ابْن وَأَخ وجد(1/402)
فوض لَهُ أُمُوره بِبَيِّنَة جَازَ الخ. وَظَاهره كالناظم أَن ذَا الْمرتبَة من هَذِه الْمَرَاتِب لَا بُد أَن يتَوَلَّى العقد بِنَفسِهِ أَو وَكيله وَإِن غَيره إِن تولاه بِحَضْرَتِهِ وسكوته لَا عِبْرَة بعقده بل يجْرِي على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم من كَون الْمَرْأَة دنية أَو كَون الْوَلِيّ مجبراً أَو غير مجبر إِلَّا أَنه أبعد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا ذكره ابْن الْحَاج فِي نِكَاح الْخَال مَعَ حُضُور الْأَخ الشَّقِيق وَرضَاهُ دون تَوْكِيل مِنْهُ قَالَ: حُضُوره كغيبته، وَقَالَ ابْن حبيب: إِذا كَانَ الْأَقْرَب حَاضرا وَعلم وَلم يُغير فَيحمل على الرِّضَا وَالتَّسْلِيم. قلت: فَيُؤْخَذ من كَلَام ابْن الْحَاج أَن مُجَرّد السُّكُوت وَالرِّضَا لَا يكون كَافِيا فِي التَّوْكِيل، وَالظَّاهِر أَنه لَا يبعد أَن يجْرِي هَذَا على كَون السُّكُوت إِذْنا وَلَيْسَ بِإِذن وَهِي قَاعِدَة خلافية. وَرجح ابْن رشد أَنه لَيْسَ بِإِذن قَائِلا لَا خلاف أَن السُّكُوت لَيْسَ بِرِضا لِأَن الْإِنْسَان قد يسكت وَهُوَ غير رَاض، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ انْظُر (ح) عِنْد قَوْله فِي الْإِقْرَار لَا أقرّ الخ. وَلَا يخفى أَن الرِّضَا من أَفعَال الْقُلُوب لَا يقطع بِوُجُودِهِ بِمُجَرَّد السُّكُوت، وَإِذا كَانَ السُّكُوت لَيْسَ إِذْنا كَمَا هُوَ الرَّاجِح فالرضا وَحده، وَإِن دلّت عَلَيْهِ الْقَرَائِن غير مُعْتَبر لقَوْله فِي النَّقْل حُضُوره كغيبته، وَحِينَئِذٍ فَمَعَ الدُّخُول والطول يَصح فِي الشَّرِيفَة كَمَا يَصح فِي الدنية مُطلقًا وَمَعَ الْقرب فللأقرب أَو الْحَاكِم إِن غَابَ الرَّد كَمَا فِي (خَ) هَذَا هُوَ الظَّاهِر خلافًا لما اسْتَظْهرهُ (ز) وَمن تبعه من أَنه لَا حق للأقرب لِأَن سُكُوته إِقْرَار للنِّكَاح. تَتِمَّة: إِذا أعْطى الرجل ابْنَته لمن يكفلها ويحضنها لَهُ فَلَا كَلَام لأمها إِن فعل ذَلِك لفقر أَو حَاجَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وظاهرها أَعْطَاهَا لمحرم مِنْهَا أَو غَيره، وَهُوَ كَذَلِك مَعَ كَرَاهَة فِي غير الْمحرم الْمَأْمُون إِن كَانَ ذَا أهل وَإِلَّا لم يجز ابْن عَرَفَة: وَلَيْسَ لَهُ أَخذهَا مِمَّن أَعْطَاهَا لَهُ دون إساءة وضرر مِنْهُ بهَا لِأَنَّهُ وهبه حضانتها وَملكه مَنْفَعَتهَا بنفقتها فَأشبه عقد الْإِجَارَة انْظُر بَقِيَّته. وَمَعَ هَذَا فَلَا يُزَوّجهَا الكافل مَعَ وجود الْأَب أَو غَيره من الْأَوْلِيَاء على الْمَشْهُور إِلَّا أَن يَجْعَل لَهُ نِكَاحهَا عِنْد إعطائها لَهُ أَو بعده فَيكون وَكيلا عَنهُ فِيهِ. وَأما الْحَاكِم فَلَا يُزَوّج إِلَّا بِشُرُوط تَأتي عِنْد قَوْله: وحيثما العقد لقاض ولي. وَلْوَصِيِّ العَقْدُ قَبْلَ الأوْليا وقيلَ بَعْدَهُمْ وَمَا إنْ رُضِيا (وللوصي) خبر عَن قَوْله: (العقد) والظرف فِي قَوْله: (قبل الأوليا) ء يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (و) نَائِب فَاعل (قيل) الْجُمْلَة الْمقدرَة بعده إِذْ التَّقْدِير وَقيل العقد لَهُ (بعدهمْ) فالظرف يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر فِي الْخَبَر الْمَحْذُوف مَعَ مبتدئه (وَمَا) نَافِيَة (إِن) زَائِدَة (رَضِيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِب ضمير القَوْل الْمُتَقَدّم ثمَّ إِن تَقْدِيم الْوَصِيّ على الْأَوْلِيَاء هُوَ الْمُسْتَفَاد مِمَّا مرّ من أَن وَكيل كل بِمَنْزِلَتِهِ لِأَن الْوَصِيّ على النّظر للأولاد وَكيل الْأَب فَهُوَ فِي مرتبته على الْمَشْهُور، وَمُقَابِله لِابْنِ الْمَاجشون أَن الْأَوْلِيَاء مقدمون عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: فَإِن زَوجهَا أحد الْأَوْلِيَاء بِغَيْر إِذن الْوَصِيّ فَسخه الْوَصِيّ مَا لم يطلّ وتلد الْأَوْلَاد اه.(1/403)
قلت: وَلَعَلَّ هَذَا فِي غير الدنية وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ فَسخه كَمَا مر فِي ولَايَة الْإِسْلَام. وبَعْضٌ اسْتَحَبَّ للوَصِيِّ أنْ يُسْنِدَ العَقْدَ إِلَى الوَلِيِّ (وَبَعض) وَهُوَ ابْن السَّلِيم قَاضِي قرطبة (اسْتحبَّ للْوَصِيّ أَن يسند العقد إِلَى الْوَلِيّ) حَتَّى يخرج من الْخلاف الْمَذْكُور، وَهَذَا الْخلاف والاستحباب الْمَذْكُور إِنَّمَا هما فِي الْبَالِغ بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَفِي الْوَصِيّ غير الْمُجبر بِدَلِيل قَوْله الْآتِي: وكالأب الْوَصِيّ فِيمَا جعلا أَب لَهُ الخ. فَقَوله: وَبَعض مُبْتَدأ والتنوين عوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي بعض الْعلمَاء، وَجُمْلَة اسْتحبَّ بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل خَبره وَأَن ومعمولها فِي تَأْوِيل مصدر مَنْصُوب باستحب. والمَرْأَةُ الوَصِيُّ لَيْسَتْ تَعْقِدُ إلاَّ بِتَقْدِيمِ امْرِىءٍ يُعْتَمَدُ (وَالْمَرْأَة) مُبْتَدأ (الْوَصِيّ) صفة وَجُمْلَة قَوْله: (لَيست تعقد) خَبره وَاسم لَيْسَ ضمير الْمَرْأَة (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِتَقْدِيم) يتَعَلَّق بتعقد (امرىء) مُضَاف إِلَيْهِ (يعْتَمد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لامرىء وَالْمعْنَى أَن الْمَرْأَة الْوَصِيّ على أُنْثَى وَمثلهَا المالكة لأمتها والمعتقة لَهَا بِكَسْر التَّاء لانعقد على محجورتها وَلَا على أمتها أَو معتقتها بِفَتْح التَّاء إِلَّا بِتَقْدِيم امرىء يعْتَمد عقده بِأَن يكون حرا ذكرا مُكَلّفا أَي عَاقِلا بَالغا وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله: فِيمَا تقدم ذكرا الخ. وَالْعَبْد كَالْمَرْأَةِ لَا يعْقد على وليته إِلَّا بتوكيل أَيْضا (خَ) ووكلت مالكة أَو وَصِيَّة أَو مُعتقة وَإِن أَجْنَبِيّا كَعبد أَو صبي الخ. وَلَا بُد أَن يكون الْوَكِيل توفرت فِيهِ شُرُوط الْولَايَة مِمَّا عدا الْقرب الْمُتَقَدّم (خَ) وَصَحَّ تَوْكِيل زوج الْجَمِيع لَا ولي إلاَّ كَهُوَ الخ. فَإِن لم توكل وعقدت هِيَ أَو العَبْد بأنفسهما فسخ النِّكَاح أبدا وَإِن طَال وَولدت الْأَوْلَاد وَسَوَاء أوصاها بجبرها على النِّكَاح أَو لَا إجَازَة الْأَوْلِيَاء أَولا وَلها الْمُسَمّى بِالدُّخُولِ وَيفْسخ بِطَلَاق لِأَنَّهُ من الْمُخْتَلف فِيهِ، وَلذَا وَجب فِيهِ الْإِرْث (خَ) : وَهُوَ طَلَاق إِن اخْتلف فِيهِ كمحرم وشغار وَنِكَاح العَبْد وَالْمَرْأَة وَفِيه الْإِرْث الخ. وَأما الْمَرْأَة الْوَصِيّ على ذكر وَالْعَبْد الْوَكِيل عَن الزَّوْج فسيأتيان فِي قَوْله: وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة مهما أوصيا الخ.(1/404)
والعَبْدُ والمَحْجُورُ مَهْمَا نَكَحَا بِغَيْرِ إذْنٍ فَانْفِسَاخٌ وَضَحَا (وَالْعَبْد) الْقِنّ أَو من فِيهِ شَائِبَة رق مُبْتَدأ (والمحجور) صَبيا أَو بَالغا مَعْطُوف عَلَيْهِ (مهما) اسْم شَرط (نكحا) أَي عقدا فعل الشَّرْط (بِغَيْر إِذن) من السَّيِّد أَو الْوَلِيّ يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط (فانفساخ) مُبْتَدأ وسوغه اقترانه بفاء الْجَزَاء كَقَوْلِهِم: إِن ذهب عير فَعير فِي الرِّبَاط قَالَه اليزناسني (وضحا) أَي بَان وَظهر خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَظَاهره تحتم الْفَسْخ وَإِن أجَازه السَّيِّد أَو الْوَلِيّ، وَهَذَا وَإِن كَانَ هُوَ الْقيَاس عِنْد بعض، وَصَححهُ الْبَاجِيّ لِأَنَّهُ نِكَاح بِخِيَار لكنه خلاف الْمَشْهُور فِي العبيد من أَن السَّيِّد مُخَيّر بَين فسخ النِّكَاح وإمضائه، وَخلاف الْمَنْصُوص فِي الْمَحْجُور من أَن لوَلِيِّه الْخِيَار أَيْضا فَيجب أَن يكون معنى قَوْله: فانفساخ وضحا إِن شَاءَ الْوَلِيّ أَو السَّيِّد، ومنشأ الْخلاف هَل الْخِيَار الْحكمِي كالشرط؟ وعَلى الْمَشْهُور من أَنه لَيْسَ كالشرطي فالفسخ بِطَلْقَة حَتَّى فِي حق الصَّبِي لِأَنَّهُ نِكَاح صَحِيح كَمَا فِي (ح) وَقد قَالَ (خَ) وَللسَّيِّد رد نِكَاح عَبده بِطَلْقَة فَقَط بَائِنَة إِن لم يَبِعْهُ أَو يعتقهُ. وَقَالَ أَيْضا: ولولي صَغِير فسخ عقده بِلَا مهر الخ. وَقَالَ أَيْضا: ولولي سَفِيه فسخ عقده وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته الخ. وَمحل الْخِيَار فِي فَسخه إِن لم يخرج من الْولَايَة فَإِن لم يطلع عَلَيْهِ حَتَّى خرج مِنْهَا ثَبت النِّكَاح على الْأَصَح، فَلَو تزوج السَّفِيه بعد ثُبُوت رشده عِنْد القَاضِي وَحكم لَهُ بِهِ فَهُوَ مَاض وَفِيه الصَدَاق وَالْمِيرَاث قولا وَاحِدًا وَالْحكم مَاض وَلَا يرد بِشَهَادَة من شهد بسفهه وَلَو كَانُوا أعدل لحكم القَاضِي بِشَهَادَة الْأَوَّلين وَفَاتَ مَوضِع التَّرْجِيح، وَإِنَّمَا يسفه فِي الْمُسْتَقْبل قَالَه الْبُرْزُليّ. وَكَذَا الصَّبِي إِن لم يطلع عَلَيْهِ حَتَّى بلغ رشيدا وَشَمل قَوْله: بِغَيْر إِذن مَا إِذا فقد إِذن أحد السيدين دون الآخر فَإِن الَّذِي لم يَأْذَن فَسخه، وَأما الْمَحْجُور إِن كَانَ ذَا وصيين وَأذن لَهُ أَحدهمَا أَو أجَاز دون الآخر فَالظَّاهِر أَنه إِن تعيّنت الْمصلحَة فِي الْفَسْخ أَو الْبَقَاء عمل بذلك، وَإِن اسْتَوَت فَالْقَوْل لمريد الْفَسْخ فَتَأَمّله، ثمَّ إِذا فسخ قبل الْبناء فَلَا شَيْء لَهَا فِي الْجَمِيع وَإِن فسخ بعده فلهَا ربع دِينَار فِي حق العَبْد وَالسَّفِيه كَمَا قَالَ: وَرُبْعُ دِينَارٍ لَهَا بِمَا اسْتَحَلْ مِنْها إنِ ابْتَنى وذَا بِهِ العَمَلْ (وَربع) بِسُكُون الْبَاء مُبْتَدأ (دِينَار) مُضَاف إِلَيْهِ (لَهَا) خبر الْمُبْتَدَأ وَالضَّمِير لزوجة السَّفِيه أَو(1/405)
العَبْد لَا لزوجة الصَّبِي الدَّاخِل فِي الْمَحْجُور فَلَا شَيْء لَهَا بِدُخُولِهِ وَجزم أَبُو الْحسن بِأَن لَهَا مَا شَأْنهَا (بِمَا) الْبَاء سَبَبِيَّة تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (اسْتحلَّ) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة مَا (مِنْهَا) على حذف مُضَاف أَي من بضعهَا يتَعَلَّق باستحل (أَن ابتنى) بهَا العَبْد أَو السَّفِيه لَا الصَّبِي كَمَا مرّ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ (وَذَا) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة لوُجُوب ربع دِينَار لَهَا (بِهِ) خبر عَن قَوْله (الْعَمَل) وَالْجُمْلَة خبر ذَا ثمَّ إِذا عتق العَبْد وَلَو مكَاتبا فَإِنَّهُ يتبع بِمَا بَقِي من الصَدَاق بِخِلَاف السَّفِيه فَلَا يتبع بِشَيْء لِأَن الْحجر عَلَيْهِ لحق نَفسه وَحجر العَبْد لحق سَيّده، وَقد زَالَ بِالْعِتْقِ (خَ) : وَاتبع عبد ومكاتب عتقا بِمَا بَقِي إِن لم يُبطلهُ سيد أَو سُلْطَان الخ. وروى ابْن وهب عَن مَالك: لَا شَيْء لَهَا فِي السَّفِيه لَا ربع دِينَار وَلَا غَيره. ابْن حبيب: وَهُوَ الْقيَاس أَي لِأَن تسليط السَّفِيه على شَيْء لَا غرم فِيهِ كالصغير. وإنْ يَمُتْ زَوْجٌ فالإرْثُ هَدْرُ والعَكْسُ لِلحَاجِرِ فِيهِ النَّظَرُ (وَإِن يمت) شَرط (زوج) فَاعل يمت وَهُوَ على حذف الصّفة أَي حر إِذْ العَبْد لَا يتَوَهَّم فِيهِ الْإِرْث فَهَذَا من تَتِمَّة الْكَلَام على الْمَسْأَلَة إِلَّا أَنه خَاص بالمحجور وَلَو قَالَ: وَإِن يمت حر (فالإرث هدر) لَكَانَ أظهر، وَمَعْنَاهُ أَن الْمَحْجُور الْعَاقِد لنكاحه صَبيا كَانَ أَو سَفِيها دخل أم لَا، إِذا مَاتَ قبل فسخ نِكَاحه لَا إِرْث لزوجته مِنْهُ (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ (للحاجر) خبر عَن قَوْله (فِيهِ النّظر) وَالْجُمْلَة خبر الْعَكْس وَالْمَجْرُور بفي يتَعَلَّق بِالنّظرِ، وَالْمعْنَى أَن زَوْجَة الصَّبِي أَو السَّفِيه إِذا مَاتَت فِي الْمَوْضُوع الْمَذْكُور فَإِن حاجره ينظر فِي ذَلِك فَإِن رأى أَنه يَرث أَكثر مِمَّا يلْزمه من الصَدَاق أَمْضَاهُ وإلاَّ رده وَشَمل كَلَامه مَا إِذا كَانَ ذَا وَصِيّ، فَلَمَّا مَاتَ وَصِيّه تزوج وَمَات فَإِن النّظر فِي ذَلِك للْحَاكِم وَتقدم قَول (خَ) : ولولي سَفِيه فسخ عقده وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته الخ. فَقَوله: وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته الخ. جَار مثله فِي الصَّغِير أَيْضا وَهَذِه الْمَسْأَلَة يلغز بهَا فَيُقَال زوجان أَحدهمَا يَرث الآخر وَلَا يَرِثهُ الآخر وهما حران لَيْسَ بهما مَانع، وَمَفْهُوم قَوْله: للحاجر أَنه لَو كَانَ مهملاً لَكَانَ للْحَاكِم النّظر أَيْضا على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الَّذِي يعْتَبر الْحَال لَا الْولَايَة، وَبِه الْعَمَل وَمحل النّظر أَيْضا إِذا لم يعْقد وَقد أونس مِنْهُ الرشد وإلاَّ فَالْعِبْرَة بِالْحَال أَيْضا وَالنِّكَاح ثَابت على مذْهبه لَا خِيَار فِيهِ للْوَلِيّ لقَوْل ناظم الْعَمَل: وينتفي الْحجر إِذا بدا الرشاد فَمن تصرف مضى وَلَا فَسَاد تَتِمَّة: يجوز للسَّيِّد أَن يهب أمته لعَبْدِهِ يَطَؤُهَا بِملك الْيَمين وينتزعها مِنْهُ إِن شَاءَ كَمَا فِي (ق) فِي بَاب الْخِيَار عِنْد قَوْله: وَفِي زَوَاله بِمَوْت الزَّوْجَة وطلاقها الخ. وَهَذَا أقرب للسَّيِّد من(1/406)
أَن يُزَوّجهَا إِيَّاه إِذْ لَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ تطليقها عَلَيْهِ إِلَّا بِرِضَاهُ. وعاقِدٌ عَلَى ابْنِهِ حَالَ الصِّغَرْ عَلَى شُروطٍ مُقْتَضَاةٍ بالنَّظَرْ (وعاقد) مُبْتَدأ وسوغه كَونه صفة لمَحْذُوف وعاملاً فِي قَوْله: (على ابْنه) وَقَوله (حَال) مفعول فِيهِ أَي وَقت (الصغر على شُرُوط) يتَعَلَّق بعاقد (مقتضاة بِالنّظرِ) صفة لشروط وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي يَصح عقده وَيجوز، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله عَاقد على حذف مُضَاف أَي وَعقد عَاقد على ابْنه الخ. صَحِيح جَائِز. وَلما كَانَت الصِّحَّة لَا تَسْتَلْزِم اللُّزُوم، إِذْ الشَّيْء قد يكون صَحِيحا غير لَازم نبه على أَن اللُّزُوم فِيهِ تَفْصِيل بقوله:
إنِ ابْنُهُ بَعْدَ البُلُوغِ دَخَلاَ مَعْ عِل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; مِهِ يَلْزَمُهُ مَا حَمَلاَ (إِن ابْنه) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (بعد الْبلُوغ) يتَعَلَّق بِهِ (دخلا) الْمُفَسّر لذَلِك الْمَحْذُوف على حد قَوْله تَعَالَى: وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} (التَّوْبَة: 6) الْآيَة (مَعَ) بِالسُّكُونِ (علمه) مُضَاف إِلَيْهِ والظرف يتَعَلَّق بالمفسر قبله يَلِيهِ (يلْزمه) جَوَاب الشَّرْط وَرَفعه لكَون الشَّرْط مَاضِيا لقَوْل ابْن مَالك: وَبعد مَاض رفعك الجزا حسن. (مَا) مَوْصُولَة فَاعل يلْزمه (حملا) صلَة وألفه للإطلاق وفاعله ضمير الْعَاقِد والعائد على الْمَوْصُول مَحْذُوف أَي مَا حمله أَبوهُ عَنهُ من الشُّرُوط. وَحَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ وَإنْ بَنَى فَما يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَبْهُ عَلِمَا (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لم يبلغ) فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وَإِن) إغيائية (بنى) فعل مَاض فَاعله ضمير الابْن وَجُمْلَة (فَمَا يلْزمه شَيْء) جَوَاب حَيْثُ (وهبه) من أَفعَال الْقُلُوب لَازم لصيغة الْأَمر ومفعوله الأول الضَّمِير الْمُتَّصِل بِهِ وَجُمْلَة (علما) فِي مَحل مَفْعُوله الثَّانِي أَي وهبه عَالما بهَا. وَحَاصِل مَعْنَاهُ أَن عقد الْعَاقِد على ابْنه الصَّغِير على شُرُوط اقتضاها نظره للغبطة فِي الْمَنْكُوحَة كَطَلَاق من يتَزَوَّج عَلَيْهَا أَو عتق من يتسرى بهَا صَحِيح جَائِز. وَكَذَا إِن عقد الصَّغِير نَفسه على تِلْكَ الشُّرُوط وَأَجَازَهُ وليه، وَإِنَّمَا يبْقى النّظر فِي اللُّزُوم فَإِن بلغ وَرَضي بِتِلْكَ الشُّرُوط صَرِيحًا أَو دخل بعد بُلُوغه وَعلمه بِهِ لَزِمته وَإِن لم يدْخل أَو دخل غير عَالم لم يلْزمه شَيْء كَمَا أَنه(1/407)
إِذا لم يبلغ لم يلْزمه شَيْء أَيْضا مُطلقًا دخل أم لَا علم أم لَا. وَبِالْجُمْلَةِ فالشروط إِذا لم يرض تلْزمهُ بِثَلَاثَة قيود الْبلُوغ وَالدُّخُول وَالْعلم فَإِن فقد الأول أَو الثَّالِث فَلَا تلْزمهُ وَالْقَوْل للزَّوْج بِيَمِينِهِ فِي عدم الْعلم وَيسْقط حق الزَّوْجَة لِأَنَّهَا مكنت من نَفسهَا من لَا تلْزمهُ الشُّرُوط، وَإِن فقد الثَّانِي وَهُوَ الدُّخُول مَعَ وجود الْبلُوغ وَالْعلم فَلَا يسْقط حَقّهَا، وَلَكِن للزَّوْج الْخِيَار فِي الْتِزَام النِّكَاح لشروطه أَو رده فَإِن رده فالفسخ بِغَيْر طَلَاق وَلَا صدَاق كَمَا قَالَ: والحَلُّ بالفَسْخِ بِلاَ طَلاَقِ إنْ رَدَّ ذَاكَ وبِلاَ صَداقِ لَا عَلَيْهِ وَلَا على أَبِيه وَهُوَ ظَاهر قَول أصبغ، وَاخْتَارَهُ ابْن رشد وإياه تبع النَّاظِم، وَالرَّاجِح أَن الْفَسْخ بِطَلَاق كَمَا مرّ لِأَنَّهُ نِكَاح صَحِيح، وَقد اقْتصر ابْن فتحون على أَن الْفَسْخ فِي ذَلِك بِطَلَاق وَهل يلْزمه نصف الصَدَاق أم لَا؟ قولا ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة والمجالس. وعَلى مَا لِابْنِ فتحون درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن زوج بِشُرُوط وأجيزت وَبلغ وَكره فَلهُ التَّطْلِيق، وَفِي نصف الصَدَاق قَولَانِ عمل بهما الخ. وَالرَّاجِح الأول كَمَا لشراحه وَإِن طلق قبل علمه بِالشُّرُوطِ فَفِي النّصْف قَولَانِ أَيْضا كَمَا فِي ضيح فَقَوله: والحل مُبْتَدأ خَبره بِالْفَسْخِ وَبلا طَلَاق حَال. وَقَوله: إِن رد ذَاك شَرط ومعموله وَجَوَابه مَحْذُوف للْعلم بِهِ وَبلا صدَاق مَعْطُوف على قَوْله: وَبلا طَلَاق ثمَّ مَحل الْفَسْخ بِطَلَاق أَو غَيره إِنَّمَا هُوَ إِذا تمسكت بشرطها وَأما إِن رضيت بإسقاطه فَلَا. وَإِذا أسقطت فَلَا كَلَام لأَبِيهَا وَلَو مَحْجُورا عَلَيْهَا خلافًا لِابْنِ الْعَطَّار. وَعَن ابْن وهب أَن الصَّغِير يلْزمه مَا عقد عَلَيْهِ أَبوهُ من الشُّرُوط دخل بهَا أم لَا لِأَنَّهُ النَّاظر لَهُ. وَقيل: لَا تلْزمهُ وَإِن دخل بعد بُلُوغه وَعلمه ذكرهمَا ابْن سَلمُون. وَمَفْهُوم قَوْله: على شُرُوط أَنه إِذا زوجه بِدُونِهَا لزمَه النِّكَاح وَلَا مقَال لَهُ إِن كَانَ لَهُ مَال كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة مهما أوصيا. الخ. وَإِن كَانَ عديما وَكتب الْأَب عَلَيْهِ الصَدَاق فَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الأسمعة: إِن لم يدْخل الابْن حَتَّى بلغ فَهُوَ مُخَيّر إِن شَاءَ دخل بِمَا كتب عَلَيْهِ وَإِن شَاءَ فَارق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن دخل قبل أَن يبلغ أَو يحوز أمره فالصداق على الْأَب أَو دخل بعد أَن كبر وَلم يعلم، فالصداق على الْأَب وَالشّرط بَاطِل ابْن(1/408)
رشد: قَوْله إِذا زوج الْأَب ابْنه وَهُوَ صَغِير لَا مَال لَهُ أَن الصَدَاق على الْأَب وَأَنه إِن كتبه عَلَيْهِ لم يلْزمه إِلَّا أَن يلتزمه بعد الْبلُوغ وَأَنه إِن دخل قبل الْبلُوغ أَو بعده وَلم يعلم سقط عَنهُ وَلزِمَ الْأَب وَكَانَ شَرطه بَاطِلا صَحِيح، إِذْ لَيْسَ للْأَب أَن يُوجب عَلَيْهِ دينا وَيلْزمهُ إِيَّاه اه. وَتَأمل قَول (خَ) : وصداقهم أَن أعدموا على الْأَب وَإِن مَاتَ أَو أيسر وَأبْعد الخ وَمَفْهُوم قَوْله: حَال الصغر إِن عقده للسفيه عَليّ شُرُوط لَا كَلَام لَهُ ابْن رشد: وَهُوَ ظَاهر (خَ) وَغَيره، لِأَن قبُول السَّفِيه للشروط مُعْتَبر كطلاقه وَإِذا دخل الصَّغِير بعد بُلُوغه وَعلمه لَزِمته وَلَو كَانَ سَفِيها كَذَا وجدته مُقَيّدا، وَظَاهره وَلَو على القَوْل يجْبر السَّفِيه الْمشَار لَهُ بقول (خَ) وجبر أَب ووصي وحاكم مَجْنُونا إِلَى قَوْله: وَفِي السَّفِيه خلاف فَانْظُرْهُ. تَنْبِيه: طَلَاق الصَّغِير فِي حَال صغره غير مُعْتَبر بِخِلَاف السَّفِيه وَلَيْسَ لوَلِيّ الصَّغِير أَن يُطلق عَنهُ إِلَّا بعوض كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الْخلْع بقوله: وموجبه زوج مُكَلّف وَولي صَغِير الخ. وَلَا نَفَقَة للزَّوْجَة على الصَّغِير كَمَا أَشَارَ لَهُ أَيْضا بقوله يجب لممكنة مطيقة للْوَطْء على الْبَالِغ الخ.
(فصل)
(فِيمَن لَهُ الْإِجْبَار) من الْأَوْلِيَاء (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) كمنعه من الضَّرَر واستحباب إِذن الْبكر ذَات الْأَب وإنكاح غير الْأَب وَكَون الصمت فِي الْبكر إِذْنا وَنَحْو ذَلِك. وَلما كَانَ الْأَب لَا يجْبر فِي الْقَلِيل من الصُّور قدم الْكَلَام عَلَيْهِ ليتفرغ لصور الْجَبْر فَقَالَ: ثُيُوبَةُ النِّكاحِ وَالْمِلْكِ مَعَا لِلأبِ الإحْبَارُ بِهَا قَدْ مُنِعَا (ثيوبة) مُبْتَدأ (النِّكَاح) مُضَاف إِلَيْهِ (وَالْملك) مَعْطُوف على النِّكَاح أَي وثيوبة الْملك (مَعًا) حَال (للْأَب) يتَعَلَّق بِمَنْع آخر الْبَيْت (الْإِجْبَار) مُبْتَدأ ثَان (بهَا) يتَعَلَّق بِهِ وَالْبَاء سَبَبِيَّة أَو بِمَعْنى مَعَ وضميره للثيوبة (قد) للتحقيق (منعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الْهَاء فِي بهَا والنائب فِي منع ضمير الْإِجْبَار، وَالْمعْنَى أَن الْأَب الْحر قد منع إِجْبَاره فِي بنته الْحرَّة الْبَالِغَة الثيبة بِنِكَاح صَحِيح أَو فَاسد كَمَا سيصرح بِهِ فِي قَوْله: وكالصحيح مَا بِعقد فَاسد الخ. وَفِي بنته الْقِنّ إِذا عتقت بعد أَن ثيبت بِوَطْء السَّيِّد وَهِي بَالغ فَلَا جبر لَهُ فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ وَمَفْهُوم النِّكَاح أَن ثيوبة غَيره كَالزِّنَا لَا تمنع إِجْبَاره وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح من الْخلاف الْآتِي فِي قَوْله: وبالحرام الْخلف فِيهَا يجْرِي الخ. ثمَّ إِن قيد الْبلُوغ مُعْتَبر فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَررنَا بِدَلِيل قَوْله:(1/409)
كَمَا لهُ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ فِي صِغَارِ بَنَاتِهِ وَبالِغ الأبْكَارِ (كَمَا) الْكَاف بِمَعْنى مثل وَمَا مَصْدَرِيَّة (لَهُ) خبر عَن قَوْله (ذَلِك) وَالْإِشَارَة للإجبار (فِي صغَار) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (بَنَاته) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الصّفة للموصوف (وَبَالغ) مَعْطُوف على صغَار (الْأَبْكَار) مُضَاف إِلَيْهِ إِضَافَة الصّفة للموصوف أَيْضا وَالْمعْنَى لَا إِجْبَار للْأَب مَعَ الثيوبة مماثلاً لإجباره صغَار الْبَنَات اللائي لم يبلغن ثيبات كن أَو أَبْكَارًا أَو بَالغ الْأَبْكَار فالنفي الْمَفْهُوم من الْمَنْع مسلط على الْمُقَيد بقيده الَّذِي هُوَ الْمُمَاثلَة لَا على الْقَيْد فَقَط أَي لَا إِجْبَار لَهُ على الثيبات مثل كَونه لَهُ على صغَار الْبَنَات والأبكار البالغات، وَكَذَا يجْبر الَّتِي ثيبت بزنا كَمَا مر والمجنونة وَلَو ثيبت بِنِكَاح وَمحل جبره إِذا لم يرد تَزْوِيج من ذكر من ذِي عاهة وإلاَّ فَلَا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْأَب إِن زَوجهَا من عبد الخ. وَمحله أَيْضا فِي الْبكر الْبَالِغ إِذا لم يرشدها وَلم تقم ببيتها سنة وَإِلَّا بِأَن رشدها أَو أَقَامَت ببيتها مَعَ زَوجهَا سنة من غير مَسِيس فَلَا جبر (خَ) : وجبر الْمَجْنُونَة وَالْبكْر وَلَو عانساً إِلَّا لكخصي على الْأَصَح وَالثَّيِّب إِن صغرت أَو بِعَارِض أَو بِحرَام إِلَّا بفاسد وبكراً رشدت أَو أَقَامَت ببيتها سنة الخ. وَأما من ثيبت بِنِكَاح أَو ملك قبل الْبلُوغ وَمَا تأيمت أَو عتقت إِلَّا بعده فَهِيَ دَاخِلَة فِي قَوْله: ثيوبة النِّكَاح الخ إِذْ يصدق عَلَيْهَا أَنَّهَا بَالغ ثيبت بِنِكَاح أَو ملك وَلَا يعول على ظَاهر قَوْله الْآتِي: كواقع قبل الْبلُوغ الْوَارِد الخ. ويُسْتَحَبُّ إذْنُهَا والسَّيِّدُ بالجَبْرِ مُطْلقاً لَهُ تَفَرُّدُ (وَيسْتَحب) مضارع مَبْنِيّ للْمَفْعُول (إِذْنهَا) بِالرَّفْع نَائِبه أَي يسْتَحبّ للْأَب أَن يسْتَأْذن ابْنَته الْبكر الْبَالِغ عِنْد تَزْوِيجهَا أَي يشاورها فِيهِ وَيكون بِوَاسِطَة من لَا تَسْتَحي مِنْهُ فقد لَا تريده أَو يكون بهَا عيب يمْنَعهَا مِنْهُ. وَلما قدم أَن الْأَب يجْبر صغَار الْبَنَات وبوالغ الْأَبْكَار وَأَنه يسْتَحبّ لَهُ اسْتِئْذَان الْأَبْكَار البوالغ نبه على أَن السَّيِّد لَهُ الْجَبْر لأرقائه مُطلقًا ذُكُورا أَو إِنَاثًا ثيبات أَو أَبْكَارًا فَقَالَ: (وَالسَّيِّد) مُبْتَدأ (بالجبر) يتَعَلَّق بتفرد آخر الْبَيْت (مُطلقًا) حَال من ضمير الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر (لَهُ) خبر عَن قَوْله (تفرد) مصدر تفرد بِمَعْنى انْفَرد أَي وَللسَّيِّد التفرد بالجبر عَن سَائِر الْأَوْلِيَاء كَائِن لَهُ مُطلقًا وَلَا يدْخل فِي الْإِطْلَاق كَانَت مضرَّة فِي التَّزْوِيج أم لَا إِذْ لَا جبر لَهُ مَعَ الضَّرَر (خَ) وجبر الْمَالِك أمة وعبداً بِلَا إِضْرَار أَي كتزويجها من أبرص أَو مجذوم وَنَحْوهمَا(1/410)
وَلَا يدْخل فِيهِ أَيْضا كَانَ ذَا شائنة أم لَا إِذْ لَا جبر لَهُ فِي ذِي الشائبة من الْإِنَاث على مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ وَالْمرَاد بالسيد الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد والمتعدد وَالْحر وَالْعَبْد وَالذكر وَالْأُنْثَى إِلَّا أَن الْأُنْثَى لَا تعقد بِنَفسِهَا بل توكل، كَمَا أَن السَّيِّد العَبْد نَحْو الْمكَاتب كَذَلِك (خَ) ووكلت مالكة ومكاتب فِي أمة طلبت فضلا وَلَا يدْخل فِيهَا أَيْضا كَانَ مَالك الْكل أَو الْبَعْض إِذْ لَا جبر لمَالِك الْبَعْض وَإِن كَانَ هُوَ كمالك الْجَمِيع فِي الْولَايَة على الْأمة وَفِي رد نِكَاح العَبْد وَالْأمة إِن تزوجا بِغَيْر إِذْنه لِأَن ذَلِك يعِيبهُ كَمَا لَهُ رد تزوج نِكَاح الْمكَاتب أَو الْمُكَاتبَة بِغَيْر إِذْنه لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة بل يتحتم الرَّد فِي الْأمة وَلَو عقد لَهَا أحد الشَّرِيكَيْنِ دون الآخر. تَنْبِيه: للْوَصِيّ أَن يُزَوّج رَقِيق مَحْجُوره بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب، وَظَاهره أَنه يجْبرهُ على ذَلِك لِأَنَّهُ نَائِب الْمَالِك. والأَبُ إنْ زوَّجهَا مِنْ عَبْدِ فَهْوَ مَتَى أَجْبَرَ ذُو تَعَدِّ (وَالْأَب) مُبْتَدأ (إِن زَوجهَا) شَرط وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يعود على مجبرته (من عبد) يتَعَلَّق بِهِ (فَهُوَ) مُبْتَدأ (مَتى أجبر) شَرط (ذُو تعد) خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي، وَالْجُمْلَة مِنْهُ وَمن خَبره جَوَاب إِن وَدخلت الْفَاء عَلَيْهِ لكَونه لَا يصلح أَن يكون شرطا، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَأما الشَّرْط الثَّانِي وَهُوَ قَوْله: مَتى أجبر فَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ وَالْمعْنَى أَن الْأَب إِذا أجبر مجبرته على التَّزْوِيج من عبد وَنَحْوه كمبروص ومجذوم فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِك الْجَبْر قَالَ فِي الْمعِين: وَلَيْسَ للْأَب أَن يُزَوّج ابْنَته من عبد لما يلْحقهَا فِي ذَلِك من المعرة. وَقَالَ سَحْنُون فِي السليمانية: إِذا أَرَادَ الْأَب أَن يُزَوّج ابْنَته مَجْنُونا أَو مجذوماً أَو أبرص أَو أسود أَو من لَيْسَ لَهَا بكفء وأبت الِابْنَة ذَلِك كَانَ للسُّلْطَان مَنعه لِأَن ذَلِك ضَرَر اه بِنَقْل الشَّارِح. وَفِي الطرر قَالَ المشاور: وَلَا يُزَوّج ابْنَته الْبكر من المجذوم إِلَّا بِرِضَاهَا وَلَا يكون صمتها فِي هَذَا رضَا وَلَا بُد لَهَا من الْكَلَام لِأَنَّهُ عيب، ثمَّ قَالَ بعد أسطر: وَقَالَ سَحْنُون فِي السليمانية: إِن أَرَادَ أَبوهَا أَن(1/411)
يُزَوّجهَا من أسود أَو أبرص أَو أَجْذم أَن السُّلْطَان يمنعهُ من ذَلِك لِأَن ذَلِك ضَرَر، وَقَول سَحْنُون فِي هَذَا أحسن اه. بِنَقْل (ت) وَقَالَ: أَعنِي (ت) إثره مَا نَصه: فَلم يُقيد يَعْنِي سحنوناً فِيمَا نقل عَنهُ صَاحب الطرر ذَلِك بِمَا إِذا أَبَت الِابْنَة كَمَا قَيده بذلك فِي نقل الْمعِين. قلت: الظَّاهِر أَنه لَا مُخَالفَة بَين النقلين لِأَن قَوْله فِي الطرر أَن السُّلْطَان يمنعهُ دَلِيل على أَن الِابْنَة قد أَبَت وَإِلَّا لم يكن للسُّلْطَان كَلَام لِأَن لَهما ترك الْكَفَاءَة كَمَا قَالَ (خَ) وَلها وللولي تَركهَا كَمَا أَنه لَا مُخَالفَة بَين كَلَام سَحْنُون الْمَنْقُول فِي الطرر والمعين وَبَين كَلَام المشاور أَيْضا لِأَن المشاور قيد ذَلِك بِرِضَاهَا فيستفاد مِنْهُ أَنَّهَا إِذا لم ترض لم تزوج وَهُوَ قَول سَحْنُون، إِذا أَبَت كَانَ للسُّلْطَان أَي عَلَيْهِ مَنعه، فَاللَّام بِمَعْنى على لَا للتَّخْيِير إِذْ من وظيفته رفع الضَّرَر. وَقَالَ ابْن أبي زمنين: إِن الْأَب إِذا زوج ابْنَته الْبكر عنيناً أَو خَصيا أَو مجبوباً جَازَ ذَلِك عَلَيْهَا علمت أم لَا إِذا كَانَ ذَلِك نظرا لَهَا اه. وَمَا ذكره أَصله لِابْنِ حبيب وَلما نَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَنقل قَول سَحْنُون الْمُتَقَدّم قَالَ مَا نَصه: وَقَول سَحْنُون أجْرى على الْأُصُول وَأقوى عِنْد ذَوي التَّحْصِيل من قَول ابْن حبيب اه. وَلِهَذَا قَالَ فِي الطرر: وَقَول سَحْنُون أحسن الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا لِابْنِ أبي زمنين خلاف الْأَصَح الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) : إِلَّا لكخصي على الْأَصَح إِذْ مَا ذكره سَحْنُون، والمشاور كُله دَاخل تَحت الْكَاف من قَوْله: إِلَّا لكخصي كَمَا لشراحه وَمَا لِابْنِ أبي زمنين مُقَابل لَهُ ثمَّ ظَاهر مَا مرّ أَنه لَا يجبرها من الأبرص وَلَو قل برصه وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لما أفتى بِهِ السيوري من أَن البرص الْقَلِيل لَا كَلَام لَهَا فِيهِ، وَقد قَالَ بعض لامْرَأَة كثرت شكواها من زَوجهَا وَتعذر عَلَيْهَا إِثْبَات ضَرَره: ادعِي عَلَيْهِ أَن بِهِ برصاً فِي دبره فَإِنَّهُ يستحي أَن يكْشف نَفسه للرِّجَال ويطلقك فَفعلت وَطَلقهَا، وَالْغَالِب أَن البرص فِي الدبر لَا يكون إِلَّا قَلِيلا إِذْ لَو انْتَشَر عَنهُ لجازت رُؤْيَته، وَكَذَا الجذام الْمُحَقق وَلَو قل لِأَنَّهُ أَشد ضَرَرا وَلِأَن الْقَلِيل قد ينتشر، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم مَتى أجبر أَنَّهَا إِذا رضيت لم يكن مُتَعَدِّيا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ، لَكِن يُقيد بِمَا إِذا كَانَت رَشِيدَة وَلَا عصبَة لَهَا فَإِن كَانَت سَفِيهَة أَو كَانَ لَهَا عصبَة فَلَا عِبْرَة بِرِضَاهَا فِي الأولى، وللعصبة منعهَا فِي الثَّانِيَة قَالَه اليزناسني. وَأَصله فِي الْمُفِيد كَمَا فِي (م) وَهُوَ قيد صَحِيح جَار فِي جَمِيع مسَائِل الْكَفَاءَة على مَا يَقْتَضِيهِ جَوَاب العبدوسي فِي وَصِيّ مجبر زوج أُخْت مجبرته من غير كُفْء فَقَامَ إخْوَته وَأَرَادُوا فسخ النِّكَاح بعد أَن أثبتوا بِشَهَادَة الشُّهُود أَنه غير كُفْء لَهَا فَقَالَ: شَهَادَتهم بِأَنَّهُ غير كُفْء لَهَا شَهَادَة مجملة لَا بُد من استفسارها فَإِن قَالُوا مثلا هُوَ سكير شريب أَو مُسْتَغْرق المَال بالربا والغصوبات أَو غير ذَلِك مِمَّا يقْدَح فِي الْكَفَاءَة شرعا فَإِنَّهُ يعْذر فِي ذَلِك للْوَصِيّ وَالزَّوْج فَإِن لم يكن عِنْدهمَا مدفع فسخ النِّكَاح انْتهى بِاخْتِصَار، فَتَأمل قَوْله: أَو غير ذَلِك مِمَّا يقْدَح فِي الْكَفَاءَة الخ. فَإِنَّهُ شَامِل لجَمِيع الْأَوْصَاف الَّتِي تقدح فِيهَا وَأفهم كَلَام العبدوسي أَن الْفَاسِق بالجارحة كالزاني وَكثير الْأَيْمَان بِالطَّلَاق غير كُفْء وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يفهم من جَوَاب اليزناسني نَقله فِي المعيار قبل جَوَاب العبدوسي الْمُتَقَدّم قَالَ: فِيهِ الْكَفَاءَة مُعْتَبرَة فِي الدّين بِلَا خلاف وَإِن كَانَ فَاسِقًا فَلَا خلاف مَنْصُوص أَن تَزْوِيج الْوَالِد مِنْهُ لَا يَصح، وَكَذَلِكَ غَيره من الْأَوْلِيَاء وَإِن كَانَ وَقع ذَلِك فللزوجة وَلمن علم لَهَا فسخ النِّكَاح، وَكَانَ بَعضهم يهرب من الْفَتْوَى بذلك وَيرى أَنه يُؤَدِّي إِلَى فسخ كثير من الْأَنْكِحَة اه. وأصل حَاصِل هَذَا الْكَلَام لِابْنِ بشير كَمَا فِي (ح) وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا، وَظَاهر كَلَامهم أَنه نِكَاح فَاسد يتحتم فَسخه وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ نَص اللَّخْمِيّ الْآتِي وَهُوَ مَا(1/412)
فهمه (ح) أَيْضا من قَول ابْن بشير لَا يَصح اه. وَظَاهر كَلَام اليزناسني أَنه حمل قَوْله: لَا يَصح على أَنه لَا يلْزم بِدَلِيل قَوْله فلزوجة، وَلمن قَامَ لَهَا الخ. لِأَنَّهُ جعل ذَلِك لَهما، وَهُوَ ظَاهر قَول الشَّامِل فلهَا فسخ نِكَاح الْفَاسِق بجارحة، وَنَحْوه قَول ابْن الْحَاجِب أَيْضا لَا خلاف أَن للزَّوْجَة وَلمن قَامَ لَهَا فسخ نِكَاح الْفَاسِق، وَنقل (ح) عَن الْفَاكِهَانِيّ أَن الْمَشْهُور صِحَة نِكَاح الْفَاسِق وَأَنه لَا يفْسخ، وَذكر فِي المعيار عَن أبي الْفضل العقباني أَن فسقه إِن كَانَ بِكَثْرَة الْأَيْمَان بِالطَّلَاق فعيب أَو باستغراق ذمَّته بالحرام، فهذان الْوَجْهَانِ يوجبان الْفَسْخ لِأَن الْمَرْأَة تكون مَعَه فِي زنا فِي الْوَجْه الأول وَتبقى تَحت مضيعة فِي الْوَجْه الثَّانِي وَذَلِكَ أعظم الضَّرَر قَالَ: وَهُنَاكَ وُجُوه أخر من الْفسق لَا توجب مَا أوجبه هَذَا من الْفَسْخ ثمَّ قَالَ فِي جَوَاب آخر عَن نِكَاح الْفَاسِق: إِن التَّعَرُّض لفسخه أَمر عسير لِأَن تَغْيِير الْمُنكر إِن أدّى إِلَى مُنكر أعظم مِنْهُ سقط الْأَمر عَنهُ، وَنحن نَمِيل فِي هَذِه الْأَزْمِنَة لما مَال إِلَيْهِ من قَالَ من الشُّيُوخ: لَو أَخذ بِهَذَا لفسخت أَكثر الْأَنْكِحَة إِذْ قل من يَخْلُو عَن الْفسق بالجوارح الخ فَقَوله: وَذَلِكَ من أعظم الضَّرَر دَلِيل على أَن النِّكَاح صَحِيح لَو لم تقم هِيَ أَو بعض أوليائها بِالْفَسْخِ فِي الْوَجْه الثَّانِي، وَكَذَا فِي الْوَجْه الأول لِأَنَّهُ علله بِأَن كَثْرَة الْأَيْمَان مِنْهُ عيب يُوجب لَهَا وَلمن قَامَ لَهَا الْفَسْخ، وَبِالْجُمْلَةِ فَظَاهر كَلَام ابْن بشير أَن الْفَاسِق بِأَيّ وَجه كَانَ فسقه بزنا أَو بِشرب خمر أَو كَثْرَة أَيْمَان أَو غير ذَلِك لَا يَصح نِكَاحه، وَهل معنى قَوْله لَا يَصح نِكَاحه لَا يلْزم وَهُوَ ظَاهر مَا مرّ عَن الشَّامِل والعقباني واليزناسيني وَابْن الْحَاجِب، أَو مَعْنَاهُ أَنه فَاسد فَلَا يَصح وَلَو رضيت هِيَ وأولياؤها وَهُوَ مَا فهمه مِنْهُ (ح) وَقُوَّة كَلَامه تُعْطِي أَنه الرَّاجِح وَيدل لَهُ ظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ الْآتِي فَفِي نِهَايَة المتيطي عَنهُ مَا نَصه: يُؤمر الْأَب فِي تَزْوِيج ابْنَته بِأَرْبَع، أَن يكون الزَّوْج كفأ فِي دِيَته وَمَاله وحسبه سالما من الْعُيُوب الَّتِي يجتنبها النِّسَاء فَإِن كَانَ كَسبه حَرَامًا أَو كثير الْأَيْمَان بِالطَّلَاق، أَو مِمَّن يشرب الْخمر لم يكن لَهُ أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ فَإِن فعل فرق الْحَاكِم بَينهمَا لِأَن الْأَب وَكيل لابنته وَإِذا فعل الْوَكِيل مَا لَيْسَ بِنَظَر رد فعله اه. وَفِي (تت) عِنْد قَوْله: وجبر وَصِيّ أمره بِهِ أَب أَو عين الزَّوْج الخ مَا نَصه: إِذا قَالَ لَهُ زَوجهَا من فلَان بعد عشْرين سنة ألزمها الْوَلِيّ النِّكَاح أَن فرض فلَان مهر الْمثل وَلم يكن فَاسِقًا وَلَا حجَّة لَهَا فِي كَونه الْآن ذَا زَوْجَة، وَكَانَ وَقت الْإِيصَاء عزباً اه. وَمثل الْفَاسِق بالجارحة الْفَاسِق بالاعتقاد كَمَا يَأْتِي، وعَلى هَذَا فَقَوْل (خَ) وَلها وللولي تَركهَا الخ مُقَيّد بِمَا مر عَن الْمُفِيد وَيُقَال: إِن المُرَاد بالولي الْجِنْس أَي وَلها وَلِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاء وَأما إرجاع الضَّمِير فِي تَركهَا لخُصُوص الْحَال كَمَا فِي (خَ) فخلاف الْمُتَبَادر وَبعد هَذَا يكون بِحَسب ظَاهره مَاشِيا على ظَاهر مَا لِابْنِ الْحَاجِب والعقباني وَغَيرهمَا، ثمَّ إِذا قُلْنَا بتحتم الْفَسْخ على مَا فِي (ح) أَو بِعَدَمِ تحتمه على ظَاهر من تقدم فَظَاهر كَلَامهم أَنه يفْسخ قبل الدُّخُول وَبعده، وَإِن كَانَ ابْن زرب جزم بِعَدَمِ فَسخه بعد الدُّخُول وَالْمرَاد بِالْحَال فِي كَلَام (خَ) السَّلامَة من الْعُيُوب إِلَّا النّسَب والحسب بِدَلِيل قَوْله: وَالْمولى وَغير الشريف الْأَقَل جاهاً كُفْء الخ. وَمَا تقدم من أَن العَبْد لَيْسَ بكفء هُوَ الْمُعْتَمد من أحد التَّأْويلَيْنِ فِي قَوْله: وَفِي العَبْد تَأْوِيلَانِ الخ. قَالَ (تت) وَاقْتصر (خَ) على أَن الْكَفَاءَة الدّين وَالْحَال لِأَنَّهُ قَول مَالك وَزَاد ابْن الْقَاسِم: المَال. قيل: وَاتفقَ عَلَيْهِ أَصْحَاب مَالك اه وَنَحْوه. لِابْنِ فتوح، وَفِي النِّهَايَة عَن اللَّخْمِيّ أَنه إِن كَانَ عَاجِزا عَن السَّعْي يرى أَنَّهَا تكون مَعَه فِي ضَيْعَة أَو يسْعَى من وَجه يُدْرِكهَا مِنْهُ معرة كَالَّذي يَتَكَفَّف النَّاس فَإِن الْأَب يمْنَع من تَزْوِيجهَا لَهُ وَيفْسخ نِكَاحه إِن فعل(1/413)
لَهُ اه. وَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة ومختصر الْمُتَيْطِيَّة أَن الْكَفَاءَة الْمُعْتَبرَة عِنْد ابْن الْقَاسِم فِي الْحَال وَالْمَال وَبِه الْقَضَاء وَعند ابْن الْمَاجشون فِي الْحَال وَالْمَال وَالدّين اه. وَمِمَّنْ ذكر أَن المَال مُعْتَبر فِي الْكَفَاءَة ابْن هِلَال فِي نوازله والعبدوسي صدر أنكحة المعيار، وَلذَا صدر بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَللْأُمّ التَّكَلُّم فِي تزوج الْأَب الموسرة المرغوب فِيهَا من فَقير الخ. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الْكَفَاءَة الْمُمَاثلَة والمقاربة مَطْلُوبَة بَين الزَّوْجَيْنِ وَفِي كَونهَا حَقًا للْوَلِيّ وَالزَّوْجَة أَو للزَّوْجَة الثّيّب دون وَليهَا فَيصح إِسْقَاطهَا. ثَالِثهَا: حق لله تَعَالَى وَبِه الْقَضَاء اه. وَأَصله فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا، وَلابْن الْمَاجشون أَنَّهَا شَرط فِي صِحَة النِّكَاح وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْقَاسِم وَبِه الْقَضَاء وَالْفَتْوَى، وَنَقله فِي مُعْتَمد الناجب فِي شرح ابْن الْحَاجِب قَالَ بَعضهم: وَانْظُر كَيفَ يلتئم كَونهَا شرطا فِي صِحَة النِّكَاح على الْمَعْمُول بِهِ مَعَ قَوْلهم لَهَا وللولي تَركهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال قد تبدل الْعَمَل وإلاَّ فَشرط الصِّحَّة لَيْسَ لأحد تَركه. قلت: كَونهَا حَقًا للزَّوْجَة وَالْوَلِيّ هُوَ الْمَشْهُور كَمَا يَقْتَضِيهِ تصدير ابْن عَرَفَة بِهِ واقتصار (خَ) وَغَيره عَلَيْهِ وَلَا يلْزم من كَونه مَشْهُورا أَن يكون مَعْمُولا بِهِ، وَحِينَئِذٍ ف (خَ) يَدُور مَعَ الْمَشْهُور وَإِن كَانَ الْعَمَل بِغَيْرِهِ ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة: إِثْر مَا مر وَفِي كَونهَا فِي الْحَال وَالْمَال أَو فيهمَا، وَفِي الدّين أَو فِي الْحَال وَالدّين أَو فِي الدّين فَقَط. خَامِسهَا: فِي النّسَب لَا المَال الأول للمتيطي مَعَ ابْن فتحون عَن ابْن الْقَاسِم قائلين بِهِ الحكم الخ، ففهم مِنْهُ أَن الْمُعْتَمد عِنْده هُوَ الأول، وَلذَا صدر بِهِ وَهُوَ خلاف مَا مرّ عَن (خَ) من أَنَّهَا الدّين وَالْحَال فَقَط، وَأَن هَذَا قَول مَالك وَقد تبين من جَمِيع مَا مرّ أَن الْمُعْتَبر فِي الْكَفَاءَة الدّين الشَّامِل لِلْإِسْلَامِ بِلَا خلاف، وَهل يعْتَبر فِيهَا الدّين بِمَعْنى عدم الْفسق أَيْضا وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا مرّ عَن ابْن بشير وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا. وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق (خَ) لِأَن قَوْله: الدّين الشَّامِل لِلْإِسْلَامِ وَعدم الْفسق أَو لَا يعْتَبر الدّين بِمَعْنى عدم الْفسق وَهُوَ مَا شهره الْفَاكِهَانِيّ، وَبِه الْقَضَاء عِنْد المتيطي وَمن مَعَه، وتصدير ابْن عَرَفَة بِهِ يُؤذن بترجيحه، وَلَكِن فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرين إِنَّمَا هِيَ على الأول كَمَا مر فَيتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهِ لاعتمادهم إِيَّاه، وَلِهَذَا لم يعرج (خَ) وَلَا ابْن الْحَاجِب وَلَا صَاحب التَّلْقِين وَلَا صَاحب الشَّامِل وَلَا غَيرهم من الفحول على الثَّانِي بل قَوْلهم لَهَا وللولي تَركهَا دَلِيل على أَن الْكَفَاءَة لَيست شَرط صِحَة وَأَن الْمَرْأَة وَالْوَلِيّ فِي نِكَاح الْفَاسِق بِالْخِيَارِ، إِذْ لَو كَانَ نِكَاحه صَحِيحا لَازِما كَمَا للفاكهاني مَا كَانَ لَهَا أَو لوَلِيّهَا الْخِيَار وَالْقِيَام بفسخه إِذا وَقع. وَفِي الحَدِيث: (من زوج كريمته من فَاسق وَهُوَ يعلم فقد قطع رَحمهَا) أَي: خؤولة وَلَدهَا مِنْهُ وَذَلِكَ أَنه يطلقهَا ثمَّ يصير مَعهَا على السفاح فَيكون وَلَدهَا لغير رشدة فَذَلِك قطع الرَّحِم، وَفِي جَوَاب لأبي يحيى السراج فِي رجل ثَبت أَنه مدمن على شرب الْخمر أنكحه رجل ابْنَته غير عَالم بِأَنَّهُ على الصّفة الْمَذْكُورَة ثمَّ إِن والدها توفّي فَقَامَ بعض أَوْلَاده بِالْفَسْخِ لإدمان الزَّوْج على الْخمر الْمُؤَدِّي للأيمان الحانثة مَا نَصه: إِنَّه يقبل قَوْله وَيفْسخ النِّكَاح بذلك اه. وَظَاهره وَلَو بعد الدُّخُول وَلَو مَأْمُونا عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهر لِأَن الشّرْب الْمُؤَدِّي للأيمان عيب كَمَا مرّ عَن العقباني وَكَذَا زِنَاهُ على مَا فِي (ح) عَن ابْن خويز منداد بل فسقه من حَيْثُ هُوَ عيب يُوجب لَهَا الْخِيَار حَيْثُ لم تعلم بِهِ وَلَو بعد الدُّخُول خلافًا لما مر عَن ابْن زرب، وَبِهَذَا كُله تعلم أَنه لَا يتحتم فسخ نِكَاح(1/414)
الْفَاسِق كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام (م) لِأَن مَا كَانَ لَهَا وللولي تَركه لَا يتحتم عَلَيْهَا فَسخه، وَعبارَة الشَّامِل: وللمرأة وَالْوَلِيّ على الْأَصَح ترك كفاءة غير إِسْلَام فلهَا فسخ نِكَاح الْفَاسِق الخ. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن الْمُدَوَّنَة: لَيست الْكَفَاءَة بِشَرْط فِي النِّكَاح خلافًا لِسُفْيَان فَوَجَبَ حِينَئِذٍ أَن يكون الضَّمِير فِي قَول (ح) تَركهَا عَائِدًا على الْكَفَاءَة كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ وَأَن معنى قَول ابْن بشير لَا يَصح أَي لَا يلْزم كَمَا مر، وَقد يُقَال وَهُوَ الظَّاهِر أَن مَا ل (خَ) من تحتم الْفَسْخ وَهُوَ ظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ الْمُتَقَدّم إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت الْبِنْت غير رَشِيدَة لِأَن رِضَاهَا حِينَئِذٍ لَا يعْتَبر، وَعَلِيهِ يحمل قَول من قَالَ إِن الْكَفَاءَة شَرط صِحَة، ثمَّ إِن الْمُعْتَبر فِيهَا أَيْضا الْحَال أَي السَّلامَة من الْعُيُوب وَالْمَال بِأَن لَا يكون فَقِيرا لِأَن فقره مَظَنَّة عَجزه عَن الصَدَاق وَالنَّفقَة وَغَيرهمَا من حُقُوق الزَّوْجَة، وَالْمُعْتَبر فِيهَا أَيْضا الْحُرِّيَّة، فَهَذِهِ الْأَرْبَع لَا بدّ مِنْهَا على الرَّاجِح وَإِن كَانَ الْخلاف فِي جَمِيعهَا مَا عدا الْإِسْلَام فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْأَب إِن زوج من كَعبد. لشمل الْأَرْبَعَة. وَزيد عَلَيْهَا النّسَب، وَقد تقدم اعْتِبَاره فِي قَول (خَ) وَالْمولى وَغير الشريف كُفْء الخ. وَزيد أَيْضا الصَّنْعَة فذو الصَّنْعَة الدنيئة كالحياكة والحجامة والفران والحمامي لَيْسَ كفأ لمن صَنعته لأهل الْمُرُوءَة كالنجارة والحرارة والبناية وَنَحْوهَا كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَقد نظم الإِمَام الْقصار هَذِه السِّت مَعَ قطع النّظر عَن الرَّاجِح فِيهَا فَقَالَ: شَرط الْكَفَاءَة سِتَّة قد حررت ينبيك عَنْهَا بَيت شعر مُفْرد نسب وَدين صَنْعَة حريَّة فقد الْعُيُوب وَفِي الْيَسَار تردد هَذَا وَفِي شرح ابْن رحال مَا نَصه: قَول المُصَنّف وَالْمولى وَغير الشريف كُفْء الخ. وَهُوَ الَّذِي صَرَّحُوا بتشهيره، وَلَكِن تقدم فِي كَلَامهم مَا يدل على أَن الْمُعْتَبر هُوَ المعرة بِحَسب الْعَادة فِي الْبَلَد والأشخاص والأزمان، وَإِذا ثَبت ذَلِك فالمولى وَهُوَ الْمُسَمّى فِي عرفنَا بالحرطاني فِي تَزْوِيجه معرة عَظِيمَة فَلَا يكون كفأ قطعا وَأَحْرَى العَبْد، فليتنبه الْفَقِيه لهَذِهِ الْقَاعِدَة فَهِيَ الْمُعْتَمد الْمَشْهُور، وَكَذَا من قرب إِسْلَامه أَو إِسْلَام أَبِيه فَإِن فِيهِ عِنْد الأكابر معرة، وَكَذَا الْفَقِير بِاعْتِبَار الْأَغْنِيَاء والتجار وَكَذَا أهل الْحَرْف الدنيئة كالمداحين فِي الْأَسْوَاق وَالَّذين يَتَكَلَّمُونَ بالملحون فِي الولائم المسمون بالشعراء وَنَحْو ذَلِك. وَهَذَا كُله يدل عَلَيْهِ كَلَام النَّاس، وَلَا سِيمَا كَلَام اللَّخْمِيّ فَإِنَّهُ مُشْتَمل على مَا ذَكرْنَاهُ قطعا انْتهى بِاخْتِصَار. وَنقل قبل ذَلِك عَن اللَّخْمِيّ كلَاما يدل على أَن الْمدَار على المعرة وعَلى هَذَا فالأمور السِّتَّة كلهَا مُعْتَبرَة وَالله أعلم. وَأما الْفسق بالاعتقاد فعلى ثَلَاثَة أوجه مَا هُوَ كفر بِإِجْمَاع فَيجب فِيهِ الْفِرَاق وَالْفَسْخ بِغَيْر طَلَاق وَيثبت ذَلِك بِبَيِّنَة علمت بذلك حِين العقد أَو بِإِقْرَار الزَّوْج أَو إِقْرَارهَا مَعَ تَصْدِيق زَوجهَا وَإِن لم يصدقها لم يقبل قَوْلهَا، لَكِن يسْتَحبّ أَن يفارقها وَمَا لَيْسَ بِكفْر بِإِجْمَاع فَلَا يجب عَلَيْهِ فراقها وَيجب عَلَيْهِ إرشادها وَتَعْلِيمهَا وَمَا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ، فَينْظر إِلَى الزَّوْجَيْنِ فَإِن اتفقَا على القَوْل بِعَدَمِ التَّكْفِير جَازَ لَهما الْبَقَاء، وَإِن أخذا بالْقَوْل بالتكفير وَجب عَلَيْهِمَا الْفِرَاق، وَكَذَا إِن أقرّ الزَّوْج خَاصَّة وَجب الْفِرَاق قَالَه العبدوسي، وَالْمرَاد بالمختلف فِيهِ كل من دخل تَحت قَول (خَ) فِي الْإِمَامَة وَأعَاد بِالْوَقْتِ فِي كحروري إِذْ قد دخل فِي ذَلِك القدري والشيعي والمعتزلي وَغَيرهم مِمَّن اخْتلف فِي تكفيره، وَلذَا كَانَ لَا يقْضى على الزَّوْج بفراقها إِن أخذت بتكفيره، وَالْمرَاد بِمن وَقع الْإِجْمَاع على كفره مُنكر علم الله أَي أَن الله لَا يعلم الْأَشْيَاء تَفْصِيلًا تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا، وَكَذَا مُنكر(1/415)
الْبَعْث والشاك فِيهِ وَنَحْو ذَلِك من عدم التَّفْرِيق بَين الله تَعَالَى وَرَسُوله، فَإِذا وجد أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه يعْتَقد ذَلِك فَقبل الدُّخُول يجدد العقد بِغَيْر اسْتِبْرَاء بعد التَّعْلِيم ويجدده بعد الدُّخُول بعد الِاسْتِبْرَاء. وَقَوله وَإِن لم يصدقها الخ. يَعْنِي إِن زعمت أَنَّهَا حِين العقد كَانَت مبتدعة بِمَا يُوجب كفرها، وَأما الْآن فَهِيَ على خلاف ذَلِك لَا أَنَّهَا مبتدعة الْآن لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون مرتدة وَالْعِيَاذ بِاللَّه، وَالْمرَاد بِمَا لَيْسَ بِكفْر بِإِجْمَاع ذُو الْهوى الْخَفِيف كتفضيل عَليّ رَضِي الله عَنهُ على الشَّيْخَيْنِ رَضِي الله عَنْهُمَا، وَفهم من قَول (ح) : كحروري الخ أَن الْمَشْهُور فيهم أَنهم فساق وَإِلَّا لبطلت الصَّلَاة خَلفهم وَفِي الْمُدَوَّنَة لَا يُزَوّج القدري. تَنْبِيه: إِذا قُلْنَا إِن الْفسق عيب على مَا مر فَانْظُر هَل لَا فرق فِيهِ بَين وجوده حِين العقد أَو طروه بعده فَهُوَ حِينَئِذٍ كالجنون يطْرَأ على الزَّوْج فلهَا الْفَسْخ بِسَبَبِهِ فَتَأَمّله فَإِن الزَّوْج إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ كَثْرَة الْحلف بالأيمان أَو استغراق ذمَّته لَا يلْزمهَا أَن تقيم مَعَه على أَن يطْعمهَا من حرَام مَعَ وجود الْأَحْكَام، وَلَعَلَّ مَا فِي الْبُرْزُليّ من أَن الْمَرْأَة الصَّالِحَة تكون عِنْد ذَوي الغصوبات فِي الْأَمْوَال تسأله طَلَاق نَفسهَا فَإِن أَبى أكلت من مَاله وَلَا حرج مَحَله إِذا فقدت الْأَحْكَام وإلاَّ فَهِيَ مكلفة بترك الْحَرَام لِأَن أكل الْمَغْصُوب مَعَ الْعلم بِهِ غصب وَالله أعلم. فَائِدَة: قَالَ ابْن عَرَفَة: قد امتحن التّونسِيّ فِي فتواه لمن تعلّقت نَفسه بشيعية جميلَة بقوله من تشيعه بتفضيل عَليّ على أبي بكر دون سبّ فَلَيْسَ بِكَافِر فشنع عَلَيْهِم تقسيمهم لغير كَافِر. قَالَ ابْن الْحَاج: وَوَافَقَ فُقَهَاء عصره على استتابته سداً للذريعة. قَالَ الْبُرْزُليّ: لما قسمهم التّونسِيّ فِي فتواه إِلَى قسمَيْنِ من يفضل عليا على غَيره دون سبّ للْغَيْر فَلَيْسَ بِكَافِر، وَمن يفضله ويسب غَيره فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَافِر لَا تحل مناكحته. قَالَت عَامَّة القيروان: هُوَ بتقسيمه الشِّيعَة إِلَى قسمَيْنِ كَافِر وأفتوا باستتابته سدّاً للذريعة فَأبى أَن يَتُوب فَقَالَ لَهُ شيخ من الْفُقَهَاء: أَما لَك ذنُوب سَابِقَة تتوب مِنْهَا؟ فَصَعدَ الْمِنْبَر وَقَالَ: إِنَّمَا أَتُوب من ذُنُوبِي أَو نَحْو هَذَا فَقَالَت الْعَامَّة: لما ارْتَدَّ التّونسِيّ صَار وَجهه كَأَنَّهُ وَجه كَافِر، وَلما تَابَ صَار وَجهه وَجه مُؤمن ثمَّ قَالَ عَن بَعضهم: إِن الشِّيعَة على ثَلَاثَة أَقسَام، القسمان الْأَوَّلَانِ وَالثَّالِث الْقَائِلُونَ أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَخطَأ فِي الْوَحْي، وَإِنَّمَا الرَّسُول عَليّ، وَهَذَا الْقسم كَافِر بِإِجْمَاع. وَذكر ابْن شرف أَنه شَاهد قصَّة التّونسِيّ وَأَنه طلب مِنْهُ الرُّجُوع على عُيُون الأشهاد على الْمِنْبَر فَأبى، ثمَّ طلب مِنْهُ أَن يرجع على أَيدي الْخَاصَّة فَأبى، ثمَّ طلب مِنْهُ أَن يرجع على يَد القَاضِي وشهوده فَأبى، قَالَ عِيَاض فِي المدارك: وَالَّذِي أفتى بِهِ هُوَ الْحَاوِي على الْفِقْه وَالْحق إلاَّ أَنهم أَرَادوا حسم هَذَا الْبَاب فِي الشِّيعَة لتقع النفرة مِنْهُم اه بِاخْتِصَار. وَقَوله فِي الْقسم الثَّانِي: منزل منزلَة الْكَافِر خلاف الْمَشْهُور من أَنه لَيْسَ بِكَافِر وَالْوَاجِب أدبه بِالِاجْتِهَادِ كَمَا قَالَ (خَ) : أَو سبّ من لم يجمع على نبوته أَو صحابياً الخ. ثمَّ على ظَاهر مَا ذكره الْفُقَهَاء من سد الذريعة بِفَسْخ نِكَاح الْفَاسِق بالاعتقاد مُطلقًا سداً للذريعة وَلَا يفصل فِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم لِأَن الْمَطْلُوب حسم هَذِه الْبِدْعَة من أَصْلهَا وإنكاحهم يُؤَدِّي إِلَى إِقْرَارهَا وَزِيَادَة انتشارها وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يُزَوّج القدري وَظَاهره مُطلقًا. وَانْظُر هَل يُقَال بِبُطْلَان الصَّلَاة خَلفهم على هَذَا أَي سداً للذريعة أَيْضا.(1/416)
وكَالأبُ الوصِيُّ فِيما جَعَلاَ أبٌ لَهُ مُسوَّغٌ مَا فَعَلاَ (وكالأب) خبر عَن قَوْله (الْوَصِيّ) وَقَوله (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (جعلا) صلَة مَا وألفه للإطلاق والرابط بَينه وَبَين الْمَوْصُول مَحْذُوف أَي جعله (أَب) فَاعل (لَهُ) يتَعَلَّق بِجعْل وضميره للْوَصِيّ (مسوغ) خبر عَن قَوْله (مَا) . وَقَوله: (فعلا) صلَة وألفه للإطلاق أَيْضا، وفاعله ضمير الْوَصِيّ والرابط مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي معنى التَّأْكِيد لما أفادته الْجُمْلَة الخبرية قبلهَا، وَمَعْنَاهُ أَن الْوَصِيّ ووصي الْوَصِيّ كَائِن كَالْأَبِ سَائِغ فعله فِيمَا جعل لَهُ الْأَب من جبر الْبَنَات صَرَاحَة أَو ضمنا كزوّجها صَغِيرَة أَو كَبِيرَة أَو قبل الْبلُوغ وَبعده أَو عين لَهُ الزَّوْج فيجبرها الْوَصِيّ ووصيه وَإِن سفل فِي ذَلِك كُله على الْمَشْهُور. وَهِي للزَّوْج الْمعِين فِي الْأَخِيرَة إِذْ بذل لَهَا مهر الْمثل وَلم يكن فَاسِقًا وَلَا حجَّة لَهَا فِي كَونه ذَا زَوْجَة أَو سَرِيَّة الْآن، وَكَانَ يَوْم الْإِيصَاء عزباً فَإِن أَبى أَن يبْذل مهر الْمثل أَو كَانَ فَاسِقًا أَو بِهِ عيب سَوَاء كَانَ فسقه أَو عَيبه حِين الْوَصِيَّة أَو طَرَأَ بعْدهَا لم تجبر عَلَيْهِ، وَكَذَا إِن أَرَادَ الْوَصِيّ أَن يجبرها فِي الصُّور الأول من فَاسق وَنَحْوه كَمَا مر فِي الْبَيْت قبله، وَهَذَا يدل على أَن الْوَصِيّ لَيْسَ كَالْأَبِ من كل وَجه، بل إِنَّمَا هُوَ مثله فِي الْجَبْر فِي التَّزْوِيج بِمهْر الْمثل قَالَه (ز) وتأمله مَعَ قَول (خَ) وَجَاز الرِّضَا بِدُونِهِ أَي الْمثل للمرشدة وَللْأَب وَلَو بعد الدُّخُول وللوصي قبله لَا الْمُهْملَة الخ. فَإِن لم ينص لَهُ على الْجَبْر صَرَاحَة وَلَا ضمنا بل قَالَ لَهُ: زَوجهَا مِمَّن أَحْبَبْت أَو زَوجهَا وَأطلق أَو أَنْت وَصِيّ على بَنَاتِي أَو على بضع بَنَاتِي أَو على بعض بَنَاتِي إِذْ الْبَعْض مُبْهَم فَفِي الْجَبْر فِي كل من الصُّور الْخمس قَولَانِ مشهوران أَشَارَ لذَلِك (ح) بقوله: وجبر وَصِيّ أمره أَب بِهِ أَو عين الزَّوْج وَإِلَّا فخلاف. قَالَ (ز) وَالرَّاجِح الْجَبْر فِي الْجَمِيع إِذا أَتَى فِي الصيغتين الْأَوليين من الْخمس بِلَفْظ التَّزْوِيج أَو بِلَفْظ الْإِنْكَاح وَإِلَّا لم يجْبر وَأما إِن قَالَ وَصِيّ فَقَط أَو على مَالِي فَلَا جبر اتِّفَاقًا اه. أَي: وَإِن كَانَ لَهُ العقد قبل الْأَوْلِيَاء كَمَا مرّ، لَكِن قَالَ بَعضهم: الصَّوَاب قصر الْخلاف فِي لفظ (خَ) على الصيغتين الْأَوليين قَالَ: وَمَا ذكر من تَرْجِيح الْجَبْر صَحِيح كَمَا يفِيدهُ ابْن أبي زمنين وَغَيره: وَإِن كَانَ ابْن رحال رجح عدم الْجَبْر قَائِلا هُوَ الظَّاهِر من كَلَام النَّاس لِأَنَّهُ إِذا اخْتلف فِي الْجَبْر الْمُوصى بِهِ صَرَاحَة فَكيف بِغَيْرِهِ فَانْظُر ذَلِك. وَحَيْثُمَا زَوَّجَ بِكْراً غَيْرُ الأبْ فَمَعْ بُلُوغٍ بَعْدَ إثْبَاتِ السَّبَبْ (وحيثما) ظرف مَكَان مضمن معنى الشَّرْط (زوج) فعل الشَّرْط (بكرا) مفعول (غير) بِالرَّفْع فَاعل (الْأَب) مُضَاف إِلَيْهِ (فَمَعَ) بِالْفَاءِ وَسُكُون الْعين جَوَاب الشَّرْط وَهِي دَاخِلَة على مُبْتَدأ مَحْذُوف مَعَ خَبره أَي فَشرط تَزْوِيجه كَونه مَعَ وجود (بُلُوغ) وَقَوله (بعد إِثْبَات السَّبَب) مَعْطُوف(1/417)
بِحَذْف العاطف على الظّرْف قبله من عطف الْعَام على الْخَاص إِذْ الْبلُوغ من جملَة الْأَسْبَاب، والظرفان يتعلقان بذلك الْمَحْذُوف أَي مَعَ بُلُوغ بعد إِثْبَات السَّبَب، وَالْمعْنَى أَن الْبكر إِذا زَوجهَا أَخُوهَا أَو عَمها أَو كافلها أَو وصيها غير الْمُجبر، وَنَحْو ذَلِك مِمَّن لَا جبر لَهُ عَلَيْهَا كَالْقَاضِي وَنَحْوه، فَشرط صِحَة تَزْوِيجه كَونه مَعَ وجود بُلُوغهَا وَبعد إِثْبَات بَاقِي الْأَسْبَاب غير الْبلُوغ من توكيلها وكفاءة الزَّوْج ورضاها بِهِ وبالصداق، وَأَنه صدَاق مثلهَا وَأَنَّهَا يتيمة لَا أَب لَهَا وَلَا وَصِيّ لَهَا أَو لَهَا أَب مَفْقُود أَو أَسِير أَو بعيد كإفريقية من مصر وَأَنَّهَا خلو من زوج وعدة، وَأَنَّهَا صَحِيحَة غير مُحرمَة بِحَجّ أَو عمْرَة وَلَا مُحرمَة على الزَّوْج فَإِن اخْتَلَّ وَاحِد من هَذِه الْأَسْبَاب بِإِقْرَار الزَّوْج أَو بَيِّنَة فسد النِّكَاح فِيمَا عدا صدَاق الْمثل أما هُوَ فَيُخَير الزَّوْج فِي تكميله أَو يفْسخ وَلَا عِبْرَة بِرِضَاهَا إِن كَانَت مُهْملَة غير رَشِيدَة فَإِذا لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى دخل كمله وجوبا وَإِن كَانَت رَشِيدَة مضى عَلَيْهَا قبله وَبعده كَمَا مرّ وَإِن لم يقر الزَّوْج وَلَا شهِدت الْبَيِّنَة وَسقط من الْوَثِيقَة شَيْء من ذَلِك فَفِي التَّوْكِيل وَالرِّضَا بِالزَّوْجِ القَوْل لَهَا فِي عدم ذَلِك إِن كَانَ النزاع قبل الدُّخُول لَا بعده كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: فالصيغة النُّطْق بِمَا كأنكحا الخ. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد على مَا يُعْطِيهِ سِيَاقه أَوَائِل الْأَنْكِحَة فِيمَن زوج ابْنَته من خَمْسَة عشر سنة وَادعت بعد الدُّخُول عدم الْبلُوغ أَن النِّكَاح مَاض وَلَا يقبل قَول وَليهَا أَنَّهَا غير بَالغ، وَظَاهره أَنه لَا ينظرها النِّسَاء لِأَن نظرهن مَقْصُور على الإنبات أَو معرفَة ذَلِك فِي وَجههَا وقدها وَالْبُلُوغ لَا ينْحَصر فِي ذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَفِي السَّادِس عشر من الْفَائِق أَنَّهَا تكلّف بِإِثْبَات عدم بُلُوغهَا وَلَا يقبل فِي ذَلِك أقل من امْرَأتَيْنِ وَإِن بَيِّنَة الْبلُوغ وَعَدَمه إِن تَعَارَضَتَا صير للترجيح، وَقد تقدم هُنَاكَ عَن ابْن المكوى أَن النِّكَاح على الصِّحَّة والسلامة وَإِلَّا سقط من رسمه خلو من زوج وعدة يَعْنِي: وَكَذَلِكَ الْكَفَاءَة واليتم لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة وَفِي الوثائق الفشتالية أَنه إِن سقط من الرَّسْم فِي نِكَاح الثّيّب خلو من عدَّة وَادعت بعد العقد أَنَّهَا حَامِل أَو لم يأتها قرء فَمنهمْ من قَالَ يقبل قَوْلهَا وَيفْسخ النِّكَاح، وَبِه قَالَ ابْن عتاب، وَمِنْهُم من قَالَ لَا يقبل قَوْلهَا، وَبِه قَالَ ابْن الْقصار وَالْأول أبين اه. فَمَا مر عَن ابْن المكوى جَار على مَا لِابْنِ الْقصار إِذْ الظَّاهِر أَنه لَا فرق بَين الْبكر وَالثَّيِّب وَلَا بَين تَزْوِيج القَاضِي وَغَيره مِمَّن لَا جبر لَهُ فِي هَذَا، وَكَذَا فِيمَا عداهُ من الْبلُوغ والكفاءة واليتم وَغير ذَلِك من الْأَسْبَاب مِمَّا عدا الرِّضَا وَالتَّوْكِيل فَيجْرِي فِي ذَلِك كُله الْخلاف الْمَذْكُور لِأَن الْكل مَوَانِع فَمَا قيل فِي أَحدهَا يُقَال فِي الآخر وَبِه تعلم مَا فِي قَول (ح) لم أر فِيهِ نصا، وَمَفْهُوم قَوْله: فَمَعَ بُلُوغ الخ. أَن غير الْبَالِغ لَا يَصح تَزْوِيجهَا وَهُوَ كَذَلِك (خَ) إِلَّا يتيمة خيف فَسَادهَا وَبَلغت عشرا وشوور القَاضِي أَي فَإِن غير الْأَب مِمَّن لَا جبر لَهُ يُزَوّج غير الْبَالِغ بِهَذِهِ الشُّرُوط الثَّلَاثَة، وَسَوَاء كَانَت فقيرة أَو غنية إِذْ مَعَ خوف الْفساد لَا يشْتَرط فقرها خلافًا ل (ز) فَإِن اختلت أَو وَاحِد مِنْهَا صَحَّ إِن دخل وَطَالَ، وَإِذا فسخ(1/418)
حَيْثُ لم يطلّ فَهُوَ طَلَاق وَفِيه الْمِيرَاث إِن مَاتَ أَحدهمَا قبل الْفَسْخ وَفِيه جَمِيع الْمُسَمّى إِن دخل أَو مَاتَ وَنصفه إِن طلق والطول بِمُضِيِّ مُدَّة تَلد فِيهَا وَلدين فَأكْثر بِالْفِعْلِ أَو قدرهَا إِن لم تلدهما وَالسّنة وَالْولد الْوَاحِد لَغْو كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. وَفِي الفشتالية وَأبي الْحسن أَن الْمَشْهُور فَسخه أبدا، وَيُؤَيِّدهُ أَن الْبَاجِيّ عزاهُ لمَالِك وَأَصْحَابه وَعزا الآخر لِابْنِ الْقَاسِم وَحده فِي الْمُوازِية. وحُيْثُمَا العَقْدُ لِقَاضٍ وُلِّي فَمَعْ كُفْءٍ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ (وحيثما) شَرط كَالَّذي قبله (العقد) نَائِب فَاعل فعل مُقَدّر يفسره مَا بعده (لقاض) يتَعَلَّق بقوله (ولي) الْمُفَسّر لذَلِك الْمُقدر (فَمَعَ) الْفَاء دَاخِلَة على مَحْذُوف جَوَاب الشَّرْط كَمَا مرّ نَظِيره فى الْبَيْت قبله أَي: فَشرط صِحَّته كَونه مصحوباً لوُجُود (كُفْء) و (بِصَدَاق الْمثل) وَغير ذَلِك من بَاقِي الْأَسْبَاب فَفِيهِ حذف الْوَاو مَعَ مَا عطفت لدلَالَة مَا فِي الْبَيْت قبله عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْبَيْت بضروري الذّكر مَعَ الَّذِي قبله لِأَن غير الْأَب يَشْمَل حَتَّى القَاضِي كَمَا مرّ، وَإِنَّمَا ذكره عقبه لِئَلَّا يتَوَهَّم قُصُور الحكم فِي الَّذِي قبله على ولي النّسَب قَالَه (م) . تَنْبِيهَانِ. الأول: إِنَّمَا تكون الْولَايَة للْقَاضِي إِن كَانَ يُقيم السّنة ويهتبل بِمَا يجوز بِهِ العقد، وإلاَّ فَلَا قَالَه ابْن لبَابَة وَنَقله (ق) . الثَّانِي: إِذا شهد الشُّهُود بِأَنَّهُ كُفْء أَو غير كُفْء فَلَا تقبل شَهَادَتهم إِلَّا بعد استفسارها لِأَن الْكَفَاءَة تخْتَلف فِي نظر الْعلمَاء فَلَا تقبل مجملة حَتَّى يَقُولُوا هُوَ كُفْء لَهَا فِي الْحَال وَالْمَال وَالدّين وَالْحريَّة على نَحْو مَا مرّ قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، أَو يَقُولُوا هُوَ غير كُفْء لَهَا لكَونه فَاسِقًا بالجارحة أَو بالاعتقاد أَو لكَونه عبدا أَو فَقِيرا أَو نَحْو ذَلِك، وَإِن تعَارض شُهُود الْكَفَاءَة وَعدمهَا أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب فقد تقدم حكم ذَلِك آخر الشَّهَادَات ثمَّ لَا فرق بَين أَن تكْتب الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فِي رسم على حِدته وَيكْتب رسم النِّكَاح تحتهَا أَو حولهَا أَو عرضهَا ويحال عَلَيْهَا، وَبَين أَن تضمن فِي رسم النِّكَاح نَفسه بِأَن يَقُولُوا فِي آخر الْوَثِيقَة الْمُتَقَدّمَة كيفيتها عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ.(1/419)
مَا نَصه: شهد عَلَيْهِمَا أَو عَلَيْهِم وهم بأتمه وعرفهم من يعرف وجود جَمِيع الْأَسْبَاب المنصوصة فِي هَذَا الرَّسْم معرفَة عيان لَا سَماع أَو شبه ذَلِك فَإِن لم يَقُولُوا هَذَا كَانَ ذكرهم تِلْكَ الْأَسْبَاب فِي الرَّسْم مُجَرّد حِكَايَة مُحْتَمل لمعرفتهم إِيَّاهَا معرفَة العيان أَو السماع فَلَا تعَارض حِينَئِذٍ شَهَادَتهم الْبَيِّنَة بِعَدَمِ الْبلُوغ وَنَحْوه إِن كَانُوا من غير أولي الْعلم كَمَا مرّ هُنَاكَ، وَكَذَا إِن كَانَ الناكح لَهَا وَصِيّا أَو مقدم القَاضِي أَو كافلها لَا بدّ أَن تكْتب رسمي الْإِيصَاء وَالْكَفَالَة، ثمَّ رسم النِّكَاح تحتهما أَو تضمن ذَلِك فِي رسم النِّكَاح فَتَقول: شهد عَلَيْهِمَا وهما بأتمه من يعرف الْإِيصَاء أَو التَّقْدِيم أَو بإشهاد وَالِد الزَّوْجَة أَو وَالِد الزَّوْج على أَنفسهمَا بذلك فِي عَهده الَّذِي توفّي فِيهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو بإشهاد القَاضِي فلَان بذلك مَعَ مَعْرفَته بالمتوفي أَو بِالْقَاضِي عينا واسماً قَالَه فِي طرر ابْن عَاتٍ، وَنَقله فِي الفشتالية قَالَا: وَإِذا اقتصرت على قَوْلك من يعرف الْإِيصَاء وَلم تفسره بإشهاد الموصيين أَو القَاضِي احْتمل أَن تكون معرفَة سَماع أَي: وَهِي لَا تفِيد إِلَّا بِشُرُوط، وَكَذَا تَقول فِي الْكفَالَة من يعرف كفَالَته لَهَا عشرا أَو أَرْبعا وَنَحْو ذَلِك معرفَة عيان، وَهَذَا كُله مَبْنِيّ على أَن الْإِرْسَال فِي مُسْتَند الْعلم من غير أولي الْعلم مُضر، وَقد تقدم مَا فِي ذَلِك من الْخلاف فِي بَاب الشَّهَادَات وعَلى أَنه مُضر درج ابْن فتوح فَإِنَّهُ لما ذكر أَنه إِذا عقد فِي وَثِيقَة مثل اشْترى فلَان من فُلَانَة جَمِيع الْملك الكذا المتصير إِلَى البائعة بالابتياع من فلَان أَو بِالْمِيرَاثِ من أَبِيهَا أَو بِالصَّدَقَةِ من فلَان قَالَ: فَإِن تضمن الْإِشْهَاد معرفَة الشُّهُود بذلك ثَبت التصيير الْمَذْكُور، وَإِلَّا لم يَصح ذَلِك ثمَّ قَالَ: وتحصين ذَلِك أَن تَقول: شهد على إِشْهَاد الْمُبْتَاع والبائعة على أَنفسهمَا من عرفهما وهما بِحَال الصِّحَّة وَجَوَاز الْأَمر مِمَّن عرف أَن جَمِيع الْمَبِيع الْمَذْكُور تصير إِلَى البائعة فُلَانَة بالابتياع من فلَان بإشهادهما بذلك على أَنفسهمَا أَو بِالصَّدَقَةِ من فلَان بإشهاده على نَفسه بذلك أَو بِالْمِيرَاثِ الْمَذْكُور وَعرف موت أَبِيهَا فلَان وَأَن أهل الْإِحَاطَة بميراثه فِي علمهمْ أَبنَاء فلَان وفلانة الْمَذْكُورَان المالكان لأنفسهما وَعرف اقتسامها مَعَ أَخِيهَا، وَأَن الْمَبِيع الْمَذْكُور صَار إِلَيْهَا بالاقتسام الْمَذْكُور بإشهادهما بذلك على أَنفسهمَا اه. فَانْظُر كَيفَ الْتزم التَّصْرِيح فِيمَا أَرَادَ إثْبَاته بِبَيَان مُسْتَند الشَّهَادَة، وَذَلِكَ إِشْهَاد الْمُتَبَايعين والمتصدق والمقتسمين وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الشَّهَادَة الْمُرْسلَة عِنْده نَاقِصَة، وَقد قَالَ فِي الْفَائِق: اعْلَم أَن مدَار الوثائق على مَا يتضمنه الْإِشْهَاد وَمَا يَأْتِي فِيهَا من خبر وحكاية لم يتضمنه معرفَة الشُّهُود فَلَيْسَ يثبت بِثُبُوت الْوَثِيقَة الخ. وَلذَلِك لم يثبت التصيير وَنَحْوه بقَوْلهمْ المتصير إِلَى البائعة بالابتياع بل حَتَّى يَقُولُوا تصير لَهَا من فلَان بإشهادهما أَي ومعرفته إيَّاهُمَا عينا واسماً كَمَا مر، ثمَّ إِذا لم يثبت التَّقْدِيم وَلَا الْإِيصَاء وَلَا الْكفَالَة للإجمال والإرسال فَإِن كَانَ الشُّهُود أَحيَاء استفسروا وَإِلَّا بَطل كل من ذَلِك إِن لم يَكُونُوا من أولي الْعلم وَينظر فِي النِّكَاح فَإِن كَانَت الْمَرْأَة دنيئة صَحَّ لقَوْل (خَ) وَصَحَّ بهَا فِي دنيئة مَعَ خَاص لم يجْبر كشريفة دخل وَطَالَ الخ. إِذْ كل من هَؤُلَاءِ أَجْنَبِي حِينَئِذٍ. وَتَأْذَنُ الثَّيِّبُ بِالإِفْصَاحِ والصَّمْتُ إذْنُ البِكْرِ فِي النِّكَاحِ(1/420)
(وتأذن) مضارع أذن (الثّيّب) فَاعله (بالإفصاح) تعلق بتأذن (والصمت) مُبْتَدأ (إِذن الْبكر) خَبره (فِي النِّكَاح) يتَعَلَّق بالْخبر. وَلما كَانَت الثّيّب الْبَالِغ الْحرَّة لَا تتَزَوَّج إِلَّا بِرِضَاهَا كَمَا مرّ إِذْ لَا جبر عَلَيْهَا، وَكَذَا الْبكر الَّتِي لَا جبر عَلَيْهَا نبه على أَن الرِّضَا من الثّيّب بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق وَالتَّوْكِيل هُوَ مَا وَقعت الدّلَالَة مِنْهَا عَلَيْهِ بالنطق والإفصاح وَأَن الرِّضَا من الْبكر بِمَا ذكر يَكْفِي فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ صمتها وسكوتها لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبكر تستأمر وإذنها صمتها وَالثَّيِّب تعرب عَن نَفسهَا) (خَ) : وَندب إعلامها بِهِ أَي بِأَن صمتها إِذن ورضا بِأَن يُقَال لَهَا: فلَان خَطبك بِصَدَاق قدره كَذَا ونقده ومؤخره كَذَا فَإِن رضيت فاصمتي وَإِن كرهت فانطقي يُقَال لَهَا ذَلِك مرّة وَاحِدَة وَقيل ثَلَاثًا فَإِن صمتت أَو ضحِكت أَو بَكت زوجت وَلَا يقبل مِنْهَا بعد ذَلِك أَنَّهَا جهلت أَن الصمت رضَا فِي تَأْوِيل الْأَكْثَر إِلَّا أَن تكون مَعْرُوفَة بالبله وَقلة الْمعرفَة على قَول: فَإِن تَكَلَّمت وأفصحت بِالرِّضَا فقد تكلفت مَا لَا يلْزمهَا وَلَا يَضرهَا ذَلِك نَقله القلشاني وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَقد علق بحفظي أَنَّهَا تجْرِي عِنْدهم على من فرضهم الْمسْح فَغسل الخ. لَا إِن منعت أَو نفرت فَلَا تزوج وَيفْسخ وَلَو بعد طول، وَمَا تقدم من أَنه لَا بدّ من إِذْنهَا فِي التَّوْكِيل بعد الرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق ظَاهر مَعَ تعدد الْوَلِيّ وتساويه ابْن زرب: إِن كَانَ لَهَا ولي وَاحِد ورضيت بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاق فَلَا يحْتَاج ذَلِك الْوَلِيّ للْإِذْن لَهُ فِي العقد وَظَاهر قَول (خَ) الْمُتَقَدّم أَنه لَا يعْقد عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا لَهُ وَلَو اتَّحد قَالَ فِي ضيح، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. وَلما كَانَ قَوْله: والصمت الخ. شَامِلًا لجَمِيع الْأَبْكَار وَكَانَ بَعضهنَّ لَا بُد فِيهِ من الْإِذْن بالْقَوْل حَسْبَمَا قَالَه أهل الْمَذْهَب نبه على ذَلِك فَقَالَ: واسْتُنْطِقَتْ لِزَائِدٍ فِي العَقْدِ كَقَبْضِ عَرْضٍ أَوْ كَزَوْجِ عَبْدِ (واستنطقت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه الْبكر (لزائد) يتَعَلَّق بِهِ ولامه للتَّعْلِيل وَهُوَ اسْم فَاعل(1/421)
أُرِيد بِهِ الْمصدر أَي لزِيَادَة (فِي العقد) مُخَالفَة لصريح الْعَادة (كقبض عرض) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَذَلِكَ كقبض عرض فِي صَدَاقهَا أَي زوجت بِعرْض كَثوب أَو دَار مثلا لِأَن الْعَادة أَن الأصدقة من النُّقُود فَإِذا خولفت هَذِه الْعَادة وزوجت بِغَيْر النَّقْد فَلَا بُد من رِضَاهَا بِهِ بالْقَوْل، سَوَاء كَانَ الْعرض كل الصَدَاق أَو بعضه لِأَنَّهَا بائعة مشترية وَالشِّرَاء لَا ينْعَقد بِالصَّمْتِ، فَإِن كَانَت عَادَتهم التَّزَوُّج بالعروض فَلَا يحْتَاج لنطقها (وكزوج عبد) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ وَالْإِضَافَة على معنى من أَي وكتزويجها من عبد وَيجوز قِرَاءَة زوج بِالتَّنْوِينِ وَعبد صفة لَهُ أَي ذُو عبودية وَظَاهره: وَلَو قل جُزْء رقّه وَلَا يتَكَرَّر هَذَا مَعَ قَوْله: وَالْأَب إِن زَوجهَا من عبد الخ. لِأَن هَذَا من حَيْثُ النُّطْق، وَمَا تقدم من حَيْثُ الْجَبْر أَي أَن رِضَاهَا الَّذِي لَا يكون مُتَعَدِّيا بِهِ لَا بُد أَن يكون بالنطق فالرضا أَعم من النُّطْق فَمَا تقدم لَا يفهم مِنْهُ مَا هُنَا، وأشعرت الْكَاف أَن ذَلِك لَا ينْحَصر فِي المثالين الْمَذْكُورين وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَالثَّيِّب تعرب كبكر رشدت أَو عضلت أَو زوجت بِعرْض أَو رق أَو عيب أَو يتيمة قبل الْبلُوغ أَو افتيت عَلَيْهَا الخ. ونظمها ابْن غَازِي، وَزَاد فِيهَا العنس تبعا للمتيطي وَغَيره فَقَالَ: سبع من الْأَبْكَار بالنطق خليق من زوجت ذَا عاهة أَو من رَقِيق أَو صغرت أَو عنست أَو أسندت معرفَة الْعرض لَهَا أَو رشدت أَو رفعت لحَاكم عضل الْوَلِيّ أَو رضيت مَا بِالتَّعَدِّي قد ولي وَإِنَّمَا كَانَت سبعا لِأَن ذَا العاهة وَالرَّقِيق قسم وَاحِد كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة لِأَنَّهَا زوجت من غير كُفْء فِيهَا، وَظَاهر لفظ (خَ) أَن العانس كَغَيْرِهَا يَكْفِي فِي إِذْنهَا الصمت وَهُوَ ظَاهر لِأَن لَهُ جبرها على الْمَشْهُور كَمَا مرّ، وَسَيَأْتِي حد التعنيس فِي قَوْله فِي الأوصياء: وَالسّن فِي التعنيس من خمسينا فِيمَا بِهِ الحكم إِلَى الستينا وَهَذِه السَّبع الْمُتَقَدّمَة كُلهنَّ يتيمات مَا عدا المعضولة والمرشدة والمعنسة، وَمن زوجت من ذِي عاهة أَو رق فَلَا بُد من نطقهن كن ذَوَات أَب أَو وَصِيّ أم لَا. وَقَوله: أَو عضلت أَي عضلها الْوَلِيّ أَب أَو غَيره، وَثَبت ذَلِك وَأَرَادَ الْحَاكِم أَن يُزَوّجهَا لَا الْأَب وإلاّ فَلَا يحْتَاج لنطقها وَلَا ترْتَفع ولَايَة الْأَب عَنْهَا حَتَّى يتَقَدَّم لَهُ فِي ذَلِك فَيُقَال لَهُ: إِمَّا أَن تزَوجهَا وَإِلَّا زوجناها عَلَيْك فَإِن زَوجهَا الْحَاكِم من غير تقدم لَهُ فِي ذَلِك فَهُوَ بَاطِل، وَلَيْسَ من العضل وَلَا من الضَّرَر بهَا حلق ضفيرتها وتهديدها بالسكين وَأولى ضربهَا كَمَا فِي المعيار أَوَائِل الْأَنْكِحَة. وَقَول النَّاظِم: كقبض عرض الخ. يَعْنِي وَهِي يتيمة مُهْملَة لَا مرشدة لِأَن المرشدة لَا بُد من نطقها مُطلقًا زوجت بِعرْض أَو غَيره على الْمَشْهُور واليتيمة الْمُهْملَة هِيَ الَّتِي فِيهَا التَّفْصِيل بَين الْعرض وَغَيره قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: واليتيمة يساق لَهَا مَال نسبت مَعْرفَته لَهَا إِذا لم يكن لَهَا وَصِيّ لَا بُد من نطقها بِالرِّضَا بذلك اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج قَالَ طفي: وَمعنى ذَلِك أَن الْيَتِيمَة الَّتِي لَا وَصِيّ لَهَا ينْسب معرفَة قدر الْمهْر إِلَيْهَا فَإِن كَانَ عرضا فَلَا بُد من تَسْمِيَته وَوَصفه وتنسب الْمعرفَة وَالرِّضَا بِهِ إِلَيْهَا نطقاً اه. فَالْمُرَاد بِالْمَالِ فِي كَلَام المتيطي وَغَيره خُصُوص الْعرض كَمَا هُوَ(1/422)
وَاضح خلافًا لمن فهم شُمُوله للعين، وَقَوله: يساق أَي يصدق الخ. تَنْبِيهَات. الأول: ذكر ابْن لب حَسْبَمَا فِي أَوَاخِر معاوضات المعيار مَا نَصه: الْغَرَض مِنْهُ إِذا صَارَت الدمنة الْمَذْكُورَة صَدَاقا انْعَقَد عَلَيْهَا لَزِمت بِرِضا الزَّوْج وَالزَّوْجَة وَالْوَلِيّ ورضا الزَّوْجَة هُوَ الاستئمار على سنته لَا يضر سكُوتهَا فِيهِ مَعَ أَن الصَدَاق أصل ملك كَمَا لَا يضر فِي الْعرُوض وَهُوَ الصَّحِيح من الْقَوْلَيْنِ وَعَلِيهِ الْعَمَل اه. وَنَحْوه لِابْنِ عَاتٍ فِي طرره مُقْتَصرا عَلَيْهِ من غير ذكر عمل قَالَ: فَإِن كَانَ فِي الْمهْر سِيَاقَة قلت فِي الاستئمار مَا ذكره ابْن الطلاع فِي وثائقه: أنكحه إِيَّاهَا أَخُوهَا فلَان بعد أَن استأمرها فِي ذَلِك بفلان زوجا وَبِمَا بذل لَهَا مهْرا وَبِمَا سَاق إِلَيْهَا، وَوصف ذَلِك وَصفا قَامَ مقَام العيان فصمتت عِنْد ذَلِك راضية بِهَذَا النِّكَاح بعد أَن عرفت أَن إِذْنهَا صماتها وَهِي بكر يتيمة اه. وَهُوَ مُقَابل لما مر سَوَاء قُلْنَا إِنَّه فِي الْيَتِيمَة الْمُهْملَة كَمَا هُوَ ظَاهرهَا أَو فِي المرشدة، وَقَوله: وَوصف ذَلِك الخ. يَعْنِي إِذا لم يُمكن إِحْضَاره كحائط مثلا وَلم تتقدم رُؤْيَته. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن لم تَتَكَلَّم يَعْنِي المرشدة فعلَيْهَا أَن تحلف أَن سكُوتهَا لم يكن رضَا اه. وَهَذَا يجْرِي فِي كل مستنطقة من الْأَبْكَار فَإِن لم يعلم إِذْنهَا بصمت وَلَا غَيره، فَفِي الطرر قَالَ ابْن فتحون: إِنَّمَا فسخ نِكَاح مُحَمَّد بن نصر لِأَن أَبَاهَا زَوجهَا بعد أَن رشدها وَلم يعلم إِذْنهَا بصمت وَلَا غَيره فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة ابْنَته الثّيّب وَلم يستأمرها اه. الثَّالِث: قَالَ فِي الطرر: وَلَا يلْزم الزَّوْجَة بيع السِّيَاقَة وَلَا مَا يصدقها من عرض أَو حَيَوَان لتتجهز بِثمن ذَلِك، وَلها إِن شَاءَت ذَلِك اه. فَقَوْل (خَ) ولزمها التَّجْهِيز على الْعَادة بِمَا قَبضته يَعْنِي عينا لَا عرضا. وَثَيِّبٌ بِعَارِضٍ كَالْبِكْرِ وبالْحَرَامِ الْخُلْفُ فِيها يجْرِي (وثيب) مُبْتَدأ سوغه كَونه صفة لمَحْذُوف أَي وَبكر ثيب أَو تعلق (بِعَارِض) بِهِ (كالبكر) خبر أَي أَن الثّيّب بِعَارِض كحمل شَيْء ثقيل أَو قفزة أَو عود أَو كَثْرَة ضحك أَو تكَرر حيض، وَنَحْو ذَلِك حكمهَا حكم الْبكر فِي أَن إِذْنهَا صماتها، وَفِي بَقَاء الْجَبْر عَلَيْهَا إِن كَانَ لَهَا مجبر وَلم تكن من الْأَبْكَار المتقدمات فالتشبيه تَامّ أَي: كالبكر الَّتِي لم تثيب بِشَيْء فَلَا يلْزم عَلَيْهِ تَشْبِيه الشَّيْء بِنَفسِهِ وَدفع بِهَذَا مَا يتَوَهَّم أَن الثّيّب بِعَارِض تستنطق كَمَا يستنطق غَيرهَا، ثمَّ يَنْبَغِي للْإنْسَان إِذا زَالَت بكارة بنته بِشَيْء مِمَّا مر أَن يشهر ذَلِك، وَيَأْتِي بِشُهُود يشهدهم بذلك. وَكَذَا إِذا خلقت بنته يَوْم عَاشُورَاء فَإِنَّهُم قَالُوا تخلق بِلَا بكارة نَص عَلَيْهِ ابْن حبيب فِي الْوَاضِحَة (و) بكر ثيب (بالحرام) يتَعَلَّق بمقدر مُبْتَدأ كَمَا ترى (الْخلف) مُبْتَدأ ثَان (فِيهَا) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ(1/423)
(يجْرِي) وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الثّيّب بالحرام كزنا وغصب جرى خلاف فِي كَونهَا كالبكر فإذنها صماتها وينسحب جبر الْأَب أَو وَصِيّه عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَمذهب الْمُدَوَّنَة أَو لَيست كالبكر بل كالثيب فتعرب عَن نَفسهَا وَلَا جبر عَلَيْهَا وَهُوَ لِابْنِ الْحَاجِب، وفيهَا قَول ثَالِث ابْن عَرَفَة: وَفِي ثيوبة الزِّنَا. ثَالِثهَا: إِن تكَرر ثمَّ شبه فِي الْخلاف الْمَذْكُور فَقَالَ: كَوَاقِعٍ قَبْلَ البُلُوغِ الْوَارِدِ وكالصَّحِيحِ مَا بِعَقْدٍ فَاسِدِ (كواقع) نعت لمَحْذُوف مَعَ تَقْدِير مُضَاف إِلَيْهِ مَعَ صفته والوارد بِمَعْنى الْحَادِث أَي الَّذِي من شَأْنه أَن يحدث وَيرد أَي وثيوبة بالحرام جرى فِيهَا خلاف كجريانه فِي ثيوبة نِكَاح صَحِيح وَاقعَة (قبل الْبلُوغ الْوَارِد) أَي الَّذِي من شَأْنه أَن يرد وَيحصل بحيض أَو غَيره من العلامات، ثمَّ يَمُوت الزَّوْج أَو يُطلق بعد تِلْكَ الثيوبة فترجع للْأَب قبل الْبلُوغ. وَظَاهره سَوَاء أَرَادَ أَن يُزَوّجهَا قبل الْبلُوغ أَيْضا أَو بعده. ابْن عَرَفَة: وَفِي جبر مُطلقَة قبل الْبلُوغ ثَيِّبًا. ثَالِثهَا: قبله لسَحْنُون وَأبي تَمام وَاللَّخْمِيّ مَعَ أَشهب، وَاعْتمد (خَ) الثَّالِث فَقَالَ: وَالثَّيِّب إِن صغرت فمفهوم صغرت أَنَّهَا إِن بلغت لَا يجبرها، وَلَا بُد من إعرابها وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح، وَقيل: يجبرها أَيْضا وَهُوَ الأول فِي كَلَام ابْن عَرَفَة: فإطلاق النَّاظِم شَامِل للصورتين أَي أَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل الْبلُوغ أَو بعده كَمَا قَررنَا وَلَيْسَ لغير من الْأَوْلِيَاء أَن يُزَوّجهَا إِلَّا بعد بُلُوغهَا كَمَا مرّ إِلَّا أَن يخْشَى فَسَادهَا فَلَا بُد من نطقها حِينَئِذٍ كَمَا مرّ أَيْضا، وَإِنَّمَا ذكر الْوَصْف فِي قَوْله: كواقع لِأَن الثيوبة معنى لَا فرج لَهَا حَقِيقِيّ فَيجوز التَّذْكِير والتأنيث، وَإِنَّمَا حملناه على الثيوبة بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح لِأَن الثيوبة بالعارض أَو بالحرام تقدمتا وبالفاسد هُوَ مَا أَشَارَ لَهَا بقوله: (وكالصحيح) خبر مقدم (مَا) مُبْتَدأ وَاقعَة على الثيوبة (بِعقد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة (فَاسد) نعت لعقد أَي الثيوبة الَّتِي ثبتَتْ بِعقد نِكَاح فَاسد كالثيوبة بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح فِي كَونهَا تعرب عَن نَفسهَا وَفِي سُقُوط الْجَبْر عَنْهَا. وَاعْلَم أَن مَقْصُود النَّاظِم بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ التَّنْبِيه على أَن الثّيّب بِشَيْء مِمَّا مر هَل هِيَ كالثيب فِي وجوب إعرابها عَن نَفسهَا أَو هِيَ كالبكر لِأَن سِيَاق الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي ذَلِك فالبيتان حِينَئِذٍ فِي قُوَّة الِاسْتِثْنَاء من عُمُوم قَوْله: وتأذن الثّيّب بالإفصاح الخ. أَي اتِّفَاقًا إِلَّا الَّتِي ثيبت بِعَارِض فَهِيَ كالبكر وإلاَّ الَّتِي ثيبت بِحرَام أَو قبل الْبلُوغ ففيهما خلاف. وَقد علمت الرَّاجِح مَا هُوَ من ذَلِك الْخلاف كَمَا أَن قَوْله: واستنطقت لزائد الخ. فِي قُوَّة الاشتثناء من قَوْله: والصمت إِذن الْبكر الخ. وَلَيْسَ مُرَاده أَن الَّتِي ثيبت بِمَا ذكره هَل تجبر أَو لَا تجبر كَمَا قَرَّرَهُ بِهِ شراحه لِأَنَّهُ خلاف مَا يُعْطِيهِ السِّيَاق وَلِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ حِينَئِذٍ بِمَفْهُوم قَوْله: فِيمَا مر ثيوبة النِّكَاح الخ. كَمَا مرّ وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ غَرَضه ذَلِك لقدمها هُنَاكَ عقب قَوْله وَبَالغ الْأَبْكَار فَتَأمل ذَلِك وَالله أعلم.(1/424)
وإنْ يُرْشدْهَا الْوَصِيُّ مَا أُبِي فِيهَا ولايَةُ النِّكاحِ كالأبِ (وَأَن يرشدها) شَرط (الْوَصِيّ) فَاعل (مَا) نَافِيَة (أُبي) بِضَم الْهمزَة للْبِنَاء للْمَفْعُول بِمَعْنى منع (فِيهَا) يتَعَلَّق بِهِ (ولَايَة) نَائِب الْفَاعِل (النِّكَاح) مُضَاف إِلَيْهِ (كَالْأَبِ) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَهُوَ كَالْأَبِ، وَيحْتَمل أَن الْكَاف للتَّعْلِيل أَي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَب يرشد ابْنَته فَلَا تسْقط ولَايَته عَنْهَا، وَإِنَّمَا يسْقط عَنْهَا جبره كَمَا مرّ، وَالْجُمْلَة من قَوْله: مَا أُبي الخ. جَوَاب الشَّرْط حذفت مَعَه الْفَاء شذوذاً كَقَوْلِه: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها. وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَشرف وكرم: (فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا استمتع بهَا) وَالْمعْنَى أَن الْوَصِيّ إِذا رشد محجورته بعد الدُّخُول بهَا لَا قبله إِذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) : وَللْأَب ترشيدها قبل دُخُولهَا كالوصي بعده الخ. أَنَّهَا إِذا تأيمت بعد الترشيد لَا تَنْقَطِع ولَايَة الْوَصِيّ عَنْهَا وَهُوَ مقدم على سَائِر الْأَوْلِيَاء لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَب يرشد ابْنَته، فَكَمَا أَن الْأَب لَا تَنْقَطِع ولَايَته عَن مرشدته فَكَذَلِك وَصِيّه، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لَهَا ابْن فَإِنَّهُ يتَقَدَّم عَلَيْهِ كَمَا يتَقَدَّم على الْأَب أَيْضا كَمَا مر. هَذَا هُوَ الْمَنْصُوص لِابْنِ الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَأفْتى بِهِ ابْن رشد. وَذهب سَحْنُون وَابْن الْمَاجشون إِلَى أَن الْوَلِيّ أَحَق من الْوَصِيّ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ، وَلكُل مَذْهَب حجَّة. انْظُر الشَّارِح وسيعيد النَّاظِم هَذِه الْمَسْأَلَة فِي بَاب الْحجر حَيْثُ قَالَ: وَحَيْثُ رشد الْوَصِيّ من حجر ولَايَة النِّكَاح تبقى بِالنّظرِ وَالله أعلم وَأحكم.(1/425)
(فصل)
فِي حكم فَاسد النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من إِلْحَاق الْوَلَد تَارَة ونفيه أُخْرَى، وَهل يفْسخ أَو يتلافى إِلَى غير ذَلِك. وَفَاسِدُ النِّكاحِ مَهْمَا وَقَعَا فالفَسْخُ فِيهِ أَو تَلاَفٍ شُرِعا (وفاسد النِّكَاح) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الصّفة للموصوف (مهما) اسْم شَرط (وَقعا) فعل الشَّرْط وألفه للإطلاق (فالفسخ) مُبْتَدأ وفاؤه رابطة بَين الشَّرْط وَجَوَابه (فِيهِ) يتَعَلَّق بشرعاً آخر الْبَيْت (أَو تلاف) مَعْطُوف على الْفَسْخ (شرعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن الْفَسْخ وألفه للتثنية، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَمَعْنَاهُ أَن النِّكَاح إِذا وَقع فَاسِدا فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى أحد أَمريْن، إِمَّا الْفَسْخ أَو التلافي وَهُوَ التَّدَارُك ثمَّ بَين مَحل كل مِنْهُمَا فَقَالَ: فَما فَسَادُهُ يَخُصُّ عَقْدَهُ فَفَسْخُهُ قَبْلَ البِنَا وَبَعْدَهُ (فَمَا) مَوْصُول مُبْتَدأ وَالْفَاء جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي إِن أردْت معرفَة مَا يفْسخ أَو يتلافى فَمَا (فَسَاده) مُبْتَدأ ثَان (يخص) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير الْفساد (عقده) مفعول بيخص وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره صلَة مَا وَالضَّمِير فِي فَسَاده وعقده يعود على النِّكَاح (ففسخه) مُبْتَدأ (قبل الْبَنَّا) ء خَبره (وَبعده) مَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَخَبره خبر الْمَوْصُول الَّذِي هُوَ مَا وَدخلت الْفَاء فِي هَذَا الْخَبَر لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم الْإِبْهَام، وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح إِذا وَقع فَاسِدا لعقده كَالنِّكَاحِ لأجل وَنِكَاح الْخَامِسَة أَو ذَات محرم بِنسَب أَو(1/426)
رضَاع أَو صهر وإنكاح الْمحرم وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وصريح الشّغَار وإنكاح غير الْمُجبر مَعَ وجود الْمُجبر وَنِكَاح الْمَرِيض وتزويج الرجل عَبده من امْرَأَة على أَن العَبْد هُوَ صَدَاقهَا وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ يفْسخ قبل الْبناء وَبعده، ثمَّ إِذا فسخ قبل الْبناء فَلَا شَيْء فِيهِ، وَإِن فسخ بعد الْبناء فَفِيهِ الْمُسَمّى إِن كَانَ وإلاَّ فصداق الْمثل ثمَّ مَا كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده من ذَلِك كَنِكَاح الْخَامِسَة، وَذَات محرم يفْسخ بِلَا طَلَاق كَمَا سيشير لَهُ قبل بَاب النَّفَقَات بقوله: وَفسخ مَا الْفساد فِيهِ مجمع عَلَيْهِ من غير طَلَاق يَقع وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا يحْتَاج لحكم وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مفسوخ شرعا، وَلذَا لَو عقد عَلَيْهَا شخص قبل الْفَسْخ صَحَّ نِكَاحه لِأَن العقد الأول كَالْعدمِ وَلَا يمْضِي فِيهِ الْخلْع وَإِن وَقع، وَمَا كَانَ من ذَلِك مُخْتَلفا فِيهِ اخْتِلَافا قَوِيا وَلَو خَارج الْمَذْهَب كإنكاح الْمحرم والشغار وإنكاح العَبْد وَالْمَرْأَة فالفسخ بِطَلَاق كَمَا سيشير لَهُ النَّاظِم أَيْضا بقوله: وَفسخ فَاسد بِلَا وفَاق بِطَلْقَة تعد فِي الطَّلَاق وَمن يمت قبل وُقُوع الْفَسْخ فِي ذَا فَمَا لإرثه من نسخ الخ. ويمضي فِيهِ الْخلْع إِن وَقع، وَأَشَارَ (خَ) لهَذَا التَّقْسِيم بقوله: وَفسخ مُطلقًا أَي قبل الدُّخُول وَبعده كَالنِّكَاحِ لأجل أَو إِن مضى شهر فَأَنا أتزوجك الخ. أَي: وقصدا بذلك انبرام العقد وَلم يأتنفا غَيره، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ طَلَاق إِن اخْتلف فِيهِ كمحرم وشغار وَالتَّحْرِيم بعقده ووطئه وَفِيه الْإِرْث إلاَّ نِكَاح الْمَرِيض لَا إِن اتّفق على فَسَاده فَلَا طَلَاق وَلَا إِرْث كخامسة وَحرم وَطْؤُهُ فَقَط وَمَا فسخ بعده فالمسمى وَإِلَّا فصداق الْمثل الخ. وَظَاهر النّظم أَن كل فَاسد لعقده يجْرِي فِيهِ الحكم الْمَذْكُور لِأَن مَا مر من قَوْله فَمَا فَسَاده الخ. من أَلْفَاظ الْعُمُوم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن من الْفَاسِد لعقده مَا يثبت بعد بِمهْر الْمثل كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا علمت الْمَرْأَة بِمُوجب الْفَسْخ كمحرم ومعتدة تزوجت فِي عدتهَا عَالِمَة كل مِنْهُمَا بِالْحُرْمَةِ وَالزَّوْج غير عَالم بذلك، فَللزَّوْج الرُّجُوع بِالصَّدَاقِ وَإِن لم يعثر على ذَلِك حَتَّى دخل انْظُر (ز) فِي خِيَار الزَّوْجَيْنِ و (ح) فِي التَّدْلِيس بالعيوب فِي الْمَبِيع. الثَّانِي: قَول (خَ) إِن مضى شهر فَأَنا أتزوجك الخ. هُوَ من تَعْلِيق النِّكَاح وَالتَّعْلِيق فِيهِ لَا يَصح وَلذَا قَالَ الْقَائِل: لَا يقبل التَّعْلِيق بيع وَنِكَاح فَلَا يَصح بِعْت ذَا إِن جَاءَ فلاح وَفِي الشَّامِل مَا نَصه مَالك: وَإِن قَالَ إِن جئتني بِخَمْسِينَ فقد زَوجتك ابْنَتي لَا يُعجبنِي وَلَا تزوج لَهُ اه. وَكَذَا إِن قَالَ: إِن عبرت الْوَادي أَو صعدت على قنة الْجَبَل فقد أَعطيتك ابْنَتي فَإِنَّهُ لَا يَصح أَيْضا بالأحرى مِمَّا قبله إِذْ لَا مَنْفَعَة للقائل فِي عبر الْوَادي وَلَا فِي صعُود الْجَبَل فَإِن قَالَ لَهُ: إِن فَارَقت امْرَأَتك فقد زَوجتك ابْنَتي فَإِنَّهُ يجوز وَينْعَقد بِنَفس الْفِرَاق فَإِن قَالَ: فَأَنا أزَوجك بالمضارع فَلَا يجْبر على تَزْوِيجهَا مِنْهُ قَالَ فِي الشَّامِل: وَالْقِيَاس جبره لِأَنَّهُ وعد أدخلهُ بِسَبَبِهِ فِي فِرَاق زَوجته كَمَا لَو قَالَ: بِعْ فرسك مِنْهُ وَالثمن عَليّ اه. وَلما نقل فِي الالتزامات قَول أَشهب بِعَدَمِ الْجَبْر قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الْعدة لَا يقْضِي بهَا وَلَو كَانَت على سَبَب وَدخل فِي(1/427)
السَّبَب، وَالثَّانِي مَبْنِيّ على أَنه يقْضِي بهَا إِن كَانَت على سَبَب وَدخل فِيهِ أَي: وَهُوَ الْمَشْهُور وَفِي أنكحة المعيار من قَالَ لغيره: طلق امْرَأَتك وأزوجك ابْنَتي فَطلقهَا فَأبى من تَزْوِيجهَا إِيَّاه أَن يلْزمه أحد أَمريْن: إِمَّا التَّزْوِيج أَو إِعْطَاء الصَدَاق وأعادها أَيْضا فِي نَوَازِل الطَّلَاق، وَانْظُر الْأَنْكِحَة من القلشاني وَفِي الالتزامات بعد مَا مر بأوراق فِي رجل أَرَادَ السّفر إِلَى الْحَج مَعَ أمه فَقَالَ لَهُ عَمه: اترك السّفر مَعَ أمك وأزوجك ابْنَتي وَأُعْطِيك عشرَة مَثَاقِيل فَترك السّفر مَعَ أمه، ثمَّ قَامَ بعد أشهر يطْلب الْعدة فَقَالَ ابْن الْحَاج: إِنَّه يحكم على عَمه بِدفع الْعشْرَة مَثَاقِيل وينكحه ابْنَته إِلَّا أَن يكون قد عقد نِكَاحهَا مَعَ أحد فَلَا يحل النِّكَاح، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عدَّة قارنها سَبَب، وَبِذَلِك أفتى ابْن رشد أَيْضا اه فَقَالَ (ح) عقبه ففهم مِنْهُ أَن من الْتزم لشخص أَن يُزَوجهُ مجبورته فَإِنَّهُ يقْضِي عَلَيْهِ بِهِ إِلَّا أَن يعْقد نِكَاحهَا لغيره فَإِنَّهُ لَا يفْسخ اه. قلت: وَتَأمل هَذَا مَعَ مَا فِي أجوبته للقوري نَحْو الكراسين فِي رجل قَالَ لآخر: إِن أتيتني بِكَذَا من مَوضِع كَذَا، والموضع مخوف أَعطيتك ابْنَتي أَن النِّكَاح غير لَازم، وَاسْتدلَّ لَهُ بِمَا فِي الْعُتْبِيَّة فِيمَن وَقع لَهُ صبي فِي جب فَقَالَ لرجل: إِن أخرجته فقد زَوجتك ابْنَتي فَأخْرجهُ فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن ذَلِك لَا يجوز وَلَا يكون فِيهِ النِّكَاح، وَأرى لَهُ أُجْرَة مثله فِي إِخْرَاجه إِيَّاه حَيا أَو مَيتا اه. فَهَذَا قد عبر بالماضي وَأدْخلهُ فِي السَّبَب، وَمَعَ ذَلِك لم يلْزمه إِيَّاه فَهُوَ معَارض بِحَسب الظَّاهِر لمسألة إِن فَارَقت امْرَأَتك فقد زَوجتك ابْنَتي، وَقد تقدم الْجَزْم فِيهَا باللزوم بِنَفس الْفِرَاق، وَقد علمت أَنه لَا عدَّة فيهمَا لتعبيره بالماضي فيهمَا، وَفِي أنكحة المعيار أَن من قَالَ: من ركب فرسي فَهِيَ بابنته لَا يلْزمه نِكَاح وَأخذت من قَوْله: إِن جَاءَ غَدا فقد رَاجَعتك فَلَا تكون رَجْعَة، وَانْظُر أنكحة العلمي فِيمَن قَالَ: إِن وُلد لَك ولد فَلهُ ابْنَتي، وَانْظُر إِذا قُلْنَا بِلُزُوم النِّكَاح فِي ذَلِك مَا قدر الصَدَاق، وَالظَّاهِر أَنه كَنِكَاح التَّفْوِيض إِن فرض الْمثل لزمَه وإلاَّ فَلَا، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع الخ. ومَا فَسادُهُ مِنَ الصَّداقِ فَهُوَ بمَهْرِ المِثْلِ بَعْدُ باقِي (وَمَا) مَوْصُول مُبْتَدأ (فَسَاده) مُبْتَدأ ثَان (من الصَدَاق) خبر عَن الثَّانِي، وَالْجُمْلَة صلَة مَا (فَهُوَ) مُبْتَدأ (بِمهْر الْمثل بعد) يتعلقان بالْخبر الَّذِي هُوَ (بَاقٍ) . وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَخَبره خبر الْمَوْصُول وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح الْفَاسِد لصداقه كَمَا لَو أصدقهَا خمرًا أَو خنزيراً أَو حرا أَو عبدا آبقاً أَو بَعِيرًا شارداً أَو جلد ميتَة أَو زيتاً متنجساً، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يَصح بَيْعه فَإِنَّهُ يفْسخ قبله وجوبا وَيثبت بعده بِمهْر الْمثل لِأَن الصَدَاق كَالثّمنِ فَمَا صَحَّ كَونه ثمنا صَحَّ كَونه صَدَاقا، وَمَا لَا فَلَا (خَ) : الصَدَاق كَالثّمنِ ثمَّ قَالَ: وَفَسَد إِن نقص عَن ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى أَن قَالَ: أَو بِمَا لَا يملك كخمر وحر أَو بإسقاطه أَو كقصاص أَو آبق الخ. وَقَوله: أَو كقصاص يَعْنِي لم يجعلا شَيْئا فِي مُقَابلَة الْبضْع إِلَّا سُقُوط الْقصاص عَنْهَا أَو عَن غَيرهَا. ثمَّ إِنَّه يلْحق بِمَا فسد لصداقه فِي(1/428)
كَونه يثبت بعد بِصَدَاق الْمثل أُمُور فَاسِدَة لعقدها أَشَارَ لَهَا (خَ) بقوله وَقبل الدُّخُول وجوبا على أَن لَا يَأْتِيهِ إِلَّا نَهَارا أَو بِخِيَار لأَحَدهمَا أَو غير أَو على إِن لم يَأْتِ بِالصَّدَاقِ لكذا فَلَا نِكَاح وَمَا فسد لصداقه أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود كَانَ لَا يقسم لَهَا الخ. وَفهم من قَوْله بعد: إِنَّه يفْسخ قبله وَلَا شَيْء فِيهِ، وَكَذَا إِن مَاتَ أَحدهمَا قبل الْفَسْخ كَمَا لِابْنِ رشد فِي أجوبته. تَنْبِيهَانِ. الأول: ذكر الْبُرْزُليّ عَن أبي عمرَان أَن من الْفَاسِد لصداقه كَمَا بالقيروان من جرت عَادَتهم برد النَّقْد للزَّوْج بعد الْغَيْبَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نِكَاح وَسلف لِأَن الْعَادة كالشرط فَيفْسخ قبل، وَيثبت بعد بِصَدَاق الْمثل كَأَن اشْترط الرَّد وَلم يغب عَلَيْهِ كَانَ النِّكَاح صَحِيحا. الْبُرْزُليّ: هَذَا إِن كَانَت عَادَة لَا تتخلف أَو وَقع الشَّرْط فَالْحكم مَا ذكر، وَأما لَو كَانَت تتخلف وَفِي النَّاس من يرد وَمن لَا يرد فَيجوز الرَّد قبل الْغَيْبَة وَبعدهَا إِذْ لَيْسَ بِشَرْط لاخْتِلَاف الْعَادة اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي فصل الْفَسْخ. الثَّانِي: قَول (خَ) أَو بِمَا لَا يملك كخمر الخ. هَذَا إِذا لم يتَبَيَّن أَنه خل، أما لَو نَكَحَهَا على قلَّة خمر مطينة فَتبين أَنَّهَا خل فَلَا يتحتم الْفَسْخ بل لَهما الْبَقَاء عَلَيْهِ إِن رضياه كَمَا لَو نَكَحَهَا على أَنَّهَا فِي الْعدة فَظهر كَونهَا فِي غَيرهَا، وَلمن شَاءَ مِنْهُمَا فَسخه لحجته بِظُهُور خلاف الْمَعْقُود فِيهِ، وَلَا حجَّة لَهَا فِي الْعدة لِأَنَّهَا حق لله تَعَالَى قَالَه ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ.(1/429)
وَحَيْثُ دَرْءُ الحَدِّ يَلْحَقُ الوَلَدْ فِي كُلِّ مَا مِنَ النِّكاحِ قَدْ فَسَدْ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط مَنْصُوب بجوابه (دَرْء الْحَد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (يلْحق الْوَلَد) فعل وفاعل، وَالْجُمْلَة مَعَ متعلقها الْآتِي جَوَاب الشَّرْط (فِي كل) يتَعَلَّق بيلحق (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (من النِّكَاح) يتَعَلَّق بصلَة مَا الَّتِي هِيَ (قد فسد) أَي يلْحق الْوَلَد فِي كل نِكَاح فَاسد حَيْثُ دَرْء الْحَد مَوْجُود، وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح الْفَاسِد كَانَ مُتَّفقا على فَسَاده كَنِكَاح ذَات محرم أَو خَامِسَة أَو مُخْتَلفا فِي فَسَاده كالمحرم، والشغار إِن درىء فِيهِ الْحَد عَن الزَّوْج بعد علمه فِي الْأَوليين ومطلقاً فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَن الْخلاف وَلَو خَارج الْمَذْهَب يدْرَأ الْحَد، فَإِنَّهُ يلْحق فِيهِ الْوَلَد، وَمَفْهُومه أَنه إِن لم يدْرَأ فِيهِ الْحَد لَا يلْحق الْوَلَد بِهِ لِأَنَّهُ مَحْض زنا. قَالُوا إِلَّا فِي سِتّ مسَائِل. أَشَارَ صَاحب الْمنْهَج إِلَى خمس مِنْهَا بقوله: وَنسب وَالْحَد لن يجتمعا إِلَّا بزوجات ثَلَاث فاسمعا مبتوتة خَامِسَة ومحرم وأمتين حرتين فَاعْلَم فصورة المبتوتة أَن يتَزَوَّج الرجل الْمَرْأَة فتلد مِنْهُ فَيقر أَنه كَانَ طَلقهَا ثَلَاثًا، وراجعها قبل زوج وَهُوَ عَالم بِحرْمَة ذَلِك، وَصُورَة الْخَامِسَة، أَن يتَزَوَّج الرجل الْمَرْأَة فيولدها ثمَّ يقر أَن لَهُ أَربع نسْوَة سواهَا وَأَنه تزَوجهَا وَهُوَ يعلم حُرْمَة الْخَامِسَة وَصُورَة الْمحرم أَن يتَزَوَّج امْرَأَة فيولدها ثمَّ يقر إِنَّه كَانَ يعلم حرمتهَا عَلَيْهِ قبل الْوَطْء بِالنّسَبِ أَو الرَّضَاع أَو الصهر أَو المؤبد، وَصُورَة إِحْدَى الأمتين أَن يَشْتَرِي الرجل الْأمة فيولدها ثمَّ يقر إِنَّهَا مِمَّن تعْتق عَلَيْهِ بِالْملكِ، وَصُورَة الْأُخْرَى أَن يَشْتَرِي أمة فيولدها ثمَّ يقر بِأَنَّهُ كَانَ عَالما بحريتها حِين الْوَطْء وَإِلَى هَذِه الْخمس أَشَارَ (خَ) بقوله فِي بَاب الزِّنَا: أَو مَمْلُوكَة تعْتق أَو يعلم حريتها أَو مُحرمَة بصهر أَو خَامِسَة أَو مبتوتة الخ. قَالُوا: وَلَا يقْتَصر على هَذِه الْخَمْسَة بل ضابطه كل حد يثبت بِالْإِقْرَارِ وَيسْقط بِرُجُوعِهِ عَنهُ فالنسب ثَابت كالأمثلة الْمَذْكُورَة، وَقد زيد على الْمسَائِل الْمَذْكُورَة من كَانَت عِنْده أمة فأولدها ثمَّ أقرّ إِنَّه غصبهَا من الْغَيْر، وَمن اشْترى جاريتين بِالْخِيَارِ فِي إِحْدَاهمَا ثمَّ أقرّ إِنَّه وطىء إِحْدَاهمَا بعد أَن اخْتَار الْأُخْرَى، وَمن اشْترى جَارِيَة فَوَطِئَهَا فَقَالَ لَهُ رَبهَا: ادْفَعْ لي ثمنهَا فَأنْكر الشِّرَاء وَقَالَ: إِنَّهَا عِنْدِي وَدِيعَة فَهَذِهِ ثَلَاث مَضْمُومَة للخمس الْمُتَقَدّمَة. تَنْبِيه: مَحل اللحوق فِيمَا ذكر إِذا لم يثبت علمه بِالتَّحْرِيمِ قبل نِكَاحه لَهَا أَو وَطئه إِيَّاهَا وَإِلَّا بِأَن ثَبت بِبَيِّنَة على إِقْرَاره أَنه عَالم بِهِ قبل ذَلِك فَهُوَ مَحْض زنا لَا يلْحق بِهِ الْوَلَد لِأَن الْوَلَد إِنَّمَا ألحق بِهِ فِيمَا ذكر لكَون إِقْرَاره بِالْعلمِ بِالتَّحْرِيمِ لَا يعْمل بِالنِّسْبَةِ لنفي الْوَلَد لاتهامه على قطع نسبه، وَإِنَّمَا يعْمل بِالنِّسْبَةِ لحده إِن لم يرجع عَن إِقْرَاره بِخِلَافِهِ إِذا ثَبت علمه قبل الْوَطْء أَو النِّكَاح. وَللَّتي كَانَ بِهَا اسْتَمتَاعُ صَدَاقُهَا لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعُ(1/430)
(وللتي) مَوْصُول (كَانَ بهَا) خبر كَانَ (استمتاع) اسْمهَا. وَالْجُمْلَة من كَانَ وَمَا بعْدهَا صلَة والرابط الْمَجْرُور بِالْبَاء (صَدَاقهَا) مُبْتَدأ وَاجِب التَّأْخِير لتلبسه بضمير الْخَبَر الَّذِي هُوَ الْمَوْصُول الْمُتَقَدّم، وَالْجُمْلَة من قَوْله (لَيْسَ لَهَا امْتنَاع) فِي مَحل رفع خبر ثَان أَو فِي مَحل نصب حَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن للزَّوْجَة الَّتِي دخل بهَا زَوجهَا فِي النِّكَاح الْفَاسِد الَّذِي يفْسخ وَلَو بعد الدُّخُول صَدَاقهَا كَامِلا لتقرره بِالْوَطْءِ وَإِن حرم كَمَا مرّ فِي قَول (خَ) وَمَا فسخ بعده فالمسمى الخ فَقَوْل النَّاظِم: استمتاع أَي بِالْوَطْءِ بِدَلِيل قَوْله: صَدَاقهَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذْ لم يَقع استمتاع بِالْوَطْءِ بل بِمَا دونه من الْمُقدمَات أَنه لَا يكون لَهَا تَمام الصَدَاق وَهُوَ كَذَلِك، وَلَكِن تعوض بِاجْتِهَاد الْحَاكِم (خَ) وتعاوض التَّلَذُّذ بهَا أَي وجوبا كَأَن يفْسخ قبل أَو بعد. والعَقْدُ لِلنِّكَاحِ فِي السِّرِّ اجْتُنِبْ ولوْ بالاسْتِكْتامِ والفَسْخُ يَجِبْ (وَالْعقد) مُبْتَدأ (للنِّكَاح) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَوْله (فِي السِّرّ) وَجُمْلَة (اجْتنب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ (وَلَو) شَرْطِيَّة إغيائية (بالاستكتام) يتَعَلَّق بمقدر أَي: وَلَو كَانَ السِّرّ بالاستكتام وَجَوَاب لَو مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، هَذَا وَالظَّاهِر أَن الْوَاو للْحَال إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ صُورَة يُوجد فِيهَا نِكَاح سر بِدُونِ استكتام (وَالْفَسْخ) مُبْتَدأ خَبره (يجب) الْمَشْهُور كَمَا لِابْنِ عَرَفَة أَن نِكَاح السِّرّ هُوَ مَا أَمر الشُّهُود حِين العقد بكتمه وَلَو كَانَ الشُّهُود ملْء الْجَامِع اه. وَلَا مَفْهُوم للشُّهُود بل كَذَلِك استكتام غَيرهم لقَوْل الْبَاجِيّ إِن اتّفق الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيّ على كتمه وَلم يعلمُوا الْبَيِّنَة بذلك فَهُوَ نِكَاح سر، وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم بالاستكتام أَي بالاستكتام للشُّهُود أَو لغَيرهم فقد حذف الْمُتَعَلّق للْعُمُوم، وَظَاهره كَانَ الاستكتام قبل العقد أَو فِيهِ أَو بعده، لَكِن صرح فِي ضيح بِأَن الاستكتام بعد العقد غير مُضر ويؤمرون بإفشائه اه. وَظَاهره أَيْضا كَانَ للزَّوْج دخل فِي الاستكتام الْمَذْكُور أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا بُد أَن يكون لَهُ دخل فِيهِ كَمَا فِي شرَّاح الْمَتْن وَظَاهر قَوْله: وَالْفَسْخ يجب الخ، أَنه يفْسخ وَلَو دخل وَطَالَ وَقَيده (خَ) مِمَّا إِذا لم يدْخل ويطل فَقَالَ: وَفسخ موصي وَإِن يكتم شُهُود من امْرَأَة أَو منزل أَو أَيَّام إِن لم يدْخل ويطل الخ. والبُضْعُ بالبُضْعِ هُوَ الشِّغَارُ وعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرارُ (والبضع) مُبْتَدأ (بالبضع) يتَعَلَّق بمقدر صفة أَي الْكَائِن بالبضع وَالْبَاء فِيهِ للتعويض أَي(1/431)
الْفرج عوض الْفرج (هُوَ) مبدأ ثَان (الشّغَار) خبر عَن الثَّانِي وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي هُوَ صَرِيح الشّغَار بِدَلِيل قَوْله: الْبضْع بالبضع أَي هُوَ الْمُسَمّى بِمَا ذكر، وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول من قَوْلهم شغر الْكَلْب بِرجلِهِ إِذا رَفعهَا ليبول أَو من قَوْلهم بَلْدَة شاغرة أَي خَالِيَة من أَهلهَا سمي بِهِ هَذَا النِّكَاح لخلوه من الصَدَاق لِأَنَّهُمَا جعلا بضع كل مِنْهُمَا صدَاق الْأُخْرَى فَيَقُول لَهُ مثلا: زَوجنِي أختك أَو بنتك على أَن أزَوجك أُخْتِي أَو ابْنَتي أَو أُمِّي (وعقده) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة من قَوْله: (لَيْسَ لَهُ قَرَار) خَبره أَي فَيفْسخ قبل الْبناء وَبعده، وَظَاهره وَلَو طَال وَولدت الْأَوْلَاد قَالَ: وَهُوَ كَذَلِك وَلمن وَقع الدُّخُول بهَا مِنْهُمَا صدَاق الْمثل، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يكن بضعاً ببضع بل بِالْمُسَمّى لكل مِنْهُمَا كزوجني أختك بِمِائَة على أَن أزَوجك أُخْتِي بِخَمْسِينَ أَو بِمِائَة لَا يكون حكمه الْفَسْخ أبدا وَهُوَ كَذَلِك بل يفْسخ قبله وَيثبت بعده بِالْأَكْثَرِ من الْمُسَمّى وصداق الْمثل معجلا وَيُسمى هَذَا وَجه الشّغَار، وَكَذَا لَو سمي لإحداهما دون الْأُخْرَى كَقَوْلِه: زَوجنِي أختك بِمِائَة على أَن أزَوجك أُخْتِي بِلَا مهر فَيثبت فِي الْمُسَمّى لَهَا بعد الدُّخُول بِالْأَكْثَرِ وَيفْسخ فِي الَّتِي لم يسم لَهَا أبدا، وَهَذِه الصُّورَة مركبة من الصَّرِيح وَالْوَجْه يفهم حكمهَا من الْمَسْأَلَتَيْنِ قبله وَبِمَا قَررنَا يعلم أَنه لَا إِجْمَال فِي النّظم وَأَنه إِنَّمَا تكلم على الصَّرِيح كلاًّ أَو بَعْضًا وَغَيره لم يتَعَرَّض لَهُ. وَأَجَلُ الكالِىءِ مَهْما أغْفَلاَ قبْلَ الْبِنَاءِ الفَسْخُ فِيهِ أُعْمِلاَ (وَأجل الكالىء) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (مهما) اسْم شَرط (أغفلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فعل الشَّرْط (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بأعملا آخر الْبَيْت (الْفَسْخ) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (أعملا) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَحذف مِنْهَا الْفَاء ضَرُورَة على حد قَوْله: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها. وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ الأول. ثمَّ اعْلَم أَن الكالىء هُوَ الْمُؤخر كَانَ كل الصَدَاق أَو بعضه وَقَوله: أغفلا يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ ترك، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ(1/432)
أبهم وَهُوَ أنصع لِأَنَّهُ يَشْمَل مَا إِذا لم يتَعَرَّض لتحديد أَجله أصلا وَمَا إِذا تعرض لتحديده لَكِن بِوَقْت لَا يَنْضَبِط كَيَوْم قدوم زيد مثلا أَو قَالَا إِلَى أجل وَلم يقيداه بقدوم زيد مثلا وَلَا بِغَيْرِهِ، وَظَاهره كَانَ عدم التَّعَرُّض لتحديده قصدا أَو نِسْيَانا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والفشتالية وَغَيرهمَا لِأَن النِّكَاح كَالْبيع، وَإِذا فسخ فَلَا صدَاق، وَأما الْإِرْث فثابت لِأَنَّهُ من الْمُخْتَلف فِيهِ كَمَا مرّ، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَذكر ابْن الْهِنْدِيّ عَن بعض أهل عصره أَنه كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ فَسخه وَيجْعَل لَهُ من الْأَجَل نَحْو مَا النَّاس عَلَيْهِ فِي أجل الكالىء فَإِن كَانَ الْأَمر مُخْتَلفا ضرب لَهُ أَََجَلًا متوسطاً قَالَ: يَعْنِي بعض أهل عصره وَلم أره رِوَايَة إِلَّا أَن لقائله فِي ذَلِك حجَّة عِنْدِي وَاحْتج بِمَسْأَلَة كتاب الْخِيَار من الْمُدَوَّنَة فِيمَن بَاعَ سلْعَة على الْخِيَار وَلم يُوَقت للخيار وقتا أَن البيع جَائِز وَيضْرب لَهُ أجل الْخِيَار فِي تِلْكَ السّلْعَة، وَقد شبه مَالك رَحمَه الله النِّكَاح بِالْبيعِ قَالَ: وَالْقَوْل بفسخه قبل الْبناء هُوَ نَص الرِّوَايَة، وَعَلِيهِ أدْركْت الْعَمَل بَين النَّاس اه. وَمَا ذكره ابْن الْهِنْدِيّ عَن بعض أهل عصره نقل المتيطي أَيْضا نَحوه عَن ابْن ميسر قَائِلا لِأَن أجل الكالىء متقرر فِي الْعرف عِنْدهم فسكوتهما عَنهُ يدل على أَنَّهُمَا دخلا على الْعرف وَالْعرْف سنة مَحْكُوم بهَا قَالَ تَعَالَى: خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) اه وَهَذَا كُله مُقَابل لنَصّ الرِّوَايَة وَمَا عَلَيْهِ الْعَمَل كَمَا رَأَيْته. وَقد جعل الفشتالي مَا ذكره ابْن الْهِنْدِيّ مُقَابلا، وَكَذَا ابْن عَرَفَة جعله قولا رَابِعا مُقَابلا للمشهور، وَقد تقدم عَن صَاحب الْفَائِق عِنْد قَوْله: وَأجل الكوالىء الْمعينَة الخ. أَنه صرح بمقابلته للمشهور، وَبِهَذَا تعلم أَن مَا اعْتَمدهُ الشَّارِح وَمن تبعه من أَن ترك التَّأْجِيل قصدا هُوَ الْمُوجب للْفَسَاد لَا النسْيَان والغفلة لِأَنَّهُمَا لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا حكم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان) الخ. مُقَابل للمشهور الْمَعْمُول بِهِ على أَن قَوْله لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا حكم الخ. فِيهِ نظر لِأَن الحَدِيث فِي رفع الْإِثْم وهما هُنَا لَا يصدقان فِي أَنَّهُمَا نسيا أَو غفلا فِي مثل هَذَا لاتهامهما على إِسْقَاط حق الله تَعَالَى فِي تعْيين الْأَجَل، وَأَيْضًا إِذا كَانَا يحْملَانِ على الْعرف فِي النسْيَان والغفلة فأحرى فِي الْقَصْد لِأَنَّهُمَا فِي الْقَصْد تركا التَّعَرُّض للأجل اتكالاً على الْعرف الْجَارِي عِنْدهم، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا قَالَه ابْن ميسر وَابْن الْهِنْدِيّ عَن بعض أهل عصره جَار فِي الْقَصْد وَغَيره كَمَا هُوَ ظَاهر نقولهم وَهُوَ وَإِن كَانَ قولا قَوِيا فِي نَفسه إِذْ أفتى بِهِ ابْن رشد وَابْن الْحَاج وَابْن المكوي أَيْضا كَمَا فِي المعيار فَهُوَ مُقَابل كَمَا رَأَيْته. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: سُئِلَ اللؤْلُؤِي عَن النِّكَاح يغْفل فِيهِ عَن ذكر الشَّرْط وتاريخ الكالىء، فَإِذا كَانَ كتب الصَدَاق قَالَ الناكح: لم أرد أَن يكْتب على شَرط وَطول فِي أجل الكالىء، وَقَالَ المنكح: إِنَّمَا غفلنا عَن ذَلِك للْعُرْف الْجَارِي فِي الْبَلَد بِالشُّرُوطِ إِذْ لَا يخرج عَنْهَا إِلَّا الشاذ وللعرف الْجَارِي فِي الكالىء بِكَوْنِهِ إِلَى ثَلَاثَة أَعْوَام وَلَا يعدوه إِلَّا للشاذ أَيْضا فَهَل يحمل الزَّوْج على الْعرف من ذَلِك أم لَا؟ فَأجَاب لَا يجْبر الزَّوْج على ذَلِك وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ وافقهم أَو وافقوه وإلاَّ فَلهُ الانحلال اه. وَقَوله وَهُوَ بِالْخِيَارِ الخ. مُقَابل لما مر من لُزُوم فَسخه فِي الكالىء نعم بِالنِّسْبَةِ للشّرط هُوَ بِالْخِيَارِ قطعا.(1/433)
الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا: وَأما إِن زوجه بِمِائَة نَقْدا وَمِائَة إِلَى بعد ابتنائه بِسنة فكرهه ابْن الْقَاسِم قَالَ: وَإِن وَقع لم أفسخه وَذكر أَن مَالِكًا أجَازه وَاخْتلف فِي عِلّة الْجَوَاز فَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: هُوَ على الْحُلُول إِذْ للزَّوْجَة أَن تَدعُوهُ للدخول مَتى شَاءَت فَإِذا دَعَتْهُ فَمن حِينَئِذٍ تجب السّنة وَقيل: مَعْنَاهُ إِنَّه يحمل فِي ذَلِك على الْعرف فَإِذا كَانَ للْبِنَاء عِنْدهم وَقت مَعْرُوف حمل عَلَيْهِ وَيُؤَخر بعد ذَلِك الْقدر سنة، وَيدل لذَلِك قَول مَالك: لَا يَصح بيع التَّأْخِير إِلَّا لأجل مَعْلُوم إِلَّا مَا كَانَ من بيع الْأَسْوَاق على التقاضي لأَنهم قد عرفُوا ذَلِك يُقيم أحدهم قدر الشَّهْر وَقدر مَا عرفُوا ثمَّ يتقاضاه مقطعاً الخ. وَهَذَا التَّعْلِيل الْأَخير يُقَوي مَا تقدم عَن ابْن الْهِنْدِيّ وَابْن ميسر، ثمَّ هَذَا التَّنْبِيه دَاخل فِي كَلَام النَّاظِم على الِاحْتِمَال الثَّانِي، وَيدخل فِيهِ أَيْضا إِذا أجل بميسرة الزَّوْج أَو إِلَى أَن تطلبه الْمَرْأَة وَالْحَال أَن الزَّوْج معدم فيهمَا (ح) وَإِلَى الدُّخُول أَو الميسرة إِن كَانَ مَلِيًّا الخ. وَتقدم قَول ناظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَأجل الكوالىء الْمعينَة الخ. الثَّالِث: مِمَّا يدْخل فِي كَلَام النَّاظِم أَيْضا التَّزَوُّج على أَن ينْفق على ابْنهَا أَو عَبدهَا لِأَن النَّفَقَة من جملَة الصَدَاق وَلَا يدْرِي مَا إِذا يعِيش الْوَلَد. ابْن عَرَفَة: عَن المتيطي الْتِزَام النَّفَقَة فِي العقد لغير أجل كمهر مَجْهُول. قَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن بنى بهَا سقط الشَّرْط وَلها مهر مثلهَا وإلاَّ فسخ وَلَو طرحت شَرطهَا. قَالَ: وَللزَّوْج الرُّجُوع عَلَيْهَا بهَا إِلَى حِين فسخ النِّكَاح أَو تَصْحِيحه بِمهْر الْمثل ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة: وَفِي كَونه أَي الْتِزَام الْإِنْفَاق لأجل، كَذَلِك قَول ابْن زرب وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن قَائِلا: لَو مَاتَ الْوَلَد رجعت بِنَفَقَتِهِ الخ. فَظَاهره تَرْجِيح مَا لِابْنِ زرب لتصديره بِهِ. الرَّابِع: مَحل كَلَام النَّاظِم إِذا اتفقَا على عدم التَّعَرُّض لذكر الْأَجَل أصلا أَو أجلاه بِوَقْت لَا يَنْضَبِط كَمَا مر أما إِن اتفقَا على تَأْجِيله بِوَقْت منضبط وَاخْتلفَا فِي قدره فَقَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء: إِن اخْتلف الزَّوْج وَالْوَلِيّ فِي أجل الكالىء وَقَالَ الشُّهُود نسيناه فَإِن كَانَ أجل الكوالىء كلهَا متعارفاً عِنْدهم وَكَانَ لقلَّة الكوالىء وَكَثْرَتهَا أجل جعل ذَلِك الكالىء إِلَى مثل ذَلِك الْأَجَل، فَإِن لم يكن عِنْدهم مُتَعَارَف جعل أَجله إِلَى أَكثر مَا تحمل عَلَيْهِ الكوالىء إِلَى مثل ذَلِك الْأَجَل وَيثبت النِّكَاح. نَقله ابْن سَلمُون وَتَبعهُ (ح) مُقْتَصرا عَلَيْهِ وَلما نَقله الشَّارِح قَالَ: ذَلِك وَاضح إِذا ادّعى أَحدهمَا الْأَجَل الْمُتَعَارف، وَادّعى الآخر أقرب مِنْهُ أَو أبعد لِأَن مدعي الْعرف مشبه فَإِن ادّعَيَا مَعًا غير الْمُتَعَارف فَإِن القَوْل للزَّوْج لِأَنَّهُ غَارِم كَمَا لِابْنِ زرقون وَلَا يردان إِلَى الْمُتَعَارف حِينَئِذٍ اه بِاخْتِصَار. ثمَّ قَالَ: فَلَو ادّعى الزَّوْج نفي الْأَجَل فِي مثل صُورَة الِاسْتِغْنَاء فَفِي نَوَازِل ابْن الْحَاج أَنه إِن شهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُ ضرب للكالىء أجل ونسوا قدره وَالزَّوْج يَنْفِي ضرب الْأَجَل ووالد الزَّوْجَة يَقُول: إِنَّه ضرب لَهُ كَانَ من بَاب دَعْوَى الصِّحَّة وَالْفساد فَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة مِنْهُمَا اه بِاخْتِصَار. قلت: وَيتَفَرَّع على كَون القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة أَن مدعي الْفساد إِذا أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا على أَنه لم يضْرب لَهُ أجل أَو على أَنه لمَوْت أَو فِرَاق فَإِن كَانَ الْمُقِيم هُوَ الزَّوْجَة لم يفْسخ النِّكَاح لِأَن الْوَاحِد لَا يقبل فِيمَا يُوجب الْفِرَاق، وَإِن أَقَامَت شَاهِدين فسخ وَبَطل الصَدَاق وَلَو أقامته بعد الْبناء حَلَفت وَأخذت الْأَكْثَر من الْمُسَمّى وصداق الْمثل قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة.(1/434)
وَمَا يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلْ شَرْطاً وَغَيْرُهُ بِطَوْعٍ يُقْبَلْ (وَمَا) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (يُنَافِي العقد) صلته والرابط الضَّمِير الْمُسْتَتر الْفَاعِل بينافي (لَيْسَ) فعل نَاقص واسْمه ضمير الْمَوْصُول الْمَذْكُور (يَجْعَل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر لَيْسَ ونائبه ضمير يعود على مَا أَيْضا وَهُوَ مَفْعُوله الأول (شرطا) مَفْعُوله الثَّانِي، وَالْجُمْلَة من لَيْسَ وَمَا بعْدهَا خبر الْمُبْتَدَأ والرابط مَحْذُوف أَي فِيهِ، وَالْمعْنَى أَن الشُّرُوط على قسمَيْنِ مَا لَا يُنَافِي عقد النِّكَاح وَسَيَأْتِي وَمَا يُنَافِيهِ وَهُوَ مَا هُنَا، وَظَاهره كَانَ الشَّرْط من جِهَتهَا أَو من جِهَته فَإِذا شَرط أَن لَا يقسم لَهَا أَو يُؤثر عَلَيْهَا أَو لَا نَفَقَة لَهَا أَو لَهَا نَفَقَة مَعْلُومَة فِي كل شهر أَو لَا مِيرَاث بَينهمَا أَو أَن لَا يَأْتِيهَا لَيْلًا أَو لَا يُعْطِيهَا الْوَلَد أَو شرطت أَن الطَّلَاق بِيَدِهَا أَو نَفَقَة وَلَدهَا أَو نَفَقَة الصَّغِير أَو السَّفِيه على الْوَلِيّ أَو نَفَقَة العَبْد على السَّيِّد أَو شرطت نَفَقَة الْكَبِير الرشيد على غَيره أَو إِعْطَاء حميل بِالنَّفَقَةِ فَإِن النِّكَاح فِي ذَلِك كُله يفْسخ قبل الْبناء وَيثبت بعده بِمهْر الْمثل وَتسقط الْحمالَة فِي الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة وَترجع النَّفَقَة على الزَّوْج فِي مَسْأَلَة اشْتِرَاطهَا على ولي الصَّغِير، وَهَكَذَا يسْقط الشَّرْط الْمَذْكُور بعد الْبناء فِي جَمِيع ذَاك (خَ) عاطفاً على مَا يفْسخ قبل وَيثبت بعد مَا نَصه: أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود كَأَن لَا يقسم لَهَا أَو يُؤثر عَلَيْهَا وألغى الخ. أَي ألغى الشَّرْط الْمَذْكُور بعد الْبناء وَمحل الْفساد فِي مَسْأَلَتي الصَّغِير وَالسَّفِيه مَا لم يبينوا أَن الْوَلِيّ إِن مَاتَ أَو طَرَأَ عَلَيْهِ دين أَو عسر قبل بُلُوغ الصَّبِي ورشد السَّفِيه كَانَت على الزَّوْج فَإِن بينوا ذَلِك صَحَّ اتِّفَاقًا فَإِن قَالُوا إِن مَاتَ الْوَلِيّ أَو طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يمْنَع الْإِنْفَاق فَلَا تعود على الزَّوْج حَتَّى يبلغ أَو يرشد فسد اتِّفَاقًا قَالَه ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد، وَفهم من قَوْله لَيْسَ يَجْعَل شرطا فِيهِ أَنه يجوز شَرط مَا يُنَافِيهِ بعده وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي قَرِيبا. تَنْبِيه: لَو شَرط السَّيِّد فِي تَزْوِيجه عَبده من أمة غَيره أَن الْوَلَد بَينهمَا فسخ وَلَو بنى وَالْولد لرب الْأمة وَكَذَا لَو شَرط أَن مَا تلده حر، سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا أَو عبدا كَانَت الْأمة لسَيِّد العَبْد أَو لغيره وَمَا وَلدته قبل الْفَسْخ حر وولاءه لسَيِّدهَا وَلَو شَرط أول ولد تلده حر فَكَذَلِك على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَيجوز لسَيِّدهَا بيعهَا مَا لم تحمل فَإِن حملت بقيت حَتَّى تضع فَيعتق الْوَلَد وَمَا ولدت بعده من الْأَوْلَاد رَقِيق قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. (وَغَيره) مُبْتَدأ (بطوع) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (يقبل) أَو فِي مَحل نصب على الْحَال من ضمير أَي وَغير الْمنَافِي للْعقد كَشَرط أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا أَو لَا يُخرجهَا من بَلَدهَا أَو لَا يتسرى(1/435)
عَلَيْهَا يقبل، وَيجوز حَال كَون كَائِنا بطواعية من الزَّوْج بعد العقد لَا إِن اشْترط فِيهِ فَيكْرَه وَلَا يلْزم على كل حَال وَلَكِن يسْتَحبّ لَهُ الْوَفَاء بِهِ (خَ) وَإِن أخرجهَا من بَلَدهَا أَو تزوج عَلَيْهَا فألفان وَلَا يلْزم الشَّرْط وَكره الخ. وَإِنَّمَا كره اشْتِرَاط ذَلِك فِي العقد لِأَن الْمَرْأَة حطت من صَدَاقهَا لأجل الشَّرْط، وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي رد الْمَرْأَة لمهر الْمثل بعد الْبناء فِي الشُّرُوط المنافية ثمَّ إِن غير الْمنَافِي قِسْمَانِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَلَا يُنَافِيهِ كالأمثلة الْمَذْكُورَة وَمَا يَقْتَضِيهِ العقد، وَإِن لم يشْتَرط كَشَرط أَن يقسم لَهَا أَو لَا يُؤثر عَلَيْهَا أَو لَا يضْربهَا فاشتراط هَذَا وَعَدَمه سَوَاء، فَقَوْل النَّاظِم يقبل أَي مَعَ كَرَاهَة إِن كَانَ ذَلِك فِي العقد وبدونها بعده لَكِن مَا كَانَ فِي العقد لَا يُوصف بطواعية حَقِيقَة، بل مجَازًا لِأَن الْمَرْأَة تأبى من العقد حَتَّى يلْزم الشَّرْط، وَمَا كَانَ كَذَلِك لَيْسَ بطوع. وَقَوله: يقبل أَي يَصح وَكَونه يلْزم أَو لَا يلْزم شَيْء آخر فِيهِ تَفْصِيل، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ يلْزم فَيحمل حِينَئِذٍ على مَا إِذا علق عَلَيْهِ طَلَاقا أَو عتقا أَو تَمْلِيكًا أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يقْضى بِهِ على الزَّوْج إِذا حنث فَإِن الْمُعَلق يلْزمه بالمخالفة كشرطه فِي العقد أَو بعده أَن لَا يُخرجهَا من بَيتهَا وَإِن أخرجهَا فَهِيَ طَالِق أَو عَبده حر أَو أمرهَا بِيَدِهَا وَأَن لَا يضر بهَا وَإِن أضرّ بهَا فَأمرهَا بِيَدِهَا فَإِن اشْترطت مَعَ ذَلِك أَنَّهَا مصدقة فِي الضَّرَر فسد على مَا لسَحْنُون إِن كَانَ فِي العقد لدُخُوله على غرر فِي بَقَاء الْعِصْمَة. ابْن عَرَفَة: وَفِي أَعمال شَرط تصديقها دون يَمِين فِي المغيب والرحيل وَالضَّرَر أَو فيهمَا دون المغيب نقلا. ابْن عَاتٍ عَن ابْن فتحون وَابْن عبد الغفور: وَكَانَ ابْن دحون يُفْتِي بإلغاء شَرط التَّصْدِيق فِي الضَّرَر بعد قَوْله لَا خلاف فِي أَعماله إِن لم يكن شرطا فِي العقد الخ. وَفِي ابْن سَلمُون مَا نَصه: فَإِن الْتزم لَهَا التَّصْدِيق فِي الضَّرَر بِغَيْر يَمِين فَقَالَ ابْن رشد: اخْتلف فِي ذَلِك فروى عَن سَحْنُون أَنه قَالَ: أَخَاف أَن يفْسخ النِّكَاح قبل الْبناء فَإِن دخل بهَا فَلَا يقبل قَوْلهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على الضَّرَر، وَحكي عَن ابْن دحون أَنه كَانَ يُفْتِي بِأَن ذَلِك لَا يلْزم وَلَا يجوز إِلَّا بِبَيِّنَة ثمَّ قَالَ: وَلَا خلاف أَنه إِذا لم يشْتَرط فِي أصل العقد أَنه جَائِز نَافِذ اه. وَانْظُر تَمام كَلَامه فِيمَا يَأْتِي فِي فصل الضَّرَر، وَأما إِن لم يعلق على ذَلِك شَيْئا أَو علق عَلَيْهِ مَا لَا يقْضى بِهِ على الزَّوْج إِن خَالف كَقَوْلِه: إِن أخرجتها من بَلَدهَا فلهَا أَلفَانِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ بالمخالفة كَانَ فِي العقد أَو بعده، وَلِهَذَا إِذا اشْترطت عَلَيْهِ الماشطة فِي العقد أَن لَا يمْنَعهَا من الْخُرُوج لصنعتها لَا يلْزمه الْوَفَاء بِهِ كَمَا فِي المعيار وَأولى إِن اشْترطت عَلَيْهِ الْخُرُوج لقدوم الْحَاج أَو خُرُوجه، ثمَّ إِن علق الطَّلَاق على التَّزَوُّج عَلَيْهَا أَو على التَّسَرِّي فَيلْزمهُ فِي التَّزَوُّج بِمُجَرَّد العقد، وَإِن لم يدْخل وَفِي التَّسَرِّي بِالْوَطْءِ وَلَو كَانَت الْأمة عِنْده قبل التَّعْلِيق وَإِن علقه على اتِّخَاذ أم الْوَلَد فَيلْزمهُ بِوَطْء(1/436)
الْأمة أَيْضا لَا بحملها على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. ثمَّ إِن الطواعية بذلك أحسن من اشْتِرَاطه فِي العقد فَإِن اتفقَا على الشّرطِيَّة فِيمَا يقْضِي بِهِ وَاخْتلفَا فِي كَونهَا وَقعت فِي العقد أَو بعده وَلَا بَيِّنَة فَقيل: يحمل على الشّرطِيَّة فِي العقد، وَقيل على الطواعية بعده وبالأول الْعَمَل قَالَ ناظمه: وَالشّرط فِي النِّكَاح مَحْمُول على أَنه فِي أصل الْعُقُود جعلا وَفَائِدَة الْخلاف أَن لَهُ أَن يناكرها على الطواعية دون الشّرطِيَّة كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) فَقَوله وناكر مخيرة لم يدْخل بهَا ومملكة مُطلقًا الخ. وَتظهر أَيْضا أَنَّهَا إِذا وَقعت وَاحِدَة فِي الطواعية فَهِيَ رجيعة وَفِي الشّرطِيَّة بَائِنَة كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَتظهر أَيْضا فِيمَا إِذا الْتزم نَفَقَة ربيب أَو غير ذَلِك مِمَّا يُنَافِي العقد وتنازعا فِي كَونه وَقع فِي العقد أَو بعده، فَإِنَّهُ يحمل على الشَّرْط على مَا بِهِ الْعَمَل وَيفْسخ النِّكَاح إِن كَانَ التَّنَازُع قبل الْبناء وَيسْقط الشَّرْط إِن كَانَ بعده. تَنْبِيهَات. الأول: يحْتَمل أَن يكون الضَّمِير فِي قَول النَّاظِم وَغَيره عَائِدًا على مَا ذكر أَي وَغير الْمُشْتَرط فِي العقد مِمَّا هُوَ منَاف لَهُ أَو غير الْمنَافِي أصلا أَي غَيرهمَا مَعًا يقبل بطوع بعده فيهمَا وَفِي غير الْمنَافِي مُطلقًا فيستفاد مِنْهُ بطرِيق النَّص أَن جَمِيع الْمنَافِي للْعقد يجوز الطوع بِهِ بعده مَا عدا قَوْله: وَلَا مِيرَاث بَينهمَا فَإِنَّهُ لَا يَصح فِيهَا ذَلِك لِأَنَّهُ من إِسْقَاط الشَّيْء قبل وُجُوبه وَلِأَنَّهُ يدْخل فِي الْملك جبرا فَيصح حِينَئِذٍ أَن يلْتَزم الزَّوْج نَفَقَة ربيبه أمد الزَّوْجِيَّة أَو مُطلقًا وَأَن يلْتَزم الزَّوْج نَفَقَة زَوْجَة غَيره وَأَن يتَحَمَّل لَهَا بِالنَّفَقَةِ وَأَن تسْقط حَقّهَا فِي الْقسم، وَهَكَذَا فَإِن طلقت الْمُلْتَزم لولدها بِالنَّفَقَةِ أَو الَّتِي تطوع لَهَا بِطَلَاق الدَّاخِلَة عَلَيْهَا ثمَّ رَاجعهَا عَادَتْ نَفَقَة الْوَلَد وَعَاد الشَّرْط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله فِي الْخلْع:
وَمَا امْرُؤ لزوجه يلْتَزم مِمَّا زمَان عصمَة يلْتَزم فَذا إِذا دون الثَّلَاث طلقا زَالَ وَإِن رَاجع عَاد مُطلقًا الثَّانِي: مَا تقدم من أَنَّهَا إِذا شرطت عَلَيْهِ نَفَقَة وَلَدهَا فِي العقد يفْسد النِّكَاح هُوَ الَّذِي فِي شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله: أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود وظاهرهم اشْترطت ذَلِك لمُدَّة مَعْلُومَة أم لَا. وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ زرب وَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن: إِن شرطت ذَلِك لمُدَّة مَعْلُومَة جَازَ ذَلِك فَإِن مَاتَ الْوَلَد رجعت بِنَفَقَة بَقِيَّة الْأَجَل وَيلْزمهُ لِأَنَّهُ من صَدَاقهَا، وَإِنَّمَا تَأْخُذهُ على حسب مَا شرطت قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَنَقله أَوَائِل الالتزامات وَذكر عَن ابْن رشد أَنه الرَّاجِح قَالَ: وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن لَا يسْقط بِمَوْت الزَّوْج وَأَن يحل بِمَوْتِهِ وَيَأْتِي أول الْخلْع عَن الْبُرْزُليّ مَا يفِيدهُ. الثَّالِث: على مَا تقدم من فسخ النِّكَاح فَإِن للزَّوْج الرُّجُوع على الْمَرْأَة بِمَا أنْفق بِالشّرطِ على ولد، وَمن لَا تلْزمهُ نَفَقَته من خدمها إِلَى حِين فسخ النِّكَاح أَو لتصحيحه بِمهْر الْمثل قَالَه فِي الالتزامات عَن ابْن رشد. قلت: وَانْظُر الِاضْطِرَاب فِي فهم قَول ابْن رشد إِلَى فسخ النِّكَاح أَو تَصْحِيحه فِي نِكَاح نَوَازِل مازونة. الرَّابِع: إِذا قَالَ لَهَا: إِن أخرجتك من بلدك فأمرك بِيَدِك فأخرجها بِإِذْنِهَا فَأَرَادَتْ أَن تَأْخُذ بشرطها وَتطلق نَفسهَا فَقَالَ مَالك وَأصبغ: لَيْسَ لَهَا ذَلِك. وَقَالَ أَشهب: لَهَا أَن تَأْخُذ بشرطها لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَذِنت فِي شَيْء تملكه، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْمَوَّاز قَالَه فِي كتاب الشُّرُوط من الْمُتَيْطِيَّة قَالَ:(1/437)
وَلَو أخرجهَا بِإِذْنِهَا فَردهَا ثمَّ أَرَادَ أَن يُخرجهَا فَأَبت فروى ابْن وهب عَن مَالك: تحلف بِاللَّه مَا كَانَ خروجي مَعَه أَولا تركا لشرطي ثمَّ هِيَ على شَرطهَا. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِذا أَذِنت لَهُ سقط شَرطهَا وَهُوَ شَاذ اه بِاخْتِصَار. الْخَامِس: مَا تقدم من أَن الشَّرْط فِي النِّكَاح مَحْمُول على الشَّرْط فِي العقد حَيْثُ لَا بَيِّنَة كَمَا مر، أما إِن كَانَت هُنَاكَ بَيِّنَة بِكَوْنِهِ شرطا أَو طَوْعًا فَإِنَّهُ يعْمل عَلَيْهَا مَا لم يشْهد الْعرف بضدها، فَفِي المعيار سُئِلَ ابْن رشد عَمَّا يكْتب من الشُّرُوط على الطوع وَالْعرْف يَقْتَضِي شرطيتها، فَقَالَ: إِذا اقْتضى الْعرف شرطيتها فَهِيَ مَحْمُولَة على ذَلِك وَلَا ينظر لكتبها على الطوع الخ. قلت: وَالْعرْف فِي زمننا هَذَا أَن الْتِزَام نَفَقَة الربيب وَنَحْوهَا من إمتاع الزَّوْجَة زَوجهَا إِنَّمَا يكون فِي صلب العقد إِذْ قل مَا تَجِد التزاماً بِالنَّفَقَةِ الْمَذْكُورَة مُتَطَوعا بِهِ فِي نفس الْأَمر، وَإِنَّمَا الْكتاب يكتبونه على الطوع تَصْحِيحا لوثائقهم وتجدهم يأمرون الْمُتَعَاقدين بِتَأْخِير كتبه إِلَى يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة من عقد النِّكَاح فَيجب حِينَئِذٍ فسخ هَذَا النِّكَاح إِن عثر عَلَيْهِ قبل الْبناء، وَلَا تسْقط النَّفَقَة عَن الزَّوْج إِن عثر عَلَيْهِ بعده عملا على مَا أفتى بِهِ ابْن رشد، وأقامه ابْن عَرَفَة من الْمُدَوَّنَة فِي بَاب الْحمالَة. قَالَ ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل اه. وَقد علمت مِمَّا قدمْنَاهُ أول الْكتاب أَن قَوْلهم: الْعَمَل بِكَذَا مِمَّا يرجع القَوْل الْمَعْمُول بِهِ فَمَا قَالَه ابْن رشد هُوَ الْحق إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده عَن الجزيري والمازري، وَقد قَالَ فِي الْفَائِق: مَتى ضَاقَ على الموثق المجال ركن إِلَى التَّطَوُّع مصوراً فِي صُورَة الْجَائِز مَا لَا يجوز فِي الْحَقِيقَة اه. وَمثل هَذَا يَأْتِي فِي بيع الثنيا إِن شَاءَ الله وَأَنه مَتى ثَبت رسم الْإِقَالَة وَلَو بِصُورَة التَّطَوُّع فَهُوَ مَحْمُول على أَنه شَرط فِي نفس العقد كَمَا أفتى بِهِ المجاصي وَغَيره من أهل عصره لِأَن الْعرف شَاهد بضد الْمَكْتُوب خلاف مَا يَأْتِي للناظم من أَن الْعَمَل فِيهَا على الْمَكْتُوب. ويَفْسُدُ النِّكاحُ بالإِمْتَاعِ فِي عُقْدَتِهِ وَهُوَ عَلَى الطّوْع اقْتُفِي (وَيفْسد) بِضَم السِّين وَفتح الْيَاء مضارع فسد (النِّكَاح) فَاعله (بالإمتاع) يتَعَلَّق بيفسد (فِي عقدته) يتَعَلَّق بالإمتاع وضميره للنِّكَاح أَي يفْسد النِّكَاح بِاشْتِرَاط الزَّوْج فِي صلب العقد أَن تمتعه زَوجته بموافقة وَليهَا بسكنى دارها أَو استغلال أرْضهَا لِأَن مَا يبذله الزَّوْج من الصَدَاق بعضه فِي مُقَابلَة ذَلِك وَهُوَ مَجْهُول لِأَنَّهُ يستغل إِلَى الْمَوْت والفراق وَلَا يدْرِي وقتهما قَالَه الْمَازرِيّ. وَقَالَ ابْن جزي: وَقد يسْتَغْرق ذَلِك الصَدَاق فَيبقى الْبضْع عَارِيا عَن الْمهْر. قَالَ: وَكَذَا يفْسد إِن كَانَ الإمتاع لمُدَّة مَعْلُومَة لِأَنَّهُ نِكَاح وَإِجَارَة، وَعَلِيهِ فَيفْسخ قبل الدُّخُول وَيثبت بعده بِمهْر الْمثل وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم:(1/438)
وَشرط كسْوَة من الْمَحْظُور للزَّوْج فِي العقد على الْمَشْهُور إِلَّا أَن ظَاهر كَلَام النَّاظِم هَهُنَا أَنه يفْسد وَلَو لم يصرحا باشتراطه فِي العقد، بل وَقع الإمتاع فِي العقد بِغَيْر شَرط وَهُوَ مُخَالف بِهَذَا الظَّاهِر لقَوْل ابْن سَلمُون وَلَو سكت عَن ذَلِك فِي العقد حمل على الطوع الْجَائِز أَو الْعَادة إِن كَانَت عَادَة فالإشارة فِي قَوْله عَن ذَلِك تعود على الإمتاع أَي سكت عَن اشْتِرَاطه فِي الْعقل بل وَقع فِي العقد على الطوع من غير شَرط. هَذَا ظَاهره بِدَلِيل قَوْله: حمل على الطوع فَتَأَمّله. وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله فِي عقدته فَقَالَ: (وَهُوَ) مُبْتَدأ (على الطوع) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (اقتفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي اتبع أَي إِن وَقع ذَلِك بعد العقد جَازَ وَاتبع ذَلِك وَمحل جَوَازه بالطوع إِذا لم تَنْعَقِد الْقُلُوب والضمائر عَلَيْهِ عِنْد وَقت عقد النِّكَاح، أما إِن انْعَقَدت الضمائر عَلَيْهِ وقته وَعرف ذَلِك من عَادَة الْبَلَد فَإِنَّهُ يفْسخ قبل الْبناء أَيْضا وَإِن كتب على الطوع إِذْ لَا عِبْرَة حِينَئِذٍ بالمكتوب لِأَن الموثق يُدَلس ذَلِك ليتوصل لما لَا يجوز فِي صُورَة الْجَائِز قَالَ مَعْنَاهُ الْمَازرِيّ حَسْبَمَا فِي الشَّارِح، وَهُوَ الْمُوَافق لما مر عَن ابْن رشد فِي الْبَيْت قبله. وَقَالَ الجزيري: هَذَا الإمتاع جرت بِهِ الْعَادة فِي الجزيرة الخضراء وَغَيرهَا ويجعلون الإمتاع فِي مَال الزَّوْجَة على الطوع من وَليهَا أَو مِنْهَا إِن كَانَت مالكة أَمر نَفسهَا وَهُوَ غير سديد لِأَن الإمتاع فِي مُقَابلَة الصَدَاق فَيبقى الْبضْع بِلَا عوض إِذْ قد يَشْتَرِطه من لَا فقه عِنْده، فَهُوَ وَإِن كتب على الطوع لإِرَادَة الْإِمْضَاء فالضمائر المنعقدة عَلَيْهِ تقوم مقَام الشَّرْط عِنْد الْعلمَاء. وَفِي الْمُدَوَّنَة مَا يَقْتَضِيهِ انْظُر تَمَامه فِي اليزناسني إِن شِئْت فَهُوَ مُوَافق لما مر عَن الْمَازرِيّ وَابْن رشد من أَنه لَا عِبْرَة بالطوع إِن كَانَت الْعَادة بِخِلَافِهِ. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قُلْنَا بِفساد النِّكَاح فِي الطوع حَيْثُ كَانَت الْعَادة بِخِلَافِهِ فَإِن النِّكَاح يفْسخ قبل وَيثبت بعد بِمهْر الْمثل بِمَنْزِلَة الْمُشْتَرط فِي العقد، وَكَلَام الْمَازرِيّ الَّذِي فِي الشَّارِح صَرِيح فِي ذَلِك لِأَنَّهُ من الْفَاسِد لصداقه، وَعَلِيهِ فَإِذا عثر على ذَلِك بعد الْبناء وطالت الْمدَّة فَإِنَّهَا ترجع عَلَيْهِ بِقِيمَة مَا استغل بعد أَن ترد لمهر مثلهَا على أَنه لَا إمتاع فِي نِكَاحهَا، وَالْغَالِب أَن مهر الْمثل حِينَئِذٍ أقل من الْمُسَمّى لِأَن الْمُسَمّى يرْتَفع للإمتاع الْمَذْكُور. الثَّانِي: إِذا قُلْنَا يحمل فِي الطوع على الشَّرْط حَيْثُ جرت الْعَادة بِهِ، وَأَنه لَا عِبْرَة بالمكتوب فَبِأَي شَيْء يتَوَصَّل للصورة الْجَائِزَة إِذْ مَا من طوع فِي بلد جرت الْعَادة بِخِلَافِهِ إِلَّا وَيُقَال إِنَّه مَحْمُول على الشَّرْط فَلَا يجد مُلْتَزم الْإِنْفَاق للربيب مثلا أَو مُلْتَزم التمتيع وَنَحْوه سَبِيلا إِلَى كتبه على الطوع وَإِن صَحَّ قَصده فِي نفس الْأَمر هَذَا مِمَّا لم أَقف الْآن فِيهِ على نَص، وَالظَّاهِر أَنه إِذا طَال مَا بَين العقد بِحَيْثُ يظنّ أَن مَا أضمراه قد اضمحل واندثر، وَأَنه فعل ذَلِك عَن اخْتِيَار كالشهر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يحمل على الشَّرْط حِينَئِذٍ وَالله أعلم. الثَّالِث: مَحل الْفساد بالإمتاع إِذا كَانَ من مَال الزَّوْجَة كَمَا مر أما إِذا كَانَ من مَال وَليهَا أَو أَجْنَبِي فَإِنَّهُ جَائِز، وَقد رُوِيَ عَن مَالك أَنه يجوز أَن يَقُول الرجل لآخر: تزوج ابْنَتي على أَن أُعْطِيك مائَة دِينَار نَقله الشَّارِح. وَفِي ابْن عَرَفَة سمع سَحْنُون ابْن الْقَاسِم من أنكح ابْنَته من رجل(1/439)
على أَن أعطَاهُ دَارا جَازَ إنكاحه، وَلَو قَالَ: تزوج ابْنَتي بِخَمْسِينَ دِينَارا وَأُعْطِيك هَذِه الدَّار لَا خير فِيهِ لِأَنَّهُ من وَجه النِّكَاح وَالْبيع ابْن رشد: يقوم من قَوْله جَازَ نِكَاحه معنى خَفِي وَهُوَ جَوَاز اجْتِمَاع البيع مَعَ نِكَاح التَّفْوِيض اه. وَهَذَا معنى قَول (خَ) : أَو باجتماعه مَعَ بيع كدار دفعتها هِيَ أَو أَبوهَا وَجَاز من الْأَب فِي التَّفْوِيض. الرَّابِع: إِذا متعت الزَّوْجَة زَوجهَا بعد العقد بسكنى دارها بِأَن أسقطت عَنهُ كراءها مُدَّة الزَّوْجِيَّة بَينهمَا ثمَّ اخْتلعت مِنْهُ وسكتت عَن كِرَاء مَسْكَنهَا الَّذِي تَعْتَد فِيهِ فَقَالَ ابْن زرب: يلْزمه ذَلِك لِأَن من حجَّة الزَّوْجَة أَن تَقول: لم أسقط ذَلِك عَنهُ إِلَّا مُدَّة الزَّوْجِيَّة، وَبِه قَالَ ابْن عتاب وَاللَّخْمِيّ قَالَ: لِأَن بِالطَّلَاق خرجت عَن المكارمة وَلَا يلْزمهَا أَن تكارمه فِي الْمُسْتَقْبل، وَقَالَ أَبُو عمر الإشبيلي: لَا يلْزمه ذَلِك لِأَن الْعدة من أَسبَاب الزَّوْجِيَّة وَبِه قَالَ ابْن الْقطَّان أَبُو بكر بن بعد الرَّحْمَن قَالَ بعض: وَالْأول أَقيس. المتيطي: وَهُوَ الْحق إِن شَاءَ الله.
(فصل (فِي مسَائِل) مُتَفَرِّقَة (من) لواحق (النِّكَاح))
والعَبْدُ والمرأةَ حَيْثُ وُصِّيَا وَعَقَدَا عَلَى صَبِيَ أُمْضِيَا (وَالْعَبْد) مُبْتَدأ (وَالْمَرْأَة) مَعْطُوف عَلَيْهِ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (وَصِيّا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْألف نَائِبه وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وعقدا) فعل وفاعل وَالْجُمْلَة معطوفة على وَصِيّا (على صبي) يتنازعه الفعلان قبله (أمضيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب حَيْثُ ونائبه ضمير العقد وألفه للإطلاق ومفعول عقدا مَحْذُوف أَي عقدا النِّكَاح وأشعر تذكير الْوَصْف أَنه ذكر لَا أُنْثَى إِذْ لَا يَصح عقدهما عَلَيْهَا (خَ) : ووكلت مالكة أَو وَصِيَّة الخ. وَتقدم أَيْضا قَول النَّاظِم: وَالْمَرْأَة الْوَصِيّ لَيست تعقد الخ. وَرُبمَا أشعر قَوْله: أمضيا أَنه لَا يجوز ابْتِدَاء وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يجوز ابْتِدَاء كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَإِنَّمَا عبر بِهِ نظرا إِلَى أَن لفظ العَبْد وَالْمَرْأَة يَشْمَل الْكَافِر مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي وَلَا مَفْهُوم لصبي، بل لَهما العقد على من إِلَى نظرهما من الذكران كبارًا أَو صغَارًا بل لَو وكلهما كَبِير رشيد لصَحَّ عقدهما عَلَيْهِ، وَظَاهر قَوْله: وَالْعَبْد(1/440)
وَالْمَرْأَة وَلَو كَافِرين وَهُوَ كَذَلِك. وَفِي الطرر: وَأما العَبْد وَالْكَافِر فيزوجان بنيهما وَبني من أوصى بهم إِلَيْهِمَا الذكران الخ. وَفِي سَماع عِيسَى: لَا بَأْس أَن يُوكل الرجل نَصْرَانِيّا أَو عبدا أَو امْرَأَة على عقد نِكَاحه اه. والإيصاء تَوْكِيل فِي الْحَقِيقَة، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ تَوْكِيل زوج الْجَمِيع الخ. وَقَول الْمُدَوَّنَة لَا تجوز الْوَصِيَّة لذِمِّيّ أَو مسخوط أَو من لَيْسَ بِعدْل ويعزل إِن أوصى إِلَيْهِ الخ. مَعْنَاهُ لَا يجوز ابْتِدَاء وَذَلِكَ لَا يُنَافِي صِحَة عقده ومضي تَصَرُّفَاته بِدَلِيل قَوْلهَا: ويعزل إِذْ الْعَزْل فرع الِانْعِقَاد فَهُوَ نَظِير قَول الْمَتْن وَنفذ حكم أعمى وأبكم وأصم وَوَجَب عَزله الخ. فَقَوْل الشَّارِح وَمن تبعه: سكت النَّاظِم عَن الْكَافِر لندوره لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي لِأَن النَّاظِم أطلق ولإطلاقة عبر بالإمضاء كَمَا مرّ. تَنْبِيهَات. الأول: مَحل إِمْضَاء الْوَصِيَّة لابنها وَنَحْوه مِمَّن فِي حجرها إِذا لم تعقد لَهُ على بنت زَوجهَا وإلاَّ فَهُوَ مَحل للنَّظَر والتعقب لكَونهَا فِي عصمته فَهِيَ مغلوبة فَإِن كَانَ سداداً مضى وإلاَّ فَلَا، قَالَه فِي الكراس الثَّامِن من أنكحة المعيار. الثَّانِي: إِذا بلغ الصَّبِي وأبى من الْتِزَام مَا عقده عَلَيْهِ وَصِيّه أَو أَبوهُ فَإِنَّهُ يجْرِي على مَا تقدم فِي قَوْله: وعاقد على ابْنه حَال الصغر الخ. وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة أَن الصَّغِير إِذا زوجه وَصِيّ أَو مقدم القَاضِي جَازَ ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا خِيَار لَهُ بعد الْبلُوغ بِخِلَاف الْيَتِيمَة، وَالْفرق أَن الصَّبِي إِذا بلغ وَكره النِّكَاح طلق بِخِلَاف الْيَتِيمَة، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا اه. الثَّالِث: إِذا كَانَ مَعَ الْوَصِيّ مشرف وَعقد الْوَصِيّ النِّكَاح بِغَيْر مشورته فعقد الْوَصِيّ صَحِيح سَوَاء عقد بِنَفسِهِ أَو قدم أخاها وَنَحْوه للْعقد وللمشرف تعقبه بِالنّظرِ، فَإِن رأى أَن يُجِيزهُ أجَازه وَإِن رأى أَن يردهُ رده كالسفيه يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن وليه فَإِن مَاتَ المشرف وَعقد الْوَصِيّ النِّكَاح فَإِنَّهُ يُوقف على نظر القَاضِي فيتعقبه بِالنّظرِ أَيْضا لِأَنَّهُ قَائِم مقَام المشرف، فَإِن لم يعثر القَاضِي على ذَلِك حَتَّى مَاتَ الزَّوْج وَالْحَال أَن الزَّوْجَة هِيَ ذَات الْوَصِيّ، وَقد زَوجهَا بعد موت المشرف فقد فَاتَ مَوضِع نظر القَاضِي وَوَجَب للزَّوْجَة الصَدَاق الْمُسَمّى وَالْمِيرَاث إِذْ لَا حَظّ لَهَا فِي الرَّد بعد موت الزَّوْج لِأَن ذَلِك يسْقط مَا وَجب لَهَا من الصَدَاق وَالْمِيرَاث لغير وَجه نظر قَالَه ابْن رشد فِي أجوبته. وَيفهم من قَوْله: كالسفيه يتَزَوَّج بِغَيْر إِذن وليه أَن الزَّوْج إِذا كَانَ هُوَ الْمُوصى عَلَيْهِ وزوجه وَصِيّه بعد موت المشرف فَمَاتَتْ الزَّوْجَة أَن القَاضِي ينظر فِي الْأَصْلَح من الرَّد وَالْإِجَازَة، فَإِن مَاتَ الزَّوْج الْمولى عَلَيْهِ تعين الرَّد فَيكون من أَفْرَاد قَول (خَ) ولولي سَفِيه فسخ عقده وَلَو مَاتَت وَتعين لمَوْته وَالله أعلم. وَهَذَا بِخِلَاف تَزْوِيج أحد السيدين الْأمة دون إِذن شَرِيكه أَو تَزْوِيج أحد الوليين الْيَتِيمَة دون إِذن الآخر فَإِن النِّكَاح فَاسد وَلَو أجَازه الآخر يفْسخ قبل الْبناء وَبعده قَالَ فِي النَّوَادِر: إِذا كَانَ للزَّوْجَة وليان فَزَوجهَا كل وَاحِد مِنْهُمَا على حِدة من رجل فَإِن لم يول كل مِنْهُمَا صَاحبه لم يجز نِكَاح كل مِنْهُمَا وَإِن أَمر كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فنكاح أَولهمَا أولى إِلَّا أَن يَبْنِي الآخر. ابْن الْمَوَّاز، وَهَذَا فِي الْوَصِيّين والسيدين فَجعل الْوَصِيّين كالسيدين والوليين وَالرِّوَايَة فِي الْمُدَوَّنَة أَن السَّيِّد إِذا زوج الْأمة دون إِذن شَرِيكه يفْسخ قبل الْبناء وَبعده، وَإِن أجَازه الآخر. انْظُر أجوبة ابْن رشد، وَقد نقل ذَلِك الزياتي فِي نوازله وَهَذَا كُله فِيمَا بعد الْوُقُوع وَأما قبله فقد قَالَ (خَ) : وَإِن تنَازع الْأَوْلِيَاء المتساوون فِي العقد أَو الزَّوْج نظر الْحَاكِم الخ. وَأما العَبْد يُزَوجهُ(1/441)
أَحدهمَا دون إِذن الآخر فَإِن النِّكَاح صَحِيح ويتوقف على إجَازَة الآخر وَالسَّفِيه يُزَوجهُ أَحدهمَا دون إِذن الآخر كَذَلِك. والأبُ لَا يَقْضِي اتِّسَاعُ حالِهِ تَجْهِيزِه لابْنَتِهِ مِنْ مَالِهِ (وَالْأَب) مُبْتَدأ (لَا يقْضِي) بِفَتْح الْيَاء مضارع قضى (اتساع حَاله) فَاعل ومضاف إِلَيْهِ (تَجْهِيزه) بِالنّصب مفعول يقْضِي (لابنته) يتَعَلَّق بتجهيز وَكَذَا قَوْله (من مَاله) والضمائر عَائِدَة على الْأَب، وَالْمعْنَى أَن الْأَب الْغَنِيّ المتسع المَال لَا يلْزمه أَن يُجهز ابْنَته الْبكر أَو الثّيّب إِذا زَوجهَا بِشَيْء من مَاله زِيَادَة على صَدَاقهَا، وَإِنَّمَا يلْزمه أَن يجهزها بصداقها (خَ) : ولزمها التَّجْهِيز على الْعَادة بِمَا قَبضته إِن سبق الْبناء الخ. فإطلاق النَّاظِم فِي الْبَيْت يَشْمَل الْبكر وَالثَّيِّب الَّتِي فِي حجره لصغرها أَو سفهها، وَأما المرشدة فَهِيَ مَا بعده، وَحِينَئِذٍ فَإِن قَالَ الزَّوْج إِنَّمَا بذلت ألفا ليجهزها أَبوهَا بِأَلف آخر من مَاله وَامْتنع الْأَب من ذَلِك فَإِن كَانَ قبل الْبناء خير الزَّوْج فِي تجهيزها بصداقها فَقَط أَو يُفَارق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بعد الْبناء حط عَنهُ مَا زَاده لأجل الجهاز أَي: فَيجب لَهَا صدَاق الْمثل. وَانْظُر مَا للحفار فِي الكراس الْخَامِس من أنكحة المعيار يتَبَيَّن لَك ذَلِك، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يلْزمه ذَلِك وَلَا يحكم عَلَيْهِ بِهِ، وَلَو جرى الْعرف بالتجهيز وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن ذَلِك حَيْثُ لَا عرف بتجهيز الْآبَاء وإلاَّ لزمَه تجهيزها بِمَا جرى الْعرف بِهِ إِن كَانَ التَّنَازُع بعد الْبناء لِأَنَّهُ بِالْعرْفِ صَار كالملتزم للتجهيز إِذْ الْعرف كالشرط قَالَه غير وَاحِد. وَإِلَيْهِ أَشَارَ ناظم الْعَمَل بقوله: وَفِي الشوار عِنْدهم مثلان الخ. أَي عرفهم تجهيز الْبِنْت بمثلي نقدها فَإِذا نقدها الزَّوْج عشْرين مثلا جهزها الْأَب بِأَرْبَعِينَ، عشْرين من نقدها وَعشْرين زِيَادَة من عِنْده، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ غَنِيا وَفَاتَ بِالدُّخُولِ والأخير الزَّوْج كَمَا مرّ وَفِي الْبُرْزُليّ مَا نَصه: فَإِذا أثبت الزَّوْج الْعَادة بِأَنَّهُ لَا بُد بَين هذَيْن الصهرين من جهاز زَائِد على النَّقْد مِمَّا لَهُ خطر وبال، وَأَن النَّاس اعتادوا ذَلِك فَإِنَّهُ يُقَال لأبي الزَّوْجَة: إِمَّا أَن تحَققه بشورة أَمْثَالهَا وإلاَّ حلف الزَّوْج على مَا أَعَادَهُ وَيُخَير بَين فسخ النِّكَاح عَن نَفسه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا طَلْقَة خَاصَّة وَهُوَ أرجح الْأَقْوَال، وَقيل: إِذا حلف حط عَنهُ من الصَدَاق الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا للجهاز الْمُتَعَارف بَينهم وَهُوَ أحسن، وَعَلِيهِ يَأْتِي أَكثر الْمَذْهَب، وَقيل: لَا مقَال للزَّوْج وَهُوَ أضعفها انْتهى بِاخْتِصَار. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي شرح نظم الْعَمَل فِي الْمحل الْمَذْكُور مَا حَاصله: إِن الِالْتِزَام فِي عقد النِّكَاح يكون بِاللَّفْظِ وبالعادة وَالْأول يقْضِي بِهِ قبل الدُّخُول وَبعده فِي حَيَاة الْمُلْتَزم وَبعد مَوته أَو فلسه وَلَا يفْتَقر لحيازة، وَالثَّانِي لَا يلْزم إِلَّا بعد الدُّخُول فِي حَيَاة الْمُلْتَزم، فَإِن مَاتَ بَطل الِالْتِزَام وَاحْتج للْأولِ بنقول تدل دلَالَة وَاضِحَة على أَن مَا انْعَقَد عَلَيْهِ النِّكَاح من صَدَقَة ونحلة يجْرِي مجْرى الْبيُوع فِي الِاسْتِحْقَاق وَسُقُوط الْحِيَازَة وَأَن الْمُلْتَزم يُؤَاخذ بذلك حييّ أَو مَاتَ أَو(1/442)
فلس، وَأَن للزَّوْج أَن يطْلب ذَلِك وَلَو بعد ثَلَاث سِنِين من وَقت الْبناء وَبِغير وكَالَة من الزَّوْجَة لِأَنَّهُ حق لَهُ وَثمن لما أصدقهَا وَاحْتج للثَّانِي بِمَا فِي الالتزامات فِيمَن تزوج بمائتين وَالْعَادَة حَيْثُ أصدقت الْعدَد الْمَذْكُور أَن يجهزها الْأَب بِمِائَة وَخمسين ثمَّ مَاتَ الْأَب قبل الْبناء ثمَّ دخل بهَا زَوجهَا فَقَالَ أَبُو عمرَان: حَيْثُ مَاتَ أَبُو الزَّوْجَة وَرَضي الزَّوْج بِالْبِنَاءِ بهَا فَلَا قيام وَتلْزَمهُ المائتان الخ. قَالَ (ح) عقبه فَعلم مِنْهُ أَن بِمَوْت أبي الزَّوْجَة بَطل الِالْتِزَام وَبَقِي الْخِيَار للزَّوْج فِي أَن يسْتَمر على النِّكَاح الْمَذْكُور أَو يرجع عَنهُ إِلَّا أَن يدْخل بعد علمه بذلك فَيلْزمهُ الصَدَاق وَلَا خِيَار لَهُ اه. قلت: مَا قَالَه أَبُو عمرَان و (ح) صَرِيح فِي أَن موت أبي الزَّوْجَة كَانَ قبل الدُّخُول أما لَو مَاتَ بعده أَو قبله وَقبل أَن يعلم بِمَوْتِهِ فَلَا إِشْكَال فِي أَنه يلْزمه، وَيكون للزَّوْج الْقيام بِهِ لِأَنَّهُ فَاتَ بِالدُّخُولِ على الشَّرْط الَّذِي اقتضته الْعَادة فَيُؤْخَذ ذَلِك من تركته فَقَوْل الشَّارِح الْمَذْكُور: فَإِن مَاتَ بَطل الِالْتِزَام الخ. مَعْنَاهُ مَاتَ قبل الدُّخُول وَدخل بعد الْعلم بِمَوْتِهِ كَمَا مرّ وإلاَّ فَلَا يبطل كَمَا يدل لَهُ الْكَلَام الْمُتَقَدّم، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي بعض الْفَتَاوَى عَن بعض الْمُتَأَخِّرين. الثَّانِي: إِذا مَاتَت الزَّوْجَة فِي الْفَرْض الْمَذْكُور أَي قبل أَن يبتل لَهَا الْأَب شَيْئا فَفِي (خَ) وَلَو طُولِبَ بصداقها لموتها فطالبهم بإبراز جهازها لم يلْزمهُم على الْمَقُول الخ. وَإِذا لم يلْزمهُم ذَلِك على مَا قَالَه الْمَازرِيّ فعلى الزَّوْج صدَاق مثلهَا لِأَن من حجَّته أَن يَقُول إِنَّمَا أَصدقتهَا ذَلِك لما جرى بِهِ الْعرف من التَّجْهِيز كَمَا فِي شرَّاح الْمَتْن، وَهَذَا كُله إِذا لم يكن الْأَب عين لَهَا شَيْئا وَلَا بتله قبل مَوتهَا وإلاَّ فَللزَّوْج مِيرَاثه مِنْهُ كَمَا لِابْنِ رشد فِي أجوبته، وَلَو مَاتَ الزَّوْج فِي الْفَرْض الْمَذْكُور فَلَا يحط عَنهُ مَا زَاده لأجل الجهاز، فَيكون للزَّوْجَة جَمِيع الْمُسَمّى وَلَو طَلقهَا قبل الْبناء فَإِن كَانَ لِامْتِنَاع الْأَب من التَّجْهِيز فَلَا شَيْء عَلَيْهِ كَمَا مر، وَإِن كَانَ لغير ذَلِك فَعَلَيهِ نصف الصَدَاق الَّذِي سَمَّاهُ لِأَن الْفِرَاق جَاءَ من قبله وباختياره وَالله أعلم. فقد علمت حكم مَا إِذا مَاتَ الْأَب أَو الزَّوْجَة أَو الزَّوْج أَو طَلَاقه قبل الْبناء وَالله أعلم. الثَّالِث: للْوَصِيّ وَللْأَب تشوير الْيَتِيمَة بمالها وتباع أُصُولهَا فِي ذَلِك وَأولى غَيرهَا حَيْثُ كَانَ عَلَيْهَا معرة فِي ترك الجهاز على مَا بِهِ الْعَمَل قَالَه فِي المعيار. وَذكره فِي القلشاني، ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِذا شور الْأَب ابْنَته الْبكر وَأَرَادَ حسبتها بِهِ فِي مِيرَاث أمهَا. وَقَالَ الزَّوْج: بل مِيرَاثهَا غير شورتها وَالصَّدَاق يُقَابل الْجَمِيع فَإِن الْأَب لَا يُجَاب إِلَى ذَلِك إِذْ لَيْسَ من النّظر إخْرَاجهَا من أصل إِلَى شورة إِلَّا أَن يكون شَيْئا يَسِيرا فَيحلف أَنه أنْفق ليحاسب فِي الْمِيرَاث من يَوْم وَقع الْمِيرَاث اه. وَهَذَا مُقَابل بِحَسب ظَاهره لما ذكرنَا أَن الْعَمَل عَلَيْهِ من جَوَاز بيع أُصُولهَا للجهاز وَإِنَّمَا يبْقى النّظر هَل للزَّوْج أَن يُفَارق إِذا كَانَ ذَلِك قبل الْبناء كَمَا مرّ لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِنَّمَا دفعت الصَدَاق ليجهزها من مَاله وَهُوَ الظَّاهِر فَتَأَمّله الخ. وَقَوله: فَيحلف أَنه أنْفق الخ وَأَنه إِذا بَطل مَا رامه من الْإِخْرَاج الْمَذْكُور وَأَرَادَ أَن يحاسبها بإنفاقها من يَوْم الْإِرْث فَلهُ ذَلِك بعد الْيَمين. وَقَول (خَ) فطالبهم بإبراز جهازها الخ. انْظُر عكسها فِي دعاوى المعيار فِيمَن توفيت فَطلب ورثتها من الزَّوْج إبراز شورتها وجهازها فَأنْكر أَن يكون عِنْده شَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يلْزمه غير الْيَمين أَنه مَا أَخذ من مَالهَا شَيْئا فِي حَيَاتهَا وَلَا بعد مماتها وَلَا وجد لَهَا شَيْئا(1/443)
سوى مَا أحضرهُ، فالزوج لَو أقرّ أَنه أورد الجهاز بَيت الْبناء لَا يلْزمه غير ذَلِك لاحْتِمَال أَن تكون أتلفته أَو تلف بِغَيْر فعلهَا كَمَا مر لنا التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: بِأَنَّهُ كذبهمْ فِي الأول. وَانْظُر نَوَازِل العلمي فِيمَن شور ابْنَته الْبكر وَأشْهد أَن تِلْكَ الشورة هِيَ حظها مِنْهُ بعد الْمَوْت فَلَا تَرث مِنْهُ شَيْئا أَن لَهَا الْمِيرَاث وتحاسب بالشورة، وَانْظُر الهبات والوصايا من المعيار أَيْضا. وبِسِو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى الصَّداقِ لَيْسَ يُلْزِمُ تَجَهُّزَ الثَّيِّبِ مَنْ يُحَكَّمُ (وبسوى) يتَعَلَّق بيلزم آخر الشّطْر (الصَدَاق) مُضَاف إِلَيْهِ (لَيْسَ) فعل نَاقص جامد واسْمه ضمير الشَّأْن أَو من يحكم آخر الْبَيْت عِنْد من يُجِيز التَّنَازُع بَين متصرف وجامد (يلْزم) كيكرم مضارع ألزم الرباعي (تجهز) بِضَم الْهَاء الْمُشَدّدَة مفعول بِمَا قبله يَلِيهِ (الثّيّب) مُضَاف إِلَيْهِ (من يحكم) بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْكَاف صلَة من والموصول فَاعل يلْزم وَالْجُمْلَة خبر لَيْسَ، وَالْمعْنَى لَيْسَ يلْزم الْحَاكِم تجهيز الثّيّب بِغَيْر الصَدَاق وَلَو كَانَ لَهَا مَال كثير أَو صدَاق أَو نصفه قَبضته من غَيره أَو مِنْهُ بعد أَن أَبَانهَا ثمَّ رَاجعهَا. وَهَذَا فِي الرشيدة، وَأما السفيهة فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْبَيْت قبله لِأَن الْأَب هُوَ الْمُخَاطب بذلك أَو بِعَدَمِهِ، وَظَاهر النّظم: وَلَو جرى الْعرف بالجهاز وَمُقْتَضى مَا تقدم إِلْزَام تجهيزها لِأَن الْعرف كالشرط. فرع: إِذا تزوج امْرَأَة وَادّعى على وَليهَا أَنه شَرط فِي عقد نِكَاحهَا أَن لوليته عرُوضا أَو عطايا سَمَّاهَا وَأنكر الْوَلِيّ ذَلِك وَنكل عَن الْيَمين، فَإِن الزَّوْج يحلف وَترجع إِلَى صدَاق مثلهَا وَيرجع هُوَ فِيمَا زَادَت التَّسْمِيَة على صدَاق الْمثل على وَليهَا وَتَأْخُذ هِيَ الصَدَاق كَامِلا مثل الَّذِي يقر بالعيوب فِي وليته تَأْخُذ جَمِيع الصَدَاق وَيرجع على من غره نَقله الْبُرْزُليّ عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن. وَزَاد بعده: إِن الزَّوْج إِذا ادّعى على الْوَلِيّ نحلة فِي عقد النِّكَاح فنكل الْوَلِيّ عَن الْيَمين أَن الزَّوْج يحلف وَيَأْخُذ تِلْكَ النحلة، وَنقل بعد ذَلِك بِيَسِير مثله عَن ابْن زِيَاد وَابْن الفخار قَائِلا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهَا رفع فِي صَدَاقهَا اه. ثمَّ مَا قَالَه أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن ظَاهر فِي أَن الدَّعَاوَى بعد الْبناء وإلاَّ كَانَ الزَّوْج بِالْخِيَارِ فَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْبكر وَالثَّيِّب بِدَلِيل تشبيهه ذَلِك بِمَسْأَلَة الْعُيُوب فَتَأَمّله. وأشْهَرُ القَوْلَيْنِ أَنْ تَجَهَّزَا لهُ بِكَالِىءٍ لَهَا قَدْ حُوِّزا (وَأشهر الْقَوْلَيْنِ) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (أَن تجهزا) فِي تَأْوِيل مصدر خبر الْمُبْتَدَأ وحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ إِذْ أَصله تتجهز، وَهَذَا على قِرَاءَته بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء مُشَدّدَة، وَيجوز قِرَاءَته(1/444)
بِضَم التَّاء وَكسر الْهَاء أَي إِن تجهز نَفسهَا (لَهُ بكالىء) يتعلقان بِهِ (لَهَا) يتَعَلَّق بقوله: (قد حوزا) وَالْجُمْلَة صفة لكالىء وَمرَاده أَن الكالىء الَّذِي حازته وقبضته قبل الْبناء يقْضِي بالتجهيز بِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة النَّقْد، فَكَمَا أَن لَهَا الِامْتِنَاع من الدُّخُول حَتَّى تقبض النَّقْد فَكَذَا لَهَا الِامْتِنَاع حَتَّى تقبض مَا حل لَهَا من الكالىء كَمَا قَالَ (خَ) وإلاَّ فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده إِلَى تَسْلِيم مَا حل الخ. وَتقدم أَيْضا قَوْله: ولزمها التَّجْهِيز على الْعَادة بِمَا قَبضته إِن سبق الْبناء الخ. وَعَلِيهِ فمتعلق حوز مَحْذُوف أَي حوز لَهَا قبل الْبناء فَإِن لم تحزه حَتَّى دخل وَبنى لم يلْزمهَا التَّجْهِيز بِهِ كَمَا لَا يلْزمهَا أَيْضا إِذا جَاءَ بِهِ قبل الْبناء قبل حُلُوله، وَإِن قضى عَلَيْهَا بقبوله حَيْثُ كَانَ عينا وَلَو التزمت التَّجْهِيز بِمَا قضى عَلَيْهَا فقبوله قبل حُلُوله لزم سلف جر نفعا لِأَنَّهُ قدمه لَهَا لينْتَفع بالتمتع بِهِ، وَمن عجل مَا أحل يعد مسلفاً، وَأما الصَدَاق غير الْعين فَلَا يلْزمهَا قبُوله حَيْثُ لم يحل وَلَا التَّجْهِيز بِهِ مُطلقًا نَقْدا وكالئاً. ابْن عَرَفَة: الْمَشْهُور وجوب تجهيز الْحرَّة بنقدها الْعين. المتيطي: يَشْتَرِي مِنْهُ الآكد فالآكد عرفا من فرش ووسائد وَثيَاب وَطيب وخادم إِن اتَّسع لَهَا، وَمَا أَجله بعد الْبناء فَلَا حق للزَّوْج فِي التَّجْهِيز بِهِ وَمَا أَجله قبل الْبناء فكالنقد اه. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِن الْأَب يدْفع النَّقْد فِي أوكد مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَيْسَ للزَّوْج مَعَه كَلَام وَلَا يبْتَاع لَهَا بِهِ خَادِمًا إِذا لم يكن لَهَا فِيهِ فضل وأوكد مَا يَجْعَل فِيهِ مَا يتوطآنه ويتغطيانه من الْفراش والمرفقة والملحفة واللحاف، فَإِن فضل شَيْء ففراش يجلسان عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك، وَإِن لم يفضل شَيْء فعلى الزَّوْج أَن يبْتَاع مَا يفترشانه ويتوطآنه ويلتحفانه ويرقدان عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك يلْزمه لَهَا، وعَلى الْأَب أَن يُخرجهَا بكسوة بذلتها سَوَاء كساها قبل النِّكَاح أَو بعده فَإِن كَانَت خلقا كَانَ على الزَّوْج أَن يَكْسُوهَا لِأَن كسوتها عَلَيْهِ وَلَيْسَ يلْزمهَا أَن تشتري كسْوَة لبذلتها من جهازها، وَلَيْسَ يلْزم الْأَب لَهَا شَيْئا إِلَّا أَن يحب وَسَوَاء كَانَ من مَالهَا أَو من مَاله وَكَذَا الثّيّب لَا يلْزمهَا أَن تجهز بِغَيْر الصَدَاق اه. قلت: وَمن هَذَا يعلم مَا يكثر عَنهُ السُّؤَال فِي هَذِه الْأَزْمَان فِي الرجل يَشْتَرِي بعد الْبناء لزوجته حَرِيرًا أَو كتاناً لتخمر بِهِ رَأسهَا أَو تكسو بِهِ ظهرهَا فَإِذا طلبته بالكالىء حسب عَلَيْهَا مَا كَانَ اشْتَرَاهُ لَهَا من ذَلِك واعتل بِأَنَّهُ مَدين لَهَا والمدين لَا يتَطَوَّع على رب الدّين. وَالْجَوَاب: أَنه لَا يلْزمهَا شَيْء من ذَلِك وَلَا يعْتد عَلَيْهَا بِهِ إِذْ لَا يلْزمهَا أَن تكسو نَفسهَا بكالئها إِلَّا أَن يبين لَهَا ذَلِك عِنْد الشِّرَاء وترضى بِهِ، بل نَص فِي نَوَازِل الزياتي عَن الونشريسي أَن الزَّوْجَة أَو وَليهَا إِذا طلب الزَّوْج بِالْبِنَاءِ فعسر بِالنَّقْدِ وَضرب لَهُ الْأَجَل وَحكم عَلَيْهِ بإجراء النَّفَقَة وَالْكِسْوَة على أَن الزَّوْج لَا يَكْسُوهَا وَلَا ينْفق عَلَيْهَا فِي خلل الْأَجَل الْمَضْرُوب إِلَّا من مَاله الْخَاص بِهِ لَا من نقد الْمهْر وَلَا من كالئه. تَنْبِيه: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَللزَّوْج أَن يسْأَل الْأَب أَو الْوَصِيّ فِيمَا صرف النَّقْد فِيهِ من الجهاز وعَلى الْوَلِيّ أَن يُفَسر لَهُ ذَلِك وَيحلف إِذا اتهمه فِيهِ (خَ) وَإِنَّمَا يُبرئهُ شِرَاء جهاز تشهد بَيِّنَة بِدَفْعِهِ لَهَا الخ وَالله أعلم.(1/445)
ولِلوَصِيِّ يَنْبَغي ولِلأَبِ تَشْوِيرُها بمالِهَا والثَّيِّبِ (وللوصي) يتَعَلَّق بقوله: (يَنْبَغِي وَللْأَب) مَعْطُوف عَلَيْهِ (تشويرها) فَاعل يَنْبَغِي (بمالها) يتَعَلَّق بتشوير (وَالثَّيِّب) مَعْطُوف على الْأَب أَي يَنْبَغِي وَيسْتَحب لكل من الْوَصِيّ وَالْأَب أَن يشور محجورته بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا بمالها، وَيَنْبَغِي للثيب الرشيدة أَن تشور نَفسهَا بمالها أَيْضا إِن كَانَ لَهَا مَال لما لَهُنَّ فِي ذَلِك من الحظوة عِنْد أَزوَاجهنَّ إِذْ المَال من جملَة الْأَغْرَاض الْمَقْصُودَة فِي النِّكَاح لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك) . وَمحل النّظم إِذا لم يجر عرف بالتشوير وإلاَّ لَزِمَهُم التشوير كَمَا مرّ. تَنْبِيه: إِذا كَانَ لَهَا مَال تَحت يَده لكَونهَا فِي ولَايَته وَادّعى أَنه شورها بِهِ عِنْد بِنَاء زَوجهَا بهَا فَالْقَوْل لَهُ مَا لم يتَبَيَّن كذبه للْعُرْف الْجَارِي بِأَن الْآبَاء يجهزون بأموال أنفسهم، فَكيف بمالهن بِخِلَاف الْوَصِيّ فَلَا يصدق لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْإِشْهَادِ بِنَصّ التَّنْزِيل، وَقيل: لَا فرق بَين الْأَب وَالْوَصِيّ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَنَقله ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْخمسين وَالله أعلم. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الشوار. وزائِدٌ فِي المَهْرِ بَعْدَ العَقْدِ لَا يَسْقُطُ عَمَّا زادَهُ إِن دَخَلاَ (وزائد) مُبْتَدأ سوغه تعلق (فِي الْمهْر بعد العقد) بِهِ (لَا يسْقط) بِفَتْح الْيَاء وَضم الْقَاف فَاعله ضمير الزَّائِد وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (عَمَّا) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ قبله (زَاده) صلَة مَا (إِن دخلا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ. ونِصْفُهُ يَحِقُّ بالطَّلاقِ مِنْ قَبْلِ الابْتِنَاءِ كالصَّدَاقِ (وَنصفه) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (يحِق بِالطَّلَاق) خَبره (من قبل الابتناء) يتَعَلَّق بِالطَّلَاق (كالصداق) خبر لمبتدأ مَحْذُوف. ومَوْتُهُ لِلمَنْعِ مِنْهُ مُقْتَضِ فإنَّهُ كَهِبَةٍ لَمْ تُقَبَضِ (وَمَوته) مُبْتَدأ (للْمَنْع مِنْهُ) يتَعَلَّق بِالْمَنْعِ وَهُوَ يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (مُقْتَض) وَالْفَاء فِي قَوْله (فَإِنَّهُ) للتَّعْلِيل (كَهِبَة) خبر إِن (لم تقبض) صفة لما قبله. وَمَعْنَاهُ أَن كل من تزوج على صدَاق(1/446)
مَعْلُوم، ثمَّ طاع بِزِيَادَة زَادهَا عَلَيْهِ لزوجته فإمَّا أَن يدْخل فتستحق الزَّوْجَة جَمِيعه كَأَنَّهُ مُلْحق بِالصَّدَاقِ، وَإِمَّا أَن يُطلق قبل الْبناء فتستحق نصفه كَمَا تسْتَحقّ نصف الْمُسَمّى، وَإِمَّا أَن يَمُوت أَو يفلس فَلَا تسْتَحقّ مِنْهُ شَيْئا وَإِنَّمَا لَهَا الْمُسَمّى فَقَط وَعلل عدم اسْتِحْقَاقهَا لَهُ فِي الْمَوْت لِأَنَّهُ كَهِبَة لم تجز، وَفهم من قَوْله: لم تقبض الخ. أَنه الْتزم ذَلِك فِي ذمَّته وَلم يَدْفَعهُ وإلاَّ فَهُوَ قَوْله الْآتِي: وكل مَا يُرْسِلهُ الزَّوْج إِلَى زَوجته من الثِّيَاب والحلى الخ. وَقَالَ (خَ) : وتشطر ومزيد بعد العقد وهدية اشْترطت لَهَا أَو لوَلِيّهَا قبله الخ. فَلَو قدم النَّاظِم تِلْكَ الأبيات الْآتِيَة هُنَا لأجاد لِأَنَّهَا مَفْهُوم مَا هُنَا، وَفِي أَوَاخِر أنكحة المعيار مَا نَصه: الزِّيَادَة فِي الذِّمَّة للزَّوْج وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَنْهَا، وللزوجة أَن تَأْخُذهُ بهَا مَا لم يَقع فلس أَو موت فَلَا شَيْء لَهَا لِأَنَّهَا هبة لم تقبض اه. وَفهم من قَوْله: وزائد فِي الْمهْر أَن تِلْكَ الزِّيَادَة زَادهَا للزَّوْجَة لَا للْوَلِيّ وإلاَّ فَهِيَ لَهُ لَا حق فِيهِ للزَّوْجَة وَلَا رُجُوع فِيهِ للزَّوْج لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (أَيّمَا امْرَأَة نكحت على صدَاق أَو حباء أَو عدَّة قبل عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بعد عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لمن أعْطِيه وأحق مَا أكْرم عَلَيْهِ الرجل ابْنَته أَو أُخْته) الخ. والحباء الْعَطاء وحباه حبواً أعطَاهُ، وَفهم من قَوْله: بعد العقد الخ. أَن الْمَزِيد قبله أَو حِينه يشطر مُطلقًا زَاده لَهَا أَو لوَلِيّهَا أَو لغَيْرِهِمَا بِشَرْط أَو بِغَيْرِهِ فَلَا مَفْهُوم لقَوْل (خَ) : اشْترطت وَسَوَاء سَمَّاهُ هَدِيَّة أَو صَدَاقا لَا أَن سَمَّاهُ عَارِية. ابْن عَرَفَة: وَمَا اشْترط من لحم جزور وَنَحْوه لَازم وَهُوَ للزَّوْجَة وَنصفه للزَّوْج إِن طلق قبل الْبناء، وَإِن بنى لزم الْمَرْأَة أَن تصنع بِهِ طَعَاما لِأَنَّهُ عرف النَّاس وَعَلِيهِ يشترطونه، وَهُوَ إِن طلق قبل الْبناء كالمهر ويلزمها فِي العصفر صبغ ثِيَابهَا بِهِ. انْظُر بَقِيَّته وَمَا يهدى عرفا فِي المواسم والأعياد، كَذَلِك على مَا استظهر لِأَن الْعرف كالشرط. وَفهم من قَوْله: بِالطَّلَاق الخ. أَنه لَو فسخ قبل الْبناء لم يشطر بل يخْتَص بِهِ الزَّوْج فَإِن كَانَ دَفعه لَهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذ مَا بَقِي مِنْهُ لم يفت دون مَا ضَاعَ كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: بِالطَّلَاق أَي وَلَو كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ بِعَدَمِ النَّفَقَة قبل الْبناء. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا امْتنع الْوَلِيّ من العقد على وليته حَتَّى يَأْخُذ لنَفسِهِ قدرا مَعْلُوما وَيُسمى عِنْد الْعَامَّة بالمالكة، وَيُسمى بالحباء أَيْضا فَذَلِك عضل لَهَا. وَالْآيَة مصرحة بِالنَّهْي عَنهُ وَمَا أَخذه فَمن جملَة الصَدَاق إِن شَاءَت الْمَرْأَة أَخَذته أَو تركته فَإِن أجازته لوَلِيّهَا ثمَّ طلقت قبل الْبناء فَيرجع الزَّوْج على الْوَلِيّ بِنصفِهِ وَهِي بِنصفِهِ الآخر إِن كَانَت مولى عَلَيْهَا، وإلاَّ فَلَا رُجُوع لَهَا بِنِصْفِهَا، وَسَوَاء كَانَ مَا اشْتَرَطَهُ لنَفسِهِ طَعَاما أَو غَيره ثمَّ مَحل رُجُوعهَا حَيْثُ لم تجزه أَو أجازته وَهِي مولى عَلَيْهَا إِذا لم يكن الْوَلِيّ صرف مَا أَخذه فِي مصَالح الْبِنْت أَو صنع عَلَيْهِ طَعَاما عِنْد الْبناء وإلاَّ فَلَا ترجع عَلَيْهِ بِشَيْء لِأَن ذَلِك الطَّعَام من شَأْنهَا ومصالحها وَيجوز أكل ذَلِك الطَّعَام قَالَه أَبُو الْحسن. وَهَذَا إِذا كَانَ مَا صرفه فِي الْمصَالح يَفِي بِمَا أَخذه وإلاَّ فلهَا الرُّجُوع بِمَا بَقِي كَمَا فِي الْبُرْزُليّ. وَانْظُر لَو ادّعى الْوَلِيّ صرف ذَلِك فِي مصالحها وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قَوْله أَو قَول ورثته لطول الْعَهْد، وَانْظُر أَيْضا لَو لم يثبت أَخذه لشَيْء من ذَلِك وادعته الزَّوْجَة أَو الزَّوْج عَلَيْهِ وَالْعرْف كَمَا(1/447)
فِي الْبَادِيَة أَنه يمْتَنع من العقد حَتَّى يَأْخُذ ذَلِك، وَالظَّاهِر أَنه حِينَئِذٍ يحمل فِي ذَلِك على الْعرف كَمَا مر من تعمير الذِّمَّة بالكالىء الَّذِي جرى عرفه بِهِ على الرَّاجِح من أحد قَوْلَيْنِ تقدما عِنْد قَوْله: وَأجل الكوالىء الْمعينَة الخ. وَقد تقدم أَيْضا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ هُوَ من ترجح قَوْله بمعهود أَو أصل الخ. وَعَلِيهِ فَيلْزمهُ مثل حباء أَمْثَالهَا فَأَقل. الثَّانِي: فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد: أَن النحلة أَي الْهَدِيَّة إِن كَانَت عِنْد الْخطْبَة فَإِن تمّ العقد فَهِيَ للزَّوْجَة وَإِن لم يتم فَللزَّوْج الرُّجُوع بهَا. وَفِي أنكحة المعيار من جَوَاب لمؤلفه أَن للرجل الرُّجُوع بِمَا أنْفق على الْمَرْأَة فِي الْعدة أَو غَيرهَا ليتزوجها وَبِمَا أعطي فِي اختلاعها من الزَّوْج الأول إِذا جَاءَ لتعذر والامتناع من قبلهَا لِأَن الَّذِي أعْطى من أَجله لم يتم لَهُ، وَإِذا كَانَ التَّعَذُّر من قبله فَلَا رُجُوع لَهُ لِأَن التَّمْكِين كالاستيفاء الخ. وَذكر عَن ابْن غَازِي: إِنَّه صحّح جَوَابه الْمَذْكُور، وَقيل لَا رُجُوع لَهُ عَلَيْهَا ذكره (ز) عِنْد قَول الْمَتْن فِي أول النِّكَاح: كفيك رَاغِب والإهداء الخ. قلت: وَمن هَذَا الْمَعْنى مَا مرّ فِي فصل فَاسد النِّكَاح من أَن الْمَرْأَة إِذا غرته بِمُوجب الْفساد كَانَ للزَّوْج الرُّجُوع بِالصَّدَاقِ، وَالظَّاهِر أَن رُجُوعه بِمَا اتّفق من الضروريات فِي عرسه كَذَلِك. وَفِي الْبُرْزُليّ عَن أَحْكَام الشّعبِيّ فِيمَن تزوج امْرَأَة فَأخْرج دِينَارا وَقَالَ: اشْتَروا بِهِ طَعَاما واصنعوه فانفسخ النِّكَاح بعد الشِّرَاء بِهِ فَقَالَ: إِذا جَاءَ الْمَنْع من قبلهم ضمنُوا الدِّينَار وَالطَّعَام لَهُم وَإِن كَانَ من قبل الزَّوْج فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الطَّعَام إِن أدْركهُ. الْبُرْزُليّ: وَهُوَ كأعوان القَاضِي إِن ظهر اللدد من الْمَطْلُوب فالأجرة عَلَيْهِ وإلاَّ فعلى الطَّالِب. وَظَاهر مَا تقدم لِابْنِ رشد أَنه من الزَّوْج مُطلقًا إِن فقد ذَلِك وَتلف اه. وإنْ أتَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; الضَّمانُ بالمَهْرِ عَلَى إطْلاَقِهِ فالْحَمْلُ صَحَّ مُجْمَلا (وَإِن أَتَى) شَرط (الضَّمَان) فَاعل (فِي الْمهْر) يتَعَلَّق بِالضَّمَانِ (على إِطْلَاقه) فِي مَحل نصب حَال من الْمهْر (فالحمل) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (صَحَّ) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (مُجملا) حَال من(1/448)
الضَّمَان أَي: وَإِن زوج الْأَب ابْنه وَذُو الْقدر خديمه أَو صَاحبه وأتى الضَّمَان مِمَّن ذكر فِي الْمهْر فِي عقد النِّكَاح أَو قبله حَال كَون الضَّمَان مُجملا لم يبين كَونه على وَجه الْحمل أَو الْحمالَة وَحَال كَون الْمهْر على إِطْلَاقه عينا أَو عرضا أَو غَيرهمَا فَإِنَّهُ يحمل على الْحمل أَي اللُّزُوم الَّذِي لَا رُجُوع فِيهِ على الزَّوْج بِمَا أَدَّاهُ لِأَنَّهُ خرج مخرج الصِّلَة وَالْهِبَة وَلَا يحمل على الْحمالَة الَّتِي يرجع بِمَا أَدَّاهُ فِيهَا كَسَائِر أَنْوَاع الضَّمَان. وَفِي قَوْله فِي الْمهْر بِمَعْنى عِنْد أَي عِنْد تَقْدِير الْمهْر وَتَقْدِيره يكون عِنْد عقد النِّكَاح غَالِبا، فيفهم مِنْهُ أَن الضَّمَان إِذا كَانَ بعد تَقْدِير الْمهْر أَي بعد العقد لَا يحمل على الْحمل بل على الْحمالَة، وَفهم من قَوْله: فالحمل أَنه إِذا صرح بِالْحملِ لَا رُجُوع لَهُ مُطلقًا كَانَ فِي العقد أَو بعده، وَأَنه إِذا صرح بالحمالة كَانَ لَهُ الرُّجُوع مُطلقًا فَإِن أَتَى بِلَفْظ مُحْتَمل للْحَمْل والحمالة وَغَيره كأتحمل بِكَذَا فَإِن لم يبين مُرَاده لمَوْت وَنَحْوه حمل على الْحمل أَيْضا. انْظُر (ز) عِنْد قَول (خَ) وَلَا رُجُوع لأحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد الخ. ثمَّ إِن الْحمل أَو الضَّمَان الواقعين فِي العقد أَو قبله يلزمان الْحَامِل وَلَو مَاتَ إِلَّا أَن يفْسخ النِّكَاح أَو يُطلق قبل الْبناء فَيلْزمهُ النّصْف وَقد نظم ابْن رحال الْمَسْأَلَة فَقَالَ: أنف رُجُوعا عِنْد حمل مُطلقًا حمالَة بعكس ذَا قد حققا لفظ ضَمَان عِنْد عقد الارتجاع وَبعده حمالَة بِلَا نزاع وكل مَا الْتزم بعد العقد فشرطه الْحَوْز لَدَى من يجدي وَظَاهر النّظم وَلَو كَانَ مُعَلّقا كَقَوْلِه: إِن تزوجت فَأَنا أتحمل لَك بِالْمهْرِ أَو إِن تزوجت فُلَانَة فَأَنا ضَامِن لَك مائَة دِينَار فَإِن فلس أَو مَاتَ الْمُلْتَزم حَاص الْمُلْتَزم لَهُ الْغُرَمَاء بذلك وَمثل النِّكَاح البيع فَإِن قَالَ: بِعْ سلعتك لفُلَان أَو اشْتَرِ سلْعَة كَذَا وَأَنا أحمل عَنْك الثّمن فَإِنَّهُ يجْرِي على مَا مر. انْظُر الالتزامات ثمَّ مَحل النّظم إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْإِبْهَام، وَأما إِن شَرط الرُّجُوع أَو عَدمه فَلَا فرق بَين تِلْكَ الْأَلْفَاظ، وَظَاهره أَنه إِذا صرح بِالْحملِ لَا يقبل مِنْهُ أَنه أَرَادَ الْحمالَة وَلَو كَانَ مثله لَا يفرق بَينهمَا. انْظُر مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنه يقبل، وَانْظُر مَا مرّ فِي بَاب الضَّمَان وَمحله أَيْضا إِذا كَانَ فِي الصِّحَّة لَا فِي الْمَرَض لقَوْل (خَ) وَبَطل إِن ضمن فِي مَرضه عَن وَارِث الخ. وَنِحْلَةٌ لَيْسَ لَها افْتَقارُ إلَى حِيَازِةٍ وذَا الْمُخْتَارُ (ونحلة) مُبْتَدأ وسوغه قصدا لجنس كَقَوْلِهِم: تَمْرَة خير من جَرَادَة وَقد يَأْتِي من غير مسوغ أصلا كَقَوْلِهِم أَنْت فِي الْحجر لَا فِيك (لَيْسَ) فعل نَاقص (لَهَا) خَبَرهَا مقدم (افتقار) اسْمهَا مُؤخر(1/449)
(إِلَى حِيَازَة) يتَعَلَّق بقوله افتقار وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (وَذَا الْمُخْتَار) مُبْتَدأ وَخبر والنحلة هِيَ مَا يُعْطِيهِ وَالِد الزَّوْج لوَلَده فِي عقد نِكَاحه أَو وَالِد الزَّوْجَة فِي عقد نِكَاحهَا قَالَه (م) وَهُوَ حد قَاصِر، بل المُرَاد عَطِيَّة شَيْء معِين انْعَقَد النِّكَاح عَلَيْهَا كَانَت من وَالِد أحد الزَّوْجَيْنِ أَو غَيرهمَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وبقولنا معِين يَتَّضِح الْفرق بَين هَذَا وَبَين الْبَيْت الَّذِي قبله لِأَن حمل الْمهْر نحلة أَيْضا، وعَلى كل حَال لَا يفْتَقر إِلَى حِيَازَة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ لِأَنَّهَا لما انْعَقَد عَلَيْهَا النِّكَاح صَارَت كَالْبيع، وَسَوَاء كَانَت فِي العقد أَو معلقَة عَلَيْهِ كَقَوْلِه: إِن تزوجت فلك جاريتي فَهِيَ لَهُ إِذا تزوج، وَإِذا مَاتَ الْأَب أَخذهَا من رَأس المَال وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين اخْتصَّ بهَا دون الْغُرَمَاء على قَول ابْن الْقَاسِم. وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَن الْمَعْنى أَنه وهب لَهُ الْهِبَة بِالتَّزْوِيجِ قبل أَن يتداين الْأَب قَالَه ابْن رشد. انْظُر الالتزامات. قَالَ ابْن سَلمُون: وَإِن كَانَ المنحول مَالِكًا أَمر نَفسه وَسقط من العقد ذكر الْقبُول لم يضر فَانْظُرْهُ، وَفهم مِمَّا مرّ أَن النحلة إِذا لم ينْعَقد عَلَيْهَا النِّكَاح بل كَانَت قبله أَنه لَا بُد فِيهَا من الْحِيَازَة وَهُوَ كَذَلِك نَص عَلَيْهِ فِي الكراس الْخَامِس من أنكحة المعيار. تَنْبِيهَات. الأول: ظَاهر النّظم أَنَّهَا لَا تفْتَقر لحيازة وَلَو كَانَت مِمَّا يسكنهَا الْأَب، وَالَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن غير وَاحِد من الموثقين أَن النحلة إِن كَانَت مِمَّا يسكنهُ الْأَب فَلَا تتمّ وَلَا تصح إِلَّا بِخُرُوجِهِ وانتقاله عَنْهَا بِنَفسِهِ وَثقله كَانَت المنحولة بكرا أَو ثَيِّبًا رَشِيدَة أَو سَفِيهَة صَغِيرَة أَو كَبِيرَة. قَالَ: وَإِن كَانَت بِذَهَب أَو فضَّة أَو طَعَام أَو غير ذَلِك فَهِيَ لَازِمَة فِي ذمَّة الناحل وَيُؤْخَذ بهَا فِي حَيَاته وَمَوته اه. فَظَاهره أَن هَذَا تَقْيِيد لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الافتقار إِلَى الْحِيَازَة لِأَنَّهُ ذكر ذَلِك بعد أَن قرر أَن الْعَمَل على عدم الافتقار إِلَيْهَا فَتَأَمّله. وَلَا شُفْعَة فِي هَذِه النحلة على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَسَيَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْمَنْع فِي التَّبَرُّعَات مفترض الخ. فَهِيَ وَإِن كَانَت جَارِيَة مجْرى البيع فِي عدم افتقارها للحيازة لَكِن أَعْطَيْت حكم الْهِبَة فِي بَاب الشُّفْعَة. الثَّانِي: سُئِلَ ابْن رشد والسائل لَهُ عِيَاض عَمَّن نحلت ابْنَتهَا وَلما طولبت بميراث الْبِنْت من أَبِيهَا؟ قَالَت: هُوَ مَا أخذت فِي النحلة فَهَل تعذر بِالْجَهْلِ وَنزلت فَلم يعذرها بعض الشُّيُوخ وَأفْتى بإلزامها الْمَالَيْنِ. قَالَ المتيطي: وشاركني فِيهَا القَاضِي ابْن مَنْظُور، وَكَانَ هُوَ الْحَاكِم فِيهَا فملت إِلَى عذرها لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ النحلة وَمَال القَاضِي يَعْنِي ابْن مَنْظُور إِلَى ذَلِك فرأيته أَحْلف الْمَرْأَة أَنَّهَا مَا أَرَادَت بالنحلة إِلَّا مِيرَاثهَا وَنزلت عِنْدِي فَأَرَدْت رَأْيك فِيهَا. فَأَجَابَهُ مَا حكم بِهِ القَاضِي بإشارتك صَحِيح عِنْدِي، وَبِه أَقُول فانفذ ذَلِك من حكمه فِيهَا موفقاً معاناً اه بِاخْتِصَار. فَقَوله: مَا حكم بِهِ القَاضِي أَي من أَنَّهَا تعذر وَتصدق مَعَ يَمِينهَا لِأَن الْعرف شَاهد لَهَا، وَإِن خَالَفت دَعْوَاهَا اللُّغَة. الْبُرْزُليّ: الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يجْرِي على مُعَارضَة الْعرف لدَلِيل اللُّغَة، وَالْمَشْهُور تَقْدِيم الْعرف وَنَقله ابْن سَلمُون أَيْضا.(1/450)
الثَّالِث: سُئِلَ ابْن رشد أَيْضا عَمَّن نحل ابْنَته ثلث مستغل أملاكه أَيْنَمَا كَانَت فِي عقد النِّكَاح، واستغل ذَلِك المنحول مُدَّة من عشرَة أَعْوَام فَلَمَّا توفّي الناحل قَامَ ورثته وَقَالُوا: إِنَّمَا أَرَادَ الناحل مُدَّة حَيَاته؟ فَأجَاب: الَّذِي أَقُول بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن لَهَا ثلث استغلال جَمِيع الْأَمْلَاك مَا بقيت فِي حَيَاته ولورثته بعد وَفَاته قِيَاسا على مَسْأَلَة من وهب خدمَة عَبده لرجل وَلم يقل حَيَاة المخدم وَلَا حَيَاة العَبْد أَن للمخدم خدمَة مَا بَقِي إِلَّا أَن يدل دَلِيل أَنه أَرَادَ حَيَاة المخدم بِالْفَتْح. نقل ذَلِك الْبُرْزُليّ وَهُوَ فِي الزياتي بأبسط من هَذَا. الرَّابِع: مَا مر فِي النحلة الْمُعَلقَة على التَّزْوِيج أَنَّهَا تكون للمنحول ويحاص بهَا إِن كَانَت مُعينَة، مَعْنَاهُ إِن مَاتَ الناحل بعد التَّزَوُّج لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ والفلس انْتقل الْحق للْغَيْر، فَفِي منتخب الْأَحْكَام سمع عَليّ بن زِيَاد عَن مَالك فِي رجل أنكح أَوْلَادًا لَهُ وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُم من مَاله فِي إنكاحه شَيْئا مَعْلُوما، وَأشْهد أَن لمن بَقِي من أَوْلَاده الصغار مِمَّا لم ينْكح فِي مَاله مثل مَا أعْطى من أنكح مِنْهُم ثمَّ مَاتَ الْأَب على ذَلِك فَقَالَ: إِن أبرز لَهُم شَيْئا من مَاله وَأشْهد عَلَيْهِ جَازَ وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهُم اه. وَنَقله فِي الْمُفِيد وَفِي المعيار من جَوَاب لمؤلفه أَن من نقد صَدَاقا عَن وَلَده وَأعْطى لمن لم يتَزَوَّج شَيْئا فِي مُقَابلَة مَا أعْطى لغيره أَن ذَلِك وَصِيَّة لوَارث إِن كَانَ فِي الْمَرَض اه. فَظَاهر الْمُنْتَخب أَنه إِن لم يبرز شَيْئا لَا شَيْء لَهُم، وَإِن علق ذَلِك على تزويجهم كَقَوْلِه: إِن تزوجوا فَلهم من الدَّنَانِير كَذَا وَهَذَا غير مُخَالف لما مرّ فِي الْبَيْت قبله من أَنه إِذا قَالَ: إِن تزوجت فلك مائَة دِينَار لِأَن ذَلِك فِيمَا إِذا مَاتَ أَو فلس بعد التَّزَوُّج وَمَا هُنَا فِيمَا إِذا حصل الْمَوْت أَو الْفلس قبله لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ أَو الْفلس انْتقل الْحق للْغَيْر، فَلم يَقع الْمُعَلق عَلَيْهِ حَتَّى انْتقل الْحق وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الالتزامات فِي الرجل يَقُول لِابْنِهِ: أصلح نَفسك وَتعلم الْقُرْآن وَلَك قريبتي فُلَانَة فيصلح نَفسه ويتعلم الْقُرْآن ثمَّ يَمُوت أَبوهُ. قَالَ: لَا شَيْء لَهُ إِلَّا إِذا أشهد قوما وَأَنه إِن أصلح نَفسه أَو تعلم الْقُرْآن فَلهُ قريبتي أَو عَبدِي فَإِن ذَلِك لَهُ إِذا كَانَ الْوَلَد صَغِيرا فِي ولَايَة أَبِيه، وَيكون ذَلِك حوزاً لَهُ أما إِذا لم يشْهد فَيمكن أَن يكون قَالَ لَهُ ذَلِك على وَجه التحريض اه. فالموت فِي هَذِه بعد وجود الْمُعَلق عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْإِصْلَاح والتعلم فَانْظُر ذَلِك. تَنْبِيه: وجدت فِي بعض التقاييد أَن عَطِيَّة الْأَب لوَلَده عِنْد ختم الْقُرْآن أَو ختانه لَا تفْتَقر لحيازة قَالَه الشّعبِيّ فقف عَلَيْهِ اه. قلت: وَهُوَ غير ظَاهر لِأَن النحلة لما انْعَقَد النِّكَاح عَلَيْهَا فَهِيَ مُعَاوضَة وَلَا كَذَلِك الْخَتْم والختان الْمَذْكُورَان، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مَعْنَاهُ مَا مرّ من أَنه قَالَ لَهُ: إِن ختمت الْقُرْآن، أَو يُقَال إِنَّه جعل ذَلِك لمعلمه الَّذِي يقْرَأ عَلَيْهِ فَهِيَ حِينَئِذٍ مُعَاوضَة فَتَأَمّله. وينْفُذُ المَنْحُولُ للصَّغير مَعْ أخيهِ فِي المُشَاعِ إِن موتٌ وَقَعْ (وَينفذ) بِفَتْح الْيَاء وَضم الْفَاء مَبْنِيا للْفَاعِل وَيصِح بِنَاؤُه للْمَفْعُول (المنحول) فَاعله أَو نَائِبه (للصَّغِير) يتَعَلَّق بِهِ (مَعَ أَخِيه) كَذَلِك وَهُوَ بِسُكُون الْعين (فِي الْمشَاع) فِي مَحل نصب على الْحَال(1/451)
من المنحول (إِن) شَرط (موت) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (وَقع) وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن المنحول للكبير وَالصَّغِير شركَة بَينهمَا فِي عقد نِكَاح الْكَبِير نَافِذ جَمِيعه للصَّغِير وَالْكَبِير إِذا مَاتَ الناحل أَبَا كَانَ أَو غَيره وَلَا تبطل حِصَّة الصَّغِير بِعَدَمِ الْحِيَازَة لِأَن النِّكَاح لما انْعَقَد على بعض النحلة كَانَ كالحيازة لجميعها كمن تصدق على كَبِير وصغير أَي: وَحَازَ الْكَبِير كَمَا يَأْتِي فعقد نِكَاح الْكَبِير على بعض المنحول كحيازة الْكَبِير للْجَمِيع قَالَه المشاور. وَتَبعهُ النَّاظِم، وَقيل: تبطل حِصَّة الصَّغِير إِن مَاتَ الناحل قبل حِيَازَة الْكَبِير للْجَمِيع لِأَن حِصَّة الصَّغِير مَحْض هبة وَشَمل قَوْله الشياع مَا إِذا أنحلهما جَمِيع دَاره مثلا وَمَا إِذا أنحلهما نصفهَا وَأبقى النّصْف الآخر بِيَدِهِ. فرع: لَو اعْترف وَالِد الزَّوْجَة أَن لَهَا أملاكاً وسماها فِي عقد صَدَاقهَا فَمَا اعْترف بِهِ نَافِذ للْبِنْت مُؤَكد لحكم الْهِبَة إِن كَانَت سلفت لَهَا ومسقط لحكم الْحِيَازَة فِيهَا لتَعلق حق الزَّوْج بالاعتراف الْمَذْكُور وَبِنَاء عقده عَلَيْهِ، فَإِن أمسك الْوَالِد شَيْئا من تِلْكَ الْأَمْلَاك بعد بِنَاء الزَّوْج بهَا وَبقيت بِيَدِهِ ينْتَفع بهَا إِلَى أَن قَامَت فِي الْحَيَاة أَو بعد الْمَمَات حلف يَمِين الْقَضَاء أَنَّهَا لم تتْرك لوالدها ذَلِك حسبَة وَلَا صلَة من لدن ملكهَا أمرهَا إِلَى الْآن وَأَنَّهَا على طلبَهَا لذَلِك، وَأخذت ذَلِك الاستغلال مِنْهُ أَو من تركته. نَقله الشَّارِح عَن ابْن لب، وَنقل ذَلِك ابْن سَلمُون بأبسط من هَذَا فَانْظُرْهُ وَلَا بُد. ومَعْ طَلاَقٍ قَبْلَ الابْتِنَاءِ تَثْبُتُ والفَسْخُ مَعْ البِنَاءِ (وَمَعَ طَلَاق) يتَعَلَّق بقوله يثبت (قبل الابتناء) فِي مَوضِع الصّفة لطلاق أَو يتَعَلَّق ب (يثبت) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير المنحول (وَالْفَسْخ) بِالْجَرِّ مَعْطُوف على طَلَاق أَي وَمَعَ الْفَسْخ (مَعَ الْبناء) حَال من الْفَسْخ. والْخُلْفُ فِيها مَعْ وُقُوعِ الفَسْخِ فِي تَنَاكُحِ قَبْلَ البِنَاءِ فَاعْرِفِ (وَالْخلف) مُبْتَدأ (فِيهَا) خبر وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي فِي ثُبُوتهَا وضميره للنحلة (مَعَ وُقُوع الْفَسْخ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (فِي تناكح) يتَعَلَّق بِالْفَسْخِ (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بِالْفَسْخِ(1/452)
أَيْضا أَو حَال مِنْهُ (فاعرف) أَمر من عرف مَفْعُوله مَحْذُوف أَي ذَلِك الحكم الْمَذْكُور. وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح إِذا وَقع على نحلة فَطلق الزَّوْج قبل الْبناء أَو فسخ بعده فَإِن النحلة ثَابِتَة للمنحول وَإِن كَانَ الْفَسْخ قبل الْبناء فَقَوْلَانِ، قيل للناحل وَقيل للمنحول، وَبِه الْعَمَل. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِن أنحل ذَلِك النِّكَاح الَّذِي فِيهِ النحلة بِطَلَاق أَو غَيره كموت الزَّوْج أَو فسخ لفساد عقده أَو صداقه فالنحلة ثَابِتَة للْبِنْت لِأَن ذَلِك حق وَجب لَهَا، وَكَذَلِكَ إِن مَاتَت الْبِنْت فَللزَّوْج مِيرَاثه فِي النحلة. وَقَالَهُ الشَّيْخَانِ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو عمرَان، وَبِه الْقَضَاء والفتيا. وَقَالَ غَيرهمَا: إِذا انْفَسَخ النِّكَاح قبل الْبناء رجعت النحلة للْأَب كَالَّذي تحمل الصَدَاق عَن ابْنه الْكَبِير، ثمَّ يُطلق قبل البناءان نصف الصَدَاق يرجع إِلَى الْأَب اه. وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك ناظم الْعَمَل الْمُطلق بقوله: وَهِي لمن نحلهَا وَإِن عرض طَلَاق أَو فسخ وَمَوْت من مرض قَوْله: نحلهَا يقْرَأ بِضَم النُّون وَكسر الْحَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول. فرع: قَالَ فِي الميتطية أَيْضا: إِن اسْتحقَّت النحلة أَو بَعْضهَا قبل الْبناء خير الزَّوْج فَإِن شَاءَ دخل وَلَا يُخَفف عَنهُ شَيْء من الصَدَاق أَو فَارق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ دخل بهَا فَاخْتلف فَقيل لَا قيام لَهُ فِي ذَلِك للناكح، وَقيل للْمَرْأَة صدَاق مثلهَا على قدر مَا بَقِي فِي يَدهَا من مَالهَا أَو من النحلة. ابْن الْهِنْدِيّ: وَبِهَذَا جرى الْعَمَل اه. وَبِه أفتى ابْن هِلَال فِيمَن رفع صدَاق زَوجته المنحولة خَادِمًا فَلم تثبت النحلة كَمَا فِي الْعَمَل الْمُطلق. زَاد فِي الْمُتَيْطِيَّة إِثْر مَا مر مَا نَصه فَإِن قَالَ الْأَب: لابنتي كَذَا وَلم يقل إِنَّه نحلهَا ذَلِك فَلم يلف ذَلِك لم يلْزم الْأَب شَيْئا وَهِي كذبة كذبهَا كَمَا لَو قَالَ عَن ابْنَته إِنَّهَا بَيْضَاء جميلَة فَوَجَدَهَا سَوْدَاء وَلَا يُخَفف عَن الزَّوْج لِأَنَّهُ لَو شَاءَ بحث عَنْهَا اه. قلت: هَذَا لَا يُعَارض مَا مرّ عَن ابْن لب قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كَمَا لَا يخفى وَلَا مَا قبله يَلِيهِ من أَن من رفع الصَدَاق لزوجته المنحولة خَادِمًا الخ. لِأَن معنى قَوْله: لم تثبت النحلة أَي اسْتحقَّت وَنَحْو ذَلِك لَا أَنَّهَا لم تُوجد النحلة وَالله أعلم.
(فصل (فِي تداعي الزَّوْجَيْنِ) وَقَوله: (وَمَا يلْحق بِهِ))
الصَّوَاب إِسْقَاطه لِأَن المُرَاد أَحْكَام تداعي الزَّوْجَيْنِ وَلم يذكر غير ذَلِك قَالَه (ت) . وَاعْلَم أَن تداعي الزَّوْجَيْنِ إِمَّا فِي أصل الزَّوْجِيَّة وَلم يذكرهُ النَّاظِم وَأَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: إِن تنَازعا فِي الزَّوْجِيَّة تثبت بِبَيِّنَة وَلَو بِالسَّمَاعِ بالدف وَالدُّخَان وإلاَّ فَلَا يَمِين الخ وَأما فِي قدر الْمهْر أَو صفته أَو(1/453)
نَوعه فَأَشَارَ إِلَى الآخرين بقوله الْآتِي: وَالنَّوْع وَالْوَصْف إِذا مَا اخْتلفَا الخ. وَإِلَى الأول أَشَارَ بقوله: الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ مَهْمَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَهْرٍ والنِّكاحُ عُرِفَا (الزَّوْج وَالزَّوْجَة) مُبْتَدأ ومعطوف (مهما) اسْم شَرط (اخْتلفَا) فعله (فِي قدر مهر) يتَعَلَّق بِهِ (وَالنِّكَاح عرفا) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل اخْتلفَا، وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف أَي فَفِي ذَلِك تَفْصِيل، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَزَاء خبر الْمُبْتَدَأ. فَإنْ يَكُنْ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ مِنْ قَبْلِ البِنَا فالقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ قَدْ تَعَيَّنَا (فَإِن) شَرط (يكن) فعله (ذَلِك) اسْم يكن (من قبل الْبَنَّا) ء خَبَرهَا (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (قد تعينا) وألفه للإطلاق. مَعَ اليَمِينِ إنْ تَكُنْ لَمْ تُحْجَرِ وعَاقِدٌ يَحْجُرُهَا بِها حَرِي (مَعَ الْيَمين) حَال من ضمير تعين (أَن تكن) شَرط واسْمه ضمير الزَّوْجَة (لم تحجر) خَبره (وعاقد) مُبْتَدأ سوغه الْعَمَل أَي عَاقد عَلَيْهَا (لحجرها) اللَّام للتَّعْلِيل تتَعَلَّق بعاقد (بهَا) يتَعَلَّق بقوله (حري) الَّذِي هُوَ خبر عَن عَاقد أَي حقيق بِتِلْكَ الْيَمين. وبَعْدَ ذَا يَحْلِفُ زَوْجٌ أَنْكرَا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهَا مُخيَّرَا (وَبعد ذَا) يتَعَلَّق بقوله: (يحلف زوج) فَاعل (أنكرا) صفة لَهُ (ثمَّ) عاطفة وَجُمْلَة (يكون بعْدهَا مُخَيّرا) معطوفة على جملَة يحلف. فِي دَفْعِ مَا كانَ عَلَيْهِ القَسَمُ أوِ الفُرَاقِ دُونَ شَيْءٍ يَلْزَمُ(1/454)
(فِي دفع) يتَعَلَّق بقوله مُخَيّرا (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (كَانَ) صلته (عَلَيْهِ) خَبَرهَا مقدم (الْقسم) اسْمهَا مُؤخر (أَو الْفِرَاق) بِالْجَرِّ مَعْطُوف على دفع (دون شَيْء) فِي مَحل الْحَال من الْفِرَاق (يلْزم) صفة لشَيْء. وإنْ تَرَاضَيا عَلَى النِّكاحِ فَفِي الأصَحِّ الرَّفْعُ لِلْجُنَاحِ (وَإِن تَرَاضيا) شَرط وَفعله (على النِّكَاح) يتَعَلَّق بِهِ (فَفِي الْأَصَح) الْفَاء جَوَاب الشَّرْط وَفِي الجارة مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله (الرّفْع للجناح) يتَعَلَّق بِالرَّفْع والجناح بِضَم الْجِيم الْإِثْم قَالَه فِي الْقَامُوس. وَفِي انْفِسَاخٍ حَيْثُ يُفْقَدُ الرِّضَا بِطَلْقَةٍ واحِدَةٍ جَرَى القَضَا (وَفِي انْفِسَاخ) يتَعَلَّق بجرى الْقَضَاء آخر الْبَيْت وَكَذَا قَوْله: (حَيْثُ) وَجُمْلَة (يفقد الرِّضَا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بِطَلْقَة) يتَعَلَّق بجرى الْقَضَاء أَيْضا (وَاحِدَة) صفة لطلقة (جرى القضا) ء فعل وفاعل، وَالتَّقْدِير جرى الْقَضَاء بِطَلْقَة وَاحِدَة فِي انْفِسَاخ النِّكَاح حَيْثُ يفقد الرِّضَا. وتأْخُذُ الزَّوْجَةُ مَعْ نُكُولِهِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَلْفُ فِي حُلُولِهِ (وَتَأْخُذ الزَّوْجَة) فعل وفاعل (مَعَ نُكُوله) يتَعَلَّق بتأخذ (مَا) مفعول بتأخذ (يَقْتَضِيهِ الْحلف) جملَة من فعل وفاعل صلَة وَالْحلف بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام مصدر حلف إِذا أقسم وَيَأْتِي مصدره على فعل بِكَسْر الْعين (فِي حُلُوله) يتَعَلَّق بيقتضيه وضميره للحلف وَهُوَ مصدر حل إِذا نزل وَوَقع أَي: تَأْخُذ مَعَ نُكُوله مَا يَقْتَضِيهِ الْحلف عِنْد نُزُوله ووقوعه.(1/455)
والحُكْم فِي نُكُولِ كُلَ مِنْهُمَا بِما بِهِ بَعْدَ اليَمِينِ حُكِمَا (وَالْحكم) مُبْتَدأ (فِي نُكُول كل) يتَعَلَّق بِهِ (مِنْهُمَا) صفة لكل (بِمَا) خبر الْمُبْتَدَأ (بِهِ بعد الْيَمين) يتعلقان بقوله (حكما) وَالْجُمْلَة صلَة مَا. وقيلَ بَلْ نُكُولُهُ مُصَدِّقُ لِما ادَّعَتْهُ زَوْجَةٌ مُحَقِّقُ (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائبه ضمير القَوْل كَقَوْلِه تَعَالَى: وحيل بَينهم} (سبأ: 54) (بل) للإضراب (نُكُوله) مُبْتَدأ (مُصدق) خَبره (لما) يتَعَلَّق بمحقق آخر الْبَيْت (ادَّعَتْهُ زَوْجَة) فعل وفاعل صلَة مَا (مُحَقّق) بِكَسْر الْقَاف الْمُشَدّدَة خبر ثَان عَن نُكُوله. وَحَاصِل معنى هَذِه الأبيات الْعشْر أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْمهْر وَالنِّكَاح مَعْرُوف بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار من يَصح إِقْرَاره من مجبر أَو غَيره أَي مَعَ وجود تَوْكِيل ذَلِك الْغَيْر على ذَلِك النِّكَاح، فَإِن كَانَ اخْتِلَافهمَا قبل الْبناء بِأَن قَالَ هُوَ مائَة، وَقَالَت بل مِائَتَان فَالْقَوْل للزَّوْجَة بِيَمِينِهَا إِن كَانَت مالكة أَمر نَفسهَا وَإِن كَانَت محجورة فاليمين على الْعَاقِد عَلَيْهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تولى العقد والمعاملة، وَقد فرط بِعَدَمِ الْإِشْهَاد فَإِن نكل غرم للْمَرْأَة الزَّائِد على مَا قَالَ الزَّوْج، وَظَاهره أَن القَوْل لَهَا قبل الْبناء وَلَو بعد الطَّلَاق أَو الْمَوْت وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلذَا أصلح وَلَده الشّطْر الأول من الْبَيْت الثَّانِي بقوله: إِن كَانَ ذَا قبل الْفِرَاق والبنا. ثمَّ إِذا حَلَفت الرشيدة أَو العاقدة على المحجورة على الْمِائَتَيْنِ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور حلف الزَّوْج الْمُنكر لدعواها أَنه إِنَّمَا تزوج بِمِائَة ثمَّ يكون مُخَيّرا بعد يَمِينه فِي دفع مَا حَلَفت عَلَيْهِ أَو حاجرها وَهُوَ المائتان أَو يُطلق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَظَاهر النّظم أَو صَرِيحه أَنه إِنَّمَا يُخَيّر بعد يَمِينه، وَهَذَا مَذْهَب ابْن حبيب وَالَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمُعْتَمد أَنه يُخَيّر إِذا حَلَفت الزَّوْجَة بَين أَن يدْفع مَا قَالَت فَلَا يَمِين عَلَيْهِ أَو يحلف وَيفْسخ النِّكَاح، بل ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَنه يخبر قبل حلف الزَّوْجَة لَكِن بَين إتْمَام مَا ادَّعَت أَو تحالفهما وَالْفَسْخ، وَلذَا قَالَ وَلَده: اعْلَم أَن الشَّيْخ رَحمَه الله لم ينقح هَذِه الأبيات كل التَّنْقِيح وَقد كَانَ إصلاحها سهلاً على مَا يظْهر مَعَ زِيَادَة بَيت وَاحِد يشْتَمل على مَفْهُوم قَوْله قبل الْفِرَاق وَالْبناء على مَا مر من الْإِصْلَاح فَيَقُول مثلا مَكَان الْبَيْت الرَّابِع: ثمَّ يكون زَوجهَا مُخَيّرا فِي دَفعه الْمهْر الَّذِي قد أنكرا أَو الْيَمين وَإِذا مَا يقسم كَانَ الْفِرَاق دون شَيْء يلْزم ثمَّ يزِيد بَيْتا يكون نَصه: أَو كَانَ بعد مَوتهَا أَو فرقته فَالْقَوْل قَول الزَّوْج دون زَوجته(1/456)
ثمَّ يَقُول: وَإِن تَرَاضيا الخ. لَكِن ذَلِك الَّذِي زَاده الشَّارِح هُوَ قَول المُصَنّف الْآتِي: وَالْقَوْل قَول الزَّوْج فِيمَا عينا الخ. فَوجه تورك وَلَده عَلَيْهِ أَنه أسقط مِنْهُ الْفِرَاق كَمَا أسْقطه هَهُنَا. وَقَول النَّاظِم: فَالْقَوْل للزَّوْجَة الخ. يَعْنِي تبدأ بِالْيَمِينِ بِدَلِيل قَوْله: وَبعد ذَا يحلف زوج أنكرا الخ. وَلَيْسَ مُرَاده أَن الزَّوْجَة تسْتَحقّ مَا ادَّعَت بِمُجَرَّد يَمِينهَا كَمَا قد يتَبَادَر فَلَا مُخَالفَة بَين كَلَامه وَبَين كَلَام (خَ) وَغَيره، ثمَّ إِذا حلفا مَعًا على مَا لِابْنِ حبيب أَو على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة ثمَّ تَرَاضيا على الْبَقَاء بِأَن رَجَعَ أَحدهمَا لقَوْل الآخر بعد حلفهما وَقبل الحكم بفسخه فَلَهُمَا ذَلِك بِنَاء على أَن النِّكَاح لَا يَنْفَسِخ بِتمَام التَّحَالُف وَهُوَ الْمُعْتَمد خلافًا لسَحْنُون فِي أَنه يَنْفَسِخ بِتمَام التَّحَالُف كاللعان، وَعَلِيهِ فَلَا يَصح تراضيهما إِلَّا بِعقد جَدِيد وَهُوَ مُقَابل الْأَصَح فِي النّظم وَإِن لم يتراضيا بعد حلفهما على بَقَاء النِّكَاح وَلَا يرجع أَحدهمَا لقَوْل الآخر، فَالَّذِي جرى بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل أَنه يفْسخ بِطَلْقَة وَاحِدَة فَإِن نكلت الزَّوْجَة وَهِي رَشِيدَة لَزِمَهَا النِّكَاح وَتقدم مَا إِذا نكل حاجرها، وَأما إِن نكل الزَّوْج بعد يَمِينهَا فَهُوَ قَوْله: وَتَأْخُذ الزَّوْجَة الخ، أَي إِن حَلَفت الزَّوْجَة أَو حاجرها أَو نكل الزَّوْج أخذت مَا يَقْتَضِيهِ حَلفهَا وَهُوَ المائتان فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَإِن نكلا مَعًا وَلم يرجع أَحدهمَا لقَوْل الآخر فالفسخ بِطَلْقَة على الْأَصَح إِن حكم الْحَاكِم بِهِ وَهُوَ معنى قَوْله: بِمَا بِهِ بعد الْيَمين حكما. وَمُقَابل الْأَصَح أَن نُكُوله مُصدق مُحَقّق لما ادَّعَتْهُ وَهُوَ معنى قَوْله: وَقيل الخ. وَإِنَّمَا لم يكن النّكُول هُنَا تَصْدِيقًا للناكل الأول على الْأَصَح لِأَن الْيَمين تَوَجَّهت عَلَيْهِمَا مَعًا ابْتِدَاء وبدأت الزَّوْجَة لِأَنَّهَا بائعة، وَإِنَّمَا يكون النّكُول تَصْدِيقًا للْأولِ إِذا تَوَجَّهت على أَحدهمَا هَذَا هُوَ الظَّاهِر فَتَأَمّله. وَقَوْلِي فِي أصل التَّقْرِير: بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار الخ. أما الْإِقْرَار فَظَاهر، وَأما الْبَيِّنَة فَكَذَلِك أَيْضا لِأَنَّهَا قد تشهد بِالنِّكَاحِ دون قدر الْمهْر إِمَّا لنسيانها إِيَّاه أَو لعدم تعرض المتناكحين لَهُ، وَقد تقدم عِنْد قَوْله: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا الخ. أَن الشَّهَادَة لَا تسْقط بِعَدَمِ تعرضها للمهر فِي النِّكَاح أَو للثّمن فِي البيع على الرَّاجِح، ثمَّ إِن مَحل مَا مر إِذا أشبهت دعواهما أَو لم يشبه وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن انْفَرد أَحدهمَا بالشبه هُوَ قَوْله. وحَيْثُما ادُّعِي مَا قَدْ يُنْكَرُ تَردُّدُ الإمامِ فِيهِ يُؤْثَرُ (وحيثما) اسْم شَرط (ادعِي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (مَا) نَائِب (قد يُنكر) صلته (تردد) مُبْتَدأ (الإِمَام) مُضَاف إِلَيْهِ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (يُؤثر) وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب الشَّرْط وحذفت الْفَاء مِنْهُ على حد قَوْله: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها. فَقَالَ يَحْلِفَانِ والنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا الفَسْخُ لَهُ يُتَاحُ (فَقَالَ) فَاعله ضمير يعود على الإِمَام (يحلفان) فعل وفاعل (وَالنِّكَاح) مُبْتَدأ (بَينهمَا) يتَعَلَّق بالمبتدأ الثَّانِي الَّذِي هُوَ (الْفَسْخ) وَقَوله (لَهُ) يتَعَلَّق بِخَبَر الثَّانِي الَّذِي هُوَ (يتاح) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق بعد الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت، وَمَعْنَاهُ يقْضِي. وَفِي بعض النّسخ يُبَاح بِالْبَاء الْمُوَحدَة بعد الْيَاء، وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، والجملتان من يحلفان وَمَا بعده محكيتان بالْقَوْل:(1/457)
وَجَعَلَ القَوْلَ لِمَنْ جاءَ بِما يُشْبِهُ وارْتَضاهُ بَعْضُ العُلَمَا (وَجعل) مَعْطُوف على قَالَ وضميره للْإِمَام أَيْضا (القَوْل) مفعول أول (لمن) مفعول ثَان بِجعْل (جَاءَ) صلَة من وفاعله ضمير هُوَ الرابط (بِمَا يشبه) يتَعَلَّق بجاء (وارتضاه بعض العلما) ء فعل وفاعل ومضاف إِلَيْهِ، والجملتان من قَالَ: وَجعل الخ. تَفْصِيل لقَوْله: تردد فهما كبدل مفصل من مُجمل. وَالْمعْنَى أَن أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا ادّعى مَا يشبه من الصَدَاق قلَّة وَكَثْرَة، وَادّعى الآخر مَا لَا يشبه فَإِن الإِمَام مَالِكًا رَحمَه الله تردد قَوْله فِي ذَلِك فَقَالَ مرّة: يَتَحَالَفَانِ وَيفْسخ النِّكَاح بَينهمَا وتبدأ الْمَرْأَة بِالْيَمِينِ على نَحْو مَا مرّ فِيمَا إِذا أشبها مَعًا أَو لم يشبها مَعًا. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: القَوْل قَول من ادّعى الْأَشْبَه وارتضاه بعض الْعلمَاء وَهُوَ اللَّخْمِيّ قَائِلا هُوَ الصَّوَاب لِأَن ذَلِك دَلِيل كالشاهد يحلف مَعَه من قَامَ لَهُ ذَلِك الدَّلِيل كَسَائِر أَبْوَاب الْفِقْه، وَاعْتمد تَرْجِيح اللَّخْمِيّ غير وَاحِد، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ اخْتِلَافهمَا فِي النَّوْع أَو الْوَصْف فَقَالَ: والنَّوْعُ والْوَصْفُ إذَا مَا اخْتَلَفَا فِيهِ للاخْتِلاَفِ فِي القَدْرِ اقْتَفى (وَالنَّوْع) مُبْتَدأ (وَالْوَصْف) مَعْطُوف عَلَيْهِ (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (اخْتلفَا) فعل وفاعل فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ وضميره يرجع للنوع وَالْوَصْف بِاعْتِبَار مَا ذكر أَو لكَون الْوَاو فِي الْمَعْطُوف بِمَعْنى أَو، والمعطوف بِأَو لَا تجب فِيهِ الْمُطَابقَة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (الْجُمُعَة: 11) (للِاخْتِلَاف) يتَعَلَّق باقتفى آخر الْبَيْت (فِي الْقدر) يتَعَلَّق باخْتلَاف (اقتفى) بِمَعْنى اتبع وضميره الْمُسْتَتر يعود على الِاخْتِلَاف الْمَفْهُوم من اخْتلفَا، وَالْجُمْلَة جَوَاب إِذا، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن اخْتِلَافهمَا فِي النَّوْع قبل الْفِرَاق وَالْبناء كَقَوْلِه: بِثَوْب. وَتقول هِيَ بل بِعَبْد أَو فِي الْوَصْف كَقَوْلِه: بِعَبْد تركي وَتقول هِيَ بزنجي تَابع للِاخْتِلَاف فِي الْقدر فيتحالفان وَيفْسخ النِّكَاح بَينهمَا إِن لم يرجع أَحدهمَا لقَوْل الآخر، وَينظر للشبه على الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ كَمَا مرّ فِي الْقدر إِلَّا أَنه يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنه ينظر للشبه حَتَّى فِي النَّوْع وَلَيْسَ كَذَلِك بل يتحلفان ويتفاسخان فِيهِ مُطلقًا، فَالْمُرَاد بالنوع فِي النّظم الْجِنْس إِذْ الْفُقَهَاء لَا يفرقون بَين النَّوْع وَالْجِنْس بل يعبرون بِكُل مِنْهَا مَوضِع الآخر وَلَا يعتبرون فِي ذَلِك اصْطِلَاح المناطفة وَإِذا وَجب التَّحَالُف بالاختلاف فِي الصّفة كهروي ومروي وزنجي وتركي فأحرى فِي النَّوْع كثياب قطن وَثيَاب كتَّان وَمحل ذَلِك إِذا تَسَاوَت قيمَة مَا يَدعِيهِ أَحدهمَا بِقِيمَة الآخر، وَإِلَّا كَانَ من الِاخْتِلَاف فِي الْقدر، وَلذَا لم يمثلوا(1/458)
للِاخْتِلَاف فِي الْوَصْف بالجيد والرديء لِأَنَّهُ رَاجع للِاخْتِلَاف فِي الْقدر وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: فَإِن يكن ذَلِك من قبل الْبناء فَقَالَ: والْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْج فِيمَا عُيِّنَا مِنْ قَدْرِه مَعْ حَلْفِهِ بَعْدَ البِنا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خبر (فِيمَا) يتَعَلَّق بِهِ (عينا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي عينه (من قدره) بَيَان لما (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا (حلفه) مُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء مصدر حلف إِذا أقسم حلْفاً وحلِفاً بِسُكُون اللَّام فِي الأول وكسره فِي الثَّانِي، وَأما الحِلف بِكَسْر الْحَاء فَهُوَ الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم وَقد حالفه أَي عاهده وتحالفوا تَعَاهَدُوا قَالَه الْجَوْهَرِي كَمَا مرّ (بعد الْبَنَّا) ء يتَعَلَّق بقوله عينا أَي وَمثله الْفِرَاق بِطَلَاق أَو موت كَمَا مرّ، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للزَّوْج فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْقدر بعد الْبناء لِأَن الْبناء وَنَحْوه فَوت، وَقد مكنته مَعَ الْبناء من نَفسهَا فَصَارَت مدعية وَهُوَ مقرّ لَهَا بدين فَالْقَوْل لَهُ مَعَ يَمِينه، وَمثل الِاخْتِلَاف فِي الْقدر بعد الْبناء الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَمَا يَأْتِي، وَظَاهر النّظم أَنه لَا ينظر هُنَا لشبه وَهُوَ كَذَلِك فَإِن نكل حَلَفت وَأخذت مَا حَلَفت عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ إنْ لَمْ يَحْلِفِ وَتَقْتَضِي مَا عَيَّنَتْ بِالْحَلْفِ (وتحلف الزَّوْجَة) فعل وفاعل (إِن لم يحلف) شَرط وَفعله حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (وتقتضي) فَاعله ضميرالزوجة (مَا) مفعول بِهِ (عينت) صلَة مَا عائده مَحْذُوف أَي عينته (بِالْحلف) يتَعَلَّق بِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَقَالَ ابْن حبيب: يَتَحَالَفَانِ مَعَ بَقَاء الْعِصْمَة وَيجب صدَاق الْمثل، وَقيل: إِن اخْتلفَا فِي الصّفة فَكَمَا قَالَ ابْن حبيب. وَإِن اخْتلفَا فِي الْقدر فكالمشهور حكى ذَلِك ابْن الْحَاجِب. وَإنْ هُمَا تَحَالَفَا فِي نَوْعِ مَا أُصْدِقَ مَا كَانَ فَحَلْفاً أُلْزِمَا (وَإِن هما) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (تحَالفا فِي نوع) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (أصدق) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول صلَة مَا وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة وَهُوَ أظهر (مَا) نكرَة خبر عَن قَوْله (كَانَ) النَّاقِصَة، وَالْجُمْلَة حَال من الْمَوْصُول أَو من الْمصدر المؤول أَي، وَإِن هما تخالفا بعد الْبناء وَنَحْوه فِي نوع الصَدَاق حَال كَون الصَدَاق أياً كَانَ مِمَّا يصدق للنِّسَاء عَادَة كالدراهم وَالثيَاب(1/459)
أَو لَا كالخشب والجلود (فَحَلفا) مفعول ثَان بقوله (أُلزما) ونائبه ضمير التَّثْنِيَة هُوَ الْمَفْعُول الأول وَالْفَاء جَوَاب الشَّرْط أَي فيلزمان مَعًا الْحلف ونكولهما كحلفهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل (و) إِذا حلفا أَو نكلا. وَفِي الأصَحِّ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا لَهَا مُبَاحُ ف (فِي) القَوْل (الْأَصَح يثبت النِّكَاح) فَلَا يفْسخ وَقيل بل يفْسخ (و) على كل مِنْهُمَا (مهر مثلهَا لَهَا مُبَاح) وَهَذَا مَا لم يزدْ مهر مثلهَا على دَعْوَاهَا وإلاَّ أَعْطَيْت مَا ادَّعَتْهُ فَقَط وَمَا لم ينقص عَن دَعْوَاهُ وَإِلَّا لزمَه مَا أقرّ بِهِ، وَلَقَد أَجَاد (خَ) فِي اخْتِصَار مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم فِي هَذَا الْفَصْل حَيْثُ قَالَ: وَفِي قدر الْمهْر أَو صفته أَو جنسه حلفا وَفسخ وَالرُّجُوع للأشبه وانفساخ النِّكَاح بِتمَام التَّحَالُف وَغَيره كَالْبيع إِلَّا بعد بِنَاء أَو طَلَاق أَو موت فَقَوله: بِيَمِين فِي الْقدر وَالصّفة ورد للمثل فِي جنسه مَا لم يكن ذَلِك فَوق قيمَة مَا ادَّعَتْهُ أَو دون دَعْوَاهُ، وَثَبت النِّكَاح. وَلَا كَلَام لسفيهة الخ فَقَوله: وَغَيره بِالرَّفْع عطف على قَوْله: وَالرُّجُوع للأشبه الخ. وَالْخَبَر قَوْله: كَالْبيع وَمَعْنَاهُ أَنه شَبيه بِالْبيعِ فِي الْجُمْلَة فَإِذا أشبه أَحدهمَا فَإِنَّهُ يعْمل بقوله فِي الْقدر وَالصّفة لَا فِي الْجِنْس كَمَا يعْمل بذلك فِي البيع وَإِن كَانَ مَحل الشّبَه مُخْتَلفا لِأَنَّهُ يعْمل بِهِ هُنَا إِذا لم يحصل فَوَات بِبِنَاء أَو فِرَاق وَلَا ينظر لَهُ بعد الْفَوات بذلك. وَفِي البيع يعْمل بِهِ بعد الْفَوات لَا قبله كَمَا أَشَارَ لَهُ بقوله وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَحلف إِن فَاتَ الخ. وَقَوله: فَقَوله بِيَمِين فِي الْقدر وَالصّفة أَي وَإِن لم يشبه. وَقَوله: ورد للمثل فِي جنسه أَي بعد حلفهما أَو نكولهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل وَلَا ينظر لشبه أَيْضا. وَقَوله: وَلَا كَلَام لسفيهة أَي فِي شَيْء من فُصُول التَّنَازُع وَلَا مَفْهُوم لسفيهة بل السَّفِيه كَذَلِك، وَإِنَّمَا الْكَلَام لوليهما وَلَو حَاكما فَلَو قَالَ لذِي حجر كَانَ أولى فَتحصل أَن النِّكَاح يعْتَبر فِيهِ الشّبَه قبل الْفَوات فِي الْقدر وَالصّفة لَا بعده فيهمَا وَلَا فِي الْجِنْس مُطلقًا، وَاعْتِرَاض ابْن رحال هَهُنَا على النَّاظِم وشراحه بِأَن الشّبَه لَا ينظر لَهُ قبل الْفَوات بِمَا ذكر مُطلقًا، وَإِنَّمَا ينظر لَهُ بعد الْفَوات فِي الْقدر وَالصّفة فَقَط لَا فِي الْجِنْس إِجْرَاء لما هُنَا على مَا يَأْتِي فِي البيع لَا يعول عَلَيْهِ. قَالَ مُؤَلفه سامحه الله: وَقد أطنب النَّاظِم رَحمَه الله فِي هَذَا الْفَصْل مَعَ الْإِخْلَال بِبَعْض الْقُيُود فَلَو قَالَ رَحمَه الله: وَالْمهْر إِن فِي قدره تخالفا أَو نَوعه أَو وَصفه تحَالفا وَالْفَسْخ فِيهِ بعد حَيْثُ يحكم بِهِ وَلَا للزَّوْج شَيْء يلْزم وَإِن بدا النّكُول من كليهمَا فالفسخ إِن توافقا قد عدما وتبدأ الْمَرْأَة بِالْيَمِينِ أَو قَائِم مقَامهَا فِي الْحِين وَذَا إِذا قبل الْفِرَاق والبنا وَبعد قَول زَوجهَا تعينا(1/460)
فِي الْقدر وَالْجِنْس وَفِي الْوَصْف يحِق تحالف وَمهر مثل تسْتَحقّ ومشبه فِي الْقدر وَالْوَصْف رجح إِن قبل لَا بعد وَفِي الْجِنْس اتَّضَح وَيثبت النِّكَاح فِي البعدي هَب تحالف الْكل أَو الْبَعْض وَجب فقولنا: تحَالفا أَي وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل إِذْ لَا فَائِدَة لطلب التَّحَالُف إِلَّا ذَاك، وَيفهم مِنْهُ أَن الْوَلِيّ يقوم مقَام السَّفِيه لِأَنَّهُ مُتَوَلِّي العقد فَيحلف لِأَنَّهُ مفرط بِعَدَمِ الْإِشْهَاد كَمَا مرّ. وَقَوْلنَا: إِن توافقا الخ هَذَا الْقَيْد حذف من التَّحَالُف لدلَالَة هَذَا عَلَيْهِ أَي: إِنَّمَا يحكم بِالْفَسْخِ بعد التَّحَالُف أَو النّكُول إِن عدم التوافق وَهُوَ رُجُوع أَحدهمَا لقَوْل الآخر، وَالأَصَح النِّكَاح. وَيفهم من ذَلِك أَن كلاًّ مِنْهُمَا مُخَيّر فِي أَن يرجع إِلَى قَول الآخر قبل الْحلف أَو بعده، وَالْإِشَارَة بذا من قَوْلنَا: وَذَا إِذا الخ. رَاجِعَة الْفِقْه السَّابِق أَي: وَهَذَا الْفِقْه إِذا كَانَ التَّحَالُف والنزاع قبل الْفِرَاق وَالْبناء الخ. فحذفت كَانَ مَعَ اسْمهَا. وَقَوْلنَا: ومشبه الخ. هُوَ على حذف مُضَاف أَي: وَقَول مشبه رجح. وَفِي التخالف فِي الْقدر وَالْوَصْف إِن اتَّضَح ذَلِك التخالف قبل مَا ذكر لَا بعده فيهمَا وَلَا فِي الْجِنْس مُطلقًا فَقَوله: وَفِي الْجِنْس مَعْطُوف على الظّرْف مَدْخُول للنَّفْي وتقرأ الْيَاء من البعدي بِالتَّشْدِيدِ وَالله أعلم.
(فصل فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقَبْض)
لنقد الصَدَاق أَو كالئه واختلافهما فِي ذَلِك إِمَّا قبل الْبناء أَو بعده. وَإنْ هُمَا قَبْلَ البِنَاءِ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ لِلنَّقْدِ الَّذِي قَدْ وُصِفَا (وَإِن) شَرط (هما) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بقوله (اخْتلفَا) وَالْألف فَاعل (فِي الْقَبْض) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (للنقد) يتَعَلَّق بِالْقَبْضِ (الَّذِي) صفة للنقد (قد وَصفا) صلته ونائبه هُوَ الرابط وألفه للإطلاق. فالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ وَالْيَمِينُ أَوْ لِلَّذِي فِي حَجْرِهِ تَكُونُ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) خبر (وَالْيَمِين) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي عَلَيْهَا (أَو للَّذي) مَعْطُوف على الْخَبَر الْمُقدر وَاللَّام بِمَعْنى على (فِي حجره) يتَعَلَّق بقوله (تبين) وفاعله ضمير الزَّوْجَة وَالْجُمْلَة صلَة والرابط الضَّمِير فِي حجره، وَالْجُمْلَة حَال من ضمير الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر، وَيجوز أَن يكون تبين خَبرا عَن الْيَمين، وَفِي حجره خبر عَن مُضْمر صلَة أَي وَالْيَمِين تبين عَلَيْهَا أَو على الَّذِي هِيَ فِي حجره، وَالضَّمِير فِي قَوْله: اخْتلفَا رَاجع للزوجين أَو ورثتهما لِأَن وَارِث كل قَائِم مقَامه إِلَّا أَن يَمِين الْوَارِث على نفي الْعلم وَيحلف من يظنّ بِهِ الْعلم فَقَط، وَيَمِين الْمَوْرُوث على الْبَتّ انْظُر(1/461)
الشَّامِل. وَفِي معنى النَّقْد مَا كَانَ كالئاً وَحل قبل الْبناء كَمَا يَأْتِي (خَ) وَفِي قبض مَا حل فَقبل الْبناء قَوْلهَا الخ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَا بَنَى وَيَدَّعِي الدَّفْعَ لَهَا قَبْلَ الْبِنَا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خَبره (بعد) يتَعَلَّق بِشَرْط مُقَدّر دلّ عَلَيْهِ مَا مر أَي القَوْل قَول الزَّوْج إِن اخْتلفَا بعد (مَا) مَصْدَرِيَّة (بنى) صلتها أَي بعد الْبناء (وَيَدعِي) هُوَ أَي الزَّوْج مَعْطُوف على فعل الشَّرْط الْمُقدر ومتعلقه مَحْذُوف أَي إِن اخْتلفَا بعد الْبناء وَادّعى بعده (الدّفع لَهَا قبل الْبَنَّا) ء فَالْقَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ أَو يَمِين وَارثه إِن مَاتَ لِأَن الْعرف أَنَّهَا لَا تسلم لَهُ سلعتها حَتَّى تقبض عوضهَا فالدفع مفعول بِهِ، والظرفان بعده يتعلقان بِهِ. وَأما إِن كَانَ اخْتِلَافهمَا بعد الْبناء وَلَكِن ادّعى الدّفع لَهَا بعد الْبناء لَا قبله فَالْقَوْل لَهَا لَا لَهُ كَمَا قَالَ: وَهُوَ لهَا فِيما ادَّعَى مِنْ بَعْدٍ أَنْ بَنَى بِهَا وَالْعُرْفُ رَعْيُهُ حَسَنْ (وَهُوَ) مُبْتَدأ (لَهَا) خَبره (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وَمَا وَاقعَة على النَّقْد (ادّعى) صلَة وضميره للزَّوْج ومفعوله المتلبس بالرابط مَحْذُوف أَي: وَالْقَوْل كَائِن لَهَا فِي النَّقْد الَّذِي ادّعى دَفعه (من بعد أَن بنى بهَا) فالمجرور يتَعَلَّق بِالْمَصْدَرِ الْمُقدر كَمَا ترى، وَهَذَا مَا قيد بِهِ عِيَاض قَول الْمُدَوَّنَة وَلَا قَول للمدخول بهَا وَلَا لورثتها كَمَا قيد أَيْضا بِمَا إِذا لم يكن الصَدَاق مشهوداً عَلَيْهِ برسم بَاقٍ بِيَدِهَا، وَبِمَا إِذا لم يكن الْعرف تَأْخِيره عَن الْبناء وإلاَّ فقولها فيهمَا: وَلَا يبرأ إِلَّا بِبَيِّنَة أَو اعْتِرَاف. وَأَشَارَ النَّاظِم للقيد الثَّانِي بقوله: (وَالْعرْف) مُبْتَدأ (رعيه) مُبْتَدأ ثَان (حسن) خبر عَن الثَّانِي وهما خبران عَن الأول (خَ) وَبعده قَوْله بِيَمِين فيهمَا عبد الْوَهَّاب إِلَّا أَن يكون بِكِتَاب وَإِسْمَاعِيل بِأَن لَا يتَأَخَّر عَن الْبناء عرفا اه. فَلِكُل من الْقُضَاة الثَّلَاثَة قيد ذكر النَّاظِم مِنْهَا قيدين قيدي عِيَاض وَإِسْمَاعِيل و (خَ) ترك قيد عِيَاض وَذكر قيدي غَيره، وَالْمرَاد بِالْكتاب الصَّك الَّذِي أشهد فِيهِ بتخلده فِي ذمَّته كَانَ صك الصَدَاق أَو غَيره كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. قلت: أفتى عِيَاض حَسْبَمَا فِي دعاوى المعيار بِأَن القَوْل للزَّوْج وَلَو كَانَ الصَدَاق مشهوداً عَلَيْهِ فِي كتاب، فَإِنَّهُ لما سُئِلَ عَمَّن تزوج بعاجل وآجل وَأشْهد فِي رسم الصَدَاق أَنه لَا بَرَاءَة لَهُ(1/462)
فِي دَعْوَى الدّفع إِلَّا بِبَيِّنَة، ثمَّ دخل وَادّعى الدّفع فَأجَاب القَوْل قَوْله فِيمَا جرت الْعَادة بِدَفْعِهِ من النَّقْد قبل الدُّخُول اه. فشهادة الْعَادة عارضت الْبَيِّنَة هَهُنَا. وَهَذَا هُوَ الْقيَاس فِي مثل هَذَا لِأَن الْعَادة إِذا عارضت اسْتِصْحَاب الأَصْل الَّذِي هُوَ اسْتِمْرَار تعمير الذِّمَّة فَتقدم لِأَنَّهَا كالشاهد بِالْقضَاءِ وَلَعَلَّ النَّاظِم لهَذَا ترك قيد القَاضِي عبد الْوَهَّاب، وَأَشَارَ للقيدين الْأَخيرينِ كَمَا ترى وَهُوَ حسن فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَمَا ذكره ابْن رحال هَهُنَا من أَن كثيرا من أهل الْبَوَادِي يُعْطي الزَّوْج مِنْهُم الْوَلِيّ بعض النَّقْد ويؤخره بِالْبَاقِي وَلَا يكْتب الْوَلِيّ ذَلِك الْبَاقِي فَإِذا دخل الزَّوْج فَلَا يصدق فِي الدّفع بِدُخُولِهِ فِي ذَلِك الْبَاقِي الخ. هُوَ قيد القَاضِي إِسْمَاعِيل لَا زَائِد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا جرى الْعرف بِتَأْخِير كُله أَو بعضه فَإِن القَوْل لَهَا فِي الْكل أَو الْبَعْض، وَزَاد اللَّخْمِيّ قيدا رَابِعا وَهُوَ أَن لَا يكون بِيَدِهَا رهن فِيهِ ذكره غير وَاحِد. قلت: وَهَذِه هِيَ قَول (خَ) فِي آخر الْفلس والراهن بِيَدِهِ رَهنه بِدفع الدّين، فمفهومه أَنه إِذا لم يكن بِيَدِهِ بل بيد رب الدّين فَالْقَوْل لرب الدّين لِأَن الزَّوْجَيْنِ هُنَا معترفان بتقرر الصَدَاق، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي قَبضه، وَبِهَذَا تعلم أَن الزَّوْج إِذا أَخذ رَهنه بعد الْبناء وَادّعى أَنه دفع المَال وَلَو بعد الْبناء فَإِنَّهُ يصدق وَلَو كَانَ مَكْتُوبًا فِي كتاب وَهُوَ ظَاهر إِن توافقا على الرهنية، وَأما إِن اخْتلفَا فِيهَا فقد قَالَ (خَ) وَالْقَوْل لمُدعِي نفي الرهنية، وَحِينَئِذٍ فَلَا يكون مَا بيد الزَّوْجَة شَاهدا لبَقَاء النَّقْد فِي ذمَّة الزَّوْج مَعَ فقد الْقُيُود الْمُتَقَدّمَة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الْعرف جرى بالرهنية كَمَا قَالَ الْقَائِل: وَالْقَوْل قَول من نفى الرهنية إِلَّا لعرف أَو مَعَ البعضية إِلَى آخر الأبيات الْمُتَقَدّمَة فِي الرَّهْن. وَقَالَ فِي الشَّامِل فِي فصل الِاخْتِلَاف فِي قبض الكالىء مَا نَصه: وَلَو أخذت بِهِ رهنا ثمَّ تسلمه صدق وَإِن لم يدْخل وَإِن بَقِي الرَّهْن بِيَدِهَا وَدخل فَفِي تَصْدِيقه قَولَانِ. وَلَو أخذت بِهِ حميلاً ثمَّ أقرَّت بِالْقَبْضِ من أَحدهمَا واتفقا على ذَلِك وَادّعى كلٌّ أَنه الدَّافِع صدق الزَّوْج إِن حلف وإلاَّ فالحميل وَرجع بِهِ عَلَيْهِ انْظُر بَقِيَّته. وَلما كَانَ الْحَال من الكالىء قبل الْبناء مثل النَّقْد نبه عَلَيْهِ فَقَالَ: والْقَوْلُ وَاليَمِينُ لِلَّذِي ابْتَنْى فِي دَفْعهِ الْكَالِىءُ قَبْلَ الابْتِنَا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (وَالْيَمِين) مَعْطُوف (للَّذي) خبر (ابتنى) صلَة والرابط ضمير الْمَوْصُول وَهُوَ الْفَاعِل (فِي دَفعه) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وَهُوَ مصدر مُضَاف لفَاعِله (الكالىء) مَفْعُوله (قبل الابتنا) ء يتَعَلَّق بِدفع. إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ وَفِي الَّذِي يَحِلْ بحدَ بِنَائِهِ لهَا الْقَوْلُ جُعِلْ (إِن كَانَ) شَرط وَاسْمهَا ضمير الكالىء (قد حل) خَبَرهَا وَالْجَوَاب مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (وَفِي الَّذِي يحل) مَوْصُول وصلته يتَعَلَّق بِجعْل آخر الْبَيْت (بعد بنائِهِ) يتَعَلَّق بيحل (لَهَا) يتَعَلَّق بِجعْل أَيْضا (القَوْل) مُبْتَدأ (جعل) خَبره، وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا بعد الْبناء فِي دفع الكالىء الْحَال(1/463)
قبله، فَإِن القَوْل للزَّوْج بِيَمِينِهِ أَنه دَفعه قبله، وَإِن اخْتلفَا بعد الْبناء فِي دفع مَا لم يحل مِنْهُ قبله فَالْقَوْل للزَّوْجَة، وَلَو أبدل النَّاظِم رَحمَه الله الكالىء بِالْمهْرِ وأتى بِالْبَيْتِ الَّذِي قبله بعد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فَيَقُول مثلا: وَالْقَوْل وَالْيَمِين للَّذي ابتنى فِي دَفعه الْمهْر قبيل الابتنا إِن كَانَ الخ. ثمَّ يَقُول: كَذَا لَهَا فِيمَا ادّعى من بعد أَن الخ. لأغناه مَعَ الِاخْتِصَار عَن الأبيات الأول، وَيكون مُسَاوِيا بالْقَوْل (خَ) وَفِي قبض مَا حلّ فَقبل الْبناء قَوْلهَا وَبعده قَوْله بِيَمِين فيهمَا الخ. ثُمَّ لهَا امْتِنَاعُهَا أَنْ يَدْخُلاَ أَوْ تَقْبِضَ الْحَائِنَ مِمَّا أُجِّلاَ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (لَهَا) خبر مقدم (امتناعها) مُبْتَدأ (أَن يدخلا) فِي تَأْوِيل مصدر مجرور بِحرف جر مَحْذُوف أَي من دُخُوله (أَو) بِمَعْنى حَتَّى (تقبض) مَنْصُوب بِأَن مقدرَة بعد أَو وجوبا (الحائن) مَفْعُوله وَهُوَ اسْم فَاعل من حَان يحين إِذا وصل حِينه (مِمَّا) يتَعَلَّق بالحائن (أَََجَلًا) صلَة مَا. والرابط النَّائِب فِي أَََجَلًا وَالْمعْنَى أَن من تزوج بِنَقْد وكالىء فَإِنَّهُ إِذا دفع النَّقْد فَلهُ الدُّخُول بهَا وَلَا كَلَام لَهَا، فَإِن لم يدْخل حَتَّى حل الكالىء أَو بعضه فلهَا مَنعه من الدُّخُول حَتَّى تقبض جَمِيع مَا حل مِنْهُ فَقَوله: الحائن مِمَّا أَََجَلًا وَأَحْرَى النَّقْد الحائن بالإصالة فَإِن لم تمنع نَفسهَا حَتَّى دخل ووطىء فَلَا منع لَهَا بعد ذَلِك الْوَطْء، وَإِن أعْسر بِهِ فَلَا تطلق عَلَيْهِ بذلك بِخِلَاف مَا كَانَ لَهَا الِامْتِنَاع مِنْهُ حَتَّى يُؤَدِّيه فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهِ بعسره بِهِ (خَ) وَوَجَب تَسْلِيمه إِن تعين وإلاَّ فلهَا منع نَفسهَا من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده وَالسّفر إِلَى تَسْلِيم مَا حل لَا بعد الْوَطْء إِلَّا أَن يسْتَحق وَلَو لم يغرها على الْأَظْهر ثمَّ قَالَ: وَإِن لم يجده أجل لإِثْبَات عسره ثَلَاثَة أسابيع إِلَى قَوْله: ثمَّ طلق عَلَيْهِ اه.
(فصل فِيمَا يهديه الزَّوْج ثمَّ يَقع الطَّلَاق)
لَو قَالَ فِيمَا يُرْسِلهُ ثمَّ يَقع الْفِرَاق كَانَ صَوَابا لما علمت من تقسيمه الْمُرْسل إِلَى هَدْيه وَغَيرهَا وتقسيمه الْفِرَاق إِلَى طَلَاق وَفسخ قَالَه (ت) . قلت: وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْفَصْل هُوَ مَفْهُوم قَوْله: فِيمَا مر لِأَنَّهُ كَهِبَة لم تقبض كَمَا مرّ التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فَإِن الْفِرَاق بَين مَا هُنَا وَبَين مَا مرّ أَن مَا الْتَزمهُ من الزِّيَادَة على أَنه من الصَدَاق يجْرِي على مَا مر سَوَاء كَانَ معينا أَو فِي الذِّمَّة وَمَا هُنَا لم يلتزمه على ذَلِك، بل طاع على وَجه الْهَدِيَّة، وَأما الْعَارِية والإرسال ليحسب من الصَدَاق فَلَيْسَ من الْمَزِيد عَلَيْهِ كَمَا هُوَ وَاضح، وَلِهَذَا كَانَ الْأَنْسَب بِهَذَا الْفَصْل أَن يذكرهُ عقب مَا مرّ لِأَنَّهُ مُرْتَبِط بِهِ غَايَة.(1/464)
وَكلُّ مَا يُرْسِلُهُ الزَّوْجُ إلَى زَوْجَتِهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلَى
(وكل) مُبْتَدأ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (يُرْسِلهُ الزَّوْج) صلَة مَا (إِلَى زَوجته) يتَعَلَّق بيرسله (من الثِّيَاب) بَيَان لما يتَعَلَّق بيرسل أَيْضا (والحلى) مَعْطُوف قَالَ فِي الصِّحَاح: الحلى حلي الْمَرْأَة، وَجمعه حلى مثل ثدي وثدى على وزن فعول، وَقد تكسر الْحَاء وَحلية السَّيْف جمعهَا حلى مثل لحية ولحى وَرُبمَا ضم اه نَقله (ت) وَقَوله: فعول أَي لِأَن فعل يجمع على فعول كفلس وفلوس اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء، وَسبق أَحدهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وقلبت الضمة فَتْحة لتسلم الْيَاء من الْقلب واواً ثَانِيًا، ثمَّ قلبت الْيَاء المدغمة ألفا واستثقلت الضمة على الْيَاء الْأَخِيرَة فحذفت، ثمَّ حذفت الْألف لالتقاء الساكنين فَصَارَ حلى، وَالْخَبَر عَن كل مَحْذُوف أَي فِيهِ تَفْصِيل. فَإنْ يَكُنْ هَدِيّةً سَمَّاهَا فَلاَ يَسُوغُ أَخْذُهُ إيَّاهَا (فَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير يعود على مَا (هَدِيَّة) خبر يكن أَو مفعول ثَان لقَوْله (سَمَّاهَا) وَالْجُمْلَة هِيَ الْخَبَر (فَلَا يسوغ) جَوَاب الشَّرْط (أَخذه) فَاعل يسوغ (إِيَّاهَا) مفعول يَأْخُذ. إلاَّ بِفَسْخٍ قَبْلَ أَنْ يَبْتَنِيَا فإنَّهُ مُسْتَخْلِصٌ مَا بَقِيَا (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من مُقَدّر يتَعَلَّق بِأخذ (بِفَسْخ) يتَعَلَّق بِأخذ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بدل من ذَلِك الْمُقدر أَي لَا يسوغ أَخذه إِيَّاهَا بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَّا بِفَسْخ من (قبل) يتَعَلَّق بِفَسْخ (أَن يبتنيا) فِي تَأْوِيل مصدر مُضَاف إِلَيْهِ وألفه للإطلاق أَو للتثنية (فَإِنَّهُ) أَي الزَّوْج (مستخلص) خبر إِن (مَا) مفعول بِمَا قبله (بقيا) صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا سمى مَا أرْسلهُ هَدِيَّة فَلَا يرتجعه مُطلقًا طلق قبل الْبناء أَو بعده وَلَو لعسره بِالنَّفَقَةِ فيهمَا أَو مَاتَ كَذَلِك أَو بقيت الْعِصْمَة إِلَّا أَن يفْسخ النِّكَاح قبل الْبناء فَإِنَّهُ يرتجع مَا بَقِي مِنْهَا قَائِما بِعَيْنِه وَلم يفت، وَمَفْهُوم هَدِيَّة أَنه إِن سَمَّاهَا صَدَاقا فَهُوَ مَا مرّ فِي قَوْله: وزائد فِي الْمهْر بعد العقد الخ. كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله فِي الْهَدِيَّة بعد العقد وَقبل الْبناء وَهُوَ أحد رِوَايَتَيْنِ فِي قَول (خَ) وَفِي تشطر هَدِيَّة بعد العقد وَقبل الْبناء أَو لَا شَيْء لَهُ وَإِن لم يفت إِلَّا أَن يفْسخ قبل الْبناء فَيَأْخُذ الْقَائِم مِنْهَا لَا أَن فسخ بعده. رِوَايَتَانِ فدرج النَّاظِم على الرِّوَايَة الثَّانِيَة لِأَنَّهَا الرجح، بل حكى ابْن رشد عَلَيْهِ الِاتِّفَاق فَإِن كَانَت الْهَدِيَّة بعد الْبناء وَبعد طوله مَعهَا كسنتين فَلَا رُجُوع فِيهَا أَيْضا إِن طَلقهَا فَإِن لم يُطلق فَلهُ أَخذ هديته قَالَه فِي الشَّامِل. وَهَذَا كُله فِي الْهَدِيَّة المتطوع بهَا وَلم تشْتَرط وَلَا جرى عرف بهَا، وَأما إِن اشْترطت فِي العقد أَو قبله أَو جرى بهَا عرف فَهِيَ كالصداق كَمَا مرّ لِأَن الْعرف كالشرط. وَإنْ يَكُنْ عَارِيَةً وَأَشْهَدَا مِنْ قَبْلُ سِرًّا فَلَهُ مَا وَجَدَا(1/465)
(وَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير يعود على مَا أَيْضا (عَارِية) خبر يكن (وأشهدا) فَاعله ضمير الزَّوْج (من قبل) يتَعَلَّق بِهِ (سرا) مَنْصُوب على نزع الْخَافِض أَو حَال، وَالْجُمْلَة من أشهدا وَمَا بعده حَال من الزَّوْج أَيْضا (فَلهُ) خبر عَن قَوْله (مَا وجدا) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط أَي: وَإِن سمى مَا أرْسلهُ عَارِية وَالْحَال أَنه أشهد بهَا سرا من قبل إرْسَاله وَأَحْرَى جَهرا فَلهُ استرجاع مَا وجد مِنْهَا قَائِما لم يفت طلق أَو مَاتَ أَو فسخ أَو بقيت الْعِصْمَة وَلَا شَيْء فِيمَا فَاتَ مِنْهَا إِلَّا إِن كَانَت مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَالزَّوْجَة رَشِيدَة عَالِمَة بهَا وَلَا بَيِّنَة على الْهَلَاك فتضمن حِينَئِذٍ فِيمَا يظْهر وَهُوَ الْمُوَافق لما يَأْتِي فِي الْأَب يشْهد بالعارية لابنته وَهِي مرشدة عَالِمَة تَأمل. وَفهم من قَوْله: وَأشْهد سرا أَنه إِذا سكت حِين الْإِرْسَال وَادّعى الْعَارِية وَلم تقم بَيِّنَة لَهُ بهَا لَا شَيْء لَهُ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون. وَفِي آخر الكراس الرَّابِع من أنكحة المعيار فِيمَن كسا زَوجته ثيابًا، وَلما توفيت ادّعى أَن ذَلِك عَارِية أَن القَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ إِن ثَبت بالعدول أَو اعترافها فِي حَيَاتهَا أَنه هُوَ الَّذِي جَاءَ بِتِلْكَ الثِّيَاب بِعَينهَا فَانْظُرْهُ مَعَ قَول النَّاظِم فِي التداعي فِي الطَّلَاق: فَالْقَوْل قَول زَوْجَة فِي الْأَنْفس. وَانْظُر أَيْضا آخر فصل الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت. وَمُدَّعٍ إرْسَالَها كَيْ تُحْتَسَبْ مِنْ مَهْرِهَا الْحَلْفُ عَلَيْهِ قَدْ وَجَبْ (ومدع) مُبْتَدأ (إرسالها) مفعول بِهِ وضميره للثياب والحلى (كي) جَارة تعليلية (تحتسب) مَنْصُوب بِأَن مقدرَة بعد كي (من مهرهَا) يتَعَلَّق بِهِ (الْحلف) مُبْتَدأ ثَان (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (قد وَجب) . وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول. ثُمَّ لَهَا الْخِيَارُ فِي صَرْفٍ وَفِي إمْسَاكِهَا مِنَ الصَداقِ فَاعْرِفِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (لَهَا) خبر عَن قَوْله (الْخِيَار فِي صرف) يتَعَلَّق بِهِ (وَفِي إِِمْسَاكهَا) مَعْطُوف على مَا قبله (من الصَدَاق) يتَعَلَّق بِمَا قبله (فاعرف) أَمر من الْعرْفَان تتميم للبيت وَمعنى ذَلِك أَنه إِن ادّعى إرْسَال ذَلِك ليحسب من الصَدَاق فَإِنَّهُ يحلف على ذَلِك، ثمَّ تخير الزَّوْجَة فِي أَن تصرف ذَلِك للزَّوْج وترده لَهُ، وَفِي أَن تمسك ذَلِك وتحسبه من الصَدَاق، وَهَذَا ظَاهر إِذا كَانَ قَائِما كَانَت رَشِيدَة أَو سَفِيهَة وَيَأْخُذهُ من يَدهَا على مَا وجده إِن لم يُرْسل ذَلِك عِنْد حُدُوث سَبَب وإلاَّ جرى فِيهِ مَا يَأْتِي عَن أبي الْحسن، وَسَوَاء ادّعى أَنه بَين ذَلِك لَهَا عِنْد الْإِرْسَال فأنكرته أم لَا. فَإِن هلك أَو شَيْء مِنْهُ فَلَا ضَمَان على الزَّوْجَة فِيهِ كَمَا يفهم من قَوْله الْخِيَار لَهَا الخ. لِأَنَّهُ لم يُرْسِلهُ لَهَا إِلَّا على أَنَّهَا بِالْخِيَارِ فِيهِ فَهِيَ قبل أَن تخْتَار أحد الْأَمريْنِ أمينة فِيهِ كَمَا هِيَ قَاعِدَة البيع بِالْخِيَارِ وَالله أعلم. وَسَوَاء أَيْضا كَانَت رَشِيدَة أَو سَفِيهَة حَيْثُ لم تصن السفيهة بِهِ مَالهَا وَلم تصرفه الرشيدة فِي مصالحها وَإِلَّا لزمتها قيمَة الْمُقَوّم وَمثل المثلى ويتقاصان فَإِن كَانَ الْإِرْسَال عِنْد حُدُوث سَبَب من وَلِيمَة لأقاربها أَو عيد وموسم وَنَحْو ذَلِك فَقَالَ أَبُو الْحسن: جرت عَادَة النَّاس أَن(1/466)
الرجل إِذا صنع وَلِيمَة يَشْتَرِي شَيْئا لزوجته على وَجه الْهِبَة لَهَا والاستئلاف لمودتها لَا بِأَن يكون محسوباً لَهَا من كالئها اه. فيفهم مِنْهُ أَنه قبل الْبناء كَذَلِك مَعَ الْعَادة الْمَذْكُورَة، وَفهم من النّظم أَيْضا أَن من دفع لمدينه شَيْئا وَادّعى دَفعه ليحسب من الدّين وَقَالَ الآخر: بل تبرع أَن القَوْل للدافع بل لَو أتفقا على التَّبَرُّع لم يَصح لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان، وَكَذَا لَو خدمه خدمَة وَادّعى أَنه لم يفعل ذَلِك إِلَّا ليسقط بعض الدّين فَإِن القَوْل لَهُ. وَلَا يَصح التَّبَرُّع بهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِك فِي النِّكَاح حَيْثُ لم يحلف الزَّوْج لما بَين الزَّوْجَيْنِ من المكارمة وَالله أعلم. وَمن ذَلِك أَيْضا مَا إِذا شور الْأَب ابْنَته وَلها دين عَلَيْهِ وَمَات فَقَالَت الْبِنْت: شورني من مَاله، وَقَالَ الْوَرَثَة: بل بِالدّينِ الَّذِي لَك عَلَيْهِ. فَالْقَوْل للْوَرَثَة قَالُوا: وَلَو أخرج تِلْكَ الْأَسْبَاب الَّتِي شورها بهَا من عِنْده وَيحمل على أَنه عوضهَا ذَلِك من الدّين الَّذِي عَلَيْهِ، ونظم ذَلِك فِي الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: وَإِن بدين بنته شورها فَمَاتَ والشورة مَا ذكرهَا فَقَالَت الْبِنْت أبي تفضلا من مَاله بهَا وَقَالَ الْغَيْر لَا بل هِيَ دينك الَّذِي عَلَيْهِ لَك فَالْقَوْل قَول وَارِث الَّذِي هلك وَمُدَّعِي الإرْسَالِ للثَّوَابِ شَاهِدُهُ الْعُرْفُ بِلاَ ارْتِيَابِ (ومدعي) مُبْتَدأ (الْإِرْسَال) مُضَاف إِلَيْهِ (للثَّواب) يتَعَلَّق بِهِ (شَاهده) مُبْتَدأ ثَان (الْعرف) خَبره وَيجوز الْعَكْس وَهُوَ الْأَظْهر (بِلَا ارتياب) يتَعَلَّق بِشَاهِد على الِاحْتِمَالَيْنِ أَي فَينْظر لعرف الْبَلَد فَإِن كَانَ عرفهم أَن الزَّوْج يهدي لزوجته لتكافئه على ذَلِك وَعَكسه مثل أَن تُعْطِي جاريتها الفارهة لزَوجهَا الْمُوسر وتدعي استغرار عطيته وَنَحْو ذَلِك فَالْقَوْل لمُدعِي الثَّوَاب مِنْهُمَا وَإِن لم يكن فِي الْبَلَد عرف بالمكافأة وَلَا وجد وَقت الْعَطِيَّة مَا يدل على إرادتها فَلَا شَيْء لمُدعِي الثَّوَاب (خَ) فِي بَاب الْهِبَة: وَصدق واهب فِيهِ إِن لم يشْهد عرف لضده فِي غير المسكوك وَفِي غير هبة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر الخ. وَظَاهر المُصَنّف أَن مدعي الْإِرْسَال مُصدق وَلَو طَال، وَفِي الكراس الثَّامِن من أنكحة المعيار أَن من قصد بهديته الثَّوَاب لَهُ المثوبة مَا لم يطلّ الخ. وَهُوَ ظَاهر لِأَن الطول شَاهد عرفا لعدم قَصده للثَّواب. وَانْظُر مَا يَأْتِي عَن المعيار فِي الْبَيْت بعده، وَمن هَذَا الْمَعْنى مَا فِي دعاوى المعيار أَيْضا من أَن أَخَوَيْنِ لَهما دَار ورثاها فَتزَوج أَحدهمَا وسَاق جَمِيعهَا لزوجته وَحضر أَخُوهُ الْمَذْكُور فَسلم الدَّار الْمَذْكُورَة المسوقة للزَّوْجَة، واعترف أَنه لَا حق لَهُ مَعَ أَخِيه فِيهَا، ثمَّ قَامَ الْأَخ الْمُسلم يطْلب أَخَاهُ الزَّوْج الْمَذْكُور بِثمن حَظه من الدَّار الْمَذْكُورَة قَائِلا: إِنَّمَا سلمت على أَن يعطيني ثمن حظي أَو عوضا مِنْهُ فِي أصل ملك أَو غَيره. وَقَالَ الزَّوْج: إِنَّمَا سلمت فِيهِ لزوجتي من غير ثمن وَلَا عوض. فَقَالَ ابْن لب: هَذَا من بَاب الْعَطِيَّة الْمُطلقَة يَدعِي(1/467)
معطيها بعد خُرُوجهَا من يَده الثَّوَاب عَلَيْهَا وَالْحكم أَن يحلف الْوَاهِب على مَا ادّعى وَيقْضى لَهُ بالثواب. تَنْبِيه: قَالَ الْبُرْزُليّ: لَو وهبته صَدَاقهَا وَادعت أَن ذَلِك للثَّواب لم تصدق وَلَا يدْخل الْخلاف إِلَّا فِي هبتها غير الصَدَاق اه. وَشَرْطُ كِسْوَةٍ مِنَ الْمَحْظُورِ لِلزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ عَلى الْمَشْهُورِ (وَشرط) مُبْتَدأ (كسْوَة) مُضَاف إِلَيْهِ (من الْمَحْظُور) بالظاء المشالة بِمَعْنى الْمَمْنُوع خبر الْمُبْتَدَأ (للزَّوْج فِي العقد) يتعلقان بِشَرْط (على الْمَشْهُور) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن شَرط الزَّوْج كسْوَة فِي نفس العقد مَمْنُوع على مَشْهُور الْمَذْهَب لِأَنَّهُ جمع بَين البيع وَالنِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا يَنُوب الْكسْوَة مِمَّا يَنُوب الْبضْع كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع فِي عقدته وَهُوَ على الطوع اقتفي وَهُوَ معنى قَول (خَ) وباجتماعه مَعَ بيع الخ. وَحِينَئِذٍ فَيفْسخ قبل وَلَا شَيْء فِيهِ وَيثبت بعد بِصَدَاق الْمثل كَمَا مرّ، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنه يكون فَاسِدا وَلَو عينا مَا يَنُوب الْمهْر مِمَّا يَنُوب تِلْكَ الْكسْوَة وَنَحْوهَا أَو لم يعينا، وَكَانَ فِي الْمهْر فضل كثير على مَا أَعطَتْهُ الْمَرْأَة وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام ابْن رشد وَغَيره من تنَافِي أَحْكَام البيع وَالنِّكَاح. هَذَا وَذكر ابْن سَلمُون فِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح أَنَّهُمَا إِذا عينا ذَلِك أَو كَانَ فِي الْمهْر فضل جَازَ الشَّرْط الْمَذْكُور وَبنى على ذَلِك وَثِيقَة فَقَالَ: فَإِن شَرط الزَّوْج لنَفسِهِ كسْوَة تخرجها الزَّوْجَة أَو وَليهَا فِي الشوار للباسه على مَا جرت بِهِ الْعَادة. قلت: وَالْتزم وَالِد الزَّوْجَة أَو وَليهَا أَن يخرج الزَّوْج عِنْد بنائِهِ بهَا جُبَّة كَذَا قيمتهَا كَذَا أَو(1/468)
غفارة كَذَا قيمتهَا كَذَا التزاماً تَاما لما لَهُ وذمته قَالَ: وَحكمهَا حكم الصَدَاق تثبت بِثُبُوتِهِ وَتسقط بسقوطه، وَإِذا وَقع الْتِزَام ذَلِك من الزَّوْجَة فِي العقد كَمَا ذكر فَلَا بدّ أَن يكون فِي الصَدَاق زِيَادَة على قيمَة ذَلِك مِقْدَار أقل الصَدَاق فَأكْثر وإلاَّ فسد النِّكَاح لِأَنَّهُ قد يكون نِكَاحا بِلَا صدَاق قَالَ: فَإِن لم يَقع الْتِزَام ذَلِك وأخرجت الزَّوْجَة فِي شوارها مثل الغفارة والقميص وَلبس ذَلِك الزَّوْج أَو لم يلْبسهُ وأرادت الزَّوْجَة أَو وَليهَا أَخذ ذَلِك بعد زاعمين أَنَّهُمَا كَانَتَا عَارِية على طَرِيق التزين لَا على سَبِيل الْعَطِيَّة فَقَالَ ابْن رشد: إِن كَانَ بِتِلْكَ الثِّيَاب عرف فِي الْبَلَد جرى بِهِ الْعَمَل وَاسْتمرّ عَلَيْهِ الْأَمر حكم بِهِ وإلاَّ فَالْقَوْل للْمَرْأَة أَو وَليهَا أَنه عَارِية أَو على وَجه التزين اه. فَأَنت ترَاهُ اقْتصر فِي جَوَاز اشْتِرَاط ذَلِك على مُقَابل الْمَشْهُور وَهُوَ معنى قَول الشَّارِح، وَفِي ابْن سَلمُون تَقْرِير الْعَمَل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَكَأَنَّهُ ارْتكب فِيهَا غير الْمَشْهُور، وَرُبمَا يكْتب بعض النَّاس بِإِزَاءِ ذَلِك طرة بِأَنَّهَا من الْمسَائِل المختلة فِي ذَلِك الْكتاب يَعْنِي بذلك وَالله أعلم على الْمَشْهُور وَالْأولَى أَن يُقَال: إِنَّه اعْتمد فِيهَا غير الْمَشْهُور اه. فَمَعْنَى كَلَام الشَّارِح هَذَا وَالله أعلم أَن ابْن سَلمُون قرر جَوَاز مَا يعمله النَّاس من الِاشْتِرَاط الْمَذْكُور وَأَن الأولى أَن يُقَال: إِنَّه اعْتمد فِي ذَلِك غير الْمَشْهُور لَا أَن ذَلِك فِي الْمسَائِل المختلة لِأَن التَّعْبِير بالاختلال يُوهم أَنه لم يُصَادف فِي ذَلِك قولا لقَائِل، وَلَيْسَ كَذَلِك وَبِهَذَا تعلم بطلَان مَا نسبه الشَّيْخ بناني فِي فصل التَّفْوِيض لهَذَا الشَّارِح من أَن مَا لِابْنِ سَلمُون خلاف الْمَشْهُور، لَكِن جرى بِهِ الْعَمَل الخ. إِذْ الشَّارِح لم يقل جرى بِهِ الْعَمَل كَمَا ترى، فقد تقوَّل عَلَيْهِ مَا لم يقلهُ، وَكَذَا ابْن سَلمُون لم يقل إِن الْعَمَل جرى بذلك كَمَا ترى، وَلَا يلْزم من اقْتِصَاره واعتماده عَلَيْهِ جَرَيَان الْعَمَل بِهِ عِنْد الْحُكَّام إِذْ الْعَمَل يقدم على الْمَشْهُور، وَلم يقل بِهِ أحد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله أعلم. وَظَاهر النّظم أَن شَرط الْكسْوَة وَنَحْوهَا من الْعرُوض مَمْنُوع، وَلَو كَانَ ذَلِك من مَال الْوَلِيّ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ فِي قَول (خَ) : كدار دفعتها هِيَ أَو أَبوهَا، وَمَفْهُوم الْكسْوَة أَنه لَو شَرط دَنَانِير أَو دَرَاهِم كَقَوْلِه أَتَزَوَّجهَا بِمِائَة على أَن تُعْطِينِي عشْرين درهما مِنْهَا جَازَ إِن كَانَ ذَلِك على معنى الْمُقَاصَّة فَإِن قَالَ بِمِائَة دِينَار على أَن تُعْطِينِي عشْرين درهما امْتنع لِأَنَّهُ نِكَاح وَصرف، وَكَذَا يمْتَنع النِّكَاح مَعَ الْقَرْض أَو الْقَرَاض أَو الشّركَة أَو الْجعَالَة أَو الْمُسَاقَاة فِي عقد وَاحِد، وَفِي المعيار فِي الْمَرْأَة تخرج أثواباً لزَوجهَا عِنْد الْبناء ثمَّ تطلب ذَلِك عِنْد مشاجرة زَوجهَا أَو طَلَاق أَو لغير سَبَب مَا نَصه: مَا أهداه أَحدهمَا لصَاحبه قبل العقد، ثمَّ وَقع النِّكَاح لَا رُجُوع فِيهِ قبل الْفِرَاق وَلَا قبل الْبناء وَلَا بعده، فَإِن كَانَ ذَلِك بعد العقد نظر فَإِن كَانَ ذَلِك على وَجه الاستعزاز وَطلب الثَّوَاب فَلهُ الثَّوَاب، وَإِن لم يكن على ذَلِك فَلَا ثَوَاب لَهُ لِأَنَّهُ استجلاب للمودة أَو تأكيدها فَإِن طَلقهَا بِقرب الْعَطِيَّة فترجع هِيَ فِي عطيتها لَا هُوَ، وَإِن بعد مَا بَين الْعَطِيَّة وَالطَّلَاق لم ترجع اه. وَتقدم فِي النّظم مَا إِذا ادّعى هُوَ الْعَارِية. وَفِي كَلَام ابْن سَلمُون: مَا إِذا ادَّعَت هِيَ ذَلِك وظاهرهما أَنه لَا يفرق فِي الْعَارِية بَين طول وَعَدَمه، وَتقدم فِي الْبَيْت قبله أَن من ادّعى الثَّوَاب من الزَّوْجَيْنِ لَهُ المثوبة مَا لم يطلّ.(1/469)
(فصل فِي الِاخْتِلَاف فِي الشوار المورد)
من أَب أَو غَيره (بَيت الْبناء) قَالَ فِي الْقَامُوس: الشوار مُثَلّثَة مَتَاع الْبَيْت. والأبُ إنْ أَوْرَدَ بَيْتُ مَنْ بَنَى بِبِنْتِهِ الْبِكْرِ شِوَارَ الابْتِنَا (وَالْأَب) مُبْتَدأ (إِن أورد) شَرط (بَيت) مفعول فِيهِ (من) مُضَاف إِلَيْهِ (بنى) صلَة من (ببنته) يتَعَلَّق بِهِ (الْبكر) صفة (شوار) مفعول بأورد (الابتنا) ء مُضَاف إِلَيْهِ. وَقَامَ يَدَّعِي إعَارَةً لِمَا زَادَ عَلَى نَقْدٍ إلَيْهِ سُلِّمَا (وَقَامَ) مَعْطُوف على أورد (يَدعِي) حَال من فَاعل قَامَ (إِعَارَة) مفعول بيدعي (لما) يتَعَلَّق بإعارة وَاللَّام مقوية لِلْعَامِلِ لضَعْفه (زَاد) صلَة مَا (على نقد) يتَعَلَّق بِهِ (إِلَيْهِ) يتَعَلَّق بقوله (سلما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، وَالْجُمْلَة صفة لنقد. فالقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَهْ مَا لَمْ يَطُّلْ بَعْد الْبِنَا فَوْقَ السَّنَهْ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ وَالْفَاء مَعَ مدخولها جَوَاب الشَّرْط (قَوْله) خبر (بِغَيْر بَيِّنَة) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يطلّ) صلتها وفاعل يطلّ ضمير يعود على الْإِيرَاد الْمَفْهُوم من أورد (بعد الْبَنَّا فَوق السّنة) يتعلقان بيطل، وَالْمعْنَى أَن الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته من وَصِيّ ووكيل إِن أورد أَي أرسل أَو أَدخل الشوار الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالنَّقْدِ من ثِيَاب وحلى وَغير ذَلِك لبيت الْبناء ببنته الْبكر حَتَّى كَانَ تَحت يَدهَا، ثمَّ قَامَ يَدعِي الْعَارِية فِي بعض مَا أورد مِمَّا زَاد على نقدها الْمُسلم إِلَيْهِ فَإِن القَوْل لَهُ فِي ذَلِك الزَّائِد بِيَمِينِهِ مُدَّة عدم طول إِيرَاده بعد الْبناء فَوق السّنة فَإِن طَال فَوق السّنة لم تقبل دَعْوَاهُ الْعَارِية إِلَّا أَن يكون أشهد كَمَا يَأْتِي وَظَاهره قبُول قَوْله فِي السّنة كَانَت الْبِنْت حَيَّة أَو ميتَة وَهُوَ كَذَلِك فِي شرَّاح الْمَتْن قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَاخْتلف فِي ذَلِك إِذا قَامَ الْأَب يطْلب ذَلِك بعد أَرْبَعَة أَعْوَام فَقَالَ ابْن عتاب: لَا يصدق. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: يصدق فِيمَا زَاد على قدر النَّقْد من الشوار، وَقَالَ ابْن سهل: وَهَذَا خطأ لِأَن الرِّوَايَة لمَالِك وَابْن الْقَاسِم وَغَيرهمَا أَنه لَا يصدق وَلَا خلاف أعلمهُ فِي ذَلِك اه بِاخْتِصَار. وَفهم من قَوْله: الْبكر أَن الثّيّب لَا تقبل دَعْوَاهُ فِي إعارته لَهَا وَهُوَ كَذَلِك إِن لم تكن محجورة لَهُ وإلاَّ فَهِيَ كالبكر كَمَا فِي (ح) فَلَو قَالَ النَّاظِم:(1/470)
بِذَات حجره شوار الابتناء. لشملها. وَفهم من قَوْله: لما زَاد الخ. أَن دَعْوَاهُ الْعَارِية فِي قدر نقدها أَو أقل لَا تقبل وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَن يعرف أَن أصل الْمَتَاع لَهُ فَيحلف وَيَأْخُذهُ وَيطْلب بِالْوَفَاءِ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّة، وَظَاهره أَن كل مَا زَاد على النَّقْد يقبل قَوْله فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا يقبل أَيْضا حَتَّى فِي الزِّيَادَة الَّتِي عرف النَّاس زيادتها كَمَا فِي المعيار، وشراح الْمَتْن. وَفهم من قَوْله: بعد الْبناء أَن السّنة تعْتَبر من يَوْم الْبناء لَا من يَوْم العقد وَأفهم قَوْله فَوق السّنة أَن السّنة لَيست بطول وَهُوَ كَذَلِك على مَا رَوَاهُ ابْن حبيب قَالَه الْبُرْزُليّ. فمفهومه أَن أَكثر مِنْهَا طول وَهِي تجْرِي على مَسْأَلَة الشُّفْعَة فَيكون الْخلاف فِي مِقْدَار زِيَادَة الْأَشْهر كالثلاثة وَنَحْوهَا مِمَّا يعد بهَا طولا اه. قَالَ فِي الْفَائِق: مَا لِابْنِ حبيب قَالَ بِهِ غير وَاحِد من الموثقين وَالْفُقَهَاء الْمُحَقِّقين. قلت: وَهُوَ خلاف ظَاهر قَول (خَ) وَقبل دَعْوَى الْأَب فَقَط فِي إعارته لَهَا فِي السّنة بِيَمِين وَإِن خالفته الِابْنَة الخ. وَفهم مِنْهُ إِنَّه يقبل قَوْله سَوَاء ادّعى أَنه لَهُ وأعاره لَهَا أَو أَعَارَهُ لَهَا من غَيره وَهُوَ كَذَلِك، وَأفهم قَوْله شوار الابتناء أَنه أورد ذَلِك لَيْلَة الْبناء، وَأما إِن كَانَ ذَلِك بعد الْبناء بأيام فَإِن القَوْل لَهُ وَلَو طَال الزَّمَان وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا يظْهر لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج ملكه إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ هُوَ، وَإِنَّمَا لم يصدق بعد السّنة فِيمَا أوردهُ لَيْلَة الْبناء لِأَن الْعرف فِيمَا يخرج لَيْلَة الْبناء أَن يكون من شوارها، وَقد عضده عدم طلبه لذَلِك فِي السّنة فَتَأَمّله. وَأفهم قَوْله إِن أورد الخ أَن الْإِيرَاد ثَابت بِالْبَيِّنَةِ أَو الِاعْتِرَاف وإلاَّ بِأَن أنْكرت أَنه لم يوردها مَا يَدعِيهِ وَلَا شَيْء بِيَدِهَا مِنْهُ. فَفِي الْبُرْزُليّ عَن الشّعبِيّ فِيمَن أشهد عِنْد خُرُوج ابْنَته لزَوجهَا أَنه أمتعها بحلى وَثيَاب فَبعد مُدَّة قَامَ الْأَب أَو ورثته طَالِبين الِابْنَة بِمَا أشهد أَنه أخرجه مَعهَا فأنكرت ذَلِك، وَلَا دَلِيل إِلَّا الْإِشْهَاد من الْأَب خَاصَّة مَا نَصه: وَلَا يقبل قَول الْأَب حَتَّى يعلم قَوْله بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة وَهُوَ معنى قَول ابْن الْقَاسِم اه. وَإِذا كَانَ هَذَا مَعَ الْإِشْهَاد الْمُجَرّد فأحرى مَعَ عَدمه الَّذِي نَحن فِيهِ، وَمَفْهُوم الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته أَن غَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء لَا يقبل قَوْلهم كَمَا لَا يقبل قَول الْأَب فِي الثّيّب الَّتِي لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَفِي سوى الْبكر وَمن غير أَب الخ. وَكَذَا لَا يقبل قَول الْأَجْنَبِيّ فِي الْأَجْنَبِيَّة رَوَاهُ كُله ابْن حبيب كَمَا فِي الْبُرْزُليّ قَالَ: وَأفْتى شَيخنَا الإِمَام يَعْنِي ابْن عَرَفَة بِأَن الْأُم تنزل منزلَة الْأَب فَيقبل قَوْلهَا أَو ورثتها فِي السّنة، فَلَمَّا أوقفته على كَلَام ابْن حبيب هَذَا وقف وأرشد إِلَى الصُّلْح قَالَ: وَالصَّوَاب أَن لَا مقَال لَهَا إِلَّا أَن تكون وَصِيّا أَو على مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة أَنه اسْتحْسنَ أَن توصي بِوَلَدِهَا فِي المَال الْيَسِير كالستين دِينَارا فَيكون القَوْل قَوْلهَا فِي هَذَا الْقدر إِذا لم يكن لَهَا أَب وَلَا وَصِيّ أَو يرى أَن الْأُم بِخِلَاف غَيرهَا بِدَلِيل جَوَاز اعتصارها مَا وهبتها فِي حَيَاة الْأَب وَشَرطه اه. قلت: وَمَا ذكره ظَاهر إِذا لم يجر عرف بذلك وإلاَّ بِأَن جرى الْعرف بإعارتها فَحكمهَا كَالْأَبِ فِي حَيَاته وَبعد مماته، وَإِن لم تكن وَصِيّا وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي نسَاء أهل فاس كَمَا فِي ابْن رحال، وَيُؤَيِّدهُ أَن الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من أَصْلهَا مَبْنِيّ على الْعرف وَالْأَحْكَام المبنية عَلَيْهِ تَدور مَعَه حَيْثُ دَار كَمَا للقرافي وَغَيره. وَلَعَلَّ ابْن عَرَفَة إِنَّمَا وقف وَأمر بِالصُّلْحِ لعدم ثُبُوت الْعرف فِي بلدهم بإعارة الْأُم وَهَذَا يَقْتَضِي أَن الْعرف إِذا جرى بإعارة الْأَخ وَنَحْوه كَذَلِك وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: لابنته أَن الْأَب إِذا فعل ذَلِك لِابْنِهِ الذّكر فَإِن القَوْل لَهُ فِي الْعَارِية وَلَو طَال(1/471)
الزَّمَان، وَكَذَا لَو فعله لزوجة ابْنه بِدَلِيل مَا فِي المعيار فِيمَن اشترت أَشْيَاء ثيابًا وأسباباً لزوجة ابْنهَا فَبَقيت زَوْجَة الابْن الْمَذْكُورَة تلبس تِلْكَ الثِّيَاب مَعَ الْأُم مُدَّة من اثْنَي عشر شهرا، وَبعد وَفَاة الابْن قَامَت الْأُم تَدعِي أَنَّهَا أعارت لَهَا ذَلِك فَقَط فَإِن القَوْل لَهَا بِيَمِينِهَا إِذا ثَبت شراؤها إِيَّاهَا أَو أَنَّهَا تعرف لَهَا بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة فتأخذ حِينَئِذٍ مَا وجد مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا فِيمَا لبست كِرَاء، وَلَا فِيمَا استهلكت قيمَة اه. إِذْ لَا فرق بَين الْأَب وَالأُم فِي هَذَا فِيمَا يظْهر فَتَأَمّله. وَكَذَا يُقَال فِي غَيرهَا من الْأَوْلِيَاء والأجانب حَيْثُ ثَبت بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَن أصل تِلْكَ الْأَسْبَاب لمُدعِي الْعَارِية إِذْ الأَصْل أَن لَا يخرج ملك أحد من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ، وَمَا مرّ عَن ابْن حبيب أَن غير الْأَب من الْأَوْلِيَاء والأجانب لَا يقبل قَوْلهم إِنَّمَا ذَلِك إِذا لم يعرف أصل ذَلِك الشَّيْء لَهُم وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ: وَإِذا ابْتَاعَ الْقَابِض للنقد أياً كَانَ أَو غَيره جهازاً وَأحب الْبَرَاءَة مِنْهُ فيمكنه ذَلِك بِأحد ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يَدْفَعهُ إِلَى الزَّوْجَة ويعاين الشُّهُود قبضهَا لذَلِك فِي بَيت الْبناء، أَو يُوقف الشُّهُود عَلَيْهِ وَإِن لم يدْفع ذَلِك إِلَيْهَا، وَإِمَّا أَن يُوَجه ذَلِك إِلَى بَيت الْبناء بِحَضْرَة الشُّهُود بعد أَن يقوموه ويعاينوه وَلَا يفارقوه حَتَّى يتَوَجَّه بِهِ إِلَى بَيت الْبِنْت بِحَضْرَة الزَّوْج وَإِن لم يَصْحَبهُ الشُّهُود إِلَى الْبَيْت ذكر ذَلِك ابْن حبيب. وَلَيْسَ للزَّوْج أَن يَدعِي أَن ذَلِك لم يصل إِلَى بَيته فَإِن فعل فَهُوَ كدعواه أَنه اغتاله من بَيته أَو أرسل من أَخذه مِنْهُ. انْظُر فِي وثائق ابْن فتحون اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَإِنَّمَا يُبرئهُ شِرَاء جهاز تشهد بَيِّنَة بِدَفْعِهِ لَهَا أَو إِحْضَاره بَيت الْبناء أَو تَوْجِيهه إِلَيْهِ الخ. وَذكر بعض الموثقين أَن أحسن الْوُجُوه الْوَجْه الثَّانِي. ابْن عَرَفَة: وَبِه اسْتَقر الْعَمَل فَانْظُرْهُ فقد بَين الْأَوْجه الثَّلَاثَة غَايَة الْبَيَان، ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ: القَوْل قَول الْأَب أَنه جهز ابْنَته. ابْن رشد: إِنَّمَا وَجب أَن يكون القَوْل قَول الْأَب لِأَنَّهُ على ذَلِك قَبضه من الزَّوْج وَالْعرْف يشْهد لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ الْيَمين لما تعلق فِي ذَلِك من حق الزَّوْج، وَالَّذِي يسْقط الْيَمين عَنهُ إِحْضَار الْبَيِّنَة وإبراز الجهاز وإقامته وإرساله بِمحضر الْبَيِّنَة قَالَه ابْن حبيب اه. وَمثله فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْقَاسِم قَالَ: إِن قَالَ أَبُو الْبكر دفعت مهرهَا الْعين ضمنه إِذْ لَيْسَ لَهُ دَفعه لَهَا إِنَّمَا يجهزها بِهِ فَإِن قَالَ بعد بنائها جهزتها بِهِ ودفعته لَهَا وَأنْكرت حلف وبرىء اه. فَتَأَمّله مَعَ مَا مر عَن (خَ) من الْإِطْلَاق إِذْ ظَاهره أَنه لَا يكون لَهُ القَوْل فِي ذَلِك. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ أَيْضا إِثْر مَا مر مَا نَصه، ابْن رشد: وَلَو ادّعى الْأَب أَنه جهز ابْنَته بِمَا لَهَا قبله من مِيرَاث أمهَا أَو غير ذَلِك وَأنْكرت لما كَانَ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك ويكلف إِقَامَة الْبَيِّنَة على ذَلِك لقَوْله تَعَالَى: فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) اه. وَلما نَقله ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد قَالَ عَن المتيطي: وَيَنْبَغِي لَو كَانَ لَهَا على أَبِيهَا دين من مهر أمهَا أَو غَيره أَن لَا يقبل قَوْله بتجهيزها بِهِ، وَلَو كَانَ لَهَا بِيَدِهِ عرض أَو عين على وَجه الْأَمَانَة بِسَبَب كَونهَا فِي ولَايَته لَكَانَ يَنْبَغِي على وَجه النّظر قبُول قَوْله إِنَّه جهزها بِهِ عِنْد بنائها لِأَن الْعرف جَار عندنَا بتجهيز الْآبَاء بناتهم بِأَمْوَالِهِمْ فَكيف بأموالهن اه. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ خلاف ظَاهر مَا تقدم لِابْنِ رشد فِي مِيرَاثهَا من أمهَا من عدم قبُول قَوْله فِي تجهيزها بِهِ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة. قلت: فَظَاهره أَن مَا لِابْنِ رشد هُوَ الرَّاجِح لِأَن المتيطي إِنَّمَا قَالَ ذَلِك بِلَفْظ: يَنْبَغِي فَلم يجْزم بِهِ وَقد تقدم كَلَام المتيطي عِنْد قَوْله: وللوصي يَنْبَغِي وَللْأَب. تشويرها الخ.(1/472)
ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن عدم قبُول قَوْله مَعَ الطول بِمَا فَوق السّنة مُقَيّد بِمَا إِذا لم يشْهد فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ بِمَا أَعَارَ أَشْهَدَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ مَا وَجَدَا (وَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته (بِمَا) يتَعَلَّق بأشهد (أعَار) صلَة مَا (أشهدا) خبر يكن (قبل الدُّخُول) يتَعَلَّق بأشهد (فَلهُ) خبر مقدم (مَا وجدا) مُبْتَدأ مُؤخر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَدخلت عَلَيْهِ الْفَاء لكَونه لَا يَصح أَن يكون شرطا، وَالْمعْنَى أَن الْأَب أَو غَيره من الْأَوْلِيَاء إِذا أشهد قبل الدُّخُول بالعارية فللأب مَا وجد من تِلْكَ الْعَارِية دون مَا تلف مِنْهَا فَلَا تضمنه الْبِنْت إِن لم تعلم بالعارية كَمَا يَأْتِي، وَظَاهره سَوَاء أشهد فِي حُضُورهَا أَو غيبتها وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ وجد مَا أشهد بِهِ فَإِن لم يُوجد فَيَأْتِي تَفْصِيله، وَلَا فرق بَين طول الزَّمَان وَعَدَمه، وَلَا بَين رَشِيدَة وَغَيرهَا، وَلَا بَين مقرة ومنكرة، وَلَا بَين أَب وَغَيره من الْأَوْلِيَاء إِذْ الْعبْرَة بِوُجُود الْإِشْهَاد. وَهَذَا إِذا كَانَ فِيمَا بَقِي وَفَاء بِالْمهْرِ وإلاَّ فَلَا يَأْخُذ إِلَّا مَا زَاد على قدر الْوَفَاء بِهِ كَمَا فِي الْحطاب، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَما أَن يشْهد بالعارية أَو بِالْهبةِ أَو لَا يُصَرح بِشَيْء بل يسكت فَإِن سكت فَهُوَ مَا مرّ فِي الأبيات قبله، وَإِن أشهد بِالْهبةِ أَو بالعارية فَكل يجْرِي على حكمه فَلَا يردهُ فِي الْهِبَة وَيَردهُ فِي الْعَارِية. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ: إِذا استظهر الْوَرَثَة برسم يتَضَمَّن أَن الْعَادة الْجَارِيَة ببلدهم الْآن أَن الرجل إِذا جهز ابْنَته بحلى أَو غَيره إِنَّمَا هُوَ على معنى الْعَارِية والتجمل، وَإِن طَالَتْ السنون فَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: إِذا ثَبت الرَّسْم المتضمن للْعَادَة الْجَارِيَة وَجب الْإِعْذَار فِي شُهُوده إِلَى الِابْنَة فَإِن عجزت أَو سلمت عمل بِمُقْتَضَاهُ اه بِاخْتِصَار. الثَّانِي: ظَاهر النّظم أَن الْإِشْهَاد بعد الدُّخُول لَا يُفِيد وَلَيْسَ كَذَلِك بل ذكر الْبُرْزُليّ أَيْضا: أَن الْإِشْهَاد بعد الدُّخُول فِي الْمدَّة الَّتِي يقبل فِيهَا دَعْوَى الْأَب الْعَارِية حكم الْإِشْهَاد قبل الدُّخُول قَالَ: وَبِه كَانَ أشياخنا يفتون قَالَ (ح) : فيفهم مِنْهُ اخْتِصَاص الِانْتِفَاع بِالْإِشْهَادِ بعد الدُّخُول بِالْأَبِ وَالْوَصِيّ فِي الْبكر وَالثَّيِّب الْمولى عَلَيْهَا وَالأُم على فَتْوَى ابْن عَرَفَة وَهُوَ ظَاهر وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَفْهُوم الْأَب وَمن تنزل مَنْزِلَته وَمَفْهُوم الْبكر فَقَالَ: وَفي سِوَى الْبِكْرِ وَمِنْ غَيْرِ أبٍ قَبُولُ قَوْلٍ دونَ إشْهَادٍ أُبِي (وَفِي سوى الْبكر) يتَعَلَّق بِأبي آخر الْبَيْت (وَمن غير أَب) مَعْطُوف على مَا قبله (قبُول قَول) مُبْتَدأ (دون إِشْهَاد) فِي مَحل نصب على الْحَال من الْمُبْتَدَأ الْمَذْكُور على القَوْل بمجيء الْحَال مِنْهُ وَهُوَ ضَعِيف (أُبي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى منع، وَالْجُمْلَة خبر، وَالْمعْنَى أَن الْأَب وَمن بِمَنْزِلَتِهِ لَا تقبل دَعْوَاهُ الْعَارِية لغير الْبكر وَهِي الثّيّب إِلَّا أَن تكون فِي ولَايَته كَمَا مرّ كَمَا لَا تقبل دَعْوَى غَيره من(1/473)
سَائِر الْأَوْلِيَاء الْعَارِية لوليتهم مُطلقًا بكرا أَو ثَيِّبًا دون إِشْهَاد فَإِن أشهد الْأَب وَمن فِي مَعْنَاهُ بهَا فِي الثّيّب الرشيدة أَو أشهد غَيره من الْأَوْلِيَاء بهَا مُطلقًا قبل قَوْلهم وَلَو بعد طول كَمَا مرّ وَيَأْخُذُونَ مَا وجدوا من تِلْكَ الْعَارِية دون مَا ضَاعَ مِنْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهَا فِيهِ حَيْثُ كَانَت سَفِيهَة مُطلقًا أَو رَشِيدَة وَلم تعلم كَمَا أَفَادَهُ بقوله: وَلاَ ضَمَانَ فِي سِوَى مِا أتْلَفَتْ مَالِكَةٌ لأَمْرِهَا الْعِلْمَ اقْتَفَتْ (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس وَالْفَاء جَوَاب سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا لَهُ: هَل عَلَيْهَا ضَمَان فِيمَا ضَاعَ أَو لَا، (ضَمَان) اسْمهَا (فِي سوى) خَبَرهَا (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (أتلفت) صلَة مَا والرابط مَحْذُوف أَي أتلفته (مالكة) فَاعل (لأمرها) يتَعَلَّق بِهِ (الْعلم) مفعول مقدم بقوله (اقتفت) وَالْجُمْلَة صفة لمالكة، وَالْمعْنَى أَن الْعَارِية الَّتِي يقبل فِيهَا دَعْوَى الْأَب وَمن فِي مَعْنَاهُ أَو الْعَارِية الثَّابِتَة بإشهاد إِذا تلفت فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على الْبِنْت فِيمَا تلف مِنْهَا بِوَجْه إِلَّا فِي وَجه وَاحِد وَهُوَ إِذا أتلفته هِيَ بِنَفسِهَا وَكَانَت مالكة أمرهَا عَالِمَة بالعارية فَإِن تلفت بِغَيْر سَببهَا وَقَامَت لَهَا بَيِّنَة بذلك أَو كَانَت غير مالكة أمرهَا أَو غير عَالِمَة بالعارية فَلَا ضَمَان فَقَوله أتلفت الخ. ظَاهر فِي أَنَّهَا إِذا لم تتلفه بل تلف بِغَيْر سَببهَا لَا ضَمَان عَلَيْهَا وَلَا يعلم كَونه بِغَيْر سبيهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على ذَلِك كَمَا قَررنَا وإلاَّ فَهِيَ مَحْمُولَة على أَنَّهَا هِيَ الَّتِي أتلفته فَلم يبْق على النَّاظِم رَحمَه الله شَيْء من تفاصيل الْمَسْأَلَة خلافًا للشَّارِح وَمن تبعه. فروع. الأول: تقدم عَن المتيطي عِنْد قَول النَّاظِم: وَأشهر الْقَوْلَيْنِ أَن تجهزا الخ. للزَّوْج أَن يسْأَل الْوَلِيّ فِيمَا صرف النَّقْد فِيهِ وعَلى الْوَلِيّ بَيَان ذَلِك وَنَقله ابْن عَرَفَة أَيْضا. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ: سُئِلَ ابْن رشد عَن الْوَلِيّ تقع بَينه وَبَين الزَّوْج مُنَازعَة فيريد الْوَلِيّ كَالْأَبِ وَالْوَصِيّ والكافل تثقيف الشورة وإخراجها عَن بَيت بنائها إِلَّا مِقْدَار نقدها وَلم يظْهر من الزَّوْج تغير حَال وَلَا أَنه مِمَّن يتهم على ذَلِك، وَكَيف إِن كَانَ مِمَّا يخَاف من قبله أَو ظهر عَلَيْهِ مَا يُوجب الاسترابة؟ فَأجَاب: للْأَب أَن ينْفق من شورة ابْنَته الَّتِي إِلَى نظره مَا تَسْتَغْنِي عَنهُ مِنْهَا إِذا خَافَ عَلَيْهِ عِنْدهَا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ وَلَيْسَ للْوَلِيّ غير الْوَصِيّ وَلَا للحاضن المربي ذَلِك فَإِن دَعَا إِلَى ذَلِك على وَجه الْحِسْبَة نظر القَاضِي فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ من ذَلِك بِالِاجْتِهَادِ، وَقد رَأَيْت للشَّيْخ أبي عبد الله بن عتاب فِي هَذَا جَوَابا قَالَ فِيهِ: إِن كَانَ الْأَب مَأْمُونا على الثِّيَاب لَهُ ذمَّة فَهُوَ أَحَق بضبطها بعد أَن يسلم لابنته مِنْهَا بِقدر نقد صَدَاقهَا وزائد عَلَيْهِ مَا تتجمل بِهِ مَعَ زَوجهَا على قدر التَّوَسُّط فِي ذَلِك، وَيشْهد الْأَب بِمَا يُوقف لابنته عِنْده وَإِن كَانَت أَحْوَاله غير مرضية وَضعهَا الْحَاكِم على يَد من يرَاهُ مِمَّن يرتضيه بإشهاد، وَرَأَيْت نَحْو هَذَا الْجَواب لأبي بكر بن جَمَاهِير الطيطلي وَهُوَ حسن جيد فِي النّظر، وَقد شاهدت أَقْوَامًا وضعت عِنْدهم ثِيَاب بناتهم خيف عَلَيْهَا بزعمهم فَبَاعُوهَا وأكلوا أثمانها وَتعذر الْإِنْصَاف مِنْهُم اه.(1/474)
قلت: وَلَا مَفْهُوم للشوار بل مَال الْوَلَد الْمَحْجُور من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَقَالَ فِي اللامية: وللبعض نزع الشَّيْء من يَد حائز إِذا خيف أَمر بِالْبَقَاءِ ويجعلا بِحِفْظ أَمِين هَكَذَا منع وَالِد فَقير من أَخذ المَال للوالد أعملا الثَّالِث: إِذا ضمن الزَّوْج جهاز زَوجته وَضاع هَل يلْزمه مَا ألزم نَفسه أم لَا؟ وَيكون من بَاب ضَمَان مَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ من الْعَارِية أَو إِسْقَاط الشُّفْعَة قبل وُجُوبهَا أَو قَالَ: أَنا ضَامِن لرهنك فَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا أَنه ينظر للْوَجْه الَّذِي خرج بِسَبَبِهِ الضَّمَان فَإِن كَانَ بِسَبَب مَا يخْشَى من الزَّوْجَة فَلَا يلْزمه الضَّمَان إِن قَامَت بَيِّنَة بتلفه بِغَيْر سَببه، وَإِن كَانَ خشِي هُوَ عَلَيْهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِن قَامَت بَيِّنَة بتلفها بِغَيْر فعله وَيلْزمهُ ضَمَانهَا بِكُل حَال إِن لم تُوجد وَادّعى تلفهَا قَالَ: وَهُنَاكَ جَوَاب آخر وَهُوَ أَنه إِن ضمنهَا مَخَافَة التّلف عَلَيْهَا حَيْثُ تلفت ضمنهَا، وَإِن قَامَت بَيِّنَة بتلفها وَإِن ضمنهَا بِسَبَب أَنه يتهم على الْغَيْبَة عَلَيْهَا وَلم يؤتمن عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان إِن قَامَت بَيِّنَة بهلاكها. وَفِي الطرر: إِن شهد عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ فَهَلَكت من غير بَيِّنَة ضمنهَا إِلَّا أَن يَأْتِي عَلَيْهَا من الزَّمَان مَا تخلف فِي مثله فَيحلف وَيبرأ اه. وَقَالَ المتيطي: فَإِن الْتزم الزَّوْج حِين الْإِيرَاد أَن يكون الجهاز فِي ضَمَانه جَازَ وَكَانَ فِي ضَمَانه وَتقول فِي ذَلِك وَالْتزم الزَّوْج ضَمَانه فِي مَاله وذمته بعد أَن عرف أَن ذَلِك لَا يلْزمه فطاع بالتزامه عَارِفًا قدر ذَلِك الخ. وَقَالَ فِي الطرر إِثْر مَا مر: والطوع وَغَيره سَوَاء فِي اللُّزُوم لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَن ينْتَفع بِهِ بِغَيْر ضَمَان وَلَا شَرط فَصَارَ ضَمَانه تَطَوّعا على كل حَال، وَقيل: إِذا ضمنه بِشَرْط الِانْتِفَاع بِهِ سقط عَنهُ الضَّمَان لِأَنَّهُ ضَمَان بِجعْل وَإِن كَانَ بِغَيْر شَرط الِانْتِفَاع بِهِ ضمنه اه. وَلما ذكر ابْن عَرَفَة كَلَام المتيطي قَالَ: وَلم يذكر المتيطي حكم ضَمَانه هَل هُوَ وَلَو قَامَت الْبَيِّنَة بتلفه من غير سَببه أَو مَا لم تقم بذلك بَيِّنَة. وَفِي أجوبة ابْن رشد: إِن ضمنهَا خوف تلفهَا حَيْثُ تلفت ضمنهَا وَلَو قَامَت الْبَيِّنَة بتلفها، وَإِن كَانَ سَبَب ضَمَانه تهمته على الْغَيْبَة عَلَيْهَا وَلم يؤتمن فِي ذَلِك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا قَامَت بَيِّنَة بتلفه اه. قلت: وَانْظُر لَو لم يعلم سَبَب الضَّمَان هَل يحمل على تهمته على الْغَيْبَة عَلَيْهَا أَو على خوف تلفهَا؟ وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا بعد مَا مر مَا نَصه: إِذا منعت الْمَرْأَة جهازها عِنْد الْبناء حَتَّى يضمنهُ فاعرف فِي الطّراز أَنه إِذا امْتنع من الضَّمَان فَلهُ ذَلِك وَيَقْضِي عَلَيْهَا من الجهاز مَا لَا يزري بِهِ عِنْد أنظارها اه بِاخْتِصَار. ثمَّ نقل بعد ذَلِك بأوراق عَن الإِمَام الزواوي وَأَنه لَيْسَ للْأَب أَخذ الجهاز بعد الْإِشْهَاد بِدَفْعِهِ وتسليمه وإشهاد الزَّوْج بِأَنَّهُ تَحت يَده خشيَة تصرف الزَّوْج فِي ذَلِك حَيْثُ لم ترض الْبِنْت وَلَا الزَّوْج بذلك.
(فصل فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت)
وَإنْ مَتَاعُ الْبَيْتِ فِيهِ اخْتُلِفَا وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ تُقْتَفَى(1/475)
(وَإِن) شَرط (مَتَاع الْبَيْت) مُبْتَدأ على مَذْهَب الْكُوفِيّين الْقَائِلين بِجَوَاز دُخُول أدوات الشَّرْط على الْأَسْمَاء (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله: (اخْتلفَا) خبر الْمُبْتَدَأ وألفه للتثنية يعود على الزَّوْجَيْنِ، وَلَا يجوز أَن يكون مَتَاع الْبَيْت فَاعِلا بِفعل مُقَدّر يفسره مَا بعده لِأَن الْمَعْنى يَأْبَى ذَلِك (وَلم تقم بَيِّنَة) فعل وفاعل وَالْجُمْلَة حَال (فتقتفى) الظَّاهِر أَن الْفَاء تعليلية كَمَا تقدم نَظِيره فِي قَوْله: فَإِنَّهُ كَهِبَة لم تقبض. وَمعنى تقتفى تتبع. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعْ يَمِينِ فِيمَا بهِ يَلِيقُ كالسِّكِّينِ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (مَعَ يَمِين) حَال من الْخَبَر الْمَذْكُور (فِيمَا) يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله (يَلِيق) صلَة مَا والرابط ضمير مستتر هُوَ الْفَاعِل عَائِد على مَا (كالسكين) حَال من مَا أَو خبر مُبْتَدأ مُضْمر. وَمَا يَلِيقُ بِالنِّسَاءِ كالْحِلِي فَهْوَ لِزَوْجَةٍ إذَا مَا تَأْتَلِي (وَمَا) مُبْتَدأ (يَلِيق بِالنسَاء) صلَة مَا (كالحلي) بِضَم الْحَاء جمع حلي وَقد تكسر الْحَاء كَمَا مرّ وَهُوَ على وزن فعول اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت وَكسرت اللَّام لتسلم الْيَاء، وَلما وقف النَّاظِم على الْيَاء المدغم فِيهَا سكنت فَالتقى ساكنان فَحذف أَحدهمَا وَعلم مِنْهُ أَن حلى لَهُ جمعان حلي كثدي وثدى كَمَا مر، وَيجمع على حُلِي بِضَم الْحَاء وَكسر اللَّام كَمَا هُنَا وَهُوَ حَال أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف كَمَا فِي الَّذِي قبله (فَهُوَ) مُبْتَدأ (لزوجة) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الأول وَدخلت الْفَاء لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (تأتلي) بِمَعْنى تحلف فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وجوابها مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ. وَإنْ يَكُنْ لاَقَ بِكُلَ مِنْهُمَا مِثْلَ الرَّقِيقِ حَلَفا واقْتَسَما (وَإِن يكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير مَتَاع الْبَيْت (لَاق) خبر يكن (بِكُل) يتَعَلَّق بِهِ (مِنْهُمَا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي بِكُل وَاحِد كَائِن مِنْهُمَا (مثل الرَّقِيق) حَال من ضمير لَاق أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف (حلفا) جَوَاب الشَّرْط وألفه للتثنية (واقتسما) مَعْطُوف عَلَيْهِ. وَمَالِكٌ بِذَاكَ لِلزَّوْجِ قَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; مَعَ الْيَمِينِ وَبِقوْلِهِ القَضَا(1/476)
(وَمَالك) مُبْتَدأ (بِذَاكَ للزَّوْج) يتعلقان بقوله (قضى) وَالْجُمْلَة خبر (مَعَ الْيَمين) حَال (وَبِقَوْلِهِ) خبر عَن قَوْله (القضا) ء وَمعنى الأبيات: أَن الزَّوْجَيْنِ وَلَو رقيقين أَو كَافِرين أَو أَحدهمَا إِذا اخْتلفَا فِي شَيْء من مَتَاع الْبَيْت فَادَّعَاهُ كل مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَة لأَحَدهمَا فَمَا كَانَ مِنْهُ مَعْرُوفا للرِّجَال كالسلاح وَثيَاب الرِّجَال والمصحف والخاتم والمنطقة وَالْحَيَوَان وذكور الرَّقِيق وأصناف الْأَطْعِمَة والدور والأملاك وَالْكتاب والدواة قضى بِهِ للزَّوْج بِيَمِينِهِ، وَمَا كَانَ من ذَلِك مَعْرُوفا للنِّسَاء كالحلى وَثيَاب النِّسَاء الَّتِي تصلح للباسهن والفراش والقباب والحجال وَهِي الستور والبسط والوسائد والملاحف والقطائف وأواني النّحاس والقصاع والموائد قضى بِهِ للزَّوْجَة بِيَمِينِهَا قَالَ ذَلِك كُله فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ اللَّخْمِيّ: وَيخْتَلف فِي إناث الرَّقِيق لِأَنَّهُنَّ مِمَّا يشبه أَن يكون لَهما مَعًا فَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم: يكون للرجل. وَقَالَ ابْن وهب والمغيرة: يكون بَينهمَا يُرِيد بعد أيمانهما، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن التحاكم فِي ذَلِك بعرف أهل الْبَلَد فَمن شهد لَهُ الْعرف بِشَيْء حلف وَأَخذه اه. فَقَوْل النَّاظِم مثل الرَّقِيق أَي ذكوره وإناثه كَمَا هُوَ ظَاهر وَتَخْصِيص اللَّخْمِيّ ذَلِك بالإناث خلاف مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَالْمرَاد بالخاتم خَاتم الْفضة إِلَّا أَن يعلم الرجل بمخالفة السّنة وتختمه بِالذَّهَب كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، فَانْظُر تَمَامه. وَمَفْهُوم قَوْله: وَلم تقم بَيِّنَة الخ أَنه إِذا قَامَت بَيِّنَة عمل بمقتضاها قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: مَا ولي الرجل شِرَاءَهُ من مَتَاع النِّسَاء وَأقَام بَيِّنَة بذلك أَخذه بعد يَمِينه أَنه مَا اشْتَرَاهُ إِلَّا لنَفسِهِ إِلَّا أَن تقيم الْمَرْأَة بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهُ لَهَا. وَكَذَلِكَ مَا وليت الْمَرْأَة شِرَاءَهُ من مَتَاع الرِّجَال فَهُوَ لَهَا بعد يَمِينهَا إِلَّا أَن يُقيم الرجل بَيِّنَة أَنَّهَا اشترته لَهُ وورثة كل مِنْهُمَا منزل مَنْزِلَته إِلَّا أَنهم يحلفُونَ على علمهمْ وَيحلف الْمَوْرُوث على الْبَتّ اه. وَأَشَارَ (خَ) للمسألة بقوله فِي مَتَاع الْبَيْت فللمرأة الْمُعْتَاد للنِّسَاء فَقَط بِيَمِين وإلاَّ فَلهُ بِيَمِين الخ. فَقَوله: وَإِلَّا أَي بِأَن كَانَ للرِّجَال فَقَط أَو لَهما مَعًا. وَانْظُر تبصرة ابْن فَرِحُونَ وَلَا مَفْهُوم للزوجين فِي هَذَا الأَصْل بل كل امْرَأَة وَرجل اخْتلفَا وَلَو أجنبيين يجْرِي حكمهمَا على مَا مر كَمَا تقدم فِي تَعْرِيف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ، بل قَالَ ابْن سَلمُون فِي فصل التَّوَارُث مَا نَصه: وَالْحكم فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت فِي الْمَوْت وَالطَّلَاق والبقاء فِي الْعِصْمَة وَاحِد والأجنبيات وَذَوَات الْمَحَارِم والزوجات فِي ذَلِك سَوَاء اه. ثمَّ مَحل كَون الْحَيَوَان للرجل مَا لم يكن الرجل مَعْرُوفا مَعهَا بالفقر قَالَ ابْن عَرَفَة: وَالْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة للْمَرْأَة أَو كَانَ الرجل مَعْرُوفا مَعهَا بالفقر وَهِي مَعْرُوفَة بالغنى ينْسب مَا كَانَ كَذَلِك إِلَيْهَا، وَلَو بِالسَّمَاعِ، وَيَقُول عدُول الْجِيرَان فَهُوَ للْمَرْأَة وَإِن لم تكن شَهَادَة قَاطِعَة اه. وَمحل كَون القَوْل للْمَرْأَة فِيمَا شَأْنه للنِّسَاء مَا لم يكن ذَلِك فِي حوز الرجل الْأَخَص وَمَا لم تكن مَعْرُوفَة بالفقر وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْلهَا فِي أَزِيد من قدر صَدَاقهَا قَالَه ابْن فَرِحُونَ. وَانْظُر أَوَاخِر الكراس الثَّالِث من أنكحة المعيار فِي الْمَرْأَة لَا يعرف لَهَا جهاز لَا قَلِيل وَلَا كثير وَتدْخل على جهاز امْرَأَة كَانَت للناكح قبل هَذِه وَيَشْتَرِي الزَّوْج بعد ذَلِك مَا يعرف للنِّسَاء من حلى وَثيَاب ثمَّ ينزل موت أَو فِرَاق وتدعي ذَلِك قَالَ: لَيْسَ لَهَا شَيْء من ذَلِك إِلَّا أَن يعرف أَنَّهَا خرجت بِهِ من بَيتهَا أَو تصدق بِهِ عَلَيْهَا أَو أفادت مَالا وَعرف ذَلِك واتضح وإلاَّ فَلَا شَيْء لَهَا لِأَن الزَّوْج يَقُول: أردْت جمال بَيْتِي وجمال امْرَأَتي فَإِن قَالَت اكتسبته وَجمعته فَلَا تصدق لِأَن النِّسَاء لَا يعرفن بالتكسب اه. وَانْظُر نَوَازِل الدَّعَاوَى مِنْهُ فِيمَن أشهدت أَنَّهَا لم تتْرك إِلَّا أَشْيَاء فِي بَيتهَا فَوجدَ فِيهِ مَال مدفون فَإِنَّهُ للزَّوْج أَو ورثته لِأَنَّهَا اعْترفت أَنَّهَا لم(1/477)
تتْرك إِلَّا مَا ذكرت. وَانْظُر أنكحة الْبُرْزُليّ فِي الْمَرْأَة تَدعِي ناضاً فِي التَّرِكَة فَإِن قَامَ دَلِيل صدقهَا مثل بيعهَا أصلا أَو عرضا يكون ثمنه مثل ذَلِك قبل قَوْلهَا وَحلفت، ابْن مزين: لَا بُد من حَلفهَا وَإِن لم يكن الْوَرَثَة إِلَّا أَوْلَادهَا لِأَنَّهَا فِي معنى المنقلبة وَإِن لم يقم دَلِيل كَانَ القَوْل قَول الْوَرَثَة لِأَنَّهُ يشبه كسبهما مَعًا. وَمن الشُّيُوخ من يُرَاعِي كَون الناض فِي حكمهَا الْخَاص كَكَوْنِهِ فِي صندوقها أم لَا. وَهُوَ لِمَنْ يَحْلِفُ مَعْ نُكُولِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ مَا تَفْصِيلِ (وَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على القَوْل (لمن يحلف) خَبره (مَعَ نُكُول صَاحبه من غير مَا تَفْصِيل) الظّرْف وَالْمَجْرُور يتعلقان بالاستقرار أَو حالان من ضَمِيره وَمَا زَائِدَة، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للْحَالِف مَعَ نُكُول صَاحبه لِأَن النّكُول كالشاهد فَيحلف مَعَه وَيسْتَحق. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي طرر ابْن عَاتٍ سُئِلَ أَبُو عبد الله بن الفخار عَن زَوْجَة طلبت من زَوجهَا نَفَقَتهَا فَقَالَ لَهَا الزَّوْج فِي دَاره مائَة ربع من دَقِيق، وَقَالَت الْمَرْأَة لَيْسَ الدَّقِيق لَك إِنَّمَا هُوَ لي. فَقَالَ: القَوْل قَول الزَّوْج، وَكَذَلِكَ لَو قَامَت الْمَرْأَة تطلبه بكسوتها فَقَالَ الزَّوْج: مَا على ظهرك هُوَ لي أَن القَوْل قَول الزَّوْج فِي ذَلِك. وَقَالَ ابْن دحون: إِن القَوْل قَول الزَّوْجَة فِي الْكسْوَة لِأَنَّهَا ماسكتها وَلَيْسَ هِيَ شَيْئا مَوْضُوعا فِي الْبَيْت كالدقيق اه. قلت: والجاري على مَا يرجح أَن يكون القَوْل للزَّوْج إِذْ الْكسْوَة مِمَّا يشبه أَن تكون لَهُ إِذْ الشَّرْع قَاض بهَا عَلَيْهِ بل لَو فَرضنَا أَنَّهَا مِمَّا يشبه أَن تكون لَهما لَكَانَ القَوْل لَهُ، وَلِهَذَا لم يعرج صَاحب الْمُخْتَصر وَلَا ابْن عَرَفَة على هَذِه الْمَسْأَلَة إِذْ لَا أقل أَن تكون من أَفْرَاد مَا يشبه أَن يكون لَهما وَالله أعلم، وَإِنَّمَا أَشَارَ ابْن عَرَفَة إِلَى هَذَا الْخلاف فِي بَاب الشَّهَادَات عِنْد الْكَلَام على تَرْجِيح الْبَينَات فَقَالَ مَا نَصه: وَإِن طلبته امْرَأَته بكسوتها فَقَالَ لَهَا: الثَّوْب الَّذِي عَلَيْك هُوَ لي، وَقَالَت:(1/478)
بل هُوَ لي. فَفِي كَون القَوْل قَوْلهَا أَو قَوْله نقل الطرر عَن الِاسْتِغْنَاء فَتْوَى ابْن دحون وَابْن الفخار حَكَاهُمَا أَبُو الْقَاسِم البونياني، وَاخْتَارَ الأول وهما مبنيان على اعْتِبَار كَونهَا فِي حوز الزَّوْج أَو حوزها فِي نَفسهَا اه بِلَفْظِهِ، وَلم يعرج على هَذَا النَّقْل فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت وَلَا فِي النَّفَقَات كَمَا مرّ. الثَّانِي: إِذا علم أصل ملك الْكسْوَة للزَّوْج كَمَا لَو ابْتَاعَ الرجل كسْوَة لزوجته أَو اشترتها لنَفسهَا من مَاله وَهُوَ لَا يُنكر ذَلِك، فَأَما أَن يتَّفقَا على أَنَّهَا من الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لَهَا أَو يَدعِي هُوَ أَنَّهَا الْوَاجِبَة وتدعي هِيَ أَنَّهَا هَدِيَّة فَالْأول هُوَ قَول (خَ) فِي النَّفَقَات وَردت النَّفَقَة لَا الْكسْوَة بعد أشهر الخ. وَالثَّانِي فِيهِ خلاف فَقيل ينظر للزَّوْج إِن كَانَ مثله يهدي لزوجته فَالْقَوْل لَهَا وإلاَّ فَقَوله. وَقيل القَوْل قَوْلهَا مُطلقًا، وَقيل قَوْله مُطلقًا لِأَنَّهُ يَقُول: أردْت أَن أجمل زَوْجَتي وأحليها قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء: وَهُوَ أحسن. وَقيل: إِن ابتذلته الْمَرْأَة باللباس وامتهنته فَقَوله: وإلاَّ فقولها قَالَ فِي الطرر، وَبِه الْعَمَل وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فِي التداعي فِي الطَّلَاق حَيْثُ قَالَ: فَالْقَوْل قَول زَوْجَة فِي الْأَنْفس الخ. لَكِن سَيَأْتِي عَن الشاطبي هُنَاكَ أَن الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب أَن القَوْل للزَّوْج فِي الْأَنْفس وَالْقَوْل لَهَا فِي الممتهن كالوجه الأول الَّذِي فِي (خَ) . قلت: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَن الثَّوْب حَيْثُ علم أَن أَصله للزَّوْج فَلَا يخرج من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ وَالزَّوْجَة فِي ذَلِك مدعية، وَلذَا قَالَ فِي الِاسْتِغْنَاء إِنَّه الْأَحْسَن كَمَا مرّ، وعول عَلَيْهِ فِي المعيار كَمَا رَأَيْته قبل هَذَا الْبَيْت وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم فِي قَوْله: ومدع إرسالها كي تحتسب من مهرهَا الْحلف عَلَيْهِ قد وَجب كَمَا لَا يخفى وَأما إِن ادّعى هُوَ الْعَارِية وَادعت هِيَ الْهَدِيَّة فَكَذَلِك أَيْضا لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج ملكه من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فرق بَين أَن يَدعِي هُوَ الْكسْوَة الْوَاجِبَة أَو الْعَارِية، فالراجح فِي ذَلِك كُله قَول الزَّوْج وَإِن كَانَ فِي الشَّامِل صدر بمقابله فَلَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ وَالله أعلم.
(فصل فِي إِثْبَات الضَّرَر وَالْقِيَام بِهِ وَبعث الْحكمَيْنِ)
قَالَ ابْن سَلمُون: وَإِذا ترددت الْمَرْأَة بشكوى ضَرَر زَوجهَا بهَا أَمر جِيرَانهَا بتفقد أحوالها فَإِن لم يكن فِي الْجِيرَان من تجوز شَهَادَته أمره بِالسُّكْنَى بَين قوم صالحين وَلَا يلْزمه أَن ينقلها من سُكْنى الْبَادِيَة إِلَى الْحَاضِرَة، وَلَكِن يَأْمُرهُ بإسكانها حَيْثُ يجاورها من يشْهد لَهَا، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فِي طرف الْحَاضِرَة أمره بِالسُّكْنَى بهَا فِي مَوضِع يتَبَيَّن فِيهِ حَالهَا، وَكَذَلِكَ إِن اشتكت الوحشة وَلم تشتك الضَّرَر فَعَلَيهِ أَن يضمها إِلَى مَوضِع مأنوس إِلَّا أَن تكون عرفت ذَلِك وَدخلت عَلَيْهِ فَلَا يلْزمه نقلهَا فَقَوله: حَيْثُ يجاورها من يشْهد لَهَا الخ. يُرِيد تنقل للمحل الَّذِي يُوجد فِيهِ من يصلح للشَّهَادَة، فَفِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن فتحون إِن كَانَت بِطرف الْحَاضِرَة وَلَيْسَ حولهَا من يرضى(1/479)
نقلت عَنهُ لمن يرضى، وَكَذَلِكَ إِن اشتكت ضَرَره وَهِي بالبادية لم يلْزمه نقلهَا للحاضرة إِلَّا أَن لَا يكون حولهَا من الْبَادِيَة من يرضى وَتَكون الْحَاضِرَة أقرب. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِن ضربهَا ضربا خَفِيفا لغير الْأَدَب لَا قيام لَهَا حَتَّى يتَكَرَّر ذَلِك من فعله مرَارًا أَو يكون الضَّرْب فَاحِشا إِذْ الضَّرْب الْخَفِيف لَا يكَاد يسلم مِنْهُ الْأزْوَاج فَصَارَ كالمدخول عَلَيْهِ. وَعَن ابْن الْقَاسِم قد تستوجب الضَّرْب الوجيع بالذنب ترتكبه، وَذَلِكَ إِذا كَانَ الذَّنب مَعْرُوفا قَالَ: وَقد شج عبد الله بن عمر زوجه صَفِيَّة فَلَا تكون الشَّهَادَة بِالضَّرَرِ أَو بِالضَّرْبِ حَتَّى يَقُول الشُّهُود إِنَّه ضربهَا أَو أضرّ بهَا فِي غير ذَنْب تستوجبه ثمَّ قَالَ: وَقد ضرب الزبير أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا لكَونهَا كَانَت تخرج بِغَيْر إِذْنه ضربا وجيعاً فشكت بذلك إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ لَهَا: اصْبِرِي فَإِن الزبير رجل صَالح، وَلَعَلَّه يكون زَوجك فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ بَلغنِي أَن الرجل الصَّالح إِذا ابتكر امْرَأَة تكون لَهُ زوجا فِي الْجنَّة اه بِاخْتِصَار. وَيَثْبُتُ الإضْرَارُ بالشُّهُودِ أَوْ بِسَمَاعِ شَاعَ فِي الْوُجُودِ (وَيثبت الْإِضْرَار) فعل وفاعل (بالشهود) يتَعَلَّق بِهِ (أَو بِسَمَاع) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ (شاع) فَاعله ضمير يعود على السماع (فِي الْوُجُود) يتَعَلَّق بشاع وَالْجُمْلَة صفة لسَمَاع، وَمَعْنَاهُ أَن ضَرَر أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر يثبت بِأحد أَمريْن إِمَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ فَأكْثر بمعاينتهم إِيَّاه لمجاورتهم للزوجين أَو لقرابتهم مِنْهُمَا وَنَحْو ذَلِك، وَإِمَّا بِالسَّمَاعِ الفاشي المستفيض على أَلْسِنَة الْجِيرَان من النِّسَاء والخدم وَغَيرهمَا بِأَن فلَانا يضر بِزَوْجَة فُلَانَة بِضَرْب أَو شتم فِي غير حق أَو تجويع أَو عدم كَلَام أَو تَحْويل وَجهه عَنْهَا فِي فرَاشه كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ مَالك: وَلَيْسَ عندنَا فِي قلَّة الضَّرَر وكثرته شَيْء مَعْرُوف. تَنْبِيهَانِ. الأول: لَا بُد أَن يضمن الشُّهُود فِي الْوَجْهَيْنِ أَنهم لَا يعلمُونَ أَن المضر مِنْهُمَا رَجَعَ عَن الْإِضْرَار بِصَاحِبِهِ وأقلع عَنهُ وَإِلَّا لم تعْمل كَمَا فِي المعيار وَغَيره فَإِن ادّعى الزَّوْج أَنَّهَا مكنته من نَفسهَا بعد قِيَامهَا بِالضَّرَرِ وصدقته سقط حَقّهَا كَانَت جاهلة أَو عَالِمَة فَإِن ادَّعَت الْجَهْل لم يعْذر قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قلت: وَينزل منزلَة التَّصْدِيق ثُبُوت الْخلْوَة بَينهمَا بِرِضَاهَا بعد الْقيام لِأَن القَوْل لمُدعِي الْوَطْء فِيهَا كَمَا يظْهر ذَلِك من كَلَامهَا وَهُوَ ظَاهر. الثَّانِي: لَا يشْتَرط هَهُنَا فِي شَهَادَة السماع أَن ينصوا فِي وثيقته عَن الثِّقَات على الْمَشْهُور قَالَه ابْن رحال بِخِلَاف غير الضَّرَر فَلَا بُد مِنْهُ كَمَا مر، وَمَا ذكره هُوَ الَّذِي يفِيدهُ كَلَام الْمُتَيْطِيَّة وَنَصهَا. وَيجْزِي عِنْد ابْن الْقَاسِم عَدْلَانِ على السماع الفاشي من لفيف النَّاس وَالْجِيرَان بذلك(1/480)
وتكثير الشُّهُود أحب إِلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب، وَبِه الْعَمَل. وَحكى حُسَيْن بن عَاصِم: إِنَّه لَا تجوز شَهَادَة السماع إِلَّا عَن الْعُدُول إِلَّا فِي الرَّضَاع فَيجوز أَن يشْهد العدلان عَن لفيف الْقَرَابَة وَالْجِيرَان من النِّسَاء وَهُوَ أحسن لِأَنَّهُ لَا يحضرهُ الرِّجَال فِي الْأَغْلَب، ثمَّ قَالَ: وَلَا يجوز فِي السماع بِالضَّرَرِ شَهَادَة النِّسَاء وحدهن لِأَن الطَّلَاق من مَعَاني الْحُدُود فَلَا تجوز فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء اه. وَانْظُر مَا تقدم فِي شَهَادَة السماع، وَمَفْهُوم النّظم أَنه لَا يثبت بِغَيْر هذَيْن الْأَمريْنِ وَلَو شرطت عَلَيْهِ فِي أصل العقد أَو بعده أَنَّهَا مصدقة فِي الضَّرَر الَّذِي تدعيه بِغَيْر يَمِين، وَفِي ذَلِك تَفْصِيل تقدم فِي فصل فَاسد النِّكَاح. وَحَاصِله، إِن كَانَ بعد العقد لزم شَرطهَا اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ فِي صلب العقد فَقَالَ سَحْنُون: أَخَاف أَن يفْسخ النِّكَاح قبل الْبناء وَلَا تصدق فِيهِ بعد الدُّخُول إِلَّا بِبَيِّنَة وَنَحْوه لِابْنِ دحون، وَظَاهر النّظم أَنه الرَّاجِح لِأَنَّهُ جعل ثُبُوته بَين الْأَمريْنِ فَقَط، وَلابْن عبد الغفور أَنه يلْزمه الشَّرْط حَيْثُ جعله لَهَا فِيهِ وَفِي الرحيل والزيارة دون المغيب، وَالظَّاهِر من وثائق ابْن فتحون أَن المغيب كالضرر انْظُر ابْن سَلمُون فِي فصل الشُّرُوط فِي النِّكَاح، وَمَفْهُوم قَوْلهم بِغَيْر يَمِين أَنه بِيَمِين يعْمل بشرطها قولا وَاحِدًا فَتَأَمّله. وَإنْ تَكُنْ قَدْ خَالَعَتْ وَأَثْبَتَتْ إضْرَارَهُ فَفِي اخْتِلاَعٍ رَجَعَتْ (وَإِن تكن) شَرط (قد خالعت) خبر تكن (وأثبتت) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ (إضراره) مفعول بأثبتت وفاعله ضمير الزَّوْجَة (فَفِي اختلاع) يتَعَلَّق بقوله (رجعت) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط دخلت عَلَيْهِ الْفَاء واختلاع مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَي المخالع بِهِ، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَة إِذا خالعت زَوجهَا على شَيْء دَفعته لَهُ ثمَّ أَثْبَتَت بعد ذَلِك إضراره بهَا بِبَيِّنَة الْقطع أَو السماع فَإِنَّهَا ترجع بِمَا خالعته بِهِ إِن لم يكن عِنْد الزَّوْج مدفع فِيمَا أثبتته من كَونه اختلى بهَا طَائِعَة بعد قِيَامهَا أَو كَونهَا مكنته من نَفسهَا أَو تجريحه الْبَيِّنَة الشاهدة بضررها وَنَحْو ذَلِك، وَالطَّلَاق لَازم على كل حَال وَإِذا لم يجد الزَّوْج مدفعاً وَاحْتج بِأَن الزَّوْجَة قد أشهدت فِي رسم الْخلْع أَنَّهَا فعلت ذَلِك طيبَة النَّفس بِهِ فَلَا ينْتَفع بذلك لِأَن ثُبُوت الْإِكْرَاه يسْقط حجَّته كَمَا أَنه لَا ينْتَفع بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ أَنَّهَا مكنته من نَفسهَا بعد الْقيام بِالضَّرَرِ، وَقبل عقد الْخلْع وَإِنَّمَا عَلَيْهَا الْيَمين لرد دَعْوَاهُ. وَظَاهر النّظم أَن لَهَا الرُّجُوع وَإِن لم تسترع قبل عقد الْخلْع وَهُوَ كَذَلِك إِن قَامَت لَهَا بَيِّنَة لم تعلمهَا وَقت الْخلْع اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِن علمت بهَا على الْأَصَح لِأَن ضَرَره يحملهَا على الِاعْتِرَاف بالطوع، وَإِذا استرعت فَلَا حجَّة للزَّوْج عَلَيْهَا فِي إِسْقَاطه فِي وَثِيقَة الْخلْع (خَ) : وَلَا يَضرهَا إِسْقَاط الْبَيِّنَة المسترعاة على الْأَصَح.(1/481)
وبالْيَمِينِ النَّصَّ فِي المُدَوَّنَهْ وقَالَ قَوْمٌ مَا الْيَمِينُ بَيِّنَهْ (وباليمين) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله: (النَّص فِي الْمُدَوَّنَة) وَالْبَاء بِمَعْنى (مَعَ) وَالتَّقْدِير وَالنَّص فِي الْمُدَوَّنَة رُجُوعهَا مَعَ الْيَمين إِن خلعها لم يكن إِلَّا للإضرار فَهِيَ فِي الْحَقِيقَة يَمِين تُهْمَة لِأَنَّهَا تتهم أَن تكون دفعت ذَلِك عَن طيب نفس أَي لكراهيتها الْمقَام مَعَه لَا للإضرار. قَالَ ابْن سَلمُون: وَهَذِه الْيَمين ذكرهَا ابْن فتحون فِي كِتَابه وَهُوَ على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة الخ. فَظَاهره التَّعْلِيل أَنَّهَا وَاجِبَة مَعَ رُجُوعهَا بِشَهَادَة السماع أَو الْقطع كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَأما الْيَمين لتكميل النّصاب لكَون السماع لَا يسْتَقلّ بِدُونِ يَمِين لضَعْفه وَلكَون الْقطع لَا يَصح هَهُنَا فيستظهر بِيَمِين على بَاطِن الْأَمر لأَنهم يَقُولُونَ وَلَا يعلمُونَ أَنه رَجَعَ الخ. فمستفادة مِمَّا مر فِي فصل شَهَادَة السماع وَمن قَوْله فِيمَا مر: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. فَتبين أَنه لَا بُد من يمينين مَعَ كل من الشَّهَادَتَيْنِ يَمِين لتكميل النّصاب فِيمَا قَامَت بهما قبل الْخلْع أَو بعده، وَقد تقدّمت، وَيَمِين لدفع التُّهْمَة وَهِي الْمَقْصُودَة هَهُنَا، وَلَا تكون إِلَّا عِنْد إِرَادَة الرُّجُوع وَهِي مَحل الْخلاف الْمشَار لَهُ بقوله: (وَقَالَ قوم) فعل وفاعل (مَا) نَافِيَة (الْيَمين) مُبْتَدأ (بَينه) خَبره وَهَذَا الْخلاف جَار على الْخلاف فِي لُحُوق يَمِين التُّهْمَة وَعدم لحوقها هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الشُّرُوط: وَلَو أَن الْخلْع انْعَقَد بَينهمَا على حميل أَخذه الزَّوْج بِمَا أَعطَتْهُ الزَّوْجَة ثمَّ انْفَسَخ ذَلِك عَنْهَا لثُبُوت الضَّرَر بهَا فَقَالَ ابْن الْعَطَّار وَأَبُو عمرَان: يرجع الزَّوْج على الْحميل لِأَن الْإِكْرَاه إِنَّمَا ثَبت للزَّوْجَة لَا للحميل وَلَا رُجُوع لَهُ على الزَّوْجَة بِشَيْء. وَقَالَ ابْن الفخار وَغَيره: لَا رُجُوع لَهُ على الْحميل لِأَنَّهُ بِثُبُوت الضَّرَر تبين أَنه تحمل للزَّوْج بِمَا لَا يحل لَهُ أَخذه فَلَو ألزمناه ذَلِك لأبحنا أكل المَال بِالْبَاطِلِ وَذَلِكَ مَبْنِيّ على الْخلاف فِي الْحمالَة بِالْبيعِ الْفَاسِد، وَجَوَاب ابْن الْعَطَّار جَار على مَذْهَب أَشهب لِأَنَّهُ أَدخل الزَّوْج(1/482)
فِي زَوَال عصمته لِأَنَّهُ يَقُول: لَوْلَا أَنْت لَكُنْت أَتُوب عَن ضررها وآخذ بخاطرها. وَجَوَاب ابْن الفخار جَار على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَسَوَاء على مذْهبه علم الْحميل بِالضَّرَرِ أَو لم يعلم لِأَنَّهُ إِن لم يعلم يَقُول: إِنَّمَا تحملت فِي مَوضِع يجب لي بِهِ الرُّجُوع عَلَيْهَا، وَإِن علم يَقُول: إِنَّمَا تحملت لِأَنِّي علمت أَن ذَلِك بَاطِل لَا يجب للزَّوْج بِهِ شَيْء وَبِمَا لِابْنِ الفخار اسْتمرّ الْعَمَل وَالْقَضَاء اه من النِّهَايَة بِاخْتِصَار، وَهُوَ ظَاهر بل صَرِيح فِي أَن الْحمالَة هُنَا على أَنه إِن أدّى رَجَعَ بِهِ على الْمَضْمُون عَنهُ، وَأما إِن تحمل بذلك على معنى أَنه إِن رجعت الزَّوْجَة لثُبُوت ضَرَر وَنَحْوه فَهُوَ الَّذِي يغرم ذَلِك من مَاله الْخَاص بِهِ فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم ذَلِك كَمَا مر عِنْد قَول النَّاظِم وَيسْقط الضَّمَان فِي فَسَاد الخ. وَانْظُر ابْن سَلمُون فِي فصل نِكَاح الْمُتْعَة قبل إنكاح الْأَب ابْنَته الثّيّب، وَانْظُر مَا تقدم عَن الْبُرْزُليّ فِي بَاب الصُّلْح، وَعبارَة ابْن سَلمُون فِي الطَّلَاق مَا نَصه، فَإِن عقد الْخلْع على الْيَتِيمَة أَو غَيرهَا ولي أَو أَجْنَبِي فلهَا الرُّجُوع على زَوجهَا وَالطَّلَاق مَاض وَهل يرجع الزَّوْج على الَّذِي عقد مَعَه الْخلْع إِذا لم يضمن ذَلِك؟ أَقْوَال. الأول: أَنه يرجع عَلَيْهِ وَإِن لم يضمن لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أدخلهُ فِي الطَّلَاق وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم، وَرِوَايَته عَن مَالك فِي كتاب الصُّلْح من الْمُدَوَّنَة وَقَول أصبغ فِي الْوَاضِحَة والعتبية. الثَّانِي: أَنه لَا رُجُوع لَهُ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يلْتَزم الضَّمَان وَهُوَ ظَاهر قَول ابْن الْقَاسِم وَرِوَايَته عَن مَالك فِي إرخاء الستور، وَقَول ابْن حبيب أَيْضا. وَالثَّالِث: أَنه إِن كَانَ أَبَا أَو ابْنا وَمن لَهُ قرَابَة للزَّوْجَة فَهُوَ ضَامِن وإلاَّ فَلَا، وَهُوَ قَول ابْن دِينَار وَإِن عقدته الْمَرْأَة وَضمن للزَّوْج وَليهَا مَا يلْحقهُ من دَرك فِي الْخلْع الْمَذْكُور ثمَّ ظهر مَا يسْقط التزامها من ثُبُوت ضَرَر أَو عدم أَو غير ذَلِك، فَفِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا أَن الضَّامِن يغرم مَا الْتَزمهُ للزَّوْج، وَالثَّانِي أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ البيع الْفَاسِد اه. وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة فِي بَاب الْخلْع مَا نَصه: فَإِن أَخذ الزَّوْج على الْمَرْأَة ضَامِنا فِيمَا التزمت لَهُ من نَفَقَة الْأَوْلَاد أَو أسقطته عَنهُ، ثمَّ أعدمت أَو ثَبت أَنَّهَا فِي ولَايَته أَخذ الزَّوْج بإجراء النَّفَقَة على بنيه وطالب الْحميل بغرم مَا يرجع بِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الْعَدَم، وَأما إِن ثَبت أَنَّهَا فِي ولَايَة فَعَن ابْن الْمَاجشون أَنه إِن لم يعلم الزَّوْج بسفهها فحقه على الْحميل وَإِن لم يعلم بذلك الْحميل لِأَنَّهُ أَي الْحميل دخل فِيمَا لَو شَاءَ كشفه لنَفسِهِ، وَإِن كَانَ الزَّوْج عَالما بذلك لم يكن لَهُ سَبِيل إِلَى الْحميل وَلَا إِلَيْهَا علم الْحميل بذلك أم لَا. لِأَن الزَّوْج قصد الدُّخُول فِيمَا لَا يَصح لَهُ. وَقَالَ أصبغ فِي كتاب الْكفَالَة من الْعُتْبِيَّة: يلْزم الْحميل مَا تحمله عَنْهَا لزَوجهَا قَالَ: وتعقد فِي هَذَا الْفَصْل وَضمن فلَان للزَّوْج فلَان غرم مَا لحقه من دَرك فِيمَا أسقطته فُلَانَة عَنهُ أَو التزمت لَهُ فِي هَذَا الْكتاب ضمانا لَازِما لمَاله وذمته ألزم نَفسه ذَلِك وَقضى عَلَيْهَا بِهِ بعد مَعْرفَته بِقَدرِهِ وعَلى مَا ذكر من الِالْتِزَام والإسقاط وَالضَّمان طلق الزَّوْج الْمَذْكُور زوجه الْمَذْكُورَة على سنة الْخلْع وَحكمه شهد الخ. انْتهى بِلَفْظ النِّهَايَة. فَهَذِهِ الْوَثِيقَة دَالَّة على أَن لَهُ الرُّجُوع على الْحميل مُطلقًا حَيْثُ رجعت الزَّوْجَة عَلَيْهِ، وَمَا تقدم عَنْهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْحمالَة لَا فِي الْحمل كَمَا مرّ، فهما مَسْأَلَتَانِ(1/483)
كَمَا تقدم، وَسَوَاء نَص فِي الْوَثِيقَة على أَن الطَّلَاق وَقع على الْإِلْزَام والإسقاط وَالضَّمان كَمَا قَالَ أم لَا. لِأَن ذَلِك هُوَ مَقْصُود الزَّوْج وَالنَّص عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ للِاحْتِيَاط. وَاقْتصر ابْن يُونُس وَابْن فتحون على قَول أصبغ وَكَذَا الونشريسي فِي طرر الفشتالي، وَقد استبعد ابْن رشد قَول ابْن الْمَاجشون كَمَا مرّ فِي الضَّمَان، وَذَلِكَ يدل على أَن الرَّاجِح قَول أصبغ كَمَا تقدم، وَهَذِه الْمَسْأَلَة يكثر النزاع فِيهَا فَلذَلِك أطلنا فِيهَا هَهُنَا وَفِيمَا تقدم وَالله أعلم. كَذَا إذَا عَدْلٌ بالإضْرَارِ شَهِدْ فالرَّدُّ لِلْخُلْعِ مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ (كَذَا) خبر لمبتدأ مُضْمر أَي الحكم كَذَا، وَالظَّاهِر أَنه حَال من ضمير اعْتمد آخر الْبَيْت (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (عدل) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره شهد (بالإضرار) مُتَعَلق بقوله (شهد فالرد) مُبْتَدأ (لِلْخلعِ) يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ بِمَعْنى المخالع بِهِ (مَعَ الْحلف) حَال (اعْتمد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَهِي مُؤَكدَة لما أَفَادَهُ التَّشْبِيه على الْإِعْرَاب الأول، وَقَوله: شهد أَي بِالْقطعِ إِذْ السماع لَا يثبت بِأَقَلّ من عَدْلَيْنِ، وَقَوله: مَعَ الْحلف أَي لتكميل النّصاب وللاستظهار ولدفع التُّهْمَة فتحلف ثَلَاثَة أَيْمَان أَن الضَّرَر حق وَأَنه مَا رَجَعَ عَنهُ إِلَى وُقُوع الْخلْع وَأَنَّهَا مَا دفعت المَال إِلَّا للإضرار وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُوجب مَا مر وَلم أَقف على نَظِير لهَذِهِ الْأَيْمَان الثَّلَاث، ثمَّ إِن الْمَرْأَتَيْنِ بِمَنْزِلَة الْعدْل فِي ذَلِك لِأَن النزاع فِي المَال، وَأما الطَّلَاق فماض على كل حَال كَمَا قَالَ: لأنَّ ذَاكَ رَاجِعٌ لِلْمَالِ وَفُرْقَةٌ تَمْضي بِكُلِّ حَالِ (لِأَن ذَاك رَاجع لِلْمَالِ، وَفرْقَة تمْضِي بِكُل حَال) . (خَ) : ورد المَال بِشَهَادَة سَماع على الضَّرَر ويمينها مَعَ شَاهد أَو امْرَأتَيْنِ وَلَا يَضرهَا إِسْقَاط الْبَينَات المسترعاة على الْأَصَح وبكونها بَائِنَة لَا رَجْعِيَّة أَو لكَونه يفْسخ بِلَا طَلَاق أَو لعيب خِيَار بِهِ. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَيجوز الاسترعاء فِي الضَّرَر وَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا فِي إِسْقَاط الْيَمين خَاصَّة اه. وَحَيْثُما الزَّوْجَةُ تُثْبِتُ الضَّرَرْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بِهِ شَرْطٌ صَدَرْ (وحيثما) اسْم شَرط (الزَّوْجَة) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (تثبت الضَّرَر) مفعول بِهِ (وَلم يكن) جازم ومجزوم (لَهَا) خَبَرهَا مقدم (بِهِ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وضميره للضَّرَر على حذف مُضَاف أَي يَنْفِيه (شَرط) اسْمهَا مُؤخر (صدر) صفة وَالْجُمْلَة من لم يكن الخ حَال. قِيلَ لَهَا الطَّلاَقُ كَالْمُلْتَزِمْ وَقِيلَ بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَكَمْ(1/484)
(قيل) مَبْنِيّ للْمَجْهُول ونائبه الْجُمْلَة المحكية بعْدهَا الَّتِي هِيَ قَوْله: (لَهَا الطَّلَاق) مُبْتَدأ وَخبر (كالملتزم) بِفَتْح الزَّاي حَال من الطَّلَاق ومعموله مَحْذُوف أَي حَال كَون الطَّلَاق كَالطَّلَاقِ الْمُلْتَزم أَي الْمُشْتَرط فِي عقد النِّكَاح وَالْجُمْلَة من قيل ومحكيه جَوَاب الشَّرْط. (وَقيل) مَعْطُوف على قيل الأول (بعد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله أَي وَقيل لَهَا الطَّلَاق بعد (رَفعه) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله وضميره للزَّوْج (للْحكم) بِفَتْح الْكَاف لُغَة فِي الْحَاكِم يتَعَلَّق بِمَا قبله. وَيَزْجُرُ القَاضِي بِمَا يَشَاؤُهُ وَبالطَّلاَقِ إنْ يَعُدْ قَضَاؤُهُ (ويزجر) بِالنّصب عطف على الْمصدر الْمَذْكُور عملا بقول الْخُلَاصَة: وَإِن على اسْم خَالص فعل عطف تنصبه أَن ثَابتا أَو منحذف ومعمول يزْجر مَحْذُوف أَي يزجره (القَاضِي) فَاعل (بِمَا) يتَعَلَّق بيزجر (يشاؤه) صلَة مَا (وبالطلاق) خبر مقدم (إِن يعد) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (قَضَاؤُهُ) مُبْتَدأ مُؤخر وَمعنى الأبيات الثَّلَاث أَن الزَّوْجَة الَّتِي فِي الْعِصْمَة إِذا أَثْبَتَت ضَرَر زَوجهَا بهَا بِشَيْء من الْوُجُوه الْمُتَقَدّمَة وَالْحَال أَنَّهَا لم يكن لَهَا بِالضَّرَرِ شَرط فِي عقد النِّكَاح من أَنه إِن أضرَّ بهَا فَأمرهَا بِيَدِهَا فَقيل لَهَا إِن تطلق نَفسهَا بعد ثُبُوت الضَّرَر عِنْد الْحَاكِم من غير أَن تستأذنه فِي إِيقَاع الطَّلَاق الْمَذْكُور أَي لَا يتَوَقَّف تطليقها نَفسهَا على إِذْنه لَهَا فِيهِ، وَإِن كَانَ ثُبُوت الضَّرَر لَا يكون إِلَّا عِنْده كَمَا أَن الطَّلَاق الْمُشْتَرط فِي عقد النِّكَاح أَي الْمُعَلق على وجود ضررها لَهَا أَن توقعه أَيْضا بعد ثُبُوته بِغَيْر إِذْنه وَظَاهره اتِّفَاقًا. وَقيل: حَيْثُ لم يكن لَهَا شَرط بِهِ لَهَا أَن توقع الطَّلَاق أَيْضا، لَكِن بعد رَفعهَا إِيَّاه للْحَاكِم وَبعد أَن يزجره القَاضِي بِمَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَاده من ضرب أَو سجن أَو توبيخ وَنَحْو ذَلِك. وَلم يرجع عَن إضرارها وَلَا تطلق نَفسهَا قبل الرّفْع والزجر، وَفهم من قَوْله: قَضَاؤُهُ أَن الطَّلَاق بيد الْحَاكِم فَهُوَ الَّذِي يتَوَلَّى إِيقَاعه إِن طلبته الزَّوْجَة، وَامْتنع مِنْهُ الزَّوْج وَإِن شَاءَ الْحَاكِم أمرهَا أَن توقعه فعلى هَذَا القَوْل لَا بُد أَن يوقعه الْحَاكِم أَو يأمرها بِهِ فتوقعه، وَإِذا أمرهَا بِهِ فَهِيَ نائبة عَنهُ فِي الْحَقِيقَة كَمَا أَنه هُوَ نَائِب عَن الزَّوْج شرعا حَيْثُ امْتنع مِنْهُ قَالَ فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ من الْمُتَيْطِيَّة: فَإِذا ثَبت ذَلِك الْعَيْب بِإِقْرَارِهِ أَو الْكَشْف عَنهُ طَلقهَا عَلَيْهِ الإِمَام وَلَا يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب. وروى أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم أَنَّهَا توقع الطَّلَاق دون أَمر الإِمَام قَالَ بعض الموثقين: وَالْأول أصوب اه بِلَفْظ النِّهَايَة. وَهَذَا الْخلاف الَّذِي فِي الْعَيْب هُوَ الْخلاف الَّذِي فِي الطَّلَاق بِالضَّرَرِ أَو بالإيلاء أَو بالفقد أَو بِالْعِتْقِ تَحت العَبْد أَو عسر النَّفَقَة وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي (تت) وَغَيره من شرَّاح الْمَتْن، وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ أثر مَا مرّ عَن المتيطي مَا نَصه، ابْن سهل: فِي كَون الطَّلَاق بِعَدَمِ النَّفَقَة أَو غَيره إِن أَبَاهُ الزَّوْج للْحَاكِم أَو للْمَرْأَة قولا أبي الْقَاسِم بن سراج وَابْن عتاب محتجاً بِرِوَايَة أبي زيد عَن ابْن الْقَاسِم من اعْترض فأجل(1/485)
سنة فَلَمَّا تمت قَالَت: لَا تطلقوني أَنا أتركه لأجل آخر فلهَا ذَلِك ثمَّ تطلق نَفسهَا مَتى شَاءَت بِغَيْر سُلْطَان الخ. وَقَالَ الجزيري بعد وَثِيقَة الاسترعاء بِالضَّرَرِ مَا نَصه: فَإِذا ثَبت هَذَا العقد وَجب للْمَرْأَة الْأَخْذ بشرطها بعد الْإِعْذَار للزَّوْج، وَاخْتلف إِن لم يكن لَهَا شَرط فَقيل: لَهَا أَن تطلق نَفسهَا كَالَّتِي لَهَا شَرط وَقيل: لَيْسَ لَهَا ذَلِك، وَإِنَّمَا ترفع أمرهَا إِلَى السُّلْطَان فيزجره وَلَا يُطلق عَلَيْهِ حَتَّى ترفع مرّة أُخْرَى فَإِن تكَرر ضَرَره طلق عَلَيْهِ اه. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْل الأول فِي كَلَام النَّاظِم هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم وَاحْتج بِهِ ابْن عتاب فِي بعض فَتَاوِيهِ، وَصَوَّبَهُ ابْن مَالك وَرجحه ابْن سهل فقف عَلَيْهِ فِيهِ، وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فِي النَّفَقَات حَيْثُ قَالَ: وباختيارها يَقع الخ. وَوَقعت نازلة من هَذَا الْمَعْنى فِي حُدُود الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف فِي امْرَأَة غَابَ زَوجهَا وأثبتت عدم النَّفَقَة فأجلها القَاضِي شهرا فَلَمَّا تمّ الشَّهْر حَلَفت بعدلين كَمَا يجب وَطلقت نَفسهَا بِغَيْر أمره واعتدت وَتَزَوَّجت، وَبعد ذَلِك اطلع الإِمَام على فعلهَا فَأَرَادَ فسخ النِّكَاح محتجاً بِمَا للمشهور وَوَافَقَهُ كل من شاور من فُقَهَاء الْوَقْت وخالفتهم فِي ذَلِك وَقلت لَهُم: لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك لِأَن النِّكَاح الْمُخْتَلف فِيهِ يفْسخ بِطَلَاق احْتِيَاطًا للفروج ومراعاة لمن يَقُول بِصِحَّتِهِ، فَكَذَلِك الطَّلَاق الْمُخْتَلف فِيهِ يُرَاعى لُزُومه للِاحْتِيَاط، وَلما مر عَن أبي زيد وَابْن عتاب. أَلا ترى أَن ابْن عَرَفَة جعل كَونه للْمَرْأَة مُقَابلا وَلم يُقَيِّدهُ بِكَوْنِهِ بعد إِذْنه لَهَا لِأَن من فعل فعلا لَو رفع إِلَى الإِمَام لأسنده إِلَيْهِ على القَوْل بِهِ الْمشَار لَهُ بقول (خَ) وإلاَّ فَهَل يُطلق الْحَاكِم أَو يأمرها بِهِ ثمَّ يحكم الخ. فَفعله مَاض وَلما فِي السماع من أَن الْمَرْأَة إِذا تزوجته على أَنه حر فَإِذا هُوَ عبد فلهَا أَن تخْتَار قبل أَن ترفع إِلَى السُّلْطَان اه. ابْن رشد: قَوْله لامْرَأَته أَن تخْتَار قبل الرّفْع يُرِيد أَنَّهَا إِن فعلت جَازَ ذَلِك إِن أقرّ الزَّوْج بغروره فَإِن نازعها فَلَيْسَ لَهَا أَن تخْتَار إِلَّا بِحكم اه. نَقله ابْن عَرَفَة. فَهَذَا صَرِيح فِي أَن مَا للمشهور لَيْسَ على سَبِيل الشّرطِيَّة فِي صِحَة الطَّلَاق، بل إِنَّمَا يطْلب ذَلِك ابْتِدَاء. وطلاقها نَفسهَا قبل الرّفْع مَعْمُول بِهِ إِن وَقع، بل الظَّاهِر أَنه مَعْمُول بِهِ وَلَو لم يقر بِالضَّرَرِ أَو بالغرور وَنَحْو ذَلِك إِذْ غَايَته أَنه إِذا لم يقر وَادّعى الْبَحْث فِي شُهُود الضَّرَر وَالْعَيْب وَنَحْوهمَا بجرحة أَو غَيرهَا مكن فَإِن أثبت ذَلِك وعجزت الْمَرْأَة عَن الطعْن فِيهِ فالطلاق مَرْدُود لِأَنَّهُ لم يَقع فِي مَحَله الشَّرْعِيّ وَإِن عجز عَن إِثْبَات ذَلِك فالطلاق مَاض فتوقف القَاضِي بعد ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ وقف على كَلَام القباب الَّذِي نَقله الشَّارِح و (م) هَهُنَا وَأَن ابْن رحال استظهر لُزُوم الطَّلَاق، وَكَذَا قَالَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق فِي شَرحه على الْمُخْتَصر: وَأَن الْمَرْأَة إِذا طلقت نَفسهَا من غير رفع للْحَاكِم فَلَا يبطل طَلاقهَا قَالَ: كمن قتل قَاتل وليه قبل الرّفْع اه. فَأمرهَا القَاضِي حِينَئِذٍ بِالْبَقَاءِ تَحت زَوجهَا الثَّانِي الَّذِي كَانَ عزلها مِنْهُ وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا كَانَ للرجل زوجتان فَأكْثر وَطلبت إِحْدَاهمَا الِانْفِرَاد بدار لِأَنَّهَا تتضرر بالاجتماع مَعَ ضراتها، وَزعم أَنه لَا يَثِق بهَا فَالْقَوْل قَوْله وَلَا تجاب لما طلبت لفساد الزَّمَان، وَحِينَئِذٍ فَإِذا سكن بَين قوم صالحين فَللزَّوْج أَن ينْتَقل بضراتها مَعهَا وَلَا مقَال لَهَا. نَص على ذَلِك غير وَاحِد من شرَّاح الْمَتْن. وَقَالَ بعض من حشاه هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل قَالَ: وَلَا فرق بَين الْبَوَادِي والحواضر، ويكفيه أَن يخص كل وَاحِدَة ببيتها اه. وَبِهَذَا كنت أحكم حِين ولايتي الْقَضَاء بفاس صانها الله من كل باس، وَكنت أَقُول للزَّوْجَة الطالبة للانفراد إِن أضرت بك ضرتك فارفعيها للْحَاكِم اه.(1/486)
الثَّانِي: علم مِمَّا مر أَنَّهَا لَا تطلق نَفسهَا على القَوْل بِهِ وَلَا يطلقهَا الْحَاكِم أَيْضا على مُقَابِله إِلَّا بعد الْإِعْذَار للزَّوْج فِيمَا ثَبت عَلَيْهِ وعجزه عَن الطعْن فِيهِ، فَإِن طلقت نَفسهَا أَو طلق الْحَاكِم قبل الْإِعْذَار لَهُ فقد قَالَ ابْن عبد الصَّادِق فِي شَرحه الْمَذْكُور مَا نَصه: وَأما الزَّوْجَة إِذا أَثْبَتَت الضَّرَر وَطلقت نَفسهَا فَإِن بحث زَوجهَا بعد طَلاقهَا فِي الشُّهُود وجرحهم مثلا فطلاقها مَرْدُود اه. وَكَذَا يُقَال فِي تطليق الْحَاكِم عَلَيْهِ قبل الْإِعْذَار وَالله أعلم. كَمَا استظهرناه آنِفا وَنَحْو هَذَا فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة فِيمَا إِذا كَانَ لَهَا بِهِ شَرط قَالَ فِيهِ: وَإِذا طلقت الْمَرْأَة نَفسهَا دون إِذن الْحَاكِم ثمَّ قدم الزَّوْج لزمَه مَا فعلته إِن كَانَ مقرا بِالشّرطِ والمغيب، فَإِن أنكرهُ وَثَبت الشَّرْط الْمَذْكُور بِشُهُود الطَّلَاق أَو غَيرهم لزمَه أَيْضا فَإِن جرح الْبَيِّنَة وَقد تزوجت ردَّتْ إِلَيْهِ. الثَّالِث: لَا بُد من تكْرَار الضَّرَر حَيْثُ كَانَ أمرا خَفِيفا فَإِن كَانَ ضربا فَاحِشا كَانَ لَهَا التَّطْلِيق بِهِ وَلَو لم يتَكَرَّر كَمَا مر أول الْفَصْل عَن الْمُتَيْطِيَّة وَقَول (خَ) وَلها التَّطْلِيق بِالضَّرَرِ وَلَو لم تشهد الْبَيِّنَة بتكرره لَا يعول عَلَيْهِ، بل لَا بُد من التّكْرَار حَيْثُ كَانَ خَفِيفا كَمَا مر. وَلذَا قَالَ بَعضهم: هُوَ على حذف الصّفة أَي: وَلها التَّطْلِيق بِالضَّرَرِ الْبَين أَي الْفَاحِش، وَالْقَوْل الثَّانِي فِي النّظم صَرِيح فِي اشْتِرَاط التكرير إِلَّا أَن ظَاهره أَنه لَا بُد من الزّجر والتكرار وَلَو كَانَ بَينا فَاحِشا وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا فِي النَّقْل. قَالَ ابْن عبد الصَّادِق الْمَذْكُور مُعْتَرضًا على ظَاهر لفظ (خَ) مَا نَصه: وَالْعجب كَيفَ تطلق الْمَرْأَة نَفسهَا بالمرة الْوَاحِدَة من تَحْويل وَجهه عَنْهَا وَقطع كَلَامه ومشاتمته إِلَى غير ذَلِك مِمَّا عدوه من الضَّرَر بالمرة الْوَاحِدَة إِذْ لَا يَخْلُو عَنهُ الْأزْوَاج مَعَ أَن مسَائِل مَبْنِيَّة على ثُبُوت التّكْرَار كالسكنى بَين قوم صالحين وَبعث الْحكمَيْنِ واختبارهما أُمُور الزَّوْجَيْنِ الْمرة بعد الْمرة قَالَ: وَقد نزلت فاحتج بعض الْمُفْتِينَ بِظَاهِر (خَ) وَخَالفهُ غَيره فَعظم الْأَمر حَتَّى وصل إِلَى أَمِير الْوَقْت فَحكم بِأَنَّهُ لَا بُد من التّكْرَار. الرَّابِع: فِي الْبُرْزُليّ: أَن ابْن عَرَفَة سُئِلَ عَن الهاربة عَن زَوجهَا من جبل وسلات على نَحْو من البريدين من القيروان وتذكر أَن زَوجهَا يضْربهَا وتريد خصامه وتخشى على نَفسهَا إِن عَادَتْ إِلَيْهِ بعد الْفِرَار أَن يَقْتُلهَا، فَيكْتب الْحَاكِم لمن يزعج الزَّوْج فَتَارَة يَأْتِي جَوَاب الْمَبْعُوث إِلَيْهِ بالإزعاج للخصم بِخَط غير مَعْرُوف وَلَفظ غير مُحَصل، وَتارَة لَا يصل الْجَواب، وَتارَة يذكر أَن الزَّوْج تعصب أَو فرّ ويتعذر الْجَواب بِالْكُلِّيَّةِ فَيطول أَمر الْمَرْأَة وتريد أَن تقطع على زَوجهَا بِعَدَمِ النَّفَقَة وَكَيف إِن فرت غير ذَات الزَّوْج إِلَى الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة من الْجَبَل الْمَذْكُور وتريد التَّزَوُّج وَهِي من ذَوَات الأقدار وَلها ولي بِالْجَبَلِ الْمَذْكُور فَهَل للْحَاكِم أَن يُزَوّجهَا؟ فَأجَاب: حَاصِل أَمر الْمَرْأَة أَنَّهَا بِمحل لَا تناله الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة غَالِبا، فَهُوَ حِينَئِذٍ كغائب عَنْهَا لم يتْرك لَهَا نَفَقَة أَو حَاضر قَادر على الْإِنْفَاق وَعجز عَن أَخذه مِنْهُ كرها وأيّاً مَا كَانَ فللزوجة الْقيام بِمُوجب التَّطْلِيق للضَّرَر وفرارها مِنْهُ بعد تَزْوِيجه إِيَّاهَا بذلك الْمحل لَا يبطل حَقّهَا لوَجْهَيْنِ. الأول حُرْمَة الْمقَام بذلك الْمحل. الثَّانِي: أَن رِضَاهَا بِهِ أَولا لَا يسْقط قِيَامهَا بِهِ ثَانِيًا كرضاها بإثرة عَلَيْهَا أَولا لَا يمْنَع قِيَامهَا ثَانِيًا وَنَحْو ذَلِك، وَأما مَسْأَلَة الْوَلِيّ فَلَا بُد من الْكتب والإعذار إِلَيْهِ والتلوم إِن أمكن دون عسر وضرر طول وَإِلَّا سقط وزوّجها الْحَاكِم اه بِاخْتِصَار. ثمَّ ذكر عَن ابْن رشد نَحوه قَائِلا: الَّذِي استقريته من أَحْوَال قرى القيروان حِين كنت مُقيما بهَا أَنَّهَا لَا تنالها الْأَحْكَام، فَأرى أَن لَا تمكن(1/487)
الهاربة من زَوجهَا إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْقرى وَإِلَى الْجبَال الَّتِي حولهَا نَحْو جبل وسلات وجبل ضراوة وجبل السرج، وَقد وَقع شَيْء من هَذَا وهربت امْرَأَة فمكنها القَاضِي من زَوجهَا وردهَا لقريتها فَقَتلهَا فِي الطَّرِيق اه. قلت: وَمثله فِي الْجبَال الَّتِي حول فاس ونواحيها فِي وقتنا لتعذر الْأَحْكَام فِيهَا فَيجْرِي حكمهَا على مَا تقدم فِي جبل القيران وقراها كَمَا شَاهَدْنَاهُ فِي وقتنا هَذَا وَالله أعلم. الْخَامِس: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن ضربهَا وَزعم أَن ذَلِك على وَجه التَّأْدِيب لذنب أَتَتْهُ فَإِن كَانَ مثله مِمَّن يُؤَدب ويعتني بالأدب صدق، وَإِن كَانَ لَيْسَ من أهل الْأَدَب وَلَا يعتني بِهِ فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة أَنه إِنَّمَا ضربهَا لذنب تستوجب بِهِ الضَّرْب وَالْقَوْل قَوْلهَا حِينَئِذٍ أَنه ظَالِم لَهَا قَالَ: فَإِن أنكر ضربهَا جملَة وَقَامَت لَهَا بَيِّنَة بِهِ كَانَ لَهَا الْخِيَار فَإِن قَالَ بعد ذَلِك كَانَ لذنب أَتَتْهُ لم يقبل قَوْله لإنكاره الأول قَالَ: وَفِي الْعُتْبِيَّة عَن مَالك فِيمَن حلف بِطَلَاق زَوجته ليجلدنها خمسين سَوْطًا فَإِنَّهُ يمْنَع من ضربهَا وَتطلق عَلَيْهِ، وَنَحْوه حكى ابْن حبيب فِي الْوَاضِحَة أَن من حلف بِطَلَاق امْرَأَته ليجلدنها أَكثر من عشرَة أسواط مثل الثَّلَاثِينَ أَن السُّلْطَان يطلقهَا عَلَيْهِ إِذا كَانَ ذَلِك لغير شَيْء تستوجبه فَإِن لم يعلم بذلك حَتَّى جلدهَا برّ فِي يَمِينه وعوقب بالزجر والسجن وَلم تطلق عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون بهَا من الضَّرْب آثَار قبيحة لَا يَلِيق بِمِثْلِهَا فَتطلق عَلَيْهِ للضَّرَر إِذا تفاحش ذَلِك وَطلبت الْفِرَاق اه. قلت: مَا لم تذنب مَا تستوجب بِهِ ذَلِك فقد نَص ابْن الْقَاسِم على مَا رَوَاهُ حُسَيْن بن عَاصِم أَن الْمَرْأَة قد تستوجب الضَّرْب الوجيع بالذنب ترتكبه إِذا كَانَ الذَّنب مَعْرُوفا. وَقد تقدم ذَلِك أول الْفَصْل قَالَ: وَلَو حلف بِطَلَاقِهَا ليجلدنها عشرَة أسواط وَنَحْوهَا خلى بَينه وَبَينهَا وَقد أَسَاءَ. وَلَا تطلق عَلَيْهِ يُرِيد وَيصدق فِي أَنَّهَا صنعت مَا تستوجب بِهِ ذَلِك لَا أَنه يكون لَهُ ذَلِك دون سَبَب، وَكَذَلِكَ من حلف بحريّة عَبده ليضربنه ضربا يَسِيرا دون شَيْء أذنبه لم يُمكن مِنْهُ. وَقَالَ ابْن أبي زيد: يُمكن من ذَلِك وَهُوَ بعيد وَلَا يَصح أَن يُقَال ذَلِك فِي الْحرَّة قَالَ: وَمن هَذَا الْمَعْنى لَو حلف بِطَلَاق امْرَأَته الْأُخْرَى أَو بحريّة عَبده ليجلدن هَذِه خمسين سَوْطًا فَإِن السُّلْطَان يحنثه إِلَّا أَن يثبت عَلَيْهَا أَنَّهَا فعلت مَا تستوجب بِهِ ذَلِك وَلَو كَانَت يَمِينه على ذَلِك بِاللَّه أَو بصيام أَو بمشي وَشبهه مِمَّا لَا يقْضِي بِهِ فَأَبت الْمَرْأَة أَن تذْهب مَعَه مَخَافَة أَن يضْربهَا ليسقط عَن نَفسه مَا حلف عَلَيْهِ، فلهَا ذَلِك من أجل أَنه لَا يُؤمن عَلَيْهَا ويطلقها الْحَاكِم طَلْقَة بَائِنَة اه. وَسُئِلَ سَحْنُون عَن الْمَرْأَة تَشْتَكِي أَن زَوجهَا يضْربهَا وَبهَا أثار ضرب وَلَا بَيِّنَة على مُعَاينَة ضربه قَالَ: يسئل عَنْهَا جِيرَانهَا فَإِن قَالُوا شَأْنه لَا ينْزع عَن ظلمها أدبه وحبسه فَإِن سمع الْجِيرَان الصياح مِنْهَا وَلم يحضروا ضربه إِيَّاهَا أدبه أَيْضا لِأَن هَذِه الْآثَار لَو كَانَت من غَيره لشكا هُوَ ذَلِك وَأنْكرهُ اه. فَعلم مِنْهُ أَن الْعشْرَة أسواط فَمَا دونهَا من الْخَفِيف الَّذِي لَا بُد فِيهِ من التّكْرَار حَيْثُ ادّعى هُوَ مَا يُوجب ذَلِك، وَهَذَا مَا لم تحصل مِنْهُ آثَار قبيحة كَمَا مرّ. السَّادِس: قَول النَّاظِم تثبت الضَّرَر أَي فِي بدنهَا كَمَا مر، وَأما إِن أضرّ بهَا فِي مَالهَا وَلم يكن لَهَا عَلَيْهِ فِيهِ شَرط نهي عَن ذَلِك وأغرم مَا أَخذه مِنْهُ فَإِن عَاد بعد النَّهْي عاقبه السُّلْطَان وَلم يُطلق عَلَيْهِ، وَإِن تكَرر إضراره اه. وَقد تحصل أَنه إِن أضرّ بهَا فِي بدنهَا فلهَا التَّطْلِيق من غير(1/488)
رفع للْحَاكِم إِذا كَانَ لَهَا بِهِ شَرط وَثَبت الضَّرَر عِنْد الْحَاكِم وَلم يجد الزَّوْج فِيهِ مطعناً وَإِن لم يكن لَهَا بِهِ شَرط فَقَوْلَانِ. أصَحهمَا لَا بُد من الرّفْع فَإِن طلقت نَفسهَا بِدُونِ رفع مضى طَلاقهَا كَمَا مر، وَحَيْثُ كَانَ الضَّرَر فِي بدنهَا فَالْكَلَام لَهَا وَإِن سَفِيهَة مولى عَلَيْهَا وَلَا كَلَام لوَلِيّهَا إِلَّا بتوكيل مِنْهَا وَإِن كَانَ الضَّرَر فِي مَالهَا فَالْكَلَام لَهُ لَا لَهَا وَالله أعلم. السَّابِع: إِذا اشْترطت عَلَيْهِ الزَّوْجَة أَن لَا يغيب عَنْهَا نصف سنة مثلا وَإِن فعل فَأمرهَا بِيَدِهَا فغزا الْعَدو فِي عَسْكَر مَأْمُون يُمكنهُ الرُّجُوع مِنْهُ قبل انْقِضَاء مُدَّة المغيب فَهزمَ الْجَيْش وَأسر الزَّوْج حَتَّى مضى الْأَجَل الْمُعَلق عَلَيْهِ فَلَا خِيَار لَهَا لِأَنَّهُ مَعْذُور، وَكَذَا إِن مرض أَو سجن سجناً لَا يقدر على دفع مُوجبه أَو منعته فتْنَة أَو فَسَاد طَرِيق حَتَّى مضى الْأَجَل بِخِلَاف مَا لَو غزا فِي سَرِيَّة فَأسر أَو سَافر فِي بَحر فتعذرت الرِّيَاح فَيَنْبَغِي أَن لَا يعْذر لِأَنَّهُ غر بِنَفسِهِ. انْظُر الْمُتَيْطِيَّة وَابْن عَرَفَة فِي مَبْحَث الشُّرُوط. وَإنْ ثُبُوتُ ضَرَرِ تَعَذَّرَا لِزَوْجَةٍ وَرْفعُهَا تَكَرَّرَا (وَإِن) شَرط (ثُبُوت ضَرَر) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (تعذرا) أَي وَإِن تعذر ثُبُوت ضَرَر فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ (لزوجة) يتَعَلَّق بِهِ. ورفعها) مُبْتَدأ خَبره (تكررا) وَالْجُمْلَة حَال أَي وَالْحَال إِن رَفعهَا للْحَاكِم شاكية بِهِ تكَرر. فَالحَكَمَانِ بَعْدُ يُبْعَثَانِ بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; الْقُرْآنِ (فالحكمان) مُبْتَدأ (بعد) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (يبعثان) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (بَينهمَا) يتَعَلَّق بالمبتدأ الْمَذْكُور، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط أَي فالحكمان بَينهمَا يبعثان بعد تكْرَار شكواها، وسؤال القَاضِي جِيرَانهَا عَن أمرهَا إِن كَانَ فيهم عدُول وأسكنها مَعَهم وَعمي أمرهَا. قَالَ ابْن سهل: إِذا شكت الزَّوْجَة ضَرَر زَوجهَا فَالْوَاجِب أَن تسئل بَيَان ضررها فَلَعَلَّهُ منعهَا من الْحمام وتأديبها على ترك الصَّلَاة فَإِن بيّنت ضَرَرا لَا يجوز وقف عَلَيْهِ زَوجهَا فَإِن أنكرهُ أمرهَا بِالْبَيِّنَةِ فَإِن عجزت وتكررت شكواها كشف القَاضِي عَن أمرهَا جِيرَانهَا إِن كَانَ فيهم عدُول فَإِن لم يَكُونُوا فيهم أَمر القَاضِي بإسكانها بِموضع يكون لَهُ جيران عدُول فَإِن كَانَ من ضَرَره مَا يُوجب تأديبه أدبه وَإِن كَانَ لَهَا شَرط فِي الضَّرَر أَمر لَهَا بِالْأَخْذِ بِهِ وَإِن عمي خَبَرهَا بعث الْحكمَيْنِ اه من ابْن عَرَفَة. تَنْبِيه: ظَاهر كَلَامه ككلام النَّاظِم وَابْن سَلمُون وَغَيرهم أَنه لَا يجب على الزَّوْج ضَمَان الضَّرَر حَيْثُ أَمرهمَا بالإسكان مَعَ قوم صالحين فَمَا يَفْعَله الْقُضَاة الْيَوْم من إِلْزَامه بذلك وسجنه إِن لم يجده خطأ صراح إِذْ لَا مُسْتَند لَهُ فِيمَا علمت على أَن الضَّرَر لَا يُمكن اسْتِيفَاؤهُ من ضامنه فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ ضَامِن الطّلب كَمَا قَالَ (خَ) وبالطلب وَإِن فِي قصاص الخ. فَإِنَّهُ يجب أَن يبين ذَلِك للزَّوْج وَأَنه إِن عجز عَنهُ لَا يسجن لأَجله إِذْ لَا يسجن أحد فِيمَا يترقب ثُبُوت مَا يُوجِبهُ الحكم(1/489)
عَلَيْهِ. وَلم أَقف على من قَالَ بِهِ، وَأما ضَامِن الْفَرْض فَهُوَ من ضَمَان مَا هُوَ آيل للُزُوم كَمَا قَالَ (خَ) بدين لَازم أَو آيل لَكِن لَا يلْزم إِعْطَاء الضَّامِن بِهِ بِحَيْثُ إِذا عجز عَن إِعْطَائِهِ يسجن لأَجله، وَإِنَّمَا معنى كَلَام الْأَئِمَّة إِذا طاع الْمَضْمُون عَنهُ بِهِ صَحَّ الضَّمَان، وَلم أَقف أَيْضا على من قَالَ بإلزام الزَّوْج بذلك قبل ترَتّب الْفَرْض الْمَذْكُور فِي ذمَّته، إِذْ لَا يصير دينا عَلَيْهِ قبل مُضِيّ زَمَنه، وَحِينَئِذٍ فَلَا يسجن لعَجزه عَن الضَّامِن قبل ترتبه عَلَيْهِ مَا لم يرد سفرا فيطلب بالكفيل حِينَئِذٍ فَإِن فر طلقت عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَة أَو يُبَاع مَاله فِيهَا إِن كَانَ لَهُ مَال. وَلَا يُقَال الْمَرْأَة لَا يلْزمهَا أَن تمكنه من الِاسْتِمْتَاع إِلَّا بضامن فِي نَفَقَتهَا لِأَن الِاسْتِمْتَاع فِي مُقَابلَة النَّفَقَة فَيكون ذَلِك من بَاب قَول (خَ) وداين فلَانا وَلزِمَ فِيمَا ثَبت الخ. لأَنا نقُول إِنَّمَا يكون لَهَا منعهَا من نَفسهَا إِذا ثَبت الضَّرَر وأرادت الْقيام بِهِ كَمَا مرّ وَالْفَرْض هَهُنَا أَنه لم يثبت ومنعها من الِاسْتِمْتَاع حَتَّى يُعْطِيهَا ضَامِنا بنفقتها الْمُسْتَقْبلَة خلاف ظَاهر كَلَام الْأَئِمَّة، وَخلاف ظَاهر قَول (خَ) وَلَيْسَ لَهَا منع نَفسهَا وَإِن منعته من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده الخ. فَإِذا لم يكن لَهَا منع نَفسهَا فِيمَا وَجب لَهَا الْآن فأحرى فِيمَا يجب فِي الْمُسْتَقْبل فَمَا يَفْعَله الْقُضَاة الْيَوْم من سجنه بِالْعَجزِ عَن ضَامِن الْفَرْض الْمَذْكُور لَا مساعد لَهُ نقلا. وَانْظُر (ح) عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: أَو على شَرط يُنَاقض الْمَقْصُود يتَبَيَّن مَا ذَكرْنَاهُ، وَانْظُر أَيْضا عَنهُ قَوْله فِي النَّفَقَات وَلها طلبه بِنَفَقَة الْمُسْتَقْبل الخ. (بِمُقْتَضى) يتَعَلَّق بالْخبر الْمُتَقَدّم (الْقُرْآن) أَي حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا. إنْ وُجِدَا عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا وَالْبَعْثُ مِنْ غَيْرِهِما إنْ عُدِمَا (إِن وجدا) شَرط فِيمَا قبله حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (عَدْلَيْنِ) حَال من نَائِب وجدا لِأَن الظَّاهِر أَنَّهَا لَا تتعدى لاثْنَيْنِ هَهُنَا (من أهلهما) حَال بعد حَال (والبعث) مُبْتَدأ (من غَيرهمَا) خبر أَي كَائِن من غير أهلهما (إِن عدما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول شَرط حذف جَوَابه للْعلم بِهِ. وَحَاصِله؛ أَن الْمَرْأَة إِذا تَكَرَّرت شكواها بِضَرَر زَوجهَا فَإِن الْحَاكِم يَأْمر جِيرَانهَا بتفقد أحوالها فَإِن لم يكن فِي الْجِيرَان من تجوز شَهَادَته سكنهما بَين قوم صالحين وَلَا تنقل للحاضرة كَمَا مرّ أول الْفَصْل، وَكَذَا الحكم إِن تَكَرَّرت شكواه بهَا فَإِن شهد الْجِيرَان الَّذين تجوز شَهَادَتهم أَو الْقَوْم الصالحون الَّذين سكنوا بَينهم بضرره بهَا فَهُوَ مَا مر قبل هَذِه الأبيات. وَإِن لم يشْهدُوا بِشَيْء لكَوْنهم أشكل عَلَيْهِم أَمرهمَا وَلَا زَالَت الزَّوْجَة تَشْتَكِي الضَّرَر فَإِن الْحَاكِم حِينَئِذٍ يبْعَث حكمين فقيهين بذلك الْأَمر الَّذِي ينْظرَانِ فِيهِ عَدْلَيْنِ من أهلهما فَإِن عدم وجودهما من أهلهما أَو وجدا وَلَكِن كَانَا غير فقيهين أَو غير عَدْلَيْنِ أَو عَدْلَيْنِ فقيهين، وَلَكِن تعذر بعثها بعث حكمين فقيهين عَدْلَيْنِ من غير أهلهما فيدخلان عَلَيْهِمَا الْمرة بعد الْمرة ويجتهدان فِي الْإِصْلَاح بَينهمَا، ويخلو كل مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ إِن كَانَا من أهلهما وَيَقُول لَهُ: مَا تنقم مِنْهَا أَو مِنْهُ وَإِن كَانَ لَك غَرَض فِيهَا رددناها إِلَيْك صاغرة أَو رددناه ويذكرانهما (خَ) : وسكنهما بَين قوم صالحين إِن لم تكن بَينهم وَإِن أشكل أَي دَامَ الْإِشْكَال(1/490)
بعث حكمين من أهلهما إِن أمكن وَبَطل حكم غير الْعدْل إِلَى أَن قَالَ: وَعَلَيْهِمَا الْإِصْلَاح فَإِن تعذر فَإِن أَسَاءَ الزَّوْج طلقا بِلَا خلع، وَبِالْعَكْسِ ائتمناه عَلَيْهَا أَو خالعا لَهُ بنظرهما وَإِن أَسَاءَ فَهَل يتَعَيَّن الطَّلَاق بِلَا خلع أَو لَهما أَن يخالعا بِالنّظرِ وَعَلِيهِ الْأَكْثَر تَأْوِيلَانِ الخ. وَانْظُر لَو دَامَ الْإِشْكَال بعد بعث الْحكمَيْنِ وَطَالَ الْأَمر وَلَا زَالَت الشكوى مترددة هَل يخالعان بِالنّظرِ حَيْثُ لم تطلب عشرتهما أَو يأتمناه عَلَيْهَا أَو يُرْسل حكمين آخَرين أَو أمينة، إِذْ رُبمَا لم يتَبَيَّن لِلْحكمَيْنِ الْأَوَّلين حَالهمَا لتقصيرهما أَو لعدم معرفتهما بالقرائن، إِذْ الضَّرَر مِمَّا يعْتَمد فِيهِ على الْفراش وَلَا يعرفهَا إِلَّا الفطن النَّاقِد. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر. وَقَوله: وَبِالْعَكْسِ ائتمناه عَلَيْهَا أَي مَا لم يرد فراقها وَإِلَّا فرقا وَلَا شَيْء لَهَا من الْمهْر، بل لَو حكما عَلَيْهَا بِأَكْثَرَ من الْمهْر جَازَ إِن كَانَ سداداً نَقله ابْن عَرَفَة. وَمَا بِهِ قَدْ حَكِمَا يُمْضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; وَلا إعْذَارَ لِلزَّوْجَيْنِ فِيمَا فَعَلاَ (وَمَا) مُبْتَدأ مَوْصُول (بِهِ) يتَعَلَّق بالصلة الَّتِي هِيَ (قد حكما) وَقَوله: (يمضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر وَيحْتَمل أَن يكون بِفَتْح الْيَاء وَكسر الضَّاد مَبْنِيا للْفَاعِل بِمَعْنى ينفذ (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (إعذار) اسْمهَا (للزوجين) خَبَرهَا (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (فعلا) صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي فعلاه. ابْن عَرَفَة عَن الْبَاجِيّ: وحكمهما على وَجه الحكم لَا الْوكَالَة فَينفذ وَإِن خَالف مَذْهَب من بعثهما جمعا أَو فرقا. ابْن شَاس وَقيل: بل هما وكيلان. ابْن عَرَفَة: وَدلَالَة ابْن الْحَاجِب على عدم نُفُوذه على القَوْل بِالْوكَالَةِ لَا أعلمهُ فِي الْمَذْهَب بِحَال، بل الْجَارِي عَلَيْهِ غير ذَلِك حَسْبَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله اه. وَفِي الْمُقدمَات لَا إعذار لأحد الزَّوْجَيْنِ فِيمَا حكم بِهِ الحكمان لِأَنَّهُمَا لَا يحكمان بِالشَّهَادَةِ القاطعة، وَإِنَّمَا يحكمان بِمَا خلص إِلَيْهِمَا من علم أحوالهما بعد النّظر والكشف نَقله (م) وَنَقله ابْن عَرَفَة بِلَفْظ: لِأَنَّهُمَا لَا يحكمان فِي ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ القاطعة، وَمَعْنَاهُ وَالله أعلم أَن الشَّارِع جعل لَهما أَن يستندا لعلمهما فِيمَا حكما بِهِ فليسا بِشَاهِدين عِنْد الْغَيْر بِمَا علما حَتَّى يعْذر فيهمَا وإلاَّ فَكل شَاهد إِنَّمَا يشْهد بِمَا خلص إِلَيْهِ من أَمر الْمَشْهُود بِهِ، وَفِيه الْإِعْذَار على كل حَال، وَهَذَا على القَوْل الأول، وَأما على الثَّانِي فَإِنَّهُمَا نائبان عَن القَاضِي كالموجهين للتحليف والحيازة وَنَحْوهمَا فَلَا إعذار أَيْضا كَمَا مر، وَفهم من قَوْله: حكما الخ. أَنه لَو انْفَرد أَحدهمَا بالحكم بِالطَّلَاق أَو بِغَيْرِهِ لم ينفذ وَلَو اجْتمعَا عَلَيْهِ بعد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن اللَّخْمِيّ وَإِن اجْتمعَا على الطَّلَاق وَاخْتلفَا فِي كَونه على مَال مَعْلُوم أَو بِلَا شَيْء فَإِن لم تلتزم الزَّوْجَة لِلْمَالِ فَلَا طَلَاق وَإِن أوقعا أَكثر من طَلْقَة وَاحِدَة فَلَا تلْزم إِلَّا الْوَاحِدَة.(1/491)
(فصل فِي الرَّضَاع)
هُوَ لُغَة بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا مَعَ إِثْبَات التَّاء وَتركهَا من بَاب تَعب فِي لُغَة نجد، وَمن بَاب ضرب فِي لُغَة تهَامَة وَأهل مَكَّة يَتَكَلَّمُونَ بهما قَالَه فِي الْمِصْبَاح. عِيَاض: وأرضعته أمه وَامْرَأَة مرضع أَي لَهَا ولد ترْضِعه فَإِن وصفتها بإرضاع الْوَلَد قلت مُرْضِعَة قَالَ فِي الكافية: وَمَا من الصِّفَات بِالْأُنْثَى يخص عَن تَاء اسْتغنى لِأَن اللَّفْظ نَص وَحَيْثُ معنى الْفِعْل يَنْوِي التَّاء زد كذي غَدَتْ مُرْضِعَة طفْلا ولد وَحَاصِله؛ أَنه إِن أُرِيد أَنَّهَا ترْضع بِالْقُوَّةِ فيجرد من التَّاء وَإِن أُرِيد أَنَّهَا ترْضع بِالْفِعْلِ فَتثبت التَّاء قَالَه (م) . وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: هُوَ وُصُول لبن آدَمِيّ لمحل مَظَنَّة غذَاء آخر، ثمَّ علل تَعْرِيفه بالوصول الشَّامِل للوصول من الْفَم وَغَيره بقوله: لتحريمهم بالسعوط والحقنة وَلَا دَلِيل إِلَّا مُسَمّى الرَّضَاع اه. لَكِن لَا بُد أَن يصل للجوف من منفذ وَاسع وَلَو ظنا أَو شكا وَإِن من أنف وَهُوَ السعوط بِفَتْح السِّين لَا من عين أَو أذن فَلَو وصل للحلق ورد فَلَا. وَلَا بُد أَن يحصل فِي الحقنة الْغذَاء بِهِ بِالْفِعْلِ، وَلَا تَكْفِي المظنة وَلَا بُد أَيْضا أَن يحصل قبل الِاسْتِغْنَاء عَنهُ بِالطَّعَامِ فَإِن اسْتغنى وَلَو دَاخل الْحَوْلَيْنِ فَلَا. وَكُلُّ مَنْ تَحْرُمُ شَرْعاً بِالنَّسَبْ فَمِثْلُهَا مِنَ الرَّضَاعِ يُجْتَنَبْ (وكل من) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (تحرم) صلَة الْمَوْصُول (شرعا) تَمْيِيز أَو مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض وَهُوَ أظهر معنى (بِالنّسَبِ) يتَعَلَّق بتحرم (فمثلها) مُبْتَدأ (من الرَّضَاع) حَال مِنْهُ على ضعف (يجْتَنب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول وَدخلت الْفَاء فِي هَذَا الْخَبَر لشبه الْمُبْتَدَأ بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام. وَالْمحرم شرعا بِالنّسَبِ سبع: وَهِي الْمَذْكُورَات فِي قَوْله تَعَالَى: حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} (النِّسَاء: 23) الْآيَة وَالْمحرم من الرَّضَاع سبع أَيْضا: اثْنَان(1/492)
بِالْكتاب وَهِي الْأُم من الرَّضَاع وَالْأُخْت من الرَّضَاع لقَوْله تَعَالَى: وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} (النِّسَاء: 23) وَالْبَاقِي بِالسنةِ وَهِي الْبِنْت من الرَّضَاع والعمات مِنْهُ والخالات مِنْهُ وَبنت الْأَخ مِنْهُ وَبنت الْأُخْت مِنْهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب) . فَلَمَّا كَانَ اللَّبن يحرم من قبل الْمُرضعَة وَمن قبل الْفَحْل نزلت الْمُرضعَة منزلَة أم النّسَب فَحرمت على الرَّضِيع هِيَ وبناتها وَإِن سفلن لِأَنَّهُنَّ أَخَوَات للرضيع أَو بَنَات أُخْت لَهُ وَأَخَوَاتهَا لِأَنَّهُنَّ خالات وأمهاتها وَإِن علين لِأَنَّهُنَّ جدات لَهُ، وَنزل الْفَحْل منزلَة الْأَب فَحرم من قبله على الرَّضِيع مَا يحرم عَلَيْهِ من قبل أبي النّسَب فَيحرم على ذَلِك الرَّضِيع إِن كَانَ ذكرا أَن يتَزَوَّج بِأم أَبِيه من الرَّضَاع وَإِن علت لِأَنَّهَا جدته، وبابنة أَبِيه مِنْهُ لِأَنَّهَا أُخْته، وبأخت أَبِيه لِأَنَّهَا عمته، وبابنة أُخْته أَو أَخِيه مِنْهُ، وَهَكَذَا وَإِن كَانَ الرَّضِيع أُنْثَى فَيحرم عَلَيْهَا أَن تتَزَوَّج بأبيها مِنْهُ وَلَا بِأَبِيهِ لِأَنَّهُ جدها وَإِن علا، وبأخي أَبِيهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمها وبأخيها وبابن أَخِيهَا وَأُخْتهَا مِنْهُ وَإِن سفلوا، وَلَا تحرم الْأُم الَّتِي أَرْضَعتك على أَخِيك وَلَا على أَبِيك وَكَذَا بناتها. (خَ) : وَقدر الطِّفْل خَاصَّة ولدا لصاحبة اللَّبن ولصاحبة من وَطئه لانقطاعه وَلَو بعد سِنِين الخ. وَقَالَ فِي الرسَالَة: وَمن أرضعت صَبيا فبنات تِلْكَ الْمَرْأَة وَبَنَات فَحلهَا مَا تقدم أَو تَأَخّر أَخَوَات لَهُ ولأخيه نِكَاح بناتها اه. وَكَذَا نِكَاحهَا إِذْ لَا رضَاع بَينه وَبَينهَا وَلَا نسب. وَحَاصِله أَن زيدا إِذا أَرْضَعَتْه هِنْد مثلا وَزوجهَا خَالِد وَلَهُمَا ابْن اسْمه عَمْرو فَاجْعَلْ زيدا كعمرو فِي الحكم من غير فرق أصلا، فَكل من يحرم على عَمْرو يحرم على زيد، وَيَأْتِي قَول (خَ) فِي النِّكَاح: وَحرَام أُصُوله وفصوله الخ. فَكل مَا تفرع من أَبنَاء زيد فحكمهم حكم أَبِيهِم زيد، وَكَذَا ابْن زيد رضَاعًا أَي من رضع فِي لبنه بِخِلَاف أصُول زيد وأخوته فَلَا تحرم عَلَيْهِم هِنْد وَلَا أخواتها وَلَا بناتها من أجل إِرْضَاع زيد بل إِن كَانَ هُنَاكَ سَبَب آخر للْحُرْمَة اعْتبر من مصاهرة أَو رضَاع فَكَذَلِك وإلاَّ فَلَا، وَبِالْجُمْلَةِ فالرضيع وفروعه نسبا ورضاعاً يحرم عَلَيْهِم الْمُرضعَة وفروعها نسبا ورضاعاً، وَكَذَا يحرم عَلَيْهِم أُصُولهَا نسبا ورضاعاً، وَكَذَا أصُول بَعْلهَا وفروعه من غَيرهَا نسبا ورضاعاً وَإِن علوا الْأُصُول أَو سفل الْفُرُوع فِي الْجَمِيل، وَكَذَا يحرم عَلَيْهِم حواشيها وحواشي بَعْلهَا، وَأما أَبنَاء حواشيها فَلَا يحرموا على الرَّضِيع فضلا عَن فروعه كالنسب، وَأما أصُول الرَّضِيع وحواشيه نسبا ورضاعاً فَلَا تحرم عَلَيْهِم الْمُرضعَة وَلَا فروعها وَلَا أُصُولهَا وَلَا حواشيها وهم المستثنون وَفِي كَلَام (خَ) وَانْظُر بسط اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة على ابْن دَقِيق الْعِيد فِي الِاسْتِثْنَاء الَّذِي أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: إِلَّا أم أَخِيك الخ. فِي الورقة السَّابِعَة وَالْعِشْرين وَالْمِائَة من أنكحة المعيار واعتراضه مناقشة لفظية لَا غير، وَبِالْجُمْلَةِ فَوجه اعتراضه أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (يحرم بِالرّضَاعِ) الخ. أَي بِسَبَب(1/493)
الرَّضَاع فالباء سَبَبِيَّة وَلَا رضَاع بَيْنك وَبَين أم أَخِيك من الرَّضَاع فَلم تدخل مَعْنَاهُ حَتَّى يحْتَاج إِلَى استثنائها وَأم أَخِيك من النّسَب لم تحرم من جِهَة كَونهَا أم أَخِيك، بل من جِهَة أَنَّهَا أمك أَو زَوْجَة أَبِيك، وَهَكَذَا وَالله أعلم. فإنْ أقَرَّ الزَّوْجُ بالرِّضَاعِ فَهُوَ إِلَى فَسْخِ النِّكَاحِ دَاعي (وَإِن أقرّ) شَرط (الزَّوْج) فَاعل (بِالرّضَاعِ) يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط (فَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْإِقْرَار الْمَفْهُوم من أقرّ (إِلَى فسخ النِّكَاح) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (دَاعِي) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط دلّت عَلَيْهِ الْفَاء لِأَنَّهُ لَا يصلح لِأَن يكون شرطا، وَظَاهر النّظم أَنه يفْسخ وجوبا قبل الدُّخُول وَبعده وَهُوَ كَذَلِك، وَسَيَأْتِي حكم مَا إِذا لم يقر وَلَكِن يثبت بِبَيِّنَة وَلَو رجلا وَامْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ إِن فَشَا فَإِنَّهُ يفْسخ أَيْضا بعد الْإِعْذَار وَالْعجز عَن الدّفع كَمَا يفهم مِمَّا قبل هَذَا، لَكِن إِن فسخ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا شَيْء لَهَا قبل الْبناء وَإِن فسخ بعده فلهَا الصَدَاق كُله بِخِلَاف مَا إِذا فسخ بِالْإِقْرَارِ فلهَا الْكل بعده وَالنّصف قبله كَمَا قَالَ: ويَلْزَمُ الصَّدَاقُ بالبِنَاءِ ونِصْفُهُ مِنْ قَبْلِ الابتناءِ (وَيلْزم) بِالنّصب (الصَدَاق) فَاعله (بِالْبِنَاءِ) يتَعَلَّق بيلزم وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر معطوفة على فسخ (وَنصفه) مُبْتَدأ خَبره قَوْله (من قبل الابتناءِ) وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا أَي فَإِقْرَاره دَاع إِلَى فسخ النِّكَاح وَإِلَى لُزُوم كل الصَدَاق بِالْبِنَاءِ وَلُزُوم نصفه من قبل الابتناء، وَإِنَّمَا لزمَه النّصْف فِي الْإِقْرَار قبله لاتهامه على أَنه إِنَّمَا أقرّ ليسقط عَنهُ نصف الصَدَاق، وَلذَا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء إِذا أَقَامَ بَيِّنَة على مَا ادَّعَاهُ من الرَّضَاع أَو على أَنه كَانَ يقر بِهِ قبل العقد أَو صدقته الْمَرْأَة فِي دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. كَذَاكَ بالإقْرَارِ مِنْهُمَا مَعا لَا بِاعْتِرَافِ زوجَةٍ إنْ وَقَعا (كَذَاك) يتَعَلَّق بِفعل مُقَدّر (بِالْإِقْرَارِ) يتَعَلَّق بذلك الْمُقدر (مِنْهُمَا) يتَعَلَّق بِالْإِقْرَارِ (مَعًا) حَال أَي كَذَلِك يفْسخ بإقرارهما مَعًا وَظَاهره أقرا مَعًا قبل العقد أَو بعده، لَكِن إِن فسخ قبل الدُّخُول بِسَبَب إقرارهما بِهِ قبل العقد أَو بعده فَلَا شَيْء لَهَا وَإِن دخل فلهَا الْمُسَمّى إِن كَانَ أَو صدَاق الْمثل سَوَاء دخلا عَالمين بِهِ أَو جاهلين ثمَّ تذكرا أَو عَالما بِهِ هُوَ وَحده فَإِن علمت بِالرّضَاعِ وَحدهَا حِين الدُّخُول وَأنكر هُوَ الْعلم وَلَكِن صدقهَا فِيهِ فلهَا ربع دِينَار فَقَط لِأَنَّهَا غَارة (خَ) وَفسخ نِكَاح المتصادقين عَلَيْهِ كقيام بَيِّنَة على إِقْرَار أَحدهمَا قبل العقد وَلها الْمُسَمّى بِالدُّخُولِ إِلَّا أَن تعلم فَقَط فكالغارة الخ. (لَا) عاطفة (باعتراف) مَعْطُوف على بِإِقْرَار (زَوْجَة) مُضَاف إِلَيْهِ (إِن وَقعا) شَرط(1/494)
حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ. وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر صفة لاعتراف، وَيحْتَمل أَن يكون باعتراف مُتَعَلقا بوقعا، وَالْجُمْلَة معطوفة على مُقَدّر قبلهَا أَي كَذَلِك يفْسخ إِن ثَبت بإقرارهما لَا إِن وَقع باعتراف زَوْجَة، لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ أَن لَا تعطف الْجمل كَمَا يرد على الأول أَن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة لَا تكون وَصفا. وَظَاهر النّظم أَن إقرارهما لَا يُوجب فسخا وَلَو كَانَ قبل العقد وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إقرارهما أَو إِقْرَار أَحدهمَا قبل العقد مُوجب للْفَسْخ مُطلقًا قبل الْبناء وَبعده كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، فيقيد كَلَام النَّاظِم بِمَا إِذا أقرَّت بعد العقد (خَ) : وَإِن ادَّعَتْهُ أَي الرَّضَاع بعد العقد لم ينْدَفع وَلَا تقدر على طلب الْمهْر قبله أَي قبل الدُّخُول. وَيُفْسَخُ النِّكاحُ بالعَدْليْنِ بِصِحَّةِ الإرْضاعِ شاهِدَيْنِ (وَيفْسخ النِّكَاح) فعل ونائبه (بالعدلين) يتَعَلَّق بيفسخ (بِصِحَّة الْإِرْضَاع) يتَعَلَّق بِالْحَال الَّذِي هُوَ قَوْله (شَاهِدين) . وِبِاثْنَتَيْنِ إنْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا مِنْ قَبْلِ عَقْدٍ قد فَشا وعُلما (وباثنتين) مَعْطُوف على العدلين (إِن يكن) شَرط (قَوْلهمَا) اسْم يكن (من قبل عقد) يتَعَلَّق بقوله (قد فَشَا وعلما) مَعْطُوف على فَشَا، وَالْجُمْلَة من فَشَا ومتعلقه ومعطوفه خبر يكن، وَيجوز أَن يكون الْمَجْرُور مُتَعَلقا باسم يكن وَيجوز أَن يكون خَبَرهَا وَجُمْلَة فَشَا فِي مَحل نصب على الْحَال من الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر. ورجُلٍ وامْرَأةٍ كَذا وَفي واحِدَةٍ خُلْفٌ وَفِي الأوْلَى اقْتُفِي (وَرجل وَامْرَأَة) بِالْجَرِّ معطوفان على العدلين (كَذَا) فِي مَوضِع الصّفة أَي كائنين كَذَا أَي فاشياً من قَوْلهمَا أَيْضا، وَيجوز أَن يكون رجل مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَي وَشَهَادَة رجل وَامْرَأَة كائنة كَذَلِك فِي إِيجَاب الْفَسْخ. (وَفِي وَاحِدَة) خبر عَن قَوْله (خلف وَفِي الأولى) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو يتَعَلَّق بقوله: (اقتفي) وَالْجُمْلَة استئنافية، وَمعنى اقتفي اتبع. وَالْحَاصِل أَن الرَّضَاع يثبت بعدلين وَيفْسخ النِّكَاح بهما اتفافاً وَإِن لم يفش من قَوْلهمَا قبل(1/495)
العقد وبامرأتين وبرجل مَعَ امْرَأَة بِشَرْط الفشو فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ اتِّفَاقًا أَيْضا لَا بِدُونِ فشو فَلَا يفْسخ وَلَا يثبت بهما الرَّضَاع فيهمَا على الْمُعْتَمد، وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف قوي، وَأما الْمَرْأَة الْوَاحِدَة فَمَعَ عدم الفشو لَا يثبت اتِّفَاقًا وَمَعَ الفشو فِيهَا قَولَانِ. عدم الثُّبُوت وَهُوَ لِابْنِ حبيب عَن ابْن الْقَاسِم، وَالثَّانِي يثبت وَيفْسخ بذلك النِّكَاح وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَة. ابْن فتوح: وَهُوَ أظهر نقل ذَلِك ابْن سَلمُون (خَ) : لَا بِامْرَأَة وَلَو فَشَا وَندب التَّنَزُّه مُطلقًا الخ. ثمَّ إِنَّه لَا تشْتَرط الْعَدَالَة مَعَ الفشو على الرَّاجِح إِذْ هُوَ قَول ابْن الْقَاسِم من رِوَايَته عَن مَالك وَيبقى النّظر فِي الرجل الْوَاحِد إِذا حصل من قَوْله فشو قبل العقد فَإِنَّهُ أقوى من الْمَرْأَة مَعَ الفشو فَيَقْتَضِي ذَلِك ثُبُوت الرَّضَاع بِهِ قَالَه ابْن رحال قَالَ: وَلم أَقف فِيهِ على شَيْء بعد الْبَحْث عَنهُ. تَنْبِيهَانِ. الأول: يثبت الرَّضَاع أَيْضا بِالسَّمَاعِ الفاشي بِإِقْرَار أحد الزَّوْجَيْنِ قبل العقد قَالَه القلشاني. وَتقدم أول الْفَصْل الَّذِي قبل هَذَا وَفِي فصل شَهَادَة السماع أَن الرَّضَاع مِمَّا يثبت بِالسَّمَاعِ. وَإِن لم يكن عَن الثِّقَات، لَكِن إِنَّمَا يعْمل بِهِ قبل العقد وإلاَّ فَلَا إِن أنكر الزَّوْج لقَولهم لَا ينْزع بِهِ من يَد حائز وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. الثَّانِي: فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن ابْن الْقَاسِم فِي الْمَبْسُوط: أَن شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ بِالرّضَاعِ عاملة سَوَاء قامتا حِين علمتا بِالنِّكَاحِ أَو بعد ذَلِك. وَقَالَ ابْن نَافِع: لَا تقبل إِلَّا أَن يقوما عِنْد النِّكَاح وَأما بعد طول فَلَا. قلت: وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْجَارِي على قَول (خَ) وَفِي مَحْض حق الله تجب الْمُبَادرَة بالإمكان إِن استديم تَحْرِيمه كعتق ووقف وَطَلَاق ورضاع الخ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة، إِثْر مَا مر: وَأَدَاء الْمَرْأَتَيْنِ لَا يكون إِلَّا مَعًا وَلَا يجوز بافتراقهما لقَوْله تَعَالَى: فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} (الْبَقَرَة: 282) وَلَا يذكرك إِلَّا من حضرك قَالَه أَبُو مُحَمَّد، ورده بعض الموثقين بِأَنَّهُ قد يَتَأَتَّى التَّذْكِير قبل الْأَدَاء ثمَّ يفرقان عِنْده، وَقيل معنى تذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى تصيرها فِي الشَّهَادَة كذكر اه.
(فصل فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ وَمَا يردان بِهِ)
هُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام إِذْ من الْعُيُوب مَا لَا رد بِهِ، ثمَّ إِن مُوجبَات الْخِيَار فِي النِّكَاح ثَلَاثَة: اثْنَان يَسْتَوِي فيهمَا الرجل وَالْمَرْأَة وهما الْعَيْب والغرور بِالْحُرِّيَّةِ، وَوَاحِد يخْتَص بِالْمَرْأَةِ وَهُوَ عتق الْأمة تَحت زَوجهَا العَبْد وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ: عيب غرور سَبَب الْخِيَار فِي تناكح كَذَاك عتق فاعرف فَأَشَارَ النَّاظِم للعيوب الْمُشْتَركَة بقوله:(1/496)
مِنَ الجُنُونِ والجُذامِ والبَرَصْ والدَّاءُ فِي الفَرْجِ الخِيارُ يُقْتَنَصْ (من الْجُنُون والجذام والبرص والداء فِي الْفرج) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال مِمَّا قبله يَلِيهِ (الْخِيَار) مُبْتَدأ (يقتنص) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبره وَالْمَجْرُور وَمَا عطف عَلَيْهِ يتَعَلَّق بِهِ، وَمعنى يقتنص يثبت وَيحصل وَشَمل كَلَامه الرجل وَالْمَرْأَة فَإِن للسالم الْخِيَار فِي الآخر، بل ظَاهره أَن لكل مِنْهُمَا الْخِيَار، وَإِذا اخْتَار السَّالِم الْفِرَاق فيؤجل الْمَعِيب للدواء على التَّفْصِيل الْآتِي ثمَّ بعد مضيه يفرق بَينهمَا، وَظَاهره وَلَو كَانَ كل مِنْهُمَا معيبا بِعَيْب صَاحبه أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِك على مَا فِي (ح) عَن الرجراجي، وَالَّذِي للخمي أَن كلاًّ من الزَّوْجَيْنِ إِذا اطلع على عيب بِصَاحِبِهِ مُخَالف لعيبه كجنونه وبرصها مثلا وَالْعَكْس، فَلِكُل مِنْهُمَا الْخِيَار وَإِن كَانَ مُوَافقا كبرصهما مَعًا أَو جنونهما مَعًا كَانَ لَهُ الْخِيَار دونهَا لِأَنَّهُ بذل صَدَاقا لسالمة، فَوجدَ مَا يكون صَدَاقهَا دون ذَلِك اه. وَقَوله فِي الْفرج أَي فرج الرجل وَفرج الْمَرْأَة، وَسَيَأْتِي أَن دَاء فرج الرجل الْجب والعنة والخصاء والاعتراض، وداء فرج الْمَرْأَة الرتق والقرن والعفل والإفضاء. وَبَقِي عَلَيْهِ من عُيُوب الْفرج العذْيَطة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُثَنَّاة تَحت والطاء الْمُهْملَة هِيَ حُدُوث الْغَائِط عِنْد الْجِمَاع وَمثله الْبَوْل عِنْده أَيْضا وَهِي من عُيُوب الْفرج الْمُشْتَركَة بَينهمَا وَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي عيب فرج غَيرهمَا وَأفهم قَوْله عِنْد الْجِمَاع أَنه إِن كَانَ أَحدهمَا يَبُول أَو يغيط فِي الْفراش لَا عِنْد الْجِمَاع لَا يردهُ الآخر بذلك وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد من أحد قَوْلَيْنِ، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الكراس السَّادِس من أنكحة المعيار. بَعْدَ ثُبوتِ العَيْبِ أَوْ إقْرَارِ بِهِ وَرَفْعِ الأمْرِ فِي المُخْتارِ (بعد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من نَائِب فَاعل يقتنص (ثُبُوت عيب) كل مِنْهُمَا مُضَاف إِلَيْهِ (أَو إِقْرَار) مَعْطُوف على مُقَدّر أَي بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار (بِهِ) يتَعَلَّق بِإِقْرَار وضميره للعيب (وَرفع الْأَمر) مَعْطُوف على ثُبُوت أَي بعد ثُبُوت الْعَيْب بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَبعد رفع الْأَمر للْحَاكِم وَمحل ثُبُوته بِالْإِقْرَارِ إِن كَانَ يَصح إِقْرَاره لَا نَحْو مَحْجُور عَلَيْهِ، وَيعرف الجذام والبرص بِنَظَر الْأَطِبَّاء إِلَيْهِمَا مَا لم يَكُونَا فِي الْعَوْرَة فيصدقان فِي نَفْيه، وَقيل: ينظر الرِّجَال للرجل وَالنِّسَاء للْمَرْأَة. ابْن هَارُون: وَلَو أَنَّهَا خالفته فِي وجود الْعَيْب بهَا فَإِن كَانَ ظَاهرا مثل الجذام والبرص بوجهها وكفيها فَإِنَّهُ يثبت بِالرِّجَالِ وَإِن كَانَ فِي سَائِر بدنهَا أثْبته النِّسَاء وَإِن كَانَ فِي فرجهَا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَابْن حبيب: تصدق فِي ذَلِك وَلَا ينظرها النِّسَاء. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ وَغَيره: تصدق مَعَ يَمِينهَا وَلها رد الْيَمين على الزَّوْج، وَقَالَ ابْن سَحْنُون عَن أَبِيه: ينظر إِلَيْهَا النِّسَاء فِي عيب الْفرج. ابْن فتحون فِي وثائقه: إِن نظر الرِّجَال إِلَى عُيُوب عَورَة الرجل جَائِز للضَّرُورَة كَمَا ينظر النِّسَاء إِلَى الْمَرْأَة اه.(1/497)
وَقد حكى الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح عَن ابْن علوان أحد مفتي تونس أَنه أَتَتْهُ امْرَأَة تزَوجهَا أندلسي وأساء عشرتها وعسر عَلَيْهَا التَّخَلُّص مِنْهُ فَقَالَ لَهَا: ادّعي عَلَيْهِ أَن دَاخل دبره برصاً فادعت ذَلِك عَلَيْهِ فَحكم عَلَيْهِ بِأَن ينظره الرِّجَال فِي ذَلِك الْمحل، فَلَمَّا رأى الزَّوْج ذَلِك طَلقهَا اه. قلت: وَبِهَذَا القَوْل جرى الْعَمَل قَالَ ناظمه: وَجَاز للنسوة لِلْفَرجِ النّظر من النِّسَاء إِن دَعَا لَهُ ضَرَر فَلَا مَفْهُوم للنسوة كَمَا مر وَمَا مر من أَن الْعَيْب إِذا كَانَ بِغَيْر الْفرج ينظر إِلَيْهِ الْأَطِبَّاء أَعنِي النِّسَاء للنِّسَاء وَالرِّجَال للرِّجَال، وَقيل: إِذا كَانَ الْعَيْب فِي الْمَرْأَة فَإِن الثَّوْب يشق عَنهُ حَتَّى ينظر إِلَيْهِ الْأَطِبَّاء. انْظُر الْمُفِيد. وَهَذَا فِي غير العذيطة وَأما هِيَ فقد نزلت فِي زمن أَحْمد بن نصر وَرمى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فَأمر أَن يطعم أَحدهمَا تيناً وَالْآخر فقوساً. فَإِذا ثَبت أَن الْعَيْب قبل العقد وَلم يبْق فِيهِ مقَال خير السَّالِم من الزَّوْجَيْنِ فَإِن اخْتَارَتْ الزَّوْجَة فراقها طَلقهَا الْحَاكِم عَلَيْهِ وَلَا يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا. (فِي) القَوْل (الْمُخْتَار) وَأما إِن حدث بعد العقد فَسَيَأْتِي، وَمُقَابل الْمُخْتَار أَن القَاضِي يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا، وَتقدم تَحْرِير ذَلِك فِي فصل الضَّرَر. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ إِثْر مَا مر عَنهُ بأوراق: إِذا شهد رجلَانِ من الْأَطِبَّاء أَحدهمَا ذمِّي أَن بجسم الزَّوْج برصاً لَا يشكان فِيهِ فَالَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة قبُول ذَلِك لِأَن ذَلِك علم مقتبس وَلَا يجْرِي مجْرى الشَّهَادَة، وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك مُطلقًا إِذا قدر على تَحْصِيل مَا هُوَ أثلج للصدر، فَيَنْبَغِي أَن يُؤمر الْعُدُول باختبار هَذَا هَل فِيهِ رَائِحَة أم لَا؟ فَإِن قَالُوا لَا رَائِحَة امتحن مَوْضِعه بِرَأْس إبرة فَإِن تغير واحمر لَونه وَدمِي فَلَيْسَ برصاً وَلَا مقَال للزَّوْجَة وَلَا أعلم وَجها أوثق من هَذَا وَمَا فِي الزَّمَان طَبِيب انْظُر تَمَامه. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ، إِثْر مَا مر عَن ابْن علوان مَا نَصه: وَكَانَ يَعْنِي ابْن علوان كثير التحيل فِي بعض الْمسَائِل فَمن ذَلِك مَا حُكيَ عَنهُ أَن امْرَأَة وَصِيّ على أَوْلَادهَا من قبل أَبِيهِم فضيق عَلَيْهَا أَوْلِيَاء الزَّوْج وَأَقَامُوا عَلَيْهَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا سَفِيهَة لَا تصلح للتقديم فَأَتَت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: إِذا قدموك غَدا للْقَاضِي فاعترفي لَهُم بذلك وَقَوْلِي لَهُم: إِنِّي أتلفته فِي أَيَّام السَّفه فَفعلت ذَلِك فسرحها القَاضِي لذَلِك. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَهَذَا التحيل إِن كَانَ ثَبت عِنْده فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا أَنَّهَا مظلومة فَهُوَ سَائِغ من بَاب الإنفاذ من المظلمات وإلاَّ فَالصَّوَاب أَنه لَا يجوز لِأَنَّهُ من بَاب تلقين الْخُصُوم القادح فِي الْعَدَالَة قَالَ: وَهَذِه الطَّرِيقَة مَعْرُوفَة لأبي حنيفَة الإِمَام الْمَشْهُور، فَمن ذَلِك مَا حكى ابْن رشد عَنهُ أَنه حضر بيعَة لبَعض الْمُلُوك وَأَظنهُ أَبَا جَعْفَر فَقَالَ أَبُو حنيفَة لأَصْحَابه: أَنا لَا أُبَايِعهُ فاحضروه وَأَجْلسهُ الْأَمِير إِلَى جنبه، فَلَمَّا بَايعه النَّاس قَالَ هُوَ فِي بيعَته: أُبَايِعك حَتَّى تقوم السَّاعَة على قصد الْمُبَالغَة فِيمَا أَوْهَمهُ وَلما خلا بِهِ أَصْحَابه قَالُوا لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: مَا بايعته وَإِنَّمَا أردْت بِقَوْلِي حَتَّى تقوم السَّاعَة لحَاجَة أَو غَيرهَا من ضرورياته فَانْظُر فِيهِ بَقِيَّة التحيلات المحكية عَنهُ. وَلما أجمل النَّاظِم رَحمَه الله فِي دَاء الْفرج أَشَارَ إِلَى تَفْصِيله بِالنِّسْبَةِ للزَّوْجَة فِيمَا يَأْتِي بقوله:(1/498)
والرتق دَاء الْفرج فِي النِّسَاء الخ. وَإِلَى تَفْصِيله بِالنِّسْبَةِ للزَّوْج هَهُنَا فَقَالَ: وداءُ فَرْجِ الزَّوْجِ بالقَضاءِ كالجَبِّ والعُنَّةِ والخِصاءِ (وداء فرج الزَّوْج) مُبْتَدأ ومضافان (بِالْقضَاءِ) بِمَعْنى الْمَفْعُول صفة لداء وَالْبَاء زَائِدَة أَي: وداء فرج الزَّوْج المقضى عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ لأَجله كَائِن (كالجب والعنة والخصاء) وَيحْتَمل أَن تكون مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف صفة للمبتدأ الْمَذْكُور أَي: وداء فرج الزَّوْج الْمُوجب للخيار بِالْقضَاءِ الخ. والجب قطع الذّكر والأنثيين مَعًا أَو خلق بدونهما، والعنين لُغَة هُوَ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاء وَشرعا من لَهُ ذكر صَغِير كالزر وَيُطلق أَيْضا على الَّذِي لَا ينتشر ذكره وَهُوَ الْمُعْتَرض، وَسَيَأْتِي، والخصي مَقْطُوع الذّكر أَو الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَو كَانَ قَائِم الذّكر حَيْثُ كَانَ لَا يمني، فَإِن أمنى فَلَا خِيَار لَهَا، وَمثل قطع الذّكر كُله قطع حشفته فَقَط على الرَّاجِح كَمَا فِي شرَّاح الْمَتْن فَإِن قيل: إِذا ثَبت الْخِيَار فِي الخصاء الَّذِي هُوَ قطع أَحدهمَا فأحرى أَن يثبت فِي الْجب الَّذِي هُوَ قطعهمَا مَعًا فالخصاء يُغني عَن الْجب. فَالْجَوَاب: أَن الْمَقْصُود بَيَان مَعَاني هَذِه الْأَلْفَاظ قَالَه فِي ضيح، والحصور الَّذِي يخلق بِغَيْر ذكر أَو بِذكر صَغِير كالزر، وَمحل الْخِيَار بِهَذِهِ الْأُمُور إِذا حدث ذَلِك قبل الْبناء وإلاَّ فَهُوَ مُصِيبَة نزلت بهَا كَمَا يَأْتِي فِي الِاعْتِرَاض. وَذَاكَ لَا يُرْجَى لهُ زَوَالُ فَلَيْسَ فِي الحُكْمِ بِهِ إمْهالُ (وَذَاكَ) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للداء الشَّامِل لللأمور الثَّلَاثَة (لَا يُرْجَى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (لَهُ) يتَعَلَّق بالنائب الَّذِي هُوَ (زَوَال) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (فَلَيْسَ) فعل نَاقص (للْحكم) خَبَرهَا مقدم (بِهِ) يتَعَلَّق بالحكم (إمهال) اسْمهَا مُؤخر أَي تَأْجِيل بل لَهَا الطَّلَاق فِي الْحِين إِلَّا أَن ترْضى بالْمقَام مَعَه. وحَيْثُ عَيْبُ الزَّوْجِ بِاعْتِراضِ أوْ بَرَصٍ وَقِيم عِنْدَ القَاضِي (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (عيب الزَّوْج) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (باعتراض) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر (أَو برص) مَعْطُوف (وقيم) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (عِنْد القَاضِي) نَائِبه، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا وَجُمْلَة. أَجَّلَهُ إِلَى تَمَامِ عَامِ كذاكَ فِي الجُنُونِ والجُذَامِ(1/499)
(أَجله) القَاضِي (إِلَى تَمام عَام) جَوَاب حَيْثُ، وَالْمعْنَى أَن عيب الزَّوْج إِذا كَانَ اعتراضاً وَحدث قبل الْإِصَابَة أَو برصاً حدث بعد العقد أَو قبله فَإِن القَاضِي يؤجله سنة كَامِلَة من يَوْم الحكم على الْمَشْهُور، وَأما الِاعْتِرَاض بعد الْإِصَابَة وَلَو مرّة فَلَا خِيَار لَهَا، وَذَلِكَ مُصِيبَة نزلت بهَا كَمَا يَأْتِي. تَنْبِيه: وَكَذَا تؤجل الْمَرْأَة ذَلِك فِي معالجة نَفسهَا من البرص وَالْجُنُون والجذام إِذا لم يعلم الزَّوْج أَن ذَلِك بهَا حِين العقد، بل علمه قبل الْبناء أَو بعده فَإِن تنَازعا فِي الْعلم بِهِ بعيبها وَقد مضى لدُخُوله نَحْو الشَّهْر فَالْقَوْل لَهَا بِيَمِينِهَا أَنه علم بِهِ إِلَّا أَن يكون مثله يخفى على الزَّوْج. انْظُر الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة. (كَذَاك) يتَعَلَّق بِأَجل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله (فِي الْجُنُون والجذام) يتَعَلَّق بذلك الْمَحْذُوف. وبَعْدَ ذَا يَحْكُمُ بِالطَّلاقِ إنْ عُدِم البُرءُ على الإطْلاقِ (وَبعد ذَا) يتَعَلَّق بقوله (يحكم) وَكَذَا (بِالطَّلَاق) وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة أَجله (إِن عدم) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (الْبُرْء) نَائِب فَاعل عدم (على الْإِطْلَاق) حَال أَي حَال كَون الحكم بِالطَّلَاق بعد السّنة فِي الْعُيُوب الْأَرْبَعَة مُطلقًا سَوَاء رجى الْبُرْء بعد ذَلِك أم لَا. وَيحْتَمل حَال كَون التَّأْجِيل مُطلقًا فِي الْحَادِث وَالْقَدِيم. هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلَيْسَ الْمَعْنى حَال كَون التَّأْجِيل بِالسنةِ مُطلقًا رجى الْبُرْء أم لَا. لِأَن الْمُعْتَمد أَنه إِنَّمَا يُؤَجل فِي البرص والجذام عَاما إِذا رجى الْبُرْء (ح) : وَلها فَقَط الرَّد بالجذام الْبَين والبرص المضر الحادثين بعده وبجنونهما وَإِن مرّة فِي الشَّهْر قبل الدُّخُول وَبعده وأجلا فِيهِ وَفِي برص وجذام رجى برؤهما سنة الخ. ثمَّ قَالَ: وَأجل الْمُعْتَرض سنة الخ. فَأَنت ترَاهُ قيد الجذام بالبين أَي الْمُحَقق والبرص بالمضر والتأجيل برجاء الْبُرْء خلاف ظَاهر النّظم فِي ذَلِك كُله، لَكِن الْعذر لَهُ فِي الجذام حَيْثُ لم يُقَيِّدهُ بالبين لِأَن المُرَاد بالبين الْمُحَقق وَهُوَ لَا يثبت إِلَّا بعد تحَققه وَالْقطع بِهِ إِذْ لَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا: وَاخْتلف فِي قَلِيل البرص فَقَالَ مَالك فِي كتاب مُحَمَّد: ترد بِهِ لِأَن عمر لم يفرق بَين قَلِيل وَلَا كثير. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَلَو علمنَا فِيمَا خف أَنه لَا يتزايد لم ترد، لكنه لم يعلم، وَفِي مُخْتَصر ابْن شعْبَان أَن من بِهِ برص أَو جذام من الزَّوْجَيْنِ يرد بِهِ لِأَنَّهُ يخْشَى أَن يترامى إِلَى الصَّحِيح، وَلِأَنَّهُ لَا تطيب نفس الواطىء والموطوءة وقلّ أَن يسلم مِنْهُ مَا ولد مِنْهُمَا وَإِن سلم كَانَ ذَلِك فِي نَسْله قَالَ اللَّخْمِيّ: وعَلى هَذَا لَهُ الرَّد إِذا اطلع أَن أحد الْأَبَوَيْنِ كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ يخْشَى أَن يكون ذَلِك فِي نَسْله قَالَ: وَرَأَيْت ذَلِك فِي امْرَأَة كَانَ أَبوهَا أَجْذم وَلم يظْهر بهَا وَظهر ذَلِك فِي عدد من أَوْلَادهَا اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. فَهُوَ شَاهد لإِطْلَاق النَّاظِم، لَكِن الْمُعْتَمد أَن جذام الْأَبَوَيْنِ لَا رد بِهِ كَمَا فِي (خَ) : كَمَا أَن الْمُعْتَمد أَنه لَا بُد فِي البرص الْحَادِث من كَونه مضراً كَمَا مر عَنهُ أَيْضا، وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا ترك تَقْيِيد البرص بِكَوْنِهِ مضراً اتكالاً على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: إِلَّا حُدُوث من برص منزور الخ.(1/500)
والعَبْدُ فِي الأصَحِّ كالأحْرارِ وقيلَ بِالتَشْطِيرِ كالظِّهارِ
(وَالْعَبْد) مُبْتَدأ (فِي الْأَصَح) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ قَوْله: (كالأحرار وَقيل) فعل مَاض مَبْنِيّ للْمَفْعُول (بالتشطير) نَائِبه أَي يُؤَجل سِتَّة أشهر (كالظهار) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالْأَقْرَب أَنه حَال أَي حَال كَون التشطير كتشطير أجل الظِّهَار أَي: إِذا ظَاهر العَبْد من زَوجته وأبى أَن يكفر ولحقه الْإِيلَاء فَإِنَّهُ يُؤَجل بشهرين، وَقيل أَرْبَعَة أشهر كَالْحرِّ، وَمَا صدر بِهِ النَّاظِم هُوَ قَول ابْن الجهم قَالَ ابْن عبد الْبر: وَرُوِيَ عَن مَالك نَحوه وَعَلِيهِ جُمْهُور الْفُقَهَاء اللَّخْمِيّ: وَهُوَ أبين لِأَن السّنة جعلت لتختبر فِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة فقد ينفع الدَّوَاء فِي فصل دون فصل فيستوي فِي ذَلِك الْحر وَالْعَبْد، وَالْقَوْل الثَّانِي هُوَ قَول مَالك، وَبِه الحكم قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَبِه أفتى (خَ) وَالْعَبْد نصفهَا الخ. وكالرِّجالِ أَجَلُ النِّسَاءِ فِي هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ذِهِ الثَّلاثَةِ الأدْوَاءِ (وكالرجال) خبر مقدم عَن قَوْله (أجل النِّسَاء فِي هَذِه) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (الثَّلَاثَة) صفة أَو بدل (الأدواء) جمع دَاء بدل أَيْضا، وَالْمرَاد الْجُنُون والجذام والبرص وَلَا يتَصَوَّر فِيهِنَّ الِاعْتِرَاض فيؤجلن فِي التَّدَاوِي من تِلْكَ الْأَمْرَاض الثَّلَاثَة سنة كَامِلَة، لَكِن فِي الْمَوْجُود مِنْهَا قبل العقد، أما مَا حدث بعده فمصيبة نزلت بِالزَّوْجِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَهُوَ لزوج آفَة من بعده الخ. وَفِي سِواها لَا يكُونُ الأجَلُ لَهُنَّ إلاّ مَا يَرى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; المؤَجِّلُ (وَفِي سواهَا) يتَعَلَّق بقوله (لَا يكون الْأَجَل) اسْمهَا (لَهُنَّ) يتَعَلَّق بِمَا قبله (إِلَّا) اسْتثِْنَاء مفرغ (مَا) نكرَة مَوْصُوفَة خبر يكون (يرى) صفة لما والعائد مَحْذُوف أَي يرَاهُ (الْمُؤَجل) بِكَسْر الْجِيم الْمُشَدّدَة فَاعل يرى، وَالتَّقْدِير: وَلَا يكون لَهُنَّ أجل مَحْدُود فِي سواهَا إِلَّا أَََجَلًا يرَاهُ الْمُؤَجل أَي الْحَاكِم بِاجْتِهَادِهِ، وَالْمرَاد بسوى الْعُيُوب الثَّلَاثَة دَاء فرج الْمَرْأَة من رتق وَقرن وعفل الْآتِيَة فِي قَوْله: والرتق دَاء الْفرج فِي النِّسَاء الخ. أَي فيؤجلهن الْحَاكِم للتداوي بِالِاجْتِهَادِ (خَ) : وأجلت الرتقاء للدواء بِالِاجْتِهَادِ. وَقد تحصل أَن الْعُيُوب بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّأْجِيل وَعَدَمه على ثَلَاثَة أَقسَام قسم(1/501)
لَا تَأْجِيل فِيهِ وَهُوَ الْجب وَمَا مَعَه، وَقسم يؤصل فِيهِ بِسنة وَهُوَ الِاعْتِرَاض وَمَا مَعَه، وَقسم يُؤَجل فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ الرتق وَمَا مَعَه. ويُمنَعُ الْمَبْرُوصُ والمجْذُومُ مِنْ بِنَائِهِ وَذُو الجُنُونِ فاسْتَبِنْ (وَيمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (المبروص) نَائِب (والمجذوم) مَعْطُوف (من بنائِهِ) يتَعَلَّق بيمنع (وَذُو الْجُنُون) مَعْطُوف على المبروص (فاستبن) جملَة طلبية تتميم للبيت، وَالْمعْنَى أَن من بِهِ عِلّة من الرِّجَال من هَذِه الْأَمْرَاض الثَّلَاثَة إِذا أصل للدواء كَمَا مر فَطلب الْبناء بِزَوْجَتِهِ أثْنَاء الْأَجَل قبل تبين برئه فَإِنَّهُ يمْنَع من ذَلِك وَلَا يُمكن مِنْهُ حَتَّى يبرأ أَو تخير هِيَ إِن لم يبرأ وَفهم من قَوْله: من بنائِهِ أَنَّهَا اطَّلَعت على عَيبه قبل الْبناء فَإِن اطَّلَعت عَلَيْهِ بعد الْبناء فَكَذَلِك أَيْضا حَيْثُ كَانَت رَائِحَة الجذام والبرص تؤذي. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَيمْنَع الْمَجْنُون والأجذم والأبرص فِي خلل الْعَام وَإِن كَانَ بعد الْبناء إِذا كَانَت الرَّائِحَة تؤذي بِخِلَاف الْمُعْتَرض فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من وَطئه وَإِن كَانَ قد بنى بهَا اه. وَمثله فِي طرر ابْن عَاتٍ. وَإِلَى الْمُعْتَرض أَشَارَ النَّاظِم بقوله: وَذُو اعْتِراضٍ وحْدَهُ لَنْ يُمْنَعَا وَهُوَ مُصَدَّقٌ إِذا مَا نُوزِعا (وَذُو اعْتِرَاض) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (وَحده) حَال من الْمُبْتَدَأ أَو من الضَّمِير فِي خَبره (لن يمنعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر (وَهُوَ) مُبْتَدأ (مُصدق) خَبره (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور، وَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَنَّهَا مُجَرّدَة عَن معنى الشَّرْط أَي هُوَ مُصدق حِين نزاعه (مَا) زَائِدَة (نوزعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وَمَعْنَاهُ أَن الزَّوْج إِذا ادَّعَت عَلَيْهِ زَوجته الِاعْتِرَاض وَأنْكرهُ من أَصله فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ (خَ) : وَصدق فِي الِاعْتِرَاض أَي نَفْيه وَظَاهره كالناظم أَنه يصدق كَانَت الزَّوْجَة بكرا أَو ثَيِّبًا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَرُوِيَ عَن مَالك أَن النِّسَاء ينظرن إِلَى الْبكر ويدين فِي الثّيّب، وَقيل لَا يدين فِيهَا، وَلَكِن يطلي ذكره بزعفران وَيُرْسل عَلَيْهَا وَينظر ذَلِك النِّسَاء فَإِن رأين أَثَره فِي فرجهَا قبل قَوْله، وعَلى الْمَشْهُور فَلَا تقبل شَهَادَة امْرَأتَيْنِ فَأكْثر بِأَنَّهَا عذراء لِأَنَّهَا شَهَادَة توجب الْفِرَاق وَهُوَ لَا يكون بِشَهَادَة النِّسَاء كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَنَقله فِي التَّبْصِرَة وَابْن عَرَفَة. وَحِينَئِذٍ فَمَا جرى بِهِ الْعَمَل من جَوَاز نظر النسْوَة لِلْفَرجِ مَحْمُول على غير هَذِه الصُّورَة إِذْ لَا فَائِدَة(1/502)
لَهُ إِلَّا الْفِرَاق وَهُوَ لَا يكون بِشَهَادَة النِّسَاء قَالَه فِي شرح العمليات. تَنْبِيه: قَالَ فِي مسَائِل السياسة من التَّبْصِرَة: قَالَ أصبغ فِي امْرَأَة المقعد تَدعِي أَنَّهَا تمكنه من نَفسهَا وَهُوَ لَا يقدر على مَسهَا ويقر المقعد بِأَنَّهُ لَا يَمَسهَا وَيَدعِي أَنَّهَا تَدْفَعهُ عَن نَفسهَا وَلَوْلَا ذَلِك لقوي على مسيسها قَالَ: اسْتحْسنَ السُّلْطَان أَن يَجْعَل فِي الْقرب مِنْهُ إِذا خلا بهَا امْرَأَة أَو نسَاء فَإِن سمعن امتناعها أَمر بهَا فَربطت لَهُ وشدت وزجرها، وَأمرت أَن تلين لَهُ فِي ذَلِك. قَالَ ابْن حبيب: وَهُوَ عِنْدِي حسن من الحكم اه. وَنَحْوه فِي (ح) عِنْد قَوْله: وَصدق فِي الِاعْتِرَاض الخ. قلت: انْظُر قَوْله المقعد، وَالظَّاهِر أَنه لَا مَفْهُوم لَهُ بل غَيره كَذَلِك إِذا ادّعى عدم تمكينها وَنزلت وَقت ولايتي حطة الْقَضَاء سنة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف فِي زوج ادّعى عدم تمكينها وَادعت هِيَ اعتراضه، فَذكرت للزَّوْج وأوليائها مَا تقدم من ربطها لَهُ وشدها فَرَجَعَا إِلَى الصُّلْح بِالْخلْعِ بِجعْل الصَدَاق وافترقا، وَقد كنت سنة ثَمَانِيَة عشر مُقيما بمكناسة الزَّيْتُون فَإِذا بِامْرَأَة طَلقهَا زَوجهَا ثَلَاثًا فَتزوّجت رجلا ضَعِيفا لَا يشاكلها، فَزعم الزَّوْج الْمَذْكُور أَنَّهَا تَدْفَعهُ عَن نَفسهَا وَمَا مكنته إِلَّا مرّة بِمِقْدَار مَا غيب حشفته فِيهَا ودفعته وَادعت هِيَ أَنه يؤذيها ويضربها إِذا أمسك بهَا، فسكنهما القَاضِي مَعَ أَمِين فَذكر الْأمين أَنه مهما أَرَادَ النّوم والتوطئة لَهُ إِلَّا وتصرخ صراخاً مدعية أَنه يؤذيها ويضربها وَأَن ذَلِك من حيلها لترجع للزَّوْج الأول. وإنْ يَقُلْ وطِئْتُ أَثْنَاءَ الأمَدْ فَقَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ مُعْتَمَدْ (وَإِن يقل) شَرط وفاعله ضمير يعود على الْمُعْتَرض (وطِئت) فعل وفاعل (أثْنَاء) ظرف يتَعَلَّق بِمَا قبله (الأمد) مُضَاف إِلَيْهِ (فَقَوله) مُبْتَدأ (مَعَ الْيَمين) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال (مُعْتَمد) خبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. وَمَعْنَاهُ أَن الْمُعْتَرض إِذا أقرّ بالاعتراض وَأجل للدواء سنة كَمَا مرّ، ثمَّ قَالَ فِي أثْنَاء الْأَجَل أَو بعده: زَالَ الِاعْتِرَاض وَوَطئهَا فِي الْأَجَل فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ، فَإِن ادّعى الْوَطْء بعده لم يصدق فَتحصل أَن الْمُعْتَرض يصدق فِي نفي الِاعْتِرَاض ابْتِدَاء كَمَا يصدق فِي زَوَاله بعد الْإِقْرَار بِهِ (خَ) : وَصدق إِن ادّعى فِيهَا الْوَطْء بِيَمِينِهِ فَإِن نكل حَلَفت وَإِلَّا بقيت. وَتُمْنَعُ الإنْفاقَ مَنْ لَمْ تَدْخُلِ إنْ طلَبَتْهُ فِي خِلالِ الأجَلِ (وتمنع) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (الْإِنْفَاق) مَفْعُوله الثَّانِي (من) نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ الْمَفْعُول الأول (لم تدخل) صلَة من (إِن طلبته) شَرط. وَالضَّمِير الْمَنْصُوب للإنفاق وَالْجَوَاب مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (فِي خلال الْأَجَل) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ قبله. وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَة الَّتِي لَا تجبر على الدُّخُول إِذا طلبت الْإِنْفَاق من زَوجهَا الْمُؤَجل سنة للدواء فَلَا تمكن مِنْهُ لِأَن النَّفَقَة فِي مُقَابلَة الِاسْتِمْتَاع(1/503)
وَهِي قد منعت نَفسهَا مِنْهُ لسَبَب لَا قدرَة للزَّوْج على دَفعه، فَكَانَ بذلك مَعْذُورًا بِخِلَاف الْمُعسر بِالصَّدَاقِ الَّذِي منعته زَوجته من نَفسهَا حَتَّى يُؤَدِّي صَدَاقهَا فلهَا النَّفَقَة إِذْ لَعَلَّ لَهُ مَالا فكتمه، وَمَفْهُوم قَوْله: لم تدخل أَنه إِذا دخل فالنفقة وَاجِبَة عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك. وَقَوله: من لم تدخل أَي من لم تجبر على الدُّخُول وَهِي زَوْجَة المجذوم والمبروص وَالْمَجْنُون كَمَا مرّ فيفهم مِنْهُ أَن زَوْجَة الْمُعْتَرض لَهَا النَّفَقَة إِذا دَعَتْهُ للدخول، وَبِالْجُمْلَةِ فَكل من زَوْجَة الْمَجْنُون والمجذوم والمبروص والمعترض تجب لَهَا النَّفَقَة بِالدُّخُولِ أَو بِالدُّعَاءِ لَهُ فَإِن منعت وَاحِدَة مِنْهُنَّ نَفسهَا من الدُّخُول وَأجل الزَّوْج سنة للدواء فَلَا نَفَقَة لَهَا فِي الْجُنُون والجذام والبرص، بِخِلَاف الِاعْتِرَاض. فلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهَا لَا تمكن من الِامْتِنَاع كَمَا مر إِلَّا أَن لَا يقدر الْحَاكِم على جبرها فَتسقط نَفَقَتهَا حِينَئِذٍ للنشوز واستظهار (خَ) : عدم وجوب النَّفَقَة فِي الِاعْتِرَاض مَعَ الْقُدْرَة على جبرها على التَّمْكِين معترض. والعيْبُ فِي الرِّجالِ مِنْ قَبْلِ البِنا وبَعْدَهُ الرَّدُّ بِهِ تَعَيَّنا (وَالْعَيْب) مُبْتَدأ (فِي الرِّجَال) صفة لَهُ (من قبل الْبَنَّا) ء يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي حَال كَونه مَوْجُودا أَو حَادِثا من قبل الْبناء (وَبعده) مَعْطُوف على الظّرْف قبله (الرَّد) مُبْتَدأ ثَان (بِهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (تعينا) وَتعلق الظرفين بذلك الْمَحْذُوف كَمَا قَررنَا أولى من تعلقهما بقوله تعينا إِذْ الْمَقْصُود أَن الْعَيْب الْمَوْجُود أَو الْحَادِث قبل الْبناء وَبعده يتَعَيَّن بِهِ الرَّد وَحذف مَعْمُول تعين يُؤذن بِالْعُمُومِ أَي تعين الرَّد بِهِ قبل الْبناء وَبعده أَيْضا فَحَذفهُ من الثَّانِي لدلَالَة الأول عَلَيْهِ، وَلَو قَالَ تَبينا بِالْبَاء وَالْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت لَكَانَ أولى لما يَقْتَضِيهِ لفظ التَّعْيِين من وجوب الرَّد وَإِن رضيت. وَمَعْنَاهُ أَن الْعَيْب الْكَائِن بِالرِّجَالِ سَوَاء حدث بعد العقد أَو كَانَ مَوْجُودا قبله أَو حدث بعد الْبناء فَإِن للزَّوْجَة الرَّد بِهِ فَقَوله: من قبل الْبناء شَامِل لما حدث قبل العقد أَو بعده وَقبل الْبناء لِأَن الْقبلية ظرف متسع وَعَلِيهِ فَيكون قَوْله الْآتِي: وبالقديم الزَّوْج وَالْكثير الخ. مُسْتَغْنى عَنهُ بِمَا هُنَا، وَيحْتَمل أَن يكون تكلم هُنَا على الْحَادِث بعد العقد كَانَ قبل الْبناء أَو بعده وَفِيمَا يَأْتِي على مَا كَانَ مَوْجُودا قبل العقد، لَكِن يكون الصَّوَاب إِسْقَاط قَوْله الْآتِي: والحادث إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ مَا كَانَ حَادِثا قبل العقد، وَيُرَاد بالقديم مَا كَانَ خلقَة، وَمَا ذكره النَّاظِم هُوَ الرَّاجِح من أحد أَقْوَال أَرْبَعَة. / ثَانِيهَا: لَا خِيَار لَهَا فِيمَا حدث بعد العقد. ثَالِثهَا: لَهَا الْخِيَار إِلَّا أَن حدث بِهِ برص فتخير. رَابِعهَا: لَيْسَ لَهَا الْخِيَار إِلَّا فِي البرص الْيَسِير. وَلما دخل فِي قَوْله: وَبعده عيب الِاعْتِرَاض الْحَادِث بعد الْبناء وَالْوَطْء وَهُوَ لَا يرد بِهِ اسْتثِْنَاء بقوله:(1/504)
إلاّ اعْتِراضاً كَانَ بعْدَ مَا دَخَلْ والوَطْءِ مِنْهُ هَبْهُ مَرَّةً حَصَلْ (إِلَّا) حرف اسْتثِْنَاء (اعتراضاً) مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء وَالْأَقْرَب أَنه على نزع الْخَافِض، إِذْ الْمَعْنى وَيرد الزَّوْج بِكُل عيب إِلَّا بِعَيْب الِاعْتِرَاض (كَانَ) تَامَّة بِمَعْنى وجد وَحدث وفاعله ضمير الِاعْتِرَاض (بعد) يتَعَلَّق بكان (مَا) مَصْدَرِيَّة (دخل) صلتها أَي بعد دُخُوله (وَالْوَطْء) بِالْجَرِّ عطف على الْمصدر المؤول (مِنْهُ) يتَعَلَّق بحصل (هبه) فعل أَمر وضميره مَفْعُوله الأول (مرّة) تَمْيِيز (حصل) فِي مَحل نصب على أَنه مفعول ثَان لَهب، وَالتَّقْدِير إِلَّا اعتراضاً حدث بعد دُخُوله وَبعد وَطئه هَب أَن الْوَطْء حصل مِنْهُ مرّة وَاحِدَة فَلَا ردّ بِهِ وَهِي مُصِيبَة نزلت بهَا، وَهَذَا إِذا لم يتسبب فِي إِدْخَاله على نَفسه كشربه دَوَاء ليقطع بِهِ لَذَّة النِّسَاء أَو شربه لعلاج عِلّة وَهُوَ عَالم أَو شَاك أَنه يذهب مِنْهُ ذَلِك أَو قطع ذكره عمدا أَو لعِلَّة نزلت بِهِ فَإِن لَهَا الْخِيَار بِاتِّفَاق كَمَا فِي ضيح، وَمثل الِاعْتِرَاض الْجب والخصاء وَالْكبر الْمَانِع من الْوَطْء حَيْثُ لم يدْخل ذَلِك على نَفسه لِأَنَّهُ لم يقْصد الْإِضْرَار بهَا، فَلَو قَالَ: إِلَّا كجب الخ. لشمل ذَلِك وَنزلت مَسْأَلَة وَهِي أَن رجلا كَانَ يطَأ زَوجته وطأ مُعْتَادا ثمَّ إِنَّه عرض لَهُ مَا مَنعه الْإِيلَاج بِحَيْثُ إِذا أَرَادَهُ سبقه المَاء وَزَالَ إنعاظه فأفتيت فِيهَا بِمَا فِي النّظم وَاخْتلف فِيمَن أَرَادَ استحداداً فترامت يَده فَقيل لَهَا الْقيام، وَقيل: لَا قيام لَهَا لِأَنَّهُ لم يتَعَمَّد. وَظَاهر كَلَامهم رجحانه وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاء عِنْد قَوْله: واشترك التارك الموطء مَعَه الخ. وبالقدِيمِ الزَّوْجُ والكَثِيرِ يَرُدُّ والحادِثِ واليَسِيرِ (وبالقديم) يتَعَلَّق بيرد (الزَّوْج) مُبْتَدأ (وَالْكثير) مَعْطُوف على الْقَدِيم (يرد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ (والحادث واليسير) معطوفان على قَوْله: الْقَدِيم. وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ إِلَّا على الِاحْتِمَال الثَّانِي الْمُتَقَدّم فَلَو حذفه وأبدل قَوْله: إلاّ حَدِيثَ بَرَصٍ مَنْزورِ فَلاَ طَلاَقَ مِنْهُ فِي المَشْهُورِ (إِلَّا) بقوله كَذَا (حُدُوث برص منزور فَلَا طَلَاق مِنْهُ فِي الْمَشْهُور) لأجاد، ويتحصل من كَلَامه أَنه يسْتَثْنى من الْعَيْب الْحَادِث بِالزَّوْجِ بعد العقد شَيْئَانِ الِاعْتِرَاض بعد الْوَطْء والبرص الْيَسِير فَلَا خِيَار فيهمَا للزَّوْجَة وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلها فَقَط الرَّد بالجذام الْبَين والبرص المضر الحادثين بعده لَا بكاعتراض الخ. فمفهوم قَوْله: المضر أَي المؤذي برائحته أَن غير المضر لَا خِيَار بِهِ وَهُوَ مَا فِي النّظم، وَمَفْهُوم قَوْله: الحادثين بعده أَي بعد العقد أَن البرص الْقَدِيم بِالرجلِ يرد بِهِ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا، وَهُوَ ظَاهر تَعْلِيل النَّاظِم أَيْضا لِأَنَّهُ إِنَّمَا نفى خِيَارهَا فِي الْقَلِيل الْحَادِث بعد العقد، وَقيل: لَا خِيَار لَهَا فِي البرص الْقَلِيل مُطلقًا، وَأما الجذام فَلَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره وَإِنَّمَا الْمدَار على تحقق وجوده كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: كَذَاك فِي الْجُنُون والجذام الخ.(1/505)
وَزَوْجَةُ بِسَابِقٍ لِعَقْدِهِ وهْوَ لِزَوْجٍ آفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ (وَزَوْجَة) مُبْتَدأ وسوغه الْعَطف على الْمعرفَة وَهُوَ الزَّوْج فِي الْبَيْت قبله (بسابق) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر أَي ترد بسابق (لعقده) يتَعَلَّق بسابق (وَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْعَيْب الْمَذْكُور (لزوج) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (آفَة من بعده) حَال من الْمُبْتَدَأ أَي وَالْعَيْب حَال كَونه حَادِثا بِالزَّوْجَةِ بعد العقد آفَة للزَّوْج لِأَنَّهُ قَادر على الْفِرَاق وَالْحَاصِل: أَن الزَّوْجَة ترد بالقديم من الْجُنُون والجذام والبرص قَلِيلا كَانَ ذَلِك أَو كثيرا كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَكَذَا ترد بالقديم من دَاء الْفرج من عفل وَنَحْوه، وَلَا ترد بِالْعَيْبِ الْحَادِث بعد العقد دَاء فرج كَانَ أَو غَيره قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَهُوَ مُصِيبَة نزلت بِالزَّوْجِ، وَأما الزَّوْج فَإِنَّهُ يرد بالقديم من الْعُيُوب وَلَو جذاماً أَو برصاً قل على ظاهم النّظم و (خَ) وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ كَمَا مر، وَكَذَا يرد بالحادث مِنْهَا بعد العقد إِلَّا أَن يكون نَحْو اعْتِرَاض حصل بعد الْوَطْء أَو برصاً قَلِيلا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَفْصِيل دَاء الْفرج بِالنِّسْبَةِ للْمَرْأَة فَقَالَ: والرَّتْقُ دَاءُ الفَرْجِ فِي النساءِ كالقَرْنِ ثُمَّ الْعَقْلِ والإِفْضَاءِ (والرتق) بِسُكُون التَّاء للضَّرُورَة مُبْتَدأ (دَاء الْفرج) خَبره (فِي النِّسَاء) يتَعَلَّق بالرتق أَو فِي مَوضِع الْحَال مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون دَاء الْفرج مُبْتَدأ، وَفِي النِّسَاء يتَعَلَّق بِهِ والرتق خَبره (كالقرن) تَشْبِيه وكاف التَّشْبِيه لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مرّ (والعفل) مَعْطُوف عَلَيْهِ وكل مِنْهُمَا بِسُكُون الْعين للضَّرُورَة وَالْأَصْل الْفَتْح كالرتق (والإفضاء) مَعْطُوف أَيْضا، وَالْمعْنَى أَن الرتق من دَاء فرج النِّسَاء كَمَا أَن الْقرن والعفل والإفضاء كَذَلِك، فَيثبت للزَّوْج الْخِيَار بسابق العقد من ذَلِك، والرتق انسداد مَسْلَك الذّكر والتحامه بِحَيْثُ لَا يُمكن مَعَه الْوَطْء إِلَّا أَنه إِن انسد بِلَحْم أمكن علاجه وبعظم فَلَا. والقرن شَيْء يبرز فِي فرج الْمَرْأَة يشبه قرن الشَّاة تَارَة يكون عظما فيعسر علاجه وَتارَة لَحْمًا فَلَا يعسر، والعفل لحم يبرز فِي قُبلها يشبه أدرة الرجل وَلَا يسلم غَالِبا من(1/506)
رشح، والإفضاء اخْتِلَاط مسلكي الذّكر وَالْبَوْل حَتَّى يصيرا مسلكاً وَاحِدًا وأجرى مَسْلَك الْبَوْل وَالْغَائِط، وَظَاهر النّظم أَنه يُخَيّر بِمَا ذكر وَلَو قل ذَلِك وخف وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ حبيب. وَاعْلَم أَن مَسْلَك الذّكر هُوَ مخرج الْحيض وَالْولد والمني، وَفَوق مَسْلَك الذّكر ثقب مثل إحليل الرجل وَهُوَ مخرج الْبَوْل، وَبَين هَذَا الثقب ومدخل الذّكر جلدَة رقيقَة فَإِن زَالَت فَهِيَ الْإِفْضَاء، وَفَوق مخرج الْبَوْل جلدَة رقيقَة مثل ورقة بَين الشفرين والشفران محيطان بِالْجَمِيعِ فَتلك الْجلْدَة الرقيقة يقطع مِنْهَا فِي الْخِتَان للْمَرْأَة، وَفهم من اقْتِصَار النّظم على الْأَرْبَعَة أَنه لَا خِيَار لَهُ بالاستحاضة وَلَا بِقطع الشفرين وَلَا بحرق النَّار وَلَا بِكَوْنِهَا عجوزاً فانية أَو صَغِيرَة جدا، وَلَا بالبخر الَّذِي هُوَ نَتن الْفرج، لَكِن الْمَذْهَب فِي الْأَخير أَنه عيب خلافًا للأئمة الثَّلَاثَة. وَاقْتصر فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا على أَن الِاسْتِحَاضَة وَحرق النَّار يوجبان الْخِيَار، وَكَذَا نقل الْبُرْزُليّ عَن اللَّخْمِيّ. وَأما نَتن الْفَم فَلَا خِيَار لَهُ بِهِ على الْمَشْهُور خلافًا للخمي بِخِلَاف البيع، وَتقدم الْكَلَام على العذيطة أول الْفَصْل فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. تَنْبِيهَات. الأول: سكت النَّاظِم هُنَا عَن تَأْجِيل الرتقاء وَنَحْوهَا للدواء لتقدم الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي قَوْله: وَفِي سواهَا لَا يكون الْأَجَل لَهُنَّ إِلَّا مَا يرى الْمُؤَجل وَتقدم قَول (خَ) وأجلت الرتقاء للدواء بِالِاجْتِهَادِ وَلَا تجبر عَلَيْهِ إِن كَانَ خلقَة الخ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا كَانَ الرتق من جِهَة الْخِتَان أَي الخفاض فَإِنَّهُ يبط على مَا أحبت الْمَرْأَة أَو كرهت إِذا قَالَ النِّسَاء: إِن ذَلِك لَا يَضرهَا وَإِن كَانَ خلقَة فَلَا تجبر على البط إِن أبته، وَيُخَير الزَّوْج فَإِن رضيت بالبط فَلَا خِيَار لَهُ اه. وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة الفرحونية، وللخمي زِيَادَة تَفْصِيل وَهُوَ إِن لم يكن عَلَيْهَا فِي الْقطع ضَرَر وَلَا عيب فِي الْإِصَابَة بعده كَانَ القَوْل قَول من دعِي إِلَيْهِ مِنْهُمَا فَإِن طَلقهَا بعد رِضَاهَا بِهِ لزمَه النّصْف وَإِن كرهت فَطلق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ فِي الْقطع ضَرَر وَلَا عيب بعده خيرت دونه وَعَكسه خير دونهَا وَإِن كَانَ فِيهِ ضَرَر وَبعده عيب فِي الْإِصَابَة خير كل مِنْهُمَا وَذكره فِي الشَّامِل مُقْتَصرا عَلَيْهِ والقرن كالرتق فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور. الثَّانِي: إِذا ادّعى أَنَّهَا رتقاء وَادعت هِيَ عنته وَأَنَّهَا لَا عيب بهَا فَإِن النِّسَاء ينظرن إِلَيْهَا، فَإِن صدقته كَانَ لَهُ الْخِيَار، إِلَّا أَن تُرِيدُ التَّدَاوِي فتؤجل بِالِاجْتِهَادِ قَالَه ابْن عتاب وَنَقله الْبُرْزُليّ. الثَّالِث: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَإِذا فعل الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ مَا يُوجب الْقصاص لَهَا مِنْهُ وَكَانَ شَدِيدا يخَاف عَلَيْهَا مِنْهُ إِذا اقتصت مِنْهُ فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهِ يَعْنِي: ويقتص مِنْهُ أَي فَفعله ذَلِك يُوجب لَهَا الْخِيَار كالعيوب السَّابِقَة.(1/507)
وَلَا تُرَدُّ مِنْ عَمًى وَلَا شَلَلْ ونَحْوِهِ إلاَّ بِشَرْطٍ يُمْتَثَلْ (وَلَا ترد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (من عمى) يتَعَلَّق بِهِ (وَلَا شلل وَنَحْوه) معطوفان عَلَيْهِ (إِلَّا بِشَرْط) اسْتثِْنَاء مفرغ وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ (يمتثل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لشرط أَي: لَا ترد الْمَرْأَة بِشَيْء من الْعَمى والشلل والعور والإقعاد وَنَحْو ذَلِك من غير الْعُيُوب الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ الْجُنُون والجذام والبرص وداء الْفرج إِلَّا مَعَ اشْتِرَاط السَّلامَة من ذَلِك الشَّيْء الْخَاص كاشتراطه كَونهَا سليمَة من الْعَمى أَو الْبكم أَو العرج أَو الإقعاد، فيجدها بِخِلَاف ذَلِك، أَو اشْترط أَنَّهَا سليمَة فِي جسمها وَلم يزدْ فَلهُ ردهَا حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة بِمَا مرّ من الْعَمى وَنَحْوه، بل وَلَو بِالسَّوَادِ على مَا للمتيطي، ورده ابْن عَرَفَة بِأَن لفظ السَّلامَة من الْجِسْم لَا يدل على نفي السوَاد. ابْن عَرَفَة: وفيهَا إِن وجدهَا سَوْدَاء أَو عوراء أَو عمياء لم ترد، وَلَا ترد بِغَيْر الْعُيُوب الْأَرْبَعَة إِلَّا أَن يشْتَرط السَّلامَة مِنْهُ. قلت: فَإِن شَرط أَنَّهَا صَحِيحَة فَوَجَدَهَا عمياء أَو شلاء أَو مقعدة أيردها بذلك؟ قَالَ: نعم إِذا اشْتَرَطَهُ على من أنكحه إِيَّاهَا اه. فَقَوله: نعم إِذا اشْتَرَطَهُ الخ. أَي إِذا اشْترط الزَّوْج على الْوَلِيّ الصِّحَّة بِاللَّفْظِ، وَثَبت ذَلِك بأَدَاء عَدْلَيْنِ، وَأما لَو لم يعلم الشَّرْط إِلَّا من قَوْله فِي الْوَثِيقَة صَحِيحَة الْعقل وَالْبدن فتوجد على خلاف ذَلِك وَتعذر سُؤال العدلين أَو لم يتَعَذَّر، وَلَكِن لم يحققوا كَون الزَّوْج اشْترط ذَلِك بِاللَّفْظِ فَفِي ثُبُوت الرَّد بذلك وَعدم ثُبُوته لجري الْعَادة أَنه من تلفيق الموثق تردد للباجي وَابْن أبي زيد وَإِلَى الْمَسْأَلَة من أَصْلهَا أَشَارَ (خَ) بقوله: وبغيرها أَي الْعُيُوب الْأَرْبَعَة إِن شَرط السَّلامَة وَلَو بِوَصْف الْوَلِيّ عِنْد الْخطْبَة. وَفِي الرَّد إِن شَرط الصِّحَّة تردد لَا بخلف الظَّن كالقرع والسواد من بيض ونتن فَم الخ. وَظَاهر النّظم كالمدونة والمختصر أَن الْعرف لَيْسَ كالشرط هُنَا وَهُوَ ظَاهر بِخِلَاف البيع، وَلَعَلَّ الْفرق أَن النِّكَاح مَبْنِيّ على المكارمة. تَنْبِيه: اشْتِرَاط كَونهَا ذَات مَال قدره كَذَا أَو جميلَة وَلَو بِوَصْف الْوَلِيّ يُوجب الْخِيَار للزَّوْج إِذا وجدهَا على خلاف ذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة: والزَّوْجُ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهَا بِكْرا لَمْ يَرْجِع إلاَّ بِاشْتِرَاطٍ عَذْرا (وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه: (لم يجدهَا) فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بكرا) مفعول ثَان ليجد وَجُمْلَة (لم يرجع) جَوَاب حَيْثُ ومعموله مَحْذُوف أَي بالثيوبة (إِلَّا بِاشْتِرَاط) اسْتثِْنَاء مفرغ (عذرا) مفعول بِاشْتِرَاط، وَالْجُمْلَة من(1/508)
حَيْثُ وجوابها فِي مَحل رفع خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا تزوج امْرَأَة فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَإِنَّهُ لَا يردهَا بالثيوبة فِي حَال من الْأَحْوَال سَوَاء لم يشْتَرط شرطا أَو اشْترط أَنَّهَا بكر إِلَّا فِي حَال اشْتِرَاط كَونهَا عذراء وَهِي الَّتِي لَا زَالَت بِخَاتم رَبهَا وَلم تسْقط بمزيل أصلا، فَإِن اشْترط ذَلِك أَو اشْترط مَا فِي مَعْنَاهُ عرفا وَلَو بِوَصْف الْوَلِيّ عِنْد الْخطْبَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة كطفلة أَو بنت أَو كَانَ الْعرف إِطْلَاق الْبكر على الْعَذْرَاء كَمَا عندنَا الْيَوْم فَوَجَدَهَا سَاقِطَة الْعذرَة بِنِكَاح أَو غَيره من وثبة وَنَحْوهَا كَانَ لَهُ الرَّد على الْمَشْهُور خلافًا للقابسي، وَالْعرْف كالشرط فَإِذا أصدقهَا صدَاق الْبكر وصنع لَهَا مَا يصنع للبكر ثمَّ وجدهَا ثَيِّبًا فَلهُ الرَّد وَإِن لم يشْتَرط ثَيِّبًا. وَاعْلَم أَن الْبكر فِي اللِّسَان كَمَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد وَنَحْوه فِي الشَّارِح هِيَ الَّتِي لم يكن لَهَا زوج وَلَو لم تكن لَهَا عذرة وَقَالَ بعض شرَّاح (خَ) هِيَ عِنْد الْفُقَهَاء الَّتِي لم تُوطأ بِعقد صَحِيح أَو فَاسد جَار مجْرى الصَّحِيح، وعَلى هَذَا الْأَخير يحمل النَّاظِم بِدَلِيل الْبَيْت بعده، وَظَاهر النّظم أَن الزَّوْج لَا يعْذر بِالْجَهْلِ وَأَنه جهل معنى الْبكر فِي اللُّغَة، بل ظَنّهَا أَنَّهَا الْعَذْرَاء وَذَلِكَ مِمَّا يجهله أَبنَاء جنسه وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لَا عرف فِي إِطْلَاق الْبكر على الْعَذْرَاء كَمَا يفِيدهُ ابْن عَرَفَة، وَإِنَّمَا كَانَ لَا يرجع إِذا اشْترط الْبكارَة وَلَا عرف فِي إِطْلَاقهَا على الْعَذْرَاء لِأَنَّهُ من حَيْثُ لَا عرف ينْصَرف اللَّفْظ إِلَى مَعْنَاهُ لُغَة أَعم من أَن تكون عذرتها سَقَطت بزنا أَو بقفزة أَو وثبة أَو تكَرر حيض أَو غير ذَلِك، وَلَا يُقَال حمله على مَعْنَاهُ لُغَة يَقْتَضِي الرَّد بِمُجَرَّد تقدم عقد النِّكَاح لأَنا نقُول تقدم عقد النِّكَاح بِمُجَرَّدِهِ من غير وَطْء لَا غرضية فِيهِ، فَلَا فَائِدَة لاشْتِرَاط انتفائه فَانْصَرف الشَّرْط للَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح. وَلما كَانَ مَا قبل الِاسْتِثْنَاء صَادِقا بصورتين بِمَا إِذا اشْترط الْبكارَة، وَبِمَا إِذا لم يشْتَرط شَيْئا كَمَا مر، وَكَانَت الْبكر هِيَ الَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح أخرج من صُورَة الِاشْتِرَاط فَقَط مَا إِذا وطِئت بِنِكَاح فَقَالَ: مَا لَمْ يُزِلْ عَذْرَتَهَا نِكاحُ مُكْتَتَمٌ فالرَّدُّ مُسْتَبَاحُ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يزل) صلتها وَهُوَ مضارع أَزَال الرباعي (عذرتها) مفعول بِهِ والعذرة بِضَم الْعين سَاتِر رَقِيق على الْمحل (نِكَاح) فَاعل يزل (مكتتم) صفة لنكاح (فالرد مستباح) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي فَإِن أزالها نِكَاح فالرد الخ. وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا اشْترط(1/509)
الْبكارَة فَلَا رد لَهُ مَا لم يزل عذرتها نِكَاح مَكْتُوم عَنهُ وَله الرَّد حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ اشْترط الْبكارَة وَهِي الَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح، وَهَذِه قد وطِئت بِهِ فَتحصل من كَلَامه أَنه إِذا لم يشْتَرط شَيْئا وظنها بكرا فَلَا رد لَهُ وطِئت بِنِكَاح أَو بزنا أَو سَقَطت عذرتها بِغَيْر وَطْء، وَإِن اشْترط الْبكارَة فَلَا رد لَهُ أَيْضا إِلَّا إِن زَالَت عذرتها بِنِكَاح كتم عَنهُ، فَإِن لم يكتم عَنهُ فَلَا رد لَهُ أَيْضا، وَإِن اشْترط عذراء أَو مَا فِي مَعْنَاهُ ردهَا بِكُل ثيوبة (خَ) عاطفاً على مَا لَا رد بِهِ، والثيوبة إِلَّا أَن يَقُول عذراء، وَفِي بكر تردد الخ فاقتصر النَّاظِم فِي الْبكر على أحد الترددين لِأَنَّهُ الْمَنْصُوص لمَالِك وَأَشْهَب وَابْن حبيب وَمُقَابِله أَن اشْتِرَاط الْبكارَة كاشتراط الْعَذْرَاء لِابْنِ الْعَطَّار، وَبَعض الموثقين، فَقَوله: إِن لم يجدهَا بكرا أَي لم يجدهَا مَوْطُوءَة بِنِكَاح فَلَا رد لَهُ بالثيوبة مَعَ اشْتِرَاط الْبكارَة، وَمَعَ عدم اشْتِرَاط شَيْء أصلا مَا لم يزل عذرتها نِكَاح كتم عَنهُ فيردها مَعَ اشْتِرَاط الْبكارَة. وَقَوله: مكتتم أَي كتمته هِيَ أَو وَليهَا أَو هما، وَظَاهره أَنه لَا يردهَا بثيوبة غير النِّكَاح وَلَو علم بهَا الْوَلِيّ وكتمها وَالَّذِي فِي (خَ) أَنه إِذا علم وكتم فَللزَّوْج الرَّد على الْأَصَح، وَبِمَا قَررنَا سقط الِاعْتِرَاض عَنهُ بِأَن كَلَامه يُوهم أَن لَهُ الرَّد يتَقَدَّم عقد نِكَاح عَلَيْهَا وَلَو لم تُوطأ فِيهِ لأَنهم حملُوا الْبكر على مَعْنَاهُ لُغَة وَلَيْسَ ذَلِك مُرَاد النَّاظِم، وإلاَّ أدّى للتدافع فِي كَلَامه لِأَنَّهُ إِن حملنَا الْبكر على الْمَعْنى اللّغَوِيّ اقْتضى أَن يردهَا بتقدم عقد نِكَاح عَلَيْهَا، وَلَو كَانَت لَا زَالَت عذراء الْآن. وَقَوله مَا لم يزل عذرتها نِكَاح الخ. يَقْتَضِي أَنه لَا رد لَهُ بتقدم عقد النِّكَاح حَيْثُ كَانَت عذرتها قَائِمَة فالمخلص من ذَلِك هُوَ حمل الْبكر فِي كَلَامه على الْبكر الَّتِي لم تُوطأ بِنِكَاح لِأَن تقدم عقد النِّكَاح بِمُجَرَّدِهِ لَا يفوت غَرضا فَلَا وَجه لاشْتِرَاط انتفائه وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: لَا حد على الزَّوْج فِيمَا حَكَاهُ عَنْهَا أَنَّهَا غير عذارء وَلَا لعان لِأَن الْعذرَة قد تَزُول بسقطة وَنَحْوهَا إِلَّا أَن يَقُول: زَالَت بزنا أَو يَقُول: وَجدتهَا مفتضة لِأَن لفظ الافتضاض يشْعر بِفعل الْفَاعِل قَالَه (ق) وَقد بحث فِيهِ بِأَن الافتضاض لَا يسْتَلْزم الزِّنَا حَتَّى يكون قذفا لجَوَاز أَن يكون من زوج.(1/510)
الثَّانِي: إِذا كَذبته فِي دَعْوَى الثيوبة، وَزَعَمت أَنَّهَا عذراء الْآن وَهُوَ أَزَال عذرتها، فَالْمَشْهُور أَنَّهَا تصدق فِي الصُّورَتَيْنِ بِيَمِين (خَ) وَحلفت هِيَ أَو أَبوهَا إِن كَانَت سَفِيهَة وَلَا ينظرها النِّسَاء الخ. وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن النِّسَاء ينظرن إِلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا مر قَالَ فِي اللامية: والفرج للنسوة انجلا. وَلَا مَفْهُوم للنسوة بل فرج الرجل ينظر إِلَيْهِ الرِّجَال أَيْضا كَمَا مر عَن ابْن فتحون أول الْبَاب، وَبِه أفتى ابْن علوان كَمَا مر. الثَّالِث: إِذا اشْترط أَنَّهَا عذراء أَو مَا فِي مَعْنَاهُ أَو أصدقهَا صَدَاقا على مَا مر فَسَقَطت عذرتها بوثبة أَو زنا وَنَحْوهمَا فَإِن تَصَادقا على حُدُوث ذَلِك بعد العقد أَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة فَهِيَ مُصِيبَة نزلت بِالزَّوْجِ، وَيلْزمهُ جَمِيع الصَدَاق إِن دخل، وَنصفه إِن طلق قبل الدُّخُول كَمَا فِي جَوَاب لِابْنِ أبي زيد الْمَنْقُول فِي (ق) وَغَيره. وَيدل لَهُ أَيْضا قَول النَّاظِم فِيمَا مر: وَهُوَ لزوج آفَة من بعده. وَفِي الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الرَّجْم عَن مَالك إِن ظهر بِالْمَرْأَةِ حمل قبل الْبناء وَأنْكرهُ زَوجهَا وصدقته بِأَنَّهَا زنت وَأَنه مَا وَطئهَا حدت وَلَا يلْحقهُ الْوَلَد وَلَا لعان فِيهِ. ابْن الْقَاسِم: وَهِي زَوْجَة إِن شَاءَ طلق وَإِن شَاءَ أمسك. المتيطي فَقَوْل ابْن الْقَاسِم: إِن شَاءَ طلق وَلم يقل إِن شَاءَ رد يدل على أَنه لَا قيام لَهُ بِالْعَيْبِ إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه لم يَطْلُبهُ ابْن عَرَفَة: وَالْأَظْهَر أَنه حَادث بعد العقد أَو مُحْتَمل الْحُدُوث اه. أَي: وَالْقَوْل للْوَلِيّ وَالزَّوْجَة فِي مُحْتَمل الْحُدُوث أَنه حَادث وإلاَّ لَو كَانَ القَوْل للزَّوْج لقَالَ إِن شَاءَ رد فَتَأَمّله منصفاً فقولها: إِن شَاءَ طلق يَعْنِي وَعَلِيهِ النّصْف كَمَا تقدم عَن ابْن أبي زيد، وَقَوْلها: إِن ظهر بهَا حمل يدل على أَنه طَرَأَ بعد العقد، وإلاَّ فَالنِّكَاح فَاسد فَلَيْسَتْ زَوْجَة حِينَئِذٍ. وَقَوْلها: وَلَا يلْحق بِهِ الْوَلَد يَعْنِي إِذا أَتَت بِهِ لدوّنَ سِتَّة أشهر من يَوْم العقد وإلاَّ فَلَا يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِلعان وَلَو تَصَادقا على نَفْيه كَمَا فِي (خَ) وَغَيره لكنه يُعَكر عَلَيْهِ قَوْله: وَهِي زَوْجَة لِأَنَّهَا إِذا أَتَت بِهِ لدوّنَ سِتَّة أشهر، فَالنِّكَاح فَاسد وَعَلِيهِ فَقَوله: وَلَا لعان فِيهِ إِنَّمَا يتمشى على الْمَرْدُود عَلَيْهِ بلو فِي قَول (خَ) وَلَو تَصَادقا الخ. وَأما إِن اخْتلفَا فِي حُدُوث الْحمل وَزَوَال عذرتها بوثبة وَنَحْوهَا فادعت الْحُدُوث وَادّعى هُوَ الْقدَم فَيجْرِي على مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. الرَّابِع: ظَاهر النّظم أَنه إِذا اشْترط الْبكارَة واطلع بعد الدُّخُول بهَا أَنَّهَا ثيب بِنِكَاح أَن لَهُ الرَّد لِأَنَّهُ مغرور فَلَا يتْرك لَهَا إلاَّ ربع دِينَار وَهُوَ ظَاهر نقل ابْن عَرَفَة عَن الْبَاجِيّ حَيْثُ قَالَ: لَو وجدهَا ثَيِّبًا من زوج فَلهُ الرَّد اه. وَفِي اخْتِصَار الْبُرْزُليّ: إِذا تزَوجهَا بكرا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا من رجلَيْنِ فَإِن دخل بهَا مضى النِّكَاح بِصَدَاق مثلهَا وَإِن كَانَ قبل الْبناء خير فِي الْإِقَامَة وَلُزُوم كل الصَدَاق أَو الْفِرَاق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فقد أَمْضَاهُ مَعَ الدُّخُول بِصَدَاق الْمثل. الْخَامِس: قَالَ ابْن زرب: فَإِذا أقرَّت الْجَارِيَة بعد دُخُول زَوجهَا بهَا أَن بهَا جنوناً أَو أَنَّهَا غير عذراء لم يقبل قَوْلهَا لِأَنَّهَا أقرَّت بِمَا يخرج بعض مَالهَا، وَكَذَا لَو اشْترط عذرتها وَادّعى أَنه لم(1/511)
يجدهَا كَذَلِك وصدقته لم يقبل قَوْله، وَعَلِيهِ جَمِيع الصَدَاق. كَذَا نقل الْبُرْزُليّ. وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة مَا نَصه: قَالَ ابْن زرب فِي اختصاره الثَّمَانِية: فَإِن صدقته الزَّوْجَة وَهِي فِي ولَايَة أَبِيهَا لم يقبل قَوْلهَا لِأَنَّهَا أقرَّت بِمَا يخرج بعض مَالهَا من يَد أَبِيهَا. وَقَالَ ابْن حبيب: يقبل قَوْلهَا اه. ابْن عَرَفَة: وَفِي قبُول تصديقها لَهُ وَهِي فِي ولَايَة أَبِيهَا قولا ابْن حبيب. وَابْن زرب: لِأَن مَالهَا بيد أَبِيهَا قَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِنَّمَا قَالَ ابْن حبيب بالتصديق لِأَنَّهُ أَمر لَا يعلم من غَيرهَا وَلها نَظِيره فِي إرخاء الستور اه. وَرَأَيْت فِي نَوَازِل الزياتي أَن من تزوج امْرَأَة على أَنَّهَا بكر أَي وعرفهم أَنَّهَا الْعَذْرَاء فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَسُئِلت عَن ذَلِك فأقرت أَنَّهَا زنت مُنْذُ خَمْسَة أشهر فَهَل تصدق أم لَا؟ فَقَالَ: الْمُتَبَادر أَنَّهَا تصدق إِذْ لَا يعلم ذَلِك إِلَّا من قبلهَا، وَقد طَال بحثي على النَّص فِي النَّازِلَة فَمَا وفقت على شَيْء اه. قلت: مَا اسْتَظْهرهُ جَار على قَول ابْن حبيب لَا على قَول ابْن زرب الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمد، إِذْ الْمَحْجُور لَا يقبل إِقْرَاره فِيمَا يرجع لمَاله وَالْقَوْل حِينَئِذٍ قَول وَليهَا أَن ذَلِك حدث بعد العقد أَو أَن ذَلِك من فعل الزَّوْج كَمَا مرّ، وكما يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده. وَفِي الْبُرْزُليّ فِيمَن تزوج بكرا فَقَالَ: وَجدتهَا ثَيِّبًا وَأخْبر فِي حِينه بذلك فَقَالَ ابْن أبي زيد: ينظرها النِّسَاء فَإِن قُلْنَ الْقطع جَدِيد لم يقبل مِنْهُ، وَإِن قُلْنَ قديم فَإِن زوَّجها أَخُوهَا أَو أَبوهَا فَعَلَيهِ صَدَاقهَا وَيرجع بِهِ عَلَيْهَا، وَإِن كَانَ غَيرهمَا فَهِيَ الْغَارة فَيرجع عَلَيْهَا بِهِ إِلَّا ربع دِينَار اه. قَالَ الْبُرْزُليّ عقبه: لَعَلَّ هَذَا إِذا اشْترط أَنَّهَا بكر عذراء وَيحْتَمل الْإِطْلَاق لما جرت الْعَادة أَن الْبكر هِيَ الْعَذْرَاء على مَذْهَب الْمُتَأَخِّرين وعَلى مَذْهَب الْمُتَقَدِّمين لَا يضر ذَلِك وَبِه الْعَمَل اه من اختصاره. السَّادِس: من تزوج امْرَأَة على أَنَّهَا بكر فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَأقر أَبوهَا أَنَّهَا كَانَت تكنس الْبَيْت فَنزل بهَا شَيْء أذهب عذرتها ورد للزَّوْج الصَدَاق فَقَالَ أَشهب: يرجع الْأَب على الزَّوْج بِمَا دَفعه إِلَيْهِ وَلَا شَيْء للزَّوْج، وَقَالَ أصبغ: لَا يرجع لِأَنَّهُ إِن كَانَ شَرط عَلَيْهِ ذَلِك فَلهُ الرَّد كاشتراط الْبيَاض وَالْجمال، وَإِن لم يَشْتَرِطه فقد طاع الْأَب بِالرَّدِّ فَلَا رُجُوع لَهُ بالجهالة وَلَا يصدق، وَيحمل على أَنه أَرَادَ السّتْر على ابْنَته لِأَن ذَلِك يكون بِهِ الْفرْقَة وَترجع الْبِنْت على أَبِيهَا. قَالَ بعض الموثقين: وَهَذَا يدل على أَن أَشهب لَا يرى لَهُ الرُّجُوع بذلك الْعَيْب يَعْنِي لِأَنَّهُ الْجَارِي على مَا مر من أَن اشْتِرَاط الْبكارَة لَا يُوجب الرَّد بالثيوبة. ابْن رشد: رد الْأَب الْمهْر للزَّوْج إِن كَانَ على شَرط الْفِرَاق لم يتبع بِهِ الزَّوْج لِأَنَّهُ عوض، وتتبع الْبِنْت أَبَاهَا لِأَنَّهُ أتْلفه بِغَيْر حق وَإِن رده على بَقَائِهَا فِي عصمته رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ لابنته إِذْ هبة الْأَب مَال وَلَده الصَّغِير لَا تجوز على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَإِن رده على غير بَيَان الْفرْقَة أَو عدمهَا فَحَمله أَشهب على غير الْفرْقَة فَأوجب لَهُ الرُّجُوع على الزَّوْج، وَحمله أصبغ على الْفرْقَة فأمضاه الزَّوْج ويغرمه الْأَب لابنته، وَهَذَا كُله على عدم حمله أَنَّهَا بكر على شَرط الْعذرَة، وَأما إِذا حمل عَلَيْهِ فَرد الْأَب مَاض وَلَا غرم عَلَيْهِ لابنته نَقله ابْن عَرَفَة والمتيطية. السَّابِع: من حلف بِطَلَاق زَوجته أَن بفلانة عَيْبا مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَشهِدت أَربع نسْوَة بنفيه، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث قَالَه السوداني فِي بَاب الزِّنَا عِنْد قَوْله: فَلَا يسْقط بِشَهَادَة أَربع نسْوَة ببكارتها. الثَّامِن: قَالَ المتيطي: يَنْبَغِي لأولياء الْمَرْأَة تذْهب عذرتها بِغَيْر نِكَاح أَن يشيعوا ذَلِك(1/512)
ويشهدوا بِهِ ليرتفع عَنْهَا الْعَار عِنْد نِكَاحهَا. ابْن عَرَفَة: إِنَّمَا يرْتَفع عارها إِذا نزل بهَا ذَلِك وَهِي فِي سنّ من لَا تُوطأ أَو كَانَت سقطتها بِمحضر جمع، وَيَنْبَغِي أَن يثبت ذَلِك بِشَهَادَة ذَلِك الْجمع وَلَو كَانَ ذَا ستْرَة قَاصِرَة عَن التَّعْدِيل أَو نسَاء، وَكَيْفِيَّة الشَّهَادَة بذلك أشهد فلَان بن فلَان شهيديه أَنه كَانَ مِمَّا قدر الله إِن نزل بوليته فُلَانَة الَّتِي فِي حجره أَنَّهَا سَقَطت من كَذَا أَو وَثَبت فَسَقَطت عذرتها الخ. فَإِذا زَوجهَا وَليهَا لزمَه إِعْلَام الزَّوْج بذلك فَإِن لم يُعلمهُ جَاءَ الْقَوْلَانِ فِي شَرط الْبكارَة اه. قلت: أصح الْقَوْلَيْنِ أَن لَهُ الرَّد كَمَا تقدم عَن (خَ) . وَالله أعلم. التَّاسِع: لَا عِبْرَة بِنَظَر القوابل إِلَى الْبِنْت بعد أَيَّام من دُخُول الزَّوْج وَإِن شهدن بِأَن الْقطع قديم فَلَا حجَّة للزَّوْج فِي ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون الافتضاض فِي أول دُخُوله وَيبرأ الْجرْح فِي الْأَيَّام بدمل لِأَن الْعَادة أَنه يبرأ بِالْقربِ، وَإِنَّمَا يعْتَبر ذَلِك إِذا نظرن إِلَيْهَا صَبِيحَة لَيْلَة دُخُوله وَمَا قرب مِنْهَا جدا بِحَيْثُ لَا يمر من الزَّمَان مَا يكون الْبُرْء فِيهِ عَادَة قَالَه ابْن لب فِي جَوَاب لَهُ نَقله الشَّارِح. وَيفهم مِنْهُ أَن الزَّوْج إِذا مكث مَعهَا نَحْو الثَّلَاثَة الْأَيَّام وَادّعى أَنه لم يصبهَا إِلَّا فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة مثلا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَادعت هِيَ أَو وَليهَا أَنه أَصَابَهَا فِي اللَّيْلَة الأولى فَالْقَوْل لَهَا ولوليها. وَشَهَادَة القوابل بِعَدَمِ الْقطع عَن ذَلِك لَا تَنْفَع وَالله أعلم. بل لَو اعْترفت بِأَنَّهَا لَا زَالَت عذراء واعترف هُوَ بِوَطْئِهَا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَنظر النِّسَاء إِلَيْهَا بعد يَوْم وَنَحْوه من دُخُوله فوجدنها ثَيِّبًا لوَجَبَ عَلَيْهِ الْغرم للصداق باعترافه لموجبه عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَة باعترافها بِبَقَاء عذرتها. وَانْظُر لَو اعْترف بِالْوَطْءِ وكذبته فِيهِ وَشهد النِّسَاء بِبَقَاء عذرتها فَهَل يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ كذب شَهَادَة النِّسَاء إِلَّا أَن يرجع لقولها كَمَا يدل لَهُ قَول (خَ) فِي فصل الصَدَاق وَإِن أقرّ بِهِ فَقَط أَخذ إِن كَانَت سَفِيهَة وَهل إِن أدام الْإِقْرَار لرشيدة كَذَلِك أَو إِن كذبت نَفسهَا؟ تَأْوِيلَانِ الخ. الْعَاشِر: ظَاهر إطلاقات الْأَشْيَاخ أَن النِّسَاء ينظرن إِلَى نفس الْفرج وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم فِيمَا شَاهَدْنَاهُ من غير نَكِير من الْقُضَاة وَأهل الْعلم، وَالَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن فَرِحُونَ فِي التَّبْصِرَة: أَن تجْعَل الْمرْآة أَمَام فرجهَا وتفتح فخذيها وتجلس امْرَأَتَانِ من خلفهَا ينْظرَانِ فِي الْمرْآة وَهِي تفتحها بِيَدِهَا فَمَا نظرتا فِيهِ شهدتا بِهِ. والقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَ الابتِنَا فِي قِدَمِ العَيْب الَّذِي تَبَيَّنَا (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول الزَّوْج) خبر (قبل الابتناء) ظرف لمصدر دلّ عَلَيْهِ الْخَبَر الْمَذْكُور أَي القَوْل قَول الزَّوْج عِنْد الِاخْتِلَاف قبل الابتناء إِذْ لَا يُقَال القَوْل لفُلَان إِلَّا عِنْد الِاخْتِلَاف (فِي قدم الْعَيْب) يتَعَلَّق بالْخبر (الَّذِي تَبينا) نعت للعيب ومعموله مَحْذُوف أَي الَّذِي تبين قبل الْبناء. وَالقَوْلُ بَعْدَ فِي الحُدُوثِ قَوْلَ الأبْ والزَّوْجُ إذْ ذَاكَ بَيانُهُ وَجَبْ (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (بعد) ظرف للِاخْتِلَاف الْمُقدر أَيْضا مَبْنِيّ على الضَّم لقطعه عَن الْإِضَافَة لفظا (فِي الْحُدُوث) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (قَول الْأَب وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (إِذْ) ظرف زمَان مَاض(1/513)
يتَعَلَّق بوجب (ذَاك) مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف تَقْدِيره كَذَلِك، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذْ لقَوْله: وألزموا إِضَافَة إِلَى الْجمل. حَيْثُ وَإِذ الخ. (بَيَانه) مُبْتَدأ ثَان وَجُمْلَة (وَجب) خَبره، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا اخْتلفَا فِي قدم الْعَيْب وحدوثه فَادّعى تقدمه على العقد ليَكُون لَهُ الرَّد، وَادعت الزَّوْجَة أَو وَليهَا حُدُوثه بعد العقد ليَكُون مُصِيبَة نزلت بِهِ كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَهُوَ لزوج آفَة من بعده. فَإِن كَانَ ذَلِك الِاخْتِلَاف قبل الْبناء فَالْقَوْل قَول الزَّوْج فِي قدمه وعَلى الزَّوْجَة إِثْبَات كَونه حَادِثا، وَإِن كَانَ اخْتِلَافهمَا بعد الْبناء فَالْقَوْل قَول الزَّوْجَة فِي حُدُوثه وعَلى الزَّوْج بَيَان قدمه. وَمَا ذكّره النَّاظِم هُوَ ملخص مَا لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان مُقَيّدا بِهِ إِطْلَاق ابْن الْقَاسِم حَيْثُ قَالَ فِي سَماع عِيسَى وَأصبغ من زوج ابْنَته على أَنَّهَا صَحِيحَة فتجذمت بعد سنة أَو نَحْوهَا. فَقَالَ الْأَب: تجذمت بعد النِّكَاح. وَقَالَ الزَّوْج: قبله فالأب مُصدق وعَلى الزَّوْج الْبَيِّنَة. ابْن رشد: إِنَّمَا يصدق إِن تداعيا بعد الْبناء وَقَبله القَوْل قَول الزَّوْج كَمَا أَن القَوْل قَول الْمُبْتَاع فِي عيب عبد ظهر قبل قَبضه يحْتَمل الْحُدُوث والقدم اه. فَأَنت ترَاهُ فِي الرِّوَايَة أطلق، وَقَيده ابْن رشد بِمَا ترى وَتَبعهُ على التَّفْصِيل الْمَذْكُور ابْن سَلمُون والناظم، وَالَّذِي لِابْنِ فتحون أَن القَوْل للزَّوْجَة وأبيها مُطلقًا كَانَ النزاع قبل الْبناء أَو بعده وَهُوَ ظَاهر (خَ) وَابْن شَاس والمقرب. قلت: وَهُوَ الْمُوَافق لنَصّ ابْن الْقَاسِم الْمُتَقَدّم فِيمَن ظهر بهَا حمل قبل الْبناء وَأَنه إِن شَاءَ أمسك وَإِن شَاءَ طلق لكَون الْحمل حَادِثا بعد العقد، أَو مُحْتَمل الْحُدُوث على مَا اسْتَظْهرهُ ابْن عَرَفَة كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ. وَحَاصِله؛ أَن ابْن الْقَاسِم فِي سَماع عِيسَى وَأصبغ قَالَ: إِن القَوْل للْأَب وعَلى الزَّوْج الْبَيِّنَة وَأطلق فَظَاهره كَانَ نزاعهما قبل الْبناء أَو بعده وَاعْتمد إِطْلَاقه غير ابْن رشد مِمَّن تقدم، وَهَذَا الْإِطْلَاق هُوَ الْمُوَافق لما مر قَرِيبا عَن الْمُدَوَّنَة فِي كتاب الرَّجْم، وَلذَا أطلق (ح) وَغَيره مِمَّن تقدم قَالَ ابْن رحال: وَهُوَ الصَّوَاب وَتَقْيِيد ابْن رشد(1/514)
وَإِن تبعه عَلَيْهِ غَيره غير ظَاهر وَكم من تَقْيِيد أهمل، وَقد أطلق ابْن يُونُس كَمَا أطلق ابْن شَاس اه بِاخْتِصَار. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا كَانَ القَوْل للْأَب فبيمينه (خَ) وَحلفت هِيَ أَو أَبوهَا إِن كَانَت سَفِيهَة الخ. ابْن رشد: الْأَخ كَالْأَبِ أَي وَأَحْرَى الابْن وَغَيرهم من الْأَوْلِيَاء لَا يَمِين عَلَيْهِم، بل عَلَيْهَا، وَيَنْبَغِي أَن تكون يَمِين الْوَلِيّ على الْعلم انْظُر ابْن عَرَفَة و (ح) . الثَّانِي: قَالَ الشَّارِح: انْظُر هَل يُرِيد بِالْبَيِّنَةِ إِقَامَة شَهَادَة بِأَن الْعَيْب بهَا قديم أَو حَادث أَو شَهَادَة أهل الْمعرفَة بِأَنَّهُ قديم أقدم من أمد العقد أَو حَادث بعد العقد أَو مُحْتَمل كَالشَّهَادَةِ فِي الرَّقِيق وَالدَّوَاب اه. قلت: الْجَارِي على مَا مر فِي مَسْأَلَة الْبكارَة أَن المُرَاد شَهَادَة أهل الْمعرفَة بِأَنَّهُ أقدم من أمد العقد وَأَحْرَى إِذا أَقَامَ بَيِّنَة تشهد بِالْقطعِ بِأَنَّهُ كَانَ بهَا قَدِيما، وَرُبمَا يستروح هَذَا أَيْضا من تَشْبِيه. ابْن رشد: الْمَسْأَلَة بِعَيْب عبد ظهر قبل قَبضه الخ فَتَأَمّله وَالله أعلم. كَذَا بَرَدَ ذِي انْتِسَابٍ أُلْفِيَا لِغيَّةٍ أَوْ مُسْتَرَقًّا قُضِيَا (كَذَا) تَشْبِيه رَاجع لقَوْله قضى آخر الْبَيْت (برد ذِي انتساب) يتَعَلَّق بقضى الْمَذْكُور (ألفيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول بِمَعْنى وجد وألفه للإطلاق ونائبه الْمَفْعُول الأول ضمير يعود على ذِي انتساب (لغية) بِكَسْر لَام الْجَرّ وَفتح الْغَيْن وَكسرهَا يتَعَلَّق بألفى فِي مَحل الْمَفْعُول الثَّانِي لَهُ يُقَال فلَان لغية إِذا كَانَ لغير رشدة أَي ابْن زنا (أَو مسترقاً) مَعْطُوف على مَحل لغية (قضيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير يعود على الزَّوْجَة أَي: قضى لَهَا فحذفت لَام الْجَرّ فاتصل الضَّمِير واستتر وَالتَّقْدِير قضى للزَّوْجَة برد ذِي انتساب ألفته مَنْسُوبا لغية أَو مسترقاً كَذَلِك أَيْضا كَمَا قضى لَهَا برده بِالْعَيْبِ، فَإِذا تزوجته على أَنه ذُو نسب فَوَجَدته ولد زنا أَو تزوجته على أَنه حر فَوَجَدته رَقِيقا أَو ذَا شَائِبَة رق فلهَا رده إِن شَاءَت، وَظَاهره أَن مُجَرّد الظَّن كَاف وَإِن لم يكن هُنَاكَ شَرط فَقَوله: ذِي انتساب أَي اشتراطاً أَو ظنا فَإِذا تزوجته ظانة أَنه نسيب أَو أَنه حر، فَإِذا هُوَ لغية أَو رَقِيق فلهَا رده لِأَن الْعرف أَن النسيبة لَا تتَزَوَّج إِلَّا النسيب، والحرة لَا تتَزَوَّج إِلَّا الْحر وَالْعرْف كالشرط، فَإِن لم يكن عرف بذلك فَلَا رد إِلَّا مَعَ الشَّرْط الصَّرِيح وَعكس الْمَسْأَلَتَيْنِ كَذَلِك وَهُوَ تزَوجه إِيَّاهَا ظَانّا أَو مشترطاً أَنَّهَا لرشدة فَإِذا هِيَ لغية أَو ظَانّا أَو مشترطاً أَنَّهَا حرَّة فَإِذا هِيَ أمة، وَيفهم مِنْهُ أَنه إِذا تزَوجهَا يَظُنهَا حرَّة فَإِذا هُوَ وَهِي رقيقان لَا رد لَهَا وَلَا لَهُ لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا من مناكح الآخر. نعم(1/515)
لَو تزَوجهَا العَبْد أَو تزوجته على شَرط الْحُرِّيَّة فَتبين خِلَافه فلهَا وَله الرَّد، وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا من مناكح الآخر لِأَنَّهُ خلاف الشَّرْط الْمَدْخُول عَلَيْهِ، وَانْظُر لَو تزَوجهَا أَو تزوجته على أَنَّهَا أَو أَنه لرشدة فَإِذا هما لغية هَل يجْرِي على حكم مَا إِذا كَانَ الْعَيْب بهما مَعًا كَمَا مر فِي أول الْفَصْل أَو إِلَى الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة، وعكسها الشَّارِح بقوله: وإلاَّ تزوج الْحر الْأمة والحرة العَبْد بِخِلَاف العَبْد مَعَ الْأمة وَالْمُسلم مَعَ النَّصْرَانِيَّة إِلَّا أَن يغرا أَو إِلَى مَا يتَضَمَّن الأولى أَشَارَ بقوله: وللعربية رد الْمولى المنتسب. الخ. فيستروح مِنْهُ أَن الَّذِي لغية يرد بالأحرى وَلَو لغير الْعَرَبيَّة، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة وللمرأة أَن ترد الرجل إِذا انتسب لَهَا فَوَجَدته لغية وَكَذَلِكَ إِن كَانَ عبدا الخ. تَنْبِيه: سكت النَّاظِم عَمَّا يكون للزَّوْجَة فِي الرَّد قبل الْبناء أَو بعده، وَأَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَمَعَ الرَّد قبل الْبناء فَلَا صدَاق وَبعده فَمَعَ عَيبه الْمُسَمّى وَمَعَهَا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ انْظُر تَفْصِيله فِيهِ.
(فصل (فِي) ذكر أَحْكَام (الْإِيلَاء وَالظِّهَار))
وَاخْتلف فِي معنى الْإِيلَاء لُغَة فَقيل: هُوَ الْيَمين مُطلقًا، ثمَّ اسْتعْمل فِي الْيَمين على ترك الْوَطْء، وَقيل: هُوَ الِامْتِنَاع قَالَ تَعَالَى: وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم} (النُّور: 22) وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: حلف زوج على ترك وَطْء زَوجته يُوجب خِيَارهَا فِي طَلَاقه اه. فَقَوله على ترك وَطْء زَوجته الخ أخرج بِهِ مَا إِذا حلف على غير ترك الْوَطْء أَو على ترك وَطْء غير الزَّوْجَة من أَجْنَبِيَّة أَو أمة. وَفِي المعيار: لَا يلْزم الْإِيلَاء فِي الْأَجْنَبِيَّة، وَيلْزمهُ الظِّهَار فِيهَا. وانظره مَعَ قَول الْقَرَافِيّ فِي ذخيرته إِذا قَالَ لأجنبية: وَالله لَا أطؤك وَأَنت عَليّ كظهري أُمِّي فَتَزَوجهَا لزمَه الْإِيلَاء لِأَنَّهَا يَمِين لَا يشْتَرط فِيهَا ملك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ دون الظِّهَار لِأَن من شَرطه الزَّوْجِيَّة إِلَّا أَن يُرِيد إِن تَزَوَّجتك فيلزماه مَعًا اه بِلَفْظِهِ. وَقَوله: يُوجب خِيَارهَا أخرج بِهِ الْحلف عل ترك الْوَطْء الَّذِي لَا يُوجب لَهَا خياراً كحلفه على تَركه أَرْبَعَة أشهر فدون أَو كَون الزَّوْج لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْوَطْء كالعنين والمجبوب أَو كَون الزَّوْجَة مُرْضِعَة أَو صَغِيرَة لَا يُوطأ مثلهَا وَنَحْو ذَلِك، فَحلف الزَّوْج الْمَجْبُوب أَو ذُو الزَّوْجَة الْمُرضعَة وَالصَّغِيرَة على ترك الْوَطْء أَكثر من أَرْبَعَة أشهر لَا يُوجب للزَّوْجَة خياراً لكَونه لم يقْصد بذلك ضَرَرا إِلَّا أَنه اعْترض قَوْله: يُوجب خِيَارهَا بِأَنَّهُ من إِدْخَال الحكم فِي الْحَد اه. وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يُفْضِي للدور. وَقد يُجَاب بِمَا أجابوا بِهِ عَن ابْن مَالك فِي قَوْله: الْحَال وصف فضلَة منتصب الخ. وَلَهُم فِي ذَلِك أجوبة مِنْهَا أَن الْمَمْنُوع هُوَ الحكم قبل تصور الْمَحْدُود بِشَيْء مَا من أَجْزَائِهِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِك وعرفه (خَ) بقوله الْإِيلَاء يَمِين زوج مُسلم مُكَلّف يتَصَوَّر وقاعه وَأَن مَرِيضا يمْنَع وَطْء زَوجته وَإِن تَعْلِيقا غير الْمُرْضع وَإِن رَجْعِيَّة أَكثر من أَرْبَعَة أشهر أَو شَهْرَيْن للْعَبد وَلَا ينْتَقل لِلْعِتْقِ بعده، كوالله لَا أراجعك أَو لَا أطؤك.(1/516)
وَمَنْ لِوَطءٍ بِيَمِينٍ مَنَعَه لِزَوْجَةٍفَوْقَ شُهُورٍ أَرْبَعَهْ (وَمن) اسْم شَرط أَو اسْم مَوْصُول مُبْتَدأ وَاقع على الزَّوْج الْمُكَلف الَّذِي يتَصَوَّر وقاعه (لوطء) اللَّام زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مر، وَهُوَ فِي مَحل نصب يمنعهُ من بَاب الِاشْتِغَال (بِيَمِين) يتَعَلَّق بقوله: (مَنعه) وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول أَو فعل الشَّرْط الضَّمِير الْفَاعِل بِمَنْعه (لزوجة) يتَعَلَّق بِمَنْعه أَيْضا وَهُوَ على حذف الصّفة أَي غير مُرْضِعَة وَلَا صَغِيرَة لَا يُوطأ مثلهَا (فَوق شهور) ظرف يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (أَرْبَعه) صفة للشهور. فَذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ المُولِي وَتأْجِيلٌ وَجَبْ لهُ إِلَى فَيْئَتِهِ لِمَا اجْتَنَبْ (فَذَلِك) مُبْتَدأ (الْمولى) خَبره، وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب من على أَنَّهَا شَرْطِيَّة أَو خَبَرهَا على أَنَّهَا مَوْصُولَة وَدخلت الْفَاء فِي خبر الْمَوْصُول لشبهه بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام (وتأجيل) مُبْتَدأ سوغه عطف هَذِه الْجُمْلَة على الَّتِي قبلهَا (وَجب) خَبره (لَهُ إِلَى فيئته) يتعلقان بِهِ (لما) يتَعَلَّق بفيئة (اجْتنب) صلَة مَا، وَالتَّقْدِير: وَالزَّوْج الَّذِي منع لزوجته وطأ بِيَمِين مَنعه فَوق شهور أَرْبَعَة للْحرّ وشهرين للْعَبد فَذا الْحَالِف هُوَ الْمولى، وَالْحكم أَنه يجب أَن يُؤَجل أجل الْإِيلَاء الآني إِلَى فيئته أَي عوده للْوَطْء الَّذِي اجتنبه بِيَمِينِهِ الْمَذْكُورَة. والفيئة بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا قَالَ (خَ) : هِيَ تغييب الْحَشَفَة فِي الْقبل وافتضاض الْبكر، فَإِذا فَاء دَاخل الْأَجَل انحل عَنهُ الْإِيلَاء وَكفر عَن يَمِينه إِن كَانَت مِمَّا تكفر، وَإِذا انْقَضى أجل الْإِيلَاء الآني وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر من يَوْم الْحلف أَو الرّفْع فِي الْحِنْث أَو لم يفىء أوقفهُ القَاضِي فإمَّا فَاء وَإِلَّا طلق عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا آلى حر من امْرَأَته أَرْبَعَة أشهر فدون أَو عبد شَهْرَيْن فدون فَلَا حكم لَهُ فَإِن زَاد إِيلَاء الْحر أَو العَبْد على مَا ذَكرْنَاهُ أَو كَانَت يَمِينه مُطلقَة فِي الزَّمَان وَقَامَت الزَّوْجَة بِحَقِّهَا فِي الْوَطْء ضرب لَهُ أجل الْإِيلَاء من يَوْم الْيَمين فَإِذا انْقَضى قيل لَهُ: إِمَّا أَن تفيء وَإِلَّا طلقت عَلَيْك اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. وَمَا نَقله الشَّارِح هُوَ لفظ النِّهَايَة كَمَا وقفت عَلَيْهِ فِيهَا، ثمَّ إِن النَّاظِم أطلق فِي الزَّوْجَة فَيشْمَل الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا حرَّة كَانَت أَو أمة أَو كِتَابِيَّة كَمَا أطلق فِي الْيَمين فَشَمَلَ الْيَمين بِاللَّه وَغَيرهَا من نذر صَلَاة أَو صِيَام أَو هدي أَو حج أَو عتق أَو بِطَلَاقِهَا أَو بِطَلَاق امْرَأَة أُخْرَى. وَقَوله: وتأجيل وَجب الخ هَذَا التَّأْجِيل هُوَ الْآتِي فِي قَوْله: وَأجل الْمولى شهور أَرْبَعَة الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا ينْعَقد إيلاؤه إِلَّا إِذا حلف على تَركه أَكثر من أَرْبَعَة أشهر وشهرين للْعَبد أَو كَانَت يَمِينه مُبْهمَة أَي مُطلقَة أَو فِي معنى الْمُطلقَة كَقَوْلِه: وَالله لَا أطؤك حَتَّى يقدم زيد أَو حَتَّى تَأتِينِي أَو حَتَّى أَمُوت أَو حَتَّى تسأليني وَإِذا انْعَقَد وَجب تَأْجِيله أَرْبَعَة أشهر للْحرّ وَنِصْفهَا للْعَبد وَإِلَى مبدأ التَّأْجِيل أَشَارَ بقوله: وَأَجَلُ الإيلاءِ مِنْ يَوْمِ الحَلِفْ وحانِثٌ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ ائْتُنِفْ(1/517)
(وَأجل الْإِيلَاء) مُبْتَدأ (من يَوْم الْحلف) خَبره. وَمَعْنَاهُ أَن أجل الْإِيلَاء الْآتِي فِي قَوْله: وَأجل الْمولى شهور أَرْبَعَة. مبدوء من يَوْم الْحلف. وَهَذَا إِذا كَانَت يَمِينه على بر بِدَلِيل مَا بعده فَيشْمَل وَالله لَا أطؤك وَأطلق، فَإِن الْإِطْلَاق يعم سَائِر الْأَزْمَان فَهُوَ على إِطْلَاقه فَلَا يخص بِوَقْت دون وَقت إِلَّا بِدَلِيل، وَأَحْرَى لَو قَالَ: وَالله لَا أطؤك أبدا أَو خَمْسَة أشهر بل ظَاهره وَلَو كَانَت مُحْتَملَة لأَقل من أَرْبَعَة أشهر كوالله لَا أطؤك حَتَّى يقدم زيد أَو يَمُوت أَو حَتَّى تسأليني أَو تَأتِينِي وَنَحْو ذَلِك كَمَا هُوَ نَص الْمُدَوَّنَة خلافًا لما فِي (خَ) من أَن الْأَجَل فِي المحتملة من يَوْم الرّفْع وَالْحكم حَيْثُ قَالَ: وَالْأَجَل من الْيَمين إِن كَانَت يَمِينه صَرِيحَة فِي ترك الْوَطْء لَا إِن احتملت مُدَّة يَمِينه أقل أَو حلف على حنث فَمن الرّفْع وَالْحكم الخ. وَالْحَاصِل أَنه مهما دلّت يَمِينه على ترك الْوَطْء صَرَاحَة أَو التزاماً كوالله لَا ألتقي مَعهَا أَو لَا أَغْتَسِل من جَنَابَة فالأجل من يَوْم الْيَمين كَانَت الْيَمين صَرِيحَة فِي كَون الْمدَّة أَكثر من أَرْبَعَة أشهر حَقِيقَة، وَمِنْهَا لَا وَطئتك حَتَّى يقدم فلَان، وَقد علم أَنه لَا يقدم إِلَّا بعْدهَا أَو حكما كلا وَطئتك حَتَّى أَمُوت أَو تموتي أَو كَانَت غير صَرِيحَة فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة بل تحْتَمل كوالله لَا وَطئتك حَتَّى يدْخل زيد الدَّار أَو حَتَّى يَمُوت عَمْرو، لاحْتِمَال دُخُوله الدَّار أَو موت عمر وَأثر الْيَمين قبل مُضِيّ الْمدَّة إِلَّا أَنه فِي غير المحتملة بقسميها يحكم بإيلائه من الْآن، وَفِي المحتملة بصورتيها لَا يحكم بِأَنَّهُ مول حَتَّى تَنْقَضِي الْأَرْبَعَة أشهر وَلم يطَأ وَلم يَقع الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، فهناك يحكم بِأَنَّهُ مول وَلَا يضْرب لَهُ أجل آخر بل أَجله قد انْقَضى خلافًا لما يَقْتَضِيهِ (خَ) من أَنه فِي المحتملة يسْتَأْنف لَهُ الْأَجَل من يَوْم الرّفْع فمصب الصراحة عِنْده الْمدَّة الْمقدرَة أَي: وَالْأَجَل فِي الْيَمين بِشَرْطَيْنِ أَن تكون يَمِينه على ترك الْوَطْء صَرَاحَة أَو التزاماً، وَأَن تكون صَرِيحَة فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَهِي أَكثر من أَرْبَعَة أشهر للْحرّ أَو شَهْرَيْن للْعَبد، فالصراحة منصبة على هَذَا الشَّرْط الثَّانِي الْمُقدر بِدَلِيل قَوْله: لَا إِن احتملت مُدَّة يَمِينه أقل الخ. قَالَه طفي وَغَيره. (وحانث) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَي: وَأجل حانث (من يَوْم رَفعه) يتَعَلَّق بقوله (ائتنف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الْحَالِف على ترك الْوَطْء تَصْرِيحًا أَو التزاماً أَجله(1/518)
من يَوْم الْحلف سَوَاء كَانَت يَمِينه صَرِيحَة فِي كَون الْمدَّة أَكثر من أَرْبَعَة أشهر أَو مُحْتَملَة أقل كَمَا مرّ، وَإِن حلف على غير ترك الْوَطْء كَقَوْلِه: إِن لم أَدخل الدَّار أَو إِن لم أكلم فلَانا مثلا فَأَنت طَالِق أَو عَلَيْهِ الطَّلَاق ليضربن زيدا فالأجل فِي ذَلِك من يَوْم الرّفْع كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الطَّلَاق بقوله: وَإِن نفى وَلم يُؤَجل كَانَ لم أقدم منع مِنْهَا أَي وَيدخل عَلَيْهَا الْإِيلَاء فَقَوْل النَّاظِم: وحانث الخ وَقَول (خَ) وعَلى حنث أَي وَقد حلف على غير ترك الْوَطْء كَمَا فِي طفي. وَيَقَعُ الطَّلاقُ حَيْثُ لَا يَفِي إلاّ عَلَى ذِي العُذْرِ فِي التَّخَلُّفِ (وَيَقَع الطَّلَاق) فعل وفاعل (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه الْمَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ وفاعل (لَا يَفِي) ضمير يعود على الْمولى وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء مفرغ (على ذِي الْعذر) يتَعَلَّق بيقع (فِي التَّخَلُّف) بدل من الْعذر وَفِي سَبَبِيَّة وَهُوَ من بَاب الْقلب أَي: وَيَقَع الطَّلَاق على كل مول إِن لم يَفِ بعد أَجله الْآتِي إِلَّا على الْمولى ذِي التَّخَلُّف بِسَبَب الْعذر من مرض أَو غيبَة أَو سجن أَو حيض أَو إِحْرَام، فَفِي الْحيض وَالْإِحْرَام يُؤَخر لزوالهما إِن وعد بهَا أَو يكفر أَو يعجل الْحِنْث كَمَا فِي طفي و (خَ) وفيئة الْمَرِيض والمحبوس بِمَا ينْحل بِهِ إيلاؤهما وَبعث للْغَائِب إِن بشهرين فَقَوله: وَيَقَع الطَّلَاق أَي إِذا انْقَضى الْأَجَل فَيُقَال لَهُ: إِمَّا أَن تفيء وَإِلَّا طلقت عَلَيْك كَمَا مرّ عَن الْمُتَيْطِيَّة، فَإِن قَالَ: لَا أفيء طلق الْحَاكِم عَلَيْهِ بِلَا تلوم طَلْقَة يملك بهَا رَجعتهَا إِن فَاء فِي الْعدة وَإِن وعد بالفيئة تلوم لَهُ واختبر مرّة بعد مرّة فِي مُدَّة التَّلَوُّم، فَإِن ادّعى الْوَطْء فِيهَا صدق بِيَمِين فِي الثّيّب وَينظر النِّسَاء للبكر على مَا بِهِ الْعَمَل فَإِن مَضَت مُدَّة التَّلَوُّم وَلم يفىء أَمر بِالطَّلَاق، فَإِن لم يفعل طلق الْحَاكِم عَلَيْهِ، وَمثل الْحَاكِم من يقوم مقَامه من صلحاء البله عِنْد فَقده. والفيئة اصْطِلَاحا هِيَ تغييب الْحَشَفَة فِي الْقبل فِي الثّيّب وافتضاض الْبكر. وَفِي الْقَامُوس فَاء الْمولى من امْرَأَته كفر عَن يَمِينه وَرجع إِلَيْهَا. وَفِي ذخيرة الْقَرَافِيّ الْفَيْئَة الرُّجُوع وَمِنْه الْفَيْء بعد الزَّوَال للظل أَي: رَجَعَ بعد ذَهَابه فَقَوله: حَيْثُ لَا يفىء الخ لَا مَانع من حمل الْفَيْئَة فِي كَلَامه على مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ، بل هُوَ الْوَاجِب ليعم التغييب الْمَذْكُور أَو تَعْجِيل الْحِنْث كعتق الْمَحْلُوف بِعِتْقِهِ أَو تَكْفِير مَا يكفر أَو يدْخل الدَّار وَنَحْو ذَلِك (خَ) وانحل الْإِيلَاء بِزَوَال ملك من حلف بِعِتْقِهِ وبتعجيل الْحِنْث وبتكفير مَا يكفر إِلَى أَن قَالَ وطلق عَلَيْهِ إِن قَالَ: لَا أَطَأ بِلَا تلوم وَإِلَّا اختبر مرّة بعد مرّة الخ. إِلَّا أَنه إِذا انحل إيلاؤه بتعجيل الْحِنْث وَنَحْوه وَاسْتمرّ على ترك الْوَطْء فيطلق عَلَيْهِ حِينَئِذٍ للضَّرُورَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: واشترك التارك للْوَطْء مَعَه. وَعَادِمٌ لِلْوَطْءِ لِلنِّساءِ لَيْسَ لَهُ كالشَّيْخِ مِنْ إيلاءِ (وعادم) مُبْتَدأ سوغه عمله فِي قَوْله (للْوَطْء) وَقَوله (للنِّسَاء) يتَعَلَّق بِالْوَطْءِ (لَيْسَ) فعل(1/519)
نَاقص (لَهُ) خبر مقدم، وَاللَّام بِمَعْنى (على) (كالشيخ) خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين لَيْسَ وَاسْمهَا (من إِيلَاء) اسْم لَيْسَ جر بِمن الزَّائِدَة، وَالتَّقْدِير: وعادم لوطء النِّسَاء لَيْسَ عَلَيْهِ إِيلَاء وَذَلِكَ كالشيخ الفاني والمجبوب والعنين والمعترض والخصي أَو كَانَت الزَّوْجَة لَا تطِيق الْوَطْء لصغرها، وَهَذَا كُله مِمَّا يدْخل تَحت الْكَاف، وَمَفْهُوم من قَول (خَ) يتَصَوَّر وقاعه، وَكَذَا إِن كَانَت الزَّوْجَة مُرْضعًا، وَزعم أَن إيلائه كَانَ لإِصْلَاح الْوَلَد. وَقَالَ أصبغ: ينْعَقد إيلاؤه. اللَّخْمِيّ: وَهُوَ أَقيس لِأَن لَهَا حَقًا فِي الْوَطْء وَلَا حق للْوَلَد فِي تَركه لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنَّه لَا يضر) . قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَشَمل قَوْله: وعادم الخ. مَا إِذا كَانَ عادماً لَهُ وَقت الْإِيلَاء أَو عِنْد الْأَجَل فَيدْخل فِي كَلَامه مَا إِذا آلى وَهُوَ صَحِيح ثمَّ جب أَو خصي أَو اعْترض فِي أثْنَاء الْأَجَل فَإِنَّهُ لَا يُطَالب بالفيئة. وأجَلُ الْمُولي شَهُورٌ أَرْبَعَهْ وَاشْتَرَكَ التَّارِكُ لِلْوَطْءِ مَعَهْ (وَأجل الْمولي) مُبْتَدأ خَبره (شهور أَرْبَعه) لقَوْله تَعَالَى: للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} إِلَى قَوْله: سميع عليم} (الْبَقَرَة: 226) وَهَذَا للْحرّ، وَأما العَبْد فَسَيَأْتِي أَنه يُؤَجل نصف ذَلِك فَإِذا انْقَضى الْأَجَل أوقفهُ القَاضِي حِينَئِذٍ وَلَا يُزَاد على الْأَجَل فَإِن قَالَ: أَنا أفيء اختبره الْحَاكِم الْمرة بعد الْمرة كَمَا مر، وَيكون ذَلِك قَرِيبا بعضه من بعض وَإِن قَالَ لَا أفيء طلقت مَكَانهَا إِن لم ترض بالْمقَام مَعَه فَإِن رضيت بالْمقَام فلهَا الْقيام بعد وتطليق نَفسهَا من غير اسْتِئْنَاف أجل، وَكَذَلِكَ امْرَأَة الْمُعْتَرض لَهَا الْقيام بعد الرِّضَا وَلَا يسْتَأْنف لَهُ أجل بِخِلَاف الْمُعسر بِالنَّفَقَةِ إِذا أسقطت حَقّهَا، ثمَّ قَامَت فَلَا تطلق إِلَّا بعد أجل ثَان. (واشترك التارك) فعل وفاعل (للْوَطْء) يتَعَلَّق بالتارك (مَعَه) يتَعَلَّق باشترك وضميره للْحَالِف على ترك الْوَطْء. فِي ذاكَ حَيْث التَّرْكُ قَصْداً لِلضَّرَرْ مِنْ بَعْدِ زَجْرِ حَاكِمٍ وَمَا ازْدَجَرْ (فِي ذَاك) يتَعَلَّق باشترك أَيْضا. وَالْإِشَارَة للتأجيل الْمَذْكُور (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه الْمَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (التّرْك) مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي حَيْثُ التّرْك مَوْجُود حَال كَونه (قصدا) أَي مَقْصُودا أَي بِلَا عذر (للضَّرَر) يتَعَلَّق بمقدر أَي فيطلق عَلَيْهِ للضَّرَر بِالزَّوْجَةِ (من بعد زجر حَاكم) يتَعَلَّق بذلك الْمُقدر أَيْضا (وَمَا ازدجر) حَال وَمَا نَافِيَة. بَعْدَ تَلَوُّمٍ وَفِي الظِّهارِ لِمَنْ أَبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; التَّكْفِيرَ ذاكَ جَاري (بعد تلوم) يتَعَلَّق بالمقدر أَيْضا، وَيحْتَمل أَنه مَعْطُوف على بعد الأول بِحَذْف العاطف وَهُوَ(1/520)
أظهر، وَالْمعْنَى أَن التارك للْوَطْء بِغَيْر يَمِين يشْتَرك مَعَ الْمولى فِي التَّأْجِيل بأَرْبعَة أشهر حَيْثُ التّرْك مَوْجُود قصدا وَيُطلق عَلَيْهِ بعْدهَا للضَّرَر من بعد أَن يزجره الْحَاكِم وَلم ينزجر وَمن بعد تلوم، والبعدية ظرف متسع فَتصدق بالزجر قبل التَّأْجِيل وَبعده وبالتلوم قبله وَبعده أَيْضا، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله بعد تلوم مُنْقَطِعًا عَمَّا قبله مُقَابلا لَهُ على حذف القَوْل أَي: وَقيل يُطلق عَلَيْهِ بعد تلوم بِالِاجْتِهَادِ بِلَا تَحْدِيد أجل فيستفاد من كَلَامه قَولَانِ. أَحدهمَا: أَن التارك للْوَطْء بِلَا يَمِين وَلَا عذر يلْحقهُ بالمولى فِي أَجله الْمَذْكُور. وَالثَّانِي: أَنه لَا يلْحق بِهِ بل يتلوم لَهُ الْحَاكِم بِقدر أجل الْإِيلَاء أَو أقل أَو أَكثر، وَالْقَوْل الأول هُوَ قَول مَالك ودرج عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب، وَالثَّانِي هُوَ مذْهبه فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمَشْهُور وَعَلِيهِ درج (خَ) بقوله: واجتهد وطلق فِي لأعزلن أَو لَا أبيتن أَو ترك الْوَطْء ضَرَرا وَإِن غَائِبا الخ. وَقَالَ ابْن سَلمُون: فَإِن ترك الْوَطْء مضاراً من غير حلف أَمر بِوَطْئِهَا مرّة بعد مرّة فَإِن تَمَادى على ذَلِك فرق بَينهمَا بعد التَّلَوُّم، وَقيل بعد أجل الْإِيلَاء اه. فاعتمد النَّاظِم القَوْل الأول فِي كَلَامه تبعا لِابْنِ الْحَاجِب، وَقَوله: قصدا أَي بِلَا عذر كَمَا مر، وَلَا يحْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا لم يقْصد بِالتّرْكِ الضَّرَر كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ لِأَنَّهُ يُطلق عَلَيْهِ بِالتّرْكِ سَوَاء قصد بِهِ الضَّرَر بهَا أم لَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا. وَلذَا جعلنَا قَوْله للضَّرَر يتَعَلَّق بمقدر لَا بقوله قصدا، وَأَيْضًا فَإِن ترك الْوَطْء مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ تتضرر بِهِ الزَّوْجَة قصد بِهِ ضررها أم لَا. وَهِي مصدقة فِي تضررها بترك وَطئه كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا بلغته الْكِتَابَة أم لم تبلغه على مَا يَأْتِي كَمَا تصدق أَنَّهَا خشيت الزِّنَا بترك وَطئه إِذْ كل ذَلِك لَا يعلم إِلَّا مِنْهَا، وَقد علمت أَن هَذَا الحكم جَار فِي الْحَاضِر وَالْغَائِب. وَحَاصِله؛ أَن امْرَأَة الْغَائِب الْمَعْلُوم الْموضع إِذا دَامَت نَفَقَتهَا من مَال الْغَائِب أَو من مُتَطَوّع عَلَيْهِ وَقَامَت بِحَقِّهَا فِي الْوَطْء فَقَط لَا تجاب لدعواها إِلَّا إِن طَالَتْ غيبته كَسنة على ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَو أَكثر من ثَلَاث سِنِين على مَا للغرياني وَابْن عَرَفَة، وَحِينَئِذٍ يكْتب لَهُ الْحَاكِم إِن كَانَ مِمَّن تبلغه الْكِتَابَة إِمَّا أقدم أَو رَحل زَوجتك إِلَيْك أَو طلق كَمَا كتب عمر بن عبد الْعَزِيز بذلك إِلَى قوم غَابُوا بخراسان فَإِن لم يفعل طلق عَلَيْهِ بعد التَّلَوُّم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يُطلق على غَائِب قبل الْكتب إِلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ بِحَيْثُ لَا تبلغه الْكِتَابَة لانْقِطَاع الطّرق أَو كَانَت تبلغه، وَلَكِن لَا يتَمَكَّن من معرفَة الْخط وَلَا نقل الشَّهَادَة، فَفِي الذَّخِيرَة إِذا لم تتأت معرفَة الْخط فلهَا التَّطْلِيق وَقَرِيب مِنْهُ فِي الْإِيلَاء من التَّوْضِيح أَي: وَهُوَ مَحْمُول على أَنه ترك الْقدوم لزوجته اخْتِيَارا كَمَا للقرافي عَن اللَّخْمِيّ، فجواب الْمَازرِيّ الْمَنْقُول فِي الكراس الثَّانِي من أنكحة المعيار وَقبل النَّفَقَات من الْبُرْزُليّ برد الحكم بِطَلَاق زَوْجَة الْغَائِب الَّذِي لم يبْحَث الْحَاكِم عَمَّا يكون قد عرض لَهُ من مرض أَو اعتقال وَنَحْوهمَا مُقَابل لحمله على الِاخْتِيَار الْمَذْكُور.(1/521)
وَحَاصِله؛ أَن الْحَاكِم حكم بِطَلَاق امْرَأَة وَعلل حكمه بِأُمُور مِنْهَا أَنه قد ثَبت عِنْده أَن الزَّوْج الْغَائِب بالأندلس غير مَمْنُوع من دُخُول بلد الزَّوْجَة الَّتِي هِيَ بقفصة وَأَن زَوجته محتاجة إِلَيْهِ وَأَن عَلَيْهَا الْمضرَّة فِي بَقَائِهَا بِلَا زوج وَأَنَّهَا راغبة فِي طَلَاق زَوجهَا الرَّغْبَة الشَّدِيدَة كَمَا علله أَيْضا بِأَنَّهُ رأى أَن الْإِعْذَار لمن بالأندلس يتَعَذَّر لبعد الْمَكَان وَانْقِطَاع الطّرق وَقلة من يعرف خطه وينقل عَنهُ شَهَادَته، فَسئلَ الْمَازرِيّ عَن ذَلِك؟ فَأجَاب بِنَقْض الحكم الْمَذْكُور لعدم بَحثه عَمَّا يكون قد عرض للزَّوْج من الْمَوَانِع، وَبِأَن قَول الشُّهُود أَنَّهَا محتاجة إِلَيْهِ وَعَلَيْهَا ضَرَر فِي بَقَائِهَا الخ. هُوَ كِنَايَة على الْحَاجة إِلَى الْوَطْء، وَلَكِن من شَرط التتميم للشَّهَادَة أَن يَقُولُوا شكت إِلَيْنَا الضَّرَر بذلك فَعلمنَا قَصدهَا، وَأما قَوْلهم عَلَيْهَا مضرَّة وَهِي لم تشكها فَغير نَافِع وَبِأَن الْإِنْسَان قد يرغب فِي الشَّيْء وَلَا يَطْلُبهُ حَيَاء مِنْهُ أَو علو همته عَنهُ فقصارى مَا فِي الشَّهَادَة بِهَذَا الْفَصْل إِثْبَات الرَّغْبَة دون طلب بإيقاع مَا رغبت فِيهِ، وَلم يذكرُوا أَنَّهَا وَإِن طلبت الْفِرَاق لأي عِلّة طلبته وَالْأَحْكَام إِنَّمَا تورد بالنصوص لَا بالحدس والتخمين اه بِاخْتِصَار وَفِيه طول. قلت: وَسكت رَحمَه الله عَمَّا علل بِهِ ثَانِيًا من أَنه رأى أَن الْإِعْذَار لمن بالأندلس يتَعَذَّر الخ. وَلَعَلَّه إِنَّمَا سكت عَنهُ لِأَن الْحَاكِم لم يثبت عِنْده بطرِيق الشَّهَادَة التَّعَذُّر الْمَذْكُور من انْقِطَاع الطَّرِيق وَقلة من يعرف الْخط الخ. وَإِنَّمَا رَآهُ من قبل نَفسه وَهُوَ لَا يعْتَبر وَلَو ثَبت ذَلِك لصَحَّ الحكم بِالطَّلَاق كَمَا مرّ، وَلِأَن ثُبُوت كَونه غير مَمْنُوع من دُخُول فقصه مُنَاقض لما رَآهُ من انْقِطَاع الطَّرِيق كَمَا هُوَ وَاضح، وَإِنَّمَا اعتنيت بتخليصه لما فِيهِ من الْفَائِدَة وَلعدم فهم كثير من النَّاس كَلَامه، وَمَا فِي (ز) عِنْد قَول (خَ) الْمُتَقَدّم من التَّوْفِيق بَين نقلي المعيار والبرزلي عَن الْمَازرِيّ غير سديد إِذْ كل مِنْهُمَا نقل كَلَامه بِاللَّفْظِ الَّذِي نَقله بِهِ الآخر كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَالله أعلم. وَهَذَا فِي الْمَعْلُوم الْموضع كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما مجهوله فَهُوَ الْمَفْقُود وَسَيَأْتِي حكمه فِي فَصله إِن شَاءَ الله. تَنْبِيه: مُقْتَضى مَا مر من أَنَّهَا لَا تجاب لدعواها حَتَّى تطول السّنة أَو أَكثر من ثَلَاث سِنِين على مَا مر أَن الطول الْمَذْكُور لَيْسَ من أمد التَّلَوُّم بل يكْتب إِلَيْهِ بعده ويتلوم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا قَررنَا وَهُوَ ظَاهر مَا للبرزلي، وَبِه قرر الْمَتْن شراحه وَالَّذِي لِابْنِ رشد عَن ابْن الْقَاسِم أَنه يُؤَجل فِي مُدَّة التَّلَوُّم السّنة والسنتين نَقله أَبُو الْحسن وَنَحْوه فِي ضيح فَانْظُر. (وَفِي الظِّهَار) يتَعَلَّق بالتكفير (لمن) يتَعَلَّق بجار آخر الْبَيْت (أَبى) صلَة والرابط ضمير الْفَاعِل الْعَائِد على من (التَّكْفِير) مفعول بِهِ (ذَاك) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للتأجيل بأَرْبعَة أشهر (جَار) خَبره، وَالتَّقْدِير ذَاك التَّأْجِيل بأَرْبعَة أشهر جَار فِيمَن أَبى أَي امْتنع من التَّكْفِير فِي الظِّهَار وَهُوَ قَول الرجل لزوجته أَو أمته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو إِن لم أَدخل الدَّار مثلا فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي وَامْتنع من دُخُولهَا فَإِنَّهُ يضْرب لَهُ أجل الْإِيلَاء حَيْثُ رفعته زَوجته (خَ) الظِّهَار تَشْبِيه الْمُسلم الْمُكَلف من تحل أَو جزئها بِظهْر محرم أَو جزئه الخ. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الظِّهَار تَشْبِيه الزَّوْج زَوجته(1/522)
أَو ذِي أمة حل وَطْؤُهُ إِيَّاهَا بِمحرم مِنْهُ أَو بِظهْر أَجْنَبِيَّة فِي تمتعه بهما والجزء كالكل وَالْمُعَلّق كالحاصل الخ. فَقَوله فِي تمتعه الخ. هُوَ وَجه الشّبَه وَبَاقِيه وَاضح. وَلما وَقع خلاف فِي مبدأ أَجله هَل هُوَ من يَوْم الظِّهَار أَو من يَوْم الرّفْع أَو من تبين الضَّرَر أَشَارَ إِلَى الْمَشْهُور من ذَلِك فَقَالَ: وأَجَلُ المُظاهِرِ المَأْثُورُ مِنْ يَوْمِ رَفْعِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ (وَأجل الْمظَاهر) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (الْمَأْثُور) بِالرَّفْع نعت لأجل (من يَوْم رَفعه) خبر عَن الْمُبْتَدَأ الْمَذْكُور (هُوَ الْمَشْهُور) مُبْتَدأ وَخبر فيؤجل من يَوْم الرّفْع أَرْبَعَة أشهر للْحرّ وشهرين للْعَبد وَقيل أَجله من يَوْم الْيَمين كالحالف على ترك الْوَطْء، وَقيل من تبين الضَّرَر (خَ) وَهل الْمظَاهر إِن قدر على التَّكْفِير وَامْتنع كَالْأولِ فالأجل من الْيَمين وَعَلِيهِ اختصرت أَو كالثاني وَهُوَ الْأَرْجَح أَو من تبين الضَّرَر وَعَلِيهِ تؤولت أَقْوَال. مِنْ بَعْدِ أَنْ يُؤْمَرَ بالتَّكْفِيرِ وَهْيَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ (من بعد) يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر فِي الْخَبَر قبله (أَن يُؤمر) فِي تَأْوِيل مصدر مُضَاف إِلَيْهِ (بالتكفير) يتَعَلَّق بقوله يُؤمر وَالْمعْنَى أَن الْمظَاهر الْمَذْكُور إِنَّمَا يُؤَجل من يَوْم الرّفْع بعد أَن يُؤمر بالتكفير فَيمْتَنع (وَهِي) مُبْتَدأ عَائِد على كَفَّارَة الظِّهَار (على التَّرْتِيب) يتَعَلَّق بالاستقرار خبر (لَا) عاطفة (التَّخْيِير) مَعْطُوف على التَّرْتِيب فكفارته عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من قطع أصْبع وعمى وشلل وبكم وجنون بِلَا شوب عوض الخ. فَإِن عجز عَنْهَا فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن عجز عَن الصّيام فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا فَلَا ينْتَقل لمرتبة الْأَبْعَد الْعَجز عَن الَّتِي قبلهَا لقَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} إِلَى قَوْله: فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} (المجادلة: 4) .(1/523)
كَذَاكَ أَيْضاً مَا لَهُ ظِهارُ مَنْ لأَعْلَى الْوَطْءِ لَهُ اقْتِدَارُ (كَذَاك أَيْضا مَا لَهُ ظِهَار، من لأعلى الْوَطْء لَهُ اقتدار) كالشيخ الفاني والمجبوب وَنَحْوهمَا مِمَّن تقدم أَنه لَا يَصح إيلاؤه فَمن مُبْتَدأ مَوْصُول وَلَا نَافِيَة عاملة عمل لَيْسَ واقتدار اسْمهَا وَله خَبَرهَا وعَلى الْوَطْء يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خَبَرهَا، وَالْجُمْلَة بِتَمَامِهَا صلَة الْمَوْصُول، وَقَوله: أَيْضا مصدر آض إِذا رَجَعَ وَهُوَ مَعَ قَوْله كَذَاك منصوبان على الْحَال من ضمير الِاسْتِقْرَار فِي خبر ظِهَار وَمَا نَافِيَة وظهار مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور قبله، وَالتَّقْدِير: الزَّوْج الَّذِي لَا اقتدار كَائِن لَهُ على الْوَطْء فالظهار كَائِن عَلَيْهِ أَيْضا كَذَاك وَالْإِشَارَة فِي قَوْله: كَذَاك رَاجِعَة للْمولى الَّذِي لَا قدرَة لَهُ، وَيحْتَمل أَن تكون من الموصولة بَدَلا من الضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ قبلهَا وَالتَّقْدِير مَا ظِهَار كَائِن لمن لَا اقتدار لَهُ على الْوَطْء كَذَلِك أَيْضا، وَهَذَا أقرب وَالله أعلم. وَإنْ يَكُنْ مُظَاهِرٌ أَوْ مُولي عَبْداً يُؤَجَّلُ نِصْفَ ذَا التَّأْجِيلِ (وَإِن يكن) شَرط (مظَاهر) اسْم يكن (أَو مولي) مَعْطُوف عَلَيْهِ (عبدا) خبر يكن (يُؤَجل) بِسُكُون اللَّام مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير العَبْد (نصف) مَنْصُوب بِإِسْقَاط الْخَافِض أَي بِنصْف (ذَا) مُضَاف إِلَيْهِ (التَّأْجِيل) نعت لذا أَو بدل، وَنصفه هُوَ شَهْرَان كَمَا مر، وَظَاهره أَن العَبْد يُؤَجل نصف التَّأْجِيل الْمَذْكُور سَوَاء كَانَت زَوجته حرَّة أَو أمة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا أَن الْحر يُؤَجل أَرْبَعَة أشهر وَلَو كَانَت زَوجته أمة. ثُمَّ الطَّلاقُ فِي انْقِضَاءِ الأَجَلِ بَعْدَ تَقَضِّي المُوجِبَاتِ الأُوَّلِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (الطَّلَاق) مُبْتَدأ (فِي انْقِضَاء) خَبره وَفِي بِمَعْنى عِنْد (الْأَجَل) مُضَاف إِلَيْهِ (بعد) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَذْكُور (تقضي الموجبات) مجروران بِالْإِضَافَة إِلَيْهِمَا (الأول) بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو المخففة نعت للموجبات أَي ثمَّ أخْبرك إِن الطَّلَاق يوقعه الْحَاكِم عِنْد الْأَجَل الْمَذْكُور وَهُوَ شَهْرَان، لَكِن بعد وجوب الموجبات من ثُبُوت الزَّوْجِيَّة وَالظِّهَار والامتناع من التَّكْفِير وَالْإِيلَاء والامتناع من الْفَيْئَة، وَهَذَا فِي العَبْد وَأما الْحر فقد تقدم ذكره فِي قَوْله: وَيَقَع الطَّلَاق حَيْثُ لَا يَفِي الخ. فَلَا تكْرَار. وَلما كَانَ هَذَا الطَّلَاق رَجْعِيًا لقَولهم كل طَلَاق يوقعه الْحَاكِم فَهُوَ بَائِن إِلَّا طَلَاق الْمولى والمعسر بِالنَّفَقَةِ نبه النَّاظِم على ذَلِك فَقَالَ: وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيمَا أصْدَرَا مَنْ فَاءَ فِي العِدَّةِ أَوْ مَنْ كَفَّرَا (وَيملك الرّجْعَة) مفعول بِهِ (فِيمَا) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ أَو بِالْمَصْدَرِ وَمَا وَاقعَة على الطَّلَاق (أصْدرَا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول صلَة وألفه للإطلاق والعائد مَحْذُوف فِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل أَي فِي الطَّلَاق الَّذِي أصدره الْحَاكِم والنائب فِي الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول ضمير يعود على مَا هُوَ الرابط (من)(1/524)
وَاقعَة على الزَّوْج فَاعل يملك (فَاء) صلته (فِي الْعدة) يتَعَلَّق بِهِ (أَو من) مَعْطُوف على من الأول (كفرا) صلته والعائد فَاعله الْمُسْتَتر، وَالْمعْنَى أَن طَلَاق الْحَاكِم الَّذِي أوقعه على من لحقه الْإِيلَاء رَجْعِيّ فَيملك الزَّوْج رَجعتهَا حَيْثُ فَاء فِي الْعدة أَي رَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الِامْتِنَاع كَانَت يَمِينه على بر كحلفه لَا أطؤها وَطلقت بعد الْأَجَل فارتجعها وَوَطئهَا فِي الْعدة إِذْ لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِلَّا بعد الارتجاع لِأَنَّهَا مُطلقَة وَكَذَا إِن لم يطَأ وَلَكِن كفر عَن يَمِينه بعد الارتجاع أَو قبله فِي الْعدة، وَكَذَا لَو ظَاهر مِنْهَا وَطلقت بعد الْأَجَل فارتجعها وَوَطئهَا فِي الْعدة أَو كفر قبل الارتجاع أَو بعده فِيهَا أَيْضا أَو كَانَت يَمِينه على حنث كحلفه بِطَلَاقِهَا ليدخلن الدَّار ولحقه الْإِيلَاء وَطلقت عَلَيْهِ فَدخل الدَّار وارتجعها فِي الْعدة أَو ارتجعها، ثمَّ دخل الدَّار فِيهَا أَيْضا وَطلقت فَقَوله: كفر أَي فِي الْعدة فَهُوَ مَحْذُوف من الْأَوَاخِر لدلَالَة الْأَوَائِل، وَقَوله: فَاء أَي بِالْوَطْءِ أَو بتعجيل الْحِنْث كَمَا فِي الْأَمْثِلَة إِلَّا أَن الْوَطْء لَا يكون إِلَّا بعد الرّجْعَة لِأَنَّهَا مُطلقَة وَهِي لَا يَصح الِاسْتِمْتَاع بهَا إِلَّا بعد الارتجاع، فَإِن كفر قبل الارتجاع أَو بعده فِي الْعدة أَو عجل الْحِنْث وارتجع فِيهِ أَيْضا، لَكِن اسْتمرّ على الِامْتِنَاع من الْوَطْء فيهمَا فيطلق عَلَيْهِ ثَانِيًا لَا للإيلاء لِأَنَّهُ قد انحل بل للضَّرَر كَمَا مر فِي قَوْله: واشترك التارك للْوَطْء مَعَه الخ، وَفهم من قَوْله فَاء فِي الْعدة الخ، أَنه إِذا ارتجع بِدُونِ فيئة بِوَطْء وَلَا تَكْفِير وَلَا تَعْجِيل حنث فِي الْعدة لَا تصح رجعته وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وتتم رجعته إِن انحل وَإِلَّا ألغيت ثمَّ إِن طَلَاق الْمولى إِنَّمَا يكون رَجْعِيًا فِي الْمَدْخُول بهَا لَا فِي غَيرهَا فَهُوَ بَائِن كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب وَغَيره.
(فصل فِي اللّعان)
وَمَعْنَاهُ لُغَة الْبعد لَعنه الله أبعده، وَاصْطِلَاحا قَالَ ابْن عَرَفَة: اللّعان حلف الزَّوْج على زنا زَوجته أَو نَفْيه حملهَا اللَّازِم لَهُ وحلفها على تَكْذِيبه إِن أوجب نكولها حَدهَا بِحكم قَاض، فاحترز بقوله اللَّازِم لَهُ مِمَّا لَو أَتَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم العقد أَو كَانَ خَصيا فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنهُ بِغَيْر لعان، وَقَوله: إِن أوجب نكولها حَدهَا مِمَّا لَو ثَبت غصبهَا فَلَا لعان عَلَيْهَا وَاللّعان عَلَيْهِ وَحده، وَبِقَوْلِهِ بِحكم قَاض مِمَّا لَو تلاعنا بِدُونِ حكم فَلَيْسَ بِلعان شرعا وَلَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم، وَكَذَا(1/525)
يحْتَرز بِهِ عَمَّا لَو سكت عِنْد الْوَضع، ثمَّ أَرَادَ أَن يَنْفِيه ويلاعن فِيهِ لِأَن القَاضِي لَا يحكم بِاللّعانِ فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن سُكُوته دَلِيل على كذبه. وَقَوله حلف الزَّوْج وحلفها الخ يصدق بِمَا إِذا حلف هُوَ يَمِينا وَاحِدَة وَحلفت هِيَ كَذَلِك، لَكِن قَوْله: بِحكم قَاض يخرج ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يحكم بِهِ إِلَّا على الْوَجْه الْمَشْرُوع. ابْن عَرَفَة: وَلَا نَص فِي حكمه. ابْن عَاتٍ: لَاعن ابْن الْهِنْدِيّ زَوجته بِحكم صَاحب الشرطة وَكَانَت ملاعنتهما فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بقرطبة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلثمائة فَلَمَّا عوتب قَالَ: أردْت إحْيَاء سنة دثرت قَالَ: وَكَانَ ابْن الْهِنْدِيّ تلميذ الْفَقِيه أبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَنهُ أَخذ وَمَعَهُ تفقه، وَكَانَ مقدما أَيْضا عِنْد القَاضِي مُحَمَّد بن السَّلِيم بن عَرَفَة. إِن كَانَ اللّعان لنفي الْحمل فَهُوَ وَاجِب لِئَلَّا يلْحق بنسبه مَا لَيْسَ مِنْهُ فتجري عَلَيْهِ جَمِيع أَحْكَام الْأَنْسَاب وإلاَّ فَالْأولى تَركه بترك سَببه لِأَنَّهُ من الْأُمُور الَّتِي نَص الشَّارِع بالستر عَلَيْهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (من أصَاب شَيْئا من هَذِه القاذورات فليسترها بستر الله) وَيسْتَحب لَهُ طَلاقهَا إِن لم تتبعها نَفسه، فَإِن وَقع سَببه صدقا وَجب لوُجُوب دفع معرة الْحَد وَالْقَذْف الخ. وَفِي المعيار عَن سراج ابْن الْعَرَبِيّ أَن شَهَادَة الرجل على زَوجته بِرُؤْيَة الزِّنَا مَكْرُوهَة إِذْ لَا تفِيد أَكثر من الْفِرَاق والفراق مَعَ السّتْر أفضل، وَأما شَهَادَته على نفي الْحمل فَوَاجِب لِئَلَّا يلْحق بنسبه مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَول ابْن الْهِنْدِيّ: إحْيَاء سنة دثرت الخ. قَالَ الشَّيْخ (م) مُرَاده إحْيَاء أَمر أَذِنت فِيهِ السّنة وأباحته لَا أَنه مَطْلُوب الْفِعْل فَهُوَ كَقَوْلِهِم طَلَاق السّنة. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: مُرَاده صفة اللّعان أَي إحْيَاء صفته، وَقد أغْنى الله تَعَالَى عَنهُ بِمَا ذكر من صفته فِي الْقُرْآن. والستر أولى وَإِنَّمَا تستر بِهَذَا الْكَلَام حِين عوتب قَالَ: وَقد وَقع فِي زمن الْأَمِير أبي يحيى رَحمَه الله تَعَالَى، وتلاعنا بِجَامِع الزيتونة، وَقد وَقع بعد ذَلِك مرّة أُخْرَى وَلَا غرابة فِي وُقُوع سَببه فِي هَذَا الزَّمَان لِكَثْرَة الْمَفَاسِد نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن اه. قلت: وَقد وَقع أَيْضا مرَارًا بعد الْأَرْبَعين والمائتين وَالْألف بِجَامِع الْقرَوِيين من فاس صانها الله، وَإِذا علمت مَا مر من وُجُوبه فَمَا فِي لامية الزقاق ونظم الْعَمَل من أَن الْعَمَل جرى بترك اللّعان مُطلقًا من فَاسق وَغَيره لَا يعول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خلاف الْكتاب وَالسّنة وَلَا أبعد من جَرَيَان الْعَمَل بِمحرم الَّذِي هُوَ ترك الْوَاجِب، وَلذَا اعْترض سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الْهِلَالِي الْعَمَل الْمَذْكُور. وَإنَّمَا لِلزَّوْجِ أنْ يَلْتَعِنَا بِنَفْي حَمْلٍ أَوْ بِرُؤْيَةِ الزِّنا (وَإِنَّمَا) للحصر (للزَّوْج) خبر عَن الْمصدر المؤول من قَوْله: (أَن يلتعنا بِنَفْي حمل) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (أَو بِرُؤْيَة) مَعْطُوف على بِنَفْي (الزِّنَا) مُضَاف إِلَيْهِ والحصر منصب على(1/526)
المجرورات مَعَ الظّرْف الْآتِي أَي: وَإِنَّمَا الالتعان كَائِن للزَّوْج لَا لغيره كسيد بِنَفْي حمل مَعَ ادِّعَاء الِاسْتِبْرَاء أَو بِرُؤْيَة الزِّنَا لَا بِغَيْرِهِمَا من مُجَرّد قذف بِغَيْر رُؤْيَة، وَلَا نفي حمل أَو بِنَفْي حمل أمته لَا مَعَ ادِّعَاء اسْتِبْرَاء وَعدم اللّعان بِمُجَرَّد الْقَذْف هُوَ أحد الْمَشْهُورين فِي قَول (خَ) وَفِي حَده بِمُجَرَّد الْقَذْف أَو لِعَانه خلاف، فاقتصر النَّاظِم على ذَلِك. وَقَوله للزَّوْج حَقِيقَة أَو حكما فَيدْخل لعان الواطىء بِالشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ يُلَاعن فِي نفي الْحمل عَنهُ وَإِن لم يكن زوجا لِأَنَّهُ لما كَانَ الْوَلَد لاحقاً بِهِ إِن لم يُلَاعن ودرىء عَنهُ الْحَد كَانَ فِي حكم الزَّوْج وَأطلق فِي الزَّوْج فَشَمَلَ الْحر وَالْعَبْد وَالْفَاسِق دخل أم لَا. كَانَ نِكَاحه صَحِيحا أَو فَاسِدا وَلَو مجمعا على فَسَاده كخامسة وَلَا يَشْمَل الْكَافِر لأَنا لَا نتعرض لَهُم إِلَّا أَن يترافعوا إِلَيْنَا فنحكم لَهُم بحكمنا. وَقَوله: بِنَفْي حمل أَي: وَالزَّوْج مِمَّن يُمكن وَطْؤُهُ لحضوره فِي الْبَلَد وَعدم صغره وَصِحَّة الْعُضْو الَّذِي يطَأ بِهِ فَلَا لعان على صبي وَلَا مجبوب وَلَا على غَائِب بِبَلَد لَا يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهَا لبعد الْمسَافَة، بل يَنْتَفِي فِي ذَلِك كُله بِغَيْر لعان. وَقَوله: حمل أَي وَكَذَلِكَ الْوَلَد فَيشْمَل من قدم من غيبته بعد موت زَوجته الْمَدْخُول بهَا فنفى مَا وَلدته فِي غيبته، وَظَاهر قَوْله: أَو بِرُؤْيَة الزِّنَا أَنه لَا بُد من ادِّعَاء الرُّؤْيَة حَقِيقَة وَهُوَ كَذَلِك فِيمَن تتأتى مِنْهُ الرُّؤْيَة (خَ) تيقنه أعمى وَرَآهُ غَيره اه. وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يشْتَرط وصف الرُّؤْيَة بقوله كالمرود فِي المكحلة بِخِلَاف الشُّهُود وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب والشامل وَغَيرهمَا، وَفِي الْمُدَوَّنَة لَا يُلَاعن حَتَّى يَدعِي رُؤْيَة الْفرج فِي الْفرج. قَالَ الشَّيْخ طفي: وشهره الأبي وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يُلَاعن للرؤية وَلَو أَقَامَ أَرْبَعَة شُهُود على زنَاهَا وَهُوَ كَذَلِك لَكِن يُلَاعن وَحده إِن شَاءَ لينتفي عَنهُ مَا تلده لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الرُّؤْيَة، وَإِن نكل فَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قذف غير عفيفة، وَأما هِيَ فَلَا تلتعن لِأَن حَدهَا قد وَجب بِالْبَيِّنَةِ هَكَذَا قيل، وتأمله مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده من أَن اللّعان بِمُجَرَّد الرُّؤْيَة لَا يَنْتَفِي بِهِ الْوَلَد على الْمُعْتَمد ثمَّ لَا بُد من ثُبُوت الزَّوْجِيَّة وَلَا يَكْفِي إقرارهما بِهِ إِن لم يَكُونَا طارئين فَإِن كَانَا طارئين وَجب اللّعان بإقرارهما بهَا وَقَوله: مَعَ ادِّعائِهِ للاسْتِبْرَاءِ وَحَيْضَةٌ بَيِّنَةُ الإجْزَاءِ (مَعَ ادعائه) يتَعَلَّق بيلتعن أَي: وَإِنَّمَا يلتعن فِي نفي الْحمل مَعَ الادعاء (للاستبراء) لَا مَعَ عدم ادعائه وَقَوله (وحيضة) مُبْتَدأ (بَيِّنَة الْأَجْزَاء) خبر ومضاف إِلَيْهِ، والاستبراء أَعم من أَن يكون بِالْوَضْعِ أَو بالمدة أَو بِالْحيضِ فَإِذا وضعت حملهَا وَلم يَطَأهَا بعده حَتَّى وضعت حملا آخر وَبَين الوضعين سِتَّة أشهر فَأكْثر فَإِن لَهُ أَن يُلَاعن فِي هَذَا الثَّانِي لِأَنَّهُ يمْضِي السِّتَّة أشهر لَا يُمكن أَن يكون توأماً للْأولِ، فيعتمد حِينَئِذٍ فِي لِعَانه على الِاسْتِبْرَاء بِالْوَضْعِ الأول، وَكَذَا لَو وَطئهَا(1/527)
وَأمْسك عَنْهَا فَأَتَت بِولد بعد هَذَا الْوَطْء لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الْوَطْء الْمَذْكُور أَو لأكْثر من أقْصَى أمد الْحمل كخمس سِنِين فَإِنَّهُ يعْتَمد على لِعَانه فِي تِلْكَ الْمدَّة القليلة أَو الْكَثِيرَة لِأَن الْوَلَد فِي القليلة لَيْسَ هُوَ للْوَطْء الْمَذْكُور على زَعمه لنقصه عَن السِّتَّة، وَلَا أَنه توأم للْأولِ لفصل السِّتَّة أشهر بَينهمَا وَلِأَنَّهُ فِي الْكَثِيرَة على زَعمه زَاد على أقْصَى أمد الْحمل من يَوْم وَطئه فيعتمد على الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَإِن لم يكن هُنَاكَ حيض وَلَا وضع، وَأما إِن استبرأها بِحَيْضَة وَلم يَطَأهَا بعْدهَا حَتَّى أَتَت بِولد لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الِاسْتِبْرَاء فيعتمد على ذَلِك وَلَا إِشْكَال فَقَوله: وحيضة الخ. أَي لَكِن إِن كَانَ الِاسْتِبْرَاء بِالْحيضِ لَا بِالْوَضْعِ وَلَا بالمدة فحيضة وَاحِدَة كَافِيَة فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا، فقد اشْتَمَل كَلَامه رَحمَه الله تَعَالَى على صور الِاعْتِمَاد الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ فِي كَلَام غَيره، وَسَوَاء رَآهَا تَزني مَعَ وَاحِدَة من تِلْكَ الصُّور أم لَا. وَمَا ذكره من الِاعْتِمَاد على الْحَيْضَة الْوَاحِدَة هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل لَا يعْتَمد عَلَيْهَا لِأَن الْحَامِل عندنَا تحيض واستظهره فِي ضيح، وَمَفْهُوم قَوْله مَعَ ادعائه الخ. أَنه لَا يعْتَمد فِي نفي الْحمل على عزل وَلَا على مشابهة لغيره وَإِن بسواد وَلَا وَطْء بَين الفخذين إِن أنزل وَلَا وَطْء بِغَيْر إِنْزَال إِن أنزل قبله وَلم يبل كَمَا فِي (خَ) وَأَنه أَيْضا لَا يعْتَمد فِي نَفْيه على الرُّؤْيَة وَحدهَا من غير استبرائها بِشَيْء مِمَّا مرّ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، لَكِن هَذَا يُلَاعن للرؤية قطعا حَيْثُ قَامَت الْمَرْأَة بِحَقِّهَا فِي الْقَذْف، وَإِذا لَاعن للرؤية وَادّعى الْوَطْء قبلهَا وَعدم الِاسْتِبْرَاء وَأَتَتْ بِولد لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الرُّؤْيَة فَهَل يَنْتَفِي الْوَلَد بِلعان الرُّؤْيَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ الَّذِي فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن انْتَفَى بِهِ أَي بِلعان الرُّؤْيَة مَا ولد لسِتَّة أشهر الخ. أَو لَا يَنْتَفِي بِهِ بل هُوَ لَازم لَهُ وَهُوَ مَا صدر بِهِ ثَانِيًا حَيْثُ قَالَ: وَإِن لَاعن لرُؤْيَته وَادّعى الْوَطْء قبلهَا فلمالك فِي إِلْزَامه بِهِ الخ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده لِأَنَّهَا أَتَت بِهِ لمُدَّة يُمكن أَن يكون فِيهَا للْفراش أَو للزِّنَا وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر) . قَالَ الْبُرْزُليّ: أجمع أهل الْعلم على القَوْل بِهِ إِذا أمكن أَن يكون للْفراش من مَجِيئه لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم العقد، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف بِهِ من مَجِيئه لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم الْوَطْء كَمَا فِي الْفَرْض الْمَذْكُور، وَلَا سِيمَا والشارع متشوف للحوق الْأَنْسَاب فَلَا يَنْتَفِي حِينَئِذٍ عَنهُ أصلا، وَلَا يُمكن من اللّعان فِيهِ لعدم تقدم مَا يعْتَمد عَلَيْهِ من الْأُمُور الثَّلَاثَة. وَهَذَا هُوَ ظَاهر النّظم لِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ جعل نفي الْحمل بِاللّعانِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ ادِّعَاء الِاسْتِبْرَاء بِشَيْء مِمَّا مر، والاعتماد على الرُّؤْيَة وَحدهَا لَا يَكْفِي على الْمَشْهُور، وَتَأمل كَيفَ يرجح القَوْل بِنَفْي الْوَلَد بِلعان الرُّؤْيَة مَعَ احْتِمَال كَونه للْفراش، وَقَول الْأَب إِنَّه من الزِّنَا مُجَرّد دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا بِشَيْء مِمَّا يعْتَمد عَلَيْهِ من الْأُمُور الثَّلَاثَة، بل لَو صدقته الْمَرْأَة عَلَيْهَا لم يفده ذَلِك لحق الْوَلَد فَذَلِك القَوْل مُقَابل للمشهور وَلقَوْل الْأَكْثَر الْقَائِلين إِنَّه لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِلعان وَلَو تَصَادقا على نَفْيه، وَاللّعان فِي الْفَرْض الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ لدفع حد الْقَذْف لَا لنفي الْوَلَد إِذْ لَا يُمكن من اللّعان فِيهِ مَعَ تقدم مَا يعْتَمد عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَقَوله: وحيضة بَيِّنَة الْأَجْزَاء الخ. هَذَا إِحْدَى المستثنيات الثَّلَاث من قَوْلهم اسْتِبْرَاء الْحرَّة بِثَلَاث حيض كعدتها إِلَّا فِي اللّعان كَمَا هُنَا وَفِي الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا ترْجم حَتَّى تستبرأ بِحَيْضَة وَاحِدَة، وَفِي الرِّدَّة فَإِن الْمُرْتَدَّة المتزوجة أَو ذَات السَّيِّد لَا تقتل بعد الاستتابة حَتَّى تستبرأ بِحَيْضَة وَاحِدَة أَيْضا، وَفِي ذَلِك يَقُول الأَجْهُورِيّ رَحمَه الله:(1/528)
والحرة استبراؤها كالعده لَا فِي لعان وزنا ورده فَإِنَّهَا فِي كل ذَا تستبرا بِحَيْضَة فَقَط وقيت الضرا وَيُسْجَنُ القَاذِفُ حَتَّى يَلَتَعِنْ وَإنْ أَبى فَالْحَدُّ حُكْمٌ يَقْتَرِنْ (ويسجن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْقَاذِف) نَائِبه (حَتَّى) حرف جر (يلتعن) مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعْدهَا يتَعَلَّق بيسجن (وَإِن أَبى) شَرط (فالحد) مُبْتَدأ (حكم) خَبره (يقْتَرن) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صفة لحكم أَي فالحد حكم مقرون بإبايته وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. قَالَ فِي الطرر: يجب على الزَّوْج إِذا نفى وَلَده أَو ادّعى رُؤْيَة الزِّنَا أَن يسجن حَتَّى يُلَاعن وَمثله فِي ابْن سَلمُون (خَ) بِلعان معجل الخ. وَظَاهره كالناظم وَلَو مريضين أَو أَحدهمَا وَلَا يُؤَخر إِلَى الْبُرْء بل يتلاعنان عَاجلا بِخِلَاف الْحَائِض وَالنُّفَسَاء فيؤخران مَعَه كَمَا فِي الشَّامِل، وَمحل وجوب الالتعان إِذا رفعته الزَّوْجَة وَلم يطَأ بعد الرُّؤْيَة وَلَا سكت بعد علمه بِالْحملِ كَمَا يَأْتِي. وَمَا بِحَمْلٍ بِثُبُوتِهِ يَقَعْ وَقَدْ أَتَى عَنْ مَالِكٍ حتَّى تَضَعْ (وَمَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على اللّعان مُبْتَدأ (بِحمْل) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خَاص صلَة (بِثُبُوتِهِ) يتَعَلَّق بقوله (يَقع) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وَالتَّقْدِير: وَاللّعان الَّذِي وَجب بِسَبَب نفي حمل يَقع بعد ثُبُوته بِشَهَادَة امْرَأتَيْنِ لَا قبل ثُبُوته، وَظَاهره اتِّفَاقًا وَلَا يُؤَخر اللّعان للوضع على الْمَشْهُور، وَقيل يُؤَخر وَهُوَ معنى قَوْله: (وَقد أَتَى عَن مَالك) وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَابْن الْمَاجشون أَنه لَا لعان (حَتَّى تضع) لاحْتِمَال أَن يكون ريحًا فينفش، ورد بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا؛ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَاعن بَين الْعجْلَاني وَزَوجته وَهِي حَامِل، وَظَاهر النّظم أَنه إِذا لَاعن بعد ثُبُوته ثمَّ أنفش لَا حدّ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الشَّامِل: لاحْتِمَال إخفاء سقط، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا فرق بَين الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا وَهُوَ كَذَلِك لِأَن غير الْمَدْخُول بهَا إِذا ظهر بهَا حمل وَادعت أَنه كَانَ يُصِيبهَا بعد العقد،(1/529)
وَكَانَ مِمَّا يُمكنهُ ذَلِك كَمَا مرّ وكذبها هُوَ فَلَا يَنْتَفِي الْحمل إِلَّا بِلعان وَلَا يؤخران للوضع ثمَّ إِن وَضعته لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم العقد فاللعان فِي مَحَله وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ آثاره وَلها نصف الصَدَاق، وَإِن وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر فَلَا صدَاق لَهَا وَلَا يتأبد تَحْرِيمهَا لِأَنَّهُ لَاعن غير زَوْجَة كَمَا يَأْتِي آخر الْبَاب، وَفِي الْبُرْزُليّ: أَن عياضاً سَأَلَ ابْن رشد عَن امْرَأَة ادَّعَت نِكَاح رجل وأثبتته وأثبتت ابتناءه بهَا وخلوته مَعهَا وَحملهَا مِنْهُ وَحضر الرجل واعترف بِجَمِيعِ ذَلِك إِلَّا الْحمل فَقَالَ: مَا وطئتها قطّ واعترف بالخلوة فَاحْتَجت الْمَرْأَة بِأَن فِي عقد المباراة إشهاده على نَفسه بِأَنَّهُ بنى بهَا فَقَالَ: لم أعرف معنى الْبناء وظننته الزواج وتقيد ذَلِك عَلَيْهِ وَوضعت الْمَرْأَة حملهَا فَهَل يلْحق بِالزَّوْجِ وَهل يقبل قَوْله فِي جهل الْبناء والابتناء وَهُوَ من غير أهل الطّلب وَهل يُلَاعن بِلَا خلاف لإِقْرَاره بِالْبِنَاءِ فَهُوَ كمن قذف وَلم يدع اسْتِبْرَاء؟ فَأَجَابَهُ: بِأَنَّهُ يلْزمه الْوَلَد إِلَّا أَن يَنْفِيه بِلعان اه. قلت: حَاصله أَن الرجل الْمَذْكُور اعْترف بالخلوة وَأنكر الْوَطْء وادعته هِيَ وَهِي مصدقة فِيهِ فَلَا يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِلعان، إِذْ لَو لم تكن هُنَاكَ خلْوَة وَادعت ذَلِك وَكَانَ مِمَّا يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهَا لم ينتف عَنهُ إِلَّا بذلك كَمَا مر، وَأما اعترافه بِالْبِنَاءِ فَلَا يسْتَلْزم الْوَطْء إِذْ هُوَ كالدخول عبارَة عَن كَون الْمَرْأَة فِي حجابه كَمَا يدل عَلَيْهِ قَول النَّاظِم فِيمَا مر: إِلَّا اعتراضاً كَانَ بَعْدَمَا دخل. وَالْوَطْء الخ. فَلذَلِك لم يرتب حكما على اعترافه بِهِ وإلاَّ لَو كَانَ الْبناء هُوَ الْوَطْء أَو يستلزمه لم يكن من اللّعان أصلا وَإِن ادّعى جهل مَعْنَاهُ فَلَا يعْذر بِهِ لتَعلق حق الْغَيْر وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُمكن مِنْهُ لعدم تقدم مَا يعْتَمد عَلَيْهِ من الِاسْتِبْرَاء وَالله أعلم. وَيَبْدَأُ الزَّوْجُ بِالالِتعانِ لِدَفْعِ حَدَ أَرْبَع الأيْمَانِ (وَيبدأ الزَّوْج) فعل وفاعل (بالالتعان) يتَعَلَّق بِهِ (لدفع حد) مجرور ومضاف إِلَيْهِ يتَعَلَّق بيبدأ (أَربع) بالخفض على حذف الْجَار يتَعَلَّق بالالتعان وَيجوز نَصبه على أَنه مفعول بالالتعان لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْحلف كَمَا مرّ (الْأَيْمَان) مُضَاف إِلَيْهِ. إثْبَاتاً أوْ نَفْياً عَلَى مَا وَجَبَا مُخَمِّساً بِلَعْنَةٍ إنْ كَذَبَا (إِثْبَاتًا أَو نفيا) مصدر إِن بِمَعْنى الْفَاعِل حالان من ضمير الزَّوْج الَّذِي عوضت أل مِنْهُ فِي الالتعان أَي: وَيبدأ الزَّوْج بحلفه أَربع أَيْمَان حَالَة كَونه مثبتاً فِي الرُّؤْيَة نافياً فِي الْحمل، وَيحْتَمل أَنَّهُمَا منصوبان على إِسْقَاط الْخَافِض أَي على الْإِثْبَات وَالنَّفْي. (على مَا) مَوْصُول على حذف(1/530)
مُضَاف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال (وجبا) صلَة الْمَوْصُول أَي مثبتاً أَو نافياً على حسب مَا يجب عَلَيْهِ من ذَلِك، وَمن الصِّيغَة الَّتِي أشهد بِاللَّه أَو وَالله وَنَحْوهمَا. وَيحْتَمل وَهُوَ الْأَقْرَب أَن يكون قَوْله إِثْبَاتًا أَو نفيا بَيَانا لما أَي يبْدَأ الزَّوْج لدفع حد بحلفه أَربع أَيْمَان حَال كَونهَا على حسب مَا وَجب عَلَيْهِ من الْإِثْبَات وَالنَّفْي والصيغة وَالله أعلم. (مخمساً) حَال من الضَّمِير الْمَذْكُور (بلعنة) يتَعَلَّق بِهِ (إِن كذبا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن صفة اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ أَن يبْدَأ الزَّوْج بِاللّعانِ لدفع الْحَد عَنهُ إِن كَانَت الزَّوْجَة حرَّة مسلمة أَو الْأَب إِن كَانَت أمة أَو كِتَابِيَّة فَيحلف أَربع أَيْمَان على مَا وَجب عَلَيْهِ من الْإِثْبَات فِي الرُّؤْيَة أَو النَّفْي فِي نفي الْحمل فَيَقُول: أشهد بِاللَّه لقد رَأَيْتهَا تَزني أَربع مَرَّات أَو مَا هَذَا الْحمل مني كَذَلِك، ويصل خَامِسَة بلعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين فيهمَا، وَظَاهره أَن الزَّوْج يبْدَأ بالالتعان وجوبا وَهُوَ قَول أَشهب، وَعَلِيهِ إِذا بدأت هِيَ فتعيده. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يبْدَأ الزَّوْج اسْتِحْبَابا فَإِن بدأت هِيَ فَلَا تعيد (خَ) وَفِي إِعَادَتهَا إِن بدأت هِيَ خلاف، وَمحله مَا لم تحلف بِصِيغَة لقد كذب وإلاَّ أعادت بِلَا خلاف وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يتَعَيَّن لفظ أشهد بل لَو قَالَ: بِاللَّه أَو وَالله لرأيتها تَزني أَو مَا هَذَا الْحمل مني لكفاه وَهُوَ قَول أصبغ وَالْمَشْهُور تَعْيِينه وَأَنه لَا يَجْزِي غَيره كَمَا يَأْتِي عَن (خَ) وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يشْتَرط زِيَادَة الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ وَلَا عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَهُوَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا يشْتَرط كَونه فِي أعظم الْأَمَاكِن كالمساجد كَمَا قدمه فِي بَاب الْيَمين حَيْثُ قَالَ: وَمَا كَمثل الدَّم وَاللّعان الخ. وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعا لِتَدْرَأَ الحَدَّ بِنَفْي مَا ادَّعَى (وتحلف الزَّوْجَة) فعل وفاعل (بعد) ظرف مَقْطُوع مَبْنِيّ يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ قبله (أَرْبعا) نَائِب عَن مفعول مُطلق أَي حلفات أَرْبعا (لتدرأ) مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد اللَّام وفاعله ضمير الزَّوْجَة (الْحَد) مفعول بِهِ (بِنَفْي) يتَعَلَّق بتدرأ وَالْبَاء سَبَبِيَّة، وَيحْتَمل أَنَّهَا بِمَعْنى (على) تتَعَلَّق بِحلف (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (ادّعى) صلَة مَا والرابط مَحْذُوف أَي تحلف أَرْبعا على نفي مَا ادَّعَاهُ من الرُّؤْيَة أَو نفي الْحمل لتدرأ الْحَد عَنْهَا. تخْمِيسُها بِغَضَبٍ إنْ صَدَقَا ثُمَّ إذَا تمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا (تخميسها) مُبْتَدأ (بغضب) يتَعَلَّق بِهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف للْعلم بِهِ أَي وَاجِب أَو ثَابت، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَجْرُور يتَعَلَّق بذلك الْخَبَر وَالْأول أقرب (إِن صدقا) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل نصب على الْحَال ربطت بالضمير فَقَط، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْجَة(1/531)
تحلف بعد لعان الزَّوْج فَتَقول: أشهد بِاللَّه مَا رَآنِي أزني أَو مَا زَنَيْت أَربع مَرَّات، وَأَن هَذَا الْحمل مِنْهُ كَذَلِك أَو تَقول: لقد كذب فيهمَا أَربع مَرَّات أَيْضا وَتصل خامستها بغضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين أَو إِن صدق فَتبين أَنه لَا بُد من لفظ أشهد فِي حق الزَّوْج وَالزَّوْجَة خلافًا لظَاهِر النّظم، وَمن لفظ اللّعان فِي حق الزَّوْج وَالْغَضَب فِي حق الزَّوْجَة (خَ) وَوَجَب أشهد واللعن وَالْغَضَب وبأشرف الْبَلَد وبحضور جمَاعَة أقلهَا أَرْبَعَة وَندب إِثْر صَلَاة وتخويفها وخصوصاً عِنْد الْخَامِسَة وَالْقَوْل بِأَنَّهَا مُوجبَة الْعَذَاب الخ. (ثمَّ) عاطفة (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (تمّ اللّعان) فعل وفاعل فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا (افْتَرقَا) فعل وفاعل جَوَاب إِذا وألفه للتثنية أَي: إِذا تمّ التعانهما على الصّفة الْمُتَقَدّمَة وَقعت الْفرْقَة بَينهمَا بِلَا طَلَاق كَانَ قبل الْبناء أَو بعده وَلها نصف الصَدَاق إِن كَانَ قبل الْبناء كَمَا مر، وَظَاهره أَنه بِمُجَرَّد تَمام الالتعان تقع الْفرْقَة من غير حكم وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَيَسْقُطُ الحَدُّ وَيَنْتَفِي الولَدْ ويحْرُمُ العَوْدُ إلَى طُوله الأَمَدْ (وَيسْقط الْحَد) فعل وفاعل (وينتفي الْوَلَد وَيحرم الْعود) جملتان معطوفتان على الأولى (إِلَى طول الأمد) يتَعَلَّق بيحرم أَي بِتمَام اللّعان يَقع الْفِرَاق وَيسْقط حد الزِّنَا عَنْهُمَا وَيَنْقَطِع نسب الْوَلَد من الزَّوْج وَيحرم عَلَيْهِمَا الْعود للنِّكَاح أبدا، لَكِن ظَاهره أَن نفي الْوَلَد يتَوَقَّف على لعان الزَّوْجَة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل بِمُجَرَّد لعان الزَّوْج يَنْقَطِع نسبه مِنْهُ وَإِن لم تلاعن هِيَ بل نكلت وَحِينَئِذٍ فلعان الزَّوْج تنبني عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَحْكَام: دَرْء الْحَد عَنهُ كَمَا مر فِي قَوْله: وَيبدأ الزَّوْج بالالتعان لدفع حد الخ. وَنفي الْوَلَد عَنهُ وَإِيجَاب الْحَد على الْمَرْأَة إِن لم تلاعن. وَهَذِه الثَّلَاث مفهومة من قَول النَّاظِم: لتدرأ الْحَد الخ. وَيَنْبَنِي على لعان الزَّوْجَة ثَلَاثَة أَيْضا وُقُوع الْفَسْخ بِلَا طَلَاق، وَسُقُوط الْحَد عَن الزَّوْجَة وتأبيد الجرمة (خَ) وبالتعانهما تأبيد جرمتها، وَإِن ملكت أَو أنفش حملهَا أَي لاحْتِمَال أَن تكون أسقطته فَقَوله: وَيسْقط الْحَد الخ. مُسْتَغْنى عَنهُ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ سُقُوط الْحَد عَنهُ فقد قدمه فِي قَوْله: لدفع حد وَإِن أَرَادَ سُقُوط الْحَد عَنْهَا فقد قدمه أَيْضا فِي قَوْله لتدرأ الْحَد وَالله أعلم. والفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي دُونَ طَلاَقٍ وبِحُكْمِ القَاضي (وَالْفَسْخ) مُبْتَدأ (من بعد اللّعان) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (مَاض دون طَلَاق) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الضَّمِير فِي مَاض. (وبحكم) مَعْطُوف على دون وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ (القَاضِي)(1/532)
مُضَاف إِلَيْهِ وَالْمعْنَى أَن فرقة المتلاعنين هِيَ فسخ بِلَا طَلَاق كَمَا مرّ، لَكِن مَعَ حكم القَاضِي فَلَا تقع حَتَّى يحكم بهَا وَمَا ذكر من توقفها على حكم الْحَاكِم وَإِن قَالَه ابْن الْقَاسِم ضَعِيف، وَالْمذهب مَا تقدم من أَن النِّكَاح يفْسخ بَينهمَا بِغَيْر طَلَاق بِمُجَرَّد تَمام اللّعان كَمَا أَفَادَهُ أَولا. فَلَو اسْتغنى عَن هَذَا بِمَا مر لكفاه، وَلَعَلَّه أَرَادَ أَن يُشِير إِلَى أَن فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ وَأَن القَوْل بتوقفها على الحكم وَإِن لم يكن مَشْهُورا لَا يَنْبَغِي إهمال ذكره كل الإهمال لكَونه قوي الْحجَّة لما ورد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمتلاعنين: (قوما فقد فرقت بَيْنكُمَا وَوَجَبَت النَّار لأحدكما) فلولا أَن الْفَسْخ يحْتَاج إِلَى حكم مَا قَالَ فقد فرقت بَيْنكُمَا، وَيحْتَمل وَهُوَ الظَّاهِر أَن قَوْله: وبحكم القَاضِي رَاجع لأصل اللّعان أَي لَا يُوجب التَّأْبِيد وَالْفَسْخ إِلَّا إِذا كَانَ بِحكم قَاض كَمَا مر فِي حد ابْن عَرَفَة. ومُكْذِبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ التَحِقْ وَلَدُهُ وَحُدَّ والتَّحْرِيمُ حَقْ (ومكذب) من أكذب الرباعي مُبْتَدأ سوغه كَونه صفة وَتعلق (لنَفسِهِ بعد) بِهِ أَي وملاعن مكذب لنَفسِهِ بعد التعانهما (الْتحق وَلَده) فعل وفاعل خبر الْمُبْتَدَأ والعائد مَحْذُوف أَي بِهِ (وحد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير المكذب، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْخَبَر والمعطوف على الْخَبَر خبر (وَالتَّحْرِيم) مُبْتَدأ (حق) فعل مَاض بِمَعْنى وَجب خَبره وَالْجُمْلَة معطوفة على الَّتِي قبلهَا أَيْضا. ورَاجِعٌ قَبْلَ التَّمامِ مِنْهُمَا يُحَدُّ والنِّكاحُ لَنْ يَنْفَصما (وراجع) مُبْتَدأ سوغه مَا تقدم (قبل التَّمام مِنْهُمَا) يتعلقان بِهِ وَجُمْلَة (يحد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر (وَالنِّكَاح) مُبْتَدأ (لن ينفصما) خَبره وألفه للإطلاق، وأصل الفصم الْقطع بِلَا إبانة، وَأما القصم بِالْقَافِ فَهُوَ الْقطع مَعَ الْإِبَانَة وَهُوَ هُنَا كِنَايَة عَن عدم فسخ النِّكَاح. وَحَاصِل الْبَيْتَيْنِ أَن الْملَاعن المكذب لنَفسِهِ بعد تَمام اللّعان بَينهمَا يلْحق بِهِ وَلَده الَّذِي نَفَاهُ بِاللّعانِ وَيحد لاعْتِرَافه بقذفها وَلها الْعَفو عَنهُ، وَأما تأبيد التَّحْرِيم الْحَاصِل بَينهمَا فَوَاجِب لَا يرْتَفع بتكذيبه لنَفسِهِ، وَمَفْهُوم بعد أَنه إِذا كذب أَحدهمَا نَفسه قبل التَّمام وَهُوَ معنى قَوْله: وراجع الخ. فَإِنَّهُ يحد حد الْقَذْف إِن رَجَعَ هُوَ أَو حد الزِّنَا إِن رجعت هِيَ وَالنِّكَاح لَا يَنْفَسِخ فَمن مَاتَ مِنْهُمَا وَلَو بِالْحَدِّ وَرثهُ الآخر. وسَاكِتٌ والحَمْلُ حَمْلٌ بَيِّنُ يُحَدُّ مُطْلَقاً وَلا يَلْتَعِنُ(1/533)
(وَسَاكِت) مُبْتَدأ سوغه كَونه صفة لمَحْذُوف أَي وَزوج قَاذف سَاكِت (وَالْحمل) مُبْتَدأ (حمل) خَبره (بَين) صفة لَهُ وَالْجُمْلَة حَالية والرابط الْوَاو (يحد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِبه ضمير السَّاكِت وَالْجُمْلَة خبر عَن السَّاكِت (مُطلقًا) حَال (وَلَا يلتعن) جملَة معطوفة على جملَة الْخَبَر والمعطوف على الْخَبَر خبر إِذْ يَصح أَن يُقَال: والساكت لَا يلتعن الخ. وَالْمعْنَى أَن الْحمل إِذا كَانَ بَينا ظَاهرا بِالزَّوْجَةِ وَسكت عَنهُ الزَّوْج مُدَّة بعد علمه بِهِ، ثمَّ أَرَادَ أَن يَنْفِيه بِلعان فَإِنَّهُ لَا يُمكن من اللّعان وَيحد مُطلقًا طَال سُكُوته كالشهر أم لم يطلّ كَالْيَوْمِ واليومين كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة مَا لم يسكت لعذر، وَهَذَا إِذا ثَبت سُكُوته بعد الْعلم بِهِ بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة على أَن علمه بِهِ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله: وَسَاكِت الخ. وَأَحْرَى الْوَطْء لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُجَرّد السُّكُوت بعد الْعلم بِالْحملِ يمْنَع من اللّعان فأحرى الْوَطْء، وَإِن لم يَصْحَبهُ سكُوت. وَقَوله: حمل بَين وَأَحْرَى السَّاكِت بعد الْوَضع. وَمِثْلُهُ الواطِىءُ بَعْدَ الرُّؤْيَهْ وَيُلْحَقُ الوَلَدُ حَدَّ الفِرَّيَهْ (وَمثله) خبر عَن قَوْله (الواطىء بعد الرؤيه) يتَعَلَّق بالواطىء (وَيلْحق) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْوَلَد) نَائِبه (حد) مفعول مُطلق بيحد فِي الْبَيْت قبله (الفريه) مُضَاف إِلَيْهِ أَي يحد حد الْقَذْف، وَالْحَد فِي الواطىء بعد الرُّؤْيَة مَفْهُوم من قَوْله وَمثله الخ. وَقَوله: الْوَلَد رَاجع لَهما أَي السَّاكِت مَعَ علمه بِالْحملِ يحد حد الْفِرْيَة أَي الكذبة مُطلقًا وَمثله فِي وجوب الْحَد وَعدم التَّمْكِين من اللّعان الواطىء بعد رُؤْيَة الزِّنَا وَيلْحق الْوَلَد بِالزَّوْجِ فيهمَا. وَالْحَاصِل أَن الْحمل يمْنَع من اللّعان فِيهِ أحد أَمريْن: السُّكُوت أَو الْوَطْء، وَأما الرُّؤْيَة فَلَا يمْنَع من اللّعان فِيهَا إِلَّا الْوَطْء وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) بقوله: وَإِن وطىء أَو أقرّ بعد علمه بِوَضْع أَو حمل بِلَا عذر امْتنع الخ. وَإنْ تَضَعْ بَعْدَ اللِّعان لأَقَلْ مِنْ سِتةِ الأَشْهُرِ فالمَهْرُ بَطَلْ (وَأَن تضع) شَرط (بعد اللّعان لأَقل) يتعلقان بِهِ (من سِتَّة الْأَشْهر) يتَعَلَّق بِأَقَلّ (فالمهر) مُبْتَدأ خَبره (بَطل) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. ولَيْسَ للتَّحْرِيم مِنْ تَأْبيدِ إذِ النِّكاحُ كَانَ كالمَفْقُودِ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (للتَّحْرِيم) خَبَرهَا مقدم (من تأبيد) اسْمهَا جر بِمن الزَّائِدَة وَالْجُمْلَة(1/534)
معطوفة على جملَة الْجَواب والمعطوف على الْجَواب جَوَاب (إِذْ) تعليلية يتنازعه قَوْله: بَطل والاستقرار فِي خبر لَيْسَ (النِّكَاح) مُبْتَدأ (كَانَ) فعل نَاقص وَاسْمهَا ضمير النِّكَاح (كالمفقود) خَبَرهَا. وَالْكَاف بِمَعْنى مثل، وَالْمعْنَى أَن من عقد على امْرَأَة وَقبل الدُّخُول بهَا أَو بعده ظهر بهَا حمل وَزَعَمت أَنه مِنْهُ فَأنكرهُ وتلاعنا فِيهِ بعد ثُبُوته كَمَا تقدم فِي قَوْله: وَمَا بِحمْل بِثُبُوتِهِ يَقع الخ. ثمَّ بعد اللّعان وَضعته كَامِلا لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم العقد قلَّة بَيِّنَة كستة أشهر إِلَّا سِتَّة أَيَّام لَا خَمْسَة فَإِنَّهَا من حيّز السِّتَّة فَإِنَّهَا لَا مهر لَهَا وَإِن كَانَ دفع لَهَا نصفه استرده، وَأما الْمَدْخُول بهَا فلهَا الْمُسَمّى إِن لم تكن عَالِمَة بِالْحملِ وَلَا يتأبد عَلَيْهِ التَّحْرِيم فيهمَا من حَيْثُ اللّعان بل يتأبد عَلَيْهِ التَّحْرِيم فِي الثَّانِيَة من حَيْثُ الْوَطْء فِي الْعدة حَيْثُ لم تكن عَالِمَة كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وإلاَّ فَلَا يتأبد، وَله العقد عَلَيْهَا بعد وَضعهَا كَمَا فِي المعيار فَانْظُرْهُ. وَعلة بطلَان الْمهْر فِي غير الْمَدْخُول بهَا وَعدم التَّأْبِيد فيهمَا أَن النِّكَاح بَينهمَا كَانَ مثل النِّكَاح الْمَفْقُود الَّذِي لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم لِأَنَّهَا بوضعها لأَقل من سِتَّة أشهر تبين فَسَاد العقد لكَونهَا فِي عدَّة اسْتِبْرَاء فَهِيَ غير زَوْجَة شرعا فَلَا أثر للعانهما وَلَا صدَاق فِيمَا فسخ قبل الدُّخُول، وَبِهَذَا التَّقْرِير علم أَن قَوْله: وَإِن تضع الخ. شَامِل للمدخول بهَا وَغَيرهَا. وَقَوله: فالمهر بَطل خَاص بِغَيْر الْمَدْخُول بهَا إِذْ الْمَدْخُول بهَا لَا يتَوَهَّم فِيهَا سُقُوط الْمهْر مَا لم تكن عَالِمَة وَحدهَا بحملها وَقت العقد أَو الدُّخُول وإلاَّ فَهِيَ غَارة لَا شَيْء لَهَا إِلَّا ربع دِينَار وَحِينَئِذٍ فَيكون قَوْله فالمهر بَطل رَاجعا لَهما بِقَيْد الْغرُور فِي الْمَدْخُول بهَا. وَقَوله: وَلَيْسَ للتَّحْرِيم الخ رَاجع لَهما أَيْضا وَالله أعلم. وَمَا ذكره النَّاظِم نَقله ابْن سَلمُون عَن ابْن الْمَاجشون، وَوَجهه ظَاهر كَمَا تقدم فِي حد ابْن عَرَفَة أول الْبَاب، لَكِن تَعْلِيل عدم التَّأْبِيد يكون النِّكَاح كالمفقود غير بَين لِأَن النِّكَاح الْمجمع على فَسَاده كالخامسة يتأبد فِيهِ التَّحْرِيم بِاللّعانِ كَمَا يدل عَلَيْهِ إِطْلَاق (خَ) فِي قَوْله: إِنَّمَا يُلَاعن زوج وَإِن فسد نِكَاحه. وَفِي قَوْله: وبالتعانهما تأبيد حرمتهما، وَقد حكى ابْن سَلمُون قَوْلَيْنِ فِي تأبيد التَّحْرِيم وَعَدَمه فِيمَا إِذا تلاعنا فِي نفي الْحمل بعد الْبَيْنُونَة، وَظَاهر كَلَامهم أَن التَّأْبِيد هُوَ الْمُعْتَمد وَإِن لم تكن لَهُ زَوْجَة وَقت اللّعان فَالْأولى أَو الْوَاجِب حِينَئِذٍ تَعْلِيل عدم التَّأْبِيد بتحقق نفي سَبَب اللّعان من كَون الْغَيْب كشف على أَن الْحمل لَيْسَ مِنْهُ قطعا، وَأَنه يَنْتَفِي بِلَا لعان كَمَا أَنه إِذا لَاعن فِي حمل وَتحقّق انفشاشه بعد فَلَا تأبيد أَيْضا فَيكون مَحل التَّأْبِيد فِي كَلَامهم مَا لم يكْشف الْغَيْب بصدقها أَو صدقه. نعم تَعْلِيل بطلَان الصَدَاق بِكَوْن النِّكَاح كالمفقود ظَاهر فِي غير الْمَدْخُول بهَا، وَأما الْمَدْخُول بهَا فعلته الْغرُور كَمَا مر، وَيُمكن تمشية النَّاظِم عَلَيْهِ بِأَن يَجْعَل قَوْله: إِذْ النِّكَاح الخ. تعليلاً لبُطْلَان الصَدَاق فَقَط فِي غير الْمَدْخُول بهَا فَقَط وَيكون ساكتاً عَن تَعْلِيل عدم التَّأْبِيد وَعَن تَعْلِيل بطلَان الصَدَاق فِي الْمَدْخُول بهَا وَالله أعلم.(1/535)
(بَاب الطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَمَا يتَعَلَّق بهما)
وَالطَّلَاق لُغَة حل الوثاق يُقَال: أطلق الْفرس والأسير، وَفِي الشَّرْع رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ فَخرج بقوله: شرعا الْقَيْد الْحسي وَهُوَ حل الوثاق، وَبِقَوْلِهِ بِالنِّكَاحِ الْعتْق فَإِنَّهُ رفع قيد ثَابت شرعا لكنه لم يثبت بِالنِّكَاحِ قَالَه الْقُسْطَلَانِيّ. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الطَّلَاق صفة حكمِيَّة ترفع حلية مُتْعَة الزَّوْج بِزَوْجَتِهِ مُوجب تكررها مرَّتَيْنِ للْحرّ وَمرَّة لذِي الرّقّ حرمتهَا عَلَيْهِ قبل زوج اه. فَقَوله: صفة جنس، وَقَوله حكمِيَّة أخرج بِهِ الصِّفَات الحسية لِأَن الطَّلَاق معنى تقديري اعتباري يقدره الشَّرْح وَالْعقل ويعتبره لَا حسي كَذَا تلقينا من بعض الْأَشْيَاخ، وَخرج بقوله: ترفع حلية الخ، الطَّهَارَة وَالْقَضَاء وَنَحْوهمَا. وَقَوله حلية لَا بُد من ذكرهَا لِأَن الْمُتْعَة لَا ترفع، وَإِنَّمَا يرفع الْمُتَعَلّق بهَا وَهُوَ الْحِلْية. وَبِقَوْلِهِ بِزَوْجَتِهِ حلية الْمُتْعَة بغَيْرهَا كالأمة. وَبِقَوْلِهِ مُوجب تكررها الخ. رفع الْحِلْية بهَا بِالدُّخُولِ فِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة أَو بِالدُّخُولِ فِي الِاعْتِكَاف أَو الصَّلَاة وَنَحْو ذَلِك. فَقَوله: مُوجب بِالرَّفْع صفة للصفة جرت على غير من هِيَ لَهُ. وَفِي بعض النّسخ بِالنّصب على الْحَال من صفة أَو من ضمير ترفع وَأما الرّجْعَة بِكَسْر الرَّاء فِي اسْتِعْمَال الْفُقَهَاء، وَفِي اللُّغَة بِالْفَتْح وَالْكَسْر فَقَالَ ابْن عَرَفَة: هِيَ رفع الزَّوْج أَو الْحَاكِم حُرْمَة الْمُتْعَة بِالزَّوْجَةِ بِطَلَاقِهَا فَتخرج الْمُرَاجَعَة لِأَن الرّجْعَة من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ، والمراجعة من الْبَائِن، وَلذَلِك يعبرون فِيهَا بالمفاعلة الَّتِي لَا تكون إِلَّا من اثْنَيْنِ فِي الْغَالِب وَأدْخل بقوله: أَو الْحَاكِم صُورَة مَا إِذا طلق فِي الْحيض وَامْتنع من الرّجْعَة فَإِن الْحَاكِم يرتجعها لَهُ جبرا عَلَيْهِ وَيجوز لَهُ بهَا الْوَطْء كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وموقع الطَّلَاق دون طهر الخ. وَخرج بقوله حُرْمَة الخ. رفع الْحِلْية فَإِنَّهُ نفس الطَّلَاق كَمَا مر. وَبِقَوْلِهِ: بِطَلَاقِهَا الْمُتَعَلّق بِحرْمَة رفع حُرْمَة الظِّهَار بالتكفير، ثمَّ إِن الطَّلَاق على قسمَيْنِ: سني وبدعي، فالسني مَا اجْتمعت فِيهِ شُرُوط أَرْبَعَة وَمهما اخْتَلَّ وَاحِد مِنْهَا أَو كلهَا فبدعي كَمَا أَشَارَ لذَلِك النَّاظِم بقوله: مِنَ الطَّلاقُ الطَّلْقةُ السُّنِّيَّهْ إنْ حَصَلَتْ شُرُوطُها المَرْعيَّهْ (من الطَّلَاق) خبر مقدم (الطَّلقَة) مُبْتَدأ (السّنيَّة) نعت لَهُ (إِن حصلت) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (شُرُوطهَا) فَاعل (المرعية) نعت. وَهْيَ الوُقُوعُ حَالَ طُهْرٍ وَاحِدَهْ مِنْ غَيْرِ مَسَ وَارْتِدَافٍ زَائِدَهْ(1/536)
(وَهِي) مُبْتَدأ عَائِد على الشُّرُوط (الْوُقُوع) خبر (حَال طهر) ظرف يتَعَلَّق بالوقوع أَي فِي وَقت الطُّهْر (واحده) بِالنّصب حَال أَو بِالرَّفْع عطف على الْوُقُوع بِحَذْف العاطف (من غير مس) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال بعد حَال أَو مَعْطُوف بِحَذْف العاطف (وارتداف) مَعْطُوف على مس (زائده) نعت لمَحْذُوف أَي: وارتداف طَلْقَة زَائِدَة، وَالْمعْنَى أَن الطَّلَاق السّني لَهُ شُرُوط أَولهَا أَن يوقعه فِي وَقت الطُّهْر لَا فِي وَقت الْحيض وَالنّفاس، وَأَن يكون طَلْقَة وَاحِدَة لَا أَكثر وَأَن لَا يكون مَسهَا أَي وَطئهَا فِي ذَلِك الطُّهْر الَّذِي طَلقهَا فِيهِ، وَأَن لَا يردف فِي الْعدة طَلْقَة زَائِدَة على الطَّلقَة الأولى، وَزَاد فِي التَّلْقِين شرطين آخَرين: أَن لَا يكون فِي طهر تالٍ لحيض طلق فِيهِ وأجبر على الرّجْعَة، وَأَن تكون الْمَرْأَة مِمَّن تحيض لَا يائسة أَو صَغِيرَة اه. ويغني عَن الثَّانِي قَوْله حَال طهر لِأَن الطُّهْر مَا تقدمته حَيْضَة وتأخرت عَنهُ أُخْرَى، وَذَلِكَ مَفْقُود فِي اليائسة وَالصَّغِيرَة، فَلَو أَرَادَ النَّاظِم الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك لقَالَ: مِمَّن تحيض لَيْسَ فِي طهر تبع طَلَاق مجبور على أَن يرتجع قَالَه (ت) وَحِينَئِذٍ فَإِن توفرت هَذِه الشُّرُوط الْخَمْسَة أَو السِّتَّة كَانَ الطَّلَاق سنياً أَو مَنْسُوبا لما أَذِنت فِيهِ السّنة وأباحته وَلَيْسَ الْمَعْنى أَنه يكون مَعَ الشُّرُوط سنة يُثَاب على فعله كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر، بل الْمَعْنى أَن السّنة وَالشَّرْع أذنا فِي فعله وَتَركه فَهُوَ مُبَاح الْفِعْل لَا راجحه وَفِي الحَدِيث: (أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق) . قَالَ الْخطابِيّ تَنْصَرِف الْكَرَاهَة هُنَا إِلَى السَّبَب الجالب للطَّلَاق وَهُوَ سوء الْعشْرَة وَقلة الْمُوَافقَة لِأَن الطَّلَاق مُبَاح قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: تزوجوا وَلَا تطلقوا فَإِن الطَّلَاق يَهْتَز مِنْهُ الْعَرْش. وَعنهُ أَيْضا أَنه كَانَ يضجر من كَثْرَة تطليق ابْنه الْحسن فَكَانَ يَقُول فِي خطبَته على الْمِنْبَر: إِن حسنا رجل مطلاق فَلَا تنكحوه حَتَّى قَامَ رجل من هَمدَان فَقَالَ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لننكحنه مَا شَاءَ فَإِن أحب أمسك وَإِن أحب ترك. فسر بذلك عَليّ رَضِي الله عَنهُ. فَإِن قيل: كَيفَ يكون أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق مَعَ أَن الله أَبَاحَهُ، وَفعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فقد طلق حَفْصَة بنت عمر رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ ارتجعها بِأَمْر من الله تَعَالَى نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ أَن رَاجع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَهِي زَوجتك فِي الْجنَّة خرجه غير وَاحِد كَمَا فِي ابْن حجر، وطلق الْعَالِيَة بنت ضبيان وَهِي الَّتِي كَانَ يُقَال لَهَا أم الْمَسَاكِين ونكحت فِي حَيَاته قبل أَن ينزل تَحْرِيم نِسَائِهِ. وَأجِيب بجوابين. أَحدهمَا: أَن البغض مَصْرُوف للسبب الجالب للطَّلَاق كَمَا مرّ، وَثَانِيهمَا لِابْنِ عَرَفَة أَن الْمَعْنى أقرب الْحَلَال إِلَى الله بغض الله الطَّلَاق فنقيضه أبعد عَن بغض الله فَيكون أحل من الطَّلَاق أَي: فَيكون تَركه عِنْد الله أولى(1/537)
وأرجح، وَقد يعرض وُجُوبه كَمَا إِذا فسد مَا بَينهمَا وَلَا يسلم دينه مَعهَا وحرمته إِن خيف من ارتكابه وُقُوع كَبِيرَة، وكراهته إِن كَانَ كل مِنْهُمَا قَائِما بِحَق الآخر، واستحبابه إِن كَانَت غير صينة وَلم تتبعها نَفسه، وَأول من طلق إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى أَن الطَّلَاق السّني يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ فَقَالَ: مِنْ ذَاك بائِنٌ وَمِنْهُ رَجْعِي وَمَا عَدَا السُّنِّيّ فَهْوَ بِدْعي (من ذَاك بَائِن) مُبْتَدأ وَخبر ومثاله الطَّلقَة الْوَاحِدَة الَّتِي صادفت آخر الثَّلَاث فَهِيَ من حَيْثُ وجود تِلْكَ الشُّرُوط سنية، وَمن حَيْثُ إِنَّهَا صادفت آخر الثَّلَاث بَائِنَة فقد نقل اللَّخْمِيّ عَن أَشهب جَوَاز طَلَاق الْوَاحِدَة المصادفة لآخر الثَّلَاث فَتكون سنية بَائِنَة إِذْ لَا تحل لَهُ بهَا إِلَّا بعد زوج، وَكَذَا الطَّلَاق بعوض وَهُوَ طَلَاق الْخلْع مَعَ الشُّرُوط الْمَذْكُورَة فَهُوَ سني بَائِن، وَأما فِي الْحيض فَهُوَ بدعي بَائِن كَكَوْنِهِ بِلَفْظ الْخلْع بِغَيْر عوض أَو بِلَفْظ التَّمْلِيك كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام النَّاظِم الْآتِي فِي قَوْله: مِنْهُ مملك وَمِنْه الخلعي الخ. وَطَلَاق غير الْمَدْخُول بهَا وَلَو فِي الْحيض على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم سني بَائِن. وَقَالَ أَشهب: بل هُوَ فِي الْحيض بدعي بَائِن كَمَا نقل الشَّارِح. قلت: وَهُوَ ظَاهر النّظم لِأَنَّهُ أطلق فِي تِلْكَ الشُّرُوط فَلم يفرق فِيهَا بَين مَدْخُول بهَا وَغَيرهَا. (وَمِنْه الرَّجْعِيّ) كطلقة بعد الْبناء بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة لم تصادف الثَّلَاث (وَمَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الطَّلَاق (عدا السّني) يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر (فَهُوَ بدعي) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء فِي خَبره لشبهه بِالشّرطِ أَي: وَالطَّلَاق الَّذِي اسْتَقر عدا الطَّلَاق السّني بدعي، وَهُوَ الْوَاقِع فِي حيض مَدْخُولا بهَا أم لَا، على قَول أَشهب أَو فِي طهر مَسهَا فِيهِ أَو أَكثر من وَاحِدَة أَو أردفه فِي الْعدة أَو فِي طهر تال لحيض طلق فِيهِ، وأجبر عَن الرّجْعَة والبدعي مَمْنُوع فِي الْحيض مَكْرُوه فِي غَيره (خَ) : طَلَاق السّنة وَاحِدَة بطهر لم يمس فِيهِ بِلَا عدَّة وإلاَّ فبدعي، وَكره فِي غير الْحيض إِلَى أَن قَالَ: وَمنع فِيهِ وَوَقع وأجبر على الرّجْعَة الخ. وَقَالَ فِي التَّلْقِين: الطَّلَاق على ضَرْبَيْنِ. طَلَاق سنة وَطَلَاق بِدعَة. ويتفرعان إِلَى قسم ثَالِث وَهُوَ أَن يعرى عَن وَصفه بِوَاحِد مِنْهُمَا، فالسني مَا وَقع على الْوَجْه الَّذِي أَبَاحَ الشَّرْع إِيقَاعه عَلَيْهِ، والبدعي نقيضه وَهُوَ الْوَاقِع على غير الْوَجْه الْمَشْرُوع، وَالسّنة والبدعة يرجعان إِلَى أَمريْن: إِلَى الْوَقْت وَالْعدَد، ثمَّ قَالَ: وَأما من تتساوى أَوْقَاتهَا فِي جَوَاز طَلاقهَا فَثَلَاث: الصَّغِيرَة واليائسة وَالْحَامِل الْبَين حملهَا، فطلاق هَؤُلَاءِ لَا يُوصف بِسنة وَلَا بِدعَة من حَيْثُ الْوَقْت ويوصف بذلك من حَيْثُ الْعدَد اه بِنَقْل بَعضهم وينقسم البدعي الَّذِي اخْتَلَّ فِيهِ بعض الشُّرُوط إِلَى رَجْعِيّ وبائن أَيْضا كَمَا قَالَ:(1/538)
ومِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعي وَذُو الثَّلاث مُطَلِّقاً وَرَجْعِي (وَمِنْه مملك) كَانَت طَالِق طَلْقَة مملكة أَو تملكين بهَا نَفسك وَهُوَ طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض كَمَا يَأْتِي: (وَمِنْه الخلعي) أَي الطَّلَاق بِلَفْظ الْخلْع من غير عوض لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ متحداً مَعَ المملك فِي الْمَعْنى، لكنهما اخْتلفَا فِي اللَّفْظ كَمَا يَأْتِي عَن الْمُتَيْطِيَّة، وَأما بعوض فَهُوَ جَائِز كَمَا مرّ (و) مِنْهُ (ذُو الثَّلَاث) فِي كلمة وَاحِدَة (مُطلقًا) كَانَ قبل الْبناء أَو بعده بِلَفْظ الثَّلَاث أَو الْبَتَّةَ وَلَا يدْخل فِيهِ الْوَاحِدَة المصادفة لآخر الثَّلَاث لِأَنَّهُ تقدم جَوَازهَا وَأَنَّهَا سنية حَيْثُ توفرت الشُّرُوط كَمَا لَا يدْخل فِيهِ الطَّلَاق بعوض مَعَ توفر الشُّرُوط أَيْضا كَمَا مر، وَبِهَذَا التَّقْرِير علم أَن البدعي أَعم من السّني لَا نقيضه لِأَن مِنْهُ مَا اختلت فِيهِ بعض الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة وَمَا لم تختل فِيهِ كَالطَّلَاقِ المملك أَو بِلَفْظ الْخلْع من غير عوض مَعَ وجود الشُّرُوط فيهمَا، وَقد نَص على كَون المملك والخلعي غير سنيين. ابْن سَلمُون والمتيطي: نعم لَو زادوا فِي شُرُوط السّني كَونه غير مملك أَو كَونه بِغَيْر لفظ الْخلْع لانحصر البدعي فِي خلاف السّني على مَا يظْهر، وَقَوله: وَذُو الثَّلَاث مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف كَمَا قَررنَا ومطلقاً حَال وَهُوَ مُحْتَرز قَوْله فِي شُرُوط السّني وَاحِدَة. (ورجعي) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَيْضا أَي وَمن البدعي رَجْعِيّ كطلقة وَاحِدَة فِي حيض أَو فِي طهر مس فِيهِ أَو فِي الْعدة. تَنْبِيه: قَوْلهم: إِن الطَّلَاق بِلَفْظ الْخلْع بَائِن وَلَو بِلَا عوض الخ. قيل: إِنَّمَا كَانَ بَائِنا لِأَن من لَازم كَونه خلعياً جَرَيَان أَحْكَام الْخلْع فِيهِ، وَمن جُمْلَتهَا سُقُوط النَّفَقَة أَيَّام الْعدة، فالعوض حِينَئِذٍ مَوْجُود وَهُوَ سُقُوط النَّفَقَة، لَكِن ظَاهر كَلَامهم أَنه خلع وَلَو لم ترض بإسقاطها مَعَ أَنه حق لَهَا يتَوَقَّف على رِضَاهَا وَهُوَ مُشكل قَالَه ابْن عَاشر. قلت: رَأَيْت فِي اخْتِصَار مسَائِل القَاضِي عبد الْوَهَّاب لأبي الْحسن بن الْقصار مَا نَصه: وَيجوز الْخلْع عندنَا بِغَيْر عوض، وَيجب أَن يكون بِلَفْظ الْخلْع وَطلب الزَّوْجَة ذَلِك وَهُوَ أَن يَقُول: قد خالعتك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يكون خلعاً إِلَّا بعوض فَإِذا عري عَن الْعِوَض فَهُوَ طَلَاق اه. فَتَأمل قَوْله: وَطلب الزَّوْجَة ذَلِك الخ. فِيهِ يَنْتَفِي الْإِشْكَال الْمَذْكُور، وَتَأمل الطَّلَاق المملك الَّذِي نَص عَلَيْهِ ابْن سَلمُون والناظم فَإِنَّهُ مِمَّا نَحن فِيهِ وَيجْرِي مَا ذكر فِيهِ أَيْضا فَلَا يكون إِلَّا بِرِضَاهَا لِأَنَّهُ يُرِيد أَن يسْقط حَقّهَا من النَّفَقَة فالمملك هُوَ الْخلْع بِلَا عوض فِي الْمَعْنى، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي اللَّفْظ. وَتَأمل هَذَا المملك فَإِنَّهُ الْجَارِي عِنْد النَّاس الْيَوْم مَعَ أَن الْبَيْنُونَة بِغَيْر عوض يجب أَن تكون بِلَفْظ الْخلْع، وَأَن تكون الْمَرْأَة طالبة لذَلِك كَمَا مر عَن عبد الْوَهَّاب، فالمملك وَارِد على قَوْلهم يجب أَن تكون بِلَفْظ الْخلْع إِلَّا أَن يُقَال بِهِ أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَا لَو طَلقهَا بِلَفْظ الْبَيْنُونَة كَمَا يَأْتِي عَن الشَّامِل فَقَوله: طَلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة فَإِنَّهَا بينونة بِغَيْر عوض أَيْضا من غير(1/539)
لفظ الْخلْع. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظ تبين بهَا الزَّوْجَة وَإِن لم يكن هُنَاكَ عوض، والبينونة وَإِن كَانَت هِيَ الثَّلَاث عِنْد الأقدمين كَمَا فِي (خَ) لَكِن عرف النَّاس الْيَوْم أَنَّهَا وَاحِدَة بَائِنَة كَمَا يَأْتِي وَيبقى النّظر فِي النَّفَقَة، وَالظَّاهِر أَنه لَا شَيْء لَهَا وَإِن لم تكن طالبة كَمَا يدل على ذَلِك إطلاقاتهم، وَلَو كَانَت لَهَا لَوَجَبَتْ لَهَا فِي الطَّلَاق ثَلَاثًا وَلم يقل بذلك أحد. وَفِي المعيار أَن سكُوت الْأَئِمَّة عَن الشَّيْء يدل على أَنه لَا عِبْرَة بِهِ، وَيدل على أَن المملك والخلعي بِغَيْر عوض شَيْء وَاحِد فِي الْمَعْنى على مَا يَأْتِي نَقله عِنْد قَوْله: وَفِي الْملك خلاف الخ. وَعَلِيهِ فالبينونة وَجَبت فِي لفظ الْخلْع بِغَيْر عوض من أجل أَنه نوى بِهِ الْبَيْنُونَة، وَهَكَذَا المملك لَا من أجل كَونهَا فِي مُقَابلَة النَّفَقَة كَمَا قيل وَالله أعلم. وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الرَّجْعِيِّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الأمَدِ المَرْعِيِّ (وَيملك) فَاعله ضمير الزَّوْج (الرّجْعَة) مفعول بِهِ وَتقدم تَعْرِيفهَا (فِي الرَّجْعِيّ) يتَعَلَّق بقوله يملك والرجعي. كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة مَا وَقع بعد الدُّخُول غير مُقَارن لفداء قاصراً عَن الثَّلَاث للْحرّ واثنين للْعَبد فَإِن اخْتَلَّ أحد هَذِه الشُّرُوط الثَّلَاث لم يكن رَجْعِيًا بل بَائِنا كَمَا يَأْتِي، وَأطلق فِي الرَّجْعِيّ فَشَمَلَ السّني والبدعي فَالْكل يملك الرّجْعَة فِيهِ. (قبل انْقِضَاء الأمد المرعي) فِي بينونتها وَهُوَ انْقِضَاء الْعدة الْآتِي بَيَانهَا من الإقراء أَو الشُّهُور أَو الْوَضع فالظرف يتَعَلَّق بقوله: يملك والمرعي صفة للأمد فَإِن زعمت انْقِضَاء عدتهَا فَلَا يملك ارتجاعها إِن مضى من الْعدة مَا يشبه أَن تَنْقَضِي فِيهِ (خَ) وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين مَا أمكن الخ. وَلَا يجْرِي هَهُنَا مَا بِهِ الْعَمَل من أَنَّهَا لَا تصدق فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر كَمَا قد يتوهمه قصير الباع، إِذْ لَيْسَ ذَلِك فِي مثل هَذَا لِأَن الْفروج يحْتَاط لَهَا. وَالله أعلم فَإِن مَاتَت وَاخْتلف الزَّوْج وَالْوَرَثَة فِي انْقِضَاء عدتهَا وَعَدَمه فَانْظُر حكم ذَلِك فِي التَّنْبِيه الرَّابِع الْآتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وَمن مَرِيض وَمَتى من الْمَرَض مَاتَ فللزوجة الْإِرْث المفترض وَلا افْتِقَارَ فيهِ لِلصَّدَاقِ وَالإذْنِ وَالوَليِّ باتِّفَاقِ (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (افتقار) اسْمهَا (فِيهِ) خَبَرهَا وضميره للارتجاع الْمَفْهُوم من الرّجْعَة (للصداق) يتَعَلَّق بافتقار (وَالْإِذْن) مَعْطُوف على الصَدَاق (وَالْوَلِيّ) كَذَلِك (بِاتِّفَاق) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا ارتجع زَوجته من الطَّلَاق الرَّجْعِيّ فَإِنَّهُ لَا يفْتَقر لصداق وَلَا لإذنها ورضاها وَلَا لعقد الْوَلِيّ عَلَيْهَا، بل يرتجعها دون شَيْء من ذَلِك، وَلَكِن يسْتَحبّ الْإِشْهَاد وَلَو ارتجعها على صدَاق جهلا لرجع عَلَيْهَا بِهِ كَمَا فِي (خَ) فِي فصل الرّجْعَة، وَفِي المعيار أَيْضا من طلق زَوجته رَجْعِيًا ثمَّ تزَوجهَا بِصَدَاق فِي الْعدة أَن تزَوجه رَجْعَة وَلَا صدَاق لَهَا إِلَّا الصَدَاق(1/540)
الأول وَيرجع عَلَيْهَا بِالثَّانِي اه. ثمَّ الرّجْعَة تصح بِأحد أَمريْن بالْقَوْل كَلَفْظِ: رَاجَعتك أَو أمسكتك أَو نَحْوهمَا وَلَو بِدُونِ نِيَّة على الْمَشْهُور أَو بِالْفِعْلِ كَالْوَطْءِ والقبلة والمباشرة وَنَحْو ذَلِك بِشَرْط قصد الارتجاع بذلك (خَ) يرتجع من ينْكح بقول مَعَ نِيَّة كرجعت وَأَمْسَكت أَو نِيَّة على الْأَظْهر لَا بقول مُحْتَمل بِلَا نِيَّة وَلَا بِفعل دونهَا كَوَطْء وَلَا صدَاق، وَإِن اسْتمرّ وَانْقَضَت لحقها طَلَاقه على الْأَصَح اه. فَقَوله: وَإِن اسْتمرّ أَي اسْتمرّ على وَطئهَا بِدُونِ قصد الارتجاع بِهِ حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا وَطَلقهَا طَلَاقا آخر فَإِنَّهُ يلْحقهُ طَلاقهَا على الْأَصَح مُرَاعَاة لقَوْل ابْن وهب وَاللَّيْث وَأبي حنيفَة بِصِحَّة رجعته بِالْوَطْءِ بِدُونِ نِيَّة لِأَن الحكم للظَّاهِر فَلَا يصدق أَنه لم يرد بِهِ الرّجْعَة، وَإِذا قُلْنَا يلْحقهُ الطَّلَاق وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى كمل ثَلَاثًا فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بعد زوج فَإِن اسْتمرّ على وَطئهَا بعد الثَّلَاث من غير عقد أَو بِعقد قبل زوج فيتعدد عَلَيْهِ الصَدَاق بِتَعَدُّد الْوَطْء حَيْثُ لم تعلم هِيَ بِالْحُرْمَةِ أَو علمت وأكرهها، وَإِلَّا فَهِيَ زَانِيَة كَمَا يفِيدهُ قَول (خَ) فِي الطَّلَاق كواطىء بعد حنثه وَلم يعلم. وَقَوله فِي الصَدَاق كَالزِّنَا بهَا أَي بِغَيْر العالمة أَو بالمكرهة، وَأما حَده ولحوق الْوَلَد بِهِ من الْوَطْء للْوَاقِع بعد الثَّلَاث فقد تقدم تَفْصِيله فِي أول فصل فَاسد النِّكَاح. تَنْبِيهَات. الأول: يتَفَرَّع على الصَّحِيح من عدم اعْتِبَار وَطئه بِدُونِ نِيَّة أَن لَهُ مراجعتها بالْقَوْل فِيمَا بَقِي من الْعدة، لَكِن لَا يَطَؤُهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء من المَاء الْفَاسِد بِثَلَاث حيض كَمَا أَنه لَا يُرَاجِعهَا بعد الْعدة إِلَّا بِعقد أَيْضا، وَكَذَلِكَ على مُقَابِله من أَنه لَا يلْحقهَا طَلَاقه لِأَنَّهَا بَانَتْ بِانْقِضَاء عدَّة الطَّلَاق الأول، وَهُوَ قَول ابْن أبي زيد فَلَا يُرَاجِعهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء الْمَذْكُور، فَإِن رَاجعهَا وَبنى بهَا قبل الِاسْتِبْرَاء على الْأَصَح وَمُقَابِله فَفِي حرمتهَا عَلَيْهِ لِلْأَبَد قَولَانِ. مشهورهما كَمَا فِي القلشاني وَغَيره عدم التَّأْبِيد بِنَاء على أَن الْعلَّة اخْتِلَاط الْأَنْسَاب وَهِي منتفية هَهُنَا، لِأَن المَاء مَاؤُهُ بِخِلَاف المستبرأة من زنا وَغَيره، فالأرجح التَّأْبِيد قَالَ فِي المعيار: وَمحل الْخلاف بَين الْأَصَح وَابْن أبي زيد إِذا جَاءَ مستفتياً فَابْن أبي زيد لَا يلْزمه إِلَّا الطَّلَاق الأول وَأَبُو عمرَان يلْزمه مَا بعده أَيْضا وَلَو الثَّلَاث قَالَ: وَإِمَّا إِن قَامَت الْبَيِّنَة بِالثلَاثِ فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فِي المَال وَمن حمل الْخلاف بَينهمَا على الْإِطْلَاق فقد أَخطَأ اه. قلت: تَأمل قَوْله: فقد أَخطَأ لِأَن الْبَيِّنَة إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد الْإِنْكَار، وَهُوَ إِذا أنكر الثَّلَاث وأسرته الْبَيِّنَة دلّ ذَلِك على كذبه حَتَّى فِي قَوْله: وطئتها بِدُونِ نِيَّة الرّجْعَة. هَذَا مَعْنَاهُ فِيمَا يظْهر، وَأما إِن كَانَ مقرا بِمَا شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة وَلم يبْق مسترسلاً عَلَيْهَا بعد الثَّلَاث فَلَا يظْهر فرق بَين المستفتي وَغَيره فِي كَون كل مِنْهُمَا من مَحل الْخلاف، وَفِي بعض فَتَاوَى ابْن مَرْزُوق مَا نَصه: وَمَسْأَلَة الشَّيْخَيْنِ فِي المسترسل قوي عِنْدِي إِشْكَال تصورها لِأَنَّهَا من التَّدَاخُل، فَمَتَى تَنْقَضِي الْعدة وَمَا رَأَيْت من كشف عَنْهَا الغطاء، وَإِن زَعمه ابْن الْحَاج لَكِن لم يتَبَيَّن لي وَقَالَ أَيْضا فِي بعض فَتَاوِيهِ: وَهَذِه الْمَسْأَلَة يَعْنِي مَسْأَلَة الاسترسال قد كثر السُّؤَال عَنْهَا وفاعل ذَلِك يحتال على تَحْلِيل الْمُطلقَة ثَلَاثًا، والمؤكد بِهِ عَلَيْكُم فِي مثل هَذَا أَن تسدوا بَابا يَقع بِهِ إِحْدَاث بِدعَة. نسْأَل الله السَّلامَة والعافية. الثَّانِي: من هَذَا الْمَعْنى من عَادَته كَثْرَة الْحلف بِالطَّلَاق وَلما قَامَت الْمَرْأَة بِالطَّلَاق قَالَ: لم أقصد بِهِ طَلَاق الزَّوْجَة، وَإِنَّمَا ذَلِك لفظ أجراه الله على لساني من غير قصد للطَّلَاق فَلَا يَنْوِي(1/541)
فِي عدم إِرَادَته الطَّلَاق الْمَذْكُور لصراحة اللَّفْظ إِلَّا إِذا دلّ بِسَاط على عدم إِرَادَته كَأَن تكون موثوقة وَتقول لَهُ: أطلقني فَيَقُول لَهَا: أَنْت طَالِق وَحَيْثُ لزمَه الطَّلَاق فَيلْزمهُ الثَّلَاث للشَّكّ فِي عدده، فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بعد زوج فَإِن ذكر فِي الْعدة أَنه إِنَّمَا طَلقهَا وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ صدق، وَإِن لم يذكر وَتَزَوجهَا بعد زوج ثمَّ طَلقهَا وَاحِدَة لم تحل لَهُ أَيْضا إِلَّا بعد زوج، وَهَكَذَا. وَلَو بعد مائَة زوج إِلَّا أَن يبت طَلاقهَا. وَهَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الْمُسَمَّاة بالدولابية قَالَه الْأَبَّار فِي جَوَاب لَهُ، وَبِهَذَا كُله تعلم بطلَان مَا يَقُوله الْعَامَّة وَبَعض الطّلبَة من أَن من كثر مِنْهُ الطَّلَاق أَو الْحلف بالحرام أَو جرى على لِسَانه لَا يلْزمه شَيْء إِذْ ذَاك لَا أصل لَهُ، وَلم يقلهُ أحد مِمَّن يعْتد بِهِ لِأَنَّهُ لَا يصدق فِي الصَّرِيح وَلَا فِي الْكِنَايَة الظَّاهِرَة كالحرام وَالْيَمِين وَنَحْوهمَا، بل صرح العقباني بِأَن من كَانَ دأبه الْأَيْمَان اللَّازِمَة ويستخفها فيتحتم عَلَيْهِ الحكم بالمشهور فِيهَا، وَمن كَانَ ذَلِك مِنْهُ فلتة فَحسن أَن يتْرك لتقليد قَول فِيهِ رَحْمَة اه. وَنقل نَحوه فِي المعيار، وَنَقله الرباطي فِي شرح الْعَمَل أول بَاب الْقَضَاء، وَكَذَا صرح ابْن عرضون بِأَن لُزُوم الْوَاحِدَة البائنة للْحَالِف بالحرام مَشْرُوط بِأَن لَا يكون مُعْتَادا للحلف بِهِ وإلاَّ لزمَه الثَّلَاث نَقله العلمي. وَهَكَذَا رَأَيْت ذَلِك عَن غير وَاحِد وَأَنه يشدد على من اعْتَادَ الْحلف بِالطَّلَاق. وَأما لُزُوم الصَدَاق لَهُ فَيجْرِي على مَا تقدم قبل التَّنْبِيه الأول وَالله أعلم. الثَّالِث: فِي الْبُرْزُليّ مَا حَاصله: حَقِيقَة من وطىء فِي الْعدة وَلم ينْو بِوَطْئِهِ رَجْعَة أَنه لَا يكون رَجْعَة وَيجب على الْمَرْأَة شَيْئَانِ عدَّة واستبراء، فالعدة من يَوْم الطَّلَاق، والاستبراء من يَوْم الْوَطْء الْفَاسِد بِثَلَاث حيض، فَإِن أَرَادَ الرّجْعَة فَلهُ ذَلِك بالْقَوْل وَالْإِشْهَاد دون الْوَطْء حَتَّى يَنْقَضِي الِاسْتِبْرَاء فَإِن فَاتَتْهُ الرّجْعَة حَتَّى كملت الْعدة وَبَقِي الِاسْتِبْرَاء فَلَا رَجْعَة، فَإِن فعل فسخ وَلَا يتأبد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ مَاؤُهُ وتتداخل الْعدة مَعَ الِاسْتِبْرَاء فِيمَا اتفقَا عَلَيْهِ وَلَا يرتجع فِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء بعد مُضِيّ الْعدة لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة وَبعد مُدَّة الِاسْتِبْرَاء كَانَ لَهُ وَلغيره تَزْوِيجهَا ثمَّ قَالَ: وَإِذا وطىء بعد الْحِنْث ثمَّ أعلم الزَّوْجَة فالعدة من يَوْم إِعْلَامه كالغائب يُطلق فِي غيبته وَلَا يعلمهَا بذلك حَتَّى يقدم، فعلمتها من يَوْم إِعْلَامه وَلَا يملك الرّجْعَة فِيهَا إِلَّا من يَوْم أقرّ إِنَّه أوقع الطَّلَاق فَإِن انْقَضتْ الْعدة من ذَلِك الْيَوْم فَلَا رَجْعَة اه. فَانْظُر هَذَا مَعَ قَول الإِمَام ابْن مَرْزُوق فِيمَا مر عَنهُ من قُوَّة الْإِشْكَال، وَذكر فِي المعيار عَن ابْن سهل فِي امْرَأَة حنث زَوجهَا فِيهَا بِالثلَاثِ وَبَقِي مسترسلاً حَتَّى قضى القَاضِي عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ أَن الْعدة من يَوْم الْقَضَاء إِن كَانَ الزَّوْجَانِ حاضرين وَإِن كَانَا غائبين فالعدة من وَقت أَمرهمَا بالفراق فَإِن كَانَت قد انْقَضتْ من يَوْم الحكم فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف ثَلَاثَة قُرُوء للاستبراء اه بِاخْتِصَار فَتَأمل ذَلِك كُله مَعَ مَا مر. وَمُوقِعُ الطَّلاَقِ دُونَ طُهْرِ يُمْنَعُ مَعْ رُجُوعِهِ بِالقَهُرِ (وموقع) مُبْتَدأ (الطَّلَاق) مُضَاف إِلَيْهِ (دون طهر) يتَعَلَّق بموقع أَو بِمَحْذُوف حَال مِنْهُ(1/542)
(يمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي فعل مَمْنُوعًا ونائبه ضمير الْموقع وَالْجُمْلَة خبر (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بِمَحْذُوف جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا قَالَ لَهُ: وَإِذا كَانَ الْمُطلق فِي الْحيض أَو النّفاس فعل مَمْنُوعًا فَمَا حكمه؟ فَقَالَ: الحكم وُقُوع طَلَاقه مَعَ وجوب (رُجُوعه) أَي ارتجاعه لَهَا مَا دَامَت فِي الْعدة وَلَو (بالقهر) بالتهديد والسجن وَالضَّرْب بِمَجْلِس وَاحِد فَإِن قهر بذلك وَلم يفعل ارتجعها لَهُ الْحَاكِم بِأَن يَقُول: ارتجعتها لَك أَو يحكم عَلَيْهِ بهَا أَي يُخبرهُ بِوُجُوب الرّجْعَة على وَجه الِالْتِزَام، وَإِن لم يقل ارتجعتها لَك كَمَا فِي طفي وَيجوز الْوَطْء بِهَذَا الارتجاع وَإِن لم تقارنه نِيَّة لِأَن نِيَّة الْحَاكِم قَائِمَة مقَام نِيَّته ويتوارثان بِهِ إِن مَاتَ أَحدهمَا، وَإِذ ارتجعها بِنَفسِهِ أَو ارتجعها عَلَيْهِ فالأحب أَن يمْسِكهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ يطلقهَا إِن شَاءَ، فَإِن طَلقهَا فِي الطُّهْر الموَالِي للْحيض الأول مضى مَعَ كَرَاهَته وَلَا يجْبر على الرّجْعَة، وَمحل قهره على الارتجاع إِذا كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا، وَأما إِن كَانَ على عوض أَو بِلَفْظ الْخلْع أَو التَّمْلِيك أَو بِالثلَاثِ فَلَا يُؤمر بالارتجاع وَلَا مَحل لجبره. وَفي المُمَلِّكِ خِلافُ وَالقَضَا بِطَلْقَةٍ بائِنةٍ فِي المُرْتَضَى (وَفِي المملك الْخلاف) مُبْتَدأ وَخَبره (والقضا) ء مُبْتَدأ (بِطَلْقَة) خَبره (بَائِنَة) صفة لطلقة (فِي المرتضى) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَظَاهره أَن الْخلاف جَار وَلَو نوى بِهِ الثَّلَاث. وَفِي الرسَالَة إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق فَهِيَ وَاحِدَة إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر. القلشاني: من نوى الثَّلَاث بقوله: أَنْت طَالِق فقد لَزِمته الثَّلَاث وَهُوَ معنى قَول الشَّيْخ اه. وَمثله يَأْتِي عَن الْمُدَوَّنَة فِيمَن نوى بقوله: لَا رَجْعَة إِلَى الْبَتَات فَإِنَّهَا تلْزمهُ، وَانْظُر ابْن سَلمُون وَفِي المعونة: إِذا قصد إِيقَاع الْخلْع من غير عوض كَانَ خلعاً عِنْد مَالك لِأَنَّهُ طَلَاق قصد أَن يكون خلعاً فَكَانَ على مَا قَصده كَالَّذي مَعَه الْعِوَض، وَقَالَ أَشهب: يكون رَجْعِيًا اه. قلت: لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يخرج الرَّجْعِيّ عَن حَقِيقَته الشَّرْعِيَّة بِمُجَرَّد الْقَصْد فَهُوَ كاشتراط نفي الرّجْعَة والتزام عدم الرُّجُوع فِي الْوَصِيَّة فَلَا يسْقط قَصده رجعته عِنْد أَشهب، فَالْخِلَاف حِينَئِذٍ مَعَ(1/543)
قصد الْبَيْنُونَة بذلك أَو لَا قصد أصلا، وَالظَّاهِر أَن مُرَاد النَّاظِم بالمملك مَا يَشْمَل الْأَلْفَاظ الْآتِيَة فِي النَّقْل لَا خُصُوص لفظ التَّمْلِيك، بل ويشمل حَتَّى من طلق وَأعْطى على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة أَو خَالع وَأعْطى إِذْ الْكل فِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْآتِيَة كَمَا فِي أبي الْحسن. قَالَ ابْن سَلمُون: وَأما الطَّلَاق المملك على غير شَيْء بعد الْبناء فَيكْتب فِيهِ عقد طلق فلَان زوجه فُلَانَة بعد الْبناء بهَا طَلْقَة وَاحِدَة ملكهَا أمرهَا بهَا دونه وَأشْهد بذلك فِي كَذَا ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الطَّلَاق مَكْرُوه لِأَنَّهُ على خلاف السّنة. وَاخْتلف فِيهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال: فَقيل طَلْقَة رَجْعِيَّة كمن قَالَ: أَنْت طَالِق وَاحِدَة لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فِيهَا وَهُوَ قَول مطرف وَأَشْهَب، وَقيل: إِنَّهَا تكون الْبَتَّةَ كن قَالَ: أَنْت طَالِق وَاحِدَة بَائِنَة فَإِنَّهَا الثَّلَاث وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَابْن حبيب وَقيل: إِنَّهَا طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة قَالَه ابْن الْقَاسِم، وَحَكَاهُ القَاضِي عَن مَالك وَبِه الْقَضَاء. وَكَانَ ابْن عتاب رَحمَه الله يُفْتِي بِأَن من بارى زَوجته هَذِه المباراة ثمَّ طَلقهَا بعد ذَلِك فِي الْعدة أَن الطَّلَاق يرتدف عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا ومراعاة لمن يرَاهُ طلقه رَجْعِيَّة اه. وَقَالَ المتيطي فِي نهايته وَابْن هَارُون فِي اختصاره، وَاللَّفْظ للْأولِ مَا نَصه: وَيكرهُ للرجل أَن يُطلق امْرَأَته طَلْقَة مباراة أَو خلع أَو صلح دون أَخذ أَو إِسْقَاط لوقوعها خلاف السّنة فَإِن فعل فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال. فَذكر الْأَقْوَال الَّتِي تقدّمت عَن ابْن سَلمُون بِعَينهَا وَكَذَا نقلهَا (ح) عِنْد قَول (خَ) فِي الْخلْع: وَبَانَتْ وَلَو بِلَا عوض نَص عَلَيْهِ الخ. وَكَذَا ذكرهَا القلشاني فِي شرح الرسَالَة فِي طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض وَذكر عَقبهَا مَا نَصه: قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَالْأَقْرَب الْمَعْقُول الأول وإلزام الْبَيْنُونَة فِيهِ بعد لِأَنَّهُ لَا مُوجب للبينونة إِلَّا الْعِوَض أَو الثَّلَاث أَو كَونه قبل الْبناء وَالْفَرْض انْتِفَاء كل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاث اه. وَقد اسْتُفِيدَ من هَذَا كُله أَنه إِذا قَالَ طَلقتهَا طَلَاق صلح أَو طَلَاق مباراة أَو طَلَاق تمْلِيك أَو طَلَاق خلع تجْرِي فِيهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة، وَإِن لم يكن عوض فِي الْجَمِيع لِأَن مَعْنَاهَا وَاحِد بل ذكر فِي نَوَازِل الطَّلَاق من المعيار عَن ابْن رشد وَغَيره أَنه إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق وَنوى بِهِ التَّمْلِيك فَهُوَ على مَا نوى، وَعَلِيهِ فَكل طَلَاق نوى بِهِ الْبَيْنُونَة فَهُوَ على مَا نَوَاه كَانَ بِلَفْظ التَّمْلِيك أَو غَيره وتجري فِيهِ الْأَقْوَال. وَلذَا قَالَ الشَّارِح المملك هُوَ طَلَاق الْخلْع بغيرعوض، وَقَالَ ناظم الْعَمَل: الْمُطلق أَيْضا وَزَاد وَأَنه لَا يشْتَرط كَونه بِلَفْظ الْخلْع يُرِيد بل بِهِ وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ من التَّمْلِيك أَو الْبَيْنُونَة. قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة بَائِنَة فَوَاحِدَة بَائِنَة على الْأَصَح وَثَالِثهَا ثَلَاث اه. وَلم يذكر ابْن سَلمُون طَلَاق خلع بِغَيْر عوض أصلا بل اقْتصر على المملك لِأَنَّهُ عينه عِنْده، وَتَبعهُ النَّاظِم وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا عِنْد قَوْله وَمِنْه الخلعي الخ. وَبِهَذَا تعلم مَا فِي (ز) عِنْد قَول (خَ) فِي الْخلْع لَا أَن اشْترط نفي الرّجْعَة بِلَا عوض من أَن طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض غير طَلَاق التَّمْلِيك وَأَن طَلَاق التَّمْلِيك فِيهِ الرّجْعَة على مَا رَجحه الْقَرَافِيّ، وَبِه أفتى جد الأَجْهُورِيّ فَلَا يعول على شَيْء من ذَلِك لِأَن مَا رَجحه الْقَرَافِيّ، وَأفْتى بِهِ الأَجْهُورِيّ هُوَ القَوْل الأول الَّذِي اسْتغْفر بِهِ ابْن عبد السَّلَام أَيْضا من تِلْكَ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الْجَارِيَة فِي الْخلْع بِغَيْر عوض، كَمَا للقلشاني، وَفِيه وَفِي الصُّلْح والمباراة كَمَا للمتيطي، وَفِي المملك كَمَا لِابْنِ سَلمُون والناظم وفيمن طلق وَأعْطى أَو خَالع وَأعْطى كَمَا فِي أبي الْحسن لِأَن الطَّلَاق فيهمَا بِغَيْر عوض والعطية الْمُقَارنَة لَهُ من الزَّوْج مَحْض هبة، وَلذَا قُلْنَا لَا يبعد أَن يكون النَّاظِم أطلق المملك على مَا فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور مِمَّا مر، وَمِمَّا يَأْتِي من نَحْو لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَمَا رَجحه الْقَرَافِيّ وَتَبعهُ الأَجْهُورِيّ مُقَابل لما بِهِ الْقَضَاء كَمَا ترى.(1/544)
تَنْبِيهَانِ. الأول: تَشْبِيه الموثقين الطَّلَاق المملك بِالطَّلَاق الَّذِي لَا رَجْعَة فِيهِ يَقْتَضِي أَن الَّذِي لَا رَجْعَة فِيهِ مُتَّفق عَلَيْهِ إِذْ لَا يحْتَج بمختلف فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْخلاف جَار فِي الْجَمِيع، فَفِي كتاب التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك من أبي الْحسن مَا نَصه اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِيمَن قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاق الصُّلْح أَو طَلْقَة بَائِنَة أَو طَلْقَة لَا رَجْعَة فِيهَا فَقيل: هِيَ ثَلَاث، وَقيل: هِيَ رَجْعِيَّة، وَقيل: هِيَ بَائِنَة لِأَن الرّجْعَة من حَقه فَإِذا أسقط حَقه فِيهَا لزمَه وَهُوَ أبين اه بِاخْتِصَار. وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي كتاب الْخلْع مَا نَصه من اخْتِلَاف الروَاة هُنَا: يَعْنِي فِيمَن صَالح وَأعْطى أَو طلق وَأعْطى أَخذ أَبُو مُحَمَّد صَالح أَن مَا يَفْعَله أهل بلدنا فِي قَوْلهم أَنْت طَالِق طَلْقَة مملكة أَنَّهَا تكون بَائِنَة، وَقد كَانَ ابْن الْعَرَبِيّ يَقُول: لَا تكون بَائِنَة. وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ صَالح وَأعْطى خَالع وَأعْطى وَغير ذَلِك فَقَالَ: إِنَّمَا أوجبت هَذِه الْأَلْفَاظ الْبَيْنُونَة لأجل اللَّفْظ وَقَوْلهمْ: أَنْت طَالِق طَلْقَة مملكة مثل قَوْله فِي كتاب التَّخْيِير أَنْت طَالِق طَلْقَة يَنْوِي لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ لَهُ الرّجْعَة اه. وَعبارَة الْمُدَوَّنَة فِي كتاب التَّخْيِير هِيَ قَوْلهَا مَا نَصه: وَإِن قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة يَنْوِي لَا رَجْعَة عَلَيْك فَلهُ الرّجْعَة، وَقَوله: لَا رَجْعَة لي عَلَيْك وَنِيَّته بَاطِل إِلَّا أَن يَنْوِي بقوله: لَا رَجْعَة لي عَلَيْك الْبَتَات اه. اللَّخْمِيّ: يُرِيد هُوَ بَاطِل سَوَاء قَالَ ذَلِك قولا أَو نَوَاه فقد تبين بِهَذَا أَن طَلَاق الصُّلْح وَالْخلْع وَالتَّمْلِيك والبينونة وَالَّذِي لَا رَجْعَة فِيهِ، وَمن صَالح وَأعْطى فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور، وَالَّذِي بِهِ الْقَضَاء مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ فِي لَا رَجْعَة لي عَلَيْك وَإِن كَانَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة فِي الطَّلقَة البائنة الثَّلَاث ومذهبها فِي طَلَاق الخلعي وَنَحْوه الْبَيْنُونَة فَقَط. وَفِي لَا رَجْعَة لي عَلَيْك كَونهَا رَجْعِيَّة وتبعها (خَ) على ذَلِك كُله فَلَا يشكل عَلَيْك، فَإِن النَّاظِم حكى مَا بِهِ الْعَمَل فِي ذَلِك وَإِن خَالف الْمُدَوَّنَة و (خَ) يتبع الْمُدَوَّنَة فَقَالَ: وَبَانَتْ وَلَو بِلَا عوض وَقَالَ بعده: لَا أَن شَرط نفي الرّجْعَة فَهِيَ رَجْعَة. وَقَالَ أَيْضا: أَو وَاحِدَة بَائِنَة أَي فَهِيَ ثَلَاث عِنْده. قَالَ أَبُو الْحسن: الْفرق على مذهبها بَين طَلَاق الْخلْع بِغَيْر عوض هِيَ وَاحِدَة بَائِنَة وَبَين قَوْلهَا فِي الْوَاحِدَة البائنة أَنَّهَا الثَّلَاث أَنه فِي الأول شبهها بِطَلَاق الْخلْع وَفِي الثَّانِيَة قَالَ بَائِنَة فَلَيْسَتْ بخلعية وَلَا شبهها بِطَلَاق الْخلْع. الثَّانِي: قَالَ أَبُو الْحسن عِنْد قَوْلهَا الْمُتَقَدّم عَن كتاب التَّخْيِير مَا نَصه: قَالَ ابْن عبد الحكم: إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق وَلَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَلهُ الرّجْعَة وَإِن قَالَ لَا رَجْعَة لي عَلَيْك كَانَت الْبَتَّةَ. قَالَ ابْن الْكَاتِب: مَسْأَلَة ابْن عبد الحكم لَيست كَمَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة لِأَن مَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة قد بَين أَنه طَلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة وَمَسْأَلَة ابْن عبد الحكم لم يذكر طَلْقَة، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فَهِيَ الْبَتَات. اللَّخْمِيّ: وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا رَجْعَة لي عَلَيْك فِيهِ لَكَانَ ثَلَاثًا قولا وَاحِدًا لِأَن طَالِق يعبر بِهِ عَن الْوَاحِد وَالثَّلَاث، فَإِذا قَالَ طَلَاقا لَا رَجْعَة فِيهِ كَانَ صفة للطَّلَاق أَنه ثَلَاث اه. قلت: وَهُوَ ظَاهر إِذا نَوَاه أَو لم ينْو شَيْئا وَانْظُر إِذا نوى الْوَاحِد الَّتِي لَا رَجْعَة فِيهَا أَعنِي البائنة، وَالظَّاهِر أَن لَهُ نِيَّته لِأَن اللَّفْظ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الثَّلَاث وَلَا كِنَايَة ظَاهره فِيهِ وَالله أعلم.(1/545)
وَبَائِنٌ كلُّ طَلاَقٍ وَقَعَا قَبْلَ البِنَاءِ كَيْفَمَا قَدْ وَقَعَا (وبائن) خبر عَن قَوْله (كل طَلَاق) وَجُمْلَة قَوْله (وَقعا) صفة لطلاق، والرابط بَين الصّفة والموصوف مَحْذُوف أَي أوقعه وألفه للإطلاق وفاعله ضمير الزَّوْج (قبل الْبناء) يتَعَلَّق بأوقعا (كَيْفَمَا) مُجَرّدَة عَن معنى الِاسْتِفْهَام فَهِيَ للتعميم فِي الْأَحْوَال بِمَعْنى مُطلقًا حَال من الضَّمِير فِي بَائِن وَمَا زَائِدَة أَي كل طَلَاق أوقعه الزَّوْج قبل الْبناء فَهُوَ بَائِن فِي أَي حَال (قد وَقعا) أَي حَال كَونه مكيفاً بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت بِكَوْنِهِ فِي الْحيض أَو فِي غَيره بعوض أَو بِغَيْرِهِ وَاحِدَة أَو أَكثر فِي كلمة أَو فِي كَلِمَات فِي مرض أَو غَيره وَيجْرِي فِي الْإِرْث على حكم الطَّلَاق فِي الْمَرَض الْآتِي فِي قَوْله: وَمن مَرِيض الخ. وَيجب لَهَا نصف الصَدَاق إِن كَانَ نِكَاح تَسْمِيَة وَيبقى على أَجله إِن كَانَ مُؤَجّلا وَإِن كَانَ نِكَاح تَفْوِيض فَلَا شَيْء لَهَا فَإِن طلق قبل الْبناء بعد أَن اشترت الجهاز فلهَا نصف الجهاز فَإِن اشترت بِهِ مَا لَا يصلح للجهاز رَجَعَ عَلَيْهَا بِنصْف مَا دفع، وَإِن أصدقهَا عقارا أَو عرُوضا أَو حَيَوَانا فباعت ذَلِك أَو وهبته أَو أعتقت الرَّقِيق أَو تلف بِيَدِهَا أَو دخله نقص أَو زِيَادَة كَانَ لَهُ نصف الثّمن فِي الْجَمِيع إِن لم تحاب فِيهِ وَنصف الْقيمَة فِي الْهِبَة وَالْعِتْق يَوْم إحداثها لذاك كَمَا فِي (خَ) . وَبالثَّلاَثِ لاَ تَحِلُّ إلاَّ مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ لِلَّذِي تَخَلَّى (وبالثلاث) يتَعَلَّق بمقدر صفة لفاعل قَوْله (لَا تحل) وفاعله ضمير الزَّوْجَة (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من عُمُوم مُقَدّر (من) زَائِدَة وَالزَّائِد لَا يتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مرّ (بعد) مَعْمُول لتحل (زوج) على حذف مُضَاف ومتعلقه (للَّذي) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (تخلى) صلته والرابط ضَمِيره الْمُسْتَتر الْعَائِد على الْمَوْصُول، وَالتَّقْدِير الزَّوْجَة الْمُطلقَة بِالثلَاثِ يُرِيد: وَمَا فِي مَعْنَاهَا من الْبَتَّةَ وَنَحْوهَا حَيْثُ كَانَ عرف النَّاس فِيهَا الثَّلَاث على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَيلْزم الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. لَا تحل للَّذي تخلى عَنْهَا إِلَّا بعد وَطْء زوج بِنِكَاح لَازم أَو إِلَّا فِي زمَان كَائِن بعد وَطْء زوج الخ. وقدرنا وطأ لقَوْله تَعَالَى: حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} (الْبَقَرَة: 230) فَإِنَّهُم قَالُوا كل نِكَاح وَقع فِي كتاب الله، فَالْمُرَاد بِهِ العقد إِلَّا فِي هَذِه الْآيَة. فَإِن المُرَاد بِهِ الْوَطْء مَعَ العقد الصَّحِيح اللَّازِم للْحَدِيث الصَّحِيح فِي امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ الَّتِي قَالَت لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: كنت عِنْد رِفَاعَة فَبت طَلَاقي فَتزوّجت بعده عبد الرَّحْمَن بن الزبير وَإِنَّمَا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب، فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: (أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك) . فَهَذَا الحَدِيث نَص على أَن المُرَاد الْوَطْء، وَلَا بُد أَن تكون هِيَ مطيقة للْوَطْء، وَأَن يكون الْوَطْء لَا نكرَة فِيهِ (خَ) والمبتوتة حَتَّى يولج مُسلم بَالغ قدر الْحَشَفَة بِلَا منع وَلَا نكرَة فِيهِ بانتشار فِي نِكَاح لَازم وَعلم خلْوَة وَزَوْجَة(1/546)
فَقَط الخ. وَخَالف الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ: لَا يحلهَا مغيب الْحَشَفَة بل حَتَّى يَقع الْإِنْزَال لقَوْله فِي الحَدِيث: (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته) . الخ. وَرَأى غَيره أَن المغيب هُوَ الْعسيلَة وَخَالف سعيد بن الْمسيب فَقَالَ: إِن العقد عَلَيْهَا يحلهَا للْأولِ وخطىء بمخالفته للْحَدِيث، وتؤول على أَن الحَدِيث لم يبلغهُ. وَخَالف ابْن الْمَاجشون فَقَالَ: تحل بِالْوَطْءِ الْحَرَام كوطئها وَهِي حَائِض أَو صَائِمَة، وَلَا بُد أَن لَا يقْصد الزَّوْج الثَّانِي بنكاحه تحليلها. قَالَ فِي الرسَالَة: وَلَا يجوز أَن يتَزَوَّج رجل امْرَأَة لِيحِلهَا لمن طَلقهَا ثَلَاثًا وَلَا يحلهَا ذَلِك. وَقَالَ (خَ) كمحلل وَإِن مَعَ نِيَّة إِِمْسَاكهَا مَعَ الْإِعْجَاب، وَظَاهر النّظم أَنَّهَا لَا تحل وَلَو ملكهَا بِالشِّرَاءِ وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي الرسَالَة: وَمن طلق امْرَأَته ثَلَاثًا لم تحل لَهُ بِملك وَلَا نِكَاح حَتَّى تنْكح زوجا غَيره. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رشد: جرت عَادَة قُضَاة الْعَصْر منع المبتوتة من رَجْعَة مُطلقهَا حَتَّى يثبت دُخُول الثَّانِي دُخُول اهتداء وَأَنه كَانَ يبيت عِنْدهَا ويتصرف عَلَيْهَا تصرف الْأزْوَاج على الزَّوْجَات وَمَا علمُوا فِي نِكَاحهَا رِيبَة وَلَا دُلْسَة اه. وَقَالَ احلولو الْعَمَل عِنْد قُضَاة تونس الْيَوْم تَكْلِيفه عِنْد العقد بِإِثْبَات أَنه لَا يتهم بتحليل المبتوتة فَحِينَئِذٍ يحل لَهُ تزَوجهَا، ثمَّ إِن طَلقهَا لم تحل لزَوجهَا إِلَّا بعد ثُبُوت الْبناء بهَا وَهُوَ حسن سِيمَا مَعَ فَسَاد الزَّمَان اه. نقل ذَلِك كُله ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا. وَهْوَ لِحُرَ مُنْتَهَى الطَّلاَقِ وَحُكْمُها يَنْفُذُ بالإطلاقِ (وَهِي) مُبْتَدأ عَائِد على الثَّلَاث (لحر) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (مُنْتَهى الطَّلَاق) أَي غَايَته (وَحكمهَا) مُبْتَدأ (ينفذ) بِضَم الْفَاء وَالْجُمْلَة خبر (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بِهِ. هَبْ أَنْها بِكَلْمةٍ قَدْ جُمِعَتْ أَوْ طَلْقَةٍ مِنْ بَعْدِ أُخْرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; وَقَعَتْ (هَب أَنَّهَا) أَي الثَّلَاث (فِي كلمة) يتَعَلَّق بقوله: (قد جمعت) وَالْجُمْلَة خبر إِن وَهِي وَمَا دخلت عَلَيْهِ سدت مسد مفعولي هَب (أَو طَلْقَة) حَال من فَاعل وَقعت (من بعد أُخْرَى) يتَعَلَّق بمقدر صفة لطلقة (وَقعت) فَاعله ضمير الثَّلَاث. وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة جمعت والجملتان مفسرتان للإطلاق أَي الثَّلَاث هِيَ غَايَة طَلَاق الْحر، فالطلاق الزَّائِد عَلَيْهِ غير لَازم، وَحكمهَا الَّذِي هُوَ عدم حليتها إِلَّا بعد زوج نَافِذ مُطلقًا سَوَاء جمعت فِي كلمة وَاحِدَة كَقَوْلِه: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا أَو وَقعت هِيَ أَي الثَّلَاث حَال كَونهَا طَلْقَة كائنة بعد طَلْقَة، وَمَا ذكره من لُزُوم الثَّلَاث وَلَو فِي كلمة هُوَ الَّذِي بِهِ الْقَضَاء والفتيا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، بل حكى بَعضهم عَلَيْهِ الِاتِّفَاق وَبَعْضهمْ الْإِجْمَاع. انْظُر المعيار فقد أَجَاد فِيهِ، وَانْظُر ابْن سَلمُون والمتيطية وَغَيرهمَا وَمَا ذكرُوا فِيهِ من الْخلاف دَاخل الْمَذْهَب ضَعِيف جدا حَتَّى قَالُوا: إِن حكم الْحَاكِم بِهِ ينْقض وَلَا يكون رَافعا(1/547)
للْخلاف (خَ) أَو جعل بتة وَاحِدَة الخ. وَذكر الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْإِيمَان عَن ابْن الْعَرَبِيّ والمازري أَنَّهُمَا قَالَا: لم ينْقل القَوْل الشاذ إِلَّا ابْن مغيث لَا أغاثه الله قَالَهَا ثَلَاثًا اه. وَهَذَا مُبَالغَة فِي الْإِنْكَار بل قَالَ بَعضهم: مَا ذبحت ديكاً قطّ وَلَو أدْركْت من يحلل الْمُطلقَة ثَلَاثًا فِي كلمة لذبحته بيَدي، وَظَاهر قَوْله: طَلْقَة بعد طَلْقَة أُخْرَى أَنه لَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك نسقاً كَأَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَو مفرقاً فِي مجَالِس وَهُوَ كَذَلِك فِي الثَّانِي حَيْثُ كَانَت مَدْخُولا بهَا، وَكَانَ الطَّلَاق الثَّانِي قبل انْقِضَاء عدَّة الأول، وَأما الأول فَتَارَة يكون بِدُونِ عطف كَمَا مر فِي الْمِثَال وَتارَة بالْعَطْف بواو أَو فَاء أَو ثمَّ وعَلى كل حَال يلْزمه الثَّلَاث كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، سَوَاء كَانَت مَدْخُولا بهَا أم لَا. وَلَا يَنْوِي فِي إِرَادَته التَّأْكِيد فيهمَا مَعَ الْعَطف، وَإِنَّمَا يَنْوِي فِي إِرَادَته فيهمَا مَعَ عَدمه كَمَا قَالَه (خَ) وشراحه عِنْد قَوْله: وَإِن كرر الطَّلَاق بعطف وَاو الخ. وَظَاهر قَوْله فِي كلمة الخ. أوقعهَا فِي حَال الْغَضَب والمنازعة أم لَا. وَلَا يَنْوِي فِي ذَلِك وَلَو مستفتياً وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه الصُّغْرَى عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم} (المجادلة:) الْآيَة وَلَا يسْقط الْغَضَب ظِهَارًا وَلَا طَلَاقا بل يلزمان الغضبان إِذْ فِي حَدِيث خَوْلَة كَانَ بيني وَبَين زَوجي شَيْء، وَهَذَا يدل على نزاع أخرجه فَظَاهر اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد: يَمِين الْغَضَب لَازِمَة اتِّفَاقًا اه. وَمَا وَقع فِي شرح التَّلْقِين من أَنه إِذا طَلقهَا فِي كلمة أَو كَلِمَات فِي حَال الْغَضَب أَو اللجاج أَو الْمُنَازعَة لَا يلْزمه شَيْء ويدين إِذا جَاءَ مستفتياً لِأَن ذَلِك من بَاب الْحَرج والحرج مَرْفُوع عَن هَذِه الْأمة وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لَا تعينُوا الشَّيْطَان على أخيكم الْمُسلم) وَلقَوْل عَليّ بن أبي طَالب: من فرق بَين الْمَرْء وَزَوجته بِطَلَاق الْغَصْب أَو اللجاج فرق الله بَينه وَبَين أحبائه يَوْم الْقِيَامَة قَالَه الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام اه. كل ذَلِك لَا يَصح وَلَا يعول عَلَيْهِ، وَقد أغْلظ المسناوي رَحمَه الله على من نقل ذَلِك وَلبس بِهِ على الْمُسلمين. وَقَالَ: إِن ذَلِك من الافتراء على الْأَئِمَّة المعتبرين المعروفين بالتحقيق التَّام. قَالَ: فَالْوَاجِب تَعْزِير من عمل بذلك أَو ركن إِلَيْهِ أَو أفتى بِهِ إِن لم يعْذر بِجَهْل اه بِاخْتِصَار. وَقد كثر السُّؤَال عَن ذَلِك فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَقبلهَا وينسب السَّائِل ذَلِك لكتاب التَّقْرِيب والتبيين فِي شرح التَّلْقِين، وَبَعْضهمْ للذخيرة عَن الْبَيَان. أما الذَّخِيرَة وَالْبَيَان فَلَا شَيْء فيهمَا، وَأما التَّقْرِيب والتبيين فَلَا زَالَ عَقْلِي يستبعد وجود ذَلِك فِيهِ حَتَّى منّ الله عليَّ بِالْوُقُوفِ على ذَلِك فِيهِ الْآن ونقلت مِنْهُ مَا تقدم بِاللَّفْظِ وَذكر مُتَّصِلا بِمَا مر عَنهُ مَا نَصه: قَالَ مُحَمَّد بن الْقَاسِم، قلت لمُحَمد بن سَحْنُون: أَيحلُّ لي أَن أرد الْمُطلقَة ثَلَاثًا لمن جَاءَنِي مستفتياً فِي ذَلِك قَالَ: إِن كَانَ من أخيار النَّاس وَمن أهل الْوَرع فَنعم ترد عَلَيْهِ زَوجته سرا، وَإِن كَانَ سَفِيها فألزمه الثَّلَاث لِئَلَّا يستن بذلك فَلَا يحرم حَرَامًا اه لَفظه. وَهَذَا لَا يَصح أَيْضا بِحَال، وَلَا أَظن ذَلِك يصدر من عَالم يعْتد بِعِلْمِهِ وَهَذَا الشَّرْح مَجْهُول النِّسْبَة عِنْدِي فَلم أدر صَاحبه من هُوَ فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد على مَا فِيهِ مِمَّا يُخَالف الجادة وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم: لحر أَن العَبْد مُنْتَهى طَلَاقه اثْنَتَانِ فَلَا تحل لَهُ بعدهمَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره، وَسَوَاء كَانَت الزَّوْجَة حرَّة أَو أمة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَت زَوجته حرَّة فمنتهى طَلَاقه ثَلَاث. فرع: لَو قَالَ: أَنْت طَالِق أَو أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن شَاءَ الله فَإِنَّهُ يَقع طَلَاقه وَيلْزمهُ حكمه عِنْد مَالك وَأَصْحَابه، وَكَذَلِكَ الْعتْق وَلَا يعْمل قَوْله: إِن شَاءَ الله إِلَّا فِي الْيَمين بِاللَّه وَحدهَا.(1/548)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَقع الطَّلَاق وَلَا الْعتْق وَلَا النّذر وَلَا مَا دخل فِيهِ قَوْله: إِن شَاءَ الله كاليمين بِاللَّه تَعَالَى. وَقَالَ أَحْمد: لَا يَقع الطَّلَاق وَيَقَع الْعتْق قَالَه القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي مسَائِله. وَمُوقِعٌ مَا دُونَها مَعْدُودُ بَيْنَهُمَا إنْ قُضِيَ التَّجْدِيدُ (وموقع) بِفَتْح الْقَاف صفة لمَحْذُوف أَي طَلَاق موقع، وَيجوز كسرهَا أَي شخص موقع (مَا) زَائِدَة على الأول وموصوفة على الثَّانِي وَاقعَة على طَلَاق (دونهَا) يتَعَلَّق بموقع على الْفَتْح وَصفَة لما على الْكسر وَالضَّمِير للثلاث (مَعْدُود) خبر على الإعرابين حذف مُتَعَلّقه أَي عَلَيْهِ (بَينهمَا) يتَعَلَّق بتجديد آخر الْبَيْت وَلَا يضر تقدمه على الشَّرْط لِأَن الظروف يتوسع فِيهَا وضميره للزوجين (إِن قضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة شَرْطِيَّة حذف جوابها للدلالة عَلَيْهِ (التَّجْدِيد) بالجسم نَائِب وَمَعْنَاهُ أَن الشَّخْص الْموقع لطلاق دون الثَّلَاث مَعْدُود عَلَيْهِ مَا أوقعه إِن قضى الله تَعَالَى بتجديد النِّكَاح بَينهمَا وَلَو تزَوجهَا أَجْنَبِي قبل تَجْدِيد النِّكَاح لِأَن نِكَاح الْأَجْنَبِيّ إِنَّمَا يهدم الثَّلَاث. قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب فِي مسَائِله: سَوَاء دخل بهَا الثَّانِي أم لَا وَلَا يهدم الثَّانِي بِوَطْئِهِ طَلَاق الأول فَإِن كَانَ طَلقهَا وَاحِدَة عَادَتْ فِي النِّكَاح الثَّانِي على طَلْقَتَيْنِ وَإِن كَانَ طَلقهَا اثْنَتَيْنِ عَادَتْ إِلَيْهِ على طَلْقَة حَتَّى أَنه إِن طَلقهَا وَاحِدَة لم تحل لَهُ إِلَّا بعد زوج وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعلي وَأبي هُرَيْرَة وَأبي بن كَعْب وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي ليلى وَابْن أبي ذِئْب وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة بعد إِن كَانَ مُخَالفا. وَذهب أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف صَاحبه إِلَى أَن الزَّوْج الثَّانِي إِن أَصَابَهَا فِي نِكَاحه هدم طَلَاق الزَّوْج الأول فترجع إِلَيْهِ بعصمة جَدِيدَة، وَبِه قَالَ من الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
(فصل فِي ذكر أَحْكَام الْخلْع)
وَهُوَ الطَّلَاق بعوض وَلَو من غير الزَّوْجَة أَو بِلَفْظ الْخلْع على مَا مر بَيَانه، وَهَذَا الْعِوَض لَا يحْتَاج إِلَى حِيَازَة. والخَلْعُ سَائِغٌ والافْتِدَاءُ فَالافْتِدَاءُ بالَّذِي تَشَاءُ(1/549)
(وَالْخلْع) مُبْتَدأ (سَائِغ) خَبره (والافتداء) مُبْتَدأ حذف خَبره لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ فالافتداء مُبْتَدأ وَالْفَاء جَوَاب سُؤال مُقَدّر أَي إِن أردْت مَعْرفَته (فالافتداء بِالَّذِي تشَاء) خَبره أَي بِالَّذِي تشاؤه من مَالهَا. والْخَلْعُ بِاللاَّزِمِ فِي الصَّدَاقِ أَوْ حَمْلٍ أَوْ عِدَّةٍ أَوْ إنْفَاقِ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (باللازم) خَبره (فِي الصَدَاق) يتَعَلَّق بِهِ أَي باللازم لَهُ فِي صَدَاقهَا من كالىء أَو حَال أَو هما فتسقطه عَنهُ ويطلقها (أَو حمل) مَعْطُوف على الصَدَاق أَي اللَّازِم لَهُ فِي حمل إِن كَانَ وَهُوَ نَفَقَتهَا الْوَاجِبَة لَهَا عَلَيْهِ (أَو عدَّة) مَعْطُوف أَيْضا على اللَّازِم فِي عدَّة وَهُوَ كِرَاء الْمسكن وَعنهُ يعبر الموثق بقوله: وبخراج عدتهَا مِنْهُ (أَو إِنْفَاق) على وَلَدهَا مِنْهُ بِأَن يخالعها على أَن عَلَيْهَا أُجْرَة رضاعه قبل الْحَوْلَيْنِ أَو على أَن عَلَيْهَا نَفَقَة مُدَّة زَائِدَة على مُدَّة الرَّضَاع أَو على إِسْقَاط حضانتها على الْوَلَد أَو على إنفاقها على بَنِينَ لَهُ من غَيرهَا أَو على زيد مثلا كَمَا يَأْتِي ابْن عَرَفَة، وفيهَا مَا الْخلْع وَمَا المباراة وَمَا الْفِدْيَة قَالَ مَالك: المباراة الَّتِي تباري زَوجهَا قبل الْبناء وَتقول: خُذ الَّذِي لَك وتاركني والمختلعة الَّتِي تختلع من كل الَّذِي لَهَا والمفتدية الَّتِي تُعْطِي بعض الَّذِي لَهَا وَكلهَا سَوَاء، ثمَّ قَالَ أَبُو عمرَان: الْخلْع وَالصُّلْح والفدية سَوَاء وَهِي أَسمَاء مُخْتَلفَة لمعان متفقة اه. وَحذف النَّاظِم المباراة مَعَ أَنَّهَا فِي الْمُدَوَّنَة مَعَ الْخلْع والفدية فِي نسق وَاحِد كَمَا ترى. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا خَالعهَا على رضَاع الْوَلَد فِي الْحَوْلَيْنِ فَفِي منعهَا من التَّزَوُّج أَقْوَال. ثَالِثهَا إِن كَانَ بِشَرْط، وَرَابِعهَا إِن كَانَ يضر بِالصَّبِيِّ لِابْنِ رشد من قَوْلهَا ذَلِك فِي الظِّئْر الْمُسْتَأْجر وَسَمَاع القرينين وَابْن نَافِع مَعَ رِوَايَة مُحَمَّد وَسَمَاع عِيسَى قَالَه ابْن عَرَفَة. وتصديره بِالْمَنْعِ يَقْتَضِي أَنه الرَّاجِح وَهُوَ ظَاهر الْبِسَاطِيّ فِي بَاب الْإِجَارَة فِي اسْتِئْجَار الظِّئْر قَالَ: وَإِذا خالعت الْمَرْأَة زَوجهَا على أَن ترْضع لَهُ الْوَلَد حَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا أَن تتَزَوَّج فيهمَا. قلت: الْمَنْع إِنَّمَا هُوَ لأجل الْوَطْء فَإِذا أَمن من الزَّوْج الْوَطْء فَلَا أَدْرِي يمْنَع لماذا اه. بِنَقْل بَعضهم. وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الطرر أَيْضا فَقَالَ مَا نَصه: إِذا صالحت الْأُم على رضَاع وَلَدهَا الصَّغِير(1/550)
فَفِي الْجعل وَالْإِجَارَة مِنْهَا أَنَّهَا مَمْنُوعَة من التَّزْوِيج حَتَّى تتمّ مُدَّة الرَّضَاع قَالَه ابْن رشد فِي كتاب التَّمْلِيك من شرح الْعُتْبِيَّة اه وَنَحْوه للتتائي فِي كبيره، والبرزلي فِي نوازله قَائِلا هُوَ جَار على مَا فِي الرَّضَاع يُرِيد من الْمُدَوَّنَة، وَذكر ابْن نَاجِي أَن شَيْخه أفتى بِهِ وَعمل على فتواه قَالَ: وَكَانَت النَّازِلَة فِي كَون القَاضِي لم يطلع على ذَلِك إِلَّا بعد التَّزَوُّج فَمَنعه من الْوَطْء حَتَّى مَاتَ الصَّبِي عَن قرب ودرج علين ناظم الْعَمَل الْمُطلق حَيْثُ قَالَ: وَمن بإرضاع الصَّبِي اخْتلعت من النِّكَاح بِالْقضَاءِ منعت وَاقْتصر فِي معِين الْحُكَّام على ذَلِك أَيْضا وَكَذَا فِي الْمُتَيْطِيَّة واختصارها قَالَا: وتمنع الْمَرْأَة الْمُشْتَرط عَلَيْهَا رضَاع وَلَدهَا عَاميْنِ من النِّكَاح فيهمَا لما يخَاف من فَسَاد اللَّبن اه. لَكِن قَالَ ابْن سَلمُون بعد أَن عزا مَا مر لدَلِيل الْمُدَوَّنَة مَا نَصه: وَالْمَعْرُوف من قَول مَالك فِي المستخرجة أَنَّهَا تتَزَوَّج وَأَن شَرط عَلَيْهَا فِي عقد الْخلْع أَن لَا تتَزَوَّج مُدَّة الرَّضَاع قَالَ فِي التزاماته عقبه مَا نَصه: وَفِي كَلَام ابْن سَلمُون تَرْجِيح القَوْل بِأَنَّهُ لَا يلْزم وَلَو فِي مُدَّة الرَّضَاع وَهُوَ الظَّاهِر خلاف مَا يظْهر من كَلَام ابْن رشد فَتَأَمّله اه. فَتبين بِهَذَا رُجْحَان كل من الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين فِي كَلَام ابْن عَرَفَة، لَكِن الأول أقوى، وَلذَا اسْتَظْهرهُ ابْن رحال فِي شَرحه أَيْضا. وَلَا يُقَال القَوْل الأول إِنَّمَا هُوَ مخرج فَكيف جزم بِهِ من تقدم مَعَ أَن (ح) قَالَ فِي فصل إِزَالَة النَّجَاسَة: الْمُعْتَمد فِي كل نازلة على مَا هُوَ الْمَنْصُوص فِيهَا لَا على الْمخْرج لأَنا نقُول: الحكم الْقَائِم من الْمُدَوَّنَة ينزله الشُّيُوخ منزلَة نَصهَا كَمَا ينزلون إطلاقاتها وظواهرها منزلَة نَصهَا أَيْضا، فيعارضون بِهِ كَلَام غَيرهَا حَسْبَمَا ذَلِك مَنْصُوص عَلَيْهِ حَتَّى فِي (ز) عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: وظاهرها شَرط الدناءة. وَذكر فِي نَوَازِل الْخلْع من المعيار عَن ابْن عَطِيَّة الونشريسي مَا يُفِيد ضعف ذَلِك التَّرْجِيح، وَرجح جَوَاز تَزْوِيجهَا فِي مُدَّة الرَّضَاع كَمَا ضعف أَيْضا مَا يَأْتِي عَن الِاسْتِغْنَاء فَانْظُرْهُ إِن شِئْت، وَقد يرد بِأَن الضَّرَر مترقب قطعا كَمَا رَأَيْته فِي كَلَام الْمُتَيْطِيَّة لِأَنَّهُ تَعْلِيل بالمظنة وكما هُوَ مشَاهد بِالْعَادَةِ، وَكَون الغيلة لَا تضر على مَا ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يدل على جَوَاز النِّكَاح فِي مَسْأَلَتنَا كَمَا قيل: لِأَن مَسْأَلَتنَا فِيهَا مُعَارضَة، وَمَعْلُوم مَا فِيهَا من التشاح، وَأَيْضًا فَإِن تزَوجهَا يمْنَعهَا من الِاشْتِغَال بِأَمْر الرَّضِيع كَمَا يَأْتِي، وَمَا ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا هُوَ فِي أَمر عَام وَهُوَ وَطْء الْمُرْضع والأعم لَا دَلِيل فِيهِ على أخص معِين، وَلذَا قَالُوا فِي الظِّئْر الْمُسْتَأْجر يمْنَع زَوجهَا من وَطئهَا حَيْثُمَا رَضِي بإجارتها نَفسهَا كَمَا قَالَ (خَ) وَمنع زوج رَضِي من وَطْء، وَبِهَذَا تعلم أَن قَوْلهم تمنع من النِّكَاح أَي من وَطئه وإلاَّ فَلَا يفْسخ العقد إِن وَقع على مَا مر عَن ابْن نَاجِي، وَسَيَأْتِي فِي التَّنْبِيه بعده مَا يَقْتَضِي ذَلِك. الثَّانِي: ظَاهر كَلَام ابْن عَرَفَة بل صَرِيحه أَن مَحل الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة مَعَ اشْتِرَاط عدم التَّزَوُّج وَجعلهَا فِي الشَّامِل و (ح) فِي التزاماته مَعَ عدم الِاشْتِرَاط، ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة، إِثْر مَا مر عَنهُ مَا نَصه: وَشرط عدم نِكَاحهَا بعد الْحَوْلَيْنِ لَغْو. ابْن رشد اتِّفَاقًا قَالَ (ح) فِي التزاماته. وَمَا ذكره ابْن رشد من الِاتِّفَاق على أَنه لَا يلْزمهَا ترك النِّكَاح فِيمَا بعد الْحَوْلَيْنِ مُخَالف لما ذكره ابْن سَلمُون عَن كتاب الِاسْتِغْنَاء من أَن الْأُم إِذا التزمت حضَانَة بنيها وَتَزَوَّجت فسخ النِّكَاح حَتَّى يتم أمد الْحَضَانَة قَالَ بَعضهم: يُرِيد قبل الْبناء ثمَّ قَالَ (ح) : وَلَا شكّ أَن مَا قَالَه ابْن رشد لم يكن مُتَّفقا(1/551)
عَلَيْهِ فَهُوَ الظَّاهِر اه. وَتَأمل ذَلِك مَعَ أَن (ح) نَفسه اقْتصر فِي بَاب الْحَضَانَة من الْمُخْتَصر على مَا فِي كتاب الِاسْتِغْنَاء من فسخ النِّكَاح، وَكَذَا (ز) هُنَاكَ. قلت: وَهُوَ مَا يفِيدهُ قَوْلهم فِي بَاب الْحَضَانَة أَن الْمَرْأَة إِذا تزوجت اشتغلت بِأَمْر الزَّوْج فَتسقط حضانتها بذلك، وَهنا قد تعلق حق الْوَلَد بل وَالزَّوْج بحضانتها بِنَفسِهَا، وعَلى ذَلِك أرسل الْعِصْمَة من يَده فَهُوَ حق تعلق بِعَين الْمَرْأَة، فَلَيْسَ لَهَا أَن تشغل نَفسهَا بِغَيْر مَا وَقع عقد الْخلْع عَلَيْهِ فَيكون هَذَا أرجح من جِهَة النّظر. وَقَالَ الْبُرْزُليّ إِثْر تِلْكَ الْأَقْوَال مَا نَصه: وَانْظُر مَا يَفْعَلُونَهُ الْيَوْم أَنَّهَا تتحمل بِهِ أَي الْوَلَد عازبة كَانَت أَو متزوجة وَإِن بدلت الْأزْوَاج أَو سَافَرت فَلَا ينتزع مِنْهَا هَل يُوفي بِهَذَا أم لَا؟ وَهِي عِنْدِي تجْرِي على هَذَا لِأَن من حق الْوَلَد أَن لَا يجتمعا على ضَرَره فِي القَوْل الأول، وعَلى الثَّانِي يكون أَحْرَى فِي جَوَاز تَزْوِيجهَا لشرطها اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. وَهَذَا يُؤَيّد مَا فِي كتاب الِاسْتِغْنَاء من الْفَسْخ لِأَن الْحق فِي ذَلِك للْوَلَد كَمَا يُؤَيّد القَوْل الأول من تِلْكَ الْأَقْوَال وَلَا إِشْكَال إِلَّا أَنه يُقَال مَحل الْفَسْخ قبل الْبناء على القَوْل بِهِ إِذا لم يتراضيا على تَأْخِير الدُّخُول إِلَى انْقِضَاء مُدَّة الْحَضَانَة. وَقَالَ الفشتالي فِي وثائقه مَا نَصه: وَبَعْضهمْ يشْتَرط عَلَيْهَا وتشترط عَلَيْهِ أَن لَا ينتزع الْوَلَد مِنْهَا تزوجت أَو تأيمت أَو سَافَرت أَو سَافر هُوَ أَو أَقَامَ، ثمَّ قَالَ: فَإِن سقط ذَلِك الشَّرْط من عقد الْخلْع وَتَزَوَّجت سَقَطت حضانتها، وَكَذَا إِن سَافَرت أَو سَافر هُوَ لمَكَان بعيد أَقَله على خلاف مَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة اه. فَفِيهِ دَلِيل لرجحان إِعْمَال الشَّرْط الْمَذْكُور، بل وَصرح بلزومه فِي الالتزامات فِي النَّوْع الْخَامِس من الْبَاب الثاث فَانْظُرْهُ. الثَّالِث: إِذا خالعته على أَن عَلَيْهَا نَفَقَة الْبَنَات وَأَن الْأَمر لَهَا فِي تزويجهن وَيكون الْعَاقِد عَلَيْهِنَّ غَيرهَا جَازَ ذَلِك وَهل لَهُ عزلها لِأَنَّهُ وكَالَة مِنْهَا لَهَا؟ قَالَ (ح) فِي التزاماته: لَا سَبِيل لَهُ لعزلها. نَقله ابْن رحال هَهُنَا. الرَّابِع: إِذا خَالعهَا بِنَفَقَة الْوَلَد عازبة كَانَت أَو متزوجة وَقُلْنَا لَا ينْزع مِنْهَا إِن تزوجت على مَا مر قَرِيبا فَتحمل الزَّوْج الثَّانِي لَهَا بِنَفَقَة الْوَلَد طَوْعًا فَلَا سَبِيل لرجوع الزَّوْجَة على وَلَدهَا إِن كَانَ لَهُ مَال بِمَا أنفقهُ عَلَيْهِ المتحمل الْمَذْكُور كَمَا هُوَ وَاضح، وَإِنَّمَا يبْقى الْكَلَام إِذا لم تتحمل هِيَ بِنَفَقَة الْوَلَد وَكَانَت تَأْخُذ نَفَقَته من أَبِيه فَفِي الْبُرْزُليّ وَقعت مَسْأَلَة وَهِي امْرَأَة لَهَا أَوْلَاد تَأْخُذ نَفَقَتهم من أَبِيهِم وَتَزَوَّجت رجلا وشرطت عَلَيْهِ نَفَقَة الْأَوْلَاد أَََجَلًا مَعْلُوما أَو تطوع بِهِ بعد العقد مُدَّة الزَّوْجِيَّة، وأرادت الرُّجُوع بذلك على أَبِيهِم فَوَقَعت الْفتيا إِن كَانَ ذَلِك مَكْتُوبًا فِي حُقُوقهَا يجب لَهَا الرُّجُوع مَتى شَاءَت وإسقاطه لزَوجهَا، فلهَا أَن ترجع بنفقتهم على أَبِيهِم فَإِن كَانَ ذَلِك للْوَلَد فَلَا رُجُوع على أَبِيهِم بِشَيْء وَهُوَ جَار على الْأُصُول كَأَنَّهُ شَيْء وهب للْوَلَد فنفقته على نَفسه لَا على أَبِيه وَالْأول مَال وهب لأمه فَإِذا أنفقته على الْوَلَد رجعت بِهِ على أَبِيه اه. بِنَقْل (ح) أول الالتزامات فاستفيد مِنْهُ أَنه حَيْثُ فعل الزَّوْج الثَّانِي ذَلِك حُرْمَة للْأُم فلهَا الرُّجُوع على أَبِيه أَو عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَال وَقت تحمل الثَّانِي وَاسْتمرّ لوقت قِيَامهَا كَمَا اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَيْضا أَنه إِذا تحمل الزَّوْج بِنَفَقَة الْوَلَد فِي العقد لمُدَّة مَعْلُومَة فَإِن النِّكَاح صَحِيح وَهُوَ الَّذِي رَجحه ابْن رشد حَسْبَمَا فِي الالتزامات فِي الْمحل الْمَذْكُور. الْخَامِس: إِذا قُلْنَا لَهَا التَّزَوُّج فِي مُدَّة الرَّضَاع أَو مُدَّة الْحَضَانَة فَلَا إِشْكَال أَن حضانتها(1/552)
تسْقط بِالتَّزْوِيجِ ويلزمها أَن تدفع أُجْرَة الْحَضَانَة لمن انْتَقَلت إِلَيْهِ على مَا بِهِ الْعَمَل من وجوب الْأُجْرَة للحاضنة إِذْ على ذَلِك وَقع إرْسَال الْعِصْمَة كَمَا يفِيدهُ جَوَاب الوانغيلي فِي نَوَازِل الْخلْع من المعيار. السَّادِس: ذكر فِي المعيار أَيْضا فِي الْمحل الْمَذْكُور عَن ابْن لب أَن نَفَقَة الْوَلَد الَّتِي وَقع الْخلْع عَلَيْهَا تسْقط بطرو المَال للْوَلَد من إِرْث أَو هبة أَو نَحْوهمَا، وَذكر أَيْضا مُتَّصِلا بِهِ عَن ابْن عتاب أَن ولد المختلعة الَّتِي تحملت بِنَفَقَتِهِ إِذا تعلم صَنْعَة فَإِن أجرته تستعين بهَا الْأُم على نَفَقَته وَلَا توقف للِابْن، إِذْ لَيْسَ للصَّبِيّ كسب مَا دَامَ فِي الْحَضَانَة قَالُوا: وَهُوَ الرَّاجِح. وَهَذَا بِخِلَاف الطوع فَإِن من طاع بِالْتِزَام نَفَقَة صَغِيرَة مثلا كالزوج يلْتَزم نَفَقَة ربيبه مُدَّة الزَّوْجِيَّة فَإِنَّمَا يلْزمه الْإِنْفَاق مَا دَامَ صَغِيرا لَا يقدر على الْكسْب كَمَا فِي ابْن سَلمُون والتزامات (ح) لَكِن استشكله الْبِسَاطِيّ فِي وثائقه بِأَنَّهُ الْتزم النَّفَقَة مُدَّة الزَّوْجِيَّة، فَكيف تسْقط عَنهُ بقدرة الْوَلَد على الْكسْب؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُم لاحظوا أَن سَبَب الْتِزَامه إِسْقَاط كلفتهم عَن الْأُم وبقدرتهم على الْكسْب انْتَفَت الْعلَّة كَمَا قَالُوا ذَلِك فِي المختلعة بِنَفَقَة الْوَلَد قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. السَّابِع: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: إِذا خَالعهَا عَن أَن لَا تطلبه بِشَيْء فَظهر بهَا حمل فَقَالَ مَالك تلْزمهُ النقة اه. الثَّامِن: فَإِن خالعته على إِسْقَاط نَفَقَة حملهَا أَو وَلَدهَا فعجزت فَإِن الزَّوْج يُؤمر بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ويتبعها إِن أَيسَرت كَمَا فِي الالتزامات وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْعَمَل، فَإِن كَانَت أشهدت أَنَّهَا لَا تَدعِي فِي النَّفَقَة عَجزا وَلَا عدماً فَلَا تسمع دَعْوَاهَا الْعَجز وَلَا بينتها إِلَّا أَن يشْهدُوا بذهاب مَالهَا كَمَا فِي المعيار والالتزامات أَيْضا، لَكِن قَيده فِي الالتزامات بِمَا إِذا كَانَ حَال الْمَرْأَة مَجْهُولا، وَلم يشْهد بعدمها إِلَّا شَاهِدَانِ أَو نَحْو ذَلِك، وَأما إِن كَانَت مَعْلُومَة بالإعسار والعدم بِحَيْثُ يشْهد بذلك غَالب من يعرفهَا، ويغلب على الظَّن أَن مَا أشهدت بِهِ من الوفر كذب فَلَا يلْتَفت إِلَى مَا أشهدت بِهِ من الوفر اه. قلت: وَهَذَا التَّقْيِيد ظَاهر فِي كل مَدين أشهد بالوفر الْمشَار لَهُ بقول ناظم الْعَمَل الْمُطلق: وَمن أقرّ بالملاثم ادّعى بِأَنَّهُ ذُو عدم مَا انتفعا بِمن لَهُ يشْهد حَتَّى يعلمَا تلف مَاله بِأَمْر هجما ثمَّ ذكر فِي الشَّرْح عَن ابْن نَاجِي أَنه لَا تَنْفَعهُ بَينته بِالْعدمِ وَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال أَو مَعْلُوما بالفقر لِأَن إشهاده بالوفر ينزله منزلَة مَعْلُوم الملاء. قَالَ: وَبِه الْعَمَل اه. فَهُوَ يُعَكر على تَقْيِيد (ح) وَإِن كَانَ تَقْيِيده أظهر معنى. التَّاسِع: ذكر فِي الالتزامات والمعيار عَن ابْن رشد وَابْن الْحَاج أَن الْمَرْأَة إِذا خالعت زَوجهَا على تَسْلِيم صَدَاقهَا وعَلى أَنَّهَا إِن تزوجت قبل انْقِضَاء عَام من تَارِيخ الْخلْع فعلَيْهَا مائَة مِثْقَال فَإِنَّهَا إِذا تزوجت قبل الْعَام لَا شَيْء عَلَيْهَا، إِذْ شَرطه بَاطِل وَالْخلْع جَائِز، ثمَّ نقل عَن ابْن الضَّابِط أَنَّهَا إِذا خالعته على أَنَّهَا إِن ردَّتْ زَوجهَا الأول قبل عشْرين سنة فعلَيْهَا لَهُ مائَة دِينَار أَن ذَلِك لَازم إِذا ردَّتْ زَوجهَا الأول فَقَالَ (ح) مَا لِابْنِ رشد وَابْن الْحَاج جَار على الْمَشْهُور، وَمَا لِابْنِ الضَّابِط مُقَابل لَهُ.(1/553)
قلت: وَفرق كثير من الفاسيين وأفتوا بِهِ على مَا حَكَاهُ عَنْهُم أَبُو الْعَبَّاس الملوي بَينهمَا بِأَن الأول بِمَنْزِلَة مَا إِذا بَاعه على أَن لَا يَبِيع من أحد بِخِلَاف الثَّانِيَة فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة مَا إِذا بَاعه على أَن لَا يَبِيع من زيد مثلا فَالْبيع صَحِيح. قَالَ الشَّيْخ (ت) : إِنَّمَا يتم الْقيَاس لَو جَازَ البيع على شَرط أَن لَا يَبِيع من فلَان وَإِن بَاعه مِنْهُ زَاده فِي الثّمن كَذَا اه. قلت: بل الْقيَاس تَامّ لِأَن الْمُعَلق على شَرط جَائِز شرعا يَصح بِصِحَّة شَرطه بِخِلَاف الْمُعَلق على فَاسد فَيبْطل بِبُطْلَان الْمُعَلق عَلَيْهِ، فَالظَّاهِر مَا فرقوا بِهِ دون مالح فَتَأَمّله. الْعَاشِر: لَو خَالعهَا على إِسْقَاط حضانتها فَقَامَتْ الْجدّة وأرادت أَخذ الْوَلَد فَقَالَ مَالك: إِن كَانَ الْأَب مُعسرا فَلَيْسَ للجدة أَن تَأْخُذهُ وَإِن كَانَ مُوسِرًا كَانَ للجدة أَخذه وَتَأْخُذ من الْأَب أُجْرَة رضاعه على معنى مَا فِي الْمُدَوَّنَة اه من ابْن رشد. وَهَذَا قَول فِي الْمَسْأَلَة وَالثَّانِي أَنه لَا كَلَام لغير المسقطة وَهُوَ الْمَنْصُوص فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ طفي: وَهُوَ الْمُعْتَمد وَنقل كَلَامهَا فَانْظُرْهُ فِيهِ، لَكِن اعْترض ذَلِك بَعضهم عَلَيْهِ وَألف فِي ذَلِك وَقَالَ: إِن هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. الأولى: إِذا خالعت الْأُم بِإِسْقَاط حضانتها هَل يمْضِي عَلَيْهَا ذَلِك ويلزمها مَا أسقطته من الْحَضَانَة أَو يلْزم الطَّلَاق وَلَا تسْقط الْحَضَانَة وَيكون الْوَلَد لَهَا؟ قَولَانِ. لَهَا ولعَبْد الْملك بِنَاء على أَن الْحَضَانَة حق للمحضون وَهَذِه فِيهَا هُوَ الْمَشْهُور وَهُوَ الأول الَّذِي هُوَ مذهبها. وَالْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: إِذا بنيتا على الْمَشْهُور من سُقُوط حق الْأُم وَكَانَت هُنَاكَ جدة مثلا فَقَامَتْ بِحَقِّهَا هَل لَهَا ذَلِك أم لَا؟ قَولَانِ. للموثقين وَلَيْسَ فِيهَا مَشْهُور وَلَا مُقَابلَة. نعم ذكر المتيطي أَن الْعَمَل على الأول، وَقَالَ غير وَاحِد من الموثقين، وَقَالَ أَبُو عمرَان: إِنَّه هُوَ الْقيَاس، قَالَ: بل ذكر ابْن غَازِي وَغَيره عَن غير وَاحِد أَن الْفَتْوَى فِيمَا إِذا أسقطت الْجدّة وَنَحْوهَا حضانتها مَعَ الْأُم حَال الْخلْع أَنَّهَا لَا تسْقط، فَكيف إِذا لم تسقطها كَمَا فِي نازلتنا، ثمَّ ذكر نقولاً تفِيد أَن الْمُعْتَمد أَن للجدة الْقيام قَالَ خلافًا لما أفتى بِهِ جمَاعَة من أَصْحَابنَا من أَنه لَا قيام للجدة، وَأَن الْحَضَانَة تنْتَقل للزَّوْج على الْمَشْهُور مغترين بِمَا وَقع من السَّهْو للعلامة طفي اه. الْغَرَض مِنْهُ بِاخْتِصَار مَعَ تَقْدِيم وَتَأْخِير. قلت: ظَاهر هَذَا القَوْل الَّذِي بِهِ الْعَمَل الْمَذْكُور أَن الْحَضَانَة تنْتَقل للجدة مُطلقًا كَانَ الْأَب مُوسِرًا أَو مُعسرا وَذَلِكَ ظَاهر على القَوْل بِأَنَّهُ لَا أُجْرَة للحاضنة وإلاَّ فللنظر فِيهِ مجَال. الْحَادِي عشر: مَحل جَوَاز الْخلْع بِإِسْقَاط الْحَضَانَة مَا لم يتَعَلَّق الْوَلَد بِأُمِّهِ أَو يكون عَلَيْهَا فِي ذَلِك ضَرَر وَإِلَّا فَلَا يجوز قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. الثَّانِي عشر: مَحل مَا مر من أَن الْحق ينْتَقل للجدة وَالْخَالَة وَنَحْوهمَا مَا لم تسْقط الْجدّة وَنَحْوهَا حضانتها بعد إِسْقَاط الْأُم وإلاَّ بِأَن أسقطت بعْدهَا كَمَا لَو قَالَ الموثق، ثمَّ بعد إِسْقَاط الْأُم أسقطت الْجدّة حضانتها فَلَا كَلَام لَهَا، وَأما إِن كتب أَنه خَالعهَا على أَن أسقطت حضانتها وأسقطت جدته أَو خَالَته مثلا حجتها فِيمَا يرجع إِلَيْهَا من الْحَضَانَة فَإِن حضَانَة الْجدّة وَنَحْوهَا لَا تسْقط لِأَنَّهُ من إِسْقَاط الْحق قبل وُجُوبه إِذْ الْوَاو لَا تَقْتَضِي ترتيباً قَالَه ابْن الفخار وَبِه الْفَتْوَى كَمَا مر. الثَّالِث عشر: لَا يجوز الْخلْع على تَأْخِير الصَدَاق الْحَال أَو بعضه فَإِن وَقع فَإِن الطَّلَاق نَافِذ وَالصَّدَاق على حُلُوله قَالَه فِي الكراس السَّابِع من أنكحة المعيار.(1/554)
وَلَيْسَ للأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدْ شَيْءٌ وَذَا بِهِ القَضاءُ فِي المُدَدْ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (للْأَب) خَبَرهَا (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه مُتَعَلق بالاستقرار فِي الْخَبَر (مَاتَ الْوَلَد) جملَة فعلية فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا (شَيْء) اسْم لَيْسَ (وَذَا) مُبْتَدأ (بِهِ) خبر عَن قَوْله (الْقَضَاء) وَالْجُمْلَة خبر ذَا (فِي المدد) جمع مُدَّة كغرفة يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر، وَالْمعْنَى أَن الْمَرْأَة إِذا اخْتلعت بإرضاع وَلَدهَا إِلَى فطامه أَو بِنَفَقَتِهِ إِلَى وَقت قدرته على الْكسْب فَمَاتَ الْوَلَد قبل انْقِضَاء الْمدَّة المشترطة فَإِنَّهُ لَا شَيْء للْأَب على الْمَرْأَة لِأَن الْمَقْصُود أَن تكفيه مُؤنَة الرَّضَاع وَالنَّفقَة وَقد كفيت. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَبِه الْقَضَاء كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه يرجع عَلَيْهَا بِمَا يَنُوب بَاقِي الْمدَّة، وَظَاهره أَنه لَا شَيْء للْأَب سَوَاء شَرط عَلَيْهَا عَاشَ الْوَلَد أَو مَاتَ أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ مَعَ الشَّرْط الْمَذْكُور يرجع عَلَيْهَا بباقي الْمدَّة كَمَا يَأْتِي، وَمَفْهُوم مَاتَ الْوَلَد أَنَّهَا إِذا مَاتَت هِيَ والموضوع بِحَالهِ فَإِنَّهُ يُوقف من تركتهَا مَا يَفِي بِنَفَقَة بَاقِي الْمدَّة ويحاصص بِهِ غرماءها كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن تمت اختلاع وَقفا الخ. وَانْظُر لَو التزمت بِنَفَقَتِهِ وأطلقت فأنفقت عَلَيْهِ سِتَّة أَو شهرا وَقَالَت: هَذَا الَّذِي أردْت وخالفها الزَّوْج فِي ذَلِك هَل القَوْل كَمَا قَالُوهُ فِي المتطوع بِنَفَقَة شخص بِغَيْر خلع حَسْبَمَا فِي أَوَائِل مسَائِل الِالْتِزَام أَو يكون القَوْل للزَّوْج لِأَن هَذَا من بَاب الْمُعَاوضَة، فيلزمها أَن تنْفق عَلَيْهِ إِلَى سُقُوط نَفَقَته شرعا، وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج عصمته من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ فَهُوَ مُصدق بِيَمِينِهِ، وَلَا سِيمَا إِن كَانَ عرفهم ذَلِك وَالله أعلم. والخُلْعُ بالإنْفَاق مَحْدُود الأَجَلْ بَعْدَ الرّضَاعِ بِجَوَازِهِ العَمَلْ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (بِالْإِنْفَاقِ) يتَعَلَّق بِهِ (مَحْدُود الْأَجَل) بِالنّصب حَال مِنْهُ (بعد الرَّضَاع) يتَعَلَّق بِالْإِنْفَاقِ أَو بمحدود (بِجَوَازِهِ) خبر عَن قَوْله (الْعَمَل) . وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَالْمعْنَى أَن الْعَمَل جرى بِجَوَاز الْخلْع بِالْإِنْفَاقِ الْمَحْدُود الْأَجَل كأربع سِنِين أَو خمس بعد مُدَّة الرَّضَاع، أَو إِلَى حد سُقُوط الْفَرْض عَنهُ شرعا وَنَحْو ذَلِك، وَظَاهره كَانَ الْإِنْفَاق مِنْهَا أَو من غَيرهَا وَهُوَ كَذَلِك (خَ) وبعوض من غَيرهَا إِن تأهل وَمُقَابل الْعَمَل هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة. وَرِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَأَنه لَا يجوز وَيسْقط الزَّائِد على الْحَوْلَيْنِ، وَقَوله بعد الرَّضَاع: يَقْتَضِي أَن هَذَا فِي خُصُوص الْوَلَد الَّذِي ترْضِعه وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَو شَرط عَلَيْهَا نَفَقَة نَفسه أَو نَفَقَة بَنِينَ لَهُ مِنْهَا أَو من غَيرهَا أعواماً مَعْلُومَة كخمس عشرَة سنة وَنَحْوهَا لجَاز ذَلِك أَيْضا على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَلَا يجوز مَا زَاد على الْحَوْلَيْنِ فِي ذَلِك أَيْضا على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كالرضيع سَوَاء بِسَوَاء، وعَلى مَذْهَب ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَجَاز شَرط نَفَقَة وَلَدهَا مِنْهُ مُدَّة رضاعه فَلَا(1/555)
نَفَقَة للْحَمْل وَسَقَطت نَفَقَة الزَّوْج أَو غَيره وزائد شَرط كموته الخ. وَفهم من قَوْله بعد الرَّضَاع أَنه فِي مُدَّة الرَّضَاع يجوز شَرطه عَلَيْهَا إِنْفَاق نَفسه أَو رضيعه أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك قَالَ بَعضهم اتِّفَاقًا: وَمَفْهُوم قَوْله مَحْدُود الْأَجَل أَنه إِذا لم يكن لذَلِك أجل مَحْدُود لم يجز كتأجيله بقدوم زيد أَو يسر الْأَب مثلا وتأمله مَعَ قَول (خَ) وَعجل أَي الْخلْع الْمُؤَجل بِمَجْهُول وتؤولت أَيْضا بِقِيمَتِه فَإِن ابْن مُحرز قَالَ: تَعْجِيله مُخَالف لجَوَاز الْخلْع بالغرر، وَقَالَ اللَّخْمِيّ: لَا وَجه لتعجيله وتعجيله ظلم اه. وَظَاهره تَعْجِيله وَلَو حداه بِمدَّة الْحَيَاة، لَكِن الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلهم يجوز الْغرَر فِي الْخلْع هُوَ أَنَّهُمَا إِن حداه بِمدَّة الْحَيَاة وَمَات الْوَلَد سَقَطت كَمَا مر، وَإِن مَاتَت هِيَ فَيُوقف من مَالهَا مَا يَفِي بِنَفَقَتِهِ إِلَى تَمام سبعين سنة كمن أوصى بِنَفَقَة رجل حَيَاته فَإِنَّهُ يُوقف من ثلثه مَا يقوم بِهِ مُنْتَهى سبعين سنة كَمَا فِي (ح) أول الِالْتِزَام فَتَأمل ذَلِك وَالله أعلم. وَجَازَ قَوْلاً وَاحِداً حَيْثُ التُزِمْ ذَاكَ وَإنْ مُخَالِعٌ بِهِ عُدِمْ (وَجَاز) فَاعله ضمير الْخلْع (قولا) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (وَاحِدًا) نعت لَهُ أَي جَازَ الْخلْع حَال كَون جَوَازه ثَابتا على كل قَول (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (الْتزم) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (ذَاك) نَائِب وَالْإِشَارَة للاتفاق، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وَإِن مخالع) نَائِب عَن فعل مُقَدّر يفسره مَا بعده (بِهِ) يتَعَلَّق بمخالع وَالْبَاء للتعدية لَا للسَّبَبِيَّة وَهُوَ من بَاب الْحَذف والإيصال أَي: وَإِن عدم مخالع بالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ (عدم) أَي مَاتَ. وَمثل هَذِه الْوَاو الدَّاخِلَة على أَن يسميها ابْن غَازِي وَاو النكاية ويسميها شرَّاح (خَ) عاطفة على مَعْطُوف مُقَدّر أَي عَاشَ الْوَلَد أَو مَاتَ فَهِيَ بِمَعْنى (أَو) وَجَوَاب حَيْثُ مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الْمَرْأَة إِذا اخْتلعت بِالْإِنْفَاقِ على وَلَدهَا أَو غَيره مُدَّة مَعْلُومَة زَائِدَة على الْحَوْلَيْنِ عَاشَ المخالع بِنَفَقَتِهِ أَو مَاتَ فَإِن ذَلِك جَائِز اتِّفَاقًا من ابْن الْقَاسِم وَغَيره، ويرتفع الْخلاف فِي الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ قَالَه فِي النِّهَايَة. قَالَ: وَهُوَ مثل من بَاعَ دَارا على أَن ينْفق المُشْتَرِي عَلَيْهِ مُدَّة مَعْلُومَة فَهُوَ جَائِز، وَإِذا جَازَ فِي البيع فَهُوَ فِي الْخلْع أجوز اه. ثمَّ إِذا مَاتَ الْوَلَد وَنَحْوه فِي هَذِه أَخذ وَارثه مِنْهَا بَاقِي الْمدَّة مشاهرة حَتَّى يتم الْأَجَل، وَإِن مَاتَت هِيَ أَخذ من مَالهَا نَفَقَته فِي الْمدَّة المشترطة(1/556)
من غير إيقاف لِأَنَّهُ دين حل بموتها، وَلَا فَائِدَة فِي الإيقاف لِأَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهَا على كل حَال وَلَو مَاتَ الْوَلَد وَنَحْوه بعْدهَا لورث ذَلِك ورثته. ثمَّ اعْلَم أَن الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيب الطبيعي تَقْدِيم هذَيْن الْبَيْتَيْنِ على قَوْله: وَلَيْسَ للْأَب الخ. ثمَّ يَقُول: وَإِن تمت ذَات اختلاع الْبَيْتَيْنِ ثمَّ يَقُول: وَمن يُطلق زَوْجَة الْبَيْتَيْنِ أَيْضا إِذْ الْكل مُفَرع على قَوْله هُنَا وَالْخلْع بِالْإِنْفَاقِ الخ. وَلَعَلَّ نَاسخ المبيضة قدم وَأخر وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا خَالع امْرَأَته على أَن سلمت لَهُ وَلَدهَا مِنْهُ وَأَنَّهَا إِن أَرَادَت أَخذه فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك إِلَّا أَن تلتزم عَن الْأَب مُؤْنَته فَإِن ذَلِك خلع جَائِز نَافِذ حَتَّى على قَول ابْن الْقَاسِم قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. الثَّانِي: ذكر (ح) فِي التزاماته أَن مَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وَمن يُطلق زَوْجَة ويرتجع الْبَيْتَيْنِ يجْرِي حَتَّى فِي هَذِه الصُّورَة الْمَذْكُورَة فِي التَّنْبِيه عَن الْمُتَيْطِيَّة دون الَّتِي فِي النّظم الَّتِي هِيَ قَوْله: وَجَاز قولا وَاحِدًا الخ. فَإِن النَّفَقَة لَا تسْقط عَنهُ بارتجاعها. ولِلأَبِ التَّرْكُ مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ وَضْعُهُ لِلْبِكْرِ فِي الطَّلاَقِ (وَللْأَب) خبر عَن قَوْله (التّرْك) وَقَوله: (من الصَدَاق) يتَعَلَّق بِالتّرْكِ (أَو وَضعه) بِالرَّفْع مَعْطُوف على التّرْك (للبكر) يتنازع فِيهِ ترك وَوضع (فِي الطَّلَاق) يتَعَلَّق بالمعطوف الْمَذْكُور، وَمعنى الشَّرْط الأول أَنه يجوز فِي نِكَاح التَّسْمِيَة للْأَب دون غَيره من الْأَوْلِيَاء أَن يتْرك بعد العقد وَقبل الْبناء عَن الزَّوْج شَيْئا من صدَاق ابْنَته الْبكر الَّتِي لم يرشدها إِذا كَانَ ذَلِك سداداً ونظراً قَالَه ابْن الْقَاسِم. وَقَالَ مَالك: للْأَب أَن يُزَوّج الْبكر بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل على النّظر، وَلَا يحط من الصَدَاق بعد العقد إِلَّا على الطَّلَاق، وَهُوَ معنى الشَّرْط الثَّانِي أَي يجوز للْأَب أَيْضا دون غَيره أَن يضع عَن الزَّوْج بعد العقد جَمِيع النّصْف على الطَّلَاق أَو بعد وُقُوع الطَّلَاق قبل الْبناء كَانَ ذَلِك نظرا أم لَا. لقَوْله تَعَالَى: إِلَّا أَن يعفون} (الْبَقَرَة: 237) أَي المالكات لأمر أَنْفسهنَّ: أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة: 237) وَهُوَ الْأَب عِنْد مَالك وَأما السَّيِّد فَلهُ إِسْقَاط مهر أمته كُله قبل الدُّخُول وَبعده، وَقبل الطَّلَاق وَبعده قَالَه فِي الْجلاب. قَوْله: فِي الطَّلَاق أَي فِي شَأْن(1/557)
الطَّلَاق أَعم من أَن يكون عِنْد الطَّلَاق أَو بعده، وَهَذَا أولى من جعل (فِي) بِمَعْنى (على) أَو (بعد) وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) لقَوْله: وَجَاز عَفْو أبي الْبكر عَن نصف الصَدَاق قبل الدُّخُول وَبعد الطَّلَاق. ابْن الْقَاسِم: وَقَبله لمصْلحَة وَهل وفَاق؟ تَأْوِيلَانِ. وَقَوْلِي فِي نِكَاح التَّسْمِيَة احْتِرَاز من نِكَاح التَّفْوِيض فَإِنَّهُ يجوز ذَاك للْأَب قبله وَبعده وللوصي قبله كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: وَالرِّضَا بِدُونِهِ للمرشدة وَللْأَب وَلَو بعد الدُّخُول وللوصي قبله لَا الْمُهْملَة الخ. وَظَاهر قَوْله: التّرْك من الصَدَاق كَانَ نظرا أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا رَأَيْته. وَقَوْلِي: الَّتِي لم ترشد احْتِرَازًا من المرشدة فَإِنَّهَا الَّتِي تنظر لنَفسهَا، وَمَفْهُوم الْبكر أَن الثّيّب لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِيهَا وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لم يكن لَهُ جبرها على النِّكَاح، وأشعر قَوْله الْبكر أَيْضا أَنه إِن دخل بهَا لم يكن لَهُ ترك شَيْء من صَدَاقهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْجلاب والقرافي نَقله طفي وأشعر قَوْله التّرْك أَن ذَلِك بعد العقد كَمَا قَررنَا، فيفهم مِنْهُ أَنه يجوز لَهُ أَن يُزَوّجهَا ابْتِدَاء بِأَقَلّ من صدَاق مثلهَا على وَجه النّظر بالأحرى وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة عَن مَالك، وَانْظُر مَا تقدم فِي بَاب الصُّلْح عِنْد قَوْله: وَالْبكْر وَحدهَا تخص هَهُنَا الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فالتأويلان فِي كَلَام (خَ) مَحلهمَا كَمَا هُوَ ظَاهره إِذا تحققت الْمصلحَة، وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة وَظَاهر ابْن الْحَاجِب أَيْضا. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ الصَّحِيح لَا مَا قَالَ ابْن بشير: من أَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا جهلت الْمصلحَة أما إِذا تحققت فيتفق مَالك وَابْن الْقَاسِم على الْجَوَاز، وَإِن تحقق عدم وجودهَا فيتفقان أَيْضا على عدم الْجَوَاز، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ عِنْد الْجَهْل فَظَاهر قَول مَالك بِعَدَمِ الْجَوَاز لِأَن الأَصْل فِي إِسْقَاط الْأَب عدم الْمصلحَة. وَظَاهر ابْن الْقَاسِم جَوَازه لِأَن أَفعَال الْأَب مَحْمُولَة على الْمصلحَة فَإِن ذَلِك لَا يعول عَلَيْهِ، بل مَعَ الْجَهْل يتفقان على منع الْإِسْقَاط كَمَا يفِيدهُ قَوْلهم بعد الطَّلَاق لِأَنَّهُ يُفِيد بمفهومه أَنه لَا يجوز قبله كَانَ لمصْلحَة أم لَا. استثنوا مِنْهُ صُورَة الْمصلحَة. فَإِن ابْن الْقَاسِم أجازها والمصلحة إِذا أطلقت إِنَّمَا تَنْصَرِف للمحققة وَغير المحققة لَا تسمى مصلحَة لعدم وجودهَا، وَحِينَئِذٍ فالناظم اعْتمد فِي الشّطْر الأول التَّأْوِيل بالوفاق فيستفاد مِنْهُ أَنه الرَّاجِح، وَأما الشّطْر الثَّانِي فَلَا خلاف فِيهِ. تَنْبِيهَات. الأول: بِأَدْنَى تَأمل يعلم منع مَا يَفْعَله كثير من النَّاس الْيَوْم من تَزْوِيج أبكار بناتهم أَو الثيبات من محاجرهم بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَة إِنَّمَا أجَاز تَزْوِيج الْأَب بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل إِن كَانَ نظرا، فَإِن لم يكن نظرا فَيمْنَع، وَالنَّاس الْيَوْم يهْدُونَ للْأَب الْهَدَايَا ويعطونه العطايا ليزوجهم بنته بِأَقَلّ من صدَاق الْمثل من غير نظر لَهَا وَلَا مصلحَة، وَذَلِكَ مُنكر. فَيجب على القَاضِي التفطن إِلَيْهِ وحسم مادته فَإِن لم يطلع عَلَيْهِ فللزوجة أَن ترجع على زَوجهَا بِتمَام صدَاق مثلهَا بعد الدُّخُول وَيُخَير الزَّوْج فِي إِتْمَامه قبله أَو يُفَارق، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَهَذَا إِن لم تشْتَرط تِلْكَ الْهَدَايَا وَإِلَّا فَهِيَ من الصَدَاق فترجع بهَا الزَّوْجَة على الْأَب كَمَا مر، وَتسَمى تِلْكَ الْهَدَايَا المشترطة عِنْد الْعَامَّة بالمأكلة والحبا. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ فِي الكراس الثَّانِي من النِّكَاح: إِذا قَالَ الزَّوْج للْأَب أَقلنِي فِي ابْنَتك فأقاله فَهِيَ مُطلقَة وَلَا يتبع الزَّوْج بِصَدَاق إِن لم يكن دَفعه ورده الْأَب إِن قَبضه، وَهَذَا قبل الْبناء. ابْن الْحَاج: وَلَو كَانَ بعد الْبناء فَهِيَ إِقَالَة فِي الْعِصْمَة وَيلْزمهُ الثَّلَاث. الْبُرْزُليّ: تقدم أَن ظَاهر الْمُدَوَّنَة لُزُوم الثَّلَاث مُطلقًا قبل الْبناء وَبعده من قَوْلهَا: وَهبتك ورددتك لأهْلك، وَتقدم(1/558)
لِابْنِ عَاتٍ فِيهَا قَول إِنَّه يفْسخ بِغَيْر طَلَاق اه. الثَّالِث: مَفْهُوم قَوْله فِي الطَّلَاق أَنه لَا يجوز لَهُ ذَلِك فِي موت زَوجهَا قبل الْبناء وَهُوَ كَذَلِك نَص عَلَيْهِ الْمَازرِيّ فِي درره قَائِلا: وَإِن تحمل الْأَب بالدرك فتخير الزَّوْجَة فِي الرُّجُوع على الزَّوْج أَو عَلَيْهِ لِأَن الْأَب فَوت عَلَيْهَا حظها وَهُوَ غَرِيم غريمها. نعم إِن صَالح الْأَب عَن بعض الصَدَاق لعدم ثُبُوته واحتياجه لطول خصام مضى اه. بِنَقْل طفي، وَقَوله: وَإِن تحمل الخ. لَعَلَّه فِي مَسْأَلَة الْعَفو بعد الدُّخُول على الطَّلَاق إِذْ فِيهَا يَتَأَتَّى التَّحَمُّل بالدرك كَمَا تقدم فِي فصل الضَّرَر وَفِي بَاب الصُّلْح: وإلاَّ فَفِي مَسْأَلَة الْمَوْت لَا يَتَأَتَّى فِيهَا التَّحَمُّل الْمَذْكُور، نعم يَتَأَتَّى فِيهَا الرُّجُوع الْمَذْكُور حَيْثُ أعدم أَحدهمَا لِأَن الْأَب بإسقاطه عَن الزَّوْج وَقت قدرته على أَدَائِهِ حَتَّى أعدم كَانَ مضيعاً فَيجب عَلَيْهِ ضَمَانه، وَالله أعلم.
(فصل ذكر فِيهِ صَرِيح الطَّلَاق وكنايته وَمَا يتَعَلَّق بذلك)
وَيَلْزَمُ الطَّلاقُ بالتَّصْرِيحِ وبالْكِنَايَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَينفذ الطَّلَاق) فعل وفاعل (بِالصَّرِيحِ) يتَعَلَّق بِهِ (وبالكنايات على الصَّحِيح) يتعلقان بِمَحْذُوف عطف على الْجُمْلَة قبله أَي: وَينفذ بالكنايات الخ. وَلذَلِك أعَاد الْعَامِل فَهُوَ من عطف الْجمل، وَقَوله على الصَّحِيح رَاجع للكنايات فَقَط. والصريح مَا كَانَت فِيهِ الطَّاء وَاللَّام وَالْقَاف أَو كَانَ بِلَفْظ الْفِرَاق أَو التسريح لِأَن كل مَا نطق بِهِ الْقُرْآن صَرِيح فَقَالَ تَعَالَى: فطلقوهن} (الطَّلَاق: 1) وَقَالَ أَيْضا: أَو سرحوهن} (الْبَقَرَة: 231) وَقَالَ أَيْضا أَو فارقوهن} (الطَّلَاق: 2) وقصره (خَ) على الأول فَقَالَ وَلَفظه: طلقت أَو أَنا طَالِق أَو أَنْت أَو مُطلقَة أَو الطَّلَاق لي لَازم لَا منطلقة وَتلْزم وَاحِدَة إِلَّا لنِيَّة أَكثر، وَأما الْكِنَايَة فقسمان: ظَاهِرَة وخفية، فالظاهرة هِيَ اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ عرفا وَلَيْسَ فِيهِ صِيغَة الطَّلَاق وَمَا تصرف مِنْهُ كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) أَيْضا بقوله:(1/559)
وَالثَّلَاث فِي بتة وحبلك على غاربك أَو وَاحِدَة بَائِنَة أَو نَوَاهَا بخليت سَبِيلك أَو ادخلي، وَالثَّلَاث إِلَّا أَن يَنْوِي أقل إِن لم يدْخل بهَا فِي كالميتة وَالدَّم ووهبتك ورددتك لأهْلك الخ. ثمَّ أَشَارَ للكناية الْخفية أَيْضا بقوله: وَنوى فِيهِ وَفِي عدده فِي اذهبي وانصرفي أَو لم أتزوجك الخ. وَكَذَا يلْزم أَيْضا بِمَا لَيْسَ بِصَرِيح وَلَا كِنَايَة إِن نوى بِهِ الطَّلَاق كَقَوْلِه: أسقني مَاء كَمَا قَالَ أَيْضا وَحرم بِأَيّ كَلَام نَوَاه الخ. وَجعل ابْن زرقون نَحْو أسقني مَاء من الْكِنَايَة أَيْضا حَيْثُ نوى بِهِ الطَّلَاق قَالَ الشَّارِح: قَول النَّاظِم وبالكنايات بِلَفْظ الْجمع يُرِيد أقسامها الثَّلَاثَة على مَا مر لِابْنِ زرقون. قَالَ الشَّيْخ (م) : وَهُوَ ظَاهر إِلَّا أَنه يبْقى النّظر فِي مُقَابل الصَّحِيح مَا هُوَ ف الله أعلم بمراده. ثمَّ اعْلَم أَنه فِي الصَّرِيح لَا يقبل مِنْهُ أَنه لم يرد بِهِ الطَّلَاق وَلَو مستفتياً، وَكَذَا فِي الْكِنَايَة الظَّاهِرَة، وَإِنَّمَا يشْتَرط فيهمَا قصد النُّطْق بذلك اللَّفْظ، وَإِن لم يقْصد بِهِ حل الْعِصْمَة، فَإِن لم يقْصد النُّطْق بذلك بِأَن هذي لمَرض أَو لقنه بِلَا فهم مَعْنَاهُ لم يلْزم. انْظُر الْقَرَافِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْقَصْد لإنشاء الصِّيغَة والنطق بهَا لَا أعلم فِي اشْتِرَاطه خلافًا قَالَ: وَأما الْقَصْد لإِزَالَة الْعِصْمَة بِاللَّفْظِ فَلَيْسَ شرطا فِي الصَّرِيح اتِّفَاقًا، وَكَذَا مَا اشْتهر من الْكِنَايَات فَرَاجعه إِن شِئْت فِي شرح ابْن رحال وَابْن غَازِي فَإِن فِيهِ طولا. وَقَالَ المتيطي: وَالطَّلَاق يلْزم بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّة فَإِن انْفَرَدت النِّيَّة فَالصَّحِيح اللُّزُوم لِأَن اللَّفْظ عبارَة عَمَّا فِي النَّفس، فَإِذا أجمع بِقَلْبِه على أَنه قد طلق لزمَه وَهُوَ قَول مَالك فِي سَماع أَشهب، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه لَا يلْزم وَإِن انْفَرد اللَّفْظ، فَالصَّحِيح أَن الطَّلَاق لَا يلْزم بذلك إِلَّا فِي الحكم الظَّاهِر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) . وَفِي كتاب التَّخْيِير من الْمُدَوَّنَة مَا ظَاهره اللُّزُوم وَهُوَ خلاف الْمَنْصُوص اه. لَكِن مَا ذكره من اللُّزُوم بِمُجَرَّد النِّيَّة حمله الْقَرَافِيّ على الْكَلَام النَّفْسِيّ وَهُوَ إنْشَاء الطَّلَاق بِقَلْبِه فَقَط أَي: من غير حَرَكَة لِسَانه بِهِ وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) وَفِي لُزُومه بِكَلَامِهِ النَّفْسِيّ خلاف الخ. فَالصَّحِيح فِي كَلَام المتيطي هُوَ أحد الْمَشْهُورين فِي النَّفْسِيّ كَمَا أَشَارَ لذَلِك الْقَرَافِيّ قَائِلا: هُوَ مَحل الْخلاف، وَأما مُجَرّد الْقَصْد إِلَيْهِ من غير إنْشَاء بِالْقَلْبِ بل وَقع الْقَصْد إِلَيْهِ كَمَا تقصد الْعِبَادَات فَلَا يلْزم وَلَو صمم عَلَيْهِ إِجْمَاعًا قَالَ: فالنية لفظ مُشْتَرك بَين النَّفْسِيّ الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاء بِالْقَلْبِ وَبَين مُجَرّد الْقَصْد اه. فَقَوْل النَّاظِم بِالصَّرِيحِ أَي: اللَّفْظ الصَّرِيح أَو مَا يقوم مقَامه من الْإِشَارَة وَالْكِتَابَة كَمَا قَالَ (خَ) وَلزِمَ بِالْإِشَارَةِ المفهمة وبالكتابة عَازِمًا الخ. وَكَذَا يلْزم بِالْفِعْلِ أَيْضا كنقل القماش كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) أَيْضا فِي التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك فاحترز بِاللَّفْظِ هُنَا عَن مُجَرّد الْقَصْد الَّذِي لَيْسَ مَعَه لفظ، وَلَا كَلَام نَفسِي لَا عَن الْإِشَارَة وَالْكِنَايَة وَالْفِعْل. هَذَا مَا يتَعَلَّق بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَة الظَّاهِرَة. وَأما الْخفية فَتقبل دَعْوَاهُ أَنه لم يرد بِهِ طَلَاقا وَإِذا نوى بِهِ الطَّلَاق فينوي فِي عدده كَمَا مر عَن (خَ) بِخِلَاف الْكِنَايَة الظَّاهِرَة، فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ وَلَا فِي عدده كَمَا مر عَنهُ أَيْضا على تَفْصِيل(1/560)
بَين الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا. وَانْظُر لَو نوى بالخفية الطَّلَاق وَلم ينْو عددا فَهَل يلْزمه الثَّلَاث؟ وَبِه جزم ابْن رحال فِي حَاشِيَته هَهُنَا أَو يجْرِي على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وموقع الطَّلَاق دون نِيَّة. وَهُوَ الظَّاهِر. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِن قَالَ أَنْت طَالِق فَهُوَ مَا نوى فَإِن لم ينْو شَيْئا فَوَاحِدَة اه. وَقَالَ فِي النِّهَايَة: فَهَذِهِ الْأَلْفَاظ يَعْنِي أَنْت طَالِق وَنَحْوه يحكم فِيهَا بِوَاحِدَة نَوَاهَا أَو لم ينْو شَيْئا اه. وَهُوَ قَول (خَ) وَتلْزم وَاحِدَة إلاّ لنِيَّة أَكثر، وَحِينَئِذٍ فَإِذا نوى بالخفية الطَّلَاق فَإِنَّهُ تلْزمهُ وَاحِدَة إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر كَمَا لَو قَصده بقوله: أَنْت طَالِق فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا وَاحِدَة أَيْضا إلاَّ لنِيَّة أَكثر، وَيصدق فِي صفة هَذِه الْوَاحِدَة من كَونهَا بَائِنَة أَو رَجْعِيَّة كَمَا ذكر الْمواق عَن ابْن رشد، وَأَنه إِذا أَرَادَ بقوله: أَنْت طَالِق طَلْقَة المباراة أَي الطَّلقَة البائنة فَتلْزمهُ الْبَيْنُونَة وَيصدق فِي ذَلِك وَلَا يرتدف طَلَاقه عَلَيْهَا إِن جَاءَ مستفتياً. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قُلْنَا تلْزمهُ وَاحِدَة إلاَّ لنِيَّة أَكثر فَاخْتلف هَل يصدق فِي إِرَادَة الْوَاحِدَة بِغَيْر يَمِين كَمَا هُوَ ظَاهر (خَ) وَصَححهُ فِي الشَّامِل أَو بِيَمِين وشهره ابْن بشير؟ وهما قَولَانِ على يَمِين التُّهْمَة، وَالْمَشْهُور توجهها كَمَا مر، وَاقْتصر فِي الْمعِين فِي قَوْله: فارقتك على وجوب الْيَمين أَنه مَا أَرَادَ إِلَّا وَاحِدَة قَالَ احلولو: وَمُقْتَضى ابْن بشير وَغَيره: أَن الْيَمين تتَوَجَّه على القَوْل بِهِ سَوَاء قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَة أَو لم أنو شَيْئا. قَالَ ابْن رحال فِي الشَّرْح: وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يكن مستفتياً بِدَلِيل أَن الْحلف لأجل التُّهْمَة أَي: لِأَن التُّهْمَة إِنَّمَا تتطرق إِلَيْهِ عِنْد المرافعة. وَكَذَا تجب الْيَمين فِي الْكِنَايَة الظَّاهِرَة لِأَنَّهُ يَنْوِي فِيهَا كلهَا أَنه أَرَادَ بهَا الْوَاحِدَة فِي غير الْمَدْخُول بهَا، لَكِن بِيَمِينِهِ من غير فرق بَين حبلك على غاربك وَالْميتَة وَغَيرهمَا من الْكِنَايَة الظَّاهِرَة قَالَ: مَا عدا لفظ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهَا أَنه أَرَادَ الْوَاحِدَة قبل الْبناء على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَقيل: يَنْوِي أَيْضا وكلا الْقَوْلَيْنِ قوي اه. وَأما الْمَدْخُول بهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي فِي إِرَادَته أقل كَمَا فِي الْمَتْن. وَالْفرق أَن غير الْمَدْخُول بهَا تبين بالواحدة والمدخول بهَا لَا تبين إِلَّا بِالْخلْعِ أَو بِالطَّلَاق الَّذِي حكم بِهِ الْحَاكِم فِي غير الْإِيلَاء والعسر بِالنَّفَقَةِ أَو بِالثلَاثِ، وَإِذا فقد الْأَوَّلَانِ هُنَا تعين الثَّلَاث قَالَ: لَكِن إِنَّمَا يظْهر لُزُوم الثَّلَاث فِيهَا وَعدم تَصْدِيقه فِي إِرَادَته أقل حَيْثُ لم يجر الْعَمَل بِالطَّلَاق المملك، أما حَيْثُ جرى بِهِ وَأَنَّهَا تبين بِغَيْر عوض على مَا عَلَيْهِ النَّاس الْآن، فَإِذا قَالَ: نَوَيْت بخليت سَبِيلك أَو بميتة أَو ببائنة طَلَاق المباراة أَو الطَّلقَة المملكة فَيقبل قَوْله اه. أَي: لِأَن النَّاس الْيَوْم يقصدون الْبَيْنُونَة بِدُونِ الثَّلَاث كَمَا قدمْنَاهُ عِنْد قَول النَّاظِم، وَفِي المملك خلاف الخ. وَتقدم أَنه إِذا قَالَ: أَنْت طَالِق طَلْقَة بَائِنَة فَتلْزمهُ وَاحِدَة على الْأَصَح وَعَن الْمواق مَا نَصه: قد نصوا أَن من طلق طَلَاق الْخلْع فَهُوَ بَائِن وَهُوَ طَلَاق زمننا فَعَلَيهِ صَار حكم الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا سَوَاء، وَبِهَذَا كَانَ أشياخنا وأشياخهم يفتون. وَقد نصب ابْن بشير على هَذَا الْمَعْنى فَانْظُرْهُ اه. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا قَالَ الإِمَام مَالك بِلُزُوم الثَّلَاث فِي الْمَدْخُول بهَا لِأَنَّهُ لم يكن فِي زَمَنه الطَّلَاق المملك أَي الْبَائِن بِدُونِ خلع وَلَا حكم وَلَا ثَلَاث، وَأما حَيْثُ كَانَت النَّاس الْيَوْم تسْتَعْمل الْبَيْنُونَة بِغَيْر ذَلِك وَهُوَ الطَّلَاق المملك فَتَصِير الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا فِي التنويه، سَوَاء قَالَ مَعْنَاهُ فِي المعيار عَن أبي عبد الله الفخار وَحِينَئِذٍ فينوي مُطلقًا مستفتياً أم لَا. دخل أم لَا. وَلَا يخْتَص ذَلِك بالاستفتاء كَمَا مر عَن ابْن رشد. أَلا ترى أَن الْحَرَام ثَلَاث عِنْد الأقدمين وَالْعَمَل الْيَوْم على لُزُوم الْوَاحِدَة البائنة مُطلقًا وَمَا ذَلِك إِلَّا لما قَالُوهُ من الْعرف وَأَن عرف النَّاس الْيَوْم على قصد المملك.(1/561)
الثَّانِي: ذكر الشار (ح) وَمن تبعه عِنْد قَوْله: وموقع الطَّلَاق دون نِيَّة. الخ أَن الْعَامَّة الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ، وَعَلِيهِ فَإِذا قَالَ الْعَاميّ لزوجته: أَنْت طَالِق فَتبين مِنْهُ بذلك لِأَنَّهُ لَا يقْصد غير الْبَيْنُونَة، وَلَو سُئِلَ عَن ذَلِك لقَالَ: مَا قصدت إِلَّا أَن لَا تطالبني وَأَن لَا حكم لي عَلَيْهَا وَلذَلِك لَا تطالبه بِنَفَقَة الْعدة، وَإِذا طلبتها لَا يجيبها إِلَى ذَلِك لما فِي صميم عقله من أَنه لَا نَفَقَة لَهَا عَلَيْهِ، وَإِذا سَأَلته عَن حَقِيقَة الرَّجْعِيّ الْمُتَقَدّمَة فِي تَقْسِيم الطَّلَاق مَا عرفهَا والنفوس لَا تقصد مَا لم يتَقَدَّم لَهَا بِهِ أنس، وَعَلِيهِ فَلَا يصدق الْعَاميّ فِي إِرَادَته الرَّجْعِيّ مَعَ وجود الْعرف بقصدهم بِمُطلق الطَّلَاق الْبَيْنُونَة إِذْ الْحمل على الْعرف وَالْعَادَة وَاجِب كَمَا فِي أَلْفَاظ الْكِنَايَات لِأَنَّهُ إِنَّمَا لزم فِيهَا مَا ذكر لأجل الْعرف كَمَا يَأْتِي، وَتَأمل قَول الْمواق: طَلَاق الْخلْع هُوَ طَلَاق زمننا الخ. وَقد قَالُوا إِن الْأَحْكَام إِنَّمَا تترتب على عرف التخاطب أَعم من أَن يكون لغوياً أَو غَيره، وَهَذَا أَمر مَعْهُود فِي هَذَا الْبَاب وَمَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال عِنْد قَوْله: وَفِي المملك خلاف الخ. وَقَالَهُ فِي الشَّرْح أَيْضا عِنْد قَول الْمَتْن فِي الْخلْع وَبَانَتْ وَلَو بِلَا عوض الخ. مِمَّا يَقْتَضِي خلاف مَا قَالَه الشَّارِح، وَمن تبعه لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَ جلّ الْعَامَّة لَا يعْرفُونَ إِلَّا الْبَائِن، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فعرفهم حِينَئِذٍ هُوَ قصد الْبَيْنُونَة بِمُطلق الطَّلَاق أَي: فَتلْزمهُ وَإِن لم ينوها وَلَا تكون لَهُ رَجْعَة عَلَيْهَا وَلَا يصدق فِي إِرَادَته الرَّجْعِيّ وَهُوَ لَا يعرفهُ كَمَا لَو ظن أَن الْبَتَّةَ وَاحِدَة. وَقَالَ: أردتها فَإِنَّهُ لَا يصدق مَعَ كَون الْعرف عِنْدهم أَن الْبَتَّةَ ثَلَاث، وَقَول ابْن رشد: هَل الْحمل على اللَّفْظ أَو على مَا يعلم من قصد الْحَالِف وَهُوَ الْأَشْهر الْأَظْهر الخ. لَا شَاهد لَهُ فِيهِ لِأَن اللَّفْظ هُنَا لَا دلَالَة فِيهِ على الصّفة من كَونهَا بَائِنَة أَو رَجْعِيَّة، وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك من قصد الْحَالِف وَإِن لم يقْصد شَيْئا فَيحمل على الْعرف، وَأَيْضًا فَإِن ابْن رشد لم يقل ذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ بل مَوْضُوعه فِي شَيْء آخر كَمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ فِي كتاب الصَدَاق من ابْن عَرَفَة، وَاللَّفْظ هَهُنَا لَا يَقْتَضِيهِ بفحواه الْبَيْنُونَة وَلَا عدمهَا وعَلى تَسْلِيم اقتضائه الرّجْعَة، فَإِنَّمَا يقْصد النَّاس إِلَى أعرافهم فَقَوْل ابْن رشد وَهُوَ الْأَشْهر الخ. شَاهد لما ذَكرْنَاهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذا قَالَ: أَنْت طَالِق للمدخول بهَا وَنوى بِهِ الْبَيْنُونَة لَزِمته لقَوْل الْمَتْن إِلَّا لنيّة أَكثر، وَلقَوْل ابْن عَرَفَة فَهُوَ مَا نوى الخ. وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَيحمل على الْعرف فَإِذا كَانَ عرفهم فِي مُطلق الطَّلَاق أَو شَيْء من تِلْكَ الْكِنَايَات الْبَيْنُونَة فَقَط عمل على ذَلِك، وَلَا فرق فِي ذَلِك كُله بَين قَوْله عَلَيْهِ الْيَمين أَو الْحَرَام أَو الْأَيْمَان اللَّازِمَة أَو هِيَ بتة أَو حبلها على غاربها وَغير ذَلِك من الْكِنَايَات وصفات الطَّلَاق من كَونه بَائِنا أَو رَجْعِيًا، فالحمل فِي ذَلِك كُله على الْعرف عِنْد فقد النِّيَّة لِأَن الْعرف من المخصصات بعد النِّيَّة كَمَا فِي الْمَتْن، وَلذَا قَالَ الْقَرَافِيّ فِي هَذِه الْأَلْفَاظ: من خلية وبرية وحبلك على غاربك أَو حرَام إِنَّمَا لزم فِيهَا مَا ذكر لعرف سَابق، وَأما الْآن فَلَا يحل للمفتي أَن يُفْتِي فِيهَا بِمَا ذكر إِلَّا لمن هِيَ عرفه الخ. وَنَقله الْمواق وَغَيره وَعَلِيهِ فَمن قَالَ عَلَيْهِ الْيَمين وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا الطَّلَاق الْبَائِن وَعرف بَلَده ذَلِك لَزِمته طَلْقَة بَائِنَة وَلَا يُفْتِي بالرجعي لِأَنَّهُ لَا يعرفهُ، وَمن قَالَ بِلُزُوم الرَّجْعِيّ فِيهِ إِنَّمَا ذَلِك على عرف وقتهم، وَبِهَذَا كنت أُفْتِي النَّاس بلساني فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَلَو طلب مني الْكِتَابَة لكتبت لَهُ ذَلِك، وَكَانَ غَيْرِي لَا يساعدني. الثَّالِث: انْظُر هَل لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْمُخَالف للْعُرْف فَإِذا ظن الْمُطلق أَن قَوْله: أَنْت طَالِق تقع بِهِ الْبَيْنُونَة وَالْعرْف بِخِلَاف ذَلِك فَإِنَّهَا لَا تقع عَلَيْهِ حَيْثُ لم ينوها عِنْد التَّلَفُّظ إِذْ الْعبْرَة بِالْعرْفِ،(1/562)
وَيدل لذَلِك أَنهم أناطوا الْأَحْكَام بِالنِّيَّةِ وَالْعرْف لَا بِالظَّنِّ والاعتقاد، وَقد يظنّ الْإِنْسَان أَو يعْتَقد حكما وَلَا ينويه عِنْد التَّلَفُّظ وَهُوَ إِذا لم يُنَوّه يرجع فِيهِ للْعُرْف أَو يُقَال تقع عَلَيْهِ الْبَيْنُونَة إِذْ هُوَ لَا يقْصد غير ظَنّه فَتَأمل. وَأما الْعَكْس كَمَا لَو ظن أَنَّهَا لَا تبين بِلَفْظ الْبَتَّةَ مثلا، وَأَنَّهَا رَجْعِيَّة أَو أَنَّهَا وَاحِدَة بَائِنَة وَالْعرْف أَنَّهَا ثَلَاث فَلَا إِشْكَال أَنه يلْزمه مَا بِهِ الْعرف وَلَا يَنْفَعهُ ظَنّه كَمَا مر. وَقد قَالَ ابْن رحال فِي بَاب الْقَضَاء عِنْد قَوْله: أَو جعل بتة وَاحِدَة الخ. الرَّاجِح لُزُوم الْوَاحِدَة البائنة فِي لفظ الْبَتَّةَ وَمَا ذَاك إِلَّا للْعُرْف. الرَّابِع: قَالَ الْبُرْزُليّ، قَالَ ابْن يُونُس فِي كتاب الطَّلَاق: وَلَو مَسهَا بِيَدِهِ أَو ضربهَا وَقَالَ: أردْت الطَّلَاق لم تطلق إِجْمَاعًا. الْقَرَافِيّ: وَهُوَ مُشكل على الطَّلَاق بِمُجَرَّد النِّيَّة فَإِنَّهُ نِيَّة وَفعل اه. وتأمله أَيْضا مَعَ مَا مر من أَنه يلْزم بِالْفِعْلِ ثمَّ إِن النَّاظِم لم يذكر من أَرْكَان الطَّلَاق إِلَّا اللَّفْظ، فيفهم مِنْهُ أَن الطَّلَاق لَا يلْزم بِمُجَرَّد النِّيَّة من غير لفظ أصلا وَلَا مَا يقوم مقَامه من كِتَابَة أَو فعل على مَا مر، وَهُوَ كَذَلِك عِنْد الْأَكْثَر. ابْن عَرَفَة: وَفِي لَغْو الطَّلَاق بِمُجَرَّد النِّيَّة الجازمة روايتا الْأَكْثَر وَأَشْهَب اه. وَانْظُر الْفرق بَين الْكَلَام النفساني وَمُجَرَّد الْقَصْد عِنْد قَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَمَالك لَيْسَ لَهُ بملزم الخ. وَمن أَرْكَانه أَيْضا الْقَصْد أَي قصد التَّلَفُّظ بِالطَّلَاق أَو الْكِنَايَة مَعَ معرفَة معنى ذَلِك لَا أَن لم يقْصد بل هذي كَمَرَض أَو لقن بِلَا فهم كَمَا مرّ. وَيبقى النّظر فِيمَا إِذا لم يكن اللَّفْظ من الْكِنَايَة وَلَا من الصَّرِيح وَقصد التَّلَفُّظ بِهِ، وَهُوَ يظنّ أَنه يلْزم فِيهِ الطَّلَاق، وَلَكِن لم ينْو بِهِ وَقت التَّلَفُّظ طَلَاقا فَفِي الْبُرْزُليّ عَن تعلقة. ابْن الْعَطَّار: إِن الشَّخْص إِذا قَالَ: كل مَا أعيش فِيهِ حرَام وَهُوَ يظنّ أَن ذَلِك طَلَاق فَلَيْسَ يضرّهُ جَهله بِأَن ذَلِك لَيْسَ بِطَلَاق وَلَا يكون طَلَاقا إِلَّا أَن يقْصد أَنَّهَا طَالِق بِهَذَا اللَّفْظ فَيكون طَلَاقا كَمَا لَو قَالَ: ادخلي الدَّار يُرِيد بِهِ الطَّلَاق اه. وَهَذَا إِذا لم يجر الْعرف بِاسْتِعْمَال ذَلِك اللَّفْظ فِي الطَّلَاق وإلاَّ لزمَه الطَّلَاق، وَلَو لم ينْو بِهِ كَمَا مرّ، وكما ذكره الْبُرْزُليّ فِي هَذَا اللَّفْظ بِعَيْنِه أَيْضا. وَذكر (خَ) قَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ: كل مَا أعيش فِيهِ حرَام الخ. وَظَاهره جريانهما كَأَن يَظُنّهُ طَلَاقا أم لَا. وَثَالِثهَا الْمحل الَّذِي هُوَ الْعِصْمَة الْمَمْلُوكَة تَحْقِيقا أَو تَقْديرا كَقَوْلِه لأجنبية: إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق أَو إِن دخلت الدَّار وَنوى بعد نِكَاحهَا فَيلْزمهُ لَا إِن لم ينْو ذَلِك فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَرَابِعهَا: الْأَهْل أَي الزَّوْج، وَشَرطه أَن يكون مُسلما بَالغا عَاقِلا فَلَا يَصح وَلَا يلْزم طَلَاق الْكَافِر وَلَا الصَّبِي وَلَا فَاقِد الْعقل بجنون أَو إِغْمَاء إِلَّا أَن يكون بسكر حرَام أدخلهُ على نَفسه، فَيلْزمهُ على مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: وَيَنْفُذ الْوَاقِعُ مِنْ سَكْرَانِ مُخْتَلِطٍ كالْعِتْقِ والأيمَانِ (وَينفذ الْوَاقِع) فعل وفاعل (من سَكرَان) يتَعَلَّق بالواقع (مختلط) صفة لسكران (كَالْعِتْقِ) الْكَاف للتشبيه لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مر (والأيمان) مَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير وَينفذ الطَّلَاق الْوَاقِع من سَكرَان مختلط عقله فَيُصِيب مرّة ويخطىء أُخْرَى لكَونه مَعَه ضرب من التَّمْيِيز كَمَا ينفذ الْعتْق الْوَاقِع مِنْهُ، والأيمان الصادرة مِنْهُ بِطَلَاق أَو غَيره كَمَا هُوَ ظَاهره، وَظَاهره أَيْضا أَنه ينفذ مِنْهُ مَا(1/563)
ذكر وَلَو سكر بحلال كشربه لَبَنًا حامضاً يعْتَقد أَنه لَا يسكره أَو دَوَاء وَلَو علم بإسكاره وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا يلْزمه طَلَاق كَمَا فِي الشَّامِل، وَلَو كَانَ مَعَه ضرب من التَّمْيِيز فيقيد كَلَامه بِغَيْر الْحَلَال. وَمَفْهُوم مختلط أَنه لَو كَانَ مطبقاً لَا يُمَيّز الأَرْض من السَّمَاء وَلَا الرجل من الْمَرْأَة لَا يلْزمه وَهُوَ كَذَلِك اتِّفَاقًا قَالَه ابْن رشد. قَالَ: وَتَحْصِيل القَوْل فِي السَّكْرَان أَنه يلْزمه الْجِنَايَات وَالْعِتْق وَالطَّلَاق وَالْحُدُود، وَلَا تلْزمهُ الإقرارات والعقود اه. وَعَلِيهِ قَول ابْن عَاشر: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود اه. فَلَو تنَازعا فِي كَون السكر بحلال أَو بِحرَام فَقَوله بِيَمِينِهِ إِن لم تقم قرينَة على صدقه لِأَن الأَصْل عدم تعمد الْحُرْمَة وَإِن قَامَت قرينَة على الصدْق فَلَا يَمِين فَإِن قَامَت قرينَة بكذبه فَالْقَوْل للمجنى عَلَيْهِ وَالْعَبْد وَالزَّوْجَة، ثمَّ إِن الْمَجْنُون يلْزمه طَلَاقه فِي حَال إِفَاقَته كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة لَا فِي حَال إطباقه، وَإِذا هذى لسكر بحلال فَطلق وَادّعى أَنه كَانَ لَا يضْبط مَا يَقُول وَشَكتْ الْبَيِّنَة فِي ضَبطه وَعَدَمه، فَالظَّاهِر أَنه يجْرِي فِيهِ مَا ذَكرُوهُ فِيمَن هذى لمَرض لِأَن السَّكْرَان مَرِيض فراجع الشُّرَّاح عِنْد قَول (ح) أَو هذى لمَرض وَالله أعلم. تَنْبِيه: فهم من قَوْله: سَكرَان أَن الغضبان يلْزمه طَلَاقه بالأحرى لِأَنَّهُ مُكَلّف بِالصَّلَاةِ وَنَحْوهَا إِجْمَاعًا، ومخاطب بأَدَاء ذَلِك حَال غَضَبه بِخِلَاف السَّكْرَان، وَقد تقدم الْكَلَام على ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: هَب أَنَّهَا فِي كلمة قد جمعت. وَمِنْ مَرِيضٍ ومَتَى مِنَ المَرَضْ مَاتَ فَلِلزَّوْجَةِ الإرْثُ مُفْتَرَضْ (وَمن مَرِيض) مَعْطُوف على سَكرَان (وَمَتى) شَرط (من الْمَرَض) يتَعَلَّق بقوله (مَاتَ) وَقَوله (فللزوجة) خبر عَن قَوْله (الْإِرْث المفترض) صفة. وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَدخلت الْفَاء فِي الْجَواب لكَونه لَا يصلح أَن يكون شرطا. مَا لَمْ يَكُنْ بِخُلْعٍ أَوْ تَخْيِيرِ أَوْ مَرَضٍ لَيْسَ مِنَ المَحْذُورِ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يكن) صلتها وَاسْمهَا ضمير الطَّلَاق الْوَاقِع من الْمَرِيض (بخلع) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر يكن (أَو تَخْيِير) مَعْطُوف عَلَيْهِ (أَو مرض) مَعْطُوف على خلع أَيْضا مَدْخُول(1/564)
للباء (لَيْسَ) فعل مَاض نَاقص واسْمه ضمير الْمَرَض (من الْمَحْذُور) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر، وَيحْتَمل أَن تكون من زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء وَهُوَ أولى، وَالْمعْنَى أَن طَلَاق الْمَرِيض مَرضا مخوفا وتمليكه وتخييره وخلعه لَازم لَهُ كَالصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا يفترقان فِي الْإِرْث فَفِي الْخلْع والتخيير لَا تَرثه لِأَن الْفِرَاق جَاءَ من قبلهَا وَفِي الطَّلَاق تَرثه إِن مَاتَ من مَرضه قبل ظُهُور صِحَّته كَانَ الطَّلَاق بَائِنا أَو رَجْعِيًا قبل الدُّخُول أَو بعده، وَلَو صَادف آخر الثَّلَاث كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَظَاهره أَيْضا وَلَو كَانَت يَمِينه فِي الصِّحَّة وَحنث بهَا فِي الْمَرَض كَانَ الْحِنْث بِسَبَبِهَا كحلفه وَهُوَ صَحِيح بِطَلَاقِهَا إِن دخلت الدَّار، فَدخلت وَهُوَ مَرِيض أَو بِسَبَبِهِ كحلفه ليقضين فلَانا حَقه فِي يَوْم كَذَا فَحنث وَهُوَ مَرِيض، وَظَاهره أَيْضا وَلَو طَال مَرضه حَتَّى خرجت من عدتهَا وَتَزَوَّجت أَزْوَاجًا وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع، ثمَّ إِن مَا ذكره النَّاظِم من عدم إرثها فِي الْخلْع والتخيير هُوَ تَخْرِيج اللَّخْمِيّ فِي الْخلْع. وَرِوَايَة زِيَاد فِي التَّمْلِيك والتخيير وَذَلِكَ ضَعِيف لِأَن القَوْل الْمخْرج لَا يعْمل بِهِ فِي قَضَاء وَلَا فَتْوَى، وَإِنَّمَا يذكر تفقهاً وتفنناً فَقَط قَالَه (ح) . وَلِأَن رِوَايَة زِيَاد مُخَالفَة لمَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَلذَا درج (خَ) وَغَيره على وجوب الْإِرْث لَهَا فَقَالَ: وَنفذ خلع الْمَرِيض وورثته أَي: وَلَو من المَال الَّذِي خالعته بِهِ كمملكة ومخيرة فِيهِ وَمولى مِنْهَا وملاعنة أَو أحنثته فِيهِ أَو أسلمت أَو عتقت أَو تزوجت غَيره وورثت أَزْوَاجًا وَإِن فِي عصمَة، وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بِصِحَّة بَيِّنَة الخ. وَفهم من قَوْله: وَمَتى من الْمَرَض مَاتَ الخ. أَنَّهَا إِذا مَاتَت هِيَ لَا يَرِثهَا وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ طَلاقهَا بَائِنا، وَأما الرَّجْعِيّ فيرثها إِن مَاتَت قبل انْقِضَاء عدتهَا واحترزت بِقَوْلِي مخوفا من غير الْمخوف كسعال وإقعاد ورمد ووجع ضرس وجذام وفلج يقبل مَعَ ذَلِك وَيُدبر ويتصرف لنَفسِهِ فَإِنَّهَا لَا تَرثه لِأَنَّهُ فِي حكم الصَّحِيح كَمَا أَشَارَ لَهُ بقوله: أَو مرض لَيْسَ من الْمَحْذُور الخ. فَقَوله: وَمن مَرِيض أَي مَرضا مخوفا وَهُوَ مَا حكم الْأَطِبَّاء بِكَثْرَة الْمَوْت بِهِ كالسل والقولنج والحمى القوية، وَمن فِي حكم ذَلِك كحاضر صف الْقِتَال والمحبوس لقتل أَو قطع يخَاف مِنْهُ الْمَوْت، وَكَذَا حَامِل سِتَّة فَهِيَ كَالْمَرِيضِ على الْمَشْهُور قَالَه ابْن بشير وَقيل: كَالصَّحِيحِ لِأَن الْغَالِب السَّلامَة ومحلها مَا لم تكن فِي حَالَة الطلق وإلاَّ فيحجر عَلَيْهَا قَالَه فِي الذَّخِيرَة. وَاخْتلف فِي الطَّاعُون قبل نُزُوله بالمطلق وَنَحْوه فَقَالَ ابْن لب: الْأَظْهر أَنه مَا دَامَ على حَال الصِّحَّة قبل نزُول الْمَرَض بِهِ فَهُوَ على حكم الأصحاء قَالَ: وَلَا يبعد أَن يخرج فِيهِ الْخلاف من الْخلاف الَّذِي فِي رَاكب الْبَحْر على حَال هوله إِذا حصل فِي اللجة اه. وَقَالَ ابْن رحال فِي بَاب الْحجر: إِن الملجج فِي الْبَحْر يحْجر عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ قَائِلا وَهُوَ(1/565)
الَّذِي تجب بِهِ الْفَتْوَى عِنْدِي وَلَا أقدر على الْعُدُول عَنهُ إِذْ دَفعه محَال وَلَا يُفِيد مَعَه احتيال اه. وَفِي مسَائِل الْعدة والاستبراء من الْبُرْزُليّ أَنه إِذا كَانَ ذريعاً فِي النَّاس أذهب نصفهم أَو ثلثهم فهم كالمرضى وإلاَّ فَلَا. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا ارْتَدَّ الْمَرِيض بَانَتْ مِنْهُ زَوجته وَلَا تَرثه إِن مَاتَ من مَرضه قَالَ التّونسِيّ: وَالطَّلَاق عَلَيْهِ فِي مَرضه لعيب بِهِ كجنون أَو جذام لَا تَرثه امْرَأَته كالردة. ابْن عَرَفَة: مَا قَالَه التّونسِيّ وَاضح إِلَّا أَن فِي الحكم عَلَيْهِ بِهِ فِي مَرضه نظرا وَالصَّوَاب تَأْخِيره. قَالَ ابْن رحال: مَا قَالَه ابْن عَرَفَة من وجوب التَّأْخِير هُوَ الْمَذْهَب اه. الثَّانِي: ظَاهر قَول النَّاظِم لَيْسَ من الْمَحْذُور أَن الْمَرَض إِذا كَانَ حِين الطَّلَاق غير مخوف ثمَّ صَار مخوفا إِنَّه يعْتَبر وَقت الطَّلَاق فَلَا تَرثه، وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ كَلَام ضيح وَاللَّخْمِيّ والمدونة وَغير وَاحِد، وَهُوَ ظَاهر لِأَن غير الْمخوف فِي حكم الصَّحِيح، وَالصَّحِيح لَو طلق ثمَّ مرض لَا تَرثه. وَقَالَ ابْن رحال فِي الْخلْع: إِذا مَاتَ مِنْهُ وَأسْندَ إِلَيْهِ الْمَوْت مِنْهُ فقد تبين أَنه مخوف اه. وَكَأَنَّهُ أَخذه من قَول ابْن عَرَفَة أَن غير الْمخوف إِذا كَانَ عقبه الْمَوْت يصير مخوفا كَمَا ذكره (ز) عَنهُ فِي بَاب الْحجر. قلت: مَا نَقله (ز) عَن ابْن عَرَفَة من أَن غير الْمخوف إِذا كَانَ عقبه الْمَوْت يصير مخوفا الخ. يَقْتَضِي أَن الْمدَار على الْمَوْت من ذَلِك الْمَرَض كَانَ حِين الطَّلَاق أَو التَّبَرُّع مخوفا أم لَا. فَهُوَ صَرِيح فِي إِلْغَاء تَقْيِيده بالمخوف وَذَلِكَ مُخَالف لتقييد الْأَئِمَّة لَهُ بذلك. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: أما الفالج وَصَاحب حمى الرّبع والأجذم والأبرص وَذُو القروح والجراح فَمَا أقعده من ذَلِك وأضناه وَبلغ بِهِ حدّ الْخَوْف عَلَيْهِ، فَلهُ حكم الْمَرِيض، وَمَا لم يبلغ بِهِ ذَلِك فَلهُ حكم الصَّحِيح اه. وَلَا معنى لكَونه لَهُ حكم الصَّحِيح إِلَّا جَرَيَان أَحْكَام الصَّحِيح عَلَيْهِ، وَإِن زَاد على ذَلِك وَصَارَ مخوفا وَلَو كَانَ الْمدَار على الْمَوْت لقيدوه بِهِ لَا بالمخوف، وَمَا ذَكرُوهُ عَن ابْن عَرَفَة لم يذكرهُ فِي بَاب الْحجر وَلَا فِي بَاب الْخلْع وَلَعَلَّه ذكره فِي بَاب الطَّلَاق، وَلم تسعني مُرَاجعَة ذَلِك الْمحل الْآن. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْهِبَة. وَانْظُر أَيْضا شرح الشَّامِل عِنْد قَوْله فِي الْحَبْس، وَبَطل لوَارث بِمَرَض مَوته الخ. الثَّالِث: لم يتَكَلَّم النَّاظِم على خلع الْمَرِيضَة وَفِي الْمُدَوَّنَة قَالَ مَالك: وَإِن اخْتلعت مِنْهُ فِي مَرضهَا أَي الْمخوف بِجَمِيعِ مَالهَا لم يجز وَلَا يَرِثهَا. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَلَو اخْتلعت مِنْهُ على أَكثر من مِيرَاثهَا مِنْهُ لم يجز فَأَما على مثل مِيرَاثه مِنْهَا أَو أقل فَجَائِز وَلَا يتوارثان. ابْن نَافِع: يلْزمه الطَّلَاق وَلَا يجوز لَهُ من ذَلِك إِلَّا قدر مِيرَاثه مثل مَا فسر بِهِ ابْن الْقَاسِم اه. عِيَاض: وَأَكْثَرهم أَن قَول ابْن الْقَاسِم تَفْسِير لقَوْل مَالك اه. وَمِمَّنْ حمله على الْخلاف ابْن رشد وَوجه قَول مَالك بِأَن مَا خالعت بِهِ أَرَادَت أَن يَأْخُذهُ الزَّوْج من رَأس مَالهَا عاشت أَو مَاتَت وَهُوَ غير وَارِث فَوَجَبَ أَن يبطل، وَإِن كَانَ أقل من مِيرَاثه مِنْهَا اه. وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم الَّذِي هُوَ تَفْسِير فَفِي ابْن يُونُس يُوقف ذَلِك فَإِن صحت أَخذه وَإِن مَاتَت أَخذ مِنْهُ قدر مِيرَاثه من التَّرِكَة يَوْم مَاتَت لَا يَوْم الصُّلْح، وَإِن كَانَ أقل من مِيرَاثه فَلهُ الْأَقَل وَلَا يحْسب عَلَيْهَا مَا أنفقت على نَفسهَا فِي مصالحها إِلَّا مَا تلف ويحسب مَا صالحته بِهِ من التَّرِكَة وَلَيْسَ لَهَا تعمد تلف مَالهَا من غير مصلحَة فَإِن أوصت بِشَيْء فَذَلِك فِي ثلث بَقِيَّة التَّرِكَة بعد عزل مَا صالحت بِهِ ثمَّ يُضَاف إِلَى ذَلِك مَا بَقِي(1/566)
بعد الْوَصَايَا فَيَأْخُذ قدر مِيرَاثه مِنْهُ إِلَّا أَن يكون مَا صَالح بِهِ أقل فَيَأْخُذ الْأَقَل. انْظُر ابْن عَرَفَة وَأَبا الْحسن وَإِلَى خلع الْمَرِيضَة أَشَارَ (خَ) بقوله: وَلم يجز خلع الْمَرِيضَة وَهل يرد أَو المجاوز لإرثه يَوْم مَوتهَا ووقف إِلَيْهِ؟ تَأْوِيلَانِ. الرَّابِع: تقدم فِي الرَّجْعِيّ أَنه يَرِثهَا إِن مَاتَت قبل انْقِضَاء عدتهَا فَإِن اخْتلفُوا فِي انْقِضَاء الْعدة فَقَالَ أَبُو الْحسن على قَوْلهَا فِي الْمُوَاضَعَة وَإِن هَلَكت بعد مُدَّة فِيهَا اسْتِبْرَاء فَهِيَ من الْمُبْتَاع الخ. يقوم من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثمَّ مَاتَت فَقَالَ ورثتها: مَاتَت بعد انْقِضَاء الْعدة. وَقَالَ الزَّوْج: بل قبل انْقِضَائِهَا وَاتَّفَقُوا على وَقت الطَّلَاق، فَإِن كَانَ مضى من الْمدَّة مَا تَنْقَضِي فِي مثله الْعدة غَالِبا وَذَلِكَ ثَلَاثَة أشهر فَيحمل الْأَمر على أَنَّهَا قد انْقَضتْ وَلَا مِيرَاث لَهُ إِلَّا أَن يَأْتِي بِمَا يدل على أَن عدتهَا لم تنقض من قَوْلهَا قبل الْمَوْت، إِذْ هِيَ مصدقة فِي ذَلِك فَإِن لم يَأْتِ بذلك وَادّعى أَن الْوَرَثَة علمُوا بذلك لَزِمَهُم الْيَمين، وَإِن كَانَ لم يمض مَا تَنْقَضِي فِيهِ الْعدة غَالِبا حمل الْأَمر على أَنَّهَا لم تنقض إِلَّا أَن يَأْتِي الْوَرَثَة على قَوْلهَا بِبَيِّنَة أَن عدتهَا قد انْقَضتْ وَإِن لم يَأْتُوا بذلك فَادعوا على الزَّوْج أَنه علم بذلك لَزِمته الْيَمين، وَإِن اخْتلف الزَّوْج مَعَ الْوَرَثَة فِي وَقت الطَّلَاق فَادّعى الزَّوْج مُدَّة لَا تَنْقَضِي فِي مثلهَا الْعدة فَإِن القَوْل قَول الزَّوْج على معنى مَا فِي سَماع عِيسَى من طَلَاق السّنة، وَلَا خلاف فِي هَذَا قَالَه ابْن رشد. والخُلْفُ فِي مُطَلَّقٍ هَزْلاً وَضَحْ ثالِثُهَا إلاّ إنِ الهَزْلُ اتَّضَحْ (وَالْخلف) مُبْتَدأ (فِي مُطلق) يتَعَلَّق بوضح (هزلا) مصدر بِمَعْنى الْفَاعِل حَال من ضمير مُطلق (وضح) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير الْمُبْتَدَأ، وَالْجُمْلَة خبر (ثَالِثهَا) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره يلْزم (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (أَن الْهزْل) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (اتَّضَح) قَالَ ابْن سَلمُون: وَإِن طلق هازلاً فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال. الأول: أَنه لَا يلْزمه، وَالثَّانِي: أَنه يلْزمه، وَالثَّالِث: إِن قَامَ دَلِيل على أَنه كَانَ هازلاً لم يلْزمه وإلاَّ لزمَه اه. وَمثله فِي عدهَا ثَلَاثَة لِابْنِ شَاس وَابْن الْحَاجِب قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَالَّذِي حَكَاهُ غير وَاحِد إِنَّمَا هما قَولَانِ. وَالثَّالِث تَقْيِيد لِأَن الْهزْل لَا يثبت بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، وَالْمَشْهُور اللُّزُوم. وَعَلِيهِ عول (خَ) فَقَالَ: وَلزِمَ وَلَو هزلا الخ. أَي: وَلَو تبين هزله وَثَبت وَأَحْرَى إِذا لم يثبت كَمَا فِي ابْن رحال، وَمَا ذكره ابْن عبد السَّلَام من أَن الثَّالِث تَقْيِيد تعقبه ابْن عَرَفَة بِأَن فِي كَلَامهم مَا يدل على أَن طَلَاق الْهزْل لَغْو مُطلقًا إِلَّا بِقَيْد قيام دَلِيله وَنَحْوه فِي ضيح، وَظَاهر النّظم أَن الْخلاف الْمَذْكُور جَار سَوَاء هزل بإيقاعه أَو بإيقاع لَفظه عَلَيْهِ، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة أَن هزل الْإِيقَاع لَازم اتِّفَاقًا، وهزل إِطْلَاق لَفظه عَلَيْهِ الْمَعْرُوف لُزُومه اه. تَنْبِيه: النِّكَاح وَالْعِتْق مثل الطَّلَاق فِي الْخلاف الْمَذْكُور كَمَا فِي ابْن الْحَاجِب، وَالْمَشْهُور اللُّزُوم الْبُرْزُليّ فِي الْمُدَوَّنَة عَن ابْن الْمسيب: ثَلَاث هزلهن جد: النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعِتْق. وَجعل فِي غير الْمُدَوَّنَة مَكَان الْعتْق الرّجْعَة، فَهَذِهِ أَربع هزلها جد كَمَا فِي ضيح. ابْن الْحَاج: فِي نِكَاح(1/567)
الْهزْل خلاف وَعدم لُزُومه أظهر لقَوْله تَعَالَى: لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} (الْبَقَرَة: 225) فَكَمَا لَا كَفَّارَة فِيهِ كَذَلِك لَا نِكَاح اه. قلت: تَأمل هَذَا الِاحْتِجَاج بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ لَا يجْرِي على مَا فسر بِهِ (خَ) : وَغَيره الْيَمين اللَّغْو حَيْثُ قَالَ: وَلَا لَغْو على مَا يَعْتَقِدهُ فَظهر نَفْيه، وَأَيْضًا فَإِن اللَّغْو خَاص بِالْيَمِينِ بِاللَّه تَعَالَى، وَمَا ذكره ابْن الْحَاج ذكر الْقَرَافِيّ مثله عَن الشَّافِعِي، وَذكر أَن اللَّغْو عندنَا خَاص بِاللَّه تَعَالَى، ثمَّ قَالَ ابْن الْحَاج: وَالْبيع مثل النِّكَاح. قَالَ الْبُرْزُليّ: إِنَّمَا هُوَ مثله فِي جَرَيَان الْقَوْلَيْنِ لَا فِي مَذْهَب الْمُدَوَّنَة لِأَن الْهزْل فِي البيع يحلف مَعَه وَلَا يلْزم على مَذْهَب الْمُدَوَّنَة اه. وَانْظُر الْفرق بَينهمَا أَي بَين البيع وَالنِّكَاح فِيمَا كتبناه على قَول (خَ) فِي النِّكَاح، وَلزِمَ وَإِن لم يرض الخ. وَانْظُر مَا قَالَه الشُّرَّاح هُنَاكَ أَيْضا، وَانْظُر أَيْضا من بَاعَ زَوجته أَو زَوجهَا وَادّعى الْهزْل فِي ابْن عَرَفَة هُنَا، وَذكر (خَ) فِي الْخلْع أَن بيعهَا وتزويجها يكون طَلَاقا بَائِنا. تَنْبِيه: قَالَ فِي الذَّخِيرَة مَا نَصه: لمُطلق اللَّفْظ ثَلَاث حالات تَارَة يَسْتَعْمِلهُ فِي مَوْضُوعه الَّذِي وضع لَهُ فَيلْزمهُ مُقْتَضَاهُ فِي الْفتيا وَفِي الْقَضَاء وَتارَة فِي غير مَوْضُوعه فَلَا يلْزمه فِي الْفتيا وَيلْزمهُ فِي الْقَضَاء إِلَّا أَن تصدقه قرينَة. وَقد تقدم الْكَلَام على قَوْله: يَا طَالِق. وَقَالَ: أردْت من وثاق أَي فَيصدق فِي الْفتيا وَلَا يصدق فِي الْقَضَاء قَالَ: وَتارَة يُطلقهُ ويقتطعه عَن مُسَمَّاهُ وَلَا يصرفهُ إِلَى غير مُسَمَّاهُ، بل يُطلقهُ عَبَثا من غير إِرَادَة معنى الْبَتَّةَ بل مَقْرُونا بنية الْقطع عَن الْمُسَمّى، فَهَذَا هُوَ الهازل سَوَاء دلّت عَلَيْهِ الْقَرِينَة أم لَا. وَلَا يَكْفِي فِي الْهزْل أَنه أطلقهُ من غير نِيَّة لِأَن الصَّرِيح لَا يفْتَقر إِلَى النِّيَّة فَهَذَا تحريره فاضبطه اه. ومالِكٌ لَيْسَ لَهُ بِمُلْزِمِ لِمُكْرَهٍ فِي الفِعْلِ أَوْ فِي القَسَمِ (وَمَالك) مُبْتَدأ (لَيْسَ) اسْمهَا ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ (لَهُ) يتَعَلَّق بِخَبَر لَيْسَ الْمَجْرُور بِالْبَاء الزَّائِدَة الَّذِي هُوَ (بملزم) بِكَسْر الزَّاي وَالضَّمِير الْمَجْرُور عَائِد على الطَّلَاق وَهُوَ فِي مَحل نصب على المفعولية بملزم ولضعف الْعَامِل تعدى إِلَيْهِ بِاللَّامِ، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (لمكره) بِفَتْح الرَّاء يتَعَلَّق بملزم (فِي الْفِعْل) يتَعَلَّق بمكره و (فِي) بِمَعْنى (على) (أَو فِي الْقسم) مَعْطُوف عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن الإِمَام مَالِكًا رَحمَه الله لَيْسَ ملزماً الطَّلَاق للمكره على فعل الطَّلَاق أَو إِيقَاعه أَو على الْإِقْرَار بِهِ أَو على الْقسم بِهِ أَو على فعل مَا يَحْنَث بِهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي مُسلم: (حمل عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) . وَقَالَ فِيهِ أَيْضا حَسْبَمَا فِي الْقَرَافِيّ: (لَا طَلَاق فِي إغلاق) . والإغلاق عِنْد مَالك الْإِكْرَاه لِأَن الإغلاق هُوَ الإطباق من أغلقت الْبَاب فَكَأَن الْمُكْره قهر على(1/568)
الْفِعْل، وأغلق عَلَيْهِ حَتَّى فعله خلافًا لمن قَالَ: إِن الإغلاق هُوَ الْغَضَب فَإِنَّهُ لَا يَصح قَالَه ابْن رشد. قَالَ: وَطَلَاق الْغَضَب واللجاج لَازم اتِّفَاقًا، وَقد تقدم ذَلِك عِنْد قَوْله: وَينفذ الْوَاقِع من سَكرَان الخ. وَالْإِكْرَاه كَمَا قَالَ (خَ) يكون بخوف مؤلم من قتل أَو ضرب أَو سجن أَو قيد أَو صفع لذِي مُرُوءَة بملأ أَو قتل وَلَده أَو ذهَاب مَاله وَهل أَن كثر تردد الخ. وَمثل الطَّلَاق النِّكَاح وَالْبيع وَالْإِقْرَار فِي عدم اللُّزُوم بِالْإِكْرَاهِ، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يلْزمه وَلَو ترك التورية مَعَ مَعْرفَته بهَا وَالِاعْتِرَاف بِأَنَّهُ لم يدهش عَنْهَا. وَهَذَا ظَاهر الرِّوَايَات كَمَا فِي ابْن شَاس قَالَ (ز) : وَهُوَ الْمَذْهَب. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: للمكره ثَلَاث حالات فَإِن طلق بِاللَّفْظِ دون النِّيَّة لم يلْزمه قَالَ: لِأَن الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَن الطَّلَاق بغَيْرهَا لَا يلْزم وَإِن لم يكن مكْرها فأحرى الْمُكْره وَإِن نوى الطَّلَاق وَهُوَ عَالم ذَاكر أَن لَهُ أَن يَجعله لفظا بِغَيْر نِيَّة لزمَه لِأَن النِّيَّة لَا تدخل تَحت الْإِكْرَاه، فَهُوَ طائع بِالنِّيَّةِ، وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَن يدهش عَن النِّيَّة إِمَّا للْجَهْل بهَا وَإِمَّا لِأَن الزَّمَان لم يمهله لشدَّة الْإِكْرَاه، فَظَاهر الْمَذْهَب عدم اللُّزُوم قَالَ: وَلَعَلَّ الْخلاف بَين الْعلمَاء يرجع إِلَى هَذِه الْحَالَات اه. وَجعله صَاحب الْمُخْتَصر تقييداً فَقَالَ: أَو أكره وَلَو فِي فعل إِلَّا أَن يتْرك التورية مَعَ مَعْرفَتهَا الخ. وَمرَاده بالتورية أَن يَأْتِي بِاللَّفْظِ عَارِيا عَن نِيَّة الطَّلَاق كَمَا تقدم عَن اللَّخْمِيّ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يَنْوِي معنى بَعيدا كَطَلَاق من وثاق مثلا وَنَحْوه. كَمَا هُوَ مُقْتَضى التورية البيانية والتورية خَاصَّة بالأقوال، وَلَا تورية فِي الْأَفْعَال. وَلذَا قَالَ (تت) : لَو قدم المُصَنّف الِاسْتِثْنَاء على الْمُبَالغَة لوفى بالمراد. تَنْبِيه: قَالَ فِي الذَّخِيرَة: النِّيَّة لفظ مُشْتَرك بَين الْكَلَام النفساني، وَمَعْنَاهُ أَن يَقُول فِي نَفسه: أَنْت طَالِق كَمَا يَقُول بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُرَادهم بِالنِّيَّةِ هَهُنَا وَبَين الْقَصْد، وَهُوَ المُرَاد فِي الْعِبَادَات. وَلَيْسَ مرَادا هَهُنَا للْإِجْمَاع على أَن من عزم على طَلَاق امْرَأَته وَنوى ذَلِك أَنَّهَا لَا تطلق عَلَيْهِ. قَالَ: وَالَّذِي عفى عَنهُ من حَدِيث النَّفس الْوَارِد فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (إِن الله تَعَالَى تجَاوز عَن أمتِي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تعْمل بِهِ أَو تَتَكَلَّم) إِنَّمَا هُوَ مَا هجس عَلَيْهَا من غير عزم، وَأما العازم على الْخَيْر وَالشَّر والاعتقادات فِي الْكفْر وَغَيره وَمَا يلْزمه من الإخبارات فمعتبرة إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى: وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} (الْبَقَرَة: 284) وَهَذَا هُوَ طَرِيق الْجمع بَين الْآيَة والْحَدِيث اه. وَمرَاده أَن الْآيَة فِي الْكَلَام النفساني الَّذِي يُؤَاخذ بِهِ الْمُكَلف وَهُوَ أَن يجْرِي ذَلِك على قلبه، كَمَا يجْرِي على لِسَانه من غير تلفظ بِهِ. والْحَدِيث فِي مُجَرّد الْقَصْد من غير أَن يجْرِي ذَلِك على قلبه. وَحَاصِل الْفرق على مَا ذكره أَن فِي النفساني أوقع الطَّلَاق وَنَحْوه بِقَلْبِه من غير تلفظ بِهِ، وَفِي مُجَرّد الْقَصْد نوى أَن يفعل من غير إِيقَاع بِقَلْبِه فضلا عَن لِسَانه وإلاَّ فَالْكل قصد وَنِيَّة إِلَّا أَنه فِي الأول صَاحبهَا إِيقَاع فِي الْقلب دون الثَّانِي، وَمَا ذكره من لُزُومه فِي النفساني هُوَ أحد قَوْلَيْنِ مشهورين. وَالْقَوْل الآخر يَقُول بِعَدَمِ اللُّزُوم وشهره غير وَاحِد، واستظهره ابْن عبد السَّلَام قَائِلا: إِنَّمَا يَكْتَفِي بِالنِّيَّةِ فِي التكاليف الْمُتَعَلّقَة بِالْقَلْبِ لَا فِيمَا كَانَ بَين الْآدَمِيّين كَالطَّلَاقِ وَنَحْوه اه. فَتَأمل هَذَا الْخلاف مَعَ الْإِجْمَاع الَّذِي ذكره الْقَرَافِيّ، ثمَّ قَالَ الْقَرَافِيّ بعد مَا مر: النِّيَّة فِي الْمَذْهَب لَهَا مَعْنيانِ. أَحدهمَا: الْكَلَام النَّفْسِيّ وَهُوَ المُرَاد بقَوْلهمْ فِي الطَّلَاق بِالنِّيَّةِ قَولَانِ.(1/569)
وبقولهم إِن الصَّرِيح لَا بُد فِيهِ من نِيَّة على الْأَصَح مَعَ أَن الصَّرِيح مستغن عَن النِّيَّة الَّتِي هِيَ الْقَصْد بِإِجْمَاع، وَثَانِيهمَا الْقَصْد الَّذِي هُوَ الْإِرَادَة وَهُوَ قِسْمَانِ. أَحدهمَا: الْقَصْد لإنشاء الصِّيغَة والنطق بهَا وَلَا أعلم فِي اشْتِرَاطه خلافًا، وَثَانِيهمَا: الْقَصْد لإِزَالَة الْعِصْمَة فِي اللَّفْظ وَلَيْسَ شرطا فِي الصَّرِيح اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ مَا اشْتهر من الْكِنَايَات فَإِذا تحرر هَذَا فالمكره لم يخْتل مِنْهُ الْقَصْد للصيغة، بل قَصدهَا وَقصد اقتطاعها عَن مَعْنَاهَا على قَول اللَّخْمِيّ. وَأما على ظَاهر الرِّوَايَات كَمَا فِي الْجَوَاهِر فَلَا حَاجَة لذَلِك، ثمَّ قَالَ: سُؤال انْعَقَد الْإِجْمَاع على عدم اشْتِرَاط الْقَصْد فِي الصَّرِيح، وَاللَّخْمِيّ وَصَاحب الْمُقدمَات يَقُولَانِ: الصَّحِيح من الْمَذْهَب اشْتِرَاط النِّيَّة، فَكيف الْجمع بَينهمَا؟ وَجَوَابه: أَن الْمُشْتَرط النِّيَّة الَّتِي هِيَ الْكَلَام النفساني فَلَا بُد أَن يُطلق بِقَلْبِه كَمَا يُطلق بِلِسَانِهِ وَهُوَ يُسمى نِيَّة كَمَا تقدم اه كَلَامه فِي ذخيرته. قلت: وَقد يجمع بَينهمَا بِأَن الْإِجْمَاع إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر أَي فَلَا يصدق فِي الظَّاهِر أَنه لم ينْو بِالصَّرِيحِ طَلَاقا بل يُؤَاخذ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاء إِجْمَاعًا، وَكَلَام صَاحب الْمُقدمَات وَاللَّخْمِيّ إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَا فِي نفس الْأَمر أَي: فَلَا طَلَاق عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الله، فَلم يتواردا على مَحل وَاحِد، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ كَلَام غير وَاحِد، وَلَا سِيمَا كَلَام المتيطي الْمُتَقَدّم عِنْد قَوْله: وَينفذ الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. وَأما جَوَابه الْمُتَقَدّم فَهُوَ غير واف بالمراد كَمَا يعلم بِالتَّأَمُّلِ. تَنْبِيه ثَان: أطلق النَّاظِم و (خَ) فِي الْفِعْل فظاهرهما سَوَاء حلف لَا أَدخل الدَّار مثلا فأكره على دُخُولهَا، أَو حلف ليدخلنها وَقت كَذَا فحيل بَينه وَبَينهَا حَتَّى ذهب الْوَقْت فَلَا حنث عَلَيْهِ فيهمَا على أحد طرق أَرْبَعَة. ذكرهَا ابْن غَازِي، وَالْمَشْهُور عِنْد ابْن رشد أَنه يَحْنَث فِي صِيغَة الْحِنْث لَا فِي صِيغَة الْبر وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي بَاب الْيَمين حَيْثُ قَالَ: وَوَجَبَت بِهِ إِن لم يكن ببر. وَأجَاب بعض بِأَن الْإِكْرَاه فِي صِيغَة الْحِنْث إِنَّمَا هُوَ على التّرْك لَا على الْفِعْل. فَلَا يَشْمَل كَلَام النَّاظِم و (خَ) الْإِكْرَاه على التّرْك، فَلَا يكونَانِ درجا على غير الْمَشْهُور. وَهَذَا فِي الْحَالِف على فعل نَفسه، وَأما الْحَالِف على فعل غَيره، فَعَن مَالك الْحِنْث، وَعَن سَحْنُون عَدمه، وبالحنث أفتى أَبُو الْحسن حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير: امْرَأَة هربت من زَوجهَا فَحلف زَوجهَا لَا باتت فِي الْمحل الَّذِي هربت إِلَيْهِ فأحنثته وباتت بِهِ قهرا عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا ينفع فِيهِ الْإِكْرَاه لِأَنَّهُ حَالف على فعل الْغَيْر، وَالْإِكْرَاه فِيهِ لَا يرفع حكم الْيَمين اه. قلت: ظَاهره وَلَو فعلت ذَلِك قاصدة تحنيثه، وَفِي الْبُرْزُليّ أَنه الْمَشْهُور وَهُوَ مَا اعْتَمدهُ شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: أَو قصدا بِالْبيعِ الْفَسْخ الخ. وَفِي الذَّخِيرَة فِي بَاب الطَّلَاق مَا نَصه: قَالَ بعض أَصْحَابنَا: إِذا قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طَالِق أَو لعَبْدِهِ: أَنْت حر إِن فعلتِ أَو فعلت كَذَا أَو إِن لم تفعلي أَو إِن لم تفعل فَفعل أَو فعلت لقصد تحنيثه لَا يلْزمه طَلَاق وَلَا عتق، وَقيل: يلْزمه الطَّلَاق دون الْعتْق اه. فَانْظُر كَيفَ صدر بِعَدَمِ الْحِنْث، وَحكى مُقَابِله بقبل وَشَمل قَوْله فِي فعل أَيْضا الْإِكْرَاه على الْمعْصِيَة: كَأَن يحلفهُ الظَّالِم بِالطَّلَاق مثلا على أَن لَا يُصَلِّي أَو على أَن يشرب الْخمر فَيصَلي وَلَا يشرب فَلَا حنث عَلَيْهِ على الْمَشْهُور. وَهُوَ مَذْهَب سَحْنُون. وَقيل: يَحْنَث وَيحرم عَلَيْهِ أَن يفعل، وَالْفرق على هَذَا الضَّعِيف بَين الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال حَتَّى كَانَ الْحِنْث سَاقِطا فِي الأول دون الثَّانِي هُوَ أَن الْمَفَاسِد لَا تتَحَقَّق فِي الْأَقْوَال لِأَن الْمُكْره على قَول مَا يكفر(1/570)
بِهِ مُعظم لرَبه بِقَلْبِه بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} (النَّحْل: 106) بِخِلَاف شرب الْخمر وَنَحْوه، فَإِن الْمَفَاسِد فِي ذَلِك مُحَققَة قَالَ الْقَرَافِيّ: وَفرق ابْن عبد السَّلَام بِأَن القَوْل لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْمعَانِي وَلَا فِي الذوات بِخِلَاف الْفِعْل فَإِنَّهُ مُؤثر اه. وَكَذَا إِن حلفه على مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة وَلَا طَاعَة كَأَن لَا يدْخل السُّوق مثلا فَدخل فَلَا حنث أَيْضا، وَأما إِن حلفه على طَاعَة كَأَن يحلفهُ أَن لَا يشرب الْخمر فَشربهَا فَفِي الْحِنْث قَولَانِ. وَتارَة يكون الْإِكْرَاه على أَن يحلف أَنه مَا فعل فِي الْمَاضِي أَو أَنه فعل، وَيكون على مَعْصِيّة أَيْضا وَغَيرهَا. انْظُر تَفْصِيل ذَلِك فِي (ح) وَهَذَا فِي الْمعْصِيَة الَّتِي لَا حق لآدَمِيّ فِيهَا كَمَا مرّ فِي الْأَمْثِلَة، وَأما مَا فِيهَا حق للمخلوق كَالْقَتْلِ وَالْغَصْب فَلَا يَسعهُ أَن يفعل اتِّفَاقًا وَإِن فعل فَلَا يسْقط الْإِكْرَاه الْقصاص فِي الْقَتْل وَهُوَ معنى قَول (خَ) : لَا قتل الْمُسلم وقطعه وَإِن بزنا الخ. تَنْبِيه ثَالِث: ظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن الْإِكْرَاه الْمَذْكُور لَا فرق بَين أَن يكون مُقَارنًا لوقت إِيقَاع الطَّلَاق أَو مُتَقَدما عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يفِيدهُ كَلَام الشَّارِح فِي بيع المضغوط قَائِلا: حكم الضغط منسحب على البَائِع وَإِن ترَاخى البيع عَن وقته بالشهرين وَنَحْوهمَا، وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج وَابْن رشد وَغَيرهمَا خلاف مَا أفتى بِهِ أَبُو سعيد بن لب فِيمَن سلم فِي مِيرَاثه من أمه لِأَخِيهِ ثمَّ بعد موت الْأَخ قَامَ برسم يتَضَمَّن أَن التَّسْلِيم كَانَ خوفًا لما كَانَ هدده بِهِ أَخُوهُ الْمَيِّت من الْقَتْل، وَأَنه كَانَ من أهل الشَّرّ والحرابة. قَالَ ابْن لب: لم أر هَذَا الرَّسْم كَافِيا فِي رد التَّسْلِيم الْمَذْكُور لِأَن الْمَطْلُوب أَن يُؤَدِّي الشُّهُود على حضورهم فِي تَارِيخه وَأَنَّهُمْ سمعُوا التخويف إِذْ ذَاك حَتَّى وَقع التَّسْلِيم فِي موطنه، وَلَا يَكْفِي قدم التخويف على التَّسْلِيم فِي غير مَجْلِسه، وَلَا يعلمُونَ مَا اتّفق فِي وقته وتاريخه اه. وَاعْتمد فتواه هَذِه أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر الفاسي فِي جَوَاب لَهُ نَقله العلمي. وكُلُّ مَنْ يَمينُهُ باللازِمَهْ لَهُ الثَّلاث فِي الأَصَحِّ لاَزِمَهْ (وكل) مُبْتَدأ (من) مُضَاف إِلَيْهِ (يَمِينه) مُبْتَدأ خَبره (باللازمة) وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بالمبتدأ (لَهُ) يتَعَلَّق بقوله لَازِمَة آخر الْبَيْت (الثَّلَاث) مُبْتَدأ (فِي الْأَصَح) يتَعَلَّق أَيْضا بالْخبر الَّذِي هُوَ (لَازمه) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ. وقِيلَ بَلْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّهْ مَعْ جَهْلِهِ وَفَقْدِهِ لِلنِّيَّهْ (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول، ونائبه الْجُمْلَة المحكية بِهِ لِأَنَّهَا فِي مَحل الْمَفْعُول، فَلَمَّا بنى الْفِعْل للْمَفْعُول نَاب مَفْعُوله الَّذِي هُوَ الْجُمْلَة المحكية عَن فَاعله (بل) حرف إضراب (وَاحِدَة) فَاعل بِفعل مَحْذُوف أَي تلْزمهُ وَاحِدَة (رَجْعِيَّة) صفة (مَعَ) يحْتَمل أَن تكون خبر الْمَحْذُوف، وَالْجُمْلَة حَال(1/571)
مِمَّا قبله أَي: وكل هَذَا كَائِن مَعَ الخ. وَيحْتَمل أَن تكون فِي مَحل نصب على الْحَال أَي: وَتلْزَمهُ وَاحِدَة رَجْعِيَّة حَال كَونه مصاحباً (مَعَ جَهله وفقده للنِّيَّة) وَالْجُمْلَة من قيل وَمَا بعده استئنافية. وَقِيلَ بَلْ بَائِنَةٌ وَقِيلَ بَلْ جَمِيعُ الأَيْمَانِ وَمَا بِهِ عَمَلْ (وَقيل بل بَائِنَة) إعرابه كَالَّذي قبله (وَقيل بل جَمِيع الْأَيْمَان) إعرابه كَالَّذي قبله أَيْضا (وَمَا) نَافِيَة (بِهِ) خبر عَن قَوْله (عمل) وَالْمعْنَى أَن من حلف بالأيمان اللَّازِمَة فَقَالَ مثلا: الْأَيْمَان تلزمني لَا فعلت أَو إِن فعلت، أَو قَالَ الْأَيْمَان لَازِمَة لي أَو جَمِيع الْأَيْمَان أَو الْأَيْمَان كلهَا أَو أَيْمَان الْمُسلمين، فقد اخْتلف فِيمَا يلْزمه على أَرْبَعَة أَقْوَال. على مَا ذكره النَّاظِم، وَأَشَارَ بقوله: الْأَصَح لقَوْل الْبَاجِيّ فِي الْمُنْتَقى أَنه الْأَظْهر عِنْدِي، وَفِي المعيار عَن العقباني أَنه الْمَشْهُور، وَفِي ضيح أَنه الصَّحِيح عِنْد التّونسِيّ وَاللَّخْمِيّ وَعبد الحميد والمازري وَغَيرهم، حَتَّى أَن السيوري أفتى بِنَقْض حكم الْحَاكِم إِن أفتى بالواحدة وَقَوله: مَعَ جَهله وفقده للنِّيَّة. يحْتَمل أَن يكون هُوَ مَوْضُوع الْأَقْوَال أَي مَحل هَذِه الْأَقْوَال إِذا جهل مَدْلُول اللَّفْظ وفقد النِّيَّة أَي: وفقد الْعرف أَيْضا وإلاَّ لزمَه مَا نَوَاه بِاتِّفَاق، أَو مَا جرى بِهِ الْعرف كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، فَإِن نوى أمرا وَالْعرْف بِخِلَافِهِ قدمت النِّيَّة لقَوْل (خَ) وخصصت نِيَّة الْحَالِف إِلَى قَوْله: ثمَّ عرف قولي الخ. لِأَن الْأَعْرَاف أصل مُعْتَبر فِي الْأَيْمَان، وَكَانَ النَّاظِم اسْتغنى عَنهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنه يخصص كالنية أَو فِيهِ حذف الْوَاو مَعَ مَا عطفت كَمَا قَررنَا، وَيحْتَمل أَن سَبَب اخْتِلَاف هَذِه الْأَقْوَال هُوَ اخْتِلَاف الْأَعْرَاف، فَكل قَالَ بِمَا جرى بِهِ عرف بَلَده من ثَلَاث أَو غَيرهَا، فَمن جرى عرف بَلَده بِقصد الثَّلَاث فقد دون غَيرهَا ألزمهُ إِيَّاهَا، وَمن جرى عرف بَلَده بالرجعي ألزمهُ إِيَّاه أَو الْبَائِن فَقَط ألزمهُ إِيَّاه، وَقَوله: وَمَا بِهِ عمل أَي لكَون عرفهم لَا يقصدون بِهِ جَمِيع الْأَيْمَان مِمَّا عدا الطَّلَاق. وَفِي (خَ) من لُزُوم الْعتْق وَالثَّلَاث وَالْمَشْي لِلْحَجِّ إِلَى غير ذَلِك إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ عرفهم اسْتِعْمَال اللَّازِمَة فِي الطَّلَاق وَغَيره مِمَّا ذكر أَو لَا عرف لَهُم فِيهَا. وَكَانَت عَادَة النَّاس الْحلف بِالصَّدَقَةِ بِالثُّلثِ وَالْحج وَالْعِتْق وَالْمَشْي وَنَحْو ذَلِك. وَوجه الأول ظَاهر لِأَن الْعرف يخصص اللَّفْظ أَو يعمه فَإِذا كَانَ الْعرف اسْتِعْمَال اللَّازِمَة فِي الطَّلَاق فَقَط. فَلَا يلْزمه غَيره، وَإِذا كَانَ الْعرف اسْتِعْمَالهَا فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق مثلا أَو فيهمَا. وَفِي الْحَج فَكَذَلِك أَيْضا وَهَكَذَا. وَوجه الثَّانِي أَن اللَّفْظ إِذا لم يكن فِيهِ عرف يخصصه أَو يعممه فَإِنَّهُ يحمل على مَدْلُوله اللّغَوِيّ كَمَا هِيَ الْقَاعِدَة، وَلَا شكّ أَن مَدْلُوله لُغَة جَمِيع الْأَيْمَان من طَلَاق وَحج ومشي(1/572)
وَغَيرهَا مِمَّا عَادَة الْبَلَد الْحلف بِهِ حَتَّى أَنه إِذا كَانَت عَادَتهم الْحلف بِالْعِتْقِ فَقَط لم يلْزمه غَيره إِذا علمت هَذَا، فعلى الِاحْتِمَال الأول يكون قَول النَّاظِم: وَمَا بِهِ عمل الخ فِي عهدته لما علمت أَنه حَيْثُ لَا نِيَّة وَلَا عرف يلْزمه مَدْلُول اللَّفْظ لُغَة كَمَا مرّ وَهُوَ الْمشَار لَهُ بقول (خَ) ثمَّ مقصد لغَوِيّ الخ. وَلم أَقف على مَا قَالَ إِنَّه حِينَئِذٍ لَا عمل عَلَيْهِ، وَحمل النَّاظِم على هَذَا الِاحْتِمَال وَإِن ورد عَلَيْهِ مَا ذكر هُوَ الْمُوَافق للنَّقْل. قَالَ ابْن سَلمُون: يلْزم الْحَالِف بالأيمان اللَّازِمَة إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة عتق من يملكهُ وَالصَّدَََقَة بِثلث مَاله. وَالْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى وَكَفَّارَة يَمِين وَطَلَاق نِسَائِهِ. وَاخْتلف فِيمَا يلْزمه من الطَّلَاق فَذكر الْأَقْوَال الثَّلَاثَة. الأول فِي النّظم وَذكر عَن الْأَبْهَرِيّ أَنه لَا يلْزمه فِيهَا سوى الاسْتِغْفَار. ثمَّ قَالَ: قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: فَإِن جرى فِيهَا عرف فِي بلد من الْبِلَاد كَانَ الْعَمَل فِيهَا بِحَسب الْعرف عِنْد الْإِطْلَاق انْتهى بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي ابْن شَاس وَغَيره فَقَوله: فَإِن جرى فِيهَا عرف الخ. تَقْيِيد لتِلْك الْأَقْوَال كَمَا مرّ فِي أصل التَّقْرِير لِأَنَّهُ عِنْد فقد النِّيَّة يُصَار للْعُرْف كَمَا صرح بِهِ ابْن لب، وَغَيره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله: ثمَّ عرف قولي الخ. وَحِينَئِذٍ فَإِن كَانَ مُرَاد النَّاظِم هَذَا الْفِقْه كَمَا هُوَ ظَاهره، وَلَكِن الْغَالِب عَلَيْهِ تبعيته لِابْنِ سَلمُون فيشكل بِمَا مر، وَبِأَن القَوْل الرَّابِع هُوَ الْمَشْهُور لِأَنَّهُ المطابق للغة، فَكيف يكون مُقَابِله أصح وَبِأَن قَوْله مَعَ جَهله لَا يَنْبَغِي أَن يكون مَوْضُوعا للأقوال لِأَنَّهُ عِنْد ثُبُوت جَهله بمدلول اللَّفْظ لَا يلْزمه شَيْء لَا فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الْقَضَاء كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: أَو لقن بِلَا فهم الخ. فَلَو قَالَ بدله لعدم الْعرف وفقد النِّيَّة لسلم من هَذَا، وَأما على الِاحْتِمَال الثَّانِي فللاختلاف بَين الْأَقْوَال فِي الْحَقِيقَة بل كل قَالَ بِمَا جرى بِهِ عرف بَلَده كَمَا مرّ، وَيشكل القَوْل الرَّابِع أَيْضا لِأَن مَوْضُوعه حَيْثُ لَا عرف فَلَا تحسن مُقَابلَته بِمَا قبله. وَأما قَوْله: وَمَا بِهِ عمل الخ. على هَذَا الِاحْتِمَال فَهُوَ فِي مَحَله لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْعرف اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْمَذْكُور فِي الثَّلَاث فَقَط أَو فِي الْبَيْنُونَة فَقَط أَو فِي الْعتْق فَقَط مثلا كَانَ لُزُوم جَمِيع الْأَيْمَان مَهْجُورًا لَا عمل عَلَيْهِ لَا فِي الْفتيا وَلَا فِي الْقَضَاء، فَفِي كَلَام النَّاظِم إِشْكَال على كلا الِاحْتِمَالَيْنِ.(1/573)
تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قَالَ الْقَائِل: الْأَيْمَان لَازِمَة لَهُ أَو الْأَيْمَان تلْزمهُ فَلَا يخفى أَن أل للاستغراق وَإِلَّا كَانَت للْعهد الذهْنِي، وَحِينَئِذٍ فَإِن لم يكن عرف فِيهَا فَلَا عهد ذهنياً، وَيحمل اللَّفْظ على عُمُومه كَمَا لَو قَالَ: عَلَيْهِ جَمِيع الْأَيْمَان أَو عَلَيْهِ أَيْمَان الْمُسلمين أَو أَيْمَان الْبيعَة وَنَحْو ذَلِك، فَيلْزمهُ جَمِيع مَا اعْتَادَ النَّاس الْحلف بِهِ فِي ذَلِك كَمَا مرّ سَوَاء اعْتَادَ هُوَ خلافهم أَو لم يعْتد شَيْئا حَتَّى أَنه لَو كَانَت عَادَتهم الْحلف بِاللَّه فَقَط لزمَه ثَلَاث كَفَّارَات فَقَط لِأَنَّهُ مَدْلُوله لُغَة وَعرفا حِينَئِذٍ، وَلَا يُمكن أَن تَخْلُو بلد من الْحلف بِاللَّه تَعَالَى وَبِغَيْرِهِ حَتَّى يُقَال: إِنَّه إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة وَلَا لأهل بَلَده عَادَة لم يلْزمه شَيْء كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَأما إِن كَانَ فِيهَا عرف خَاص بِحَيْثُ لَا يستعملها أهل الْبَلَد إِلَّا فِي خُصُوص الطَّلَاق الثَّلَاث أَو الْبَائِن أَو فِي الْعتْق مثلا فأل فِي ذَلِك للْعهد الذهْنِي، والمعهود مَا بِهِ الْعرف وَلَا ينظر حِينَئِذٍ لكل وَلَا لجَمِيع وَلَا لغَيْرِهِمَا من أَلْفَاظ الْعُمُوم وَلَا لصيغة الْجمع، لِأَنَّهُ وَإِن أَتَى الْحَالِف بِلَفْظ دَال على الْعُمُوم أَو بِصِيغَة الْجمع فَهُوَ مَخْصُوص بعرف بلد الْحَالِف فَلَا يلْزمه غير مَا بِهِ عرفهم وَصِيغَة الْجمع والعموم ملغاة، وَإِلَى هَذَا ترجع فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرين الَّتِي فِي الشَّارِح وَغَيره، وَعَلِيهِ فاللازم فِيهَا فِي بلدنا الْيَوْم إِنَّمَا هُوَ الطَّلَاق لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الْحلف بِالْعِتْقِ وَلَا بِالْمَشْيِ وَلَا بِالصَّدَقَةِ فَقَوْلهم: أَيْمَان الْمُسلمين أَو الْأَيْمَان اللَّازِمَة لَهُم كَقَوْلِهِم: عَلَيْهِم الطَّلَاق، وَالظَّاهِر كَمَا للمسناوي و (تت) أَن يحمل على الْوَاحِدَة البائنة لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ. قلت: وَالظَّاهِر أَن يحمل الثَّلَاث لِأَن أَكثر النَّاس الْيَوْم الْحلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث، وهم إِنَّمَا يقصدون بهَا التَّشْدِيد والتغليظ كحلفهم بالحرام آخر الثَّلَاث فَهِيَ مُسَاوِيَة لَهُ عِنْدهم على مَا شهدناه مِنْهُم، وعَلى تَسْلِيم حلفهم بالحرام مُجَردا من آخر الثَّلَاث، وَأَنه يكثر مِنْهُم الْحلف بِهِ مُجَردا ومقروناً بِالثلَاثِ، فَحَمله فِي اللَّازِمَة على الثَّلَاث أحوط عِنْد عدم النِّيَّة لِأَن الْفروج يحْتَاط لَهَا. الثَّانِي: درج أَبُو زيد الفاسي فِي عملياته على مَا للأبهري وَابْن عبد الْبر من أَنه لَا يلْزمه فِيهَا سوى الاسْتِغْفَار فَقَالَ: وَعدم اللُّزُوم فِي أَيْمَان لَازِمَة شاعت مذ أزمان فَظَاهره أَنه لَا يلْزمه شَيْء وَلَو كَفَّارَة يَمِين بِاللَّه، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ على الِاحْتِمَال الأول فِي كَلَام النَّاظِم أَي حَيْثُ لَا نِيَّة وَلَا عرف، وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ مُقَابل للمشهور من حمله حِينَئِذٍ على مَدْلُول اللَّفْظ لُغَة، وإلاَّ فَهُوَ إِذا كَانَت لَهُ نِيَّة لزمَه مَا نَوَاه اتِّفَاقًا من طَلَاق أَو غَيره، وَإِن كَانَ لَهُم فِيهَا عرف لزمَه مَا هُوَ عرفهم فِيهَا لِأَنَّهُ كالنية كَمَا مر وَلَا يحل للمفتي أَن يفتيه حِينَئِذٍ بِعَدَمِ اللُّزُوم إِذْ ذَاك خُرُوج عَن أَقْوَال أَئِمَّة الْمَذْهَب وَمَا بِهِ الْعَمَل لَا بدّ أَن يُوَافق قولا وَإِن شاذاً. الثَّالِث: كثير من النَّاس فِي هَذِه الْأَزْمِنَة يَقُول عَلَيْهِ مَا يلْزمه لأَفْعَل كَذَا وَلَا يزِيد من الْأَيْمَان والجاري على مَا مر أَنه يلْزمه مَا نَوَاه أَو مَا بِهِ عرفهم، فَإِن لم تكن نِيَّة وَلَا لَهُم عرف فِي هَذَا اللَّفْظ، فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزمه شَيْء لِأَن الَّذِي يلْزمه من صَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة وَنَحْوهَا هُوَ لَازم لَهُ بِدُونِ يَمِين، وَغير اللَّازِم لَهُ مِمَّا ذكر لَا دلَالَة للفظ عَلَيْهِ وقديماً كنت متأملاً فِيهِ، ثمَّ أجريته على قَول (خَ) : وكأحلف أَو أقسم إِن نوى بِاللَّه الخ. وَأَنه إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة وَلَا عرف لَا شَيْء عَلَيْهِ.(1/574)
الرَّابِع: تقدم أَن من عَادَته الْحلف باللازمة أَو بِالثلَاثِ أَو بالحرام لَا يرخص لَهُ بل يلْزمه مَا يلْزم غَيره مِمَّن وَقع ذَلِك مِنْهُ فلتة، وَلَو أدّى إِلَى تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ قبل زوج وَلَا يعْذر لجري ذَلِك على لِسَانه، بل هُوَ أولى بِالتَّشْدِيدِ لِأَن ذَلِك استخفاف مِنْهُ بالأيمان خلاف مَا يَعْتَقِدهُ كثير من جهلة الطّلبَة من عذره، وَقد نَص على ذَلِك فِي المعيار وَغَيره. وَفِي ابْن سَلمُون إِثْر الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة فِي اللَّازِمَة مَا نَصه: وَقد أفتى فِيهَا بَعضهم بفتوى غَرِيبَة وَهِي أَنه إِن كَانَ الْحَالِف بهَا من أهل العفاف وَالصَّلَاح، وَلم يعْتد الْحلف بهَا، وَإِنَّمَا خرجت مِنْهُ على ضجر فَتلْزمهُ الْوَاحِدَة وَإِن كَانَ من أهل الدعارة وَالشَّر، وَمِمَّنْ يحلف بذلك فِي كل وَقت فَإِنَّهُ يلْزمه الثَّلَاث وَلَا وَجه لذَلِك عِنْدِي اه. وَنَحْوه فِي المعيار عَن أبي الْفضل العقباني قَائِلا: فَمن هُوَ أهل للْعُذْر وَكَانَ الشَّيْء مِنْهُ فلتة فَحسن أَن يتْرك للتقليد لقَوْل فِيهِ رَحْمَة، وَأما من دأبه الْأَيْمَان ويستخف بأمرها فَينفذ عَلَيْهِ الحكم بالمشهور اه بِاخْتِصَار. فقد علمت أَن من دأبه الْأَيْمَان أولى بِالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ، وَإِن من وَقع ذَلِك مِنْهُ فلتة فَالْمَشْهُور وَمذهب الْجُمْهُور أَنه لَا يرخص لَهُ أَيْضا، وَمُقَابِله وَإِن أفتى بِهِ العقباني شَاذ حَتَّى قَالَ ابْن سَلمُون: كَمَا رَأَيْته أَنه لَا وَجه لَهُ عِنْده وَهُوَ الصَّوَاب إِن شَاءَ الله. إِذْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة لَا فرق فِيهَا بَين صَالح وطالح وَالله أعلم. الْخَامِس: فِي الْمديَان من الْبُرْزُليّ فِيمَن حلف بِالطَّلَاق يَعْنِي أَو باللازمة أَو غَيرهَا؛ أَنه لَا مَال لَهُ وَقد ورث مَالا لم يعلم بِهِ أَنه حانث. ابْن رشد: هِيَ على مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ دون الْمَقَاصِد اه بِاخْتِصَار. يَعْنِي: وَلَو روعي الْمَقْصد لم يَحْنَث لِأَن الْمَعْنى لَا مَال لَهُ فِي علمه، وَالْمذهب أَن الْعبْرَة بالمقاصد انْظُر شرح ابْن رحال للمختصر فِي بَاب الْخلْع، وَقد تقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَينفذ الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. عَن ابْن رشد: أَن الْحمل على الْقَصْد هُوَ الْأَشْهر الْأَظْهر. السَّادِس: إِذا حلف باللازمة أَو بغَيْرهَا لَا بَقِي أَو إِن بَقِي فِي هَذِه الدَّار هَل هُوَ بِمَنْزِلَة لَا سكنت فَلَا يرجع أبدا أَو بِمَنْزِلَة لأنتقلن. وفيهَا قَولَانِ. فَقيل: ذَلِك بِمَنْزِلَة لأنتقلن، وَبِه قَالَ اليالصوتي: وَقيل ذَلِك بِمَنْزِلَة قَوْله لَا سكنت، وَبِه قَالَ أَبُو الْحسن الْقَارِي، وَهُوَ الَّذِي رَجحه أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن الْمُبَارك السجلماسي قَائِلا: وَمَا لليالصوتي مُخَالف للقواعد الْأُصُولِيَّة وللمقصد اللّغَوِيّ عِنْد عدم الْعرف وَالنِّيَّة، وحينئد فَيحنث إِن لم يخرج من حِينه أَو إِن رَجَعَ لِأَن الْفِعْل كالنكرة، فَيعم فِي سِيَاق النَّفْي وَلَا يعم فِي سِيَاق الْإِثْبَات فَعدم خُرُوجه من حِينه جزئية مُوجبَة ورجوعه بعد الْخُرُوج جزئية أُخْرَى، وكل مِنْهُمَا يُنَاقض الْكُلية السالبة الَّتِي دلّ عَلَيْهَا الْفِعْل الْوَاقِع فِي سِيَاق النَّفْي، وَأما الْفِعْل الْوَاقِع فِي سِيَاق الْإِثْبَات كلأنتقلن فَهُوَ جزئية مُوجبَة فَإِذا لم يعجل بِالْخرُوجِ أَو رَجَعَ حصل من ذَلِك جزئية سالبة وَهِي لَا تنَاقض الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة، فَإِذا لم يَحْنَث بِوَاحِد مِنْهُمَا فَحمل قَوْله: إِن بقيت أَو لَا يبْقى على قَوْله: لَا سكنت هُوَ الصَّوَاب لِأَن الْفِعْل عِنْدهم كالنكرة، وَلذَا كَانَت تنْعَت بِهِ النكرات وَيَقَع حَالا من المعارف فَهُوَ بعد النَّفْي نكرَة منفية وَبعد الْإِثْبَات نكرَة مثبتة، وَلَا شكّ أَن حمل النكرَة المنفية على النكرَة المثبتة كَمَا لليالصوتي سَهْو لَا خَفَاء فِيهِ وَإِن تبعه على ذَلِك السَّهْو الْبُرْزُليّ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ عرف وَقت اليالصوتي بِأَن لَا بقيت بِمَعْنى لأنتقلن عِنْدهم، وَذَلِكَ هُوَ اللَّائِق بجلالة إِمَامَته اه بِاخْتِصَار. وَقَوله: إِن بقيت الخ. يَعْنِي وَالْحَال أَن إِن نَافِيَة لَا شَرْطِيَّة.(1/575)
السَّابِع: إِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته: بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ إِن خرجت امْرَأَته من هَذِه الدَّار فَهِيَ عَلَيْهِ حرَام، أَو فالأيمان لَازِمَة لَهُ أَو قَالَ: وَالله إِن خرجت لأطلقنك أَو لَا كنت لي امْرَأَة أبدا، أَو قَالَ: وَالله إِن قيلت أَو بتِّ فِي هَذِه الدَّار لَا قيلت أَو بت على ذِمَّتِي وَنَحْو ذَلِك فَالْأَمْر فِي ذَلِك كُله على التَّعْلِيق لَا التَّأْكِيد بمضمون الشَّرْط، وَالْجَوَاب فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن خرجت وَلم يحرمها أَو لم يطلقهَا لَزِمته الْيَمين بِاللَّه هَذَا هُوَ الَّذِي نسبه ابْن عَرَفَة للْأَكْثَر، وَأفْتى بِهِ ابْن رشد وَأَصْحَابه فِيمَن قَالَ لامْرَأَته: وَالله إِن تشاررت مَعَ أُمِّي وَخرجت لَخَرَجت إِلَّا كخروجها فتشاررت وَخرجت الْأُم فأفتوا بِأَنَّهُ لَا يلْزمه إِلَّا كَفَّارَة الْيَمين بِاللَّه إِن أَرَادَ الْبَقَاء على الزَّوْجِيَّة. قَالَه فِي نَوَازِل الزياتي عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي قَائِلا. وَفِي المعيار وَغَيره كثير من ذَلِك، وَقد جزم أَبُو عبد الله الْمواق بِأَن ذَلِك حكمه حكم مَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة. وَنَصهَا، قَالَ مَالك: من قَالَ لامْرَأَته وَالله لأطلقنك فَلَيْسَ بمول وَلَا يمْنَع من الْوَطْء، فَإِن شَاءَ طلق فبر وَإِن لم يُطلق لم يَحْنَث إِلَّا بِمَوْتِهِ أَو مَوتهَا وَلَا يجْبر على الْكَفَّارَة اه. وَقد سُئِلَ قَاضِي الْجَمَاعَة ومفتيها أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الونشريسي عَمَّن حلف بِالطَّلَاق لامْرَأَته لَا كَانَت لَهُ امْرَأَة أبدا. فَأجَاب لَهُ إحناث نَفسه بِالْبَقَاءِ على الزَّوْجِيَّة وَيلْزمهُ الطَّلَاق الْوَاحِد إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر، وَله الرّجْعَة إِن أحنث نَفسه اه. وَانْظُر نَوَازِل الشَّهَادَات من المعيار فِيمَن شهد عَلَيْهِ وَاحِد بِالثلَاثِ وَشهد عَلَيْهِ آخر بالأيمان اللَّازِمَة هَل تطلق أم لَا؟ . الثَّامِن: قَالَ فِي المعيار أَيْضا: ذكر ابْن مَرْزُوق أَنه وَقع فِي مجْلِس ابْن عَرَفَة نزاع فِيمَن وكل أَو فوض لامْرَأَته الطَّلَاق فَحَلَفت بالحرام وحنثت هَل يلْزمه الطَّلَاق أم لَا؟ قَالَ: وَلم أتحقق مَا قَالَه الشَّيْخ مِمَّا قَالَه غَيره، فَسئلَ عَنْهَا أَبُو عبد الله الْقَرَوِي فَأجَاب: بِعَدَمِ اللُّزُوم لِأَنَّهُ لم يَجْعَل لَهَا إِيقَاع الطَّلَاق بِالْحلف، وتذكر عدم لُزُوم أَيْمَان الْوَكِيل لمُوكلِه اه بِالْمَعْنَى. التَّاسِع: فِي نَوَازِل الشفشاوني فِي سِيَاق أجوبة لِابْنِ لب مَا نَصه: وَسُئِلَ أَيْضا عَمَّن قَالَ لزوجته: عَلَيْهِ الْحَرَام أَو اللَّازِمَة لَا دخلت دَار أَبِيك هَذَا الْعَام هَل يحمل الْعَام على مَا بَقِي مِنْهُ أَو يسْتَأْنف؟ فَأجَاب: إِن كَانَت لَهُ نِيَّة أَو بِسَاط عمل عَلَيْهِمَا، وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة وَلَا بِسَاط فَيحمل على بَقِيَّة الْعَام لِأَنَّهُ الْمُحَقق والذمة لَا تعمر إِلَّا بمحقق اه فَتَأَمّله. والبِكْرُ ذَاتُ الأَبِ لاَ تُخْتَلعُ إلاَّ بإذْنِ حاجِرٍ وَتُمْنَعُ (وَالْبكْر) مُبْتَدأ (ذَات الْأَب) نعت لَهُ وَجُمْلَة (لَا تختلع) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل خبر (إِلَّا) إبِْطَال للنَّفْي (بِإِذن) يتَعَلَّق بتختلع (حاجر) مُضَاف إِلَيْهِ (وتمنع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْبكر ومتعلقه مَحْذُوف أَي وتمنع بِغَيْر إِذْنه، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا مفسرة لَهَا فِي الْمَعْنى. وَجازَ إنْ أبٌ عَلَيْهَا أَعْمَلَهْ كَذَا عَلَى الثَّيِّبِ بَعْدَ الإذْنِ لَهْ (وَجَاز) فَاعله ضمير الْخلْع (إِن) شَرط (أَب) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده (عَلَيْهَا)(1/576)
يتَعَلَّق بقوله (أعمله) وَقَوله: (كَذَا) خبر لمبتدأ مَحْذُوف (على الثّيّب) يتَعَلَّق بأعمله محذوفاً لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ (بعد الْإِذْن) يتَعَلَّق بأعمله الْمَحْذُوف (لَهُ) يتَعَلَّق بِالْإِذْنِ. وَالتَّقْدِير: وَالْحكم كَائِن كَذَلِك إِن أعمله الْأَب على الثّيّب بعد إِذْنهَا لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَن الْبكر الصَّغِيرَة أَو الْبَالِغ الَّتِي لم ترشد وَلم يدْخل بهَا زَوجهَا أَو دخل وَطلقت قبل الْمَسِيس وَلم تطل إِقَامَتهَا سنة وَمثلهَا الصَّغِيرَة الَّتِي ثيبت قبل الْبلُوغ لَا يجوز خلعها. وَظَاهره وَلَو خالعت بخلع أَمْثَالهَا وَيجب رد المَال إِن وَقع وَبَانَتْ. نعم إِن أعمله الْأَب عَلَيْهَا بِإِذْنِهَا أَو بِغَيْرِهِ جَازَ، وَلزِمَ حَيْثُ كَانَ نظرا لِأَنَّهُ مَعْزُول عَن غير الْمصلحَة، وَظَاهره: وَلَو بِجَمِيعِ صَدَاقهَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَلَيْسَ ذَلِك للْوَصِيّ الْغَيْر الْمُجبر، وَأما الْمُجبر فَهُوَ كَالْأَبِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْبِنْت ذَات الْجَبْر لَا تختلع إِلَّا بِإِذن مجبر وتمنع وَجَاز إِن هُوَ عَلَيْهَا أعمله الخ. لوفى بالمراد وَيفهم مِنْهُ أَن الْوَصِيّ الْغَيْر الْمُجبر، وَمثله مقدم القَاضِي لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي هَذِه الْبِنْت الَّتِي لَو كَانَ أَبوهَا لجبرها إِلَّا بِإِذْنِهَا فَيجوز إِن كَانَت بَالِغَة وَكَانَ نظرا لَهَا وَأما الصَّغِيرَة فَلَا يجوز خلعها، وَلَو أَمْضَاهُ وصيها الْمَذْكُور، وَكَذَا خلع وصيها عَنْهَا بِإِذْنِهَا على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَظَاهر (خَ) وشراحه أَن ذَلِك يمْضِي من الصَّغِيرَة بِإِذْنِهِ وَصرح بِهِ ابْن رحال فَقَالَ: وَأما خلع الْوَصِيّ بموافقة محجورته السفيهة وَالصَّغِيرَة فَيجوز اه. وَهُوَ أقوى إِذْ حَيْثُ فعلت بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْفَاعِل لذَلِك، وَكَذَا إِن أَمْضَاهُ. وعَلى مَا لِابْنِ سَلمُون يكون فِي مَفْهُوم الْمُجبر على الْإِصْلَاح الْمَذْكُور تَفْصِيل بَين الْإِذْن وَعَدَمه وَالصَّغِيرَة وَغَيرهَا. وَقَوله: كَذَا على الثّيّب الخ. هَذَا مَفْهُوم قَوْله: الْبكر. وَمَعْنَاهُ أَن الثّيّب الْبَالِغَة السفيهة يجوز للْأَب أَن يخالع عَنْهَا من مَالهَا بِإِذْنِهَا، وَكَذَا الْوَصِيّ ومقدم القَاضِي لِأَنَّهُ إِذا جَازَ لَهما الْخلْع فِي الْبكر الْبَالِغ بِإِذْنِهَا كَمَا مر فأحرى فِي الثّيّب، وَمَفْهُوم قَوْله: بعد الْإِذْن أَن خلعه عَنْهَا بِغَيْر إِذْنهَا لَا يمْضِي عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَلها حِينَئِذٍ مُطَالبَة الزَّوْج بصداقها وَالطَّلَاق وَاقع. وَلَا يُقَال إِذن السَّفِيه كلا إِذن فَلم اشترطوه هَهُنَا؟ لأَنا نقُول لاحظوا هَهُنَا الضَّرَر البدني، لَكِن من حجتها على الْأَب وَالْوَصِيّ أَن تَقول إسقاطكما مَالِي عَن زَوجي لما يتقى من سوء عشرته لَا يلْزَمنِي لِأَنِّي أرْضى بِالْبَقَاءِ مَعَه على ذَلِك الْحَال، وَفهم من قَوْله بعد الْإِذْن لَهُ إِنَّهَا إِذا خالعته وَحدهَا لَا يمْضِي أَيْضا، وَلَو خالعته بخلع وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) لَا من صَغِيرَة وسفيهة الخ. وَالْمرَاد بالسفيهة هَهُنَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا من ثبتَتْ لَهَا حَالَة السَّفه لِأَن الْعبْرَة بِالْحَال لَا الْولَايَة فَمن حَالهَا حَال الرشداء مضى خلعها، وَلَو كَانَ لَهَا حاجر، وَالْعَكْس(1/577)
بِالْعَكْسِ وَالصَّغِيرَة لَا تكون رَشِيدَة إِذْ من شَرطه الْبلُوغ كَمَا فِي ابْن رحال. وَظَاهر كَلَام النَّاظِم أَنه لَا فرق فِي هَذِه الثّيّب بَين أَن تكون ثيبت بِوَطْء هَذَا المخالع لَهَا أَو بِوَطْء غَيره قبله، وَأما الْمُجبرَة الْمُتَقَدّمَة فَإِنَّهُ إِذا بنى بهَا الزَّوْج صَارَت ثَيِّبًا فَلَا بُد من إِذْنهَا إِلَّا أَن تكون غير بَالِغَة كَمَا مرّ. وَتقدم فِي الْبَيْت قبله أَنه لَا يجوز لَهُ الْعَفو بعد الْبناء لِأَنَّهَا استحقته بالمسيس إِلَّا أَن يُقَال: إِن الْخلْع هُنَا لَيْسَ عفوا لِأَنَّهُ لما يترقب من سوء الْعشْرَة، وَفِي الْمُدَوَّنَة إِن خَالع عَنْهَا بِجَمِيعِ الصَدَاق بعد الْبناء قبل الْبلُوغ جَازَ. تَنْبِيهَات. الأول: سكت النَّاظِم عَن الْمُهْملَة الَّتِي لَا وَصِيّ عَلَيْهَا وَلَا مقدم. وَفِي مُضِيّ خلعها أَن خالعته خلع أَمْثَالهَا قَولَانِ. عمل بِكُل مِنْهُمَا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ الرجراجي: الْمَشْهُور أَن خلعها لَا يجوز، وَقَالَ فِي الْفَائِق: الْمَعْمُول بِهِ أَنه لَا يجوز من فعل الْمُهْملَة شَيْء حَتَّى يتم لَهَا مَعَ زَوجهَا الْعَام وَنَحْوه اه. بِنَقْل الشَّيْخ بناني، وَظَاهر ذَلِك وَلَو خالعت بخلع أَمْثَالهَا. وَاقْتصر ابْن سَلمُون على الْعَمَل بالمضي، وَعَزاهُ لِابْنِ الْقَاسِم وَسَحْنُون وَكَذَا الفشتالي وَصَاحب الطرر فيفهم مِنْهُم أَنه الرَّاجِح، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَسَحْنُون. وَقد قَالَ الشَّيْخ طفي فِي بَاب الزَّكَاة عِنْد قَول الْمَتْن والقراض الْحَاضِر إِلَخ. أَنه اشْتهر عِنْد الشُّيُوخ أَنه لَا يعدل عَن قَول ابْن الْقَاسِم مَعَ سَحْنُون إِذا اجْتمعَا، وَظَاهر هَذَا النَّقْل أَن ذَلِك مَاض وَلَو خالعته قبل مُضِيّ عَام من دُخُولهَا وَلَو مَعْلُومَة السَّفه، وَسَيَأْتِي عَن الْبُرْزُليّ مَا يبين لَك وَجه ذَلِك، لكنه لَا يتم فِي مَعْلُومَة السَّفه على مَا بِهِ الْعَمَل الْآن من أَن الْعبْرَة بِالْحَال لَا الْولَايَة وَمَا مرّ عَن ابْن سَلمُون والطرر والفشتالي من الْعَمَل الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ فِي زمانهم من أَن المهمل تمْضِي أَفعاله، وَأَن الْعبْرَة بِالْولَايَةِ لَا الْحَال كَمَا يفِيدهُ. نقل ابْن عَرَفَة فقف عَلَيْهِ، وَقد علمت أَن الْعَمَل لَيْسَ على ذَلِك الْآن فَلَا تغتر بذلك. وَانْظُر أَيْضا لَو خالعت بِأَكْثَرَ من خلع مثلهَا على مَا لِابْنِ سَلمُون وَمن مَعَه هَل يرد الزَّائِد فَقَط وَهُوَ الظَّاهِر أَو يرد الْجَمِيع وَهُوَ مَا يفِيدهُ؟ نقل ابْن عَرَفَة. وَكَذَا لَو خَالع الْأَب أَو الْوَصِيّ بِأَكْثَرَ من خلع الْمثل فَإِنَّهَا ترجع على الزَّوْج أَو على الْأَب إِن أعدم الزَّوْج بِالزَّائِدِ فَقَط فِيمَا يظْهر لِأَنَّهُ الْقدر الَّذِي فَوت عَلَيْهَا وَلَا يُقَال يلْزم من كَون الْخلْع نظرا أَن يكون بخلع الْمثل. لأَنا نقُول قد يكون الْخلْع نظرا فِي نَفسه لِأَن النّظر فِيهِ مَصْرُوف لما يترقب من الزَّوْج من سوء الْعشْرَة، وَلكنه أَكثر من خلع الْمثل فَتَأَمّله. وَذكر ابْن رحال هَهُنَا أَن ظَاهر كَلَامهم جَوَازه من الْأَب وَلَو بِأَكْثَرَ من خلع الْمثل اه. الثَّانِي: قَالَ ابْن سَلمُون: ذكر ابْن سعدون فِي شرح الْمُدَوَّنَة أَن الزَّوْج إِذا شَرط فِي خلع من تقدم أَنه إِن لم يَصح لَهُ الْخلْع على مَا وَقع فالعصمة بَاقِيَة إِن شَرطه ذَلِك يَنْفَعهُ، وَمَتى طلب مِنْهُ مَا أَخذ كَانَت لَهُ زَوْجَة كَمَا كَانَت اه. وَمثله فِي الطرر والبرزلي وَابْن سَلمُون وَاعْتَرضهُ (ح) بِأَنَّهُ خلاف الْمَذْهَب، وَفِي الْمُدَوَّنَة وَإِن أَعطَتْهُ شَيْئا على أَن يُطلق وَيشْتَرط الرّجْعَة أَو خَالعهَا وَشرط أَنَّهَا إِن طلبت شَيْئا عَادَتْ زَوْجَة فشرطه بَاطِل وَالْخلْع يلْزمه وَلَا رَجْعَة لَهُ إِلَّا بِنِكَاح مُبْتَدأ اه. هَذَا إِذا لم يكن مُعَلّقا ابْتِدَاء وإلاَّ فينفعه كَمَا لَو قَالَ لصغيرة أَو سَفِيهَة أَو ذَات رق إِن صحت براءتك فَأَنت طَالِق بعد قَوْلهَا أَبْرَأتك فَلَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق حَتَّى يُجِيز وَليهَا ذَلِك. الثَّالِث: مَحل الْخلاف فِي قَول (خَ) وَفِي خلع الْأَب عَن السفيهة خلاف إِنَّمَا هُوَ فِي خلعه(1/578)
عَنْهَا بِغَيْر إِذْنهَا لِأَن أحد الْمَشْهُورين يَقُول: لَا يجوز إِلَّا بِإِذْنِهَا وَالْآخر يَقُول بِالْجَوَازِ مُطلقًا فقد اتفقَا على جَوَازه مَعَ الْإِذْن، وَحِينَئِذٍ فَقَوْل النَّاظِم بعد الْإِذْن لَهُ لَيْسَ هُوَ أحد الْمَشْهُورين فِي كَلَام (خَ) بل مَحل اتِّفَاق مِنْهُمَا فمنطوق النَّاظِم يتَّفق عَلَيْهِ المشهوران مَعًا، وَمَفْهُومه فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور، لَكِن الْمَعْمُول بِهِ عدم الْمُضِيّ فَقَوْل ابْن رحال هَهُنَا: الرَّاجِح من الْخلاف جَوَاز خلع الْأَب عَنْهَا اسْتِقْلَالا الخ. خلاف الْمَعْمُول بِهِ. الرَّابِع: رجح الْبُرْزُليّ كَمَا فِي الْمواق أَن من فعل فعلا لَو كَانَ رفع إِلَى القَاضِي لم يفعل غَيره، فَإِنَّهُ يكون كَأَن القَاضِي فعله الخ. فَيَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَن الصَّغِير والسفيهة ذواتا الْمُقدم، بل والمهملة إِذا خالعن خلع أمثالهن، وَكَانَ إِيقَاع الْخلْع أحسن لَهُنَّ أَن يمْضِي ذَلِك لِأَنَّهُنَّ لَو رفعن أمرهن إِلَى القَاضِي لم يفعل غير ذَلِك، وَهَذَا وَإِن كَانَ قولا قَوِيا فِي الْمَذْهَب كَمَا تقدم عَن ابْن سَلمُون فِي الْمُهْملَة وَقَالَ مثله ابْن الْقَاسِم فِي الصَّغِيرَة كَمَا فِي الْمواق وضيح زَاد فِي ضيح قيل: وَبِه الْعَمَل قَالَ: وَيلْزم على قَول ابْن الْقَاسِم فِي الصَّغِيرَة أَن يمْضِي خلع السفيهة بذلك وَلَو مولى عَلَيْهَا الخ. لكنه خلاف الْمَذْهَب الْمُعْتَمد من نُفُوذ الْخلْع وَوُجُوب رد المَال كَمَا مر فَلَا تغتر بِشَيْء من ذَلِك وَالله أعلم. الْخَامِس: لما نقل ابْن عَرَفَة قَول المتيطي وَابْن فتحون للمحجورة أَن تخالع بِإِذن أَبِيهَا أَو وصيها وَتقول بعد إِذْنه لما رَآهُ من الْغِبْطَة قَالَ: فالأرجح عقده على الْوَصِيّ بِرِضَاهَا لَا عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ خلاف قصره بَعضهم عَلَيْهَا بِإِذن الْوَصِيّ اتبَاعا مِنْهُ للفظ الموثقين وَأَظنهُ لعدم ذكره قَول ابْن الْقَاسِم فِيهَا وَعَلِيهِ لَو بارأ غير الْأَب عَن الْبكر فَقَالَ فِي اخْتِصَار الْوَاضِحَة: الطَّلَاق نَافِذ وَيرجع الزَّوْج بِمَا يردهُ للزَّوْجَة على من بارأه عَنْهَا وَإِن لم يشْتَرط ضَمَانه لِأَنَّهُ الْمُتَوَلِي وَضعه عَنهُ اه بِلَفْظِهِ. وَعبارَة الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن كَانَت الزَّوْجَة مَحْجُورا عَلَيْهَا لأَب أَو وَصِيّ قلت فِي مخالعتها على أَن أسقطت فُلَانَة أَو التزمت لَهُ بِإِذن أَبِيهَا كَذَا وَكَذَا لما رأى فِي ذَلِك من الْغِبْطَة لَهَا والحيطة عَلَيْهَا اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون وَقَول ابْن عَرَفَة وَعَلِيهِ لَو بارأ غير الْأَب الخ. هُوَ أحد أَقْوَال ذكرهَا ابْن سَلمُون فَقَالَ: فَإِن عقد على الْيَتِيمَة أَو غَيرهَا ولي أَو أَجْنَبِي فلهَا الرُّجُوع على زَوجهَا وَالطَّلَاق مَاض. وَهل يرجع الزَّوْج على الَّذِي عقد مَعَه الْخلْع إِذا لم يضمن ذَلِك؟ فَقيل: يرجع وَإِن لم يضمن لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أدخلهُ فِي الطَّلَاق، وَهَذَا لِابْنِ الْقَاسِم. وَرِوَايَته عَن مَالك فِي كتاب الصُّلْح من الْمُدَوَّنَة. وَقَول أصبغ فِي الْوَاضِحَة والعتبية: وَقد تقدم نقل كَلَامه عِنْد قَوْله: وَإِن تكن قد خالعت وأثبتت أضراره الخ. وعَلى مَا لِابْنِ عَرَفَة من كَون الرَّاجِح عقده على الْوَصِيّ بِرِضَاهَا يكون الرَّاجِح من تِلْكَ الْأَقْوَال هُوَ الرُّجُوع كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَعَلِيهِ الخ. وَامْتَنَعَ الخُلْعُ على المَحْجُورِ إلاّ بِإذْنِهِ على المَشْهُورِ (وَامْتنع الْخلْع) فعل وفاعل (على الْمَحْجُور) يتَعَلَّق بِالْخلْعِ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِإِذْنِهِ) يتَعَلَّق بِالْخلْعِ أَيْضا أَي امْتنع الْخلْع على الْمَحْجُور الذّكر الْبَالِغ بِكُل وَجه من الْوُجُوه إِلَّا بِإِذْنِهِ فَيجوز حِينَئِذٍ لوَلِيِّه(1/579)
أَن يخالع عَنهُ وَلَو مقدما من قَاض (على الْمَشْهُور) وَمُقَابِله قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْجِنَايَات أَنه يجوز لوصيه أَن يخالع عَنهُ بِغَيْر أمره. وَالْخُلْعُ جائِزٌ على الأَصاغِرِ مَعْ أَخْذِ شَيْءٍ لأَبٍ أَوْ حاجِرِ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (جَائِز) خَبره (على الأصاغر) يتَعَلَّق بِالْخلْعِ (مَعَ) بِسُكُون الْعين ظرف مُضَاف لقَوْله (أَخذ شَيْء) وَقَوله (لأَب أَو حاجر) يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور أَي: وَالْخلْع على الْأَوْلَاد الأصاغر جَائِز لأَب أَو حاجر مَعَ أَخذ شَيْء من الزَّوْجَة أَو وَليهَا. وَهَذَا إِذا كَانَ على وَجه النّظر كَمَا فِي ضيح، وَإِنَّمَا أسقط المُصَنّف هَذَا لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن الْوَلِيّ لَا يمْضِي تصرفه على الْمولى عَلَيْهِ إِلَّا بِالنّظرِ. ابْن نَاجِي: ظَاهرهَا أَنه لَا يجوز خلعه عَنهُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ النّظر مَعَ الْأَخْذ أما إِن رَآهُ نظرا دون أَخذ فَلَا. قَالَ: وَرَأَيْت شَيخنَا أَبَا الْعَبَّاس بن حيدرة حكم بِمُطلق النّظر دون أَخذ، وَبِه أَقُول وَهُوَ نَص اللَّخْمِيّ اه بِاخْتِصَار. ويشمل قَوْله: أَو حاجر خلع السَّيِّد عَن عَبده الصَّغِير. ابْن فتوح وَابْن فتحون: يجوز للْأَب ووصيه وَالسُّلْطَان وخليفته المباراة على الصَّغِير بِشَيْء يسْقط عَنهُ أَو يُؤْخَذ لَهُ لَا غير ذَلِك. وَكَذَا السَّيِّد فِي عَبده الصَّغِير. ابْن عَرَفَة: هَذَا خلاف قَول اللَّخْمِيّ يجوز أَن يُطلق على السَّفِيه الْبَالِغ وَالصَّغِير بِغَيْر شَيْء يُؤْخَذ لَهُ، لِأَنَّهُ قد يكون بَقَاء الْعِصْمَة مبدياً لأمر جهل قبل إنكاحه أَو حدث بعده من كَون الزَّوْجَة غير محمودة الطَّرِيق أَو متلفة مَاله اه. وعَلى الأول عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: وموجبه زوج مُكَلّف وَلَو سَفِيها وَولي صَغِير أَبَا أَو سيداً أَو غَيرهمَا لَا أَب سَفِيه وَسيد بَالغ الخ. وَبِه تعلم أَن مَا للخمي، وَاخْتَارَهُ ابْن نَاجِي مُقَابل لما فِي النّظم، وَتعلم أَيْضا أَن قَول ابْن سَلمُون لَا يجوز طَلَاق الْأَب وَالْوَصِيّ على الصَّغِير إِلَّا بِشَيْء يأخذانه لَهُ بِلَا خلاف لَا يَصح كَمَا مر. تَنْبِيه: يُؤْخَذ من قَول النَّاظِم إِلَّا بِإِذْنِهِ أَن السَّفِيه يسْتَقلّ بِالْخلْعِ لِأَن الْمدَار على إِذْنه وَلِأَن الطَّلَاق بِيَدِهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ عَن (خَ) وَيبقى النّظر هَل يبرأ المختلع بِتَسْلِيم المَال إِلَيْهِ أم لَا؟ وَهل إِذا خَالع بِأَقَلّ من خلع الْمثل يكمل لَهُ أم لَا. وَالْمذهب أَنه لَا يبرأ إِلَّا بِتَسْلِيمِهِ لوَلِيِّه، وَأَنه يكمل لَهُ إِن خَالع بِأَقَلّ من خلع الْمثل كَمَا لِابْنِ شَاس وَاللَّخْمِيّ، وَرجحه ابْن رحال فِي شَرحه لِأَنَّهُ بِنَفس العقد يكمله وَيصير مَالا من أَمْوَاله فَكيف يبرأ دافعه بِدَفْعِهِ للسفيه المبذر لَهُ. وَلِأَنَّهُ مُعَاوضَة بِدَلِيل أَنه يكمل لَهُ خلع الْمثل إِن خَالع بِأَقَلّ، وَلَو كَانَ كَالْهِبَةِ كَمَا قَالَ ابْن عَرَفَة: إِنَّه ظَاهر الموثقين مَا كمل لَهُ خلع الْمثل فَانْظُرْهُ. قلت: وَانْظُر إِذا خَالع ولي الصَّغِير عَنهُ بِأَقَلّ من خلع الْمثل هَل يكمل لَهُ أَو يبطل الطَّلَاق من أَصله، وَالظَّاهِر الأول لِأَن حق الصَّغِير لم يبْق إِلَّا فِي التَّكْمِيل. نعم إِذا كَانَ الطَّلَاق عَلَيْهِ من أَصله غير نظر، فَلَا يمْضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فالنظر لَا بدّ مِنْهُ على هَذَا فِي الطَّلَاق وَالْخلْع مَعًا، وَقد يُوجد فِي أَحدهمَا دون الآخر. وَمَنْ يُطَلِّقْ زَوْجَةً وَتَخْتَلعْ بِوَلدٍ مِنْهُ لَهُ وَيَرْتَجِعْ(1/580)
(وَمن يُطلق) شَرط وَفعله (زَوْجَة) مَفْعُوله (وتختلع) بِالْجَزْمِ عطف على فعل الشَّرْط (بِولد مِنْهُ) يتعلقان بتختلع وَلَيْسَ الْمَجْرُور الثَّانِي صفة للْأولِ، بل هُوَ مقدم عَلَيْهِ فِي التَّقْدِير (لَهُ) صفة لولد فصل بَينه وَبَين موصوفه بأجنبي (ويرتجع) مَعْطُوف على تختلع. ثُم يُطَلِّقْها فحُكْمُ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَعُودَ حُكْمُ ذَاك الخُلْعِ (ثمَّ يطلقهَا) مَعْطُوف عَلَيْهِ أَيْضا (فَحكم) مُبْتَدأ (الشَّرْع) مُضَاف إِلَيْهِ (أَن لَا يعود) مَنْصُوب بِأَن (حكم) فَاعل وَالْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مصدر خبر الْمُبْتَدَأ أَي فَحكم الشَّرْع عدم عود حكم (ذَاك الْخلْع) . وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب الشَّرْط، وَأَشَارَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ إِلَى مَا فِي أجوبة ابْن رشد رَحمَه الله، وَذَلِكَ أَنه سَأَلَهُ أهل بطليوس عَمَّن خَالع امْرَأَته على أَن تحملت بِنَفَقَة ابْنه مِنْهَا إِلَى الْحلم، ثمَّ رَاجعهَا بِنِكَاح جَدِيد، ثمَّ طَلقهَا هَل يسْقط عَن الزَّوْجَة مَا تحملته بمراجعته إِيَّاهَا أم لَا؟ وَكَيف إِن طلبه بِمَا تحملته وَهِي فِي عصمته بالمراجعة الَّتِي رَاجعهَا هَل يقْضِي بذلك أم لَا؟ فَأجَاب: إِذا رَاجعهَا سقط عَنْهَا مَا تحملته من نَفَقَة ابْنه وَرجعت النَّفَقَة عَلَيْهِ وَلَا تعود عَلَيْهَا إِن طَلقهَا وَلم تتحمل لَهُ بهَا ثَانِيَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَنَقله ابْن عَاتٍ وَغَيره بِالْمَعْنَى وَبحث فِيهِ (ح) فِي التزاماته فَقَالَ لم يظْهر لي وَجه سُقُوط النَّفَقَة عَنْهَا بمراجعته إِيَّاهَا إِلَّا أَن يكون فهم عَنْهَا أَنَّهَا إِنَّمَا التزمت النَّفَقَة على الْوَلَد مَا لم تكن فِي عصمَة الزَّوْج اه. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حق للْوَلَد فَلَا يسْقط بمراجعة أَبِيه أمه قَالَ: وَلَكِن فِي فائق الونشريسي مَا ينْتج مِنْهُ دفع هَذَا الْبَحْث لِأَن الِالْتِزَام فِي الْحَقِيقَة حق للزَّوْج لَا للْوَلَد اه. من خطه. قلت: الظَّاهِر عدم دفع الْبَحْث الْمَذْكُور لِأَن الِالْتِزَام وَإِن كَانَ حَقًا للزَّوْج لَا للْوَلَد لَا يسْقط عَنْهَا إِلَّا بمسقط وَلم يُوجد، وَأَيْضًا فَإِن الصَّبِي قد يكون لَهُ مَال فَالْحق حِينَئِذٍ للْوَلَد لِأَن النَّفَقَة سَاقِطَة عَن أَبِيه، وَقد يكون لَا مَال لَهُ فَالْحق حِينَئِذٍ للزَّوْج لكنه لم يسْقط. وَإنْ تَمُتْ ذَاتُ اخْتِلاعٍ وُقِفَا مِنَ مَالِها مَا فيهِ لِلدَّيْنِ وَفَا (وَإِن تمت) شَرط (ذَات) فَاعل (اختلاع) مُضَاف إِلَيْهِ (وَقفا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط (من مَالهَا) يتَعَلَّق بوقفا (مَا) مَوْصُول نَائِب الْفَاعِل (فِيهِ) خبر مقدم (للدّين) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَذْكُور (وفا) مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة صلَة مَا. لِلأَمَدِ الّذِي إليْهِ التُزِمَا وَهْوَ مُشَارِكٌ بِهِ لِلغُرَمَا (للأمد) يتَعَلَّق بوقفا أَو بوفا وَاللَّام للغاية بِمَعْنى إِلَى (الَّذِي) نعت للأمد (إِلَيْهِ) يتَعَلَّق(1/581)
بقوله: (التزما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْإِنْفَاق الْمَفْهُوم من السِّيَاق وَالْجُمْلَة صلَة (فَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْأَب (مشارك) خَبره (بِهِ للغرما) يتعلقان بِهِ وَالضَّمِير الْمَجْرُور عَائِد على الدّين، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر فَكَأَن قَائِلا قَالَ لَهُ: وَإِن كَانَت عَلَيْهَا دُيُون فَهَل يحاصص بِهِ؟ فَقَالَ: نعم فَهُوَ مشارك الخ. وَالْمعْنَى أَنه إِذا خَالعهَا على أَن تحملت لَهُ بِنَفَقَة وَلَدهَا أَو غير مُدَّة مَعْلُومَة كخمس عشرَة سنة أَو إِلَى الْبلُوغ وَنَحْو ذَلِك. ثمَّ مَاتَت فِي أثْنَاء الْمدَّة فَإِنَّهُ يُوقف من مَالهَا قدر مُؤنَة الابْن إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة الَّتِي التزمتها فَإِن كَانَ عَلَيْهَا دُيُون غير مَا التزمته فَإِن للزَّوْج محاصة غرمائها بِمَا التزمته من نَفَقَة وَلَده بِأَن يُقَال مَا قدر مَا يَفِي بِنَفَقَتِهِ فِي الْمدَّة الْبَاقِيَة، فَيُقَال: كَذَا ويحاصص بِهِ مَعَ أَرْبَاب الدُّيُون، وَفهم من قَوْله: وَقفا أَنه يوضع عِنْد أَمِين وَلَا يدْفع للْأَب وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْوَلَد إِذا مَاتَ بعد ذَلِك فَإِن الْبَاقِي مِمَّا وقف يرجع مِيرَاثا لورثتها أَو لأرباب الدُّيُون إِن بَقِي لَهُم شَيْء من دُيُونهم كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَمَفْهُوم قَوْله: وَإِن تمت أَنَّهَا إِذا لم تمت بل مَاتَ الْوَلَد أَنه لَا شَيْء للْأَب وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَلَيْسَ للْأَب إِذا مَاتَ الْوَلَد شَيْء الخ. وَقَوْلِي مُدَّة مَعْلُومَة احْتِرَازًا من المجهولة بِأَن لَا يضربا لذَلِك أَََجَلًا أصلا أَو يضربا لذَلِك أَََجَلًا مَجْهُولا كقدوم زيد أَو يسر الْأَب فَإِن ذَلِك لَا يجوز كَمَا صرّح بِهِ ابْن رحال فِي شَرحه، وَهُوَ ظَاهر لِكَثْرَة الْغرَر، لَكِن يبْقى النّظر إِذا وَقع وَنزل وَلَا يخفى أَن الطَّلَاق نَافِذ وَلَا إِشْكَال، وَتقدم مَا يجب فِي ذَلِك عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ للْأَب الخ. وَعند قَوْله: وَالْخلْع بِالْإِنْفَاقِ مَحْدُود الْأَجَل الخ. ثمَّ لَا يخفى أَن مَا ذكره النَّاظِم فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَفِي اللَّذين قبلهمَا مُفَرع على قَول المَخْزُومِي وَمن مَعَه بِجَوَاز الْخلْع بِالنَّفَقَةِ الزَّائِدَة على الْحَوْلَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ اللَّائِق أَن يقدم هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة ويجعلها بعد قَوْله: وَجَاز قولا وَاحِدًا الخ، كَمَا مر التَّنْبِيه عَلَيْهِ. وَمَوْقِعُ الثَّلاثِ فِي الخُلْع ثَبَتْ طَلاقُهُ وَالخُلْعُ رُدَّ إنْ أَبَتْ (وموقع الثَّلَاث) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (فِي الْخلْع) يتَعَلَّق بالمبتدأ (ثَبت طَلَاقه) فعل وفاعل خبر الْمُبْتَدَأ (وَالْخلْع) مُبْتَدأ (رد) بِضَم الرَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ، وَيجوز قِرَاءَته بِكَسْر الرَّاء على أَنه مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول، فَالْخَبَر حِينَئِذٍ مُفْرد لَا جملَة (إِن أَبَت) شَرط حذف جَوَابه للْعلم بِهِ فَقَوله: أَبَت يحْتَمل أَنه من الإباية، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَنَّهَا إِذا أَعطَتْهُ دِينَارا مثلا ليُطَلِّقهَا وَاحِدَة أَو ليُطَلِّقهَا وأطلقت فَطلقهَا ثَلَاثًا، فَإِن الطَّلَاق وَاقع وَالْخلْع مَرْدُود حَيْثُ لم ترض بِالثلَاثِ قَالَه ابْن(1/582)
سَلمُون. واستظهره ابْن عَرَفَة وَابْن رشد قائلين لِأَنَّهُ بطلاقه إِيَّاهَا ثَلَاثًا يعيبها لِامْتِنَاع كثير من النَّاس من تزَوجهَا خوف جعلهَا إِيَّاه محللاً فتسيء عشرته ليُطَلِّقهَا فَتحل للْأولِ، لَكِن قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه مَا فِي ابْن سَلمُون خلاف ظَاهرهَا. وَقَالَ فِي حَاشِيَته: هَهُنَا يحْتَمل أَن يكون قَوْله أَبَت من الْبَتَات الَّذِي هُوَ الْقطع وضميره للزَّوْج لَا من الإباية الَّتِي هِيَ الِامْتِنَاع وضميره للزَّوْجَة، وَيكون حِينَئِذٍ أَشَارَ إِلَى مَضْمُون قَول (خَ) إِن قَالَ: إِن خالعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا. وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم فِي الْخلْع يتَعَلَّق بِمَحْذُوف أَي فِي التَّعْلِيق على الْخلْع اه. وَبِالْجُمْلَةِ فالمسائل ثَلَاث. الأولى: أَن تَقول طَلقنِي بِأَلف مثلا فيطلقها ثَلَاثًا وَهَذِه هِيَ الَّتِي فِي النّظم وَهُوَ تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ سَلمُون واستظهار ابْن رَاشد وَابْن عَرَفَة وَالَّذِي فِي (خَ) وَهُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة أَو نَصهَا على مَا فِي ضيح أَن ذَلِك لَازم لَهَا. الثَّانِيَة: عكس مَا فِي النّظم وَهِي أَن تَقول لَهُ طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فيطلقها وَاحِدَة فَإِن الْألف لَازم لَهَا أَيْضا لِأَن الْمدَار على الْبَيْنُونَة وَهِي حَاصِلَة بالواحدة فَلَا فَائِدَة لاشتراطها الثَّلَاث وَبحث فِيهِ ابْن عَرَفَة وَأَبُو الْحسن وَابْن عبد السَّلَام: بِأَن الشَّرْط الْمَذْكُور قد يكون مُفِيدا لِأَن مقصودها بِإِعْطَاء الْعِوَض الْبعد مِنْهُ على أتم الْوُجُوه بِحَيْثُ لَا يبْقى لَهُ فِيهَا طلب، وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل بِالثلَاثِ، وَأما الْوَاحِدَة فقد يتَوَصَّل إِلَى مراجعتها بشفيع لَا يُمكنهَا رده اه. وَإِلَى مَسْأَلَة النَّاظِم وعكسها أَشَارَ (ح) عاطفاً على مَا يلْزم فِيهِ الْعِوَض بقوله: أَو طَلقنِي ثَلَاثًا بِأَلف فَطلقهَا وَاحِدَة أَو بِالْعَكْسِ. الثَّالِثَة: أَن يعلق الثَّلَاث على الْخلْع وَهِي الَّتِي أَشَارَ لَهَا (خَ) عاطفاً على مَا يرد فِيهِ الْعِوَض بقوله أَو قَالَ إِن خالعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَإِنَّهُ إِذا خَالعهَا وَقعت الثَّلَاث مصاحبة لِخَلْعِهِ لِأَن الشَّرْط والمشروط يقعان دفْعَة وَاحِدَة ضَرُورَة اقتران الْمَشْرُوط مَعَ جُزْء شَرطه فِي الْوُجُود، كَمَا للوانوغي فَلم يصادفها الْخلْع وَهِي زَوْجَة فَوَجَبَ رد المَال، وَلما كَانَ كَلَام النَّاظِم وَابْن سَلمُون مُخَالفا لما فِي (خَ) وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَو نَصهَا أَوله ابْن رحال بِمَا مر على هَذِه الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَإِن كَانَ ذَلِك بَعيدا من لَفْظهمَا. تَنْبِيه: مَا ذكره (خَ) فِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة هُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَذكر ابْن رشد عَن أَشهب أَن الزَّوْج لَا يرد الْخلْع قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَار وَالصَّحِيح فِي النّظر وَالْقِيَاس إِذْ لَا يكون الْمَشْرُوط إِلَّا تَابعا لشرطه،(1/583)
فَإِذا كَانَت الْمُصَالحَة سَابِقَة للطَّلَاق صحت وَمَضَت وَلم يرد الزَّوْج مَا أَخذ فِيهَا وَبَطل الطَّلَاق الْمُعَلق عَلَيْهَا وَاحِدًا كَانَ أَو ثَلَاثًا لوُقُوعه بعد الصُّلْح فِي غير زَوْجَة اه. قلت: تَأمل قَوْله وَهُوَ الْمُخْتَار، وَالصَّحِيح فِي النّظر الخ. فَإِنَّهُ لَا يجْرِي على مَا قَالُوهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم قَالُوا فِي الْمَسْأَلَة السريجية وَهِي إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا أَن الشَّرْط والمشروط يقعان دفْعَة وَاحِدَة، وجعلوها من الْمسَائِل الَّتِي ينْقض فِيهَا حكم الْحَاكِم. وَقَوله: إِن الْمَشْرُوط تَابع لشرطه يُوجب عدم وُقُوع الثَّلَاث فِيهَا وَهُوَ خلاف مَا قَالُوهُ. ثَانِيهمَا: إِن قَوْله وَبَطل الطَّلَاق الخ. مُخَالف للمشهور وَمذهب الْمُدَوَّنَة من أَنه إِذا اتبع الْخلْع طَلَاقا من غير صمَات نسقاً لزم وارتدف كَمَا لَو نسقه فِي غير الْمَدْخُول بهَا، فَهُوَ وَإِن سلمنَا أَن الْمَشْرُوط تَابع لشرطه كَمَا قَالَ لزم أَن يَقع الثَّلَاث على الْمَشْهُور لوقوعها مُتَّصِلَة بِالْخلْعِ فَهُوَ قد اخْتَار وَصحح رَحمَه الله الْمُقَابل فِي الصُّورَتَيْنِ، وَذَلِكَ على عَادَته فِي كَونه يخْتَار خلاف الْمَذْهَب لرجحانه عِنْده فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، وَمثله وَقع لَهُ فِيمَن أعتق أم وَلَده على أَن سلمت لَهُ وَلَده الصَّغِير مِنْهَا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: ذَلِك لَا يجوز وَيرد الْوَلَد إِلَيْهَا أَي وَالْعِتْق مَاض، وَقَالَ مرّة: ذَلِك لَازم لَهَا فَقَالَ ابْن رشد: الأَصْل فِي هَذَا أَنه رأى الْإِسْقَاط مقدما على الْعتْق، وَمرَّة رأى الْعتْق مقدما على الْإِسْقَاط فألزمها إِيَّاه وَالْأَظْهَر أَنه يلْزمهَا لِأَنَّهُمَا إِذا وَقعا مَعًا فقد وَقع وَاحِد مِنْهُمَا قبل كَمَال صَاحبه اه. على نقل ابْن عَاتٍ، فاستظهاره وتعليله رَحمَه الله فِي هَذِه مُوَافق لاختياره وتعليله فِي الأولى. وَقَالَ أَيْضا فِي بَيَانه: لِأَن الطَّلَاق وَالْعِتْق لَا يَقع فِي الصَّحِيح من الْأَقْوَال بِنَفس تَمام اللَّفْظ بِهِ، وَإِنَّمَا يَقع بعد مهلة يتَعَذَّر فِيهَا وَذَلِكَ بَين من قَوْلهَا وَالَّذِي يَقُول لامْرَأَته قبل الدُّخُول أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق فِي نسق أَنه يلْزمه الثَّلَاث، إِذْ لَو كَانَ الطَّلَاق يَقع بِتمَام اللَّفْظ بِهِ لم يلْزمه إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة اه. وَقَالَ فِي تَكْمِيل الْمنْهَج: هَل يَقع الشَّرْط مَعَ الْمَشْرُوط فِي مرّة أَو مرَّتَيْنِ فاقتفي تَعْلِيقه الثَّلَاث بِالْخلْعِ لذا كَذَلِك الْعتْق بِبيع نفذا فَانْظُر تَمَامه. وَقَوله كَذَلِك الْعتْق هُوَ قَول (خَ) فِي الْعتْق وَعتق على البَائِع إِن علق هُوَ وَالْمُشْتَرِي الخ. وَانْظُر قَوَاعِد الْقَرَافِيّ أَيْضا.
(فصل)
وَمَوقِعُ الطَّلاقِ دُونَ نِيَّهْ بِطَلْقَةٍ يُفَارِقُ الزَّوْجِيَّهْ (وموقع) مُبْتَدأ (الطَّلَاق) مُضَاف إِلَيْهِ (دون نِيَّة) يتَعَلَّق بموقع (بِطَلْقَة) يتَعَلَّق ب (فَارق الزَّوْجِيَّة) مفعول بِهِ، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ والرابط هُوَ الْفَاعِل بيفارق. وَقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَقْصَاهُ وَالأَوَّلُ الأظْهَرُ لَا سِوَاهُ (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائبه الْجُمْلَة المحكية (بل) حرف إضراب (يلْزمه أقصاه) جملَة من فعل وفاعل ومفعول (وَالْأول) مُبْتَدأ (الْأَظْهر) خَبره (لَا) عاطفة (سواهُ) مَعْطُوف وَالضَّمِير الْمَجْرُور بسوى عَائِد على الأول، وَالْمعْنَى أَن من قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق مثلا وَلَا نِيَّة لَهُ فِي وَاحِدَة وَلَا أَكثر فَقيل: تلْزمهُ وَاحِدَة وَهُوَ الْأَظْهر عِنْد النَّاظِم من جِهَة النّظر لِأَنَّهُ قد حصل بهَا مُسَمّى الطَّلَاق فَلَا وَجه بإلزامه أَكثر، وَقيل يلْزمه الثَّلَاث احْتِيَاطًا وَالْقَوْلَان ذكرهمَا ابْن رشد فِي طَلَاق(1/584)
السّنة كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَاتٍ، وَالْخلاف مَبْنِيّ على الْخلاف فِي اللَّفْظ الْمُحْتَمل لأَقل ولأكثر إِذا لم تصحبه نِيَّة هَل يحمل على أقل مَا صدقاته أَو على أَكْثَرهَا. وللمسألة نَظَائِر قَالَه (م) ثمَّ مَا اسْتَظْهرهُ النَّاظِم هُوَ الْمَشْهُور كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله وَتلْزم وَاحِدَة إِلَّا لنِيَّة أَكثر. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِن قَالَ أَنْت طَالِق فَهُوَ مَا نوى فَإِن لم ينْو شَيْئا فَوَاحِدَة اه. وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: وَينفذ الطَّلَاق بِالصَّرِيحِ الخ. وعَلى الْمَشْهُور فَهِيَ رَجْعِيَّة يرتدف عَلَيْهَا كل طَلَاق أوقعه فِي عدتهَا كَمَا لِابْنِ رشد وَابْن لب وَغَيرهمَا. وَقَالَ الشَّارِح: الْأَظْهر أَنَّهَا بَائِنَة لعدم معرفَة النَّاس الْيَوْم الطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَمَا قَالَه ظَاهر حَيْثُ كَانُوا لَا يطلقون الطَّلَاق فِي عرفهم إِلَّا على الْبَائِن لِأَن مَا بِهِ الْعرف فِي مثل هَذَا يتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهِ كَمَا مر قبل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، وَمَا ذكره ابْن رحال عِنْد قَول النَّاظِم: وَفِي المملك خلاف وَالْقَضَاء الخ. مِمَّا يُخَالف مَا الشَّارِح غير ظَاهر. تَنْبِيه: ذكر فِي الْبَاب السَّادِس عشر من الْفَائِق أَن القَاضِي أَبَا عبد الله الْمقري سُئِلَ عَمَّن قَالَ على الطَّلَاق لَا أفعل أَو لَأَفْعَلَنَّ فَحنث، وَله أَكثر من وَاحِدَة وَلم يقْصد غير مُطلق الطَّلَاق. فَأجَاب بِأَنَّهُ يخْتَار للطَّلَاق وَاحِدَة. قَالَ: وَرَأَيْت ذَلِك أَضْعَف من قَوْله إحداكن أَو امْرَأَتي طَالِق لِأَن هَذَا مُقَيّد لفظا وَمعنى، وَذَلِكَ مُطلق لفظا مُحْتَمل للتَّقْيِيد بِهن معنى اه. وَنَقله (ت) فِي حَاشِيَته على (ز) عِنْد قَول (خَ) أَو إِحْدَاكُمَا طَالِق أَو أَنْت طَالِق بل أَنْت طلقتا الخ. وَقَالَ عقبه: وَعِنْدِي فِيهِ نظر بل تطليق الْجَمِيع فِي هَذِه أولى من مَسْأَلَة (خَ) فَتَأَمّله اه. ورأيته كتب بِخَطِّهِ فِي بعض الهوامش فِي ذَلِك الْمحل مَا نَصه: أفتى الْمقري بِأَنَّهُ يخْتَار، وَبِه أفتى سَيِّدي عبد الْقَادِر الفاسي، وَوَجهه بتوجيه غير ظَاهر، وَأفْتى سَيِّدي يحيى السراج بِأَنَّهُ يلْزمه فِي الْجَمِيع كَمَسْأَلَة إِحْدَاكُمَا طَالِق وَهُوَ الْمُوَافق للمشهور اه. قلت: وَمَا قَالَه من أَن هَذَا هُوَ الْمُوَافق للمشهور ظَاهر، وَهُوَ الَّذِي يتَعَيَّن الْمصير إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن الْمُطلق لفظا الْمُحْتَمل للتَّقْيِيد معنى أقوى فِي الدّلَالَة على الْعُمُوم والشمول، فَهَذِهِ أَحْرَى فِي لُزُوم طَلَاق الْجَمِيع من مَسْأَلَة (خَ) وَمَا قَالَه الْمقري معكوس فَتَأَمّله، بل هُوَ مُقَابل للمشهور قَالَ فِي الشَّامِل مَا نَصه: وَفِي إِحْدَاكُمَا أَو امْرَأَته طَالِق وَلم ينْو مُعينَة طلقتا مَعًا على الْمَشْهُور وَقيل يخْتَار اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: وَإِن شهد عَلَيْهِ أَنه طلق إِحْدَى امرأتيه فَهُوَ كمن طلق وَلَا نِيَّة لَهُ يَعْنِي فيطلق الْجَمِيع، وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين التَّعْلِيق كَقَوْلِه: إِن دخلت الدَّار فعلي الطَّلَاق وَغير التَّعْلِيق كَمَا مرّ عَن الشَّامِل و (خَ) فَلَا تغتر بِمَا للمقري، وَإِن تبعه عَلَيْهِ الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي وَالشَّيْخ (م) على مَا وقف عَلَيْهِ بَعضهم فِي جَوَاب للثَّانِي أَيْضا. وَمَا امْرْؤٌ لِزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ مِمَّا زَمَان عِصْمَةٍ يَسْتَلْزِمُ (وَمَا) مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَجُمْلَة (امْرُؤ لزوجة يلْتَزم) صلته وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بيلتزم والعائد مَحْذُوف أَي يلتزمه (مِمَّا) بَيَان لما (زمَان عصمَة) ظرف يتَعَلَّق بقوله (يسْتَلْزم) وَالْجُمْلَة صلَة مَا الثَّانِيَة(1/585)
والعائد مَحْذُوف أَيْضا وَالتَّقْدِير: وَالَّذِي يلتزمه الْمَرْء لزوجته من الْأُمُور الْآتِيَة الَّتِي يسْتَلْزم بهَا فِي زمَان الْعِصْمَة. فَذَا إذَاً دُونَ الثَّلاثِ طَلَّقَا زَالَ وَإنْ رَاجَعَ عَادَ مُطْلَقَا (فَذا) مُبْتَدأ ثَان (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (دون الثَّلَاث) ظرف يتَعَلَّق بقوله (طلقا) وَقَوله (زَالَ) هُوَ جَوَاب إِذا ومتعلقه مَحْذُوف أَي زَالَ عَنهُ مَا الْتَزمهُ بِهَذَا الطَّلَاق، وَالْجُمْلَة من إِذا وجوابها خبر ذَا (وَإِن رَاجع) شَرط حذف معموله أَي رَاجع الزَّوْجَة (عَاد) جَوَاب الشَّرْط أَي عَاد عَلَيْهِ مَا كَانَ الْتَزمهُ أَولا (مُطلقًا) حَال من فَاعل عَاد وَالْجُمْلَة من هَذَا الشَّرْط، وَالْجَوَاب معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره وَمَا عطف عَلَيْهِ خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَدخلت الْفَاء فِي الْخَبَر لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام. مِثْلُ حَضَانَةٍ والإنْفَاق عَلَى أَوْلادِهَا ومِثْلُ شَرْطٍ جُعِلاَ (مثل) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَذَلِكَ مثل (حضَانَة) مُضَاف إِلَيْهِ (والإنفاق) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة مَعْطُوف على مَا قبله (على أَوْلَادهَا) يتَعَلَّق بِالْإِنْفَاقِ (وَمثل) مَعْطُوف على مثل الأول (شَرط) مُضَاف إِلَيْهِ (جعلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لشرط، وَمَعْنَاهُ أَن الزَّوْج إِذا الْتزم لزوجته بعد عقد النِّكَاح عَلَيْهَا مثل الْحَضَانَة على أَوْلَادهَا وَالنَّفقَة عَلَيْهِم فِي زمَان عصمتها، أَو شَرط لَهَا فِي عقد النِّكَاح أَو بعده أَن لَا يُخرجهَا من بَلَدهَا أَو لَا يغيب عَنْهَا أَو لَا يتَزَوَّج وَلَا يتسرى عَلَيْهَا، وَإِن فعل فَأمرهَا بِيَدِهَا أَو فالتي يَتَزَوَّجهَا طَالِق فَإِنَّهُ فِي ذَلِك كُله إِذا طَلقهَا دون الثَّلَاث فَإِن ذَلِك يسْقط عَنهُ، وَإِن رَاجعهَا رَجَعَ عَلَيْهِ مَا كَانَ الْتزم مُطلقًا اشْترط رُجُوع ذَلِك عَلَيْهِ ثَانِيًا أم لَا. كَانَ لَهَا اخْتِيَار فِي الطَّلَاق كَمَا لَو طَلقهَا بخلع أم لَا. كَانَ الطَّلَاق عَلَيْهِ جبرا لضرره بهَا أم لَا. وَظَاهره أَنه إِذا رَاجعهَا يعود عَلَيْهِ ذَلِك وَلَو رَاجعهَا بعد زوج، وَمَفْهُوم دون الثَّلَاث أَنه إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا وَلَو فِي مَرَّات ثمَّ رَاجعهَا بعد زوج فَإِنَّهُ لَا يعود عَلَيْهِ ذَلِك إِلَّا بِشَرْط وَهُوَ كَذَلِك، وَقَوْلِي بعد عقد النِّكَاح احْتِرَازًا مِمَّا إِذا الْتزم لَهَا الْإِنْفَاق فِي صلب العقد وَفَاتَ بِالدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ذَلِك فِي النِّكَاح الأول فأحرى أَن لَا يعود عَلَيْهِ فِي الْمُرَاجَعَة كَمَا مرّ فِي فَاسد النِّكَاح بِخِلَاف الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فَإِنَّهُ لَا فرق بَين التزامها فِي العقد أَو بعده كَمَا قَررنَا، وَالظَّاهِر أَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله زمَان عصمَة، بل كَذَلِك إِذا قَالَ مُدَّة الزَّوْجِيَّة أَو مَا دَامَت تَحْتَهُ وَنَحْو ذَلِك كَمَا يَقْتَضِيهِ نَص ابْن رشد وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَإِن زوج لزوجه يلْتَزم مثل حضَانَة وَشرط يبرم فَإِن يكن دون الثَّلَاث طلقا الخ.(1/586)
لَكَانَ أشمل وأخصر وَأبين وَمَا ذكره النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات هُوَ كَذَلِك فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَاتٍ عَن ابْن رشد وَنَقله (ح) فِي التزاماته، وَاعْتَمدهُ (ز) وَغَيره عِنْد قَول (خَ) وزائد شَرط الخ. وَتقدم عكس هَذِه الْمَسْأَلَة فِي قَول النَّاظِم: وَمن يُطلق زَوْجَة وتختلع الخ. تَنْبِيهَات. الأول: فَإِن الْتزم الْإِنْفَاق وَلم يتعرضا للكسوة فَهَل تدخل الْكسْوَة؟ رجح ابْن عَرَفَة دُخُولهَا قَالَ (ت) وَفِي ذَلِك قلت: وَتدْخل الْكسْوَة فِي الْإِنْفَاق على الْمُرَجح لَدَى الْإِطْلَاق قلت: ذكر (ح) أَوَائِل الالتزامات كَلَام ابْن رشد وَابْن سهل وَغَيرهمَا. وَحَاصِله: أَن الْمُلْتَزم إِذا قَالَ: أردْت دُخُولهَا أَو عدم دُخُولهَا عِنْد الْإِطْلَاق صدق كَمَا يصدق أَيْضا إِذا قَالَ: أردْت شهرا أَو سنة عِنْد الْإِطْلَاق فِي الْمدَّة أَيْضا، وَإِن قَالَ لَا نِيَّة لَهُ لَا فِي الدُّخُول وَلَا فِي عَدمه فَالَّذِي يظْهر من ابْن رشد أَن لفظ النَّفَقَة يُطلق فِي الْعرف على الطَّعَام وَالْكِسْوَة وعَلى الطَّعَام فَقَط، وَأَن الأول هُوَ الْمَشْهُور، فَإِذا أطلق الْمُلْتَزم اللَّفْظ وَلم تكن لَهُ نِيَّة حملت على الأول لِأَنَّهُ الْمَشْهُور وَإِن ادّعى الْمُلْتَزم أَنه أَرَادَ الْأَخير قبل مَعَ يَمِينه، وَإِلَى هَذَا يرجع كَلَام ابْن سهل والمتيطي اه. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَهِيَ دَاخِلَة حَيْثُ لَا نِيَّة وَلَا عرف بتخصيص النَّفَقَة بِالطَّعَامِ وَإِلَّا لم تدخل وَمن تَأمل عرف عامتنا الْيَوْم وجدهم لَا يطلقونها على الْكسْوَة بِحَال فَلَا تلْزمهُ الْكسْوَة عِنْد الْإِطْلَاق وَعدم النِّيَّة كَمَا يفِيدهُ كَلَام (ز) وَغَيره أول النَّفَقَات وَتقدم فِي الْفَصْل قبل هَذَا أَن الْعرف يخصص الْعَام، ويقيد الْمُطلق. الثَّانِي: لَيْسَ لَهَا أَن تسْقط عَن الزَّوْج نَفَقَة أَوْلَادهَا حَيْثُ عَادَتْ لِأَنَّهُ مَال وهب لأولادها لَا حق لَهَا فِيهِ كَمَا مر أول الْخلْع، وَكَذَا لَو كَانَ الشَّرْط طَلَاق من يَتَزَوَّجهَا عَلَيْهَا أَو عتق من يتسرى بهَا لِأَنَّهُ حق لله. الثَّالِث: قَالَ الشَّيْخ (م) هَهُنَا مَا مَعْنَاهُ انْظُر إِذا تطوع بِنَفَقَة أَوْلَادهَا مُدَّة الزَّوْجِيَّة هَل تَنْقَطِع بِبُلُوغِهِ عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب كَمَا تَنْقَطِع بذلك عَن الْأَب أَو لَا تَنْقَطِع إِلَّا بِمَوْت أحد الزَّوْجَيْنِ أَو فراقهما لقَوْله فِي الْوَثِيقَة مُدَّة الزَّوْجِيَّة وَفِي التزامات (ح) : عَن الطرر وَابْن سَلمُون أَنَّهَا تَنْقَطِع بِبُلُوغِهِ عَاقِلا قَادِرًا قَالَ (ح) وَهُوَ خلاف ظَاهر قَوْله فِي معِين الْحُكَّام ومختصر الْمُتَيْطِيَّة إِذا طاع الزَّوْج بِنَفَقَة ابْن الزَّوْجَة جَازَ بعد ثُبُوت العقد وَإِن كَانَ فِي العقد لم يجز للغرر إِلَى آخر كَلَام (م) . قلت: معنى كَون مَا لِابْنِ سَلمُون والطرر خلاف ظَاهر مَا للمعين والمتيطية أَنه فِي الْمعِين والمتيطية أطلق فِي الْجَوَاز بعد العقد فظاهرهما أَنه لَازم مُدَّة الزَّوْجِيَّة وَلَو عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب، وَلِهَذَا زَاد (ح) إِثْر مَا مر عَن الْمعِين والطرر مَا مَعْنَاهُ: وَيحْتَمل أَن يكون مَا فِي ابْن سَلمُون والطرر تقييداً لما فِي الْمُتَيْطِيَّة والمعين وَهُوَ الظَّاهِر اه. ثمَّ رَأَيْت أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد الملوي رَحمَه الله نقل عَن الْبِسَاطِيّ فِي وثائقه أَنه اسْتشْكل مَا لِابْنِ سَلمُون والطرر فَإِنَّهُ الْتزم النَّفَقَة مُدَّة الزَّوْجِيَّة فَلم أسقطنا عَنهُ النَّفَقَة بقدرته على الْكسْب؟ قَالَ: وَكَأَنَّهُم لاحظوا أَن سَبَب الْتِزَامه إِسْقَاط كلفتهم عَن الْأُم وبقدرتهم على الْكسْب انْتَفَت الْعلَّة كَمَا قَالُوا فِيمَن اخْتلعت بِنَفَقَة الْوَلَد اه. وَبِه تعلم أَن مَا اسْتَظْهرهُ (ح) من التَّقْيِيد صَوَاب، وَأَن الْمَعْمُول عَلَيْهِ هُوَ مَا لِابْنِ سَلمُون والطرر وَالله أعلم.(1/587)
كَذَا جَرَى العَمَلُ فِي التَّمْتِيعِ بأَنَّهُ يَرْجِعُ بالرُّجُوعِ (كَذَا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من مَضْمُون مَا بعده (جرى الْعَمَل) فعل وفاعل (فِي التمتيع) يتَعَلَّق بجرى أَو بِالْعَمَلِ (بِأَنَّهُ) يتَعَلَّق بجرى أَيْضا (يرجع) خبر إِن (بِالرُّجُوعِ) يتَعَلَّق بِهِ، وَالتَّقْدِير: جرى الْعَمَل فِي التمتيع بِرُجُوعِهِ بِالرُّجُوعِ حَال كَونه كَائِنا كَذَلِك أَي كرجوع مَا الْتَزمهُ الزَّوْج لزوجته. وَشَيْخُنَا أبُو سَعِيدٍ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا رَدَّاً عَلَى مَنْ سَبَقَا (وَشَيخنَا) مُبْتَدأ (أَبُو سعيد) بدل (فرقا) فعل وفاعل (بَينهمَا) يتَعَلَّق بِهِ. وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (ردا) مصدر بِمَعْنى الْفَاعِل حَال من فَاعل فرق (على من سبقا) يتَعَلَّق بِالْحَال الْمَذْكُور. وَقَالَ قَدْ قَاسَ قِيَاساً فَاسِدا مَنْ جَعَلَ البَابَيْنِ بَاباً وَاحِدا (و) ضمير (قَالَ) يعود على الْمُبْتَدَأ الْمَذْكُور، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة فرقا (قد قَاس) محكي بقال (قِيَاسا) مصدر نَوْعي (فَاسِدا) نعت لَهُ. (من) مَوْصُول فَاعل بقاس (جعل) صلَة من (الْبَابَيْنِ) مفعول أول بِجعْل (بَابا) مَفْعُوله الثَّانِي (وَاحِدًا) نعت لَهُ. لأنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَدْ أسْقَطَهْ فَلاَ يَعُودُ دُونَ أَنْ يَشْتَرِطَهْ (لِأَنَّهُ) تَعْلِيل للْفَسَاد (حق لَهُ) خبر إِن (قد أسْقطه) نعت لحق (فَلَا يعود) جملَة من فعل وفاعل معطوفة على جملَة قد أسْقطه (دون) مُتَعَلق بيعود (أَن يَشْتَرِطه) فِي تَأَول مصدر مخفوض بِالْإِضَافَة. وَذَاكَ لَمْ يُسْقِطْهُ مُسْتَوْجِبُهُ فَعَادَ عِنْدَ مَا بَدَا مُوجِبُهُ (وَذَاكَ) مُبْتَدأ (لم يسْقطهُ مستوجبه) جملَة من فعل وفاعل خبر الْمُبْتَدَأ. وَمعنى مستوجبه(1/588)
مُسْتَحقّه وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أوضح (فَعَاد) جملَة معطوفة على جملَة لم يسْقطهُ (عِنْد) يتَعَلَّق بعاد (مَا) مَصْدَرِيَّة (بدا مُوجبه) صلتها. والموصول وصلته فِي تَأْوِيل مصدر مخفوض بِالْإِضَافَة أَي عِنْد بَدْء مُوجبه، وَأثبت النَّاظِم صلَة غير الْفَتْح فِي الْإِضْمَار ضَرُورَة على حد قَوْله: ومهمه مغبرة أرجاؤه كَأَن لون أرضه سماؤه وَالأَظْهَرُ العَوْدُ كَمَنْ تَخْتَلِعُ فَكُلّ مَا تَتْرُكُهُ مُرْتَجَعُ (وَالْأَظْهَر) مُبْتَدأ (الْعود) خَبره (كمن) خبر مُبْتَدأ مُضْمر (تختلع) صلَة من والرابط ضمير الْفَاعِل الْعَائِد على من (فَكل) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُولَة فِي مَحل جر بِالْإِضَافَة وَاقعَة على الشُّرُوط فَقَط لَا عَلَيْهَا وعَلى مَا تَدْفَعهُ خلعاً كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم مَا وَبِه قَرَّرَهُ وَلَده لِأَن المخالع بِهِ لَا يرتجع إِلَّا بِنَصّ عَلَيْهِ عِنْد الارتجاع (تتركه) صلَة مَا. وَهُوَ بِمَعْنى الْمَاضِي أَي: فَكل مَا تتركه من حَقّهَا بِسَبَب الطَّلَاق والرابط الضَّمِير الْمَنْصُوب (مرتجع) خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم، وَمعنى هَذِه الأبيات السِّت أَن الزَّوْجَة إِن أمتعت زَوجهَا بعد عقد النِّكَاح بسكنى دارها أَو استغلال ضيعتها وَنَحْو ذَلِك مُدَّة عصمتها مثلا ثمَّ طَلقهَا دون الثَّلَاث فَلَا سُكْنى لَهُ وَلَا استغلال فَإِن رَاجعهَا رجعت لَهُ السُّكْنَى والاستغلال إِلَّا إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا، ثمَّ رَاجعهَا بعد زوج لم يرجع لَهُ شَيْء حِينَئِذٍ من التمتيع الْمَذْكُور فَلَا فرق بَين مَا الْتَزمهُ الزَّوْج لزوجته الَّذِي تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي قَوْله: وَمَا أمرؤ لزوجة يلْتَزم الخ. وَبَين مَا التزمته الزَّوْجَة لزَوجهَا من السُّكْنَى والاستغلال وَنَحْوهمَا فَإِن كلاًّ مِنْهُمَا يسْقط بِالطَّلَاق وَيعود بالمراجعة إِلَّا أَن يُطلق ثَلَاثًا كَذَا قَالَ الجزيري فِي وثائقه وإياه تبع النَّاظِم حَيْثُ قَالَ: كَذَا جرى الْعَمَل بالتمتيع الخ. ثمَّ أخبرنَا النَّاظِم أَن شَيْخه أَبَا سعيد رَحمَه الله فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ ردا على من سبق وَهُوَ الجزيري الْمَذْكُور، وَقَالَ: إِن من قَاس مَسْأَلَة الإمتاع على مَسْأَلَة الْتِزَام الزَّوْج فقياسه فَاسد لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة الإمتاع الْحق للزَّوْج، وَقد أسقط حَقه مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ الطَّلَاق لِأَنَّهُ بِيَدِهِ فَلَا يعود إِلَيْهِ بالمراجعة إِلَّا بإمتاع ثَان، وَأما مَا الْتَزمهُ الزَّوْج لزوجته من الشُّرُوط والإنفاق على أَوْلَادهَا فَإِن الْحق فِيهِ للزَّوْجَة أَو لبنيها وهم لم يسقطوا حَقهم، أما الزَّوْجَة فَلِأَنَّهُ لَا طَلَاق بِيَدِهَا حَتَّى تكون بِهِ مسقطة حَقّهَا. وَأما الْأَوْلَاد فَكَذَلِك أَيْضا هَذَا مَا فرق بِهِ أَبُو سعيد. قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله: وَالْأَظْهَر عِنْده الْعود كَمَا قَالَ الجزيري وَشبه ذَلِك بالمختلعة فِي(1/589)
الْمَسْأَلَة السَّابِقَة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله: وَمَا امْرُؤ بِزَوْجَة الخ. فَإِنَّهَا تفارق باختيارها وَلها سَبَب فِيهِ، وَمَعَ ذَلِك تعود لَهَا شُرُوطهَا وَهُوَ معنى قَوْله: فَكل مَا تتركه الخ. قلت: مَا قَالَه أَبُو سعيد رَحمَه الله أظهر لِأَن تِلْكَ الشُّرُوط إِن كَانَت حَقًا لله تَعَالَى كَطَلَاق من يَتَزَوَّجهَا أَو عتق من يتسرى بهَا عَلَيْهَا أَو حَقًا لغَيْرهَا كَنَفَقَة الْأَوْلَاد وحضانتهم فَلَا تسْقط قطعا، وَلَا يكون اخْتِيَارهَا الطَّلَاق بِالْخلْعِ سَببا فِي إِسْقَاط تِلْكَ الشُّرُوط عِنْد الْمُرَاجَعَة، وَإِن كَانَت حَقًا لَهَا فَقَط كجعل أمرهَا أَو أَمر الدَّاخِلَة عَلَيْهَا بِيَدِهَا فاختيارها الطَّلَاق بِالْخلْعِ أَيْضا مَسْبُوق بِاخْتِيَارِهِ، فَلِذَا عَادَتْ الشَّرْط بالمراجعة وَيدل على اخْتِيَارهَا الطَّلَاق فِي الْخلْع مَسْبُوق بِاخْتِيَارِهِ مَا قَالُوهُ فِي المختلعة فِي الْمَرَض على مَا مرّ، وَذَلِكَ لِأَن الزَّوْج إِذا أجَاب زَوجته لِلْخلعِ فقد أظهر لَهَا عدم رغبته فِيهَا فَلَا يَسعهَا حِينَئِذٍ إِلَّا بدله لِأَن النِّسَاء يأنفن من الْإِقَامَة عِنْد من أظهر لَهُنَّ الرَّغْبَة عَنْهُن فَلَا يتم الْقيَاس الَّذِي قاسه الجزيري، واستظهره النَّاظِم. وَبِالْجُمْلَةِ لم يتمحض اخْتِيَارهَا فِي الْخلْع بل هُوَ مَسْبُوق بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَاف التمتيع فقد تمحض اخْتِيَاره، وَمن شَرط الْقيَاس الْمُسَاوَاة، وَالله أعلم.
(فصل فِي التداعي فِي الطَّلَاق)
الْفَاء للسَّبَبِيَّة أَي التداعي الْحَاصِل بِسَبَب الطَّلَاق قَالَه (ت) وَهَذَا الْفَصْل هُوَ الْمُسَمّى عِنْد الأقدمين بإرخاء الستور قَالَه الشَّارِح. وَالزَّوْجُ إنْ طَلَّقَ مِنْ بَعْدِ البِنَا ولاِدِّعاءِ الوَطْءِ رَدَّ مُعْلِنا (وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (إِن طلق) شَرط (من بعد الْبَنَّا) ء يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط الْمَذْكُور، وَمرَاده بِالْبِنَاءِ خلْوَة الاهتداء (ولادعاء الْوَطْء) مفعول بقوله (رد) وفاعله ضمير الزَّوْج وَاللَّام زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كَمَا مر، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة الشَّرْط قبلهَا (مُعْلنا) حَال من فَاعل رد. فالقَولُ قَوْلُ زَوْجَةٍ وَتَسْتَحِقْ بَعْدَ الْيَمِينِ مَهْرَها الّذِي يَحِقْ (فَالْقَوْل قَول زَوْجَة) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَلذَا دخلت الْفَاء (وتستحق) فَاعله ضمير الزَّوْجَة (بعد الْيَمين) يتَعَلَّق بِهِ (مهرهَا) مفعول بِهِ (الَّذِي) صفة لما قبله (يحِق) صلَة الَّذِي والرابط هُوَ الْفَاعِل بيحق، وَالْجُمْلَة من تسْتَحقّ وَمَا بعده معطوفة على جَوَاب الشَّرْط(1/590)
وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ الزَّوْج، وَمَعْنَاهُ أَن الزَّوْج إِذا خلا بِزَوْجَتِهِ خلْوَة يُمكن شغله مِنْهَا، وَإِن لم يكن هُنَاكَ ستر وَلَا غلق بَاب ثمَّ طَلقهَا بعد تِلْكَ الْخلْوَة وَهِي مُرَاد المُصَنّف بِالْبِنَاءِ كَمَا مرّ فادعت هِيَ الْمَسِيس وَادّعى هُوَ عَدمه فَإِن القَوْل للزَّوْجَة بِيَمِينِهَا للْعُرْف، إِذْ قل أَن يفارقها قبل الْوَطْء، وتستحق جَمِيع مهرهَا الْحَال أَو مَا حل مِنْهُ عِنْد حَلفهَا، وَأما الْمُؤَجل فتستحقه عِنْد حُلُول أَجله، وَظَاهر النّظم كَانَت حرَّة أَو أمة رَشِيدَة أَو سَفِيهَة تلبست بمانع وَقت الاختلاء كحيض أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع (خَ) وصدقت فِي خلْوَة الاهتداء، وَإِن بمانع شَرْعِي، وَفِي نَفْيه وَإِن سَفِيهَة أَو أمة الخ. ثمَّ لَا يتَمَكَّن من ارتجاعها لإنكاره الْوَطْء قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. وَظَاهر النّظم أَنه لَا ينظرها النِّسَاء إِن كَانَت بكرا وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور والجاري على مَا مرّ فِي الْعُيُوب أَن النِّسَاء ينظرنها وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل، وَعَلِيهِ فَإِن وجدنها مفتضة فقولها، وَإِلَّا فَقَوله مَعَ الْيَمين فيهمَا أَيْضا لِأَن شَهَادَة النِّسَاء وحدهن فِي المَال، أَو مَا يؤول إِلَيْهِ لَا بُد مَعهَا من الْيَمين، وَمَفْهُوم قَوْله من بعد الْبناء أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْمَسِيس بعد العقد عَلَيْهَا، وَلم تثبت خلْوَة بَينهمَا فَإِن القَوْل للزَّوْج حِينَئِذٍ وَهُوَ كَذَلِك قَالَه ابْن حَارِث. وَمَفْهُوم قَوْله: رد مُعْلنا أَنه إِذا أقرّ بِالْوَطْءِ فِيهِ أَخذ بِإِقْرَارِهِ، وَلَو أنْكرت هِيَ ذَلِك رَشِيدَة كَانَت أَو سَفِيهَة وَهُوَ كَذَلِك فِي السفيهة، وَكَذَا فِي الرشيدة إِن رجعت عَن إنكارها إِلَى تَصْدِيقه قبل أَن ينْزع عَن إِقْرَاره لَا إِن رجعت بعد نَزعه فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا نصف الصَدَاق فَإِن اسْتمرّ على إِقْرَاره واستمرت على تَكْذِيبه، فَهَل لَهَا جَمِيع الصَدَاق أَو نصفه فَقَط تَأْوِيلَانِ. وَمَفْهُوم قَوْله لادعاء الخ. أَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على نفي الْوَطْء فَيعْمل على قَوْلهمَا وَإِن سَفِيهَة أَو أمة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر عَن (خَ) لَكِن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ للصداق، وَأما بِالنِّسْبَةِ للعدة وَنفي الْوَلَد فَلَا إِذْ الْعدة تجب بِمُجَرَّد الْخلْوَة وَالْولد لَا يَنْتَفِي إِن أَتَت بِهِ لسِتَّة أشهر فَأكْثر من يَوْم العقد وَلَو لم تعلم خلْوَة إِلَّا بِلعان. وَإنْ يَكُنْ مِنْها نُكُولٌ فَالْقَسَمْ عَليهِ وَالواجِبُ نِصْفُ مَا التَزَمْ (وَإِن يكن) شَرط (مِنْهَا) خبر يكن (نُكُول) اسْمهَا (فالقسم عَلَيْهِ) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر جَوَاب الشَّرْط (وَالْوَاجِب) مُبْتَدأ (نصف مَا الْتزم) خبر، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة الْجَواب قبلهَا وَمَا وَاقعَة على الصَدَاق والعائد مَحْذُوف أَي: نصف الصَدَاق الَّذِي الْتَزمهُ. وَيَغْرِمُ الْجَمِيعَ مَهما نَكَلاَ وَإنْ يَكُن كَالابتِنَاءِ قَدْ خَلا (وَيغرم) فَاعله ضمير الزَّوْج (الْجَمِيع) مَفْعُوله (مهما) اسْم شَرط (نكلا) مجزوم الْمحل وألفه للإطلاق، وَيصِح أَن تكون للتثنية. وَالْجُمْلَة قبله يَلِيهِ دَلِيل الْجَواب وَمعنى كَلَامه وَاضح وَإِنَّمَا(1/591)
وَجب عَلَيْهِ غرم الْجَمِيع لِأَن النّكُول بالمنكول تَصْدِيق للناكل الأول. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَت الْخلْوَة لغير الْبناء بل لزيارة فَقَالَ: (وَإِن يكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير الزَّوْج (لَا) معطوفة على مُقَدّر مُتَعَلق بخلا (لابتناء) مَعْطُوف (قد خلا) خبر يكن أَي وَإِن يكن قد خلا لزيارة لَا لابتناء. فالقَوْلُ قَوْلُ زَائِرٍ وَقيلَ بَلْ لِزَوْجَةٍ وَما عَليهِ مِنْ عَمَلْ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول زائر) خَبره. وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَإِذا كَانَ القَوْل للزائر، فَإِذا زارته هِيَ وَادعت الْمَسِيس فَالْقَوْل قَوْلهَا بِيَمِينِهَا وَإِن زارها أَو كَانَا زائرين مَعًا عِنْد الْغَيْر، فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ لِأَن الرجل إِنَّمَا ينشط فِي بَيته غَالِبا (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول نَائِبه الْجُمْلَة المحكية بعده (بل) عاطفة على مُقَدّر أَي: وَقيل لَا يكون القَوْل للزائر بل (لزوجة) مُطلقًا (وَمَا) نَافِيَة (عَلَيْهِ) خبر عَن قَوْله (من عمل) . وَمَنْ كَسا الزَّوْجَةَ ثُمَّ طَلَّقا يَأخُذُها مَعْ قُرْبِ عَهْدٍ مُطْلقَا (وَمن) اسْم شَرط (كسا الزَّوْجَة) مفعول أول بكسا ومفعوله الثَّانِي مَحْذُوف أَي ثوبا (ثمَّ) عاطفة الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا على الَّتِي قبلهَا (طلقا) أَلفه للإطلاق (يَأْخُذهَا) فعل وفاعل ومفعول، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالضَّمِير عَائِد على الْكسْوَة المفهومة من كسا (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بيأخذ (قرب) مُضَاف إِلَيْهِ (عهد) كَذَلِك (مُطلقًا) حَال من فَاعل يَأْخُذ. وَالأَخْذُ إنْ مَرَّتْ لَهَا شُهورُ ثَلاثةٌ فَصاعِداً مَحْظُورُ (وَالْأَخْذ) مُبْتَدأ (إِن مرت لَهَا شهور) فَاعل بمرت (ثَلَاثَة) الظَّاهِر أَنه خبر كَانَ مقدرَة مَعَ اسْمهَا، وَالْجُمْلَة صفة أَي يكون عدهَا ثَلَاثَة (فَصَاعِدا) وَالْفَاء حِينَئِذٍ عاطفة، وَأما رفع ثَلَاثَة على أَنه نعت أَو عطف بَيَان، فَلَيْسَ هُنَاكَ حِينَئِذٍ مَا يعْطف عَلَيْهِ فَصَاعِدا لِأَنَّهُ بِالنّصب (مَحْظُور) خبر الْمُبْتَدَأ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن من كسا زَوجته ثوبا وَنَحْوه الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ شرعا، ثمَّ طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا وَلَا حمل بهَا وَلما طَلقهَا أَرَادَ أَن يَأْخُذ الْكسْوَة فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ بهَا مُطلقًا خلقت أم لَا. لَكِن لَا بُد أَن يقرب الْعَهْد بِحَيْثُ يكون بَين الطَّلَاق وزمن الْكسْوَة أقل من ثَلَاثَة أشهر، وَأما إِن مضى لَهَا ثَلَاثَة أشهر، فَأكْثر فَأَخذه إِيَّاهَا مَمْنُوع بِخِلَاف النَّفَقَة إِن كَانَ عجلها لَهَا فَلهُ أَخذهَا مُطلقًا أَي: مَا بَقِي مِنْهَا مَضَت لَهَا ثَلَاثَة أشهر أَو أقل أَو أَكثر فَإِن اخْتلفَا فادعت هِيَ أَنَّهَا مَضَت لَهَا ثَلَاثَة أشهر فَأكْثر، وَادّعى هُوَ أَنه لم يمض لَهَا ذَلِك، فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِقَامَة الْبَيِّنَة على مَا ادَّعَت لِأَنَّهَا تُرِيدُ اسْتِحْقَاق الثَّوْب قَالَه فِي الوثائق(1/592)
الْمَجْمُوعَة، وَيَأْتِي للناظم قَرِيبا فِي قَوْله: وحيثما خلفهمَا فِي الزَّمن الخ. ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم فِي الطَّلَاق يجْرِي فِي الْمَوْت (خَ) وَردت النَّفَقَة لَا الْكسْوَة بعد أشهر الخ. وَهَذَا فِي الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ كَمَا مر سَوَاء كَانَت تأخذها بِفَرْض القَاضِي بِأَن رفعت أمرهَا إِلَيْهِ حَتَّى فَرضهَا لَهَا أم لَا. وَأما الْكسْوَة الْغَيْر الْوَاجِبَة بِأَن أَعْطَاهَا لَهَا على وَجه الْهَدِيَّة فَهِيَ لَهَا فِي الطَّلَاق موروثة عَنْهَا فِي الْمَوْت لِأَنَّهَا عَطِيَّة قد حيزت. فَإِذا اخْتلفَا فَقَالَ الزَّوْج: هَذِه الْكسْوَة هِيَ الْوَاجِبَة عليَّ وَقَالَت هِيَ أَو ورثتها: بل هَدِيَّة فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم بقوله: وَإنْ يَكونا اختَلَفا فِي المَلْبَسِ فالقَوْلُ قَوْلُ زَوْجَةٍ فِي الأَنْفَسِ (وَإِن يَكُونَا) شَرط وألفه اسْمهَا (اخْتلفَا) خَبَرهَا (فِي الملبس) بِضَم الْمِيم وَفتح الْبَاء اسْم مفعول من ألبس يتَعَلَّق باختلف (فَالْقَوْل قَول زَوْجَة) مُبْتَدأ وَخبر (فِي الْأَنْفس) يتَعَلَّق بالْخبر، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. وَالقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِثوْبٍ مُمْتَهَنْ وَلُبْسُ ذاتِ الحَمْلِ بالحَمَلِ اقْتَرَنْ (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْج) خَبره (بِثَوْب) يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا وباؤه للظرفية (ممتهن) صفة لَهُ وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْكسْوَة وَهِي مُرَاده بالملبس فَقَالَت: هِيَ هَدِيَّة وَقَالَ هُوَ: بل هِيَ الْوَاجِبَة عليَّ فَإِنَّهُ ينظر فَإِن كَانَت رفيعة لَا يفْرض مثلهَا على مثله، فَالْقَوْل للزَّوْجَة بِيَمِين أَنَّهَا هَدِيَّة، وَإِن كَانَت مِمَّا يفْرض مثلهَا على مثله ويكسو مثله بهَا زَوجته فَالْقَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، فَالْمُرَاد بالممتهن مَا يكسو بِهِ مثله زَوجته، وَيحْتَمل وَهُوَ الظَّاهِر أَن المُرَاد بالممتهن المستخدم الَّذِي لم تمض لَهُ ثَلَاثَة أشهر كَمَا يَأْتِي، وعَلى الأول فَمَا ذكره من كَون القَوْل لَهَا فِي الْأَنْفس ظَاهر إِذا كَانَ لَهَا ثوب آخر على ظهرهَا تبتذله بِدَلِيل مَا قبله وَلم يدع هُوَ أَنه قد دَفعه لَهَا للتزين بِهِ فَقَط، وَأما إِذا لم يكن لَهَا غَيره على ظهرهَا أَو كَانَ عَلَيْهَا غَيره، وَلَكِن ادّعى هُوَ أَنه دَفعه للتزين فَقَط فَالْقَوْل لَهُ إِذْ قد يكسو الرجل زَوجته بِأَحْسَن صفة من كسْوَة أَمْثَاله لَهَا فَيجْرِي فِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم بَين مُضِيّ ثَلَاثَة أشهر أم لَا. وَقد يَدْفَعهُ لَهَا للتزين حَيْثُ كَانَ لَهَا غَيره إِذْ الزَّوْج حِينَئِذٍ قد علم أصل ملكه فَلَا يخرج من يَده إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي قَصده كَمَا مر آخر الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ عرف بِأَن مثله يهديه الزَّوْج لزوجته. قَالَ فِي الطرر قبل تَرْجَمَة اللّعان مَا نَصه: قَالَ(1/593)
ابْن تليد: إِن ابْتَاعَ الرجل لزوجته كسْوَة مثل ثوب أَو فرو، ثمَّ تَمُوت فيريد أَخذهَا لم يكن لَهُ ذَلِك وَهُوَ موروث عَنْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ بعض الشُّيُوخ فِي الْمَوْت وَالطَّلَاق، وَبِه الْعَمَل قَالَ: وَهَذَا إِذا كَانَت لغير البذلة اه. فَهُوَ ظَاهر بل نَص فِي أَن لَهَا ثوبا آخر عَلَيْهَا تبتذله بِدَلِيل قَوْله: وَهَذَا إِذا كَانَت الخ. وَظَاهر أَيْضا فِي أَنَّهَا ادَّعَت أَو وارثها أَن ذَلِك هَدِيَّة كَمَا هُوَ نَص الوثائق الْمَجْمُوعَة، إِذْ لَو قَالَت: هُوَ لي لجرى على الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَما أَن تَدعِي أَنه لَهَا فَهُوَ مَا مرّ فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت، وَأما أَن يَدعِي هُوَ أَنه أهداه لَهَا وَهَذَا فِيهِ وَجْهَان. أَحدهمَا: أَن يَدعِي هُوَ أَنه من الْكسْوَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ كَمَا مر، وَثَانِيهمَا أَن يَدعِي أَنه دَفعه لَهَا للتزيين فَقَط ثمَّ قَالَ فِي الطرر إِثْر مَا مر، قَالَ ابْن لبَابَة: وَمَا اشْتَرَاهُ الرجل لزوجته أَو اشترته لنَفسهَا من مَاله وَلَا يُنكر عَلَيْهَا إِذا تزينت بِهِ فَإِنَّهُ لَهَا عَاشَ أَو مَاتَ. وَقَالَ أَيْضا إِنَّه لوَرَثَة الرجل إِن مَاتَ عَنْهَا إِلَّا أَن تقيم الْبَيِّنَة على هبة أَو عَطِيَّة قَالَ غَيره: وَكَذَلِكَ إِن كَانَ حَيا بِيَمِين وَهُوَ أحسن اه بِلَفْظِهِ، فقد حكى عَن ابْن لبَابَة قَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي رَجحه، وعَلى هَذَا التَّرْجِيح جرى الشاطبي فِي فتواه المنقولة فِي الشَّرْح، حَيْثُ سُئِلَ عَن امْرَأَة قَالَت بعد وَفَاة زَوجهَا فِي ثِيَاب تشاكلها أَن زَوجهَا المتوفي سَاقهَا لَهَا أَو أهداها لَهَا وخالفها الْوَرَثَة فَقَالَ: لَا يسمع دَعْوَى الْمَرْأَة إِلَّا بِبَيِّنَة وعَلى الْوَرَثَة الْيَمين أَنهم لَا يعلمُونَ أَن تِلْكَ الثِّيَاب من مَال الْمَرْأَة وَلَيْسَت هَذِه الْمَسْأَلَة من الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت لِأَن الْمَرْأَة مقرة بِأَن الثِّيَاب بِأَعْيَانِهَا للزَّوْج. قَالَ: وَلَكِن يبْقى النّظر فِي لباسها تِلْكَ الثِّيَاب وامتهانها يَعْنِي بِحَضْرَة المتوفي قَالَ: وَالصَّحِيح أَن الرجل لَيْسَ لَهُ أَخذ كسْوَة الْمَرْأَة عِنْد فراقها إِذا كَانَت متبذلة فَإِن لم تبتذل كَانَ لَهُ ارتجاعها، فَهَذِهِ الثِّيَاب مثلهَا إِن كَانَت الزَّوْجَة قد ابتذلتها فَهِيَ لَهَا وإلاَّ صَارَت مِيرَاثا اه بِاخْتِصَار. وَثيَاب البذلة هِيَ ثِيَاب المهنة المستخدمة وَعَلِيهِ فَمَا صَححهُ هَذَا الإِمَام هُوَ مَا مر عَن (خَ) فمرادهم بالبذلة مَا كثر لبسهَا لَهُ بِحَضْرَة زَوجهَا حَتَّى خلق وبلي، وَلَو كَانَ من ثِيَاب الزِّينَة. وَأَحْرَى إِذا كَانَ على ظهرهَا تبتذله كل يَوْم كَمَا هُوَ الظَّاهِر من هَذِه الْفَتْوَى، فَمَا فِي النّظم حِينَئِذٍ مُخَالف لإِطْلَاق (خَ) لَا الْكسْوَة بعد أشهر، وَمَا فِي الطرر عَن ابْن تليد وَابْن لبَابَة فِي أول قَوْله مُخَالف بِظَاهِرِهِ لذَلِك أَيْضا، لَكِن مَا لِابْنِ لبَابَة يُمكن حمله على مَا فِي (خَ) بل يُقيد بِمَا إِذا لم يمض لَهَا ثَلَاثَة أشهر فَأكْثر وَهِي تبتذلها بِحَضْرَتِهِ وإلاَّ فَهِيَ لَهَا، وَأما مَا لِابْنِ تليد وَهُوَ ظَاهر النّظم فمخالف لإِطْلَاق (خَ) قطعا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون قَوْله: وَهَذَا إِذا كَانَت لغير البذلة مَعْنَاهُ. وَهَذَا إِذا لم تبتذل ويمضي لَهَا ثَلَاثَة أشهر فيوافقه حِينَئِذٍ وَيكون معنى قَول النَّاظِم فِي الْأَنْفس أَي الَّذِي ابتذل وَمَضَت لَهُ الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَمرَاده بالممتهن أَي الَّذِي يكسى مثله لمثلهَا أَو لَا يكسى، وَلَكِن لم يبتذل وَلم تمض لَهُ تِلْكَ الْمدَّة فَالْقَوْل فِيهِ للزَّوْج حِينَئِذٍ فَتَأَمّله وَالله أعلم. لَكِن كَانَ النَّاظِم فِي غنى عَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بالبيتين قبلهمَا، وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا آخر الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت. (وَلبس) مُبْتَدأ (ذَات الْحمل) مُضَاف إِلَيْهِ (بِالْحملِ) يتَعَلَّق بقوله: (اقْترن) وَالْجُمْلَة خبر، وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة طَلَاقا بَائِنا وَهِي حَامِل تجب لَهَا الْكسْوَة بِظُهُور الْحمل وحركته كَالنَّفَقَةِ على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه لَا شَيْء لَهَا حَتَّى تضع ثمَّ تفرض لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة(1/594)
مُدَّة الْحمل السَّابِقَة خيفة أَن يكون ريحًا فينفش (خَ) : وَلَا نَفَقَة بدعواها، بل بِظُهُور الْحمل وحركته فَتجب من أَوله إِلَى آخِره. ابْن الْعَطَّار: يفْرض لَهَا فِي الْكسْوَة مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من الْجُبَّة والكساء وَغير ذَلِك قَالَ: وَينظر إِلَى غَالب مُدَّة الْحمل، فَإِن قيل: تِسْعَة أشهر، فَيُقَال: كم قيمَة الْجُبَّة، وَفِي كم تبلى فَإِن كَانَت تبلى لسنة وَنصف دفع إِلَيْهَا نصف قيمتهَا تعْمل بِهِ مَا شَاءَت، وَكَذَا فِي الكساء وَيدْفَع لَهَا الْقَمِيص والمقنعة. انْظُر الْبُرْزُليّ أَوَائِل النَّفَقَات. وَقَوْلنَا بَائِنا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ رَجْعِيًا فَإِنَّهَا كالزوجية فِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة. وَحَيثُما خُلْفُهما فِي الزَّمَنِ يُقَالُ لِلزَّوْجَةِ فِيهِ بِيِّنِي (وحيثما) اسْم شَرط وَفعل الشَّرْط مَحْذُوف أَي حَيْثُمَا وَقع (خلفهمَا) اسْم مصدر بِمَعْنى اخْتِلَاف فَاعل بِوَقع الْمُقدر (فِي الزَّمن) يتَعَلَّق بخلف (يُقَال للزَّوْجَة) نَائِب عَن الْفَاعِل (فِيهِ) يتَعَلَّق بيقال (بيني) فعل أَمر وفاعله يَاء المؤنثة المخاطبة، وَالْجُمْلَة من فعل الْأَمر وفاعله محكية بيقال وَالْجُمْلَة من يُقَال: وَمَا بعده جَوَاب الشَّرْط. وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الزَّمن فَقَالَت: مضى للكسوة ثَلَاثَة أشهر وَأنكر هُوَ ذَلِك فَإِن القَوْل للزَّوْج، وَيُقَال للْمَرْأَة أقيمي الْبَيِّنَة على مَا تدعيه كَمَا مرّ عَن الوثائق الْمَجْمُوعَة، فَإِن عجزت حلف الزَّوْج وَله قَلبهَا عَلَيْهَا كَمَا قَالَ: وَعَجْزُها يَمِينَ زَوْجٍ يُوجِبُ وَإنْ أرَادَ قَلْبَها فَتُقْلَبُ (وعجزها) مُبْتَدأ (يَمِين زوج) مفعول بقوله (يُوجب) وَالْجُمْلَة خبر (وَإِن أَرَادَ) شَرط (قَلبهَا) مفعول بِهِ (فتقلب) جَوَاب الشَّرْط، وَإِنَّمَا قلبت لِأَنَّهَا دَعْوَى تَحْقِيق، فَإِن حَلَفت اسْتحقَّت وَإِلَّا فَلَا شَيْء لَهَا لِأَن النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للناكل الأول.
(فصل)
وَمَنْ يُطَلِّقْ طَلْقَةً رَجْعِيَّهْ ثُمَّ أرَادَ العَوْدَ لِلزَّوْجِيَّهْ (وَمن يُطلق) شَرط (طَلْقَة) مفعول مُطلق (رَجْعِيَّة) نعت لَهُ (ثمَّ) عاطفة الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا (أَرَادَ الْعود) جملَة من فعل وفاعل ومفعول (للزوجية) يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ. فَالقَوْلُ للزَّوْجَةِ واليَمِينُ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّةٍ تَبِينُ (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (وَالْيَمِين) مُبْتَدأ (على انْقِضَاء عدَّة)(1/595)
يتَعَلَّق بِالْيَمِينِ (تبين) بِضَم التَّاء مضارع أبان خبر عَن الْيَمين أَي: أَن يَمِينهَا على انْقِضَاء الْعدة تبين عصمتها وتخرجها من الْعدة قَالَه (م) وَيحْتَمل أَن خبر الْيَمين مَحْذُوف أَي: وَالْيَمِين على انْقِضَاء عدتهَا وَاجِبَة عَلَيْهَا وَلَا تصدق بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا الِانْقِضَاء، وَتبين حِينَئِذٍ بِفَتْح التَّاء مضارع بَان إِذا ظهر صفة لعدة وَحَاصِل معنى الْبَيْتَيْنِ أَن الطَّلَاق إِذا كَانَ رَجْعِيًا وَاخْتلفَا فِي انْقِضَاء الْعدة، فَالْقَوْل للزَّوْجَة مَعَ يَمِينهَا على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم، وَحَكَاهُ ابْن الْهِنْدِيّ عَن مقالات ابْن مغيث. وَالْمَشْهُور أَن لَا يَمِين عَلَيْهَا (خَ) : وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين مَا أمكن اه. وَاخْتلف فِيمَا يُمكن انْقِضَاء عدتهَا فِيهِ فَقَالَ سَحْنُون: أقل مَا تصدق فِيهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: خَمْسُونَ يَوْمًا. وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِي غير الْمُدَوَّنَة: وَلَا تصدق فِي أقل من خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا. قَالَ: وَبِه جرى عمل الشُّيُوخ اُنْظُرْهُ فِي بَاب الرّجْعَة، وَلَعَلَّ النَّاظِم إِنَّمَا اعْتمد القَوْل بِالْيَمِينِ مَعَ أَن المتيطي قد صرح إِثْر مَا مرّ عَنهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْعَمَل على أَن تحلف لفساد الزَّمَان فقد قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قلت الْأَدْيَان بالذكران فَكيف بالنسوان؟ فَلَا تمكن الْمُطلقَة من التَّزْوِيج إِلَّا بعد ثَلَاثَة أشهر من يَوْم الطَّلَاق، وَلَا تسْأَل هَل كَانَ الطَّلَاق أول الطُّهْر أَو آخِره وَعَلِيهِ صَاحب اللامية حَيْثُ قَالَ: وَذَات قرء فِي اعْتِدَاد بأشهر الخ. أَي لَا تصدق فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر لَا أَنَّهَا تخرج من الْعدة بِثَلَاثَة أشهر، وَلَو لم تحصل الإقراء الثَّلَاث فَإِن هَذَا خلاف نَص الْقُرْآن كَمَا مرّ عِنْد قَول النَّاظِم: وَيملك الرّجْعَة بالرجعي إِلَى قَوْله: وَفِي المملك الْخلاف الخ. ثمَّ مَحل كَونهَا لَا تصدق فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر على مَا بِهِ الْعَمَل الْيَوْم إِنَّمَا هُوَ إِذا أَرَادَت التَّزْوِيج كَمَا مر، وَأما بِالنِّسْبَةِ للرجعة الَّتِي الْكَلَام فِيهَا فَإِنَّهَا تصدق فِي كل مَا يُمكن انقضاؤها فِيهِ كالشهر وَنصفه على مَا مر أَن الْعَمَل عَلَيْهِ، بل وَلَو فِي الشَّهْر فَقَط على مَا مر فِي الْمُدَوَّنَة من أَنَّهَا تصدق إِذا قَالَت النِّسَاء إِن ذَلِك مُمكن وَإِلَّا لزم الْقدوم على فرج مَشْكُوك، والفروج يحْتَاط لَهَا. وَلَا سِيمَا وَقد علمت أَنه روعي حق الله فِي عدم تصديقها فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر بِالنِّسْبَةِ للتزوج على الْمَعْمُول بِهِ الْيَوْم فَيُقَال: كَذَلِك يُرَاعى حق الله أَيْضا فِي تصديقها فِيمَا يُمكن بِالنِّسْبَةِ للرجعة بالأحرى، نعم إِذا ادَّعَت انقضاءها فِيمَا لَا يُمكن أصلا كأقل من شهر فَلَا تصدق وَله ارتجاعها كَمَا قَالَ. ثُمَّ لَهُ ارْتِجَاعُها حَيْثُ الكذِبْ مُسْتَوضَحٌ مِنَ الزّمَانِ المُقْتَرِبْ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الذكري (لَهُ ارتجاعها) مُبْتَدأ وَخبر (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (الْكَذِب مستوضح) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (من) للتَّعْلِيل أَي لأجل (الزَّمَان) يتَعَلَّق بمستوضح (المقترب) صفة للزمان، وَهُوَ اسْم فَاعل من اقْترب، وَالْمعْنَى أَنه إِذا تبين كذبهَا بِأَن ادَّعَت الِانْقِضَاء فِيمَا لَا يُمكن كأقل من شهر(1/596)
فَإِنَّهَا لَا تصدق وَله ارتجاعها جبرا عَلَيْهَا، وَهَذَا كُله فِيمَن تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ، وَأما الَّتِي تَعْتَد بِالْأَشْهرِ كالمتوفي عَنْهَا واليائسة وَالصَّغِيرَة فَلَا تصدق وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِلَّا بِبَيِّنَة على تَارِيخ الْوَفَاة وَالطَّلَاق بِالنِّسْبَةِ للتزوج، وَأما بِالنِّسْبَةِ للرجعة حَيْثُ كَانَ الطَّلَاق بِغَيْر تَارِيخ فَانْظُر هَل تصدق الْمَرْأَة اليائسة فِي الِانْقِضَاء وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا؟ وَانْظُر مَا تقدم فِي التَّنْبِيه الرَّابِع عِنْد قَوْله وَمَتى من الْمَرَض الخ. تَنْبِيه: ذكر الْبُرْزُليّ فِي مسَائِل الْعدة والاستبراء أَن الزَّوْج إِذا خَافَ أَن تجحد مطلقته الْحيض، فَلهُ أَن يَجْعَل مَعهَا أمينة صَالِحَة تتعرف مِنْهَا ذَلِك وتعرف إقراءها، وَهل يعْمل على قَوْلهَا الخ. قلت: وَانْظُر إِذا خشِي أَن تَدعِي الْحيض فِي أقل مَا يُمكن فَهَل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يخْشَى أَن تسْقط رجعته وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْبُرْزُليّ الْمُتَقَدّم أم لَا. وَما ادَّعَتْ مِنْ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ المُطَلَّقَهْ بالسِّقْطِ فَهْيَ أبَداً مُصَدَّقَهْ (وَمَا) اسْم شَرط (ادَّعَت) فعله (من ذَلِك) يتَعَلَّق بِهِ (الْمُطلقَة) فَاعل ادَّعَت (بِالسقطِ) حَال من اسْم الْإِشَارَة الْعَائِد على الِانْقِضَاء (فَهِيَ) مُبْتَدأ (أبدا) مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله: (مصدقة) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَيحْتَمل أَن تكون مَا مَوْصُولَة مُبْتَدأ وصلتها ادَّعَت والعائد مَحْذُوف أَي ادَّعَتْهُ وَالْمَجْرُور بَيَان لما، وَالْجُمْلَة من قَوْله فَهِيَ أبدا الخ. خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء فِي خَبره لشبهه بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام كَقِرَاءَة ابْن كثير قَوْله تَعَالَى: إِنَّه من يتقِّ ويصبر فَإِن الله لَا يضيع} (يُوسُف: 90) الْآيَة. وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة إِذا ادَّعَت انْقِضَاء عدتهَا بِوَضْع سقط أسقطته وَأولى بِوَضْع كَامِل فَهِيَ مصدقة أبدا قرب الزَّمَان أَو بعد، وَظَاهره أَنَّهَا مصدقة بِلَا يَمِين وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور كَمَا مر. وَلا يُطَلِّقَ العَبِيدَ السَّيِّدُ إلاَّ الصَّغِيرَ مَعَ شَيءٍ يُرْفَدُ (وَلَا) نَافِيَة (يُطلق العبيد) مفعول بِالْفِعْلِ قبله أَو مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض وَهُوَ أظهر معنى (السَّيِّد) فَاعل يُطلق (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من الْعُمُوم فِي العبيد (الصَّغِير) مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء(1/597)
أَو على إِسْقَاط الْخَافِض (مَعَ شَيْء) حَال (يرفد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة للشَّيْء، والرفد بِالْكَسْرِ الْعَطاء. وَمَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ للسَّيِّد أَن يُطلق على عبيده من تزوجوه بِإِذْنِهِ جبرا عَلَيْهِم، وَإِن فعل فَلَا يمْضِي طَلَاقه عَلَيْهِم إِلَّا طَلَاقه على الصَّغِير مِنْهُم حَال كَونه مَعَ شَيْء يرفد أَي يُعْطي للصَّغِير فَإِنَّهُ مَاض نَافِذ عَلَيْهِ، وَظَاهره كَانَ المخالع بِهِ للصَّغِير مِنْهُم من عِنْد الزَّوْجَة أَو من غَيرهَا وَلَو من السَّيِّد، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن المخالعة للصَّغِير مَاضِيَة عَلَيْهِ وَلَو بِأَقَلّ من خلع الْمثل وَمثل العَبْد الصَّغِير الْحر الصَّغِير كَمَا قدمه النَّاظِم فِي قَوْله: وَالْخلْع جَائِز على الأصاغر مَعَ أَخذ شَيْء لأَب أَو حاجر ابْن عَرَفَة: يجوز للْأَب ووصيه وَالسُّلْطَان وخليفته المبارأة على الصَّغِير بِشَيْء يسْقط عَنهُ أَو يُؤْخَذ لَهُ لَا غير ذَلِك، وَكَذَا السَّيِّد فِي عَبده الصَّغِير اه. وَمَفْهُوم قَوْله: مَعَ شَيْء يرفد أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُطلق عَلَيْهِ دون شَيْء يسْقط عَنهُ أَو يُؤْخَذ لَهُ وَلَو ظهر بِالزَّوْجَةِ فَسَاد وَهُوَ كَذَلِك. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: يجوز للْوَلِيّ أَن يُطلق على السَّفِيه الْبَالِغ وَالصَّغِير بِغَيْر شَيْء يُؤْخَذ لَهُ إِذْ قد يكون بَقَاء الْعِصْمَة فَسَاد الْأَمر جهل قبل نِكَاحه أَو حدث بعده من كَون الزَّوْجَة غير محمودة الطَّرِيق أَو متلفة مَاله اه. قلت: وَيَنْبَغِي أَن يكون كَلَام اللَّخْمِيّ تقييداً للْمَذْهَب لِأَن من الْمصلحَة حِينَئِذٍ الطَّلَاق، وَإِن كَانَ غير وَاحِد جعله خلافًا. وَكَيْفَما شَاءَ الكَبِيرُ طَلَّقَا وَمُنْتَهاهُ طَلْقَتَانِ مُطْلَقَا (وكيفما) اسْم شَرط مفعول بجوابه الْآتِي (شَاءَ) فعل الشَّرْط (الْكَبِير) فَاعله (طلقا) جَوَاب الشَّرْط، وَالْمعْنَى أَن العَبْد الْكَبِير الْبَالِغ وَلَو سَفِيها لَهُ أَن يُطلق زَوجته حرَّة أَو أمة كَيْفَمَا شَاءَ وَاحِدَة أَو أَكثر بخلع أَو غَيره، وَسَوَاء أذن لَهُ سَيّده فِي الطَّلَاق أم لَا. (ومنتهاه) مُبْتَدأ (طَلْقَتَانِ) خَبره (مُطلقًا) حَال، وَالْمعْنَى أَن مُنْتَهى طَلَاق العَبْد طَلْقَتَانِ مُطلقًا سَوَاء أوقعهما مَعًا فِي حَال رقّه أَو وَاحِدَة فِي حَال رقّه، وَالْأُخْرَى فِي حَال عتقه لِأَن الْوَاحِدَة الَّتِي أوقعهَا فِي حَال رقّه قَائِمَة مقَام وَاحِدَة وَنصف فتكمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يتشطر وَتبقى لَهُ وَاحِدَة هِيَ الَّتِي أوقعهَا فِي حَال عتقه وَسَوَاء أَيْضا كَانَ قِنَا خَالِصا أَو ذَا شَائِبَة، وَسَوَاء كَانَت زَوجته حرَّة أَو أمة، وَهَذَا كُله هُوَ معنى الْإِطْلَاق الَّذِي فِي النّظم. ل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; كِنَّ فِي الرَّجْعِيِّ الأَمْرُ بِيَدِهْ دُونَ رِضَا ولِيِّهَا وَسَيِّدِهُ(1/598)
(لَكِن) حرف اسْتِدْرَاك (فِي الرَّجْعِيّ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خَبَرهَا (الْأَمر) بِالنّصب اسْمهَا (بِيَدِهِ) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خَبَرهَا وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ رَاجع للْعَبد (دون) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال (رضَا) مُضَاف إِلَيْهِ (وَليهَا) كَذَلِك (وسيده) مَعْطُوف على وَليهَا، وَالْمعْنَى أَن العَبْد الْقِنّ وَمن فِيهِ شَائِبَة رق إِذا طلق زَوجته طَلَاقا رَجْعِيًا وَقد مر تَفْسِيره أول بَاب الطَّلَاق فَإِن الْأَمر فِي الارتجاع وَعَدَمه ثَابت بيد العَبْد فَإِن شَاءَ ارتجعها قبل انْقِضَاء عدتهَا وَلَا يحْتَاج لإذن سَيّده فِي الارتجاع وَلَا لرضاها بل يرتجعها جبرا عَلَيْهَا وَعَلِيهِ، وَإِن شَاءَ لم يرتجعها وَإِنَّمَا كَانَ لَا يحْتَاج لذَلِك لِأَن الرّجْعَة لَيست كابتداء النِّكَاح، وَلذَا صحت وَلَو فِي الْمَرَض وَالْإِحْرَام (خَ) : يرتجع من ينْكح وَلَو بكإحرام وَمرض وَعدم إِذن سيد طَلَاقا غير بَائِن فِي عدَّة صَحِيح حل وَطْؤُهُ بقول مَعَ نِيَّة الخ. وَمَفْهُوم قَوْله فِي الرَّجْعِيّ أَنه إِذا طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا أَو رَجْعِيًا وَانْقَضَت الْعدة فَلَا يُرَاجِعهَا إِلَّا بِإِذن سَيّده ورضاها وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْمُرَاجَعَة حِينَئِذٍ ابْتِدَاء نِكَاح. والحُكْمُ فِي العَبِيد كالأَحْرَارِ فِي غَايَةِ الزَّوْجَاتِ فِي المُخْتَارِ (وَالْحكم) مُبْتَدأ (فِي العبيد) يتَعَلَّق بِهِ (كالأحرار) خبر (فِي غَايَة الزَّوْجَات) يتَعَلَّق بالاستقرار الْمُقدر فِي الْخَبَر وَكَذَا قَوْله (فِي الْمُخْتَار) . وَالْمعْنَى: أَن حكم العبيد حكم الْأَحْرَار فِي غَايَة الزَّوْجَات على القَوْل الْمَشْهُور، وَهُوَ قَول مَالك وَمُقَابِله لِابْنِ وهب أَن الثَّالِثَة للْعَبد كالخامسة للْحرّ قِيَاسا على طَلَاقه، وَوجه الْمَشْهُور عُمُوم قَوْله تَعَالَى: فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} (النِّسَاء: 3) الْآيَة. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: للْعَبد مَعَ الْحر أَربع حالات: تشطير كالحدود وَمِنْه الطَّلَاق ومساواة كالعبادات ومختلف فِيهِ كعدد الزَّوْجَات وَأجل الِاعْتِرَاض وَالْإِيلَاء والفقد وحد الْقَذْف، فعلى العَبْد النّصْف فِي جَمِيع ذَلِك كُله عِنْد مَالك وَقيل بالمساواة وَحَالَة سُقُوط كَالْحَجِّ وَالزَّكَاة اه. وَيَتْبَعُ الأولادُ فِي اسْتِرْقَاقِ لأُم لَا لأَبِ بالإِطْلاَقِ(1/599)
(وَيتبع الْأَوْلَاد) بِالرَّفْع فَاعل يتبع (فِي استرقاق) يتَعَلَّق بِهِ (للام) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (لَا) عاطفة (للْأَب) مَعْطُوف (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الْأُم أَي يتبعونها فِي الرّقّ وَالْحريَّة مُطلقًا كَانُوا من نِكَاح أَو من ملك الْيَمين حَيْثُ كَانَ أبوهم قِنَا، وَيحْتَمل أَنه حَال من الْأَب أَي لَا يتبعُون الْأَب مُطلقًا حرا كَانَ أَو عبدا. وَحَاصِل الْمَعْنى أَن الْوَلَد تَابع لِأَبِيهِ فِي الدّين وَالنّسب ولأمه فِي الْحُرِّيَّة والرقية فَإِن كَانَ الْفراش بِملك الْيَمين فَالْوَلَد تَابع لِأَبِيهِ حرا كَانَ أَو عبدا وَإِن كَانَ الْفراش بِنِكَاح فَالْوَلَد تَابع لأمه كَمَا قَالَ النَّاظِم، وَهُوَ قَول الرسَالَة: وكل ذَات رحم فولدها بمنزلتها أَي إِن كَانَت حرَّة فولدها حر وَلَو كَانَ الْأَب عبدا وَإِن كَانَت قِنَا أَو ذَات شَائِبَة فولدها كَذَلِك، وَلَو كَانَ أَبوهُ حرا وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك إِلَّا الْمَوْطُوءَة بِملك سَيِّدهَا الْحر والغارة الْحر كَمَا قَالَ (خَ) وَولد الْمَغْرُور الْحر فَقَط حر. وَكِسْوَةٌ لِحُرَّةٍ وَنَفَقَه عَليهِ والخُلْفُ بِغَيْرِ الْمُعْتَقَه (وَكِسْوَة) مُبْتَدأ سوغه عمله فِي (لحرة ونفقه) مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ (عَلَيْهِ) خَبره (وَالْخلف) مُبْتَدأ خَبره (بِغَيْر المعتقه) . وَالْمعْنَى أَن العَبْد إِذا تزوج حرَّة فَإِن عَلَيْهِ نَفَقَتهَا وكسوتها كَالْحرِّ وَاخْتلف إِذا تزوج بِأمة أَو مُدبرَة أَو مُعتقة لأجل فَقيل ذَلِك عَلَيْهِ أَيْضا وَهُوَ الْمَشْهُور، وَيُقَال لَهُ أنْفق أَو طلق وَقيل: نَفَقَتهَا وكسوتها على سَيِّدهَا، وَلَو قَالَ النَّاظِم: هَكَذَا بِغَيْر الْمُعتقَة لَكَانَ منبهاً على الْمَشْهُور الْمَذْكُور، لكنه حاول على أَن يُنَبه على أَن الْحرَّة مُتَّفق عَلَيْهَا وَالْأمة مُخْتَلف فِيهَا. وَمَعْلُوم أَن كِتَابه لَيْسَ مَوْضُوعا لبَيَان الْخلاف، بل للمشهور وَمَا بِهِ الْعَمَل، وَمَا أَفَادَهُ من أَن الْحرَّة مُتَّفق عَلَيْهَا صرح بِهِ ابْن الْمَوَّاز قَائِلا: لَا خلاف أَن العَبْد ينْفق على زَوجته الْحرَّة، وَظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ أَن الْخلاف جَار فِي الْحرَّة أَيْضا لِأَنَّهُ قَالَ: وَيخْتَلف إِذا كَانَا عَبْدَيْنِ فعلى القَوْل بِأَنَّهُ لَا نَفَقَة على العَبْد للْحرَّة لَا نَفَقَة عَلَيْهِ إِذا كَانَت أمة، وعَلى القَوْل إِن عَلَيْهِ ذَلِك للْحرَّة يخْتَلف إِن كَانَت أمة. تَنْبِيهَانِ. الأول: حَيْثُ وَجَبت النَّفَقَة عَلَيْهِ فَهِيَ كَمَا قَالَ (خَ) فِي غير خراجه وَكَسبه، وَالْخَرَاج وَهُوَ مَا نَشأ لَا عَن مَال بل عَن كإيجار نَفسه وَالْكَسْب هُوَ مَا نَشأ عَن مَال أتجر بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فعطف الْكسْب على الْخراج من عطف الْعَام على الْخَاص وَالنَّفقَة وَالْكِسْوَة فِي غير الْإِجَارَة الَّتِي يُؤَاجر بهَا نَفسه، وَفِي غير مَا ينشأ عَن مَال كتجارة بِمَال سَيّده وغلة مَاله، وَأما ربح مَال نَفسه وغلته فَلهُ النَّفَقَة مِنْهُمَا كَمَا لَهُ ذَلِك أَيْضا من مَال وهب لَهُ أَو أوصِي لَهُ بِهِ، وَقَول ابْن عَاشر: الْخراج هُوَ مَا يقاطع على إِعْطَائِهِ لسَيِّده كَأَن يقاطعه على دِينَار فِي كل شهر، وَالْكَسْب هُوَ(1/600)
مَا نَشأ عَن عمله وَقد يكون أَحدهمَا أَكثر من الآخر الخ، لَا يُخَالف مَا مرّ لِأَنَّهُ إِذا لم تكن مقاطعة فالخراج هُوَ مَا مرّ ثمَّ مَا تقدم من أَن ربح مَال السَّيِّد لَا نَفَقَة لَهُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ فِي غير الْمَأْذُون وَأما الْمَأْذُون فَلهُ النَّفَقَة من ربح مَال السَّيِّد الَّذِي بِيَدِهِ فَهُوَ يُخَالف غَيره فِي هَذَا الْوَجْه. الثَّانِي: مَحل كَونهمَا فِي غير الْخراج وَالْكَسْب إِذا لم يكن عرف وإلاَّ فَهِيَ فيهمَا كَمَا فِي (خَ) أَيْضا، وَرُبمَا يفهم أَن العَبْد إِذا اشْترط كَونهمَا فِي الْخراج وَالْكَسْب فَيعْمل بذلك بالأحرى، وَلَا يُقَال اشْتِرَاط ذَلِك فِي صلب العقد يفْسد النِّكَاح فَيفْسخ قبل الْبناء وَيثبت بعده بِالْمثلِ وَيبْطل الشَّرْط كَمَا مرّ، لأَنا نقُول هَذَا إِنَّمَا يظْهر إِذا اشْترطت النَّفَقَة على السَّيِّد لَا إِن اشْترط عَلَيْهِ أَن تكون فِي خراج العَبْد وَكَسبه وَرَضي بذلك فَلَا يفْسد، وَلَو فسد فِي هَذَا لفسد فِي الْعرف أَيْضا لِأَنَّهُ كالشرط، وَعَلِيهِ فَإِذا امْتنع السَّيِّد من إِجْرَاء النَّفَقَة من الْخراج وَالْكَسْب وَلَا شَرط وَلَا عرف، فَالْعَبْد إِمَّا أَن ينْفق من غَيرهمَا وإلاّ طلّقت عَلَيْهِ. وَقد علمت أَن اشْتِرَاط النَّفَقَة فِي خراج العَبْد وَكَسبه لَا يُوجب فَسَادًا إِذْ غَايَته أَن السَّيِّد الْتزم عدم مُؤَاخذَة العَبْد بِمَا يسع نَفَقَته من خراجه وَكَسبه وَذَلِكَ هبة مِنْهُ لعمل كُله أَو بعضه وَالله أعلم. وَالْعرْف عِنْد النَّاس الْيَوْم على مَا شهدناه أَن نَفَقَة زَوجته وكسوتها حرَّة كَانَت أَو أمة فِي خراجه وَكَسبه إِذْ عَادَتهم أَن العَبْد يصرف همته فِي خدمَة سَيّده وسيده يجْرِي النَّفَقَة عَلَيْهِ وعَلى زَوجته. وَلَيْسَ لَازِما لَهُ أَنْ يُنْفِقَا على بنِيه أعْبُداً أوْ عُتَقَا (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (لَازِما) خَبَرهَا مقدم (لَهُ) يتَعَلَّق بِهِ (أَن ينفقا) اسْمهَا مُؤخر (على بنيه) يتَعَلَّق بينفقا (أعبداً) خبر كَانَ محذوفة أَي كَانُوا أعبداً (أَو عتقا) ء جمع عَتيق كشريف وشرفاء لأَنهم إِن كَانُوا أحراراً فنفقتهم فِي مَالهم إِن كَانَ لَهُم مَال، وإلاَّ فعلى الْمُسلمين وَإِن كَانُوا أرقاء فعلى سيدهم، وَلَا يجوز للْعَبد أَن يتْلف مَال سَيّده وعَلى هَذَا فصواب التَّعْبِير وَلَيْسَ جَائِزا لَا وَلَيْسَ لَازِما قَالَه (م) و (ت) . قلت: وَيُمكن أَن يُجَاب بِأَن مَعْنَاهُ وَلَيْسَ لَازِما لَهُ أَن ينْفق عَلَيْهِم من غير الْخراج وَالْكَسْب كَمَا ينْفق على زَوجته من غَيرهمَا، فالتعبير بِنَفْي اللُّزُوم حِينَئِذٍ فِي مَحَله، وَعلم من هَذَا أَن أَوْلَاد العَبْد من أمته يجوز لَهُ الْإِنْفَاق عَلَيْهِم من مَال سَيّده لِأَن المَال لسَيِّده وَأَوْلَاده مملوكون لَهُ أَيْضا.
(فصل فِي الْمُرَاجَعَة)
أَي: بعد الطَّلَاق الْبَائِن كَمَا مر عِنْد قَوْله وَمِنْه الرَّجْعِيّ.(1/601)
وكابْتِدَاءِ مَا سِوَى الرَّجْعِيِّ فِي الإذْنِ والصَّدَاقِ والولِيِّ (وكابتداء) خبر مقدم والتنوين فِيهِ عوض من مُضَاف إِلَيْهِ تَقْدِيره وكابتداء النِّكَاح (مَا) مُبْتَدأ وَاقعَة على الْمُرَاجَعَة (سوى الرَّجْعِيّ) صلتها (فِي الْإِذْن) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (وَالصَّدَاق وَالْوَلِيّ) معطوفان عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن الْمُرَاجَعَة من الطَّلَاق الَّذِي هُوَ رَجْعِيّ كائنة كابتداء النِّكَاح فِي اشْتِرَاط الْإِذْن من الزَّوْجَة غير الْمُجبرَة وَوُجُود الصَدَاق وَالْوَلِيّ وَالْإِشْهَاد عِنْد الدُّخُول، وَغير ذَلِك على نَحْو مَا مرّ فِي بَاب النِّكَاح حرفا حرفا. وَلَا رجوعَ لِمَرِيضَةٍ ولاَ بِالحَمْلِ ستَّةَ الشُّهُورِ وَصَلاَ (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس وَلَو أَتَى بِالْفَاءِ بدل الْوَاو لَكَانَ أولى لِأَن هَذَا مُفَرع عَمَّا قبله ومسبب عَنهُ (رُجُوع) اسْمهَا (لمريضة) خَبَرهَا (وَلَا) تَأْكِيد للنَّفْي الأول (بِالْحملِ) مَعْطُوف على مَرِيضَة وَالْبَاء بِمَعْنى مَعَ (سِتَّة الشُّهُور) بِالنّصب مفعول بقوله (وصلا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل، وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب على الْحَال من الْحمل، وَالْمعْنَى أَنه حَيْثُ اشْترط فِي الْمُرَاجَعَة مَا يشْتَرط فِي ابْتِدَاء النِّكَاح فَلَا رُجُوع لمريضة مَرضا مخوفا وَلَا لحامل بلغت سِتَّة أشهر لِأَنَّهَا مَرِيضَة فِي الْحَقِيقَة، وَالْمَرَض مَانع من عقد النِّكَاح (خَ) : وَهل يمْنَع مرض أَحدهمَا الْمخوف وَإِن أذن الْوَارِث الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم فِي حَامِل سِتَّة أشهر هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب كَمَا لِابْنِ بشير وَغَيره، ودرج عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصر حَيْثُ قَالَ فِي الْحجر عاطفاً على الْمخوف وحامل سِتَّة الخ. وَقَالَ السيوري: لزَوجهَا مراجعتها. وَقَالَ الْمَازرِيّ: وَهُوَ الَّذِي نختاره لِأَن الْمرجع إِلَى العوائد والهلاك من الْحمل قَلِيل، وَلَو دخلت بَلَدا فسألتهم عَن أمهاتهم لوجدتهم أَحيَاء أَو موتى بِغَيْر نِفَاس إِلَّا النَّادِر اه. نَقله (ق) ابْن عبد السَّلَام: وَمَا قَالَه الْمَازرِيّ صَحِيح إِن اعْتبر فِي هَذَا الْمَرَض كَون الْمَوْت عَنهُ غَالِبا، وَأما إِن اعْتبر فِيهِ كَونه أكثرياً على مَا لِابْنِ الْحَاجِب وَغَيره لم يلْزم مَا قَالَه الْمَازرِيّ اه. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم: مَا سوى الرَّجْعِيّ أَن الرّجْعَة من الرَّجْعِيّ لَيست كابتداء النِّكَاح وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قدمه فِي قَوْله: وَيملك الرّجْعَة فِي الرَّجْعِيّ قبل انْقِضَاء الأمد المرعي وَلَا افتقار فِيهِ للصداق الخ.(1/602)
وَبِالْجُمْلَةِ لَا يشْتَرط فِي المرتجع إِلَّا كَونه مِمَّن يَصح نِكَاحه فِي الْجُمْلَة وَلَا يشْتَرط فِيهِ انْتِفَاء موانعه من إِحْرَام وَمرض وَنَحْوهمَا، وَلذَا قَالَ (خَ) : يرتجع من ينْكح وَإِن بكإحرام وَمرض وَعدم إِذن سيد الخ. وَلَا يرد عَلَيْهِ الصَّبِي الْمُمَيز لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ يَصح نِكَاحه فِي الْجُمْلَة ويتوقف على إجَازَة وليه لَكِن لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ أصلا، إِذْ شَرط الرَّجْعِيّ أَن يتقدمه وَطْء مُعْتَبر وَوَطْء الصَّبِي كلاوطء، وَأَيْضًا لَا يُطلق على الصَّبِي إِلَّا بعوض كَمَا مر، وَذَلِكَ كُله يُوجب كَونه بَائِنا وَلَا يرد الْمَجْنُون أَيْضا لِأَنَّهُ إِن طلق فِي حَال جُنُونه فَلَا يَصح طَلَاقه وَلَا يلْزم كَمَا لَا يَصح نِكَاحه أَيْضا فِي تِلْكَ الْحَالة، وَإِن طلق فِي حَال إِفَاقَته ثمَّ طَرَأَ جُنُونه فلوليه أَن يرتجع لَهُ حَيْثُ كَانَ لَا ترجى إِفَاقَته فِي الْعدة وَلَفظ من صَادِق عَلَيْهِ لِأَن الْوَلِيّ لَهُ أَن يجْبرهُ على ابْتِدَاء النِّكَاح كَمَا قَالَ (خَ) وجبر وَصِيّ وحاكم مَجْنُونا احْتَاجَ الخ. فَكيف بالجبر على الرّجْعَة وَإِن كَانَت ترجى إِفَاقَته فِي الْعدة فَلَا يرتجع إِلَّا إِذا أَفَاق. وَبِالْجُمْلَةِ فالمجنون بالإصالة لَا يَصح طَلَاقه كَمَا لَا يَصح نِكَاحه وَإِن طلق عَلَيْهِ وليه بعوض فالطلاق حِينَئِذٍ بَائِن لَا رَجْعِيّ، فَهَذَا الْمَجْنُون خَارج بقول (خَ) من ينْكح، وَأما إِن كَانَ طَرَأَ جُنُونه بعد الطَّلَاق فَهُوَ دَاخل فِي قَوْله: من ينْكح لِأَنَّهُ إِن لم ترج إِفَاقَته فلوليه أَن يرتجع لَهُ ووليه مِمَّن لَهُ إنكاحه، وَإِن رجيت إِفَاقَته فَلَا يرتجع إِلَّا فِي حالتها وَهُوَ مِمَّن فِيهِ أَهْلِيَّة النِّكَاح أَيْضا فِي تِلْكَ الْحَالة وَبِهَذَا كُله تعلم سُقُوط اعْتِرَاض شرَّاح (خَ) عَلَيْهِ وَمَا لَهُم فِي ذَلِك من الْخبط، وَتعلم أَن معنى قَوْله: من ينْكح أَي من فِيهِ أَهْلِيَّة صِحَة النِّكَاح، وَهُوَ الْعقل خَاصَّة لَا الْبلُوغ كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام خلافًا لما فِي ضيح وَالله أعلم. ثمَّ إِن الارتجاع لَا يَصح إِلَّا بالْقَوْل الصَّرِيح وَلَو هزلا وَبقول مُحْتَمل مَعَ نِيَّة لَا بِفعل دونهَا كَوَطْء كَمَا فِي (خَ) وَقد مر ذَلِك عِنْد قَول النَّاظِم: وَيملك الرّجْعَة فِي الرَّجْعِيّ الخ. وَتقدم أَنه لَا افتقار فِيهِ للصداق وَلَو قَبضته ردته كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي المعيار، وَنَصّ عَلَيْهِ أَيْضا شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الرّجْعَة وَلَا صدَاق، وَأما عكسها وَهُوَ من ملك زَوجته أمرهَا إِن لم يقدم من سَفَره عِنْد رَأس السّنة فَإِن انْقَضتْ السّنة وَلم يحضر فَقَالَ لَهَا وَالِد الزَّوْج: اتركي صداقك وتزوجي من شِئْت فَفعلت فَقَالَ فِي المعيار أَيْضا: إِن كَانَت عَالِمَة بِأَن لَهَا فِرَاقه بِغَيْر شَيْء لَزِمَهَا مَا فعلته من ترك الصَدَاق وَإِن ظنت أَنَّهَا لَا تملك الْفِرَاق بِهَذَا التَّمْلِيك وَمثلهَا يجهل ذَلِك حَلَفت وَلها الرُّجُوع، وَلَو مَضَت السّنة وَلم تقض بِشَيْء حَتَّى طَال ذَلِك لم يلْزم الزَّوْج مَا فعله الْأَب من الْفِرَاق إِلَّا أَن يرضى اه بِاخْتِصَار. تَنْبِيه: ذكر فِي المعيار قبل نَوَازِل الرَّضَاع عَن سَيِّدي عِيسَى بن علال فِي الْوَطْء بَين الفخذين فِي عدَّة الطَّلَاق الرَّجْعِيّ غَيرنَا، وَبِه الرّجْعَة ثمَّ تزَوجهَا قبل تَمام الِاسْتِبْرَاء وَبعد انْقِضَاء الْعدة هَل يفرق بَينهمَا أم لَا؟ فَقَالَ: التَّفْرِيق بَينهمَا يَنْبَنِي على الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْوَطْء هَل يلْحق بِهِ الْوَلَد أم لَا؟ فعلى القَوْل بلحوق الْوَلَد يفْسخ النِّكَاح لِأَنَّهُ ناكح فِي الِاسْتِبْرَاء، وعَلى القَوْل بِعَدَمِ لُحُوقه لَا يفْسخ ويترجح هَذَا الثَّانِي بقول من قَالَ إِن وَطْء الرَّجْعِيَّة رَجْعَة وَإِن لم ينْو بِهِ الرّجْعَة اه. وَالْخلاف الْمشَار إِلَيْهِ فِي لُحُوق الْوَلَد نَقله عِيَاض فِي آخر الِاسْتِبْرَاء من التَّنْبِيهَات،(1/603)
وانظره أَيْضا فِي مسَائِل الْعدَد من الْمَازرِيّ. وَذكر فِي المعيار أَيْضا قبل الْإِيلَاء فِيمَن وطىء وَلم ينْو الرّجْعَة أَنه يجب على الْمَرْأَة أَمْرَانِ: عدَّة واستبراء، فَإِن أَرَادَ ارتجاعها قبل انْقِضَاء الْعدة فَلهُ ذَلِك لكَونه بالْقَوْل وَالْإِشْهَاد فَقَط لَا بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ مَمْنُوع مِنْهُ حَتَّى يَنْقَضِي الِاسْتِبْرَاء من فَاسد وَطئه، فَإِن لم يرتجعها فِي الْعدة لم يكن لَهُ سَبِيل إِلَى غير ذَلِك فِيمَا بَقِي من حيض الِاسْتِبْرَاء اه بِاخْتِصَار. فَإِن قلت: ارتجاعه لَهَا فِي الْعدة والاستبراء مُخَالف لقَوْل (خَ) وَلَا يطَأ الزَّوْج وَلَا يعْقد الخ. قلت: هَذَا الارتجاع لَيْسَ بِعقد بِدَلِيل عدم الِاحْتِيَاج إِلَى رِضَاهَا ورضا الْوَلِيّ وَالصَّدَاق وَالْإِشْهَاد مُسْتَحبّ فَقَط. وَزَوْجَةُ العَبْدِ إذَا مَا عُتِقَتْ وَاخْتَارَتِ الفِراق مِنْهُ طُلِّقَتْ (وَزَوْجَة العَبْد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (مَا) زَائِدَة (عتقت) بِفَتْح الْعين وَالتَّاء وفاعله ضمير الزَّوْجَة، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا إِلَيْهَا (واختارت الْفِرَاق) فعل وفاعل ومفعول (مِنْهُ) يتَعَلَّق بالفراق، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة عتقت أَو حَال من فَاعل عتقت (طلقت) بِفَتْح الطَّاء وَاللَّام، ومفعوله مَحْذُوف أَي نَفسهَا. وَالْجُمْلَة جَوَاب إِذا وَهِي وجوابها خبر الْمُبْتَدَأ. بِمَا تَشَاؤُهُ وَمَهْما عَتَقَا فَمَا لَهُ مِن ارْتِجاعٍ مُطْلَقَا (بِمَا) يتَعَلَّق بطلقت (تشاؤه) صلته (وَمهما عتقا) جملَة شَرْطِيَّة وألفه للإطلاق (فَمَا) نَافِيَة (لَهُ) خبر مقدم (من ارتجاع) مُبْتَدأ جر بِمن الزَّائِدَة (مُطلقًا) حَال وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلذَا دخلت الْفَاء عَلَيْهَا وجوبا لِأَنَّهَا لَا تصلح أَن تكون شرطا، وَمعنى الْبَيْتَيْنِ أَن زَوْجَة العَبْد وَلَو بشائبة رق إِذا عتقت عتقا ناجزاً فلهَا الْخِيَار فِي الْبَقَاء والفراق، ويحال بَينه وَبَينهَا حَتَّى تخْتَار فَإِن اخْتَارَتْ الْبَقَاء مَعَه فَلَا إِشْكَال وَإِن اخْتَارَتْ الطَّلَاق وَقَالَت: طلقت نَفسِي فَيلْزمهُ وَاحِدَة بَائِنَة إِلَّا أَن تنوي أَكثر فَيلْزمهُ اثْنَان إِذْ هما مُنْتَهى طَلَاق العبيد، وَهُوَ معنى قَوْله: بِمَا تشاؤه إِذا عتق هُوَ بعد أَن طلقت نَفسهَا فَلَا رَجْعَة لَهُ جبرا عَلَيْهَا مُطلقًا عتق فِي الْعدة أَو بعْدهَا طلقت نَفسهَا وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ نعم لَهُ مراجعتها بِرِضَاهَا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة، وَلَا بُد من دُخُول زوج بهَا فِيمَا إِذا كَانَت طلقت نَفسهَا أَكثر من وَاحِدَة على ظَاهر النّظم و (خَ) وَهَذَا إِذا اخْتَارَتْ قبل أَن يعْتق العَبْد وَإِلَّا فَلَا خِيَار لَهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: أَو عتق قبل الِاخْتِيَار، وَكَذَا يسْقط خِيَارهَا إِن قبض السَّيِّد الصَدَاق وأعتقها قبل الْبناء، وَالْحَال أَنه الْآن عديم لِأَن خِيَارهَا يبطل عتقهَا، إِذْ لَيْسَ للسَّيِّد(1/604)
غَيرهَا فَلَو اخْتَارَتْ نَفسهَا لوَجَبَ للزَّوْج الرُّجُوع بِالصَّدَاقِ على السَّيِّد، وَالْفَرْض أَنه عديم فَيُؤَدِّي لبيعها لِأَن الدّين الَّذِي هُوَ الصَدَاق سَابق على عتقهَا، فَلِذَا ارْتكب أخف الضررين فَينفذ الْعتْق وَتبقى حرَّة تَحت عبد وَهَذَا معنى قَول (خَ) أَيْضا، وَسقط صَدَاقهَا والفراق إِن قَبضه السَّيِّد وَكَانَ عديماً الخ. وَظَاهر النّظم أَن لَهَا الْخِيَار فِي الطَّلَاق والبقاء رَشِيدَة أَو سَفِيهَة أَو صَغِيرَة وَهُوَ كَذَلِك فِي الرشيدة، وَكَذَا السفيهة إِن بادرت لاختيارها نَفسهَا فَإِن لم تبادر أَو كَانَت صَغِيرَة فَإِن الْحَاكِم ينظر لَهما فِي الْأَصْلَح قَالَه (ز) وَيفهم مِنْهُ أَن الصَّغِيرَة إِذا بادرت للطَّلَاق لَا يلْزمه طَلَاق، بل حَتَّى ينظر الْحَاكِم فيأمرها بِهِ إِذا رَآهُ نظرا، وَبِالْجُمْلَةِ فالصغيرة لَا يلْزم طَلَاق باختيارها بادرت لَهُ قبل الرّفْع للْحَاكِم أم لَا، وَكَذَا السفيهة إِن لم تبادر بل تَأَخّر أمرهَا حَتَّى رفعت للْحَاكِم فَاخْتَارَتْ حِينَئِذٍ الْفِرَاق، وَرَأى هُوَ الْبَقَاء لكَونه نظرا لَهَا فَإِن اخْتَار كل من الصَّغِيرَة والسفيهة الْبَقَاء قبل الرّفْع لم يلْزمهَا ذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم إِذا لم يكن ذَلِك نظرا. وَقَوله بِمَا تشاؤه هَذَا هُوَ القَوْل المرجوع إِلَيْهِ، وَعَلِيهِ درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَلمن كمل عتقهَا فِرَاق العَبْد فَقَط بِطَلْقَة بَائِنَة أَو اثْنَتَيْنِ الخ. فأوفى كَلَامه للتَّخْيِير كَمَا لمصطفى، وَكَانَ مَالك يَقُول أَولا لَا تخْتَار إِلَّا وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَكثر الروَاة. ابْن عَرَفَة: وَظَاهر نقل اللَّخْمِيّ وَغير وَاحِد أَن اخْتِلَاف قَول مَالك فِيمَا زَاد على الْوَاحِدَة إِنَّمَا هُوَ بعد الْوُقُوع أَي: وَأما قبل الْوُقُوع فَإِنَّمَا تُؤمر بِوَاحِدَة من غير خلاف. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ الصَّوَاب وَهَذَا التصويب يُعَكر على إِطْلَاق قَول النَّاظِم بِمَا تشاؤه كَمَا يُعَكر عَلَيْهِ جعل أَو فِي كَلَام (خَ) للتَّخْيِير وعَلى المرجوع عَنهُ يمْضِي الزَّائِد وَهُوَ مَا صَوبه اللَّخْمِيّ. تَنْبِيه: إِذا مكنته من نَفسهَا عَالِمَة بِالْعِتْقِ سقط خِيَارهَا، وَلَو جهلت الحكم على الْمَشْهُور. وَقَالَ ابْن الْقصار: وَنَحْوه لمَالِك فِي الْمُخْتَصر أَنه لَا يسْقط خِيَارهَا حَيْثُ مكنته جاهلة بِأَن لَهَا الْخِيَار بِعتْقِهَا. قَالَ فِي ضيح: وَالْأَقْرَب أَنه تَقْيِيد.
(فصل فِي الْفَسْخ)
أَي: فسخ النِّكَاح الْفَاسِد هَل يعد طَلَاقا أم لَا؟ وَهل يَرث أحد الزَّوْجَيْنِ الآخر إِذا مَاتَ قبل الْفَسْخ أم لَا؟ وَهل تلْزم فِيهِ الْعدة أم لَا؟ والأنسب إدراج هَذَا الْفَصْل فِي فصل حكم فَاسد النِّكَاح كَمَا تقدم ذَلِك هُنَاكَ. وَفَسْخُ فاسِدٍ بِلا وِفَاقِ بِطَلْقَةٍ تُعَدُّ فِي الطَّلاَقِ (وَفسخ فَاسد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (بِلَا وفَاق) فِي مَوضِع الصّفة لفاسد (بِطَلْقَة) خبر (تعد فِي الطَّلَاق) صفة لطلقة.(1/605)
وَمَنْ يَمُتْ قَبْلَ وُقُوعِ الفَسْخِ فِي ذَا فَمَا لإرْثِهِ مِنْ نَسْخِ (وَمن) اسْم شَرط مُبْتَدأ (يمت) فعله (قبل) يتَعَلَّق بِفعل الشَّرْط (وُقُوع الْفَسْخ) مُضَاف إِلَيْهِمَا (فِي ذَا) يتَعَلَّق بِوُقُوع وَالْإِشَارَة للفاسد بِلَا وفَاق (فَمَا) نَافِيَة (لإرثه) خبر مقدم. (من نسخ) اسْم جر بِمن الزَّائِدَة، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلذَا دخلت الْفَاء عَلَيْهَا وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ وَالْمعْنَى: أَن النِّكَاح الْمُخْتَلف فِيهِ اخْتِلَافا قَوِيا وَلَو خَارج الْمَذْهَب كإنكاح الْمحرم وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَوجه الشّغَار وَنِكَاح الْمَرِيض وَالْخيَار، فَإِنَّهُ يفْسخ بِطَلَاق مُرَاعَاة لمن يَقُول بِصِحَّتِهِ وَالْخلْع إِن وَقع فِيهِ قبل الْفَسْخ نَافِذ وَمن مَاتَ من الزَّوْجَيْنِ قبل وُقُوع هَذَا الْفَسْخ فَإِن الْحَيّ يَرِثهُ إِلَّا نِكَاح الْمَرِيض وَالْخيَار فَإِنَّهُ لَا إِرْث فيهمَا وَلَو مَاتَ الصَّحِيح مِنْهُمَا فِي مَسْأَلَة الْمَرِيض فَلَو زَاد النَّاظِم إِثْر الْبَيْت الثَّانِي مَا نَصه: إِلَّا نِكَاحا ذَا خِيَار أَو مرض هَب أَنه موت الصَّحِيح قد عرض تَنْبِيه: تقدم أَن وَجه الشّغَار من الْمُخْتَلف فِيهِ وَإِن كَانَ يثبت بعده بِصَدَاق الْمثل، فَهُوَ من الْفَاسِد لصداقه، وَمِنْه أَيْضا من طلق زَوجته طَلَاقا بَائِنا بعد أَن دفع لَهَا الْمُعَجل والمؤجل، ثمَّ قَالَ لَهَا: لَا أراجعك حَتَّى تردي عليَّ مَا أخذت مني وتردي الصَدَاق الْمُؤَجل على مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فَاسد لِأَنَّهُ نِكَاح وَسلف، وَكَذَا لَو زَادهَا ربع دِينَار على ذَلِك، وَكَذَا لَو كَانَ على أَن ترد لَهُ جَمِيع مَا أَعْطَاهَا ويعطيها هُوَ مثل ذَلِك وَزِيَادَة ربع دِينَار لِأَنَّهُ بيع ذهب بِذَهَب وعصمة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَغَيره. وَفسْخُ مَا الفَسادُ فِيهِ مُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ غير طَلاَقٍ يَقَعُ (وَفسخ) مُبْتَدأ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ وَاقعَة على النِّكَاح (الْفساد) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ (مجمع) خبر عَن الْفساد (عَلَيْهِ) نَائِب الْفَاعِل بمجمع لِأَنَّهُ اسْم مفعول، وَالْجُمْلَة صلَة (مَا) والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بفي (من غير طَلَاق) يتَعَلَّق بقوله (يَقع) وَالْجُمْلَة من يَقع وفاعله ومتعلقه خبر فسخ، وَالتَّقْدِير وَفسخ النِّكَاح الَّذِي فَسَاده أجمع عَلَيْهِ يَقع من غير طَلَاق لِأَن هَذَا النِّكَاح كَالْعدمِ، وَلذَا لَو عقد شخص عَلَيْهَا قبل الْفَسْخ صَحَّ نِكَاحه وَإِن وَقع الْخلْع فِيهِ لم ينفذ،(1/606)
وَذَلِكَ كَنِكَاح الْخَامِسَة ومحرمة بصهر أَو رضَاع وَنِكَاح الْمُتْعَة وَهُوَ النِّكَاح لأجل وَنِكَاح الْمُعْتَدَّة وَالنِّكَاح على حريَّة ولد الْأمة وَنَحْو ذَلِك. وَمن خَالف فِي بعض هَذِه الْأَفْرَاد من الْعلمَاء كالظاهرية فِي الْخَامِسَة، وَنِكَاح الْمُتْعَة عِنْد بَعضهم لَا يعْتد بِخِلَافِهِ لضعف مدركه فَلَا يقْدَح فِي كَونه مجمعا عَلَيْهِ، وَإِذا مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ فِي هَذَا الْقسم فَلَا إِرْث فِيهِ للحي، وَإِلَى هَذَا الْقسم وَالَّذِي قبله أَشَارَ (خَ) بقوله: وَهُوَ طَلَاق إِن اخْتلف فِيهِ كمحرم وشغار وَالتَّحْرِيم بعقده ووطئه وَفِيه الْإِرْث إِلَّا نِكَاح الْمَرِيض لَا إِن اتّفق على فَسَاده فَلَا طَلَاق وَلَا إِرْث كخامسة وَحرم وَطْؤُهُ فَقَط الخ. وتَلْزَمُ العِدَّةُ باتِّفَاقِ لِمُبْتَنَى بِهَا عَلَى الإِطْلاَقِ (وَتلْزم الْعدة) فَاعل تلْزم (بِاتِّفَاق) يتَعَلَّق بتلزم وَكَذَا (لمبتنى) و (بهَا) يتَعَلَّق بمبتنى (على الْإِطْلَاق) يتَعَلَّق بتلزم أَو بِمَحْذُوف حَال، وَالْمعْنَى أَن النِّكَاح الْفَاسِد إِذا وَقع فِيهِ دُخُول أَو خلْوَة يُمكن فِيهَا الْوَطْء ثمَّ فسخ، فَإِن الْعدة تلْزم فِيهِ مُطلقًا كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ أَو مجمعا عَلَيْهِ. قَالَ فِي المقرب: وَلَو تَصَادقا على نفي الْوَطْء لحق الله وَلَا صدَاق لَهَا لِأَنَّهَا لم تَدعه اه. وَوجه لُزُوم الْعدة فِي الْمُخْتَلف فِيهِ ظَاهر لِأَنَّهُ جَار مجْرى الصَّحِيح فِي الْعدة وَغَيرهَا كَمَا مرّ، وَأما الْمجمع عَلَيْهِ فاللازم فِيهِ الِاسْتِبْرَاء بِثَلَاث حيض، فإطلاق النَّاظِم عَلَيْهِ عدَّة إِنَّمَا هُوَ من بَاب التغليب، وَمَا وَقع فِي المقرب والمدونة من إِطْلَاق الْعدة عَلَيْهِ أَيْضا فَإِنَّمَا ذَلِك على وَجه الْمجَاز سهله أَن اسْتِبْرَاء الْحرَّة كعدتها وَمَفْهُوم لمبتنى بهَا فِيهِ تَفْصِيل لِأَنَّهُ إِذا مَاتَ عَنْهَا قبل الْبناء فَلَا عدَّة وَلَا اسْتِبْرَاء فِي الْمجمع عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة فِي الْمُخْتَلف فِيهِ، فَإِن مَاتَ عَنْهَا بعد الْبناء أَو الْخلْوَة وَقبل الْفَسْخ فَفِي الْمجمع عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاء بِثَلَاث حيض وَلَا عدَّة وَفَاة عَلَيْهَا وَلَا إحداد، وَفِي الْمُخْتَلف فِيهِ عدَّة وَفَاة.(1/607)
(بَاب النَّفَقَات وَمَا يتَعَلَّق بهَا)
من كسْوَة وَإِسْكَان وَوُجُوب وَإِسْقَاط وَاخْتِلَاف وَرُجُوع بهَا إِذا أنفش حملهَا أَو طَلقهَا إِثْر دَفعهَا لَهَا، وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: النَّفَقَة مَا بِهِ قوام مُعْتَاد حَال الْآدَمِيّ دون سرف اه. فَخرج بِمَا بِهِ قوام مُعْتَاد غير الْآدَمِيّ، وَمَا لَيْسَ مُعْتَادا فِي حَال الْآدَمِيّ وَمَا هُوَ سرف فَلَا يُسمى شَيْء من ذَلِك نَفَقَة شرعا، وَهَذَا الْحَد شَامِل للكسوة وَالطَّعَام وَالسُّكْنَى، وَلَا إِشْكَال. فمهما وَجَبت النَّفَقَة بالإصالة كَنَفَقَة الزَّوْجَة وَالرَّقِيق وَالْأَوْلَاد والآباء وعامل الْقَرَاض إِذا كثر المَال وَبعد السّفر وَجَبت الْكسْوَة، وَكَذَا إِن تطوع بهَا على الربيب مثلا حَيْثُ قَالَ: لَا نِيَّة لي أَو تعذر سُؤَاله لغيبة وَنَحْوهَا، فَإِن قَالَ: نَوَيْت الطَّعَام فَقَط قبل قَوْله عِنْد ابْن سهل وَلم يقبل عِنْد ابْن زرب وَهُوَ الْمُعْتَمد قَالَه (ز) . وَانْظُر أَوَائِل الالتزامات فَإِنَّهُ يظْهر مِنْهَا تَرْجِيح مَا لِابْنِ سهل، وَقدمنَا حَاصِل كَلَامه عِنْد قَول النَّاظِم: وَمَا امْرُؤ لزوجة يلْتَزم الخ. وَفِي الْبُرْزُليّ: أَن ابْن رشد سُئِلَ عَن الْمَسْأَلَة فَأجَاب بِأَن الْكسْوَة غير دَاخِلَة بعد حلفه فِي مقطع الْحق أَنه إِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَام دون الْكسْوَة لِأَن النَّفَقَة وَإِن كَانَت من أَلْفَاظ الْعُمُوم فَإِنَّهَا تعرفت عِنْد أَكثر النَّاس فِي الطَّعَام دون الْكسْوَة. الْبُرْزُليّ: فَيكون من بَاب تَخْصِيص الْعُمُوم بِالْعرْفِ، وَفِيه خلاف بَين الْأُصُولِيِّينَ اه. قلت: وَالَّذِي جرت عَلَيْهِ الْأَحْكَام أَنه يخصص الْعَام ويعين الْمُبْهم ويقيد الْمُطلق كَمَا فِي المعيار واللامية وَغَيرهمَا، فَيكون مَا لِابْنِ سهل وَابْن رشد أرجح، وَلذَا قَالَ ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة من كتاب الشّركَة: القَوْل بِعَدَمِ لُزُوم الْكسْوَة هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر وَبِه الْفَتْوَى ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: إِن امْرُؤ نَفَقَة الْغَيْر الْتزم فاللبس غير دَاخل فِي الْمُلْتَزم وَيجِبُ الإنْفَاقُ لِلزَّوْجَاتِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنَ الحَالاَتِ (وَيجب الْإِنْفَاق لِلزَّوْجَاتِ فِي كل حَالَة) يتَعَلَّق بيجب (من الْحَالَات) صفة لقَوْله حَالَة، وَالْمعْنَى أَن نَفَقَة الزَّوْجَة وَاجِبَة على زَوجهَا بِقدر وَسعه وحالها غنية كَانَت أَو فقيرة حرَّة أَو أمة(1/608)
بوئت أم لَا؟ وَمحل وُجُوبهَا إِذا دخل أَو دعِي إِلَى الدُّخُول وَلَيْسَ أَحدهمَا مشرفاً، وَكَانَ الزَّوْج بَالغا وَهِي مطيقة كَمَا أَفَادَ ذَلِك كُله (خَ) بقوله: يجب لممكنة مطيقة للْوَطْء على الْبَالِغ وَلَيْسَ أَحدهمَا مشرفاً قوت وأدام وَكِسْوَة بِقدر وَسعه وحالها الخ. فَهَذِهِ الشُّرُوط عَامَّة فِي الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا كَمَا قرر بِهِ شرَّاح (ح) وَهُوَ الَّذِي للقاني فِي حَوَاشِي ضيح، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده لِأَن النَّفَقَة فِي مُقَابلَة الِاسْتِمْتَاع كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَإِن كَانَ (ح) استظهر مَا فِي ضيح وَابْن عبد السَّلَام من اختصاصها بِغَيْر الْمَدْخُول بهَا، وَأما إِن دخل فَتجب من غير شَرط، ثمَّ إِن النَّاظِم لَو زَاد بَيْتا فَقَالَ مثلا: إِن مكثت وَالزَّوْج بَالغ وَهِي مطيقة وَلَيْسَ مشرفاً كهي لوفى بالمراد وَقَوله: كهي آخر الْبَيْت تَشْبِيه بِمَا قبله أَي يشْتَرط فِيهَا عدم الإشراف كَمَا اشْترط ذَلِك فِيهِ. فرع: على الْمَرْأَة الْخدمَة الْبَاطِنَة كعجن وكنس وفرش واستقاء المَاء والحطب إِن كَانَت عَادَة الْبَلَد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن الشبيبي قَائِلا: لِأَن نسَاء الْبَوَادِي دخلن على ذَلِك اه. والفَقْرُ شَرْطُ الأبَوَيْنِ والولَدْ عَدَمُ مالٍ واتِّصالٌ للأمَدْ (والفقر شَرط الْأَبَوَيْنِ) مُبْتَدأ وَخبر يَعْنِي أَن الشَّرْط وجوب نَفَقَة الْأَبَوَيْنِ على أولادهما الْفقر، فَلَا يحكم بهَا إِلَّا بعد إِقْرَار الْأَوْلَاد المالكين أَمرهم بِهِ أَو بعد ثُبُوته بِبَيِّنَة (خَ) وبالقرابة على الْمُوسر نَفَقَة الْوَالِدين المعسرين وأثبتا الْعَدَم لَا بِيَمِين الخ. أَي لِأَنَّهَا عقوق. وَإِذا حكم بهَا عَلَيْهِم فَإِنَّهَا توزع عَلَيْهِم ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا صغَارًا أَو كبارًا على قدر يسارهم على الرَّاجِح لَا على الرؤوس وَلَا على قدر الْإِرْث وَلَا مقَال لِأَزْوَاج الْبَنَات المتزوجات وَإِذا حكم لَهما بهَا على الْأَوْلَاد بِالشّرطِ الْمَذْكُور فأنفق عَلَيْهِمَا أَجْنَبِي أَو أحد الْأَوْلَاد بعد الحكم، فللمنفق الْمَذْكُور الرُّجُوع على من حكم عَلَيْهِ بهَا لِأَنَّهُ قَامَ عَنهُ بِوَاجِب حَيْثُ لم يكن مُتَبَرعا بِخِلَاف مَا إِذا أنْفق عَلَيْهِمَا قبل الحكم بهَا فَلَا رُجُوع كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره. وَأَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله وَتسقط عَن الْمُوسر بِمُضِيِّ الزَّمَان إِلَّا لقضية أَو بنفق غير مُتَبَرّع الخ، إِلَّا أَن (أَو) فِي كَلَامه بِمَعْنى (الْوَاو) . تَنْبِيه: إِذا لم يكن لِلْأَبَوَيْنِ إِلَّا دَار السُّكْنَى وطلبا الْوَلَد بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يقْضى لَهما بهَا قَالَه فِي الكراس السَّابِع من أنكحة المعيار، وَهَذَا إِن لم يكن فِي الدَّار فضل عَمَّا يَلِيق بسكناهما وَإِلَّا لم يقْض بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا إِلَّا بعد نُفُوذ ذَلِك الْفضل، انْظُر الْبُرْزُليّ فِي النَّفَقَة فِيمَا إِذا كَانَ للصَّغِير دَار وَهُوَ فِي كَفَالَة أَبِيه. (وَالْولد) مُبْتَدأ (عدم مَال) خَبره أَي وَشرط وجوب نَفَقَة الْوَلَد الْحر على أَبِيه الْحر عدم المَال(1/609)
أصلا وَعدم وجود صَنْعَة تكفيه، فَإِن كَانَت لَا تكفيه أعطي تَمام الْكِفَايَة. اللَّخْمِيّ: وَإِذا كسدت الصَّنْعَة عَادَتْ على الْأَب ثمَّ إِن الْأَب إِذا واجر وَلَده فَإِنَّهُ ينْفق عَلَيْهِ من أجرته وَمَا فضل مِنْهَا دَفعه لَهُ الْأَب مَخَافَة أَن يعوقه على الْخدمَة عائق من مرض أَو كساد، وَلَا يَأْكُل الْأَب مِنْهُ شَيْئا وَإِن كَانَ فَقِيرا قَالَه ابْن فَرِحُونَ فِي الألغاز عَن الجزيري، ثمَّ إِن علم أَن الْوَلَد وَالزَّوْجَة يفْرض لَهما فِي مَال الْغَائِب المليء وَإِن لم يكن لَهُ مَال حَاضر ويحسبان ذَلِك عَلَيْهِ من يَوْم الْفَرْض وَإِذا تداينا عَلَيْهِ لزمَه أَدَاؤُهُ إِن قدم وَيرجع عَلَيْهِ الْمُنفق عَلَيْهِمَا حَيْثُ لم يتَبَرَّع أنْفق قبل الْفَرْض أَو بعده بِخِلَاف الْأَبَوَيْنِ كَمَا مرّ فَإِن علم عسره أَو جهل حَاله لم يفْرض لَهما إِلَّا أَن للزَّوْجَة أَن تطلق نَفسهَا بِعَدَمِ النَّفَقَة إِذا لم تصبر فِي الصُّورَتَيْنِ، فَإِن صبرت وَقدم مُوسِرًا فِي الصُّورَة الثَّانِيَة فرض لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَة مثلهَا من مثله، وَأما الأبوان فَلَا يفْرض لَهما فِي مَال الْغَائِب، وَإِن علم يسره إِذا لم يكن لَهُ مَال حَاضر، وَلَا يتداينان عَلَيْهِ وَإِن فعلا لم يلْزمه من ذَلِك شَيْء فَإِن كَانَ لَهُ مَال حَاضر غير أصل فيفرض لَهما فِيهِ، وَيُبَاع لَهما فِي النَّفَقَة. وَأما أُصُوله فَلَا تبَاع على الرَّاجِح من أحد قَوْلَيْنِ: إِلَّا أَن يغيب بعد الْفَرْض عَلَيْهِ فتباع حِينَئِذٍ كَمَا فِي (ح) عَن ابْن رشد بِخِلَاف الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد فَإِنَّهَا تبَاع أصُول الْغَائِب وَغَيرهَا فِي النَّفَقَة عَلَيْهِمَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَهَذَا مَا لم تكن الْأُصُول دَار السُّكْنَى وَإِلَّا بِيعَتْ للزَّوْجَة دون الْأَوْلَاد لِأَن نَفَقَتهَا أقوى إِذْ هِيَ عَلَيْهِ غنية كَانَت أَو فقيرة فِي مُقَابلَة الِاسْتِمْتَاع، وَإِذا لم تبع للأولاد فنفقتهم على الْمُسلمين أَو بَيت المَال، وَانْظُر لَو أنْفق أَجْنَبِي مَعَ علمه بِالدَّار فىظهر من هَذَا أَنه لَا رُجُوع لَهُ على الْأَب لِأَنَّهُ فَقير حكما لم يقم عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيّ بِشَيْء يجب عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: وَحكم مَا على بنيه أنفقت الخ. أَنَّهُمَا يفترقان فِي شَيْء آخر، هَذَا تَحْصِيل هَذِه الْمسَائِل فَتنبه لاختلافها. فرع: إِذا قضى القَاضِي على الابْن بِنَفَقَة الْأَبَوَيْنِ، ثمَّ بَاعَ الْوَلَد بعد ذَلِك ربعه أَو تصدق بِهِ فَفِي مسَائِل ابْن الْحَاج: إِن فعله يرد. الْبُرْزُليّ: أما رد الصَّدَقَة فَبين وَأما رد بَيْعه فَفِيهِ نظر إِلَّا أَن يكون قد قصد بِهِ إِسْقَاط النَّفَقَة فيعامل بنقيض قَصده قَالَ: وَكَثِيرًا مَا يَقع فِي زَمَاننَا عكسها، وَهِي أَن الْأَب يفوت ربعه بِالْبيعِ أَو الْهِبَة لبَعض الْأَوْلَاد أَو لأجانب فعلوا مَعَه خيرا أَو يُرِيد إغاظة وَلَده بذلك، فَالصَّوَاب أَن لَا يمْضِي إِذا قصد ذَلِك، وَإِن لم يقْصد ذَلِك فَفِيهِ نظر، هَل يجب على ابْنه نَفَقَته أَو لَا؟ كَمَا تقدم فِي عكسها. (واتصال) فَاعل بِفعل مَحْذُوف أَي وَيجب اتِّصَال نَفَقَة الْأَب على أَوْلَاده الَّذين لَا مَال لَهُم (للأمد) الَّذِي ويسقطها ثمَّ بَينه بقوله. فَفِي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ وَفِي الإنَاثِ بالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ (فَفِي الذُّكُور للبلوغ) يتعلقان بقوله (يتَّصل) : (خَ) وَنَفَقَة الْوَلَد الذّكر حَتَّى يبلغ عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب أَي إِلَّا لمعرة عَلَيْهِ أَو على وليه أَو عَلَيْهِمَا بالتكسب فَلَا تسْقط كَمَا لَا تسْقط إِذا بلغ(1/610)
مَجْنُونا أَو عَاجِزا عَن الْكسْب (وَفِي الْإِنَاث بِالدُّخُولِ) يتعلقان بقوله: (ينْفَصل) الْإِنْفَاق أَي: يَنْقَطِع وَمثل الدُّخُول الدُّعَاء لَهُ كَمَا مرّ، وَلَو دخلت أَو دعيت لَهُ قبل الْبلُوغ فَإِن تأيمت قبله أَيْضا رجعت نَفَقَتهَا عَلَيْهِ كَمَا لَو طَرَأَ لَهَا مَال قبل الْبلُوغ، ثمَّ ذهب قبله أَيْضا أَو بلغت زمنة وطرأ لَهَا المَال ثمَّ ذهب، فَإِنَّهَا تعود. وَمَفْهُوم بِالدُّخُولِ أَنَّهَا إِذا لم تدخل لم تسْقط وَلَو رشدها وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُوم قَوْله: تأيمت قبله الخ أَنَّهَا لَو تأيمت بعده أَو ذهب المَال بعده أَو بعد زَوَال الزمانة لم تعد (خَ) : لَا أَن عَادَتْ بَالِغَة أَو تزوجت زمنة ثمَّ صحت وتأيمت بَالِغَة وعادت الزمانة فَلَا تعود، وَقَوْلِي: الْوَلَد الْحر إِلَخ. احْتِرَازًا من الْوَلَد العَبْد وَالْأَب العَبْد، فَإِن نَفَقَة الْأَوْلَاد العبيد على سيدهم وَنَفَقَة الْأَحْرَار أَوْلَاد العبيد فِي بَيت المَال، وَتقدم فِي قَول النَّاظِم: وَلَيْسَ لَازِما لَهُ أَن ينفقا على بنيه أعبداً أَو عتقا تَنْبِيه: قَالَ اللَّخْمِيّ فِي كتاب الْمديَان: إِن الْمُفلس الصَّانِع يداين ليعْمَل وَيَقْضِي من عمله ثمَّ عطل أجبر على الْعَمَل فَإِن ولد اُسْتُؤْجِرَ فِي صناعته تِلْكَ. قَالَ ابْن عَرَفَة: فَيلْزم مثله فِي الزَّوْج فِي النَّفَقَة إِذا ترك صَنعته، وَأما نَفَقَة الْأَوْلَاد فَلَا خلاف أَنه لَا يجْبر على الصَّنْعَة اه. وَنَقله الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح. والحُكْمُ فِي الْكِسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَهْ ومُؤَنُ العَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَه (وَالْحكم فِي) وجوب (الْكسْوَة) وسقوطها (حكم النَّفَقَة) فمهما وَجَبت النَّفَقَة على أحد مِمَّن تقدم وَجَبت الْكسْوَة، وَمهما سَقَطت النَّفَقَة سَقَطت الْكسْوَة إِلَّا فِي مَسْأَلَة الِالْتِزَام الْمُتَقَدّمَة. فرع: قَالَ ابْن عَرَفَة فِي الشَّهَادَات عِنْد النِّكَاح على تَرْجِيح الْبَينَات مَا نَصه: وَإِن طلبته بالكسوة فَقَالَ لَهَا: الثَّوْب الَّذِي عَلَيْك لي، وَقَالَت: بل هُوَ لي فَفِي كَون القَوْل قَوْلهَا أَو قَوْله نقل فِي الطرر عَن الِاسْتِغْنَاء فَتْوَى ابْن دحون وَابْن الفخار حَكَاهُمَا أَبُو الْقَاسِم اليونباني، وَاخْتَارَ الأول وهما مبنيان على اعْتِبَار كَونهَا فِي حوز الزَّوْج أَو حوزها فِي نَفسهَا اه. وراجع مَا مر فِي الِاخْتِلَاف فِي مَتَاع الْبَيْت وَفِي التداعي فِي الطَّلَاق. (ومؤن العَبْد) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَاسم (تكون) عَائِد على الْمُؤَن وخبرها مَحْذُوف أَي على السَّيِّد (مُطلقَة) حَال من اسْم تكون، وَالْمعْنَى أَن مُؤَن العَبْد وَكَذَا الْأمة من نَفَقَة وَكِسْوَة تكون على سيدهما مُطلقَة غير مُقَيّدَة بفقر العَبْد وَالْأمة وَلَا بغنى السَّيِّد، وَيلْزمهُ تكفينهما إِن مَاتَا فَإِن امْتنع من الْإِنْفَاق عَلَيْهِمَا بيعا عَلَيْهِ كتكليفهما من الْعَمَل مَا لَا يطيقان (خَ) : إِنَّمَا تجب نَفَقَة رَقِيقه ودابته إِن لم يكن مرعى وإلاَّ بيع كتكليفه من(1/611)
الْعَمَل مَا لَا يُطيق الخ. وَأما زَوْجَة العَبْد فنفقتها عَلَيْهِ كَمَا مرّ لَا على سَيّده وَينْفق عَلَيْهَا من غير خراجه وَكَسبه، وَالْمرَاد بالخراج مَا نَشأ لَا عَن مَال بل عَن كإيجار نَفسه، وَالْمرَاد بِالْكَسْبِ مَا نَشأ عَن مَال اتّجر بِهِ فهما لسَيِّده وَنَفَقَته عَلَيْهِمَا من غَيرهمَا من هبة أَو وَصِيَّة وَنَحْوهمَا إِلَّا لعرف فَإِنَّهَا فِي الْخراج وَالْكَسْب، فَتكون فيهمَا فَإِن عجز طلقت عَلَيْهِ انْظُر تَحْقِيقه فِي فصل الْمُرَاجَعَة. وَمُنْفِقٌ عَلَى صَغيرٍ مُطْلَقا لَهُ الرُّجُوعُ بالَّذِي قَدْ أنْفَقَا (ومنفق) مُبْتَدأ (على صَغِير) يتَعَلَّق بِهِ (مُطلقًا) حَال من صَغِير أَي كَانَ لَهُ أَب أم لَا (لَهُ الرُّجُوع) مُبْتَدأ وَخَبره، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ (بِالَّذِي) يتَعَلَّق بِالرُّجُوعِ (قد أنفقا) صلَة الَّذِي، والرابط مَحْذُوف وألفه للإطلاق. عَلَى أبٍ أَوْ مَالِ الابْنِ وأُبي إلاَّ بعلْمِ المَالِ أَوْ يُسْرِ الأَبِ (على أَب) يتَعَلَّق بِالرُّجُوعِ (أَو مَال الابْن) مَعْطُوف على أَب (وَأبي) بِضَم الْهمزَة مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائب فَاعله ضمير الرُّجُوع (إِلَّا) حرف اسْتثِْنَاء (بِعلم المَال) يتَعَلَّق بِالرُّجُوعِ الْمُقدر قبل إِلَّا أَي منع رُجُوع الْمُنفق فِي كل حَال إِلَّا فِي حَال علم المَال (أَو يسر الْأَب) وَالْجُمْلَة من أبي ونائبه ومتعلقه استئنافية وَالْمعْنَى أَن من أنْفق على صَغِير كَانَ لَهُ أَب أم لَا. فَإِنَّهُ يرجع بِمَا أنْفق فِي مَال الْأَب أَو الصَّبِي إِن كَانَ لَهما مَال وَعلمه الْمُنفق، وَيقدم مَال الصَّبِي على مَال الْأَب حَيْثُ كَانَ لكل مِنْهُمَا مَال علمه الْمُنفق، فَذكر النَّاظِم للرُّجُوع شرطين: أَحدهمَا وجود المَال للِابْن أَو للْأَب، وَالثَّانِي علم الْمُنفق بِهِ وهما مفهومان من قَوْله: إِلَّا بِعلم المَال أَو يسر الْأَب. إِذْ الْعلم بِالْمَالِ فرع وجوده وَظَاهره أَنه لَا بُد من علم يسر الْأَب، فالعلم بِالْأَبِ دون الْعلم بيسره لَا يَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لِابْنِ رشد خلافًا ل (ز) فَإِن لم يكن لَهما مَال أصلا وَقت الْإِنْفَاق أَو كَانَ وَتلف فَلَا تتبع ذمتهما فِيمَا استفاداه بعد وَلَو شَرط الْمُنفق عِنْد الْإِنْفَاق أَن يرجع فِي الْمُسْتَفَاد لم(1/612)
يعْمل بِشَرْطِهِ خلافًا لأَشْهَب كَمَا فِي (ح) وَكَذَا إِن كَانَ لَهما مَال وَلم يعلم بِهِ الْمُنفق فَلَا رُجُوع أَيْضا. وَبَقِي للرُّجُوع شَرط ثَالِث وَهُوَ أَن يَنْوِي الْمُنفق الرُّجُوع بِنَفَقَتِهِ وَهُوَ شَرط لَا بُد مِنْهُ على الْمُعْتَمد كَانَ الْمُنفق وَصِيّا أَو أَجْنَبِيّا كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) فِي بَاب النَّفَقَة حَيْثُ قَالَ: وعَلى الصَّغِير إِن كَانَ لَهُ مَال علمه الْمُنفق وَحلف أَنه أنْفق ليرْجع الخ، وَقيل لَا يشْتَرط هَذَا الشَّرْط بل كَذَلِك يرجع إِذا لم ينْو رُجُوعا وَلَا عَدمه وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي اللّقطَة حَيْثُ قَالَ: وَالْقَوْل لَهُ إِنَّه لم ينْفق حسبَة اه. وَنَقله (ق) أَيْضا عَن الْمُدَوَّنَة فِي بَاب النَّفَقَة. وَلَعَلَّ النَّاظِم عول على هَذَا القَوْل، فَلِذَا لم يشْتَرط نِيَّة الرُّجُوع وَشرط رَابِع وَهُوَ أَن تكون النَّفَقَة غير سرف بِالنِّسْبَةِ للصَّغِير، وَإِلَّا لم يرجع بالسرف، وَلَعَلَّ النَّاظِم اتكل فِي ترك هَذَا الشَّرْط على الْقَوَاعِد لِأَن كل من تصرف لغيره فَإِنَّمَا يلْزم من تصرفه مَا فِيهِ مصلحَة وَلَا مصلحَة فِي السَّرف حَتَّى يرجع بِهِ، وَشرط خَامِس بِالنِّسْبَةِ للْوَصِيّ وَالْأَب وَمن هُوَ بمنزلتهما وَهُوَ أَن يكون مَال الصَّبِي غير عين، فَإِذا أنْفق الْوَصِيّ أَو الْأَب وَنَحْوه، وَتَحْت يديهما للمحجور عين فَلَيْسَ لَهما رُجُوع عَلَيْهِ ويحملان على التَّطَوُّع، لِأَن الْيَتِيم غير مُحْتَاج لسلفهما، وَأما غير الْوَصِيّ وَالْأَب وَمن تنزل منزلتهما من كافل أَو حاضن فَيرجع، وَإِن كَانَ مَال الْيَتِيم عينا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَدِهِ وَأما الشَّرْط السَّادِس وَهُوَ حلفه أَنه أنْفق ليرْجع فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَمَعَ يَمِين يسْتَحق مَاله. وَهَذَا فِي غير الْوَصِيّ، وَأما هُوَ فَلَا يَمِين عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي للناظم. وَمَفْهُوم على صَغِير أَن من أنْفق على بَالغ لَهُ الرُّجُوع، وَإِن كَانَ فَقِيرا وَقت الْإِنْفَاق وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي المعيار وَغَيره، ثمَّ إِذا توفرت الشُّرُوط وَجب الرُّجُوع سَوَاء كَانَ الصَّغِير ربيباً للمنفق أم لَا. وَهنا مَسْأَلَتَانِ. إِحْدَاهمَا: قَالَ فِي الطرر: لَو تزوجت امْرَأَة وتطوع زَوجهَا بِنَفَقَة ابْنهَا ثمَّ تُرِيدُ هِيَ الرُّجُوع بهَا على ابْنهَا فِي حَيَاته أَو بعد وَفَاته، وَكَانَ لَهُ مَال وَقت الْإِنْفَاق فَإِنَّهُ لَا رُجُوع لَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْرُوف من الزَّوْج وصلَة للربيب وَالأُم لم تتْرك من حَقّهَا شَيْئا، وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنَّهَا وَقعت فِي مجْلِس الشُّيُوخ فَأَجْمعُوا على هَذَا، وَفِي مجْلِس آخر قَالُوا: سَوَاء كَانَ تَطَوّعا أَو شرطا فِي أصل عقد النِّكَاح إِذا كَانَ لأجل مَعْلُوم. هَكَذَا نَقله الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَرَفَة. وَزَاد: فَإِن مَاتَ المتطوع سقط الرُّجُوع، وَإِن كَانَ لمُدَّة وَبَقِي من الْمدَّة شَيْء لِأَنَّهَا هبة لم تقبض اه. وَنَقله (ح) فِي أول التزاماته وَقَالَ عقبه: وَأما إِذا كَانَ تَطَوّعا فَظَاهر لِأَن الْهِبَة تبطل بِمَوْت الْوَاهِب قبل قبضهَا، وَأما إِذا كَانَ شرطا فِي العقد وأجزناه إِذا كَانَ لمُدَّة مَعْلُومَة كَمَا رَجحه ابْن رشد، فَيَنْبَغِي أَن لَا تسْقط وَأَن تحل بِمَوْت الزَّوْج أَي: وَيُوقف من تركته مِقْدَار مَا يَفِي بِنَفَقَتِهِ فِي بَقِيَّة الْمدَّة كَمَا تقدم. قلت: وَيَنْبَغِي أَيْضا أَن ترجع الزَّوْجَة على ابْنهَا فِي مَسْأَلَة الشَّرْط لِأَنَّهَا تركت من صَدَاقهَا للشّرط الْمَذْكُور فَهِيَ قد تركت من حَقّهَا لأَجله فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَلذَا حذف الشَّيْخ (م) وَالشَّارِح مَسْأَلَة الشَّرْط فَلم ينقلوها قَالَ (م) : وَقد كنت لفقت بَيْتا فَقلت:(1/613)
وَمن بإنفاق الربيب طاع لَا رُجُوع للْأُم على ابْن فاقبلا ثانيتهما: قَالَ الْبُرْزُليّ إِثْر نَقله مَسْأَلَة الطرر الْمُتَقَدّمَة مَا نَصه: وَقعت مَسْأَلَة وَهِي امْرَأَة لَهَا ولد تَأْخُذ عَلَيْهِ النَّفَقَة من أَبِيه فَتزوّجت رجلا واشترطت عَلَيْهِ نَفَقَة الْوَلَد أَََجَلًا مَعْلُوما أَو تطوع بهَا بعد العقد مُدَّة الزَّوْجِيَّة، وأرادت الرُّجُوع بذلك على أبي الْوَلَد، فَوَقَعت الْفتيا بِأَن ذَلِك إِن كَانَ مَكْتُوبًا من حُقُوقهَا فَيجب لَهَا الرُّجُوع مَتى شَاءَت وإسقاطه لزَوجهَا فَهِيَ ترجع بِنَفَقَتِهِ على أَبِيه، وَإِن كَانَ ذَلِك للْوَلَد فَلَا رُجُوع لَهَا على أَبِيه بِشَيْء وَهُوَ جَار على الْأُصُول، وَكَأَنَّهُ شَيْء وهب لَهُ فينفقه على نَفسه لَا على ابْنه، وَالْأول مَال وهب لأمه، فَإِذا أنفقته على وَلَدهَا رجعت بِهِ على أَبِيه اه. وَتقدم هَذَا فِي أول الْخلْع. تَنْبِيه: قد تقدم أَن من تطوع بِنَفَقَة ربيبه مُدَّة الزَّوْجِيَّة فَإِنَّمَا يلْزمه الْإِنْفَاق عَلَيْهِ مَا دَامَ صَغِيرا لَا يقدر على الْكسْب أَي: وَمَا لم يطْرَأ لَهُ مَال لم يكن لَهُ وَقت التَّطَوُّع وإلاَّ لم يلْزمه كَمَا فِي خلع المعيار. تَنْبِيه آخر: لهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي الرُّجُوع نَظَائِر من ذَلِك من أدّى عَن رجل دينا عَلَيْهِ بِغَيْر أمره، فَلهُ أَن يرجع عَلَيْهِ كَمَا مر فِي قَول النَّاظِم: إِذْ قد يُؤَدِّي دين من لَا أذنا. وَكَذَلِكَ من فدى حرا من أَيدي الْعَدو، كَمَا نَص عَلَيْهِ (خَ) فِي الْحِرَابَة وَكَذَلِكَ من كفن مَيتا فَلهُ أَن يرجع فِي تركته، وَلَيْسَ لوَرثَته مَنعه، وَكَذَلِكَ من فدى مَتَاعا من أَيدي اللُّصُوص فَلهُ حَبسه حَتَّى يَأْخُذ مَا فدَاه بِهِ كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن، وَنَصّ عَلَيْهِ (خَ) فِي الْجِهَاد. قَالَ أَبُو الْحسن: وَانْظُر من أدّى عَن إِنْسَان مَا لم يلْزمه لظَالِم حَبسه فِيهِ، فَالْمَشْهُور أَنه لَا يلْزمه. وَقَالَ ابْن كنَانَة: يلْزمه وَذَلِكَ قربَة لمن فعله اه. ويَرْجِعُ الوَصِيُّ مُطْلَقاً بِمَا يُنْفِقُهُ وَمَا اليَمِينُ أُلزِمَا (وَيرجع الْوَصِيّ) جملَة استئنافية (مُطلقًا) حَال (بِمَا أنفقهُ) يتَعَلَّق بيرجع (وَمَا) نَافِيَة (الْيَمين)(1/614)
مفعول ثَان ب (أُلزما) الْمَبْنِيّ للنائب ومفعوله الأول ضمير الْوَصِيّ، وَالْمعْنَى أَن الْوَصِيّ يرجع بِالنَّفَقَةِ مُطلقًا اشْهَدْ أم لَا. كَانَ الْوَصِيّ وَصِيّ أَب أَو قَاض كَانَ الْيَتِيم فِي كفَالَته أم لَا؟ بِدَلِيل قَوْله: وَغير موص يثبت الْكفَالَة. إِذْ مَفْهُومه أَن الْوَصِيّ لَا يثبتها وَهُوَ تَابع فِي عدم الْيَمين وَعدم إِثْبَات الْكفَالَة، أَو الْإِنْفَاق لِابْنِ سَلمُون لِأَنَّهُ قَالَ مَا حَاصله: وَإِن كَانَ الْمُنفق وَصِيّا فَلهُ الرُّجُوع دون يَمِين تلْزمهُ، وَلَا إِثْبَات للإنفاق أَي وَلَا لكَوْنهم فِي حضانته وكفالته، وَإِن كَانَ غير وَصِيّ فَلَا بُد من إِثْبَات حضانته وكفالته وَيَمِينه بعد ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يشْهد اه. وَهُوَ خلاف الْمُعْتَمد من أَنه لَا بُد من يَمِينه بعد أَن يثبت الْإِنْفَاق عَلَيْهِم أَو كَونهم فِي حجره إِلَّا مَا استحسنه. اللَّخْمِيّ: من أَن الْأُم إِذا كَانَت فقيرة محتاجة وَيظْهر على الْوَلَد أثر النِّعْمَة وَالْخَيْر أَن الْوَصِيّ يصدق، وَإِن لم يَكُونُوا فِي حجره قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَيصدق فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهِم إِن كَانُوا فِي حجره وَلم يَأْتِ بسرف، وظاهرها فِي زَكَاة الْفطر أَنه لَا يشْتَرط كَونهم فِي حجره، وَالْمذهب اشْتِرَاطه كَمَا مرّ، وَمَا تقدم من وجوب يَمِينه هُوَ الْمُعْتَمد، وَاخْتلف إِذا أَرَادَ أَن يحْسب أقل مَا يُمكن فَإِن كَانَ الْإِنْفَاق من مَال الْوَصِيّ كَمَا هُوَ مَوْضُوع النّظم فَلهُ ذَلِك، وَلَا إِشْكَال وَإِنَّمَا يحلف أَنه أنْفق ليرْجع وَإِن كَانَ الْإِنْفَاق من مَال الصَّبِي وَاخْتلفَا فِي قدره فَالْقَوْل للْوَصِيّ مَعَ يَمِينه، فَإِن قَالَ: احسب أقل مَا يُمكن واسقط الزَّائِد فَقَالَ أَبُو عمرَان: لَا يَمِين، وَقَالَ عِيَاض: لَا بُد مِنْهَا، فَلَو قَالَ النَّاظِم إِثْر قَوْله: أَو يسر الْأَب مَا نَصه: وَكَونه عينا وَلَيْسَ فِي يَده أَو عرضا مُطلقًا بِقصد أوبته وَمَعَ يَمِين يسْتَحق مَاله إِن أثبت الْإِنْفَاق وَالْكَفَالَة وَالْوَاو فِي قَوْله: وَالْكَفَالَة بِمَعْنى (أَو) وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فرق بَين الْوَصِيّ وَغَيره الْمشَار لَهُ بقوله: وَغَيْرُ مُوصٍ يُثْبِتُ الكَفَالَهُ وَمَعْ يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ مَالَهْ من أَنه لَا بُد من إِثْبَات كَونهم مَعَه على مائدة وَاحِدَة أَو إِثْبَات الْإِنْفَاق عَلَيْهِم وَيحلف بعد ذَلِك أَنه أنْفق ليرْجع فَيشْهد الشُّهُود أَنه كَانَ يدْفع النَّفَقَة إِلَى حاضنتهم فُلَانَة كَذَا وَكَذَا دِينَارا وقمحاً وشعيراً وَسمنًا مثلا فِي كل شهر مُدَّة من كَذَا عَاما بمحضرهم ومعاينتهم أَو بِإِقْرَار(1/615)
الحاضنة لديهم، أَو يشْهدُونَ أَنهم يعْرفُونَ الصَّبِي فلَانا يَتِيما فِي حضَانَة قَرِيبه فلَان مثلا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا عَاما، وَفِي كفَالَته وعَلى مائدته لَا يعلمونه انْتقل عَن ذَلِك حَتَّى الْآن أَو بطول الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَلَا يَقُولُونَ ينْفق عَلَيْهِ من مَاله الْخَاص بِهِ كَمَا يَفْعَله عوام الْعُدُول عندنَا الْيَوْم، فَإِن قَالُوهُ بطلت شَهَادَتهم لِأَنَّهُ مَحْض زور إِذْ من أَيْن لَهُم أَنَّهَا من مَاله الْخَاص بِهِ، ثمَّ إِذا ثَبت أحد الرسمين يَقُول: بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لقد أجريت النَّفَقَة وَالْكِسْوَة على الصَّبِي الْمَذْكُور طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة من مَالِي الْخَاص بِي لَا رَجَعَ بذلك، وأحاسب الصَّبِي الْمَذْكُور وَمَا قبضت مِنْهَا شَيْئا قَلِيلا وَلَا كثيرا، وَلَا وهبت وَلَا أسقطت وَلَا أحلّت وَلَا استحلت وَلَا أخذت كَفِيلا وَلَا حميلاً وَلَا رهنا وَلَا عوضا وَلَا خرجت عَن ذَلِك، وَلَا عَن شَيْء مِنْهُ بِوَجْه حَتَّى الْآن، ثمَّ تكْتب لَهُ هَذِه الْيَمين فِي ظهر رسم الْإِنْفَاق على هَذِه الْكَيْفِيَّة كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَسَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّة: وَإِن أَب من مَاله قد أنفقا على ابْنه فِي حجره ترفقا الخ. فَالْكَلَام هُنَا عَام فِي الْأَب وَغَيره إِلَّا فِي الْيَمين فَلَا يحلفها الْأَب وَمَا يَأْتِي خَاص بِالْأَبِ وورثته، وَهَذَا إِذا كَانَت عَادَة الْآبَاء الرُّجُوع بِالنَّفَقَةِ على أَوْلَادهم، فقد سُئِلَ السيوري عَن الرُّجُوع بِالنَّفَقَةِ على الابْن؟ فَأجَاب: يسْأَلُون عَن عَادَة بلدهم فِي النَّفَقَة على أَوْلَادهم، فَإِن كَانَ شَأْنهمْ الرُّجُوع فَالْحكم على ذَلِك، وَإِن كَانَت عَادَة أمثالهم غَالِبا عدم الرُّجُوع فَالْحكم على ذَلِك، وَإِن كَانَ يخْتَلف وَهُوَ مساوٍ أَو مُتَقَارب فَيرجع بعد يَمِين من يَرث الطَّالِب أَنهم لَا يعلمُونَ أَنه أنْفق لَا ليرْجع إِن كَانُوا مِمَّن يشبه أَن يعلمُوا اه. وَهُوَ وَاضح لِأَن الْعرف كالشاهد الْوَاحِد أَو الشَّاهِدين، فعلى أَنه كالشاهدين لَا يحلف إِن كَانَت عَادَتهم الرُّجُوع.
(فصل فِي التداعي فِي النَّفَقَة)
ومَنْ يَغِبْ عَنْ زَوْجَةٍ ولَمْ يَدَعْ نَفَقَةً لهَا وَبَعْدَ أَنْ رَجَعْ (وَمن) اسْم شَرط مُبْتَدأ (يغب) فعل الشَّرْط (عَن زَوْجَة) يتَعَلَّق بِهِ (وَلم يدع) مَعْطُوف على يغب (نَفَقَة) مفعول (لَهَا) يتَعَلَّق بِنَفَقَة أَو بيدع (وَبعد أَن رَجَعَ) يتَعَلَّق بقوله: نَاكَرَهَا فِي قَوْلِهَا لِلْحِينِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ (ناكرها فِي قَوْلهَا فِي الْحِين) متعلقان بناكرها أَيْضا (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَوْله) خبر (مَعَ الْيَمين)(1/616)
يتَعَلَّق بِهِ وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط وَجَوَابه خبر من. مَا لَمْ تَكُنْ لأَمْرِهَا قَدْ رَفَعَتْ قَبْلَ إيَابِهِ لِيَقْوَى مَا ادَّعَتْ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة مُتَعَلقَة بقوله الْمُتَقَدّم (لم تكن) اسْمهَا ضمير الزَّوْجَة (لأمرها) يتَعَلَّق بقوله (قد رفعت) وَالْجُمْلَة خبر تكن وَالْجُمْلَة من تكن وَمَا بعده فِي مَحل جر بِإِضَافَة مَا إِلَيْهَا وَالتَّقْدِير مُدَّة عدم رَفعهَا لأمرها (قبل إيابه) يتَعَلَّق برفعت وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة يرجع للزَّوْج (ليقوى) مَنْصُوب بِأَن مقدرَة بعد اللَّام وَالْجُمْلَة تسبك بمصدر مُتَعَلق برفعت أَيْضا (مَا) مَوْصُول فَاعل بيقوى (ادَّعَت) صلَة مَا وفاعله ضمير الزَّوْجَة والرابط مَحْذُوف أَي ادَّعَتْهُ. فَيَرْجِعُ القَوْلُ لَهَا مَعَ الحَلِفْ والرَّدُ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا عُرِفْ (فَيرجع القَوْل لَهَا) جَوَاب شَرط مُقَدّر أَي فَإِن رفعت فَيرجع القَوْل لَهَا الخ (مَعَ الْحلف) فِي مَحل نصب على الْحَال (وَالرَّدّ) مُبْتَدأ (للْيَمِين فيهمَا) متعلقان بِهِ وَجُمْلَة (عرف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَمعنى الأبيات الْأَرْبَع أَن الزَّوْج إِذا غَابَ عَن زَوجته وَلم يتْرك لَهَا نَفَقَة على زعمها وَبعد رُجُوعه ناكرها وَادّعى أَنه تَركهَا لَهَا أَو أرسلها إِلَيْهَا، فَإِن القَوْل قَوْله فِي ذَلِك مَعَ يَمِينه مَا لم تكن رفعت أمرهَا للْحَاكِم فِي مغيبه لتقوي دَعْوَاهَا، وَلم يجد الْحَاكِم لَهُ مَالا يفْرض لَهَا فِيهِ فَأذن لَهُ بِالْإِنْفَاقِ على نَفسهَا ورضيت أَو وجد لَهُ مَال وَلم تسمح بِبيعِهِ ورضيت أَن تسلفه نَفَقَتهَا، فَيكون حِينَئِذٍ القَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا من حِين الرّفْع وتحاصص الْغُرَمَاء بِمَا أنفقت على نَفسهَا من حِين رَفعهَا فِي الدّين الْحَادِث دون الْقَدِيم، وَكَذَا بِمَا أنفقته على أَوْلَادهَا الصغار، وَلمن وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين ردهَا وقلبها على صَاحبه فِي الصُّورَتَيْنِ ثمَّ أَنه إِذا حلف فِي مَسْأَلَة الْإِرْسَال فَيحلف لقد قبضتها لَا بعثتها كَمَا فِي (خَ) وَظَاهر النّظم أَن الرّفْع للعدول وَالْجِيرَان لَا يَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ظَاهره لِأَن الرّفْع إِذا أطلق إِنَّمَا ينْصَرف للرفع للْحَاكِم. وَذكر ابْن عَرَفَة أَن الْعَمَل اسْتمرّ عِنْدهم على مُقَابل الْمَشْهُور وَأَن شكواها للعدول كالرفع للْحَاكِم، وَأما للجيران فلغو لَكِن قَالَ (خَ) فِي تكميله الْعَمَل بفاس على الْمَشْهُور فَلَا بدّ من الرّفْع للْحَاكِم، لَكِن هَذَا مَعَ تيَسّر الرّفْع لَهُ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَن الْعُدُول وَالْجِيرَان كالحاكم لعذرها حِينَئِذٍ، وَمَفْهُوم وَمن يغب أَن الْحَاضِر يكون القَوْل قَوْله من غير تَفْصِيل، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل قَوْله حَيْثُ كَانَ حَاضرا أَو غَائِبا وَلم ترفع لِأَنَّهَا فِي حوزه، وَالْقَوْل قَول الْحَائِز قَالَه الْبُرْزُليّ. وَلذَا لَو كَانَت فِي غير دَاره وحوزه فَالْقَوْل قَوْلهَا فِي عدم بُلُوغهَا وَمحل قبُول قَوْله حَيْثُ ادّعى أَنه كَانَ ينْفق أَو يدْفع النَّفَقَة فِي زَمَنهَا شَيْئا فَشَيْئًا أَو ادّعى دَفعهَا لَهَا جملَة وَاحِدَة فِي أول الْمدَّة الْمُتَنَازع فِيهَا أما إِذا ادّعى دَفعهَا جملَة وَاحِدَة بعد تجملها عَلَيْهِ لما مضى فَلَا يقبل قَوْله إِجْمَاعًا قَالَه ابْن رشد ثمَّ لَهَا أَن تطلبه عِنْد إِرَادَة السّفر بِنَفَقَة الْمُسْتَقْبل ليدفعها لَهَا أَو يُقيم لَهَا كَفِيلا قَالَه (خَ) وَغَيره.(1/617)
وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ كَحُكْمِ مَا لِنْفِسهَا قَدْ وثَّقَتْ (وَحكم مَا على بنيه أنفقت) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَمَا وَاقعَة على الْإِنْفَاق وأنفقت صلته والرابط مَحْذُوف (كَحكم مَا لنَفسهَا قد وثقت) خبر عَن الْمُبْتَدَأ وَالْمعْنَى أَن حكم الزَّوْجَة إِذا أنفقت على أَوْلَادهَا الصغار من زَوجهَا الْغَائِب كَحكم إنفاقها على نَفسهَا فَإِن رفعت أَمرهم كَانَ القَوْل قَوْلهَا من حِين الرّفْع مَعَ يَمِينهَا، وإلاَّ فَالْقَوْل قَوْله مَعَ الْيَمين وَمحل رُجُوعهَا بنفقتها فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا وبنفقة بنيها فِي هَذِه إِن ثَبت يسره فِي غيبته أَو خرج مُوسِرًا، وَأما إِن ثَبت عسره فِي غيبته أَو جهل حَاله فِيهَا وَلَكِن خرج مُعسرا وَقدم كَذَلِك فَلَا تتبعه لَا بنفقتها وَلَا بِنَفَقَة أَوْلَادهَا وَلَا تحاص بهَا الْغُرَمَاء، وَيفهم هَذَا الشَّرْط من تنصيصه على مَجْهُول الْحَال فِي قَوْله بعد: فَإِن يكن مُدعيًا حَال الْعَدَم الخ، فَأَما إِن كَانَت لَهُ أصُول فِي الْبَلَد فتباع لَهَا فِي النَّفَقَة إِلَّا دَار السُّكْنَى، فَإِنَّهَا تبَاع للزَّوْجَة دون الْأَوْلَاد كَمَا مر تَحْصِيله أول الْبَاب فيفترقان فِي هَذِه كَمَا يفترقان فِي مَسْأَلَة أُخْرَى ذكرهَا ابْن فَرِحُونَ فِي ألغازه قَالَ: رجل غَائِب ويسره فِي غيبته مَعْلُوم، فَلَمَّا قدم ألزمناه بِنَفَقَة الزَّوْجَة دون الْأَوْلَاد فترجع عَلَيْهِ الزَّوْجَة بنفقتها على نَفسهَا، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمُنفق أَجْنَبِيّا فَإِنَّمَا يرجع بِنَفَقَة الزَّوْجَة لِأَنَّهُ يَقُول: إِن كنت عنْدكُمْ مُوسِرًا فِي ظَاهر أَمْرِي فَأَنا أعلم من بَاطِن أَمْرِي أَن نَفَقَة وَلَدي لَا تلزمني لما أعلمهُ من عسري، فَالْقَوْل قَوْله فِي ذَلِك دون يَمِين وَلَا تلْزمهُ نَفَقَة الْأَوْلَاد اه بِاخْتِصَار. وَهُوَ مُوَافق لما مر من أَن الْمُنفق على الصَّغِير لَا يرجع إِلَّا مَعَ علم مَاله أَو علم يسر أَبِيه، وَهَذَا وَإِن قدم من غيبته مُوسِرًا فَهُوَ مُصدق فِي أَنه كَانَ وَقت الْإِنْفَاق مُعسرا وَمن ادّعى يسره وقته فَعَلَيهِ الْإِثْبَات فَقَوله: ويسره فِي غيبته مَعْلُوم يَعْنِي فِي ظَاهر الْحَال لكَونه خرج مُوسِرًا أَو قدم كَذَلِك وَالله أعلم. فإنْ يَكُنْ قَبْلَ الْمَغِيبِ طَلَّقَا فَالقَوْلُ قَوْلُهَا بِذَاكَ مُطْلَقَا (فَإِن يكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير الزَّوْج (قبل المغيب) يتَعَلَّق بقوله (طلقا) وَالْجُمْلَة خَبَرهَا (فَالْقَوْل قَوْلهَا) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (بِذَاكَ) الْبَاء بِمَعْنى فِي مُتَعَلقَة بقوله (مُطلقًا) حَال وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل قَوْلهَا فِي نَفَقَتهَا على نَفسهَا وعَلى أَوْلَادهَا مُطلقًا رفعت للْحَاكِم أم لَا. لِأَنَّهَا لَيست فِي حوزه فَلَا يمْضِي قَوْله عَلَيْهَا كَمَا مر: إنْ أَعْمَلَتْ فِي ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ اليَمِينَا وَأثْبَتَتَ حَضَانَةَ الْبَنِينَا (إِن أعملت فِي ذَلِك اليمينا) شَرط فِي قبُول قَوْلهَا وَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (وأثبتت(1/618)
حضَانَة البنينا) هَذَا يرجع لهَذِهِ وللتي قبلهَا، وَهَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله فِيمَا مر، وَغير موص يثبت الْكفَالَة الخ. ثمَّ إِذا كَانَ فِي غيبته مُوسِرًا أَو مُعسرا فَلَا إِشْكَال كَمَا مر، وَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال فَهُوَ قَوْله: فإنْ يَكُنْ مُدَّعِياً حَالَ العَدَمْ طُولَ مَغِيبِهِ وحَالُهُ انْبَهَمْ (فَإِن يكن مُدعيًا حَال الْعَدَم طول) مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة يتَعَلَّق بمدعيا (مغيبه) مُضَاف إِلَيْهِ (وحاله انبهم) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة حَالية. فحَالَةُ القُدُومِ لابْنِ القَاسِمِ مُسْتند لَهَا قَضَاءُ الحَاكِمِ (فحالة الْقدوم) مُبْتَدأ (لِابْنِ الْقَاسِم) اللَّام بِمَعْنى عِنْد كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: 78) (مُسْتَند) خبر (لَهَا) يتَعَلَّق بِهِ (قَضَاء الْحَاكِم) نَائِب الْفَاعِل بمستند. وَمُعْسِرٌ مَعَ اليَمِينِ صُدِّقَا ومُوسِرٌ دَعْوَاهُ لَنْ تُصَدَّقَا (فمعسر) مُبْتَدأ سوغه التَّفْصِيل لما قبله. (مَعَ الْيمن) يتَعَلَّق بقوله (صدقا) وَالْجُمْلَة خبر (وموسر) مُبْتَدأ (دَعْوَاهُ) مُبْتَدأ ثَان (لن تصدقا) خبر عَن الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر عَن الأول والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِدَعْوَاهُ، وَالْمعْنَى إِذا قدم الزَّوْج من غيبته وَادّعى الْعسرَة مُدَّة مغيبه لتسقط نَفَقَتهَا عَنهُ، وَكَانَت حَاله فِي الْغَيْبَة وَوقت خُرُوجه مَجْهُولَة لَا يدْرِي أَكَانَ مُوسِرًا وقتئذ أَو مُعسرا وَلم تصدقه الزَّوْجَة أَو الْمُنفق عَلَيْهَا فِي دَعْوَاهُ، فَالْمَشْهُور وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم أَنه ينظر إِلَى حَال قدومه فَإِن قدم مُعسرا صدق مَعَ يَمِينه وَلَا يصدق إِن قدم مُوسِرًا (خَ) : وَإِن تنَازعا فِي عسره فِي غيبته اعْتبر حَال قدومه، وَهَذَا من الِاسْتِصْحَاب المعكوس وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ، وَهَذَا كُله فِي نَفَقَة الزَّوْجَة، وَأما نَفَقَة الْأَوْلَاد فَتقدم أَنه مُصدق وَإِن قدم مُوسِرًا، وَأما الأبوان فَتقدم أَيْضا أَنه لَا يفْرض لَهما مَعَ جهل حَال الْغَائِب أَو علم عسره وَمَا فِي (ز) من أَن نَفَقَة الْأَوْلَاد والأبوين فِي هَذَا كَالزَّوْجَةِ غير سديد لِأَن نَفَقَة الْأَوْلَاد عِنْده لَا يشْتَرط فِي الرُّجُوع بهَا علم يسر الْأَب كَمَا قدمه عِنْد قَوْله وَحلف أَنه أنْفق ليرْجع وَهُوَ مصادم لنقل ابْن رشد وَغَيره وَالله أعلم. وَانْظُر لَو أنْفق على الْوَلَد أَجْنَبِي مَعَ علمه بِالدَّار للْأَب وَالظَّاهِر أَنه لَا رُجُوع لِأَنَّهُ فِي حكم الْفَقِير فَلم يقم عَنهُ بِوَاجِب انْظُر مَا تقدم أول الْبَاب. وَقِيلَ باعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ وَالحُكْمُ باسْتِصْحَابِ حَالَهِ حَرِي(1/619)
(وَقيل بِاعْتِبَار وَقت السّفر وَالْحكم باستصحاب حَاله حري) هَذَا هُوَ مَفْهُوم قَوْله: وحاله انبهم فحقه أَن لَا يحكيه بقيل فَلَو أَخّرهُ عَن الْبَيْت بعده وَقَالَ عوضا مِنْهُ: وحاله إِن علمت وَقت السّفر فَالْحكم باستصحابها دون نظر لأجاد كَمَا قَالَه وَلَده لِأَن حَاله فِي وَقت السّفر إِذا علمت كَانَ الْعَمَل عَلَيْهَا بِلَا خلاف حَتَّى يثبت مَا يُخَالِفهَا فَذكره فِي تعداد الْأَقْوَال الَّتِي موضوعها انبهام الْحَال غير سديد، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مُقَابل الْمَشْهُور بقوله: وَقِيلَ بالحَمْلِ عَلَى اليَسَارِ والقَوْلُ بالتَّصْدِيقِ أيْضاً جَارِي (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (بِالْحملِ) نَائِبه (على الْيَسَار) فَلَا يصدق فِيمَا ادّعى أَنه كَانَ فِي مغيبة معدماً وَإِن قدم معدماً لِأَن الْغَالِب الملاء وَلِأَن كل عديم ادّعى الْعَدَم فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة، وَهَذَا القَوْل لِابْنِ الْمَاجشون (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (بالتصديق) يتَعَلَّق بِهِ (أَيْضا) مفعول مُطلق (جاري) خبر أَي فَيصدق فِي دَعْوَاهُ الْإِعْسَار حَالَة الْغَيْبَة سَوَاء قدم مُوسِرًا أَو مُعسرا وَهُوَ لسَحْنُون وَابْن كنَانَة قَالَ فِي ضيح: وَوجه أَن الأَصْل الْعَدَم.
(فصل فِيمَا يجب للمطلقات وغيرهن من النَّفَقَة وَمَا يلْحق بهَا)
كالإرضاع وأجرته. إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إِلَى انْقِضَا عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلاقِ مُقْتَضَا (إسكان) مُبْتَدأ (مَدْخُول) مُضَاف إِلَيْهِ (بهَا) يتَعَلَّق بِهِ (إِلَى انْقِضَاء عدتهَا) يتَعَلَّق بِإِسْكَان (من الطَّلَاق) الْبَائِن صفة لعدتها (مُقْتَضى) خبر أَي مَطْلُوب بِحكم الشَّرْع لقَوْله تَعَالَى: لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن} (الطَّلَاق: 41) الْآيَة لِأَن السُّكْنَى حق لله فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لَهَا إِسْقَاطهَا، وَلذَا كَانَت ترجع للسُّكْنَى إِن خرجت لحجة الضَّرُورَة فَمَاتَ أَو طلق على مَا هُوَ مُبين فِي (خَ) وَغَيره وَقد تساهلت النَّاس الْيَوْم فَصَارَت الْمَرْأَة إِذا طَلقهَا زَوجهَا أَو مَاتَ عَنْهَا تذْهب لأَهْلهَا وَلَا يجبرها الْحَاكِم على الْبَقَاء فِي بَيتهَا إِلَى انْقِضَاء عدتهَا، وَإِذا قضى عَلَيْهَا بالْمقَام فِي بَيتهَا لانقضاء عدتهَا فَأَرَادَتْ أَن تسكن مَعهَا أمهَا أَو قريبَة لَهَا فلهَا ذَلِك وَلَا تتْرك وَحدهَا وَلَا مقَال لزَوجهَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَمَفْهُوم قَوْله مَدْخُول بهَا أَن غَيرهَا لَا سُكْنى لَهَا وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا عدَّة عَلَيْهَا من الطَّلَاق.(1/620)
وذَاتُ حَمْلٍ زِيدَتِ الإنْفَاقَا لِوَضْعِهَا وَالْكِسْوَةَ اتِّفَاقَا (وَذَات حمل) مُبْتَدأ (زيدت) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْمُبْتَدَأ (الإنفاقا) مفعول ثَان لزيدت (لوضعها) يتَعَلَّق بزيدت (وَالْكِسْوَة) مَعْطُوف على الْإِنْفَاق (اتِّفَاقًا) حَال وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة طَلَاقا بَائِنا إِذا كَانَت حَامِلا فَإِنَّهُ يُزَاد لَهَا على السُّكْنَى النَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِلَى وضع حملهَا إِذْ كل حَامِل لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِلَّا الْمُتَوفَّى عَنْهَا والملاعنة، وَقَوله: لوضعها أَي وَلَو وَضعته لخمسة أَعْوَام وَالنَّفقَة بِقدر وَسعه وحالها كَمَا مر. وكما يَأْتِي فِي قَوْله: بِحَسب الأقوات والأعيان والسعر وَالزَّمَان وَالْمَكَان (خَ) : فيفرض المَاء وَالزَّيْت والحطب وَالْملح وَاللَّحم الْمرة بعد الْمرة، وَانْظُر نَوَادِر الطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالْعدة من نوازلنا الَّتِي جمعناها فَإِن الْكَلَام فِيهَا أوسع، وَأما الْكسْوَة فيفرض لَهَا الدرْع أَي الْقَمِيص والخمار أَي مَا تخمر بِهِ رَأسهَا أَي مَا تغطيه بِهِ والإزار وَينظر إِلَى الْغَالِب من مُدَّة الْحمل، فَإِن قيل غالبه تِسْعَة أشهر قيل: وَكم ثمن هَذِه الْكسْوَة وَفِي كم تبلى؟ فَإِن قيل تبلى فِي سنتَيْن قسم ثمنهَا عَلَيْهِ وكسيت بِحَسبِهِ انْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلبس ذَات الْحمل بِالْحملِ اقْترن. كَمَا لَو طَلقهَا بِقرب وَضعهَا فلهَا بِقدر ذَلِك من الْكسْوَة ثمنا (خَ) وَفِي الْأَشْهر قيمَة منابها. وَمَا لَهَا إنْ مَاتَ حَمْلٌ مِنْ بقَا واسْتثِنْ سُكْنى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا (وَمَا) نَافِيَة (لَهَا) خبر مقدم وَالضَّمِير للكسوة وَأَحْرَى النَّفَقَة (إِن مَاتَ حمل) شَرط وفاعله وَجَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (من بقا مُبْتَدأ جر بِمن الزَّائِدَة، وَالْمعْنَى أَنه لَا بَقَاء للنَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِن مَاتَ الْحمل فِي بطن أمه، وَاعْتَرَفت بِمَوْتِهِ لِأَن النَّفَقَة إِنَّمَا كَانَت لَهَا لِأَن الْوَلَد يتغذى بغذائها فَإِذا مَاتَ لم يبْق لَهُ غذَاء بِهَذَا. أجَاب ابْن دحون وَابْن الشقاق وَغَيرهمَا، وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي الأَجْهُورِيّ وَمَا فِي زمن أَن الْمُعْتَمد هُوَ اسْتِمْرَار نَفَقَتهَا ومسكنها إِن مَاتَ فِي بَطنهَا إِلَى وَضعهَا إِذْ بذلك وَقع الحكم من القَاضِي. ابْن مُحرز. وَأفْتى بِهِ آخَرُونَ الخ. معترض، وَأما الْمسكن فيستمر(1/621)
لَهَا وَإِن مَاتَ فِي بَطنهَا إِلَى وَضعه إِذْ بِهِ تخرج من الْعدة كَمَا فِي (ح) عَن المشذالي وَغَيره قَائِلا هُوَ صَرِيح الْقُرْآن الْكَرِيم، وَإِنَّمَا حملنَا النّظم على مَا إِذا مَاتَ فِي بَطنهَا وَلم تضعه لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ النزاع وَهُوَ المتوهم، وَأما إِذا مَاتَ بعد وَضعه أَو وَضعته مَيتا فقد خرجت من عدتهَا فَلَا يتَوَهَّم أحد اسْتِمْرَار شَيْء من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والإسكان لَهَا. (واستثن) أَمر (سُكْنى) مَفْعُوله (إِن يمت) شَرط (من) فَاعله (طلقا) صلَة وَالْمعْنَى أَن الْمُطلق إِذا مَاتَ قبل وضع الْحمل، أَو قبل انْقِضَاء الْعدة إِن لم تكن حَامِلا فَإِن النَّفَقَة وَالْكِسْوَة يسقطان وَتبقى السُّكْنَى للوضع وانقضاء الْعدة لِأَنَّهَا حق تعلق بِذِمَّتِهِ فَلَا يسْقطهُ الْمَوْت كَسَائِر الدُّيُون كَانَ الْمسكن لَهُ أم لَا. نقد كِرَاء أم لَا. وَيُؤْخَذ الْكِرَاء من رَأس مَاله بِخِلَاف الرَّجْعِيَّة أَو الَّتِي فِي الْعِصْمَة فَلَا يسْتَمر لَهَا السُّكْنَى إِن مَاتَ إِلَّا إِن كَانَ لَهُ أَو نقد كراءه كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا الشّطْر كالاستثناء الْمُنْقَطع لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ موت الْحمل وَهَذَا موت الزَّوْج الْمُطلق، وَأَيْضًا الحكم فِي الْمُسْتَثْنى وَهُوَ سُقُوط النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَبَقَاء السُّكْنَى هُوَ الحكم فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ كَمَا قَررنَا، فَلَو قدم هَذَا الشّطْر على الَّذِي قبله لَكَانَ مُسْتَثْنى من قَوْله: زيدت الْإِنْفَاق الخ، وَيكون الضَّمِير فِي لَهَا عَائِدًا على النَّفَقَة لِأَنَّهَا الْمُحدث عَنْهَا وَالْكِسْوَة تَابِعَة لَهَا، وَيصِح أَن يبْقى على حَاله وَيكون مُسْتَثْنى من مَفْهُوم قَوْله: إِن مَاتَ حمل أَي فَإِن لم يمت فيستمران إِلَّا إِن مَاتَ الْمُطلق فيسقطان وَتبقى السُّكْنَى أَي: وَاسْتثنى السُّكْنَى مِمَّا إِذا لم يمت الْحمل وَمَات الْمُطلق، وَإِنَّمَا سَقَطت الْكسْوَة وَالنَّفقَة حِينَئِذٍ لِأَن الْحمل صَار وَارِثا وَلَا نَفَقَة لأمه فِي مَاله أَيْضا بل هِيَ الَّتِي تنْفق على نَفسهَا وَلَا ترجع بِشَيْء كَمَا فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود وَغَيره. وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُكْنى فَقَدْ فِي دارِهِ أوْ مَا كِرَاءَهُ نَقَدْ (وَفِي الْوَفَاة) يتَعَلَّق بقوله (تجب السُّكْنَى) فَاعل (فقد) اسْم فعل بِمَعْنى اكتف وَيصِح أَن يكون بِمَعْنى حسب (فِي دَاره) يتَعَلَّق بِالسُّكْنَى (أَو مَا) مَوْصُولَة معطوفة على دَاره وَاقعَة على الْبَيْت أَو الْمسكن (كراءه) مفعول بقوله (نقد) ، وَالْجُمْلَة صلَة والرابط الضَّمِير فِي كراءه، وَالْمعْنَى أَن الَّتِي توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَهِي فِي عصمته أَو رَجْعِيَّة تجب لَهَا السُّكْنَى فَقَط كَانَت حَامِلا أم لَا بِشَرْطَيْنِ. أَحدهمَا: أَن يكون قد دخل بهَا فَإِن لم يدْخل بهَا أصلا أَو دخل بهَا وَهِي غير مطيقة فَلَا سُكْنى لَهَا لِأَن الدُّخُول بِغَيْر المطيقة كَالْعدمِ إِلَّا أَن تكون صَغِيرَة لَا يُوطأ مثلهَا وأسكنها مَعَه فِي حَيَاته ثمَّ مَاتَ فلهَا السُّكْنَى حِينَئِذٍ فِي الْعدة. عِنْد ابْن الْقَاسِم، لِأَن إسكانها مَعَه بِمَنْزِلَة دُخُولهَا بهَا. ثَانِيهمَا: أَن يكون الْمسكن مَمْلُوكا لَهُ أَو نقد كراءه قبل مَوته فَإِن انْقَضتْ مُدَّة النَّقْد قبل انْقِضَاء مُدَّة الْعدة لم يلْزم الْوَارِث سكناهَا بَقِيَّة الْمدَّة، وَظَاهره أَن لَهَا السُّكْنَى فِيمَا نَقده كَانَ الْكِرَاء وجيبة أَي مُدَّة مُعينَة أَو مشاهرة ككل شهر أَو يَوْم أَو سنة بِكَذَا وَهُوَ كَذَلِك، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم ينْقد لَا سُكْنى لَهَا وجيبة كَانَ أَيْضا أَو مشاهرة وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد، وَقيل: لَهَا السُّكْنَى فِي الوجيبة لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة النَّقْد وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ (خَ) : وللمتوفى عَنْهَا السُّكْنَى إِن دخل والمسكن لَهُ أَو نقد كراءه لَا بِلَا نقد وَهل مُطلقًا أَو إِلَّا الوجيبة تَأْوِيلَانِ اه. فَقَوْل النَّاظِم: وَفِي الْوَفَاة هُوَ(1/622)
على حذف مُضَاف وأل عوض عَن الضَّمِير أَي وَفِي عدَّة وَفَاته، وَلَا تجب عدَّة الْوَفَاة إِلَّا إِذا مَاتَ عَنْهَا وَهِي فِي عصمته أَو رَجْعِيَّة، وَأما إِن مَاتَ عَنْهَا وَهِي مُطلقَة بَائِنَة فعلَيْهَا عدَّة الطَّلَاق وَتجب لَهَا السُّكْنَى مُطلقًا كَانَ الْمسكن لَهُ أَو نقد كراءه أم لَا كَمَا مر.(1/623)
وَلما كَانَت الْحَامِل قد يطول حملهَا فتستمر نَفَقَتهَا وكسوتها وسكناها إِن كَانَت مُطلقَة أَو سكناهَا فَقَط إِن كَانَت متوفى عَنْهَا احْتَاجَ إِلَى بَيَان أقْصَى الْحمل فَقَالَ: وَخَمْسَةُ الأَعْوَامِ أقْصى الحَمْلِ وَسِتَّةُ الأَشْهُرِ فِي الأقلِّ (وَخَمْسَة الأعوام)) مُبْتَدأ (أقْصَى الْحمل) خَبره فَإِذا مضى للبائن ثَلَاثَة أشهر من طَلاقهَا فَقَالَت إِن عدتهَا لم تنقض وَكَانَت متهمة حَلَفت سَوَاء كَانَت محجورة أم لَا، لِأَن الدَّعْوَى عَلَيْهَا فِي بدنهَا وتمادت على سكناهَا إِلَى انْقِضَاء السّنة وَللزَّوْج إحلافها فِي كل ثَلَاثَة أشهر فَإِذا انْقَضتْ السّنة نظر إِلَيْهَا النِّسَاء فَإِن أحسسن بريبة وشككن هَل حَرَكَة مَا فِي بَطنهَا حَرَكَة ولد أَو حَرَكَة ريح حَلَفت أَيْضا أَن عدتهَا لم تنقض وتمادت فِي السُّكْنَى إِلَى انْقِضَاء خَمْسَة أَعْوَام فتنقطع سكناهَا وَيحل لَهَا التَّزَوُّج، وَإِن قَالَت أَنا بَاقِيَة على ريبتي لِأَن خَمْسَة أَعْوَام أمد يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْحمل على الْمَشْهُور وَحكم الْمُتَوفَّى عَنْهَا إِذا كَانَ الْمسكن لَهُ أَو نقد كراءه حكم هَذِه ثمَّ إِنَّه لَا نَفَقَة للمتوفى عَنْهَا وَلَا كسْوَة كَمَا مر وَكَذَا الْبَائِن فِي هَذَا الْوَجْه لِأَن الْحمل لم يثبت، وَإِنَّمَا أحست النِّسَاء بالريبة فَقَط فَإِن ثَبت وَشهِدت القوابل العارفات بأنهن لمسن بَطنهَا لمساً تَاما شافياً فتحقق أَن بهَا حملا ظَاهرا قد تحرّك وَفَشَا الخ. فيزاد لَهَا حِينَئِذٍ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة للأمد الْمَذْكُور، وَيجب لَهَا ذَلِك من أول الْحمل كَمَا مرّ فَإِن انْقَضى الأمد الْمَذْكُور والموضوع بِحَالهِ من تحقق الْوَلَد لم يحل لَهَا التَّزَوُّج أبدا كَمَا فِي (ح) عَن اللَّخْمِيّ وَانْظُر هَل تستمر لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة أَيْضا وَهُوَ الظَّاهِر لقَولهم تجب النَّفَقَة للحامل مَا دَامَ الْوَلَد حَيا فِي بَطنهَا أَو لَا يسْتَمر لَهَا ذَلِك لطرو الرِّيبَة بطول الْمدَّة وَالْخُرُوج عَن الْعَادة. تَنْبِيه: نقل ابْن سَلمُون عَن الِاسْتِغْنَاء أَن الزَّوْج إِذا خَافَ أَن تجحد مطلقته الْحيض لتَمام الْمدَّة وَكَانَت مِمَّن تتهم فَلهُ أَن يَجْعَل مَعهَا امْرَأَة صَالِحَة تترقب ذَلِك مِنْهَا وتتعرف أحوالها وَيعْمل على قَوْلهَا اه. قلت: وَهَذَا ظَاهر وَلَو على القَوْل الْمَعْمُول بِهِ من أَنَّهَا لَا تصدق فِي انْقِضَاء عدتهَا فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر، لِأَن هَذَا القَوْل يَقُول لَا تصدق فِي الِانْقِضَاء فِي أقل من الْمدَّة الْمَذْكُورَة، وَأما إِذا قَالَت لم تنقض فَهِيَ مصدقة عِنْده وَعند غَيره وَلكنهَا تحلف كَمَا مر. (وَسِتَّة الْأَشْهر) مُبْتَدأ (فِي الْأَقَل) خَبره يَعْنِي أَن أقل الْحمل سِتَّة أشهر بِإِجْمَاع الْعلمَاء لقَوْله تَعَالَى: وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} (الْأَحْقَاف: 51) مَعَ قَوْله تَعَالَى: والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} (الْبَقَرَة: 233) وَقَالَ أَيْضا: وفصاله فِي عَاميْنِ} (لُقْمَان: 14) فَإِذا سَقَطت مُدَّة الفصال الَّتِي فِي الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ من الثَّلَاثِينَ بَقِي للْحَمْل سِتَّة أشهر، فَإِذا ولدت الْمَرْأَة لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم العقد لم يلْحق بِالزَّوْجِ وانتفى عَنهُ بِغَيْر لعان كَمَا تقدم فِي بَاب اللّعان. وَحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّهْ فِي عِدَّةٍ كَحَالَةٍ الزَّوْجَيَّهْ (وَحَال ذَات) مُبْتَدأ (طَلْقَة) مُضَاف بعد مُضَاف (رَجْعِيَّة) نعت لطلقة (فِي عدَّة) يتَعَلَّق بِحَال (كحالة الزَّوْجِيَّة) خبر. مِنْ وَاّجبٍ عَلَيْهِ كالإنْفَاقِ إلاَّ فِي الاسْتِمْتاعِ بالإطْلاَقِ (من وَاجِب) من بِمَعْنى فِي تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بِوَاجِب (كالإنفاق) خبر لمبتدأ مَحْذُوف (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من عُمُوم كحالة الزَّوْجِيَّة (فِي الِاسْتِمْتَاع) يتَعَلَّق بِمَا تعلّقت بِهِ من الظَّرْفِيَّة الْمُتَقَدّمَة (بِالْإِطْلَاقِ) حَال من الِاسْتِمْتَاع، وَالْمعْنَى أَن حَال الرَّجْعِيَّة وَقت عدتهَا كَحال الزَّوْجَة الَّتِي فِي الْعِصْمَة فِي وجوب النَّفَقَة لَهَا وَجَوَاز إرداف الطَّلَاق عَلَيْهَا وَلُزُوم الظِّهَار وَالْإِيلَاء مِنْهَا وَثُبُوت الْمِيرَاث وانتقالها لعدة الْوَفَاة فِي مَوته عَنْهَا وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام إِلَّا فِي الِاسْتِمْتَاع بهَا وَلَو بنظرة لَذَّة، فَإِنَّهُ يحرم وَلَا تكون فِيهِ كَالزَّوْجَةِ حَتَّى يرتجعها بنية، قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَو قَالَ نسَائِي طَوَالِق اندرجت الرَّجْعِيَّة (خَ) : والرجعية كَالزَّوْجَةِ إِلَّا فِي تَحْرِيم الِاسْتِمْتَاع وَالدُّخُول عَلَيْهَا وَالْأكل مَعهَا. 5 وَحَيْثُ لاَ عِدَّةَ لِلْمُطَلَّقَهْ فَلَيْسَ مِنْ سُكْنى وَلا مِنْ نَفَقَهْ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لَا) نَافِيَة للْجِنْس (عدَّة) اسْمهَا (للمطلقة) خَبَرهَا، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهَا (فَلَيْسَ) جَوَاب الشَّرْط (من سُكْنى) اسْمهَا جر بِمن الزَّائِدَة (وَلَا من نَفَقَة) مَعْطُوف على مَا قبله وخبرها مَحْذُوف للْعلم بِهِ(1/624)
تَقْدِيره لَهَا على الزَّوْج، وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة إِذا كَانَت لَا عدَّة عَلَيْهَا لكَونهَا طلقت قبل الْبناء أَو كَانَت غير مطيقة وَإِن وطِئت بِالْفِعْلِ لِأَن وَطْء غير المطيقة كَالْعدمِ أَو كَانَ الزَّوْج مجبوباً فَإِنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا كسْوَة وَلَا سُكْنى وَقد بَانَتْ وحلت للأزواج من حينها. وَالْحَاصِل أَنه كلما انْتَفَت الْعدة انْتَفَى لازمها من السُّكْنَى وَالنَّفقَة وَلَا عكس، لِأَنَّهُ إِذا وَجَبت الْعدة فقد ثبتَتْ النَّفَقَة وَالسُّكْنَى كَمَا إِذا كَانَت الْمُطلقَة حَامِلا أَو رَجْعِيَّة وَقد ينتفيان كَمَا إِذا لم تعلم خلْوَة بَينهمَا وَادعت الْمَسِيس أَو علمت فِي زيارته لَهَا فعلَيْهَا الْعدة لإقرارها بِسَبَبِهَا فِي الأولى ولعلم الْخلْوَة فِي الثَّانِيَة وَإِن لم تقر بِالْوَطْءِ. (خَ) : تَعْتَد حرَّة بخلوة بَالغ وَلَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنى لِأَنَّهَا مُطلقَة قبل الْبناء على زَعمه فَهِيَ بَائِن غير حَامِل، فَإِن ظهر بهَا حمل والموضوع بِحَالهِ فَإِن لَاعن فِيهِ فَلَا شَيْء لَهَا، وَإِلَّا فلهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى كَمَا مر مَا لم تضعه لأَقل من سِتَّة من يَوْم العقد وَإِلَّا انْتَفَى بِغَيْر لعان كَمَا مر. وَلَيْسَ لِلرَّضِيعِ سُكْنَى بالْقَضَا عَلَى أبِيهِ وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى (وَلَيْسَ للرضيع سُكْنى) اسْم لَيْسَ خَبَرهَا فِي الْمَجْرُور قبله (بالقضا على أَبِيه) يتعلقان بالاستقرار فِي الْخَبَر (وَالرّضَاع) مُبْتَدأ (مَا) نَافِيَة (انْقَضى) خبر وَالْجُمْلَة حَالية مقرونة بِالْوَاو يُرِيد أَن من طلق زَوجته وَله مَعهَا ولد رَضِيع، فَإِنَّهُ لَا سُكْنى للرضيع على أَبِيه لِأَن مَسْكَنه فِي مُدَّة الرَّضَاع هُوَ حجر أمه فِي الْغَالِب قَالَه ابْن عَاتٍ وَغَيره. نعم على أَبِيه نَفَقَته إِن كَانَ يَأْكُل مَعَ الرَّضَاع وَفهم من قَوْله وَالرّضَاع مَا انْقَضى الخ. أَنه إِذا انْقَضتْ لَهُ مُدَّة الرَّضَاع تكون لَهُ السُّكْنَى على أَبِيه وَهُوَ كَذَلِك على أحد قَوْلَيْنِ، وَبِه الْعَمَل فَيلْزم الْأَب حَظه من كِرَاء الْبَيْت (خَ) وللحاضنة قبض نَفَقَته وَالسُّكْنَى بِالِاجْتِهَادِ وَيكون عَلَيْهِ أَيْضا إخدامه بعد تَمام الرَّضَاع إِذا كَانَ حَاله يَتَّسِع لذَلِك كَمَا فِي ابْن سَلمُون قَالَ: وَلَا خدمَة للحامل وَلَا للرضيع على زَوجهَا وَإِن كَانَت مخدمة قبل الطَّلَاق على مَا بِهِ الْعَمَل إِلَّا أَن الْمُرْضع يُزَاد لَهَا مَا تتقوى بِهِ فِي الْأُجْرَة بِسَبَب اشتغالها بِالْوَلَدِ اه (خَ) وتزاد الْمُرْضع مَا تقوى بِهِ. وَمُرْضَعُ لَيْسَ بِذِي مَالٍ عَلَى وَالِدِهِ مَا يَسْتَحِقُّ جُعِلاَ (ومرضع) بِفَتْح الضَّاد اسْم مفعول مُبْتَدأ (لَيْسَ) اسْمهَا ضمير الْمُبْتَدَأ (بِذِي مَال) خَبَرهَا جر بِالْبَاء الزَّائِدَة، وَالْجُمْلَة صفة للمبتدأ (على وَالِده) يتَعَلَّق بجعلا آخر الْبَيْت (مَا) مُبْتَدأ ثَان (يسْتَحق) صلَة والرابط مَحْذُوف (جعلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر مَا وَمَا وخبرها خبر الأول، وَالْمعْنَى أَن(1/625)
الرَّضِيع الَّذِي لَا مَال لَهُ يكون جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أُجْرَة الرَّضَاع وَغَيرهَا على أَبِيه الْغَنِيّ، وَفهم من قَوْله: لَيْسَ بِذِي مَال الخ. أَن مَال الابْن يقدم على مَال الْأَب وَلَو فِي حَيَاته، وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح من إِحْدَى الطريقتين لِأَن أُجْرَة الرَّضَاع كَالنَّفَقَةِ يبْدَأ فِيهَا بِمَال الابْن وسيصرح بِهَذَا فِي قَوْله: وَمن لَهُ مَال فَفِيهِ الْفَرْض حق. وَكَلَام النَّاظِم فِيمَا إِذا كَانَت أمه فِي الْعِصْمَة أَو رَجْعِيَّة بِدَلِيل مَا بعده، لكنه أطلق فَيشْمَل علية الْقدر وَالَّتِي لَا لبن لَهَا لمَرض وَنَحْوه وَغَيرهمَا مَعَ أَن الحكم الْمَذْكُور خَاص بعلية الْقدر وَالَّتِي لَا لبن لَهَا. وَأما غَيرهمَا وَلَو رَجْعِيَّة فَيجب عَلَيْهَا إِرْضَاع وَلَدهَا بِلَا أجر (خَ) : وعَلى الْأُم المتزوجة إِرْضَاع وَلَدهَا بِلَا أجر إِلَّا لعلو قدر كالبائن الخ فَلَو زَاد النَّاظِم بَيْتَيْنِ فَقَالَ مثلا: إِن ذَات قدر هِيَ أَو مريضه وَغَيرهَا ترْضِعه فريضه واستأجرت من مَالهَا إِن أعدما أَب وَكَانَ درها قد عدما لوفى بالمراد والدر اللَّبن، وَبِالْجُمْلَةِ فعلية الْقدر الَّتِي مثلهَا لَا يرضع وَلَده لعلم أَو سرف أَو صَلَاح أَو جاه لَا يلْزمهَا إِرْضَاع وَلَدهَا فَإِن أَرْضَعَتْه وَلَو قبل غَيرهَا كَانَت لَهَا أُجْرَة الرَّضَاع فِي مَال الْوَلَد إِن كَانَ لَهُ مَال فَإِن لم يكن لَهُ مَال فَفِي مَال الْأَب فَإِن لم يكن لَهما مَال لَزِمَهَا إرضاعه مجَّانا، وَإِن لم يكن لَهَا لبن اسْتَأْجَرت من يرضعه من مَالهَا، وَأما غير علية الْقدر الَّتِي لَا لبن لَهَا فَإِن الْأَب يسْتَأْجر من يرضعه من مَاله فَإِن لم يكن لَهُ مَال اسْتَأْجَرت من يرضعه من مَالهَا أَيْضا. وَمَعْ طلاقٍ أُجْرَةُ الإرْضَاعِ إِلَى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ (وَمَعَ طَلَاق) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَحْذُوف. (أُجْرَة الْإِرْضَاع) مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف للْعلم بِهِ أَي وَأُجْرَة الرَّضَاع وَاجِبَة لَهَا عَلَيْهِ مَعَ طَلاقهَا الْبَائِن (إِلَى تَمام مُدَّة الرَّضَاع) وَهُوَ الحولان وَحذف النَّاظِم نعت طَلَاق كَمَا ترى وَهُوَ وَارِد فِي التَّنْزِيل كَقَوْلِه تَعَالَى: إِنَّه لَيْسَ من أهلك} (هود: 46) أَي الناجين، وَقَوله: الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين وَمن قَوْله مَعَ طَلَاق يفهم أَن الْبَيْت الَّذِي قبله إِنَّمَا هُوَ فِي الَّتِي فِي الْعِصْمَة أَو من فِي حكمهَا وَهِي الرَّجْعِيَّة كَمَا مر فَإِن لم ترض هَذِه الْبَائِن بِمَا فرض لَهَا كَانَ للْأَب أَخذه ويدفعه لمن يرضعه، فَإِن لم يقبل غَيرهَا كَانَ عَلَيْهَا إرضاعه بِمَا فرض لَهَا بِالْقضَاءِ فَإِن كَانَ الْأَب مُعسرا لَا يقدر على أُجْرَة كَانَ عَلَيْهَا إرضاعه مجَّانا أَو بِمَا يقدر عَلَيْهِ واستأجرت من مَالهَا إِن لم يكن لَهَا لبن كَمَا مر، وَإِذا وجد الْأَب من يرضعه مجَّانا أَو بِأَقَلّ من الْأُجْرَة الْمَفْرُوضَة فَلَا يَنْزعهُ مِنْهَا وَيلْزمهُ لَهَا أُجْرَة الْمثل كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله وَلها إِن قبل غَيرهَا أُجْرَة الْمثل وَلَو وجد من ترْضِعه عِنْدهَا مجَّانا على الْأَرْجَح فِي التَّأْوِيل.(1/626)
وَبَعْدَهَا يَبْقَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهْ حَتَّى يُرَى سُقُوطُهُ بِمُوجِبِهْ (وَبعدهَا) يتَعَلَّق بقوله (يبْقى) وَالضَّمِير الْمُؤَنَّث لمُدَّة الرَّضَاع (الَّذِي) فَاعل بيبقى (يخْتَص بِهِ) صلَة والرابط هُوَ الضَّمِير الْفَاعِل بيختص وَضمير بِهِ للْوَلَد (حَتَّى) جَارة بِمَعْنى إِلَى وَأَن مقدرَة بعْدهَا (يرى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة (سُقُوطهَا) نَائِب الْفَاعِل (بِمُوجبِه) يتَعَلَّق بِسُقُوط، وَأَن وَمَا دخلت عَلَيْهِ تسبك بمصدر مجرور بحتى يتَعَلَّق بيبقى، وَالْمعْنَى أَنه يبْقى الَّذِي يخْتَص بِالْوَلَدِ بعد مُدَّة الرَّضَاع من نَفَقَة وَكِسْوَة وسكنى لَازِما لِأَبِيهِ إِلَى رُؤْيَة سُقُوطه عَنهُ بِمُوجبِه وَهُوَ بُلُوغ الذّكر عَاقِلا قَادِرًا على الْكسْب وَدخُول الزَّوْج بِالْأُنْثَى كَمَا مرّ فِي قَوْله: فَفِي الذُّكُور للبلوغ يتَّصل وَفِي الْإِنَاث بِالدُّخُولِ ينْفَصل تَنْبِيه: إِذا طلق وَادّعى الْعسر بِنَفَقَة الْوَلَد أَو أُجْرَة رضاعه، فَإِن دَعْوَاهُ لَا تقبل وَلَو أثبتها لِأَنَّهُ قبل الطَّلَاق كَانَ ينْفق عَلَيْهَا وَعَلِيهِ وَالْيَوْم عَلَيْهِ فَقَط، فَهِيَ أخف، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يثبت بِالْبَيِّنَةِ أَن حَالَته تَغَيَّرت عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل الطَّلَاق فَيحلف حِينَئِذٍ أَنه مَا كتم شَيْئا وَلَا يَسْتَطِيع من النَّفَقَة شَيْئا ثمَّ يكون رضاعه على الْأُم وَنَفَقَته على الْمُسلمين أَو بَيت المَال قَالَ مَعْنَاهُ اللَّخْمِيّ. وَإنْ تَكُنْ مَعْ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ زِيدَتْ لهَا نَفَقَةٌ بالْعَدْلِ (وَإِن تكن) شَرط وَاسْمهَا ضمير الْمُطلقَة (مَعَ ذَاك) يتَعَلَّق بتكن وَالْإِشَارَة إِلَى كَونهَا مُرْضعًا (ذَات حمل) خبر تكن (زيدت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (لَهَا) يتَعَلَّق بِهِ (نَفَقَة) نَائِب الْفَاعِل (بِالْعَدْلِ) . بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحَيْثُ بالْقَضَا تُؤْخَذُ وَانَفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى (بعد ثُبُوته) يتعلقان بزيدت أَيْضا، وَالْمعْنَى أَن الْمُطلقَة إِذا كَانَت ذَات حمل مَعَ كَونهَا مُرْضعًا فَإِنَّهُ يُزَاد لَهَا نَفَقَة الْحمل وَالسُّكْنَى على أُجْرَة الرَّضَاع لقَوْله تَعَالَى: فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} (الطَّلَاق: 6) الْآيَة وَقَوله: وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 6) وَلَيْسَ وَاجِب الْإِرْضَاع مسْقطًا مَا يجب لَهَا لأجل الْحمل (ح) : وَإِن كَانَت مُرْضِعَة فلهَا نَفَقَة الرَّضَاع أَيْضا ثمَّ هَذِه النَّفَقَة الَّتِي تزاد لَهَا تكون بِالْعَدْلِ بِقدر وَسعه وحالها والبلد والسعر، وَإِنَّمَا تزاد لَهَا نَفَقَة الْحمل بعد ثُبُوته بِشَهَادَة القوابل إنَّهُنَّ لمسن بَطنهَا لمساً تَاما شافياً فتحققن أَن بهَا حملا ظَاهرا قد تحرّك وَفَشَا الخ. فَإِن سقط من شَهَادَتهنَّ قد تحرّك لم يعْمل بهَا لقَوْل ابْن رشد الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب أَن يحكم للْحَمْل بحركته فِي وجوب النَّفَقَة وَاللّعان عَلَيْهِ، وَفِي كَون الْأمة(1/627)
حرَّة بِهِ اه. وَقَالَ أَيْضا: لَا يتَبَيَّن الْحمل فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر وَلَا يَتَحَرَّك تحركاً بَينا يَصح الْقطع بِهِ على حركته فِي أقل من أَرْبَعَة أشهر وَعشر اه. فَإِذا شهدن أَنه يَتَحَرَّك وَهُوَ من شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة من يَوْم حَاضَت أَو ولدت لم يعْمل بهَا أَيْضا، وَإِذا وَجَبت لَهَا النَّفَقَة بحركته فتحاسبه بِمَا مضى من أَرْبَعَة أشهر من طَلاقهَا. (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (بالقضا) ء يتَعَلَّق بقوله: (تُؤْخَذ) ونائبه ضميرالنفقة، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (وانفش) مَعْطُوف على تُؤْخَذ وفاعله ضمير الْحمل (فَمِنْهَا) يتَعَلَّق بقوله (تقتضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير النَّفَقَة وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ وَالْفَاء رابطة. وَإنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلا سُلْطَانِ فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ قَوْلاَنِ (وَإِن يكن) شَرط (دفع) اسْمهَا (بِلَا سُلْطَان) خَبَرهَا (فَفِي رُجُوعه بِهِ) خبر (قَولَانِ) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَالْمعْنَى أَن الْحَامِل إِذا ثَبت حملهَا وَأخذت النَّفَقَة بِحكم الْحَاكِم ثمَّ بعد ذَلِك أنفش حملهَا، وَتبين أَنه لَا حمل بهَا، وَإِنَّمَا هُوَ ريح أنفش فَإِن النَّفَقَة الَّتِي أخذت تَقْتَضِي مِنْهَا أَي تُؤْخَذ مِنْهَا كلهَا، وَكَذَا الْكسْوَة وَلَو بعد أشهر وَإِن كَانَت النَّفَقَة دفعت لَهَا بِغَيْر حَاكم وَهُوَ مُرَاده بقوله بِلَا سُلْطَان، وأنفش الْحمل كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فَهَل يرجع الزَّوْج بهَا أم لَا؟ قَولَانِ فِي الْمَذْهَب، وَالْمَشْهُور مِنْهُمَا الأول كَمَا هُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَردت النَّفَقَة كانفشاش الْحمل الْحمل الخ، وَظَاهره أَيْضا أنْفق عَلَيْهَا بعد ظُهُوره وثبوته أَو قبلهمَا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لشراحه. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم: أنفش أَنه إِذا لم ينفش بل وَلدته وَمَات أَو أسقطته مَيتا فَلَا رُجُوع عَلَيْهَا بِشَيْء، وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا تنازعت مَعَ الزَّوْج فادعت أَنَّهَا أسقطته وَادّعى هُوَ أَنه ريح أنفش، فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَو لم يُوجد لَهُ أثر بِلَا يَمِين كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) أَيْضا بقوله وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين. وَمَنْ لهُ مَالٌ فَفيهِ الْفَرْضُ حَقْ وَعَنْ أبٍ يَسْقُطُ كلُّ مَا اسَتَحَقْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول وَاقع على الْوَلَد الصَّغِير (لَهُ مَال) مُبْتَدأ وَخبر صلته (فَفِيهِ) يتَعَلَّق بِحَق آخر الْبَيْت (الْفَرْض) مُبْتَدأ (حق) بِضَم الْحَاء فعل مَاض ونائبه ضمير الْفَرْض، وَالْجُمْلَة خبر عَن الْفَرْض، وَالْجُمْلَة من هَذَا الْمُبْتَدَأ وَخَبره خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء فِي خَبره لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام (وَعَن أَب) يتَعَلَّق بقوله (يسْقط كل) فعل وفاعل (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ مَوْصُول وصلته جملَة (اسْتحق) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير من والرابط مَحْذُوف، وَالْمعْنَى أَن كل ولد صَغِير كَانَ لَهُ مَال وَرثهُ من أمه أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك فَإِن لِأَبِيهِ أَن يفْرض نَفَقَته(1/628)
وَكسوته وَأُجْرَة رضاعه فِيهِ وَسَوَاء كَانَ المَال عينا أَو عرضا، وَيرجع الْأَب بِمَا أنْفق عَلَيْهِ من مَاله الْخَاص بِهِ إِن كَانَ مَال الابْن عرضا فَقَط، وَجَرت عَادَة الْبَلَد بِرُجُوع الْآبَاء على الْأَبْنَاء كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: ومنفق على صَغِير مُطلقًا إِلَى آخر الأبيات، وَإِذا أنْفق عَلَيْهِ فِي ختنه وعرسه وعيده فَلَا يلْزمه إِلَّا مَا كَانَ مَعْرُوفا لَا مَا كَانَ سَرفًا (خَ) : وَالنَّفقَة على الطِّفْل بِالْمَعْرُوفِ، وَفِي ختنه وعرسه وعيده. ابْن الْقَاسِم: مَا أنفقهُ على اللعابين فِي عرسه وَنَحْوه لَا يلْزم الْوَلَد. وكُلُّ مَا يَرْجِعُ لافْتِرَاضِ مُوَكَّلٌ إِلَى اجْتِهَادِ القَاضِي (وكل) مُبْتَدأ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (يرجع) صلَة والرابط الْفَاعِل بيرجع (لافتراض) يتَعَلَّق بِهِ (مُوكل) بِفَتْح الْكَاف خبر (إِلَى اجْتِهَاد القَاضِي) يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور. بِحَسَبِ الأَقْوَاتِ والأَعْيَانِ وَالسِّعْرِ وَالزّمَانِ وَالمَكَانِ (بِحَسب) حَال من اجْتِهَاد أَو يتَعَلَّق بِمَحْذُوف أَي فيجتهد بِحَسب إِلَى آخِره، وَالْمعْنَى أَن كل مَا يفْرض وَيقدر من نَفَقَة وَكِسْوَة وَإِسْكَان وإخدام فَهُوَ مُوكل إِلَى اجْتِهَاد القَاضِي حَال كَون اجْتِهَاده كَائِنا بِحَسب جنس (الأقوات) الْمُعْتَاد أكلهَا فِي الْبَلَد من قَمح أَو شعير أَو أرز أَو ذرة وَغير ذَلِك (و) بِحَسب (الْأَعْيَان) الْمَفْرُوض لَهَا وَعَلَيْهَا من غنى وَغَيره، فَلَا يلْزم الْمُوسر أَن ينْفق على الفقيرة كنفقته على الغنية وَلَا يَكْتَفِي من غير متسع الْحَال فِي إِنْفَاقه على الغنية بِمَا يَكْفِيهِ فِي الفقيرة. وَاعْلَم أَن الْأَعْيَان أَرْبَعَة: غَنِي ومتوسط ومقل وعديم، وَلَكِن فرض عَامَّة النَّاس عندنَا بفاس حرسها الله كَمَا فِي الشَّيْخ (م) : وَهُوَ الَّذِي رَأَيْت عَمَلهم الْيَوْم عَلَيْهِ فرض الإقلال كَانَ الزَّوْج رفيعاً أَو وضيعاً وَلَو كَانَ تَاجِرًا إِلَّا إِذا أثبت عَدمه فيفرض عَلَيْهِ فرض العديم وَلَا تطلق عَلَيْهِ كَمَا قَالَ (خَ) لَا أَن قدر على الْقُوت وَمَا يواري الْعَوْرَة وَأَن غنية أَي فَلَا تطلق عَلَيْهِ قَالَ ابْن سَلمُون: فَإِن ادّعى أَنه مُعسر فَلَا يفْرض عَلَيْهِ فرض الْمُعسر حَتَّى يثبت هَذَا الرَّسْم الَّذِي نَصه يعرف شُهُوده فلَانا ويعلمونه ضَعِيف الْحَال بَادِي الإقلال مَقْدُورًا عَلَيْهِ فِي رزقه وحاله مُتَّصِلا على ذَلِك حَتَّى الْآن وَبِذَلِك قيدوا شَهَادَتهم فِي كَذَا، فَإِذا ثَبت هَذَا العقد سقط عَنهُ الْإِنْفَاق الَّذِي يلْزم الْمُوسر، وَكَانَ عَلَيْهِ غليظ الثِّيَاب والقوت من الدَّقِيق أَو الْخبز إِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع الدَّقِيق وَسقط عَنهُ الإدام وَيدْفَع ذَلِك بالشهر أَو بِالْجمعَةِ أَو بِالْيَوْمِ اه. فَإِن ادّعى الْعَجز حَتَّى عَن الدَّقِيق وَالْخبْز يَعْنِي بِغَيْر إدام فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده، فَإِذا علمت هَذَا فالمتوسط عندنَا بفاس هُوَ الْمقل، وَلذَا حمل عَامَّة النَّاس عَلَيْهِ عندنَا والعديم قِسْمَانِ عديم لَا يقدر على شَيْء من النَّفَقَة بِحَال وعديم يقدر على الْقُوت بِغَيْر أدام وَمَا يواري الْعَوْرَة من غليظ الثِّيَاب فَلَا تطلق عَلَيْهِ (و) بِحَسب (السّعر) فيوسع فِي الرخَاء دون الغلاء (و) بِحَسب (الزَّمَان) فَلَيْسَ زمَان الشتَاء كالصيف(1/629)
(و) بِحَسب (الْمَكَان) إِن كَانَ أكل أهل بَلَدهَا الشّعير وَنَحْوه أَكلته وَأمر الإدام كَذَلِك فيفرض المَاء وَالزَّيْت والحطب وَالْملح وَاللَّحم الْمرة بعد الْمرة لمتسع وَمرَّة فِي كل جُمُعَة لمتوسط وَلَا يفْرض عسل وَلَا سمن وَلَا فَاكِهَة إِلَّا أَن يكون السّمن إدَامًا لأهل بَلَدهَا كَمَا عندنَا بفاس فيفرض، وَأما أهل الْبَادِيَة فينقص لَهُم الْوقُود والصابون وَالزَّيْت وَمَا عداهُ يلْزمهُم. ابْن الفخار: يلْزم المليء فِي نَفَقَة زَوجته مدان فِي كل يَوْم بمده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والمتوسط يلْزمه مد وَنصف اه. ابْن الْحَاجِب: وَقدر مَالك الْمَدّ فِي الْيَوْم وَقدر ابْن الْقَاسِم ويبتين وَنصفا فِي الشَّهْر إِلَى ثَلَاثَة لِأَن مَالِكًا بِالْمَدِينَةِ وَابْن الْقَاسِم بِمصْر، ضيح: المُرَاد بِالْمدِّ هُنَا الْهَاشِمِي وَهُوَ الْمَنْسُوب إِلَى هَاشم بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي وَكَانَ أَمِيرا بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك وَقدره مد وَثُلُثَانِ بمده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والويبة اثْنَان وَعِشْرُونَ مدا بمده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اه. وَمَا تقدم فِي قدر الْمَدّ الْهَاشِمِي هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل هُوَ مد وَثلث وَقيل مدان حكى هَذِه الْأَقْوَال ابْن الْحَاجِب، وَأمر الْكسْوَة يعْتَبر فِيهِ مَا تقدم فِي النَّفَقَة من الْأَعْيَان والسعر وَالزَّمَان وَالْمَكَان فَإِن كَانَت حَدِيثَة عهد بِالْبِنَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سوى شورتها الَّتِي تجهزت بهَا إِلَيْهِ من ملبس وغطاء ووطاء، وَإِن لم يكن فِي صَدَاقهَا مَا تتشور بِهِ أَو لقلته أَو بعد عهدها بِالْبِنَاءِ حَتَّى خلقت شورتها فَعَلَيهِ كسوتها يفْرض لَهَا فِي الصَّيف مَا يَلِيق بِهِ، وَفِي الشتَاء مَا يَلِيق بِهِ وَلَيْسَ المُرَاد أَن يَكْسُوهَا فِي كل صيف وشتاء بل حَتَّى تخلق كسْوَة كل مِنْهُمَا ابْن سَلمُون قَالَ بعض الْمُفْتِينَ: إِن كَانَ الصَدَاق وَاسِعًا فَلَا كسْوَة لَهَا عَلَيْهِ قبل الْعَام، وَإِن كَانَ ضيقا فَعَلَيهِ الْكسْوَة معنى طلبتها اه. قلت: الظَّاهِر أَن الْمُعْتَمد هُوَ الأول وَإِن ذَلِك لَا يضْبط بعام وَلَا بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْمدَار على اخْتِلَاف شورتها، ثمَّ إِن الْحَاكِم مُخَيّر إِن شَاءَ آخذ الزَّوْج بِمَا يفْرض عَلَيْهِ بِعَيْنِه، وَإِن شَاءَ آخذه بِثمنِهِ (خَ) : وَيجوز إِعْطَاء الثّمن عَمَّا لزمَه لزوجته من الْأَعْيَان الْمَفْرُوضَة. ابْن بشير: لَو أَرَادَ الزَّوْج أَن يدْفع إِلَى الْمَرْأَة مَا فرض لَهَا وَطلبت هِيَ ثمنه لَكَانَ لَهَا ذَلِك اه. وَالْعَادَة عندنَا بفاس أَن تفرض الْأَثْمَان إِلَّا الطَّعَام فيفرض بِعَيْنِه، وَإِذا فرضت الْأَعْيَان وقبضتها فَإِنَّهَا تدخل فِي ضَمَانهَا بِالْقَبْضِ (خَ) وضمنت بِالْقَبْضِ كَنَفَقَة الْوَلَد إِلَّا لبينة الخ. وللقاضي الْعدْل سَيِّدي(1/630)
مُحَمَّد بن سَوْدَة رَحمَه الله نظم فِيمَا يفْرض رَأَيْت إثْبَاته هُنَا زِيَادَة للإيضاح، وَإِن كَانَ فِيهِ مُخَالفَة لبَعض مَا تقدم وَنَصه: وَفرض بَالغ وَمن قد رهقا من الرِّجَال والنسا توافقا فقوت الإقلال بِنصْف شهر خَمْسَة آصَع دَقِيقًا فادر وَنصف رَطْل من نقي سمن وَمثله زيتاً عَلَيْهِ فَأَبِنْ كَذَا من الشَّحْم أَو الخليع نصيف رَطْل فاصغ للتوزيع وَاللَّحم نصف ربع وحنا ثمن رَطْل ربع رَطْل جبنا لبانه أَو ضعفه زيتونا وَنصف رَطْل للنقا صابونا أُوقِيَّة سكية لصرف مَا يفْرض من ملح وَلحم لزما وزينة مثل سواك كحل مشط وغاسول ودهن بقل وزد أكولة ومرضعاً على مِقْدَار خَمْسَة لَهَا وكملا وَإِن تشأ أَثمَان كل المآكل وضف إِلَيْهَا الصّرْف ثمَّ أجمل وَذَا بِهِ الْعَمَل فِي ذَا الْعَصْر فِي فرض نَائِب قُضَاة الْمصر وَالْخَادِم الْبَالِغ فِي ذَا الْجِنْس لولد أَو وَالِد أَو عرس قدر من الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس من فرض بَالغ بِلَا التباس
(فصل فِي الطَّلَاق بالإعسار بِالنَّفَقَةِ وَمَا يلْحق بهَا)
من الْإِعْسَار بِالصَّدَاقِ والإخدام. الزَّوْجُ إنْ عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِ لأَجْلِ شَهْرَيْنِ ذُو اسْتِحْقَاقِ (الزَّوْج) مُبْتَدأ (إِن عجز) بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا كَمَا فِي الْقَامُوس شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (عَن إِنْفَاق) يتَعَلَّق بِهِ (لأجل) يتَعَلَّق بِاسْتِحْقَاق (شَهْرَيْن) بدل (ذُو اسْتِحْقَاق) خبر الْمُبْتَدَأ، وَالْمعْنَى أَن الزَّوْج إِذا عجز عَن نَفَقَة زَوجته بعد أَن دخل بهَا أَو بعد أَن دعِي إِلَى الْبناء أَي عجز عَن الْقُوت أَو مَا يواري الْعَوْرَة كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبل الْفَصْل وكما يَأْتِي فَإِنَّهُ يُؤَجل شَهْرَيْن. بعْدَهُمَا الطَّلاَقُ لَا مِنْ فِعْلِهِ وَعَاجِزٌ عَنْ كِسْوَةٍ كَمِثْلِهِ (بعدهمَا) خبر عَن قَوْله (الطَّلَاق لَا) عاطفة على مَحْذُوف أَي من فعل الْحَاكِم لَا (من فعله)(1/631)
أَي الزَّوْج وَهَذَا إِذا امْتنع الزَّوْج من الطَّلَاق، فَحِينَئِذٍ يُطلق الْحَاكِم عَلَيْهِ أَو يأمرها بِهِ فتوقعه كَمَا مرّ فِي الضَّرَر والعيوب وكما يَأْتِي قَرِيبا فِي قَوْله وباختيارها يَقع. (وعاجز عَن كسْوَة) مُبْتَدأ سوغه عمله فِي الْمَجْرُور (كمثله) خَبره أَي كَمثل الْعَاجِز عَن الْإِنْفَاق فِي التَّأْجِيل الْمَذْكُور فَإِذا قدر على الْقُوت وَعجز عَمَّا يواري الْعَوْرَة فيؤجل الْأَجَل الْمَذْكُور فَإِن أَتَى بِمَا يواريها فَذَاك وإلاَّ أَمر بِطَلَاقِهَا، فَإِن أَبى طَلقهَا الْحَاكِم أَو أمرهَا بِهِ فتوقعه كَمَا مر. وَلما كَانَ الْأَجَل الْمَذْكُور غير محتم بِحَيْثُ لَا يعدل عَنهُ بل هُوَ من جملَة الْآجَال الَّتِي هِيَ موكولة لاجتهاد الْحُكَّام فيوسعونها على من يُرْجَى يسره وَلَا يوسعونها على من لَا يُرْجَى مِنْهُ ذَلِك وعَلى مَا يرونه من حَاجَة صَبر الْمَرْأَة وَعدم صبرها قَالَ: وَلاجْتِهَادِ الحَاكِمِينَ يُجْعَلُ فِي العَجْزِ عَنْ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ذَا وَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ذَا الأَجَلُ (ولاجتهاد الْحَاكِمين يَجْعَل فِي الْعَجز عَن هَذَا) أَي الْإِنْفَاق (وَهَذَا) اللبَاس الْمعبر عَنهُ بالكسوة (الْأَجَل) نَائِب فَاعل يَجْعَل والمجروران يتعلقان بِهِ وَالْإِشَارَة الأولى للإنفاق وَالثَّانيَِة للكسوة وَذكره بِاعْتِبَار اللبَاس. وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ كَمثلِ عِصْمَةٍ وَحالِ مَنْ طُلِبْ (وَذَاكَ) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة إِلَى مَا ذكر من التَّطْلِيق والتأجيل (من بعد ثُبُوت مَا يجب) خَبره وفاعل يجب ضمير يعود على مَا وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي من بعد ثُبُوت مَا يجب ثُبُوته (كَمثل) اتِّصَال (عصمَة) بَين الزَّوْجَيْنِ (و) مثل (حَال من) أَي الزَّوْج الَّذِي (طلب) بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة من ثُبُوت عسره بهما وحلفه أَنه لَا مَال لَهُ، وَأَنه لَا يقدر على مَا فرض عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يُؤَجل ثمَّ تطلق عَلَيْهِ بعده فَقَوْل النَّاظِم: الزَّوْج إِن عجز الخ. أَي ادّعى الْعَجز فَإِن وافقته الْمَرْأَة فَلَا يحْتَاج إِلَى ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَذبته فَلَا بُد من ثُبُوته بهَا، وَظَاهره أَنه إِذا ادَّعَاهُ لَا يسجن وَلَا يُؤَاخذ بضامن حَتَّى يُثبتهُ إِذْ لَا يُكَلف بضامن إِلَّا لَو كَانَ يسجن إِذا عجز عَنهُ وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : فيأمره الْحَاكِم(1/632)
إِن لم يثبت عسره بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة أَو الطَّلَاق. وَإِلَّا بِأَن ثَبت أَي بِالْبَيِّنَةِ أَو بإقرارهما تلوم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَزيد إِن مرض أَو سجن ثمَّ طلق عَلَيْهِ وَإِن غَائِبا أَو وجد مَا يمسك الْحَيَاة اه. وَفِي الْبُرْزُليّ وَلَا يحبس فِي نَفَقَة زَوجته وَيجْبر بَين النَّفَقَة أَو التَّطْلِيق وَإِن ثَبت عَدمه ضرب لَهُ السُّلْطَان أجل شَهْرَيْن فَإِن لم يوسر طلقت عَلَيْهِ وَتَكون مَعَه فِي خلل التَّأْجِيل، وَإِذا علم لَهُ مَال وَظهر لدده سجنه السُّلْطَان فِي أَمر الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد وَلَو طلبته بِنَفَقَة أنفقتها على نَفسهَا فِيمَا مضى لوَجَبَ سجنه لَهَا لِأَنَّهَا دين تحاص بِهِ الْغُرَمَاء وَتسقط بهَا الزَّكَاة، وَفِي الْمُسْتَقْبل لَا تسْقط يَعْنِي وَلَا تطلق بعجزه عَن النَّفَقَة الْمَاضِيَة (خَ) : وَلها الْفَسْخ إِن عجز عَن نَفَقَة حَاضِرَة لَا مَاضِيَة الخ. وَقَالَ: أَعنِي الْبُرْزُليّ قبيل مَا مرّ عَنهُ سُئِلَ ابْن الْحَاج عَن المليء إِذا قَالَ: لَا أنْفق على زَوْجَتي هَل تطلق عَلَيْهِ؟ فَأجَاب: ينْفق عَلَيْهَا من مَاله حَتَّى يطلقهَا وَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ أنْفق فَإِن قَالَ لَا قيل لَهُ طلق فَإِن أَبى طلق عَلَيْهِ. الْبُرْزُليّ: وَحكى عِيَاض عَن المبسوطة فِيمَن لَهُ مَال ظَاهر وَهُوَ حَاضر أيؤخذ من أَمْوَاله فَيدْفَع لَهَا النَّفَقَة؟ قَالَ: بل يفْرض لَهَا عَلَيْهِ ويأمره بِالدفع لَهَا فَإِن فعل فَذَاك وإلاَّ وقف فإمَّا أنْفق أَو طلق عَلَيْهِ. وَفِي الْوَاضِحَة إِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَعرف ملاؤه فرض عَلَيْهِ، وَإِن عرف عَدمه لم يفْرض عَلَيْهِ وَهِي مخيرة فِي الصَّبْر بِلَا نَفَقَة أَو تطلق نَفسهَا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذا جهل حَاله، وَفِي الْمُدَوَّنَة احْتِمَال الْقَوْلَيْنِ اه. أَي احْتِمَال الْقَوْلَيْنِ اللَّذين أَشَارَ لَهما ابْن الْحَاجِب من أَنه يُؤْخَذ من مَاله وَينْفق عَلَيْهَا مِنْهُ حَتَّى يطلقهَا أَو يُقَال لَهُ أنْفق الخ. وَالظَّاهِر أَنه إِذا قَالَ: أَنا أنْفق فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بالضامن لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَة من اعْترف بِأَنَّهُ مَلِيء بهَا قَادر عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة من لَهُ مَال وَهُوَ ظَاهر، وَفِي ابْن سَلمُون فَإِن ادّعى الْعَجز عَن النَّفَقَة وَكَذَلِكَ عَن الْقُوت وَعَن مَا يواري الْعَوْرَة من الْكسْوَة وَادّعى الْعَدَم فَلَا يحبس حَتَّى تقوم عَلَيْهِ شُبْهَة يظْهر بهَا لدده وَعَلِيهِ إِثْبَات ذَلِك إِن كَذبته الْمَرْأَة، فَإِذا أثبت ذَلِك حلف أَنه لَا مَال لَهُ، وَأَن الَّذِي يفْرض عَلَيْهِ لَا يقدر عَلَيْهِ فَإِذا حلف أجل فِي الْكسْوَة إِن قدر على النَّفَقَة دون الْكسْوَة وَفرق بَينهمَا بعد الشَّهْرَيْنِ وَنَحْوهمَا، وَإِن لم يقدر على وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا يُؤَجل إِلَّا دون ذَلِك وَذَلِكَ إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم، وَإِذا أثبت ذَلِك أَو أقرّ بِالْعَجزِ ووافقته الزَّوْجَة أَجله الْحَاكِم فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهَا الشَّهْر وَنَحْوه، وَتَكون مَعَه فِي خلل التَّأْجِيل وَلَا يتبعهُ بِنَفَقَة زمن الْإِعْسَار، وَإِن علم لَهُ مَال وَظهر لدده كَانَ للسُّلْطَان أَن يسجنه اه. فرع: تقدم عَن الْبُرْزُليّ أَنه إِذا كَانَ لَهُ مَال ظَاهر سجن فِي نَفَقَة الزَّوْجَة وَفِي نَفَقَة أَوْلَاده، وَأما إِذا عجز عَن نَفَقَة الْأَوْلَاد دون الزَّوْجَة فَإِن الزَّوْجَة لَا تطلق عَلَيْهِ بعسره عَن نَفَقَة صغَار الْأَوْلَاد كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره، وَتَكون نَفَقَة الصغار حِينَئِذٍ فِي بَيت مَال الْمُسلمين أَو على جَمِيعهم. وَوَاجِدٌ نَفَقَةً وَمَا ابْتَنَى وَعَنْ صَدَاقٍ عَجْزُهُ تَبَيَّنَا (وواجد) مُبْتَدأ (نَفَقَة) مَفْعُوله (وَمَا ابتنى) جملَة حَالية (وَعَن صدَاق) يتَعَلَّق بقوله (عَجزه)(1/633)
وَجُمْلَة (تَبينا) خبر عَجزه، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر معطوفة على الْجُمْلَة الحالية قبلهَا (تَأْجِيله) . تَأْجِيلُهُ عَامَانِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَجْعَلُ ذَاكَ لاجْتِهَادِ الحَاكِمِ مُبْتَدأ ثَان (عامان) خَبره وَالْجُمْلَة خبر وَاحِد (وَابْن الْقَاسِم) مُبْتَدأ خَبره (يَجْعَل ذَاك لاجتهاد الْحَاكِم) وَمَعْنَاهُ أَن من قدر على إِجْرَاء نَفَقَة زَوجته الَّتِي لم يدْخل بهَا حِين دَعَتْهُ إِلَيْهِ فطالبته بِالصَّدَاقِ، فَأثْبت عَجزه عَنهُ بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الزَّوْجَة وأبى الطَّلَاق وَسَأَلَ التَّأْخِير لتحصيله، فَإِنَّهُ يُؤَجل لذَلِك سنتَيْن على مَا لمَالِك فِي الْمُخْتَصر، وَعَن ابْن الْقَاسِم أَن ذَلِك موكول لاجتهاد الْحَاكِم، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يجده أَي الصَدَاق أجل لإِثْبَات عسرته بِهِ ثَلَاثَة أسابيع، ثمَّ إِذا أثبتها تلوم بِالنّظرِ وَعمل بِسنة وَشهر، ثمَّ طلق عَلَيْهِ وَوَجَب نصفه اه. فَقَوله: وَعمل بِسنة وَشهر جزئي من جزئيات قَوْله: ثمَّ تلوم بِالنّظرِ أَي: وَمن النّظر أَن الْقُضَاة والموثقين تلوموا بِسنة وَشهر وَفِيهِمْ إسوة لمن اقْتدى بهم فَلَو قَالَ النَّاظِم: وعاجز عَن مهرهَا قبل الْبَنَّا تَأْجِيله عَام وَشهر عينا إِن كَانَ منفقاً بذا التَّأْجِيل وَغَيره طلق بِلَا تَعْجِيل وَنصفه وَجب بِالطَّلَاق تتبعه بِهِ لَدَى الحذاق وَظَاهره أَنه يُؤَجل بِمَا ذكر كَانَ مِمَّن يُرْجَى يسره أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح (خَ) وَفِي التَّلَوُّم لمن لَا يُرْجَى وَصحح أَو لَا يتلوم لمن لَا يُرْجَى تَأْوِيلَانِ، وَمَفْهُوم تَبينا أَنه إِذا لم يتَبَيَّن عَجزه، وَلَكِن ادَّعَاهُ فَقَط فَإِنَّهُ يُؤَجل لإثباته وَبَيَانه بِثَلَاثَة أسابيع كَمَا مر عَن (خَ) لَكِن إِذا أجل لإثباته فَلَا بُد من حميل بِالْوَجْهِ خشيَة تغيبه وَإِن لم يَأْتِ بِهِ سجن كَسَائِر الدُّيُون بِخِلَاف النَّفَقَة فَلَا يسجن فِيهَا كَمَا مر فَوق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ثمَّ إِذا انْقَضتْ ثَلَاثَة أسابيع وَلم يُثبتهُ وَطلبت الزِّيَادَة فَلَا يسجن إِن اسْتمرّ الْحميل على الْحمالَة، وَإِلَّا سجن، ثمَّ أخرج الْمَجْهُول إِن طَال حَبسه كَالدّين فَإِن أثبت الْعَدَم ابْتِدَاء أَو بعد التَّأْجِيل بِثَلَاثَة أسابيع تلوم لَهُ بِسنة وَشهر على مَا بِهِ الْعَمَل أَو بالعامين على مَا صدر بِهِ النَّاظِم بِغَيْر حميل، لِأَنَّهُ ثَبت عَدمه فَلَا معنى لتكليفه بالحميل حِينَئِذٍ خلافًا للزرقاني، فَإِن هرب طَلقهَا الْحَاكِم عَلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء أجل التَّلَوُّم، وَهَذَا كُله فِي الْمَجْهُول كَمَا أفهمهُ قَوْله: تَبينا أَي تبين عَجزه بِالْبَيِّنَةِ العادلة لَا بغَيْرهَا، فَعَن ابْن أبي زيد فِي رجل طُولِبَ(1/634)
بِصَدَاق امْرَأَته فَأتى بِشُهُود مِنْهُم من يتوسم فِيهِ الْخَيْر شهدُوا بفقره وَلم يجد غَيرهم فَقَالَ: لَا يقْضِي فِي عَدَالَة الشُّهُود بِمثل هَذَا التوسم، وَلكنه يكون حَبسه بِمِقْدَار قُوَّة الظَّن بِتَصْدِيق الشُّهُود وَضَعفه اه. وَأما إِن كَانَ مَعْلُوم الملاء وَله مَال ظَاهر فَإِن الْمهْر يُؤْخَذ مِنْهُ وَيُؤمر بِالْبِنَاءِ من غير تَأْجِيل كَمَا يفِيدهُ (ح) . وَصدر بِهِ الشَّارِح خلافًا لما ذكره فِي آخر تَقْرِيره من أَن مَعْلُوم الملاء يُؤَدِّيه أَو تطلق عَلَيْهِ، وَأما ظَاهر الملاء فَإِنَّهُ يحبس إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة تشهد بعسره حَيْثُ لم تطل الْمدَّة بِحَيْثُ يحصل الْإِضْرَار لَهَا بذلك، وإلاَّ طلقت نَفسهَا، وَأما من غلب على الظَّن عسره كالبقال وَنَحْوه فَلَا يُؤَجل لإثباته كَمَا فِي الشَّارِح، وَفِي التَّلَوُّم لَهُ التأويلان المتقدمان، وَمَفْهُوم وَاجِد نَفَقَة أَنه إِذا لم يجدهَا فَلَا يُؤَجل بالعامين وَلَا بِغَيْرِهِمَا، وَلها أَن تطلق نَفسهَا من حينها وَهُوَ كَذَلِك على الرَّاجِح، وَعَن ابْن حبيب إِذا لم يجد النَّفَقَة أجل من الْأَشْهر إِلَى السّنة، وَمَفْهُوم وَمَا ابتنى الخ أَنه إِذا بنى بهَا لَا تطلق بعسره عَن الصَدَاق (خَ) : وَلها منع نَفسهَا وَأَن مَعِيبَة من الدُّخُول وَالْوَطْء بعده إِلَى تَسْلِيم مَا حل من الصَدَاق لَا بعد الْوَطْء إِلَّا أَن يسْتَحق الخ فَمَا فِي (ز) وَتَبعهُ (ت) من نِسْبَة ذَلِك ل (تت) غَفلَة ظَاهِرَة عَمَّا فِي المُصَنّف. تَنْبِيه: فَإِن طلق الْحَاكِم عَلَيْهِ قبل التَّلَوُّم لَهُ بِسنة وَشهر أَو بالعامين فَينْظر فَإِن كَانَ مِمَّن يُرْجَى يسره وَحصل لَهُ الْيُسْر بِالْفِعْلِ فِي مُدَّة التَّلَوُّم على تَقْدِير أَن لَو تلوم لَهُ فَلَا يمْضِي طَلَاقه لِأَنَّهُ وَقع فِي غير مَحَله لِأَن من يُرْجَى يتلوم لَهُ اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يُرْجَى فَحصل الْيُسْر فِي مُدَّة التَّلَوُّم أَيْضا فَكَذَلِك عِنْد من يَقُول يتلوم لَهُ وَهُوَ الرَّاجِح، وَيُمكن أَن يُقَال يمْضِي طَلَاقه لِأَنَّهُ حكم بمختلف فِيهِ لَكِن قُضَاة الْيَوْم لَا يمْضِي حكمهم بِخِلَاف الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو الْمَعْمُول بِهِ. وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ حَيْثُ أَمَّلَتْ فِرَاقُ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أُجِّلَتْ (وَزَوْجَة الْغَائِب) مُبْتَدأ خَبره أجلت آخر الْبَيْت (حَيْثُ) ظرف يتَعَلَّق بأجلت (أملت فِرَاق زَوجهَا) الْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بِشَهْر) يتَعَلَّق ب (أجلت) . وَالْمعْنَى أَن زَوْجَة الْبعيد الْغَيْبَة على عشرَة أَيَّام فَأكْثر كَانَ مَعْلُوم الْموضع أَو مجهوله أَسِيرًا أَو غَيره دخل بهَا أم لَا. على الْمُعْتَمد كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم فِي ذَلِك كُله إِذا طلبت فِرَاق زَوجهَا بِسَبَب النَّفَقَة لكَونه غَابَ عَنْهَا وَلم يتْرك لَهَا نَفَقَة، وَلَا مَا تعدى فِيهِ فَإِنَّهَا تجاب إِلَى ذَلِك وتؤجل شهرا بعد ثُبُوت الْغَيْبَة وَكَونه غَابَ قبل الْبناء(1/635)
أَو بعده بِموضع كَذَا أَو لَا يعلمُونَ مَوْضِعه، وَأَنه غَابَ مُنْذُ كَذَا وَلَا يعلمونه ترك لَهَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة وَلَا شَيْئا تمون بِهِ نَفسهَا وَلَا مَا تعدى فِيهِ وَلَا أَنه آب إِلَيْهَا وَلَا بعث بِشَيْء ورد عَلَيْهَا فِي علمهمْ إِلَى حِين تَارِيخه، ثمَّ يؤجله القَاضِي فِي الْإِنْفَاق عَلَيْهَا شهرا، كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن فتحون فِي وثائقه وَعَلِيهِ عول النَّاظِم حَيْثُ قَالَ: وبشهر أجلت. وَصفته؟ أجل قَاضِي مَدِينَة كَذَا وَهُوَ أعزه الله وحرسها الزَّوْج الْمَشْهُود بغيبته أَعْلَاهُ أَو حوله فِي الإياب لزوجته الْمَذْكُورَة من غيبته الْمَذْكُورَة وإجراء النَّفَقَة وَالْكِسْوَة، وَسَائِر الْمُؤَن كلهَا أَََجَلًا مبلغه شهر وَاحِد مبدؤه من غَد تَارِيخه استقصاء لحجته وإبلاغاً فِي الْإِعْذَار إِلَيْهِ شهد عَلَيْهِ من أشهده بِهِ وَهُوَ بِحَيْثُ يجب لَهُ ذَلِك من حَيْثُ ذكر وَفِي كَذَا فَإِذا انْقَضى الْأَجَل وَلم يقدم خير (ت) : فَإِن شَاءَت حَلَفت وَطلقت نَفسهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَلَيْسَ لأَبِيهَا الْقيام عَنْهَا إِلَّا بتوكيلها كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَابْن سَلمُون وتكتب فِي ذَلِك لما انصرم الْأَجَل أَعْلَاهُ أَو حوله، وَلم يقدم الزَّوْج الْمَذْكُور من غيبته الْمَذْكُورَة وَسَأَلت الزَّوْجَة من يجب سدده الله النّظر لَهَا فِي ذَلِك، فَاقْتضى نظره إحلافها على جَمِيع مَا تقدم لما شهِدت بِهِ بَيِّنَة الْغَيْبَة فَحَلَفت على جَمِيع ذَلِك بنصه بِحَيْثُ يجب وكما يجب يَمِينا. قَالَت فِيهَا بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ لقد غَابَ عني زَوجي فلَان الخ. وَلما تمّ حَلفهَا وكملت يَمِينهَا وَثَبت ذَلِك لَدَيْهِ أذن لَهَا فِي تطليق نَفسهَا فَطلقت نَفسهَا عَلَيْهِ طَلْقَة وَاحِدَة قبل الْبناء ملكت بهَا أَمر نَفسهَا أَو بعد الْبناء يملك بهَا رَجعتهَا إِن قدم مُوسِرًا فِي عدتهَا وأمرها بالاعتداد وإرجاء الْحجَّة للْغَائِب مَتى قدم فَمن حضر الْيَمين المنصوصة واستوعبها من الزَّوْجَة وَيعرف الْإِذْن فِيهَا، وَفِي الطَّلَاق من القَاضِي الْمَذْكُور وأشهدته الحالفة الْمَذْكُورَة بِمَا فِيهِ عَنْهَا وَعرفهَا بأتمه قَيده شَاهدا بِهِ فِي كَذَا وَهُوَ معنى قَوْله: وبانْقِضَاءِ الأجَلِ الطَّلاَقُ مَعْ يَمِينِهَا وَباخْتِيَارِهَا يَقَعْ وَالْبَاء فِي قَوْله وبانقضاء للمصاحبة أَو للسَّبَبِيَّة أَو بِمَعْنى مَعَ خبر مقدم عَن قَوْله الطَّلَاق وَمَعَ فِي مَحل نصب على الْحَال أَي وَالطَّلَاق وَاقع على الزَّوْج مصاحباً لانقضاء الْأَجَل أَي بِسَبَبِهِ أَو مَعَه فِي حَال كَونه مَعَ يَمِين الزَّوْجَة، وَقَوله وباختيارها يَقع جملَة مستأنفة قَالَه اليزناسني. تَنْبِيهَات. الأول: تقدم فِي فصل الضَّرَر إِذا حَلَفت بعد مُضِيّ التَّأْجِيل من غير إِذن القَاضِي لَهَا فِي الْحلف وَلَا فِي الطَّلَاق فَإِن ذَلِك نَافِذ فَانْظُرْهُ هُنَاكَ.(1/636)
الثَّانِي: تقدم أَيْضا فِي الْمحل الْمَذْكُور أَن الزَّوْج إِذا تعصب بِمحل لَا تناله الْأَحْكَام فَحكمه حكم الْغَائِب فَيجْرِي عَلَيْهِ حكمه ولزوجته الطَّلَاق بِعَدَمِ النَّفَقَة إِذْ الهاربة من زَوجهَا الْمُقِيم فِي بلد لَا تناله الْأَحْكَام فِيهِ لَا تسْقط نَفَقَتهَا عَنهُ. الثَّالِث: الْغَائِب الَّذِي لَا مَال لَهُ وَلَكِن لَا يُمكنهَا الْوُصُول إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّة لعدم من ينصفها كَمَا فِي الْبَوَادِي ورؤوس الْجبَال لتعذر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فيهمَا غَالِبا حكمه حكم الْعَاجِز الْحَاضِر كَمَا لِابْنِ فتحون، وَنَقله ابْن عَاتٍ فِي طرره، وَاعْتَمدهُ ابْن عبد السَّلَام وَهُوَ الصَّوَاب خلافًا لما فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة من أَنه إِذا كَانَ لَهُ مَال لَا يُمكنهَا الْوُصُول إِلَيْهِ يفْرض لَهَا النَّفَقَة وَكَانَ ذَلِك لَهَا دينا عَلَيْهِ تَأْخُذهُ بِهِ إِذا قدم لِأَنَّهُ لَا معنى لإلزام الْمَرْأَة أَن تسلفه النَّفَقَة على نَفسهَا من مَالهَا أَو من غَيره لترجع فِي المَال الَّذِي بيد الْغَائِب إِن علم، أَو فِي المَال الَّذِي لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّة وَلَو مَأْمُونا كالعقار مَعَ احْتِمَال سَلامَة الزَّوْج وَالْمَال ووصولها إِلَى ذَلِك وَعدم وصولها لاستغراق الدُّيُون لَهُ، وَلذَا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه مَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة خلاف الْمَذْهَب، وَإِن كَانَ نَحوه فِي الْبَيَان، وَاعْترض بِهِ ابْن عَرَفَة على ابْن عبد السَّلَام فَلَا يسلم لَهُ الِاعْتِرَاض. الرَّابِع: إِذا قدم الزَّوْج وجرح شُهُود الْغَيْبَة، وَلم تَجِد الْمَرْأَة غَيرهم ردَّتْ إِلَيْهِ وَفرق بَينهَا وَبَين الزَّوْج الثَّانِي قَالَه غير وَاحِد وَهُوَ معنى قَول (خَ) عاطفاً على مَا ترد فِيهِ الزَّوْجَة للْأولِ والمطلقة لعدم النَّفَقَة، ثمَّ ظهر إِسْقَاطهَا خلافًا لما فِي ابْن رشد فِي بَيِّنَة شهِدت بمغيب الزَّوْج وَأَنه لَا مَال لَهُ تعدى فِيهِ الخ. ثمَّ بعد أَن حَلَفت الْمَرْأَة وَطلقت نَفسهَا قَالَت الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة أَن لَهُ أنقاض حجرَة قيمتهَا سَبْعَة مَثَاقِيل أَو نَحْوهَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يعْرفُونَ ذَلِك وَقت الشَّهَادَة وجهلوا أَن الأنقاض تبَاع فِي نَفَقَتهَا أَو شهد بذلك غير بَيِّنَة الْغَيْبَة فَقَالَ: الطَّلَاق نَافِذ لَا يرد بِرُجُوع الْبَيِّنَة سَوَاء شهد بالأنقاض الْبَيِّنَة الَّتِي حكم بهَا أَو غَيرهم ففتوى ابْن رشد هَذِه مُخَالفَة للْمَذْهَب وَإِن سلمهَا ابْن عَرَفَة والأجهوري. الْخَامِس: إِذا عجزت الْمَرْأَة عَن إِثْبَات غيبَة زَوجهَا لغربتها وَعدم من يعرف زَوجهَا فَإِن القَاضِي يحلفها الْيَمين الْمُتَقَدّمَة وَتطلق نَفسهَا إِن شَاءَت ويسمي الْحَاكِم فِي حكمه الزَّوْج الَّذِي ذكرت ويصفه بِمَا ذكرت فَإِن قدم وَأنكر الزَّوْجِيَّة لم يضر وَإِن أقرّ بهَا وَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق قَالَه اللَّخْمِيّ والسيوري وَغَيرهمَا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَنَقله (ح) . السَّادِس: إِذا أَثْبَتَت الزَّوْجَة عَيْبَة زَوجهَا وَعدم مَا تنْفق مِنْهُ على نَفسهَا فتطوع قريب أَو أَجْنَبِي بنفقتها فَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره وَهُوَ الْمُعْتَمد لَيْسَ لَهَا أَن تطلق نَفسهَا لِأَن سَبَب الْفِرَاق وَهُوَ عدم النَّفَقَة قد ارْتَفع وَزَالَ خلافًا لِابْنِ الْكَاتِب فِي قَوْله إِن لَهَا أَن تُفَارِقهُ. وَمَنْ عَنِ الإخْدامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ فَلاَ طَلاَقَ وَبِذَا الحُكْمُ اشْتَهَرْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول (عَن الإخدام) يتَعَلَّق بقوله (عَجزه) وَهُوَ مُبْتَدأ (ظهر) خَبره وَالْجُمْلَة(1/637)
صلَة الْمَوْصُول (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (طَلَاق) اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف أَي عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول (وبذا) يتَعَلَّق بِمَا بعده (الحكم) مُبْتَدأ خَبره (اشْتهر) أَي إِذا كَانَت الزَّوْجَة من أهل الإخدام فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ إخدامها وَلَو لم يشْتَرط فِي عقد النِّكَاح كَمَا فِي (خَ) وَغَيره فَإِذا قدر على النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَعجز عَن الْخدمَة وَأثبت عَجزه عَنْهَا بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الزَّوْجَة فَإِنَّهَا لَا تطلق عَلَيْهِ وَسقط حَقّهَا فِي الْخدمَة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، وَمحل هَذَا إِذا لم يكْتب عَلَيْهِ الموثق فِي وَثِيقَة النِّكَاح أَن الزَّوْج علم بِأَن زَوجته هَذِه مِمَّن لَا تخْدم نَفسهَا لمالها ومنصبها فطاع بِالْتِزَام خدمتها وَأقر أَنه مِمَّن يلْزمه ذَلِك وَأَن مَاله متسع لإخدامها وإلاَّ فَلَا يقبل قَوْله إِنَّه عَاجز عَن إخدامها وَلَو شهِدت لَهُ الْبَيِّنَة بِهِ لم يَنْفَعهُ لاعْتِرَافه بسعة مَاله إِلَّا أَن يعلم أَنه أَصَابَهُ أَمر أذهب مَاله كَمَا قَالُوهُ فِي الْغَرِيم يعْتَرف لرب الدّين بملائه بِهِ ثمَّ يُقيم بَيِّنَة بِعَدَمِهِ بِهِ قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَنَقله ابْن عَرَفَة. تَنْبِيه: تقدم فِي الْبَيْتَيْنِ قبله أَنه لَيْسَ للْأَب أَن يُخَاصم عَن ابْنَته فِي النَّفَقَة إِلَّا بتوكيل مِنْهَا وَلَو سَفِيهَة لِأَن لَهَا أَن تقيم مَعَه بِغَيْر نَفَقَة، بل إِذا رضيت بسكنى زَوجهَا مَعهَا فِي دارها وإنفاقها على نَفسهَا من مَالهَا فَإِنَّهَا تجاب إِلَى ذَلِك وَلَا مقَال لحاجرها لِأَن من حجتها أَن تَقول إِن كلفته بنفقتي طَلقنِي وَرجعت أسكن بداري وحدي وَأنْفق على نَفسِي من مَالِي وَلَا أَتزوّج سواهُ فبقائي مَعَ زَوجي بداري وإنفاقي على نَفسِي أحسن لي قَالَه عِيَاض عَن شُيُوخ الأندلس وَنَقله ابْن عَرَفَة وَغَيره.
(فصل فِي أَحْكَام المفقودين)
الْأَرْبَعَة لِأَن الْفَقْد إِمَّا أَن يكون فِي أَرض كفر أَو إِسْلَام وَحكم كل إِمَّا فِي غير حَرْب أَو فِيهِ، وَلكُل وَاحِد مِنْهُم حكم يَخُصُّهُ ابْن عَرَفَة الْمَفْقُود من انْقَطع خَبره مُمكن الْكَشْف عَنهُ اه. فَخرج الْأَسير لِأَنَّهُ مَعْلُوم خَبره وَخرج الْمَحْبُوس الَّذِي لَا يُسْتَطَاع الْكَشْف عَنهُ لِأَنَّهُ يُمكن الْكَشْف عَنهُ إِذْ عدم التَّوَصُّل إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ لشدَّة حراس السجْن وَنَحْو ذَلِك فَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى الْقسم الأول فَقَالَ: وَحُكْمُ مَفْقُودِ بِأَرْضِ الكُفْرِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ مَنْ فِي الأسْرِ (وَحكم مَفْقُود بِأَرْض الْكفْر فِي غير حَرْب حكم من فِي الْأسر) أَي الْأَسير الْمَجْهُول الْحَيَاة، وَحكم الْأَسير الْمَذْكُور بِاعْتِبَار زَوجته وَمَاله أَن مَاله لَا يُورث حَتَّى تَأتي عَلَيْهِ مُدَّة التَّعْمِير،(1/638)
وَكَذَا زَوجته لَا تتَزَوَّج حَيْثُ دَامَت نَفَقَتهَا إِلَّا بعد أجل التَّعْمِير، فَكَذَلِك الْمَفْقُود فِي أَرض الْكفْر بِغَيْر حَرْب لَا يُورث مَاله وَلَا تتَزَوَّج زَوجته إِلَّا بعد التَّعْمِير كَمَا قَالَ: تَعْمِيرُهُ فِي المَالِ وَالطَّلاَقُ مُمْتَنِعٌ مَا بَقِي الإنْفَاقُ (تعميره) أَي الْمَفْقُود الْمَذْكُور (فِي) الزَّوْجَة و (المَال) وَاجِب كتعمير الْأَسير فيهمَا فَلَا يُورث عَنهُ مَاله وتنفق مِنْهُ زَوجته حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة التَّعْمِير وَلَا تطلق عَلَيْهِ مَعَ وجود مَا تنْفق مِنْهُ كَمَا قَالَ: (وَالطَّلَاق مُمْتَنع مَا بَقِي الْإِنْفَاق) وَمحل امْتنَاع الطَّلَاق إِذا لم يكن لَهَا شَرط فِي المغيب، وإلاَّ فلهَا تطليق نَفسهَا بشرطها وَإِلَى هَذَا الْقسم أَشَارَ (خَ) بقوله: وَبقيت أم وَلَده وَمَاله وَزَوْجَة الْأَسير ومفقود أَرض الشّرك للتعمير الخ. وَالشَّاهِد فِي قَوْله: وَزَوْجَة الْأَسير ومفقود أَرض الشّرك يَعْنِي أَهلهَا، وَمَفْهُوم قَوْله: مَا بَقِي الْإِنْفَاق أَنه إِذْ لم يبْق فلهَا التَّطْلِيق وَهُوَ معنى قَوْله: وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِي بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُعْسِرِ (وكل من لَيْسَ لَهُ مَال) من أَسِير أَو مَفْقُود بأقسامه الْأَرْبَعَة (حري) أَي حقيق (بِأَن يكون حكمه) فِي التَّطْلِيق عَلَيْهِ (كالمعسر) الْغَائِب الَّذِي لم يتْرك لزوجته نَفَقَة فتؤجل شهرا كَمَا مر للناظم وتحلف وَتطلق نَفسهَا كَمَا مرّ. تَنْبِيه: ظَاهر كَلَام النَّاظِم و (خَ) الْمُتَقَدّم أَنه بِمُضِيِّ الشُّهُور فِي مُدَّة التَّعْمِير الْآتِيَة يُورث مَاله وَتعْتَد زَوجته وَلَا يتَوَقَّف ذَلِك على الحكم بِمَوْتِهِ وَالْمُعْتَمد كَمَا لِابْنِ عَرَفَة والمازري أَن مُسْتَحقّ إِرْثه وَارثه يَوْم الحكم حَتَّى أَنه إِذا مَاتَ أحد من قرَابَته بعد دُخُول الثُّبُوت للْقَاضِي وَقبل خُرُوجه لَا يَرِثهُ. ابْن عَرَفَة: وأقوال أهل الْمَذْهَب بِأَن مُسْتَحقّ إِرْثه وَارثه يَوْم الحكم بتمويته لَا يَوْم بُلُوغه تمويته حَسْبَمَا يدل عَلَيْهِ لفظ اللَّخْمِيّ والمتيطي وَابْن كوثر وَابْن الْهِنْدِيّ وَغَيرهم. وَبِه افتيت حِين ذكر أَنَّهَا نزلت وَأفْتى بعض النَّاس بإرثه مُسْتَحقّه يَوْم بُلُوغه لَا يَوْم الحكم اه. قلت: مَا ذكره ابْن عَرَفَة من أَن مُسْتَحقّ إِرْثه وَارثه يَوْم الحكم وَاضح إِذا لم يتَأَخَّر الحكم عَن أَعلَى مُدَّة التَّعْمِير كمائة وَعشْرين على القَوْل بهَا وإلاَّ بِأَن تَأَخّر عَنْهَا إِلَى مائَة وَأَرْبَعين مثلا لغفلة الْوَرَثَة وَنَحْو ذَلِك كَمَا يَقع فِي الْبَوَادِي لتعذر الْأَحْكَام عِنْدهم، فَيَنْبَغِي أَن مُسْتَحقّ إِرْثه هُوَ وَارثه يَوْم مَشْهُور التَّعْمِير لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى حرمَان من يَرث وتوريث من لَا يَرث على كل الْأَقْوَال،(1/639)
وَأَيْضًا فَإِن الظَّاهِر من فَتْوَى الْمَازرِيّ المنقولة فِي الْبُرْزُليّ وَغَيره أَنهم إِنَّمَا أناطوا ذَلِك بالحكم لما فِي مُدَّة التَّعْمِير من الْخلاف وَهُوَ لَا يرْتَفع عِنْد الأقدمين إِلَّا بالحكم، وَأما على مَا عِنْد الْمُتَأَخِّرين من أَنه يتَعَيَّن الحكم بالمشهور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل فَلَا يتَوَقَّف إِرْثه وَلَا اعْتِدَاد زَوجته على الحكم بتمويته، بل إِذا قسموا يَوْم بُلُوغه مُدَّة التَّعْمِير الَّذِي هُوَ السبعون على مَا هُوَ الْمَشْهُور فِيهِ فقسمهم مَاض فَلَا يحرم من مَاتَ بعده وَقبل الحكم لِأَن الْخلاف حِينَئِذٍ مَرْفُوع بِوُجُوب اتِّبَاع الْمَشْهُور، وَالْقَاعِدَة أَن من فعل فعلا لَو رفع إِلَى القَاضِي لم يفعل غَيره فَفعله مَاض كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي غير مَا مَوضِع فَتَأَمّله وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله فِي غير حَرْب فَقَالَ: وَإِن يَكُنْ فِي الحَرْبِ فالمشْهُورُ فِي مالِه والزَّوْجَةِ التَّعمِيرُ (وَإِن يكن) فقد بِأَرْض الْكفْر (فِي) وَقت (الْحَرْب) والقتال مَعَهم (فَالْمَشْهُور) من قَوْلَيْنِ كَمَا لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان (فِي مَاله وَالزَّوْجَة التَّعْمِير) لِأَن الأَصْل هُوَ الْحَيَاة فَيحمل أمره على الأَصْل فَلَا يقسم مَاله وَلَا تتَزَوَّج زَوجته إِلَّا بعده وَبعد الحكم بِمَوْتِهِ على مَا مر تَفْصِيله فِي المفقودين فِي غير الْحَرْب والأسير الْمُتَقَدِّمين، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن أمد التَّعْمِير فِيهِ خلاف فَقَالَ: وَفِيهِ أَقْوَالٌ لَهُمْ مُعَيَّنَهْ أصَحُّهَا الْقَوْلُ بِسَبْعِينَ سَنَهْ (وَفِيه) أَي أمد التَّعْمِير فِي جَمِيع مَا مر (أَقْوَال لَهُم مُعينَة) فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَمَالك مرّة سَبْعُونَ سنة وَهُوَ أَصَحهَا كَمَا قَالَ: (أَصَحهَا القَوْل بسبعين سنة) وَبِه صدر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَي التَّعْمِير سَبْعُونَ وَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ وَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم مرّة ثَمَانُون وَاخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ وَابْن مُحرز كَمَا مر عَن (خَ) قَالَ ابْن سَلمُون: وَبِه الْقَضَاء وَالْعَمَل. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون، وَمَالك: مرّة: تسعون، وَعند أَشهب وَابْن الْمَاجشون أَيْضا: مائَة، وللداودي عَن مُحَمَّد بن عبد الحكم: مائَة وَعِشْرُونَ، وعَلى الأول إِذا فقد وَهُوَ ابْن سبعين زيد لَهُ عشرَة أَعْوَام، وَكَذَا إِن فقد وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ، وَإِن فقد وَهُوَ ابْن خمس وَتِسْعين زيد لَهُ خمس سِنِين، وَإِن فقد وَهُوَ ابْن مائَة اجْتهد القَاضِي فِيمَا يُزَاد لَهُ، وَقيل يُزَاد لَهُ عشر، وَقيل الْعَام والعامان وَإِن فقد وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين تلوم لَهُ الْعَام وَنَحْوه قَالَه ابْن عَرَفَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى القَوْل الثَّانِي وَهُوَ مُقَابل الْمَشْهُور الْمَذْكُور فَقَالَ: وَقَدْ أَتَى قَوْلٌ بِضَرْبِ عَامِ مِنْ حِينَ يَأْسٍ مِنْهُ لاَ القِيَامِ (وَقد أَتَى قَول) فِي الْمَفْقُود فِي الْقِتَال الَّذِي بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار (بِضَرْب عَام) بعد الْبَحْث(1/640)
من الْحَاكِم والتفتيش وسؤال من يظنّ بِهِ مَعْرفَته، فَإِذا أيس من خبر ضرب لَهُ أجل سنة واستمرت نَفَقَتهَا فِي مَاله إِلَى انْقِضَائِهَا وَتعْتَبر السّنة (من حِين يأس مِنْهُ) كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا (لَا) من حِين (الْقيام) فَإِذا انْقَضتْ السّنة قسم مَاله واعتدت زَوجته كَمَا قَالَ: وَيُقْسَمُ المَالُ عَلَى مَمَاتِهِ وَزَوْجَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ (وَيقسم المَال على) حكم (مماته وَزَوْجَة تَعْتَد) عدَّة الْوَفَاة (من) أجل (وَفَاته) ابْن سَلمُون: فَإِذا انْقَضى الْأَجَل الَّذِي هُوَ السّنة وَلم تثبت حَيَاته وَلَا مَوته اعْتدت زَوجته وَورثه ورثته الْأَحْيَاء إِذْ ذَاك وتنقطع النَّفَقَة عَن الزَّوْجَة وَغَيرهَا مِمَّن تلْزمهُ نَفَقَته، وَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى تَجْدِيد حكم اه. أَي: كَمَا أَن الْمَفْقُود الْآتِي بِأَرْض الْإِسْلَام فِي غير قتال لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تَجْدِيد حكم بعد انْقِضَاء الْأَرْبَع سِنِين. ابْن رشد: وَلَا فرق بَينهمَا فِي جَمِيع الْأَحْكَام إِلَّا أَن هَذِه تؤجل سنة بعد الِاسْتِقْصَاء وَتلك أَربع سِنِين بعد الِاسْتِقْصَاء أَيْضا. وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي الأَنْدَلُسِ لِمَنْ مَضَى فَمُقْتَفِيهِمْ مُؤْتَسِي (وَذَا) أَي هَذَا القَوْل الَّذِي هُوَ تأجيلها سنة من حِين الْيَأْس مِنْهُ رَجحه ابْن رشد فِي الْمُقدمَات وشهره (خَ) حَيْثُ قَالَ: فِي الْفَقْد بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار تَعْتَد بعد سنة بعد النّظر و (بِهِ الْقَضَاء فِي الأندلس) كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَغَيره (لمن مضى فمقتفيهم) أَي متبعهم فِي الحكم بِهِ كخليل وَغَيره (مؤتس) أَي مقتد بقدوة وَوجه هَذَا القَوْل كَمَا فِي ابْن سَلمُون أَنه رجح فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل. أَلا ترى أَنه لَا يحكم لَهُ بالحكم الْمَذْكُور إِلَّا إِذا ثَبت أَنه رُؤِيَ فِي المعترك بَين الصفين، وَلذَا يكْتب فِيهِ يعرف شُهُوده فلَانا، ويعلمون أَنه حضر الْوَاقِعَة بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى بِموضع كَذَا، وعاينوه فِي ذَلِك الْمَكَان فِي معترك الْقِتَال هُنَالك بَين الصفين وفقد هُنَالك وَعمي أَثَره، فَلَا نعلم حَيَاته من وَفَاته حَتَّى الْآن وَبِذَلِك قيدوا شَهَادَتهم فِي كَذَا، فَإِذا ثَبت هَذَا وَلم تعلم حَيَاته بعد الْأَجَل والبحث عَنهُ فَإِن الْغَالِب عَلَيْهِ الْمَوْت فرجح على الأَصْل الَّذِي هُوَ الْحَيَاة، وَلذَا رجحوه على مَا شهره النَّاظِم تبعا لصَاحب الْبَيَان، وَأما إِذا لم تشهد الْبَيِّنَة بمعاينته فِي المعترك، بل شهِدت بِأَنَّهُ خرج مَعَ الْجَيْش فَقَط فَلَا يكون حكمه مَا تقدم بل حكمه حكم الْمَفْقُود بِأَرْض الْإِسْلَام فِي غير حَرْب، وَهُوَ الْقسم الثَّالِث من أَقسَام الْمَفْقُود الْأَرْبَعَة الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: وَمَنْ بِأَرْضِ المُسْلِمِينَ يُفْقَدُ فَأَرْبَعٌ مِنْ السَّنِينَ الأَمَدُ(1/641)
أَي التَّأْجِيل، فَإِذا فقد بِأَرْض الْإِسْلَام فِي غير قتال فيفصل فِيهِ بَين الزَّوْجَة وَالْمَال فالزوجة لَهَا أَن ترفع أمرهَا إِلَى القَاضِي أَو الْوَالِي أَو لجَماعَة الْمُسلمين، فتؤجل أَربع سِنِين وَالْعَبْد نصفهَا بعد الْبَحْث عَن خَبره، وسؤال من يظنّ بِهِ مَعْرفَته وَيعْتَبر الْأَجَل من وَقت الْعَجز عَن خَبره لَا من يَوْم الرّفْع، وَأُجْرَة الْبَحْث عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الطالبة كَمَا صَوبه ابْن نَاجِي، فَإِن لم يكن لَهَا مَال فالأجرة من بَيت المَال، فَإِن تعذر الْوُصُول إِلَيْهِ كَمَا عندنَا الْيَوْم، فَالظَّاهِر كَمَا قَالَ بعض: أَنه ينْتَظر بِهِ مُدَّة التَّعْمِير، وَهَذَا كُله إِذا كَانَ لَهُ مَال تنْفق مِنْهُ فِي الْأَجَل وإلاَّ طلقت نَفسهَا كَمَا قدمه فِي قَوْله: وكل من لَيْسَ لَهُ مَال حري. الْبَيْت. فَإِذا انْقَضتْ الْأَرْبَع للْحرّ أَو السنتان للْعَبد اعْتدت كالوفاة من غير احْتِيَاج إِلَى تَجْدِيد حكم كَمَا مر قَرِيبا وَهُوَ معنى قَوْله: وَباعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الحَكْمُ جَرَى مُبَعَّضَاً وَالمَالُ فِيهِ عُمِّرَا (وباعتداد الزَّوْجَة) بعد الْأَجَل الْمَذْكُور (الحكم جرى) حَال كَونه (مبعضاً) بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا دون المَال إِذْ المَال يجب على القَاضِي أَن يحصره وَيقدم من قرَابَته أَو غَيرهم من ينظر فِيهِ إِلَى أَن يثبت مَوته أَو حَيَاته أَو تمْضِي مُدَّة التَّعْمِير وَلَا تمكن الْوَرَثَة من قسمه عِنْد انْقِضَاء الْأَرْبَع سِنِين قبل التَّعْمِير كَمَا قَالَ: (وَالْمَال فِيهِ عمِّرا) فَحكم الزَّوْجَة وَالْمَال فِي هَذَا الْمَفْقُود مُخْتَلف لِأَنَّهُ يقدر بعد الْأَجَل الْمَذْكُور بِالنِّسْبَةِ للزَّوْجَة كَأَنَّهُ مَاتَ فَأمرت بالاعتداد، وبالنسبة لِلْمَالِ كَأَنَّهُ حَيّ فَلم يُورث مَاله وَلم يقسم حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة التَّعْمِير وَهُوَ معنى قَوْله: مبعضاً. وَوجه ذَلِك أَن الزَّوْجَة لما لحقها الضَّرَر قدم فِي حَقّهَا الْغَالِب على الأَصْل لِأَن الأَصْل فِي الْمَفْقُود الْحَيَاة وَالْغَالِب من عدم ظُهُور خَبره بعد الْبَحْث والتأجيل الْمَوْت، فَقدم الْغَالِب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا للضَّرَر دون المَال إِذْ لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى قسمه وَإِلَى هَذَا الْقسم من أَقسَام المفاقيد أَشَارَ (خَ) بقوله: ولزوجة الْمَفْقُود الرّفْع للْقَاضِي والوالي ووالي المَاء، وإلاَّ فلجماعة الْمُسلمين فيؤجل الْحر أَربع سِنِين إِن دَامَت نَفَقَتهَا وَالْعَبْد نصفهَا من الْعَجز عَن خَبره، ثمَّ اعْتدت كالوفاة وَسَقَطت بهَا النَّفَقَة وَلَا تحْتَاج فِيهَا لإذن إِلَى أَن قَالَ: وَبقيت أم وَلَده وَمَاله وَزَوْجَة الْأَسير ومفقود أَرض الشّرك للتعمير الخ. تَنْبِيهَانِ. الأول: فَإِن بقيت زَوجته بِلَا تزوج بعد اعتدادها مِنْهُ إِلَى انْقِضَاء مُدَّة التَّعْمِير فَلَا مِيرَاث لَهَا مِنْهُ وَإِن كَانَ لَو أَتَى هُوَ فِي تِلْكَ الْمدَّة كَانَ أَحَق بهَا لِأَنَّهَا قد بَانَتْ مِنْهُ بعد الْأَجَل وَحكم بِمَوْتِهِ فِي حَقّهَا، وَكَذَلِكَ لَو مَاتَت هِيَ بعد دُخُولهَا فِي الْعدة وَقبل انْقِضَاء مُدَّة التَّعْمِير فَلَا يُوقف للزَّوْج مِيرَاثه مِنْهَا إِلَّا أَن تثبت حَيَاته بعْدهَا، وَيظْهر خطأ الحكم بِمَوْتِهِ وَتَكون هِيَ لم تتَزَوَّج غَيره قَالَه ابْن سَلمُون وَغَيره.(1/642)
الثَّانِي: إِذا كَانَت الزَّوْجَة غير مَدْخُول بهَا فَهَل يكمل لَهَا الصَدَاق وَبِه الْقَضَاء أَو لَا؟ رِوَايَتَانِ. وَإِذا قدم فَهَل ترد نصف مَا قَبضته أم لَا؟ وَبِه الْقَضَاء. وَإِذا كَانَ الصَدَاق مُؤَجّلا فَهَل يعجل وَهُوَ لمَالِك أم لَا؟ وَهُوَ لسَحْنُون وَهُوَ الرَّاجِح قَولَانِ. قَالَ جَمِيعه (ز) وَانْظُر قَوْله أَولا وَبِه الْقَضَاء الخ فَإِن الَّذِي لِابْنِ عَرَفَة عَن الْمُوازِية أَن ابْن الْقَاسِم اخْتَار الرَّد وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقسم الرَّابِع من أَقسَام المفاقيد فَقَالَ: وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْفِتَنِ فِي المالِ وَالزَّوْجَةِ حُكْمُ مَنْ فَنِي (وَحكم مَفْقُود بِأَرْض الْفِتَن) والقتال الواقعين بَين الْمُسلمين (فِي المَال وَالزَّوْجَة حكم من فني) وَمَات بِالْفِعْلِ فَتعْتَد زَوجته من ذَلِك الْيَوْم ويرثه ورثته الْأَحْيَاء يَوْمئِذٍ من غير أجل. قَالَ ابْن سَلمُون، قَالَ مَالك: وَلَكِن يتلوم لَهُ أمد يسير بِقدر مَا يرجع من انصراف أَو هرب إِلَى مَوْضِعه اه. وَهَذَا يخْتَلف بِحَسب قرب الْمَوَاضِع وَبعدهَا واستمرار الْهَزِيمَة وردهَا، وَهُوَ معنى قَوْله: مَعَ التَّلَوُّمِ لأَهْلِ المَلْحَمَهْ بِقَدْرِ مَا تَنْصَرِفُ المُنْهَزِمَهْ (مَعَ التَّلَوُّم) أَي حَال كَون الحكم الْمَذْكُور مصاحباً بالتلوم (لأهل الملحمة) أَي الْقِتَال (بِقدر مَا تَنْصَرِف المنهزمة) وَهُوَ أحد التفسيرين وَالتَّفْسِير الآخر أَنَّهَا تَعْتَد بعد انْفِصَال الصفين من غير تلوم (خَ) : واعتدت فِي مَفْقُود المعترك بَين الْمُسلمين بعد انْفِصَال الصفين. وَهل يتلوم ويجتهد؟ تفسيران الخ. وَظَاهره كشروحه أَنه لَا فرق بَين بعد أَمَاكِن الْقِتَال كالخارجين مَعَ السُّلْطَان لقِتَال الْبُغَاة وَنَحْو ذَلِك، أَو قربهَا وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد فَقَوْل النَّاظِم: وَإنْ نَأْتْ أَمَاكِنُ الْمَلاَحِمِ تَرَبُّصُ الْعَامِ لَدَى ابْن القَاسِمِ (وَإِن نأت) أَي بَعدت (أَمَاكِن الْمَلَاحِم) جمع ملحمة أَي التحام الصفين (تربص الْعَام) أَي تربصت زَوجته سنة وَالْعدة دَاخِلَة فِيهَا (لَدَى ابْن الْقَاسِم) ضَعِيف مُقَابل للمعتمد، ثمَّ إِن النَّاظِم(1/643)
حذف الْفَاء مَعَ مَا لَا يصلح أَن يكون شرطا كَقَوْلِهِم: من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها، وَهَذَا إِذا أعرب تربص مُبْتَدأ وَالْخَبَر فِي الظّرْف بعده، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ بِضَم التَّاء على أَنه فعل مَاض وَالْعَام نَائِبه وَهُوَ أولى. وَأَمَدُ الْعِدَّةِ فِيهِ إنْ شُهِدْ أَن قد رَأَى الشُّهُودُ فِيهَا مَنْ فُقِدْ (وأمد الْعدة) دَاخل (فِيهِ) أَي فِي الْعَام الْمَذْكُور على القَوْل الْمَذْكُور، ثمَّ مَحل كَونهَا تَعْتَد بعد انْفِصَال الصفين مَعَ التَّلَوُّم أَو دونه أَو تَتَرَبَّص الْعَام مَعَ الْبعد (إِن شهد) الْعُدُول (أَن) على حذف الْجَار (قد رأى الشُّهُود) فَاعل رأى (فِيهَا) أَي الملحمة (من) مفعول برأى (فقد) صلَة أَي لَا بُد أَن يشْهدُوا بمعاينته فِي المعترك كَمَا مر فِي الْمَفْقُود فِي الْحَرْب بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وَسَوَاء كَانَت شَهَادَة أصل أَو شَهَادَة نقل كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام النَّاظِم لِأَنَّهُ تكلم على شَهَادَة النَّقْل فيفهم جَوَاز شَهَادَة الأَصْل بالأحرى، وَيحْتَمل أَن يكون الشُّهُود فَاعل يشْهد الْمَبْنِيّ للْفَاعِل وَأَن وَمَا بعْدهَا مَفْعُوله أَي أَنه شهد الشُّهُود إِن قدر أَو أَمن فقد فِي المعركة، فَيكون قد تكلم على شَهَادَة الأَصْل فَقَط، وَفِيه ضعف من جِهَة أَن الشُّهُود يتنازع فِيهِ رأى وَشهد فأعمل الأولى على هَذَا الِاحْتِمَال، وأعمل الثَّانِي فِي ضَمِيره وحذفه مَعَ أَنه عُمْدَة لَا يحذف، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ شهد بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَأَن وَمَا بعْدهَا نَائِبه أَي إِن شهد بِرُؤْيَة الشُّهُود من فقد فِي المعركة وَهُوَ فِي الْمَعْنى هُوَ الِاحْتِمَال الأول، وَإِنَّمَا اخْتلف فِي كَون شهد مَبْنِيا للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول، وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنهم إِذا لم يشْهدُوا بِرُؤْيَتِهِ فِي المعركة لم يكن حكمه مَا مر من الْخلاف الْمَذْكُور، بل حكمه حكم الْمَفْقُود بِأَرْض الْإِسْلَام بِغَيْر حَرْب اتِّفَاقًا فتؤجل زَوجته أَربع سِنِين وَيبقى مَاله للتعمير كَمَا مرّ.
(فصل فِي الْحَضَانَة)
مَأْخُوذَة من حضَانَة الطير إِذا غطى أَوْلَاده بأجنحته وَهِي فِي الشَّرْع الْكفَالَة والتربية وَالْقِيَام بِأُمُور الْمَحْضُون، وَإِلَيْهِ يرجع قَول ابْن عَرَفَة: هِيَ محصول قَول الْبَاجِيّ حفظ الْوَلَد فِي مبيته(1/644)
وَمؤنَة طَعَامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جِسْمه أه. وَهِي وَاجِبَة إِجْمَاعًا لِأَن فِي تَركهَا تضييعاً للْوَلَد. ابْن رشد: لِأَنَّهُ خلق ضَعِيف يفْتَقر لكافل يربيه حَتَّى يقوم بِنَفسِهِ فَهِيَ فرض كِفَايَة إِن قَامَ بهَا قَائِم سقط عَن البَاقِينَ وَلَا تتَعَيَّن إِلَّا على الْأَب وَالأُم فِي حَولي رضاعه إِن لم يكن لَهُ أَب، أَو كَانَ وَلَا يقبل غَيرهَا. الحَقُّ لِلْحَاضِنِ فِي الحَضَانَه وَحَالُ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَبَانَه (الْحق للحاضن فِي الْحَضَانَة. وَحَال هَذَا القَوْل) أَي وَوَجهه وَدَلِيله (مستبانة) أَي بَيِّنَة وَالْحَال يذكر وَيُؤَنث وَلذَا أخبر عَنهُ بالمؤنث. لِكَوْنِهِ يُسْقِطُهَا فَتَسْقُطُ وقيلَ بِالْعَكْسِ فَمَا إنْ تَسْقُطُ (لكَونه يُسْقِطهَا) بِضَم الْيَاء من أسقط الرباعي (فَتسقط) بِفَتْح التَّاء من سقط الثلاثي وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ كَون يعود على الحاضن أَي إِنَّمَا كَانَ حَال هَذَا القَوْل بَينا لكَون الحاضن إِذا أسقط الْحَضَانَة بعوض الْخلْع أَو بِغَيْر عوض أصلا فَإِنَّهَا تسْقط وَلَو كَانَت حَقًا للمحضون أَو حَقًا لله أَو لَهما مَا سَقَطت بإسقاطه ولكونه أَيْضا لَا أُجْرَة للحاضن على الْحَضَانَة إِذْ الْإِنْسَان لَا يَأْخُذ أجرا على فعل شَيْء وَاجِب عَلَيْهِ، وَلَو كَانَت حَقًا للمحضون لكَانَتْ لَهُ الْأُجْرَة. وَهَذَا على الْمَشْهُور من أَنه لَا أُجْرَة لَهُ كَمَا قَالَ (خَ) : وَلَا شَيْء لحاضن لأَجلهَا أَي لأجل مُجَرّد الْحَضَانَة الَّتِي هِيَ حفظ الْوَلَد فِي بَيته كَمَا تقدم، وَأما خدمته من طحن وعجن وَسقي مَاء وطبخ وَغسل ثِيَاب فلهَا الْأُجْرَة على ذَلِك لِأَن الْأَب يلْزمه إخدام وَلَده. وَفِي وَصَايَا الْمُتَيْطِيَّة مَا نَصه: وَلَا أُجْرَة للحاضنة على الْحَضَانَة وَإِنَّمَا لَهَا الْأُجْرَة إِن كفته مُؤنَة الْخدمَة اه. وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ قَائِلا، وَأما كلفة الْمُؤْنَة فلهَا الْأُجْرَة إِن خدمتهم وَإِن اسْتغنى الْوَلَد بالخادم عَن خدمتها فَلَا شَيْء لَهَا من أُجْرَة الْكفَالَة. (وَقيل بِالْعَكْسِ) وَهُوَ أَن الْحق للمحضون وَعَلِيهِ (فَمَا) نَافِيَة (أَن) زَائِدَة (تسْقط) أَي فَلَا تسْقط بإسقاطه وهما رِوَايَتَانِ. وَقيل: الْحق لَهما وَهُوَ اخْتِيَار الْبَاجِيّ وَابْن مُحرز، واستظهره(1/645)
الشَّارِح، وَقيل: الْحق لله تَعَالَى وَعَلَيْهِمَا فَلَا تسْقط وَمِمَّا بنوه على الْخلاف إِذا قبضت الحاضنة كسْوَة الْوَلَد وَنَفَقَته فادعت أَنَّهُمَا تلفا فعلى الثَّانِي تحلف وهما على الْأَب وعَلى الأول ضمانهما مِنْهَا إِلَّا بِبَيِّنَة على الضّيَاع، وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي ابْن عَاتٍ. وَنَقله ابْن عَرَفَة وَمِمَّا بنوه عَلَيْهِ أَيْضا إِذا طلق الرجل امْرَأَته، ثمَّ أخذت بعد ذَلِك عوضا عَن إِسْقَاط الْحَضَانَة فعلى أَن الْحق لَهَا يجوز وَلَا رُجُوع لَهَا فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمد، وعَلى أَنه حق للْوَلَد لَا يلْزمهَا ذَلِك وَلها الرُّجُوع فِي الْعِوَض كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد، وَمِمَّا بنوه أَيْضا أَن الْأُم إِذا أسقطت الْحَضَانَة للْأَب مثلا فَإِن الْجدّة للْأُم تَأْخُذهُ، وَهَذَا إِنَّمَا يتَفَرَّع على الثَّانِي دون الأول، وَمن ذَلِك أَيْضا إِذا قَالَ الْأَبْعَد: أَنا أنْفق عَلَيْهِ مَالِي وَلَا أبيع لَهُ شَيْئا من أمتعته بل تبقى مَوْقُوفَة لَهُ إِلَى بُلُوغه، وَلَا أرجع عَلَيْهِ بِشَيْء وأبى الْأَقْرَب إلاّ بيع أمتعته وإنفاقها عَلَيْهِ فَالَّذِي رَجحه ابْن لب وَغَيره نقل الْحَضَانَة للأبعد حَيْثُ لَا ضَرَر على الْمَحْضُون وَلَا نقص مرفق لظُهُور الْمصلحَة الْعُظْمَى بصون مَاله، وَهَذَا إِنَّمَا يتَفَرَّع على الثَّانِي أَيْضا دون الأول. تَنْبِيه: تقدم أَن الحاضن إِذا كَانَت لَهُ خدمَة غير الْحَضَانَة، فَلهُ الْأُجْرَة على ذَلِك، وَأما الْمَحْضُون إِذا كَانَت لَهُ خدمَة فَهَل يرجع بهَا الْأَب على الحاضنة أم لَا؟ فَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الرماح: أَن المحضونة إِذا كَانَت تخْدم نَفسهَا فَلَا مقَال لأَبِيهَا وَإِن كَانَت تخْدم الحاضنة خدمَة لَهَا بَال فَيرجع على الحاضنة بِأُجْرَة مثلهَا اه. الْبُرْزُليّ: هَذَا بيِّن إِن لم تكن الحاضنة أمهَا فَإِن كَانَت فَالصَّوَاب أَن لَا أُجْرَة لَهَا كَمَا تجب على أمهَا إِن كَانَ للمحجورة مَال وَأما لَو كَانَت لَهَا صناعَة من غزل أَو غَيره فَإِنَّهُ يرجع بذلك على الحاضنة اه. يُرِيد الحاضنة غير الْأُم بِدَلِيل مَا فِي المعيار من أَنه اخْتلف ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان فِي الصبية المحضونة إِذا كَانَت لَهَا صَنْعَة فَاجْتمع لَهَا من صنعتها دَنَانِير، فَأَرَادَتْ أمهَا المختلعة المتحملة أَن تستعين بهَا فِي نَفَقَتهَا فَقَالَ ابْن عتاب: إِن ذَلِك للْأُم تستعين بِهِ فِي نَفَقَتهَا. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يكون لَهَا بل يُوقف للابنة، وَقَول ابْن عتاب أولى، وَفِيه أَيْضا لَا كسب للمحضون بِمَعْنى أَن كَسبه ينْفق عَلَيْهِ، وَقيل لَا ينْفق عَلَيْهِ وَهُوَ أصح اه. فَفرق بَين الْأُم وَغَيرهَا فالأم تستعين بِخِدْمَة الْمَحْضُون دون غَيرهَا كَمَا ترى. وَصَرْفُهَا إلَى النِّسَاءِ ألْيَقُ لأَنَهُنَّ فِي الأُمُورِ أَشْفَقُ (وصرفها) أَي الْحَضَانَة (إِلَى النِّسَاء أليق لِأَنَّهُنَّ فِي الْأُمُور) أَي فِي أُمُور الْحَضَانَة أعرف من الرِّجَال لِأَن الْحَضَانَة من مقتضيات طباعهن، فَلذَلِك قدمهن الشَّارِع صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ على غَيْرهنَّ لِأَنَّهُنَّ (أشْفق) بالمحضون وأرأف وأدرى بمصالحه، وَقَاعِدَة الشَّرْع كَمَا للقرافي أَن يقدم فِي كل ولَايَة من هُوَ أدرى بمصالحه، فَفِي الْحَرْب من هُوَ شُجَاع يسوس النَّاس، وَفِي(1/646)
الْقَضَاء من هُوَ فَقِيه متأيد بِالدّينِ والفراسة، وَفِي ولَايَة الْأَيْتَام من هُوَ عَارِف بتنمية المَال، وَقد يكون الْمُقدم فِي بَاب مُؤَخرا فِي غَيره، فالمرأة مؤخرة فِي الْإِمَامَة مُقَدّمَة فِي الْحَضَانَة لمزيد شفقتها وصبرها فَهِيَ أقوم بمصالح الطِّفْل. وَكَوْنُهُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ شَرْطٌ لَهُنَّ وَذَوَاتِ مَحْرَمِ (وكونهن من ذَوَات الرَّحِم شَرط لَهُنَّ) خبر عَن كَون (وَذَات محرم) مَعْطُوف على ذَوَات الرَّحِم أَي شَرط حضَانَة النِّسَاء أَن يكن ذَوَات رحم من الْمَحْضُون كالأم وَالْخَالَة وَالْجدّة ونحوهن، وَأَن يكن مُحرمَات عَلَيْهِ كالخالة وَمن مَعهَا فَإِن لم يكن ذَوَات رحم مِنْهُ كالأم وَالْأُخْت من الرَّضَاع وَزَوْجَة أَبِيه وَنَحْوهَا من الْمُحرمَات بالصهر فَلَا حضَانَة لَهُنَّ، وَكَذَلِكَ إِن كن ذَوَات رحم مِنْهُ وَلم يكن مُحرمَات عَلَيْهِ كبنتي الْخَالَة والعمة وَنَحْوهمَا فَلَا حضَانَة لَهُنَّ أَيْضا، وَفهم مِنْهُ أَن هَذَا الشَّرْط خَاص بِالنسَاء، وَأما الرِّجَال فيستحقون الْحَضَانَة بِمُجَرَّد الْولَايَة وَلَا يشْتَرط فيهم إِلَّا الشُّرُوط الْآتِيَة فِي قَوْله: وَشَرطهَا الصِّحَّة والصيانة الخ. فالرجال يستحقونها بِالشُّرُوطِ الْآتِيَة كَانُوا من ذَوي رَحمَه الْمحرم كالجد وَالْعم، أَو من ذَوي رَحمَه الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كَابْن الْعم، أَو لم يَكُونُوا من ذَوي رَحمَه أصلا كالوصي وَالْمولى ومقدم القَاضِي، وَهَذَا الْبَيْت تَقْيِيد للْعُمُوم فِي الْبَيْت قبله أَي إِنَّمَا يَلِيق صرفهَا للنِّسَاء بِشَرْط كونهن من ذَات رَحمَه وَذَوَات محرم مِنْهُ. وَهْيَ إِلَى الإثْغَارِ فِي الذُّكُورِ والاحْتِلاَمُ الحَدُّ فِي المَشْهُورِ (وَهِي) أَي الْحَضَانَة أَي حَدهَا مُسْتَمر (إِلَى الإثغار فِي الذُّكُور) أَي فِي قَول أبي مُصعب وَمن مَعَه وَهُوَ ضَعِيف بِدَلِيل قَوْله: (والاحتلام) مُبْتَدأ خَبره (الْحَد فِي الْمَشْهُور) (خَ) : وحضانة الذّكر للبلوغ وَالْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ الخ. وَهُوَ معنى قَوْله: وَفِي الإنَاثِ لِلدُّخُولِ المنتهَى والأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا بِهَا (وَفِي الْإِنَاث للدخول الْمُنْتَهى) مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور قبله أَي تستمر الْحَضَانَة فِي الْأُنْثَى(1/647)
لدُخُول زَوجهَا بهَا كَمَا تستمر نَفَقَتهَا لدخولها كَمَا قَالَ فِي النَّفَقَات: فَفِي الذُّكُور للبلوغ يتَّصل وَفِي الْإِنَاث بِالدُّخُولِ ينْفَصل فتزف المحضونة لزَوجهَا من بَيت حاضنتها وَلَا مقَال للْأَب بِخِلَاف الْخِتَان، فَإِنَّهُ يختن الْوَلَد عِنْد أَبِيه ثمَّ يرد إِلَى حاضنته. ابْن عَرَفَة: ومستحقها أَبُو الْوَلَد زوجان هما وَفِي افتراقهما أَصْنَاف. الأول الْأُم ونساؤها من لَهَا عَلَيْهِ ولادَة بِسَبَبِهَا، وَأول فصل مِنْهَا أَي من هَذِه الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ ولادَة، فالخالة أَحَق من الْجدّة للْأَب لِأَنَّهَا أول فصل مِمَّن لَهَا عَلَيْهِ ولادَة. الثَّانِي: نسَاء الْأَب من لَهَا عَلَيْهِ أمومة كَمَا مر. الثَّالِث: الْوَصِيّ. الرَّابِع: الْعصبَة اه. وَالضَّمِير فِي هما خبر عَن قَوْله مستحقها. وَجُمْلَة وَأَبُو الْوَلَد زوجان مُبْتَدأ وَخبر حَالية خلت من الْوَاو، وَفهم مِنْهُ أَن الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة هِيَ على التَّرْتِيب الْمَذْكُور فَلَا كَلَام للصنف الثَّانِي مَعَ وجود الأول، وَهَكَذَا. وَأما تَرْتِيب أَفْرَاد كل صنف فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم بقوله: (فالأم أولى) من بَاقِي قرابتها وَأَحْرَى من الْأَصْنَاف الَّتِي بعْدهَا (ثمَّ) إِن لم تكن أم أَو تزوجت أَجْنَبِيّا ف (أمهَا) وَهِي جدة الطِّفْل أولى (بهَا) أَي الْحَضَانَة فَإِن لم تكن أَو تزوجت. فأُمُّهَا فَخَالَةٌ فَأُمُّ الأبْ ثُمَّ أبٌ فَأُمُّ مَنْ لَهُ انْتَسَبْ (فأمها) أَي أم أمهَا أَو أم أَبِيهَا فَإِن اجتمعتا فَأم أمهَا أَحَق بهَا أَي بالحضانة من أم أَبِيهَا فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُمَا فَأم أم أمهَا أَو أم أم أَبِيهَا أَو أم أبي أَبِيهَا أَو أم أبي أمهَا، فَإِن اجْتمع الْأَرْبَع فَأم أم أمهَا أَحَق ثمَّ أم أبي الْأُم وَأم أم الْأَب بِمَنْزِلَة وَاحِدَة ثمَّ أم أبي الْأَب، وعَلى هَذَا التَّرْتِيب أمهاتهن مَا علون قَالَه ابْن عَرَفَة. فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِمَّن تقدم. (فخالة) وَهِي أُخْت الْأُم الشَّقِيقَة ثمَّ الَّتِي للْأُم ثمَّ الَّتِي للْأَب فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُنَّ فأخت جدة الطِّفْل وَهِي خَالَة أمه وَخَالَة خَالَته الشَّقِيقَة ثمَّ الَّتِي للْأُم، ثمَّ الَّتِي للْأَب كَمَا مر فِي أُخْت الْأُم. وَهِي خَالَة الطِّفْل، فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُنَّ فأخت الْجد للْأُم وَهِي عمَّة الْأُم وعمة الْخَالَة، وعَلى هَذَا التَّرْتِيب مَا بعد النّسَب من الْأُم. وَهنا انْتهى الْكَلَام على تَرْتِيب الصِّنْف الأول وَهُوَ مقدم على الصِّنْف الثَّانِي الَّذِي بعده إِجْمَاعًا. تَنْبِيهَانِ. الأول: كل من انْتَقَلت لَهُ الْحَضَانَة من هَذِه الْأَفْرَاد يشْتَرط فِي اسْتِحْقَاقه للحضانة أَن لَا يسكن مَعَ من سَقَطت حضانته بتزوج أَو غَيره كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَللْأَب تعاهد وَلَده عِنْد أمه وأدبه وَبَعثه للمكتب وَلَا يبيت إِلَّا عِنْد أمه. ابْن عَرَفَة: وَيجب كَون الظّرْف الَّذِي هُوَ عِنْد أمه فِي مَوضِع الْحَال من وَلَده لِأَنَّهُ مَعْمُول للفظ تعاهد لِأَن ذَلِك ذَرِيعَة لاتصاله بمطلقته مَعَ زِيَادَة ضَرَر زَوجهَا بذلك.(1/648)
قلت: وَمِنْه يعلم الحكم فِيمَا يَقع كثيرا من تنَازع الزَّوْج ومطلقته فِي الْوَلَد الصَّغِير كالرضيع والفطيم فتريد هِيَ أَن يَأْتِي إِلَيْهِ أَبوهُ لينْظر حَالَته وَمَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدهَا وَيطْلب هُوَ أَن ترسله إِلَيْهِ لينْظر ذَلِك، فَالْقَوْل لَهُ لَا لَهَا كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله لِأَن ذَلِك ذَرِيعَة لاتصاله بمطلقته الخ. وَبِه كنت أَفْتيت لما سَأَلَني عَن ذَلِك بعض أَوْلَاد الْأُمَرَاء حِين تنَازع مَعَ مطلقته فِي ذَلِك. ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَرْتِيب أَفْرَاد الصِّنْف الثَّانِي بقوله: (فَأم الْأَب) أَي جدة الطِّفْل من جِهَة أَبِيه (ثمَّ) إِن لم تكن أمه أَو كَانَ لَهَا زوج أَجْنَبِي ف (أَب) فَإِن لم يكن (فَأم من لَهُ انتسب) وَهِي جدة الْأَب من أمه أَو أَبِيه وَإِن علت، وَهَذَا على مَا فِي ابْن سَلمُون من أَن الْمَشْهُور أَن الْأَب مقدم على غَيره من قرَابَته، وَمذهب الْمُدَوَّنَة أَن الْأَب مُؤخر عَن أمه وَعَن أم أمه وَأم أَبِيه وَأم أمه أَحَق من أم أَبِيه إِن اجتمعتا، فَإِن لم تكن لَهُ وَاحِدَة مِنْهُمَا فَأم أم أمه أَو أم أم أَبِيه أَو أم أَب أَبِيه أَو أم أبي أمه كَمَا مرّ فِي قَرَابَات الْأُم فَإِن لم تكن وَاحِدَة مِنْهُنَّ فالأب حِينَئِذٍ هَذَا مذهبها وَهُوَ الْمَشْهُور، وَبِه أفتى (خَ) ثمَّ جدة الْأَب ثمَّ الْأَب الخ. وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: ثمَّ بعيد جدة ثمَّ الْأَب لوافق الْمَذْهَب. فَالأَخْتُ فَالعَمَّةُ ثمَّ ابنَةُ الأَخْ فابْنَةُ أُخْتٍ فَأَخٌ بَعْدُ رَسَخْ (فالأخت) للطفل على مذهبها أَيْضا (فالعمة) لَهُ أَي وَهِي أُخْت الْأَب فَإِن لم تكن فعمة الْأَب فَإِن لم تكن فخالة الْأَب فَإِن لم تكن (فابنة الْأَخ) وَقد علمت أَن النَّاظِم أسقط خَالَة الْأَب كخليل مَعَ أَنَّهَا مُقَدّمَة على ابْنة الْأَخ كَمَا فِي الْمُقدمَات وَغَيرهَا. فَإِن لم تُوجد بنت الْأَخ أَو قَامَ بهَا مَانع (فابنة الْأُخْت) على الْمُعْتَمد كَمَا يفِيدهُ نقل (ق) وَإِن كَانَ (خَ) حكى أقوالاً فِي كَونهَا تقدم على بنت الْأَخ أَو تُؤخر أَو لَا حضَانَة لَهَا من غير تَرْجِيح لشَيْء مِنْهَا فَإِن لم تكن أَو قَامَ بهَا مَانع انْتقل الْحق للصنف الثَّالِث وَهُوَ الْوَصِيّ لِأَنَّهُ أَحَق من الْعصبَة كَمَا يَأْتِي فَإِن لم يكن الْوَصِيّ وَلَا وَصِيّ وَصِيّه انْتقل الْحق للصنف الرَّابِع، وَأَشَارَ إِلَى تَرْتِيب أَفْرَاده بقوله: (فأخ) للطفل (بعد رسخ) أَي ثَبت بعد من ذكر. وَالعصَبَاتُ بَعْدُ وَالْوَصِيُّ أَحَقُّ والسِّنُّ بهَا مَرْعِيُّ (والعصبات) أَي بَقِيَّتهمْ (بعد) الْأَخ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فالجد من قبل الْأَب بعد الْأَخ ثمَّ ابْن(1/649)
الْأَخ ثمَّ الْعم ثمَّ ابْنه ثمَّ الْمولى الْأَعْلَى ثمَّ الْأَسْفَل وَهُوَ عَتيق أبي الْمَحْضُون (وَالْوَصِيّ أَحَق) أَي من الْأَخ وَسَائِر الْعصبَة، وَظَاهره كَانَ الْوَصِيّ ذكرا أَو أُنْثَى وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا أَنه إِذا كَانَ أُنْثَى فَلهُ الْحَضَانَة مُطلقًا، وَأما إِن كَانَ ذكرا فَإِنَّمَا لَهُ حضَانَة الذّكر أَو الْأُنْثَى الَّتِي لَا تطِيق الْوَطْء أَو أطاقته وَلكنه تزوج بأمها أَو بجدتها حَتَّى صَار محرما، وَإِلَّا فَلَا حضَانَة لَهُ على أحد قَوْلَيْنِ مرجحين، وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده فِي زمننا هَذَا من غير نظر لكَونه مَأْمُونا أم لَا لغَلَبَة الْفساد، بل وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي العاصب الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كَابْن الْعم وَنَحْوه فبقاء المطيقة مَعَ زوج أمهَا أحسن لِأَنَّهُ ذُو محرم مِنْهَا. وَالْوَصِيّ وَابْن الْعم كِلَاهُمَا غير محرم. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة التَّصْرِيح بذلك فِي الْوَصِيّ وَابْن الْعم كَذَلِك فِيمَا يظْهر، وَتَأمل مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَالسّن بهَا مرعي وَالله أعلم. وَشَمل قَوْله: وَالْوَصِيّ الخ مقدم القَاضِي فَإِنَّهُ يقدم على الْعصبَة كَمَا فِي أقضية الزّرْقَانِيّ، وَلَكِن أَنْت خَبِير بِفساد قُضَاة الْوَقْت كَمَا تقدم فِي الْأَقْضِيَة والشهادات، فيقدمون من لَا يسْتَحق التَّقْدِيم، بل وَلَا تكون فِيهِ شُرُوط تَوْلِيَة الْقَضَاء متوفرة فِي الْغَالِب وَعَلِيهِ فَلَا يَنْبَغِي أَن يقدم مقدمه على الْعصبَة وَالله أعلم. (وَالسّن بهَا مرعي) أَي إِذا تعدد الحاضن وَهُوَ فِي دَرَجَة وَاحِدَة كأخوين أَو أُخْتَيْنِ مثلا، فالأكبر سنا مقدم على من هُوَ أَصْغَر مِنْهُ لِأَنَّهُ أقرب للصبر والرفق بالمحضون، وَكَذَا إِذا تعدد بِوُجُود الشَّقِيق، وَالَّذِي للْأُم فَإِنَّهُ يقدم الشَّقِيق، ثمَّ الَّذِي للْأُم ثمَّ الَّذِي للْأَب فَتقدم الْعمة الشَّقِيقَة، ثمَّ الَّتِي للْأُم ثمَّ الَّتِي للْأَب، وَهَكَذَا (خَ) وَقدم الشَّقِيق ثمَّ للْأُم ثمَّ للْأَب فِي الْجَمِيع، فَإِن تساووا فَيقدم الصيِّن الأسن فَإِن تساووا قدم الأسن فَإِن تساووا فالقرعة، فَإِن كَانَ فِي أَحدهمَا صِيَانة، وَفِي الآخر شَفَقَة فَيقدم الصيِّن على الأشفق، فَإِن تساووا قدم الأسن، فَإِن تزوجت أمه عَمه فَأَرَادَ عَمه الأشفق أَخذه لم يكن لَهُ ذَلِك لِأَن كَونه مَعَ أمه وَعَمه أولى من كَونه عِنْد عَم لَهُ زَوْجَة أَجْنَبِيَّة، وَإِن تزوجت خَالَته عَمه فَأَرَادَ أَبوهُ أَخذه لم يكن لَهُ ذَلِك لِأَن كَونه مَعَ أمه وَعَمه أحسن من كَونه عِنْد أَبِيه الَّذِي زَوجته أَجْنَبِيَّة، لِأَن الْغَالِب مِنْهَا عَلَيْهِ الْجفَاء، وَالْغَالِب من الْأَب أَن يكله إِلَيْهَا قَالَه (ز) وَهُوَ دَاخل فِي قَول النَّاظِم: وَفِي الْإِنَاث عدم الزَّوْج عدا جدا لمحضون بهَا زوجا غَدا وَفِي قَول (خَ) عاطفاً على مَا تسْقط بِهِ الْحَضَانَة أَو يكون محرما، وَأَن لَا حضَانَة لَهُ كالخال أَو وليا كَابْن الْعم الخ.(1/650)
وَشَرْطُهَا الصَّحَةُ والصِّيَانَهْ وَالحِرْزُ وَالتَّكْلِيفُ وَالديّانَهْ (وَشَرطهَا) أَي الْحَضَانَة زِيَادَة على مَا تقدم فِي قَوْله: وكونهن من ذَوَات الرَّحِم شَرط الخ. (الصِّحَّة) أَي صِحَة جسم الحاضن فالمريض الضَّعِيف الْقُوَّة لَا حضَانَة لَهُ، وَكَذَا الْأَعْمَى والأصم والأخرس والمقعد لِأَنَّهُ لَا يقوم بمصلحة نَفسه، فَكيف يقوم بمصلحة غَيره؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون عِنْده من يحضن كَمَا يفِيدهُ الزّرْقَانِيّ فِي المقعد، وَالظَّاهِر أَن غَيره مِمَّن ذكر كَذَلِك، وَكَذَا من يخَاف من مَرضه الْعَدْوى على مَا جرت بِهِ الْعَادة كالجذام والبرص والجرب الدامي والحكة، وَمن ذَلِك الْمُسَمّى عندنَا بِالْمرضِ الْكَبِير وَهُوَ حب الإفرنج، وَلَو كَانَ فِي الْمَحْضُون مثله لِأَنَّهُ قد تحصل زِيَادَة بانضمامه لمن بِهِ ذَلِك، وَلَو كَانَ عِنْده من يحضن لاحْتِمَال اتِّصَاله بالمحضون بِخِلَاف الْقسم الأول الَّذِي قبله. (والصيانة) فَلَا حضَانَة لغير الصيِّن للحوق المعرة بِعَدَمِ الصون وَظَاهر كَلَامهم وَلَو كَانَ عِنْده من يحضن (والحرز) أَي مَكَان حرز لِئَلَّا يلْحقهُ الضّيَاع كَأَن يكون بِطرف الْعِمَارَة بِحَيْثُ يخْشَى عَلَيْهِ من السبَاع وتصيبه المتوقعات المحذورة كسارق يسرقه أَو يسلبه ثِيَابه وكدخول الْفُسَّاق على الْبِنْت أَو الْوَلَد (والتكليف) فَلَا حضَانَة لغير عَاقل وَلَا لغير بَالغ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يكون الْمَحْضُون مَعَهُمَا فِي حفظ وصيانة. وَفِي الْفَائِق: أَن الصَّبِي الصَّغِير لَهُ الْحَضَانَة وحاضنه يحضن لَهُ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج: وَبِه الْفَتْوَى اه بِنَقْل (تت) وَمثله فِي (ز) عِنْد قَول المُصَنّف: ورشد لَا إِسْلَام الخ. وَكَذَا ذكره طفي عِنْد قَول المُصَنّف، وَشرط الحاضن الْعقل الخ. ونظمه فِي الْعَمَل الْمُطلق. قلت: وَلَعَلَّ هَذَا خَاص بالحاضن الذّكر، وَأما الْأُنْثَى فَلَا لِأَنَّهُ قد تكون حضانتها لَيست محرما من محضون الصَّبِي وَلَا أشْفق عَلَيْهِ إِلَّا أَن تكون حاضنته مِمَّن تسْتَحقّ حضَانَة الصَّبِي الْمَحْضُون إِلَّا أَنَّهَا مُتَأَخِّرَة فِي الْمرتبَة فَتَأَمّله. (والديانة) فَلَا حضَانَة لفاسقة وَلَا لفَاسِق، فَرب أَب شريب يذهب يشرب الْخمر وَيتْرك ابْنَته يدْخل عَلَيْهَا الرِّجَال وَلَا يشْتَرط كَون الحاضنة مسلمة على الْمَشْهُور، بل للذمية من الْحَضَانَة مَا للمسلمة إِن كَانَت فِي حرز وَلم يخْش عَلَيْهَا من تغذيتهم الْخمر وَالْخِنْزِير كَمَا فِي (ح) وشروحه.(1/651)
تَنْبِيهَانِ. الأول: ظَاهر قَول النَّاظِم والتكليف والديانة الخ. أَنه لَا يشْتَرط فِي الحاضنة أَن تكون رَشِيدَة، وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ كَانَت حافظة لما تقبضه من نَفَقَة محضونها، أَو كَانَ لَهَا ولي وإلاَّ فَلَا كَمَا أفتى بِهِ ابْن هَارُون، وَهُوَ الصَّوَاب كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. انْظُر شرَّاح الْمَتْن ونظم الْعَمَل الْمُطلق. الثَّانِي: ظَاهر النّظم أَيْضا أَن الحاضن إِذا نوزع فِي شَرط من هَذِه الشُّرُوط فَإِن عَلَيْهِ إثْبَاته لِأَن الأَصْل عدم الشُّرُوط حَتَّى يثبت وجودهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صرح بِهِ (خَ) فِي الْأَمَانَة حَيْثُ قَالَ: وأثبتها أَي يجب على الحاضن أَن يثبت الْأَمَانَة إِن نوزع فِيهَا، وَلَا مَفْهُوم للأمانة بل غَيرهَا من الشُّرُوط مِمَّا عدا الصِّحَّة كَذَاك، وَأما الصِّحَّة فَإِن القَوْل لمدعيها لِأَنَّهَا الأَصْل فِي النَّاس ومدعي خلَافهَا عَلَيْهِ الْإِثْبَات. وَقد اقْتصر ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا لما فِي (خَ) من وجوب الْإِثْبَات مُصَرحًا بِأَنَّهُ الْمَذْهَب. قلت: وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ الَّذِي تشهد لَهُ الْقَوَاعِد والظواهر، وَاعْتِرَاض الشَّيْخ الرهوني عَلَيْهِ فِي حَاشِيَته على الْمُخْتَصر بِأَنَّهُ لَا مُسْتَند لخليل إِلَّا كَلَام ابْن الْقصار وَابْن الْهِنْدِيّ وَابْن فتوح، وَمن وافقهم. وَهَؤُلَاء إِنَّمَا اعتمدوا فِي ذَلِك على أَخذهم إِيَّاه من الْمُدَوَّنَة وَلَيْسَ أَخذهم مِنْهَا بِمُسلم الخ. غير ظَاهر كَمَا يعلم ذَلِك بمراجعة المطولات وملاحظة الْقَوَاعِد واعتراضه أَيْضا بِأَنَّهُ لَو كلف الحاضن بِإِثْبَات الْأَمَانَة لكلف بذلك الْأَب عِنْد انْتِقَال الْحَضَانَة إِلَيْهِ يرد بِأَن الْأَب هُوَ الأَصْل لما جبل عَلَيْهِ من الحنانة والشفقة، وَلِأَنَّهُ الدَّافِع لِلْمَالِ، وَقد كَانَ الْوَلَد فِي حفظه وَنَفَقَته فَلَا يلْزمه دفع الْوَلَد وَالنَّفقَة للحاضنة، أما كَانَت أَو غَيرهَا حَتَّى تثبت أمانتها وديانتها لِئَلَّا يضيع عَلَيْهِ مَاله أَو وَلَده، فَلَا يُقَال: إِن إِثْبَات ذَلِك لَازم لَهُ أَيْضا إِذا أَرَادَ الْحَضَانَة بِنَفسِهِ لأَنا نقُول الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي نقل الشَّيْء عَن أَصله أَي: فَلَا ينْقل عَنهُ وَلَا يحكم عَلَيْهِ الشَّرْع بِدَفْعِهِ إِلَّا لمن يوثق بِهِ، وَلَو كَانَ هُوَ مسخوطاً غير مرضِي الْحَال، وإلاَّ لزم الْخُرُوج من سخطَة إِلَى مثلهَا أَو أقبح مِنْهَا، وَذَلِكَ من الْعَبَث الَّذِي لَا يحكم بِهِ الشَّرْع وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ للطفل، وَأما بِالنِّسْبَةِ للنَّفَقَة فَلَا إِشْكَال أَنه لَا يلْزمه دَفعهَا إِلَّا لموثوق بِهِ كَمَا مر، وَهَكَذَا أَيْضا يُقَال فِي كل من طلب انتقالها إِلَيْهِ لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ مَفْرُوض عِنْد التشاح والحائز للْوَلَد إِن مَاتَ الْأَب مثلا لَا يلْزمه دفع الْوَلَد إِلَّا لموثوق بِهِ لكَون الشَّارِع أمره بذلك لِئَلَّا يُوقع الْوَلَد فِي مضيعة فَلَا يخرج الْوَلَد من يَد من ثَبت لَهُ عَلَيْهِ مُحَافظَة وَلَو لَحْظَة إِلَى أَمر مُحْتَمل مَشْكُوك فِي كَونه أَسْوَأ حَالا من الْحَائِز أَو مثله وَالله أعلم. وَفِي الإنَاثِ عَدَمُ الزَّوْج عَدَا جدًّا لِمَحْضُونٍ لهَا زَوْجاً غَدَا (و) شَرطهَا (فِي الْإِنَاث) بخصوصهن زِيَادَة على مَا تقدم (عدم الزَّوْج) فَإِن الحاضنة إِذا تزوجت وَدخل بهَا زَوجهَا سَقَطت حضانتها (عدا) فعل دَال على الِاسْتِثْنَاء، وَمَعْنَاهُ جَاوز وفاعله ضمير عَائِد على الْمصدر الْمَفْهُوم من الْكَلَام السَّابِق (جدا) مفعول بعدا (لمحضون) صفة لجد (لَهَا)(1/652)
صفة فِي الأَصْل للنكرة بعده إِلَّا أَنه لما قدم عَلَيْهَا يعرب حَالا لِأَن الصّفة لَا تتقدم على الْمَوْصُوف (زوجا) مفعول لقَوْله (غَدا) وَالْجُمْلَة صفة لجد أَيْضا، وَالتَّقْدِير وَشَرطهَا فِي الْإِنَاث عدم الزَّوْج، فَإِن وجد سَقَطت وَجَاوَزَ السُّقُوط جد الْمَحْضُون صَار زوجا لَهَا أَي للحاضنة وَيلْحق بالجد كل ولي للمحضون وَلَو ولي المَال، وَإِن لم يكن محرما لَهُ كَابْن الْعم وَالْوَصِيّ وكل محرم، وَإِن لم تكن لَهُ الْحَضَانَة كالخال، فَإِن تزوج الحاضنة بِوَاحِد من هَؤُلَاءِ كتزوجها بالوصي أَو ابْن الْعم أَو كتزوج عمَّة الطِّفْل بخالة لَا يسْقط حضانتها وَلَو كَانَ للمحضون هُنَاكَ حاضنة أقرب إِلَيْهِ مِنْهَا فارغة من الزَّوْج كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَالسّن بهَا مرعي خلافًا لما فِي اليزناسني هُنَا. وَلما فِي (ز) عِنْد قَول (خَ) أَو وليا كَابْن الْعم. وَبَيَانه أَنا إِذا قُلْنَا: إِنَّمَا تبقى حضانتها بعد تزَوجهَا بالولي الْمحرم إِذا لم يكن هُنَاكَ من يَسْتَحِقهَا قبل ابْن الْعم مثلا كَمَا يَقُوله اليزناسني و (ز) كَانَ الِاسْتِثْنَاء فِي النّظم و (خَ) ضائعاً وَلَو قَالَ النَّاظِم: وَفِي الْإِنَاث عدم الزَّوْج عدا وليا محرما لَهَا زوجا غَدا لشمل كل ولي وكل محرم، وَيكون لفظ محرما مَعْطُوفًا بِحَذْف العاطف وَضمير عدا يعود حِينَئِذٍ على من ذكر. وَحَاصِله: أَن الزَّوْج الثَّانِي إِمَّا أَن يكون محرما أَو لَا. وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا أَن تكون لَهُ الْحَضَانَة أَو لَا. فالأقسام أَرْبَعَة تسْقط حضَانَة المتزوجة بِوَاحِد وَهُوَ مَا إِذا كَانَ غير محرم وَلَا حضَانَة لَهُ كَابْن الْخَال وَالْأَجْنَبِيّ وَلَا تسْقط فِي الْبَاقِي وَهُوَ الْمحرم الَّذِي لَهُ الْحَضَانَة كالعم، وَالَّذِي لَا حضَانَة لَهُ كالخال وَغير الْمحرم الَّذِي لَهُ الْحَضَانَة كَابْن الْعم (خَ) : وللذكر من يحضن وللأنثى الْخُلُو عَن زوج دخل إِلَّا أَن يعلم ويسكت الْعَام أَو يكون محرما وَأَن لَا حضَانَة لَهُ كالخال أَو وليا كَابْن الْعم الخ فَقَوله: وللذكر من يحضن أَي يشْتَرط فِي الحاضن الذّكر أَن يكون عِنْده من يحضن لَهُ من زَوْجَة أَو سَرِيَّة أَو متبرعة، وَأَن يكون الْمَحْضُون ذكرا أَو أُنْثَى غير مطيقة، وَأما المطيقة للْوَطْء فَلَا حضَانَة لَهُ عَلَيْهَا وَلَو مَأْمُونا ذَا أهل خلافًا لأصبغ، وَقَوله: إِلَّا أَن يعلم مُسْتَثْنى من مَفْهُوم دخل كَمَا أَن الِاسْتِثْنَاء فِي النّظم من مَفْهُوم عدم الزَّوْج كَمَا قَررنَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم يعلم مُسْتَحقّ الْحَضَانَة بعْدهَا بتزوجها ودخولها، أَو علم وَلم يسكت أَو سكت أقل من عَام لم تسْقط حضانته، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي اللَّخْمِيّ وَغَيره، وَانْظُر لَو علم بتزوجها ودخولها وَسكت عَاما إِلَّا أَنه جهل كَون سُكُوته مسْقطًا لحقه فَفِي (ز) أَن ذَلِك عذر يُوجب لَهُ عدم سُقُوط حَقه فِي الْحَضَانَة، وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته بِأَنَّهُ لم يره مَنْصُوصا قَالَ: والجاري على مَا يَأْتِي من سكُوت الشَّفِيع أَنه لَا يعْذر بِالْجَهْلِ بالحكم اه. قلت: قد يُقَال من حفظ حجَّة على من لم يحفظ وَلَا يُقَاس سكُوت الحاضنة على سكُوت الشَّفِيع لشهرة حكم سكُوت الشَّفِيع عِنْد النَّاس دون حكم سكُوت الحاضنة وَالله أعلم. ثمَّ إِذا سكت الْعَام فَهَل تسْقط حضانتها وحضانة من علم أَيْضا وَهُوَ فِي الْمرتبَة بعْدهَا كَمَا قَالُوا فِي(1/653)
الشُّفْعَة: إِن سكُوت الْأَقْرَب يسْقط شفعته وشفعة من علم وَهُوَ فِي الْمرتبَة بعده أَو لَا تسْقط فِي الْحَضَانَة إِلَّا حضَانَة الْأَقْرَب، ويستأنف للأبعد عَام آخر كَمَا فِي الْفَائِق عَن ابْن زرب وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن أَحْكَام الشّعبِيّ، وَنَقله الشَّيْخ أَحْمد بَابا مُسلما اه. وَتقدم أَن من خَالع زَوجته على أَن تسْقط هِيَ وَأمّهَا الْحَضَانَة أَنَّهَا لَا تسْقط فِي الْجدّة لِأَنَّهَا أسقطت مَا لم يجب لَهَا وَهَذَا إِذا لم يقل فِي الْوَثِيقَة ثمَّ بعد إِسْقَاط الْأُم أسقطت الْجدّة حَقّهَا، وإلاَّ فَلَا كَلَام لَهَا انْظُر مَا تقدم فِي الْخلْع وَمحل سُقُوط الْحَضَانَة بالتزوج إِذا لم يتَعَلَّق الْوَلَد بِأُمِّهِ، وَيكون عَلَيْهِ ضَرَر فِي نَزعه مِنْهَا، وَإِلَّا لم تسْقط حضانتها وَلم ينْزع مِنْهَا للضَّرَر اللَّاحِق فِي الْوَلَد، وَقد نَص (ز) أَيْضا على هَذَا عِنْد شَرحه للنَّص الْمُتَقَدّم عِنْد قَوْله: إِلَّا لكمرض أَو موت جدة الخ. وَبِه يعلم أَن الرَّضِيع لَا ينْزع من أمه إِن طلقت وَتَزَوَّجت لما عَلَيْهِ فِي ذَلِك من الضَّرَر الفادح، وَكَذَا قريب الْفِطَام حَيْثُ اعتلق بهَا وَلم يصبر عَنْهَا، وَقد شاهدنا كثيرا من النَّاس يطْلب نزع الرَّضِيع من مطلقته إِن تزوجت فيمتع من ذَلِك لما يخَاف من موت الْوَلَد، وَلَا سِيمَا إِن كَانَ الْأَب فَقِيرا إِذْ لَا يجد فِي الْغَالِب من يرضعه وَيقوم بِهِ كَأُمِّهِ، وَإِن وجده فِي وَقت فَلَا يجده فِي وَقت آخر فَيُؤَدِّي ذَلِك لضياع الْوَلَد كَمَا وَقع ذَلِك بِالْمُشَاهَدَةِ، بل وَلَا يجوز الْخلْع حِينَئِذٍ على إِسْقَاط حضانتها للْوَلَد الْمَذْكُور وَلَو تَرَاضيا عَلَيْهِ كَمَا قدمْنَاهُ فِي الْخلْع. وَمَا سُقُوطُهَا لِعُذْرٍ قَدْ بَدَا وَارْتَفَعَ الْعُذْرُ تَعُودُ أَبَدَا (وَمَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْحَضَانَة مُبْتَدأ (سُقُوطهَا) مُبْتَدأ (لعذر) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (قد بدا) وَالْجُمْلَة صلَة مَا (وارتفع الْعذر) جملَة من فعل وفاعل معطوفة على جملَة الصِّلَة (تعود أبدا) خبر الْمَوْصُول، وَالتَّقْدِير والحضانة الَّتِي سُقُوطهَا قد بدا لعذر من مرض أَو انْقِطَاع لبن أَو حجَّة فرض أَو سَافر بهَا جدها وَهُوَ جد الصّبيان أَو غَيره من الْأَوْلِيَاء غير طَائِعَة، وَلَا يُمكنهَا حمل الْمَحْضُون مَعهَا أَو جهلت أَن الْحق انْتقل فِي الْحَضَانَة لَهَا أَو سَافر الْوَلِيّ بالمحضون سفر نقلة أَو خرجت لطلب مِيرَاثهَا وارتفع ذَلِك الْعذر بِأَن بَرِئت من الْمَرَض أَو رَجَعَ إِلَيْهَا لَبنهَا أَو رجعت من سفر الْحَج وَالزَّوْج، أَو علمت أَن الْحق فِي الْحَضَانَة لَهَا، أَو رَجَعَ الْوَلِيّ من سَفَره بالمحضون، أَو رجعت من طلب مِيرَاثهَا فَإِن الْحَضَانَة تعود لَهَا فِي ذَلِك كُله لِأَنَّهَا تركت حَقّهَا فِي الْحَضَانَة فِي ذَلِك كُله بِغَيْر اخْتِيَارهَا، فَهِيَ معذورة وحقها إِنَّمَا سقط حَال وجود الْعذر، فَإِذا زَالَ رجعت إِلَيْهَا الْحَضَانَة إِلَّا أَن تتركه بعد زَوَال الْعذر حَتَّى طَال الأمد السّنة وَنَحْوهَا مختارة فَلَا تَأْخُذهُ مِمَّن هُوَ بِيَدِهِ أَو يكون ألف من هُوَ عِنْدهَا أَو شقّ نَقله عَنْهَا كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبل هَذَا.(1/654)
تَنْبِيهَانِ. الأول: يفهم من قَوْلهم: إِذا خرجت الحاضنة لطلب مِيرَاثهَا لَا تسْقط حضانتها أَنَّهَا إِذا خرجت للصيفية ولقط السنبل لفقرها كَذَلِك لَا تسْقط حضانتها أَيْضا. وَفِي الْبُرْزُليّ: إِذا أَرَادَت الْخُرُوج للصيفية ولقط السنبل ومنعها الْأَب من الْخُرُوج بالمحضون فَإِن ذَلِك لَهُ، وَيكون الْمَحْضُون عِنْده مُدَّة غيبَة الحاضنة فِي الصيفية فَإِذا رجعت أَخَذته من الْأَب. ابْن رشد: وَيحْتَمل أَن لَا يقْضى للْأَب بمنعها من الْخُرُوج بِهِ على مَا جَاءَت بِهِ الرِّوَايَة أَن لَهَا الْخُرُوج بِهِ للمسافة الْقَرِيبَة الَّتِي لَا تقصر فِيهَا الصَّلَاة. قَالَ: وَأما خُرُوج الْمُطلقَة فِي الْعدة والمتوفى عَنْهَا لجمع السنبل فلهَا ذَلِك إِن كَانَت محتاجة اه. وَقَالَ: أَعنِي الْبُرْزُليّ قبل هَذَا مَا نَصه: وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّد المرسي عَن من طلق زَوجته وَله مِنْهَا بَنَات فَخرجت بِهن للصائفة يَعْنِي بِغَيْر إِذْنه أتسقط النَّفَقَة عَنهُ مُدَّة مقَامهَا بِهن هُنَاكَ أم لَا؟ فَقَالَ: ذَلِك سَاقِط عَنهُ مُدَّة إِقَامَتهَا بِهن زمن الصائفة اه. قَالَ الْبُرْزُليّ: هَذَا ظَاهر إِن قُلْنَا إِن الْحَضَانَة من حَقّهَا، وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا حق للْوَلَد أَو حق لله فَيجب رُجُوعهَا عَلَيْهِ بنفقتهن وَهِي تجْرِي عِنْدِي على مَسْأَلَة الْمَحْجُور إِذا خرج بِهِ وليه لحج الضَّرُورَة أَو لغير ضَرُورَة، وعَلى خُرُوج الْمَرْأَة لزيارة أَهلهَا أَو لتطوع حج هَل نَفَقَتهَا وَاجِبَة أَو لَا؟ وَأما الْقدر الزَّائِد لأجل السّفر فَلَا خلاف أَنه سَاقِط عَنهُ اه. قلت: وَيُؤَيّد رُجُوعهَا عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة الْخُرُوج للصائفة مَا مرّ عَن ابْن رشد من قَوْله: وَيحْتَمل الخ. وَذكر (ح) آخر الْبَاب الثَّانِي من التزاماته مَا نَصه: اخْتلفُوا فِي سُقُوط النَّفَقَة عَن الْأَب إِذا خرجت بهم إِلَى الْمَكَان الْقَرِيب الَّذِي يجوز لَهَا الْخُرُوج بهم إِلَيْهِ وَلَا تسْقط حضانتها فَقَالَ فِي ضيح، قَالَ ابْن رَاشد القفصي: حَيْثُ قُلْنَا تخرج بهم فحقهم فِي النَّفَقَة بَاقٍ على أَبِيهِم فِي ظَاهر الْمَذْهَب، وَحكي فِي الطّراز عَن ابْن جَمَاهِير الطليطلي أَن الْأُم إِذا خرجت ببنيها للصائفة يسْقط الْفَرْض عَن أَبِيهِم مُدَّة مقامهم اه. قَالَ (ح) : وَاقْتصر ابْن عَرَفَة على مَا حَكَاهُ صَاحب الطرر وَرجح فِي الشَّامِل الأول، وَحكى الثَّانِي بقيل اه. وَقد تبين بِهَذَا رُجْحَان القَوْل بِعَدَمِ سُقُوط نَفَقَتهم عَن أَبِيهِم فِي خُرُوجهَا بهم لقريب الْمَكَان الَّذِي لَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة كَمَا مر عَن ابْن رشد وكما قَالَه القفصي عَن ظَاهر الْمَذْهَب، وَرجحه فِي الشَّامِل وَالله أعلم. الثَّانِي: إِذا ترك الْأَب وَلَده عِنْد حاضنته بعد تزَوجهَا سنة فَأكْثر فَلَيْسَ لَهُ نَزعه مِنْهَا، بل يتْركهُ عِنْدهَا وَتجب عَلَيْهِ نَفَقَته، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يثبت تَضْييع الحاضنة للْوَلَد أَو كَون زَوجهَا يستخدمه ويستعمله فَلهُ نَزعه حِينَئِذٍ قَالَه ابْن رشد، وَنَقله ابْن الْبُرْزُليّ أَيْضا. وَهِي عَلَى المَشْهُورِ لاَ تَعُودُ إنْ كانَ سُقُوطُهَا بِتَزْوِيجٍ قَمِنْ(1/655)
هَذَا مَفْهُوم قَوْله فِي الْبَيْت قبله لعذر، وَالْمعْنَى أَن سُقُوط الْحَضَانَة إِذا كَانَ لغير عذر كَمَا لَو تزوجت بعد أَن انْتَقَلت الْحَضَانَة لَهَا أَو أسقطت حَقّهَا مِنْهَا بعد وُجُوبهَا لَهَا أَو سكتت عَاما بعد انتقالها إِلَيْهَا مَعَ علمهَا بذلك، فَإِن الْحَضَانَة لَا تعود لَهَا فِي ذَلِك كُله، وَلَو زَالَ التَّزْوِيج فِي الْمَسْأَلَة الأولى بِطَلَاق أَو موت أَو فسخ وَأَرَادَ بِالتَّزْوِيجِ الْحَقِيقِيّ وَهُوَ دُخُول الزَّوْج إِذْ لَا تسْقط حضانتها قبله وَشَمل قَوْله: تَزْوِيج مَا حدث بعد الِانْتِقَال كَمَا قَررنَا، وَمَا كَانَ مَوْجُودا وَقت الِانْتِقَال فَإِذا تزوجت الْأُم وَالْجدّة متزوجة أَيْضا بأجنبي وانتقلت الْحَضَانَة للخالة مثلا ثمَّ تأيمت الْجدّة، فَإِنَّهُ لَا ينْزع من الْخَالَة وَيرد للجدة على الْمَشْهُور كَمَا قَالَه الْبَدْر، لِأَن الْجدّة لما اتصفت بالمانع وَقت تزوج الْأُم انْتقل الْحق لغَيْرهَا وَتعلق حق ذَلِك الْغَيْر بهَا وَمَا فِي (ز) عِنْد قَوْله: أَو وليا كَابْن الْعم مِمَّا يَقْتَضِي نَزعه من الْخَالَة ورده للجدة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَنَحْو فِي (ت) هَهُنَا حاكياً عَلَيْهِ الِاتِّفَاق مَرْدُود بِمَا تقدم عَن الْبَدْر، كَمَا نبه عَلَيْهِ بعض المحشيين وَالتَّعْلِيل الْمُتَقَدّم الَّذِي نَقله (ز) وَغَيره عِنْد قَول الْمَتْن وَلَا تعود بعد الطَّلَاق شَاهد للمشهور الْمَذْكُور، وَظَاهر النّظم أَنَّهَا لَا تعود حَيْثُ سَقَطت بتزويج وَلَو مَاتَت الحاضنة الَّتِي بعْدهَا بعد تأيم المتزوجة، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور عِنْد ابْن سَلمُون وَنَصه: وَلَا تعود الْحَضَانَة لَهَا إِن طلقت بعد ذَلِك على القَوْل الْمَشْهُور، وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة والعتبية، وَقيل عَنهُ فِي غَيرهمَا أَنَّهَا تعود إِن طَلقهَا الزَّوْج أَو مَاتَ عَنْهَا. قَالَ ابْن رشد: وَهُوَ قَول الْمُغيرَة وَابْن دِينَار وَابْن أبي حَازِم، وَوجه هَذَا القَوْل إِنَّه رأى أَن التَّزَوُّج من الْأُمُور الضروريات فَجعله عذرا كالمرض وَانْقِطَاع اللَّبن قَالَ: وَقد قيل إِن حَقّهَا فِي الْحَضَانَة يسْقط بالتزوج إِلَّا فِي جِهَة من حضن الْوَلَد فِي حَال كَونهَا مَعَ الزَّوْج فَإِن خلت من الزَّوْج ثمَّ مَاتَ ذَلِك الحاضن كَانَ لَهَا أَخذ وَلَدهَا، وَكَانَت أَحَق بحضانته من غَيرهَا اه. الْغَرَض مِنْهُ وبالقول الأول صدر ابْن رشد وَغَيره، وَلما نقل ابْن عبد السَّلَام هَذِه الْأَقْوَال قَالَ: وَهَذَا القَوْل الثَّالِث رَاجع عِنْدِي إِلَى القَوْل الثَّانِي الْمُقَابل للْأولِ. قَالَ اليزناسني فِي شَرحه لهَذَا الْمحل: هَذَا القَوْل الثَّالِث نَقله فِي ضيح عَن الْمُوازِية وَابْن مُحرز والمتيطي، وَعَلِيهِ اقْتصر فِي مُخْتَصره حَيْثُ قَالَ: وَلَا تعود بعد الطَّلَاق إِلَّا لكمرض أَو لمَوْت جدة وَالأُم خَالِيَة الخ. فاستثنى من عدم الْعود موت الْجدّة وَالأُم خَالِيَة، وَلَيْسَ هَذَا القَوْل الثَّالِث مَشْهُورا على مَا عِنْد ابْن الْحَاجِب وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَابْن سَلمُون قَالَ: وَقد وَقعت مثل هَذِه النَّازِلَة فَأفْتى فِيهَا بَعضهم بِمَا فِي الْمُخْتَصر فنازعته وَقلت لَهُ: إِن ذَلِك القَوْل غير مَشْهُور، بل الْمَشْهُور على مَا نَقله ابْن الْحَاجِب وَابْن عَاصِم وَغَيرهمَا أَن التَّزَوُّج يسْقط الْحَضَانَة جملَة فَلَا تعود لَهَا أبدا حَسْبَمَا تقدم اه. كَلَام اليزناسني بِتَقْدِيم وَتَأْخِير واختصار، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا فِي الْمُخْتَصر ضَعِيف نقلا ونظراً أما الأول فَظَاهر مِمَّا مر، وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْأُم بتزوجها كَانَت مختارة لإِسْقَاط حَقّهَا، والحاضنة إِذا أسقطت حَقّهَا لَا تعود لَهَا مُطلقًا كَمَا مر. وَحَيْثُ بِالمَحْضُونِ سَافَرَ الْوَلِي بِقَصْدِ الإِسْتِيطَانِ وَالتَّنْقُّلِ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط مَعْمُول لجوابه و (بالمحضون) يتَعَلَّق بقوله (سَافر الْوَلِيّ) وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بِقصد الاستيطان والتنقل) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال.(1/656)
فَذَاكَ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الحَاضِنَهْ إلاَّ إذَا صَارَتْ هُنَاكَ ساكِنَهْ (فَذَاك) مُبْتَدأ (مسْقط) خَبره (لحق الحاضنة) يتَعَلَّق بِهِ وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (صَارَت هُنَاكَ سَاكِنة) فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ أَي: فَلَا تسْقط حضانتها. وَمَعْنَاهُ أَن الْوَلِيّ أَبَا كَانَ أَو وَصِيّا أَو غَيرهمَا من أَخ أَو عَم وَنَحْو ذَلِك إِذا أَرَادَ السّفر بالمحضون بِقصد الِانْتِقَال والاستيطان فِي الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ، فَإِن ذَلِك السّفر مسْقط لحق الحاضنة فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَالَة وَاحِدَة وَهِي أَن تنْتَقل مَعَ محضونها وَتصير سَاكِنة مَعَه فِي الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ فَإِن حضانته لَا تسْقط حِينَئِذٍ، وَأطلق النَّاظِم فِي الْمَحْضُون فَظَاهره وَلَو رضيعاً، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور حَيْثُ قبل غير أمه وَأطلق أَيْضا فِي الاستيطان فَظَاهره وَلَو سنة. وَفِي الشَّامِل: وَهل يحصل الاستيطان بِسنة أَو لَا؟ قَولَانِ. وَأطلق أَيْضا فِي الْوَلِيّ، والمحضون فَظَاهره وَلَو كَانَا عَبْدَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لَا بُد أَن يَكُونَا حُرَّيْنِ فَلَو كَانَا عَبْدَيْنِ أَو أَحدهمَا لم يكن الحكم مَا ذكره، وَأطلق فِي السّفر فَظَاهره وَلَو أقل من سِتَّة برد وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَا بُد أَن يكون سَفَره سِتَّة برد فَأكْثر وَإِلَّا لم يَنْزعهُ مِنْهَا على الْمُعْتَمد لِإِمْكَان النّظر مَعَ قرب الْمسَافَة، وَفهم من قَوْله بِقصد الاستيطان أَن سَفَره إِذا كَانَ لتِجَارَة أَو نزهة لَا ينْزع مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَكَذَلِكَ إِذا سَافَرت هِيَ بِقصد النزهة أَو التِّجَارَة أَو طلب مِيرَاثهَا فَإِنَّهُ لَا ينْزع مِنْهَا، بل تَأْخُذهُ مَعهَا إِن قرب وَإِن بعد كستة برد فللأب أَو الْوَلِيّ منعهَا كَمَا مر، فَإِن سَافَرت بِغَيْر إِذْنه فِي الْبعيد فنفقة الْوَلَد عَلَيْهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله فِي الْعدة: كَنَفَقَة ولد هربت بِهِ الخ. وَفهم من قَوْله بِقصد الاستيطان أَنه يصدق فِي دَعْوَى الاستيطان مَعَ يَمِينه، إِذْ لَا يعلم قَصده لذَلِك إِلَّا من قبله وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد. قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَا يُكَلف أَن يثبت بِبَلَد الحاضنة أَنه قد استوطن الْبَلَد الَّذِي رَحل إِلَيْهِ على الْأَرْجَح، بل يحلف على ذَلِك فَقَط اه. وَنَحْوه فِي (خَ) فَمَا فِي (ت) و (م) عَن ضيح من أَنه يُكَلف بِإِثْبَات ذَلِك عِنْد الْحَاكِم لَا يعود عَلَيْهِ، وَبَقِي على النَّاظِم شَرْطَانِ: وهما أَن يكون الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ مَأْمُونا تجْرِي فِيهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة على مقتضاها، وَأَن يكون الطَّرِيق مَأْمُونا فِيهِ على نَفسه وَمَاله وعَلى الْمَحْضُون، وَهَذَانِ الشرطان لَا بُد من إثباتهما وهما مشترطان أَيْضا فِي سفر الزَّوْج لزوجته كَانَ سَفَره للاستيطان أم لَا. وَيُزَاد عَلَيْهِمَا شُرُوط كَونه مَأْمُونا فِي نَفسه محسناً إِلَيْهَا. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة: إِذْ لَيْسَ لَهُ أَن يُخرجهَا لذَلِك الْبَلَد ثمَّ يطْعمهَا شرك الْحيتَان، وَظَاهر كَلَام الْمعِين أَنه مَحْمُول على الْإِسَاءَة وَعدم الْأَمَانَة عِنْد الْجَهْل، وَهُوَ الَّذِي لأبي مُحَمَّد صَالح، وَبِه جزم ابْن نَاجِي قَائِلا: وَبِه حكمت غير مَا مرّة، وَاقْتصر عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل الْمُطلق حَيْثُ قَالَ:(1/657)
وَمن لَهُ زوج أَرَادَ يظعن يثبت أَنه إِلَيْهَا يحسن الخ. وَالَّذِي لِابْنِ رشد والباجي أَنه مَحْمُول على الْأَمَانَة وَعدم الْإِسَاءَة حَتَّى يثبت خلَافهَا، وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن عَرَفَة والوانوغي والفشتالي فِي وثائقه وَكَانَ هَذَا ينظر للْأَصْل الَّذِي هُوَ عدم العداء وَالْأول ينظر للْغَالِب إِذْ الْغَالِب فِي النَّاس الجرحة وَعدم الْأَمَانَة، وَالْقَاعِدَة أَنه إِذا تعَارض الأَصْل، وَالْغَالِب فَالْحكم للْغَالِب وَكَون الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ قَرِيبا وَلَا يضْبط الْقرب بِسِتَّة برد، وَلَا بِأَقَلّ. بل بِحَيْثُ لَا يخفى على أَهلهَا خَبَرهَا، وَهَذَا الشَّرْط ذكره أَبُو إِبْرَاهِيم مُقَيّدا بِهِ الْمُدَوَّنَة. وَنَقله أَبُو الْحسن مُسلما. وَخَالف فِيهِ الْبُرْزُليّ وَابْن نَاجِي فَلم يشترطاه وأبقيا الْمُدَوَّنَة على ظَاهرهَا وَكَونه حرا وَهِي حرَّة أَيْضا، وَكَونهَا قادرة على الرّكُوب أَو الْمَشْي، وَكَونهَا صَحِيحَة لَا مَرِيضَة، وَأَن يكون قد دخل بهَا وإلاَّ فلأهلها وَلها الْمَنْع حَتَّى تزف إِلَيْهِ فَإِن توفرت هَذِه الشُّرُوط وَقَالَت: لَا أرتحل مَعَه حَتَّى آخذ صَدَاقي فَإِن كَانَ قد بنى بهَا فَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْلهَا حَيْثُ كَانَ عديماً بِهِ لِأَنَّهُ دين فِي ذمَّته، وَالْفَرْض أَن الْبَلَد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ تجْرِي فِيهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَأما إِن كَانَ مُوسِرًا فَظَاهر الْمُدَوَّنَة كَذَلِك، وَالَّذِي لِابْنِ يُونُس وارتضاه بعض قَائِلا وَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ أَن لَهَا الِامْتِنَاع حَتَّى تقبضه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُوسِرًا لَا يلْزمهَا تَأْخِير قَبضه للبلد الْمُنْتَقل إِلَيْهِ. قَالَ ابْن نَاجِي: وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَن الحضرية مَعَ توفر الشُّرُوط تخرج إِلَى الْقرى كعكسها وَهُوَ ظَاهر كَلَامهم، وَبِه أفتى أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْعَبَّاس أَحْمد، وَأفْتى الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الغبريني وَأَبُو عَليّ بن قداح وَبَعض شُيُوخنَا وَشَيخنَا حفظه الله بِعَدَمِ خُرُوجهَا حَيْثُ يكون عَلَيْهَا معرة أَو مضرَّة وَبِه أَقُول اه. قلت: وَكَثِيرًا مَا يَقع النزاع فِي إِخْرَاج الحضرية من فاس أَو غَيرهَا من الحواضر إِلَى أهل العمود أَو بعض الْقرى، وَقد كنت رَأَيْت بعض الْقُضَاة لَا يحكم بإخراجها، وَلَعَلَّ مُسْتَنده مَا مر وَلَا سِيمَا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة الَّتِي كثر فِيهَا السّرقَة وَالْغَصْب فِي الْقرى فضلا عَن أهل العمود فَهِيَ لَا تَخْلُو عَن مضرَّة فضلا عَن المعرة. وَيُمْنَعُ الزَّوْجَانِ مِنْ إخْرَاجِ مَنْ مِنْ حِينِ الابْتِناءِ مَعْهُمَا سَكَنْ (وَيمْنَع الزَّوْجَانِ) نَائِب فَاعل يمْنَع بِضَم الْيَاء (من إِخْرَاج) يتَعَلَّق بيمنع (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (من حِين الابتناء مَعَهُمَا) بِسُكُون الْعين وَهُوَ والمجروران قبله يتعلقان بقوله: (سكن) وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول. منْ ولدٍ لِوَاحِدٍ أوْ أمِّ وَفِي سِواهُمْ عكْسُ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ذَا الحُكْمِ (من ولد) بَيَان للموصول الْمَذْكُور (لوَاحِد) نعت لولد (أَو أم) مَعْطُوف على ولد (وَفِي(1/658)
سواهُم) خبر عَن قَوْله: (عكس هَذَا الحكم) وَالضَّمِير فِي سواهُم عَائِد على من الموصولة وَجمع الضَّمِير بِاعْتِبَار معنى مَا وَقعت عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير، وَيمْنَع الزَّوْجَانِ من إِخْرَاج ولد أَو أم لأَحَدهمَا سكن مَعَهُمَا من حِين الابتناء، فَإِذا بنى الرجل بِزَوْجَتِهِ وَمَعَهَا وَلَدهَا صَغِير أَو وجدت هِيَ عِنْده ولدا لَهُ صَغِيرا وَسكن ذَلِك الْوَلَد مَعَهُمَا، ثمَّ أَرَادَ أَحدهمَا إِخْرَاج ولد الآخر فَلَيْسَ ذَلِك لَهُ وَلَا لَهَا وَيجْبر الْمُمْتَنع مِنْهُمَا على السُّكْنَى مَعَ ذَلِك الْوَلَد، لِأَنَّهُ قد أسقط حَقه فِيهِ بسكوته حِين سكناهُ وَقت الابتناء، وَكَذَلِكَ أم أَحدهمَا إِذا سكنت مَعَهُمَا من حِين الابتناء، ثمَّ امْتنع أَحدهمَا من بَقَائِهَا سَاكِنة مَعَهُمَا فَإِنَّهُ لَا كَلَام لَهُ على مَا فِي النّظم وَهُوَ معترض كَمَا يَأْتِي، وَأَشَارَ بقوله وَفِي سواهُم الخ. إِلَى مَفْهُوم ولد أَو أم وَإِلَى مَفْهُوم من حِين الابتناء أَي: فَإِذا كَانَ قريب أحد الزَّوْجَيْنِ غير ولد وَلَا أم بل كأخ أَو ابْنه أَو كَانَ ولدا أَو أما وَلم يسكن مَعَهُمَا من حِين الابتناء، وَلَكِن أَرَادَ أَحدهمَا أَن يَأْتِي بعد الابتناء بولده أَو أمه ليسكن مَعَهُمَا وأبى الآخر، فَإِن الآبي لَا يجْبر على سكناهُ مَعَه، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يجْبر وَلَو لم يكن للْوَلَد أَو للْأَخ مثلا حاضن وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِنَّمَا لَا يجْبر الْمُمْتَنع على سكناهُ مَعَه حَيْثُ لم يدْخل عَلَيْهِ ابْتِدَاء إِذا كَانَ للْوَلَد حاضن يُمكن دَفعه إِلَيْهِ كَمَا قَالَه ابْن زرب وَغَيره، وَإِلَّا أجبر الْمُمْتَنع على سكناهُ مَعَه، وَإِن لم يدْخل عَلَيْهِ ابْتِدَاء وَظَاهره أَيْضا أَن الْأُم كَالْوَلَدِ فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور بَين أَن تسكن الْأُم مَعَهُمَا فِي حِين الابتناء فَلَا كَلَام لوَاحِد مِنْهُمَا فِي إخْرَاجهَا عَنْهُمَا أَو لَا. فَلِكُل مِنْهُمَا إخْرَاجهَا وَلَيْسَ كَذَلِك أَيْضا. بل لكل مِنْهُمَا إخْرَاجهَا مُطلقًا كَانَت مَعَهُمَا حِين الابتناء أم لَا. وَلَو حلف أَن لَا يخرج أمه عَن زَوجته لم يعْذر بذلك وَحمل على الْحق أبره ذَلِك أَو أحنثه قَالَه ابْن الْمَاجشون. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون وضيعة الْقدر أَو ذَات صدَاق يسير أَو شَرط عَلَيْهَا السُّكْنَى مَعَ أَهله كَمَا المتيطي وَغَيره، فَإِنَّهَا تجبر على السُّكْنَى مَعَ أَهله. وَقد تحصل أَن الْأَوْلَاد يفرق فيهم بَين الابتناء وَعَدَمه، وَأَن الْأُم وَغَيرهَا من الْأَقَارِب يفرق فيهم بَين الوضيعة وَغَيرهَا. وَقد أَجَاد (خَ) فِي الْمَسْأَلَة حَيْثُ قَالَ: وَلها الِامْتِنَاع من أَن تسكن مَعَ أَقَاربه إِلَّا الوضيعة كَوَلَد صَغِير لأَحَدهمَا إِن كَانَ لَهُ حاضن إِلَّا أَن يَبْنِي وَهُوَ مَعَه اه. إِلَّا أَنه أطلق فِي الوضيعة وَهُوَ مُقَيّد بِمَا إِذا لم يتَحَقَّق ضَرَر أَهله بهَا وإلاَّ فتعزل عَنْهُم، وَكَذَا ذَات(1/659)
الشَّرْط وَالصَّدَاق الْيَسِير فَإِنَّهُ إِذا تحقق الضَّرَر وَثَبت وَجب الْعَزْل، وَأما غَيْرهنَّ فَلَا يلزمهن السُّكْنَى مَعَهم، وَإِن لم يثبت ضَرَره وَلَا تحقق. وَهَذَا كُله إِذا لم يدع الزَّوْج الْخَوْف عَلَيْهَا من فعل الْمَكْرُوه إِذا عزلت عَن أَهله، وَلَا سِيمَا حَيْثُ كَانَت غير مَأْمُونَة كَمَا هُوَ الْغَالِب فِي نسَاء زمننا الْيَوْم، وإلاَّ فليجتهد القَاضِي فِي ذَلِك فيسكن الوضيعة وَمن مَعهَا فِي ثُبُوت ضررهم بهَا مَعَ ثِقَة لَهُ امْرَأَة أمينة أَو فيسكنهما بَين قوم صالحين قَالَه ابْن رحال. قلت: وَهُوَ ظَاهر فَإِن أثبت الوضيعة وَمن مَعهَا ضررهم بِشَهَادَة من سكنها مَعَهم زجر الظَّالِم بالسجن وَالضَّرْب، وَلَا يعْزل وَاحِدَة مِنْهُنَّ عَن الْأَهْل، لِأَن غَالب النِّسَاء فِي هَذَا الزَّمَان يرمن الِانْفِرَاد ليتوصلن للمكروه وَالْفساد. وَانْظُر مَا مر فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ، وَالله أعلم. وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم آمين تمّ الْجُزْء الأول من الْبَهْجَة فِي شرح التُّحْفَة للعلامة عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي ويليه الْجُزْء الثَّانِي أَوله بَاب الْبيُوع(1/660)
(بَاب الْبيُوع)
أَتَى بِجمع الْكَثْرَة لتَعَدد أَنْوَاع البيع لِأَن الذوات الْمَبِيعَة إِمَّا عينا بِعَين أَو عرضا بِعرْض أَو عينا بِعرْض وَبِالْعَكْسِ، فالعين بِالْعينِ إِن كَانَت نوعا وَاحِدًا كالفضة بِمِثْلِهَا وَالذَّهَب بِمثلِهِ يشْتَرط فيهمَا أَمْرَانِ: التناجز والتساوي، ثمَّ إِن بِيعَتْ بالميزان سمي ذَلِك مراطلة، وَإِن بِيعَتْ بِالْعدَدِ سمي مُبَادلَة، وَإِن كَانَت نَوْعَيْنِ كذهب بِفِضَّة اشْترط فيهمَا التناجز فَقَط وَيُسمى صرفا وَحكم بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ كَالْعَيْنِ فِي الشُّرُوط الْمَذْكُورَة، كَمَا يَأْتِي للْمُصَنف فِي فَصلي بيع الطَّعَام وَبيع النَّقْدَيْنِ؛ وَأما الْعرض بِالْعرضِ وَهُوَ مَا سوى الْعين وَالطَّعَام وَمَا سوى الْأُصُول أَيْضا على مَا عِنْد النَّاظِم كَمَا يَأْتِي فِي فَصله، فَيشْتَرط أَن لَا يؤجلا مَعًا لِأَنَّهُ من الدّين بِالدّينِ المنهى عَنهُ فَإِن عجلا مَعًا صَحَّ بِجَمِيعِ وجوهه كَانَ أجل أَحدهمَا وَعجل الآخر، وَيُسمى حِينَئِذٍ سلما إِن توفرت شُرُوطه كَمَا يَأْتِي فِي فصل السّلم، وَكَذَا حكم الْعين بِالْعرضِ يمْنَع تأجيلهما، وَيجوز تعجيلهما وَإِن عجلت الْعين دون الْعرض يُسمى سلما، وَبِالْعَكْسِ يُسمى بيعا لأجل قَالَه ابْن بشير وَغَيره، فَعبر النَّاظِم بِلَفْظ الْجمع إِشَارَة إِلَى أَنه أَنْوَاع سِتَّة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: مَا يستجاز بَيْعه الخ. وَكلهَا دَاخِلَة فِي التَّقْسِيم الْمُتَقَدّم وَتَكون صَحِيحَة وفاسدة، ثمَّ إِن البيع مِمَّا يتَعَيَّن الاهتمام بِمَعْرِِفَة أَحْكَامه لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ إِذْ لَا يَخْلُو الْمُكَلف من بيع وَشِرَاء فَيجب أَن يعلم حكم الله فِيهِ قبل التَّلَبُّس بِهِ، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي القبس على موطأ مَالك بن أنس: البيع وَالنِّكَاح عقدان يتَعَلَّق بهما قوام الْعَالم لِأَن الله سُبْحَانَهُ خلق الْإِنْسَان مُحْتَاجا إِلَى الْغذَاء ومفتقراً إِلَى النِّسَاء وَخلق لَهُ مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا، وَلم يتْركهُ سدى أَي هملاً يتَصَرَّف كَيفَ شَاءَ فَيجب على كل مُكَلّف أَن يعلم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من بيع أَو غَيره، ثمَّ يجب عَلَيْهِ أَن يعْمل بِمَا علم فيتولى أَمر شِرَائِهِ وَبيعه بِنَفسِهِ إِن قدر وإلاَّ فَغَيره(2/3)
بمشورته وَلَا يتكل على من لَا يعرف الْأَحْكَام أَو يعرفهَا ويتساهل فِي الْعَمَل بمقتضاها اه. وَفِي القباب: لَا يجوز للْإنْسَان أَن يجلس فِي السُّوق حَتَّى يتَعَلَّم أَحْكَام البيع وَالشِّرَاء فَإِن علم ذَلِك حِينَئِذٍ فرض وَاجِب عَلَيْهِ، وَلَا يجوز أَن يُعْطي قراضا لمن لَا يعرف أَحْكَامه، وَلَا أَن يُوكل الذِّمِّيّ على البيع وَنَحْوه. وَلَا أَن يُشَارِكهُ إِلَّا إِذا لم يغب عَنهُ. وَالْبيع لُغَة مصدر بَاعَ الشَّيْء إِذا أخرجه عَن ملكه بعوض أَو أدخلهُ فِيهِ فَهُوَ من أَسمَاء الأضداد يُطلق على البيع وَالشِّرَاء كالقرء يُطلق على الْحيض وَالطُّهْر، لَكِن لُغَة قُرَيْش كَمَا للزناتي فِي شرح الرسَالَة اسْتِعْمَال بَاعَ إِذا أخرج وَاشْترى إِذا أَدخل. قَالَ: وَهِي أفْصح. وعَلى ذَلِك اصْطلحَ الْعلمَاء تَقْرِيبًا للفهم. وَقَالَ الْجُزُولِيّ فِي شرح الرسَالَة: إِن كل وَاحِد من المتعاوضين بَائِع لما خرج من يَده مُشْتَر لما أَخذ من يَد غَيره، واصطلح الْفُقَهَاء أَن آخذ الْعِوَض يُسمى مُشْتَريا وآخذ الْعين يَعْنِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم يُسمى بَائِعا اه. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَمَعْرِفَة حَقِيقَته ضَرُورِيَّة حَتَّى للصبيان أَي: وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف إِذْ إِنَّمَا يحْتَاج للتعريف الْأُمُور النظرية. ورده ابْن عَرَفَة بِأَن الْمَعْلُوم ضَرُورَة هُوَ وجوده عِنْد وُقُوعه لِكَثْرَة تكرره وَلَا يلْزم مِنْهُ علم حَقِيقَته ثمَّ قسمه إِلَى أَعم وَإِلَى أخص فَقَالَ: البيع الْأَعَمّ عقد مُعَاوضَة على غير مَنَافِع وَلَا مُتْعَة لَذَّة فَتخرج الْإِجَارَة والكراء وَالنِّكَاح وَتدْخل هبة الثَّوَاب وَالصرْف والمراطلة وَالسّلم ثمَّ قَالَ: وَالْغَالِب عرفا أخص مِنْهُ بِزِيَادَة ذُو مكايسة أحد عوضيه غير ذهب وَلَا فضَّة معِين غير الْعين فِيهِ فَتخرج الْأَرْبَعَة اه. وَقَوله: وَلَا يلْزم مِنْهُ علم حَقِيقَته الخ. قد يُقَال: يلْزم من وجود الْحَقِيقَة وتكرر وُقُوعه بَين يَدَيْهِ علمهَا فَتَأَمّله. وَلما ذكر الْبُرْزُليّ حد ابْن عَرَفَة واعتراضه على ابْن عبد السَّلَام وعَلى من عرفه بِأَنَّهُ دفع عوض فِي عوض، وَبِأَنَّهُ نقل الْملك بعوض قَالَ مَا نَصه: ظَاهر هَذِه الاعتراضات تدل على طلب علم حَقِيقَة الشَّيْء وماهيته فِي هَذَا الْبَاب وَغَيره مَعَ أَن حقائق الْأَشْيَاء لَا يعلمهَا إِلَّا الله فَهُوَ الْمُحِيط بهَا من جَمِيع الْجِهَات فَهُوَ الْعَالم بِمَا يصلحها وَالْمَطْلُوب فِي معرفَة الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة وَغَيرهَا إِنَّمَا هُوَ تمييزها من حَيْثُ الْجُمْلَة عَمَّا يشاركها فِي بعض حقائقها حَتَّى يخرج مِنْهَا مَا يسري إِلَى النَّفس دُخُوله مثل أَن يُقَال: مَا الانسان؟ فَيُقَال: منتصب الْقَامَة فَيحصل لَهُ تَمْيِيزه عَن بَقِيَّة الْحَيَوَانَات الَّتِي يسْرع إِلَى النَّفس دُخُولهَا فِي الْإِنْسَان لَا عَن كل حَقِيقَة لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ الْحَائِط والعمود وكل منتصب الْقَامَة، لَكِن لما كَانَ غير مَقْصُود بِهَذَا الْكَلَام وَلم يَقع الِاحْتِرَاز مِنْهُ. قَالَ بعض حذاق المنطقيين: وَهَذَا الْمَعْنى كثيرا مَا يَقع من حكماء(2/4)
الْمُتَقَدِّمين لِأَن قصدهم التَّنْبِيه على مَا يحسن بِهِ التَّمْيِيز فِي النَّفس وَلَو بِأَدْنَى خاصية فيعترض عَلَيْهِم الْمُتَأَخّرُونَ لاعتقادهم أَنهم يأْتونَ بالحقائق الَّتِي تشْتَمل على جَمِيع الذاتيات وهم لَا يقصدن ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يعلم حقائق الْأَشْيَاء إِلَّا الله سُبْحَانَهُ، فَكل من عرف البيع وَنَحْوه بِمَا عرفه بِهِ إِنَّمَا هُوَ تصور معرفَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ الْجُمْلَة لَا من جَمِيع جهاتها وَالله أعلم اه كَلَام الْبُرْزُليّ. وَبِه يسْقط اعْتِرَاض ابْن عرفه على غَيره، وَاعْتِرَاض غَيره عَلَيْهِ فِي بعض حُدُوده كاعتراض (ح) عَلَيْهِ فِي حَده الْمُتَقَدّم وَغَيره. الغرناطي: تذكر فِي الْوَثِيقَة تَسْمِيَة الْمُتَبَايعين وَمَا بِهِ يعرفان من صفاتهما وتذكر البيع وموضعه وحدوده وتذكر حُقُوقه ومرافقه وشجره وَشرب مَا لَهُ شرب وَوصف الْمَبِيع وَعدم شَرط الثنيا وَالْخيَار وَقدر الثّمن وَصفته، وَقبض البَائِع لَهُ أَو حُلُوله أَو تَأْجِيله إِلَى مُدَّة لَا تجَاوز أَرْبَعِينَ عَاما، وَمَعْرِفَة الْمُتَبَايعين بِقدر ذَلِك وحلول الْمُبْتَاع مَحل التبايع، والتبرىء من الْعُيُوب ورضا الْمُبْتَاع بِمَا حاشا الْوَظَائِف فَلَا تعقد التبرىء مِنْهَا إِلَّا بعد تَمام البيع كالثنيا وتذكر عقد الْإِشْهَاد على الْمُتَبَايعين ووصفهما بالطوع وَالصِّحَّة وَالْجَوَاز، وتضمن فِي بيع الْأَب على ابْنه الصَّغِير معرفَة صغر الابْن أَو كَونه فِي حجره بتجديد سفه أَو تَقْدِيم قَاض إِن كَانَ كَبِيرا، وَإِن بَاعَ ذَلِك لنَفسِهِ ذكرت معرفَة حَاجته، وَلَا بُد أَن تَقول فِيهِ مِمَّن يعرف أصل المَال للِابْن وابتياعه بِمَال وهبه لَهُ جَائِز، وَإِن لم تعرف الْهِبَة قبل ذَلِك وَلَا يثبت التوليج إِلَّا بِإِقْرَار المُشْتَرِي وتضمن فِي بيع الْوَصِيّ معرفَة الْإِيصَاء وَمَعْرِفَة السداد فِي الثّمن وَالْوَجْه الَّذِي يَبِيع ذَلِك لأَجله، وتضمن فِي بيع الحاضن معرفَة الحاضنة وَصغر الْمَحْضُون وفاقته وتفاهة الْمَبِيع. وَأَنه أَحَق مَا يُبَاع عَلَيْهِ، والسداد فِي الثّمن وَأَنه عشرُون دِينَارا فَأَقل ومعاينة قبض الثّمن، وتضمن فِي بيع الْوَكِيل معرفَة الْوكَالَة وَلَا بُد من مُعَاينَة الْقَبْض فِي كل من قبض لغيره كالوصي وَالْوَكِيل والحاضن، وَكَذَلِكَ قبض الْمَحْجُور نَفَقَته أَو مَالا لاختباره فِي التَّجر، وَقبض العانس صَدَاقهَا والأصم والأبكم اه. أما تَسْمِيَة الْمُتَبَايعين فَلَا بُد مِنْهَا لِأَنَّهُمَا ركنان فَإِن سقط وَاحِد مِنْهُمَا بَطل الرَّسْم، وَأما مَا يعرفان بِهِ من صفاتهما فَإِنَّمَا ذَلِك عِنْد عدم معرفتهما فَإِن سَقَطت الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف بَطل الرَّسْم كَمَا مر عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. الخ (خَ) : وَلَا على من لَا يعرف إِلَّا على عينه وَصفته وحليته، وَأما ذكر الْمَبِيع وموضعه فَلَا بُد مِنْهُ، فَإِن سقط بَطل الرَّسْم. وَأما حُدُوده فَإِن سُقُوطهَا لَا يضر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود الخ. لِأَنَّهُ قد يشْهد بالحدود غَيرهمَا فَلَا يفْسد البيع بِعَدَمِ ذكر الْحُدُود كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فِي التَّنْبِيه الثَّانِي، وَأما ذكر حُقُوقه ومرافقه فَلَا يضر سُقُوطهَا بِحَال، وَكَذَا ذكر شَجَره لِأَن ذكر الأَرْض يَتَنَاوَلهَا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: كَذَا قليب الأَرْض للْمُبْتَاع. وَأما شرب المَاء فَلَا بُد من ذكره وإلاَّ لم يدْخل إِلَّا إِن كَانَ عينا أَو بِئْرا فِي وسط الأَرْض، كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم. وَأما وصف الْمَبِيع فَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ غَائِبا عَن مَوضِع العقد، فَإِن وصف حِينَئِذٍ وإلاَّ بَطل البيع، وَأما عدم شَرط الثنيا وَالْخيَار فَلَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن الأَصْل عدم ذَلِك، وَأما قدر الثّمن فَلَا بُد من ذكره، فَإِن سقط فَيجْرِي على مَا مر عِنْد قَوْله فِي الشَّهَادَة: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك الْعدَد. وَأما قبض البَائِع لَهُ. فَلَا يضر سُقُوطه وَالْأَصْل هُوَ بَقَاؤُهُ كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين، وكما يَأْتِي فِي التَّنْبِيه الثَّالِث عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال. وَأما حُلُوله أَو تَأْجِيله فَإِنَّهُمَا إِن سقطا لم يضر، وَيحمل على الْحُلُول كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين أَيْضا، وَكَذَا حُلُول الْمُبْتَاع مَحل البَائِع لَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن(2/5)
العقد يُوجِبهُ كَمَا يَأْتِي فِي الاعتصار عِنْد قَوْله: وَحَيْثُ جَازَ الاعتصار يذكر الخ. وَكَذَا التبرىء من الْعُيُوب لِأَن الأَصْل عدم وجودهَا وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت الخ. فَرَاجعه هُنَاكَ. وَأما قَوْله: ورضا الْمُبْتَاع بِمَا حاشا الْوَظَائِف الخ. الْوَظَائِف: جمع وَظِيفَة وَهِي مَا قدر على الأَرْض من الْخراج والمغرم، فَلَا يجوز بيع الأَرْض بِشَرْط أَن يتَحَمَّل الْمُبْتَاع مَا عَلَيْهَا من المغرم وَالْخَرَاج على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَإِذا لم يجز ذَلِك فِي صلب العقد فَيجوز التَّطَوُّع بِهِ كالثنيا كَمَا يَأْتِي ذَلِك فِي فصلها إِن شَاءَ الله. وَأما قَوْله: وتذكر عقد الْإِشْهَاد على الْمُتَبَايعين الخ. فمراده أَنَّك تَقول فِي آخر الْوَثِيقَة شهد على إشهادهما بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا الخ. فَإِن لم تذكر إشهاداً لَا فِي صلب الْوَثِيقَة وَلَا فِي آخرهَا، وَإِنَّمَا قلت تشهد بِمَعْرِِفَة فلَان وَأَنه قد بَاعَ أَو ابْتَاعَ كَذَا أَو شَرط كَذَا أَو تطوع بِكَذَا فَإِن شَهَادَته لَا تجوز إِن لم يقل إِن علمه لذَلِك بإشهاد فلَان لَهُ عَلَيْهِ بِهِ إِلَّا إِن كَانَ عَالما بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وَكَانَ من أهل الْعلم والتبريز فَتجوز حِينَئِذٍ، وَيحمل على أَنه علم ذَلِك بإشهادهما كَمَا قَالَه فِي أَوَائِل هَذِه الوثائق، وَتقدم الْكَلَام على هَذَا عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن بِهِ الشَّهَادَة. وَسَيَأْتِي فِي الْحَبْس أَنه لَا بُد من الْإِشْهَاد فِي كل مَا لَيْسَ فِيهِ مُعَاوضَة، وَأما ذكر الطوع وَالْجَوَاز وَالصِّحَّة فَإِنَّهُ لَا يضر سُقُوطه لِأَنَّهُ الأَصْل وَمن ادّعى خلَافهَا فَعَلَيهِ الْبَيَان كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين حَيْثُ قَالَ: وَبيع من رشيد كَالدَّارِ ادّعى بِأَنَّهُ فِي سفه قد وَقعا ... الخ وكما تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْد قَوْله: وَقدم التَّارِيخ تَرْجِيح قبل الخ. وَأما معرفَة صغر الابْن فِي بيع الْأَب عَلَيْهِ، فَالظَّاهِر أَنه لَا يضر سُقُوطه أَيْضا لِأَن المُشْتَرِي يَدعِي صِحَة العقد بِسَبَب صغر الابْن وَالِابْن يَدعِي فَسَاده، وتقرر أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل. وكما تقدم فِي تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ أَيْضا، وَأما معرفَة حَاجَة الابْن فِي شِرَاء الْأَب مَتَاع ابْنه فَلَا بُد مِنْهَا للتُّهمَةِ كَمَا يَأْتِي فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع عِنْد قَوْله: وَفعله على السداد يحمل. الخ. وَأما معرفَة أصل مَال الابْن فَلَا يضر سُقُوطهَا كَمَا نبه عَلَيْهِ بقوله: وابتياعه بِمَال وهبه الخ. انْظُر فصل التوليج من اللامية، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَبيع من حابى من الْمَرْدُود الخ. وَأما معرفَة الْإِيصَاء وَمَعْرِفَة السداد فِي الثّمن فسقوطها مُضر كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبيع من وَصِيّ للمحجورإلا لمقْتَضى من الْمَحْظُور وَكَذَا معرفَة الحاضنة لَا بُد مِنْهَا مَعَ شُرُوط أخر تَأتي عِنْد قَوْله: وَجَاز بيع حاضن الخ. وَأما صغر الْمَحْضُون؛ فَيجْرِي فِيهِ مَا تقدم قَرِيبا، وَأما مُعَاينَة الْقَبْض فِي كل من قبض لغيره حاضناً كَانَ أَو غَيره فَلَا بُد مِنْهَا وَإِلَّا لم يبرأ الدَّافِع من الثّمن كَمَا قَالَ (خَ) فِي الْوكَالَة: وَإِن قَالَ قبضت وَتلف برىء وَلم يبرأ الْغَرِيم إِلَّا بِبَيِّنَة الخ. وَكَذَا لَا بُد من مُعَاينَة الْقَبْض فِي بيع الْأَصَم والأبكم وإلاَّ لم يبرأ الدَّافِع، وَكَذَا لَا بُد من معرفَة الْوكَالَة وَلَا بُد أَن تكون بإشهاد من الْمُوكل، وَإِلَّا لم تصح كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: ونافذ تحبيس مَا قد سكنه الخ. قَالَ: أَعنِي الغرناطي أول وثائقه: وَالْإِشْهَاد وَاجِب على كل من بَاعَ شَيْئا لغيره، فَإِن لم يشْهد ضمن اه. وَتقدم نَحْو هَذَا فِي بَاب الْيَمين عِنْد قَوْله: والبالغ السَّفِيه بَان حَقه الخ. وَأَن كل من ولي مُعَاملَة لغيره فَإِنَّهُ يحلف إِن تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين وإلاَّ غرم وَمَا ذَاك إِلَّا لعدم إشهاده.(2/6)
(وَمَا شاكلها) أَي شابهها فِي كَونه عقد مُعَاوضَة وَذَلِكَ كالمقاصة وَالْحوالَة وَالشُّفْعَة وَالْقِسْمَة وَالْإِقَالَة وَالتَّوْلِيَة والتصيير وَالسّلم، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا أدمجه النَّاظِم فِي هَذَا الْبَاب، وَفصل بَين أَنْوَاعه بالفصول دون الْأَبْوَاب، وَلَيْسَ المُرَاد بِمَا شاكلها الْفُصُول السِّتَّة الْمشَار لَهَا بقوله: أصُول أَو عرُوض أَو طَعَام. إِلَى قَوْله: أَو حَيَوَان، لِأَن هَذِه الْفُصُول السِّتَّة هِيَ الَّتِي جمعهَا أَولا بقوله الْبيُوع خلافًا ل (ت) ومتبوعه حَيْثُ أَدخل الصّرْف هَهُنَا. مَا يُسْتَجَازُ بَيْعُهُ أَقْسَامُ أصُولٌ أَوْ عُروضٌ أَوْ طَعَامُ (مَا يستجاز) أَي مَا يعد بَيْعه جَائِزا أَو مَا يُوجد بَيْعه جَائِزا، فالسين وَالتَّاء للعد أَو للإصابة والوجدان كاستحسنه واستعظمه واستغفله أَي وجده كَذَلِك أَو عده قَالَه (ت) عَن التسهيل. وَيحْتَمل أَن يَكُونَا زائدتين أَي مَا يجوز (بَيْعه) فِي نظر الشَّارِع صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ. (أَقسَام) سِتَّة (أصُول) كالدور وَالْأَرضين والبساتين والفنادق والحوانيت وَنَحْوهَا (أَو عرُوض) كالثياب وَالسِّلَاح وَنَحْوهمَا (أَو طَعَام) كالبر وَالسمن وَنَحْوهمَا من بصل وملح وَغَيرهمَا. أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ ثَمَرُ أَوْ حَيَوانٌ والْجميعُ يُذْكَرُ (أَو ذهب أَو فضَّة) بِأَن يُبَاع أَحدهمَا بصنفه وَهُوَ المراطلة أَو الْمُبَادلَة أَو أَحدهمَا بِالْآخرِ وَهُوَ الصّرْف كَمَا مر قَرِيبا. (أَو ثَمَر) كالفواكه والمقاثي والبقل، وأفردها عَن الطَّعَام لما اخْتصّت بِهِ من اشْتِرَاط بَدو الصّلاح فِي جَوَاز بيعهَا، وَغير ذَلِك. (أَو حَيَوَان) كالرقيق وَالدَّوَاب والأنعام وَالطير والوحش (والجميع) أَي: وكل وَاحِد مِنْهَا (يذكر) فِي فصل على حِدته مَعَ الْأَحْكَام المختصة بِهِ كالعيوب الْمُوجبَة للقيمة فِي الْأُصُول وَالرَّدّ فِي العهدتين فِي الرَّقِيق وَالْحَيَوَان والربا فِي النَّقْدَيْنِ والطعامين وَنَحْو ذَلِك، فَهَذِهِ فَائِدَة تَقْسِيم المبيعات إِلَى الْأَقْسَام السِّتَّة الْمَذْكُورَة، ثمَّ إِن أصل البيع الْجَوَاز إِجْمَاعًا لقَوْله تَعَالَى: وَأحل الله البيع} (الْبَقَرَة: 275) وَقد يعرض لَهُ الْوُجُوب كمن اضْطر لشراء طَعَام أَو شراب الْمشَار لَهُ بقول (خَ) فِي الزَّكَاة: وَترك مواساة وَجَبت وَفضل طَعَام أَو شراب لمضطر وَعمد وخشب فَيَقَع الْجِدَار وَله الثّمن إِن وجد الخ. وَالنَّدْب كمن أقسم على إِنْسَان(2/7)
أَن يَبِيع لَهُ سلْعَته لَا ضَرُورَة عَلَيْهِ فِي بيعهَا فَينْدب إِلَى إجَابَته لِأَن إبرار الْمقسم فِيمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرُورَة مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَالْكَرَاهَة كَبيع الهر والسبع لَا لجلده وَالتَّحْرِيم كالبيوع الْمنْهِي عَنْهَا قَالَه (ح) . وأركانه خَمْسَة. المتعاقدان وَالثمن والمثمن والصيغة. وَهِي رَاجِعَة إِلَى ثَلَاثَة: الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ والصيغة. وَلكُل شُرُوط. فالصيغة هِيَ كَمَا قَالَ (خَ) : مَا يدل على الرِّضَا وَإِن بمعاطاة بِأَن يُعْطِيهِ المُشْتَرِي الثّمن وَيُعْطِيه البَائِع الْمُثمن من غير لفظ، وَانْظُر إِذا ادّعى أَحدهمَا الْهزْل فِي البيع عِنْد قَول النَّاظِم: وَالْخلف فِي مُطلق هزلا الخ. وَأما الْعَاقِد؛ فَشرط صِحَة عقده التَّمْيِيز وَشرط لُزُومه التَّكْلِيف كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَأما الْمَعْقُود عَلَيْهِ فشرطه كَمَا فِي (خَ) وَغَيره الطهاره وَالِانْتِفَاع بِهِ وَالْقُدْرَة على تَسْلِيمه وَعدم جهل بمثمن أَو ثمن إِلَى غير ذَلِك، وَلم يتَعَرَّض النَّاظِم لهَذِهِ الْأَركان وَلَا لشروطها إِلَّا مَا ذكره من بعض شُرُوط الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي قَوْله: وتحبس صفقته محظورة. وَمن شُرُوط الْعَاقِد فِي قَوْله فِي بيع الْأُصُول: مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال. فرع: يجوز شِرَاء الملاحة وَإِن كَانَ مَا يخرج مِنْهَا مَجْهُول الْقدر وَالصّفة، لِأَن ذَلِك فِي مُقَابلَة رفع الْيَد عَنْهَا، وَكَذَا يجوز أَخذ شَيْء من الدَّرَاهِم وَنَحْوهَا فِي مُقَابلَة إِبَاحَة صيد من بركَة مَاء أَو وَاد وَنَحْوهمَا قَالَه (ز) عِنْد قَول الْمَتْن فِي السّلم لَا فِيمَا يُمكن وَصفه كتراب الْمَعْدن الخ. قلت: وَفِي الْمواق عِنْد قَول المُصَنّف: وَجَاز سُؤال الْبَعْض ليكف عَن الزِّيَادَة أَنه يجوز للْإنْسَان أَن يَقُول لآخر: كف عني وَلَك دِينَار وَيلْزمهُ الدِّينَار اشْترى أم لَا. وَمن هَذَا الْمَعْنى بيع الجلسة وَالْجَزَاء الَّذِي جرى بِهِ عمل الْمُتَأَخِّرين الْمشَار لَهُ بقول ناظم الْعَمَل: وَهَكَذَا الجلسة وَالْجَزَاء الخ. انْظُر شَرحه. تَنْبِيهَات. الأول: من الْجَهْل فِي الثّمن جمع الرجلَيْن سلعتهما فِي البيع لِأَن ذَلِك من الْجَهْل فِي التَّفْصِيل كَمَا فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَلَو تَفْصِيلًا الخ. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَلَو جهل كعبدين لِرجلَيْنِ بِثمن وَاحِد فالأشهر الْمَنْع وَفسخ إِن نزل فَإِن فَاتَ مضى بِالثّمن مفضوضاً على الْقيمَة، فَإِن سميا لكل ثمنا أَو قوما أَو دخلا على التَّسَاوِي قبل التَّقْوِيم أَو بعده جَازَ اه. وَنَحْوه فِي شرَّاح الْمَتْن. قلت: من هُنَا يعلم أَن قَوْلهم: وَلَا يجوز التَّمَسُّك بِأَقَلّ اسْتحق أَكْثَره أَو عيب أَكْثَره لِأَنَّهُ من التَّمَسُّك بِثمن مَجْهُول الخ. مَعْنَاهُ أَنه لما اسْتحق الْأَكْثَر أَو عيب انْتقض البيع فِيهِ، والأقل تَابع فَلَا يجوز التَّمَسُّك قبل أَن يعلم مَا يَنُوب الْبَاقِي من الثّمن، فَإِن كَانَ التَّمَسُّك بعد التَّقْوِيم صَحَّ لما مر من أَن للرجلين أَن يجمعا سلعتهما فِي البيع بعد التَّقْوِيم فالتمسك عقد ثَان، وَبِهَذَا يَنْتَفِي الْإِشْكَال وَهُوَ أَنه لَا يعْمل الْأَكْثَر من الْأَقَل إِلَّا بالتقويم، وَإِذا قوِّم فَيجوز التَّمَسُّك فَمَا وَجه الْمَنْع؟ وَالْجَوَاب: أَن العلّة وَهِي الْجَهْل بِالثّمن سَابِقَة على التَّمَسُّك ضَرُورَة إِن كل عِلّة سَابِقَة على معلولها فحرمة التَّمَسُّك إِنَّمَا هِيَ للْجَهْل وَلَا يَقع إِلَّا قبل التَّقْوِيم بِأَن يقطع ابْتِدَاء بِأَن هَذَا(2/8)
الْمُسْتَحق هُوَ الْأَكْثَر أَو الْمَعِيب، فيتمسك بِالْأَقَلِّ قبل أَن يعرف مَا ينوبه، وَأما بعد التَّقْوِيم فَلم يتَمَسَّك إِلَّا بعد مَعْرفَته لما ينوبه، وَبِالْجُمْلَةِ فالتمسك بِالْأَقَلِّ بعد التَّقْوِيم لَا يكون إِلَّا برضاهما لِأَن الْفَرْض أَن العقد قد انْفَسَخ وَيبعد كل الْبعد أَن يمْنَع التَّمَسُّك بعد التَّقْوِيم بِمَا ينوبه إِذْ لَو منع ذَلِك لمنع بَيْعه بيعا مستأنفاً وَهُوَ لَا يَقُوله أحد، وَأما إِن اسْتحق الْأَقَل أَو عيب، فَإِن البيع لَا ينْقض فِي الْأَكْثَر والأقل تَابع لَهُ فَلَا يَنْفَسِخ العقد فالتمسك بِهِ قبل التَّقْوِيم غير مَمْنُوع لقلَّة الْغرَر فِيهِ هَذَا هُوَ التَّحْرِير فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالله أعلم. وَقد نَص شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة: وَبِمَا يَخُصُّهُ إِن صَاحب غَيره الخ. على أَن التَّمَسُّك بِأَقَلّ بعد التَّقْوِيم جَائِز، وَقَالُوا أَيْضا عِنْد قَوْله فِي الشُّفْعَة: وَإِن اتّحدت الصَّفْقَة وتعددت الحصص الخ. أَن حُرْمَة التَّمَسُّك بِأَقَلّ إِنَّمَا هُوَ إِذا تمسك قبل التَّقْوِيم وَالله أعلم. الثَّانِي: من اشْترى ملكا وَقَالَ فِي عقد شِرَائِهِ: يحده قبْلَة فلَان وجنوباً فلَان وشرقاً فلَان، وَاخْتلف المُشْتَرِي مَعَ جِيرَانه فَالْحكم فِي ذَلِك أَنه إِن خالفهم البَائِع وَالْمُشْتَرِي مَعًا فَالْبيع صَحِيح وَيجْرِي مَا اسْتحق من تِلْكَ الْحُدُود على حكم الِاسْتِحْقَاق إِذا حكم بِهِ، وَالَّذِي يُخَاصم هُوَ المُشْتَرِي إِلَّا أَن يسلم بَيِّنَة الِاسْتِحْقَاق من أول الْأَمر فيخاصم البَائِع حِينَئِذٍ كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية، وَإِن صدقهم البَائِع وَخَالفهُم المُشْتَرِي فَلَا كَلَام للْبَائِع وَلَا شَهَادَة لَهُ، وَلَكِن ينظر فَإِن علم مَا عمره كل وَاحِد مِنْهُم من تِلْكَ الْحُدُود فَالْقَوْل للحائز مَعَ يَمِينه، وَإِلَّا تحَالفا وَقسم بَينهمَا، إِن البيع لَا يُفْسِدهُ إِدْخَال البَائِع غير ملكه فِي الْمَبِيع عِنْد تحديده لِأَن غَرَضه أَن مبيعه لم يخرج عَن تِلْكَ الْحُدُود لَا أَنه ملك جَمِيع محدوده وَالله أعلم. قَالَه بعض الموثقين يَعْنِي: وَلَكِن المُشْتَرِي إِن كَانَ يعْتَقد أَنه يملك الْجَمِيع فَالْقَوْل لَهُ وَيُخَير وَالله أعلم، وَيصدق فِي أَنه كَانَ يعْتَقد ذَلِك إِذْ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله. الثَّالِث: لَا بُد من تَسْمِيَة الْخط الْمشَاع وَبَيَان قدره وإلاَّ فسد البيع لِأَنَّهُ مَجْهُول كَمَا فِي نَوَازِل العلمي وَابْن سَلمُون، وَبِه تعلم فَسَاد مَا يَقع كثيرا من بيع بعض الْوَرَثَة نصِيبه فِي الْمِيرَاث من غير بَيَان قدره، وَلَا سِيمَا مَعَ تناسخ الوراثات وَهُوَ لَا يعرف ضرب الْحساب فَإِنَّهُ يصدق مدعي جَهله من الْمُتَعَاقدين وَيفْسخ البيع، وَلَو نَص فِي الْوَثِيقَة على أَنَّهُمَا عرفا قدره إِذْ لَا تمكنه مَعْرفَته إِلَّا بِضَرْب حِسَاب، وَالْفَرْض أَنه لَا يعرفهُ. وَمَا ذكره ابْن رشد وَغَيره من أَن الموثق إِذا نَص فِي الْوَثِيقَة على معرفتهما بِقدر الْمَبِيع لَا يصدق مدعي الْجَهْل مِنْهُمَا وَلَا يَمِين لَهُ على صَاحبه إِنَّمَا ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مثله مِمَّن يعرف قدر الْمَبِيع، وَبِالْجُمْلَةِ إِذا سقط من الْوَثِيقَة معرفَة الْقدر فَإِنَّهُمَا يحْملَانِ على الْمعرفَة لِأَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة مَا لم تكن قرينَة تدل على صدق مدعي الْجَهْل كَبيع جَمِيع النَّصِيب فِي الوراثة وَهُوَ لَا يعرف الْحساب، فَإِنَّهُ يصدق فِي ذَلِك وَلَو كتب الموثق معرفَة الْقدر لِأَن شَاهد الْحَال يكذبهُ. وَقد بسطنا الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي حاشيتنا على (ز) وعَلى مثل هَذِه الْمَسْأَلَة يحمل قَول شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَالْقَوْل قَول زَوْجَة فِي عدم الْقَبْض للصداق بعد الْقسم مَا نَصه: إِن قَول الموثق عرفا قدره جَار مجْرى التلفيق الخ. لَا أَنه من التلفيق مُطلقًا وَإِلَّا لم يقف عقد على سَاق، وَفِي جَوَاب للقوري نَقله العلمي: أَنه من لَا يعْمل بِمُقْتَضى المسطرة(2/9)
والتلفيق إِلَّا فِي الموثق الَّذِي عرف مِنْهُ أَنه لَا يقدر معرفَة الْقدر على الْمُتَبَايعين. فرع: قَالَ (ح) عَن ابْن فَرِحُونَ: المتعاقدان محمولان على الْمعرفَة حَتَّى يثبت الْجَهْل، وعَلى جَوَاز الْأَمر حَتَّى يثبت السَّفه، وعَلى الرِّضَا حَتَّى يثبت الْإِكْرَاه وعَلى الصِّحَّة حَتَّى يثبت السقم، وعَلى الملاء حَتَّى يثبت الْفقر، وعَلى الْحُرِّيَّة حَتَّى يثبت الرّقّ، وعَلى الْإِسْلَام حَتَّى يثبت الْكفْر، وعَلى الْعَدَالَة حَتَّى يثبت الْجرْح، وَالْغَائِب مَحْمُول على الْحَيَاة حَتَّى يثبت الْمَوْت قَالَ (خَ) : وَمَا قَالَه ظَاهر إِلَّا مَا قَالَه فِي مَسْأَلَة الْعَدَالَة فَالْمَشْهُور الْعَكْس. والبَيْعُ والشَّرْطُ الْحَلالُ إنْ وَقَعْ مُؤَثِّراً فِي ثَمَنٍ مِمَّا امْتَنَعْ (وَالْبيع) مُبْتَدأ (وَالشّرط) مَعْطُوف عَلَيْهِ لَا مَنْصُوب على الْمَعِيَّة لفقد الْجُمْلَة قبله (الْحَلَال) نعت (إِن وَقع) ذَلِك الشَّرْط حَال كَونه (مؤثراً) جهلا (فِي ثمن مِمَّا امْتنع) خبر الْمُبْتَدَأ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمِثَال مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم أَن يشْتَرط البَائِع على المُشْتَرِي أَن لَا يَبِيع ذَلِك الشَّيْء الْمَبِيع وَلَا يَهبهُ فَنَفْس الشَّرْط، وَهُوَ كَون المُشْتَرِي يتَمَسَّك بِمَا اشْترى وَلَا يَبِيعهُ وَلَا يَهبهُ حَلَال جَائِز، وَاشْتِرَاط الدُّخُول عَلَيْهِ مَمْنُوع لِأَنَّهُ يُؤثر فِي الثّمن جهلا إِذْ البيع على هَذَا الْوَجْه لَا يَخْلُو عَن نقص فِي الثّمن غَالِبا لَو لم يكن ذَلِك الشَّرْط، وَمِقْدَار مَا انْتقصَ من الثّمن لأجل الشَّرْط الْمَذْكُور مَجْهُول وَفِيه عِلّة أُخْرَى للْمَنْع وَهِي كَون ذَلِك الْمُؤثر من بَاب اشْتِرَاط مَا يُوجب الحكم خِلَافه لِأَن الحكم يُوجب جَوَاز تصرف المُشْتَرِي فِي مشتراه على أَي وَجه شَاءَ، فالتحجير عَلَيْهِ بِأَن لَا يَبِيع وَلَا يهب شَرط مُنَاقض لمقْتَضى عقد البيع فَيفْسد البيع بِهِ، وعَلى هَذِه الْعلَّة اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: وكبيع وَشرط يُنَاقض الْمَقْصُود كَأَن لَا يَبِيع الخ. وَهِي أظهر لِئَلَّا يرد علينا اشْتِرَاط الرَّهْن والحميل فَإِنَّهُ مُؤثر جهلا مَعَ أَنه جَائِز كَمَا يَأْتِي، وَمثل اشْتِرَاطه أَن لَا يَبِيع اشْتِرَاطه أَن لَا يُخرجهَا من الْبَلَد أَو لَا يجيزها الْبَحْر أَو على أَن يتَّخذ الْجَارِيَة أم ولد أَو على أَن يعْزل عَنْهَا أَو على أَنه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا بِالثّمن الَّذِي تبَاع بِهِ، أَو الَّذِي بَاعهَا بِهِ الْآن كَمَا يَأْتِي فِي فصل الْإِقَالَة، فَكل ذَلِك مِمَّا يُؤثر فِي الثّمن جهلا. وَمن الشَّرْط المناقض كَمَا مرّ. وَهَذَا إِذا اشْترط أَن لَا يَبِيعهُ عُمُوما أَو إلاَّ من نفر قَلِيل، وَأما على أَن لَا يَبِيع من شخص معِين أَو من بني فلَان وهم قَلِيلُونَ فَيجوز، وَإِذا وَقع شَيْء من هَذِه الشُّرُوط فَيفْسخ البيع إلاَّ أَن يسْقط ذُو الشَّرْط شَرطه فَيصح كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ إِن حذف شَرط السّلف أَو حذف شَرط كالتدبير، وَهَذَا إِذا لم يفت(2/10)
وإلاَّ فقد قَالَ أَيْضا: وَفِيه إِن فَاتَ أَكثر الثّمن وَالْقيمَة. وَقَالَ أَيْضا: وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه، وَظَاهره: وَلَو كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِالْفَسَادِ وَهُوَ كَذَلِك انْظُر مَا يَأْتِي فِي الْحَبْس عِنْد قَوْله: وَمن يَبِيع مَا عَلَيْهِ حبسا الخ. وَهَذَا كُله إِذا كَانَ التحجير فِي مَسْأَلَة أَن لَا يَبِيع من البَائِع على المُشْتَرِي، وَأما الْعَكْس فقد قَالَ ابْن رشد فِي مَسْأَلَة الْأَنْكِحَة من أجوبته: لَو اشْترى رجل من رجل نصف بقْعَة على أَن لَا يقسمها مَعَه وَلَا يَبِيعهَا ويشتركان فِي حرثها لوَجَبَ أَن يجوز البيع وَيبْطل الشَّرْط وَلَا يفْسد البيع بالتحجير على البَائِع اه. وَنَقله الْبُرْزُليّ فَظَاهره أَن الشَّرْط بَاطِل فِي هَذِه وَلَو تمسك بِهِ المُشْتَرِي، وَلَا تتَوَقَّف صِحَة البيع على إِسْقَاط المُشْتَرِي شَرطه. وكلُّ مَا لَيْسَ لَهُ تَأثيرُ فِي ثَمَنٍ جَوَازُهُ مَأْثورُ (وكل مَا) أَي شَرط (لَيْسَ لَهُ تَأْثِير فِي) جهل (ثمن) كَشَرط رهن أَو حميل أَو كَون الثّمن إِلَى أجل مَعْلُوم غير بعيد جدا (جَوَازه) مُبْتَدأ ثَان خَبره (مأثور) وَالْجُمْلَة خبر الأول أَي: مَرْوِيّ صَحِيح، ويشمل كَلَامه مَا يَقْتَضِيهِ العقد كَشَرط تَسْلِيم الْمَبِيع وَالرُّجُوع بدرك الْعَيْب والاستحقاق فَإِن اشْتِرَاط ذَلِك مُؤَكد. فَإِن قلت: شَرط الْأَجَل مِمَّا يزِيد فِي الثّمن وَشرط الرَّهْن والحميل مِمَّا ينقص مِنْهُ وَمِقْدَار الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَجْهُول. قلت: شَرط أَن لَا يَبِيع وَنَحْوه لَا يعود بمصلحة على أَحدهمَا، بل بمضرة على المُشْتَرِي بِخِلَاف الْحميل وَالرَّهْن وَالْأَجَل، فَإِن لكل مِنْهُمَا فِيهِ مصلحَة من توثق وَنقص فِي الثّمن وزيادته وَلَا ترد علينا مَسْأَلَة إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا بِالثّمن لِأَن فِيهَا تحجيراً أَو نفعا لِأَن النَّفْع الَّذِي للْبَائِع فِي الشَّرْط الْمَذْكُور غير مُحَقّق لِأَن السّلْعَة قد تؤول إِلَى رخص فيبيعها المُشْتَرِي بِأَقَلّ من الثّمن الأول، فَإِذا أَخذهَا البَائِع بِالثّمن الأول لم يكن لَهُ نفع والنفع الْغَيْر الْمُحَقق كلا نفع وَأَحْرَى لَو كَانَ على أَن يَأْخُذهَا بِمَا بِيعَتْ بِهِ، إِذْ لَا يدْرِي بِأَيّ ثمن تبَاع، وَأما مَسْأَلَة اشْتِرَاط السّلف فِي البيع وَلَو ضمنا كَبَيْعِهِ مِمَّن لَهُ عَلَيْهِ دين على شَرط أَن ينقده الثّمن وَلَا يقاصه بِهِ مَعَ حُلُول دينه، فالمنع فِيهَا لَيْسَ لخُصُوص التَّأْثِير فِي الثّمن، بل لما فِيهَا من الرِّبَا لِأَن المسلف ينْتَفع على سلفه بِنَقص الثّمن أَو زِيَادَته وَذَلِكَ عين الرِّبَا، وَلذَا كَانَ يظْهر لنا نقص فِي قَول (خَ) : أَو يخل بِالثّمن كَبيع وَسلف الخ. وَأَن حَقه أَن يَقُول: أَو يخل بِالثّمن وَفِيه رَبًّا كَبيع وَسلف لتخرج مَسْأَلَة الْأَجَل وَمَا مَعهَا لِأَنَّهَا تخل بِالثّمن، وَلَكِن لَا رَبًّا فِيهَا بل فِيهَا مصلحَة لِأَن هَذَا انْتفع بالأجل وَالْآخر انْتفع بِزِيَادَة فِي الثّمن أَو التَّوَثُّق. وَلذَا ورد الشَّرْع بجوازها هَذَا مَا ظهر لي فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل وَالله أعلم. فَلَو قَالَ النَّاظِم:(2/11)
وَالْبيع وَالشّرط الْمنَافِي إِن وَقع لما من التحجير ذَا فِيهِ امْتنع وكل مَا لَيْسَ فِيهِ تحجير وَلَا رَبًّا جَوَازه مأثور لتنزل على مَا ذكرنَا. وَالشَّرْطُ إنْ كانَ حَرَاماً بَطَلاَ بهِ المبيعُ مُطْلَقاً إنْ جُعِلا (وَالشّرط إِن كَانَ حَرَامًا) كَشَرط عدم منع الْجَارِيَة الرفيعة من الدُّخُول وَالْخُرُوج أَو شَرط أَنَّهَا مغنية وَقصد بذلك الزِّيَادَة فِي الثّمن بِإِقْرَار أَو بَيِّنَة لَا أَن قَالَ: قصدت بذلك التبرىء من عيب الْغناء أَو شَرط الْخِيَار إِلَى أمد بعيد لَا يجوز مثله فِي تِلْكَ السّلْعَة، أَو بيع الدَّار على شَرط أَن تكون مجمعا لأهل الْفساد أَو بَاعهَا على شَرط أجل مَجْهُول كَقَوْلِه: لَا نؤديك الثّمن حَتَّى تبيع سلعتك أَو أَشْتَرِي سلْعَة بِثمن مُؤَجل على أَنه إِن مَاتَ فالثمن صَدَقَة عَلَيْهِ، أَو اشْترِي جَارِيَة على أَنه إِن وَطئهَا فَهِيَ حرَّة أَو عَلَيْهِ دِينَار أَو بَاعَ الدَّابَّة وَنَحْوهَا على شَرط الْحمل، أَو بَاعَ الثَّوْب على شَرط أَن لَا يقلبه وَلَا ينشره أَو على أَنه بِعشْرَة نَقْدا أَو أَكثر لأجل بِشَرْط الْإِلْزَام، وَهِي مَسْأَلَة بيعَتَيْنِ فِي بيعَة، أَو يَبِيعهُ على أَن يُعْطِيهِ شَيْئا من الثّمن وَيشْتَرط على المُشْتَرِي أَنه إِن كره البيع لم يعد إِلَيْهِ مَا دَفعه، وَإِن أحبه حاسب بِهِ من الثّمن وَهِي مَسْأَلَة بيع العربان وتصويرهم لَهَا يدل على أَن البيع وَقع على الْخِيَار كَمَا ترى، وَهُوَ نَص الْمُتَيْطِيَّة. وَأما إِن كَانَ على اللُّزُوم وَيدْفَع بعض الثّمن وَيتْرك السّلْعَة تَحت يَد البَائِع حَتَّى يكمل لَهُ، فَهَذَا لَا يمْنَع وَهُوَ الْوَاقِع فِي زمننا كثيرا فَإِذا لم يرجع المُشْتَرِي فَهُوَ ظَالِم فيرفع البَائِع أمره إِلَى الْحَاكِم فيبيع السّلْعَة ويقبضه بَقِيَّة ثمنهَا بعد أَن يثبت الشِّرَاء على الْحُلُول وغيبة المُشْتَرِي ويتبعه بِالْبَاقِي إِن لم يوف مَتى لقِيه أَو اشْتَرَاهُ على شَرط أَن البَائِع إِذا أَتَاهُ بِالثّمن فالمبيع مَرْدُود عَلَيْهِ وَهِي مَسْأَلَة الثنيا، وَسَتَأْتِي. فَهَذَا كُله مِمَّا يدْخل فِي النّظم فَإِذا وَقع شَيْء من ذَلِك (بطلا بِهِ الْمَبِيع) بِمَعْنى البيع فَهُوَ من إِطْلَاق الْمَفْعُول وَإِرَادَة الْمصدر كالمفتون بِمَعْنى الْفِتْنَة، وَتقدم نَظِير ذَلِك قبيل بَاب الْيَمين (مُطلقًا) حذف الشَّرْط أم لَا أثر فِي الثّمن خللاً أم لَا. وَإِن كَانَ الشَّرْط من حَيْثُ هُوَ فِي الْحَقِيقَة لَا يَخْلُو عَن تَأْثِير لِأَنَّهُ إِن كَانَ من البَائِع أثر الزِّيَادَة، وَإِن كَانَ من المُشْتَرِي أثر النُّقْصَان، وَلَا يقْصد الْمُتَبَايعَانِ فِي الْغَالِب، إِلَى اشْتِرَاط مَا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ نقص أَو زِيَادَة وَالله أعلم. (إِن جعلا) أَي وَقع وَقد تحصل مِمَّا مرّ أَن الشَّرْط الْحَرَام يبطل مَعَه البيع وَلَو حذف، وَالشّرط الْمنَافِي للمقصود وَشرط السّلف فِي البيع يبطل مَعَه البيع مَا لم يحذف الشَّرْط، وَإِذا بَطل فَيرد وَلَا غلَّة تصحبه، وَلَو علم المُشْتَرِي بِالْفَسَادِ(2/12)
كَمَا يَأْتِي فِي الْحَبْس وَالشّرط الْحَلَال الَّذِي لَا يُنَافِي العقد بل يعود عَلَيْهِ بمصلحة كَالرَّهْنِ وَنَحْوه يَصح فِيهِ البيع وَالشّرط؛ فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام وَبَقِي قسم رَابِع فَيصح فِيهِ البيع وَيبْطل الشَّرْط وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي التَّنَاوُل بقوله: وَالْعَبْد ثِيَاب مهنته. وَهل يُوفي بِشَرْط عدمهَا وَهُوَ الْأَظْهر أَو لَا. كمشترط زَكَاة مَا لم يطب وَأَن لَا عُهْدَة أَي إِسْلَام من عيب أَو اسْتِحْقَاق أَو لَا مواضعة أَو لَا جَائِحَة، أَو إِن لم يَأْتِ بِالثّمن لكذا فَلَا بيع الخ. أَي: فَالْبيع فِي ذَلِك كُله صَحِيح وَالشّرط بَاطِل، وَمعنى الْأَخير مِنْهَا مَا قَالَه أَبُو الْحسن فِي شرح خلع الْمُدَوَّنَة عِنْد قَوْلهَا: أَو الْوَعْد إِن ورطها. قَالَ: يقوم مِنْهَا أَن من بَاعَ سلْعَة بِشَرْط أَن لَا ينْعَقد البيع إِلَّا عِنْد دفع الثّمن أَن ذَلِك جَائِز كَمَا قَالَ فِي الْخلْع بِخِلَاف مَا إِذا انْعَقَد البيع بَينهمَا، ثمَّ قَالَ: إِن لم تأت بِالثّمن لكذا فَلَا بيع؛ فَهَذَا يبطل فِيهِ الشَّرْط وَيصِح فِيهِ البيع اه. ابْن عَرَفَة: وَالْبيع بِشَرْط أَن لَا يَبِيع إِن لم ينْعَقد إِلَى أجل قريب فِي فَسخه وَتَمَامه بِشَرْطِهِ تَمَامه بإبطاله. رَابِعهَا: يُوقف المُشْتَرِي إِن نقد مضى وَإِلَّا رد ثمَّ قَالَ فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة مِنْهَا لمَالِك: من اشْترى سلْعَة على أَن لم ينْقد ثمنهَا إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام، وَفِي مَوضِع آخر إِلَى عشرَة أَيَّام، فَلَا بيع بَيْننَا لَا يُعجبنِي البيع على هَذَا فَإِن نزل جَازَ البيع وَبَطل الشِّرَاء اه. وَضَمان السّلْعَة وَإِن كَانَت حَيَوَانا من البَائِع حَتَّى يقبضهَا الْمُبْتَاع بِخِلَاف البيع الصَّحِيح تحبس فِيهِ بِالثّمن، فَإِن هلاكها من الْمُبْتَاع بعد عقده البيع اه كَلَامه. فَظَاهره أَن السّلْعَة إِذا هَلَكت قبل قبضهَا فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة فَإِن ضَمَانهَا من الْمُبْتَاع لحكمه لصِحَّة البيع فِيهَا على هَذَا القَوْل، وَلَا معنى للصِّحَّة إِلَّا تَرْتِيب آثارها عَلَيْهَا وَغَيره فَتَأَمّله وَالله أعلم. تَنْبِيه: بيع الْجَارِيَة لمن يعلم أَنه يسامحها فِي الزِّنَا وَلَا يمْنَعهَا الدُّخُول وَالْخُرُوج مَمْنُوع، وَإِن لم يشْتَرط البَائِع ذَلِك عَلَيْهِ، وَكَذَا بيع الْعِنَب لمن يعصرها خمرًا وَبيع السِّلَاح من الْكَفَرَة وعصاة الْإِسْلَام وَغير ذَلِك من كل مَا يتَأَذَّى بِهِ مُسلم، وَكَذَا بيع الدَّار لمن يعلم أَنه يتخذها مجمعا لأهل(2/13)
الْفساد وَإِن لم يشْتَرط عَلَيْهِ أَن يتخذها أَو يتخذها كَنِيسَة، وَكَذَا الْخَشَبَة لمن يتخذها صليباً والنحاس لمن يَتَّخِذهُ ناقوساً وكل شَيْء يعلم أَن المُشْتَرِي قصد بِهِ أمرا لَا يجوز. وَلما ذكر أَنه لَا يجوز اجْتِمَاع البيع مَعَ الشَّرْط الْحَرَام أَو الْمنَافِي للمقصود ذكر أَنه لَا يجوز أَيْضا اجتماعه مَعَ شَيْء من عُقُود سِتَّة فَقَالَ: وَجَمْعُ بَيْعٍ مَعَ شَرْكةٍ وَمَعْ صَرْفٍ وَجُعْل وَنِكاحٍ امْتَنعْ وَمَعْ مُسَاقَاةٍ وَمَعْ قِرَاضِ وَأَشْهَبُ الجَوازُ عَنْهُ مَاضِ أَي: لَا يجوز اجْتِمَاع البيع مَعَ وَاحِد من هَذِه الْعُقُود السِّتَّة خلافًا لأَشْهَب لتنافي أَحْكَامهَا لِأَن حكم الصّرْف المناجزة، وَيجوز فِي البيع التَّأْخِير والمناجزة، وَإِذا اسْتحقَّت السّلْعَة الْمَبِيعَة مَعَ الصّرْف لم يجز التَّمَسُّك بِالصرْفِ، وَلَا يجوز الْخِيَار فِي الصّرْف، وَيجوز فِي البيع وَيجوز التَّصْدِيق فِي البيع وَلَا يجوز فِي الصّرْف. وَأما الْجعل؛ فَحكمه عدم اللُّزُوم بِخِلَاف البيع وَلَا يكون فِي الْجعل أجل بِخِلَاف البيع والجعل على الْأَمَانَة بِخِلَاف البيع، وَيجوز فِيهِ الْغرَر الْمُنْفَرد بِهِ بِخِلَاف البيع. وَأما النِّكَاح؛ فعلة عدم اجتماعه أَيْضا مَعَ البيع أَن النِّكَاح على المكارمة وَالْبيع على المكايسة، وَيجوز أَن لَا يدْخل بِالْمَرْأَةِ إِلَى سنة لموجب من صغر وَنَحْوه، وَلَا يجوز تَأْخِير الْقَبْض فِي الْمَبِيع الْمعِين الْحَاضِر. وَأما الْمُسَاقَاة فَلِأَنَّهُ يجوز فِيهَا الْغرَر دون البيع وفيهَا بيع التمرة قبل الطّيب، وَلَا يجوز ذَلِك فِي البيع وَهِي مُسْتَثْنَاة من الْإِجَارَة المجهولة وَالْبيع أصل فِي نَفسه. وَأما الشّركَة؛ فَلِأَنَّهَا على الْأَمَانَة وَلَا كَذَلِك البيع، وَيجوز فِيهِ الْأَجَل دون الشّركَة فَلَا تكون إِلَى أجل. وَأما الْقَرَاض؛ فَلِأَنَّهُ على الْأَمَانَة دون البيع وَهُوَ مُسْتَثْنى من الْإِجَارَة المجهولة بِخِلَاف البيع فَهُوَ أصل فِي نَفسه. هَذَا معنى تنَافِي الْأَحْكَام، وَوجه قَول أَشهب بِجَوَاز اجْتِمَاع هَذِه الْعُقُود أَنه لما جَازَ كل عقد على انْفِرَاده جَازَ مجتمعاً. ابْن الْحَاج: من اشْترى نصف كرم وَاشْترط على البَائِع زِيَادَة فِي الْغَرْس والتزريب لَا يجوز لِأَن المغارسة من نَاحيَة الْجمل قارنها بيع فَلَا يجوز اجْتِمَاعهمَا، فَإِن فَاتَت وَجب تصحيحها بِالْقيمَةِ فِي نصف الْكَرم يَوْم الْقَبْض على الْمُبْتَاع وغراسه لَهُ، وللمبتاع قيمَة الْغَرْس فِي النّصْف الآخر على البَائِع قَائِما يَوْم الحكم على حَاله اه من الْبُرْزُليّ. الْقَرَافِيّ: ويجمعها قَوْلك: جص مشنق ونظمها بَعضهم فَقَالَ: عُقُود منعناها مَعَ البيع سِتَّة ويجمعها فِي اللَّفْظ جص مشنق(2/14)
فَجعل وَصرف وَالْمُسَاقَاة شركَة نِكَاح قِرَاض منع هَذَا مُحَقّق وَزَاد أَبُو الْحسن الْقَرْض أَي السّلف، فَلَا يجْتَمع مَعَ البيع، وَيُمكن أَن يكون اسْتغنى عَنهُ النَّاظِم بِدُخُولِهِ فِيمَا قبله من الشَّرْط الْحَرَام، وكما لَا يجْتَمع البيع مَعَ وَاحِد من هَذِه السَّبع بِزِيَادَة الْقَرْض، كَذَلِك لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد لافتراق أَحْكَامهَا كَمَا عَلمته مِمَّا مرّ أَيْضا، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن يُقَال: ثَمَانِيَة عُقُود لَا يجْتَمع اثْنَان مِنْهَا فِي عقد وَاحِد ونظمها (ح) فَقَالَ: عُقُود منعن اثْنَيْنِ مِنْهَا بعقدة لكَون مَعَانِيهَا مَعًا تتفرق فَجعل وَصرف وَالْمُسَاقَاة شركَة نِكَاح قِرَاض قرض بيع مُحَقّق قَالَ: وقرض يقْرَأ بِغَيْر تَنْوِين ومعاً بِمَعْنى جَمِيعًا. قلت: وكما لَا يجْتَمع الصّرْف مَعَ وَاحِد مِمَّا ذكر كَذَلِك لَا يجْتَمع مَعَ الْهِبَة. الْبُرْزُليّ: وَكَذَا لَا يجْتَمع بيع الْخِيَار وَبيع الْبَتّ وَلَا بيع السّلم وَبيع النَّقْد قَالَ: وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَه وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَه (ونجس) بِفَتْح الْجِيم أَي عين النَّجَاسَة كالميتة وجلدها وَلَو دبغ أَو مُتَنَجّس لَا يقبل التَّطْهِير كالزيت الْمُتَنَجس وَنَحْوه من سَائِر الْمَائِعَات الَّتِي حلتها النَّجَاسَة (صفقته محظورة) أَي مَمْنُوعَة على الْمَشْهُور، وَقيل: بِجَوَاز بَيْعه وَهِي رِوَايَة ابْن وهب انْظُر شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَالْغسْل بالصابون قد صنعه الخ. وَأما الْمُتَنَجس الَّذِي يقبل التَّطْهِير كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجس فَيجوز بَيْعه مَعَ الْبَيَان إِن كَانَ جَدِيدا مُطلقًا كَغَيْرِهِ إِن أفْسدهُ الْغسْل، وَإِن لم يبين فلمشتريه الرَّد لِأَنَّهُ عيب، فَإِن كَانَ غير جَدِيد وَلَا يُفْسِدهُ الْغسْل فَلَيْسَ بِعَيْب، وَلَكِن يجب الْبَيَان خشيَة أَن يُصَلِّي فِيهِ خُصُوصا إِن كَانَ بَائِعه مِمَّن يُصَلِّي قَالَ (ح) : وَانْظُر أَوَاخِر بُيُوع العلمي فَإِنَّهُ ذكر أَن الْعَمَل جَار على جَوَاز بيع الزَّيْت الْمُتَنَجس مِمَّن يصلح بِهِ الْقَنَاة أَو يستصبح بِهِ أَو يعْمل مِنْهُ الصابون، وَذَلِكَ كُله إِذا كَانَ المُشْتَرِي مِمَّن يوثق بِهِ وَلَا يغش، وَنَحْوه فِي العلميات حَيْثُ قَالَ: وَالْغسْل بالصابون الخ. (ورخصوا فِي الزبل) أَي فضلات الدَّوَابّ الْغَيْر المأكولات اللَّحْم ورجيع بني آدم (للضَّرُورَة) أَي(2/15)
الِانْتِفَاع بِهِ، وَالْمَاء الْمُضَاف بالنجاسات كالزبل فِي جَوَاز بَيْعه للسقي بِهِ لضَرُورَة النَّاس إِلَيْهِ قَالَه فِي المقرب. قَالَ ابْن الْقَاسِم: سَمِعت مَالِكًا يكره بيع رجيع بني آدم وَلم أسمع مِنْهُ فِي الزبل شَيْئا وَلَا أرى بِهِ بَأْسا اه. وَفِي النَّوَادِر عَن ابْن الْقَاسِم: لَا بَأْس بِأَكْل مَا زبل بِهِ أَي برجيع بني آدم. وَقَالَ أَشهب: أكره بيع رجيع بني آدم إِلَّا من اضْطر إِلَيْهِ، والمبتاع أعذر فِي شِرَائِهِ من بَائِعه. قَالَ (ح) : ويتحصل فِي بيع الْعذرَة أَرْبَعَة أَقْوَال. الْمَنْع لمَالِك على فهم الْأَكْثَر من أَن الْكَرَاهَة على التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة على فهم أبي الْحسن وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ من أَن الْكَرَاهَة على بَابهَا وَالْجَوَاز لِابْنِ الْمَاجشون. وَالْفرق بَين الِاضْطِرَار فَيجوز وَعَدَمه فَيمْنَع لأَشْهَب. قَالَ: وَأما الزبل فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال. قاسه ابْن الْقَاسِم على الْعذرَة فِي الْمَنْع عِنْد مَالك، وَعَلِيهِ درج (خَ) فِي قَوْله: لَا كزبل الخ. وَقَول ابْن الْقَاسِم بِجَوَازِهِ، وَقَول أَشهب الْمُتَقَدّم وَأَن المُشْتَرِي أعذر من البَائِع، وعَلى مَا ذكره أَبُو الْحسن وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ من أَن الْكَرَاهَة على بَابهَا تكون الْأَقْوَال فِي الزبل أَرْبَعَة أَيْضا اه. بِبَعْض اخْتِصَار، وَزِيَادَة فِي الْإِيضَاح، وَعَلِيهِ فَلَا يبعد أَن يكون النَّاظِم أَرَادَ بالزبل مَا يَشْمَل الْعذرَة كَمَا قَررنَا، وَأما بيع زبل الْمَأْكُول اللَّحْم وَهُوَ الْأَنْعَام من بقر وإبل وغنم فَجَائِز اتِّفَاقًا فِي الْمَذْهَب. تَنْبِيه: مَا تقدم من عدم جَوَاز بيع جلد الْميتَة وَلَو دبغ هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن وهب: يجوز بَيْعه بعد الدبغ بِشَرْط الْبَيَان، وعَلى الْمَشْهُور من عدم جَوَاز بَيْعه فَإِن وَقع وَاشْترى بِثمنِهِ غنما مثلا فتوالدت وَتعذر رده فَإِنَّهُ يتَصَدَّق بِالثّمن فَقَط نَقله (ح) . وَمن اسْتَهْلكهُ قبل الدبغ أَو بعده فَعَلَيهِ قِيمَته. قَالَ ابْن نَاجِي فِي آخر كتاب الضَّحَايَا عِنْد قَوْلهَا: وَإِن كَانَ أَي الْكَلْب مَأْذُونا فِي اتِّخَاذه وقته غرم قِيمَته مَا نَصه: يقوم مِنْهَا أَن من قتل أم ولد رجل يغرم قيمتهَا، وَأَن من اسْتهْلك لحم أضْحِية فَكَذَلِك، وَكَذَلِكَ من اسْتهْلك زيتاً نجسا أَو جلد ميتَة أَو زرعا قبل بَدو صَلَاحه اه. وَانْظُر تَكْمِيل الْمنْهَج أول الْبيُوع.
(فصل فِي بيع الْأُصُول)
الأَرْض وَمَا اتَّصل بهَا فَيشْمَل الدّور والحوانيت والفنادق والجنات. البَيْعُ فِي الأُصُولِ جَازَ مُطْلَقَا إلاَّ بِشَرْطٍ فِي البُيُوعِ مُتَّقَى(2/16)
(البيع) الَّذِي عقد مُعَاوضَة كَمَا مر (فِي الْأُصُول) الْمَذْكُورَة (جَازَ مُطلقًا) يَأْتِي تَفْسِيره فِي الْبَيْت بعده (إِلَّا بِشَرْط فِي الْبيُوع يتقى) يمْنَع لكَونه يُنَافِي الْمَقْصُود أَو حَرَامًا كَمَا مر. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي الضَّمَان: وَيسْقط الضَّمَان فِي فَسَاد الخ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاء مُسْتَغْنى عَنهُ بِمَا مر، وَلَعَلَّه إِنَّمَا ذكره لِئَلَّا يتَوَهَّم شُمُول الْإِطْلَاق لَهُ. بِأَضْرُبِ الأَثْمَانِ وَالآجَالِ مِمَّنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي المَالِ (بأضرب الْأَثْمَان) يتَعَلَّق بجاز وَهُوَ وَمَا بعده تَفْسِير للإطلاق أَي: يجوز بيع الْأُصُول بأصول مثلهَا أَو بِعَين أَو بِعرْض أَو طَعَام أَو حَيَوَان عَاقل أَو غير عَاقل بالحلول (و) ب (الْآجَال) الْمَعْلُومَة نصا أَو عرفا كَانَ الْمُؤَجل هُوَ الْمُثمن كَقَوْل (خَ) فِي الْإِجَارَة: وَبيع دَار لتقبض بعد عَام أَو الثّمن كبيعها بِعشْرَة إِلَى شهر مثلا. ابْن عَرَفَة: فمجهول الْأَجَل فَاسد ومعروفه بالشخص وَاضح، وبالعرف كَاف. روى مُحَمَّد: لَا بَأْس بِبيع أهل السُّوق على التقاضي وَقد عرفُوا ذَلِك بَينهم، ثمَّ قَالَ: وبعيد الْأَجَل مَمْنُوع فِيهَا، وَيجوز بيع السّلْعَة إِلَى عشر سِنِين أَو عشْرين، وَسمع أصبغ ابْن الْقَاسِم: أكره الْعشْرين وَلَا أفسخه وَلَو كَانَ للسبعين لفسخته أنظر (ح) أَوَائِل بُيُوع الْآجَال. وَقَوله: وَقد عرفُوا قدر ذَلِك بَينهم الخ. فِي الْبيُوع الْفَاسِدَة من الْمُدَوَّنَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ، أَنه كَانَ يبْتَاع وَيشْتَرط على البَائِع أَنه يُعْطِيهِ الثّمن إِذا خرجت غَلَّته أَو إِلَى خُرُوج عطائه. ابْن عتاب: الْعَطاء كَانَ وقتئذ مَأْمُونا خُرُوجه فِي وقته الْمَعْلُوم لَا يتَخَلَّف فِي الْأَغْلَب. وَذكر ابْن حبيب فِي كِتَابه عَن أَشهب، أَنه سُئِلَ عَمَّن بَاعَ رزقه الَّذِي يخرج لَهُ سنتَيْن ثمَّ مَاتَ فَقَامَ(2/17)
الْغَرِيم على الْوَرَثَة فِي ذَلِك أَيكُون ذَلِك حَلَالا؟ قَالَ: نعم ذَلِك لَهُ عَلَيْهِم من مَال الْمَيِّت يعطونه قمحاً مثل الْقَمْح الَّذِي بَاعه من رزقه وعَلى صفته قَالَ فضل: هَذَا يدل على أَنه إِذا قطعه السُّلْطَان عَنهُ بعد مَا بَاعه فَإِن البَائِع يُؤْخَذ بِمثل ذَلِك عِنْد الْأَجَل الَّذِي هُوَ وَقت خُرُوجه اه. نَقله الْبُرْزُليّ. تَنْبِيهَات. الأول: الْعرُوض مثل الْأُصُول فِي هَذَا الْعُمُوم الَّذِي فِي النّظم بِخِلَاف الطَّعَام، وَبَعض الْحَيَوَانَات كَبيع صَغِير بكبير من جنسه إِلَى أجل يصير فِيهِ الصَّغِير كَبِيرا أَو يلد فِيهِ الْكَبِير صَغِيرا. الثَّانِي: إِن تعدّدت السكَك فِي الْبَلَد وَلم يبين فَإِن اتّحدت رواجاً قَضَاهُ من أَيهَا شَاءَ، وَإِن اخْتلفت قَضَاهُ من الْغَالِب إِن كَانَ وإلاَّ فسد البيع لعدم الْبَيَان وَهُوَ قَول (خَ) وَجَهل بمثمن أَو ثمن، وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: وكل مَا يَصح ملكا يمهر. فقد نقلنا هُنَاكَ كَلَام الْمُتَيْطِيَّة. الْبُرْزُليّ: هَذَا إِذا كَانَت تخْتَلف اخْتِلَافا كثيرا وَإِن كَانَ يَسِيرا جدا جَازَ لِأَنَّهُ من الْغرَر الْيَسِير الَّذِي قل أَن تَخْلُو مِنْهُ المبيعات على مَا أَصله الْفُقَهَاء. انْظُر الورقة الثَّامِنَة عشر من أنكحته. الثَّالِث: لَو اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي قبض الثّمن بعد مُضِيّ عَام وَنَحْوه من يَوْم البيع فَقَالَ المُشْتَرِي: دَفعته لَك. وَقَالَ البَائِع: لم تَدْفَعهُ لي فَإِن القَوْل للْمُشْتَرِي على الْمُعْتَمد كَمَا فِي حَاشِيَة الصعيدي و (ز) عِنْد قَول (خَ) فِي الْعُيُوب، ثمَّ قَضَاهُ إِن أثبت عُهْدَة مؤرخة الخ. خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم فِي قَوْله: إِن القَوْل قَول البَائِع إِلَى عشر سِنِين أَو عشْرين، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون فَإِنَّهُ ضَعِيف. الرَّابِع: ظَاهر قَول النَّاظِم. بأضرب الْأَثْمَان والآجال. أَنه لَا فرق بَين أَن يكون الأَصْل هُوَ الْمُؤَجل أَو الثّمن هُوَ الْمُؤَجل، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَررنَا، وَلَكِن إِذا كَانَ الأَصْل هُوَ الْمُؤَجل فَهُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه وَفِيه تَفْصِيل فَإِن تَأَخّر لما يتَغَيَّر فِيهِ امْتنع وإلاَّ جَازَ، فالدار مثلا يجوز بيعهَا لمُدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف صِحَّتهَا وَجدتهَا وَعدم ذَلِك فَلَا مَفْهُوم لعام فِي قَول (خَ) : وَدَار لتقبض بعد عَام فَالْمُعْتَبر فِي أجل مَنْفَعَة الرّبع مَا لَا يتَغَيَّر فِيهِ غَالِبا، فَيجوز فِيهِ العقد والنقد وَمَا لَا يُؤمن تغيره لطول مدَّته أَو ضعف بنائِهِ جَازَ فِيهِ العقد لَا النَّقْد، وَمَا غلب على الظَّن عدم بَقَائِهِ لمُدَّة لم يجز العقد عَلَيْهِ لتِلْك الْمدَّة قَالَه ابْن عَرَفَة. وَكَذَا الأَرْض يجوز بيعهَا لتقبض بعد عشْرين سنة كَمَا فِي (خَ) أَيْضا فاغتفر ذَلِك فيهمَا لانْتِفَاء الْغرَر إِذْ لَا يتغيران فِي تِلْكَ الْمدَّة غَالِبا وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فيهمَا لغَلَبَة سلامتهما فِي تِلْكَ الْمدَّة، وَأما الْحَيَوَان فَيجوز بَيْعه واستثناء ركُوبه الثَّلَاثَة لَا جُمُعَة وَكره الْمُتَوَسّط، وَيجوز كِرَاء الدَّابَّة واستثناء ركُوبهَا شهرا إِن لم ينْقد كَمَا فِي (خَ) فَفرق بَين البيع والكراء فَفِي البيع لَا يجوز إِلَّا اسْتثِْنَاء الثَّلَاثَة، وَفِي الْكِرَاء يجوز اسْتثِْنَاء الشَّهْر إِن لم ينْقد كَمَا ترى. وَالْفرق أَن ضَمَانهَا فِي مُدَّة الِاسْتِثْنَاء من المُشْتَرِي بِخِلَافِهِ فِي الْكِرَاء فضمانها من الْمَالِك، وعَلى كل حَال فَفِي ذَلِك بيع ذَات الْمعِين أَو منفعَته يتَأَخَّر قَبضه، وَأما غير ذَلِك من السّلع فَيجوز إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام. قَالَ فِي السّلم الأول من الْمُدَوَّنَة: وَإِن شَرط قبض السّلْعَة الْمَبِيعَة بعد الْيَوْمَيْنِ جَازَ بِقرب الْأَجَل وَلَو شَرط فِي طَعَام بِعَيْنِه كَيْله إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ، وَكَذَا السّلع كلهَا شَرط ذَلِك البَائِع أَو الْمُبْتَاع اه. هَذَا ضَابِط مَا يمْتَنع فِيهِ بيع معِين بِشَرْط تَأْخِير قَبضه فقد دعتني(2/18)
القريحة إِلَى تَحْصِيله لِأَن كَلَام الْفُقَهَاء مشحون بِهِ، وَقد تعرض إِلَى تَفْصِيله ابْن عَرَفَة مَعَ ذكر الِاخْتِلَاف وَالْمُعْتَمد مَا تقدم. قَالَ طفي عِنْد قَول (خَ) فِي الصَدَاق: وَوَجَب تَسْلِيمه أَن تعين مَا نَصه ظَاهره أَن وجوب التَّسْلِيم حق لله وَأَن العقد يفْسد بِالتَّأْخِيرِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي إِذا وَقع العقد بِشَرْط التَّأْخِير وإلاَّ فَالْحق فِي التَّعْجِيل وَلَا مَحْظُور فِي ذَلِك لدُخُوله فِي ضَمَانهَا بِالْعقدِ فلهَا أَن تتركه عِنْد الزَّوْج على وَجه الْأَمَانَة، وَمحل فَسَاده بِاشْتِرَاط التَّأْخِير حَيْثُ لم يكن مُؤَجّلا بِأَجل مَعْلُوم يجوز التَّأْخِير إِلَيْهِ كَبيع دَار لتقبض بعد عَام الخ. وَقَالَ طفي أَيْضا قبل بُيُوع الْآجَال بعد نَقله كَلَام ابْن عَرَفَة مَا نَصه: وَيفهم من مَنعه تَأْخِير الْمعِين مَعَ الشَّرْط أَن من اشْترى شَيْئا معينا وَلم يقبضهُ لَا مَحْظُور فِيهِ وَهُوَ كَذَلِك إِذا لم يَأْخُذهُ فِي دين فَفِي الْبيُوع الْفَاسِدَة مِنْهَا وَإِن ابتعت ثوبا بِعَيْنِه بِدِينَار إِلَى أجل فَتَأَخر قبض الثَّوْب فلك قَبضه وَالْبيع تَامّ اه. فَظَاهره وَلَو تَأَخّر أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا. قلت: وَلذَا قَالُوا يجوز تَأْخِير رَأس المَال الْمعِين فِي السّلم بِلَا شَرط وَلَو إِلَى حُلُول أجل السّلم كَمَا فِي (ح) وَغَيره. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله فِي فصل السّلم. وَأما الْمَأْخُوذ فِي الدّين فَلَا يجوز التَّأْخِير بِشَرْط أَو غَيره على ظَاهر كَلَامهم الْآتِي فِي فصل التصبير، وَسَيَأْتِي هُنَاكَ مَا يدل على جَوَاز التَّأْخِير بِلَا شَرط فِي الْمَأْخُوذ عَن الدّين أَيْضا فَانْظُرْهُ هُنَاكَ وَفِي الْبيُوع الْفَاسِدَة أَيْضا، وَلَا بَأْس أَن يَشْتَرِي زرعا قد استحصد كل قفيز بِكَذَا نقدته الثّمن أم لَا. وَإِن تَأَخّر جذاذه إِلَى خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَكَذَا فِي قسم الصُّوف على ظهر الْغنم اه. بِاخْتِصَار، وَبَعض زِيَادَة للإيضاح، ثمَّ اذا هلك الْمُشْتَرط تَأْخِيره فِي الْمدَّة الْجَائِزَة فضمانه من المُشْتَرِي وَفِي غَيرهَا من البَائِع لِأَنَّهُ بيع فَاسد فَلَا ينْتَقل ضَمَانه إِلَّا بِالْقَبْضِ. الْخَامِس: إِذا وَقع العقد بِثمن إِلَى أجل فِي وَثِيقَة بيع أَو سلف وَنَحْوه وَبعد انْقِضَاء الْأَجَل بِمدَّة طَوِيلَة كالثلاثين سنة وَالْأَرْبَعِينَ مَعَ قيام الْأَحْكَام وَحُضُور رب الدّين والمدين قَامَ يَطْلُبهُ بِتِلْكَ الْوَثِيقَة فَقَالَ الْمَدِين: قضيتك وباد شهودي وَنَحْو ذَلِك فَهَل يصدق الْمَدِين؟ وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون فِي أول وَثِيقَة من الْبيُوع، وَفِي أنكحة الزياتي عَن بَعضهم أَنه الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل، وَمثله فِي الكراس الثَّانِي من بُيُوع الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ، أَو لَا يصدق وَيقْضى عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (لَا يبطل حق امرىء مُسلم وَإِن قدم) . وَفِي أنكحة الزياتي أَيْضا عَن العبدوسي وَنَحْوه فِي دعاوى المعيار أَن بِهِ الْقَضَاء وَالْعَمَل قَالَ (ت) : وَبِه أفتى شُيُوخنَا. قلت: يجب أَن يُقيد القَوْل الثَّانِي بقيود أَن يكون الدّين ثَابتا بإشهاد الْمَدِين كَمَا أَشَرنَا فِي أصل الْمَسْأَلَة فَإِن كَانَ بِغَيْر كتاب أصلا أَو بِكِتَاب شهِدت بَيِّنَة بالمداينة على جِهَة الِاتِّفَاق لَا بإشهاد الْمَدِين إِيَّاهَا، فَإِن القَوْل للْمَدِين وَلَو لم يطلّ إِلَّا الْعَام والعامين كَمَا مرّ فِي التَّنْبِيه الثَّالِث، وَذكر الامام الْخَرشِيّ فِي شَرحه عِنْد قَوْله فِي الْإِقْرَار أَو بقرض شكرا على الْأَرْجَح مَا نَصه: فَلَو أقرّ أَنه كَانَ تسلف من فلَان الْمَيِّت مَالا وقضاه إِيَّاه، فَإِن كَانَ مَا يذكرهُ من ذَلِك حَدِيثا لم يطلّ زَمَنه لم يقبل قَوْله، قَضيته إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِالْقضَاءِ، وَإِن كَانَ زمن ذَلِك طَويلا حلف الْمقر وبرىء اه. الْقَيْد الثَّانِي: أَن لَا يكون رب الدّين مَعْلُوما بالحرص على قبض دُيُونه إِذا خلت كَمَا هِيَ عَادَة كثير من تجار زمننا الْيَوْم، وإلاَّ فَالْقَوْل لمُدعِي الْقَضَاء. الْقَيْد الثَّالِث: أَن لَا يكون وَقع بَين ربه(2/19)
والمدين شنآن وخصومة وَإِلَّا فَالْقَوْل للْمَدِين أَيْضا فَفِي أنكحة المعيار فِي من طلق زَوجته فَمَاتَتْ وَقَامَ وارثها عَلَيْهِ بصداقها فَادّعى الزَّوْج دَفعه أَنه لَا يقبل قَوْله إِلَّا أَن يثبت أَنه كَانَ بَينهمَا شنآن وَالله أعلم. السَّادِس: إِذا وَقع عِنْد الْمُعَامَلَة إِلَى أجل فتغيرت السِّكَّة الْجَارِيَة وَقت العقد لزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو بطلت بِالْكُلِّيَّةِ قبل الْأَجَل أَو بعده، فَإِنَّهُ يجب على المُشْتَرِي أَو المتسلف أَن يَقْضِيه من تِلْكَ السِّكَّة وَلَا يعْتد بزيادتها كَمَا لَا يغرم نقصانها (خَ) : وَإِن بطلت فلوس فالمثل أَو عدمت فَالْقيمَة الخ. وَقيد الوانوغي عدم غرمه نقصانها أَو غرمها من أَصْلهَا إِذا أبطلت السِّكَّة بِالْكُلِّيَّةِ بِمَا إِذا لم يحصل من المُشْتَرِي أَو المتسلف مطل بعد حلولها، وَإِلَّا بِأَن حصل مِنْهُ مطل بعد الْحُلُول فتغيرت فِي مُدَّة مطله فَإِنَّهُ يغرم لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ظَالِم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (مطل الْغَنِيّ ظلم) . وارتضى تَقْيِيده الْمَذْكُور ابْن غَازِي وَغَيره، وَبحث فِيهِ الْبَدْر الْقَرَافِيّ وَتَبعهُ الشَّيْخ بناني وَغَيره بِأَن المماطل لَا يكون أَسْوَأ حَالا من الْغَاصِب، وَقد قَالَ (خَ) فِي الْغَاصِب: والمثلى وَلَو بغلاء بِمثلِهِ الخ. قلت: يرد بحثهم بِأَن الْمَسْأَلَة من بَاب التَّعَدِّي لَا من بَاب الْغَصْب، والمتعدي يضمن مَا آل الْأَمر إِلَيْهِ. أَلا ترى أَن الْمُتَعَدِّي على الْمَنْفَعَة يضمن الذَّات آل الْأَمر إِلَى تلفهَا، والمطل من ذَلِك لِأَنَّهُ يماطله لينْتَفع ويتوسع حَتَّى آل إِلَى التّلف للْكُلّ أَو الْبَعْض، وَقد علمت أَنه لَا يُقَاس التَّعَدِّي على الْغَصْب وَلَا الْعَكْس لاخْتِلَاف أحكامهما، وبحثهم أَيْضا بِأَن تَقْيِيد الوانوغي خلاف ظَاهر الْمُدَوَّنَة، وَقد تقرر أَن ظَاهرهَا كالنص عِنْدهم الخ. يرد بِأَن الْمُطلق على إِطْلَاقه مَا لم يقم دَلِيل على تَقْيِيده، وَقد قَامَ الدَّلِيل على تقييدها من مَوَاضِع لَا تحصى، أَلا ترى أَن المماطل تسبب بمطله فِي إِتْلَاف الثّمن أَو بعضه على ربه فَهُوَ كمانع مدية الذَّكَاة حَتَّى تلف المذكى، وكالملد يتسبب فِي غرم الطَّالِب أُجْرَة العون، وكالولي يُؤَخر دفع مَال الْيَتِيم إِلَيْهِ بعد رشده حَتَّى تلف، وكالمودع عِنْده يُؤَخر دفع الْوَدِيعَة لِرَبِّهَا بعد طلبه إِيَّاهَا فَوَجَبَ الْغرم على المتسبب فِي ذَلِك كُله، بل ذكر السُّيُوطِيّ أَن نَاظر الْوَقْف إِذا قبض كِرَاء ربع الْوَقْف وَأخر صرفه لأربابه عَن وقته الْمَشْرُوط صرفه فِيهِ مَعَ إِمْكَانه حَتَّى تغير النَّقْد بِنَقص فَإِنَّهُ يضمن النَّقْص فِي مَاله لتعديه، وَهُوَ نَص فِي النَّازِلَة جَار على مَذْهَبنَا لما مر فِيمَن أخر مَال الْيَتِيم، وَكَذَا لَو بور الْوَلِيّ رباع الْيَتِيم حَتَّى دثرت مَعَ إِمْكَانه صيانتها فَإِنَّهُ ضَامِن لتعديه بِعَدَمِ فعل مَا وَجب عَلَيْهِ. وَقد نَص الإِمَام مَالك وَأَصْحَابه على مثل التَّقْيِيد الْمَذْكُور فِي نَظِير الْمَسْأَلَة فَفِي الْمسَائِل الملقوطة. وَنَقله (ح) أَوَاخِر الْعُيُوب مُسلما مَا مَعْنَاهُ: وَمن عَلَيْهِ طَعَام ومكنه من ربه مرَارًا فَأبى ربه من قَبضه حَتَّى غلا قَالَ مَالك: لَيْسَ لرَبه المكيلة وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَته يَوْم امْتنع من أَخذه وَلم يخْتَلف فِي هَذَا اه. فَهَذِهِ وَقع المطل فِيهَا من الْقَابِض وَمَا نَحن فِيهِ وَقع فِيهِ المطل من الدَّافِع وهما سَوَاء فِي الْمَعْنى، فالقيد الْمَذْكُور سلمه الأكابر وَوَجهه ظَاهر، وَلَا سِيمَا على مَا مر عَن الْمسَائِل الملقوطة من عدم الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك والتفريق بَين مطل الدَّافِع ومطل الْقَابِض عملا بِالْيَدِ لَا يَصح بِحَال وبحثهم أَيْضا بِأَن ربه كَانَ لَهُ طلبه عِنْد الْحَاكِم وَأَنه دخل على أَن يماطله أَو يفلس كُله لَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن المماطل إِنَّمَا ضمن بِسَبَب تعديه بترك فعل مَا وَجب عَلَيْهِ من الْأَدَاء بعد طلبه، ومطل الْغَنِيّ ظلم، وَلَا يخفى أَنه لم يدْخل مَعَه على(2/20)
المماطلة المؤدية لتلف شَيْئه، وَلَو كَانَ عدم الدّفع للْحَاكِم حجَّة لم يكن لمطل الْقَابِض أثر وَلم يضمن الْوَلِيّ بِتَأْخِير الدّفع للرشيد لِأَنَّهُ لم يرفعهُ وَالله أعلم. السَّابِع: إِذا وَقع عقد الْمُعَامَلَة فِي وَقت يتَسَامَح النَّاس فِي اقْتِضَاء الدَّرَاهِم النَّاقِصَة، وَكَانَ الْقَضَاء بعد النداء على التَّعَامُل بالوازن فَقَالَ ابْن لب: يجب أَن ينظر إِلَى زمن العقد فَإِن كَانَت الدَّرَاهِم يَوْمئِذٍ نَاقِصَة وكاملة قضى بالكاملة لِأَن قَبضه للناقصة يَوْمئِذٍ إِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف وَلَا يقْضى بِهِ، وَإِن كَانَت كلهَا يَوْمئِذٍ نَاقِصَة لم يقْض عَلَيْهِ إِلَّا بهَا اه. . قلت: قَوْله يتَسَامَح النَّاس الخ. فِيهِ إِشْعَار بِأَن النَّاس كَانُوا يقبضون النَّاقِص على وَجه التسامح وَالْمَعْرُوف، وَيفهم مِنْهُ أَنهم إِذا كَانُوا يقبضونه لَا على التسامح بل لكَونه يروج عِنْدهم، فَالْحكم هُوَ مَا تقدم فِي التَّنْبِيه الثَّانِي لِأَنَّهُ من تعدد السكَك حِينَئِذٍ وَالله أعلم. الثَّامِن: إِذا وَقع البيع فَاسِدا لبعد أَجله وَنَحْو ذَلِك وَفَاتَ الْمَبِيع بِالْقيمَةِ، فأجرة الْمُقَوّم على البَائِع كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي أقضية المعيار: (مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال) مُتَعَلق بمقدر بعد قَوْله: جَازَ أَي عقد الْمُعَاوضَة فِي الْأُصُول جَازَ وَلزِمَ مِمَّن لَهُ تصرف فِي المَال الخ. وَهُوَ الرشيد الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ فَلَا يلْزم عقد الْمُعَاوضَة من غير الرشيد وَإِن كَانَ عقده جَائِزا صَحِيحا حَيْثُ كَانَ مُمَيّزا، وَلَا من الرشيد المحجر عَلَيْهِ كالمفلس، بل يتَوَقَّف لُزُوم بيعهمَا وشرائهما على إجَازَة الْوَلِيّ والغرماء. وَهَذَا الشَّرْط لَيْسَ خَاصّا بِبيع الْأُصُول بل هُوَ عَام فِيهَا وَفِي غَيرهَا، فَإِن غفل الْوَلِيّ عَن رد تصرف مَحْجُوره فَلهُ هُوَ رده بعد رشده، وَالْغلَّة الْحَاصِلَة فِيمَا بَين تصرفه ورد فعله للْمُشْتَرِي إِن لم يعلم بحجره فَإِن علم رد الْغلَّة وَيرد الْغنم مَعَ نسلها وَالْأَرْض وَلَو بنيت وَله قيمَة بنائِهِ وغرسه مقلوعاً لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ، وَأما المُشْتَرِي من غير الْمُمَيز فَيرد الْغلَّة مُطلقًا علم أَو لم يعلم لِأَن بَيْعه بَاطِل لم يَصح، ثمَّ مَحل الرَّد للمحجور بعد رشده إِذا صرف الثّمن فِيمَا لَهُ غنى عَنهُ، وَأما إِن صرف فِيمَا لَا غنى لَهُ عَنهُ بِحَيْثُ لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ يَفْعَله فَإِنَّهُ يمْضِي بَيْعه وَلَا قيام لَهُ قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء. وَنَقله (ت) فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَهُوَ جَار على الْقَاعِدَة الَّتِي ذكرهَا الْبُرْزُليّ وَغَيره وَهِي أَن كل من فعل فعلا لَو رفع إِلَى الْحَاكِم لم يفعل غَيره فَفعله مَاض ونقلها (ق) عِنْد قَول الْمَتْن فِي الْخلْع: وَجَاز من الْأَب عَن الْمُجبرَة. وَجائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى الهَواءُ لأَنْ يُقَامَ مَعَهُ الْبِنَاءُ (وَجَائِز أَن يشترى الْهَوَاء) بِالْمدِّ وَهُوَ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَأما بِالْقصرِ فَهُوَ مَا تحبه النَّفس وتهواه. قَالَ ابْن مَالك فِي قصيدته فِي الْمَقْصُور والممدود: أَطَعْت الْهوى فالقلب مِنْك(2/21)
هَوَاء أَي: تلطف قَلْبك ولان حَتَّى صَار كالهواء الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. قسا كصفا قد بَان عَنهُ صفاء. (لِأَن يُقَام مَعَه الْبناء) أَي: يجوز شِرَاء عشرَة أَذْرع مثلا من هَوَاء فَوق سقف بَيت مَوْجُود لأجل أَن يُقيم المُشْتَرِي فِي ذَلِك الْهَوَاء بِنَاء مَوْصُوفا، فَمَعَ بِمَعْنى (فِي) . وَكَذَا يجوز شِرَاء هَوَاء فَوق هَوَاء كَشِرَاء عشرَة أَذْرع مثلا فَوق عشرَة أَذْرع يبنيها البَائِع إِذا وصف الْبناء الْأَسْفَل والأعلى فِي هَذِه لرغبة صَاحب الْأَعْلَى فِي وثاقة بِنَاء الْأَسْفَل، ورغبة صَاحب الْأَسْفَل فِي خفَّة بِنَاء الْأَعْلَى وَيملك صَاحب الْأَعْلَى مَا فَوْقه من الْهَوَاء فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَكِن لَا يَبْنِي فِيهِ إِلَّا بِرِضا صَاحب الْأَسْفَل. وَهَذَا يُفِيد أَن من ملك أَرضًا يملك هواءها إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. وَلذَا جَازَ لَهُ بَيْعه، وَكَذَا يملك بَاطِنهَا على الْمُعْتَمد، إِذا تهدم بِنَاء الْأَسْفَل فَيَقْضِي عَلَيْهِ أَو على وَارثه أَو المُشْتَرِي مِنْهُ بإعادته لِأَنَّهُ مَضْمُون كَمَا قَالَ (خَ) : وهواء فَوق هَوَاء إِلَى قَوْله وَهُوَ مَضْمُون إِلَّا أَن يذكر الْمدَّة بِإِجَارَة تَنْفَسِخ بانهدامه. وَمَا على الجِزَافِ والتَّكْسِيرِ يُبَاعُ مَفْسُوخٌ لَدَى الجُمْهُورِ (وَمَا) مُبْتَدأ (على الْجزَاف والتكسير) أَي الْكَيْل يتَعَلَّق بقوله: (يُبَاع مفسوخ) خَبَرهَا مَا وَهِي وَاقعَة على الْأُصُول لِأَن الْفَصْل مَعْقُود لَهَا أَي: وَالْأُصُول الَّتِي يُبَاع بَعْضهَا على الْجزَاف وَبَعضهَا على التكسير صَفْقَة وَاحِدَة مفسوخ بيعهَا كَقَوْلِه: أبيعك هَذِه الْقطعَة من الأَرْض جزَافا بدرهم على أَن تشتري مني الْقطعَة الْأُخْرَى كل ذِرَاع أَو فدان أَو مرجع مِنْهَا بدرهم أَو قَالَ: أبيعك هَذِه الأَرْض كل ذِرَاع بدرهم على أَن تشتري مني الشّجر الْفُلَانِيّ أَو الْكَرم الْفُلَانِيّ بِدِينَار، وَمَفْهُوم الْأُصُول أَن غَيرهَا يجوز بَيْعه على الْجزَاف والتكسير وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل، فَيجوز بيع أَرض جزَافا مَعَ طَعَام كَيْلا أَو وزنا لمجيء كل مِنْهُمَا على الأَصْل وَيمْتَنع بيع حبه جزَافا مَعَ حب أَو أَرض كَيْلا، فالصور أَربع يمْتَنع مِنْهَا ثَلَاث وَهِي أَرض جزَافا مَعَ أُخْرَى كَيْلا وَهِي مَنْطُوق النّظم، أَو حب جزَافا مَعَ حب أَو أَرض كَيْلا. وَهَاتَانِ داخلتان فِي مَفْهُومه وهما ممنوعتان أَيْضا، وَتدْخل فِيهِ صُورَة أُخْرَى وَهِي أَرض جزَافا مَعَ حب كَيْلا أَو وزنا، وَهِي جَائِزَة فقد اشْتَمَل منطوقه على وَاحِدَة، وَمَفْهُومه على ثَلَاث يمْتَنع مِنْهَا اثْنَتَانِ أَيْضا، وَتجوز وَاحِدَة. وَقد استوفاها (خَ) عاطفاً على الْمَمْنُوع بقوله: وجزاف حب مَعَ مَكِيل مِنْهُ أَو أَرض مَعَ مكيلة لَا مَعَ حب الخ. وحاصلها أَنه إِذا اجْتمع مَعْلُوم ومجهول فَإِن جَاءَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على أَصله، فالجواز، فَإِن خرجا عَن أَصلهمَا أَو أَحدهمَا فالمنع كالصور الثَّلَاث، وَعلة الْمَنْع فِيهَا الْخُرُوج عَن الرُّخْصَة لِأَن الأَصْل فِي الْجزَاف الْمَنْع فإضافة غَيره إِلَيْهِ كَمَا فِي الصُّور الثَّلَاث خُرُوج عَن الْمحل الْوَارِد فِيهِ قَالَه (تت) وَعلله الْمَازرِيّ بِأَن الْمكيل مَعْلُوم مبلغه والجزاف مظنون، واجتماع مَعْلُوم ومظنون فِي عقد وَاحِد يصير فِي الْمَعْلُوم غرراً لم يكن فِيهِ اه. وَأما الصُّورَة الْجَائِزَة فَلَيْسَ فِيهَا خُرُوج(2/22)
عَن الرُّخْصَة لِأَن الأَصْل فِي الأَرْض الْجزَاف، وَفِي الْحبّ الْكَيْل، فَإِذا قَالَ: أبيعك هَذِه الْقطعَة من الأَرْض بدرهم على أَن تشتري مني هَذِه الصُّبْرَة كل قفيز بِكَذَا جَازَ وَالله أعلم. (لَدَى الْجُمْهُور) وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَفهم مِنْهُ أَن غير الْجُمْهُور من الْعلمَاء يَقُول بِجَوَاز ذَلِك. وَتقدم أَن الْوَزْن كالكيل فَلَا يجوز بيع آنِية من سمن جزَافا مَعَ أُخْرَى وزنا، وَلَا شِرَاء قربَة لبن جزَافا بدرهم على وزن زبدها كل رَطْل بدرهم، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي الْجَمِيع جزَافا أَو اللَّبن كَيْلا على حِدته وَالسمن وزنا كَذَلِك قَالَ (ق) : انْظُر مَسْأَلَة تعم بهَا الْبلوى وَهِي أَن الْمَرْء يَشْتَرِي من الْعَطَّار وزنا مَعْلُوما من شَيْء ويفضل لَهُ دِرْهَم فَيَقُول لَهُ: أَعْطِنِي بِهِ أبزاراً والأبزار بالدرهم تكون جزَافا، فَهَذَا جَائِز إِن لم يدخلا على ذَلِك فِي أصل العقد اه. . تَنْبِيه: قَالَ ابْن الْعَطَّار: لَا يجوز بيع الأَرْض على التكسير حَتَّى يعرف طيب الأَرْض ومتوسطها من رديئها كَالَّذي يَشْتَرِي صبرَة شعير وصبرة قَمح كل قفيز بدرهم وَلَا يعرف كيل كل صبرَة، فَإِنَّهُ لَا يحل ذَلِك كَبيع الأَرْض الْمُخْتَلفَة الْأَثْمَان على التكسير اه. وَنَقله ابْن سَلمُون. قلت: قَالَ فِي النكت: إِنَّمَا لم يجز بيع صبرَة قَمح وصبرة شعير كل قفيز بِكَذَا لما فِي ذَلِك من التخاطر بَين الْمُتَعَاقدين لِأَن المُشْتَرِي يطْمع أَن يكون الْقَمْح أَكثر فَيكون أَخذه بِسعْر الشّعير، وَالْبَائِع يطْمع أَن يكون الشّعير أَكثر فَيكون بَاعه بِسعْر الْقَمْح اه. وَالْأَرْض الْمُخْتَلفَة فِي الْجَوْدَة والرداء كَذَلِك. هَذَا وَجه مَا قَالَه ابْن الْعَطَّار وَهُوَ ظَاهر. وَقَوله: وَلَا يعرف كيل كل صبرَة يَعْنِي وَقت العقد، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَ كيل كل صبرَة محصوراً عِنْده مَعْرُوفا جَازَ، وَكَذَا لَو بَاعَ لَهُ بِعشْرَة مثلا قِطْعَة أَرض جزَافا مَعَ أَرْبَعَة أَذْرع مثلا من أُخْرَى بعد كيلها كل ذِرَاع بدرهم لِأَنَّهُمَا يعلمَانِ أَن الْأَرْبَعَة الأذرع ينوبها من الْعشْرَة أَرْبَعَة، وَالْبَاقِي وَهُوَ سِتَّة للْأَرْض الْجزَاف فَلَا جهل فَيجوز فِيمَا يظْهر وَلم أَقف عَلَيْهِ مَنْصُوصا وَالله أعلم. وَآبِرٌ مِنْ زَرْعٍ أَوْ مِنْ شَجَرِ لِبَائِعٍ إلاَّ بِشَرْطِ الْمُشْتَرِي(2/23)
(وآبر) بِمَعْنى مَأْبُور كدافق بِمَعْنى مدفوق وَهُوَ صفة لمَحْذُوف أَي: وثمر آبر (من زرع أَو من شجر) وَسَيَأْتِي للناظم أَن التَّأْبِير فِي الزَّرْع هُوَ ظُهُوره للعيان، وَفِي ثمار الشّجر عقدهَا وَثُبُوت مَا يثبت مِنْهَا فَمن بَاعَ أَرضًا فِيهَا زرع أَو شَجرا فِيهَا ثَمَر وَلم يتَعَرَّض للثمار وَلَا للزَّرْع فَمَا كَانَ من ذَلِك مؤبراً فَذَلِك كُله (لبائع إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي) إِدْخَاله فِي البيع لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (من بَاعَ نخلا قد أبرت فثمرها للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع) اه. وأبرت فِي الحَدِيث الْكَرِيم بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة، وَلأبي ذَر: أبرت بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة وَهُوَ الْأَكْثَر قَالَه الْقُسْطَلَانِيّ، وَإِنَّمَا جَازَ للْمُشْتَرِي اشْتِرَاطه مَعَ أَنه لَا يَصح بَيْعه لعدم بَدو صَلَاحه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تبع للْأَصْل وَلَيْسَ بمقصود فِي نَفسه، وَلِهَذَا لَا بُد أَن يشْتَرط جَمِيع الثَّمر أَو الزَّرْع، فَإِن اشْترط بعض مَا أبر وَترك غَيره فسد البيع كَمَا قَالَ: وَلاَ يَسُوغُ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِهِ وَإنْ جَرَى فَلا غِنَى عَنْ نَقْضِهِ (وَلَا يسوغ) البيع (بِاشْتِرَاط بعضه وَإِن جرى) أَي: وَقع اشْتِرَاط البيع (فَلَا غنى عَن نقضه) وَفسخ ذَلِك البيع من أَصله لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاط بعضه قصد لبيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا، وَكَذَا لَا يجوز اشْتِرَاطهَا إِذا اشْترى الأَصْل بِطَعَام أَو شراب أبرت أم لَا، إِلَّا أَن يشْتَرط الجذ مَكَانَهُ. تَنْبِيه: إِذا أبرّ الْبَعْض دون الْبَعْض فَإِن كَانَ المأبور قدر الثُّلُث فدون كَانَ تَابعا للْأَكْثَر وَيكون الْجَمِيع للْمُبْتَاع، وَإِن كَانَ المأبور الْأَكْثَر كَانَ للْبَائِع إِلَّا بِشَرْط الْمُبْتَاع، وَإِن تَسَاويا نظرت فَإِن كَانَ المأبور على حِدة كَانَ للْبَائِع وَمَا لم يؤبر كَانَ للْمُبْتَاع، وَإِن كَانَ مختلطاً فَقيل للْبَائِع وَقيل للْمُبْتَاع ثَالِثهَا للعتبية والموازية أَن البيع لَا يجوز إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يسلم الْجَمِيع للْمُبْتَاع. قَالَ ابْن الْعَطَّار: أَو يرضى الْمُبْتَاع أَن يتْرك ذَلِك للْبَائِع فَيصح بِهِ البيع. المتيطي: وَبِهَذَا الْقَضَاء اه. وَغَيْرُ مَا أُبِّرَ لِلْمُبْتَاعِ بِنَفْسِ عَقْدِهِ بِلاَ نِزَاعِ (وَغير مَا أبر) من زرع أَو ثَمَر فَهُوَ (للْمُبْتَاع بِنَفس عقده) على الأَصْل من غير احْتِيَاج إِلَى شَرطه (بِلَا نزاع) بَين الْفُقَهَاء أخذا بِمَفْهُوم الحَدِيث الْمُتَقَدّم لِأَنَّهُ لما قَالَ فِيهِ: تكون للْبَائِع دلّ ذَلِك على أَنَّهَا تكون للْمُبْتَاع إِذا لم تؤبر، وَاشْتِرَاط الْمُبْتَاع لَهُ زِيَادَة تَأْكِيد كَمَا هُوَ ظَاهر. قَالَ ابْن فتحون: وَإِذا كَانَ فِي الشّجر ثَمَرَة لم تؤبر أَو زرع لم يظْهر فَلَا يجوز للْبَائِع اسْتثِْنَاء ذَلِك كالجنين فِي بطن أمه وَهُوَ للْمُشْتَرِي بِمُقْتَضى العقد، وَلَا يجوز للْمُبْتَاع اشْتِرَاطه لِئَلَّا تقع لَهُ حِصَّة من الثّمن، وَقد يُمكن أَن لَا يثبت فَيكون من الْغرَر اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ ابْن عتاب: وَفِي نَوَازِل سَحْنُون أَنه جَازَ اشْتِرَاطه فِي العقد، وَلم يذكر ابْن رشد غَيره اه.(2/24)
قلت: وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا كَانَ غير المأبور يجب للْمُشْتَرِي بِالْعقدِ فاشتراطه زِيَادَة تَأْكِيد، وَقَوْلهمْ: اشْتِرَاطه يُوجب لَهُ حِصَّة من الثّمن يُقَال عَلَيْهِ كَونه لَهُ حِصَّة من الثّمن ثَابت بانعقاد ضمائرهما عَلَيْهِ، وَلَو لم يكن هُنَاكَ اشْتِرَاط إِذْ البَائِع يقْصد إِلَى بيع الأَرْض ببذرها وَالْمُشْتَرِي كَذَلِك، فَهَذَا وَجه مَا لسَحْنُون. وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن رشد وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُول عَنهُ إِذْ الْأَحْكَام إِنَّمَا تَدور على الْمَقَاصِد وَلَو خَالَفت الْأَلْفَاظ فَكيف إِذا وافقتها. وَلاَ يَجُوزُ شَرطهُ لِلْبَائِعِ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ فِي الْوَاقِعِ (وَلَا يجوز شَرطه للْبَائِع) أَي لَا يجوز للْبَائِع أَن يشْتَرط على المُشْتَرِي إبْقَاء غير المأبور من الثَّمر وَالزَّرْع لنَفسِهِ (وَالْبيع مفسوخ بِهِ) أَي بِشَرْط غير المأبور للْبَائِع (وَفِي الْوَاقِع) لِأَنَّهُ اسْتثْنى حِينَئِذٍ فِي الزَّرْع مَا فِي بطن الأَرْض، وَذَلِكَ لَا يجوز كَمَا لَا يجوز بيع الْحَامِل واستثناء جَنِينهَا، وَأما فِي الثَّمر فَإِنَّمَا يتمشى على القَوْل بِأَن الْمُسْتَثْنى مشترى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون فِيهِ شِرَاء الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بل وَقبل أبارها لَا على القَوْل الآخر من كَون الْمُسْتَثْنى مبقى. قَالَ الشَّارِح: وَهُوَ الْأَظْهر وَالْأول مُشكل، وَبِالْجُمْلَةِ فالشارح استظهر كَون الْمُسْتَثْنى مبقى وَضعف كَونه مشترى، وَظَاهره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي غَيرهَا وَهُوَ الَّذِي يجب اعْتِمَاده. وَفِي الثِّمَارِ عَقْدُهَا الإِبَّارُ والزّرْعُ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ (وَفِي الثِّمَار) يتَعَلَّق بالْخبر بعده (عقدهَا) مُبْتَدأ خَبره (الْأَبَّار و) الْأَبَّار فِي (الزَّرْع أَن تُدْرِكهُ الْأَبْصَار) . حَاصله أَن الْأَبَّار فِي النّخل تذكيره أَي تَعْلِيق الذّكر على الْأُنْثَى، وَفِي سَائِر الْأَشْجَار العقد وَثُبُوت مَا يثبت مِنْهُ بعد سُقُوط مَا يسْقط وَهُوَ الْمعبر عَنهُ فِي قَول القدماء باللقاح، وَفِي الزَّرْع خُرُوجه من الأَرْض وإدراكه بالأبصار قَالَه فِي الْمُفِيد وَغَيره. كَذَا قَلِيبُ الأَرْضِ لِلمُبْتَاعِ دُونَ اشْتِرَاط فِي الابْتِيَاعِ (كَذَا) حَال من الِاسْتِقْرَار بعده وَالْإِشَارَة لما لم يؤبر (قليب الأَرْض) مُبْتَدأ (للْمُبْتَاع) خَبره (دون اشْتِرَاطه) يتَعَلَّق بالاستقرار أَيْضا (فِي الابتياع) يتَعَلَّق باشتراطه وَالتَّقْدِير قليب الأَرْض كَائِن(2/25)
للْمُبْتَاع دون اشْتِرَاطه كالثمرة الَّتِي لم تؤبر. ابْن عَاتٍ: وَإِن كَانَ فِي الْمَبِيع أَرض مَقْلُوبَة فالقليب للْمُبْتَاع وَإِن كَانَ لم يَشْتَرِطه وَلَا كَلَام فِيهِ للْبَائِع قَالَه حمديس وَغَيره وَبِه الْفَتْوَى. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون، وَعَلِيهِ فَالْمُرَاد بالقليب أَن تكون الأَرْض مَقْلُوبَة أَي محروثة بِلَا بذر فيبيعها رَبهَا بعد حرثها وَقبل بذرها فَلَا كَلَام للْبَائِع فِي أَن القليب لم يدْخل فِي الابتياع وَأَنه ينْتَفع بزراعة قليبه، ثمَّ يسلم الأَرْض لمشتريها حَيْثُ لم يشْتَرط ذَلِك فِي العقد فَإِن اشْتَرَطَهُ كَانَ لَهُ شَرطه لِأَنَّهُ يجوز بيع الأَرْض على أَن تقبض بعد عشر سِنِين فدون كَمَا مر، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالقليب الْبِئْر الَّتِي تسقى بهَا الأَرْض، وَالْإِضَافَة حِينَئِذٍ على معنى (فِي) أَي فَمن بَاعَ أَرضًا وفيهَا بِئْر لم يستثنها، فَإِن العقد يَتَنَاوَلهَا وَتَكون للْمُبْتَاع كتناول الأَرْض للأشجار وَالنَّقْل شَاهد لكل من الِاحْتِمَالَيْنِ، لِأَن الأول نَص عَلَيْهِ ابْن عَاتٍ وَغَيره كَمَا مرّ، وَالثَّانِي هُوَ قَول (خَ) وتناولتهما أَي تناولت الأَرْض أَي بيعهَا مَا فِيهَا من بِنَاء وغرس وبئر وَعين وَغير ذَلِك إِلَّا أَن يستثنيه البَائِع عِنْد العقد، لَكِن الْحمل الأول يضعف من جِهَة أَنه إِذا كَانَ الزَّرْع الْغَيْر المأبور للْمُبْتَاع فأحرى القليب الْمَذْكُور لِأَن غَايَته أَنه صفة للْمَبِيع فَهُوَ مَفْهُوم مِمَّا قبله بِالْأُخْرَى بِخِلَاف الْحمل الثَّانِي وَالله أعلم. والماءُ إنْ كانَ يَزِيدُ وَيَقِلْ فَبَيْعُهُ لِجَهْلِهِ لَيْسَ يَحِلْ (وَالْمَاء إِن كَانَ يزِيد) أَي يكثر فِي بعض الْأَوْقَات (ويقل) فِي بَعْضهَا (فبيعه) اسْتِقْلَالا (لجهله لَيْسَ يحل) قَالَ ابْن سَلمُون: فَإِن كَانَ الْمَبِيع شرب عين أَو حظاً من مَاء فَتَقول: اشْترِي جَمِيع شرب الْعين أَو الْبِئْر أَو نصفه أَو ربعه، ثمَّ قَالَ ابْن فتحون: وَتقول فِي النَّص أَي فِي الْوَثِيقَة بعد الْوُقُوف على قلَّة المَاء وكثرته والاختبار لَهُ فِي كل وَقت وزمان وإحاطة علم المُشْتَرِي بِهِ وَإِن كَانَ يقل وَيكثر وَلَا يُوقف على الْحَقِيقَة مِنْهُ لم يجز بَيْعه لِأَنَّهُ مَجْهُول اه. وَنَحْوه فِي نقل الشَّارِح على الْمُتَيْطِيَّة وَقَالَ عقبه: هَذَا مِمَّا يشكل عَلَيْهِ بيع شراب مَوَاضِع من المرية وَغَيرهَا فَإِنَّهَا تقل فِي السنين الجدبة وتكثر فِي غَيرهَا وَالظَّاهِر جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهَا لارتباطها بِمَا أجْرى الله تَعَالَى من الْعَادة فِيهَا، فالمتعاقدان يعلمَانِ ذَلِك ويدخلان عَلَيْهِ، فَهَذَا كالغرر المغتفر فِي بيع الْأُصُول، إِذْ قد لَا تكون لَهَا غلَّة فِي بعض السنين، وَيحمل الْبَيْت وَالنَّص على مَا إِذا جهل المتعاقدان مَعًا قلته وكثرته وَيكون من التلون بِحَيْثُ لَا يَأْخُذهُ الضَّبْط اه. فَقَوله: إِذْ قد لَا تكون لَهَا غلَّة الخ.(2/26)
الصَّوَاب حذفه لِأَن الْمُشْتَرى هُوَ الْأُصُول لَا الْغلَّة قَالَه ابْن رحال قَالَ: وَمَا اسْتَظْهرهُ الشَّارِح من جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهِ هُوَ الْمُتَعَيّن اه. قلت: مَا اسْتَظْهرهُ الشَّارِح هُوَ عين مَا مرّ عَن ابْن سَلمُون لأَنهم إِنَّمَا أناطوا منع بَيْعه بِعَدَمِ علم حَقِيقَته بِحَيْثُ يقل فِي أَيَّام الشتَاء وَيكثر فِي بَعْضهَا يَوْمًا بِيَوْم وشهراً بِشَهْر، وَكَذَا هُوَ حكمه وعادته فِي سَائِر السّنة وَلَا تضبط قلته وَلَا كثرته فيهمَا فَمثل هَذَا هُوَ الَّذِي لَا تعلم حَقِيقَته، وَأما إِن علمت بالاختبار وَعلم المُشْتَرِي بقلته فِي بعض الْأَوْقَات كالصيف وكثرته فِي بَعْضهَا كالشتاء وَالربيع على مَا هُوَ الْمُعْتَاد فَلَا منع إِذْ ذَاك إِذْ لَا يجهله المتعاقدان، وَكَذَا قلّته فِي السنين الجدبة وكثرته فِي غَيرهَا لَا يخفى على أَحدهمَا لِأَن الْمِيَاه فِي السنين الجدبة رُبمَا يَبِسَتْ بِالْكُلِّيَّةِ فضلا عَن قلتهَا، والسنون الجدبة بِالنِّسْبَةِ لغَيْرهَا نادرة فَلَا حكم لَهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحل للإشكال وَلَا للاستظهار لِأَنَّهُ استظهار فِي مَحل النَّص وَالله أعلم. ابْن سَلمُون: إِثْر مَا مرّ وَلَا يجوز بيع الْأَنْهَار الْعَامَّة إِلَّا أَن يصرف مِنْهَا شَيْء وَيملك بالإسداد فَيجوز بَيْعه. وَشَرْطُ إبْقَاءِ المَبِيعِ بِالثَّمَنْ رَهْناً سِوَى الأَصُولِ بِالمَنْعِ اقْتَرَنْ (وَشرط إبْقَاء الْمَبِيع) المصدران مضافان لمفعوليهما (فِي الثّمن) يتَعَلَّق بقوله (رهنا) بِمَعْنى مَرْهُون مفعول ثَان بإبقاء (سوى الْأُصُول) حَال من الْمَبِيع (بِالْمَنْعِ) يتَعَلَّق بقوله (اقْترن) وَالْجُمْلَة خبر شَرط وَالتَّقْدِير؛ وَشرط البَائِع أَن يبقي بِضَم الْيَاء الْمَبِيع مَرْهُونا فِي الثّمن بِيَدِهِ أَو بيد أَمِين حَال كَون الْمَبِيع غير الْأُصُول اقْترن بِالْمَنْعِ، وَظَاهره كَانَ البيع حَالا أَو لأجل وَلَيْسَ كَذَلِك، بل مَحَله إِذا كَانَ لأجل لَا يجوز اسْتثِْنَاء مَنْفَعَة الْمَبِيع إِلَيْهِ على مَا مر تَفْصِيله فِي أول هَذَا الْفَصْل، وَأما إِذا كَانَ حَالا فَللْبَائِع أَن يحبس سلْعَته إِلَى أَن يقبض ثمنهَا وَلَو لم يشْتَرط ذَلِك كَمَا قَالَ (خَ) : وبرىء المُشْتَرِي للتنازع الخ. فاشتراطه ذَلِك حِينَئِذٍ مُؤَكد، وَإِذا هَلَكت وَقت حَبسهَا فيضمنها البَائِع ضَمَان الرِّهَان كَمَا قَالَ (خَ) : وَضمن بِالْعقدِ إِلَّا المحبوسة للثّمن فكالرهن. وَقِيلَ بالجَوَازِ مَهْمَا اتّفَقَا فِي وَضْعِهِ عِنْدَ أَمِينٍ مُطْلَقَا أصلا كَانَ أَو غَيره وَهُوَ مُسْتَغْنى مِنْهُ لِأَن الْكَلَام فِي غير الْأُصُول كَمَا هُوَ مَوْضُوعه، قَالَ ابْن سَلمُون: وَلَا يجوز للْبَائِع أَن يشْتَرط على المُشْتَرِي أَن تبقى الدَّابَّة رهنا بِيَدِهِ فِي الثّمن إِلَى(2/27)
أَجله، وَكَذَلِكَ لَا يجوز فِي سَائِر الْحَيَوَان وَالْعرُوض وَالْبيع على ذَلِك مفسوخ روى ذَلِك ابْن وهب عَن مَالك فِي الْحَيَوَان. وَقَالَهُ ابْن الْقَاسِم فِي الْعرُوض. قَالَ ابْن رشد: وَذَلِكَ جَائِز فِي الْأُصُول كلهَا لِأَنَّهُ يجوز أَن تبَاع على أَن تقبض إِلَى أجل قَالَ: فَإِن وضعت هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يجوز ارتهانها عِنْد بيعهَا على يَد عدل كَانَ ذَلِك جَائِزا، وَقيل: إِنَّه لَا يجوز أَن يَبِيع الرجل شَيْئا من الْأَشْيَاء على أَن يكون رهنا بِحقِّهِ إِلَى أجل وَإِن وضع ذَلِك بيد عدل، وَهُوَ قَول أصبغ. وَرَوَاهُ عَن أَشهب وَسَمَاع سَحْنُون اه. قلت: قد علمت مِمَّا مرّ فِي أول الْفَصْل أَن إبْقَاء الْمَبِيع رهنا فِي الثّمن لأَجله هُوَ من بيع معِين يتَأَخَّر قَبضه وَتقدم هُنَاكَ تَحْصِيله وَعَلِيهِ فيفصل فِي الْأَجَل، فَإِن كَانَ يتَغَيَّر الْمَبِيع إِلَيْهِ غَالِبا كَمَا لَو زَاد على الشَّهْر فِي الْحَيَوَان وعَلى ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْعرُوض وعَلى الْعشْر سِنِين فِي الأَرْض وَنَحْوهَا، فَيمْنَع ذَلِك وَيفْسخ مَعَه البيع وَهُوَ مُرَاد النَّاظِم وَغَيره هَهُنَا وَإِن كَانَ الْمَبِيع لَا يتَغَيَّر إِلَى ذَلِك الْأَجَل غَالِبا كَمَا لَو قصر الْأَجَل عَن تِلْكَ الْحُدُود جَازَ إبقائه رهنا إِذْ لَا غرر فِي ذَلِك، وَإِذا تقرر هَذَا فَظَاهر رِوَايَة ابْن وهب فِي الْحَيَوَان، وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي الْعرُوض أَن ذَلِك لَا يجوز يَعْنِي للأجل الَّذِي يتغيران إِلَيْهِ كَانَ بيد عدل أَو عِنْد البَائِع وَهُوَ الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ غرر، وَقَول ابْن رشد يجوز ذَلِك إِن وضعت تَحت يَد عدل لَا يجْرِي على مَا تقدم لِأَن الْأَجَل الَّذِي يتَغَيَّر إِلَيْهِ الْمَبِيع لَا يجوز على الرَّاجِح، وَلَو وضع بيد عدل، وَلَا يحمل كَلَامه على الْأَجَل الْجَائِز لِأَن الْجَائِز يجوز اشْتِرَاطه وَلَو بَقِي بيد البَائِع. وَقَوله فِي الْأُصُول لِأَنَّهُ يجوز أَن تبَاع على أَن تقبض إِلَى أجل الخ. يَعْنِي الْأَجَل الَّذِي لَا تَتَغَيَّر إِلَيْهِ كالعشر، وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يتَغَيَّر إِلَيْهِ كالعشرين، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ على النَّاظِم أَن لَا يتبعهُ فِي الْوَضع عِنْد أَمِين وَأَن لَا يَسْتَثْنِي الْأُصُول، وَأَن يقْتَصر على صَرِيح القَوْل الآخر فِي كَلَام ابْن سَلمُون من أَن ذَلِك لَا يجوز فِي الْأُصُول وَغَيرهَا لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم، وَلِأَن الْأَجَل فِي كَلَامهم مَحْمُول على مَا يتَغَيَّر الْمَبِيع إِلَيْهِ غَالِبا وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف الْمَبِيع فَلَو قَالَ: وَشرط إبْقَاء الْمَبِيع مُرْتَهن لأجل بعطب فِيهِ فامنعن لوفى بِمَا مر. وَجَائزٌ فِي الدَّارِ أنْ يُسْتَثْنَى سُكْنَى بِهَا كَسَنَةٍ أَوْ أَدْنَى (وَجَائِز فِي الدَّار) أَن تبَاع إِلَى أجل بل وَلَو نَقْدا وَنقد بِالْفِعْلِ كَمَا فِي (ق) عَن سَماع يحيى(2/28)
(ان يسْتَثْنى) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (سُكْنى بهَا) مُدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا (كَسنة أَو أدنى) أَو أَكثر كسنتين وَقيل غير ذَلِك. قَالَ فِي ضيح: وَالْخلاف خلاف فِي حَال فَإِن كَانَت الْمدَّة لَا تَتَغَيَّر فِيهَا غَالِبا جَازَ انْتهى. وَنَحْوه فِي (ق) عَن الْمُدَوَّنَة فالتحديد بِالسنةِ فِي النّظم و (خَ) غير مُعْتَمد كَمَا مرّ فِي أول الْفَصْل. ابْن سَلمُون: فَإِن الْتزم المُشْتَرِي أَن لَا يَبِيعهَا حَتَّى ينصف البَائِع من الثّمن، وَمَتى فعل ذَلِك فقد حل عَلَيْهِ الثّمن فَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا أَن يكون طَوْعًا بعد العقد، ثمَّ قَالَ: فَإِن اخْتلفَا فَقَالَ البَائِع: وَقع طَوْعًا. وَقَالَ المُشْتَرِي: بل شرطا فِي العقد فَالْقَوْل قَول مدعي الشَّرْط إِن كَانَ يَدعِي الْفساد لِأَنَّهُ الْعرف اه. تَنْبِيه: فَإِن انْهَدَمت الدَّار فضمانها فِي مُدَّة الِاسْتِثْنَاء الْجَائِز من المُشْتَرِي وَلَا رُجُوع للْبَائِع على الْمُبْتَاع بِمَا اشْتَرَطَهُ من السُّكْنَى فِي قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يَبِيعهَا الْمُبْتَاع فِي أثْنَاء الْمدَّة الْجَائِزَة فَلَا يخرج مِنْهَا البَائِع حَتَّى يَسْتَوْفِي مدَّته. وَأما إِن تهدمت فِي اسْتثِْنَاء الْمدَّة الْغَيْر الْجَائِزَة فضمانها من البَائِع إِلَّا أَن تنهدم بعد أَن قبضهَا المُشْتَرِي، وَلَو قبل انْقِضَاء مُدَّة الِاسْتِثْنَاء فضمانها مِنْهُ لِأَنَّهُ بيع فَاسد يضمن بِالْقَبْضِ. وَلما قدم فِي قَوْله: وآبر من زرع أَو من شجر. حكم من اشْترى أَرضًا فِيهَا زرع فِي عقد وَاحِد أَو شجر فِيهَا ثَمَر، كَذَلِك أَشَارَ هُنَا إِلَى مَا إِذا اشْترى الأَرْض وَحدهَا ثمَّ اشْترى زَرعهَا أَو الشّجر وَحدهَا ثمَّ ثَمَرهَا فَقَالَ: وَمُشْتَرِي الأصْلِ شِرَاؤُهُ الثَّمرْ قَبْلَ الصَّلاح جائِزٌ فِيمَا اشْتَهَرْ (ومشتري الأَصْل) وَوجد فِيهِ ثَمَر مؤبر لم يَشْتَرِطه وَبَقِي لبَائِعه (شِرَاؤُهُ) ذَلِك (الثَّمر) المؤبر بعد ذَلِك (قبل) بَدو (الصّلاح) فِيهَا (جَائِز) مُطلقًا قرب مَا بَين العقد على الأَصْل وَالثِّمَار أم لَا. (فِيمَا اشْتهر) من أَقْوَال ثَلَاثَة. ثَانِيهَا: الْمَنْع مُطلقًا. ثَالِثهَا: يجوز إِذا قرب مَا بَين الْعقْدَيْنِ كالعشرين يَوْمًا لَا فِيمَا بعد. والزَّرْعُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الشَّجَرِ وَلَا رُجُوعَ إنْ تُصِبْ لِلْمُشْتَرِي (فالزرع) المؤبر الَّذِي لم يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع عِنْد شِرَاء أرضه يجْرِي (فِي) جَوَاز شِرَائِهِ مِنْهُ بعد (ذَلِك مثل) مَا جرى فِي شِرَاء ثَمَر (الشّجر) بعد شِرَائهَا وَحدهَا من جَرَيَان الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة (خَ) : وَصَحَّ بيع ثَمَر وَنَحْوه بدا صَلَاحه وَقَبله مَعَ أَصله أَو ألحق بِهِ الخ. فَقَوله: مَعَ أَصله هُوَ مَا تقدم(2/29)
للناظم فِي قَوْله: إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي. وَقَوله: أَو ألحق بِهِ هُوَ مَا ذكره النَّاظِم هَهُنَا، فَكل مِنْهُمَا تكلم على الصُّورَتَيْنِ رحمهمَا الله، وَوَجهه فِي الأولى أَنَّهُمَا تبع للْأَصْل، وَفِي الثَّانِيَة أَن اللَّاحِق للْعقد كالواقع فِيهِ، وَفهم مِنْهُمَا أَنه لَو اشْترى الزَّرْع أَو الثَّمر قبل بدوه أَولا ثمَّ اشْترى الأَرْض وَالشَّجر لم يجز وَهُوَ كَذَلِك، وَإِذا أجيحت الثَّمَرَة الْمُشْتَرَاة مَعَ الأَصْل أَو الَّتِي ألحقت بِهِ فَلَا قيام لَهُ بالجائحة كَمَا قَالَ: (وَلَا رُجُوع أَن تصب) بِضَم التَّاء وَفتح الصَّاد مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير الثَّمر ومتعلقه مَحْذُوف أَي بالجائحة (للْمُشْتَرِي) خبر لَا وَعلل عدم الرُّجُوع بالجائحة فِيهَا لِأَنَّهَا تبع للْأَصْل، وَمَا كَانَ تبعا لَا جَائِحَة فِيهِ. وَفِي طرر ابْن عَاتٍ عَن ابْن مُحرز أَن الْجَائِحَة لم تسْقط هُنَا عَن البَائِع لأجل أَن الثَّمَرَة تبع للْمَبِيع، وَقَول من قَالَ ذَلِك فَاسد وَيدل على ذَلِك أَنه لَو اشْترى ثَمَرَة وَمَعَهَا عرُوض كَثِيرَة فَكَانَت الثَّمَرَة تبعا لجَمِيع الصَّفْقَة لكَانَتْ فِيهَا الْجَائِحَة، وَإِنَّمَا سَقَطت الْجَائِحَة هُنَا لانْقِطَاع السَّقْي عَن البَائِع، وَيدل على ذَلِك أَن الثَّمَرَة لَو بِيعَتْ وَحدهَا وَقد استغنت عَن السَّقْي لم يكن فِيهَا جَائِحَة اه. وَبَيْعُ مِلْكٍ غَابَ جَازَ بِالصِّفَهْ أَوْ رُؤْيَةٍ تَقَدَمَتْ أَوْ مَعْرِفَهْ (وَبيع ملك) بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا الشَّيْء الْمَمْلُوك عقارا كَانَ أَو غَيره إِلَّا أَنه لَا يسْتَعْمل بِالضَّمِّ إِلَّا فِي مَوَاضِع الْكَثْرَة وسعة السُّلْطَان يُقَال لفُلَان ملك عَظِيم أَي مَمْلُوك كَبِير قَالَه أَبُو الْبَقَاء فِي إِعْرَاب الْقُرْآن (غَابَ) عَن مجْلِس العقد أَو الْبَلَد كَمَا هُوَ ظَاهره وَلم يبعد جدا كخراسان من إفريقية (جَازَ) بَيْعه على اللُّزُوم (بِالصّفةِ) الكاشفة لأحواله كَكَوْنِهِ إِن كَانَ أَرضًا قَرِيبا من المَاء أَو بَعيدا، وَكَون أرضه مستوية أَو معلقَة ذَات حِجَارَة أَو دونهَا قريبَة من الْعِمَارَة أَو بعيدَة عَنْهَا وَإِن أذرعها، كَذَا وَأَن مساحة الدَّار إِن كَانَ دَارا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وَأَن طولهَا كَذَا وعرضها كَذَا، وَطول بَيتهَا القبلي كَذَا وَعرضه كَذَا وعلوه كَذَا، وبناؤها بِالْحِجَارَةِ أَو الْآجر أَو طابية وَأَن لون الْحَيَوَان إِن كَانَ حَيَوَانا كَذَا وسنه كَذَا، وَهَكَذَا حَتَّى يَأْتِي على جَمِيع الْأَوْصَاف الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَغْرَاض فِي السّلم لِأَن بيع الْغَائِب مقيس على السّلم، وَسَوَاء كَانَ الْوَصْف من غير البَائِع أَو من البَائِع كَمَا هُوَ ظَاهره أَيْضا، لَكِن لَا يجوز النَّقْد فِيهِ بِوَصْف البَائِع ربعا كَانَ أَو غَيره. (أَو) ب (رُؤْيَة تقدّمت) قبل عقد البيع بِحَيْثُ لَا يتَغَيَّر بعْدهَا وَلم يبعد جدا كَمَا فِي (ز) . (أَو معرفَة) من عطف الْعَام على الْخَاص وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالرُّؤْيَةِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ وبالمعرفة مَا هُوَ أَكثر، فَإِن كَانَ يتَغَيَّر(2/30)
بعْدهَا قطعا أَو شكا أَو بَعدت مسافته جدا كخراسان من إفريقية لم يجز بَيْعه باللزوم استناداً للرؤية السَّابِقَة. نعم يجوز بَيْعه على خِيَاره بِالرُّؤْيَةِ. وَاعْلَم أَن بيع الْغَائِب لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يكون على الْخِيَار بِالرُّؤْيَةِ أَو على الصّفة باللزوم أَو على رُؤْيَة سَابِقَة، فالقسم الأول لم يتَعَرَّض لَهُ النَّاظِم لِأَنَّهُ على خِيَار المُشْتَرِي فَالْبيع لَازم للْبَائِع منحل من جِهَة المُشْتَرِي فَلهُ أَن يرجع قبل الرُّؤْيَة وَبعدهَا كَمَا فِي النَّقْل قَالَه (ز) وَلَا يشْتَرط فِيهِ وصف وَلَا رُؤْيَة سَابِقَة وَلَا عدم الْبعد جدا. وَأما الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ مَا بيع على الصّفة باللزوم فَيشْتَرط فِيهِ عدم الْبعد جدا كَمَا مر وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْغَيْبَة عَن الْبَلَد، بل عَن الْمجْلس فَقَط على الْمُعْتَمد كَانَ حَاضرا بِالْبَلَدِ أَو على مَسَافَة عشرَة أَيَّام أَو على أَكثر مِمَّا لم يبعد جدا، وَسَوَاء وَصفه للْبَائِع أَو غَيره كَمَا مرّ. نعم إِذا كَانَ حَاضرا مجْلِس العقد فَلَا بُد من رُؤْيَته وَلَا تَكْفِي فِيهِ الصّفة إِلَّا إِذا كَانَ فِي فَتحه مشقة كَعدْل البرنامج الَّذِي يشق فَتحه وشده أَو فَسَاد كقلل الْخلّ المطينة. وَأما الْقسم الثَّالِث، وَهُوَ مَا بيع على رُؤْيَة سَابِقَة فَيشْتَرط أَن لَا يتَغَيَّر من وَقت الرُّؤْيَة لوقت العقد وَأَن لَا يبعد جدا كَمَا مر وَيظْهر لي أَن عدم التَّغَيُّر بعْدهَا يُغني عَن الْبعد جدا لِأَنَّهُ يلْزم من الْبعد جدا تغيره تَحْقِيقا أَو شكا فَتَأَمّله. وَلَا يشْتَرط فِيهِ غيبته عَن الْمجْلس، بل يجوز وَلَو حَاضرا بِالْمَجْلِسِ، وَبِهَذَا تعلم أَن النَّاظِم أخل بِقَيْد عدم الْبعد جدا فِي الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ مَعًا على مَا فِيهِ ويقيد عدم التَّغَيُّر فِي الرُّؤْيَة السَّابِقَة. وَجَازَ شَرْطُ النَّقْدِ فِي المَشْهُورِ وَمُشتَرٍ يَضْمَنُ لِلْجُمْهُورِ (وَجَاز شَرط النَّقْد فِي) الْعقار الْمَبِيع على اللُّزُوم بِرُؤْيَة سَابِقَة أَو بِوَصْف غير البَائِع وَإِن بعد لَا جدا، وَأما بِوَصْف البَائِع فَلَا يجوز النَّقْد فِيهِ وَلَو تَطَوّعا على (الْمَشْهُور) خلافًا لأَشْهَب فِي مَنعه اشْتِرَاط النَّقْد فِيهِ مَعَ الْبعد لَا جدا، وَسَوَاء على الْمَشْهُور بيع الْعقار جزَافا أَو مذارعة لِأَن الْمَقْصُود من الذرع فِي الْعقار إِنَّمَا هُوَ وَصفه وتحديده كَمَا مرّ قَالَه طفي، وَكَذَا لَا يجوز شَرط النَّقْد فِي الْمَبِيع غَائِبا غير الْعقار إِن قرب كاليومين كَمَا فِي (خَ) .(2/31)
(تَنْبِيهَانِ. الأول) : إِذا اجْتمع البيع بِوَصْف أَو بِرُؤْيَة سَابِقَة مَعَ الْخِيَار بِالرُّؤْيَةِ فَالْحكم للخيار بِالرُّؤْيَةِ. الثَّانِي: ضَمَان الْمَبِيع غير الْعقار من البَائِع فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة حَتَّى يقبضهُ المُشْتَرِي، فَإِذا هلك قبل الْقَبْض فِي البيع على رُؤْيَة سَابِقَة فضمانه من بَائِعه، وَإِذا تغير وتنازعا فَقَالَ البَائِع: هَذِه الصّفة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآن أَي وَقت الْقَبْض هِيَ الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَقت رؤيتك إِيَّاه، وَقَالَ المُشْتَرِي: بل تغير عَن الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَقت الرُّؤْيَة فَالْقَوْل للْبَائِع، وَأما الْعقار فضمانه من المُشْتَرِي كَمَا قَالَ:
(ومشتر) عقارا غَائِبا بِرُؤْيَة سَابِقَة أَو بِوَصْف (يضمن) مَا هلك مِنْهُ قبل قَبضه حَيْثُ تحقق أَن العقد أدْركهُ سالما (لِلْجُمْهُورِ) وَهُوَ مَا حَكَاهُ النَّاس عَن مَالك أَولا وَأَنه كَانَ يَقُول الضَّمَان من المُشْتَرِي إِلَّا أَن يَشْتَرِطه على البَائِع، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْعَكْس وَأَنه من البَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه على المُشْتَرِي، وَفِي (ق) لم يخْتَلف قَول مَالك فِي الرباع والدور وَالْأَرضين وَالْعَقار أَن ضَمَانهَا من الْمُبْتَاع من يَوْم العقد وَإِن بَعدت، وَقَوْلِي حَيْثُ تحقق أَن العقد أدْركهُ سالما أَي بإقرارهما أَو بِقِيَام الْبَيِّنَة احْتِرَازًا مِمَّا إِذا تنَازعا فَقَالَ المُشْتَرِي: أَدْرَكته الصَّفْقَة معيبا. وَقَالَ البَائِع: بل سالما، فَإِن القَوْل للْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيع على صفة وَللْبَائِع فِي الْمَبِيع على رُؤْيَة سَابِقَة كَمَا مرّ. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَينهمَا؟ قلت: قَالَ فِي ضيح: الْفرق بَينهمَا أَن البيع فِي مَسْأَلَة الرُّؤْيَة مُعَلّق على بَقَاء صفة الْمَبِيع الَّذِي رَآهُ عَلَيْهَا وَالْأَصْل بَقَاؤُهَا، فَمن ادّعى الِانْتِقَال مِنْهُمَا فَهُوَ مُدع وَهُوَ المُشْتَرِي بِخِلَاف البيع على الصّفة، فَإِن الأَصْل عدم وجود تِلْكَ الصّفة وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل المُشْتَرِي. والأَجْنَبِيُّ جَائزٌ مِنْهُ الشَرَا مَلتزِمَ العُهْدَةِ فِيمَا يُشْتَرَى (وَالْأَجْنَبِيّ جَائِز مِنْهُ الشرا) ء لغيره حَال كَونه (مُلْتَزم الْعهْدَة فِيمَا يشترى) قَالَ الشَّارِح مَا حَاصله: لفظ الشِّرَاء مُحْتَمل لمعناه الْمُتَبَادر مِنْهُ عرفا، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَنه يجوز للرِّجَال أَن يَنُوب عَن غَيره فِي شِرَاء دَابَّة وَنَحْوهَا ويلتزم لَهُ عُهْدَة(2/32)
الْعَيْب والاستحقاق، وَأَنه إِن حصل أَحدهمَا غرم لَهُ الثّمن، وَيحْتَمل لِأَن يكون بِمَعْنى البيع على حد قَوْله تَعَالَى: وشروه بِثمن بخس} (يُوسُف: 20) أَي باعوه، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَن الْأَجْنَبِيّ يجوز البيع مِنْهُ حَيْثُ اشْترى لغيره حَالَة كَونه مُلْتَزم عُهْدَة الْعَيْب والاستحقاق فِيمَا يَشْتَرِيهِ لذَلِك الْغَيْر، وَأَنه إِن حصل عيب أَو اسْتِحْقَاق غرم لَهُ الثّمن أَيْضا، وَقد علمت مِنْهُ أَن مآل الِاحْتِمَالَيْنِ وَاحِد وَأَن الْأَجْنَبِيّ مُشْتَر على كل حَال، وَإِنَّمَا تغاير الاحتمالان عِنْده من جِهَة أَن الشِّرَاء فِي كَلَام النَّاظِم هَل هُوَ بِمَعْنَاهُ الْعرفِيّ فَيجوز للْأَجْنَبِيّ أَن يَشْتَرِي لغيره دَابَّة مثلا مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ، أَو بِمَعْنى البيع فَيجوز لشخص أَن يَبِيع من الْأَجْنَبِيّ دَابَّة يَشْتَرِيهَا لغيره مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ أَيْضا فجَاء الاحتمالان بِاعْتِبَار مُتَعَلق الْجَوَاز وَذَلِكَ باخْتلَاف معنى الشِّرَاء فِي النّظم، وَهَذَا قَلِيل الجدوى وَالصَّوَاب أَن يُقَال: أَن كلاًّ من الْمُتَعَاقدين بَائِع لما خرج من يَده مُشْتَر لما بيد غَيره كَمَا تقدم أول الْبَاب، فالأجنبي حِينَئِذٍ بَائِع مُشْتَر فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة لمن اشْترى لَهُ وَتارَة يلتزمها لمن اشْترى مِنْهُ، فالأجنبي النَّائِب عَن غَيره إِذا اشْترى مثلا دَابَّة من عَمْرو لخَالِد بِثَوْب أَو دَرَاهِم فَهُوَ بَائِع للثوب أَو الدَّرَاهِم مُشْتَر للدابة، فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الدَّابَّة للَّذي اشْترى لَهُ وَهُوَ خَالِد، وَتارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الثَّوْب أَو الدَّرَاهِم للَّذي اشتراهما مِنْهُ وَهُوَ عَمْرو، وَسَوَاء حِينَئِذٍ حملنَا الشِّرَاء فِي النّظم على مَعْنَاهُ الْعرفِيّ أَو على البيع. وَلذَا بنى النَّاظِم يشترى للْمَفْعُول ليشْمل مَا إِذا الْتزم الْعهْدَة فِيمَا يَشْتَرِيهِ للْغَيْر أَو فِيمَا يَشْتَرِيهِ الْغَيْر مِنْهُ كَمَا ترى، وَسَوَاء الْتزم فِي هَذَا الثَّانِي الْعهْدَة ابْتِدَاء أَو انْتِهَاء كَمَا إِذا لم يعلم المُشْتَرِي مِنْهُ بِأَنَّهُ وَكيل فِي البيع عَن غَيره، ثمَّ أثبت أَنه وَكيل فَإِن المُشْتَرِي يُخَيّر فِي الرَّد أَو التماسك لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِنَّمَا اشْتريت على أَن تكون عهدتي على مُتَوَلِّي البيع، وَلَا أرْضى أَن تكون على المنوب عَنهُ لعسره وَقلة ذَات يَده أَو لدده، فَإِذا رَضِي الْوَكِيل بِأَن تكون الْعهْدَة عَلَيْهِ سقط الْخِيَار وَلزِمَ البيع للْمُشْتَرِي، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالالتزام انْتِهَاء، وَإِنَّمَا قُلْنَا ثمَّ أثبت أَنه وَكيل الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يثبت ذَلِك فَإِن الْعهْدَة لَا تَنْتفِي عَنهُ وَلَا يثبت الْخِيَار لِأَنَّهُ يتهم أَن يكون هُوَ الْمَالِك، وَلكنه نَدم فِي البيع فَادّعى أَنه نَائِب فِيهِ عَن غَيره، لَعَلَّ المُشْتَرِي لَا يرضاه وَيفْسخ البيع فَكَلَام النَّاظِم شَامِل لهَذَا كُله إِلَّا أَنه أطلق الْجَوَاز على حَقِيقَته وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام ابْتِدَاء وعَلى مجازه وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام انْتِهَاء لِأَن الْجَوَاز فِيهِ بِمَعْنى اللُّزُوم، وَالله أعلم. تَنْبِيه: الْتِزَام الْأَجْنَبِيّ للعهدة الْمَذْكُورَة هُوَ من ضَمَان دَرك الْعَيْب والاستحقاق أَي ضَمَان مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا وَهُوَ جَائِز كَمَا تقدم أول بَاب الضَّمَان، وَالله تَعَالَى أعلم.(2/33)
(فصل فِي بيع الْعرُوض)
جمع عرض وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاح مَا عدا الْعين وَالطَّعَام من الْأَشْيَاء كلهَا، والناظم أَرَادَ بِهِ هُنَا مَا عدا الْأُمُور الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: مَا يستجاز بَيْعه أَقسَام الخ. وَلذَا قَالَ: (من الثِّيَاب وَسَائِر السّلع) ، بَيَان لما قبله: بَيْعُ العُروضِ بالعُرُوضِ إنْ قُصِدْ تَعاوُضٌ وَحُكْمُهُ بَعْدُ يَرِدْ (بيع الْعرُوض بالعروض) مُبْتَدأ (إِن قصد) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ (تعاوض) خبر الْمُبْتَدَأ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار فِي مثل هَذَا التَّرْكِيب كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} (الْبَقَرَة: 70) وَيجوز أَن يكون تعاوض خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف جَوَاب الشَّرْط أَي: فَهُوَ تعاوض، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ. وَعَلِيهِ اقْتصر اليزناسني. (وَحكمه بعد يرد) وَحَاصِل صوره ثَمَانِيَة لِأَن الْعرض بِالْعرضِ إِمَّا يدا بيد وَإِمَّا أَن يتَأَخَّر أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا أَن يَكُونَا وَاحِدًا بِوَاحِد أَو بِأَكْثَرَ، وَفِي كل إِمَّا أَن يَكُونَا من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ. فإنْ يَكُنْ مَبيعُهَا يَداً بِيَدْ فإنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ (فَإِن يكن مبيعها) أَي الْعرُوض (يدا بيد، فَإِن ذَاك جَائِز) مَعَ اتِّحَاد الْجِنْس واختلافه والتماثل والتفاضل (كَيفَ انْعَقَد) فَإِن كَانَ وَاحِدًا بِوَاحِد كَثوب هروي بهروي أَو مَرْوِيّ بمروي أَو وَاحِد بمتعدد كهروي بمرويين فَأكْثر أَو مرويين فَأكْثر، وَهَذِه أَربع صور، وَمَفْهُوم قَوْله: يدا بيد صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَكُونَا مؤجلين مَعًا وَفِيهِمَا أَربع صور زِيَادَة على الثمان الْمُتَقَدّمَة، وَلم يتَعَرَّض لَهَا النَّاظِم. وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْمَنْع لابتداء الدّين بِالدّينِ، وَالثَّانيَِة أَن يعجل أَحدهمَا ويؤجل الآخر وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَإنْ يَكُنْ مُؤَجَّلاَ وَتَخْتَلِفْ أجُنَاسُهُ فَما تَفَاضُلُ أُنِفْ (وَإِن يكن) أحد الْعِوَضَيْنِ (مُؤَجّلا) وَالْآخر نَقْدا أَي حَالا فإمَّا أَن تتحد أجناسه وَسَيَأْتِي فِي الْبَيْت بعده: (و) إِمَّا (تخْتَلف أجناسه) كتعجيل ثوب من حَرِير فِي ثوب أَو ثَوْبَيْنِ فَأكْثر(2/34)
من صوف، أَو تَعْجِيل هروي فِي مَرْوِيّ أَو مرويين فَأكْثر (فَمَا تفاضل أنف) أَي منع كَمَا لَا يمْنَع التَّمَاثُل بالأحرى إِذْ لَا مُوجب للْمَنْع مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ من الْأَرْبَع الْبَاقِيَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وتختلف أجناسه وَفِيه صُورَتَانِ وَبِهِمَا تتمّ الصُّور الثمان فَقَالَ: وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِلأَمَدْ مُمْتَنِعٌ فِيهِ تَفاضُلٌ فقدْ (وَالْجِنْس) أَي وَبيع الْجِنْس (من ذَاك) الْمَذْكُور من الْعرُوض (بِجِنْس) مماثل لَهُ (لأمد) أَي لأجل: (مُمْتَنع فِيهِ تفاضل فقد) فَحسب أَي لَا غير كَثوب من حَرِير معجل فِي ثَوْبَيْنِ مِنْهُ إِلَى أجل للسلف بِمَنْفَعَة وَعَكسه لضمان بِجعْل، وَمَفْهُوم تفاضل أَنه مَعَ التَّمَاثُل كَثوب من صوف معجل فِي ثوب مثله، وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ أَجود من الْمُعَجل وَلَا أدنى جَائِز لِأَنَّهُ مَحْض سلف، ثمَّ اسْتثْنى من منع التَّفَاضُل فِي الْجِنْس الْوَاحِد فَقَالَ: إلاّ إذَا تَخْتَلِفُ المنافِعُ وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبضٍ مَانِعُ (إِلَّا إِذا تخْتَلف الْمَنَافِع) كسيف قَاطع معجل فِي اثْنَيْنِ دونه فِي الْقطع والجوهرية إِلَى أجل، وكجذع من الْخشب طَوِيل غليظ معجل فِي جذع أَو جُذُوع صغَار إِلَى أجل، وكثوب غليظ من الْكَتَّان معجل فِي ثوب رَقِيق مِنْهُ إِلَى أجل، أَو غزل غليظ فِي رَقِيق من جنسه وَبِالْعَكْسِ فَإِن ذَلِك كُله جَائِز لاخْتِلَاف الْمَنْفَعَة لِأَن اختلافها يصير الْجِنْس الْوَاحِد كجنسين، وَلَا يدْخل فِي النّظم هُنَا بيع صَغِير بكبير من جنسه وَعَكسه إِلَى أجل، لِأَن الْكَلَام فِي الْعرُوض لَا فِي الْحَيَوَان (وَمَا لبيع قبل قبض مَانع) مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور قبله خَبره، وَالْمعْنَى أَنه يجوز بيع الْعرُوض قبل قبضهَا كَانَ الْمُعَجل فِيهَا عرضا أَيْضا أَو دَرَاهِم أَو حَيَوَانا أَو طَعَاما من بيع أَو سلم بِخِلَاف الطَّعَام، فَإِنَّهُ لَا يجوز بَيْعه قبل قَبضه مُطلقًا حَيْثُ كَانَ من مُعَاوضَة لَا من قرض فَيجوز نَقْدا فَقَط وَظَاهره أَنه يجوز بيع الْعرض قبل قَبضه لمن هُوَ عَلَيْهِ وَلغيره نَقْدا وَإِلَى أجل قبل حُلُوله وَبعده وَلَيْسَ كَذَلِك بل فِيهِ تَفْصِيل، فَإِن كَانَ لمن هُوَ عَلَيْهِ فَيجوز بعد حُلُول أَجله وَقَبله بِشَرْط أَن يكون الثّمن الْمَأْخُوذ فِي الْعرض نَقْدا وَأَن يكون مِمَّا يَصح بَيْعه بِالثّمن الْمُعَجل فِي الْعرض الْمَذْكُور فَإِذا عجل دَرَاهِم أَو حَيَوَانا فِي ثوب من صوف لأجل مثلا، فَيجوز أَن يَأْخُذ عَن الثَّوْب بعد الْحُلُول أَو قبله ثوبا من كتَّان وحرير لَا دَنَانِير أَو لَحْمًا غير مطبوخ من جنسه لما فِيهِ من الصّرْف الْمُؤخر فِيمَا إِذا كَانَ الْمُعَجل دَرَاهِم والمأخوذ دَنَانِير وَبِالْعَكْسِ، وَلما فِيهِ من بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ فِيمَا إِذا كَانَ الْمُعَجل حَيَوَانا والمأخوذ لَحْمًا من جنسه وَبِالْعَكْسِ، وَقَوْلِي نَقْدا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لأجل فَإِنَّهُ لَا يجوز لما(2/35)
فِيهِ من فسخ الدّين فِي الدّين حَيْثُ كَانَ الْمَأْخُوذ أَكثر مِمَّا فِي الذِّمَّة أَو من غير الْجِنْس فَإِن كَانَ مثل مَا فِي الذِّمَّة جَازَ بعد الْأَجَل وَلَا إِشْكَال لِأَنَّهُ قَضَاء عَمَّا فِيهَا وَكَذَا قبل الْأَجَل حَيْثُ كَانَ الْقَضَاء فِي مَحَله أَي بَلَده لَا إِن كَانَ بِغَيْر مَحَله فَلَا يجوز، وَإِن حل لما فِيهِ من سلف جر نفعا لِأَن الْمُعَجل قبل الْبَلَد يعد مسلفاً كالمعجل قبل الْأَجَل فقد انْتفع بِإِسْقَاط الحمولة عَنهُ. هَذَا مُحَصل مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي آخر السّلم بقوله: وَبِغير الْجِنْس إِن جَازَ بَيْعه الخ. وَبِقَوْلِهِ قبله وَجَاز قبل زَمَانه قبُول صفته فَقَط كقبل مَحَله فِي الْعرض. الخ. وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا بَاعه لمن هُوَ عَلَيْهِ، وَأما إِذا بَاعه لغير من هُوَ عَلَيْهِ فَيجوز قبل الْأَجَل وَبعده أَيْضا بِشَرْط أَن يكون الثّمن نَقْدا لَا مُؤَجّلا فَيمْنَع مُطلقًا لِأَنَّهُ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَأَن يكون من هُوَ عَلَيْهِ حَاضرا مقرا وَبيع بِغَيْر جنسه وَلَيْسَ ذَهَبا بِفِضَّة وَلَا عَكسه، وَلَيْسَ بَين مُشْتَرِيه وَبَين من هُوَ عَلَيْهِ عَدَاوَة وَلَا قصد إعانته كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) أَيْضا بقوله: وَمنع بيع دين ميت وغائب وَلَو قربت غيبته وحاضر إِلَّا أَن يقر الخ. وَبَيْعُ كُلَ جَائِزٌ بالْمَالِ عَلَى الْحُلُولِ وَإلى الآجالِ (وَبيع كل) من الْعرُوض (جَائِز بِالْمَالِ) من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَيَوَان الْعَاقِل وَغَيره، وَأما بَيْعه بِعرْض آخر فَهُوَ مَا قبله (على الْحُلُول وَإِلَى الْآجَال) الْمَعْلُومَة غير الْبَعِيدَة جدا كالسبعين وَالسِّتِّينَ سنة كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: بأضرب الْأَثْمَان والآجال الخ. وَمَنْ يُقَلِّبْ مَا يُفيتُ شَكْلَهُ لَمْ يَضْمَنْ إلاّ حَيْثُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ (وَمن يقلب مَا) أَي فخاراً أَو زجاجاً أَو سَيْفا أَو دَابَّة وَنَحْو ذَلِك (يفيت) بِضَم الْيَاء مضارع أفات، وفاعله ضمير التقليب وَمعنى الإفاتة الْهَلَاك (شكله) مَفْعُوله (وَلم يضمن) مَا سقط من يَده حِين التقليب فانكسر، أَو مَاتَت الدَّابَّة حِين الرّكُوب (إِلَّا حَيْثُ لم يُؤذن لَهُ) فِي التقليب الْمَذْكُور وَالرُّكُوب وَنَحْو ذَلِك أما مَعَ الْإِذْن نصا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا سقط من يَده، وَإِنَّمَا يضمن مَا سقط عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خطأ وَهُوَ كالعمد (خَ) : وَضمن بِسُقُوط شَيْء من يَده عَلَيْهَا الخ. وَأما مَعَ الْإِذْن حكما كَأَن يقلبها وصاحبها سَاكِت ينظر. فَقَوْلَانِ مشهوران مبنيان على أَن السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ أرجحهما أَنه لَيْسَ بِإِذن قَالَ فِي إِيضَاح المسالك، قَالَ ابْن رشد فِي كتاب الدَّعْوَى: وَالصُّلْح من الْبَيَان لَا خلاف أَن السُّكُوت لَيْسَ بِرِضا لِأَن الْإِنْسَان قد يسكت مَعَ كَونه غير رَاض، وَإِنَّمَا اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ وَرجح كَونه لَيْسَ بِإِذن اه. ابْن سَلمُون: وَمن أَخذ قوساً أَو سَيْفا أَو آنِية ليقلبها فانكسر الْقوس أَو السَّيْف عِنْد الرَّمْي بِهِ(2/36)
أَو الفخار، فَإِن كَانَ ذَلِك بِإِذن صَاحبه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ ضَامِن، وَكَذَلِكَ الدَّابَّة. قَالَ أصبغ: وَكَذَلِكَ إِن أَخذ الفخار وَصَاحبه يرَاهُ وَإِن لم يَأْذَن لَهُ وَسقط وانكسر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وروى عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم فِي ذَلِك أَنه ضَامِن إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ اه. وَمَا رَوَاهُ عِيسَى هُوَ الَّذِي رَجحه ابْن رشد كَمَا مرّ، وَكَذَلِكَ يضمن إِن سقط من يَده عِنْد التقليب بِسَبَب تغريره كَأَن يرفع الْقلَّة الْكَبِيرَة من أذن وَاحِدَة أَو بأصبع وَاحِد فتنكسر وَيضمن مَا سَقَطت عَلَيْهِ على كل حَال فَإِن ادّعى عَلَيْهِ رب الزجاجة وَنَحْوهَا حَيْثُ أذن لَهُ فِي تقليبها أَنه تعمد طرحها أَو فرط حَتَّى سَقَطت فَعَلَيهِ الْيَمين فَإِن نكل غرم بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة. وَالبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ يَنْتَقِدْ فِي مَوْضَع آخَرَ إنْ حُدَّ الأَمَدْ (وَالْبيع جَائِز على) شَرط (أَن ينْتَقد) الثّمن أَو الْمُثمن (فِي مَوضِع) أَي بلد (آخر) غير بلد العقد (إِن حدّ الأمد) أَي الْأَجَل وإلاَّ لم يجز، قَالَ فِي التَّهْذِيب: وَمن بَاعَ سلْعَة بِعَين على أَن يَأْخُذهُ بِبَلَد آخر فَإِن سمى الْبَلَد وَلم يضْرب لذَلِك أَََجَلًا لم يجز، وَإِن ضرب لذَلِك أَََجَلًا جَازَ سمى الْبَلَد أَو لم يسمهَا، فَإِن حل الْأَجَل فَلهُ أَخذه بِالْعينِ أَيْنَمَا لقِيه، وَإِن بَاعَ السّلْعَة بِعرْض وَشرط قَبضه بِبَلَد آخر إِلَى أجل فَلَيْسَ لَهُ أَخذه بِهِ بعد الْأَجَل إِلَّا فِي الْبَلَد الْمُشْتَرط فَإِن أَبى الَّذِي عَلَيْهِ الْعرض بعد الْأَجَل أَن يخرج إِلَى ذَلِك الْبَلَد أجبر على أَن يخرج أَو يُوكل من يخرج فيوفي صَاحبه اه. وَحَاصِله أَن الْأَجَل لَا بُد مِنْهُ كَمَا قَالَ النَّاظِم: سَوَاء كَانَ البيع بِالْعينِ أَو بِالْعرضِ إِلَّا أَن شَرط قبض الْعين بِبَلَد آخر ملغى غير مُعْتَبر بِخِلَافِهِ فِي الْعرض فَإِنَّهُ مُعْتَبر، وَظَاهر النّظم كَانَ الْأَجَل نصف شهر أَو أقل أَو أَكثر وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ سلم فَلَا بُد أَن يكون أَجله نصف شهر فَأكْثر (خَ) : إِلَّا أَن يقبض بِبَلَد كيومين إِن خرج حِينَئِذٍ ببر بِغَيْر ريح، فَيجوز أقل من نصف شهر بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة. تَنْبِيه: مَا مر من أَنه لم يضربا لذَلِك أَََجَلًا فسد البيع حكى عَلَيْهِ عِيَاض الِاتِّفَاق كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، ثمَّ ذكر عقبه عَن اللَّخْمِيّ أَنه إِذا قَالَ: أَشْتَرِي مِنْك بِالْعينِ لأقضي بِموضع كَذَا لِأَن لي بِهِ مَالا وَإِنَّمَا معي هَهُنَا مَا أتوصل بِهِ لذَلِك الْموضع أَو لَيْسَ معي مَا أَقْْضِي بِهِ هَهُنَا إِلَّا دَاري أَو ربعي وَلَا أحب بَيْعه لم يجْبر على الْقَضَاء إِلَّا بالموضع الَّذِي سمى، وَيجوز البيع وَإِن لم يضربا أَََجَلًا كمن بَاعَ على دَنَانِير بِأَعْيَانِهَا غَائِبَة، وَإِن شَرط البَائِع الْقَبْض بِبَلَد معِين لاحتياجه فِيهِ لوجه كَذَا فعجلها المُشْتَرِي بِغَيْرِهِ لم يلْزم البَائِع قبُولهَا لخوفه فِي وصولها إِلَى هُنَاكَ، وَقد اشْترط شرطا جَائِزا فيوفي لَهُ بِهِ اه. وَنَقله (ح) أول بُيُوع الْأَجَل مستظهراً لَهُ قَائِلا: فيقيد بِهِ قَول الْمَتْن فِي الْقَرْض كأخذه بِغَيْر مَحَله إِلَّا الْعين اه.(2/37)
قلت: وَكَذَا يُقيد بِهِ قَول النَّاظِم فِيمَا مر وَحَيْثُ يلغيه بِمَا فِي الذِّمَّة يَطْلُبهُ الخ. وَتَأمل قَول اللَّخْمِيّ: وَيجوز البيع وَإِن لم يضربا لذَلِك أَََجَلًا. وَقَوله بعد: وَإِن شَرط البَائِع الْقَبْض بِبَلَد معِين الخ. فَالظَّاهِر حمل ذَاك على مَا إِذا كَانَ بصدد الذّهاب للبلد الْمعِين عَن قرب وَأَن مسافته مَعْلُومَة عِنْدهمَا لِئَلَّا يُؤَدِّي ذَلِك للْبيع بِأَجل مَجْهُول فيخالف مَا مرّ من الِاتِّفَاق وَالله أعلم. وَبَيْعُ مَا يُجْهَلُ ذَاتاً بالرِّضا بالثَّمَنِ البَخْسِ أوِ العالي مَضَى (وَبيع مَا يجهل) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول (ذاتاً) تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل (بِالرِّضَا) يتَعَلَّق بِبيع وَكَذَا (بِالثّمن البخس أَو الغالي) وَقَوله (مضى) خبر عَن بيع، وَالْمعْنَى أَن بيع الشَّيْء الَّذِي يجهل المتعاقدان أَو أَحدهمَا ذَاته أَي حَقِيقَته المتضمن ذَلِك لجهل قِيمَته مَاض لَا يرد حَيْثُ سمياه أَو أَحدهمَا باسمه الْعَام، سَوَاء بيع ببخس أَو غلاء كَمَا لَو قَالَ البَائِع لشخص: أبيعك هَذَا الْحجر، أَو قَالَ المُشْتَرِي: بِعْ مني هَذَا الْحجر فيشتريه وَهُوَ يَظُنّهُ ياقوتة أَو زبرجدة فيجده غير ياقوتة، أَو يَبِيعهُ البَائِع يظنّ أَنه غير ياقوتة أَو زبرجدة فَإِذا هُوَ غير ذَلِك، فَيلْزم المُشْتَرِي الشِّرَاء فِي الصُّورَة الأولى، وَإِن علم البَائِع حِين البيع أَنه غير ياقوتة وَكَذَا يلْزم البيع للْبَائِع فِي الثَّانِيَة، وَإِن علم المُشْتَرِي حِين الشِّرَاء أَنه ياقوتة لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا سَمَّاهُ فِي الْقَرْض الْمَذْكُور باسمه الْعَام لِأَن الْيَاقُوت يُسمى حجرا، وَهَذَا إِذا كَانَ البَائِع أَو المُشْتَرِي غير وَكيل، وإلاَّ لم يلْزم البيع بِلَا نزاع، وَأما لَو سمي بِغَيْر اسْمه الْعَام بل باسمه الْخَاص أَو بِغَيْر اسْمه أصلا كَقَوْلِه: أبيعك هَذِه الياقوتة أَو أَشْتَرِي مِنْك هَذِه الزجاجة فَتبين فِي الأولى أَنَّهَا غير ياقوتة، وَفِي الثَّانِيَة أَنَّهَا ياقوتة، فَلِلْمُشْتَرِي فِي الأولى الْقيام وَكَذَا البَائِع فِي الثَّانِيَة كَمَا قَالَ: وَمَا يُبَاعُ أَنه ياقوتَهْ أوْ أَنَّهُ زُجَاجَةٌ مَنْحوتَهْ (وَمَا يُبَاع) على (أَنه ياقوتة أَو) على (أَنه زجاجة منحوته. وَيَظْهَرُ العَكْسُ بِكُلَ منْهما جَازَ بِهِ قيامُ مِنْ تَظَلَّمَا وَيظْهر الْعَكْس بِكُل مِنْهُمَا جَازَ بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ (قيام من تظلما) أَي شكا أَنه مظلوم، وَأَنه لم يعلم بِحَقِيقَة ذَلِك وَقت البيع فَإِن ادّعى عَلَيْهِ الْعلم فَعَلَيهِ الْيَمين. وَالْفرق أَن التَّسْمِيَة بِغَيْر اسْمه مَظَنَّة الْجَهْل بِهِ فَكَانَ لَهُ الْقيام بِخِلَاف تَسْمِيَته باسمه الْعَام فَإِنَّهَا مَظَنَّة مَعْرفَته فَلَا يقبل دَعْوَاهُ خلَافهَا لِأَنَّهُ خلاف الْغَالِب وَكَانَ من حَقه أَن يتثبت لنَفسِهِ، وَالْفرق بَين حَقِيقَة هَذَا البيع وَبَين حَقِيقَة الْغبن الْآتِي فِي فَصله: أَن الْمَبِيع فِي الْغبن مَعْلُوم فِي الْحَقِيقَة وَالِاسْم لكل مِنْهُمَا، وَالْجهل مُتَعَلق بِالْقيمَةِ فَقَط. وَهنا الْجَهْل مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا تعلق بحقيقته، وَلَكِن لما عبر عَنْهَا باسمها(2/38)
الْعَام لم يصدق مدعي الْجَهْل كَمَا مر قَالَ: مَعْنَاهُ (ز) ثمَّ. يبْقى أَن يُقَال مَا الْفرق بَين الْغَلَط والغبن على مَا بِهِ الْعَمَل من وجوب الْقيام بِهِ كَمَا يَأْتِي. فَالْجَوَاب: أَن الْفرق إِنَّمَا يطْلب بَينهمَا لَو اخْتلفَا فِي الْمَشْهُور أما حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُور فيهمَا عدم الْقيام فَلَا، لَكِن يَنْبَغِي حَيْثُ جرى الْعَمَل بِالْقيامِ بِالْغبنِ أَن يجْرِي الْعَمَل بِالْقيامِ بالغلط أَيْضا إِذْ كل مِنْهُمَا يتثبت بالسؤال لنَفسِهِ عَن حَقِيقَة الْأَمر، وَالْخلاف مَوْجُود فِي الْغبن والغلط كَمَا فِي (خَ) وَغَيره وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ ابْن رشد: وَاخْتلف فِيمَا إِذا أبهم أَحدهمَا لصَاحبه بِالتَّسْمِيَةِ وَلم يُصَرح فَقَالَ ابْن حبيب: إِن ذَلِك يُوجب الرَّد كَالصَّرِيحِ، وَحكي عَن شُرَيْح القَاضِي أَن رجلا مر بِرَجُل مَعَه ثوب مصبوغ بالصبغ الْهَرَوِيّ فَقَالَ: بكم هَذَا الْهَرَوِيّ؟ فَقَالَ: بِكَذَا فَاشْترى، ثمَّ تبين أَنه لَيْسَ بهروي وَإِنَّمَا صبغ بالصبغ الْهَرَوِيّ فَأجَاز بَيْعه قَالَ عبد الْملك: لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَاعه هروي الصَّبْغ حَتَّى يَقُول هروي النسج فَعِنْدَ ذَلِك يردهُ. الثَّانِي: قَالَ مَالك: فِي الْبَزَّاز يَبِيع ثوبا فيأمر بعض خدمته يَدْفَعهُ إِلَى الْمُبْتَاع أَو يَدْفَعهُ هُوَ بِنَفسِهِ ثمَّ يَقُول بعد انصراف الْمُبْتَاع: إِن الثَّوْب الَّذِي دفع إِلَيْك لَيْسَ هُوَ الْمَبِيع، بل وَقع غلط فِيهِ قَالَ: إِن كَانَ أَمر بِدَفْعِهِ حلف ورد ثَوْبه وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي دَفعه فَلَا قَول لَهُ إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ رقم أَكثر مِمَّا بَاعَ بِهِ أَو شَهَادَة قوم عرفُوا ذَلِك. انْظُر (ح) عِنْد قَول الْمَتْن وَلم يرد بغلط إِن سمي باسم الخ.
(فصل فِي حكم (بيع الطَّعَام))
حَاصِل حكمه أَن بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ بِالتَّأْخِيرِ مُمْتَنع مُطلقًا وَهُوَ قَوْله: البَيْعُ لِلطَّعام بالطَّعَامِ دون تناجُزٍ مِنَ الْحَرَامِ (البيع للطعام بِالطَّعَامِ) حَال كَونه (دون تناجز من الْحَرَام) كَيفَ مَا كَانَ متماثلاً أَو مُتَفَاضلا ربوياً كقمح بفول أَو شعير، أَو غير رِبَوِيّ كتفاح بمشمش، أَو أَحدهمَا كقمح بمشمش لحُرْمَة رَبًّا النِّسَاء فِيهِ مُطلقًا، وَمَفْهُوم قَوْله: دون تناجز أَنه إِذا كَانَ يدا بيد فإمَّا أَن يكون جِنْسا وَاحِدًا أَو جِنْسَيْنِ، وَفِي كل إِمَّا مثلا بِمثل أم لَا. فالجنس الْوَاحِد مثلا بِمثل كمد من قَمح بِمثلِهِ أَو بِمد من شعير هُوَ قَوْله: والبَيْعُ لِلصِّنْفِ بِصِنْفِهِ وَرَدْ مِثْلاً بِمِثْلٍ مُقْتَضَى يَداً بِيَدْ(2/39)
(وَالْبيع) مُبْتَدأ (للصنف بصنفه) يتعلقان بقوله (ورد) خبر أَي ورد جَوَازه حَال كَونه (مثلا بِمثل) وَحَال كَونه (مُقْتَضى يدا بيد) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا فِي الصَّحِيح: (الْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْملح بالملح مثلا بِمثل سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد) ، وَمَفْهُوم مثلا بِمثل أَنه يمْنَع التَّفَاضُل فِيهِ، وَهُوَ معنى قَوْله بعد: وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ تفاضلاً منع الخ. لَكِن مَحل الْمَنْع إِن كَانَ مقتاتاً مدخراً وَإِلَّا فَهُوَ قَوْله: وَغير مقتات وَلَا مدخر الخ. وَمَفْهُوم قَوْله هُنَا بصنفه أَنه مَعَ اخْتِلَاف صنفه يجوز وَهُوَ معنى قَوْله: وَفِي اخْتِلَاف الْجِنْس بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَمعنى الْإِطْلَاق فِيهِ سَوَاء كَانَ مثلا بِمثل أم لَا. كَانَ مقتاتاً مدخراً أم لَا. ربوياً أم لَا. وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْتَفِي التَّدَاخُل والتكرار فِي كَلَام النَّاظِم فَقَوله هَهُنَا: مُقْتَضى يدا بيد هُوَ مَوْضُوع هَذَا الْبَيْت والأبيات الثَّلَاثَة بعده. أَعنِي قَوْله: وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ إِلَى قَوْله: بِاتِّفَاق، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ يَقُول: فَإِن لم يكن دون تناجز بل كَانَ مُقْتَضى يدا بيد فَإِن كَانَ صنفا بصنفه مثلا بِمثل جَازَ، وَإِن كَانَ لَيْسَ مثلا بِمثل امْتنع بِشَرْط الاقتيات والادخار، وَإِن كَانَ صنفا بِغَيْر صنفه جَازَ مُطلقًا مثلا بِمثل أم لَا. مدخراً مقتاتاً أم لَا غير أَن حَقه أَن يسْقط قَوْله مَعَ الإنجاز لِأَنَّهُ مَوْضُوع الأبيات الْأَرْبَعَة كَمَا ترى كَمَا أَن حَقه يُؤَخر عَنْهَا قَوْله: والبَيْعُ لِلطَّعام قَبْل القَبْضِ مُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَكُنْ عنْ قَرْضِ (وَالْبيع للطعام) رِبَوِيّ كقمح وشعير وزيت وَلبن أَو غَيره كتفاح ورمان (قبل الْقَبْض) لَهُ بكيل أَو وزن أَو عد حَيْثُ اشْترى على ذَلِك أَو أَخذ فِي صدَاق أَو خلع أَو فِي صلح عَن دم عمدا، وَفِي كِرَاء دَابَّة أَو فِي رزق قَاض أَو جند أَو إِمَام مَسْجِد أَو مُؤذن أَو مدرس وَنَحْو ذَلِك. فَكل ذَلِك (مُمْتَنع) لَا يجوز بَيْعه قبل قَبضه بكيل وَنَحْوه لَا مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَلَا من غَيره، وَسَوَاء كَانَ معينا أَو مَضْمُونا فِي الذِّمَّة كطعام السّلم لَا إِن وَجب للْمَرْأَة فِي نَفَقَتهَا أَو نَفَقَة أَوْلَادهَا فَيجوز لَهَا أَن تبيعه قبل أَن تقبضه من زَوجهَا بكيل وَنَحْوه، وَلَا إِن اشْترى جزَافا لِأَنَّهُ مَقْبُوض بِنَفس العقد وَلَيْسَ فِيهِ حق تَوْفِيَة، وَلَا إِن أَخذ عَن طَعَام مستهلك عمدا أَو خطأ فَيجوز أَيْضا (مَا لم يكن)(2/40)
الطَّعَام ترَتّب (عَن قرض) وَأَحْرَى من هبة أَو صَدَقَة فَيجوز لمن تسلف طَعَاما أَن يَبِيعهُ قبل أَن يقبضهُ من مقرضه، ثمَّ لَا يَبِيعهُ مُشْتَرِيه حَتَّى يَسْتَوْفِيه لِأَن ضَابِط الْمَنْع أَن يتوالى عقدتا بيع لم يتخللهما قبض، وَكَذَا يجوز لمن اشْترى طَعَاما أَن يسلفه لغيره قبل أَن يقبضهُ هُوَ من الَّذِي بَاعه لَهُ وَلَكِن لَا يَبِيعهُ لمتسلفه وَلَا لغيره إِلَّا بعد قَبضه، وَكَذَا يجوز لمن اشْتَرَاهُ أَيْضا أَن يقْضِي بِهِ طَعَاما فِي ذمَّته قبل أَن يقبضهُ من البَائِع أَيْضا وَلَا يَبِيعهُ الْمُقْتَضِي لَهُ إِلَّا بعد قَبضه لِئَلَّا يتوالى عقدتا بيع لَا قبض بَينهمَا كَمَا مرّ. وَهَذِه الَّتِي قبلهَا ليستا من البيع قبل الْقَبْض بل من السّلف قبل الْقَبْض أَو الْقَضَاء قبل الْقَبْض وَكَذَا يجوز لمن سلف لغيره طَعَاما أَن يَبِيعهُ قبل قَبضه من المتسلف، فَهَذِهِ الْفُرُوع الْأَرْبَعَة لَا يَشْمَل كَلَام النَّاظِم مِنْهَا إِلَّا الأولى وَالرَّابِعَة، وَأما الطَّعَام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فَلَا إِشْكَال فِي جَوَاز بيعهمَا قبل قبضهما من الْمَوَاهِب والمتصدق ثمَّ لَا يَبِيعهُ مُشْتَرِيه إِلَّا بعد قَبضه أَيْضا، وَحَيْثُ جَازَ البيع قبل الْقَبْض فِيمَا ذكر فَلَا بُد من تَعْجِيل الثّمن لِئَلَّا يُؤَدِّي لبيع الدّين بِالدّينِ وَتجوز الْإِقَالَة وَالتَّوْلِيَة وَالشَّرِكَة فِي الطَّعَام قبل قَبضه لِأَنَّهَا مَعْرُوف فاغتفر فِيهَا ذَلِك. ثمَّ رَجَعَ النَّاظِم لإتمام أَقسَام بيع الطَّعَام مُشِيرا لمَفْهُوم مثلا بِمثل فِي الْبَيْت الثَّانِي فَقَالَ: والجِنْسُ بالجِنْسِ تَفَاضُلاً مُنِعْ حَيْثُ اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ يجْتَمِعْ (وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ) أَي وَبيع الْجِنْس بِجِنْسِهِ أَي بصنفه كقمح بشعير لَا مثلا بِمثل بل (تفاضلاً) كمد قَمح بمدين من الشّعير (منع حَيْثُ اقتيات) وَهُوَ أَن تقوم بِهِ البنية أَي عِنْده لَا بِهِ (وادخار) وَهُوَ أَن يحبس وَلَا يفْسد لمُدَّة حَدهَا بَعضهم بِسِتَّة أشهر فَأكْثر (يجْتَمع) خبر عَن اقتيات وادخار، وأفرد الضَّمِير بِاعْتِبَار مَا ذكر، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ إِلَيْهَا وجوابها مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهَا أَي منع بيع الْجِنْس بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا حَيْثُ اقتيات وادخار يَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَيمْنَع. وغَيْرُ مُقْتَاتٍ وَلَا مُدَّخَرِ يجُوزُ مَعْ تَفاضُلٍ كَالْخُضَرِ (وَغير مقتات وَلَا مدخر) كمشماش وقثاء أَو مقتات غير مدخر كلفت أَو مدخر غير مقتات كلوز وَجوز، وَأما التِّين فَهُوَ مقتات مدخر على الْمَذْهَب وَلَو لم ييبس خلافًا لما فِي (خَ) من عدم ربويته (يجوز) بَيْعه (مَعَ تفاضل) اتَّحد الْجِنْس كقنطار من تفاح بقنطارين مِنْهُ وَأَحْرَى لَو اخْتلف (كالخضر) من قثاء وَنَحْوهَا بمشماش. وَفِي اخْتِلاَفِ الجِنْسِ بالإِطْلاَقِ جَازَ مَعَ الإنْجَازِ باتِّفَاقِ (وَفِي اخْتِلَاف الْجِنْس بِالْإِطْلَاقِ) يتعلقان بقوله: (جَازَ مَعَ الإنجاز بِاتِّفَاق) أَي: وَجَاز(2/41)
التَّفَاضُل فِي اخْتِلَاف الْجِنْس مُطلقًا من غير تَقْيِيد بربوي وَلَا غَيره بِشَرْط المناجزة لِأَن المناجزة هِيَ مَوْضُوع هَذِه الأبيات كَمَا مرّ تَحْصِيله فِي الْبَيْت الثَّانِي، وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ اخْتِلَاف الْجِنْس لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم: (فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِن كَانَ يدا بيد) . قَالَ الْعلمَاء: لما نَص عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْأَرْبَعَة الْمُسَمَّاة فِي الحَدِيث، أضَاف الْعلمَاء إِلَيْهَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا على مَا فَهموا من خطابه وعللوها بِأَنَّهَا مقتاتة مدخرة للعيش غَالِبا فنصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبر وَالشعِير تَنْبِيه على كل مقتات مدخر كالذرة والدخن والأرز والسمسم والقطاني كلهَا كالفول والعدس واللوبيا وكرسنة والحمص، وكل وَاحِد من هَذِه الْأَفْرَاد جنس على حِدته مَا عدا الْقَمْح وَالشعِير فهما جنس وَاحِد على الْمَشْهُور، وَكَذَلِكَ الْأدم كلهَا كاللحوم والخلول والألبان والزيوت والرب كل وَاحِد جنس على حِدته، وَكَذَا البصل والثوم لَهما حكم المقتات المدخر وكل مِنْهُمَا جنس على حِدته، وَنَصه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على التَّمْر تَنْبِيه مِنْهُ على كل حلاوة مقتاتة مدخرة للعيش غَالِبا فَيلْحق بِهِ التِّين وَالزَّبِيب وَالْعَسَل وَالسكر، وَمَا فِي مَعْنَاهَا. وكل وَاحِد جنس على حِدته وَنَصه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْملح تَنْبِيه على مصلح الطَّعَام المقتات فَيلْحق بِهِ التوابل من فلفل وكزبرة وكراوياء وأنيسون وَهُوَ الْمُسَمّى بِحَبَّة الْحَلَاوَة عندنَا وشمار كسحاب وكمونين وَنَحْوهَا. وَبَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَا قَدْ جُهِلاَ مِنْ جِنْسِهِ تَزَابُنٌ لَنْ يُقْبَلاَ (وَبيع) شَيْء (مَعْلُوم) قدره بكيل أَو وزن أَو عدد (بِمَا) أَي شَيْء (قد جهلا) قدره ومبلغه (من جنسه) أَي من جنس الْمَبِيع بِهِ (تزابن) أَي يُسمى بذلك (لن يقبلا) شرعا أَي لَا يجوز وَلَو كَانَ يدا بيد مَأْخُوذ من الزَّبْن بِمَعْنى المخاطرة أَو بِمَعْنى الدّفع لِأَن كلا من الْمُتَعَاقدين يخاطر صَاحبه أَو يدافعه عَن مُرَاده ويعتقد أَنه الْغَالِب وَمِنْه الزَّبَانِيَة لدفعهم الْكفَّار فِي النَّار، وَإِذا امْتنع بيع الْمَعْلُوم بِالْمَجْهُولِ فأحرى بيع الْمَجْهُول بِالْمَجْهُولِ. وَفِي صَحِيح مُسلم، نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمُزَابَنَة وَهِي بيع الْعِنَب بالزبيب كَيْلا. الْمَازرِيّ: الْمُزَابَنَة عندنَا بيع مَعْلُوم بِمَجْهُول أَو مَجْهُول من جنس وَاحِد. ابْن عَرَفَة: يبطل عَكسه بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ وَيكون فِي الرِّبَوِيّ وَغَيره الخ. فَمن الْمُزَابَنَة فِي الرِّبَوِيّ بيع الرطب باليابس كَشِرَاء رطب تمر أَو تين أَو عِنَب فِي شَجَره(2/42)
بيابس من جنس كل كَيْلا لِأَن الرطب مَجْهُول قدره إِذْ لَا يدْرِي قدره بعد يبسه هَل هُوَ قدر كيل التَّمْر الْيَابِس أَو التِّين الْيَابِس أَو الزَّبِيب أَو أقل أَو أَكثر، وَمِنْهَا أَيْضا بيع زرع قَائِم أَو محصود بكيل من الْبر أَو زيتون فِي شَجَره بكيل من الزَّيْتُون رطبا أَو جافاً، وَمِنْهَا فِي غير الرِّبَا بيع قِنْطَار من مشماش بصبرة مِنْهُ غير مَعْلُومَة الْوَزْن أَو بِمَا فِي رُؤُوس شَجَره لِأَنَّهُ وَإِن جَازَ فِيهِ التَّفَاضُل لَكِن منع لما فِيهِ من الْغرَر والمخاطرة والمغالبة، وَلذَا إِذا كثر أَحدهمَا كَثْرَة بَيِّنَة بِحَيْثُ لَا يشك أحد أَن أحد الْجِهَتَيْنِ أَكثر جَازَ لانْتِفَاء الْغرَر والمخاطرة، وَمِنْهَا فِي غير المطعومين بيع قِنْطَار من كتَّان أَو حَرِير بكتان أَو حَرِير مجهولي الْوَزْن إِلَّا أَن يكثر أَحدهمَا كَثْرَة بَيِّنَة كَمَا مر فِي الَّذِي قبله، وَمِنْهَا أَيْضا سلم الشَّيْء فِيمَا يخرج مِنْهُ كسلم حَدِيد فِي سيف أَو شعر فِي غزله وَلَو كَانَا معلومين وزنا، وَكَذَا سلم حب فِي دهنه وَلَو علما، وَبِهَذَا اعْترض ابْن عَرَفَة على الْمَازرِيّ بِأَن حَده للمزابنة غير جَامع إِذْ لَا يَشْمَل بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ مَعَ أَنه مزابنة، وَعدم شُمُوله إِنَّمَا هُوَ من جِهَة أَن بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ لَا يتَقَيَّد بكونهما مجهولين أَو مَجْهُول أَحدهمَا، بل يمْتَنع ذَلِك، وَلَو علما كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم من جنسه إِنَّمَا هُوَ بِغَيْر جنسه جَائِز وَهُوَ كَذَلِك فَيجوز بيع الْعِنَب بيابس التَّمْر صبرَة، وَكَذَا بيع صبرَة تفاح بصبرة مشماش مثلا لَكِن بِشَرْط المناجزة كَمَا تقدم لِامْتِنَاع النِّسَاء فيهمَا، وَيجوز أَيْضا بيع قِنْطَار من صوف بِشَيْء من الْحَرِير مَجْهُول الْوَزْن بالمناجزة أَو التَّأْخِير (خَ) عاطفاً على الْمنْهِي عَنهُ: وكمزابنة مَجْهُول بِمَعْلُوم أَو مَجْهُول من جنسه وَجَاز إِن كثر أَحدهمَا فِي غير رِبَوِيّ قَالَ (م) : فَلَو زَاد النَّاظِم بعد هَذَا الْبَيْت: كَذَاك مَجْهُول بِمَجْهُول عدا إِن كثر الْفضل فَلَا منع بدا وَسلم الشَّيْء بِشَيْء يخرج مِنْهُ تزابن وَذَاكَ الْمنْهَج لوفى بيع مَجْهُول بِمَجْهُول أَو بِمَا يخرج مِنْهُ. قلت: وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّنْصِيص عَلَيْهِ هَهُنَا هُوَ بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ، وَأما الْمَجْهُول فَقدم مَا يُفِيد عدم جَوَازه فِي أول الْبَاب إِذْ من شَرط صِحَة البيع مُطلقًا علم عوضه.
(فصل فِي بيع النَّقْدَيْنِ)
أَي المسكوك من الذَّهَب وَالْفِضَّة. (والحلى) أَي المصوغ مِنْهَا (وَشبهه) وَهُوَ الْمحلى بِأحد النَّقْدَيْنِ أَو بهما. الصَّرْفُ أَخْذ فِضّةٍ بِذَهَب أَوْ عَكْسُهُ وَمَا تَفَاضَلَ أُبي (الصّرْف أَخذ) أَي بيع (فضَّة بِذَهَب أَو عَكسه) أَي أَخذ فضَّة فِي ذهب، إِنَّمَا يحْتَاج للتنصيص على الْعَكْس إِذا اعْتبر آخذ معِين وَإِلَّا فَهُوَ عين مَا قبله (وَمَا تفاضل أُبي) بِضَم الْهمزَة(2/43)
أَي لَا يمْتَنع فِيهِ التَّفَاضُل فَيجوز أُوقِيَّة من فضَّة بأوقيتين من ذهب. وَإِنَّمَا يمْتَنع فِيهِ التَّأْخِير كَمَا سيقوله: والجِنْسُ بالجِنْس هُوَ الْمُرَاطَلَهْ بالوَزْنِ أَو بالعَدِّ فالْمُبَادَلَهْ (وَالْجِنْس بِالْجِنْسِ) أَي بيع الذَّهَب بِمثلِهِ أَو الْفضة بِمِثْلِهَا (هُوَ المراطلة) إِذا كَانَ ذَلِك (بِالْوَزْنِ) وَلها صُورَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن يَجْعَل رَطْل ذهب فِي كفة حَتَّى يعتدلا، وَالْأُخْرَى أَن يَجْعَل أحد الذهبين فِي كفة وَالْحجر فِي كفة فَإِذا عادله نزع وَيجْعَل ذهب الآخر مَكَانَهُ حَتَّى يعادل الْحجر أَيْضا، وَهَذِه الصُّورَة كَمَا لِابْنِ رشد أرجح (خَ) : ومراطلة عين بِمثلِهِ بصنجة أَو كفتين الخ. وَسَوَاء كَانَت الصنجة أَو الْحجر مَعْلُومَة الْقدر أم لَا كَانَ الذَّهَب وَالْفِضَّة مسكوكين أَو أَحدهمَا أم لَا. كَانَ التَّعَامُل وزنا أَو عددا، وَإِنَّمَا يشْتَرط أَن لَا يَدُور الْفضل من الْجَانِبَيْنِ كسكة متوسطة فِي الْجَوْدَة تراطل بِأَدْنَى مِنْهَا أَو أَجود. (أَو) أَي وَأَن بيع الْجِنْس بِالْجِنْسِ (بالعد ف) هُوَ (الْمُبَادلَة) وَهِي جَائِزَة فِي الْقَلِيل وَالْكثير إِذا اتّفق وزن الْآحَاد وَكَانَ التَّعَامُل بهَا عددا فَإِن كَانَ التَّعَامُل بِالْوَزْنِ لم يجز إِلَّا بِالْوَزْنِ وتعود مراطلة كَمَا فِي ضيح، وَإِن كَانَ أحد الْعِوَضَيْنِ أَو بعضه أوزن من الْعِوَض الآخر بسدس فَأَقل وَالْبَعْض الآخر مساوٍ امْتنعت إِلَّا فِي الْيَسِير وَهُوَ سِتَّة فدون على الْمَشْهُور (خَ) : وَجَازَت مُبَادلَة الْقَلِيل الْمَعْدُود دون سَبْعَة بأوزن مِنْهَا الخ. وَعَلِيهِ فَإِذا بادله عشْرين بِعشْرين وَعشرَة مِنْهَا أوزن بِأَن يكون كل دِينَار أَو دِرْهَم مِنْهَا يزِيد بسدس فَأكْثر على مُقَابِله من الْجَانِب الآخر امْتنعت، وَإِن كَانَ سِتَّة مِنْهَا فدون يزِيد كل وَاحِد مِنْهَا بسدس فدون على مُقَابلَة جَازَت بِشَرْط أَن يكون التَّعَامُل بِالْعدَدِ كَمَا مر، وَأَن تكون بِلَفْظ الْمُبَادلَة وَأَن يكون الزَّائِد لمحض الْمَعْرُوف وَأَن تكون فِي مسكوك لَا فِي مكسور وتبر، وَلَا يشْتَرط اتِّحَاد السِّكَّة كَمَا فِي (ز) وَأَن تكون وَاحِدًا بِوَاحِد أَو اثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إِلَى سِتَّة لَا وَاحِد بِاثْنَيْنِ على مَذْهَب مَالك لِأَنَّهُ كره إِبْدَال الدِّينَار بأَرْبعَة وَعشْرين قيراطاً وَلم يرخص فِيهِ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا أرى بِهِ بَأْسا. ابْن رشد: مَعْنَاهُ فِي القراريط الَّتِي تضرب من الذَّهَب كل قِيرَاط من ثَلَاث جِهَات فَتكون زنة المثقال أَي الدِّينَار أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً فَيعْطى الرجل المثقال وَيَأْخُذ أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطاً فكره ذَلِك مَالك إِذْ لَا يَخْلُو من أَن تزيد على المثقال أَو تنقص عَنهُ لِأَن الشَّيْء إِذا وزن مجتمعاً ثمَّ فرق زَاد أَو نقص فَقَوْل مَالك بِكَرَاهَة ذَلِك هُوَ الْقيَاس، لَا سِيمَا والصيرفيون يَزْعمُونَ أَن الدَّرَاهِم إِذا وزنت مفترقة ثمَّ جمعت نقصت فَيكون صَاحب القراريط إِنَّمَا ترك فضل عدد قراريطه لفضل الدِّينَار الوازن وَمَا يرجوه من زِيَادَة وَزنه على وزن قيراطه، وَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم اسْتِحْسَانًا على وَجه الْمَعْرُوف فِي الدِّينَار الْوَاحِد كَمَا أَجَازُوا مُبَادلَة الدِّينَار النَّاقِص بالوازن على وَجه الْمَعْرُوف اه. قَالَ القباب: فحاصله أَن فِي الدَّنَانِير بالقراريط غير مراطلة قَوْلَيْنِ، وَإِذا قيل بِالْجَوَازِ فِي دِينَار بأَرْبعَة وَعشْرين قيراطاً فبكبير من الدَّرَاهِم بصغيرين أَحْرَى فِي الْجَوَاز، وَكَذَا كَبِير من الدَّرَاهِم بأَرْبعَة قراريط فضَّة مَا لم يتَبَيَّن أَن الدَّنَانِير أنقص من القراريط أَو بِالْعَكْسِ فتقبح الْمَسْأَلَة اه. وَحَاصِله: أَن كَلَام ابْن رشد وتعليله بدوران الْفضل يدل على أَن مَحل الْخلاف إِذا اتَّحد وزن(2/44)
الدِّينَار والقراريط فمالك مَنعه لدوران الْفضل وَابْن الْقَاسِم أجَازه على وَجه الْمَعْرُوف وَمرَاده بِالْفَضْلِ الْفضل المترقب لَا الْحَاصِل كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَمَا يرجوه من زِيَادَة وَزنه الخ. قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي فِي بعض طرره، وَقَول القباب مَا لم يتَبَيَّن أَن الدِّينَار أنقص الخ. ظَاهره وَلَو كَانَ أنقص بسدس فدون فتمتنع الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ اجْتمع للْمَنْع عِلَّتَانِ دوران الْفضل، وَكَون الدِّينَار أَو القراريط أنقص وَلَا يلْزم اغتفار أحد الْأَمريْنِ مَعَ اتحاده اغتفاره إِذا اجْتمع مَعَ غَيره، وَهَذَا الَّذِي فهمه القباب نَحوه فِي نَوَازِل الْبُرْزُليّ قَالَ: اخْتلف فِي استصراف الْجُمْلَة بالأجزاء مثل أَن يُعْطي دينارين فَيَأْخُذ نِصْفَيْنِ أَو درهما بقيراطين فَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم دون وزن كبدل النَّاقِص بالوازن على وَجه الْمَعْرُوف وَكَرِهَهُ مَالك الخ. ثمَّ قَالَ: بيع الدِّرْهَم بقيراطين دون مراطلة جَائِز وَإِن احْتمل أَن يكون بَينهمَا تفاضل فِي الْوَزْن إِذْ الْغَالِب التَّسَاوِي الخ. ثمَّ ذكر فِي مَوضِع آخر عَن ابْن عَرَفَة أَنه سُئِلَ هَل يجوز صرف الدِّينَار بالربيعيات من سكَّة بِغَيْر مراطلة اعْتِمَادًا على دَار السِّكَّة؟ فَأجَاب بِأَن فعل ذَلِك من غير مراطلة اتكالاً على دَار الضَّرْب لَا يجوز قبل الْيَوْم وَأَحْرَى الْيَوْم لظُهُور فعل الفسقة بِالْقطعِ من موزونات دَار الضَّرْب ذَهَبا أَو فضَّة فِي الْأَجْزَاء وَغَيرهَا اه. الْبُرْزُليّ: وَمَا ذكره من منع اقْتِضَاء الْأَجْزَاء الْيَوْم وَاضح وَأَحْرَى إِذا بادل بهَا من غير مراطلة، وَمَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة هِيَ مَعَ السَّلامَة من النَّقْص اه. بِنَقْل الملوي فقف على قَوْله، وَمَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم ... الخ. فَكَلَام الْبُرْزُليّ هَذَا مُوَافق لما مر عَن القباب، وَأَن معنى مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم إِذا اتّفقت الْأَجْزَاء مَعَ الدِّينَار فِي الْوَزْن، وصريح كَلَام (م) هَهُنَا مَعَ من تبعه وَهُوَ ظَاهر فَتْوَى الإِمَام الْقصار. وَكَلَام غير وَاحِد من شرَّاح (خَ) أَن مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم أَعم مِمَّا إِذا تساوى العوضان وزنا أَو كَانَ أَحدهمَا أوزن لِأَن الشُّرَّاح قَالُوا: إِذا تساوى العوضان وزنا جَازَت الْمُبَادلَة فِي الْقَلِيل وَالْكثير وَلَا يشْتَرط فيهمَا وَاحِد بِوَاحِد وَلَا غير ذَلِك من الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة، وظاهرهم اتِّفَاقًا فَلَا يعْتَبر الدوران حِينَئِذٍ وَلَا غَيره، وَكَذَا الإِمَام الْقصار أطلق فِي فتواه على مَا نقلوه عَنهُ فَظَاهره الْعُمُوم وَصرح بِهِ (م) هَهُنَا فَقَالَ بعد نَقله كَلَام ابْن رشد الْمُتَقَدّم مَا نَصه: هَذَا صَرِيح فِي جَوَاز إِبْدَال الدِّينَار بنصفي دِينَار أَو بأَرْبعَة أَرْبَاعه وَإِن لم يتساو العوضان فِي الْوَزْن، وعَلى هَذَا اعْتمد الإِمَام أَبُو عبد الله الْقصار فِي فتواه بِجَوَاز إِبْدَال ريال كَبِير بِعشْرين موزونة. يَعْنِي: أَو بِأَكْثَرَ حِين صغرت الدَّرَاهِم وَذَلِكَ فِي ريال وَاحِد لَا فِي أَكثر، ومأخذه فِي ذَلِك ظَاهر وَالله أعلم اه. فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فَهموا مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم على الْعُمُوم كَمَا ترى وَوَجهه ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا اغتفر ابْن الْقَاسِم دوران الْفضل على مَا قَرَّرَهُ ابْن رشد، فَكَذَلِك يغْتَفر النَّقْص الْمُقَارن لَهُ من أحد الْجَانِبَيْنِ الَّذِي اتّفق هُوَ وَمَالك على اغتفاره لِأَنَّهُ الْمَوْضُوع، إِذْ اغتفار الدوران مَعْرُوف عِنْده، واغتفار السُّدس فدون كَذَلِك عِنْد الْجَمِيع، فَإِذا اغتفر ابْن الْقَاسِم كلاًّ على الِانْفِرَاد فَكَذَلِك عِنْد الِاجْتِمَاع وَالله أعلم، وَيُمكن أَن يُقَال معنى قَول القباب: مَا لم يتَبَيَّن أَن الدِّينَار أنقص الخ. يَعْنِي بِأَكْثَرَ من سدس فيوافق حِينَئِذٍ هَؤُلَاءِ على أَن اللَّخْمِيّ والمازري والجلاب وَصَاحب التَّلْقِين وَغير وَاحِد كلهم أطْلقُوا القَوْل فِي قدر النَّقْص فَلم يحدوه بسدس وَلَا غَيره، وأجازوا مُبَادلَة السِّتَّة فدون بأنقص مِنْهَا، وَمَا ذَاك وَالله أعلم، إِلَّا لكَون الزِّيَادَة غير منتفع بهَا وَلَو كَانَت أَكثر من سدس وخلافهم رَحْمَة وَالله أعلم، ويترجح حِينَئِذٍ حمل مَسْأَلَة ابْن الْقَاسِم على الْعُمُوم وَهُوَ مَا(2/45)
عَلَيْهِ الْعَامَّة الْآن وَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن ذَلِك أحد، وَانْظُر مَا وَجه الْمَنْع فِي إِبْدَال ريالين مثلا بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما حَيْثُ كَانَ صرفه بِسِتَّة عشر درهما كَمَا فِي زمننا هَذَا مَعَ اتِّحَاد الْجَانِبَيْنِ فِي الْوَزْن أَو كَون أَحدهمَا أَزِيد بسدس، وَالظَّاهِر الْجَوَاز مَعَ اتِّحَاد الْوَزْن مُطلقًا أَو إِلَى سِتَّة مَعَ زِيَادَة أحد الْجَانِبَيْنِ بسدس فدون لِأَن الْمَسْأَلَة إِنَّمَا أجيزت على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم للمعروف وَهُوَ لَا يخْتَص بِالْوَاحِدِ وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ فاشتراط لفظ الْمُبَادلَة إِنَّمَا هُوَ لكَونه دَالا على عدم المماكسة، وَفِيه إِشْعَار بِقصد الْمَعْرُوف، وَلَكِن الْعَامَّة الْيَوْم يعبرون عَنْهَا بِلَفْظ الصّرْف فَيَقُولُونَ: صرِّف لي هَذِه الدَّرَاهِم بِمِثْلِهَا أَو بريال مثلا، وَالظَّاهِر أَنه لَا ينْقض عقدهم لإخلالهم بِالشّرطِ الْمَذْكُور لِأَن الْمدَار فِي الْعُقُود على الْمَقَاصِد والمعاني لَا الْأَلْفَاظ، وَأما الريال بِالدَّرَاهِمِ الصغار فعلى مَا لهَؤُلَاء إِن كَانَ الريال يُوَافق وزن الْعدَد فَلَا إِشْكَال وَإِن كَانَ هُوَ أَزِيد بسدس فدون فَكَذَلِك، وَإِن كَانَت الدَّرَاهِم أَي مجموعها أَزِيد بسدس فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَ ظَاهر المُصَنّف الْمَنْع لِأَنَّهَا أَزِيد من سِتَّة وَإِن كَانَ كل وَاحِد من أفرد الدَّرَاهِم يزِيد بسدس فَيحْتَمل الْمَنْع لِأَن الدَّرَاهِم السِّتَّة عشر تكون زَائِدَة على الريال بِثَلَاثَة دَرَاهِم غير ثلث دِرْهَم، وَذَلِكَ لَا تسمح بِهِ النُّفُوس غَالِبا، وَيحْتَمل الْجَوَاز وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة غير منتفع بهَا كَمَا لَا يجوز إِبْدَال سِتَّة ريالات بِسِتَّة أُخْرَى أَو بِدَرَاهِم مَعَ كَون كل وَاحِد من ريال إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ زَائِدا على مُقَابِله بسدس، فيجتمع فِي تِلْكَ الأسداس ريال كَامِل، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِير وَلَو شَرْعِيَّة يجْتَمع فِيهَا دِينَار كَامِل وَذَلِكَ مِمَّا لَا تسمح بِهِ النُّفُوس، وَلَكِنَّك قد علمت أَن الْمدَار على كَون الزَّائِد لَا ينْتَفع بِهِ فِي التَّعَامُل، وكل مَا كَانَ كَذَلِك تسمح بِهِ النَّفس غَالِبا، وَيحْتَمل الْجَوَاز فَتَأمل ذَلِك. وَلَو شكّ فِي أحد الْجَانِبَيْنِ هَل هُوَ أوزن من الآخر بسدس أَو أَكثر أَو مساوٍ؟ فَينْظر للْغَالِب فَإِن غلب التقصيص فِي الدَّرَاهِم امْتنع وإلاَّ جَازَ كَمَا تقدم، ودراهم زمننا الْيَوْم لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا يزِيد عَلَيْهَا فِي الْغَالِب إِلَّا بالشَّيْء التافه. فرع: وَفِي المعيار عَن التّونسِيّ: يجوز مراطلة الدَّرَاهِم الْقَدِيمَة وَهِي أَكثر فضَّة بالجديدة قَائِلا لِأَن معطى الجديدة متفضل لَا انْتِفَاع لَهُ بِمَا فِي الْقَدِيمَة من زِيَادَة الْفضة، إِذْ لَو سكت الْقَدِيمَة لخسر فِيهَا وَيغرم عَلَيْهَا لتصير جَدِيدَة قَالَ: وَيجوز قَضَاء الجديدة عَن الْقَدِيمَة، وَمن بَاعَ قبل قطعهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا هِيَ اه بِاخْتِصَار. وَنَقله (ح) قَالَ (ت) : وَهَذِه الْفَتْوَى مُخَالفَة للمشهور اه. قلت: وَجه مخالفتها دوران الْفضل من الْجَانِبَيْنِ. والشَّرْطُ فِي الصَّرْفِ تَناجُزٌ فَقَطْ وَمَعَهُ المثْلُ بِثَانٍ يُشْتَرَطْ (وَالشّرط فِي الصّرْف) الْمَذْكُور أَولا (تناجز) فَلَا يجوز التَّأْخِير فِي الْقَبْض للعوضين أَو أَحدهمَا مَعَ افْتِرَاق وَلَو قَرِيبا فَإِن كَانَ التَّأْخِير بِالْمَجْلِسِ من غير افْتِرَاق فَيمْنَع الطَّوِيل وَيكرهُ(2/46)
الْقَرِيب. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة فِي الَّذِي يصرف دِينَارا من الصَّيْرَفِي فيدخله تابوته ثمَّ يخرج الدَّرَاهِم: لَا يُعجبنِي، وَلَكِن يتْركهُ حَتَّى يرى الدَّرَاهِم فَيَأْخُذ وَيُعْطِي. (فَقَط) أَي انته عَن الزِّيَادَة على اشْتِرَاط التناجز فِي الصّرْف فَلَا تشْتَرط فِيهِ الْمُمَاثلَة، إِذْ يجوز فِيهِ التَّفَاضُل كدرهم بدينارين (وَمَعَهُ الْمثل) مُبْتَدأ والظرف قبله مَعَ الْمَجْرُور فِي قَوْله (بثان) يتعلقان بقوله (يشْتَرط) وَالْجُمْلَة خبر وَالْبَاء ظرفية بِمَعْنى (فِي) أَي: والمثل يشْتَرط مَعَ التناجز فِي الثَّانِي وَهُوَ بيع الْجِنْس بِالْجِنْسِ فَلَا يجوز فِيهِ التَّأْخِير وَلَا التَّفَاضُل معدودين كَانَا أَو مصوغين أَو مُخْتَلفين إِلَّا مَا تقدم من رخصَة الْمُبَادلَة فِي سِتَّة فدون بشروطها الْمُتَقَدّمَة فَوق هَذَا الْبَيْت. وبَيْعُ مَا حُلِّيَ مِمَّا اتُّخِذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِنَقْدٍ نفَذا (وَبيع) مُبْتَدأ (مَا) شَيْء (حلي) بِذَهَب أَو فضَّة وَكَانَ يخرج مِنْهُ شَيْء مِنْهُمَا عِنْد سبكه أَي(2/47)
حرقه وَكَانَ مستمراً بِحَيْثُ لَا ينْزع إِلَّا بِفساد (مِمَّا اتخذا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من مَا (بِغَيْر جنسه) يتَعَلَّق بِبيع وَكَذَا (بِنَقْد) وَقَوله (نفذا) خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول مَعَ تَشْدِيد الْفَاء، وَيجوز بِنَاؤُه للْفَاعِل مَعَ تَخْفيف الْفَاء وَالتَّقْدِير: وَبيع شَيْء محلى حَال كَونه مِمَّا يجوز اتِّخَاذه كالمصحف مُطلقًا وَالسيف للرِّجَال وَالثَّوْب للْمَرْأَة بِغَيْر جنسه بمعجل نَافِذ جَائِز كَانَت الْحِلْية تَابِعَة أَو متبوعة وَلَا يشْتَرط أَن يكون الْجَمِيع دِينَارا أَو يجتمعا فِيهِ للضَّرُورَة فَرخص فِيهِ لذَلِك، واحترزت بِقَوْلِي: وَكَانَ يخرج مِنْهُ الخ. مِمَّا إِذا كَانَ لَا يخرج مِنْهُ شَيْء عِنْد الحرق فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر حِينَئِذٍ من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيُبَاع بمؤجل ومعجل بصنفه وَبِغَيْرِهِ وبقولي: مسمراً الخ. مِمَّا لَو كَانَ غير مسمر كقلادة مثلا أَو لَا فَسَاد فِي نَزعه فَإِنَّهُ لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا على حكم اجْتِمَاع البيع وَالصرْف. نعم بِالْعرضِ يجوز وَبِقَوْلِهِ: مِمَّا اتخذا الخ. مِمَّا إِذا لم يجز اتِّخَاذه كدواة محلاة أَو سرج وَنَحْوهمَا، فَإِنَّهُ لَا يجوز بصنفه وَلَا بِغَيْرِهِ بل بِعرْض إِلَّا أَن يقل عَن صرف دِينَار كاجتماع البيع وَالصرْف أَيْضا، وَبِقَوْلِهِ: بِغَيْر جنسه يَعْنِي كالمحلى بِالذَّهَب يُبَاع بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ احْتِرَازًا مِمَّا لَو بيع بِجِنْس غير الْحِلْية الَّتِي فِيهِ كَبيع الْمحلى بِذَهَب أَو الْمحلى بِفِضَّة، فَإِنَّهُ لَا يجوز لما فِيهِ من بيع ذهب وَعرض بِذَهَب أَو فضَّة وَعرض بِفِضَّة وَهُوَ الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ الْمشَار لَهُ بقوله. (خَ) : كدينار وَدِرْهَم أَو غَيره بمثلهما هَذَا كُله مَعَ تحقق التَّمَاثُل فَكيف بِهِ مَعَ الشَّك فِيهِ كَمَا هُنَا لِأَن الْحِلْية لَا يَتَأَتَّى معرفَة قدرهَا إِلَّا بِالتَّحَرِّي كَمَا يَأْتِي، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا كَانَت الْحِلْية الثُّلُث فدون لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تبع، وَهل يعْتَبر الثُّلُث بِالْقيمَةِ أَو بِالْوَزْنِ؟ خلاف فَإِن كَانَ وزن الْحِلْية عشْرين ولصياغتها تَسَاوِي ثَلَاثِينَ، وَقِيمَة النصل أَرْبَعُونَ فالمجتمع سَبْعُونَ، فَإِذا نسبت قيمَة الْحِلْية وَهِي ثَلَاثُونَ للسبعين كَانَت أَكثر من الثُّلُث فَلَا يجوز على الأول وَجَاز على الثَّانِي لِأَنَّهُ يعْتَبر الْوَزْن ووزنها عشرُون وَهِي ثلث، ثمَّ إِن الْوَزْن على القَوْل بِهِ يعْتَبر بِالتَّحَرِّي فَإِن لم يكن تحريه لعدم وجود من هُوَ أهل صَنعته فَتعْتَبر الْقيمَة حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا، وَاحْترز بقوله: بِنَقْد أَي بمعجل مِمَّا لَو بيع بمؤجل، فَإِنَّهُ لَا يجوز بصنفه وَلَا بِغَيْرِهِ لما فِيهِ من رَبًّا النِّسَاء. نعم يجوز بِعرْض وَإِلَى الْمَسْأَلَة بشروطها أَشَارَ (خَ) بقوله: وَجَاز محلى وَإِن كَانَ ثوبا يخرج مِنْهُ عين إِن سبك بِأحد النَّقْدَيْنِ إِن أبيحت وسمرت وَعجل بِغَيْر صنفه مُطلقًا وبصنفه إِن كَانَت الثُّلُث فَأَقل وَهل بِالْقيمَةِ أَو بِالْوَزْنِ؟ خلاف.(2/48)
وكُلُّ مَا الْفِضّةُ فيهِ والذَّهبْ فبالعُرُوضِ البَيْعُ فِي ذَاكَ وجَبْ (وكل مَا) أَي محلى (الْفضة فِيهِ وَالذَّهَب فبالعروض البيع فِيهِ قد وَجب) نَقْدا أَو إِلَى أجل، وَلَا يجوز بِذَهَب وَلَا فضَّة وَلَو نَقْدا لما يلْزم عَلَيْهِ من الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع ذهب وَفِضة وَعرض بِذَهَب أَو بيع فضَّة وَعرض وَذهب بِفِضَّة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مجموعهما تبعا لقيمة الْمحلى، فَيجوز حِينَئِذٍ بَيْعه بِأَحَدِهِمَا لَا بهما مَعًا، وَمحل جَوَازه بِأَحَدِهِمَا مَعَ التّبعِيَّة إِذا توفرت الشُّرُوط الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الْإِبَاحَة والتسمير والتعجيل (خَ) : وَإِن حلي بهما لم يجز بِأَحَدِهِمَا إِلَّا أَن تبعا الْجَوْهَر.
(فصل فِي بيع الثِّمَار وَمَا يلْحق بهَا)
من المقاثي وَالْخضر وَذي النُّور كالورد وَنَحْوه. بَيْعُ الثِّمَار والمَقاثي والْخُضَرْ بَدْوُ الصَّلاَحِ فِيهِ شَرْطٌ مُعْتَبَرْ (بيع الثِّمَار) من عِنَب أَو تمر أَو تفاح أَو مشمش (والمقاثي) كالبطيخ والفقوس (وَالْخضر) كاللفت والجزر والبصل والفجل (بَدو) أَي ظُهُور (الصّلاح) (خَ) : وَهُوَ الزهو وَظُهُور الْحَلَاوَة والتهيؤ للنضج، وَفِي ذِي النُّور بانفتاحه والبقول بإطعامها (فِيهِ) أَي فِي جَوَاز بيع جَمِيع مَا ذكر (شَرط مُعْتَبر) لَا بُد مِنْهُ (خَ) : وَصَحَّ بيع ثَمَر وَنَحْوه بدا صَلَاحه إِن لم يسْتَتر وَلَا يجوز بَيْعه قبل بَدو صَلَاحه كَمَا قَالَ: وحَيْثُ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُها امْتَنَعْ مَا لَمْ يَكُنْ بالشَّرْطِ لِلْقَطْعِ وَقَعْ (وَحَيْثُ لم يبد صَلَاحهَا امْتنع) بيعهَا، وَأما بدوه فِي بعض جنس وَلَو فِي نَخْلَة وَاحِدَة أَو دالية أَو اسوداد عنقود أَو حبات مِنْهُ، فَذَلِك كَاف فِي ذَلِك الْجِنْس كُله وَفِي مجاوره إِن لم تكن باكورة. (خَ) : وبدوه فِي بعض حَائِط كَاف فِي جنسه إِن لم تبكر الخ. وَيدخل فِي الثِّمَار الْحُبُوب كالقمح وَنَحْوه. وبدو الصّلاح فِيهَا اليبس فَإِن بيع قبله فَلَا يجوز إِلَّا أَن يكون البيع فِيهِ وَقع بعد الإفراك على أَن يتْركهُ حَتَّى ييبس أَو يكون ذَلِك لعرف فِيهِ فيمضي بِقَبْضِهِ كَمَا قَالَ (خَ) : وَمضى بيع حب أفرك قبل يبسه بِقَبْضِهِ، وَأما إِن لم يشْتَرط تَركه وَلَا كَانَ الْعرف ذَلِك فَالْبيع فِيهِ جَائِز(2/49)
وَإِن تَركه مُشْتَرِيه حَتَّى ييبس قَالَه ابْن رشد، (مَا لم يكن) البيع للَّذي لم يبد صَلَاحه (بِالشّرطِ للْقطع وَقع) فَإِنَّهُ يجوز بِشُرُوط ثَلَاثَة. أَن ينْتَفع بِهِ فِي الْحِين كالحصرم والفول الْأَخْضَر والفريك، وَأَن يضْطَر أَي يحْتَاج الْمُتَبَايعَانِ أَو أَحدهمَا لبيعه كَذَلِك، وَأَن لَا يَقع من غير أهل مَحَله أَو أَكْثَرهم التوافق على بَيْعه للْقطع قبل بدوه أَو يعتادون ذَلِك، فان اخْتَلَّ شَرط من هَذِه الثَّلَاثَة لم يجز لما فِي ذَلِك من الْفساد وإضاعة المَال فَتحصل مِمَّا هُنَا وَمِمَّا مرّ أَن الثَّمَرَة يجوز بيعهَا قبل بَدو صَلَاحهَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. أَحدهَا: إِذا بِيعَتْ مُفْردَة على شَرط الْقطع كَمَا هُنَا. ثَانِيهَا وَثَالِثهَا: أَن تبَاع مَعَ أَصْلهَا أَو تلْحق بِهِ كَمَا مرّ فِي قَوْله: ومشتري الأَصْل شِرَاؤُهُ الثَّمر قبل الصّلاح جَائِز فِيمَا اشْتهر (خَ) : وَصَحَّ بَيْعه قبل الصّلاح مَعَ أَصله أَو ألحق بِهِ أَو على قطعه إِن نفع واضطر لَهُ وَلم يتمالأ عَلَيْهِ لَا على التبقية أَو الْإِطْلَاق. وَخِلْفَةُ القَصيل ملْكُهُ حَرِي لِبَائِعٍ إلاّ بِشَرْطِ المُشْتَرِي (وخلفة القصيل ملكه حري) أَي حقيق (البَائِع) فَإِذا بيع القصيل وَنَحْوه مِمَّا يجز ويخلف كالقرط والقضب فخلفته مَمْلُوكَة للْبَائِع، وَإِنَّمَا يملك المُشْتَرِي الجزة الأولى (إِلَّا بِشَرْط المُشْتَرِي) عِنْد العقد أَنه يَشْتَرِي القصيل بخلفته فَتكون لَهُ الخلفة حِينَئِذٍ، ثمَّ إِنَّه يشْتَرط فِي جَوَاز شِرَاء القصيل شَرْطَانِ: أَحدهمَا: أَن يبلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ، وَثَانِيهمَا: أَن لَا يشْتَرط تَركه إِلَى أَن يحبب لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بيع للحب قبل وجوده، فَإِذا وجد الشرطان وَبيع بخلفته فَيشْتَرط فِي جَوَاز اشْتِرَاطهَا ثَلَاثَة شُرُوط. أَن تكون مَأْمُونَة كأرض سقِِي بِغَيْر مطر، وَأَن يشترطها كلهَا لَا بَعْضهَا، وَأَن لَا يشْتَرط ترك الخلفة إِلَى أَن تجب أَيْضا لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدّمَة، وَكَذَا تشْتَرط هَذِه الثَّلَاثَة فِيمَا إِذا اشْترى الخلفة بعد شِرَاء القصيل، لَكِن إِنَّمَا يجوز لَهُ شراؤها بشروطها الْمَذْكُورَة قبل جز القصيل لَا بعده لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غرر غير تَابع، فَإِن اخْتَلَّ شَرط من شرطي القصيل فسد العقد وَفسخ إِلَّا أَن يفوت فَفِيهِ الْقيمَة، وَكَذَا إِن اخْتَلَّ شَرط من شُرُوط الخلفة، وَكَلَام (ز) فِيهِ خلل وَالله أعلم. والقضب بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الضَّاد مَا يقضب أَي يقطع مرّة بعد مرّة، والقرط بِضَم الطَّاء العشب الَّذِي تَأْكُله الدَّوَابّ، ثمَّ إِن أَرض الْمغرب مُلْحقَة عِنْدهم بِأَرْض السَّقْي، وَعَلِيهِ فَإِذا كَانَ القصيل فِي فصل الشتَاء بلغ حد الِانْتِفَاع بِهِ فَيجوز بَيْعه مَعَ خلفته الَّتِي يخلفها قبل فصل الصَّيف لأَنهم جعلُوا أَرض الْمغرب مِمَّا يجوز كراؤها بِشَرْط النَّقْد كَمَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَة إِن شَاءَ الله.(2/50)
وَلا يَجُوزُ فِي الثِّمَار الأجَلُ إلاّ بِما إثْمارُه مُتَّصِلُ (وَلَا يجوز فِي) بيع (الثِّمَار) الَّتِي تطعم بطوناً كالمقاثي والياسمين (الْأَجَل) كَأَن يَبِيعهُ مَا تطعمه المقاثي أَو الياسمين شهرا لاخْتِلَاف حملهَا قلَّة وَكَثْرَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة، بل إِنَّمَا يجوز شراؤها على الْإِطْلَاق، وَيكون المُشْتَرِي جَمِيع بطونها وَلَو لم يشترطها (إِلَّا بِمَا) أَي إِلَّا فِي الشّجر الَّذِي (إثماره مُتَّصِل) لَا يَنْقَطِع فِي سَائِر السّنة كالموز فَلَا بُد فِيهِ من ضرب الْأَجَل لاستمرار إطعامه وَعدم تَمْيِيز بطونه (خَ) : وَللْمُشْتَرِي بطُون كياسمين ومقثاة، وَلَا يجوز بكشهر وَوَجَب ضرب الْأَجَل إِن اسْتمرّ كالموز. وَغَائِبٌ فِي الأرْضِ لَا يُبَاعُ إلاّ إذَا يَحْصُلُ الانْتِفَاعُ (وغائب فِي الأَرْض) كاللفت والجزر والفجل والبصل والثوم (لَا يُبَاع إِلَّا إِذا) بدا صَلَاحه وبدوه كَمَا للباجي أَن يسْتَقلّ ورقه وَيتم و (يحصل الِانْتِفَاع) بِهِ وَلم يكن فِي قلعه فَسَاد، وَهَذَا فِيهِ نوع تكْرَار مَعَ مَا قدمه أول الْفَصْل. وَجَائِزٌ فِي ذَاكَ أنْ يُسْتُثْنَى أكْثَرُ مِنْ نِصْفٍ لَهُ أَوْ أَدْنَى (وَجَائِز فِي ذَاك) الْمَبِيع الْمُتَقَدّم من التَّمْر والمقاثي وَالْخضر (أَن يسْتَثْنى) البَائِع مِنْهُ (أَكثر من نصف لَهُ) أَي لنَفسِهِ (أَو أدنى) من نصف كربع وَثلث، وَهَذَا فِي اسْتثِْنَاء الشَّائِع بِدَلِيل قَوْله: وَدُونَ ثُلْثِ إنْ يَكُنْ مَا اسْتُثْنِي بِعَدَدٍ أوْ كَيْلٍ أَوْ بِوَزْنِ (وَدون) صَوَابه وَقدر كَمَا فِي (خَ) الخ. (ثلث إِن يكن مَا) أَي الْقدر الَّذِي (اسْتثْنِي) معينا محصوراً بِدَلِيل قَوْله: (بِعَدَد) كَأَن يَبِيعهُ بُسْتَان الْجَوْز ويستثني مِنْهُ عشرَة آلَاف جوزة أَو يَبِيعهُ مقثاة ويستثني مِنْهَا مائَة بطيخة (أَو) محصوراً ب (كيل) كَبَيْعِهِ فدان زرع قَائِم بعد يبسه ويستثني مِنْهُ وسْقا (أَو بِوَزْن) كَبَيْعِهِ ثَمَر حَائِطه ويستثني مِنْهُ قِنْطَارًا أَو نَحوه، فَإِن حزر أَن عشرَة آلَاف من الْجَوْز هِيَ قدر ثلث الْبُسْتَان فدون، وَالْمِائَة بطيخة قدر ثلث المقتاة فدون، والوسق قدر ثلث زرع الفدان فدون جَازَ الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور وإلاَّ امْتنع لِكَثْرَة الْغرَر، إِذْ لَا يدْرِي المُشْتَرِي مَا يبْقى لَهُ بعد دَفعه الْمُسْتَثْنى فَتحصل من النّظم أَن الْقدر الشَّائِع يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ مُطلقًا وَأَن الْقدر الْمعِين المحصور بِعَدَد وَنَحْوه يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ إِذا كَانَ قدر ثلث فدون وَإِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ (خَ) عاطفاً على الْجَائِز بقوله(2/51)
وَبيع صبرَة وَثَمَرَة واستثناء قدر ثلث الخ. ثمَّ قَالَ: وجزء مُطلقًا. تَنْبِيه: إِذا كَانَت الثَّمَرَة أنواعاً وَاسْتثنى من نوع مِنْهَا أَكثر من ثلثه إِلَّا أَنه ثلث الْجَمِيع فَأَقل فَاخْتلف فِيهِ قَول مَالك، وَأخذ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب بِالْمَنْعِ نَقله (ز) قَالَ: وَمثل الِاسْتِثْنَاء فِي العقد إِذا أَرَادَ لما ذكر بعد العقد قبل قبض الثّمن أَو بعده وَقبل التَّفَرُّق الخ. أَي فَإِنَّهُ يجوز إِذا كَانَ الْعدَد أَو الْوَزْن الْمُشْتَرى قدر الثُّلُث فدون لِأَن اللَّاحِق للْعقد كالواقع فِيهِ اُنْظُرْهُ. وَإنْ يَكُنْ لِثَمَراتٍ عَيَّنا فَمُطْلَقاً يَسُوغُ مَا تَعَيَّنَا (وَإِن يكن) البَائِع (لشجرات عينا) أَي اسْتثْنى ثَمَر شجرات بِأَعْيَانِهَا (فمطلقاً يسوغ) اسْتثِْنَاء (مَا تعينا) من الشجرات كهذه النَّخْلَة وَهَذِه كَانَ قدر الثُّلُث أَو أَكثر لِأَن الْمَبِيع هُوَ مَا سواهُ وَهُوَ معِين أَيْضا، فَهَذِهِ ثَلَاث مسَائِل: اسْتثِْنَاء الْجُزْء الشَّائِع كربع وَنَحْوه، واستثناء الْقدر المحصور بِعَدَد أَو كيل أَو وزن، واستثناء نخلات بِأَعْيَانِهَا، وَبقيت مَسْأَلَة رَابِعَة لم يذكرهَا النَّاظِم وَهِي: أَن يَبِيعهُ أصل حَائِطه مَعَ ثَمَرَته أَو ثَمَرَته فَقَط على أَن للْبَائِع ثَمَر خمس نخلات أَو سبع وَنَحْوهَا يختارها مِنْهُ، فَيجوز بِشَرْط أَن تكون ثَمَرَتهَا قدر الثُّلُث فدون (خَ) : إِلَّا البَائِع يسْتَثْنى خمْسا من جنابه أَي فَيجوز إِلَّا أَنه لَا مَفْهُوم للخمس فِي كَلَامه، بل الْمدَار على كَون ثَمَرَة مَا يختاره ثلثا فدون كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا. وَفِي عَصيرِ الكَرَمِ يُشْرَى بالذَّهَبْ أوْ فِضَّةٍ أخْذُ الطَّعَامِ يُجْتَنَبْ (وَفِي عصير الْكَرم) أَو غَيره من الْأَطْعِمَة والأشربة مَا عدا المَاء (يشرى) أَي يُبَاع (بِالذَّهَب أَو فضَّة) أَو عرض (أَخذ الطَّعَام) كقمح أَو تفاح أَو غَيرهمَا (يجْتَنب) لما فِيهِ من اقْتِضَاء الطَّعَام عَن ثمن الطَّعَام وَهُوَ مَمْنُوع للتُّهمَةِ على بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة فَلَا مَفْهُوم لعصير الْكَرم. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يجوز لمن بَاعَ طَعَاما أَن يقبض فِيهِ طَعَاما من صنفه أَو من غير صنفه إِلَّا أَن يَأْخُذ مِنْهُ مَا بَاعه صفة وَقدرا إِن مَحْمُولَة فمحمولة وَإِن سمراء فسمراء وَهِي إِقَالَة اه. وَسَوَاء أَخذ ذَلِك قبل الْأَجَل أَو بعده. ابْن عَرَفَة فِي بُيُوع الْآجَال: ضابطة جعل الْمُقْتَضى ثمنا للْمَبِيع، وَلذَا امْتنع أَخذه عَن كِرَاء أَرض بِعَين أَو عرض، وَكَذَا أَخذ اللَّحْم عَن ثمن الْحَيَوَان من جنسه وَعَكسه اه. وَكَذَا لَو أَخذ الدَّرَاهِم عَن الذَّهَب الَّذِي هُوَ ثمن الثَّوْب وَعَكسه، أَو أَخذ ثوب الْقطن عَن غزله إِذا كَانَ بعد مُدَّة يُمكن أَن ينسج فِيهَا لِأَنَّهُمَا يتهمان على بيع الشَّيْء بِمَا يخرج مِنْهُ وَهُوَ مزابنة كَمَا مر.(2/52)
تَنْبِيه: قَالَ فِيهَا أَيْضا: وَإِن أحلّت على ثمن طَعَام لَك من لَهُ عَلَيْك مثل الثّمن من بيع أَو من قرض لم يجز للمحال بِهِ أَن يَأْخُذهُ لَهُ من الطَّعَام إِلَّا مَا كَانَ يجوز لَك أَن تَأْخُذهُ من غريمك اه. تَنْبِيه آخر: قَالَ الْبُرْزُليّ: كَانَ شَيخنَا يَعْنِي ابْن عَرَفَة يُجِيز لمن عَلَيْهِ طَعَام أَن يُرْسل من يَشْتَرِي طَعَاما بِمَال الطَّالِب ثمَّ يتقاضاه مِنْهُ الطَّالِب قَالَ: وَظَاهره وَلَو كَانَ من ناحيته وَسَببه وَلَعَلَّه خففه مُرَاعَاة لمن يُجِيز أَن يَقْتَضِي من ثمن الطَّعَام طَعَاما وَهُوَ قَول خَارج الْمَذْهَب وَالله أعلم. وَنَقله العلمي فِي نوازله وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا سُئِلَ الْمَازرِيّ عَمَّن اضطرته الْحَاجة إِلَى اقْتِضَاء الطَّعَام من ثمن الطَّعَام؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ لَا يجوز ثمَّ قَالَ فِي آخر كَلَامه: وَلَكِن إِن لم يقدر على خلاص الثّمن إِلَّا بِالطَّعَامِ فيفعلانه على وَجه سَائِغ يَأْخُذ الطَّعَام ويوكل بِهِ من يَبِيعهُ على ملك ربه فينفذه للحاضر وَيَقْضِي البَائِع ويفعله بإشهاد من غير تحيل على إِظْهَار مَا يجوز وَإِبْطَال مَا لَا يجوز. قلت: مثله يَقع الْيَوْم عندنَا يُعْطي الزَّرْع للبادية فَلَا يجد مَا يَأْخُذهُ فيعطيه الْحَيَوَان وَالسُّؤَال كالسؤال وَالْجَوَاب كالجواب اه. وَنَقله الملوي فِي مسَائِل التصيير.
(فصل فِي الْجَائِحَة فِي ذَلِك)
أَي فِي الثِّمَار وَمَا ألحق بهَا. وكُلُّ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ الدَّفْعُ لَهْ جَائْحَةٌ مِثْلُ الرِّياح المُرْسَلَه (وكل مَا) أَي شَيْء (لَا يُسْتَطَاع الدّفع لَهُ) والاحتراز مِنْهُ إِذا أصَاب الثَّمر فأتلف ثلثهَا فَأكْثر فَهُوَ (جَائِحَة) لَهَا وَذَلِكَ (مثل الرِّيَاح المرسله) تسْقط الثَّمَرَة بهَا والثلج وَالْبرد والمطر الْغَالِب والعفن وَالْجَرَاد والدود وَالطير والفأر وَالنَّار وغاصب وسارق. وَالجَيْشُ مَعْدُودٌ مِع الجَوائِحِ كَفِتْنَةٍ وكالعَدُوِّ الكاشِحِ (والجيش) يمر بِالنَّخْلِ ليَأْخُذ ثَمَرَته (مَعْدُود من الجوائح) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاع دَفعه (كفتنة) تقع فِي الْبَلَد فينجلي عَنهُ أَهله أَو يقل وارده بِسَبَبِهَا فَلَا يجد مُشْتَرِي الثَّمَرَة من يَبِيعهَا لَهُ كمن اكترى فندقاً أَو حَماما فانجلى أهل الْبَلَد عَنهُ أَو قل وارده وَلم يجد من يسكنهُ فَلَا كِرَاء علية انْظُر شرح(2/53)
الشَّامِل. (وكالعدو الْكَاشِح) يمْنَع مُشْتَرِي الثَّمَرَة من الْوُصُول إِلَيْهَا حَتَّى سَقَطت الثَّمَرَة وَتَلفت، والكاشح الْمُضمر للعداوة ولبعضهم فِي نظم الجوائح مَا نَصه: جوائح أَشجَار الثِّمَار كَثِيرَة وعدتها سِتّ وَعشر فهاكها فقحط وثلج ثمَّ غيث وبردها وعفن وريح وَالْجَرَاد وفارها ودود وطير غَاصِب ثمَّ سَارِق وغرق وجيش والمحارب نارها والمحارب دَاخل فِي الْعَدو، والكاشح وَقد ذكر (خَ) مِنْهَا أموراً زَائِدَة على هَذَا فَانْظُر وَلَا بُد وَمحل كَون السَّارِق والجيش جَائِحَة مَا لم يعرف السَّارِق أَو وَاحِد من الْجَيْش وَإِلَّا اتبع السَّارِق بِقِيمَة مَا سرق وَلَو معدماً وَلَا يكون جَائِحَة، وَكَذَا الْوَاحِد من الْجَيْش يتبع بِالْجَمِيعِ لأَنهم كالحملاء عَن بَعضهم بَعْضًا مَا لم يكن ذَلِك الْوَاحِد معدماً غير مرجو يسره عَن قرب، فَالْأَظْهر أَنه جَائِحَة قَالَه ابْن عَرَفَة. فإنْ يَكُنْ مِنْ عَطَشٍ مَا اتَّفَقَا فالوَضْعُ لِلثَّمن فِيهِ مُطْلَقَا (وَإِن يكن من عَطش مَا اتفقَا) أَي وَإِن يكن مَا وَقع من الْجَائِحَة حصل من الْعَطش (فالوضع للثّمن فِيهِ مُطلقًا) بلغ الثُّلُث أَو لَا. كَأَن المجاح ثَمَرَة أَو مَا ألحق بهَا من بقول وَنَحْوه لِأَنَّهُ لما كَانَ سقِِي الثَّمَرَة على البَائِع أشبه مَا فِيهِ حق تَوْفِيَة قَالَه فِي ضيح. وإنْ تَكُنْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الثَّمَرْ مَا بَلَغَ الثُّلْثَ فَأَعْلَى المُعْتَبرْ (وَإِن تكن) الْجَائِحَة (من غَيره) أَي الْعَطش (فَفِي الثَّمر) والفول الْأَخْضَر والفريك وَنَحْوهَا لَا يوضع مِنْهَا إِلَّا (مَا بلغ الثُّلُث) من مكيله (فأعلى) لِأَن ثلث المكيلة فَأكْثر هُوَ (الْمُعْتَبر) عِنْدهم فِي وَضعهَا مِمَّا ذكر (خَ) وتوضع جَائِحَة الثِّمَار إِلَى قَوْله: إِن بلغت ثلث المكيلة الخ. أَي: وَلَا تُوضَع فِيمَا نقص عَن ثلث المكيلة وَلَو كَانَت قِيمَته ثلثا فَأكْثر كَمَا لَو أجيح سدس الثَّمَرَة الَّذِي طَابَ أَو لَا. وَقِيمَته لغلائه عشرَة وَقِيمَة مَا بَقِي لرخصه بِتَأْخِيرِهِ فِي الطّيب عشرُون لم تُوضَع على الْمَشْهُور. وَفي البُقولِ الوَضْعُ فِي الكَثِيرِ وَفي الَّذِي قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفِي الْبُقُول) وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض دون الدَّاخِل فِيهَا وَذَلِكَ كالكرنب والخس والهندبا وَنَحْو ذَلِك (الْوَضع فِي) المجاح (الْكثير) الَّذِي بلغ الثُّلُث فَأكْثر (وَفِي الَّذِي قل) عَن الثُّلُث كالسدس وَنَحْوه (على الْمَشْهُور) وَإِنَّمَا وضعت فِي الْبُقُول مُطلقًا لِأَن غالبها من الْعَطش وَحمل مَا أجيح مِنْهَا بِغَيْرِهِ عَلَيْهِ.(2/54)
وَألْحَقُوا نَوْعَ المَقَاثي بالثَّمَرْ هِنَا وَمَا كالْيَاسَمِين والجَزَرْ (وألحقوا نوع المقاثي) وَهِي الَّتِي تطعم بَطنا بعد بطن كبطيخ وفقوس وقرع وباذنجان وَنَحْوهَا (بالثمر هُنَا) فَلَا تُوضَع الْجَائِحَة فِيهَا إِلَّا إِذا بلغت الثُّلُث (و) ألْحقُوا بهَا أَيْضا (مَا) كَانَ (كالياسمين) والورد من كل مَا يجنى وَيبقى أَصله (و) ألْحقُوا بهَا أَيْضا مغيب الأَصْل كالبصل (والجزر) واللفت وَنَحْوهَا. وَهَذَا القَوْل من أَن مغيب الأَصْل كالجزر واللفت والفجل مُلْحق بالثمار. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: هُوَ الَّذِي الْقَضَاء وَمُقَابِله أَنَّهَا كالبقول وَهُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الدونة، قَالَ فِيهَا: وَأما جَائِحَة الْبُقُول والسلق والبصل والجزر والفجل والكراث وَغَيرهَا فَيُوضَع قَلِيل مَا أجيح مِنْهُ وَكَثِيره اه. وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) إِذْ قَالَ: وتوضع جَائِحَة الثِّمَار وَإِن قلت كالبقول والزعفران وَالريحَان والقرط وورق التوت ومغيب الأَصْل كالجزر الخ. فَتحصل أَن المقاثي وَهِي مَا تطعم بَطنا بعد بطن مُلْحقَة بالثمار وَأَن مغيب الأَصْل كالبصل والكراث والجزر فِيهِ قَولَانِ. وَأَن الْجَائِحَة تُوضَع من الْعَطش مُطلقًا وَإِن كَانَت من غَيره فَفِي الثِّمَار والمقاثي لَا يرجع بهَا إِلَّا إِذا بلغت الثُّلُث، وَفِي الْبُقُول وَهِي الَّتِي يُؤْكَل مَا خرج مِنْهَا فَوق الأَرْض يرجع بهَا مُطلقًا. والقَصَبُ الحُلْوُ بِهِ قوْلانِ كَوَرَقِ التُّوتِ هُما سِيَّانِ (والقصب الحلو بِهِ) أَي فِيهِ (قَولَانِ) مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) أَنه لَا جَائِحَة فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُبَاع بعد بَدو صَلَاحه بِظُهُور الْحَلَاوَة فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا تناهى طيبه وَمَا أجيح بعد تناهي الطّيب لَا جَائِحَة فِيهِ كَمَا يَأْتِي. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تُوضَع الْجَائِحَة فِي الْقصب الحلو. ابْن يُونُس: وَهُوَ الْقيَاس، وَصحح فِي الشَّامِل أَنه كالبقول إِذْ قَالَ: وتوضع من بقول وقصب سكر أَو غَيره، وَإِن قلت على الْأَصَح وَثَالِثهَا كالثمار اه. وَانْظُر مَا مُرَاده بقوله: أَو غَيره لِأَن غير الْقصب الحلو هُوَ الْقصب الْفَارِسِي وَهُوَ لَا جَائِحَة فِيهِ لِأَنَّهُ خشب (كورق التوت) التَّشْبِيه فِي الْقَوْلَيْنِ (هما) أَي الْقَوْلَانِ (سيان) فِي الْقصب الحلو وورق التوت من غير تَرْجِيح، وَقد علمت أَن الْمَشْهُور مِنْهُمَا فِي الْقصب الحلو عدم الْجَائِحَة وَأَن الْمَشْهُور مِنْهُمَا فِي ورق التوت هُوَ الْجَائِحَة كَمَا مر عَن (خَ) . تَنْبِيه: موت دود الْحَرِير هُوَ من جَائِحَة ورقة كمن اكترى حَماما فَلم يجد من يسكنهُ كَمَا(2/55)
مرّ، وَلما كَانَت الْجَائِحَة إِنَّمَا تُوضَع إِذا حصلت قبل انْتِهَاء الطّيب كَمَا قَالَ (خَ) إِن تناهت الثَّمَرَة فَلَا جَائِحَة الخ. نبه النَّاظِم على ذَلِك فَقَالَ: وَكُلُّهَا البَائِعُ ضَامِنٌ لَهَا إنْ كانَ مَا أُجِيحَ قَبْلَ الانْتِهَا (و) الثِّمَار (كلهَا البَائِع ضَامِن لَهَا وَإِن كَانَ مَا أجيح قبل الانتها) ، فمفهومه إِنَّه إِذا أجيحت بعده فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَظَاهره كظاهر (خَ) أَنَّهَا بانتهاء الطّيب تخرج من ضَمَان البَائِع وَإِن لم يمض من الزَّمَان مَا يُمكن قطعهَا فِيهِ وَهُوَ أحد أَقْوَال ثَلَاثَة. وَالثَّانِي حَتَّى يمْضِي ذَلِك، وَالثَّالِث حَتَّى يمْضِي ذَلِك ويمضي مَا يجْرِي الْعرف بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْخلاف ابْن عَرَفَة بقوله: فَفِي كَون ضَمَان الثَّمَرَة من مبتاعها بتناهي طيبها وَإِن لم يمض مَا يُمكنهُ فِيهِ جذها أَو بمضيها ثَالِثهَا بِمُضِيِّ ذَلِك وَمَا يجْرِي الْعرف بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ اه. وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمُعْتَمد وَعَلِيهِ اقْتصر اللَّخْمِيّ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْعِنَب إِن أجيح قبل أَن تستكمل عُسَيْلَته كَانَ ضَمَانه من البَائِع، وَإِن استكملها وَكَانَ بَقَاؤُهُ ليأخذه على قدر حَاجته لِئَلَّا يفْسد عَلَيْهِ إِن قطعه دفْعَة وَاحِدَة كَانَ على البَائِع أَيْضا إِن كَانَت الْعَادة بَقَاءَهُ لمثل ذَلِك، وَإِن كَانَت الْعَادة جذه حِينَئِذٍ جَمِيعًا فَأَخَّرَهُ ليأخذه على قدر حَاجته كَانَ من المُشْتَرِي اه. وَعَلِيهِ فَإِذا أَخّرهَا بعد انْتِهَاء طيبها وَمضى مَا يُمكن جذها فِيهِ لجَرَيَان عرف النَّاس بِالتَّأْخِيرِ لبَقَاء النضارة والرطوبة فيأخذها بِقدر حَاجته، فالجائحة فِيهَا وَهِي رِوَايَة سَحْنُون وَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا يفِيدهُ (خَ) وَغَيره، ويفيده كَلَام المتيطي فِي نهايته لقَوْله: إِذا أجيحت بعد انْتِهَاء طيبها وَإِمْكَان جذاذها بِمُضِيِّ مُدَّة يُمكنهُ جذها فِيهَا قبل بُلُوغ الْحَد، الَّذِي يعرف من التَّرَاخِي فِي جذها فَتجب الْجَائِحَة على قَول مَالك بالجائحة فِي الْبُقُول اه. وَأما إِن كَانَ تَأْخِيره لشغل عرض لَهُ أَو لسوق يَرْجُو إنفاقها فَلَا جَائِحَة كَمَا فِي (خَ) والبرزلي وَغَيرهمَا، فمفهوم النَّاظِم فِيهِ تَفْصِيل بَين أَن تجتاح بعد انْتِهَاء الطّيب وَبعد مُضِيّ مَا جرت الْعَادة بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ فَلَا ضَمَان على البَائِع وَبَين أَن تجتاح قبل مُضِيّ مَا جرت الْعَادة بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ فَالضَّمَان مِنْهُ، وَأما منطوقه فَمُسلم لِأَن مَا أجيح قبل انْتِهَاء الطّيب ضَمَانه من البَائِع اتِّفَاقًا، ثمَّ اعْلَم أَن الثِّمَار على قسمَيْنِ: مَا شَأْنه أَن ييبس ويدخر وَيحبس أَوله على آخِره كالتمر وَالْعِنَب وَالزَّيْتُون والجوز واللوز، فَهَذَا إِذا أجيح مِنْهُ ثلث المكيلة فَأكْثر وضع على المُشْتَرِي بِنِسْبَة ذَلِك فَإِن أجيح الثُّلُث وضع عَنهُ ثلث الثّمن أَو النّصْف فَنصف الثّمن وَهَكَذَا، وَلَا يلْتَفت هُنَا إِلَى الْقيمَة اتِّفَاقًا وَإِن(2/56)
أجيح أقل من الثُّلُث فَلَا يوضع عَنهُ شَيْء. الثَّانِي: مَا لَا يحبس أَوله على آخِره كالمقاثي والورد والياسمين والتفاح وَالرُّمَّان والخوخ والتين وَالْعِنَب فِي بعض الْبلدَانِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تخْتَلف أسواقه فِي أول مجناه ووسطه وَآخره فَإِن كَانَ الذَّاهِب ثلث المكيلة أَو وَزنه أَو عدده فَإِنَّهُ ينْسب فِي ذَلِك قيمَة مَا أجيح إِلَى قيمَة مَا بَقِي سليما وَتعْتَبر قيمَة المجاح فِي زَمَنه وَقِيمَة غَيره فِي زَمَنه أَيْضا، فَإِذا أجيح بطن من مقثاة اشْتريت بِتِسْعَة مثلا فَإِنَّهُ يحفظ عدده، ثمَّ إِذا جنى بطنين وانقطعت فَإِنَّهُ يحفظ عددهما أَيْضا وَينظر حِينَئِذٍ إِلَى الْبَطن المجاح من البطنين السالمين، فَإِن كَانَ المجاح ثلث عدد بطُون المقثاة أَو ثلث وَزنهَا إِن كَانَت تبَاع وزنا فَيُقَال حِينَئِذٍ: مَا قيمَة الْبَطن المجاح يَوْم الْجَائِحَة وَمَا قيمَة الثَّانِي وَالثَّالِث يَوْم جذاذهما؟ فَإِذا قيل قيمَة الأول يَوْم الْجَائِحَة ثَلَاثَة لغلائه فِي وقته، وَقِيمَة الثَّانِي فِي زَمَنه اثْنَان لرخصه عَن الأول، وَقِيمَة الثَّالِث فِي زَمَنه أَيْضا وَاحِد فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِنصْف التِّسْعَة، وَكَذَا إِن كَانَت قيمَة الثُّلُث المجاح خَمْسَة أَسْدَاس الْقيمَة فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِخَمْسَة أَسْدَاس الثّمن. وَهَكَذَا. وَأما إِن كَانَ المجاح أقل من الثُّلُث فَإِنَّهُ لَا يوضع شَيْء هَذَا حكم مَا لَهُ بطُون، وَكَذَا النَّوْع الْوَاحِد الَّذِي لَا يحبس أَوله على آخِره كالعنب وَنَحْوه فِي بعض الْبلدَانِ لِأَنَّهُ قد تكون عَادَتهم جَارِيَة باستعجال بيع مَا طَابَ مِنْهُ وَأَن كل مَا طَابَ مِنْهُ شَيْء أَتَى بِهِ للسوق فَيكون حكمه كذوي الْبُطُون. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي النِّهَايَة: فَإِن ادّعى البَائِع أَن الْمُبْتَاع كَانَ جذ قبل الْجَائِحَة كثيرا من الثَّمَرَة لَو أضيف إِلَى مَا بَقِي بعد الْجَائِحَة لم يبلغ المجاح مِنْهَا الثُّلُث فَهُنَا يُقَال للْمُبْتَاع: أثبت أَن مَا أَدْرَكته الْجَائِحَة فِي الثَّمَرَة ووقف الشُّهُود عَلَيْهِ هُوَ جَمِيع مَا ابتعته مِنْهَا فَإِن قدر على ذَلِك دون مدفع للْبَائِع فِيهِ حكم لَهُ بالجائحة وَإِن عجز عَن إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ من أَنه لم يجذ من الثَّمَرَة شَيْئا أَو جذ مِنْهَا شَيْئا يَسِيرا حلف لَهُ البَائِع وَلَا تحط لَهُ الْجَائِحَة وَله قلب الْيَمين عَلَيْهِ اه. وَعَن ابْن الْحَاج أَن أَرْبَاب الْمعرفَة يتحروا التَّحْقِيق فِيمَا جنى الْمُبْتَاع قبل وَيَقُولُونَ فِي شَهَادَتهم أَن الَّذِي أذهبت الْجَائِحَة ثلث ثَمَر الْجنَّة الْمَبِيعَة مَعَ مَا أكل الْمُبْتَاع قبل الْجَائِحَة، فَإِذا شهدُوا هَكَذَا وَجب الحكم بالجائحة وَإِن قصروا فِي تخمين مَا أكله الْمُبْتَاع. وَإِنَّمَا شهدُوا أَن الْجَائِحَة فِي ثلث مَا بَقِي فَهِيَ شَهَادَة نَاقِصَة وَالْوَاجِب أَن يحلف البَائِع أَن الْجَائِحَة أقل من ثلث الْبَاقِي مَعَ مَا جنى الْمُبْتَاع وَتسقط الْجَائِحَة، فَإِن نكل حلف الْمُبْتَاع أَنَّهَا فِي الثُّلُث وَحكم بهَا وَلَو أجيحت الْجنَّة كلهَا فاختلفا، فالبائع يَدعِي أَن الْمُبْتَاع جنى مِنْهَا والمبتاع يَنْفِي ذَلِك أَو يَدعِي قَلِيلا، فَإِن القَوْل للْمُبْتَاع فِي ذَلِك. وَلَو اخْتلف المقومون هَل المجاح الثُّلُث أَو أقل فَيحْتَمل أَن يقْضِي بأعدل الْبَيِّنَتَيْنِ أَو يحكم بِبَيِّنَة الثُّلُث لإيجابها حكما، وَهُوَ الْأَظْهر إِلَّا أَن يُقَال ينظر للأعدل مُرَاعَاة لمن يَقُول لَا جَائِحَة، وَلِأَن الشَّهَادَة فِي عين وَاحِدَة كَالشَّهَادَةِ على قدم الضَّرَر وحدوثه اه. وَذكر ابْن فتحون أَن تَقْدِير جَائِحَة الثَّمَرَة يكون بِوَجْهَيْنِ. أَحدهمَا: تقديرهم مَا تحمل هَذِه الثَّمَرَة على التَّوَسُّط من حملهَا فِي السنين فَيُقَال وَهُوَ كَذَا. وَالثَّانِي: تقديرهم أَن هَذَا الَّذِي عاينوه مجاحاً سَاقِطا فِي أصُول الثَّمَرَة أَو فَاسِدا فِي رؤوسها هُوَ الثُّلُث الَّذِي قدروه من حملهَا على التَّوَسُّط وَأما لَو قدرُوا هَذَا المجاح فِيمَا بَقِي صَحِيحا فِي رُؤُوس الثَّمَرَة بِحَسب مَا أَعْطَاهُم مَا عاينوه فِيهَا من السَّالِم أَو المجاح لم يعْمل هَذَا العقد شَيْئا بِمُجَرَّدِهِ وافتقر إِلَى تَسْلِيم البَائِع أَن الْمُبْتَاع لم يجذ من الثَّمَرَة شَيْئا اه. وَقد تحصل من هَذَا كُله أَن الثَّمَرَة إِذا أجيحت كلهَا فَالْقَوْل للْمُبْتَاع أَنه لم يجذ مِنْهَا شَيْئا بِيَمِينِهِ أَو أَنه(2/57)
جذ شَيْئا قدره كَذَا، وَأما إِن أجيح بَعْضهَا وَادّعى البَائِع أَن الْمُبْتَاع قد جذ من الثَّمَرَة قبل الْجَائِحَة وَأنكر الْمُبْتَاع ذَلِك أَو ادّعى أَنه جذ شَيْئا يَسِيرا، فَإِن الْمُبْتَاع يُكَلف بِإِثْبَات ذَلِك كَمَا مرّ عَن الْمُتَيْطِيَّة، وَكَيْفِيَّة إثْبَاته إِمَّا بِأَن يشْهد الشُّهُود بِأَنَّهُم عاينوا الثَّمَرَة وَقت الْمَبِيع والساقط مِنْهَا الْآن وَالْبَاقِي فِي رؤوسها وَأَن ذَلِك كُله هُوَ الْقدر الَّذِي رَأَوْهُ أَولا. وَإِن كَانَ السَّاقِط هُوَ نصف مَا كَانَ وَقت البيع وَالْبَاقِي فِي رؤوسها هُوَ ربعه فَيكون مَا جناه الْمُبْتَاع هُوَ الرّبع الآخر، وَإِمَّا بِأَن يتحروا التَّحْقِيق فِيمَا جنى الْمُبْتَاع حَيْثُ لم يعاينوها وَقت البيع كَمَا مرّ عَن ابْن الْحَاج. وَكَيْفِيَّة تحريه هُوَ مَا ذكره ابْن فتحون فَيَقُولُونَ: مَا تحمله هَذِه الثَّمَرَة على التَّوَسُّط من حملهَا فِي السنين قِنْطَارًا أَو وسْقا مثلا، وَقدر الْبَاقِي مِنْهُ ربعه والساقط بالجائحة نصفه فَيكون الرّبع الآخر جناه الْمُبْتَاع، وَهَكَذَا إِذا أقرّ الْمُبْتَاع بِأَنَّهُ قد جنى مِنْهَا أَو نكل عَن الْيَمين الَّتِي قَلبهَا عَلَيْهِ البَائِع وَإِن ادّعى أَنه لَا يدْرِي قدر مَا جنى أَو غَابَ أَو مَاتَ، فَإِن الشُّهُود يتحرون التَّحْقِيق فِيمَا جناه كَمَا قَالَ ابْن الْحَاج. وَكَيْفِيَّة التَّحَرِّي لذَلِك هُوَ مَا تقدم عَن ابْن فتحون. هَذَا مَا ظهر لي فِي فهم هَذِه الأنقال والتوفيق بَينهَا، وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَنَّهَا كَثِيرَة الْوُقُوع. الثَّانِي: لَا بُد من قطع الشُّهُود بِحُصُول السَّبَب الَّذِي أجيحت وَلَا يَكْفِي قَوْلهم: ظهر لنا أَنَّهَا أجيحت من الْعَطش وَنَحْوه إِذْ قد يكون إِنَّمَا عَطش من عدم إِيصَال المَاء وَقد قَالَ فِي النِّهَايَة فِي صفة الشَّهَادَة بذلك مَا نَصه: فَمن علم نزُول الْمَطَر أَو الْبرد فِي الْجِهَة الْمَذْكُورَة وَأَن الْجَائِحَة كَانَت بِسَبَبِهِ قَيده لسائله الخ. وَقَالَ فِي الْعَطش: وَإِنَّهَا قحطت بذهاب سد نهرها الَّذِي كَانَت تسقى مِنْهُ أَو بانهرار بِئْرهَا أَو تغوير مَائِهَا وَقد رأوأ مَا ذكر من ذهَاب السد وانهرار الْبِئْر وتغوير المَاء الخ.
(فصل فِي بيع الرَّقِيق وَسَائِر الْحَيَوَان)
وَبَدَأَ بِالْأولِ فَقَالَ: بَيْعُ الرَّقِيقِ أَصْلُهُ السَّلامَهْ وَحَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فَلاَ مَلاَمَهْ (بيع الرَّقِيق أَصله السَّلامَة) من جَمِيع الْعُيُوب الْآتِيَة وَحِينَئِذٍ، فَإِذا نَص فِي العقد على السَّلامَة فَلَا إِشْكَال أَنه يقوم بِكُل عيب قديم يجده (وَحَيْثُ لم تذكر) السَّلامَة فِي العقد وَلَا شَرطهَا وَلم تذكر الْبَرَاءَة أَيْضا (ف) إِن للْمُشْتَرِي أَن يقوم بِكُل عيب يجده و (لَا ملامة) عَلَيْهِ فِي ذَلِك لِأَن شِرَاءَهُ مَحْمُول على السَّلامَة حَيْثُ لم تذكر هِيَ وَلَا الْبَرَاءَة كَمَا قَالَ: وَهُوَ مُبِيحٌ لِلْقِيَامِ عِنْدَمَا يُوجِدُ عَيْبٌ بِالمَبِيعِ قَدُمَا(2/58)
(وَهُوَ) أَي البيع الْمَحْمُول على السَّلامَة (مُبِيح للْقِيَام) بِالْعَيْبِ (عِنْدَمَا يُوجد عيب بِالْمَبِيعِ قدما) بِضَم الدَّال فَإِن اشْترى على شَرط الْبَرَاءَة فَلَا قيام لَهُ حِينَئِذٍ بِمَا يظْهر من عيب قديم إِلَّا أَن يثبت علم البَائِع بِهِ حِين العقد فَلِلْمُشْتَرِي الْقيام لِأَن البَائِع مُدَلّس حِينَئِذٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت الخ. وَكَذَا لَا قيام للْمُشْتَرِي إِذا بَين البَائِع لَهُ عيوبه ووصفها حَيْثُ كَانَت تخفى كإباق وسرقة وَصفا كاشفاً شافياً وَحَيْثُ كَانَ ظَاهرا أرَاهُ إِيَّاه أَو وَقفه عَلَيْهِ وَلم يجمله فِي نَفسه كسارق أَو آبق حَتَّى يبين جنس سَرقته وَقدر إباقه وَلَا مَعَ غَيره بِأَن يَقُول: سَارِق آبق وَهُوَ سَارِق فَقَط أَو آبق فَقَط لِأَن المُشْتَرِي قد يعلم بَرَاءَته من الأول فيظن أَن الثَّانِي كَذَلِك (خَ) : وَإِذا علمه بَين أَنه بِهِ وَوَصفه أَو أرَاهُ لَهُ وَلم يجمله اه. وَفِي المعيار: إِن كَانَ الْعَيْب يتَفَاوَت فَلَا بُد من التَّوْقِيف على مِقْدَاره طولا وعرضاً وعمقاً وَإِن كَانَ لَا يتَفَاوَت فِي نَفسه فَالْمَذْهَب أَنه يَكْتَفِي فِيهِ بِذكرِهِ اه. وَنَحْوه فِي ابْن عَرَفَة قَالَ: الْبَرَاءَة من الْعَيْب الْمعِين إِن لم يقبل التَّفَاوُت برىء بِذكرِهِ الْبَاجِيّ: كالعور يَعْنِي وَالزِّنَا وَإِلَّا لم يبع حَتَّى يبين قدره كالكي المتفاحش وَغَيره وَلَا يبرأ إِلَّا أَن يُخبرهُ بشنيع الكي أَو يرِيه إِيَّاه اه. والإباق وَالسَّرِقَة من الْعُيُوب المتفاوتة، فَلذَلِك كَانَ لَا يَكْتَفِي بقوله سَارِق بل حَتَّى يبين قدرهَا، إِذْ رُبمَا تكون عَادَته سَرقَة الشَّيْء الْقَلِيل كالرغيف وَنَحْوه فَقَوله: سَارِق حِينَئِذٍ إِنَّمَا يَنْفَعهُ فِي سَرقَة الشَّيْء الْقَلِيل دون الْكثير، وَكَذَا الْإِبَاق إِذْ قد تكون عَادَته الْإِبَاق للموضع الْقَرِيب دون الْبعيد، وَكَذَا لَو قَالَ لَهُ: أبيعك عبدا معيبا بِجَمِيعِ الْعُيُوب أَو عظاماً فِي قفة وَنَحْو ذَلِك فَلَا يَنْفَعهُ ذَلِك. قَالَ فِي الْمَدِينَة: لَو كثر فِي بَرَاءَته من ذكر أَسمَاء الْعُيُوب لم يبرأ إِلَّا من عيب يرِيه إِيَّاه ويوقفه عَلَيْهِ وإلاَّ فَلهُ الرَّد إِن شَاءَ، وَقد منع عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ أَن يذكر فِي الْبَرَاءَة عيوباً لَيست فِي الْمَبِيع إِرَادَة التلفيق قَالَ اللَّخْمِيّ: لَو قَالَ لَهُ أبيعك لَحْمًا على بَارِية لم يبرأ حَتَّى يُسَمِّي الْعَيْب. قَالَ شُرَيْح: حَتَّى يضع يَده عَلَيْهِ. عِيَاض: بَارِية قيل الْحَصِير يقطع عَلَيْهِ اللَّحْم اه. تَنْبِيهَانِ. الأول: الْإِبَاق وَالسَّرِقَة عيب وَلَو وَقعا من صَغِير فِي حَال صغره كَمَا يَأْتِي عَن اللَّخْمِيّ عِنْد قَوْله: والإباق. الثَّانِي: هَل يَصح التبرىء من عيب يشك فِي برئه، فَذكر ابْن عَرَفَة فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ عَن اللَّخْمِيّ: إِن من اشْترى عبدا بِعَيْب مَشْكُوك فِي زَوَاله وبرئه مِنْهُ أَنه لَا رد لَهُ بِعَدَمِ برئه مِنْهُ اه. وَهَذَا مِمَّا يَقع كثيرا يَشْتَرِي الرجل الدَّابَّة أَو العَبْد وَبِهِمَا ورم مَشْكُوك فِي برئه فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ بِهِ إِذا لم يبرأ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ رده إِذا لم يبرأ فَيعْمل بِشَرْطِهِ. وَفِي الْبُرْزُليّ فِيمَن اشْترى بغلة(2/59)
بهَا ورم تَبرأ لَهُ مِنْهُ البَائِع وَأرَاهُ إِيَّاه، وَشهد أهل الْمعرفَة بِأَنَّهُ لَا يُمكن التبرؤ مِنْهُ لعدم الْإِحَاطَة بِهِ. قَالَ: إِن قَالَ أهل الْمعرفَة بعيوب الدَّوَابّ أَن الأورام الَّتِي تكون فِي هَذَا الْموضع تخْتَلف فتبرأ فِي بَعْضهَا وَلَا تَبرأ من بعض، فَلَا تصح الْبَرَاءَة مِمَّا تَبرأ مِنْهُ إِلَّا بِبَيَان اه. يَعْنِي: إِلَّا بِبَيَان أَنَّهَا تَبرأ من بعض وَلَا تَبرأ من بعض فتجري على مَا مر عَن اللَّخْمِيّ وَلَا رد لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من اشْترى مَرِيضا لم يبلغ حد السِّيَاق وَمثله فِي المعيار وَالله أعلم. وَالْعَيْبُ إمَّا ذُو تَعَلُّقٍ حَصلْ ثُبُوتُهُ فِيمَا يُبَاعُ كالشَّلَلْ (وَالْعَيْب) فِي الرَّقِيق لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه لِأَنَّهُ (إِمَّا ذُو تعلق) واتصال (حصل ثُبُوته فِيمَا) الرَّقِيق الَّذِي (يُبَاع) لَا ينْتَقل عَنهُ بِحَال (كالشلل) وَالْقطع والكي والعور والبرص والعمى والحول وَالْقَتْل، وَهُوَ قريب من الْحول والميل، وَهُوَ أَن يمِيل أحد الْخَدين إِلَى جِهَة الْأذن، والصور وَهُوَ أَن يمِيل الْعُنُق إِلَى أحد الشقين، والدور وَهُوَ أَن يمِيل الْمنْكب إِلَى أحد الشقين، والصدر وَهُوَ أَن يكون فِي الصَّدْر إشراف ونتوء، والعجر وَهُوَ كالحدبة فِي الظّهْر، والعسر وَهُوَ الْبَطْش بِالْيَدِ الْيُسْرَى، والحبط وَهُوَ أثر الْجرْح بعد الْبُرْء إِذا خَالف لون الْجَسَد وَنَحْو ذَلِك قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. أَوْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ لَكِنَّه مُنْتَقِلٌ عَنْهُ كَمِثْلِ الْجِنَّهْ (أَو مَا) أَي عيب (لَهُ تعلق) بالرقيق واتصال بِهِ (لكنه منتقل عَنهُ) يُفَارِقهُ فِي بعض الْأَوْقَات دون بعض (كَمثل الْجنَّة) أَو الْبَوْل فِي الْفراش والأمراض الْمُخْتَلفَة فِي بعض الْأَوْقَات وَنَحْو ذَلِك. أَوْ بائِنٌ كالزَّوْجِ وَالإباقِ فالرَّدُّ فِي الجَمِيعِ بالإطْلاَقِ (أَو) عيب (بَائِن) عَنهُ أَي لَيْسَ مُتَعَلقا بِهِ حسا بل معنى فَقَط (كالزوج) وَالسَّرِقَة (والإباق) وَظَاهره وَلَو من صَغِير وَهُوَ كَذَلِك. اللَّخْمِيّ: وَالْعَبْد الْكَبِير إِذا بيع وَقد أبق فِي صغره فَذَلِك عيب وَكَذَلِكَ السّرقَة فَيرد بذلك لِأَنَّهُ بَاقٍ على تِلْكَ الْعَادة إِلَّا أَن تكون من الصَّغِير بِحَيْثُ لَو(2/60)
اختبر ذَلِك مِنْهُ فَلَا ينقص من ثمنه اه. وَنَقله (ح) وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة والمفيد وَإِذا أثبت المُشْتَرِي شَيْئا من هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة (فالرد) ثَابت لَهُ (فِي الْجَمِيع بِالْإِطْلَاقِ) كَانَ عَارِفًا بالعيوب أم لَا. قلب أم لَا. ثمَّ اسْتثْنى الْعَارِف بالعيوب من الْوَجْه الأول فَإِنَّهُ لَا رد لَهُ بِالْعَيْبِ الظَّاهِر مِنْهُ حَيْثُ رأى الْمَبِيع وَقَلبه فَقَالَ: إلاَّ بِأَوَّلِ بِمَا مِنْهُ ظَهَرْ لِمَنْ يَكُونُ بِالْعُيُوبِ ذَا بَصَرْ (إِلَّا بِالْأولِ) أَي إِلَّا فِي الْوَجْه الأول (فَمَا) أَي فالعيب الَّذِي (مِنْهُ ظهر) لَا رد بِهِ (لمن يكون بالعيوب ذَا بصر. وَالخُلْفُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ وَالحَلِفْ يَلْزَمُ إلاَّ مَعَ تَدَيُّنِ عُرِفْ وَالْخلف فِي الْخَفي مِنْهُ) أَي من الْقسم الأول أَي: والموضوع بِحَالهِ من كَون المُشْتَرِي ذَا بَصِيرَة، فروى ابْن حبيب وَغَيره عَن مَالك أَنه لَا رد لَهُ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يردهُ بعد أَن يحلف مَا رَآهُ إِلَّا أَن يكون مَعَ بَصَره غير مُتَّهم لتدينه فَلهُ الرَّد فِي الظَّاهِر والخفي دون يَمِين وَهُوَ معنى قَوْله: (وَالْحلف يلْزم إِلَّا مَعَ تدين عرف) وَهَكَذَا نَقله ابْن سَلمُون، وَتَبعهُ النَّاظِم، وظاهرهما أَن غير ذِي البصيرة بالعيوب لَهُ الرَّد بِالْعَيْبِ الظَّاهِر والخفي مَعَ أَن الْعَيْب الظَّاهِر قِسْمَانِ. قسم مِنْهُ لَا يخفى على كل من قلب الْمَبِيع كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. كالإقعاد وَقطع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن، وَقسم يخفى عِنْد التقليب على من لم يتَأَمَّل، وَلَا يخفى غَالِبا على من تَأمل كالحول والفتل وَنَحْوهمَا مِمَّا تقدم، وَالْعَيْب الظَّاهِر يُطلق عِنْدهم على الْقسمَيْنِ مَعًا، فالقسم الأول لَا رد بِهِ للجاهل فضلا عَن الْعَارِف، وَالْقسم الثَّانِي يثبت الرَّد بِهِ على مَا لِابْنِ عَرَفَة مُعْتَرضًا على ابْن عبد السَّلَام إِذْ قَالَ مَا نَصه: وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين يدل على أَن الْعَيْب الظَّاهِر مُشْتَرك أَو مشكك يُطلق على الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى غَالِبا على كل من اختبر الْمَبِيع تقليباً ككون العَبْد مقْعدا أَو مطموس الْعَينَيْنِ، وعَلى مَا يخفى عِنْد التقليب على من لم يتَأَمَّل وَلَا يخفى غَالِبا على من تَأمل كَكَوْنِهِ أعمى وَهُوَ قَائِم(2/61)
الْعَينَيْنِ، فَالْأول لَا قيام لَهُ بِهِ وَالثَّانِي يُقَام بِهِ اتِّفَاقًا فيهمَا اه. والتثنية فِي قَوْله فيهمَا ترجع للْأولِ وَالثَّانِي فَقَوْل النَّاظِم: فَمَا مِنْهُ ظهر الخ. شَامِل للقسمين الْمَذْكُورين مَعَ أَن الْقسم الأول لَا رد بِهِ للجاهل وَلَا للعارف، ثمَّ قَالَ ابْن عَرَفَة. إِثْر مَا مر عَنهُ مَا نَصه: ثمَّ وقفت على نقل ابْن الْحَاج فِي نوازله عَن ابْن أبي زمنين قَالَ مَا نَصه: من اشْترى شَيْئا وَأشْهد على نَفسه أَنه قلب وَرَضي ثمَّ وجد عَيْبا مثله يخفى عِنْد التقليب حلف مَا رَآهُ، ورده إِن أحب وَإِن كَانَ ظَاهرا مثله لَا يخفى عِنْد التقليب لزمَه وَلَا رد لَهُ، وَإِن لم يشْهد أَنه قلب وَرَضي رد من الْأَمريْنِ مَعًا قَالَه عبد الْملك وَأصبغ اه. قلت: فَالْمُرَاد بِالْعَيْبِ الظَّاهِر فِي كَلَام ابْن أبي زمنين هُوَ الْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي يخفى على من لم يتَأَمَّل وَلَا يخفى على غَيره وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فِي كَلَام ابْن عَرَفَة بِدَلِيل قَوْله فِيمَا بعد رد من الْأَمريْنِ مَعًا فَيكون قادحاً فِي الِاتِّفَاق الَّذِي حَكَاهُ ابْن عَرَفَة على الرَّد فِي الْقسم الثَّانِي وَلَعَلَّه لذَلِك قَالَ: ثمَّ وقفت الخ. وَقَوله عَن ابْن أبي زمنين: حلف مَا رَآهُ ورده الخ. ظَاهره أَنه يحلف مُطلقًا كَانَ دينا أم لَا. وَهُوَ الْمُوَافق للمشهور الْمَعْمُول بِهِ من أَن يَمِين التُّهْمَة تتَوَجَّه الْيَوْم مُطلقًا وَمَا مر عَن ابْن سَلمُون والناظم مَبْنِيّ على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه إِلَّا على أهل التهم، وَقَوله مثله لَا يخفى عِنْد التقليب الخ. يَعْنِي على ذِي البصيرة وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ، فالتقليب والتأمل بِمَعْنى وَاحِد، فالعيب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على كل من لَهُ نظر إِلَى الْمَبِيع لَا قيام بِهِ مُطلقًا كَمَا مرّ فِي الْقسم الأول عَن ابْن عَرَفَة، وَالْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على من تَأمل وقلب وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فِي كَلَام ابْن عَرَفَة فَإِن ثَبت تقليبه وتأمله وَكَانَ المُشْتَرِي ذَا بَصِيرَة فَلَا رد لَهُ أَيْضا كَمَا قَالَ النَّاظِم وَابْن سَلمُون، وَبِه يُقيد إِطْلَاق ابْن أبي زمنين كَمَا مرّ وَلَا يعول على ظَاهر الِاتِّفَاق الَّذِي لِابْنِ عَرَفَة بِعَدَمِ الرَّد وَإِن كَانَ المُشْتَرِي لَيْسَ ذَا بَصِيرَة فَلهُ الرَّد لِأَنَّهُ يَقُول لَا علم لي بِأَن ذَلِك عيب كَمَا أَن لَهُ الرَّد إِذا لم يشْهد بالتقليب والتأمل كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. هَذَا كُله فِي الْقسم الثَّانِي من قسمي الظَّاهِر، وَأما الْخَفي فَحكى النَّاظِم قَوْلَيْنِ فِي ذِي البصيرة، وَظَاهر ابْن أبي زمنين أَنه يرد من غير خلاف فَيدل ذَلِك على أَن الرَّاجِح هُوَ الرَّد هَذَا مَا ظهر لي فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل، وَعَلِيهِ فيستثنى من كَلَام النَّاظِم الْعَيْب الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على كل من اختبر الْمَبِيع وَهُوَ الْقسم الأول عِنْد ابْن عَرَفَة، وَقَول ابْن عَرَفَة وَالثَّانِي يُقَام بِهِ يَعْنِي بعد الْيَمين وَقَوله اتِّفَاقًا فيهمَا ظَاهره أَن لَهُ الْقيام فِي الْقسم الثَّانِي كَانَ ذَا بَصِيرَة أم لَا. وَفِيه مُخَالفَة لما مر عَن ابْن سَلمُون والناظم وَابْن أبي زمنين، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل الِاتِّفَاق على غير ذِي البصيرة، وَانْظُر فصل الْعُيُوب فقد نقلنا عَن الْمَازرِيّ أَن كتب الموثق قلب وَرَضي هُوَ من التلفيق الَّذِي لَا يعْتد بِهِ. تَنْبِيهَات. الأول: لَا خُصُوصِيَّة للرقيق بِهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي فِي النّظم بل غَيره من الْحَيَوَان وَالْعرُوض كَذَلِك. الثَّانِي: قَالَ ابْن عَرَفَة: روى مُحَمَّد، إِن ابْتَاعَ نخاس غُلَاما فَأَقَامَ عِنْده ثَلَاثَة أشهر حَتَّى صرع وَنقص حَاله فَلَا رد لَهُ لِأَنَّهُ يشترى فَإِن وجد ربحا بَاعَ وَإِلَّا خَاصم اه. يَعْنِي لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنه اطلع على الْعَيْب ورضيه، وَهَذَا فِي الْعَيْب الظَّاهِر الْمُتَعَلّق بِالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يخفى عِنْد التقليب كَمَا مرّ عَن النَّاظِم وَغَيره، وَأما غَيره مِمَّا يخفى كالجنون والإباق وَنَحْوهمَا فَلهُ الْقيام بعد الْيَمين.(2/62)
الثَّالِث: إِذا تنَازعا فَقَالَ البَائِع: لقد علم بِالْعَيْبِ ورضيه وَأنكر المُشْتَرِي ذَلِك فَطلب البَائِع يَمِينه أَنه مَا علمه وَلَا رضيه فَفِي (خَ) وَلم يحلف مُشْتَر ادعيت رُؤْيَته إِلَّا بِدَعْوَى الإراءة وَلَا الرِّضَا بِهِ إِلَّا بِدَعْوَى مخبر الخ. قلت: وَهَذَا مَبْنِيّ وَالله أعلم على أَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه، وَهَذَا أحد قَوْلَيْنِ فِيهَا والمعمول بِهِ توجهها مُطلقًا وَعَلِيهِ فَلهُ أَن يحلفهُ وَإِن لم يدع إراءاته إِيَّاه وَلَا إِخْبَار غَيره أَنه رضيه. الرَّابِع: من ابْتَاعَ دَابَّة وَبَقِي عَلَيْهِ بعض الثّمن فَاطلع فِيهَا على عيب وَقَامَ ليرد فَقَالَ البَائِع: ادْفَعْ مَا بَقِي لي وَحِينَئِذٍ أحاكمك فِيهِ، فَينْظر فَإِن كَانَ الْعَيْب ظَاهرا لَا طول فِي الْقيام بِهِ فَلَا يدْفع لَهُ الْبَاقِي حَتَّى يحاكمه، وَإِن كَانَ خفِيا فِيهِ طول فَقَوْلَانِ قَالَه ابْن عَاتٍ ونظمه فِي اللامية. الْخَامِس: سُئِلَ القَاضِي أَبُو يحيى بن عَاصِم ولد النَّاظِم رحمهمَا الله عَمَّن ابْتَاعَ سلْعَة فَوجدَ فِيهَا عَيْبا فَطلب من البَائِع الْإِقَالَة فَأبى أَن يقيله، ثمَّ أَرَادَ أَن يقوم عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ؟ فَقَالَ: ذَلِك لَهُ وَيحلف مَا كَانَ ذَلِك مِنْهُ رضَا بِالْعَيْبِ وَيَردهُ اه. وَإِذا اخْتلفَا فِي قدم الْعَيْب وحدوثه فَالْقَوْل للْبَائِع فِي نفي قدمه كَمَا قَالَ. وَحَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِي الْغَيْبِ الْقِدَمْ كانَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ذَاكَ الْقَسَمْ (وَحَيْثُ لَا يثبت فِي الْعَيْب الْقدَم) الَّذِي ادَّعَاهُ المُشْتَرِي وَادّعى البَائِع حُدُوثه (كَانَ على البَائِع فِي) دَعْوَاهُ (ذَاك) الْحُدُوث (الْقسم) لِأَن القَوْل لَهُ فِي نفي الْعَيْب وَنفي قدمه وَكَيْفِيَّة قسمه أَن يَقُول فِي غير ذِي التوفية: لقد بِعته وَمَا هُوَ بِهِ، وَفِي ذِي التوفية: لقد بِعته وأقبضته وَمَا هُوَ بِهِ بثاً فِي الْعَيْب الظَّاهِر وعَلى نفي الْعلم فِي الْعَيْب الْخَفي كَمَا قَالَ: وَهْوَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا يَخفى وَفِي غَيْرِ الخَفِيِّ الحَلْفُ بِالْبَتِّ اقْتُفِي (وَهُوَ) أَي الْقسم (على) نفي (الْعلم بِمَا) أَي فِي الْعَيْب الَّذِي (يخفى) كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْبَوْل فِي الْفراش (وَفِي غير) الْعَيْب (الْخَفي) وَهُوَ الْقسم الثَّانِي من قسمي الظَّاهِر كَكَوْنِهِ أعمى وَهُوَ قَائِم الْعَينَيْنِ أَو فِي عينه حَوَل أَو فتل وَنَحْو ذَلِك. (الْحلف) بِسُكُون اللَّام (بالبت اقتفي) أَي اتبع، وَأما الْقسم الأول من قسمي الظَّاهِر فَلَا رد بِهِ وَلَا يَمِين فِيهِ على البَائِع. وَفِي نُكول بَائِعٍ مَنِ اشْترى يَحْلِفُ وَالحَلْفُ عَلَى مَا قُرِّرَا (وَفِي نُكُول بَائِع) يتَعَلَّق بيحلف (من اشْترى) مُبْتَدأ خَبره (يحلف) أَي من اشْترى يحلف فِي(2/63)
نُكُول بَائِع على مَا ادَّعَاهُ أَن الْعَيْب قديم (وَالْحلف) مِنْهُ كَائِن (على مَا قررا) فِي حلف البَائِع، فَإِذا كَانَ الْعَيْب ظَاهرا فَيحلف على الْبَتّ أَنه قديم، وَإِذا كَانَ خفِيا فَيحلف على نفي الْعلم فَيَقُول: مَا أعلمهُ حدث عِنْدِي وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي كتاب مُحَمَّد، وَبِه الْقَضَاء. وَقيل: يحلف على الْبَتّ فيهمَا، وَقيل: على نفي الْعلم فيهمَا. وَلَيْسَ فِي صَغِيرَةٍ مُوَاضِعَهْ وَلاَ لِوَخْشٍ حَيْث لاَ مُجَامَعَهْ فِيهَا أَي فِي الوخش فَأطلق فِي الصَّغِيرَة، وَالْمرَاد بهَا الَّتِي لَا تطِيق الْوَطْء كَبِنْت ثَمَانِيَة أَعْوَام، وَظَاهره أَنه لَا مواضعة فِيهَا مُطلقًا عليا كَانَت أَو وحشاً أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا أم لَا للأمن من حملهَا إِذْ وَطْؤُهَا قبل الإطاقة كَالْعدمِ، وَأما الوخش فَلَا مواضعة فِيهَا أَيْضا حَيْثُ لم يقر البَائِع بِوَطْئِهَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَت عليا ترَاد للْفراش وَلَيْسَت صَغِيرَة وَجَبت الْمُوَاضَعَة سَوَاء أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا أم لَا. بل وَلَو كَانَ البَائِع لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْء كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَة، وَكَذَا تجب إِذا كَانَت وخشاً أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا (خَ) : وتتواضع الْعلية أَو وخش أقرّ البَائِع بِوَطْئِهَا اه. ابْن عَرَفَة: الْمُوَاضَعَة جعل الْأمة مُدَّة استبرائها فِي حرز مَقْبُول خَبره عَن حَيْضَتهَا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: والشأن كَونهَا على يَد امْرَأَة فَإِن وضعت على يَد رجل لَهُ أهل ينظرونها أَجْزَأَ، وَكَذَا لَا مواضعة أَيْضا فِي متزوجة وَلَا حَامِل ومعتدة وزانية كمردودة بِعَيْب أَو فَسَاد أَو إِقَالَة إِن لم يغب المُشْتَرِي كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَلاَ يَجُوزُ شَرْطُ تَعْجِيلِ الثَّمَنْ وَإنْ يَكنْ ذَاكَ بِطَوْعٍ فَحَسَنْ (وَلَا يجوز) لبائع الْأمة الَّتِي تحْتَاج إِلَى الْمُوَاضَعَة (شَرط تَعْجِيل الثّمن) على المُشْتَرِي فَإِن بَاعهَا بِشَرْط تَعْجِيله فسد البيع لتردده بَين السلفية إِذا مَاتَت أَو لم تَحض والثمنية إِذا سلمت وحاضت وكل مَا تردد بَين السلفية والثمنية يرجح فِيهِ جَانب السلفية لِأَن الشَّيْء إِذا دَار بَين الْمَنْع وَالْجَوَاز يغلب فِيهِ جَانب الْمَنْع، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ اشْترط السّلف فِي العقد صَرَاحَة فينفسد العقد بِالشّرطِ وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ (وَإِن يكن ذَاك) التَّعْجِيل للثّمن (بطوع) من المُشْتَرِي بعد العقد (فَحسن) أَي فَجَائِز (خَ) : وَفَسَد إِن نقد بِشَرْط لَا تَطَوّعا الخ. إِلَّا أَن صَوَابه وَفَسَد بِشَرْط النَّقْد(2/64)
لِأَن المضر هُوَ الشَّرْط، وَإِن لم ينْقد بِالْفِعْلِ كَمَا مرّ، وَعبارَته غير موفية بذلك لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنه إِنَّمَا يفْسد إِذا نقد بِالْفِعْلِ بِسَبَب الشَّرْط، ولفساد النَّقْد بِالشّرطِ وجوازه بالطوع نَظَائِر أَشَارَ لَهَا (خَ) فِي بَاب الْخِيَار بقوله: وَفَسَد أَي بيع الْخِيَار بِشَرْط نقد كغائب وعهدة ثَلَاث ومواضعة وَأَرْض لم يُؤمن ريها، وَجعل وَإِجَارَة مُحرز زرع وأجير تَأَخّر شهرا الخ. فَهَذِهِ الْمسَائِل تفْسد البيع بِشَرْط النَّقْد فِيهَا وَيجوز تَطَوّعا. والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ مَعَ اعترافٍ أَو ثُبوتِ عِلْمِهِ (وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة) من كل عيب قديم يظْهر بِالْمَبِيعِ وَلَا علم بِهِ للْبَائِع (إِن نصت) أَي شرطت فِي أصل العقد أَو جرت الْعَادة بهَا لِأَنَّهَا كالشرط (على الْأَصَح بالرقيق) يتعلقان بقوله: (اخْتصّت) وفاعله ضمير الْبَرَاءَة على حذف مُضَاف أَي اخْتصَّ بيعهَا، وَالْجُمْلَة خبر عَن البيع، وَمَفْهُوم بَرَاءَة أَن البيع إِذا وَقع على غير شَرطهَا فللمبتاع الْقيام بِكُل عيب قديم يجده إِلَّا أَن يكون البَائِع قد بَينه لَهُ وَلم يجمله كَمَا تقدم أول الْفَصْل، وَمَا ذكره النَّاظِم من أَن الْأَصَح اختصاصها بالرقيق هُوَ الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة وَمُقَابِله يَأْتِي فِي قَوْله: وَبَعْضهمْ فِيهَا الْجَوَاز أطلقا، وَمحل عدم جَوَازهَا فِي غَيره إِذا لم يتَطَوَّع بهَا بعد العقد وإلاَّ جَازَ حَيْثُ لم يكن التَّطَوُّع بهَا فِي مُقَابلَة إِسْقَاط شَيْء من الثّمن، وإلاَّ لم يجز كَمَا فِي شَارِح الْعَمَل عِنْد قَوْله فِي الْجَامِع: وَترك شَيْء للتطوع فَشَا الخ. فَانْظُرْهُ وَانْظُر شرَّاح اللامية، ثمَّ إِذا وَقع بيع الرَّقِيق على شَرط الْبَرَاءَة الْمَذْكُورَة فَلَا قيام للْمُشْتَرِي بِعَيْب قديم يجده إِذا لم يكن البَائِع عَالما بِهِ، فَإِن كَانَ عَالما بِهِ فَهُوَ قَوْله: والفَسْخُ إنْ عَيْبٌ بدا من حُكْمِهِ مَعَ اعترافٍ أَو ثُبوتٌ عِلْمِهِ (وَالْفَسْخ) لبيع الْبَرَاءَة (إِن) بدا (عيب) قديم (بدا) كَائِن (من حكمه) فالمجرور يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله: وَالْفَسْخ، وَلَفظ عيب فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره بدا كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} (التَّوْبَة: 6) (مَعَ اعْتِرَاف) من البَائِع بِعلم قدمه (أَو ثُبُوت علمه) لقدمه بِبَيِّنَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار وَادّعى المُشْتَرِي أَن البَائِع عَالم بقدمه ودلس، وَادّعى البَائِع أَنه جَاهِل لقدمه فَإِنَّمَا على البَائِع الْيَمين كَمَا قَالَ: وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَع جَهل الخَفِي بِالْعِلم وَالظّاهِرُ بِالْبَتِّ حَفِي(2/65)
(وَيحلف البَائِع مَعَ جهل) أَي مَعَ دَعْوَى جَهله الْعَيْب. (الْخَفي بِالْعلمِ) يتَعَلَّق بيحلف وباؤه بِمَعْنى على كَقَوْلِه تَعَالَى: وَمن أهل الْكتاب من أَن تأمنه بقنطار} (آل عمرَان: 75) (وَالظَّاهِر) مُبْتَدأ (بالبت) يتَعَلَّق بقوله (حفي) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبناء للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ، وَمعنى حفي أظهر واستخرج أَي: وَالْعَيْب الظَّاهِر حفيت وأظهرت يَمِين البَائِع فِيهِ على الْبَتّ، وَهَذِه التَّفْرِقَة لِابْنِ الْعَطَّار، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الفخار وَقَالَ: يحلف بَائِع الْبَرَاءَة على الْعلم أَنه لم يعلم بِهِ ظَاهرا كَانَ الْعَيْب أَو خفِيا لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَبرأ مِمَّا لم يعلم وَإِنَّمَا تفترق الْيَمين فِي الْعَيْب الظَّاهِر والخفي فِيمَا بيع من العبيد بِغَيْر الْبَرَاءَة اه. فَمَا ذكره النَّاظِم تبعا لِابْنِ الْعَطَّار لَا يعول عَلَيْهِ، ثمَّ إِذا نكل البَائِع عَن الْيَمين الْمَذْكُورَة فَإِن الْمَبِيع يرد عَلَيْهِ بِمُجَرَّد نُكُوله لِأَنَّهَا يَمِين تُهْمَة لَا تنْقَلب كَمَا قَالَ: وَحَيْثُمَا نُكُولُهُ تَبَدَّا بِهِ المَبِيعُ لَا الْيَمِينُ رُدَّا (وحيثما نُكُوله) أَي البَائِع (تبدا) أَي ظهر (بِهِ) أَي بِسَبَب نُكُوله (الْمَبِيع لَا الْيَمين ردا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن الْمَبِيع أَي رد عَلَيْهِ الْمَبِيع بِسَبَب نُكُوله لَا الْيَمين فَلَا ترد على المُشْتَرِي لِأَنَّهَا غير منقلبة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مُقَابل الْأَصَح فَقَالَ: وَبَعْضُهُمْ فِيهَا الجَوَازَ أطْلَقَا وَشرطُهَا مَكْثٌ بِمِلْكٍ مُطْلَقَا (وَبَعْضهمْ) وَهُوَ ابْن وهب وَرَوَاهُ ابْن حبيب عَن مَالك (فِيهَا الْجَوَاز) مفعول بقوله: (أطلقا) فَقَالَ: إِن الْبَرَاءَة جَائِزَة فِي كل شَيْء ولعَبْد الْوَهَّاب أَنَّهَا لَا تجوز فِي شَيْء، وَفِي الْمُوَطَّأ أَنَّهَا جَائِزَة فِي الْحَيَوَان مُطلقًا ذكر هَذِه الْأَقْوَال ابْن سَلمُون. فَإِن وَقع وَنزل واشترطت فِي غير الرَّقِيق فَقَالَ اللَّخْمِيّ: وَاخْتلف بعد القَوْل بِالْمَنْعِ إِذا وَقع البيع بِشَرْط الْبَرَاءَة فِي غير الرَّقِيق فَقَالَ أَشهب فِي كتاب مُحَمَّد: إِن وَقع فِي الْحَيَوَان لم أفسخه وَفِي الْعرُوض يفْسخ إِلَّا أَن يفوت فَلَا يفْسخ، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: البيع صَحِيح وَالشّرط بَاطِل. قَالَ مُحَمَّد: وَفسخ الْجَمِيع أحسن اه بِنَقْل الْمُتَيْطِيَّة. وَمَا تقدم فِي النّظم من اختصاصها بالرقيق على الْأَصَح هُوَ الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وتبرأ غَيرهمَا فِيهِ أَي فِي الرَّقِيق مِمَّا لم يعلم إِن طَالَتْ إِقَامَته الخ. وَإِلَى شَرط طول(2/66)
الْإِقَامَة أَشَارَ النَّاظِم بقوله: (وَشَرطهَا) أَي الْبَرَاءَة فِي الرَّقِيق (مكث) لذَلِك الرَّقِيق زَمَانا (بِملك) البَائِع بِحَيْثُ يغلب على الظَّن أَنه لَو كَانَ بِهِ عيب لظهر كستة أشهر (مُطلقًا) اخْتصّت بالرقيق أم لَا. وَفهم مِنْهُ أَنه لَو لم يطلّ مكثه عِنْد البَائِع بل بَاعه بِالْبَرَاءَةِ بفور شِرَائِهِ أَنَّهَا لَا تَنْفَعهُ، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقيل: تَنْفَعهُ وَبِه الْعَمَل بفاس فَلَا يشْتَرط عِنْدهم طول الْمكْث عِنْد البَائِع كَمَا قَالَ ناظم الْعَمَل: وَمنع الْإِشْهَاد فِي بيع الرَّقِيق إِلَّا على بَرَاءَة كَمَا يَلِيق أَي: منع الشُّهُود أَن يشْهدُوا فِي بيع الرَّقِيق على الْعهْدَة، وَإِنَّمَا يشْهدُونَ على الْبَرَاءَة وَلَو لم تطل الْإِقَامَة، وَظَاهر الْعَمَل الْمَذْكُور أَنَّهَا جَارِيَة فِي جَمِيع عُيُوب الرَّقِيق وَالَّذِي عول عَلَيْهِ عَمَلهم الْيَوْم فِي حُدُود الْخمسين بعد الْألف والمائتين أَنَّهَا مَعْمُول بهَا فِيمَا عدا عُيُوب أَرْبَعَة، وَلذَا يكْتب موثقهم فِي ذَلِك مَا نَصه: وعَلى الْبَرَاءَة مِمَّا عدا الْحمل وَالْجُنُون والجذام والبرص أَي: فَإِذا اطلع المُشْتَرِي على قدم وَاحِد من الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُ يرجع بِهِ، ثمَّ إِذا اشْترط البَائِع بِالْبَرَاءَةِ سُقُوط الْيَمين الْمُتَقَدّمَة عَنهُ ثمَّ عثر الْمُبْتَاع على عيب قديم فروى أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك فِي المستخرجة؛ أَنه يَنْفَعهُ شَرطه. المتيطي عَن ابْن الْهِنْدِيّ: وَبِه كَانَ يُفْتِي ابْن لبَابَة وَابْن زرب، وَقيل: لَا يَنْفَعهُ شَرطه إِن كَانَ مُتَّهمًا. المتيطي: وتعقد فِي الْجَائِز من ذَلِك على مَا تقدم من رِوَايَة أَشهب وَابْن نَافِع الْمَعْمُول بهَا مَا نَصه: وعَلى أَن لَا يَمِين تلْحقهُ فِيمَا يطلع عَلَيْهِ الْمُبْتَاع من عيب قديم اه. تَنْبِيهَات. الأول: مَفْهُوم قَوْله إِن نصت أَنَّهَا إِذا لم تشْتَرط حَقِيقَة وَلَا حكما لَا يعْمل بهَا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مر إِلَّا فِيمَا يَبِيعهُ القَاضِي على مُفلس وَنَحْوه أَو يَبِيعهُ الْوَصِيّ لإنفاذ وَصِيَّة أَو وَارِث لقَضَاء دين فَهُوَ بيع بَرَاءَة، وَإِن لم تشْتَرط كَمَا يَأْتِي للناظم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع حَيْثُ قَالَ: وَكلما القَاضِي يَبِيع مُطلقًا بيع بَرَاءَة بِهِ محققا إِلَّا أَن ظَاهره هُنَاكَ أَن بيع القَاضِي بيع الْبَرَاءَة فِي الرَّقِيق وَغَيره، وَالْمَشْهُور أَن بَيْعه بيع بَرَاءَة فِي الرَّقِيق فَقَط كَمَا قَالَ (خَ) وَمنع مِنْهُ أَي من الرَّد بِالْعَيْبِ بيع حَاكم، ووارث رَقِيقا فَقَط الخ. وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الثَّانِي: ذكرنَا ناظم الْعَمَل إِثْر مَا مر عَنهُ أَنه لَا عُهْدَة فِي سنة وَلَا ثَلَاث عِنْد أهل فاس وَمحل ذَلِك إِذا لم يكن شَرط وَلَا عَادَة إِمَّا مَعَ الشَّرْط فتلزمان بِهِ وَلَو فِيمَن عرفهم البيع على الْبَرَاءَة كَأَهل فاس، وَأما مَعَ الْعَادة فتلزم عُهْدَة الثَّلَاث أَيْضا لِأَنَّهَا يرد فِيهَا بِكُل حَادث، وَأما عُهْدَة السّنة فَكَذَلِك بِالنِّسْبَةِ لما حدث فِي السّنة من جُنُون وجذام وبرص، وَكَذَا بِمَا كَانَ قَدِيما من هَذِه الثَّلَاثَة على مَا مرّ أَن عَادَتهم الْيَوْم البيع على الْبَرَاءَة مِمَّا عدا الْحمل وَهَذِه الثَّلَاثَة. الثَّالِث: ظَاهر قَول النَّاظِم: إِن نصت الخ. وَقَول ناظم الْعَمَل: وَمنع الْإِشْهَاد الخ. إِن الْبَرَاءَة تَنْفَع فِي سَائِر الْعُيُوب حَتَّى فِي حمل الرائعة، وَالْمَشْهُور كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والالتزامات أَن(2/67)
حمل الرائعة لَا تصح الْبَرَاءَة مِنْهُ حَتَّى يكون ظَاهرا وإلاَّ فسد البيع لِأَن الرائعة مِمَّن يتنافس فِي ثمنهَا وَينْقص الْجمل من ثمنهَا نقصا كثيرا، وَرُبمَا أَتَى على مُعظم قيمتهَا فَإِذا لم يكن ظَاهرا فقد دخل البَائِع وَالْمُشْتَرِي على غرر، وَلذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَلَا يجوز بيع أمة رائعة بِالْبَرَاءَةِ من الْحمل وَلَا بَأْس بذلك فِي الوخش اه. وَفِي الْمُتَيْطِيَّة عَن اللَّخْمِيّ: وَلم يخْتَلف أَن العلى من الْجَوَارِي لَا يبعن على الْبَرَاءَة من الْحمل، وَسَوَاء فِي ذَلِك بيع السُّلْطَان وَغَيره إِلَّا أَن تكون لامْرَأَة أَو صبي أَو بِيعَتْ فِي السَّبي اه. قلت: وَهَذَا فِي غير مَا عَلَيْهِ الْعَمَل فِي فاس الْيَوْم لما مر أَن الْبَرَاءَة عِنْدهم إِنَّمَا هِيَ فِيمَا عدا الْعُيُوب الْأَرْبَعَة، وَأما هِيَ فَلَا بَرَاءَة فِيهَا عِنْدهم من غير فرق بَين وخش ورائعة. الرَّابِع: من اشْترى بِالْبَرَاءَةِ لَا يَبِيع بالعهدة وَإِن فعل فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا علم لِأَنَّهُ يَقُول: قد تعدم فَلَا أجد من أرجع عَلَيْهِ غَيْرك لِأَن غَرِيم الْغَرِيم غَرِيم وَهُوَ معنى قَول (خَ) كَبَيْعِهِ بعهدة مَا اشْتَرَاهُ بِبَرَاءَة الخ. وَكَذَلِكَ الحكم فِيمَن بَاعَ عبدا قد وهب لَهُ وَلم يبين ذَلِك عِنْد البيع إِذْ لَا عُهْدَة على الْوَاهِب قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَأما الْعَكْس وَهُوَ أَن يَبِيع بِالْبَرَاءَةِ مَا اشْتَرَاهُ بالعهدة فَفِيهِ قَولَانِ. أرجحهما الْجَوَاز على مَا يظْهر من كَلَامهم إِذْ لم يشترطوا فِي بيع الْبَرَاءَة إِلَّا طول الْمكْث، وَمَعَ ذَلِك الْعَمَل على خِلَافه وَلَو كَانَ يشْتَرط فِي بيع الْبَرَاءَة أَن لَا يَشْتَرِيهِ بالعهدة لنبهوا عَلَيْهِ وَالله أعلم. الْخَامِس: تقدم أَن الْبَرَاءَة إِذا لم تشْتَرط وَلم تجر بهَا عَادَة فَلهُ الْقيام بِكُل عيب قديم يجده وَظَاهره وَلَو اطلع عَلَيْهِ بعد مُدَّة طَوِيلَة. وَذكر الإِمَام الْأَبَّار فِي حَاشِيَته على الْمُخْتَصر: إِن الْعَمَل جرى بِعَدَمِ الرَّد فِي الرَّقِيق بعد سِتَّة أشهر، وبعدم الرَّد فِي الرّبع وَالْعَقار بعد سنة كَمَا لَا ترد الدَّوَابّ بعد شهر. قلت: وَمَا ذكر هُوَ اللَّائِق بِهَذِهِ الْأَزْمِنَة فَلَا يَنْبَغِي أَن يعدل عَنهُ إِذْ تِلْكَ الْمدَّة مَظَنَّة الِاطِّلَاع وَالرِّضَا وَإِن كَانَ ناظم الْعَمَل لم يتَعَرَّض للأولين وَإِنَّمَا تعرض للثَّالِث حَيْثُ قَالَ: وَبعد شهر الدَّوَابّ بالخصوص بِالْعَيْبِ لَا ترد فَافْهَم النُّصُوص إِذْ لَا يلْزم من عدم تعرضه لذَلِك عدم صِحَة الْعَمَل الْمَذْكُور فيهمَا إِذْ الإِمَام الْأَبَّار أَمِين، وَلَا يَحْكِي إِلَّا مَا ثَبت فَلَعَلَّ الْعَمَل الَّذِي قَالَه الْأَبَّار فِي الرَّقِيق وَالرّبع لم يطلع عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل، إِذْ لَا يلْزم أَن يطلع على جَمِيع مَا بِهِ الْعَمَل فِي وقته، ثمَّ مَحل عدم الرُّجُوع بعد الْمدَّة الْمَذْكُورَة إِذا لم يكن البَائِع مدلساً وإلاَّ وَجب الرُّجُوع كَمَا نَقله شَارِح نظم الْعَمَل. وَالْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ فِي المَرْكُوبِ وَشِبْهِهِ اسْتُثْنِيَ لِلرُّكوبِ(2/68)
(وَالْيَوْم) مُبْتَدأ (واليومان) مَعْطُوف عَلَيْهِ (فِي المركوب) يتَعَلَّق باستثنى (وَشبهه) بِالْجَرِّ مَعْطُوف على المركوب، وَيحْتَمل رَفعه بالْعَطْف على الْيَوْمَيْنِ، وأفرد الضَّمِير بِاعْتِبَار مَا ذكر (اسْتثْنِي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الْيَوْم واليومين، وأفرده أَيْضا بِاعْتِبَار مَا ذكر (للرُّكُوب) يتَعَلَّق بِمَا قبله، وَالتَّقْدِير وَالْيَوْم واليومان وشبههما وَهُوَ الثَّلَاثَة اسْتثْنِي هُوَ أَي مَا ذكر من الْيَوْم واليومين فِي المركوب وَشبهه كالثور وَالثَّوْب لأجل الرّكُوب أَو الْحَرْث أَو اللّبْس (خَ) : وَجَاز بيعهَا واستثناء ركُوبهَا الثَّلَاثَة لَا الْجُمُعَة وَكره الْمُتَوَسّط الخ. فَإِن تلفت الدَّابَّة فضمانها من الْمُبْتَاع فِيمَا يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَا رُجُوع للْبَائِع على الْمُبْتَاع بِمَا يَنُوب الرّكُوب أَو الْحَرْث أَو اللّبْس فِي الثَّوْب، وَفِيمَا لَا يجوز اسْتِثْنَاؤُهُ ضَمَانهَا من البَائِع إِلَّا أَن تهْلك بيد المُشْتَرِي فَإِن قبضهَا وَلَو قبل مُدَّة الشَّرْط فَالضَّمَان مِنْهُ لِأَنَّهُ بيع فَاسد يضمن بِالْقَبْضِ. وَلَمْ يَجُزْ فِي الحَيَوانِ كُلِّهِ شِرَاؤهُ عَلَى اشْتِرَاطِ حَمْلِهِ (وَلم يجز فِي الْحَيَوَان كُله) عَاقِلا أم لَا مَأْكُولا أم لَا (شِرَاؤُهُ على اشْتِرَاط حمله) لِأَنَّهُ بِالشّرطِ يكون قد أَخذ للجنين ثمنا فَيكون من بيع الأجنة وَهُوَ مَمْنُوع للغرر، وَالشّرط الْمَذْكُور فِي غير الْعَاقِل لَا يكون إِلَّا للاستزادة فِي الثّمن فِي الْعَادة بِخِلَافِهِ فِي الْعَاقِل فَإِنَّهُ تَارَة يكون للاستزادة فِي الثّمن فَيمْنَع، وَسَوَاء كَانَ الْمُشْتَرط هُوَ البَائِع كَأَن يَقُول: أبيعكها بِشَرْط أَنَّهَا حَامِل، أَو كَانَ الْمُشْتَرط هُوَ المُشْتَرِي وَتارَة للتبرىء من حملهَا وخشاً كَانَت أَو عليا فَلَا يمْنَع لِأَن الْحمل عيب فِي الرَّقِيق بِالْإِطْلَاقِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَالْحمل عيب قيل بِالْإِطْلَاقِ الخ. فَإِن لم يعلم هَل قصد بِالشّرطِ التبرىء أَو الاستزادة فَالَّذِي للخمي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة أَنه ينظر لعادة أمثالهم من الرَّغْبَة فِي الْحمل كَأَهل الْبَادِيَة فشرطه مَحْمُول على الاستزادة، وَمن عدم الرَّغْبَة فِيهِ كَأَهل الْحَاضِرَة فشرطه مَحْمُول على التبرىء (خَ) : وكبيع الْحَامِل بِشَرْط الْحمل الخ. وَظَاهره كالناظم أَن ذَلِك لَا يجوز لَو كَانَت ظَاهِرَة الْحمل، وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَرِوَايَته فِي الْمُدَوَّنَة، وَصرح غير وَاحِد بِأَنَّهُ الْمَشْهُور. وَقَالَ أَشهب: يجوز ذَلِك مُطلقًا وَله ردهَا إِن لم يجدهَا حَامِلا. وَقَالَ سَحْنُون: يجوز ذَلِك إِن كَانَت ظَاهِرَة الْحمل. واستظهره ابْن رشد وَلَعَلَّ وَجهه أَن اشْتِرَاطه فِي ظَاهِرَة الْحمل إِخْبَار بِمَعْلُوم فَلَا يُؤثر اشْتِرَاطه منعا، وَاحْتِمَال كَونه ينفش مَعَ ظُهُوره ظهوراً بَينا نَادِر، والنادر لَا حكم لَهُ، فَالْحَمْد لله على اخْتِلَاف الْعلمَاء فَإِن اشْتِرَاط الْحمل قد ارْتَكَبهُ الْعَوام كثيرا. وَلما تضمن هَذَا الْبَيْت أَنه لَا يجوز بيع مَا فِيهِ غرر، وَكَانَ بعض البيعات يتَوَهَّم فِيهَا الْغرَر كالحامل الَّتِي قرب وَضعهَا وَالْمَرِيض وَالْعَبْد الْآبِق رفع ذَلِك التَّوَهُّم بقوله: وَذَاتُ حَمْلٍ قَدْ تَدَانَى وَضْعُهَا لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الأصَحِّ بَيْعُهَا(2/69)
(و) أمة (ذَات حمل) من نعتها وصفتها (قد تدانى) أَي قرب (وَضعهَا) بِأَن مَضَت لَهُ سِتَّة أشهر فَأكْثر (لم يمْتَنع على الْأَصَح بيعهَا) مصدر مُضَاف للْمَفْعُول أَي: لم يمْتَنع أَن تبَاع وَإِن احْتمل مَوتهَا من الْولادَة فَإِن ذَلِك نَادِر (خَ) وَجَاز بيع هر وحامل مقرب الخ. . قلت: وتفهم مَسْأَلَة الْحَامِل المقرب من مَسْأَلَة الْمَرِيض فِي غير السِّيَاق بالأحرى الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بقوله: كَذَا الْمريضُ فِي سِوَى السِّياقِ يَصِحُّ بِيْعُهُ عَلى الإطْلاَقِ (كَذَا الْمَرِيض فِي سوى) حد (السِّيَاق) أَي لم يشرف على الْمَوْت (يَصح بَيْعه) مصدر مُضَاف للْمَفْعُول أَيْضا (على الْإِطْلَاق) كَانَ مَأْكُول اللَّحْم أم لَا، وَمَفْهُومه أَنه إِذا بلغ حد السِّيَاق لم يجز بَيْعه مُطلقًا أَيْضا، وَهُوَ كَذَلِك للغرر فِي حُصُول الْغَرَض من حَيَاته أَو صَيْرُورَته لَحْمًا فِي حُصُول ذَكَاته لاحْتِمَال عدم حركته بعد ذبحه قَالَه ابْن عَرَفَة خلافًا لما فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: وانتفاع بِهِ لَا كمحرم أشرف الخ. وَصَوَابه لَا كحيوان أشرف أَي بلغ حد السِّيَاق فَلَا يجوز بَيْعه ليُوَافق الْمَنْصُوص لِابْنِ عَرَفَة وَغَيره. تَنْبِيه: قَالَ ابْن رحال: السِّيَاق عِنْد الْفُقَهَاء لَيْسَ هُوَ أَن صَاحبه يَمُوت قطعا بِحَسب الْعَادة، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدهم أَعلَى الْمَرَض وَإِن كَانَ يعِيش فِي بعض الأحيان، وَيدل لَهُ قَول ابْن يُونُس: إِذا مرض العَبْد فَبلغ حد السِّيَاق فَرجع مُشْتَرِيه بِقِيمَة الْعَيْب ثمَّ صَحَّ أَن ذَلِك حكم مضى اه. وَالعَبْدُ فِي الْإِبَاق مَعْ عِلْم مَحَلْ قَرَارِهِ مِمَّا ابْتياعٌ فِيهِ حَلْ (وَالْعَبْد) حَال كَونه (فِي الْإِبَاق مَعَ علم مَحل قراره) وَعلم أَنه مَوْقُوف لمَالِكه وَمَعَ علم صفته وَلَو بِوَصْف بائعة كَمَا مر فِي بيع الْغَائِب (مِمَّا ابتياع فِيهِ حل) خبر الْمُبْتَدَأ أَي مِمَّا يجوز فِيهِ البيع وَالشِّرَاء.(2/70)
وَالبائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يُقْبَضَا وَإنْ تَقَعْ إقَالَةٌ لاَ تُرْتَضى (وَالْبَائِع) هُوَ (الضَّامِن) لَهُ إِن هلك (حَتَّى) إِلَى أَن (يقبضا) وَهَذَا نَص الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِيهَا: وَيجوز بيع العَبْد الْآبِق إِذا علم الْمُبْتَاع مَوْضِعه وَصفته فَإِن وجد هَذَا الْآبِق على الصّفة الَّتِي علمهَا الْمُبْتَاع قَبضه وَصَحَّ البيع فِيهِ، وَإِن وجده قد تغير أَو تلف كَانَ من البَائِع ويسترجع الْمُبْتَاع الثّمن. وَقَالَ سَحْنُون: إِنَّمَا يجوز ابتياع الْآبِق إِذا كَانَ فِي وثاق اه. وَمثله فِي ابْن سَلمُون وَقَالَ المتيطي: وَيجوز بيع الْحَيَوَان الْغَائِب على الصّفة إِذا علم صَاحبه مَكَانَهُ وَصفته اه. ثمَّ مَحل مَا فِي النّظم كَمَا لأبي مُحَمَّد صَالح وَغَيره إِذا كَانَ الَّذِي عِنْده الْآبِق قد أوقفهُ لمَالِكه وَعلم أَنه لَهُ كَمَا قَررنَا وإلاَّ كَانَ من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور، فَقَوْل سَحْنُون: إِنَّمَا يجوز بَيْعه إِذا كَانَ فِي وثاق تَقْيِيد للْمَذْهَب لَا خلاف لَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ المتيطي أَي إِلَّا إِذا كَانَ مَوْقُوفا لأجل مَالِكه وَهُوَ معنى قَوْله فِي وثاق وَلذَا قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: وَلم يجز سَحْنُون بيع الْآبِق وَإِن عرف الْمُبْتَاع مَوْضِعه إِلَّا أَن يكون مَوْقُوفا لصَاحبه عِنْد غير ذِي سُلْطَان لَا خُصُومَة فِيهِ لأحد، فَإِن وقف عِنْد السُّلْطَان أَو كَانَت فِيهِ خُصُومَة لأحد لم يجز بَيْعه اه. وَبِهَذَا يُقيد إيضاً قَول (خَ) وقدرة عَلَيْهِ لَا كآبق وإبل أهملت الخ أَي إِنَّمَا يمْتَنع بيع الْآبِق إِذا لم يكن مَوْقُوفا لمَالِكه، أَو كَانَ مَوْقُوفا عِنْد سُلْطَان أَو عِنْد من يُخَاصم فِيهِ كَمَا لشراحه فَلَا مُخَالفَة بَينه وَبَين مَا فِي النّظم وَالله أعلم. (وَإِن تقع إِقَالَة) فِي الْمَبِيع غَائِبا مُطلقًا رَقِيقا كَانَ أَو غَيره (لَا ترتضى) جَوَاب الشَّرْط أَي: فَلَا تجوز قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: لم يخْتَلف قَول مَالك وَلَا ابْن الْقَاسِم أَن الْإِقَالَة فِي بيع الْغَائِب غير جَائِزَة لِأَنَّهُ من وَجه الدّين بِالدّينِ. قَالَ ابْن سَلمُون: لِأَن الثّمن قد ثَبت على المُشْتَرِي فَلَا يجوز أَن يصير فِيهِ شَيْئا غَائِبا لَا ينجز قَبضه وَيجوز بَيْعه من غَيره إِذا لم ينْتَقد اه. وَمَفْهُوم قَوْله: لِأَن الثّمن قد ثَبت الخ. أَنه إِذا كَانَ المُشْتَرِي قد دفع الثّمن وَلَو بِشَرْط فِي الْعقار أَو فِي غَيره إِن قرب كاليومين جَازَت الْإِقَالَة وَهُوَ كَذَلِك لانْتِفَاء الْعلَّة الْمَذْكُورَة، وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا لم ينْتَقد الخ. مَفْهُوم مُوَافقَة لِأَنَّهُ يجوز حِينَئِذٍ بالأحرى. وَامْتَنَعَ التَّفْرِيقُ لِلصِّغَارِ مِنْ أُمِّهِمْ إلاَّ مَعَ الإثْغارِ (وَامْتنع التَّفْرِيق للصغار من أمّهم) أَي لَا يجوز للسَّيِّد أَن يفرق بَين أمة وَوَلدهَا الصَّغِير بِأَن يَبِيع الْأُم دون وَلَدهَا أَو الْعَكْس أَو الْأُم لرجل وَالْولد لرجل آخر وَإِن لعَبْدِهِ (خَ) : وكتفريق أم(2/71)
فَقَط من وَلَدهَا بقسمة لحَدِيث: (من فرق بَين الْأُم وَوَلدهَا فرق الله بَينه وَبَين أحبته يَوْم الْقِيَامَة) اه. (إِلَّا مَعَ الإثغار) وَهُوَ تَمام نَبَات بدل رواضعه كلهَا بعد سُقُوطهَا وَلَا يَكْتَفِي بنبات الْبَعْض وَلَو الْمُعظم فَحِينَئِذٍ تجوز التَّفْرِقَة على الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن حبيب: يفرق بَينهمَا إِذا بلغ سبع سِنِين، وَفِي كتاب مُحَمَّد إِذا بلغ عشرا. وروى ابْن غَانِم لَا يفرق بَينهمَا قبل الْبلُوغ وَلابْن عبد الحكم مَا عاشا. حكى هَذِه الْأَقْوَال صَاحب الْجَوَاهِر ومنشأ الْخلاف هَل محمل حَدِيث التَّفْرِقَة على عُمُومه وغايته أَو على أَقَله الحَدِيث: (أَلا لَا توله وَالِدَة) الخ. وَبِه يفهم مَا فِي (ق) عَن الْقَرَافِيّ من قَوْله: وَلها نَظَائِر تَحْرِيم الزَّوْجَة وحكايات الْأَذَان والإقرارات وَغسل الذّكر من الْمَذْي وَمسح الْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّم والصعيد الطّيب فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فتلزم الثَّلَاث فِي التَّحْرِيم ويحكي الْأَذَان كُله، وَيلْزم أَكثر الْجمع فِي الْإِقْرَار بِدَرَاهِم مثلا وَيغسل الذّكر كُله وَيمْسَح الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَيتَيَمَّم على الصَّعِيد الطَّاهِر الْمُثبت وَكَمَال الرشد، أَو يحمل على أقل ذَلِك فِي الْجَمِيع اه. وَمعنى الْكَمَال فِي الرشد كَونه رشيدا فِي المَال وَالدّين وَأَدْنَاهُ الرشد فِي المَال فَقَط، وَهُوَ مَذْهَب مَالك ثمَّ الْمُعْتَبر فِي الإثغار هُوَ الْوَقْت الْمُعْتَاد لَا أَن تعجل أَو تَأَخّر عَنهُ. ثُمَّ بالإجْبارِ عَلَى الْجَمْعِ القَضَا وَالخَلْفُ إنْ يَكُنْ مِنَ الأمِّ الرِّضَا (ثمَّ) إِن وَقعت التَّفْرِقَة الْمنْهِي عَنْهَا أجبر الْمُتَبَايعَانِ على أَن يجمعاهما فِي ملك بِأَن يَبِيع أَحدهمَا الآخر مَا فِي يَده أَو يبيعا مَعًا لثالث وإلاَّ فسخ العقد الَّذِي حصلت بِهِ التَّفْرِقَة كَمَا قَالَ ثمَّ: (بالإجبار على الْجمع القضا) ء مُبْتَدأ خَبره بالإجبار (خَ) : وَفسخ مَا لم يجمعاهما فِي ملك (وَالْخلف) فِي جَوَاز التَّفْرِقَة (إِن يكن من الْأُم الرِّضَا) بهَا فَقيل تجوز بِنَاء على أَن الْحق فِي الْحَضَانَة للحاضن، وَصرح الْمَازرِيّ وَغير وَاحِد هُنَا بمشهوريته وَعَلِيهِ عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: مَا لم ترض، وَبِه أَيْضا صدر النَّاظِم فِي الْحَضَانَة حَيْثُ قَالَ: الْحق للحاضن فِي الْحَضَانَة الخ. وَقيل الْحق للمحضون، وَقيل لله تَعَالَى وَعَلَيْهِمَا فَلَا تجوز التَّفْرِقَة وَلَو رضيت الْأُم. وَفِي (ت) عَن القلشاني أَنه الْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار ابْن يُونُس، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم من أمّهم أَن التَّفْرِقَة من الْأَب جَائِزَة وَفهم مِنْهُ أَيْضا أَن التَّفْرِقَة فِي الْحَيَوَان البهيمي جَائِزَة وَبِه صرح ابْن سَلمُون قَالَ: وَلَا يجوز أَن يفرق بَين الْأُم وَوَلدهَا الصَّغِير بِخِلَاف غَيرهَا من الْحَيَوَان اه. وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي قَالَ: وروى(2/72)
عِيسَى عَن ابْن الْقَاسِم أَنَّهَا لَا تجوز وَأَن الْحَد فِيهِ أَن يَسْتَغْنِي عَن آبَائِهِ بالرعي نَقله التادلي. وَالْحَمْلُ عَيْبٌ قِيْلَ بالإطْلاَقِ وقيلَ فِي عَلْيةِ ذِي استْرْقَاقِ (وَالْحمل عيب قيل بِالْإِطْلَاقِ) وَفِي وخش الرَّقِيق وَعَلِيهِ وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ عمل النَّاس الْيَوْم (وَقيل) إِنَّمَا هُوَ عيب (فِي علية ذِي استرقاق) وَهُوَ قَول ابْن كنَانَة، وَيفهم ضعفه من عدم تصدير النَّاظِم، وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله: وَلم يجز فِي الْحَيَوَان كُله الخ. وَعند قَوْله: وَشَرطهَا مكث بِملك الخ. والافْتِضَاضُ فِي سِوَى الوَخْشِ الدَّني عَيْبٌ لَهَا مُؤَثَّرٌ فِي الثَّمن (والافتضاض فِي سوى الوخش الدني) القبيحة المنظر الَّتِي ترَاد للْخدمَة وَغَيرهَا هِيَ الرائعة (عيب لَهَا مُؤثر فِي الثّمن) وَظَاهر أَن الثيوبة فِي الرائعة عيب مُطلقًا كَانَت مِمَّن يفتض مثلهَا أم لَا، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَإِنَّمَا هِيَ عيب فِيمَن لَا يفتض مثلهَا وإلاَّ فَهِيَ مَحْمُولَة على الافتضاض (خَ) : عاطفاً على مَا لَا رد فِيهِ وثيوبة إِلَّا فِيمَن لَا يفتض مثلهَا الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فالثيوبة عيب فِي العلى الْغَيْر المطيقة فَقَط وَلَيْسَت بِعَيْب فِي الوخش مُطلقًا وَلَا فِي العلى المطيقة إِلَّا بِشَرْط خلافًا لظَاهِر (خَ) أَيْضا من أَنَّهَا عيب حَتَّى فِي الوخش الَّتِي لَا يفتض مثلهَا. والحَمْلُ لَا يَثْبُتُ فِي أقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ مِنَ الشُّهْورِ فَاسْتَبِنْ (وَالْحمل) لحرة أَو أمة (لَا يثبت فِي أقل من ثَلَاثَة من الشُّهُور فاستبن.(2/73)
وَلاَ تَحَرُّكَ لهُ يَثْبُتُ فِي مَا دُونَ عِدَّةِ الوَفَاةِ فاعْرِفِ وَلَا تحرّك لَهُ يثبت فِي مَا دون عدَّة الْوَفَاة فاعرف) هَذَا كَقَوْل ابْن عَرَفَة عَن ابْن رشد: لَا شكّ أَن الْحمل عيب وَيثبت بِشَهَادَة النِّسَاء وَلَا يتَبَيَّن فِي أقل من ثَلَاثَة أشهر وَلَا يَتَحَرَّك تحريكاً بَينا يَصح الْقطع على تحريكه فِي أقل من أَرْبَعَة أشهر وَعشر، فَإِذا شهِدت امْرَأَتَانِ أَن بهَا حملا بَينا لَا يشكان فِيهِ من غير تَحْرِيك ردَّتْ الْأمة فِيمَا دون ثَلَاثَة أشهر أَي من يَوْم الشِّرَاء، وَلَا ترد فِيمَا زَاد على ذَلِك لاحْتِمَال كَونه حَادِثا عِنْد المُشْتَرِي أَي: إِلَّا إِذا وَضعته لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الشِّرَاء فَترد حِينَئِذٍ، وَإِذا شهدتا أَن بهَا حملا يَتَحَرَّك ردَّتْ فِيمَا دون أَرْبَعَة أشهر وَعشر وَلم ترد فِيمَا فَوق ذَلِك لاحْتِمَال كَونه حَادِثا مَا لم تضعه لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْم الشِّرَاء فَإِن ردَّتْ ثمَّ وجد ذَلِك الْحمل بَاطِلا لم ترد إِلَى المُشْتَرِي إِذْ لَعَلَّهَا أسقطته اه بِبَعْض زِيَادَة للإيضاح. وَنَقله (ح) وَزَاد عَن النَّوَادِر مَا نَصه: وَمن ابْتَاعَ أمة فادعت الْحمل فليستأن بهَا، وَإِذا قَالَت النِّسَاء أَنَّهَا حَامِل ردَّتْ بذلك وَلَا ينْتَظر بهَا الْوَضع، ثمَّ إِن أنفش فَلَا تُعَاد إِلَى الْمُبْتَاع اه. قَالَ (م) فَلَو زَاد النَّاظِم هُنَا فَقَالَ مثلا: فَإِن بَين حمل قبيل أشهر ثَلَاثَة من دون تَحْرِيك حري ردَّتْ بِهِ كَذَا إِذا تحركا من قبل أَربع وَعشر فاسلكا فَإِن بِهِ ردَّتْ وَبعد يَنْتَفِي لَا رد لاحْتِمَال سقط قد خَفِي لَكَانَ قد صرح بنتيجة معرفَة زمن يثبت فِيهِ الْحمل أَو التحرك اللَّذَان فِي النّظم ثمَّ مَا ذكره النَّاظِم تبعا لمن ذكر مُخَالف بِظَاهِرِهِ لقَوْل الْقَرَافِيّ فِي قَوَاعِده: الْوَلَد يَتَحَرَّك لمثل مَا يتخلق لَهُ وَيُوضَع لمثلي مَا يَتَحَرَّك فِيهِ وَهُوَ يتخلق فِي الْعَادة تَارَة لشهر فيتحرك لشهرين وَيُوضَع لسِتَّة، وَتارَة لشهر وَخمْس لَيَال فيتحرك لشهرين وَثلث وَيُوضَع لسبعة، وَتارَة لشهر وَنصف فيتحرك لثَلَاثَة وَيُوضَع لتسعة وَهُوَ الْغَالِب، وَمَعَ ذَلِك فالأحكام مَبْنِيَّة على الأول فَهُوَ مِمَّا قدم فِيهِ النَّادِر على الْغَالِب وَله نَظَائِر اه. وَيُمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا مر عَن ابْن رشد بِأَن كَلَام الْقَرَافِيّ إِنَّمَا هُوَ فِي مُطلق التحرك أَعم من أَن يكون تحركاً بَينا أم لَا. وَكَلَام ابْن رشد فِي التحرك الْبَين الَّذِي يَصح الْقطع عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يتَبَيَّن فِي أقل من الْمدَّة الْمَذْكُورَة كَمَا يُمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا فِي الحَدِيث الْكَرِيم (إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله ملكا فَيُؤْمَر بِأَرْبَع: برزقه وأجله وشقي أم سعيد) .(2/74)
وَلم يذكر الرَّابِع. وَجَاء فِي رِوَايَة: أَنه ذكر أَو أُنْثَى اه. بِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث هُوَ جَمِيع خلقه أَي كَمَاله، وَالَّذِي فِي كَلَام الْقَرَافِيّ. أول جُزْء من التخلق فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَيُثْبِتُ العُيُوبَ أَهْلُ المَعْرِفَهْ بِهَا وَلَا يُنْظَرُ فيهمْ لِصَفَهْ الْعَدَالَة عِنْد تعذرها (خَ) وَقيل للضَّرُورَة غير عدُول وَإِن مُشْرِكين وَالْوَاحد كَاف كَمَا مر عِنْد قَوْله: وَوَاحِد يجزىء فِي بَاب الْخَبَر وَاثْنَانِ أولى عِنْد كل ذِي نظر وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي فصل الْعُيُوب عِنْد قَوْله: ثمَّ الْعُيُوب كلهَا لَا تعْتَبر الخ.
(فصل)
وَاتَّفَقُوا أنَّ كِلاَبَ المَاشِيَهْ يَجُوزُ بَيْعُها كَكَلْبِ البادِيَهْ (وَاتَّفَقُوا أَن كلاب الْمَاشِيَة) المتخذة لحراستها وحفظها مِمَّا يعدو عَلَيْهَا من السَّارِق والسبع وَنَحْوهمَا (يجوز بيعهَا ككلب) أهل (الْبَادِيَة) الَّذِي يحرس دُورهمْ وأمتعتهم لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمَا ذكره من الِاتِّفَاق هُوَ ظَاهر ابْن سَلمُون أَيْضا حَيْثُ قَالَ: وَيجوز بيع كلب الحرس والماشية وَفِي كلب(2/75)
الصَّيْد وَالسِّبَاع قَولَانِ اه. إِلَّا أَنهم بحثوا مَعَ النَّاظِم فِي حِكَايَة الِاتِّفَاق فِي بَيْعه أقوالاً: الْجَوَاز وَالْكَرَاهَة وَالْمَنْع وَهُوَ أشهرها. قلت: لَعَلَّه أَرَادَ بالِاتِّفَاقِ اتِّفَاق الْمُتَأَخِّرين لقَوْل ابْن أبي زيد: لَو أدْرك مَالك زمننا لاتخذ أسداً ضارياً وكل مَا يتَّخذ للِانْتِفَاع بِهِ انتفاعاً شَرْعِيًّا تجوز الْمُعَاوضَة عَلَيْهِ، فكأنهم فَهموا أَن كلاب الحراسة لتأكد مَنْفَعَتهَا لَا يَنْبَغِي أَن يدخلهَا الْخلاف، وَأما مَا قيل من أَنه أَرَادَ بالِاتِّفَاقِ تَقْوِيَة القَوْل بِالْجَوَازِ إِذْ قَالَ بِهِ ابْن كنَانَة وَسَحْنُون وَابْن نَافِع، وشهره بَعضهم فَهُوَ بعيد من لَفظه إِذْ لَو كَانَ مَقْصُوده ذَلِك لقَالَ: ورجحوا أَو شهروا أَن كلاب الْمَاشِيَة الخ. ثمَّ إِن الْكَلْب إِذا لم يُؤذن فِي اتِّخَاذه يضمن ربه مَا أتلف مُطلقًا، وَأما مَا أتْلفه الْمَأْذُون فِي اتِّخَاذه فَإِنَّهُ يضمن ربه مَا مزقه أَو أتْلفه إِذا علم مِنْهُ العداء. وَتقدم الْكَلَام فِيهِ عِنْد السُّلْطَان. وَعِنْدَهُمْ قَوْلاَنِ فِي ابْتِياعِ كِلابِ الاصْطِيادِ وَالسِّبَاعِ (وَعِنْدهم قَولَانِ فِي ابتياع كلاب الِاصْطِيَاد) أى الْكلاب الَّتِي يصطاد بهَا فالمنع لِابْنِ الْقَاسِم وَرِوَايَته عَن مَالك وَالْجَوَاز لِابْنِ كنَانَة وَمن مَعَه (و) عِنْدهم أَيْضا قَولَانِ فِي ابتياع (السبَاع) الَّتِي يصطاد بهَا كالمسمى عِنْد الْعَامَّة الْيَوْم بالنمس والفهد وَنَحْو ذَلِك. وَبَيْعُ مَا كالشَّاةِ واستِثناءِ ثُلُثِهِ فيهِ الجَوَازُ جاءِ (وَبيع مَا) أَي حَيَوَان مَأْكُول (كالشاة) وَالْبَقَرَة (واستثناء) أَي مَعَ اسْتثِْنَاء (ثلثه) أَو نصفه أَو ثَلَاثَة أَرْبَاعه إِذْ مَتى كَانَ الْمُسْتَثْنى جُزْءا شَائِعا (فِيهِ الْجَوَاز جَاءَ) اتِّفَاقًا. وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه: هَذَا أَحدهَا. وَلَا يجْبر الآبي مِنْهُمَا على الذّبْح فِي هَذَا الْوَجْه فَإِن تشاحا فِيهِ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا وَأخذ كل وَاحِد من ثمنهَا مَا وَجب لَهُ. الثَّانِي: أَن يسْتَثْنى أرطالاً من لَحمهَا وَهُوَ معنى قَوْله: أَوْ قَدْرِ رَطْلَيْنِ مَعاً مِنْ شَاةِ وَيُجْبَرُ الآبي عَلَى الذَّكَاةِ (أَو قدر) بِالْجَرِّ عطف على ثلثه (رطلين مَعًا) أَو ثَلَاثَة أَرْطَال أَو أَرْبَعَة قدر الثُّلُث فدون (من شَاة) وَنَحْوهَا وَفِي الْبَقَرَة والناقة يجوز اسْتثِْنَاء نَحْو الْعشْرَة، وَالثَّمَانِيَة الأرطال مِمَّا هُوَ قدر الثُّلُث أَيْضا فدون لِأَن ثلث كل شَيْء بِحَسبِهِ كَمَا قَالَه أَبُو الْحسن، وارتضاه الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته(2/76)
خلافًا لما فِي الشَّيْخ بناني (و) إِذا أَرَادَ البَائِع الذّبْح ليتوصل للأرطال وَامْتنع المُشْتَرِي أَو بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ (يجْبر الآبي) مِنْهُمَا (على الذَّكَاة) إِذْ لَا يتَوَصَّل كل مِنْهُمَا لما دخل عَلَيْهِ من اللَّحْم إِلَّا بهَا، وَأُجْرَة الذّبْح والسلخ عَلَيْهَا فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا بِحَسب مَا لكل، فَلَو أَرَادَ المُشْتَرِي أَن يُعْطِيهِ لَحْمًا من غَيرهَا لتبقى لَهُ الشَّاة حَيَّة لم يجز وَهُوَ معنى قَوْله: ولَيسَ يُعْطَى فِيهِ للتَّصْحِيحِ من غيرِه لحْماً على الصَّحيحِ (وَلَيْسَ) للْمُشْتَرِي أَن (يعْطى فِيهِ) أَي فِي الْمُسْتَثْنى الَّذِي هُوَ الأرطال (للتصحيح) أَي لتصح لَهُ الشَّاة وَتبقى لَهُ حَيَّة (من غَيره) أَي من غير الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ الشَّاة (لَحْمًا) بل وَلَا غير اللَّحْم كَثوب أَو دَرَاهِم وَنَحْوهَا (على) القَوْل (الصَّحِيح) وَهُوَ لأَشْهَب لما فِيهِ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه بِنَاء على أَن الْمُسْتَثْنى مشترى، وَأما على أَنه مبقى فالعلة أَنه من بيع اللَّحْم المغيب وَهُوَ يمْنَع بِلَحْم وَغَيره قَالَه (ز) وَمُقَابل الصَّحِيح رَوَاهُ مطرف. الثَّالِث: أَن يسْتَثْنى الْجلد والساقط وهما الرَّأْس والأكارع وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَالخُلْفُ فِي الْجِلْدِ وَفي الرَّأْس صَدَرْ مَشْهُورُها الْجَوَازُ فِي حَالِ السَّفْرْ (وَالْخلف فِي) اسْتثِْنَاء (الْجلد وَفِي) اسْتثِْنَاء (الرَّأْس) والأكارع (صدر) أَي: وَقع بِالْمَنْعِ مُطلقًا وَالْجَوَاز كَذَلِك ثَالِثهَا (مشهورها الْجَوَاز فِي حَال السّفر) لخفة ثمنه فِيهِ دون الْحَضَر فَيمْنَع فِيهِ، فَإِن وَقع وَاسْتثنى فِي الْحَضَر فَظَاهر ضيح الْفَسْخ، وَفِي الْمُوازِية أَنه يكره، وَأبقى أَبُو الْحسن الْكَرَاهَة على بَابهَا قَالَه (ز) وَمَفْهُوم الْجلد وَالرَّأْس أَن اسْتثِْنَاء الكرش والكبد وَنَحْوهمَا حكمهَا حكم اللحوم فَيجْرِي حكمهَا عَلَيْهِ من كَون الْمُسْتَثْنى قدر الثُّلُث فدون فَيجوز وإلاَّ فَلَا. وَأُجْرَة الذّبْح والسلخ وَالْحِفْظ وَغير ذَلِك فِي هَذَا الْوَجْه على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ يجْبر على الذّبْح إِذْ لَو شَاءَ دفع جلدا وساقطاً من عِنْده فصارا كَأَنَّهُمَا فِي ذمَّته كَمَا فِي ابْن مُحرز خلافًا لِابْنِ يُونُس من أَن الْأجر عَلَيْهِمَا مَعًا على قدر قيمَة الْجلد وَاللَّحم (خَ) عاطفاً على الْجَائِز مَا نَصه: وَجلد وساقط بسفر فَقَط وتولاه المُشْتَرِي. وَفِي الضَّمانِ إنْ تَفَانَى أَوْ سُلِبْ ثَالِثُهَا فِي الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ يَجِبْ(2/77)
(وَفِي الضَّمَان إِن تفانى) أَي مَاتَ الْحَيَوَان الَّذِي اسْتثْنى أَرْطَال مِنْهُ أَو جلد وساقطه (أَو سلب) أَي غصب أَو سرق ثَلَاثَة أَقْوَال. الضَّمَان من المُشْتَرِي فِي الْجَمِيع وَعَدَمه فِي الْجَمِيع (ثَالِثهَا) وَهُوَ مشهورها الضَّمَان (فِي الْجلد وَالرَّأْس) والأكارع (يجب) عَلَيْهِ فَقَط لَا فِي الأرطال فَلَا يضمنهَا كَمَا لَا يضمن فِي الْجُزْء الشَّائِع اتِّفَاقًا (خَ) وَلَو مَاتَ مَا اسْتثْنى مِنْهُ معِين ضمن المُشْتَرِي جلدا وساقطاً لَا لَحْمًا الخ. وَمرَاده بالمعين الْجلد والساقط والأرطال.
(فصل فِي بيع الدّين بِالدّينِ والمقاصة فِيهِ)
أَرَادوا: اقتضائه والمقاصة فِيهِ فَحذف عاطفاً ومعطوفاً بِقَرِينَة ذكره بعد قَالَه (ت) وَهُوَ ظَاهر. مِمَّا يَجُوزُ البيعُ بَيْعُ الدَّيْنِ مُسَوَّغٌ مِنْ عَرْضٍ أَوْ عَيْنِ (مِمَّا يجوز البيع) يتَعَلَّق بقوله مسوغ والعائد من الصِّلَة مَحْذُوف (بيع الدّين) مُبْتَدأ (مسوغ) خَبره (من عرض أَو من عين) بَيَان لما وَالتَّقْدِير بيع الدّين مسوغ أَي جَائِز بالشَّيْء الَّذِي يجوز البيع بِهِ من عرض إِن كَانَ الدّين عينا أَو طَعَاما، وَمن عين إِن كَانَ عرضا أَو طَعَاما إِذْ هُوَ لَا يُبَاع إِلَّا بِغَيْر جنسه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبيعه بِغَيْر جنس مرعي وَهَذَا فِي بَيْعه لغير من هُوَ عَلَيْهِ، وَأما بَيْعه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: والاقتضاء للديون الخ. ثمَّ إِن مُرَاده بِالْعرضِ مَا قَابل الْعين فَيشْمَل الطَّعَام فَلَا دور فِي كَلَامه خلافًا لمن ادَّعَاهُ كَمَا لَا يخفى. وَإِنَّمَا يَجوزُ مَعْ حُضورِ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَتَعْجِيلِ الثَّمَنْ (وَإِنَّمَا يجوز) بيع الدّين لغير من هُوَ عَلَيْهِ بِشُرُوط أَشَارَ لأولها وَثَانِيها بقوله: (مَعَ حُضُور من أقرّ بِالدّينِ) أَي مَعَ حُضُور الْمَدِين وَإِقْرَاره فَلَا يجوز مَعَ غيبَة الْمَدِين وَلَا مَعَ إِنْكَاره لِأَنَّهُ مَعَ الْغَيْبَة لَا يدْرِي حَاله من فقر أَو غنى، وَالثمن يخْتَلف باخْتلَاف حَاله فَيُؤَدِّي للْجَهْل قَالَه الْمَازرِيّ(2/78)
وَغَيره، وَعَن ابْن الْقَاسِم فِي سَماع مُوسَى بن مُعَاوِيَة جَوَاز شِرَاء الدّين على الْغَائِب، وَبِه قَالَ أصبغ فِي نوازله. وَرَوَاهُ أَبُو زيد عَن مَالك وَبِه الْعَمَل فِي مَسْأَلَة قلب الرَّهْن كَمَا يَأْتِي، وَأما اشْتِرَاط الْإِقْرَار فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ ثَابتا بِبَيِّنَة من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة وَهُوَ مَمْنُوع على الْمَشْهُور وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَمنع دين ميت وغائب وَلَو قربت غيبته وحاضر إِلَّا أَن يقر الخ. ولثالثها بقوله: (و) مَعَ (تَعْجِيل الثّمن) لِأَنَّهُ إِذا لم يعجل فِي الْحِين كَانَ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَلَا فرق بَين أَن يعجل حَقِيقَة أَو حكما كَبَيْعِهِ بمنافع عين أَو بِمعين يتَأَخَّر قَبضه إِذْ لَا يمْتَنع ذَلِك فِي بيع الدّين بِخِلَاف فَسخه. ولرابعها بقوله: وكوْنِهِ لَيْسَ طَعَامَ بَيْعِ وَبَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسٍ مَرْعِي (و) مَعَ (كَونه لَيْسَ طَعَام بيع) وَإِلَّا لم يجز لما تقدم من منع بيع طَعَام الْمُعَاوضَة قبل قَبضه. ولخامسها بقوله: (وَبيعه بِغَيْر جنس مرعي) لِأَنَّهُ إِذا بيع بِجِنْسِهِ كَانَ سلفا بِزِيَادَة لِأَن شَأْن الدّين أَن يُبَاع بِأَقَلّ. وَحَاصِله؛ أَنه إِذا بيع بِجِنْسِهِ وَكَانَ الدّين عينا أَو طَعَاما امْتنع مُطلقًا وَلَو بعد حُلُوله لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل وَالنِّسَاء أَو النِّسَاء فَقَط، وَإِن كَانَ الدّين عرضا فَكَذَلِك إِن بيع بِأَقَلّ قدرا أَو صفة لِأَن الشَّيْء فِي مثله قرض فَهُوَ سلف بِمَنْفَعَة، وَإِن بيع بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة لِأَن الشَّيْء فِي مثله قرض فَهُوَ سلف بِمَنْفَعَة، وَإِن بيع بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة وَكَانَ الْعرض من سلف فَكَذَلِك أَيْضا، وَإِن كَانَ من بيع وَلم يحل فَكَذَلِك أَيْضا لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك، وَإِن حل جَازَ كَمَا يجوز بِالْمثلِ حل أَو لَا. لكنه لَيْسَ من شَأْن الْعُقَلَاء دفع عَاجل ليَأْخُذ أقل مِنْهُ أَو مثله فِي البيع، بل يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي السّلف فَقَط. وَبَقِي على النَّاظِم شَرط سادس وَهُوَ أَن لَا يكون المُشْتَرِي عدوا(2/79)
للْمَدِين، وسابع وَهُوَ أَن لَا يقْصد بِالشِّرَاءِ إعناته وضرره وإلاَّ رد بَيْعه (خَ) فِي الضَّمَان كأدائه رفقا لَا عنتاً فَيرد كشرائه، وَهل إِن علم بَائِعه وَهُوَ الْأَظْهر تَأْوِيلَانِ الخ: أَي: وَإِذا رد الشِّرَاء فَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِمَا دفع لَهُ، فَإِن فَاتَ بِيَدِهِ رد لَهُ عوضه وَإِن تعذر رده لغيبة البَائِع أَقَامَ الْحَاكِم من يقبض من الْمَدِين وَيدْفَع للْمُشْتَرِي قَالَه (ز) وَنَحْوه ل (ح) وضيح عَن اللَّخْمِيّ. قَالَ أَبُو الْحسن: وَقصد الضَّرَر من أَفعَال الْقُلُوب فَلَا يثبت إِلَّا بِإِقْرَار المُشْتَرِي أَو بقرائن تدل الشُّهُود على أَنه قصد ذَلِك. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا بيع الدّين أَو وهب وَكَانَ فِيهِ رهن أَو حميل لم يدْخل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِشَرْط مَعَ حُضُور الْحميل وَإِقْرَاره بالحمالة وَإِن لم يرض بالتحمل لمن ملكه للسلامة من شِرَاء مَا فِيهِ خُصُومَة لَكِن لرب الرَّهْن أَن يطْلب وَضعه عِنْد أَمِين قَالَه (ز) . الثَّانِي: قَالَ فِي الدّرّ النثير: انْظُر مَسْأَلَة من قَالَ لرجل: بِعني دينك الَّذِي على فلَان وَأَنا أعلم وُجُوبه لَك عَلَيْهِ وَإِقْرَاره بِهِ لَك، فَفِي نَوَازِل أصبغ من كتاب جَامع الْبيُوع من الْبَيَان جَوَاز البيع اتِّفَاقًا وَأَنه إِن أنكر بعده فمصيبة دخلت عَلَيْهِ اه. الثَّالِث: جرى الْعَمَل بِبيع دين الْغَائِب من غير حُضُوره وَلَا إِقْرَاره فِي الْمَسْأَلَة الملقبة عِنْد الْعَامَّة الْيَوْم بقلب الرَّهْن وَهِي أَن يكون بيد إِنْسَان رهن فِي دين مُؤَجل فَيحْتَاج إِلَى دينه قبل الْأَجَل فيبيعه بِمَا يُبَاع بِهِ وَلَو مَعَ غيبَة راهنه، وَيحل المُشْتَرِي للدّين مَحل بائعة فِي حوز الرَّهْن وَالْمَنْفَعَة إِن كَانَت الْمَنْفَعَة جعلت لَهُ وَالْبيع للرَّهْن بالتفويض الَّذِي جعل للْمُرْتَهن البَائِع للدّين وَغير ذَلِك وَيكْتب بِظهْر الْوَثِيقَة أَو طرتها: اشْترى فلَان جَمِيع الدّين أَعْلَاهُ أَو محوله بِكَذَا وَقبض البَائِع جَمِيع الثّمن مُعَاينَة أَو باعترافه بعد التقليب وَالرِّضَا كَمَا يجب، وَأحل المُشْتَرِي مَحَله فِي الرَّهْن وَالِانْتِفَاع بِهِ والحوز لَهُ والتفويض وتملك المُشْتَرِي مشتراه إِلَى آخر الْوَثِيقَة قَالَ (م) : وَهَذَا مَعَ التَّنْصِيص على دُخُول الرَّهْن فِي البيع وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ فِي وقتنا، إِذْ هُوَ الْمَقْصُود بشرَاء الدّين غَالِبا قَالَ: وللراهن أَن يَجْعَل رَهنه بيد المُشْتَرِي أَو يَجعله بيد رجل غَيره إِذا لم تشْتَرط منفعَته وإلاَّ فَلَا خِيَار للرَّاهِن حَيْثُ بَاعَ الْمُرْتَهن الدّين وَالْمَنْفَعَة مَعًا إِلَّا لحقه ضَرَر بجعله بيد المُشْتَرِي فيزال الضَّرَر ويكرى ذَلِك لغير المُشْتَرِي، والكراء لَهُ لِأَن الْمَنْفَعَة لمشترطها قَالَ: وَإِن بيع الدّين وَسكت عَن الرَّهْن لم يدْخل وَيبقى الرَّهْن بيد من هُوَ بِيَدِهِ، وَإِذا اخْتلفَا هَل وَقع البيع على شَرط دُخُول الرَّهْن حلفا وَفسخ انْتهى بِاخْتِصَار. وَإِنَّمَا وَجب التَّحَالُف لِأَن الرَّهْن لَهُ حِصَّة من الثّمن فَيرجع ذَلِك إِلَى الِاخْتِلَاف فِي قدر الثّمن. وَفي طَعَامٍ إنْ يَكُنْ من قَرْضِ يَجُوزُ الابْتِيَاعُ قَبْلَ القَبْضِ (وَفِي طَعَام إِن يكن من قرض) يتَعَلَّق بقوله: (يجوز الابتياع قبل الْقَبْض) وَهَذَا مَفْهُوم قَوْله فِيمَا مر: وَالْبيع للطعام قبل الْقَبْض مُمْتَنع مَا لم يكن من قرض(2/80)
فَلَو اسْتغنى عَن هَذَا بِمَفْهُوم مَا تقدم لكفاه، وَفِي معنى الْقَرْض كل طَعَام وَجب بِغَيْر عوض كطعام الْهِبَة وَالصَّدَََقَة كَمَا مرّ. وَالاِقْتِضَاءُ لِلدِّيُونِ مُخْتَلِفْ وَالْحُكْمُ قَبْلَ أَجَلٍ لَا يَخْتَلِفْ (والاقتضاء للديون مُخْتَلف) حكمه فَمِنْهُ مَا هُوَ جَائِز بِالْجِنْسِ وَبِغَيْرِهِ وَمِنْه مَا هُوَ مَمْنُوع كَذَلِك وَحَاصِل الصُّور الْعَقْلِيَّة فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ الَّذِي الْكَلَام الْآن فِيهِ أَربع وَعِشْرُونَ صُورَة لِأَن الدّين إِمَّا عين أَو عرض، وَفِي كل مِنْهُمَا إِمَّا من بيع أَو قرض وكل من الْأَرْبَعَة إِمَّا حَال أَو مُؤَجل، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة مَضْرُوبَة فِي أَحْوَال الْقَضَاء لِأَنَّهُ إِمَّا بِمثل الدّين قدرا أَو صفة وَإِمَّا بِأَقَلّ قدرا أَو صفة وَإِمَّا بِأَكْثَرَ قدرا أَو صفة ثَلَاثَة فِي ثَمَانِيَة بأَرْبعَة وَعشْرين فصور الْمثل الثَّمَانِية جَائِزَة كلهَا كَمَا قَالَ: (وَالْحكم قبل أجل لَا يخْتَلف) فِي الْجَوَاز وَالْحَالة هَذِه. وَالمِثْلُ مَطْلُوبٌ وذُو اعْتِبارِ فِي الجَنْسِ وَالصِّفَةِ وَفِي المِقْدَارِ (و) هِيَ أَن (الْمثل مَطْلُوب) أَي مَوْجُود (وَذُو اعْتِبَار) عطف تَفْسِير لَو حذفه مَا ضره (فِي الْجِنْس وَالصّفة والمقدار) فالجملة حَال مربوطة بِالْوَاو كَمَا قَررنَا وَمَفْهُوم قبل الْأَجَل أَن الْقَضَاء بِالْمثلِ بعد الْأَجَل يجوز بالأحرى، فَشَمَلَ كَلَامه الصُّور الثَّمَانِية الْجَائِزَة: أَرْبَعَة مِنْهَا بمنطوقه وَأَرْبَعَة مِنْهَا بمفهومه ويشملها قَول (خَ) وَقَضَاء قرض بمساوٍ ثمَّ قَالَ: وَثمن الْمَبِيع من الْعين كَذَلِك وَمَفْهُوم قَوْله: والمثل مَطْلُوب الخ. أَن الْمثل إِذا لم يُوجد بل قَضَاهُ بِأَقَلّ قدرا أَو صفة أَو بِأَكْثَرَ فيهمَا لم يجز وَهُوَ كَذَلِك على تَفْصِيل وَهُوَ أَن يُقَال: فَإِن كَانَ الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة جَازَ صور حُلُول الْأَجَل الْأَرْبَع وَهِي عين أَو عرض من بيع أَو قرض ومنعت صور مَا قبل الْأَجَل كَذَلِك لما فِيهِ من ضع وتعجل لِأَن الْمُعَجل مسلف وَقد انْتفع على سلفه بِأَدَائِهِ أقل أَو أردأ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَة فِي الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة كَمَا ترى ويشملها أَيْضا قَول (خَ) وَإِن حل الْأَجَل بِأَقَلّ صفة أَو قدرا فمفهوم الشَّرْط أَنه لَا يجوز ذَلِك قبل الْحُلُول، وَأما إِن كَانَ الْقَضَاء بِأَكْثَرَ صفة أَو(2/81)
قدرا فَيمْتَنع فِي الْأَكْثَر قدرا فِي الْقَرْض مُطلقًا عينا كَانَ أَو عرضا قبل الْأَجَل أَو بعده لقَوْل (خَ) لَا أَزِيد عددا أَو وزنا، وَكَذَا يمْتَنع فِي الْعرض من بيع قبل الْأَجَل لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك: وَجَاز فِيهِ ذَلِك بعد الْأَجَل كَمَا يجوز فِي الْعين من بيع مُطلقًا قبل الْأَجَل أَو بعده لِأَن الْحق فِي الْأَجَل فِي الْعين لمن هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يدْخلهُ حط الضَّمَان وَأَزِيدك: وَإِن كَانَ بِأَفْضَل صفة جَازَ فِي الْقَرْض مُطلقًا وَفِي البيع بعد الْأَجَل، وَكَذَا قبله وَهُوَ عين وإلاَّ منع لما فِيهِ من حط الضَّمَان وَأَزِيدك. والناظم تكلم بمنطوقه وَمَفْهُومه على الصُّور الْجَائِزَة الثَّمَانِية كَمَا مر وَسكت عَمَّا عَداهَا فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ. وَأما الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس وَهُوَ بيع الدّين مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ فقد أَشَارَ لَهُ بقوله: وَالعَيْنُ فيهِ مَعْ بُلُوغٍ أَجَلا صَرْفٌ وَمَا تَشَاؤُهُ إنْ عُجِّلاَ (وَالْعين فِيهِ) الضَّمِير للعين، وَفِي بِمَعْنى (عَن) أَي وَقَضَاء الْعين عَن الْعين (مَعَ بُلُوغ أَََجَلًا) أَي مَعَ حُلُول أجل الدّين كقضاء ذهب عَن فضَّة حل أجلهَا كَانَت من بيع أَو قرض وَبِالْعَكْسِ (صرف) جَائِز إِن عجل الْمَأْخُوذ وَلم يَقع فِيهِ تَأْخِير فَقَوله: بعد أَن عجل مَحْذُوف من هُنَا لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الِاصْطِلَاح بِصَرْف مَا فِي الذِّمَّة وَهُوَ جَائِز على الْمَشْهُور خلافًا لأَشْهَب فِي مَنعه (وَمَا) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَو مفعول بِفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير وَلَك أَخذ مَا (تشاؤه) أَي وَخذ مَا تشاؤه عَن دين الْعين من عرض أَو طَعَام أَو حَيَوَان أَو عقار (إِن عجلا) ذَلِك الْمَأْخُوذ والا امْتنع لما يلْزم عَلَيْهِ من فسخ الدّين فِي الدّين إِن كَانَ الْمَأْخُوذ غير معِين، وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ التصيير وَفِي تَأْخِير حوزه وَقَبضه خلاف يَأْتِي فِي فَصله إِن شَاءَ الله. وغيرُ عينٍ بَعْدَهُ مِنْ سَلَفِ خُذْ فيهِ مِنْ مُعَجَّل مَا تَصْطَفِي (وَغير عين) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف وَالْجُمْلَة الطلبية بعده خَبره على وَجه مَرْجُوح أَي وَدين غير الْعين (بعده) أَي بعد الْأَجَل حَال كَونه (من سلف خُذ فِيهِ من معجل) من غير جنسه (مَا تصطفي) وتختار من طَعَام أَو عرض أَو عقار أَو حَيَوَان كأخذك حَيَوَانا عَن ثوب فِي الذِّمَّة أَو أخذك دَرَاهِم عَن حَيَوَان فِي الذِّمَّة، وَهَكَذَا بِشَرْط التَّعْجِيل كَمَا فِي النّظم وَإِلَّا امْتنع لما فِيهِ من فسخ الدّين أَو التصيير الْغَيْر الْمَقْبُوض بالفور كَمَا تقدم فِي الَّذِي قبله، وَكَلَامه فِي الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع، وَأما قَضَاؤُهُ بِالْجِنْسِ الْمُوَافق فقد تقدم فِي الْأَرْبَع وَالْعِشْرين صُورَة.(2/82)
وَمَفْهُوم قَوْله: وَغير عين الخ. تقدم فِي الْبَيْت قبله، وَمَفْهُوم بعده أَنه قبل الْأَجَل لَا يجوز وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ إِذا اخْتلف الْجِنْس كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فَلَا عَلَيْك فِي الْأَجَل والمقدار كَمَا فِي شرَّاح (خَ) عِنْد قَوْله: وَبِغير الْجِنْس إِن جَازَ بَيْعه قبل قَبضه الخ. وَحِينَئِذٍ فَلَا مَفْهُوم للظرف الْمَذْكُور، وَمَفْهُوم قَوْله: من سلف هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: وَإنْ يكنْ مِنْ سَلَمٍ بَعْدَ الأَمَدْ فالوَصْفُ فيهِ السَّمْحُ جائزٌ فَقَدْ (وَإِن يكن) الَّذِي هُوَ غير الْعين ترَتّب فِي الذِّمَّة (من سلم) أَي بيع (بعد الأمد) أَي الْأَجَل يتَعَلَّق بقوله جَائِز (فالوصف) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله جَائِز أَيْضا (السَّمْح) مُبْتَدأ ثَان (جَائِز) خَبره (فقد) أَي فَحسب رَاجع لقَوْله: بعد الأمد، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَالْجُمْلَة من الأول وَخَبره جَوَاب الشَّرْط، وَالتَّقْدِير؛ وَإِن يكن الدّين الْغَيْر الْعين ترَتّب فِي الذِّمَّة من بيع فالسمح فِي وَصفه جَائِز بعد الْأَجَل فَقَط بِأَن يَأْخُذ رب الدّين أقل من صفة دينه أَو يدْفع الْمَدِين أَجود مِنْهُ، وَيفهم مِنْهُ أَنه يجوز بِأَقَلّ قدرا أَو أَكثر كَذَلِك أَيْضا لِأَن زِيَادَة الْوَصْف فِي قَضَاء دين البيع كزيادة الْقدر ونقصانه كنقصانه كَمَا قَالَ (خَ) وَجَاز بِأَكْثَرَ وَلَيْسَ قَوْله: (فقد) رَاجعا للوصف حَتَّى يكون الْمَعْنى فالسمح جَائِز فِي الْوَصْف فَقَط لَا فِي الْقدر، بل هُوَ رَاجع لقَوْله: بعد الأمد كَمَا قَررنَا. وَمَفْهُوم بعد الأمد أَنه قبل الأمد لَا يجوز وَهُوَ كَذَلِك لما فِيهِ من حط الضَّمَان، وَأَزِيدك أَو ضع وتعجل قَالَ فِي النَّوَادِر: وَإِذا حل الدّين وَلَيْسَ بِذَهَب وَلَا فضَّة جَازَ أخذك أرفع أَو أدنى أَو أقل أَو أَكثر من صنفه أَو من غير صنفه نَقْدا. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَة: وَلَو عجل عرضا قبل أَجله لم يجز إِلَّا مَعَ الْمُسَاوَاة والانفراد فَلَو كَانَ أَجود أَو أردأ وأضيف إِلَيْهِ شَيْء من أحد الْجَانِبَيْنِ وَلَو نفعا بخطوة أَو كلمة لم يجز لِأَنَّهُ مِنْك وضيعة على تَعْجِيل حق، وَمِنْه طرح ضَمَان بِزِيَادَة. ثمَّ إِن كَلَام النَّاظِم ظَاهر فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ فَهُوَ دَاخل فِي التَّحْصِيل الْمُتَقَدّم فِي الْقَضَاء بِالْجِنْسِ، وَقد علمت أَن الْكَلَام فِي غَيره، فَلَو قدم هَذَا الْبَيْت قبل قَوْله: وَالْعين فِيهِ الخ. وَقَالَ مثلا: وَإِن يكن بِأَدْنَى مِنْهُ يشْتَرط حُلُوله وَقَبله الْمَنْع فَقَط وَيكون أَشَارَ بِهِ للصور الثَّمَانِية الكائنة فِي الْقَضَاء بِأَقَلّ قدرا أَو صفة كَمَا مر ثمَّ يَقُول هَهُنَا:(2/83)
وَإِن يكن من سلم فَيشْتَرط بَيْعه بِالْمُسلمِ فِيهِ مُرْتَبِط وَإِن يَصح سلم رَأس المَال وَالْبيع قبل الْقَبْض فِي ذِي الْحَال لوفى بِشُرُوط قَضَاء السّلم بِغَيْر جنسه الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) وَبِغير جنسه إِن جَازَ بَيْعه قبل قَبضه وَبيعه بِالْمُسلمِ فِيهِ مناجزة، وَإِن يسلم فِيهِ رَأس المَال لَا طَعَام وَلحم بحيوان وَذهب وَرَأس المَال ورق وَعَكسه الخ. وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهَا فِي فصل الْعرُوض عِنْد قَوْله: وَمَا لبيع قبل قبض مَانع. وَبِهَذَا يكون الْكَلَام مرتبطاً بعضه بِبَعْض وَلَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء من شُرُوط الْقَضَاء بِغَيْر الْجِنْس، وَأما بِجِنْسِهِ فقد دخل فِي التَّحْصِيل الْمُتَقَدّم وَسلم من قَوْلنَا: وَإِن يَصح سلم رَأس المَال يقْرَأ بِسُكُون اللَّام للوزن، وَالْحَاصِل أَن قَضَاء الدّين بِغَيْر جنسه وَهُوَ بَيْعه مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ إِن كَانَ عينا فإمَّا أَن يَأْخُذ عَنهُ عينا أُخْرَى أَو عرضا فَالْأول صرف يشْتَرط فِيهِ حُلُول الدّين وتعجيل الْمَأْخُوذ، وَالثَّانِي يشْتَرط تَعْجِيله فَقَط وَإِن كَانَ الدّين غير عين فَيشْتَرط تَعْجِيل الْمَأْخُوذ أَيْضا لَا حُلُوله، وَيُزَاد فِيهِ إِن كَانَ من بيع أَن يجوز بَيْعه قبل قَبضه، وَأَن يسلم فِيهِ رَأس المَال وَأَن يُبَاع بِالْمُسلمِ فِيهِ مناجزة الخ وَالله أعلم. وَلما تكلم على بيع الدّين واقتضائه شرع فِي الْكَلَام على الْمُقَاصَّة فِيهِ فَقَالَ: قد مضى الدَّيْنُ من الدَّيْنِ وَفِي عَيْنٍ وَعَرْضٍ وَطَعَامٍ قَدْ يَفِي (قد مضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الدّين من الدّين) أَي يَقْتَضِي كل من رَبِّي الدّين دينه الَّذِي لَهُ على صَاحبه من نَفسه، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد وَيَقْتَضِي رب الدّين دينه الَّذِي لَهُ على صَاحبه من الدّين الَّذِي لصَاحبه عَلَيْهِ. هَذَا مُرَاده وإلاَّ فعبارته تَشْمَل الْحِوَالَة مَعَ أَن المُرَاد خُصُوص الْمُقَاصَّة فَلَو قَالَ: تطارح الدّين لجانبين بِشَرْطِهِ يجوز بَين اثْنَيْنِ فَمَا يكونَانِ الخ. لَكَانَ أحسن. وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: متاركة مَطْلُوب بمماثل صنف مَا عَلَيْهِ لمآله على طَالبه فِيمَا ذكر عَلَيْهِمَا. فَقَوله: بمماثل مُتَعَلق بمطلوب وَهُوَ صفة لمَحْذُوف أَي بدين مماثل، وَقَوله: صنف بِالرَّفْع فَاعل بمماثل، وَيحْتَمل أَن يقْرَأ بِالْإِضَافَة من إِضَافَة الصّفة للموصوف أَي مَطْلُوب بصنف مَا عَلَيْهِ المماثل لمآله على طَالبه فَيخرج بِهِ المختلفان نوعا فَيَقْتَضِي أَن الْمُقَاصَّة فيهمَا لَا تصح، وَفِيه نظر كَمَا يَأْتِي. وَقَوله: لمآله على طَالبه يتَعَلَّق بمماثل على كلا الِاحْتِمَالَيْنِ، وَاللَّام زَائِدَة لتقوية الْعَامِل، وَمَا مفعول وَاقعَة على الدّين، وعَلى كَون لفظ صنف فَاعِلا لَو حذف مَا عَلَيْهِ وَقَالَ بمماثل صنفه لَكَانَ أحسن، وَقَوله: فِيمَا ذكر مُتَعَلق بمتاركة وَمَا ذكر هُوَ الصنفية. وَقَوله: عَلَيْهِمَا حَال مِمَّا ذكر أَي حَال كَون ذَلِك الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا تَاركه فِي حق لَهما على شخص آخر فَإِن كَانَ لهَذَا عَلَيْهِ عرض وَللْآخر عَلَيْهِ مثله فِي الصنفية وَأخذ كل مِنْهُمَا مَا لصَاحبه فَلَيْسَتْ مقاصة. وَهَذَا الْحَد لَا يخفى مَا فِيهِ من التعقيد مَعَ كَونه لَا يَشْمَل الْمُقَاصَّة فِي النَّوْعَيْنِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد بالصنف الْجِنْس فَيشْمَل الْمُقَاصَّة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَنَّهُمَا جنس وَاحِد، وَإِذا جَازَت فِي مقتفى الْجِنْس فأحرى فِي مقتفى الصِّنْف، وَمَعْنَاهُ(2/84)
حِينَئِذٍ أَن الْمُقَاصَّة هِيَ أَن يتارك الْمَطْلُوب بدين مماثل جنسه دينا لَهُ على طَالبه فِي الجنسية الْمَذْكُورَة لَا فِي الْقدر فَقَط حَال كَون الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا وأسهل مِنْهُ أَن يُقَال هِيَ تطارح المتداينين دينهما الْمُتَّفق الْجِنْس على أَن يَأْخُذ كل مِنْهُمَا مَا فِي ذمَّته فِي مُقَابلَة مَا لَهُ فِي ذمَّة صَاحبه وَالله أعلم. (وَفِي. عين وَعرض وَطَعَام قد يَفِي) أَي: يَأْتِي اقْتِضَاء الدّين من الدّين على وَجه الْمُقَاصَّة فِي الْعين وَفِي الْعرض وَفِي الطَّعَام وَفِي كل مِنْهُمَا سِتّ وَثَلَاثُونَ صُورَة فتنتهي إِلَى مائَة وَثَمَانِية. وبيانها: أَن الدينَيْنِ إِذا كَانَا عينين إِمَّا أَن يَكُونَا من بيع أَو من قرض، أَو أَحدهمَا من بيع، وَالْآخر من قرض وَفِي كل من الثَّلَاثَة إِمَّا أَن يتَّفق العينان جِنْسا وَقدرا وَصفَة أَو يختلفا جِنْسا أَو صفة أَو قدرا، فَهَذِهِ الْأَرْبَع فِي ثَلَاث قبلهَا بِاثْنَيْ عشر، وَفِي كل إِمَّا أَن يحل الدينان أَو يحل أَحدهمَا فَقَط أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة فِي اثْنَي عشر بست وَثَلَاثِينَ، وَمثلهَا إِذا كَانَ الدينان عرضين فهما إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من قرض، وَفِي كل إِمَّا أَن يتَّفقَا جِنْسا وَقدرا وَصفَة أَو يختلفا جِنْسا أَو صفة أَو قدرا بِاثْنَيْ عشر، وَفِي كل إِمَّا أَن يحل الدينان مَعًا أَو أَحدهمَا أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا بست وَثَلَاثِينَ أَيْضا، وَكَذَا يُقَال فِيمَا إِذا كَانَا طعامين هَكَذَا حَاصِل هَذِه الصُّور فِي تَكْمِيل التَّقْيِيد. وَقد تكلم النَّاظِم على بعض صور كل من الثَّلَاثَة الَّتِي فِي النّظم، وَلم يسْتَوْف جَمِيعهَا وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْعينِ فَقَالَ: فَمَا يكونَانِ بِهِ عَيْناً إِلَى مُماثِلٍ وَذي اخْتِلافٍ فُضِّلا (فَمَا) أَي فَالْوَجْه الَّذِي (يكونَانِ) أَي الدينان (بِهِ عينا إِلَى مماثل) فِي الْقدر وَالنَّوْع وَالصّفة وَفِيه ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من قرض (و) إِلَى (ذِي اخْتِلَاف) فِي النَّوْع وَفِيه ثَلَاث أَيْضا، أَو فِي الْقدر وَفِيه ثَلَاث أَيْضا، أَو فِي الصّفة وَفِيه ثَلَاث كَذَلِك (فضلا) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول خبر مَا وَالْمَجْرُور بإلى مُتَعَلق بِهِ فالمجموع اثْنَتَا عشرَة صُورَة، وَفِي كل مِنْهَا إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أَو لَا يحل وَاحِد مِنْهُمَا بست وَثَلَاثِينَ، وَقد علمت(2/85)
أَن صور المماثل مِنْهَا تِسْعَة وصور الِاخْتِلَاف مِنْهَا سبع وَعِشْرُونَ، فَأَشَارَ إِلَى صور المماثل بقوله فِيمَا يَأْتِي: وَفِي تَأَخّر الَّذِي يماثل الخ. وَإِلَى بعض مَا يجوز من صور الِاخْتِلَاف بقوله: فَمَا اخِتلافٌ وَحُلُول عَمَّهْ يَجُوزُ فيهِ صَرْفُ مَا فِي الذِّمَّهْ (فَمَا اخْتِلَاف) أَي فَالْوَجْه الَّذِي عَمه اخْتِلَاف يَعْنِي فِي النَّوْع أَو فِي الصّفة، وَذَلِكَ كالذهب وَالْفِضَّة أَو محمدية ويزيدية (وحلول عَمه) أَي عَمه الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع أَو فِي الصّفة لَا فِي الْقدر وَعَمه الْحُلُول بِأَن كَانَ الدينان مَعًا حَالين. (وَيجوز فِيهِ صرف مَا فِي الذمه) أَي مُبَادلَة مَا فِي الذِّمَّة وَفِي كل مِنْهُمَا ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَفِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَذَلِك فالمجموع سِتّ صور جَائِزَة كلهَا إِلَّا أَنه فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع لَا يُرَاعى الِاتِّحَاد فِي الْقدر، وَفِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لَا بُد من اتحاده كعشرة دَرَاهِم محمدية عَن عشرَة يزيدية، وتفهم صور الِاخْتِلَاف فِي الصّفة من صور الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بالأحرى لِأَنَّهُ إِذا جَازَ ذَلِك مَعَ الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع بِشَرْطِهِ فَلِأَن يجوز مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الصّفة بالأحرى، فصور الِاخْتِلَاف فِي الصّفة دَاخِلَة فِي النّظم كَمَا ترى، وَمَفْهُوم حُلُول الخ. اثْنَتَا عشرَة صُورَة: سِتّ فِي الِاخْتِلَاف فِي النَّوْع وَهِي عدم حلولهما مَعًا أَو عدم حُلُول أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وست فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة كَذَلِك وَكلهَا غير جَائِزَة للصرف أَو الْبَدَل المؤخرين وَيُزَاد على ذَلِك تسع صور الَّتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر، فَظَاهر النّظم جَوَاز مَا حل مِنْهَا لدخولها فِي عُمُوم قَوْله: فَمَا اخْتِلَاف مَعَ أَنَّهَا مَمْنُوعَة كلهَا لربا الْفضل كدينار فِي مُقَابلَة دينارين فإمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا حَالين أَو مؤجلين أَو أَحدهمَا بتسع تضم للاثني عشر قبلهَا الَّتِي هِيَ مَفْهُوم النّظم يكون الْمَجْمُوع إِحْدَى وَعشْرين صُورَة كلهَا مَمْنُوعَة، وَيبقى من صور الِاخْتِلَاف سِتّ صور جَائِزَة وَهِي مَنْطُوق النّظم كَمَا مر وَالله أعلم. وَفِي تَأَخُّرِ الذِي يُمَاثِلُ مَا كَانَ أَشْهَبُ بِمَنْعٍ قَائِلُ ثمَّ أَشَارَ إِلَى تسع صور المماثل فَقَالَ: (وَفِي تَأَخّر) الدّين (الَّذِي يماثل) الدّين الْمَأْخُوذ عَنهُ (مَا) استفهامية أَي كَيفَ مَا (كَانَ) التَّأْخِير سَوَاء كَانَ فِي الدينَيْنِ مَعًا أَو فِي أَحدهمَا. وَفِي كلِّ إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا (أَشهب) مُبْتَدأ خَبره (بِمَنْع قَائِل) فِي هَذِه السِّت كلهَا وَالْمَجْرُور(2/86)
الأول وَالثَّانِي يتعلقان بالْخبر، وَفهم من نِسْبَة الْمَنْع فِيهَا لأَشْهَب وَحده أَن ابْن الْقَاسِم يَقُول بِالْجَوَازِ وَهُوَ الْمَشْهُور، وَمَفْهُوم قَوْله: وَفِي تَأَخّر الخ. أَنَّهُمَا إِذا حلا مَعًا وَفِيه ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا جَازَ على كلا الْقَوْلَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: وَفِي اللَّذَيْنِ فِي الْحُلُولِ اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ الانْتِصَافِ اتَّفَقَا (وَفِي) الْعَينَيْنِ (اللَّذين بالحلول) مُتَعَلق بقوله (اتفقَا) صلَة الْمَوْصُول (على جَوَاز الانتصاف) أَي الْمُقَاصَّة لِأَن كل وَاحِد ينصف من حَقه بهَا (اتفقَا) أَي اتّفق أَشهب وَابْن الْقَاسِم على جَوَاز الْمُقَاصَّة فِي الْعَينَيْنِ اللَّذين اتفقَا فِي الْحُلُول، وَقد تماثلا نوعا وَصفَة وَقدرا كعشرة محمدية عَن مثلهَا أَو يزيدية عَن مثلهَا، فَهَذِهِ التسع الَّتِي هِيَ صور التَّمَاثُل تضم إِلَى سَبْعَة وَعشْرين الَّتِي هِيَ صور الِاخْتِلَاف يكون الْمَجْمُوع سِتا وَثَلَاثِينَ، وَبهَا تمت صور الْعَينَيْنِ وَإِلَى صور التَّمَاثُل أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتجوز الْمُقَاصَّة فِي ديني الْعين مُطلقًا أَي من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو أَحدهمَا أَو لَا. وَأَشَارَ إِلَى صور الِاخْتِلَاف بقوله: وَإِن اخْتلفَا صفة مَعَ اتِّحَاد النَّوْع أَو اختلافه فَكَذَلِك إِن حلا وَإِلَّا فَلَا الخ. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَا إِذا كَانَ الدينان عرضا فَقَالَ: وَذَاكَ فِي العَرْضَيْنِ لَا المِثْلَيْنِ حَلْ بِحيْثُ حلاَّ أوْ توافَقَ الأجلْ (وَذَاكَ) الانتصاف الَّذِي بِمَعْنى الْمُقَاصَّة (فِي العرضين لَا) أَي غير (المثلين) كَثوب وَفرس وَكسَاء وقميص وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (حل) أَي جَازَ (بِحَيْثُ حلاَّ) أَي حل أجل العرضين مَعًا (أَو) تأجلا و (توَافق الْأَجَل) فيهمَا، وَالتَّقْدِير وَذَاكَ الانتصاف الَّذِي هُوَ الْمُقَاصَّة جَائِز فِي العرضين الْمُخْتَلِفين جَوَازًا مُقَيّدا بحلول الدينَيْنِ مَعًا أَو توَافق أجلهما حِين الْمُقَاصَّة، وَيدخل فِي العرضين غير المثلين سبع وَعِشْرُونَ صُورَة لِأَن الِاخْتِلَاف إِمَّا فِي الْجِنْس كَثوب وَفرس، أَو فِي الصّفة كَثوب كتَّان وثوب قطن، وَمن ذَلِك هروي ومروي أَو فِي الْقدر كثوبين من كتَّان عَن وَاحِد من قطن، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، فَهَذِهِ تسع. وَفِي كل مِنْهَا إِمَّا حَالين أَو مؤجلين أَو أَحدهمَا، فَأخْبر النَّاظِم أَن الْجَائِز مِنْهَا سِتّ صور وَثَلَاث فِيمَا إِذا اخْتلفَا جِنْسا وحلا حَقِيقَة أَو حكما لتوافق الْأَجَل فإمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا. وَثَلَاث فِيمَا إِذا اخْتلفَا صفة كَذَلِك، وَيفهم مِنْهُ أَن الْأَحَد وَالْعِشْرين الْبَاقِيَة كلهَا مَمْنُوعَة وَهُوَ كَذَلِك فِي السِّت(2/87)
الْبَاقِيَة من الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس، وَهِي مَا إِذا لم يحلا حَقِيقَة وَلَا حكما أَو حل أَحدهمَا، وَفِي كل إِمَّا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا، وَكَذَا فِي السِّت الْبَاقِيَة من الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لما فِي ذَلِك من بيع الدّين بِالدّينِ فِي الْجَمِيع، وَأما التسع الَّتِي فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر وَهِي كَونهَا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو لم يحلا مَعًا أَو أَحدهمَا فَفِيهَا تَفْصِيل، فَإِن كَانَا من بيع وحلا جَازَ وَإِن كَانَا من قرض لم يجز لما فِيهِ من قَضَاء الْقَرْض بِأَكْثَرَ خلافًا لظَاهِر النّظم من جَوَاز ذَلِك وَلَو فِي الْقَرْض وَأما إِن كَانَا مؤجلين أَو أَحدهمَا فَيمْنَع كَمَا هُوَ مَفْهُوم النّظم لما فِيهِ من ضع وتعجل مُطلقًا أَو حط الضَّمَان وَأَزِيدك حَيْثُ كَانَا من بيع. فَإِن قيل: تقدم فِي الْعين أَنَّهَا لَا تجوز مَعَ التَّأْجِيل وَلَو اتّفق الْأَجَل فَلم جَازَت فِي الْعرض مَعَ اتفاقه؟ قُلْنَا: لِأَن اللَّازِم فِي الْعين صرف مُؤخر وَبَاب الصّرْف أضيق من بيع الدّين اللَّازِم فِي العرضين، وَإِنَّمَا لم يعْتَبر بيع الدّين فِي المتفقين أَََجَلًا لِأَن ذَلِك حِينَئِذٍ فِي معنى المبارأة لِأَنَّهُ لما كَانَ لَا يقدر أَحدهمَا على طلب دينه إِلَّا عِنْد أجل الآخر كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْحَالين وَالله أعلم. وَمَفْهُوم قَوْله: لَا المثلين أَن العرضين إِذا كَانَا متفقين فِي الْجِنْس وَالصّفة وَالْقدر جَازَت الْمُقَاصَّة فِي تسع صورها كَانَا من بيع أَو قرض أَو أَحدهمَا حلا أَو لم يحلا أَو أَحدهمَا لِأَن العرضين المتماثلين يبعد قصد المكايسة والمغالبة فيهمَا، فَيكون الْمَقْصُود هُوَ الْمَعْرُوف فَلَا تدخل فِي غير الْحَالين تُهْمَة من تعجل مَا أجل يعد مسلفاً، وَإِلَى الْمُقَاصَّة فِي العرضين المتماثلين أَشَارَ (خَ) بقوله: وَتجوز فِي العرضين مُطلقًا أَي اتحدا جِنْسا وَصفَة أَي وَقدرا، وَإِلَى جَوَازهَا فِي الْمُخْتَلِفين بِشَرْط الْحُلُول أَو اتِّفَاق الْأَجَل بقوله: كَأَن اخْتلفَا جِنْسا واتفقا أَََجَلًا وَإِن اخْتلفَا أَََجَلًا منعت إِن لم يحلا أَو أَحدهمَا الخ. قلت: لَو قَالَ أَعنِي (خَ) : وَتجوز فِي العرضين مُطلقًا إِن اتفقَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة لَا إِن اخْتلفَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة وَلم يحلا أَو لم يتَّفق الْأَجَل وإلاَّ جَازَ فِي الْأَخيرينِ كَالْأولِ إِن وحلا هما من بيع لكفاه. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا إِذا كَانَ الدينان طَعَاما وَفِيه سِتّ وَثَلَاثُونَ أَيْضا أَشَارَ إِلَى اثْنَي عشر مِنْهَا بقوله: وَفِي تَوَافُقِ الطَّعَامَيْنِ اقُتُفِي حَيْثُ يَكونان مَعًا مِنْ سَلَفِ(2/88)
(وَفِي توَافق الطعامين) يتَعَلَّق بقوله (اقتفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الانتصاف أَي اقتفي وَاتبع الانتصاف الَّذِي بِمَعْنى الْمُقَاصَّة فِي الطعامين المتفقين فِي الْجِنْس وَالْقدر وَالصّفة (حَيْثُ يكونَانِ مَعًا من سلف) حلا أَو أَحدهمَا أم لَا، فَهَذِهِ ثَلَاث من الاثْنَي عشر الْمَذْكُورَة. وفِي اختِلافٍ لَا يَجوزُ إلاّ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ حَلاَ (وَفِي اخْتِلَاف) يتَعَلَّق بقوله (لَا يجوز) أَي: وَلَا يجوز الانتصاف فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْجِنْس كقمح وفول، أَو فِي الصّفة كعشرة سمراء عَن مثلهَا مَحْمُولَة، أَو فِي الْقدر كخمسة مَحْمُولَة عَن سَبْعَة مَحْمُولَة ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد على خَمْسَة فِي الذِّمَّة (إِلَّا إِن كَانَ كل مِنْهُمَا قد حلا) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُبَادلَة يدا بيد: (خَ) والطعامان من قرض كَذَلِك أَي فَتجوز مَعَ الِاتِّفَاق مُطلقًا وَمَعَ الِاخْتِلَاف بِشَرْط الْحُلُول فقد دخل فِي الِاخْتِلَاف تسع صور لِأَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْجِنْس وهما من سلف كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع فإمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا، فَهَذِهِ ثَلَاث. وَمثلهَا فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة وَمثلهَا فِي الِاخْتِلَاف فِي الْقدر بتسع، حكى الْجَوَاز فِيمَا إِذا حلا مَعًا وَبقيت صور تأجيلهما مَعًا أَو تَأْجِيل أَحدهمَا على حكم الْمَنْع لما فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة، واحترزت بِقَوْلِي: ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد فِي الذِّمَّة الخ. عَمَّا إِذا لم يدخلا على ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجوز، وَلَو حلا لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل، وَكَذَا يُقَال فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة لَا بُد أَن يدخلا على إِلْغَاء الزَّائِد إِن كَانَ هُنَاكَ زَائِد وَإِلَّا لم يجز لربا الْفضل أَيْضا، وَلَا يشْتَرك ذَلِك فِي الِاخْتِلَاف فِي الْجِنْس، فصورتا الِاخْتِلَاف فِي الصّفة وَالْقدر يُزَاد فيهمَا على شَرط الْحُلُول أَن يدخلا على عدم إِلْغَاء الزِّيَادَة. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الاثنتي عشرَة صُورَة الَّتِي فِي الطعامين من بيع فَقَالَ: وَإنْ يَكونا مِنْ مَبيعٍ وَوَقَعْ فيهِ بالإطْلاَقِ اخْتِلاَفٌ امْتَنَعْ (وَإِن يَكُونَا) أَي الطعامان (من مَبِيع) اسْم مفعول بِمَعْنى الْمصدر أَي: من بيع (وَوَقع فِيهِ) يتَعَلَّق بِوَقع (بِالْإِطْلَاقِ) يتَعَلَّق بامتنع آخر الْبَيْت (اخْتِلَاف) فَاعل وَقع (امْتنع) جَوَاب الشَّرْط وَالتَّقْدِير: وَإِن يكن الطعامان من بيع وَاخْتلفَا فِي الْجِنْس أَو فِي الصّفة أَو فِي الْقدر امْتنعت الْمُقَاصَّة بِالْإِطْلَاقِ حلا أَو أَحدهمَا أم لَا. فَتدخل فِي الِاخْتِلَاف تسع صور كَمَا ترى.(2/89)
وَأَشَارَ إِلَى الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة لتَمام الاثْنَي عشر وَهِي: إِذا اتَّحد الطعامان جِنْسا وَصفَة وَقدرا فإمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا بقوله:
وَفي اتِّفَاقِ أجَلَيْ مَا اتّفقَا هُوَ لَدَى أَشْهَبَ غَيْرُ مُتَّقَى (وَفِي اتِّفَاق أَجلي مَا) أَي الطعامان اللَّذين (اتفقَا) جِنْسا وَصفَة وَقدرا (هُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الانتصاف الْمُتَقَدّم (لَدَى أَشهب غير متقى) خبر عَن الْمُبْتَدَأ والظرف وَالْمَجْرُور بفي يتعلقان بِهِ، وَالتَّقْدِير: وَهُوَ أَي الانتصاف غير مَمْنُوع عِنْد أَشهب فِي الطعامين المنفقين أَََجَلًا وجنساً وَصفَة وَقدرا بِنَاء على أَنَّهَا إِقَالَة، وَأَحْرَى أَن يجوز عِنْده ذَلِك إِذا حلا مَعًا، وَفهم من تَخْصِيصه الْجَوَاز بأشهب أَن ابْن الْقَاسِم يَقُول بِالْمَنْعِ، وَهُوَ الْمَشْهُور (خَ) : ومنعا أَي الطعامان من بيع وَلَو متفقين الخ. قَالَ (ز) : لعلل ثَلَاث بيع الطَّعَام قبل قَبضه وَهَذِه عَامَّة، وَطَعَام بِطَعَام، وَدين بدين نَسِيئَة وَهَاتين فِي غير الْحَالين. ثمَّ أَشَارَ إِلَى الاثْنَي عشر الَّتِي فِي الطعامين من بيع وقرض وَهِي كَمَال سِتّ وَثَلَاثِينَ صُورَة الَّتِي فِي الطعامين فَقَالَ: وَشَرْطُ مَا من سَلَفٍ وَبَيْع حُلُول كُلَ وَاتِّفَاقُ النَّوْعِ (وَشرط مَا) أَي الطعامين اللَّذين أَحدهمَا (من سلف و) الآخر من (بيع حُلُول كل) مِنْهُمَا (واتفاق النَّوْع) أَي: أَو الْقدر كمحمولة عَن مثلهَا قدرا وَصفَة، فَالْمُرَاد بالنوع الصّفة إِذْ لَا يَكْفِي الِاتِّفَاق فِي النَّوْع مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الصّفة، وَبِالْجُمْلَةِ فالطعامان من بيع وَسلف إِذا اتفقَا جِنْسا وَصفَة وَقدرا فَفِي ذَلِك ثَلَاث صور لِأَنَّهُمَا إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أَو لَا. حكى الْجَوَاز فِي صُورَة وَهِي حلولهما مَعًا وَبقيت صورتا تأجيلهما أَو أَحدهمَا. حكى فِي جَوَاز الْمُقَاصَّة فيهمَا خلافًا بقوله: والْخُلْفُ فِي تَأَخُّرِ مَا كَانَا ثَالِثُهُمَا مَعْ سَلَمٍ قَدْ حَانَا (وَالْخلف فِي تَأَخّر مَا كَانَا) أَي كَيفَ كَانَ التَّأْخِير فِي طَعَام البيع أَو طَعَام الْقَرْض أَو فيهمَا(2/90)
أَي: والموضوع بِحَالهِ من اتِّفَاق الْجِنْس وَالصّفة وَالْقدر، فَمنع ذَلِك ابْن الْقَاسِم مُطلقًا تأخرا مَعًا أَو الْقَرْض أَو السّلم وَهُوَ الْمَشْهُور، وَأَجَازَ ذَلِك أَشهب مُطلقًا (ثالثهما) لغَيْرِهِمَا تجوز (مَعَ سلم) من نَعته وَصفته (قد حانا) أَي: وصل حِينه وَالْفرق على هَذَا الثَّالِث أَن طَعَام السّلف لما كَانَ الْمَدِين قَادِرًا على تَعْجِيله جبرا على ربه، وَقد حل دين السّلم أَي البيع صَار الدينان حَالين مَعًا فِي الْمَعْنى بِخِلَاف الْعَكْس، وَعلة الْمَنْع عِنْد ابْن الْقَاسِم أَن الْأَغْرَاض تخْتَلف باخْتلَاف الْأَجَل فيترجح جَانب بيع الطَّعَام قبل قَبضه بِالنِّسْبَةِ لطعام البيع، وَلِأَن الْمُعَجل لما فِي الذِّمَّة مسلف، وَعلة الْجَوَاز عِنْد أَشهب تَغْلِيب الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا لم ينظر فِي صُورَة حلولهما مَعًا لبيع الطَّعَام قبل قَبضه بِالنِّسْبَةِ لطعام البيع تَغْلِيبًا لجَانب الْقَرْض لِأَنَّهُ مَعْرُوف وانضم لذَلِك أَن الْمُقَاصَّة مَعْرُوف أَيْضا فجازت هَذِه الصُّورَة على كل قَول، فَقَوْل النَّاظِم: واتفاق النَّوْع إِمَّا أَن يُرِيد بالنوع الْجِنْس فَيكون قد حذف الْوَاو ومعطوفيها أَي وَالصّفة وَالْقدر، وَإِمَّا أَن يكون أَرَادَ بالنوع الصّفة فَيكون قد حذف الْوَاو ومعطوفاً وَاحِدًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ إِذْ الِاتِّفَاق فِي الْجِنْس وَالْقدر لَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُمَا لَو اخْتلفَا قدرا ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد لم يجز، وَلَو حلا لربا الْفضل كَمَا لَا يجوز إِذا اخْتلفَا جِنْسا أَو صفة، وَلَو حلا واتفقا قدرا، وَقد علمت من هَذَا أَن مَنْطُوق النَّاظِم شَامِل لثلاث صور: حكى الْجَوَاز فِي وَاحِدَة مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَحكى الْخلاف فِي الصُّورَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَوْله: واتفاق النَّوْع أَي الْجِنْس أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِيهِ أَو فِي الصّفة أَو فِي الْقدر ودخلا على إِلْغَاء الزَّائِد لم تجز وَلَو حلا وَذَلِكَ شَامِل لتسْع صور لِأَنَّهُمَا فِي اخْتِلَاف الْجِنْس إِمَّا أَن يحلا أَو أَحدهمَا أم لَا. وَمثلهَا فِي اخْتِلَاف الصّفة، وَمثلهَا فِي اخْتِلَاف الْقدر حَيْثُ دخلا على إِلْغَاء الزَّائِد وَكلهَا مَمْنُوعَة، وَلَو حلا كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) بقوله: وَمن قرض وَبيع تجوز إِن اتفقَا وحلاّ لَا إِن لم يحلا أَو أَحدهمَا الخ ... فَتحصل أَن الاثنتي عشرَة صُورَة الْجَارِيَة فِي طَعَامي البيع وَالْقَرْض تجوز مِنْهَا صُورَة وَاحِدَة وَمَا عَداهَا مَمْنُوع إِمَّا اتِّفَاقًا أَو على الْمَشْهُور.
(فصل فِي الْحِوَالَة)
مَأْخُوذَة من التَّحَوُّل عَن الشَّيْء لِأَن الطَّالِب تحول من طلبه لغريمه إِلَى غَرِيم غَرِيمه قَالَه عِيَاض، وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (مطل الْغَنِيّ ظلم، وَمن أتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ) . عِيَاض: الصَّوَاب تسكين التَّاء يَعْنِي فِي اللفظتين قَالَ: وَبَعض الْمُحدثين والرواة يشددها. يُقَال: تبِعت فلَانا بحقي وَأَنا أتبعه سَاكِنة التَّاء، وَلَا يُقَال أتبعه بِفَتْحِهَا وتشديدها إِلَّا من الْمَشْي خَلفه. قَالَ: وَالْأَمر فِيهَا للنَّدْب عِنْد أَكثر شُيُوخنَا، وَحملهَا بَعضهم على الْإِبَاحَة لما أشبهت بيع الدّين بِالدّينِ. قَالَ: وَهِي عِنْد أَكثر شُيُوخنَا مُسْتَثْنَاة من الدّين بِالدّينِ وَبيع الْعين(2/91)
بِالْعينِ غير يَد بيد كَمَا خصت الشّركَة وَالتَّوْلِيَة وَالْإِقَالَة فِي بيع الطَّعَام قبل قَبضه، وكما خصت الْعرية من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة لما كَانَ سَبِيل هَذِه التخصيصات الْمَعْرُوف، وَذهب الْبَاجِيّ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَ حكمهَا حكم البيع وَلَا هِيَ من هَذَا الْبَاب، بل هِيَ عِنْدهم من بَاب النَّقْد لبراءة الْمُحِيل بِنَفس الإحالة اه. وَعرفهَا ابْن عَرَفَة بقوله: طرح الدّين عَن ذمَّة بِمثلِهِ فِي أُخْرَى. قَالَ: وَلَا ترد الْمُقَاصَّة إِذْ لَيست طرحاً بِمثلِهِ فِي أُخْرَى لِامْتِنَاع تعلق الدّين بِذِمَّة من هُوَ لَهُ اه. والطرح فعل الْفَاعِل أَي طرح الْمحَال للدّين عَن ذمَّة الْمُحِيل الخ. وَاعْترض بِأَنَّهُ غير جَامع لخُرُوج من تصدق على رجل بِشَيْء ثمَّ أَحَالهُ بِهِ على من لَهُ عَلَيْهِ مثله ولخروج الْحِوَالَة بالمنافع، وَلذَا عرفهَا فِي التَّلْقِين بِأَنَّهَا تَحْويل الْحق من ذمَّة إِلَى ذمَّة تَبرأ بهَا الأولى قَالَ فِي ضيح: لفظ حق أفضل من لفظ الدّين الَّذِي عبر بِهِ ابْن الْحَاجِب، لِأَن الْمُتَبَادر من الدّين مَا قَابل الْمَنَافِع بِخِلَاف لفظ الْحق فَإِنَّهُ يَشْمَل الْمَنَافِع وَغَيرهَا اه. وَلَعَلَّ ابْن عَرَفَة أطلق الدّين على دين الْمَنَافِع وَغَيرهَا فَلَا يرد عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض الثَّانِي. وامْنَعْ حَوَالَةً بِشَيْءٍ لم يَحِلْ وبالَّذِي حَلَّ بالإطلاَقِ أَجلْ (وامنع حِوَالَة بِشَيْء) عين أَو عرض أَو غَيرهمَا (لم يحل) أَجله لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من بيع ذمَّة بِذِمَّة فيدخله مَا نهي عَنهُ من بيع الدّين بِالدّينِ، وَمن بيع الْعين بِالْعينِ غير يَد بيد قَالَه ابْن رشد. قَالَ: إِلَّا أَن يكون الدّين الَّذِي انْتقل إِلَيْهِ حَالا ويقبضه قبل أَن يعترفا مثل الصّرْف فَيجوز ذَلِك أَي: لِأَنَّهَا إِذا خرجت عَن مَحل الرُّخْصَة فتجري على حكم أَصْلهَا الَّذِي هُوَ البيع كَمَا يَأْتِي (وَبِالَّذِي حل بِالْإِطْلَاقِ) يتعلقان بقوله: (أحل) أَي أَجْزَأَ لحوالة بِمَا حل مُطلقًا كَانَ الدّين الْمحَال عَلَيْهِ حَالا أَيْضا أم لَا لِأَنَّهُ إِن حل فَظَاهر وَإِن لم يحل فَزِيَادَة مَعْرُوف لِأَنَّهُ قبل الْحِوَالَة وَالتَّأْخِير. والرِّضا والعِلْمِ مِنْ مُحَالِ عَلَيْهِ فِي المَشْهُورِ لاَ تُبَالِ(2/92)
للاتفاق على أَن لصَاحب الْحق أَن يُوكل من شَاءَ على قبض دينه، وَحكى ابْن شعْبَان قولا بِاشْتِرَاط رِضَاهُ وَمحل عدم اشْتِرَاط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ على الْمَشْهُور إِذا لم تكن هُنَاكَ عَدَاوَة بَين الْمحَال والمحال عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا بُد من رِضَاهُ وإلاَّ لم تصح كَمَا فِي الشَّامِل وَغَيره، وَمَفْهُوم النّظم أَن الْمُحِيل والمحال لَا بُد من رضاهما وَبِه صرح (خَ) حَيْثُ قَالَ: شَرط الْحِوَالَة رضَا الْمُحِيل والمحال فَقَط الخ. وَظَاهر النّظم و (خَ) أَنه لَا يشْتَرط حُضُور الْمحَال عَلَيْهِ وَلَا إِقْرَاره بِالدّينِ وَهُوَ الَّذِي شهره ابْن سَلمُون، وَقيل: لَا بُد من حُضُوره وَإِقْرَاره وَصدر بِهِ فِي الشَّامِل وَعَزاهُ لِابْنِ الْقَاسِم فَقَالَ: وَفِي اشْتِرَاط حُضُوره وَإِقْرَاره كانتفاء عَدَاوَة بَينهمَا. قَولَانِ لِابْنِ الْقَاسِم وَعبد الْملك اه. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: وَلَعَلَّ الْخلاف مَبْنِيّ على الْخلاف هَل الْحِوَالَة تستثنى من بيع الدّين بِالدّينِ أَو هِيَ أصل مُسْتَقل بِنَفسِهِ؟ فعلى الأول يسْلك بهَا مَسْلَك الْبيُوع إِلَّا الَّذِي وَردت الرُّخْصَة فِيهِ، وعَلى الثَّانِي لَا يشْتَرط الْحُضُور وَيبقى حَدِيث الْحِوَالَة على عُمُومه إِذْ لَا معَارض لَهُ من مُخَالفَة أصل بيع الدّين بِالدّينِ اه. وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم اقْتصر فِي الِاسْتِغْنَاء قَائِلا: لَا تجوز الْحِوَالَة على الْغَائِب وَإِن وَقع ذَلِك فسخ حَتَّى يحضر إِذْ قد يكون للْغَائِب من ذَلِك بَرَاءَة اه. وَنَحْوه فِي الْإِرْشَاد وَالْكَافِي والمتيطي وَابْن فتوح وَقَبله ابْن عَرَفَة وَجزم بِهِ أَبُو الْحسن فِي شرح الْمُدَوَّنَة، والمشذالي فِي حَاشِيَته عَلَيْهَا كَمَا فِي (ح) وَهَذَا يُفِيد أَن قَول ابْن الْقَاسِم بِاشْتِرَاط الْحُضُور وَالْإِقْرَار هُوَ الْمُعْتَمد، وَصرح ابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا وَشَرحه لخليل بِأَن تشهير ابْن سَلمُون خلاف الرَّاجِح، وَتَبعهُ على ذَلِك الشَّيْخ بناني وَغَيره، ورد ذَلِك الشَّيْخ الرهوني فِي حَاشِيَته قَائِلا، بعد نَقله مَا لِابْنِ رحال وَغَيره مَا نَصه: وَفِي ذَلِك كُله نظر، وَالظَّاهِر مَا قَالَه ابْن سَلمُون نقلا وَمعنى، أما معنى فلأنهم عللوا اشْتِرَاط حُضُوره بِأَنَّهُ قد يكون للْغَائِب بَرَاءَة من ذَلِك، وَهَذَا التَّعْلِيل يَقْتَضِي أَن عِلّة الْمَنْع إِذا لم يحضر ويقل الْغرَر، وَقد علمت أَن الْحِوَالَة من نَاحيَة الْمَعْرُوف وَالْمَعْرُوف لَا يُؤثر فِيهِ الْغرَر، وَكَونهَا من الْمَعْرُوف مُصَرح بِهِ فِي كَلَام غير وَاحِد ويسلمه هَؤُلَاءِ المعترضون، ثمَّ نقل عَن التّونسِيّ والمازري وَغَيرهمَا مَا يشْهد لاعتراضه على زَعمه وَأطَال فِي ذَلِك. قلت: مَا ذكره كُله للنَّظَر فِيهِ مجَال أما أَولا فَلِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مَعْرُوفا فَإِنَّمَا يغْتَفر فِيهَا على قَول ابْن الْقَاسِم مَا اغتفره الشَّارِع صلوَات الله عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عِنْده بيع فَمَا وَردت الرُّخْصَة بِهِ فِيهَا كَعَدم المناجزة فِي الْعين اغتفر، وَمَا لم ترد بِهِ فَهِيَ على أصل البيع فِيهِ، وَعدم اشْتِرَاط المناجزة مُصَرح بِهِ فِي الحَدِيث الْكَرِيم حَيْثُ قَالَ: (وَمن اتبع مِنْكُم) الخ. إِذْ الِاتِّبَاع لَا مناجزة فِيهِ، وَكَذَا يفهم مِنْهُ أَنه لَا يشْتَرط الْكَشْف عَن ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ إِذْ الْمُطلق على إِطْلَاقه فَلَا يُقيد إِلَّا بِنَصّ صَرِيح، وَإِنَّمَا خص المليء بِالذكر لِأَن الْغَالِب فِي النَّاس الملاء كَمَا أَن الْغَالِب فيهم جحد الدُّيُون من أَصْلهَا وَإِرَادَة الطعْن فِي رسومها أَو إِثْبَات الْبَرَاءَة مِنْهَا، وَإِن لم يكن هَذَا غَالِبا فَلَا أقل أَن يستويا كَمَا هُوَ مشَاهد، وَلذَا أَمر الله تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ فَقَالَ: وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} (الْبَقَرَة: 282) وأياً مَا كَانَ فَهُوَ غرر كثير وَلَيْسَت هِيَ متمحضة للمعروف كَالْهِبَةِ حَتَّى يغْتَفر فِيهَا الْجَهْل بِحُصُول الْعِوَض، بل هِيَ مُعَاوضَة حَقِيقَة روعي فِيهَا جَانب الْمَعْرُوف بِعَدَمِ اعْتِبَار بعض شُرُوط البيع فِيهَا، وَلَو كَانَ كل مَا روعي فِيهِ جَانب الْمَعْرُوف يغْتَفر فِيهِ الْجَهْل بِحُصُول الْعِوَض لم يشترطوا فِي الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا أَي بكيلها، إِذْ لَا حَاجَة لَهُ حِينَئِذٍ وَلأَجل هَذَا قَالَ ابْن رشد: إِذا خرجت(2/93)
الْحِوَالَة عَن مَحل الرُّخْصَة أَي بِعَدَمِ الْحُلُول يَعْنِي أَو بِعَدَمِ الْحُضُور وَالْإِقْرَار على قَول ابْن الْقَاسِم فأجروها على قَوَاعِد البيع فَإِن أدَّت لممنوع وَإِلَّا فأجز اه. وَأما ثَانِيًا فَإِن مَا ذكره من أَنَّهَا مَعْرُوف فَإِنَّمَا ذَلِك على إِحْدَى الطريقتين كَمَا نَقله هُوَ بِنَفسِهِ عَن الْمَازرِيّ قَائِلا: وَالْحوالَة لَيست بِبيع على إِحْدَى الطريقتين عندنَا بل طريقتها الْمَعْرُوف اه. وَنَحْوه تقدم عَن ابْن عبد السَّلَام فِي سر الْخلاف بَين ابْن الْقَاسِم والغير، وغالب النقول الَّتِي احْتج بهَا على جَوَاز الْغرَر بِعَدَمِ الْإِقْرَار كلهَا فِي عدم اشْتِرَاط الْكَشْف عَن ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ، وَلَا يلْزم من تشهيرهم عدم الْكَشْف عَن ذمَّته عدم اشْتِرَاط حُضُوره وَإِقْرَاره، إِذْ قد يحضر ويقر وَلَا يدْرِي هَل مَلِيء أَو مُعسر، وَإِنَّمَا اغتفروا الْكَشْف عَنهُ على الْمَشْهُور لِأَن غَالب النَّاس الملاء وَالْحكم للْغَالِب وَكَونه عديماً نَادِر، وَالْغرر النَّادِر مغتفر فِي الْبياعَات إِذْ لَو اعْتبر الْغرَر النَّادِر فِيهَا مَا جَازَ بيع بِحَال إِذْ مَا من مَبِيع إِلَّا وَيجوز اسْتِحْقَاقه أَو ظُهُور عيب بِهِ فَلَا يدْرِي هَل يتم فِيهِ البيع أم لَا؟ وَلكَون غَالب النَّاس الملاء علق فِي الحَدِيث الْكَرِيم الِاتِّبَاع على الملىء كَمَا مر وَالله أعلم. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحالَ إلاّ فِيمَا يُجَانِسُ لِدَيْنٍ حَلاَّ (وَلَا يجوز أَن يُحَال إِلَّا فِيمَا يجانس لدين حلا) (خَ) عاطفاً على شُرُوطهَا وتساوي الدينَيْنِ قدرا وَصفَة أَي: لَا تجوز الْحِوَالَة إِلَّا إِذا كَانَ الدّين الْمحَال بِهِ مجانساً أَي مماثلاً للدّين الْمحَال عَلَيْهِ فِي الْجِنْس وَالْقدر وَالصّفة كذهب وَذهب أَو فضَّة وَفِضة أَو عرض على مثله قدرا وَصفَة فَلَا يُحَال بِعَين على عرض أَو على مَنَافِع عين لما فِيهِ من فسخ الدّين وَلَا بِذَهَب على فضَّة وَلَا بِدِينَار على دينارين لما فِيهِ من رَبًّا الْفضل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحيله على أَحدهمَا فَقَط وَيبقى الآخر لصَاحبه أَو يقبض الْعِوَض الْمحَال عَلَيْهِ مَكَانَهُ، وَأما الْمَنَافِع فَلَا يجوز لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر وَلَا بالأدنى صفة على الْأَعْلَى كإحالته بيزيدية على محمدية، وَفِي الْعَكْس وَهُوَ أَن يحيله بالمحمدية على اليزيدية أَو بِالْأَكْثَرِ قدرا على الْأَقَل مِنْهُ كإحالته بدينارين على دِينَار تردد (خَ) وَفِي تحوله على الْأَدْنَى أَو الْأَقَل تردد أَي بِالْجَوَازِ. اللَّخْمِيّ والمازري: لِأَنَّهُ زِيَادَة مَعْرُوف وَالْمَنْع لِابْنِ رشد وعياض وَهُوَ ظَاهر الْعُتْبِيَّة والموازية لِأَنَّهُ يُؤَدِّي للتفاضل بَين الْعَينَيْنِ، وَظَاهر النّظم أَنه درج على مَا لِابْنِ رشد لاقتصاره على التجانس أَي فِي الْقدر وَالصّفة، فيفهم مِنْهُ أَنه الرَّاجِح عِنْده قَالَه ابْن رشد. الثَّانِي من شُرُوط الْحِوَالَة: أَن يكون الدّين الَّذِي يحيله بِهِ مثل الَّذِي يحيله عَلَيْهِ فِي الْقدر وَالصّفة لَا أقل وَلَا أَكثر وَلَا أدنى وَلَا أفضل؛ لِأَنَّهُ إِن كَانَ أقل أَو أَكثر أَو مُخَالفا لَهُ فِي الصّفة لم تكن حِوَالَة وَكَانَ بيعا على وَجه المكايسة فيدخلها مَا نهى عَنهُ من الدّين بِالدّينِ اه. ثمَّ مَحل الْمَنْع فِي التَّحَوُّل على الْأَعْلَى صفة إِذا لم يقبضهُ قبل الِافْتِرَاق وإلاَّ جَازَ إِن حلا مَعًا إِذْ ذَاك حِينَئِذٍ مُبَادلَة وَشرط جَوَازهَا الْحُلُول وَالْقَبْض، وَكَذَا مَحل الْمَنْع فِي الْمُخْتَلِفين جِنْسا إِذا لم يحلا ويقبضا فِي الْحِين كَمَا قَالَ:(2/94)
وَلَا تُحِلْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي ثانِيهِمَا إلاَّ إِن القَبْضُ اقْتُفِي (وَلَا تحل بِأحد النَّقْدَيْنِ) الْحَالين (فِي) أَي على (ثَانِيهمَا إِلَّا أَن الْقَبْض اقتفي) أَي اتبع بِحَضْرَة الثَّلَاثَة فِي مجْلِس لم يطلّ، وَقَوْلِي الْحَالين احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يحل الْمحَال عَلَيْهِ، فَلَا يجوز إِذْ صرف مَا فِي الذِّمَّة شَرطه الْحُلُول، وَأما حُلُول الْمحَال بِهِ فَهُوَ الْمَوْضُوع. وَفِي الطّعامِ مَا إحَالَةٌ تَفِي إلاّ إذَا كَانَا مَعاً مِنْ سَلَفِ (وَفِي الطَّعَام مَا) نَافِيَة (إِحَالَة) مُبْتَدأ خَبره (تفي) أَي تَجِيء وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ أَي لَا تَجِيء الْحِوَالَة فِي الطَّعَام وَلَا تجوز فِيهِ أنْفق الطعامان أم لَا. اسْتَوَت رُؤُوس أموالهما أم لَا. حلا أَو احدهما أَو لَا. خلافًا لأَشْهَب فِي إِجَازَته إِيَّاهَا إِذا اتّفق الطعامان ورؤوس أموالهما على أَنَّهَا من معنى الْإِقَالَة أَو التَّوْلِيَة إِذْ أَخذ الْمثل عَن مثله إِقَالَة أَو تَوْلِيَة (إِلَّا إِذا كَانَا) أَي الطعامان (مَعًا من سلف) فَتجوز حِينَئِذٍ، وَإِن لم يحل الدّين الْمحَال عَلَيْهِ لِأَن طَعَام الْقَرْض يجوز بَيْعه قبل قَبضه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا مَعًا من بيع فَإِنَّهَا لَا تجوز، وَلَو حلا وَلَو قَبضه الْمحَال بِحَضْرَة الْمُحِيل والمحال عَلَيْهِ لما فِيهِ من بيع الطَّعَام قبل قَبضه إِذْ طَعَام البيع لَا يقبضهُ إِلَّا ربه، فَإِذا قَبضه الْمحَال كَانَ بيعا لَهُ قبل قَبضه قَالَ ابْن الْمَوَّاز. وَفِي اجْتِمَاعِ سَلَفٍ وَقَرْضِ يُشْتَرَطُ الحُلُولُ فِي ذَا الْقَبْضِ (وَفِي اجْتِمَاع) طَعَام (سلف و) طَعَام (قرض يشْتَرط) فِي جَوَاز الْحِوَالَة بِأَحَدِهِمَا على الآخر (الْحُلُول) أَي فِي الْمحَال بِهِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوع و (فِي) الطَّعَام (ذَا الْقَبْض) أَي الْمَقْبُوض حسا وَهُوَ الدّين الْمحَال عَلَيْهِ كَانَ هُوَ السّلم أَو الْقَرْض، فَلَا بُد من حلولهما مَعًا وإلاَّ لم تجز على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك وَجَمِيع أَصْحَابه إِلَّا ابْن الْقَاسِم: تجوز وَإِن لم يحل الْمحَال عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة مَا إِذا كَانَا مَعًا من سلف. ابْن يُونُس: وَقَوْلهمْ أصوب وَوَجهه أَن الْعلَّة الَّتِي هِيَ البيع قبل الْقَبْض ضعفت عِنْدهم لما كَانَ أَحدهمَا من بيع وَالْآخر من سلم قَالَه أَبُو الْحسن، وَأَيْضًا فَإِن الْعلَّة جَارِيَة وَلَو مَعَ حلولهما مَعًا كَمَا قَالَه (ت) وعَلى قَوْلهم عول (خَ) حَيْثُ قَالَ فِي تعداد شُرُوطهَا: وَأَن لَا يَكُونَا(2/95)
طعامين من بيع الخ. أَي بل كَانَا من سلف أَو أَحدهمَا، فَعلم من هَذَا أَن مَذْهَب ابْن الْقَاسِم الَّذِي درج عَلَيْهِ النَّاظِم ضَعِيف، فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط فِي كَلَام النَّاظِم: حُلُول الْمحَال بِهِ، ورضا الْمُحِيل والمحال، وتساوي الدينَيْنِ وَأَن لَا يَكُونَا طعامين من بيع وَبَقِي عَلَيْهِ شَرط خَامِس وَهُوَ الصِّيغَة. قَالَ فِي الشَّامِل: وَشَرطهَا صِيغَة بلفظها أَي الْخَاص بهَا كأحلتك بحقك على فلَان أَو أَنْت محَال بِهِ عَلَيْهِ، وَمثله فِي (خَ) ابْن نَاجِي: وَاشْتِرَاط الصِّيغَة هُوَ ظَاهر الْكتاب قَالَ: وَعَلِيهِ لَو قَالَ خُذ حَقك من هَذَا أَو يَأْمُرهُ بِالدفع لَيْسَ بحوالة لِأَنَّهُ يَقُول لَيْسَ هَذَا احتيال بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا أردْت أَن أكفيك التقاضي، وَإِنَّمَا الْحِوَالَة أَن تَقول: أحيلك بِالْحَقِّ على هَذَا وَهُوَ نَص سَماع يحيى عَن ابْن الْقَاسِم اه. وعَلى اشْتِرَاط الصِّيغَة اقْتصر ابْن يُونُس وَاللَّخْمِيّ وَأَبُو الْحسن والفشتالي وَفِي وثائقه وَأَبُو مُحَمَّد صَالح فِي شرح الرسَالَة وَابْن الْفَاكِهَانِيّ، وَوَقع لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان أَنَّهَا تكون بلفظها أَو مَا يقوم مقَامه كخذ من هَذَا حَقك وَأَنا بَرِيء من دينك واستظهره (ح) وَهُوَ ظَاهر قَول ابْن عَرَفَة: الصِّيغَة مَا دلّ على ترك الْمحَال دينه من ذمَّة الْمُحِيل بِمثلِهِ فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ اه. وَشرط سادس وَهُوَ وجود دين للْمُحِيل فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ، وَكَذَا للمحال على الْمُحِيل فَإِن لم يكن دين للمحال على الْمُحِيل فَهِيَ وكَالَة لَا حِوَالَة وَإِن لم يكن دين للْمُحِيل على الْمحَال عَلَيْهِ فَهِيَ حمالَة يشْتَرط فِيهَا رضَا الْمحَال عَلَيْهِ، وَلذَا قَالُوا: لَا يشْتَرط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ إِلَّا فِي صُورَتَيْنِ إِحْدَاهمَا هَذِه، وَالثَّانيَِة أَن تكون بَين الْمحَال والمحال عَلَيْهِ عَدَاوَة، وَإِذا كَانَت حمالَة فَإِذا أعدم الْمحَال عَلَيْهِ رَجَعَ الْمحَال بِدِينِهِ على الْمُحِيل، وَإِذا أدّى الْمحَال عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يرجع على الْمُحِيل بِمَا أدّى وَلَو مُقَومًا كَمَا تقدم فِي بَاب الضَّمَان، وَقَوْلِي: وجود دين أَي كَانَ ثَابتا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو تَصْدِيق الْمحَال (خَ) فِي تعداد شُرُوطهَا وَثُبُوت دين لَازم فَإِن أعلمهُ بِعَدَمِهِ وَشرط الْبَرَاءَة صَحَّ، ثمَّ فرع على توفر شُرُوط الْحِوَالَة قَوْله: ويتحول حق الْمحَال على الْمحَال عَلَيْهِ وَإِن أفلس أَو جحد إِلَّا أَن يعلم الْمُحِيل فَقَط بإفلاسه وَحلف على نَفْيه إِن ظن بِهِ الْعلم قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا أحالك غريمك على من لَهُ عَلَيْهِ دين فرضيت باتباعه بَرِئت ذمَّة غريمك وَلَا ترجع عَلَيْهِ فِي غيبَة الْمحَال عَلَيْهِ أَو عَدمه اه. قَالَ الْمُغيرَة: إِلَّا أَن يشْتَرط الْمحَال على الْمُحِيل الرُّجُوع عَلَيْهِ إِن أفلس فَلهُ شَرطه وَيرجع على الْمُحِيل، وَنَقله الْبَاجِيّ كَأَنَّهُ الْمَذْهَب ابْن رشد، وَهَذَا صَحِيح لَا أعلم فِيهِ خلافًا. ابْن عَرَفَة: وَفِيه نظر لِأَن شَرطه مُنَاقض لعقد الْحِوَالَة وأصل الْمَذْهَب فِي الشَّرْط المناقض أَنه يُفْسِدهُ اه. وَقد ذكر ابْن رحال مَا يسْقط اعْتِرَاض ابْن عَرَفَة فَانْظُرْهُ وَلَا أقل أَن يرد اعتراضه بِأَنَّهَا مَعَ الشَّرْط الْمَذْكُور حِوَالَة إِذن وَهِي تَوْكِيل فَلَا يرد حِينَئِذٍ مَا قَالَه ثمَّ مثل الْعلم بالإفلاس الْعلم باللدد فيفصل فِيهِ بَين أَن يعلم بِهِ الْمُحِيل فَقَط فَيرجع عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا. وَأما علمه بِأَنَّهُ مسيء(2/96)
الْقَضَاء فَفِيهِ قَولَانِ. أَحدهمَا أَنه كاللدد وَالْآخر أَنه لَا يضر، وَأما علمه بِأَنَّهُ يجْحَد فَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَنه علم من حَاله أَنه بعد تَمام الْحِوَالَة يجْحَد إِقْرَاره الْحَاصِل حِين الْحِوَالَة، فَهَذَا لَا يُوجب رُجُوعه على الْمُحِيل فِيمَا يظْهر قَالَه (ز) وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَنه لم يُوجد الدّين فِي ذمَّته لَا بِبَيِّنَة وَلَا بِتَصْدِيق الْمحَال فَإِنَّهُ لَا حِوَالَة حِينَئِذٍ لاختلال شَرطهَا.
(فصل فِي بيع الْخِيَار)
أَي: الشرطي وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة بيع وقف بته أَولا على إِمْضَاء يتَوَقَّع الخ. فَقَوله: أَولا مُتَعَلق بوقف وَخرج بِهِ الْخِيَار الْحكمِي أَي خِيَار النقيصة فَإِن بته لم يُوقف أَولا بل آخرا. فَيُقَال: فِيهِ بيع آيل إِلَى خِيَار فَهُوَ مُتَأَخّر عَن العقد، وَسَببه مُتَقَدم عَلَيْهِ بِخِلَاف الْخِيَار الشرطي فموجبه الَّذِي هُوَ الشَّرْط مُقَارن للْعقد. (والثنيا) أَي وَبيع الثنيا وَهِي خِيَار فِي الْحَقِيقَة إِلَّا أَنه شَرط النَّقْد فِيهِ فَالْخِيَار إِذا لم يشْتَرط فِيهِ نقد الثّمن لَيْسَ بثنيا، وَإِن اشْترط فِيهِ ذَلِك وَشرط مَعَه أَنه إِن أَتَاهُ بِالثّمن فمبيعه مَرْدُود عَلَيْهِ فَهُوَ الثنيا قَالَ فِيهَا: من ابْتَاعَ سلْعَة على أَن البَائِع مَتى رد لَهُ الثّمن فالسلعة لَهُ لَا يجوز بَيْعه لِأَنَّهُ سلف جر نفعا اه. وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي خصّه الْأَكْثَر بالثنيا وَهُوَ الْمَعْرُوف الْيَوْم بذلك وَإِن كَانَ ابْن رشد: عممه فِي جَمِيع الشُّرُوط المنافية للمقصود. بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزُ الْوُقُوعِ لأَجَلٍ يَلِيقُ بِالْمَبِيعِ (بيع الْخِيَار) الَّذِي يَشْتَرِطه أحد الْمُتَبَايعين على الآخر أَو كل مِنْهُمَا على صَاحبه أَو جرت الْعَادة باشتراطه لِأَنَّهَا كالشرط صَرَاحَة كَمَا فِي (ز) (جَائِز الْوُقُوع) حَيْثُ كَانَ الْخِيَار مَضْرُوبا (لأجل) مَعْلُوم (يَلِيق بِالْمَبِيعِ كَالشَّهْرِ فِي الأَصْلِ وَبالأَيَّامِ فِي غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَالطّعَامِ كالشهر فِي الأَصْل) من دَار وَنَحْوهَا وأدخلت الْكَاف مَا زَاد على الشَّهْر بالشَّيْء الْيَسِير كالخمسة الْأَيَّام والستة (و) يُؤَجل (بِالْأَيَّامِ) القلائل (فِي غَيره) أَي الأَصْل (كَالْعَبْدِ) فيؤجل الْخِيَار فِيهِ بِالْجمعَةِ وَنَحْوهَا، وَفِي الدَّابَّة وَالثَّوْب يُؤَجل الثَّلَاثَة الْأَيَّام وَنَحْوهَا. (وَالطَّعَام) الَّذِي لَا يفْسد وَيحْتَاج فِيهِ النَّاس للمشورة يكون أجل الْخِيَار فِيهِ بِقدر حَاجَة النَّاس مِمَّا لَا يَقع فِيهِ تَغْيِير وَلَا فَسَاد(2/97)
قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. فَقَوله: لأجل أَي مَعْلُوم كَمَا فِي الْأَمْثِلَة احْتِرَازًا من الْمَجْهُول كَكَوْنِهِ بِالْخِيَارِ إِلَى قدوم زيد أَو إِلَى أَن ينْفق سوق السّلْعَة الْفُلَانِيَّة وَلَا وَقت يعلم قدومه فِيهِ أَو نفاق سوق تِلْكَ السّلْعَة فِيهِ، فَإِن البيع فَاسد يرد مَعَ الْقيام ويمضي بِالْقيمَةِ مَعَ الْفَوات، وَمَفْهُوم قَوْله لأجل إِنَّه إِذا وَقع بِالْخِيَارِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا مَعْلُوما وَلَا مَجْهُولا يكون فَاسِدا وَلَيْسَ كَذَلِك فَفِيهَا من ابْتَاعَ شَيْئا بِالْخِيَارِ وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا جَازَ البيع وَجعل لَهُ من الأمد مَا يَنْبَغِي فِي تِلْكَ السّلْعَة اه. فَكتب عَلَيْهِ أَبُو الْحسن مَا نَصه مَعْنَاهُ: إِذا عثر عَلَيْهِ قبل مُضِيّ أمد الْخِيَار، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى مضى الْقدر الَّذِي يضْرب لتِلْك السّلْعَة فَإِن الإِمَام يوقفه فَأَما أَن يخْتَار أَو يرد اه. قلت: هَذَا ظَاهر إِذا عثر عَلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء الأمد الْمَذْكُور، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى زَاد على أمده بِكَثِير فَيظْهر فَسَاد البيع فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَإِذا علمت هَذَا وَجب أَن يعلق قَوْله لأجل بِبيع أَو بِالْخِيَارِ لَا بِمَحْذُوف شَرط فِي الْجَوَاز كَمَا هُوَ ظَاهره وقررناه عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير بيع الْخِيَار لأجل مَعْلُوم يَلِيق بِالْمَبِيعِ جَائِز الْوُقُوع، فَهُوَ حِينَئِذٍ سَاكِت عَن بيع الْخِيَار الَّذِي لم يضْرب لَهُ أجل فيستظهر عَلَيْهِ من خَارج. وهُوَ بِالاشْتِرَاطِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ النَّقْدِ (وَهُوَ) أَي الْخِيَار (بالاشتراط عِنْد العقد) كَمَا تقدم فِي حد ابْن عَرَفَة فَإِن لم يشْتَرط فَلَا خِيَار وَلَو بِالْمَجْلِسِ على مَذْهَبنَا وَمذهب أبي حنيفَة وَهُوَ قَول الْفُقَهَاء السَّبْعَة المجموعين فِي قَول الْقَائِل: أَلا كل من لَا يَقْتَدِي بأئمه فقسمته ضيرى عَن الْحق خَارجه فخذهم عبيد الله عُرْوَة قَاسم سعيد أَبُو بكر سُلَيْمَان خَارجه وَخَالف الشَّافِعِي فِي ذَلِك متمسكاً بِمَا ورد فِي الصحح من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) . وَوَافَقَهُ على ذَلِك ابْن حبيب وَعبد الحميد الصَّائِغ وَلما ذكر أَبُو الْحسن الحَدِيث الْكَرِيم قَالَ: حمل الشَّافِعِي الِافْتِرَاق فِي الحَدِيث على الِافْتِرَاق بالأبدان، وَحمله مَالك على الِافْتِرَاق بِاللَّفْظِ اه. وَلما ذكر مَالك الحَدِيث فِي موطئِهِ قَالَ: وَالْعَمَل عندنَا على خِلَافه أَي عمل أهل الْمَدِينَة على خِلَافه، وَإِلَى رد مَذْهَب الشَّافِعِي وَمن وَافقه أَشَارَ (خَ) بقوله: إِنَّمَا الْخِيَار بِشَرْط كشهر فِي دَار وَلَا تسكن وكجمعة فِي رَقِيق واستخدمه وكثلاثة فِي دَابَّة الخ. (وَلَا يجوز فِيهِ) أَي فِي بيع الْخِيَار (شَرط النَّقْد) وَظَاهره أَنه يفْسد البيع باشتراطه لِأَن الأَصْل فِيمَا لَا(2/98)
يجوز الْفساد وَهُوَ كَذَلِك، وَإِن لم يحصل النَّقْد بِالْفِعْلِ على الْمُعْتَمد لتردده مَعَ حُصُوله بِشَرْط بَين السلفية والثمينة وَلكَون الْغَالِب مَعَ شَرطه فَقَط حُصُوله فَنزل الْغَالِب، وَإِن لم ينْقد فِيهِ حَتَّى مضى زمن الْخِيَار منزلَة النَّقْد بِالْفِعْلِ قَالَه (ز) وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يَصح البيع وَلَو حذف الشَّرْط وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف مَسْأَلَة البيع بِشَرْط السّلف فَإِن البيع يَصح إِذا حذف الشَّرْط كَمَا قَالَ (خَ) : وَصَحَّ أَن حذف الخ. وَالْفرق أَن الْغرَر فِي شَرط النَّقْد أقوى إِذْ لَا يدْرِي هَل الْمَقْبُوض كُله ثمن أَو سلف بِخِلَاف البيع بِشَرْط السّلف فثمن السّلْعَة مَقْبُوض، وَالسَّلَف وَإِن أثر فِي الثّمن زِيَادَة أَو نقصا فتأثيره موهوم غير مُحَقّق إِذْ يجوز أَن يكون الثّمن المجعول للسلعة هُوَ ثمنهَا الْمُعْتَاد لرغبة المُشْتَرِي فِي السّلْعَة يدْفع ثمنهَا الْمُعْتَاد ويزيده السّلف، أَو لرغبة البَائِع فِي مُعَاملَة المُشْتَرِي لاتصافه وَنَحْو ذَلِك يَبِيعهَا بالمعتاد ويزيده السّلف فغرر البيع، وَالسَّلَف أَضْعَف من الأول كَمَا هُوَ ظَاهر، وَهَذَا مُرَاده فِي ضيح بِأَن الْفساد فِي مَسْأَلَة البيع موهوم خَارج عَن الْمَاهِيّة أَي مُوجب الْفساد موهوم لَا مُحَقّق بِخِلَاف مَسْأَلَة النَّقْد بِشَرْط، وَأما قَوْله: خَارج عَن الْمَاهِيّة فَلَعَلَّ الصَّوَاب حذفه إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه تَأْكِيد لما قبله لِأَنَّهُ إِذا لم يتَحَقَّق وجوده فِي الْمَاهِيّة فَهُوَ خَارج عَنْهَا فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَمَفْهُوم شَرط أَنه إِذا تطوع لَهُ بِالنَّقْدِ لم يمْنَع وَهُوَ كَذَلِك، وَفهم مِنْهُ أَنه يجوز النَّقْد بعد العقد تَطَوّعا وَهُوَ كَذَلِك، وَفهم من تحديده أجل الْخِيَار بِمَا مر من الشَّهْر وَالْأَيَّام أَنه إِذا زَاد أجل الْخِيَار على ذَلِك وعَلى مَا قرب مِنْهُ يكون البيع فَاسِدا وَهُوَ كَذَلِك (خَ) وَفَسَد بِشَرْط مُشَاورَة بعيد عَن أمد الْخِيَار، أَو مُدَّة زَائِدَة أَو مَجْهُولَة أَو غيبَة أَحدهمَا على مَا لَا يعرف بِعَيْنِه أَو لبس ثوب ورد أجرته وَيلْزم بانقضائه ورد فِي كالغد وبشرط نقد الخ. ثمَّ إِذا فسد بِوَاحِد من هَذِه الْأُمُور فضمانه من بَائِعه إِن هلك وَلَو بيد المُشْتَرِي على الرَّاجِح، وَقيل: من المُشْتَرِي إِن قَبضه انْظُر (ح) وَلَا بُد، وَقَول (خَ) : وَيلْزم بانقضائه الخ أَي بِانْقِضَاء أمده الْمُشْتَرط وانقضاء مَا ألحق بِهِ من الْيَوْم واليومين. وَقَوله: وَورد فِي كالغد إِنَّمَا هُوَ فِي الزَّمن الملحق فَلَا تدافع فِي كَلَامه. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن كَانَ أَي الرَّد بعد غرُوب الشَّمْس من آخر أَيَّام الْخِيَار أَو كالغد أَو قرب ذَلِك فَذَلِك لَهُ. قَالَ أَبُو الْحسن: يَعْنِي بِالْقربِ الْيَوْم واليومين والبعد ثَلَاثَة أَيَّام اه. وَتقدم أَن الْخَمْسَة أَيَّام مُلْحقَة بالشهر يَعْنِي فِي الدَّار يجوز أَن يشْتَرط فِي أجل خِيَارهَا شهر أَو خَمْسَة أَيَّام مثلا، وَالْكَلَام هُنَا فِيمَا قرب من زمن الِانْقِضَاء يَعْنِي أَنه إِذا رد بعد انْقِضَاء الْأَجَل الْمُشْتَرط بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَلهُ ذَلِك فَلَا مُعَارضَة وَالله أعلم. وَقد قَالَ أَبُو الْحسن عِنْد قَوْلهَا فِي الضَّمَان إِن قَالَ للطَّالِب فَإِن لم أوافك غَدا فَالَّذِي تدعيه حق، فَهَذِهِ مخاطرة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ مَا نَصه. وَانْظُر مَا قَالَه فِي بيع الْخِيَار إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُبْتَاع فَشرط عَلَيْهِ البَائِع أَنه إِن لم يَأْتِ بِالثَّوْبِ فِي آخر أَيَّام الْخِيَار لزمَه البيع لم يجز هَذَا البيع. أَرَأَيْت إِن مرض أَو حَبسه سُلْطَان اه. والْبَيْعُ بِالثُّنْيَا لِفَسْخِ دَاعِ والخَرْجُ بِالضَّمَانِ لُلْمُبْتَاعِ (وَالْبيع بالثنيا) أَي بشرطها بِأَن يَقُول لَهُ فِي صلب العقد: أبيعك هَذِه السّلْعَة على شَرط أَنِّي إِن أَتَيْتُك بِثمنِهَا وَقت كَذَا أَو مهما أَتَيْتُك بِثمنِهَا فَهِيَ مَرْدُودَة عَليّ (لفسخ دَاع) لفساده وَاخْتلف(2/99)
فِي علته فعلله فِي بُيُوع الْآجَال مِنْهَا بِالْبيعِ وَالسَّلَف. أَبُو الْحسن: مَعْنَاهُ تَارَة يكون بيعا وَتارَة يكون سلفا أَي لِأَنَّهُ خِيَار بِشَرْط النَّقْد وَجعلا مدَّته أَكثر من مُدَّة الْخِيَار إِن حداه بِأَجل أَو لمُدَّة مَجْهُولَة إِن لم يحداه، وَعلله سَحْنُون وَابْن الْمَاجشون وَغَيرهمَا بِأَنَّهُ سلف جر نفعا، وَبِه عللت الْمُدَوَّنَة أَيْضا فِي نَصهَا الأول عِنْد قَوْله: والثنيا الخ. وعَلى الأول فَهُوَ بيع فَاسد يفْسخ وَلَو أسقط الشَّرْط على الْمَذْهَب كَمَا مر مَا لم يفت فيمضي بِالْقيمَةِ وفوات الْأُصُول بالهدم وَالْبناء وَالْغَرْس لَا بحوالة الْأَسْوَاق، وَهل يفوت بطول الزَّمَان كالعشرين سنة؟ قَولَانِ. أرجحهما على مَا قَالَه (ت) فِي تحفة الإخوان فَوَاته بذلك، وَقَالَ فِي الْمُهَذّب الرَّائِق: وَلَا يفيت الْأُصُول حِوَالَة الْأَسْوَاق وَلَا طول الزَّمَان وَبِه الْقَضَاء. قَالَ ابْن أبي زمنين: إِلَّا مَا كَانَ مثل عشْرين عَاما وَنَحْوهَا اه. وعَلى الثَّانِي فَهُوَ رهن يفْسخ أبدا وَلَا يفوت بِشَيْء بهدم وَلَا غَيره وَيرد المُشْتَرِي فِيهِ الْغلَّة وَلَو طَال الزَّمَان، والناظم درج على الأول لِأَنَّهُ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ فِي وقته وَلذَا قَالَ: (والخرج) بِسُكُون الرَّاء لُغَة فِي الْخراج اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى: أم تَسْأَلهُمْ خرجا فخراج رَبك خير} (الْمُؤْمِنُونَ: 72) (بِالضَّمَانِ للْمُبْتَاع) ظَاهره كَانَ لأجل أم لَا. أَي الْغلَّة فِيهِ للْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بيع فَاسد ينْتَقل ضَمَانه بِالْقَبْضِ، وَمن عَلَيْهِ الضَّمَان فَلهُ الْغلَّة إِلَّا ثَمَرَة مأبورة يَوْم الشِّرَاء فَإِنَّهَا لَيست بغلة لِأَن لَهَا حِصَّة من الثّمن فَيجب ردهَا مَعَه إِن كَانَت قَائِمَة ورد مكيلتها إِن علمت أَو قيمتهَا إِن جهلت أَو جذت رطبا. وَلَا كِرَاءَ فِيهِ هَبْهُ لأَجَلْ أوْ لاَ وَذَا الَّذِي بِهِ جَرَى العَمَلْ (وَلَا كِرَاء) وَلَا غلَّة (فِيهِ) أَي فِي بيع الثنيا ويفوز المُشْتَرِي بالثمرة بالزهو وَهُوَ ظُهُور الْحَلَاوَة وَإِن ظهر فِي نَخْلَة وَاحِدَة من نخيل كثير على الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب فِي فوز المُشْتَرِي بالغلة فِي البيع الْفَاسِد بذلك، وَأما إِن طابت فَهُوَ أَحْرَى (هبه) أَي بيعهَا (لأجل أَو لَا وَذَا) أَي كَونه لَا كِرَاء وَلَا غلَّة فِيهِ للْبَائِع على المُشْتَرِي مُطلقًا هُوَ الْمَشْهُور (الَّذِي بِهِ جرى الْعَمَل) عِنْد الْقُضَاة كَمَا(2/100)
فِي مُخْتَصر الْمُتَيْطِيَّة، وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَمُقَابِله أَنه رهن لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة فالغلة للْبَائِع لَا للْمُبْتَاع قَالَه الشَّيْخ أَحْمد زَرُّوق وَهُوَ الْمَشْهُور. قَالَ عبد الْبَاقِي: وَهُوَ ظَاهر من جِهَة الْمَعْنى وَهُوَ توافقه مَعَ المُشْتَرِي على أَن يرد لَهُ الْمَبِيع، وَعلل أَيْضا بِأَنَّهَا ثمن السّلف وَهُوَ حرَام محرم، وَفِي وثائق ابْن مغيث عَن الْقَابِسِيّ أَن حكمه قبل انْقِضَاء أجل الثنيا حكم البيع الصَّحِيح فالغلة فِيهِ للْبَائِع لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرَّهْن وَهُوَ بعد انْقِضَاء الْأَجَل بِمَنْزِلَة الْبيُوع الْفَاسِدَة اه. أَي: فالغلة فِيهِ للْمُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت زِيَادَة على مَا أَفَادَهُ الشّطْر الَّذِي قبله إِلَّا مَا أَفَادَهُ من الْخلاف والتعميم فِي نفي الْغلَّة نصا وجريان الْعَمَل. تَنْبِيهَات. الأول: يجب أَن يُقيد الْخلاف الْمَذْكُور بِمَا إِذا لم يجر الْعرف بالرهنية كَمَا عندنَا الْيَوْم، وَلذَا يَقع البيع بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير ويسمونه بيعا وإقالة فيبيع الرجل بالإقالة مَا يُسَاوِي الْألف بِخَمْسِمِائَة أَو مَا يُسَاوِي الْمِائَة بستين أَو بِثَلَاثِينَ وَنَحْو ذَلِك. فَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا رهن حَيْثُ اشْترطت الْإِقَالَة فِي العقد إِذْ لم يسمح البَائِع بسلعته إِلَّا على ذَلِك وتجد البَائِع إِذا سُئِلَ عَن سلْعَته أَو أرضه يَقُول: إِنَّهَا مَرْهُونَة وَيطْلب زِيَادَة الثّمن فِيهَا ويعرضها للْبيع وَهِي بيد مشتريها، وَإِذا سُئِلَ المُشْتَرِي عَنْهَا أَيْضا قَالَ: إِنَّهَا مَرْهُونَة عِنْدِي أَو عِنْدِي فِيهَا بيع وإقالة وَأَن البَائِع لم يكمل البيع فِيهَا وَنَحْو ذَلِك فَالْبيع وَالْإِقَالَة عِنْدهم مرادف للرَّهْن يعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، فَعرف النَّاس الْيَوْم ومقصودهم فِي هَذَا البيع إِنَّمَا هُوَ الرهنية كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَإِذا كَانَ الْعرف فِيهَا الرهنية فيتفق على رد الْغلَّة وَعدم الْفَوات لِأَن الْأَحْكَام تَدور مَعَ الْأَعْرَاف ومقاصد النَّاس وَمن أدل دَلِيل على الرهنية كَونه بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير إِلَى غير ذَلِك وَقد قَالُوا كَمَا للقرافي وَغَيره: إِن حمل النَّاس على أعرافهم ومقاصدهم وَاجِب وَالْحكم عَلَيْهِم بِخِلَاف ذَلِك من الزيغ والجور، وَلِهَذَا لما سُئِلَ الإِمَام قَاضِي الْقُضَاة سَيِّدي عِيسَى السجسْتانِي حَسْبَمَا فِي نوازله عَن بيع الثنيا فِي هَذَا الزَّمَان هَل تفوت بأنواع التفويت لِأَنَّهَا بيع فَاسد، وَكَيف إِذا جهل قصد المفوت؟ فَقَالَ: الَّذِي أُفْتِي بِهِ فِي بياعات نواحي سوس وجبال درن أَنَّهَا رهون لأَنهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا على ملك بَائِعهَا وَيطْلبُونَ فِيهَا زِيَادَة الْأَثْمَان وَالْمَبِيع بيد مُشْتَرِيه، وَإِذا كَانَ هَكَذَا فَلَا يفوت بِشَيْء بل هِيَ على ملك الأول إِلَّا أَن يرضى بإمضاء البيع فِيهَا وَالسَّلَام اه. بِلَفْظِهِ. وَلَا يخفى أَنَّهَا فِي نواحي فاس وجبالها كَذَلِك وَلَا يشك منصف فِيهِ وَالله أعلم. وَفِي نَوَازِل الزياتي أَيْضا مَا نَص الْغَرَض مِنْهُ: سُئِلَ بعض الْفُقَهَاء عَن الْغلَّة فِي بيع الثنيا وَكَيف الحكم إِن كَانَ عرف الْبَلَد الرهنية إِلَّا أَنَّهُمَا تحيلا بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة؟ فَأجَاب: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ. قيل: الْغلَّة للْمُشْتَرِي، وَقيل: للْبَائِع. وَأما إِن كَانَ عرف الْبَلَد أَنهم يَعْتَقِدُونَ الثنيا فِي بُيُوتهم ويتحرفون بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة فَإِن الْغلَّة لَازِمَة للْمُشْتَرِي قولا وَاحِدًا مَعَ(2/101)
يَمِين الرَّاهِن أَنه كَانَ رهنا فِي نفس الْأَمر، وَبِهَذَا صدرت الْفَتْوَى من أَهلهَا اه. بِلَفْظِهِ، وَفِيه أَيْضا عَن سَيِّدي عَليّ بن هَارُون مَا نَصه: اخْتلف فِي بيع الثنيا فَقيل إِنَّه من بَاب البيع الْفَاسِد، وَقيل إِنَّه سلف جر مَنْفَعَة وَهُوَ الَّذِي يتَرَجَّح فِي هَذَا البيع لِأَن مَقْصُود النَّاس أَن يَأْكُلُوا الْغلَّة فِي مُقَابلَة السّلف الَّذِي سموهُ ثمنا ثمَّ قَالَ: فعلى قَول ابْن الْقَاسِم لَا يرد الْغلَّة وعَلى قَول غَيره يردهَا، ويترجح هَذَا القَوْل كَمَا قدرناه ليعرف النَّاس وَالله أعلم. وَكتبه عَليّ بن هَارُون اه. بِاخْتِصَار. وَهَذَا مِمَّا لَا يُمكن أَن يخْتَلف فِيهِ اثْنَان فِي هَذِه الْأَزْمَان لِأَن الْعرف كالشرط بِلَا نزاع، وَانْظُر مَا يَأْتِي قَرِيبا عِنْد قَوْله: فَالْقَوْل قَول مُدع للطوع الخ. فَإِن فِيهِ تأييداً لما قُلْنَاهُ وَالله أعلم. الثَّانِي: يفهم من قَول النَّاظِم وَغَيره: والخرج بِالضَّمَانِ الخ. أَن الْغلَّة إِنَّمَا تكون للْمُشْتَرِي على القَوْل بِأَنَّهَا بيع فَاسد إِذا قبض ذَلِك الْمَبِيع لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا ينْتَقل للْمُشْتَرِي فِي الْفَاسِد بِالْقَبْضِ كَمَا فِي (خَ) وَإِنَّمَا ينْتَقل ضَمَان الْفَاسِد بِالْقَبْضِ ورد وَلَا غلَّة تصحبه الخ. وَأما إِذا لم يقبض المُشْتَرِي ذَلِك الْمَبِيع بل تَركه بيد البَائِع بِإِجَارَة أَو اشْترى مِنْهُ الْبُسْتَان وَنَحْوه بالثنيا وَتَركه بِيَدِهِ بمساقاة وَنَحْوهَا ليَأْتِيه بغلته، فَإِنَّهُ لَا غلَّة للْمُشْتَرِي قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لم ينْتَقل ضَمَانه إِلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَ الشِّرَاء بِالثّمن الْمُعْتَاد أَو بِأَقَلّ بِكَثِير أَو قَلِيل بِدَلِيل التَّعْلِيل بل لَو قَبضه ثمَّ رده إِلَيْهِ بِعقد إِجَارَة أَو مُسَاقَاة أَو نَحْوهمَا لم تكن لَهُ غلَّة لِأَن مَا خرج من الْيَد عَاد إِلَيْهَا لَغْو كَمَا هُوَ مُقَرر فِي بُيُوع الْآجَال قَالَه (ح) . الثَّالِث: على القَوْل بِأَنَّهُ بيع فَاسد إِذا وَقع الْإِمْضَاء فِيهِ قبل فسخ العقد الْفَاسِد فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَنَّهُ تتميم للْفَسَاد. قَالَ أَبُو الْحسن: الْمَنْصُوص فِي كل مَوضِع أَن البيع الْفَاسِد لَا يَصح إِمْضَاء البيع فِيهِ إِلَّا بعد فسخ الْعقْدَة الْفَاسِدَة، وَإِذا لم يتَعَرَّض لفسخها فسخت الثَّانِيَة وَبقيت الأولى على فَسَادهَا اه. وَالشَّرْحُ لِلثُنْيَا رُجُوعُ ملْكِ مَنْ بَاعَ إلَيْهِ عِنْدَ إحْضَارِ الثَّمَنْ (وَالشَّرْح للثنيا) أَي لحقيقتها وماهيتها هُوَ (رُجُوع ملك من بَاعَ إِلَيْهِ) أَي إِلَى البَائِع (عِنْد إِحْضَار) البَائِع (الثّمن) وَدفعه للْمُشْتَرِي كَمَا تقدم فِي نَص الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر خلافًا لِابْنِ رشد(2/102)
حَيْثُ عممها فِي بياعات الشُّرُوط كَمَا مرّ. وَفِي كَلَام النَّاظِم مُخَالفَة للتَّرْتِيب الطبيعي إِذْ هُوَ يَقْتَضِي تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت على قَوْله: وَالْبيع بالثنيا لفسخ دَاع الخ. لِأَن التَّصَوُّر مقدم على الحكم طبعا فَيَنْبَغِي تَقْدِيمه وضعا كَمَا قَالَ فِي السّلم: إِدْرَاك مُفْرد تصوراً علم ودرك نِسْبَة بِتَصْدِيق وسم وَقدم الأول عِنْد الْوَضع لِأَنَّهُ مقدم بالطبع وتقديمه إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الْأَوْلَوِيَّة لَا على جِهَة الْوُجُوب، لِأَنَّهُ وَارِد فِي الْعَرَبيَّة، وَلَا يلْزم عَلَيْهِ دور وَلَا غَيره حَتَّى يمْنَع فَهُوَ كَقَوْل (خَ) : يرفع الْحَدث وَحكم الْخبث بالمطلق وَهُوَ مَا صدق عَلَيْهِ اسْم مَاء بِلَا قيد وَكَقَوْلِه فِي الدِّمَاء: واقتص من مُوضحَة أوضحت عظم الرَّأْس الخ. وَكَقَوْلِه فِي الحَدِيث: (لَهَا كلاليب مثل شوك السعدان هَل رَأَيْتُمْ شوك السعدان) : فَلَو قَالُوا لَا لأراهم إِيَّاهَا وصورها لَهُم، وَإِذا علمت هَذَا فَالْجَوَاب عَمَّا ورد من ذَلِك بِأَنَّهُ من بَاب تَقْدِيم الحكم على التَّصْوِير لَا على التَّصَوُّر، والممنوع إِنَّمَا هُوَ الثَّانِي كَمَا قَالُوهُ عِنْد قَول (خَ) : يرفع الْحَدث. الخ. كُله غير سديد، لِأَن ذَلِك إِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ للمخاطب كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من كَلَامهم فَالْحكم وَاحِد لما علمت من أَن التَّصْوِير فعل الْفَاعِل وَهُوَ أَيْضا حد للصورة وَشَرحه إِيَّاهَا، والتصور حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الذِّهْن بِسَبَب ذَلِك التَّصْوِير أَو بِغَيْرِهِ فَيلْزم من التَّصْوِير حُصُول الصُّورَة، والمقدم على الأَصْل مقدم على الْفَرْع، فَيلْزم من تَقْدِيمه على التَّصْوِير تَقْدِيمه على التَّصَوُّر، وَإِنَّمَا الْجَواب الْحق أَن يُقَال: تَقْدِيم الحكم على التَّصَوُّر بِالنِّسْبَةِ للمخاطب غير مَمْنُوع لِأَن الْمُخَاطب قد يكون تصور الشَّيْء من جِهَة أُخْرَى، وَإِذا لم يتصوره صوره لَهُ الْمُتَكَلّم بعد إِن شَاءَ أَو إِن سَأَلَهُ الْمُخَاطب عَنهُ كَمَا فعل النَّاظِم و (خَ) وَإِذا لم يسئل عَنهُ لكَونه مصوراً عِنْده لم يصوره لَهُ كَمَا فِي الحَدِيث، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب إِدْخَال الحكم فِي الْحَد حَتَّى يكون مَمْنُوعًا كَمَا قَالَ فِي السّلم: وَعِنْدهم من جملَة الْمَرْدُود أَن تدخل الْأَحْكَام فِي الْحُدُود لِأَن النَّاظِم لم يدْخل الحكم فِي الْحَد كَمَا ترى، وَإِنَّمَا قدمه عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَإِن كَانَ ذَلِك بِالنِّسْبَةِ للمتكلم فَمن أَيْن لنا بِأَن النَّاظِم وَنَحْوه لم يتصوره بل تصَوره عِنْد الحكم بِالْفَسْخِ ثمَّ صوره للْغَيْر بعد ذَلِك، وَعَلِيهِ فَلَا حَاجَة لهَذَا الْإِيرَاد بِالْكُلِّيَّةِ إِذْ لَا يحكم أحد على غَيره بِأَنَّهُ لم يتَصَوَّر كَذَا وَهُوَ لم يطلع على مَا فِي ضَمِيره حَتَّى يحْتَاج للجواب عَنهُ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلهم لِأَن الحكم على الشَّيْء فرع تصَوره هَذَا صَحِيح بِالنِّسْبَةِ للمتكلم إِذا اطَّلَعْنَا على مَا فِي ضَمِيره وَأَنه حكم قبل أَن يتَصَوَّر حَقِيقَة الشَّيْء الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ حِينَئِذٍ: كَانَ يَنْبَغِي لَك أَن لَا تحكم على شَيْء حَتَّى تتصوره، وَأما بِالنِّسْبَةِ للمخاطب فَلَا لِأَنَّهُ قد يحكم لَهُ على الشَّيْء، ثمَّ بعد ذَلِك يصور لَهُ ذَلِك الشَّيْء إِن لم يكن عرفه، وَقد لَا يصور لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لكَونه قد عرفه من جِهَة أُخْرَى أَو يسْأَل عَن حَقِيقَته شخصا آخر كَقَوْلِهِم: صحت الْإِجَارَة، وكقولهم صَحَّ وقف مَمْلُوك وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ كثير فقد حكمُوا بِالصِّحَّةِ قبل أَن يصوروا الْمَحْكُوم عَلَيْهِ للمخاطب لكَونه مَعْرُوفا عِنْده، أَو لكَونه يسْأَل عَنهُ الْغَيْر. وَجَازَ إنْ وَقَعَ بَعْدَ العَقْدِ طَوْعاً بِحْدَ وَبِغَيْرِ حَدِّ(2/103)
(وَجَاز) أَي البيع بالثنيا (إِن وَقع) بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي (بعد) انبرام (العقد) وَتَمَامه (طَوْعًا) مِنْهُمَا (بِحَدّ) كَقَوْل المُشْتَرِي للْبَائِع: إِن جئتني بِالثّمن لسنة أَو عشْرين سنة مثلا فالمبيع مَرْدُود عَلَيْك (أَو بِغَيْر حد) كَقَوْلِه: مَتى جئتني بِالثّمن فالمبيع لَك قَالَ الْفَقِيه رَاشد فِي جَوَاب لَهُ نَقله فِي المعيار: وَهَذِه الْإِقَالَة يَعْنِي التَّطَوُّع بهَا بعد العقد قد أجازوها إِلَى غير غَايَة وَإِلَى غير حد مُؤَجل، وأجازوها أَيْضا إِلَى أجل قريب أَو بعيد اه ثمَّ إِنَّه فِي الْمُطلقَة مَتى أَتَاهُ بِالثّمن لزمَه رد الْمَبِيع إِلَيْهِ، وَيجوز للْمُشْتَرِي فِيهِ التفويت بِالْبيعِ أَو غَيره، ويفوت بِهِ على البَائِع الْمقَال إِلَّا أَن يفيته بالفور مِمَّا يرى أَنه أَرَادَ قطع مَا أوجبه على نَفسه كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن عَرَفَة وَغَيره وَهُوَ قَول (خَ) لَا إِن قصد بِالْبيعِ الإفاتة. قَالَ ابْن رشد القفصي: فَإِن قَامَ عَلَيْهِ حِين أَرَادَ التفويت فعلى السُّلْطَان مَنعه من تفويته إِذا أحضرهُ البَائِع الثّمن فَإِن بَاعه بعد أَن مَنعه السُّلْطَان رد وَإِن بَاعه قبل الْقَضَاء عَلَيْهِ بذلك نفذ البيع اه. وَأما فِي الْمقيدَة فَلَا يجوز لَهُ تفويته فَإِن فَوته رد على مَا للموثقين، وَقَيده الْبَاجِيّ بِمَا إِذا لم يبعد أجلهَا كالعشرين سنة فَيكون حكمهَا حكم المبهمة فِي فَوَاتهَا على البَائِع وَعدم ردهَا، وَإِذا جَاءَهُ البَائِع بِالثّمن فِي خلال الْأَجَل أَو عِنْد انقضائه أَو بعده على الْقرب مِنْهُ بِيَوْم وَنَحْوه لَا أَكثر لزمَه قبُوله ورد الْمَبِيع على بَائِعه، وَلَا كَلَام لَهُ فِي أَنه لَا يقبض الثّمن إِلَّا بعد الْأَجَل كَمَا صرح بِهِ المتيطي والقفصي فِي وثائقهما، وَصرح بِهِ أَيْضا العبدوسي فِي جَوَاب لَهُ، وَانْظُر إِذا لم يَأْتِ بِالثّمن حَتَّى انْقَضى الْأَجَل بأيام فَلم يقبل مِنْهُ وَأَرَادَ الْقيام بِالْغبنِ هَل تعْتَبر السّنة من يَوْم البيع أَو يَوْم الِانْقِضَاء وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ الْيَوْم الَّذِي تمّ فِيهِ البيع وَالله أعلم. ثمَّ مَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَن كَلَامه فِي الثنيا وَهُوَ ظَاهر سِيَاقه وَبِه يرتبط الْكَلَام بعضه بِبَعْض، وَيحْتَمل على بعد أَنه أَشَارَ إِلَى مَسْأَلَة الْخِيَار بعد الْبَتّ الْمشَار إِلَيْهَا بقول (خَ) : وَصَحَّ بيع بت الخ. وَيكون الْمَعْنى وَجَاز الْخِيَار إِن وَقع بعد العقد بِأَجل وَبِغير أجل، لَكِن إِن وَقع بِغَيْر أجل لَا بُد أَن يضربا لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بذلك الْمَبِيع كَمَا كرّ أول الْفَصْل فَقَوله حِينَئِذٍ: وَبِغير حد أَي وَقع الْخِيَار بعد العقد وَلم يتعرضا لأجل، لَكِن يضْرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَلِيق بِالْمَبِيعِ كَمَا مر فَفِيهَا من اشْترى سلْعَة من رجل ثمَّ جعل أَحدهمَا لصَاحبه الْخِيَار بعد تَمام البيع، فَذَلِك جَائِز وَهُوَ بيع مؤتنف بِمَنْزِلَة بيع المُشْتَرِي لَهَا من غير البَائِع الخ.(2/104)
تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ ابْن عَرَفَة: لَا أعلم مُسْتَندا لأقوال الشُّيُوخ بِصِحَّة الطوع بالثنيا بعد العقد لِأَن التزامها إِن عد من جِهَة الْمُبْتَاع عقدا بتاً فَهُوَ من جِهَة البَائِع خِيَار فَيجب تَأْجِيله لقولها: من اشْترى من رجل سلْعَة إِلَى آخر مَا مرّ قَرِيبا مَعَ قَوْلهَا من ابْتَاعَ سلْعَة بِالْخِيَارِ وَلم يضربا أَََجَلًا جَازَ وَضرب لَهُ من الْأَجَل مَا يَنْبَغِي فِي مثل تِلْكَ السّلْعَة اه. وَنَقله (ح) فِي التزاماته وَقَالَ عقبه. قلت: الظَّاهِر أَنه لَيْسَ هُنَا عقد بيع، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف أوجبه على نَفسه وَالله أعلم اه. قلت: مستندهم فِي ذَلِك ظَاهر، وَهُوَ أَن المُشْتَرِي إِنَّمَا أوجب على نَفسه البيع عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن كَمَا قَالَه أَبُو الْفضل رَاشد فِي جَوَاب لَهُ طَوِيل. ومحصله أَنه لَا يَقع الْإِيجَاب فِي الْإِقَالَة بِنَفس القَوْل، وَإِنَّمَا يَقع الْإِيجَاب بعد الْمَجِيء بِالثّمن وَأَنه لَيْسَ فِي الْحَالة الراهنة إِلَّا الْتِزَام وَتَعْلِيق على وَجه الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا يُوجد البيع فِي ثَانِي حَال حَيْثُ يُوجد الْمُعَلق عَلَيْهِ. الثَّانِي: الثَّمَرَة المؤبرة الْحَادِثَة فِي الثنيا المتطوع بهَا بعد العقد كَمَا هُوَ موضوعنا للْمُشْتَرِي المقيل عملا بقول (خَ) : وَلَا الشّجر المؤبر الخ. وَأَحْرَى إِذا أزهت أَو طابت، وَقَول ابْن هِلَال فِي نوازله: وَالثَّمَرَة للْبَائِع الْمقَال مُطلقًا أبرت أم لَا. لِأَن الْمُبْتَاع ألزم نَفسه مُتَبَرعا بِأَن البَائِع مَتى أَتَاهُ بِالثّمن فالمبيع مَرْدُود عَلَيْهِ، وَقد فرقوا بَين مَا توجبه الْأَحْكَام وَمَا يُوجِبهُ الْمَرْء على نَفسه اه. تعقبه بعض بِأَنَّهُ كَلَام غير صَحِيح لِأَن الْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة وَنَحْوهَا، فَإِذا جَاءَ الْمقَال بِالثّمن فَحِينَئِذٍ يَقع البيع كَمَا مر عَن أبي الْفضل رَاشد فَتكون الثَّمَرَة الْمَأْبُورَة للمقيل الَّذِي هُوَ الْمُبْتَاع إِلَّا أَن يشترطها البَائِع الَّذِي هُوَ الْمقَال اه. الثَّالِث: إِذا مَاتَ المتطوع بالثنيا قبل الْأَخْذ بهَا بطلت كَانَت لأجل أَو لغير أجل كَمَا هُوَ ظَاهر إطلاقاتهم لِأَنَّهَا هبة لم تقبض قَالَه أَبُو الْفضل رَاشد وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحسن. قَالَ القوري حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي وَبِه الْقَضَاء وَالْفَتْوَى، وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج. لَا تبطل بِنَاء على أَنَّهَا بيع، وَأما إِذا مَاتَ البَائِع فوارثه بِمَنْزِلَتِهِ اتِّفَاقًا. الرَّابِع: إِذا وَقعت الْإِقَالَة مُطلقَة وَلم يقل إِن أتيتني بِالثّمن فَأفْتى فِيهَا بعض بِأَنَّهَا إِقَالَة لَازِمَة للْمُشْتَرِي ولورثته قَالَ: لِأَن الْقَاعِدَة المذهبية أَن الْإِقَالَة بيع إِلَّا فِي الطَّعَام وَالشُّفْعَة والمرابحة وَنَحْوهَا وعقود الْمُعَاوَضَات لَا تفْتَقر إِلَى حِيَازَة وَلَيْسَت هَذِه من نَاحيَة من أوجب على نَفسه الْإِقَالَة إِذا أَتَى بِالثّمن الَّذِي اخْتلف فِيهِ أَبُو الْفضل رَاشد وَأَبُو إِبْرَاهِيم للْفرق الظَّاهِر بَين الْمُطلقَة والمقيدة من وُجُوه لَا تخفى مِنْهَا: أَن الْإِقَالَة الْمُخْتَلف فِيهَا بَين من ذكر هبة لِأَنَّهَا تجوز لغير أجل بِإِجْمَاع وَلَو كَانَت بيعا لما جَازَت لغير أجل، وَالْإِقَالَة الْمُطلقَة بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهَا بيع يشْتَرط فِيهَا شُرُوطه، وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة إِذا تصرف فِيهَا المتطوع بِبيع أَو نَحوه قبل أَن يَأْتِيهِ بِالثّمن مضى تصرفه حَتَّى قَالَ اللَّخْمِيّ: إِن ذَلِك يجوز لَهُ ابْتِدَاء إِذا وَقعت لغير أجل وَلَو كَانَت بيعا مَحْضا جَازَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ تصرف فِي ملك الْغَيْر، وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة الْغلَّة فِيهَا للْمُشْتَرِي وَعَلِيهِ الضَّمَان مَا دَامَ البَائِع لم يَأْته بِالثّمن وَذَلِكَ دَلِيل على أَنَّهَا على ملكه بِخِلَاف الْمُطلقَة فضمانها من الْمقَال وَالْغلَّة لَهُ من يَوْم العقد،(2/105)
وَهَذَا أَمر لَا يخْتَلف فِيهِ. وَمِنْهَا: أَن الْمقيدَة لم تقع فِيهَا إِقَالَة أصلا وَإِنَّمَا وَقع فِيهَا تَعْلِيق إنْشَاء الْإِقَالَة عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن، فَإِذا مَاتَ المُشْتَرِي قبل الْإِتْيَان بِهِ فقد مَاتَ قبل وُقُوعهَا وَقبل أَن يُخَاطب بهَا فَهِيَ عِنْد مَوته على ملكه وتنتقل إِلَى ورثته ففاتت كَمَا تفوت إِذا بَاعهَا المُشْتَرِي المقيل، وَلَا كَذَلِك الْمُطلقَة فَإِنَّهَا بيع قد تمّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول اه. بِاخْتِصَار من خطّ أبي الْعَبَّاس الملوي رَحمَه الله. الْخَامِس: أَن الْمُبْتَاع إِذا بنى فِي الدَّار أَو غرس فِي الأَرْض بعد أَن طاع بذلك للْبَائِع وَقبل انْقِضَاء الْأَجَل فَقَالَ ابْن رشد: لَهُ قِيمَته منقوضاً لتعديه كَمَا إِذا بنى البَائِع فِي دَار بَاعهَا على أَن الْمُبْتَاع بِالْخِيَارِ قبل انْقِضَاء أمد الْخِيَار أَو بنى الْمُبْتَاع قبل انْقِضَاء أمد الْخِيَار وَكَانَ الْخِيَار للْبَائِع اه. قلت: هَذَا إِذا كَانَت مُؤَجّلَة بِأَجل، وَأما إِذا كَانَت غير مُؤَجّلَة فيفهم مِنْهُ أَن الْبناء وَالْغَرْس فَوت على الْمقَال فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا بِمَنْزِلَة البيع كَمَا مر. السَّادِس: الشُّفْعَة ثَابِتَة فِي هَذَا البيع الَّذِي تطوع فِيهِ بالإقالة، وَلَو حصلت الْإِقَالَة بِالْفِعْلِ مَا لم يجر الْعرف بشرطية ذَلِك فِي العقد كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وإلاَّ فَهُوَ بيع فَاسد لَا شُفْعَة فِيهِ أصلا إِلَّا بعد فَوَاته إِن قُلْنَا إِنَّهَا رهن كَمَا مر. السَّابِع: إِذا أحضر البَائِع الثّمن قبل انْقِضَاء الْأَجَل أَو عِنْده أَو أحضرهُ فِي حَيَاة المتطوع فِي الْمُطلقَة فَلم يقبله المتطوع الْمَذْكُور حَتَّى مَاتَ أَو انْقَضى الْأَجَل بأيام فَقَالَ سَيِّدي يحيى: الْمُتَقَدّم ذكره إِذا أثبت البَائِع أَو ورثته ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْفَعهُمْ وَيرد إِلَيْهِم الأَصْل بذلك وَلَا يفوت عَلَيْهِم بِمَوْتِهِ وَلَا بِانْقِضَاء الْأَجَل. الثَّامِن: اخْتلف إِذا بَاعه شَيْئا عقارا أَو غَيره وَطلب البَائِع الْإِقَالَة فَقَالَ لَهُ: أَخَاف أَن تبيعه لغيري فَقَالَ: إِن أَو إِذا بِعته لغيرك فَهُوَ لَك بِالثّمن الأول وَبِالَّذِي أبيعه بِهِ فأقاله المُشْتَرِي، فَإِذا بَاعه البَائِع لغيره، فَهُوَ لَهُ، إِن بَاعه بِالْقربِ على مَا فِي سَماع ابْن خَالِد لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن كنَانَة لَا إِن بَاعهَا بعد بُعد، والقرب أَن يَبِيعهَا فِي زمن تلْحقهُ فِيهِ التُّهْمَة، والبعد أَن يَبِيعهَا بعد زمَان تَنْقَطِع فِيهِ التُّهْمَة عَن البَائِع وَيظْهر مِنْهُ حُدُوث رَغْبَة فِي البيع كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، هَذَا إِذا عبّر بِأَن أَو إِذا كَمَا مرّ، وَأما إِذا عبر بمتى فَهُوَ لَهُ وَلَو بَاعه بعد بُعد لِأَن مَتى لَا تَقْتَضِي قرب الزَّمَان كَمَا قَالَه ابْن رشد قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الشَّرْط فِي الْإِقَالَة لِأَنَّهَا مَعْرُوف، ولمحمد بن خَالِد أَن الْإِقَالَة على هَذَا الشَّرْط لَا تجوز كَالْبيع اه. الْبُرْزُليّ أَوَائِل الْبيُوع من ديوانه عَن الْمَازرِيّ، وَالْمَشْهُور من الْمَذْهَب فَسَاد هَذِه الْإِقَالَة لما فِي ذَلِك من التحجير وَهِي بيع من الْبيُوع، فَإِذا نزلت فسخت الْإِقَالَة وَإِن طَال ذَلِك وفاتت الأَرْض وَنَحْوهَا بِالْبيعِ مضى البيع وفاتت الْإِقَالَة بِهِ لِأَنَّهُ بيع صَحِيح اه. ثمَّ مَا تقدم من الْفرق بَين إِن وَمَتى هُوَ مَا فهمه ابْن رشد وَفهم صَاحب ضيح أَنه لَا فرق بَينهمَا لِأَنَّهُ عبر بمتى وَفرق بَين الْقرب والبعد. وَفِي الالتزامات لِابْنِ رشد قَول ثَالِث وَهُوَ أَنه إِن استقاله فَقَالَ: أخْشَى أَنَّك إِنَّمَا سَأَلتنِي الْإِقَالَة أَو البيع لربح ظهر لَك لَا لرغبة فِي الْمَبِيع فَقَالَ: بل لرغبتي فِيهِ فأقاله أَو بَاعه على أَنه أَحَق بِهِ إِن بَاعه فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالْقربِ وَإِن لم يقل لَهُ شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا أقاله أَو بَاعه على أَنه إِن بَاعه فَهُوَ أَحَق بِهِ بِالثّمن لم يجز ذَلِك فِي البيع، وَيخْتَلف فِي الْإِقَالَة لِأَن بَابهَا الْمَعْرُوف لَا المكايسة اه. وَقد تحصل أَن فِي الْمَسْأَلَة أقوالاً مشهورها الْفساد،(2/106)
وَالثَّانِي اخْتِيَار ابْن رشد، وَالثَّالِث صِحَة الْإِقَالَة وَيفرق بَين الْقرب والبعد، وَهل يشْتَرط أَن يعبر بإن أَو إِذا لَا بمتى وَإِلَّا لزمَه الشَّرْط، وَإِن بَاعَ بعد طول. وَهُوَ فهم ابْن رشد أَو مُطلقًا وَهُوَ ظَاهر كَلَام ضيح لِأَنَّهُ عبر بمتى وَفرق بَين الْقرب وَالْعَبْد، وعَلى القَوْل بِصِحَّة الْإِقَالَة هُنَا تستثنى هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة التَّطَوُّع بهَا بعد العقد من قَوْلهم: لَا يقبل البيع تَعْلِيقا كَمَا قيل: لَا يقبل التَّعْلِيق بيع وَنِكَاح فَلَا يَصح بِعْت ذَا إِن جا فلاح وَالْفرق بَين هَذِه وَبَين التَّطَوُّع بالإقالة حَتَّى جرى فِي هَذِه خلاف، وَجَاز التَّطَوُّع بِإِجْمَاع ظَاهر لِأَنَّهُ فِي التَّطَوُّع الْتزم بعد العقد أَن ينشىء الْمَبِيع عِنْد الْإِتْيَان بِالثّمن كَمَا مر. وَهَذِه الْتزم فِي صلب عقد الْإِقَالَة إِنَّه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا وَالله أعلم. وعَلى القَوْل بِصِحَّة الْإِقَالَة فَهَل تبطل بِمَوْت الْمقَال لِأَنَّهَا مَعْرُوف كَمَا مرّ عَن ابْن رشد وَبِه أفتى بَعضهم. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَيظْهر لي أَنَّهَا لَا تبطل بِمَوْتِهِ بل هِيَ لَازِمَة لوَرثَته لِأَن الظَّاهِر فِي الْمَسْأَلَة أَنَّهَا من بَاب الِالْتِزَام الْمُعَلق على فعل الْمُلْتَزم لَهُ، وَذَلِكَ لِأَن الْمقَال الْتزم للمقيل أَنه إِن بَاعهَا فَهُوَ أَحَق بهَا على شَرط أَن يقبله فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَة من بَاب التَّبَرُّع الْمَحْض، وَإِنَّمَا هِيَ من بَاب هبة الثَّوَاب. وَقد ذكره فِي الالتزامات فِي التَّنْبِيه الثَّالِث قبل الْكَلَام على بيع الثنيا أَن الِالْتِزَام على الْفِعْل الْمُعَلق على فعل الْمُلْتَزم لَهُ لَا يبطل بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ مُعَاوضَة، وَتقدم قبل التَّنْبِيه الْمَذْكُور: من الْتزم لغيره مَالا على أَن يُطلق زَوجته لَا يفْتَقر لحيازة وَتقدم صدر الالتزامات قَول ابْن رشد: من الْتزم نَفَقَة زَوْجَة وَلَده فِي صلب العقد فَإِنَّهَا لَا تسْقط بِمَوْتِهِ، وَتَأمل قَوْلهم: لَا تفْتَقر النحلة إِلَى حِيَازَة فالجاري على قَوَاعِد الْمَذْهَب لُزُوم ذَلِك لوَرثَته إِن لم يحصل طول لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرُوف صرف حَتَّى يبطل بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوضَة لِأَنَّهُ مَا أقاله إِلَّا ليلتزم، وَأما مَا ذَكرُوهُ فِي الطوع بالثنيا من النزاع بَين الْفَقِيه رَاشد وَغَيره، فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب لِأَن ذَلِك طوع بالإقالة لَا شَرط فِيهِ اه. بِاخْتِصَار من خطه رَحمَه الله، وَإِنَّمَا أطلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِكَثْرَة وُقُوعهَا. وَمن الْفُقَهَاء المهرة من يَقُول بِصِحَّة الْإِقَالَة فِيهَا، وَلَا سِيمَا وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم قَالَ فِي الالتزامات بعد نقل قولي مَالك وَابْن الْقَاسِم بِالْجَوَازِ، وَنقل كَلَام ابْن رشد واختياره مَا نَصه: الْحَاصِل أَن هَذَا الشَّرْط لَا يجوز فِي البيع ويفسده وَلَيْسَ فِي ذَلِك خلاف، وَأما فِي الْإِقَالَة فَاخْتلف قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم بِجَوَازِهِ، وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ أَي على جَوَازه الشَّيْخ خَلِيل فِي كَلَامه السَّابِق فِي شُرُوط النِّكَاح، وَاقْتصر عَلَيْهِ أَيْضا غير وَاحِد من الموثقين، وَالْخلاف جَار وَلَو كَانَ فِي أمة فَإِن الْمَسْأَلَة مَفْرُوضَة فِي سَماع مُحَمَّد بن خَالِد فِيمَن يَبِيعهُ أرضه أَو جَارِيَته ثمَّ يستقيله، وَمُقْتَضى كَلَامهم أَن ذَلِك لَا يُوجب منع البَائِع من وَطئهَا بعد الْإِقَالَة وَهُوَ ظَاهر وَالله أعلم اه. فَكَلَامه هَذَا يُفِيد أَن الْمُعْتَمد فِي الْمَسْأَلَة هُوَ الْجَوَاز، وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ فِي ضيح كَمَا قَالَ: وَلَا سِيمَا وَقد ذكره فِي ضيح فِي معرض الِاحْتِجَاج على أَن الْمَرْأَة إِذا وضعت شَيْئا من صَدَاقهَا خوف طَلاقهَا فَإِن طَلقهَا بِالْقربِ رجعت بِمَا وضعت وإلاَّ فَلَا. قَالَ: كَمَا قَالُوا إِذا سَأَلَ البَائِع المُشْتَرِي الْإِقَالَة فَقَالَ لَهُ المُشْتَرِي: إِنَّمَا مرادك البيع لغيري، فَيَقُول لَهُ البَائِع: مَتى بعتها فَهِيَ لَك بِالثّمن الأول أَنه إِن بَاعَ عقب الْإِقَالَة أَو قَرِيبا مِنْهَا فَللْبَائِع شَرطه وَإِن بَاعَ بعد طول أَو لحدوث سَبَب فَالْبيع مَاض اه. وَمثله لِابْنِ عبد السَّلَام. وَمَعْلُوم أَنه لَا يحْتَج بمختلف فِيهِ فقد نزلا الْقَائِل بِالْمَنْعِ منزلَة الْعَدَم وَلَو كَانَ القَوْل بِالْمَنْعِ مَشْهُورا كَمَا قَالَ الْمَازرِيّ مَا صَحَّ لَهما الِاحْتِجَاج، وَقد علمت أَنه فِي سَماع(2/107)
مُحَمَّد بن خَالِد وَمثله لسَحْنُون فِي سَمَاعه عَن ابْن الْقَاسِم أَيْضا وَأَنه قَول مَالك فِي سَماع أَشهب وَابْن الْقَاسِم أَيْضا مستدلاً على جَوَاز الْإِقَالَة الْمَذْكُورَة بِمَسْأَلَة الوضيعة للطَّلَاق، وَصحح استدلاله ابْن رشد كَمَا فِي الالتزامات وَذَلِكَ كُله من أدل دَلِيل على أرجحيته. وَلذَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم فِي فصل الْإِقَالَة، وَكَذَا اقْتصر عَلَيْهِ غير وَاحِد من الموثقين، والاقتصار من عَلَامَات التشهير وَعَلِيهِ فاعتراض (ت) وَالشَّيْخ بناني فِي حاشيتهما على (ز) الَّذِي اعْتمد الْجَوَاز فِي الْمَسْأَلَة تبعا للأجهوري بتشهير الْمَازرِيّ، وَبقول ابْن رشد الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس، وَالنَّظَر عِنْدِي أَنه لَا فرق بَين الْإِقَالَة وَالْبيع فِي هَذَا الخ. لَا يتم وَلَا يحسن لما علمت من قُوَّة القَوْل بِالْجَوَازِ وَتَحْصِيل (ح) يُفِيد أَنه الْمُعْتَمد، وَلِأَن ابْن رشد لم يقْتَصر على هَذَا، بل زَاد وَاخْتَارَ التَّفْصِيل الَّذِي تقدم عَنهُ، فاختياره قَول ثَالِث كَمَا مر، وَلِأَنَّهُ لما تكلم على مَا فِي سَماع سَحْنُون صحّح الْجَوَاز وعضده، وَلِأَن التحجير الَّذِي فِي كَلَام الْمَازرِيّ يَنْتَفِي بالطول الَّذِي تَنْتفِي مَعَه التُّهْمَة فيمضي تصرفه أَو لِأَنَّهُ مغتفر لجَانب الْمَعْرُوف، وَلِأَن (ح) لم يعرج على تشهير الْمَازرِيّ فِي الالتزامات أصلا، وَكَذَا لم يذكرهُ ابْن عَرَفَة وَلَا غَيره، وَلما نقل (ح) كَلَام الْمَازرِيّ عِنْد قَول المُصَنّف وَالْإِقَالَة بيع قَالَ: وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي ابْن عبد السَّلَام وضيح وبهرام الْكَبِير فِي فصل الصَدَاق إِشَارَة مِنْهُ إِلَى أَن الْجَمَاعَة على خلاف تشهيره، وَكَذَا الْمواق فَإِنَّهُ قَالَ عِنْد قَول (خَ) : كَانَ لَا يَبِيع مَا نَصه الْإِقَالَة بيع فَإِن أقاله على أَن لَا يَبِيع فبينها وَبَين البيع على هَذَا الشَّرْط فرق كَالزَّوْجَةِ تضع مهرهَا على شَرط أَن لَا يطلقهَا الخ. فَلم يعرج على تشهير الْمَازرِيّ الَّذِي نَقله الْبُرْزُليّ مَعَ أَنه كثيرا مَا ينْقل كَلَامه، بل اعْتمد فِي ذَلِك نَص الرِّوَايَة وَلِأَنَّهُم قَالُوا كَمَا للشَّيْخ طفي وَغَيره: إِذا اتّفق قَول سَحْنُون وَابْن الْقَاسِم لَا يعدل عَنهُ فَكيف إِذا وافقهما قَول الإِمَام؟ ذكر ذَلِك فِي بَاب الزَّكَاة، وَبِمَا لمَالِك فِي سَماع أَشهب أفتى سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب الشريف حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي، وَمَا كَانَ يخفى على مثله وَلَا على غَيره تشهير الْمَازرِيّ وَالله أعلم. وَحَيْثُمَا شَرْطٌ عَلَى الطَّوْعِ جُعِلْ فَالأَحْسَنُ الكَتْبِ بِعَقْدٍ مُسْتَقِلْ (وحيثما شَرط على الطوع جعل) لَو قَالَ وحيثما الثنيا لسلم من التدافع الَّذِي بَين شَرط وطوع قَالَه (ت) (فَالْأَحْسَن الْكتب) لذَلِك الطوع (بِعقد مُسْتَقل) عَن رسم البيع قَالَه ابْن مغيث، وَالَّذِي مضى عَلَيْهِ الْعَمَل أَن يكْتب فِي عقد الطوع بالثنيا على انْفِرَاده لِأَنَّهُ أبعد من المظنة وَإِن وَقع ذَلِك فِي عقد الابتياع أَي قبل تَقْيِيد الْإِشْهَاد وَبعد وصف البيع بِأَنَّهُ لَا شَرط فِيهِ وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار جَازَ ذَلِك اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن سَلمُون. ثمَّ إِذا كتب ذَلِك الطوع فِي عقد مُسْتَقل أَو فِي آخر رسم الابتياع وَادّعى أَحدهمَا أَن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ شرطا مَدْخُولا عَلَيْهِ وَالْآخر أَنه طوع حَقِيقِيّ.(2/108)
وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِلطّوْعِ لَا مُدَّعِيَ الشَّرْطِ بِنَفْسِ البَيْعِ (فَالْقَوْل قَول مُدع للطوع) بِيَمِين وَقيل بِلَا يَمِين للبينة الَّتِي قَامَت لَهُ وَثَالِثهَا يحلف الْمُتَّهم فَقَط (لَا) قَول (مدعي الشَّرْط بِنَفس البيع) وأنهما دخلا على الثنيا فِي أصل العقد. هَذَا قَول ابْن الْعَطَّار قَائِلا لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة، وَفِي طرر ابْن عَاتٍ عَن المشاور إِن القَوْل لمُدعِي الشّرطِيَّة فَيحلف وَيفْسخ البيع لما جرى من عرف النَّاس قَالَ: وَبِذَلِك الْفَتْوَى عندنَا اه. وَلذَا اعْترض الشَّارِح هَذَا الْبَيْت على أَبِيه قَائِلا: إِن ابْن الْعَطَّار وقف مَعَ قَوْلهم أَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة دون مَا قيد من قَوْلهم إِلَّا حَيْثُ يغلب الْفساد يَعْنِي وَهَذِه الْمَسْأَلَة مِمَّا يغلب فِيهَا الْفساد فَيجب أَن يكون القَوْل فِيهَا لمدعيه كَمَا قَالَ ابْن الفخار اه. وَمِمَّا يرجحه قَول ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي صِحَة العقد وفساده فَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِلَّا أَن يكون جلّ أهل ذَلِك الْبَلَد أَن معاملتهم على الْمَكْرُوه وَالْحرَام فَالْقَوْل قَول مدعي ذَلِك مَعَ يَمِينه لِأَن استفاضة ذَلِك وشهرته فِي الْبَلَد صَار كالبينة القاطعة وَالشَّهَادَة التَّامَّة وعَلى مدعي الْحَلَال الْبَيِّنَة اه. هُوَ قَول (خَ) وَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة إِلَّا أَن يغلب الْفساد اه. وَظَاهر هَذَا أَن الْخلاف جَار وَلَو نَص فِي الْوَثِيقَة أَن البيع وَقع دون شَرط وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَنَقله العلمي أَيْضا. وَفِي المعيار سُئِلَ ابْن رشد عَمَّا يكْتب من الشُّرُوط على الطوع وَالْعرْف يَقْتَضِي شرطيتها فَقَالَ: إِذا اقْتضى الْعرف شرطيتها فَهِيَ مَحْمُولَة على ذَلِك وَلَا ينظر لكتبها على الطوع لِأَن الْكتاب يتساهلون فِيهَا وَهُوَ خطأ مِمَّن فعله. وَأجَاب ابْن الْحَاج بِأَن الحكم للمكتوب لَا للْعُرْف اه. وعَلى مَا لِابْنِ رشد عول فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَشرط نِكَاح إِن نزاع بطوعه جرى مُطلقًا فاعمل على الشَّرْط واعدلا وَلَا مَفْهُوم لنكاح، وَبِهَذَا كُله يعلم مَا فِي قَول الْمُتَيْطِيَّة إِنَّه إِذا قَالَ فِي الْوَثِيقَة: دون شَرط(2/109)
وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار فَمحل اتِّفَاق أَن القَوْل لمُدعِي الطوع الخ. بل الْخلاف مَوْجُود كَمَا ترى، وَفِي نَوَازِل المجاصي أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب: بِأَنَّهُ قد تكَرر مني جَوَاب بعد جَوَاب غير مرّة وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، ورأيي فِيهَا تَابع لرأي بعض شُيُوخنَا رَحِمهم الله، وَأَنه مَتى ثَبت رسم الْإِقَالَة وَلَو بِصُورَة التَّطَوُّع فَهُوَ مَحْمُول على أَنه شَرط فِي نفس العقد، وَقَول المتيطي: مَا لم يقل وَلَا ثنيا وَلَا خِيَار الخ. ذَلِك عرف وقته إِذْ لَا تعرف عَامَّة زمننا الثنيا بل يسمونه بيعا وإقالة، وَالشُّهُود يجرونَ المساطير من غير تَحْقِيق لِمَعْنى مَا يَكْتُبُونَ اه. وَنَحْوه فِي (م) و (ت) قَالَا: وَيدل عَلَيْهِ أَن البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير، فلولا أَن البَائِع يعْتَقد أَن ذَلِك بيد المُشْتَرِي كَالرَّهْنِ مَا رَضِي بذلك الثّمن وَلَا بِمَا يقرب مِنْهُ اه. قلت: كَون البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير مِمَّا يدل على أَنه رهن، وَأَنه شَرط فِي صلب العقد كَمَا يَأْتِي لَا على أَنه شَرط فِي العقد فَقَط، وَيُؤَيّد مَا نَحن بصدده من أَن القَوْل لمُدعِي الْعرف مَا يَأْتِي للناظم فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين: فَالْقَوْل قَول مُدع للْأَصْل أَو صِحَة فِي كل فعل فعل مَا لم يكن فِي ذَاك عرف جَار على خلاف ذَاك ذُو اسْتِقْرَار وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا مر عَن ابْن سَلمُون عِنْد قَوْله فِي بيع الْأُصُول: وَجَاز فِي الدَّار أَن يسْتَثْنى الخ. أَن المُشْتَرِي إِذا الْتزم أَن لَا يَبِيع حَتَّى ينصف من الثّمن فَإِن كَانَ فِي صلب العقد فَهُوَ فَاسد وإلاَّ صَحَّ فَإِن اخْتلفَا فِي كَونه فِي العقد أَو بعده فَالْقَوْل لمُدعِي الشَّرْط لِأَنَّهُ الْعرف اه. وَظَاهره وَلَو كتب على الطوع فَهَذَا كُله يدل على صِحَة اعْتِرَاض الشَّارِح وَمن تبعه على النَّاظِم، وَلذَا قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته هَهُنَا مَا قَالَ يَعْنِي (م) كُله صَحِيح، وَعَلِيهِ الْمعول فِي هَذِه الْمسَائِل وَلَا محيد عَنهُ أصلا فَإِنَّهُ مُوَافق لكَلَام الْمُحَقِّقين اه. وَنَحْوه لَهُ فِي شرح الْمُخْتَصر. قلت: هَذَا كُله يُؤَيّد مَا مر فِي التَّنْبِيه الأول عِنْد قَوْله: وَالْبيع بالثنيا لفسخ دَاع الخ. لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْعرف يجب اتِّبَاعه فِي هَذِه، وَإِن خَالفه الْمَكْتُوب فَكَذَلِك فِي تِلْكَ يجب اتِّبَاعه، وَإِن كتبُوا أَنَّهَا بيع لِأَن الْعرف أَنهم يتحيلون بكتب البيع على إِسْقَاط الْغلَّة كَمَا مر، وَذَلِكَ كُله إِذا كَانَت الْإِقَالَة شرطا فِي صلب عقد البيع كَمَا مر، وَكَذَا يُقَال: إِذا كتبت طَوْعًا بعد العقد وَادّعى البَائِع شرطيتها فِيهِ وَأَنَّهَا رهن كتبت بِصُورَة البيع تحيلاً لإِسْقَاط الْغلَّة أَو الْحِيَازَة فَإِنَّهُ يصدق حَيْثُ ثَبت الْعرف بالشرطية والارتهان كَمَا مر، فَفِي الْبُرْزُليّ مَا نَصه فِي أَحْكَام ابْن حَدِيد: إِذا ادّعى البَائِع أَن البيع كَانَ فِي أَصله رهنا فَالَّذِي نقُول بِهِ إِن الْمُبْتَاع إِن كَانَ من أهل الْعينَة وَالْعَمَل بِمثل هَذَا وَشبهه، فَالْقَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه أَنه رهن وَلَا يخفى أَن النَّاس الْيَوْم على ذَلِك الْعَمَل من كَونهم لَا يتورعون عَن اكْتِسَاب الأشرية بمَكَان الارتهان كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان. وَفِي المعيار عَن أبي يُوسُف الزغبي مَا نَص: الْغَرَض مِنْهُ أَن بَيِّنَة البيع هِيَ الْمَعْمُول بهَا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَن عرف الْبَلَد فِي البيع الَّذِي يَقع الْحَوْز فِيهِ بالمعاينة على الرَّهْن، ثمَّ تقع الثنيا بعده أَنه رهن فِي كل مَا يَقع من ذَلِك وَلَا يشذ عَن ذَلِك شَيْء فَحِينَئِذٍ يحمل الْأَمر على الرَّهْن اه. لَكِن قَوْله: وَلَا يشذ عَن ذَلِك شَيْء الخ. فِيهِ شَيْء بل كَذَلِك إِذا غلب ذَلِك لِأَن الْحمل على الْغَالِب وَاجِب، وَفِي نَوَازِل السجتاني بعد مَا مر عَنهُ عِنْد قَوْله: لفسخ دَاع الخ. بأوراق أَنه سُئِلَ(2/110)
عَمَّا يَفْعَله أهل الْجبَال من ارتكابهم البيع الَّذِي تعقبه الْإِقَالَة تحيلاً على إِسْقَاط الْغلَّة لَو عقدوه بِلَفْظ الرَّهْن، وقصدهم فِي ذَلِك، إِنَّمَا هُوَ الرَّهْن بِهَذَا تقرر عرفهم فَقَالَ: حمل أَمرهم على مَا جرى بِهِ عرفهم وَاجِب محتم فِي الْقَضَاء وَالْفَتْوَى لَا مندوحة عَن ذَلِك قَالَ تَعَالَى: خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) وَإِذا وَجب حمل مَا يعقدونه من الثنيا الطوعي على الرَّهْن جرى فِي بيع ذَلِك على سَائِر بياعات الرِّهَان من جَوَاز بَيْعه بيد الْمُرْتَهن بِشَرْطِهِ، وَالسُّكُوت عَنهُ السنين الطَّوِيلَة لَا يضر اه. فَتبين بِهَذَا أَن الْمدَار على الْعرف فَإِذا جرى بالرهنية فَالْعَمَل عَلَيْهَا كَانَت الثنيا شرطا فِي العقد أَو طَوْعًا بعده وَيدل على الرهنية الْمَذْكُورَة كَون البيع يَقع بِأَقَلّ من الْقيمَة بِكَثِير، وَأَنَّهُمْ يبيعونه وَهُوَ بيد مُشْتَرِيه وَيَقُولُونَ: وضع ملكه بيد فلَان إِلَى غير ذَلِك مِمَّا مر عَن السجسْتانِي و (م) وَكفى بِهِ دَلِيلا على الارتهان الْمَذْكُور. وَتقدم أَن ابْن رحال صحّح جَمِيع مَا فِي (م) . تَنْبِيه: مَا تقدم من أَن القَوْل لمُدعِي الشَّرْط وَالْفساد مَحَله إِذا لم يكن قد أشهد فِي عقد الطواعية بِإِسْقَاط دَعْوَى الْفساد، وإلاَّ فَلَا يلْتَفت لدعواه وَلَو أثبتها بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ قد كذبهَا قَالَه فِي أَوَاخِر بُيُوع المعيار، وَأَشَارَ لَهُ (خَ) وَمحله أَيْضا وَالله أعلم إِذا لم يبعد مَا بَين التَّطَوُّع بهَا وَالْبيع كالأربعة أشهر وَنَحْوهَا، وإلاَّ فَيَنْبَغِي أَن تحمل على التَّطَوُّع حَقِيقَة حَيْثُ كَانَ الثّمن هُوَ قيمَة الْمَبِيع أَو مَا يقرب مِنْهَا. وَانْظُر مَا تقدم عِنْد قَوْله فِي النِّكَاح: وَيفْسد النِّكَاح بالإمتاع فِي عقدته الخ.
(فصل فِي بيع الْفُضُولِيّ)
وَهُوَ الَّذِي يَبِيع مَال غَيره بِغَيْر تَوْكِيل وَلَا إيصاء عَلَيْهِ. (وَمَا يماثله) كَهِبَة واستفادة الزَّوْج مَال زَوجته وَقِسْمَة تَرِكَة الْمديَان قبل أَدَاء الدّين. وَحَاضِرٌ بِيعَ عَلَيَهِ مَالُهُ بِمَجْلِسٍ فِيهِ السُّكُوتُ حَالُهُ (وحاضر) وَلَو امْرَأَة (بيع عَلَيْهِ مَاله بِمَجْلِس فِيهِ السُّكُوت حَاله) فَلم يُنكر وَلم يُغير وَهُوَ عَالم بِأَنَّهُ ملكه سَاكِت بِلَا عذر، فَإِن كَانَ لَهُ عذر فسيذكره. وَقد اخْتلف فِي السُّكُوت هَل هُوَ إِذن وَإِقْرَار أم لَا؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن وَلَا بِإِقْرَار إِلَّا فِيمَا يعلم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ فَيكون إِذْنا وإقراراً كَمَا ذكره (ح) عَن ابْن رشد فِي بَاب الْإِقْرَار. يَلزَمُ ذَا البَيْعُ وَإنْ أَقَرَّ مَنْ بَاعَ لَهُ بِالْمَلِكِ أُعْطِيَ الثَّمَنْ (يلْزم ذَا) فَاعل يلْزم (البيع) نعت لَهُ أَو بدل، وَالْجُمْلَة خبر عَن قَوْله: وحاضر الخ. وَسَوَاء كَانَ البَائِع أَجْنَبِيّا أَو شَرِيكا بَاعَ الْجَمِيع وَانْظُر آخر الشُّفْعَة من ابْن سَلمُون. وَقَوْلِي: وَلَو امْرَأَة أَعنِي أَجْنَبِيَّة أَو زَوْجَة أَو أُخْتا للْبَائِع، وَلَا مقَال للْأُخْت فِي أَنَّهَا إِنَّمَا لم تغير خشيَة قطيعة أَخِيهَا. قَالَ أَبُو الْحسن الصَّغِير: وَأما إِذا بَاعَ الْأَخ نصِيبه وَنصِيب أُخْته وَعلمت بِهِ فالشأن أَنَّهُنَّ(2/111)