(خطْبَة الْكتاب)
الْحَمد لله الْوَاحِد الْأَحَد ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام، الْمُبين لِعِبَادِهِ على لِسَان رسله شرائع الْأَحْكَام من وَاجِب وحلال وَحرَام، وكلفهم بِالْوُقُوفِ عِنْد حُدُودهَا وَاتِّبَاع أوامرها وَاجْتنَاب نواهيها تكليفاً لَا انْفِصَال لَهُم عَنهُ وَلَا انفصام، وَأمر رسله وورثتهم من خلقه بتنفيذها بَين عباده ليرتفع الظُّلم وَالْفساد والهرج والعناد تنفيذاً لَا يشوبه حيف فِي إِقَامَة الْحق بَين ذَوي الْخِصَام، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد قطب دَائِرَة الكونين الْمُؤَيد بِالْوَحْي والإلهام، وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين مهدوا للدّين من بعده فَاسْتَنَارَ الْحق واستقام وَقَامُوا بالشريعة المطهرة أحسن قيام. وَبعد: فَيَقُول أفقر العبيد إِلَى الله الْغَنِيّ بِهِ عَمَّن سواهُ الراجي عَفوه فِي سره ونجواه عَليّ بن عبد السَّلَام التسولي أصلا ومنشأً، الفاسي دَارا وقراراً: لما كَانَت تحفة الْحُكَّام من أجل مَا ألف فِي علم الوثائق والإبرام لِسَلَامَةِ نظمها ووجازة لَفظهَا، ولكونها قد اجْتمع فِيهَا مَا افترق فِي غَيرهَا ومنّ الله علينا بتدريسها وإقرائها وإبراز خَفِي مَعَانِيهَا وَذكر فروع تناسبها ونكت تقيد شواردها وَتحل مقفلها، طلب مني الْكثير من طلبة الْوَقْت أَن أَضَع لَهُم شرحاً عَلَيْهَا يشفي الغليل ويكمل المرام، ويكشف من خَفِي مَعَانِيهَا مَا وَرَاء اللثام ويحتوي على إِعْرَاب كل ألفاظها ليتدرب المبتدىء بِعلم النَّحْو الَّذِي عَلَيْهِ الْمدَار فِي الْفَهم والإفهام، وعَلى بَيَان منطوقها وَمَفْهُوم الْكَلَام، وعَلى إبراز فرائد الْفَوَائِد وفروع تناسب الْمقَام مُبينًا فِيهِ مَا بِهِ الْعَمَل عِنْد الْمُتَأَخِّرين من قُضَاة الْعدْل وَالْأَئِمَّة الْكِرَام، مصلحاً فِيهِ مَا يحْتَاج إِلَى الْإِصْلَاح من أَلْفَاظه المخلة بالنظام، شارحاً فِيهِ غَالب وثائق الْأَبْوَاب وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى الإطناب ليتدرب بذلك من لم يتَقَدَّم لَهُ مَسِيس بالفتوى من الْأَنَام ويهتدي إِلَى كَيْفيَّة تَنْزِيل الْفِقْه على وثائق الْأَحْكَام، فأجبتهم إِلَى ذَلِك بعد التَّوَقُّف والإحجام،(1/7)
وَتَقْدِيم رجل وَتَأْخِير أُخْرَى فِي مُدَّة من الْأَيَّام مستعيناً على ذَلِك كُله بِالْوَاحِدِ الْأَحَد الْملك العلام، مرتكباً فِي ذَلِك أبسط الْعبارَة غير مكتف عَن التَّصْرِيح بالرمز وَالْإِشَارَة ليطابق الشَّرْح المشروح ويهتدي إِلَى فهمه من تقدم لَهُ أدنى مَسِيس بِعلم الْفِقْه والعربية، وخلا ذهنه عَن رَدِيء الأوهام مُشِيرا بِصُورَة (خَ) الْمُعْجَمَة إِلَى الشَّيْخ خَلِيل وبصورة (ت) إِلَى شيخ شُيُوخنَا سَيِّدي مُحَمَّد التاودي أحد شرَّاح هَذَا الْكتاب وبصورة (م) إِلَى الشَّيْخ ميارة ذِي الْعلم الْجَلِيل وبصورة (ح) الْمُهْملَة إِلَى الإِمَام الْحطاب، وَلكَون الْإِعْرَاض يَكْفِي فِي الْإِشَارَة لأولي الْأَلْبَاب لم أصرح بالانتقاد على أحد من شرَّاح هَذَا الْكتاب. نعم وَقع بعض ذَلِك فِي صَدره ليقاس عَلَيْهِ مَا بَقِي من بعده، وَأَيْضًا فَإِن لكل أحد منهجاً يَقْتَضِيهِ ومذهباً يختاره للْفَتْوَى ويصطفيه. وَأَقُول كَمَا قَالَ صَاحب التسهيل: وَإِذا كَانَت الْعُلُوم منحاً إلهية ومواهب اختصاصية فَغير مستبعد أَن يدّخر لبَعض الْمُتَأَخِّرين مَا عسر على كثير من الْمُتَقَدِّمين. وَلما منَّ الله تَعَالَى عليَّ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلم يكن اطلع عَلَيْهِ أحد وَهُوَ مِمَّا نضمره ونخفيه أَخْبرنِي بعض الطّلبَة الطالبين للشرح الْمَذْكُور الصَّادِق فِي خلوص الطوية والمحبة أَنه رأى فِي الْمَنَام أَنِّي وضعت عَلَيْهَا شرحاً فائقاً كبدر التَّمام، فزادني ذَلِك انتشاطاً وتثبتاً بِالْمَقْصُودِ واغتباطاً لعلمي بِصدق طويته وَعدم كذبه فِي خَبره على الدَّوَام، وَكنت ترددت أَيَّامًا فِي كَيْفيَّة تَسْمِيَته فَأَشَارَ إليَّ هَاتِف فِي الْمَنَام بِأَن أسعيه الْبَهْجَة فِي شرح التُّحْفَة مأخوذاً من قَوْله تَعَالَى: ذَات بهجة} (النَّمْل: 60) وَالله سُبْحَانَهُ المسؤول فِي بُلُوغ المأمول إِنَّه على مَا يَشَاء قدير، وبالإجابة جدير وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل. فالناظم رَحمَه الله: هُوَ القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَاصِم الأندلسي الغرناطي، ولد رَحمَه الله ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى من عَام سِتِّينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي حادي عشر شَوَّال من عَام(1/8)
تِسْعَة وَعشْرين وَثَمَانمِائَة، وَقد أنْشد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن القَاضِي بَيْتا رمز فِيهِ لولادة النَّاظِم ووفاته وبلده على طَرِيق نظم الوفيات لِلْكَاتِبِ القشتالي فَقَالَ: وَقد (رقصت) غرناطة بِابْن عَاصِم و (سحت دموعاً) للْقَضَاء الْمنزل فرمز بحروف رقصت لسنة الْولادَة ومجموعها بِحِسَاب الْجمل سِتُّونَ وَسَبْعمائة مَعَ مَا فِي التَّعْبِير بالرقص من الْمُنَاسبَة، إِذْ الرقص الْفَرح وَالسُّرُور، ورمز للوفاة بحروف سحت دموعاً ومجموعها بِالْحِسَابِ الْمَذْكُور ثَمَانمِائَة وَتِسْعَة وَعِشْرُونَ مَعَ مَا فِي التَّعْبِير بذلك من الْإِشَارَة للْمَوْت. وَمن شُيُوخه رَحمَه الله الْأُسْتَاذ أَبُو سعيد فرج بن قَاسم بن لب، والأستاذ أَبُو عبد الله القيجاطي، وناصر السّنة الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الشاطبي، وقاضي الْجَمَاعَة الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن علاق، وخالاه مُحَمَّد وَأحمد ولدا أبي الْقَاسِم بن جزي، والشريف أَبُو عبد الله مُحَمَّد التلمساني، وَالْقَاضِي أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله النميري، والأستاذ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ البلنسي وَغَيرهم. كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فَاضلا متقناً لعلم الْفِقْه والقراءات، مشاركاً فِي الْعَرَبيَّة والمنطق وَالْأُصُول والحساب والفرائض مُشَاركَة حَسَنَة مُتَقَدما فِي الْأَدَب نظماً ونثراً وَكِتَابَة وشعراً إِلَى براعة خطّ وإحكام رسم وإتقان بعض الصَّنَائِع العلمية كتسفير الْكتب وتنزيل الذَّهَب وَغَيرهمَا. وَله تآليف عديدة مِنْهَا هَذِه الأرجوزة، وَأُخْرَى فِي الْأُصُول سَمَّاهَا: مهيع الْوُصُول فِي علم الْأُصُول، وَأُخْرَى فِي النَّحْو حَاذَى بهَا رجز ابْن مَالك، وَأُخْرَى فِي الْفَرَائِض، وقصيدة سَمَّاهَا: إِيضَاح الْمعَانِي فِي قِرَاءَة الثماني، وَأُخْرَى سَمَّاهَا: الأمل المرقوب فِي قِرَاءَة يَعْقُوب، وَغير ذَلِك كَمَا فِي الابتهاج للشَّيْخ أَحْمد بَابا كَانَ الله للْجَمِيع آمين. قَالَ رَحمَه الله (بِسم) جَار ومجرور مُتَعَلق بِمَحْذُوف قدره بَعضهم فعلا وَبَعْضهمْ مصدرا(1/9)
مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء، وَالتَّقْدِير على الأول بِسم الله أؤلف أَو أنظم، وَقدر مُؤَخرا طلبا للاهتمام والاختصاص، وعَلى الثَّانِي تأليفي أَو نظمي بِسم الله ثَابت أَو حَاصِل، فَحذف الْمُبْتَدَأ وَخَبره وَبَقِي مَعْمُول الْمُبْتَدَأ، وَالْبَاء للاستعانة أَو للمصاحبة، وَإِنَّمَا قدر الْعَامِل هُنَا من مَادَّة التَّأْلِيف أَو النّظم لِأَن الَّذِي يَتْلُو الْبَسْمَلَة هُنَا مؤلف وناظم والتالي لَهَا فِي كل مَحل يعين الْعَامِل الْمَحْذُوف. ثمَّ إِن لفظ اسْم الَّذِي هُوَ ألف سين مِيم يُطلق فِي اللُّغَة إطلاقاً شَائِعا على مَا يعم أَنْوَاع الْكَلِمَة فَيصدق بِلَفْظ زيد وَلَفظ قَامَ وَهل مثلا، وَفِي اصْطِلَاح النُّحَاة على مَا يُقَابل الْحَرْف وَالْفِعْل وَيُطلق أَيْضا فِي اللُّغَة إطلاقاً غير شَائِع على الذَّات فَيصدق بِذَات زيد وَذَات عَمْرو، وَهَكَذَا. قَالَ الْفَخر: الِاسْم يُطلق لمعان ثَلَاث إِلَى أَن قَالَ الثَّانِي ذَات الشَّيْء، وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: يُقَال ذَات وَنَفس وَعين وَاسم بِمَعْنى اه. فعلى الشَّائِع مَدْلُوله اللَّفْظ الْمُفْرد الْمَوْضُوع لِمَعْنى الصَّادِق بِلَفْظ زيد وَلَفظ قَامَ وَهل وَنَحْوهَا من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على معنى وَهُوَ الذَّات فِي الأول وَالْقِيَام فِي الثَّانِي والاستفهام فِي الثَّالِث، وعَلى غير الشَّائِع مَدْلُوله الذَّات الصادقة بِذَات زيد وَذَات عَمْرو وَنَحْوهمَا. فَإِذا قلت: رَأَيْت اسْم زيد فَمَعْنَاه رَأَيْت ذَاته وعينه لَا لَفظه، فَقَوْلهم قد اخْتلف هَل الِاسْم عين الْمُسَمّى أَو غَيره؟ مُرَادهم اخْتلف فِي مَدْلُول لفظ اسْم حَيْثُ اسْتعْمل فِي التراكيب الْجُزْئِيَّة الَّتِي لَا يُرَاد فِيهَا مَدْلُوله الَّذِي هُوَ مُطلق اللَّفْظ على الشَّائِع أَو مُطلق الذَّات على غَيره، وَإِنَّمَا يُرَاد بعض مَا صدقَات مَدْلُوله فِي الْجُمْلَة فَقيل فِيهِ إِذْ ذَاك: إِن مَدْلُوله لفظ زيد مثلا الَّذِي هُوَ على الشَّائِع من مَا صدقَات مَدْلُوله، وَلَفظ زيد غير الْمُسَمّى الَّذِي هُوَ ذَاته، وَقيل إِن مَدْلُوله عين الْمُسَمّى وَهُوَ ذَات زيد مثلا الَّتِي هِيَ على غير الشَّائِع من مَا صدقاته وعَلى الشَّائِع هِيَ مَدْلُول مَا صدقه وَلَيْسَ مَدْلُوله لفظ زيد على هَذَا القَوْل.(1/10)
وَبِالْجُمْلَةِ فذات زيد مثلا هِيَ بعض مَدْلُول مَا صدقَات الِاسْم على الأول وَهِي بعض مَا صدقاته على الثَّانِي لِأَن مَدْلُول الِاسْم على الأول هُوَ اللَّفْظ الدَّال على معنى وَلَفظ زيد بعض مَا صدق عَلَيْهِ ذَلِك اللَّفْظ وذاته هِيَ مَدْلُول مَا صدقه وعَلى الثَّانِي هِيَ مَا صدقه لَا مَدْلُول مَا صدقه فمدلوله على الأول لفظ دَال على معنى أياً كَانَ، ومدلوله على الثَّانِي نفس الْمَعْنى أياً كَانَ. وَدَلِيل القَوْل الأول قَوْله تَعَالَى: وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى} (الْأَعْرَاف: 180) أَي أَلْفَاظ دَالَّة عَلَيْهِ فَادعوهُ بهَا} (الْأَعْرَاف: 180) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما) أَي لفظا للْقطع بِأَن الْمُسَمّى وَاحِد لَا تعدد فِيهِ. وَدَلِيل القَوْل الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} (الْأَعْلَى: 1) وَالتَّسْبِيح الَّذِي هُوَ التَّنْزِيه عَن صِفَات المحدثات إِنَّمَا هُوَ للذات دون اللَّفْظ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: مَا تَعْبدُونَ من دونه إِلَّا أَسمَاء سميتموها} (يُوسُف: 40) وعبادتهم إِنَّمَا هِيَ للمسميات دون الْأَسَامِي. وَإِذا تقرر هَذَا علمت أَن لفظ اسْم فِي الْبَسْمَلَة هُوَ مقحم على الأول أَو بِمَعْنى التَّسْمِيَة أَو من إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص إِذْ مَعْنَاهُ بدأت مستعيناً بِاللَّه أَو بِتَسْمِيَة الله أَو بِسم هُوَ الله، وَأما على الثَّانِي فَلَا يؤول بِشَيْء إِذْ مَعْنَاهُ مستعيناً بمسمى الله ومسماه هُوَ ذَاته الْعلية أَي مستعيناً بمسمى هَذَا اللَّفْظ على أَن الْخلاف لَفْظِي كَمَا صرح بِهِ الشَّيْخ زَكَرِيَّا وَغَيره فَمن قَالَ: إِنَّه غير الْمُسَمّى أَرَادَ حَيْثُ يكون الحكم مناسباً لغير الْمُسَمّى كَقَوْلِك: تَلَوت اسْم زيد أَي لَفظه وَمن قَالَ: إِنَّه عين الْمُسَمّى أرَاهُ حَيْثُ يكون الحكم مناسباً لذَلِك أَيْضا كَقَوْلِك: رَأَيْت اسْم زيد أَي ذَاته، وَأما تَقْسِيم الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَسمَاء الله تَعَالَى إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام مَا هُوَ نفس الْمُسَمّى أَي مَدْلُوله نفس الْمُسَمّى مثل لفظ الله الدَّال على ذَاته تَعَالَى، وَمَا هُوَ غَيره كالخالق والرازق وَنَحْوهمَا من صِفَات الْأَفْعَال أَي يفهم مِنْهَا غَيره تَعَالَى وَهُوَ الْخلق والرزق الناشئان عَن قدرته بِخِلَاف الأول إِذْ لَا يفهم من لفظ الله سوى ذَاته تَعَالَى وَمَا هُوَ لَا عينه وَلَا غَيره كالعالم والقادر وَنَحْوهمَا من الصِّفَات الْقَدِيمَة، فَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل لِأَنَّهُ لم يقل ذَلِك فِي لفظ الِاسْم، وَالْخلاف الْمُتَقَدّم إِنَّمَا هُوَ فِي لفظ الِاسْم لَكِن قَالَ بَعضهم: إِن قَوْله لَا عينه وَلَا غَيره لَا يَخْلُو من صعوبة وإشكال، وَقد انْفَصل عَن ذَلِك بَعضهم بِأَن المُرَاد أَن تِلْكَ الصّفة الْحَقِيقِيَّة لَيست غير الذَّات مفهوماً أَي مدلولاً وَلَا عينهَا خَارِجا اه. وَلَعَلَّه يُرِيد أَنه لَا يُقَال أَن مدلولها غير الذَّات وَلَا عين الذَّات، بل مدلولها الذَّات بصفتها وَالله أعلم. وَهَذِه الْمَسْأَلَة عويصة بسطت الْكَلَام فِيهَا لصعوبتها على الْولدَان المبتدئين. تَنْبِيه: قَالَ الْبَغَوِيّ فِي اخْتِصَار قَوَاعِد الْقَرَافِيّ مَا نَصه: قَالَ صَاحب الْخِصَال الأندلسي: يجوز الْحلف بِقَوْلِك: بِسم الله، وَتجب بِهِ الْكَفَّارَة، قَالَ الْقَرَافِيّ: هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا جور بِسَبَب أَن الِاسْم هَهُنَا إِن أُرِيد بِهِ الْمُسَمّى استقام الحكم، وَإِن لم يرد بِهِ الْمُسَمّى فقد حكى ابْن السَّيِّد البطليوسي أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي لفظ الِاسْم هَل هُوَ مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين الْأَسْمَاء فمسماه لفظ أَو وضع فِي اللُّغَة للقدر الْمُشْتَرك بَين المسميات فَلَا يتَنَاوَل إِلَّا مُسَمّى؟ قَالَ: وَهَذَا(1/11)
هُوَ خلاف تَحْقِيق الْعلمَاء فِي أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى أَولا، وَأَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ لفظ الِاسْم الَّذِي هُوَ ألف سين مِيم، وَأما لفظ نَار وَذهب فَلَا يَصح أَن يَقُول عَاقل أَن لفظ نَار هُوَ عين النَّار حَتَّى تحرق فَم من ينْطق بِهَذَا اللَّفْظ، وَإِذا فرعنا على هَذَا وَقُلْنَا الِاسْم مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين الْأَسْمَاء، وَأَن مُسَمَّاهُ لفظ فَيَنْبَغِي أَن لَا تلْزم بِهِ كَفَّارَة إِذا حلف بِهِ وَأَن لَا يجوز الْحلف بِهِ كَمَا لَو قُلْنَا: ورزق الله فَإِن إِضَافَة الْمُحدث إِلَى الله لَا يصيره مِمَّا يجوز الْحلف بِهِ، وَإِن قُلْنَا هُوَ مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين مسميات وَالْقَاعِدَة أَن الدَّال على الْأَعَمّ غير دَال على الْأَخَص وَمَا يكون كَذَلِك لَا يحلف بِهِ وَلَا يكون قسما إِلَّا بنية أَو عرف ناقل وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا هَهُنَا فَلَا تجب كَفَّارَة إِذا لم يتَعَيَّن صرف اللَّفْظ لجِهَة الله اه لَفظه. قلت: تَأمل قَوْله: فَلَا يَصح أَن يَقُول عَاقل أَن لفظ نَار هُوَ عين النَّار الخ. فَإِنَّهُ غير سديد. وَصَوَابه: أَن يَقُول فَلَا خلاف فِي أَن مَدْلُول لفظ نَار هُوَ عين النَّار لِأَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي مَدْلُول لفظ الِاسْم لَا فِي مَدْلُول غَيره إِذْ مَدْلُول غَيره من الْأَلْفَاظ هُوَ عين الْمُسَمّى اتِّفَاقًا. (الله) : مُضَاف إِلَيْهِ وَأَصله إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ أسقط مِنْهُ الْهَمْز ثمَّ أبدل بأل كَمَا قَالَ: وَالِاسْم ذُو التَّقْدِيس هُوَ الله على الْأَصَح أَصله إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ أسقط مِنْهُ الْهَمْز ثمَّ أبدلا بأل التَّعْرِيف لذاك جعلا وَهل مُشْتَقّ أَو جامد؟ فِيهِ أَقْوَال لَيْسَ هَذَا محلهَا وَلَا بَأْس بِالْإِشَارَةِ إِلَى بَعْضهَا فَقيل: هُوَ مُشْتَقّ من التأله وَهُوَ التنسك والتعبد يُقَال إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ آلِهَة أَي عبد عبَادَة، وَقيل من الإل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ وَهُوَ الِاعْتِمَاد يُقَال: ألهت إِلَى فلَان أَي فزعت إِلَيْهِ واعتمدت عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ: أَن الْخلق يفزعون ويتضرعون إِلَيْهِ فِي الْحَوَادِث والحوائج فَهُوَ يألههم أَي يجيرهم فَسُمي إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هَا. وَقيل: هُوَ من ألهت فِي الشَّيْء إِذا تحيرت فِيهِ فَلم تهتد إِلَيْهِ وَمَعْنَاهُ: أَن الْعُقُول تتحير فِي كنه صفته وعظمته والإحاطة بكيفيته فَهُوَ إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ كَمَا يُقَال للمكتوب كتاب وللمحسوب حِسَاب. وَقَالَ الْمبرد: هُوَ من قَول الْعَرَب ألهت إِلَى فلَان أَي سكنت إِلَيْهِ فَكَأَن الْخلق يسكنون ويطمئنون بِذكرِهِ، وَقيل: أَصله من الوله وَهُوَ ذهَاب الْعقل لفقدان من يعز عَلَيْك، وَكَأَنَّهُ سمي بذلك لِأَن الْقُلُوب تتوله لمحبته وتطرب وتشتاق عِنْد ذكره، وَقيل: مَعْنَاهُ المحتجب لِأَن الْعَرَب إِذا عرفت شَيْئا ثمَّ حجب عَن أبصارها سمته إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هَا تَقول: لاهت الْعَرُوس تلوه لوهاً إِذا احْتَجَبت، ف الله تَعَالَى هُوَ الظَّاهِر بالربوبية بالدلائل والأعلام(1/12)
والمحتجب من جِهَة الْكَيْفِيَّة عَن الأوهام. حكى هَذِه الْأَقْوَال الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني فِي كِتَابه الْمُسَمّى: غنية الطَّالِب نفعنا الله بِهِ. (الرَّحْمَن الرَّحِيم) : نعتان لله، وَقيل الرَّحْمَن بدل والرحيم نعت للرحمن والرحمن الْمُنعم بجلائل النعم والرحيم الْمُنعم بدقائقها، وَقدم الأول وَهُوَ الله لدلالته على الذَّات، ثمَّ الثَّانِي لاختصاصه بِهِ وَلِأَنَّهُ أبلغ من الثَّالِث، فَقدم عَلَيْهِ ليَكُون كالتتمة والرديف، وَلِأَن الثَّالِث لَا يخْتَص بِهِ تَعَالَى بِدَلِيل قَوْله: بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} (التَّوْبَة: 128) : الْحَمْدُ لله الَّذِي يَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْهِ جَلَّ شَأْناً وَعَلاَ (الْحَمد لله) : مُبْتَدأ وَخبر أَي الصِّفَات الجميلة كلهَا وَاجِبَة لله، وَمعنى، وُجُوبهَا أَنه لَا يتَصَوَّر فِي الْعقل عدم وَصفه بهَا، وَالْجُمْلَة خبرية لفظا إنشائية معنى إِذْ المُرَاد إنْشَاء الثَّنَاء بمضمونها أَي أنشىء وَصفه تَعَالَى بِكُل جميل، وأتى بِالْحَمْد بعد الْبَسْمَلَة اقْتِدَاء بِالْكتاب الْعَزِيز وامتثالاً لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل أَمر ذِي بَال لَا يبتدأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم) أَي مَقْطُوع الْبركَة. كَمَا ورد عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: (كل أَمر ذِي بَال لَا يبتدأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أَبتر) أَي ذَاهِب الْبركَة، فَحمل النَّاظِم رَحمَه الله حَدِيث الْبَسْمَلَة على الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ بِحَيْثُ لَا يسْبقهُ شَيْء، وَحَدِيث الحمدلة على الِابْتِدَاء الإضافي الْقَرِيب مِنْهُ بِأَن يذكر الْحَمد عقب الْبَسْمَلَة مُتَّصِلا بهَا كَمَا يدل عَلَيْهِ الْقُرْآن فَهُوَ مُبين لكيفية الْعَمَل بِالْحَدِيثين، وَهَذَا أحد الْأَجْوِبَة عَمَّا أوردوه من أَن الِابْتِدَاء بِأَحَدِهِمَا يفوت الِابْتِدَاء بِالْآخرِ، ولنقتصر عَلَيْهِ لكَونه أحْسنهَا. ثمَّ إِن الْحَمد لُغَة هُوَ الْوَصْف بالجميل على الْجَمِيل على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل، فَالْمُرَاد بِالْوَصْفِ الذّكر بِاللِّسَانِ فَقَط، وَخرج بالجميل الْوَصْف بالقبيح فَلَيْسَ حمداً بل ذماً وَبِقَوْلِهِ: على جِهَة التَّعْظِيم الخ، الْوَصْف بالجميل تهكماً نَحْو: ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} (الدُّخان: 49) وَقيل: لَا حَاجَة لزِيَادَة هَذَا الْقَيْد بل هُوَ مُسْتَغْنى عَنهُ بقوله: بالجميل على الْجَمِيل وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَصفه بالجميل وَهُوَ غير متصف بِهِ فِي الْحَقِيقَة بل مجَازًا بِاعْتِبَار مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالْمجَاز غير مُحْتَرز عَنهُ فِي الْحُدُود بل إِنَّمَا يحْتَرز فِيهَا عَمَّا يُشَارك الْمَحْدُود فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقِيّ. وَله أَرْكَان خَمْسَة: الصِّيغَة والحامد والمحمود وَهَذِه الثَّلَاثَة يتضمنها لفظ الْوَصْف وَهُوَ لَا يكون إِلَّا بِاللِّسَانِ، وَالرَّابِع: الْمَحْمُود بِهِ وَهُوَ صفة كَمَال يدْرك الْعقل السَّلِيم حسنها، وَالْمرَاد كَونه جميلاً فِي الْوَاقِع أَو عِنْد الحامد أَو الْمَحْمُود بزعم الحامد، وَالْخَامِس: الْمَحْمُود عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَقع الْوَصْف الْجَمِيل بإزائه ومقابلته فَهُوَ الْبَاعِث على الْحَمد، وَهَذَانِ مُصَرح بهما فِي التَّعْرِيف فَلفظ الْحَمد فِي كَلَام النَّاظِم يتَضَمَّن الصِّيغَة أَي اللَّفْظ الَّذِي يُؤدى بِهِ الْوَصْف ويتضمن الحامد أَي الواصف ويتضمن أَيْضا الْمَحْمُود بِهِ، إِذْ كل واصف لَا بُد لَهُ من لفظ بِصفة يصف بهَا غَيره،(1/13)
وَقَوله: (لله) هُوَ الْمَحْمُود، فَهَذِهِ أَرْبَعَة، وَأما الْمَحْمُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَاعِث على الْحَمد فقد يُسْتَفَاد من قَوْله الَّذِي يقْضِي الخ أَي فكونه يقْضِي على غَيره وَلَا يقْضى عَلَيْهِ هُوَ صفة جميلَة فِي غَايَة الْكَمَال، وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِث على وَصفه بِكُل جميل فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْوَصْف بِكُل جميل من قدرَة وَعلم وَغَيرهمَا ثَابت لله، والباعث على وصفي لَهُ بذلك هُوَ كَونه يقْضِي وَلَا يقْضى عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَإِن الْمَحْمُود بِهِ والمحمود عَلَيْهِ قد يتحدان معنى ويفترقان بِالِاعْتِبَارِ كَمَا لَو قلت: أَحْمَده تَعَالَى بِالصِّفَاتِ الجميلة من قدرَة وَنَحْوهَا لكَونه متصفاً بهَا فالقدرة مثلا من حَيْثُ الْوَصْف بهَا مَحْمُود بهَا وَمن حَيْثُ إِنَّهَا باعثة على الْحَمد مَحْمُود عَلَيْهَا فَلَا شكّ أَن الْحَمد فِي النّظم مُتَضَمّن للأركان الْخَمْسَة. وَالْحَمْد والمدح مُتَرَادِفَانِ كَانَا فِي مُقَابلَة نعْمَة أم لَا. كَمَا للزمخشري فِي فائقه خلافًا للرازي حَيْثُ فرق بَين الْحَمد والمدح بِأَن الْمَدْح أَعم من الْحَمد لِأَنَّهُ يحصل للعاقل وَغَيره قَائِلا: أَلا ترى أَنه يمدح الْيَاقُوت على نِهَايَة صفائه وصقالته فَيُقَال: مَا أحْسنه وَمَا أصفاه، وَالْحَمْد لَا يكون إِلَّا للْفَاعِل الْمُخْتَار على مَا يصدر مِنْهُ من الإنعام كَانَ ذَلِك الإنعام واصلاً إِلَيْك أَو إِلَى غَيْرك اه. وَعَلِيهِ فيقيد الْمَحْمُود عَلَيْهِ بالاختياري وبكونه فِي مُقَابلَة نعْمَة ليخرج الْمَدْح، لَكِن يلْزم على التَّقْيِيد بِهِ خُرُوج الثَّنَاء على الصِّفَات الْقَدِيمَة وَأَنه لَا يكون حمداً بل مدحاً فَقَط وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا أُجِيب بِهِ عَن خُرُوج الصِّفَات الْقَدِيمَة من تَعْرِيف الْحَمد بِنَاء على ذَلِك التَّقْيِيد من أَنَّهَا لما كَانَت مبدأ للأفعال الاختيارية كَانَ الْحَمد عَلَيْهَا حمد على تِلْكَ الْأَفْعَال الاختيارية تمحل غير سديد، فَلَا يعول عَلَيْهِ، وَالصَّوَاب مَا فِي الْفَائِق من ترادفهما. قَالَه الشَّيْخ الْبنانِيّ فِي شرح السّلم. وَأما الْحَمد عرفا أَي: شرعا فَهُوَ فعل ينبىء عَن تَعْظِيم الْمُنعم بِسَبَب كَونه منعماً وَهُوَ مساوٍ للشكر لُغَة وَبَينهمَا وَبَين الْحَمد لُغَة عُمُوم وخصوص من وَجه فعمومهما بِاعْتِبَار المورد لِأَنَّهُمَا يكونَانِ بِاللِّسَانِ وَبِغَيْرِهِ من الْأَركان وعمومه هُوَ بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق لِأَنَّهُ يكون فِي مُقَابلَة نعْمَة وَغَيرهَا فيجتمعان فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف بِاللِّسَانِ فِي مُقَابلَة نعْمَة، وينفردان عَنهُ فِيمَا إِذا كَانَا بِغَيْر اللِّسَان فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد هُوَ عَنْهُمَا فِيمَا إِذا كَانَ بِاللِّسَانِ لَا فِي مُقَابلَة نعْمَة. وَأما الشُّكْر عرفا؛ فَهُوَ صرف العَبْد جَمِيع مَا نعم الله بِهِ عَلَيْهِ من سمع وَغَيره إِلَى مَا خلق لأَجله فَهُوَ أخص مُطلقًا من كل وَاحِد من الثَّلَاثَة قبله لتقييده بمنعم مَخْصُوص وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ حَيْثُ قيل فِي حَده: جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ، وَلم يقل أنعم بِهِ عَلَيْهِ ولتقييده أَيْضا بِنِعْمَة واصلة إِلَى عَبده الشاكر، ولشموله لجَمِيع الْجَوَارِح بِخِلَاف الحمدين قبله وَالشُّكْر لُغَة فَلم تقيد النِّعْمَة فِي ذَلِك بمنعم مَخْصُوص وَلَا بِكَوْنِهَا واصلة إِلَى الحامد أَو الشاكر، بل وصلت إِلَيْهِ وَإِلَى غَيره، وَلَا يكون ذَلِك بِجَمِيعِ الْجَوَارِح كَمَا لَا يخفى، وَهَذَا الشُّكْر هُوَ الشُّكْر الْمَأْمُور بِهِ شرعا الْمعبر عَنهُ(1/14)
بالتقوى والاستقامة الَّذِي أخبر عَنهُ تَعَالَى بقوله: وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} (سبأ: 13) وَقَوله تَعَالَى: إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَقَلِيل مَا هم} (ص: 24) فَلَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة الشُّكْر شرعا إِلَّا بِكَمَال التَّقْوَى والاستقامة الظَّاهِرَة والباطنة أما المخلط فِي أَحْوَاله فَلم يؤد مَا وَجب عَلَيْهِ من الشُّكْر بِتَمَامِهِ نعم الطَّاعَة الصادرة مِنْهُ هِيَ بعض مَا وَجب عَلَيْهِ من الشُّكْر، وَلما لم يكن المخلط مُؤديا مَا وَجب عَلَيْهِ وَكَانَ الْكثير من النَّاس مخلطاً قَالَ تَعَالَى: وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} الخ. إِذْ المُرَاد بِصَرْف الْجَمِيع أَن لَا يخرج العَبْد عَن طَاعَة مَوْلَاهُ بِأَن تسلم جوارحه كلهَا من مُخَالفَة أمره وَنَهْيه فِي جَمِيع الْأَوْقَات فَلَا يكون شاكراً لنعم الله تَعَالَى شكرا حَقِيقِيًّا إِلَّا بِصَرْف الْجَمِيع، وَالْعَبْد لَا يَخْلُو عَن نعم الله طرفَة عين، وَعَن ذَلِك أفْصح الْجُنَيْد رَضِي الله عَنهُ بقوله: الشُّكْر أَن لَا يعْصى الله بنعمه، أَي جوارحه لِأَنَّهَا نعْمَة من الله عَلَيْهِ قَالَ هَذِه القولة فِي صباه. وبأدنى تَأمل يعلم أَن النّسَب سِتّ إِذْ بَين كل وَاحِد من الثَّلَاثَة وَالشُّكْر عرفا الْعُمُوم وَالْخُصُوص بِإِطْلَاق، فَهَذِهِ ثَلَاث نسب، وَبَين الْحَمد لُغَة وَالْحَمْد عرفا وَالشُّكْر لُغَة الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه وَبَين الْحَمد عرفا وَالشُّكْر لُغَة الترادف، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أخر وَقد نظم ذَلِك الشَّيْخ (عج) رَحمَه الله بقوله: إِذا نسبا للحمد وَالشُّكْر رمتها بِوَجْه لَهُ عقل اللبيب يؤالف فَشكر لَدَى عرف أخص جَمِيعهَا وَفِي لُغَة للحمد عرفا يرادف عُمُوم لوجه فِي سوى ذين نِسْبَة فذي نسب سِتّ لمن هُوَ عَارِف وأل فِي الْحَمد للاستغراق وَهِي الَّتِي يصلح فِي موضعهَا كل نَحْو: إِن الْإِنْسَان لفي خسر} (الْعَصْر: 2) وَذَلِكَ لِأَن الْحَمد إِمَّا قديم وَهُوَ حمد الله تَعَالَى لنَفسِهِ أَو لمن شَاءَ من خلقه، أَو حَادث وَهُوَ حمد الْعباد لرَبهم سُبْحَانَهُ أَو لبَعْضهِم بَعْضًا، فالقديم صفته وَوَصفه والحادث خلقه وَملكه فَالْحَمْد كُله لَهُ، وَقيل للْجِنْس لِأَن جنس الْحَمد إِذا ثَبت لله ثَبت لَهُ جَمِيع أَفْرَاده فمؤداهما وَاحِد، وَقيل للْعهد لِأَن الله سُبْحَانَهُ لما علم عجز خلقه عَمَّا يسْتَحقّهُ من الْحَمد حمد نَفسه بِنَفسِهِ فِي أزله قبل وجود خلقه ثمَّ لما أوجدهم أَمرهم أَن يحمدوه بذلك. وَلَام لله للاستحقاق أَي جَمِيع المحامد مُسْتَحقَّة لله تَعَالَى، وَلَا يَصح كَونهَا للْملك لِأَن من أَقسَام الْحَمد حمد الله تَعَالَى لنَفسِهِ أَو لمن شَاءَ من خلقه فِي أزله كَقَوْلِه: نعم العَبْد وَنَحْوه، وحمده لنَفسِهِ أَو لخلقه بِكَلَامِهِ وَكَلَامه قديم، وَالْقَدِيم لَا يَصح أَن يملك فَتعين كَونهَا للاستحقاق أَي يسْتَحق الْوَصْف بِكُل جميل لكَونه وَاجِبا لَهُ لَا يتَصَوَّر فِي الْعقل عَدمه. وَاسم الْجَلالَة علم على الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود الْمُسْتَحق لجَمِيع المحامد وَهُوَ أشهر أَسْمَائِهِ تَعَالَى، قيل: إِنَّه اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى وَإِذا دعِي بِهِ أجَاب إِذا وجد شَرطه وَهُوَ التَّقْوَى، وَلذَا قبض الله تَعَالَى عَنهُ الألسن فَلم يتسم بِهِ أحد قَالَ تَعَالَى: هَل تعلم لَهُ سمياً} (مَرْيَم: 56) أَي هَل تعلم أحدا من الْمَخْلُوقَات سمي الله؟ والاستفهام بِمَعْنى النَّفْي أَي لم يتسم بِهِ غَيره وَهُوَ أعرف المعارف قَالَه سِيبَوَيْهٍ. (الَّذِي) نعت لله (يَقضي) بِفَتْح الْيَاء صلته والرابط ضمير يعود على الله (وَلَا يُقضى) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بِهِ، وَالْجُمْلَة معطوفة على الصِّلَة والمعطوف على الصِّلَة صلَة أَيْضا، وَمَعْنَاهُ يحكم وَلَا يحكم عَلَيْهِ أَي وكل قَاض وحاكم(1/15)
سواهُ تَعَالَى مقضي عَلَيْهِ من مَوْلَاهُ وَمِمَّنْ ولاه فَيُقَال لَهُ: مَا أحقك أَن تستشعر ذَلِك وتستحضر أَنَّك مسؤول عَن كل حكم حكمت بِهِ هُنَالك. وَفِي الْبَيْت براعة الاستهلال وَهِي أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي أول كَلَامه بِمَا يشْعر بمقصوده، فَإِنَّهُ لما كَانَ قَصده أَن يتَكَلَّم فِي أَحْكَام الْقَضَاء وصف الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يقْضِي وَلَا يقْضى عَلَيْهِ. (جلّ) : فعل مَاض بِمَعْنى عَظِيم (شَأْنًا) : تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل كَقَوْلِه تَعَالَى: واشتعل الرَّأْس شيباً} (مَرْيَم: 4) أَي عظم شَأْنه والشأن الْأَمر وَالْحَال قَالَه الْجَوْهَرِي. (وَعلا) : فعل مَاض أَيْضا مَعْطُوف على جلّ وتمييزه مَحْذُوف أَي قدرا أَي جلّ شَأْنه وَعلا قدره، وَيحْتَمل أَن يكون مصدرا من قَوْلهم: علا فِي المكارم من بَاب تَعب عَلَاء بِفَتْح الْعين وَمد اللَّام كَمَا فِي الْمِصْبَاح قصره ضَرُورَة فَيكون مَعْطُوفًا على قَوْله شَأْنًا أَي عظم شَأْنًا وعلاء وَلَا يَصح أَن يكون اسْم مصدر لِأَن اسْم الْمصدر هُوَ مَا كَانَ لغير الثلاثي بِوَزْن مَا للثلاثي كأعطى عَطاء واغتسل غسلا، فاسم الْمصدر هُوَ عَطاء وَغسل والمصدر إِعْطَاء واغتسال فَيَقْتَضِي أَن عَلَاء بِمَعْنى إعلاء كَمَا أَن عَطاء بِمَعْنى إِعْطَاء وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَعْنى يأباه. ثُمَّ الصَّلاَةُ بِدَاوَامِ الأَبَدِ عَلَى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحَمَّدِ (ثمَّ الصَّلَاة) من الله تَعَالَى أَي الرَّحْمَة مِنْهُ إِذْ الصَّلَاة لُغَة من الله رَحْمَة، وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار، وَمن الْآدَمِيّين دُعَاء بِخَير، وَلَكِن لما كَانَ فِي التَّعْبِير عَن الرَّحْمَة بِالصَّلَاةِ من التَّعْظِيم مَا لَيْسَ فِي لفظ الرَّحْمَة قَالَ تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ} (الْأَحْزَاب: 65) الْآيَة. فَالْمُرَاد أَن يطْلب العَبْد من الله تَعَالَى زِيَادَة التكريم والإنعام والتعظيم لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِلَّا فَأصل الرَّحْمَة حَاصِل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا يطْلب تَحْصِيله ونفعها عَائِد على الْمُصَلِّي لخَبر: (من صلّى عليَّ مرّة وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا) فَالصَّلَاة عَلَيْهِ من أجلّ الْأَذْكَار وَأَعْظَمهَا ثَوابًا. (بدوام) : يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الصَّلَاة أَي مُؤَقَّتَة بدوام (الْأَبَد) : أَي الدَّهْر وَهُوَ حَرَكَة الْفلك. (على الرَّسُول) : خبر عَن الصَّلَاة (الْمُصْطَفى) : نعت للرسول (مُحَمَّد) : بدل وَالْجُمْلَة معطوفة بثم على جملَة الْحَمد قبلهَا. وَالرَّسُول إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه، والمصطفى مُشْتَقّ من الصفو وَهُوَ الْخَالِص من الكدر والشوائب كلهَا وطاؤه مبدلة من تَاء وَكِلَاهُمَا مقرون بأل علم بالغلبة على نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أطلقا لَا ينصرفان لغيره من الرُّسُل والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهَذِه(1/16)
الْجُمْلَة خبر فِي اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ الطّلب فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ صلِّ على الرَّسُول الخ. . ثمَّ لَا يتَوَهَّم الْمُصَلِّي على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن صَلَاتنَا عَلَيْهِ شَفَاعَة منا لَهُ عِنْد الله تَعَالَى فِي زِيَادَة رفعته وعلو دَرَجَته فَإِن مثلنَا لَا يشفع لعَظيم الْقدر عِنْد ربه، بل هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَرْفُوع الدرجَة عِنْد ربه فِي غَايَة التكرمة والإنعام وعلو الْقدر، وَلَكِن لما أحسن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَيْنَا بهدايته إيانا إحساناً لم يُحسنهُ إِلَيْنَا أحد من الْمَخْلُوقَات أمرنَا سُبْحَانَهُ بمكافأته بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَي بِأَن تطلب من الله سُبْحَانَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ لتَكون صلَاته عَلَيْهِ مُكَافَأَة لَهُ منا وإقراراً برسالته ونبوته وَتَصْدِيقًا بِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ من وحدانية الله سُبْحَانَهُ. وَآلِهِ وَالْفِئَةِ المتَّبِعَهْ فِي كلِّ مَا قَدْ سَنَّهُ وَشَرَعَهْ (وَآله) أَقَاربه الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم. إِذْ هُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب واسْمه شيبَة بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نذار بن معد بن عدنان. قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَبَنُو هَاشم آل، وَمَا فَوق غَالب غير آل وَفِيمَا بَينهمَا قَولَانِ اه. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (آل مُحَمَّد كل تَقِيّ) وَهل أَصله أهل قلبت الْهَاء همزَة ثمَّ قلبت الْهمزَة ألفا وَاقْتصر عَلَيْهِ صَاحب الْكَشَّاف أَو أَصله أول وَهُوَ رَأْي الْكسَائي، وَرجحه بَعضهم وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِي التصغير على أهيل أَو أويل، وَكِلَاهُمَا مسموع وَلَا يُضَاف إِلَّا لذِي شرف فَلَا يُقَال آل الْحجام، وَأما آل فِرْعَوْن فَلهُ شرف دُنْيَوِيّ وَهُوَ عطف على مُحَمَّد إِذْ تجوز الصَّلَاة على غير الْأَنْبِيَاء تبعا واتفاقاً وَفِي جَوَازهَا اسْتِقْلَالا وكراهتها ومنعها خلاف، وعَلى الْجَوَاز فَإِنَّمَا يقْصد بهَا الدُّعَاء لِأَنَّهَا بِمَعْنى التَّعْظِيم خَاصَّة بالأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كخصوص عز وَجل بِاللَّه تَعَالَى، فَلَا يُقَال مُحَمَّد عز وَجل وَإِن كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَزِيزًا جَلِيلًا، وَكَذَا السَّلَام هُوَ خَاص بالأنبياء فَلَا يُقَال أَبُو بكر عَلَيْهِ السَّلَام.(1/17)
(والفئة) الْجَمَاعَة (المتبعة) لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة فَيشْمَل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين (فِي كل مَا) أَي حكم (قد سنه) عَلَيْهِ السَّلَام أَي: جعله طَريقَة فِي الدّين (وشرعه) عطف تَفْسِير عَلَيْهِ وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بقوله المتبعة. وَبَعْدُ، فَالْقَصْدُ بِهَذَا الرَّجَزِ تَقْرِيرُ الأحْكَامِ بِلَفَظٍ مُوجَزِ (وَبعد) : ظرف زمَان كثيرا وَمَكَان قَلِيلا تَقول فِي الزَّمَان جَاءَ زيد بعد عَمْرو وَفِي الْمَكَان دَار زيد بعد دَار عَمْرو، وَتَصِح هُنَا للزمان بِاعْتِبَار الرقم وَهِي من الظروف اللَّازِمَة للإضافة فَإِذا قطعت عَنْهَا لفظا ونوي معنى الْمُضَاف إِلَيْهِ بنيت كَمَا هُنَا لشبهها بالحرف فِي الافتقار لما بعده وبنيت على حَرَكَة لتعذر السّكُون، وَكَانَت ضمة لِأَنَّهَا حَرَكَة لَا تكون لَهَا فِي حَالَة الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا إِذْ ذَاك إِمَّا مَنْصُوبَة على الظَّرْفِيَّة أَو مجرورة بِمن، وَهِي كلمة تسْتَعْمل فِي الْكَلَام الفصيح لقطع مَا قبلهَا عَمَّا بعْدهَا. قَالَ الْفراء: مَعْنَاهَا دع مَا كُنَّا فِيهِ وَخذ غَيره، وَدخلت الْفَاء بعْدهَا إِمَّا على توهم وجود مَا قبلهَا لِأَن الشَّيْء إِذا كثر الْإِتْيَان بِهِ وَترك توهم وجوده وَقد كثر فِي أما مصاحبتها لبعد، فَإِذا تركت توهم أَنَّهَا مَوْجُودَة، وَأما على تقديرها فِي الْكَلَام وَالْوَاو نِيَابَة عَنْهَا. وَمعنى أما المتوهمة أَو الْمقدرَة مهما يكن من شَيْء بعد الْحَمد وَالصَّلَاة فالقصد الخ. فَوَقَعت أما موقع اسْم مُبْتَدأ لِأَن مهما مُبْتَدأ والاسمية لَازِمَة للمبتدأ، ويكن شَرط. وَالْفَاء: لَازِمَة لَهُ غَالِبا فحين تَضَمَّنت أما معنى الِابْتِدَاء، وَالشّرط لَزِمت الْفَاء ولصوق الِاسْم إِقَامَة للازم مقَام الْمَلْزُوم وإبقاء لأثره فِي الْجُمْلَة قَالَه السعد. وَقَالَ الدماميني: بعد: ظرف مَقْطُوع عَن الْإِضَافَة مَبْنِيّ على الضَّم مَعْمُول لقَوْل مَحْذُوف تَقْدِيره: وَأَقُول بَعْدَمَا تقدم وَالْمقول مَحْذُوف أَي وَأَقُول بعد ذَلِك تنبه. (فالقصد) : أَي الْمَقْصُود فَأطلق الْمصدر وَأَرَادَ بِهِ الْمَفْعُول (بِهَذَا) النّظم (الرجز) وَهُوَ أحد أبحر الشّعْر الْخَمْسَة عشر ووزنه مستفعلن سِتّ مَرَّات (تَقْرِير) تَبْيِين (الْأَحْكَام) خبر عَن قَوْله: فالقصد وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَيقْرَأ الْأَحْكَام بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام للوزن وَهُوَ جمع حكم، وَالْمرَاد بِهِ الْفِقْه المتقرر فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة كالمدونة وَغَيرهَا ليفصل بِهِ بَين الْخُصُوم (بِلَفْظ) : يتَعَلَّق بتقرير (موجز) : نعت لَهُ أَي قَلِيل الْحُرُوف كثير الْمعَانِي. آثَرْتُ فِيهِ المَيْلَ لِلَّتْبيِينِ وَصُنْتُهُ جُهْدِي مِنَ التَضّمِينِ(1/18)
(آثرت) : فعل مَاض بِمَعْنى قدمت واخترت قَالَ تَعَالَى: ويؤثرون على أنفسهم} (الْحَشْر: 9) أَي يقدمُونَ الْمُهَاجِرين على أنفسهم حَتَّى أَن من كَانَ عِنْده امْرَأَتَانِ نزل عَن وَاحِدَة وَزوجهَا من أحدهم (فِيهِ) : أَي فِي هَذَا الرجز يتَعَلَّق بآثرت (الْميل) : الجنوح والركون مفعول بآثرت (للتبيين) : مصدر بَين إِذا وضح يتَعَلَّق بالميل (وصنته) : حفظته (جهدي) : بِضَم الْجِيم مفعول بِهِ على حذف مُضَاف أَي غَايَة جهدي أَي طاقتي ووسعي، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة آثرت (من التَّضْمِين) : يتَعَلَّق بقوله صنته والتضمين توقف معنى الْبَيْت على الْبَيْت الَّذِي بعده لكَونه خَبرا أَو جَوَاب شَرط أَو اسْتثِْنَاء، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يتم معنى الأول إِلَّا بِالثَّانِي وَهُوَ عِنْد العروضيين من عُيُوب الشّعْر، وَفِيه يَقُول الخزرجي: وتضمينها أحواج معنى لذا وَذَا. الخ، قيل: وَفِيه تَعْرِيض بِابْن الْحَاج معاصر ابْن رشد فَإِن لَهُ نظماً فِي الْقَضَاء مُشْتَمِلًا على ألف بَيت سَمَّاهُ الياقوتة وَوَقع فِيهِ التَّضْمِين كثيرا مِنْهُ قَوْله فِي رُجُوع الشَّاهِد عَن شَهَادَته: وَإِن يَك الرُّجُوع بعد الحكم لم يجز وَيغرم امتثالاً للْحكم جَمِيع مَا أتلف بالشهاده فصِّل وَفِي بدءٍ وَفِي إِعَادَة يلْزم من يقْضِي بِأَن يسعف من كلفه الْكتب لحكام الزَّمن بِمَا بِهِ قضى وَمَا قد ثبتا وَالْعَمَل الْيَوْم وَمَا إِن مقتا على قبُول كتب الْقُضَاة من غير إِشْهَاد لَهَا وَيَأْتِي منع الْقبُول مَعَ مَا عَلَيْهِ عَملنَا وقصدنا إِلَيْهِ فَانْظُر هَذِه الأبيات فَإِن كل وَاحِد مِنْهَا لَا يتم مَعْنَاهُ إِلَّا بِالَّذِي بعده، وَهُوَ كثير فِي ذَلِك النّظم وَلَكِن ذَلِك مغتفر بِالنِّسْبَةِ لما أَفَادَهُ وَجمعه كَمَا اعتذر عَن ذَلِك فِي خطبَته حَيْثُ قَالَ: وَقد نظمت بعض أَحْكَام القضا مبتغياً أجرا ونيلاً للرضا مُسْتَعْملا مَا شَذَّ من زحاف وَبَعض مَا قد عيب فِي القوافي وَذَاكَ مغْفُور لَدَى من أنصفا فِي جنب مَا جِئْت بِهِ مُعَرفا(1/19)
مغلباً تحسيني الْمَعْنى على تحسيني اللَّفْظ الَّذِي عَنهُ انجلا الخ رَحمَه الله ونفعنا بِهِ وبعلومه. وَجِئْتُ فِي بَعْضٍ مِن المَسَائِلِ بالْخُلْفِ رَعْياً لاشتِهَارِ الْقَائِلِ (وَجئْت) : أَي أتيت (فِي بعض من الْمسَائِل) لَا فِي كلهَا (بالخلف) أَي الْخلاف والمجروران يتعلقان بقوله جِئْت (رعياً) حَال أَي مُرَاعَاة (لاشتهار الْقَائِل) بذلك القَوْل يتَعَلَّق بقوله رعياً، وَفهم من قَوْله فِي بعض: إِن الْكثير من الْمسَائِل لَا يَأْتِي بهَا بِالْخِلَافِ، وَإِنَّمَا يقْتَصر فِيهِ على قَول وَاحِد إِمَّا لشهرته أَو لجَرَيَان الْعَمَل بِهِ، وَأَنه إِنَّمَا يَأْتِي بِالْخِلَافِ فِي بَعْضهَا لغَرَض وَهُوَ كَون الْقَائِل بذلك مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالتَّحْقِيق فَلَا يَنْبَغِي إهمال قَوْله هَذَا إِذا كَانَ مُسَاوِيا للْآخر فِي المشهورية، بل وَإِن كَانَ مُخَالفا للمشهور أَو الْمَعْمُول بِهِ فَالْأول مَعَ اتِّحَاد الْقَائِل كَقَوْلِه: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا فَمَا لَك عَنهُ بِهِ قَولَانِ الخ. . وَكَقَوْلِه فِي الجوائح: والقصب الحلو بِهِ قَولَانِ كورق التوت هما سيان وَمَعَ اختلافه كَقَوْلِه فِي الْبيُوع: وَالْخلف فِي الْخَفي مِنْهُ وَالْحلف وَالثَّانِي كَقَوْلِه فِي الْيَمين: وَفِي سوى الْمَشْهُور يحلف الْأَب عَن ابْنه وَحلف الابْن مَذْهَب وَكَقَوْلِه: وَالْبيع مَعَ بَرَاءَة إِن نصت على الْأَصَح بالرقيق اخْتصّت(1/20)
وَبَعْضهمْ فِيهِ الْجَوَاز أطلقا الخ. . وَالثَّالِث كَقَوْلِه فِي الضَّمَان: وَقيل إِن لم يلق من يضمنهُ للخصم لَازمه وَلَا يسجنه وَأَشْهَب بضامن الْوَجْه قضى عَلَيْهِ حتما وَبِقَوْلِهِ القضا وَتارَة يَكْتَفِي بِمُجَرَّد التصدير بقول ثمَّ يَحْكِي غَيره بقيل كَقَوْلِه: وَالْمُدَّعِي من قَوْله مُجَرّد من أصل أَو عرف بِصدق يشْهد إِلَى أَن قَالَ: وَقيل من يَقُول قد كَانَ ادعا. الخ ... وَهَكَذَا: وَهَذَا معنى كَلَامه رَحمَه الله وَلَا يَعْنِي بذلك مُرَاعَاة الْخلاف الَّذِي هُوَ عبارَة كَمَا لِابْنِ عَرَفَة عَن إِعْمَال دَلِيل الْخصم فِي لَازم مَدْلُوله الَّذِي أعمل فِي نقيضه دَلِيل آخر، فَالضَّمِير فِي مَدْلُوله يعود على الدَّلِيل، وَالضَّمِير فِي نقيضه يعود على الْمَدْلُول الَّذِي هُوَ أقرب مَذْكُور مِثَاله إِعْمَال مَالك رَحمَه الله دَلِيل خَصمه الْقَائِل بِعَدَمِ فسخ صَرِيح الشّغَار فِي لَازم مَدْلُوله ومدلوله عدم فَسخه ولازمه ثُبُوت الْإِرْث بَين الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا الْمَدْلُول وَهُوَ عدم الْفَسْخ أعمل فِي نقيضه وَهُوَ الْفَسْخ دَلِيل آخر وَهُوَ دَلِيل فَسخه اه. وَحَاصِله؛ أَن الدَّلِيل هُوَ الحَدِيث أَو الْقيَاس والمدلول هُوَ الْفَسْخ أَو عَدمه، فمالك اسْتدلَّ لفسخه بِنَصّ حَدِيث أَو قِيَاس، وَأَبُو حنيفَة اسْتدلَّ بِعَدَمِ فَسخه بِنَصّ حَدِيث أَو قِيَاس، فأعمل مَالك رَحمَه الله دَلِيله فِي الْفَسْخ فِي الْحَيَاة، وأعمل دَلِيل خَصمه فِي لَازم مَدْلُوله فَقَالَ بتوارثهما، وَيكون الْفَسْخ طَلَاقا مَعَ أَن قِيَاس دَلِيله هُوَ عدم توارثهما وَعدم كَون الْفَسْخ بِطَلَاق، إِذْ عدم صِحَة النِّكَاح تَسْتَلْزِم عدم الْإِرْث، وَعدم الطَّلَاق، وَهَذَا كَمَا يُقَال فِي البيع وَغَيره يفْسخ العقد قبل الْفَوات ويمضي بعده، ومثاله أَيْضا: إِن الإِمَام يَقُول بِفساد إنكاح الْمَرْأَة نَفسهَا مستدلاً بقوله(1/21)
تَعَالَى: وَلَا تعضلوهن} (النِّسَاء: 19) وَالْخطاب للأولياء فَدلَّ ذَلِك على أَن الْمَرْأَة لَا تنْكح نَفسهَا وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن مواليها أَي أوليائها فنكاحها بَاطِل) ثَلَاثًا فَإِن دخل بهَا فالمهر لَهَا بِمَا أصَاب مِنْهَا الخ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز إنكاحها نَفسهَا قِيَاسا على البيع فأعمل مَالك دَلِيله فِي الْحَيَاة وَدَلِيل خَصمه فِي لَازم مَدْلُوله بعد الْمَمَات، فَأوجب توارثهما، وَكَون الْفَسْخ بِطَلَاق وَلِأَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (فالمهر لَهَا بِمَا أصَاب مِنْهَا) بعد أَن حكم على نِكَاحهَا بِالْبُطْلَانِ، فَدلَّ ذَلِك على أَن العقد الْبَاطِل يحكم لَهُ بِحكم الصَّحِيح بعد الْفَوات، وَإِلَّا فَمُقْتَضى الْقيَاس أَن الْفَسْخ بِغَيْر طَلَاق وَأَنه لَا مهر لَهَا لِأَنَّهَا زَانِيَة وَهِي لَا مهر لَهَا، وَذَلِكَ كُله رَاجع إِلَى تَقْدِيم الِاسْتِحْسَان على الْقيَاس. انْظُر ابْن عَرَفَة فِي فصل الصَدَاق. والمعيار أَوَاخِر الْمُعَاوَضَات، فقد نقل عَن القباب وَغَيره مَا يشفي الغليل قَالَ: وَالِاسْتِحْسَان معنى ينقدح فِي نفس الْمُجْتَهد تعسر الْعبارَة عَنهُ اه. وَانْظُر مَا بنى عَلَيْهِ مَالك مذْهبه فِي بَاب الْقِسْمَة من هَذَا الشَّرْح عِنْد قَوْله: فِي غير مَا من الطَّعَام الْمُمْتَنع. فِيهِ تفاضل الخ. فَإِن من جملَة مَا بنى عَلَيْهِ مذْهبه مُرَاعَاة الْخلاف فَتَارَة يراعيه وَتارَة لَا يراعيه. تَنْبِيه: إِنَّمَا قُلْنَا لَا يُداعى النَّاظِم مَسْأَلَة مُرَاعَاة الْخلاف الَّذِي هُوَ إِعْمَال دَلِيل الْخصم الخ لِأَن ذَلِك من دأب الْمُجْتَهدين الناظرين فِي الْأَدِلَّة، فَحَيْثُ ترجح عِنْدهم دَلِيل الْخصم فِي لَازم مَدْلُوله أعملوه وَحَيْثُ لم يتَرَجَّح أهملوه، والناظم إِنَّمَا هُوَ ناظم لكَلَام الْفُقَهَاء الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ وَإِن ذكر حكما وَجهه عِنْد من قَالَ بِهِ مُرَاعَاة للْخلاف لَكِن لَا يذكر فِيهِ خلافًا، بل يجْزم بالحكم الَّذِي جزم بِهِ الْمُجْتَهد من غير ذكر خلاف أصلا كَقَوْلِه: ففسخ فَاسد بِلَا وفَاق بِطَلْقَة تعد فِي الطَّلَاق وَإِن يمت قبل وُقُوع الْفَسْخ فِي ذَا فَمَا لإرثه من نسخ ... الخ فَضِمْنُهُ الْمُفِيدُ وَالْمُقَرِّبُ والْمَقْصَدُ المَحْمُودُ والمُنْتَخبُ (فضمنه) : بِكَسْر الضَّاد بِمَعْنى الْمَضْمُون كالذبح بِمَعْنى الْمَذْبُوح وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره (الْمُفِيد) أَي مُفِيد الْحُكَّام لِابْنِ هِشَام (والمقرب) لِابْنِ أبي زمنين بِفَتْح الزَّاي وَالْمِيم وَكسر النُّون (والمقصد الْمَحْمُود) لِابْنِ الْقَاسِم الجزيري (والمنتخب) لِابْنِ أبي زمنين أَيْضا وَمَعْنَاهُ أَن هَذَا النّظم تضمن أَي اشْتَمَل على فَوَائِد ونفائس من هَذِه الْكتب، وَلَا يَعْنِي أَن نظمه هَذَا اشْتَمَل على جَمِيع مَا فِيهَا بل وَلَا على جله، وَلَعَلَّه إِنَّمَا خص هَذِه الْكتب بِالذكر لتتم لَهُ التورية بِأَن كِتَابه هَذَا مُفِيد مقرب(1/22)
مَحْمُود منتخب، وإلاَّ فكثيراً مَا يُحَاذِي عبارَة ابْن سَلمُون فَلَو قيل إِنَّه تضمنه مَا بعد. نَظَمْتُهُ تَذْكِرَةً وَحَيْثُ تَمَّ بِمَا بِهِ الْبَلْوَى تَعُمّ قَدْ أَلَمَّ (نظمته) أَي: جمعته من قَوْلهم: نظمت العقد إِذا جمعت جواهره على وَجه يستحسن. (تذكرة) : مفعول لأَجله فَهُوَ بَيَان للسبب الْحَامِل لَهُ على نظمه أَي نظمته لأجل أَن يتَذَكَّر بِهِ الْعَالم مثله مَا ذهل عَنهُ ونسيه. يُرِيد: وتبصرة لمن لم يتَقَدَّم لَهُ علم بِمَا فِيهِ من الصغار والكبار فَهُوَ كَقَوْل ابْن بري: يكون للمبتدئين تبصره وللشيوخ المقرئين تذكره وكقول الْعِرَاقِيّ فِي ألفيته الحديثية: نظمتها تبصرة للمبتدي تذكرة للمنتهى والمسند (وَحَيْثُ) : ظرف زمَان يتَعَلَّق بقوله سميته وَالْوَاو دَاخِلَة على قَوْله سميته. وَقَوله: (تمّ) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق أَي كمل، وفاعله ضمير يعود على النّظم، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حِين إِلَيْهَا، وَقَوله: (بِمَا) يتَعَلَّق بقوله ألم وَمَا وَاقعَة على الْأَحْكَام. (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله تعم، وَقَوله: (الْبلوى) : مُبْتَدأ وَمَعْنَاهُ المحنة وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه) وَالْمرَاد محنة الْقَضَاء لمن ابْتُلِيَ بِهِ. (تعم) : خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة صلَة مَا والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بِالْيَاءِ (قد ألم) بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى أشعر وَهُوَ فعل مَاض وفاعله ضمير يعود على النّظم وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل تمّ. سَمَّيْتُهُ: بِتُحْفَةِ الْحُكّامِ فِي نُكَتِ الْعُقُودِ وَالأحْكَامِ (سميته) فعل وفاعل ومفعول (بتحفة) يتَعَلَّق بِهِ (الْحُكَّام) مُضَاف إِلَيْهِ وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة نظمته وَالتَّقْدِير نظمته تذكرة وسميته حِين كمل حَاله كَونه ملماً أَي مشعراً بِمَا الْبلوى تعم بِهِ الْقُضَاة بتحفة الْحُكَّام. والتحفة: مَا يتحف بِهِ الرجل من الْإِحْسَان واللطف، وَيحْتَمل أَن يكون الظّرْف ضمن معنى الشَّرْط، وَقَوله: سميته هُوَ جَوَابه، وَالتَّقْدِير: وَلما تمّ هَذَا النّظم وكمل(1/23)
حَال كَونه مشعراً بِمَا الْبلوى تعم بِهِ سميته الخ. وَهَذَا الْوَجْه أظهر معنى، وعَلى كلا الإعرابين فَكَلَامه صَرِيح فِي أَن التَّسْمِيَة وَالْخطْبَة تأخرتا عَن نظم الْكتاب والفراع مِنْهُ. (فِي نكت) بِالْمُثَنَّاةِ فَوق يتَعَلَّق بتحفة وَهُوَ جمع نُكْتَة بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة أَيْضا وَهِي التَّنْبِيه على مَا ينبو عَنهُ النّظر وَلَا يدْرك بِسُرْعَة (الْعُقُود) مُضَاف إِلَيْهِ جمع عقد، وَالْمرَاد بهَا الصكوك والوثائق الْمَكْتُوب فِيهَا مَا انبرم بَين الْمُتَعَاقدين من بيع أَو نِكَاح أَو غَيرهمَا. (وَالْأَحْكَام) : مَعْطُوف على الْعُقُود جمع حكم وَهُوَ الْإِخْبَار بِحكم شَرْعِي على وَجه الْإِلْزَام على مَا يَأْتِي أول بَاب الْقَضَاء، وَهَذِه التَّسْمِيَة مشعرة بِأَن للناظم كلَاما على الوثائق وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْفِقْه الْمَذْكُور فِي النّظم هُوَ الَّذِي بنيت عَلَيْهِ الْعُقُود، وَبِه رسمت الوثائق فمعرفته طَرِيق لمعْرِفَة مَا يَصح من الوثائق وَمَا يبطل مِنْهَا، أَلا ترى أَنه ذكر الرَّهْن مثلا وأركانه وشروطه، وَأَنه إِذا لم يُوجد الرُّكْن أَو الشَّرْط فِي وثيقته بطلت وَلم ينْتَفع صَاحبهَا بهَا فَقَالَ: الرَّهْن تَوْثِيق بِحَق الْمُرْتَهن وَإِن حوى قَابل غيبَة ضمن إِلَى أَن قَالَ: والحوز من تَمَامه وَإِن حصل وَلَو معاراً عِنْد رَاهن بَطل إِلَى أَن قَالَ أَيْضا: وَالشّرط أَن يكون مَا يرتهن مِمَّا بِهِ اسْتِيفَاء حق يُمكن إِلَى أَن قَالَ: وَجَاز فِي الرَّهْن اشْتِرَاط المنفعه إِلَّا فِي الْأَشْجَار فَكل مَنعه وَهَكَذَا فعل فِي غَيره من الْأَبْوَاب فَقَالَ فِي الضَّمَان أَيْضا: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا أَي فِي الْوَثِيقَة:(1/24)
فَالْحكم أَن المَال قد تحملا وَأَشَارَ إِلَى شَرطه بقوله: وَهُوَ من الْمَعْرُوف فالمنع اقْتضى من أَخذه أجرا بِهِ أَو عوضا يَعْنِي: أَنه إِذا وجد فِي الْوَثِيقَة أَنه أَخذ بِهِ أجرا أَو عوضا فَهُوَ بَاطِل، وَهَكَذَا فعل النَّاظِم وَغَيره فِي سَائِر أَبْوَاب الْفِقْه فالفقه الَّذِي ذَكرُوهُ عَلَيْهِ تنبني وثائق تِلْكَ الْأَبْوَاب وَلَيْسَ للتوثيق أَرْكَان وشروط خَارِجَة عَن الْفِقْه الَّذِي ذَكرُوهُ كَمَا ظَنّه كثير من جهلة الطّلبَة، وَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي تعرضنا لغالب وثائق أَبْوَاب هَذَا النّظم ليعلم الْوَاقِف عَلَيْهَا أَن مدَار الوثائق كلهَا على الْفِقْه، وَيعلم أَن بعض ألفاظها إِنَّمَا يذكر لزِيَادَة الْبَيَان كَمَا ستراه إِن شَاءَ الله، أَو للِاحْتِيَاط وَالْخُرُوج من الْخلاف كَقَوْلِه فِي الْهِبَة: وَحَيْثُ جَازَ الاعتصار يذكر وَضمن الْوِفَاق فِي الْحُضُور إِن كَانَ الاعتصار من كَبِير وَكَقَوْلِه فِي الضَّمَان: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا. الخ فرضاه لَا يشْتَرط فِي صِحَة الضَّمَان، وَلَكِن لذكره فَائِدَة كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله، وَكَذَا إِنْزَال البَائِع المُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ من الْأُصُول أَي إقباضه إِيَّاه كَمَا يَأْتِي فِي وَثِيقَة البيع صدر الْبيُوع وَعند قَوْله فِي الِاسْتِحْقَاق: وناب عَن حِيَازَة الشُّهُود. الخ. وَذَاكَ لمَّا أَن بُلِيتُ بِالقَضَا بَعْدَ شَبَابٍ مَرَّ عَنِّي وانْقَضَى (وَذَاكَ) النّظم وَالتَّسْمِيَة كَانَا (لما) حِين خبر كَانَ المحذوفة كَمَا قَررنَا وَكَانَ مَعَ خَبَرهَا خبر اسْم الْإِشَارَة (أَن) زَائِدَة للتوكيد وزيادتها بعد لما مطردَة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَلما أَن جَاءَ البشير} (يُوسُف: 96) وَقَوله: وَلما أَن جَاءَت رسلنَا} (العنكبوت: 33) وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة تسبك هِيَ وَمَا بعْدهَا بمصدر على مَذْهَب الْفَارِسِي الْآتِي. (بليت) بِضَم الْبَاء وَكسر اللَّام مَبْنِيّ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة لما الحينية إِلَيْهَا (بالقضا) ء يتَعَلَّق بِهِ على حذف مُضَاف أَي بخطة الْقَضَاء. وَالْقَضَاء: الحكم أَي الْإِخْبَار بِحكم شَرْعِي على وَجه الْإِلْزَام كَمَا مر. (بعد) ظرف يتَعَلَّق ببليت أَيْضا (شباب) مُضَاف إِلَيْهِ، والشباب عبارَة عَن كَمَال الْقُوَّة بعد الْبلُوغ إِلَى الْأَرْبَعين(1/25)
وَمَا بعد ذَلِك كهولة (مر) : فعل مَاض وفاعله ضمير الشَّبَاب، وَالْجُمْلَة نعت لشباب (عني) يتَعَلَّق بِهِ (وانقضى) مَعْطُوف على مر، وَالتَّقْدِير وَذَاكَ النّظم وَالتَّسْمِيَة كَانَا حِين بليت بخطة الْقَضَاء بعد مُرُور شَبَابِي وانقضائه، وَهَذَا على مَذْهَب الْفَارِسِي وَابْن جني وَمن تبعهما من أَن لما فِي مثل هَذَا التَّرْكِيب بِمَعْنى حِين، وَأما على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فَهِيَ حرف وجود لوُجُود، فَإِذا قلت: لما جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو فَلَمَّا عِنْد سِيبَوَيْهٍ حرف وجود لوُجُود أَي فوجود مَجِيء زيد لوُجُود مَجِيء عَمْرو أَكَانَ مجيئهما فِي زمن وَاحِد أم لَا. وَعند الْفَارِسِي حِين جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو فَيَقْتَضِي مَجِيء كل مِنْهُمَا فِي زمن وَاحِد وَهُوَ غير لَازم عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور، وَعَلِيهِ فاسم الْإِشَارَة فِي النّظم فَاعل كَانَ محذوفة وَهُوَ الْمُفَسّر لجواب لما وَهِي حرف وجود لوُجُود وَالتَّقْدِير، وَلما بليت بِالْقضَاءِ بعد مُرُور شَبَابِي وانقضائه كَانَ ذَلِك النّظم وَالتَّسْمِيَة، وَكَانَت ولَايَته بخطة الْقَضَاء بِمَدِينَة وادآش فِي صفر عَام عشْرين وَثَمَانمِائَة، ثمَّ نقل عَنْهَا إِلَى قَضَاء الْجَمَاعَة بِحَضْرَة غرناطة فِي الْعَاشِر لذِي الْقعدَة من أَرْبَعَة وَعشْرين قَالَه وَلَده، وَلَا شكّ فِي ذهَاب الشَّبَاب عَنهُ لبلوغه السِّتين على مَا مر فِي تَارِيخ وِلَادَته رحم الله الْجَمِيع بفضله وَكَرمه. وَإنّني أَسْأَلْ مِنْ رَبَ قَضَى بِهِ عَلَيَّ الرِّفْقَ مِنْهُ فِي الْقَضَا (وإنني أسأَل) أَي أطلب بذلة وخضوع لِأَن السُّؤَال من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى دُعَاء وَعَكسه أَمر وَمن المساوى التمَاس، وَقَالَ بعض السُّؤَال وَالدُّعَاء مُتَرَادِفَانِ وَلَا فرق بَينهمَا وَبَين الْأَمر والالتماس من جِهَة الصِّيغَة الَّتِي تدل على طلب الْفِعْل، وَإِنَّمَا يحصل الْفرق بالمقارنة فَإِن قارنه الاستعلاء فَهُوَ أَمر، وَإِن قارنه التَّسَاوِي فَهُوَ التمَاس، وَإِن قارنه الخضوع فَهُوَ سُؤال (من رب) يتَعَلَّق بأسأل من التربية وَهِي نقل الشَّيْء من أَمر إِلَى أَمر حَتَّى يصل إِلَى غَايَة أرادها المربي، ثمَّ نقل إِلَى الْمَالِك والمصلح للُزُوم التربية لَهما غَالِبا قَالَه السنوسي (قضى) أَي قدر وَحكم فِي أزله (بِهِ) أَي بِالْقضَاءِ أَي بخطته (على) يتَعَلَّق هُوَ وَمَا قبله بقضى وَالْجُمْلَة صفة لرب (الرِّفْق) مفعول بأسأل (مِنْهُ فِي القضا) يتعلقان بالرفق، وَمَعْنَاهُ اللطف ولطف الله بِعَبْدِهِ إِيصَال مُرَاده إِلَيْهِ بلطف، وَفسّر الْجَوْهَرِي والقاموس اللطف بالتوفيق. والتوفيق: خلق الْقُدْرَة على الطَّاعَة. وَقَالَ المتكلمون: اللطف مَا يَقع بِهِ صَلَاح الْمُكَلف عِنْده بِالطَّاعَةِ وَالْإِيمَان دون فَسَاده بالْكفْر والعصيان وعَلى هَذَا فالرفق واللطف والتوفيق أَلْفَاظ مترادفة، فالناظم رَحمَه الله طلب من ربه تَعَالَى الَّذِي قدر وَحكم عَلَيْهِ بِهَذِهِ الخطة فِي أزله أَن يرفق بِهِ فِيهَا رفقا لائقاً بِهِ جلّ جَلَاله من توفيقه للْعَمَل بِالطَّاعَةِ، وَخلق الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَعدم الْوُقُوع فِي الْمعْصِيَة وَخلق الْقُدْرَة على تَركهَا وإتحافه بِالنعَم واللطف بِهِ فِي أَحْوَاله كلهَا. وَهَذَا التَّعْمِيم مُسْتَفَاد من أل الاستغراقية. وَالْحَمْلَ وَالتَّوْفِيقَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أُمَّةٍ بِالحَقِّ يَعْدِلُونَ(1/26)
(وَالْحمل) أَي وأسأله قُوَّة الْحمل لأثقال مَا كلفته من هَذِه الخطة (والتوفيق) تقدم أَنه بِمَعْنى الرِّفْق واللطف وَهُوَ وَمَا قبله معطوفان على الرِّفْق (أَن) بِفَتْح الْهمزَة على حذف الْجَارِي أَي إِلَى أَن (أكون من أمة) أَي جمَاعَة من صفتهمْ قَالَ فيهم جلّ جَلَاله: وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ (بِالْحَقِّ) وَبِه (يعدلُونَ} (الآعراف: 181) . حَتَّى أُرَى مِنْ مَفْرَدِ الثَّلاَثَهْ وَجَنَّةُ الفِرْدَوْسِ لِي وِرَاثَهْ (حَتَّى) بِمَعْنى إِلَى وَهِي معطوفة بِحَذْف العاطف على أَن و (أُرى) بِضَم الْهمزَة مَبْنِيا للْمَفْعُول مَنْصُوبًا بِأَن مضمرة بعْدهَا وَالتَّقْدِير أسأله الرِّفْق وَالْحمل والتوفيق إِلَى أَن أكون وَإِلَى أَن أرى (من مُفْرد الثَّلَاثَة) الَّذين قَالَ فيهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَسْبَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: (الْقُضَاة ثَلَاثَة اثْنَان فِي النَّار وَوَاحِد فِي الْجنَّة. رجل عرف الْحق فَقضى بِهِ فَهُوَ فِي الْجنَّة، وَرجل عرف الْحق وَلم يقْض بِهِ فَهُوَ فِي النَّار، وَرجل لم يعرف الْحق فَقضى للنَّاس على جهل فَهُوَ فِي النَّار) (وجنة) بِفَتْح الْجِيم مُبْتَدأ (الفردوس) مُضَاف إِلَيْهِ (لي) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (وراثة) وَالْجُمْلَة حَال من نَائِب أرِي وَالْجنَّة الحديقة ذَات النّخل وَالشَّجر قَالَه فِي الْقَامُوس، والفردوس عِنْد الْعَرَب الْبُسْتَان الَّذِي فِيهِ الْكَرم قَالَه الْفراء. وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: الفردوس مَدِينَة الْجنَّة وَهِي جنَّة الأعناب، واللفظة فِيمَا قَالَ مُجَاهِد رُومِية عربت، وَالْعرب تَقول للكروم فراديس اه. وَمعنى كَونهَا وراثة لَهُ أَن يكون من أَهلهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذين يَرِثُونَ الفردوس هم فِيهَا خَالدُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 11) ويروى: أَن الْجنَّة مائَة دَرَجَة أَعْلَاهَا وأوسطها الفردوس مِنْهَا تفجر الْأَنْهَار وَعَلَيْهَا الْعَرْش فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس لَا أحرمنا الله وَجَمِيع الْمُسلمين مِنْهَا آمين.(1/27)
(بَاب الْقَضَاء وَمَا يتَعَلَّق بِهِ)
من أَرْكَانه وشروطه وجائزاته ومستحباته وَغير ذَلِك. وَهُوَ لُغَة كَمَا قَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي على وُجُوه مرجعها إِلَى انْقِضَاء الشَّيْء وَتَمَامه اه. الْقُسْطَلَانِيّ فَيرد بِمَعْنى الْأَمر مِنْهُ. وَقضى رَبك وَالْعلم مِنْهُ قضيت لَك بِكَذَا أعلمتك، بِهِ والإتمام مِنْهُ فَإِذا قضيتم الصَّلَاة} (النِّسَاء: 103) ، وَالْفِعْل مِنْهُ فَاقْض مَا أَنْت قَاض، والإرادة مِنْهُ فَإِذا قضى أمرا، وَالْمَوْت مِنْهُ ليَقْضِ علينا رَبك، وَالْكِتَابَة مِنْهُ وَكَانَ أمرا مقضياً، والفصل مِنْهُ، وَقضى بَينهم بِالْحَقِّ، والخلق مِنْهُ، فقضاهن سبع سموات اه وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْقَضَاء الحكم وَفِي التَّبْصِرَة معنى قَوْلهم قضى القَاضِي أَي ألزم الْحق أَهله قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت} (سبأ: 14) أَي ألزمناه إِيَّاه. وأصل مشروعيته من الْكتاب قَوْله تَعَالَى: يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة} (ص: 26) الْآيَة. وَقَوله تَعَالَى: إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس} (النِّسَاء: 10) وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} (الْمَائِدَة: 49) وَمن السّنة مَا خرجه التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاضِيا إِلَى الْيمن. وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ وَإِنَّكُمْ تختصمون إِلَيّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع) الحَدِيث. ثمَّ إِنَّه من الْعُقُود الْجَائِزَة فَلِكُل مِنْهُمَا الْفَسْخ شرع أم لَا كَمَا يفهم من عجز الْبَيْت الْآتِي. فَمن شبهه بالجعل والقراض مُرَاده فِي مُطلق الْجَوَاز لِأَنَّهُمَا يلزمان بِالشُّرُوعِ بِخِلَافِهِ هُوَ،(1/28)
وَهُوَ من فروض الْكِفَايَة حَيْثُ تعدد من فِيهِ أَهْلِيَّته وإلاَّ تعين حِينَئِذٍ وَلزِمَ الْمُتَعَيّن أَو الْخَائِف فتْنَة إِن لم يتول أَو ضيَاع الْحق الْقبُول والطلب، وأجبر عَلَيْهِ وَأَن يضْرب وَإِلَّا فَلهُ الْهَرَب الخ، وَإِنَّمَا كَانَ فرضا لِأَن الْإِنْسَان لَا يسْتَقلّ بِأَمْر دُنْيَاهُ فَيكون طحاناً خبازاً جزاراً حراثاً مثلا، وبالضرورة يحصل التشاجر وَالْخِصَام فاحتيج إِلَى من يقطع ذَلِك وَلكَون الْقطع الْمَذْكُور يحصل بِوَاحِد أَو جمَاعَة كَانَ كِفَايَة ولعظم خطره جَازَ لَهُ الْهَرَب مَعَ عدم الْخَوْف وضياع الْحق أَي وَلَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ بِتَعْيِين الإِمَام بِخِلَاف غَيره من فروض الْكِفَايَة (خَ) فِي الْجِهَاد: وَتعين بِتَعْيِين الإِمَام. وَعرفا قَالَ ابْن عَرَفَة: صفة حكمِيَّة توجب لموصوفها نُفُوذ حكمه الشَّرْعِيّ وَلَو بتعديل أَو تجريح لَا فِي عُمُوم مصَالح الْمُسلمين فَتخرج ولَايَة الشرطة والتحكيم وَأَخَوَاتهَا وَالْولَايَة الْعُظْمَى اه. فَقَوله: وَلَو بتعديل الخ مُبَالغَة فِي مُقَدّر أَي نُفُوذ حكمه فِي كل شَيْء وَلَو بتعديل الخ. وَبِذَلِك الْمُقدر تدخل التأجيلات وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا أَحْكَام يَنْبَنِي عَلَيْهَا من بعده وَتخرج ولَايَة الشرطة وَأَخَوَاتهَا لِأَنَّهَا خَاصَّة بِبَعْض الْأَشْيَاء كالحسبة بِأَحْكَام السُّوق، وَكَذَا يخرج بقوله ثَبت عِنْدِي كَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحكم كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده.(1/29)
قلت: وَالظَّاهِر أَن مفعول قَوْله توجب مَحْذُوف وَأَن نُفُوذ على حذف مُضَاف ومتعلق أَي توجب لموصوفها كَونه بصدد نُفُوذ حكمه، فالصفة إِن كَانَت توجب كَونه بصدد نُفُوذ حكمه فِي كل شَيْء فَمن قَامَت بِهِ قَاض وَإِن كَانَت توجب كَونه بصدد حكمه فِيمَا حكم فِيهِ فَقَط فمحكم، فَالْقَاضِي من ثبتَتْ لَهُ تِلْكَ الصّفة فصل أَو لم يفصل، وَبِه يسْقط قَول (خَ) لم يظْهر لي وَجه خُرُوجه قَالَ: لِأَن الْمُحكم ينفذ حكمه بِكُل شَيْء حكم بِهِ صَوَابا مثل القَاضِي، وَإِنَّمَا يفترقان فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء. وَقَول (ت) إِن التَّحْكِيم خَارج بِعُمُوم الْإِضَافَة فِي حكمه أَي جَمِيع أَحْكَامه يرد بِأَن هَذَا الْعُمُوم هُوَ الْمُقدر قبل الْمُبَالغَة وَهُوَ شَامِل للمحكم الْمَذْكُور لِأَنَّهُ أَيْضا تنفذ جَمِيع أَحْكَامه الَّتِي حكمهَا صَوَابا (خَ) وَمضى أَن حكم صَوَابا تَأمل. وَقَوله: حكمِيَّة أَي اعتبارية. وَقَوله: نُفُوذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة بِمَعْنى الْمُضِيّ واللزوم لَا بِمَعْنى التَّنْفِيذ بِالْفِعْلِ لتعذره فِي الْجَبَابِرَة. وَقَوله: حكمه أَي إِلْزَامه أَي توجب لموصوفها لُزُوم إِلْزَامه، فاللزوم فرع الْإِلْزَام والتنفيذ بِالْفِعْلِ أَمر زَائِد على ذَلِك وَخرج بالشرعي غَيره فَلَا يمْضِي. وَقَوله: وَلَو بتعديل أَو تجريح الخ، قَالَ (ت) لم يظْهر لي وَجه الْمُبَالغَة عَلَيْهِمَا بخصوصهما، فَإِن قيل: لكَونه يسْتَند لعلمه فيهمَا قيل مثلهمَا تَأْدِيب من أَسَاءَ عَلَيْهِ وَضرب خصم لد الخ.(1/30)
قلت: إِنَّمَا قَصده على أَن يُبَالغ على جنس مَا يسْتَند فِيهِ لعلمه، ويكفيه أَن يذكر مِنْهُ بعض أَفْرَاده وَالْمُبَالغَة عَلَيْهِ أولى من الْحُدُود لقُوَّة توهمه وَقَوله: لَا فِي عُمُوم الخ بِهِ خرجت الْولَايَة الْعُظْمَى لِأَن نظرها أوقع لِأَن القَاضِي لَيْسَ لَهُ قسْمَة الْغَنَائِم وَلَا تَفْرِيق الزَّكَاة وَلَا تَرْتِيب الجيوش وَلَا قتال الْبُغَاة وَلَا الإقطاعات. ثمَّ كَمَا يُطلق الْقَضَاء فِي الِاصْطِلَاح على الصّفة الْمَذْكُورَة، كَذَلِك يُطلق على الحكم والفصل فَيُقَال: قَضَاء القَاضِي حق أَو بَاطِل وَتقدم عَن الْجَوْهَرِي أَنه يُطلق على ذَلِك لُغَة. قلت: وَبِاعْتِبَار الْإِطْلَاق الثَّانِي رسمه الْقَرَافِيّ فَقَالَ: الحكم إنْشَاء إِلْزَام أَو إِطْلَاق فالإلزام كَالْحكمِ بِلُزُوم الصَدَاق أَو النَّفَقَة أَو الشُّفْعَة، وَقد يكون بِعَدَمِ الْإِلْزَام كَالْحكمِ بِعَدَمِ لُزُوم مَا ذكر، وَالْإِطْلَاق كَالْحكمِ بِزَوَال الْملك عَن أَرض زَالَ إحياؤها أَو زَوَال ملك الصَّائِد عَن صيد ند الخ، وَكَذَا رسمه ابْن رشد بِاعْتِبَار هَذَا الْإِطْلَاق أَيْضا حَيْثُ قَالَ: هُوَ الْإِخْبَار بِحكم شَرْعِي على وَجه الْإِلْزَام أَي إنْشَاء الْإِخْبَار فَهُوَ مساوٍ لرسم الْقَرَافِيّ إِلَّا أَن الحكم فِي كَلَام ابْن رشد لَا يفسره بالإلزام بل بِالْخِطَابِ أَي بخطاب شَرْعِي، وَالْخطاب الشَّرْعِيّ هُوَ خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِفعل الْمُكَلف، ثمَّ تبين لي أَنه يَصح تَفْسِيره بإلزام أَيْضا أَي بإلزام شَرْعِي ألزم الشَّارِع بِهِ عباده على وَجه إِلْزَامه هُوَ لِلْخَصْمَيْنِ أَو أَحدهمَا وكل من الرسمين غير مطرد لصدقهما بحكمي الصَّيْد وَسَائِر الخطط الشَّرْعِيَّة، فَلَو قَالَا إنْشَاء إِلْزَام يُوجب نُفُوذه فِي كل شَيْء وَلَو بتعديل الخ لسلما من ذَلِك، وَالضَّمِير فِي قَوْلنَا يُوجب يعود على الْإِنْشَاء وَفِي قَوْلنَا نُفُوذه يعود على الْإِلْزَام. ثمَّ إِنَّه على الْإِطْلَاق الثَّانِي تعرض لَهُ الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَلَا إِشْكَال. وَكَذَا على الأول لِأَن قَوْله نُفُوذ حكمه مَعْنَاهُ كَمَا مرّ لُزُوم إِلْزَامه وإلزامه يعرض لَهُ مَا ذكر وَبِه يسْقط قَول من قَالَ: إِنَّمَا تعرض لَهُ بِاعْتِبَار الْقبُول والطلب لِأَن الْقَضَاء صفة وَلَا شَيْء من الصِّفَات بمعروض للْأَحْكَام الْمَذْكُورَة، ثمَّ إِن المُصَنّف اكْتفى بتعريف القَاضِي عَن تَعْرِيف الْقَضَاء المبوب لَهُ فَقَالَ:(1/31)
مُنَفِّذٌ بالشِّرْعِ لِلأَحْكَامِ لَهُ نِيِابَةٌ عَنِ الإمَامِ (منفذ) أَي هُوَ القَاضِي الْمَفْهُوم من الْقَضَاء منفذ الخ لِأَن الْقَضَاء على مَعْنَاهُ من المصدرية لَا بُد لَهُ من شخص يقوم بِهِ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِالْقضَاءِ الْوَصْف أَي بَاب القَاضِي وعَلى كل فَفِي الْكَلَام اسْتِخْدَام لِأَنَّهُ فِي الأول أطلق الْقَضَاء على مَعْنَاهُ المصدري، وَأعَاد عَلَيْهِ الضَّمِير الْمُقدر قبل قَوْله منفذ بِاعْتِبَار الْوَصْف، وَفِي الثَّانِي أطلقهُ على الْوَصْف وَأعَاد عَلَيْهِ الضَّمِير فِي بِهِ بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ المصدري و (بِالشَّرْعِ) وَهُوَ مَا شَرعه الله للعباد يتَعَلَّق بِهِ، وَكَذَا قَوْله (للْأَحْكَام) وأل فِيهِ للاستغراق فَتخرج بِهِ سَائِر الخطط لِأَن أَحْكَامهَا خَاصَّة بِبَعْض الْأَشْيَاء كَمَا مر مَا عدا الْإِمَامَة الْعُظْمَى أخرجهَا بقوله: (لَهُ) أَي القَاضِي (نِيَابَة عَن الإِمَام) فَهُوَ من تَمام الْحَد، وَالْجُمْلَة خبر ثَان وَكَأَنَّهُ قَالَ القَاضِي هُوَ النَّائِب عَن الإِمَام فِي تَنْفِيذ جَمِيع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة أَي إلزامها نفذت بِالْفِعْلِ أم لَا، فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْقَضَاء بِالْمَعْنَى المصدري هُوَ نِيَابَة عَن الإِمَام فِي تَنْفِيذ الْأَحْكَام إِلَخ، إِذْ يلْزم من تَعْرِيف الْفَرْع تَعْرِيف الأَصْل، وَأَن النَّائِب لَا يقوى قُوَّة المنوب عَنهُ فَلَيْسَ لَهُ النّظر فِي تجهيز الجيوش وَقسم الْغَنَائِم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مر وَأَن للْإِمَام عَزله لِأَنَّهُ وَكيل عَنهُ وَكَذَا لَهُ هُوَ عزل نَفسه لِأَنَّهُ من الْعُقُود الْجَائِزَة شرع أم لَا كَمَا فِي ضيح وَابْن فَرِحُونَ وَغَيرهمَا. وَقَوله: للْأَحْكَام جمع حكم وَهُوَ مَا يلْزمه القَاضِي لأحد الْخَصْمَيْنِ، ثمَّ إِن حكم فِي مَسْأَلَة اجتهادية تتقارب فِيهَا المدارك لأجل مصلحَة دنيوية فمحكمة إنْشَاء، فَإِذا قضى الْمَالِكِي مثلا بِلُزُوم الطَّلَاق فِي الَّتِي علق طَلاقهَا على نِكَاحهَا فقضاؤه إنْشَاء نَص خَاص وَارِد من قبله سُبْحَانَهُ فِي خُصُوص هَذِه الْمَرْأَة الْمعينَة فَلَيْسَ للشَّافِعِيّ أَن يُفْتِي فِيهَا بِعَدَمِ لُزُوم الطَّلَاق استناداً لدليله الْعَام الشَّامِل لهَذِهِ الصُّورَة(1/32)
ولغيرها لِأَن حكم الْحَاكِم فِيهَا جعله الله تَعَالَى نصا خَاصّا وارداً من قبله رفعا للخصومات وقطعاً للمشاجرة وَالْقَاعِدَة الْأُصُولِيَّة إِذا تعَارض خَاص وعام قدم الْخَاص. نعم للشَّافِعِيّ أَن يُفْتِي وَيحكم فِي غَيرهَا بِمُقْتَضى دَلِيله، وَكَذَا لَو حكم الشَّافِعِي فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة باستمرار الزَّوْجِيَّة بَينهمَا خرجت عَن دَلِيل الْمَالِكِي وَلَزِمَه أَن يُفْتِي فِيهَا بِلُزُوم النِّكَاح ودوامه وَفِي غَيرهَا بِلُزُوم الطَّلَاق. وَهَكَذَا حكمه فِي مَوَاطِن الْخلاف كَانَ دَاخل الْمَذْهَب أَو خَارجه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَرفع الْخلاف الخ. قلت: وَهَذَا فِي الْمُجْتَهد أَو الْمُقَلّد الَّذِي مَعَه فِي مَذْهَب إِمَامه من النّظر مَا يرجح بِهِ أحد الدَّلِيلَيْنِ على الآخر، وَأما غَيرهمَا فمحجر عَلَيْهِ الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل فَحكمه بذلك إِخْبَار وتنفيذ مَحْض. نعم إِذا تساوى الْقَوْلَانِ فِي التَّرْجِيح فَحكمه إنْشَاء رفع للْخلاف، وَخرج باجتهادية حكم حكمه فِي مَوَاضِع الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ إِخْبَار مَحْض لَا إنْشَاء فِيهِ لتعين الحكم بذلك وثبوته وبقيد التقارب الخ الْمدْرك الضَّعِيف كالشفعة للْجَار واستسعاء الْمُعْتق فَالْحكم بسقوطهما إِخْبَار مَحْض وَالْحكم بثبوتهما ينْقض لضعف الْمدْرك عِنْد الْقَائِل بِهِ، وبقيد الْمصلحَة الدُّنْيَوِيَّة الْعِبَادَات كتحريم السبَاع وطهارة الْأَوَانِي والمياه، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا اخْتلف فِيهِ أهل الِاجْتِهَاد لَا للدنيا بل للآخرة، فَهَذِهِ تدْخلهَا الْفَتْوَى فَقَط إِذْ لَيْسَ للْحَاكِم أَن يحكم بِأَن هَذِه الصَّلَاة صَحِيحَة أَو بَاطِلَة بِخِلَاف الْمُنَازعَة فِي الْأَمْلَاك والأوقاف والرهون، وَنَحْوهَا مِمَّا اخْتلف فِيهَا لمصْلحَة الدُّنْيَا، وَكَذَا أَخذه لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِن الْخلاف فَهُوَ حكم من جِهَة أَنه تنَازع بَين الْفُقَرَاء والأغنياء لَا أَن أخبر عَن نِصَاب اخْتلف فِيهِ أَنه يُوجب الزَّكَاة ففتوى فَقَط ثمَّ لَا يتَوَقَّف حكمه على قَوْله حكمت بل إِن لم يفعل أَكثر من تَقْرِير الْحَادِثَة أَو سُكُوته كَمَا لَو رفعت إِلَى حَنَفِيّ امْرَأَة زوجت نَفسهَا بِغَيْر ولي فَسكت عَنْهَا، فَالْحكم عِنْد ابْن الْقَاسِم لَيْسَ لمن أَتَى بعده من مالكي أَو غَيره النّظر فِي خُصُوص تِلْكَ الْحَادِثَة لِأَن إِقْرَاره إِيَّاه كَالْحكمِ بإجازته. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَيْسَ بِحكم فَإِن قَالَ عِنْد رَفعهَا إِلَيْهِ أَنا لَا أُجِيز النِّكَاح بِغَيْر ولي من غير أَن يحكم بفسخه ففتوى فَقَط قَالَه ابْن شَاس وَتَبعهُ غَيره. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: الظَّاهِر أَنه حكم فَلَيْسَ لغيره نقضه وَهُوَ الْمُوَافق لما مر لِأَن قَوْله: أَنا لَا أُجِيز النِّكَاح بِغَيْر ولي إِخْبَار عَن رَأْيه ومعتقده، وَلَا يلْزم من ذَلِك فَسخه، وَإِذا لم يلْزم بَقِي ساكتاً عَنهُ وَالسُّكُوت تَقْرِير لَهُ وَهُوَ حكم عِنْد ابْن الْقَاسِم، وَاخْتلف فِي قَوْله: ثَبت عِنْدِي كَذَا هَل هُوَ وَالْحكم بِمَعْنى أَو الثُّبُوت غير الحكم وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّهُ يُوجد بِدُونِهِ كثبوت هِلَال رَمَضَان، وطهارة الْمِيَاه ونجاستها وَالتَّحْرِيم بَين الزَّوْجَيْنِ بِالرّضَاعِ حَيْثُ لَا تنَازع بَينهمَا فِيهِ، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا تدخله الْأَحْكَام وَإِذا وجد بِدُونِ حكم كَانَ أَعم مِنْهُ، والأعم من الشَّيْء غَيره ثمَّ الَّذِي يفهم من الثُّبُوت نهوض الْحجَّة كالبينة وَنَحْوهَا السالمة من الطعْن فَمَتَى وجد ذَلِك يَقُول فِيهِ القَاضِي ثَبت عِنْدِي كَذَا، وَقد يُوجد الحكم أَيْضا بِدُونِ الثُّبُوت كَالْحكمِ بِالِاجْتِهَادِ فِي قدر التأجيلات وَنَحْوهَا، فبينهما حِينَئِذٍ الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه، وَأَيْضًا يفرق بَينهمَا بِأَن ثُبُوت الْحجَّة مُغَاير للْكَلَام النفساني الإنشائي الَّذِي هُوَ الحكم، وَلَا يخفى أَن نهوض الْحجَّة مقدم على الحكم فَهُوَ غَيره قطعا. قَالَ الْقَرَافِيّ: وَقد علمت مِنْهُ أَن قَول القَاضِي أعلم بِثُبُوتِهِ أَو باستقلاله أَو ثَبت عِنْدِي وَنَحْوه يكون بعد كَمَال الْبَيِّنَة وَقبل الْإِعْذَار فِيهَا، لِأَن الْأَعْذَار فرع ثُبُوتهَا وقبولها فَلَا يعْذر للخصم فِي شَيْء لم يثبت عِنْده، وَفعله جعل إِذْ الْإِعْذَار سُؤال الْحَاكِم(1/33)
من توجه عَلَيْهِ الحكم هَل لَهُ مَا يسْقطهُ وَيمْتَنع سُؤَاله قبل الْأَدَاء وَالْقَبُول والثبوت. وَقَوله فِي النَّص السالمة من الطعْن يَعْنِي فِي ظَنّه واعتقاده لِأَنَّهُ يسند لعلمه فِي ذَلِك فَقَوْل (ت) وَلَا يكون أَي الثُّبُوت إِلَّا بعد كَمَال الْبَيِّنَة والإعذار فِيهَا سَهْو بل يكون الثُّبُوت فِيمَا لَا خُصُومَة فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا مرّ. تَنْبِيهَات الأول: قَالَ الْقَرَافِيّ: الْفَتْوَى وَالْحكم كِلَاهُمَا خبر عَن الله تَعَالَى، وَيجب على السَّامع اعْتِقَاد ذَلِك إِلَّا أَن الْفَتْوَى مَحْض إِخْبَار وَالْحكم إِخْبَار مَعْنَاهُ الْإِنْشَاء والإلزام، وَكِلَاهُمَا يلْزم الْمُكَلف، فالمفتي مَعَ الله تَعَالَى كالمترجم مَعَ القَاضِي ينْقل عَنهُ مَا وجده عِنْده واستفاده مِنْهُ بِإِشَارَة أَو عبارَة أَو فعل أَو تَقْرِير أَو ترك، وَالْحَاكِم مَعَ الله تَعَالَى كنائب الْحَاكِم ينشىء الْأَحْكَام والإلزام وَلَيْسَ بناقل ذَلِك بل مستنبئه فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَي شَيْء حكمت بِهِ على الْقَوَاعِد فقد جعلته حكمي، فكلاهما مُطِيع لله تَعَالَى ناقل لحكمه غير أَن أَحدهمَا منشىء وَالْآخر ناقل اه. وَقَوله: وَيجب على السَّامع اعْتِقَاد ذَلِك الخ. من أجل ذَلِك قَالَ قَاض لخصم اتهمه فِي حكمه لست بِمُؤْمِن، فَقَالَ وَبِمَ كفرتني؟ فَقَالَ لَهُ قَالَ تَعَالَى: فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك} إِلَى آخر قَوْله: ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً} (النِّسَاء: 56) الْآيَة. الثَّانِي: علما الْقَضَاء وَالْفَتْوَى أخص من الْعلم بالفقه لِأَن مُتَعَلق الْفِقْه كلي من حَيْثُ صدق كليته على جزئيات فحال الْفِقْه من حَيْثُ هُوَ فَقِيه كَحال عَالم بكبرى قِيَاس الشكل الأول فَقَط، وَحَال القَاضِي والمفتي كَحال عَالم بهَا مَعَ علمه بصغراه وَلَا خَفَاء أَن الْعلم بهما أشق وأخص، وَأَيْضًا فقها الْقَضَاء وَالْفَتْوَى مبنيان على إِعْمَال النّظر فِي الصُّور الْجُزْئِيَّة وَإِدْرَاك مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْأَوْصَاف الكائنة فِيهَا فيلغي طرديها وَيعْمل معتبرها قَالَه ابْن عَرَفَة فَقَوله: وَأَيْضًا فقها الخ، هُوَ بَيَان لوجه كَونهمَا أخص بعد أَن بَينه بالمثال وَقَوله: طرديها أَي الْأَوْصَاف الطردية الَّتِي لَا تنبني على وجودهَا أَو فقدها ثَمَرَة، وَهَذَا وَجه تخطئة الْمُفْتِينَ والقضاة لبَعْضهِم بَعْضًا، فقد يَبْنِي القَاضِي والمفتي حكمه على الْأَوْصَاف الطردية المحتفة بالنازلة ويغفل عَن أوصافها الْمُعْتَبرَة، وأصل مَا ذكره ابْن عَرَفَة لِابْنِ عبد السَّلَام. وَنَصه: وَعلم الْقَضَاء وَإِن كَانَ أحد أَنْوَاع علم الْفِقْه وَلكنه يتَمَيَّز بِأُمُور لَا يحسنها كل الْفُقَهَاء، وَرُبمَا كَانَ بعض النَّاس عَارِفًا بفصل الْخِصَام وَإِن لم يكن لَهُ بَاعَ فِي غير ذَلِك من أَبْوَاب الْفِقْه، كَمَا أَن علم الْفَرَائِض كَذَلِك وَلَا غرابة فِي امتياز علم الْقَضَاء عَن غَيره من أَنْوَاع الْفِقْه، وَإِنَّمَا الغرابة فِي اسْتِعْمَال كليات الْفِقْه وتطبيقها على جزئيات الوقائع وَهُوَ عسير، فتجد الرجل يحفظ كثيرا من الْعلم وَيفهم وَيعلم غَيره، وَإِذا سُئِلَ عَن وَاقعَة بِبَعْض الْعَوام من مسَائِل الْإِيمَان وَنَحْوهَا لَا يحسن الْجَواب عَنْهَا، وللشيوخ فِي ذَلِك حكايات نبه ابْن سهل فِي أول كِتَابه على بَعْضهَا اه. وَبِه تعلم أَن معنى قَوْله فِي ضيح: وَعلم الْقَضَاء وَإِن كَانَ أحد أَنْوَاع الْفِقْه، لكنه يتَمَيَّز بِأُمُور لَا يحسنها كل الْفُقَهَاء، وَقد يحسنها من لَا بَاعَ لَهُ فِي الْفِقْه اه. هُوَ أَنه من لَا بَاعَ لَهُ فِي حفظ مسَائِل الْفِقْه، لكنه مَعَه من الفطنة مَا يدْخل بِهِ الجزئيات تَحت كلياتها بِخِلَاف غَيره، فَهُوَ وَإِن كَانَ كثير الْحِفْظ لمسائله لَكِن لَيْسَ مَعَه من تِلْكَ الفطنة شَيْء كَمَا يرشد إِلَيْهِ كَلَام ابْن عبد السَّلَام، وَلذَلِك نقلته برمتِهِ. وَكثير من الحمقاء اغْترَّ بِظَاهِر كَلَام ضيح حَتَّى قَالَ: إِن الْقَضَاء صناعَة يُحسنهُ من لَا شَيْء مَعَه من الْفِقْه، وَجرى ذَلِك على أَلْسِنَة كثير(1/34)
مِنْهُم، وَاحْتَجُّوا بقول المُصَنّف الْآتِي وَيسْتَحب الْعلم فِيهِ الخ وَهُوَ احتجاج سَاقِط. قَالَ ابْن رشد: لَيْسَ الْعلم الَّذِي هُوَ الْفِقْه فِي الدّين بِكَثْرَة الرِّوَايَة وَالْحِفْظ إِنَّمَا هُوَ نور يَضَعهُ الله حَيْثُ شَاءَ، وَقد أجبْت عَن ضيح بِمَا مر قبل الْوُقُوف على كَلَام ابْن عبد السَّلَام وَالله أعلم. الثَّالِث: تثبت ولَايَة الْقَضَاء بِالشَّهَادَةِ على الْإِمَامَة مشافهة أَنه ولى فلَانا أَو بالاستفاضة وانتشار الْخَبَر أَنه ولاه، وَمنع بَعضهم ثُبُوتهَا بِكِتَاب يقْرَأ عَن الإِمَام إِلَّا أَن ينظر الشُّهُود فِيمَا يَقْرَؤُهُ القارىء لجَوَاز أَن يقْرَأ مَا لَيْسَ فِي الْكتاب وتنعقد بِالصَّرِيحِ: كوليتك وقلدتك واستخلفتك واستنبتك وبالكناية: كاعتمدت عَلَيْك وعولت عَلَيْك ورددت إِلَيْك وَجعلت إِلَيْك وفوضت إِلَيْك ووكلت إِلَيْك وأسندت إِلَيْك وعهدت إِلَيْك، وَلَا بُد أَن يقْتَرن بِالْكِنَايَةِ مَا يَنْفِي عَنْهَا الِاحْتِمَال مثل: احكم فِيمَا اعتمدت عَلَيْك فَإِن كَانَ الْمولى بِالْفَتْح غَائِبا فَيجوز قبُوله على التَّرَاخِي وَيَكْفِي فِي الْقبُول شُرُوعه، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْقبُول إِذا ولاه الْأَمِير الْغَيْر الْعدْل وَلَا تتمّ تَوليته، حَتَّى يكون المولِي بِالْكَسْرِ عَالما بشرائط الْولَايَة فِي الْمولى بِالْفَتْح وَإِن جهلها وَقت العقد لم تصح واستأنف، وَلَا بُد أَيْضا من تعْيين الْبَلَد الَّذِي عقدت عَلَيْهِ الْولَايَة فِيهِ وَتَعْيِين الخطة من كَونهَا قَضَاء أَو إِمَارَة أَو جباية ليعلم على أَي نظر عقدت لَهُ وإلاَّ فَسدتْ. الرَّابِع: لَا يخفى أَن قَول النَّاظِم منفذ الخ. يتَضَمَّن أَرْكَان الْقَضَاء الْخَمْسَة لِأَن المنفذ يسْتَلْزم مقضياً لَهُ وَعَلِيهِ وَفِيه. وَقَوله: بِالشَّرْعِ هُوَ الْمقْضِي بِهِ وَكَيْفِيَّة الْقَضَاء وَسَتَأْتِي مفصلة إِن شَاءَ الله. لَطِيفَة: نقل الْحطاب عَن المشذالي أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَى عَامله بِالْبَصْرَةِ أَن اجْمَعْ بَين إِيَاس بن مُعَاوِيَة وَالقَاسِم بن ربيعَة فولِّ الْقَضَاء أنفذهما، فَجمع الْعَامِل بَينهمَا وَذكر لَهما مَا كتب لَهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ إِيَاس: سل عني وَعَن الْقَاسِم فقيهي الْمصر الْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين، وَكَانَ إِيَاس لَا يأتيهما وَالقَاسِم يأتيهما، فَعلم الْقَاسِم أَنه إِن سَأَلَهُمَا أشارا بِهِ فَقَالَ لَهُ: لَا تسْأَل عني وَلَا عَنهُ، فوَاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ إِن إياساً أفقه مني وَأعلم بِالْقضَاءِ، فَإِن كنت كَاذِبًا فَمَا عَلَيْك أَن توليني وَأَنا كَاذِب وَإِن كنت صَادِقا فَيَنْبَغِي لَك أَن تقبل قولي فَقَالَ لَهُ إِيَاس: إِنَّك جِئْت بِرَجُل وأوقفته على شفا جَهَنَّم فنجى نَفسه مِنْهَا بِيَمِين كَاذِبَة فيستغفر الله مِنْهَا وينجو مِمَّا يخَاف فَقَالَ لَهُ الْعَامِل: أما إِنَّك إِذا فهمتها فَأَنت لَهَا فاستقضاه اه. واسْتُحْسِنَتْ فِي حَقَّهِ الْجَزَالَهْ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَهْ (واستحسنت) : أَي اسْتحبَّ (فِي حَقه) أَي القَاضِي (الجزالة) من جزل فَهُوَ جزيل أَي عَاقل أصيل الرَّأْي، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ لازمها الَّذِي هُوَ جودة الفطنة فالمستحب شَيْء خَاص وَهُوَ أَصَالَة الرَّأْي وَكَثْرَة الفطنة الْمُوجبَة للشهرة بهَا بِشَرْط أَن لَا تصل إِلَى حد الدهاء، وإلاَّ فالمطلوب السَّلامَة مِنْهَا، وَأما مُطلق الفطنة الْمَانِع من كَثْرَة التغفل ومشي الْحِيَل عَلَيْهِ فَهُوَ شَرط صِحَة فِي ولَايَته دَاخل فِي قَوْله: (وَشَرطه) أَي شُرُوط صِحَة ولَايَته (التَّكْلِيف) أَي الْعقل وَالْبُلُوغ فَلَا تَنْعَقِد لصبيٍ وَلَا لفاقد(1/35)
الْعقل من مَجْنُون ومعتوه، إِذْ لَا يجْرِي عَلَيْهِم قلم وَلَا لفاقد تَمَامه كمغفل لِأَن التغفل إِذا كَانَ مَانِعا من الشَّهَادَة فأحرى الْقَضَاء (وَالْعَدَالَة) وَهِي تَسْتَلْزِم الْإِسْلَام وَعدم الْفسق، فالكافر لَا ولَايَة لَهُ لقَوْله تَعَالَى: وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} (النِّسَاء: 141) وَالْفَاسِق كَذَلِك لَا تصح ولَايَته وَلَا ينفذ حكمه وَافق الْحق أم لَا. لِأَنَّهُ لَا تقبل شَهَادَته فأحرى قَضَاؤُهُ وَقَالَ أصبغ: تَنْعَقِد ولَايَته وَيجب عَزله ويمضى من أَحْكَامه مَا وَافق الْحق على الْمَشْهُور، والجور نوع من الْفسق فَإِذا ثَبت جوره فِي قَضِيَّة بِإِقْرَار وَنَحْوه نقضت أَحْكَامه كلهَا. وَمِنْه تَقْدِيمه للشَّهَادَة من يعرف جرحه فَلَا عذر لَهُ فِي أَنه إِنَّمَا يقدمهُ خوفًا من موليه، إِذْ لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق. وَفِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا يخَاف الْعَزْل فَقَط. فَإِن قيل: الْعَدَالَة كَمَا تَسْتَلْزِم الْإِسْلَام وَعدم الْفسق كَذَلِك تَسْتَلْزِم الْحُرِّيَّة والتكليف أَيْضا، فَلَو اكْتفى النَّاظِم بهَا وأبدل التَّكْلِيف بالفطنة وَأسْقط الْحُرِّيَّة الْآتِيَة كَمَا فعل خَلِيل حَيْثُ قَالَ: أهل الْقَضَاء عدل ذكر فطن الخ. لَكَانَ أحسن وأخصر. قُلْنَا: الْعَدَالَة عِنْد خَلِيل تَسْتَلْزِم مَا ذكر لِأَنَّهُ فَسرهَا فِي الشَّهَادَات بذلك فَقَالَ: الْعدْل حر مُسلم عَاقل بَالغ بِلَا فسق الخ. فَلذَلِك حسن مِنْهُ الِاكْتِفَاء فِي بَاب الْقَضَاء بِخِلَافِهَا عِنْد النَّاظِم فَإِنَّمَا تَسْتَلْزِم الْإِسْلَام وَعدم الْفسق بِدَلِيل قَوْله الْآتِي: وَالْعدْل من يجْتَنب الْكَبَائِر وَيَتَّقِي فِي الْغَالِب الصَّغَائِر وَأنْ يَكُونَ ذَكَراً حُرًّا سَلِمْ مِنْ فَقْدِ رُؤْيَةٍ وَسَمْعٍ وَكَلِمْ (وَأَن يكون ذكرا) فَلَا تَنْعَقِد ولَايَة الْمَرْأَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة) وَلِأَن بعض النِّسَاء رُبمَا كَانَت صورتهَا فتْنَة. (حرا) وَلَو عتيقاً على الْمَشْهُور. وَقَالَ سَحْنُون: لَا تصح ولَايَته لِأَنَّهُ قد يستحي فَترد أَحْكَامه، وَأما الرَّقِيق وَلَو بشائبة فَلَا ولَايَة لَهُ لِأَنَّهُ مَمْنُوع من ولَايَة نَفسه، فَكيف لولاية غَيره وَلِأَنَّهُ أثر كفر. وَبَقِي من شُرُوط الصِّحَّة كَونه وَاحِدًا فَلَا تصح تَوْلِيَة اثْنَيْنِ على أَن لَا ينفذ حكم فِي كل قَضِيَّة إِلَّا باجتماعهما مَعًا عَلَيْهِ لاخْتِلَاف الْأَغْرَاض وَتعذر الِاتِّفَاق غَالِبا، وَذَلِكَ يُفْضِي لتعطيل الْأَحْكَام، وَأما تَوْلِيَة كل مِنْهُمَا على سَبِيل الِاسْتِقْلَال فَجَائِز، وَكَذَا فِي قَضِيَّة وَاحِدَة مُعينَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة (خَ) : وَجَاز تعدد مُسْتَقل(1/36)
وخاص بِنَاحِيَة أَو نوع الخ. وَكَونه مُجْتَهدا فَلَا تصح تَوْلِيَة الْمُقَلّد مَعَ وجوده، وَاخْتلف الأصوليون هَل يُمكن خلو زمَان من الْأَزْمِنَة عَن مُجْتَهد أم لَا؟ وَلَا تصح الدَّعْوَى بِعَدَمِ وجوده إِلَّا من مُجْتَهد إِذْ القَوْل بانتفائه فرع إِدْرَاك مرتبته فَإِن لم يُوجد الْمُجْتَهد فَيُسْتَحَب تَوْلِيَة أعلم المقلدين، وَهُوَ مُرَاد خَلِيل بقوله: مُجْتَهد إِن وجد وإلاَّ فأمثل مقلِّد بِكَسْر اللَّام فَحكم بقول مقلَّده بِفَتْحِهَا فكونه أمثل مقلد مُسْتَحبّ لَا وَاجِب كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامه. وَكَونه غير دَافع رشوة لتحصيله فَإِن دَفعهَا فَلَا تَنْعَقِد ولَايَته وقضاؤه مَرْدُود، وَلَو وَافق الْحق وتوفرت فِيهِ شُرُوط الْقَضَاء كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَاعْتَمدهُ الزّرْقَانِيّ وَقَول الْحطاب، وَالظَّاهِر أَنه إِذا طلب الْقَضَاء فولي لَا يجب عَزله الخ يَعْنِي إِذا طلبه بِغَيْر رشوة وَالله أعلم. ثمَّ إِنَّه إِذا انْفَرد وَاحِد بِهَذِهِ الشُّرُوط تعين عَلَيْهِ (خَ) : وَلزِمَ الْمُتَعَيّن أَو الْخَائِف فتْنَة إِن لم يتول أَو ضيَاع الْحق الْقبُول والطلب الخ، ابْن عَرَفَة: وَهَذَا كُله مَا لم تكن تَوليته ملزومة لما لَا يحل من تَكْلِيفه تَقْدِيم مَا لَا يحل تَقْدِيمه للشَّهَادَة، وَقد شاهدنا من ذَلِك مَا الله أعلم بِهِ اه. يُرِيد إِنَّمَا يلْزمه الْقبُول تعين أم لَا إِذا كَانَ يعان على الْحق وَإِلَّا لم يلْزمه وَظَاهر قَوْله: (سلم. من فقد رُؤْيَة وَسمع وكلم) أَن السَّلامَة من فقد جَمِيعهَا شَرط صِحَة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْمَذْهَب أَن السَّلامَة من فقد أَحدهَا شَرط فِي جَوَاز ولَايَته ابْتِدَاء وَفِي جَوَاز دوامها فَتَصِح ولَايَته بعد الْوُقُوع وَينفذ مَا حكم بِهِ وَيجب عَزله كَمَا أَفَادَهُ خَلِيل بقوله: وَنفذ حكم أعمى وأبكم وأصم وَوَجَب عَزله الخ. قلت: فَلَو قَالَ على مَا مر من أَن الْعَدَالَة تَسْتَلْزِم الْحُرِّيَّة والتكليف مَا نَصه، وَشَرطه الفطنة وَالْعَدَالَة. وَأَن يكون ذكرا وواحداً وعالماً مُجْتَهدا إِن وجدا ورؤية سمع كَلَام إِن سلب وَاحِد ذِي الثَّلَاث فالعزل يجب لسلم مِمَّا ورد عَلَيْهِ هُنَا، وَفِي قَوْله: وَيسْتَحب الْعلم الخ. قلت: وَقد يُجَاب عَن الأول بِأَن إِحْدَى الواوين فِي قَوْله: وَسمع وكلم بِمَعْنى أَو وَالْأُخْرَى بِمَعْنى مَعَ أَي سالما من فقد رُؤْيَة مَعَ سمع أَو كَلَام أَو من فقد سمع مَعَ كَلَام أَي شَرط الصِّحَّة السَّلامَة من فقد اثْنَيْنِ مِنْهَا، فَإِن فقدهما فَلَا تَنْعَقِد ولَايَته وَأَحْرَى أَن فقد الثَّلَاثَة كَمَا صرح بِهِ ابْن عبد السَّلَام. وَأما فقد وَاحِد مِنْهَا فَشرط فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء كَمَا مرّ. وَبِه تعلم أَن قَول (ت) : فتنعقد ولَايَة فاقدها أَي الثَّلَاثَة الخ، صَوَابه فَاقِد أَحدهَا، وَعَن الثَّانِي بِأَن الْمُسْتَحبّ فِي قَوْله:(1/37)
وَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعْ مَعَ كَوْنِهِ الأُصُولَ لِلْفِقْهِ جَمَعْ (وَيسْتَحب الْعلم فِيهِ) على حذف مُضَاف أَي يسْتَحبّ غزارة الْعلم فِيهِ أَي زِيَادَته بِأَن يكون أمثل مقلد وَأفضل مُجْتَهد، أَو على حذف الصّفة كَقَوْلِه تَعَالَى: الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين أَي يسْتَحبّ فِيهِ الْعلم الْموصل للِاجْتِهَاد كَمَا فِي الْمُقدمَات، فَهُوَ يُفِيد شَرْطِيَّة الْعلم فِي الْجُمْلَة، وَأَن الْمُسْتَحبّ علم خَاص وَهُوَ مَا يتَوَصَّل بِهِ للِاجْتِهَاد. ابْن عَرَفَة: فَفِي صِحَة تَوْلِيَة الْمُقَلّد مَعَ وجود الْمُجْتَهد قَولَانِ: لِابْنِ زرقون مَعَ ابْن رشد، وعياض مَعَ ابْن الْعَرَبِيّ، والمازري، وَمَعَ فَقده جَائِز وَمَعَ وجوده الْمُجْتَهد أولى اتِّفَاقًا فيهمَا اه. وَهَذَا الْحمل وَإِن كَانَ يَقْتَضِي أَن الْمُقَلّد تصح تَوليته مَعَ وجود الْمُجْتَهد وَهُوَ مَرْجُوح كَمَا مرّ، لَكِن حمله عَلَيْهِ أولى من بَقَائِهِ على ظَاهره الْمُقْتَضِي لصِحَّة تَوْلِيَة الْجَاهِل الْمَحْض مَعَ أَنه لَا تَنْعَقِد لَهُ ولَايَة وَلَا ينفذ لَهُ حكم صَادف الْحق أم لَا شاور أم لَا. وَمَا ورد عَن ابْن حبيب وَابْن زرقون وَغَيرهمَا مِمَّا يُوهم صِحَة تَوليته لَيْسَ على ظَاهره، بل المُرَاد بِهِ عِنْدهم الْمُقَلّد كَمَا لأبي الْحسن وَابْن نَاجِي والأبي وَغَيرهم. وَفِي المعيار عَن اليزناسي أَنه لَا خلاف فِي جَوَاز تعقب أَي تصفح أَحْكَام الْمُقَلّد وَهُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ فِي كتاب أَئِمَّتنَا بالجاهل اه. وَفِي أول جَامع الْبُرْزُليّ بعد أَن ذكر حَقِيقَة الِاجْتِهَاد وشروط الْمُجْتَهد مَا نَصه: والعامي من لَيْسَ لَهُ مَا ذكرنَا من آلَة الِاجْتِهَاد، فالمقلد وَالْجَاهِل والعامي عِنْدهم أَلْفَاظ مترادفة، وَبِهَذَا تعلم أَن المُرَاد بالجاهل فِي قَول (خَ) : أَو جَاهِل لم يشاور الخ الْمُقَلّد، وَأَن أَحْكَامه إِذا لم يشاور فِيهَا تتعقب أَي تتصفح فَيرد خطؤها ويمضي غَيره، وَأَن قَوْله: وَرفع الْخلاف. وَقَوله: وَلَا يتعقب حكم الْعدْل الْعَالم إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُجْتَهد وَلَو فِي مَذْهَب إِمَامه، فَيدْخل نَحْو ابْن رشد وَاللَّخْمِيّ وَمن بعدهمْ من الْمُتَأَخِّرين الَّذِي لَهُم تصرف فِي القياسات وَإِدْخَال الجزئيات تَحت كلياتها، وَلَيْسَ المُرَاد خُصُوص الْمُجْتَهد الْمُطلق، وَأما الْمُقَلّد فَلَا يرفع الْخلاف وتتعقب أَحْكَامه وَلَا يعْتَبر مِنْهَا إِلَّا مَا وَافق الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا مرّ. فَإِن قيل: الْجَاهِل الْحَقِيقِيّ إِذا شاور صَار مُقَلدًا وَحِينَئِذٍ فَتجوز تَوليته حَيْثُ دخل على الْمَشْهُورَة. قُلْنَا: هُوَ لَا يُمَيّز بَين الْحق وَالْبَاطِل وَلَا بَين مَا يجب قبُوله من أحد الْخَصْمَيْنِ وَمَا لَا، وَمَا يُوجب على خَصمه حَقًا أَو جَوَابا وَمَا لَا، وَإِن كتب لَهُ عَمَّا سَأَلَ عَنهُ لم يفهم مواقع الْجَواب(1/38)
وَمَا يعرض فِيهِ من الِاحْتِمَال بِحَيْثُ يُعِيد عَنهُ السُّؤَال وَنَحْو ذَلِك. فَكيف تَنْعَقِد ولَايَته وتنفذ أَحْكَامه وَلَا سِيمَا مَعَ اخْتِلَاف المشاورين عَلَيْهِ إِذْ الْحَاكِم لَا يحكم بقول مشاوره بِالْفَتْح تقليداً لَهُ كَمَا لِابْنِ عبد الْبر حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ الْحق بِالدَّلِيلِ الَّذِي تبين بِهِ للمشاور، وهم إِذا اخْتلفُوا لم يعلم بِمَاذَا يَأْخُذ بِخِلَافِهِ إِذا كَانَ فَقِيها فَإِنَّهُ وَإِن أَمر بالمشورة، لَكِن إِذا اخْتلفُوا عَلَيْهِ اجْتهد فِي اخْتلَافهمْ وترقى أحسن أقاويلهم، وأمعن النّظر فِي دلائلهم وَالله أعلم. ابْن مُحرز: إِن حكم بِالظَّنِّ والتخمين من غير قصد إِلَى الِاجْتِهَاد فِي الْأَدِلَّة فَذَلِك بَاطِل لِأَن الحكم بالتخمين فسق وظلم وَخلاف الْحق، وَيفْسخ هَذَا الحكم هُوَ وَغَيره إِذا ثَبت عِنْد الْغَيْر أَنه على هَذَا حكم اه. وَفِي أقضية الْبُرْزُليّ: لَا خلاف أَن الحكم بالحزر والتخمين لَا يجوز. قَالَ شَيخنَا الإِمَام: وَكَثِيرًا مَا رَأَيْت بَعضهم يحكم فِي النَّازِلَة وَهُوَ لَا يسْتَند لنقل يذكرهُ لما استقرى من حَاله إِذا رُوجِعَ فِي بعض أَحْكَامه لَا يسْتَند لنقل وَلَا قِيَاس اه. على نقل الْبُرْزُليّ، وَهَذَا كثير فِي بعض قُضَاة الكور. ابْن الْحَاجِب: وَهُوَ جور وَفسق وَإِن صَادف الْحق فَالْمَشْهُور فَسخه وَإِن لم يصادفه فالإجماع على فَسخه وإغرام مَا أتْلفه بِحكمِهِ اه. وَهَذَا فِي الْمُقَلّد إِذْ الْجَاهِل لَا يعرف الْأَدِلَّة فضلا عَن الْقَصْد إِلَيْهَا. (والورع) وَهُوَ ترك الشُّبُهَات والتوقف فِي الْأُمُور والتثبت فِيهَا (مَعَ) مُتَعَلق بقوله: يسْتَحبّ و (كَونه) مُضَاف إِلَيْهِ (الحَدِيث) مفعول مقدم و (للفقه) يتَعَلَّق بقوله: (جمع) أَي يسْتَحبّ فِيهِ الْعلم مَعَ كَونه جمع الحَدِيث أَي مدارك أَحْكَامه للفقه بِأَن لَا يكون صَاحب حَدِيث لَا فقه عِنْده وَلَا صَاحب فقه لَا حَدِيث عِنْده. قَالَ أَبُو بكر الطرطوشي: وَجُمْهُور المقلدين فِي هَذَا الزَّمَان لَا تَجِد عِنْدهم من الْآثَار كَبِير شَيْء، وَإِنَّمَا مصحفهم مَذْهَب إمَامهمْ، وَإِنَّمَا اسْتحبَّ فِي الْمُقَلّد مَا ذكره النَّاظِم لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن لَا يخرج عَن مَشْهُور قَول مقلده بِالْفَتْح، وَلَا يجوز لَهُ عِنْد(1/39)
عدم وُقُوفه على مَا شهره الشُّيُوخ من الرِّوَايَتَيْنِ أَو الْقَوْلَيْنِ أَن يحكم بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا بِغَيْر نظر فِي التَّرْجِيح فَإِن ذَلِك جهل كَمَا مرّ عِنْد ابْن مُحرز وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ النّظر إِلَّا بِالْجمعِ بَين مَا ذكر فَإِن نظر وَلم يظْهر لَهُ دَلِيل التَّرْجِيح أَو لم يكن من أَهله فَقَوْل مَالك فِي الْمُدَوَّنَة مقدم على قَول ابْن الْقَاسِم فِيهَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَو غَيره لِأَنَّهُ الإِمَام الْأَعْظَم. وَقَول ابْن الْقَاسِم فِيهَا مقدم على قَول غَيره فِيهَا وعَلى رِوَايَة غَيره فِي غير مَا عَن الإِمَام، وَقَول غَيره فِيهَا مقدم على قَول ابْن الْقَاسِم فِي غَيرهَا وَذَلِكَ لصحتها، فَإِن فقد ذَلِك فليفزع فِي التَّرْجِيح إِلَى صفاتهم فَيعْمل بقول الْأَكْثَر والأورع والأعلم، فَإِذا اخْتصَّ وَاحِد مِنْهُم بِصفة أُخْرَى قدم الَّذِي هُوَ أَحْرَى مِنْهُمَا بالإصابة، فالأعلم الْوَرع مقدم على الأورع الْعَالم، وَكَذَا لَو وجد قَوْلَيْنِ أَو وَجْهَيْن لم يبلغهُ عَن أحد بَيَان الْأَصَح مِنْهُمَا اعْتبر أَوْصَاف ناقليهما، وَالتَّرْجِيح بِالصّفةِ جَار فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة، وَمِنْه تَقْدِيم ابْن رشد على ابْن يُونُس وَابْن يُونُس على اللَّخْمِيّ قَالَه المشذالي. وَهَذَا فِيمَا عدا مَا نبه الشُّيُوخ على ضعف كَلَام ابْن رشد فِيهِ، وَلذَا اقْتصر (خَ) فِي عدَّة مَوَاضِع على كَلَام اللَّخْمِيّ دون ابْن رشد مَعَ علمه بِهِ وَنَقله لَهُ فِي ضيح، وَهَذَا كُله فِي قوليهما من عِنْد أَنفسهمَا لَا فِي نقليهما عَن الْمَذْهَب فَإِنَّهُمَا متساويان كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ عِنْد قَوْله فِي الزَّكَاة: كالثمر نوعا أَو نَوْعَيْنِ. وتأمله فَإِنَّهُ لم يظْهر لي وَجهه لِأَنَّهُ إِذا قدم ابْن رشد لشدَّة حفظه وَقُوَّة فهمه فَلَا فرق بَين مَا قَالَاه عَن أَنفسهمَا أَو نَقَلَاه عَن غَيرهمَا، إِذْ الْعلَّة الَّتِي هِيَ شدَّة الْحِفْظ والفهم والتثبت مَوْجُودَة فِي الْجَمِيع وَلم أَقف على التَّفْصِيل الْمَذْكُور لغيره وَالله أعلم. فَإِن تساوى الْقَوْلَانِ عِنْده من كل وَجه وَعجز عَن التَّرْجِيح بِشَيْء مِمَّا ذكر وَغَيره؛ فليحكم بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يجوز لَهُ وَلَا للمفتي أَن يتساهل فِي الحكم أَو الْفَتْوَى بِأَن يسْرع فِي الحكم أَو الْفَتْوَى قبل اسْتِيفَاء حَقّهمَا من النّظر والفكر، أَو تحمله الْأَغْرَاض الْفَاسِدَة على تتبع الحِيل المحظورة أَو الْمَكْرُوهَة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص على من يروم نَفعه من الْجَبَابِرَة والقرابة وَنَحْوهمَا. أَو التَّغْلِيظ على من يروم ضره وَمن فعل مثل هَذَا وَعرف بِهِ فَلَا يجوز أَن يستفتي، وَقد هان عَلَيْهِ دينه نسْأَل الله تَعَالَى الْعَفو والعافية. ثمَّ إِن الْمَشْهُور مَا قوي دَلِيله وَقيل مَا كثر قَائِله، وَالصَّحِيح الأول وَمُقَابل الْمَشْهُور شَاذ وَمُقَابل الْأَشْهر مَشْهُور دونه فِي الشُّهْرَة قَالَه فِي ضيح، ابْن خويز منداد: مسَائِل الْمَذْهَب تدل على أَن الْمَشْهُور مَا قوي دَلِيله وَأَن مَالِكًا رَحمَه الله كَانَ يُرَاعِي من الْخلاف مَا قوي دَلِيله لَا مَا كثر قَائِله. ابْن رشد: وَيُعَكر على الأول أَن الْأَشْيَاخ رُبمَا ذكرُوا فِي قَول إِنَّه الْمَشْهُور وَيَقُولُونَ فِي مُقَابِله إِنَّه الصَّحِيح اه. ابْن فَرِحُونَ: لَا إِشْكَال فِي هَذَا لِأَن الْمَشْهُور هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَقد يعضد الآخر حَدِيث صَحِيح، وَرُبمَا رَوَاهُ مَالك وَلَا يَقُول بِهِ لعَارض قَامَ عِنْده لَا يتحققه هَذَا الْمُقَلّد وَلَا يظْهر لَهُ وَجه الْعُدُول عَنهُ فَيَقُول: وَالصَّحِيح كَذَا لقِيَام الدَّلِيل وَصِحَّة الحَدِيث اه. قلت: فيفهم من هَذَا الْكَلَام أَن الْمُقَلّد لَا يعدل عَن الْمَشْهُور وَإِن صَحَّ مُقَابِله وَأَنه لَا يطْرَح نَص إِمَامه للْحَدِيث وَإِن قَالَ إِمَامه وَغَيره بِصِحَّتِهِ، وَقد صرح بذلك ابْن الصّلاح وَغَيره وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يلْزم من عدم اطلَاع الْمُقَلّد على الْمعَارض انتفاؤه، فالإمام قد يتْرك الْأَخْذ بِهِ مَعَ صِحَّته عِنْده لمَانع اطلع عَلَيْهِ وخفي على غَيره، فَلَيْسَ مُرَاد النَّاظِم بقوله: مَعَ كَونه الحَدِيث الخ، أَنه يعْمل بِمَا صَحَّ من الحَدِيث الْمعَارض لنَصّ إِمَامه بل ليتأتى لَهُ التَّرْجِيح عِنْد عدم الْوُقُوف عَلَيْهِ كَمَا(1/40)
مرّ. الْقَرَافِيّ: إِذا كَانَ الإِمَام مُجْتَهدا فَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم أَو يُفْتِي إِلَّا بالراجح عِنْده، وَإِن كَانَ مُقَلدًا جَازَ لَهُ أَن يُفْتِي بالمشهور فِي مذْهبه وَأَن يحكم بِهِ وَإِن لم يكن راجحاً عِنْده مُقَلدًا فِي رُجْحَان القَوْل الْمَحْكُوم بِهِ إِمَامه الَّذِي قَلّدهُ، وَأما اتِّبَاع الْهوى فِي الحكم وَالْفَتْوَى فَحَرَام إِجْمَاعًا اه. فَجعل حكم الْمُجْتَهد بِغَيْر الرَّاجِح عِنْده، والمقلد بِغَيْر الْمَشْهُور وَإِن ترجح عِنْده بِقِيَام دَلِيل من صِحَة حَدِيث وَنَحْوه من اتِّبَاع الْهوى وَأَنه حرَام، وَذَلِكَ يدل على وجوب نقضه. وَلذَا قَالَ ناظم الْعَمَل: حكم قُضَاة الْوَقْت بالشذوذ ينْقض لَا يتم بالنفوذ وَمن عوام لَا تجز مَا وافقا قولا فَلَا اخْتِيَار مِنْهُم مُطلقًا وَمرَاده بالشاذ مَا قَابل الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح كَمَا مرّ وَمرَاده بالعوام المقلدون أَي لَا تجز أحكامهم بِغَيْر الْمَشْهُور، وَإِن وَافَقت بعض الْأَقْوَال لِأَن أحكامهم لَا ترفع الْخلاف واختياراتهم لمقابل الْمَشْهُور لَا تعْتَبر، وَنَصّ فِي إقرارات المعيار على أَن الْفَتْوَى بِغَيْر الْمَشْهُور توجب عُقُوبَة الْمُفْتِي وَكَذَا الْجَاهِل بعد التَّقَدُّم إِلَيْهِ اه. وَهَذَا مَا لم يجر الْعَمَل بالشاذ، وَإِلَّا فَيقدم على الْمَشْهُور بعد أَن يثبت بِشَهَادَة الْعُدُول المثبتين فِي الْمسَائِل أَن الْعَمَل جرى بِهِ غير مَا مرّة من الْعلمَاء المقتدى بهم قَالَه ميارة فِي شرح اللامية قَالَ: وَلَا يثبت الْعَمَل الْمَذْكُور بقول عوام الْعُدُول مِمَّن لَا خبْرَة لَهُ بِمَعْنى لفظ الْمَشْهُور أَو الشاذ فضلا عَن غَيره جرى الْعَمَل بِكَذَا، فَإِذا سَأَلته عَمَّن أفتى بِهِ أَو حكم بِهِ من الْعلمَاء توقف وتزلزل، فَإِن مثل هَذَا لَا يثبت بِهِ مُطلق الْخَبَر فضلا عَن حكم شَرْعِي اه. ثمَّ إِن الْعَمَل الْجَارِي بِبَلَد لأجل عرفهَا الْخَاص لَا يعم سَائِر الْبلدَانِ بل يقصر على ذَلِك الْعرف فِي أَي بلد وجد لِأَن مبناه عَلَيْهِ. فَإِن قيل: جرى الْعَمَل بِأَن النّحاس مثلا يحكم بِهِ للنِّسَاء عِنْد اختلافهن مَعَ الْأزْوَاج لِأَن عرف الْبَلَد أَنه من متاعهن لم يعم الْبَلَد الَّذِي لَا عرف لَهُم بذلك، وَإِذا تغير الْعرف فِي ذَلِك الْبَلَد فِي بعض الْأَزْمَان سقط الْعَمَل الْمَذْكُور وَوَجَب الرُّجُوع للمشهور، وَهَذَا فِي الْعرف الَّذِي تنبني عَلَيْهِ الْأَحْكَام وَهُوَ مَا لم يخرج عَن أصُول الشَّرِيعَة وإلاَّ فَلَا عِبْرَة بِهِ، وَأما الْعَمَل الْجَارِي لمصْلحَة عَامَّة أَو سَبَب كَذَلِك الْمشَار لَهُ فِي اللامية بقوله: لما قد فَشَا من قبح حَال وحيلة. الخ. فَظَاهر عُمُومه مَا دَامَت تِلْكَ الْمصلحَة وَذَلِكَ السَّبَب وإلاَّ وَجب الرُّجُوع للمشهور، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر قَالَه المسناوي أَي وَذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي الرَّاعِي الْمُشْتَرك، وَقد يعبرون بِالْعَمَلِ عَمَّا حكمت بِهِ الْأَئِمَّة لرجحانه عِنْدهم لَا لعرف وَلَا لمصْلحَة، وَمِنْه قَول (خَ) وَهل يُرَاعى حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَبِه عمل وفيهَا الْإِطْلَاق وَعمل بِهِ، وَهُوَ كثير فِي هَذَا النّظم وَغَيره. انْظُر مصطفى آخر بَاب الْقَضَاء، وَانْظُر أَوَائِل شرح نظم الْعَمَل الْمُطلق، ثمَّ هَذَا الْعَمَل الَّذِي يعبرون بِهِ عَن الرَّاجِح يجب أَن يسْتَمر على حَاله، وَلَا تجوز مُخَالفَته حَتَّى يثبت عَن قُضَاة الْعدْل وَأهل الْفَتْوَى من ذَوي الْعلم المقتدى بهم أَنهم رجعُوا عَنهُ وَعمِلُوا بِخِلَافِهِ لمصْلحَة أَو ظُهُور دَلِيل قوي وَنَحْو ذَلِك كَمَا قَالُوا: إِن الْعَمَل كَانَ قَدِيما بقول ابْن الْقَاسِم بِاعْتِبَار الْحَال فِي الْمَحْجُور دون الْولَايَة حَكَاهُ ابْن أبي زمنين، ثمَّ جرى الْعَمَل بقول مَالك بِاعْتِبَار الْولَايَة، ثمَّ جرى فِي الْمِائَة التَّاسِعَة بقول ابْن الْقَاسِم، وَلَا زَالَ الْعَمَل بِهِ إِلَى الْآن كَمَا يَأْتِي فِي الْحجر، وَهَذَا كثير أَيْضا يجْرِي الْعَمَل قَدِيما بِشَيْء ثمَّ يجْرِي الْعَمَل بِخِلَافِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالْعَمَل الَّذِي بِمَعْنى الرَّاجِح هُوَ الْكثير فِي هَذَا النّظم وَغَيره، وَلَا تجوز مُخَالفَته حَتَّى يثبت الْعُدُول عَنهُ مِمَّن يعْتد بِهِ من قُضَاة(1/41)
الْعدْل وَأهل الْفَتْوَى وَعمل فاس ونواحيها تَابع لعمل الأندلس لَا لعمل أهل تونس كَمَا يَأْتِي، فَإِن لم يجد الْمُقَلّد نصا لإمامه وَلَا لأَصْحَابه فِي عين النَّازِلَة فَهِيَ معرضة للِاجْتِهَاد، لَكِن لَا يجْتَهد فِيهَا إِلَّا من فِيهِ أَهْلِيَّة. الْقَرَافِيّ: الْمُقَلّد إِن كَانَ محيطاً بقواعد إِمَامه جَازَ لَهُ تَخْرِيج غير الْمَنْصُوص على الْمَنْصُوص بِشَرْط تعذر الْفَارِق وَمَعَ إِمْكَانه يمْتَنع وَإِن لم يحط بقواعد إِمَامه فَيمْتَنع، وَإِن عدم الْفَارِق لاحْتِمَال لَو اطلع على قَوَاعِد إِمَامه لأوجب لَهُ الْفَارِق اه. وَلَا يرد على هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر وَاحِد) . لِأَنَّهُ خَاص كَمَا فِي الْمُقدمَات بِمن فِيهِ أَهْلِيَّة قَالَ: وإلاَّ فَلَا أجر لَهُ إِن أَخطَأ بل هُوَ آثم، وَإِن أصَاب لتقحمه وجرأته على الله تَعَالَى فِي الحكم بِغَيْر علم اه. وَقَالَ فِي أجوبته: سُئِلَ القَاضِي الْعَارِف بِمذهب مَالك وَلم يبلغ دَرَجَة التَّحْقِيق بِمَعْرِِفَة قِيَاس الْفُرُوع على الْأُصُول فِيمَا مرّ بَين يَدَيْهِ من النَّوَازِل الَّتِي لَا نَص فِيهَا أَن لَا يقْضِي فِيهَا إِلَّا بفتوى من يعرف وَجه الْقيَاس إِن وجده وإلاَّ طلبه فِي غير بَلَده فَإِن قضى فِيهَا بِرَأْيهِ كَانَ حكمه مَوْقُوفا على النّظر اه. وَكَلَامه صَرِيح فِي وجوب المشورة لغيره حِينَئِذٍ، بل ورد فِي كَلَامهم مَا يدل على وجوب المشورة وَإِن اطلع على نَص لِأَن تطبيق النَّازِلَة على النَّص عسير، أَلا ترى كَيفَ غفل أَسد بن الْفُرَات فَأفْتى الْأَمِير بِجَوَاز دُخُوله الْحمام مَعَ جواريه دون سَاتِر، وَأَفْتَاهُ غَيره بِالْمَنْعِ لِأَن نظر بَعضهنَّ إِلَى بعض لَا يجوز، وَلِهَذَا تَجِد الْأَئِمَّة يخطىء بَعضهم بَعْضًا فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام. خَلِيل: وأحضر الْعلمَاء أَو شاورهم الخ. ابْن فَرِحُونَ: إِطْلَاقهم المشورة ظَاهره كَانَ عَالما بالحكم أَو جَاهِلا اه. وَانْظُر الْحطاب فَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ وَجه الحكم بعد المشورة فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَلَيْسَ بالجائز للْقَاضِي إِذا لم يبد وَجه الحكم أَن ينفذا والصح يَسْتَدْعِي لَهُ إِن أشكلا الخ وَمِمَّا يسْتَحبّ فِيهِ كَونه غَنِيا حَلِيمًا نزيهاً نسيباً خَالِيا عَن بطانة السوء لَيْسَ بمحدود وَلَا زَائِد فِي الدهاء كَمَا فِي خَلِيل، وَزَاد غَيره كَونه بلدياً ليعرف المقبولين والمسخوطين من الشُّهُود، وَقيل: يرجح غير الْبَلَدِي لِأَنَّهُ يقل حاسدوه. وَحَيْثُ لاَقَ لِلْقَضَاءِ يَعْقُدُ وَفِي الْبِلاَدِ يُسْتَحِبُّ الْمَسْجِدُ (وَحَيْثُ) ظرف ليقعد (لَاق) صلح (للْقَضَاء) يتَعَلَّق بقبوله (يقْعد) أَيْضا. وَظَاهره كَانَ ببادية أَو حَاضِرَة، وَهُوَ كَذَلِك لَكِن يسْتَحبّ فِي الْحَاضِرَة الْمَسْجِد كَمَا سَيَأْتِي، وَظَاهره يقْعد حَيْثُ لَاق وَلَو بداره. وَبِه قَالَ أَشهب وَعَلِيهِ يَأْتِي قَول ابْن شعْبَان من الْعدْل كَون القَاضِي بوسط مصره، وَلابْن المناصف أَن عمر بن الْخطاب أنكر ذَلِك على أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا وَأمر بإحراق دَاره عَلَيْهِ فَدَعَا واستقال فَلم يعد إِلَى ذَلِك قَالَ: فَإِن دَعَتْهُ ضَرُورَة إِلَى ذَلِك فليفتح أَبْوَابهَا وَيجْعَل سَبِيلهَا سَبِيل الْمَوَاضِع الْمُبَاحَة لذَلِك. (وَفِي الْبِلَاد) أَي الْحَاضِرَة (يسْتَحبّ الْمَسْجِد) أَي رحابه فَهُوَ على حذف مُضَاف أَي يسْتَحبّ لَهُ الْقعُود برحاب الْمَسْجِد الْخَارِجَة عَنهُ ليصل إِلَيْهِ(1/42)
الْكَافِر وَالْحَائِض وَالْجنب والضعيف والسلامة من امتهانه بِكَثْرَة اللجاج وَدخُول بعض الْعَوام وبرجله بَلل وَغير ذَلِك، وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ هُوَ الَّذِي فِي الْوَاضِحَة وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: الْقَضَاء فِي الْمَسْجِد من الْأَمر الْقَدِيم وَهُوَ ظَاهر النّظم إِلَّا أَنه لَا يحمل عَلَيْهِ لما تقدم على أَن مَا فِي الْمُدَوَّنَة يُمكن تَأْوِيله بِمَا ذكر أَي الْقَضَاء فِي رحاب الْمَسْجِد الْخَارِجَة عَنهُ من الْأَمر الْقَدِيم فَيكون وفَاقا لما فِي الْوَاضِحَة وَالله أعلم. وَيسْتَحب أَن يجلس مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَأَن يكون متربعاً أَو مُحْتَبِيًا، فَإِن لم يجلس وَحكم فِي حَال مَشْيه أَو جلس مُتكئا فَهُوَ قَول خَلِيل، وَفِي كَرَاهَة حكمه فِي مَشْيه أَو مُتكئا أَو إِلْزَام يَهُودِيّ حكما بسبته وتحدثه بمجلسه لضجر قَولَانِ: وَيَنْبَغِي أَن يجلس للْحكم فِي أَوْقَات مَعْلُومَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْتَغْرق النَّهَار كُله، وَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم مَعَ مَا يدهشه عَن تَمام فكر من جوع وعطش مفرطين وَغَضب وَأكل فَوق الْكِفَايَة (خَ) : وَلَا يحكم مَعَ مَا يدهش عَن الْفِكر وَمضى أَن وَقع وَلَا بَأْس أَن يرفع صَوته فِيمَن يستأهل ذَلِك من الْخَصْمَيْنِ وَأَن يحد بَصَره ويحتج لمن ضعف عَن حجَّته، وَلَا يجلس فِي كَثْرَة الْمَطَر والوحل وَلَا بعد الصُّبْح وَلَا بَين صَلَاتي الظّهْر وَالْعصر وَلَا بَين العشاءين وَلَا فِي عيد وَلَا يَوْم قدوم حَاج أَو خُرُوجه (خَ) وَجلسَ بِهِ أَي برحاب الْمَسْجِد أَي بِغَيْر عيد وقدوم حَاج وَخُرُوجه ومطر أَو نَحوه، وَلم يشتر بِمَجْلِس قَضَائِهِ كسلف وقراض وأبضاع وَحُضُور وَلِيمَة إِلَّا لنكاح وَقبُول هَدِيَّة وَلَو كافأ عَلَيْهَا إِلَّا من قريب وَندب اتِّخَاذ من يُخبرهُ بِمَا يُقَال فِي سيرته وشهوده الخ. فَقَوله: وَقبُول هَدِيَّة أَي والمفتي كَالْقَاضِي فِي ذَلِك فَلَا يحل لَهُ أَخذهَا مِمَّن يَرْجُو أَن يُعينهُ فِي حجَّة أَو فِي خُصُومَة عِنْد حَاكم يسمع مِنْهُ وَيقف عِنْد قَوْله لِأَن قَول الْحق وَاجِب عَلَيْهِ، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (من شفع لِأَخِيهِ شَفَاعَة وَأهْدى إِلَيْهِ هَدِيَّة فقبلها فقد أَتَى بَابا عَظِيما من أَبْوَاب الرِّبَا) . وَمن هَذَا انْقِطَاع الرّعية إِلَى الْعلمَاء المتعلقين بالسلاطين ليرْفَع الظُّلم عَنْهُم فيهدون لَهُم ويكرمونهم فَذَلِك بَاب من أَبْوَاب الرِّشْوَة، لِأَن رفع الظُّلم وَاجِب على كل من قدر عَلَيْهِ عَن أَخِيه الْمُسلم. وَقَوله: وَلم يشتر الخ. قَالَ فِي مُخْتَصر الْوَاضِحَة: إِذا اشْترى الإِمَام الْعدْل من رجل أَو بَاعَ ثمَّ عزل أَو مَاتَ خير البَائِع مِنْهُ أَو المُشْتَرِي فِي الْأَخْذ أَو التّرْك، نَقله ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته فِي الْفَصْل الثَّانِي، فقف على هَذَا الْفَصْل فِيهِ ترى الْعجب فِي الْآدَاب اللَّازِمَة لَهُ.(1/43)
(فصل فِي معرفَة أَرْكَان الْقَضَاء)
أَي أَجزَاء ماهيته الَّتِي لَا يتم الْقَضَاء الَّذِي هُوَ الحكم مَعَ اختلال وَاحِد مِنْهَا. وَهِي سِتَّة: القَاضِي وَقد تقدم فِي قَوْله: منفذ بِالشَّرْعِ الخ. وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعى فِيهِ، وَعبر ابْن فَرِحُونَ عَن الْأَوَّلين بالمقضى لَهُ وَعَلِيهِ، وَعَن الثَّالِث بالمقضى فِيهِ. وَزَاد ركنين آخَرين أَحدهمَا: المقضى بِهِ يَعْنِي من كتاب أَو سنة أَو إِجْمَاع بِالنِّسْبَةِ للمجتهد أَو الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَو الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا بِهِ الْعَمَل بِالنِّسْبَةِ للمقلد، وَهَذَا الرُّكْن يفهم من قَول النَّاظِم فِيمَا مرّ وَيسْتَحب الْعلم فِيهِ الخ. على مَا تقدم من أَنه على حذف مُضَاف أَي يسْتَحبّ زِيَادَة الْعلم فِيهِ، وَأما أصل الْعلم فركن من أَرْكَانه وَشرط صِحَة فِيهِ كَمَا مرّ، فَإِن خرج الْمُجْتَهد عَمَّا ذكر من الْكتاب والسنّة وَالْإِجْمَاع لم ينفذ حكمه لاختلال رُكْنه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَنقض وَبَين السَّبَب مُطلقًا مَا خَالف قَاطعا أَو جلي قِيَاس كاستسعاء مُعتق وشفعة جَار الخ. وَإِن خرج الْمُقَلّد عَمَّا ذكر من الِاتِّفَاق وَمَا مَعَه لم ينفذ حكمه لاختلال رُكْنه أَيْضا، إِذْ حكمه لَا يرفع الْخلاف كَمَا مرّ (ت) الْإِشَارَة إِلَيْهِ. وَقَول (ت) هُنَا: إِلَّا أَن هَذَا بِالنِّسْبَةِ للِاجْتِهَاد لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي بل كَلَام ابْن فَرِحُونَ فِي الْمُجْتَهد والمقلد كَمَا يعلم باستيعاب كَلَامه فِي هَذَا الرُّكْن. وَثَانِيهمَا: كَيْفيَّة الْقَضَاء وَهِي تتَوَقَّف على أَشْيَاء كمعرفة مَا هُوَ حكم فَلَا يتعقب لِأَن حكم الْمُجْتَهد يرفع الْخلاف وَمَا لَيْسَ بِحكم كَقَوْلِه: أَنا لَا أُجِيز النِّكَاح بِغَيْر ولي أَو لَا أحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فيتعقب أَي: فَلِمَنْ بعده من حَنَفِيّ أَن يحكم بِصِحَّة النِّكَاح أَو مالكي أَن يحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين كَمَا مرّ فِي التَّرْجَمَة قبله، وَمَعْرِفَة مَا يفْتَقر لحكم كَالطَّلَاقِ بالإعسار والإضرار وَالطَّلَاق على الْمولى، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يحْتَاج فِيهِ إِلَى نظر وتحرير فِي تَحْقِيق سَببه كالتفليس وَبيع من أعْتقهُ الْمديَان وَالْعِتْق بالمثلة وَمَا لَا يفْتَقر كتحريم الْمُحرمَات الْمُتَّفق عَلَيْهَا ورد الودائع والغصوب، وَمِنْه الْعتْق بِالْقَرَابَةِ. وَمن أعتق جَزَاء فِي عبد بَينه وَبَين غَيره فيكمل من غير حكم على الْمَشْهُور وَمَعْرِفَة مَا يدْخلهُ الحكم من أَبْوَاب الْفِقْه كَالنِّكَاحِ وتوابعه وَسَائِر الْمُعَاوَضَات، وَمَا لَا يدْخلهُ كالعبادات وَمَعْرِفَة الْفرق بَين أَلْفَاظ الحكم الَّتِي جرت بهَا عَادَة الْحُكَّام كَقَوْلِه: حكمت بِثُبُوت العقد وَصِحَّته فَيلْزم ذَلِك وَقفا كَانَ العقد أَو بيعا أَو غَيرهمَا، وَبَين مَا لم تجر الْعَادة بِهِ كَقَوْلِه: أَسْفَل الرَّسْم أَو على ظَهره ورد على هَذَا الْكتاب فقبلته قبُول مثله، وألزمت الْعَمَل بِمُوجبِه أَو بمضمونه فَلَيْسَ بِحكم لاحْتِمَال عود الضَّمِير فِي مُوجبه ومضمونه على الْكتاب، وَإِن مَا تضمنه من إِقْرَار أَو إنْشَاء لَيْسَ بزور مثلا فَيكون مُرَاده تَصْحِيح(1/44)
الْكتاب وَإِثْبَات الْحجَّة فَلِمَنْ بعده النّظر فِيهِ، فَإِن قَالَ: حكمت بِمُوجب الْإِقْرَار أَو الْوَقْف الَّذِي تضمنه الْكتاب فَهُوَ حكم بِصِحَّتِهِ وَمَعْرِفَة الْفرق بَين الثُّبُوت وَالْحكم، وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة قبله وَمَعْرِفَة الْمُدَّعِي من الْمُدعى عَلَيْهِ فالمدعي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ ركنان مستقلان عِنْده، أَعنِي عِنْد ابْن فَرِحُونَ، وَالْحَال الَّتِي يعرف بهَا كل مِنْهُمَا من أَجزَاء الرُّكْن السَّادِس الَّذِي هُوَ الْكَيْفِيَّة. قلت: تَأمل فَفِي الْقلب مِنْهُ شَيْء لِأَن الحكم على الشَّيْء فرع تصَوره فَلَا يحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُدع حَتَّى تعرف حَاله وَمَعْرِفَة الدَّعْوَى الصَّحِيحَة وشروطها، وَمَعْرِفَة حكم جَوَاب الْمُدعى عَلَيْهِ من إِقْرَار أَو إِنْكَار أَو امْتنَاع مِنْهُمَا، وَقد أَشَارَ النَّاظِم إِلَى هذَيْن الْأَخيرينِ بقوله: تحقق الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَان. وَبِقَوْلِهِ بعد: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً الخ. وَمَعْرِفَة كَيْفيَّة الْإِعْذَار وَمَعْرِفَة صفة الْيَمين ومكانها والتغلظ فِيهَا، وَقد أَشَارَ النَّاظِم لهذين أَيْضا فِي فَصلي الْإِعْذَار وَالْيَمِين، فَهَذِهِ كلهَا من أَجزَاء هَذَا الرُّكْن، فالناظم رَحمَه الله قد أَشَارَ لبَعض أَجزَاء هَذَا الرُّكْن الَّذِي هُوَ الْكَيْفِيَّة وَلم يهمله كل الإهمال، وَبِهَذَا تعلم أَن جعل الْكَيْفِيَّة من الْأَركان صَحِيح لَا تسَامح فِيهِ خلافًا ل (ت) لِأَنَّهُ إِن لم يكن عَارِفًا بتفاريعها اخْتَلَّ حكمه باخْتلَاف مَحَله إِذْ قد يحكم بِالصِّحَّةِ فِيمَا حكم غَيره بِالْفَسَادِ، وَبِالْعَكْسِ مَعَ كَون الحكم الأول لَا يتعقب، وَقد يحكم فِيمَا لَا يفْتَقر لحكم فَحكمه كَالْعدمِ لِأَنَّهُ من تَحْصِيل الْحَاصِل، وَهَذَا إِذا لم يعرف كَون الدَّعْوَى صَحِيحَة وَلَا كَيْفيَّة الْإِعْذَار وَلَا مَحل الْيَمين وَنَحْو ذَلِك. وَقد علمت بِهَذَا أَن النَّاظِم تكلم على الْأَركان السِّتَّة خلافًا لما فِي (م) و (ت) . وَلما كَانَ بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ التباس وَعلم الْقَضَاء يَدُور على التَّمْيِيز بَينهمَا إِذْ من ميز بَينهمَا، فقد عرف وَجه الْقَضَاء كَمَا قَالَ سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ: إِذْ لم يخْتَلف الْعلمَاء فِيمَا لكل مِنْهُمَا من أَن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ اعتنى النَّاظِم بشأنهما مصدرا بهما فِي هَذَا الْفَصْل فَقَالَ: تَمْيِيزُ حَالِ المُدَّعِي والمدَّعَى عَلَيْهِ جُمْلَة القَضَاءِ جَمَعَا فَقَوله: (جملَة الْقَضَاء) مفعول لقَوْله: (جمعا) ، وَالْجُمْلَة خبر تَمْيِيز، وَالظَّاهِر أَن لَفْظَة حَال لَيست مقحمة لِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يتَمَيَّز من غَيره بِصفتِهِ، فالمدعي يتَمَيَّز بِكَوْنِهِ يتجرد قَوْله عَن مُصدق وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بعكسه كَمَا قَالَ:(1/45)
(فالمدعي من قَوْله مُجَرّد من أصل أَو عرف بِصدق يشْهد) فَالمُدَّعِي مَنْ قَوْلُهُ مُجَرَّدُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْف بِصدْقِ يَشْهَدُ (أَو) بِمَعْنى الْوَاو إِذْ لَا بُد من تجرد دَعْوَاهُ مِنْهُمَا مَعًا، فَإِن تجردت من أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: وَالمدَّعَى عَلَيهِ من قد عَضَدا مَقالَة عُرف أَو أصْل شهِدا (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من قد عضدا) أَي قوي (مقاله عرف) أَي سَبَب كحائز شَيْئا مُدَّة الْحِيَازَة فِي وَجه الْقَائِم وَادّعى الشِّرَاء مِنْهُ أَو الْهِبَة، فالحائز مدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تقوى جَانِبه بالحيازة، والقائم مُدع وسيشير النَّاظِم إِلَى هَذَا فِي الْحَوْز بقوله: وَالْيَمِين لَهُ إِن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ بِعَمَلِهِ، وكجزار ودباغ تداعيا جلدا تَحت يدهما أَو لَا يَد عَلَيْهِ، فالجزار مدعى عَلَيْهِ والدباغ مُدع فَإِن كَانَ تَحت يَد أَحدهمَا فالحائز مدعى عَلَيْهِ، وكقاض وجندي تداعيا رمحاً تَحت يدهما أَو لَا يَد عَلَيْهِ فالجندي مدعى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي مُدع، وكعطار وصباغ تداعيا مسكاً وصبغاً فالعطار مُدع فِي الصَّبْغ مدعى عَلَيْهِ فِي الْمسك والصباغ بِالْعَكْسِ، وَمِنْه اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاع للبيت، فللمرأة الْمُعْتَاد للنِّسَاء مَا لم يزدْ على نقد صَدَاقهَا وَهِي مَعْرُوفَة بالفقر كَمَا يَأْتِي للناظم فِي فصل اخْتِلَافهمَا فِيهِ إِن شَاءَ الله، وَمِنْه النّكُول وَدَعوى الشّبَه عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الصَدَاق أَو البيع أَو غَيرهمَا وَدَعوى الْعَامِل فِي الْقَرَاض أَو الْمُودع عِنْده الرَّد حَيْثُ قَبضه بِغَيْر إِشْهَاد، فقد علمت أَن الْمُدعى عَلَيْهِ فِي هَذِه الْأَمْثِلَة هُوَ من تقوى جَانِبه بِسَبَب من حِيَازَة أَو شبه أَو نُكُول صَاحبه أَو أَمَانَة أَو كَون الْمُتَنَازع فِيهِ مِمَّا شَأْنه أَن يكون لَهُ، وَالْمُدَّعِي من تجرد قَوْله عَن ذَلِك السَّبَب (أَو أصل شَهدا) كاختلافهما فِي رد الْوَدِيعَة أَو الْقَرَاض المقبوضين بإشهاد، لِأَن رب المَال والوديعة لما دفعا بإشهاد انْتَفَت أَمَانَة الْقَابِض وَلَا سَبَب يعضد قَوْله غَيرهَا، فَهُوَ مُدع وهما مدعى عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَا طَالِبين لِأَن الأَصْل عدم الرَّد، وَمِنْه اخْتِلَاف الْيَتِيم بعد بُلُوغه ورشده مَعَ وَصِيّه فِي الدّفع، فَإِن الْيَتِيم متمسك بِالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عدم الدّفع فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ، وَالْوَصِيّ مُدع لِأَنَّهُ غير أَمِين فِي الدّفع عِنْد التَّنَازُع لقَوْله تَعَالَى: فأشهدوا عَلَيْهِم} (النِّسَاء: 6) وكاختلافهما فِي قَضَاء الدّين أَو فِي أَصله أَو فِي رَقَبَة حائز نَفسه يَدعِي الْحُرِّيَّة لِأَن الأَصْل عدم الْقَضَاء وَبَرَاءَة الذِّمَّة وَالْحريَّة.(1/46)
وَقِيلَ مَنْ يَقُولُ قَدْ كَانَ ادَّعا وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ عَلَيْهِ يُدّعَى (وَقيل) : فِي تعريفهما أَي الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ. (من يَقُول قد كَانَ ادعا وَلم يكن لمن عَلَيْهِ يدعى) وَهُوَ لِابْنِ الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل من قَالَ قد كَانَ فَهُوَ مُدع وكل من قَالَ لم يكن فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ اه. قَالَ الشَّارِح: وَلَيْسَ بِخِلَاف للرسم الأول، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْرِيف أخصر وتوضيح أوجز. ورد بِدَعْوَى الْمَرْأَة على زَوجهَا الْحَاضِر أَنه لم ينْفق عَلَيْهَا، وَقَالَ هُوَ أنفقت وبدعوى الْمَرْأَة الْمَسِيس على زَوجهَا فِي خلْوَة الاهتداء وَادّعى هُوَ عَدمه فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ فِي الأولى لشهادة الْعرف لَهُ وَهِي مدعية وهما فِي الثَّانِيَة على الْعَكْس وَهَذَا التَّعْرِيف يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي الأولى مدعى عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَقول لم يكن وَفِي الثَّانِيَة مدعية لِأَنَّهَا تَقول قد كَانَ. وَقيل كل طَالب فَهُوَ مدّعٍ وكل مَطْلُوب فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ. ورد أَيْضا بِمَا تقدم فِي رَبًّا المَال والوديعة مَعَ الْإِشْهَاد، وباليتيم مَعَ وَصِيّه وبدعوى الْمَرْأَة فِي خلْوَة الاهتداء فَإِن كلا مِنْهُم طَالب مَعَ أَنه مدعى عَلَيْهِ. وَأجِيب: بِأَن الرَّد على التعريفين بِمَا ذكر إِنَّمَا يتم لَو كَانَ الْقَائِل بهما يسلم أَن الطَّالِب وَمن يَقُول قد كَانَ فِيمَا ذكر مدعى عَلَيْهِ، وإلاَّ فقد يَقُول: إِنَّه مدّعٍ قَامَ لَهُ شَاهد من عرف أَو أصل وَلَا يحْتَج على الْإِنْسَان بِمذهب مثله، وَاخْتَارَ هَذَا الْجَواب ابْن رحال. وَالْحَاصِل على مَا يظْهر من كَلَامهم وَهُوَ الَّذِي يُوجِبهُ النّظر أَن المتداعيين إِمَّا أَن يتَمَسَّك أَحدهمَا بِالْعرْفِ فَقَط كالاختلاف فِي مَتَاع الْبَيْت وَدَعوى الشّبَه وَاخْتِلَاف القَاضِي والجندي فِي الرمْح، والجزار والدباغ فِي الْجلد وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لم يتعارض فِيهِ الْعرف وَالْأَصْل، وَإِمَّا أَن يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ فَقَط كالاختلاف فِي أصل الدّين وَفِي قَضَائِهِ وَفِي دَعْوَى الْحَائِز نَفسه الْحُرِّيَّة، وَدَعوى رب المَال وَالْمُودع عدم الرَّد مَعَ دفعهما بإشهاد وَدَعوى الْيَتِيم عدم الْقَبْض وَنَحْو ذَلِك، فالمدعى عَلَيْهِ فِي هذَيْن هُوَ المتمسك بذلك الْعرف أَو الأَصْل على الرَّسْم الأول، وَالْمَطْلُوب هُوَ من يَقُول لم يكن على التعريفين الْأَخيرينِ، وَإِمَّا أَن يتَمَسَّك أَحدهمَا بِالْأَصْلِ وَالْآخر بِالْعرْفِ فَيَأْتِي الْخلاف كدعوى الزَّوْج على سيد الْأمة أَنه غره بتزويجها، فَالْأَصْل عدم الْغرُور، وَبِه قَالَ سَحْنُون. وَالْغَالِب عدم رضَا الْحر بتزوج الْأمة وَبِه قَالَ أَشهب وَهُوَ الرَّاجِح، وكمسألة اخْتِلَاف(1/47)
المتراهنين فِي قدر الدّين فَإِن الرَّهْن شَاهد عرفي وَالْأَصْل بَرَاءَة ذمَّة الرَّاهِن، وكمسألة الْحِيَازَة الْمُتَقَدّمَة وَدَعوى عَامل الْقَرَاض وَالْمُودع الرَّد مَعَ عدم الْإِشْهَاد لِأَن الْغَالِب صدق الْأمين، وَدَعوى الْمَرْأَة الْمَسِيس وَعدم الْإِنْفَاق وَنَحْو ذَلِك، فالمدعى عَلَيْهِ فِي مثل هَذَا على الرَّسْم الأول هُوَ المتمسك بِالْعرْفِ لِأَن قَول النَّاظِم أَو عرف أَعم من كَونه عَارضه أصل أم لَا. وعَلى الرسمين الْأَخيرينِ هُوَ الْمَطْلُوب، وَمن يَقُول: لم يكن، لَكِن لما ترجح جَانب الْمُدَّعِي فِيهَا بِشَهَادَة الْعرف لِأَنَّهُ أقوى صَار الْمُدَّعِي مدعى عَلَيْهِ، وَيدل لهَذَا قَول ابْن رشد مَا نَصه: الْمَعْنى الَّذِي من أَجله وَجب على الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة تجرد دَعْوَاهُ من سَبَب يدل على صدقه فِيمَا يَدعِيهِ، فَإِن كَانَ لَهُ سَبَب يدل على صدقه أقوى من سَبَب الْمُدعى عَلَيْهِ كالشاهد الْوَاحِد أَو الرَّهْن أَو مَا أشبه ذَلِك من إرخاء السّتْر وَجب أَن يبْدَأ بِالْيَمِينِ دون الْمُدعى عَلَيْهِ اه. وَنَقله القلشاني وَغَيره فَتَأمل كَيفَ سَمَّاهُ مُدعيًا وَجعل الرَّهْن وإرخاء السّتْر وَالشَّاهِد الْحَقِيقِيّ سَببا لصيرورته مدعى عَلَيْهِ، لكَونه فِي ذَلِك أقوى من سَبَب خَصمه المتمسك بِالْأَصْلِ، وَقد اخْتلف هَل الْعرف كشاهد أَو كشاهدين؟ الْبُرْزُليّ: الْقَاعِدَة إحلاف من شهد لَهُ الْعرف فَيكون بِمَثَابَة الشَّاهِد، وَقيل: هُوَ كالشاهدين اه. وَقد درج (خَ) فِي مَوَاضِع على أَنه كالشاهد مِنْهَا قَوْله فِي الرَّهْن وَهُوَ كالشاهد فِي قدر الدّين، وَقد عقد فِي التَّبْصِرَة بَابا فِي رُجْحَان قَول الْمُدَّعِي بالعوائد. وَقَالَ الْقَرَافِيّ: أَجمعُوا على اعْتِبَار الْغَالِب وإلغاء الأَصْل فِي الْبَيِّنَة إِذا شهِدت فَإِن الْغَالِب صدقهَا وَالْأَصْل بَرَاءَة ذمَّة الْمَشْهُود عَلَيْهِ اه. فَهَذَا كُله يُوضح لَك الْجَواب الْمُتَقَدّم عَمَّا ورد على التعريفين، ويدلك على عدم الْفرق بَين التعاريف الثَّلَاثَة لِأَن الْمُدَّعِي قد يَنْقَلِب مدعى عَلَيْهِ لقِيَام سَبَب أقوى من سَبَب خَصمه كَانَ ذَلِك السَّبَب حَقِيقِيًّا أَو عرفياً إِلَّا أَن الْعرفِيّ لَا يقوى عِنْدهم قُوَّة الْحَقِيقِيّ فَلَيْسَتْ الْيَمين مَعَه تَكْمِلَة للنصاب حَتَّى يُؤَدِّي ذَلِك لنفي يَمِين الْإِنْكَار بِدَلِيل أَنه إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ شَاهد حَقِيقِيّ لَا يثبت الْحق بِدُونِ الْيَمين كَمَا نَقله بَعضهم عَن المتيطي عِنْد قَول (خَ) وَهُوَ كالشاهد الخ. فاعتراض (ت) على الْجَواب السَّابِق بِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لنفي يَمِين الْإِنْكَار الخ. سَاقِط، وَقد علم مِمَّا مر أَن الشّبَه وَالْغَالِب وَالْعرْف وَالْعَادَة كلهَا بِمَعْنى، وَأَنه إِذا تعَارض الأَصْل وَالْغَالِب فَيقدم الْغَالِب لقَوْله تَعَالَى: وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: 199) فَكل شَيْء كذبه الْعرف وَجب أَن لَا يعْمل بِهِ إِلَّا فِي مَسْأَلَة دَعْوَى الدّين إِذا كَانَ مدعيه أتقى النَّاس وَأَعْلَاهُمْ فِي الْعلم وَالدّين، فَإِن الْغَالِب صدقه وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة(1/48)
فَيقدم الأَصْل على الْغَالِب فِي هَذِه عِنْد الْمَالِكِيَّة، وَقدم الشَّافِعِيَّة الأَصْل فِي جَمِيع صور التَّعَارُض. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا تمسك كل مِنْهُمَا بِالْعرْفِ كَمَا إِذا أشبها مَعًا فِيمَا يرجع فِيهِ للشبه كتنازع جزار مَعَ جزار فِي جلد وَنَحْو ذَلِك، فيحلفان وَيقسم بَينهمَا حَيْثُ لم يكن بيد أَحدهمَا، وَإِن تمسك كل مِنْهُمَا بِالْأَصْلِ كدعوى الْمُكْتَرِي للرحى أَو الدَّار أَنَّهَا تهدمت أَو انْقَطع المَاء عَنْهَا ثَلَاثَة أشهر. وَقَالَ الْمُكْتَرِي: شَهْرَان فَقَط فَقيل الْمُكْتَرِي هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته من الغرامة فيستصحب ذَلِك، والمكري مُدع، وَقيل بِالْعَكْسِ لِأَن عقد الْكِرَاء أوجب دينا فِي ذمَّة الْمُكْتَرِي، وَهُوَ يَدعِي إِسْقَاط بعضه فَلَا يصدق، وكما لَو قبض شخص من رجل دَنَانِير، فَلَمَّا طلبه بهَا الدَّافِع زعم أَنه قبضهَا من مثلهَا الْمُرَتّب لَهُ فِي ذمَّته، فَإِن اعْتبرنَا كَون الدَّافِع بَرِيء الذِّمَّة من سلف هَذَا الْقَابِض كَانَ الدَّافِع مدعى عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّاجِح كَمَا لِابْنِ رشد وَأبي الْحسن وَغَيرهمَا، وَإِن اعْتبرنَا حَال الْقَابِض وَأَن الأَصْل فِيهِ أَيْضا بَرَاءَة الذِّمَّة فَلَا يُؤَاخذ بِأَكْثَرَ مِمَّا أقرّ بِهِ جَعَلْنَاهُ هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ. فَافْهَم فبهذه الْوُجُوه صَعب علم الْقَضَاء ودق. الثَّانِي: من معنى مَا مر إِذا علق الزَّوْج طَلَاق زَوجته أَو خَيرهَا على عدم حُضُوره مَعهَا بِمَجْلِس الشَّرْع يَوْم كَذَا، وَوَقعت فِي حُدُود الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف فَقَامَتْ الْمَرْأَة بعد مُضِيّ الْيَوْم وأرادت أَن تشهد بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ فِرَاقه، فَامْتنعَ الْعُدُول من أَن يشْهدُوا عَلَيْهَا إِلَّا بمشورة القَاضِي فشاورته فَمنعهَا القَاضِي من ذَلِك حَتَّى تثبت عدم حُضُوره فِي الْيَوْم الْمُعَلق عَلَيْهِ، وَهَذَا من أفظع الْجَهْل من الْعُدُول وَمن القَاضِي، إِذْ حُضُوره فِي الْيَوْم الْمَذْكُور مُحْتَمل، وَالْأَصْل عَدمه فَهِيَ مدعى عَلَيْهَا وَهُوَ مدعٍ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يصدر مثل هَذَا من هَذَا القَاضِي فَكَانَ يمْنَع الأوصياء من بيع مَال الْأَيْتَام حَتَّى يثبتوا أَنهم لَا مَال لَهُم ظَاهرا وَلَا بَاطِنا، وَلَا يَكْتَفِي بمحاسبتهم على زِمَام التَّرِكَة، وَإِذا بيع عَلَيْهِم صَفْقَة منع أوصياءهم من الْإِمْضَاء حَتَّى يثبتوا مَا ذكر، وَهَكَذَا كل مَا الأَصْل عَدمه وَمَا دري أَن إثباتهما مَا ذكر لَا يُفِيد شَيْئا لِأَن الشَّهَادَة فِي ذَلِك لَا تكون إِلَّا على نفي الْعلم، فَإِذا طلقت نَفسهَا أَو بَاعَ الْوَصِيّ بعد الْإِثْبَات الْمَذْكُور ثمَّ أثبت الزَّوْج الْحُضُور أَو الْيَتِيم الوفر وَقت البيع لقدمت بيناتهما على بَيِّنَة الزَّوْجَة وَالْوَصِيّ لِأَنَّهَا على الْقطع مثبتة، وَالْأُخْرَى على الْعلم نَافِيَة فَلم يكن لتكليفهما بهَا فَائِدَة. وَقد نَص ابْن الْقَاسِم على أَنه إِذا علق أمرهَا بِيَدِهَا على عدم بَعثه لَهَا بِالنَّفَقَةِ يَوْم كَذَا فَرفعت أمرهَا للْحَاكِم، وَزَعَمت أَنه لم يبْعَث لَهَا شَيْئا وَطلقت نَفسهَا، فَإِن قدم وَأثبت الْبَعْث فَهُوَ أَحَق بهَا، وَإِن كَانَت تزوجت فَكَذَا (ت) الوليين. الثَّالِث: قَالَ الْقَرَافِيّ: خولفت قَاعِدَة الدَّعَاوَى فِي خمس: فِي لعان الزَّوْج فِي الْحمل وَالْولد فَقبل قَوْله: لِأَن الْعَادة أَن يَنْفِي الزَّوْج عَن زوجه الْفَوَاحِش فَحَيْثُ رَمَاهَا بهَا مَعَ إيمَانه قدمه الشَّرْع، وَفِي الْقسَامَة فَقبل فِيهَا قَول الْقَتِيل لترجيحه باللوث، وَفِي دَعْوَى الْأُمَنَاء التّلف فَقيل قَوْلهم لِئَلَّا يزهد النَّاس فِي قبُول الْأَمَانَات فتفوت مصالحها والأمين قد يكون من جِهَة مُسْتَحقّ الْأَمَانَة، وَقد يكون من جِهَة الشَّرْع كالوصي والملتقط وَمن أَلْقَت الرّيح ثوبا فِي بَيته. وَفِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح قيل فيهمَا قَول الْحَاكِم لِئَلَّا تفوت الْمصَالح الْمرتبَة على الْولَايَة، وَفِي دَعْوَى الْغَاصِب التّلف قبل قَوْله: لِئَلَّا يخلد فِي السجْن اه الخ. فَتَأمل قَوْله فِي اللّعان والقسامة وَالْأَمَانَة، فَإِن الظَّاهِر أَن ذَلِك مِمَّا قدم فِيهِ الْغَالِب على الأَصْل كَمَا مرّ فَلم تكن فِيهِ مُخَالفَة،(1/49)
وَبَعْضهمْ يعبر عَن الْأمين بِأَن الْغَالِب صدقه أَي فِي الرَّد والتلف، وَبعد أَن ذكرهَا المكناسي فِي مجالسه قَالَ: وَمِنْهَا اللُّصُوص إِذا قدمُوا بمتاع وَادّعى شخص أَنه لَهُ وَأَنَّهُمْ نزعوه مِنْهُ فَيقبل قَوْله مَعَ يَمِينه وَيَأْخُذهُ، وَمِنْهَا السمسار إِذا ادّعى عَلَيْهِ أَنه غيب مَا أعْطى لَهُ للْبيع وَكَانَ مَعْلُوما بالعداء وبإنكار النَّاس فَيصدق الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ وَيغرم السمسار. وَمِنْهَا السَّارِق إِذا سرق مَتَاع رجل وانتهب مَاله وَأَرَادَ قَتله وَقَالَ الْمَسْرُوق: أَنا أعرفهُ فَيصدق الْمَسْرُوق بِيَمِينِهِ. وَهَذِه الْمسَائِل الَّتِي زَادهَا لَا تحملهَا الْأُصُول كَمَا لأبي الْحسن. وَقَالَ الْقَرَافِيّ فِي الْفرق بَين مَا يقدم فِيهِ النَّادِر على الْغَالِب مَا نَصه: أَخذ السراق المتهومين بالتهم وقرائن أَحْوَالهم كَمَا يَفْعَله الْأُمَرَاء الْيَوْم دون الْإِقْرَار الصَّحِيح والبينات الْمُعْتَبرَة الْغَالِب مصادفته للصَّوَاب والنادر خَطؤُهُ، وَمَعَ ذَلِك ألغى الشَّارِع هَذَا الْغَالِب صونا للأعراض والأطراف عَن الْقطع اه. ففهم مِنْهُ أَنه إِنَّمَا ألغى الشَّارِع هَذَا الْغَالِب بِالنِّسْبَةِ للأعراض والأطراف لَا بِالنِّسْبَةِ للغرامة فَإِنَّهُ يغرم فيوافق مَا للمكناسي وَلِهَذَا درج ناظم الْعَمَل على ذَلِك حَيْثُ قَالَ: لوالد الْقَتِيل مَعَ يَمِين القَوْل فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِين إِذا ادّعى دراهماً وأنكرا القاتلون مَا ادَّعَاهُ وطرا فَلَا مَفْهُوم لقَوْله: الْقَتِيل بل الْمدَار على كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مَعْرُوفا بِالْغَصْبِ والعداء انْظُر شَرحه، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْغَصْب وَلَا بُد. وَالمُدَّعَى فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ تَحَقُّقُ الدَّعْوَى مَعَ البَيَانِ (وَالْمُدَّعى فِيهِ لَهُ شَرْطَانِ) أَحدهمَا: (تحقق الدَّعْوَى) بِهِ أَي جزمها وقطعها بِأَن يَقُول: لي عَلَيْهِ كَذَا احْتِرَازًا من نَحْو أَشك أَو أَظن أَن لي عَلَيْهِ كَذَا فَإِنَّهَا لَا تسمع الْقَرَافِيّ: وَفِيه نظر لِأَن من وجد وَثِيقَة فِي تَرِكَة مُوَرِثه أَو أخبرهُ عدل بِحَق لَهُ فَلَا يفِيدهُ ذَلِك إِلَّا الظَّن، وَمَعَ ذَلِك يجوز لَهُ الدَّعْوَى بِهِ، وَإِن صرح بِالظَّنِّ كَمَا لَو شهدُوا بالاستفاضة وَالسَّمَاع والفلس وَحصر الْوَرَثَة، وَصرح بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ مُسْتَنده فِي الشَّهَادَة، فَلَا يكون قادحاً، فَكَذَلِك هَهُنَا لِأَن مَا جَازَ الإقداح مَعَه لَا يكون النُّطْق بِهِ قادحاً. وَأجَاب بَعضهم بِأَن الظَّن هَهُنَا لقُوته نزل منزلَة الْقطع، وَقد جَازَ لَهُ الْحلف مَعَه (خَ) وَاعْتمد البات على ظن قوي كخطه أَو خطّ أَبِيه الخ. ثمَّ عدم سماعهَا فِي الظَّن الَّذِي لَا يُفِيد الْقطع مَبْنِيّ على القَوْل بِأَن يَمِين التُّهْمَة لَا تتَوَجَّه. أَبُو الْحسن: وَالْمَشْهُور توجهها. ابْن فَرِحُونَ: يُرِيد بعد إِثْبَات كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مِمَّن تلْحقهُ التُّهْمَة اه. وَعَلِيهِ فَتسمع فِيمَن ثبتَتْ تهمته وإلاَّ فَلَا (خَ) وَاسْتحق بِهِ بِيَمِين إِن حقق وَيَمِين تُهْمَة بِمُجَرَّد النّكُول الخ وسيقول النَّاظِم: وتهمة إِن قويت بهَا تجب يَمِين متهوم الخ. قلت: وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن الدَّعْوَى تسمع هَهُنَا، وَلَو قُلْنَا بِعَدَمِ توجه يَمِين التُّهْمَة فَيُؤْمَر(1/50)
بِالْجَوَابِ لَعَلَّه يقر فَتَأَمّله، فَلَو قَالَ: أَظن أَن لي عَلَيْهِ ألفا فَقَالَ الآخر: أَظن أَنِّي قَضيته لم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء لتعذر الْقَضَاء بِالْمَجْهُولِ إِذْ كل مِنْهُمَا شَاك فِي وجوب الْحق لَهُ أَو عَلَيْهِ، فَلَيْسَ الْقَضَاء بقول الْمُدَّعِي بِأولى من الْقَضَاء بقول الآخر، فَلَو قَالَ الْمَطْلُوب: نعم كَانَ لَهُ الْألف عَليّ، وأظن أَن قَضيته لزمَه الْألف قطعا وَعَلِيهِ الْبَيِّنَة أَنه قَضَاهُ، وَثَانِيهمَا قَوْله: (مَعَ الْبَيَان) أَي مَعَ بَيَانه فأل عوض عَن الضَّمِير إِمَّا بِبَيَان عينه كَهَذا الثَّوْب أَو الْفرس أَو الدَّرَاهِم أَو بَيَان صفته. كلي فِي ذمَّته ثوب أَو فرس صفتهما كَذَا أَو دَرَاهِم يزيدية أَو محمدية، أَو سبني أَو شَتَمَنِي أَو قذفني بِلَفْظ كَذَا إِذْ لَيْسَ كل سبّ وَشتم يُوجب الْحَد، وَأما بِبَيَان سَبَب الْمُدعى فِيهِ الْمعِين أَو سَبَب مَا فِي ذمَّة الْمعِين، فَالْأول كدعوى الْمَرْأَة الطَّلَاق أَو الرِّدَّة لتحرز نَفسهَا لِأَنَّهَا معِين، وَالثَّانِي كدعوى الْمَرْأَة الْمَسِيس أَو الْقَتْل خطأ ليترتب الصَدَاق أَو الدِّيَة فِي ذمَّة الزَّوْج أَو الْعَاقِلَة الْمعينَة بالنوع، فبيان سَبَب الْمُدعى فِيهِ فِي هذَيْن المثالين وَنَحْوهمَا بَيَان شرعا للْمُدَّعى فِيهِ، فهما راجعان فِي الْمَعْنى للقسم الأول لِأَن المدعية تَقول فيهمَا أحرزت نَفسِي لِأَنَّك طلقتني ولي عَلَيْك صدَاق أَو دِيَة لِأَنَّك مسستني أَو قتلت وليي، وَكَذَا لَو قَالَت: بِعْت لَك دَاري أَو وأجرتها مِنْك فادفع لي ثمنهَا أَو أجرتهَا فَهُوَ رَاجع لما ذكر، فَكَانَ هَذَا الْقسم لَا يحْتَاج الْمُدَّعِي فِيهِ لبَيَان السَّبَب لِأَنَّهُ مَذْكُور بِخِلَاف الْقسم الأول فَلَا بُد من بَيَانه كَأَن يَقُول من تعد أَو بيع (خَ) وَكفى بِعْت وَتَزَوَّجت، وَحمل على الصَّحِيح وإلاَّ فليسأله الْحَاكِم عَن السَّبَب، ثمَّ قَالَ: وللمدعى عَلَيْهِ السُّؤَال عَن السَّبَب. قَالَ الْحطاب: وَلَيْسَ بَيَان السَّبَب من تَمام صِحَة الدَّعْوَى بِدَلِيل قَوْله ولمدعى عَلَيْهِ الخ. وَاعْتَرضهُ طفي قَائِلا: بل هُوَ من تَمام صِحَة الدَّعْوَى مَعَ عدم ادِّعَاء النسْيَان، وَاحْتج بِكَلَام الْمَجْمُوعَة وَابْن عَرَفَة فَانْظُرْهُ فِيهِ، وَاعْتِرَاض الشَّيْخ بذلك عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ شرطا لبطلت الدَّعْوَى مَعَ عدم ادِّعَاء النسْيَان سَاقِط لما علمت من أَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ شَرط صِحَة إِذا لم يدع النسْيَان كَمَا أَن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ سَاقِطَة مَعَ الْقُدْرَة على التَّفْسِير عِنْد الْمَازرِيّ وَغَيره كَمَا يَأْتِي، فالتحقق فِي كَلَام النَّاظِم رَاجع للتصديق، وَالْبَيَان رَاجع للتصور أَي لَا بُد أَن يكون الْمُدعى فِيهِ متصوراً فِي ذهن الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي فَلَا يُغني أحدهم عَن الآخر. وَخرج بِهَذَا الشَّرْط الدَّعْوَى بِمَجْهُول الْعين أَو الصّفة كلي عَلَيْهِ شَيْء لَا يدْرِي جنسه ونوعه أَو أَرض لَا يدْرِي حُدُودهَا أَو ثوب لَا يدْرِي صفته أَو دَرَاهِم لَا يدْرِي صفتهَا وَلَا قدرهَا وَنَحْو ذَلِك، فَلَا تسمع لِأَن الْمَطْلُوب لَو أقرّ وَقَالَ: نعم لَهُ عَليّ مَا يَدعِيهِ أَو أنكر وَقَامَت الْبَيِّنَة بذلك لم يحكم عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِقْرَار، وَلَا بِتِلْكَ الشَّهَادَة، إِذْ الْكل مَجْهُول وَالْحكم بِهِ مُتَعَذر فَلَيْسَ الحكم بالمروي بِأولى من الْمَرْوِيّ مثلا، وَلَا باليزيدية بِأولى(1/51)
من المحمدية، إِذْ من شَرط صِحَة الحكم تعْيين الْمَحْكُوم بِهِ وَلَا تعْيين هَهُنَا. وَهَكَذَا نَقله غير وَاحِد. قلت: وَهُوَ ظَاهر على أحد الْقَوْلَيْنِ الآتيين فِي قَوْله: وَمن لطَالب الخ. وَقَالَ الْمَازرِيّ: تسمع الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ الْبِسَاطِيّ وَهُوَ الصَّوَاب لقَولهم يلْزم الْإِقْرَار بِالْمَجْهُولِ وَيُؤمر بتفسيره، فَكَذَلِك هَذَا يُؤمر بِالْجَوَابِ لَعَلَّه يقر فَيُؤْمَر بالتفسير ويسجن لَهُ، فَإِن ادّعى الْمقر الْجَهْل أَيْضا فَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن لطَالب بِحَق شَهدا. الخ وَانْظُر شرحنا للشامل أول بَاب الصُّلْح قَالَ الْحطاب: مسَائِل الْمُدَوَّنَة صَرِيحَة فِي صِحَة الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ. الْمَازرِيّ: وَلَيْسَ مِنْهُ الدَّعْوَى على سمسار دفع إِلَيْهِ ثوبا ليَبِيعهُ بدينارين وَقِيمَته دِينَار وَنصف لِأَن الدَّعْوَى هُنَا تعلّقت بِأَمْر مَعْلُوم فِي الأَصْل وَلَا يضرّهُ كَونه لَا يدْرِي مَا يجب لَهُ يَعْنِي السمسار هَل الثّمن الَّذِي سَمَّاهُ إِن بَاعَ أَو قِيمَته إِن اسْتَهْلكهُ أَو غيبه إِن لم يبع اه الخ. قلت: الدَّعْوَى هُنَا إِنَّمَا هِيَ فِي الثَّوْب وَهُوَ معِين فَهُوَ يُطَالِبهُ برده، لَكِن إِن اسْتهْلك أَو بَاعَ فَيرد الثّمن أَو الْقيمَة لقيامها مقَامه تَأمل. وَإِلَى مَا مر أَشَارَ خَلِيل بقوله: فيدعي بِمَعْلُوم مُحَقّق قَالَ: وَكَذَا شَيْء وَإِلَّا لم تسمع كأظن الخ. وَقَالَ فِي الْإِقْرَار: وَقبل تَفْسِيره كشيء وَكَذَا وسجن لَهُ الخ وَمحل الْخلاف إِذا كَانَ الْمُدَّعِي لَا يدْرِي جنسه وَلَا قدره، وَإِلَّا فَإِن علم وأبى ذكره لم تسمع اتِّفَاقًا، وَمحله أَيْضا إِذا لم يكن الشَّيْء الَّذِي يَدعِيهِ من فضلَة حِسَاب كَانَ بَينهمَا بِبَيِّنَة. وَقَالَت: لَا نَعْرِف قدرهَا وَإِلَّا فَتسمع بِلَا خلاف كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام ابْن فَرِحُونَ، وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم:(1/52)
وَمن لطَالب بِحَق شَهدا وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا ثمَّ مَا قَررنَا بِهِ كَلَام النَّاظِم من أَنه حذف مُتَعَلق الدَّعْوَى وَأَن أل فِي قَوْله: الْبَيَان عوض عَن الضَّمِير هُوَ الَّذِي ظهر لنا من كَلَام الْقَرَافِيّ وَغَيره، وَبِه ينْدَفع مَا قيل إِن مَا ذكره شَرط فِي الدَّعْوَى لَا فِي الْمُدعى فِيهِ إِذْ لَا يخفى أَن الدَّعْوَى وَالْمُدَّعى فِيهِ متلازمان فَمَا كَانَ شرطا فِي أَحدهمَا فَهُوَ شَرط فِي الآخر، وَمَا كَانَ تقسيماً لأَحَدهمَا فَهُوَ تَقْسِيم للْآخر، فَيَنْتَفِي حِينَئِذٍ التَّدَاخُل فِي الْأَقْسَام الَّتِي عِنْد (ت) وَغَيره وَالله أعلم. وَبَقِي على النَّاظِم شُرُوط أخر كَون الْمُدعى فِيهِ ذَا غَرَض صَحِيح احْتِرَازًا من الدَّعْوَى بقمحة أَو شعيرَة وَنَحْو ذَلِك، وَلذَا لَا يُمكن الْمُسْتَأْجر للْبِنَاء وَنَحْوه من قلع مَا لَا قيمَة لَهُ وَكَونه مِمَّا لَو أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب لقضى عَلَيْهِ بِهِ احْتِرَازًا من الدَّعْوَى بِأَنَّهُ قَالَ: دَاري صَدَقَة بِيَمِين مُطلقًا أَو بغَيْرهَا وَلم يعين الخ. وَمن الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْوَصِيَّةِ للْمَسَاكِين، وَمِمَّا يُؤمر فِيهِ بِالطَّلَاق من غير قَضَاء كَقَوْلِه: إِن كنت تحبيني أَو تبغضيني، وَمن الدَّعْوَى على الْمَحْجُور بِبيع وَنَحْوه من الْمُعَامَلَات فَلَا يلْزمه، وَلَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَاف مَا إِذا ثَبت عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك وَالْغَصْب وَنَحْوهمَا (خَ) : وَضمن مَا أفسد إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ، وَالظَّاهِر أَن هَذَا الشَّرْط يُغني عَن الَّذِي قبله وَلَا يحْتَرز بِهِ من دَعْوَى الْهِبَة والوعد لِأَنَّهُ يُؤمر بِالْجَوَابِ فيهمَا. وَلَو على القَوْل بِعَدَمِ لُزُومهَا بالْقَوْل لاحْتِمَال أَن يقر وَلَا يرجع عَن الْهِبَة وَلَا يخلف وعده، وَكَون الْعَادة لَا تكذب الدَّعْوَى بِهِ احْتِرَاز من الدَّعْوَى بِالْغَصْبِ وَالْفساد على رجل صَالح (خَ) وأدب مُمَيّز كمدعيه على صَالح، وَمن مَسْأَلَة الْحِيَازَة الْمُعْتَبرَة فَإِن الدَّعْوَى لَا تسمع فِيهَا وَقيل تسمع وَيُؤمر الْمَطْلُوب بجوابها لَعَلَّه يقر أَو يُنكر فَيحلف قَالَه (ح) وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي فِي فصل الْحَوْز. تَنْبِيهَانِ. الأول: علم مِمَّا مر أَن هَذِه الشُّرُوط كلهَا مبحوث فِيهَا مَا عدا الشَّرْط الرَّابِع، وَظَاهره أَن الْمَحْجُور لَا تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي الْمُعَامَلَات، وَلَو نَصبه وليه لمعاملات النَّاس بِمَال دَفعه إِلَيْهِ للتِّجَارَة ليختبره، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الدّين اللَّاحِق لَهُ لَا يلْزمه لَا فِيمَا دفع إِلَيْهِ وَلَا فِيمَا بَقِي وَلَا فِي ذمَّته لِأَنَّهُ لم يخرج بذلك من الْولَايَة قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَقيل: يلْزمه ذَلِك فِي المَال الْمَدْفُوع إِلَيْهِ خَاصَّة، وَهَذَا إِذا لم يضمن بِهِ مَاله، وإلاَّ فَيضمن فِي المَال المصون وَهُوَ مَحْمُول على عدم التصوين وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَجَاز للْوَصِيّ فِيمَن حجرا أعطَاهُ بعض مَاله مختبرا الثَّانِي: تقدم أَن بَيَان السَّبَب من تَمام صِحَة الدَّعْوَى لِإِمْكَان أَن يكون سَبَب مَا يَدعِيهِ فَاسِدا كَكَوْنِهِ ثمن خمر أَو رَبًّا وَنَحْو ذَلِك، وَلذَا قَالَ ابْن حَارِث: إِذا لم يسْأَله القَاضِي عَنهُ كَانَ كالخابط خبط عشواء قَالَ: فَإِن سَأَلَهُ الْحَاكِم أَو الْمُدعى عَلَيْهِ عَنهُ وَامْتنع من بَيَانه لم يُكَلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ، فَإِن ادّعى نسيانه قبل بِغَيْر يَمِين. قلت: وَيَنْبَنِي على بَيَانه أَن الْمَطْلُوب إِذا قَالَ فِي جَوَابه: لَا حق لَك عَليّ لَا يَكْتَفِي مِنْهُ بذلك بل حَتَّى يَنْفِي السَّبَب الَّذِي بَينه الْمُدَّعِي كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً. الخ ... وَإِذا ميزت الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِمَا مرّ. وَالمُدَّعِي مُطالَبٌ بالبَيِّنَه(1/53)
ْ وحالَةُ العُمُومِ فِيهِ بيَّنَهْ (وَالْمُدَّعِي مطَالب بِالْبَيِّنَةِ) . إِذا أنكر الْمَطْلُوب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . وَهَكَذَا ذكر ابْن رشد وَغَيره هَذَا الحَدِيث. وَذكره ابْن عبد الْبر عَن عمر بن شُعْبَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . وَأنكر ذَلِك ابْن سهل وَقَالَ: إِنَّمَا الحَدِيث: (شَاهِدَاك أَو يَمِينه) . وَالْبَيِّنَة: تَشْمَل الشَّاهِدين وَالْأَرْبَعَة، وَالشَّاهِد مَعَ الْيَمين والمرأتين كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. (وَحَالَة الْعُمُوم فِيهِ) أَي فِي الْمُدَّعِي من كَونه صَالحا أَو طالحاً ادّعى على صَالح أَو طالح (بَيِّنَة) لقَوْل الْقَرَافِيّ وَغَيره: أَجمعت الْأمة على أَن الصَّالح التقي مثل أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا لَو ادّعى على أفسق النَّاس درهما وَاحِدًا لَا يصدق فِيهِ وَعَلِيهِ الْبَيِّنَة فَهَذَا مِمَّا قدم فِيهِ الأَصْل على الْغَالِب لِأَن الْغَالِب أَن الصَّالح التقي لَا يَدعِي إلاَّ حَقًا. وَبِهَذَا الْإِجْمَاع احْتج الشَّافِعِيَّة علينا فِي تَقْدِيم الْغَالِب على الأَصْل فِي دَعْوَى الْمَرْأَة الْمَسِيس وَعدم الْإِنْفَاق وَنَحْوهمَا مِمَّا شهد الْعرف فِيهِ للْمُدَّعِي كَمَا مرَّ فَقَوْل (ت) يَسْتَثْنِي من الْعُمُوم الْمَذْكُور مسألتا التدمية والمحتملة غصبا إِذا ادَّعَت الْوَطْء فَيقبل فيهمَا قَول الْمُدَّعِي بِغَيْر بَيِّنَة الخ. فِيهِ نظر لِأَن الْمُدَّعِي فيهمَا لترجيح جَانِبه بِالْعرْفِ صَار مدعى عَلَيْهِ فهما كمسألتي الْمَسِيس وَعدم الْإِنْفَاق وَنَحْوهمَا داخلان فِي قَول النَّاظِم من قد عضدا. مقاله عرف الخ. وَالمُدَّعَى عَلَيْهِ باليَمِينِ فِي عَجْزِ مُدَّعٍ عنِ التَّبيينِ (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ) مُبْتَدأ (بِالْيَمِينِ) يتَعَلَّق بخاص خَبره أَي مطَالب بِالْيَمِينِ وحذفه لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، وَلَا يَصح عطفه على الْمُدَّعِي وباليمين على الْبَيِّنَة لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى الْعَطف على معمولي عاملين مُخْتَلفين وَهُوَ لَا يجوز وَإِنَّمَا يُطَالب بِالْيَمِينِ (فِي) حَال (عجز مُدع عَن التَّبْيِين) أَي عَن الْبَيِّنَة وَفِي حَال كَون الدَّعْوَى فِي المَال أَو مَا يؤول إِلَيْهِ وإلاَّ فَكل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها كَنِكَاح وَعتق وَنَحْوهمَا وَشَمل كَلَامه مَا إِذا طلب الطَّالِب يَمِين الْمَطْلُوب لعَجزه(1/54)
عَن الْبَيِّنَة، فَادّعى عَلَيْهِ الْمَطْلُوب أَنه كَانَ حلفه على تِلْكَ الدَّعْوَى، فَإِن الطَّالِب لَا يتَوَصَّل ليمين الْمَطْلُوب حَتَّى يحلف أَنه مَا حلفه (خَ) وَله يَمِينه أَنه لم يحلفهُ أَولا اه. وَقَالَ فِي اللامية: لمن يزْعم الأحلاف إحلاف خَصمه على نفي أحلاف لَهُ قد تقبلا وَقَول ناظم الْعَمَل: وَلَا يَمِين حَيْثُ قَالَ احْلِف لي إِنَّك مَا حلفتني من قبلي لَا يعول عَلَيْهِ وَإِن اخْتَارَهُ ابْن رحال وَمَا عللوه بِهِ من أَن تَمْكِينه من تَحْلِيفه فِيهِ ضَرَر عَظِيم وَيلْزم عَلَيْهِ مُقَابلَة يَمِين بِيَمِين كُله لَا ينْهض حجَّة لأَنهم حَافظُوا على حق الطَّالِب، وأخلوا بِحَق الْمَطْلُوب. وَقد تكون دَعْوَاهُ صَحِيحَة فَفِيهِ تَرْجِيح دَعْوَى أحد الْخَصْمَيْنِ بِلَا مُرَجّح، ومقابلة الْيَمين بِالْيَمِينِ تَنْتفِي بقلب الْيَمين على الْمَطْلُوب وَالله أعلم. وَهَذَا كُله إِذا قَالَ: إِنَّك حلفتني، وَأما إِن قَالَ لَهُ: إِنَّك أسقطت عني الْيَمين وأبرأتني مِنْهَا فاحلف لي مَا أسقطتها عني، فَإِن الطَّالِب لَا تجب عَلَيْهِ يَمِين لرد هَذِه الدَّعْوَى كَمَا فِي الدّرّ النثير ونوازل الدَّعَاوَى من المعيار، وأشعر قَول النَّاظِم مطَالب بِالْيَمِينِ الخ، أَنه لَو حلف قبل أَن يطْلبهَا الْخصم مِنْهُ لم تجزه وَلَو بِأَمْر القَاضِي وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَقَالَ فِي اللامية: وَذُو حلف من غير إحلاف خَصمه وَغير رضَا لم يستفد شَيْئا أملا وَأَحْرَى فِي عدم الْإِجْزَاء إِن حلف بِغَيْر حُضُور خَصمه، وَظَاهر النّظم أَن الْيَمين تجب عَلَيْهِ فِي عجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة، وَلَو لم تكن خلْطَة، وَهُوَ قَول ابْن نَافِع وَابْن عبد الحكم من الْمَالِكِيَّة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَغَيرهمَا وَبِه الْعَمَل الْآن قَالَ ناظمه: وَدون خلْطَة توجه الْيَمين على الَّذِي عَلَيْهِ إِلَّا دَعَا يبين وَظَاهر هَذَا الْعَمَل عدم التَّفْرِيق بَين ذَوي الْعلَا والمروءة وَغَيرهم، وَفرق بَعضهم بَين الدَّعْوَى على الرجل المنقبض عَن مداخلة النَّاس ومخالطتهم، وَالْمَرْأَة المستورة المحتجبة فَلَا تجب عَلَيْهِمَا الْيَمين بِالدَّعْوَى إِلَّا بعد ثُبُوت الْخلطَة ابْن عبد الْبر: وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الزّرْقَانِيّ فِي لاميته بقوله: لَكِن ببلدة يُوسُف يخص بهَا ذَات الْحجاب وَذُو الْعلَا الخ وَنَحْوه لِابْنِ هِلَال عَن ابْن رشد، وَاخْتَارَهُ ابْن رحال وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَاده، إِذْ كثير من النَّاس يتجرأ على ذَوي الْفضل وَالدّين وَيُرِيد إهانتهم بالأيمان فِي الدَّعَاوَى الْبَاطِلَة، وَقد شاهدنا من ذَلِك فِي هَذَا الزَّمَان مَا الله أعلم بِهِ. ثمَّ الْعَمَل بترك الْخلطَة إِنَّمَا هُوَ فِي الدَّعَاوَى بِالْمَالِ من مُعَاملَة وَنَحْوهَا لَا فِي الدَّعَاوَى الَّتِي يشْتَرط فِي توجه الْيَمين بهَا الظنة والتهمة كالغصب والتعدي وَالسَّرِقَة وَنَحْوهَا فَلم يجر عمل بتوجهها بِدُونِ ثُبُوت التُّهْمَة كَمَا مرّ عَن ابْن فَرِحُونَ وَنَحْوه فِي (ح) والرعيني بل تقدم أَنه إِذا ادّعى بذلك على صَالح لم تسمع دَعْوَاهُ ويؤدب وَيَأْتِي للناظم: وتهمة إِن قويت الخ. فَانْظُر هُنَاكَ، وَالْمرَاد بثوبتها أَن يكون مِمَّن قد أُشير إِلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَنَحْوه سَوَاء ثَبت أَو لم يثبت، وَلَكِن علم أَنه قد ادّعى بهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي ابْن سهل، وَفهم من قَول النَّاظِم فِي عجز مُدع الخ أَن الْمُدَّعِي إِذْ لم يعجز وَأقَام الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ يقْضِي لَهُ بِحقِّهِ من غير يَمِين تلْزمهُ مَعَ كَمَال بَينته وَهُوَ كَذَلِك مَا لم يدع عَلَيْهِ الْمَطْلُوب الْقَضَاء، أَو أَنه عَالم بفسق(1/55)
شُهُوده، وإلاَّ فَتجب (خَ) : وَكَذَا أَنه عَالم بفسق شُهُوده أَي حقق عَلَيْهِ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ عَالم بِعِلْمِهِ بفسق شُهُوده فتتوجه عَلَيْهِ الْيَمين. (فرع) : من وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين فتغيب طالبها فَإِن القَاضِي يُوكل من يتقاضاها لَهُ بعد ثُبُوت مغيبه، وَيشْهد بذلك قَالَه ابْن عَاتٍ فِي طرره وَيَأْتِي نَحوه عِنْد قَول النَّاظِم: وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج. الخ. فَإِن سَأَلَ الطَّالِب تَأْخِيرهَا وَسَأَلَ الْمَطْلُوب تَعْجِيلهَا أَو بِالْعَكْسِ، فَالْقَوْل لطَالب تَعْجِيلهَا، وَإِذا كَانَت الدَّعْوَى على امْرَأَة وَطلب الْخصم أَن تحلف بمحضره فَإِن كَانَت من ذَوي الْقدر والشرف فيبعث الْحَاكِم من يحلفها وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِأَن يقف حَيْثُ يسمع يَمِينهَا وَلَا يرى شخصها. (فَائِدَة) : رَأَيْت أَن نذْكر رِسَالَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الْمَعْرُوفَة برسالة الْقَضَاء. ابْن سهل: هَذِه الرسَالَة أصل فِيمَا تضمنته من فُصُول الْقَضَاء ومعاني الْأَحْكَام قَالَ فِي ضيح: فَيَنْبَغِي حفظهَا والاعتناء بهَا. وَهِي: (بِسم الله الرّحم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ن الرّحيم) ، من عمر بن الْخطاب أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ سَلام عَلَيْك. أما بعد: فَإِن الْقَضَاء فَرِيضَة محكمَة وسنّة متبعة فَافْهَم إِذا أدلي إِلَيْك وأنفذ إِذا تبين لَك فَإِنَّهُ لَا ينفع تكلم بِحَق لَا نَفاذ لَهُ وَهُوَ بَين النَّاس فِي وَجهك وعدلك ومجلسك حَتَّى لَا يطْمع شرِيف فِي حيفك، وَلَا ييأس ضَعِيف من عدلك، الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر، وَالصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إلاّ صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا، وَلَا يمنعك قَضَاء قَضيته بالْأَمْس ثمَّ راجعت فِيهِ نَفسك وهديت فِيهِ لرشدك أَن ترجع إِلَى الْحق، ومراجعته خير من الْبَاطِل والتمادي فِيهِ. الْفَهم الْفَهم فِيمَا تلجلج فِي صدرك مِمَّا لم يبلغك فِي الْكتاب وَالسّنة أعرف الْأَمْثَال والأشباه، وَقس الْأُمُور عِنْد ذَلِك، واعمد إِلَى أقربها إِلَى الله تَعَالَى، وأشبهها بِالْحَقِّ فِيمَا ترى، وَاجعَل لمن ادّعى حَقًا غَائِبا أَو بَيِّنَة أمداً يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِن أحضر بَيِّنَة أخذت لَهُ بِحقِّهِ وإلاَّ أوجبت لَهُ الْقَضَاء فَإِن ذَلِك أنفى للشَّكّ وأبلغ للْعُذْر. النَّاس عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلوداً فِي حد أَو مجرباً عَلَيْهِ شَهَادَة زور أَو ظنيناً فِي وَلَاء أَو نسب، فَإِن الله تَعَالَى تولى مِنْكُم السرائر وَدَرَأَ عَنْكُم بِالْبَيِّنَاتِ والأيمان وَإِيَّاك والقلق والضجر والتأذي بِالنَّاسِ والتنكير عِنْد الْخُصُومَات فَإِن الْحق فِي مَوَاطِن الْحق يعظم بِهِ الْأجر وَيحسن عَلَيْهِ الذخر، فَإِن من يصلح مَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَهُوَ على نَفسه يكفه الله مَا بَينه وَبَين النَّاس وَمن تزين للنَّاس بِمَا يعلم الله مِنْهُ غَيره شانه الله، فَمَا ظَنك بِثَوَاب الله فِي عَاجل رزقه وخزائن رَحمته وَالسَّلَام ابْن سهل. وَقَوله فِي هَذِه الرسَالَة: الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض الخ. رَجَعَ عَنهُ بِمَا رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ قَالَ ربيعَة: قدم رجل من أهل الْعرَاق على عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: قد جئْتُك على أَمر لَا رَأس لَهُ وَلَا ذَنْب، فَقَالَ عمر: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: شَهَادَة الزُّور ظَهرت بأرضنا. فَقَالَ عمر: وَالله لَا يؤسر رجل فِي الْإِسْلَام بِغَيْر عدُول، وَهَذَا يدل على رُجُوعه عَمَّا فِي هَذِه الرسَالَة. وَأخذ الْحسن وَاللَّيْث بن سعيد من التَّابِعين بِمَا فِي هَذِه الرسَالَة من أُمُور الشُّهُود وَالْأَكْثَر على خِلَافه لقَوْله تَعَالَى: وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} (الطَّلَاق: 2) مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} (الْبَقَرَة: 282) اه. وَإِذا كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ الْمعِين كدار وثوب وَفرس مثلا فِي غير بلد(1/56)
الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَ فِي بلد الْمُدَّعِي أم لَا، وَأَرَادَ الْمُدَّعِي رفع الْمُدعى عَلَيْهِ لقَاضِي بَلَده يحاكمه عِنْده لم يكن لَهُ ذَلِك حَيْثُ امْتنع الْمَطْلُوب وَأَرَادَ الْمُخَاصمَة عِنْد قاضيه كَمَا قَالَ: وَالحكْمُ فِي المَشْهورِ حَيْث المدَّعى عَليْهِ فِي الأصُولِ والمالِ مَعا (وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى. عَلَيْهِ فِي الْأُصُول و) فِي (المَال) الْمعِين (مَعًا) (خَ) : وَهل يُرَاعى حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَبِه عمل أَو الْمُدَّعِي وأقيم مِنْهَا الخ. فَإِن كَانَ النزاع فِي دين فِي الذِّمَّة. وَشبهه كقصاص فَهُوَ قَوْله: وحَيْثُ يُلْفِيهِ بِما فِي الذِّمَّهْ يَطْلُبهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ (وَحَيْثُ يلفيه بِمَا فِي الذِّمَّة يَطْلُبهُ) أَي ويخاصمه بِمَا فِي ذمَّته حَيْثُ مَا وجده. ابْن حبيب: وَكَذَا إِن كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ الْمعِين من دَار وَنَحْوهَا مَعَ الْمَطْلُوب فِي الْمحل الَّذِي لقِيه فِيهِ فَلهُ أَن يحْبسهُ لمخاصمته فِي ذَلِك الْمحل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: (وَحَيْثُ أصل ثمه) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ظرف مَكَان يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله أصل وَالْهَاء للسكت أَي ويطلبه فِي الْمَكَان الَّذِي لقِيه فِيهِ حَيْثُ كَانَ الأَصْل ثمَّة أَي فِي ذَلِك الْمَكَان. فَتحصل أَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا لم يخرج من بَلَده فَلَيْسَتْ الدَّعْوَى إِلَّا هُنَالك كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ هُنَاكَ أم لَا، وَإِن خرج من بَلَده فإمَّا أَن يلقاه فِي مَحل الأَصْل الْمُتَنَازع فِيهِ، أَو يكون المَال الْمعِين مَعَه أَو لَا، فَيُجِيبهُ لمخاصمته هُنَاكَ فِي الأوّل دون الثَّانِي، وَأما مَا فِي الذِّمَّة فيخاصمه حَيْثُمَا لقِيه. وَقُدِّمَ السَّابِقُ لِلْخِصامِ وَالمُدَّعِي لِلْبَدْءِ بالْكَلاَمِ (و) إِذا اجْتمع لَدَى القَاضِي خصوم وَتَنَازَعُوا فِي من يسْبق للتحاكم (قدم السَّابِق) مِنْهُم (للخصام) ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَهَكَذَا إِلَّا أَن يكون فيهم مُسَافر أَو مَا يخْشَى فيقدمان حِينَئِذٍ على(1/57)
السَّابِق كَمَا قَالَ (خَ) وَقدم مُسَافر وَمَا يخْشَى فَوَاته ثمَّ السَّابِق قَالَ: وَإِن بحقين بِلَا طول الخ. قَالَ فِي التَّوْضِيح: وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يُوكل من يعرف السَّابِق من الْخُصُوم من اللَّاحِق الخ. وَاعْلَم أَن الْمُدَّعِي يُطلق على مَعْنيين، أَحدهمَا: الْمَأْمُور بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ مَا مر فِي قَوْله: فالمدعي من قَوْله مُجَرّد. وَالْآخر: الجالب الَّذِي يُؤمر بالْكلَام وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: (و) قدم (الْمُدَّعِي) أَي الجالب لصَاحبه (للبدء بالْكلَام) ويسكت الآخر حَتَّى يفرغ الْمُدَّعِي من دَعْوَاهُ، فَإِن صحت باستجماع شُرُوطهَا الْمُتَقَدّمَة أمره بجوابه وإلاَّ صرفه عَنهُ، فَإِن جلسا بَين يَدَيْهِ وَلم يعلم الجالب مِنْهُمَا فَلَا بَأْس أَن يَقُول: مَا لَكمَا وَمَا خصومتكما أَو يسكت ليبتدياه، وَلَا يبتدىء أَحدهمَا فَيَقُول: مَا تَقول أَو مَا لَك؟ إِلَّا أَن يعلم أَنه الْمُدَّعِي وَلَا بَأْس أَن يَقُول: أيكما الْمُدَّعِي؟ فَإِن قَالَ أَحدهمَا: أَنا أمره بالْكلَام، فَإِن قَالَ كل مِنْهُمَا: أَنا الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ صرفهما عَنهُ حَتَّى يَأْتِي أَحدهمَا أَولا كَمَا قَالَ: وَحَيْثُ خُصْم حالَ خَصْمٍ يَدَّعِي فاصْرِفْ وَمَنْ يَسْبِقْ فَذَاكَ المُدَّعِي فخصم: مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس، وَيَدعِي: خَبره، وَقَوله: فاصرف جَوَاب مَا تضمنته حَيْثُ من معنى الشَّرْط: وَدخلت عَلَيْهِ الْفَاء لِأَنَّهُ لَا يصلح أَن يكون شرطا. وَعِنْدَ جَهْلِ سابِقٍ أوْ مُدَّعي منْ لَجّ إذْ ذَاكَ لِقُرْعَةٍ دُعي (وَعند جهل سَابق) فِي الصُّورَة الأولى (أَو) جهل (مدعي) فِي الثَّانِيَة فَإِن رجعا دفْعَة وَاحِدَة بعد أَن صرفهما ولجأ فِي تعْيين السَّابِق فِي الأولى وَالْمُدَّعِي فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يقرع بَينهمَا كَمَا قَالَ (من لج إِذْ ذَاك لقرعة دعِي) فَقَوله: من لج بِالْجِيم من اللجاج أَي الْخُصُومَة وَهُوَ مُبْتَدأ وَعند جهل يتَعَلَّق بِهِ ولكونه ظرفا صَحَّ تَقْدِيمه على الْمَوْصُول وصلته لأَنهم يتوسعون فِيهِ. وَالْجُمْلَة من قَوْله: لقرعة دعِي: خَبره وَإِذا ذَاك يتَعَلَّق بدعي وَذَاكَ إِشَارَة للجاج، وَخَبره مَحْذُوف أَي حَاصِل.(1/58)
وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذْ إِلَيْهَا. وَكَيْفِيَّة الْقرعَة أَن تكْتب أَسمَاؤُهُم فِي بطائق وتخلط فَمن خرج اسْمه بدىء بِهِ، وَمَا ذكره النَّاظِم من الْقرعَة عِنْد جهل الْمُدَّعِي صدر بِهِ فِي الشَّامِل، وَقيل: يبْدَأ بِمن شَاءَ مِنْهُمَا، والضعيف أولى وَقيل يصرفهما وَقيل يَتَحَالَفَانِ اه.
(فصل فِي رفع الْمُدعى عَلَيْهِ)
لمجلس الحكم (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) أَي بِالرَّفْع الْمَذْكُور من الطَّبْع على من أَبى الْحُضُور وَأُجْرَة العون على من تكون. ثمَّ اعْلَم أَن الْخَصْمَيْنِ لَا يَخْلُو حَالهمَا، إِمَّا أَن يحضرا مَعًا مجْلِس الحكم متفقين على الدَّعْوَى أَو مُخْتَلفين، وَقد مر ذَلِك، وَإِمَّا أَن يحضر الطَّالِب فَقَط، وَفِي هَذِه إِمَّا أَن يكون الْمَطْلُوب من غير مَحل ولَايَة القَاضِي وَقد تقدم فِي قَوْله: وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ الخ، وَإِمَّا أَن يكون من مَحل ولَايَته وَفِيه صُورَتَانِ فَتَارَة يخرج عَنْهَا لزيارة أَو تِجَارَة أَو نَحْوهمَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي الْبيُوع فِي فصل الحكم على الْغَائِب، وَتارَة لَا يخرج عَنْهَا فَلَا يَخْلُو حَاله من ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يكون فِي الْبَلَد، أَو على مَسَافَة قريبَة أَو بعيدَة حسا أَو حكما، وعَلى هَذِه الثَّلَاث تكلم هُنَا فَأَشَارَ إِلَى الأول فَقَالَ: وَمَعْ مَخِيلةٍ بِصِدْقِ الطَّالِبِ يُرْفَعُ بالإرْسالِ غيْرُ الغائِبِ (وَمَعَ مخيلة) أَي دَلِيل أَي شُبْهَة أَي لطخ كجرح أَو شَاهد أَو أثر ضرب وَنَحْو ذَلِك (بِصدق الطَّالِب، يرفع بِالْإِرْسَال) إِلَيْهِ لَا بالخاتم على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي اليزناسي (غير الْغَائِب) وَهُوَ الْحَاضِر فِي الْبَلَد فَغير بِالرَّفْع نَائِب فَاعل يرفع وَمَعَ يتَعَلَّق بِهِ، وَيحْتَمل أَن يكون مَبْنِيا للْفَاعِل وفاعله القَاضِي. وَهَذَا قَول سَحْنُون وَإِن الحكم لَا يرفع الْمَطْلُوب حَتَّى يَأْتِي الطَّالِب بِشُبْهَة لِئَلَّا يكون الطَّالِب مُدعيًا بَاطِلا، وَظَاهر قَول ابْن أبي زمنين أَنه يرفع وَإِن لم يَأْتِ بِشُبْهَة. ابْن عَرَفَة، وَبِه الْعَمَل وَإِلَى الثَّانِي بقوله:(1/59)
وَمَنْ عَلَى يَسِير الأمْيالِ يَحُلْ فالكتب كَاف فيهِ مَعْ أمْن السُّبُلْ (وَمن على يسير الأميال) كالفرسخ فَمَا دونه (يحل) جمع ميل بِكَسْر الْمِيم والميل، كَمَا قَالَ ابْن عبد الْبر ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة ذِرَاع، والذراع مَا بَين طرفِي الْمرْفق وَرَأس الْأصْبع الْوُسْطَى كل ذِرَاع سِتّ وَثَلَاثُونَ أصبعاً كل أصْبع سِتّ شعيرات بطن إِحْدَاهمَا لظهر الْأُخْرَى، كل شعيرَة سِتّ شَعرَات من شعر البرذون. وَقَالَ ابْن حبيب: الْميل ألف بَاعَ بباع الْفرس، وَقيل بباع الْبَعِير، والباع: ذراعان. والذراع: شبران، والشبر: اثْنَا عشر أصبعاً، والأصبع: سِتّ حبوب من وسط الشّعير بطن إِحْدَاهمَا لظهر الْأُخْرَى وعَلى الأول اقْتصر شرَّاح الْمُخْتَصر. (فالكتب) إِلَيْهِ فِي كتاب إِن أحضر مجْلِس الحكم ويطبع وَيدْفَع للطَّالِب الَّذِي أَتَى بالمخيلة لِأَنَّهَا مُرَاعَاة عِنْد النَّاظِم فِي هَذِه بالأحرى، وَإِن كَانَ الْعَمَل على خِلَافه كَمَا مرّ (كَاف فِيهِ) عَن إرْسَال الرَّسُول إِلَيْهِ وَهَذَا (مَعَ أَمن السبل) أَي الطّرق الَّتِي يسلكها لمحل الحكم (خَ) وجلب الْخصم بِخَاتم أَو رَسُول إِن كَانَ على مَسَافَة الْعَدْوى لَا أَكثر كستين ميلًا. إِلَّا بِشَاهِد اه. ومسافة الْعَدْوى ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ ميلًا فَهِيَ مَسَافَة الْقصر كَمَا فِي التَّبْصِرَة الْجَوْهَرِي الْعَدْوى طَلَبك إِلَى وَال ليعديك على من ظلمك أَي ينْتَقم مِنْهُ يُقَال: استعديت على فلَان الْأَمِير فأعداني أَي استعنت بِهِ فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ. (تَنْبِيه) : لَا يكْتب إِلَيْهِ فِي هَذَا وَلَا يُرْسل خَلفه فِي الَّتِي قبلهَا حَتَّى يذكر دَعْوَاهُ وتتوفر شُرُوطهَا بِبَيَان السَّبَب، وَغير ذَلِك مِمَّا مر لِئَلَّا تكون دَعْوَاهُ غير صَحِيحَة فيجلبه من مَسَافَة الْعَدْوى لغير شَيْء، ويفوت عَلَيْهِ كثيرا من مَصَالِحه وَإِلَى الثَّالِث بقوله: وَمَعَ بُعْدٍ أَو مَخَافَةٍ كتبْ لأمثَل القَوْمِ أنْ افْعَلْ مَا يَجِبْ (وَمَعَ بعد) وَهُوَ مَا فَوق مَسَافَة الْعَدْوى (أَو مَخَافَة) فِي الطَّرِيق من لصوص وَنَحْوهم وَإِن كَانَ على أقل مِنْهَا (كتب لأمثل الْقَوْم) الَّذين هُوَ فيهم أَي أفضلهم فِي الْعلم وَالدّين (أَن افْعَل مَا يجب) من النّظر الْمُؤَدِّي للتناصف بَينهمَا. أَمَّا باصْلاَح أَو الإغْرَامِ أَوْ أَزْعِج المطْلُوبَ لِلْخِصَامِ (إِمَّا بالإصلاح) بَينهمَا (أَو الإغرام) للمطلوب حَيْثُ توجه الحكم بِهِ عَلَيْهِ (أَو أزعج الْمَطْلُوب) أَي أرفعه (للخصام) . وَالْحَاصِل أَن القَاضِي فِي هَذَا الْوَجْه الثَّالِث لَا يكْتب لأمثل الْقَوْم إِلَّا مَعَ قيام الشَّاهِد وَنَحْوه من جرح وَأثر ضرب وَقَوله: كَاف يَعْنِي على جِهَة الْأَوْلَوِيَّة وإلاَّ فَلهُ أَن يُرْسل إِلَيْهِ رَسُولا كَمَا مرّ عَن (خَ) فَلَا مُخَالفَة بَينهمَا فِي الصُّورَتَيْنِ، ابْن عَرَفَة: عَن ابْن عبد الحكم: من استعدى الْحَاكِم على من مَعَه فِي الْمصر أَو قَرِيبا مِنْهُ أعطَاهُ طابعاً فِي جلبه أَو رَسُولا وَإِن بعد من الْمصر لم يجلبه إِلَّا أَن يشْهد عَلَيْهِ شَاهد بِالْحَقِّ فَيكْتب لمن يَثِق بِهِ من أمنائه أما(1/60)
أنصفه وإلاَّ فليرتفع مَعَه اه. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: ويجلب الْخصم مَعَ مدعيه بِخَاتم أَو رَسُول إِذا لم يزدْ على مَسَافَة الْعَدْوى، فَإِن زَاد لم يجلبه مَا لم يشْهد شَاهد فَيكْتب إِلَيْهِ، إِمَّا أَن يحضر أَو يرضى أَي خَصمه فَقَوْل النَّاظِم: إِمَّا بالإصلاح أَو الإغرام هُوَ قَول ابْن الْحَاجِب أَو يرضى خَصمه إِلَّا أَن النَّاظِم اشْترط المخيلة فِي الصُّور كلهَا وَقد علمت أَنه خلاف لِابْنِ الْحَاجِب وَغَيره من أَنَّهَا لَا تشْتَرط إِلَّا فِي الثَّالِثَة. تَنْبِيهَانِ. الأول: فهم من قَول النَّاظِم كتب لأمثل الْقَوْم الخ أَن القَاضِي إِذا أرسل إِلَى فَقِيه وَقَالَ لَهُ: انْظُر بَينهمَا ثمَّ اقْضِ مَا ترى فِي ذَلِك فَذَلِك نَافِذ وَهُوَ كَذَلِك عِنْد ابْن حبيب، وَقَالَ سَحْنُون: لَا ينفذ حكم الْفَقِيه بَينهمَا حَتَّى يُجِيزهُ القَاضِي ويقره، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة اسْتِخْلَاف إِلَّا أَنه فِي نازلة خَاصَّة، وَأما استخلافه من يَنُوب عَنهُ فِي الْأَحْكَام فَإِن أذن لَهُ فِيهِ نصا جَازَ مُطلقًا وَإِن نهى عَنهُ امْتنع مُطلقًا وَإِن لم يكن إِذن وَلَا نهي فَإِن جرت الْعَادة بِهِ فَيَنْبَغِي أَن يكون كالنص، وإلاَّ فَفِي جَوَازه لمَرض أَو سفر قَولَانِ للأخوين وَسَحْنُون. فَإِن انتفيا لم يجز إِلَّا فِي جِهَة بعد (ت) كَمَا فِي (ح) ثمَّ لَيْسَ للمستخلف بِالْفَتْح أَن يسْتَخْلف إِلَّا بِإِذن من الَّذِي قدمه أَو عرف كَمَا فِي (ح) قَالَ: فَحكم النواب مَعَ من استنابهم حكم الْقُضَاة مَعَ السُّلْطَان قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَلَا يسجل نَائِب القَاضِي بِمَا ثَبت عِنْده، فَإِن فعل فَلَا يجوز تسجيله وَيبْطل إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ قبل أَن يعْزل أَو يَمُوت. قَالَ: وَإِذا قُلْنَا لَا يسجل فَلهُ أَن يسمع الْبَيِّنَة وَيشْهد عِنْده الشُّهُود فِيمَا فِيهِ النزاع، وَيقبل من عرف مِنْهُم بعدالة وتعقد عِنْده المقالات، ثمَّ يرفع ذَلِك كُله إِلَى الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ لينفذه ويسجل بِهِ للمحكوم لَهُ الخ. وَقَول (ت) : وإلاَّ فَإِن كَانَ لعذر جَازَ الخ فِيهِ مَعَ قَوْله بعد فِي جِهَة بعد (ت) نظر لَا يخفى لِأَن الْعذر الَّذِي جَازَ مَعَه الِاسْتِخْلَاف اتِّفَاقًا من مطرف وَسَحْنُون هُوَ بعد الْجِهَات، وَاخْتِلَاف الكور الَّتِي لَا يلْزمه الدوران عَلَيْهَا وَلَا الجلب مِنْهَا. فَالصَّوَاب حذفه والاكتفاء بقوله فِي جِهَة بعد (ت) . الثَّانِي: إِن لم يكن للْمُدَّعِي حق لم تجب على الْمُدعى عَلَيْهِ الْإِجَابَة وَمَتى علم الْخصم بإعسار الْمَطْلُوب حرم عَلَيْهِ طلبه، وَإِن رَفعه إِلَى الْحَاكِم وَعلم أَنه يحكم عَلَيْهِ بجور لم تجب الْإِجَابَة وَتحرم حِينَئِذٍ فِي الدّماء والجروح وَالْحُدُود وَسَائِر الْعُقُوبَات الشَّرْعِيَّة، وَإِن دَعَاهُ إِلَى حق مُخْتَلف فِي ثُبُوته وخصمه يعْتَقد الثُّبُوت وَجَبت الْإِجَابَة وإلاَّ سَقَطت وَمَتى طُولِبَ بِحَق وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بالفور(1/61)
لِأَن المطل ظلم ووقوف النَّاس عِنْد الْحُكَّام صَعب قَالَه الْقَرَافِيّ فِي الْقَوَاعِد، وَنَقله (ح) بأتم مِمَّا هُنَا، وَمحله وَالله أعلم إِذا كَانَ هُنَاكَ من يُعينهُ على الْحق ويتثبت فِي أمره، وَأما إِذا فقد ذَلِك كَمَا فِي زَمَاننَا الْيَوْم فَتجب الْإِجَابَة فِي الْجَمِيع لِئَلَّا يَقع فِيمَا هُوَ أعظم. وَمَنْ عَصَى الأمْر وَلَمْ يَحْضُرْ طُبِعْ عَليْهِ مَا يَهُمُّهُ كَيْ يَرْتَفَعْ (وَمن عصى) من الْخُصُوم (الْأَمر) أَي أَمر القَاضِي الَّذِي أرسل إِلَيْهِ أَو أَمر أمثل الْقَوْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِم وتغيب عَن مجْلِس الحكم (وَلم يحضر) فإمَّا أَن يكون لَهُ مَال ظَاهر أم لَا؟ فَإِن كَانَ الأول فَإِن القَاضِي يحكم عَلَيْهِ بِمَا ثَبت عِنْده من بَيِّنَة الطَّالِب ويعديه فِي مَاله الظَّاهِر، وَسَوَاء اختفى ببيته أَو لَا يدرى أَيْن هُوَ وَلَا ترجى لَهُ حجَّة إِن تغيب بعد اسْتِيفَاء حججه وَإِلَّا رجيت كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْله: وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج. الخ وَإِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَلم يختف فِي بَيته (طبع عَلَيْهِ مَا يهمه) شَأْنه مِمَّا لَا صَبر لَهُ عَنهُ كداره وحانوته (كي يرْتَفع) مَعَ خَصمه، وَصفَة الطَّبْع أَن يلصق شمعاً أَو عجيناً بِالْبَابِ ويطبع عَلَيْهِ بِطَابع فِيهِ نقش أَو كِتَابَة بِحَيْثُ إِذا فتحت الْبَاب تغير ذَلِك عَن حَاله، فَيعلم أَنه قد دَخلهَا فيفعل بِهِ مَا يَأْتِي من المناداة على بَابه وإرسال الْعُدُول أَو الهجم وَنَحْو ذَلِك، وَكَذَا إِن اختفى فِي بَيته وَثَبت ذَلِك، فَمنهمْ من يرى أَنه يخْتم على بَابه أَي يطبع عَلَيْهَا بِمَا ذكر أَيْضا وَيبْعَث رَسُولا ثِقَة وَمَعَهُ شَاهِدَانِ يُنَادي بحضرتهما ثَلَاثَة أَيَّام كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات: يَا فلَان ابْن فلَان القَاضِي فلَان يَأْمُرك بِحُضُور مجْلِس الحكم مَعَ خصمك وإلاَّ نصب لَك وَكيلا، فَإِذا فعل وإلاَّ نصب لَهُ وَكيلا وَسمع من شُهُود الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَقضى عَلَيْهِ إِلَى أَن يقدر على اسْتِخْرَاج المَال مِنْهُ، وَمِنْهُم من يرى أَن يهجم عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من يرى أَن يُرْسل عَدْلَيْنِ ومعهما جمَاعَة من الخدم والنسوان والأعوان، فَتكون الأعوان بِالْبَابِ وَيدخل النسوان والخدم ويعزلن حرم الْمَطْلُوب فِي بَيت ويفتش الْمنزل بَغْتَة الْمنزل. هَكَذَا ذكر فِي الْبَيَان عَن ابْن شعْبَان قَالَ: إِذا توارى الْخصم وَأثبت الطَّالِب حَقه حكم عَلَيْهِ إِن كَانَ لَهُ مَال ظَاهر، وَإِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَثَبت أَنه فِي منزله فَمنهمْ من يرى أَنه يخْتم على بَابه أَي الَّتِي هُوَ فِيهَا بالاستئجار(1/62)
وَنَحْوه إِلَى آخر الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة، فَظَاهره أَن الطَّبْع إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يكن لَهُ مَال ظَاهر وَهُوَ خلاف إِطْلَاق النَّاظِم وَخلاف قَول الجزيري، وَإِن تغيب الْمُدعى عَلَيْهِ طبع القَاضِي على دَاره وَهُوَ أحسن من التسمير لِأَنَّهُ يفْسد الْبَاب، فَإِن لم يُفْسِدهُ سمّره بعد أَن يخرج مِنْهَا مَا فِيهَا من الْحَيَوَان وَبني آدم اه. فَظَاهره أَنه يطبع عَلَيْهِ وَلَو كَانَ لَهُ مَال ظَاهر، لَكِن مَا قَررنَا بِهِ هُوَ الملائم لقَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَغير مستوف لَهَا ان استتر الخ، لِأَنَّهُ صَادِق بِمَا إِذا توارى بعد أَن جلس بَين يَدي القَاضِي مرّة فَمَا فَوْقهَا، وَبِمَا إِذا لم يجلس بَين يَدَيْهِ أصلا وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم: طبع عَلَيْهِ مَا يهمه خَاص بِمَا إِذا لم يكن لَهُ مَال ظَاهر سَوَاء اختفى فِي بَيته على القَوْل الأول من الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة، أَو اختفى فِي غَيره وَلم يعلم الْمحل الَّذِي اختفى فِيهِ. وَالْحَاصِل أَن المتغيب إِذا ثَبت تغيبه وعصيانه، وَفِي مَعْنَاهُ الْمَرِيض والمحبوس يمتنعان من التَّوْكِيل يحكم عَلَيْهِ إِن طَال تغيبه بعد أَن يتلوم لَهُ بِالِاجْتِهَادِ سَوَاء تغيب من أول الْأَمر أَو بعد أَن أنشب الْخُصُومَة، وَسَوَاء قُلْنَا: إِن المتغيب يطبع عَلَيْهِ مُطلقًا كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم والجزيري أَو إِن لم يكن لَهُ مَال ظَاهر كَمَا هُوَ ظَاهر ابْن شعْبَان وَصَاحب الشَّامِل وَغَيرهمَا، لَكِن ترجى لَهُ الْحجَّة حَيْثُ لم يسْتَوْف حججه كَمَا يَأْتِي وَالله أعلم. وَنقل فِي التَّبْصِرَة عَن بَعضهم أَنه لَا ترجى لَهُ حجَّة عُقُوبَة لَهُ، وَظَاهره تغيب ابْتِدَاء أَو بعد نشب الْخُصُومَة، وَمن هَذَا الْمَعْنى أحد الشَّرِيكَيْنِ يطْلب صَاحبه بِالْقِسْمَةِ ويتغيب الآخر فَإِن القَاضِي يُوكل من يقسم عَنهُ بعد أَن يفعل بِهِ مَا مر. تَنْبِيه: قَالَ فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة: وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن لَا يقبل قَول الرَّسُول فِي تغيب الْمَطْلُوب حَتَّى يكْشف وَيسْأل، وَفِي الْمُفِيد: من استهان بدعوة القَاضِي وَلم يجب ضرب أَرْبَعِينَ. الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الفخار: ويجرح إِن كَانَ عدلا لقَوْله تَعَالَى: إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا} (النُّور: 15) . وَأُجْرَةُ العَوْنِ على صاحِبِ حَقْ ومَنْ سِواهُ إنْ أُلَدَّ تُستَحَق (وَأُجْرَة العون) الجالب للخصم إِذا لم يرْزق من عِنْد القَاضِي وَلَا من بَيت المَال الَّذِي هُوَ الأَصْل فِيهَا كنظائرها من أرزاق الْقُضَاة والقاسمين وَنَحْوهم (على طَالب حق) فيتفق مَعَ العون عَلَيْهَا بِمَا يرَاهُ إِلَّا أَن يثبت لدد الْمَطْلُوب بالطالب، وَأَنه امْتنع من الْحُضُور بعد أَن دَعَاهُ إِلَيْهِ بطابعه كَمَا مرّ فِي قَوْله: فالكتب كَاف الخ. فَلم يجب فالأجرة على الْمَطْلُوب كَمَا قَالَ: (وَمن سواهُ إِن أَلد) أَي اشتدت خصومته بمطله وامتناعه من الانقياد إِلَى الْحق (تسْتَحقّ) هِيَ أَي الْأُجْرَة قَالَه ابْن الْعَطَّار وَاللَّخْمِيّ وَغَيرهمَا. وانتقده ابْن الفخار بِأَنَّهُ لَا يعلم فِي الشَّرْع ذَنْب يُبِيح مَال مُسلم إِلَّا(1/63)
الْكفْر. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما تسبب بامتناعه فِي إِتْلَاف الْأُجْرَة على الطَّالِب توجه الْغرم عَلَيْهِ كَمَا قَالُوهُ فِي مدية حَتَّى تلف المذكي، وَمثل أُجْرَة العون أُجْرَة السجان لِأَن اللدد فِيهِ أبين قَالَه (ق) : (قلت) : وَهَذَا تبين أَنه سجن فِي حق كَمَا يَأْتِي الخ. تَنْبِيهَات. الأول: قَول النَّاظِم: إِن أَلد ظَاهر فِي أَنه ثَبت لدده ومطله، وَقد فصل ابْن الشماع فِي ذَلِك فَقَالَ: إِن كَانَ الْحق جلياً وَالْمَطْلُوب بِهِ مَلِيًّا وَالْحَاكِم الْمَدْعُو إِلَيْهِ من حكام الْعدْل، فَالصَّوَاب إغرامه حَيْثُ لَا عذر لَهُ فِي التَّخَلُّف، وَإِن كَانَ لَهُ عذر ظَاهر فِي التَّخَلُّف من غرم أَو يخَاف أَن يسجن وَلَا يعرف عَدمه أَو كَانَ طَالبه مؤاخذاً لَهُ بِشَهَادَة زور مثلا أَو كَانَ الْحَاكِم مثلا من حكام الْجور. وَنَحْو ذَلِك، فَلَا غرم عَلَيْهِ وَإِن لم تعرف حَقِيقَة الْأَمر فِي ذَلِك، فَالْأَصْل عصمَة مَال الْمُسلم فَلَا يُبَاح بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكّ إِذْ لَا يرْتَفع الْيَقِين إِلَّا بِالْيَقِينِ اه. قلت: وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي أقضية المعيار عَن القباني فِيمَن سجن فِي تُهْمَة دم أَو سَرقَة وَلم يثبت عَلَيْهِ مَا يُوجب غرماً وَلَا قوداً أَن أُجْرَة السجان على مدعي الدَّم وَالسَّرِقَة، وَعَلِيهِ فَلَا تجب الْأُجْرَة على الْمَطْلُوب حَتَّى يثبت لدده بِثُبُوت مَا يَدعِيهِ الطَّالِب فتوقف ابْن رحال فِي ذَلِك قُصُور، وَانْظُر آخر أقضية المعيار فقد ذكر فِيهَا نَظَائِر من ذَلِك: أُجْرَة الأمينة وَأُجْرَة الْمُقَوّم فِي البيع الْفَاسِد قَالَ: هِيَ على الطَّالِب وَلَيْسَت على البَائِع فِي الْفَاسِد. الثَّانِي: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَيجب أَن يكون أعوان القَاضِي فِي زِيّ الصَّالِحين فَإِنَّهُ يسْتَدلّ على الْمَرْء بِصَاحِبِهِ وَغُلَامه، وَيَأْمُرهُمْ بالرفق واللين فِي غير ضعف وَلَا تَقْصِير، وَيَنْبَغِي أَن يُخَفف مِنْهُم مَا اسْتَطَاعَ وَإِن اسْتغنى عَن اتخاذهم كَانَ أحسن. الْمَازرِيّ: كل من يَسْتَعِين بِهِ القَاضِي لَا يكون إلاَّ ثِقَة مَأْمُونا لِأَنَّهُ قد يخَاف عَلَيْهِ من النسوان إِذا احتجن إِلَى الْخِصَام. الثَّالِث: المطل: هُوَ تَأْخِير الدّفع عِنْد اسْتِحْقَاق الْحق وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا ترد بِهِ الشَّهَادَة كَمَا قَالَ (خَ) عاطفاً على المبطلات ومطل لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ ظلما فِي قَوْله: (مطل الْغَنِيّ ظلم) وَخَصه بالغني دون الْمُعسر لقَوْله تَعَالَى: وَإِن كَانَ ذُو عسرة} (الْبَقَرَة: 280) الْآيَة. وَفِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: (مطل الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته) . فعرضه المتظلم مِنْهُ يَقُول: مطلني وظلمني، وعقوبته سجنه حَتَّى يُؤَدِّي.(1/64)
(فصل فِي مسَائِل)
جع مَسْأَلَة: وَهِي كَمَا فِي الْمحلى مَطْلُوب خبري يبرهن عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْعلم (من الْقَضَاء) من تِلْكَ الْمسَائِل قَوْله: وَلَيْسَ بالجَائِزِ لِلقاضي إذَا لَمْ يَبْدُ وَجْهُ الحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَا (وَلَيْسَ بالجائز للْقَاضِي إِذا. لم يبد) يظْهر (وَجه الحكم) كنهه وَحَقِيقَته (أَن ينفذا) الحكم على أحد الْخَصْمَيْنِ لِأَن الحكم مَعَ عدم تبين وَجهه حدس وتخمين، وَهُوَ مِمَّا ينْقض فِيهِ حكم الْحَاكِم. وَلَو وَافق الصَّوَاب فِي ظَاهره كَمَا فِي ابْن شَاس وَغَيره، وَحِينَئِذٍ فَإِن لم يبين وَجهه من جِهَة عدم تصَوره كَلَام الْخَصْمَيْنِ أَمرهمَا بِالْإِعَادَةِ ليفهم عَنْهُمَا صَرَاحَة لَا تَلْوِيحًا. قَالَ عِيَاض عِنْد قَوْلهَا: إِذا أدلى الخصمان بحجتيهما، وَفهم القَاضِي عَنْهُمَا الخ مَا نَصه: مُرَاده بفهم القَاضِي عَنْهُمَا تحَققه مَا سمع مِنْهُمَا دون احْتِمَال لَا أَنه فهم من معرض كَلَامهمَا ولحن خطابهما لَيْسَ هَذَا مِمَّا تُقَام الْأَحْكَام بِهِ اه. وَنَحْوه فِي المعيار عَن الْمَازرِيّ وَعَلِيهِ عول فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وفكرك فرغ واطلب النَّص وافهمن فَبعد حُصُول الْفَهم قطعا لتفصلا وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ: أَن القَاضِي لَا يحكم بِمَا سَمعه من أحد الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسه دون إِشْهَاد عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف يحكم بِمَا فهمه عَنْهُمَا؟ قَالَ ابْن مُحرز: مَا فهمه عَنْهُمَا يَقُول مقَام مَا سَمعه، وَالْخلاف جَار على جَوَاز الشَّهَادَة بالفهم، وَثَالِثهَا أَن يبين شَهَادَته بالفهم لَا بالتصريح ابْن نَاجِي وَالْعَمَل على قبُولهَا قَالَ: وَبهَا حكم ابْن عبد السَّلَام فِي مَال مُعْتَبر اه. وَنقل الْخلاف الْمَذْكُور الشَّارِح فِي فصل الْإِعْذَار وَقَالَ بعده مَا حَاصله: إِنَّه لَا يبعد أَن يفرق بَين الحكم وَالشَّهَادَة فَإِن الضَّرُورَة تَدْعُو إِلَى الشَّهَادَة بالفهم وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى إِنْفَاذ الحكم دون تَحْقِيق الْفَهم على الْخَصْمَيْنِ اه. قلت: وَهُوَ ظَاهر وَلَا سِيمَا على مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الْمَذْكُور. نعم يكون شَاهدا بِمَا فهمه عَنْهُمَا على القَوْل بجوازها بالفهم وَالله أعلم. وَإِن لم يبد لكَونه لم يقف على أصل النَّازِلَة فِي كتاب وَلَا سنة وَلَا غير ذَلِك أَو شكّ هَل هِيَ من أصل كَذَا أَو أصل كَذَا أَو تجاذبها أصلان وَلم يتَرَجَّح أَحدهمَا؟ شاور أهل الْعلم فِي هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة أَو صرفهما إِلَى من هُوَ أعلم مِنْهُ وجوبا فَإِن بَقِي الْإِشْكَال على حَاله بعد المشورة أَو لم يجد من يشاوره فَهُوَ قَوْله:(1/65)
والصُّلْحُ يَسْتَدْعِي لهُ إنْ أشْكَلاَ حُكْم وإنْ تَعَيَّنَ الحَقُّ فَلاَ (وَالصُّلْح يَسْتَدْعِي لَهُ إِن أشكلا. حكم) أَي دَامَ إشكاله بعد الْمَشْهُورَة، وَأمكن الصُّلْح فِيهِ لَا فِيمَا لَا يُمكن كَطَلَاق. وَقيل: إِذا تجاذب النَّازِلَة أصلان وَلم يتَرَجَّح أَحدهمَا عِنْده وَلَا عِنْد غَيره من المشاورين تخيّر فِي الحكم بِأَيِّهِمَا شَاءَ قِيَاسا على تعَارض الْحَدِيثين دون تَارِيخ (وَإِن تعين الْحق) وَلَو بمشورة أَو سُؤال (فَلَا) يَدْعُو إِلَيْهِ (خَ) وَلَا يَدْعُو للصلح إِن ظهر وَجهه أَي لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن حطيطة لبَعض الْحق، الْبُرْزُليّ: فَإِن جبرهما على الصُّلْح حِينَئِذٍ فَهُوَ جرحة فِيهِ. قَالَ مَالك: وَلَا أرى للوالي أَي بعد تبين الْحق أَن يلح على أحد الْخَصْمَيْنِ أَو يعرض عَن خصومته لأجل أَن يُصَالح اه. فَإِن دَعَا فِي الْغَرَض الْمَذْكُور فَلَا بُد أَن يبين لصَاحب الْحق أَن الْقَضَاء أوجب لَهُ حَقه وإلاَّ فَلَا يلْزمه الصُّلْح وَله الْقيام لِأَن القَاضِي قد دلّس عَلَيْهِ وجار وَالْقَوْل قَوْله فِي عدم الْبَيَان كَمَا يفهم من جَوَاب لِابْنِ لب نَقله اليزناسي فِي عُيُوب الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ عقبه: إِن بعض الْقُضَاة يحكم بالجور أَو الْجَهْل فيظن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بجهله أَو لعدم النَّاصِر للحق أَن ذَلِك لَازم لَهُ فيصالح أَو يرضى بِالْيَمِينِ أَو يلْتَزم الْأَدَاء وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ فِي ذَلِك كُله مُضْطَر مغرور بِحكم القَاضِي فَإِذا سَأَلَ أَو وجد من ينصره وأعيد النّظر يَقُول النَّاظر فِيهَا: إِنَّك رضيت الْيَمين أَو صالحت أَو التزمت وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يسْقط حَقه قَالَ: وَكنت أستعظم ذَلِك وأتمنى الِاطِّلَاع فِيهِ على نَص حَتَّى وقفت على هَذَا الْجَواب يَعْنِي جَوَاب ابْن لب المتضمن لعدم لُزُوم شَيْء من ذَلِك اه. قلت: وَهَذَا مَفْهُوم من قَول (خَ) وَغَيره فَلَا يحل لظَالِم. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا شهد الْعَالم فِي شَيْء عِنْد القَاضِي فأعياه الحكم فِيهِ فَلَا يستشيره فِيمَا شهد فِيهِ قَالَه سَحْنُون أَي لِأَنَّهُ يتهم فِي فتواه بِمَا يمْضِي شَهَادَته، وَقيل: إِنَّه لَا بَأْس باستشارته فِي ذَلِك وَفِي أقضية المعيار أَن الْخصم إِذا طلب إِحْضَار أهل الْعلم لأجل الحكم عَلَيْهِ أَو لَهُ فَلَيْسَ للخصم فِيهِ مدْخل، وَإِنَّمَا ذَلِك إِلَى القَاضِي قَالَ: وللقاضي أَن يمْتَنع من الحكم إِن رأى دُخُول ضَرَر عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ. الثَّانِي: إِذا كَانَ القَاضِي عدلا فِي أَحْوَاله بَصيرًا فِي قَضَائِهِ فَلَا يقبل الْأَمِير شكوى من شكاه وَلَا يجلس الْفُقَهَاء للنَّظَر فِي أَحْكَامه، وَذَلِكَ خطأ مِنْهُ إِن فعله. وَمن الْفُقَهَاء، إِن تابعوه على ذَلِك وَإِن كَانَ عِنْده مُتَّهمًا أَو جَاهِلا فليعزله، فَإِن جهل الْأَمِير فأجلس الْفُقَهَاء للنَّظَر فِي أَحْكَام الْعدْل وجهلوهم أَيْضا أَو أكْرهُوا ففسخوا أَحْكَامه أَو بَعْضهَا، فَلِمَنْ تولى بعد ذَلِك النّظر فيمضي مَا كَانَ صَوَابا مُوَافقا للمشهور أَو الْمَعْمُول بِهِ وينقض مَا عداهُ إِن كَانَ حكم القَاضِي(1/66)
الأول أَو الْفُقَهَاء وَإِن أَمرهم بتصفح أَحْكَام الْمُتَّهم جَازَ لَهُم وَنَقَضُوا مَا لَيْسَ بصواب، فَإِن اخْتلف الْفُقَهَاء فَلَا ينظر إِلَى قَول أَكْثَرهم وَلَكِن ينظر فِي وَجه أَحْكَام الِاخْتِلَاف فَمَا رَآهُ صَوَابا قضى بِهِ، وَكَذَا القَاضِي إِذا اخْتلف عَلَيْهِ المشاورون. ابْن عبد الْبر فِي كافيه: وَلَا يجوز لَهُ أَن يشاور وَهُوَ جَاهِل لَا يُمَيّز الْحق من الْبَاطِل لِأَنَّهُ إِذا أُشير عَلَيْهِ وَهُوَ جَاهِل بِحكم لم يعلم هَل حكم بِحَق أَو بَاطِل اه. وَنَقله ابْن سَلمُون وَغَيره، وَهَذَا فِي الْعَاميّ الصّرْف كَمَا تقدم أول الْبَاب، وَإِلَى ذَلِك كُله أَشَارَ (خَ) بقوله: ونبذ حكم جَائِر أَو جَاهِل لم يشاور أَي: وَلَو وَافق كل مِنْهُمَا الْحق فِي ظَاهر الْأَمر وَلم تعلم صِحَة الْبَاطِن، فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ صِحَة بَاطِنه فَلَا ينْقض وإلاّ تعقب وأمضى غير الْجور وَلَا يتعقب حكم الْعدْل الْعَالم قَالَ فِي المعيار عَن ابْن الْحَاج: وَالَّذِي يشاور من أهل الْعلم العابد الْخَيْر الدّين الْوَرع الْعَالم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبأحكام من مضى الْعَارِف باللغة ومعاني الْكَلَام الموثوق بِدِينِهِ لَا يمِيل إِلَى هوى وَلَا طمع، وَقَالَ قبل ذَلِك: وَمَا أفتى مَالك حَتَّى استفتاه أَرْبَعُونَ محنكاً، والتحنك اللثام تَحت الحنك لِأَنَّهُ شعار الْعلمَاء فِي الْقَدِيم. مَا لَمْ يَخف بِنافِذِ الأحْكامِ فِتْنَةً أَو شَحْناً أُولِي الأرْحام (مَا لم يخف بنافذ الْأَحْكَام) . أَي بتنفيذها (فتْنَة) بَين الْخَصْمَيْنِ من قتل وَنَحْوه، فَيجب حِينَئِذٍ الْأَمر بِالصُّلْحِ وَلَو تبين الْحق لأَحَدهمَا قَالَه اللَّخْمِيّ (أَو شحنا) بِالْمدِّ وقصره ضَرُورَة أَي الْعَدَاوَة والبغضاء. (أولي الْأَرْحَام) أَو أولي الْفضل فَينْدب الْأَمر بِالصُّلْحِ فِي هذَيْن وَلَا يجب لقَوْل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: رددوا الحكم بَين ذَوي الْأَرْحَام حَتَّى يصطلحوا فَإِن فصل الْقَضَاء يُورث الضغائن وأولو الْفضل كذي الرَّحِم، فقد ترافع إِلَى سَحْنُون رجلَانِ من أهل الْعلم فَأبى أَن يسمع مِنْهُمَا وَقَالَ لَهما: استرا على أنفسكما وَلَا تطلعاني على مَا ستره الله عَلَيْكُمَا. اللخميّ: وَالصُّلْح بَين الْأَقَارِب حق وَإِن تبين لأَحَدهمَا أَو لَهما وَعَلِيهِ اقْتصر شرَّاح الْمَتْن، ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يرددهم أَكثر من مرَّتَيْنِ إِن طمع فِي الصُّلْح بَينهمَا كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَابْن سَلمُون قَالَا: وَعَن بَعضهم أَن قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: رددوا الحكم مَحْمُول على مَا إِذا لم يتَبَيَّن الْحق لأَحَدهمَا، وإلاَّ فَلَا يَنْبَغِي عدم إِنْفَاذه، وَقَول (ق) عَن ابْن حجر اسْتحبَّ الْجُمْهُور من غير الْمَالِكِيَّة للْحَاكِم أَن يُشِير بِالصُّلْحِ أَي بَين الْأَقَارِب والأرحام وَغَيرهمَا، وَإِن ظهرا الْحق الخ. مَعْنَاهُ وَالله أعلم بعد أَن يبين لمن وَجب لَهُ الْحق أَن الْحق لَهُ، وإلاَّ فَيمْنَع لِأَنَّهُ مُدَلّس بكتمانه ظُهُور الْحق لرَبه(1/67)
معِين على أكل الْأَمْوَال بِالْبَاطِلِ، وَلَا يحل مَال امرىء إِلَّا عَن طيب نفس ابْن عَاتٍ: إِنَّمَا يجوز لَهُ أَن يَأْمر بِالصُّلْحِ إِذا تقاربت الحجتان بَين الْخَصْمَيْنِ غير أَن أَحدهمَا أَلحن بحجته من الآخر أَو تكون الدَّعْوَى فِي أُمُور تشابهت وتقادمت، وَأما إِن تبين الْحق فَلَا يَسعهُ إِلَّا فصل الْقَضَاء. وَخَصْم إنْ يَعْجِزْ عَن الْقاءِ الحُجَجْ لمُوجِبٍ لُقِّنَها وَلَا حَرَج (وخصم) طَالبا كَانَ أَو مَطْلُوبا (أَن يعجز عَن إِلْقَاء الْحجَج) أَي بثها وتبيينها للْقَاضِي (لموجب) من غَفلَة أَو بله أَو دهش (لقنها) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن قَوْله: خصم وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ وُقُوع الشَّرْط بعده لِأَنَّهُ وصف فِي الْمَعْنى، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب مفعول ثَان، وَالْمَفْعُول الأوّل ضمير يعود على الْخصم. أَي: لقن القَاضِي الْخصم إِيَّاهَا على الْمَشْهُور خلافًا لسَحْنُون. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَصُورَة ذَلِك أَن يَقُول للخصم: يلزمك على قَوْلك كَذَا وَكَذَا، فيفهم خَصمه حجَّته وَلَا يَقُول لمن لَهُ الْمَنْفَعَة قل لَهُ كَذَا. ابْن عبد الحكم: لَا بَأْس أَن يلقنه حجَّة لَا يعرفهَا. ابْن الْمَاجشون: يَنْبَغِي للْقَاضِي تَنْبِيه كل خصم على تَقْيِيد مَا ينْتَفع بِهِ من قَول خَصمه إِن غفل (وَلَا حرج) عَلَيْهِ فِي التَّلْقِين الْمَذْكُور، بل ذكر ابْن يُونُس فِي ذَلِك حَدِيثا: من ثبَّت غبياً فِي خُصُومَة حَتَّى يثبتها ثَبت الله قدمه يَوْم تزل الْأَقْدَام اه. وَقد يُقَال: إِن التَّلْقِين وَاجِب إِذا كَانَ الْخصم جَاهِلا ضَعِيفا عَنْهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِر، وإلاَّ فَكيف يحكم عَلَيْهِ بِحجَّة صَاحبه وحجته صَحِيحَة إِلَّا أَنه لضعف عقله لم يبينها قَالَ ابْن رحال (خَ) فَإِن أقرّ فَلهُ الْإِشْهَاد عَلَيْهِ وللحاكم تنبيهه عَلَيْهِ الخ. ابْن عَرَفَة: فَإِذا ظن القَاضِي أَن الْمَعْذُور إِلَيْهِ يجهل مَا يسْقط عَنهُ الْحجَّة نبهه الْحَاكِم على مَا يُسْقِطهَا اه. نعم يمْتَنع على القَاضِي وَغَيره تلقين الْفُجُور وَهُوَ جرحة فِيمَن فعله فَقِيها كَانَ أَو غَيره، وَيضْرب على يَدَيْهِ ويشهر فِي الْمجَالِس، وَقد فعله بعض قُضَاة قرطبة لكبير من الْفُقَهَاء بمشورة أهل الْعلم وَلَيْسَ مِنْهُ قَول الْمُفْتِي لمعلق الثَّلَاث مثلا خَالعهَا قبل الْفِعْل وَلَك مراجعتها بعده وَلَا يلزمك إِلَّا وَاحِدَة كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: فَلَو فعلت الْمَحْلُوف عَلَيْهِ حَال بينونتها لم يلْزم الخ. لِأَن هَذَا وَمثله لَيْسَ من الْفُجُور. وَفِي (ق) عَن ابْن علوان أَنه قَالَ لامْرَأَة عسر عَلَيْهَا التَّخَلُّص من زَوجهَا الَّذِي أَسَاءَ عشرتها: ادعِي عَلَيْهِ أَن بداخل دبره برصاً فادعت ذَلِك فَحكم بِأَن ينظر إِلَى ذَلِك الْمحل، فَلَمَّا رأى زَوجهَا ذَلِك طَلقهَا الْبُرْزُليّ: وَهَذَا التحيل إِن ثَبت عِنْده أَنَّهَا مظلومة فالفتوى بِهِ سَائِغَة وإلاَّ فَهُوَ من تلقين الْخصم القادح فِي الْعَدَالَة. وَالْحَاصِل إِن علم مِنْهُ الْمُفْتِي قصد التحيل للفجور فإفتاؤه بِمَا يوصله إِلَيْهَا وتنبيهه عَلَيْهَا من التَّلْقِين الْمَمْنُوع وَإِن لم يعلم قَصده أصلا أما إِن كَانَ قَصده إِلَى رفع الظُّلم عَنهُ أَو إِلَى الْخُرُوج من ورطة يَمِين وَقع فِيهَا فالإفتاء مَشْرُوع أَو وَاجِب لِأَن تَركه من الكتمان بل فِي ضيح: إِن القَاضِي(1/68)
يُعلمهُ بالتجريح إِن كَانَ مِمَّن يجهله وَسَوَاء كَانَ ذَلِك قبل الْخِصَام فِيمَا فِيهِ خصام أَو بعده فَقَوْل الشَّيْخ مس رَحمَه الله: مَا يَفْعَله الْمفْتُون الْيَوْم من الْإِفْتَاء قبل الْخِصَام إِنَّمَا هُوَ من التَّلْقِين الْمَمْنُوع لِأَنَّهُ يستفتي لينْظر هَل الْحق لَهُ أَو عَلَيْهِ فيحتال على إِبْطَاله الخ. صَحِيح إِن علم الْمُفْتِي بِقَصْدِهِ للتحيل الْمَذْكُور وَالله أعلم. وَقَوله قبل ذَلِك الْإِفْتَاء إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْر الأول بعد تسجيل القَاضِي الحكم الخ. مَبْنِيّ على أَن الْإِعْذَار لَا يكون إلاَّ بعد الحكم، وَالْمَشْهُور أَنه قبله كَمَا يَأْتِي وَلَا معنى للإعذار حِينَئِذٍ إِلَّا سُؤال أهل الْعلم عَن فُصُول الْوَثِيقَة وشروطها أَو تجريح شهودها وَنَحْو ذَلِك، وَفهم من قَول النَّاظِم: وخصم الخ، إِن الشَّاهِد إِذا غلط فِي شَهَادَته لَا يلقن. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: إِذا غلط الشَّاهِد فِي نَص الشَّهَادَة فعلى القَاضِي أَن يَأْمر الْخَصْمَيْنِ بِالْإِعْرَاضِ عَنهُ لَا الْمُدَّعِي بتلقين وَلَا الْمُدعى عَلَيْهِ بتوبيخ، فَإِن فعل أَحدهمَا ذَلِك بعد النَّهْي أَمر بأدبه. وَكَانَ سَحْنُون إِذا غلط الشَّاهِد عِنْده أعرض عَنهُ وَأمر الْكَاتِب أَن لَا يكْتب وَرُبمَا قَالَ لَهُ: تثبت ثمَّ يردده، فَإِذا ثَبت على شَهَادَته أَمر كَاتبه بكتب لفظ شَهَادَة من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان. ومُنِعَ الإفْتاءُ لِلحُكَّامِ فِي كلِّ مَا يَرجِعُ لِلْخِصامِ (وَمنع الْإِفْتَاء للحكام) مُتَعَلق بالإفتاء أَو بِمَنْع، وَاللَّام بِمَعْنى من على كل حَال (فِي كل مَا) شَيْء (يرجع للخصام) فِيهِ بَين يَدَيْهِ من أَبْوَاب الْمُعَامَلَات لِأَن الْخصم إِذا عرف مَذْهَبهم تحيل إِلَى الْوُصُول إِلَيْهِ أَو الِانْتِقَال عَنهُ وَمَا ذكره من الْمَنْع هُوَ أحد الْأَقْوَال ومحلها فِيمَا إِذا كَانَ مُجْتَهدا أَو مُقَلدًا. وَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ متساويان مثلا وإلاَّ فَيجوز لِأَنَّهُ محجر عَلَيْهِ فِي الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور كَمَا مرّ، وَفِيمَا قبل الْجُلُوس بَين يَدَيْهِ وإلاَّ فَهُوَ مَا قبله فَلَا مُعَارضَة بَين الْبَيْتَيْنِ، وَفِيمَا يُمكن فِيهِ الْخِصَام بَين يَدَيْهِ كَمَا قَررنَا لَا أَن سُئِلَ عَن ذَلِك من خَارج ولَايَته أَو من بعض الكور أَو على يَدي عماله أَو كَانَ لَا يرجع للخصام كالعبادات فَلَا يكره وَلَا يمْنَع وَمُقَابل الْمَنْع الْكَرَاهَة لمَالِك وَهُوَ الْمَشْهُور، وَالْجَوَاز لِابْنِ عبد الحكم وَبِه الْعَمَل قَالَ ناظمه: وشاع إِفْتَاء الْقُضَاة فِي الْخِصَام مِمَّا يُغير حكمهم لَهُ قوام وَمَفْهُوم للحكام أَن غَيرهم لَهُ الْإِفْتَاء مُطلقًا وَهُوَ كَذَلِك. ابْن الْعَرَبِيّ: الْمصلحَة أَن تكون الْفَتْوَى مُرْسلَة وَلَا تكون الشَّهَادَة إِلَّا إِن ولاه القَاضِي لِأَن الْمُفْتِي إِذا زاغ فضحه الْعلم (ق) : إِن كَانَ الْقُضَاة مولين بالجاه لَا بالمرجحات الشَّرْعِيَّة ففتوى الْمُفْتِينَ حِينَئِذٍ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَفِي الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي المعيار: لَا يَنْبَغِي للفقيه المقبول القَوْل أَن يكْتب للقضاة بِمَا(1/69)
يَفْعَلُونَ إِلَّا أَن يسْأَلُوا لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى الأنفة المؤذية، قَالَ: وَقد أدْركْت بعض شُيُوخنَا إِذا ورد عَلَيْهِم سُؤال فِيهِ حكم قَاض من بعض الكور يردهُ حَتَّى يبْعَث إِلَيْهِ قاضيه اه. قلت: وَهَذَا إِذا كَانَ مِمَّن توفرت فِيهِ شُرُوط الْقَضَاء لِأَنَّهُ مَحْمُول حِينَئِذٍ على أَنه استقصى الْوَاجِب فِي ذَلِك وإلاّ فَهِيَ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر كَمَا مرّ. وَرَأَيْت فِي اخْتِصَار الونشريسي للبرزلي مَا نَصه: لَا يجوز للْقَاضِي إِقَامَة الْمُفْتِي ليستفتيه وَإِنَّمَا يقيمه أهل الْحل والربط وهم الْفُقَهَاء قَالَه الْمَازرِيّ اه. وَهُوَ ظَاهر لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَفِي نَوَازِل التَّمْلِيك من المعيار أَن فَقِيه سوسة أَتَى الرّبيع المزدغي بفتوى من قَالَ: الْحَلَال عَلَيْهِ حرَام بِلُزُوم الْوَاحِدَة، وَأمر حَاكم الْبَلَد أَن يحكم بذلك ليتحصن بِحكم الْحَاكِم، وَحمله على ذَلِك كَون الرجل لَهُ أَوْلَاد من زَوجته، فَبلغ الْخَبَر إِلَى أبي الْقَاسِم فَأفْتى بِنَقْض الحكم وإلزامه الثَّلَاث قَائِلا لَا يعْتَبر من قُضَاة الْوَقْت إِلَّا الحكم بالمشهور، وَلَا يعول إِلَّا على مفتي تونس بإفريقية. قيل: هَذَا تعسف مِنْهُ بل كل من يعرف الْعلم وَإِن كَانَ فِي بادية يعول على فتواه إِذا رَآهُ النَّاس أَهلا لذَلِك كَهَذا الشَّيْخ المزدغي نفع الله بِعِلْمِهِ وَعَمله. قلت: أَي قَالَ صَاحب المعيار: حكى الأصوليون الْإِجْمَاع على استفتاء من علم بِالْعلمِ وَالْعَدَالَة، وَقد انْتهى الْأَمر فِي هَذِه الْأَزْمِنَة إِلَى خرق هَذَا الْإِجْمَاع وقصرها على جهلة لمُجَرّد الرياسة والجاه وحسيبهم الله اه. قلت: قد انْتهى الْأَمر فِي زَمَاننَا هَذَا فِي حُدُود الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَالْألف وَقبل ذَلِك بسنين إِلَى قطعهَا بِالْكُلِّيَّةِ مُوَافقَة لأغراض جهلة الْقُضَاة ويعللون ذَلِك بِأَن فِي إرسالها تشويشاً عَلَيْهِم فِي الْأَحْكَام، وَمَا ذَاك إِلَّا ليتوصلوا للأغراض الْفَاسِدَة من تَمام الرياسة وَعدم نقض أحكامهم المؤسسة على الحدس والتخمين، وإلاَّ فالمفتي إِن صَادف الصَّوَاب بفتواه وإلاَّ ألغيت وطرحت فَأَي تشويش فِيهَا؟ فَبَقيَ النَّاس يموج بَعضهم فِي بعض فتأتي النَّوَازِل من سوس الْأَقْصَى وَغَيرهَا وَلَا يَجدونَ من يكْتب لَهُم حرفا وَاحِدًا لَا من الْقُضَاة لغَلَبَة جهلهم وَلَا من غَيرهم للتحجير عَلَيْهِم من الإِمَام مَعَ أَنَّهَا فرض كِفَايَة كالقضاء، فَهَذَا من أفظع الْأَمر الَّذِي لَا يحل السُّكُوت عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات} (الْبَقَرَة: 951) الْآيَة. فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. وَفي الشُّهُودِ يَحْكُمُ القَاضِي بِما يَعْلَمُ مِنْهُمْ باتِّفاقِ العُلَمَا (وَفِي الشُّهُود) : يتَعَلَّق بقوله: (يحكم القَاضِي) وَكَذَا قَوْله: (بِمَا يعلم مِنْهُم) من تَعْدِيل أَو تجريح إِجْمَاعًا وَعَلِيهِ فَلَا تحْتَاج لدَلِيل لِأَن الْإِجْمَاع لَا بُد لَهُ من دَلِيل يسْتَند إِلَيْهِ وَإِن لم نطلع عَلَيْهِ، وَقيل لغَلَبَة شهرة الْعَدَالَة وَالتَّجْرِيح عِنْد النَّاس فضعفت التُّهْمَة، وَقيل: لَو لم يسْتَند لعلمه فيهمَا لافتقر لمعدلين آخَرين فيتسلسل. وَتعقب بانقطاعه بِمَشْهُور الْعَدَالَة. وَأجِيب: بِأَن انْقِطَاعه بذلك نَادِر وَالتَّعْلِيل الثَّانِي أظهر لما يَأْتِي، وَظَاهر النّظم أَنه يعْمل على مَا علم من التجريح وَلَو عدله آخَرُونَ وَهُوَ كَذَلِك (بِاتِّفَاق العلما) إِلَّا ابْن الْمَوَّاز قَالَ: تقدم بَيِّنَة التَّعْدِيل على علمه بالتجريح،(1/70)
ورده ابْن عبد الْبر بِالْإِجْمَاع إِلَّا أَن يطول زمن مَا بَين علمه بجرحته وَبَين الشَّهَادَة بتعديله فَيعْمل على التَّعْدِيل قَالَه أصبغ وَابْن عَبدُوس عَن ابْن الْقَاسِم، وَأما الْعَكْس وَهُوَ أَن يعلم الْعَدَالَة ويجرحه آخَرُونَ، فَالْحق أَنه لَا يعْمل فِيهِ على علمه لِأَن غَيره علم مَا لم يُعلمهُ إِلَّا أَن يتَحَقَّق نفي السَّبَب الَّذِي جرحوه بِهِ كَمَا لَو جرحوه بِشرب الْخمر وَقت كَذَا وَهُوَ يعلم أَنه أكره عَلَيْهِ (خَ) بِخِلَاف الْجرْح وَهُوَ الْمُقدم، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يشْهد بِمَا علمه مِنْهُم عِنْد غَيره كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَكَذَا يسْتَند للشهرة بالجرحة وَالْعَدَالَة، فقد شهد ابْن أبي حَازِم عِنْد قَاضِي الْمَدِينَة فَقَالَ: أما الِاسْم فاسم عدل، وَلَكِن من يعرف أَنَّك ابْن أبي حَازِم. ابْن عَرَفَة: شهد البرقي فَقِيه المهدية فِي مسيره لِلْحَجِّ عِنْد قَاضِي الاسكندرية، فَلَمَّا قَرَأَ اسْمه قَالَ: أَنْت البرقي فَقِيه المهدية؟ قَالَ: نعم فكلف الْمَشْهُود لَهُ الْبَيِّنَة على أَنه هُوَ وَحكم بِشَهَادَتِهِ دون طلب تعديله، ثمَّ مَحل كَلَام النَّاظِم مَا لم يقر الْخصم بعدالة الشَّاهِد، وإلاّ فَيحكم عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ وَلَو علم جرحته أَو شهِدت الْبَيِّنَة بهَا خلافًا لأصبغ وَسَوَاء أقرّ بهَا قبل الْأَدَاء أَو بعده لِأَن إِقْرَاره بِالْعَدَالَةِ كَالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ، فَفِي الْبُرْزُليّ: إِن بَعضهم كَانَ إِذا شهد عِنْده من لَا يرتضيه يتلطف فِي رد شَهَادَته وَالْعَمَل بِإِقْرَار الْمَطْلُوب فَيَقُول: مَا تَقول فِي شَهَادَة فلَان. فَيَقُول؟ هُوَ عِنْدِي صَادِق أَو شَهَادَته صَحِيحَة اه. (خَ) أَو إِقْرَار خصم بِالْعَدَالَةِ وَظَاهر التَّعْلِيل أَنه يحكم عَلَيْهِ، وَلَو رَجَعَ عَن إِقْرَاره وَكَانَ الشَّاهِد وَاحِدًا من غير يَمِين الطَّالِب، مَعَ أَن ابْن عَرَفَة بحث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: يَنْبَغِي أَن يتَأَوَّل على مَا إِذا أقرّ بعدالته بعد أَدَاء الشَّهَادَة لَا قبلهَا لأَنهم قَالُوا: إِذا قَالَ أحد الْخَصْمَيْنِ كل مَا شهد بِهِ على فلَان حق فَشهد عَلَيْهِ أَنه لَا يلْزمه لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَنه لَا يشْهد إِلَّا بِحَق. ضيح: وَفرق بَينهمَا بِأَنَّهُ إِذا أقرّ بعدالته أَي بِأَمْر مُتَقَدم يُعلمهُ مِنْهُ بِخِلَاف من الْتزم مَا يشْهد بِهِ لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَنه لَا يشْهد إِلَّا بِحَق اه. فَتَأمل هَذَا الْفرق فَإِن كَانَ مَعْنَاهُ أَن الْإِقْرَار بِالْعَدَالَةِ كَانَ بعد علمه بِمَا شهد بِهِ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك قبل الْأَدَاء عِنْد القَاضِي أَو بعده كَمَا يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل من أَنه كَالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ فَهُوَ مَا يَقُوله ابْن عبد السَّلَام لِأَنَّهُ مُرَاده بِالْأَدَاءِ، وَإِن كَانَ المُرَاد أَنه أقرّ بهَا قبل أَن يعلم بِشَهَادَتِهِ فَلَا يخفى أَنه لَا فرق بَينه وَبَين قَوْله: كل مَا شهد بِهِ فلَان حق إِذْ لَا يَقُول ذَلِك حَتَّى يكون فلَان عدلا عِنْده، وَقد قَالُوا: إِنَّه لَا يكون بِمُجَرَّدِهِ إِقْرَارا، وَلَكِن ينظر إِن كَانَ فلَان عدلا لَزِمته شَهَادَته مَعَ يَمِين الطَّالِب، وإلاَّ فَلَا هَذَا مُحَصل قَول (خَ) فِي الْإِقْرَار كَأَن حلف فِي غير الدَّعْوَى أَو شهد فلَان الخ، أَي فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَو حلف أَو شهد لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَن لَا يحلف على الْبَاطِل وَأَن لَا يشْهد بِهِ. ابْن سهل: هَذَا إِذا أنكر ذَلِك حِين شهد عَلَيْهِ أما إِذا سكت حِين الشَّهَادَة ثمَّ رَجَعَ لم يكن لَهُ ذَلِك، وَهَذَا الأَصْل فِي كل من الْتزم مَا لَا يلْزمه بِحكم اه. ثمَّ يبْقى النّظر هَل يعْذر فِيهِ للْمَشْهُود عَلَيْهِ إِن كَانَ عدلا أَو لَا لِأَنَّهُ قد سلم شَهَادَته؟(1/71)
قَولَانِ. وَالْمُعْتَمد الأول لِأَنَّهُ يَقُول: ظَنَنْت أَن لَا يشْهد بل فِي معاوضات المعيار فِي رجل شهدُوا عَلَيْهِ فجرحهم ثمَّ رَضِي بِشَهَادَتِهِم وَقَالَ: كل مَا شهدُوا بِهِ عَليّ جَائِز فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بذلك الْحق، فَأَرَادَ أَن يقْدَح فيهم وَقَالَ: ظَنَنْت أَنهم يرجعُونَ إِلَى الْحق أَنه يمكِّن من الْقدح فيهم بعد أَن يحلف أَنه مَا أجَاز شَهَادَتهم إِلَّا ظنا بهم أَنهم يرجعُونَ للحق. تَنْبِيهَات. الأول: مَا مر من عدم لُزُوم الْإِقْرَار فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هُوَ الْمَشْهُور. وَقَالَ مطرف: ذَلِك لَازم لَهُ، وَثَالِثهَا أَن تحقق مَا نوزع فِيهِ لم يلْزمه وَإِلَّا لزمَه وَسَوَاء فِي هَذِه الْأَقْوَال كَانَ الشَّاهِد عدلا أَو فَاسِقًا أَو نَصْرَانِيّا، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد عدم اللُّزُوم على الْمَشْهُور بِمَا إِذا قَالَ ذَلِك قبل أَن يعرف بِمَا فِي ذَلِك من الْخلاف وَإِلَّا فَتلْزمهُ شَهَادَته لِأَنَّهُ الْتزم قَول قَائِل من أهل الْعلم وأراح الْحَاكِم من النّظر فِي مَسْأَلته قَالَه أَبُو الضياء. مِصْبَاح فِي النَّوَازِل الْمَذْكُورَة قَالَ: وَعَلِيهِ يدل قَول مَالك فِي ضَمَان الْغَائِب أَنه مِمَّن اشْترط عَلَيْهِ الضَّمَان من الْمُتَبَايعين وَرَأى أَن ذَلِك الْتِزَام لأحد الْقَوْلَيْنِ وَبِه الْعَمَل اه. الثَّانِي: لَو عدل شخص رجلا فَشهد عَلَيْهِ بِحَق فَذَلِك لَازم لَهُ فَإِن أَرَادَ تجريحه بِمَا حدث من القواد (ح) فِيهِ بعد تعديله، فَالظَّاهِر تَمْكِينه من ذَلِك، وَانْظُر هَل لَهُ ذَلِك بالقواد؟ (ح) الَّتِي قبل التَّعْدِيل لِأَنَّهَا قد تخفى عَلَيْهِ حِين التَّعْدِيل أم لَا؟ فَإِن شهد الْمعدل بِالْفَتْح بجرحة الأَصْل أَو عدل القَاضِي شُهُودًا فَشَهِدُوا بجرحته فَلَا يقبل تجريحهم لِأَن الْقدح فِي الأَصْل قدح فِي الْفَرْع قَالَه الْبُرْزُليّ. وَأَصله لِابْنِ رشد قَالَ: وَنَظِيره الرجل يتوفى وَله أمة حَامِل وعبدان ويرثه غَاصِب فَيعتق الْعَبْدَيْنِ وتلد الْأمة ذكرا فَيشْهد العبدان بعد عتقهما أَن الْأمة كَانَت حَامِلا من سَيِّدهَا الْمُتَوفَّى فَإِن شَهَادَتهمَا لَا تجوز لِأَنَّهَا تُؤدِّي لإبطال عتقهما فَيُؤَدِّي إِلَى إجَازَة شَهَادَة العَبْد اه. الثَّالِث: لَو رَضِي ذمِّي بِشَهَادَة مثله فَقضى عَلَيْهِ حاكمهم بهَا فَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَهُ الرُّجُوع وينقض الحكم قَالَه فِي الشَّامِل. وَفِي سِوَاهُمْ مالِكٌ قَدْ شَدَّدَا فِي مَنْعِ حُكْمهِ بِغَيْرِ الشُّهَدَا (وَفِي سواهُم) أَي الشُّهُود أَي تعديلهم وتجريحهم (مَالك) مُبْتَدأ (قد شددا) خَبره وَفِي(1/72)
سواهُم يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَول (فِي منع حكمه) و (بِغَيْر الشهدا) مُتَعَلق بِمَنْع فَلَا يحكم بِمَا علمه قبل ولَايَته وَلَا بِمَا علمه بعْدهَا وَقبل جُلُوسه للحكومة أَو بعد الْجُلُوس وَقبل أَن يجلسا للحكومة مثل أَن يسمعهما أَو أَحدهمَا يقر للْآخر، فَلَمَّا تقدما للحكومة أنكر وَهُوَ فِي ذَلِك كُله شَاهد عِنْد اللَّخْمِيّ وَابْن مُحرز وَغَيرهمَا، وَقيل تقبل شَهَادَته فِي ذَلِك كَمَا لم يمض حكمه فِيهِ فَإِن حكم بِعِلْمِهِ فِي شَيْء من ذَلِك نقضه هُوَ وَغَيره إِمَّا اتِّفَاقًا. فِي الأولى أَو على الْمَشْهُور فِيمَا عَداهَا (خَ) : أَو بِعلم سبق مَجْلِسه (تت) ينْقضه هُوَ وَغَيره وَاسْتظْهر ابْن عبد السَّلَام عدم نقضه مُرَاعَاة لمن أجَاز لَهُ الحكم بِعِلْمِهِ مُطلقًا كَأبي حنيفَة فَقَوْل (ق) ينْقضه هُوَ فَقَط على الْمَشْهُور فِيهِ نظر، فَفِي الشَّامِل مشبهاً بِمَا ينْقضه هُوَ وَغَيره، وَكَذَا يعلم سبق مَجْلِسه على الْأَصَح الخ. وَنَحْوه فِي النَّوَادِر وَنَقله (ح) عِنْد قَول (خَ) وَإِن أنكر مَحْكُوم عَلَيْهِ الخ. وَكَذَا نَص عَلَيْهِ فِي الْجَوَاهِر، فَإِن كَانَ الْإِقْرَار بعد جُلُوسه للحكومة وتقدمهما إِلَيْهِ فَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم، وَهُوَ الْمَشْهُور: لَا يحكم حَتَّى يشْهد عَلَيْهِ عَدْلَانِ وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي ابْن سَلمُون والمفيد وَغَيرهمَا، وَعَلِيهِ فإحضار الشُّهُود وَقت جُلُوسه للحكومة وَاجِب. وَقَالَ أصبغ وَسَحْنُون ومطرف وَابْن الْمَاجشون: يجوز لَهُ أَن يحكم عَلَيْهِ وَعَلِيهِ فإحضار الشُّهُود مُسْتَحبّ، وتمسكوا بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: (إِنَّكُم لتختصمون لدي وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع) الحَدِيث. إِذْ لم يقل على نَحْو مَا ثَبت عِنْدِي، وَبِه أَخذ مُنْذر بن سعيد القَاضِي قَالَ بعض الموثقين: وَلم تزل الْقُضَاة تسْقط فِي سجلاتها إِثْبَات إِقْرَار الْمقر وإنكار الْمُنكر يَعْنِي عملا بِمَا لسَحْنُون وَعَلِيهِ عول النَّاظِم فَقَالَ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِهِ اليَوْمَ العَمَلْ فِيما عَلَيْهِ مَجْلِسُ الحُكْم اشْتَمَلْ(1/73)
وَفِي الْبُرْزُليّ قبيل النَّفَقَات: إِن حكم القَاضِي بِعِلْمِهِ إِنَّمَا يمْنَع فِيمَا لم تكن فِيهِ شهرة وَإِلَّا جَازَ ثمَّ الْخلاف الْمَذْكُور فِي الْإِقْدَام على الحكم ابْتِدَاء أَي: هَل يقدم على الحكم بِمَا سَمعه ابْتِدَاء قبل الْإِشْهَاد عَلَيْهِ أم لَا؟ وعَلى الأول يحكم وَلَو أنكر وعَلى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْمَشْهُور لَا يحكم إِلَّا إِذا اسْتمرّ. هَكَذَا قرر الشَّيْخ طفي هَذَا الْخلاف قَائِلا إِن مَحَله إِذا أنكر قبل أَن يحكم عَلَيْهِ، وَاسْتدلَّ لَهُ بِكَلَام اللَّخْمِيّ وَابْن رشد وَغَيرهمَا. قَالَ: أما إِذا اسْتمرّ فَمحل اتِّفَاق أَنه يحكم عَلَيْهِ، وَظَاهر (ح) و (عج) أَن الْخلاف عَام اسْتمرّ أم لَا، فَإِن أنكر بعد الحكم فَهُوَ قَول (خَ) وَإِن أنكر مَحْكُوم عَلَيْهِ إِقْرَاره بعده لم يفده الخ، فمفهوم الظّرْف أَنه إِذا أنكر قبل الحكم فيفيده وَلَا يحكم عَلَيْهِ حِينَئِذٍ على قَول ابْن الْقَاسِم، فَإِن حكم عَلَيْهِ فَانْظُر هَل يتَرَجَّح النَّقْض لِأَنَّهُ مقرّ بِأَنَّهُ اسْتندَ فِي حكمه بعد الْإِنْكَار إِلَى علمه السَّابِق عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يفِيدهُ الظّرْف الْمَذْكُور أَو ينْقضه هُوَ وَلَا ينْقضه غَيره، وَهُوَ قَول ابْن الْحَاجِب. وَأما مَا أقرّ بِهِ فِي مجْلِس الْخُصُومَة فَلَا ينْقض وَهُوَ الظَّاهِر لقَولهم وَرفع الْخلاف، لَكِن الْجَارِي على مَا للمتأخرين من أَن القَاضِي مَحْجُور عَلَيْهِ الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور أَن ينْقضه هُوَ وَغَيره. وَالْحَاصِل أَن اسْتِمْرَار إِقْرَاره وَعَدَمه لَا يعلم إِلَّا من قَول القَاضِي وَإِلَّا خرجنَا عَن مَوْضُوع الْمَسْأَلَة فَصَارَ إِذا قَالَ القَاضِي اسْتمرّ على إِقْرَاره حَتَّى حكمت عَلَيْهِ وَلم يفده إِنْكَاره، وَإِن قَالَ: حكمت عَلَيْهِ بعد الْإِنْكَار فَتقدم أَنه ينْقضه هُوَ وَلَا ينْقضه غَيره اللَّخْمِيّ: اخْتلف إِذْ أقرّ بعد أَن جلس للخصومة، ثمَّ أنكر فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا يحكم عَلَيْهِ، وَقَالَ عبد الْملك وَسَحْنُون: يحكم وَلذَلِك قصداه وَإِن لم يُنكر حَتَّى حكم ثمَّ أنكر هَذَا الحكم. وَقَالَ: مَا كنت أَقرَرت بِشَيْء لم ينظر لإنكاره، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب وَقَالَ الْجلاب: لم يمض عَلَيْهِ حكم الْحَاكِم إِلَّا بِبَيِّنَة يَعْنِي على إِقْرَاره وَهُوَ أشبه بقضاة الْوَقْت لضعف عدالتهم قَالَ: وَلَا أرى أَن يُبَاح القَوْل الأول لأحد من قُضَاة الْوَقْت اه. وَمَا للجلاب نَحوه لأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن قَالَ فِي مسَائِله حَسْبَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة أَن قَول ابْن الْقَاسِم أصح لفساد الزَّمَان، وَلَو أدْرك عبد الْملك وَسَحْنُون زمننا هَذَا لرجعا عَمَّا قَالَا، وَلَو أَخذ النَّاس بقوليهما لذهبت أَمْوَال وَحكم عَلَيْهِم بِمَا لم يقرُّوا بِهِ اه. وَنَقله فِي التَّبْصِرَة وَنَحْوه قَول ابْن سهل: لَو أدْرك سَحْنُون زمننا هَذَا لقَالَ يَقُول ابْن الْقَاسِم فِي كَون الْحَاكِم لَا يسْتَند لعلمه فِيمَا أقرّ بِهِ أحد الْخَصْمَيْنِ بَين يَدَيْهِ اه. قَالَ وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: (فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع) الخ. مؤول عِنْد ابْن الْقَاسِم أَي إِذا شهد بذلك عِنْدِي ابْن(1/74)
الْمَوَّاز وَلَا خلاف أعلمهُ بَين أَصْحَاب مَالك فِي كَون القَاضِي لَا يقْضِي بِمَا سَمعه فِي مجْلِس قَضَائِهِ وَقَالَهُ مَالك بن سهل. وَلَقَد صدق ابْن الْمَوَّاز فِي قَوْله: أعلمهُ لِأَنَّهُ لم يعلم قَول ابْن الْمَاجشون وَغَيره بِأَنَّهُ يقْضِي بِمَا سمع المتيطي: لم تزل الْقُضَاة بالأندلس تسْقط فِي سجلاتها ثُبُوت إِقْرَار الْمقر وإنكار الْمُنكر من الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تولى أَحْمد بن تَقِيّ الْقَضَاء بقرطبة فأحدث فِي سجلاته أَنه ثَبت عِنْده إِقْرَار الْمقر وإنكار الْمُنكر، وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَبِه عملت الْقُضَاة بعده، وَقَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون: مَا أقرّ الْمقر بِهِ المقرّ بَين يَدَيْهِ يُؤَاخذ بِهِ وَلذَلِك جلس ليلزم كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَالَته يَعْنِي بِغَيْر إِثْبَات ثمَّ ذكر مَا مر عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن. وَقَالَ الْمَازرِيّ: من الْحِكْمَة والمصلحة منع القَاضِي الحكم بِعِلْمِهِ خوف كَونه غير عدل فَيَقُول علمت فِيمَا لَا علم لَهُ بِهِ اه. فتعليلهم بِمَا ذكر يدل على أَنهم فَهموا قَول ابْن الْقَاسِم على مَا فهمه الْجلاب من أَنه لَا يحكم عَلَيْهِ وَلَو اسْتمرّ على إِقْرَاره وَإِن فعل فَهُوَ مَرْدُود وَهُوَ مَا فهمه ابْن الْقصار والقرافي وَغَيرهمَا قَالَ الْقَرَافِيّ فِي قَوَاعِده: الْقَضَاء بِعلم الْحَاكِم عندنَا وَعند ابْن حَنْبَل يمْتَنع لوجوه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: (شَاهِدَاك أَو يَمِينه لَيْسَ لَك إلاَّ ذَاك) . فحصر الْحجَّة فِي الْبَيِّنَة وَالْيَمِين دون علم الْحَاكِم وَهُوَ الْمَطْلُوب، وَإِن الْحَاكِم غير مَعْصُوم فيتهم فِي الْقَضَاء بِعِلْمِهِ على عَدو أَو صديق وَنحن لَا نَعْرِف ذَلِك فحسبنا ذَلِك صونا لمنصب الْقَضَاء عَن التهم، وَأَن ابْن عبد الْبر قَالَ فِي الاستذكار: اتَّفقُوا على أَن القَاضِي لَو قتل أَخَاهُ لعلمه بِأَنَّهُ قَاتل ولي خَصمه أَنه كالقاتل عمدا لَا يَرث مِنْهُ شَيْئا للتُّهمَةِ فِي الْمِيرَاث فقيس عَلَيْهِ بَقِيَّة الصُّور بِجَامِع التُّهْمَة اه بِحَذْف مَا لم يتَعَلَّق بِهِ غَرَض، فَهَذَا يدل على أَن مَالِكًا وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب يَقُولُونَ: لَا يحكم بِعِلْمِهِ وَلَو مَعَ اسْتِمْرَار الْمقر إِذْ التُّهْمَة لَا تَنْتفِي بذلك، وَأَيْضًا قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ السَّابِق على مَجْلِسه إِنَّمَا منع للتُّهمَةِ فَكَذَلِك مَا كَانَ بمجلسه إِذْ الْكل لَا يعلم إِلَّا من قَوْله كَمَا مر فَأَما أَن يُقَال بِالْجَوَازِ فِي الْجَمِيع كَمَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّة أَو بِالْمَنْعِ فِي الْجَمِيع كَمَا عَلَيْهِ الإِمَام وَابْن الْقَاسِم، وَيدل لهَذَا مَا يَأْتِي من الْخلاف فِي الْإِعْذَار فِي شَاهد الْمجْلس إِذْ لَو كَانَ يمْضِي حكمه مَعَ الِاسْتِمْرَار مَا قَالَ قَائِل بِوُجُوب الْإِعْذَار فَتَأمل ذَلِك، فَهَذَا كُله يضعف مَا مر عَن (خَ) وَيُقَوِّي مَا مر عَن الْجلاب وَمن مَعَه وَلِهَذَا رَجحه غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين. قَالَ فِي أقضية المعيار: الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل أَن لَا يحكم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ وَلَا ينفذهُ إِلَّا بعدلين وَعَلِيهِ فَلَا يقبل قَول القَاضِي شهد عِنْدِي بِكَذَا أَو أعذرته إِلَى فلَان أَو أجلته أَو عجزته إِلَّا بِبَيِّنَة، وَمِنْه قَوْله: رفع على خطهما عَدْلَانِ فَقبلا بل لَا بُد من تسميتهما والإعذار فيهمَا، وَأَحْرَى لَو قَالَ عرفت خطهما أَو قَالَ: ثَبت عِنْدِي جرحتهما وَلم يعين المجرح كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده وَمَا لِابْنِ رشد وَابْن بطال: مِمَّا يُخَالف هَذَا حَسْبَمَا فِي التَّبْصِرَة وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ (خَ) بِمَفْهُوم قَوْله: وَلَا تقبل شَهَادَته بعده أَنه قضى بِكَذَا كُله لَا يعول عَلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَ على وَجه الْخطاب أَو الشَّهَادَة كَمَا لِابْنِ رحال وَغَيره وَسَيَأْتِي فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع أَن مَا للخمي هُوَ الْمَعْمُول بِهِ قَالَه ابْن حجر أَيْضا والتالي وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْقَاضِي لَا يقْضِي بِلَا عدل على إِقْرَار خَصمه لَدَيْهِ مسجلا كَقَوْلِك أجلت فِي الْإِعْذَار وينقض الحكم على الْمُخْتَار وَعَدْلٌ إنْ أَدَّى على مَا عِنْدَهُ خِلاَفُهُ مُنِعَ أنْ يَرُدَّهُ(1/75)
(وَعدل) المُرَاد بِهِ الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد فَأكْثر وَهُوَ مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ الشَّرْط الَّذِي هُوَ (إِن أدّى) أَي شهد لِأَنَّهُ فِي معنى الصّفة أَي مؤد (على مَا) شَيْء يتَعَلَّق بأدى وَقَوله (عِنْده) أَي القَاضِي (خِلَافه) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر صفة لما وَقَوله (منع أَن يردهُ) جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ أَي منع أَن يرد شَهَادَته وَإِن كَانَ يعلم خلَافهَا كَأَن يشْهدُوا بتعمير ذمَّة وَهُوَ يعلم أَن ذَلِك صوري فَقَط وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الحكم بِعِلْمِهِ بِإِسْقَاط حق الْقَائِم بِشَهَادَة الْعدْل. وَحَقُّهُ إنَّهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ لِمَنْ سِواهُ شَاهدا بحُكْمِهِ (وَحقه) أَي القَاضِي الْعَالم خلاف ذَلِك وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره قَوْله (إنهاء مَا فِي علمه) أَي رفع شَهَادَته (لمن سواهُ) من الْقُضَاة وولاة السُّوق والأمراء، وَلمن حكمه الخصمان حَال كَون القَاضِي (شَاهدا بِحكمِهِ) أَي فِي رُتْبَة الشَّاهِد فَينزل عَن رُتْبَة القَاضِي وَحكمه إِلَى رُتْبَة الشَّاهِد وَحكمه قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَإِذا شهد عِنْد القَاضِي شُهُود عدُول بِمَا يعلم خِلَافه فَلَا يحل لَهُ أَن يقْضِي بِشَهَادَتِهِم وَيدْفَع الْخَصْمَيْنِ عَن نَفسه، وَيكون شَاهدا عِنْد من يتحاكمان إِلَيْهِ ذكره ابْن الْعَطَّار. وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: إِذا شهد الْعُدُول عِنْد القَاضِي بِشَيْء يعلم أَنه بَاطِل فَلَا يجوز لَهُ أَن ينظر شَهَادَتهم وينفذها بعد الِانْتِظَار الْيَسِير قَالَ: وَأرى أَن يعلم الَّذِي حكم عَلَيْهِ أَن لَهُ عِنْده شَهَادَة تنَاقض مَا شهدُوا بِهِ الخ. وَهُوَ يُفِيد أَنه ينفذها، وَإِذا أنفذها لَا ينْقض حكمه، وَلَكِن يخبر الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِمَا فِي علمه، وَعَن سَحْنُون أَنه لَا ينفذها لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يجوز لي أَن أحكم بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا أَن أردهَا لظُهُور عدالتهما وَلَكِن أرفع ذَلِك لمن فَوقِي وَأشْهد بِمَا علمت وغيري بِمَا علم، وَكَذَا لَو شهد القَاضِي فِي قَضِيَّة مَعَ شَاهد آخر لَا يسْتَقلّ الحكم بِهِ فَإِنَّهُ يرفع ذَلِك لمن فَوْقه، ثمَّ هَل يجوز أَن يشْهد وَلَو عِنْد من تَحْتَهُ من نوابه أَو لَا يجوز لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ شهد عِنْد نَفسه قَولَانِ، وعَلى الثَّانِي اقْتصر أَبُو الْحسن قَالَ: يرفع الْقَضِيَّة إِلَى من فَوْقه وَيشْهد عِنْده وَلَا يحكم فِي ذَلِك بِعِلْمِهِ(1/76)
وَلَا يقدم من يُؤَدِّي عِنْده لِأَن مقدمه كَهُوَ على مَا لَا يخفى اه. وَهَذَا فِي غير السُّلْطَان الْأَعْلَى يشْهد عِنْد قاضيه وَإِلَّا فَيجوز على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة فَإِن كَانَ الْمَرْفُوع إِلَيْهِ بَعيدا بِحَيْثُ لَا يلْزم الرافع الْأَدَاء مِنْهُ فَلهُ أَن يشْهد على شَهَادَته عَدْلَيْنِ وينقلانها عَنهُ، وَأفهم قَوْله عدل أَن هَذَا فِي ظَاهر الْعَدَالَة الْمَشْهُور بهَا كَمَا فِي النَّقْل كَانَ منتصباً للشَّهَادَة أم لَا سَوَاء قدمه هَذَا القَاضِي لَهَا أَو غَيره مِمَّن قبله وَسَوَاء زكي عِنْده أم لَا. إِذْ قبُول من قبله لشهادته وَحكمه بهَا يُوجب عَلَيْهِ قبُولهَا دون تَزْكِيَة وَلَا مَعْرفَته بعدالته كَمَا لِابْنِ رشد فِي أجوبته فَإِن كَانَ مَجْهُول الْحَال فَهُوَ مَا مر فِي قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي الخ. إِذْ لَا تُهْمَة تلْحقهُ فِي عدم قبُوله، وَظَاهره أَنه لَا يردهَا بِعِلْمِهِ الجرحة بالأحرى وَهُوَ كَذَلِك، وإلاَّ أدّى إِلَى إبِْطَال حق الْقَائِم فِي ردهَا بِعِلْمِهِ وَمَا مر من أَنه يسْتَند لعلمه فِي التجريح إِنَّمَا هُوَ فِي غير المنتصب للشَّهَادَة أَو فِي المنتصب لَهَا بِالنِّسْبَةِ لتأخيره عَنْهَا فِي الْمُسْتَقْبل لَا بِالنِّسْبَةِ لإبطال الْحُقُوق فِيمَا مضى لِأَنَّهُ تصير الْأَحْكَام حِينَئِذٍ دَائِرَة على علم القَاضِي فمهما أَرَادَ إِثْبَات حق أَو إِبْطَاله قَالَ: إِن شَاهده معدل أَو مجرح وَلذَا علل جَوَاز استناده لعلمه فيهمَا بِمَا إِذا اشْتهر عِنْد النَّاس كَمَا مرّ وَقد قَالَ ابْن عَرَفَة فِي قَاض آخر شَاهدا عَن الشَّهَادَة فَأتى من بعده ورده إِلَى الشَّهَادَة وتبطلت حُقُوق كَثِيرَة بِسَبَب التَّأَخُّر الْمَذْكُور مَعَ أَنه لم يجرحه أحد من الْقُضَاة عدا من ذكر فَإِنَّهُ يجب الْبَحْث الْآن عَن حَال الشَّاهِد الْمَذْكُور فَإِن تحصل عِنْد من لَهُ الْأَحْكَام جرحته أَو عَدَالَته عمل على ذَلِك، وَإِن لم يتَحَصَّل لَهُ شَيْء أمضى شَهَادَته. الْبُرْزُليّ: إِنَّمَا اخْتَار الْبَحْث الْمَذْكُور لغَلَبَة الْهوى على الْقُضَاة، وإلاَّ فَالرِّوَايَة إِذا تقادمت جرحة الشَّاهِد وَكَانَت ثَابِتَة عِنْد القَاضِي وَمضى لَهَا أشهر، ثمَّ أَتَى من زَكَّاهُ بعد ذَلِك أَنه يقبله وَيحمل على انْتِقَاله إِلَى خير اه، وَذكر فِي نَوَازِل الْأَيْمَان أَن التجريح لَا يصلح بِأَمْر مُحْتَمل، وَقد قَالُوا فِي استفسار اللفيف وَنَحْوه لَا بُد أَن يكون بِمحضر عَدْلَيْنِ فِرَارًا من أَن يكون حكم بِعِلْمِهِ لِأَن اللفيف غير عدُول، فَإِذا رتب الحكم على أَدَائِهِ الَّذِي غَابَ عَلَيْهِ وَلم يُعلمهُ غَيره فقد رتبه على علمه قَالَه ابْن لب والمكناسي وَغَيرهمَا. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَو سَأَلَهُ ذُو الْحق عَن المجرح فعلى الْحَاكِم إخْبَاره بِهِ المتيطي: من حق الشَّاهِد والمشهود لَهُ أَن يعلمَا بالمجرح، فقد تكون هُنَاكَ عَدَاوَة أَو قرَابَة يمنعان التجريح، وَاخْتلف إِذا كَانَ الشَّاهِد والمشهود لَهُ مِمَّن يتقى شَره فَقَالَ سَحْنُون: يعلم، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا قَالَ المجرح أكره عَدَاوَة النَّاس جَازَ التجريح سرا اللَّخْمِيّ: وَقَول سَحْنُون أحسن لفساد الْقُضَاة الْيَوْم ابْن رحال فِي شَرحه: وَمَا قَالَه اللَّخْمِيّ حسن غَايَة لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ذَلِك فِي قُضَاة زَمَانه فَكيف بقضاتنا الْيَوْم؟ قلت: وَمَا لسَحْنُون مثله لِابْنِ حبيب قَالَ: التجريح لَا يكون إِلَّا عَلَانيَة إِذْ لَا بُد من الْإِعْذَار فِي شَهَادَة المجرحين، وَهَذَا التَّعْلِيل يُوجب أَن لَا يقبل التجريح سرا من قُضَاة الْوَقْت كَانَ الْمَشْهُود لَهُ مِمَّن يتقى شَره أم لَا وَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام من قبُوله سرا على أظهر الْقَوْلَيْنِ وَنَحْوه لشراح الْمُخْتَصر مَبْنِيّ على نفي التهم عَن الْقُضَاة، وَمذهب الْمُدَوَّنَة يجوز لمن يخْشَى مِنْهُ كَمَا يَأْتِي فِي فصل الْإِعْذَار وَقد تقدم عَن الْقَرَافِيّ وَابْن سهل وَغَيرهمَا ضعفه وَهَذَا كُله فِي غير الْمَشْهُور بِالْعَدَالَةِ المنتصب لَهَا، وَأما مَا عَمت بِهِ الْبلوى فِي هَذَا الزَّمَان من كَون القَاضِي ينصب شُهُودًا أَو يجدهم منتصبين ويقرهم على ذَلِك، ثمَّ بعد تحملهم للحقوق من دُيُون وَغَيرهَا يظْهر لَهُ تأخيرهم عَنْهَا، وَيبْطل رسوم تِلْكَ الْحُقُوق كلهَا ويعتل بِأَنَّهُ يسْتَند لعلمه فِي التجريح وَإِن الجرحة إِذا(1/77)
طرأت بعد الْأَدَاء فَهِيَ مُؤثرَة فَكيف بهَا قبل الْأَدَاء لِأَن الْعبْرَة بِزَمن الْأَدَاء فَلَا أخالهم يَخْتَلِفُونَ فِي عدم قبُول قَوْله بِالنِّسْبَةِ لما مضى إِذْ لَيْسَ قبُول قَوْله بالتجريح الْآن بِأولى من قَوْله بالتعديل أَو لَا بِالنِّسْبَةِ لما شهدُوا بِهِ من الدُّيُون وَغَيرهَا، لِأَنَّهُ قد اسْتندَ إِلَى علمه فِي إبِْطَال تِلْكَ الْحُقُوق بعد وُجُوبهَا لأربابها بتعديله الأول وَهُوَ من التلاعب بِحُقُوق الْمُسلمين وَفِي ضيح مَا نَصه: فَإِن اسْتحق الشَّاهِد الْحر برق لم ترد شَهَادَته لِأَنَّهُ قد لَا يعرف غَيره الْحق الْمَشْهُود بِهِ اه. وَنَقله (ز) وَغَيره أول الشَّهَادَات وَهُوَ صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ، وَفِي المعيار قد شاع وذاع عَن الْقُضَاة عزل بعض من لَا يسْتَحق الْعَزْل وتقديمهم لمن لَا يصلح تعديله لهواه أَو لكَونه قَرِيبه أَو صديقه أَو صهره أَو لمعروفه عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كُله من الْهوى وَالْفساد أعاذنا الله من ذَلِك. وَتقدم عَن الْبُرْزُليّ الرِّوَايَة إِذا تقادمت جرحة الشَّاهِد الخ. وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَول أصبغ: إِذا علم القَاضِي جرحته وَقت الشَّهَادَة أَو بِقرب ذَلِك عمل عَلَيْهَا وَأما إِن طَال الزَّمَان، فَهَذَا بِمَنْزِلَة من جهل حَاله إِذا عدل عِنْده قبله يَعْنِي وَبِالْعَكْسِ، وَلذَا قَالَ اللَّخْمِيّ فِي تعَارض بينتي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح فِي مجلسين متغايرين قضى بِشَهَادَة الْجرْح لِأَنَّهَا زَادَت علما فِي الْبَاطِن، وَإِن تبَاعد مَا بَين المجلسين قضى بأحدثهما تَارِيخا، وَيحمل على أَنه كَانَ عدلا ففسق أَو فَاسِقًا فَعدل الخ. وَالْمَقْصُود مِنْهُ قَوْله: وَإِن تبَاعد الخ. وَبِهَذَا كُله تعلم أَن قَول (خَ) عاطفاً على المبطلات لَا إِن حدث فسق بعد الْأَدَاء مُقَيّد بِمَا إِذا حدث وَقت الشَّهَادَة أَو قربهَا وإلاَّ فَهُوَ من الِاسْتِصْحَاب المعكوس وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَخلاف الرِّوَايَة كَمَا ترى، وَلذَا قَالُوا: إِذا قَامَ للصَّبِيّ شَاهد وَاحِد حلف الْمَطْلُوب وسجلت شَهَادَته لِئَلَّا يطْرَأ فسقه كَمَا يَأْتِي، وَلَا يُقَال تسجيل شَهَادَته بِمَنْزِلَة الحكم بهَا وطرو الْفسق بعد الحكم غير مُضر لَا يَقْتَضِيهِ كَلَام (ز) لأَنا نقُول هَذَا يَقْتَضِي أَن الشَّاهِد للصَّبِيّ إِذا رَجَعَ بعد تسجيلها وكتبها يغرم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَا حكم أصلا إِذْ الحكم يتَوَقَّف على يَمِين الصَّبِي بعد الْبلُوغ، وَإِذا ثَبت هَذَا الحكم فِي الشَّاهِد للصَّبِيّ فَكَذَلِك الشَّاهِد لغيره لَا يضر طرُو الْفسق لَهُ بعد، وَبِمَا إِذا كَانَت الشَّهَادَة استرعائية لَا أَصْلِيَّة كَمَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وزمن الْأَدَاء لَا التَّحَمُّل، وَبِمَا إِذا كَانَ الطارىء مِمَّا يخفى كَالزِّنَا وَنَحْوه لَا كَالْقَتْلِ والعداوة كَمَا للخمي والمازري قَالَ فِي ضيح عِنْد الْكَلَام على شَهَادَة النَّقْل وَهُوَ كَلَام صَحِيح، وَبِمَا إِذا ثَبت الْفسق لَا بالتهمة عَلَيْهِ كَمَا لشراحه وَالله أعلم. وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة من تعَارض التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مَحَله إِن شَاءَ الله تَعَالَى. تَنْبِيه: إِذا تقرر مَا تقدم وَعلمت أَن التَّأْخِير عَن الشَّهَادَة لدعوى القَاضِي جرحته لَا يبطل الْحُقُوق الَّتِي كَانَ شهد بهَا قبل ذَلِك وَمَات هَذَا الْمُؤخر أَو غَابَ قبل أَدَائِهَا فَإِنَّهُ يرفع على خطه وَيَقُولُونَ مثلا كَانَ متصفاً وَقت تَارِيخ الرَّسْم أَعْلَاهُ بِقبُول الشَّهَادَة، وَلَا زَالَ على ذَلِك إِلَى أَن أخر عَنْهَا لغير مُوجب فِي علمهمْ. وعِلْمُه بِصِدْقِ فِي غَيْرِ العَدْلِ لاَ يُبيحُ أنْ يَقْبَلَ مَا تَحمَلاَ (وَعلمه) أَي القَاضِي (بِصدق غير الْعدْل) يشْهد عِنْده ظَاهره كَانَ ظَاهر الجرحة أَو مَجْهُول الْحَال. وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَيْهَا (لَا يُبِيح) لَهُ (أَن يقبل مَا تحملا) غير الْعدْل وَالْجُمْلَة خبر(1/78)
عَن قَوْله علمه وبصدق يتَعَلَّق بِهِ، وَإِنَّمَا لم يَصح لَهُ قبُوله لِأَنَّهُ آيل إِلَى الحكم بِعِلْمِهِ وَسبب لتطرق التُّهْمَة إِلَيْهِ لِأَن غير الْعدْل كَالْعدمِ فَرد شَهَادَته حق لله وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة: الحكم برد شَهَادَة الْفَاسِق حق لله وَلَو شهد بِحَق اه. وَأَيْضًا لَا بُد أَن يَقُول فِي حكمه بعد أَن صحت عِنْدِي عدالتهما وَهُوَ إِنَّمَا صَحَّ عِنْده جرحتهما أَو لم يَصح عِنْده شَيْء، فَإِن وَقع وَحكم فينقضه هُوَ وَغَيره (خَ) عاطفاً على مَا ينْقض بِهِ الحكم أَو أظهر أَنه قضى بعبدين أَو فاسقين وَمَفْهُوم صدق غير الْعدْل أَنه إِذا علم بكذب الْعدْل فَهُوَ مَا قبله. ومَنْ جَفا القاضِي فالتَّأدِيبُ أوْلى وَذَا لِشَاهِدٍ مَطْلُوبُ (وَمن جَفا القَاضِي) أَي لمزه بِمَا يكره فِي مجْلِس حكمه فَقَالَ: ظلمتني مثلا وَأَرَادَ أَذَاهُ (فالتأديب) لَهُ أَي التَّعْزِير إِذا كَانَ القَاضِي من أهل الْفضل (أولى) من الْعَفو عَنهُ، وَظَاهره أَنه يسْتَند لعلمه فِي ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك، وَقَوْلِي بِمَجْلِس حكمه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ ذَلِك بِغَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَلَو ثَبت بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ لَا يحكم لنَفسِهِ فِي مثل ذَلِك وَيَرْفَعهُ لغيره إِن شَاءَ، وَقَوْلِي لمزه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا صرح لَهُ بالإساءة فَيجب التَّأْدِيب حِينَئِذٍ كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام. وَنَقله فِي التَّبْصِرَة. وَقَوْلِي: ظلمتني لَيْسَ من الصَّرِيح لِإِمْكَان أَن يُرِيد الْمجَاز. وَمن مَوْصُولَة مُبْتَدأ، وَالْجُمْلَة من قَوْله: فالتأديب أولى خَبره والرابط مَحْذُوف وَدخلت الْفَاء فِي الْخَبَر لِأَن الْمَوْصُول لعمومه كالشرط. (وَذَا) التَّأْدِيب (لشاهد) أَي لجفائه أَو جفَاء الْخصم أَو الْمُفْتِي (مَطْلُوب) أَي وَاجِب كَأَن يَقُول لَهُ شهِدت عليَّ بزور أَو مَا أَنْت من أهل الْعَدَالَة وَالدّين، وَلَا يجوز الْعَفو عَنهُ حَيْثُ كَانَ بِالْمَجْلِسِ قَامَت بِهِ بَيِّنَة أم لَا. لانتهاكه حُرْمَة الشَّرْع فَإِن كَانَ بِغَيْر الْمجْلس وَثَبت بِبَيِّنَة فَالْحق حِينَئِذٍ(1/79)
للشَّاهِد وَنَحْوه لَا لله ويؤدب فِي ذَلِك كُله بِقدر الرجل المنتهك حرمته، وَقدر الشاتم فِي إذاية النَّاس إِلَّا أَن يكون الشاتم من أهل الْفضل وَذَلِكَ مِنْهُ فلتة فليتجاف عَنهُ كَمَا قَالَ: وفَلْتَةٌ مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ عَثَرْ فِي جانِبِ الشَّاهِدِ مِمَّا يُغْتَفَرْ (وفلتة) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ وَصفه بقوله: (من ذِي مُرُوءَة) وَقَوله: (عثر) فِي مَوضِع الصّفة لذى أَو فِي مَوضِع الْحَال من فلتة لتخصيصه بِالصّفةِ والرابط مَحْذُوف أَي بهَا و (فِي جَانب الشَّاهِد) يتَعَلَّق بِهِ وَمثله من ذكر مَعَه و (مِمَّا يغْتَفر) خبر الْمُبْتَدَأ (خَ) وتأديب من أَسَاءَ عَلَيْهِ أَو على خَصمه أَو مفت أَو شَاهد لَا بشهدت عَليّ بباطل كخصمه كذبت الخ. ومَنْ ألَدَّ فِي الْخِصَامِ وانْتَهَجْ نهْجَ الفِرَارِ بَعْدَ إتْمَامِ الْحُجَجْ (وَمن أَلد فِي الْخِصَام) أَي أَكثر مِنْهُ وَهُوَ اسْم شَرط أَو مَوْصُول مُبْتَدأ (وانتهج) مَعْطُوف على الصِّلَة (نهج الْفِرَار) مصدر نَوْعي أَي سلك طَرِيقه خوفًا من الْقَضَاء عَلَيْهِ وَثَبت ذَلِك عَلَيْهِ بِبَيِّنَة لَا بقول الرَّسُول فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه فَإِن كَانَ ذَلِك (بعد) الْحُضُور بَين يَدَيْهِ و (إتْمَام الْحجَج) الَّتِي يُدْلِي بهَا وسؤاله عَنْهَا وعجزه عَن الطعْن فِي حجج خَصمه بعد الإجالات والتلومات كَمَا هُوَ ظَاهره فَهَذَا. يُنَفِّذُ الحُكْمَ عَليْه الْحَكَمُ قَطْعاً لِكُلِّ مَا بِهِ يَخْتَصِمُ (ينفذ الحكم) بِالنّصب مفعول مقدم (عَلَيْهِ الحكم) بِفَتْح الْكَاف لُغَة فِي الْحَاكِم فَاعل بقوله ينفذ (قطعا) حَال أَي قَاطعا (لكل مَا بِهِ يخْتَصم) وَالْجُمْلَة خبر من أَو جَوَابه وَسَوَاء كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ عقارا أَو غَيره كَمَا هُوَ ظَاهره وَإِن وَجَبت لَهُ يَمِين قَضَاء أَو اسْتِحْقَاق وكل الْحَاكِم من يقتضيها لَهُ وَيشْهد بذلك وَلَا تسمع لَهُ حجَّة يَأْتِي بهَا بعد ذَلِك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْحَاضِر وَإِن كَانَ ذَلِك قبل نشب الْخُصُومَة أَو بعد نشبها بَين يَدَيْهِ وَقيل اسْتِيفَاء النّظر فِيهَا فَهُوَ قَوْله: وَغَيْرُ مُسْتَوْفٍ لَهَا إِن اسْتَترْ لَمْ تَنقَطِعْ حُجَّتُهُ إذَا ظَهَرْ (وَغير مستوف لَهَا) أَي للحجج فَيشْمَل من لم ينشبها بِالْكُلِّيَّةِ لِأَن السالبة لَا تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع (إِن استتر) أَي دَامَ استتاره بعد أَن فعل القَاضِي بِهِ مَا مر فِي قَوْله: وَمن عصى الْأَمر وَلم يحضر طبع. الخ، فَهَذَا تسمع الْبَيِّنَة فِي غيبته إِن تغيب قبل سماعهَا على الْمَذْهَب وَإِذا(1/80)
سَمِعت فَيحكم عَلَيْهِ بمقتضاها كَمَا يحكم عَلَيْهِ إِن تغيب بعد أَن سَمعهَا وَقبل اسْتِيفَاء حججه وَلَا يُقيم لَهُ وَكيلا على الْمُعْتَمد، وَمذهب ابْن الْقَاسِم لِأَن الْوَكِيل لَا يعرف حجج الْمُوكل، فالقضاء عَلَيْهِ وإرجاء الْحجَّة أَنْفَع لَهُ كَمَا قَالَ (لم تَنْقَطِع حجَّته) الَّتِي يَأْتِي بهَا من الطعْن فِي الْبَيِّنَة الَّتِي لخصمه أَو معارضتها بِبَيِّنَة الْبَرَاءَة وَنَحْو ذَلِك (إِذا ظهر) بعد أَن قضى عَلَيْهِ وَقيل يُقَام لَهُ الْوَكِيل وَلَا ترجى لَهُ حجَّة فَغير بِالرَّفْع مُبْتَدأ وَيجوز نَصبه على الْحَال من ضمير استتر وَجُمْلَة لم تَنْقَطِع خبر وَجَوَاب. لَكِنَّما الحُكْمَ عَلَيْهِ يُمْضِي بَعْدَ تَلَوُّمٍ لَهُ مَنْ يَقْضِي (لكنما) اسْتِدْرَاك وَمَا كَافَّة (الحكم عَلَيْهِ) بِالنّصب مفعول (يمْضِي) بِضَم الْيَاء مضارع أمضى وَيجوز رَفعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَة بعده خَبره، والرابط مَحْذُوف أَي يمضيه وَيجوز قِرَاءَته بِفَتْح الْيَاء وضميره يعود على الحكم هُوَ الرابط وَمن يقْضِي فَاعل الْمصدر فِي قَوْله: (بعد تلوم لَهُ) أَي لغير المستوفي (من يقْضِي) فَاعل يمْضِي على ضم يائه وَالضَّمِير فِي تلوم يعود عَلَيْهِ فَهُوَ عَائِد على مُتَأَخّر لفظا لَا رُتْبَة، وَظَاهره أَن الأول لَا يتلوم لَهُ وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْغَرَض أَنه فر بعده وَظَاهره أَيْضا أَن غير المستوفي لَا تَنْقَطِع حجَّته، وَلَو قَالَ لخصمه: إِن لم أحضر مَعَك عِنْد القَاضِي فِي أجل كَذَا فدعواك حق ودعواي بَاطِلَة وَنَحْوه، وَهُوَ كَذَلِك كَانَ طَالبا أَو مَطْلُوبا (خَ) كَقَوْلِه: أجلني الْيَوْم فَإِن لم أوافك غَدا فَالَّذِي تدعيه حق، وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا ظهر أَنه لَا كَلَام لوَارِثه فِي نقض الحكم قبل ظُهُوره وَلَو طَالَتْ غيبته وَهُوَ كَذَلِك لِأَن كل أَمر يتَوَقَّف ثُبُوته وإبطاله على اخْتِيَار شخص فَالْحكم بِالصِّحَّةِ والإبطال قبل علم مَا عِنْده محَال إِذْ قد يقدم فَيقر بِوُقُوع الحكم على الصَّوَاب، وَظَاهره إِذا أَتَى بِالْحجَّةِ وَعجز خَصمه عَن معارضتها يبطل الحكم وينقض البيع وَيرد الْغُرَمَاء مَا أَخَذُوهُ وَهُوَ كَذَلِك قَالَه الْمَازرِيّ وَيَأْتِي فِي فصل الحكم على الْغَائِب مَا يُخَالِفهُ وَلَا مَفْهُوم لقَوْله بعد تلوم لِأَنَّهُ إِذا لم يتلوم ترجى لَهُ الْحجَّة بالأحرى وأشعر قَوْله ينفذ، وَقَوله: يمْضِي أَنه مستوطن فِي مَحل ولَايَته أَو لَهُ مَال ظَاهر أَو كَفِيل أَو وَكيل وَإِلَّا يكن شَيْء من هَذِه الْأُمُور، فَالْحكم عَلَيْهِ كَالْحكمِ على من لَيْسَ فِي إيالته، وَقد تقدم. 5 وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ وَشَمل قَوْله نهج الْفِرَار مَا إِذا فرّ حَقِيقَة أَو حكما كَمَا لَو مرض أَو سجن وَامْتنع من التَّوْكِيل فَيجْرِي على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم قَالَ فِي الشَّامِل: وَحكم من تعذر أَو تغيب كالغائب فيتلوم لَهُ إِن تغيب قبل اسْتِيفَاء حججه ثمَّ قضى عَلَيْهِ وترجى حجَّته وَبعد استيفائها يقْضى وَلَا حجَّة(1/81)
لَهُ. وَمضى إِن كَانَ لَهُ مَال ظَاهر وإلاَّ ختم على بَابه، فَذكر مَا مرّ عِنْد قَوْله وَمن عصى الْأَمر الخ. وَقَوله: تعذر أَي بِسَبَب تعصبه بِذِي جاه أَو مرض أَو سجن كَمَا مرّ، وَلَا بُد من تَسْمِيَة الشُّهُود كَمَا يَأْتِي فِي فصل الحكم على الْغَائِب.
(فصل فِي الْمقَال)
أَي دَعْوَى الْمُدَّعِي (وَالْجَوَاب) مَا يُجيب بِهِ الْمَطْلُوب فَإِن قيدت الدَّعْوَى فِي كتاب فَهُوَ التَّوْقِيف الْآتِي ذكره، وَمن الدَّعْوَى مَا يجب كتبه وَمَا يحسن ترك كتبه وَمَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ والكتب أحسن كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. وَاعْلَم أَن من ادّعى شَيْئا بيد غَيره فَأَما أَن يَدعِي أَنه لَهُ أَو وصل إِلَيْهِ من موروثه أَو يَدعِي فِيهِ بالنيابة عَن غَيره بإيصاء أَو وكَالَة، فَإِذا صحت الدَّعْوَى فِي الْجَمِيع بشروطها الْمُتَقَدّمَة وَأثبت مَعَ ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ موت الْمَوْرُوث وعدة ورثته وتناسخ الوراثات إِلَى أَن وصلت إِلَيْهِ، وَأثبت الْإِيصَاء وَالتَّوْكِيل كلف الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ بِالْجَوَابِ، فَإِذا أجَاب بِإِقْرَار صَرِيح فَلهُ الْإِشْهَاد عَلَيْهِ، وللحاكم تنبيهه عَلَيْهِ وَلَيْسَ من الصَّرِيح قَوْله: وَأَنا لي عَلَيْك كَذَا جَوَابا لقَوْله: لي عَلَيْك كَذَا لِإِمْكَان أَن يكون مُرَاده مُقَابلَة الْبَاطِل بِالْبَاطِلِ قَالَه الْمَازرِيّ، وَنَقله فِي التَّبْصِرَة. وَكَذَا قَوْله: هَب أَنِّي فعلت كَذَا قَالَه (غ) فِي التَّكْمِيل وَنَقله ابْن رحال فِي الارتفاق مُسلما قَائِلا مهما لَاحَ الِاحْتِمَال فِي الْإِقْرَار عِنْدهم بَقِي الشَّيْء على أَصله اه. وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يَقُوله إرخاء للعنان وتقديراً لصدور ذَلِك مِنْهُ، وَلَا شكّ أَن قَائِله على هَذَا الْوَجْه لَيْسَ بمقر وتأمله مَعَ مَا فِي أواسط أَجنَاس المعيار من أَنه إِذا قَالَ: هَب أَنِّي بِعْت مِنْك فَإِن أُمِّي لم تبع أَن ذَلِك إِقْرَار على الْأَرْجَح وَأطَال فِي ذَلِك فَانْظُرْهُ، فَإِن قَالَ لي عَلَيْك عشرَة فَقَالَ: لَا أَدْرِي أعشرة هِيَ أم خَمْسَة فإقرار وَتلْزَمهُ الْعشْرَة إِن حققها الطَّالِب قَالَه فِي معاوضات المعيار وَنَحْوه فِي بَاب الْعُيُوب من الْمُتَيْطِيَّة، وَإِن شكا مَعًا فَقيل يقسم الْمَشْكُوك، وَقيل يسْقط. وَكَذَا إِن قَالَ: أسلفتك أَو أودعتك عشرَة، وَقَالَ الآخر: بل قبضتها عَن مثلهَا لي عَلَيْك فَقيل لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا أقرّ إِلَّا بِقَبض شَرط فِيهِ أَنه يسْتَحقّهُ فَلَا يُؤَاخذ بِأَكْثَرَ مِمَّا أقرّ بِهِ، وَقيل القَوْل للدافع فِي صفة مَا دفع، وَهُوَ يَدعِي أَنه دفع سلفا لَا قَضَاء حَكَاهُمَا الْمَازرِيّ. ونقلها فِي ضيح فِي بَاب الْحِوَالَة، وَاقْتصر أَبُو الْحسن فِي بَاب الشَّهَادَات وَغَيره على الثَّانِي، فَيُفِيد أَنه الْمُعْتَمد وَفِي إقرارات المعيار إِذا قَالَ: ألم تسلفني مائَة دِينَار ورددتها إِلَيْك فَقَالَ: مَا رددت إِلَيّ شَيْئا فَقَالَ: مَا أسلفتني إِذا شَيْئا أَنه لَا يلْزمه شَيْء اه. وتأمله مَعَ قَول (خَ) عاطفاً على مَا يلْزمه فِيهِ الْإِقْرَار أَو أَلَيْسَ مَا أقرضتني أَو مَا أقرضتني أَو ألم تقرضني الخ. فَإِن قَالَ لَهُ عليَّ ألف من ثمن خمر وَنَحْوه فَقَالَ الْقَرَافِيّ، فِي فروقه مُقْتَصرا عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار قَالَ: لِأَن الْكَلَام بآخر، وَالْقَاعِدَة أَن كل كَلَام لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إِذا اتَّصل بِكَلَام مُسْتَقل بِنَفسِهِ يصير المستقل غير مُسْتَقل قَالَ: وَقَوله من(1/82)
ثمن خمر لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فَيصير الأول المستقل غير مُسْتَقل وَذكر لذَلِك أَمْثِلَة انظرها فِي الْفرق الثَّانِي عشر مِنْهُ، وَانْظُر أَيْضا الْفرق الثَّانِي وَالْعِشْرين والمائتين، وَاقْتصر (خَ) على إِنَّه إِقْرَار وَإِن أجَاب بالإنكار الصَّرِيح عمل بِمُقْتَضَاهُ، وَقيل للطَّالِب: أَلَك حجَّة فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا تسمع لَهُ بعد بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان، وَقَالَ أَشهب: تسمع وَهُوَ دَلِيل قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: بَيِّنَة عادلة خير من يَمِين فاجرة وَإِن ادَّعَاهَا كلف بإثباتها وأعذر للمطلوب فِيمَا أَتَى بِهِ كَمَا يَأْتِي وَلَيْسَ من الصَّرِيح قَوْله: مَا أَظن لَهُ عِنْدِي شَيْئا وَلَا قَوْله لَا حق لَك عَليّ وَذَلِكَ لما مر من أَن الطَّالِب لَا بُد أَن يبين فِي دَعْوَاهُ الْوَجْه الَّذِي ترَتّب لَهُ بِهِ الْحق من بيع أَو قرض أَو قِرَاض أَو نَحْو ذَلِك، فَيلْزمهُ أَن يَنْفِي ذَلِك الْوَجْه أَو يقر بِهِ وتتوجه الْيَمين فِي الْإِنْكَار على طبق الدَّعْوَى (خَ) : وَيَمِين الْمَطْلُوب مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ فَإِن قضى نوى سلفا يجب رده اه. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يَكْفِيهِ فِي الْجَواب وَالْيَمِين لَا حق لَك على ابْن عبد السَّلَام، وَهُوَ التَّحْقِيق لِأَن نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص، فَإِن أجَاب بإنكار كَونه لَهُ بِأَن قَالَ: هُوَ وقف أَو لوَلَدي أَو لشخص سَمَّاهُ فَيُقَال للْمُدَّعِي: اثْبتْ مَا تدعيه فَإِن هَذَا لَا ينازعك وتنتقل خصومتك للْمقر لَهُ (خَ) وَإِن قَالَ وقف أَو لوَلَدي لم يمْنَع مُدع من إِقَامَة بَيِّنَة، وَإِن قَالَ لفُلَان فَإِن حضر ادّعى عَلَيْهِ فَإِن حلف فللمدعي تَحْلِيف الْمقر أَنه صَادِق فِي إِقْرَاره، وَانْظُر الْفَصْل الثَّالِث من أَقسَام الْجَواب من التَّبْصِرَة وَإِن امْتنع من الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَهُوَ قَوْله: ومنْ أَبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; إقْراراً أَو إنْكارا لِخَصْمِهِ كَلِّفَهُ إجْبَارا (وَمن أَبى) مَوْصُول مُبْتَدأ أَو شَرط وَاقع على الْمُكَلف الرشيد (إِقْرَارا أَو) بِمَعْنى الْوَاو (إنكاراً) لغير غَرَض شَرْعِي بل سكت أَو قَالَ: أقِم الْبَيِّنَة على مَا تَدعِي وَأَنا لَا أقرّ وَلَا أنكر أَو قَالَ: مَا لَهُ عِنْدِي شَيْء أَو لَا حق لَهُ عَليّ كَمَا مر. وَقَالَ الأخوان مطرف وَابْن الْمَاجشون: يقنع مِنْهُ بذلك فِي هذَيْن الْأَخيرينِ وَهُوَ ظَاهر لِأَن نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص، أَو قَالَ: لَا أجاوب حَتَّى أوكل من يُجيب على الْمَعْمُول بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الْوكَالَة أَو قَالَ حَتَّى يتَبَيَّن هَل مَا تدعيه برسم أَو بِغَيْر رسم (يخصمه) يتنازعه الْمصدر إِن قبله (كلفه) بِضَم الْكَاف خبر أَو جَوَاب والرابط نَائِبه والبارز يعود على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار وأفرده لكَون الْعَطف بِأَو أَو بِاعْتِبَار مَا ذكر (إجبارا) أَي جبر بِالضَّرْبِ والسجن، وَهَذَا إِن لم يكن وَصِيّا أَو مقدما يخاصمان عَن أيتامهما فِيمَا لم يتولياه من الْمُعَامَلَات، وإلاَّ فَلَا يكلفان بِإِقْرَار وَلَا بإنكار، وَيُقَال للطَّالِب: أقِم الْبَيِّنَة على مَا تَدعِي وَذَلِكَ لِأَن إقرارهما لَا يُفِيد فَلَا فَائِدَة لجبرهما، فَإِن أقرا باختيارهما فهما شَاهِدَانِ تعْتَبر فيهمَا شُرُوط الشَّهَادَة فَإِن أقرا عَلَيْهِ بِطَلَاق أَو عتق فَلَا تمْضِي حَتَّى يكمل النّصاب فَإِن خاصما فِيمَا تولياه أجبرا على ذَلِك، وَإِن تَوَجَّهت الْيَمين عَلَيْهِمَا حلفا وإلاَّ ضمنا وَفهم من وُقُوع من على الرشيد أَن السَّفِيه لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ فضلا عَن الْإِجْبَار إِذْ لَا يلْزمه إِقْرَار كَمَا مرّ فِي شُرُوط(1/83)
الدَّعْوَى ونكوله عَن الْيَمين كإقراره على الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الْيَمين، وَيُقَال للطَّالِب حِينَئِذٍ: أثبت دعواك وإلاَّ فَلَا شَيْء لَك إِلَّا الْيَمين تُؤخر لوقت رشده، وَهَذَا فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ والاستهلاك والإتلاف لما لم يُؤمن عَلَيْهِ وَاسْتِحْقَاق شَيْء من مَاله وَنَحْو ذَلِك، وَأما الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالسَّلَف وَالْإِبْرَاء وَنَحْوهَا فَلَا تسمع عَلَيْهِ وَلَو ثبتَتْ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَاف الطَّلَاق والجراح الَّتِي فِيهَا الْقصاص وَعتق مستولدته وَنَحْوه فيكلف بِالْجَوَابِ للُزُوم إِقْرَاره فِيهَا كَمَا فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ فِي الْحجر لاطلاقه الخ. والسكران كالسفيه لَا يلْزمه إِقْرَاره وَلَا الْعُقُود من بيع وَنَحْوه وَلَو بِالْبَيِّنَةِ وَيلْزمهُ الْإِقْرَار بالجنايات وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وَلَو لغير مستولدته كَمَا قيل: لَا يلْزم السَّكْرَان إِقْرَار عُقُود بل مَا جنى عتق طَلَاق وحدود وَقَوْلِي لغير غَرَض شَرْعِي احْتِرَازًا مِمَّا إِذا قَالَ: لَا أجاوب حَتَّى يجمع دعاويه فَإِنَّهُ لَا يجْبر حَتَّى يجمعها، وَمِمَّا إِذا قَالَ: لَا أجاوب حَتَّى أوكل من يُجيب أَو قَالَ الْوَكِيل: حَتَّى أشاور موكلي على أحد قَوْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَمِمَّا إِذا قَالَ: لَا أجاوب لِأَنِّي لست على يَقِين من الْأَمر الَّذِي يَدعِيهِ وَحلف على ذَلِك فَإِن الطَّالِب يُكَلف بالإثبات من غير إِجْبَار للمطلوب كَذَا فِي التَّبْصِرَة وَنَحْوه لِابْنِ سَلمُون ولامية الزقاق وَعَلِيهِ فَمَا مرّ من أَنه لَا يَكْفِيهِ فِي قَوْله: مَا أَظن لَهُ عِنْدِي شَيْئا إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يحلف، وَقَول (ز) وَمثل عدم جَوَابه فِي الحكم عَلَيْهِ بِلَا يَمِين شكه فِي أَن لَهُ عِنْده مَا يَدعِيهِ الخ، يَعْنِي إِذا لم يحلف وإلاَّ فالذمم لَا تعمر إِلَّا بِيَقِين. فإنْ تمادَى فَلِطَالِبٍ قُضِي دُون يَمِينٍ أَوْ بِهَا وَذَا ارْتُضِي (فَإِن) نكل عَن الْيَمين فِي هَذِه سجن وَضرب أَيْضا فَإِن (تَمَادى) على الِامْتِنَاع فِيهَا وَفِي الأولى (فلطالب قضى) بِالْحَقِّ (دون يَمِين) تلْزمهُ بِنَاء على أَنه إِقْرَار وَهِي رِوَايَة أَشهب وصوبها ابْن الْمَوَّاز (أَو) لتنويع الْخلاف أَي وَقيل (بهَا) أَي قضى لَهُ بِالْحَقِّ مَعهَا أَي بِالْيَمِينِ ابْتِدَاء لَا بعد الضَّرْب والسجن كَمَا هُوَ ظَاهره فالباء بِمَعْنى مَعَ بِنَاء على أَن امْتِنَاعه نُكُول لِأَن الِامْتِنَاع من الْجَواب امْتنَاع من الْيَمين فِي الْمَعْنى، وَهُوَ قَول أصبغ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِم. وَلذَا قَالَ: (وَذَا ارتضي)(1/84)
وَالْمُعْتَمد الأول (خَ) وَإِن لم يجب حبس وأدب ثمَّ حكم عَلَيْهِ بِلَا يَمِين وَظَاهره كالناظم أَنه لَا تسمع لَهُ حجَّة لِأَنَّهُ إِقْرَار بِالْحَقِّ كَمَا مرّ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا أعلمهُ بِأَنَّهُ إِذا تَمَادى على الِامْتِنَاع حكم عَلَيْهِ كَمَا أَنه فِي القَوْل الثَّانِي لَا يحكم عَلَيْهِ حَتَّى يُعلمهُ بذلك، فَإِن كَانَت الدَّعْوَى لَا تثبت إِلَّا بِشَاهِدين قضى على الْمُمْتَنع فِيمَا يلْزمه الْإِقْرَار بِهِ كإنكاح مجبرته وَعتق عَبده وَطَلَاق زَوجته وَلَا يقْضى عَلَيْهِ على القَوْل الثَّانِي لِأَن امْتِنَاعه نُكُول. تَنْبِيهَات. الأول: تقدم أَن الْمَطْلُوب لَا يُؤمر بِالْجَوَابِ حَتَّى يثبت الْمُدَّعِي موت من يقوم عَنهُ ورثته وتناسخ الوراثات حَيْثُمَا بلغت، فَإِن لم يثبت ذَلِك فَلَا يَمِين لَهُ على الْمَطْلُوب، وَإِن قَالَ لَهُ: أَنْت عَالم بِمَوْتِهِ وعدة ورثته لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِن أَبَاك أَو من تَدعِي عَنهُ حَيّ وسيقدم ويقر أَنه لَا حق لَهُ عِنْدِي قَالَه ابْن الفخار. قَالَ: فَإِن أقرّ بذلك لم يقبل لما فِيهِ من إِلْزَام الْحُقُوق وتوريث زَوجته وتزويجها وإنفاذ وَصَايَاهُ وَغير ذَلِك وَلَا يَمِين عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ شَاهد بذلك لَا مقرّ وَقد قَالَ أَحْمد بن ميسرَة: من أقرّ بقتل رجل لم يُؤْخَذ بِهِ لما فِي ذَلِك من التوريث وَالتَّزْوِيج اه. وَعَلِيهِ عول فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَمن يَدعِي حَقًا لمَيت ليثبتن لَهُ الْمَوْت والوراث بعد لتفصلا إِلَى أَن قَالَ: وَإِن يكن أهمل ثُبُوت فَعَن مَطْلُوب أسقط يَمِينه. الخ. قَالَ: مُقَيّد هَذَا الشَّرْح على ابْن عبد السَّلَام أمديدش التسولي سامحه الله، وَمَا قَالَه ابْن الفخار وَتَبعهُ صَاحب اللامية مَبْنِيّ على أَن الدَّعْوَى لَا تتبعض وَأَن الشَّهَادَة إِذا رد بَعْضهَا للسّنة ردَّتْ كلهَا، وَالْإِقْرَار تَابع لَهَا إِذْ هُوَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَنَحْوهَا شَهَادَة على النَّفس والغير، وَهُوَ وَإِن كَانَ مُوَافقا لقولها فِي الْوَصَايَا إِذا مَاتَ رجل فَشهد على مَوته امْرَأَتَانِ وَرجل فَإِن لم تكن لَهُ زَوْجَة وَلَا أوصى بِعِتْق عبد وَلَا لَهُ مُدبر وَلَيْسَ إِلَّا قسْمَة التَّرِكَة فشهادتهن جَائِزَة اه. فمفهومها لَو كَانَ هُنَاكَ زَوْجَة أَو أم ولد أَو أوصى بِعِتْق وَنَحْوه لم تجز لَا فِي المَال وَلَا فِي غَيره أَي وَالْإِقْرَار كَذَلِك إِذْ مَا لَا يثبت بِالشَّاهِدِ والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين لَا يَمِين فِيهِ لَكِن يبعد كل الْبعد أَن يَنْفِي الْمقر الشَّيْء عَن ملكه وَنحن نثبت ملكيته لَهُ وَمَا فِي وصاياها معَارض لقولها فِي الشَّهَادَات إِن شهد شَاهد بِوَصِيَّة فِيهَا عتق ووصايا لقوم ردَّتْ فِي الْعتْق وَجَازَت فِي الْوَصَايَا، ولقولها من شهد عَلَيْهِ رجل وَاحِد بِالسَّرقَةِ لم يقطع وَلَكِن يحلف الْمَسْرُوق مِنْهُ مَعَ شَاهده وَيسْتَحق مَتَاعه اه. الوانوغي: يُؤْخَذ من هَذِه الْمَسْأَلَة لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ بِطَلَاق زَوجته، وَقد كَانَ عَلَيْهِ صَدَاقهَا مُؤَجّلا بِمَوْت أَو فِرَاق، وَقُلْنَا: لَا يحكم عَلَيْهِ إِلَّا بِالْمَوْتِ أَو الْفِرَاق أَن الشَّهَادَة تبطل فِي الطَّلَاق وَتَصِح فِي حُلُول الصَدَاق، وَكَذَا لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على رجل بِطَلْقَة وتصييره دَاره فِي صَدَاقهَا أَنَّهَا تصح فِي التصيير لَا فِي الطَّلَاق اه. ابْن رشد: الْمَشْهُور أَن الشَّهَادَة إِذْ رد بَعْضهَا للسّنة كَشَهَادَة رجل وَاحِد أَو امْرَأتَيْنِ بِوَصِيَّة فِيهَا عتق وَمَال أَن يجوز مِنْهَا مَا أجازته السنّة وَهُوَ الشَّهَادَة بِالْمَالِ فَيثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أَو الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الْيَمين، وَقيل يبطل الْجَمِيع لِأَنَّهُ لما رد بَعْضهَا وَجب رد كلهَا وَهُوَ قَائِم من الْمُدَوَّنَة اه. وَإِذا علمت أَن شَهَادَة الْوَاحِد والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين عاملة فِي مثل هَذِه بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ على الْمَشْهُور، فأحرى فِي الْإِقْرَار لِأَنَّهُ شَهَادَة على النَّفس وَلَا تشْتَرط فِيهِ الْعَدَالَة. وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة وَغَيره: الْإِقْرَار بالشَّيْء أقوى من قيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ اه. وَالْقَاعِدَة أَن من أقرّ(1/85)
على نَفسه وَغَيره لزمَه الْإِقْرَار على نَفسه، وَلم يلْزم على غَيره وَلَكِن يكون فِيهِ شَاهدا وَإِن كل مَا يثبت بِالشَّاهِدِ والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين يلْزم فِيهِ الْإِقْرَار وتتوجه فِيهِ الْيَمين كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: فِي عجز مُدع عَن التَّبْيِين. أَلا ترى أَنه لَو ادّعى عَلَيْهِ شخص أَن أَبَاهُ أوصى لَهُ بِمَال وَعتق عَبده فلَان للزمته الْيَمين بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ دون الْعتْق، وَكَذَا لَو ادّعى عَلَيْهِ بِالسَّرقَةِ فنكل للزمه الْغرم دون الْقطع، وَهَكَذَا فالموت وَإِن كَانَ لَيْسَ بِمَال لكنه يؤول لِلْمَالِ بِالنِّسْبَةِ للإرث فَيثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد على الْمَذْهَب، وَمن عده مِمَّا لَا يثبت إِلَّا بعدلين كَابْن نَاجِي فمراده بِالنِّسْبَةِ لغير الْإِرْث، وَحِينَئِذٍ فَإِذا قَالَ لَهُ: قد انْتقل هَذَا المَال الَّذِي بِيَدِك كُله أَو بعضه الَّذِي هُوَ الرّبع مِنْهُ مثلا إليَّ بِسَبَب موت مَالِكه وَأَنت عَالم بذلك فَلَا إِشْكَال فِي توجه الْيَمين عَلَيْهِ وَلُزُوم إِقْرَاره بِالنِّسْبَةِ لنصيب الْمُدَّعِي وَيبقى نصيب الزَّوْجَة وَنَحْوهَا بيد الْمَطْلُوب حَتَّى يطلباه، وغايته أَن الْمَطْلُوب لما أقرّ أَو نكل سرى إِقْرَاره عَلَيْهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ حق وَبَقِي مَا عداهُ على أَصله فَلَا تتَزَوَّج زَوجته وَلَا يعْتق مدبره وَنَحْوه حَتَّى يثبت مَوته كَمَا يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ أَيْضا وَلَا تتَزَوَّج زَوجته وَلَا يُورث حَتَّى يثبت مَوته فَالْمَسْأَلَة فِي الْحَقِيقَة من الدَّعْوَى بِغَيْر المَال لَكِنَّهَا تؤول لِلْمَالِ وَقد حرر غير وَاحِد أَن الْمَوْت يثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد مَعَ الْيَمين بِالنِّسْبَةِ للإرث فَهُوَ يَدعِي بأمرين الْمَوْت وَالْإِرْث كَمَا أَنه فِي الْوَصِيَّة وَالسَّرِقَة المذكورتين يَدعِي بأمرين أَحدهمَا مَال وَالْآخر غَيره، وَالْعجب من ابْن فَرِحُونَ والبرزلي وَابْن سَلمُون وَصَاحب اللامية وشروحها كَيفَ سلمُوا كَلَام ابْن الفخار مَعَ أَن كثيرا من مشاهير المؤلفين أعرض عَنهُ فِيمَا علمت بل ذكر فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة أَن ابْن كنَانَة سَأَلَ مَالِكًا عَمَّن بِيَدِهِ دَار فَقَامَ عَلَيْهِ فِيهَا رجل وَزعم أَنَّهَا لجده وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ الْحَائِز: لَا أقرّ وَلَا أنكر وَلَكِن ليقيم الْبَيِّنَة على مَا يَدعِي فَقَالَ مَالك: يجْبر على الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار وَلَا يتْرك. قَالَ بعض الشُّيُوخ: معنى الْمَسْأَلَة أَن الْقَائِم على أَنه وَارِث جده بِبَيِّنَة أَو بِإِقْرَار الْحَائِز وَلَو لم يعلم ذَلِك حلف الْحَائِز أَنَّهَا ملكه وَلَا حق للقائم مَعَه فِيهَا اه. وَلَئِن سلمناه لِابْنِ الفخار لم يثبت مَا ذكر بِالشَّاهِدِ والمرأتين أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين إِذْ الْإِقْرَار بالشَّيْء أقوى من الْبَيِّنَة التَّامَّة كَمَا مرّ فَمَا لَا يلْزم بِالْإِقْرَارِ أَو النّكُول الَّذِي هُوَ كَالْإِقْرَارِ لَا يلْزم بِمَا ذكر بالأحرى، وَيحْتَاج على تَسْلِيمه إِلَى استثنائه من قَوْلهم: الْمقر مؤاخذ بِإِقْرَارِهِ على نَفسه، وَمن قَوْلهم: مَا لَيْسَ بِمَال ويؤول لِلْمَالِ يثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين وَلَا يلْزم فِيهِ الْإِقْرَار وَالله أعلم. هَذَا وَقد ذكر ابْن رحال فِي أَنْوَاع الشَّهَادَات الْآتِي أَن الْمَذْهَب هُوَ ثُبُوت الْمَوْت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين بِالنِّسْبَةِ للإرث. الثَّانِي: تقدم أَيْضا أَنه لَا بُد أَن يثبت تناسخ الوراثات حَيْثُمَا بلغت وَيبقى النّظر إِذا أثبت موت من يقوم بِسَبَبِهِ وعدة ورثته وَأثبت موت بعض وَرَثَة الْمَوْرُوث الأول وجر الْقَائِم ذَلِك إِلَى نَفسه، وَلَكِن لم يجد من يشْهد لَهُ بعدة سَائِر وَرَثَة الْوَارِثين غير من يُدْلِي بِهِ هَل هُوَ يقْضِي لَهُ بِخَطِّهِ لِأَنَّهُ لَا جهل فِيهِ لِأَنَّهُ استبان أَنه يَرث من الأول الرّبع مثلا وَلَا عَلَيْهِ فِيمَن يَرث الثَّلَاثَة الأرباع أَو لَا يسْتَحق شَيْئا حَتَّى يثبت تناسخ الوراثات حَيْثُمَا بلغت كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة: أفتى شيخ شُيُوخنَا سَيِّدي عمر الفاسي بِأَنَّهُ يحكم للقائم بِقدر مِيرَاثه لعلم نصِيبه وتحققه، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يثبت تناسخ الوراثات الَّذين لَا يُدْلِي بهم، وَانْظُر أقضية المعيار وَمَا يَأْتِي فِي الِاسْتِحْقَاق. وَقَوْلنَا: الرَّابِع مثلا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا قَالَت: لَا نعلم كم الْوَرَثَة فَإِنَّهُ لَا يقْضى للقائم بِشَيْء وَلَا ينظر إِلَى تَسْمِيَته للْوَرَثَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة.(1/86)
الثَّالِث: كَمَا أَن الْمَطْلُوب لَا يُكَلف بِالْجَوَابِ إِذا مَاتَ رب الْحق حَتَّى يثبت الطَّالِب مَوته ووراثته، كَذَلِك إِذا مَاتَ الْمَطْلُوب وَقَامَ رب الْحق أَو ورثته على وَرَثَة الْمَطْلُوب فَلَا تكلّف ورثته بِالْجَوَابِ حَتَّى يثبت الْقَائِم مَوته وعدة ورثته من أجل مَا يحْتَاج من الْإِعْذَار إِلَيْهِم كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَهَذَا إِن كَانُوا كبارًا مالكين أَمرهم فَإِن كَانُوا صغَارًا تَحت إيصاء أثبت الْقَائِم الْإِيصَاء وَقبُول الْوَصِيّ لَهُ بِالشَّهَادَةِ على عينه ليتَمَكَّن من الْإِعْذَار إِلَيْهِ فَإِن عجز عَن الْإِثْبَات وَقَالَ: للمالكين أَمرهم أَنْتُم عالمون بِالْمَوْتِ وعدة الْوَرَثَة، وَقد اسْتَقر مَال الْهَالِك بيدكم فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم الْيَمين لَهُم كَمَا مر فِي التَّنْبِيه الأول، فَإِن أقرُّوا أَو نكلوا استوفى الْقَائِم دينه مِمَّا بِأَيْدِيهِم فَقَط، وَإِن بَقِي لَهُ شَيْء تبع بِهِ الصغار فَإِذا بلغُوا حلفوا أَو أَدّوا هَذَا هُوَ التَّحْرِير، وَمَا فِي اللامية من إِسْقَاط الْيَمين فِي هَذِه أَيْضا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، بل قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَلَا تسمع الدَّعْوَى على الْمَيِّت إِلَّا بعد ثُبُوت وَفَاته وعدة ورثته، فَإِن أقرّ الْوَارِث الرشيد بهَا وَلم يكن ثمَّ غَيره لم يفْتَقر إِلَى ثُبُوتهَا اه. فقولها فَإِن أقرّ الْوَارِث بهَا الخ. صَرِيح فِي لُزُوم الْيَمين لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي المَال وكل مَا يَصح فِيهِ الْإِقْرَار تتَوَجَّه فِيهِ الْيَمين. وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: وَلم يكن ثمَّ غَيره إِذْ إِقْرَاره يسري عَلَيْهِ فِي نصِيبه الَّذِي بِيَدِهِ كَانَ هُنَاكَ غَيره أم لَا. بل إِن أَدَّاهُ على وَجه الشَّهَادَة وَكَانَ عدلا حلف رب الدّين مَعَه، وَأخذ جَمِيع الدّين وَلَو كَانَ بَاقِي الْوَرَثَة صغَارًا لِأَن الْمَوْت بِاعْتِبَار المَال يَكْفِي فِيهِ الْعدْل والمرأتان أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم خلافًا لأَشْهَب. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَإِن شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على نِكَاح بعد موت الزَّوْج أَو الزَّوْجَة أَو على ميت أَن فلَانا أعْتقهُ أَو على نسب أَن هَذَا ابْنه أَو أَخُوهُ وَلم يكن لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب صحت هَذِه الشَّهَادَة على قَول ابْن الْقَاسِم، وَكَانَ لَهُ الْمِيرَاث وَلم تجز على قَول أَشهب لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يسْتَحق الْمِيرَاث إِلَّا بعد إِثْبَات الأَصْل بِشَهَادَة رجلَيْنِ فَإِن ثَبت ذَلِك ثمَّ شهد وَاحِد أَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى هَذَا جَازَت وَاسْتحق المَال اه. وَبِه تعلم مَا فِي كَلَام ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب الثَّالِث من الْقسم الثَّانِي فَإِن كَلَامه يُوهم أَنه لَا بُد من عَدْلَيْنِ فِي الْمَوْت وَالْمِيرَاث مَعًا وَقد علمت أَنه لَا يجْرِي إِلَّا على قَول أَشهب. نعم صرح هُوَ فِي الْمحل الْمَذْكُور أَن حصر الْوَرَثَة يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين اتِّفَاقًا وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ اللَّخْمِيّ بقوله: فَإِن ثَبت ذَلِك ثمَّ شهد وَاحِد الخ. وَمثله لَهُ فِيمَا إِذا شكّ فِي تقدم موت الْأُم أَو ابْنهَا مثلا. قَالَ: إِن مِيرَاث الابْن لِأَبِيهِ وميراث الْأُم لزَوجهَا وأخيها بعد أيمانهما مَعَ أَن تَارِيخ تقدم الْمَوْت لَيْسَ بِمَال كَمَا صرح بِهِ هُوَ وَغَيره، وَلكنه آيل لِلْمَالِ وَنَحْوه لأبي الْعَبَّاس الْمقري فِي رجلَيْنِ وَأُخْت شقائق توفّي الْأَخ وَالْأُخْت فَادّعى الْأَخ الثَّانِي أَن الْأُخْت توفيت بعد الْأَخ وَادّعى ابْن الْأَخ أَن أَبَاهُ توفّي بعد موت الْأُخْت بعد إقرارهما بموتهما ودفنهما بمحضرهما قَالَ: تتَوَجَّه الْيَمين على كل مِنْهُمَا فَإِن حلف الْكل أَو نكل فَكل يَرِثهُ ورثته وَإِن نكل الْبَعْض قضى للْآخر قَالَ: وَالْمَسْأَلَة من بَاب الدَّعَاوَى فَكل مِنْهُمَا مُدع ومدعى عَلَيْهِ وَقَول: من قَالَ كل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها غلط اه. فَتبين أَن الْمَوْت وَحصر الْوَرَثَة كِلَاهُمَا يثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد اتِّفَاقًا فِي الثَّانِي، وعَلى الْمَشْهُور فِي الأول وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) فِي مَوَاضِع فَقَالَ فِي التَّنَازُع: حَلَفت مَعَه وورثت، وَقَالَ فِي آخر: الْعتْق وَحلف واستؤني بِالْمَالِ إِن شهد بالبت شَاهد أَو اثْنَان أَنَّهُمَا لم يَزَالَا يسمعان أَنه مَوْلَاهُ الخ. وَمحل ذَلِك إِن لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب كَمَا رَأَيْته وإلاَّ فَلَا بُد من عَدْلَيْنِ على الْمَذْهَب كَمَا فِي ضيح و (ح) وَلَا يرد هَذَا علينا لِأَن(1/87)
الْمَوْضُوع أَن الْمقر شَاهد أَن مُوَرِثه مَاتَ وَأَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى هَؤُلَاءِ الْوَرَثَة المعروفين فلَان وَفُلَان مثلا فالمستفاد من شَهَادَته الْمَوْت وَحصر الْوَرَثَة فَقَط لَا نسبهم من الْهَالِك بل هُوَ مَعْرُوف مِنْهُ وَمن غَيره، وَأَحْرَى إِن كَانَ مصب شَهَادَته حصرهم فَقَط ولكونه لَا بُد من عَدْلَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب تواطأ شرَّاح (خَ) على اعْتِرَاض قَوْله فِي الِاسْتِحْقَاق وَعدل يحلف مَعَه وَيَرِث وَلَا نسب تبعا لاعتراض ابْن عَرَفَة وضيح قَول ابْن الْحَاجِب وَعدل يحلف مَعَه ويشاركهما فِي الْإِرْث وَلَا نسب بِأَنَّهُ خلاف الْمَذْهَب من أَنه لَا يَرث إِلَّا بعدلين. فَإِن قلت: هلا حملُوا كَلَامهمَا على مَا إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب؟ فَالْجَوَاب: أَن ابْن الْحَاجِب لما فرض الْمَسْأَلَة فِي الْوَلَدَيْنِ وَقَرِيب مِنْهُ كَلَام (خَ) لزم قطعا حُصُول الْوَارِث الْمَعْرُوف، وَبِهَذَا يَزُول مَا يختلج فِي الصَّدْر من مُعَارضَة مَا اعْترض بِهِ الشُّرَّاح كَلَامه فِي الِاسْتِلْحَاق لما صَرَّحُوا بِهِ فِي الشَّهَادَات أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَهُوَ آيل إِلَى المَال يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين ومثلوه بِالْمَوْتِ أَو سبقيته وَالنِّكَاح بعد الْمَوْت. كَذَا قيل: وَالظَّاهِر أَنه معَارض وَإِن كَانَ هُنَاكَ وَارِث معِين لِأَن قَاعِدَة مَا لَيْسَ بِمَال، وَلَكِن يؤول إِلَى المَال فِيهَا خلاف هَل يَكْفِي فِيهَا الشَّاهِد وَالْيَمِين بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ أم لَا؟ وَالْمذهب أَنه يَكْفِي فِيهَا ذَلِك وَمَا يَكْفِي الشَّاهِد فِيهِ مَعَ الْيَمين يلْزم فِيهِ الْإِقْرَار وتتوجه فِيهِ الْيَمين حَسْبَمَا عقدوه، وَلذَلِك اقْتصر (خَ) وَابْن الْحَاجِب وَابْن شَاس فِي الِاسْتِلْحَاق على أَنه يحلف مَعَ الْعدْل وَيَرِث ليُوَافق مَا فِي الشَّهَادَات، وَلَا سِيمَا أَن مَا اقتصروا عَلَيْهِ هُوَ قَول لِابْنِ الْقَاسِم كَمَا فِي ابْن عَرَفَة قَالَ وَنَحْوه قَوْلهَا فِي الْوَلَاء: إِن أقرَّت الْبَيِّنَتَانِ لرجل بِأَنَّهُ أعتق أباهما وهما عدلتان حلف مَعَهُمَا وَورث الثُّلُث الْبَاقِي اه فَمَا تبع (خَ) ابْن الْحَاجِب مَعَ اعتراضه عَلَيْهِ فِي ضيح إِلَّا لرجحان هَذَا القَوْل عِنْده لموافقته لما فِي الشَّهَادَات ولجري الْمسَائِل على وتيرة وَاحِدَة فَتَأَمّله وَالله أعلم. ثمَّ إِنَّمَا يُكَلف رب الدّين بِإِثْبَات موت الْمَدِين وَحصر ورثته فِيهَا يظْهر لَو كَانَ دينه حل بِالْمَوْتِ وإلاَّ فيكفيه أَن يثبت فَقده أَو غيبته وملكيته لِلْمَالِ الَّذِي يُرِيد أعداءه فِيهِ على مَا هُوَ مُبين فِي مَحَله وَالله أعلم. الرَّابِع: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة وَإِن شهد لصَاحب الدّين وَاحِد من الْوَرَثَة بِدِينِهِ حلف مَعَه إِن كَانَ عدلا وَاسْتحق حَقه فَإِن نكل أَخذ من شَاهده قدر مَا ينوبه من الدّين وَإِن كَانَ سَفِيها لم تجز شَهَادَته وَلم يرجع عَلَيْهِ فِي حِصَّته بِشَيْء اه وَنَقله (ح) فِي الِاسْتِلْحَاق وأطلنا فِي الْمَسْأَلَة لاغترار النَّاس بِكَلَام ابْن الفخار فَضَاعَت بذلك أَمْوَال يعلمهَا الْكَبِير المتعال إِذْ كثير من النَّاس لَا يقوم إِلَّا بعد طول الزَّمَان أَو يَمُوت موروثه فِي بلد بعيد لَا يعْرفُونَ أَهله وَلَا ورثته اه. الْخَامِس: قَالَ الْبُرْزُليّ: أَوَائِل النِّكَاح أُجْرَة الْمَوْت وعدة الْوَرَثَة على جَمِيع الْوَرَثَة على عدد رؤوسهم إِن أقاموها كلهم وَمن طلب نُسْخَة مِنْهَا فَلهُ ذَلِك بِالْقضَاءِ بِخِلَاف مَا لَو أَقَامَهَا أحدهم، حَتَّى تمّ حَقه فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعطيهم نُسْخَة مِنْهَا إِلَّا بِرِضَاهُ وَنزلت بتونس وَحكم بذلك وَوَقعت الْفتيا بِهِ اه. السَّادِس: إِن ادّعى على عبد بِمَا يُوجب قصاصا فَيلْزمهُ الْجَواب وَإِن ادّعى عَلَيْهِ بِمَا يُوجب الْأَرْش فيجيب السَّيِّد: وَإِن ادّعى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَهُوَ مَأْذُون فَهُوَ كَالْحرِّ وَإِن كَانَ غير مَأْذُون وقف إِقْرَاره على سَيّده (خَ) :. ويجيب عَن الْقصاص العَبْد، وَعَن الْأَرْش السَّيِّد، وَانْظُر إِذا امْتنع العَبْد(1/88)
من الْجَواب فِيمَا فِيهِ قصاص هَل يعد كإقراره فيقتص مِنْهُ أم لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِر لخطر الدِّمَاء فَلَا تستباح بِالشَّكِّ. وَالْكَتْبُ يَقْتَضِي علَيهِ المُدَّعِي منْ خَصْمِهِ الجَوَابَ تَوْقِيفاً دُعِي (والكتب) بِفَتْح الْكَاف أَي الْمَكْتُوب من إِطْلَاق الْمصدر وَإِرَادَة الْمَفْعُول كالنسج بِمَعْنى المنسوج مُبْتَدأ (يَقْتَضِي) يطْلب (عَلَيْهِ الْمُدَّعِي) فَاعل (من خَصمه) يتَعَلَّق بقوله يَقْتَضِي (الْجَواب) مَفْعُوله وَالْجُمْلَة حَال من الْمُبْتَدَأ على قلَّة لَا صفة (توقيفاً) مفعول ثَان بقوله: (دعِي) أَي سمي ومفعوله الأول هُوَ النَّائِب الْعَائِد على الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة خبر، وَالْمعْنَى أَن الْمَكْتُوب يطْلب الْمُدَّعِي من خَصمه الْجَواب عَلَيْهِ يُسمى فِي اصْطِلَاح الموثقين توقيفاً لكَون الطَّالِب يُوقف الْمَطْلُوب على الْجَواب عَنهُ كَمَا يُسمى أَيْضا مقَالا وَصفته قَالَ فلَان أَو ادّعى أَن لَهُ قبل فلَان كَذَا من سكَّة كَذَا إِن اخْتلفت السكَك من ثمن كَذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبضه وَبَقِي الثّمن فِي ذمَّته حَتَّى الْآن، وَإِن كَانَ من سلف قلت قَبضه مِنْهُ مُنْذُ كَذَا وَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي دَار أَو أَرض قلت: إِن على ملكه دَارا بِمَدِينَة كَذَا حُدُودهَا كَذَا وَإِن فلَانا يتَعَدَّى عَلَيْهِ فِيهَا أَو وضع يَده عَلَيْهَا وَيُرِيد مِنْهُ أَن يُمكنهُ من جَمِيع ذَلِك ثمَّ تَقول: حضر فلَان الْمُدعى عَلَيْهِ وقرىء عَلَيْهِ الْمقَال وَبعد فهمه أجَاب بِالْإِقْرَارِ فِي جَمِيع الْمَذْكُور أَو بِبَعْضِه وَهُوَ كَذَا أَو بالإنكار للْجَمِيع أَو للْبَعْض وَهُوَ كَذَا، ثمَّ تقيد الْإِشْهَاد وتؤرخ وَإِن كَانَ الْإِقْرَار بِمَجْلِس الحكم قلت أقرّ فلَان لمنازعه فلَان بِمَجْلِس الحكم الشَّرْعِيّ بِأَن لَهُ قبله كَذَا من وَجه كَذَا حَالَة أَو مُؤَجّلَة ليسقط الْإِعْذَار بشاهدي الْمجْلس إِن أدياها فِيهِ كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلنَا: إِن اخْتلفت احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم تخْتَلف فَإِنَّهُ يَقْضِيه من أَي السكَك شَاءَ لِأَن من بَاعَ سلْعَة وسكك الْبَلَد مُتعَدِّدَة متحدة الرواج وَلم يبين فَإِن البيع صَحِيح ويقضيه من أَيهَا شَاءَ، وَإِن اخْتلفت رواجاً فسد وَيرد مَعَ الْقيام وَيقْضى فِيهِ بِالْقيمَةِ من غَالب السكَك مَعَ الْفَوات كَمَا يَأْتِي. وَقَوْلنَا: قَبضه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يقل ذَلِك فَإِن الْمَطْلُوب لَا يجْبر على الْجَواب لِأَن الْجَبْر لَا يجب إِلَّا بِحَيْثُ لَو امْتنع من الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار قضى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ كَمَا مرّ وَهُوَ لَا يقْضى عَلَيْهِ فِي هَذِه الْحَالة إِذا امْتنع مِنْهُمَا لِإِمْكَان عدم الْقَبْض فَلَا يلْزمه الثّمن (خَ) : وَفِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَالْأَصْل بقاؤهما إِلَّا لعرف الخ بل لَو أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة تشهد أَن لَهُ بِذِمَّة الْمَطْلُوب مائَة من ثمن سلْعَة اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَإِن شَهَادَتهمَا سَاقِطَة حَتَّى يَقُولَا وَقبض السّلْعَة قَالَه ابْن عبد الْملك وَنَقله فِي التَّبْصِرَة وَغَيرهَا مُسلما قَالَ: وَكَذَا إِن شهد أَنه خاط لفُلَان ثوبا لم تجز حَتَّى يَقُولَا ورد الثَّوْب مخيطاً وَكَذَا سَائِر الصناع اه. وَكَذَا أَيْضا يُقَال فِي السّلف لِأَنَّهُ يلْزم بالْقَوْل فَإِذا لم يقل وَقَبضه فَلَا تصح دَعْوَاهُ لِإِمْكَان أَن لَا يكون قَبضه فَلَا يلْزمه رده وَلَو شهِدت الْبَيِّنَة بذلك وَلم(1/89)
تنص على الْقَبْض، فَإِن الْمَطْلُوب لَا يجْبر لِإِمْكَان أَن لَا يكون قد قَبضه فَلَا يلْزمه رده وَلَو شهِدت الْبَيِّنَة بذلك وَلم تنص على الْقَبْض لم تقبل أَيْضا (خَ) : وَملك أَي بالْقَوْل وَلم يلْزم رده إِلَّا بِشَرْط أَو عَادَة الخ. وَقَوْلنَا: وَبَقِي الثّمن فِي ذمَّته الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يقل ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجْبر لِإِمْكَان أَن يكون قد قَضَاهُ، وَلَو أَقَامَ شَاهدا بذلك لم تتمّ شَهَادَته حَتَّى يَقُول: لَا يعلم بَرَاءَته من الثّمن الْمَذْكُور إِلَى الْآن قَالَ فِي شَهَادَات المعيار مَا نَصه: شَهَادَة الشَّاهِد بِحَق غير عاملة حَتَّى يذكر فِي شَهَادَته انْتِفَاء علمه بالمبطل لَهَا. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي أول خطاب الْقُضَاة. وَقَوْلنَا فِي السّلف مُنْذُ كَذَا ليعلم هَل مضى من الْمدَّة مَا ينْتَفع مثله بالسلف فِيهَا عِنْد الشَّرْط فَيلْزمهُ الرَّد أم لَا كَمَا مر فِي قَول (خَ) : وَلم يلْزمه رده الخ وَقَوْلنَا: حُدُودهَا كَذَا الخ ليتعين الْمُدعى فِيهِ إِذْ الدَّعْوَى لَا بُد أَن تكون بِمعين أَو بِمَا فِي ذمَّة معِين كَمَا مرّ وَتَعْيِين الأَرْض وَنَحْوهَا بِذكر حُدُودهَا، وَلَو سقط ذَلِك من لَفظه لم يجْبر الْمَطْلُوب على جَوَابه وَلَو سقط ذَلِك من الشَّهَادَة لم يقْض بهَا إِلَّا إِن شهد بالحدود غَيرهم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَجَاز أَن يثبت ملكا شَهدا. وبالحيازة سواهُم شَهدا الخ. ثمَّ الْمُدَّعِي تَارَة يستظهر بالرسم من أول الْأَمر لكَون مَا يَدعِيهِ ثَابتا عِنْده، وَتارَة لَا يكون ثَابتا عِنْده فِي الْحَال فيقيد حِينَئِذٍ الْمقَال لِأَن فَائِدَته كَمَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة أَن الْمُدعى عَلَيْهِ قد يقر فيستغني الْمُدَّعِي عَن إِثْبَات دَعْوَاهُ وكل من الرَّسْم والمقال إِمَّا أَن يكون بَينا فِي نَفسه فيكلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ عَلَيْهِ فِي الْحِين كَمَا قَالَ: وَمَا يَكونُ بَيِّناً إنْ لَمْ يُجِبْ علَيهِ فِي الحِينِ فالإجْبَارُ يَجِبْ (وَمَا) أَي الْمقَال أَو الرَّسْم الَّذِي (يكون بَينا) سهلاً لَا يحْتَاج إِلَى تَأمل وَسَوَاء كَانَ الرَّسْم استرعائياً وَهُوَ مَا يصدر بيشهد من يضع اسْمه الخ أم لَا (إِن لم يجب) الْمَطْلُوب بِضَم الْيَاء (عَلَيْهِ) أَي الرَّسْم أَو الْمقَال البينين (فِي الْحِين فالإجبار) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى اللَّام للوزن مُبْتَدأ وَقَوله: (يجب) خبر وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط وَجَوَابه خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُول والرابط بَين الْجُمْلَة الْكُبْرَى والموصول مَحْذُوف أَي فالإجبار على الْجَواب عَلَيْهِ وَاجِب وَمحله مَا لم يطْلب المهلة فِي الرَّسْم الاسترعائي وإلاَّ فَلَا يجْبر فِي الْحِين وَيُمكن دُخُوله فِي قَول النَّاظِم فِي الْفَصْل بعده وَالْمُدَّعِي النسْيَان إِن طَال الزَّمن قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَيجْبر الْخصم على الْجَواب فِيمَا وَقفه خَصمه عَلَيْهِ فِي جَمِيع الوثائق القليلة الْمعَانِي والفصول حاشا وثائق الاسترعاء فَإِنَّهُ لَا يجْبر على الْجَواب عَنْهَا فِي ذَلِك الْمجْلس اه. وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن سهل. نعم ذكرُوا أَنه لَا يجْبر على الْجَواب عَنْهَا إِلَّا بعد ثُبُوتهَا أَي بِالْأَدَاءِ وَالْقَبُول كَمَا فِي أواسط الشَّهَادَات من المعيار فَقَوْل (ت) وَيكون فِي غير وثائق الاسترعاء غير ظَاهر، وَمحله أَيْضا مَا لم يطْلب التَّأْخِير لمقصد وإلاَّ فَفِي الْإِجْبَار قَولَانِ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده، وَأما أَن يكون كل من الرَّسْم والمقال يحتوي على فُصُول يحْتَاج الْمُجيب عَنْهَا إِلَى تفكر وتدبر فَلَا يُكَلف الْمَطْلُوب بِالْجَوَابِ عَنْهَا فِي الْحِين، بل يُقيد الْمقَال على الْمُدَّعِي وَحده، وَيَأْخُذ الْمَطْلُوب نُسْخَة مِنْهُ أَو من الرَّسْم استرعائياً أم لَا ليتأمل ذَلِك فيجيب عَنهُ كَمَا قَالَ:(1/90)
وكلُّ مَا افْتَقَرَ لِلَّتأَمُّلِ فالْحُكْمُ نَسْخُهُ وَضَرْبُ الأجَلِ (وكل مَا افْتقر) من المقالات والرسوم (للتأمل) كحدود الْعقار وَنَحْو ذَلِك (فَالْحكم) مُبْتَدأ (نسخه) للمطلوب خَبره (وَضرب الْأَجَل) عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة خبر كل وَمَا مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ وافتقر صلته وَالْأَجَل فِي مثل هَذَا بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: إِن كَانَت الْوَثِيقَة مختصرة تفهم مَعَانِيهَا بِمُجَرَّد سماعهَا لم يُعْط الْمَطْلُوب نسختها، وَإِن كَانَت طَوِيلَة كَثِيرَة الْمعَانِي تحْتَاج إِلَى التثبت أعطي نسختها ابْن عَرَفَة، وَقيل: يعْطى نسختها مُطلقًا وعَلى الأول الْعَمَل ابْن رحال: الْعَمَل عندنَا على إعطائها مُطلقًا. وطَالِبُ التَّأْخِيرِ فِيما سَهُلاَ لِمَقْصِدِ يُمْنِعُهُ وَقِيلَ لاَ (وطالب التَّأْخِير) والمهلة فِي الْجَواب مُبْتَدأ (فِيمَا سهلا) فهمه من رسم أَو مقَال فَإِن كَانَ لغير غَرَض فَالْحكم أَنه يجْبر وَلَا يُؤَخر وَإِن كَانَ (لمقصد) وغرض كتوكيله من يُجيب عَنهُ فَقَوْلَانِ قيل: (يمنعهُ) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول وضميره الْمُسْتَتر النَّائِب يعود على الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ طَالب وَهُوَ الرابط بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره، وَالْجُمْلَة وَالضَّمِير البارز هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي يعود على التَّأْخِير ولمقصد يتَعَلَّق بطالب وَفِيمَا يتَعَلَّق بِالتَّأْخِيرِ وَجُمْلَة قَوْله (وَقيل لَا) يمنعهُ معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا والمنفي بِلَا مَحْذُوف كَمَا قَررنَا، وَصحح ابْن سهل وَابْن النَّاظِم الأول. ابْن سَلمُون والمتيطي: وَبِه الْعَمَل وَاقْتصر عَلَيْهِ صَاحب اللامية، وَصحح ابْن الْهِنْدِيّ الثَّانِي انْظُر (ح) . فرعان. الأول: فَإِن قَالَ الْوَكِيل: لَا أجاوب حَتَّى أشاور موكلي فَإِنَّهُ يجْبر وَلَا يُمْهل، وَمَا أقرّ بِهِ لَازم لمُوكلِه إِن كَانَ من معنى الْخُصُومَة الَّتِي وكل عَلَيْهَا.(1/91)
الثَّانِي: من ادّعى على رجل أَن بِيَدِهِ رسماً لَهُ فِيهِ حق وطالبه بِإِخْرَاجِهِ لينْظر فِيهِ مَا يَنْفَعهُ فَإِنَّهُ يلْزمه إِخْرَاجه قَالَه فِي أقضية المعيار عَن الْمَازرِيّ، وكرره فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى عَن ابْن أبي زيد، وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ عَن ابْن سهل فِي الْفَصْل الثَّالِث فِي تَقْسِيم الْمُدعى عَلَيْهِم، وَبِه يبطل مَا أفتى بِهِ ابْن سَوْدَة وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر الفاسي من أَنه لَا يلْزمه ذَلِك محتجين بِأَنَّهُ لَو مكن النَّاس من هَذَا لفتح عَلَيْهِم بَاب يعسر سَده الخ. لِأَنَّهُ مصادم للمعقول وَالْمَنْقُول لِأَنَّهُمَا احتاطا للمطلوب وأخلاَّ بِحَق الطَّالِب من غير مُوجب وَلَا دَلِيل، وَقد تكون بَينهمَا مُعَاملَة أَو شركَة أَو وراثة وَنَحْو ذَلِك، وَلذَا ضعف ابْن رحال فتواهما. وَلما كَانَ تَقْيِيد الْمقَال موكولاً إِلَى اخْتِيَار الطَّالِب، لَكِن رُبمَا يجب فِي بعض الأحيان نبه على الْمحل الَّذِي يجب عَلَيْهِ التَّقْيِيد فِيهِ فَقَالَ: ويُوجِبُ التّقْيِيدَ لِلْمَقَالِ تَشَعُّبُ الدَّعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; وعُظْمُ المالِ (وَيُوجب) مضارع أوجب مَبْنِيّ للْفَاعِل (التَّقْيِيد) مَفْعُوله (للمقال) يتَعَلَّق بِهِ (تشعب الدَّعْوَى) فَاعل يُوجب أَي تفرقها وَكَثْرَة فروعها (و) مَعَ (عظم المَال) بِضَم الْعين أَي كثرته فَهُوَ مِمَّا يُؤَكد الْوُجُوب الْمَذْكُور، فَالْكَلَام الأول من حَيْثُ الْإِجْبَار والنسخ مَعَ الْإِمْهَال وَالْكَلَام هُنَا من حَيْثُ وجوب التَّقْيِيد وَعَدَمه فَلَا تكْرَار ثمَّ علل الْوُجُوب بقوله: لأنَّهُ أضْبَطُ لِلأَحْكَامِ وَلانحِصارِ ناشِىءِ الخِصامِ (لِأَنَّهُ) أَي التَّقْيِيد (أضبط للْأَحْكَام) فينحصر ذهن القَاضِي وَالْمَطْلُوب للنَّظَر (ولانحصار) مَعْطُوف على الْمصدر المنسبك من أَن ومدخولها لَا على قَوْله للْأَحْكَام خلافًا لمن وهم أَي لضبطه للْأَحْكَام ولانحصار الدَّعْوَى (ناشىء الْخِصَام) وَهُوَ الْمُدَّعِي فَلَا يقدر على زِيَادَة شَيْء فِيهَا وَلَا على الِانْتِقَال عَنْهَا إِلَى غَيرهَا فيفهم مِنْهُ أَن فَائِدَته هُوَ انحصاره وَأَنه إِن زَاد أَو انْتقل بطلت دَعْوَاهُ وَهُوَ كَذَلِك وتدل لَهُ مسَائِل وَقعت فِي الْمَذْهَب مُتَفَرِّقَة مِنْهَا مَا هُوَ على الْعُمُوم وَمِنْهَا مَا هُوَ على الْخُصُوص فَمن الأول مَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعد هَذَا أَن من اخْتلف قَوْله واضطرب مقاله سَقَطت دَعْوَاهُ وبينته، وَمِنْهَا مَا فِي المعيار عَن العبدوسي من تنَاقض كَلَامه فَلَا حجَّة لَهُ، وَمِنْهَا مَا نَقله بَعضهم عَن ابْن يُونُس عَن أَشهب أَن من اخْتلفت دَعْوَاهُ بِأَمْر بَين فَلَا شَيْء لَهُ هَذَا قَول مَالك اه. وَمِنْهَا: مَا نقل الْمَازرِيّ عَن ضيح أَن الدَّعْوَى على شخص إِبْرَاء لغيره، وَمِنْهَا مَا نقل عَن ابْن عرضون أَن من أعْطى نُسْخَة من الرَّسْم فأبطلت فاستظهر بآخر أَن الرَّسْم الثَّانِي مستراب لِأَنَّهُ انْتِقَال من دَعْوَى لأخرى. قَالَ: وَلَو أُبِيح الِانْتِقَال مَا انْقَطَعت حجَّة الْمَدِين اه. وَمثله لسيدي أَحْمد البعل حَسْبَمَا فِي أَوَائِل نَوَازِل العلمي وأواسط الشَّهَادَات مِنْهُ. قلت: وَفِي عد مُجَرّد الِاسْتِظْهَار بالرسم الثَّانِي انتقالاً مَعَ عدم اشتماله على زِيَادَة على الأول نظر لَا يخفى إِذْ لَا يلْزمه أَن يقوم بِجَمِيعِ شُهُود الْحق، لَكِن إِذا قَامَ بعدلين مِنْهُم فبطلت(1/92)
شَهَادَتهمَا لاختلال فصولهما أَو لتجريحهما كَانَ لَهُ الْقيام بِغَيْرِهِمَا وَأَحْرَى لَو كَانَ لم يعلم بِشَهَادَة من قَامَ بِهِ ثَانِيًا أَو نَسيَه (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان لَكِن يُمكن الْجَواب عَنْهُمَا بِأَنَّهُ لَا يكون انتقالاً إِلَّا إِذا كَانَت الثَّانِيَة مُشْتَمِلَة على زِيَادَة أَو نُقْصَان، وإلاَّ فَلَيْسَ ذَلِك انتقالاً لأخرى. نعم ذكرُوا أَن من خَاصم فِي حق وَادّعى أَن بَينته بعيدَة الْغَيْبَة وَأَرَادَ تَحْلِيف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته لَا يُمكن من تَحْلِيفه إِلَّا إِذا سمى بَينته الغائبة وَحلف على صِحَة مَا يَدعِيهِ من غيبتها، فَهَذَا إِذا حلف الْمَطْلُوب بعد حلفه هُوَ على مَا ذكر لَا قيام لَهُ بِغَيْر الَّذِي سمى وَإِن لم يعلم بِهِ، وَمن الثَّانِي مَا فِي المعيار عَن عِيَاض أَن من ادّعى الْإِرْث ثمَّ الشِّرَاء سَقَطت دَعْوَاهُ. وَمِنْهَا مَا فِي بَاب الْقَضَاء من الْمعِين فِيمَن ادّعى فِي دَار أَنَّهَا وراثة من آبَائِهِ، فَلَمَّا أثبت غَيره الملكية أَقَامَ هُوَ بَيِّنَة بِالشِّرَاءِ مِنْهُ. وَمِنْهَا مسَائِل مضمن الْإِقْرَار الْمَذْكُورَة فِي الْقَضَاء والوكالات والوديعة وَسَتَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: ومنكر للخصم مَا ادَّعَاهُ. وَمِنْهَا: مَا نَقله القلشاني وَغَيره فِيمَا إِذا أقسم الْأَوْلِيَاء على وَاحِد من جمَاعَة، ثمَّ بدا لَهُم وَأَرَادُوا أَن يقسموا على غَيره من تِلْكَ الْجَمَاعَة فَلَا يمكنون كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَغير وَاحِد بهَا لن يقبلا. وَمِنْهَا: إِن قَالَ: قتلني فلَان بل فلَان، وَمِنْهَا: إِذا سُئِلَ عَن قَاتله، فَقَالَ: لَا أعرفهُ، ثمَّ قَالَ: فلَان. وَمِنْهَا: مَا فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار فِي مَرِيض تصدق على أَخِيه فَقبض الْأَخ الصَّدَقَة وحازها ثمَّ مَاتَ الْمَرِيض فَرد على ورثته مَا زَاد على الثُّلُث، ثمَّ تبين أَن الصَّدَقَة فِي الصِّحَّة وَأَنَّهَا جَائِزَة كلهَا. وَمِنْهَا: من ادّعى فِي ملك أَنه من أوقاف فلَان ثمَّ ادّعى أَنه ملك لموروثه. أفتى (ح) بِأَنَّهُ لَا حق لَهُ. وَمِنْهَا: من ادّعى فِي ملك أَنه من متخلف أَبِيه فَأثْبت غَيره أَنه ملك لموروثه فَادّعى أَنه أوصى لَهُ بِهِ. وَمِنْهَا: من ادّعى فِي دَار أَنَّهَا وراثة بَينه وَبَين إخْوَته ثمَّ ادّعى أَنه انْفَرد بهَا بِوَصِيَّة أَو صَدَقَة من الْمَوْرُوث. قَالَ سَحْنُون: لَا تقبل دَعْوَاهُ وَلَا بَينته. ذكر الثَّلَاث الْأَخِيرَة (ح) فِي بَاب الْإِقْرَار، وَذكر عَن الْقَرَافِيّ أَنه اعْتمد فِي الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة خلاف قَول سَحْنُون فَقَالَ فِي الْفرق الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ بَين مَا يقبل فِيهِ الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار وَمَا لَا يقبل مَا نَصه: ضَابِط مَا لَا يقبل الرُّجُوع فِيهِ أَن يكون الرُّجُوع لغير عذر عادي، وَضَابِط مَا يقبل الرُّجُوع فِيهِ أَن يكون هُنَاكَ عذر عادي كَأَن يقر الْوَارِث للْوَرَثَة أَن مَا تَركه أَبوهُ مِيرَاث بَينهم، ثمَّ جَاءَهُ شُهُود أَخْبرُوهُ أَو وجد رسماً بِأَن أَبَاهُ كَانَ تصدق عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّار فِي صغره وحازها فَإِنَّهُ إِذا رَجَعَ وَادّعى أَنه لم يكن عَالما بذلك فَإِنَّهُ تسمع دَعْوَاهُ وعذره وَلَا يكون إِقْرَاره السَّابِق مُكَذبا لبينته اه. قلت: وَنزلت فأفتيت فِيهَا بِمَا للقرافي وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ فِيمَن اقتسم تَرِكَة موروثه مَعَ الْوَرَثَة، ثمَّ وجد بَيِّنَة تشهد لَهُ بِبَعْضِهَا أَنه يحلف مَا علم بِبَيِّنَة إِلَى الْآن وَيسْتَحق وَنَحْوه فِي نَوَازِل الزياتي فِيمَن سلم فِي شَيْء ظنا مِنْهُ أَنه لَا يسْتَحقّهُ ثمَّ تبين أَنه يسْتَحقّهُ فَإِن التَّسْلِيم لَا يلْزمه وأمثال هَذَا مَا اتَّضَح فِيهِ الْعذر كَثِيرَة انْظُر شرحنا للشامل فِي الرَّهْن وَالْإِقْرَار والشهادات، ثمَّ ظَاهر النّظم وَمَا تقدم أَن الِانْتِقَال يبطل الدَّعْوَى حَيْثُ لم يَتَّضِح الْعذر سَوَاء حصرها وَأشْهد أَنه لَا دَعْوَى لَهُ غَيرهَا أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك. وَفِي التَّبْصِرَة وَآخر الْفَصْل السَّادِس فِي سيرته مَعَ الْخُصُوم أَن مَحل ذَلِك فِيمَا إِذا شهد أَنه لَا دَعْوَى لَهُ سواهَا وَنَحْوه فِي أقضية الْبُرْزُليّ عَن ابْن حَارِث قَائِلا: لَيْسَ من ادّعى دَعْوَى يحْجر عَلَيْهِ فِيمَا سواهَا إِن ادّعى نِسْيَانا إِلَّا أَن يكون فِي الْكَشْف أَي التَّقْيِيد إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن الَّذِي كشف عَنهُ هُوَ آخر دَعْوَاهُ اه. (بخ) وَنَحْوه(1/93)
فِي أقضية المعيار عَن فُقَهَاء قرطبة فِيمَن وقف خَصمه عِنْد قَاض على ذهب زعم أَنه أنفقهُ بأَمْره على أهل دَاره ودوابه فِي مُدَّة عينهَا على وَجه السّلف، فَأنكرهُ الْمَطْلُوب ثمَّ قَالَ بعد أَن أنكر مرّة ثَانِيَة: إِنَّمَا أنْفق على الدَّوَابّ من ربح أحد وَثَلَاثِينَ مِثْقَالا كَانَت عِنْده قراضا، فَلم يبطلوا دَعْوَاهُ. فَانْظُر ذَلِك إِن شِئْت وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَحل عقد شهر التَّأْجِيل الخ. . وَحَيْثُما الأَمْرُ خَفِيفٌ بَيِّنُ فالتَّرْكُ لِلتَّقَيِيدِ مِمَّا يحْسُنُ (وحيثما) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (الْأَمر) مُبْتَدأ أَي أَمر الدَّعْوَى خَبره (خَفِيف) سهل كلي عَلَيْهِ عشرَة من سلف (بَين) عطف بَيَان أَو بدل أَو خبر بعد خبر وَالْأول أقرب (فالترك) مُبْتَدأ (للتَّقْيِيد) مُتَعَلق بِهِ (مِمَّا يحسن) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط والرابط الْفَاء ثمَّ علل حسن ترك التَّقْيِيد بقوله: فَرُبَّ قَوْلٍ كَانَ بالخِطابِ أَقْرَبَ لِلْفَهْمِ مِنْ الكِتابِ (فَرب قَول) وَالْفَاء تعليلية، وَرب: حرف جر لَا تتَعَلَّق بِشَيْء قَالَ ناظم الْمُغنِي: وَقَوْلنَا لَا بُد من تعلق يخرج مِنْهُ سِتَّة فحقق أَحدهَا الزَّائِد من خَالق وَالثَّانِي لَوْلَا فِي مقَال صَادِق وَهَكَذَا لَعَلَّ فِيمَن جرّبه وكاف تَشْبِيه وَرب فانتبه (كَانَ) نَاقِصَة وَاسْمهَا ضمير القَوْل (بِالْخِطَابِ) يتَعَلَّق بِهِ (أقرب) خبر كَانَ (للفهم من الْكتاب) يتعلقان بأقرب وَجُمْلَة كَانَ صفة لقَوْل. وَفهم من قَوْله مِمَّا يحسن أَنه يجوز التَّقْيِيد وَأَن مَا كَانَ بَين الخفة والتشعب يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ أَيْضا لَكِن التَّقْيِيد فِيهِ أولى لِأَنَّهُ أقطع للنزاع.
(فصل فِي بَيَان مِقْدَار الْآجَال)
جمع أجل بِفَتْح الْألف وَالْجِيم وَهُوَ لُغَة مُدَّة الشَّيْء فَيشْمَل وَقت الْمَوْت وحلول الدّين والمدة الَّتِي يضْربهَا الْحَاكِم مهلة لأحد المتداعيين، أَولهمَا: لما عَسى أَن يَأْتِي بِهِ من حجَّة وَهُوَ المُرَاد هُنَا. ولاِجْتِهادِ الحاكِمِ الآجالُ مَوْكُولَةٌ حَيْثُ لهَا اسْتِعْمَالُ (ولاجتهاد الْحَاكِم) يتَعَلَّق بموكولة (الْآجَال) مُبْتَدأ أَي الَّتِي لَا نَص فِي قدرهَا من الشَّارِع(1/94)
احْتِرَازًا مِمَّا فِيهَا نَص كأجل الْمُعْتَرض سنة. وَكَذَا الْمَجْنُون والمجذوم وَأجل الْمَفْقُود أَربع سِنِين وَنِصْفهَا للْعَبد وَأجل الْحر الْمُسلم فِي الْإِيلَاء لَا الْكفَّار، وَإِن تحاكموا إِلَيْنَا فَلَا مَانع من دُخُول الِاجْتِهَاد فِيهِ قَالَه (ت) وتأمله فَإِنَّهُم إِذا تحاكموا إِلَيْنَا فَإِنَّمَا يحكم بَينهم بِحكم الْإِسْلَام وَأي اجْتِهَاد يدْخلهُ حِينَئِذٍ، وَإِن لم يتحاكموا إِلَيْنَا فَلَا نتعرض لَهُم على مَذْهَبنَا وَمِمَّا لَا يدْخلهُ أجل التَّعْمِير وَنَحْو ذَلِك (موكولة) خبر (خَ) : وَمن استمهل لدفع بَيِّنَة أمْهل بِالِاجْتِهَادِ (حَيْثُ) يتَعَلَّق بموكولة (لَهَا اسْتِعْمَال) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ أَي الْآجَال الَّتِي لَا نَص فِيهَا حَيْثُ تسْتَعْمل موكولة فِي قدرهَا وَجَمعهَا وتفريقها إِلَى نظر الْحَاكِم فَفِي كَلَامه حذف الصّفة كَمَا ترى بِدَلِيل مَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاء والمفقود وعيوب الزَّوْجَيْنِ وحذفها قَلِيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: إِنَّه لَيْسَ من أهلك} (هود: 46) أَي الناجين الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين وَالْأَصْل فِيمَا ذكره النَّاظِم قَول الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ فِي رسَالَته الْمُتَقَدّمَة وَاجعَل لمن ادّعى حَقًا غَائِبا أمداً يَنْتَهِي الخ. وَصفته فِي الْإِثْبَات أجل قَاضِي حَضْرَة كَذَا وَهُوَ أعزه الله فلَان بن فلَان فِي إِثْبَات مَا ادَّعَاهُ فِي الْمقَال أَعْلَاهُ أَو حوله أَََجَلًا مبلغه كَذَا من غَد تَارِيخه بعد أَن أَخذ من خَصمه فلَان حميلاً بِوَجْهِهِ شهد على إِشْهَاد من ذكر دَامَت كرامته بِمَا فِيهِ عَنهُ، وعَلى الْمُؤَجل بالتزامه حكم الْأَجَل واعترافه بِأَن بَينته فِي الْبَلَد أَو على قرب مِنْهُ، وعَلى الْحميل بالحمالة على عين المتحمل عَنهُ وَرضَاهُ من أشهدوه بِهِ وعرفهم بِحَال صِحَة وطوع وَجَوَاز، وَفِي كَذَا فَإِن أثبت الْمُدَّعِي ذَلِك وأعذر للمطلوب قلت أجل قَاضِي كَذَا وَهُوَ أعزه الله فلَان بن فلَان فِي حل الرَّسْم أَعْلَاهُ أَو حوله بعد أَخذه نسخته ومعرفته بِمن ثَبت بِهِ الْحق وقبوله أَََجَلًا مبلغه كَذَا من غَد تَارِيخه، ثمَّ تكمل العقد وتقيد اعترافه بِأخذ النُّسْخَة ومعرفته بِمن ثَبت والتزامه الْأَجَل كَمَا مرّ، فقولنا بعد أَن أَخذ حميلاً الخ. هَذَا على مَا بِهِ الْعَمَل من أَن الْحميل بِالْوَجْهِ يجب بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فَإِن لم يجده فيسجن الْمَطْلُوب بعد أَن يحلف الطَّالِب على صِحَة مَا يَدعِي وَوُجُود بَينته كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وضامن الْوَجْه على من أنكرا دَعْوَى امرىء خشيَة أَن لَا يحضرا وَقَوْلنَا: شهد على إِشْهَاد من ذكر الخ، احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم ينصوا على إشهاده بذلك فَإِن هَذَا التَّأْجِيل لَا يبْنى عَلَيْهِ من بعده إِذا عزل هُوَ أَو مَاتَ، لِأَن التَّأْجِيل حكم من أَحْكَامه فَلَا يثبت إِلَّا(1/95)
بإشهاده كَغَيْرِهِ من الْأَحْكَام قَالَه فِي النِّهَايَة أَوَائِل النِّكَاح (خَ) وَلم يشْهد على حَاكم قَالَ: ثَبت عِنْدِي إِلَّا بإشهاده أَي وَلَيْسَ للعدل أَن يشْهد عَلَيْهِ بِمَا سَمعه مِنْهُ من غير أَن يشهده لِأَن ذَلِك قد يصدر مِنْهُ من غير عزم على الْإِشْهَاد بِهِ، وَترك الْبيَاض ليضع علامته فِيهِ هُوَ الصَّوَاب لِأَن كل مَا أشهد بِهِ القَاضِي من إبرام حكم أَو اسْتِقْلَال رسم أَو صِحَّته أَو تَأْجِيل وَنَحْوه لَا بُد فِيهِ من ذَلِك، وَلذَا يَفْعَلُونَهُ فِي التسجيل على رسم اللفيف وَنَحْوه لِئَلَّا يُنكر القَاضِي الْإِشْهَاد عَلَيْهِ بذلك، وَقد شهد شُهُود فِي وقتنا هَذَا على القَاضِي فِي قَضِيَّة وَلم يتْركُوا لَهُ بَيَاضًا يضع علامته فِيهِ بل كتب الْكَاتِب أشهد القَاضِي فلَان ابْن فلَان أَنه حكم بِكَذَا أَو أجل فلَانا الخ. وَبعد حِين قيم بِالشَّهَادَةِ فأنكرها وزجرهم وأدبهم، وَأَيْضًا فَإِن ذَلِك مفض للتزوير عَلَيْهِ إِذْ قد يشْهد الشَّاهِد عَلَيْهِ بإبرام حكم ويؤديها عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يشْعر إِذْ كثير من الْقُضَاة الْيَوْم لَا يتصفحون الرسوم عِنْد الْأَدَاء بل بِمُجَرَّد قَبضه للرسم يَقُول للعدل: هَذِه شهادتك؟ فَيَقُول لَهُ: نعم فيخاطب عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَبُول من غير قِرَاءَة للرسم وَلَا معرفَة مَا فِيهِ، وَأَحْرَى إِن لم يؤدها عِنْده بل عِنْد غَيره بعد عَزله أَو مَوته وَالله أعلم. وَقَوْلنَا: وعَلى المتأجل الخ. زِيَادَة تحصين وإلاَّ فالأجل لَازم لَهُ وَإِن لم يلتزمه. وَقَوْلنَا: واعترافه بِأَن بَينته حَاضِرَة الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا سقط اعترافه بذلك من الرَّسْم فَإِنَّهُ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم لِأَن الْمُدَّعِي قد يَدعِي بعد بَينته وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْيَمين على الْمَطْلُوب كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن تكن بعيدَة فالمدعي الخ. وكقول اللامية: كبينة غَابَتْ بِقرب لمدع إِلَى قَوْله: وَإِن بَعدت يحلف لَهُ الخ ... وَقَوْلنَا بعد اعترافه بِأخذ النُّسْخَة الخ. . لِئَلَّا يجْحَد أَخذهَا. وَقَوْلنَا: ومعرفته بِمن ثَبت الخ. لِئَلَّا يَدعِي بعد انْقِضَاء الْأَجَل أَنه لم يعرف الشَّاهِد عَلَيْهِ، فَلم يتَمَكَّن من الطعْن فِيهِ فَيسْقط عَنهُ الْأَجَل فيهمَا. وَقَوْلنَا: وقبوله لِئَلَّا يَدعِي أَنه أعذر لَهُ فِي غير مَقْبُول عِنْده إِذْ الْإِعْذَار لَا يكون إِلَّا بعد اسْتِيفَاء الشُّرُوط وَتَمام النّظر كَمَا فِي ابْن سهل وَمن جُمْلَتهَا الْأَدَاء وَالْقَبُول، وَقَوْلنَا: من غَد تَارِيخه لِأَن الْيَوْم الْمَكْتُوب فِيهِ يلغى كَمَا يَأْتِي مَعَ نَظَائِره، ثمَّ مَحل كَون الْآجَال موكولة للِاجْتِهَاد إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لأهل الِاجْتِهَاد من قُضَاة الْعدْل، أما بِالنِّسْبَةِ لمن ضعفت عَدَالَته كقضاة الْوَقْت فَلَا يخرج عَمَّا حدّ لَهُ كَمَا يَأْتِي آخر الْفَصْل، وَلذَا قَالَ: وَبِثَلاثَةِ مِنَ الأيَّامِ أُجِّلَ فِي بَعْضٍ منَ الأَحْكامِ (وبثلاثة) يتَعَلَّق بقوله أجل (من الْأَيَّام) صفة لَهُ (أجل فِي بعض) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (من الْأَحْكَام) صفة لبَعض، وَذكر مِنْهَا خَمْسَة فَقَالَ وَذَلِكَ. كَمِثْلِ إحْضَارِ الشَّفِيعِ لِلثَّمَنْ والمُدِّعِي النِّسْيَانَ إنْ طالَ الزَّمَنْ (كَمثل إِحْضَار الشَّفِيع) من إِضَافَة الْمصدر لفَاعِله (للثّمن) يتَعَلَّق بإحضار على أَنه مَفْعُوله، وَالْكَاف فِي قَوْله: كَمثل زَائِدَة وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف كَمَا ترى، وَمَعْنَاهُ أَن الشَّفِيع إِذا قَالَ: أَنا(1/96)
آخذ بشفعتي بالمضارع أَو اسْم الْفَاعِل سَوَاء قَالَ المُشْتَرِي سلمت لَك أَو سكت أَو امْتنع كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاق ابْن رشد، فَإِن الشَّفِيع يُؤَجل لإحضار الثّمن ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن أحضرهُ وإلاَّ سَقَطت شفعته لِأَن كلاًّ من الْمُضَارع وَاسم الْفَاعِل مُحْتَمل للوعد وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْأَخْذ، فَلَا فرق حِينَئِذٍ بَين سكُوت وَامْتِنَاع وَتَسْلِيم، ويترجح الِاحْتِمَال الْمَذْكُور فِي الْجَمِيع بعد إِتْيَانه بِالثّمن فَقَوله: وَإِذا سكت أَو امْتنع لَا يُؤَجل ثَلَاثًا يُرِيد بِالِاجْتِهَادِ الخ. مُخَالف للإطلاق الْمَذْكُور ومناف للتَّعْلِيل ف الله أعلم بِصِحَّتِهِ قَالَه بعض قَالَ: وَهَذَا وَالله أعلم إِذا لم يقل لَهُ المُشْتَرِي لَا أكتفي مِنْك بِهَذَا، بل لَا بُد أَن تَقول أخذت أَو تركت وَإِن كَانَ لَهُ استعجاله بالتلفظ بِأحد اللَّفْظَيْنِ اه فَتَأَمّله. قلت: قَوْله: وَهَذَا إِذا لم يقل الخ. يُؤَيّدهُ ظَاهر قَول ابْن الْمَوَّاز وَغَيره: إِذا أوقفهُ الإِمَام فَقَالَ: أخروني الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة أَنه لَا يُؤَخر، وَيُقَال لَهُ: إِمَّا خُذ شفعتك الْآن وَإِلَّا فَلَا شُفْعَة لَك اه. وَأما إِن قَالَ: أخذت بالماضي، فإمَّا أَن يسلم لَهُ المُشْتَرِي أَو يسكت أَو يمْتَنع، فَفِي الأول إِن عرف الثّمن لزمَه ذَلِك وَيُبَاع عَلَيْهِ الشّقص وَغَيره إِن عجز عَن أَدَائِهِ، وَلَا يبطل فِيهِ البيع إِلَّا برضاهما مَا لم يشْتَرط عَلَيْهِ إِن أَتَاهُ بِالثّمن، وَإِلَّا فَلَا شُفْعَة فَيعْمل بِشَرْطِهِ كَمَا فِي أبي الْحسن، وَفِي الثَّانِي يؤجله الْحَاكِم للثّمن بِاجْتِهَادِهِ فَإِن لم يَأْتِ بِهِ فَيُخَير المُشْتَرِي فِي بيع الشّقص وَفِي إِسْقَاط شفعته، وَفِي الثَّالِث يُؤَجل فَإِن أَتَى بِهِ وإلاَّ سَقَطت، وَظَاهر النّظم أَن التَّأْجِيل بِالثلَاثِ للثّمن جَار فِي الصُّور كلهَا إِلَّا أَنه تَارَة يُبَاع عَلَيْهِ وَتارَة تسْقط شفعته كَمَا رَأَيْت، وَإِن كَانَ فِي الْمُدَوَّنَة خصص التَّأْجِيل بِالثلَاثِ بِمَا إِذا زَاد الْأَخْذ وتبعها (خَ) فَقَالَ: وَإِن قَالَ أَنا آخذ أجل ثَلَاثًا للنقد وَلَكِن ظَاهر التَّبْصِرَة وَغَيرهَا كظاهر النّظم، بل فِي ابْن سَلمُون مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ ذكر بعد وَثِيقَة الاستشفاع مَا نَصه: وَإِذا طلب أَن يضْرب لَهُ أجل بِالثّمن بعد أَخذه بِالشُّفْعَة أجّل ثَلَاثَة أَيَّام على مَا بِهِ الْعَمَل اه بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي ضيح وَهُوَ ظَاهر إِذْ الشُّفْعَة بيع وَالثمن قد تخلد فِي ذمَّته فِيمَا إِذا قَالَ: أخذت وَسلم المُشْتَرِي أَو سكت كَمَا مرّ. وَقد قَالَ ابْن رشد: إِذا سَأَلَ الْغَرِيم الْحَاكِم التَّأْخِير بِالدّينِ الْيَوْم وَنَحْوه فَإِن الْقُضَاة الْيَوْم يؤخرونه الثَّلَاثَة الْأَيَّام وَفِي (خَ) وَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرا كَالْيَوْمِ أعْطى حميلاً بِالْمَالِ، وَعَن العبدوسي فِيمَن اشْترى سلْعَة أَو دَابَّة بِالنَّقْدِ فَلَمَّا طلب بِهِ سَأَلَ التَّأْخِير قَالَ: لَا يُؤَخر بِهِ إِلَّا الأمد الْيَسِير الَّذِي لَا ضَرَر فِيهِ على البَائِع كالثلاثة الْأَيَّام وَنَحْوهَا إِلَّا أَن يثبت أَنه لَا ناض لَهُ فَيحلف على ذَلِك ويؤجل حيئنذ فِي بيع مَا هُوَ أسْرع بيعا عَلَيْهِ بعد أَن يُعْطي فِي جَمِيع الْوُجُوه حميلاً بِالْمَالِ اه بِاخْتِصَار. وافهم قَوْله لإحضار الثّمن أَنه إِذا طلب المهلة ليتروى ويستشير ولينظر للْمُشْتَرِي لَا يُؤَخر وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور وَمذهب الْمُدَوَّنَة (خَ) : واستعجل إِن قصد ارتياء أَو نظرا للْمُشْتَرِي إِلَّا كساعة الخ. وَظَاهر قَوْله: كساعة الخ، وَلَو كَانَ الْمَشْفُوع خَارج الْبَلَد وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَمُقَابل الْمَشْهُور أَنه يُؤَجل ثَلَاثَة أَيَّام ليستشير وَينظر وَهُوَ قَول مَالك فِي مُخْتَصر ابْن عبد الحكم، وَبِه صدر ابْن فَرِحُونَ وَابْن سَلمُون وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ إِن وَقفه بفور الشِّرَاء أَو بعد أَيَّام وَلم يعلم بِهِ، وَعَلِيهِ درج الفاسي فِي عملياته كَمَا درج على أَنه يُؤَجل ثَلَاثَة أَيَّام ليستشير وَينظر لإحضار الثّمن إِلَى شَهْرَيْن فَقَالَ: وأجلوا ثَلَاثَة الْأَيَّام للآخذ بِالشُّفْعَة للإتمام وَزيد فِي أجل إِحْضَار الثّمن أَكثر للشهرين إِن ضَاقَ الزَّمن(1/97)
وَقَالَ أصبغ: يُؤَجل للإحضار بِحَسب قلَّة المَال وكثرته وأقصاه شهر، وَاخْتَارَهُ ابْن زرب وَابْن نَاجِي: وَبِه كنت أَقْْضِي وَرُبمَا أَزِيد على الشَّهْر. (وَالْمُدَّعِي) مَعْطُوف على إِحْضَار النسْيَان (النسْيَان) مَفْعُوله وكمثل من ادعِي عَلَيْهِ بِمَال أَو غَيره فَادّعى النسْيَان فيؤجل ثَلَاثَة أَيَّام ليتذكر فَيقْرَأ وينكر (إِن طَال الزَّمن) الَّذِي بَين الْوَاقِعَة وَالْأَدَاء فَهُوَ شَرط فِي يُؤَجل الْمُقدر (تَنْبِيه) : قَالَ ابْن عَرَفَة: إِن قَالَ من وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين اضْرِب لي أَََجَلًا أنظر فِي حسابي وأمري أنظر بِقدر مَا يرَاهُ، وَعَلِيهِ عول (ح) فَقَالَ: وَمن استمهل لدفع بَيِّنَة أمْهل بِالِاجْتِهَادِ إِلَى قَوْله كحساب بكفيل بِالْمَالِ الخ. وَفِي الطرر عَن الشَّعْبَانِي أَن من تَوَجَّهت عَلَيْهِ يَمِين وَطلب التَّأْجِيل لينْظر فِي محاسبة أجل الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَلَا يُزَاد. ابْن عَرَفَة: وَأما عكس هَذَا وَهُوَ أَن يطْلب الْمُدَّعِي تَأْخِير حلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَفِي نَوَازِل ابْن الْحَاج لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا بِرِضا الْمَطْلُوب. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ مُقْتَضى قَول ابْن عَاتٍ من وَجَبت لَهُ يَمِين على رجل فتغيب عَن قبضهَا كلف القَاضِي من يقتضيها إِذا ثَبت عِنْده مغيبه وَيشْهد على ذَلِك اه. ابْن رحال وَفِي الْكَافِي: وَمن سَأَلَ الْحَاكِم النظرة فِي يَمِينه فَلهُ ذَلِك مَا لم يتَبَيَّن ضَرَره اه. قَالَ: فالسائل للتأخير فِي كَلَامه هُوَ الطَّالِب للْيَمِين لَا الْمَطْلُوب بهَا اه. والمُدَّعِي أنَّ لَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ يَمِيناً أمْرُها مُسْتَبْشَعُ (وَالْمُدَّعِي) مَعْطُوف على إِحْضَار أَيْضا (أَن لَهُ) خبر مقدم (مَا) مَوْصُولَة أَو نكرَة مَوْصُوفَة اسْم أَن وَالْجُمْلَة من قَوْله (يدْفع) صلَة أَو صفة والرابط الضَّمِير فِي (بِهِ يَمِينا) مفعول بقوله يدْفع (أمرهَا مستبشع) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر صفة ليمين، وَالْجُمْلَة من أَن وَمَا دخلت عَلَيْهِ مقدرَة بمصدر مفعول بقوله الْمُدَّعِي أَي وكالذي ادّعى عِنْد توجه الْيَمين عَلَيْهِ وجود مدفع يدْفع بِهِ الخ، فيؤجل للإتيان بِمَا ذكر، والبشع الطَّعَام الكريه فِيهِ جفوف ومرارة وَوصف الْيَمين بذلك لِأَنَّهَا مستكرهة للنفوس سَوَاء قُلْنَا بِجَوَاز الصُّلْح عَنْهَا فِي دَعْوَى تحقق بُطْلَانهَا كَمَا يَأْتِي أم لَا. وَمُثْبِتٌ ديْناً لمدْيانٍ وَفِي إخْلاءِ مَا كالرّبعِ ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ اقْتَفِي (ومثبت) بِفَتْح الْبَاء مَعْطُوف على أَن وَمَا دخلت عَلَيْهِ فَهُوَ من إِطْلَاق الْمَفْعُول وَإِرَادَة الْمصدر كمسند بِمَعْنى إِسْنَاد وكمحلوف بِمَعْنى حلف أَي: وكالذي ادّعى أَن يثبت دينا أَي إثْبَاته لديان أَو عَلَيْهِ وَيجوز قِرَاءَته بِكَسْرِهَا عطفا على إِحْضَار أَي وكمدّع مُثبت أَي يثبت أَي يُرِيد أَن يثبت فَهُوَ اسْم فَاعل بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال (دينا) مفعول بِهِ على كلا الإعرابين (لمديان) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي كَائِنا لمديان زعم أَنه لَا شَيْء لَهُ فيريد الْمُدَّعِي أَن يثبت أَن لَهُ دينا على آخر، فَاللَّام على بَابهَا أَو بِمَعْنى على فَتكون لإِثْبَات الدّين على الْمُنكر (وَفِي إخلاء) يتَعَلَّق باقتفى (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ(1/98)
(كالربع) صلته (ذَلِك) التَّأْجِيل الْمَفْهُوم من أجل بِثَلَاثَة أَيَّام مُبْتَدأ (اقتفي) اتبع خَبره أَي من اسْتحق من يَده ربع بعدلين وَلم يبْق لَهُ إِلَّا الْإِعْذَار وَطلب الْمُسْتَحق توقيفه بإخلائه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: ووقف مَا كالدور غلق الخ. فَإِن الْحَائِز يُؤَجل لإخلائه بِمَا ذكر. وشَرْطُه ثبوتُ الاسْتِحقاقِ برسمٍ الإعذارُ فِيهِ باقِي (وَشَرطه) أَي التَّأْجِيل للإخلاء مُبْتَدأ (ثُبُوت الِاسْتِحْقَاق) خَبره (برسم) يتَعَلَّق بِثُبُوت (الْإِعْذَار فِيهِ بَاقِي) جملَة من مُبْتَدأ وَخبر صفة لرسم أَي لم يبْق فِيهِ إِلَّا الْإِعْذَار لثُبُوته بعدلين كَمَا قَررنَا، فَهَذِهِ خَمْسَة فروع التَّأْجِيل فِيهَا بِثَلَاثَة وَيُزَاد عَلَيْهَا غَيرهَا مِمَّا يشبهها كَمَا مرّ فِيمَن اشْترى سلْعَة بِالنَّقْدِ أَو وعد بِالْقضَاءِ وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم. وَفِي سِوَى أصْلٍ لهُ ثمانيَهْ ونصْفُها لستةٍ مُوَالِيَهْ (وَفِي سوى أصل) يتَعَلَّق بالاستقرار الَّذِي تعلق بِهِ الْخَبَر فِي (لَهُ ثَمَانِيَة) مُبْتَدأ أَي ثَمَانِيَة أَيَّام ثَابِتَة فِي إِثْبَات سوى الْأُصُول مِمَّا عدا مَا مر (وَنِصْفهَا) وَهُوَ أَرْبَعَة مُبْتَدأ (لسِتَّة) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (موَالِيه) أَي تَابِعَة للستة الَّتِي تلِي الثَّمَانِية فيؤجل أَولا ثَمَانِيَة ثمَّ سِتَّة ثمَّ أَرْبَعَة. ثمَّ ثَلاَثَةٌ لِذاك تَتْبَعُ تلوُّماً وأصْلُهُ تَمَتَّعْوا (ثمَّ ثَلَاثَة) مُبْتَدأ (لذاك) التَّأْجِيل بالأربع (تتبع) بِفَتْح التَّاء مضارع تبع خبر ولذاك يتَعَلَّق بِهِ (تلوماً) حَال من الضَّمِير فِي تتبع أَو مفعول لأَجله والتلوم الْأَجَل الْأَخير (وَأَصله) أَي التَّلَوُّم بِالثلَاثِ مُبْتَدأ (تمَتَّعُوا) خبر قصد لَفظه أَي قَوْله تَعَالَى: فَقَالَ تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام} (هود: 56) فمجموع الْأَجَل فِي سوى الأَصْل أحد وَعِشْرُونَ يَوْمًا كَمَا ترى. وَاعْلَم أَنه يجب على القَاضِي أَن يوقفه عِنْد انْقِضَاء كل أجل فَإِن أَتَى بِشَيْء وإلاَّ كتب تَحْتَهُ وأجله قَاضِي كَذَا وَهُوَ وَفقه الله أَََجَلًا ثَانِيًا بعد أَن حضر عِنْده المتأجل الْمَذْكُور وأعلمه بانصرام أَجله فَادّعى أَنه لم يَأْتِ بِشَيْء بِمحضر من يُوقع اسْمه أَثَره مِمَّن حضر لذَلِك وأشهده القَاضِي الْمَذْكُور إِلَى آخر الْإِشْهَاد كَمَا مرّ. قَالَ فِي النِّهَايَة: وَكَانَ بعض الْقُضَاة يَكْتَفِي بإحضاره فِي ابْتِدَاء التَّأْجِيل وَلَا يحضرهُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِث، بل إِذا انْقَضى الأول كتب تَحْتَهُ أَََجَلًا ثَانِيًا من غير حُضُور المتأجل وَلَا سُؤَاله فَإِذا انصرفت الْآجَال والتلوم أحضرهُ حِينَئِذٍ، فَإِن أحضر إِلَيْهِ شَيْئا وَإِلَّا عَجزه. وَقَالَ: إِنَّمَا يلْزَمنِي إِحْضَاره فِي التَّأْجِيل الأول، فَإِذا عرف أَنِّي أجلته لم يلْزَمنِي إِحْضَاره بعد ذَلِك فِي سَائِر(1/99)
التأجيلات كَمَا لَو جمعتها عَلَيْهِ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِتمَام لِأَنَّهُ إِذا لم يحضرهُ رُبمَا ادّعى أَنه لم يُؤَجل غير الْأَجَل الأول اه. بِاخْتِصَار وَبَعضه بِالْمَعْنَى. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا تمّ الْأَجَل الأول فَلَا تكْتب الثَّانِي فِي الْيَوْم الَّذِي يتم فِيهِ الأول لِأَنَّهُ لَا يتم إِلَّا بانقضائه، بل اكتبه فِي الْيَوْم الَّذِي بعده ثمَّ لَا تحسب بذلك الْيَوْم الَّذِي كتبت فِيهِ كَمَا مرّ قَالَه ابْن مَالك الْقُرْطُبِيّ. الثَّانِي: لَا يُؤَجل فِي قَوْله: سوى أصل تَأْجِيل العبيد للإتيان بِشَاهِد ثَان على حُرِّيَّته بل يُؤَجل الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَة، وَلَا سِيمَا إِن ادّعى غيبته كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَكَذَا من شهد عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِي الْقَتْل من زندقة وَنَحْوهَا فَادّعى أَن بَينه وَبَين القَاضِي عَدَاوَة تمنع حكمه فَإِنَّهُ يُؤَجل لإثباتها شَهْرَيْن اتّفق عَلَيْهِ أهل قرطبة. الثَّالِث: إِذا انْقَضتْ الْآجَال وَلم يَأْتِ بِشَيْء وَأَرَادَ التسجيل عَلَيْهِ فأظهر وَثِيقَة أَو بَيِّنَة وَأَرَادَ إثباتهما فَقيل يضْرب لَهُ بعد ذَلِك أَََجَلًا قَاطعا فَإِن أثبت وإلاَّ سجل عَلَيْهِ وَقيل يسجل عَلَيْهِ وَلَا يُؤَجل. وَقَالَ ابْن حَارِث: الصَّوَاب عدم التسجيل عَلَيْهِ وَبعده بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ليَوْم بِعَيْنِه، فَإِن أثبت وَإِلَّا سجل عَلَيْهِ وَقيل: ذَلِك مَصْرُوف لاجتهاد القَاضِي فَإِن رأى لَهُ فِي ذَلِك مَنْفَعَة أَجله بِالِاجْتِهَادِ وإلاَّ سجل عَلَيْهِ. ذكر ذَلِك فِي اخْتِصَار الْبُرْزُليّ. وَنقل ذَلِك أَيْضا فِي أقضية المعيار. قلت: وَلَعَلَّه خلاف فِي حَال وَأَن من قَالَ لَا يُؤَجل رَآهُ ملداً كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَمثله حائز ملك سكنه. ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ بعد ذَلِك: وَمن ثَبت عَلَيْهِ أَنه غَاصِب لدار مثلا فَضربت لَهُ الْآجَال وانصرمت فَقَالَ بعد ذَلِك: لَا حق لي فِيهَا وَهِي لأخي فَقيل: يسجل عَلَيْهِ وَلَا يعْذر للْأَخ، وَعَن ابْن زرب: إِن ألفيت الْأَمْلَاك بيد أحد من سَبَب الْأَخ فيعذر فِيهِ للْأَخ وإلاَّ سجل عَلَيْهِ بِمَا ثَبت. الرَّابِع: إِذا أَجله الْحَاكِم الْأَجَل الأول مثلا ثمَّ تغيب حَتَّى مضى مِقْدَار الْأَجَل الثَّانِي وَالثَّالِث فقد ذكرُوا فِي أَوَائِل الْأَنْكِحَة من الْمُتَيْطِيَّة فِي ذَلِك خلافًا. وَقَالَ أَبُو الْحسن على قَوْلهَا: من اشْترى شَيْئا بِالْخِيَارِ وَلم يضْرب لَهُ أَََجَلًا جَازَ وَجعل لَهُ من الأمد مَا يَنْبَغِي فِي مثل تِلْكَ السّنة مَا نَصه قَالَ الشُّيُوخ: مَعْنَاهُ إِذا عثر عَلَيْهِ قبل مُضِيّ أمد الْخِيَار، وَأما إِن لم يعثر عَلَيْهِ حَتَّى مضى الْقدر الَّذِي يضْرب لتِلْك السّلْعَة فَإِن الإِمَام يوقفه فإمَّا أَن يخْتَار أَو يرد. انْظُر هَل يقوم من هُنَا أَن الْخصم إِذا تغيب مِقْدَار مَا يؤجله الْحَاكِم ثمَّ ظهر فَإِنَّهُ يوقفه وَلَا يؤجله وَأَخذه من هُنَا بَين. قَالَ الْفَقِيه: وَأما أَنا فأحتاط وأستأنف لَهُ ضرب الْأَجَل، وَلَكِن يخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف الْخُصُوم فَرب خصم يظْهر مِنْهُ أَن ذَلِك لدد فَلَا يُؤَجل لَهُ اه. وَفِي الأُصُول وَفِي الإرْث الْمُعْتَبَرْ مِنْ عَددِ الأيَّامِ خَمْسَةَ عَشَرْ (وَفِي) إِثْبَات (الْأُصُول وَفِي) إِثْبَات (الْإِرْث) والمجروران يتعلقان بالمبتدأ الَّذِي هُوَ (الْمُعْتَبر) وَكَذَا (من عدد الْأَيَّام) أَي الْمُعْتَبر فِي التَّأْجِيل وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِعَدَد الْأَيَّام فِي إِثْبَات الْأُصُول من(1/100)
إِرْث أَو غَيره، وَفِي إِثْبَات الْإِرْث من غير الْأُصُول (خَمْسَة عشر) أَولا خبر الْمُبْتَدَأ. ثمَّ تَلِي أربعةٌ تُسْتَقْدَمُ بضِعْفِها ثُم يَلي التَّلوُّمُ (ثمَّ تلِي) الْخَمْسَة عشر (أَرْبَعَة) فَاعل تلِي وَالْجُمْلَة معطوفة (تستقدم بضعفها) وَهُوَ ثَمَانِيَة. وَالْجُمْلَة صفة لأربعة أَي يُؤَجل خَمْسَة عشر أَولا ثمَّ ثَمَانِيَة ثمَّ أَرْبَعَة (ثمَّ يَلِي) الْأَرْبَعَة الَّتِي بعد الثَّمَانِية (التَّلَوُّم) بِثَلَاثَة فَاعل يَلِي وَالْجُمْلَة معطوفة أَيْضا فالمجموع شهر كَامِل، وَهَذَا مَعَ حُضُور الْبَيِّنَة فِي الْبَلَد أَو بِقُرْبِهِ فَإِن بَعدت غيبتها فَهُوَ قَوْله. وَفِي أصولِ إرْثٍ أَو سِوَاهُ ثَلاَثَةُ الأشْهُرِ مُنْتَهَاهُ (وَفِي) إِثْبَات (أصُول إِرْث أَو سواهُ) أَي الْإِرْث (ثَلَاثَة الْأَشْهر) خبر مقدم (منتهاه) مُبْتَدأ وضميره للتأجيل وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ أَي مُنْتَهى الْأَجَل فِي أصُول الْإِرْث أَو غَيره ثَلَاثَة أشهر. لَكِنْ مَعَ ادِّعاءِ بُعْدِ البَيِّنَهْ وَمثْلُهُ حائزُ مِلكٍ سَكَنهْ (لَكِن) مَحل التَّأْجِيل بذلك (مَعَ ادِّعَاء بعد الْبَيِّنَة) فالظرف خبر للمبتدأ الْمُقدر بعد لَكِن الاستدراكية ثمَّ لَا يُوقف الأَصْل الْمَذْكُور وَلَا يُحَال بَينه وَبَين صَاحبه بِمُجَرَّد هَذِه الدَّعْوَى كَمَا يَأْتِي فِي الإيقاف والبعد كالعراق من الْمَدِينَة. وَكَلَام النَّاظِم إِنَّمَا هُوَ إِذا سَأَلَ الْمَطْلُوب من الْحَاكِم أَن يقطع عَنهُ شغب الطَّالِب، وإلاَّ فَلَا حَاجَة للتأجيل الْمَذْكُور، بل يَقُول للطَّالِب اثْبتْ دعواك فَإِن أَرَادَ الطَّالِب تَحْلِيف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته فَلَا بُد من تَسْمِيَة الشُّهُود كَمَا مرّ، وَيَأْتِي أَيْضا عِنْد قَول النَّاظِم وَإِن تكن بعيدَة الخ (وَمثله) خبر عَن قَوْله (حائز ملك) وَقَوله (سكنه) جملَة فعلية صفة لملك. معْ حُجَّةٍ قَوِيَّةٍ لَهُ مَتَى أثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مَنْ أثْبَتَا (مَعَ) ادِّعَاء (حجَّة قَوِيَّة لَهُ) أَي للحائز والظرف فِي مَحل نصب على الْحَال أَي الْحَائِز للْملك(1/101)
بِالسُّكْنَى مثلا يطْلب المهلة مَعَ ادِّعَاء حجَّة قَوِيَّة مماثل لما قبله فِي التَّأْجِيل الْمَذْكُور (مَتى أثْبته) أَي الْملك الَّذِي بِيَدِهِ (لنَفسِهِ من) مَوْصُولَة فَاعل أثْبته (أثبتا) صلته والعائد مَحْذُوف وَالْجُمْلَة شَرط فِي الحكم الَّذِي هُوَ الْمُمَاثلَة وَالْجَوَاب مَحْذُوف لتقدم مَا يدل عَلَيْهِ كَقَوْلِه: أَنْت ظَالِم إِن فعلت، وَالتَّقْدِير والحائز الطَّالِب للمهلة مَعَ ادِّعَاء الْحجَّة مماثل لما قبله فِي التَّأْجِيل إِن أثبت الْملك الَّذِي بِيَدِهِ لنَفسِهِ الْقَائِم الَّذِي أثْبته أَي الَّذِي كَانَ يُرِيد إثْبَاته فَهُوَ على حذف الْكَوْن والإرادة. وَحَاصِل مَعْنَاهُ أَن الْحَائِز لشَيْء إِذا نوزع فِيهِ وَادّعى أَن لَهُ حجَّة تقطع حجَّة الْقَائِم فَإِنَّهُ يُؤَجل لإثباتها بِثَلَاثَة أشهر، وأسهل من هَذَا الْبَيْت لَو قَالَ إِثْر قَوْله سكنه مَا نَصه: يدع حجَّة تعَارض الَّتِي أثبت قَائِم بِغَيْر عِلّة وَبِغير عِلّة حَال أَي أثبتها حَال كَونهَا بغيرعلة توهنها. قَالَ فِي الْعُتْبِيَّة: فَإِذا انْقَضتْ الثَّلَاثَة وَلم يثبتها وَادّعى غيبَة شُهُوده وتفرقهم وَسَأَلَ الزِّيَادَة فِي الْأَجَل فَإِن كَانَ مَأْمُونا لَا يتهم بباطل زيد لَهُ فِيهِ وَإِن كَانَ ملداً يُرِيد الْإِضْرَار بخصمه لم يزدْ لَهُ إِلَّا أَن يذكر أمداً يُقَارب شَأْنه وَلم يعلم كذبه فِي مثله اه. فَقَوله: وَمثله حائز الخ أَي يُؤَجل بذلك وَلَو لم يدع بعد بَينته فَهُوَ مشبه فِيهِ بِدُونِ قَيده كَمَا هُوَ ظَاهر الْمُتَيْطِيَّة والتبصرة، وَفِي الْأَقْضِيَة من أجوبة ابْن رشد فِيمَن أجل أَََجَلًا بعد أجل ثمَّ تلوم لَهُ فاستظهر برسم فِيهِ ابتياع أَبِيه من الْقَائِم عقد ببياسة وَهِي لَا حَاكم بهَا تثبت عِنْده الْحُقُوق ويخاطب بهَا قَالَ: الْوَاجِب أَن يُوسع عَلَيْهِ فِي الْأَجَل فَإِن طَال الْأَمر وَلم يقدم ببياسة حَاكم كتب القَاضِي الَّذِي يتخاصمون عِنْده إِلَى رجل ثِقَة عدل مرضِي من أهل بياسة فَيشْهد عِنْده الشُّهُود ويخاطبه بذلك، فَإِذا ورد عَلَيْهِ جَوَابه بِشَهَادَة الشُّهُود عِنْده وقبوله لَهُم ثَبت العقد بذلك وَقضى بِهِ اه. وَهُوَ يُؤَيّد مَا مر فِي التَّنْبِيه الثَّالِث. وَبيْعُ مِلْكٍ لِقَضَاءِ دَيْنِ قَدْ أَجَّلُوا فِيهِ إِلَى شهْرَيْنِ (وَبيع ملك) دَار أَو غَيرهَا مُبْتَدأ (لقَضَاء دين) على رَبهَا الْغَائِب أَو الْحَاضِر وَهُوَ يتَعَلَّق بِبيع (قد أجلوا فِيهِ) أَي فِي تسويفه للْبيع من شهر (إِلَى شَهْرَيْن) يتَعَلَّق بأجلوا. وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (خَ) وَعجل بيع الْحَيَوَان واستؤني بعقاره كالشهرين، ثمَّ إِذا انْقَضى الشهران فَإِنَّهُ يُبَاع عَلَيْهِ وَلَو لم يبلغ الْقيمَة لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور كَمَا لِابْنِ مُحرز، وَكَذَا بيع ربع الْيَتِيم للنَّفَقَة عَلَيْهِ، وَإِذا بيع عَلَيْهِ وَأثبت أَن فِي البيع غبناً فَلَا يسمع لِأَن مثل هَذَا البيع لَا يتَصَوَّر فِيهِ الْغبن كَمَا يَأْتِي فِي فَصلي الْغبن وَالْبيع على الْغَائِب إِن شَاءَ الله. وحلُّ عَقْدٍ شَهْرٌ التَّأجِيلُ فِيهِ وَذَا عِنْدَهُمُ المقْبُولُ(1/102)
(وَحل عقد) مُبْتَدأ (شهر) خبر عَن قَوْله (التَّأْجِيل فِيهِ) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (وَذَا) مُبْتَدأ (عِنْدهم) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (المقبول) وَمُقَابِله يُؤَجل بشهرين وَحل الْعُقُود كَمَا قَالَ ولد النَّاظِم أول الشَّهَادَات من شَرحه وَنَقله فِي شَهَادَات المعيار أَيْضا: يكون بأَشْيَاء إِمَّا بِظُهُور تنَاقض على السوَاء فِي الاسترعاء أَو بِظُهُور تنَاقض من المشهد أَو من فِي حكمه فِي الأَصْل كاختلاف قَول أَو اضْطِرَاب مقَال أَو بمضادة قَوْله لنَصّ مَا شهدُوا لَهُ بِهِ، وَإِمَّا بتجريح شُهُوده وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء أَو إِقْرَار على صفة بعداوة بَين الشُّهُود وَبَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي غير ذَات الله يثبت اتصالها من قبل تَارِيخ أَدَاء الشَّهَادَة الْمَدْفُوع فِيهَا بالعداوة إِلَى تَارِيخ شَهَادَة العارفين بالعداوة الْمَذْكُورَة، وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء مَعْرُوف السَّبَب فِيمَا انْعَقَد بعوض أَو غير مَعْرُوف السَّبَب فِيمَا انْعَقَد بِغَيْر عوض، وَإِمَّا بِظُهُور اسْتِحَالَة فِي متون الرسوم اه. قلت: تقدّمت أُمُور من الِاضْطِرَاب عِنْد قَوْله: ولانحصار ناشىء الْخِصَام الخ. فمثال تنَاقض الاسترعاء أَن يشْهدُوا بملكية فرس مثلا لشخص وَأَنه من مَاله، وَأَنه من نتاج كَسبه لَا يعلمُونَ بَاعه وَلَا وهبه وَلَا خرج عَن ملكه مُنْذُ تملكه بِالشِّرَاءِ الصَّحِيح من فلَان الخ. فعجز الْوَثِيقَة يُنَاقض صدرها والاسترعاء هِيَ الشَّهَادَة الَّتِي يُمْلِيهَا الشَّاهِد من حفظه ويسندها إِلَى علمه كتعديل أَو تجريح أَو تصرف فِي ملك أَو معاوينة غصب أَو سَرقَة وَنَحْو ذَلِك وتصدر بفي علم شهيديه أَو بِفعل وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُصَرحًا بِهِ أَو محذوفاً للاختصار فالمصرح بِهِ كَقَوْلِه يشْهد أَو يعلم من يضع اسْمه أَو من يتسمى أَثَره، وَنَحْو ذَلِك والمحذوف كَقَوْلِه: حضر من يُوقع اسْمه اغتصاب فلَان لفلانة وَنَحْوه، فَإِن تَقْدِيره يشْهد من يتسمى بعد هَذَا أَنهم حَضَرُوا كَذَا ووسطه أَوْصَاف مَا تحمل مَعْلُوما عِنْد الشَّاهِد وعجزه فعل لَا غير كَقَوْلِه: شهد بِمَا فِي الرَّسْم من حضر لذَلِك أَو عاينه وَنَحْو ذَلِك. وَقَوله: أَو بِظُهُور تنَاقض من المشهد وَمن فِي حكمه أَي المشهد بِضَم الْمِيم وَكسر الْهَاء وَهُوَ من يشْهد الشُّهُود على عقد عقده أَو دين الْتَزمهُ أَو اعْترف بِهِ وَنَحْو ذَلِك، وَالَّذِي فِي حكمه هُوَ وَكيله أَو وَارثه أَو غَرِيمه وَالْأَصْل هُوَ مَا يمليه الْعَاقِد إِن على الشُّهُود من بيع أَو هبة أَو صدَاق أَو كِرَاء، وَنَحْو ذَلِك وصدره فعل وَافْعل وافتعل كوهب وشفع أَو أصدق أَو أنكح أَو اشْترى أَو اكترى وَنَحْو ذَلِك ووسطه أَوْصَاف مَا أشهد بِهِ المشهد من الْوُجُوه الَّتِي التزمها وعجزه شهد على إِشْهَاد الْوَاهِب أَو الْمُتَبَايعين وَنَحْو ذَلِك. وَبِالْجُمْلَةِ، فَكل فعل فِي الصَّدْر والإعجاز كَانَ مُضَافا إِلَى الشَّاهِد فَهُوَ استرعاء وكل فعل فِي الصَّدْر والإعجاز كَانَ مُضَافا إِلَى(1/103)
المشهد، وَمن فِي حكمه، فَهُوَ أصل. وَمِثَال تناقضه أَن يشهدهم أَن الدَّار الْفُلَانِيَّة مثلا ورثهَا عَن أَبِيه وَلَا زَالَ يتَصَرَّف فِيهَا مُنْذُ تَملكهَا بِالْهبةِ أَو الشِّرَاء من فلَان الخ. أَو يشهدهم أَنه حَبسهَا على أَوْلَاده وَأَعْقَابهمْ حبسا مُؤَبَّدًا تكون مَالهم وملكهم وَنَحْو ذَلِك، وَكَأن يكون صدر الرَّسْم استرعائياً وعجزه أَصْلِيًّا مثل أَن يَقُول: يشْهد من يضع اسْمه بِأَن فلَانا غصب جَمِيع كَذَا من فلَان فِي وَقت كَذَا شهد على إِشْهَاد الْغَاصِب بِالْغَصْبِ الْمَذْكُور، وَكَذَا الْعَكْس. وَلذَا قَالَ الشَّارِح: يجب الاهتمام بصيغ الْأَلْفَاظ لتَكون متفقة فِي الصَّدْر والإعجاز لِئَلَّا يلتبس حكم كل مِنْهُمَا أَي من الأَصْل والاسترعاء بِحكم الآخر فيفضي إِلَى اخْتِلَاف الْمَعْنى اه. وَقَوله: كاختلاف قَول الخ. مِثَال على اللف والنشر الْمُرَتّب أَي كاختلاف قَول الشَّاهِد فِي الاسترعاء واضطراب مقَال المشهد فِي الأَصْل كَمَا قَررنَا وَالضَّمِير الْمَجْرُور بالْقَوْل فِي قَوْله أَو بمضادة قَوْله الخ. يعود على الْمَشْهُود لَهُ الَّذِي هُوَ صَاحب الْحق الْمَفْهُوم من السِّيَاق لَا على المشهد السَّابِق لفساد الْمَعْنى لِأَن المشهد هُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَهُوَ مشهود عَلَيْهِ لَا لَهُ، ومثاله أَن يشهدَا لَهُ بالملكية للْفرس مثلا وَأَنه من نتاج كَسبه فيعترف هُوَ أَنه تملكه بِالشِّرَاءِ، وَمن هَذَا مَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِيمَن اشْترى أَرضًا فَسئلَ عَن ثمنهَا فَقَالَ كَذَا، فَلَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَة بابتياعه شهِدت بِأَقَلّ من الثّمن الَّذِي ذكره أَو بِأَكْثَرَ قَالَ: إِنَّه مكذب لبينته فِي الابتياع خَاصَّة على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ وَلَيْسَ مُكَذبا لَهُم فِيمَا يُصدقهُمْ فِيهِ من غير تِلْكَ الْقَضِيَّة إِذْ لَا يجرح الشَّاهِد بِالْكَذِبِ حَتَّى يكون مجرباً عَلَيْهِ اه. ثمَّ ذكر عَنهُ فِي مثلهَا بعد ذَلِك بِنَحْوِ الورقتين أَنه لَا يكون مُكَذبا إِن ادّعى النسْيَان أَو الْغَلَط إِلَّا أَن يكون فِي خصام فَيكون مُكَذبا لِأَنَّهُ مَوضِع التَّحَرُّز اه. وَمِنْه مَا فِي تبصرة اللَّخْمِيّ فِيمَن شهد أَن فلَانا ذبح فلَانا وَشهد الآخر أَنه أحرقه، والمشهود عَلَيْهِ مُنكر الشَّهَادَتَيْنِ فَإِن قَامَ الْأَوْلِيَاء بِالشَّهَادَتَيْنِ بَطل الدَّم، وَإِن قَامُوا بِإِحْدَاهُمَا أَقْسمُوا مَعَه اه. وَإِنَّمَا بطلتا مَعًا إِذا قَامُوا بهما لِأَن من أدلى برسم فَهُوَ قَائِل بِهِ فهم يَقُولُونَ بِلِسَان الْحَال ذبحه أحرقه فقد كذبا كلا مِنْهُمَا وَقد تقدم كثير من هَذَا عِنْد قَوْله. ولانحصار ناشىء الْخِصَام. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الِاسْتِحْقَاق إِن شَاءَ الله عِنْد ابْن رشد فِيمَن أقرّ أَبوهُ أَن الْملك بَينه وَبَين قوم آخَرين وَمَات فَادّعى وَلَده بعد نَحْو السِّتين سنة وَهُوَ يحوزه أَن الْملك خَاص بِأَبِيهِ أَن والمقوم عَلَيْهِ إِن كذب بَيِّنَة الْإِقْرَار وَعجز عَن إِبْطَالهَا أَو صدقهَا وَادّعى أَن أَبَاهُ كَانَ اشْترى حِصَّة غَيره وَعجز عَن إِثْبَات الشِّرَاء وَلَو بِالسَّمَاعِ، فَإِنَّهُ يحكم بِالْملكِ للقائم إِن كَانَ غَائِبا فِي مُدَّة الْحِيَازَة. وَقَوله: وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء وَإِقْرَار إِلَى قَوْله: بالعداوة الْجَار وَالْمَجْرُور من قَوْله على صفة يتنازع فِيهِ استرعاء وَإِقْرَار بالاسترعاء كَأَن يشْهد شَاهِدَانِ بعداوة بَين شُهُود الْحق الْمُقَوّم بِهِ وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَتسقط شَهَادَة شُهُود الْحق بِشَرْط كَون الْعَدَاوَة دنيوية لَا دينية وبشرط كَونهَا سَابِقَة على تَارِيخ أَدَاء الشَّهَادَة بِالْحَقِّ واتصلت إِلَى حِين أَدَاء الشَّهَادَة بِهَذِهِ الْعَدَاوَة وَالْإِقْرَار أَن يشْهد عَدْلَانِ بِإِقْرَار الْقَائِم صَاحب الْحق بالعداوة بَين شُهُود الْحق وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ على الْوَجْه الْمَذْكُور. وَقَوله: وَإِمَّا بِثُبُوت استرعاء مَعْرُوف السَّبَب الخ. المُرَاد بالاسترعاء هُنَا مَعْنَاهُ الْخَاص وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالاستحفاظ كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الصُّلْح إِن شَاءَ الله، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الاسترعاء بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم. وَقَوله: مَعْرُوف السَّبَب هُوَ مَا وَقع لأَجله الاستحفاظ من تقية خوف أَو إِنْكَار غَرِيم، فَإِذا كَانَ الاسترعاء فِي الْمُعَاوَضَات من بيع أَو إِجَارَة أَو خلع وَنَحْوه، فَلَا يَكْفِي شَهَادَة الشُّهُود عَلَيْهِ بِأَن مَا يعقده على نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل من بيع(1/104)
وَنَحْوه غير مُلْتَزم لَهُ، وَإِنَّمَا يَفْعَله خوفًا من كَذَا، بل حَتَّى يشْهد الشُّهُود المذكورون أَو غَيرهم بِصِحَّة مَا ذكره من الْخَوْف وَقت البيع أَو الْخلْع أَو الْإِنْكَار وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف التَّبَرُّعَات من عتق وَهبة وَنَحْوهمَا، فَإِنَّهُ يَكْفِي إشهاده بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَله خوفًا من كَذَا، وَلَا يحْتَاج لإِثْبَات التقية، وَالْفرق أَنه فِي الْمُعَاوَضَات أَخذ الْعِوَض فَلَا يصدق فِيمَا يَدعِيهِ من الْخَوْف وَنَحْوه حَتَّى يُثبتهُ بِخِلَاف التَّبَرُّعَات. وَقَوله: أَو بِظُهُور اسْتِحَالَة الخ. أَي بِظُهُور مَا يَسْتَحِيل عَادَة كَأَن يستظهر الْقَائِم برسم يظْهر من تَارِيخه أَن الْمُقَوّم عَلَيْهِ كَانَ وقتئذ لم يُوجد أَو لم يبلغ الْحلم، وَمِنْه مَا فِي المعيار عَن ابْن رشد فِي سبخَة بَين أَرض قوم لم يَدعهَا أحد إِلَى أَن قَامَ رجل وأثبتها لنَفسِهِ بِبَيِّنَة غَرِيبَة من أهل الْموضع فَأنكرهُ أَهله زاعمين أَنَّهَا لَهُم لكَونهَا بَين أراضيهم مجاورة لَهَا فَهِيَ من أفنيتها. وَفِي الْبَلَد نَاس مَضَت عَلَيْهِم أعصار لم يشْهد أحد قطّ بِمثل مَا شهد بِهِ أُولَئِكَ الغرباء قَالَ: إِذا كَانَ فِي الْبَلَد عدُول لَا يدعونَ فِي السبخة حَقًا وَلَا يعْرفُونَ للقائم فِيهَا ملكا بِشَهَادَة الغرباء غير جَائِزَة وَالْوَاجِب أَن تبقى مسرحاً لجميعهم. تَنْبِيه: الاسترعاء بِمَعْنى الاستحفاظ لَا يكون إِلَّا فِي شَهَادَة الأَصْل لَا فِي شَهَادَة الاسترعاء بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم فَهُوَ مِمَّا تفترق فِيهِ شَهَادَة الاسترعاء من شَهَادَة الأَصْل زِيَادَة على مَا مرّ وَمِمَّا تفترق فِيهِ أَيْضا أَن الأَصْل يُوقف الْخصم عَلَيْهِ وَيسْأل عَنهُ قبل ثُبُوته لِيُقِر أَو يُنكر، وَلَا يسئل الْمُقدم عَلَيْهِ بالاسترعاء وَلَا يُوقف عَلَيْهِ حَتَّى يثبت كَمَا مرّ، وَإِن الاسترعاء قد يُوجب أحكاماً عَامَّة كثبوت هِلَال رَمَضَان للصيام بِخِلَاف الأَصْل فَلَا يُوجب إِلَّا أحكاماً خَاصَّة، وَأَن الحكم فِي تعَارض الأَصْل مُعَلّق بالتاريخ وَفِي الاسترعاء مُعَلّق بالأعدل من شُهُود الرسمين المتعارضين، وَأَن كل وَثِيقَة قَامَ بهَا الْخصم على خَصمه ولخصمه فِيهَا مَنْفَعَة يرجوها فَإِن لَهُ أَخذ نُسْخَة مِنْهَا بِخِلَاف الاسترعاءات كرسم الإراثة وَنَحْوه فَلَا يلْزمه إِعْطَاء نسختها لِأَن الَّذين شهدُوا بهَا وَبِمَا تضمنته حُضُور فَلهُ أَن يَقُول اذْهَبْ إِلَى من شهد لي يُقيد لَك شَهَادَته كَمَا قيدها لي إِذا كَانُوا حضوراً وَأَنه يستكثر من شُهُوده فِي الترشيد والتسفيه كَمَا يَأْتِي، وَكَذَلِكَ فِي الرَّضَاع عِنْد ابْن الجهم قَالُوا: وَكَذَا يَنْبَغِي فِي كل مَوضِع تكون فِيهِ الشَّهَادَة على الظَّن الْغَالِب الَّذِي لَا سَبِيل فِيهِ إِلَى الْقطع كالتفليس وَحصر الْوَرَثَة والاستحقاق وَالشَّهَادَة لامْرَأَة بغيبة زَوجهَا وَتركهَا بِغَيْر نَفَقَة وَالشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ وَنَحْو ذَلِك، فَإِن لم يُمكنهُ الاستكثار الْمَذْكُور فيكفيه العدلان حَتَّى فِي التسفيه والترشيد كَمَا فِي أقضية الْبُرْزُليّ بِخِلَاف الأَصْل فَإِنَّهُ لَا يطْلب فِيهِ الاستكثار من شُهُوده وَلَو مَعَ الْإِمْكَان، وَلذَا قَالَ ابْن رشد: إِذا طلب البَائِع بِالدّينِ الْإِشْهَاد على مُشْتَرِيه بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ وَامْتنع الآخر فَإِن البَائِع لَا يُجَاب وَأَن شُهُود الاسترعاء يستفسرون عَن شَهَادَتهم بعد أَدَائِهَا دون شُهُود الأَصْل لِأَنَّهُ فِي الأَصْل إِنَّمَا هُوَ حاك عَن غَيره وَأَنه لَا يقبل فِي الاسترعاء إِلَّا الْعدْل المبرز المتيقظ الضَّابِط الْعَارِف بطرق الشَّهَادَة وتحملها وأدائها ومعاني الْأَلْفَاظ وَمَا تدل عَلَيْهِ نصا وظاهراً ومفهوماً قَالَه ابْن أبي الدُّنْيَا. قَالَ: وَهَذَا بِحَسب مَا يدل عَلَيْهِ عقد الاسترعاء فِي فصوله وَمن طول الأمد وقربه لما يعرض فِي طول الأمد من النسْيَان، لَا سِيمَا إِذا كَانَ العقد يتَضَمَّن فصولاً اه. نَقله فِي المعيار وَنَحْوه فِي الْفَائِق قَالَ: وَعَن بعض المفتيين لَا تقبل شَهَادَة الاسترعاء إِذا تَأَخَّرت عَن زمن تحملهَا إلاَّ حفظا من صَدره اه.(1/105)
قلت: وَهَذَا لَا يجْرِي فِي اللفيف الَّذِي بِهِ الْعَمَل عندنَا إِذْ لَا تُوجد فيهم الْعَدَالَة فضلا عَن التبريز. تُجْمَعُ الآجالُ والتَّفْصِيلُ فِي وَقْتِنَا هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ذَا هُوَ المَعْمُولُ (وَتجمع) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول (الْآجَال) نَائِبه قَالَ المتيطي: وَله أَن يضْرب لَهُ أَََجَلًا قَاطعا من ثَلَاثِينَ يَوْمًا ويخبره أَنه جمع لَهُ فِي ذَلِك الْآجَال والتلوم حَتَّى يعرف مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ اه. وَانْظُر هَل إخْبَاره بذلك وَاجِب بِحَيْثُ يبطل الحكم إِذا لم يُخبرهُ أم لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِر من وَثِيقَة لَهُ فِي أَوَائِل النِّكَاح ذكر فِيهَا مَا نَصه: وأجله وَفقه الله لإِثْبَات عَدمه بِالصَّدَاقِ آجالاً جمعهَا لَهُ مَعَ التَّلَوُّم فِي أحد وَعشْرين يَوْمًا أَولهَا كَذَا شهد على إِشْهَاد القَاضِي الخ. فَلم يذكر فِيهَا أَنه أخبرهُ بِالْجمعِ الْمَذْكُور، فَلَو كَانَ وَاجِبا مَا أمكنه تَركه وَلَا يلْزم من التَّنْصِيص عَلَيْهِ فِي رسم الْآجَال أَن يكون علم بِهِ لِأَن رسم الْآجَال لَا يكون بِيَدِهِ بل بيد الطَّالِب (وَالتَّفْصِيل) للآجال مُبْتَدأ و (فِي وقتنا) يتَعَلَّق بِهِ (هَذَا) نعت لوقت (هُوَ) مُبْتَدأ ثَان (الْمَعْمُول) بِهِ خَبره. وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، وَيجوز أَن يكون فِي وقتنا يتَعَلَّق بالمعمول أَي وَالتَّفْصِيل للآجال على حسب مَا مرّ فِي وقتنا. هَذَا هُوَ الْمَعْمُول بِهِ عِنْد قُضَاة الْعدْل دون جمعهَا، وَمن ثَمَرَته مَا مرّ من أَنه يوقفه عِنْد تَمام كل أجل. تَنْبِيه: تقدم أَن الْآجَال موكولة لاجتهاد الْحُكَّام وَأَن التَّفْصِيل الْمَذْكُور لَا يجب الْوُقُوف عِنْده، لَكِن الْمُنَاسب لما مر عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ. من ضعف عَدَالَة قُضَاة الْوَقْت أَن لَا يقبل مِنْهُم أقل من هَذِه التحديدات الْمَذْكُورَة، وَأَنه إِن حكم عَلَيْهِ بعد أَن أَجله بِأَقَلّ وعاجله بالحكم والمحكوم عَلَيْهِ يطْلب مَا وَجب لَهُ على التَّفْصِيل الْمَار ينْقض حكمه وتعجيزه إِن أَتَى بِحجَّة لأَنهم إِنَّمَا استحسنوا التحديدات الْمَذْكُورَة وَعمِلُوا بهَا رفعا للتهم فَكَمَا لَا يقبل قَول قَاضِي الْوَقْت: حكمت بعد أَن أجلت وَنَحْوه كَمَا مرّ كَذَلِك لَا يقبل قَوْله اجتهدت فِي قدر أَجله إِذْ لَيْسَ هُوَ من أهل الِاجْتِهَاد، وَلذَا صرح غير وَاحِد بِأَن الْعَمَل على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم فِي التَّوَقُّف فَلَا غنى عَن أجل مَضْرُوب.
(فصل فِي الْإِعْذَار)
مصدر أعذر إِذا بَالغ فِي طلب الْعذر. وَقَالَ الْمبرد فِي مَعَاني الْقُرْآن: يُقَال أعذر الرجل إِذا أَتَى بِعُذْر صَحِيح، وَمِنْه الْمثل: من أنذر فقد أعذر أَي قد بَالغ فِي الْعذر من تقدم إِلَيْك فأنذرك، وَمِنْه أعذر القَاضِي إِلَى من ثَبت عَلَيْهِ حق فِي الْمَشْهُود بِهِ. وَفِي الْعرف قَالَ ابْن عَرَفَة: سُؤال الْحَاكِم من توجه عَلَيْهِ مُوجب حكم هَل لَهُ مَا يسْقطهُ اه. وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة(1/106)
الهدهد: لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} (النَّمْل: 21) الْآيَة. فَجعل لَهُ عذرا إِذا أَتَاهُ بسُلْطَان مُبين وَقَوله تَعَالَى: وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى} (الْإِسْرَاء: 51) إِلَى غير ذَلِك. ويعذر فِي الْمُزَكي والمزكى وَكَذَا فِي شُهُود الْخط وَيُسمى ذَلِك للْمَشْهُود عَلَيْهِ. وَاخْتلف هَل يَقُول لَهُ دُونك فجرح وَإِلَّا حكمت أَو لَا يَقُول لَهُ ذَلِك؟ ثَالِثا: إِن كَانَ قبولهم بالتزكية، وَرَابِعهَا لِابْنِ الْقَاسِم يَقُول ذَلِك لمن لَا يدريه كَالْمَرْأَةِ والضعيف. وَقَبْلَ حُكْمٍ يَثْبُتُ الإعْذَارُ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَذَا المُخْتَارُ (وَقبل حكم) يتَعَلَّق بقوله (يثبت) بِفَتْح أَوله وَضم ثالثه بِمَعْنى يجب أَي يُثَاب على فعله ويعاقب على تَركه (الْإِعْذَار) فَاعله أَي يجب الْإِعْذَار للخصم عِنْد إِرَادَة الحكم عَلَيْهِ فَهُوَ قريب من كَلَام ابْن عَرَفَة (بشاهدي عدل) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف لَا بيثبت الْمَذْكُور كَمَا يَأْتِي إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ الْحَقِيقَة وَالْمجَاز أَي أطلقهُ على الْوُجُوب قبل الحكم وعَلى الثُّبُوت الْحَقِيقِيّ بعده أَي يجب على الْحَاكِم قبل حكمه الْإِعْذَار بقوله لمن توجه عَلَيْهِ الحكم أبقيت لَك حجَّة أَو هَل لَك مَا يُحَقّق دعواك وَيثبت الْإِعْذَار بذلك عِنْد التَّنَازُع فِيهِ بشاهدي عدل فمعمول الْإِعْذَار مَحْذُوف وَالْعَامِل فِي الْجَار على الْوَجْه الأول كَذَلِك كَمَا ترى، وَيدل لحذف الْعَامِل فِي الْجَار قَوْله بعده وَشَاهد الْإِعْذَار الخ، تَأمل، فيستفاد مِنْهُ حِينَئِذٍ أَن الحكم من غير تقدم إعذار بِمَا ذكر بَاطِل وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ شَرط صِحَة فِيهِ على الْمَذْهَب لحق الله وَمَا للبناني من أَنه إِنَّمَا يبطل إِذا خلا من الْإِعْذَار رَأْسا لَا قبل الحكم وَلَا بعده فِيهِ نظر يعلم بِالْوُقُوفِ على مَسْأَلَة الترجالي فِي أنكحة المعيار، وعَلى مَا فِي نَوَازِل الضَّرَر مِنْهُ وَأَن الْإِعْذَار لَا يثبت بِمُجَرَّد قَول القَاضِي أعذرت فحكمت بل حَتَّى تشهد بذلك بَيِّنَة كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ. وَتعلق الْجَار بيثبت الْمَذْكُور مَعَ إِطْلَاقه على حَقِيقَته لَا يُفِيد مَا ذَكرْنَاهُ كَمَا يعلم بِالتَّأَمُّلِ إِذْ لَا دَاعِي لإثباته قبل الحكم إِذْ لَا نزاع فِيهِ حَتَّى يطْلب إثْبَاته. نعم إِذا قُلْنَا التَّأْجِيل إعذار وَاخْتلف فِيهِ قبل الحكم فَيمكن ذَلِك وَسَيَأْتِي أَنه يعْذر لَهُ ابْتِدَاء وانتهاء. وَالْحَاصِل أَنه تَارَة يتفقان على أَن الحكم وَقع قبل الْإِعْذَار وَتارَة يَخْتَلِفَانِ فَيَقُول القَاضِي: مَا حكمت حَتَّى أعذرت لَك، فَلم تأت بِحجَّة، وَأنكر الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الْإِعْذَار لَهُ وَفِي كل مِنْهُمَا خلاف وَالْمُعْتَمد بطلَان الحكم فيهمَا حَتَّى يثبت الْإِعْذَار وَلذَا قَالَ: (وَذَا) أَي مَا ذكر من كَون الْإِعْذَار وَاجِبا قبل الحكم وَكَونه يثبت بِشَاهِدين هُوَ (الْمُخْتَار) الْمَعْمُول بِهِ خلافًا لمن قَالَ أَنه يحكم أَولا وَبعد ذَلِك يعْذر للمحكوم عَلَيْهِ فَإِن أبدى مطعناً وَإِلَّا اسْتمرّ الحكم عَلَيْهِ، وَلمن قَالَ يثبت الْإِعْذَار بِمُجَرَّد قَول القَاضِي وَإِن لم يعلم إِلَّا من قَوْله كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَغَيرهَا فَإِن ذَلِك كُله ضَعِيف لم يَصْحَبهُ عمل، وَلذَا احْتَاجَ النَّاظِم إِلَى نفي الْإِعْذَار فِي شَاهده فَقَالَ: وَشَاهد الْإِعْذَار الخ. وَعلله بالتسلسل إِذْ لَو كَانَ قَول القَاضِي فِيهِ مَقْبُولًا لم يعلله بذلك فَقَوله الْمُخْتَار رَاجع(1/107)
لثُبُوت الْإِعْذَار ولوجوبه قبل الحكم كَمَا قَررنَا لَا لتثنية شَاهِدي عدل لِأَنَّهُ كَمَا يثبت بالشاهدين يثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد على الْمُعْتَمد، ثمَّ إِذا أعذر لَهُ بِمَا مرّ فَإِن ذكر حجَّة أَجله للإتيان بهَا على حسب مَا مرّ، وَإِن ذكر أَن لَهُ بَيِّنَة بعيدَة كالعراق وَالْمغْرب من الْمَدِينَة أَو مصر حكم عَلَيْهِ وَكتب فِي كِتَابه وَمَتى أحضرها فَهُوَ على حجَّته. قَالَ فِي الشَّامِل: وَلَو أَحْلف خَصمه بِدُونِ حَاكم وَله بَيِّنَة بعيدَة فَلهُ الْقيام أَي بهَا إِذا قدمت وَلَا مَفْهُوم لقَوْله بِدُونِ حَاكم بل بالأحرى إِذا أحلفه بحاكم كَمَا فِي النكت، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الْقيام إِذا أحلفه بِدُونِ حَاكم لِأَنَّهُ لَو رفع الْأَمر للْحَاكِم لم يفعل غير ذَلِك. تَنْبِيهَات. الأول: فهم من كَلَام ابْن عَرَفَة والناظم أَن الْإِعْذَار بقوله: أَلَك حجَّة وَنَحْوه قد يَتَعَدَّد لِأَنَّهُ مُعَلّق على توجه الحكم وَهُوَ قد يتَوَجَّه مرَارًا فَيتَوَجَّه من أول الْأَمر كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ بدين مثلا، فَأنكرهُ، فَالْحكم قد توجه على الطَّالِب فيعذر لَهُ بِمَا ذكر، فَإِذا ادّعى حجَّة وَأجل للإتيان بهَا وانقضى أَجله الأول وَأَوْقفهُ أعذر لَهُ بذلك أَيْضا، وَهَكَذَا إِلَى انْقِضَاء الْآجَال والتلومات فيعذر لَهُ بذلك أَيْضا، وَكَذَا يُقَال فِي الْمَطْلُوب إِن ادّعى مطعناً فِيمَا أثْبته الطَّالِب ففائدته أَولا ليعلم مَا عِنْده من أدعائها أَو نَفيهَا، وَفَائِدَته أخيراً ليظهرها إِن أَتَى بهَا أَو يُبْدِي عذرا يُوجب تَأْخِيره كَمَا مرّ، وليظهر عَجزه إِن لم يَأْتِ بِشَيْء فَيشْهد عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْإِتْيَان أَو ادِّعَاء نَفيهَا فَيَقَع الحكم مَعَ تبين اللدد أَو مَعَ عَدمه وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرّ فِي الْآجَال، وَيدل لما ذَكرْنَاهُ قَول ابْن سهل وَغَيره لَا بدّ للْقَاضِي أَن يَقُول للمتخاصمين أخيراً أبقيت لَكمَا حجَّة اه. وَحِينَئِذٍ فَلَا بدّ أَن يَقُول فِي رسم التسجيل لما تحاكم الخصمان أَعْلَاهُ وانصرمت الْآجَال والتلومات الثَّابِتَة أَعْلَاهُ أَو حوله وَلم يَأْتِ المتأجل بِشَيْء اقْتضى نظر قَاضِي كَذَا وَهُوَ الخ إِن حكم على فلَان المتأجل الْمَذْكُور بِكَذَا بعد أَن أعذر لَهُ بأبقيت لَك حجَّة فادعاها أَو نفاها حكما لَازِما قطع بِهِ شغبه وَأوجب الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ أشهد على إشهاده بِمَا ذكر وَهُوَ بِحَيْثُ يجب لَهُ ذَلِك وعَلى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ عَنهُ الخ. فَالْحكم بَاطِل إِن خلا من الْإِعْذَار بِمَا ذكر وَلم يشْهد بِهِ الْغَيْر كَمَا مرّ. وَقَوْلنَا فادعاها أَو نفاها الخ. يَنْبَنِي عَلَيْهِ قَول (خَ) ثمَّ لَا تسمع بَيِّنَة أَن عَجزه قَاض مدعي حجَّة وظاهرها الْقبُول إِن أقرّ على نَفسه بِالْعَجزِ اه. وَسَيَأْتِي تَمام هَذَا فِي الْفَصْل بعده إِن شَاءَ الله وَلَا يُعَارض مَا مرّ عَن ابْن سهل وَغَيره قَول النَّاظِم: وَمن أَلد فِي الْخِصَام الخ. لِأَن هَذَا لما علم لدده وَأَنه يدعيها وَإِلَّا لما فر، وَأَيْضًا الفار متسبب بفراره فِي إِسْقَاط حَقه. الثَّانِي: فهم من قَوْله الْإِعْذَار الَّذِي هُوَ طلب الْعذر كَمَا مرّ أَنه لَا يكون فِي شَهَادَة ورسم(1/108)
ناقصين كَمَا لَا يُكَلف بِجَوَاب الدَّعْوَى النَّاقِصَة كَمَا مرّ لِأَن الْعذر مَوْجُود حِينَئِذٍ فَطَلَبه من طلب تَحْصِيل مَا هُوَ حَاصِل، وَلذَا قَالَ ابْن سهل وَغَيره: والإعذار لَا يكون إِلَّا بعد اسْتِيفَاء الشُّرُوط وَتَمام النّظر والإعذار فِي شَيْء نَاقص لَا يفِيدهُ، وَكَذَا الْخطاب بِالْقبُولِ وَالْأَدَاء لَا يكون فِي شَيْء نَاقص كَمَا يَأْتِي فِي أول الْفَصْل بعده. الثَّالِث: إِذا قَامَ الْمُسْتَحق وَأثبت أَن فلَانا غصبه أملاكاً وباعها ثمَّ بَاعهَا المُشْتَرِي مِنْهُ لآخر فالإعذار يكون للْمُشْتَرِي الَّذِي بِيَدِهِ الْأَمْلَاك وَتَكون الْخُصُومَة مَعَه خَاصَّة فَإِن أَتَى بمدفع فَذَاك وإلاَّ رَجَعَ على بَيْعه وينتقل الْإِعْذَار لَهُ فَيُطَالب بالمدفع الَّذِي كَانَ يُطَالب بِهِ المُشْتَرِي مِنْهُ وَهَكَذَا حَتَّى يصل إِلَى الأول قَالَه فِي أقضية الْبُرْزُليّ، وَيَأْتِي مثله فِي الِاسْتِحْقَاق إِن شَاءَ الله، ثمَّ إِذا أنكر الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمتأجل الْإِعْذَار والتأجيل فاستظهر الْمَحْكُوم لَهُ بعدلين عَلَيْهِمَا فَسَأَلَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الْإِعْذَار لَهُ فِي شاهديهما، فَإِن الْمُنكر لذَلِك لَا يُجَاب كَمَا قَالَ: وشاهِدُ الإعْذَارِ غَيْرُ مَعْمَلِ فِي شَأْنِهِ الإعْذَارُ لِلتَّسَلْسُلِ
(وَشَاهد الْإِعْذَار) مُبْتَدأ (غير معمل) خَبره (فِي شَأْنه) يتَعَلَّق بِهِ (الْإِعْذَار) نَائِب فَاعل معمل لِأَنَّهُ اسْم مفعول بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة (للتسلسل) يتَعَلَّق باسم الْمَفْعُول الْمَذْكُور. وَبَيَانه: أَنه لَو مكن من ذَلِك لم يكن بُد من إِشْهَاد شَاهِدين على ذَلِك ثمَّ يجْحَد الْإِعْذَار ثَانِيًا وَيسْأل الْإِعْذَار فِي شاهديه، وَهَكَذَا كلما أعذر لَهُ بِشَاهِدين جحد. وَقَالَ: اعذر لي فِيمَن شهد بِهِ، وَنَظِيره مَا تقدم فِي كَون القَاضِي إِن لم يسْتَند لعلمه فِي الشُّهُود لزم التسلسل، وَإِن كَانَ القَاضِي يُمكنهُ قطع التسلسل اللَّازِم فِي عدم استناده إِلَى علمه بتزكية شَاهِدين مشهورين عِنْد النَّاس بِالْعَدَالَةِ كَمَا مرّ، فَهُنَا لَا يُمكن ذَلِك وَتَقْرِير (م) لَهُ بِأَنَّهُ لَو مكن من ذَلِك لجرحهما فَيبْطل الْإِعْذَار وَيبْطل الحكم بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ مُتَوَقف على الْإِعْذَار وَالْفَرْض أَن لَهُ تجريح شَاهده فيتعذر الحكم أبدا الخ. فِيهِ نظر فَإِن تَقْرِير التسلسل بِهَذَا الْمَعْنى يُؤَدِّي إِلَى نفي الْإِعْذَار من أَصله فِي كل شَيْء لَا فِي خُصُوص شَاهِدي الْإِعْذَار لِأَن كل مَعْذُور فِيهِ يُمكن تجريحه. وَقَول (ت) إِن التسلسل الْمَذْكُور يَنْقَطِع بالإعذار بالمبرزين وَإنَّهُ إِنَّمَا يمْنَع فِي العقليات الخ. يُرِيد بِأَن المبرز يغلب تعذره كَمَا يَأْتِي وَبِأَنَّهُ يقْدَح فِيهِ بالعداوة والقرابة كَمَا يقْدَح فِيهِ بِغَيْرِهِمَا على الْمُخْتَار عِنْد اللَّخْمِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا فِي (خَ) وشراحه، وَبِأَن التسلسل الْمَذْكُور بِالْمَعْنَى الَّذِي قدمْنَاهُ عَقْلِي كَمَا لِابْنِ(1/109)
عَرَفَة راداً بِهِ على ابْن عبد السَّلَام فِي التسلسل اللَّازِم على عدم استناد القَاضِي لعلمه، ثمَّ إِن كَلَام النَّاظِم هُنَا شَامِل لكل مَا أشهد بِهِ القَاضِي على نَفسه من إعذار أَو تَأْجِيل أَو ثُبُوت أَو إبرام حكم وَنَحْو ذَلِك، فَإِن الْإِعْذَار فِي ذَلِك كُله يُؤَدِّي للتسلسل الْمَذْكُور. أَلا ترى أَنه إِذا أعذر لَهُ فِي شَاهِدي الحكم مثلا وَعجز عَن الطعْن فيهمَا فَحكم بعجزه أنكر الْعَجز وَقَالَ لَهُ: اعذر لي فِي شاهديه وَهَكَذَا وَلَا يدْخل مَا هُنَا فِي قَوْله: وَلَا الَّذِي بَين يَدَيْهِ قد شهد. الخ. . لِأَنَّهُ فِيمَا أقرّ بِهِ أحد الْخَصْمَيْنِ بَين يَدَيْهِ وَلَا يلْزم من عدم الْإِعْذَار فِيمَا أقرّ بِهِ بَين يَدَيْهِ عَدمه فِيمَا أشهد بِهِ على نَفسه، لِأَن التُّهْمَة فِي الشَّهَادَة وعَلى النَّفس أقوى، أَلا ترى أَنه فِي الْإِقْرَار يكون شَاهدا بِهِ عِنْد الْغَيْر بِخِلَاف الآخر، فَإِنَّهُ شَهَادَة على فعل النَّفس لَا تقبل فالمسألتان متباينتان، وَقد تقدم أَن قَول (خَ) وَلَا تقبل شَهَادَته بعده أَي بعد الْعَزْل أَنه قضى بِكَذَا أَنه لَا مَفْهُوم للظرف، بل كَذَلِك قبل الْعَزْل على الْمُعْتَمد، وَلَا فرق بَين أَن يكون قَوْله ذَلِك على وَجه الْخطاب أَو الشَّهَادَة، وَلَو كَانَ قَوْله مَقْبُولًا مَا احْتَاجَ النَّاظِم إِلَى تَعْلِيل نفي الْإِعْذَار بالتسلسل، فالتعليل بِهِ جَار فِي القَاضِي المشهد بالإعذار وَنَحْوه، وَفِي الَّذِي أَتَى بعده كَمَا هُوَ ظَاهر وَالله أعلم. وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي من وجوب إِعْطَاء النُّسْخَة من الحكم لِأَنَّهُ لم يَأْخُذهَا من جِهَة الْإِعْذَار فِي شاهديه، بل ليراجع فصوله عِنْد أهل الْعلم وليعلم هَل صَادف فِيهِ الصَّوَاب أم لَا وإلاَّ فَهُوَ مقرّ بِوُقُوع الحكم عَلَيْهِ. وَلَا الذِي وَجَّهَهُ الْقَاضِي إِلَى مَا كَانَ كالتحْلِيفِ مِنهُ بَدلا (وَلَا) الْوَاو عاطفة على معنى الْبَيْت الْمُتَقَدّم وَلَا لتأكيد النَّفْي أَي لَا يعْمل الْإِعْذَار فِي شَأْن شَاهد الْإِعْذَار وَلَا (الَّذِي وَجهه القَاضِي إِلَى) يتَعَلَّق بِوَجْهِهِ (مَا) مَوْصُولَة (كَانَ) صلتها وَاسْمهَا عَائِد على مَا (كالتحليف) خَبَرهَا، وأدخلت الْكَاف الموجه للحيازة والموجه لآخذ الْمَرْأَة بشرطها وتطليق نَفسهَا والموجه للنَّظَر فِي الْعُيُوب وتقويم الْمَسْرُوق هَل فِيهِ نِصَاب فَيقطع أَو لَا؟ وتقويم الْمُتْلفَات لتغرم وَنَحْو ذَلِك، وَلَكِن عدم الْإِعْذَار فِي الموجه للعيب والتقويم إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الطعْن فِيهِ لَا من جِهَة معارضته بِشَهَادَة أُخْرَى أقوى مِنْهُ أَو سُؤال أهل الْعلم عَن فُصُول شَهَادَته فيعذر لَهُ من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وأدخلت أَيْضا الموجه للأعذار لمريض أَو مسجون أَو امْرَأَة لَا تخرج، وَإِنَّمَا لم يعْذر فِيمَن وَجه إِلَى من ذكر لِأَن القَاضِي أَقَامَهُ مقَام نَفسه وَجعله (مِنْهُ بَدَلا) مفعول لأَجله فَيُفِيد أَن عدم الْإِعْذَار إِنَّمَا هُوَ لأجل مَا ذكر أَو حَال من الَّذِي، وَمِنْه يتَعَلَّق بِهِ وَلَا يلْزمه تَسْمِيَته إِذْ مَا لَا إعذار فِيهِ وَلَا فَائِدَة فِي تَسْمِيَته قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة، قَالَ: وَقد قيل لَا يسْقط الْإِعْذَار فِي الموجهين للتحليف وبالأول الحكم وَالْعَمَل قَالَ: وَكَذَا الْإِعْذَار فِي الموجهين للأعذار إِلَى مَرِيض وَنَحْوه وَلَا فِي الموجهين للحيازة. ابْن سهل: وَسَأَلت ابْن عتاب عَن ذَلِك فَقَالَ: لَا إعذار فِيمَن وَجه للأعذار ويعذر فِي الموجهين للحيازة. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: وَبِه جرى الْعَمَل وَقد اخْتلف أَيْضا فِي ذَلِك اه. وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يُوَجه من قبل القَاضِي إِلَى ذَلِك فِيهِ الْإِعْذَار وَهُوَ كَذَلِك وَفهم من قَوْله مِنْهُ بَدَلا أَن عدم الْإِعْذَار إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الَّذِي وجههما هُوَ الْحَاكِم(1/110)
فِي الْقَضِيَّة، فَإِن عزل أَو مَاتَ بعد التَّوْجِيه أَو قبل الحكم وَتَوَلَّى غَيره وَقُلْنَا يبْنى على مَا فعل الأول كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده فالإعذار وَاجِب لانْتِفَاء الْعلَّة. وَلَا الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْ شَهِدْ وَلَا اللَّفِيفُ فِي الْقَسَامَةِ اعتُمِدْ (وَلَا) عاطفة كَالَّتِي قبلهَا أَي وَلَا يعْمل أَيْضا فِي شَأْن الشَّاهِد (الَّذِي بَين يَدَيْهِ) يتَعَلَّق بقوله (قد شهد) بِفَتْح الشين وَكسر الْهَاء صلَة الَّذِي وَالضَّمِير فِي يَدَيْهِ يعود على القَاضِي أَي شهد بِإِقْرَار الْخَصْمَيْنِ أَو أَحدهمَا بَين يَدي القَاضِي، والظرف يتَعَلَّق بِإِقْرَار الْمَعْمُول لشهد لَا لنَفس شهد، فالظروف يتوسع فِيهَا وَإِن تقدّمت على الْمصدر الْمَحْذُوف أَي: فَإِن الْخصم إِذا أنكر وَطلب الْإِعْذَار فِي شَاهِدي الْإِقْرَار لَا يُجَاب بل يحكم عَلَيْهِ بِمُقْتَضى الْإِقْرَار من غير إعذار فِي شاهديه لمشاركته فهما فِي سَماع الْإِقْرَار. ابْن سهل: وَيُؤَيِّدهُ قَول مَالك فِي سَماع أَشهب فِي الْقَوْم يشْهدُونَ عِنْد القَاضِي ويعدلون عِنْده هَل يَقُول للْمَشْهُود عَلَيْهِ دُونك فجرح؟ فَقَالَ: إِن فِي ذَلِك لتوهيناً للشَّهَادَة وَلَا أرَاهُ إِذا كَانَ عدلا أَو عدل عِنْده أَن يفعل قَالَ: فقد أسقط مَالك الْإِعْذَار هَهُنَا فِيمَن عدل عِنْده، فَكيف فِيمَن هُوَ عِنْده عدل وَشهد عِنْده بِمَا اسْتَوَى فِيهِ علم الشُّهُود وَعلمه مِمَّا سَمعه فِي مَجْلِسه، وَإِن كَانَ لم يصحب هَذِه القولة يَعْنِي قولة مَالك بِعَدَمِ الْإِعْذَار فِي الْمعدل بِالْفَتْح عمل قَالَ: بل الْعَمَل فِي الْمعدل بِالْفَتْح على الْإِعْذَار فِيهِ بالتجريح وَغَيره هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَابْن نَافِع وَسَحْنُون وشاهدت بِهِ الْقَضَاء بِإِجْمَاع من أدركنا من الْعلمَاء اه بِنَقْل المتيطي أَوَائِل النِّكَاح، وَبِه تعلم أَن الَّذِي أسقط فِيهِ مَالك الْإِعْذَار هُوَ الْمعدل بِفَتْح الدَّال، لَكِن لم يصحب قَوْله عمل لَا الْمعدل بِالْكَسْرِ أَي مزكي السِّرّ كَمَا فهمه (ت) وبناني فِي حَاشِيَته مؤولاً بِهِ كَلَام ابْن سهل الَّذِي اختصر زَرُّوق فَهُوَ غلط نَشأ لَهما من ظنهما أَن الَّذِي يَصح بِهِ الاستشهاد هُوَ الْمعدل بِالْكَسْرِ، لِأَنَّهُ الَّذِي لَا إعذار فِيهِ مَعَ أَن ابْن سهل لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ أصلا، وَإِنَّمَا اسْتشْهد بقول مَالك بِعَدَمِ الْإِعْذَار فِي الْمعدل بِالْفَتْح، وَإِن كَانَ قَوْله بذلك ضَعِيفا لَكِن فِيهِ تَقْوِيَة لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِعْذَار فِيمَا وَقع بَين يَدَيْهِ كَمَا ترى، وَرُبمَا أشعر قَوْله قد شهد الخ أَنه أَدَّاهَا بذلك الْمجْلس بِعَيْنِه لِأَنَّهَا لَا تسمى شَهَادَة إِلَّا بِالْأَدَاءِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا إعذار فِيهِ على الْمَشْهُور كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ: وَأما إِن كتبُوا مقَالَته وَوَضَعُوا أَسْمَاءَهُم عَلَيْهَا ثمَّ شهدُوا بهَا بعد أَيَّام من تَارِيخ تِلْكَ الْمقَالة أَو حفظوا مقَالَته فِي الْمجْلس دون أَن يكتبوا شَهَادَتهم عَلَيْهَا، ثمَّ يؤدونها عِنْده بعد ذَلِك الْمجْلس فَإِنَّهُ يعْذر إِلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِذا أنكر مقَالَته تِلْكَ من غير خلاف أعلمهُ فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْوَجْه الأول اه. وَنَقله صَاحب التَّبْصِرَة عَن الْمُفِيد.(1/111)
تَنْبِيهَانِ. الأول: يفهم من هَذَا أَن عدم الْإِعْذَار إِنَّمَا هُوَ إِذا نَص الشُّهُود على أَن الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار وَقع بِالْمَجْلِسِ، وَنَصّ القَاضِي أَيْضا أَن الْأَدَاء وَقع بذلك الْمجْلس فَيَقُول مثلا: أديا بِمَجْلِس الْإِقْرَار أَعْلَاهُ الخ. وَإِلَّا فَمن أَيْن لنا أَن كلاًّ من الْإِقْرَار وَالْأَدَاء وَقع بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يسْقط الْإِعْذَار فِي ذَلِك عِنْد هَذَا الْحَاكِم أَو عِنْد من بعده وَالله أعلم. الثَّانِي: مَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم من عدم الْإِعْذَار فِي شَاهِدي الْمجْلس صرح المتيطي بمشهوريته كَمَا مرّ، وَبِه قَالَ ابْن الْعَطَّار وَغَيره. وَقَالَ ابْن الفخار: لَا بُد من الْإِعْذَار فيهمَا لِأَن القَاضِي لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَا بِمَا يقر بِهِ عِنْده دون بَيِّنَة وَلَا بِشَهَادَة غير العدلين وَهُوَ يعلم أَن مَا شَهدا بِهِ حق فَإِذا كَانَ هَكَذَا فَكيف يقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا من غير إعذار وَكَيف ينْكَشف عِنْد الْإِعْذَار أَنَّهُمَا غير عَدْلَيْنِ بِإِثْبَات عَدَاوَة أَو فسق؟ ابْن سهل: وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْقيَاس الصَّحِيح المطرد لمن قَالَ: إِن القَاضِي لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَا بِمَا سمع فِي مجْلِس نظره، لَكِن الَّذِي قَالَه ابْن الْعَطَّار بِهِ جرى الْعَمَل وَهُوَ عِنْدِي الِاسْتِحْسَان ويعضده قَول مطرف وَابْن الْمَاجشون وَبِه أَخذ سَحْنُون أَنه يقْضِي بِمَا سمع فِي مجْلِس نظره اه. فقد علمت من هَذَا أَن سُقُوط الْإِعْذَار فِي مَسْأَلَة النَّاظِم لَا يتمشى إِلَّا على قَول سَحْنُون وَمن مَعَه دون الْمَشْهُور من قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب: من أَن القَاضِي لَا يحكم بِمَا سَمعه كَمَا رَأَيْته فِي كَلَام ابْن سهل وَابْن الفخار. وَبَيَانه: أَنه إِذا أسقط الْإِعْذَار فيهمَا قَالَ الْخصم: إِنَّمَا أردْت أَن تحكم عَليّ بعلمك، وَزَعَمت أَنه شهد عَليّ شَاهِدَانِ ومنعتني من تسميتهما والإعذار فيهمَا فَمَا ذَاك إِلَّا لتتوصل إِلَى الحكم بعلمك بل بهواك، فَالْبَيِّنَة حِينَئِذٍ مُسْتَغْنى عَنْهَا لوجودها فِي الصُّورَة فَقَط وَلَو سَمَّاهَا وَأبْدى مطعناً لم يقبل مِنْهُ فَلم يبْق سَبَب لحكمه إِلَّا مُجَرّد علمه، وَقد تقدم قَوْله: وَعلمه بِصدق غير الْعدْل لَا الخ. فالجاري على مَذْهَب مَالك وَابْن الْقَاسِم أَنه لَا بُد من الْإِعْذَار كَمَا قَالَ ابْن الفخار. قَالَ ابْن مُحرز: وَهُوَ الظَّاهِر وَإِذا تَأَمَّلت مَا مرّ عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ. علمت أَن الْوَاجِب فِي زَمَاننَا هَذَا هُوَ الْإِعْذَار وَأَن مَا قَالَه النَّاظِم وَغَيره يجب كتمه بِالنِّسْبَةِ لقضاة الزَّمَان إِذْ مَا شَاءَ حَاكم أَن يحكم بِرَأْيهِ إِلَّا زعم أَنه أقرّ عِنْده فِي مَجْلِسه، وَشهد على إِقْرَاره شَاهِدَانِ وَأَنه لَا يلْزمه الْإِعْذَار فيهمَا وَلَا تسميتهما لِأَنَّهُ لَو سَمَّاهَا وأتى بمطعن لَا يقبل، وَلَو صَحَّ مَا ذكر هُنَا لبطل قَوْله فِيمَا مر وَعلمه بِصدق الخ. ولصح قَوْله وَقَول سَحْنُون الخ لِأَن الْأَمر آل هُنَا إِلَى حكمه بِعِلْمِهِ كَمَا ترى وكما يَأْتِي عِنْد قَوْله: والفحص من تِلْقَاء قَاض قنعا فِيهِ بِوَاحِد فِي الْأَمريْنِ مَعًا وَلذَا كَانَ الْقُضَاة الْيَوْم يُعْطون النّسخ من أحكامهم وتأجيلاتهم وإعذاراتهم وَالله أعلم. (وَلَا) عاطفة كَالَّتِي قبلهَا أَي وَلَا يعْمل فِي (اللفيف فِي الْقسَامَة) يتَعَلَّق بقوله (اعْتمد) وَالْجُمْلَة(1/112)
حَال من اللفيف أَي حَال كَونه اعْتمد عَلَيْهِ فِي الْقسَامَة وَجعل لوثاً فِيهَا وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ. مشهورهما أَنه لَيْسَ بلوث وعَلى مُقَابِله درج النَّاظِم فِي الدِّمَاء حَيْثُ قَالَ فِي أَمْثِلَة اللوث: أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا. الخ. وَفهم من قَوْله فِي الْقسَامَة أَنه لَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي غَيرهَا وَالْعَمَل بفاس على جَوَاز شَهَادَته فِي الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَغَيرهمَا فَيثبت بهَا الدَّم وَغَيره ويقتص من الْقَاتِل بهَا مَعَ الْقسَامَة حَيْثُ بلغ اللفيف اثْنَي عشر فَأكْثر على مَا هُوَ مُبين فِي شرح اللامية وَغَيرهَا وَمعنى عدم الْإِعْذَار فِيهِ أَنه لَا يقبل التجريح فِيهِ بِكُل مَا يجرح بِهِ الْعدْل من مطل وَحلف بِعِتْق وَطَلَاق وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ مَدْخُول فِيهِ على عدم الْعَدَالَة. نعم لَا بُد فِيهِ من ستر الْحَال فَلَا يقبل تَارِك الصَّلَاة وَلَا المجاهر بالكبائر من كَثْرَة كذب وَإِظْهَار سكر وقمار وسفه ومجون وَلَا مُتَّهم كصديق وَقَرِيب للْمَشْهُود لَهُ أَو عَدو للْمَشْهُود عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلَا مِمَّن فِيهِ عصبية فَفِي الْبُرْزُليّ قبيل النَّفَقَات أثْنَاء كَلَامه على شَهَادَة اللفيف مَا نَصه: شاع وذاع فِي الْعَامَّة أَن يشْهد بَعضهم لبَعض على وَجه الْإِعَانَة واستخلاص الْحُقُوق ويستند بَعضهم إِلَى خبر بعض من غير تَحْقِيق علم اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الدِّمَاء عِنْد قَوْله: أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا. الخ ... ثمَّ لَا بُد من استفساره لِأَنَّهُ قَائِم مقَام تزكيته، وَسَوَاء كَانَ فِي الرَّسْم إِجْمَال أَو احْتِمَال أم لَا لِأَن كل من لَا يكْتب شَهَادَته لَا بُد من استفساره لفيفاً أَو غَيره إِذْ لَعَلَّ الْكَاتِب كتب مَا لم يشْهد بِهِ وَهُوَ من حق الْخصم على عمل الفاسيين. وَصفته: أَن يقْرَأ الرَّسْم الْمُقَيد عَنْهُم أَولا على كل وَاحِد مِنْهُم إِن لم يحضروا جَمِيعًا أَو على جَمِيعهم إِن حَضَرُوا كلهم قِرَاءَة تفهم، فَإِذا كملت قِرَاءَته سَأَلَهُ عَن أَدَاء شَهَادَته كَيفَ يُؤَدِّيهَا وَعَن مُسْتَند علمه فِيهَا فَإِذا أجَاب بِشَيْء كتبه بِلَفْظِهِ حرفا حرفا وَلَو ملحوناً ويسأله عَن كل فصل يتَوَقَّف تَمام الشَّهَادَة عَلَيْهِ على حِدته فَيَقُول لَهُ: مَا علمك فِي هَذَا الْفَصْل وَفِي هَذَا وَلَا يكْتب عَلَيْهِ أَنه أسقط فصلا من فصولها بِمُجَرَّد سُكُوته عَنهُ كَمَا يَفْعَله كثير من جهلة الْعُدُول، بل حَتَّى يسْأَله عَنهُ بِخُصُوصِهِ وَلَا يُحَقّق فِيهِ شَيْئا وَإِن غلط فَلَا يؤاخذه بِهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وخصم إِن يعجز الخ. وَهَكَذَا يفعل فِي الثَّانِي وَالثَّالِث حَتَّى يَأْتِي على الْأَخير وَإِن رَجَعَ بَعضهم كتب ذَلِك. وَإِن امْتنع من الْأَدَاء كتب يشْهد من يضع اسْمه أَثَره أَنه حضر بِموضع كَذَا وَسَأَلَ الشَّاهِد أَعْلَاهُ أَو حوله عَن شَهَادَته فَامْتنعَ من أَدَائِهَا امتناعاً كلياً فَمن عاين امْتِنَاعه الْمَذْكُور قَيده فِي كَذَا، فَإِذا ثَبت امْتِنَاعه سَقَطت شَهَادَته كامتناع الْعدْل من أَدَائِهَا. وَقيل: يهدد الْمُمْتَنع فَإِذا لج فِي الِامْتِنَاع جَازَت شَهَادَته، ثمَّ إِذا كمل الاستفسار وَوَافَقَ أَدَاؤُهُ مَا قيد عَنْهُم أَولا ثبتَتْ شَهَادَتهم وَيبقى المدفع فيهم بالعداوة وَترك الصَّلَاة وَنَحْوهَا مِمَّا مرّ لَا بِكُل قَادِح لِأَنَّهُ مَدْخُول فيهم على عدم تَمام الْعَدَالَة كَمَا مرّ، وَإِن خَالف أَدَاؤُهُ شَهَادَته أَولا سَقَطت الأولى وَالثَّانيَِة وَالْمُعْتَبر فِي الْمُخَالفَة اخْتِلَاف الْمَعْنى لَا اللَّفْظ، وَإِن بَقِي إِجْمَال بعد الاستفصال بغفلة مِمَّن بحثهم عَنهُ سئلوا عَنهُ كَمَا يسْأَل الشَّاهِد عَنهُ بعد أَدَاء شَهَادَته كَمَا فِي المعيار قَالَ فِيهِ وَمَا يتحيل بِهِ الشُّهُود من سُؤال الشَّاهِد المستفسر عَن أَشْيَاء تغلطه من الْفساد، بل الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الرِّوَايَة أَن القَاضِي يسْأَله عَمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الحكم وَلَا يشْتَرط حُضُور الْمَشْهُود عَلَيْهِ للاستفسار كَمَا لَا يجب على الْمَشْهُود لَهُ جلبهم لَهُ وَإِن كَانُوا من الْبَادِيَة مثلا، وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ أَن يعينهم للمطلوب وشأنه باستفسارهم قَالَه العبدوسي وَغَيره، ثمَّ إِذا مَاتَ الشُّهُود أَو غَابُوا قبل الاستفسار فَإِنَّهُ يحكم بِشَهَادَتِهِم حَيْثُ كَانَت خَالِيَة من الْإِجْمَال وَالِاحْتِمَال لِأَن الأَصْل(1/113)
استمرارها وَعدم وجود مَا يُبْطِلهَا فَإِذا كَانَ فِيهَا إِجْمَال فَفِي الْبُرْزُليّ عَن أبي عمرَان يستفسر الشُّهُود إِذا قَالُوا: هَذِه الدَّابَّة لفُلَان هَل يعلمُونَ أَنه بَاعهَا أم لَا؟ فَإِن غَابُوا حكم بِشَهَادَتِهِم، وَقيل: إِذا كَانُوا من أهل الْعلم وإلاَّ فَلَا اه. وَاخْتلف إِذا كَانُوا حضوراً وَلم يقم الْمَشْهُود لَهُ بهَا حَتَّى مَضَت سِتَّة أشهر فَأكْثر، وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل أَن الرَّسْم إِذا جَاوز الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَادّعى الْخصم فِيهِ مطعناً من غير الاستفسار مكن مِنْهُ، وَأما إِن طلب نُسْخَة للاستفسار فَإِنَّهُ لَا يُمكن وَيحكم بِهِ كَذَلِك من غير استفسار قَالَه أَبُو زيد التَّالِي. وَنَقله سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي، وَفِي المعيار جرى عمل بعض قُضَاة الْمغرب باستحسان ترك الاستفسار بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر من أَدَاء الشَّهَادَة مُعْتَلًّا بِأَن هَذِه مَظَنَّة النسْيَان. زَاد فِي الْفَائِق مَا نَصه: وَبَعْضهمْ يَقُول بِاعْتِبَار سِتَّة أشهر إِن أَدَّاهَا إِثْر تحملهَا، وَأما إِن طَال زمن تحملهَا ثمَّ زعم نسيانها بعد سِتَّة أشهر من أَدَائِهَا فَإِنَّهُ لَا يقبل قَالَ: وَهَذِه كلهَا استحسانات خَارِجَة عَن الْأُصُول اه. وَمَفْهُوم قَوْله من أَدَائِهَا أَنهم إِذا مَاتُوا أَو غَابُوا قبل الْأَدَاء لَا يعْمل بهَا وَهُوَ الَّذِي نَقله بعض الثِّقَات عَن المجاصي وَأَنه رفعت إِلَيْهِ بَيِّنَة اللفيف على عين بلد لأَوْلَاد ابْن بكار وَهِي غير مُؤَدَّاة وَلها نَحْو الثَّمَانِينَ سنة فَلم يحكم بهَا اه. وَهَذَا ظَاهر إِن كَانَ الْأَدَاء غير الاستفسار كَمَا فِي (ت) فِي شرح اللامية: وإلاَّ فالمعمول بِهِ الْيَوْم أَن القَاضِي يَكْتَفِي بِمَا قَيده المتلقي عَنْهُم وَيكْتب عقب أَدّوا أَو شهدُوا لَدَى من قدم لذَلِك فَثَبت الخ. وَلَا يطالبهم بِالْأَدَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قدم المتلقي للتلقية وَالْأَدَاء، وَحِينَئِذٍ فَيعْمل بِهِ حَيْثُ كتب القَاضِي شهدُوا وأدوا وَلَو طَال الزَّمَان وَمَا قَالَه المجاصي لَعَلَّه مَبْنِيّ على أَن الْأَدَاء لَا يكون إِلَّا عِنْد القَاضِي أَي فيؤدون عَلَيْهِ بعد التلقية، ثمَّ إِن طلب الاستفسار استفسروا وَهُوَ الَّذِي لأبي الْحسن، وَمن الْمَعْلُوم أَن الِاسْتِحْسَان مقدم على الْقيَاس، وَلذَا عول عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل الْمُطلق فَقَالَ: واستحسنوا إِن مر نصف عَام من الْأَدَاء ترك الِاسْتِفْهَام وَفِي جَوَاب لسيدي عَليّ بن هَارُون مَا نَصه: جرى الْعَمَل بالتحديد فِي نُسْخَة الاستفسار بِسِتَّة أشهر مَعَ الْعلم فَإِن زَادَت الْمدَّة فَلَا تُعْطى فِيهَا نُسْخَة وتعطى مُطلقًا مَعَ عدم الْعلم، وَالْقَوْل قَول من لَهُ الْحق فِي ذَلِك أَنه لَا علم عِنْده وَلَوْلَا ذَلِك لضاعت الْحُقُوق اه. قلت: وَلَعَلَّ هَذَا القَوْل الْمفصل هُوَ الَّذِي أصَاب الْمفصل. تَنْبِيهَات الأول: الشَّاهِد غير المبرز الَّذِي لَا يعرف مَا تصح بِهِ الشَّهَادَة حكمه حكم اللفيف فِي وجوب الاستفسار عَن كَيْفيَّة علمه بِمَا شهد بِهِ كَمَا فِي التَّبْصِرَة، وَظَاهره كَانَ فِي الْوَثِيقَة إِجْمَال أم لَا. وَأما الْعدْل المبرز الْعَارِف بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة فَلَا يستفسر حَيْثُ لَا إِجْمَال مُطلقًا، وَأما المبرز غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة فيستفسر إِذا أبهم أَو أجمل كَالَّذي قبله كشهادته بِأَن الْمَرْأَة اخْتلعت من زَوجهَا وسلمت لَهُ فِي جَمِيع صَدَاقهَا ومطالبها ثمَّ قَامَت بعد ذَلِك تطالبه بِحَق خَارج عَن مطَالب الزَّوْجِيَّة زاعمة أَن تَسْلِيمهَا إِنَّمَا وَقع فِيمَا يرجع للزوجية فَهُنَا يسْأَل الشَّاهِد عَمَّا شهد بِهِ وَعَما فهمه من حَال الْمَرْأَة عِنْد الشَّهَادَة هَل مَا ادَّعَتْهُ الْآن أَو مَا ادَّعَاهُ الزَّوْج عَلَيْهَا من التَّعْمِيم قَالَه سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي. قلت: وَيفهم مِنْهُ أَن الْخلاف بَين ابْن رشد وَابْن الْحَاج الْمشَار لَهُ بقول اللامية: وَإِن عمم الْإِبْرَاء وَالْخلْع سَابق الخ. إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يُحَقّق الشَّاهِد عِنْد الاستفسار شَيْئا أَو تعذر استفساره لمَوْته أَو غيبته وإلاَّ فَالْعِبْرَة بِمَا حَقَّقَهُ الشَّاهِد اتِّفَاقًا مِنْهُمَا فتحققه منصفاً.(1/114)
الثَّانِي: لَا بُد فِي الاستفسار من شَاهِدين يسألان اللفيف عَمَّا شهدُوا بِهِ وَلَا يَكْفِي الْوَاحِد لأَنهم إِن ثبتوا على شَهَادَتهم على نَحْو مَا قيدها عَنْهُم الْأَوَّلَانِ فسماع هَذَا مِنْهُم زَائِد لَا عِبْرَة بِهِ، وَإِن رجعُوا عَنْهَا فَلَا يثبت رجوعهم بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد قَالَه الزياتي فِي نوازله عَن سَيِّدي الْعَرَبِيّ الفاسي قَالَ: وَأما السماع من اللفيف فَعمل المراكشيين على أَنه لَا بُد من اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ كالنقل، وَعمل الفاسيين على الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ لِأَنَّهُ من بَاب الْأَدَاء وَالسَّامِع مِنْهُ نَائِب عَن القَاضِي فِي ذَلِك، فَيشْهد اللفيف عِنْد عدل عينه القَاضِي نصا أَو بِعُمُوم الْإِذْن لَهُ فِي تحمل الشَّهَادَات، فَإِذا أدّى اللفيف لَدَيْهِ كتب مضمن شَهَادَتهم فِي رسم وأرخه ثمَّ كتب أَسْمَاءَهُم عقب التَّارِيخ ثمَّ يطالع القَاضِي بذلك فَيكْتب بِخَطِّهِ عقب أسمائهم شهدُوا لَدَى من قدم لذَلِك لموجبه فَثَبت فَقَوله: شهدُوا أَي اللفيف لَدَى أَي عِنْد من قدم أَي قدمه القَاضِي لسَمَاع الْبَينَات بِإِذن خَاص أَو عَام، فالفاعل الَّذِي حول عَنهُ الْإِسْنَاد هُوَ القَاضِي لذَلِك أَي لسَمَاع الْبَينَات اللفيفية لموجبه أَي لموجب تَقْدِيمه لذَلِك لكَونه عدلا صَالحا لذَلِك، ولضرورة استنابة القَاضِي إِيَّاه فِي ذَلِك لعسر مُبَاشرَة القَاضِي فَثَبت أَي أداؤهم أَي أَدَاء اللفيف عِنْد من ذكر، ثمَّ يكْتب بعد ذَلِك رسم التسجيل عقبه فِيهِ إِشْهَاد القَاضِي بِثُبُوت ذَلِك الرَّسْم عِنْده. الثَّالِث: مَا مر من أَن الرَّسْم يقْرَأ على اللفيف عِنْد إِرَادَة الاستفسار هُوَ مَا وقفت عَلَيْهِ لغير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين، وَأما غير اللفيف فَقَالَ فِي التَّبْصِرَة شَهَادَة الاسترعاء لَا بُد أَن يستحضرها الشُّهُود من غير أَن يرَوا الْوَثِيقَة إِذا كَانَت الْوَثِيقَة مَبْنِيَّة على معرفَة الشُّهُود كشهادتهم بمعاينة الْغَصْب والحيازة وَنَحْوهمَا، فَإِذا رأى الْحَاكِم رِيبَة من إِجْمَال أَو احْتِمَال توجب التثبت، فَيَنْبَغِي أَن يَقُول لَهُم مَا تَشْهَدُون بِهِ فَإِن ذكرُوا بألسنتهم مَا فِي الْوَثِيقَة وَإِلَّا ردهَا. قَالَ: وَأما إِن كَانَت الْوَثِيقَة منعقدة على إِشْهَاد الشَّاهِدين، فَلَا يَنْبَغِي أَن يُؤَاخذ الشُّهُود بِحِفْظ مَا فِي الْوَثِيقَة وحسبهم أَن يَقُولُوا: إِن شَهَادَتهم فِيهَا حق وَلَا يمسك القَاضِي الْكتاب ويسألهم عَنْهَا اه بِبَعْض اخْتِصَار وَزِيَادَة إِيضَاح. وَظَاهره أَن المنعقدة على إِشْهَاد الشَّاهِدين لَا استفسار فِيهَا وَلَو مَعَ إِجْمَال أَو احْتِمَال لِأَن الشَّاهِد حِينَئِذٍ إِنَّمَا حكى قَول الْمُتَعَاقدين وَهُوَ مُخَالف لما مرّ فِي مَسْأَلَة الْخلْع من أَنهم يسْأَلُون عَمَّا فهموه من حَال الْمُتَعَاقدين ومخالف لما نَص عَلَيْهِ ابْن لب فِي جَوَاب لَهُ نَقله الشَّارِح وَغَيره عِنْد قَوْله: وَالزَّوْج حَيْثُ لم يجدهَا بكرا. الخ. قَائِلا مَا نَصه الْوَاجِب فِي شَأْن اتِّصَال تِلْكَ الْعِصْمَة أَن يستفسر شُهُود التفاصل والانفصال فَإِن كَانُوا قد فَهموا من الزَّوْج الطَّلَاق وأدوا على ذَلِك فَهُوَ كَذَلِك وَإِن فَهموا بَقَاء الْعِصْمَة وأدوا على ذَلِك قلدوا وَحلف الزَّوْج أَنه مَا أَرَادَ طَلَاقا اه. وَهَذَا من أدل دَلِيل على دُخُول الاستفسار فِي شَهَادَة الأَصْل خلافًا لمن وهم من بعض شُيُوخنَا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة رَاجع إِلَى الشَّهَادَة بالفهم وَفِي إعمالها نزاع تقدم عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ بالجائز للْقَاضِي إِذا. وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن الخ ... إِن الشَّهَادَة بِمَا يفهم من الْقَرَائِن وَالْأَحْوَال لَا تقبل إِلَّا من المبرز فِي علم الْحَقَائِق وَأَيْنَ هُوَ، وَلذَا لم يذكر فِي الْفَائِق وجوب الاستفسار إِلَّا فِي شُهُود الاسترعاء فَقَالَ: إِن عمل الْقُضَاة جرى باستفسار شُهُود الاسترعاء عَن شَهَادَتهم وَبعد أَدَائِهَا عَن فُصُول الْوَثِيقَة ومضمونها الخ. وَيفهم مِنْهُ وَمِمَّا مر أَنهم لَا يستفسرون عَمَّا لَيْسَ من فُصُول الْوَثِيقَة كسؤالهم عَن وَقت الْوَاقِعَة ومكانها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يضر جَهله كَمَا يَفْعَله بعض الْقُضَاة الْيَوْم، بل ذَلِك من الْفساد كَمَا مرّ، وَإِنَّمَا استحسنوا(1/115)
ذَلِك فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة كَمَا قَالَ (خَ) وَندب سُؤَالهمْ كالسرقة مَا هِيَ وَكَيف أخذت الخ. . بل ذكر شراحه عِنْد قَوْله فِي الْقسَامَة، وَإِذا اخْتلف شاهداه بَطل أَن شُهُود اللوث لَا يلْزمهُم بَيَان الزَّمَان وَالْمَكَان وَنَحْوهمَا، وَإِذا كَانَ هَذَا فِيمَا يُوجب الْقَتْل فَكيف بِهِ فِي غَيره. الرَّابِع: مَا مرّ من أَن الْعبْرَة فِي الْمُخَالفَة اخْتِلَاف الْمَعْنى لَا اللَّفْظ هُوَ الَّذِي صرح بِهِ من لَا يُحْصى مِمَّن تكلم على شَهَادَة اللفيف فَلَا يرد مَا لِابْنِ الْهِنْدِيّ فِي وثائقه من أَن شَهَادَة الأبداد لَا تعْمل شَيْئا إِذا شهد كل وَاحِد مِنْهُم بِغَيْر نَص مَا شهد بِهِ صَاحبه وَإِن اتّفقت شَهَادَتهم فِي الْمَعْنى اه. لِأَن كَلَامه فِي الْعُدُول العارفين بمعاني الْأَلْفَاظ وصيغها واللفيف لَا يَتَأَتَّى مِنْهُم ذَلِك فِي الْغَالِب على أَنه قد ورد عَن مَالك مَا يدل على جَوَازهَا فَفِي أَحْكَام ابْن سهل عَن الإِمَام مَالك فِي شَاهِدين شهد أَحدهمَا فِي منزل أَنه مسكن هَذَا وَشهد آخر أَنَّهَا حيزه فَقَالَ: هِيَ شَهَادَة وَاحِدَة وَلَا تفرق، وَقد يكون الْكَلَام فِي الشَّهَادَة مُخْتَلفا، وَالْمعْنَى وَاحِد فأراهما قد اجْتمعَا على الشَّهَادَة، قَالَ سَحْنُون: معنى حيزه أَنه ملكه وَحقه وَفِي التَّقْرِيب على التَّهْذِيب: لَو شهد رجل أَن زيدا بَاعَ سلْعَته من عَمْرو وَشهد آخر بإقرارهما بِالْبيعِ فشهادتهما كَامِلَة لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنى قد اجْتمعَا على نقل الْملك اه. والأبداد: بدالين مهملتين التَّفَرُّق وَمِنْه قَوْلهم بدد الله شَمل الْعَدو. وَلَا الكَثِيرُ فِيهِمُ العُدُولُ والْخُلْفُ فِي جَمِيعها مَنْقُولُ (وَلَا الْكثير) مَعْطُوف على مَا مرّ (فيهم) خبر (الْعُدُول) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة حَال، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكره ابْن سهل فِي مَسْأَلَة أبي الْخَيْر الملقب لزندقته بِأبي الشَّرّ شهد عَلَيْهِ بأنواع كَثِيرَة من الزندقة الْوَاضِحَة عدد كثير ثبتَتْ عَدَالَة نَحْو الْعشْرين مِنْهُم وَأكْثر من ضعفهم استظهاراً، فَأفْتى قَاضِي الْجَمَاعَة مُنْذر بن سعيد وَإِسْحَاق بن إبراهم وَأحمد بن مطرف بقتْله دون إعذار وَحكم بِهِ وَلم يلْتَفت إِلَى من قَالَ بالإعذار لَهُ، وَظَاهر إِطْلَاق النَّاظِم أَن الْإِعْذَار مُنْتَفٍ مَعَ الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة فِي الْأَمْوَال وَغَيرهَا لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَى فِي الدِّمَاء مَعَ خطرها فَكيف بِهِ فِي الْأَمْوَال وَهُوَ كَذَلِك؟ قَالَ ابْن سهل عقب نَقله لفتوى من أفتى بقتل الزنديق الْمَذْكُور مَا نَصه: وَالْحق أَن من تظاهرت الشَّهَادَة عَلَيْهِ فِي إلحاد أَو غَيره هَذَا التظاهر فالإعذار إِلَيْهِ مَعْدُوم الْفَائِدَة، وَفهم من قَوْله الْكثير أَنهم إِذا لم يكثروا يعْذر فيهم وَهُوَ كَذَلِك قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَأما الْآجَال فِي حق الزَّنَادِقَة فمذهب الْمُحَقِّقين أَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِن استفاضت عَلَيْهِ الْأُمُور الْمُوجبَة للْقِيَام عَلَيْهِ فَلَا يعْذر إِلَيْهِ وَلَا يضْرب لَهُ أجل، وَإِن كَانَ على اخْتِلَاف ذَلِك فَإِنَّهُ يُؤَجل شهرا لدفع الْبَيِّنَة، فَإِن طلب أَََجَلًا آخر ورجى ثُبُوت(1/116)
حجَّته أجل أَََجَلًا آخر دون الأول أَو مثله بِالِاجْتِهَادِ وَإِن لم يرج لم يُوسع عَلَيْهِ (وَالْخلف) مُبْتَدأ (فِي جَمِيعهَا) أَي جَمِيع مَا مر أَنه لَا يعْذر فِيهِ يتَعَلَّق بقوله: (مَنْقُول) خبر الْمُبْتَدَأ، وَقد نبهنا على الْخلاف فِي كل مَسْأَلَة بخصوصها عِنْد الْكَلَام عَلَيْهَا. تَنْبِيهَانِ الأول: مَا تقدم من عدم الْإِعْذَار فِي الموجه للتطليق وَعَدَمه إِنَّمَا هُوَ من حَيْثُ الطعْن فِيهِ بالقوادح كَمَا يفهم من التَّعْلِيل بقوله مِنْهُ بَدَلا الخ. لَا من حَيْثُ معارضته بِبَيِّنَة أُخْرَى كَمَا إِذا شهد الموجه بِأَنَّهَا طلقت نَفسهَا فِي وَقت كَذَا من يَوْم كَذَا وَطلب الزَّوْج أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة تشهد بِأَنَّهَا لم تتلفظ بِالطَّلَاق أصلا فِي ذَلِك الْوَقْت أَو لم يحلفهُ فِي ذَلِك الْوَقْت وَنَحْو ذَلِك من الْوُجُوه الْمُعَارضَة الْمُوجبَة للتهاتر أَو الصيرورة للترجيح، فَهَذَا يَنْبَغِي أَن يعْذر لَهُ فِيهِ ويؤجل لإثباته إِذْ لَا أقل أَن توجب الْمُعَارضَة الْمَذْكُورَة الْخلاف، وَيحْتَاج النَّاظر فِي الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ إِلَى مزِيد تَحْرِير وإتقان، وَقد نقل (ح) أَن الْبَيِّنَتَيْنِ إِذا تَعَارَضَتَا فنفت كل مِنْهُمَا مَا أثبتته الْأُخْرَى فِي وَقت مَخْصُوص وَمَكَان مَخْصُوص يكون تهاتراً ويصار للترجيح فَانْظُرْهُ، وَلَا سِيمَا والموجه قد يكون وَاحِدًا وَكَذَا يُقَال فِي اللفيف على مَا بِهِ الْعَمَل من إِعْمَال شَهَادَته مُطلقًا. وَقُلْنَا لَا يعْذر فِيهِ بِكُل القوادح إِذا أَرَادَ الْخصم معارضته فَيمكن كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد. الثَّانِي: بَقِي على النَّاظِم مِمَّا لَا إعذار فِيهِ شَهَادَة الْقَافِلَة بَعضهم لبَعض فِي حرابة إِذا شهد عَدْلَانِ مِنْهُم على من حاربهم بِأخذ مَال أَو قتل، فَإِن مَذْهَب مَالك فِي السلابة والمغيرين وَمَا أشبههم إِذا شهد المسلوبون والمنتهبون قبُول شَهَادَتهم عَلَيْهِم إِذا كَانُوا من أهل الْقبُول دون إعذار، وَإِن أدّى إِلَى سفك دِمَائِهِمْ كَمَا فِي ابْن سهل عَن أبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق الْمَذْكُور، وَكَذَا لَا إعذار فِي شَهَادَة أهل الْقَافِلَة بَعضهم لبَعض عِنْد حَاكم الْبَلَد أَو الْقرْيَة الَّتِي حلوا أَو مروا بهَا بِمَا وَقع بَينهم من الْمُعَامَلَات فِي ذَلِك السّفر وَإِن لم يعرف حَاكم الْبَلَد عدالتهم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف فِيمَا يَأْتِي بقوله: وَمن عَلَيْهِ وسم خير قد ظهر. الخ. لِأَنَّهُ فِي ضَرُورَة السّفر مَدْخُول فيهم على عدم الْعَدَالَة، وَكَذَا لَا إعذار فِي مزكي السِّرّ كَمَا مرّ وَلَكِن الَّذِي عَلَيْهِ الْقُضَاة الْيَوْم وجوب الْإِعْذَار فِيهِ لما نبهنا عَلَيْهِ قبل فِي شَاهِدي الْمجْلس، وَيَأْتِي قَول النَّاظِم: والفحص من تَلقاهُ قَاض قنعا. وَأما المبرز فِي الْعَدَالَة فَالْمُعْتَمَد وجوب الْإِعْذَار فِيهِ بِكُل قَادِح كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَفِي المبرز بعداوة وقرابة وَإِن بِدُونِهِ كغيرهما على الْمُخْتَار، وَكَذَا من يخْشَى مِنْهُ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وجوب الْإِعْذَار فِيهِ، وَإِنَّمَا ذكره (خَ) مَعَ من لَا إعذار فِيهِ جمعا للنظائر قَالَه طفي أَي: لِأَن الْجمع للنظائر قد يرتكب فِيهِ غير الْمَشْهُور، وَكَذَا لَا إعذار فِي الشَّهَادَة بِالضَّرَرِ وَلَا فِي حكم الْحكمَيْنِ وَلَا فِي الشَّاهِد على القَاضِي بالجرحة، لِأَن طلبه للإعذار فِيهِ طلب لخطة الْقَضَاء وطلبها جرحة كَمَا تقدم، وَأما الْوكَالَة فَإِنَّمَا ترك الْإِعْذَار فِيهَا من تَركه لِأَن القَاضِي لَا بُد لَهُ من الْإِعْذَار عِنْد إِرَادَة الحكم بقوله: أبقيت لَك حجَّة فاستغني بذلك عَن الْإِعْذَار فِيهَا ابْتِدَاء فَلَا يسْقط فِيهَا الْإِعْذَار جملَة كَمَا فِي غَيرهَا مِمَّا مرّ، وَكَذَا الإراثة كَمَا فِي (ح) عَن ابْن بشير القَاضِي. وَالْحَاصِل أَن الطَّالِب للإعذار إِن كَانَ هُوَ الْمُوكل فَإِن طلبه قبل قبض الْوَكِيل وَلم يتَعَلَّق للْوَكِيل حق بِالْوكَالَةِ من بيع رهن بِيَدِهِ ليستوفي دينه وَنَحْو ذَلِك فَلَا وَجه للإعذار لِأَنَّهُ مُمكن من عَزله، وَإِن كَانَ بعد الْقَبْض وَتلف الْمَقْبُوض أَو تعلق للْوَكِيل حق بهَا فَلَا إِشْكَال فِي وجوب الْإِعْذَار لَهُ، وَإِن كَانَ(1/117)
الطَّالِب لَهُ هُوَ الدَّافِع فَإِن قُلْنَا: إِن الدَّافِع لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو ظَهرت سخطَة بشاهديها بعد قبض الْوَكِيل وهروبه أَو إفلاسه كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم لِأَنَّهُ دفع بِحكم، والمصيبة من الْمُوكل فَلَا حق للدافع فِي الْإِعْذَار بِلَا إِشْكَال، وَإِن قُلْنَا بضمانه فَكيف لَا يعْذر لَهُ إِذا طلبه ابْتِدَاء وانتهاء. بل استظهر ابْن رحال فِي شَرحه وجوب الْإِعْذَار لَهُ مَعَ عدم الضَّمَان قَائِلا لِأَنَّهُ قَائِم مقَام الْمُوكل فِي ذَلِك وَأما إِن قَالَ: لَا أدفَع المَال حَتَّى يعْذر إِلَى الْمُوكل فَفِي ابْن سَلمُون: إِن قربت غيبَة الْمُوكل كالثلاثة فدون كتب إِلَيْهِ وَإِن بَعدت الْغَيْبَة حكم عَلَيْهِ بِالدفع، وَحِينَئِذٍ فَمن نفى الْإِعْذَار فِيهَا مُرَاده إِذا طلب الْغَرِيم الْإِعْذَار لنَفسِهِ مُطلقًا أَو لرب الْحق مَعَ بعد الْغَيْبَة كَمَا ترى، وَهَذَا كُله إِذا ثبتَتْ الْوكَالَة عِنْد القَاضِي، وَأما إِن لم تثبت واعترف الْغَرِيم بِصِحَّتِهَا فَحكم عَلَيْهِ الْحَاكِم بِالْأَدَاءِ ثمَّ تبين عدم صِحَّتهَا وَقد هرب الْوَكِيل أَو فلس فعلى الدَّافِع الْغرم والمصيبة مِنْهُ لِأَنَّهُ غَار لنَفسِهِ باعترافه كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن فَرِحُونَ فِي الْقَضَاء بالإمارات هَذَا تَحْرِير الْمَسْأَلَة فِيمَا يظْهر وَلم أَقف عَلَيْهِ محرراً هَكَذَا وَالله أعلم.
(فصل فِي خطاب الْقُضَاة)
وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ (م) أَن يكْتب قَاضِي بلد إِلَى قَاضِي بلد آخر بِمَا ثَبت عِنْده من حق الْإِنْسَان فِي بلد القَاضِي الْكَاتِب على آخر فِي بلد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ ليحكم عَلَيْهِ هُنَالك عملا بقوله: وَالْحكم فِي الْمَشْهُور حَيْثُ الْمُدعى عَلَيْهِ الخ ... وَهَذَا التَّعْرِيف لَا يَشْمَل الإنهاء بالمشافهة مَعَ أَنه خطاب فَهُوَ غير منعكس، لَكِن لما لم يتَعَرَّض المُصَنّف لَهُ دَاخل الْفَصْل اقْتصر على تَعْرِيفه بِمَا ذكر، وَهُوَ يَشْمَل الإنهاء بِالْكِتَابَةِ وَالْخطاب على الرسوم الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم هَهُنَا. (وَمَا يتَعَلَّق بِهِ) من التَّعْجِيز والبشر وَنَحْوهمَا. ثُمَّ الخِطابُ لِلرُّسُومِ إنْ طُلِبْ حَتْمٌ عَلَى القاضِي وإلاَّ لَمْ يَجِبْ (ثمَّ) هِيَ للتَّرْتِيب الإخباري (الْخطاب) من قَاض لآخر بِمَا ثَبت عِنْده من صِحَة الرَّسْم وعدالة شاهديه، وَهُوَ مُبْتَدأ (للرسوم) فِيهَا أَو عَلَيْهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: ويخرون للأذقان} (الْإِسْرَاء: 109) أَي عَلَيْهَا وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} (الْأَنْبِيَاء: 47) أَي فِيهِ يتَعَلَّق بِالْخِطَابِ (إِن طلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول شَرط أَي إِن طلبه الْخصم من القَاضِي (حتم) خبر وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للْعلم بِهِ مِمَّا قبله كَقَوْلِه: أَنْت ظَالِم إِن فعلت لِأَن رُتْبَة قَوْله: حتم التَّقْدِيم (على القَاضِي وَإِلَّا) يَطْلُبهُ الْخصم من القَاضِي (لم يجب) عَلَيْهِ وَلَا مَفْهُوم للرسوم بل بالمشافهة، كَذَلِك حَيْثُ(1/118)
طلبه الْخصم أَيْضا (خَ) وأنهى لغيره بمشافهة إِن كَانَ كل بولايته وبشاهدين مُطلقًا الخ. ابْن رشد: يجب على القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَن يصل نظره بِمَا ثَبت عِنْد القَاضِي الْكَاتِب، فَإِن كتب بِثُبُوت شَهَادَتهم فَقَط أَي لَا بقبولهم لم يؤمروا بِإِعَادَة شَهَادَتهم وَنظر فِي تعديلهم، وَإِن كتب بتعديلهم وقبوله إيَّاهُم أعذر للْمَشْهُود عَلَيْهِ فيهم، وَإِن كتب أَنه أعذر فعجز عَن الدّفع أمضى الحكم عَلَيْهِ. وَالْحَاصِل أَنه يبْنى على فعل الأول (خَ) فنفذه الثَّانِي وَبنى كَأَن نقل لخطة أُخْرَى وَإِن حدا إِن كَانَ أَهلا أَو قَاضِي مصر الخ ... وَإِنَّمَا كَانَ يَبْنِي لِأَن إِشْهَاد القَاضِي الأول بِمَا ثَبت من شَهَادَتهم أَو تعديلهم أَو إعذار فيهم وَنَحْوه حكم بذلك، فَلَو لم يبن لَكَانَ متعقباً لحكم الأول. وَفِي (خَ) وَلَا يتعقب حكم الْعدْل الْعَالم، وَلِهَذَا اشْترط فِي الْبَانِي أَن يكون أَهلا أَو قَاضِي مصر لم يعرف جوره وَلَا جَهله لِأَن شَأْن قُضَاة الْأَمْصَار الْعلم، ثمَّ إِذا كَانَ الْخطاب على الحكم بِالْحَقِّ بِشَاهِدين فَإِن الْمُخَاطب بِالْفَتْح يعْذر فيهمَا للخصم فَإِن أَتَى بمدفع فيهمَا لم يحكم عَلَيْهِ، وَإِن ادّعى الدّفع فيهمَا بِحجَّة فِي بلد الْكَاتِب قيل لَهُ: أدِّ هُنَا مَا ثَبت عَلَيْك وامض فَإِن أثبت مَا تدعيه من الْحجَّة رجعت، وَإِنَّمَا وَجب الْإِعْذَار لِأَن الْمَكْتُوب إِلَيْهِ لم يوجههما بل هما موجهان إِلَيْهِ فَلَا يُعَارض مَا مرّ، وَيفهم من هَذَا أَن الْخطاب إِذا لم يكن بالشاهدين بل بِأَعْلَم بِصِحَّتِهِ وَنَحْوه على مَا بِهِ الْعَمَل الْيَوْم كَمَا يَأْتِي حكم بِمَا خَاطب بِهِ، وَإِن لم يكن إِشْهَاد فيبنى أَيْضا وَهُوَ وَاضح، وَأَن الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِذا لم يعرف خطّ الْكَاتِب وَعرف لَهُ بِهِ غَيره لَا بُد من الْإِعْذَار فِي الْعرف بِالْكَسْرِ وَهُوَ كَذَلِك، وَأَن إِشْهَاد الْحَاكِم بِصِحَّة الرَّسْم أَو ثُبُوته وَنَحْوهمَا أَو إِعْلَامه بذلك من غير إِشْهَاد على مَا بِهِ الْعَمَل لَيْسَ حكما بِالْحَقِّ وإلاَّ مَا احْتَاجَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِلَى الْبناء بل ينفذ ذَلِك الحكم فَقَط، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون اللَّفْظ الْمَذْكُور مُحْتملا للْحكم بِالْحَقِّ وللحكم بتعديل الْبَيِّنَة وَنَحْوه دون إِيقَاع حكم وَلَا يلْزم من الحكم بالتعديل مثلا الحكم بِالْحَقِّ لِأَن التَّعْدِيل رَاجع للْحكم بِعلم القَاضِي، وَقد يُعَارضهُ تجريح وَنَحْوه يمْنَع من الحكم بِالْحَقِّ على أَن كَونه حكما بالتعديل وَنَحْوه(1/119)
هُوَ مَا لِابْنِ رشد كَمَا مرّ عَنهُ وَصرح بِهِ ابْن عَرَفَة، وَالَّذِي لغيره أَنه لَيْسَ بِحكم أصلا وَهُوَ مَا تقدم أول الْبَاب، وَبِه صرح النَّاظِم فِي قَوْله بعد: وَلَيْسَ يُغني كتب قَاض كاكتفى. الخ ... وَلذَا قَالَ الْمَازرِيّ وَغَيره فِي قَاض خَاطب آخر بقوله: ثَبت عِنْدِي أَن فلَانا وَفُلَانًا اشتريا من فلَان فِي عقد وَاحِد كَذَا بِثمن سَمَّاهُ الخ أَن ذَلِك لَا يُوجب نقل الْملك فتترتب عَلَيْهِ آثاره من شُفْعَة وَنَحْوهَا إِذْ النَّقْل لَا يثبت إِلَّا باعتراف الْمُتَعَاقدين أَو حكم الْحَاكِم عَلَيْهِمَا بعد الْإِنْكَار، وَالْخطاب الْمَذْكُور لم يُصَرح فِيهِ بالاعتراف وَلَا بالحكم بِالْبيعِ، بل هُوَ مُحْتَمل للْحكم وَلما سواهُ من اسْتِمَاع لما أثْبته من بَيِّنَة زكيت دون إِيقَاع حكم وَلَا تلْزم القضايا بِلَفْظ فِيهِ إِشْكَال وإبهام اتِّفَاقًا. انْظُر أقضية المعيار وَأَن القَاضِي إِذا خَاطب بِحكم يجب أَن يكْتب حكمه وكل حجَّة لَهُ من تَعْدِيل أَو تجريح وَمُوجب حكمه لتَكون لَهُ حجَّة على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِن نازعه، إِذْ لَا يتم الْمَعْنى الَّذِي وَجب الْخطاب لأَجله إلاَّ بذلك وَأَن الْخطاب على رسم نَاقص لَا يجب إِذْ الْحجَّة لَا تقوم بِهِ لِأَنَّهُ سَاقِط الِاعْتِبَار كَمَا لَا تُعْطى مِنْهُ نُسْخَة كَمَا مرّ، فَإِذا أشهد الشَّاهِدين بوقتين مثلا وَلم يُقيد فِيهِ أَنه لَا يعلم أَن الدّين تأدى وَلَا سقط وَطلب الْخصم الْخطاب عَلَيْهِ فَلَا يُجَاب إِذْ لَا خطاب بِشَيْء نَاقص كَمَا فِي المعيار، وَفِي التَّبْصِرَة أَن الشَّهَادَة بِالدّينِ لمَيت أَو عَلَيْهِ لَا تتمّ إِلَّا إِذا قَالَ الشَّاهِد: إِنَّه لَا يعلم أَن الدّين تأدى أَو سقط اه بِالْمَعْنَى، وَهل يُسمى الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ الشُّهُود الَّذِي بنى عَلَيْهِم حكمه فِي خطابه يجْرِي ذَلِك على مَا يَأْتِي فِي فصل الحكم على الْغَائِب من أَنه إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ غَائِبا فَلَا بُد من التَّسْمِيَة لِأَنَّهُ على حجَّته. (خَ) وسمى الشُّهُود وإلاَّ نقض الخ. وَإِن كَانَ حَاضرا فالتسمية مُسْتَحبَّة، وَبِه الْعَمَل كَمَا فِي ضيح والتبصرة، وَلَكِن الْمُوَافق لما مرّ عِنْد قَول النَّاظِم وَقَول سَحْنُون الخ. وجوب التَّسْمِيَة حَتَّى فِي حق الْحَاضِر لَا استحبابها فَقَط لضعف عَدَالَة قُضَاة الْوَقْت، وَقد قَالَ فِي تَكْمِيل التَّقْيِيد مَا نَصه الْمَازرِيّ من الْمصلحَة وَالْحكمَة منع القَاضِي الحكم بِعِلْمِهِ خوف كَونه غير عدل فَيَقُول: علمت فِيمَا لم يُعلمهُ وَعَلِيهِ فَلَا يقبل قَوْله ثَبت عِنْدِي كَذَا إِلَّا أَن يُسَمِّي الْبَيِّنَة اه. وَأما إِن خَاطب بِمُجَرَّد شَهَادَتهم أَو بتعديله إيَّاهُم فَلَا بُد من التَّسْمِيَة لبَقَاء الْإِعْذَار وَلَا يُمكن إِلَّا بهَا، فَإِن قَالَ: ثَبت عِنْدِي بَيِّنَة عادلة أَن لفُلَان على فلَان كَذَا وَلم يسمهم رد خطابه، ثمَّ إِن الْأَحْوَط تَارِيخ الْخطاب لاحْتِمَال عزل القَاضِي الْكَاتِب لِأَن خطابه بعد عَزله وَقبل الْعلم بِهِ سَاقِط على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَكِيل يتَصَرَّف بعد الْعَزْل، وَقبل(1/120)
الْعلم الْمشَار لَهما بقول (خَ) وَفِي عَزله بعزله وَلم يعلم خلاف، وَلِأَن الْبَيِّنَة الَّتِي خَاطب بقبولها قد يَنْقَلِب حَالهَا إِلَى جرحة لم تكن فَإِذا تَأَخّر الْعَمَل بِالْخِطَابِ ثمَّ أعذر للخصم فِيهَا وَلم يكن تَارِيخ أمكنه إِبْطَالهَا بالجرحة الثَّابِتَة الْآن، وَلَا يُمكنهُ ذَلِك مَعَ التَّارِيخ لِسَلَامَةِ وَقت الْأَدَاء من الجرحة الْحَادِثَة قَالَه الشَّارِح. وَنَقله فِي المعيار مُسلما. قلت: وَالتَّعْلِيل الْأَخير يَقْتَضِي وجوب التَّارِيخ وَهُوَ يُؤَيّد مَا مرّ عِنْد قَوْله وَحقه إنهاء مَا فِي علمه الخ. من أَن الْفسق الطارىء بعد الْأَدَاء لَا يبطل الشَّهَادَة فَتَأَمّله، وَفِي نَوَازِل الزياتي أَن القَاضِي أَبَا عبد الله المكناسي سُئِلَ عَمَّن استظهر برسم عَلَيْهِ خطاب قَاض مَعْرُوف مَاتَ معزولاً، فَادّعى الْمَطْلُوب أَن القَاضِي خَاطب عَلَيْهِ بعد عَزله، وَخَالفهُ الطَّالِب فَقَالَ: إِن لم يكن للخطاب تَارِيخ يعلم بِهِ قدمه على عَزله لم يعْمل بِهِ اه. قلت: وَقد يؤرخ فِي حَال الْعَزْل بِالْيَوْمِ الَّذِي كَانَ مولى فِيهِ، وَقد شاهدنا من ذَلِك الْعجب العجاب فَلَا تَنْتفِي التُّهْمَة إِلَّا بالتسجيل عَلَيْهِ وَالله أعلم. وَلما أخبر أَن الْخطاب وَاجِب إِن طلبه الْخصم، وَكَانَ ذَلِك شَامِلًا للخطاب فِي الشَّاهِدين على كتاب القَاضِي الْكَاتِب يَشْهَدَانِ بِمَا فِيهِ عِنْد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ كَمَا مرّ عَن (خَ) وللخطاب الْمُجَرّد عَنْهُمَا، وَسَوَاء كَانَت الْكِتَابَة فِي بطاقة على حدتها مَعَ الإحالة على رسم الْحق أَو فِي رسم الْحق نَفسه، وَقَوله: للرسوم لَا يُنَافِي ذَلِك لِأَن المُرَاد على مضمنها كَانَ فِيهَا أَو على حِدته كَانَ بِشَاهِدين أم لَا؟ بَين أَن الصُّور كلهَا جَائِزَة، وَأَن الْخطاب بِالْكِتَابَةِ حَيْثُ كَانَ بِلَفْظ أعلم مَقْبُول على أَي وَجه كَانَ فَقَالَ: وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَى قَبُولِ مَا خاطَبَهُ قَاضٍ بِمثْلِ اعْلَما (وَالْعَمَل) مُبْتَدأ (الْيَوْم) ظرف يتَعَلَّق بِهِ (على قبُول مَا) خبر الْمُبْتَدَأ وَمَا مَوْصُولَة مُضَاف إِلَيْهِ وصلتها (خاطبه قَاض) و (بِمثل أعلما) يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ مقحم أَو بِمَعْنى نفس كَمَا قيل بِكُل مِنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: فَإِن آمنُوا بِمثل مَا آمنتم} (الْبَقَرَة: 137) الْآيَة. وَلَو قَالَ بِلَفْظ أعلما لِأَن الْخطاب إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَانه بِهِ لَا بِمثلِهِ وَلَا بِهِ وبمثله كأخبر كَانَ أولى قَالَه (ت) قلت: وَسَيَأْتِي أَن الِاقْتِصَار على لفظ أعلما مُجَرّد اصْطِلَاح وَلَو تغير الِاصْطِلَاح إِلَى غَيره مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ لصَحَّ الْخطاب بِهِ فاعتراضه إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لتقييد النّظم بِالْيَوْمِ اه. وَظَاهر النّظم الْقبُول وَإِن لم يكن إِشْهَاد وَهُوَ مُوَافق لما حَكَاهُ ابْن المناصف عَن أهل عصره من اتِّفَاقهم على قبُول كتاب القَاضِي(1/121)
بِمُجَرَّد معرفَة خطه دون إِشْهَاد عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَا يَسْتَطِيع أحد صرفهم عَنهُ فِيمَا أَظن مَعَ أَنِّي لَا أعلم فِيهِ خلافًا إِلَّا مَا وَقع فِي الْمَذْهَب أَن كتاب القَاضِي لَا يجوز بِمَعْرِِفَة خطه اه. وَقَوله: لَا أعلم فِيهِ خلافًا الخ. يَعْنِي بِهِ إلاَّ مَا وَقع لسَحْنُون من قبُوله كتب أمنائه كَمَا يَأْتِي، وَظَاهره أَيْضا أَن الْخطاب بِأَعْلَم يقبل مُطلقًا كَانَ الْمُخَاطب بِالْفَتْح معينا أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْعُتْبِيَّة فَيعْمل بِهِ مَعَ عدم التَّعْيِين كل من يقف عَلَيْهِ من الْقُضَاة إِذا عرف خطه أَو ثَبت بِبَيِّنَة عادلة أَنه خطه وَلَو بِشَاهِد وَاحِد على مَا للمكناسي فِي مجالسه عَمَّن أدْركهُ من الْقُضَاة ابْن المناصف، وَإِذا ثَبت خطّ القَاضِي الْكَاتِب وَجب الْعَمَل بِهِ، وَإِن لم تقم بَيِّنَة بذلك، وَالْقَاضِي يعرف خطّ القَاضِي الْكَاتِب فَوَاجِب عِنْدِي قبُوله بِمَعْرِِفَة خطه، وَقبُول سَحْنُون كتب أمنائه بِلَا بَيِّنَة يدل على ذَلِك وَلَيْسَ ذَلِك من بَاب قَضَاء القَاضِي بِعِلْمِهِ الَّذِي لَا يجوز الْقَضَاء بِهِ لِأَن وُرُود كتاب القَاضِي عَلَيْهِ بذلك الْحق كقيام بَيِّنَة عِنْده فقبوله الْكتاب بِمَا عرفه من خطه كقبوله بَيِّنَة بِمَا عرف من عدالتها اه. قلت: وَحَاصِل مَا قَالَه أَن قَضَاء القَاضِي يُعلمهُ الْمُجَرّد عَن الْوَاسِطَة كعلمه أَن لزيد على عَمْرو درهما مُمْتَنع، وَأما إِن علمه بِوَاسِطَة الْبَيِّنَة الَّتِي يعرف عدالتها أَو بِوَاسِطَة الْخط الَّذِي يعرف عَدَالَة كَاتبه، فَهَذَا جَائِز قَضَاؤُهُ بِهِ لبعد التُّهْمَة، وَقد يُقَال: إِن التُّهْمَة تقَوِّي فِي انْفِرَاده بِمَعْرِِفَة الْخط لمشاركة بعض النَّاس لَهُ فِي الْعلم بِالْعَدَالَةِ وللبحث عَن تحققها بالأعذار، وَلذَا نظر فِيهِ المكناسي فِي مجالسه قَائِلا يلْزم عَلَيْهِ أَن من قَامَ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ ميتين أَو غائبين، وَلم يُوجد من يعرف خطهما، وَالْقَاضِي يعرف خطهما أَن يحكم بذلك الرَّسْم، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُوله أحد أَي لِأَنَّهُ من الحكم بِعِلْمِهِ إِذْ لَا فرق فِيمَا يظْهر بَين خطّ الشَّاهِد وَخط القَاضِي، بل صرح أَبُو الْحسن كَمَا فِي أقضية المعيار بِعَدَمِ قبُوله فِي خطّ القَاضِي قَائِلا لِأَنَّهُ حَاكم بِعِلْمِهِ وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ فِي الْبَيْت قبله عَن الْمَازرِيّ، وَلَا سِيمَا مَعَ ضعف عَدَالَة قُضَاة الْيَوْم، فَيَنْبَغِي أَن لَا يُبَاح أَلْبَتَّة فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَأما مَعَ التَّعْيِين فَيعْمل بِهِ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَو من ولي بعده كَمَا يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: ومعلم يخلفه وَالِي القضا الخ. وَظَاهره أَيْضا أَنه يقبل وَإِن مَاتَ الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ أَو عزل أَو مَاتَ الْمُخَاطب بِالْفَتْح أَو عزل وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع على الْمُعْتَمد، وَبِه الْعَمَل كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَاعْتمد الْقبُول بعض من مضى الخ. وَمَا يَأْتِي للناظم مِمَّا يُعَارض إِطْلَاقه هُنَا. وَفِي قَوْله: وَإِن يمت مُخَاطب الخ. وَنَحْوه للشَّيْخ (م) عَن ابْن المناصف فِي الْفَرْع الثَّالِث لَا يعول عَلَيْهِ، وكيفيته مَعَ عدم التَّعْيِين على مَا بِهِ الْعَمَل الْيَوْم بفاس وَمَا والاها أَن يكْتب أَسْفَل الرَّسْم أَو عرضه أَو فِي ظَهره الْحَمد لله أديا فَقبلا، وَأعلم بِهِ فِي تَارِيخ كَذَا على مَا هُوَ الْأَحْوَط أَو الْوَاجِب كَمَا مرّ وَإِن كَانَ النَّاس الْيَوْم فِيمَا شَاهَدْنَاهُ على عدم التَّارِيخ أَو الْحَمد لله أديا فَثَبت وَأعلم بِهِ أَو الْحَمد لله أعلم بِصِحَّتِهِ أَو بِثُبُوتِهِ أَو باستقلاله وَإِن كَانَ فِي الصَّك رسوم نبه على جَمِيعهَا إِن أَرَادَ ذَلِك وَصحت عِنْده وإلاَّ قيد بالأخيرين مثلا أَو بِمَا ثَبت عِنْده مِنْهَا وَإِن كَانَ فِي الرَّسْم عدل وَاحِد أَو عدد كثير وَلم يقبل إِلَّا وَاحِد فَيكْتب على مَا شهدناه الْيَوْم أُدي فَقبل وَأعلم بِهِ فلَان، وَكَانَ الضَّمِير عِنْدهم فِي بِهِ فِي الْخطاب على الْوَاحِد يعود على الْأَدَاء الْمَفْهُوم من أدّى وَلَيْسَ لَهُ أَن يُخَاطب على الْوَاحِد بقوله أعلم بِصِحَّة الرَّسْم أَو بِثُبُوتِهِ أَو باستقلاله مَعَ قَصده بذلك ثُبُوت الْحق(1/122)
على الْمَطْلُوب، وَأَنه لم يبْق لَهُ فِيهِ مقَال بطعن وَلَا غَيره لما علمت أَن الْحق لَا يثبت بِالْوَاحِدِ إِلَّا بعد الْيَمين مَعَه، وَهَذَا فِي الْأَمْوَال، وَأما فِي غَيرهَا مِمَّا لَا يثبت إِلَّا بعدلين فَلَا وَجه للخطاب فِيهَا على الْوَاحِد لما مرّ أَنه لَا خطاب على رسم نَاقص لَا ينْتَفع بِهِ ربه، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرْجَى أَن يُضَاف إِلَيْهِ شَاهد آخر فِي غير مَوضِع الْخطاب فيخاطب حِينَئِذٍ، وَإِن كَانَ الْخطاب بِوَرَقَة مفصولة عَن رسم الْحق غير ملصقة بِهِ فَلَا بُد أَن يَقُول أعلم بِصِحَّة الرَّسْم الَّذِي بيد حامله فلَان المتضمن للحق الَّذِي لَهُ على فلَان المؤرخ بِكَذَا الَّذِي شُهُوده فلَان وَفُلَان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعين الرَّسْم الْمُخَاطب عَلَيْهِ، وَإِن ألصق ورقة بالرسم وخاطب فِيهَا قَالَ أعلم بِصِحَّة العقد المرتسم بِالْوَرَقَةِ الملتصقة لهَذَا المتضمن لفُلَان قبل فلَان كَذَا، أَو المتضمن تَوْكِيل فلَان فلَانا على كَذَا وَنَحْوه مِمَّا يعين الْحق الْمُخَاطب بِهِ، فَلَا بُد من زِيَادَة المتضمن الخ. خشيَة أَن يلصق ورقة الْخطاب بِوَرَقَة حق غير الْحق الَّذِي بِهِ وَقع الْخطاب، وَلَا يعْمل بِهِ إِن سقط ذَلِك مِنْهُ كَمَا لَا يعْمل بِهِ إِن كَانَ الْخطاب مُلْصقًا وَلم يقل فِيهِ بالملتصق أَعْلَاهُ لِإِمْكَان إِزَالَته من ورقة أُخْرَى، وَلَا يَكْفِي عَن زِيَادَة المتضمن الخ. مَا صدر بِهِ من قَوْله بالملتصق أَعْلَاهُ كَمَا يقْتَصر عَلَيْهِ الْجُهَّال من الْقُضَاة لِأَن ذَلِك لَا يمْنَع إلصاقه بِوَرَقَة أُخْرَى، وَأما مَعَ التَّعْيِين فكيفيته الْحَمد لله أعلم بِصِحَّة الرَّسْم الْمُقَيد فَوق هَذَا على مَا يجب الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو فلَان فلَان ابْن فلَان أدام الله توفيقه وتسديده، وليه فِي الله تَعَالَى وموثقه فلَان ابْن فلَان، وَيكْتب اسْمه بتخليط وتعمية، وَيُسمى الْعَلامَة والشكل لِئَلَّا يُخَاطب على لِسَانه غَيره، وَإِنَّمَا قدمُوا مفعول أعلم وَهُوَ اسْم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ على الْفَاعِل الْكَاتِب تَعْظِيمًا لَهُ واهتماماً بِهِ، ثمَّ إِذا وصل الْخطاب للمكتوب إِلَيْهِ الْمعِين كتب تَحْتَهُ بِخَط يَده أعملته، وَكَذَا إِن كَانَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ غير معِين ووقف عَلَيْهِ بعض الْقُضَاة وَكَانَ الْخِصَام عِنْده فَإِن لم يكن الْخِصَام عِنْده بل بِبَلَد آخر لَا يعرف قاضيها خطّ القَاضِي الْكَاتِب، وَلَكِن يعرف خطّ الْوَاقِف عَلَيْهِ كتب الْوَاقِف الْمَذْكُور الْحَمد لله أعلم بِأَعْمَالِهِ فلَان ابْن فلَان، وَهَكَذَا حَتَّى يصل إِلَى بلد قَاضِي بلد النزاع. وَلما كَانَ الْخطاب الَّذِي لم يُصَرح فِيهِ بالإعلام لَغوا غير مَقْبُول وَلَا مَعْمُول بِهِ عِنْد الْقُضَاة نبه عَلَيْهِ بقوله: ولَيْسَ يُغْني كَتْبُ قَاضٍ كاكْتَف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى عَنِ الخطابِ والمَزِيدُ قَدْ كَف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (يُغني) خَبَرهَا (كتب قَاض) اسْمهَا (كاكتفى) مفعول بقوله كتب لِأَن(1/123)
الْكَاف اسْم بِمَعْنى مثل (عَن الْخطاب) يتَعَلَّق بيغني أَي لَيْسَ كتب القَاضِي تَحت الرَّسْم اكْتفى، وَمثله من نَحْو اسْتَقل أَو صَحَّ أَو ثَبت مغنياً عَن الْخطاب بِأَعْلَم، بل حَتَّى يزِيد وَأعلم بِهِ أَو يَقُول أعلم باستقلاله وَنَحْوه مِمَّا مرّ وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الثُّبُوت لَيْسَ بِحكم فَقَوله: (والمزيد) مَنْصُوب على نزع الْخَافِض بقوله: (قد كفى) أَي كَفاهُ عَن زِيَادَة الشُّهُود فَهُوَ يتَعَدَّى للْأولِ بِنَفسِهِ وَللثَّانِي بِحرف الْجَرّ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} (الْأَعْرَاف: 551) وَيجوز أَن تكون لَيْسَ مُهْملَة بِمَنْزِلَة لَا وَأَن يكون اسْمهَا ضمير للشأن وَالْجُمْلَة خَبَرهَا. وَحَاصِله: أَن القَاضِي إِذا اقْتصر على كتب اكْتفى أَو اسْتَقل أَو نَحْوهمَا كَانَ ذَلِك قاصراً عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ تذكرة لنَفسِهِ بِأَنَّهُ وقف على مُوجب اكْتِفَاء الرَّسْم لعدالة شاهديه وَنَحْو ذَلِك، وإخبار للْمَشْهُود لَهُ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِك عَن الزِّيَادَة فَلَا يلْزم قَاضِيا آخر إِذا وقف على ذَلِك أَن يمضيه اعْتِمَادًا على قَوْله اكْتفى وَنَحْوه، لِأَنَّهُ لم يخاطبه وَلَو أَمْضَاهُ لَكَانَ غير مُعْتَمد على شَهَادَة وَلَا خبر من القَاضِي الأول. قلت: وَذَلِكَ وَالله أعلم أَن الأول قد يَكْتُبهُ اعْتِمَادًا على مَا ظهر لَهُ فِيهِ ابْتِدَاء وَإِن كَانَ سيراجع فِيهِ نَفسه ويبحث عَن بَاطِنه فَلَا يدل ذَلِك على أَنه استقصى أمره فِيهِ، فَكَمَا أَن النَّاقِل لَا ينْقل إِلَّا بإشهاد فَكَذَلِك الْمُخَاطب بِالْفَتْح لَا يعْمل بِهِ إِلَّا بإعلام لاشْتِرَاط الْإِذْن فِي كل مِنْهُمَا، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَلم يشْهد على حَاكم قَالَ: ثَبت عِنْدِي إِلَّا بإشهاد الخ. وَلذَا أَتَى النَّاظِم بالحصر فَقَالَ: وإنَّمَا الخِطابُ مِثْلُ أَعْلَمَا إذْ مُعْلَماً بِهِ اقْتَضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ومُعْلِما (وَإِنَّمَا) حرف تَأْكِيد وَحصر (الْخطاب) مُبْتَدأ خَبره (مثل أعلما) بِصِحَّتِهِ أَو استقلاله أَو اسْتَقل وَأعلم بِهِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِي أَن الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ أذن لمن يقف عَلَيْهِ أَن يعْمل بِمُقْتَضَاهُ واقتصارهم على لفظ أعلم مُجَرّد اصْطِلَاح فَلَو تغير الِاصْطِلَاح إِلَى سواهَا مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا كأخبر وَنَحْوه لصَحَّ، وَلذَا قَالَ النَّاظِم بِمثل أعلم أَي بِأَعْلَم أَو مثله مِمَّا اصْطلحَ قُضَاة الْوَقْت عَلَيْهِ (إِذْ) تعليلة (معلما بِهِ) بِفَتْح اللَّام اسْم مفعول من أعلم وَضمير بِهِ يعود على الرَّسْم الْمُخَاطب عَلَيْهِ على حذف مُضَاف أَي بِثُبُوتِهِ وَنَحْوه وَهُوَ مفعول مقدم بقوله: (اقْتضى) أَي طلب وافهم (ومعلما) بِكَسْر اللَّام مَعْطُوف على الأول، وَيكون النَّاظِم ساكتاً عَن الشَّخْص الْمعلم بِالْفَتْح، وَيجوز الْعَكْس وَهُوَ كسر اللَّام فِي الأول وَفتحهَا فِي الثَّانِي، وَعَلِيهِ فقد تضمن كَلَامه الثَّلَاثَة الْمعلم بِالْكَسْرِ وَهُوَ فَاعل الْإِعْلَام، وَالشَّيْء الَّذِي وَقع بِهِ الْإِعْلَام وَعَلِيهِ يعود الضَّمِير فِي بِهِ والشخص الْمعلم بِالْفَتْح أَي لِأَنَّهُ اقْتضى معلما بالشَّيْء الَّذِي تضمنه الرَّسْم وشخصاً معلما وَهُوَ الْمُخَاطب بِالْفَتْح، وَيجوز فتح اللَّام فيهمَا وَيكون الْمعلم بِالْكَسْرِ مستفاداً من اللَّفْظ، إِذْ لفظ الْإِعْلَام لَا بُد لَهُ من فَاعل يوقعه، وَفِي كل وَجه من هَذِه الْأَوْجه يَصح التَّنَازُع فِي بِهِ على قَول من أجَازه فِي مُتَقَدم أَي لِأَنَّهُ(1/124)
اقْتضى شَيْئا معلما بِهِ وشخصاً معلما بِالْفَتْح وَالْكَسْر بذلك الشَّيْء، وَهَكَذَا وَالضَّمِير فِي بِهِ على كل حَال يعود على الشَّيْء الَّذِي وَقع بِهِ الْإِعْلَام، ثمَّ إِن هَذَا الْبَيْت لَيْسَ فِيهِ كَبِير فَائِدَة مَعَ مَا قدمه فِي قَوْله: وَالْعَمَل الْيَوْم الخ إِلَّا مَا أَفَادَهُ من الْحصْر، وَمن بَيَان وَجه كَون اكْتفى وَنَحْوه لَا يَكْفِي فِي الْخطاب أَي لكَونه لَا يَقْتَضِي مَا ذكر وَحِينَئِذٍ، فَلَو قدم هَذَا الْبَيْت وَجعل بعده قَوْله: وَالْعَمَل الْيَوْم الخ. وَيَقُول بعده مَا نَصه: من أجل ذَا لَا يُغني كتب كاكتفى عَن الْخطاب والمزيد قد كفى أَي لَا يُغني قَاضِيا كتب كاكتفى الخ. ليسلم من التّكْرَار مَعَ إِفَادَة تَعْلِيل عدم الِاكْتِفَاء بذلك، وَإِنَّمَا كَانَ أعلم يَقْتَضِي مَا ذكر لِأَن قَوْلهم أعلم باستقلاله وَنَحْوه لَا بُد لَهُ من الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الْمعلم بِالْكَسْرِ، وَهُوَ هُنَا فلَان القَاضِي الَّذِي جرت الْعَادة أَن يكْتب اسْمه شكلاً يُسمى الْعَلامَة وَهُوَ يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة حذف؛ أَولهَا: الَّذِي هُوَ الْمعلم بِالْفَتْح للتعميم أَي كل من يقف عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} (يُونُس: 52) وَالثَّانِي وَالثَّالِث: الَّذِي هُوَ الْمعلم بِهِ سد مسدهما الْمصدر المنسبك من أَن، وَالْفِعْل إِذْ الأَصْل أعلم فلَان فلَانا رسماً مُسْتقِلّا كَقَوْلِك: أعلمت زيدا عمرا قَائِما، فَلَمَّا دخلت أَن على الثَّانِي وَالثَّالِث للتَّأْكِيد وَنَحْوه سبكا بمصدر، وَكَانَ الأَصْل أَن يتَعَدَّى إِلَيْهِمَا بِنَفسِهِ كَمَا تَقول: أعلمت زيدا قيام عَمْرو، وَلَكنهُمْ اصْطَلحُوا هُنَا على جَرّه بِالْبَاء الزَّائِدَة كَمَا ترى، وَقد سُئِلَ الشَّيْخ المكودي رَحمَه الله عَن وَجه زيادتهم لَهَا فَقَالَ: إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ لَو كَانَ من كَلَام الْعَرَب. وَهَذَا مَا يَكْتُبهُ القَاضِي الْكَاتِب، وَأما الْمَكْتُوب إِلَيْهِ فقد تقدم أَنه يكْتب تَحْتَهُ أعملته من غير أَن يضع علامته، وَكَأَنَّهُ تذكرة لنَفسِهِ فَقَط وَسَوَاء كَانَ معينا أم لَا على مَا بِهِ الْعَمَل، وَقيل: إِن كَانَ معينا كتب قبلته وَذَلِكَ مُجَرّد اصْطِلَاح فَإِن احْتِيجَ لتسجيل الإعمال والاستقلال وَنَحْوهمَا كتب تَحْتَهُ: أشهد عَدْلَانِ أشهد قَاضِي كَذَا، وَهُوَ بإعمال واستقلال الرَّسْم أَعْلَاهُ الإعمال أَو الِاسْتِقْلَال التَّام لصِحَّته عِنْده وثبوته لَدَيْهِ بواجبه وَهُوَ بِحَيْثُ يجب لَهُ ذَلِك من حَيْثُ ذكر فَإِذا طولع بِهِ القَاضِي وَوضع علامته مَوضِع الْبيَاض وَوضع العدلان علامتيهما إِثْر تَارِيخه وَلَيْسَ لمن لم يسع من الْعُدُول إشهاده بالإعمال الْمَذْكُور أَن يشْهد عَلَيْهِ بالإعمال وَنَحْوه اتكالاً على رُؤْيَة مَا كتبه من قَوْله أعملته أَو اسْتَقل وَنَحْوهمَا، لِأَن هَذَا شَاهد على خطه لَا على إشهاده قَالَ (غ) : وَهَذَا وَإِن تسَامح فِيهِ أهل فاس وعملها، لَكِن لَا يعلم لَهُ أصل إِذْ كَيفَ تصح الشَّهَادَة على خطه، وَقد لَا يكون بَين مَقْعَده، ودكان الشَّاهِد الأقدر غلوة أَو أقل اه. وَنَحْوه للمكناسي فِي مجالسه، والغلوة: مُنْتَهى الرَّمية يَعْنِي أَن الشَّهَادَة على الْخط إِنَّمَا تجوز مَعَ بعد الْغَيْبَة أَو الْمَوْت وَالْقَاضِي هُنَا بِخِلَاف ذَلِك فَكَانَ الْوَاجِب أَن لَا يشْهد عَلَيْهِ حَتَّى يسمع إشهاده، وَلَا سِيمَا وَقد تقدم أَنه يكْتب ذَلِك غير جازم بِهِ بل ليراجع فِيهِ نَفسه، وَكَأَنَّهُم اعتمدوا فِي ذَلِك على مَا فِي وثائق الفشتالي حَيْثُ قَالَ مَا نَصه: فَإِذا ثَبت الرَّسْم عِنْد القَاضِي وَكتب تَحْتَهُ: أكتفي فتكتب فِي الرَّسْم أشهد قَاضِي كَذَا باكتفاء الرَّسْم فَوْقه الِاكْتِفَاء التَّام الخ. فَظَاهر أَنه بِمُجَرَّد رُؤْيَة خطه يشْهد عَلَيْهِ، وَإِن لم يشهده وَفِي ذَلِك من التسامح مَا لَا يخفى. قلت: وَتَأمل هَذَا هَل تصدق على هَذَا الشَّاهِد حَقِيقَة شَهَادَة الزُّور وَهِي كَمَا لِابْنِ عَرَفَة أَن يشْهد بِمَا لم يعلم عمدا وَلَو طابق الْوَاقِع وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا.(1/125)
تَنْبِيه: اسْتُفِيدَ من النَّاظِم أَن اكْتفى واستقل وَثَبت وَنَحْوهَا أَلْفَاظ مترادفة وَأَن بَعْضهَا يَقع مَوضِع بعض، وَأَن الْإِعْلَام بهَا هُوَ الْوَاجِب لإعمال الْمُخَاطب بمقتضاها لما مرّ، وَهُوَ ظَاهر ابْن المناصف، وَعَن العقباني أَن الْخطاب بالاستقلال فِيمَا ثَبت بِشَهَادَة المبرزين وبالثبوت فِيمَا ثَبت بدونهم، وبالاكتفاء فِي الْأَدْنَى وَهُوَ مُجَرّد اصْطِلَاح. وَإِن يَمُتْ مُخَاطِبٌ أَو عُزِلا رُدَّ خِطابُهُ سِو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى مَا سُجِّلا (وَإِن يمت) شَرط (مُخَاطب) بِالْكَسْرِ فَاعله (أَو عزلا) عطف على فعل الشَّرْط (رد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (خطابه) نَائِبه، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط أَي يلغى خطابه وَلَا يعْمل بِهِ على هَذَا القَوْل الَّذِي صدر بِهِ النَّاظِم، لأَنهم نزلُوا خطابه بالرسم منزلَة خطابه بالمشافهة، وَهُوَ إِذا مَاتَ لَا يتَكَلَّم، وَإِذا عزل لَا يقبل كَلَامه (خَ) : وَلَا تقبل شَهَادَته بعده أَنه قضى بِكَذَا أَي إِلَّا بِبَيِّنَة على ذَلِك، وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم: (سوى) اسْتثِْنَاء (مَا) مَوْصُول مجرور وَاقعَة على الْمُخَاطب بِهِ (سجلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَو الْفَاعِل، والعائد على مَا فِي هَذَا الْوَجْه مَحْذُوف أَي سوى مَا سجله القَاضِي على نَفسه بِأَن يشْهد عَدْلَيْنِ باستقلال الرَّسْم، أَو اكتفائه على حسب مَا مرّ قبله، أَو يشهدهما بِأَنَّهُ قد أَجله أَو أعذر لَهُ، أَو حكم عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك كَمَا مرّ فِي فَصلي الْإِعْذَار والآجال لِأَن إشهاده بالتأجيل وَنَحْوه حكم أَمْضَاهُ بِدَلِيل أَن الْمُخَاطب بِالْفَتْح يَبْنِي عَلَيْهِ كَمَا مرّ فإطلاق النَّاظِم شَامِل للأمرين إِذْ التسجيل إِشْهَاد القَاضِي على نَفسه بِأَيّ شَيْء كَانَ، وَلَا يقصر إِطْلَاقه على الأول فَقَط لاقْتِضَائه أَنه إِذا أشهدهما على نَفسه بالتأجيل أَو الحكم مثلا وخاطب عَلَيْهِمَا بالإعلام من غير تسجيل للخطاب أَنه يرد على هَذَا القَوْل وَلَيْسَ كَذَلِك، وَبِه تعلم أَن اعْتِرَاض (ت) على (م) بِأَن التسجيل بالحكم لَا يُقرر بِهِ كَلَام النَّاظِم لبعده، وَلِأَنَّهُ إِذا حكم عَلَيْهِ وَمَاله غَائِب ألزمهُ الضَّامِن أَو الرَّهْن، وَلَا يحْتَاج إِلَى خطاب من ينفذ الحكم الخ. سَاقِط لِأَنَّهُ قد يحكم ويعجز عَن التَّنْفِيذ لسطوته أَو لفراره بِمَالِه بعد الحكم وَقبل إِلْزَامه بالضامن أَو الرَّهْن، وَقد قَالَ فِي الْمُفِيد: وَلَو كَانَ الْمَطْلُوب بِالدّينِ فِي بلد القَاضِي الْكَاتِب فَقَالَ فِي خطابه: قد أنفذت حكمي بِالشَّهَادَةِ على خطّ الشُّهُود فَإِن حكمه ينفذ وَإِن تعذر قبض الْحق مِنْهُ حَتَّى خرج من بلد القَاضِي الْكَاتِب لزمَه الحكم وَلَا يوهنه خُرُوجه عَن بلد القَاضِي الْكَاتِب اه. وَهُوَ صَرِيح فِي أَنه مَعَ الْعَجز يُخَاطب من ينفذهُ مِمَّن يَأْتِي بعده أَو غَيره، كَيفَ وَقد تقدم وَمَا بالعهد من قدم، عَن الْمَازرِيّ: أَنه يُخَاطب بِمَا حكم بِهِ لحاضره على غائبه وأشعر فرض النَّاظِم الْكَلَام فِي القَاضِي أَن نَائِبه لَيْسَ لَهُ أَن يسجل بِمَا ثَبت عِنْده وَهُوَ كَذَلِك، فَإِن فعل فَلَا يمْضِي إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ مَا لم يكن اسْتَخْلَفَهُ بِإِذن الإِمَام وإلاَّ فَيقبل تسجيله من غير إجَازَة، وَإِذا قُلْنَا لَا يسجل(1/126)
فَلهُ أَن يسمع الْبَيِّنَة وَيقبل من عرف عَدَالَته وتعقد عِنْده المقالات، وَيرْفَع ذَلِك إِلَى الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ لينْظر فِيهِ قَالَه فِي التَّبْصِرَة، وَيفهم من قَوْله: وَيدْفَع ذَلِك لمستخلفه أَنه لَيْسَ لَهُ الرّفْع وَلَا الْخطاب بِهِ إِلَى الْغَيْر، وَإِن فعل لَا يمضى مَاتَ الْمُسْتَخْلف بِالْكَسْرِ أَو عزل أَو كَانَ حَيا وَالله أعلم. واعْتَمَد القَبُولَ بَعْضُ مَنْ مَضى وَمُعْلمٌ يَخْلُفُه وَالِي القَضَا (وَاعْتمد الْقبُول) مفعول وَالْفَاعِل (بعض من مضى) قَالَ الفشتالي فِي وثائقه: وَإِن كَانَ القَاضِي لم يشْهد بالتسجيل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كتب فِي الرَّسْم بِخَطِّهِ أعلم باكتفائه فلَان أَو أعلم بِثُبُوتِهِ أَو استقلاله، ثمَّ وصل إِلَى غَيره، فَإِنَّهُ يعمله على مَا جرى بِهِ الْعَمَل سَوَاء عين فِيهِ الْمَكْتُوب لَهُ أَو لم يُعينهُ، وَسَوَاء مَاتَ الْكَاتِب أَو عزل وَوصل إِلَى الْمَكْتُوب لَهُ هَذَا قَوْله فِي الْمُدَوَّنَة اه. وَنَحْوه للعقباني فِي الدُّرَر المكنونة ولليزناسي فِي شَرحه للنظم، وَقد تبين أَن الْخطاب المسجل يعْمل بِهِ مُطلقًا اتِّفَاقًا وَغير المسجل يعْمل بِهِ كَذَلِك إِن كَانَ الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ لم يعْزل وَلم يمت وإلاَّ فَقَوْلَانِ، بِالرَّدِّ وَهُوَ مَا صدر بِهِ النَّاظِم وَعَدَمه قَالُوا: وَبِه الْعَمَل الْيَوْم وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا رَأَيْته، وَحَكَاهُ ابْن المناصف أَيْضا عَن مُخْتَصر الْوَاضِحَة، وَلَكِن قَيده بِمَا إِذا أشهد القَاضِي الْكَاتِب لِأَن إشهاده على ذَلِك كإشهاده على حكم مضى قَالَ: وَأما مَا الْتَزمهُ الْحَاكِم وَعمِلُوا بِهِ فِي أقْصَى قطر الْمغرب من الاجتزاء بِمَعْرِِفَة خطّ القَاضِي الْكَاتِب وَالْعَمَل بِهِ دون إِشْهَاد فَلَا يَصح إِلَّا أَن يصل للمكتوب إِلَيْهِ وَالْكَاتِب على حَال ولَايَته اه. وَاعْتمد تَقْيِيده الْمَذْكُور غير وَاحِد، وَذكر ابْن عَرَفَة أَنَّهَا نزلت فِي وسط الْقرن الثَّامِن وَأَن شَيْخه أَبَا عبد الله السبطي رَجَعَ إِلَى تَقْيِيد ابْن المناصف، وَلذَا صدر بِهِ النَّاظِم وَهُوَ الْأَحْوَط فِي الْعَزْل لِأَنَّهُ قد يَفْعَله بعد عَزله ويوهم أَنه صدر مِنْهُ قبله، فَإِذا كَانَ قَول القَاضِي بعد عَزله قد كنت حكمت بِكَذَا قبله أَو أجلت وَنَحْوه لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة لاحْتِمَال كذبه، فَكَذَلِك هَذَا إِذا خاطبه الْوَارِد بعد عَزله بِمَنْزِلَة قَوْله ذَلِك، وَأما فِي الْمَوْت فِي حَال الْولَايَة فَلَا يتَطَرَّق هَذَا الِاحْتِمَال مَعَ معرفَة خطه فَتَأَمّله، ثمَّ بعد كتبي مَا تقدم وقفت فِي شَهَادَات المعيار على جَوَاب لِابْنِ زِيَادَة الله وَابْن الْفراء الَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ فَالْحَمْد لله على الْمُوَافقَة. (و) إِن مَاتَ أَو عزل (معلم) بِفَتْح اللَّام أَي مُخَاطب بِالْفَتْح فَهُوَ فَاعل بِفعل شَرط مُقَدّر يدل عَلَيْهِ فعل الشَّرْط الْمُتَقَدّم لَا مَعْطُوف على مُخَاطب لِأَن الْعَطف يَقْتَضِي التَّشْرِيك فِي الحكم، وَلَيْسَ الْأَمر هُنَا كَذَلِك خلافًا ل (ت) وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ كَونه صفة لمَحْذُوف (يخلفه) بِفَتْح الْيَاء وَضم اللَّام مضارع خَلفه إِذا قَامَ مقَامه خبر أَو جَوَاب، وعَلى كل حَال فَهُوَ مَرْفُوع لَكِن إِن قدر(1/127)
الْفَاعِل مَاضِيا كَانَ رَفعه حسنا لقَوْل ابْن مَالك: وَبعد مَاض رفعك الجزا حسن. وَإِن قدر مضارعاً فالرفع ضَعِيف (وَالِي) فَاعل يخلف (القضا) مفعول فِي الْمَعْنى بوالي مجرور فِي اللَّفْظ بِالْإِضَافَة أَي إِن مَاتَ أَو عزل الْمُخَاطب بِالْفَتْح قبل وُصُول الْخطاب إِلَيْهِ فَإِن مُتَوَلِّي الْقَضَاء بعده يخلفه فِي الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: وَإِن يمت الخ. فَقَالَ: والحَكَمُ العَدْلُ عَلَى قَضائِهِ خِطابُهُ لَا بُدَّ من إمْضائِهِ (وَالْحكم) بِفَتْح الْكَاف لُغَة فِي الْحَاكِم مُبْتَدأ (الْعدْل) صفة (على قَضَائِهِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي مستمراً على قَضَائِهِ وَلم يحصل لَهُ موت وَلَا عزل (خطابه) مُبْتَدأ ثَان (لَا) نَافِيَة للْجِنْس (بُد) اسْمهَا (من إمضائه) خَبَرهَا. وَالْجُمْلَة خبر الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول أَي: لَا مخلص من إمضائه. وَمَفْهُوم الْعدْل أَن غَيره لَا يعْمل بخطابه لِأَنَّهُ لَا تصح تَوليته كَمَا مرّ. ابْن عَرَفَة: وَشرط إِعْمَال خطاب القَاضِي صِحَة ولَايَته مِمَّن تصح تَوليته، وَقد تقدم قَول (خَ) : إِن كَانَ أَهلا أَو قَاضِي مصر، وَظَاهر النّظم أَن الْمُخَاطب بِالْفَتْح يمضيه وَيعْمل بِهِ سَوَاء وَافق مذْهبه أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل إِن كَانَ الْمُخَاطب بِالْكَسْرِ قد حكم بِمَا خَاطب بِهِ، وَأما إِن لم يحكم بِهِ، وَإِنَّمَا خاطبه بِمَا ثَبت عِنْده فَلَا يحكم إِلَّا بِمَا يُوَافق مذْهبه قَالَه فِي الْمُفِيد. وَذكر ابْن فَرِحُونَ الْقَوْلَيْنِ عَن الْمَازرِيّ من غير تعرض للمعمول بِهِ مِنْهُمَا. قلت: وَهَذَا بَين إِن كَانَ الْحَاكِم حكم بِأحد حكمين متساويين، أَو كَانَ من أهل الِاجْتِهَاد فِي الْمَذْهَب وَالنَّظَر فِي تَرْجِيح الْأَقْوَال، أَو كَانَ من مَذْهَب آخر كشافعي يخاطبه مالكي مثلا لِأَن حكمه حِينَئِذٍ يرفع الْخلاف، وإلاَّ بِأَن قصرت رتبته عَن الِاجْتِهَاد وَالنَّظَر فِي التَّرْجِيح وَلم يكن من مَذْهَب آخر، فَلَا يمْضِي حكمه وينقضه لِأَنَّهُ محجر عَلَيْهِ فِي الحكم بِغَيْر الْمَشْهُور أَو الرَّاجِح أَو مَا جرى بِهِ الْعَمَل كَمَا مرّ. وَفِي الأداءِ عِنْدَ قاضٍ حلَّ فِي غيرِ مَحلِّ حُكْمِهِ الخُلْفُ اقْتَفِي (وَفِي الْأَدَاء عِنْد قَاض) من صفته (حل) أَي نزل (فِي) بلد (غير مَحل) أَي بلد (حكمه الْخلف) مُبْتَدأ (اقتفي) أَي اتبع خَبره، وَفِي الْأَدَاء يتَعَلَّق بِهِ، وَعند قَاض يتَعَلَّق بِالْأَدَاءِ، وَمَعْنَاهُ أَنه اخْتلف إِذا نزل القَاضِي بِبَلَد لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهَا، هَل لَهُ أَن يسمع بذلك الْبَلَد النَّازِل فِيهِ بَيِّنَة(1/128)
شَاهده بِحَق لمن هُوَ لَهُ فِي ولَايَته على غَائِب نَازل بولايته وَيعْمل على مَا أخبرهُ بِهِ قَاضِي ذَلِك الْبَلَد من عدالتهم، وَهُوَ قَول أصبغ قَالَ: وَلَو اجْتمع الخصمان عِنْده بذلك الْمحل النَّازِل فِيهِ، والمتنازع فِيهِ فِي مَحل ولَايَته لم ينظر بَينهمَا إِلَّا أَن يتراضيا عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لَهُ أَن يسمع ذَلِك على من غَابَ بولايته، وَلَا أَن يُخَاطب بذلك إِلَى أحد، وَله أَن يسْأَل عَن حَال بَيِّنَة شهِدت عِنْده، وَهُوَ قَول ابْن عبد الحكم، وَانْظُر قَوْله: وَله أَن يسْأَل عَن حَال بَيِّنَة شهِدت عِنْده أَي شهِدت عِنْده فِي ولَايَته وَيسْأل عَن عدالتها هَهُنَا، وَظَاهره لَهُ أَن يسْأَل قَاضِي الْبَلَد أَو غَيره مِمَّن يعرفهُ بِالْعَدَالَةِ فَتَأَمّله مَعَ مَا يَأْتِي، ثمَّ إِنَّه يُؤْخَذ من قَول أصبغ هَذَا أَن للْقَاضِي أَن يسمع الْبَيِّنَة بِغَيْر حَضْرَة الْمَطْلُوب وَلَو قربت غيبته، وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون إلاَّ أَنه إِذا حضر قُرِئت عَلَيْهِ الشَّهَادَة وَأَسْمَاء الشُّهُود فَإِن كَانَ لَهُ فيهم مدفع، وإلاَّ قضى عَلَيْهِ. وَقَالَ سَحْنُون: لَا يسمع الشَّهَادَة إِلَّا بِمحضر الْمَطْلُوب إِلَّا أَن يكون بعيد الْغَيْبَة. انْظُر تبصرة ابْن فَرِحُونَ. ومَنْعُهُ فِيهِ الخِطابَ المُرْتَض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى وَسوَّغ التَّعْرِيفَ بعضُ مَنْ مَض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى (وَمنعه) أَي القَاضِي مُبْتَدأ مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول الأول (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله: (الْخطاب) مفعول ثَان، وَالصَّوَاب أَنه على نزع الْخَافِض كَقَوْلِه تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} (الْأَعْرَاف: 551) وَالضَّمِير الْمَجْرُور يرجع لغير مَحل حكمه (المرتضى) خبر الْمُبْتَدَأ وَأَشَارَ بِهِ لقَوْل ابْن سهل بعد نَقله الْخلاف الْمُتَقَدّم، وَسَأَلت ابْن عتاب عَن قَاض حل بِغَيْر بَلَده وَقد ثَبت عِنْده بِبَلَدِهِ حق لرجل، فَطلب أَن يُخَاطب بِهِ قَاضِي مَوضِع الْمَطْلُوب قَالَ: لَا يجوز ذَلِك، فَإِن فعل بَطل ثمَّ قَالَ: وَلَا يبعد أَن ينفذ (وسوغ) أَي جوز (التَّعْرِيف) مفعول (بعض من) فَاعل (مضى) صلَة من وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَول ابْن سهل إِثْر مَا مر قلت لِابْنِ عتاب: فَإِن كَانَ الْحق الثَّابِت عِنْده بِبَلَدِهِ على من هُوَ بِموضع احتلاله أَي نُزُوله فَأعْلم قَاضِي الْموضع بذلك مشافهة بِمَا ثَبت عِنْده أَيكُون كمخاطبته بذلك؟ قَالَ: لَيْسَ مثله يَعْنِي لَيْسَ كمخاطبته إِيَّاه بذلك من مَحل ولَايَته، ثمَّ قَالَ ابْن سهل: وَرَأَيْت فُقَهَاء طليطلة يجيزون إِخْبَار القَاضِي المحتل بذلك الْبَلَد قَاضِي الْبَلَد، ويرونه كمخاطبته إِيَّاه اه. فَأَشَارَ النَّاظِم بقوله: وسوغ الخ. إِلَى مَا قَالَه فُقَهَاء طليطلة، وَيفهم مِنْهُ أَن الْبَعْض الآخر لم يسوغ ذَلِك وَهُوَ مَا قَالَه ابْن عتاب وَمُقَابل قَوْله: المرتضى هُوَ قَول ابْن عتاب، وَلَا يبعد أَن ينفذ الخ. فالخطاب بِالْكِتَابَةِ فِيهِ قَولَانِ لِابْنِ عتاب وَغَيره وَفِي المشافهة قَولَانِ لَهُ وللطليطليين، وَلَكِن قد علمت أَن الْكِتَابَة قَائِمَة مقَام المشافهة، فَمن قَالَ بِجَوَاز خطابه فِي غير مَحل ولَايَته بالمشافهة وهم الطليطليون يلْزمه أَن يَقُول بِجَوَازِهِ بِالْكِتَابَةِ إِذْ هِيَ قَائِمَة مقَامهَا،(1/129)
وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ فَمَا قَالَه ابْن عتاب: من أَنه لَا يبعد أَن ينفذ مُوَافق لقَوْل الطليطليين فترجع المسألتان إِلَى مَسْأَلَة وَاحِدَة، وَحِينَئِذٍ فَيجب أَن يعمم فِي قَول النَّاظِم وَمنعه فِيهِ الْخطاب أَي: كَانَ بالمشافهة أَو بِالْكِتَابَةِ، وَكَذَا فِي قَوْله التَّعْرِيف أَي بِالْكِتَابَةِ أَو بالمشافهة، وَيكون هَذَا مُقَابلا لقَوْله المرتضى كَمَا هُوَ ظَاهر وَلَا معنى لجعلهما مَسْأَلَتَيْنِ بل الْمَسْأَلَة الأولى عِنْد التَّأَمُّل رَاجِعَة إِلَى هَذَا أَيْضا، وَبَيَانه: أَن قولي ابْن عبد الحكم وَابْن عتاب كِلَاهُمَا جَار على الْمَشْهُور: من أَن القَاضِي إِذا حل فِي غير بَلَده فَهُوَ مَعْزُول فَلَا يُخَاطب وَلَا يسمع بَيِّنَة هُنَاكَ لِأَن سماعهَا يَسْتَدْعِي تعديلها فَإِن شافهه قَاضِي ذَلِك الْبَلَد بعدالتها لم يحل لَهُ أَن يحكم بذلك إِذا رَجَعَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَاكم بِعلم سبق مَجْلِسه كَمَا فِي ابْن شَاس وَابْن الْحَاج وَهُوَ مَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله: وأنهى لغيره بمشافهة إِن كَانَ كل بولايته الخ. وَقد جعل غير وَاحِد قَول أصبغ والطليطليين مُقَابلا فَلَو أَتَى المُصَنّف بفاء التَّفْرِيع بدل الْوَاو فَيَقُول فَمَنعه فِيهِ الْخطاب الخ. إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا بَيَان للْخلاف الْمَذْكُور لَكَانَ أظهر وَالله أعلم. تَنْبِيه: قَالَ الشَّارِح: وعَلى مَا ذهب إِلَيْهِ فُقَهَاء طليطلة الْعَمَل عِنْد قُضَاة الْجَمَاعَة بالحضرة. يُرِيد حَضْرَة غرناطة، وَانْظُر مَا الَّذِي بِهِ الْعَمَل الْآن فِي هَذِه الأقطار، وَظَاهر قَوْلهم: إِن عمل الْمغرب تَابع لعمل الأندلس أَنه على ذَلِك. ويُثْبِتُ القَاضِي عَلَى المَحْوِ وَمَا أشْبَهَهُ الرَّسْمَ على مَا سَلِما (وَيثبت) بِضَم الْيَاء مضارع أثبت (القَاضِي) فَاعله (على المحو) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الرَّسْم (وَمَا) عطف على المحو (أشبهه) صلته أَي من بشر وَقطع وقرض فار (الرَّسْم) مفعول يثبت (على مَا سلما) حَال من القَاضِي، أَو بدل من الرَّسْم، بدل بعض من كل أَي: وَيثبت القَاضِي الرَّسْم فِي حَال اشتماله على المحو وَنَحْوه إِذا طُولِبَ بِالْخِطَابِ عَلَيْهِ حَال كَونه منبهاً على مَا سلم مِنْهُ فَيَقُول مثلا: أعلم بِصِحَّة الرَّسْم أَعْلَاهُ مَا عدا المحو أَو الْبشر الَّذِي مبدؤه كَذَا ومنتهاه كَذَا، أَو أعلم بِثُبُوت مَا عدا المحو الَّذِي بَين لَفْظَة كَذَا وَكَذَا فِي الرَّسْم أَعْلَاهُ، فَلَا بُد من تنصيصه على الِابْتِدَاء والانتهاء، وَظَاهره أَنه يثبت السَّالِم سَوَاء كتب فِي مَحل المحو والبشر شَيْء من فُصُول الْوَثِيقَة أم لَا. أحتمل أَن يكون مَوضِع الْبشر وَنَحْوه مَا يبطل الرَّسْم أَو يضاد مَا لم يسترب فِيهِ أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك إِذا لم يسترب فِي جَمِيع فُصُول الرَّسْم من أجل ذَلِك، وَفهم من قَوْله: على المحو(1/130)
الخ. أَن التقطيع الَّذِي لم تذْهب مَعَه الْكِتَابَة بِأَن بَقِي الْمَقْطُوع ملزقاً بخيط أَو بِطرف مِنْهُ، وَنَحْو ذَلِك يُثبتهُ كُله، وَهُوَ كَذَلِك لَكِن لَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد الإيقاف زَمنا رَجَاء أَن يظْهر لَهُ أَمر فَإِن طَال حكم بِهِ بعد الِاسْتِظْهَار بِالْيَمِينِ كَمَا فِي وَصَايَا المعيار، وَفهم من قَوْله: على مَا سلما أَن السَّالِم يسْتَقلّ بِنَفسِهِ وَإِلَّا سقط الرَّسْم كُله وَهُوَ كَذَلِك، فَإِذا كَانَ رسم الصَدَاق فِيهِ سطر ممحو مثلا كتب فِيهِ أَي فِي مَحل هَذَا المحو اشْتِرَاط عدم الرحيل مثلا، وَلم يحفظ الشُّهُود ذَلِك أَو غَابُوا أَو مَاتُوا حلف الزَّوْج أَنه مَا اشْترط لَهَا ذَلِك وسافر حَيْثُ شَاءَ، وَكَذَلِكَ إِن قَالَ فِي الْوَثِيقَة لفُلَان على فلَان مائَة وَخَمْسُونَ دِينَارا فَوَقع المحو وَنَحْوه على الْخمسين، فَإِن الْمِائَة تثبت وَلَا إِشْكَال. وَانْظُر هَل تسْقط الْخَمْسُونَ الزَّائِدَة أَو ينظر للتمييز، فَإِن كَانَ مَنْصُوبًا فَيحمل على أقل الْعُقُود وَهُوَ أحد عشر، وَهُوَ الظَّاهِر هَذَا معنى قَوْله: على مَا سلما، فَإِن حصلت الرِّيبَة فِي جَمِيع فُصُول العقد بِسَبَب الْبشر وَنَحْوه لم يُحَقّق شُهُود مَا يُوجب حكما أَو غَابُوا أَو مَاتُوا قبل أَن يسْأَلُوا بَطل الرَّسْم كُله قَالَه فِي المعيار. قَالَ: والبشر أَشد وأكبر رِيبَة عِنْد بَعضهم، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا: إِذا وجد فِي ذكر حق محو أَو بشر غير معتذر عَنهُ إِن كَانَ ذَلِك لَا يخل بِشَرْط وَلَا قيد فِي الرَّسْم لم يضر، وَإِن أبطل قيدا من قيود الرَّسْم بَطل بِذَاتِهِ مثل أَن يخل بتاريخ أَو عدد وَنَحْوه، وَإِن كَانَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الرَّسْم مثل اسْم الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَو لَهُ بَطل جَمِيعه. وَقَالَ فِي الطرر: إِذا وَقع فِي الْوَثِيقَة بشر أَو محو أَو ضرب فِي مَوَاضِع العقد مثل عدد الدَّنَانِير أَو آجالها أَو التَّارِيخ وَلم يعْتَذر عَنهُ سُئِلت الْبَيِّنَة فَإِن حفظت الشَّيْء بِعَيْنِه من غير أَن يرَوا الْوَثِيقَة مَضَت وَإِن لم يحفظوه سئلوا عَن الْبشر فَإِن حفظوه مَضَت أَيْضا، وَإِلَّا سَقَطت، وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غير مَوَاضِع العقد لم يضر الْوَثِيقَة وَإِن لم يعْتَذر عَنهُ اه بِنَقْل المعيار، وَمثل عدم حفظهم لمحل الْبشر وَنَحْوه مَوْتهمْ أَو غيبتهم كَمَا مر وَظَاهر قَوْله: وَإِلَّا سَقَطت الخ. سُقُوط الْوَثِيقَة كلهَا سَوَاء كَانَ الْبَاقِي يسْتَقلّ بِنَفسِهِ أم لَا. وَلَيْسَ كَذَلِك بِدَلِيل مَا مرّ لِأَنَّهَا إِذا كَانَت تسْقط كلهَا لم يبْق للنظم محمل يحمل عَلَيْهِ. وَفِي كَلَام (ت) نظر، ثمَّ بعد كتبي هَذَا وقفت على أَن مافي الطرر وَإِن نَقله غير وَاحِد مُسلما، فقد بحث فِيهِ سَيِّدي يعِيش فَقَالَ: يظْهر لي أَن فِيهِ أموراً. الأول: إِنَّه إِذا سُئِلت الْبَيِّنَة من غير أَن يرَوا الْوَثِيقَة وحفظت الشَّيْء بِعَيْنِه فالاعتماد إِذن على حفظهم لَا على الْوَثِيقَة حَتَّى يُقَال مَضَت. الثَّانِي: إِن قَوْله على الْبشر فِيهِ إِجْمَال لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُرِيد بذلك عَن الْكِتَابَة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْبشر، أَو عَن الْبشر الَّذِي يبْقى الْكَلَام فِيهِ لَهُ معنى، وَأما الْبشر الَّذِي لَيْسَ كَذَلِك كبشر سطر وَنَحْوه من غير كِتَابَة، فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَوْله بعد فَإِن حفظوه مَضَت. الثَّالِث: أَن قَوْله: وَإِن لم يحفظوه سَقَطت الْوَثِيقَة فِيهِ جور على رب الرَّسْم بل إِذا سلم فِيهِ مثلا وَتقَابَضَا الثّمن والمثمن مُعَاينَة خَاطب القَاضِي عَلَيْهِ لينْتَفع بِهِ. الرَّابِع: قَوْله: وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غير مَوضِع العقد لم يضر الْوَثِيقَة فِيهِ نظر، إِذْ قد يكون مثلا فِي وَثِيقَة التصيير فِي قَول الموثق وحازه مُعَاينَة وَيَقَع النزاع فِي الْحَوْز، بل هَذَانِ الْأَمْرَانِ مخالفان لقَوْل النَّاظِم: وَيثبت القَاضِي على المحو الخ، فَإِن ظَاهره كَانَ الَّذِي سلم فِي العقد أَو فِي غَيره من الرَّسْم اه. قلت: وَيُمكن أَن يُجَاب عَن الأول بِأَن الضَّمِير فِي مَضَت يعود على الشَّهَادَة وَعَن الثَّانِي بِأَنَّهُ يُمكن أَن يبشر السطر كُله ويحفظوا كل مَا كَانَ فِيهِ من غير كِتَابَة كَمَا هُوَ ظَاهر، وَعَن الرَّابِع بِأَن المُرَاد بِالْعقدِ مَا لَا يتم العقد إِلَّا بِهِ فَيشْمَل مَا هُوَ شَرط فِيهِ، وَإِن كَانَ خَارِجا عَنهُ كالحيازة(1/131)
وَنَحْوهَا، نعم يرد على الْإِطْلَاق فِي قَوْله: وَإِلَّا سَقَطت كَمَا مرّ التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَحْث الثَّالِث عِنْده وَالله أعلم. فرع: إِذا كَانَت النُّسْخَة مسجلة على القَاضِي بِالصِّحَّةِ بعد الْمُقَابلَة والمماثلة من شاهديها المعروفين بِالْعَدَالَةِ وَمَا تَقْتَضِيه أَلْفَاظ التسجيل، فَشهد غَيرهمَا بِأَن الأَصْل المنتسخ مِنْهُ كَانَ فِيهِ تقطيع أَو محو وَنَحْوه، فَإِن شَهَادَة الْغَيْر لَا تعَارض شَهَادَة شَاهِدي النُّسْخَة لجَوَاز أَن يكون الْبشر وَنَحْوه طَرَأَ بعد الانتساخ، أَو يكون هَذَا الَّذِي رَآهُ الْغَيْر نَظِير المنتسخ مِنْهُ لكَون شاهديه عدلا عَنهُ، لما فِيهِ من الْبشر وَنَحْوه، وَكتب غَيره سليما وَمن هَذَا السَّلِيم أخذت النُّسْخَة قَالَه فِي المعيار إِثْر مَا مرّ. وعِنْدَ مَا يَنْفُذُ حُكْمٌ وطُلِبْ تَسْجِيلُهُ فإنَّهُ أمْرٌ يَجِبْ (وعندما) ظرف زمَان مضمن معنى الشَّرْط فَهُوَ كحيث الْوَاقِعَة على الزَّمَان (ينفذ) بِضَم الْفَاء (حكم) فَاعله وَيجوز نَصبه على أَنه مفعول ينفذ بِكَسْر الْفَاء الْمُشَدّدَة وفاعله ضمير يعود على القَاضِي (وَطلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِبه ضَمِيره الْعَائِد على القَاضِي. (تسجيله) مفعول ثَان، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة ينفذ مدخولة للشّرط الْمَذْكُور (فَإِنَّهُ أَمر) الْفَاء رابطة بَين الشَّرْط وَجَوَابه (يجب) صفة لأمر أَي: أَي وحيثما نفذ القَاضِي حكما وَطلب مِنْهُ أحد الْخَصْمَيْنِ تسجيله أَي كتبه وإشهاد شَاهِدين عَلَيْهِ ليتمسك بِهِ تحصيناً لنَفسِهِ من مفْسدَة تَجْدِيد الْخُصُومَة فَإِنَّهُ أَمر وَاجِب عَلَيْهِ فعله وَتَقَدَّمت كَيْفيَّة تسجيله فِي الْآجَال، وَفهم مِنْهُ أَنه لَا بُد من تَسْمِيَة شَاهِدي التسجيل والإعذار والآجال وشاهدي الْحق، إِذْ لَا تتمّ الْحجَّة إِلَّا بذلك. وَهُوَ كَذَلِك. وَسَوَاء كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ غَائِبا أَو حَاضرا لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِذا أنكر حكم القَاضِي وَالْخُصُومَة عِنْده فَلَا يقبل قَول القَاضِي عَلَيْهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون الخ. وَشَمل قَوْله: وَطلب مَا إِذا طلبه كل مِنْهُمَا وَهُوَ نَص فِي وجوب إِعْطَاء الْحَاكِم النُّسْخَة للمحكوم عَلَيْهِ من حكمه، وَلَا سِيمَا إِذا قَالَ حكم عَلَيْهِ بِمَا لَا نَص فِيهِ. وَقد صرح بِهِ الْفَقِيه سَيِّدي أَبُو الْقَاسِم بن حجُّوا حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الزياتي قَائِلا: من الْبدع الْمُحرمَة منع قُضَاة الكور تسجيل الحكم وَمَا بني عَلَيْهِ من الْمَحْكُوم عَلَيْهِ. فَمن منع ذَلِك فَهُوَ ذُو حيف مُبْتَدع اه. قلت: وَلَا سِيمَا مَعَ ضعف عَدَالَة قُضَاة الْوَقْت وَعدم معرفتهم بكيفية إِجْرَاء الْأَحْكَام على قوانينها، وَانْظُر أَوَاخِر الرُّكْن الثَّانِي من الْقسم الأول من التَّبْصِرَة فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ: أَن القَاضِي إِذا قَالَ: شهدُوا عِنْدِي بِكَذَا وحكمت وَأنْكرت الْبَيِّنَة الشَّهَادَة عِنْده بذلك هَل ينْقض حكمه أَو لَا؟ قَولَانِ: الرَّاجِح مِنْهُمَا لمناسبة تُهْمَة قُضَاة الْوَقْت النَّقْض. وَمَا عَلَى القَاضِي جُناحٌ لَا وَلا مِنْ حَرَجٍ إِن ابْتداءً فَعَلا (وَمَا) نَافِيَة (على القَاضِي) خبر (جنَاح) أَي إِثْم مُبْتَدأ (لَا) تَأْكِيد لما (وَلَا) نَافِيَة (من) زَائِدَة(1/132)
(حرج) مجرور لفظا وَهُوَ مَرْفُوع معنى مَعْطُوف على جنَاح وَمَعْنَاهُ الْإِثْم أَيْضا فهما بِمَعْنى (إِن) شَرط (ابْتِدَاء) مصدر مَنْصُوب على نزع الْخَافِض وَفعل الشَّرْط مَحْذُوف يفسره (فعلا) وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ مَا قبله أَي لَيْسَ على القَاضِي جنَاح، وَلَا حرج إِن فعل كتب الحكم وتسجيله ابْتِدَاء قبل أَن يطْلب مِنْهُ. وَسَاغَ مَعَ سُؤَالِهِ تَسْجِيلُ مَا لَمْ يُواقِعِ النِّزاعُ فِيهِ كَلِما (وساغ مَعَ سُؤَاله) يتَعَلَّق بساغ وَهُوَ مصدر مُضَاف للْمَفْعُول وضميره للْقَاضِي (تسجيل) فَاعل سَاغَ (مَا) نكرَة أَو مَوْصُولَة (لم يُوقع) بِضَم الْيَاء مَعَ كسر الْقَاف أَو فتحهَا. (النزاع) فَاعله أَو نَائِبه (فِيهِ) يتَعَلَّق بالنزاع (كلما) بِكَسْر اللَّام وَفتح الْكَاف جمع بِمَعْنى كَلَام مفعول بقوله يُوقع بِكَسْر الْقَاف على أَنه مَبْنِيّ للْفَاعِل أَو بِضَم الْكَاف وَتَشْديد اللَّام مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة الزمانية بساغ لِأَن مَا الَّتِي أضيفت إِلَيْهِ كل بِمَعْنى الزَّمَان وَهِي نكرَة حذفت صفتهَا تقديرها يسْأَل مِنْهُ ذَلِك على أَن يُوقع بِفَتْح الْقَاف مَبْنِيا للْمَفْعُول، وعَلى كل فالجملة صفة لما الأولى أَو صلتها والرابط الضَّمِير فِي فِيهِ، وَالْمعْنَى على الأول وساغ للْقَاضِي مَعَ سُؤَاله تسجيل شَيْء لم يُوقع النزاع فِيهِ كلَاما، وَالْمعْنَى على الثَّانِي وساغ لَهُ تسجيل الشَّيْء الَّذِي لم يُوقع النزاع فِيهِ كل زمَان يسْأَل مِنْهُ ذَلِك. قَالَ الشَّارِح: وَذَلِكَ مثل رسوم الأحباس الَّتِي يهْلك شهودها وَيشْهد على خطوطهم وَغير ذَلِك مِمَّا ثَبت عِنْده وَلم يَقع فِيهِ خصام اه. فَمَعْنَى التسجيل هُنَا إشهاده بِصِحَّة تِلْكَ الرسوم وَكتب ذَلِك الْإِشْهَاد فَلَيْسَ فِيهِ حكم، إِذْ الحكم يَسْتَدْعِي مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ للتحصين والاستعداد بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ إِشْهَاد بالحكم وَكتبه كَمَا مرّ. وسائلُ التَّعْجِيزِ ممنْ قَدْ قض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى يُمْضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لَهُ فِي كلِّ شيءٍ بالقَضَا (وَسَائِل التَّعْجِيز) أَي: الحكم بِعَدَمِ قبُول مَا يَأْتِي بِهِ من حجَّة زِيَادَة على الحكم بِالْحَقِّ قَالَه اللَّقَّانِيّ، وَقيل: إِن التَّعْجِيز هُوَ نفس الحكم بِالْحَقِّ أَو بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ شَيْئا زَائِدا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يكْتب تَأْكِيدًا للْحكم وَهُوَ مفَاد التَّوْضِيح وعياض وارتضاه طفي وَهُوَ ظَاهر مَا للموثقين، وَلَا سِيمَا المتيطي فِي عدَّة مَوَاضِع من وَثِيقَة النِّكَاح مِنْهَا قَوْله: فَإِذا انْقَضتْ الْآجَال والتلوم وَلم يَأْتِ الْمُؤَجل بِشَيْء يُوجب لَهُ نظر أعجزه القَاضِي وأنفذ الْقَضَاء عَلَيْهِ وسجل بذلك وَقطع شغبه عَن خَصمه فِي ذَلِك، ثمَّ قَالَ: لَا تسمع لَهُ بعد ذَلِك حجَّة وَلَا بَيِّنَة كَانَ طَالبا أَو مَطْلُوبا إِلَّا فِي الْعتْق وَالطَّلَاق وَالدَّم وَالنّسب. قَالَه مطرف وَابْن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأَشْهَب، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب اه. وَمثله لِابْنِ سهل وَقد قَالَ ابْن رشد: اخْتلف فِيمَن أَتَى بِبَيِّنَة بعد الحكم عَلَيْهِ بالتعجيز على ثَلَاثَة أَقْوَال الخ. فَلَو كَانَ التَّعْجِيز هُوَ الحكم بِعَدَمِ قبُول الْحجَّة مَا تأتى لَهُ حِكَايَة(1/133)
الْخلاف، لِأَن حكم الْحَاكِم يرفع الْخلاف على أَن الَّذِي فِي الزّرْقَانِيّ أَنه لَا تقبل حجَّته بعده على الْمَذْهَب، وَلَو لم يحكم بِعَدَمِ قبُول حجَّته وحينئذٍ فتنفيذ الْقَضَاء فِي النَّص الْمُتَقَدّم لَيْسَ أمرا زَائِدا على الحكم بِالْحَقِّ كَمَا مرّ أول الْكتاب، فَلم يبْق معنى لقَولهم عَجزه إِلَّا الحكم بِثُبُوت الْحق أَو نَفْيه، فالتعجيز فِي النّظم على حذف مُضَاف أَي سَائل كتبه تَأْكِيدًا للْحكم أَو سَائل إِيقَاعه أَي التَّعْجِيز بِمَعْنى الحكم أَي سَائل إِيقَاع الحكم، وَلَا يتَكَرَّر مَعَ قَوْله قبل وعندما ينفذ حكم الخ لِأَن ذَلِك فِي سُؤَاله كِتَابَة الحكم بعد إِيقَاعه، وَهَذَا فِي سُؤَاله كِتَابَة التَّعْجِيز تَأْكِيدًا للْحكم الْمَذْكُور، أَو فِي سُؤَاله إِيقَاعه أَي التَّعْجِيز الَّذِي هُوَ الحكم حَيْثُ لم يَأْتِ الْمُؤَجل بِشَيْء. وَالْحَاصِل أَن الْمَحْكُوم لَهُ طَالبا أَو مَطْلُوبا إِذا سَأَلَ (مِمَّن قد قضى) لَهُ بِالْحَقِّ أَو نَفْيه أَن يكْتب تعجيز الْمَطْلُوب تَأْكِيدًا للْحكم الْمَذْكُور أَو سَأَلَ مِنْهُ إِيقَاع الحكم حَيْثُ لم يَأْتِ الْمُؤَجل بِشَيْء فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك فِي الأول اسْتِحْبَابا وَفِي الثَّانِي وجوبا، فَقضى بِمَعْنى الْمُضَارع على الْوَجْه الأول أَو على حذف الْإِرَادَة على الْوَجْه الثَّانِي، وَقد: للتحقيق على كل حَال، وَالْمَجْرُور من الْمَوْصُول وصلته يتَعَلَّق بالمبتدأ الَّذِي هُوَ سَائل وَخَبره قَوْله: (يُمضي) بِضَم الْيَاء مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه ضمير يعود على التَّعْجِيز (لَهُ) يتَعَلَّق بِهِ (فِي كل شَيْء) وَيجوز قِرَاءَته بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وفاعله ضمير يعود على التَّعْجِيز بِمَعْنى الحكم أَي سَائل الحكم مِمَّن يقْضِي بَين النَّاس يُوجب إِلَيْهِ ويمضي حكمه على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي كل شَيْء مَال أَو غَيره (بالقضا) ء فِيهِ، وَهَذَا على الْوَجْه الثَّانِي من أَن المُرَاد بالتعجيز إِيقَاع الحكم لَا كِتَابَته تَأْكِيدًا لَهُ، وإلاَّ فيؤول يمْضِي بيكتب أَي يُجَاب إِلَيْهِ وَيكْتب لَهُ فِي كل شَيْء قضى بِهِ، وَلَكِن هَذَا الْحمل مَعَ قلَّة فَائِدَته بعيد من لفظ يمْضِي وَمن الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله: إلاّ ادِّعاءُ حُبْسٍ أَو طَلاَقِ أوْ نَسَبٍ أوْ دَمٍ أوْ عَتَاقِ (إِلَّا ادِّعَاء حبس) مَنْصُوب على الِاسْتِثْنَاء أَي سَائل الحكم يُوجب إِلَيْهِ، ويمضي ذَلِك الحكم فِي كل شَيْء وَلَا تسمع للمحكوم عَلَيْهِ حجَّة بعد ذَلِك إِلَّا ادِّعَاء حبس أَو طَلَاق الخ، فَإِنَّهُ لَا يُجَاب إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شرع لقطع النزاع والشغب وَهُوَ إِن حكم فِي هَذِه الْأُمُور، فَإِن الطَّالِب على حجَّته فَلم يكن لحكمه فَائِدَة، وَبِهَذَا تعلم افْتِرَاق هَذِه المستثنيات من غَيرهَا، فَإِن الطَّالِب يحكم عَلَيْهِ فِي غَيرهَا بعد عَجزه وَلَا تسمع حجَّته بعد بِخِلَافِهَا فَلَا يحكم عَلَيْهِ إِذْ لَا ثَمَرَة لَهُ وَإِنَّمَا يعرض عَنْهُمَا كَمَا قَالُوهُ عِنْد قَوْله: أَو وجد ثَانِيًا أَو مَعَ يَمِين لم يره الأول وَغَايَة مَا يَقُول للزَّوْجَة وَنَحْوهَا بعد الْعَجز عَن الْإِثْبَات لَا تسمع هَذِه الدَّعْوَى مُجَرّدَة ويخلى بَينهَا وَبَين زَوجهَا، وَهَذَا لَيْسَ بِحكم كَمَا إِذا قَالَ: لَا أحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أَو لَا أسمع هَذِه الْبَيِّنَة وَنَحْو ذَلِك كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَهُوَ قَول خَلِيل: لَا أجيزه أَو أُفْتِي كَمَا مر أول الْكتاب، وَبِه أَيْضا تعلم ضعف مَا مرّ عَن اللَّقَّانِيّ من أَن التَّعْجِيز هُوَ الحكم بِعَدَمِ قبُول الْحجَّة لِأَنَّهُ حينئذٍ يصير الْمدَار فِي قطع النزاع والشغب على صُدُور التَّعْجِيز بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور، وَالْحكم بِدُونِهِ لَا يقطع ذَلِك. وَهَذَا بعيد لَا دَلِيل عَلَيْهِ عقلا وَلَا نقلا، وَقَول ابْن فَرِحُونَ تبعا للجزيري: إِن قضى القَاضِي على الْقَائِم بِإِسْقَاط(1/134)
دَعْوَاهُ من غير صُدُور تعجيز ثمَّ وجد بَيِّنَة فَلهُ الْقيام بهَا الخ. مَرْدُود كَمَا فِي طفي، وَأَيْضًا هُوَ مَبْنِيّ على الْمُقَابل من أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ تسمع حجَّته الْمشَار لَهُ بقول (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. أَعنِي: إِذا حكم عَلَيْهِ بِإِسْقَاط دَعْوَاهُ، وَلم يقل فِي حكمه أَنه لَا تقبل لَهُ حجَّة يَأْتِي بهَا ثمَّ أَتَى بِبَيِّنَة نَسَبهَا أَو لم يعلم بهَا فَإِنَّهَا لَا تقبل وَهَذَا وان كَانَ مُوَافقا لنَصّ خَلِيل الْمَذْكُور لكنه خلاف الْمَشْهُور كَمَا ستراه فَإِن قَالَ فِي حكمه: لَا تقبل لَهُ بَيِّنَة يَأْتِي بهَا فَلَا تقبل حينئذٍ اتِّفَاقًا لِأَن حكمه بِعَدَمِ قبُول الْحجَّة يرفع الْخلاف، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَد من قَول ابْن الْقَاسِم يُوَافق ابْن الْمَاجشون فِي عدم الحكم على الطَّالِب فِي هَذِه المستثنيات ويختلفان فِي غَيرهَا، فَرَأى ابْن الْمَاجشون أَن كل شَيْء عجز الطَّالِب عَن إثْبَاته ابْتِدَاء فَلَا يحكم فِيهِ وَيتْرك وَتحقّق دَعْوَاهُ مَتى أمكنه، وكل شَيْء أثْبته وَأوجب فِيهِ عملا على الْمَطْلُوب فَأثْبت الْمَطْلُوب مَا يسْقطهُ وينقضه فَادّعى الطَّالِب حجَّة عجز عَن إِثْبَاتهَا بعد ضرب الْأَجَل لَهُ فَإِنَّهُ يحكم عَلَيْهِ وتقطع حجَّته. وَرَأى ابْن الْقَاسِم أَنه يحكم عَلَيْهِ فِي غير المستثنيات مُطلقًا إِذا سَأَلَ الْمَطْلُوب ذَلِك وَالْحجّة لَهُ مَا تقدم فِي رِسَالَة الْقَضَاء لعمر رَضِي الله عَنهُ من قَوْله: اجْعَل للْمُدَّعِي أَََجَلًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِن أحضر بَيِّنَة أخذت لَهُ بِحقِّهِ وإلاَّ وجهت الْقَضَاء عَلَيْهِ الخ. وَظَاهر قَوْله: حبس سَوَاء ادّعى أَن هَذِه الدَّار مثلا حبس على الْفُقَرَاء أَو على معِين وَهُوَ فِي الأول ظَاهر لحق الْغَائِب مِنْهُ، وَكَذَا فِي الثَّانِي لِأَن الْحَبْس حق لله لَا يجوز بَيْعه وَيدخل فِي الْحَبْس الطَّرِيق الْعَامَّة. (أَو طَلَاق) ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة وعجزت عَن إثْبَاته، فَلَا يُجَاب الزَّوْج إِلَى الحكم بِقطع دَعْوَاهَا، وَأما إِذا أثبتته وَعجز الزَّوْج عَن الطعْن فِيمَا أَتَت بِهِ فَإِنَّهُ يحكم بِهِ عَلَيْهِ وَلَا تسمع حجَّته بعد، وَكَذَا يُقَال فِي بَاقِي المستثنيات فَلَا يعجز مدعي إِثْبَاتهَا ويعجز مدعي نَفيهَا مَا عدا الدَّم لخطره كَمَا ستراه. (أَو نسب) ادّعى شخص أَنه من ذُرِّيَّة فلَان وَعجز عَن إثْبَاته فَلَا يُجَاب من هُوَ من ذُريَّته إِلَى الحكم بِقطع دَعْوَاهُ (أَو دم) ادَّعَاهُ شخص على آخر غيلَة أَو حرابة فعجز الْوَلِيّ عَن إِثْبَات ذَلِك فَلَا يُجَاب الْقَاتِل إِلَى الحكم بِقطع دَعْوَى الْوَلِيّ هَذَا هُوَ المُرَاد بِالدَّمِ لِأَن ضَابِط الْمسَائِل الْخمس كل حق لَيْسَ لمدعيه إِسْقَاطه بعد ثُبُوته، وَلَيْسَ المُرَاد ادعاءه أَنه قتل وليه عمدا فِي غير الغيلة والحرابة وَعجز عَن إثْبَاته، فَإِن هَذَا يحكم عَلَيْهِ وَلَا تقبل حجَّته بعد لعدم دُخُوله فِي الضَّابِط الْمَذْكُور وَلَا ادِّعَاء الْعَفو أَو التجريح فعجز عَن إثباتهما فَحكم بقتْله فَوجدَ الْبَيِّنَة بهما قبل أَن يُقتل، فَإِن هَذَا يقبل مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ من الْعَفو وَالتَّجْرِيح لخطر الدِّمَاء فَقَط، وَلَو كَانَ مَالا لم يقبل مِنْهُ وَلَكِن لَا يُقرر بِهِ كَلَام النَّاظِم لِأَن الْكَلَام فِي الحكم على الطَّالِب كَمَا مرّ، وَهَذَا مَطْلُوب. وَأَيْضًا فَإِن هَذَا من دَعْوَى الْعَفو فِي الْحُدُود فَلَا يخْتَص بِالْقَتْلِ بل الْقَذْف كَذَلِك وَالتَّجْرِيح فِي السّرقَة بِالنِّسْبَةِ للْقطع كَذَلِك، وَلَو أرادوه لقالوا أَو عفوا الخ. وَأَيْضًا لَو كَانَ المُرَاد بِالْكُلِّيَّةِ مَا يَشْمَل الطَّالِب وَالْمَطْلُوب لورد عَلَيْهِ(1/135)
الْغَائِب واليتيم إِذْ لكل مِنْهُمَا الْإِسْقَاط بعد الْقدوم والرشد مَعَ أَنه يحكم عَلَيْهِمَا وَينْزع الشَّيْء من يدهما وهما على حجتهما وَالله أعلم. (أَو عتاق) ادَّعَاهُ العَبْد على سَيّده وَعجز عَن إثْبَاته فَإِنَّهُ لَا يعْمل بِدَعْوَاهُ ويخلى بَينه وَبَين سَيّده وَتسمع حجَّته إِن وجدهَا وعتاق بِفَتْح الْعين مصدر عتق كَمَا فِي الْقَامُوس. ثُمَّ عَلَى ذَا القولِ ليسَ يُلْتَفَتْ لِمَا يُقَالُ بَعْدَ تَعْجِيزٍ ثَبَتْ (ثمَّ) عاطفة جملَة على جملَة (على ذَا القَوْل) يتَعَلَّق بقوله: (لَيْسَ) وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن وَجُمْلَة (يلْتَفت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبَرهَا (لما يُقَال) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا (بعد تعجيز) وَجُمْلَة (ثَبت) صفة تعجيز أَي ثمَّ إِذا أُجِيب سَائل التَّعْجِيز أَي الحكم لما سَأَلَهُ على هَذَا القَوْل الْمَذْكُور من إِيجَابه إِلَيْهِ وإمضائه عَلَيْهِ فِي كل شَيْء إِلَّا مَا اسْتثْنِي لَا يلْتَفت لما يَأْتِي بِهِ بعد من حجَّة طَالبا أَو مَطْلُوبا وإلاَّ لم تكن فَائِدَة لضرب الْآجَال وَلَا تَنْقَطِع حجَّة أحد أبدا وَظَاهره أقرّ بِالْعَجزِ أم لَا كَانَ هُنَاكَ عذر من نِسْيَان وَنَحْوه أم لَا. كَانَت الْحجَّة الَّتِي أَتَى بهَا فِي غير المستثنيات تجريحاً أَو غَيره، وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع على الرَّاجِح الْمَعْمُول بِهِ قَالَ فِي الشَّامِل: ثمَّ لَا حجَّة للمحكوم عَلَيْهِ بعده، وَكَذَا إِن أقرّ بِالْعَجزِ على الْمَشْهُور. وَثَالِثهَا: إلاَّ لوجه. وَرَابِعهَا: تقبل عِنْد من حكم عَلَيْهِ فَقَط وَقيل تقبل من الطَّالِب وَحده، وَقيل إِن لم يدْخل خَصمه فِي عمل اه فَعلم مِنْهُ بِحَسب ظَاهره أَنه إِذا حكم عَلَيْهِ وَهُوَ يَدعِي الْحجَّة لَا تقبل حجَّته بعد اتِّفَاقًا وَإِن مَحل الْخلاف إِذا أقرّ بِالْعَجزِ وَهُوَ كَذَلِك وبالمشهور قَالَ أَشهب ومطرف: وَفِي كتاب ابْن دبوس: إِذا فصل الْحَاكِم بَين الْخَصْمَيْنِ لم ينظر لَهُ فِي بَيِّنَة بعد ذَلِك وَلم يعْذر فِي غيبتها أَو جهلها أَو جهل من يجرح من شهد عَلَيْهِ، وَنفذ الحكم عَلَيْهِ على مَا عَلَيْهِ حكام أهل الْمَدِينَة. قَالَ أصبغ: وَبِه قَالَ ابْن الْقَاسِم وأصحابنا اه. وَفِي ابْن سهل: إِنَّه الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل، وَكَذَا فِي الجزيري وَابْن رحال فِي حَاشِيَته هُنَا، وَفِي التَّبْصِرَة إِذا قَالَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بعد الحكم كنت أغفلت حجَّة كَذَا لم يقبل مِنْهُ ذَلِك اه بخ. قلت: وَبِهَذَا تعلم أَن قَول (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. وَكَذَا قَوْله: أَو ظهر أَنه قضى بفاسقين الخ كِلَاهُمَا مُقَابل، وَيدخل فِي الْفسق الْعَدَاوَة والقرابة وَسَائِر(1/136)
القواد (ح) كَمَا لِابْنِ رحال فِي شَرحه. وَفِي التَّبْصِرَة أَن الْمَازرِيّ صوب عدم النَّقْض، وَمِمَّنْ صرح بالمقابلة بَين المحلين ابْن سهل فِي أَحْكَامه وَنَقله المتيطي فِي أول نهايته قَالَ بعد أَن ذكر عَن سَحْنُون أَنه مَا ضربت لَهُ الْآجَال ووسع عَلَيْهِ إِلَّا لتقطع حجَّته وَأَنه لَا يَقُول فِي ذَلِك بقول ابْن الْقَاسِم بن سهل يُرِيد: الَّذِي روى عَنهُ فِي موضِعين قَوْله فِي أقضية الْمُدَوَّنَة إِن أَتَى بِمَالِه وَجه قبل مِنْهُ مثل أَن يَأْتِي بِشَاهِد عِنْد من لَا يرى الشَّاهِد وَالْيَمِين، فَوجدَ بعد الحكم عَلَيْهِ شَاهدا آخر، وَفِي السّرقَة مِنْهَا مثل أَن يظفر بِبَيِّنَة لم يعلمهَا، وَفِي كتاب التَّبْصِرَة: إِن وجد من يجرح من حكم عَلَيْهِ بهم فَإِنَّهُ يسمع مِنْهُ ذَلِك عِنْد ذَلِك الْحَاكِم وَعند غَيره ثمَّ قَالَ: وَفِي سَماع أصبغ عَنهُ فِيمَن ادّعى نِكَاح امْرَأَة وَادّعى بَيِّنَة بعيدَة وأنكرته لم تُؤمر بانتظاره إِلَّا أَن تكون الْبَيِّنَة قريبَة لَا يضر ذَلِك بِالْمَرْأَةِ فَإِن عَجزه الْحَاكِم ثمَّ جَاءَ بِبَيِّنَة فقد مضى الحكم أنكحت أم لَا؟ قَالَ: وَهَذِه الرِّوَايَة نَحْو رِوَايَته عَنهُ فِي كتاب ابْن حبيب خلاف الْمُدَوَّنَة وَفِي سَماع يحيى لِأَنَّهُ لم يسمع مِنْهُ بعد التَّعْجِيز اه. وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ قَول خَلِيل فِي التَّنَازُع، وَأمرت بانتظاره لبينة قريبَة ثمَّ لم تسمع بَينته إِن عَجزه قَاض مدعي حجَّة الخ لَكِن مَا فِي الْمُدَوَّنَة من قبُول حجَّته بعد الحكم إِن أَتَى بِمَالِه وَجه الخ. طَالبا كَانَ أَو مَطْلُوبا صرح فِي معاوضات المعيار فِي جَوَاب لمؤلفه بِأَنَّهُ الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب قَالَ: وَسَوَاء كَانَ الحكم بعد الْعَجز أَو التَّعْجِيز على طَرِيق أَكثر الْمَشَايِخ خلافًا لِابْنِ رشد وَصَاحب الْمعِين اه. وَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة أَنه الَّذِي بِهِ الْعَمَل فَقَوله: خلافًا لِابْنِ رشد يُرِيد لِأَنَّهُ جعل الحكم مَعَ التَّعْجِيز أَن بَين اللدد قَاطعا لكل حجَّة يَأْتِي بهَا علمهَا أم لَا، وَقصر الْخلاف على مَا إِذا أقرّ بِالْعَجزِ، وَقد علمت مِنْهُ أَن أَكثر الْمَشَايِخ على خلاف قَوْله فَتَأَمّله مَعَ مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم، وَفِي الْحطاب عِنْد قَوْله: وتؤولت على الْكَمَال فِي الْأَخير الخ، من النقول مَا يشْهد لما شهره فِي المعيار فَانْظُرْهُ، لَكِن الأول أقوى لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ الْعَمَل. تَنْبِيهَانِ الأول: إِذا قَالَ الْمُدَّعِي فِي غير المستثنيات بينتي غَائِبَة فَإِن كَانَت قريبَة الْغَيْبَة أنظر بِقدر ذَلِك، وَإِن كَانَت بعيدَة قضى عَلَيْهِ وَهُوَ على حجَّته إِذا قدمت فَإِن سَأَلَ من القَاضِي أَن يحلفهُ لَهُ ويبقي على حجَّته أُجِيب إِن حلف أَنَّهَا بِموضع بعيد وسماها وإلاَّ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته كَمَا فِي اللامية. ابْن عَرَفَة: وَلَا بُد أَن يعين الْموضع خوف أَن يعْتَقد بعد مَا لَيْسَ بِبَعِيد وَالْخَوْف مَعَ الْقرب كالبعد. الثَّانِي: لم تجر الْعَادة عِنْد الموثقين بإفراد عقد التَّعْجِيز أَي الحكم، وَإِنَّمَا يضمنونه عقد التسجيلات أَي الْآجَال ورسوم الْحق الَّتِي أشهد على نَفسه بقبولها وعدالة شهودها وَكَيْفِيَّة ذَلِك أَن تَقول: لما انصرمت الْآجَال والتلومات الثَّابِتَة أَعْلَاهُ أَو حوله، وَلم يَأْتِ المتأجل بِشَيْء يُوجب لَهُ نظرا سَأَلَ الْقَائِم بِالْحَقِّ أَو الْمَطْلُوب بِهِ أَعْلَاهُ أَو حوله مِمَّن يجب سدده الله وَهُوَ إِعْمَال الْوَاجِب فِي ذَلِك وَأَن يحكم لَهُ بِمَا ثَبت لَهُ على المتأجل الْمَذْكُور أَو يقطع دَعْوَاهُ عَنهُ، فَاقْتضى نظره السديد أَن حكم على المتأجل الْمَذْكُور بِكَذَا بعد أَن أعذر لَهُ بأبقيت لَك حجَّة فادعاها أَو نفاها حكما لَازِما أنفذه وأمضاه وَأوجب الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ شهد على إِشْهَاد من ذكر إِلَى آخر مَا تقدم فِي فصل الْإِعْذَار فَإِن سَأَلَ كِتَابَة التَّعْجِيز تَأْكِيدًا للْحكم الْمَذْكُور على حسب مَا مر زَاد بعد قَوْله أنفذه وعجزه، وَأوجب الْعَمَل الخ. وَقَوْلنَا: بعد أَن أعذر الخ. لَا بُد مِنْهُ كَمَا مر فِي أول(1/137)
فصل الْإِعْذَار وَصفَة الْوَثِيقَة ظَاهر مِمَّا مر آنِفا وَالله أعلم فَإِن ذهبت إِلَى كتبه مُفردا فَانْظُر كَيْفيَّة ذَلِك فِي التَّبْصِرَة.
(بَاب الشُّهُود)
جمع شَاهد (وأنواع الشَّهَادَات) الْخمس (وَمَا يتَعَلَّق بذلك) من التَّوْقِيف وتعارض الْبَينَات. وَالْفرق بَين الرِّوَايَة وَالشَّهَادَة مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا خبر هُوَ أَن الْخَبَر إِن تعلق بجزئي وَقصد بِهِ تَرْتِيب فصل الْقَضَاء عَلَيْهِ كَقَوْلِك: لفُلَان على فلَان كَذَا فَهُوَ الشَّهَادَة، وَإِن تعلق بِأَمْر عَام لَا يخْتَص بِمعين كالأعمال بِالنِّيَّاتِ وَالشُّفْعَة فِيمَا لَا يَنْقَسِم أَو تعلق بجزئي، لَكِن من غير قصد تَرْتِيب فصل الْقَضَاء عَلَيْهِ كَحَدِيث: يخرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة وَنَحْوهمَا مِمَّا يقْصد بِهِ تَعْرِيف دَلِيل الحكم الشَّرْعِيّ لَا تَرْتِيب فصل الْقَضَاء، فَهُوَ الرِّوَايَة، وَلذَا قَالَ فِي جمع الْجَوَامِع الْإِخْبَار عَن عَام لَا ترفع فِيهِ الرِّوَايَة وخلافه الشَّهَادَة اه. وَشَاهِدٌ صِفَتُهُ المَرْعِيَّهْ عَدَالَةٌ تَيَقُّظٌ حُرِّيَّهْ (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس أَو كَونه صفة لمَحْذُوف (صفته) مُبْتَدأ ثَان (المرعية) نعت لَهُ أَي الْمُعْتَبرَة فِيهِ (عَدَالَة) وَمَا عطف عَلَيْهِ بِحَذْف العاطف خبر عَن الثَّانِي، وَالْجُمْلَة خبر الأول وَلَا يخفى أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ إِذْ كل عدل مُطلقًا كَانَ عدل رِوَايَة أَو شَهَادَة لَا بُد فِيهِ مِنْهَا وَقت الْأَدَاء والإخبار. (تيقظ) أَي فطنة بِحَيْثُ لَا تتمشى عَلَيْهِ الْحِيَل فَهُوَ أخص من الْعقل، إِذْ لَا يلْزم من وجود الْعقل وجود التيقظ كَمَا أَنه لَا يلْزم من وجود التيقظ وجود الْبلُوغ فَلَا يتَكَرَّر مَعَ مَا قبله وَخرج بِهِ الْمُغَفَّل إِذا شهد فِيمَا يلتبس لَا إِن شهد فِي غَيره كَقَوْلِه: رَأَيْت هَذَا يقطع يَد هَذَا فَتقبل فمفهوم هَذَا الْقَيْد فِيهِ تَفْصِيل، فَلَا يعْتَرض بِهِ. والمغفل من لَا يسْتَعْمل قُوَّة التنبه مَعَ وجودهَا فِيهِ، وَأما البليد فَهُوَ خَال مِنْهَا فَلَا تجوز شَهَادَته مُطلقًا وَخرج بِهِ أَيْضا السَّفِيه كَانَ مولى عَلَيْهِ أم لَا على مَا بِهِ الْعَمَل من أَنه يحْجر عَلَيْهِ لِأَن من اسْتحق التحجير لعدم حفظه مَاله وَعدم حسنه النّظر فِيهِ لخداعه فِي البيع وَنَحْوه لَا تيقظ لَهُ كَمَا خرج بِمَا قبله الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالْكَافِر، فَلَا تجوز شَهَادَتهم وَلَو على مثلهم إِلَّا الصَّبِي على(1/138)
مثله فِي الْجراح كَمَا يَأْتِي (حريَّة) وَلَو عتيقاً بعضه لِأَن المناصب الدِّينِيَّة من الْقَضَاء وَالشَّهَادَة فِيهَا إِلْزَام والنفوس تأبى أَن يلْزمهَا من دونهَا مِمَّن فِيهِ شَائِبَة رق لِأَنَّهُ أثر كفر، وَلِهَذَا جَازَت رِوَايَته لِأَنَّهُ لَا إِلْزَام فِيهَا لمُعين كَمَا مرّ وَأسْقط قيد الذكورية لتدخل الْأُنْثَى فَقَوله: وَشَاهد أَي وشخص شَاهد، فالناظم قصد بَيَان شُرُوط الشَّاهِد من حَيْثُ هُوَ، وَإِن كَانَت شَهَادَة النِّسَاء إِنَّمَا تجوز فِي الْبَعْض دون الْبَعْض فَغير المبرز، كَذَلِك تجوز شَهَادَته فِي الْبَعْض دون الْبَعْض فَلَو كَانَ مَقْصُوده من تجوز شَهَادَته فِي كل شَيْء لخرجا مَعًا. وَلَا يُقَال كَانَ الْقيَاس إِدْخَال شَهَادَة الصّبيان لِأَنَّهَا تجوز فِي الْبَعْض أَيْضا. لأَنا نقُول جَوَازهَا على خلاف الأَصْل كَمَا يَأْتِي. وَلما كَانَت الْقُيُود الْمَذْكُورَة لَا تَكْفِي فِي جَوَاز شَهَادَة الشَّاهِد، بل لَا بُد من قيدين آخَرين نبه على أَولهمَا بقوله: والعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الكَبَائرا وَيتّقِي فِي الغَالبِ الصّغَائِرا (و) الشَّاهِد (الْعدْل) الَّذِي يسْتَحق أَن يُسمى عدلا وَأَن تجوز شَهَادَته شرعا هُوَ (من) وجدت فِيهِ الْقُيُود الْمُتَقَدّمَة و (يجْتَنب) مَعهَا الذُّنُوب (الكبائرا) دَائِما وَهِي مَا توعد عَلَيْهِ من حقد وحسد ورياء وَسُمْعَة وسرقة وفاسقي الإعتقاد كالقدري والخارجي وَنَحْو ذَلِك. وَكَذَا صغائر الخسة كسرقة لقْمَة وتطفيف حَبَّة، وَإِن لم تكن كَبِيرَة، وَالْمرَاد بالاجتناب أَن لَا تصدر مِنْهُ رَأْسا أَو عرفت تَوْبَته مِنْهَا، فالعدل مُبْتَدأ حذفت صفته كَمَا قَررنَا خَبره مَا بعده من الْمَوْصُول وصلته (وَيَتَّقِي) مَعْطُوف على الصِّلَة (فِي الْغَالِب) يتَعَلَّق بِهِ (الصغائرا) الْغَيْر الخسة كالنظرة للأجنبية والكذبة الْوَاحِدَة فِي السّنة لَا الصَّغَائِر من حَيْثُ هِيَ لما مرّ من أَن صَغِيرَة الخسة لحقت بالكبائر فِي دوَام الاجتناب لَا فِي الْغَالِب فَقَط، فَكَلَامه مساوٍ لقَوْل الشَّيْخ خَلِيل: الْعدْل حر مُسلم عَاقل بَالغ بِلَا فسق وَحجر لم يُبَاشر كَبِيرَة أَو صَغِيرَة خسة الخ. لِأَن مَفْهُوم قَوْله: أَو صَغِيرَة خسة أَن غير الخسة فِيهِ تَفْصِيل بَين الإدمان عَلَيْهِ فيقدح وَعَدَمه فَلَا يقْدَح كَمَا فِي النّظم لِأَن النَّادِر لَا يسلم مِنْهُ إِلَّا من عصمه الله، وَقد قَالَ مَالك: من الرِّجَال رجال لَا تذكر عيوبهم. ابْن يُونُس: إِذا كَانَ عَيبه خَفِيفا وَالْأَمر كُله حسن فَلَا يذكر الْيَسِير الَّذِي لَا عصمَة مِنْهُ لأحد من أهل الصّلاح وعَلى ثَانِيهمَا بقوله:(1/139)
وَمَا أبيحَ وَهُوَ فِي العِيان يَقْدَحُ فِي مُروءَةِ الْإِنْسَان (وَمَا) مَوْصُول مَعْطُوف على الصَّغَائِر بِقَيْد الْغَلَبَة كَمَا هُوَ ظَاهر. أَي: وَيَتَّقِي فِي الْغَالِب مَا (أُبِيح) شرعا من قَول أَو فعل (وَهُوَ) مُبْتَدأ وَالْوَاو للْحَال (فِي العيان) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي: وَهُوَ حَال وجوده فِي العيان بِنَاء على مَجِيء الْحَال من الْمُبْتَدَأ أَو يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله: (يقْدَح فِي مُرُوءَة الْإِنْسَان) كالإدمان على لعب الْحمام وَلَو بِغَيْر قمار، وَالشطْرَنْج وكحرف المهنة من دباغة وحجامة وحياكة اخْتِيَارا فِي بلد يزري بِهِ التحرف بذلك وَلَيْسَ هُوَ من أَهله، أما إِن كَانَ لَا يزري بِهِ فِي ذَلِك الْبَلَد أَو كَانَ من أَهله أَو اضْطر لَهُ فَلَا. وكالتصريح بأقوال لم ينْطق الشَّرْع بهَا إِلَّا بِالْكِنَايَةِ وَنَحْو ذَلِك (خَ) ومروءة بترك غير لَائِق من حمام وَسَمَاع غناء ودباغة وحياكة اخْتِيَارا الخ. وَبِالْجُمْلَةِ؛ فالمروءة هِيَ الْمُحَافظَة على فعل مُبَاح يُوجب تَركه الذَّم عرفا كَتَرْكِ الانتعال للمليء فِي بلد يزري بِمثلِهِ ذَلِك وعَلى ترك مُبَاح يُوجب فعله الذَّم عرفا كَالْأَكْلِ فِي السُّوق لغير السوقي وَفِي حَانُوت الطباخ لغير الْغَرِيب، وَقَوْلنَا بِقَيْد الْغَلَبَة إِشَارَة إِلَى أَن النَّادِر من الْمُبَاح القادح لَا يضر لِأَنَّهُ إِذا كَانَت صَغِيرَة غير الخسة إِنَّمَا يطْلب اتقاؤها فِي الْغَالِب فأحرى الْمُبَاح القادح فِي الْمُرُوءَة، وَبِمَا قَررنَا بِهِ هَذِه الأبيات ينْدَفع مَا أوردوه وَلَا يفوتهُ شَيْء مِمَّا شرطوه. وَلما كَانَ الاجتناب والاتقاء الْمَذْكُورَان فِي طوق الشَّاهِد واختياره دون غَيرهمَا وآفات الْعَدَالَة إِنَّمَا تَأتي فِي الْغَالِب من ناحيتهما عبر بَعضهم كَابْن رشد عَن حَدهَا بِأَنَّهَا اجْتِنَاب الْكَبَائِر واتقاء الصَّغَائِر وَحفظ الْمُرُوءَة إِشَارَة إِلَى أَن على ذَلِك مدَار الْعَدَالَة وروحها، فَتَبِعَهُ النَّاظِم فَأَعَادَ لفظ الْعدْل فِي الْبَيْت قبله إِشَارَة إِلَى ذَلِك، وَإِلَّا فَهُوَ فِي غنى عَنهُ بِأَن يَقُول مثلا مَعَ كَونه يجْتَنب الخ. وَلَا يَصح جعل الْبَيْتَيْنِ وَحدهمَا تَفْسِيرا للعدالة الْمُتَقَدّمَة كَمَا قيل: لما علمت من عدم شمولهما لكل قيودها. ثمَّ اعْلَم أَن هَذِه الشُّرُوط إِنَّمَا تشْتَرط فِي حَال الْأَدَاء فَقَط لَا التَّحَمُّل إِلَّا الْعقل، فَإِنَّهُ يشْتَرط فيهمَا وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وزمن الْأَدَاء لَا التَّحَمُّل. الخ. قيل: وَهَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا هُوَ فِيمَا عدا شُهُود الْخط وَالنِّكَاح، وَأما هما فَلَا بُد من الشُّرُوط كلهَا فِي التَّحَمُّل وَالْأَدَاء اه. قلت: إِن كَانَ مُرَاده بِالنِّكَاحِ أَن الزَّوْج لَا يعْتَمد فِي دُخُوله بِزَوْجَتِهِ على شَهَادَة الصَّبِي وَمن فِي مَعْنَاهُ مِمَّن لم تتوفر فِيهِ الشُّرُوط وَإِن فعل فَيصدق عَلَيْهِ أَنه دخل بِلَا إِشْهَاد فَيحد وَيفْسخ(1/140)
وَلَو أَدَّاهَا حينئذٍ بعد زَوَال الْمَانِع فَوَاضِح، وَإِن كَانَ المُرَاد أَن العقد لَا يثبت بِشَهَادَة من تحمله حَال الْمَانِع وَلَو أَدَّاهَا بعد زَوَاله وَقبل الدُّخُول أَو بعده أَو بعد الْمَوْت فَهُوَ يحْتَاج إِلَى نَص يساعده، وَأما الْخط فَإِن كَانَ المُرَاد أَن من عرف خطّ شخص حَال الْمَانِع بالممارسة والتكرر لَا يرفع على عينه بعد زَوَال الْمَانِع وَلَو مبرزاً فَفِيهِ نظر، وَإِن كَانَ المُرَاد لَا يرفع عَلَيْهِ فِي غيبته اعْتِمَادًا على مَا عرفه مِنْهُ حَال الْمَانِع، فَهَذَا لَا يخْتَص بِهِ من تلبس بالمانع حَال التَّحَمُّل بل غَيره كَذَلِك إِذْ مُعَاينَة الرسوم لَا تفِيد خلافًا لأبي الْحسن كَمَا يَأْتِي، وَالله أعلم. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَن الفاقد لوَاحِد من الشُّرُوط الْمَذْكُورَة لَا تقبل شَهَادَته وَلَو فِي بلد لَا عدُول فِيهِ، وَسَوَاء شهد على مَعْرُوف بِالسَّرقَةِ والعداء أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور وَمذهب الْجُمْهُور قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي أَحْكَامه: إِذا كَانَت قَرْيَة لَيْسَ فِيهَا عدُول وبعدوا عَن الْعُدُول فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن لَا تجوز شَهَادَتهم لبَعْضهِم بَعْضًا، لَكِن نقل فِي الذَّخِيرَة عَن النَّوَادِر أَنا إِذا لم نجد فِي جِهَة إِلَّا غير الْعُدُول أَقَمْنَا أَصْلحهم وَأَقلهمْ فجوراً للشَّهَادَة وَيلْزم ذَلِك فِي الْقَضَاء وَغَيره لِئَلَّا تضيع الْمصَالح، وَمَا أَظن أحدا يُخَالف فِي هَذَا لِأَن التَّكْلِيف شَرطه الْإِمْكَان اه. وَبِه عمل الْمُتَأَخّرُونَ حَسْبَمَا فِي ابْن سَلمُون والمعيار وَنَحْوهمَا، وَفِي المازونية أَنه تجوز على السَّارِق شَهَادَة من لقِيه من النِّسَاء وَالصبيان والرعاة إِذا عرفوه وَقَالُوا فلَان رَأَيْنَاهُ سرق كَذَا أَو غصبه وَنَحْو ذَلِك قَالَ: وَقد سُئِلَ مَالك عَن مثل هَذَا الْأَمر فِي لصوص الْحجاز والبرابر فَقَالَ: تجوز عَلَيْهِم شَهَادَة من لَقِيَهُمْ من النِّسَاء. قيل لَهُ: إِنَّهُم غير عدُول. قَالَ: وَأَيْنَ يُوجد الْعُدُول فِي مَوَاضِع السَّارِق واللص وَإِنَّمَا يتبعان الخلوات اه. وَهَذَا من بَاب قَوْلهم إِن الْمَعْرُوف بالظلم والتعدي يغلب الحكم فِي حَقه لِأَن شَهَادَة غير الْعدْل كَالْعدمِ، وَإِلَى مثل هَذَا أَشَارَ فِي العمليات بقوله: لوالد الْقَتِيل مَعَ يَمِين القَوْل فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِين وَهُوَ وَإِن كَانَ خلاف الْأُصُول لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي) وَلقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ: وَالله لَا يوسر أحد فِي الْإِسْلَام بِغَيْر الْعُدُول الخ. لَكِن عَمَلهم عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي بَاب الْغَصْب اه. فَإِن أقرّ الْخصم بِالْعَدَالَةِ فَلَا تشْتَرط حِينَئِذٍ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي بِمَا الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا يجرح بِهِ الشَّاهِد الْعدْل وَأَنه قِسْمَانِ مبرز وَغَيره فَقَالَ: فالْعَدْلُ ذُو التَّبرِيزِ لَيْسَ يَقْدَحُ فِيهِ سِوى عَدَاوَةٍ تُسْتَوْضَحُ (فالعدل) مُبْتَدأ (ذُو التبريز) نعت لَهُ أَي المبرز بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة من برز بِالتَّشْدِيدِ وَالْفَتْح(1/141)
أَي فاق أَصْحَابه فضلا وعدالة مُتَقَدما فِي ذَلِك عَلَيْهِم، وَأَصله من تبريز الْخَيل فِي السَّبق وَتقدم سابقها، وَلَيْسَ هُوَ من تصدى لتحمل الشَّهَادَة وَبَيْعهَا فِي الْأَسْوَاق بِإِذن قَاض أَو أَمِير كَمَا يَعْتَقِدهُ الْعَامَّة بل هُوَ الْفَائِق فِي الْفضل كَمَا مرّ، وَأَيْنَ هُوَ الْيَوْم؟ وَكَانَ بعض الشُّيُوخ يمثله بِأبي مُحَمَّد صَالح ونظائره، وَقيل هُوَ مَعْدُوم فِي زَمَاننَا كبيض الأنوق أَي الرخمة قَالَ فِي المعيار: أما عدم هَذَا الْوَصْف الَّذِي هُوَ التبريز فِي الْعَدَالَة وعزته فِي المنتصبين للشَّهَادَة مِمَّن أدركنا من عدُول الْمغرب الْأَوْسَط والأقصى فَغير بعيد، وَأما عَدمه وعزته مُطلقًا فِي المنتصبين وَغَيرهم فَغير مُسلم، وَقد شاهدنا مِنْهُم وَالْحَمْد لله الْعدَد الْكثير اه. (لَيْسَ يقْدَح) خبر لَيْسَ وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن (فِيهِ) يتَعَلَّق بيقدح (سوى عَدَاوَة) فَاعل يقْدَح أَو اسْم لَيْسَ على أَنه من بَاب التَّنَازُع بَين مُشْتَقّ وجامد عِنْد من أجَازه (تستوضح) مَبْنِيّ للْمَفْعُول صفة لعداوة، وَالْجُمْلَة من لَيْسَ وَمَا بعْدهَا خبر الْمُبْتَدَأ. وَقَوله: عَدَاوَة أَي دنيوية بَينه وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو ابْنه أَو أَبِيه وَنَحْوهمَا من الْأُصُول وَالْفُرُوع وَإِن علوا أَو سفلوا، لِأَن الْعَدَاوَة تورث، وَأما على الْحَوَاشِي فَقَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْع لَا إِن تمحضت الدِّينِيَّة فَقَط فَلَا أثر لَهَا لجَوَاز شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر، وَفِي معنى الْعَدَاوَة الْقَرَابَة بِدَلِيل قَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَالْأَب لِابْنِهِ وَعَكسه منع الخ. فَحذف الْقَرَابَة هُنَا اتكالاً على مَا يَأْتِي، وَمَفْهُوم عَدَاوَة أَنه لَا يقْدَح فِيهِ بغَيْرهَا وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن سَلمُون و (خَ) فِي بَاب الْقَضَاء حَيْثُ قَالَ: والمبرز بِغَيْر عَدَاوَة وقرابة الخ. وَالْمَشْهُور وَهُوَ اخْتِيَار اللَّخْمِيّ أَنه يقْدَح فِيهِ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يقْدَح بِهِ فِي الْمُتَوَسّط (خَ) فِي الشَّهَادَات، وقدح فِي الْمُتَوَسّط بِكُل وَفِي المبرز بعداوة وقرابة وَإِن بِدُونِهِ كغيرهما على الْمُخْتَار، وَهَذَا فِي غير الملاطفة، وَأما هِيَ فَلَا يقْدَح بهَا فِي المبرز، وَاحْترز بقوله: تستوضح من الْعَدَاوَة الْخفية الَّتِي لَا تورث شَحْنَاء كالمخاصمة فِي ثمن الثَّوْب وَنَحْوه فَإِنَّهَا لَا تقدح كَمَا فِي ابْن سَلمُون وَابْن عَرَفَة وَكَيْفِيَّة وَثِيقَة الْعَدَاوَة يعرف الْوَاضِع شكله وأثره فلَانا وَفُلَانًا معرفَة تَامَّة بعينهما واسمهما وَمَعَهَا يشْهد بِأَن بَينهمَا عَدَاوَة قديمَة وشحناء ومقاطعة على أَسبَاب الدُّنْيَا وحطامها مُنْذُ كَذَا قبل تَارِيخ الشَّهَادَة بِالْحَقِّ أَعْلَاهُ أَو حوله وَلَا يعلمهما اصطلحا ورجعا عَن ذَلِك حَتَّى الْآن أَو حَتَّى مَاتَا أَو أَحدهمَا، وَقيد بذلك شَهَادَته فِي كَذَا فقولنا: وشحناء ومقاطعة تَأْكِيد وَتَفْسِير للعداوة، وَلَو اقْتصر على أحد هَذِه الْأَلْفَاظ لكفاه لِأَن مُجَرّد الهجران وَقطع الْكَلَام يرد الشَّهَادَة إِذا زَاد على ثَلَاثَة أَيَّام. انْظُر شرحنا على الشَّامِل، وَقَوْلنَا على أَسبَاب الدُّنْيَا أَي كالمنازعة فِي مَال أَو جاه وَفِي مَعْنَاهُمَا فَفِي المعيار إِن كَانَ بَين الشَّاهِد والمشهود عَلَيْهِ مقاسمة المغارم والكلف الَّتِي تلْزم الرّعية من السلاطين والمدافعة عَلَيْهِ وَبَينهمَا التشكي للعمال والقضاة على ذَلِك لم تجز شَهَادَته عَلَيْهِ، وَفِي الطرر عَن الِاسْتِغْنَاء فِي أهل مَسْجِد قَامُوا فِي حَبسه أَو فِي حَقه على رجل شهدُوا فِيهِ فأنكرهم لم تجز شَهَادَتهم لأَنهم خصماؤه، فَإِن قَامَ عَلَيْهِ مِنْهُم طَائِفَة وَشهد غَيرهم جَازَت لأَنهم غير خصماء اه. وَمِنْه شَهَادَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ على الشَّاهِد وَلَو بعد شَهْرَيْن من شَهَادَة الشَّاهِد كَمَا فِي الشَّامِل، فَإِن كَانَت الْعَدَاوَة غَضبا لله تَعَالَى لكَون المغضوب عَلَيْهِ كَافِرًا أَو فَاسِقًا فَلَا تمنع الْقبُول لِأَن ذَلِك يدل على قُوَّة الْإِيمَان قَالَه ابْن شَاس، وَقَوْلنَا: مُنْذُ(1/142)
كَذَا الخ بَيَان لعدم الْعَدَاوَة وَإِنَّهَا قبل الْأَدَاء احْتِرَازًا من الْعَدَاوَة الْحَادِثَة بعده فَلَا تضر، وَقَول (خَ) وَلَا إِن حدث فسق بعد الْأَدَاء مُقَيّد بِغَيْر الْعَدَاوَة كَمَا تقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَحقه إنهاء مَا فِي علمه. الخ، فَإِن حدثت الْعَدَاوَة بعد التَّحَمُّل وَقبل الْأَدَاء بطلت الشَّهَادَة، وَلذَا كَانَ يجب تَارِيخ الْخطاب بِالْأَدَاءِ كَمَا مرّ فِي فَصله وَفِي التَّبْصِرَة وَابْن شَاس اخْتلف فِيمَن كَانَت عِنْده شَهَادَة، وَكَانَ يذكرهَا ثمَّ عَادَاهُ الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَاحْتَاجَ إِلَى الْقيام بهَا قَالَ اللَّخْمِيّ: قبُولهَا هُنَا أَحَق إِن كَانَت قد قيدت اه. وَفِي المعيار من حكم عَلَيْهِ القَاضِي فبادر لمخاصمته لَا يرفع الحكم عَنهُ، وَكَذَا من شكا بِالْقَاضِي للسُّلْطَان فَعدل بَيِّنَة تشهد عَلَيْهِ لَا يرد تعديله اه. وَإِذا شهد عَدوك لَك وَعَلَيْك فَإِن شهد بذلك فِي مجْلِس وَاحِد سَقَطت لِأَنَّهُ يتهم فِي جَوَاز شَهَادَته عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ لَهُ، وَإِن شهد عَلَيْك فِي وَقت ثمَّ شهد لَك فِي وَقت آخر جَازَت فِيمَا لَك لَا فِيمَا عَلَيْك. وَقَوْلنَا: وَلَا يعلمهما اصطلحا احْتِرَازًا مِمَّا إِذا زَالَت الْعَدَاوَة بِالصُّلْحِ وَالرُّجُوع لما كَانَا عَلَيْهِ قبل الْعَدَاوَة وَطَالَ ذَلِك طولا يدل على براءتهما مِنْهَا لِأَنَّهُ يتهم إِذا شهد بِقرب صلحه أَنه إِنَّمَا صَالحه ليشهد عَلَيْهِ، وَفِي الْمسَائِل الملقوطة فِي قوم بَينهم فتْنَة أَو بَين آبَائِهِم وأجدادهم ثمَّ اصْطَلحُوا فَلَا يشْهد بَعضهم على بعض حَتَّى يَنْقَضِي قرن الَّذين شهدُوا الْفِتْنَة اه. نَقله الْحطاب، وَلَعَلَّ مَا فِي الْمسَائِل الملقوطة لَا يُخَالف مَا قبله لِأَن الْعَدَاوَة بَين الْجَمَاعَة وَالْقَوْم أَشد إِذْ الْفِتْنَة رُبمَا أفضت للْقَتْل فَإِن سقط هَذَا الْفَصْل من أَصله فَالْأَصْل الِاسْتِصْحَاب لِأَن الْمَانِع قد ثَبت وَاحْتِمَال ارتفاعه لَا يُؤثر لِأَنَّهُ شكّ فِي ارْتِفَاع الْمَانِع لَا فِي نفس الْمَانِع قَالَه بعض. تَنْبِيه: فَإِن اعْترف الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَنه لَا معرفَة لَهُ بِالشَّاهِدِ، ثمَّ قَامَ يجرحه بالعداوة لم يقبل مِنْهُ وَله أَن يجرحه بغَيْرهَا قَالَه فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة وَنَقله ابْن سَلمُون. وَغيْرُ ذِي التَّبْريز قدْ يُجَرَّحُ بِغَيْرِها مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَقْبَحُ (وَغير ذِي التبريز) مُبْتَدأ خَبره (قد يجرج) و (بغَيْرهَا) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَوْله (من كل مَا) مَصْدَرِيَّة أَو نكرَة مَوْصُوفَة (يستقبح) وَهُوَ تَفْسِير لغير وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ غير الْعَدَاوَة أَي يجرح بِكُل مستقبح شرعا غير الْعَدَاوَة وَأَحْرَى بهَا، وَظَاهره سَوَاء بَين المجرح السَّبَب أم لَا وكيفيته يعرف الْوَاضِع شكله فلَانا بِعَيْنِه واسْمه وَمَعَهَا يشْهد بِأَنَّهُ مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته لقبح مذْهبه وَسُوء صنعه وَلَا يعلمونه رَجَعَ عَن ذَلِك إِلَى الْآن وَبِذَلِك قيد شَهَادَته الخ. وَهَذَا على أَن شَهَادَة التجريح تقبل مجملة من أهل الْعلم وَعَلِيهِ غير وَاحِد من الشُّيُوخ وَالصَّوَاب كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة أَن لَا تقبل مجملة كَانَ الشَّاهِد من أهل الْعلم أم لَا، قَالَ لوَجْهَيْنِ، أَحدهمَا: إِن كثيرا من الْجرْح يخْتَلف الْعلمَاء فِيهِ فبعضهم يرَاهُ جرحا وَبَعْضهمْ لَا يرَاهُ. الثَّانِي: إِنَّه يتَعَلَّق بِهِ حقان حق الشَّاهِد لانتهاك حرمته وَحقّ الْمَشْهُود لَهُ فِي إِسْقَاط حَقه فَكَانَ من حَقّهمَا بَيَان مَا يَقع بِهِ التجريح إِذْ قد(1/143)
يكون شَاهد التجريح سمع مِنْهُ كلمة أَو رأى مِنْهُ فعلا لَهُ فِيهِ تَأْوِيل لَا تسْقط الشَّهَادَة مَعَه اه. وَهُوَ ظَاهر قَول خَلِيل، وَإِن لم يعرف الِاسْم وَلَا اللقب بِخِلَاف الْجرْح أَي التجريح فَلَا بدّ فِيهِ من بَيَان السَّبَب لغلط كثير مِنْهُم فِيهِ كَالَّذي فسره بالبول قَائِما وبعدم تَرْجِيح الْمِيزَان وَعَلِيهِ فَتَقول بعد قَوْلك: مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته الخ، بِأَنَّهُ يعْمل بالربا أَو يخرج الصَّلَاة عَن وَقتهَا أَو أقرّ بِوَطْء جَارِيَة اشْتَرَاهَا قبل استبرائها أَو مِمَّن يجهل أَحْكَام قصر الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَهُوَ من أهل السّفر وَالْمَال، أَو مِمَّن يشرب الْخمر أَو يَبِيع الْعِنَب لمن يعصرها خمرًا أَو يكثر سَماع الْغناء أَو يكذب أَو يضْرب الْخط أَو يشْتَغل بِالسحرِ وَالْكهَانَة أَو يتْرك زَوجته تخرج بادية الْأَطْرَاف من غير عذر لَهُ أَو يحضر محافل الْفُسَّاق أَو يختلي بِالنسَاء والأطفال أَو يتَوَلَّى أَخذ الْمَظَالِم والمغارم والمكوس من الرّعية ويقسطها عَلَيْهِم أَو يُعَامل أهل الغصوب أَو يشْهد بالزور أَو يتَعَرَّض لأخذ الزكوات كَمَا فِي المعيار أَو يشْتَغل بالغيبة والنميمة أَو يلقن الْفُجُور للخصوم أَو يحلف بِالطَّلَاق وَالْعتاق، أَو يدوام الْأكل عِنْد الْعمَّال، أَو يقبل جوائزهم، أَو يدْخل الْحمام بِغَيْر مئزر، أَو يلْتَفت فِي الصَّلَاة أَو ينتسب إِلَى غير أَبِيه أَو من أهل العصبية وَهِي أَن يبغض الرجل الرجل لكَونه من بني كَذَا وَنَحْو ذَلِك، وَلَيْسَ مِنْهَا من ترك تعاهد الْقُرْآن مشتغلاً بِغَيْرِهِ من الْوَاجِب حَتَّى نَسيَه فَلَا إِثْم عَلَيْهِ بِخِلَاف إِن تَركه اسْتِخْفَافًا بِهِ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَلَيْسَ للعمال أَيْضا أَن يقدحوا فِي شَهَادَة الرّعية عَلَيْهِم بِأَنَّهُم يغرمونهم كَمَا فِي الْبُرْزُليّ أَيْضا فقولنا بِعَيْنِه واسْمه احْتِرَازًا مِمَّا إِذا كَانَ لَا يعرفهُ بهما أَو يعرفهُ بالإسم فَقَط، فَإِن كَانَ يعرفهُ بِالْعينِ دون الِاسْم واللقب كَفاهُ أَن يُؤَدِّي الشَّهَادَة على عينه كَمَا مرَّ عَن خَلِيل وكما يَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: ومطلقاً مَعْرُوف عين عدلا. الخ. إِذْ لَا فرق بَين التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح وَغَيرهمَا من الْمُعَامَلَات فِي هَذَا الْبَاب، وَإِذا حكم بتعديله أَو تجريحه أَو لُزُوم بَيْعه وَنَحْوه فَإِنَّهُ يسجل على صفته وحليته حَيْثُ لم يعرفهُ شُهُود الحكم بِالْعينِ وَالِاسْم وَإِلَّا سجلوا على مَعْرفَته، وَبِهَذَا يُقيد إِطْلَاق اللامية فِي قَوْلهَا شَهَادَة مَعْرُوف الخ، وَقَوْلنَا: وَلَا يعلمونه رَجَعَ الخ تقدم فِي الْوَثِيقَة قبله أَن سُقُوطه لَا يضر اه. وَهَذَا مَعَ تعذر الاستفسار وَإِلَّا فَيسْأَل عَن انْتِفَاء علمه وَظَاهر النّظم قبُول التجريح فِيهِ وَلَو أثْبته بعد مَوته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة فِي أثْنَاء الْكَلَام على الشَّهَادَة على الْخط وَفهم من النّظم أَن تَأْخِير القَاضِي للعدل عَن الشَّهَادَة لَا يبطل شَهَادَته فِيمَا شهد فِيهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَعدل إِن أدّى على مَا عِنْده. الخ. لِأَنَّهُ قد اسْتندَ إِلَى علمه فِي إبِْطَال حق ثَبت وَهُوَ لَا يسْتَند لعلمه، وَمن ذَلِك إِذا رأى القَاضِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَقَالَ لَهُ: لَا تحكم بِشَهَادَة فلَان فَإِن ذَلِك لَا يصده عَن الحكم بهَا إِذا كَانَ الشَّاهِد عدلا قَالَه ابْن رشد. ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن غير الْمَعْرُوف بِالْعَدَالَةِ على أَرْبَعَة أَحْوَال بِاعْتِبَار افتقاره للتزكية وَعدم افتقاره لَهَا فَقَالَ: وَمَنْ عَلْيهِ وَسْمُ خيْرٍ قَدْ ظَهَرْ زُكِّيَ إلاَّ فِي ضَرُورَةِ السَّفَرْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول (عَلَيْهِ) يتَعَلَّق بقوله ظهر (وسم) أَي عَلامَة (خير) مُبْتَدأ خَبره (قد ظهر) وَالْجُمْلَة صلَة من (زكي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمَوْصُول أَو جَوَاب الشَّرْط إِن جَعلتهَا شَرْطِيَّة(1/144)
وَلَا تقبل شَهَادَته دون تَزْكِيَة فِي زمَان وَمَكَان (إِلَّا فِي) زمَان (ضَرُورَة السّفر) أَي السّفر الضَّرُورِيّ فَتقبل شَهَادَة الْقَافِلَة بَعضهم لبَعض فِيمَا يَقع بَينهم من الْمُعَامَلَات والكراآت عِنْد حَاكم الْقرْيَة الَّتِي مروا بهَا وَإِن لم يعدلُوا وَلَا إعذار فيهم كَمَا مرّ فِي فَصله ثمَّ مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من جَوَازهَا فِي ضَرُورَة السّفر هُوَ مَا لِابْنِ حبيب ودرج عَلَيْهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة وَهُوَ خلاف الْمَذْهَب. ابْن رشد: لَا خلاف أعلمهُ فِي الْمَذْهَب أَن الْمَجْهُول الْحَال لَا تجوز شَهَادَته حَتَّى يعدل لقَوْله تَعَالَى: مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} (الْبَقَرَة: 282) وَلَا يرضى إِلَّا من عرفت عَدَالَته، غير أَن ابْن حبيب أجَاز شَهَادَته على التوسم فِيمَا يَقع بَين الْمُسَافِرين فِي السّفر للضَّرُورَة قِيَاسا على جَوَاز شَهَادَة الصّبيان فِيمَا بَينهم فِي الْجراح اه. وَلذَا لم يعرج خَلِيل على مَا لِابْنِ حبيب، وَإِنَّمَا تعرض لجوازها على الْمُحَارب فَقَالَ: والقافلة بَعضهم لبَعض فِي حرابة يَعْنِي وَالشُّهُود من الْقَافِلَة عدُول كَمَا لشراحه. وَمَنْ بِعَكْسِ حَالِهِ فَلاَ غِنَى عَنْ أنْ يُزكِّي والَّذِي قَدْ أَعْلَنَا (وَمن) مَوْصُول مُبْتَدأ (بعكس) خبر قَوْله (حَاله) وَالْجُمْلَة صلَة من أَي وَمن ظهر عَلَيْهِ وسم الشَّرّ وَلم يتَحَقَّق عَلَيْهِ (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (غنى) اسْمهَا مركب مَعهَا (من أَن يُزكي) يتَعَلَّق بغنى وخبرها مَحْذُوف أَي فَلَا غنى عَن تزكيته مَوْجُود وَسَوَاء كَانَ فِي سفر أَو حضر وَظَاهره، وَلَو كَانَ القَاضِي يعرف عَدَالَته وتأمله مَعَ مَا مر عِنْد قَوْله وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي بِمَا الخ (وَالَّذِي) مُبْتَدأ (قد أعلنا) صلته. بِحَالَة الْجَرْحِ فَلَيْس تُقْبَلُ لهُ شَهادةٌ وَلَا يُعَدلُ (بِحَالَة الْجرْح) من الْقَذْف وَشرب الْخمر وَنَحْوهمَا مِمَّا مرّ (فَلَيْسَ تقبل. لَهُ شَهَادَة) مَرْفُوع على أَنه اسْم لَيْسَ أَو نَائِب عَن الْفَاعِل يتَقَبَّل إِن جعلت اسْم لَيْسَ ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (وَلَا يعدل) مَعْطُوف على مَا قبله أَي لَا يقبل تعديله لظُهُور فسقه. وإنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حالٍ زُكِّيا وشُبْهَةً تُوجِبُ فِيمَا ادُّعِيا (وَإِن يكن) شَرط (مَجْهُول حَال) خبر يكن أَي لم يظْهر عَلَيْهِ وسم خير وَلَا شَرّ (زكيا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط أَي وَلَا يقبل دون تَزْكِيَة لَا فِي حضر وَلَا فِي سفر (و) لَكِن لَا تلغى شَهَادَته قبلهَا مُطلقًا بل (شُبْهَة) مفعول بقوله (توجب) بِكَسْر الْجِيم، وفاعله ضمير يعود على الْمُحْتَاج للتزكية بِدَلِيل تَأْخِيره فَيشْمَل من ظهر عَلَيْهِ وسم الْخَيْر والمجهول لِأَن الْكل تقبل تزكيته (فِيمَا) يتَعَلَّق بِمَا قبله (ادّعَيَا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلتها والعائد مَحْذُوف أَي فِيهِ فتوجب الْكَفِيل وتوقيف الْمُدعى فِيهِ وَلَو عقارا وتقوي تُهْمَة وجوب الْيَمين على القَوْل بِعَدَمِ وجوب شَيْء(1/145)
من ذَلِك بِمُجَرَّد الدَّعْوَى على مَا يَأْتِي وَأَحْرَى على القَوْل بِوُجُوبِهَا فِي الْجَمِيع مَعَ التجرد وَبِه الْعَمَل وَتَكون لوثاً فِي الدِّمَاء على أحد قولي مَالك الْآتِي فِي قَول النَّاظِم: وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب. الْبَيْت. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الْمَجْهُول فَمن ظهر عَلَيْهِ وسم الْخَيْر أَحْرَى، وَكَذَا من ظهر عَلَيْهِ وسم الشَّرّ إِذْ الْمدَار على كَونه مِمَّن ترجى تزكيته فيعمم فِي النّظر كَمَا قَررنَا وَالله أعلم. وَقد علم أَن كل مَا عدا الْمُعْلن بِالْفِسْقِ من هَذِه الْأَقْسَام تقبل تزكيته وَأَن شَهَادَته قبلهَا شُبْهَة لِأَن كل من يُرْجَى ثُبُوت الْحق بِهِ إِذا زكى فَهُوَ شُبْهَة كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم فِي فصل التَّوْقِيف خلافًا لما فِي الْمُتَيْطِيَّة من أَن شَهَادَة من ظهر عَلَيْهِ وسم الشَّرّ لَا تكون شُبْهَة إِذْ لَا يخفى أَنَّهَا أقوى مِمَّن شهِدت بالنشدان وَنَحْوه، وَعلم مِنْهُ أَيْضا أَن الأَصْل فِي النَّاس الجرحة وَلَو كَانَ مِمَّن تتوهم فِيهِ الْعَدَالَة كرواة الْعلم فَلَا بُد من تزكيته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا لِابْنِ نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة قَالَ: وَاخْتَارَ ابْن عبد الْبر وَهُوَ قَول جمَاعَة من الْعلمَاء قبُول رُوَاة الْعلم حَتَّى تظهر جرحتهم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (يحمل هَذَا الدّين من كل خلف عَدو لَهُ) اه. فَالْمُرَاد برواته من تضلعوا فِيهِ واطلعوا على سرائره بِدَلِيل الحَدِيث الْمَذْكُور لَا كل من يتعلمه. ومُطْلَقاً مَعْرُوفُ عَيْنٍ عدِّلا والعَكْسُ حاضِراً وإنْ غَابَ فَلا (ومطلقاً مَعْرُوف عين) مُبْتَدأ خَبره (عدلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ومطلقاً حَال من نَائِبه أَي الشَّاهِد الْمَعْرُوف بِالْعينِ وَالِاسْم وَالنّسب عِنْد القَاضِي أَو عِنْد النَّاس وَإِن لم يعرفهُ القَاضِي تقبل تزكيته مُطلقًا سَوَاء حضر مجْلِس القَاضِي وَأديت التَّزْكِيَة على عينه أم لَا. لِأَن من كَانَ مَعْرُوفا عِنْد النَّاس مَشْهُورا تمكن القَاضِي بمعرفته من مُطلق النَّاس (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ أَي وَالْعَكْس وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الشَّاهِد غير مَعْرُوف عِنْد القَاضِي وَلَا مَشْهُورا عِنْد النَّاس يعدل حَال كَونه (حَاضرا) مجْلِس القَاضِي، وَظَاهره وَإِن لم يعرف الْمُزَكي بِالْكَسْرِ اسْمه وَلَا نسبه وَلَا كنيته لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْهد على عينه وتسجل وَثِيقَة التَّعْدِيل على حليته وَصفته وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَغير ذِي التبريز الخ. وَلَا يلْزم من المخالطة فِي الْحَضَر وَالسّفر مَعَ طول الْعشْرَة الخ. اللَّتَيْنِ يعْتَمد عَلَيْهِمَا المزكى أَن يكون عَارِفًا باسمه، وَنسبه إِذْ قد يخالطه وتطول الْعشْرَة وينسى اسْمه وَلَا يعرف اسْمه بِالْكُلِّيَّةِ، وَمن اشْتهر بكنيته حَتَّى صَارَت علما عَلَيْهِ هُوَ كمعروف الِاسْم فَلَيْسَ هُوَ من مَحل الْخلاف، (وَإِن غَابَ) غير مَعْرُوف الْعين (فَلَا) يعدل وَظَاهره وَلَو بَعدت غيبته، وَالَّذِي لِابْنِ عَرَفَة عَن عبد الْحق أَن مَحل هَذَا إِن غَابَ عَن الْمجْلس وَهُوَ فِي الْبَلَد أَو قريب مِنْهُ وإلاَّ جَازَت تزكيته كَمَا يقْضى عَلَيْهِ وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة عَن الْمَازرِيّ، فيقيد كَلَام النَّاظِم بالقريب أَو الْحَاضِر فِي الْبَلَد:(1/146)
وشاهِدٌ تَعْدِيلُهُ بِاثْنَيْنِ كذَاكَ تَجْرِيُ مُبَرِّزَيْن (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ قصد الْجِنْس أَو الْعُمُوم كَقَوْلِهِم: كل يَمُوت أَي كل شَاهد (تعديله) مُبْتَدأ ثَان (بِاثْنَيْنِ) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الأول (كَذَاك) خبر عَن قَوْله (تجريح) بِالتَّنْوِينِ (مبرزين) صفة لمَحْذُوف أَي تجريح كَائِن كَذَلِك بِاثْنَيْنِ مبرزين، فَالْأول على حذف الصّفة كَقَوْلِه تَعَالَى: الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} (الْبَقَرَة: 71) أَي الْبَين وإلاَّ فموسى عَلَيْهِ السَّلَام لم يَأْتِ إِلَّا بِالْحَقِّ فَحذف النَّاظِم مبرزين من الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ أَو هُوَ من بَاب الاحتباك فَحذف من كل مَا أثبت نَظِيره فِي الآخر، وَهَذَا أولى من جعله صفة لاثْنَيْنِ الْمَذْكُور لما فِيهِ من الْفَصْل بأجنبي، وَفهم مِنْهُ أَن كلا من التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح لَا يثبت إِلَّا بِاثْنَيْنِ مبرزين وَهُوَ فِي التَّعْدِيل مُسلم إِذْ لَا يقبل فِيهِ إِلَّا المبرز الفطن الَّذِي لَا يخدع فِي عقله وَلَا يتزلزل فِي رَأْيه مُعْتَمدًا على طول عشرته من أهل سوق المزكى بِالْفَتْح، ومحلته على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ والقضاة الْيَوْم يتساهلون ويقبلون التَّزْكِيَة من مُطلق الْعُدُول، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُم ذَلِك وَإِن كَانَ رُوِيَ عَن مَالك أَن شُهُود التَّزْكِيَة كشهود سَائِر الْحُقُوق، لكنه غير الْمَشْهُور، وَأما فِي التجريح فَإِن لم يبينوا سَببه بل أجملوا وَقَالُوا: هُوَ غير عدل وَلَا جَائِز الشَّهَادَة، فَكَذَلِك لَا يقبل إِلَّا من المبرزين أَيْضا العارفين بِوُجُوه التجريح كَمَا لِابْنِ رشد، وَنَقله ابْن عَرَفَة وَهُوَ معنى مَا لِابْنِ عتاب حَسْبَمَا فِي ابْن سهل وَنَقله فِي التَّبْصِرَة من أَن الَّذِي أحَاط بِهِ الْعلم وَجرى بِهِ الحكم أَن التبريز لَا يشْتَرط فِي التجريح بالعداوة، وَإِنَّمَا يطْلب التبريز فِي غَيرهَا من وُجُوه التجريح اه. وَنَحْوه لِابْنِ مغيث فِي مقنعه قَالَ: لَا يكون التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح بِأَقَلّ من اثْنَيْنِ مبرزين قَالَه أَكثر الْأَصْحَاب، وَبِه مَضَت الْفَتْوَى عِنْد الشُّيُوخ وتبعهم الشَّارِح وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَلَكِن مُرَادهم وَالله أعلم إِذا أجملوا كَمَا مرّ عَن ابْن رشد لِأَن التَّوْفِيق بَين كَلَام الْأَئِمَّة مَطْلُوب مَا أمكن، وَأما إِن لم يبينوا السَّبَب فَهُوَ وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف فِي اشْتِرَاط التبريز أَيْضا، لَكِن الرَّاجِح عدم اشْتِرَاطه كَانَ المقدوح فِيهِ مبرزاً أم لَا، وَهُوَ قَول مطرف. وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيّ قَالَ: لِأَن الْجرْح مِمَّا يكتم وَلَا يطلع عَلَيْهِ كل النَّاس وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي قَوْله وَإِن بِدُونِهِ، وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله وثابت الْجرْح الخ. أَنه يبطل بتجريح عَدْلَيْنِ شَهَادَة من يعدله الْعدَد الْكثير من المبرزين، فيقيد إِطْلَاق النَّاظِم بِعَدَمِ بَيَان السَّبَب ليَكُون مَاشِيا على الْمُعْتَمد. وَقَوله:(1/147)
بِاثْنَيْنِ يَعْنِي وَلَيْسَ المزكى بِالْفَتْح شَاهدا مَعَ الْمُزَكي بِالْكَسْرِ على ذَلِك الْحق أَو نَاقِلا مَعَه فِيهِ، وإلاَّ فَلَا يجوز لِأَن الْحق حِينَئِذٍ ثَبت بِعدْل وَاحِد، وَظَاهر قَوْله بِاثْنَيْنِ وَلَو كَانَ المزكى بِالْفَتْح قد جرح فِي الْقَدِيم وَالَّذِي فِي الْمُقدمَات أَن التَّزْكِيَة فِي هَذَا لَا تقبل إِلَّا مِمَّن علم بجرحته وَشهد بتوبته مِنْهَا ونزوعه عَنْهَا، وَمَفْهُوم قَوْله بِاثْنَيْنِ أَن تَزْكِيَة الْوَاحِد لَا تَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور. وَقَالَ مطرف: يجوز تَعْدِيل الْوَاحِد وَهَذَا كُله فِي تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة. وَأما تَزْكِيَة السِّرّ فَأَشَارَ لَهَا بقوله: والفَحْصُ مِنْ تِلْقاءِ قَاضٍ قُنِعا فِيهِ بِواحِدٍ فِي الأمْرَيْنِ مَعا (والفحص) مُبْتَدأ أَي الْبَحْث (من تِلْقَاء قَاض) أَي جِهَته يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي الفحص الْوَاقِع من جِهَة القَاضِي (قنعا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ (بِوَاحِد) نَائِب فَاعل قنعا (فِي الْأَمريْنِ) أَي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (مَعًا) حَال وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ والرابط الضَّمِير الْمَجْرُور بفي وَوجه ذَلِك خُرُوجه من بَاب الشَّهَادَة الَّتِي يشْتَرط فِيهَا التَّعَدُّد إِلَى بَاب الْخَبَر الَّذِي لَا يشْتَرط فِيهِ ذَلِك، وَصفته أَن يتَّخذ الْحَاكِم رجلا من أهل الْعدْل وَالرِّضَا مجمعا عَلَيْهِ بذلك فيوليه السُّؤَال عَن الشُّهُود سرا أَو يبْدَأ الْحَاكِم بالسؤال عَن الشَّاهِد مِمَّن يظنّ أَنه خَبِير بِحَالهِ من جِيرَانه وَأهل سوقه ومحلته. وَالْحَاصِل إِمَّا أَن يتَوَلَّى السُّؤَال بِنَفسِهِ أَو يولي من يسْأَل وعَلى كل حَال لَا يكْتَفى فِي السَّائِل مِنْهُمَا بسؤال وَاحِد خشيَة أَن تكون بَينه وَبَين الشَّاهِد عَدَاوَة، وَإِنَّمَا يسألان عَنهُ الثِّقَات وَأهل الْخِبْرَة بِهِ وَفهم من قَوْله: قنعا بِوَاحِد الخ، أَن الِاثْنَيْنِ أولى وَهُوَ كَذَلِك بل الَّذِي فِي الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة أَن الْعَمَل وَالْقَضَاء على عدم الاجتزاء بِالْوَاحِدِ فِي تَعْدِيل السِّرّ وتجريحه وَقَالَ اللَّخْمِيّ: لَا أرى الْيَوْم أَن يجتزأ بِأَقَلّ من اثْنَيْنِ قولا وَاحِدًا اه وَلَكِن مَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم هُوَ الَّذِي فِي ابْن الْحَاجِب ومختصر خَلِيل، ثمَّ من حق الشَّاهِد والمشهود عَلَيْهِ أَن يعلمَا بالمجرح، فقد تكون بَينه وَبَين أَحدهمَا عَدَاوَة أَو بَينه وَبَين الْمَشْهُود لَهُ قرَابَة أَو غير ذَلِك مِمَّا يمْنَع التجريح قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، قَالَ: وَاخْتلف إِذا كَانَ الشَّاهِد والمشهود لَهُ مِمَّن يتقى شَره هَل يعلم بالمجرح أم لَا؟ فَقَالَ سَحْنُون: يعلم. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا قَالَ الشُّهُود نكره عَدَاوَة النَّاس جَازَ التجريح سرا. اللَّخْمِيّ: وَقَول سَحْنُون أحسن لفساد الْقُضَاة الْيَوْم اه. وَقَالَ ابْن رحال: إِذا كَانَ هَذَا فِي زمن اللَّخْمِيّ فَكيف بزمننا؟ قَالَ: وَبِه تعلم أَن الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ فِي السِّرّ تَزْكِيَة وتجريحاً وَعدم الْقدح فِيهِ لَا يُنَاسب زمننا لِأَن القَاضِي رُبمَا يَقُول: عدل عِنْدِي الشُّهُود أَو جرحوا، وَلم يكن شَيْء من ذَلِك، فَلذَلِك اعْتمد النَّاس تَزْكِيَة الظَّاهِر وتجريحه، وأهملوا ذَلِك فِي السِّرّ بِحَسب مَا(1/148)
أدركنا عَلَيْهِ الْقُضَاة من شُيُوخنَا اه. قلت: وعَلى مَا قَالَ من إهمال تَزْكِيَة السِّرّ وتجريحه وَأَنه لَا بُد من الْإِعْذَار فِيهِ أدركنا الْأَشْيَاخ الْيَوْم حَسْبَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي آخر فصل الْإِعْذَار وَالله أعلم. وَمَنْ يُزَكِّي فَلْيَقُلْ عَدْلٌ رِضَا وبَعْضُهُمْ يُجِيزَانِ أَوْ يُبَعِّضا (وَمن) شَرط (يُزكي) فعل الشَّرْط (فَلْيقل) جَوَابه (عدل) خبر لمَحْذُوف (رضَا) خبر ثَان وَالْجُمْلَة محكية بالْقَوْل وَمَا ذكره من الْجمع بَين اللَّفْظَيْنِ هُوَ الْمَشْهُور، وَمذهب الْمُدَوَّنَة (خَ) بِأَن شهد أَنه عدل رضَا. قَالَ فِي ضيح: لِأَن الْعَدَالَة تشعر بسلامة الدّين وَالرِّضَا يشْعر بالسلامة من البله والغفلة، وَكثير من الْعُدُول لَا يفهم معنى اللَّفْظَيْنِ فَيجب سُؤَاله عَن مَعْنَاهُمَا إِذا ظن بِهِ عدم معرفتهما على أَنه قد تقدم أَن التَّعْدِيل لَا يَصح إِلَّا من المبرز الْعَارِف بِمَا يَصح بِهِ التَّعْدِيل وَفهم من قَوْله عدل رضَا أَنه لَو قَالَ: هُوَ مِمَّن تقبل شَهَادَته أَو يقْضى بهَا أَو قَالَ نعم العَبْد أَنه لَا يكون تَزْكِيَة، وَقيل إِنَّه تَزْكِيَة إِن كَانَ من أهل الْعلم، وَظَاهر النّظم أَنه يَكْتَفِي بِمَا ذكر سَوَاء أَدَّاهُ بِلَفْظ أشهد أَو أعرف أَو أعلم أَو أرَاهُ أَو غير ذَلِك، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَذْهَب وَظَاهر نَص (خَ) الْمُتَقَدّم أَنه لَا بُد من لفظ أشهد وَفِي الْمَسْأَلَة اضْطِرَاب هَل لفظ أشهد فِي أَدَاء الشَّهَادَة من حَيْثُ هِيَ متعبد بِهِ فَإِذا أدّيت بِغَيْرِهِ ألغيت وَعَلِيهِ اقْتصر ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: لَا بُد فِي تأدية من يشْهد الخ أَولا فتؤدى بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا مر. (وَبَعْضهمْ) مُبْتَدأ خَبره قَوْله (يُجِيز أَن يبعضا) بِكَسْر الْعين الْمُشَدّدَة وضميره الشَّاهِد أَي أَن يبعض الشَّاهِد اللَّفْظَيْنِ الْمُتَقَدِّمين فيكفيه الِاقْتِصَار على أَحدهمَا، وَيحْتَمل قِرَاءَته بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وضميره يعود على اللَّفْظ الَّذِي تقع بِهِ التَّزْكِيَة، لَكِن الأول أولى لسلامته من سناد التَّوْجِيه وَالْقَوْل بالتبعيض هُوَ الْمَذْهَب عِنْد ابْن زرقون وَابْن فتوح لِأَن كلاًّ من اللَّفْظَيْنِ يسْتَلْزم معنى الآخر وَعَلِيهِ درج ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَإِن يقل رضَا مزَك قِبلا. وَلابْن رشد الِاخْتِيَار أَن يجمع بَين اللَّفْظَيْنِ لقَوْله تَعَالَى: مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} (الْبَقَرَة: 282) مَعَ قَوْله تَعَالَى: وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} (الطَّلَاق: 2) فَإِن اقْتصر على أَحدهمَا أَجْزَأَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذكر كل لَفْظَة على حدتها وَفصل اللَّخْمِيّ فَقَالَ: إِن اقْتصر على إِحْدَى(1/149)
الْكَلِمَتَيْنِ وَلم يسْأَل عَن الْأُخْرَى فَهُوَ تَعْدِيل وَإِن سُئِلَ عَنْهَا فَوقف فَهُوَ رِيبَة يسئل عَن سَبَب وَقفه فقد يذكر مَا لَا يقْدَح أَو يذكر مَا يريب فَيُوقف عَنهُ اه. وَقد تقدم أَن الْعَدَالَة مُعْتَبرَة فِي كل زمَان بأَهْله وَأَن التَّزْكِيَة لَا تقبل إِلَّا من المبرز الفطن الْعَارِف الْكَائِن من أهل سوق المزكى ومحلته لَا من غَيرهم لِأَن توقفهم عَن تزكيته رِيبَة الْمَعْرُوف عِنْد القَاضِي لَا غير مَعْرُوف إِلَّا لعذر بِأَن لَا يكون فِي أهل سوقه عدُول معروفون عِنْد القَاضِي أَو كَانَ المزكى بِالْفَتْح غَرِيبا أَو امْرَأَة، فَيصح أَن يكون الْمُزَكي حِينَئِذٍ بِالْكَسْرِ مَجْهُولا عِنْد القَاضِي ثمَّ يُزَكِّيه آخَرُونَ معروفون عِنْده وَهُوَ معنى قَول من قَالَ: تَعْدِيل احْتَاجَ لتعديل هبا إِلَّا مزكي امْرَأَة أَو غربا وَيكْتب فِي ذَلِك شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة تَامَّة ويعلمونه عدلا فِي أَحْوَاله رضَا فِي شَهَادَته وَلَا يعلمونه رَجَعَ عَن ذَلِك إِلَى الْآن، وقيدوا بذلك شَهَادَتهم على عينه فِي كَذَا، فَإِن سقط قَوْلهم وَلَا يعلمونه الخ لم يكن تعديلاً إِلَّا إِذا كَانُوا من أهل الْعلم، وَإِن سقط لفظ التَّعْدِيل أَو الرِّضَا، فَهُوَ مَحل الْخلاف الْمُتَقَدّم. وَقَوْلنَا: على عينه هَذَا إِذا كَانَ غير مَعْرُوف عِنْد القَاضِي وَهُوَ حَاضر الْبَلَد أَو قريب الْغَيْبَة، وإلاَّ فالمعروف عِنْده أَو بعيد الْغَيْبَة لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى ذَلِك وأشعر اشْتِرَاط التبريز أَن تَزْكِيَة النِّسَاء لَا تقبل لِأَن التبريز صفة تخْتَص بِالرِّجَالِ لنُقْصَان مرتبَة النِّسَاء فِي الشَّهَادَة، وَلذَلِك لم تجز فِي نِكَاح وَلَا طَلَاق وَجعلت شَهَادَة امْرَأتَيْنِ كَرجل فَلَا يزكين الرِّجَال وَلَا النِّسَاء فِيمَا تجوز شَهَادَتهنَّ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَا يجوز قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة، وَلابْن نَافِع وَابْن الْمَاجشون جَوَاز تزكيتهن الرِّجَال فِيمَا تجوز فِيهِ شَهَادَتهنَّ، وَأَجَازَ بعض الشُّيُوخ تزكيتهن النِّسَاء أَيْضا قَالَ: لِأَن مَالِكًا أجَاز شَهَادَتهنَّ فِي الْأَمْوَال والتزكية فِي الْأَمْوَال تجر إِلَيْهِ. قلت: وَهَذَا يتلمح مِمَّا تقدم عَن مَالك من عدم اشْتِرَاط التبريز فِي التَّعْدِيل وَأَن شُهُوده كشهود سَائِر الْحُقُوق. تَنْبِيه: ابْن رشد: لَا يلْزم الشَّاهِد فِي التَّعْدِيل أَن يَقُول هُوَ من أهل الْعَدَالَة لِأَن الْقطع بِهِ لَا يَصح وَلَو قَالَه لم يضرّهُ، وَلَا يكون غموساً لِأَن مَعْنَاهُ فِي ظَنِّي وَهَذَا يجْرِي أَيْضا فِيمَا إِذا قطعُوا فِي الْملك فَيَقُولُونَ وَلم يخرج عَن ملكه يُرِيد: إِذا كَانَ من أهل الْعلم وإلاَّ فَلَا تقبل مِنْهُ مجملة وَالله أعلم. وثابِتُ الْجَرحِ مُقَدَّمٌ عَلَى ثابِت تَعْدِيلٍ إذَا مَا اعْتَدَلا (وثابت الْجرْح) بِفَتْح الْجِيم مُبْتَدأ خَبره (مقدم على. ثَابت تَعْدِيل) يتَعَلَّق بالْخبر الْمَذْكُور (إِذا) ظرف يتَعَلَّق بالْخبر أَيْضا (مَا) زَائِدَة (اعتدلا) جملَة فِي مَحل خفض بِإِضَافَة إِذا. وَألف التَّثْنِيَة فِيهِ(1/150)
يعود على التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح أَي إِذا تَعَارَضَت بينتاهما وتكافأتا فِي الْعَدَالَة فَتقدم بَيِّنَة الْجرْح وَالتَّعْبِير بالتقديم هُنَا مجَاز فِيمَا يظْهر لِأَنَّهُمَا لَو تكافأتا سقطتا، وَالْأَصْل فِي النَّاس الجرحة، وَمَفْهُوم قَوْله: إِذا مَا اعتدلا أَنه إِذا كَانَت إِحْدَاهمَا أعدل يعْمل عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِك إِذا قطعت كل مِنْهُمَا بكذب الْأُخْرَى كَقَوْل المعدلة: بَات معتكفاً على الصَّلَاة لَيْلَة كَذَا، وَقَالَت المجرحة: بَات معتكفاً على شرب الْخمر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَأما إِن لم تقطع كل مِنْهُمَا بكذب الْأُخْرَى بل أرْسلت كل مِنْهُمَا الشَّهَادَة بِالنِّسْبَةِ للزمان وَالْمَكَان فَلَيْسَ من التَّعَارُض فِي شَيْء فَتقدم بَيِّنَة الْجرْح حِينَئِذٍ وَلَو كَانَت أقل عَدَالَة كَمَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله بِخِلَاف الْجرْح وَهُوَ الْمُقدم الخ. وَعَن سَحْنُون لَو عدله أَرْبَعَة وجرحه اثْنَان وَالْأَرْبَعَة أعدل لأخذت بِشَهَادَة المجرحين لعلمهما من بَاطِن الْأَمر مَا لم يُعلمهُ الْآخرُونَ اه. فَكَلَام النَّاظِم إِنَّمَا هُوَ فِي التَّعَارُض كَمَا قَررنَا بِدَلِيل قَوْله: إِذا مَا اعتدلا إِذْ الِاعْتِدَال وَعَدَمه إِنَّمَا ينظر إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك لَا مَعَ عَدمه لِأَنَّهُمَا إِذا أرسلا الشَّهَادَة لم يتواردا على زمَان وَاحِد فالمعدلة شاهدة بِعَدَمِ علم الجرحة والمجرحة شاهدة بوجودها مِنْهُ فَكل مِنْهُمَا صَادِق بِحَسب الظَّاهِر بِمَنْزِلَة مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بِعَدَمِ علم البيع وَالْأُخْرَى بِوُقُوعِهِ وَالشَّهَادَة بالبت لَا تعارضها الشَّهَادَة على نفي الْعلم فِي كل شَيْء من غير نظر للأعدل من غَيره فَلَا ترد هَذِه على مَفْهُوم النّظم، وَمحل مَا ذكرنَا من أَنه لَا تعَارض مَعَ إرسالهما للشَّهَادَة إِذا قرب تَارِيخ التجريح من تَارِيخ التَّعْدِيل وإلاَّ قضي بأحدثهما تَارِيخا وَيحمل على أَنه كَانَ عدلا ففسق أَو فَاسِقًا فَعدل. وَالْحَاصِل؛ أَنَّهُمَا إِذا تواردتا على زمن وَاحِد وتكافأتا سقطتا وَبَقِي الشَّيْء على أَصله وَهُوَ الجرحة وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أعدل فَيَقْضِي بِهِ وَهَذَا معنى كَلَام النَّاظِم منطوقاً ومفهوماً وَإِذا قضينا بالمجرحة إِن كَانَت أعدل وَقد جرحته بِمَا فِيهِ أدب أَو حد فَلَا أدب عَلَيْهِ وَلَا حد وَإِن لم تتواردا على زمن وَاحِد فَلَا تعَارض وَلَكِن إِن قرب تَارِيخ إِحْدَاهمَا من الْأُخْرَى قضى بالمجرحة وَإِن تبَاعد مَا بَين التاريخين قضى بالأحدث تَارِيخا إِلَّا أَن يكون فِي وَقت تقييداً لمجرح ظَاهر الْعَدَالَة فالمجرحة أولى قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ عِنْد قَوْله: وَعدل إِن أدّى على مَا عِنْده. الخ. وَقَوله: وثابت الْجرْح الخ يَعْنِي بعدلين وَأما بِعلم القَاضِي فَتقدم فِي قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي الخ. وَإِذا ثَبت بعدلين فَظَاهره اتفقَا على سَببه أم لَا. كَقَوْل أَحدهمَا يعْمل بالربا، وَقَول الآخر يشرب الْخمر لِأَنَّهُمَا متفقان فِي الْمَعْنى على أَنه رجل سوء وَقيل لَا تجوز حَتَّى يتَّفقَا على الشّرْب أَو الرِّبَا، فَإِن قَالَ أَحدهمَا خائن وَالْآخر يَأْكُل أَمْوَال الْيَتَامَى جَازَت اتِّفَاقًا. وطالِبُ التجْدِيدِ لِلتَّعْدِيلِ مَعْ مُضِيِّ مُدَّةٍ فَالأُوْلى يُتَّبَعْ (وطالب التَّجْدِيد) مُبْتَدأ (للتعديل) الْوَاقِع على مَجْهُول الْحَال ظهر عَلَيْهِ وسم خير أَو شَرّ أَو(1/151)
لم يظْهر عَلَيْهِ وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ يتَعَلَّق بالتجديد (مَعَ) وجود (مُضِيّ مُدَّة) ظرف يتَعَلَّق بالمبتدأ والتنوين فِي مُدَّة للتقليل أَي إِذا شهد الْمَجْهُول الْمَذْكُور فِي قَضِيَّة وزكى ثمَّ بعد مُدَّة يسيرَة دون السّنة شهد فِي قَضِيَّة أُخْرَى وَطلب الْمَشْهُود عَلَيْهِ ثَانِيًا تَجْدِيد تعديله فَإِنَّهُ لَا يُجَاب فِي قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا أَن يشْهد بعد سنة من شَهَادَته الأولى لِأَن السّنة تَتَغَيَّر فِيهَا الْأَحْوَال وتحدث فِيهَا الْأَحْدَاث. وَقَالَ سَحْنُون: يُجَاب مُطلقًا شهد بعد السّنة أَو قبلهَا حَتَّى يكثر تعديله ويشتهر. ابْن عَرَفَة: الْعَمَل على قَول سَحْنُون، وَلذَا قَالَ النَّاظِم: (فَالْأولى) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام مُبْتَدأ خَبره (يتبع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على التَّجْدِيد، وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول وَدخلت الْفَاء لما فِي الْمُبْتَدَأ الأول من الْعُمُوم أَي فَالْأولى وَالْأَحْسَن إجَابَته لما طلب من التَّجْدِيد مُطلقًا حَتَّى يكثر المعدلون كَمَا قَالَ سَحْنُون فَإِن عجز عَن تعديله قبل السّنة أَو بعْدهَا لفقد من عدله أَولا وَجَهل النَّاس بِحَالهِ الْآن قبلت شَهَادَته لِأَن طلب تعديله ثَانِيًا إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَان. ولأخيهِ يشْهَدُ الْمُبَرِّزُ إلاَّ بِمَا التُّهْمَةُ فيهِ تَبْرُزُ (ولأخيه) يتَعَلَّق بقوله (يشْهد المبرز) أَي فِي كل شَيْء مَال أَو غَيره حَيْثُ لم يكن فِي عِيَاله (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِمَا) يتَعَلَّق بمقدر أَي إِلَّا إِذا شهد بِمَا (التُّهْمَة) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله: (تبرز) . وَالْجُمْلَة صلَة مَا وَمَا ذكره من اشْتِرَاط التبريز نَحوه فِي (خَ) وَهُوَ الَّذِي فِي أَوَائِل الْمُدَوَّنَة وَوَقع فِي أَثْنَائِهَا مَا ظَاهره عدم اشْتِرَاطه وَهُوَ ظَاهر الرسَالَة أَيْضا، وَبِه صدر ابْن الْحَاجِب وَابْن شَاس وَصرح القلشاني وَالشَّيْخ زَرُّوق بِأَنَّهُ الْمَشْهُور، وَمَا ذكره من عدم جَوَازهَا لَهُ فِيمَا إِذا ظَهرت التُّهْمَة نَحوه للخمي، وَصَوَّبَهُ القلشاني وَغَيره، بل حكى الْمَازرِيّ اتِّفَاق الْمَذْهَب على رد شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ مَعَ قُوَّة التُّهْمَة كَأَن يشْهد لَهُ بِمَا يكْتَسب بِهِ شرفاً أَو يدْفع بِهِ معرة أَو تَقْتَضِيه الحمية والعصبية مثل أَن يشْهد لِأَخِيهِ وَهُوَ وضيع الْقدر أَنه تزوج امْرَأَة يتشرف بنكاحها أَو أَن فلَانا قذفه أَو يجرح من جرح أَخَاهُ، وَكَذَلِكَ رأى غَيره أَنه يتَّفق على رد شَهَادَته لَهُ بِالْمَالِ الْكثير الَّذِي يحصل لَهُ بِهِ الشّرف وَلَا يجوز لَهُ فِي جراح عمد على الْمَشْهُور قَالَه فِي ضيح والشامل، وَظَاهر قَول (خَ) بِخِلَاف أَخ لأخ إِن برز وَلَو بتعديل الخ. جَوَازهَا بِالشّرطِ الْمَذْكُور مُطلقًا قويت(1/152)
التُّهْمَة أم لَا بِدَلِيل قَوْله: وَلَو بتعديل لِأَنَّهُ مِمَّا يتشرف بِهِ وَيدْفَع بِهِ معرة عَن نَفسه، وَلَكِن فِي اخْتِصَار المتيطي مَا نَصه: وَلَا تجوز شَهَادَته لِأَخِيهِ فِي الْفِرْيَة وَلَا فِي نِكَاح من يتشرف بهَا بِخِلَاف الدّين وَالتَّعْدِيل وَشبهه إِذا كَانَ الْأَخ الشَّاهِد مبرزاً وَلَيْسَ فِي عِيَال الْمَشْهُود لَهُ اه. ثمَّ قَالَ: وَاخْتلف فِيمَن شهد لِأَخِيهِ بِمَال فَقيل تجوز إِن كَانَ مبرزاً، وأجازها بَعضهم فِي الْقَلِيل دون الْكثير، وَلَا تجوز فِيمَا يُدْرِكهُ فِيهِ حمية وَلَا فِيمَا يكسبه حظوة، وَاخْتلف فِي شَهَادَته لَهُ فِي جراح الْعمد الخ، وَقد تبين أَن الْمُعْتَمد هُوَ مَا للناظم من اشْتِرَاط نفي التُّهْمَة، وَأما اشْتِرَاط التبريز فَفِيهِ قَولَانِ. شهد كل مِنْهُمَا وَفهم مِنْهُ أَن غير المبرز لَا تجوز شَهَادَته مُطلقًا قويت التُّهْمَة أم لَا. وَأَن غير الْأَخ تجوز شَهَادَته لَهُ بِغَيْر شَرط التبريز وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ اللَّخْمِيّ: وَشَهَادَة الرجل لِابْنِ أَخِيه ولعمه وَلابْن عَمه بِالْمَالِ جَائِزَة مَا لم يكن الشَّاهِد فِي نَفَقَة الْمَشْهُود لَهُ، وَلَا تجوز فِيمَا يجمعهُمْ فِيهِ الحمية والعصبية وَلَا فِيمَا يدْفع بِهِ المعرة أَو يكْتَسب بِهِ شرفاً وهم فِي هَذَا الْوَجْه كالأخ اه. وَأفهم قَوْله: مَا لم يكن الشَّاهِد فِي نَفَقَة الْمَشْهُود لَهُ الخ، أَن الْعَكْس وَهُوَ كَون الْمَشْهُود لَهُ فِي نَفَقَة الشَّاهِد يجوز وَهُوَ كَذَلِك عِنْد ابْن حبيب، وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: يَنْبَغِي أَن لَا تجوز لَهُ بِمَال لِأَنَّهُ يدْفع بذلك نَفَقَته وَإِن كَانَت لَا تلْزمهُ لِأَن ترك النَّفَقَة عَلَيْهِ معرة لَهُ، وَأما إِن كَانَ الْمَشْهُود لَهُ أَجْنَبِيّا وَهُوَ فِي عِيَال الشَّاهِد فشهادته لَهُ جَائِزَة كَمَا فِي التَّبْصِرَة. تَنْبِيه: هَذِه إِحْدَى الْمسَائِل السَّبع الَّتِي يشْتَرط فِيهَا التبريز الْمَذْكُورَة فِي قَول (خَ) بِخِلَاف أَخ لأخ إِن برز وَلَو بتعديل كأجير وَمولى وملاطف ومفاوض فِي غير الْمُفَاوضَة وزائد وناقص، وَذكر بعد شكّ وتزكية. قلت: وَفِي المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح اشْتِرَاطه فِي الشَّهَادَة فِي الْحَبْس فَمن قَامَ يَدعِي حبسا بِشَهَادَة غير مبرزين لم يقْض لَهُ بِهِ لما فِيهِ من الاستبعاد، وَتقدم فِي قَول النَّاظِم كَذَاك تجريح الخ، أَنه يشْتَرط أَيْضا فِي التجريح بِغَيْر الْعَدَاوَة، وَفِي الْبَاب الثَّانِي من الْقسم الثَّانِي من التَّبْصِرَة اشْتِرَاطه فِي الشَّاهِد مَعَ الْيَمين وفيهَا فِي الْبَاب الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ اشْتِرَاطه فِي الشَّاهِد على الْخط، وَرُبمَا يشْعر بِهَذَا قَول النَّاظِم فِيمَا يَأْتِي وَشَاهد برز الخ. . وَفِي المعيار اشْتِرَاطه فِي شَهَادَة الرجل لزوج حفيدته كَمَا يَأْتِي. وَفِي الغرناطية اشْتِرَاطه أَيْضا فِيمَن أشهد على نَفسه بِحَق وَأَنه لَا يجْبر على إِشْهَاد غَيرهمَا زِيَادَة عَلَيْهِمَا، وَإِن كَانَ ابْن رشد أطلق فَقَالَ: لَا يجْبر من أشهد على نَفسه بِشَيْء على زِيَادَة الْإِشْهَاد بعدلين، وَإِن طلب الْمَشْهُود لَهُ ذَلِك. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: إِن كثر الْعدْل فيهم أجبروا وإلاَّ فَلَا. وَفِي شرح العمليات اشْتِرَاطه أَيْضا فِي الْمَشْهُود لَهُ على خطه، وَفِي الْخَامِس عشر من الْفَائِق اشْتِرَاطه فِي سَائِر عُقُود الاسترعاء. والأبُ لابنِهِ وعَكْسُهُ مُنِعْ وَفِي ابنِ زَوْجَةٍ وَعَكْسُ ذَا اتُّبِعْ (وَالْأَب) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَي وَشَهَادَة الْأَب (لِابْنِهِ) يتَعَلَّق بالمضاف الْمَذْكُور (وَعَكسه) مُبْتَدأ على حذف مُضَاف أَيْضا أَي وَشَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ كَذَلِك وَقَوله: (منع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ الأول فَهُوَ مُؤخر من تَقْدِيم، وَالْقِيَاس منعت بتاء التَّأْنِيث الساكنة وحذفها(1/153)
لجوازه مَعَ ضمير التَّأْنِيث الْمجَازِي كَقَوْلِه: وَلَا أَرض أبقل أبقالها. وَظَاهره شهد أَحدهمَا للْآخر بِحَق أَو بتعديل، وَالْمرَاد بِالْأَبِ مَا يَشْمَل الْأُم، وَإِن علت وبالابن مَا يَشْمَل الْبِنْت وَإِن سفلت، وَظَاهره عدم جَوَازهَا وَلَو شهد لأحد ولديه على الآخر ولأحد أَبَوَيْهِ كَذَلِك وَهُوَ كَذَلِك، لَكِن يشْتَرط ظُهُور الْميل للْمَشْهُود لَهُ كشهادته لِلْبَارِّ على الْعَاق أَو للسفيه على الرشيد كَمَا فِي (خَ) وَتجوز شَهَادَة الْوَلَد على أَبِيه بِطَلَاق أمه إِن كَانَت مُنكرَة، وَكَذَلِكَ إِن كَانَت هِيَ الْقَائِمَة بذلك عِنْد ابْن الْقَاسِم، (وَفِي ابْن زَوْجَة) يشْهد لزوج أمه (وَعكس) وَهُوَ شهادتها لَهُ أَو شَهَادَة الرجل لِابْنِ زَوجته وَإِن سفل (ذَا) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للْمَنْع الْمُتَقَدّم (اتبع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خَبره، وَفِي ابْن زَوْجَة يتَعَلَّق بِهِ وَعكس بِالتَّنْوِينِ مَعْطُوف على ابْن. وَوالِديْ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجةِ أبْ وحَيْثُما التُّهْمَةُ حالُها غَلَبْ (ووالدي زَوْجَة) عطف على ابْن أَي وَاتبع هَذَا الْمَنْع أَيْضا فِي وَالِدي زَوْجَة بِأَن يشْهد الرجل لأبي زَوجته أَو لأمها، وَبِالْعَكْسِ بِأَن يشْهد الرجل لزوج ابْنَته وَالْمَرْأَة لزوج ابْنَتهَا وَأَحْرَى شَهَادَة الزَّوْجَيْنِ للْآخر (أَو زَوْجَة أَب) تشهد لربيبها ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَإِن سفل، وَكَذَا لَا يشْهد ربيبها وَإِن سفل لَهَا، وَأَحْرَى شَهَادَة الرجل لزوج جده وَزوج جدته وَإِن بعد، أَو لزوجة ابْن ابْنه أَو زوج بنت ابْنه وَإِن سفل، إِذْ الْمدَار على قُوَّة التُّهْمَة كَمَا قَالَ: (وحيثما التُّهْمَة حَالهَا غلب) وَظَاهره عدم الْجَوَاز وَلَو كَانَ الشَّاهِد مبرزاً وَهُوَ كَذَلِك كَمَا هُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَلَا متأكد الْقرب كأب وَإِن علا الخ. وَاخْتَارَ عِيَاض حَسْبَمَا فِي المعيار جَوَاز شَهَادَة المبرز لزوج حفيدته بعد أَن قرر فِي ذَلِك خلافًا، وَحكى فِي الشَّامِل ثَلَاثَة أَقْوَال فِي جَوَازهَا لزوجة ابْنه أَو زوج ابْنَته. ثَالِثهَا: جَوَازهَا من المبرز دون غَيره لَكِن الْمُعْتَمد مَا مرّ لِأَن التُّهْمَة حَاصِلَة فِي الْجَمِيع، والمدار على قوتها كَمَا تقدم وَعَلِيهِ فَكل من يحرم نِكَاحه تمنع الشَّهَادَة لَهُ قَالَه ابْن رحال، وحيثما اسْم شَرط والتهمة مُبْتَدأ وَجُمْلَة حَالهَا غلب خَبره، وَيجوز فِي التُّهْمَة أَن يكون فَاعِلا بِفعل مُقَدّر أَي وحيثما غلبت التُّهْمَة وحالها مُبْتَدأ وَغلب خَبره، وَالْجُمْلَة مُؤَكدَة لِمَعْنى مَا قبلهَا وَقَوله: كَحالَةِ العَدُوِّ والظَّنين والْخَصْمِ والوصِيِّ والمَدِينِ (كحالة الْعَدو) مِثَال لبَعض مَا صدق عَلَيْهِ الشَّرْط قبله لِأَنَّهُ صَادِق بتهمة الْقَرَابَة وتهمة الْعَدَاوَة وَغَيرهَا، فَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على عدوه وَلَو على ابْنه إِن كَانَت الْعَدَاوَة دنيوية لَا دينية كَمَا مر فِي قَوْله سوى عَدَاوَة الخ وَظَاهره وَلَو شهد الْعَدو لعَدوه وَعَلِيهِ وَهُوَ كَذَلِك إِذا كَانَ فِي مجْلِس وَاحِد، فَإِن كَانَا فِي مجلسين صحت الشَّهَادَة لَهُ لَا عَلَيْهِ قَالَه فِي التَّبْصِرَة. (والظنين) أَي(1/154)
الْمُتَّهم فِي شَهَادَته كالحارص على قبُول شَهَادَته الْمشَار إِلَيْهِ بقوله (خَ) وَلَا إِن حرص على الْقبُول كمخاصمة مشهود عَلَيْهِ مُطلقًا أَو جربها كشهادته على موروثه الْمُحصن بِالزِّنَا أَو قتل الْعمد ليقْتل فيرثه أَو دفع بهَا كَشَهَادَة بعض الْعَاقِلَة بفسق شُهُود الْقَتْل وكشهادة الملاطف لملاطفه إِن لم يكن مبرزاً أَو شَهَادَة البدوي لحضري أَو شَهَادَة كل من العدلين لصَاحبه للتُّهمَةِ على اشْهَدْ لي وَأشْهد لَك على مَا عِنْد اللَّخْمِيّ، وَيَنْبَغِي اعْتِمَاده وَإِن كَانَ (خَ) درج على جَوَازهَا أَو تَزْكِيَة من شهد لمن لَا تجوز شَهَادَته لَهُ كأبيه مثلا الْمشَار إِلَيْهِ بقول (خَ) وَمن امْتنعت لَهُ لم يزك شَاهده وَلم يجرح شَاهدا عَلَيْهِ الخ. وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تكفل بِهِ (خَ) وَغَيره (و) من ذَلِك شَهَادَة (الْخصم) على خَصمه (وَالْوَصِيّ) بِمَال ليتيمه لاتهامه على قَبضه وَظَاهره وَلَو عزل نَفسه وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِك بعد الْتِزَامه النّظر. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يشْهد لرشيد ملك نَفسه، فَتجوز شَهَادَته لَهُ لانْتِفَاء التُّهْمَة وَمَا ذكره هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمُعْتَمد وَرُوِيَ جَوَازهَا وشهره الْبَاجِيّ، وَفِي الْكَافِي أَنه هُوَ الصَّوَاب، وَأما عَكسه وَهُوَ أَن يشْهد على يتيمه فَجَائِز إِن كَانَ عدلا وَأفهم قَوْله الْوَصِيّ إِن المشرف تجوز شَهَادَته للْيَتِيم وَهُوَ كَذَلِك إِذْ لَا تلْحقهُ تُهْمَة. (والمدين) لرب الدّين وَظَاهره كَانَ الْمَدِين مُعسرا أم لَا. وَقَيده (خَ) بالإعسار فَقَالَ عاطفاً على الْمَوَانِع أَو الْمديَان الْمُعسر لرَبه، وَالْمرَاد مُعسر فِي نفس الْأَمر لَا أَنه ثَابت الْعسر، وَإِلَّا جَازَت. وَظَاهره أَيْضا عدم الْجَوَاز وَلَو شهد لَهُ بِغَيْر المَال كَالْقصاصِ وَالْقَذْف، وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْمديَان كَمَا قَالَ مطرف كالأسير فِي يَد رب الدّين وَظَاهره أَيْضا كظاهر (خَ) عدم الْجَوَاز سَوَاء حل الدّين أَو قرب حُلُوله أم لَا. وَهُوَ ظَاهر اللَّخْمِيّ وَابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الْحق لِأَنَّهُ الْجَارِي على مَا ذَكرُوهُ فِي بُيُوع الْآجَال من اعْتِبَار التُّهْمَة، وَلَو لم يقرب الْأَجَل، وَقيد فِي الشَّامِل الْمَنْع بالحلول أَو قربه وَنَحْوه لشراح (خَ) وَأَصله لِابْنِ رشد والباجي، وَأما شَهَادَة رب الدّين للمديان بِمَال فتمنع كَذَلِك إِن كَانَ الْمَدِين مُعسرا وَحل الدّين أَو قرب حُلُوله، وإلاَّ جَازَت كشهادته لَهُ بِغَيْر المَال كقصاص وَقذف، وَمن ذَلِك من دفع مَالا لِرجلَيْنِ ليدفعاه لرجل، وَقَالَ: لَا تشهدا على الدّفع غيركما ففعلا فشهادتهما سَاقِطَة وَلَا يضمنَانِ لِأَنَّهُمَا مأموران بذلك قَالَه الْبُرْزُليّ. وَأفهم قَوْله الْمَدِين أَن عَامل الْقَرَاض تجوز شَهَادَته لرَبه، وَكَذَا الْعَكْس وَسَوَاء كَانَ الْعَامِل مَلِيًّا أَو معدماً شغل المَال أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على مَا صدر بِهِ الشَّامِل من أَقْوَال ثَلَاثَة، وَمِمَّا أدخلته الْكَاف شَهَادَة المصلح بَين النَّاس لِأَنَّهُ يتهم على إتْمَام فعل نَفسه، وَكَذَلِكَ شَهَادَة الْخَاطِب أَو السمسار إِن تولى العقد كل مِنْهُمَا وإلاَّ جَازَت، لَكِن مَحل السمسار إِن كَانَت سمسرته مَعْلُومَة لَا تزيد لزِيَادَة ثمن وَلَا تنقص لنقصه، وَفَاتَ الْفَسْخ وَإِن كَانَ قبل الْفَوات فَلَا تجوز لِأَنَّهُ يجر نفعا بِسَبَب عدم الْفَسْخ، وَأما شَهَادَة الْوزان الْمَنْصُوب من القَاضِي للوزن بَين النَّاس فجائزة، فَإِن لم ينصبه القَاضِي وَشهد بِأَن وزن مَا قَبضه فلَان كَذَا لم تقبل وَإِن شهد بِأَن فلَانا قبض مَا وَزنه جَازَت وَإِن شهد بهما فَالظَّاهِر الْبطلَان لِأَن الشَّهَادَة إِذا رد بَعْضهَا للتُّهمَةِ ردَّتْ كلهَا قَالَه الأَجْهُورِيّ. وَهَذَا كُله فِي(1/155)
التُّهْمَة الْمَوْجُودَة وَقت الْأَدَاء، أما الْحَادِثَة بعده فَلَا عِبْرَة بهَا كَالرّجلِ يتَزَوَّج الْمَرْأَة بعد أَن شهد لَهَا أَو يخاصمه بعد أَن يشْهد عَلَيْهِ. وَسَاغَ أنْ يَشْهَدَ الابْنُ فِي مَحَلْ مَعَ أبِيهِ وبِه جَرَى العَمَلْ (وساغ) أَي جَازَ (أَن يشْهد) فِي مَوضِع رفع فَاعل سَاغَ (الابْن) وَإِن سفل فَاعل يشْهد (فِي مَحل) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا (مَعَ أَبِيه) وَإِن علا فَيثبت الْحق بِشَهَادَتِهِمَا بِغَيْر يَمِين وَلَا يتهم أَحدهمَا فِي إِرَادَته إتْمَام شَهَادَة الآخر (وَبِه) يتَعَلَّق بقوله: (جرى الْعَمَل) وَهُوَ قَول مطرف وَابْن الْمَاجشون، وَظَاهره اشْتِرَاط عدم التبريز وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لسَحْنُون فِي اشْتِرَاطه، وَمَا ذكره من الْعَمَل الْمَذْكُور نَحوه فِي الْمُفِيد وَابْن سَلمُون والتبصرة والقشتالي وَغَيرهم، وَعَلِيهِ درج فِي العمليات حَيْثُ قَالَ: وَالِابْن مَعَ أَبِيه فِي مَحل قد يَشْهَدَانِ مَعَ قَول الْكل وَبِه وَقع الحكم من الإِمَام المذهبي حِين اخْتلف فَقِيها عصره السراج والْحميدِي فَأفْتى الأول بِمَا قَالَ (خَ) وَالثَّانِي بِمَا للناظم، وَأفهم قَوْله: وَبِه جرى الْعَمَل أَن هُنَاكَ قولا آخر بِعَدَمِ جَوَاز ذَلِك، وَأَن الْحق لَا يسْتَقلّ بِشَهَادَتِهِمَا بل لَا بُد من شَاهد آخر أَو يَمِين الطَّالِب فِي الْأَمْوَال، وَهُوَ قَول أصبغ. وَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة والمتيطية والجزيري أَنه الَّذِي بِهِ الْعَمَل وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) فَقَالَ: وَشَهَادَة ابْن مَعَ أَب وَاحِدَة وَعلة ذَلِك أَن الْأَب لَو شهد لِابْنِهِ لم تجز، وَكَذَلِكَ عَكسه فهما إِذا شَهدا مَعًا فَكَأَن أَحدهمَا زكى الآخر، وَكَأَنَّهُ قد شهد بعضهما لبَعض فَلذَلِك صَارَت شَهَادَتهمَا وَاحِدَة قَالَه فِي الْمُفِيد، وَهَذَا التَّعْلِيل يُفِيد أَن مِثَال الْأَب مَعَ الابْن عِنْد أصبغ صَار فِي بَاقِي الْقَرَابَة الَّذين لَا تجوز شَهَادَة بَعضهم لبَعض مِمَّا مرّ إِذا شهدُوا لغَيرهم وَعَلِيهِ فَهَل المقبول من الشَّاهِدين وَاحِد لَا بِعَيْنِه فَإِذا جرح أَحدهمَا بقيت شَهَادَة الآخر وَهُوَ الظَّاهِر من التَّعْلِيل الْمَذْكُور، واستظهره ابْن رحال أَيْضا أَو المقبول هُوَ الَّذِي شهد أَولا، وَهُوَ صَرِيح قَول ابْن سهل سَقَطت الْأَخِيرَة أَي لِأَنَّهُ يتهم على إتْمَام شَهَادَة الأول وَعَلِيهِ فَالْأول هُوَ مَحل الْإِعْذَار، وَإِذا جرح لم تبْق شَهَادَة أصلا، وَظَاهر النّظم جَوَازهَا وَإِن لم يَكُونَا مبرزين وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لسَحْنُون كَمَا مرّ، وَفهم من قَوْله مَعَ أَبِيه أَن شَهَادَته مَعَ أَخِيه أَو عَمه جَائِزَة وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَفهم من قَوْله مَعَ الخ. إِن شَهَادَة أَحدهمَا عِنْد الآخر إِذا كَانَ حَاكما أَو على شَهَادَته بِمَعْنى أَن ينْقل(1/156)
أَحدهمَا عَن الآخر أَو على حكمه إِذا عزل أَو شَهَادَة أَحدهمَا على خطّ الآخر لَا تجوز، وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) حَيْثُ قَالَ: ككل عِنْد الآخر أَو على شَهَادَته أَو حكمه الخ. لَكِن قَالَ ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة: أَفْتيت بجوازها على خطّ أَبِيه اه. وفتواه هَذِه تؤذن بترجيح القَوْل بِالْجَوَازِ فِي الْجَمِيع إِذْ لَا فرق بَين هَذِه الصُّور، نعم شَهَادَة كل مِنْهُمَا عِنْد الآخر يتَرَجَّح فِيهَا الْمَنْع لما فِيهَا من التَّعْدِيل الْمُتَّفق على مَنعه. وَزَمَنُ الأداءِ لَا التَّحْمُّلِ صَحَّ اعْتبارُهُ لِمُقْتَضٍ جَلِي (وزمن الْأَدَاء) مُبْتَدأ وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة إِعْلَام الشَّاهِد الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِ بِمَا يحصل لَهُ الْعلم بِمَا شهد بِهِ اه. فالمصدر مُضَاف للْفَاعِل وَالْحَاكِم مَفْعُوله وَالْمَجْرُور بعده يتَعَلَّق بإعلام سد مسد الْمَفْعُول الثَّانِي وَالثَّالِث، وباؤه للتعدية وَالْبَاء الثَّانِيَة تتَعَلَّق بإعلام وَهِي للتعدية أَيْضا أَو سَبَبِيَّة وَمَا وَاقعَة على أَلْفَاظ الْأَدَاء وَهِي بدل من شَهَادَته، وَيحصل بالتضعيف صفة لما أَو صلَة، وفاعله ضمير يعود على مَا وَالْعلم مَفْعُوله وَالْبَاء الثَّالِثَة تتَعَلَّق بِالْعلمِ، وَالْمرَاد بِهِ الظَّن لِأَنَّهُ الَّذِي يحصل للْحَاكِم بِسَبَب الشَّهَادَة وَالضَّمِير فِي لَهُ يعود على الْحَاكِم، وَالتَّقْدِير أَن يعلم الشَّاهِد الْحَاكِم بِأَنَّهُ يشْهد بِكَذَا بِلَفْظ يحصل للْحَاكِم الْعلم بِمَا شهد بِهِ، وَالْأَقْرَب أَن الْمَجْرُور الثَّانِي يتَعَلَّق بِمَحْذُوف جَوَاب سُؤال مُقَدّر، وَكَأَنَّهُ لما قَالَ: إِعْلَام الشَّاهِد الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِ قيل لَهُ بِأَيّ شَيْء يكون الْإِعْلَام الْمَذْكُور؟ فَقَالَ: بِمَا أَي بِلَفْظ يحصل لَهُ الْعلم الخ قَالَ: وَفِي النَّوَادِر عَن أَشهب قَوْله للْقَاضِي هَذِه شهادتي أَدَاء لَهَا قَالَ: وَالْأَظْهَر أَن الْإِشَارَة المفهمة فِي ذَلِك تَكْفِي وَتقدم عِنْد قَوْله: وَمن يزك فَلْيقل الخ. أَن الْأَدَاء لَا يخْتَص بِلَفْظ: أشهد على الرَّاجِح ثمَّ إِن القَاضِي لَا يَقُول للشَّاهِد عِنْد الْأَدَاء أشهد بِكَذَا لِأَنَّهُ تلقين، وَإِذا نسي فَلَا بَأْس أَن يذكرهُ الآخر لقَوْله تَعَالَى: إِن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} (الْبَقَرَة: 282) أَي إِن تنس إِحْدَاهمَا الخ وَإِن اتَّهَمَهُمَا القَاضِي بالغلط فَلَا يفرق بَينهمَا لِئَلَّا يرعب الشَّاهِد ويختلط عقله خلافًا لما فِي الْمُفِيد قَالَه الشَّارِح فِي الْفَصْل بعد هَذَا، وَلَا يَكْتَفِي القَاضِي فِي الْأَدَاء من الْعَوام بقوله: هَذِه شهادتك، فَيَقُول الشَّاهِد: نعم بل حَتَّى ينص شَهَادَته نصا لَا احْتِمَال فِيهِ وَلَا إِجْمَال، وَالْمرَاد بالعامي غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وَلَا بُد من سُؤَاله أَيْضا عَن كَيْفيَّة علمه ومستنده فِي تِلْكَ الشَّهَادَة لِأَن غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ إِنَّمَا يكْتب فِي الْغَالِب جَريا على المساطير، وَإِن لم يكْتب فأحرى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يعرف مَا فِي الرَّسْم وَالْمُعْتَبر فِي الْأَدَاء أَن يكون عِنْد القَاضِي لَا عِنْد المبرزين إِلَّا فِي اللفيف على مَا عَلَيْهِ عَمَلهم من استفساره عِنْد المبرز كَمَا مرّ، وَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن سهل أَن شَهَادَة(1/157)
الاسترعاء إِذا تَأَخَّرت عَن وَقت تحملهَا فَلَا ينقلها إِلَّا من حفظه، وَجَرت عَادَة الْقُضَاة الْيَوْم أَنه يقْرَأ الْوَثِيقَة ثمَّ يطْلب الشَّاهِد بِالْحِفْظِ. (لَا) زمن (التَّحَمُّل) مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ أَي لِأَنَّهُ إِذا تحملهَا كَافِرًا أَو صَبيا أَو عبدا أَو فَاسِقًا ثمَّ أَدَّاهَا عِنْد القَاضِي وَهُوَ بِخِلَاف هَذِه الصِّفَات أَو تحملهَا عدلا ثمَّ أَدَّاهَا فَاسِقًا (صَحَّ اعْتِبَاره) فَاعل بصح، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (لمقتض) يتَعَلَّق بصح (جلي) صفة لَهُ أَي ظَاهر فَيعْمل بِشَهَادَتِهِ فِي الأولى وتلغى فِي الثَّانِيَة وَذَلِكَ لِأَن روح الشَّهَادَة وثمرتها هُوَ أَدَاؤُهَا، وَمَتى لم تُؤَد فَهِيَ كَالْعدمِ، فَلِذَا كَانَت شُرُوط الشَّهَادَة كلهَا مَا عدا الْعقل إِنَّمَا تشْتَرط حَال الْأَدَاء لَا حَال التَّحَمُّل كَمَا مرّ أول الْبَاب. ابْن عَرَفَة: والتحمل تَحْصِيل علم مَا شهد بِهِ بِسَبَب اخْتِيَاري وَهُوَ مَأْمُور بِهِ شرعا لِأَنَّهُ فرض كِفَايَة إِذْ لَو تَركه النَّاس كلهم لضاعت الْحُقُوق، وَأما كَونه كِفَايَة فَلِأَن الْغَرَض يحصل بِالْبَعْضِ فَإِن لم يُوجد من يقوم بِهِ غَيره كَانَ فرض عين وَلَو فَاسِقًا لِأَنَّهُ قد يحسن حَاله عِنْد الْأَدَاء، وَيجوز أَن ينْتَفع على التَّحَمُّل بِأُجْرَة وَنَحْوهَا دون الْأَدَاء لِأَنَّهُ فرض عين (خَ) فَإِن انْتفع فجرح وأشعر قَوْله علم أَنه لَا يجوز مَعَ غَيره من شكّ أَو وهم، وَقد يكون قَطْعِيا، وَقد يكون غَلَبَة ظن كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وغالب الظَّن الخ. فَالْمُرَاد بِالْعلمِ مَا يَشْمَل الظَّن والاعتقاد وَهُوَ الْعَزْم على الشَّيْء والتصميم عَلَيْهِ وَالنِّيَّة الَّتِي هِيَ إِرَادَة الْفِعْل مُتَأَخِّرَة عَنهُ لِأَنَّهُ يعزم على أَن يَنْوِي قَالَه (تت) فِي شرح الرسَالَة وَخرج بقوله بِسَبَب اخْتِيَاري علمه دون اخْتِيَار كمن قرع سَمعه صَوت مُطلق فَإِنَّهُ لَا يُسمى تحملاً، وَإِنَّمَا يكون فرض كِفَايَة إِن كَانَ الْمَشْهُود فِيهِ أمرا جَائِزا أَو مَنْدُوبًا أَو وَاجِبا وإلاَّ فَيكْرَه فِي الْمَكْرُوه وَيحرم فِي الْمحرم، فَإِن فعل زَاد فِي الْوَثِيقَة وَالْأَمر بَينهمَا مَحْمُول على مَا يُصَحِّحهُ الشَّرْع مِنْهُ أَو يُبطلهُ، وَمن الْعلمَاء من أجَازه فِي الْمحرم بِقصد أَن يرد. قلت: وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن عدم تحمله إبِْطَال الْحق الْقَائِم بفسخه انْظُر (ح) وَمَا مر من جَوَاز الْأُجْرَة على التَّحَمُّل. قَالَ ابْن عَرَفَة: بِهِ اسْتمرّ الْعَمَل وَتَكون مَعْلُومَة بِمَا اتفقَا عَلَيْهِ من قَلِيل أَو كثير مَا لم يكن الْمَكْتُوب لَهُ مُضْطَرّا لِلْكَاتِبِ لقصر القَاضِي الْكتب عَلَيْهِ أَو لكَونه لم يجد بذلك الْموضع غَيره، فَيجب على الْكَاتِب أَن لَا يطْلب فَوق حَقه فَإِن فعل فَهُوَ جرحة فَإِن لم يسميا شَيْئا فَهُوَ عِنْدِي كَهِبَة الثَّوَاب فَإِن أعطَاهُ أُجْرَة الْمثل لزمَه وَإِلَّا كَانَ مُخَيّرا فِي قبُول مَا أعطَاهُ وتمسكه بِمَا كتب لَهُ إِلَّا أَن يتَعَلَّق بذلك حق للمكتوب لَهُ فَيكون فوتاً وَيجْبر على أُجْرَة الْمثل، وَظَاهر النّظم أَن الجرحة الْحَادِثَة بعد الْأَدَاء لَا تضر وَهُوَ الْمُوَافق لما مر فِي فصل خطاب الْقُضَاة من أَنه يجب تَارِيخ الْخطاب بِالْأَدَاءِ ليسقط التجريح بِمَا حدث بعده، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا فِي الْبُرْزُليّ والمعيار أَن القَاضِي إِذا كتب أَن الرَّسْم ثَبت عِنْده فَإِنَّهُ حكم نفذ فَلَا تسْقط شَهَادَتهم بحدوث عزلهم بجرحة وَنَحْوهَا، وَهُوَ الْمُوَافق أَيْضا لما مر من أَن القَاضِي إِذا خَاطب بِالْأَدَاءِ أَو بِالْعَدَالَةِ فَإِن من بعده يَبْنِي على فعله وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون الْخطاب بذلك حكما وَلَا يُعَارض. هَذَا قَول (خَ) وَلَا إِن حدث فسق بعد الْأَدَاء الخ. لِإِمْكَان أَن يكون هَذَا فِيمَا لَا خطاب فِيهِ وَلَا حكم بِثُبُوتِهِ، فَتَأمل ذَلِك إِذْ التَّوْفِيق بَين كَلَام الْأَئِمَّة مَطْلُوب مَا أمكن بل ظَاهر النّظم أَيْضا أَن الْعبْرَة بِزَمن الْأَدَاء كَانَ الرَّسْم أصلا أَو استرعاء. وَفِي الشَّارِح أول الْبَاب أَن الأَصْل يعْتَبر فِيهِ تَارِيخ التَّحَمُّل للشَّهَادَة لَا تَارِيخ أَدَائِهَا قَالَ: وَلَا عِبْرَة بتاريخ الْأَدَاء إِلَّا فِي مَسْأَلَة حل الأَصْل بِإِثْبَات الْعَدَاوَة بَين الشُّهُود وَبَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الخ. فيستفاد مِنْهُ أَن الجرحة الْحَادِثَة بعد تَارِيخ التَّحَمُّل إِن كَانَت الشَّهَادَة أَصْلِيَّة(1/158)
لَا تضر، وَبِهَذَا تعلم أَن الْوَاجِب فِي الْعُدُول المنتصبين للشَّهَادَة إِذا قيدوا شَهَادَة أَصْلِيَّة ثمَّ طَرَأَ فسقهم بعد تقييدها وَقبل أَدَائِهَا أَو بعده أَن لَا يسْقط الْحق الْمَشْهُود بِهِ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله. وَحقه إنهاء مَا فِي علمه. الخ وَإِلَّا دخل الضَّرَر على أَرْبَاب الْحُقُوق لكَوْنهم تحَصَّنُوا لحقوقهم عِنْد من أمروا بالتحصين عِنْده من المنتصبين لتحمل الشَّهَادَة وَالله أعلم.
(فصل فِي مسَائِل من الشَّهَادَات:)
ذكر فِيهِ جَوَاز شَهَادَة المختفي وَالشَّهَادَة على الْخط وَالرُّجُوع عَن الشَّهَادَات وَالنَّقْص وَالزِّيَادَة، وَحكم إِعَادَة الشَّهَادَة بعد كتبهَا وأدائها وَمَا يتَعَلَّق بذلك. وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بالإقْرَارِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى المُخْتَارِ (وَيشْهد الشَّاهِد بِالْإِقْرَارِ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال أَي وَيشْهد الشَّاهِد بِالْحَقِّ على الْمقر مُعْتَمدًا على إِقْرَاره الصَّادِر مِنْهُ (من غير إِشْهَاد) وَقَوله: (على الْمُخْتَار) يتَعَلَّق بيشهد وَمَا ذكره هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُفِيد وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا، وَظَاهره كَانَ الْحق مالياً أَو بدنياً كَانَ الشَّاهِد فَقِيها استفتاه الْمقر فِيمَا لَا يَنْوِي فِيهِ أم لَا. كَانَ الشَّاهِد مختفياً بِحَيْثُ لَا يرَاهُ الْمقر أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع لَكِن بِشَرْطِ أنَّ يَسْتَوْعِبَ الكَلاما مِع المُقِرِّ البَدْءَ والتَّمَامَا (بِشَرْط أَن يستوعب) الشَّاهِد (الكلاما) مفعول بِالْفِعْلِ قبله (من الْمقر) يتَعَلَّق بذلك الْفِعْل أَو بِمَحْذُوف صفة للْكَلَام (البدء والتماما) بدلان من الْكَلَام أَي أَوله وَآخره وَالْألف وَاللَّام فِي الْكَلَام والتمام معاقبة للضمير، وَهَذَا الشَّرْط يعْتَمد عَلَيْهِ الشَّاهِد فَقَط. والوثيقة مَقْبُولَة إِن لم ينص عَلَيْهِ فِيهَا وَكَانَ من أهل الْعلم فَإِن لم يكن من أهل الْعلم فَيَنْبَغِي استفساره، وَإِنَّمَا اشْترط(1/159)
هَذَا الشَّرْط لِأَنَّهُ إِذا لم يستوعب الْكَلَام قد يفوتهُ شَيْء لَو سَمعه لم يشْهد عَلَيْهِ، إِذْ قد يَقُول لَهُ سرا، مَا الَّذِي عَلَيْك إِن جِئْت بِكَذَا، فَيَقُول لَك عِنْدِي كَذَا وَيسمع الشَّاهِد الْجَواب فَقَط وَنَحْو ذَلِك، فَلَا يشْهد حَتَّى يُحِيط بسرهم وجهرهم اه. وَبَقِي شَرط آخر وَهُوَ أَن لَا يكون الْمقر مخدوعاً وَلَا خَائفًا قَالَه ابْن الْمَوَّاز، وَإِنَّمَا تَركه النَّاظِم لِأَنَّهُ شَرط فِي كل شَهَادَة لَا فِي خُصُوص الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ، وَمَعَ ذَلِك لَو أنكر الضَّعِيف الْجَاهِل الْإِقْرَار جملَة لَزِمته الشَّهَادَة وَإِنَّمَا يصدق مَعَ يَمِينه إِذا قَالَ: إِنَّمَا أَقرَرت لما ذكر من الْخَوْف وَالْخداع وَنَحْوهمَا. وَمثل الْإِقْرَار الَّذِي هُوَ مَوْضُوع المُصَنّف الْإِنْشَاء كَمَا لَو سمع رجلا يُطلق زَوجته أَو يقذف رجلا، وَظَاهره أَيْضا أَنه يشْهد عَلَيْهِ بِمَا سمع مِنْهُ وَلَو قَالَ لَهُ قبل ذَلِك: لَا تشهد عليَّ بِمَا تَقول وَهُوَ كَذَلِك فَعَن مَالك فِي الرجلَيْن يَقُولَانِ للعدل لَا تشهد علينا بِشَيْء، فَإنَّا تقاررنا بأَشْيَاء من أمرنَا لَا نَدْرِي أيتم ذَلِك بَيْننَا أم لَا. فيتكلمان ثمَّ يعترفان ويسأله أَحدهمَا الشَّهَادَة بِمَا سَمعه مِنْهُمَا قَالَ: لَا أرى أَن يعجل بِالشَّهَادَةِ فَإِن أقرا أَو جحدا شهد بِمَا سَمعه مِنْهُمَا، وَمُقَابل الْمُخْتَار مَرْوِيّ عَن مَالك أَنه لَا يشْهد عَلَيْهِ حَتَّى يشهده، وَمَفْهُوم قَوْله: من غير إِشْهَاد أَنه إِذا أشهده جَازَت الشَّهَادَة عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَيكْتب الموثق حِينَئِذٍ أشهد فلَان بِأَن قبله لفُلَان كَذَا ليتخلص من الْخلاف وَهِي حِينَئِذٍ أَصْلِيَّة وَلَا تضع علامتك فِيهَا إِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مِمَّن يظنّ أَنه لم يحط فِيمَا فِيهَا علما أَو أَن يكون مخدوعاً حَتَّى تقرأها عَلَيْهِ، وَإِن قَالَ لَك قبل ذَلِك مَا فِيهَا هُوَ حق أميّاً كَانَ أَو قَارِئًا قَالَه فِي التَّبْصِرَة، وَأما فِي غير مَوْضُوع المُصَنّف فَهِيَ استرعائية وتصدر وثيقتها بأقر أَو أعترف لدينا أَو بحضرتنا وَنَحْو ذَلِك، وَلَا بُد فِيهَا من معرفَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو لَهُ أَو التَّعْرِيف بهما أَو وصفهما وَالْوَصْف هُوَ الَّذِي عمل بِهِ الْمُوثقُونَ والتعريف ضَعِيف كَمَا فِي المعيار والبرزلي، ثمَّ إِذا وَصفه لَا يحكم عَلَيْهِ حَيا كَانَ أَو مَيتا حَتَّى يثبت أَن تِلْكَ الصِّفَات من صِفَاته، وَلَا بُد فِي الاسترعائية من قَوْله: لدينا أَو بحضرتنا كَمَا مرّ، وَإِن كَانَ الدّين من بيع قَالُوا: بَاعَ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا بحضرتنا أَو بِإِقْرَارِهِ عندنَا بِالْبيعِ وَقبض الْمَبِيع، فَإِن سقط من الْوَثِيقَة لفظ لدينا أَو بحضرتنا أَو قبض الْمَبِيع فِي البيع لم تعْمل الشَّهَادَة حَتَّى يبينوا ذَلِك فَإِن تعذر استفسارهم بِأَن غَابُوا أَو مَاتُوا سَقَطت كَمَا تسْقط إِذا لم يتَعَرَّضُوا لمعْرِفَة وَلَا تَعْرِيف وَلَا صفة وَتعذر أداؤهم على عينه وَلم يَكُونُوا من أهل الضَّبْط(1/160)
والتحفظ وإلاَّ قبلت، فَإِن سُئِلَ الشَّاهِد عَمَّن عرفه بالمشهود عَلَيْهِ فَلَا يُعينهُ، وسؤاله عَنهُ جهل من الْقُضَاة فَإِن عين شخصه بطلت لِأَنَّهَا صَارَت كالنقل وان عين جنسه فَفِي أجوبة ابْن رشد أَن الشَّاهِد إِذا قطع بِمَعْرِِفَة الْمَشْهُود عَلَيْهَا ثمَّ بعد ذَلِك قَالَ: إِنَّه لم يعرفهَا وَإِنَّمَا عينهَا لَهُ حِين الْإِشْهَاد عَلَيْهَا امْرَأَة وثق بهَا أَن الشَّهَادَة عاملة إِذا كَانَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ سُؤال الْمَرْأَة الْمعرفَة لِأَن ذَلِك من بَاب الْخَبَر اه. فيفهم مِنْهُ أَن تعْيين الْجِنْس غير مُضر فَانْظُرْهُ. وَما بِهِ قَدْ وَقَعَتْ شَهادَهْ وَطُلِبَ العَودُ فَلا إعادَهْ (وَمَا) مُبْتَدأ مَوْصُول وَاقعَة على الْحق وَجُمْلَة (بِهِ قد وَقعت شَهَادَة) صلتها وَالْمَجْرُور بِالْبَاء يتَعَلَّق بوقعت أَو شَهَادَة هُوَ الرابط (وَطلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْعود) نَائِبه وأل فِيهِ عوض عَن الضَّمِير وَهُوَ اسْم مصدر بِمَعْنى إِعَادَة، وَالْجُمْلَة معطوفة على الصّفة (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (إِعَادَة) اسْمهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: وَالْحق الَّذِي وَقعت شَهَادَة بِهِ سَوَاء كتبت وَأديت أَو كتبت فَقَط أَو أدّيت فَقَط وَطلب من الشَّاهِد إِعَادَة الشَّهَادَة بِهِ معتذراً بضياع الرَّسْم وَشبه ذَلِك فَلَا إِعَادَة جَائِزَة، وَظَاهره سَوَاء طلب إِعَادَة الْكِتَابَة وَالْأَدَاء مَعًا أَو إِعَادَة الْأَدَاء فَقَط برسمه أَو بِدُونِهِ عِنْد القَاضِي الأول أَو عِنْد غَيره وَهُوَ كَذَلِك لِئَلَّا يتَكَرَّر الْحق على الْمَطْلُوب، وَهَذَا فِيمَا يُمكن فِيهِ التّكْرَار كَالدّين وَالْوَصِيَّة وَالْكِتَابَة والجراح ونظمها بَعضهم فَقَالَ: دين وَصِيَّة كِتَابَة دَمًا لَا نسخ فِي رسومها قد علما على أَنه لَا مَفْهُوم لهَذِهِ الْأَرْبَع، بل كَذَلِك الْوَدِيعَة والقراض المقبوضان بإشهاد، وَكَذَا البضاعة والقطاعة المقبوضان بِهِ أَيْضا فضابط الْمَنْع كل مَا يخْشَى فِيهِ التّكْرَار، وَأما مَا لَا يخْشَى فِيهِ ذَلِك كرسوم الملكيات الْمُشْتَملَة على التَّصَرُّف وَعدم النزاع ورسوم البيع لِلْأُصُولِ وَنَحْوهَا بِالْعقدِ وَنَحْو ذَلِك فَتجوز إِعَادَة كتبه وأدائه لَكِن فِي الْأَدَاء بِرِضا الشَّاهِد إِذْ لَا يلْزمه الْأَدَاء مرَّتَيْنِ لقَوْله(1/161)
تَعَالَى: وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} (الْبَقَرَة: 282) إِلَّا أَن يكون فِي الرَّسْم إِجْمَال أَو إِبْهَام فَيلْزمهُ تَفْسِيره كَمَا فِي المعيار وكما لَا تُعَاد الشَّهَادَة فِيمَا يخْشَى فِيهِ التّكْرَار كَذَلِك لَا تُعْطى النُّسْخَة من رسمه مسجلة على القَاضِي، كَمَا أَشَارَ لَهُ ناظم الْعَمَل: وَالْحكم بالنسخة مَشْرُوط بِأَن تقوى الْعَدَالَة وَحَال من فطن لَكِن رسم الدّين وَالْوَصِيَّة مُحْتَمل التّكْرَار والتدمية وَظَاهر النّظم أَنه إِن أَعَادَهَا لَا يقْضِي بهَا سَوَاء أَعَادَهَا جهلا أم لَا كَانَ الْمَشْهُود لَهُ مَأْمُونا أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي أَنه يقْضِي بهَا إِن أَعَادَهَا جهلا، ولمطرف فِي أَنَّهَا تُعَاد لِلْمَأْمُونِ فَقَط، وَقد سُئِلت عَمَّن ادّعى على شخص بدين من سلف فَقَالَ الْمَطْلُوب: لَا حق لَهُ قبلي فاستظهر برسم تضمن أَنه أسلفه مائَة وحازها بالمعاينة، وَأَنه كتب لَهُ بذلك رسماً، وَزعم الْآن ضيَاعه فأعيدت لَهُ الشَّهَادَة بذلك، فأجبت بِأَن الطَّالِب لَا ينْتَفع بِمَا استظهر بِهِ مَعَ فقد أَصله لِإِمْكَان كَون الْمَطْلُوب مزق الرَّسْم عِنْد أَدَاء مَا فِيهِ وَسَوَاء ادّعى الْقَضَاء أَو أنكر الدّين رَأْسا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْكَافِي وَغَيره، وَقد قَالَ العقباني وَغَيره: لَا يعْمل على النُّسْخَة إِن كَانَ الأَصْل مِمَّا لَا يَصح نسخه كَالدّين وَالْوَصِيَّة وَنَحْوهمَا لِئَلَّا يتَكَرَّر التقاضي وإعادة الشَّاهِد شَهَادَته نسخ لَهَا فِي الْحَقِيقَة، وَقَول ابْن الْمَاجشون: إِن جهلوا وأعادوا قضى بهَا مُقَابل للمشهور بِدَلِيل مَا مرّ عَن العقباني، وَيدل أَيْضا على كَونه مُقَابلا قَول الْمَشْهُور يقْضِي بِأخذ الْمَدِين الْوَثِيقَة أَو تقطيعها كَمَا فِي (خَ) إِذْ لَو كَانَ رب الدّين ينْتَفع بِالْإِعَادَةِ لم يكن لأخذ الْمَدِين الْوَثِيقَة أَو تقطيعها فَائِدَة وَمَا لَا فَائِدَة فِيهِ يمْتَنع الْقَضَاء بِهِ، وَفِي حَدِيث ابْن عمر: أرى أَن تشق الصَّحِيفَة فَجعل شقها إبطالاً للحق كَمَا فِي مسَائِل ابْن الْحَاج وَلَو عمل بِمَا لِابْنِ الْمَاجشون لم تحصل لغريم أبدا بَرَاءَة إِذْ عوائد النَّاس تمزيق الرسوم عِنْد أَدَاء الدُّيُون كَمَا هُوَ مشَاهد قَدِيما وحديثاً وَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهم عَن ذَلِك إِلَى كتب الْبَرَاءَة حَاكم وَلَا غَيره، وَمَا قيل من أَن الْعَمَل على كتب الْبَرَاءَة دون التقطيع إِنَّمَا هُوَ عِنْد التَّنَازُع فِيمَا يظْهر. أَعنِي: إِذا طلب أَحدهمَا التقطيع وَطلب الآخر الْكتب لَا فِيمَا بعد الْوُقُوع مَعَ كَون الْعَادة جَارِيَة بالتقطيع وَالله أعلم. ووافقني على ذَلِك مفتي فاس فِي حِينه شَيْخي سَيِّدي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وشاهِدٌ بُرِّزَ خَطَّهُ عَرَفْ نَسِيَ مَا ضَمَّنَهُ فِيمَا سَلَفْ (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ الْوَصْف بقوله: (برز) وَبِقَوْلِهِ: (خطه عرف) وَبِقَوْلِهِ: (نسي مَا ضمنه) وفاعل الْأَفْعَال الثَّلَاثَة ضمير مستتر يعود على الشَّاهِد، وَمَا وَاقعَة على الْقِصَّة، وَيجوز أَن تكون الجملتان الأخيرتان معطوفتين على جملَة برز بِحَذْف العاطف، وَلَكِن الْمَعْطُوف على(1/162)
الْوَصْف وصف فَهُوَ رَاجع للمعنى الأول (فِيمَا سلف) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ وَمَا الثَّانِيَة وَاقعَة على الزَّمَان، يَعْنِي أَن الشَّاهِد إِذا عرف خطه فِي الْوَثِيقَة، والشكل الَّذِي يكنى بِهِ الشَّاهِد عِنْد تَسْمِيَة نَفسه أَو فِي الشكل فَقَط وَنسي الْقَضِيَّة الَّتِي تضمنتها الْوَثِيقَة فِي الزَّمَان السالف. لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ بِذَلِكْ إلاَّ مَعَ اسْتِرَابَةٍ هُنَالِكَ (لَا بُد من أَدَائِهِ) عِنْد القَاضِي (بذلك) الْمَعْنى الَّذِي تضمنته الْوَثِيقَة مُعْتَمدًا على خطه أَو شكله جَازِمًا بذلك غير ذَاكر للْقَاضِي أَنه نسي الْقِصَّة. وَالْجُمْلَة من لَا وخبرها خبر الْمُبْتَدَأ، وَمعنى لَا بُد لَا محَالة وَلَا فرار أَي لَا تخلص مَوْجُود من أَدَائِهِ، وَإِذا أدّى فَإِنَّهُ يقْضى بهَا كَمَا هُوَ ظَاهره إِذْ لَا فَائِدَة للْأَدَاء إِلَّا ذَاك، وَظَاهره أَيْضا أَنه يقْضِي بهَا، وَلَو ذكر للْقَاضِي أَنه نَسِيَهَا وَهُوَ كَذَلِك على مَا يظْهر من التَّعْلِيل بِكَثْرَة النسْيَان الْيَوْم وَهُوَ الظَّاهِر من نظم الْعَمَل الْآتِي، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن مَالك فِي الْمُوَطَّأ، فَيَنْبَغِي أَن يعْتَمد وَإِن كَانَ فِي الشَّامِل صحّح أَنه إِذا ذكر لَهُ أَنه نَسِيَهَا لزمَه ردهَا وَعدم الْقَضَاء بهَا، وَعَزاهُ فِي ضيح لمطرف وَابْن الْمَاجشون وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون (إِلَّا) إِن أدّى (مَعَ) وجود (استرابة) من محو أَو بشر لم يعْتَذر عَنهُ (هُنَالك) أَي فِي الرَّسْم ظرف مَكَان يتَعَلَّق باسترابة وَالسِّين وَالتَّاء زائدتان فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بهَا حِينَئِذٍ لوُجُود الرِّيبَة زِيَادَة على النسْيَان، وَيفهم من عدم الْقَضَاء بهَا مَعَ الرِّيبَة عدم وجوب أَدَائِهَا إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ، فالاستثناء من مُقَدّر كَمَا ترى، وَمَا ذكره المُصَنّف هُوَ قَول مَالك المرجوع عَنهُ، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون ومطرف والمغيرة وَابْن وهب وَابْن عبد الحكم وَابْن دِينَار وَابْن أبي حَازِم، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيّ وَغَيره قائلين: لَو وكل النَّاس الْيَوْم إِلَى الْحِفْظ لما أدّى وَاحِد شَهَادَته ولضاعت الْحُقُوق اه وَلِأَنَّهُ لَو لم يشْهد حَتَّى يذكرهَا لما كَانَ لوضع شكله فَائِدَة وَعَلِيهِ الْعَمَل الْآن قَالَ ناظمه: وَالشَّاهِد الْعَارِف خطه وَلم يذكر شَهَادَته أدّى للْحكم إِن لم يكن محو بِهِ أَو رِيبَة وَتَنْفَع الشَّهَادَة الْمَطْلُوبَة وَمُقَابِله المرجوع إِلَيْهِ هُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة أَنه لَا يشْهد حَتَّى يستيقن الشَّهَادَة ويذكرها، وَعَلِيهِ اقْتصر (خَ) فَقَالَ: لَا على خطّ نَفسه حَتَّى يذكرهَا وَأدّى بِلَا نفع أَي ذَاكِرًا لَهُ أَنه نَسِيَهَا، وَقيل: إِن كَانَت الْوَثِيقَة مَكْتُوبَة بِخَطِّهِ فليشهد، وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا مُجَرّد الشكل فَلَا، وَظَاهر المُصَنّف أَنه(1/163)
يُؤَدِّي سَوَاء كَانَ كل من الْوَثِيقَة والشكل بِخَط يَده، أَو لم يكن بِخَط يَده إِلَّا الشكل وَحده وَهُوَ كَذَلِك كَمَا قَررنَا، لَكِن لَا يجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ إِلَّا إِذا تحقق من نَفسه أَنه لم يكْتب خطّ مُسَامَحَة، وَأما لَو كَانَ يكْتب فِي بعض الأحيان مُسَامَحَة، ثمَّ رَاجع نَفسه وَتَابَ فَلَا يُؤَدِّي مَا يجده بِخَطِّهِ حَتَّى يتَحَقَّق أَنه بعد تَارِيخ تَوْبَته قَالَه عِيَاض، وَظَاهر النّظم أَيْضا أَنه لَا يُؤَدِّي مَعَ وجود الرِّيبَة من محو وَنَحْوه وَلَو كَانَ الْبَاقِي يسْتَقلّ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل يُؤَدِّي بذلك المستقل وَيحكم بِهِ القَاضِي كَمَا مر فِي قَوْله: وَيثبت القَاضِي على المحو وَمَا أشبهه الخ. وَأفهم قَوْله برز أَن غير المبرز لَا يُؤَدِّيهَا وَإِن أَدَّاهَا لَا يعْمل الْحَاكِم عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِك إِذا أقرّ أَنه كَانَ نَسِيَهَا لِأَنَّهُ إِذا اشْترط التبريز مَعَ التَّذَكُّر كَمَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله: وذاكر بعد شكّ فأحرى أَن يشْتَرط مَعَ عَدمه، وَلَا يُقَال مَا ذكره (خَ) إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا لم تكن الشَّهَادَة مَكْتُوبَة وَمَا هُنَا فِي الْمَكْتُوبَة، لأَنا نقُول: لَا فرق بَين الْكِتَابَة وَعدمهَا عِنْده فِي الذاكر بعد الشَّك كَمَا هُوَ ظَاهره كَمَا أَنَّهُمَا عِنْده سَوَاء فِيمَا إِذا لم يتذكرها، وَأَنَّهَا لَا تقبل كتب أم لَا. لقَوْله: وَأدّى بِلَا نفع فالكتابة لَا أثر لَهَا فِي مثل هَذَا إِذْ الْخط يُمكن الضَّرْب عَلَيْهِ، بل هُوَ كثير وَلَا تحصل الثِّقَة بِعَدَمِ الضَّرْب إِلَّا من المبرز لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يتحراه ويتفطن للضرب وَعَدَمه، وَلذَا لَا يرفع على الخطوط إِلَّا المبرز الفطن كَمَا يَأْتِي وَالله أعلم. والْحُكْمُ فِي القاضِي كمْثلِ الشَّاهِدِ وَقِيلَ بالفرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ (وَالْحكم) مُبْتَدأ (فِي القَاضِي) يتَعَلَّق بِهِ (كَمثل الشَّاهِد) خبر، وَالْمعْنَى أَن القَاضِي إِذا وجد فِي ديوانه حكما بِخَطِّهِ وَهُوَ لَا يذكر الْقَضِيَّة فَإِنَّهُ ينفذهُ ويمضيه حَيْثُ لم تكن رِيبَة كَمَا أَن الشَّاهِد كَذَلِك (وَقيل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (بِالْفرقِ) نَائِب عَن فَاعله (لِمَعْنى) يتَعَلَّق بقيل (زَائِد) صفة لِمَعْنى ومعموله مَحْذُوف أَي زَائِد فِيهِ أَي فِي القَاضِي، وَهُوَ أَنه كَانَ قَادِرًا على أَن يشْهد على حكمه عَدْلَيْنِ بِخِلَاف الشَّاهِد، فقد فعل مقدوره فَهُوَ مَعْذُور، وَأَيْضًا فَإِن القَاضِي هُوَ المنفذ لما تضمنه(1/164)
خطه وَلَا يرفع الْأَمر إِلَى غَيره بِخِلَاف الشَّاهِد فَإِنَّهُ يرفع للْقَاضِي شَهَادَته وَينْهى إِلَيْهِ مَا عِنْده مِنْهَا وَمَعَ ذَلِك لَا يثبت الْحق بِشَهَادَتِهِ وَحده، بل لَا بُد من يَمِين أَو شَاهد ثَان قَالَه ابْن مَنْظُور. تَنْبِيه: اعْترض الشَّارِح وَغَيره كَلَام النَّاظِم بِأَن الْخلاف الْمُسْتَفَاد من كَلَام ابْن المناصف على الْوَجْه الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ فِي قبُول كتب القَاضِي إِلَى قَاض بِمُجَرَّد معرفَة خطه، هَذَا هُوَ الَّذِي حكى فِيهِ الْخلاف بَين أهل عصره وَأهل الْمَذْهَب كَمَا تقدم فِي خطاب الْقُضَاة، وَأما مَسْأَلَة القَاضِي يجد فِي ديوانه حكما بِخَطِّهِ فَلَيْسَ عِنْده إِلَّا عدم جَوَاز التَّنْفِيذ قولا وَاحِدًا قَالَ: وَلَا يتَخَرَّج فِيهِ القَوْل بالتنفيذ من الْخلاف فِي الشَّاهِد يتَيَقَّن خطه، وَلَا يذكر الْوَاقِعَة لعذر الشَّاهِد فِي الْجُمْلَة إِذْ ذَاك مقدوره، وَالْقَاضِي كَانَ قَادِرًا على الْإِشْهَاد على حكمه اه بِاخْتِصَار. فمسألة القَاضِي يجد حكما فِي ديوانه بِخَطِّهِ دون أَن يذكرهُ لَيْسَ فِيهَا قَول بالتنفيذ دون إِشْهَاد لَا نصا وَلَا تخريجاً، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي قبُول كتاب القَاضِي بِمُجَرَّد معرفَة خطه كَمَا مرّ وَقد أصلحه (ت) بقوله: وَالْحكم فِي القَاضِي بعكس الشَّاهِد فَلَا ينفذ لِمَعْنى زَائِد وخَطُّ عَدْلٍ مَاتَ أَوْ غابَ اكْتُفي فِيهِ بِعَدْلَيْنِ وَفِي المالِ اقْتُفِي (وَخط عدل) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (مَاتَ) فِي مَوضِع الصّفة لعدل (أَو غَابَ) مَعْطُوف على مَاتَ، وَمرَاده غَابَ ببعد كَمَا صرح بِهِ بعد فِي قَوْله وَفِي مَسَافَة الْقصر الخ. (اكْتفي) مَبْنِيّ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ وَهُوَ على حذف مُضَاف (بعدلين) نَائِب فَاعل اكْتفى أَي: اكْتفى القَاضِي فِي ثُبُوته بعدلين يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا نظرا إِلَى الْوَثِيقَة أَعْلَاهُ مثلا وحروفها أَو شكلها المختومة بِهِ فتحققا أَنَّهَا بِخَط فلَان لَا يشكان فِي ذَلِك، وَأَنه مَاتَ أَو غَابَ بِبَلَد كَذَا أَو جهل مَحَله وَبِه قيدا شَهَادَتهمَا الخ. وَهَذِه الشَّهَادَة على الْكَيْفِيَّة هِيَ ظَاهر النّظم وَهِي معنى قَول (خَ) إِن عرفه كالمعين وَهِي كَافِيَة حَيْثُ كَانَ ذُو الْخط مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ عِنْد القَاضِي أَو غير مَعْرُوف، وعدله عِنْده غير(1/165)
الشَّاهِد بِخَطِّهِ فَإِن لم يعدله أحد ألغيت شَهَادَته. وَالْحَاصِل أَن من لم يعرف عَدَالَة ذِي الْخط لَا يشْهد إِلَّا بِمَعْرِِفَة خطه خَاصَّة، ثمَّ إِن احْتَاجَ القَاضِي فِيهِ إِلَى تَعْدِيل عدل وإلاَّ فَلَا، وَلَيْسَ من تَمام التَّعْرِيف التَّعَرُّض للتعديل كَمَا هُوَ ظَاهر ابْن سَلمُون وَالْفَائِق وَغَيرهمَا لِأَن التَّعْدِيل مِمَّا يسْتَند فِيهِ القَاضِي إِلَى علمه فَإِن أَرَادَ الشَّاهِد بالخط تَعْدِيل صَاحبه لمعرفته بِحَالهِ زَاد بعد قَوْله: لَا يشك فِي ذَلِك مَا نَصه: وَإنَّهُ كَانَ حِين إِيقَاعه لَهَا ووضعها فِيهِ من أهل الْعَدَالَة وَقبُول الشَّهَادَة، وَاسْتمرّ على ذَلِك فِي علمه إِلَى أَن مَاتَ أَو إِلَى أَن غَابَ، وَكَذَا إِن عدله غير الشَّاهِد بِخَطِّهِ. وَهَذَا معنى قَول (خَ) وتحملها عدلا أَي ووضعها فِي حَال الْعَدَالَة، وَإِنَّمَا اشْترط هَذَا لِئَلَّا يكون وَضعهَا وَهُوَ فَاسق وَلَو كَانَ حَيا لم يؤدها، وَإِنَّمَا اشْترط الِاسْتِمْرَار على الْعَدَالَة لِئَلَّا يكون قد طرأت جرحته، فَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة قَالَ مَالك: لَا تجوز الشَّهَادَة على خطّ الشَّاهِد وَمَعْرِفَة عَدَالَته حَتَّى يَقُول الشَّاهِد بِخَطِّهِ: إِنَّه كَانَ فِي تَارِيخ الشَّهَادَة عدلا وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفّي احْتِيَاطًا من أَن تكون شَهَادَته سَقَطت لوجه مَا وَنَقله (ح) وَغَيره اه. وَقَوله: وَلم يزل على ذَلِك الخ. ظَاهر كَلَام غير وَاحِد كصاحب الشَّامِل وشراح الْمُخْتَصر والمتيطي فِي بَاب الْحَبْس وَابْن سَلمُون وَابْن عَرَفَة أَنه شَرط صِحَة. وَقَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: لَعَلَّه شَرط كَمَال فَقَط لِأَن الْعَدَالَة إِذا ثبتَتْ فَالْأَصْل بَقَاؤُهَا، وَيدل لذَلِك قَوْله احْتِيَاطًا لِأَن الِاحْتِيَاط يدل على عدم الْوُجُوب اه. وَفِيه نظر، فَإِن الرّفْع بِمَنْزِلَة أَدَاء الشَّاهِد الْمَرْفُوع على خطه، وَهُوَ إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ فسق قبل الْأَدَاء كَانَ جرحة فِيهِ فَلَا بُد حِينَئِذٍ من قَوْلهم وَاسْتمرّ على ذَلِك فِي علمهمْ حَتَّى مَاتَ الخ. وَلِأَن الشَّاهِد لَا يعْمل بِشَهَادَتِهِ حَتَّى يذكر اقتفاء علمه بالمبطل لَهَا كَمَا مرّ فِي خطاب الْقُضَاة. وَظَاهر قَوْله: وَلم يزل على ذَلِك الخ. أَنه يَسُوقهَا مساق الْقطع، وَلَيْسَ ذَلِك بل على الْعلم فَقَط كَمَا مرّ، وَهل لَا بُد أَن يشْهد الشَّاهِد بالخط أَو غَيره أَن الْمَشْهُود على خطه كَانَ يعرف من أشهده معرفَة عين لِئَلَّا يكون قد شهد على من لَا يعرف، وَلَا سِيمَا وَقد غلب تساهل النَّاس فِي وضع شَهَادَتهم على من لَا يعْرفُونَ. وَهَذَا قَول ابْن زرب وَصحح ودرج عَلَيْهِ (خَ) فِي قَوْله: وَإنَّهُ كَانَ يعرف مشهده أَو لَا يشْتَرط ذَلِك وَهُوَ ظَاهر النّظم وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين. ابْن رشد: وَهُوَ الصَّوَاب وَبِه الْعَمَل لِأَن ذَا الْخط يحمل على أَنه لم يَضَعهَا إِلَّا عَن معرفَة وَإِلَّا كَانَ شَاهدا بزور وَالْغَرَض أَنه عدل، وَهَذَا إِذا كَانَت الْوَثِيقَة الْمَشْهُود على خطها خَالِيَة من الْمعرفَة والتعريف وَالْوَصْف، وإلاَّ فَلَا يشْتَرط ذَلِك اتِّفَاقًا، وَظَاهر النّظم أَنه لَا يشْتَرط إِدْرَاك صَاحب الْخط وَهُوَ كَذَلِك على مَا بِهِ الْعَمَل، وَنَقله فِي المعيار عَن اللَّخْمِيّ وَغَيره قَالُوا: وَلَو تكَرر عَلَيْهِ خطه وَعلمه بالتواتر حَتَّى لَا يشك فِيهِ صَحَّ أَن يشْهد أَنه خطه لِأَنَّهُ إِذا تكَرر وَطَالَ حصل الْعلم بِهِ كَمَا نقطع بخطوط قوم مَاتُوا، وَمَا أدركناهم الخ. وَفِي نَوَازِل الْبيُوع مَا نَصه: إِذا كَانَ الشَّاهِد مَعْرُوفا بِالشَّهَادَةِ فِي ذَلِك الْبَلَد وتكررت مِنْهُ فِي الوثائق جَازَ لمن عِنْده الْعلم بهَا أَن يُحْيِيهَا، وَإِن لم يعاصره اه. وَعَلِيهِ عول ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ:(1/166)
وَرفع عَدْلَيْنِ على خطوط من عاصر أَو سواهُ من أهل الزَّمن وَقيل: لَا يرفع على خطه إِلَّا من رَآهُ يكْتب علامته على الرسوم فِي تِلْكَ الْوَثِيقَة أَو غَيرهَا. وَقَول النَّاظِم: خطّ أَي سَالم من الرِّيبَة كمحو وكشط وَنَحْوهمَا بِدَلِيل قَوْله: إِلَّا مَعَ استرابة الخ. لِأَنَّهُ إِذا اشْترط فِي خطّ نَفسه فأحرى فِي غَيره، وَقَوله: عدل أَي منتصب للشَّهَادَة لِأَن الْغَالِب إِطْلَاقه عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا يرفع على خطه، وَلَو كَانَ مَشْهُورا بِالْعَدَالَةِ لِأَن الْعَادة أَن النَّاس إِنَّمَا يتوثقون فِي الرسوم من المبرزين المنتصبين لَا من غَيرهم. قَالَه العبدوسي وَعَلِيهِ عول ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وارفع على الْعُدُول خطّ الْعَادة إِذْ غَيرهم لَا يكْتب الشَّهَادَة وَأما غير الْعُدُول وَهُوَ الْفَاسِق فَلَا معنى للرفع عَلَيْهِ. وَقَوله: عَدْلَيْنِ أَي: فطنين عارفين بالخطوط ممارسين لَهَا فَحذف الصّفة فِي هَذَا وَفِي الَّذين قبله فَلَا يقبل الرّفْع من مُطلق الْعُدُول، وَظَاهر قَوْله: اكْتفى فِيهِ بعدلين أَن القَاضِي لَا يَكْتَفِي بمعرفته، بل لَا بُد من الرّفْع، وَإِلَّا كَانَ قَاضِيا بِعِلْمِهِ وَهُوَ كَذَلِك على مَا مرَّ فِي خطاب الْقُضَاة وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مرّ فِي أول التَّقْرِير من أَن القَاضِي إِذا عرف عَدَالَة الْغَائِب أَو الْمَيِّت فَيعْمل عَلَيْهَا لِأَن ذَلِك بعد التَّعْرِيف لَهُ بالخط وَظَاهر النّظم أَنه لَا يَمِين على الْمَشْهُود لَهُ لضعف الشَّهَادَة وَهُوَ كَذَلِك، لَكِن لَا يقْضِي لَهُ إِلَّا بعد الِاسْتِثْنَاء والتثبت كَمَا فِي التَّبْصِرَة لضعف الشَّهَادَة، وَأما يَمِينا الْقَضَاء والاستحقاق فَلَا بُد مِنْهُمَا. وَمَفْهُوم قَوْله عَدْلَيْنِ أَن الرّفْع بِالْوَاحِدِ لَا يَكْفِي وَهُوَ الْمَنْصُوص، وَجرى الْعَمَل بالاكتفاء بِالْوَاحِدِ وَلَو تعدد الْخط دون يَمِين قَالَه فِي الْفَائِق، وَبِه أفتى المجاصي وَغَيره قيل وَهُوَ مِمَّا لَا يساعده نَص وَلَا تجريح. وَعَن الشَّيْخ برذلة أَن الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ من بَاب الْخَبَر قَالَ: هَكَذَا تلقيت ذَلِك من شَيخنَا ابْن سَوْدَة وَغَيره وَنَحْوه. نَقله بعض عَن فَتْوَى الشَّيْخ (م) قَائِلا أَنه بِمَنْزِلَة الْمُقَوّم وَالقَاسِم والمخبر بِالْعَيْبِ فَكَمَا يرجع لأهل الصَّنَائِع فِي صنعتهم كَذَلِك يرجع لأهل الْخط فِي الْإِخْبَار بِأَن هَذَا خطّ فلَان اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله وَوَاحِد لجزئي فِي بَاب الْخَبَر وَمَا فِي (ت) من أَن الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ هُوَ قَول أَشهب كَمَا فِي التَّبْصِرَة تَحْرِيف وَقع فِي نسخته، وَالَّذِي فِي النّسخ المخلطة بِاللَّامِ وَالله أعلم. وَفهم من قَوْله: مَاتَ أَو غَابَ الخ. أَن الْحَاضِر لَا يرفع على خطه وَكَذَلِكَ الْغَائِب غيبَة قريبَة على أقل من مَسَافَة الْقصر، لِأَن امْتنَاع الشَّاهِد من أَدَاء شَهَادَته مَعَ حُضُوره أَو قرب مَوْضِعه رِيبَة فِيهَا قَالَه فِي ضيح. تَنْبِيهَات الأول: مَا تقدم عَن (خَ) والمتيطي وَغَيرهمَا من أَنه لَا بُد أَن يَقُول الشَّاهِد أَنه وَضعهَا فِي حَال الْعَدَالَة وَلم يزل على ذَلِك إِلَى مَوته الخ. هُوَ الْمَنْقُول الْمَنْصُوص لغير وَاحِد كَالْإِمَامِ وَغَيره كَمَا رَأَيْته، وَذكر ناظم الْعَمَل أَن الْعَمَل جرى بِعَدَمِ اشْتِرَاطه فَقَالَ: وشاع فِي الرّفْع الشَّهَادَة على موت برسم مَا عَلَيْهِ عولا إِلَى قَوْله: فإننا نَعْرِف خطهم وَلَا نَعْرِف من أَحْوَالهم مَا جهلا وَنقل كَلَام ابْن سَوْدَة فَقَالَ: علم حَال الشَّاهِد وَقت شَهَادَته من عَدَالَة وجرحة والاستمرار على ذَلِك من المتعذر، فَإنَّا نشْهد على خطّ من قبلنَا وَلَا نَدْرِي هَل كَانَ عدلا حِين الشَّهَادَة، وَهل(1/167)
اسْتمرّ على ذَلِك أم لَا اه؟ قَالَ ابْن رحال فِي شرح الْمُخْتَصر: وَفِي هَذَا الْعَمَل نظر، ثمَّ قَالَ وَقَوله: لم يزل على ذَلِك الخ. لَعَلَّه شَرط كَمَال إِلَى آخر مَا مرّ. وَقَوله: فِيهِ نظر أَي لكَونه مُخَالفا للمنصوص وَالْعَمَل لَا بُد لَهُ من مُوَافقَة قَول. الثَّانِي: لَا بُد للرافع على الْخط من تَسْمِيَة نَفسه وَوضع علامته ليتَمَكَّن الْخصم من الْإِعْذَار فِيهِ كَمَا تقدم. الثَّالِث: لَا يجوز الرّفْع إِلَّا على الخطوط الْمَعْرُوفَة الَّتِي لَا يقدر على الضَّرْب عَلَيْهَا قَالَه فِي المعيار وَنَحْوه لِابْنِ عرضون قَائِلا: إِذا كَانَت الْعَلامَة يُمكن الضَّرْب عَلَيْهَا من الْفجار لعدم قُوَّة تشكيلها، فَلَا يجوز لحَاكم أَن يقبل الرّفْع عَلَيْهَا لِأَن الشَّك يتَطَرَّق إِلَيْهَا وَحَيْثُ يتَطَرَّق سقط الحكم اه بِالْمَعْنَى. الرَّابِع: لَا بُد أَن يكون الْخط الْمَرْفُوع عَلَيْهِ حَاضرا لِأَن الْخط عين قَائِمَة فَلَا بُد من الشَّهَادَة على عينه عِنْد القَاضِي قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَغَيره. وَعَلِيهِ نبهنا بقولنَا فِي الْوَثِيقَة نظرا إِلَى الْوَثِيقَة أَعْلَاهُ الخ لِأَنَّهَا إِذا لم تكن حَاضِرَة كَانَت هِيَ الْمَسْأَلَة الْمعبر عَنْهَا بمعاينة الرسوم وَهِي لَا تفِيد خلافًا لأبي الْحسن فِي قَوْله: لَا يشْتَرط الْحُضُور. الْخَامِس: إِذا تَعَارَضَت الشهادتان فِي أَنه خطه وَغير خطه فالمثبتة أولى من النافية قَالَه ابْن زيتون. السَّادِس: إِذا لم يضع ذَا والخط علامته فَلَا يرفع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبمَا كتب وَلم يتم الْأَمر قَالَه الْبُرْزُليّ عَن الطرر. قلت: وتأمله مَعَ مَا يَقع كثيرا من عدُول فاس يقيدون الْحُقُوق حَتَّى يتفرغون لكتابتها، ثمَّ يطْرَأ موت قبل الْكِتَابَة. وَلما كَانَت الخطوط تتشابه قَالَ بَعضهم: لَا تجوز على الْخط فِي شَيْء من الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ قد يحصل غلط لِلْعَقْلِ بذلك، وَعَزاهُ الْبَاجِيّ للمشهور، وَقيل: إِن الْغَلَط نَادِر، وَعَلِيهِ فَهَل تجوز فِيمَا يجوز فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين فَقَط أَو فِيهِ وَفِي الأحباس الْقَدِيمَة وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بقوله: (وَفِي المَال) يتَعَلَّق بقوله: (اقتفي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الِاكْتِفَاء الْمَفْهُوم من اكْتفي، وَالْجُمْلَة مستأنفة أَي وأتبع الِاكْتِفَاء بعدلين فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ فَقَط. والْحَبْسُ إنْ يَقْدُمْ وقِيلَ يُعْتَمَلْ فِي كلِّ شَيْءٍ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلْ (و) قيل: يَكْتَفِي بهما فِي ذَلِك وَفِي (الْحَبْس أَن يقدم) شَرط حذف جَوَابه للدلالة عَلَيْهِ، وَالْوَاو هُنَا بِمَعْنى أَو لتنويع الْخلاف كَمَا قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ، وبجوازها فِي الْأَمْوَال والأحباس جرى الْعَمَل قَالَ: وَيلْزم من أجازها فِي الأحباس أَن يجيزها فِي غَيرهَا لِأَن الْحُقُوق عِنْد الله سَوَاء وكما قَالَ ابْن حَارِث: الْعَمَل بجوازها وَلَا أرى أحدا فرق بَين الأحباس وَغَيرهَا وَنَحْوه فِي أَحْكَام ابْن سهل عَن مولى ابْن الطلاع وَهُوَ معنى قَوْله: (وَقيل يعتمل) مَبْنِيّ للْمَفْعُول ونائب(1/168)
الثَّانِي يعود على الِاكْتِفَاء أَي يعتمل الِاكْتِفَاء بهَا (فِي كل شَيْء) وَلَو حدا أَو طَلَاقا أَو نِكَاحا (وَبِه) يتَعَلَّق بقوله: (جرى الْعَمَل) بقرطبة زمن ابْن حَارِث، وَاسْتمرّ إِلَى زمن النَّاظِم وزماننا. كَذَاكَ فِي الْغَيْبَةِ مُطْلَقاً وَفي مَسَافَةِ الْقَصْرِ أُجِيزَ فَاعْرِفِ (كَذَاك) خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي الْعَمَل الْآن بِهِ كَذَلِك (فِي الْغَيْبَة) يتَعَلَّق بالاستقرار (مُطلقًا) حَال أَي كَانَ الْمَشْهُود بِهِ مَالا أَو غَيره، وَأعَاد هَذَا مَعَ استفادته من قَوْله: أَو غَابَ الخ لإِفَادَة شَرطهَا الَّذِي هُوَ مَسَافَة الْقصر فَأكْثر كَمَا قَالَ: (وَفِي مَسَافَة الْقصر) يتَعَلَّق بقوله (أُجِيز) ونائبه يعود على الِاكْتِفَاء الْمَذْكُور، وَيجوز أَن يكون النَّائِب فِي اقتفى ويعتمل وأجيز ضميراً يعود على الشَّهَادَة المضافة لعدلين فِي التَّقْدِير لِأَن الْمَعْنى اكْتفى فِيهِ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ على خطه على حد قَوْله: وَلَا أَرض أبقل إبقالها. (فاعرف) أَمر حذف مَفْعُوله أَي فاعرف ذَلِك وَهُوَ تتميم وَمَا ذكره من التَّحْدِيد بمسافة الْقصر هُوَ قَول ابْن الْمَاجشون. ابْن مَنْظُور: وَبِه الْعَمَل عَن ابْن عبد السَّلَام، وَالْأَحْسَن قَول سَحْنُون عدم التَّحْدِيد إِلَّا بِمَا تنَال الشَّاهِد فِيهِ مشقة وَالْقَاضِي يعلم ذَلِك عِنْد نُزُوله قَالَ: وَجَرت الْعَادة عندنَا أَن اخْتِلَاف عمل الْقُضَاة يتنزل منزلَة الْبعد وَإِن كَانَ مَا بَين العملين قَرِيبا لِأَن حَال الشَّاهِد يعلم فِي بَلَده وَعند قاضيه لَا فِي غير ذَلِك وَفِيه مَعَ ذَلِك ضعف فَإِن الَّذِي يشْهد على خطه كالناقل عَنهُ، فَلَا بُد أَن يعدله أَو يكون مَعْلُوما عِنْد القَاضِي.(1/169)
وكَاتبٌ بِخَطِّهِ مَا شاءَهُ وماتَ بَعْدُ أَوْ أَبى إمْضاءَهُ (وَكَاتب) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ عمله فِي قَوْله: (بِخَطِّهِ) وَقَوله: (مَا شاءه) مفعول لكاتب وَجُمْلَة شاءه صلَة مَا وَهِي وَاقعَة على حُقُوق الْغَيْر من دُيُون وأمانات وَطَلَاق وَنَحْوهَا. وَالْجُمْلَة فِي قَوْله: (وَمَات بعد) معطوفة على كَاتب أَي بعد أَن كتب مَا ذكر مَاتَ وَأنكر ذَلِك وَارثه (أَو) لم يمت وَأنكر هُوَ أَن يكون خطه و (أَبى إمضاءه) مفعول بقوله أَبى، وَالْجُمْلَة معطوفة على كَاتب أَو على مَاتَ. يُثْبَتُ خَطّهُ ويَمْضِي مَا اقْتَضى دُونَ يَمِينٍ وبِذَا اليَوْمَ القَضَا
(يثبت) بِضَم أَوله وَفتح ثالثه مَبْنِيّ للْمَفْعُول (خطه) نَائِب وَالْجُمْلَة خبر (ويمضي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه قَوْله (مَا) وَهِي مَوْصُولَة صلتها (اقْتضى) والعائد مَحْذُوف أَي يمْضِي الْحق الَّذِي اقْتَضَاهُ خطه، وَيجوز بِنَاؤُه للْفَاعِل أَي يمْضِي القَاضِي الْمَفْهُوم من السِّيَاق مَا اقْتَضَاهُ خطه (دون يَمِين) على الطَّالِب. والظرف يتَعَلَّق بيمضي (وبذا) خبر وَالْإِشَارَة للْحكم الْمَذْكُور فِي قَوْله: يمْضِي دون يَمِين (الْيَوْم) يتَعَلَّق بالمبتدأ الَّذِي هُوَ (القضا) ء لِأَنَّهُ الْمَشْهُور (خَ) وَجَازَت على خطّ مقرّ بِلَا يَمِين اه. وَقيل: لَا بُد من الْيَمين وهما رِوَايَتَانِ ومنشؤهما هَل ينزل الشَّاهِدَانِ على خطه منزلَة الشَّاهِدين على الْإِقْرَار أَو منزلَة الشَّاهِد فَقَط لضعف الشَّهَادَة على الْخط فَلَا يَمِين على الأول، وَلَو قَامَ بالخط شَاهد وَاحِد فَهَل يحلف الطَّالِب مَعَه وَيسْتَحق أَو تبطل شَهَادَته؟ رِوَايَتَانِ أَيْضا مبنيتان على الِاحْتِيَاج مَعَ الشَّاهِدين إِلَى الْيَمين فَلَا تقبل أَولا فَتقبل مَعَ الْيَمين. وَفِي التَّبْصِرَة عَن صَاحب الطرر أَن الصَّوَاب عدم الحكم بهَا اه. وَلابْن رشد لم يخْتَلف قَول مَالك فِي قبُول شَهَادَة الشَّاهِد الْوَاحِد على الْخط مَعَ الْيَمين وَنَحْوه لِابْنِ يُونُس، فَهَذَا أقوى مِمَّا فِي الطرر انْظُر شرحنا على الشَّامِل، وَظَاهر مَا بِهِ الْعَمَل فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي قبل هَذِه أَنه يثبت خطه هُنَا بِغَيْر يَمِين أَيْضا، وَظَاهر النّظم أَنه يقْضِي بِالشَّهَادَةِ على الْخط، وَلَو كَانَ بالغبارى أَو غَيره كالمعبر عَنهُ برسم(1/170)
الزَّمَان، وَلَو لم يضع علامته عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي المعيار وَفِي الشَّامِل، وَلَو كتب ذكر حر على نَفسه بِخَطِّهِ وَلم يكْتب شَهَادَته أَي علامته فَهُوَ إِقْرَار فَإِن كتبهَا يَعْنِي الشَّهَادَة أَي الْعَلامَة بأقوى أَي فَهُوَ أقوى فِي الْإِقْرَار اه. فَإِن كَانَت الْوَثِيقَة مَكْتُوبَة بِخَط غَيره والعلامة مَكْتُوبَة بِخَطِّهِ، فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار، وَلَو كتب الْحق على أَبِيه وَأقر أَن شَهَادَته فِيهِ، وَزعم أَنه كتبهَا بِغَيْر حق أَو أنكرها فَشهد عَلَيْهِ فَقيل يُؤْخَذ بِالْحَقِّ لِأَن مَال أَبِيه لما صَار إِلَيْهِ فَكَأَن الشَّهَادَة على نَفسه، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب وَقيل: لَا يُؤْخَذ بِالْحَقِّ إِلَّا بِإِقْرَار وَبِغير خطه وبشهادته. ابْن رشد: وَهُوَ أَقيس قَالَه فِي ضيح وَمَفْهُوم قَوْله يثبت خطه أَنه إِذا لم يثبت أَنه لم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء وَهل يجْبر حِينَئِذٍ الْمَطْلُوب على الْكِتَابَة وَيطول عَلَيْهِ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ اسْتِعْمَال غير خطه لتقابله بالخط الَّذِي عِنْد الطَّالِب، أَو لَا يجْبر؟ قَولَانِ للخمي وَعبد الحميد، وَاسْتظْهر ابْن عَرَفَة الثَّانِي وَرجح بعض الشُّيُوخ الأول كَمَا فِي التَّبْصِرَة. تَنْبِيه: مَا مرّ من جَوَازهَا فِي الطَّلَاق مَحَله كَمَا لِابْنِ رشد إِذا كتب الزَّوْج بِخَطِّهِ أَنه طلق زَوجته وَأرْسل ذَلِك إِلَيْهَا أَو إِلَى رجل يعلمهَا بذلك، فَيحكم لَهَا حِينَئِذٍ بطلاقه إِذا شهد على خطه عَدْلَانِ، وَأما إِن لم يخرج الْكتاب من يَده فَلَا يحكم لَهَا بِهِ إِلَّا أَن يقرّ أَنه كتبه مجمعا على الطَّلَاق أَي أَو ينص فِيهِ على أَنه أنفذه كَمَا قَالَ فِي نوازله أَيْضا فِي مَسْأَلَة الْعتْق وَنَصه: وَأما إِن كَانَ دَفعه أَي الْكتاب إِلَى العَبْد أَو كَانَ قد نَص فِيهِ على أَنه أنفذه على نَفسه فالشهادة على خطه يَعْنِي فِي حَيَاته أَو بعد مَوته عاملة كَالشَّهَادَةِ على خطه بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ قَالَ: وَفِي قبُول قَوْله إِنَّه كتبه غير مجمع على الطَّلَاق بعد إِنْكَاره كتبه خلاف اه. وَيفهم مِنْهُ أَنه إِذا كتب الطَّلَاق بِخَطِّهِ وَلم يُخرجهُ من يَده أَنه إِذا مَاتَ تَرثه وَلَو كَانَ انْقَضتْ عدتهَا على تَارِيخ الْكتاب، وَإِنَّمَا يبْقى النّظر فِيمَا إِذا أشهد بِطَلَاقِهَا وَكتبه بعدلين وَلم يعلمهَا بذلك حَتَّى مَاتَ، وَوجد الْكتاب وَالطَّلَاق بَائِن أَو خرجت من الْعدة وَهِي مَعَه فِي الْمصر أَو بِحَيْثُ يُمكنهُ إعلامها، وَالَّذِي فِي حفظي أَنَّهَا تَرثه مَعَ جهل مَحل النَّص الَّذِي وَقعت عَلَيْهِ بإرثها إِيَّاه فِي الْوَقْت، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَله بعض الْفجار فِرَارًا من أَن تَرثه وَالله أعلم. وامْتَنَعَ النّقْصَانُ والزِّيادَهْ إلاَّ لِمَنْ بَرَّزَ فِي الشَّهادَهْ (وَامْتنع النُّقْصَان) فَاعل على حذف مُضَاف أَي قبُول النُّقْصَان (وَالزِّيَادَة) مَعْطُوف عَلَيْهِ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (لمن) مَوْصُولَة وَاللَّام بِمَعْنى من كَقَوْلِه: لنا الْفضل فِي الدُّنْيَا وأنفك راغم وَنحن لكم يَوْم الْقِيَامَة أفضل والمستثنى مِنْهُ مَحْذُوف أَي من كل أحد إِلَّا مِمَّن (برز) بِفَتْح الرَّاء وتشديدها صلَة من (فِي الشَّهَادَة) يتَعَلَّق بِهِ كَأَن يشْهد بِعشْرَة لزيد على عَمْرو أَو بِربع فِي دَار ثمَّ بعد أَدَائِهِ شهد بِأَنَّهَا خَمْسَة(1/171)
أَو خَمْسَة عشر أَو بِأَن لَهُ النّصْف أَو الثّمن فِي الدَّار فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ وَيعْمل على مَا أدّى بِهِ ثَانِيًا إِن ادّعى نِسْيَان ذَلِك أَو لَا. وَظَاهره كَانَ ذَلِك قبل الحكم أَو بعده طابقت شَهَادَته دَعْوَى الْمُدَّعِي أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك فِي الزِّيَادَة فَإِن الْمُدَّعِي يحلف مَعَه على طبق دَعْوَاهُ فَقَط، وَالزَّائِد يسْقط لِأَن الْمُدَّعِي لَا يَدعِيهِ فَيحمل على أَنه قَبضه وَلَا يفِيدهُ رُجُوعه عَن الدَّعْوَى إِلَى شَهَادَة الشَّاهِد وَمحل الْقَضَاء لَهُ بِمَا يَدعِيهِ إِذا لم يكذب الشَّاهِد فِي الزِّيَادَة فَإِن كذبه فَلَا شَيْء لَهُ لِأَنَّهُ قد جرحه كمن شهد لَهُ بِشَيْء فَصدقهُ فِي الْبَعْض وَكذبه فِي الْبَعْض الآخر، وَأما فِي نُقْصَان شَهَادَته عَن الدَّعْوَى فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون قبل الحكم فَيحلف على طبق الشَّهَادَة فَقَط وَيسْقط مَا بَقِي مِمَّا ادَّعَاهُ وَإِن كَانَ بعد الحكم فَلَا يسْقط شَيْء وَيغرم الشَّاهِد النَّقْص لِأَنَّهُ من الرُّجُوع بعد الحكم إِن لم يتَعَذَّر، وَهَذَا فِيمَا إِذا زَاد أَو نقص بعد الْأَدَاء وإلاَّ فَيعْمل على مَا أدّى بِهِ كَانَ مبرزاً أم لَا. وَمَفْهُوم فِي النُّقْصَان وَالزِّيَادَة أَن تَفْسِير الْمُجْمل وَتَخْصِيص الْعُمُوم وَتَقْيِيد الْمُطلق يقبل من الشَّاهِد مُطلقًا وَهُوَ كَذَلِك قَالَه فِي هبات المعيار وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي عِنْد قَوْلهَا فِي التَّخْيِير وَالتَّمْلِيك، وَإِن قَالَت: اخْتَرْت نَفسِي سُئِلت عَن نِيَّتهَا الخ. قَالَ: أَقَامَ شَيخنَا حفظه الله من قَوْلهَا سُئِلت أَن الشَّاهِد إِذا شهد شَهَادَة مجملة فَإِنَّهُ يُفَسِّرهَا وَلَا يكون زِيَادَة فِيهَا وَوَقع الحكم بذلك عندنَا بالقيروان اه. وسئلت عَن نازلة من هَذَا الْمَعْنى وَهِي أَن رجلا حبس على أَوْلَاده الصغار جَمِيع الْبُسْتَان فِي مَحل كَذَا، وَأشْهد بذلك ثمَّ مَاتَ فَقَامَ من نَازع الصغار، وَأثبت أَن الْمحبس كَانَ يَأْكُل غَلَّته من تمر وَزرع وَغَيرهمَا، وَاسْتمرّ على ذَلِك وَلم ينْتَقل عَنهُ إِلَى أَن سَافر السّفر الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِقُرْبِهِ ومستند علمهمْ فِي ذَلِك المخالطة التَّامَّة والمعاينة الخ ثمَّ قَالُوا فِي الاستفسار بعد الْأَدَاء أَنهم عرفُوا ذَلِك بالمخالطة وَإِقْرَار الْمحبس فَأفْتى من يعْتد بِهِ من فُقَهَاء سجلماسة بِبُطْلَان الْحَبْس لأجل مَا ثَبت من أكله الْغلَّة الْمَذْكُورَة، وَأَن زِيَادَة الْإِقْرَار فِي الاستفسار بَيَان لما أجمله فِي المخالطة فَلَا تضره، وَأَيْضًا فَإِن المضر هُوَ زِيَادَة الْعدَد كَمَا فِي الشُّرَّاح. فأجبت عَن ذَلِك بِمَا نَصه: الْحَمد لله من تَأمل الشَّهَادَة بِأَكْل الْمحبس غلَّة حَبسه مَعَ استفسارها علم أَنَّهَا نَاقِصَة عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار لِأَن لفظ المخالطة والمعاينة الْمُؤَدى بِهِ أَولا لَيْسَ من قبيل الْمُجْمل كَلَفْظِ غَرِيم لرب الدّين والمدين حَتَّى يقبل من الشَّاهِد فِي الاستفسار قصره على بعض محتملاته وَلَا من الْعَام كمن الشّرطِيَّة والموصولة حَتَّى يقبل من الشَّاهِد قصره على بعض أَفْرَاده وَلَا من الْمُطلق الدَّال على مُطلق الْمَاهِيّة كنحو دَابَّة وَدَار حَتَّى يقبل من الشَّاهِد تَقْيِيده بِبَعْض خواصه، بل هُوَ نَص فِي مَعْنَاهُ الْخَاص الَّذِي لَا يقبل أَن يُفَسر بِغَيْرِهِ فَذكرهمْ الْإِقْرَار فِي الاستفسار زِيَادَة على اللَّفْظ الْمُؤَدى بِهِ قطعا إِذْ المخالطة الْمُعَامَلَة والمعاينة الْمُشَاهدَة بحاسة الْبَصَر إِذْ هُوَ مفاعلة من عاين الشَّيْء يعاينه إِذا رَآهُ ببصره فَلَا يُطلق(1/172)
وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر، وَمِمَّا تمجه الأسماع والطباع وَيرد على قَائِله بِلَا نزاع قَول الْقَائِل خالطه بِإِقْرَارِهِ لَدَيْهِ، فالمخالطة لَا تدل على الْإِقْرَار لَا بالمطابقة وَلَا بالتضمن والالتزام، فالإقرار حِينَئِذٍ من الزِّيَادَة الَّتِي لَا تقبل إِلَّا من المبرز وَأَيْنَ هُوَ الْيَوْم هَذَا لَو تمحضت الزِّيَادَة، كَيفَ وَالشَّاهِد أسْند علمه أَولا إِلَى المخالطة والمعاينة وَثَانِيا إِلَى المخالطة وَالْإِقْرَار، وَأسْقط المعاينة فقد اشْتَمَلت شَهَادَته أَولا وَثَانِيا على الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مَعًا، فإسقاطه مُعَاينَة بعد أَدَائِهِ بهَا رُجُوع عَنْهَا إِلَى غَيرهَا، وَذَلِكَ لَا يقبل من مبرز وَلَا من غَيره وَلَيْسَت الزِّيَادَة فِي كَلَام الْأَئِمَّة خَاصَّة بِزِيَادَة الْعدَد، بل فرضهم ذَلِك فِي الْعدَد إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الْمِثَال، وَإِلَّا فَالزِّيَادَة كل معنى لَا يَصح أَن يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ الأول بِشَيْء من الدلالات الْمَذْكُورَة، وَفِي المعيار عَن العبدوسي الاستفسار سُؤال الشَّاهِد عَن شَهَادَته الَّتِي أَدَّاهَا فَإِن أَتَى بِشَهَادَتِهِ نصا أَو معنى وَإِن اخْتلف اللَّفْظ صحت وإلاَّ بطلت. وَفِيه أَيْضا من جَوَاب لمؤلفه فِيمَن شهد بعمرى وَأدّى بهَا، وَلم يذكر قبُول المعمر بِالْفَتْح ثمَّ بعد الْأَدَاء ذكر أَنه كَانَ قد قبل مَا نَص الْغَرَض مِنْهُ إِذا نَص الشَّاهِد شَهَادَته ثَانِيًا على نقص أَو زِيَادَة لم تَتَضَمَّن شَيْئا مِنْهُ شَهَادَته الأولى سَوَاء قَالَ: إِن الزِّيَادَة وَالنَّقْص من شَهَادَته الأولى كَانَ لنسيان أَو غَفلَة، وَلَو سُئِلت عَنهُ لأثبته وَإِنَّمَا سكت عَنهُ لِأَنِّي اعتقدت أَن السُّكُوت عَنهُ غير قَادِح أَو ظَنَنْت أَن الزِّيَادَة ثَانِيًا لَا يحْتَاج إِلَيْهَا أَولا وَإِن ذكرهَا ثَانِيًا لَا يذكر بِالْبُطْلَانِ على شهادتي أَولا. فَالْحكم فِي ذَلِك كُله قبُوله من المبرز دون غَيره وشهادته أَولا وَثَانِيا سَاقِطَة اه. وراجِعٌ عنْها قَبُولُهُ اعتُبِرْ مَا الحكْمُ لَمْ يَمْضِ وإنْ لَمْ يَعْتَذِرْ (وراجع) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ عمله فِي (عَنْهَا) أَي عَن شَهَادَته (قبُوله) مُبْتَدأ ثَان وضميره للرُّجُوع الْمَفْهُوم من رَاجع (اعْتبر) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الثَّانِي وَهُوَ مَعَ خَبره خبر عَن الأول (مَا) ظرفية تتَعَلَّق باعتبر (الحكم) مُبْتَدأ (لم يمض) خَبره أَي قبُول رُجُوعه مُعْتَبر مُدَّة كَون الحكم لم يَقع هَذَا إِذا اعتذر عَن رُجُوعه بِأَن قَالَ: اشْتبهَ عَليّ مثلا وظننته أَنه الْمَشْهُود عَلَيْهِ بل (وَإِن لم يعْتَذر) فَتسقط شَهَادَته وَتصير كَالْعدمِ وَلَا يلْزمه غرم اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أدبه وَقبُول شَهَادَته فِي الْمُسْتَقْبل، فَفِي الْمُتَيْطِيَّة إِن كَانَ مَأْمُونا وأتى بِشُبْهَة قبل وإلاَّ فَلَا. قَالَ: وَلَا يُؤَدب عِنْد أَشهب(1/173)
وَسَحْنُون مَخَافَة أَن لَا يرجع أحد وَبِه الْعَمَل. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يُؤَدب وَمحله مَا لم يكن الرُّجُوع عَن زنا، وإلاَّ فَيحد، وَظَاهره أَنه يعْتَبر رُجُوعه قبل الحكم وَلَو بعد الْأَدَاء وَهُوَ كَذَلِك إِن رَجَعَ عِنْد القَاضِي الَّذِي أدّى عِنْده اتِّفَاقًا فَإِن رَجَعَ عِنْد غَيره من الْعُدُول أَو عِنْد غير قاضيه فَقَوْلَانِ بِالْقبُولِ. ابْن نَاجِي: وَبِه الْعَمَل وبعدمه أفتى الغبريني، وَصدر بِهِ ابْن سَلمُون قَالَ الْحميدِي: وَبِه الْعَمَل عندنَا، وَبِه أفتى سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي، وَظَاهر هَذَا أَنه إِذا رَجَعَ عِنْد غير قاضيه لَا يعْمل بِرُجُوعِهِ وَلَو مَاتَ فَظهر بِهَذَا قُوَّة هَذَا القَوْل دون مَا تقدم عَن ابْن نَاجِي، وَاقْتصر عَلَيْهِ ناظم الْعَمَل الْمُطلق. قلت: وموضوع هَذَا الْخلاف أَن الرَّاجِع مقرّ بِرُجُوعِهِ أَو لم يعلم مَا عِنْده لغيبته أَو مَوته وإلاَّ فَلَا يعْمل بِرُجُوعِهِ لِأَن الرُّجُوع شَهَادَة، وَالشَّاهِد عَلَيْهِ ناقل، وَيشْتَرط فِي النَّقْل أَن لَا يكذبهُ الأَصْل وَإِن كَانَ قد علل ذَلِك سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي بِأَن تصديقهما لَيْسَ بِأولى من تَصْدِيقه، وَلَكِن التَّعْلِيل بِمَا مر أولى. وَفِي التَّبْصِرَة لَو لَقِي الشَّاهِد الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا شهِدت بِهِ عَلَيْك بَاطِل أَو لَا شَهَادَة لي عَلَيْك فَلَا يضرّهُ ذَلِك، وَإِن كَانَت لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة إِلَّا أَن يرجع عَن شَهَادَته رُجُوعا بَينا وَيقف عَلَيْهِ وَلَا يُنكره فَإِن قَالَ لَهُ عِنْد الْحَاكِم أَو عِنْد إِرَادَة نقلهَا عَنهُ فَذَلِك إبِْطَال لَهَا اه. وَنَحْوه لِابْنِ سَلمُون وَابْن عَرَفَة. قلت: وتأمله مَعَ مَالك وشراحه عِنْد قَوْله: وَمكن مُدع رُجُوعا من بَيِّنَة كيمين إِن أَتَى بلطخ، وَاخْتلف إِذا أدّى شَهَادَته ثمَّ رَجَعَ إِلَى القَاضِي وَقَالَ لَهُ: نالني من أجل شهادتي أَذَى، وَبِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا شهِدت إِلَّا بِحَق لكني قد رجعت عَنْهَا فَلَا تقض بهَا. فَقيل: لَيْسَ قَوْله ذَلِك بِرُجُوع لِأَن الرُّجُوع أَن يكذب نَفسه أَو يَقُول: دخلني شكّ. وَقَالَ ابْن زرب: إِنَّه رُجُوع. قَالَه فِي المعيار، وَلَيْسَ من الرُّجُوع من أدّى شَهَادَته ثمَّ بعد طول لَقِي الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا شهِدت عَلَيْك بِشَيْء وَكتبه لَهُ نَاسِيا لما أدّى بِهِ أَولا قَالَه السجسْتانِي فِي نوازله، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَفْهُوم قَوْله: مَا الحكم لم يمض الخ. فَقَالَ: وإنْ مَضَى الْحكْمُ فَلا واخْتُلِفَا فِي غُرْمِهِ لِمَا بِهَا قَدْ أُتْلِفا (وَإِن) شَرط (مضى الحكم) فَاعل أَي وَقع (فَلَا) جَوَاب الشَّرْط أَي فَلَا يقبل رُجُوعه بعد وُقُوع الحكم بل ينفذ ويمضي وَتبطل شَهَادَته الْأَخِيرَة الَّتِي رَجَعَ إِلَيْهَا (و) إِذا أبطلت فقد (اخْتلفَا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِي غرمه) بِفَتْح الْغَيْن وَضمّهَا يتَعَلَّق باختلف (لما) يتَعَلَّق بغرم (بهَا) أَي الشَّهَادَة يتَعَلَّق بقوله: (قد أتلفا) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَو الْمَفْعُول صلَة مَا فَقَالَ ابْن الْمَاجشون: لَا غَرَامَة لِأَنَّهُمَا لَو غرما حَيْثُ لم يتعمدا الزُّور لتورع النَّاس عَن الشَّهَادَة مَعَ كَثْرَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا، وَبِه قَالَ الْمُغيرَة وَابْن أبي حَازِم وَقَالَ مَالك وَابْن الْقَاسِم: إِذا رجعا بعد الحكم، وَقيل الِاسْتِيفَاء كَمَا إِذا حكم بغرم المَال أَو الْقصاص وَقبل استيفائهما رَجَعَ، فَإِن الْحَاكِم لَا ينْقض ويستوفي المَال وَالدَّم ويغرمان الدِّيَة وَالْمَال للمحكوم عَلَيْهِ لِأَن الْعمد وَالْخَطَأ فِي أَمْوَال النَّاس سَوَاء وَوَافَقَهُمَا أَشهب وَغَيره فِي اسْتِيفَاء المَال دون الدَّم لِحُرْمَتِهِ وَرجع إِلَيْهِ ابْن الْقَاسِم أَيْضا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الَّذِي يظْهر رجحانه من كَلَامهم وَلَا أَقُول بِغَيْرِهِ، وعَلى الأول اقْتصر (خَ) فَقَالَ:(1/174)
لَا رجوعهم وغرما مَالا ودية وَلَو تعمدا الزُّور فَإِن المَال يسْتَوْفى وَلَا يقْتَصّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا الدِّيَة فَقَط فِي أموالهما، وَأما إِن رجعا بعد الحكم والاستيفاء فَلَيْسَ إِلَّا غرم المَال وَالدية وَإِن لم يثبت عمدهما فَإِن ثَبت فَالدِّيَة عِنْد ابْن الْقَاسِم أَيْضا وَالْقصاص عِنْد أَشهب، فَقَوْل النَّاظِم: وَإِن مضى الحكم الخ، صَادِق بالصورتين وَشَمل أَيْضا مَا إِذا تَبرأ الشُّهُود من الشَّهَادَة بعد الحكم بهَا وادّعوا عدم أَدَائِهَا، وَإِن الْإِشْكَال مستعملة عَلَيْهِم وجوروا القَاضِي فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَيْهِم كَمَا مرّ فِي المعيار وَغَيره، وَتقدم عَن التَّبْصِرَة أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ وبعدم النَّقْض قَالَ ابْن الْقَاسِم لِأَن ذَلِك رُجُوع. وَانْظُر هَل يجْرِي فيهم الْخلاف بالغرامة وَعدمهَا أَو لَا لأَنهم لم يقرُّوا بِالشَّهَادَةِ الْمُوجبَة للغرامة، وَشَمل أَيْضا مَا إِذا ثَبت الرَّسْم عِنْد القَاضِي وَأشْهد أَنه ثَبت عِنْده وَأَنه حكم بإمضائه وإعماله ثمَّ طرأت جرحة من عزل أَو رُجُوع أَو نَحْوهمَا. فَالظَّاهِر أَنه حكم نفذ فَلَا تسْقط الشَّهَادَة لِأَنَّهُ حكم بإنفاذه قَاصِدا لهَذَا الْوَجْه قَالَه الْبُرْزُليّ. وَقد تحصل أَن الرُّجُوع بعد الحكم وَقبل الِاسْتِيفَاء فِيهِ قَولَانِ فِي الدَّم، وَأما المَال فيستوفى اتِّفَاقًا من ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب، وَأما بعد الحكم والاستيفاء فَقَوْلَانِ فِي الدَّم بِالْقصاصِ وَعَدَمه مَعَ الْعمد، وَكَذَا فِي المَال بالغرامة وَعدمهَا كَعَدم التعمد فِي الدَّم وَمحل الْخلاف فِي اسْتِيفَاء الدَّم مَا لم يثبت كذبهمْ كحياة من قتل أوجبه قبل الزِّنَا وَمحله أَيْضا إِذا ادّعى الْوَهم والتشبيه فَإِن اعْترف بالزور فَهُوَ قَوْله: وشاهِدُ الزُّورِ اتِّفاقاً يَغْرِمُهْ فِي كلّ حالٍ والعِقابُ يَلْزَمُهْ (وَشَاهد الزُّور) مُبْتَدأ وَهُوَ كَمَا لِابْنِ عَرَفَة الشَّاهِد بِغَيْر مَا يعلم عمدا وَلَو طابق الْوَاقِع رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: (عدلت شَهَادَة الزُّور الْإِشْرَاك بِاللَّه) ثَلَاث مَرَّات. وَيدل للْحَدِيث الْكَرِيم قَوْله تَعَالَى: فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} (الْحَج: 30) الْآيَة وَهُوَ مَأْخُوذ من الزُّور وَهُوَ الانحراف كَمَا أَن الْإِفْك مَأْخُوذ من الْإِفْك وَهُوَ الصّرْف، فَإِن الْكَذِب محرف مَصْرُوف عَن الْوَاقِع قَالَه الْبَيْضَاوِيّ. (اتِّفَاقًا) أَي من ابْن الْمَاجشون وَغَيره وَهُوَ حَال من الْغرم الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالْخبر الَّذِي هُوَ (يغرمه) فَالضَّمِير الْمُسْتَتر يعود على الشَّاهِد والبارز يعود على مَا الْوَاقِعَة على الشَّيْء الْمُتْلف بِفَتْح اللَّام فِي الْبَيْت قبله أَي يغرم مَا أتْلفه حَال كَون غرمه مُتَّفقا عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَب (فِي كل حَال) أَي كَانَ الْمَشْهُود بِهِ مَالا أَو دَمًا عِنْد ابْن الْقَاسِم كَمَا مر عَن (خَ) فِي قَوْله: وَلَو تعمد الخ. وَقَالَ أَشهب: يقْتَصّ مِنْهُ فِي الْعمد وَهُوَ أقرب لأَنهم قتلوا نفسا بِغَيْر شُبْهَة، وَالْجَار يتَعَلَّق بقوله يغرمه فَإِن علم الْحَاكِم بزورهم أَو بقادح فيهم أَو علم مُقيم الْبَيِّنَة بكذبهما فالقصاص عَلَيْهِمَا أَو على من علم مِنْهُمَا. وَفهم من قَوْله: لما بهَا الخ أَنه إِذا رَجَعَ أَحدهمَا أَو أقرّ بالزور غرم نصف الْحق فَقَط لِأَنَّهُ لم يتْلف بهَا إلاَّ ذَاك، فَإِن حكم بِشَهَادَتِهِ مَعَ يَمِين الطَّالِب فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب: يغرم المَال كُله وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَإِن كَانَ مَبْنِيا على ضَعِيف من(1/175)
أَن الْيَمين استظهار لَا كالشاهد. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: عَلَيْهِ نصف الْحق لِأَن الْيَمين كالشاهد وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَإِن رَجَعَ أَحدهمَا غرم نصف الْحق كَرجل مَعَ نسَاء إِلَى قَوْله: وَعَن بعضه غرم نصف الْبَعْض وَإِن رَجَعَ من يسْتَقلّ الحكم بِعَدَمِهِ فَلَا غرم، فَإِذا رَجَعَ غَيره فالجميع (وَالْعِقَاب) مُبْتَدأ خَبره (يلْزمه) فيطاف بِهِ فِي الْمجَالِس وَيضْرب ويسجن (خَ) وعزر شَاهد بزور فِي الْمَلأ بِنِدَاء وَلَا يحلق رَأسه أَو لحيته وَلَا يسخمه ثمَّ فِي قبُوله تردد الخ. وبعدم الْقبُول وَإِن تَابَ قَالَ مَالك والمتيطي: وَبِه الْعَمَل اه. فَلَا تصح ولَايَة القَاضِي إِن قبل شَهَادَته أَو قبل شَهَادَة الْفَاسِق وَنَحْوه لغير عذر، وَلَيْسَ من الْعذر خَوفه من الْعَزْل إِن لم يقبله كَمَا لِابْنِ عَرَفَة وَغَيره، وَالْقَاضِي إِذا ثَبت عَلَيْهِ الْجور أَو أقرّ بِهِ أقبح من شَاهد الزُّور فَلَا تجوز ولَايَته أبدا وَلَا شَهَادَته وَإِن صلحت حَاله وَعَلِيهِ الْعقُوبَة الموجعة قَالَه ابْن عتاب وَغَيره.
(فصل)
فِي (أَنْوَاع) أَي أَقسَام (الشَّهَادَات) بِاعْتِبَار مَا توجبه وَهِي الْمَذْكُورَة فِي الْفُصُول الْآتِيَة. ثُمَّ الشَّهادَةُ لَدى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; الأداءِ جُمْلُتها خَمْسٌ بالاسْتِقْراءِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (الشَّهَادَة) مُبْتَدأ (لَدَى الْأَدَاء) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة أَي الْحَاصِلَة عِنْد الْأَدَاء أما قبله فَهِيَ كَالْعدمِ (جُمْلَتهَا) مُبْتَدأ ثَان أَي جملَة أقسامها (خمس) خبر وَالْجُمْلَة خبر الأول (بالاستقراء) يتَعَلَّق بجملتها أَي جُمْلَتهَا بطرِيق الاستقراء أَي التتبع خمس، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خَاص حَال أَي جملَة أقسامها حَال كَونهَا منحصرة بالاستقراء خمس لَا زَائِد عَلَيْهَا، وَتبع فِي هَذَا التَّقْسِيم الجزيري فِي وثائقه وَهُوَ بِاعْتِبَار مَا توجبه كَمَا مرّ، وَلابْن شَاس وَمن تبعه تَقْسِيم آخر بِاعْتِبَار مَا يَكْفِي فِي الْمَشْهُود فِيهِ وسموه مَرَاتِب، فالزنا مثلا يَكْفِي فِيهِ أَرْبَعَة، وَمَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ يَكْفِي فِيهِ عَدْلَانِ وَهَكَذَا وكلا الاعتبارين لَهُ وَجه. تَخْتَصُّ أُولاَهَا عَلَى التَّعْيِينِ أنْ تُوجِبَ الحقَّ بِلاَ يَمِينِ(1/176)
(تخْتَص أولاها) تَأْنِيث أول فَاعل تخْتَص وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ يعود على خمس، وَالْجُمْلَة بدل مفصل من مُجمل (على التَّعْيِين) أَي مَعَ تَعْيِينهَا للأولية لكَونهَا توجب الْحق بمجردها فاستحقت التَّقْدِيم، لذَلِك قَالَ عوض عَن الضَّمِير وعَلى بِمَعْنى مَعَ كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} (الرَّعْد: 6) وَهِي حَال من أولاها أَي تخْتَص أولاها حَال كَونهَا مصاحبة لتعيينها للأولية (أَن) أَي بِأَن يتَعَلَّق بقوله تخْتَص (توجب) بِكَسْر الْجِيم (الْحق) مفعول (بِلَا يَمِين) يتَعَلَّق بتوجب، وَالْمرَاد بِغَيْر يَمِين تقَوِّي الشَّهَادَة وتعضدها فَهُوَ على حذف الصّفة فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قد تجب مَعهَا يَمِين الْقَضَاء حَيْثُ تكون الشَّهَادَة على ميت أَو غَائِب أَو مَا فِي مَعْنَاهُ من صَغِير أَو سَفِيه أَو مَسَاكِين أَو بَيت مَال أَو يَمِين الِاسْتِحْقَاق فِي غير الْعقار أَو فِيهِ على مَا بِهِ الْعَمَل لِأَنَّهَا فِي الأولى لرد دَعْوَى مقدرَة، وَفِي الثَّانِيَة لرد دَعْوَى مُحَققَة إِن كَانَ الْمُسْتَحق من يَده حَاضرا وَادّعى خُرُوجه عَن ملك الْمُسْتَحق كَمَا فِي ابْن سَلمُون لِأَن الشُّهُود إِنَّمَا يَقُولُونَهُ وَلَا يعلمونه خرج عَن ملكه وَلَا يلْزم من نفي علمهمْ بِالْخرُوجِ عدم الْخُرُوج، وَإِن كَانَ غَائِبا أَو لم يُحَقّق دَعْوَى الْخُرُوج بِأَن جوزه فَقَط رجعت للقسم الأول لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِي مُقَابلَة فرض دَعْوَى صيرورة الشَّيْء الْمُسْتَحق لمن ملك الْمُسْتَحق مِنْهُ ذَلِك. وَالْحَاصِل أَنَّهَا فيهمَا لمُجَرّد رفع الِاحْتِمَال فَفِي الأول لرفع احْتِمَال الْقَضَاء والإحالة وَنَحْوهمَا، وَفِي الثَّانِي لرفع احْتِمَال الْخُرُوج حَيْثُ غَابَ أَو حضر وَلم يُحَقّق دَعْوَاهُ لَا أَنَّهَا مقوية للشَّهَادَة رَاجِعَة للْيَمِين مَعَ الشَّاهِد كَمَا للشَّيْخ (م) فِي شرح اللامية فَإِن صدقه فِي عدم الْخُرُوج فَلَا يَمِين ثمَّ الشَّهَادَة الَّتِي توجب الْحق بِلَا يَمِين تحتهَا سِتَّة أَنْوَاع أَشَارَ لأولها بِالْفَاءِ جَوَابا لشرط مُقَدّر أَي إِن أردْت معرفَة مَا يُوجب الْحق بِلَا يَمِين. فَفِي الزِّنَا مِنَ الذِّكُورِ أُرْبَعَهْ وَمَا عَدا الزِّنا فَفِي اثْنَيْنِ سَعَهْ (فَفِي الزِّنَا) خبر مقدم أَي فَفِي الشَّهَادَة بِرُؤْيَتِهِ (من الذُّكُور) حَال من ضمير الِاسْتِقْرَار (أَرْبَعَة) مُبْتَدأ وَلَا بُد من كَونهم عُدُولًا واللواط مثله، وَإِنَّمَا اشْترط فيهمَا أَرْبَعَة لقصد السّتْر وَدفع عَار الزَّانِي والمزني بهَا وَأَهْلهَا اللَّخْمِيّ. وَهَذَا إِن شهدُوا بِالزِّنَا طَوْعًا وَإِن شهدُوا بِهِ على الْإِكْرَاه فَكَذَلِك على حد الرجل فِي الْإِكْرَاه وإلاَّ كفى فِي ذَلِك رجلَانِ لما تستحقه الْمَرْأَة من الْمهْر على الواطىء أَو على مكرهه اه. وَقَوله: وَإِلَّا كفى فِي ذَلِك رجلَانِ يُرِيد أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين لِأَن ذَلِك يؤول إِلَى المَال ثمَّ إِن كَيْفيَّة الشَّهَادَة أَن يَأْتِي الْأَرْبَعَة مُجْتَمعين يشْهدُونَ أَنهم رَأَوْا فرجه فِي(1/177)
فرجهَا أَو غيب حشفته فِيهَا فِي وَقت وَاحِد وَمَوْضِع وَاحِد وَصفَة وَاحِدَة فَإِن تمت هَكَذَا حدّا سَوَاء كَانَا بكرين أَو ثيبين رَأَوْهُ دفْعَة وَاحِدَة أَو وَاحِدًا بعد وَاحِد فِي لحظات مُتَّصِلَة لِأَن ذَلِك اتِّحَاد عرفا وَلَيْسَ من تَمام الشَّهَادَة زِيَادَة قَوْلهم كالمرود فِي المكحلة، بل هُوَ تَأْكِيد فَقَط كَمَا قَالَه ابْن مَرْزُوق وَهُوَ ظَاهر قَول (خَ) وللزنا واللواط أَرْبَعَة بِوَقْت ورؤية اتحدا وَفرقُوا فَقَط أَنه أَدخل فرجه فِي فرجهَا وَلكُل النّظر للعورة الخ. وَقيل: لَا بُد مِنْهَا وَبِه قَرَّرَهُ شراحه ثمَّ لَا يلْزم من اجْتِمَاعهم عِنْد الْإِتْيَان اجْتِمَاعهم عِنْد الْأَدَاء لأَنهم عِنْد الْأَدَاء يفرقون فَإِن أَتَوا مفترقين أَو اخْتلف وَقت الرُّؤْيَة أَو مَوْضِعه كَأَن يَقُول بَعضهم زنى بهَا فِي غرفَة وَيَقُول الْآخرُونَ فِي بَيت أَو صفته كَأَن يَقُول أحدهم كَانَت مستلقية وَالْآخرُونَ متكئة أَو بَعضهم زَنَيَا طائعين وَالْآخرُونَ مكرهين أَو أَحدهمَا بطلت وحد الشُّهُود دون الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا. أَبُو عمرَان: يسئل شُهُود الزِّنَا وَالسَّرِقَة فَإِن أَبَوا أَن يبينوا هَذِه الْوُجُوه سَقَطت شَهَادَتهم وَإِن غَابُوا قبل السُّؤَال حكم بِشَهَادَتِهِم، وَقيل: إِن كَانُوا من أهل الْعلم بِمَا يُوجب الْحَد وإلاَّ فَلَا اه. وَالْأول هُوَ الَّذِي درج عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَندب سُؤَالهمْ كالسرقة مَا هِيَ وَكَيف أخذت الخ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن الخ. ولثانيها بقوله: (وَمَا) مُبْتَدأ (عدا) خبر مُبْتَدأ مُضْمر وَالْجُمْلَة صلَة أَي والحقوق الَّتِي هِيَ غير (الزِّنَا فَفِي) عَدْلَيْنِ (اثْنَيْنِ) خبر عَن قَوْله (سعه) أَي توسعة فِي ثُبُوت الْحق بهما، وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول ولعمومه دخلت الْفَاء فِي خَبره، وَقَوله: اثْنَيْنِ أَي من الذُّكُور بِدَلِيل الْبَيْتَيْنِ بعده وأشعر قَوْله فَفِي اثْنَيْنِ الخ أَن البَائِع بِالدّينِ مثلا إِذا طلب الْإِشْهَاد بِأَكْثَرَ وأبى الْمَشْهُود عَلَيْهِ من الزِّيَادَة عَلَيْهِمَا أَن البَائِع لَا يُجَاب وَهُوَ مَا لِابْنِ رشد. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: الصَّوَاب أَن يُجَاب إِذا كثر فيهم الْعَزْل لجرحة أَو مُطلقًا وَشَمل المُصَنّف سَائِر الْحُقُوق مَالِيَّة أَو بدنية على تَفْصِيل فِي أفرادها إِذْ مِنْهَا مَا لَا يثبت إِلَّا بعدلين، وَمِنْهَا مَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِد والمرأتان أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين، وَمَا يَكْفِي فِيهِ امْرَأَتَانِ. وَهَكَذَا كَمَا يَأْتِي فَمن الأول الْعتْق وَالْإِسْلَام وَالرِّدَّة وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالنّسب وَالتَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح وَالْكِتَابَة وَالتَّدْبِير وَنقل الشَّهَادَة فِيمَا لَيْسَ بِمَال، وَمِنْه إِثْبَات الْعَدَم وَإِسْقَاط الْحَضَانَة وَكَذَا الْحَبْس وَالْوَصِيَّة لغير مُعينين والإيصاء كَمَا فِي ابْن نَاجِي أول أقضية الْمُدَوَّنَة، وَلَيْسَ مِنْهَا الْمَوْت بِاعْتِبَار الْإِرْث كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده وَمن جعله مِنْهَا فَإِنَّمَا يَعْنِي بِاعْتِبَار اعْتِدَاد زَوجته وَعتق مدبره، وَمِنْهَا الْعدة أَي الْخلْوَة الْمُوجبَة لَهَا أَو بِاعْتِبَار ابتدائها فِي الْمَوْت، وَأما فِي الطَّلَاق فَهِيَ مصدقة فِي انْقِضَائِهَا، وَأما دَعْوَاهُ هُوَ الِانْقِضَاء فِي الرجعى لتسقط عَنهُ النَّفَقَة فَيَكْفِي الشَّاهِد وَالْيَمِين فِيمَا يظْهر قَالَه ابْن رحال، وَكَذَا الْبلُوغ بِاعْتِبَار إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ(1/178)
لَا بِاعْتِبَار الإسهام لَهُ فِي الْغَنِيمَة فَيَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين، وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْحجر وَصدق إِن لم يرب الخ. وَكَذَا الْوَلَاء بِاعْتِبَار المَال يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْيَمِين (خَ) وَإِن شهد وَاحِد بِالْوَلَاءِ أَو اثْنَان أَنَّهُمَا لم يَزَالَا يسمعان أَنه مَوْلَاهُ أَو وَارثه لم يثبت، لكنه يحلف وَيَأْخُذ المَال الخ. وَكَذَا الْوكَالَة فِي غير النِّكَاح وَنَحْوه إِن لم يتَعَلَّق بهَا حق للْوَكِيل، فَإِن تعلق ككون الْوَكِيل لَهُ دين على الْمُوكل الْغَائِب أَو كَانَت بِأُجْرَة وَنَحْو ذَلِك فَتثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين كالشركة والآجال لِأَن الشّركَة مَال والآجال آيل إِلَيْهِ وَكِلَاهُمَا يثبت بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد، وَأما الْوكَالَة فِي النِّكَاح وَنَحْوه مِمَّا لَيْسَ بِمَال فَلَا تثبت إِلَّا بِشَاهِدين فَإِن ادّعى أَنَّهَا وكلت وَزوجهَا وكيلها مِنْهُ وَأقَام شَاهِدين على النِّكَاح وواحداً بِالْوكَالَةِ حَلَفت أَنَّهَا مَا وكلت وَلَا رضيت بصنعه إِن كَانَت بِموضع لَا يخفى عَلَيْهَا فِيهِ الْأَمر غَالِبا. وَإِدْخَال الْحَبْس وَالْوَصِيَّة على غير مَعْنيين فِي هَذَا الْقسم صَحِيح بِالنِّسْبَةِ للشَّاهِد وَالْيَمِين لتعذرها من غير المعينين لَا بِالنِّسْبَةِ للشَّاهِد والمرأتين فيثبتان بهما كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. ولثالثها بقوله: ورَجُلٌ بامْرَأَتَيْنِ يَعْتَضِدْ فِي مَا يَرْجِعُ لِلْمَالِ اعْتُمِدْ (وَرجل) أَي عدل مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ وَصفه بِمَا ذكر وَبِالْجُمْلَةِ فِي قَوْله: (بامرأتين) عدلتين يتَعَلَّق ب (يعتضد) بِفَتْح الْيَاء وَكسر الضَّاد مَبْنِيّ للْفَاعِل (فِي كل مَا) أَي حق (يرجع) بِفَتْح الْيَاء مَبْنِيّ للْفَاعِل صفة لما (لِلْمَالِ) يتَعَلَّق بِهِ وَالْمَجْرُور بفي يتَعَلَّق بقوله (اعْتمد) مَبْنِيّ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ، وَظَاهره وَلَيْسَ بِمَال كَالْوكَالَةِ إِن تعلق بهَا حق للْوَكِيل كَمَا مرّ أَو لمن عَامل الْوَكِيل بِبيع وَنَحْوه، وَنقل الشَّهَادَة عَمَّن شهد بِمَال كَمَا فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْحَائِز، وَنقل امْرَأتَيْنِ مَعَ رجل فِي بَاب شَهَادَتهنَّ الخ. وَالْأَجَل فِي الثّمن أَو الصَدَاق يَدعِيهِ المُشْتَرِي أَو الزَّوْج ويخالفهما البَائِع أَو الْمَرْأَة سَوَاء اخْتلفَا فِي أَصله أَو قدره أَو انقضائه لَا الْأَجَل فِي الْعتْق وَالْكِتَابَة، فَالْقَوْل للْعَبد فِي قدره وانقضائه للتشوف للحرية، وَأما إِن حلف بِالطَّلَاق أَو الْحُرِّيَّة ليقضين فلَانا حَقه إِلَى أجل كَذَا أَو ليدخلن الدَّار إِلَى أجل كَذَا، فَزَعَمت الْمَرْأَة أَو العَبْد أَنه قد انْقَضى وَلم يفعل وَأَقَامَا بذلك شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ، وَزعم الْحَالِف أَنه لم ينْقض فَلَا يقْضى عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ لِأَن هَذَا من الْقسم الأول. نعم يحلف لرد الشَّهَادَة، وَكَذَا لَو أَثْبَتَت الْمَرْأَة الطَّلَاق وَالْعَبْد الْعتْق، وأعذر للزَّوْج وَللسَّيِّد وَأنكر الْأَجَل فِي ذَلِك فَلَا يثبت عَلَيْهِمَا إِلَّا بِشَاهِدين وَهَذَا وَنَحْوه مُرَاد من قَالَ: إِن(1/179)
الْأَجَل بِحَسب الْمُؤَجل فِيهِ فَفِي الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالْعَفو لَا يثبت إِلَّا بِشَاهِدين وكالخيار وَالشُّفْعَة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ بِمَال، وَلَكِن يرجع إِلَيْهِ وَمِمَّا يرجع لِلْمَالِ إِذا شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على نِكَاح بعد موت الزَّوْج أَو الزَّوْجَة أَو على ميت أَن فلَانا أعْتقهُ أَو على نسب أَن هَذَا ابْنه أَو أَخُوهُ، وَلم يكن لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب صحت الشَّهَادَة على قَول ابْن الْقَاسِم، وَكَانَ لَهُ الْمِيرَاث وَلم تجز على قَول أَشهب لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يسْتَحق الْمِيرَاث إِلَّا بعد إِثْبَات الأَصْل بِشَهَادَة رجلَيْنِ فَإِن ثَبت ذَلِك ثمَّ شهد وَاحِد أَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى هَذَا جَازَت وَاسْتحق المَال قَالَه اللَّخْمِيّ، وَاخْتَصَرَهُ (ق) بِإِسْقَاط التَّفْصِيل بَين كَونه لَهُ وَارِث أم لَا. فأوهم كَلَامه خلاف المُرَاد وَمَا ذكره فِي الشَّاهِد والمرأتين يجْرِي فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده، وَفهم من قَوْله: يرجع لِلْمَالِ جَوَازهَا فِيهِ وَلَو قارنه مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ كَشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ على رجل بِطَلَاق زَوجته وتصييره دَاره فِي صَدَاقهَا شَهَادَة وَاحِدَة فَتَصِح فِي التصيير دون الطَّلَاق على الْمَشْهُور من أَن الشَّهَادَة إِذا ردّ بَعْضهَا للتُّهمَةِ رد كلهَا، وَإِن ردّ بَعْضهَا للسّنة جَازَ مِنْهَا مَا أجازته السّنة دون غَيره، وَقد ذكر فِي التَّبْصِرَة فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ أَمْثِلَة وَفهم مِنْهُ أَيْضا جَوَازهَا فِي نفس المَال بالأحرى كعشرة من سلف أَو بيع وَنَحْوهمَا وَمثل مَا فِي النّظم عَكسه وَهُوَ الشَّهَادَة بِالْمَالِ، وَلَكِن يؤول لغيره كَشَهَادَة من ذكر للْأمة بِأَنَّهَا أدَّت نُجُوم الْكِتَابَة أَو بِأَن ابْنهَا أَو زَوجهَا قد اشْتَرَاهَا من سَيِّدهَا فتؤدي إِلَى الْعتْق فِي الْأَوَّلين وَإِلَى الْفِرَاق فِي الثَّالِث، وَفهم من قَوْله بامرأتين أَن الْوَاحِدَة لَا تَكْفِي وَلَا بُد من الْيَمين حِينَئِذٍ. وَقَوله: بامرأتين أَي فَأكْثر وَلَو كن مائَة لتنزلهن منزلَة الْعدْل الْوَاحِد كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْل بعده. ولرابعها وَهُوَ شَهَادَة امْرَأتَيْنِ بقوله: وَفِي اثْنَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ إلاَّ النِّساءُ كالمَحِيضِ مَقْنَعُ (وَفِي) امْرَأتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ) خبر عَن قَوْله: مقنع وَفِي بِمَعْنى الْبَاء (حَيْثُ) ظرف مَكَان مُتَعَلق بالاستقرار فِي الْخَبَر (لَا يطلع) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل (إِلَّا النِّسَاء) فَاعله، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (كالمحيض) خبر لمَحْذُوف وَهُوَ من إِطْلَاق الْمَفْعُول على مصدره كَمَا هُوَ أَيْضا فِي قَوْله: (مقنع) أَي قناعة كائنة بامرأتين فِي الْمحل الَّذِي لَا يطلع على الْمَشْهُود بِهِ أحد غَالِبا إِلَّا النِّسَاء، وَذَلِكَ كالحيض وَالرّضَاع والاستهلال والولادة وَالْحمل وإرخاء السّتْر وعيوب الْفرج، فَإِن كَانَ الْعَيْب فِي غير الْفرج مِمَّا هُوَ عَورَة فَفِي نفي الثَّوْب عَن مَحَله لينظره الرِّجَال أَو يَكْتَفِي بالمرأتين؟ قَولَانِ. وَاقْتصر الْبَاجِيّ على الأول وَهُوَ ظَاهر النّظم فَيُفِيد أَنه الْمُعْتَمد، وَأفهم قَوْله: بامرأتين أَن الْوَاحِدَة لَا تَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك إِذْ الْوَاحِدَة لَا تجوز شهادتها فِي شَيْء كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِلَّا فِي الْخلطَة على القَوْل باشتراطها فِي توجه الْيَمين، وَظَاهره لَا تَكْفِي الْوَاحِدَة وَلَو أرسلها القَاضِي لتنظر الْعَيْب وَنَحْوه وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره، بل صَرِيحه أَنه لَا يَمِين مَعَهُمَا تَيَقّن الْقَائِم بهما صدقهما(1/180)
كالبكارة والثيوبة أم لَا، كالحيض والولادة، وَقيل: تلْزم الْيَمين مَعَ التيقن لِأَنَّهَا تحقق الدَّعْوَى بكذبه وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا تتَوَجَّه عَلَيْهِ إِذا قَامَت شَهَادَتهمَا بِأَنَّهُ أرْخى السّتْر عَلَيْهِمَا، وَأنكر هُوَ ذَلِك فتحلف وتستحق الصَدَاق وَظَاهر قَوْله: حَيْثُ لَا يطلع الخ أَن الْمَوْلُود إِذا مَاتَ وَدفن تجوزشهادتهما بذكوريته أَو أنوثيته إِذْ لَا يطلع على ذَلِك غَالِبا إِلَّا النِّسَاء وَيُورث وَيَرِث بالجهة الَّتِي شهدتا بهَا وَهُوَ كَذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم، لَكِن مَعَ يَمِين، وَقيل: لَا تجوز لِأَنَّهُ يصير نسبا قبل أَن يصير مَالا وَيُورث على أَنه أُنْثَى إِلَّا أَن يكون لَا يبْقى أَو أَن أخر دَفنه إِلَى شُهُود الرِّجَال قَالَه أَشهب وَسَحْنُون وَأصبغ. وَرَوَاهُ ابْن الْقَاسِم أَيْضا. وَقَالَ أصبغ أَيْضا: إِن فَاتَ بِالدّينِ والطول حَتَّى تغير ذكره، فَإِن كَانَ فضل المَال يرجع إِلَى بَيت المَال أَو إِلَى رجل بعيد جَازَت كَمَا قَالَ ابْن الْقَاسِم، وَإِن كَانَ يرجع إِلَى بعض الْوَرَثَة دون بعض أخذت بقول أَشهب. وَسبب الْخلاف أَنَّهَا شَهَادَة بِغَيْر مَال لَكِنَّهَا ترجع إِلَى المَال فَهَل هِيَ كَالْمَالِ نَفسه أم لَا؟ فَهَذَا حِينَئِذٍ من إِفْرَاد قَوْله ثَانِيَة توجب حَقًا مَعَ الْقسم فِي المَال الخ. وَظَاهر مَا مر جَوَازهَا فِي الْولادَة وَلَو كَانَت تؤول إِلَى الْعتْق كَمَا إِذا قَالَ الرجل لأمته: أول ولد تلدينه فَهُوَ حر فتلد توأمين فَشهد امْرَأَتَانِ على أَولهمَا خُرُوجًا أَو شهدتا بِوِلَادَة أمة أنكر السَّيِّد وِلَادَتهَا وَقد كَانَ أقرّ بِوَطْئِهَا بعدلين فَيعتق أول التوأمين كَمَا فِي الْمُنْتَخب وَتصير الْأمة أم ولد كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة ثمَّ مَا مرّ من جَوَازهَا فِي الاستهلال مَحَله إِذا لم يقطع بكذبهما لعدم تَمام خلقته، وَكَذَا إِذا شهدتا بِظُهُور الْحمل، وَأَنه من شَهْرَيْن أَو من أقل من ثَلَاثَة أشهر أَو بتحركه وَأَنه من أقل من أَرْبَعَة أشهر وَعشر لَا يشكان فِي ذَلِك فَإِن الْأمة لَا ترد لبائعها بِشَهَادَتِهِمَا لِأَن الْحمل لَا يظْهر ظهوراً بَينا من غير تحرّك أَو مَعَ تحرّك فِي أقل مِمَّا ذكر والموجب لسقوطها جزمهما بِأَنَّهُ أقل مِمَّا ذكر إِذْ ذَاك مِمَّا لَا يُمكن الْقطع بِهِ فقولهما لَا يشكان فِي ذَلِك أَو تحققناه كذبا وزوراً فَإِن قَالَتَا فِي ظننا وَنَحْوه أَو لم تتعرضا لمدته صحت وَنظر، فَإِن كَانَت مكثت عِنْد المُشْتَرِي ثَلَاثَة فَأكْثر فِي الظُّهُور أَو أَرْبَعَة وَعشرا فِي التحرك لم ترد لِإِمْكَان حُدُوثه وإلاَّ ردَّتْ وَلَا ينْتَظر وَضعهَا، فَإِن أنفش بعد ردهَا فَلَا ترد للْمُشْتَرِي إِذْ لَعَلَّهَا أسقطته فَإِن تَعَارَضَت شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحمل وَمَا مَعَه فالمثبتة أولى من النافية إِلَّا أَن تقوى النافية قُوَّة بَيِّنَة فِيمَا يظْهر. ولخامسها بقوله: وواحِدٌ يُجْزِىءُ فِي بابِ الْخَبَرْ وَاثْنانِ أَوْلَى عِنْدَ كلِّ ذِي نَظَرْ (وَوَاحِد) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف أَي وَاحِد عدل أَو شخص وَاحِد، وَظَاهره وَلَو أُنْثَى وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا تجوز فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء كَمَا إِذا لم يجد من يترجم لَهُ مثلا من الرِّجَال غَيرهَا فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ أَو فِيمَا لَا يظْهر للرِّجَال (يجزىء) خبر (فِي بَاب الْخَبَر) يتَعَلَّق بِهِ، وَتَقْدِيره شخص أولى ليشْمل الرجل وَالْمَرْأَة كَمَا مرّ وَإِدْخَال هَذَا النَّوْع فِي أَقسَام الشَّهَادَة من حَيْثُ إِنَّه يُوجب الْحق بِغَيْر يَمِين وإلاَّ فَلَيْسَ مِنْهَا (وَاثْنَانِ) مُبْتَدأ سوغه مَا مر (أولى) خبر (عِنْد كل ذِي نظر) يتَعَلَّق بِهِ(1/181)
وَالْخَبَر مَا شَأْنه أَن يُشَارك الْمخبر بِهِ غَيره كَذَا قيل وَفِيه نظر فَإِن الشَّهَادَة كَذَلِك لِأَن الْخَبَر أَعم. قَالَ فِي جمع الْجَوَامِع: الْإِخْبَار عَن عَام لَا ترافع فِيهِ الرِّوَايَة أَي الْخَبَر وخلافه الشَّهَادَة، وَقَالَ ابْن بشير: الْفرق الَّذِي بَين الْخَبَر وَالشَّهَادَة أَن مَا خص الْمَشْهُود عَلَيْهِ فبابه بَاب الشَّهَادَة وكل مَا عَم وَلزِمَ الْقَائِل مِنْهُ مَا يلْزم الْمَقُول لَهُ فبابه بَاب الْخَبَر اه. وَالْمَقْصُود مِنْهُ هُنَا مَا اجْتمعت فِيهِ الشائبتان لِأَن الْكَلَام فِيمَا فِيهِ النزع لَا فِي غَيره كنجاسة المَاء والأعمال بِالنِّيَّاتِ، وَالظَّاهِر أَن مَا اجْتمع فِيهِ مَا ذكر مَحْصُور بالعد لَا بِالْحَدِّ. قَالَ فِي الذَّخِيرَة: المتردد بَين الشَّهَادَة وَالْخَبَر سبع: الْقَائِف والترجمان والكاشف عَن الْبُنيان وقائس الْجرْح، والناظر فِي الْعُيُوب كالبيطار والطبيب والمستنكه للسكران، إِذا أَمر الْحَاكِم بذلك، وَأما الشَّهَادَة على الشّرْب فَلَا بُد من اثْنَيْنِ كالتقويم للسلع والعيوب والرقبة وَالصَّيْد فِي الْحَج. وَاخْتلف فِي الْحكمَيْنِ فَقيل: اثْنَان وَقيل وَاحِد لِأَنَّهُ حَاكم اه. بِنَقْل (تت) قَالَ: وأضفت إِلَى ذَلِك الْمُزَكي على أحد الْقَوْلَيْنِ وَكَاتب القَاضِي والمحلف. قلت: وَذكر الْقَرَافِيّ أول الفروق من قَوَاعِده أَن من ذَلِك الْمُفْتِي والمترجم عَن الخطوط وَالقَاسِم والخارص، وَكَذَا الْمخبر بِنَجَاسَة المَاء وبرؤية هِلَال رَمَضَان، وَفِي الْبَاب الرَّابِع عشر من التَّبْصِرَة جملَة وافرة من ذَلِك، وَلما اجْتمعت فِي هَذِه الْأُمُور وَنَحْوهَا شائبتا الْخَبَر وَالشَّهَادَة كَانَت مترددة بَينهمَا كَمَا مرّ عَن الذَّخِيرَة، فالقائف والترجمان مثلا من حَيْثُ إِن فِي قوليهما إلزاماً لمُعين صَارا كالشاهد، وَمن حَيْثُ إنَّهُمَا منتصبان انتصاباً عَاما لجَمِيع النَّاس صَارا كالراوي الْمخبر، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمَا أشبها الْحَاكِم من حَيْثُ إِنَّه وجههما لذَلِك، وَهَكَذَا يُقَال فِي الخارص وَالقَاسِم وَغَيرهمَا من كل مَا لَا يباشره القَاضِي بِنَفسِهِ، وَلما كَانَت شُبْهَة الشَّهَادَة أقوى فِي جلّ الْأَفْرَاد أَو كلهَا لِأَن الشَّاهِد يشاركهم فِي الانتصاب الْمَذْكُور، وَإِن لم يشاركهم فِي غَيره كَانَ الِاثْنَان أولى كَمَا قَالَ النَّاظِم: وبقوة الشُّبْهَة وضعفها اخْتلف التَّرْجِيح فِي هَذِه الْأَفْرَاد فالمخبر عَن النَّجَاسَة أشبه الشَّاهِد فِي كَونه أخبر عَن وُقُوع نجس معِين فِي مَاء معِين. وَلما كَانَت حُرْمَة اسْتِعْمَاله لَا تخْتَص بِمعين كَانَ خَبرا مَحْضا وَكفى فِيهِ الْوَاحِد قطعا، وَلما كَانَ هِلَال رَمَضَان فِيهِ إِلْزَام الصَّوْم لمعينين موجودين فِي هَذَا الشَّهْر دون الْمَاضِي والآتي من الشُّهُور ترجح فِيهِ جَانب الشَّهَادَة فَلَا يَكْفِي فِيهِ غير عَدْلَيْنِ على الْمَشْهُور وَهَكَذَا. وَفِي المعيار عَن أبي مُحَمَّد أَن الْقرى بالبوادي إِذا كَانَت عَادَتهم التنيير عِنْد رُؤْيَة الْهلَال فَمن أصبح صَائِما لذَلِك التنيير فصيامه صَحِيح قِيَاسا على قَول ابْن الْمَاجشون فِي الرجل يَأْتِي الْقَوْم فيخبرهم بِأَن الْهلَال قد رُؤِيَ اه. وَظَاهر النّظم أَن الْوَاحِد الْمَذْكُور لَا بُد فِيهِ من الْعَدَالَة لذكره لَهُ فِي سِيَاق من تشْتَرط فِيهِ، وَهُوَ كَذَلِك مَا لم تتعذر فِي نَاظر الْعَيْب والطبيب وَنَحْوهمَا (خَ) وَقبل للتعذر غير عدُول وَإِن مُشْرِكين فَإِن قصر وَوجد لذَلِك من لَا نَعْرِف عَدَالَته مَعَ وجود الْعدْل لم يجز لَهُ الحكم بقوله، وَظَاهره أَيْضا أَنه يقبل الْوَاحِد وَلَو لم يُوجد لذَلِك من قبل الْحَاكِم وَهُوَ كَذَلِك فِي نَحْو الْمُفْتِي(1/182)
ونجاسة المَاء ورؤية الْهلَال عِنْد من يَكْتَفِي فِيهِ بِالْوَاحِدِ لَا فِي نَحْو الترجمان وَالقَاسِم وَنَحْوهمَا فَقَوْل الذَّخِيرَة: إِذا أَمر الْحَاكِم بذلك رَاجع للسبع الْمُتَقَدّمَة فقائس الْجرْح والناظر فِي الْعَيْب مثلا إِنَّمَا يقبلان إِذا توجها بِأَمْر الْحَاكِم وإلاَّ فَلَا بُد من اثْنَيْنِ كَمَا إِذا أديا بعد برْء الْجرْح أَو انهدام الْبُنيان أَو دفن الْأَب فِي الْقَافة (خَ) وَإِنَّمَا تعتمد الْقَافة على أَب لم يدْفن الخ. أَو موت الْمَعِيب وتغيره أَو غيبته أَو عِنْد حَاكم آخر، وَكَذَا بعد موت المترجم عَنهُ أَو المحلف بِفَتْح اللَّام فِيمَا يظْهر. وَقَوْلنَا: وتغيره احْتِرَازًا مِمَّا إِذا مَاتَ وَلم يتَغَيَّر فَإِنَّهُ مُلْحق بالحي كَمَا قَالَ بَعضهم. قلت: وَيدل لَهُ مَا مر عَن (خَ) فِي الْقَافة وَظَاهر إطلاقاتهم فِي الترجمان وَالقَاسِم يقبلان، وَلَو بعد إِنْكَار المترجم عَنهُ والمقسوم عَلَيْهِ كالمحلف بِالْكَسْرِ وإلاَّ أدّى للتسلسل هَذَا. وَفِي ابْن شَاس مَا نَصه: وَيشْتَرط التَّعَدُّد فِي الْمُزَكي والمترجم اه. قَالَ (ز) بِنَاء على أَنه أَي المترجم شَاهد وَهُوَ الْمَشْهُور وَحِينَئِذٍ فَقَوْل من قَالَ: إِن كَلَام ابْن شَاس فِيمَا إِذا أَتَى الْخصم بِمن يترجم عَنهُ غير ظَاهر بل كَلَامه مُطلق كَمَا ترى وَفِي (ح) عَن الْعُمْدَة أَن الحكم إِذا كَانَ لَا يتَضَمَّن مَالا فَلَا يجزىء إِلَّا بترجمة اثْنَيْنِ على الْمَذْهَب وإلاَّ فَقَوْلَانِ اه. فالترجمان مِمَّا ترجح فِيهِ جَانب الشَّهَادَة على هَذَا خلافًا لما فِي (خَ) حَيْثُ قَالَ: والمترجم مخبر هَذَا فِي ترجمان القَاضِي، وَيشْتَرط فِيهِ على الْقَوْلَيْنِ أَن لَا يكون عدوا للمترجم عَنهُ وَلَا قَرِيبا لخصمه كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَانْظُر هَل غَيره من الْقَاسِم وَنَحْوه كَذَلِك وَهُوَ الظَّاهِر أم لَا؟ وَعَلِيهِ فَإِذا طلب الْمَقْسُوم عَلَيْهِ وَنَحْوه الْقدح بِمَا ذكر أُجِيب وَأجل لَهُ، وَأما ترجمان الْفَتَاوَى والخطوط فَالْمُرَاد بِهِ أَن يقْرَأ الْفَتْوَى لمن لَا يحسن الْكِتَابَة أَو لَا يفهم الْقَلَم الَّذِي كتبت بِهِ أَو يَقُول إِنَّه خطّ فلَان، وَالْمرَاد بالمستنكه للسكران أَي شام ريح فِيهِ من نكهه كسمعه أَي نشقه أَي: ويجد. وَقَوله: كالتقويم للسلع أَي السّلع الْمُتْلفَات ولأروش الْجِنَايَات وَنَحْو ذَلِك كتقويم الْعرض الْمَسْرُوق هَل بلغت قِيمَته نِصَابا فَيقطع أم لَا (خَ) وَكفى قَاسم وَاحِد أَي فِيمَا يخبر أَنه صَار لكل وَاحِد مِنْهُم لَا مقوم الخ. أَي: فَلَا بُد فِيهِ من اثْنَيْنِ بل ذكر ناظم عمل فاس فِي شَرحه لَهُ أَن الْعَمَل بِعَدَمِ الِاكْتِفَاء بِالْوَاحِدِ فِي الْقَاسِم والمخبر عَن قدم الْعَيْب وحدوثه فَانْظُرْهُ. وَقَوله: والعيوب والرقبة أَي مَعَ الرَّقَبَة قَالُوا وَبِمَعْنى مَعَ أَي الْمُقَوّم للعيب مَعَ الرَّقَبَة وَقَوله: وَاخْتلف فِي الْحكمَيْنِ أَي فِي النُّشُوز، وَالله أعلم. تَنْبِيه: قَالَ المكناسي فِي مجالسه: إِن القَاضِي يشْتَرط على أَرْبَاب الْبَصَر بالمباني أَن لَا يحكموا بِالْحَائِطِ لأحد. وحسبهم أَن يصفوه فَقَط بِوَصْف يزِيل الْإِشْكَال وَيرْفَع الِاحْتِمَال، ثمَّ ينظر القَاضِي بعد أَدَاء شَهَادَتهم فِيهِ وَيحكم اه. قلت: وَكَذَا الواقفون مِنْهُم على الْحُدُود فِي الْأَرْضين والأجنات وَنَحْوهَا حسبهم أَن يصفوا لِأَن أَرْبَاب الْبَصَر مِمَّن لَا علم عِنْدهم فِي الْغَالِب، فقد يستندون إِلَى دَلَائِل ضَعِيفَة لَا تعْتَبر شرعا أَو مُعْتَبرَة، لكِنهمْ يأخذونها على غير وَجههَا، فَلِذَا وَجب أَن يذكرُوا الدَّلَائِل الَّتِي استندوا إِلَيْهَا من كَون العقد والقمط وَنَحْوهمَا لناحية كَذَا، وَمن كَون الحاجز فِي الْحُدُود هُوَ كَذَا. أما قبُول قَوْلهم: ظهر لنا أَن الْحَائِط لفُلَان مُطلقًا من غير بَيَان كَمَا عندنَا فِي هَذَا الزَّمَان فَمن الاستخفاف الَّذِي لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان. ولسادسها بقوله:(1/183)
وبِشَهادةٍ من الصِّبْيانِ فِي جَرْحٍ وقَتْلٍ بَيْنَهُمْ قدِ اكْتُفِي (وبشهادة) يتَعَلَّق بقوله اكْتفى (من الصّبيان) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة (فِي قتل) يتَعَلَّق بالاستقرار الَّذِي تعلق بِهِ الصّفة (وجرح) مَعْطُوف على مَا قبله (بَينهم) فِي مَحل الصّفة لقتل وجرح على وَجه التَّنَازُع أَو مَحْذُوف من الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ (قد اكْتفي) مَبْنِيّ للْمَفْعُول، ونائبه مَحْذُوف لدلَالَة السِّيَاق أَي عَن الْعُدُول. وَظَاهره أَنه يَكْتَفِي بهَا من غير قسَامَة وَهُوَ كَذَلِك وَمَا ذكره من جَوَازهَا عَلَيْهِ أَكثر أهل الْمَدِينَة وَهُوَ الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب، وَخَالف ابْن عَبَّاس وَالقَاسِم وَسَالم وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازهَا وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَابْن حَنْبَل وَأبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُم، وَبِه قَالَ ابْن عبد الحكم، وَاحْتج الْمَشْهُور بِأَنَّهَا لَو كَانَت لم تجز لَأَدَّى ذَلِك إِلَى إهدار دِمَائِهِمْ مَعَ أَنهم يندبون إِلَى تعلم الرَّمْي والصراع وَحمل السِّلَاح، وَالْغَالِب أَن الْكِبَار لَا يحْضرُون مَعَهم، وَلِهَذَا لم تجز شَهَادَة النِّسَاء وَإِن كن عُدُولًا فِيمَا يَقع بَينهُنَّ من قتل وجرح فِي عرس وحمام ومأتم بميم مَفْتُوحَة فهمزة سَاكِنة فمثناة فوقية أَي حزن لعدم ندبهن لذَلِك أَي: فَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى الِاجْتِمَاع الْمَذْكُور لِأَنَّهُ غير مَشْرُوع فاجتماعهن قَادِح فِي عدالتهن وَإِن شهدن بقتل الصّبيان الَّذِي يؤول لِلْمَالِ فأحرى بقتل بَعضهنَّ لِأَنَّهُ فِيهِ الْقصاص فِي الْعمد. وَلما كَانَت شَهَادَة الصّبيان على خلاف الأَصْل لم تجز إِلَّا بِشُرُوط أَشَارَ لأولها بقوله: وشَرْطُها التَّمْيِيُ والذُّكورَه والاتّفَاقُ فِي وقُوعِ الصُّورَه (وَشَرطهَا) مُبْتَدأ (التَّمْيِيز) خبر لِأَن غير الْمُمَيز لَا يضْبط مَا يَقُول وحدّ سنّ الْمُمَيز فِي الْمُدَوَّنَة لمن بلغ عشر سِنِين فَأَقل مِمَّا قاربها. وَعَن عبد الْوَهَّاب أَنه الَّذِي يعقل الشَّهَادَة وَهُوَ أخص مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَة (و) ثَانِيهَا (الذُّكُورَة) مَعْطُوف على الْخَبَر فَلَا تقبل شَهَادَة الْإِنَاث (و) ثَالِثهَا (الِاتِّفَاق) مَعْطُوف على الْخَبَر أَيْضا (فِي وُقُوع الصُّورَة) يتَعَلَّق بالِاتِّفَاقِ، فَإِن اخْتلفُوا وَقت تلقيها مِنْهُم سَقَطت كَمَا لَو قَالَ بَعضهم: قَتله الصَّبِي زيد وَقَالَ الآخر: بل الصَّبِي عَمْرو، وَلَا إِشْكَال فِي هَذِه إِن اتَّحد الْقَائِل من الْجَانِبَيْنِ لعدم تَمام النّصاب، وَكَذَا لَو شهد اثْنَان أَن الَّذِي قَتله فلَان وَقَالَ آخرَانِ بل ركضته دَابَّة على الصَّحِيح خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي قَوْله تقدم الشَّهَادَة بِالْقَتْلِ على الشَّهَادَة بالركض لِأَنَّهَا أثبت حَقًا، وَكَذَا لَو قَالَ اثْنَان: ضربه بعصا، والآخران بحديدة، أَو قَالَ اثْنَان: قَتله أَو شجه زيد، وَقَالَ الْآخرَانِ: بل عَمْرو هَذَا ظَاهره وَعَلِيهِ فَلَو لعب مِنْهُم سِتَّة فِي بَحر فغرق وَاحِد مِنْهُم فَقَالَ ثَلَاثَة من الْخَمْسَة الْبَاقِيَة: إِنَّمَا غرقه الِاثْنَان وَعكس الِاثْنَان فَقَالَا: إِنَّمَا غرقه الثَّلَاثَة سَقَطت شَهَادَتهم لعدم الِاتِّفَاق وَهُوَ ظَاهر نَص (خَ) الْآتِي أَيْضا. وَقيل: الدِّيَة على عَاقِلَة الْخَمْسَة لاتفاقهم أَن الْقَتْل لم يخرج عَنْهُم، وَبِه صدر فِي الشَّامِل وَنسبه فِي التَّبْصِرَة(1/184)
لمَالِك مُقْتَصرا عَلَيْهِ فِي الْقسم الثَّانِي وَصدر فِي الْقسم الثَّالِث بالسقوط، وَبِه صدر اللَّخْمِيّ أَيْضا وَقرر بِهِ (تت) وَغَيره كَلَام الْمُخْتَصر: مِن قَبْل أنْ يَفْتَرِقُوا أَو يَدْخُلا فِيهِمْ كَبِيرٌ خَوفَ أَن يُبَدَّلا (من قبل أَن يفترقوا) حَال من الِاتِّفَاق، وَهَذَا شَرط رَابِع فَإِن تلقيت بعد التَّفَرُّق لم تقبل وَلَو اتَّفقُوا (أَو) من قبل أَن (يدخلا فيهم) وَقت الْقَتْل أَو الْجرْح (كَبِير) أَي بَالغ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى عدلا أَو غَيره، فَإِن حضر مَعَهم لم تقبل، وَهَذَا شَرط خَامِس. وأو بِمَعْنى الْوَاو وَيدخل مَعْطُوف على يفترقوا، وَفِيهِمْ يتَعَلَّق بِهِ وكبير فَاعله وَإِنَّمَا اشْترط عدم التَّفَرُّق وَعدم الدُّخُول (خوف أَن يبدلا) الْكَبِير الْكَيْفِيَّة وَيُعلمهُم كَيفَ يشْهدُونَ فَهُوَ مفعول لأَجله تَعْلِيل للافتراق وَالدُّخُول، وَلَو قَالَ: أَو يحضرا مَعَهم كَبِير خوف أَن يُغير السّلم مِمَّا يُوهِمهُ لفظ الدُّخُول من أَنه دخل فيهم بعد الْفَرَاغ من الْوَاقِعَة، لِأَن هَذَا إِنَّمَا تسْقط بِهِ شَهَادَتهم إِذا قضى مَا يُمكنهُ فِيهِ التَّعْلِيم وَلَا يُمكن عدلا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي (خَ) فَلَا يُنَاسب إِطْلَاقه وَمَا مر من أَن حُضُور الْكَبِير يسْقط الشَّهَادَة وَاضح إِن كَانَ الْكَبِير غير عدل، وإلاَّ عمل على شَهَادَته إِن شهد بِشَيْء للاستغناء بِشَهَادَتِهِ مَعَ يَمِين الْمُدَّعِي وينتظر بُلُوغه إِن كَانَ صَغِيرا وَلَو كَانَ الْكَبِير الْعدْل امْرَأتَيْنِ فَأكْثر لِأَنَّهُنَّ يجزن فِي الْخَطَأ وَعمد الصَّبِي خطأ قَالَه الْبَاجِيّ. وَإِن لم يشْهد بِشَيْء وَقَالَ: لَا أَدْرِي عمل بِشَهَادَة الصّبيان انْظُر (ح) وسادس الشُّرُوط الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَلَا تقبل شَهَادَة الصَّبِي العَبْد أَو الْكَافِر، وسابعها أَن يَتَعَدَّد فَلَا تقبل شَهَادَة الْوَاحِد مِنْهُم وَالْأول مَفْهُوم من قَوْله: وبشهادة لِأَن العَبْد الْكَبِير إِذا كَانَت شَهَادَته لَا تسمى شَهَادَة وَهِي كَالْعدمِ فأحرى الصَّغِير وَالثَّانِي من الْجمع فِي قَوْله: الصّبيان. وثامنها: أَن لَا يشْهدُوا على كَبِير أَوله وَهَذَا يفهم من قَوْله بَينهم. وتاسعها: أَن لَا يكون الشَّاهِد عدوا للْمَشْهُود عَلَيْهِ وَلَا قَرِيبا للْمَشْهُود لَهُ وَلَا مَعْرُوفا بِالْكَذِبِ وَسَوَاء كَانَت الْعَدَاوَة بَين الصّبيان أَو بَين آبَائِهِم وَرُبمَا يفهم هَذَا من قَوْله شَهَادَة على حسب مَا مر فِي الشَّرْط السَّادِس. وعاشرها: أَن يعاين الْبدن مقتولاً فَلَا تقبل شَهَادَتهم مَعَ فَقده كَمَا لَو سقط فِي بَحر وَلم يخرج مِنْهُ وَرُبمَا يشْعر بِهِ قَوْله فِي قتل إِذْ لَا يَتَّصِف الْمَقْتُول بِالْقَتْلِ على التَّحْقِيق إِلَّا بمعاينته مَيتا (خَ) إِلَّا الصّبيان لَا نسَاء فِي كعرس فِي جرح أَو قتل وَالشَّاهِد حر مُمَيّز ذكر تعدد لَيْسَ بعدو وَلَا قريب وَلَا خلاف بَينهم وَفرْقَة إِلَّا أَن يشْهد عَلَيْهِم قبلهَا وَلم يحضر كَبِير وَيشْهد عَلَيْهِ أَولا. وَلَا يقْدَح رجوعهم وَلَا تجريحهم الخ. وَالْمُنَاسِب للاختصار إِسْقَاط قَوْله: إِلَّا أَن يشْهد عَلَيْهِم قبلهَا لِأَن عدم الْفرْقَة إِنَّمَا اشْترط لمظنة التَّعْلِيم مَعَ وجودهَا وهم إِذا شهدُوا عَلَيْهِم قبلهَا انْتَفَت المظنة وَصدق عَلَيْهِم أَنهم مشهود عَلَيْهِم قبل الْفرْقَة فَمَا اسْتَثْنَاهُ مَفْهُوم من قَوْله وَلَا فرقة.(1/185)
تَنْبِيهَانِ الأول: مَا تقدم من أَن الدِّيَة فِي مَسْأَلَة الصّبيان الَّذين يَلْعَبُونَ فِي الْبَحْر على عواقلهم هُوَ مَذْهَب الإِمَام نَقله الْقَرَافِيّ فِي شرح الْجلاب. وَنقل ابْن يُونُس عَن رِوَايَة ابْن وهب مثله ثمَّ قَالَ بعده قَالَ مُحَمَّد: يَعْنِي ابْن الْمَوَّاز هَذَا أَي مَا قَالَه الإِمَام غلط، بل لَا تجوز يَعْنِي شَهَادَتهم فِي تِلْكَ الصُّورَة ولضعف مَا للْإِمَام صدر اللَّخْمِيّ بمقابله كَابْن فَرِحُونَ فِي أول الْقسم الثَّالِث من تبصرته قَائِلا لِأَن الصّبيان لَا إِقْرَار لَهُم قَالَ: فليسوا كالكبار السِّتَّة مثلا يَلْعَبُونَ فِي الْبَحْر فيغرق وَاحِد مِنْهُم فَيشْهد ثَلَاثَة مِنْهُم على اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غرقاه، وَيشْهد الِاثْنَان بعكس ذَلِك فَإِن الدِّيَة فِي أَمْوَالهم إِن قَالُوا عمدا وعَلى عاقلتهم إِن قَالُوا خطأ لأَنهم تقاروا أَن مَوته كَانَ من قبلهم وسببهم إِلَّا أَنهم تراموا بِهِ بِخِلَاف الصغار فَإِنَّهُم لَا إِقْرَار لَهُم فاستفيد من هَذَا تَرْجِيح القَوْل بِعَدَمِ الْجَوَاز كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَإِن كَانَ اللَّخْمِيّ حكى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَة الْكِبَار بالسقوط وَعَدَمه وَاخْتَارَ السُّقُوط وَهُوَ الظَّاهِر إِذْ لَا إِقْرَار هُنَا فِي الْحَقِيقَة وَلَا سِيمَا إِن لم يَكُونُوا عُدُولًا فَإِن كَانُوا عُدُولًا فَهُوَ من إِعْمَال شَهَادَة كل فريق على الآخر وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا قتلوا دَابَّة أَو كسروا آنِية وتراموا ذَلِك. الثَّانِي: لَو شهد صبيان فَأكْثر بِأَن الصَّبِي فلَانا قتل صَبيا آخر وَشهد عَدْلَانِ أَنه لم يقْتله بل مَاتَ بِسَبَب آخر فَقَوْلَانِ. بِتَقْدِيم شَهَادَة الصّبيان لِأَنَّهَا أوجبت حَقًا أَو العدلين وَاخْتَارَ اللَّخْمِيّ تَقْدِيم العدلين اه.
(فصل)
ذكر فِيهِ الْقسم الثَّانِي من أَقسَام الشَّهَادَات فَقَالَ: ثَانِيَةٌ تُوجِبُ حَقاً مَعْ قَسَمْ فِي المالِ أَو مَا آلَ لِلْمالِ تَؤَمْ (ثَانِيَة) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف أَي شَهَادَة ثَانِيَة (توجب) بِضَم التَّاء وَكسر الْجِيم (حَقًا) مفعول وَالْجُمْلَة خبر (مَعَ قسم) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بتوجب أَي توجب هِيَ أَي الشَّهَادَة مَعَ الْقسم من الْمُدَّعِي الْحق الْمُدعى بِهِ (فِي المَال) يتَعَلَّق بتؤم (أَو مَا آل لِلْمَالِ) مَعْطُوف على مَا قبله (تؤم) أَي تقصد بِضَم التَّاء وَفتح الْهمزَة مَبْنِيّ للْمَفْعُول حَال من فَاعل توجب وَقَوله: أَو مَا آل لِلْمَالِ أَي إِلَيْهِ أَي كالأجل وَالْكَفَالَة وَالْخيَار وَالشُّفْعَة وَالْإِجَارَة وَقتل الْخَطَأ وجراحة وَأَدَاء كِتَابَة وإيصاء بِتَصَرُّف فِيهِ أَي المَال، أَو بِأَنَّهُ حكم لَهُ بِهِ قَالَه (خَ) . وَمعنى الْأَخير أَن من حكم لَهُ القَاضِي بِمَال ثمَّ أَرَادَ طلبه فِي غير مَحل الحكم وَعِنْده شَاهد وَاحِد أَو امْرَأَتَانِ على حكم القَاضِي فَإِنَّهُ يحلف وَيسْتَحق على الْمَشْهُور وَمُقَابِله ضَعِيف، وَإِن شهره ابْن الْحَاجِب وَفهم مِنْهُ أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا يؤول إِلَيْهِ لَا يثبت بِشَاهِد أَو امْرَأتَيْنِ مَعَ الْيَمين. وَيرد عَلَيْهِ مَا فِيهِ الْقصاص من جراح الْعمد فَإِنَّهُ يثبت بِمَا ذكر. وَأجِيب: بِأَن هَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس خِلَافه، وَظَاهر قَوْله فِي المَال أَنه يثبت(1/186)
بِمَا ذكر، وَلَو أدّى لغير المَال وَهُوَ كَذَلِك كَشَهَادَة من ذكر بِأَن الْأمة قد أدَّت نُجُوم الْكِتَابَة أَو أَن ابْنهَا أَو زَوجهَا قد اشْتَرَاهَا فتؤدي إِلَى الْعتْق فِي الْأَوَّلين وَإِلَى الْفِرَاق فِي الثَّالِث كَمَا مرّ، وَكَذَا لَو شهد من ذكر بِاسْتِحْقَاق حدّ قذف فَإِن الْحَد يسْقط عَن قَاذفه وَأَحْرَى فِي الَّذِي يؤول لِلْمَالِ كَشَهَادَة من ذكر بدين على رجل وَقد أعتق عبدا لَا يملك غَيره، فَإِن الْعتْق يرد وَيرجع العَبْد إِلَى الْملك، وَاخْتلف هَل يحلف الْمَشْهُود لَهُ مَعَ شَاهده قبل الْإِعْذَار أَو حَتَّى يعْذر للمطلوب فِيهِ لِئَلَّا تذْهب يَمِينه بَاطِلا وَهُوَ الصَّحِيح؟ قَولَانِ: مَا قَالَه أَبُو الْحسن فِي كتاب الْجِنَايَات. قَالَ: بذلك وَقعت الْفَتْوَى بسؤال أَتَى من سبتة اه. وَنَقله ابْن رحال فِي شَرحه وَقَالَ بعده: وَكَذَا يَمِين الِاسْتِحْقَاق فَإِن هَذِه الْعلَّة جَارِيَة فِيهِ لِأَن الْمُسْتَحق من يَده رُبمَا يخرج بِبَيِّنَة الْمُسْتَحق فتذهب يَمِينه بَاطِلا اه. وَقَوله: بِيَمِين الِاسْتِحْقَاق نَحوه فِي المعيار عَن بَعضهم وعللوه بِمَا مرّ وَهُوَ خلاف قَول النَّاظِم الْآتِي وَفِي سواهَا قبل الْإِعْذَار بِحَق الخ، وَإِذا فرعنا على الصَّحِيح فَإِنَّمَا ذَلِك ابْتِدَاء فَإِذا وَقع مضى فَمن اسْتحق دَابَّة مثلا وأتى بهَا إِلَى بَلَده وأثبتها وحلفه قَاضِي بَلَده يَمِين الِاسْتِحْقَاق فَإِنَّهَا تُجزئه ويعذر للْمُسْتَحقّ مِنْهُ فِي الْبَيِّنَة إِن طلب ذَلِك فَإِن عجز أَو لم يطْلب الْقدح اكْتفى بِتِلْكَ الْيَمين، وَكَذَا يُقَال فِي الْيَمين مَعَ الشَّاهِد وَالله أعلم. ثمَّ إِن هَذَا الْقسم الَّذِي يُوجب الْحق مَعَ الْقسم تَحْتَهُ أَرْبَعَة أَنْوَاع. أَشَارَ لأولها بقوله: شَهادَةُ العَدْلِ لمِنْ أقامَهْ وامْرَأتانِ قامَتا مَقَامَهْ (شَهَادَة الْعدْل) الْوَاحِد مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي من ذَلِك شَهَادَة الْعدْل الخ. أَو وَهِي شَهَادَة الْعدْل (لمن) يتَعَلَّق بِشَهَادَة (أَقَامَهُ) صلَة من أَي شهد لَهُ بِمِائَة من سلف مثلا أَو إِن البيع بَينهمَا بِخِيَار أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يحلف مَعَه وَيسْتَحق. ولثانيها بقوله: (وَامْرَأَتَانِ) عدلتان مُبْتَدأ خَبره (قامتا مقَامه) بِفَتْح الْمِيم ظرف من قَامَ الثلاثي وضميره يعود على الْعدْل، وَأما بضَمهَا فَهُوَ(1/187)
من أَقَامَ الرباعي أَي قامتا مقَامه فِي ثُبُوت الْحق بِشَهَادَتِهِمَا مَعَ الْيَمين، وَيجوز أَن يكون قَوْله امْرَأَتَانِ بِأَلف التَّثْنِيَة مُبْتَدأ حذف خَبره أَو خبر لمبتدأ مُضْمر أَي من ذَلِك أَو هِيَ امْرَأَتَانِ أَي شَهَادَتهمَا بِحَذْف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَالْجُمْلَة بعده صفة أَي من صفتهما قامتا مقَامه فِي الاتصاف بِالْعَدَالَةِ فَهُوَ من عطف الْجمل فِي هَذِه الْوُجُوه، وَإِمَّا على نُسْخَة الْيَاء إِن صحت فَوَاضِح عطفه على الْعدْل فَهُوَ من عطف الْمُفْردَات. وَقَوله: وَامْرَأَتَانِ أَي فَأكْثر وَلَو كن مائَة فهن بِمَنْزِلَة الْعدْل الْوَاحِد قَالَ فِي الرسَالَة: وَمِائَة امْرَأَة كامرأتين وَذَلِكَ كَرجل وَاحِد الخ. قَالَ شراحها: يُرِيد أَو أَكثر من مائَة وَكَانَ الغبريني يَقُول: إِذا بلغن هَذَا الْعدَد خرجن من بَاب الشَّهَادَة إِلَى بَاب الانتشار المحصل للْعلم وَانْظُر (ق) عِنْد قَوْله: وَبِمَا لَيْسَ بِمَال الخ. وَظَاهر قَوْله: توجب الْحق الخ. أَن صَاحب الشَّاهِد وَالْيَمِين يحاصص مَعَ ذِي الشَّاهِدين لِأَن كلاًّ من الْحَقَّيْنِ ثَابت وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَيْضا جَوَازهَا فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ وَلَو شاركهما مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ كَشَهَادَة امْرَأتَيْنِ مثلا بدين وَطَلَاق أَو بِوَصِيَّة بِمَال وَعتق فَتبْطل فِي الطَّلَاق وَالْعِتْق دون المَال وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور من أَن الشَّهَادَة إِذا جَازَ بَعْضهَا للسّنة جَازَ مِنْهَا مَا أجازته دون غَيره. تَنْبِيه: إِذا نكل عَن الْيَمين مَعَ شَاهده فَوجدَ ثَانِيًا لم يعلم بِهِ بعد تَحْلِيف خَصمه أَو قبله ضم إِلَى الأول وَقضى لَهُ بِغَيْر يَمِين وَلَيْسَ نُكُوله تَكْذِيبًا لشهادة الأول، وَكَذَا لَو نكل مَعَ شَاهده فِي حق لم يمنعهُ نُكُوله أَن يحلف مَعَه إِذا شهد لَهُ فِي حق آخر وَلَا يَرث من أَقَامَ شَاهدا أَو امْرَأتَيْنِ بِمَوْت فلَان وَأَنه وَارثه مَعَ الثَّابِت النّسَب بِشَاهِدين. نعم إِن لم يكن لَهُ وَارِث ثَابت النّسَب حلف من ذكر وَاسْتحق المَال لَا النّسَب، وَكَذَا الْمَرْأَة تقيم امْرَأتَيْنِ أَو شَاهدا على النِّكَاح بعد مَوته فَإِنَّهَا تحلف وتستحق على قَول ابْن الْقَاسِم خلافًا لما يُوهِمهُ كَلَام ابْن فَرِحُونَ فِي الْبَاب الثَّالِث من الْقسم الثَّانِي من أَنه لَا بُد من عَدْلَيْنِ مُطلقًا إِلَّا فِي حصر الْوَرَثَة فَيَكْفِي الشَّاهِد وَالْيَمِين، لِأَن ذَلِك لَا يجْرِي إِلَّا على قَول أَشهب كَمَا ذكره هُوَ فِي الْمحل الْمَذْكُور. فَإِن قلت: فَمَا بَال الشُّرَّاح تواطؤوا على اعْتِرَاض قَول (خَ) فِي الِاسْتِلْحَاق وَعدل يحلف مَعَه وَيَرِث وَلَا نسب الخ. تبعا لاعتراض ابْن عَرَفَة وضيح على قَول ابْن الْحَاجِب، وَعدل يحلف مَعَه ويشاركهما وَلَا نسب الخ. وهلا حملُوا كَلَامهمَا على مَا إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب؟ قلت: لما فرض ابْن الْحَاجِب الْمَسْأَلَة فِي الْوَلَدَيْنِ لزم مُطلقًا حُصُول الْوَارِث الْمَعْرُوف وَهِي مُتَّفق فِيهَا على عدم الْإِرْث، وَبِهَذَا أَيْضا يَتَّضِح مَا اعْترض بِهِ الشُّرَّاح قَول (خَ) فِي الِاسْتِلْحَاق، وَبِمَا جزم بِهِ فِي الشَّهَادَات من أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَهُوَ آيل إِلَى المَال يَكْفِي فِيهِ الشَّاهِد والمرأتان أَو أَحدهمَا مَعَ الْيَمين، وَمثله بقوله: وَنِكَاح بعد موت أَو سبقيته وَلَا زَوْجَة وَلَا مُدبر(1/188)
الخ. ثمَّ قَالَ فِي الْعتْق: وَالْوَلَاء أَن الشَّاهِد بِالْقطعِ أَو الشَّاهِدين على السماع بِالنّسَبِ يثبت بهما المَال مَعَ الْيَمين أَي لتقييد مَا فِي الشَّهَادَات وَالْعِتْق وَالْوَلَاء بِمَا إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث ثَابت النّسَب وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك التَّقْيِيد فِي كتاب الِاسْتِلْحَاق لفرض ابْن الْحَاجِب وَقَرِيب مِنْهُ كَلَام (خَ) الْمَسْأَلَة مَعَ وجود الْوَارِث الثَّابِت النّسَب، وَقد علم من هَذَا أَن الْمَوْت يثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين بِاعْتِبَار الْإِرْث كَمَا مرّ عَن (خَ) . وَقد صرح ابْن رحال فِي حَاشِيَته بِأَنَّهُ الْمَذْهَب وَأَحْرَى مَعَ حصر الْوَرَثَة كَمَا مرّ عَن ابْن فَرِحُونَ، وَتقدم فِي الْفَصْل قبله عَن اللَّخْمِيّ وَمَفْهُوم قَوْله بعد موت أَنه فِي الْحَيَاة لَا يثبت بذلك وَهُوَ كَذَلِك. فَإِن قلت: هُوَ فِي الْحَيَاة لَيْسَ بِمَال وَلكنه يؤول لِلْمَالِ وَهُوَ الصَدَاق، وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِب أَن يثبت بِمَا ذكر. قُلْنَا: هُوَ يؤول لِلْمَالِ وَلغيره من الزَّوْجِيَّة ولواحقها من النّسَب وَغَيره لَا لِلْمَالِ فَقَط، فَلَو أعملنا فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين أدّى إِلَى التَّنَاقُض وَهُوَ الإعمال فِي المَال وَعدم الإعمال فِي الزَّوْجِيَّة فَتكون الشَّهَادَة عاملة غير عاملة قَالَه القلشاني. وتأمله مَعَ قَوْلهم الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب أَن الشَّهَادَة إِذْ رد بَعْضهَا للسّنة صحت فِي غَيره كمن شهد فِي وَصِيَّة بِعِتْق وَمَال لرجل تبطل فِي الْعتْق، وَتَصِح فِي المَال للرجل نَقله ابْن عَرَفَة. وَمثله قَول (خَ) وَالْمَال دون الْقطع فِي سَرقَة كَقَتل عبدا آخر الخ. فَلم لَا يُقَال تصح فِي الصَدَاق وَتبطل فِي الزَّوْجِيَّة ولواحقها إِلَّا أَن يُقَال الصَدَاق فرع النِّكَاح فَلَا يثبت إِلَّا حَيْثُ يثبت أَصله. تَنْبِيه: الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين مِمَّا خَالف فِيهِ أهل الأندلس مَذْهَب الإِمَام مَالك كَمَا مرّ مَعَ نَظَائِره. قَالَ ابْن لبَابَة: اخْتِلَاف الْعلمَاء وَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين مَعْرُوف وقضاتنا لَا يرَوْنَ ذَلِك. وَقَالَ ابْن الْقصار فِي اخْتِصَار مسَائِل الْخلاف للْقَاضِي عبد الْوَهَّاب: كل مَوضِع قبل فِيهِ شَاهد وَامْرَأَتَانِ قبل فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين عندنَا، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَدَاوُد وَهُوَ قَول أبي بكر وَعلي وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة وَشُرَيْح، وَقَالَ اللَّخْمِيّ وَابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يجوز الحكم بِالشَّاهِدِ يَعْنِي أَو الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الْيَمين وَإِن حكم قَاض بذلك نقض حكمه وَهُوَ بِدعَة وَبِذَلِك قَالَ الزُّهْرِيّ قَالَ: وَالْحكم بِهِ بِدعَة وَأول من قضى بِهِ مُعَاوِيَة اه. فَأطلق كالناظم فَظَاهره كَانَ مبرزاً أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد كَمَا أطلق فِي ذَلِك (خَ) وَغَيره، خلافًا لِابْنِ عبد الحكم فِي أَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُبين الْعَدَالَة لَا غير. ولثالثها بقوله: وَهَا هُنا عنَّ شاهِدٍ قد يُغْني إرْخَاءُ سِتْرٍ واحْتيازُ رَهْنِ (وَهَهُنَا عَن شَاهد) يتَعَلَّق بقوله: (قد يُغني) وَقد للتحقيق لِكَثْرَة ذَلِك (إرخاء ستر) فَاعل(1/189)
يُغني (واحتياز رهن) مَعْطُوف على مَا يَلِيهِ. واليَدُ مَعْ مُجَرَّدِ الدَّعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; أَو أنْ تَكَافَأتْ بَيِّنَتان فاسْتَبِنْ (وَالْيَد) بِالرَّفْع مَعْطُوف على إرخاء (مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى) فِي مَحل نصب على الْحَال من الْيَد (أَو أَن) بِفَتْح الْهمزَة وَنقل حركتها للواو (تكافأت بينتان) الْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على مُجَرّد أَي الْيَد مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى أَو تكافىء الْبَيِّنَتَيْنِ، وَفِي بعض النّسخ وَإِن بِكَسْر الْهمزَة وَالْوَاو الَّتِي بِمَعْنى أَو فَهِيَ شَرط مَعْطُوف على مَعَ مَدْخُول الْيَد، وَفعله الْجُمْلَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل من تكافأت بينتان وَالْجَوَاب مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، إِذْ الْمَعْنى وَإِن تكافأت الْبَيِّنَتَانِ فاليد تغني. (فاستبن) تتميم. والمُدَّعى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; عَلَيْهِ يَأْبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; القَسَما وَفِي سِو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى ذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ خُلْفٌ عُلِما (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ) مَعْطُوف على إرخاء (يَأْبَى القسما) حَال من الْمَعْطُوف الْمَذْكُور، فَهَذِهِ أَمْثِلَة خَمْسَة للشَّاهِد الْعرفِيّ وَهُوَ بَيَان لقَوْله فِيمَا مر: وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من قد عضدا مقاله عرف أَو أصل شَهدا وَكَأَنَّهُ عقد فِي هَذِه الأبيات قَول المتيطي مَا نَصه: وَأما الشَّهَادَة الَّتِي توجب الْمَشْهُود بِهِ مَعَ الْيَمين فَإِنَّهَا أَقسَام أَحدهَا: شَاهد عدل أَو امْرَأَتَانِ فِي الْأَمْوَال، ثمَّ قَالَ: وَالثَّالِث مَا يقوم مقَام الشَّاهِد من الرَّهْن وإرخاء السّتْر ونكول الْمُدعى عَلَيْهِ وَمَعْرِفَة العفاص والوكاء وَالْيَد مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى أَو مَعَ تكافىء الْبَيِّنَتَيْنِ وَمَا أشبه ذَلِك اه. فأسقط مِنْهُ المُصَنّف معرفَة العفاص والوكاء لترجيح عدم الْيَمين فيهمَا وأدخلهما مَعَ غَيرهمَا فِي قَوْله: (وَفِي سوى ذَلِك) يتَعَلَّق بعلما (خلف)(1/190)
مُبْتَدأ (علما) خَبره فَأَشَارَ (خَ) لأولها بقوله: وصدقت فِي خلْوَة الاهتداء وَإِن بمانع شَرْعِي الخ. وَالْمرَاد بإرخاء السّتْر مُجَرّد الْخلْوَة وَإِن لم يكن هُنَاكَ ستر وَلَا غلق بَاب، وَلذَا كَانَت الْمَغْصُوبَة تحمل بِبَيِّنَة مصدقة كَالزَّوْجَةِ فِي دَعْوَى الْوَطْء وَلكُل مِنْهُمَا الصَدَاق كَامِلا. وَيَكْفِي فِي ثُبُوت خلْوَة الاهتداء وَالْغَصْب شَاهد أَو امْرَأَتَانِ مَعَ الْيَمين لِأَنَّهَا دَعْوَى تؤول إِلَى المَال، وَأما بِاعْتِبَار الْعدة والاستبراء وَقد أنْكرت الْخلْوَة وَالْوَطْء فَلَا بُد من عَدْلَيْنِ وَبِاعْتِبَار حد الْغَاصِب لَا بُد من أَرْبَعَة. ولثانيها بقوله: ولراهن بِيَدِهِ رَهنه، وَقَوله: هُوَ كالشاهد فِي قدر الدّين لِأَن معنى مَا فِي النّظم أَن احتياز الرَّهْن شَاهد للرَّاهِن بِدفع الدّين وللمرتهن بِقدر دينه، فَإِذا حازه الرَّاهِن بعد أَن كَانَ بيد الْمُرْتَهن فَهُوَ شَاهد بِالدفع، وَإِن كَانَ لَا زَالَ محوزاً بيد الْمُرْتَهن فَهُوَ شَاهد بِقدر الدّين، ولثالثها بقوله: وبيد ان لم ترجح بَيِّنَة مُقَابِله، فَقَوله: إِن لم ترجح قَضِيَّة سالبة لَا تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع فَتصدق بِمَا إِذا لم تُوجد بَيِّنَة فِي مُقَابلَة الْيَد أصلا، وَإِنَّمَا هُنَاكَ مُجَرّد الدَّعْوَى أَو وجدت وتكافأت مَعَ بَيِّنَة ذِي الْيَد فيتساقطان كَمَا أَشَارَ لَهُ بعد بقوله: وَإِن تعذر التَّرْجِيح سقطتا. وَبَقِي بيد حائزه وَهُوَ الْمِثَال الرَّابِع فِي النّظم ولخامسها بقوله: وَإِن نكل فِي مَال وَحقه اسْتحق بِهِ بِيَمِين إِن حقق فضمير نكل للمطلوب وضميراستحق وحقق للطَّالِب وَضمير بِهِ للنكول، وَمَفْهُوم إِن حقق أَنه فِي دَعْوَى الاتهام يسْتَحق بِمُجَرَّد النّكُول فَقَوْل النَّاظِم: يَأْبَى القسما أَعم من أَن يكون فِي دَعْوَى تَحْقِيق أَو اتهام إِلَّا أَن النّكُول فِي الاتهام كشاهدين لَا كشاهد فَقَط، قَالَ ابْن شَاس: وَإِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا أَحْلف أَو أَنا ناكل أَو قَالَ للْمُدَّعِي: احْلِف أَنْت وَتَمَادَى على الِامْتِنَاع فقد تمّ نُكُوله فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك: أَنا أَحْلف لم يقبل مِنْهُ اه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَلَا يُمكن مِنْهَا ان نكل وَقَالَ قبله: وَلَيْسَ للْحَاكِم حكمه أَي حكم النّكُول بِأَن يشْرَح للمطلوب مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ، وَأَنه إِن نكل حلف الطَّالِب وَاسْتحق وَأَنه لَا يقبل مِنْهُ الرُّجُوع للْيَمِين، وَظَاهره كعبارة الْمُدَوَّنَة الْوُجُوب وَعَلِيهِ فَهُوَ شَرط فِي صِحَة الحكم كالإعذار. كَمَا قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهُوَ الْحق وَلَعَلَّ مَحل الْوُجُوب إِذا كَانَ الْمَطْلُوب يجهل حكمه، وَرُبمَا أشعر قَول النَّاظِم: يَأْبَى القسما أَن الطَّالِب إِذا امْتنع من الْحلف مَعَ شَاهده فنكوله شَاهد للمطلوب فَيحلف وَيبرأ لِأَن الطَّالِب بشاهده صَار فِي معنى الْمُدعى عَلَيْهِ، ثمَّ إِن الْإِشَارَة فِي قَول النَّاظِم: ذَلِك الخ. رَاجِعَة لما مرّ من الْأَمْثِلَة فَيشْمَل العفاص والوكاء فِي اللّقطَة (خَ) ورد بِمَعْرِِفَة مشدود فِيهِ وَبِه وعدده بِلَا يَمِين، وَقَالَ فِي النِّكَاح: وَقبل دَعْوَى الْأَب فَقَط فِي إعارته لَهَا فِي السّنة بِيَمِين وصدقت فِي انْقِضَاء عدَّة الإقراء والوضع بِلَا يَمِين مَا أمكن والغمط وَالْعقد فِي الْحِيطَان، وَدَعوى الشّبَه فِي الْبياعَات كَقَوْلِه فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل، فَالْقَوْل لمنكر التقضي. وَفِي قبض الثّمن أَو السّلْعَة فَالْأَصْل بقاؤهما وَالْقَوْل لمُدعِي الصِّحَّة وَقَوله فِي الْعُيُوب،(1/191)
وَالْقَوْل للْبَائِع فِي الْعَيْب أَو قدمه إِلَّا بِشَهَادَة عَادَة للْمُشْتَرِي وَفِي الوكالات، وَالْقَوْل لَهُ إِن ادّعى الْإِذْن أَو صفة لَهُ وَصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ، وَفِي الْإِجَارَات وَالْقَوْل للْأَجِير أَنه وصل كتابا أَو خُولِفَ فِي الصّفة أَو فِي الْأُجْرَة إِن أشبه وَحَازَ إِلَى غير ذَلِك، فالمغني عَن الشَّاهِد الْحَقِيقِيّ أحد أَمريْن الأَصْل أَو الْعرف، وَذَلِكَ شَائِع فِي أَبْوَاب الْفِقْه كَمَا ترى فَقَوله: خلف أَي فِي الرَّاجِح فالشاهد الْعرفِيّ وَإِن اخْتلف فِيهِ من أَصله هَل هُوَ كشاهد أَو شَاهِدين، لَكِن اخْتلف الرَّاجِح باخْتلَاف أَفْرَاده فَكَأَنَّهُ يَقُول هَذِه الْأَمْثِلَة الرَّاجِح فِيهَا أَنَّهَا كشاهد وَفِي سواهَا اخْتلف الرَّاجِح باخْتلَاف الْأَفْرَاد فَفِي بَعْضهَا الرَّاجِح أَنه كشاهدين فَلَا يَمِين كاللقطة وانقضاء الْعدة والنكول فِي التُّهْمَة وَبعد الْقلب كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده وَنَحْو ذَلِك وَفِي بَعْضهَا أَنه كشاهد فَقَط كالأمثلة الْبَاقِيَة. انْظُر شرح المنجور لمنهج الزقاق، وَمن الْأَفْرَاد الَّتِي الرَّاجِح فِيهَا أَنه كشاهدين نُكُول الْمُدَّعِي بعد نُكُول الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا قَالَ: [وَلَا يَمِينَ مَعْ نُكُولِ المُدَّعي بَعْدُ ويُقْض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى بِسُقُوطِ مَا ادُّعِي (وَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (يَمِين) اسْمهَا وَلَو فَرعه بِالْفَاءِ المفيدة لكَونه من أَفْرَاد قَوْله خلف لَكَانَ أظهر (مَعَ نُكُول الْمُدَّعِي) خَبَرهَا (بعد) ظرف مَقْطُوع يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من نُكُول أَي: لَا يَمِين على الْمَطْلُوب ثَابِتَة مَعَ نُكُول الْمُدَّعِي حَال كَونه كَائِنا بعد نُكُول الْمَطْلُوب وَعكس كَلَام النَّاظِم، وَهُوَ أَن ينكل الْمَطْلُوب بعد نُكُول الطَّالِب من الْحلف مَعَ شَاهده كَذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْلهم: النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للناكل الأول، وَظَاهره أَنه لَا يَمِين على الْمَطْلُوب سَوَاء قلب الْيَمين المتوجبة عَلَيْهِ على الطَّالِب فَقَالَ لَهُ: احْلِف أَنْت وَلَك مَا تدعيه أَو لم يقلبها، وَلَكِن قَالَ: أَنا لَا أَحْلف أَو تَمَادى على الِامْتِنَاع فنكل الطَّالِب أَيْضا وَهُوَ كَذَلِك، وَيتم نُكُول الْمُدَّعِي هُنَا بِمَا يتم بِهِ نُكُول الْمَطْلُوب فِي الْبَيْت قبله، وَإِذا تمّ نُكُوله بِمَا مرّ فَلَا يُمكن مِنْهَا إِن أقلع عَن نُكُوله كَمَا مر عَن (خَ) وَابْن شَاس وَهُوَ معنى قَوْله: (وَيَقْضِي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (بِسُقُوط) نَائِبه (مَا) مَصْدَرِيَّة أَو مَوْصُولَة (ادعِي) صلتها أَي دَعْوَاهُ أَو الَّذِي ادَّعَاهُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يجد بَيِّنَة بعد نُكُوله فَلَا يسْقط حَقه حِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَظَاهر قَوْله بعد أَي بعد نُكُوله كَانَ مَعَ الْقلب أَو بِدُونِهِ أَن لَهُ الْقلب وَلَو كَانَ الْتزم حَلفهَا كَمَا أَفَادَهُ (ح) بقوله بِخِلَاف مدعى عَلَيْهِ التزمها، ثمَّ رَجَعَ الخ.(1/192)
وَهَذَا قَول أبي عمرَان، وَعلله بِأَن الْتِزَامه لَا يكون أَشد من إِلْزَام الله إِيَّاه فَإِن كَانَ لَهُ أَن يرد الْيَمين ابْتِدَاء مَعَ إِلْزَام الله لَهُ إِيَّاهَا فالتزامه هُوَ تَأْكِيد فَقَط لَا يُؤثر شَيْئا. ورده اللَّقَّانِيّ فِي حَوَاشِي ضيح بِأَنا لَا نسلم أَن الله ألزمهُ الْيَمين بل خَيره بَينهَا وَبَين ردهَا على الْمُدَّعِي، وَمن التزمها فقد أسقط حَقه من ردهَا اه. وَنَحْوه لِابْنِ رحال فِي شَرحه قَائِلا لِأَن الْمَذْهَب أَن من الْتزم حَقًا لغيره لزمَه بالْقَوْل وَهُوَ قد الْتزم أَن لَا ينْتَقل عَن الْيَمين إِلَى قَلبهَا، وَالْمُدَّعِي لَهُ حق فِي عدم الْقلب، فَكيف يَصح تَعْلِيل أبي عمرَان لمن أنصف، وَإِنَّمَا يجْزم بقول ابْن الْكَاتِب الْقَائِل بِأَن الِالْتِزَام الْمَذْكُور يسْقط حَقه من ردهَا. قَالَ: وتعليل أبي عمرَان مَأْخُوذ من لفظ الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر، وَذَلِكَ غير مُفِيد لِأَن ذَلِك مَحْمُول على الْخِيَار بِلَا خلاف، وَأَيْضًا يلْزم عَلَيْهِ أَن الْمُدَّعِي يلْزمه إِقَامَة الْبَيِّنَة مَعَ أَنه يجوز لَهُ تَركهَا وَيحلف الْمَطْلُوب اه بِاخْتِصَار. قلت: وَالْحَاصِل أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْتزم هُنَا الْحلف والناكل فِيمَا مرّ الْتزم عَدمه، وبالالتزام الْمَذْكُور فِي الصُّورَتَيْنِ يتَعَلَّق حق الْخصم إِذْ من الْتزم شَيْئا فقد أسْقطه حَقه من غَيره، فَابْن الْكَاتِب طرد الحكم فيهمَا وَأَبُو عمرَان فصل بِمَا ترى وَهُوَ محجوج بِمَا مرّ، وَلذَا درج ناظم الْعَمَل على مَا لِابْنِ الْكَاتِب فَقَالَ: والخصم يخْتَار الْيَمين وَنكل فَمَا لقلبها سَبِيل أَو مَحل وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن التَّبْصِرَة عِنْد قَوْله يسوغ قَلبهَا وَمَا إِن تقلب الخ. وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم مَعَ نُكُول الْمُدَّعِي الخ أَنه إِذا لم ينكل وَإِنَّمَا سكت سكُوتًا لَا يعد بِهِ ناكلاً عرفا لم يسْقط حَقه وَيُمكن من الْيَمين (خَ) : وَإِن ردَّتْ على مُدع وَسكت زَمنا فَلهُ الْحلف الخ. وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: مُدع، وَلذَا قيل لَو قَالَ وَلَو سكت من تَوَجَّهت عَلَيْهِ زَمنا الخ. تَنْبِيه: تقدم أَن من صور النّكُول أَن يَقُول: من تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين من طَالب أَو مَطْلُوب احْلِف أَنْت وَإنَّهُ إِن أَرَادَ أَن يقْلع عَن رِضَاهُ وَيرجع إِلَى الْيَمين لَا يُمكن كَمَا مرّ وَيبقى النّظر إِذا أَرَادَ أَن يُقيم الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ فَأفْتى ابْن عتاب بِأَن لَهُ ذَلِك قَالَ: وَلَيْسَ قَوْله رضيت بيمينك إِسْقَاطًا لبينته بل حَتَّى يفصح وَيُصَرح بإسقاطها، وَبِه قرر الشُّرَّاح قَول (خَ) وَإِن استحلفه وَله بَيِّنَة حَاضِرَة أَو كَالْجُمُعَةِ يعلمهَا لم تسمع أَي وَإِن حلفه بِالْفِعْلِ وَله بَيِّنَة الخ. وَأفْتى ابْن رَشِيق بِأَن رِضَاهُ بِالْيَمِينِ مَعَ علمه بِالْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَة يُوجب عدم رُجُوعه إِلَيْهَا وَهُوَ ظَاهر إطلاقات الشُّرَّاح عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِقْرَار كَانَ حلف فِي غير الدَّعْوَى لأَنهم قَالُوا: إِن قَالَ لَهُ فِي الدَّعْوَى: احْلِف وَخذ فَلَا رجوح لَهُ، وَقد ألم الْبُرْزُليّ فِي الْحمالَة بِجَمِيعِ ذَلِك. قلت: وَهُوَ الظَّاهِر فَمَا مر عَن ابْن الْكَاتِب يَنْبَغِي اعْتِمَاده لِأَن رِضَاهُ الْتِزَام أَي لِأَنَّهُ لما رَضِي بِالْيَمِينِ أسقط حَقه من الْبَيِّنَة كَمَا أَن من قلب الْيَمين أسقط حَقه مِنْهَا كَمَا مرّ فَلَيْسَ لكل مِنْهُمَا الرُّجُوع إِلَى مَا أسقط حَقه مِنْهُ، وَلما ذكر ابْن نَاجِي فِي شرح الرسَالَة قَول الْمُدَوَّنَة إِذا استحلفه وَهُوَ عَالم بِبَيِّنَتِهِ تَارِكًا لَهَا لم يكن لَهُ قيام بهَا قَالَ مَا نَصه: إِلَّا أَن قَوْله تَارِكًا لَهَا. قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم: سَقَطت فِي بعض الْمَوَاضِع فَقيل: اخْتِلَاف. قلت: وعَلى القَوْل باشتراطه فَهَل المُرَاد تَصْرِيحًا أَو إعراضه كَاف وَعَلِيهِ الْأَكْثَر فِي ذَلِك؟ تَأْوِيلَانِ. حَكَاهُمَا عِيَاض اه. فنسب للْأَكْثَر مثل مَا لِابْنِ رَشِيق، كَذَا وجدت بِخَط أبي الْعَبَّاس الملوي وَهَذَا كُله إِذا رَضِي الْيَمين مَعَ علمه بهَا، وَأما إِن حلفه بِالْفِعْلِ، وَأَرَادَ الْقيام بِالْبَيِّنَةِ(1/193)
بعد ذَلِك فَالْمَشْهُور كَمَا مرّ عَن (خَ) عدم الْقيام بهَا إِلَّا إِن كَانَ لَا يعلمهَا كَمَا قَالَ أَيْضا: فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. وَالْمَشْهُور أَيْضا أَنه لَا يعْذر وَلَو مَعَ النسْيَان كَمَا مرّ قبل بَاب الشَّهَادَات. ولرابع الْأَقْسَام الَّتِي توجب الْحق بِيَمِين بقوله: وغالِبُ الظَّنَّ بِهِ الشَّهادَهْ بِحيْثُ لَا يَصحُّ قَطْعُ عَادَهْ (وغالب الظَّن) مَعْطُوف على قَوْله شَهَادَة الْعدْل (بِهِ الشَّهَادَة) مُبْتَدأ وَخبر، وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب حَال من غَالب (بِحَيْثُ) ظرف مَكَان يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (لَا يَصح قطع) فَاعل يَصح، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (عَادَة) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض وَالتَّقْدِير وَهِي شَهَادَة الْعدْل وَشَهَادَة غَالب الظَّن فِي حَال كَون الشَّهَادَة كائنة بِهِ أَي بِسَبَبِهِ فِي الْمَكَان الَّذِي لَا يَصح فِي الْعَادة الْقطع فِيهِ، وَيجوز أَن يكون غَالب مُبْتَدأ والظرف مُتَعَلق بِهِ، وَالشَّهَادَة مُبْتَدأ ثَان وَالْمَجْرُور خَبره، وَالْجُمْلَة خبر الأول وَالتَّقْدِير وغالب الظَّن فِي الْمَكَان الَّذِي لَا يَصح الْقطع فِيهِ الشَّهَادَة عاملة بِهِ كَذَلِك أَي مَعَ الْقسم فَيكون من عطف الْجمل وَلَيْسَ فِيهِ الْفَصْل بأجنبي لِأَن الْجُمْلَة خبر وَهِي معمولة للمبتدأ الَّذِي تعلق بِهِ الظّرْف، وَلَك أَن تجْعَل الظّرْف فِي هَذَا الْوَجْه حَالا من الْمُبْتَدَأ الأول، وَقَوله: بِحَيْثُ لَا يَصح أَي كَشَهَادَة عَدْلَيْنِ بِاعْتِبَار الْمديَان وضرر الزَّوْجَيْنِ والرشد وضده وَاسْتِحْقَاق الْملك وَحصر الْوَرَثَة وَكَون الزَّوْج غَابَ وَتركهَا بِغَيْر نَفَقَة وَالتَّعْدِيل والتعريف بالخط وَنَحْو ذَلِك. قَالَ فِي الفروق: مدارك الْعلم الَّتِي لَا يسْتَند إِلَيْهَا الشَّاهِد أَرْبَعَة: الْعقل وَأحد الْحَواس الْخمس وَالنَّقْل الْمُتَوَاتر وَالِاسْتِدْلَال فَتجوز الشَّهَادَة بِمَا علم بِأحد هَذِه الْوُجُوه، ثمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِر مَا لَا يثبت بالحس بل بقرائن الْأَحْوَال كالإعسار يدْرك بالخبرة الْبَاطِنَة بقرائن الصَّبْر على الْجُوع وَالضَّرَر يَكْفِي فِيهِ الظَّن الْقَرِيب من الْيَقِين (خَ) : وَاعْتمد فِي إعسار بِصُحْبَتِهِ وقرينة(1/194)
صَبر كضرر الزَّوْجَيْنِ الخ. وَظَاهر النّظم أَن هَذِه الْيَمين على الْبَتّ لِأَنَّهَا الأَصْل لَا على نفي الْعلم وَهُوَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا وَجَبت الْيَمين لِأَن الشَّهَادَة فِي ذَلِك إِنَّمَا هِيَ على نفي الْعلم فَيَقُولُونَ مثلا: لَا يعلمُونَ لَهُ مَالا ظَاهرا وَلَا يعلمُونَ أَنه رَجَعَ عَن الْإِضْرَار بهَا إِذْ لَا تتمّ الشَّهَادَة بِالضَّرَرِ إِلَّا بِزِيَادَة ذَلِك، وَأَنه لم يخرج عَن ملكه فِي علمهمْ، وَأَنه لَا يعلم لَهُ وَارِثا سوى من ذكر وَأَنه لم يتْرك لَهَا نَفَقَة فِي علمهمْ وَأَنه عدل لَا يعلمونه انْتقل عَنْهَا إِلَى غَيرهَا، وَقد يكون الْمَشْهُود بِهِ على خلاف ذَلِك، فاستظهر على الْبَاطِن بِالْيَمِينِ لَكِن يسْتَثْنى من ذَلِك حصر الْوَرَثَة والترشيد وضده وَاسْتِحْقَاق الْعقار وَالتَّعْدِيل والتعريف بالمشهود لَهُ أَو عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَمِين فِي ذَلِك وَكَذَا الْأَب إِن أثبت الْعسر لينفق عَلَيْهِ ابْنه فَإِن جزموا بِالشَّهَادَةِ فَقَالُوا: لَا مَال لَهُ قطعا أَو لم يرجع عَن الْإِضْرَار بهَا قطعا أَو لم يخرج عَن ملكه قطعا بطلت وَإِن أطْلقُوا وَلم يَقُولُوا قطعا صحت من أهل الْعلم كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَمن يزكِّ فَلْيقل عدل رضَا. الخ. وَبَطلَت من غَيرهم إِن تعذر سُؤَالهمْ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا وَقَوْلِي: كَشَهَادَة عَدْلَيْنِ احْتِرَازًا من شَهَادَة عدل وَاحِد بِمَا ذكر فَإِنَّهُ لَا يعْمل بِهِ فِي الْعَدَم كَمَا فِي ابْن نَاجِي والترشيد وضده كَمَا فِي ابْن سَلمُون، وَكَذَا فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ يؤول إِلَى خِيَار الزَّوْجَة وَكَذَا التَّعْدِيل وَيعْمل بِهِ فِي الْبَاقِي لَكِن يحلف بيمينين إِحْدَاهمَا لتكميل النّصاب وَالْأُخْرَى للاستظهار، وَلَا يجمعان وَكِلَاهُمَا على الْبَتّ كَمَا مرّ وَظَاهر قَوْله: غَالب الظَّن أَنه يعْتَمد الشَّاهِد عَلَيْهِ لَا أَنه يُصَرح بِهِ عِنْد الْأَدَاء. أَو فِي الْوَثِيقَة: وإلاَّ لم تقبل قَالَه ابْن عَرَفَة وانظره مَعَ مَا للقرافي فِي الْفرق الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَة من أَن الشَّاهِد إِذا صرح بمستند علمه فِي الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ الْمُفِيد للْعلم أَو بِالظَّنِّ فِي الْفلس أَو حصر الْوَرَثَة، فَلَا يكون تصريحه قادحاً على الصَّحِيح قَالَ: وَقَول بعض الشَّافِعِيَّة يقْدَح لَيْسَ لَهُ وَجه فَإِن مَا جوزه الشَّرْع لَا يكون النُّطْق بِهِ مُنْكرا اه. وَانْظُر شرحنا للشامل عِنْد قَوْله: وَاعْتمد فِي إعسار الخ، وَمَا ذَكرْنَاهُ من أَن الشَّاهِد يعْتَمد على ذَلِك فَقَط هُوَ نَظِير مَا مرّ فِي التَّعْدِيل من أَنه يعْتَمد فِيهِ على طول عشرَة الخ وَهُوَ صَرِيح لفظ (خَ) الْمُتَقَدّم أَي: وَلَا يتَوَقَّف قبُول شَهَادَته على بَيَان مُسْتَند علمه فِي ذَلِك من طول الْعشْرَة(1/195)
فِي الْحَضَر وَالسّفر فِي التَّعْدِيل وَالصَّبْر على الْجُوع وَالْبرد فِي الْإِعْسَار وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ وَاضح إِن كَانَ الشَّاهِد بذلك من أهل الْعلم وإلاَّ فَلَا بُد من سُؤَاله عَن مُسْتَند علمه فَإِن تعذر سُؤَاله لمَوْته أَو غيبته سَقَطت. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَهُوَ الَّذِي جرت عَلَيْهِ الْفَتْوَى من فُقَهَاء الْعَصْر حَتَّى لَا يُسْتَطَاع صرفهم عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ اليزناسي كَمَا فِي أحباس المعيار أَنه الْمَذْهَب مُعْتَرضًا على ابْن سهل بِمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَانْظُر (ح) عِنْد نَص (خَ) الْمُتَقَدّم آنِفا، وَانْظُر مَا يَأْتِي عَن الوثائق الْمَجْمُوعَة وَغَيرهَا عِنْد قَوْله: وحيثما العقد لقاض ولى، الخ. وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف شهير فرجح الصّباغ كَمَا فِي أنكحة المعيار أَن بَيَان مُسْتَند الْعلم إِنَّمَا هُوَ شَرط كَمَال فَقَط، وَهُوَ مُخْتَار ابْن سهل وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي الشّركَة حَيْثُ قَالَ: وَلَو لم يشْهد بِالْإِقْرَارِ بهَا على الْأَصَح. قلت: وَعِنْدِي أَن هَذَا خلاف فِي حَال، فَابْن سهل وَمن مَعَه تكلم على مَا علم من عدُول وقتهم، وغالبهم عُلَمَاء عارفون وَغَيره تكلم على مَا غلب فِي بَلَده وَوَقته من الْجَهْل بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وإلاَّ فَكيف يَقُول منصف بِقبُول شَهَادَة الْجَاهِل مُرْسلَة، وَلذَا اقْتصر ابْن فَرِحُونَ فِي فصل مَرَاتِب الشُّهُود على أَن غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة لَا بُد من سُؤَاله عَن مُسْتَند علمه وَنَحْوه فِي الطرر والمعين والمتيطية، وَكَذَا فِي الوكالات وَبيع الْوَكِيل من ابْن سَلمُون وَنقل ابْن رحال فِي الارتفاق نَحوه عَن كثير، وَذكر الفشتالي وَابْن سَلمُون صدر وثائقهما أَن قَول الموثق مِمَّن يعرف الْإِيصَاء لَا يَكْفِي حَتَّى يَقُول بإشهاد من الْمُوصى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ من أهل الْعلم، وعَلى أهل الْعلم يحمل قَول ابْن سَلمُون فِي الشَّهَادَات إِذا قَالَ الشَّاهِد أشهدتني فُلَانَة، وَلم يقل أعرفهَا بِالْعينِ وَالِاسْم فَهِيَ شَهَادَة تَامَّة اه. وَفِي ابْن عَرَفَة أَن الشَّاهِد إِذا لم يذكر معرفَة وَلَا تعريفاً وَتعذر سُؤَاله سَقَطت شَهَادَته إِن لم يكن من أهل الْعلم، وَذكر فِي كتاب الْمَأْذُون من الْمُتَيْطِيَّة مَا نَصه: وَلَيْسَ لَهُم تلفيق الشَّهَادَة بِأَن يَقُولُوا نشْهد أَنه مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَلَا يفسرون الْوَجْه الَّذِي علمُوا بِهِ ذَلِك أَي من أَنه أذن لَهُ سَيّده بمحضرهم أَو أقرّ بذلك لديهم قَالَ: وَمن التلفيق أَن يشْهدُوا أَن لفُلَان على فلَان كَذَا وَكَذَا دِينَارا وَلَا يبينون وَجه ذَلِك، بل لَا تقبل حَتَّى يَقُولُوا أسلفه لدينا أَو أقرّ بمحضرنا وَإِن كَانَ الدّين من بيع فسروا ذَلِك أَيْضا فَيَقُولُونَ: بَاعَ مِنْهُ بمحضرنا أَو أقرّ بذلك لدينا. قَالَ: وَإِنَّمَا لم تجز الشَّهَادَة إِلَّا مَعَ الْبَيَان لِأَن الشُّهُود أَكْثَرهم جهلة فقد يتوهمون أَنه وَجب من حَيْثُ لَا يجب اه بخ. وَنَقله الفشتالي فِي بَاب الْقَضَاء مُقْتَصرا عَلَيْهِ قَائِلا فَيجب بَيَان مُسْتَند الْعلم فِي جَمِيع الْأَشْيَاء من دين أَو غَيره لِأَن أَكثر الشُّهُود لَا يفهم مَا تصح بِهِ الشَّهَادَة اه. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِن الْأَرْبَعَة إِذا شهدُوا بِالزِّنَا وغابوا أَو بَعضهم قبل أَن يسْأَلُوا عَن كَيْفيَّة الشَّهَادَة فَإِن الْحَد يُقَام إِن كَانَ الْغَائِب عَالما بِمَا يُوجب الْحَد وإلاَّ سقط، وَفِي الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ إِن الشَّاهِد إِذا كَانَ من أهل الْعَدَالَة والمعرفة فَلَا يستفسر، ففهم مِنْهُ إِذا لم يكن كَذَلِك استفسر. قَالَ: وَلم يكن الْمُوثقُونَ يستفسرون إِلَّا فِي الْحُدُود وَالزِّنَا للحرص على السّتْر، فَأَنت ترى تَعْلِيلهم بِكَثْرَة الْجَهْر وَبِه يَتَّضِح لَك أَن قَول (خَ) وَلَو لم يشْهد بِالْإِقْرَارِ بهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَالم، وَالله أعلم. تَنْبِيه: علم مِمَّا مرّ أَن الشَّاهِد إِذا شهد بِإِقْرَار شخص لَدَيْهِ بدين لغيره مثلا فالشهادة تَامَّة اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ قد بَين فِيهَا مُسْتَند علمه وَهُوَ الْإِقْرَار لَدَيْهِ، فَمَا فِي الْمعِين عَن بعض الْمُتَأَخِّرين حَسْبَمَا فِي التَّبْصِرَة والحطاب مُسلما من أَنه لَا يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يشْهدُوا بِإِقْرَارِهِ بالسلف أَو الْمُعَامَلَة وهم ظَاهر لِأَن الْخلاف كَمَا علمت فِي إرْسَال الشَّاهِد شَهَادَته لَا فِي إرْسَال الْمقر إِقْرَاره لِأَنَّهُ(1/196)
مؤاخذ بِهِ، وَإِن لم يبين سَببه بل لَو بَينه بِمَا يُوجب رَفعه لم يقبل مِنْهُ وَلَو نسقاً (خَ) : وَلزِمَ أَن نوكر فِي ألف من ثمن خمر الخ. وَأَيْضًا لَو كَانَ الحكم كَمَا قَالَ لم تصح الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ بِشَيْء مَعَ أَنَّهَا صَحِيحَة ويجبره على تَفْسِيره، وَالله أعلم.
(فصل فِي التَّوْقِيف)
وَذكر أَسبَابه وكيفيته وَيُسمى العقلة والإيقاف. ثالِثَةٌ لَا تُوجِبُ الحَقِّ نَعَمْ تُوجِبُ تَوْقِيفاً بِهِ حُكْمُ الحَكَمْ (ثَالِثَة) مُبْتَدأ سوغ الِابْتِدَاء بِهِ الْوَصْف أَيْضا وَجُمْلَة (لَا توجب الْحق) خَبره (نعم) حرف جَوَاب فِي الأَصْل وَهِي هُنَا بِمَعْنى لَكِن وَلَيْسَت على مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ الَّذِي أَشَارَ لَهُ عج بقوله: نعم لتقرير الَّذِي قبلهَا إِثْبَاتًا أَو نفيا كَذَا حرروا بلَى جَوَاب النَّفْي لكنه يصير إِثْبَاتًا كَذَا قرروا (توجب توقيفاً) مفعول (بِهِ) خبر عَن قَوْله (حكم الحكم) وَالْجُمْلَة صفة لتوقيف. وَحَاصِله: أَن الطَّالِب إِمَّا أَن يَأْتِي بعدلين أَو بِعدْل أَو بِمَجْهُول مرجو تزكيته أَو مجهولين كَذَلِك، أَو بلطخ أَو بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، فالتوقيف فِي الأول لَيْسَ إِلَّا للإعذار فَيُوقف مَا لَا خراج لَهُ من الْعقار بالغلق، وَمَا لَهُ خراج يُوقف خراجه وَغير الْعقار من الْعرُوض وَالثِّمَار والحبوب بِالْوَضْعِ تَحت يَد أَمِين وَبيع وَوضع ثمنه عِنْده فِي الثِّمَار إِن كَانَ مِمَّا يفْسد، وَفِي الثَّانِي للإعذار فِيهِ أَو لإِقَامَة ثانٍ إِن لم يرد أَن يحلف مَعَه لرجائه شَاهدا آخر، فالمنع من التفويت فَقَط فِي الْعقار وَلَا ينْزع من يَده لَكِن يُوقف مَا لَهُ خراج مِنْهُ وَفِي غير الْعقار بِالْوَضْعِ تَحت يَد أَمِين وَبيع مَا يفْسد أَيْضا إِلَّا أَن يَقُول: إِن لم أجد ثَانِيًا فَلَا أَحْلف مَعَ هَذَا الْبَتَّةَ فَلَا يُبَاع حِينَئِذٍ بل يتْرك للمطلوب، وَفِي الثَّالِث للتزكية والإعذار بعْدهَا وَحكمه على مَا لِابْنِ رشد وَأبي الْحسن وَابْن الْحَاجِب حكم الَّذِي قبله فِي سَائِر الْوُجُوه، قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: هُوَ كالعدل المقبول فِي وجوب الإيقاف بِهِ إِلَّا أَنه لَا يحلف مَعَه، وَفِي الرَّابِع للتزكية والإعذار أَيْضا، وَحكمه كَالَّذي قبله لَا فِي بيع مَا يفْسد فَيُبَاع على كل حَال. وَفِي الْخَامِس وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي غير الْعقار بِالْوَضْعِ عِنْد أَمِين مَا لم يكن مِمَّا يفْسد فيخلى بَينه وَبَين حائزه فِيمَا يظْهر لِأَنَّهُ كالعدل الَّذِي لَا يُرِيد صَاحبه الْحلف مَعَه. وَفِي السَّادِس لَا عقل أصلا إِذْ لَا يعقل على أحد بِشَيْء بِمُجَرَّد دَعْوَى الْغَيْر فِيهِ على(1/197)
الْمَنْصُوص وَجرى الْعَمَل بالإيقاف بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فِي غير الْعقار كَمَا يَأْتِي، فَأَشَارَ النَّاظِم إِلَى الأول بقوله: وهْيَ شَهادَةٌ بقَطْعِ ارْتُضِي وبَقيَ الإعْذَارُ فِيمَا تَقْتَضِي (وَهِي شَهَادَة) مُبْتَدأ وَخبر (بِقطع) يتَعَلَّق بِشَهَادَة (ارتضي) صفة لقطع والرابط الضَّمِير النَّائِب أَي بِقطع مرتضى لكَونه بعدلين مقبولين، وَتثبت الْحِيَازَة بهما أَو بِغَيْرِهِمَا فِي الْعقار أَو بموافقة الْخَصْمَيْنِ على حُدُوده لِأَن التَّوْقِيف يَسْتَدْعِي تعْيين الْمَوْقُوف وَلَا يتَعَيَّن إِلَّا بذلك وَاحْترز بِقطع عَن شَهَادَة السماع فَإِنَّهَا لَا توجب توقيفاً إِذْ لَا ينْزع بهَا من يَد حائز. نعم إِن ادّعى مَعهَا بَيِّنَة قطع قريبَة فتوجبه كَمَا يَأْتِي وَبِقَوْلِهِ: ارتضي عَن الْعدْل أَو الْمَجْهُول أَو المجهولين فَإِن التَّوْقِيف فِي ذَلِك للتزكية والإعذار لَا للإعذار فَقَط، وبالمنع من التفويت فَقَط فِي الْعقار، فَإِذا شهد عَدْلَانِ بِاسْتِحْقَاق الدَّار مثلا (و) قد (بَقِي الْإِعْذَار فِيمَا تَقْتَضِي) شَهَادَتهمَا لِأَن الحكم بِدُونِهِ بَاطِل، فَهَذِهِ الشَّهَادَة لم توجب حَقًا الْآن بل توقيفاً فَقَوله: وَبَقِي الْإِعْذَار جملَة حَالية تقدر قد مَعهَا، وفاعل تَقْتَضِي ضمير يعود على الشَّهَادَة والعائد على مَا مَحْذُوف أَي فِيمَا تَقْتَضِيه. وحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنَ المطْلُوبِ فَلا غِنًى عَن أجَلٍ مَضْرُوبِ (وَحَيْثُ) ظرف مَكَان ضمن معنى الشَّرْط وَلذَا دخلت الْفَاء فِي جَوَابه (تَوْقِيف) مُبْتَدأ (من) بِمَعْنى فِي مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف خبر أَي حصل أَو وجد فِي الشَّيْء (الْمَطْلُوب) وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (فَلَا) نَافِيَة للْجِنْس (غنى) اسْمهَا (من) بِمَعْنى عَن (أجل) يتَعَلَّق بغنى (مَضْرُوب) صفة لأجل وَالْخَبَر مَحْذُوف، وَبِه يتَعَلَّق بالظرف أَي لَا غنى عَن أجل مَضْرُوب مَوْجُود حَيْثُ تَوْقِيف حصل فِي الشَّيْء الْمَطْلُوب كَانَ التَّوْقِيف للإعذار أَو للتزكية أَو للإتيان بِبَيِّنَة أَو بِشَاهِد ثَان وَتقدم فِي فصل الْآجَال أَن الْأَجَل فِي هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْمُتَنَازع فِيهِ وَأَن ذَلِك الْحَد لَا ينقص مِنْهُ وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ لِأَن مُسْتَند الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان هِيَ الْقَرَائِن وَهِي كَمَا قَالَ الْمَازرِيّ: لَا يضبطها إِلَّا المبرز فِي علم الْحَقَائِق فَإِن رخصنا فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا لحاذق فيزعم الآخر أَنه أحذق مِنْهُ وَالزَّمَان فَاسد اه. قَالَ ابْن رحال عقبه وَصدق رَحمَه الله: وَلِهَذَا ضبط الْفُقَهَاء الْأُمُور وحدوها بتحديد حَتَّى إِذا تخطاه القَاضِي أنكر عَلَيْهِ. أَلا ترى أَن اللفيف عندنَا حد بِاثْنَيْ عشر. وَقَالَ بعض: لَا حد فِي ذَلِك بل هُوَ موكول لاجتهاد القَاضِي فَمَا حصل بِهِ غَلَبَة الظَّن فِي الصدْق اكْتفى بِهِ انْظُر تَمَامه عِنْد قَول (خَ) فِي الشَّهَادَات: وَحلف بِشَاهِد الخ. ثمَّ إِن انْقَضى(1/198)
الْأَجَل وَلم يَأْتِ بمطعن قضى بِهِ للطَّالِب وَإِن أَتَى بمطعن كتجريح أَو بَيِّنَة تشهد أَنه اشْتَرَاهَا من الْقَائِم وَنَحْو ذَلِك وَطلب الْقَائِم الْإِعْذَار فِيمَا أَتَى بِهِ فَيمكن مِنْهُ وَلَا إِشْكَال، وَهل ينْحل الْعقل على الْمَطْلُوب ويخلي بَينه وَبَين شَيْئه فِي مُدَّة تَأْجِيل الطَّالِب، وَهُوَ الظَّاهِر، وَبِه رَأَيْت بعض الْقُضَاة يحكم أَو يسْتَمر الْعقل حَتَّى يعجز الطَّالِب انْظُر ذَلِك. وعَلى الأول إِن أَتَى الطَّالِب بمطعن أُعِيد الْعقل وَهَكَذَا حَتَّى يعجز أَحدهمَا وَالله أعلم. ثمَّ أَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة التَّوْقِيف فِي هَذَا الْوَجْه فَقَالَ: وَوَقْفُ مَا كالدُّورِ غَلْقٌ مَعْ أَجَلْ لِنَقْلِ مَا فِيهَا بِهِ صَحَّ العَمَلْ (ووقف مَا كالدور) مُبْتَدأ وأدخلت الْكَاف كل مَا يُرَاد للسُّكْنَى لَا للغلة من أَرض وَنَحْوهَا (غلق) خَبره. فَإِن كَانَت فِي غير الْحَاضِرَة بعث أَمينا يغلقها وتوضع مفاتحها عِنْد أَمِين (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة لغلق (أجل) يضْرب (لنقل مَا) أَي الْأَمْتِعَة الَّتِي (فِيهَا) وَإِن سَأَلَ أَن يتْرك مَا يثقل عَلَيْهِ نَقله أُجِيب كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَظَاهر قَوْله: مَعَ أجل أَن الغلق مصاحب للأجل وَلَيْسَ كَذَلِك إِلَّا أَن يُقَال أَنه مصاحب لانتهائه لَا لابتدائه، وَتقدم أَن قدر الْأَجَل فِي النَّقْل ثَلَاثَة أَيَّام حَيْثُ قَالَ: وبثلاثة من الْأَيَّام إِلَى قَوْله: وَفِي إخلاء مَا كالربع فِي ذَاك اقتفي. (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله: (صَحَّ الْعَمَل) أَي بِهَذَا القَوْل الَّذِي هُوَ وقف مَا يُرَاد للسُّكْنَى بالغلق مَعَ قيام العدلين وَمَا لَهُ خراج يُوقف خراجه وَيمْنَع الْحَرْث فِي الأَرْض وبالمنع من الإحداث فَقَط مَعَ قيام الشَّاهِد الْعدْل أَو المرجو تزكيته فِي الْأُصُول، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يَأْتِي جرى عمل الْقُضَاة وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة وَمُقَابِله مَذْهَب الْمُدَوَّنَة: أَن الرّبع الَّذِي لَا يحول وَلَا يَزُول وَلَا يُوقف بالحيلولة وقف الْخراج، بل بِالْمَنْعِ من الإحداث فَقَط وَهُوَ الْمَشْهُور الَّذِي أفتى بِهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَالْغلَّة لَهُ للْقَضَاء وَالنَّفقَة على المقضى لَهُ بِهِ إِذْ الْخراج بِالضَّمَانِ وَالنَّفقَة على من لَهُ الْخراج فَقَوله قبل: وحيلت أمة مُطلقًا كَغَيْرِهَا إِن طلبت بِعدْل أَو اثْنَيْنِ يزكيان الخ مُرَاده بِالْغَيْر الْعرُوض لَا الْأُصُول إِذْ لَا حيلولة فِيهَا عِنْده. وَمَا لَهُ كالفُرْنِ خَرْجٌ والرَّحا فَفيه تَوْقيفُ الخَراجِ وَضَحا (وَمَا) أَي الأَصْل الَّذِي (لَهُ خرج) بِسُكُون الرَّاء لُغَة فِي الْخراج مُبْتَدأ وَالْمَجْرُور خَبره وَالْجُمْلَة صلَة مَا. (كالفرن) حَال من خرج أَو خبر عَن مَحْذُوف (والرحا) والحانوت والفندق(1/199)
وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَهُ غلَّة (فَفِيهِ) يتَعَلَّق بوضح (تَوْقِيف الْخراج) مُبْتَدأ (وضحا) خَبره. وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول وَدخلت الْفَاء لشبهه أَي الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام أَي يُوقف خراجه فَقَط عِنْد أَمِين وَلَا يغلق وَلَا تعطل منفعَته. وهَوَ فِي الأرْضِ المَنْعُ مِنْ أنْ تَعْمَرا والحَظُّ يُكْرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ويُوَقَّفُ الكِرَا (وَهُوَ) أَي التَّوْقِيف مُبْتَدأ (فِي الأَرْض) حَال مِنْهُ (الْمَنْع) خَبره (من أَن تعمرا) بحراثة أَو بِنَاء أَو نَحْوهمَا يتَعَلَّق بِالْمَنْعِ (والحظ) مُبْتَدأ خَبره (يكرى) أَي وتوقيف الْحَظ إِن كَانَ النزاع فِيهِ فَقَط كثلث من أَرض أَو حَانُوت مثلا فَفِي الأَرْض يمْنَع من حرث كلهَا. وَفِي الْحَانُوت وَنَحْوه مِمَّا لَهُ غلَّة يكرى جَمِيعه أَيْضا (وَيُوقف الكرا) جملَة من فعل ونائب معطوفة على جملَة يكْرِي وَاخْتلف. قيلَ جَميعاً أَوْ بِقَدْرِ مَا يَجِبْ لِلْحَظِّ مِنْ ذاكَ والأوَّلُ انْتُخِبْ (قيل) يُوقف ذَلِك الْكِرَاء حَال كَونه (جَمِيعًا) مَا يَنُوب الْمُتَنَازع فِيهِ وَغَيره (أَو) أَي وَقيل يُوقف (بِقدر مَا يجب للحظ) الْمُتَنَازع فِيهِ (من ذَاك) الْكِرَاء فَقَط والمجروران يتعلقان بيجب (وَالْأول) مُبْتَدأ (انتخب) أَي اختير خَبره قَالَ فِي التَّبْصِرَة: فَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي حِصَّة فتعقل جَمِيع الأَرْض وَالدَّار وَجَمِيع الْخراج فِيمَا لَهُ خراج، وَقيل يعقل من الْخراج مَا يَنُوب الْحصَّة الْمُدعى فِيهَا وَيدْفَع بَاقِيَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ. وَفِي المقرب وَالْقَوْل الأول أولى عِنْدِي بِالصَّوَابِ اه. قلت: لم يظْهر لي وَجه كَونه أولى بِالصَّوَابِ فَإِن الَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر الْعَكْس لِأَن تَوْقِيف الْجُمْلَة ضَرَر على الْمَطْلُوب يمنعهُ من التَّصَرُّف فِيمَا لَا نزاع فِيهِ وَلَا يضر بِأحد لينْتَفع غَيره، بل لَا نفع للطَّالِب فِي وقف الْجُمْلَة وَلِهَذَا وَالله أعلم قَالَ الشَّارِح: تَوْقِيف الْجُمْلَة لَا يَخْلُو من إِشْكَال فَتَأَمّله اه. وَعَلِيهِ فَالَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد هُوَ القَوْل الثَّانِي فَلَا يَنْبَغِي أَن يعدل عَنهُ، وَمَفْهُوم قَوْله: ووقف مَا كالدور الخ. أَن غير الرّبع من الْعرُوض وَالْحَيَوَان يُوقف بِالْوَضْعِ تَحت يَد أَمِين، وَهُوَ كَذَلِك وَللثَّانِي بقوله: وشاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الأصْلُ وُقِفْ وَلَا يُزَالُ مِنْ يَدٍ بهَا أُلِفْ (وَشَاهد) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف بقوله: (عدل) أَو امْرَأَتَانِ عدلتان (بِهِ) يتَعَلَّق بوقف (الأَصْل) مُبْتَدأ خَبره (وقف) أَي إِذا طلب الْمَطْلُوب الْإِعْذَار فِيهِ، وَكَذَا بعد الْإِعْذَار إِذا أَبى الطَّالِب(1/200)
أَن يحلف مَعَه لرجائه شَاهدا آخر وَأجل للإتيان بِهِ أَو كَانَ القَاضِي مِمَّن لَا يرى الشَّاهِد وَالْيَمِين وأجله للإتيان بثان أَيْضا، وَأَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة الإيقاف بِهِ بقوله: (وَلَا يزَال) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير يعود على الأَصْل (من يَد) يتَعَلَّق بِهِ (بهَا) يتَعَلَّق بقوله: (ألف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالْجُمْلَة صفة ليد فَعلم مِنْهُ أَن توقيفه إِنَّمَا هُوَ بِالْمَنْعِ من الإحداث وَمَعْنَاهُ كَمَا لأبي الْحسن أَن يُقَال للحائز: لَا تحدث فِيهِ حَدثا من تَفْوِيت وَلَا تَغْيِير أَي هدم أَو بِنَاء وَلَا يخرج من يدك، وَهَذَا فِي الأَصْل الَّذِي لَا يُرَاد للخراج بل للسُّكْنَى كالدور أَو للحراثة كالأرض، وَأما مَا لَهُ خراج كالفرن والرحا فتوقف غَلَّته كلهَا أَو بَعْضهَا إِن كَانَ النزاع فِي حِصَّة مِنْهُ كَمَا قَالَ: وبِاتِّفاقِ وَقْفُ مَا يُفادُ مِنْهُ إِذا مَا أُمِنَ الفَسَادُ (وباتفاق) خبر عَن قَوْله (وقف مَا) أَي الْخراج الَّذِي (يفاد مِنْهُ) أَي من الأَصْل الْمَوْقُوف بِشَهَادَة عدل، وَإِنَّمَا يُوقف ذَلِك الْخراج (إِذا) ظرف يتَعَلَّق بقوله وقف لَا بيفاد (مَا) زَائِدَة (أَمن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْفساد) نَائِبه، وَالْجُمْلَة فِي مَحل خفض بِإِضَافَة إِذا وجوابها مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كثمرة تيبس وكراء وَنَحْوهمَا، فَإِذا لم يُؤمن فَسَاده بيع ووقف ثمنه كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وكل شَيْء يسْرع الْفساد لَهُ. الخ. وَمَفْهُوم قَول الأَصْل أَن الْعرُوض وَالْحَيَوَان توقف بِالْوَضْعِ على يَد أَمِين وَمَفْهُوم عدل أَن غَيره يَأْتِي فِي قَوْله: وحيثما يكون حَال الْبَيِّنَة الخ وَقَوله: بِاتِّفَاق يَعْنِي وَالله أعلم أَنه على القَوْل الَّذِي صَحَّ بِهِ الْعَمَل من التَّوْقِيف بِالشَّاهِدِ الْعدْل اتَّفقُوا على وقف الْخراج فِيمَا لَهُ خراج من الْأُصُول الموقفة بِهِ، وإلاَّ فالإيقاف بِالْعَدْلِ الْوَاحِد مُخْتَلف فِيهِ من أَصله اخْتِلَافا قَوِيا كَمَا فِي ابْن سهل وَغَيره فَلَا يظنّ بالناظم أَنه لم يطلع عَلَيْهِ.(1/201)
ولثالثها وَرَابِعهَا بقوله: وَحَيْثُما يَكُونُ حالُ البَيِّنَهْ فِي حَقِّ مَنْ يَحْكُم غيْرَ بَيِّنَهْ (وحيثما) ظرف مُجَرّد عَن الشَّرْط يتَعَلَّق بيوقف بعد وَمَا زَائِدَة (يكون حَال الْبَيِّنَة) بِالرَّفْع اسْم يكون (فِي حق من يحكم) يتَعَلَّق بيكون (غير بَيِّنَة) خَبَرهَا وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ ولجواز تذكير الْحَال وتأنيثها أنث بَيِّنَة. يُوَقِّفُ الفَائِدُ لَا الأصولُ بِقَدْرِ مَا يُسْتَكْمَلُ التَّعْدِيلُ (يُوقف الفائد) نَائِب (لَا الْأُصُول) مَعْطُوف على الفائد (بِقدر مَا) أَي الزَّمَان الَّذِي (يستكمل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (التَّعْدِيل) نَائِبه وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بيوقف والعائد على مَا مَحْذُوف أَي: فِيهِ، وَيجوز أَن تكون مَا مَصْدَرِيَّة وَمَعْنَاهُ أَن الشاهدة بِالِاسْتِحْقَاقِ سَوَاء كَانَت شخصا وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا إِذا كَانَت مَجْهُولَة عِنْد القَاضِي لَا يعرفهَا بعدالة وَلَا جرحة وَسَأَلَ الطَّالِب الإيقاف حَتَّى يعدلها فَإِن الفائد أَي الْخراج الَّذِي يُؤمن فَسَاده يُوقف بِقدر استكمال التَّعْدِيل بل وبقدر الْإِعْذَار للمطلوب بعده لَا الْأُصُول فَإِنَّهَا لَا توقف بِالْمَنْعِ من التَّصَرُّف بل بِالْمَنْعِ من الإحداث فَقَط كَمَا مرّ فِي الْعدْل، فَكَلَام النَّاظِم فِي فائد الْأُصُول بِدَلِيل قَوْله: لَا الْأُصُول، وَأما غَيرهَا من الْحَيَوَان وَالْعرُوض فَإِنَّهَا تُوضَع بِنَفسِهَا عِنْد أَمِين وَلَا يَكْتَفِي بوقف فائدها فَلَا يشملها كَلَامه، وَقَوله: بِقدر مَا يستكمل الخ مُسْتَغْنى عَنهُ بِمَا قدمه فِي فصل الْآجَال وَلَيْسَ المُرَاد بقوله: لَا الْأُصُول أَنَّهَا لَا توقف أصلا، وَإِنَّمَا مُرَاده أَنَّهَا لَا توقف بِالْمَنْعِ من التَّصَرُّف فِيهَا بل من الإحداث فَقَط كَمَا قَررنَا وَجَعَلنَا الْبَيِّنَة فِي كَلَامه شَامِلَة للْوَاحِد الْمَجْهُول وللمجهولين أولى من قصره على المجهولين فَقَط لِأَن الْبَيِّنَة شرعا تطلق على المتعدد وَالْوَاحد لِأَنَّهُ يسْتَحق بِهِ مَعَ الْيَمين وَلِأَن الْوَاحِد الْمَجْهُول يُوقف بِهِ كَمَا مرّ فِي قَول النَّاظِم:(1/202)
وَإِن يكن مَجْهُول حَال زكيا وشبهة توجب فِيمَا ادّعَيَا وَفِي الْمُقدمَات شَهَادَة الشُّهُود غير الْعُدُول فِي اسْتِحْقَاق الشَّيْء الْمعِين توجب توقيفه عِنْد أصبغ. وَنَقله ابْن هِلَال فِي نوازله والمكناسي فِي مجالسه وَقَالَ: كل مِنْهُمَا بِهِ جرى الْعَمَل، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن الْحَاجِب كَمَا مرّ على أَن ظَاهر الْعبارَة يصدق حَتَّى بِمَعْلُوم الجرحة وَكَذَا ظَاهر عبارَة ابْن نَاجِي الْآتِيَة، لَكِن تقدم فِي النّظم أَن مَعْلُوم الجرحة لَا توجب شَهَادَته شَيْئا وَالْجمع فِي قَول الشُّهُود غير مُرَاد بِدَلِيل تَخْصِيصه التَّوْقِيف بأصبغ، وبدليل قَوْلهم: بِهِ جرى الْعَمَل لِأَن التَّوْقِيف بالمجهولين فَأكْثر مَشْهُور مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا فَلَا وَجه حِينَئِذٍ لتخصيصه بأصبغ وَلَا لقَولهم بِهِ جرى الْعَمَل، وَيدل لَهُ قَول الْمُتَيْطِيَّة، وَأَصله لِابْنِ رشد كَمَا فِي أبي الْحسن، وَالشَّاهِد الَّذِي لَا تتوسم فِيهِ الْعَدَالَة وَلَا الجرحة لَا تجوز شَهَادَته دون تَزْكِيَة إِلَّا أَنَّهَا شُبْهَة فِي بعض الْمَوَاضِع توجب الْيَمين عِنْد بعض الْعلمَاء وتوجب الْقسَامَة والحميل وتوقيف الشَّيْء الْمُدعى فِيهِ اه. وَفِي التَّبْصِرَة: أَن الرّيع يُوقف بِالْمَنْعِ من الإحداث بِالشَّاهِدِ الْعدْل أَو المرجو تزكيته وباللطخ كالشهود غير الْعُدُول الخ. فَانْظُرْهُ وَلَعَلَّ مُرَاده بِغَيْر الْعُدُول أَي الَّذين لَا ترجى تزكيتهم وهم من تتوسم فيهم الجرحة وَلم تثبت، وَأما مَعْلُوم الجرحة فَلَا توجب شَهَادَته شَيْئا على مَا فِي الْمُتَيْطِيَّة، وَفِي ابْن نَاجِي مَا نَصه، وَظَاهر قَوْله يَعْنِي فِي الْمُدَوَّنَة: وَأقَام شَاهدا عدلا أَنه لَو أَتَى بِرَجُل أَو رجلَيْنِ فَأكْثر وَلم يكن فيهم من يُزكي وَطلب وضع قِيمَته ليذْهب بِهِ أَنه لَا يُمكن من ذَلِك، وَظَاهر مَا بعده يَعْنِي قَوْلهَا أَو بَيِّنَة تشهد على السماع أَنه سرق لَهُ مثل هَذَا العَبْد أَنه يُمكن من بَاب أَحْرَى لأَنهم شهدُوا بِالْقطعِ أَنه عَبده وَالْعَمَل على الثَّانِي اه. فَتَأمل قَوْله: وَلم يكن فيهم من يُزكي الخ. فَإِن الَّذِي لَا يُزكي هُوَ مَعْلُوم الجرحة واحترزت فِي أصل التَّقْرِير بِقَوْلِي الَّذِي يُؤمن فَسَاده مِمَّا إِذا لم يُؤمن فَإِنَّهُ ينظر فَإِن رُجي حُصُول مَا لَا يتم الحكم إِلَّا بِهِ من إعذار وتعديل قبل فَسَاده وقف، وَإِن خيف فَسَاده قبل ذَلِك بيع ووقف ثمنه كَمَا قَالَ: وكلُّ شَيءٍ يُسْرِعُ الفَسادُ لَهْ وَقِفَ لَا لأنْ يُرى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; قَدْ دَخَلَهْ (وكل شَيْء) مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة فِي قَوْله (يسْرع الْفساد لَهُ) صفة لشَيْء سَوَاء اسْتحق بعدلين أَو بِعدْل أَو بِمَجْهُول أَو بمجهولين كَانَ مُسْتَحقّا أَو فائد مَا اسْتحق كلحم ومشمش وَنَحْوهمَا (وقف) لمُدَّة قَليلَة لَا يدْخلهُ الْفساد فِيهَا (لَا لِأَن) اللَّام بِمَعْنى إِلَى وَأَن زَائِدَة وَالْمَجْرُور بَالَام مَحْذُوف وَجُمْلَة (يرى) صفته أَي وقف لمُدَّة قَليلَة لَا إِلَى مُدَّة يرى أَن الْفساد (قد دخله) فِيهَا وَالْجُمْلَة من وقف وَمَا بعده خبر الْمُبْتَدَأ وَلَك أَن تجْعَل أَن غير زَائِدَة وَيكون الْمَعْنى وقف لرؤية عدم دُخُول الْفساد فِيهِ لَا لرؤية دُخُوله وَهُوَ أقرب. والحُكْمُ بَيْعُهُ وتَوْقِيفُ الثَّمَنْ إنْ خِيفَ فِي التَّعْدِيل من طُول الزَّمَنْ(1/203)
(فَالْحكم) مُبْتَدأ وَالْفَاء جَوَاب سُؤال مُقَدّر (بَيْعه) خبر وضميره يرجع لما يفْسد بِالتَّأْخِيرِ (وتوقيف الثّمن) مَعْطُوف على الْخَبَر (إِن خيف) شَرط فِي البيع وتوقيف الثّمن (فِي) التَّأْخِير لأجل (التَّعْدِيل) والإعذار يتَعَلَّق بخيف (من طول الزَّمن) نَائِب فَاعل خيف وَقد علمت أَنه لَا مَفْهُوم للتعديل بل التَّأْخِير للإعذار كَذَلِك، وَكَذَا لإِقَامَة ثَان حَيْثُ لم يحلف مَعَ هَذَا لرجائه شَاهدا آخر، فَإِن وجده وإلاَّ حلف فَإِن قَالَ: لَا أَحْلف مَعَ هَذَا إِن لم يجد آخر لم يبع بل يتْرك بيد حائزه يفعل بِهِ مَا شَاءَ. وَحِينَئِذٍ لَا يُقَال: إِن الإيقاف لتعديل الْمَجْهُول أَو المجهولين يُبَاع فِيهِ مَا يفْسد بِخِلَاف الْعدْل فَإِنَّهُ لَا يُبَاع بل يتْرك بيد حائزه مَعَ أَن الحكم كَمَا يتَوَقَّف على تَعْدِيل الْمَجْهُول كَذَلِك يتَوَقَّف على إِقَامَة ثَان فَأَما أَن يُبَاع فيهمَا أَو يتْرك للمطلوب فيهمَا. لأَنا نقُول: إِنَّمَا قُلْنَا بِعَدَمِ البيع فِي الْعدْل حَيْثُ قَالَ صَاحبه: لَا أَحْلف مَعَه إِن لم أجد آخر كَمَا مرّ لِأَنَّهُ قَادر على إِثْبَات حَقه بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا ترك ذَلِك اخْتِيَارا صَار كَأَنَّهُ مكنه مِنْهُ بِخِلَاف ذِي الْمَجْهُول أَو المجهولين، فَلَا قدرَة لَهُ قَالَه عبد الْحق، وللمازري فرق آخر اُنْظُرْهُ فِي (ح) وَلَقَد أطنب النَّاظِم فِي هَذِه الأبيات فَلَو قَالَ بعد قَوْله: وَلَا يزَال من يدٍ بهَا ألف. مَا نَصه: إِلَّا الَّذِي لَهُ الْخراج يُوقف وَحكم مَجْهُول كَذَاك يعرف وكل مَاله الْفساد يسْرع فبيعه للْوَقْف مِمَّا يشرع لكفاه وَالله أعلم. ولخامسها بقوله: والمدَّعِي كالعَبْدِ والنِّشْدانُ ثبوتُهُ قامَ بهِ البُرْهانُ (وَالْمُدَّعِي) مُبْتَدأ (كَالْعَبْدِ) يتَعَلَّق بِهِ وأدخلت الْكَاف الثَّوْب وَالْفرس وَنَحْوهمَا (والنشدان) مُبْتَدأ وَالْوَاو للْحَال (ثُبُوته) مُبْتَدأ ثَان وَقَوله: (قَامَ بِهِ برهَان) خَبره وَالْجُمْلَة خبر النشدان بِكَسْر(1/204)
النُّون مصدر نَشد الضَّالة نشداً ونشدة ونشداناً بِكَسْر النُّون فيهمَا إِذا طلبَهَا والبرهان الْحجَّة. أَو السِّماعُ أنْ عبَدَهُ أَبِقْ إنْ طَلَبَ التّوْقيفَ فَهْو مُسْتَحِقْ (أَو السماع) مُبْتَدأ (أَن) بِفَتْح الْهمزَة على حذف الْجَار يتَعَلَّق بِالسَّمَاعِ (عَبده أبق) بِفَتْح الْبَاء وَقد تكسر خَبَرهَا. وَالْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مصدر يتَعَلَّق بِالسَّمَاعِ وَخَبره مَحْذُوف لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ أَي قَامَ بِهِ برهَان، وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة الحالية قبلهَا، وَيجوز عطف السماع على النشدان وَظَاهره كظاهر نَص الْمُدَوَّنَة و (ح) الآتيين، وَلَو ثَبت النشدان أَو السماع بِعدْل وَاحِد وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ بَيِّنَة فِي الْحَقِيقَة يثبت بِهِ الْحق فَكيف باللطخ (إِن طلب التَّوْقِيف) شَرط (فَهُوَ مُسْتَحقّ) لَهُ بِكَسْر الْحَاء جَوَابه، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُدَّعِي. وَمَعْنَاهُ أَن الْمُدَّعِي لنَحْو عبد. وَقد أثبت بِعدْل أَو عَدْلَيْنِ نشدان عبد أَو سَمَاعا بإباق عبد لَهُ فَهُوَ مُسْتَحقّ لتوقيفه الْخَمْسَة أَيَّام وَنَحْوهَا حَيْثُ ادّعى أَن لَهُ بَيِّنَة حَاضِرَة أَو قريبَة الْغَيْبَة تشهد على عينه بِالْقطعِ فَقَوله: لخَمْسَةٍ أوْ فَوْقَها يَسيرا حَيْثُ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضورا (لخمسة) يتَعَلَّق بتوقيف كَمَا قَررنَا وَاللَّام للغاية بِمَعْنى إِلَى (أَو فَوْقهَا) مَعْطُوف (يَسِيرا) حَال أَي فَوق الْخَمْسَة بِيَوْم أَو ثَلَاثَة لَا أَكثر (حَيْثُ) ظرف مُتَعَلق بمستحق كَمَا قَررنَا أَيْضا وَالْجُمْلَة من قَوْله: (ادّعى بَيِّنَة) فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (حضورا) صفة لبينة أَي حَاضِرَة بِالْبَلَدِ أَو على مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام لِأَن الْقَرِيب كالحاضر فَإِن لم يَأْتِ بِشَيْء أسلم إِلَى الْمَطْلُوب بعد يَمِينه إِن ظن بِهِ الْعلم فَإِن أَتَى الطَّالِب بعد ذَلِك بِبَيِّنَة حكم لَهُ بهَا. وَاعْلَم أَن الإيقاف على وَجْهَيْن فَتَارَة يُرِيد الْمُسْتَحق أَن يذهب بِهِ ليقيم الْبَيِّنَة على عينه وَتارَة ليَأْتِي بِالْبَيِّنَةِ تشهد على عينه، وَكَلَام النَّاظِم فِي الْوَجْه الثَّانِي، وَأما الأول فَلم يتَعَرَّض لَهُ، وَسَيَأْتِي حكمه بعد هَذَا إِن شَاءَ الله فَقَوله: أَو السماع من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون من الْمُسْتَحق وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالنشدان أَو من غَيره بِأَن يَقُولُوا سمعنَا من الثِّقَات أَو من غَيرهم أَنه ذهب لَهُ عبد مثلا، وَلِهَذَا اقْتصر فِي الْمُدَوَّنَة على السماع وَلم يذكر نشداناً وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَالْمُدَّعِي لنَحْو عَبدك اسْتحق توقيفه بلطخ أَنه أبق لخمسة الخ. وَمَا ذكره النَّاظِم من التَّحْدِيد بالخمسة وَنَحْوهَا هُوَ قَول سَحْنُون، وَمذهب ابْن الْقَاسِم أَنه يُوقف لَهُ من غير تَحْدِيد بالخمسة وَلَا غَيرهَا بل بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ فِي التَّهْذِيب: فَإِن جَاءَ بِشَاهِد أَو سَماع وَسَأَلَ إيقاف العَبْد ليَأْتِي بِبَيِّنَة فَإِن كَانَت بعيدَة وَفِي إيقافه ضَرَر اسْتحْلف(1/205)
القَاضِي الْمُدعى عَلَيْهِ وَسلمهُ إِلَيْهِ بِغَيْر كَفِيل، وَإِن ادّعى شُهُودًا حضوراً على حَقه أوقفته لَهُ نَحْو الْخَمْسَة أَيَّام أَو الْجُمُعَة، وَهَذَا التَّحْدِيد لغير ابْن الْقَاسِم، وَرَأى ابْن الْقَاسِم أَن يُوقف لَهُ أَي من غير تَحْدِيد أَبُو الْحسن فَقَوْل سَحْنُون خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم فِي التَّحْدِيد قَالَ: وَمَفْهُوم قَوْله بعيدَة هُوَ قَوْله: وَإِن ادّعى شُهُودًا حضوراً، وَقَوله بِشَاهِد أَي عدل وأبى أَن يحلف مَعَه لرجائه شَاهدا آخر كَمَا تقدم فِي شرح النّظم قبل هَذِه الأبيات. وَفِي التَّبْصِرَة إِن أَتَى بلطخ كالقوم غير الْعُدُول أَو عدُول يشْهدُونَ بِالسَّمَاعِ فَإِن أَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يذهب بِالْعَبدِ إِلَى مَوضِع بَينته، فَذَلِك لَهُ بعد أَن يضع قِيمَته قَالَ: وَإِن لم يرد أَن يضع قِيمَته وَقَالَ يُوقف حَتَّى آتِي ببينتي فَإِن كَانَ مِمَّا يقرب وقف لَهُ مَا بَين الْخَمْسَة الْأَيَّام إِلَى الْجُمُعَة قَالَه سَحْنُون، وَإِن كَانَ مِمَّا يبعد وَفِيه مضرَّة لم يجب توقيفه وأحلف الْمَطْلُوب وأخلي سَبيله من غير كَفِيل يلْزمه انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ. وَبِهَذَا تعلم أَن قَول النَّاظِم حَيْثُ ادّعى بَيِّنَة حضوراً قيد فِي التَّوْقِيف بِالسَّمَاعِ أَو النشدان كَمَا هُوَ ظَاهره، فَقَوْل من قَالَ صَوَابه أَو ادّعى بَيِّنَة حضوراً الخ. غير ظَاهر لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَو كَانَ كَلَامه غير مُطَابق للمنصوص وَمُجَرَّد دَعْوَى الْبَيِّنَة الْحَاضِرَة مَسْأَلَة ثَالِثَة لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا النَّاظِم كَمَا لم يتَكَلَّم على التَّوْقِيف للذهاب بِهِ كَمَا مرّ، وَتكلم على ذَلِك فِي الْمُخْتَصر وَلم يتَكَلَّم على مَا فِي النّظم كَمَا يَأْتِي. ثمَّ أَشَارَ النَّاظِم إِلَى مَفْهُوم قَوْله حضوراً وَهُوَ الْوَجْه الأول فِي الْمُدَوَّنَة والوجة الثَّالِث فِي التَّبْصِرَة فَقَالَ: وإنْ تَكُنْ بَعِيدَةً فالمُدَّعَى عَليْهِ مَا القَسَمُ عَنْهُ ارْتَفَعا (وَإِن تكن) شَرط (بعيدَة) بِأَن زَادَت على الْجُمُعَة خبر تكن (فالمدعى عَلَيْهِ) مُبْتَدأ (مَا) نَافِيَة (الْقسم) مُبْتَدأ مُتَعَلّقه مَحْذُوف أَي مَا الْقسم بِأَنَّهُ لَا يعلم فِيهِ حَقًا للقائم (عَنهُ ارتفعا) خَبره وَالْجُمْلَة خبر الأول وَالْجُمْلَة من الأول وَخَبره جَوَاب الشَّرْط، فَإِن نكل وقف هَذَا ظَاهره لِأَن فَائِدَة الْيَمين إِنَّمَا تظهر فِي النّكُول وَظَاهره كظاهر الْمُدَوَّنَة الْمُتَقَدّم أَنه يحلف كَانَا من بلد وَاحِد أَو أَحدهمَا طارئاً وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ إِذا ادّعى الطارىء على الْمُقِيم. قَالَ الْمُقِيم: أَنْت لَا تَدعِي عَليّ معرفَة ذَلِك، وَكَذَا الْعَكْس فَلَا يحلف أَحدهمَا للْآخر فِي طرُو أَحدهمَا قَالَه أَبُو الْحسن عَن اللَّخْمِيّ وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة لِابْنِ فَرِحُونَ. كَذاكَ مَعْ عَدْلٍ بِنِشْدَانٍ شَهِدْ وَبُعْدِ بَاقِيهِمْ يَمِينُهُ تَرِدْ (كَذَاك) حَال من فَاعل ترد (مَعَ عدل) يتَعَلَّق بترد أَيْضا وَجُمْلَة قَوْله: (بنشدان شهد) صفة لعدل (وَبعد باقيهم) بِضَم الْبَاء وَسُكُون الْعين عطف على عدل (يَمِينه) مُبْتَدأ (ترد) خَبره أَي ترد يَمِين الْمَطْلُوب مَعَ عدل شهد للطَّالِب بنشدان وَمَعَ ادعائه بعد بَاقِي الشُّهُود بِهِ أَي بالنشدان(1/206)
حَال كَونهَا كَذَلِك من أَنه يحلف لَا يعلم فِيهِ حَقًا للقائم، وَإِنَّمَا وَجَبت الْيَمين وَلم يُوقف لِأَن اللطخ لم يتم. هَذَا ظَاهر النّظم عِنْد شراحه وَعَلِيهِ قرروه وَلم يدعموه بِنَقْل وَهُوَ يَقْتَضِي أَن الشَّاهِد الْعدْل بِالسَّمَاعِ أَو بالنشدان لَا يكون لطخاً وَفِيه نظر، فَإِن مُجَرّد دَعْوَى قرب الْبَيِّنَة الشاهدة بِالْقطعِ لطخ كَمَا يَأْتِي فَكيف مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد بالنشدان أَو السماع؟ فَإِن قلت: مُرَادهم لَا يكون لطخاً مَعَ بعد الْبَيِّنَة الشاهدة بِالْقطعِ. قُلْنَا: لَو ثَبت النشدان بعدلين فِي هَذِه لَا يكون لطخاً كَمَا فِي الْبَيْت قبله. فَإِن قلت: مُرَادهم لَا يكون لطخاً يُوجب وَقفه خَمْسَة أَيَّام أَو فَوْقهَا وَمُجَرَّد دَعْوَى الْبَيِّنَة الْحَاضِرَة إِنَّمَا يُوقف مَعهَا الْيَوْم وَنَحْوه. قُلْنَا: لَا دَلِيل فِي كَلَامهم عَلَيْهِ على أَنه لَيْسَ حلف الْمَطْلُوب هُنَا لرد شَاهد اللطخ بِأولى من حلف الطَّالِب مَعَ شَاهده وَيُوقف لَهُ مَا لَا ضَرَر فِيهِ كالخمسة وَنَحْوهَا، بل حلف الطَّالِب أَنه سرق لَهُ مَعَ شَاهد النشدان أَو السماع ليوقف بِهِ مَا ذكر أولى لِأَنَّهُ يؤول لِلْمَالِ وَلِأَن الشَّاهِد بالنشدان على الْقطع أقوى من بَيِّنَة السماع بِهِ وَالله أعلم. وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِب أَن الضَّمِير فِي قَوْله باقيهم يرجع لعدل بِدُونِ قَيده أَي وَادّعى بعد بَاقِي شُهُود الْقطع لَا شُهُود النشدان كَقَوْلِهِم: عِنْدِي دِرْهَم وَنصفه، وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد والمعتدد، وَهَذَا وَإِن كَانَ مفهوماً من الْبَيْت قبله لكنه أولى من الْفساد. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَا تقدم إِنَّمَا هُوَ فِي تَوْقِيف الْمُدعى فِيهِ وَأما تَوْقِيف الْمُدعى عَلَيْهِ نَفسه حَيْثُ كَانَت الدَّعْوَى بِمَا فِي الذِّمَّة وَلم يَأْتِ بحميل بِالْوَجْهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وضامن الْوَجْه على من أنكرا دَعْوَى امرىء خشيَة أَن لَا يحضرا الثَّانِي: تقدم أَن النَّاظِم لم يتَكَلَّم على الإيقاف للذهاب، وَقد صرح فِي الْمُدَوَّنَة بِأَنَّهُ إيقاف أَيْضا وَلَا على الإيقاف للإتيان بِالْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَة وَتكلم عَلَيْهِمَا (خَ) وَلم يتَكَلَّم على مَا فِي النّظم فَقَالَ مُخْتَصرا لما فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن سَأَلَ ذُو الْعدْل أَو بَيِّنَة سَمِعت وَإِن لم تقطع وضع قيمَة العَبْد ليذْهب بِهِ إِلَى بلد يشْهد لَهُ على عينه. أُجِيب: لَا انتفيا أَي الْعدْل وَالسَّمَاع وَطلب إيقافه ليَأْتِي بِبَيِّنَة وَإِن على مَسَافَة كيومين إِلَّا أَن يَدعِي بَيِّنَة حَاضِرَة أَو سَمَاعا بِالْبَلَدِ يثبت بِهِ فَيُوقف ويوكل بِهِ فِي كَيَوْم اه. وَظَاهر قَوْله: ليذْهب بِهِ الخ. وَلَو كَانَت بِبَلَد بعيد وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَت الطَّرِيق مَأْمُونَة وإلاَّ فَيَنْبَغِي(1/207)
الرُّجُوع بِالصّفةِ اتِّفَاقًا قَالَه الرجراجي، وَعَلِيهِ فَالْفرق بَين هَذَا وَبَين مَا مر من أَنه لَا يُوقف لَهُ مَعَ بعد الْبَيِّنَة أَن الذّهاب مَعَ وضع الْقيمَة أخف من الإيقاف من غير ذهَاب لِأَنَّهُ إِذا هلك فِي الذّهاب أَخذ الْمَطْلُوب الْقيمَة، وَفِي الإيقاف لَا يَأْخُذ شَيْئا قَالَ أَبُو الْحسن والعبدوسي: وَقَوله ليذْهب الخ. هَذَا فِي الطَّالِب، وَكَذَا فِي الْمَطْلُوب إِن أَرَادَ الذّهاب بهما ليثبت ملكيتها بعد أَن أثبتها الطَّالِب، وَالْخلاف الَّذِي فِي الذّهاب بالدابة الْمُسْتَحقَّة هَل يتسلسل أَو هُوَ للْأولِ الْمُسْتَحق من يَده فَقَط مَخْصُوص بِمن يُرِيد الرُّجُوع بِثمنِهِ، وَأما من أَرَادَ إِثْبَات ملكيتها فَلهُ الذّهاب أيّاً كَانَ وَلَا يدْخلهُ الْخلاف، قَالَ مَعْنَاهُ ابْن رحال، وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَهَا فروع تتَعَلَّق بهَا أضربنا عَنْهَا لكَونهَا أَجْنَبِيَّة من النّظم وَالله أعلم. وَقَوله: إِلَّا أَن يَدعِي الخ هَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الَّتِي تقدم أَن النَّاظِم لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا لِأَن الإيقاف بِغَيْر ذهَاب إِمَّا بالنشدان أَو السماع مَعَ دَعْوَى حُضُور الْبَيِّنَة فيهمَا أَو دَعْوَى حُضُور الْبَيِّنَة من غير نشدان وَلَا سَماع إِلَّا أَنه فِي الأولى وَالثَّانيَِة يُوقف من الْخَمْسَة إِلَى الْجُمُعَة، وَفِي الثَّالِثَة الْيَوْم وَنَحْوه كَمَا مر، وَقَوله أَو سَمَاعا يثبت بِهِ الخ أَي يثبت بِهِ اللطخ لَا السماع الْمُفِيد للْعلم فَهُوَ دَاخل تَحت قَوْله: حَاضِرَة، وَقَوله وضع قِيمَته أَي عينا وَلَا يَكْتَفِي مِنْهُ بكفيل إِلَّا بِرِضا الآخر إِلَّا أَن يكون العَبْد قد اسْتحق نَفسه بحريّة فيكتفي مِنْهُ بِهِ، وَمَفْهُوم حَاضِرَة أَنه إِذا لم يدع ذَلِك لَا إيقاف أصلا لَا للذهاب وَلَا للإتيان بِبَيِّنَة وَهُوَ ظَاهر قَول النَّاظِم ومدع كَالْعَبْدِ الخ. وَحكى ابْن نَاجِي الِاتِّفَاق على عدم الإيقاف حِينَئِذٍ. 9 قَالَ ابْن أبي زمنين: وَلَو جَازَ هَذَا أَي الإيقاف بِغَيْر لطخ لاعترض النَّاس أَمْوَال النَّاس اه. وَهَذَا هُوَ الْقسم السَّادِس الْمُتَقَدّم فِي التَّحْصِيل. قلت: وَجرى الْعَمَل بالإيقاف بِمُجَرَّد الدَّعْوَى وتمكينه من وضع الْقيمَة وَلَو لبلد بعيد قَالَ ناظمه: وكل مُدع للاستحقاق مكن من الْإِثْبَات بِالْإِطْلَاقِ وَبحث فِي هَذَا الْعَمَل غير وَاحِد بِأَن الْعَمَل لَا بُد أَن يسْتَند إِلَى قَول وَلَا قَائِل بإيقاف بِمُجَرَّد الدَّعْوَى. قلت: رَأَيْت فِي اخْتِصَار الوانشريسي للبرزلي ناسباً لأوائله مَا نَصه: لَا يُفْتى بِغَيْر قَول ابْن الْقَاسِم إِلَّا فِي خمس مسَائِل فَذكرهَا إِلَى أَن قَالَ: الرَّابِعَة تَوْقِيف المخصوم فِيهِ قبل إِثْبَات الطَّالِب وَهُوَ رِوَايَة ابْن عبد الحكم وَابْن كنَانَة اه. وَقد علمت أَن مَا مرّ فِي النّظم و (خَ) كُله فِي الْمُدَوَّنَة فَلم يبْق حمله إِلَّا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَانْظُر ذَلِك فِي أَوَائِل الْبُرْزُليّ، وانظره مَعَ مَا مرّ عَن ابْن نَاجِي من الِاتِّفَاق على أَن هَذَا الْعَمَل إِن صَحَّ مُسْتَنده فَفِيهِ مَا لَا يخفى من الْإِخْلَال بِحَق الْمَطْلُوب والمحافظة على حق الطَّالِب، فَإِن كَانَ وَلَا بدّ فَيَنْبَغِي أَن يضع قيمَة كرائها فِي أَيَّام الذّهاب والإيقاف زِيَادَة على قيمتهَا، فَإِن لم يثبت شَيْئا أَخذه الْمَطْلُوب لِأَن هَذَا قد اعْترض مَال غَيره وعطله عَن مَنَافِعه من غير أَن يسْتَند إِلَى لطخ بِخِلَاف مَا إِذا اسْتندَ لَهُ فَلَا يضمن الْكِرَاء للشُّبْهَة وَلم أر ذَلِك مَنْصُوصا لأحد مِمَّن قَالَ بِهَذَا الْعَمَل، وَقد حكى كثير من النَّاس أَنهم كَانُوا إِذا تعذر عَلَيْهِم المعاش يذهبون للفنادق فيعترضون دَوَاب الواردين حَتَّى يصالحوهم بِقَلِيل أَو كثير، وَلَا سِيمَا إِن كَانَ رب الدَّابَّة مزعوجاً يُرِيد الْخُرُوج فِي الْحِين، وَقد شاهدنا من ذَلِك الْعجب العجاب وَقد قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا الْتزم الْمُدعى عَلَيْهِ إِحْضَار الْمُدعى فِيهِ لتشهد الْبَيِّنَة على عينه فَإِن ثَبت الْحق فالمؤنة على الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُبْطل وإلاَّ فعلى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مُبْطل فِي ظَاهر الشَّرْع وَلَا تجب أُجْرَة تَعْطِيل الْمُدَّعِي بِهِ فِي مُدَّة الْإِحْضَار اه. فَتَأمل قَوْله لِأَنَّهُ مُبْطل فِي ظَاهر الشَّرْع الخ. مَعَ أَن مَا قَالَه من وجوب الْإِحْضَار إِنَّمَا هُوَ مَعَ قيام اللطخ.(1/208)
(فصل)
ذكر فِيهِ النَّوْع الرَّابِع من أَنْوَاع الشَّهَادَات. رَابِعَةُ مَا تُلْزِمُ اليَمِينا لَا الحَقَّ ل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; كِنْ لِلْمُطالِبينا (رَابِعَة) أَي شَهَادَة رَابِعَة مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الشَّهَادَة وَهِي مَعَ صلتها خبر (تلْزم) بِضَم التَّاء مضارع ألزم (اليمينا) مفعول (لَا الْحق) مَعْطُوف عَلَيْهِ (لَكِن) حرف اسْتِدْرَاك وَابْتِدَاء لَا عاطفة لتخلف شَرطهَا الَّذِي هُوَ تقدم النَّفْي أَو النَّهْي (للمطالبينا) بِفَتْح اللَّام اسْم مفعول يتَعَلَّق بِمَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله أَي لَكِن تلزمها للمطالبين لَا للطَّالِب كَمَا فِي الْقسم الثَّانِي، وَاللَّام الجارة بِمَعْنى (على) إِن فسرنا تلْزم بتوجب وَأما إِن أبقيناه على مَعْنَاهُ فَهِيَ زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء. شَهادةُ العَدْلِ أَو اثْنَتْينِ فِي طَلاقٍ أَو عتاقٍ أَو قَذْفٍ يَفِي (شَهَادَة) خبر مُبْتَدأ مُضْمر أَي وَهِي شَهَادَة (الْعدْل) الْوَاحِد (أَو) شَهَادَة امْرَأتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ فِي طَلَاق) يتَعَلَّق بتفي على قِرَاءَته بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق على أَنه حَال من شَهَادَة وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ أَي حَال كَون شَهَادَة الْعدْل أَو الْمَرْأَتَيْنِ كائنة فِي طَلَاق (أَو عتاق أَو قذف) وَيجوز أَن يتَعَلَّق الْمَجْرُور بِشَهَادَة و (يَفِي) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت صفة لقذف، فَإِذا أَقَامَت الزَّوْجَة شَاهدا أَو امْرَأتَيْنِ بِالطَّلَاق أَو أَقَامَ العَبْد شَاهدا بِالْعِتْقِ أَو أَقَامَ الْمَقْذُوف شَاهدا أَو امْرَأتَيْنِ بِالْقَذْفِ حلف الْمَطْلُوب فِي الْجَمِيع لرد شَهَادَة الشَّاهِد وبرىء وَفهم مِنْهُ أَنه لَا يَمِين بِمُجَرَّد الدَّعْوَى. قَالَ مَالك: وَلَو جَازَ هَذَا للنِّسَاء وَالْعَبِيد لم يَشَأْ عبد إِلَّا حلف سَيّده وَلَا امْرَأَة إِلَّا حَلَفت زَوجهَا كل يَوْم. وتُوقَفُ الزَّوْجَةُ ثمَّ إنْ نَكَلْ زَوْجٌ فَسِجْنٌ ولِعامٍ العَمَلْ (وَتوقف الزَّوْجَة) قبل الْحلف أَي يُحَال بَينهَا وَبَين زَوجهَا، وَكَذَا العَبْد للإعذار فِي الشَّاهِد أَو لإِرَادَة إِقَامَة ثَان فَإِن عجز الْمَطْلُوب عَن الدّفع وَعجز الطَّالِب عَن الْإِتْيَان بثان تَوَجَّهت الْيَمين (ثمَّ إِن نكل) عَنْهَا (زوج) أَو سيد أَو قَاذف (فسجن) لَازم للْجَمِيع وَفِي قدر مدَّته رِوَايَات قيل أبدا حَتَّى يحلف، وَقيل إِلَى أَن يطول والطول بِالِاجْتِهَادِ وَقيل عَام كَمَا قَالَ: (ولعام الْعَمَل) فَإِن(1/209)
حلفوا بعْدهَا وَإِلَّا أطْلقُوا، وَإِنَّمَا لم يكن النّكُول كشاهد لِأَن هَذِه لَيست بِمَال، وَكَانَ مَالك يَقُول: تطلق بِالنّكُولِ مَعَ الشَّاهِد ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا فِي النّظم فَقَوله: فسجن مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف كَمَا ترى وَثمّ للتَّرْتِيب عطفت جملتي الشَّرْط وَالْجَزَاء على جملَة توقف، وَفهم من تَخْصِيصه الحكم بِهَذِهِ الثَّلَاث أَن غَيرهَا مِمَّا لَا يثبت إِلَّا بعدلين لَا يجزى فِيهِ ذَلِك، فَلَا يحلف السَّارِق لرد شَهَادَة الشَّاهِد بِالنِّسْبَةِ لقطعه وَلَا الصَّبِي لرد شَهَادَة الشَّاهِد بِبُلُوغِهِ بِالنِّسْبَةِ لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، وَلَا الْمُرْتَد لرد شَهَادَة الشَّاهِد التَّعْدِيل والتسفيه وَنَحْو ذَلِك، وَلَا يسجن الْوَلِيّ بِعَدَمِ حلفه لرد شَهَادَة الشَّاهِد بعفوه بل يسْقط الْقصاص، كَمَا إِذا لم يحلف مَعَ مُجَرّد الدَّعْوَى (خَ) وللقاتل الِاسْتِحْلَاف على الْعَفو الخ. وَذَلِكَ لِأَن الْعَفو تخلفت فِيهِ قَاعِدَة كل دَعْوَى لَا تثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يَمِين بمجردها. وَكَذَا النِّكَاح إِن ادَّعَاهُ أحد الزَّوْجَيْنِ على الآخر فَلَا يَمِين لرد شَهَادَة شَاهده لِأَنَّهُ لَو أقرّ بِهِ لم يثبت بِخِلَاف الطَّلَاق وَمَا مَعَه، وَلِأَن الْغَالِب شهرته فالعجز عَن شَاهِدين دَلِيل على كذب مدعيه مَا لم يَكُونَا طارئين وإلاَّ تَوَجَّهت لرد شَهَادَة الشَّاهِد لِأَن الشُّهْرَة لَا تتأتى فِي الطارئين (خَ) وَحلف بِشَاهِد فِي طَلَاق وَعتق لَا نِكَاح، فَإِن نكل حبس وَإِن طَال دين. وقيلَ لِلزَّوْجَةِ إذْ يُدَيَّنُ تَمْنَعُ نَفْسَها وَلَا تَزَيَّنُ (وَقيل للزَّوْجَة إِذْ يدين) مَبْنِيّ للْمَفْعُول نَائِبه يعود على الزَّوْج، وَهَذَا وَجه تَخْصِيصه بِالذكر فِيمَا مر، وَإِلَّا فالسجن لَا يخْتَص بِهِ كَمَا مرّ وَالْمَجْرُور والظرف يتعلقان بقيل (تمنع نَفسهَا وَلَا تزين) أَي لَا تسْتَعْمل زِينَة النِّسَاء فَهُوَ مَبْنِيّ للْفَاعِل حذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِأَن أَصله لَا تتزين وَالْجُمْلَة من تمنع وَمَا عطف عَلَيْهَا فِي مَحل رفع نَائِب فَاعل قيل: أَي يُقَال لَهَا هَذَا اللَّفْظ وَلَا مَفْهُوم للزَّوْجَة، بل أمة الْوَطْء كَذَلِك فِي الْعتْق وَمَا ذكره فِي الزَّوْجَة ظَاهر إِذا كَانَ الطَّلَاق بَائِنا (خَ) وَلَا تمكنه إِن سَمِعت إِقْرَاره وَبَانَتْ أَي وَالْحَال أَنَّهَا بَانَتْ وَلَا تتزين إِلَّا كرها ولتفتد مِنْهُ وَفِي جَوَاز قَتلهَا لَهُ عِنْد مجاورتها قَولَانِ.(1/210)
(فصل)
ذكر فِيهِ الْقسم الْخَامِس من أَقسَام الشَّهَادَة الْمُتَقَدّمَة فِي قَوْله: ثمَّ الشَّهَادَة لَدَى الْأَدَاء. جُمْلَتهَا خمس الخ. وَمَا يُقَال هُنَا من أَن هَذَا الْقسم لَيْسَ من أقسامها، بل هُوَ قسيم أَي مُقَابل لَهَا مناقشة لفظية لَا طائل تحتهَا. خامِسَةٌ لَيْسَ عَليها عَمَلُ وهْيَ الشَّهاةُ الَّتِي لَا تُقْبَلُ (خَامِسَة) مُبْتَدأ سوغه الْوَصْف كَمَا مرّ وَالْجُمْلَة من قَوْله: (لَيْسَ عَلَيْهَا عمل) خَبره أَي لَا عمل عَلَيْهَا فِي شَيْء فَلَا توجب يَمِينا وَلَا توقيفاً فضلا عَن غَيرهمَا (وَهِي) مُبْتَدأ (الشَّهَادَة) خَبره (الَّتِي لَا تقبل) صفة أَي لَا تقبل مَا لتخلف شَرط من الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة أول الْبَاب. كَشَاهِدِ الزُّور والإبْنِ لِلأبِ وَمَا جَرِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; مَجْرَاهُما مِمَّا أُبي (كشاهد الزُّور) سَوَاء ظهر عَلَيْهِ فِي هَذِه الشَّهَادَة أَو فِيمَا قبلهَا لِأَنَّهُ فَاسق (و) أما الْقيام مَانع كَشَهَادَة (الابْن للْأَب) وَالزَّوْج للزَّوْجَة (وَمَا جرى مجراهما مِمَّا أبي) أَي منع فمما جرى مجْرى الأول فقد الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْحريَّة وَعدم اجْتِنَاب الْكَبَائِر الْمشَار لَهَا بقوله أول الْبَاب: وَشَاهد صفته المرعية، إِلَى قَوْله: وَمَا أُبِيح وَهُوَ فِي العيان الخ. وَمن ذَلِك من اعْتَادَ مؤاجرة نَفسه لأهل الذِّمَّة يستعملونه فِي الحراثة وَشبههَا لما فِيهِ من إهانة الْإِسْلَام، وَمِمَّا جرى مجْرى الثَّانِي الْعَدَاوَة وتهمة الْجَرّ وَالدَّفْع الْمشَار لَهَا بقوله: وَالْأَب لِابْنِهِ وَعَكسه منع. إِلَى قَوْله: وحيثما التُّهْمَة حَالهَا غلب. كحالة الْعَدو والظنين الخ. فَقَوله مجراهما بِفَتْح الْمِيم ظرف يتَعَلَّق بجرى، وَمِمَّا بَيَان لما يتَعَلَّق بجرى وأبى بِضَم الْهمزَة مَبْنِيّ للْمَفْعُول صلَة مَا.(1/211)
(فصل فِي شَهَادَة السماع)
وَهِي قِسْمَانِ: مَا يُفِيد الْعلم سَوَاء بلغ حد التَّوَاتُر الْمُفِيد للْقطع كالسماع بِأَن مَكَّة مَوْجُودَة وَعَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو حدّ الاستفاضة المفيدة للظن الْقوي الْقَرِيب من الْقطع، كالسماع بِأَن نَافِعًا مولى ابْن عمر، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن الْقَاسِم، وَهَذَا الْقسم لَا يُصَرح الشَّاهِد فِيهِ بِالسَّمَاعِ، بل يجْزم الشَّهَادَة فقد قيل لِابْنِ الْقَاسِم: أيشهد بأنك ابْن الْقَاسِم من لَا يعرف أَبَاك وَلَا أَنَّك ابْنه إِلَّا بِالسَّمَاعِ؟ فَقَالَ: نعم يقطع بِهَذِهِ الشَّهَادَة وَيثبت بهَا النّسَب وَالْإِرْث. ابْن رشد: لَا خلاف فِي هَذَا لِأَن الْخَبَر إِذا انْتَشَر أَفَادَ الْعلم فَإِذا انْتَشَر الْخَبَر بِأَن فلَانا تزوج فُلَانَة وَكثر القَوْل بِهِ جَازَت الشَّهَادَة بِالنِّكَاحِ على الْقطع، وَإِن لم يحضر لعقده وَكَذَا الْمَوْت وَالنّسب وَغَيرهمَا إِذا حصل لَهُ الْعلم بذلك من جِهَة السماع فَيُؤَدِّي شَهَادَته على الْقطع فَيَقُول: نعلم أَنَّهَا زَوجته وَأَنه ابْن فلَان وَلَا يخبر بِأَن ذَلِك الْعلم إِنَّمَا حصل لَهُ من جِهَة السماع. قلت: إِذا أخبر بذلك هَل تبطل بِهِ الشَّهَادَة كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وغالب الظَّن الخ. وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تبطل إِذا صرح بالانتشار أَو التَّوَاتُر. الْقسم الثَّانِي: مَا لَا يُفِيد الْعلم وَلَا الظَّن الْقَرِيب مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يقْصد الْفُقَهَاء الْكَلَام عَلَيْهِ، وَإِذا أطلقت شَهَادَة السماع إِنَّمَا تَنْصَرِف إِلَيْهِ وَهُوَ رَاجع فِي الْحَقِيقَة للشَّهَادَة الَّتِي توجب الْحق مَعَ الْيَمين. ابْن عَرَفَة: هِيَ لقب لما يُصَرح الشَّاهِد فِيهِ بِإِسْنَاد شَهَادَته لسَمَاع من غير معِين فَتخرج شَهَادَة الْبَتّ وَالنَّقْل فالبت خرج بقوله بِإِسْنَاد شَهَادَته لسَمَاع، وَالنَّقْل بقوله من غير معِين، وَالْكَلَام عَلَيْهَا فِي هَذَا الْقسم من وَجْهَيْن. الأول: شَرطهَا وَمِنْه تعلم كيفيتها. الثَّانِي: محلهَا أَي الْمحل الَّذِي تجوز فِيهِ دون غَيره، فَأَما الشَّرْط فَسَيَأْتِي فِي قَول النَّاظِم: وَشَرطهَا استفاضة إِلَى قَوْله: مَعَ السَّلامَة من ارتياب الخ. وَأما محلهَا وَهُوَ مَا تقبل فِيهِ فَفِيهِ طرق. ثَالِثهَا لِابْنِ شَاس وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا أَنَّهَا تجوز فِي مسَائِل مَعْدُودَة، ولرجحانها اقْتصر النَّاظِم عَلَيْهَا فَقَالَ:(1/212)
وأُعْمِلَتْ شَهادَةُ السَّماعِ فِي الحَمْلِ والنِّكاح والرَّضَاعِ (وأعملت شَهَادَة السماع فِي الْحمل) يتَعَلَّق بأعملت أَي يشْهدُونَ بِالسَّمَاعِ الفاشي أَن الْأمة الْفُلَانِيَّة حملت من سَيِّدهَا فلَان حملا ظَاهرا لَا خَفَاء فِيهِ فَتَصِير بذلك أم ولد إِن ادَّعَت سُقُوطه وَتصدق فِي ذَلِك، وإلاَّ فَهُوَ قَوْله فِيمَا يَأْتِي والميلاد الخ. وَهَذَا ظَاهر إِن كَانَ السَّيِّد قد مَاتَ أَو كَانَ حَيا أَو أقرّ بِوَطْئِهَا وإلاَّ فَلَا. (وَالنِّكَاح) أَي يشْهدُونَ بِالسَّمَاعِ الفاشي على أَلْسِنَة أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن فلَانا نكح فُلَانَة هَذِه بِالصَّدَاقِ الْمُسَمّى وَأَن وَليهَا فلَانا عقد عَلَيْهَا نِكَاحهَا بِرِضَاهَا وَأَنه فَشَا وشاع بالدف وَالدُّخَان. هَكَذَا ذكر المتيطي هَذِه الْوَثِيقَة فِي نهايته قَالَ: فَإِذا أعذر القَاضِي للْمَرْأَة وَلم تَجِد مطعناً ثَبت النِّكَاح وَاسْتحق الْبناء بهَا. وَقَالَ قبل هَذِه الْوَثِيقَة مَا نَصه: فَإِن أَتَى الْمُدَّعِي مِنْهُمَا بِبَيِّنَة بِالسَّمَاعِ الفاشي من أهل الْعدْل وَغَيرهم على النِّكَاح واشتهاره بالدف وَالدُّخَان ثَبت النِّكَاح على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ. وَقَالَ أَبُو عمرَان: إِنَّمَا يعْمل بِالسَّمَاعِ فِي النِّكَاح إِذا اتّفق الزَّوْجَانِ عَلَيْهِ وإلاّ فَلَا اه. وَاقْتصر ابْن هَارُون فِي اختصاره على قَوْله: فَإِن أَتَى الْمُدَّعِي الخ. وَكَذَا ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته، فَظَاهر كَلَامهم أَن قَول ابْن عمرَان مُقَابل وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل فِي تنَازع الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ: وَلَا يثبت النِّكَاح إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَو بِسَمَاع على اشتهاره بدف ودخان على الْمَشْهُور، وَقيل: إِن اتفقَا على الزَّوْجِيَّة اه. وَشهر فِي شَهَادَة السماع فِي بَاب الشَّهَادَات مَا لأبي عمرَان فَقَالَ: وَنِكَاح اتّفق عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ على الْمَشْهُور وإلاَّ فَلَا اه. قَالَ ابْن رحال: عقبه مَا قَالَه أَبُو عمرَان وشهره فِي الشَّامِل يَعْنِي فِي بَاب الشَّهَادَات فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَالَ فِي حَاشِيَته: هُنَا الرَّاجِح الْجَوَاز وَإِن لم تكن تَحت الْحجاب وَنَحْوه ل (ز) فِي تنَازع الزَّوْجَيْنِ وعَلى خلاف أبي عمرَان رد (خَ) بقوله فِي التَّنَازُع وَلَو بِالسَّمَاعِ وَقد علمت من هَذَا أَن النِّكَاح يثبت بِالسَّمَاعِ على الْمَعْمُول بِهِ، وَلَو أنْكرت الْمَرْأَة أَو لم تكن تَحت حجاب الزَّوْج خلافًا لأبي عمرَان فِي الْإِنْكَار وَلابْن الْحَاج فِيمَا إِذا لم تكن تَحت الْحجاب وَهَذَا كُله إِذا لم تكن تَحت زوج آخر، وإلاَّ فَلَا تنْزع مِنْهُ بِالسَّمَاعِ اتِّفَاقًا.(1/213)
فَإِن قيل: ظَاهر ابْن الْحَاج أَنه لَا يعْمل بهَا إِذا لم تكن تَحت حجابه وَلَو مقرة بِالنِّكَاحِ وَظَاهر مَا لأبي عمرَان عَكسه وَكَيف يكلفان بِثُبُوتِهِ مَعَ الْإِقْرَار وَكَونهَا تَحت الْحجاب؟ قُلْنَا: يكلفان حَيْثُ كَانَا بلديين لرفع الْحَد عَنْهُمَا وَلَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِد كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: رَابِعَة مَا تلْزم الْيَمين الخ. وَظَاهر مَا مر عَن المتيطي أَن بَيِّنَة السماع لَا بُد أَن تذكر الْعَاقِد وَالصَّدَاق كبينة الْقطع، وَهَذَا ظَاهر إِذا حملنَا كَلَامه على شَرط الصِّحَّة، وَالظَّاهِر أَنه شَرط كَمَال بِدَلِيل قَوْله: وَإِن فَشَا وشاع بالدخان. الخ، مَعَ أَنَّهُمَا لَا تشْتَرط معاينتهما وَلَا كَونهمَا من جملَة المسموع كَمَا فِي (ز) وَغَيره وَلِأَن الْفَرْض أَن النزاع فِي أصل الزَّوْجِيَّة لَا فِي تِلْكَ الْفُصُول فَإِذا رَجَعَ الْمُنكر عَن إِنْكَار أصل الزَّوْجِيَّة إِلَى أَنَّهَا وَقعت بِغَيْر ولد أَو بِغَيْر رِضَاهَا فَذَلِك انْتِقَال من دَعْوَى لأخرى فَتبْطل الأولى وَالثَّانيَِة، وَهَذَا كُله إِذا لم يطلّ الزَّمَان وَإِلَّا فَيَكْفِي السماع بِأَنَّهَا زَوجته وَلَا سِيمَا مَعَ موت أَحدهمَا. ابْن رشد: إِذا كَانَت الْمَرْأَة مُنْقَطِعَة عَمَّن تقاررت مَعَه على النِّكَاح وَلَا بَيِّنَة على أَصله وليسا بطارئين فَقيل لَا مِيرَاث بَينهمَا، وَإِن طَال ذَلِك وَفَشَا فِي الْجِيرَان قَالَ: وَهَذَا القَوْل بعيد لِأَن النِّكَاح مِمَّا تصح فِيهِ شَهَادَة السماع إِذا مضى من الزَّمَان مَا يبيد فِيهِ الشُّهُود أَي كالعشرين سنة وَنَحْوهَا. وَقَول المتيطي والشامل بالدف وَالدُّخَان لَا مَفْهُوم لَهُ، بل لَو لم يتَعَرَّضُوا لَهما لصَحَّ، وَكَذَا لَو لم يتَعَرَّضُوا للصداق فِيمَا يظْهر وَيجب صدَاق الْمثل كَمَا ذَكرُوهُ فِيمَا إِذا شهدُوا بِالْقطعِ وَلم يحفظوا صَدَاقا لجَوَاز نِكَاح التَّفْوِيض وَالله أعلم. (وَالرّضَاع) أَي لم يزَالُوا يسمعُونَ أَنَّهَا أُخْته أَو أمه من الرَّضَاع فتنتشر الْحُرْمَة وَظَاهره كَغَيْرِهِ أَنه يفرق بَينهمَا بِهَذِهِ وَلَو بعد العقد كَمَا أَن ظَاهر كَلَامهم أَيْضا أَن السماع الفاشي بِالْعِتْقِ ينتزع بِهِ من حائزه حَيْثُ لم تكن لَهُ بَيِّنَة قَاطِعَة بملكة وإلاَّ لم يكن لبينة السماع فَائِدَة. وَبَيَانه: أَن مدعي رقبته لَهُ لَا يسْتَحقّهُ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ، فَإِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة بِملكه قدمت بَيِّنَة الْملك فَلَا حَاجَة لبينة السماع فيهمَا، وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا مُجَرّد الْحَوْز فَهُوَ الَّذِي تظهر فِيهِ ثَمَرَتهَا وَهُوَ الْمَطْلُوب فَتَأمل ذَلِك، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلهم بَيِّنَة السماع لَا ينتزع بهَا من حائز مَخْصُوص بِمَا يحول وَيَزُول وَالله أعلم. والحَيْضِ والمِيرَاثِ والمِيلادِ وحالِ إسْلامِ أَو ارْتِدادِ (وَالْحيض) فَيثبت بِهِ الْخُرُوج من الْعدة فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ فَلَا توارث بَينهمَا بعده (وَالْمِيرَاث) حَيْثُ شهدُوا بِالسَّمَاعِ أَنه مَاتَ وَأَنه لَا وَارِث لَهُ سوى فلَان لكَونه مَوْلَاهُ أَو ابْن عَمه وَأَنَّهُمْ سمعُوا أَنه يجْتَمع مَعَه فِي الْجد الْفُلَانِيّ أَو فِي جد وَاحِد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد، وَهَذَا حَيْثُ لم يكن هُنَاكَ وَارِث مَعْلُوم النّسَب (والميلاد) فَتَصِير الْأمة أم ولد وَتخرج بِهِ الْحرَّة من الْعدة فَلَا توارث إِن مَاتَ أَحدهمَا (وَحَال إِسْلَام أَو) حَال (ارتداد) فتبنى عَلَيْهِمَا أحكامهما من الْإِرْث وَغَيره.(1/214)
والجَرْحِ والتَّعْدِيلِ والوَلاءِ والرُّشْدِ والتَّسْفِيهِ والإيصاءِ (وَالْجرْح) بِفَتْح الْجِيم أَي التجريح وَظَاهره كَغَيْرِهِ بينوا سَببه أم لَا كَقَوْلِهِم: لم تزل تسمع أَنه مجرح فَتسقط شَهَادَته (وَالتَّعْدِيل) فَيعْمل بِشَهَادَتِهِ وَمَا ذكره فِي التجريح وَالتَّعْدِيل قَالَ الْقَرَافِيّ فِي فروقه: مَحَله إِذا لم يدْرك زمَان المجرح والمعدل بِالْفَتْح وَإِلَّا فَلَا بدّ من الْقطع (وَالْوَلَاء) وَالْمرَاد بِهِ اللحمة الَّتِي هِيَ كلحمة النّسَب لَا مُجَرّد المَال فَقَط خلافًا لقَوْل (خَ) فِي الْعتْق وَالْوَلَاء: وَإِن شهد وَاحِد بِالْوَلَاءِ أَو اثْنَان أَنَّهُمَا لم يَزَالَا يسمعان أَنه مَوْلَاهُ لم يثبت لكنه يحلف وَيَأْخُذ المَال الخ فَإِنَّهُ خلاف الْمُعْتَمد. (والرشد) فتمضي أَفعاله وَلَو مولى عَلَيْهِ على مَا بِهِ الْعَمَل من اعْتِبَار الْحَال لَا الْولَايَة (والتسفيه) فَترد أَفعاله وَلَو لم يكن مولى عَلَيْهِ (والإيصاء) بِالنّظرِ لشخص معِين على الْأَوْلَاد كَمَا فِي التَّبْصِرَة عَن الْكَافِي، وَأما الْوَصِيَّة بِالْمَالِ فَهِيَ دَاخِلَة فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة كَمَا قَالَ: وَفِي تَمَلُّكٍ لمِلْكٍ بِيَدِ يُقامُ فِيهِ بَعْدَ طُولِ المَدَدِ (و) أعملت أَيْضا (فِي) سَبَب (تملك) أَي دُخُول (لملك) أصلا كَانَ أَو غَيره (بيد) حائزه فأطلقوا السَّبَب الَّذِي هُوَ التَّمَلُّك بِمَعْنى الدُّخُول فِي الْملك على سَببه الَّذِي هُوَ مَا يُوجب النَّقْل من الشِّرَاء وَالصَّدَََقَة وَنَحْوهمَا، وَالْبَاء بِمَعْنى فِي تتَعَلَّق بِملك وَالْأَصْل إِضَافَة تملك لملك لَكِن لما كَانَت الْإِضَافَة بِمَعْنى اللَّام أظهرها للوزن أَي وأعملت فِي سَبَب دُخُول الْملك فِي ملك ذِي يَد، فَإِذا كَانَ الْملك بِيَدِهِ ثمَّ (يُقَام) عَلَيْهِ (فِيهِ بعد طول المدد) جمع مُدَّة كالعشرين سنة على مَا بِهِ الْعَمَل وَأثبت الْقَائِم أَن الْملك لِأَبِيهِ أَو جده، فَإِن ذَا الْيَد يَكْفِيهِ بَيِّنَة السماع أَنه اشْتَرَاهُ من كَأبي الْقَائِم أَو وهبه لَهُ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ أَو أوصى بِهِ لَهُ، وَإِنَّمَا تسمع بَيِّنَة الْقَائِم وَيحْتَاج الْحَائِز إِلَى ردهَا بِبَيِّنَة السماع إِذا كَانَ لَهُ عذر من غيبَة أَو سفه وَنَحْوهمَا، وإلاَّ فمجرد الْحِيَازَة مُدَّة من عشر سِنِين قَاطع لبينته كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله، وَمَفْهُوم بعد طول أَنه لَا يعْمل بهَا مَعَ عَدمه وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الطول مَظَنَّة انْقِرَاض الْبَينَات، فَلِذَا اكْتفى مَعَه بِالسَّمَاعِ وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله مَعَ السَّلامَة من ارتياب، وَظَاهره أَنه خَاص بالتملك الْمَذْكُور وَهُوَ خلاف ظَاهر. ابْن الْحَاجِب: من شرطيته فِي جَمِيع الْإِفْرَاد وَعَلِيهِ قَرَّرَهُ ابْن عبد السَّلَام وَهُوَ مَا عول عَلَيْهِ الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي حَيْثُ قَالَ: من شُرُوطهَا تقادم الْعَهْد وَطول الزَّمن. قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته: هُنَا طول الزَّمَان يشْتَرط فِي جَمِيع أَفْرَاد شَهَادَة السماع إِلَّا فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ اه. . وَيُمكن تمشية المُصَنّف عَلَيْهِ بِجعْل قَوْله: يُقَام فِيهِ الخ(1/215)
رَاجعا لجَمِيع مَا مر وَأَنه حذفه من قَوْله وعزل حَاكم الخ لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ، وَقَوله: إِلَّا فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ يُرِيد وَكَذَلِكَ النِّكَاح فِي حَيَاة الزَّوْجَيْنِ كَمَا مر تَفْصِيله، وَتَأمل مَا معنى اشْتِرَاطه حِينَئِذٍ فِي نَحْو الْحيض وَالْحمل، وَالظَّاهِر أَن مَعْنَاهُ فِي الْحمل حِينَئِذٍ أَن تحْتَاج الْأمة بعد موت سَيِّدهَا من نَحْو عشْرين سنة إِلَى إِثْبَات كَونهَا حملت من سَيِّدهَا لتثبت حريتها أَو يحْتَاج أَوْلَادهَا الَّذين نشأوا بعد ذَلِك الْحمل إِلَى ذَلِك ليَكُون لَهُم حكمهَا، وَكَذَا فِي الْحيض فَإِن الزَّوْج إِذا طلق زَوجته طَلَاقا رَجْعِيًا وَأشْهد بارتجاعها فَمَاتَتْ الزَّوْجَة وَبعد مُدَّة من عشْرين سنة مثلا تنَازع الزَّوْج وورثتها فِي الْمِيرَاث فَأَقَامَ الْوَرَثَة بَيِّنَة بِالسَّمَاعِ أَنَّهَا حَاضَت الثَّالِثَة قبل تَارِيخ الارتجاع فَلَا مِيرَاث للزَّوْج، وإلاَّ فالمرأة مصدقة فِي انْقِضَاء عدتهَا فِيمَا يُمكن فَلَا تحْتَاج لسَمَاع وَالَّذِي لِابْنِ هَارُون وَاعْتَمدهُ ابْن عَرَفَة أَن الطول إِنَّمَا يشْتَرط فِي الْأَمْلَاك والأشربة والأحباس والأنكحة وَالصَّدَََقَة وَالْوَلَاء وَالنّسب والحيازة اه. فَانْظُر ذَلِك فَإِن كثيرا من الْمُتَأَخِّرين مِمَّن وقفنا عَلَيْهِ يسْرد هَذِه الْأُمُور من غير بَيَان لكيفية تصورها. تَنْبِيه: ظَاهر النّظم أَنه لَا يحْتَاج فِي الْوَثِيقَة إِلَى بَيَان قدر الطول، وَإِنَّمَا يعْتَمد الشَّاهِد عَلَيْهِ فَقَط قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَلَا يجب فِي الشَّهَادَة بَيَان مُدَّة السماع وَبِه جرى الْعَمَل عِنْد غير وَاحِد من الموثقين. وَقَالَ ابْن المكودي وَغَيره من الأندلسيين: لَا بُد من ذكر الْمدَّة للِاخْتِلَاف فِي قدر الْمدَّة الَّتِي تجوز فِيهَا شَهَادَة السماع اه بِلَفْظ الِاخْتِصَار. قلت: وَمَا لِابْنِ المكودي هُوَ الْوَاجِب فِيمَا إِذا كَانَ الشَّاهِد من غير أهل الْعلم، وَعَلِيهِ فَإِن سقط ذكر الْمدَّة من الْوَثِيقَة فيسئل عَنْهَا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وغالب الظَّن الخ. وكما قَالُوا فِي الْحِيَازَة القاطعة لحجة الْقَائِم من أَن الْعَمَل على أَنه لَا بُد من التَّصْرِيح فِي وثيقتها بِعشر سِنِين لاخْتِلَاف النَّاس فِي قدر مدَّتهَا كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل الْخلاف الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ إِذا قَالَ الشَّاهِد: كنت أسمع أَو سَمِعت سَمَاعا فاشياً الخ. أما إِذا قَالَ (لم) أزل أسمع فَقَالَ أَبُو الْحسن فِي كتاب اللّقطَة: يقوم مِنْهَا أَي من الْمُدَوَّنَة أَن الشَّاهِد إِذا قَالَ: لم أزل أسمع أَن هَذَا الْموضع حبس فِي وَجه كَذَا أَن الشَّهَادَة عاملة وَيحمل على أَنه من يَوْم عقل وَفهم، وَإِذا قَالَ كنت أسمع أَو سَمِعت فَإِنَّهُ يلْزمه تَحْدِيد لمُدَّة(1/216)
واستمرارها إِلَى حِين التَّارِيخ لِأَن قَوْله: سَمِعت إِنَّمَا يحمل على مُدَّة وَاحِدَة وَكَأن تَقْتَضِي التّكْرَار وَلَا تَقْتَضِي استغراق الْمَاضِي وَإِن كَانَ فِيهَا خلاف بَين الْأُصُولِيِّينَ اه وَنَحْوه للفشتالي فِي وَثِيقَة السماع بِالْحَبْسِ. وحَبْسِ مَنْ جَازَ مِنَ السِّنِينا عَلَيْهِ مَا يُناهِزُ العِشْرِينَا (و) أعملت أَيْضا فِي (حبس من) نَعته (جَازَ من السنينا عَلَيْهِ مَا يناهز) أَي يُقَارب (العشرينا) سنة فَمَا فَاعل جَازَ ويناهز صلتها وَعَلِيهِ يتَعَلَّق بجاز وَمن السنين بَيَان لما. وَكَيْفِيَّة وثيقته أَن يَقُولُوا لم يزَالُوا يسمعُونَ سَمَاعا فاشياً من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن الدَّار الْفُلَانِيَّة مثلا محبسة على مَسْجِد كَذَا أَو على بني فلَان وعقبهم ويعرفونها تحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس وتحترم بحرمتها واتصل ذَلِك فِي علمهمْ إِلَى الْآن ويحوزونها بِالْوُقُوفِ إِلَيْهَا وَالتَّعْيِين لَهَا مَتى دعوا إِلَى ذَلِك الخ. فَإِن سقط من الْوَثِيقَة أَنَّهَا تحاز، أَو الْمعرفَة بِأَنَّهَا تحاز فالشهادة غير عاملة. وَفِي الْمُدَوَّنَة مَا ظَاهره أَنَّهَا تَامَّة إِذا سَقَطت الْمعرفَة فَقَط فَفِيهَا وَالشَّهَادَة على السماع فِي الأحباس جَائِزَة لطول زمانها يشْهدُونَ أَنا لم نزل نسْمع أَن هَذِه الدَّار حبس تحاز بِمَا تحاز بِهِ الأحباس الخ، لَكِن حملهَا ابْن نَاجِي على خلاف ظَاهرهَا فَقَالَ: قصد بقوله تحاز الْقطع بذلك فَيَقُولُونَ نعلم أَنَّهَا تحاز بحوز الأحباس على الْقطع لَا أَنه دَاخل تَحت السماع وعَلى ذَلِك حمله ابْن رشد وَنَقله ابْن فتوح وَغَيره على الْمَذْهَب، وَبِه الْعَمَل. وَقيل: لَا يشْتَرط ذَلِك بل إِدْخَاله تَحت السماع كَاف قَالَه ابْن سهل اه. فَعلم من هَذِه الْوَثِيقَة أَنهم إِذا قَالُوا لم نزل نسْمع أَنَّهَا حبس وَلم نسْمع تحبيس من هِيَ فالشهادة تَامَّة وَهُوَ كَذَلِك قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَهُوَ ظَاهر ابْن سهل وَغَيره خلافًا لما فِي التَّبْصِرَة من أَنه لَا بُد أَن يضمن فِي الْوَثِيقَة أَن الدَّار كَانَت ملكا للمحبس لِأَن معرفَة الْمحبس وَإِثْبَات ملكه إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى التَّنْصِيص عَلَيْهِمَا فِي الشَّهَادَة على أصل التحبيس بتاً لَا سَمَاعا كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام، وَفِي وَصَايَا المعيار أثْنَاء جَوَاب مَا نَصه: شاهدت عِنْد أبي بكر القَاضِي شُورَى فِي عقد حبس كتبه أَبُو عمر الشاطبي وَفِيه: يعْرفُونَ الْمَوَاضِع الَّتِي بِموضع كَذَا حبسا من حبس فلَان وَأَنَّهَا تحترم بِحرْمَة الأحباس فَقَالَ ابْن عتاب لِابْنِ ذكْوَان: لَا يجوز بِهَذَا الرَّسْم حكم إِلَّا بعد ثُبُوت ملك الْمحبس وَمَوته وعدة ورثته والإعذار فِي ذَلِك، وَكَانَ الشاطبي الْمَذْكُور بالحضرة فَقَالَ لِابْنِ عتاب: كَيفَ لَا يحكم بالرسم وَقد نَص فِيهِ على أَنَّهَا تحترم بِحرْمَة الأحباس؟ فَقَالَ لَهُ ابْن عتاب: اسْكُتْ إِنَّمَا عَلَيْك أَن تسمع وَلَا تعترض اه. وَلابْن رشد فِي أجوبته: لَا يجب الْقَضَاء بِالْحَبْسِ إِلَّا بعد أَن يثبت التحبيس وَملك الْمحبس لما حبس يَوْم التحبيس وَتَعْيِين الْأَمْلَاك المحبسة بالحيازة فَإِذا ثَبت ذَلِك وأعذر فِيهِ للمقوم عَلَيْهِ فالقضاء بِالْحَبْسِ وَاجِب اه. وَهُوَ مُوَافق لما مرّ عَن ابْن عتاب، وَذكر هَذَا ابْن فتوح فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة فِي عدَّة عُقُود لما ذكر فِي بَعْضهَا أَنه إِن عرف الشُّهُود الْملك كَانَ أتم، وَذكر فِي بَعْضهَا أَن الشُّهُود إِذا لم يعرفوا الْملك أسقط من الْوَثِيقَة فمقتضاه عدم اشْتِرَاط ثُبُوت الْملك فِي الشَّهَادَة ببت الْحَبْس إِلَّا أَنه إِن ذكر فَهُوَ أتم، وَنَحْوه للمتيطي(1/217)
وبكلامهما اعْترض ابْن عَرَفَة على ابْن عبد السَّلَام قَالَ بعض الْفُضَلَاء: وَفِيه نظر، فَإِن مُقْتَضى مَا لِابْنِ عتاب وَابْن رشد وَغَيرهمَا أَن اشْتِرَاط ذَلِك هُوَ الْمَذْهَب، وَمَا فِي المتيطي وَابْن فتوح لَا نسلم أَنه يَقْتَضِي عدم الِاشْتِرَاط لاحْتِمَال أَن يكون مَعْنَاهُ إِن لم يعرف الشُّهُود ذَلِك أسقطوه ثمَّ لَا يتم الحكم بِالْحَبْسِ إِلَّا بِهِ بِأَن يشْهد بِالْملكِ من يعرفهُ من غَيرهَا وَقد صرح المتيطي بذلك فِي مَوضِع آخر فَتَأَمّله وَهَذَا كُله فِي شَهَادَة الْبَتّ، وَأما شَهَادَة السماع فَلَا يشْتَرط فِيهَا تَسْمِيَة الْمحبس وَلَا إِثْبَات ملكه اه. المُرَاد من كَلَام هَذَا الْفَاضِل وَمَا ذكره فِي الْبَتّ من اشْتِرَاط ثُبُوت الْملك نَحوه فِي (ح) وضيح مقتصرين عَلَيْهِ، وَصرح ابْن رحال برجحانيته، وَفِي الفشتالية فَإِن ذكر فِي الْوَثِيقَة أَي وَثِيقَة السماع اسْم الْمحبس فَلَا بدّ من إِثْبَات الْملك وَمَوته وعدة ورثته. قَالَ صَاحب الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَقيل إِن بعد عهد موت الْمحبس وَتعذر إِثْبَات ورثته فَإِن ذَلِك سَاقِط وَلَا يلْزم إِثْبَات ذَلِك اه. فَأَنت ترى كَيفَ ضعفه بقيل، وَمَا ذكره عَن ابْن عَرَفَة من الِاعْتِرَاض تبعه عَلَيْهِ الْبُرْزُليّ فِي نوازله وَسلمهُ، وعَلى القَوْل بِاشْتِرَاط ثُبُوت الْملك فَمَعْنَاه أَن الْحَبْس لَا يكون حجَّة للقائم بِهِ بِحَيْثُ يُقَابل التحبيس الْملك الَّذِي أثْبته الْغَيْر فَإِن لم يقم فِيهِ أحد فَيثبت الْحَبْس وَإِن لم يثبت ملكه وبالوجه الَّذِي يرد للْوَرَثَة يكون حبسا قَالَه ابْن رحال. تَنْبِيه: إِنَّمَا يعْمل السماع بِالْحَبْسِ فِيمَا بيد الْمَشْهُود لَهُ أَو لَا بُد لأحد عَلَيْهِ إِذْ السماع لَا ينْزع بِهِ من يَد حائزه كَمَا مرّ، وَظَاهر ابْن عَرَفَة وَغَيره أَنه ينْزع بِهِ انْظُر (ز) وَحش وَإِنَّمَا يعْمل بِهِ أَيْضا فِي الْحَبْس إِذا نصوا على التَّعْصِيب، والمرجع فَإِن سقط التَّنْصِيص عَلَيْهِ فالشهادة نَاقِصَة لَا تعْمل شَيْئا قَالَه فِي الفشتالية والمتيطية وَغَيرهمَا. قَالَ أَبُو عبد الله المجاصي فِي جَوَاب لَهُ: وَالْمرَاد بالسقوط عِنْد الْأَدَاء لَا فِي الْوَثِيقَة، وَإِنَّمَا يضر الْإِجْمَال فِي الْعقب والمرجع إِذا ذكرا مَعًا أَو أَحدهمَا أما مَعَ عدم التَّعَرُّض لَهما وَلَا لأَحَدهمَا فِي الشَّهَادَة فَيثبت الْحَبْس وَيكون القَوْل لمُدعِي التعقيب إِذْ هُوَ غَالب أحباس زَمَاننَا لَا كَمَا يفهمهُ حكام الْبَوَادِي فَإِن الْعرف مُحكم. ذكر هَذَا القَاضِي أَبُو مهْدي سَيِّدي عِيسَى السجسْتانِي اه. وعَزْلِ حَاكِمٍ وَفِي تَقْدِيمهِ وضَرَرِ الزَّوْجَيْنِمِنْ تَتْمِيمِهِ (و) أعملت فِي (عزل حَاكم) أَيْضا كَقَوْلِهِم لم نزل نسْمع من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَنه عزل فِي تَارِيخ كَذَا فَلَا يمْضِي مَا صدر مِنْهُ من الْأَحْكَام بعد ذَلِك (و) أعملت (فِي تَقْدِيمه) أَي الْحَاكِم أَي تَوليته فتمضي أَحْكَامه الَّتِي حكمهَا بعد تاريخها (و) فِي (ضَرَر الزَّوْجَيْنِ) كَقَوْلِهِم: سمعنَا من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن فلَانا يضر بِزَوْجَتِهِ من غير ذَنْب يُوجب ذَلِك أَو أَنَّهَا تسيء عشرتها لَهُ، فَيثبت لَهَا الْخِيَار فِي طَلَاق نَفسهَا فِي الأول، وَيرد الزَّوْج المَال إِن ثبتَتْ الشَّهَادَة بعد الْخلْع (خَ) ورد المَال بِشَهَادَة سَماع على الضَّرَر الخ، ويأتمنه الْحَاكِم عَلَيْهَا فِي الثَّانِي أَو يخالعها لَهُ بِالنّظرِ كَمَا يَأْتِي فِي فصل إِثْبَات الضَّرَر إِن شَاءَ الله. (من تتميمه) حَال أَي حَال كَون ضَرَر الزَّوْجَيْنِ متمماً لما(1/218)
يجوز فِيهِ السماع، وَهَذَا فِيمَا حضر للناظم الْآن، وَجُمْلَة مَا ذكره تِسْعَة عشر، وَزَاد ابْن الْعَرَبِيّ السبتي وَولده: الصَّدَقَة، وَالْهِبَة وَالْقِسْمَة وَالْبيع وَالْوَصِيَّة وَالْخلْع والحرابة والإباق، لَكِن الْخمس الأول دَاخِلَة فِي قَول النَّاظِم: وَفِي تملك الْملك بيد الخ. كَمَا مرّ لما علمت أَن السماع لَا ينْزع بِهِ من يَد حائز، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد أَن يكون الْمَوْهُوب وَنَحْوه تَحت الْحَائِز وَلَا يُمكن تصور ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَت بيد الْوَاهِب وَنَحْوه فَتَأمل ذَلِك، وَزَاد بَعضهم الْحِوَالَة وَهِي بيع فِي الْحَقِيقَة والحيازة وَالْوكَالَة وَالْعِتْق والأسر والعدم وتنفيذ الْوَصَايَا وَدخُول الاهتداء وَالرَّفْع على خطّ الْعُدُول وتقية الظَّالِم وَدفع نقد الْمهْر وَالْمَوْت وَيشْتَرط فِي جَوَازهَا فِيهِ طول الزَّمَان أَو تنائي الْبلدَانِ، وَيُمكن دُخُوله فِي قَول المُصَنّف: وَالْمِيرَاث. قَالَ الجزيري: لَا بُد فِي شَهَادَة السماع بِالْمَوْتِ أَن يَقُولُوا سمعنَا فلَانا الَّذِي نعرفه بِعَيْنِه واسْمه وَنسبه مَاتَ يَوْم كَذَا فِي وَقت كَذَا، وَلَا يسْتَغْنى عَن التَّارِيخ الَّذِي مَاتَ فِيهِ من جِهَة من يوارثه ليعلم بِهِ من مَاتَ قبله أَو بعده اه. وَفِي الفشتالية: وَلَا تغفل أَن تَقول فِي السماع بِالْمَوْتِ ويعرفون أَن أهل الْإِحَاطَة بإرثه فلَان لِأَنَّك إِذا عطفت حصر الْوَرَثَة على السماع دخل فِي ذَلِك مَا دخل السماع بِالْحَبْسِ وَالنّسب. قَالَ ابْن الْهِنْدِيّ: مثل أَن يشْهدُوا بِالسَّمَاعِ الفاشي من أهل الْعدْل وَغَيرهم أَن فلَان بن فلَان قرشي من فَخذ كَذَا يعرفونه وآباءه من قبله قد حازوا هَذَا النّسَب، وَلَا يعلمُونَ أحدا يطعن عَلَيْهِم فِيهِ إِلَى الْآن فَمن نَفَاهُ عَن هَذَا النّسَب بعد حد لَهُ اه. فيستفاد مِنْهُ أَنه يعْمل بِهِ فِي الشّرف أَيْضا، وَزيد أَيْضا اللوث كَأَن يَقُولُوا سمعنَا سَمَاعا فاشياً أَن فلَانا قتل فلَانا عمدا أَو خطأ، وَقد نقل ابْن عرضون فِي عُقُود الطَّلَاق منظومة فِي ذَلِك أنهى فِيهَا مسائلها إِلَى خمسين فانظرها إِن شِئْت.(1/219)
وَلما تكلم على مَا حَضَره من الْأَفْرَاد الَّتِي تجوز فِيهَا تكلم على شُرُوطهَا الْعَامَّة فِي كل فَرد مِنْهَا فَقَالَ: وشَرْطُها اسْتِفَاضَةٌ بَحَيْثُ لَا يُحْصَرُ مَنْ عَنْهُ السَّماعُ نُقِلاَ (وَشَرطهَا) مُبْتَدأ خَبره (استفاضة بِحَيْثُ) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صفة (لَا يحصر) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول: (من) نَائِب (عَنهُ) يتَعَلَّق بنقلا (السماع) مُبْتَدأ (نقلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر وَالْجُمْلَة صلَة من وَالْجُمْلَة من قَوْله لَا يحصر الخ فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ، وَيجوز أَن يكون بِحَيْثُ عطف بَيَان على استفاضة وَتَفْسِير لَهُ، فالاستفاضة هِيَ أَن يكون الْمَنْقُول عَنهُ غير معِين وَلَا مَحْصُور، وَهَذَا الشَّرْط لَا بُد من التَّصْرِيح بِهِ فِي الْوَثِيقَة أَو عِنْد الْأَدَاء، وَهُوَ الَّذِي يعبرون عَنهُ بكيفية شَهَادَة السماع وصفتها أَي: هَذِه الْكَيْفِيَّة وَالصّفة شَرط فِيهَا فَيَقُولُونَ سمعنَا أَو لم نزل نسْمع سَمَاعا فاشياً من أهل الْعدْل وَغَيرهم وَلَا يسمون المسموع مِنْهُ فَإِن سموهُ خرجت إِلَى شَهَادَة النَّقْل فَتعْتَبر حِينَئِذٍ شُرُوطه الْمشَار لَهَا بقول (خَ) كأشهد على شهادتي إِن غَابَ الأَصْل أَو مَاتَ أَو مرض وَلم يطْرَأ فسق أَو عَدَاوَة الخ. أما اشْتِرَاط الفشو فمتفق عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم إِذْ هُوَ مُرَاده بالاستفاضة، وَأما كَونه عَن الْعُدُول وَغَيرهم فَفِيهِ خلاف فَالَّذِي للمتيطي وَابْن فتوح وَهُوَ ظَاهر قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُوازِية؛ أَنه لَا بُد من الْجمع بَين الْكَلِمَتَيْنِ الْعُدُول وَغَيرهم فِي الْوَثِيقَة أَو عِنْد الْأَدَاء وَإِلَّا سَقَطت الشَّهَادَة قَالُوا: وَبِه الْعَمَل وَهَذَا ظَاهر قَول النّظم بِحَيْثُ لَا يحصر الخ. أَي: بِحَيْثُ لَا يحصر من نقل عَنهُ السماع فِي الْعُدُول أَو فِي غَيرهم وَظَاهر الْمُدَوَّنَة أَن السماع من أَحدهمَا كَاف وَهُوَ مَا شهره فِي ضيح وَابْن عَرَفَة فِي بَاب الْخلْع والمتيطي فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ فَقَالُوا: إِن الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ صِحَة الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ فِي الضَّرَر، وَإِن لم يكن من عدُول بل من لفيف النِّسَاء وَالْجِيرَان فَقَط، وَجعلُوا القَوْل بِاشْتِرَاط كَونه من الْعُدُول وَغَيرهم مُقَابلا، وَالظَّاهِر من حكايتهم الْأَقْوَال الْمُقَابلَة أَنه لَا خُصُوصِيَّة للضَّرَر بذلك لِأَن تِلْكَ الْأَقْوَال جَارِيَة فِي جَمِيع الْأَفْرَاد، وعَلى هَذَا عول العبدوسي فِي قصيدته حَيْثُ قَالَ على مَا أصلحه بِهِ ابْن غَازِي: وَلَيْسَ سَمعهَا من الْعُدُول شرطا بل اللفيف فِي الْمَنْقُول وَكَذَا ابْن عرضون فِي آخر قصيدته الْآتِيَة وَرجحه (ح) فِي الشَّهَادَات فَتبين أَن كلاًّ من الْقَوْلَيْنِ عمل بِهِ، وَزَاد الْأَخير على الأول بِكَوْنِهِ مَشْهُورا ظَاهر الْمُدَوَّنَة بِخِلَاف الأول، فَإِنَّمَا هُوَ ظَاهر الْمُوازِية كَمَا صرح بِهِ المتيطي فِي نهايته فِي ضَرَر الزَّوْجَيْنِ وَمَا تقدم عَنهُ من أَنه لَا بُد من الْجمع بَين الْكَلِمَتَيْنِ. ذكره فِي بَاب الْحَبْس وَلم يُصَرح أحد بتشهيره فِيمَا علمت. فَإِن قيل: التشهير الْمَذْكُور خَاص بِالضَّرَرِ. قُلْنَا: هُوَ خلاف ظَاهر كَلَامهم، وَيلْزم عَلَيْهِ أَن الْعَمَل الْمَذْكُور خَاص بِالْحَبْسِ لأَنهم فِيهِ ذَكرُوهُ، وَأَيْضًا (فَإِن الْعلَّة) الَّتِي علل بهَا عدم الِاشْتِرَاط كَمَا لِابْنِ عبد السَّلَام وَغَيره، وَهِي أَن الْمَقْصُود حُصُول الْعلم أَو الظَّن للشَّاهِد، وَذَلِكَ يحصل من خبر غير(1/220)
الْعدْل كَمَا يحصل من الْعدْل جَارِيَة فِي الْجَمِيع، وَأَيْضًا إِذا كَانَ لَا يشْتَرط ذَلِك فِي الضَّرَر الْمُؤَدِّي للفراق فأحرى غَيره، وَبِهَذَا تعلم مَا فِي رد طفي لكَلَام (ح) فِي الشَّهَادَات وَظَاهر القَوْل بالاشتراط أَن الشَّهَادَة تسْقط، وَلَو كَانَ الشُّهُود من أهل الْعلم، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد بِمَا إِذا لم يَكُونُوا من أهل الْعلم كَمَا نَص عَلَيْهِ (م) فِي شرح اللامية عِنْد قَوْلهَا شَهَادَة إِعْتَاق. مَعَ السَّلامَةِ مِنِ ارْتياب يُفْضِي إِلَى تَغْلِيظٍ وإكْذابِ (مَعَ السَّلامَة) فِي مَحل الْحَال من استفاضة لِأَنَّهَا قد خصصت بِالْوَصْفِ (من ارتياب) يتَعَلَّق بالسلامة (يُفْضِي) بِضَم أَوله أَي يُؤَدِّي (إِلَى تغليط) وَهُوَ الْكَذِب لَا عَن عمد (أَو إكذاب) وَهُوَ الْكَذِب عَن عمد، وَالْجُمْلَة صفة لارتياب، وَمَفْهُومه أَنه إِذا لم تسلم الشَّهَادَة بالاستفاضة من الارتياب كَأَن يشْهد اثْنَان بهَا. وَفِي الْقَبِيل أَي الْبَلَد مائَة من أسنانهما لَا يعْرفُونَ شَيْئا مِنْهَا لم تقبل إِلَّا أَن يَكُونَا شيخين كبيرين قد باد جيلهما فَتقبل حِينَئِذٍ لانْتِفَاء الرِّيبَة. وَحَاصِل شُرُوطهَا خَمْسَة أَرْبَعَة فِي النّظم طول الزَّمَان لِأَن قصر الزَّمَان مَظَنَّة لوُجُود شَهَادَة الْقطع كَمَا نبه عَلَيْهِ بقوله: يُقَام فِيهِ بعد طول المدد الخ. والاستفاضة وَانْتِفَاء الرِّيبَة وَعدم تَسْمِيَة المسموع مِنْهُ كَمَا نبه عَلَيْهِ بقوله: بِحَيْثُ لَا يحصر الخ. لِأَن عدم الْحصْر يَسْتَدْعِي عدم التَّسْمِيَة وَلم يبْق عَلَيْهِ إِلَّا تَحْلِيف الْمَشْهُود لَهُ لِأَن السماع ضَعِيف، فَلَا بُد مَعَه من الْيَمين. انْظُر الشَّارِح فِي الْبَيْت بعده، وَزيد سادس وَهُوَ كَون الْمَشْهُود بِهِ تَحت يَد الْمَشْهُود لَهُ يَدعِيهِ لنَفسِهِ وَلم تقم بَيِّنَة قَاطِعَة بِأَنَّهُ لغيره. قَالَ ابْن عرضون فِي آخر الْمَنْظُومَة الْمشَار إِلَيْهَا آنِفا: فَمن شَرطهَا طول الزَّمَان لديهم وتحليف من قد قَامَ بِالسَّمْعِ واعتلا وَأَن تَنْتفِي عَنْهَا قبائح رِيبَة وَأَن لَا يُسمى من فَشَا عَنهُ أَولا وَلَا تنتزع بِالسَّمْعِ مَا تَحت حائز على مَذْهَب الْجُمْهُور والصفوة الملا وَلَا تشْتَرط فِي السّمع وصف عَدَالَة خُصُوصا وَلَكِن باللفيف تسربلا اه. وَأما اشْتِرَاط الاشتهار، وَهُوَ أَن لَا يكون الْمَشْهُود فِيهِ من شَأْنه الاشتهار، وَأَن لَا يخْتَص بمعرفته بعض النَّاس كالأحباس الْعَامَّة والأنساب دون الْحَبْس الْخَاص بِمعين، فَإِنَّهُ قد لَا يشْتَهر كَمَا فِي الشَّارِح فَهُوَ رَاجع لانْتِفَاء الريب. وَاعْلَم أَن الْمَوْت لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون فِي الْبَلَد أَو فِي غَيره فَالْأول يثبت بِالسَّمَاعِ عِنْد من قَالَ بِهِ كَابْن هَارُون وَابْن رحال فِي حَاشِيَته إِلَّا بِشَرْط الطول الَّذِي تنقرض فِيهِ الْبَينَات وَيَنْقَطِع فِيهِ أهل الْعلم، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْمَجْمُوعَة الْمُتَقَدّم لِأَن ظَاهرهَا كَانَت الشَّهَادَة فِي الْمَوْت أَو فِي غَيره، وَهُوَ معنى قَول ابْن هَارُون الْمُشْتَرط فِي الْمَوْت أما طول الزَّمن أَو تنائي الْبلدَانِ يُرِيد طول الزَّمَان فِي الْبَلَد أَو تنائي الْبلدَانِ فِي غَيره، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا تقبل فِي الْبَلَد إِلَّا على الْقطع لِأَنَّهُ فِي الْبَلَد مَظَنَّة تَوَاتر الْخَبَر فَيحصل الْعلم وَهُوَ ظَاهر قَول(1/221)
(خَ) وَمَوْت ببعد وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَعمل بِالسَّمَاعِ على الْمَوْت فِيمَا بعد عَن بلد الْمَوْت لَا فِيمَا قرب أما فِي بَلَده فَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَة (بت) وَلَو كَانَ أَصْلهَا السماع اه. ويُكْتف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ى فِيهَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى مَا تابَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ العَمَلا (ويكتفى) مَبْنِيّ للْمَفْعُول (فِيهَا) يتَعَلَّق بِهِ (بعدلين) نَائِب (على مَا) أَي القَوْل الَّذِي (تَابع النَّاس عَلَيْهِ العملا) وَالْمَجْرُور بعلى الأولى يتَعَلَّق بيكتفى وبالثانية يتَعَلَّق بِالْمَصْدَرِ وَمَا ذكره من الِاكْتِفَاء بالعدلين هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة قَالَ فِي الْمُفِيد: وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَبِه الحكم. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: أقل مَا يجوز فِي ذَلِك أَرْبَعَة شُهَدَاء لِأَنَّهَا شَبيهَة بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة، وَمَفْهُوم عَدْلَيْنِ أَن الْوَاحِد لَا يَكْفِي وَهُوَ كَذَلِك، فَإِن شهد أَحدهمَا بِالْحَبْسِ مثلا وحيازته على الْقطع وَشهد آخر بِهِ على السماع لم يحكم بهَا حَتَّى يشْهدُوا على السماع أَو الْقطع قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة.(1/222)
(فصل)
فِي مسَائِل من الشَّهَادَات كنقصانها وَالْقِيَام بهَا بعد الْإِنْكَار وتعارضها. ومَنْ لِطَالِبٍ بِحَقَ شَهِدَا ولَم يُحَقِّقْ عِنْدَ ذَاكَ العَدَدَا (وَمن) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْعدْل أَو شَرْطِيَّة (لطَالب بِحَق) يتعلقان ب (شَهدا وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك) أَي عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة يتَعَلَّق بيحقق (العددا) مَفْعُوله الْجُمْلَة المقرونة بِالْوَاو حَالية كشهادتهم أَنه أسلفه دَرَاهِم بمحضرهم لَا يدرونها ثَلَاثَة أَو أقل أَو أَكثر أَو أَن لَهُ حَقًا فِي هَذِه الدَّار أَو الأَرْض لَا يَدْرُونَ قدره أَو لَا يجوزونها أَو أَن لَهُ عَلَيْهِ حَقًا أَو أسلفه بمحضرهم مائَة لَا يَدْرُونَ جِنْسهَا أَو غصبه بمحضرهم أَرضًا لَا يَدْرُونَ حُدُودهَا أَو أَنه قَضَاهُ بمحضرهم من دينه شَيْئا لَا يَدْرُونَ قدره وَنَحْو ذَلِك والمتبادر من قَوْله: وَلم يُحَقّق الخ. أَنهم علمُوا ذَلِك ونسوه، فَهَذِهِ الْأُمُور كلهَا يجْرِي فِيهَا قَوْله: فَمَالِكٌ عَنْهُ بِهِ قَوْلانِ لِلْحُكْم فِي ذَاكَ مُبَيِّنانِ (فمالك) مُبْتَدأ (عَنهُ بِهِ) يتعلقان بالاستقرار الَّذِي هُوَ خبر عَن الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَهُوَ (قَولَانِ) وَالضَّمِير فِي عَنهُ يرجع لمَالِك وَالْبَاء فِي بِهِ للظرفية وضميره يرجع لمن أَو للفرع الْمَذْكُور (للْحكم فِي ذَاك مبينان) بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا صفة لقولان وللحكم يتَعَلَّق بِهِ وَفِي ذَاك يتَعَلَّق بالحكم، وَالتَّقْدِير فمالك قَولَانِ كائنان عَنهُ فِي الْفَرْع الْمَذْكُور مبينان للْحكم فِي ذَلِك، واحترزت بِقَوْلِي بمحضرهم عَمَّا لَو شهدُوا أَعلَى إِقْرَاره بِأَن فِي ذمَّته لَهُ دَرَاهِم أَو مائَة فَإِنَّهُ يلْزمه التَّفْسِير كَمَا لَو أقرّ بِشَيْء كَمَا يَأْتِي. إلْغاؤها كأنَّها لَمْ تُذكَرْ وتَرْفَعُ الدَّعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; يمِينَ المُنْكِرْ (إلغاؤها) بدل من قَولَانِ أَي أَحدهمَا إلغاؤها حَتَّى (كَأَنَّهَا لم تذكر) بِضَم التَّاء مَبْنِيا للْمَفْعُول ونائبه يعود على الشَّهَادَة وَالْحكم فِيهَا إِذا لم تذكر أَن يحلف الْمَطْلُوب لإنكاره كَمَا قَالَ: (وترفع) بِفَتْح أَوله مَبْنِيا للْفَاعِل (الدَّعْوَى) مَفْعُوله (يَمِين الْمُنكر) فَاعله، وَأَشَارَ لِلْقَوْلِ الثَّانِي بقوله: أَو يُلْزَمُ المطلُوبُ أَن يُقِرَّا ثمَّ يُؤَدِّي مَا بهِ أَقْرَّا (أَو يلْزم) بِضَم أَوله وَنصب آخِره مَبْنِيا للْمَفْعُول مَعْطُوفًا على قَوْله إلغاؤها من بَاب قَوْله:(1/223)
وَإِن على اسْم خَالص فعل عطف. الخ (الْمَطْلُوب) نَائِب (أَن يقرا) فِي مَحل نصب مفعول ثَان أَي أَو لَا تلْغي الشَّهَادَة بل يلْزم الْمَطْلُوب الْإِقْرَار بذلك وَيجْبر عَلَيْهِ بالسجن (ثمَّ) إِذا أقرّ بِشَيْء (يُؤَدِّي مَا بِهِ أقرا) من قَلِيل أَو كثير وَيبرأ. بَعْدَ يمينهِ وإنْ تَجَنّبا تَعْييناً أَو عُيِّنَ والحَلْفَ أَبى (بعد يَمِينه) أَنه لَيْسَ فِي ذمَّته سواهُ حَيْثُ نازعه الطَّالِب وَادّعى أَكثر مِمَّا أقرّ بِهِ وإلاَّ فَلَا يَمِين فَيُؤَدِّي مَعْطُوف على يقر وَرَفعه ضَرُورَة وَمَا مَفْعُوله والظرف يتَعَلَّق بِمَحْذُوف كَمَا قَررنَا. (وَإِن تجنبا) الْمَطْلُوب (تعييناً) لقدر الْمَشْهُود بِهِ ولجنسه بِأَن جزم بِأَنَّهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ، أَو قَالَ إِنَّه لَا يعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ وَلَا مَا شهدُوا بِهِ وَحلف على ذَلِك، (أَو) أقرّ بِقَدرِهِ و (عين) جنسه فِي مَجْهُول الْجِنْس، وَلَكِن ادّعى الطَّالِب أَكثر مِمَّا عين (وَالْحلف أَبى) أَي امْتنع مِنْهُ الْمَطْلُوب فِي الثَّانِيَة فالحلف بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام مفعول بأبى وَهُوَ مصدر حلف كضرب ولمصدره ثَلَاثَة أوزان: حلفا بِسُكُون اللَّام وحلفاً بِكَسْرِهَا ومحلوفاً، وَهُوَ أحد المصادر الَّتِي جَاءَت على مفعول كمجلود يُقَال: حلف محلوفاً وجلدته مجلوداً أَي حلفا وجلداً بِسُكُون اللَّام فيهمَا، وَالْحلف بِكَسْر الْحَاء الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم يُقَال: حالفه أَي عاهده وتحالفوا تَعَاهَدُوا، وَأما عَكسه وَهُوَ إتْيَان الْمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول أَو الْفَاعِل فكثير من ذَلِك قَوْله تَعَالَى: طَرِيقا فِي الْبَحْر يبساً} (طه: 77) أَي يَابسا على أَن يبساً مصدر، وَقَوْلهمْ الحكم خطاب الله أَي كَلَامه الْمُخَاطب بِهِ بِكَسْر الطَّاء عباده. كُلِّفَ مَنْ يَطْلُبُهُ التَّعْيينا وَهُوَ لهُ إِن أَعْمَلَ اليَمينا (كلف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط (من) أَي الْمُدَّعِي الَّذِي (يَطْلُبهُ) أَي الْمَطْلُوب ففاعله الْمُسْتَتر يعود على من هُوَ الرابط بَين الْمَوْصُول وصلته وضميره البارز يعود على الْمَطْلُوب كَمَا ترى (التعيينا) للقدر وَالْجِنْس مفعول ثَان يُكَلف وَالْمَفْعُول الأول الْمَوْصُول النَّائِب فَإِن عينه وَحلف أَخذه كَمَا قَالَ (وَهُوَ لَهُ) مُبْتَدأ وَخبر (إِن أعمل اليمينا) وأتى بِمَا يشبه فَهُوَ شَرط حذف جَوَابه لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ كَقَوْلِك: أَنْت ظَالِم إِن فعلت. وَإِن أَبى أَو قَالَ لَسْتُ أَعْرِفُ بَطَلَ حَقُّهُ وَذَاكَ الأعْرَفٌ (وَإِن أَبى) الطَّالِب أَن يحلف بعد أَن عين الْقدر وَنَحْوه (أَو قَالَ لست أعرف) قدر حَقي أَو جنسه (بَطل حَقه) جَوَاب الشَّرْط أَي بَطل حق الْمُدَّعِي فِي الزَّائِد على مَا أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب فِي الثَّانِيَة(1/224)
لِأَن النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للْأولِ وَفِي الْجَمِيع فِي الأولى سَوَاء جزم بالإنكار أَو قَالَ: لَا يعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ لما مرّ إِن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لَا تسمع فضلا عَن توجه الْيَمين بِسَبَبِهَا وَهُوَ إِذا قَالَ: لَا أعرف فقد ادّعى بِهِ، وَلما مرّ أَيْضا عِنْد قَوْله: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً. الخ. من أَن الْمَطْلُوب إِذا قَالَ: لاأعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ وَحلف أَن الطَّالِب إِمَّا أَن يثبت دَعْوَاهُ أَو يبطل حَقه. هَذَا ظَاهر النّظم وَالْقَوَاعِد توافقه كَمَا علمت، وَالْفرق بَين القَوْل الأول وَالثَّانِي ظَاهر وَهُوَ أَن الشَّهَادَة فِي الأول كَالْعدمِ وَالْمَطْلُوب يُمكن من الْيَمين بِمُجَرَّد إِنْكَاره بِخِلَافِهِ على الثَّانِي، فَإِن للشَّهَادَة أثرا فِي أَن الْمَطْلُوب لَا يُمكن مِنْهَا بِمُجَرَّد الْإِنْكَار بل حَتَّى يعرف مَا عِنْد الطَّالِب، وَكَانَ النَّاظِم اعْتمد فِي هَذَا قَول مطرف الْمَنْقُول فِي الْبَاب الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من التَّبْصِرَة: لَو أقرّ الْمَطْلُوب بِالْحَقِّ كُله وَادّعى أَنه قد قَضَاهُ مِنْهُ شَيْئا وأتى بِشَاهِدين شَهدا أَنه أشهدنا أَنه اقْتضى مِنْهُ شَيْئا لم يسمه فشهادتهم جَائِزَة، وَقيل للْمَشْهُود عَلَيْهِ سم هَذَا الَّذِي ثَبت عَلَيْك أَنَّك تقاضيته فَمَا سمي من ذَلِك حلف عَلَيْهِ، وَكَانَ القَوْل لَهُ وَإِن أَبى أَن يقر بِشَيْء قيل للْمَشْهُود لَهُ: أتعرف هَذَا الَّذِي شهد لَك بِهِ فَإِن عرفه وَسَماهُ حلف عَلَيْهِ وبرىء مِنْهُ وَإِن تجاهل بِهِ أَو نكل عَن الْيَمين لزمَه غرم الْجَمِيع لِأَنَّهُ قد مكنه من حَقه بجهله أَو نُكُوله، وَرَأى أصبغ وَابْن الْمَاجشون أَن الشَّهَادَة سَاقِطَة. قَالَ ابْن حبيب، وَقَول مطرف: أحب إِلَيّ، وَبِه أَقُول اه. وَقَوله: وَإِن أَبى أَن يقرّ بِشَيْء يُرِيد أَو أقرّ، وَلم يحلف بِدَلِيل السوابق واللواحق، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة أَيْضا قبل هَذَا مَا نَصه: وَإِذا ادّعى رجل على آخر أَنه أودعهُ ثيابًا فَأنكرهُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَة أَنه أودعهُ أعكاماً لَا يَدْرُونَ مَا فِيهَا ويظنون ثيابًا فَيجب أَن يسجن الْمُدعى عَلَيْهِ ويهدد، فَإِن أقرّ بذلك حلف عَلَيْهِ وَكَانَ القَوْل قَوْله، وَإِن تَمَادى على إِنْكَاره حلف صَاحب الْوَدِيعَة على مَا يشبه أَنه يملك مثله وَيَأْخُذهُ بذلك والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ، وَقد قيل إِنَّه يحلف إِذا لم تعين الْبَيِّنَة شَيْئا بعد أَن يستبرأ أمره بالتضييق والتهديد إِذا تَمَادى على إِنْكَاره وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وبالأول الْقَضَاء من الِاسْتِغْنَاء اه. وَالْغَرَض مِنْهُ قَوْله: وَبِه الْقَضَاء. وَقَوله: حلف صَاحب الْوَدِيعَة الخ. إِذْ مَفْهُومه أَن صَاحب الْوَدِيعَة إِذا لم يحلف بل قَالَ: لَا أعرف أَو أعرف، وَقَالَ: لَا أَحْلف لم يكن لَهُ شَيْء لِأَنَّهُ أناط الحكم بحلفه فَيكون مُوَافقا لقَوْل مطرف وكل ذَلِك شَاهد للناظم إِلَّا مَا فِي هَذَا الْأَخير من زِيَادَة التهديد والسجن عِنْد التَّمَادِي على الْإِنْكَار فَقَوله: (وَذَاكَ الأعرف) إِشَارَة إِلَى القَوْل(1/225)
الثَّانِي إِذْ بِهِ الْقَضَاء كَمَا ترى لَكِن يرد على قَوْله بَطل حَقه أَنه لَيْسَ قولا لمَالِك وَهُوَ قد قَالَ قبل ذَلِك فَعَن مَالك الخ فَأَما أَن يُقَال فِيهِ حذف الْوَاو مَعَ مَا عطفت أَي فَعَن مَالك وَبَعض أَصْحَابه، أَو يُقَال لما كَانَ أَصْحَابه لَا يَقُولُونَ إِلَّا مَا كَانَ جَارِيا على قَوَاعِده جَازَت نسبته لَهُ حِينَئِذٍ، وَلَو على ضرب من الْمجَاز. فَإِن قلت: وَمَا هُوَ الْمَنْقُول عَن مَالك فِي هَذَا الْفَرْع؟ قلت: الْمَنْقُول عَنهُ رِوَايَتَانِ. الْبطلَان وَهُوَ رِوَايَة ابْن نَافِع كَمَا صدر بِهِ النَّاظِم وَعَدَمه، وَهُوَ رِوَايَة مطرف إِلَّا أَنه فِي هَذِه الرِّوَايَة لَا يَقُول يبطل حق الْمَشْهُود لَهُ بِنُكُولِهِ أَو بقوله: لست أعرف، بل إِذا قَالَ ذَلِك يسجن الْمَطْلُوب حَتَّى يقر وَيحلف على مَا أقرّ بِهِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والتبصرة وَغَيرهمَا وَلَعَلَّ النَّاظِم: إِنَّمَا عدل عَن سجن الْمَطْلُوب الْمَنْقُول فِي هَذِه الرِّوَايَة إِلَى قَول مطرف بِبُطْلَان الْحق لعدم جريانها على الْقَوَاعِد من أَن النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للْأولِ، وَمن أَن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لَا تسمع فَهِيَ وَإِن سَمِعت هُنَا لقوتها بِالشَّهَادَةِ فَلَا توجب يَمِينا، وَلذَا قَالَ ولد النَّاظِم هَذِه الرِّوَايَة لَا تَخْلُو من إِشْكَال. فَإِن قلت: قَول مطرف هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ بِشَيْء. قلت: وَكَذَا رِوَايَته عَن مَالك الْمُتَقَدّمَة لِأَن الشُّهُود شهدُوا فِيهَا أَنَّهُمَا تحاسبا وَبَقِي لأَحَدهمَا على الآخر حق لَا يعْرفُونَ قدره، وَمَعْلُوم أَن الْبَاقِي لَا يُعلمهُ الشُّهُود إِلَّا بِالْإِقْرَارِ. تَنْبِيه: لَيْسَ الْمَقْصُود من الرِّوَايَة، وَقَول مطرف الْمُتَقَدِّمين خُصُوص الْإِقْرَار، بل الشَّهَادَة بِمَجْهُول الْقدر وَلذَلِك جعل غير وَاحِد كالمتيطي وَغَيره مَوْضُوع الْخلاف فِيمَن أَقَامَ بَيِّنَة على رجل بِحَق لَا يَدْرُونَ كم هُوَ أَو لَا يَدْرُونَ عدده كَمَا قَررنَا بِهِ مَوْضُوع النّظم سَوَاء كَانَ الْحق فِي الْأُصُول أَو غَيرهَا كَانَت الشَّهَادَة بِإِقْرَار أَو غَيره لَكِن الْمُفْتى بِهِ فِي الْإِقْرَار صِحَة الشَّهَادَة وَلُزُوم التَّفْسِير لكَون إِبْهَام الْمَشْهُود بِهِ إِنَّمَا هُوَ من جِهَة المقرّ فِي الْحَقِيقَة لَا من جِهَة الشَّهَادَة. نعم لَو نسوه لَكَانَ الْإِبْهَام من جِهَة الشَّهَادَة حِينَئِذٍ، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَمَال نِصَاب وَالْأَحْسَن تَفْسِيره كشيء وَكَذَا وسجن لَهُ الخ، فَإِن فسره بعد السجْن أَو قبله حلف إِن ادّعى الْمقر لَهُ أَكثر فَإِن نكل حلف الْمقر لَهُ على طبق دَعْوَاهُ، وَأخذ كَأَن حقق الْمقر لَهُ الدَّعْوَى وَجَهل الْمقر بِأَن قَالَ لَهُ على شَيْء أَو حق لَا أعرف قدره قَالَه فِي الشَّامِل: فَإِن أقرّ بِثَوْب أَو عبد من غصب أَو غَيره وَلم تعاينه الْبَيِّنَة فَذَلِك من الْإِبْهَام فِي الْقدر لِأَن الْقيمَة تخْتَلف باخْتلَاف الصّفة فَلَا تبطل الشَّهَادَة أَيْضا لِأَن الْإِبْهَام إِنَّمَا هُوَ من الْمقر لَا من الشَّهَادَة، وَهل يقْضِي عَلَيْهِ بالوسط من ذَلِك أَو بِمَا يَدعِيهِ الْمقر لَهُ مَعَ يَمِينه إِن أشبه؟ اللَّخْمِيّ: وَهُوَ أحسن وَلكَون الْإِبْهَام فِي الْإِقْرَار إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الْمقر أخرجناه من مَوْضُوع النّظم كَمَا مرّ فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَقد ألم الزقاق فِي منهجه بِهَذَا حَيْثُ قَالَ: وَالْحق لَا يلْزم لَكِن إِن شهد غير بِهِ تمت وَإِلَّا فاعتمد على الْيَمين وَكَذَا جهل الْعدَد بَيِّنَة أَو نسيت وَقد ورد الرَّد فيهمَا ورد مثبتاً الخ. وَنقل شَارِحه هُنَاكَ كلَاما حسنا فَانْظُرْهُ وَلَا بُد. وَلما كَانَ الْخلاف الْمَذْكُور شَامِلًا لِلْأُصُولِ وَغَيرهَا كَمَا مرّ، وَكَانَ القَوْل الثَّانِي لَا يَقُول بإجبار الْمَطْلُوب بالسجن بل ينْزع الأَصْل من يَده حَتَّى يقر أَشَارَ لذَلِك فَقَالَ: وَمَا عَلَى المطلُوبه إجبارٌ إِذا مَا شَهِدُوا فِي أصْلِ مِلْكٍ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; كَذَا(1/226)
(وَمَا) نَافِيَة (على الْمَطْلُوب) خبر عَن قَوْله (إِجْبَار إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (شهدُوا فِي أصل مَالك) يتَعَلَّق بِمَا قبله (هَكَذَا) حَال من مَضْمُون قَوْله شهدُوا أَي حَال كَون الشَّهَادَة هَكَذَا وَيجوز أَن يكون الْمَجْرُور من اسْم الْإِشَارَة مُتَعَلقا بشهدوا أَي شهدُوا هَكَذَا أَي بِحَق من غير بَيَان قدره أَو حُدُوده فِي أصل مَالك. قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: آخر بَاب الصُّلْح، وَلَو أَنهم شهدُوا بِأَن لهَذَا الْقَائِم حِصَّة فِي الدَّار لَا يعلمُونَ مبلغها فَفِي رِوَايَة مطرف عَن مَالك أَنه يُقَال لَهُ للمطلوب: أقرّ بِمَا شِئْت مِنْهَا واحلف عَلَيْهِ، فَإِن أَبى قيل للطَّالِب سم مَا شِئْت مِنْهَا واحلف عَلَيْهِ وخذه، فَإِن أَبى أخرجت الدَّار من يَد الْمَطْلُوب حَتَّى يقر بِشَيْء مِنْهَا. قَالَ مطرف: وَكُنَّا نقُول وَأكْثر أَصْحَابنَا إِذا لم يعرف الشُّهُود الْحصَّة فَلَا شَهَادَة لَهُم حَتَّى قَالَ لنا ذَلِك مَالك فرجعنا إِلَى قَوْله واستمرت الْأَحْكَام بِهِ اه. وَنَقله فِي التَّبْصِرَة بأبسط من هَذَا. فَتحصل مِمَّا مر أَن القَوْل بِالْبُطْلَانِ جَار فِي الْأُصُول وَغَيرهَا، وَكَذَا القَوْل بِالصِّحَّةِ إِلَّا أَنه يخْتَلف فِيمَا إِذا قَالَ الْمَشْهُود لَهُ: لَا أَحْلف أَو لست أعرف فَعِنْدَ مطرف يبطل حَقه، وَعَلِيهِ درج النَّاظِم وعَلى قِيَاسه فِي الْأُصُول لَا ينْزع الأَصْل من يَد الْمَطْلُوب بل يبطل حق الطَّالِب بقوله ذَلِك وَحِينَئِذٍ فَلَا جبر على مَا مَشى عَلَيْهِ النَّاظِم لَا فِي الْأُصُول وَلَا فِي غَيرهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت مَا يدل على أَن الأَصْل ينْزع من يَد الْمَطْلُوب، بل كَلَامه ظَاهر فِي عدم النزع لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم فتشمل نفي الْإِجْبَار بالسجن وَنزع الشَّيْء من يَده لِأَنَّهُ نوع من الْإِجْبَار فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن مختاره فِي الْأُصُول هُوَ مختاره فِي غَيرهَا من بطلَان الْحق بقوله: لَا أَحْلف أَو لست أعرف كَمَا لَا يخفى وَعند مَالك يسجن فِي غير الْأُصُول وَينْزع الأَصْل من يَده فِي الْأُصُول، وَكَذَا فِي المعينات كَثوب وَنَحْوه حَتَّى يقر وَيحلف على مَا أقرّ بِهِ. وَالْحَاصِل أَن القَوْل بإعمال الشَّهَادَة أقوى من القَوْل ببطلانها كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيه بعده، وكما يدل عَلَيْهِ اقْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا عَلَيْهِ هُنَا، وَبِه أفتى ابْن زرب مُقْتَصرا عَلَيْهِ حَسْبَمَا فِي اسْتِحْقَاق المعيار، وَلذَا قَالَ النَّاظِم: وَذَاكَ الأعرف وَبعد كَونه أرجح وَأقوى هَل يبطل حق الطَّالِب بِنُكُولِهِ أَو تجاهله فِيهِ مَا ترى، وَظَاهر النّظم أَن الْقَوْلَيْنِ بِالْبُطْلَانِ وَعَدَمه جاريان أمكن الاستنزال أم لَا وَهُوَ كَذَلِك. إِذْ فِي الْمَسْأَلَة سِتَّة أَقْوَال كَمَا لِابْنِ رشد فِي الْبَيَان. ثَالِثهَا:(1/227)
يسْتَنْزل الشُّهُود فَإِذا شهدُوا بِمَال فَيُقَال لَهُم أتعلمون أَنه مائَة؟ فَإِن قَالُوا: لَا. قيل لَهُم: أخمسون هُوَ وَهَكَذَا لَا زَالُوا ينزلون حَتَّى يقفوا على مَا لَا يَشكونَ فِيهِ، والمعمول عَلَيْهِ هُوَ أَن لَا يعدل عَنهُ مَعَ إِمْكَانه لقَوْله فِي المازونية ونوازل الْمديَان من المعيار أَن بِهَذَا القَوْل الْعَمَل عِنْد الموثقين، وَبِه أفتى ابْن رشد أَيْضا حَسْبَمَا فِي نَوَازِل الْغَصْب وَالْإِكْرَاه من المعيار فِيمَن غصب ضَيْعَة واستغلها أَن الْبَيِّنَة تستنزل إِلَى مَا تقطع بِهِ فِي الاستغلال من غير شكّ، وَيلْزمهُ غرم ذَلِك وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة فِي الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ. وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي كتاب الرَّجْم من الْمُدَوَّنَة: إِنَّه الَّذِي اعْتَمدهُ أهل السجلات. قَالَ: وَهَذَا فِي الشَّهَادَة على عدد متماثل كَقَوْلِهِم لَهُ عَلَيْهِ مائَة دِينَار أَو مائَة وَخَمْسَة بِأَو الَّتِي للشَّكّ والتردد فَإِن كَانَت الشَّهَادَة على فُصُول فَلَا تبطل إِلَّا فِي ذَلِك الْفَصْل الَّذِي نسباها فِيهِ إِلَّا أَن يكون مرتبطاً بِغَيْرِهِ فَتبْطل فِيهِ وَفِي غَيره كَمَا لَو كَانَت الشَّهَادَة على خطّ غَائِب أَو ميت، وَفِي الْوَثِيقَة محو فِي بعض الْفُصُول فَلَا تبطل إِلَّا فِيهِ إِلَّا أَن يرتبط بِغَيْرِهِ فَإِذا شهدُوا على كَذَا وَكَذَا ثمراً وامتحى مَوضِع عَجْوَة صحت فِيمَا أَيقَن بِهِ الشُّهُود وَيبقى الْخلاف بَين المتداعيين فِي الصّفة كَأَنَّهَا فصل على حياله اه. قلت: وَكَذَا لَو شهدُوا بِالْبيعِ وَقبض الثّمن لَا يقبض الْمَبِيع أَو بِالْعَكْسِ أَو شهدُوا بالسلف دون قَبضه أَو شهدُوا بِالْبيعِ دون التَّأْجِيل أَو الْحُلُول فَإِن الشَّهَادَة تَامَّة فِي ذَلِك وَيبقى الْخلاف بَينهمَا فِيمَا لم يشْهدُوا بِهِ، وَيجْرِي على مَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين إِذْ لَا ارتباط للمنسي بِغَيْرِهِ وَمن المرتبط مَا إِذا شهدُوا بِالْبيعِ ونسوا الثّمن عِنْد من قَالَ بِالْبُطْلَانِ كَمَا يَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَقَوْل ابْن رشد فِي أجوبته: إِن الشَّاهِد إِذا لم يَأْتِ بِشَهَادَتِهِ على وَجههَا وَسقط عَن حفظه بَعْضهَا فَإِنَّهَا تسْقط كلهَا بِإِجْمَاع الخ. يحمل على مَا إِذا ارْتبط الْفَصْل المنسي بِغَيْرِهِ وإلاَّ فَلَا كَمَا ترى لِأَن التَّوْفِيق بَين كَلَام الْأَئِمَّة مَطْلُوب مَا أمكن، وَأَيْضًا فَإِن هَذَا إِنَّمَا يظْهر إِذا اعْترف الشَّاهِد بِالنِّسْيَانِ كَمَا يشْعر بِهِ قَوْله وَسقط عَن حفظه بَعْضهَا الخ. وَأما إِذا لم يشْهدُوا بِالْفَصْلِ الْمَذْكُور لكَونه لم يَقع بمحضرهم فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي الْأَعْمَال حَيْثُ لم يرتبط بِغَيْرِهِ لِأَن النسْيَان يُوجب قُوَّة الشَّك فِي الشَّهَادَة بِخِلَافِهِ مَعَ فَقده فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَأَيْضًا فَإِن الْإِجْمَاع مَرْدُود بِمَا حصله هُوَ بِنَفسِهِ من الْأَقْوَال السِّتَّة. تَنْبِيه: شَمل قَول النَّاظِم: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا. الخ. مَا إِذا شهدُوا بِعقد نِكَاح أَو بيع وَلم يسموا الثّمن وَالصَّدَاق، وَأنكر البَائِع فالشهادة عِنْد مَالك تَامَّة، لَكِن لَا على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم فِي القَوْل الثَّانِي بل يُقَال للْبَائِع: بكم بعتها فَإِن سمى ثمنا وَوَافَقَهُ الْمُبْتَاع أَدَّاهُ وَإِن اخْتلفَا فِيهِ تحَالفا وَردت السّلْعَة وَإِن تَمَادى البَائِع على الْإِنْكَار سُئِلَ الْمُبْتَاع على الثّمن فَإِن سمى مَا يشبه حلف وَأَدَّاهُ وَإِن سمى مَا لَا يشبه قيل لَهُ إِن أَعْطَيْت مَا يشبه أَخَذتهَا وإلاَّ فَلَا. رَوَاهُ مطرف عَن مَالك وَاسْتَحْسنهُ ابْن حبيب، وَإِن كَانَ الْأَمر بِالْعَكْسِ ادّعى البَائِع البيع وَأنكر الْمُبْتَاع حلف البَائِع على مَا سمى من الثّمن إِن أشبه وَيَأْخُذهُ من المُشْتَرِي فَإِن لم يكن لَهُ غير السّلْعَة بِيعَتْ عَلَيْهِ وَتَبعهُ بِالنَّفسِ إِن لم يَفِ ثمنهَا الثَّانِي بِالْأولِ قَالَه فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين من الْمُتَيْطِيَّة مُقْتَصرا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَب. وَكَذَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن فتحون وَكَذَا ابْن فَرِحُونَ آخر الْبَاب الْمُتَقَدّم، وَذكر فِي أنكحة المعيار أَن ابْن المكوي وَابْن الْعَطَّار أجابا عَن ذَلِك بِصِحَّة الشَّهَادَة وَإِن الزَّوْج والمبتاع يسميان الثّمن وَالصَّدَاق وَإِلَّا حلف(1/228)
الطَّالِب إِن أَتَى بِمَا يشبه، وَأجَاب أَبُو إِبْرَاهِيم التجِيبِي بِسُقُوط الشَّهَادَة وَذكر أَنَّهَا رِوَايَة أصبغ عَن ابْن الْقَاسِم، وَكَذَا ذكر ابْن سَلمُون الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ: إِن القَوْل بالسقوط أحسن وَنسبه لصَاحب الِاسْتِغْنَاء وَنَحْوه فِي طرر ابْن عَاتٍ عَن الِاسْتِغْنَاء أَيْضا، وَعلله بِأَن البيع إِنَّمَا يكون بِثمن يرضاه البَائِع والمبتاع وَالْقيمَة تَعْدِيل من غَيرهمَا، وَقد تخرج عَن رضاهما جَمِيعًا أَو عَن رضَا أَحدهمَا الخ. وَقَوله: وَالْقيمَة تَعْدِيل الخ. وَهُوَ مَا مر عَن الْمُتَيْطِيَّة فِي قَوْله: سمي مَا يشبه أَي مَا يشبه أَن يكون قيمَة وَثمنا لَهَا عِنْد أهل الْمعرفَة، وبالقول الأول أفتى أَبُو الْفضل العقباني حَسْبَمَا فِي أَوَائِل معاوضات المعيار والمازونية قَائِلا: إِن البيع لَازم وَالْجهل بِالثّمن لَا يضران ادِّعَاء أحد الْمُتَعَاقدين أَي لِأَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة، وَإِنَّمَا يضر جهلهما مَعًا وَقد يكون الثّمن مَعْلُوما فِيمَا بَينهمَا وَلم يذكراه الْمَشْهُود. وَقَالَ أَبُو عبد الله الغوري حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي أَن الرَّاجِح صِحَة النِّكَاح الَّذِي لم يتَعَرَّض شُهُوده لمبلغ الصَدَاق وَيحكم فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ المشبهة إِن ادَّعَاهَا وَإِلَّا فَهُوَ نِكَاح تَفْوِيض اه. وعَلى قِيَاسه فِي البيع يُقَال يحكم بِالتَّسْمِيَةِ المشبهة إِن ادَّعَاهَا المُشْتَرِي وإلاَّ فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا إِلَّا أَن دفع ثمن الْمثل كَمَا تقدم. كَمَا أَنه فِي نِكَاح التَّفْوِيض لَا يصل للزَّوْجَة إِلَّا إِن فرض لَهَا الْمثل، فَتبين بِهَذَا رُجْحَان القَوْل بِصِحَّة الشَّهَادَة لاقتصار غير وَاحِد من الفحول عَلَيْهِ، وَلم يذكرُوا لَهُ مُقَابلا وبنوا وثائقهم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَول الإِمَام وَمُقَابِله انْفَرد صَاحب الِاسْتِغْنَاء باستحسانه والتجيبي بالفتوى بِهِ فِيمَا وقفت عَلَيْهِ فتعبير بَعضهم عَنهُ بالمشهور فِي عهدته وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ فماهية البيع من عَاقد ومعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة مَوْجُودَة ثَابِتَة وَانْتِفَاء الْجَهْل فِي قدر الثّمن شَرط خَارج عَن الْمَاهِيّة فَيجْرِي حكمه على اخْتِلَافهمَا فِيهِ على حياله. فَإِن قلت: كَانَ الْقيَاس إِذا لم يسموا الثّمن وَالصَّدَاق أَن يتحالفا ويتفاسخا مَعَ قيام السّلْعَة سَوَاء سمى البَائِع ثمنا وَخَالفهُ الْمُبْتَاع فِيهِ أَو اسْتمرّ البَائِع على إِنْكَار العقد وَمَعَ الْفَوات بِصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه كَمَا فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن. قلت: التَّحَالُف والتفاسخ لَا يَتَأَتَّى مَعَ اسْتِمْرَار البَائِع على الْإِنْكَار لِأَن الْخلاف حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي الْقدر بل فِي أصل العقد، وَلم يسم البَائِع ثمنا مُخَالفا لما ادَّعَاهُ المُشْتَرِي حَتَّى يرجعا للِاخْتِلَاف فِي الْقدر، بل لما ثَبت البيع عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ حمل على ثمن الْمثل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي بياعات النَّاس وَالْحمل على الْغَالِب وَاجِب، فَإِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي أَو أَدَّاهُ اسْتحق الْمَبِيع وإلاَّ فَلَا. ومُنكِرٌ لِلِخِصْمِ مَا ادَّعاهُ أثْبَتَ بعْدُ أَنَّهُ قَضَاهُ (ومنكر) مُبْتَدأ سوغه تعلق (للخصم) بِهِ (مَا) أَي حَقًا مفعول بمنكر (ادَّعَاهُ) صفة أَو صلَة لما وضميره الْمُسْتَتر يعود على الْخصم والبارز على مَا كدعواه عَلَيْهِ بِعشْرَة من بيع أَو قرض مثلا فَأنْكر فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بهَا ف (أثبت) هُوَ أَي الْمُنكر (بعد) أَي بعد قِيَامهَا عَلَيْهِ أَو بعد إِقْرَاره بهَا (أَنه) أَي الْمُنكر (قَضَاهُ) إِيَّاهَا وَأَن وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مصدر مفعول أثبت وَجُمْلَة أثبت صفة لمنكر.(1/229)
لَيْسَ عَلى شُهُودِه مَنْ عَمَلِ لِكَوْنِهِ كَذَّبَهُمْ فِي الأوَّلِ (لَيْسَ على شُهُوده) خبر (من عمل) اسْم لَيْسَ جر بِمن الزَّائِدَة (لكَونه) أَي الْمُنكر (كذبهمْ فِي) القَوْل (الأول) حَيْثُ أنكر وَالْجُمْلَة من لَيْسَ وَمَا بعْدهَا خبر الْمُبْتَدَأ. وَمن كذب بَينته فقد أسقطها، وَقد علمت من هَذَا التَّقْرِير أَنه ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء خَاص كالسلف وَالْبيع فَأنْكر هُوَ ذَلِك الْخَاص. وَقَالَ: مَا أسلفتني وَلَا بعتني، فَلَمَّا أثبت عَلَيْهِ البيع وَالسَّلَف وَقبض الْمَبِيع وَالْقَرْض أثبت هُوَ الْقَضَاء. وَقَوْلنَا: وَقبض الْمَبِيع وَالْقَرْض احْتِرَازًا مِمَّا لَو أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَة بِمُجَرَّد عقد البيع وَالسَّلَف دون الْقَبْض فَإِن ذَلِك لَا يُوجب على الْمَطْلُوب غرماً. وَقَوْلِي فَأنْكر ذَلِك الْخَاص احْتِرَازًا مِمَّا إِذا أَتَى بِلَفْظ عَام كَقَوْلِه فِي الْمِثَال الْمَذْكُور: لَا حق لَك عليّ أَو لَيْسَ لَك عَليّ شَيْء أَو لَا وَدِيعَة لَك عِنْدِي أَو لَيست الدَّار لَك وَنَحْو ذَلِك فَإِن هَذَا لم يكذبهم كَمَا هُوَ مَفْهُوم من النّظم فَتقبل حِينَئِذٍ بَينته بِالْقضَاءِ لعدم استلزام إِنْكَاره حِينَئِذٍ لتكذيبها. (خَ) : وَإِن أنكر مَطْلُوب الْمُعَامَلَة فَالْبَيِّنَة ثمَّ لَا تقبل بَينته بِالْقضَاءِ بِخِلَاف لَا حق لَك عَليّ أَي لِأَن قَوْله لَا حق لَك عَليّ أعلم فَيصدق بِمَا إِذا لم يسلفه أصلا أَو أسلفه فقضاه فَمن حجَّته أَن يَقُول: صدقت مَا كَانَ لَك عَليّ شَيْء فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنِّي كنت قضيتك أَو اشْتريت الدَّار مِنْك، وَنَحْو ذَلِك. وَكَذَا لَو كَانَ البَائِع للدَّار مثلا مستمراً على الْإِقْرَار بِالْبيعِ بعد إِنْكَار المُشْتَرِي شراءها فَإِن للْمُشْتَرِي أَن يرجع عَن إِنْكَاره وَتَكون الدَّار لَهُ كَمَا لَو قَالَ لَهُ: كنت بِعْت لَك دَاري. فَقَالَ: مَا اشْتَرَيْتهَا مِنْك وَبَقِي البَائِع مستمراً فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوع إِلَى قَوْله بِخِلَاف مَا إِذا أنكر الْهِبَة وَنَحْوهَا، فَلَمَّا ثبتَتْ عَلَيْهِ استظهر بالاسترعاء فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يقبل استرعاؤه، وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تقبل بَينته وَلَو كَانَ جَاهِلا لَا يفرق بَين قَوْله مَا أسلفتني وَلَا أودعتني وَبَين قَوْله مَا لَك عَليّ وَلَا عِنْدِي. وَذكر ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة أَن الْجَاهِل يعْذر وَمثله للح عَن الرعيني. وَكَذَا نقل أَبُو الْحسن فِي كتاب اللّعان عِنْد قَوْلهَا وَإِن أَقَامَت الْمَرْأَة بَيِّنَة أَن الزَّوْج قَذفهَا وَهُوَ يُنكر حدا لَا أَن يَدعِي رُؤْيَة فيلتعن وَيقبل مِنْهُ بعد جحوده لِأَنَّهُ يَقُول كنت أُرِيد أَن أكتم اه مَا نَصه ابْن مُحرز. هَذِه الْمَسْأَلَة أصل لمن(1/230)
ادّعى عَلَيْهِ حق فجحده فَقَامَتْ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ بِهِ فَادّعى الْقَضَاء فعلى مَذْهَب الْغَيْر لَا يُمكن، وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم يعْتَبر جحوده على أَي وَجه كَانَ فَإِن كَانَ لَهُ عذر من جَهله أَو جهل من يحكم عَلَيْهِ أَو سطوته أَو غيبَة بَينته ويخشى أَن لَا يُمْهل لقدومها أَو كَانُوا مِمَّن لَا يوثق بِعَدَالَتِهِمْ وَلَا يُؤمن من جرحتهم، فَيمكن من إِقَامَة الْبَيِّنَة كَمَا يُمكن هَذَا من اللّعان بعد إِنْكَاره اه. وَنَقله فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا مُسلما فَتبين أَن الْجَاهِل إِذا كَانَ يعْذر فَكَذَلِك يعْذر غَيره إِذا ذكر أحد هَذِه الْوُجُوه وَأثبت سطوة الْحَاكِم أَو غيبَة الْبَيِّنَة وَنَحْو ذَلِك من كَونهم لَا يوثق بِعَدَالَتِهِمْ أَو يَحْتَاجُونَ للتزكية كَمَا أَن الْجَاهِل لَا بُد أَن يثبت أَن مثله مِمَّن يجهل ذَلِك. وَالْحَاصِل أَنهم قَالُوا الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ عدم الْقبُول كَمَا لأبي الْحسن وَغَيره قَالُوا: وَإِلَّا لم يكن لتقييد الْمقَال فَائِدَة كَمَا فِي قَول النَّاظِم: ولانحصار ناشىء الْخِصَام، وَظَاهر إطلاقاتهم كالناظم و (خَ) أَنه لَا فرق بَين من لَهُ عذر وَبَين من لَا عذر لَهُ، وَلَكِن قَالُوا: يَنْبَغِي تَقْيِيده بِمن لَا عذر لَهُ كَمَا يُقيد أَيْضا بِغَيْر الْعقار وَالْقَذْف على مَا لشراح (خَ) : وَلَكِن فِي الْمُتَيْطِيَّة وَأبي الْحسن وَابْن عَاتٍ أَن الْعَمَل على عدم قبُولهَا حَتَّى فِي الْعقار، وَحِينَئِذٍ فَمَا للشراح من قبُولهَا فِيهِ مُقَابل لهَذَا الْعَمَل فَلَا يعول عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ قَول ابْن الْقَاسِم كَمَا سَيَأْتِي فِي آخر بَاب الضَّمَان أَن هَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خَالف فِيهَا أهل الأندلس ابْن الْقَاسِم وَإِن فَرضنَا مشهوريته لكَونه فِي الْمُدَوَّنَة فَإِن الْعَمَل مقدم على الْمَشْهُور وَمُخَالفَة الْعَمَل لَيست بِالْأَمر الهين كَمَا لِابْنِ سراج والشاطبي على أَن الْمَعْمُول بِهِ مَشْهُور أَيْضا وَمَا خَفِي قَول ابْن الْقَاسِم على هَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَة، وَقد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك أَيْضا فِي حَاشِيَة اللامية وَبَاب الْوكَالَة من شرح الشَّامِل، ثمَّ إِن الْمَسْأَلَة من بَاب الْإِقْرَار الْحَاصِل بالتضمن لَا بالتصريح وَفِي أَعماله خلاف. قيل: يضر، وَقيل: لَا يضر، وَاسْتَحْسنهُ اللَّخْمِيّ قَائِلا لِأَنَّهُ يَقُول أردْت أَن أَحْلف وَلَا أتكلف الْبَيِّنَة، وَيُؤَيِّدهُ مَا مرّ من أَنه يَقُول: كنت أُرِيد أَن أكتم الخ. وأقامة السيوري من الْمُدَوَّنَة قَائِلا: الصَّوَاب أَن النَّاس أجمع معذورون وَأَن لَهُم الرُّجُوع إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة بعد التَّصْرِيح بالجحود. وَثَالِثهَا لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة لَا يضر فِي الْحُدُود وَالْأُصُول ويضر فِي غَيرهَا. وَفِي (خَ) من هَذَا مسَائِل مِنْهَا مَا مرّ فِي قَوْله: وَإِن أنكر مَطْلُوب الخ. وَمِنْهَا قَوْله فِي الْعتْق: وَإِن شهد على شَرِيكه بِعِتْق نصِيبه فنصيب الشَّاهِد حر الخ. وَقَوله فِي الِاسْتِلْحَاق: وَإِن اشْترى مستلحقه وَالْملك لغيره عتق كشاهد ردَّتْ شَهَادَته. وَقَوله فِي الطَّلَاق: وَإِن قَالَ سائبة مني حلف على نَفْيه فَإِن نكل نوى فِي عدده، وَقَوله فِي التَّخْيِير: وَقبل إِرَادَة الْوَاحِدَة بعد قَوْله لم أرد طَلَاقا الخ، وَقَوله فِي الْوَدِيعَة: ويجحدها ثمَّ فِي قبُول الْبَيِّنَة الرَّد خلاف الخ، وَمعنى التضمن الْمَذْكُور أَن بَيِّنَة الْقَضَاء وَالشِّرَاء مثلا تضمنتا وجود الْمُعَامَلَة وَالْملك اللَّذين أنكرهما الْمَطْلُوب فإنكاره تَكْذِيب، لَكِن لَا بالصراحة إِذْ لم يقل إِنَّهَا كَاذِبَة وَلَيْسَ من التَّكْذِيب من ادّعى على أخوته أَن لَهُ حَقًا فِي دَار بِالْإِرْثِ من أَبِيهِم، فأنكروا أَن يكون صَار إِلَيْهِم من أَبِيهِم شَيْء مِنْهَا فَأثْبت أَنَّهَا موروثة عَن الْأَب لِأَن الطَّالِب أَتَى بِبَيِّنَة شهِدت(1/231)
باشتراكهم قَالَه فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَقد تقدم أَن الطَّالِب إِذا كَانَ مستمراً على الْإِقْرَار فللمنكر الرُّجُوع إِلَى قَوْله وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضا مَا إِذا قَالَ: دفعت مَا عَليّ من السّلف مثلا لرَبه، فَلَمَّا كلف بِالْبَيَانِ أثبت أَنه دَفعه لزوجته لِأَن النَّاس يرَوْنَ أَن مَال الزَّوْجَة مَال لزَوجهَا قَالَه فِي المعيار. وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضا إِنْكَار الزَّوْج بعد موت زَوجته إِيرَاد الجهاز لبيتها فَقَامَتْ الْبَيِّنَة بإيراد أَشْيَاء كَمَا لَا يخفى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمين أَنه مَا غَابَ على شَيْء إِذْ لَو أقرّ بالإيراد الْمَذْكُور لم يلْزمه غير ذَلِك قَالَه فِي المعيار، وَظَاهر النّظم أَنه لَا فرق فِي ذَلِك بَين إِنْكَار الْوَكِيل وَغَيره. وَانْظُر عِنْد قَوْله فِي الْوكَالَة. والنقض للإقرار وَالْإِنْكَار الخ. وَمَفْهُوم قَوْله: للخصم أَنه إِذا أنكر لغير الْخصم كَمَا لَو سَأَلَهُ رجل بِمحضر شَاهِدين عَن شِرَائِهِ أَو سلفه من فلَان مثلا فَقَالَ: مَا اشْتريت وَلَا تسلفت مِنْهُ شَيْئا، فَلَمَّا سمع ذَلِك البَائِع أَو الْمقْرض قَامَ وَأثبت أَن الدَّار لَهُ وأصل السّلف، فَإِن بَيِّنَة الْمُنكر تقبل بِالشِّرَاءِ وَالْقَضَاء لِأَن الْإِنْكَار إِنَّمَا يعْتَبر وَقت الْخِصَام وَتَقْيِيد الْمقَال لِأَنَّهُ مَوضِع التَّحَرُّز فَلَا يَنْفَعهُ فِيهِ دَعْوَى الْغَلَط وَالنِّسْيَان بِخِلَاف غَيره. قَالَ فِي المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح: وَيدل لَهُ مَا مر من قَوْلهم: وَإِلَّا لم يكن لتقييد الْمقَال فَائِدَة فَقَوْلهم ذَلِك يدل عَن أَن الْإِنْكَار الْمُعْتَبر هُوَ الْوَاقِع وَقت الْخِصَام وَهُوَ ظَاهر. تَنْبِيه: إِذا قُلْنَا هُوَ مكذب بإنكاره الْمَذْكُور فَلَا يبطل حَقه إِلَّا فِيمَا كذبهمْ فِيهِ فَقَط لَا فِي غَيره مِمَّا شهدُوا بِهِ لَهُ أَو عَلَيْهِ لِأَن تَكْذِيبه من بَاب الْإِسْقَاط لَا من بَاب التجريح إِذْ لَا يجرح الشَّاهِد بِالْكَذِبِ حَتَّى يكون مجرباً فِيهِ، وَأَيْضًا لَو قَالَ كذبتهم فِي ذَلِك الْيَوْم لجرحة لم تكن فيهم وَقت الشَّهَادَة السالفة لصَحَّ ذَلِك وَلم يكن تنَاقض فِي قَوْله قَالَه فِي المعيار عَن أبي الْحسن وسيدي مِصْبَاح. وَفِي ذَوِي عَدْلٍ يُعَارِضانِ مُبَرِّزاً أتَى لَهُمْ قَوْلانِ (وَفِي ذَوي عدل) صفة لمَحْذُوف يتَعَلَّق بقوله أَتَى (يعارضان) صفة بعد صفة (مبرزاً) مفعول بِمَا قبله (أَتَى لَهُم) يتَعَلَّق بالفاعل وَهُوَ (قَولَانِ) وَالضَّمِير الْمَجْرُور لأَصْحَاب مَالك أَي أَتَى قَولَانِ لَهُم فِي شَاهِدين ذَوي عدل يعارضان شَاهدا وَاحِدًا مبرزاً. وبالشَّهيدَيْنِ مُطَرِّفٌ قَضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; والحَلْفَ والأعْدَلَ أصْبَغُ ارتَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; (وبالشهيدين) لَو فَرعه بِالْفَاءِ لَكَانَ أظهر (مطرف) مُبْتَدأ (قضى) خَبره وبالشهيدين يتَعَلَّق بِهِ أَي قدم مطرف الشهيدين على المبرز. ابْن رشد: وَهُوَ أظهر إِذْ من أهل الْعلم من لَا يرى الشَّاهِد وَالْيَمِين وَكَذَا يقدم الشَّاهِدَانِ من جَانب على الشَّاهِد الْغَيْر المبرز مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ من الْجَانِب الآخر، فَإِن كَانَ مَعَهُمَا مبرز قدم عَلَيْهِمَا (خَ) وَرجح بِشَاهِدين على شَاهد وَيَمِين أَو امْرَأتَيْنِ. (وَالْحلف) بِسُكُون اللَّام مفعول مقدم بقوله: ارتضى (والأعدل) مَعْطُوف عَلَيْهِ (أصبغ) مُبْتَدأ(1/232)
(ارتضى) خَبره أَي ارتضى تَقْدِيم الأعدل مَعَ الْيَمين على الشَّاهِدين. ابْن رشد: وَهُوَ إغراق فِي الْقيَاس وَرُبمَا يفهم مِمَّا فِي كتاب. ابْن الْمَوَّاز: تَرْجِيح مَا لأصبغ لِأَنَّهُ قَالَ: إِن أَقَامَ أَحدهمَا شَاهدا وَأقَام الآخر أَرْبَعَة فَإِن كَانَ الْوَاحِد أعدل قضيت بِهِ مَعَ الْيَمين قَالَه أَشهب، وَتَابعه عَلَيْهِ أَصْحَاب مَالك، وَقَالَهُ أصبغ أَيْضا نَقله ابْن رحال وَبِه قرر كَلَام (خَ) فِي شَرحه وَفهم من قَوْله مبرزاً أَنَّهُمَا يقدمان على غَيره اتِّفَاقًا وَأَن الأعدل من الْبَيِّنَتَيْنِ مقدم على غَيره وَلَو أَكثر عددا (خَ) وبمزيد عَدَالَة لَا عدد وَظَاهر هَذَا أَنه يقْضِي بالأعدلية وَإِن كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ تَحت يَد الآخر، وَأَن الأعدلية تراعى وَإِن لم تبلغ حد التبريز وَأَنَّهَا تعْتَبر وَلَو كَانَت فِي أحد الشَّاهِدين فَقَط وَهُوَ كَذَلِك فِي الْجَمِيع، وَإِذا قُلْنَا بالترجيح بِزِيَادَة الْعَدَالَة فَإِن ذَلِك مَعَ الْيَمين فِي المَال وَمَا يؤول إِلَيْهِ لَا فِي غَيره كَالنِّكَاحِ وَالْعِتْق لِأَن زِيَادَة الْعَدَالَة كشاهد وَاحِد على الْمَشْهُور وَمحل عدم التَّرْجِيح بِزِيَادَة الْعدَد إِذا لم يكثروا بِحَيْثُ يقطع بصدقهم وإلاَّ وَجب التَّرْجِيح بِزِيَادَة الْعدَد، وَلَو كن نسَاء كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَامْرَأَتَانِ قامتا مقَامه وَلَو كَانَت الْأُخْرَى أعدل لِأَن غَايَة مَا تفيده زِيَادَة الْعَدَالَة غَلَبَة الظَّن بِخِلَاف الْكَثْرَة فتفيد الْعلم. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: وَامْرَأَتَانِ وَمِائَة امْرَأَة سَوَاء مَحْمُول على الْمُبَالغَة كَمَا للخمي وَغَيره. انْظُر طفي أول الشَّهَادَات، ثمَّ إِنَّمَا يُصَار للترجيح بالأعدلية فِي شَهَادَة الاسترعاء كَمَا أَن التَّرْجِيح بالتاريخ مُعَلّق بِشَهَادَة الأَصْل قَالَه الشَّارِح أول الْبَاب وَتقدم ذَلِك عِنْد قَوْله: وَحل عقد شهر التَّأْجِيل الخ. وَتَأمل قَوْله: إِن التَّرْجِيح بالتاريخ مُعَلّق بِشَهَادَة الأَصْل فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنه إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا أَن هَذِه الأَرْض مثلا ملكه وَشهِدت الْأُخْرَى أَنَّهَا ملك لفُلَان وأرخت إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى أَو أرختا وَلَكِن إِحْدَاهمَا أقدم تَارِيخا أَنه لَا يرجح بالتاريخ هَهُنَا لكَونهَا شَهَادَة استرعاء وَلَيْسَ كَذَلِك بل يرجح بِهِ كَمَا قَالَ. وَقِدَمُ التّارِيخَ تَرْجِيحٌ قُبِلْ لَا مَعْ يدٍ والعَكْسُ عَنْ بَعْضٍ نُقِلْ (وَقدم التَّارِيخ) مُبْتَدأ (تَرْجِيح) خَبره (قبل) صفة لَهُ فَإِذا شهِدت بَيِّنَة أَنه يملك هَذِه الْأمة مُنْذُ عَام وَشهِدت الْأُخْرَى لآخر أَنه يملكهَا مُنْذُ عَاميْنِ قضى بِذَات العامين وَلَو كَانَت الْأُخْرَى أعدل. ابْن عبد السَّلَام: لِأَنَّهُمَا تساقطتا فِيمَا تَعَارَضَتَا فِيهِ وَهُوَ الْعَام وَبَقِي اسْتِصْحَاب الْحَال لذات الأقدم خَالِيا عَن الْمعَارض اه. وَسَوَاء كَانَ الْمُتَنَازع فِيهِ بيدهما أَو بيد أَحدهمَا أَو لَا يَد عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ فِيهَا: إِلَّا أَن يحوزها الْأَقْرَب تَارِيخا بِالْوَطْءِ والخدمة والادعاء لَهَا بِحَضْرَة الآخر فَهَذَا يقطع دَعْوَاهُ اه. وَإِنَّمَا كَانَ قَاطعا لدعواه لِأَن ذَلِك من بَاب الْحِيَازَة القاطعة لحجة الْقَائِم كَمَا يَأْتِي فِي مَحَله إِن شَاءَ الله. (لَا مَعَ يَد) بالْعَطْف على مَحْذُوف أَي قبل حَال كَونه كَائِنا(1/233)
مَعَ عدم الْيَد لَا مَعَ الْيَد أَي يرجح بقدم التَّارِيخ مَا لم يكن الْمُتَنَازع فِيهِ بيد الآخر خلاف النَّقْل وَلَا حجَّة لَهُ فِي قَول الْمُدَوَّنَة إِلَّا أَن يحوزها الْأَقْرَب الخ. لِأَنَّهُ من بَاب الْحِيَازَة كَمَا مرّ، وَلَا فِي قَوْلهم إِن الْيَد من المرجحات لِأَن التَّرْجِيح بهَا إِنَّمَا يعْتَبر إِن لم يُوجد مُرَجّح أصلا كَمَا قَالَ (خَ) : وبيد ان لم ترجح بَيِّنَة تقابله الخ على أَن عدهَا من المرجحات تجوز لِأَن الْبَيِّنَتَيْنِ لما تعادلتا سقطتا وَبَقِي الشَّيْء بيد حائزه، وَمحل التَّرْجِيح بقدم التَّارِيخ مَعَ أعدلية إِحْدَاهمَا مَا لم تكن الْأَخِيرَة شهِدت بِالْولادَةِ كَمَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا أَنه يملكهُ مُنْذُ ثَلَاث سِنِين وَشهِدت الْأُخْرَى أَنَّهَا ولدت عِنْده مُنْذُ سنتَيْن فَإِنَّهَا تهاتر وَيَقْضِي بالأعدلية هَهُنَا قَالَه ابْن يُونُس، ويقيد بِمَا إِذا لم يقطع بِكَوْن سنّ الْمُتَنَازع فِيهِ من ثَلَاث سِنِين فَقَط أَو من سنتَيْن فَقَط وإلاَّ قضى بِذَات السن للْقطع بكذب الْأُخْرَى وَلَا مَفْهُوم لقَوْله: وَقدم التَّارِيخ بل كَذَلِك إِذا لم يكن هُنَاكَ أقدم بِأَن أرخت إِحْدَاهمَا وَلم تؤرخ الْأُخْرَى أصلا أَو أرخت إِحْدَاهمَا بالشهر وَالْأُخْرَى بِالْيَوْمِ الثَّالِث مِنْهُ أَو الْعَاشِر مثلا، فَإِن ذَات التَّارِيخ فِي الأولى أَو ذَات الْأَخَص فِي الثَّانِيَة تقدم. (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ وَهُوَ تَقْدِيم ذَات التَّارِيخ الْأَقْرَب وَلَو كَانَ الشَّيْء بيد الآخر (عَن بعض) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ جملَة (نقل) قيل وَهَذَا نقل غَرِيب لم يُوقف عَلَيْهِ، وَلَيْسَ من المرجحات الْملك على الْحَوْز وَلَا النَّقْل على الِاسْتِصْحَاب لِأَن الْحَوْز أَعم من الْملك إِذْ يكون عَن ملك وَعَن غَيره، والأعم لَا يُعَارض الْأَخَص، وَلذَا لَو شهدُوا لرجل بِملك شَيْء وشهدوا لمن هُوَ بِيَدِهِ بالحوز لِأَن شَهَادَتهمَا عاملة لِأَنَّهُمَا شَهدا بعلمهما فِي الْأَمريْنِ وحيازة الْحَائِز يحْتَمل أَن تكون بإرفاق أَو تَوْكِيل وَلَا يلْزمهُم الْكَشْف عَن ذَلِك فَلَا تنَاقض فِي شَهَادَتهمَا قَالَه ابْن عتاب. وَكَذَا بَيِّنَة الِاسْتِصْحَاب لَا تعَارض الناقلة لِأَن المستصحبة شهِدت بِنَفْي الْعلم بِالْخرُوجِ عَن ملكه، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عدم الْخُرُوج فَلم يحصل تعَارض فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يُصَار للترجيح فَيعْمل بِبَيِّنَة الْملك وَالنَّقْل لعدم مُعَارضَة الْأُخْرَى لَهَا. وَلذَا لم يذكرهَا النَّاظِم من المرجحات. نعم بَقِي عَلَيْهِ التَّرْجِيح بِسَبَب الْملك على عَدمه وبالإثبات على النَّفْي وبالإصالة على الفرعية فَالْأول كَشَهَادَة إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ ملك لزيد وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ ملك لعَمْرو ونسجه أَو نتج عِنْده أَو نسخ الْكتاب بِيَدِهِ أَو اصطاد مَا يصطاد سَوَاء قَالُوا لنَفسِهِ أم لَا. فَتقدم ذَات السَّبَب (خَ) : والأرجح بِسَبَب مَالك كنسج ونتاج لَا يملك من المقاسم، وَالثَّانيَِة المثبتة للْحكم كَشَهَادَة إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ خطه أَو كُفْء لَهَا أَو هِيَ بَالِغَة أَو بِأَنَّهُ بَاعَ أَو طلق فِي وَقت كَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه غير خطه أَو غير كُفْء أَو تزوجت قبل الْبلُوغ أَو لم يتَلَفَّظ بِالطَّلَاق أَو بِالْبيعِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن المثبتة لِلْخَطِّ والكفاءة وَغَيرهمَا أولى لِأَنَّهَا أَثْبَتَت حكما وأوجبته(1/234)
أَي أوجبت حَقًا لم يكن وأثبتته وَهُوَ مَا ذكر من الْخط الْمُوجب لثُبُوت الْحق وَغير ذَلِك. وَذَلِكَ رَاجع فِي الْحَقِيقَة إِلَى تَقْدِيم الناقلة على المستصحبة كَمَا بَيناهُ فِي حَاشِيَة اللامية وكشهادة إِحْدَاهمَا أَنه قتل زيد عمرا يَوْم كَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه كَانَ ذَلِك الْيَوْم بِبَلَد بعيد لِأَن شَهَادَة الْقَتْل أوجبت حكما وأثبتته وَهُوَ الْقصاص. ابْن رشد: هَذَا مَشْهُور الْمَذْهَب، وَقَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي: يقْضِي بِبَيِّنَة الْبَرَاءَة إِن كَانَت أعدل وَإِن استويتا فِي الْعَدَالَة سقطتا. ابْن عبد الْبر، وَقَول إِسْمَاعِيل عِنْدِي صَحِيح إِذْ لَا يَنْبَغِي أَن يقدم على الدَّم إِلَّا بِيَقِين دون الشَّك اه. ابْن رحال: وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي وَغَيره لَا نطيق القَوْل بِهِ لِأَن هَذَا تعَارض حَقِيقِيّ بِالضَّرُورَةِ فَلَو شهِدت إِحْدَاهمَا بِالْقَتْلِ فِي وَقت كَذَا، وَالْأُخْرَى بِالزِّنَا أَو السّرقَة فِي ذَلِك الْوَقْت أَو إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ تلفظ بِالطَّلَاق وَقت كَذَا وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ تلفظ بِالْعِتْقِ فَقَط فِي ذَلِك الْوَقْت سقطتا لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا أوجبت حكما وَلَا ينظر للأعدلية لِأَنَّهَا إِنَّمَا ينظر إِلَيْهَا فِيمَا يثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين، وَلذَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا أَنه أسلفه مائَة بِمَجْلِس كَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه مَا أسلفه إِلَّا عشرَة فِي ذَلِك الْمجْلس، فَإِن ذَات الزِّيَادَة أعمل قَالَه ابْن الْقَاسِم وَله أَيْضا أَنَّهُمَا يتساقطان إِن لم تكن إِحْدَاهمَا أعدل، ابْن رشد: وَهُوَ الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس فَقَوله: وَهُوَ الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس رُبمَا يشْهد لما قَالَه القَاضِي إِسْمَاعِيل. انْظُر شرح الشَّامِل والحطاب على أَنه قد قَالَ (ز) عِنْد قَول (خَ) فِي اللّعان أَو ادَّعَتْهُ مغربية على مشرقي مَا نَصه: مَحل تَقْدِيم بَيِّنَة الْقَتْل مَا لم يكثر الشاهدون أَنه كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت فِي مَكَان آخر بِحَيْثُ يُفِيد خبرهم الْعلم الضَّرُورِيّ فَيعْمل بِشَهَادَتِهِم اه. وكشهادة إِحْدَاهمَا بالتجريح وَالْأُخْرَى بالتعديل وَتقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وثابت الْجرْح مقدم على الخ. أَن مَحل هَذَا إِذا لم تقطع كل مِنْهُمَا بكذب الْأُخْرَى وَكَذَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا بِالْإِكْرَاهِ وَالْأُخْرَى بالطواعية فَبَيِّنَة الْإِكْرَاه أعمل. وَهَذَا والمثال الَّذِي قبله يدلان على أَن الْقَاعِدَة أغلبية وَإِلَّا لقدمت بينتا التَّعْدِيل والطواعية لِأَنَّهُمَا أثبتا حَقًا لم يكن مَعَ أَنهم قَالُوا: يتساقطان فِي التَّعْدِيل حَيْثُ اتَّحد الْوَقْت وَتقدم بَيِّنَة الْإِكْرَاه فَتَأَمّله مَعَ إِطْلَاق الزقاق فِي منهجه حَيْثُ قَالَ: ومثبت أولى من الَّذِي نفى فِي الْجرْح وَالْقَتْل بُلُوغ عرفا وَلَكِن فِي (ز) أَن بَيِّنَة الْإِكْرَاه إِنَّمَا قدمت لِأَنَّهَا ناقلة عَن الأَصْل لِأَن الأَصْل فِي أَفعَال النَّاس الطواعية فَمن شهد بِهِ فقد شهد بِالْأَصْلِ وَالشَّهَادَة بِالْإِكْرَاهِ ناقلة عَنهُ قَالَ؛ وَكَذَا، كل ضَرَر لِأَن من أثبت قد زَاد علما الخ. وَلَيْسَ من تعَارض النَّفْي وَالْإِثْبَات مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بِأَن فلَانا أقرّ لفُلَان بمحضرنا بِكَذَا وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ مَا أقرّ بِشَيْء حَتَّى مَاتَ لِأَنَّهُمَا لم يتواردا على وَقت وَاحِد فَإِن تواردا عَلَيْهِ كَيَوْم مَوته جرى على مَا مرّ وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضا مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بمعاينة حوز الصَّدَقَة وَنَحْوهَا قبل الْمَوْت، وَشهِدت الْأُخْرَى بِرُؤْيَة الْمُتَصَدّق يَخْدمه إِلَى مرض الْمَوْت فَإِن بَيِّنَة عدم الْحَوْز تقدم إِذا لم تتعرض الْأُخْرَى لاستمراره قَالَه الْقَرَافِيّ فِي الْفرق 228. وَبِالْجُمْلَةِ، إِذا رَجَعَ الْمُتَصَدّق وَنَحْوه قبل السّنة لصدقته أَو شكّ فِي تَارِيخ رُجُوعه فَبَيِّنَة عدم الْحَوْز أعدل كَمَا للوانشريسي، وَنَقله أَبُو عبد الله عبد الْقَادِر الفاسي فِي جَوَاب لَهُ وَنَحْوه لأبي الضياء مِصْبَاح فِي معاوضات المعيار، وَإِن رَجَعَ إِلَيْهَا بعد أَن حيزت عَنهُ سنة فَلَا بطلَان وَإِن تعاوضا فِي السّنة فَبَيِّنَة الْحِيَازَة أعمل على مَا لِابْنِ مَالك وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة كَمَا فِي ابْن سهل لِأَنَّهَا أوجبت حكما وَهُوَ صِحَة الْهِبَة. وَقيل: ينظر للأعدل وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ عَن ابْن(1/235)
رشد. وَقيل: إِن كَانَت الصَّدَقَة بيد الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ وَقت الدَّعْوَى قدمت بَيِّنَة الْحِيَازَة وإلاَّ فَلَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاق القَوْل بِتَقْدِيم الْإِثْبَات على النَّفْي فِي جَمِيع الصُّور بل يخْتَلف فِي ذَلِك باخْتلَاف الجزئيات كَمَا مرّ، وَمهما أطلقت إِحْدَاهمَا وقيدت الْأُخْرَى بِوَقْت معِين فَلَا تعَارض، وَمهما قيدتا بِوَقْت وَاحِد جَاءَ الْخلاف وَوَجهه فِي الْحِيَازَة إِن كلاًّ مِنْهُمَا شهِدت بانفراد شخص معِين بِالتَّصَرُّفِ فِي وَقت معِين، وَكَذَا فِي الْقَتْل لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا أَثْبَتَت أَنه كَانَ بِبَلَد كَذَا وَقت كَذَا مشتغلاً فِيهِ بِالصَّلَاةِ مثلا وَالْأُخْرَى بالشرب أَو بِالْقَتْلِ أَو بِالزِّنَا أَو بِالسَّرقَةِ. وَكَذَا فِي التجريح لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا شهِدت بِأَنَّهُ بَات لَيْلَة كَذَا معتكفاً على شرب الْخمر، وَالْأُخْرَى على الطّواف أَو الصَّلَاة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة. وَفِي الْوَصِيَّة شهِدت إِحْدَاهمَا باختلاط عقله وَالْأُخْرَى بِصِحَّتِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد بالنافية الَّتِي لفظت بِحرف النَّفْي فِي شهادتها لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي أَنَّهَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا باختلاط الْعقل وَالْأُخْرَى أَنه لم يكن مختلط الْعقل قدمت بَيِّنَة الِاخْتِلَاط وَذَلِكَ خلاف الْوَاقِع، وَأما الثَّالِث وَهُوَ التَّرْجِيح بالإصالة فَمِنْهَا بينتا الصِّحَّة وَالْفساد فَبَيِّنَة الصِّحَّة أعمل لِأَنَّهَا الأَصْل مَا لم يغلب الْفساد وإلاَّ فَتقدم بَينته، وَقد يُقَال: إنَّهُمَا فِي مثل هَذَا لما تَعَارَضَتَا سقطتا وَبَقِي القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة، وَهَهُنَا بينتا التسفيه والترشيد فَبَيِّنَة السَّفه أعمل خلافًا لما فِي ابْن سَلمُون، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لإطلاقه من الْحجر، وَأما بِالنِّسْبَةِ للْمَبِيع وَنَحْوه من الْمُعَامَلَات فَتقدم بَيِّنَة الترشيد لِأَنَّهَا أوجبت صِحَة العقد كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَمِنْهَا بينتا التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح فَبَيِّنَة التجريح أعمل مَا لم يتعارضا فِي وَقت خَاص كَمَا مر وَمِنْهَا بينتا الرّقية وَالْحريَّة فالحرية أعمل لِأَنَّهَا الأَصْل، وَمِنْهَا بينتا الْبلُوغ والكفاءة فبينتهما أعمل لِأَنَّهُمَا يوجبان صِحَة العقد الَّذِي هُوَ الأَصْل، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار صَحَّ عدهما من هَذَا الْقسم وَإِلَّا فهما من الْقسم الَّذِي قبله كَمَا مرّ وَإِنَّمَا أدخلناهما فِي هَذَا تبعا للْغَيْر وَمِنْهَا بينتا الصِّحَّة وَالْمَرَض فَبَيِّنَة الصِّحَّة أعمل كَمَا فِي أنكحة المعيار عَن اليزناسي لِأَنَّهَا الأَصْل وَمحل ذَلِك إِن قَالَت بَيِّنَة الْمَرَض لم يزل مَرِيضا فِي علمنَا فِي هَذَا الشَّهْر أَو فِي هَذَا الْيَوْم وَقَالَت: بَيِّنَة الصِّحَّة لم يزل صَحِيحا كَذَلِك وَلم يعلم تقدم إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى، وَأما إِن علم تقدم الصِّحَّة كَمَا لَو قَالَت: بَيِّنَة نعلمهُ صَحِيحا فِي أول رَمَضَان وَلم يزل كَذَلِك فِي علمنَا وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ مرض فِي الْعَاشِر مِنْهُ فَتقدم بَيِّنَة الْمَرَض لِأَنَّهَا ناقلة، وَلَا سِيمَا إِن عينت سَبَب الْمَرَض مَا هُوَ لِأَن الْمَرَض وجود دَاء فِي الْإِنْسَان وَالصِّحَّة انتفاؤه وَإِن تقدم الْمَرَض على الصِّحَّة قدمت بَيِّنَة الصِّحَّة إِذا شهِدت بِصِحَّة تنَافِي ذَلِك الْمَرَض بِحَيْثُ لَا يجْتَمع مَعهَا كشهادتهم بتصرفه تصرف الأصحاء بِحمْل الأثقال وَنَحْوهَا لِأَن بَيِّنَة الصِّحَّة ناقلة حِينَئِذٍ قَالَه ابْن رحال فِي شَرحه. وَمِنْهَا بينتا الْعَدَم والملاء فَتقدم بَيِّنَة الملاء بيّنت أم لَا. على مَا بِهِ الْعَمَل، وَمِنْهَا بَيِّنَة الْمعرفَة والتعريف فَتقدم بَيِّنَة الْمعرفَة، وَمِنْهَا بينتا صِحَة الْعقل واختلاطه فِي الْوَصِيَّة فَتقدم بَيِّنَة الصِّحَّة لِأَنَّهَا أوجبت صِحَة العقد الَّتِي هِيَ الأَصْل وَإِنَّمَا أدخلنا مَسْأَلَة الْوَصِيَّة فِي الْقسم الَّذِي قبله نظرا للنَّفْي وَالْإِثْبَات وتبعاً للْغَيْر. وَفِي أقضية الْبُرْزُليّ أَنه ينظر فِي شَهَادَة الَّذين شهدُوا بذهوله فَإِن قَالُوا هم أَو غَيرهم مِمَّن يقبل أَنه كَانَ بِهِ الذهول فِي الْوَقْت الَّذِي شهد عَلَيْهِ الْأَولونَ فِي صِحَة عقله فَهِيَ أعمل لِأَن الذهول يخفى على قوم وَيظْهر لآخرين فَمن قطع بِعِلْمِهِ فَهُوَ أَحَق بِالْقبُولِ، وَإِذا لم يشْهدُوا على ذُهُوله فِي ذَلِك الْوَقْت فشهادة الصِّحَّة أعمل لأَنهم قطعُوا بعقله اه. فَانْظُرْهُ. وَمِنْهَا بينتا الطوع وَالْإِكْرَاه فَبَيِّنَة الْإِكْرَاه أعمل وَكَذَا كل ضَرَر وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة(1/236)
من الْقسم الَّذِي قبله إِذْ لَو روعيت الْأَصَالَة هُنَا لقدمت الطواعية. وَظَاهر كَلَامهم تَقْدِيم بَيِّنَة الْإِكْرَاه، وَلَو أدّى ذَلِك لفسخ الْعُقُود والمعاملات إِذْ لَا ثَمَرَة لَهَا إِلَّا ذَاك وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي اسْتِحْقَاق المعيار، وَانْظُر الورقة السَّابِعَة وَالْعِشْرين من بُيُوع الْبُرْزُليّ فَفِيهَا مسَائِل تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ. وإنَّما يكونُ ذَاك عِنْدَما لَا يُمكنُ الجَمْعُ لنا بَيْنَهُمَا (وَإِنَّمَا يكون ذَاك) اسْم يكون وَالْإِشَارَة للتعارض الْمُوجب للترجيح (عِنْد) يتَعَلَّق بيكون إِن كَانَت تَامَّة أَو بخبرها إِن كَانَت نَاقِصَة (مَا) مَصْدَرِيَّة (لَا يُمكن الْجمع) صلتها وَهِي مَعَ صلتها فِي تَأْوِيل مصدر أَي عِنْد عدم إِمْكَان الْجمع (لنا) يتَعَلَّق بيمكن (بَينهمَا) يتَعَلَّق بِالْجمعِ (خَ) : وَإِن أمكن جمع بَين الْبَيِّنَتَيْنِ جمع، ومثاله أَن يَدعِي أَنه أسلم هَذَا الثَّوْب فِي مائَة إِرْدَب حِنْطَة. وَقَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ: بل هذَيْن الثَّوْبَيْنِ لثوب سواهُ فِي مائَة إِرْدَب حِنْطَة وَأقَام كل الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ كَانَت الثَّلَاثَة أَثوَاب فِي الْمِائَتَيْنِ ويحملان على أَنَّهُمَا سلمَان لِأَن كل بَيِّنَة شهِدت بِغَيْر مَا شهِدت بِهِ بَيِّنَة الآخر، وَهَذَا إِذا كَانَ ذَلِك فِي مجلسين وإلاَّ فَهُوَ تهاتر فيصار فِيهِ للترجيح على رِوَايَة المصريين كَمَا مرّ فِيمَا إِذا تَعَارَضَتَا بِالطَّلَاق وَالْعِتْق فِي مجْلِس وَاحِد، وَكَذَا إِن شهِدت إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ طلق الصُّغْرَى وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ طلق الْكُبْرَى أَو شهِدت إِحْدَاهمَا بِأَنَّهُ زنى وَالْأُخْرَى بِأَنَّهُ سرق فَإِنَّهُ يلْزمه الطَّلَاق فيهمَا، وَيقطع وَيحد حَيْثُ كَانَتَا فِي زمنين وَإِلَّا فَهُوَ تهاتر لَا يُمكن فِيهِ الْجمع. وَمن إِمْكَانه مَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا بمعاينة حوز الْهِبَة دون استمراره وَشهِدت الْأُخْرَى باستمرارها بيد الْوَاهِب كَمَا مرّ، وَذَلِكَ لِأَن المعاينة تحصل بِالْوُقُوفِ على الْأَمْلَاك والتطوف عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِجَامِع استمرارها بيد الْوَاهِب. والشَّيْءُ يَدَّعِيهِ شَخْصانِ مَعا وَلَا يدٌ وَلَا شَهيدٌ يُدَّعى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; (وَالشَّيْء) أصلا كَانَ أَو حَيَوَانا أَو غَيرهمَا (ويدعيه شخصان) مثلا (مَعًا) أَي ادّعى كل مِنْهُمَا جَمِيعه أَو ادّعى أَحدهمَا الْكل وَالْآخر النّصْف أَو الثُّلُث مثلا، أَو كَانُوا أَكثر من شَخْصَيْنِ فَادّعى أحدهم الْكل وَالْآخر النّصْف وَالْآخر الثُّلُث (وَلَا يَد) لوَاحِد مِنْهُمَا أَو مِنْهُم (وَلَا شَهِيد) لوَاحِد (يدعى) فِيهِ. يُقْسَمُ مَا بَيْنَهُمَا بعد القَسَم وَذَاكَ حُكْم فِي التَّساوي مُلْتَزَم (يقسم) خبر عَن قَوْله وَالشَّيْء ويدعيه ومعاً وَلَا يَد وَلَا شَهِيد أَحْوَال مِنْهُ (مَا) زَائِدَة(1/237)
(بَينهمَا) يتَعَلَّق بالْخبر وَكَذَا (بعد الْقسم) أَي يقسم بَينهمَا بعد حلفهما وَيَقْضِي للْحَالِف على الناكل، وَمَفْهُوم قَوْله: وَلَا يَد أَنه إِذا كَانَ بيد أَحدهمَا فَقَط أَنه لَا يقسم بل القَوْل الَّذِي الْيَد كَمَا يدل لَهُ قَوْله: وَالْقَوْل قَول ذِي يَد مُنْفَرد الخ. وَأفهم قَوْله يَدعِيهِ أَن كلاًّ مِنْهُمَا يَدعِيهِ أَو جُزْءا مَعْلُوما مِنْهُ فَإِن ادّعى كل مِنْهُمَا حظاً مِنْهُ لَا يدْرِي قدره قسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا مقرّ بِالشّركَةِ وَالْأَصْل فِيهَا المناصفة، وَسَوَاء فِي هَذِه كَانَ بيد أَحدهمَا أَو أَيْدِيهِمَا أَو لَا يَد عَلَيْهِ، وَأطلق النَّاظِم فِي الْقسم فِي هَذِه وَبَينه (خَ) بقوله وَقسم على الدَّعْوَى إِن لم يكن بيد أَحدهمَا كالعول فِي فَرِيضَة زَادَت سهامها على أَصْلهَا فَفِي الصُّورَة الأولى يقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَفِي الثَّانِيَة على الثُّلُث والثلثين وَكَيْفِيَّة الْعَمَل فِيهِ أَن يُزَاد على الْكل النّصْف ونسبته إِلَى الْكل حِين الزِّيَادَة الثُّلُث فلمدعي الْكل الثُّلُثَانِ، ولمدعي النّصْف الثُّلُث، وَفِي الثَّالِثَة الْمَسْأَلَة من سِتَّة لِأَنَّهَا أقل عدد يَشْمَل تِلْكَ المخارج وتعول بِنِصْفِهَا، وثلثها، فالمجموع أحد عشر فلمدعي الْكل سِتَّة وَلِذِي النّصْف ثَلَاثَة وَلِذِي الثُّلُث اثْنَان وَهَكَذَا. وَمن هَذَا الأَصْل رجل أخرج مطمراً من فدان آخر زعم أَن أَبَاهُ طمر فِيهِ خَمْسَة عشر قَفِيزا وَأقَام وَرَثَة أخر بَيِّنَة شهِدت أَن وليهم طمر فِي هَذَا الفدان لَا يَدْرُونَ أَهِي هَذِه المطمر أم غَيرهَا، وَوجد فِي المطمر أَكثر من خَمْسَة عشر قَفِيزا فَالْحكم أَن رب الأَرْض: إِن لم يدع ذَلِك لنَفسِهِ واعترف أَن الطَّعَام لأَحَدهمَا وَلَا يدريه لكَون كل مِنْهُمَا طمر فِي الْمَكَان الْمَذْكُور أَن تقسم الْخَمْسَة عشر قَفِيزا بَينهمَا بعد يَمِين كل مِنْهُمَا أَنه لَا يعلم للْآخر حَقًا فِي ذَلِك وَمَا زَاد على الْخَمْسَة عشر فَهُوَ لذِي الْبَيِّنَة، وَإِن قَالَ رب الأَرْض لَا أَدْرِي هَل طمر أَحدهمَا أَو طمرا مَعًا كَانَ الطَّعَام لذِي الْبَيِّنَة بعد يَمِينه قَالَه فِي أقضية المعيار، وَإِذا تَعَارَضَت بينتان وَلم يكن مُرَجّح وتساقطتا فَالْحكم كَذَلِك إِذْ لم يبْق إِلَّا مُجَرّد الدَّعْوَى كَمَا قَالَ: (وَذَاكَ) أَي قسمه بَينهمَا بعد الْقسم (حكم فِي التَّسَاوِي مُلْتَزم) صفة حكم الَّذِي هُوَ خبر عَن ذَاك وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِتِلْكَ الصّفة الخ. وَذَلِكَ حكم مُلْتَزم فِي التَّسَاوِي. فِي بَيِّناتٍ أَوْ نُكولٍ أَوْ يَدِ والقولُ قَوْلُ ذِي يَدٍ مُنْفَرِدِ (فِي بَيِّنَات) يتَعَلَّق بالتساوي كَمَا ترى وَمَعْلُوم أَنَّهُمَا لَا يتساويان إِلَّا مَعَ انْتِفَاء الْمُرَجح (أَو) التَّسَاوِي فِي (نُكُول) بِأَن ينكلا مَعًا (أَو) التَّسَاوِي فِي (يَد) بِأَن يكون تَحت يدهما مَعًا أَو لَا يَد عَلَيْهِ. وأو فِي المحلين بِمَعْنى الْوَاو فَإِن انْفَرد أَحدهمَا بِوَضْع الْيَد عَلَيْهِ كَانَ لَهُ وَحده مَعَ يَمِينه كَمَا قَالَ: (وَالْقَوْل) مُبْتَدأ (قَول ذِي يَد) خبر (مُنْفَرد) صفة ليد وَإِنَّمَا يكون القَوْل لذِي الْيَد الْمُنْفَرد بهَا(1/238)
إِن لم تكن للْآخر بَيِّنَة الْملك وَإِلَّا قدمت على مُجَرّد الْيَد كَمَا قَالَ: وَهُوَ لِمَنْ أقامَ فيهِ البَيْنَهْ وحالَهُ الأعْدَلِ مِنْها بَيِّنَهْ (وَهُوَ) مُبْتَدأ وَخَبره (لمن أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَة) مفعول بأقام وَالْجُمْلَة صلَة (من) والرابط الضَّمِير الْفَاعِل بأقام فَإِن أَقَامَ ذُو الْيَد بَيِّنَة بِالْملكِ أَيْضا وتساوت الْبَينَات فِي المرجحات أَو عدمهَا قضى بِهِ لذِي الْيَد وَإِلَّا فَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أرجح بِشَيْء من المرجحات الْمُتَقَدّمَة قضى بهَا كَمَا قَالَ: (وَحَالَة الأعدل) مُبْتَدأ (مِنْهَا) أَي الْبَينَات يتَعَلَّق بالأعدل (بَيِّنَة) ظَاهِرَة فِي اعْتِبَار التَّرْجِيح بهَا وَلَا مَفْهُوم للأعدلية بل غَيرهَا من المرجحات كَذَلِك كَمَا مرّ، فَلَو أبدل الأعدل بالأرجح لشمل ذَلِك، وَانْظُر بسط هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الشَّامِل اه. وَالله أعلم.
(بَاب الْيَمين)
المتوجهة بِحكم حَاكم أَو مُحكم على طَالب أَو مَطْلُوب أَو عَلَيْهِمَا مَعَ الشَّاهِد أَو الشَّاهِدين أَو دونهمَا لَا بِمُجَرَّد طلب الْخصم تَحْلِيفه، فَلَا يلْزمه الْحلف لَهُ كَمَا أَفَادَهُ قَول النَّاظِم بِالْقضَاءِ، فيفهم مِنْهُ أَن المُرَاد الْيَمين الَّتِي تقطع الْحُقُوق لِأَنَّهَا الَّتِي يقْضِي بهَا وَهِي بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَبِاللَّهِ يكون الْحلف لَا الْيَمين الَّتِي تكفر كَقَوْل (خَ) الْيَمين تَحْقِيق مَا لم يجب. (وَمَا يتَعَلَّق بهَا) من مَكَانهَا وزمانها وَبَيَان صفتهَا وأقسامها.(1/239)
فِي رُبْعِ دِينارٍ فأعْلَى تُقْتَضَى فِي مسْجِد الْجمع الْيَمينُ بالقَضَا (فِي ربع دِينَار) أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو عرض يُسَاوِي أَحدهمَا لشخص وَاحِد وَلَو على اثْنَيْنِ متفاوضين فِيهِ لِأَن كلاًّ وَكيل عَن الآخر، وَانْظُر أقضية المعيار فِي كَيْفيَّة حلف ورثته الْمُتَفَاوضين، وَانْظُر فِيهَا أَيْضا فِيمَن حلف بِالطَّلَاق لَا يحلف بِالْمَسْجِدِ هَل يَحْنَث أم لَا. لَا لشخصين وَلَو متفاوضين (فأعلى) أَي فَأكْثر مِنْهُ مَعْطُوف على مَا قبله وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بقوله: (تقتضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِي مَسْجِد الْجمع) أَي الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (الْيَمين) نَائِب فَاعله (بالقضا) أَي الحكم فِي مَحل نصب على الْحَال أَي حَال كَون الْيَمين وَاجِبَة بِالْقضَاءِ، وَفهم مِنْهُ أَنه فِي أقل من ربع دِينَار يحلف حَيْثُ تيَسّر لَهُ كَمَا يَأْتِي، وَأَنه إِن أَبى أَن يحلف فِي الْمَسْجِد الْمَذْكُور عد ناكلاً وَأَنَّهَا لَا تغلظ بِالزَّمَانِ ككونها بعد الْعَصْر أَو يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان وَهُوَ كَذَلِك، وَقيل تغلظ بِالزَّمَانِ أَيْضا. قلت: وَقَوْلهمْ إِن طلب رب الْحق أَن يحلفهُ بِمَسْجِد غير الْجَامِع لكَوْنهم يعظمونه، أَو أَن يحلفهُ على الْمُصحف أَو سُورَة بَرَاءَة أَو قد سمع أَو أضرحة الْمَشَايِخ. أُجِيب: وَكَذَا بِالطَّلَاق حَيْثُ كَانَ لَا يرجع عَن الْبَاطِل إِلَّا بذلك كَمَا فِي (ز) وَغَيره. وَيَقْتَضِي أَن تغلظ بالزمن أَيْضا بالأحرى من الطَّلَاق حَيْثُ رجى الإرهاب ارتكاباً لأخف الضررين، وَظَاهر كَلَامهم أَنه إِذا امْتنع من الْحلف بِالطَّلَاق والمصحف وَنَحْوهمَا عد ناكلاً إِذْ لَا فَائِدَة لجبره على ذَلِك إلاّ ذَاك، وَظَاهر النّظم أَنه فِي أَي مَوضِع من الْجَامِع حلف كفى وَهُوَ ظَاهر (خَ) أَيْضا. وَبِه قرر شراحه وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَلَا تغلظ بمنبر على الْأَصَح إِلَّا بمنبره عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَكِن الْعَمَل على اقْتِضَاء الْأَيْمَان بَين الْمِنْبَر والمحراب كَانَ مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو غَيره كَمَا أَفَادَهُ قَول الْمُدَوَّنَة يحلف فِي جَامع بَلَده فِي أعظم موَاضعه الخ. فَإِن أَبى أَن يحلف فِيهِ غرم بعد أَن يحلف الطَّالِب فِي الْمحل الْمَذْكُور حَيْثُ كَانَت دَعْوَى تَحْقِيق وإلاَّ فبمجرد النّكُول، فَإِن لم يكن لَهُم جَامع جلبوا إِلَى الْجَامِع الَّذِي على قدر مَسَافَة الْجُمُعَة من مَنَازِلهمْ لأَنهم مِمَّن لَهُم جَامع(1/240)
حكما وإلاَّ حلفوا حَيْثُ هم ثمَّ إِن التَّغْلِيظ بالجامع من حق الْخصم فَإِذا رَضِي أَن يحلفهُ بِغَيْر مَسْجِد فَلهُ ذَلِك. وَانْظُر لَو حلفه فِي غير الْجَامِع جهلا أَو فِي غير الْمِنْبَر، والجاري على مَا يَأْتِي فِي الْقيام أَنَّهَا لَا تُجزئه حَيْثُ كَانَ الطَّالِب مِمَّن يجهل تغليظها بذلك وَالله أعلم. كَمَا أَنه إِذا حَلفهَا فِي الْجَامِع بِغَيْر حَضْرَة الْخصم بل بِحَضْرَة عَدْلَيْنِ فَقَط لَا تُجزئه وَيُعِيدهَا بِحَضْرَتِهِ وَمحل عدم الْإِجْزَاء إِذا لم يتغيب عَنْهَا بعد الحكم لَهُ بهَا، وإلاَّ أَقَامَ لَهُ القَاضِي وَكيلا يقتضيها وَلَا حجَّة لَهُ حِينَئِذٍ، وَيفهم هَذَا من قَوْله فِيمَا مرّ. وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج الخ. إِذْ لَا يحكم لَهُ بِالْيَمِينِ حَتَّى تَنْقَطِع حجَّته فَينفذ الْحَاكِم حكمه باقتضاء تِلْكَ الْيَمين لتسقط دَعْوَاهُ عَن الْخصم، وَانْظُر (ح) فِي الْقَضَاء، وَإِذا طلب أحد الْخَصْمَيْنِ تَعْجِيل الْيَمين وَطلب الآخر تَأْخِيرهَا، فَالْقَوْل لطَالب التَّعْجِيل مَا لم يطْلب تَأْخِيرهَا لوقت تغلظ فِيهِ على مَا مرّ. وَمَا لَهُ بالٌ ففيهِ يَخْرُجُ إليْهِ لَيحلا غيرُ مَنْ تَبرَّجُ (وَمَا لَهُ بَال) مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة صلَة مَا، وَالْمرَاد بِهِ ربع دِينَار فَأكْثر وَلذَا لَو قَالَ وَإِن تكن أُنْثَى (فَفِيهِ) أَي فِي ربع دِينَار (تخرج إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْجَامِع (لَيْلًا غير) فَاعل تخرج والمجروران قبله وَبعده يتعلقان بِهِ وَكَذَلِكَ الظّرْف وَالْجُمْلَة خبر الْمَوْصُول ولعمومه وإبهامه دخلت الْفَاء فِي خَبره (من) أَي الْأُنْثَى فِي مَحل جر بِالْإِضَافَة (تبرج) بِفَتْح التَّاء وَشد الرَّاء صلَة (من) وَأَصله تتبرج فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ عملا بقول الْخُلَاصَة: وَمَا بتاءين ابتدى قد يقْتَصر فِيهِ على الخ. وَمَعْنَاهُ أَن غير المتبرجة وَهِي الَّتِي عَادَتهَا أَن لَا تخرج لمصالحها من حمام وَغَيره إلاَّ لَيْلًا أَو تخرج لَهَا نَهَارا غير مشتهرة فَإِنَّهَا تخرج للحلف طالبة أَو مَطْلُوبَة لَيْلًا وتحلف بِحَضْرَة الْخصم، فَإِن أَبَت هِيَ وَزوجهَا من حُضُوره خشيَة الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يبعد عَنْهَا أقْصَى الْمَسْجِد بِقدر مَا يسمع لفظ يَمِينهَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام. فَإِذا ادّعى الْخصم عدم مَعْرفَتهَا فعلَيْهَا أَن تثبت أَنَّهَا الْمَطْلُوبَة، وَقيل حسبها أَن تَقول أَنا هِيَ وَعَلِيهِ الْإِثْبَات، وَالْأول أصوب قَالَه فِي التَّبْصِرَة عَن ابْن الْهِنْدِيّ،(1/241)
وَمَفْهُومه: أَن المتبرجة تخرج لَهَا نَهَارا وَأما الَّتِي لَا تخرج لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا فتحلف فِي بَيتهَا بِحَضْرَة عَدْلَيْنِ يوجههما القَاضِي لَهَا وَلَا يقْضِي للخصم بِحُضُورِهِ مَعهَا قَالَه (ز) . قَالَ: فتستثنى هَذِه الصُّورَة من قَوْلهم لَا بُد من حُضُور الطَّالِب للْيَمِين وَإِلَّا أُعِيدَت، وَفِي الشَّهَادَات من الْبُرْزُليّ أَنه يبعد عَنْهَا أقْصَى مَا يسمع صَوتهَا وَلَا يرى شخصها كَالَّتِي قبلهَا. وَنَقله (ح) فِي الْقَضَاء فَتَأمل هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة من لَا تخرج إِلَّا لَيْلًا أَو تخرج نَهَارا غير مشتهرة وَمن تخرج بِهِ(1/242)
مشتهرة وَمن لَا تخرج أصلا. وَمَا مر من أَنَّهَا فِي هَذَا الْقسم الثَّالِث تحلف فِي بَيتهَا هُوَ الْأَظْهر عِنْد عِيَاض، وَاقْتصر عَلَيْهِ عبد الْوَهَّاب وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَذهب الأندلسيون إِلَى أَنَّهَا تخرج لَيْلًا أَيْضا، والمدونة مُحْتَملَة للقولين، وَالْأول هُوَ ظَاهر قَول (خَ) وَخرجت المخدرة فِيمَا ادَّعَت أَو ادّعى عَلَيْهَا إِلَّا الَّتِي لَا تخرج نَهَارا وَإِن مُسْتَوْلدَة قَلِيلا الخ. وَمحل الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا كَانَت مَطْلُوبَة وَإِلَّا فَإِن كَانَت طالبة كَمَا لَو أَرَادَت الْحلف مَعَ شَاهدهَا خرجت لَيْلًا قَالَه (ت) وَقَول ابْن الْعَطَّار حَسْبَمَا فِي القلشاني على الرسَالَة معنى قَوْلهم: لَا يخْرجن أَي لَا يخْرجن مشتهرات. وإلاَّ فالتي تخرج غير مشتهرة حكمهَا حكم من لَا تخرج أَلْبَتَّة الخ. مَعْنَاهُ حكمهَا حكم من لَا تخرج بِالنَّهَارِ أَلْبَتَّة كَمَا فهمه الأَجْهُورِيّ أَي فيلزمها الْخُرُوج لَيْلًا كَمَا مر، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ حكمهَا حكم من لَا تخرج أصلا لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا كَمَا قيل: لِأَنَّهُ يكون الرَّاجِح فِيهَا حِينَئِذٍ أَن تحلف فِي بَيتهَا كَمَا مرّ، وَيلْزم عَلَيْهِ أَن لَا تخرج إِلَّا لَيْلًا تحلف فِي بَيتهَا من بَاب أولى لِأَنَّهَا أبلغ فِي السّتْر فَتَأَمّله وَالله أعلم. وعَلى هَذَا يحمل قَول ابْن رشد وَعِنْدِي فِي خُرُوج الْمَرْأَة إِلَى الْجَامِع بِالنَّهَارِ كشف لَهَا ولحالها وَإِن كَانَت تخرج بِالنَّهَارِ لِأَنَّهَا إِذا خرجت للحلف عرف أَنَّهَا فُلَانَة بِخِلَاف مَا إِذا خرجت لغير ذَلِك، وَقد أَخْبرنِي بعض الْفُقَهَاء أَنَّهَا وَقعت بتونس وَأَنه وجد فِيهَا نصا اه. لَكِن كَلَامه ظَاهر فِي أَنه فِي الَّتِي تخرج بِالنَّهَارِ غير مشتهرة كَمَا مرّ عَن الأَجْهُورِيّ، وَأما الَّتِي تخرج بِهِ مشتهرة فَلَا تَأتي فِيهَا علته الْمَذْكُورَة وَالله أعلم. فَإِن تنَازعا فِي الْخُرُوج فعلَيْهَا الْإِثْبَات أَنَّهَا من أهل الْحجاب، وَأَنَّهَا مِمَّن يحلف لَيْلًا كَمَا فِي التَّبْصِرَة عَن الْمُتَيْطِيَّة. وقَائِماً مُسْتَقْبِلاً يكُونُ مَنِ اسْتُحِقَّتْ عِنْدهُ اليَمينُ (وَقَائِمًا مُسْتَقْبلا يكون من اسْتحقَّت) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة الْمَوْصُول الَّذِي هُوَ اسْم يكون وَمَا قبلهَا خَبَرهَا (عِنْده) يتَعَلَّق بِمَا قبله (الْيَمين) نَائِب الْفَاعِل وأل للْعهد والمعهود الْيَمين الْمُتَقَدّمَة، أما الْقيام فَلَا بُد مِنْهُ فَإِن حلف جَالِسا أَو مُضْطَجعا أَو منحنياً لغير عذر لم تجزه على الْمَشْهُور خلافًا لِابْنِ كنَانَة فِي عدم اشْتِرَاطه الْقيام، وَالظَّاهِر أَن مَحل الْإِجْزَاء إِذا كَانَ جَاهِلا بِأَنَّهَا تغلظ بِمَا ذكرُوا لَا أَجْزَأت لِأَنَّهُ قد رَضِي حِينَئِذٍ بِإِسْقَاط حَقه من التَّغْلِيظ بذلك وَانْظُر إِذا قُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْزَاء هَل يُعِيدهَا مُطلقًا أَو بِالْقربِ فَقَط كَمَسْأَلَة من حلف لخصمه بِالطَّلَاق تَغْلِيظًا عَلَيْهِ الْمشَار لَهَا بقول اللامية. وَمن يحلف بِلَا من لَهُ الْعلَا أعَاد بِقرب الخ. وَأما الِاسْتِقْبَال فَصرحَ فِي الْمُدَوَّنَة بِأَنَّهُ لَا يجب، وَعَلِيهِ عول (خَ) فَقَالَ: وبالقيام لَا بالاستقبال، وروى الأخوان وُجُوبه لِأَنَّهُ يحصل الإرهاب، وَعَلِيهِ عول النَّاظِم لكَونه الْمَعْمُول بِهِ كَمَا فِي الْمُفِيد وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وَهَذَا حَيْثُ وَجَبت الْيَمين فِي الْجَامِع، فَإِن لم تجب فِيهِ لكَون الْحق أقل من ربع دِينَار لم يجب قيام وَلَا اسْتِقْبَال بل يحلف فِي أَي مَوضِع حكم عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي. تَنْبِيه: إِذا لم تجزه الْيَمين لعدم قِيَامه أَو استقباله وَقطع رب الْحق عَن رِضَاهُ بِالْيَمِينِ وَأَرَادَ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَلهُ ذَلِك على مَا لِابْنِ عتاب لَا على مَا لِابْنِ رشد كَمَا مرّ فِي أَنْوَاع الشَّهَادَات، وَأَحْرَى أَن يكون لَهُ ذَلِك لَو بَادر خَصمه قبل أَن يطْلب مِنْهُ. وَهِي وإنْ تَعَدَّدَتْ فِي الأَعْرَافِ على وِفَاقِ نيَّةِ المُسْتَحْلِفِ (وَهِي) أَي الْيَمين الَّتِي تقطع بهَا الْحُقُوق وَيحكم بهَا الْحُكَّام (وَإِن تعدّدت) أَي تنوعت إِلَى يَمِين تُهْمَة وَقَضَاء ومنكر وَشَاهد (فِي) القَوْل (الأعرف) وَهُوَ قَول الْأَكْثَر (على وفَاق نِيَّة المستحلف) خبر عَن قَوْله هِيَ وَالْمَجْرُور قبله يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمَذْكُور وَالْوَاو فِي قَوْله:(1/243)
وَإِن للْحَال وَهُوَ مقدم من تَأْخِير وَالتَّقْدِير وَهِي كائنة على وفْق نِيَّة الطَّالِب فِي القَوْل الأعرف، وَإِن تعدّدت فَإِذا أنكرهُ فِي دين أَو وَدِيعَة مثلا وَحلف لَا شَيْء لَهُ عِنْدِي وَنوى حَاضرا أَو فِي الدَّار مثلا لم يَنْفَعهُ ذَلِك بِإِجْمَاع كَمَا فِي ابْن سَلمُون عَن ابْن رشد قَالَ: وَهُوَ آثم عَاص لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (من اقتطع حق امرىء بِيَمِينِهِ حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة وَأوجب لَهُ النَّار) . قَالُوا: وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: (وَإِن كَانَ قَضِيبًا من أَرَاك) قَالَهَا ثَلَاثًا. وَهَذِه هِيَ الْغمُوس الْمشَار لَهَا بقول (خَ) وغموس: بِأَن ظن أَو شكّ وَأَحْرَى مَعَ التحقق وَمَا تقدم من الْإِجْمَاع حَكَاهُ فِي ضيح عَن ابْن زرقون أَيْضا. وَحكى الْعَلامَة بهْرَام فِي الْوَسِيط عَن ابْن زرقون قولا بِأَنَّهَا تَنْفَعهُ نِيَّته فإليك النّظر فِي أَي النقلين أَحَق، وَأما إِن لم يقطع بهَا لغيره حَقًا. فَأَقُول فَقيل على نِيَّة الْحَالِف، وَقيل إِن طلب بِالْيَمِينِ فعلى نِيَّة الْمَحْلُوف لَهُ، وَإِن كَانَ مُتَطَوعا فعلى نِيَّة الْحَالِف وَقيل بِالْعَكْسِ انْظُر (ح) والشامل فِي بَاب الْيَمين. وَمَا يَقِلُّ حَيْثُ كَانَ يَحْلِفُ فيهِ وَبالله يَكُونُ الْحَلِفُ (وَمَا) مُبْتَدأ (يقل) عَن ربع دِينَار صلته (حَيْثُ كَانَ) الْحَالِف (يحلف فِيهِ) خبر الْمُبْتَدَأ والظرف يتَعَلَّق بِهِ أَي يحلف الرجل فِي مَكَانَهُ المقضى عَلَيْهِ فِيهِ وَالْمَرْأَة فِي بَيتهَا، وَظَاهره أَنه لَا يلْزمه قيام وَلَا اسْتِقْبَال وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي التَّبْصِرَة وَأَشَارَ لبَقيَّة صفة الْيَمين بقوله: (وَبِاللَّهِ يكون الْحلف) أَي صفة الْيَمين الْمُغَلَّظَة أَن يَقُول فِي الْجَامِع قَائِما مُسْتَقْبلا: بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ وَيكون مضارع كَانَ التَّامَّة وَتَقْدِيم معمولها يُؤذن بالحصر أَي يُوجد الْحلف بِاللَّه لَا بِغَيْرِهِ من أَسْمَائِهِ تَعَالَى كَقَوْلِه: بالرحمن الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ وَلَا بِغَيْر أَسْمَائِهِ تَعَالَى كالنبي والكعبة وَالْعرش والكرسي وكل مَخْلُوق مُعظم شرعا وَأَحْرَى غير الْمُعظم كاللات والعزى فَلَا تُوجد وَلَا تَنْعَقِد، بل يحرم الْحلف بهَا فضلا عَن كَونهَا تقطع الْحُقُوق لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (من كَانَ حَالفا(1/244)
ً فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت) ، بل إِن قصد بِالْحلف بالعزى وَنَحْوهَا التَّعْظِيم فَكفر وَمَا مرّ من جَوَاز التَّحْلِيف بِالطَّلَاق هُوَ من بَاب قَوْلهم تحدث للنَّاس أقضية، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا أَشَارَ لَهُ فِي اللامية بقوله: وَمن يحلف بِلَا من لَهُ الْعلَا أعَاد بِقرب لكَون مَا هُنَا فِيمَا إِذا كَانَ بِحكم لكَون الْحَالِف لَا ينزجر إِلَّا بِهِ فَكَانَت يَمِينا جازية فِي الْقرب والبعد بِخِلَاف مَا فِي اللامية فَإِنَّهُ لَيْسَ من الْبَاب الْمَذْكُور لكَون الْحَالِف مِمَّن ينزجر بِالْيَمِينِ بِاللَّه وَلم تكن بِحكم. هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله أعلم على أَن مَا ذكره فِي اللامية أَصله لِابْنِ سهل. قَالَ ابْن رحال فِي حَاشِيَته: هُنَا مَا لِابْنِ سهل. إِنَّمَا هُوَ من بَاب إِسْقَاط الْإِنْسَان حَقه إِن كَانَ عَالما فَلَا إِشْكَال وَإِلَّا فَهُوَ مفرط فِي السُّؤَال اه. وَتَأمل قَوْله: وَإِلَّا فَهُوَ مفرط الخ. مَعَ أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه صدق، وَقَول النَّاظِم: بِاللَّه يَعْنِي مَعَ صفته فَهُوَ من بَاب الِاقْتِصَار على صدر القَوْل لشهرته كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا الله) يَعْنِي بآخرها وَهُوَ مُحَمَّد رَسُول الله، وَقَوله: من قَرَأَ الْحَمد لله رب الْعَالمين يُرِيد إِلَى آخرهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب الْمَنْصُوص كَمَا للمازري وَغَيره أَنه لَا يَكْفِي بِاللَّه فَقَط وَلَا بِالَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ فَقَط حَتَّى يجمع بَينهمَا خلافًا للخمي فِي قَوْله: إِنَّهَا كَافِيَة فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا خلاف أَنَّهَا يَمِين تكفر إِن حنث فِيهَا. ابْن عَرَفَة: لَا يلْزم من كَونهَا تكفر أَن تجزي فِي قطع الْحُقُوق لاخْتِصَاص يَمِين الْخُصُومَة بالتغليظ، وَلَا مَفْهُوم للباء فِي قَوْله بِاللَّه بل غَيرهَا من حُرُوف الْقسم كالواو وَالتَّاء وَنَحْوهمَا كَذَلِك انْظُر (ح) ثمَّ إِن الِاقْتِصَار على بِاللَّه مَعَ صفته وَلَو كَانَ الْحَالِف كتابياً هُوَ الْمَشْهُور، وَقيل لَا يقْتَصر الكتاني على ذَلِك كَمَا قَالَ:(1/245)
وَبَعْضُهُمْ يزيدُ لِلْيَهُودِي مُنَزِّلُ التَّوْرَاةِ لِلَّتشْدِيدِ (وَبَعْضهمْ) مُبْتَدأ (يزِيد لِلْيَهُودِيِّ) فِي يَمِينه على بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ (منزل التَّوْرَاة) على مُوسَى (للتشديد) عَلَيْهِ ومنزل مفعول يزِيد وَالْجُمْلَة خبر. كَمَا يَزِيدُ فيهِ للتَّثْقِيلِ عَلَى النَّصَارَى مُنْزِلَ الإنْجِيلِ (كَمَا يزِيد) الْبَعْض الْمَذْكُور (فِيهِ) أَي فِي الْيَمين (للتثقيل على النَّصَارَى منزل الْإِنْجِيل) على عِيسَى وَالْقَوْل بِزِيَادَة مَا ذكر رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن مَالك. وَكَانَ القَاضِي أَبُو عبد الله الأبدي يغلظ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي تسميها الْيَهُود المجلجلة فينكلون عَن الْيَمين بهَا ويستخرج الْحق بِسَبَب ذَلِك لكَوْنهم يعظمونها أَكثر من غَيرهَا، وَكَذَا يُقَال فِي النَّصَارَى إِذا كَانُوا يعظمون بعض أَنَاجِيلهمْ أَكثر من غَيره، وَهَذَا هُوَ الْحق لِأَن الْمدَار فِي الْأَيْمَان على مَا يعظمه الْحَالِف فَيحمل الْخلاف على مَا إِذا كَانَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يرتهبون بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة وإلاَّ وَجَبت، كَمَا أَن أهل الْبَلَد من الْمُسلمين إِذا كَانُوا يعظمون مَسْجِد من مَسَاجِدهمْ أَكثر مِمَّا يعظمون جامعهم فَإِنَّهُم يجبرون على الْحلف بِهِ كَمَا لِابْنِ نَاجِي وَغَيره، وَمن أَبى ذَلِك عد ناكلاً كَمَا مر، بل تقدم أَنه إِذا كَانَ لَا يرتهب إِلَّا بِالطَّلَاق أَو بالمصحف كلفه الْحَاكِم بذلك وَالله أعلم وَمَا مر من أَنَّهُمَا لَا يزيدان على الْمَوْصُوف وَالصّفة شَيْئا وإنهما لَا بُد أَن يجمعا بَينهمَا كَالْمُسلمِ هُوَ ظَاهر الْمُدَوَّنَة (خَ) وتؤولت على أَن النَّصْرَانِي يَقُول بِاللَّه فَقَط أَي لأَنهم لَا يوحدون كاليهود وعَلى أَنَّهُمَا مَعًا يَقُولَانِ بِاللَّه لَا غير وَالْكَاف للتشبيه وَمَا مَصْدَرِيَّة والمجرورات الثَّلَاث تتَعَلَّق بِيَزِيد وَهل يجمع الْمَجُوسِيّ بَين الصّفة والموصوف كَالْمُسلمِ والكتابي أَو يقْتَصر على بِاللَّه؟ قَولَانِ. أرجحهما الثَّانِي وَلَا يكون وَاحِد مِنْهُم مُؤمنا بِسَبَب الْيَمين الْمَذْكُورَة، وَمَا يُقَال من أَن الْمَجُوسِيّ يَنْفِي الصَّانِع فَلَا يُكَلف أَن يحلف بِاللَّه غير سديد لِأَن الصَّانِع مِمَّا اتّفقت فِيهِ الْملَل كلهَا على وجوده كَمَا للتفتازاني وَغَيره.(1/246)
وَجُمْلَةُ الكُفَّارِ يَحْلِفُونَا أَيْمَانَهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَا (وَجُمْلَة الْكفَّار) من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَغَيرهم (يحلفونا أَيْمَانهم) الْوَاجِبَة عَلَيْهِم لمُسلم أَو كَافِر (حَيْثُ يعظمونا) من الْأَمْكِنَة كالكنيسة لِلْيَهُودِيِّ والبيعة لِلنَّصْرَانِيِّ وَبَيت النَّار للمجوسي، وَمن ذَلِك يَوْم السبت كَمَا فِي الدَّعَاوَى والأيمان من المعيار وَنَحْوه لِابْنِ هِلَال فِي نوازله، وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَظَاهره أَنهم يجبرون على الْقيام والاستقبال لقبلتهم وَمن كَانَ مِنْهُم بالبادية لَا يجد موضعا يعظمه يجلب لأَقْرَب مَوضِع يعظمه وإلاَّ حلف حَيْثُ هُوَ وَأَنَّهَا لَا تغلظ عَلَيْهِ بذلك إِلَّا فِي ربع دِينَار فَأكْثر وَجُمْلَة يحلفُونَ خبر عَن قَوْله جملَة والظرف يتَعَلَّق بِهِ وَجُمْلَة يعظمون فِي مَحل جر بِحَيْثُ. وَلما أفهم كَلَامه فِيمَا مر أَن التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ غير مُعْتَبر أَفَادَ أَنه قد يغلظ بِهِ فِي بعض الْحُقُوق فَقَالَ: وَمَا كَمِثْلِ الدَّمِ وَاللِّعَانِ فِيهِ تَحَرِّي الْوَقْتِ والْمَكَانِ (وَمَا) كَانَ من الْأَيْمَان فِي الْحُقُوق الْعِظَام (كَمثل الدَّم) أَي الْقسَامَة أَو تَحْلِيف الْقَاتِل الْوَلِيّ على الْعَفو (وَاللّعان فِيهِ) خبر عَن قَوْله (تحري الْوَقْت) وَالْجُمْلَة خبر مَا، وَظَاهره أَن التَّغْلِيظ بِالْوَقْتِ فِي هذَيْن وَاجِب بِالْقضَاءِ لمن طلبه، وَحكي عَلَيْهِ فِي الشَّامِل الِاتِّفَاق فَقَالَ: وغلظت على مُسلم فِي دم ولعان بِجَامِع وَوقت صَلَاة اتِّفَاقًا وَنَحْوه فِي ضيح، وَنقل ابْن عَرَفَة ذَلِك عَن ابْن حبيب، وَابْن الْقَاسِم وَأصبغ وَابْن كنَانَة إِلَّا أَنه ألحق فِي رِوَايَة ابْن كنَانَة المَال الْعَظِيم بهما وَنَحْوه فِي الْجَوَاهِر، وَظَاهر الْمُدَوَّنَة عدم التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ فيهمَا كَمَا لِابْنِ نَاجِي، وَالَّذِي فِي المعونة أَن التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ فيهمَا مُسْتَحبّ وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ فِي تبصرته عَن مَالك فِي غير الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل (خَ) فِي اللّعان، وَندب أثر صَلَاة، وَذكر ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة عَن ابْن رشد، أَن كَون الْقسَامَة بعد صَلَاة الْعَصْر يَوْم الْجُمُعَة كَمَا قيل: هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَل قَالَ ابْن رحال: وَاللّعان مثلهَا كَمَا لَا يخفى وَظَاهر مَا بِهِ الْعَمَل أَنه على وَجه الْوُجُوب كَمَا هُوَ ظَاهر النَّقْل يَعْنِي الْمُتَقَدّم عَن ابْن كنَانَة وَغَيره فيتحصل ثَلَاثَة أَقْوَال: وجوب التَّغْلِيظ كَمَا هُوَ ظَاهر المُصَنّف وَبِه الْعَمَل وَعَدَمه لظَاهِر الْمُدَوَّنَة وَهُوَ ظَاهر (خَ) فِي مُخْتَصره فِي الشَّهَادَات واستحبابه كَمَا فِي المعونة وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي اللّعان، وَإِنَّمَا خصوا الْعَصْر بِمَا ذكر لما رُوِيَ أَن الْأَيْمَان بعد الْعَصْر لَيست لَهَا تَوْبَة. وَرُوِيَ الْأَيْمَان تكون بعد الظّهْر وَالْعصر فِي الْقسَامَة وَاللّعان وَالْعصر أشدهما قَالَه فِي(1/247)
الوثائق الْمَجْمُوعَة. (وَالْمَكَان) عطف على الْوَقْت، وَالْمرَاد بِهِ الْجَامِع أَي أعظم موَاضعه كَمَا مرّ. وَفِي الرجراجي مَا نَصه: فَأَما أَيْمَان الْقسَامَة وَاللّعان فتغلظ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان فَمن كَانَ من أهل مَكَّة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس فَإِنَّهُم يجلبون إِلَيْهَا حَيْثُمَا كَانُوا، وَأما أهل الْآفَاق فَإِن كَانَت مواضعهم قريبَة كالعشرة أَمْيَال جلبوا إِلَيْهَا وَاخْتلف فِيمَا فَوق الْعشْرَة الخ. فَالْمُرَاد بِالْمَكَانِ الْجَامِع أَي أعظم موَاضعه كَمَا مر، وَمَفْهُومه أَنَّهَا لَا تغلظ فِي غير مَا ذكر بِالزَّمَانِ وَقد تقدم مَا فِي ذَلِك فَانْظُرْهُ. وَهْيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ أَوِ الْقَضَا أَوْ مُنْكِرٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ رِضَا (وَهِي) أَي الْيَمين المتوجهة بالحكم فَهِيَ مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي أَرْبَعَة أَقسَام (يَمِين تُهْمَة) بدل مفصل من الْخَبَر الْمَذْكُور وَهِي المتوجهة فِي الدَّعْوَى غير المحققة على الْمَشْهُور من أَقْوَال تَأتي وإيجابها اسْتِحْسَان كَمَا لِابْنِ رشد قَالَ: وَالْقِيَاس عدم وُجُوبهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . (أَو) يَمِين (القضا) ء وَهِي المتوجهة على من ادّعى على ميت أَو غَائِب أَو صَغِير أَو مِسْكين أَو مَسْجِد اسْتِحْسَانًا أَيْضا، وَمِنْهَا المتوجهة فِي اسْتِحْقَاق غير الْعقار أَو فِيهِ على مَا لناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: كَذَا فِي الِاسْتِحْقَاق لِلْأُصُولِ القَوْل بِالْيَمِينِ من مَعْمُول وَإِنَّمَا كَانَت مِنْهَا كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره لِأَن كلاَ مِنْهُمَا لرفع احْتِمَال الْقَضَاء أَو الْخُرُوج عَن الْيَد فهما لرد دَعْوَى مقدرَة كَمَا مرّ فِي أول أَنْوَاع الشَّهَادَة (أَو) يَمِين (مُنكر) وَهِي المتوجهة لرد دَعْوَى مُحَققَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) . كَمَا تقدم عِنْد قَوْله: وَالْمُدَّعِي مطَالب بِالْبَيِّنَةِ إِلَى قَوْله وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ الخ (أَو) يَمِين (مَعَ شَاهد رضَا) قَامَ للْمُدَّعِي فِي المَال أَو مَا يؤول إِلَيْهِ الْخَبَر: أَمرنِي جِبْرِيل أَن أَقْْضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين. وَقد تقدم الْخلاف فِيهِ عِنْد قَوْله: ثَانِيَة توجب حَقًا مَعَ قسم. الخ. وَفَائِدَة تعداد هَذِه الْأَيْمَان كَمَا للشَّارِح تَمْيِيز بَعْضهَا من بعض لما يعرض لَهَا من قلب وَنَحْوه حَسْبَمَا ترَاهُ إِن شَاءَ الله. وَمحل وجوب الْيَمين مَعَ الشَّاهِد إِذا لم يقر الْخصم بعدالته وإلاَّ فَلَا يَمِين لِأَن إِقْرَاره بِالْعَدَالَةِ كَالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَفِي الشُّهُود يحكم القَاضِي بِمَا الخ. وَفِي ابْن سهل لَو قَالَ: رضيت بِشَهَادَة فلَان فَشهد عَلَيْهِ فَإِن أنكر شَهَادَته فِي الْحِين وَقَالَ: ظَنَنْت أَنه لَا يشْهد إِلَّا بِالْحَقِّ فَلَا تمضى شَهَادَته عَلَيْهِ وَإِن لم يُنكر بل سكت سكُوتًا يدل على رِضَاهُ بِشَهَادَتِهِ مَضَت عَلَيْهِ اه.(1/248)
وَلما فرغ من أقسامها شرع فِي بَيَان مَحل وجوب كل قسم مِنْهَا على اللف والنشر الْمُرَتّب فَقَالَ: وَتُهْمَةٌ إنْ قَويتْ بِهَا تَجِبْ يَمِينُ مَتْهُومٍ وَلَيْسَتْ تَنقَلِبْ (وتهمة) لَو فَرعه بِالْفَاءِ لَكَانَ أولى وَهُوَ مُبْتَدأ سوغه قَوْله (إِن قويت) لِأَن الشَّرْط فِي معنى الصّفة أَي وتهمة قَوِيَّة (بهَا) يتَعَلَّق بقوله: (تجب يَمِين متهوم) فَاعل. وَالْجُمْلَة خبر وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنَّهَا تسْقط إِذا ضعفت فَفِي نَوَازِل الدَّعَاوَى والأيمان من المعيار عَن العبدوسي أَن التُّهْمَة على قسمَيْنِ تُهْمَة فِي دَعْوَاهَا معرة كالاتهام بِالسَّرقَةِ فَهَذِهِ لَا تلْحق من لَا تلِيق بِهِ مِمَّن شهد فِيهِ بِالْخَيرِ ومخالطة أَهله ومجانبة أهل الشَّرّ وتهمة فِي غير ذَلِك، فَهَذِهِ تلْحق الْيَمين فِيهَا جَمِيع النَّاس برهم وفاجرهم على القَوْل بِالْيَمِينِ فِي التُّهْمَة وَهُوَ الْمَشْهُور، وَبِه الْقَضَاء وَعَلِيهِ الْعَمَل. وَاسْتحْسن ابْن رشد أَنَّهَا إِن قويت لحقت وإلاَّ فَلَا وَهُوَ قَول ثَالِث. وَهَذَا يعرف عِنْد نُزُوله فَلَا بُد من بَيَان التُّهْمَة الَّتِي اتهمَ الْمَطْلُوب بهَا وَبَيَان حَاله من التبريز فِي الْعَدَالَة أَو مُطلق الْعَدَالَة ومعرفته بِالْخَيرِ ومخالطته أَهله دون ثُبُوت تَزْكِيَة بِحَيْثُ لَا يكون مَا شهد بِهِ تَزْكِيَة لَهُ أَو جهل حَاله أَو مَعْرفَته بِالشَّرِّ وَسُوء الظنة اه. وَقَوله: فَلَا بُد الخ. بِهِ تتضح قُوَّة التُّهْمَة وَعدمهَا وَيفهم مِنْهُ أَن المبرز فِي الْعَدَالَة لَا يَمِين عَلَيْهِ كَانَت الدَّعْوَى مِمَّا فِيهِ معرة أم لَا. وتتوجه على غَيره بِمَا لَا معرة فِيهِ مُطلقًا. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوص لمَالِك فِي الْمَبْسُوط وَهُوَ اخْتِيَار اللَّخْمِيّ، وَبِه أفتى الغوري حَسْبَمَا فِي المعيار، وَعَلِيهِ يحمل قَول ابْن مَرْزُوق فِي جَوَاب لَهُ. الرَّاجِح عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْت وجوب الْيَمين أَي يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا إِذا تقرر هَذَا فقوة التُّهْمَة مُخْتَلف فقوتها فِيمَا فِيهِ معرة بِكَوْنِهَا على من تلِيق بِهِ فَلَا تلْزم إِلَّا من كَانَ مَعْرُوفا بِالشَّرِّ وَسُوء الظنة وقوتها فِيمَا لَا معرة فِيهِ بِكَوْنِهَا على غير المبرز فِي الْعَدَالَة الْمُنْقَطع فِي الْخَيْر وَالصَّلَاح. وَقَول النَّاظِم: إِن قويت يَشْمَل الصُّورَتَيْنِ، وَكَذَا قَول ناظم الْعَمَل: وَدون تَحْقِيق الدَّعَاوَى أَيْمَان تهمته تقوى لغير مختان وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاض خلافًا لما فِي الشُّرَّاح من أَنه درج على مَا لِابْنِ رشد وَإِن كَانَ مَا لِابْنِ رشد هُوَ قَول (خَ) فِي الْإِيدَاع وَحلف الْمُتَّهم وَهُوَ دَلِيل شفعتها فِي الشَّفِيع يَقُول: أَخَاف أَن يكون قد بَاعه فِي السِّرّ وَأشْهد لَهُ بالصداقة ليقطع شفعتي قَالَ مَالك: إِن كَانَ المُشْتَرِي مِمَّن لَا يتهم بِمثل هَذَا فَلَا يَمِين وَإِلَّا حلف اه. وَعَلِيهِ حمل ابْن فَرِحُونَ قَول أبي الْحسن الصَّغِير الْمَشْهُور وجوب الْيَمين بِمُجَرَّد التُّهْمَة لِأَنَّهُ قَالَ عقبه: الظَّاهِر أَنه يُرِيد بعد إِثْبَات كَون الْمُدعى عَلَيْهِ مِمَّن تلْحقهُ التُّهْمَة بذلك ثمَّ نقل عَن ابْن الْهِنْدِيّ أَن الْمَطْلُوب لَا يحلف فِي التُّهْمَة حَتَّى يثبت الطَّالِب أَنه مِمَّن يتهم بذلك، فَهَذَا القَوْل وَإِن كَانَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة وَاخْتِيَار ابْن رشد وشهره أَبُو الْحسن على مَا اسْتَظْهرهُ ابْن فَرِحُونَ لَا يَنْبَغِي حمل النَّاظِم عَلَيْهِ، وَالْفرق بَينه وَبَين الَّذِي قبله أَن مَا لَا معرة فِيهِ تتَوَجَّه فِيهِ الْيَمين على الأول مُطلقًا وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك إِلَّا المبرز بِخِلَافِهِ على هَذَا، فَلَا تتَوَجَّه إِلَّا على من ثبتَتْ تهمته، وَالْقَوْل الثَّالِث عدم توجه يَمِين التُّهْمَة مُطلقًا. وَفِي الطرر(1/249)
لأبي إِبْرَاهِيم فِي بَاب الْوكَالَة أَنه الْمَشْهُور نَقله فِي التَّبْصِرَة وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل النَّاظِم فِيمَا مرّ تحقق الدَّعْوَى مَعَ الْبَيَان الخ. وعَلى توجهها مُطلقًا أَو فِي الْمُتَّهم فَإِن نكل غرم بِمُجَرَّد نُكُوله على الْمَشْهُور. (وَلَيْسَت تنْقَلب) على الطَّالِب بِالنّكُولِ وَلَا بِصَرِيح الْقلب على الْمَشْهُور، وَقيل تنْقَلب وَيحلف على غَلَبَة ظَنّه وَقيل لَا غرم عَلَيْهِ بِالنّكُولِ بل يسجن أبدا حَتَّى يحلف ثمَّ الْمُسلمُونَ فِي دَعْوَى الْغَصْب والتعدي محمولون على الْعَدَالَة حَتَّى يثبت خلَافهَا أَي: وهم فِي الشَّهَادَة على الجرحة حَتَّى تثبت الْعَدَالَة قَالَه ابْن لبَابَة وَغَيره، وتأمله مَعَ قَول العبدوسي: فَمن شهد فِيهِ بِالْخَيرِ الخ. فَإِنَّهُ بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي أَنهم فِيمَا فِيهِ معرة محمولون على غير الْعَدَالَة، وَشَمل قَول النَّاظِم: وتهمة الخ. مَا قَالَه ابْن زرب وَكَانَ يحكم بِهِ، وَيَقُول: إِنَّه من الدقائق كَمَا فِي التَّبْصِرَة والمعيار وَهُوَ أَن الرجل إِذا ادّعى على آخر بِدَعْوَى تُهْمَة فَإِن للمطلوب أَن لَا يحلف حَتَّى يحلف الْمُدَّعِي أَنه قد ضَاعَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: اتهمتك بِأَنَّهُ لم يضع لَك شَيْء وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَن تخرجني بِالْيَمِينِ انْتهى بِاخْتِصَار. وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مِنْهُمَا اتهمَ الآخر وَيفهم من تَعْلِيله أَنه لَا خُصُوصِيَّة للاتهام بِعَدَمِ الضّيَاع بل كَذَلِك لَو سلم لَهُ الضّيَاع واتهمه بِعَدَمِ الاتهام، وَقد يُقَال: إِن هَذَا يُؤَدِّي للتسلسل فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَشَمل قَوْله: وَلَيْسَت تنْقَلب يَمِين الْقَضَاء وَيَمِين الِاسْتِحْقَاق لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا يَمِين بتهمة، وَشَمل أَيْضا مَا لَو مَاتُوا فِي سجن أَو بَيت فَسرق أحدهم فَلَيْسَ على من عداهُ إِلَّا الْيَمين فَإِن حلفوا برئوا وَمن نكل فَعَلَيهِ الْغرم بِمُجَرَّد نُكُوله، وَقَوله: وَلَيْسَت تنْقَلب يُرِيد على الْوَجْه الَّذِي تَوَجَّهت، وَأما على غَيره فتنقلب، فَإِذا خلا الرجل بِزَوْجَتِهِ وَمَات وَطلبت بَاقِي صَدَاقهَا واتهمت الْوَرَثَة بِأَنَّهُم يعلمُونَ بَاقِيه فَإِن حلفوا وإلاَّ ردَّتْ عَلَيْهَا من غير خلاف، وَلَكِن لَا تحلف أَنهم عالمون بِهِ بل تحلف أَنَّهَا مَا قَبضته وَلَا أسقطته، فَهَذِهِ ترجع على غير مَا نكل عَنهُ الْوَرَثَة، وَكَذَا إِذا اتهمَ رجل آخر بِالسَّرقَةِ مثلا فَإِن للمطلوب أَن يَقُول لَهُ احْلِف أَنْت أَنه لقد ضَاعَ لَك مَا تدعيه وَأَنَّك تتهمني بِهِ وَأَنا أغرمها لَك فَلهُ ردهَا بِهَذَا الْمَعْنى، كَمَا أفتى بِهِ ابْن المكوي وَغَيره، وَحكم بِهِ عِيَاض كَمَا فِي دعاوى المعيار وَلَيْسَ لَهُ ردهَا على حسب مَا تَوَجَّهت فَيَقُول احْلِف أَنِّي قد سرقتها وأغرمها لَك وَيُمكن أَن يكون هُوَ معنى قَول الْعَمَل: وَقل لَهُ احْلِف لي قد اتهمتني وَأَنه ضَاعَ الَّذِي ألزمتني(1/250)
وَأَن يَمِين التُّهْمَة ترد بِهَذَا الْمَعْنى دون غَيره، وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن للمتهم أَن يَقُول للطَّالِب لَا أَحْلف حَتَّى تحلف على مَا ذكر كَمَا مرّ عَن ابْن زرب إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي كَلَام ابْن زرب زِيَادَة الْحلف على التُّهْمَة فيترجح الْحمل الأول، وَعَلِيهِ فَإِنَّمَا احْتِيجَ لتِلْك الزِّيَادَة لِإِمْكَان كَون الطَّالِب عرف آخذ مَتَاعه أَو لم يعرفهُ واتهم بِهِ غير هَذَا الْمَطْلُوب، وَلَكِن أَرَادَ تَعْيِينه بِالْيَمِينِ مَعَ علمه ببراءته. قلت: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنه إِذا سلم لَهُ الضّيَاع ونازعه فِي الاتهام فَقَط لَهُ أَن يحلفهُ عَلَيْهِ وَيغرم، وَهُوَ كَذَلِك إِذْ ذَاك حق من حُقُوقه وَعَلِيهِ فغالب دعاوى الاتهام أَو كلهَا ترد فِيهَا الْيَمين بِهَذَا الْمَعْنى، فَلِلْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَة الشُّفْعَة الْمُتَقَدّمَة أَن يَقُول: احْلِف أَنَّك اتهمتني بِالشِّرَاءِ وَخذ بِالشُّفْعَة وَله أَن يَقُول فِي الرَّد بِالْعَيْبِ: احْلِف أَنَّك اتهمتني باستخدام الدَّابَّة أَو الرَّقِيق بعد علمي بعيبهما وَأسْقط عَنْك الرَّد، وَهَكَذَا فَترد الْيَمين فِي ذَلِك كُله على غير مَا تَوَجَّهت. ثمَّ أَشَارَ إِلَى بَيَان مَحل يَمِين الْقَضَاء فَقَالَ: وَلِلَّتِي بِهَا الْقَضَا وُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ يُعْدَمْ أَوْ يَغِيبُ (وللتي بهَا القضا) ء مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول وَفِي الْكَلَام حذف أَي ولليمين الَّتِي بهَا نفي الْقَضَاء، وَالْمرَاد بِالْقضَاءِ قَضَاء الدّين وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَنَفَقَة الزَّوْجَة لَا الحكم (وجوب) مُبْتَدأ خَبره الْمَوْصُول الْمَجْرُور (فِي حق من يعْدم) بِفَتْح الدَّال صلَة من وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (أَو يغيب) مَعْطُوف أَي غيبَة بعيدَة وَلَو حكما وَقد تسْقط وَذَلِكَ فِيمَا إِذا أوصى أَن يقْضِي دينه من ثلثه قَالَه ابْن الْهِنْدِيّ وَنَحْوه لِابْنِ سَلمُون وَكَذَا إِن أقرّ بديون لقوم وَأوصى أَن يصدقُوا بِدُونِ يَمِين على قَول ابْن الْقَاسِم كَمَا فِي اللامية، وَأفهم قَوْله: وجوب أَن من دفع دينا على ميت أَو غَائِب دون يَمِين ضمنه وَهُوَ كَذَلِك إِن تَعَذَّرَتْ يَمِين الْقَابِض وَظَاهره كَغَيْرِهِ وُجُوبهَا وَلَو غَابَ قبل حُلُول الْأَجَل وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا للتُّهمَةِ، وَقيل لَا يَمِين عَلَيْهِ. وَانْظُر(1/251)
(ح) فِي بَاب الصُّلْح وَأَن الْوَكِيل لَيْسَ لَهُ أَن يُصَالح عَنْهَا إِذا لم يُفَوض لَهُ فِيهِ بِخِلَاف الْوَصِيّ، فَلهُ ذَلِك إِن رأى عَزِيمَة عَلَيْهَا. وَنقل ذَلِك الْبُرْزُليّ فِي الوكالات مَبْسُوطا وَفِي نَوَازِل الدَّعَاوَى من المعيار هَل القَاضِي كَالْوَكِيلِ فِي ذَلِك أَو كالمديان؟ وَفهم من قَوْله: فِي حق من يعْدم الخ. أَنَّهَا لَا تجب فِي حق الْحَيّ الْحَاضِر إِلَّا إِن ادّعى الْقَضَاء وَهُوَ كَذَلِك، وَقَوله: يعْدم أَي يَمُوت وَلَا يقْرَأ بِكَسْر الدَّال لِأَن الْمُفلس وَإِن كَانَ يحلف مَعَ بَينته، لَكِن لَيْسَ حلفه لنفي الْقَضَاء، وَهَذِه الْيَمين لرد دَعْوَى مقدرَة كَمَا مرّ فَيحلف مَا قبضت من هَذَا الدّين شَيْئا وَلَا استحلت بِهِ وَلَا أحلّت بِهِ أحدا وَلَا وهبته وَلَا شَيْئا مِنْهُ وَلَا قدمت أحدا يقبضهُ مِنْهُ وَأَنه لباق عَلَيْهِ إِلَى الْآن، فَإِن مَاتَ رب الدّين فيحلفها من يظنّ بِهِ الْعلم من الْوَرَثَة الْكِبَار فَقَط لَكِن يحلف على نفي الْعلم فَقَط كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن نفى فالنفي للْعلم كفى. وَظَاهر النّظم وُجُوبهَا وَلَو للْوَلَد على وَالِده كَالْمَرْأَةِ تطلب دينهَا على زَوجهَا الْمَيِّت وَالْمُحِيط بإرثه هِيَ وَأَوْلَادهَا فَقَط، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْبُرْزُليّ قَائِلا لِأَنَّهَا مدعية فحكمت السّنة بحلفها، وَظَاهره أَنَّهَا تجب وَلَو ثَبت الدّين بِإِقْرَار مَاتَ بإثره وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيل الْمُتَقَدّم من أَنَّهَا فِي مُقَابلَة دَعْوَى الْإِبْرَاء والإخالة وَنَحْوهمَا، وَهَذَا وَاضح إِذا أقرّ بِشَيْء فِي ذمَّته وَأما إِن أقرّ بِشَيْء معِين فَلَا إِشْكَال فِي عدم يَمِينه وَعَلِيهِ يحمل مَا فِي (ح) . وَقد صرح بذلك فِي الْبَاب الْخَامِس من الْقسم الثَّانِي من التَّبْصِرَة فَانْظُرْهُ فِيهِ، وَظَاهره أَيْضا وُجُوبهَا. وَلَو أقرّ الْوَرَثَة الْكِبَار بِبَقَاء الدّين وَهُوَ كَذَلِك إِن كَانَ الْإِقْرَار بعد الرّفْع للْحَاكِم فَإِن أقرُّوا قبله فَكَذَلِك وَيضمن الدَّافِع حِصَّة الصغار إِن دفع بِدُونِهَا. تَنْبِيه: فَإِذا اشْترط رب الدّين سُقُوط هَذِه الْيَمين فَذَلِك جَائِز فِي صلب عقد البيع وَمَا جانسه لَا فِي الْقَرْض مُطلقًا لِأَنَّهُ فِي العقد سلف جر نفعا وَبعده هَدِيَّة مديان كبعد العقد فِي البيع وَنَحْوه. انْظُر التَّبْصِرَة فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْعِشْرين وَانْظُر التزامات (ح) فَإِنَّهُ ذكر فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال يفرق فِي الثَّالِث بَين أَن يكون الْمُشْتَرط مَأْمُونا فيوفى لَهُ بِالشّرطِ وإلاَّ فَلَا. وَذكر عَن ابْن نَاجِي أَن الْعَمَل على القَوْل بأعمال الشَّرْط مُطلقًا، وَذكر هُوَ أَن القَوْل بِعَدَمِ أَعماله أرجح، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الصُّلْح وَالضَّمان. وَلاَ تُعَادُ هـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ذِهِ الْيَمِينُ بَعْدُ وَإنْ مَرَّ عَلَيْهَا حينُ (وَلَا تُعَاد هَذِه) نَائِب الْفَاعِل (الْيَمين) نعت أَو عطف بَيَان أَو بدل (بعد) بِالضَّمِّ مَقْطُوع عَن(1/252)
الْإِضَافَة يتَعَلَّق بتعاد (وَإِن مر عَلَيْهَا حِين) فَاعل بقوله: مر، وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَالْوَاو للْمُبَالَغَة أَي لَا تُعَاد يَمِين الْقَضَاء على الطَّالِب بعد حَلفهَا وَلَو مضى زمَان طَوِيل بَين حَلفهَا وَدفع الدّين لعدم طروء الشَّك الْمُوجب لَهَا، إِذْ الْفَرْض أَنه لَا زَالَ غَائِبا، وَفهم مِنْهُ أَنه إِذا قدم بعد الْحلف ثمَّ غَابَ قبل الدّفع أَو بعد مَا بَين نُجُوم الدّين بِحَيْثُ يُمكن أَن يكون اقْتضى النَّجْم الثَّانِي أَو وكل عَلَيْهِ فتعاد وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الشَّك حِينَئِذٍ حَاصِل كَمَا كَانَ أول مرّة. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا حلف الطَّالِب يَمِين الْقَضَاء وَبَاعَ الْحَاكِم عقار الْغَائِب وَنَحْوه للدّين فَقدم الْغَائِب وَأثبت الْبَرَاءَة، فَإِن البيع لَا ينْقض وَيرجع بِالثّمن على الْغَرِيم إِلَّا أَن يكون الْمَبِيع لم يتَغَيَّر عَن حَاله فَيكون أَحَق بِهِ بِالثّمن على الرَّاجِح كَمَا يَأْتِي فِي فصل البيع على الْغَائِب إِن شَاءَ الله. الثَّانِي: إِذا وقف القَاضِي مَتَاع الْغَائِب لقَضَاء دينه فَغَاب رب الدّين وَقدم الْغَائِب فِي حَال غيبته وَادّعى الملاء فَدفع القَاضِي لَهُ المَال الْمَوْقُوف فهرب بِهِ ثمَّ قدم رب الدّين فَإِن لرب الدّين الرُّجُوع على القَاضِي لِأَنَّهُ دفع مَا لَا تعلق بِهِ حق الْغَيْر تعلق اسْتِيفَاء كالأمين فِي الرَّهْن قَالَه فِي المعيار. الثَّالِث: لَو ادّعى رب الدّين أَن للْغَائِب مَالا بيد رجل وَدِيعَة أَو بوكالة وَأثبت ذَلِك فَإِن أقرّ من هُوَ بِيَدِهِ أَنه للْغَائِب قضى مِنْهُ دينه بعد الْيَمين قَالَه سَحْنُون، وَعَلِيهِ الْعَمَل. وَنقل عَنهُ ابْن اللباد أَنه لَا يقْضِي مِنْهُ دينه وَهُوَ قَول ابْن الْمَوَّاز وَابْن عبد الحكم قَالَ أَبُو عمرَان: وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ لَو حضر الْغَائِب وَقَالَ: الْوَدِيعَة لغيري لم يكن لرب الدّين فِيهَا شَيْء قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قلت: وَهَذَا الْخلاف لَو ادّعى رب الدّين على شخص أَنه وهب مَالا للْغَائِب فِي حَال غيبته وَأثبت ذَلِك أَو سَأَلَ يَمِين الْوَاهِب فَإِنَّهُ لَا يقْضى لَهُ بِشَيْء من ذَلِك إِذْ لَا يدْرِي هَل يقبل الْغَائِب الْهِبَة فَتكون من مَاله أم لَا؟ وَهُوَ لَا يجْبر على قبُولهَا لقَضَاء الدّين قَالَه فِي المعيار وَهُوَ معنى قَول (خَ) : وَلَا يلْزم أَي الْمُفلس بتكسب أَو تسلف الخ. وَهَذِه الْفُرُوع وَإِن كَانَ لَهَا تعلق بفصل الْغَائِب الْآتِي فلهَا تعلق بِمَا هُنَا أَيْضا لِأَن نفس الْيَمين لَهَا تعلق بِهِ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى يَمِين الْمُنكر فَقَالَ: وِلْيَمِين أيُّمَا إعْمَالِ فِيمَا يَكُونُ مِنْ دَعَاوى المالِ (ولليمين) خبر (أَيّمَا أَعمال) صفة لمبتدأ مَحْذُوف وَمَا صلَة أَي ولليمين أَعمال أَي أَعمال (فِيمَا) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (يكون) مضارع كَانَ التَّامَّة (من دعاوى المَال) يتَعَلَّق بِهِ وَشَمل قَوْله دعاوى دَعْوَى تعمير الذِّمَّة أَو إخلائها كَقَوْلِه: قضيتك أَو دَعْوَى البيع أَو الشِّرَاء أَو الْإِجَارَة أَو الْعَارِية وَنَحْو ذَلِك فَإِن القَوْل لمنكر العقد إِجْمَاعًا مَعَ يَمِينه بِدَلِيل الِاسْتِثْنَاء الْآتِي، وَمَا فِي التَّبْصِرَة من أَنه لَا يَمِين على مُنكر عقد البيع وَالْمُسَاقَاة وَالشَّرِكَة لَا معول عَلَيْهِ وَلَعَلَّه مَبْنِيّ(1/253)
على القَوْل بِاشْتِرَاط الْخلطَة. وَقَوله: المَال أَي مَا يؤول إِلَيْهِ كالأجل وَالْخيَار وَنَحْوهمَا كَمَا مرّ. وَظَاهر قَوْله فِي المَال: وَلَو أدّى لغير المَال كدعوى الْمكَاتب على سَيّده أَدَاء نجم وَنَحْوه وَهُوَ كَذَلِك كَمَا مرّ عِنْد قَوْله ثَانِيَة توجب حَقًا مَعَ قسم. وَاحْترز بقوله: المَال من دعاوى غير المَال كدعوى الشتم أَو ادَّعَت الزَّوْجَة أَن زَوجهَا يضْربهَا كَمَا فِي ابْن سَلمُون فِي شَرط الضَّرَر، وَانْظُر الْفَائِق. وَقد تقدم أَن مَا لَيْسَ بِمَال وَلَا آيل إِلَيْهِ لَا يَمِين فِيهِ وَيسْتَثْنى من ذَلِك جراح الْعمد فَتجب فِيهَا الْيَمين وَإِن لم تكن مَالا وَلَا آيلة إِلَيْهِ وَيدخل فِيهِ مَا إِذا طلب مِنْهُ الْيَمين على مَال أنكرهُ فِيهِ، فَزعم الْمَطْلُوب أَنه قد كَانَ حلف. (خَ) وَله يَمِينه أَنه لم يحلفهُ أَولا. الخ. الْمَازرِيّ وَبِه الْفَتْوَى وَالْقَضَاء عندنَا وَله رد الْيَمين عَلَيْهِ أَنه قد استحلفه ثمَّ لَا يحلف مرّة أُخْرَى اه. وَأفْتى اللَّخْمِيّ بِأَن لَا يَمِين على الطَّالِب. وَاخْتَارَهُ ابْن رحال وَعَلِيهِ درج ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَمِين حَيْثُ قَالَ احْلِف لي إِنَّك مَا حلفتني من قبلي قلت: وَفِيه مُرَاعَاة دَعْوَى أحد الْخَصْمَيْنِ دون الآخر بِلَا دَلِيل وَلَا مُرَجّح، فَالْوَاجِب التَّمَسُّك بِمَا للمازري ثمَّ اسْتثْنى من عُمُوم قَوْله: فِيمَا يكون من دعاوى المَال. قَوْله: إلاَّ بِمَا عُدَّ مِنَ التَّبَرُّعِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الحَالِ عِنْدَ المُدَّعِي (إِلَّا) اسْتثِْنَاء وَالْبَاء فِي قَوْله (بِمَا) بِمَعْنى فِي وَجُمْلَة (عد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة وَالتَّقْدِير إِلَّا فِي الدَّعَاوَى الَّتِي تعد (من التَّبَرُّع) كدعوى الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فَلَا يَمِين فِيهَا على الْمَشْهُور خلافًا للجلاب فِي أَنَّهَا تتَوَجَّه فِي التَّبَرُّع فَإِن نكل الْمَطْلُوب حلف الطَّالِب وَأَخذه وَشَمل قَوْله: التَّبَرُّع دَعْوَى هبة الْيَمين وإبرائه مِنْهَا، وَلَا سِيمَا إِن علم تقدم الْخِصَام بَينهمَا كَمَا فِي نَوَازِل الدَّعَاوَى والأيمان من المعيار والتبرع مَا كَانَ من غير سُؤال، والتطوع مَا كَانَ عَن سُؤال وَكِلَاهُمَا مَعْرُوف قَالَه أَبُو الْحسن فِي بَاب الْحمالَة، والناظم أطلق التَّبَرُّع على مَا يعم التَّطَوُّع (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة (لم يكن) صلتها أَي مُدَّة عدم وجوده (فِي الْحَال) أَي حَال الدَّعْوَى (عِنْد الْمُدَّعِي) وَفِي حوزه وإلاَّ وَجَبت الْيَمين حِينَئِذٍ كَانَت الدَّعْوَى فِي معِين أَو فِي الذِّمَّة. ابْن عَرَفَة عَن الْبَاجِيّ دَعْوَى الْمَدِين هبة رب الدّين دينه توجب يَمِينه اتِّفَاقًا. قلت: وَكَذَا من ادّعى هبة مَا بِيَدِهِ من معِين اه. الْبَاجِيّ: ويصحح هَذَا أَن من اسْتحق عرضا بيد رجل لَا يحكم لَهُ بِهِ حَتَّى يحلف أَنه مَا بَاعَ وَلَا وهب الخ. وَشَمل كَلَام النَّاظِم النحلة وَالْعَارِية والإسكان والعمرى والإخدام وَالْحَبْس وَالْوَصِيَّة فَلَا يَمِين فِي ذَلِك كُله إِلَّا أَن يكون بيد الْمُدَّعِي حَال التداعي قَالَه الرعيني، قَالَ: وَقد قَالَ مَالك فِيمَن تصدق بِنَخْل مثمر فَقَالَ الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ الثَّمَرَة لي، وَقَالَ الآخر: إِنَّمَا تَصَدَّقت بِالْأَصْلِ دون الثَّمَرَة إِن القَوْل للمتصدق بِيَمِينِهِ(1/254)
وَإِلَّا حلف الآخر وَأخذ الثَّمَرَة اه بِاخْتِصَار. وَلَا يدْخل فِي كَلَامه الْقَرْض وَالْحوالَة وَالْكَفَالَة بعد العقد وَالْإِقَالَة على الثّمن الأول وَإِن كَانَ الْكل مَعْرُوفا إِذْ التَّبَرُّع هُوَ مَا لَا مُعَاوضَة فِيهِ، وَهَذِه فِيهَا مُعَاوضَة إِذْ أدنى مراتبها الْكفَالَة وَهِي يرجع فِيهَا بِمَا أدّى. وَلما لم تدخل هَذِه فِي كَلَامه نبه على لُحُوق بَعْضهَا بالتبرع على مَا أفتى بِهِ ابْن عتاب وَابْن الْقطَّان فَقَالَ: وَفي الإقَالَةِ ابْنُ عَتَّابِ يرى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; وُجُوبِهَا بشُبْهة مُعْتَبَرا (وَفِي الْإِقَالَة ابْن عتاب) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (يرى) خَبره (وُجُوبهَا) مفعول أول وَفِي الْإِقَالَة يتَعَلَّق بِهِ أَو بيرى (بِشُبْهَة) يتَعَلَّق بقوله: (مُعْتَبرا) بِفَتْح الْبَاء مفعول ثَان وَمن بعض النّسخ لشُبْهَة بِاللَّامِ بدل الْبَاء فمعتبراً بِكَسْرِهَا حَال وَهُوَ أظهر من نُسْخَة الْبَاء، قَالَ ابْن رشد فِي نوازله: أما دَعْوَى الْإِقَالَة فَمن دَعْوَى الْمَعْرُوف، وَقد اخْتلف فِيهَا شُيُوخنَا فَمنهمْ من ذهب إِلَى أَن مَا وَقع من ذَلِك فِي الْأُمَّهَات اخْتِلَاف قَول وَأَنَّهَا مَسْأَلَة ذَات قَوْلَيْنِ من غير تَفْصِيل، وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ ذَلِك باخْتلَاف بل الْمُدعى فِيهِ إِن كَانَ بيد الْمُدَّعِي أَو كَانَ لَهُ بِهِ تشبث وَجَبت لَهُ الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ، وَإِلَّا لم تجب وَهُوَ تَفْصِيل حسن لَهُ وَجه من النّظر وَهُوَ مُرَاعَاة الْخلاف فِي(1/255)
وجوب الحكم بِمَا لم يقبض من الهبات، فَالْأَظْهر فِي دَعْوَى الْإِقَالَة وجوب الْيَمين إِذْ لَا اخْتِلَاف فِي وجوب الحكم بهَا إِلَّا أَن يَدعِي أَنه أقاله فِيهَا قبل التَّفَرُّق بالأبدان فتضعف الْيَمين مُرَاعَاة لمن يَقُول: إِن البيع لَا يلْزم إِلَّا بالتفرق بالأبدان انْتهى من نُسْخَة أندلسية فِي غَايَة الْجَوْدَة، وَسقط من نُسْخَة الشَّارِح الَّتِي بيدنا قَوْله: بِمَا لم يقبض إِلَى قَوْله بهَا. وَزَاد بعد قَوْله بالأبدان مَا نَصه: وَكَانَ ابْن عتاب يَقُول: لَا تجب الْيَمين لمُدعِي الْإِقَالَة إِلَّا أَن يَأْتِي بِشُبْهَة يُقَوي بهَا دَعْوَاهُ، وشاهدته يُفْتِي بذلك وَقَالَ فِي ذَلِك اخْتِلَاف، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن الْقطَّان يُفْتِي أَن لَا يَمِين إِلَّا بِشُبْهَة اه. إِذا تقرر هَذَا علمت أَن مَا أفتى بِهِ ابْن عتاب هُوَ عين التَّفْصِيل الَّذِي حَكَاهُ ابْن رشد عَن بعض شُيُوخه، وَعلمت أَن ابْن رشد استظهر وُجُوبهَا مُطلقًا، وَعَلِيهِ اقْتصر الرعيني فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَار، وَصدر بِهِ ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته وَهُوَ مَا رَجحه الشَّارِح تبعا لِابْنِ سهل فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَفِي الْإِقَالَة وُجُوبهَا ثَبت فِي رَاجِح الْأَقْوَال كَيْفَمَا أَتَت وَانْظُر مَا معنى التشبث وَلَعَلَّه يُرِيد كَونه بيد وَكيله أَو غُلَامه أَو بعض قرَابَته الَّذِي يسْعَى فِي مَصَالِحه، وَقَول ابْن رحال يُرِيد بِهِ الدّين غير ظَاهر، وَمعنى قَول ابْن رشد مُرَاعَاة الْخلاف فِي وجوب الحكم الخ أَن الْهِبَة الَّتِي لم تقبض فِيهَا قَولَانِ لُزُومهَا بالْقَوْل وَهُوَ الْمَشْهُور وَعدم لُزُومهَا بِهِ حَتَّى تقبض وَهُوَ مُقَابِله، وَهَذَا الْخلاف لَا يجْرِي فِي الْإِقَالَة للزومها بالْقَوْل قبضت أم لَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بيع. قلت: وَهَكَذَا يُقَال فِي الْقَرْض لِأَنَّهُ بيع فِي الْحَقِيقَة، وَأما الْحِوَالَة فَهِيَ وَإِن كَانَت بيعا لَكِن صرح الرعيني بِعَدَمِ وجوب الْيَمين فِيهَا، وَلَعَلَّ وَجهه كَمَا لأبي الْعَبَّاس الملوي فِي بعض طرره إِن من حجَّة الْمَطْلُوب وَهُوَ الْمحَال عَلَيْهِ أَن يَقُول: هَب أَن الْيَمين تَوَجَّهت لَك عَليّ وَاعْتَرَفت لَك بالحوالة فَإِن دفع المَال إِلَيْك لَا يُوجب بَرَاءَة ذِمَّتِي من طلب رب الدّين وَهُوَ الْمُحِيل، وَلَا أتكلف الدّفع إِلَيْك مَعَ عدم بَرَاءَة ذِمَّتِي وَفِي الْوكَالَة من الْبُرْزُليّ: لَو قَالَ لفُلَان عَليّ دين أَمر هَذَا بِقَبْضِهِ لم يحكم على الْمقر بِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ مقرّ على رب الدّين وَذَلِكَ غير لَازم لَهُ، وَأما الْكفَالَة فَصرحَ فِي معاوضات المعيار بِأَن الْمَشْهُور عدم توجه الْيَمين عَلَيْهِ فِيهَا قَائِلا لِأَنَّهَا من دَعْوَى الْمَعْرُوف كالتبرع وَالصَّدَََقَة اه. وَفِي الْمُدَوَّنَة وجوب الْيَمين فِيهَا بِشَرْط ثُبُوت الْخلطَة، وَصدر ابْن سَلمُون بِأَنَّهُ إِن ادّعى عَلَيْهِ أَنه تكفل لَهُ فِي صلب العقد وَجَبت الْيَمين، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ التَّبَرُّع بعد العقد فَلَا يَمِين. قلت: وَهَذَا الَّذِي صدر بِهِ لَا يُخَالف الْمُدَوَّنَة لِأَنَّهُ يلْزم من الدَّعْوَى بهَا فِي صلب العقد الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَعْرِِفَة أصل الدّين فَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بهَا وبمعرفته لأصلها، وَوجه ابْن يُونُس ظَاهر الْمُدَوَّنَة بِأَن الطَّالِب يَقُول إِنَّمَا وثقت بمبايعة من لَا أعرف لكفالتك إِيَّاه، فَلذَلِك وَجَبت الْيَمين اه. وَهَذَا التَّوْجِيه يدل على أَن كَلَامهَا فِي الدَّعْوَى فِي أصل العقد فَتبين بِهَذَا كُله رُجْحَان مَا صدر بِهِ ابْن سَلمُون من التَّفْصِيل، وَلَا سِيمَا على مَا بِهِ الْعَمَل من عدم اشْتِرَاط الْخلطَة وَهُوَ ظَاهر إِذا ثَبت أصل الْحق وَلَو بالاعتراف من الْكَفِيل، وَإِلَّا فَمن حجَّته أَن يَقُول لَا شَيْء لَك عَلَيْهِ مِمَّا تدعيه إِذْ فَائِدَة الْيَمين تظهر فِي النّكُول عَنْهَا، وَهُوَ لَو نكل عَنْهَا وَالدّين لم يثبت لم يلْزمه غرم، وَقد قَالَ الجزيري: لَا مُطَالبَة لرب الدّين على الْحميل إِلَّا بعد ثُبُوت الدّين، فَإِن عجز وَزعم أَن الْحميل يعرف الدّين حلف الْحميل على علمه وبرىء فَإِن نكل حلف الطَّالِب أَن الْحميل يعرف حَقه قبل الْغَرِيم وَغرم، فَإِذا وجد الْحميل الْغَرِيم فَإِن أقرّ لَهُ غرم وَإِلَّا حلف وبرىء وَلَا رُجُوع حِينَئِذٍ للحميل على الطَّالِب اه. تَنْبِيه: فَإِن اتفقَا على الْإِقَالَة وَزعم البَائِع أَنه أقاله على أَنه يرد لَهُ أقل من الثّمن فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنه أقاله بِمثل الثّمن قَالَه فِي التَّبْصِرَة. وتستثنى هَذِه مِمَّا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن وَالله أعلم. وَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; ذِهِ الْيَمِينُ حَيْثُ تَجِبُ يَسُوغُ قَلْبُها ومَا إنْ تُقْلَبُ (وَهَذِه) مُبْتَدأ (الْيَمين) نعت أَو عطف بَيَان (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (توجب) بِضَم التَّاء وَفتح الْجِيم فِي مَحل جر بِحَيْثُ أَي: هَذِه الْيَمين إِن أوجبهَا الْحَاكِم على الْمُنكر فِي المَال أَو مَا يؤول إِلَيْهِ (يسوغ) لَهُ (قَلبهَا) فَاعل وَالْجُمْلَة خبر فَإِن حلف من قلبت عَلَيْهِ وَإِلَّا سقط حَقه(1/256)
(وَمَا) نَافِيَة (إِن) صلَة (تقلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْيَمين المقلوبة وَالْجُمْلَة معطوفة على الْخَبَر أَي لَيْسَ لمن قلبت عَلَيْهِ أَن يقلبها ثَانِيًا، وَإِلَّا لم تزل فِي قلب وَشَمل الْيَمين مَعَ الشَّاهِد وَغَيرهَا من الدَّعَاوَى المحققة الْمُجَرَّدَة وَلَا دخل هُنَا ليمين التُّهْمَة وَلَا ليمين الْقَضَاء، إِذْ لَا يقلبان على نَحْو مَا توجهتا عَلَيْهِ كَمَا مرّ، وأشعر قَوْله يسوغ قَلبهَا أَنه إِذا قَلبهَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع عَن ذَلِك لِأَنَّهُ أسقط حَقه مِنْهَا سَوَاء قَلبهَا بعد الرّفْع للْحَاكِم أَو قبله، وَهُوَ كَذَلِك (خَ) : وَإِن ردَّتْ على مُدع وَسكت زَمنا أَي وَلَو طَويلا فَلهُ الْحلف. تَنْبِيه: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: إِذا وَجَبت لرجل يَمِين على امْرَأَة من ذَوَات الْحجاب وَوَجَبَت لَهَا هِيَ يَمِين عَلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَن تحلف لَيْلًا وَأَن تحلفه نَهَارا فَقَالَ الرجل: أَخَاف أَن أَحْلف لَهَا نَهَارا فَترد على الْيَمين لَيْلًا فأحلف مرَّتَيْنِ مرّة فِي النَّهَار وَمرَّة فِي اللَّيْل، فَإِن الْمَرْأَة إِذا التزمت أَنَّهَا لَا ترد الْيَمين حلف لَهَا الرجل نَهَارا وَحلفت الْمَرْأَة لَيْلًا وَهَذَا نَص فِي أَن التزامها لعدم الرَّد يلْزمهَا اه. ثمَّ إِن الْحَالِف لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يثبت لنَفسِهِ حَقًا أَو يَنْفِي عَنْهَا أَو يثبت لغيره أَو يَنْفِي عَن ذَلِك الْغَيْر، فَفِي الثَّلَاث الأول يحلف على الْبَتّ، وَفِي الْأَخِيرَة على الْعلم كَمَا قَالَ على اللف والنشر الْمُرَتّب: وَمُثْبِتٌ لِنَفْسِهِ ومَنْ نَفَى عَنْها عَلَى البَتَاتِ يُبْدِي الْحَلِفَا (ومثبت) مُبْتَدأ سوغه تعلق (لنَفسِهِ) بِهِ (وَمن) مَعْطُوف وَجُمْلَة (نفى) صلته (عَنْهَا) يتَعَلَّق بِهِ وضميره للنَّفس فالإثبات كَقَوْلِه: لي عَلَيْك ألف وَالنَّفْي كدعوى الْمَطْلُوب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَو تَقْديرا ككون الْمَطْلُوب مَيتا أَو غَائِبا (على الْبَتَات) يتَعَلَّق بقوله: (يُبْدِي) أَي يظْهر (الحلفا) مفعول وَالْجُمْلَة خبر فَيحلف فِي الْإِثْبَات أَن لَهُ عَلَيْهِ ألفا، وَهَذَا إِذا رد عَلَيْهِ الْيَمين أَو قَامَ لَهُ بذلك شَاهد (خَ) . وَاعْتمد البات على ظن قوي الخ وَيحلف الْمَطْلُوب فِي النَّفْي مَا لَهُ عَليّ ألف وَلَا شَيْء مِنْهُ من سلف أَو بيع أَو غَيرهمَا (خَ) : وَيَمِين الْمَطْلُوب مَاله عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْء مِنْهُ وَنفى سَببا إِن عين وَغَيره، فَإِن قضى نوى سلفا يجب رده أَي وَلَا يَكْفِيهِ لَا حق لَك عَليّ، وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يَكْفِيهِ وَنَحْوه لأَشْهَب. ابْن عبد السَّلَام: وَهُوَ التَّحْقِيق لِأَن نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص أَي: فَلَا يُكَلف أَكثر من ذَلِك وَيحلف الطَّالِب فِي دَعْوَى الْقَضَاء أَنه مَا قبض شَيْئا وَيزِيد فِي الْمَيِّت وَالْغَائِب وَلَا أحَال بِهِ وَلَا أسْقطه إِلَى آخر مَا مر.(1/257)
وَمُثْبِتٌ لغَيْرِهِ ذَاكَ اقْتَفَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; وإنْ نَفَى فالنَّفْيُ لِلْعِلْمِ كَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; (ومثبت لغيره) مُبْتَدأ سوغه مَا مر (ذَاك) مفعول بقوله: (اقتفى) أَي اتبع وَالْجُمْلَة خبر، وَذَاكَ كدعوى دين لِأَبِيهِ الْمَيِّت وَأقَام بِهِ شَاهدا أورد الْمَطْلُوب أَو ورثته على الْيَمين فِي الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة فَيحلف أَن مَا شهد بِهِ الشَّاهِد أَو أَن مَا يَدعِيهِ لحق. وَقَوْلِي أَو ورثته هَذِه ترد على غير مَا تَوَجَّهت لِأَنَّهَا تجب عَلَيْهِم على نفي الْعلم، وَإِذا ردوهَا فَيحلف الطَّالِب على الْبَتّ (وَإِن نفى) بهَا عَن غَيره كوارث ادّعى شخص على موروثه دَعْوَى مُجَرّدَة فَيحلف أَنه مَا يعلم لَهُ شَيْئا على موروثه أَي: وَترد على غير مَا تَوَجَّهت كَمَا مر وكدعوى شخص دينا لِأَبِيهِ على ميت أَو غَائِب وَأقَام بِهِ شَاهدا أَو شَاهِدين وَوُجُوب يَمِين الْقَضَاء، فَإِن الشَّخْص يحلفها على الْعلم كَمَا قَالَ: (فالنفي للْعلم كفى) فِي ذَلِك كُله وَإِن ردهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَلَا ترد لِأَنَّهَا للتُّهمَةِ كَمَا مرّ، فالنفي مُبْتَدأ خَبره كفى، وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. وَقد اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنه مَعَ الشَّاهِد يحلف يمينين يَمِينا لتكميل النّصاب وَهِي على الْبَتّ كَمَا مرّ مِثَاله فِي صدر الْبَيْت ويميناً لنفي الْقَضَاء وَهِي على نفي الْعلم كَمَا هُنَا وَله أَن يجمعهما فِي يَمِين وَاحِدَة على مَا بِهِ الْعَمَل قَالَ ناظمه: وَتجمع الْأَيْمَان فِي الدعاوي إِلَّا يَمِين الرَّد فِي التَّسَاوِي فاستثناؤه يَمِين الرَّد يدل على أَن غَيرهَا من الْأَيْمَان مُتَسَاوِيَة فِي التَّغْلِيظ وَعَدَمه، وَلَو يَمِين قَضَاء أَو اسْتِحْقَاق تجمع وَهُوَ كَذَلِك على خلاف فِيهِ كَمَا فِي الرعيني وَغَيره، فَإِن كَانَ بَعْضهَا يغلظ فِي الْجَامِع دون الْبَعْض الآخر فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي أَن يحلف وَاحِدَة مُغَلّظَة يدْخل فِيهَا جَمِيع مَا وَجب عَلَيْهِ أَو يحلف يمينين الْمُغَلَّظَة فِي الْجَامِع وَغَيرهَا خَارجه، وَقَوله: إِلَّا يَمِين الرَّد أَي فَلَا تجمع بل يَقُول بِاللَّه الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ فَإِذا انْقَضتْ قَالَ: وَبِاللَّهِ الَّذِي لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا هُوَ حَتَّى(1/258)
تَنْقَضِي الْيَمين الْأُخْرَى وَسَوَاء قدم الْمَرْدُودَة أَو غَيرهَا وَمَا تقدم عَن التَّبْصِرَة فِي التَّنْبِيه قبل الْبَيْتَيْنِ يدل على أَن الْمَرْدُودَة تجمع لِأَن قَول الرجل: أَخَاف أَن ترد الْيَمين الخ. ظَاهر فِي ذَلِك وَإِلَّا لم تتَوَقَّف يَمِينه على التزامها عدم الرَّد، وَقد صرح بجمعها مَعَ غَيرهَا. ابْن رشد أَيْضا حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير ثمَّ كَمَا يلْزم الطَّالِب أَن يحصر دعاويه وَأَن يجمعها عِنْد إِرَادَة إخلاف الْمَطْلُوب ليحلف لَهُ يَمِينا وَاحِدَة كَمَا مرّ كَذَلِك يلْزمه أَن يحصرها ليَقَع الْجَواب عَن جَمِيعهَا على مَا عَلَيْهِ الْعَمَل أَيْضا كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْن أبي زمنين وَغَيره وَهُوَ معنى قَول اللامية، وَهل مُدع يلجأ لجمع حُقُوقه الخ. وَبِالْجُمْلَةِ فالجمع إِمَّا ابْتِدَاء ليَقَع الْجَواب عَن مجموعها أَو بعد الْجَواب عَن بَعْضهَا بالإنكار وَإِرَادَة التَّحْلِيف فَفِي أَي مَحل مِنْهُمَا طلب الْجمع؟ أُجِيب إِلَّا أَن تكون الدَّعَاوَى من الْمِيرَاث فَيلْزمهُ جمع مَا علمه مِنْهَا فَقَط فِي الْوَجْهَيْنِ دون مَا لم يُعلمهُ، وَهَذَا معنى قَوْلهم: إِن دعاوى الْمِيرَاث لَا يلْزم جمعهَا أَي لَا يلْزم جمع مَا لم يعلم مِنْهَا، فَإِن زعم الْمَطْلُوب أَنه سيدعي عَلَيْهِ بدعاوى عينهَا مِنْهُ وَأنكر الْوَارِث قَوْله وَعلمه بذلك فَإِنَّهُ يُفِيد عَلَيْهِ إِنْكَاره وَعدم علمه بِتِلْكَ الدعاوي، وَيُقَال لَهُ لَا قيام لَك بهَا إِن حلفته على مَا سميت فَقَط لَا بِإِظْهَار أَمر يعلم أَنَّهَا لم تكن مَعْلُومَة عنْدك قَالَ: مَعْنَاهُ فِي المعيار عَن الْبُرْزُليّ، وَكَذَا إِن ادّعى بدعاوى زاعماً أَن لَهُ بَيِّنَة على بَعْضهَا دون الْبَعْض الآخر فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى تَحْلِيفه على مَا لَا بَيِّنَة لَهُ بِهِ إِلَّا إِذا الْتزم أَنه لَا قيام لَهُ فِي مَاله بِهِ بِبَيِّنَة إِلَّا بهَا، فَإِن لم يلْتَزم ذَلِك لم يستعجل يَمِينه الْآن بل حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة فَإِن أَقَامَهَا وإلاَّ جمع دعاويه وَحلف لَهُ يَمِينا وَاحِدَة وَفهم من النّظم أَنَّهَا إِذا وَجَبت بتاً فحلفها علما أَو بِالْعَكْسِ لَا يجْزِيه وَيُعِيدهَا وَهُوَ كَذَلِك، أما فِي الأول فَظَاهر وَأما فِي صُورَة الْعَكْس فَلَا لِأَن الْيَمين على الشَّك غموس وَهِي مُحرمَة مَنْهِيّ عَنْهَا، وَالنَّهْي يدل على الْفساد وَمَعْنَاهُ فِي الْعُقُود عدم ترَتّب آثاره عَلَيْهِ، فَلَا أثر لهَذِهِ الْيَمين بِهَذَا أفتى الْمقري راداً على غَيره مِمَّن أفتى بالإجزاء لِأَنَّهُ أَتَى بالمطلوب وَزِيَادَة كَمَا فِي المعيار. قلت: وتعليله يدل على عدم الْإِجْزَاء وَلَو طلبَهَا الطَّالِب كَذَلِك تَغْلِيظًا على الْمَطْلُوب. وَلَا يُقَال: إِن هَذَا قد رَضِي بِإِسْقَاط حَقه مِنْهَا كَمَا مرّ فِيمَن طلب من خَصمه الْحلف بِالطَّلَاق تَغْلِيظًا. لأَنا نقُول الطَّلَاق يَمِين منعقدة بِخِلَاف هَذِه. تَنْبِيهَات. الأول: إِذا وَجَبت الْيَمين لوَرَثَة يملكُونَ أنفسهم على رجل وتقاضى الْيَمين أحدهم بِأَمْر الْحَاكِم بِيَمِينِهِ تجزىء عَن الْجَمِيع وَلَيْسَ لمن يقوم بعده وَلَو غَائِبا أَو صَغِيرا أَن يحلفهُ وَإِن كَانَ بِغَيْر أَمر الْحَاكِم فَكل من قَامَ مِنْهُم يحلفهُ يَمِينا ثَانِيَة قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَهُوَ معنى قَول اللامية: وَإِن غَابَ بعض من ذَوي الْحق يَكْتَفِي بإحلاف بعض إِن بِحكم تحصلا وَإِذا أَقَامَ غير من أحلفه بَيِّنَة عمل بهَا فِي حَظه فَقَط وَلَو كَانَ عَالما بهَا حِين إحلاف القَاضِي الْمَطْلُوب لغيره لِأَنَّهُ يَقُول لم أقِم بحقي وَقت الْحلف وَلم يكن طلب الْحق مني قَالَه (ز) أول بَاب الْوكَالَة. الثَّانِي: إِذا وَجَبت الْيَمين فَأَرَادَ الطَّالِب تَأْخِيرهَا وَالْمَطْلُوب تَعْجِيلهَا أَو الْعَكْس فتعجيلها وَاجِب قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَابْن سَلمُون عَن ابْن الْحَاج، فَلَو وَجَبت يَمِين الْقَضَاء أَو مَعَ الشَّاهِد أَو قَالَ الْمَطْلُوب احْلِف وأزن لَك فَقَالَ الطَّالِب فِي ذَلِك كُله: لَا أَحْلف حَتَّى يحضر المَال لِأَنِّي(1/259)
أَخَاف أَن أَحْلف وَيَدعِي الْعَدَم فتذهب يَمِيني بَاطِلا فَقَالَ ابْن الْعَطَّار: لَا يُجَاب لذَلِك بل يحلف ثمَّ يُطَالِبهُ بِالْمَالِ، وَعَلِيهِ اقْتصر فِي اللامية حَيْثُ قَالَ: وَمن أَبى يَمِينا لكَون المَال غَابَ فجهلا. وَقيل: يُجَاب إِلَى ذَلِك وَبِه الْعَمَل بتونس قَالَه ابْن نَاجِي، وَقيل: يَكْفِي أَن يشْهد على الْمَطْلُوب بِأَنَّهُ مَلِيء وَيحلف الطَّالِب فَإِن ادّعى الْعَدَم بعد إشهاده بالملاء فَإِنَّهُ يسجن حَتَّى يُؤَدِّي وَلَا تقبل بَينته بِالْعدمِ قَالَه ابْن أبي زمنين وَفضل وَغَيرهمَا، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي التَّبْصِرَة والوثائق الْمَجْمُوعَة وَلم يحك أَكثر الشُّيُوخ غَيره وَهُوَ الْمَذْهَب. وَقَالَ أَبُو الْحسن: انْظُر قُضَاة الْبَوَادِي يَفْعَلُونَ هَذَا وَلَيْسَ لأجل دَعْوَى الْعَدَم لأَنهم لَا يعلمونه، وَإِنَّمَا ذَلِك خوف اللدد لضعف الْأَحْكَام فَيحْتَمل أَن يُؤْخَذ لَهُ رهن أَو حميل فَحِينَئِذٍ يحلف اه. وَفِي المعيار عَن العبدوسي أَن الْمَطْلُوب يجْبر على أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يقر بملاء ذمَّته وَإِمَّا أَن يحضر المَال وَحِينَئِذٍ يحلف الآخر؛ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يفهم القَاضِي عَنهُ الْكَذِب فَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الْإِحْضَار، وَأفْتى الغبريني إِن كَانَ الْمَطْلُوب يتَكَلَّف كلفة فِي إِحْضَار الثّمن مثل أَن يحْتَاج إِلَى بيع دَاره وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يحلف الطَّالِب أَولا. وإلاَّ فَلَا يحلف حَتَّى يحصله. ابْن نَاجِي: وفتواه صَوَاب، وَبهَا حكمت بالقيروان اه. فَتحصل من هَذَا أَنه إِذا كَانَ مَعْلُوم الملاء لَكِن يحْتَاج إِلَى بيع أصل وَنَحْوه أَو غير معلومه، وَلَكِن أشهد بملاء ذمَّته وَلم يفهم القَاضِي مِنْهُ الْكَذِب وَلَا ضعفت الْأَحْكَام حلف الطَّالِب أَولا فَإِن كَانَ مَعْلُوم الملاء وَلَا يحْتَاج لبيع أصل أَو غير معلومه وَأشْهد بملائه وَلَكِن فهم مِنْهُ الْكَذِب أَو ضعفت الْأَحْكَام فَلَا يحلف حَتَّى يحضر المَال أَو يَأْتِي برهن أَو حميل وَالله أعلم. قلت: وَهَكَذَا المُشْتَرِي يَقُول للشَّفِيع: لَا أَحْلف بِأَن الثّمن مائَة حَتَّى أشهد عَلَيْك وَأَنَّك تَأْخُذ بِالشُّفْعَة لِئَلَّا تذْهب يَمِيني بَاطِلا قَالَه فِي شُفْعَة المعيار. الثَّالِث: إِذا طلب الْمُدَّعِي يَمِين الْمَطْلُوب فللمطلوب أَن لَا يحلف حَتَّى يلْتَزم لَهُ إِسْقَاط كل بَيِّنَة مَا علم مِنْهَا وَمَا لم يعلم فَإِذا عقد على نَفسه ذَلِك لم يكن لَهُ أَن يقوم بِبَيِّنَة يجدهَا وَلَو لم يعلم بهَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة. الرَّابِع: من وهب دينا وَله بِهِ شَاهد أَو اشْترى شَيْئا بِشَاهِد ووهبه فَأنْكر الْمَدِين أَو البَائِع أَو وَجَبت يَمِين الْقَضَاء فِي هبة مَا على ميت، فَالْوَاجِب أَن يحلف الْمَوْهُوب لَهُ فِي ذَلِك كُله لِأَن الْوَاهِب يَقُول: لَا أَحْلف لينْتَفع غَيْرِي قَالَه أَبُو الْحسن قَالَ: وَهُوَ ظَاهر من مَسْأَلَة الْغُرَمَاء وَلَعَلَّه يُرِيد بهَا أَن الْمَيِّت إِذا أَقَامَ لَهُ شَاهد بدين وَعَلِيهِ مَا يسْتَغْرق مَاله فَإِن الْغُرَمَاء يحلفُونَ مَعَ الشَّاهِد لَا الْوَرَثَة إِذْ لَا يحلفُونَ ليستحق الْغُرَمَاء وتعليله يدل على أَن ذَلِك جَار فِي الْهِبَة وَالْإِقْرَار وَالشِّرَاء، وَنَقله المشذالي فِي حَاشِيَته كَمَا فِي (ح) فِي بَاب الْهِبَة، وَبِه أفتى ابْن سَوْدَة رَحمَه الله حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي وَقُوَّة كَلَامه تُعْطِي أَن هَذَا هُوَ الْمُعْتَمد، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن الصَّغِير يجب لَهُ الْحق بِشَاهِد وَاحِد وَلَا يحلف عَنهُ الْأَب وَلَا الْوَلِيّ، وَقيل إِن الْيَمين على الْوَاهِب. وَرجحه ابْن الْبَراء حَسْبَمَا فِي دعاوى المعيار قَائِلا لِأَن الْمُتَصَدّق يعلم صِحَة ذَلِك، وَلِأَنَّهُ قد يتَصَدَّق فِرَارًا من الْيَمين وَلِأَن الْهِبَة نقل شَرْعِي فشرطه صِحَة الْملك فَإِذا لم يَتَقَرَّر الْملك فَلَا نقل اه. وبمثل الأول أفتى ابْن الْحَاج فِي رجل أقرّ فِي دين أَنه لَا حق لَهُ فِيهِ فتوجهت يَمِين الْقَضَاء، وَأفْتى ابْن حمديس وَأصبغ بن مُحَمَّد بِمثل الثَّانِي، وَأفْتى ابْن رشد بِحلف الْوَاهِب فَقَط فِي الْهِبَة وَيحلف الْمقر وَالْمقر لَهُ(1/260)
مَعًا فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ. قلت: وَالظَّاهِر على القَوْل يحلف الْمقر وَحده أَو حلفهما مَعًا بطلَان الْحق بنكول الْمقر وَيلْزمهُ غرمه للْمقر لَهُ لِأَن نُكُوله دَلِيل على أَنه قد قَبضه وعَلى القَوْل يحلف الْوَاهِب فِي هبة الدّين أَو مَا ثَبت بِشَاهِد يبطل بِنُكُولِهِ وَلَا غرم لِأَنَّهُ يَقُول: وهبت لَهُ شَيْئا لم يتم وَلَعَلَّه لذَلِك لم تجب عَلَيْهِ الْيَمين فِي القَوْل الأول إِذْ لَا شَيْء هُنَاكَ يحملهُ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فيترجح فِي الْإِقْرَار يَمِين الْمقر أَو هما مَعًا. وَفِي الْهِبَة يَمِين الْمَوْهُوب لَهُ وَالله أعلم. وَيَأْتِي عَن الْبُرْزُليّ آخر الْبَاب مَا يدل لذَلِك، وَانْظُر مَسْأَلَة الْإِقْرَار فِي قَول (خَ) آخر الشَّهَادَات وَإِن قَالَ لفُلَان فَإِن حضر ادّعى عَلَيْهِ الخ. ثمَّ أَشَارَ إِلَى من يحلف الْيَمين مَعَ الشَّاهِد وَهُوَ كالتفصيل لما قدمه فِي قَوْله ثَانِيَة: توجب حَقًا مَعَ قسم. وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ بَانَ حقُّهُ يَحْلِفُ مَعَ عَدْلٍ وَيَسْتَحِقُّهُ (والبالغ) مُبْتَدأ (السَّفِيه) صفة (بَان) ظهر (حَقه) فَاعل وَالْجُمْلَة حَال وَجُمْلَة (يحلف) خبر (مَعَ عدل) يتَعَلَّق بِهِ (و) جملَة (يسْتَحقّهُ) معطوفة على جملَة الْخَبَر وَشَمل السَّفِيه الذّكر وَالْأُنْثَى مولى عَلَيْهِ أم لَا. فَهَذَا يُغني عَن قَوْله الْآتِي، وَالْبكْر مَعَ شَاهدهَا تحلف الخ. وَأفهم قَوْله السَّفِيه أَن الرشيد يحلفها بالأحرى، وَكَذَا العَبْد وَسَوَاء كَانَ العَبْد مَأْذُونا لَهُ أم لَا فَلَو نكل الْمَأْذُون حلف الطَّالِب وبرىء، فَإِن غَابَ أَو مَاتَ قبل نُكُوله حلف سَيّده وَاسْتحق كَمَا يحلف وَيسْتَحق مَعَ نُكُول غير الْمَأْذُون وَشَمل قَوْله مَعَ عدل الْحَقِيقِيّ والعرفي كنكول الْمَطْلُوب وَمَعْرِفَة العفاص والوكاء فِي اللّقطَة على القَوْل بِالْيَمِينِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ، وَالْمرَاد بِالْعَدْلِ الْجِنْس فَيشْمَل الْوَاحِد وَيحلف مَعَه والعدلين فَيحلف يَمِيني الْقَضَاء والاستحقاق وَلَا يؤخران عَنهُ إِلَى الرشد لِأَنَّهُمَا لدفع التُّهْمَة وَالِاحْتِمَال كَمَا مرّ عِنْد قَوْله وَهِي يَمِين تُهْمَة الخ. فَهُوَ كالرشيد فِي هَذِه الْأَيْمَان كلهَا على مَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة وضيح وَغَيرهمَا، وَهُوَ الْمُعْتَمد كَمَا يفهم من النّظم وَإِنَّمَا يخْتَلف حكمه مَعَ الرشيد فِي النّكُول فَإِن السَّفِيه إِذا نكل فَفِي نُكُوله مَعَ الشَّاهِد يحلف الْمَطْلُوب وَيبقى الشَّيْء بِيَدِهِ إِلَى الرشد فَيحلف وَيسْتَحق كَمَا يَأْتِي فِي الصَّغِير، هَذَا هُوَ الَّذِي رَجحه ابْن رشد وَصَححهُ الرجراجي وَهُوَ قَول مطرف وَابْن كنَانَة، وَاخْتَارَهُ ابْن حبيب، وَبِه صدر فِي التَّبْصِرَة، وَأفْتى بِهِ أَبُو الْحسن وَابْن لب حَسْبَمَا فِي الدّرّ النثير وأنكحة المعيار، واستظهره الشَّارِح قَائِلا لِأَن بطلَان حق السَّفِيه بِنُكُولِهِ مؤد إِلَى جَوَاز فعله، وَالْفَرْض أَنه غير جَائِز الْفِعْل، وَفِي أنكحة المعيار أَن التَّكْلِيف هُوَ منَاط الْيَمين فتتوجه الْيَمين على السَّفِيه الْمَحْجُور وَإِن نكل لَا يسْقط حَقه اه. قَالَ ابْن رحال فِي شَرحه: وَهَذَا هُوَ الَّذِي أتقلده وَلَا أَقُول بِغَيْرِهِ، وَذهب ابْن الْقَاسِم إِلَى أَن حق السَّفِيه يبطل بِنُكُولِهِ مَعَ يَمِين الْمَطْلُوب، وَبِه قرر الْمُخْتَصر شراحه. وَفِي الزاهي لِابْنِ(1/261)
شعْبَان: إِن السَّفِيه كَالصَّبِيِّ لَا يحلف مَعَ شَاهده، بل حَتَّى يرشد. وَرَوَاهُ مطرف عَن مَالك فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِي يَمِينه مَعَ الشَّاهِد وَفِي نُكُوله عَن يَمِيني الْقَضَاء والاستحقاق يقْضى لَهُ بِحقِّهِ وتؤخر عَنهُ الْيَمين إِلَى رشده، فَإِن حلف حِينَئِذٍ اسْتمرّ قَبضه وإلاّ رد مَا أَخذ فَهُوَ يحلفها الْآن لِئَلَّا يضيع حق الْخصم باستمراره فِي السَّفه طول عمره، فَإِن نكل قضي لَهُ بِالْحَقِّ وأرجئت الْيَمين إِلَى رشده. هَذَا هُوَ الْجَارِي على مَا مرّ من أَن الرَّاجِح أَنه يحلفها الْآن وَأَن نُكُوله لَا يبطل حَقه مِنْهَا بعد رشده، وَلَا يُخَالف هَذَا قَول ابْن عتاب. وَأكْثر الأندلسيين تُؤخر عَنهُ يَمِين الْقَضَاء ابْتِدَاء وَلَا يُخَاطب بهَا فِي الْآن لِأَنَّهُ يلْزمهُم أَن يَقُولُوا بِالتَّأْخِيرِ بعد النّكُول بالأحرى، وَكَذَا لَا يُخَالف مَفْهُوم قَول النَّاظِم بعد لغير بَالغ الخ. لِأَن مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ لَا تُؤخر عَن الْبَالِغ ابْتِدَاء بل بعد النّكُول، وَلم أَقف على من قَالَ بِبُطْلَان حَقه بِالنّكُولِ عَن يَمِين الْقَضَاء مَعَ يَمِين الْمَطْلُوب، وأشعر قَوْله يحلف مَعَ عدل الخ أَنه مُدع وَأَنه إِذا كَانَ مدعى عَلَيْهِ وتوجهت عَلَيْهِ يَمِين الْإِنْكَار أَو يَمِين التُّهْمَة فَلَا يَمِين عَلَيْهِ الْآن وَهُوَ كَذَلِك خلافًا للأصيلي إِذْ لَا تتَوَجَّه الْيَمين إِلَّا حَيْثُ لَو أقرّ الْمَطْلُوب لزمَه، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك. هَكَذَا ذكر الْمَازرِيّ وَغَيره هَذِه الْقَاعِدَة وَهِي لَا تعكر على مَا تقدم من أَن السَّفِيه يحلف مَعَ أَن إِقْرَاره لَا يلْزم لِأَنَّهَا خَاصَّة بِمَا يدْفع كَمَا مرّ فِي شُرُوط الدَّعْوَى، وَلذَا قَالَ بَعضهم كَمَا فِي الْمجَالِس المكناسية: ضَابِط يَمِين السَّفِيه أَنه يحلف فِيمَا يقبض لَا فِيمَا يدْفع. نعم هِيَ ظَاهِرَة على قَول ابْن عتاب وموافقيه أَنه لَا يحلف فِي الْوَجْهَيْنِ إِلَى أَن يرشد، وَلَعَلَّ الْمَشْهُور إِنَّمَا قَالَ: يحلف فِيمَا يقبض لِئَلَّا يضيع حق الْخصم بِبَقَائِهِ فِي الْحجر كَمَا مرّ، وَفهم من قَوْله لزمَه أَن دعاوى غير المَال كالدعوى عَلَيْهِ بِمَا يُوجب عُقُوبَته فِي بدنه وَهُوَ مِمَّن يتهم أَو إِرَادَة السفيهة الْقطع على زَوجهَا الْغَائِب، وأثبتت الموجبات تتَوَجَّه عَلَيْهَا الْيَمين للزومها لَهُ بِالْإِقْرَارِ كحلفه لرد شَهَادَة الشَّاهِد عَلَيْهِ بِالطَّلَاق. وَالْحَاصِل أَن الدَّعْوَى على الْمَحْجُور بِالْمَالِ إِذا لم تكن بَيِّنَة لَا توجب يَمِينا الْآن فَإِذا بلغ أَو رشد نظر، فَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِيمَا يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ أَو بِمَالِه وَالْمَال بَاقٍ كَانَ للْمُدَّعِي تَحْلِيفه فَإِن حلف برىء وإلاّ غرم وَإِن ذهب المَال الَّذِي تعلّقت الدَّعْوَى بِهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَالَّذِي يتَعَلَّق بِالذِّمةِ هُوَ مَا أفْسدهُ مِمَّا لم يُؤمن عَلَيْهِ. هَكَذَا ذكر بَعضهم هَذَا التَّحْصِيل فِي الصَّغِير وَالسَّفِيه مثله، بل فِي الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْمديَان مَا نَصه. ابْن سهل: الصَّوَاب عِنْدِي مَا جرى بِهِ الْعَمَل من الْمَنْع من تعلق الْيَمين بالسفيه، وَفِي وثائق ابْن الْهِنْدِيّ ترجأ الْيَمين عَلَيْهِ إِلَى إِطْلَاقه، وَلَو ادّعى السَّفِيه على رجل بِدَعْوَى فنكل الْمَطْلُوب فَإِنَّهُ يغرم وَلَا يحلف السَّفِيه حَتَّى يرشد، وَإِنَّمَا حلف مَعَ الشَّاهِد لإحياء السّنة. ابْن سهل: وَالصَّحِيح عِنْدِي أَن يحلف الْآن إِذا نكل الْمَطْلُوب ورد عَلَيْهِ الْيَمين لِأَنَّهُ رَضِي بِيَمِينِهِ حِين نكل اه. وَكَلَام النَّاظِم ظَاهر فِيمَا لم يتوله ولي السَّفِيه من الْمُعَامَلَات أما مَا تولاه وليه فَإِنَّهُ الَّذِي يحلف فِيهِ مَعَ الشَّاهِد فَإِن رد الْيَمين على الْمَطْلُوب وَحلف برىء وَغرم الْوَلِيّ وَكَذَا يغرم إِذا ادّعى عَلَيْهِ غَرِيم الْمَيِّت الدّفع إِلَيْهِ فَرد الْيَمين على الْغَرِيم لجنايته برد الْيَمين، وَهل يغرم الْقيمَة فِيمَا إِذا بَاعَ لَهُ سلْعَة وَأنكر الْمُبْتَاع أَو الْأَكْثَر مِنْهَا وَمن الثّمن؟ انْظُر الشَّارِح. تَنْبِيه: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَأما الْمَعْتُوه فَإِن الْمَطْلُوب يحلف وَيبرأ وَإِن نكل غرم، فَإِن حلف الْمَطْلُوب ثمَّ بعد ذَلِك عقل الْمَعْتُوه فَإِنَّهُ يحلف مَعَ شَاهده وَيسْتَحق حَقه اه.(1/262)
قلت: تَأمل قَوْله وَيبرأ مَعَ قَوْله ثمَّ بعد ذَلِك عقل الْمَعْتُوه الخ. فَإِنَّهُ متدافع اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَاده وَيبرأ الْآن لَا فِي الْمُسْتَقْبل. وَتُرْجَأُ الْيَمِينُ حُقَّتْ لِلقَضَا لِغَيْرِ بالِغٍ وَحَقَّهُ اقْتَضَى (وترجأ) بِضَم التَّاء وهمزة آخِره مَبْنِيّ للْمَفْعُول من أرجأ الْأَمر إِذا أَخّرهُ (الْيَمين) نَائِب وَجُمْلَة (حقت) أَي أوجبت من حق الشَّيْء إِذا أوجبه فِي مَوضِع الْحَال (للقضا) ء يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا (لغير بَالغ) أَي تُؤخر يَمِين الْقَضَاء إِذا أوجبت على غير بَالغ لكَون دينه على ميت أَو غَائِب (وَحقه) مفعول بقوله (اقْتضى) أَي عَاجلا، ثمَّ إِذا بلغ وَحلف اسْتمرّ الْقَبْض، وَإِن نكل ردّ مَا أَخذ، وَهَذَا إِذا بلغ رشيدا وَإِلَّا فقد مر أَنه إِذا نكل تُؤخر عَنهُ إِلَى الرشد وَلَا مَفْهُوم لقَوْله للْقَضَاء، بل يَمِين غَيره من إِنْكَار وتهمة كَذَلِك كَمَا مرّ، وَمَفْهُوم غير بَالغ أَن الْبَالِغ لَا ترجأ فِي حَقه بل يُخَاطب بهَا الْآن وَهُوَ كَذَلِك لَكِن إِذا نكل وَهُوَ سَفِيه فترجأ كَمَا مرّ. تَنْبِيه: إِذا تعدّدت يَمِين الْقَضَاء كوجوبها على أحباس الْمَسْجِد وطلبة الْعلم وَالْقِرَاءَة سَقَطت قَالَه (ت) عَن أحباس المعيار. قلت: وَكَذَا لَو وَجَبت على من لَا يعرف تأديتها بِإِشَارَة وَلَا غَيرهَا كالمعتوه وَكَذَا يَمِين الِاسْتِحْقَاق. وَلَا يُقَال إِن الْحَبْس لَا يُبَاع فَلَا تَأتي فِيهِ يَمِين الِاسْتِحْقَاق. لأَنا نقُول الْعَمَل على جَوَاز الْمُعَاوضَة فِيهِ وَهِي بيع كَمَا يَأْتِي، وَأما إِن تَعَذَّرَتْ الْيَمين مَعَ الشَّاهِد كوجوبها على من ذكر أَو على من لَا تتأتى مِنْهُ بِإِشَارَة وَلَا كِتَابَة فَإِن الْمَطْلُوب يحلف وَيبرأ، ورد بِأَن ظَاهر الرِّوَايَات عدم يَمِينه فَلَا أثر لشهادة الشَّاهِد هُنَا وَهُوَ الْمُوَافق لقَوْل (خَ) وَإِن قَالَ: دَاري صَدَقَة بِيَمِين مُطلقًا أَو بغَيْرهَا وَلم يعين لم يقْض عَلَيْهِ الخ إِذْ توجه الْيَمين فرع الْقَضَاء، فَإِن تَعَذَّرَتْ من الْبَعْض دون الْبَعْض كالحبس على بنيه وعقبهم إِذْ هِيَ متعذرة من الْعقب متيسرة من الْبَنِينَ الْمَوْجُودين، فَالَّذِي قَالَه ابْن الْمَوَّاز عَن أَصْحَاب مَالك، وَبِه صدر المتيطي والباجي وَابْن شَاس أَنه كَالَّذي قبله يحلف الْمَطْلُوب وَيبرأ قَالَه ابْن رحال فِي شَرحه. قَالَ: هَذَا هُوَ الرَّاجِح، وَقيل يحلف البنون فَإِن حلفوا كلهم ثَبت الْوَقْف، وَإِن حلف بَعضهم فَقَط ثَبت نصِيبه فَقَط، وَإِن(1/263)
نكلوا كلهم بَطل الْحَبْس إِن حلف الْمَطْلُوب، وَبِه قرر شرَّاح (خَ) قَوْله: وَإِن تعذر يَمِين بعض كشاهد بوقف الخ. وَحَيْثُ عَدْلٌ لِلصَّغِيرِ شَهِدا بِحَقَّهِ وَخَصْمُهُ قَدْ جَحَدَا (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (عدل) مُبْتَدأ سوغه وُقُوعه فِي حيّز الشَّرْط (للصَّغِير) يتَعَلَّق بقوله: (شَهدا) وَكَذَا (بِحقِّهِ) وَالْجُمْلَة خبر (وخصمه) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (قد جحدا) خَبره. وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة المجرورة بِحَيْثُ. يَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَحَقٌّ وُقِّفَا إِلَى مَصِيرِ خَصْمِهِ مُكَلَّفَا (يحلف مُنكر) فَاعل وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ (وَحقّ) مشهود بِهِ (وَقفا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن حق وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجَواب قبلهَا وسوغه الصّفة المحذوفة أَو الْعَطف (إِلَى مصير خَصمه) مصدر مُضَاف لاسمه (مُكَلّفا) خبر وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِمَا قبله يَلِيهِ. وَحَيْثُ يُبْدِي الْمُنْكِرُ النُّكُولاَ بُلِّغَ مَحْجُورٌ بِهِ المَأْمُولاَ (وَحَيْثُ) ظرف كَالَّذي قبله (يُبْدِي) بِضَم أَوله (الْمُنكر) فَاعله (النكولا) مَفْعُوله (بلغ) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (مَحْجُور) نَائِب (بِهِ) يتَعَلَّق ببلغ وضميره للنكول وباؤه سَبَبِيَّة (المأمولا) مفعول ثَان لبلغ وَحَاصِل الأبيات أَن الصَّغِير لَا يحلف مَعَ شَاهده سَوَاء شهد لَهُ بِالْحَقِّ أَو ببراءته مِنْهُ وَكَذَا لَا يحلف وليه حَيْثُ لم يتول الْمُعَامَلَة وَإِلَّا حلف كَمَا مرّ فِي السَّفِيه، وَإِنَّمَا لم يحلف وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن الْقَلَم مَرْفُوع عَن الصَّغِير، وَالْقَاعِدَة أَن الْإِنْسَان لَا يحلف لينْتَفع غَيره، وَحِينَئِذٍ فَيُؤْمَر الْمَطْلُوب بِالْحلف سَوَاء قَامَ الشَّاهِد للصَّبِيّ وَحده أَو مَعَ غَيره، لكنه فِي الثَّانِيَة إِنَّمَا يحلف على حِصَّة الصَّبِي فَإِن نكل حكم للصَّبِيّ بِالْحَقِّ الْآن وَلَا يَمِين عَلَيْهِ بعد بُلُوغه، وَإِن حلف فَإِن كَانَ الْحق فِي الذِّمَّة كطعام وَنقد وَخيف فقر الْمَطْلُوب أَو كَانَ معينا كدار وثوب، فَهَل يُوقف بيد أَمِين(1/264)
حَتَّى يبلغ الصَّبِي أَو يسلم للمطلوب؟ قَولَانِ: لظَاهِر الْمُوازِية وَابْن حبيب عَن الْأَخَوَيْنِ وَاسْتظْهر فِي ضيح الأول، وَظَاهر ابْن رشد أَيْضا أَنه الْمَذْهَب لِأَنَّهُ لما ذكر الْخلاف فِي وقف الدّين قَالَ: وَوَقفه فِي الْقيَاس صَحِيح إِذْ لَو كَانَ الْمُدَّعِي فِيهِ شَيْئا بِعَيْنِه لوَجَبَ توقيفه أَو بَيْعه وتوقيف ثمنه إِن خشِي عَلَيْهِ كالحيوان على مَا يَأْتِي لِابْنِ الْقَاسِم اه. وَهُوَ ظَاهر النّظم وضمانه حِينَئِذٍ من الصَّبِي إِن حلف، وَمن الْمَطْلُوب إِن لم يحلف لِأَنَّهُ إِنَّمَا وقف لمن يجب لَهُ مِنْهُمَا وعَلى كل حَال لَا بُد أَن يكْتب الْحَاكِم شَهَادَة الشَّاهِد فِي سجل وَيَتْرُكهَا عِنْده أَو يَدْفَعهَا لوَلِيِّه صونا لمَال الصَّبِي وخوفاً من موت الشَّاهِد أَو طرُو فسقه قبل بُلُوغ الصَّبِي، وعَلى القَوْل بِإِسْلَامِهِ للمطلوب درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَحلف مَطْلُوب ليترك بِيَدِهِ وسجل ليحلف إِذا بلغ الخ. وَقَوله ليترك بِيَدِهِ يُرِيد مَا لم يخْش فقره أَيْضا كَمَا هُوَ ظَاهر قَالَه ابْن رحال. وَيُمكن تمشية النَّاظِم على مَا فِي (خَ) بِأَن يحمل الإيقاف على مَنعه من تَفْوِيت الْمعِين بِبيع وَنَحْوه لِأَنَّهُ إِنَّمَا يبْقى بِيَدِهِ حوزاً لَا ملكا فَإِذا حلف الصَّبِي بعد الْبلُوغ أَخذه إِن كَانَ قَائِما أَو قِيمَته يَوْم الحكم إِن فَاتَ وَلَو بسماوي، وَالْغلَّة للمطلوب مَا دَامَ بِيَدِهِ إِذْ الْخراج بِالضَّمَانِ قَالَ فِي الْمُوازِية: وَلَا يحلف الصَّغِير بعد بُلُوغه حَتَّى يعلم بالْخبر الَّذِي تَيَقّن بِهِ (خَ) : وَاعْتمد البات على ظن قوي. تَنْبِيه: إِذا قَامَ شَاهد لمغمى عَلَيْهِ أَو مَجْنُون ترجى إِفَاقَته انْتظر فَإِن كَانَت لَا ترجى إِفَاقَته أَو تَعَذَّرَتْ الْيَمين من نَحْو الْأَصَم الْأَخْرَس وَلَو بِالْإِشَارَةِ حلف الْمَطْلُوب كَمَا فِي مَسْأَلَة الصَّبِي، وَكَذَا وَكيل الْغَائِب يقوم لَهُ شَاهد فَيحلف الْمَطْلُوب وَيتْرك بِيَدِهِ لِقَوْمِهِ، فَإِن نكل غرم وَلم يحلف الْغَائِب إِذا قدم كَمَا مر فِي الصَّبِي. وَالْبِكْرُ مَعَ شَاهِدِهَا تُحَلَّفُ وَفِي ادِّعَاءِ الْوَطْءِ أَيْضاً تَحْلِفُ (وَالْبكْر) الْبَالِغ مُبْتَدأ (مَعَ شَاهدهَا) فِي مَحل نصب حَال (تحلف) بِضَم التَّاء وَفتح اللَّام(1/265)
مُشَدّدَة مَبْنِيا للْمَفْعُول خبر عَن الْبكر (وَفِي ادِّعَاء الْوَطْء أَيْضا) مَنْصُوب على المصدرية (تَحلِف) بِفَتْح التَّاء وَكسر اللَّام مَبْنِيا للْفَاعِل وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهِ، وَإِنَّمَا تحلف فِي ادِّعَاء الْوَطْء إِذا ثبتَتْ الْخلْوَة لِأَن الدَّعْوَى حِينَئِذٍ صَاحبهَا شَاهد عرفي فتحلف لقد أَصَابَهَا ويتكمل عَلَيْهِ الصَدَاق. تَنْبِيه: الْيَمين مَعَ الشَّاهِد تكون على وفْق شَهَادَته فَإِذا شهد بِإِقْرَار أَو غَيره فَيحلف الْمَشْهُود لَهُ أَن الشَّهَادَة لحق وَلَا يلْزمه أَن يحلف أَن ذَلِك الْحق لَهُ قبله فَإِن حلف الْمَطْلُوب بعد نُكُول الطَّالِب، ثمَّ وجد الطَّالِب شَاهدا آخر لم يضم الأول على الْمَشْهُور كَمَا فِي الشَّامِل، لِأَن الأول قد بطلت شَهَادَته بِنُكُولِهِ وَيَمِين الْمَطْلُوب، وَقيل يضم، قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض وَهُوَ أحسن من يَمِين فاجرة، وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت الشَّهَادَة بِمَال وَلم يعلم بِالثَّانِي حَال الْقيام للْأولِ أَو علمه وَكَانَ بعيد الْغَيْبَة، فَأَما إِن شهد بِطَلَاق أَو صَدَقَة على غير معِين فَحلف الْمَطْلُوب ثمَّ قَامَ عَلَيْهِ شَاهد آخر ضم للْأولِ اتِّفَاقًا ثمَّ مَا تقدم من أَن الصَّبِي لَا يحلف هُوَ وَلَا وليه مَعَ شَاهده هُوَ الْمَشْهُور. وَفي سِوَى المَشْهُورِ يَحْلِفُ الأَبُ عنِ ابنِهِ وَحَلْفُ الابْنِ مَذْهَبُ (وَفِي سوى الْمَشْهُور) يتَعَلَّق بقوله: (يحلف الْأَب) فَاعل (عَن ابْنه) يتَعَلَّق بيحلف أَيْضا وَهُوَ قَول ابْن كنَانَة قَالَ: لِأَنَّهُ يمونه وَينْفق عَلَيْهِ، وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم يل فِيهِ الْوَلِيّ الْمُعَامَلَة وإلاَّ حلف كَمَا مرّ وَجعل الْبُرْزُليّ مَسْأَلَة هبة الدّين الثَّابِت بِشَاهِد جَارِيَة على الْقَوْلَيْنِ فعلى أَن الْأَب لَا يحلف عَن الصَّغِير يحلف الْمَوْهُوب لَهُ، وعَلى أَنه يحلف فَيحلف الْوَاهِب، وَوَقع فِي كتاب جمعت فِيهِ أقضية مَالك وَاللَّيْث أَن الصَّغِير يحلف مَعَ شَاهده كالسفيه وَهُوَ معنى قَوْله: (وَحلف) بِفَتْح الْحَاء مصدر وبكسرها الْعَهْد يكون بَين الْقَوْم، وَقد حالفه أَي عاهده مُبْتَدأ (الابْن) مُضَاف إِلَيْهِ (مَذْهَب) خبر وتنكيره يشْعر بِأَنَّهُ مَذْهَب شَاذ لَا يجْرِي على الْأُصُول لرفع الْقَلَم عَن الصَّبِي اه وَالله أعلم.
(بَاب الرَّهْن وَمَا يتَعَلَّق بِهِ)
من حوز وَضَمان وَاخْتِلَاف المتراهنين. وَهُوَ لُغَة اللُّزُوم وَالْحَبْس وكل شَيْء مَحْبُوس فَهُوَ رهن قَالَ تَعَالَى: كل نفس بِمَا كسبت رهينة} (المدثر: 38) أَي محبوسة والراهن دافعه وَالْمُرْتَهن بِالْكَسْرِ آخذه وَبِفَتْحِهَا اسْم للمرهون وَيُطلق أَيْضا على آخذه لِأَنَّهُ وضع عِنْده وعَلى الرَّاهِن لِأَنَّهُ(1/266)
سَأَلَهُ أَي طلب مِنْهُ، وَشرعا يُطلق تَارَة بِالْمَعْنَى المصدري، وَعَلِيهِ قَول (خَ) الرَّهْن بذل من لَهُ بيع مَا يُبَاع، وبالمعنى الاسمي، وَعَلِيهِ ابْن عَرَفَة حَيْثُ قَالَ: الرَّهْن مَال قبض توثقاً فِي دين فَتخرج الْوَدِيعَة، والمصنوع بيد صانعه وَقبض الْمَجْنِي عَلَيْهِ عبدا جنى عَلَيْهِ، وَإِن شاركاه فِي الأحقية لجَوَاز اشْتِرَاك المختلفات فِي أَمر يَخُصهَا وَلَا تدخل وَثِيقَة ذكر الْحق وَلَا الْحميل وَلَا يخرج مَا اشْترطت منفعَته لِأَن شَرطهَا لَا يُنَافِي قَبضه للتوثق اه. فالوديعة خرجت بقوله توثقاً وَخرج الْمَصْنُوع وَالْعَبْد الْجَانِي بقوله: فِي دين. وَالْأَمر الَّذِي شاركا الرَّهْن فِيهِ هُوَ الِاخْتِصَاص بالشَّيْء دون الْغُرَمَاء والأمور الْمُخْتَلفَة حقائقها قد تشترك فِي أَمر يَخُصهَا كاشتراك البيع وَالشَّرِكَة فِي اللُّزُوم فِي العقد مَعَ اخْتِلَاف حَقِيقَتهَا وَالْهِبَة وَالْحَبْس فِي الْحَوْز مَعَ اخْتِلَافهمَا أَيْضا، وَإِنَّمَا لم تدخل أذكار الْحُقُوق لِأَنَّهَا لَيست مِمَّا يُبَاع وَإِنَّمَا يُبَاع مَا فِيهَا كَذَا قيل، وَفِيه نظر إِذْ الرَّهْن يجوز فِيمَا لَا يُبَاع كالغرر على أَن الْأَذْكَار قد يُقَال إِنَّهَا تبَاع وَلَو للتسفير بهَا وَنَحْوه، وَقد صرح (ز) وَغَيره بِجَوَاز هبتها وَعَلِيهِ عمل النَّاس الْيَوْم إِمَّا لكَونهَا تبَاع لما ذكر، وَأما لكَون رَبهَا لَا يتَوَصَّل لبيع مَا فِيهَا من الْأَمْلَاك أَو الدُّيُون إِلَّا بهَا لقَوْل ناظم الْعَمَل: ونسخة خُذ من شِرَاء البَائِع لمشتر تَنْفَع فِي التَّنَازُع وافهم قَوْله فِي دين أَن الرَّهْن لَا يكون فِي المعينات وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يرد أَخذ الرَّهْن فِي الْعَارِية لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَاتهَا بل فِي قيمتهَا إِن هَلَكت، وَاعْترض الوانوغي التَّعْرِيف الْمَذْكُور بِأَنَّهُ لَا يَشْمَل إِلَّا مَا هُوَ مَقْبُوض وَلَا خلاف أَن الْقَبْض لَيْسَ من حَقِيقَته، بل هُوَ شَرط فِي الِاخْتِصَاص بِهِ اه. واعتراضه وَارِد حَتَّى على قَول (خَ) بذل الخ. وعَلى قَول ابْن الْحَاجِب إِعْطَاء الخ لِأَن عبارتهما إِنَّمَا تَشْمَل مَا دفع، وَلما اعْترض الوانوغي ذَلِك عرفه بِأَنَّهُ عقد لَازم لَا ينْقل الْملك قصد بِهِ التَّوَثُّق فِي الْحُقُوق اه. قلت: وَلَا يَشْمَل تَعْرِيفه الضَّامِن لِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يسلب عَمَّن شَأْنه أَن يَتَّصِف بِهِ، وَهُوَ المتمولات لِأَنَّهَا الَّتِي تتصف بانتقال الْملك تَارَة وَعَدَمه أُخْرَى أَي عقد لَازم على مُتَمَوّل لَا ينْقل الخ وَالله أعلم. وعرفه النَّاظِم بِالْمَعْنَى المصدري إِلَّا أَنه لَا يرد عَلَيْهِ مَا ورد على غَيره فَقَالَ:(1/267)
الرَّهنُ تَوْثِيقٌ بِحَقِّ المُرْتَهِنْ وَإنْ حَوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; قَابِلَ غَيْبَةٍ ضُمِنْ (الرَّهْن) مُبْتَدأ (تَوْثِيق) خَبره والتنوين عوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي تَوْثِيق مُتَمَوّل (بِحَق الْمُرْتَهن) يتَعَلَّق بتوثيق أَو بِمَحْذُوف صفة لَهُ أَي: الرَّهْن أَن يوثق مُتَمَوّل فِي حق الْمُرْتَهن فالتوثيق أَعم من أَن يكون بِالْعقدِ فَقَط أَو بِهِ مَعَ الْقَبْض، وَالْمرَاد بِالْحَقِّ الدُّيُون وقيم الْمُتْلفَات كَمَا مرّ. الْبُرْزُليّ عَن الغرناطي: يَصح الرَّهْن بأَرْبعَة شُرُوط. أَن لَا يكون مِمَّا لَا يجوز بَيْعه على كل حَال كالميتة، وَأَن تعاين الْبَيِّنَة قَبضه، وَأَن لَا يرجع إِلَى الرَّاهِن وَأَن يكون فِي كل شَيْء يُمكن اسْتِيفَاؤهُ من ثمن الرَّهْن لَا فِيمَا شَرطه التَّقَابُض كالصرف والتصيير وَالْإِقَالَة فِي رَأس مَال السّلم وَبيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَلَا فِي الْكِتَابَة وَلَا فِي الْجعل قبل الْعَمَل وَلَا كل مَا فِيهِ حد أَو قَود وَلَا فِيمَا لَا يضمن كالعارية فِيمَا لَا يُغَاب عَلَيْهِ اه. قلت: وَمن الشَّرْط الأول يفهم رهن الْآبِق وَذكر الْحق دون مَا فِيهِ وَكَيْفِيَّة وثيقته أشهد فلَان أَن فِي ذمَّته لفُلَان كَذَا من ابتياع كَذَا، أَو من سلف قَبضه بالاعتراف أَو المعاينة يُؤَدِّيه ذَلِك لوقت كَذَا على أَن رهن بِيَدِهِ فِي ذَلِك. كَذَا إِن كَانَ دَارا أَو عقارا فَتذكر حُدُود ذَلِك وموضعه وَإِن كَانَ عرُوضا أَو حَيَوَانا وَصفته بِمَا لَا بدّ مِنْهُ ثمَّ تَقول: رهنا مَمْنُوعًا من الْفَوْت وأسبابه إِلَى الْوَقْت الْمَذْكُور، فَإِن وفاه دينه رَجَعَ إِلَيْهِ رَهنه وإلاَّ كَانَ بَينهمَا مُوجب الشَّرْع وَحَازَ الْمُرْتَهن الرَّهْن حوزاً تَاما مُعَاينَة بموافقة الرَّاهِن وتخليه شهد عَلَيْهِمَا الخ. وَإِن جعل لَهُ الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ. قلت: بعد قَوْله: وتخليه وَجعل لَهُ الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ طول الْمدَّة الْمَذْكُورَة لاتِّفَاقهمَا على ذَلِك فِي أصل العقد، وَإِن فوض لَهُ فِي البيع. قلت: أثر قَوْلك رَجَعَ إِلَيْهِ رَهنه وإلاَّ فقد جعل لَهُ بيع الرَّهْن الْمَذْكُور وَصدقه فِي البيع وأسبابه بِمَا يرى من الثّمن، وَكَيف يرى وَقبض الثّمن وإنصاف نَفسه دون مشورته وَلَا قَاض وَلَا إِثْبَات سداد غَابَ أَو حضر أَقَامَهُ فِي ذَلِك مقَامه فِي الْحَيَاة، ومقام الْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ وَالْوَصِيّ بعد الْمَمَات. وَحَازَ الخ. فَإِن سقط وصف الْحَيَوَان أَو الْعرُوض أَو الْأَجَل أَو حُدُود الْعقار، وَاخْتلفَا فِي الْمَرْهُون من ذَلِك مَا هُوَ جرى على مَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف المتراهنين، وَقَوْلنَا: مَمْنُوعًا من الْفَوْت الخ. لزِيَادَة الْبَيَان وإلاَّ فالرهن لَا يكون إِلَّا كَذَلِك لِأَن تِلْكَ حَقِيقَته وَإِن سَقَطت الْحِيَازَة جرى على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: والحوز من تَمَامه الخ. كَمَا يَأْتِي أَيْضا تَفْصِيل مَا يجوز فِيهِ اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة وتفصيل مَا يجوز بَيْعه إِن جعله فِي أصل العقد عِنْد قَوْله: وَجَاز فِي الرَّهْن الخ. وَعند قَوْله: وبجواز بيع مَحْدُود الْأَجَل. الخ. وَالله أعلم. (وَإِن حوى) شَرط فَاعله ضمير يعود على الْمُرْتَهن ومفعوله مَحْذُوف (قَابل غيبَة) صفة لذَلِك الْمَحْذُوف أَي: وَإِن حَاز الْمُرْتَهن رهنا قَابل غيبَة وَهُوَ مَا عدا الْحَيَوَان وَالْعَقار من الحلى وَالْعرُوض وَغَيرهمَا وَادّعى ردّ ذَلِك أَو تلفه (ضمن) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل جَوَاب الشَّرْط وضميره للْمُرْتَهن أَي:(1/268)
يضمنهُ إِن مثلِيا فَمثله، وَإِن مُقَومًا فَقيمته، وَهل تعْتَبر يَوْم الضّيَاع أَو يَوْم الارتهان؟ قَولَانِ، وَلَا بُد من يَمِينه لِأَنَّهُ يتهم على إبقائه رَغْبَة فِيهِ فَيحلف فِي دَعْوَى التّلف أَنه لقد تلف وَمَا دلّس، وَفِي الضّيَاع أَنه لقد ضَاعَ وَلَا يعلم مَوْضِعه، والتلف ذهَاب الْعين والضياع غيبتها بِسَرِقَة وَنَحْوهَا. وَظَاهره أَن الضَّمَان يسْتَمر وَلَو قبض الدّين أَو وهب وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَنه يضمن قَابل الْغَيْبَة وَلَو شَرط الْبَرَاءَة وَهُوَ كَذَلِك. وَظَاهره كظاهر (خَ) وَابْن الْحَاجِب بطلَان الشَّرْط كَانَ فِي العقد أَو بعده وَهُوَ ظَاهر تَعْلِيل الرِّوَايَة بِأَنَّهُ خلاف السّنة كَمَا فِي الالتزامات. وَقيل مَحل الْبطلَان إِن كَانَ فِي صلب العقد لِأَن الرَّهْن حِينَئِذٍ لَهُ حِصَّة من الثّمن لَا بعده فَيعْمل بِشَرْطِهِ، وَاعْتَمدهُ بعض شرَّاح (خَ) . وَمَفْهُوم دَعْوَى أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا لم يحوه كَمَا لَو دخل على بَقَائِهِ بموضعه كزرع قَائِم فِي فدانه أَو ثَمَر على أَصله أَو فِي جرينه وأعدال فِي فندق وَنَحْو ذَلِك، وَأَحْرَى لَو وقف بيد أَمِين كَمَا يَأْتِي، وَمَفْهُوم قَابل غيبَة أَن مَا لَا يقبلهَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك وَلَو بِشَرْط ثُبُوته (خَ) : إِلَّا أَن يكذبهُ عدُول فِي دَعْوَاهُ موت دَابَّته أَو غصبهَا أَو سرقتها حضرا أَو سفرا أَو ريئت عِنْده بعد الْيَوْم الَّذِي ادّعى فِيهِ الْمَوْت وَنَحْوه فَيضمن حِينَئِذٍ لظُهُور كذبه. وَلما كَانَ الضَّمَان للتُّهمَةِ وَهِي تَنْتفِي بِالْبَيِّنَةِ على الْمَشْهُور خلافًا لأَشْهَب قَالَ النَّاظِم: مَا لَمْ تَقُمْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَهْ لِمَا جَرى فِي شَأْنِهِ مُعَيِّنَهْ (مَا لم تقم لَهُ) أَي للْمُرْتَهن (عَلَيْهِ) أَي على رده أَو تلفه (بَينه) وَلَو شَاهدا مَعَ يَمِين (لما جرى فِي شَأْنه معينه) بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة اسْم فَاعل صفة لقَوْله بَيِّنَة وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بِهَذِهِ الصّفة، (وَمَا) الأولى ظرفية مَصْدَرِيَّة، وَالثَّانيَِة مَوْصُولَة وَاقعَة على الرَّد والتلف بحرق وسرقة وَنَحْوهمَا أَي: شهِدت بمعاينة ذَلِك التّلف من حرق أَو غرق أَو قرض فار وَنَحْو ذَلِك، وَظَاهره أَن الشَّهَادَة بِتِلْكَ المعاينة كَافِيَة وَلَو لم تقل إِن النَّار وَنَحْوهَا بِغَيْر سَببه وَهُوَ كَذَلِك على الْمُعْتَمد لِأَن الأَصْل عدم التَّفْرِيط والعداء خلافًا لظاهرها مَعَ ابْن الْمَوَّاز وَفهم من قَوْله مُعينَة أَنَّهَا إِذا لم تعين ذَلِك ضمن وَلَو علم غرق أَو احتراق مَحَله الْمُعْتَاد وَضعه فِيهِ كحانوته أَو مخزنه، وَادّعى أَنه كَانَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور (خَ) مبالغاً فِي الضَّمَان، وَلَو شَرط الْبَرَاءَة أَو علم احتراق مَحَله، وَأفْتى الْبَاجِيّ والمازري بِعَدَمِ الضَّمَان فِي هَذِه الْحَالة واحترزت بِقَوْلِي: وَادّعى إِنَّه كَانَ بِهِ الخ. مِمَّا إِذا أثبت أَنه كَانَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يضمن باتفاقهما مَعَ الْغَيْر، وَمعنى ذَلِك أَنه إِذا أثبت أَنه كَانَ بذلك الْمحل قبل وَقت الْغَرق والحرق، وإلاَّ فَهُوَ المعاينة. وَالظَّاهِر إِن علم بِسَرِقَة الْمحل أَو غصبه أَو(1/269)
نهبه بِحَيْثُ يقطع بِأَن ذَلِك لَيْسَ من فعل الْمُرْتَهن كسرقة حوانيت أَو فناديق فأس أَو نَحْوهَا يجْرِي فِيهِ الْخلاف الْمَذْكُور، وَقد أفتى الْمَازرِيّ فِي نهب الْأَسْوَاق بِعَدَمِ الضَّمَان كَمَا فِي ضيح وَالنَّفس إِلَى مَا قَالَه الْبَاجِيّ والمازري أميل وَالله أعلم. تَنْبِيه: إِن جنى أَجْنَبِي على الرَّهْن وَأخذ الرَّاهِن قِيمَته أَو مثله فالمأخوذ رهن إِن لم يَأْتِ الرَّاهِن برهن ثِقَة، فَإِن عَفا الرَّاهِن عَن الْجَانِي نفى الدّين بِلَا رهن. وَإنْ يَكُنْ عِنْدَ أَمِينٍ وُقِفَا فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ مَهْمَا تَلِفَا (وَإِن يكن عِنْد أَمِين) يتَعَلَّق بقوله: (وَقفا فَلَا ضَمَان فِيهِ مهما تلفا) ظَاهره كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك. وَمن دَعَا من المتراهنين إِلَى وَضعه عِنْد الْأمين أُجِيب لِأَن الرَّاهِن يَقُول: لَا أرْضى بأمانتك وَالْمُرْتَهن يَقُول: لَا أضمنه إِن كَانَ مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ، وَلَا أتكلف مشقة حفظه إِن كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ، وَهَذَا إِذا لم يشْتَرط وَضعه عِنْد الْمُرْتَهن أَو الْأمين فِي العقد، وإلاَّ فَيعْمل بِالشّرطِ وَالْعَادَة لَيست كالشرط هَهُنَا خلافًا للخمي (خَ) : وَالْقَوْل لطَالب تحويزه لأمين، وَفِي تَعْيِينه نظر الْحَاكِم، وَإِن أسلمه إِلَى الْأمين دون إذنهما أَو دون إِذن أَحدهمَا بِأَن أسلمه للْمُرْتَهن صَحَّ أَو الرَّاهِن ضمنه إِن تلف انْظُر شرح الشَّامِل. وَالْحَوْزُ مِنْ تَمَامِهِ وَإنْ حَصَلْ وَلَوْ مُعَاراً عِنْدَ رَاهِنٍ بَطَلْ (والحوز) مُبْتَدأ خَبره (من تَمَامه) فَإِن شهِدت بَيِّنَة بالحيازة وفراغ الرَّهْن من شواغل الرَّاهِن وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَن الرَّهْن لم يزل بِالدَّار إِلَى حِين التَّفْلِيس وَنَحْوه، وَزعم الْمُرْتَهن بِأَنَّهُ لَا علم لَهُ بِرُجُوع الرَّاهِن بَطل الْحَوْز انْظُر الْبُرْزُليّ فِي الْمديَان، وَتقدم شَيْء من ذَلِك عِنْد قَوْله: وَقدم التَّارِيخ الخ. وَظَاهر النّظم أَن الْحَوْز شَرط فِي صِحَة الرَّهْن وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ شَرط فِي الِاخْتِصَاص بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيقدر فِي الْكَلَام حذف أَي من تَمام اخْتِصَاصه بِهِ لِأَن الرَّهْن صَحِيح حيّز أم لَا. كَمَا مر أول الْبَاب إِلَّا أَنه لَا يخْتَص بِهِ إِلَّا بالحوز قبل حُصُول الْمَانِع من موت أَو فلس أَو نَحْوهمَا. ابْن عَرَفَة: فَقَبضهُ شَرط خاصية وَهِي اخْتِصَاص الْمُرْتَهن بِهِ، ثمَّ قَالَ عَن الْمَازرِيّ: وَصفَة قَبضه بِنَقْل التَّصَرُّف فِيهِ عَن راهنه لمرتهنه بِمَا ينْقل عَنهُ بجعله تَحت يَده، وَمَا لَا كالربع يصرف التَّصَرُّف فِيهِ عَن راهنه اه. وَظَاهر النّظم أَنه يبطل بِعَدَمِ الْحَوْز وَلَو جدَّ فِي طلبه(1/270)
وَهُوَ كَذَلِك بِخِلَاف الْهِبَة، وَظَاهره أَيْضا مُجَرّد شَهَادَة الْبَيِّنَة بِكَوْنِهِ بِيَدِهِ قبل الْمَانِع كَاف فِي الِاخْتِصَاص بِهِ سَوَاء عَايَنت تَسْلِيمه من يَد الرَّاهِن وَهُوَ التحويز، أَو لم تعاين ذَلِك، وَإِنَّمَا رَأَيْته بِيَدِهِ قبل الْمَانِع وهما قَولَانِ. حَكَاهُمَا ابْن يُونُس وَغَيره كَمَا فِي ضيح، وَقيل لَا بُد من التحويز وَقيل يَكْفِي الْحَوْز، بل ظَاهر النّظم يَشْمَل حَتَّى وجوده بِيَدِهِ بعد الْمَانِع وَادّعى أَنه حازه قبله وَلم تشهد لَهُ بذلك بَيِّنَة إِذْ الْحَوْز وضع الْيَد على الشَّيْء المحوز، وَذَلِكَ صَادِق بالأوجه الثَّلَاثَة وبصحته فِي الْوَجْه الْأَخير. قَالَ مطرف وَأصبغ: وَالْمُعْتَمد خِلَافه (خَ) وَدَعوى الْحَوْز بعد مانعه لَا تفِيد الخ. وَمَا فِي ابْن نَاجِي فِي شرح الْمُدَوَّنَة فِي بَاب الْهِبَة عَن ابْن عَاتٍ من أَن الْعَمَل عَلَيْهِ أَي على قَول أصبغ ومطرف فِيهِ نظر. لِأَن ابْن عَاتٍ إِنَّمَا ينْقل عَن الِاسْتِغْنَاء الْعَمَل الْمَذْكُور فِي الْوَجْه الثَّانِي، وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيّ كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَهل تَكْفِي بَيِّنَة على الْحَوْز قبله، وَبِه الْعَمَل أَو التحويز وفيهَا دليلهما وَبِه شَرحه (خَ) و (ق) وَغَيرهمَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَجْه الْأَخير لَا يحمل عَلَيْهِ النّظم لعدم الْقَائِل بترجيحه أَو جَرَيَان الْعَمَل بِهِ، وَالْمَشْهُور من الْأَوَّلين اشْتِرَاط التحويز فِي الرَّهْن بِخِلَاف الْهِبَة، وَالْفرق بَقَاء ملك الرَّاهِن فِي الرَّهْن دونهَا قَالَه ابْن عَرَفَة فِي بَاب الْهِبَة والقلشاني وَغَيرهمَا. ابْن نَاجِي: وباشتراطه الْعَمَل عندنَا الرصاع وَهُوَ الصَّحِيح. قلت: اشْتِرَاط التحويز الَّذِي هُوَ كَون الْحِيَازَة بِإِذن الرَّاهِن كَمَا فِي القلشاني وَغَيره لَا بُد أَن يكون مَا تعاينه تحويز أَي بِإِذن الْمَالِك إِن كَانَ ذَلِك الِاشْتِرَاط لأجل أَنه لَو لم يَأْذَن لم يجز لقُوَّة يَده بِبَقَاء ملكه فَوَاضِح وَإِن كَانَ يقْضِي عَلَيْهِ وَيُمكن الْمُرْتَهن من الْحِيَازَة إِن اسْتمرّ على الِامْتِنَاع حَيْثُ كَانَ الرَّهْن معينا وَإِن كَانَ غير معِين خير البَائِع فِي فسخ الْعُقُود كَمَا هُوَ الْمَنْصُوص فِيهِ. فَأَي فَائِدَة لاشتراطه إِذْ الْمُرْتَهن لَو حازه بِغَيْر إِذْنه لَكَانَ كمن فعل فعلا لَو رفع للْحَاكِم لم يفعل غَيره، وَلذَا لم يشْتَرط فِي الْمُدَوَّنَة والرسالة وَغَيرهمَا من كتب الأقدمين إِلَّا مُعَاينَة الْحِيَازَة احْتِرَازًا من الْإِقْرَار بهَا كَمَا عَلَيْهِ جمع من شرَّاح الرسَالَة كَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب والفاكهاني وَغَيرهمَا، وَاقْتصر عَلَيْهِ الفشتالي فِي وثائقه، وَلذَا قَالَ ابْن نَاجِي: ظَاهر الْمُدَوَّنَة عدم اشْتِرَاطه. قلت: وَهُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى: فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 283) وَقَالَ الْمَازرِيّ: أَي مَشْرُوطَة الْقَبْض بِالْقَصْدِ إِخْرَاج لِلْآيَةِ عَن ظَاهرهَا بعيد من لَفظهَا، وَإِنَّمَا يظْهر القَوْل بالتحويز على قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ الْقَائِلين إِن الرَّهْن لَا يلْزم بالْقَوْل، بل بِالْقَبْضِ فَإِذا رَهنه رهنا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سلم إِلَيْهِ الرَّهْن، فَحِينَئِذٍ يكون لَازِما وَإِن شَاءَ لَا يُسلمهُ فَلَا يكون رهنا وَلَا يلْزمه تَسْلِيمه وَبِالْجُمْلَةِ فاشتراطه مَعَ الْقَضَاء بِهِ عِنْد الِامْتِنَاع مُشكل إِذْ إِذْنه بِالْقضَاءِ كَالْعدمِ لِأَنَّهُ مقهور وَيلْزم عَلَيْهِ التحكم لِأَن التَّعْلِيل بِبَقَاء الْملك يُوجب أَن لَا يجْبر، وَلذَا اسْتدلَّ ابْن عَرَفَة على عدم اشْتِرَاطه بِكَوْن الْوَاهِب يقْضى عَلَيْهِ بالحيازة فَانْظُرْهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لنا فِي اشْتِرَاطه إِلَّا مُجَرّد التَّقْلِيد، وَظَاهر اشْتِرَاطه أَنه لَا يَكْفِي تحويز الْأَجْنَبِيّ للْمُرْتَهن بِغَيْر إِذْنه، وَقد نَص فِي الْمُدَوَّنَة على أَن الْهِبَة لَا تصح بحوز الْأَجْنَبِيّ بِغَيْر إِذن الْمَوْهُوب لَهُ، وَالرَّهْن أَشد مِنْهَا فَقَوله: والحوز على حذف مُضَاف وَصفَة أَي: ومعاينة الْحَوْز المستمر يدل على الصّفة قَوْله: (وَإِن حصل) شَرط وضميره للرَّهْن (وَلَو معاراً) خبر كَانَ المحذوفة مَعَ اسْمهَا بعد لَو وَجَوَاب لَو مَحْذُوف لدلَالَة إِن عَلَيْهِ لِأَنَّهُ(1/271)
مُؤخر من تَقْدِيم (عِنْد رَاهن) يتَعَلَّق بحصل (بَطل) جَوَاب إِن أَي إِن الرَّهْن إِذا حصل عِنْد الرَّاهِن، وَمن فِي حكمه مِمَّن للرَّاهِن تسلط عَلَيْهِ كمحجوره وَزَوجته ورقيقه وَلَو مَأْذُونا أَو ذَا شَائِبَة وَمثله صديقه الملاطف بِأَيّ وَجه من عَارِية أَو إِيدَاع أَو إِجَارَة بَطل اخْتِصَاص الْمُرْتَهن بِهِ حَيْثُ حصل الْمَانِع من موت أَو فلس أَو قيام الْغُرَمَاء وَهُوَ لَا زَالَ بيد من ذكر لِأَن هَؤُلَاءِ لَا يَصح توكيلهم على حيازته، وحصوله عِنْدهم على الْوَجْه الْمَذْكُور تَوْكِيل فِي الْحَقِيقَة. أَلا ترى أَن الْإِيدَاع تَوْكِيل لحفظ مَال وَعقد الْإِجَارَة وَالْعَارِية للمحجور كعقدهما للحاجر يحولان يَده وَالزَّوْجَة كالمحجور، وَكَذَا الملاطف على الْمُعْتَمد فيهمَا من أَنه لَا يَصح توكيلهما على حوزه بِخِلَاف من لَا تسلط للرَّاهِن عَلَيْهِ كمكاتبه وَولده الرشيد الْبَائِن عَنهُ وأخيه (خَ) : وَصَحَّ بتوكيل مكَاتب الرَّاهِن فِي حوزه وَكَذَا أَخُوهُ على الْأَصَح لَا مَحْجُوره ورقيقه الخ. وَظَاهره عدم كِفَايَة حوز الْمَحْجُور وَلَو بَائِنا عَنهُ. وَقَالَ ابْن رشد: وَالْقِيَاس اسْتِوَاء الْوَلَد الصَّغِير وَالْكَبِير فِي صِحَة حيازتهما إِن كَانَا بائنين عَنهُ كاستوائهما فِي لَغْو حيازتهما إِن كَانَا ساكنين مَعَه، وَكَذَا الزَّوْجَة وَالْأَخ إِن كَانَا بائنين عَنهُ، وَنَصّ عَلَيْهِ ابْن الْمَاجشون فِي الزَّوْجَة وَكَذَا إِن كَانَا ساكنين مَعَه وحازا الرَّهْن فِي غير مَوضِع سكناهما اه بِنَقْل ابْن عَرَفَة وَمثله فِي النِّهَايَة فَالضَّمِير فِي بَطل يرجع للرَّهْن على حذف مُضَاف أَي: وَإِن حصل الرَّهْن عِنْد رَاهن أَي وَمن فِي حكمه لِأَن حُصُوله بيد فِي حكمه كحصوله بِيَدِهِ بَطل اخْتِصَاصه بالمرتهن لَا أَنه يبطل من أَصله بِدَلِيل أَنه إِن قَامَ لأَخذه مِمَّن ذكر قبل فَوته بتحبيس أَو عتق أَو رهن أَو بيع أَو قيام الْمَانِع كَانَ لَهُ ذَلِك، وَفهم مِنْهُ أَنه إِن حصل عِنْد غير الرَّاهِن وَمن فِي حكمه بِشَيْء مِمَّا ذكر فأكراه الْغَيْر للرَّاهِن أَو أَعَارَهُ إِيَّاه أَو أودعهُ إِيَّاه فَإِن الرَّهْن لَا يبطل، وَهُوَ كَذَلِك حَيْثُ لم يتهم ذَلِك الْغَيْر على أَنه اكتراه أَو أَعَارَهُ ليكريه أَو يعيره للرَّاهِن. قَالَ فِي التَّبْصِرَة: وَلَا يكْرِي الْمُرْتَهن الرَّهْن من قريب الرَّاهِن وَلَا لأحد من سَببه وَلَا لصديقه الملاطف وَلَا لأحد يتَوَهَّم أَن يكون اكترى ذَلِك للرَّاهِن، فَإِن أكراه لوَاحِد من هَؤُلَاءِ ثمَّ أكراه للرَّاهِن خرج الرَّهْن من الرهنية للتُّهمَةِ الدَّاخِلَة فِيهِ من إِجَازَته مِمَّن يتهم عَلَيْهِ اه. وَنَحْوه فِي النِّهَايَة قَالَ فِيهَا: وَلَا يَنْبَغِي أَي للْمُرْتَهن أَن يكريه من الرَّاهِن وَلَا لأحد يكون من سَببه بصداقة أَو قرَابَة لِئَلَّا يكْرِي الْمُكْتَرِي ذَلِك من ربه فَيخرج الرَّهْن من يَد مرتهنه للتُّهمَةِ الدَّاخِلَة فِي الرَّهْن، وَإِذا أكراه الْمُرْتَهن لأَجْنَبِيّ لَيْسَ بِذِي قرَابَة وَلَا صداقة فاكتراه الرَّاهِن من الْأَجْنَبِيّ لم يضر ذَلِك الْمُرْتَهن وَلم يوهن رَهنه اه. ففهم من هَذَا النَّص أَنه لَا خُصُوصِيَّة للكراء بِهَذَا الحكم، بل الْمدَار على التُّهْمَة وَهِي فِيمَا لَا عوض فِيهِ كالعارية وقبوله بالإيداع أقوى، وَأَنه(1/272)
حَيْثُ وجدت التُّهْمَة يبطل حَيْثُ أكراه للرَّاهِن كَانَ قَرِيبا أَو أَجْنَبِيّا بِدَلِيل قَوْله: وَلَا لأحد يتهم الخ. لِأَن الْعَطف يَقْتَضِي الْمُغَايرَة. وَقَوله: من هَؤُلَاءِ يَعْنِي من الْقَرِيب والملاطف وَالْأَجْنَبِيّ الْمُتَّهم فَإِن كَانَ الْأَجْنَبِيّ غير مُتَّهم فأكراه للرَّاهِن فَلَا بطلَان، وَبِه الْعَمَل قَالَه (ح) . قلت: مَا بِهِ الْعَمَل هُوَ الْمُعْتَمد. قَالَ ابْن عَرَفَة عَن ابْن الْقَاسِم: من ارْتهن دَارا ثمَّ أكراها بِإِذن رَبهَا من رجل، ثمَّ أكراها الرجل من راهنها، إِن كَانَ الرجل من سَبَب الرَّاهِن لزم الْكِرَاء وَبَطل الرَّهْن مَا دَامَت الدَّار بيد راهنها، وَإِن كَانَ أَجْنَبِيّا عَنهُ فَذَلِك جَائِز. ابْن رشد: هَذَا إِن علم أَنه من سَببه وَإِلَّا فَقَوْلَانِ مخرجان على الْقَوْلَيْنِ فِي حنث من حلف لَا بَاعَ من فلَان فَبَاعَ مِمَّن اشْترى لَهُ وَهُوَ من سَببه اه. قَالَ: وَإِنَّمَا صَحَّ الرَّهْن فِي الْأَجْنَبِيّ لِأَن الْمُرْتَهن حِينَئِذٍ مغلوب اه. قلت: وَهُوَ يدل على أَنه لَا بُد أَن يعلم بملاطفته للرَّاهِن أَو بِكَوْنِهِ مُتَّهمًا بِهِ فِيمَا مر عَن التَّبْصِرَة وإلاَّ جرى الْقَوْلَانِ. وَكَذَا يدل أَيْضا على أَنه لَا بُد أَن يعلم بِكَوْنِهِ مَحْجُورا فِي مَسْأَلَة تَوْكِيله أَو الْكِرَاء لَهُ فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَقَوله فِي النَّص: بِإِذن رَبهَا لَا مَفْهُوم لَهُ وَلَعَلَّه إِنَّمَا قَيده بِهِ لِأَن الْغلَّة للرَّاهِن، وَقد نَص أَبُو الْحسن عَن ابْن الْمَوَّاز على أَن الْمُرْتَهن لَا يكْرِي الرَّهْن إِلَّا بِإِذن الرَّاهِن إِلَّا أَن يكون على ذَلِك ارتهنه أَو يشْتَرط أَن كراءه رهن مَعَ رقبته. الْبُرْزُليّ: وَبِه الحكم. وروى ابْن عبد الحكم أَن لَهُ أَن يكريه دون إِذن ربه. أَبُو الْحسن: لِأَن الرَّاهِن لما كَانَ مَمْنُوعًا من التَّصَرُّف فِيهِ فَكَأَنَّهُ أذن للْمُرْتَهن فِي ذَلِك اه. وَقد علمت مِمَّا مر أول التَّقْرِير أَن الملاطف يبطل الرَّهْن بحصوله عِنْده، وَلَو لم يكره للرَّاهِن فَمَا فِي التَّبْصِرَة لَعَلَّه مَبْنِيّ على القَوْل الْمُقَابل فِيهِ وَهُوَ أَنه يَصح تَوْكِيله وَلَا يبطل بحصوله عِنْده، بل حَتَّى يكريه للرَّاهِن ثمَّ مَا قبل الْمُبَالغَة فِي النّظم يَشْمَل الْإِجَارَة والوديعة وَلَا يَشْمَل الْغَصْب لِأَنَّهُ لَا يبطل الرَّهْن، وَلَو فَاتَ بِعِتْق وَنَحْوه أَو قَامَ الْغُرَمَاء (خَ) : وغصب فَلهُ أَخذه مُطلقًا وَمَا تقدم من أَن للْمُرْتَهن أَخذه إِن قَامَ قبل الْفَوْت وَالْمَانِع(1/273)
مَحَله فِي الْإِجَارَة إِن انْقَضتْ مدَّتهَا أَو لم تنقض وَقَالَ: جهلت أَن ذَلِك نقض لرهني وَمثله مِمَّن يجهل وَحلف، فَحِينَئِذٍ يَأْخُذهُ إِن لم تقم الْغُرَمَاء كَمَا للخمي وإلاَّ فَلَا يَأْخُذهُ. وَفِي الْعَارِية إِن انْقَضى أجلهَا الْمَحْدُود بِزَمن كجمعة أَو عمل كإذا فرغت من حَاجَتك أَي وَلم تقم الْغُرَمَاء قبل الْأَجَل وَلَا عِنْده وإلاَّ فَهُوَ إسوتهم، وَالظَّاهِر أَنه إِن قَالَ: جهلت أَن ذَلِك نقض لرهني يجْرِي هُنَا أَيْضا. قلت: وَهَذَا الَّذِي ذكره اللَّخْمِيّ من أَنه يَأْخُذ إِن قَالَ: جهلت الخ. نَحوه لِابْنِ زرب فِيمَن وهب دَارا فأعمر فِيهَا واهبها مُدَّة حَيَاته، ثمَّ أَرَادَ الْعُمْرَى خوف بطلَان هِبته قَالَ: فَلهُ ردهَا إِن كَانَ مِمَّن يرى أَنه يجهل بطلَان هِبته وإلاَّ فَلَا. قَالَ ابْن عَرَفَة عقبه: وإبطاله الْعُمْرَى مَعَ الْجَهْل فِيهِ نظر وإلاَّ ظهر نَزعهَا من يَد الْوَاهِب وإكراؤها من غَيره لإتمام الْحَوْز كقولها فِي مُدبر الذِّمِّيّ يسلم أَنه ينْزع من يَده ويؤاجر عَلَيْهِ وَكَذَا أم وَلَده اه فَانْظُرْهُ. وَأما إِن لم تؤجل بِوَاحِد مِنْهَا بَطل الرَّهْن من أَصله (خَ) وَبَطل بعارية أطلقت وعَلى الرَّد اخْتِيَارا لَهُ أَخذه الخ. فَإِن قلت: كَيفَ تتَصَوَّر الْإِجَارَة وَالْغلَّة إِنَّمَا هِيَ للرَّاهِن؟ قيل: يحمل ذَلِك على مَا إِذا كَانَ الْمُرْتَهن اكتراه ثمَّ أكراه للرَّاهِن أَو على مَا إِذا اشْترط الْمُرْتَهن منفعَته كَمَا يَأْتِي وَكَذَا الْعَارِية. تَنْبِيهَات. الأول: مَفْهُوم قَوْله: وَإِن حصل أَنه إِذا لم يحصل لم يبطل الرَّهْن، وَلَو أذن الْمُرْتَهن للرَّاهِن فِي السُّكْنَى والاعتمار فَلم يفعل وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يبطل بِمُجَرَّد إِذْنه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. الْبُرْزُليّ وَغَيره: وَبِه الحكم وَعَلِيهِ عول (خَ) حَيْثُ قَالَ: وبإذنه فِي وَطْء أَو إسكان الخ. فمفهوم المُصَنّف فِيهِ تَفْصِيل، وَإِذا بَطل الرَّهْن بِمُجَرَّد الْإِذْن بَقِي دينه بِلَا رهن وَلَيْسَ لَهُ أَخذه إِذا رَجَعَ عَن إِذْنه وَلَو قبل حُصُول الْمَانِع لِأَن عقد الرَّهْن كَمَا يلْزم بالْقَوْل يسْقط بِهِ. قَالَ الْمَازرِيّ: وَظَاهر رهون الْمُدَوَّنَة أَنه لَا يبطل بِمُجَرَّد الْإِذْن بل حَتَّى يُسلمهُ للرَّاهِن. الْبُرْزُليّ: وَهُوَ أحسن إِن شَاءَ الله. الثَّانِي: إِذا كَانَ الرَّهْن يحْتَاج لموْضِع يوضع فِيهِ فَهَل كِرَاء الْموضع على ربه أَو على الْمُرْتَهن؟ قَالَ بعض الشُّيُوخ: فَأَما الْكثير من الطَّعَام وَالْمَتَاع وَالْعدَد من العبيد فالكراء فِي ذَلِك على الرَّاهِن كَمَا قَالَه مَالك فِي الْعُتْبِيَّة: وَأما مثل الرَّأْس من العبيد وَشبهه كَالثَّوْبِ وَنَحْوه مِمَّا يحوزه الرجل فِي منزله فَقَالَ مَالك: لَا كِرَاء فِيهِ وَهُوَ معَارض لقَوْل ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة على الْأَب للحاضنة السُّكْنَى مَعَ النَّفَقَة وموافق لقَوْله فِي الدمياطية: لَا سُكْنى لَهَا فَالْخِلَاف فِي ذَلِك جَار على الْخلاف فِي الحاضنة فَيجب على هَذَا أَن ينظر فَإِن كَانَ الْمُرْتَهن اشْترط كَون العَبْد بِيَدِهِ فحازه فِي بَيته لَا يكون لَهُ كِرَاء، وَإِن كَانَ الرَّاهِن دَفعه لَهُ بطوعه كَانَ لَهُ الْكِرَاء قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة. قَالَ فِيهَا أَيْضا: وَإِذا عطل الْمُرْتَهن الرَّهْن وَلم يكره حَتَّى حل الْأَجَل فَقَالَ أصبغ: لَا شَيْء عَلَيْهِ. قَالَ فضل: وَهُوَ أصل ابْن الْقَاسِم. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: يضمن كِرَاء الْمثل من يَوْم الارتهان مَا لم يكن الرَّاهِن عَالما بذلك وَلم يُنكر، وَكَذَا الْوَكِيل على الْكِرَاء يتْرك ذَلِك لَا غرم على قَول أصبغ كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَانْظُر مَا يَأْتِي فِي الْحَبْس إِذا فرط النَّاظر فِي إكرائه وَمَا مر عَن الْمُتَيْطِيَّة من أَن قَول أصبغ هُوَ أصل ابْن الْقَاسِم مُخَالف لما فِي ابْن رَاشد أَن قَول ابْن الْمَاجشون هُوَ أصل ابْن الْقَاسِم قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح. وَنَقله فِي ضيح مسْقطًا قَوْله وَهُوَ الْأَصَح، وَنَحْو مَا لِابْنِ رَاشد فِي شرح(1/274)
اليزناسني عِنْد قَول النَّاظِم: وَجَاز فِي الرَّهْن اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة الخ. ثمَّ وقفت على أبي الْحسن فِي بَاب الْغَصْب قَالَ: يقوم من قَول ابْن الْقَاسِم بِأَن الْغَاصِب لَا يضمن مَا عطل من كِرَاء الدَّار أَن من وكل على ربع فَتَركه وَلم يكره لَا شَيْء عَلَيْهِ كالمرتهن إِذا ترك إِجَارَة الرَّهْن، وَيقوم من قَول ابْن الْمَاجشون فضمان مَا عطله الْغَاصِب أَن الْوَكِيل يضمن. ابْن نَاجِي: وَذكرت هَذِه الْإِقَامَة فِي درس ابْن عَرَفَة فَلم يرتض ذَلِك مفرقاً بِأَن الْوَكِيل كالمكتري وَالْمُسْتَعِير فَيلْزمهُ أَن الْوَكِيل لَهُ الْإِذْن بِخِلَاف الْغَاصِب، وَأما شَيخنَا أَبُو مهْدي فَسلم ذَلِك وَأقَام مِنْهَا مَسْأَلَة أُخْرَى وَهُوَ أَنه يلْزم الْوَصِيّ الْغرم إِذا بور ربع الْيَتِيم وَقد وجد من يكريه، وَقد نَص ابْن سهل على عدم الْغرم اه. وَبِه تعلم أَن مَا قَالَه المتيطي من أَن أصل ابْن الْقَاسِم مُوَافق لأصبغ هُوَ الصَّوَاب وَتَأمل عدم تَسْلِيم ابْن عَرَفَة للإقامة الْمَذْكُورَة مَعَ أَنه درج عَلَيْهَا فِي بَاب الرَّهْن كَمَا تقدم عَنهُ قَرِيبا وَإِقَامَة أبي مهْدي جَارِيَة على قَول ابْن الْمَاجشون، وَنَصّ ابْن سهل جَار على قَول ابْن الْقَاسِم. الثَّالِث: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة أَيْضا: وَإِذا كَانَ فِي الدَّار بيتان فسكن رَبهَا وَاحِدًا وَرهن الثَّانِي وَمَا يَلِيهِ من الدَّار فأكراه الْمُرْتَهن أَو أغلقه فَذَلِك رهن مَقْبُوض إِذا حد لَهُ نصف الدَّار، وَإِن سمي النّصْف يُرِيد مَعَ تَسْمِيَة الْبَيْت وَلم يحده كَانَ أَيْضا حوزاً. قَالَ بَعضهم: وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة. وَقَالَ أصبغ: وَاسْتَحْسنهُ فضل اه. فيفهم مِنْهُ أَنه إِذا لم يحد لَهُ النّصْف وَلَا سمى لَهُ الْبَيْت بَطل الْحَوْز وَعَلِيهِ فَمَا يَقع كثيرا فِي هَذَا الأوان من رهن بعض الْبيُوت من غير تَحْدِيد وَلَا تَسْمِيَة بَاطِل وَلَا مَفْهُوم لِلنِّصْفِ بل الرّبع الْمَحْدُود وَنَحْوه كَذَلِك وَالله أعلم. وَالْعَقْدُ فِيه لِمُسَاقَاةٍ وَمَا أَشْبَهَهَا حَوْزٌ وَإنْ تَقَدَّمَا (وَالْعقد) مُبْتَدأ (فِيهِ) أَي فِي الرَّهْن يتَعَلَّق بالمبتدأ وَكَذَا قَوْله: (لمساقاة وَمَا أشبههَا) مِمَّا فِيهِ مُعَاوضَة كإجارة وكراء لَا نَحْو إِعَارَة أَو إرفاق لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان فَإِن وَقعا وَحَازَ بهما فَالظَّاهِر أَن ذَلِك حوز وَيرد الْمَنَافِع، وَهَذَا إِن تأخرا عَن الرَّهْن لَا إِن تقدما فَيجوز، وَكَذَا الْوَدِيعَة تجوز مُطلقًا فَإِن كَانَ الشَّيْء وَدِيعَة عِنْد شخص فَيجوز رَهنه لآخر بِشَرْط أَن يرْهن جَمِيعه وَأَن يعلم بذلك الْمُودع فيحوزها للْمُرْتَهن، وَيجوز أَن تكون مَا مَوْصُولَة أَو مَصْدَرِيَّة وعَلى كل حَال معطوفة على مُسَاقَاة (حوز) خبر الْمُبْتَدَأ وَالْوَاو فِي قَوْله: (وَإِن تقدما) وَاو النكاية وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ أَي هَذَا إِن تَأَخَّرت الْمُسَاقَاة وَشبههَا عَن الرهنية، بل وَإِن تقدما. وَظَاهره أَن العقد فِيهِ بِمَا ذكر حوز سَوَاء كَانَ الْعَاقِد هُوَ الرَّاهِن أَو الْأمين الْمَوْضُوع عِنْده الرَّهْن وَهُوَ كَذَلِك. ابْن الْقَاسِم: من رهن حَائِطه فَوَضعه عِنْد أَمِين فعقد الْأمين فِيهِ الْمُسَاقَاة لرب الدّين جَازَ وَنَقله ابْن عَرَفَة وَغَيره، وَإِذا جَازَت مُسَاقَاة الْأمين للْمُرْتَهن مَعَ أَنه نَائِب عَن الرَّاهِن فَكيف بجوازها من(1/275)
الرَّاهِن للْمُرْتَهن فَلَا معنى لتوقف (م) ، على أَن ابْن سَلمُون قد صرح بذلك وَأَصله لِابْنِ عَاتٍ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، لَكِن لَا بُد أَن يساقيه أَو يكريه بِغَيْر مُسَامَحَة وَإِلَّا جرى على مبايعة الْمديَان وَإِنَّمَا نَص النَّاظِم على هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَت دَاخِلَة تَحت الْبَيْت قبله إِذْ العقد بِمَا ذكر غير كَاف بِمُجَرَّدِهِ، بل لَا بُد من الْحِيَازَة بِالْفِعْلِ للرَّدّ على قَول مَالك فِي الْمُوازِية أَن من ارْتهن مَا فِي يَده بمساقاة أَو كِرَاء قبل فرَاغ أَجله لَا يكون محوزاً للرَّهْن لِأَنَّهُ محوز قبل ذَلِك بِوَجْه آخر، وَلذَا بَالغ عَلَيْهِ النَّاظِم وَاقْتصر عَلَيْهِ (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَالْمُسْتَأْجر والمساقي وحوزهما الأول كَاف لِأَن هَذِه الصُّورَة هِيَ مَحل الْخلاف فَهِيَ الْمَقْصُودَة بالتنصيص، وأشعر قَوْله حوز أَي حوز الْمُرْتَهن لِأَن الْكَلَام فِي حوزه أَنه إِن عقد مَا ذكر لغيره وَغير نَائِبه لَا يخْتَص بِهِ لِأَن هَذَا الْغَيْر حائز لحق نَفسه، وَسَوَاء تقدم عقد الرَّهْن على الْمُسَاقَاة وَنَحْوهَا أَو تَأَخّر بِدَلِيل التَّعْلِيل الْمَذْكُور. نعم نَص فِي الْمُوازِية على أَن الْمُرْتَهن إِذا جعل مَعَ ذَلِك الْغَيْر رجلا يحوز لَهُ أَو جعلا الرَّهْن تَحت يَد من يرضيانه صَحَّ، وَيفهم مِنْهُ أَنه لَا تصح حِيَازَة ذَلِك الْغَيْر وَلَو بتوكيل الْمُرْتَهن وَهُوَ كَذَلِك. قَالَ مَالك: جعله بيد المساقي أَو أجِير لَهُ يبطل رَهنه، ثمَّ اعْلَم أَنه يشْتَرط فِي الْمَرْهُون فِيهِ أَن يكون دينا فِي الذِّمَّة لَازِما أَو آيلاً للُزُوم فَتخرج الْأَمَانَة كالقراض والمعينات ومنافعها، فَلَا يَصح الرَّهْن فِي الْعَارِية وَلَا فِي مَنَافِع دَابَّة مُعينَة وَإِن وَقع فَهُوَ فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاء، وَمَا ورد من أَنه يَصح فِي الْعَارِية فَمَعْنَاه أَنه فِي قيمتهَا إِن هَلَكت كَمَا مرّ. وَدخل بالآيل للُزُوم الْجعل وَالْإِجَارَة وَنَحْوهمَا فَيجوز أَن تجاعله على طلب الْآبِق وتدفع لَهُ قبل الْعَمَل رهنا فِيمَا يجب لَهُ من الْجعل إِن تمّ الْعَمَل، وَلَيْسَ لَك أَن تَأْخُذ مِنْهُ رهنا فِي الْعَمَل لِأَنَّهُ لَيْسَ لَازِما وَلَا آيلاً إِلَيْهِ إِذْ لَا يلْزمه وَلَو بعد الشُّرُوع وَبِهَذَا تعلم مَا فِي كَلَام الغرناطي الْمُتَقَدّم، وَكَذَا يجوز أَن تدفع رهنا الْآن فِيمَا تقترضه فِي الْمُسْتَقْبل لِأَنَّهُ يؤول للُزُوم (خَ) : وارتهن أَن اقْترض أَو بَاعَ أَو يعْمل لَهُ، وَإِن فِي جعل لَا فِي معيّن أَو مَنْفَعَة وَنجم كِتَابَة من أَجْنَبِي الخ. وَأما شَرط الْمَرْهُون فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بقوله: وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرْتَهَنُ مِمَّا بِهِ اسْتِيفَاءُ حَقَ يُمْكِنُ (وَالشّرط) مُبْتَدأ وأل فِيهِ عوض عَن الضَّمِير أَي وَشَرطه أَي شَرط صِحَة عقده، وَيجوز أَن يكون على حذف الْمُتَعَلّق أَي وَالشّرط فِيهِ أَي فِي صِحَة العقد عَلَيْهِ (أَن يكون مَا) مَوْصُول اسْم يكون (يرتهن) بِضَم الْيَاء وَفتح الْهَاء ونائبه يعود على الْمَوْصُول (مِمَّا) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر يكون(1/276)
(بِهِ) يتَعَلَّق بالمبتدأ الَّذِي هُوَ (اسْتِيفَاء حق) وَالْبَاء بِمَعْنى من وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله: (يُمكن) بِضَم الْيَاء خبر عَن اسْتِيفَاء وَهُوَ أظهر، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول الثَّانِي، وَالْجُمْلَة من كَانَ وَاسْمهَا خبر الأول أَي شَرط صِحَة الرَّهْن أَن يكون الْمَرْهُون مِمَّا يُمكن اسْتِيفَاء الْحق مِنْهُ أَو من ثمنه أَو من ثمن مَنَافِعه قَالَه ابْن شَاس وَغَيره، فَالْأول كالدراهم وَالدَّنَانِير المطبوع عَلَيْهَا، وَالثَّانِي كالعروض وَالْحَيَوَان وَالْعَقار وَلَو فِي بعض الْأَوْقَات ليدْخل الْآبِق وَنَحْوه، وَالثَّالِث كالمدبر أَي ويستوفي الدّين من خراجه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَلَا سَبِيل إِلَى بيع الْمُدبر قبل موت السَّيِّد فِي الدّين الْمُتَأَخر عَن التَّدْبِير حَيْثُ لم تف غَلَّته بِهِ بِخِلَاف السَّابِق عَلَيْهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيجوز رهن رقبته فِي الدّين الْمُتَأَخر على أَن تبَاع بعد الْمَوْت، وَفِي السَّابِق على أَن تبَاع مُطلقًا لبُطْلَان التَّدْبِير كَمَا قيل: وَيبْطل التَّدْبِير دين سبقا إِن سيد حَيّ وَإِلَّا مُطلقًا وَإِن رَهنه وَلم يشْتَرط شَيْئا فَالظَّاهِر الصِّحَّة، وَيحمل فِي الْمُتَأَخر على مَا بعد الْمَوْت وَفِي السَّابِق على الْإِطْلَاق، وَكَذَا يجوز رهن غلَّة الدَّار والغلام وتحاز بحوز الرَّقَبَة لِأَن قبض الْغلَّة إِنَّمَا يكون بِقَبض أُصُولهَا وَنَفَقَة الْغُلَام على الرَّاهِن، وَإِنَّمَا على الْمُرْتَهن مُجَرّد التَّوْلِيَة لِئَلَّا تجول يَد الرَّاهِن وتوضع تِلْكَ الْغلَّة عِنْد أَمِين أَو عِنْد الْمُرْتَهن ويطبع عَلَيْهَا إِن لم تعرف بِعَينهَا، ثمَّ لَا يكون للْمُرْتَهن من قيام الْغُرَمَاء إِلَّا الْغلَّة خَاصَّة، وَكَذَا يُقَال بِالْوَضْعِ فِي خراج الْمُدبر وَالله أعلم. فَلَو كَانَت الدَّار أَو العَبْد حبسا على الرَّاهِن جَازَ لَهُ رهن غلتهما لَا رقبتهما فَإِن وَقع وَرهن الرَّقَبَة وَظهر بعد الرهنية حبسهما، فَهَل ينْتَقل الرَّهْن لغلتهما؟ قَولَانِ. وَقد قَالَ ناظم الْعَمَل: وَرهن مَنْفَعَة حبس جَائِز مِمَّن لَهُ وَهُوَ لأصل حائز فَخَارِجٌ كالخَمْرِ باتِّفَاقِ وَدَاخِلٌ كَالْعَبْدِ ذِي الإِبَاقِ (فخارج) عَن الضَّابِط الْمَذْكُور مَا لَا يُمكن الِاسْتِيفَاء مِنْهُ شرعا (كَالْخمرِ) وَالْخِنْزِير وَظَاهره سَوَاء كَانَا لمُسلم ورهنهما عِنْد مُسلم أَو ذمِّي لذِمِّيّ ورهنهما عِنْد مُسلم فَيبْطل الرَّهْن (بِاتِّفَاق) وإراق الْحَاكِم الْخمر على مَالِكهَا الْمُسلم وَيبقى الدّين بِلَا رهن حَيْثُ وَقع العقد عَلَيْهَا بِعَينهَا فَإِن تخللت كَانَ الْمُرْتَهن أَحَق بهَا وَلَا تراق على مَالِكهَا الذِّمِّيّ، بل ترد إِلَيْهِ وَالْمُرْتَهن أُسْوَة الْغُرَمَاء فِيهَا وَلَو قبضهَا قبل الْمَانِع لعدم جَوَاز ذَلِك فِي الأَصْل كَمَا لأَشْهَب، وأدخلت الْكَاف جلد الْميتَة الَّذِي لم يدبغ اتِّفَاقًا أَو دبغ على الْمَشْهُور، وَكَذَا يدْخل جلد الْأُضْحِية والجنين على الْمَشْهُور وَالثَّمَرَة الَّتِي لم تخلف وَالزَّرْع الَّذِي لم يظْهر، وَنَحْو ذَلِك لِكَثْرَة الْغرَر فِي الْجَنِين وَمَا بعده على ظَاهر الْمُدَوَّنَة. وَقَالَ ابْن حَارِث: اتّفق ابْن الْقَاسِم وَابْن الْمَاجشون على جَوَاز ارتهان الثَّمَرَة الَّتِي لم تظهر وَمثلهَا الزَّرْع الَّذِي لم يظْهر. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَات اه. فالراجح فِي الزَّرْع وَالثَّمَرَة الْجَوَاز مُطلقًا قَالَه ابْن رحال فِي الشَّرْح. (وداخل) فِي الضَّابِط الْمُتَقَدّم (كَالْعَبْدِ فِي الآباق) لِأَنَّهُ يُمكن(1/277)
الِاسْتِيفَاء مِنْهُ فَيُبَاع إِذا قبض. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَيجوز رهن مَا لَا يجوز بَيْعه فِي وَقت وَيجوز بَيْعه فِي وَقت آخر وأدخلت الْكَاف الْبَعِير الشارد وَالثَّمَرَة الَّتِي لم يبد صَلَاحهَا بِهِ وَالَّتِي لم تظهر على مَا تقدم أَنه الرَّاجِح بِخِلَاف الْجَنِين فَلَا يجوز لقُوَّة الْغرَر فِيهِ بِاحْتِمَال وجوده وَعَدَمه والآبق مَوْجُود، وَمحل الْمَنْع فِيهِ إِن كَانَ رَهنه فِي صلب العقد وإلاَّجاز بِلَا خلاف، وَلَا يتم الْحَوْز فِي ذَلِك إِلَّا بِقَبض الْآبِق والشارد قبل الْمَانِع وَيقبض رَقَبَة النّخل وَالْأَرْض ويتولى الْمُرْتَهن أَو نَائِبه سقِِي النّخل وعلاج الزَّرْع وَأجر السَّقْي على الرَّاهِن كَمَا أَن عَلَيْهِ نَفَقَة العَبْد وَالْبَعِير الشارد، وَإِنَّمَا تولى الْمُرْتَهن ذَلِك لِئَلَّا تجول يَد الرَّاهِن، وَإِنَّمَا جَازَ الْغرَر فِي نَحْو الْآبِق لِأَن الْقَاعِدَة أَن كل مَا جَازَ بِغَيْر عوض جَازَ فِيهِ الْغرَر كَالطَّلَاقِ وَالْهِبَة وَالرَّهْن، فَإِذا لم يظفر بالآبق وَنَحْوه فَكَأَنَّهُ طلق بِغَيْر عوض أَو بَاعَ بِلَا رهن ابْتِدَاء وَذَلِكَ جَائِز، وأدخلت الْكَاف الدّين أَيْضا فَإِنَّهُ يجوز رَهنه سَوَاء كَانَ على الْمُرْتَهن أَو على غَيره، لَكِن إِن كَانَ على الْغَيْر فَلَا بدّ من قبض وَثِيقَة ليتم الْحَوْز وَإِن لم تكن وَثِيقَة اكْتفى بِالْإِشْهَادِ، وَلَا يشْتَرط إِقْرَار ذَلِك الْغَيْر بِالدّينِ وَلَا حُضُوره وَلَا كَونه مِمَّن تَأْخُذهُ الْأَحْكَام بِخِلَاف البيع فِي ذَلِك وَالْفرق أَن الْغرَر فِي الرَّهْن جَائِز كَمَا مرّ. تَنْبِيه: إِذا أدّى شخص خراجاً على ربع لِئَلَّا يَأْخُذهُ السُّلْطَان وربه غَائِب، فالمؤدي للخراج مقدم على الْغُرَمَاء إِذْ لَوْلَا الْخراج لأخذ الْغَاصِب الرباع كمن فدى مَتَاعه من أَيدي اللُّصُوص فَهُوَ أَحَق بِهِ. قَالَه التّونسِيّ وَغَيره انْظُر الْبُرْزُليّ. وَجَازَ فِي الرَّهْنِ اشْتِرَاطُ المَنْفَعَهْ إلاَّ فِي الأشْجَارِ فَكُلٌّ مَنَعَهْ (وَجَاز فِي الرَّهْن اشْتِرَاط المنفعه) فَاعل جَازَ وَفِي الرَّهْن يتَعَلَّق بِهِ (إِلَّا) حرف اسْتثِْنَاء والمستثنى مِنْهُ الْعُمُوم الَّذِي فِي أل الاستغراقية أَي جَازَ اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة فِي كل رهن إِلَّا اشْتِرَاطهَا (فِي) رهن (الْأَشْجَار فَكل) مُبْتَدأ سوغه الْعُمُوم وَجُمْلَة (مَنعه) خَبره بِخِلَاف الدَّار وَالْأَرْض وَنَحْوهمَا فَيجوز اشْتِرَاط منفعتهما مجَّانا إِذا ارتهنهما فِي ثمن سلْعَة بَاعهَا لَهُ إِلَى أجل مَعْلُوم وَذَلِكَ بيع وَإِجَارَة لِأَن بعض السّلْعَة فِي مُقَابلَة الثّمن وَهُوَ بيع وَبَعضهَا الآخر فِي مُقَابلَة الْمَنْفَعَة وَهُوَ إِجَارَة فتشترط شُرُوطهَا الَّتِي أَشَارَ لَهَا (خَ) : فِي قَوْله بِمَنْفَعَة تتقوم قدر على تَسْلِيمهَا بِلَا اسْتِيفَاء عين قصدا وَلَا حظر الخ. وَلذَا منعت فِي الْأَشْجَار وَلبن الْحَيَوَان لما فِيهَا من اسْتِيفَاء الْعين وَهُوَ(1/278)
الثَّمَرَة وَاللَّبن وَلَيْسَ إِجَارَة إِذْ هُوَ بيع ذَات لم تُوجد أَو لم يبد صَلَاحهَا إِلَّا أَن تكون الثَّمَرَة الَّتِي فِي شجر الدَّار أَو الأَرْض الْمَرْهُونَة تبعا كَمَا قَالَ (خَ) : واغتفر مَا فِي الأَرْض مَا لم يزدْ على الثُّلُث بالتقويم وكما يَأْتِي فِي بَاب الْكِرَاء عِنْد قَوْله: وَغير بَادِي الطّيب إِن قل اشْترط الخ. وَمِثَال الْحَظْر أَن ترهن عبدا كَافِرًا وتشترط منفعتك فِيهِ فِي كنس الْمَسَاجِد وَحمل الْمَصَاحِف وَمحل الْمَنْع فِي الْأَشْجَار إِذا ارتهنت وَحدهَا أَو مَعَ الأَرْض وَلم تكن تبعا، وَإِلَّا جَازَ اشْتِرَاطهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْكِرَاء وَمَا تقدم من جَوَاز اشْتِرَاطه مَنْفَعَة الأَرْض إِنَّمَا ذَاك إِذا كَانَت مَأْمُونَة الرّيّ أَو غير مَأْمُونَة بعد الرّيّ كعام وَاحِد، وَكَانَت مَرْهُونَة فِي ثمن غير الطَّعَام وَلَا أدّى لكراء الأَرْض بِالطَّعَامِ قَالَه أَبُو الْحسن. وَمحل الْجَوَاز الَّذِي فِي المُصَنّف إِن اشْترطت فِي عقد البيع مجَّانا كَمَا قَررنَا أَو لتحسب من الدّين على أَن مَا بَقِي مِنْهُ بعد الْأَجَل يعجل لَهُ لَا إِن كَانَ مَا بَقِي يَسْتَوْفِيه من الْمَنْفَعَة أَو يَأْخُذ فِيهِ شَيْئا مُؤَجّلا فَيمْتَنع للدّين بِالدّينِ، فَإِن كَانَ مَا بَقِي يتْرك للرَّاهِن لم يجز وَإِن لم يتعرضا لما بَقِي بتعجيل وَلَا غَيره امْتنع فِيمَا يظْهر لِأَن الأَصْل عدم التَّعْجِيل. وَقَوله فِي الْمُدَوَّنَة: لَا يجوز فِي عقد البيع اشْتِرَاط أَخذ الْغلَّة فِي الدّين إِذْ لَا يدْرِي مَا يَقْتَضِي أيقل أم يكثر، وَقد تنهدم الدَّار قبل أَن يَنْقَضِي أمد الْكِرَاء الخ. مَعْنَاهُ إِذا كَانَ الْأَجَل غير معِين وَلم يشْتَرط عَلَيْهِ أَنه إِن لم يوف وفى لَهُ من غَيره أَو بَاعه ووفاه وَإِلَّا جَازَ كَمَا مرّ قَالَه خش فِي كبيره وَظَاهر هَذَا وَلَو تطوع بالاحتساب من الدّين بعد العقد وَصرح بِهِ القلشاني فِي شرح الرسَالَة، وَحِينَئِذٍ فَإِذا كَانَ مَا بَقِي يتْرك للرَّاهِن فَلَا يمْنَع فِيمَا إِذا تطوع بعد العقد وَالله أعلم. وَفهم من قَوْله اشْتِرَاط أَن الشَّرْط وَقع فِي صلب العقد فَلَو تطوع لَهُ بهَا بعده منعت لِأَنَّهَا هَدِيَّة مديان فَإِن دفع فِيهَا عوضا جرت على مبايعة الْمديَان قَالَه اللَّخْمِيّ، ثمَّ اسْتثْنى من الْمَنْع قَوْله: إلاَّ إذَا النَّفْعُ لِعَامٍ عُيِّنَا وَالْبَدْوُ لِلصَّلاَحِ قَدْ تَبَيَّنَا (إِلَّا إِذا) ظرف مُسْتَقْبل (النَّفْع) فَاعل بِفعل مُقَدّر يفسره عينا آخر الشّطْر (لعام) يتَعَلَّق بقوله: (عينا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (والبدو) مُبْتَدأ مصدر بدا إِذا ظهر (للصلاح) يتَعَلَّق بِهِ وَجُمْلَة (قد تَبينا) خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة حَالية مقرونة بِالْوَاو وَإِنَّمَا جَازَ الِاشْتِرَاط مَعَ بَدو الصّلاح لِأَنَّهُ مَحْض بيع إِذْ السّلْعَة مبيعة بِالثّمن وَالثَّمَرَة، وَمحل الْجَوَاز إِذا كَانَ الْمَبِيع غير طَعَام وَإِلَّا امْتنع لما فِيهِ من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَة ثمَّ عطف على الْمَمْنُوع وَهُوَ قَوْله فِي الْأَشْجَار فَقَالَ: وَفِي الَّذِي الدَّيْنُ بِهِ مِنْ سَلَفِ وَفِي الَّتِي وَقْتَ اقْتِضَائِهَا خَفِي (و) إِلَّا (فِي) الرَّهْن (الَّذِي الدّين) مُبْتَدأ (بِهِ) خَبره وباؤه ظرفية وضميره للرَّهْن الْمَوْصُوف بالموصول وَكَأَنَّهُ من بَاب الْقلب أَي وَإِلَّا الدّين الَّذِي الرَّهْن فِيهِ (من سلف) حَال من الدّين، وَيجوز أَن تكون الْبَاء بِمَعْنى (مَعَ) وَإِنَّمَا منع لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة فَإِن اشْترط أَن يحْتَسب بِهِ من دينه جَازَ حَيْثُ لم يُؤَجل السّلف، وَكَانَ إِن لم يوف بَاعَ الرَّهْن ووفاه أَو وفاه من غَيره، وَكَذَا إِن أجل(1/279)
وَكَانَ مَا بَقِي يعجل عِنْد أَجله أَو يتْرك للرَّاهِن وَإِلَّا امْتنع لِأَن مَا بَقِي يفسخه فِي مَنَافِع يتَأَخَّر قبضهَا، فَإِن وَقع وَاشْترط الْمَنْفَعَة على الْوَجْه الْمَمْنُوع فَفِي البيع يجْرِي على حكم البيع الْفَاسِد فَيرد إِن لم يفت وَلَا غلَّة، وَفِي الْقَرْض يرد بدلهَا وَكَذَا فِي البيع إِن تطوع لِأَنَّهَا هَدِيَّة مديان وَيبْطل الِاخْتِصَاص بِهِ فِي كل مِنْهُمَا وَيضمن ضَمَان الرِّهَان إِن تلف، وَكَذَا يضمن فِي اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة على الْوَجْه الْجَائِز على الرَّاجِح، ثمَّ عطف على الْمُسْتَثْنى الْمَذْكُور أَيْضا فَقَالَ: (و) إِلَّا (فِي) الْمَنْفَعَة (الَّتِي وَقت) مُبْتَدأ (اقتضائها) مُضَاف إِلَيْهِ أَي استيفائها (خَفِي) صفة مشبهة خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة صلَة، وَذَلِكَ كاشتراطها فِي رهن الثِّيَاب وَالْحَيَوَان لاخْتِلَاف الِاسْتِعْمَال فَلَا يدْرِي كَيفَ ترجع إِلَيْهِ وَهَذَا أحد قولي مَالك فِي الْمُدَوَّنَة. وَعنهُ فِيهَا أَيْضا لَا بَأْس بذلك فِي الثِّيَاب وَالْحَيَوَان وَغَيرهمَا لِأَن ذَلِك إِجَارَة، وَبِه قَالَ ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَأصبغ وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَلذَا أطلق (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَجَاز شَرط مَنْفَعَة إِن عينت بِبيع لَا قرض وَفِي ضَمَانه إِذا تلف تردد الخ. وَقَوله: إِن عينت أَي حدت مدَّتهَا بِزَمن يجوز كِرَاء الْمَرْهُون إِلَيْهِ إِذْ الْإِجَارَة لَا بُد لَهَا من أجل وَظَاهره زَاد أجلهَا على أجل الدّين أم لَا. وَهُوَ كَذَلِك كَمَا صرح بِهِ فِي الْكَافِي وَنَقله ابْن عَرَفَة. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا كَانَ اشْتِرَاط الْمَنْفَعَة من بَاب الْإِجَارَة جرت فِيهَا أَحْكَامهَا الَّتِي من جُمْلَتهَا أَن الْمَنْفَعَة إِذا تعطلت بهدم الدَّار وَنَحْوه لم يجْبر الرَّاهِن على الْإِصْلَاح وَكَانَ الْخِيَار للْمُرْتَهن فِي أَن يفْسخ عَن نَفسه، وَإِذا فسخ وَجب لَهُ الرُّجُوع بِقدر مَا يَنُوب الْمَنْفَعَة فِيمَا خرج من يَده لَا بِقِيمَة الْمَنْفَعَة وَلَا يصدق فِي ذَلِك التعطيل ليسقط عَنهُ الْأُجْرَة إِلَّا بِبَيِّنَة.(1/280)
الثَّانِي: إِذا أَرَادَ الْمُرْتَهن شِرَاء الدَّار الْمَرْهُونَة المشترطة مَنْفَعَتهَا قبل الْأَجَل مقاصة، فَلَا يجوز لِأَن الْمُقَاصَّة لَا تجوز إِلَّا بعد حُلُول الدينَيْنِ قَالَه الْبُرْزُليّ. بعد نَحْو كراسين من صُدُور الْبيُوع وَقَالَ فِي الرهون عَن ابْن شُعَيْب: لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهُ فسخ دينه فِي دَار لَا تقبض إِلَّا بعد تَمام مُدَّة الْمَنْفَعَة، وَأما إِن كَانَ شراه مبتدءاً أَي مُسْتقِلّا بِلَا شَرط مقاصة فَإِن كَانَ على أَن تبقى الدَّار مَرْهُونَة فِي الْحق إِلَى الْأَجَل فَإِذا طُولِبَ بِالْحَقِّ أدّى مِنْهَا أَو من بَعْضهَا وَإِلَّا تمّ البيع فِيهَا فَلَا يجوز أَيْضا لِأَنَّهُ غرر تَارَة بيعا وَتارَة سلفا، وَإِن كَانَ على إبِْطَال حَقه فِي الرَّهْن دون الْمَنْفَعَة فَهُوَ جَائِز كَالْأَجْنَبِيِّ إِن كَانَ أمد الِانْتِفَاع قَرِيبا لَا يتَغَيَّر الْبُنيان فِيهِ وَلَيْسَ البيع فِيهَا فسخا للكراء لِأَن مُتَعَلق البيع الْعين والكراء الْمَنْفَعَة، وَلَا ينْتَقل الْملك فِي الْعين إِلَّا بعد تَمام مُدَّة الْكِرَاء إِذْ لَا تَقْتَضِي الْمَنَافِع من الْعين إِلَّا على ملك مَالِكهَا. قَالَ: وَعَن بعض الْأَشْيَاخ أَن نفس عقد البيع فسخ للكراء اه. فَقَوله: وَلَا ينْتَقل الْملك فِي الْعين يُعَارضهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ عِنْد قَول (خَ) فِي الْإِجَارَة وَبيع دَار لتقبض بعد عَام فَإِن ضَمَانهَا من المُشْتَرِي وَذَلِكَ يدل على أَن ملكهَا انْتقل إِلَيْهِ. وَقَوله: عَن بعض الْأَشْيَاخ هَذَا إِذا اشْتَرَاهَا الْمُكْتَرِي لَهَا لَا الْأَجْنَبِيّ وإلاَّ فَلَا يَنْفَسِخ وَيثبت للْمُشْتَرِي الْخِيَار إِن لم يعلم بِأَنَّهَا مكتراة وَمَا ذكره عَن بعض الْأَشْيَاخ هُوَ الْمعول عَلَيْهِ كَمَا يفهم من كَلَام (ح) عِنْد قَوْله: واستئجار مؤجر وَإِنَّمَا امْتنعت الْمُقَاصَّة قبل الْحُلُول لِأَن من عجل مَا أجل يعد مسلفاً فالبائع فِي الْمَسْأَلَة مسلف بِشَرْط الشِّرَاء فَهُوَ سلف وَبيع بِالنّظرِ للمقاصة وَفسخ بِالنّظرِ للتصيير فِي الدّين، لَكِن قد علمت أَن الْفَسْخ إِنَّمَا يَأْتِي إِذا قُلْنَا أَن ضَمَانهَا لَا ينْتَقل إِلَّا بعد تَمام الْمدَّة وَفِيه مَا رَأَيْت فَالْأَقْرَب الِاقْتِصَار على التَّعْلِيل الأول وَالله أعلم. وَبِجَوَازِ بَيْعٍ مَحْدُودِ الأَجَلْ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَاهِنٍ جَرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; العَمَلْ (وبجواز بيع) الرَّهْن (مَحْدُود الْأَجَل من غير إِذن رَاهن) يتَعَلَّق بِجَوَاز أَو بِبيع وَالْمَجْرُور الأول يتَعَلَّق بقوله: مَعْ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ وَلَمْ يَحِنْ دَيْنٌ وَلاَ بِعُقْدَةِ الأصْلِ قُرِنْ (جرى الْعَمَل مَعَ جعله) يتَعَلَّق بِجَوَاز أَو بِبيع أَو باحتياج الْمُقدر قبل إِذن وَالضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمصدر للرَّاهِن (ذَاك) مفعول أول بِجعْل وَالْإِشَارَة للْبيع (لَهُ) فِي مَحل الْمَفْعُول الثَّانِي، وضميره للمأذون لَهُ من مُرْتَهن أَو أَمِين (وَلم يحن دين) فَاعل أَي لم يَأْتِ أَجله وَالْجُمْلَة حَال من الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ جعل (وَلَا بعقدة الأَصْل) يتَعَلَّق بقوله: (قرن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه للجعل،(1/281)
وَالْجُمْلَة حَالية أَيْضا معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا، وَالتَّقْدِير جرى الْعَمَل بِجَوَاز بيع الْمُرْتَهن أَو الْأمين الرَّهْن بعد أَجله من غير احْتِيَاج لإذن رَاهن ثَانِيًا مَعَ جعل الرَّاهِن ذَلِك البيع لمن ذكر، وَالْحَال أَنه لم يحن دين وَلَا قرن الْجعل بعقدة البيع أَو السّلف، بل كَانَ قبل الْحُلُول وَبعد العقد، وَيحْتَمل أَن يكون الضَّمِير فِي قرن للرَّهْن أَي طاع بِالرَّهْنِ وَالْإِذْن مَعًا وَظَاهره فوض لَهُ فِي الْإِذْن أم لَا، وَهُوَ كَذَلِك خلافًا لِابْنِ الفخار فِي قَوْله: لَا يسْتَقلّ إِلَّا إِذا فوض لَهُ. وَفِي الورقة الرَّابِعَة عشر من بُيُوع الْبُرْزُليّ مَا يَقْتَضِي أَن الْعَمَل بتونس على مَا لِابْنِ الفخار، وَظَاهر النّظم سَوَاء كَانَ الْإِذْن الْمَذْكُور للْمُرْتَهن أَو الْأمين. قَالَ الرَّاهِن: لكل مِنْهُمَا إِن لم آتٍ فبعه أَو لم يقل ذَلِك فَيجوز فِي هَذِه الْأَرْبَع صور ابْتِدَاء وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِذا قَالَ ذَلِك لَا يجوز لِأَنَّهُ علق ذَلِك على عدم الْإِتْيَان، وَقد يكون آتِيَا أَو حَاضرا لَكِن إِن وَقع مضى كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَيُمكن حمل قَوْله مَعَ جعله الخ. على مَا إِذا طاع بِالرَّهْنِ وَالْإِذْن مَعًا كَمَا مر أَي بعد العقد وَقبل الْأَجَل، وَسَوَاء أذن للْمُرْتَهن أَو الْأمين أَو غَيرهمَا، وَهَذِه حكى ابْن رشد عَلَيْهَا الِاتِّفَاق لِأَنَّهُ مَعْرُوف من الرَّاهِن، ونازعه ابْن عَرَفَة فِي الِاتِّفَاق قَائِلا لِأَنَّهُ شبه هَدِيَّة مديان فقد منعُوا بيع الطَّعَام بِثمن مُؤَجل على تَصْدِيق البَائِع فِي كَيْله اه. وَعَلِيهِ فمقابل مَا بِهِ الْعَمَل فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ عدم الْجَوَاز لِأَنَّهُ هَدِيَّة مديان فمقابله فِي الصُّورَة الأولى وَهُوَ مَا إِذا تطوع بِالْإِذْنِ فَقَط حَكَاهُ فِي ضيح عَن بعض الموثقين، وَفِي الثَّانِيَة هُوَ مَا تقدم عَن ابْن عَرَفَة، وَقد يُجَاب عَن الْهَدِيَّة الْمَذْكُورَة بِأَن الْإِذْن لَيْسَ زِيَادَة حَقِيقَة، وَإِنَّمَا أسقط عَنهُ مَا يتكلفه من الرّفْع وَالْإِثْبَات وخلصه من ورطة ذَلِك فَهُوَ إنصاف لَهُ من حَقه وَهُوَ شَأْن النَّاس وَلذَا أجَاز فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا إِعْطَاء الْحميل أَو الرَّهْن بعد العقد وَقبل الْأَجَل وَلم يَجعله هَدِيَّة، وَظَاهر النّظم أَنه لَا فرق فِي ذَلِك بَين رهن السّلف أَو البيع وَمَفْهُوم قَوْله: وَلم يحن دين وَلَا بعقدة الأَصْل الخ. أَنه إِذا أذن بعد الْحُلُول أَو فِي العقد لم يجز وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة والعتبية لِأَنَّهَا وكَالَة اضطرار لِحَاجَتِهِ للقرض وَالْبيع أَو للتأخير بِمَا حل، وَأما إِن أذن بعد الْحُلُول من غير تَأْخِير فالجواز اتِّفَاقًا كَمَا فِي طفي، وَقيل: يجوز ذَلِك ابْتِدَاء وَلَيْسَت وكَالَة اضطرار وَهُوَ(1/282)
لِابْنِ الْعَطَّار وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّاب، وَسَيَأْتِي عَن النِّهَايَة أَن بِهَذَا القَوْل الْقَضَاء وعَلى الأول لَهُ عَزله كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، لَكِن إِن لم يعزله حَتَّى بَاعَ مضى كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة قَالَ ابْن فتوح: وَبِه الْقَضَاء وعَلى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ عَزله كَمَا سَيَأْتِي، وَحِينَئِذٍ فيمضي بَيْعه إِن أصَاب وَجه البيع على كل من الْقَوْلَيْنِ، وَأما إِن بَاعَ بِأَقَلّ من الْقيمَة فللراهن أَخذه، وَإِن تداولته الْملاك بِأَيّ الْأَثْمَان شَاءَ كالشفيع، وَهَذَا يدل على أَنه لَا يحْتَاج إِلَى تسويقه الشَّهْرَيْنِ، وَالَّذِي فِي وكَالَة الْبُرْزُليّ أَن الرَّاهِن إِذا قَالَ للْمُرْتَهن: بِعْ بِمَا شِئْت إِن الْقُضَاة يضْربُونَ الْأَجَل للْبيع وَهُوَ مَبْنِيّ على عدم جَوَاز التَّوْكِيل فِي العقد، فَانْظُرْهُ فِيهِ وَلَا فرق فِي ذَلِك كُله بَين الرَّهْن الَّذِي لَهُ بَال وَغَيره وَلَا بَين كَونه عقد البيع أَو الْقَرْض خلافًا لِابْنِ الفخار فِي قَوْله: بِالْمَنْعِ فِي الْقَرْض قَالَ: لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة لِأَنَّهُ رفع بِشَرْطِهِ عَن نَفسه الْمُؤْنَة فِي إِثْبَات مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى البيع، وَقد يُقَال: إِن النَّفْع الْمَمْنُوع هُوَ النَّفْع الْحَامِل على السّلف كالزيادة فِيهِ مثلا وَشرط بيع الرَّهْن الْمَأْخُوذ فِي عقد السّلف لَيْسَ حَامِلا على ابْتِدَاء السّلف إِذْ لَا معنى لكَونه يسلفه لأجل أَن يرفع عَنهُ الْمُؤْنَة فِي بيع رَهنه لِأَنَّهُ إِذا خشِي ذَلِك ترك السّلف من أَصله فَتَأَمّله منصفاً. وَكَذَا يُقَال فِي السّلف بِشَرْط التَّصْدِيق فِي عدم الْقَضَاء لَيْسَ من سلف جر نفعا كَمَا قيل أَيْضا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لما حل أجل السّلف أَخّرهُ على شَرط بيع رَهنه أَو التَّصْدِيق فِيهِ فالنفع حِينَئِذٍ وَاضح لِأَن التورط حِينَئِذٍ قد حصل فَهُوَ يُرِيد التَّخَلُّص بِالتَّأْخِيرِ على شَرط البيع أَو التَّصْدِيق، وَيجْرِي هَذَا حِينَئِذٍ حَتَّى فِي البيع لكِنهمْ لم يعتبروه كَمَا مرّ نظرا لكَون التَّأْخِير كابتداء السّلف، وَلَيْسَ معنى النَّفْع فِي شَرط بيع الرَّهْن والتصديق هُوَ كَونه يتَمَكَّن من جَحده فِي التَّصْدِيق فَيَأْخُذ الدّين مِنْهُ ثَانِيًا ويتمكن فِي الرَّهْن بِإِظْهَار أقل من ثمنه الَّذِي بَاعه بِهِ كَمَا قَالَه بعض من لَا تَحْقِيق عِنْده، إِذْ لَو كَانَ هَذَا هُوَ المُرَاد مَا وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ بِحَال ثمَّ مَا تقدم من أَن الْإِذْن فِي العقد لَا يجوز بِهِ البيع ابْتِدَاء إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِذْن للْمُرْتَهن، أما للأمين فَيجوز كَمَا أَفَادَهُ (خَ) لقَوْله: وللأمين بَيْعه بِإِذن فِي عقد الخ. وَمحل الْخلاف الْمَذْكُور فِي جَوَاز التَّوْكِيل فِي العقد وَعَدَمه إِذا لم يُفَوض لَهُ أما إِن فوض لَهُ فِي بَيْعه دون مشورة سُلْطَان وأحله مَحل نَفسه وَأَنه لَا يعز لَهُ فَيجوز اتِّفَاقًا، لَكِن بِشُرُوط إِقْرَاره بِالدّينِ وبالوكالة وبالتفويض وبالتصديق فِي الثّمن وبالتصديق فِي عدم الِاقْتِضَاء دون يَمِين، فَهَذِهِ الْخَمْسَة تتلقى من إِقْرَار الرَّاهِن وَلَا بدّ أَن يثبت بِالْبَيِّنَةِ ملك الرَّاهِن واستمرار ملكه وحوز الرَّهْن والسداد فِي الثّمن. هَكَذَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة، وَإِذا اشْترطت هَذِه مَعَ التَّفْوِيض فأحرى مَعَ الْإِذْن الْمُجَرّد، لَكِن أَنْت خَبِير بِأَن إِثْبَات مَا ذكر إِنَّمَا يكون عِنْد الْحَاكِم فَلم يبْق للْإِذْن وَلَا للتفويض ثَمَرَة فَهِيَ حِينَئِذٍ شُرُوط فِي لُزُوم البيع للرَّاهِن، لَكِن اشْتِرَاط التَّصْدِيق فِي الثّمن وَعدم الِاقْتِضَاء خلاف مَا لِابْنِ رشد وَظَاهر الْمُدَوَّنَة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَلذَا لم يعرج عَلَيْهِ (خَ) وَغَيره وَمَا عدا هَذِه لَا يمْضِي عَلَيْهِ البيع إِلَّا بهَا إِلَّا أَن الْحَوْز شَرط فِي الِاخْتِصَاص فَقَط، وَقد تقدم أَنه إِنَّمَا يمْضِي بَيْعه إِذا أصَاب السداد، وَقد علمت من هَذَا كُله أَن البيع مَعَ الْإِذْن نَافِذ على كل حَال فوض لَهُ أم لَا. كَانَ الْإِذْن فِي العقد أَو بعده وَقبل الْأَجَل أَو بعده أذن لَهُ أَو للأمين وَعَلِيهِ فَلَو قَالَ النَّاظِم: وَبيعه مُرْتَهن أَو الْأمين منفذ إِن رَاهن بِهِ أذن لَكَانَ أخصر وأوضح وأشمل لجَمِيع الصُّور، وَلَا يُقَال إِنَّه أَرَادَ صُورَة الْجَوَاز ابْتِدَاء لأَنا نقُول كَلَامه صَادِق حَتَّى بِغَيْر الْجَوَاز ابْتِدَاء كَمَا مر، وَمَفْهُوم قَوْله مَعَ جعله الخ. أَنه إِذا لم يَجْعَل(1/283)
لَهُ البيع أصلا لم يجز لَهُ البيع وَهُوَ كَذَلِك، فَإِن تعدى وَبَاعه قبل الْأَجَل أَو بعده رد بَيْعه، فَإِن فَاتَ عِنْد المُشْتَرِي فعلى الْمُرْتَهن الْأَكْثَر من الثّمن أَو الْقيمَة انْظُر الْمُتَيْطِيَّة، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِذا لم يَأْذَن لَهُ الرَّاهِن فِي بيع الرَّهْن رَفعه الْمُرْتَهن إِلَى السُّلْطَان فَإِن وفاه حَقه وَإِلَّا بَاعَ الرَّهْن وأوفاه حَقه اه. وَكَذَا إِذا كَانَ الرَّاهِن غَائِبا وظاهرها أَنه لَا يسجن وَلَا يطْلب بحميل إِلَى أَن يَبِيع الرَّهْن وَإِن الْحَاكِم هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى بَيْعه أَو نَائِبه وَلَا يجْبر الرَّاهِن على أَن يتَوَلَّى بَيْعه وَهُوَ كَذَلِك عِنْد ابْن رشد وَغَيره فِي الْجَمِيع خلافًا لبَعْضهِم فِي قَوْله: بالسجن والجبر، وَهَذَا كُله إِذا أمكن الْوُصُول للْحَاكِم وَإِلَّا جَازَ البيع اتِّفَاقًا، لَكِن لَا بُد أَن يحضر الْعُدُول للنداء وَالْإِشْهَاد بِمَا بلغ من الثّمن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة والمتيطية وَإِلَّا رد بَيْعه إِلَّا إِن بَاعه بِأَقَلّ من الْقيمَة ثمَّ إِنَّمَا يجوز للْحَاكِم الْإِقْدَام على بَيْعه فِي الْغَيْبَة إِن ثَبت عِنْده الدّين وَالرَّهْن وَيَمِين الْقَضَاء وغيبة الرَّاهِن وَأَنَّهَا بعيدَة أَو لَا يعلم مَوْضِعه وَملك الرَّاهِن واستمراره وَأَنه أَحَق مَا يُبَاع عَلَيْهِ كَذَا للعبدوسي. قَالَ ابْن نَاجِي: وَظَاهر الْكتاب أَنه لَا يلْزمه إِثْبَات ملكية الرَّاهِن ربعا كَانَ أَو غَيره وَهُوَ كَذَلِك على أحد الْأَقْوَال، وَبِه كنت أَقْْضِي. وَفِي التَّبْصِرَة الفرحونية عَن ابْن رشد: أَن الْعَمَل على إِثْبَات الْملك وَنَحْوه فِي (ح) وَقَول العبدوسي: وَإنَّهُ أَحَق مَا يُبَاع عَلَيْهِ قَالَ فِيهِ ابْن عَرَفَة: الْأَظْهر عَدمه لتَعلق حق الْمُرْتَهن بِعَيْنِه، وَرُبمَا كَانَ أيسر بيعا مَعَ أَن راهنه كالملتزم بَيْعه اه. وَنَحْوه لِابْنِ نَاجِي قَائِلا: إِن ظَاهر الْكتاب أَنه لَا يفْتَقر لثُبُوت كَونه أولى مَا يُبَاع عَلَيْهِ قَالَ: وَظَاهره أَيْضا إِنَّه لَا يفْتَقر فِي بيع السُّلْطَان إِلَى بُلُوغه الْقيمَة، ابْن عَرَفَة: وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَات وَهُوَ مُقْتَضى قَول ابْن مُحرز: وَلَو كسرت عرُوض الْمُفلس وترجى لَهَا أسواق بِيعَتْ عَاجلا وَلم تُؤخر، وَهُوَ ظَاهر قَول سَحْنُون بِبيع الْحَاكِم ضَيْعَة الْمَدِين بِالْخِيَارِ فَإِن لم يجد إِلَّا مَا أعْطى بَاعَ اه. وَنَحْوه للبرزلي عَن ابْن مُحرز والسيوري قَائِلا لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور قَالَ: وَجَهل ابْن مُحرز من قَالَ ينظر للقيمة. الْبُرْزُليّ عَن ابْن مُحرز: وَأعرف نَحوه لِابْنِ رشد فِي البيع فِي نَفَقَة الْمَحْجُور قَالَ: يستقصى وَلَا ينظر بِهِ الْقيمَة لِأَنَّهُ غَايَة الْمَقْدُور اه. وَنَحْوه فِي نَوَازِل الْعُيُوب من المعيار وَبِه نعلم مَا فِي اعْتِرَاض (ح) عَن ابْن عَرَفَة. تَنْبِيهَات. الأول: قَالَ فِي النِّهَايَة، قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: يجوز للرَّاهِن أَن يَجْعَل للْمُرْتَهن بيع الرَّهْن وَلَيْسَ لَهُ أَن يعزله، وَبِهَذَا القَوْل الْقَضَاء اه لَفظهَا. وظاهرها أَنه لَا عزل وَلَو مَاتَ الرَّاهِن وَأفْتى فِي أنكحة المعيار فِي الْمسَائِل الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا الخالدي بِأَنَّهُ إِنَّمَا لَا يَنْعَزِل بِمَوْت الرَّاهِن إِذا أَقَامَهُ مقَام الْمُفَوض إِلَيْهِ فِي الْحَيَاة وَالْوَصِيّ بعد الْمَمَات اه. وَتقدم عَن ابْن عَرَفَة أَن لَهُ عَزله على القَوْل بِعَدَمِ الْجَوَاز ابْتِدَاء وَهُوَ مَذْهَب الْمُدَوَّنَة. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الْمديَان عَن مقنع ابْن بطال عَن ابْن الحكم: لَا يَبِيع القَاضِي من دَار الْمَدِين إِلَّا بِقدر الدّين بِخِلَاف مَا يَبِيعهُ من جَارِيَة أَو غُلَام يَبِيعهُ كُله لضَرَر الشّركَة قَالَ: وَفِي قسْمَة الْمُدَوَّنَة وَلَا يُبَاع على ميت من دَاره إِلَّا بِقدر دينه اه. وَنَحْوه فِي التَّبْصِرَة عَن سَحْنُون قَالَ: يُبَاع من أَصله بِقدر الدّين إِن وجد من يَشْتَرِي بعضه اه. وَبِه تعلم أَن توقف (ح) فِي ذَلِك قُصُور. الثَّالِث: إِذا بَاعَ الْمُرْتَهن الرَّهْن فَادّعى الرَّاهِن أَنه كَانَ دفع الدّين إِلَيْهِ وَأنكر الْمُرْتَهن فَإِن لم يشْتَرط فِي العقد التَّصْدِيق وَأقَام بَيِّنَة على الدّفع انْتقض البيع وَإِن لم يقم بَيِّنَة حلف الْمُرْتَهن وَنفذ(1/284)
البيع وَإِن نكل حلف الرَّاهِن لقد أوفاه وَسقط الدّين وَنفذ البيع وَيرد الْمُرْتَهن الثّمن للرَّاهِن وَإِن اشْترط التَّصْدِيق فِي العقد فَلهُ شَرطه وَينفذ البيع اه. الرَّابِع: قَالَ القلشاني: وَفِي سَماع أصبغ فِيمَن ادّعى أَن رجلا رَهنه قدحاً فِي كسَاء أَن السُّلْطَان يَأْمُرهُ بِبيع الْقدح فِي الكساء على زَعمه أَنه رهن، وَقيل لَا يَأْمُرهُ حَتَّى يثبت ارتهانه عِنْده، وَبِه الْعَمَل قَالَه ابْن رشد اه. وقصة رهن الْقدح مبسوطة فِي (ح) والتبصرة وَأبي الْحسن. الْخَامِس: إِذا أَمر القَاضِي رجلا بِبيع الرَّهْن فَبَاعَهُ وَادّعى ضيَاع ثمنه صدق والمصيبة من رب الدّين قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة. وَسَوَاء علم بَيْعه بِبَيِّنَة أَو بِمُجَرَّد قَوْله كَمَا لِابْنِ يُونُس، وَيظْهر من هَذَا أَنه إِذا ادّعى تلفه قبل البيع فالمصيبة من الرَّاهِن وَهُوَ كَذَلِك على قَول ابْن الْقَاسِم كَمَا فِي ابْن عَرَفَة آخر بَاب الرَّهْن، وَلَو قَالَ الْمَأْمُور الَّذِي أمره الْحَاكِم بِبيعِهِ: بِعته بِمِائَة ودفعتها للْمُرْتَهن وَأنكر الْمُرْتَهن صدق الْمُرْتَهن وَلَو كَانَ الْمُرْتَهن هُوَ الَّذِي أمره بِبيعِهِ صدق الْمَأْمُور مَعَ يَمِينه أَنه دفع للْمُرْتَهن لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَكيله. وَجَازَ رَهْنُ العَيْنِ حَيْثُ يُطْبَعُ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ أَمِينِ يُوضَعُ (وَجَاز رهن الْعين) فَاعل جَازَ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط يتَعَلَّق بجاز (يطبع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (عَلَيْهِ) نَائِب الْفَاعِل وضميره للعين، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (أَو) عاطفة (عِنْد أَمِين) يتَعَلَّق بقوله: (يوضع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْعين، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة يطبع وَلَا مَفْهُوم للعين بل غَيرهَا من الْمِثْلِيَّات كالمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود، كَذَلِك على الْمَذْهَب خلافًا لأَشْهَب فِي عدم وجوب طبع غير الْمعِين، وَمَفْهُوم الظّرْف أَنه يمْنَع رَهنهَا إِن لم يطبع عَلَيْهَا وَلَا وضعت عِنْد أَمِين بل عِنْد الْمُرْتَهن، وَهُوَ كَذَلِك حماية للذريعة أَن يكون الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن قصدا إِلَى السّلف وسميا ذَلِك رهنا وَالسَّلَف يفْسد الْمُعَامَلَة الَّتِي قارنها بيعا كَانَ أَو سلفا. وَقَوله: يطبع أَي طبعا لَا يقدر على فكه غَالِبا، وَإِذا زَالَ علم زَوَاله والطبع الَّذِي لَا يقدر على فكه أصلا غير مَطْلُوب، ثمَّ إِن شَرط الطَّبْع إِنَّمَا هُوَ فِي جَوَاز رَهنه كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم لَا فِي صِحَة حوزه لِأَنَّهُ إِذا حازه الْمُرْتَهن بِدُونِ طبع، فالحوز صَحِيح وَيكون أَحَق بِهِ من الْغُرَمَاء، وَإِن عثر على عدم طبعها فِي أثْنَاء الْمدَّة اسْتقْبل الطَّبْع وَلَا تنْزع من يَده، وَحِينَئِذٍ فَإِذا أَزَال الْمُرْتَهن الطَّبْع وَعلم ذَلِك فَلَا يبطل اخْتِصَاصه بِهِ. وَالرَّهْنُ لِلْمُشَاعِ مَعْ مَنْ رَهَنَا قَبْضُ جَمِيعِهِ لَهُ تَعَيَّنَا(1/285)
(وَالرَّهْن) مُبْتَدأ (للمشاع) يتَعَلَّق بِهِ أَي للجزء الْمشَاع من عقار أَو حَيَوَان أَو عرض (مَعَ من) مَوْصُولَة صلته (رهنا) والظرف يتَعَلَّق بالمشاع كدار أَو عبد مثلا يملك الرَّاهِن جميعهما وَرهن جُزْء من أَحدهمَا أَو مِنْهُمَا (قبض) مُبْتَدأ ثَان (جَمِيعه) أَي جَمِيع الْمَرْهُون مِنْهُ الْجُزْء (لَهُ) يتَعَلَّق بقوله: (تعينا) وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ يرجع للْمُرْتَهن، وَاللَّام بِمَعْنى (على) أَي عَلَيْهِ قبض جَمِيع الْمَرْهُون مِنْهُ الْجُزْء فيكريه ويليه لِئَلَّا تجول يَد الرَّاهِن فِيهِ وَكَانَ الْأَلْيَق أَن يذكر هَذَا الْبَيْت وَالَّذِي بعده إِثْر قَوْله: والحوز من تَمَامه الخ. وَتقدم هُنَاكَ حكم مَا إِذا رَهنه بَيْتا من دَاره. وَمَعَ غَيْرِ رَاهِنٍ يَكْفِيهِ أنْ يَحُلَّ فِيهِ كَحُلُولِ مَنْ رَهَنْ (وَمَعَ) يتَعَلَّق بمبتدأ مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله أَي والمشاع أَي وَرهن الْمشَاع مَعَ (غير رَاهن) كدار يملك الرَّاهِن نصفهَا فَقَط فيرهنه كُله أَو نصفه (يَكْفِيهِ) بِفَتْح الْيَاء وضميره للْمُرْتَهن ومتعلقه مَحْذُوف أَي يَكْفِي الْمُرْتَهن فِي قَبضه وحوزه فِي الصُّورَتَيْنِ (أَن يحل) بِفَتْح الْيَاء وَضم الْحَاء مضارع حلّ إِذا نزل فَاعل يَكْفِي (فِيهِ) أَي فِي الْمشَاع الْمَذْكُور يتَعَلَّق بيحل (كحلول من رهن) صفة الْمَحْذُوف أَي حلولاً كحلول الرَّاهِن بِأَن يجوز جَمِيع مَا على ملك الرَّاهِن، وَالْجُمْلَة من يَكْفِي وَمَا بعده خبر الْمُبْتَدَأ وَإِنَّمَا كَفاهُ الْحُلُول الْمَذْكُور لِأَن يَد الرَّاهِن لم تبْق جائلة فِيهِ وَلَا يضرّهُ جولان يَد شريك الرَّاهِن مَعَه. وَظَاهر قَوْله: وَمَعَ غير رَاهن الخ. أَن للرَّاهِن رهن حِصَّته وَإِن لم يَأْذَن لَهُ شَرِيكه فِي ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا كَانَ ربعا أَو منقسماً اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهر ابْن عَرَفَة، وحوزه فِي هَذَا الْوَجْه أَن يحل الْمُرْتَهن مَحل الرَّاهِن أَو يوضع عِنْد الشَّرِيك أَو عِنْد أَمِين فَإِن أَرَادَ الشَّرِيك فِي هَذَا الْوَجْه البيع قاسمه فِيهِ الرَّاهِن وَالرَّهْن بيد الْمُرْتَهن، فَإِن غَابَ الرَّاهِن أَقَامَ الإِمَام من يقسم لَهُ وَتبقى حِصَّة الرَّاهِن رهنا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأما إِن كَانَ الْمشَاع لَا يَنْقَسِم وَهُوَ غير ربع كَالثَّوْبِ الْوَاحِد أَو السَّيْف أَو الدَّابَّة أَو العَبْد أَو نَحْو ذَلِك فَالْمَشْهُور وَهُوَ مَذْهَب ابْن الْقَاسِم جَوَازه أَيْضا. وَقَالَ أَشهب: لَا يجوز لِأَن رَهنه يمنعهُ من بَيْعه ناجزاً وَالرَّهْن منقوض حَتَّى يَأْذَن. وَوجه قَول ابْن الْقَاسِم: إِن ذَلِك لَا يمْنَع الشَّرِيك من بيع حِصَّته مبعضة أَن يحمل البيع إِن نقصت حِصَّته مُنْفَرِدَة وَيحل المُشْتَرِي مَحل الشَّرِيك، وَإِذا أجمل البيع كَانَت حِصَّة الرَّاهِن من الثّمن رهنا، إِن بيع(1/286)
بِغَيْر جنس الدّين وإلاَّ قضي الدّين عَنهُ إِن لم يَأْتِ برهن كَالْأولِ، وَقَول النَّاظِم: يَكْفِيهِ أَن يحل الخ. أَي يَكْفِيهِ فِي حيازته وَقَبضه أَن يحل الخ. هَذَا على قوليهما فِي الرّبع والمنقسم، وعَلى قَول ابْن الْقَاسِم فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَالسيف وَنَحْوهمَا، وَأما على قَول أَشهب فالرهن فِي هَذَا الْوَجْه منقوض وَإِن لم يَأْذَن كَمَا مرَّ وَإِن أذن فَلَيْسَ لَهُ رُجُوع عَنهُ حَتَّى يحل الْأَجَل وَلَا يَكْفِي فِي حوزه الْحُلُول الْمَذْكُور عِنْده، بل لَا بُد أَن يكون جَمِيع الثَّوْب وَنَحْوه عِنْد الْمُرْتَهن أَو الشَّرِيك أَو غَيرهمَا من غير الرَّاهِن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. وعَلى الْمَشْهُور من جَوَاز رهن الْحصَّة فِيمَا لَا يَنْقَسِم مِمَّا ينْقل فَلَا يُسلمهُ الرَّاهِن إِلَّا بِحَضْرَة الشَّرِيك، وَكَذَا لَو بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ حِصَّته فَلَا يُسلمهُ للْمُشْتَرِي إِلَّا بِحَضْرَة صَاحبه أَيْضا فَإِن غَابَ فالحاكم يقوم مقَامه وَكَذَا لَا يَسْتَعْمِلهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَالْعرْف الْجَارِي بَينهمَا بِالِاسْتِعْمَالِ كالإذن فِيهِ، فَلَو سلمه بِغَيْر إِذْنه فَمُقْتَضى الْقَوَاعِد أَنه يضمن إِن تلف لِأَن أحسن أَحْوَاله أَن يكون كَالْمُودعِ وَهُوَ إِذا وضع يَد الْأَجْنَبِيّ يضمن بتعديه قَالَه (تت) عَن الذَّخِيرَة، وَفِي معاوضات المعيار من بَاعَ نصف فرسه لرجل وسافر المُشْتَرِي عَلَيْهَا فعطبت فَهُوَ ضَامِن لنصف شَرِيكه إِلَّا أَن يُسَافر عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ أَو جرت الْعَادة بَينهمَا أَن يُسَافر مثل ذَلِك السّفر فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ اه. وَانْظُر الْغَاصِب يغصب فِي حِصَّته أحد الشَّرِيكَيْنِ فَإِن الْمَغْصُوب عَلَيْهِمَا وَالْبَاقِي لَهما قَالَ ناظم الْعَمَل: وَمَا من الْجُزْء الْمشَاع ظلما فَذا وَذَا عَلَيْهِمَا قد قسما وَأما إِن غصب الدّين من الْمَدِين بِسَبَب رب الدّين فَإِن ذَلِك بَرَاءَة للْمَدِين كَمَا أَشَارَ لَهُ ناظم الْعَمَل أَيْضا بقوله: وَمَا من الدّين لَهُ رب دفع لغاصب غَرِيمه لم يتبع تَنْبِيه: إِذا رهن الرَّاهِن نصف الثَّوْب وَنَحْوه مِمَّا يُغَاب عَلَيْهِ وَقبض الْمُرْتَهن جَمِيعه ليتم الْحَوْز لَهُ كَانَ النّصْف الْبَاقِي للرَّاهِن أَو لغيره، وَلَكِن قَبضه الْمُرْتَهن بِحَضْرَة الْغَيْر وإذنه لم يضمن الْمُرْتَهن إِذا تلف وَلم تقم لَهُ بَيِّنَة إِلَّا نصفه لِأَنَّهُ فِي النّصْف الآخر أَمِين، وَكَذَا لَو اسْتحق نصف الرَّهْن وَتَركه الْمُسْتَحق بيد الْمُرْتَهن كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة. وَالرَّهْنُ مَحْبُوسٌ بِبَاقِي مَا وَقَعْ فِيهِ وَلا يَرُدُّ قَدْرَ مَا انْدَفَعْ (وَالرَّهْن) مُبْتَدأ (مَحْبُوس) خَبره (بباقي) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الدّين (وَقع) صلتها وفاعله ضمير يعود على الرَّهْن (فِيهِ) يتَعَلَّق بِهِ وضميره يعود على مَا هُوَ الرابط (وَلَا) نَافِيَة وفاعل (يرد) عَائِد على الْمُرْتَهن (قدر) مفعول (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الدّين أَيْضا (انْدفع) صلته(1/287)
وفاعله يعود على مَا، وَمَعْنَاهُ أَن الدّين إِذا قضى بعضه أَو سقط عَن الرَّاهِن بإبراء أَو هبة أَو طَلَاق قبل الْبناء فالرهن كُله مَحْبُوس بِمَا بَقِي من الدّين لِأَن الْأَسْوَاق قد تحول على الْبَاقِي، وَلِأَن جَمِيع أَجزَاء الرَّهْن بجملتها فِي مُقَابلَة كل جُزْء بِانْفِرَادِهِ من الدّين وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين أَن يتحد كدار وثوب أَو يَتَعَدَّد كدور وَثيَاب وَعكس النّظم أَنه لَو اسْتحق بعض الرَّهْن أَو تلف كَمَا لَو رهن عَبْدَيْنِ فَقتل أَحدهمَا صَاحبه فالباقي رهن فِي الْجَمِيع فَالْأولى النَّقْص فِي الدّين، وَهَذِه النَّقْص فِي الرَّهْن فَلِذَا كَانَت عكسها. (خَ) : وَإِذا قضى بعض الدّين أَو سقط فَجَمِيع الرَّهْن فِيمَا بَقِي كاستحقاق بعضه الخ. وَهَذَا إِن اتَّحد الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن، وَأما إِن تعدد الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فَيدْفَع أحد الراهنين مَا عَلَيْهِ أَو يَأْخُذ أحد المرتهنين دينه فينفك مَا يُقَابله فِي الصُّورَتَيْنِ أما الأولى فَفِيهَا فِي رجلَيْنِ رهنا دَارا لَهما فِي دين فَقضى أَحدهمَا حِصَّته فَلهُ أَخذ حِصَّته من الدَّار، وَأما الثَّانِيَة فَفِيهَا أَيْضا على نقل ابْن عَرَفَة: من رهن دَارا من رجلَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة فِي دين لَهما وَلَا شركَة بَينهمَا فَقضى أَحدهمَا كل حَقه أَخذ حِصَّته من الدَّار اه. يُرِيد إِذا أَخذهَا فيجعلها بيد أَمِين أَو بيد الْمُرْتَهن الآخر أَو يَبِيعهَا وَلَا يُمكن من جولان يَده فِيهَا لِئَلَّا يبطل الرَّهْن على الآخر قَالَه عِيَاض. فَإِن أَرَادَ أحد المرتهنين بيع الرَّهْن وَأَخذه الآخر بِحقِّهِ فَإِن الرَّهْن يقسم إِن لم ينقص الْقسم حَظّ الْقَائِم فَيُبَاع لَهُ حَظه وَيُوقف حَظّ الآخر، وَإِن لم يَنْقَسِم بيع وَعجل حق الْقَائِم وَحقّ الآخر إِن حلف مَا أَخّرهُ إِلَّا لإعطاء رهن مثله إِلَّا أَن يَأْتِي الرَّاهِن برهن ثِقَة فَيَأْخُذ فَاضل ثمن رَهنه عَن حق الْقَائِم، وَانْظُر إِذا قبض أحد المرتهنين دينه هَل يدْخل مَعَه صَاحبه؟ وَهُوَ مَا فِي أبي الْحسن وضيح والشامل. وَشَرْطُ مِلْكِ الرَّهْنِ حَيْثُ لاَ يَقعْ إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ النَّهْيُ وَقَعْ (وَشرط ملك الرَّهْن) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (حَيْثُ) ظرف مَكَان وَتَكون للزمان على قلَّة وَمِنْه مَا هُنَا يتَعَلَّق بِشَرْط أَو ملك (لَا يَقع إنصافه) فَاعل وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر (من حَقه) يتَعَلَّق بإنصاف (النَّهْي) مُبْتَدأ ثَان وَجُمْلَة (وَقع) خَبره. وَالْجُمْلَة من الثَّانِي وَخَبره خبر الأول، والرابط مَحْذُوف أَي عَنهُ. وَفِي بعض النّسخ منع بدل وَقع وَعَلَيْهَا شرح اليزناسني فلك أَن تجْعَل شَرط مَفْعُولا مقدما بِمَنْع وَظَاهره كَانَ الرَّهْن فِي أصل الْمُعَامَلَة من بيع أَو سلف أَو مُتَطَوعا بِهِ بعْدهَا وَهُوَ كَذَلِك، وَظَاهره أَيْضا أَنه يبطل اخْتِصَاصه بِهِ إِذْ النَّهْي يَقْتَضِي الْفساد(1/288)
وَهُوَ يسْتَلْزم الْبطلَان، وَفِي ذَلِك تَفْصِيل إِمَّا وَجه النَّهْي عَنهُ إِن كَانَ فِي أصل الْمُعَامَلَة فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا يحصل من ثمن سلْعَته هَل الثّمن أَو الرَّهْن، وَكَذَا فِي السّلف لَا يدْرِي هَل يرجع لَهُ سلفه أَو يصير لَهُ الرَّهْن فَإِن عثر على ذَلِك قبل الْأَجَل أَو بعده فسخ البيع إِن لم يفت وَإِلَّا وَجَبت الْقيمَة حَاله وَيصير السّلف أَيْضا حَالا وَالْمُرْتَهن أَحَق بِهِ حَتَّى يَأْخُذ الْقيمَة أَو السّلف، وَأما الثَّانِي وَهُوَ المتطوع بِهِ فالعلة فِي النَّهْي هِيَ مَا مر، وَلَكِن لَا يفْسخ إِلَّا الرَّهْن وَحده وَيرد إِلَى ربه وَيبقى الدّين إِلَى أَجله بِلَا رهن وَلَا يكون الْمُرْتَهن أَحَق بِهِ فِي الْمَوْت والمسلف كمن لَهُ على رجل دين فَأخذ مِنْهُ بعد العقد وَقبل الْأَجَل رهنا على أَن يُؤَخِّرهُ لأبعد من أَجله الأول، فَلَا يكون أَحَق بِهِ لِأَنَّهُ سلف ينفع أَي لِأَنَّهُ انْتفع بالتوثق فِي بَاقِي الْأَجَل الأول على التَّأْخِير الَّذِي هُوَ سلف فَلَا يرد مَا مر عِنْد قَوْله: وبجواز بيع مَحْدُود الْأَجَل الخ. من أَن التَّأْخِير بدين كابتداء سلف برهن فَإِن لم يعثر عَلَيْهِ فِي المتطوع بِهِ حَتَّى حل الْأَجَل وَلم يدْفع إِلَيْهِ ثمنه أَو سلفه صَار كَأَنَّهُ بَاعه الرَّهْن بيعا فَاسِدا فَيفْسخ مَا لم يفت وَيكون أَحَق بِهِ من الْغُرَمَاء فتستوي هَذِه حِينَئِذٍ وَالَّتِي الرَّهْن فِيهَا فِي أصل الْمُعَامَلَة أَي لِأَنَّهُ بيع فَاسد وَقع فِي الرَّهْن عِنْد الْأَجَل، وَقد قَالَ سَحْنُون: للْمُشْتَرِي سلْعَة شِرَاء فَاسِدا حَبسهَا فِي ثمنهَا إِن فلس بَائِعهَا كَمَا فِي الْمواق وَنَحْوه للطرابلسي فِي حَاشِيَة الْمُدَوَّنَة عِنْد نَصهَا الْآتِي، وَعَزاهُ لِابْنِ الْقَاسِم وَهَذَا كُله إِن كَانَت الْمُعَامَلَة إِلَى أجل وَالرَّهْن فِي أَصْلهَا أَو بعْدهَا كَمَا مرّ، وَكَذَا لَو كَانَ البيع أَو السّلف على الْحُلُول فرهنه بعد العقد رهنا ليؤخره إِلَى أجل بِشَرْط إِن لم يوفه دينه عِنْده فالرهن مَبِيع بِالدّينِ فَيفْسخ هَذَا الشَّرْط وَيَأْخُذ المسلف سلفه وَالْبَائِع ثمنه وَيكون أَحَق برهنه حَتَّى يَأْخُذ حَقه، هَذَا ملخص مَا فِي أبي الْحسن مَعَ بعض زِيَادَة للإيضاح، وَذَلِكَ على قَوْلهَا وَمن لَك عَلَيْهِ دين إِلَى أجل فرهنك بِهِ رهنا على أَنه إِن لم يفتكه مِنْك فالرهن لَك بِدينِك لم يجز الخ. تَنْبِيه: علم مِمَّا مر أَن النَّهْي يسْتَلْزم الْفساد وَهُوَ لَا يسْتَلْزم عدم الِاخْتِصَاص. وَاعْلَم أَن الْمُعَامَلَة وَالرَّهْن فِي هَذَا الْبَاب تَارَة يكون الرَّهْن صَحِيحا والمعاملة فَاسِدَة، وَتارَة بِالْعَكْسِ، وَتارَة يكون كل مِنْهُمَا فَاسِدا، فَالْأول يرد فِيهِ السّلْعَة وَالرَّهْن، فَإِن فَاتَت السّلْعَة الْمَبِيعَة فالرهن فِي الْقيمَة اتِّفَاقًا، وَأما الثَّانِي فالغريم أَحَق بِالرَّهْنِ على ظَاهرهَا وَهُوَ الْأَصَح، وَأما الثَّالِث فَيعلم حكمه من الْوَجْهَيْنِ قبله أَي فالرد مَعَ الْقيام وَالْقيمَة مَعَ الْفَوات وَيكون أَحَق بِالرَّهْنِ قَالَ مَعْنَاهُ الرجراجي انْظُر تَمَامه فِيهِ.
(فصل فِي اخْتِلَاف المتراهنين)
فِي عين الرَّهْن أَو فِي حُلُول أَجله وَفِي صفته وَبَدَأَ بِالْأولِ فَقَالَ: وَفِي اخْتِلاَفِ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنْ فِي عَيْنِ رَهْنٍ كانَ فِي حَقَ رُهِنْ(1/289)
(وَفِي اخْتِلَاف رَاهن ومرتهن) يتَعَلَّق بالمبتدأ فِي الْبَيْت بعده أَو بِخَبَرِهِ (فِي عين رهن) يتَعَلَّق باخْتلَاف (كَانَ) اسْمهَا ضمير يعود على الرَّهْن (فِي حق) يتَعَلَّق بقوله: (رهن) الَّذِي هُوَ خبر كَانَ وَالْجُمْلَة من كَانَ وَمَا بعْدهَا صفة لرهن. القَوْلُ قَوْلُ رَاهِنٍ إنْ صَدَّقَا مَقَالَهُ شَاهِدُ حَالٍ مُطْلَقَا (القَوْل) مُبْتَدأ (قَول رَاهن) خَبره (إِن صدقا) شَرط حذف جَوَابه لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ (مقاله) مفعول بقوله صدقا (شَاهد حَال) فَاعل صدقا (مُطلقًا) حَال من الْخَبَر، وَلَو قَالَ النَّاظِم: وَإِن فِي ذَات رَهنه تنَازعا فَالْقَوْل للرَّاهِن أَن شبها دَعَا لأغناه. كَأَنْ يَكُونَ الحَقُّ قَدْرُهُ مِائَهْ وَقيمَةُ الرَّهْنِ لِعَشْرٍ مُبَدِئَهْ (كَأَن) خبر لمبتدأ مَحْذُوف (يكون الْحق) اسْم يكون وَجُمْلَة (قدره مَائه) من مُبْتَدأ وَخبر خبر يكون (وَقِيمَة الرَّهْن) مُبْتَدأ (لعشر) يتَعَلَّق بقوله: (مبدئه) الَّذِي هُوَ خبر وَالْجُمْلَة حَالية. وَظَاهر قَوْله: فِي عين رهن أَي عينه قَائِمَة، لَكِن الْمُرْتَهن يَقُول: إِن هَذِه عينه والراهن يَقُول لَيست هَذِه عينه بل هِيَ غير هَذِه، وَيحْتَمل أَن يختلفا فِي عينه بعد ذهابها بزعم الْمُرْتَهن فيختلفان فِي صفتهَا وَيكون قَوْله فِي عين رهن على هَذَا على حذف مُضَاف أَي فِي صفة عين رهن بعد هلكها فِي ضَمَان الرَّاهِن، وَالْأول أقرب للفظ النّظم وَهُوَ مَذْهَب أصبغ فِي الْعُتْبِيَّة قَالَ فِيهَا: إِن رَهنه رهنا بِأَلف فجَاء ليقبضه فَأخْرج الْمُرْتَهن رهنا يُسَاوِي مائَة فَقَالَ الرَّاهِن: لَيْسَ هُوَ رهني وَقِيمَة رهني ألف دِينَار، وَذكر صفة تَسَاوِي ذَلِك فالراهن مُصدق مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ ادّعى مَا يشبه وَادّعى الْمُرْتَهن مَا لَا يشبه، وَلما كَانَ هَذَا النَّص مُطلقًا فَيشْمَل بِظَاهِرِهِ الْمُتَّهم وَغَيره إِذْ الْمُطلق على إِطْلَاقه لَا يُقيد بِشَيْء قَالَ النَّاظِم: مُطلقًا، وَأما مَا يشْهد للاحتمال الثَّانِي فَهُوَ قَول عِيَاض كَمَا فِي أبي الْحسن على قَوْلهَا وَإِذا ضَاعَ الرَّهْن عِنْد الْمُرْتَهن فَاخْتلف فِي قِيمَته تواصفاه، وَيكون القَوْل قَول الْمُرْتَهن فِي الصّفة إِلَى آخر مَا نَصه فِيهِ دَلِيل على أَن الدّين لَيْسَ شَاهدا للرَّهْن، وَأَن القَوْل قَول الْمُرْتَهن وَإِن لم يذكر من صفة الرَّهْن مَا يشبه وَهُوَ قَوْله فِي الْمُوازِية وَفِي الْعُتْبِيَّة لأصبغ خِلَافه، وَإِن الرَّاهِن إِذا ادّعى صفة تَسَاوِي قدر الدّين فَالْقَوْل قَوْله، فَجعل الدّين شَاهدا للرَّهْن اه. ولأشهب أَن القَوْل(1/290)
للْمُرْتَهن وَإِن لم يذكر إِلَّا مَا يُسَاوِي درهما. ابْن رشد: وَقَول أَشهب إغراق فِي الْقيَاس، وَقَول أصبغ اسْتِحْسَان وَهُوَ أظهر، وَقد قَالَ مَالك تِسْعَة أعشار الْعلم الِاسْتِحْسَان، وَكَذَا استغربه ابْن عبد السَّلَام وَمَال إِلَيْهِ ابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته، وَلذَا اقْتصر النَّاظِم عَلَيْهِ كَابْن سَلمُون لَكِن الْمَشْهُور فِي الصُّورَتَيْنِ أَن القَوْل للْمُرْتَهن وَإِن لم يشبه لِأَنَّهُ غَارِم وَلِأَنَّهُ مؤتمن بجعله فِي يَده وَلم يشْهد على عينه، بل لَو قَالَ لم ترهني شَيْئا لصدق بِيَمِينِهِ، وَلذَا قَالَ (خَ) : وَهُوَ كالشاهد فِي قدر الدّين لَا الْعَكْس أَي فَلَا يكون الدّين شَاهدا لقيمة الرَّهْن، وَلَو أَرَادَ النَّاظِم التمشية عَلَيْهِ لقَالَ: وَالرَّهْن شَاهد لقدر الدّين وَالْعَكْس مَرْجُوح بِغَيْر مين وتنتهي شَهَادَة الرَّهْن لقدر الدّين لمبلغ قِيمَته وَمَا جَاوز قِيمَته القَوْل فِيهِ قَول الرَّاهِن، فَإِذا أقرّ الرَّاهِن أَن الدّين خَمْسَة، وَقَالَ الْمُرْتَهن عشرَة، فَإِن كَانَت قيمَة الرَّهْن عشرَة فَأكْثر صدق الْمُرْتَهن، وَإِن كَانَت قِيمَته خَمْسَة فَأَقل صدق الرَّاهِن، وَكَذَا لَو أقرّ الرَّاهِن أَن الدّين مائَة وَأَن الرَّهْن فِي خمسين مِنْهَا وَقِيمَته خَمْسُونَ فَالْقَوْل لَهُ فَيدْفَع الْخمسين وَيَأْخُذ الرَّهْن وَتبقى الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَة بِلَا رهن، وَتعْتَبر الْقيمَة يَوْم الحكم عِنْد ابْن الْقَاسِم إِن كَانَ قَائِما وَيَوْم الْقَبْض إِن كَانَ تَالِفا وَلَا فرق لشهادته فِي قدر الدّين بَين أَن يكون بيد الْمُرْتَهن أَو الْأمين قَائِما أَو فائتاً فِي ضَمَان الْمُرْتَهن، فَإِن فَاتَ فِي ضَمَان ربه كَمَا لَو قَامَت على هَلَاكه بَيِّنَة أَو كَانَ مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ أَو هلك بيد الْأمين فَلَا يكون شَاهدا لقدر الدّين. فَائِدَة: قَالَ فِي التَّبْصِرَة: معنى الِاسْتِحْسَان أَن تكون الْحَادِثَة مترددة بَين أصلين أَحدهمَا أقوى بهَا شبها وَأقرب إِلَيْهَا وَالْآخر أبعد فيعدل عَن الْقيَاس على الأَصْل الْقَرِيب إِلَى الْقيَاس على الأَصْل الْبعيد لجَرَيَان عرف أَو ضرب من الْمصلحَة أَو خوف مفْسدَة أَو ضرب من الضَّرَر اه. والقَوْلُ حَيْثُ يَدْعي مَنِ ارْتَهَنْ حُلُولَ وَقْتِ الرَّهْن قَوْلُ مَنْ رَهَنْ و (القَوْل) مُبْتَدأ (حَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشّرطِيَّة مَنْصُوب بجوابه (يَدعِي من) مَوْصُول فَاعل (ارْتهن) صلته (حُلُول) مفعول يَدعِي (وَقت الرَّهْن) مُضَاف إِلَيْهِ (قَول من رهن) خبر وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل للرَّاهِن لِأَنَّهُمَا قد اتفقَا على أصل الْأَجَل وَاخْتلفَا فِي خُصُوص الِانْقِضَاء وَالْأَصْل عَدمه. وَهَذَا الحكم عَام فِي كل متعاقدين اتفقَا على الْأَجَل وَاخْتلفَا فِي انقضائه كَانَا متبايعين أَو متراهنين أَو متكاريين أَو غير ذَلِك. (خَ) : وَإِن اخْتلفَا فِي انْتِهَاء الْأَجَل فَالْقَوْل لمنكر التقضي.(1/291)
وَفِي كَثَوْبِ خَلَقِ ويَدَّعِي جدَّتَهُ الرَّاهنُ عَكْس ذَا وُعِي (وَفِي كَثوب) يتَعَلَّق بوعي آخر الْبَيْت (خلق) بِفَتْح اللَّام أَي بَال وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، وَيجوز فِيهِ كسر اللَّام على أَنه اسْم فَاعل وعَلى كل حَال هُوَ صفة لثوب (وَيَدعِي جدته) مفعول (الرَّاهِن) فَاعل (عكس ذَا) مُبْتَدأ (وعي) خَبره يُرِيد أَن الرَّاهِن إِذا ادّعى جدة الثَّوْب الْمَرْهُون وَأَن الْمُرْتَهن اسْتَعْملهُ حَتَّى أبلاه وَادّعى الْمُرْتَهن أَنه كَذَلِك رَهنه فَالْقَوْل للْمُرْتَهن. إلاَّ إِذا خَرَجَ عَمَّا يُشْبِهُ وَفِي ذَا وذَا فَالْعَكُسُ لَا يُشْتَبهُ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط (خرج) فَاعله ضمير مستتر يعود على من كَانَ القَوْل لَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَة الأولى الرَّاهِن وَفِي الثَّانِيَة الْمُرْتَهن (عَمَّا يشبه) يتَعَلَّق بخرج، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا والناصب للظروف جَوَابه الْآتِي (فِي ذَا) يتَعَلَّق بخرج (وَذَا) مَعْطُوف على مَا قبله وَالْإِشَارَة الأولى ترجع لقبُول قَول الرَّاهِن فِي مَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِي الْأَجَل، وَالثَّانيَِة ترجع لقبُول قَول الْمُرْتَهن فِي الِاخْتِلَاف فِي الصّفة أَي: فَإِذا خرج الرَّاهِن عَمَّا يشبه من الْأَجَل فِي الأول بِأَن ادّعى أَََجَلًا لَا تتبايع النَّاس إِلَيْهِ غَالِبا فِي الأولى أَو خرج الْمُرْتَهن عَمَّا يشبه فِي الثَّانِيَة. (فالعكس) مُبْتَدأ وَهُوَ أَن القَوْل للْمُرْتَهن فِي الأولى وللراهن فِي الثَّانِيَة (لَا يشْتَبه) خَبره وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلَكِن تَأمل كَيفَ يخرج الْمُرْتَهن عَن الشّبَه فِي الثَّوْب الْخلق مَعَ أَنهم قَالُوا لَو أخرج لَهُ رهنا لَا يُسَاوِي إلاَّ درهما فَالْقَوْل لَهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه وجد بِهِ أثر الِاسْتِعْمَال الْحَادِث وَنَحْو ذَلِك، لَكِن لَا يلْزم من وجود أثر الِاسْتِعْمَال أَن يكون هُوَ الَّذِي أبلاه، فَلَعَلَّ هَذَا إِنَّمَا يَأْتِي على مَا درج عَلَيْهِ النَّاظِم من أَن الدّين شَاهد للرَّهْن كَمَا هُوَ ظَاهر سِيَاق ابْن سَلمُون، وَيُمكن أَن يحمل النَّاظِم على مَا إِذا اخْتلفَا فِي صفة الثَّوْب التَّالِف فَادّعى الرَّاهِن جدته، وَخَالفهُ الْمُرْتَهن وَادّعى أَنه خلق فَالْقَوْل للْمُرْتَهن إِلَّا أَن يَأْتِي بِمَا لَا يشبه لقلَّة قيمَة مَا ذكره جدا فَالْقَوْل للرَّاهِن كَمَا قَالَه أَشهب فِي أحد قوليه لكنه مُخَالف لإِطْلَاق قَول (خَ) وَإِن اخْتلفَا فِي قيمَة تَالِف تواصفاه ثمَّ قوم فَإِن اخْتلفَا فَالْقَوْل للْمُرْتَهن وَإِن تجاهلا فالرهن بِمَا فِيهِ الخ. فَظَاهر شراحه أَن القَوْل للْمُرْتَهن مُطلقًا لِأَنَّهُ غَارِم وَهُوَ الْمُوَافق لما مرّ فَإِذا لم يختلفا فِي الْعين وَلَا فِي الْأَجَل وَلَا فِي الصّفة، بل فِي أصل الرهنية أَو تلفه أَو فِي الْمَقْبُوض فَالْأول. قَالَ ابْن عَرَفَة: لَو ادّعى حائز لشَيْء ارتهانه وربه إيداعه فَالْمَذْهَب تَصْدِيق الرَّاهِن اللَّخْمِيّ: إِلَّا أَن يشْهد عرف لحائز كخاتم(1/292)
عِنْد بقال قَالَ: وَلَو ادّعى حائز لعبدين رهنهما وَقَالَ ربهما: بل أَحدهمَا صدق ربهما وَلَو ادّعى حائز عبد رهن جَمِيعه، وَقَالَ ربه بل نصفه صدق ربه أَيْضا خلافًا لِابْنِ الْعَطَّار فِي هَذِه يزِيد وَالدّين ثَابت فِي هَذِه الصُّور كلهَا، وَهَذَا معنى قَول (خَ) وَالْقَوْل لمُدعِي نفي الرهنية. وَفِي الْمُدَوَّنَة لَو ادّعى حائز جُبَّة وغطاء فَتلف وَقَالَ: هُوَ وَدِيعَة والجبة رهن وَعكس رَبهَا حلف كل مِنْهُمَا على نفي دَعْوَى صَاحبه وَأخذ الْجُبَّة رَبهَا وَلَا غرم على الْحَائِز وَقد قَالَ بَعضهم فِي هَذِه مَا نَصه: وَالْقَوْل قَول من نفى الرهنية إِلَّا لعرف أَو مَعَ البعضية أَو يَدعِي البيع ورهناً أَنْت أَو غير مَا بِيَدِهِ ارتهنت وَأما الثَّانِي فَإِن ادّعى الْمُرْتَهن رد الرَّهْن الْمَقْبُوض بِغَيْر بَيِّنَة بعد قبض دينه وَأنْكرهُ الرَّاهِن فِي رده حلف وَضَمنَهُ الْمُرْتَهن اتِّفَاقًا لِأَن مَا لَا يصدق فِي تلفه لَا يصدق فِي رده إِلَّا أَن يكون مِمَّا لَا يُغَاب عَلَيْهِ فَيصدق فَإِن ادّعى الرَّاهِن أَنه مَا قبض الرَّهْن حَتَّى دفع الدّين وَخَالفهُ الْمُرْتَهن وَقَالَ: بل سَرقته أَو دَفعته لَك لتَأْتِيني بحقي فَالْقَوْل للرَّاهِن إِن قَامَ الْمُرْتَهن بطول كالعشرة أَيَّام وإلاَّ فَالْقَوْل للْمُرْتَهن (خَ) : ولراهن بِيَدِهِ رَهنه بِدفع الدّين، وَأما الثَّالِث فَالْقَوْل للْمُرْتَهن وَيغرم قيمَة مَا يُغَاب عَلَيْهِ لَا غَيره إِلَّا أَن يكذبهُ عدُول فِي دَعْوَاهُ موت دَابَّة كَمَا مرّ، وَإِن رهنت أصُول مَعَ رسومها فَادّعى تلف الرسوم فَإِنَّهُ يغرم مَا بَين قيمتهَا برسومها وَقيمتهَا بِغَيْر رسوم قَالَه ابْن عَرَفَة. وَإِن رهنت رسوم فَادّعى تلفهَا وَشهد شَاهد بِأَنَّهَا رئيت عِنْده بعد ذَلِك فَإِنَّهُ يضيق عَلَيْهِ بالسجن فَإِن طَال ذَلِك حلف وَأطلق. انْظُر مسَائِل الْغَصْب من الْبُرْزُليّ، وَأما الرَّابِع وَهُوَ اخْتِلَافهمَا فِي الْمَقْبُوض فَقَالَ الرَّاهِن عَن دين الرَّهْن، وَقَالَ الْمُرْتَهن عَن الدّين الَّذِي لَيْسَ برهن أَن الْمَقْبُوض يوزع على قدر الدينَيْنِ فَيصير الدّين الْبَاقِي نصفه برهن وَنصفه بِلَا رهن كَمَا فِي (خَ) .
(بَاب الضَّمانِ وَمَا يَتعَّلقُ بِهِ)
من غرم وَعَدَمه وسقوطه بِفساد أَصله ويعبر عَنهُ بالحمالة أَيْضا. ابْن عَرَفَة: الْحمالَة الْتِزَام دين لَا يسْقطهُ أَو طلب من هُوَ عَلَيْهِ هُوَ لَهُ فَقَوله: لَا يسْقطهُ فِي مَحل رفع صفة لالتزام لَا لدين(1/293)
أَي الْتِزَام لَا يسْقط لدين عَمَّن هُوَ عَلَيْهِ، وَخرج بِهِ الِالْتِزَام الْمسْقط للدّين كمن تحمل عَن ابْنه وَنَحْوه بِصَدَاق امْرَأَته، وَكَمن الْتزم أَدَاء دين عَن آخر على أَن يُبرئهُ الطَّالِب وَلَا يرجع هُوَ عَلَيْهِ وَرَضي بذلك وَهِي الْحِوَالَة على غير أصل دين الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا (خَ) بقوله: فَإِن أعلمهُ بِعَدَمِهِ وَشرط الْبَرَاءَة صَحَّ الخ. وَكَذَا تخرج الْحِوَالَة على أصل الدّين على القَوْل بِاشْتِرَاط رضَا الْمحَال عَلَيْهِ أَو بِعَدَمِ اشْتِرَاطه وَلكنه رَضِي لِأَنَّهَا الْتِزَام أَدَاء دين يسْقطهُ عَن الْمُحِيل إِمَّا أَن لم يرض على القَوْل بِأَن رِضَاهُ لَا يشْتَرط فَلم تدخل مَعنا إِذْ الِالْتِزَام لأَدَاء الدّين حِينَئِذٍ. وَقَوله: أَو طلب بِالْجَرِّ عطف على دين أَي الْتِزَام دين أَو الْتِزَام طلب وَيدخل فِيهِ ضَمَان الْوَجْه وَضَمان الطّلب وَتقول فِي وثيقته ضمن فلَان لفُلَان عَن فلَان جَمِيع الدّين الْوَاجِب عَلَيْهِ من وَجه كَذَا وَقدره كَذَا بعد معرفَة الضَّامِن بِوُجُوب الْعدة للمضمون لَهُ على الْمَضْمُون عَنهُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور ضمانا لَازِما لمَاله وذمته لانقضاء أجل كَذَا أَو على الْحُلُول بِإِذن الْمَضْمُون عَنهُ وَرضَاهُ وبموافقة الْمَضْمُون لَهُ شهد عَلَيْهِم بِمَا فِيهِ عَنْهُم وهم بأتمه وعرفهم الخ. فَإِن سقط من الرَّسْم الْمَضْمُون لَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ يجوز ضَمَان مَا على ميت وغائب وَنَحْوه، وَيلْزم الضَّامِن ضَمَان مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون وَإِن لم يعلم بأربابها وَقَوْلنَا: جَمِيع الدّين الخ. يدْخل فِيهِ عمل الْمُسَاقَاة لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّة كَالدّين وَثمن الْجعل لِأَنَّهُ يلْزم الْجَاعِل بِالشُّرُوعِ وَيخرج بِهِ المعينات، فَلَا يجوز بخلاص سلْعَة بِعَينهَا إِن اسْتحقَّت على نَحْو مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَيسْقط الضَّمَان فِي فَسَاد الخ. حرفا بِحرف وَلَا فِي الْحُدُود والعقوبات وَلَا فِي عَارِية ووديعة وَلَا قِرَاض وَشركَة على أَنَّهَا إِن تلفت أَتَى بهَا بِعَينهَا فَإِن ضمن مَا يَتَرَتَّب على الْعَارِية وَنَحْوهَا بِسَبَب تعد أَو تَفْرِيط من الْقيمَة صَحَّ وَلزِمَ، وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدهُ النَّاس كضمان بعض الدلالين لبَعض على أَنه إِذا هرب وَلم يَأْتِ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ قيمَة مَا هرب بِهِ، وكدابة اعْترف بهَا مستحقها فَأَرَادَ وَقفهَا لشُبْهَة أَتَى بهَا فَترك وَقفهَا إِلَى إِثْبَاتهَا بضامن لِأَن الْمَعْنى ضَمَان مَا يخْشَى مِمَّن هِيَ بِيَدِهِ من تغييبها أَو هروبه بهَا قَالَه ابْن رشد، وَأما ضَامِن الضَّرَر الَّذِي تَأْخُذهُ الزَّوْجَة من زَوجهَا فَهُوَ من ضَمَان الْوَجْه وَهُوَ جَائِز فِي الْحُدُود والعقوبات كَمَا يَأْتِي، وَانْظُر (ق) فقد ذكر نَظَائِر لَا تصح بهَا الْحمالَة، وَلَا تجوز أَيْضا فِي كِتَابَة لِأَنَّهَا لَيست بدين لَازم وَإِن سقط من الرَّسْم من وَجه كَذَا أَي بيع أَو سلف وَنَحْو ذَلِك لم يضر سُقُوطه لِأَنَّهُمَا إِن اخْتلفَا فِي الْوَجْه الَّذِي ترَتّب بِهِ الدّين فَالْقَوْل للطَّالِب وَإِن سقط مِنْهُ مبلغ الْقدر وَمَعْرِفَة الضَّامِن بِهِ لم يضر أَيْضا لجَوَاز ضَمَان الْمَجْهُول كَمَا يَأْتِي لِأَن الْعبْرَة بِمَا يُثبتهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِن سقط مِنْهُ لمَاله وذمته الخ لِأَنَّهُ يحمل على المَال كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَهُوَ بِمَال حَيْثُ لم يعين الخ. وَكَذَا إِن سقط مِنْهُ رضَا الْمَضْمُون عَنهُ إِن كَانَ على أصل الدّين بِبَيِّنَة كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا الخ. وَإِن لم يُوَافق الْمَضْمُون لَهُ على الضَّمَان وَلم يقبله ضَامِنا لم يُؤَاخذ الضَّامِن بِشَيْء، وَإِن كَانَ ضَمَان وَجه أَو طلب. قلت: بدل قَوْلنَا جَمِيع الدّين الخ. وَجه فلَان أَو طلبه ليحضره إِيَّاه فِي وَقت كَذَا بِموضع كَذَا فَإِن عجز عَن إِحْضَاره فَفِي الطّلب لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَفِي الْوَجْه سَيَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا الخ. وسُمِّيَ الضَّامنُ بالْحَمِيلِ كَذَاكَ بالزَّعِيمِ والكَفيلِ (وَسمي الضَّامِن) نَائِب (بالحميل) يتَعَلَّق بسمي (كَذَاك) سمي (بالزعيم وَالْكَفِيل) وَلَيْسَ(1/294)
مُرَاده بَيَان مَا يُسمى بِهِ الضَّامِن كَمَا هُوَ ظَاهره، وَإِنَّمَا مُرَاده بَيَان صِيغ الضَّمَان الَّتِي ينْعَقد بهَا وتدل عَلَيْهِ فَإِذا قَالَ: أَنا زعيم أَو حميل أَو ضَامِن أَو قبيل أَو غَرِيم بغين مُعْجمَة فمهملتين بَينهمَا مثناة تحتية أَو صبير أَو مَدين أَو أذين فَذَاك كُله ضَمَان. عِيَاض: هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا بِمَعْنى وَاحِد واشتقاق ذَلِك كُله من الْحِفْظ والحياطة فَكَانَ الكافل حَافظ وحائط لما ولي من الْأُمُور وَلما الْتَزمهُ من مَال وَنَحْوه. زَاد فِي الْمُدَوَّنَة لَو قَالَ: هُوَ لَك عِنْدِي أَو عَليّ أَو إِلَيّ أَو قبلي فَذَلِك كُله حمالَة إِن أَرَادَ الْوَجْه لزمَه، وَإِن أَرَادَ المَال لزمَه اه. وَمَا ذكره من أَنه يرجع لقصده فِي جَمِيع تِلْكَ الْأَلْفَاظ هُوَ مَذْهَب الْأَكْثَر كَمَا فِي مُعْتَمد الناجب بِنَاء على أَن الأَصْل عدم الضَّمَان فَلَا يُوجد إِلَّا بتفسيره وعَلى هَذَا اقْتصر اللَّخْمِيّ والمتيطي، وَصدر بِهِ فِي الْجَوَاهِر. ابْن رحال: وَهُوَ التَّحْقِيق وَصوب عبد الْحق وَتَبعهُ ابْن رشد وَابْن يُونُس أَنه لَا يصدق فِي إِرَادَة الْوَجْه إِلَّا بِدَلِيل من لفظ أَو قرينَة وإلاَّ فَهُوَ مَحْمُول على المَال لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر عِنْد سَماع هَذِه الْأَلْفَاظ، وَلقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الزعيم غَارِم) وَعَلِيهِ عوّل (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَحمل فِي مُطلق: أَنا حميل أَو زعيم أَو قبيل وَشبهه على المَال على الْأَرْجَح اه. فمراده بالمطلق مَا عري عَن التَّقْيِيد بِالْمَالِ وَالْوَجْه بِلَفْظ وَلَا قرينَة كَمَا فِي ابْن عَرَفَة، وَأما إِن قُلْنَا مُرَاده بالمطلق مَا عري عَن التَّقْيِيد وَالنِّيَّة لَكَانَ كَلَامه مُوَافقا لما مر عَن الْمُدَوَّنَة، وَأَنه إِنَّمَا يحمل على المَال إِذا لم ينوِ شَيْئا وَفهم من النّظم وَمِمَّا مرّ أَن قَوْله هُوَ ثِقَة لَيْسَ بِضَمَان وَأفْتى أَبُو شَاكر حَسْبَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْحَاج فِي الرجل يقف بسوق الدَّوَابّ وَالْبَقر يَقُول فِي رجل عاملوه هُوَ ثِقَة أَن ذَلِك كالضمان يلْزم الْغرم، وَأفْتى غَيره بِأَنَّهُ يحلف مَا أَرَادَ بذلك ضمانا وبرءاً، وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون. الْبُرْزُليّ: حكى ابْن رشد فِي شَرحه قَوْلَيْنِ فِي قَوْله ثِقَة هَل يضمن أَو لَا بِنَاء على أَن الْغرُور بالْقَوْل هَل يلْزم بِهِ الضَّمَان أَو لَا، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَأما إِن قَالَ: أَنا ضَامِن لما أفسد فلَان أَو أضرّ بِهِ النَّاس أَو سَرقه أَو هرب بِهِ فِي السُّوق وَنَحْوه فَإِن الضَّمَان لَازم لَهُ فِي جَمِيع مَا أفْسدهُ إِذا ثَبت ذَلِك بِوَاجِب الثبت كَمَا فِي ابْن الْحَاج أَو نَحوه فِي الشَّامِل عَن أصبغ، وَهَذَا من الْحمالَة المترقبة كَقَوْلِه: أَنا حميل بِمَا يثبت على فلَان أَو بِمَا يُوجِبهُ الحكم عَلَيْهِ فَهِيَ حمالَة بِكُل مَا ثَبت وَبِكُل مَا أوجبه الحكم كَمَا لعياض ابْن عَرَفَة: وَجَهل قدر المتحمل بِهِ غير مَانع اتِّفَاقًا اه. وَظَاهر هَذَا وَلَو تبينت مُخَالفَته لظَنّه بِكَثِير، وانظره مَعَ قَول اللَّخْمِيّ عَن ابْن الْقَاسِم فِي الْعُتْبِيَّة أَن هبة الْمَجْهُول يفرق بَين مخالفتها للظن بِكَثِير فَلَا تجوز، وَإِلَّا جَازَت. وَمِنْه إِن قَالَ داين فلَانا وَأَنا حميل بِمَا داينته بِهِ لَكِن إِنَّمَا يلْزمه فِيمَا يشبه أَن يُعَامل بِهِ على الْمُعْتَمد، وَذهب الشَّافِعِي وَالثَّوْري وَاللَّيْث إِلَى عدم جَوَازهَا بِالْمَجْهُولِ وَهُوَ أظهر لِأَنَّهُ بصدد الْأَدَاء وَلَا يدْرِي قدر مَا يسلفه ويؤديه وَالسَّلَف أَخُو البيع. وَهُوَ مِنْ المَعْرُوفِ فَالمَنْعُ اقْتضَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; مِنْ أَخْذِهِ أَجْراً بِهِ أَوْ عِوَضا (وَهُوَ) مُبْتَدأ (من الْمَعْرُوف) خبر (فالمنع) مفعول بقوله: (اقْتضى) وفاعل اقْتضى ضمير يعود(1/295)
على كَونه من الْمَعْرُوف (من أَخذه) يتَعَلَّق بِالْمَنْعِ (أجرا) مفعول بِأخذ (بِهِ أَو عوضا) مَعْطُوف عَلَيْهِ أَي لكَون الضَّمَان من الْمَعْرُوف امْتنع أَن يَأْخُذ الضَّامِن عَلَيْهِ أجرا أَو جعلا وَظَاهره من رب الدّين أَو الْمَدِين أَو غَيرهمَا وَهُوَ كَذَلِك، فَإِذا وَقع الضَّمَان بِجعْل يَأْخُذهُ الضَّامِن من الطَّالِب أَو من الْمَطْلُوب بِعلم الطَّالِب سَقَطت الْحمالَة فيهمَا، وَالْبيع صَحِيح لَازم فِي الصُّورَة الأولى لِأَن المُشْتَرِي لَا علم لَهُ بِمَا فعله الطَّالِب مَعَ الْحميل، وَأما الثَّانِيَة فالبائغ مُخَيّر فِي أَن يمْضِي بَيْعه بِغَيْر حميل أَو يردهُ، والجعل مَرْدُود على كل حَال، وَأما إِن أَخذه من الْمَطْلُوب بِغَيْر علم الطَّالِب فالجعل سَاقِط والحمالة لَازِمَة لِأَنَّهُ غره حَتَّى أخرج سلْعَته من يَده، وَكَذَا يرد الْجعل لَو كَانَ من أَجْنَبِي للضامن سَوَاء علم رب الدّين بذلك أم لَا. والحمالة لَازِمَة مَعَ عدم الْعلم فَقَط، وَكَذَا لَو الْتزم الْعهْدَة عَن البَائِع للْمُشْتَرِي بِجعْل يَأْخُذهُ من المُشْتَرِي أَو من البَائِع فَعلم المُشْتَرِي فالجعل مَرْدُود، والالتزام سَاقِط فترجع الْعهْدَة على البَائِع، فَإِن كَانَ الْجعل بِغَيْر علم المُشْتَرِي فالجعل غير لَازم والالتزام لَازم قَالَه فِي الْبَيَان فَقَوْل النَّاظِم: من أَخذه مصدر مُضَاف للْفَاعِل الَّذِي هُوَ الضَّامِن، وَمَفْهُومه أَن الْجعل إِذا لم يكن للضامن بل لرب الْمَدِين ليَأْتِي بضامن أَو للْمَدِين ليَأْتِي بِهِ أَيْضا لم يمْتَنع وَهُوَ كَذَلِك فِي الأول مُطلقًا، وَفِي الثَّانِي إِن حل الْأَجَل كَمَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِم فِي الْبَيْت بعده. تَنْبِيهَانِ. الأول: هَذَا أحد الثَّلَاث الَّتِي لَا تكون إِلَّا لله الْمَجْمُوعَة فِي قَول الْقَائِل: الْقَرْض وَالضَّمان رفق الجاه تمنع أَن ترى لغير الله وَنقل فِي المعيار عَن القوري أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي ثمن الجاه فَمن قَائِل بِالتَّحْرِيمِ بِإِطْلَاق وَمن قَائِل بِالْكَرَاهَةِ بِإِطْلَاق وَمن مفصل وَأَنه إِذا كَانَ ذُو الجاه يحْتَاج إِلَى نَفَقَة وتعب وسفر فَأخذ أُجْرَة مثله فَذَلِك جَائِز وإلاّ حرم اه. ابْن رحال: هَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْحق وَإِنَّمَا يحرم ثمن الجاه إِذا كَانَ ينْتَفع غَيره بجاهه من غير حَرَكَة وَلَا مشي فَقَوْل (خَ) عاطفاً على الْمَمْنُوع وَذي الجاه الخ. مُقَيّد بِهَذَا أَي من حَيْثُ جاهه فَقَط. الثَّانِي: أفهم قَوْله من الْمَعْرُوف الخ. أَن دَعْوَى الضَّمَان الْمُجَرَّدَة لَا تتَوَجَّه فِيهَا الْيَمين على الْمُنكر قَالَ فِي معاوضات المعيار عَن العقباني: الْأَصَح وَالْمَشْهُور أَن دَعْوَى الضَّمَان لَا تتَوَجَّه فِيهَا الْيَمين على الْمُنكر لِأَن ذَلِك من دَعْوَى الْمَعْرُوف والتبرع كدعوى الصَّدَقَة اه وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ(1/296)
فِي فصل الدَّعَاوَى الَّتِي لَا توجب الْيَمين. وَقَالَ الْبُرْزُليّ: إِن الْخلاف فِيهَا يجْرِي على الْخلاف فِي دَعْوَى الْإِقَالَة وَتقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ عِنْد قَوْله: وَفِي الْإِقَالَة ابْن عتاب يرى الخ. وَذكر الْبُرْزُليّ أَيْضا أَوَاخِر الشَّهَادَات مَا نَصه: إِذا ادّعى أَنه ضمن لَهُ ذَهَبا عَن غَرِيم فَأنْكر تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين فَإِن نكل حلف الْمُدَّعِي وَاسْتحق قَالَ: وَكَأَنِّي أذكر فِي حَاشِيَته أَنه لَا تترتب عَلَيْهِ يَمِين إِلَّا بعد ثُبُوت أصل الْحق وَفِي مَوضِع آخر إِن ادّعى أَنه تحمل لَهُ بذلك فِي أصل العقد جرت على دَعْوَى الْمَعْرُوف اه. وَالحُكْمُ ذَا حَيْثُ اشْتِرَاطُ مَح ضَمِنْ حَطًّا مِنَ المَضْمُونُ عَمَّنْ قَدْ ضُمِنْ (وَالْحكم) مُبْتَدأ (ذَا) خَبره وَالْإِشَارَة للْمَنْع (حَيْثُ) ظرف يتَعَلَّق بالحكم (اشْتِرَاط) مُبْتَدأ (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ الْمصدر من إِضَافَته لفَاعِله (ضمن) بِفَتْح الضَّاد وَكسر الْمِيم فَاعله ضمير يعود على من هُوَ الرابط بَين الصِّلَة والموصول (حطّاً) بِالطَّاءِ الْمُهْملَة مفعول بِاشْتِرَاط (من الْمَضْمُون) يتَعَلَّق بِهِ، وَكَذَا (عَمَّن قد ضمن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَقد للتحقيق، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول الْمَجْرُور بِمن وَخبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ اشْتِرَاط مَحْذُوف أَي كَائِن وَنَحْوه، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ وَجَوَاب الشَّرْط الناصب لَهُ مَحْذُوف أَيْضا لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الضَّامِن إِذا قَالَ لرب الدّين قبل الْأَجَل حط من دينك عشرَة عَن الْمَدِين وَأَنا ضَامِن لَك بِالْبَاقِي فَإِنَّهُ يمْنَع على قَول ابْن الْقَاسِم لِأَن التَّوَثُّق بالضامن فِي معنى التَّعْجِيل فَفِيهِ ضع وتعجل، وَكَذَا لَو أعطَاهُ رهنا قبل الْأَجَل على أَن يحط عَنهُ بعض الدّين لِأَن الْعلَّة جَارِيَة أَيْضا، فقد أخل النَّاظِم بِقَيْد كَون ذَلِك قبل الْأَجَل إِذْ لَو كَانَ بعده لجَاز على الْمُعْتَمد لِأَنَّهُ كابتداء سلف بحميل أَو رهن خلافًا لمَالِك فِي الْعُتْبِيَّة وَإِطْلَاق النَّاظِم يَقْتَضِي أَنه درج عَلَيْهِ فَلَو قَالَ: كَذَاك جعل للْمَدِين قد حصل من ربه أَو غَيرهَا قبل الْأَجَل لَكَانَ أسهل معنى وَأقرب تناولاً وَأَنه لَا مَفْهُوم لقَوْله حطّاً بل كَذَلِك لَو أعطَاهُ رب الدَّين أَو أَجْنَبِي دِينَارا مثلا ليَأْتِي بضامن قبل الْأَجَل لِلْعِلَّةِ السَّابِقَة لِأَن مَا أَخذه فِي معنى الْإِسْقَاط لمقابله من الدّين مَعَ تَعْجِيل حَقه بتوثقه فَإِن كَانَ الْجعل لملاطف الْمَدِين فِي هَذِه أَو لملاطف الضَّامِن فِي(1/297)
الأولى فَيجوز إِلَّا أَن تقوم قرينَة على أَن الضَّامِن إِنَّمَا ضمن لأجل مَا أَخذه ملاطفة أَو الْمَدِين إِنَّمَا أَتَى بضامن لذَلِك أَيْضا فَيمْتَنع حِينَئِذٍ قَالَه (ز) وَالَّذِي للخمي أَن الْحميل لَو قَالَ: أَنا أتحمل لَك على أَن تُعْطِي لفُلَان غير الْغَرِيم دِينَارا لم يجز، وَوَجهه أَنه لما أَخذه فلَان بِسَبَبِهِ فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخذه فَيكون ضمانا بِجعْل اه. فَلم يُقيد بملاطف وَلَا بِغَيْرِهِ. وَباشْتِرَاكٍ وَاسْتِوَاءٍ فِي الْعَدَدْ تَضَامُنٌ خُفِّفَ فِيهِ أَنْ وَرَدْ (وباشتراك) يتَعَلَّق بقوله تضامن وباؤه بِمَعْنى مَعَ (واستواء) مَعْطُوف على مَا قبله (فِي الْعدَد) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ (تضامن) مُبْتَدأ مصدر تضامن (خفف) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (فِيهِ) نَائِبه وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ (أَن) بِفَتْح الْهمزَة مجرورة بلام الْجَرّ محذوفاً (ورد) صلَة أَن، وَالْمعْنَى أَن ضَمَان شخص على أَن يضمنهُ الآخر الْآن أَو مَتى احْتَاجَ وَنَحْو ذَلِك مَمْنُوع لِأَنَّهُ من ضَمَان بِجعْل فَهُوَ دَاخل تَحت قَوْله فِيمَا مر أَو عوضا، لَكِن اسْتثْنِي من ذَلِك صُورَة وَاحِدَة وَهِي أَن يَشْتَرِي اثْنَان مثلا سلْعَة مُعينَة على الشّركَة بَينهمَا وتساويا فِيهَا وَيضمن كل مِنْهُمَا الآخر فِيمَا عَلَيْهِ من ثمنهَا أَو يبيعا سلْعَة مُشْتَركَة بَينهمَا وَيضمن كل مِنْهُمَا الآخر فِيمَا يلْحقهُ من دَرك الْعَيْب والاستحقاق أَو يسلما فِي سلْعَة بَينهمَا ويتضامنا فِيهَا أَو اقترضا شَيْئا وتساويا فِيهِ، فَإِنَّهُ خفف التضامن فِي ذَلِك كُله فِي الأولى اتِّفَاقًا وَفِيمَا بعْدهَا على الْأَصَح كَمَا فِي الشَّامِل لوُرُود ذَلِك عَن السّلف وَمَفْهُوم اشْتِرَاك واستواء أَنه لَو اشْترى أَو بَاعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَحده أَو اشْتَركَا على التَّفَاوُت كالثلث والثلثين لم يجز إِلَّا أَن يضمن صَاحب الثُّلُث للْآخر الثُّلُث فَقَط وَإِلَى هذَيْن وَالَّتِي قبلهَا أَشَارَ (خَ) بقوله: وفسدت بكجعل وَإِن من عِنْد ربه لمدينه وَإِن بِضَمَان مضمونه إِلَّا فِي اشْتِرَاك شَيْء بَينهمَا أَو بَيْعه كقرضهما على الْأَصَح فَقَوله: بكجعل أَي وصل للضامن مُطلقًا، وَقَوله: وَإِن من عِنْد ربه يَعْنِي أَو من أَجْنَبِي وصل للْمَدِين لَكِن قبل الْأَجَل كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبله. وَلما تكلم على مَا ينْعَقد بِهِ الضَّمَان وَأَنه لَا يَصح بِجعْل شرع فِي الْكَلَام على من يَصح مِنْهُ لِأَن الضَّامِن مُتَبَرّع بِمَا يضمنهُ، والتبرع إِنَّمَا يَصح مِمَّن لَا حجر عَلَيْهِ فَقَالَ: وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ وَثُلْثِ مَنْ يُمْنَعُ كَالزَّوْجَاتِ (وَصَحَّ) فَاعله ضمير يعود على الضَّمَان (من أهل التَّبَرُّعَات) يتَعَلَّق بِهِ فَيدْخل الْمُكَلف الَّذِي لَا حجر عَلَيْهِ بِحَال وَلَو أخرس وَيخرج الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه فَلَا يَصح ضمانهم وَإِن أجَازه الْوَلِيّ، وَيخرج أَيْضا الَّذِي أحَاط الدّين بِمَالِه إِن لم يجزه الْغُرَمَاء وَيخرج الْمكَاتب والمأذون لَهُ إِن لم يجزه(1/298)
السَّيِّد أَيْضا، وَأَحْرَى غَيرهمَا من مُدبر ومبعض وَأم ولد، فَالْمُرَاد بِالصِّحَّةِ فِي كَلَامه اللُّزُوم ومفهومها فِيهِ تَفْصِيل تَارَة يكون غير صَحِيح وَغير لَازم وَتارَة يكون صَحِيحا، وَلَكِن يتَوَقَّف على إجَازَة الْغَيْر كَمَا ترى (وَثلث) بِالْجَرِّ مَعَ سُكُون اللَّام عطف على أهل (من يمْنَع) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة من (كالزوجات) خبر لمَحْذُوف مِثَال لمن يمْنَع كالزوجات أَي وَصَحَّ الضَّمَان وَلزِمَ من أهل التَّبَرُّعَات بِكُل المَال وَثلث من يمْنَع من التَّبَرُّع بكله كَالزَّوْجَةِ وَالْمَرِيض، وَلَك أَن تجْعَل ثلث مَعْطُوفًا على مُقَدّر قبل قَوْله: من أهل الخ. أَي وَصَحَّ الضَّمَان وَلزِمَ فِي كل المَال مِمَّن لَهُ التَّبَرُّع بكله وَفِي ثلث من يمْنَع من التَّبَرُّع بكله كَالزَّوْجَةِ، وَمَفْهُوم ثلث أَن الزَّوْجَة وَالْمَرِيض لَا يلْزمهُمَا الضَّمَان فِي الزَّائِد عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ صَحِيحا ويتوقف على رضَا الزَّوْج وَالْوَرَثَة وَللزَّوْج حِينَئِذٍ رد الْجَمِيع وَلَو ضمنته هُوَ لَا الزَّائِد فَقَط بِخِلَاف الْوَارِث فَإِنَّمَا لَهُ إِن مَاتَ الْمَرِيض رد الزَّائِد فَقَط وَلَو ضمنه هُوَ وَظَاهره أَنه لَا يرد الثُّلُث وَلَو قصد بِهِ الضَّرَر وَهُوَ كَذَلِك. وَظَاهره أَيْضا أَن الزَّوْجَة لَا تصدق أَنه أكرهها على الْكفَالَة عَنهُ أَو لغيره وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة. قَالَ أَشهب: فَإِن زعمت أَن الطَّالِب عَالم بِالْإِكْرَاهِ وَكَانَ مِمَّن يظنّ بِهِ الْعلم كجار وَقَرِيب حلف فَإِن نكل حَلَفت وبرئت. انْظُر ابْن عَرَفَة وَأَبا الْحسن فَإِن صَحَّ الْمَرِيض من مَرضه لزمَه مَا تكفل بِهِ مُطلقًا ثلثا أَو أَكثر تكفل لوَارِثه أَو غَيره كَمَا يلْزمه مَا بتله فِي مَرضه من صَدَقَة وَنَحْوهَا إِلَّا لقَرِينَة تدل على أَنه أَرَادَ بهَا الْوَصِيَّة. اللَّخْمِيّ: فَإِن رَجَعَ عَن الْكفَالَة بعد أَن صَحَّ وَقَالَ: كنت أردْت بهَا الْوَصِيَّة لم يقبل قَوْله: إِذا كَانَت فِي عقد البيع أَو الْقَرْض وَيخْتَلف إِذا كَانَت بعده اه. وَظَاهر النّظم أَنه ضمن فِي الْمَرَض وَأما إِن أقرّ فِي الْمَرَض أَنه تكفل فِي الصِّحَّة فَإِنَّهُ لَا يمْضِي فِي ثلث وَلَا فِي غَيره قَالَ فِيهَا وَمَا أقرّ بِهِ الْمَرِيض أَنه فعله فِي صِحَّته من عتق أَو كَفَالَة أَو حبس أَو صَدَقَة لوَارث أَو غَيره فَإِقْرَاره كُله بَاطِل وَلَا يجوز فِي ثلث وَلَا غَيره اه. فحملها الْأَكْثَر على ظَاهرهَا وتأولها الْأَقَل على أَن ذَلِك إِذا أقرّ فِي مَرضه أَنه تكفل فِي صِحَّته بعد عقد بيع أَو قرض لِأَنَّهُ مَعْرُوف حِينَئِذٍ كالصدقة وَالْحَبْس لَا إِن أقرّ أَنه تكفل فِي عقد البيع أَو الْقَرْض فَذَلِك لَازم لَهُ لِأَنَّهُ أخرج بِهِ الْملك من يَد مَالِكه ودرج فِي الشَّامِل على تَأْوِيل الْأَقَل فَقَالَ: وَلَو أقرّ فِي مَرضه أَنه ضمن فِي صِحَّته فِي أصل عقد بيع أَو قرض لزم لَا بعده اه. وَأما الزَّوْجَة إِن تأيمت قبل الرَّد فيلزمها ذَلِك أَيْضا، وَانْظُر لَو أقرَّت فِي حَال التَّزَوُّج أَنَّهَا تكفلت فِي حَال التأيم.(1/299)
تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي الشَّامِل وَلَو تكفل فِي مَرضه ثمَّ تداين مَا يسْتَغْرق مَاله سَقَطت الْحمالَة إِن مَاتَ وَلَا يحاص بهَا وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة. أَبُو الْحسن: لِأَن الدّين عَن عوض وَالْكَفَالَة فِي الْمَرَض وَصِيَّة من غير عوض وَمَا كَانَ عَن عوض أولى بِمَا كَانَ عَن غير عوض. الثَّانِي: إِذا ادّعى على ذَات الزَّوْج بِدَعْوَى أَكثر من ثلث مَالهَا فنكلت عَن الْيَمين فَإِن الطَّالِب يحلف وَيَأْخُذ وَلَا كَلَام لزَوجهَا وَلَا يكون نكولها كتبرعها كَمَا فِي الْبُرْزُليّ. وَهُوَ بِوْجِهٍ أوْ بِمَالٍ جارِ وَالأَخْذُ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخِيَارِ (وَهُوَ) أَي الضَّمَان أَنْوَاع مُبْهَم كأنا حميل أَو زعيم أَو نَحْوهمَا. وَقد تقدم وَسَيَأْتِي أَيْضا وَضَمان بِمَال وللحميل الرُّجُوع بِهِ على الْمَضْمُون إِلَى فِي حمالَة الصَدَاق أَو الثّمن فِي عقدي النِّكَاح وَالْبيع فَلَا رُجُوع لَهُ إِن كَانَ بِلَفْظ الْحميل أَو صرح بِعَدَمِ الرُّجُوع كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَلَا يرجع أحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد الخ. كَمَا لَا يفْتَقر لحيازة كَمَا يَأْتِي فِي النِّكَاح وَضَمان بِمَال مترقب كَانَا حميل بِمَا يثبت على فلَان أَو بِمَا يُوجِبهُ الحكم عَلَيْهِ، وَهِي لَازِمَة فِيمَا ثَبت على فلَان بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار الْمَضْمُون قبل الضَّمَان أَو بعده وَكَانَ مَلِيًّا وإلاَّ فَقَوْلَانِ، فَإِن قَالَ: داينه وَأَنا حميل بِمَا داينته بِهِ فللحميل الرُّجُوع عَن ذَلِك قبل الْمُعَامَلَة وَإِلَّا لزمَه فِيمَا يشبه أَن يُعَامل بِهِ كَمَا مر، وَضَمان بِوَجْه، وَالْمَشْهُور لُزُوم الْغرم إِن لم يحضرهُ وَلم يشْتَرط نفي المَال وَضَمان طلب وَيصِح فِي كل شَيْء حَتَّى فِيمَا يتَعَلَّق بالأبدان من الْقصاص وَنَحْوه، وَمن هَذَا النَّوْع ضَمَان الْوَجْه الَّذِي اشْترط فِيهِ نفي المَال فَقَوله: (بِوَجْه) صَادِق بِالْوَجْهِ الْمُطلق وبالوجه الَّذِي اشْترط فِيهِ نفي المَال وبالطلب، لَكِن الحكم فِي الأول لُزُوم الْغرم كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا الخ، بِخِلَاف الْأَخيرينِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا أَن يفرا فَيغرم المَال ويؤدب فِي الْقصاص (خَ) كَانَا حميل بِطَلَبِهِ أَو اشْترط نفي المَال وَطَلَبه بِمَا يقوى عَلَيْهِ وَحلف مَا قصر وَغرم إِن فرط أَو هربه وعوقب الخ. وَقَوله: (أَو بِمَال) صَادِق بالمبهم على القَوْل بِأَنَّهُ يحمل على المَال وَهُوَ ظَاهر قَول النّظم الْآتِي: وَهُوَ بِمَال حَيْثُ لم يعين الخ. وصادق بِالْمَالِ الثَّابِت والمترقب، وَقد علمت تَفْصِيله وَمن المترقب أَيْضا ضَمَان دَرك الْعَيْب والاستحقاق فَيلْزم الثّمن للضامن من حِين الدَّرك فِي غيبَة البَائِع أَو عَدمه كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة (خَ) : وَمثله مَا يكْتب الْيَوْم فِي مستندات(1/300)
البيع: وَالْتزم فلَان لفُلَان أَنه إِن قَامَ عَلَيْهِ قَائِم فِي هَذَا البيع فَعَلَيهِ نَظِير مَا يغرمه فلَان أَو نَحْو ذَلِك اه. تَنْبِيه: إِذا بَاعَ مِنْهُ ضَيْعَة إِلَى أجل وَبعد مُضِيّ بعض الْأَجَل ظهر مِنْهُ خلاف مَا كَانَ يظْهر عَلَيْهِ، وخشي صَاحب الْحق أَنه إِن بَقِي على حَاله لَا يجد عِنْد الْأَجَل قَضَاء فَإِن من حق البَائِع أَخذه بوثيقة من رهن أَو حميل أَو يضْرب القَاضِي على يَدَيْهِ فِي الضَّيْعَة وَيشْهد أَنه مَنعه من التَّصَرُّف وَيظْهر ذَلِك قَالَه اللَّخْمِيّ. قَالَ الْبُرْزُليّ: هَذَا مثل مَا قَالَه أَبُو عمرَان فِي الْغَرِيم يُرِيد سفرا قبل الْأَجَل أَو ظَهرت مِنْهُ وُجُوه رِيبَة أَنه يُرِيد التغيب والهروب أَو السّفر إِلَى بلد لَا تجْرِي فِيهِ الْأَحْكَام فَإِنَّهُ يتوثق مِنْهُ قَالَه فِي نَوَازِل الْبيُوع، وَنَقله فِي المعيار فِي أواسط الْمُعَاوَضَات مِنْهُ، وَتَأمل قَول (خَ) للْغَرِيم منع من أحَاط الدّين بِمَالِه من تبرعه وسفره إِن حل بغيبته. (جَار) خبر عَن الضَّمِير الْمُنْفَصِل والمجروران قبله يتعلقان بِهِ (وَالْأَخْذ) مُبْتَدأ (مِنْهُ) خبر وضميره للْمَدِين أَي الْأَخْذ كَائِن مِنْهُ (أَو) كَائِن (على الْخِيَار) فَهُوَ مَعْطُوف على الْخَبَر، وأو لتنويع الْخلاف أَي الْأَخْذ كَائِن من الْمَدِين فَقَط على قَول مَالك المرجوع إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا قَالَ (خَ) وَلَا يُطَالب الضَّامِن بِهِ أَي بِالدّينِ إِن حضر الْغَرِيم بِالْبَلَدِ حَال كَونه مُوسِرًا تناله الْأَحْكَام غير ملد، وَبِه كَانَ الْعَمَل قَدِيما كَمَا فِي ابْن مغيث وَغَيره أَو كَائِن على خِيَار رب الدّين إِن شَاءَ أَخذه من الضَّامِن أَو الْمَدِين وَهُوَ قَول مَالك المرجوع عَنهُ، وَبِه صدر ابْن الْحَاجِب وَابْن سَلمُون، وَبِه الْعَمَل الْآن بفاس وَمَا والاها قَالَ ناظم عَملهَا: وَصَاحب الْحق مَعَ الْإِحْضَار غَرِيمه الْمُوسر الْخِيَار ... الخ قَالَ اليزناسي: وَعمل تلمسان وفاس ومراكش يتبع عمل الأندلس فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَغَيرهَا لَا عمل تونس ومصر اه. ثمَّ إِن تبع أَحدهمَا فَلَا رُجُوع لَهُ على الآخر إِلَّا أَن يعْدم، وَإِذا رَجَعَ على الضَّامِن فسجنه فللضامن أَن يسجن الْمَدِين لِأَنَّهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي يقْضِي بِهِ على الضَّامِن يقْضِي بِهِ على الْمَدِين، وَهَذَا مِمَّا لَا إِشْكَال فِيهِ، بل للحميل أَن يُطَالب الْمَدِين بِالْأَدَاءِ ليبرأ من الْحمالَة وَلَو لم يَطْلُبهُ رب الدّين خلافًا لما كَانَ يَفْعَله بعض جهلة قُضَاة الْوَقْت من أَن الضَّامِن لَا يُمكن من طلب الْمَدِين حَتَّى يُؤَدِّي فَفِي ابْن سَلمُون: إِذا كَانَ الْحق قبل شَخْصَيْنِ وهما متضامنان فِيهِ أَيهمَا شَاءَ صَاحب الْحق أَخذه بِحقِّهِ فَإِن أَخذه من أَحدهمَا فحبسه فَأَرَادَ الْمَحْبُوس أَن يحبس صَاحبه فَلهُ ذَلِك وَيعْمل بِهِ مثل مَا يعْمل صَاحب الدّين بالغريم قَالَه ابْن الْقَاسِم فِي سَماع عِيسَى بن رشد لِأَنَّهُ ضَامِن لصَاحب الْحق نصف الْحق فَإِذا سجن كَانَ لَهُ هُوَ أَن يسجن الآخر لما يجب لَهُ من الرُّجُوع عَلَيْهِ اه. وَإِذا كَانَ هَكَذَا فالمرجوع إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُور أقرب لِأَنَّهُ من بَاب قَوْلهم: رأى الْأَمر يُفْضِي إِلَى آخِره فصير آخِره أَولا(1/301)
وَتَأمل قَول (خَ) فِي الشَّهَادَات: وللمقضى عَلَيْهِ مطالبتهما بِالدفع للمقضى لَهُ وللمقضى لَهُ ذَلِك إِذا تعذر من المقضى عَلَيْهِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: مَحل مَا مر أَن وَقع الضَّمَان محملًا أما إِن شَرط فِي أصل الضَّمَان تَقْدِيم الضَّامِن أَو الْمَدِين أَو شَرط الضَّامِن أَن لَا يُؤَاخذ فِي حُضُور الدّين أَو يسره أَو بعد مَوته وَنَحْو ذَلِك فَيعْمل بِالشّرطِ قطعا. الثَّانِي: إِذا اجْتمع الرَّهْن الْمُفَوض فِي بَيْعه والضامن فَإِن الْبدَاءَة تكون بِالرَّهْنِ لَا بالضامن على الْمَشْهُور، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة حُضُور الضَّامِن والمضمون إِلَّا أَن يكون فِي إِثْبَات مُوجبَات طول قَالَه فِي نَوَازِل الْخلْع. وَتَأمل كَيفَ يحْتَاج للإثبات مَعَ كَونه مفوضاً لَهُ فِي البيع فراجع مَا مرّ عِنْد قَوْله: وبجواز بيع مَحْدُود الْأَجَل. الخ. وَلا اعْتِبَارَ بِرِضَا مَنْ ضُمِنا إذْ قَدْ يُؤدّي دَيْنُ مَنْ لَا أَذِنَا (وَلَا) نَافِيَة (اعْتِبَار) اسْمهَا (بِرِضا) خَبَرهَا (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (ضمنا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلته (إِذْ) تعليلية (قد) للتحقيق (يُؤَدِّي) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (دين) بِالرَّفْع نَائِب (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (لَا) نَافِيَة (أذنا) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الذَّال فعل مَاض وفاعله ضمير يعود على من ومتعلقه مَحْذُوف أَي فِي أَدَائِهِ وَالْجُمْلَة صلَة وَالْجُمْلَة من قد يُؤَدِّي الخ. فِي مَحل خفض بِإِضَافَة إِذْ وَمَعْنَاهُ أَن الضَّمَان لَا يشْتَرط فِيهِ رضَا الْمَضْمُون، بل يَصح وَيلْزم بِغَيْر إِذْنه لِأَنَّهُ يجوز أَدَاء الدّين عَمَّن لم يَأْذَن فِي أَدَائِهِ عَنهُ والضامن بصدد الْأَدَاء عَنهُ فَهُوَ أَحَق مِنْهُ فَفِي الْمُدَوَّنَة وَمن ادّعى على رجل حَقًا أَي مَالا فَأنكرهُ فَقَالَ لَهُ رجل: أَنا بِوَجْهِهِ كَفِيل إِلَى غَد فَإِن لم يوافك بِهِ إِلَى غَد فَأَنا ضَامِن لِلْمَالِ فَإِن لم يَأْتِ بِهِ فِي غَد لم يلْزم الْحميل بِشَيْء حَتَّى يثبت الْحق بِبَيِّنَة. عِيَاض: ظَاهره أَن إِقْرَار الْمُنكر لَا يلْزم الْكَفِيل بِهِ شَيْء، وَقيل إِقْرَاره كقيام الْبَيِّنَة وَهَذَا دَلِيل للْكتاب أَيْضا اه. وَإِلَيْهِ أَشَارَ (ح) بقوله: أَو قَالَ لمدع على مُنكر إِن لم آتِك بِهِ لغد إِلَى قَوْله: إِن لم يثبت حَقه بِبَيِّنَة وَهل بِإِقْرَار تَأْوِيلَانِ، وَوجه الدَّلِيل مِنْهُ أَن هَذَا مُنكر وَمَعَ ذَلِك صَحَّ الضَّمَان عَنهُ، وَكَذَا(1/302)
نَص فِيهَا أَيْضا على أَن الرجل إِذا قَالَ: مَا كَانَ لَك قبل فلَان الَّذِي تخاصمه فَأَنا بِهِ كَفِيل أَو قَالَ داينه وَأَنا بِمَا داينته بِهِ كَفِيل فَإِنَّهُ ضَامِن لما ثَبت عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فِي ذَلِك كُله وَيخْتَلف فِي الْإِقْرَار كَالَّتِي قبلهَا، لَكِن الْخلاف الَّذِي ذكره عِيَاض فِي الْإِقْرَار خلاف قَول ابْن رشد كَمَا فِي ابْن عَرَفَة لَو قَالَ لي على فلَان حق فَقَالَ رجل: أَنا بِهِ كَفِيل لم تلْزمهُ الْكفَالَة فِيمَا أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب قولا وَاحِدًا اه. فَانْظُرْهُ فَإِن الِاتِّفَاق وَإِن لم يَصح لَا أقل أَن يكون مَشْهُورا وَفِي مَعْنَاهُ فِي الْإِقْرَار بعد الْكفَالَة لَا قبلهَا فتلزم كَمَا فِي أبي الْحسن عَن ابْن الْمَوَّاز، وَقيد ابْن يُونُس مَا كَانَ بعْدهَا بِمَا إِذا كَانَ الْمَطْلُوب مُعسرا وَإِلَّا فتلزم، وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ رجل: لي على فلَان ألف دِينَار فَقَالَ لَهُ شخص: أَنا بهَا كَفِيل فَإِن الْكفَالَة تلْزم بِإِقْرَار الْمَطْلُوب اتِّفَاقًا كَمَا قَالَه ابْن رشد أَيْضا: فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة تخَالف الْمسَائِل الَّتِي قبلهَا وَلَعَلَّه لما فِيهَا من بَيَان الْعدَد، وَاعْترض ابْن عَرَفَة التَّفْرِقَة بَينهمَا فَانْظُرْهُ فَإِن لم تكن بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار وَقد تكفل لَهُ بِمَا عَلَيْهِ وَادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم مثلا وَأَن الْكَفِيل عَالم بذلك حلف الْكَفِيل على علمه فَإِن نكل حلف الطَّالِب وَاسْتحق كَمَا فِي شُفْعَة الْمُدَوَّنَة وَابْن يُونُس ثمَّ لَا يرجع الْكَفِيل على الْغَرِيم بِمَا غرمه بِنُكُولِهِ إِلَّا أَن يقر الْغَرِيم فَإِن لم يقر فللكفيل أَن يحلفهُ فَإِن نكل غرم، وَكَذَا إِن قَالَ: احْلِف أَن مَا تدعيه قبل فلَان حق وَأَنا ضَامِن بِهِ وَفُلَان حَاضر سَاكِت أَو غَائِب فَإِنَّهُ يلْزمه ضَمَان مَا حلف عَلَيْهِ أقرّ بِهِ الْمَطْلُوب أم لَا فِي هَذِه وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع عَن الضَّمَان قبل الْحلف، ثمَّ إِذا غرم الضَّامِن فَلَا رُجُوع لَهُ على الْمَطْلُوب إِلَّا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وللكفيل أَن يحلف ثمَّ يحلفهُ عِنْد عدمهَا فَإِن نكل غرم. ابْن رشد: أثر مَا مر عَنهُ من الِاتِّفَاق، وَإِنَّمَا اخْتلف فِيمَن قَالَ: أَنا كَفِيل لفُلَان بِأَلف دِينَار لَهُ على فلَان على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا لِابْنِ الْقَاسِم اللُّزُوم وَإِن أنكر الْمَطْلُوب، وَثَالِثهَا إِن كَانَ عديماً وعَلى الأول لَا يلْزم الْمَطْلُوب غرم للحميل إِلَّا بِبَيِّنَة بِالْحَقِّ يَعْنِي أَو بِإِقْرَار، وَله أَن يحلفهُ كَالَّتِي قبلهَا وَإِنَّمَا لزمَه الضَّمَان فِي هَذِه مَعَ الْإِنْكَار على قَول ابْن الْقَاسِم وَهُوَ الْمُعْتَمد، لِأَن الْكَفِيل معترف بِالْكَفَالَةِ شَاهد بِالدّينِ فألغى ابْن الْقَاسِم شَهَادَته وأجازها مَالك فِي رِوَايَة أَشهب. وَقَالَ ابْن الْمَوَّاز: إِن كَانَ مَلِيًّا جَازَ وإلاَّ فَلَا. وَقد اسْتُفِيدَ من ذَلِك كُله أَن رضَا الْمَضْمُون لَا يشْتَرط فِي لُزُوم الضَّمَان لَكِن رِضَاهُ لَهُ فَائِدَة، وَهُوَ أَن الضَّامِن إِذا غرم تمكن من الرُّجُوع على الْمَضْمُون لِأَن رِضَاهُ إِقْرَار بِالْحَقِّ بِخِلَاف مَا إِذا لم يرض فَلَا رُجُوع عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَة، وَحلف أَنه لَا حق عَلَيْهِ وَقد يَمُوت وَيحلف وَارثه على الْعلم وَيتَفَرَّع على ذَلِك أَيْضا أَن الضَّامِن إِذا أدّى الْحق لرَبه وَطَلَبه برسم الدَّين ليتَمَكَّن من الرُّجُوع بِهِ على الْمَدِين وَادّعى ربه أَن الدّين كَانَ بِلَا رسم أَو تلف فَمن تَضَمَّنت وَثِيقَة الضَّمَان رضَا الْمَضْمُون عَنهُ فَهِيَ قَائِمَة مقَام رسم الدّين، وإلاَّ رد الطَّالِب مَا أَخذه من الضَّامِن إِن حلف لَهُ أَنه لَا يعلم بذلك الْحق كَمَا مرّ وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ أَيْضا أَن الضَّمَان إِذا كَانَ بِإِذن الْمَضْمُون فللضامن مُطَالبَة الْمَدِين بِأَدَائِهِ إِن حل ليبرأ من ضَمَانه، وَإِن لم يكن بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالبَته إِلَّا بعد أَدَائِهِ قَالَه فِي الْكَافِي والمفيد كَمَا فِي ابْن رحال لَكِن ظَاهره مَا فِي شرَّاح (ح) وَهُوَ ظَاهر مَا فِي السّلم، الثَّانِي: إِن للْكَفِيل طلبه بذلك ضمنه بِإِذْنِهِ أَو بِغَيْر إِذْنه لِأَن الضَّامِن حَيْثُ قصد بضمانه الرِّفْق بالمضمون فَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْإِذْن وَعَدَمه، وَلَو قصد الضَّرَر لم يجز كَمَا يَأْتِي، وَعلل فِي الْمُدَوَّنَة لُزُوم الضَّمَان بِغَيْر الْإِذْن بِأَن الضَّمَان مَعْرُوف وَهُوَ لَازم لمن أوجبه على نَفسه. أَبُو الْحسن: إِذا أشهد بِهِ على نَفسه كَمَا قَالَه هُنَا وَفِي كتاب الْمديَان اه. وَعَلِيهِ فالصيغ الْمُتَقَدّمَة إِنَّمَا(1/303)
تلْزمهُ الْكفَالَة بهَا إِذا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي كَفِيل وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ قَول ابْن سَلمُون إِنَّمَا تصح الْوكَالَة إِذا أشهد بهَا الْمُوكل وَلَعَلَّه لِأَنَّهُ لَا يعلم مِنْهُ الْإِيجَاب على نَفسه إِلَّا بإشهاد أَو قرينَة تدل على أَنه قصد إِلَيْهِ وَإِن لم يُصَرح بِهِ كإتيانه بموثقين وَيَقُول لَهُم: إِنِّي كَفِيل الخ. وَتَأمل قَول (خَ) وَلم يشْهد على حَاكم قَالَ: ثَبت عِنْدِي إِلَّا بإشهاد، وَبِه تعلم مَا فِي (ح) أَوَائِل مسَائِل الِالْتِزَام من أَن ذَلِك الْإِشْهَاد لَيْسَ شرطا فِي اللُّزُوم، وَإِنَّمَا خرج مخرج الْغَالِب الخ. لِأَن أَبَا الْحسن جعله شرطا كَمَا رَأَيْته فَقَوْل النَّاظِم: وَلَا اعْتِبَار الخ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لصِحَّة الضَّمَان ولزومه لَا بِالنِّسْبَةِ للرُّجُوع فظهرت فَائِدَة قَول الموثقين بِإِذْنِهِ وَرضَاهُ وَأَن ذَلِك لمُجَرّد الِاحْتِيَاط وَالْخُرُوج من الْخلاف هَذَا مَا يتَعَلَّق بالشطر الأول، وَأما الثَّانِي فساقه النَّاظِم دَلِيلا للْأولِ وَإِنَّمَا كَانَ دَلِيلا لِأَن الْأَدَاء أَشد من الضَّمَان لِأَن الضَّامِن لم يحصل مِنْهُ أَدَاء وَإِنَّمَا هُوَ بصدده، فَإِذا جَازَ الْأَدَاء بِغَيْر رِضَاهُ جَازَ الضَّمَان بالأحرى. قَالَ فِيهَا: وَمن أدّى عَن رجل حَقًا بِغَيْر أمره فَلهُ أَن يرجع بِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ من تكفل عَن صبي بِحَق قضى بِهِ عَلَيْهِ فأداه عَنهُ بِغَيْر أَمر وليه فَلهُ أَن يرجع فِي مَال الصَّبِي اه. لَكِن بِشَرْط أَن يقْصد بِالْأَدَاءِ فِي هَذِه وبالضمان فِي الأولى الرِّفْق بالمدين أَو الْمَضْمُون لَا إعناته وَالضَّرَر بِهِ وَلَا التَّبَرُّع عَلَيْهِ وإلاَّ فَيرد كَمَا أَفَادَهُ (خَ) بقوله وَصَحَّ بِغَيْر إِذْنه كأدائه رفقا لَا إعناتاً فَيرد كشرائه الخ فَقَوله: رفقا رَاجع للضَّمَان وَالْأَدَاء كَمَا فِي (ز) قَالَ أَبُو الْحسن: وَالضَّرَر من أَفعَال الْقُلُوب لَا يعلم إِلَّا بِإِقْرَارِهِ أَو بقرائن تدل الشُّهُود عَلَيْهِ. قلت: وَهُوَ ظَاهر إِذا كَانَ الْإِقْرَار قبل الضَّمَان وَالْأَدَاء أَو عِنْدهمَا لَا إِن كَانَ بعدهمَا فَإِن تنَازعا فِي أَنه دَفعه عَنهُ محتسباً فَالْقَوْل للدافع لِأَن الأَصْل عدم خُرُوج ملكه إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي يَقْصِدهُ إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على كذب الدَّافِع كأدائه عَن الْمَيِّت الْمُفلس، ثمَّ طَرَأَ لَهُ مَال لم يعلم بِهِ وَطلب الرُّجُوع فَلَا شَيْء لَهُ انْظُر (ح) عِنْد قَوْله على الْمَيِّت الْمُفلس الخ. وَيَسْقُطُ الضَّمانُ فِي فَسَادِ أَصْلِ الذِي فِيهِ الضَّمانُ بَادِ (وَيسْقط) مضارع سقط (الضَّمَان) فَاعله (فِي فَسَاد) يتَعَلَّق بيسقط (أصل) مُضَاف إِلَيْهِ (الَّذِي) مُضَاف بعد مُضَاف وَهُوَ على حذف الْمَوْصُوف أَي أصل العقد الَّذِي (الضَّمَان) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (باد) أَي ظَاهر، وَالْجُمْلَة صلَة الَّذِي وَالضَّمِير الْمَجْرُور هُوَ الرابط وَمَعْنَاهُ أَن(1/304)
الْمُعَامَلَة إِذا كَانَت فَاسِدَة بِمَا قارنها من علل الْفساد كبيعها وَقت نِدَاء الْجُمُعَة أَو بِقِيمَتِهَا أَو على حكمه أَو حكم غَيره أَو رِضَاهُ أَو دَنَانِير بِدَرَاهِم إِلَى أجل وَأخذ مِنْهُ كَفِيلا فَإِن الْكفَالَة سَاقِطَة كَانَت فِي العقد أَو بعده فَلَا مَفْهُوم لقَوْله فِيهِ، وَإِنَّمَا نَص على مَحل الْخلاف لِأَنَّهَا بعد العقد سَاقِطَة اتِّفَاقًا وَظَاهره فَاتَ البيع أم لَا. وَلَا يكون حميلاً بِالْقيمَةِ وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة والعتبية والموازية. وَرَوَاهُ عَن مَالك وَقَالَهُ ابْن عبد الحكم. ابْن يُونُس: وَوَجهه أَن الْمُعَامَلَة لما فَسدتْ كَانَ مَا سمياه من الثّمن الَّذِي وَقعت بِهِ الْحمالَة غير لَازم فَسقط عَنهُ بسقوطه فِي أصل الشِّرَاء وعَلى هَذَا درج (خَ) حَيْثُ قَالَ: وَبَطل إِن فسد متحمل بِهِ الخ. وَقيل تثبت الْكفَالَة إِذا فَاتَ البيع وعَلى الْكَفِيل الْأَقَل من الثّمن أَو الْقيمَة. اللَّخْمِيّ: وَهَذَا إِذا كَانَ المُشْتَرِي والحميل يجهلان فَسَاد ذَلِك وَإِن كَانَا يعلمَانِ أَو يُعلمهُ المُشْتَرِي لم تلْزم الْحمالَة وَإِن كَانَ الْحميل يعلم وَلَا يعلم المُشْتَرِي لزمَه ذَلِك لِأَنَّهُ غره اه بِنَقْل أبي الْحسن. وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الَّذِي عول عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَصَاحب الطرر والجزيري والوثائق الْمَجْمُوعَة والمتيطية وَلَفظ اختصارها، وَلَا تجوز الْحمالَة إِلَّا فِي الْمُعَامَلَة الْجَائِزَة، وَأما الْفَاسِدَة فالحمالة فِيهَا سَاقِطَة إِذا علم الطَّالِب بفسادها فَإِن لم يعلم لزم الْحميل الْحمالَة بِالْقيمَةِ قَالَه ابْن الْقَاسِم وَمَالك فِي الْمُدَوَّنَة، وَعَلِيهِ فيقيد النّظم وَلَفظ (خَ) بذلك، وَقد تقدم أَن الرَّهْن فِي البيع الْفَاسِد يبْقى رهنا بِالْقيمَةِ، وَقد علمت أَن كلاًّ من الرَّهْن والحميل أَخذ للتوثق وَمن صور الْفَاسِد مَا فِي الْمُدَوَّنَة عَن ابْن الْقَاسِم أَن الْمُبْتَاع إِذا شَرط على البَائِع خلاص السّلْعَة إِن اسْتحقَّت وَأخذ مِنْهُ بذلك كَفِيلا بَطل البيع وَالْكَفَالَة كمن بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ وَشرط خلاصه، وَقَالَ غَيره: تلْزمهُ الْكفَالَة لِأَنَّهُ أَدخل المُشْتَرِي فِي غرم مَاله فَعَلَيهِ الْأَقَل من قيمَة السّلْعَة يَوْم مُسْتَحقّ أَو الثّمن إِلَّا أَن يكون الْغَرِيم حَاضرا مَلِيًّا فَيبرأ. وَقَوله: يَوْم تسْتَحقّ أَو يَوْم الْقَبْض كَمَا فِي أبي الْحسن اللَّخْمِيّ، وَقَول ابْن الْقَاسِم أَقيس لِأَن تَخْلِيص السّلْعَة لَيْسَ إِلَيْهِ وَقد تحمل بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ من الْوَفَاء بِهِ وَالثمن وَالْقيمَة لَا يَقع عَلَيْهِ حمالَة وَالِاسْتِحْسَان قَول الْغَيْر لتغليب أحد الضررين، فَيلْزمهُ الثّمن أَو الْقيمَة إِن كَانَ أقل اه. عِيَاض: وَلَو لم تسْتَحقّ وَفَاتَ رد البيع لَزِمت الْقيمَة للْمُشْتَرِي وَلَا شَيْء على الْحميل اتِّفَاقًا من ابْن الْقَاسِم والغير لِأَنَّهُ إِنَّمَا ضمن تَخْلِيصهَا من الِاسْتِحْقَاق، وَهَذِه لم تسْتَحقّ اه. وَقد علم من نَصهَا الْمُتَقَدّم أَن مَا يَفْعَله بعض الْإِشْرَاك من بيع جَمِيع الأَرْض الْمُشْتَركَة وَيشْتَرط للْمُبْتَاع أَنه إِن قَامَ عَلَيْهِ بعض الْإِشْرَاك فَهُوَ الَّذِي يرضيه بِالثّمن أَو بمعاوضة فِي أرضه الْأُخْرَى فَاسد لَا يجوز لِأَن ذَلِك من بيع مَا لَيْسَ عِنْده فَهُوَ نوع من الْخَلَاص الْمَذْكُور، وَكَذَا لَو بَاعَ لَهُ الأَرْض الْمُشْتَركَة على أَنه إِن قَامَ الشَّرِيك وَأخذ حَظه عاوضه فِي أَرض أُخْرَى كَيْلا أَو بِغَيْر كيل لم يجز كَانَت الأَرْض الَّتِي يعاوضه فِيهَا مُعينَة أَو غير مُعينَة لِأَن الْمُبْتَاع لَا يدْرِي أَي الْأَرْضين اشْترى، وَكَذَا إِن كَانَ الْملك لَهُ وَحده وَبَاعه على أَنه إِن اسْتحق من يَده عاوضه فِي أَرض أُخْرَى مُعينَة أم لَا. فَإِن الْتزم لَهُ بذلك بعد العقد، فَالْبيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل قَالَه أَبُو الضياء مِصْبَاح حَسْبَمَا فِي المعيار، وَفِي الْمُتَيْطِيَّة: فَإِن تبَايعا على أَن الأَرْض إِن لم تف بذلك وفاه من أَرض مُعينَة لم يجز أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يدْرِي مَا تنقصه من الْكَيْل وَلَا كم يَأْخُذهُ من تِلْكَ الأَرْض وَلَا كم يتْرك مِنْهَا وَذَلِكَ كُله غرر اه. وَكَذَا نقل فِي الدّرّ النثير عَن الْأَخَوَيْنِ أَن الْقَوْم إِذا اصْطَلحُوا فِي مَوَارِيث بَينهم وَكَانَ بَعضهم غَائِبا فَيضمن الْحَاضِرُونَ رضَا الغائبين إِن كَرهُوا الصُّلْح أَن ذَلِك لَا يجوز وَيفْسخ الصُّلْح وَذَلِكَ لِأَن الْوَرَثَة صَالحُوا بِمَا دفعُوا وَبِمَا يرضون بِهِ الْغَائِب وَهُوَ مَجْهُول.(1/305)
تَنْبِيه: من هَذَا النمط إِذا وَقعت المباراة بَين الزَّوْج وَزَوجته على أَن ضمن الْأَب أَو غَيره مَا يلْحق الزَّوْج من دَرك فثبتت عَلَيْهَا ولَايَة أَو غَيرهَا مِمَّا يسْقط الِالْتِزَام لزم ذَلِك للضامن وَقضى بِهِ عَلَيْهِ قَالَه ابْن الْعَطَّار. وَأنكر ابْن الفخار قَوْله هَذَا وَقَالَ: إِذا سقط الِالْتِزَام عَن الْمَضْمُون بِثُبُوت ضَرَر سقط عَن الضَّامِن إِذْ لم يرتبط بذمتها حق لِأَنَّهُ قد ثَبت مَا يسْقطهُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ الضَّامِن لِأَنَّهُ إِنَّمَا ضمن مَا ظَنّه لَازِما للمضمون عَنْهَا وَإِذا سقط الأَصْل فالفرع أولى بالسقوط اه. قَالَ (ح) وَكَأن ابْن الفخار أنكر عُمُوم قَوْله أَو غَيرهَا فَأخْرج من ذَلِك ثُبُوت الضَّرَر وَبَقِي مَا عداهُ ويقيد بِمَا فِي النَّوَادِر عَن عبد الْملك من أَنَّك إِذا بِعْت من مولى عَلَيْهِ وَأخذت حميلاً بِالثّمن فَرد ذَلِك السُّلْطَان وأسقطه عَن الْمولى عَلَيْهِ، فَإِن جهلت أَنْت والحميل حَاله لَزِمت الْحمالَة لِأَنَّهُ أدْخلك فِيمَا لَو شِئْت كشفته وَإِن دخلت فِي ذَلِك بِعلم سَقَطت الْحمالَة علم الْحميل أم لَا لبُطْلَان أَصْلهَا اه. وَانْظُر تَرْجَمَة الْخلْع من ابْن سَلمُون وأوائل المعيار وَالْفَائِق فِي موضِعين، وَالَّذِي يتَحَصَّل من كَلَامهم إِنَّه إِذا ثَبت الضَّرَر وَقَامَت بِهِ الْمَرْأَة أَو أحد بِسَبَبِهَا فَلَا رُجُوع على الْحميل. ابْن سراج: وَهُوَ الصَّحِيح الْفَائِق وَهُوَ الْمُعْتَمد الْمُفِيد وَبِه الْعَمَل، أَبُو الْحسن عَن ابْن سهل: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي على قَول ابْن الْقَاسِم وَمُقَابِله يَأْتِي على قَول الْغَيْر فَإِن مَاتَت وَقَامَ وارثها بِالضَّرَرِ فَلَا رُجُوع لَهُ على الْحميل قَالَه فِي الْفَائِق وَظَاهره اتِّفَاقًا، وَأما إِذا ثَبت سفهها فَيرجع على الْحميل إِذا لم يعلم الْمَضْمُون لَهُ بسفهها كَمَا تقدم عَن النَّوَادِر، وَأما إِن ثَبت عدمهَا فَالَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة الرُّجُوع على الضَّامِن وَهُوَ الْجَارِي على الْقَوَاعِد، وَإِن كَانَ ابْن سَلمُون حكى فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثَة أَقسَام تَارَة يثبت الضَّرَر وَتارَة يثبت السَّفه وَتارَة الْعَدَم، وَقد علمت الرَّاجِح فِي كل مِنْهَا قَالَه أَبُو الْعَبَّاس الملوي. قلت: نَقله (ح) عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون خلاف مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَأصبغ من أَن الْحمالَة لَازِمَة فِي التَّحَمُّل بِالثّمن عَن الْبكر وَالسَّفِيه، سَوَاء علم الْحميل والمضمون لَهُ بالسفه أَو جهلا أَو علم الْحميل دون الْمَضْمُون لَهُ اتِّفَاقًا فِي الْأَخير وَخِلَافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي الْأَوَّلين قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض الشُّيُوخ. وَمرَاده بِهِ ابْن رشد قَالَ أصبغ: وَيغرم الضَّامِن الثّمن وَيسْقط عَن السَّفِيه. ابْن رشد، وَقَول ابْن الْمَاجشون بسقوطها فِي الْأَوَّلين بعيد فَإِن علم الْمَضْمُون عَنهُ دون الْحميل سَقَطت بِاتِّفَاق قَالَ أصبغ: وَهَذَا إِذا تحمل بِمَا يُدْرِكهُ من قبله فَإِن قَالَ: أَنا ضَامِن مَا يدركك من السَّفِيه فِي الشِّرَاء مِنْهُ لم تلْزم لِأَنَّهُ لم يُدْرِكهُ من السَّفِيه فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِسَفَه، وَإِنَّمَا أدْركهُ بِسَبَبِهِ إِلَّا أَن يكون السَّفِيه هُوَ الْقَائِم بذلك عَن نَفسه فحسنت حَاله فَقَامَ بذلك عَنهُ قَائِم وَوَافَقَهُ، فَإِن الضَّامِن يكون ضَامِنا لِأَنَّهُ أدْركهُ مِنْهُ وإلاَّ فَلِأَن ابْن رشد وتفرقة أصبغ بَين التَّحَمُّل بِمَا يُدْرِكهُ مِنْهُ أَو من قبله بَين على مَا تَقْتَضِيه الْأَلْفَاظ انْتهى بِاخْتِصَار. وَهَذَا كُله وَاضح إِذا كَانَ الضَّامِن ضمن ذَلِك على أَنه إِن أدّى شَيْئا رَجَعَ بِهِ على الْمَضْمُون كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامهم الْمُتَقَدّم، وكما هِيَ قَاعِدَة الضَّمَان فِي دَرك الْعَيْب والاستحقاق وَغَيرهمَا كَمَا يَأْتِي للناظم وَغَيره، وَأما إِن كَانَ ضمن ذَلِك على أَنه لَا يرجع بِهِ إِن أَدَّاهُ وَهُوَ مَا يَقْصِدهُ النَّاس كثيرا فَلَا معنى لسُقُوط ذَلِك، وَقد قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: من قَالَ لرجل طلق امْرَأَتك وَلَك عَليّ ألف دِرْهَم فَفعل فالألف لَازم لَهُ، وَكَذَا إِن قَالَ لَهُ: بِعْ سلعتك من فلَان وَعلي ثمنهَا كَمَا فِي الالتزامات وَغَيرهَا فَمن حجَّة الزَّوْج أَن يَقُول: لَوْلَا التَّحَمُّل لرفعت الضَّرَر عَنْهَا وأمسكتها إِذْ لَا يُطلق عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ إِلَّا إِذا لم يرجع(1/306)
عَنهُ كَمَا يَأْتِي. وَمن حجَّة البَائِع أَن يَقُول: لَوْلَا تحملك مَا بِعْت من السَّفِيه لعلمي بِأَنَّهُ لَا يلْزمه، وَيُؤَيّد هَذَا مَا يَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم: وَللْأَب الصُّلْح عَن الْمَحْجُور الخ. من أَن الْأَب إِذا تحمل بِمَا حطه فِي الصُّلْح فَإِن للْوَلَد الرُّجُوع عَلَيْهِ فِي عدم الْمَدِين إِذْ لَو كَانَ تحمل الْأَب بِمَعْنى الرُّجُوع بِمَا أدّى لم يتأت للْوَلَد رُجُوع عَلَيْهِ فِي عدم الْمَدِين، فالتحمل مَعَ علمهما بالسفه لَا يكون إِلَّا على وَجه الْحمل فِي الْغَالِب، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْصِدهُ النَّاس. ابْن الْعَطَّار: إِذْ لَا تَجِد أحدا فِي الْغَالِب يتَحَمَّل بِالْخلْعِ أَو يدْرك الْمَحْجُور إِلَّا على وَجه الْحمل لَا الْحمالَة، فَالَّذِي لِابْنِ الفخار إِنَّمَا هُوَ فِي الْخلْع الْمُؤَجل على الْمَرْأَة يُعْطي بِهِ حميلاً أَو فِي الْخلْع الْمَدْفُوع تُعْطِي حميلاً بدركه على أَنَّهَا إِن رجعت بِهِ رَجَعَ الزَّوْج على الْحميل فَيرجع عَلَيْهَا، وَهَذَا لَا يقْصد النَّاس إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يقصدون أَنه إِن حصل مَا يخشاه الزَّوْج من الرُّجُوع عَلَيْهِ فالحميل يُؤَدِّيه من مَاله الْخَاص من غير رُجُوع بِهِ على أحد، وَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم هَذَا وَلَو أثبت الضَّرَر وَالله أعلم. وَتَأمل قَوْلهم فِي الْوَعْد إِذا كَانَ على سَبَب وَدخل الْمَوْعُود فِي ذَلِك فَهُوَ لَازم على الْمَشْهُور وَتَأمل مَا تقدم عَن أصبغ فِي التَّحَمُّل بالدرك مِنْهُ لِأَنَّهُ اشْترى مِنْهَا المَال بالعصمة وَمِمَّا يشبه مَا نَحن فِيهِ أَو هُوَ عينه قَول (خَ) وَلَا يرجع أحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد اه. وَهُوَ بِمَا عَيَّنَ لِلْمُعَيِّن وهوَ بِمَالٍ حَيْثُ لَمْ يُعَيَّن (وَهُوَ) مُبْتَدأ (بِمَا عين) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة مَا وَالْبَاء بِمَعْنى فِي وَالْمَجْرُور يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (للمعين) بِكَسْر الْيَاء وتشديدها اسْم فَاعل، وَالتَّقْدِير وَهُوَ أَي الضَّمَان لَازم للمعين فِيمَا عينه فِيهِ من وَجه أَو مَال (وَهُوَ) مُبْتَدأ (بِمَال) خَبره (حَيْثُ) ظرف خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لم يعين) بِكَسْر الْيَاء الْمُشَدّدَة مَبْنِيّ للْفَاعِل وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ وجوابها مَحْذُوف لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الضَّامِن إِذا بَين مَا تحمل بِهِ من وَجه أَو مَال أَو طلب لزمَه مَا تحمل بِهِ كَمَا مرّ فِي قَوْله: وَهُوَ بِوَجْه أَو بِمَال جَار الخ. وَإِن لم يبين فِي اللَّفْظ شَيْئا بِأَن قَالَ: أَنا حميل لَك بِهِ أَو زعيم أَو هُوَ لَك عِنْدِي أَو عَليّ أَو إِلَيّ فَإِن هَذِه الْأَلْفَاظ تحْتَمل الْوَجْه وَالْمَال كَمَا فِي أبي الْحسن أَي لَك عِنْدِي مَاله أَو وَجهه أَو إِلَيّ أَو عَليّ مَاله أَو وَجهه فَإِن لم ينْو بذلك وَجها وَلَا مَالا لزمَه المَال على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الفشتالي، وَقد تبين بِهَذَا أَن الْحمالَة المبهمة هِيَ الَّتِي تجردت عَن النِّيَّة وَأما إِن نوى شَيْئا فَيلْزمهُ مَا نَوَاه، وَبِهَذَا قرر أَبُو الْحسن الْمُدَوَّنَة وَهُوَ مَذْهَب الْأَكْثَر كَمَا مرّ أول الْبَاب وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم: لم يعين أَي لم ينْو شَيْئا وَهَذَا بعيد من اللَّفْظ، وَالظَّاهِر أَنه درج على مَا لِابْنِ يُونُس وَمن مَعَه من أَنه إِذا أبهم فَلَا يصدق فِي إِرَادَة الْوَجْه كَمَا مر، وَعَلِيهِ فَقَوله لم يعين أَي أبهم وَلم يعين بِلَفْظ وَلَا قرينَة، وَأما مُجَرّد النِّيَّة فَلَا يصدق فِيهَا فَإِن قَالَ: أَنا حميل بفلان فَهُوَ ظَاهر فِي حمالَة الْوَجْه كَمَا لأبي الْحسن فَإِن تنَازعا فَقَالَ الْحميل:(1/307)
شرطت الْوَجْه، وَقَالَ الآخر: شرطت المَال وَلَا بَيِّنَة فَالْقَوْل للْكَفِيل لِأَن الآخر يُرِيد إشغال ذمَّته وَلِأَن الْحمالَة مَعْرُوف لَا يلْزم مِنْهَا إِلَّا مَا أقرّ بِهِ كَمَا فِي ابْن يُونُس. تَنْبِيه: من الْمعِين بِالْمَالِ وَلَا إِشْكَال قَوْله فِي الْوَثِيقَة: إِن لم يحضرهُ إِلَى أجل كَذَا فَهُوَ مؤاخذ بِمَا يُثبتهُ عَلَيْهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ فَيلْزمهُ مَا ثَبت إِن لم يَأْتِ بِهِ وَيخْتَلف فِي الْإِقْرَار على نَحْو مَا مرّ عِنْد قَوْله: وَلَا اعْتِبَار بِرِضا من ضمنا الخ. بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: إِن لم أحضرهُ لَك غَدا، فَالَّذِي تدعيه عَليّ وَإِن لم يثبت حق أَو قَالَ لخصمه: إِن لم أحضر مجْلِس القَاضِي مَعَك غَدا أَو إِن لم آتٍ بِالْبَيِّنَةِ أَو بمستندي فدعواي بَاطِلَة أَو دَعْوَى خصمي حق، أَو إِن لم أوفك حَقك فِي وَقت كَذَا فلك عِنْدِي كَذَا زِيَادَة على الْحق أَو إِن لم آتِك بِالثَّوْبِ وَنَحْوه فِي آخر أَيَّام الْخِيَار فَالْبيع لَازم، فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شَيْء من ذَلِك وينقض الحكم إِن وَقع الحكم بذلك بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: إِن أخلفتك عِنْد القَاضِي فكراء دابتك عَليّ فَإِنَّهُ يلْزمه كراؤها لِأَنَّهُ أدخلهُ فِي غرم كِرَاء الدَّابَّة بوعده قَالَه فِي الالتزامات، وَبِخِلَاف مَا لَو قَالَ لزوجته: إِن لم أوف لَك فِي وَقت كَذَا أَو إِن لم أحضر مَعَك فِي مجْلِس القَاضِي فِي وَقت كَذَا فأمرك بِيَدِك فَإِنَّهُ يلْزمه، وَكَذَا إِن قَالَ لَهَا إِن لم أرسل لَك النَّفَقَة فِي وَقت كَذَا فأمرك بِيَدِك كَمَا فِي (ق) فِي فصل التَّمْلِيك. وَوَقعت نازلة وَهِي أَن رجلا طَالبه خَصمه بإبراز رسوم حوانيت زاعماً أَنَّهَا لَهُ وَأَن بَائِعهَا للرجل بَاعَ مَا لَا يملك فَقَالَ الرجل: إِن لم آتٍ برسوم ملك بائعي فَخذ حوانيتك ثمَّ عجز عَن رسوم بَائِعه فَأفْتى العميري ومعاصروه بِأَنَّهُ لَا يلْزمه مَا الْتَزمهُ لِأَنَّهَا مخاطرة محتجين بِمَا مر عَن الالتزامات، وَأما إِن وَقعت فتْنَة وحروب بَين قريتين مثلا فخاف كل مِنْهُمَا على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فتضامنوا فِيمَا بَينهم على أَن مَا تَأْخُذهُ إِحْدَى القريتين لِلْأُخْرَى يُؤَدِّيه أَهلهَا لما رجوه فِي ذَلِك من التوطين فَقَالَ الغبريني كَمَا فِي الْبُرْزُليّ: إِن التضامن غير لَازم لأَنهم مكرهون بالخوف الْمَذْكُور. الْبُرْزُليّ: مَفْهُومه لَو كَانُوا غير مكرهين للَزِمَ كَقَوْلِه كلما بَايَعت فلَانا فَأَنا ضَامِن بِهِ اه. وَنَحْوه للعبدوسي فِيمَن قَالَ لرجل: امْضِ معي إِلَى الْموضع الْفُلَانِيّ وَجَمِيع مَا يصيبك من قبيل كَذَا فِي ضماني فَسَار مَعَه فَأَخذه أهل الْقَبِيل الْمَذْكُور أَن الضَّمَان لَازم لَهُ. قلت: وَفِي أجوبة القوري أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوه فِي أَوَاخِر الْوَدِيعَة وَالْعَارِية من المعيار عَن الْقَابِسِيّ فِيمَن قَالَ: أَخَاف إِن حركت الرَّحَى غرمني السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ الآخر: حركها وَمَا كَانَ من السُّلْطَان عَليّ فحركها فغرمه السُّلْطَان أَنه لَا شَيْء على الضَّامِن اه بِاخْتِصَار. وَلَكِن مَا للبرزلي والعبدوسي أقوى وأرجح بِدَلِيل مَا مر عَن (ح) فِي كِرَاء الدَّابَّة، وبدليل مَا احْتج بِهِ الْبُرْزُليّ من كَون ذَلِك بِمَنْزِلَة من قَالَ: كلما بَايَعت فلَانا الخ. وإنْ ضَمَانُ الْوَجْهِ جَاءَ مُجْمَلاَ فَالْحُكْمُ أَنَّ المَالَ قَدْ تحَمَّلاَ (وَإِن) شَرط (ضَمَان الْوَجْه) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (جَاءَ) وَقَوله: (مُجملا) حَال من فَاعل جَاءَ (فَالْحكم) مُبْتَدأ وَالْفَاء رابطة بَين الشَّرْط وَالْجَوَاب (أَن) بِفَتْح الْهمزَة وَاسْمهَا ضمير(1/308)
مَحْذُوف يعود على الضَّامِن (المَال) مفعول بقوله: (قد تحملا) وَيجوز أَن يكون المَال اسْم إِن وَجُمْلَة قد تحملا خَبَرهَا، والرابط بَين اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف أَي تحمله، وَإِن وَمَا دخلت عَلَيْهِ فِي تَأْوِيل مصدر أَي فَالْحكم تحمله لِلْمَالِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَأما أَن تكفل بِرَجُل أَو بِنَفسِهِ أَو بِعَيْنِه أَو بِوَجْهِهِ إِلَى أجل وَلم يذكر مَالا أَي لم يتَعَرَّض لَهُ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات فَإِنَّهُ إِذا أُتِي بِالرجلِ عِنْد الْأَجَل مَلِيًّا أَو معدماً برىء فَإِن لم يَأْتِ بِهِ حِينَئِذٍ والغريم حَاضر أَو غَائِب قريب الْغَيْبَة مثل الْيَوْم وَشبهه تلوم السُّلْطَان للحميل، فَإِن أَتَى بِهِ بعد التَّلَوُّم فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وإلاَّ غرم، وَأَن بَعدت غيبَة الْمَكْفُول بِهِ غرم الْحميل مَكَانَهُ اه. (خَ) وَصَحَّ بِالْوَجْهِ وبرىء بِتَسْلِيمِهِ بِهِ وَإِن بسجن أَو تَسْلِيمه نَفسه إِن أمره بِهِ إِن حل الْحق وَبِغير مجْلِس الحكم إِن لم يَشْتَرِطه وَبِغير بَلَده إِن كَانَ بِهِ حَاكم وَلَو عديماً وإلاَّ غرم بعد خَفِيف تلوم الخ. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَيبرأ الْحميل للْوَجْه مَتى الخ. وَمَفْهُوم قَوْله مُجملا أَنه إِذا لم يكن مُجملا بل شَرط نفي المَال، أَو قَالَ لَا أضمن إِلَّا وَجهه لَا يلْزمه غرم إِلَّا إِذا لم يَأْتِ بِهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِثْر مَا مرّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من ضَمَان الطّلب وَهُوَ لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا أَن يفرط (خَ) وَطَلَبه بِمَا يقوى عَلَيْهِ وَحلف مَا قصر وَغرم إِن فرط أَو هربه وعوقب. وَجَائِز ضَمانُ مَا تَأَجَّلاَ مُعَجَّلاً وَعَاجِلٍ مُؤَجَّلا (وَجَائِز) خبر مقدم (ضَمَان) مُبْتَدأ أَو فَاعل أغْنى على مَذْهَب من لَا يشْتَرط الِاعْتِمَاد (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ وَاقعَة على الدّين (تأجلا) صلَة أَو صفة (معجلا) حَال من مَا، وَظَاهر قَوْله معجلا أَنه لَا فرق بَين أَن يضمنهُ على الْحُلُول أَو لدوّنَ الْأَجَل فَإِذا كَانَ لرجل على شخص دين مُؤَجل فأسقط الْمَدِين حَقه من التَّأْجِيل وَضَمنَهُ شخص حِينَئِذٍ على الْحُلُول أَو لدوّنَ الْأَجَل فَإِنَّهُ جَائِز لَازم كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وظاهرها كالنظم كَانَ الدّين مِمَّا يعجل أم لَا. وَاخْتَارَهُ ابْن عبد السَّلَام. وَالْمُعْتَمد تَقْيِيد ابْن يُونُس وَإِن مَحل ذَلِك إِذا كَانَ الدّين مِمَّا يعجل كَالْعَيْنِ مُطلقًا أَو عرضا أَو طَعَاما من قرض فَإِن كَانَ من بيع لم يجز لما فِيهِ من حط الضَّمَان عني فِي الْمدَّة الْبَاقِيَة وَأَزِيدك توثقاً، وَلَا مفهزم لقَوْله ضَمَان، بل الرَّهْن كَذَلِك فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور وَمَفْهُوم معجلا أَنه إِن ضمنه أَو رَهنه قبل الْأَجَل إِلَى أَجله جَازَ مُطلقًا بِدُونِ الْقَيْد الْمَذْكُور وَإِن ضمنه أَو رَهنه لأبعد فَيمْتَنع مُطلقًا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة لِأَن التَّأْخِير سلف، وَقد انْتفع بالحميل أَو الرَّهْن فِي مُدَّة الْأَجَل الأول فَيكون(1/309)
سلفا جر نفعا فالصور أَربع وَتبطل الْكفَالَة فِي الْمَمْنُوع مِنْهَا، وَكَذَا الرَّهْن وَإِن قَبضه قبل الْمَانِع. (وعاجل) بِالْجَرِّ عطفا على مَا أَي وَجَائِز ضَمَان أَو رهن عَاجل أَي حَال (مُؤَجّلا) لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْمَدِين مُوسِرًا فَهُوَ كابتداء سلف بضامن أَو رهن وَهُوَ جَائِز اتِّفَاقًا وَإِن كَانَ مُعسرا ويوسر عِنْد الْأَجَل أَو بعده، فَكَذَلِك أَيْضا لِأَنَّهُ فِي هَاتين الْأَخِيرَتَيْنِ، وَإِن انْتفع بِالضَّمَانِ وَنَحْوه فَلَيْسَ هُنَاكَ سلف لوُجُوب إنظار الْمُعسر، فَهَذِهِ ثَلَاث صور إِطْلَاق الْجَوَاز فِيهَا صَحِيح، وَالرَّابِعَة أَن يكون مُعسرا الْآن فَيضمنهُ إِلَى أجل كأربعة أشهر مثلا عَادَته أَن يوسر بعد شَهْرَيْن مِنْهَا بالغلات الَّتِي تَأتيه من أحباس عَلَيْهِ وعَلى عقبه أَو بِخُرُوج الْعَطاء من عِنْد الْأَمِير وَنَحْو ذَلِك فَيمْتَنع على الْأَصَح لِأَن الزَّمَان الْمُتَأَخر عَن يسَاره يعد صَاحب الْحق فِيهِ مسلفاً، وَقد امْتنع عَلَيْهِ بالحميل أَو الرَّهْن فِي زمن الْعسر لِأَن الْمَدِين قد يَمُوت فِي زمن الْعسر، فَيَأْخُذ الْحق من الْكَفِيل وَنَحْوه، وَهَذَا على أَن الْيَسَار المترقب كالمحقق لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ يكونَانِ قد دخلا على السَّيْف، وَأَجَازَ أَشهب هَذِه الصُّورَة أَيْضا بِنَاء على أَن الأَصْل اسْتِصْحَاب الْعسر ويسره قد لَا يكون وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَقد علمت أَن النَّاظِم أخل بِقَيْد فِي الأولى وبقيد فِي الثَّانِيَة على الْمُعْتَمد فيهمَا، وَلَقَد وفى (خَ) بالقيدين حَيْثُ قَالَ عاطفاً على الْجَوَاز والمؤجل حَالا إِن كَانَ مِمَّا يعجل، وَعَكسه إِن أيسر غَرِيمه أَو لم يوسر فِي الْأَجَل الخ فَلَو قَالَ:
ولازم قبُوله معجلا على الْحُلُول سَائِغ إِن يحملا كَذَاك عَاجل على التَّأْجِيل أَن لَا يرقب الملا قبيل أَن يحن لوفى بذلك، وَقَوْلِي إِن لَا يرقب الخ. صَادِق بِمَا إِذا كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا وَلَا يترقب يسره كَمَا مرّ ولازم: صفة لمَحْذُوف أَي وَدين لَازم قبُوله معجلا قبل أَجله سَائِغ ضَمَانه على الْحُلُول، فَإِن كَانَت عَلَيْهِ مِائَتَان مثلا مائَة مُوسر بهَا وَمِائَة مُعسر بهَا وَقد حلتا مَعًا صَحَّ الضَّمَان مُؤَجّلا بِالْمِائَةِ الْمُوسر بهَا فَقَط أَو الْمُعسر بهَا فَقَط لَا بِالْجَمِيعِ أَو بِبَعْض من هَذِه وَبَعض من هَذِه، لِأَنَّهُ سلف بنفع إِذْ تَأْخِيره بِالْمِائَةِ الْمُوسر بهَا سلف وانتفع بالضامن أَو الرَّهْن فِي الْمُعسر بهَا. وَمَا عَلَى الْحَمِيلِ غُرْمُ مَا حَمَلْ إنْ مَاتَ مَضْمُونٌ ولَمْ يَحِنْ أَجَلْ (وَمَا) نَافِيَة (على الْحميل) خبر مقدم (غرم) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (حمل) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل صلَة (أَن) شَرط (مَاتَ مَضْمُون) فعل وفاعل وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ (وَلم يحن) من حَان يحين إِذا حضر حِينه أَي حل (أجل) فَاعل، وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل مَاتَ(1/310)
وَمَعْنَاهُ أَن الْمَضْمُون عَنهُ إِن مَاتَ قبل الْأَجَل عديماً فَلَا غرم على الْحميل حَتَّى يحل الْأَجَل، فَإِن مَاتَ مَلِيًّا قبل الْحُلُول فَإِن الدّين يُؤْخَذ من تركته وَيبرأ الضَّامِن، فَإِن كَانَ الَّذِي مَاتَ قبل الْأَجَل هُوَ الضَّامِن فلرب الدّين أَن يعجل الْحق من تركته، وَله أَن يحاصص غرماءه إِن لم يتْرك وفاءه ثمَّ لَا رُجُوع لوَرثَته على الْغَرِيم إِلَّا بعد الْأَجَل، وَإِلَى هَذِه وَالَّتِي فِي النّظم أَشَارَ (خَ) بقوله: وَعجل بِمَوْت الضَّامِن وَرجع وَارثه بعد أَجله أَو الْغَرِيم إِن تَركه أَي الدّين، وَمَفْهُوم قَوْله: وَلم يحن الخ. أَن الْمَضْمُون إِن مَاتَ بعد الْحُلُول وَلم يتْرك وَفَاء غرم الْحميل حِينَئِذٍ وَلَا يُؤَخر إلاَّ بِرِضا الْمَضْمُون لَهُ. وَكَلَام المُصَنّف فِي ضَامِن المَال، وَأما ضَامِن الْوَجْه فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَيبرأ الْحميل للْوَجْه الخ. ويأْخُذُ الضَّامِنُ مِنْ مَضْمُونِهِ ثَابِتٌ مَا أَدَّاهُ مِنْ دُيُونِهِ (وَيَأْخُذ الضَّامِن) فَاعل بِمَا قبله (من مضمونه) يتَعَلَّق بيأخذ (ثَابت) مفعول بيأخذ (مَا) نكرَة مَوْصُوفَة وَاقعَة على الدّين وصفتها ثَابت الْمُضَاف إِلَيْهَا من إِضَافَة الصّفة للموصوف وَقَوله: (أَدَّاهُ) فعل مَاض قصد بِهِ خُصُوص الْحَدث فَهُوَ فِي تَأْوِيل مصدر فَاعل بِتِلْكَ الصّفة وضميره البارز هُوَ الرابط بَين الصّفة والموصوف، لِأَن الْفِعْل إِذا قصد بِهِ مُجَرّد الْحَدث أَو قدرت مَعَه أَن المصدرية صَحَّ تسلط العوامل عَلَيْهِ كَقَوْلِهِم: تسمع بالمعيدي، وسمعتك تَقول أَي سماعك بالمعيدي، وَسمعت قَوْلك كَذَا قَالَ النُّحَاة: (من دُيُونه) بَيَان لما، وَإِذا جعلت الْبَيَان مَحل الْمُبين وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل الْمصدر كَمَا قُلْنَا كَانَ التَّقْدِير وَيَأْخُذ الضَّامِن من مضمونه دينا ثَابتا أَدَاؤُهُ عَنهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار رب الدّين، وَفهم من قَوْله: ثَابت أَن إِقْرَار الْمَدِين لَا يُوجب الرُّجُوع وَهُوَ كَذَلِك لِأَن إِقْرَار الْمَدِين لَا يسْقط بِهِ الدّين مَعَ جحد الطَّالِب وَمن حجَّته أَن يَقُول: لم تحصل لي بَرَاءَة بدفعك وَأَنت أتلفت مَالك بِعَدَمِ الْإِشْهَاد وَلَا إِشْكَال فِي هَذَا إِن كَانَ الدّفع بِغَيْر حَضرته فَإِن كَانَ بِحَضْرَتِهِ فَقَوْلَانِ، أظهرهمَا عِنْد ابْن رشد كَمَا فِي الشَّامِل أَنه لَا يرجع أَيْضا عَلَيْهِ لِأَن المَال للضامن فَهُوَ أَحَق بِالْإِشْهَادِ على دَفعه وَفهم من قَوْله: أَدَّاهُ أَن الضَّامِن دفع مَال نَفسه أما إِن دفع الْغَرِيم مَالا للحميل ليدفعه للطَّالِب فَدفعهُ لَهُ بِغَيْر إِشْهَاد فَأنْكر الطَّالِب وَحلف فَإِن الضَّامِن يغرمه إِن كَانَ الدّفع بِغَيْر حَضْرَة الْغَرِيم فَإِن كَانَ بِحَضْرَتِهِ غرمه الْغَرِيم فَإِن وجد الْغَرِيم عديماً أَو كَانَ(1/311)
غَائِبا والموضوع بِحَالهِ غرمه الْحميل وَلَا يرجع بِهِ على الْمَطْلُوب فِي الْوَجْهَيْنِ لعلمه ببراءته فيهمَا، وَكَذَا إِن دَفعه الْمَطْلُوب نَفسه من مَاله بِحَضْرَة الْحميل فَأخذ مِنْهُ ثَانِيًا لعدم الْمَطْلُوب أَو غيبته لَا يرجع بِهِ لعلمه بِالْبَرَاءَةِ وَفهم من قَوْله: مَا أَدَّاهُ أَيْضا أَنه لَا يرجع عَلَيْهِ بِعَين مَا أَدَّاهُ بل بِمثلِهِ لِأَن الَّذِي أَدَّاهُ هُوَ بيد الطَّالِب وَيرجع بِمثلِهِ على الْمَطْلُوب وَلَو مُقَومًا على الْمَشْهُور لِأَنَّهُ كالمسلف (خَ) : وَرجع بِمَا أدّى وَلَو مُقَومًا إِن ثَبت الدّفع الخ. وَعَلِيهِ فَقَوْل النَّاظِم ثَابت على حذف مُضَاف أَي مثل دين ثَابت أَدَاؤُهُ كَمَا مرّ، وَقيل: يرجع فِي الْمُقَوّم بِقِيمَتِه وَالْخلاف مَا لم يشتره فَإِن اشْتَرَاهُ رَجَعَ بِثمنِهِ اتِّفَاقًا مَا لم يُجَاب وإلاَّ فَلَا يرجع بِالزِّيَادَةِ. تَنْبِيهَانِ. الأول: إِذا أدّى الضَّامِن الْحق فِي غيبَة الْمَدِين بعد الْأَجَل فَقدم الْمَدِين وَأثبت الْأَدَاء أَيْضا بعد الْأَجَل، فَإِن سبق الضَّامِن بِالْأَدَاءِ رَجَعَ على الْمَدِين لِأَنَّهُ دفع بِحَق وَيرجع الْمَدِين على الطَّالِب، وَإِن سبق الْمَدِين بِالْأَدَاءِ فَلَا يرجع الْحميل عَلَيْهِ، بل على الطَّالِب، وَإِن جهل السَّابِق فَيرجع الْحميل على الطَّالِب أَيْضا بعد حلف الْمَدِين أَنه دفع قبله إِلَّا أَن يكون الْحميل دَفعه بِالْقضَاءِ فَيرجع على الْمَدِين فَإِن نكل الْمَدِين حلف الْحميل وأغرمه فَإِن نكل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ قَالَه ابْن عَرَفَة عَن الْمُوازِية. الثَّانِي: مَا تقدم من أَن الضَّامِن يرجع بِمثل الْمُقَوّم هُوَ إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي يضمن فِيهَا الْمُقَوّم بِالْمثلِ. ثَانِيهَا جَزَاء الصَّيْد، وَثَالِثهَا شَاة الزَّكَاة إِذا أتلف الْمَالِك الْغنم بعد الْحول لزمَه إِحْضَار مَا وَجب فِيهَا لَا قِيمَته. وَرَابِعهَا الْحَيَوَان وَالْعرض الْمُقْتَرض، وخامسها من هدم وَقفا ألزم إِعَادَته كَمَا كَانَ لِئَلَّا يُؤَدِّي أَخذ الْقيمَة إِلَى بيع الْوَقْف ويجمعها قَول الْقَائِل: ضمن مُقَومًا بِمثل فِي ضَمَان قرض زَكَاة وجزا هدم مَكَان لَكِن الْمَشْهُور كَمَا فِي ابْن عَرَفَة فِي مَسْأَلَة هدم الْوَقْف وجوب الْقيمَة انْظُر شرح الشَّامِل. والشَاهِدُ العَدْلُ لِقَائِمٍ بِحَقْ إعْطَاءُ مَطْلُوبٍ بِهِ الضّامِنُ حَقْ (وَالشَّاهِد) مُبْتَدأ (الْعدْل) نعت لَهُ (لقائم) يتَعَلَّق بالمبتدأ (بِحَق) يتَعَلَّق بقائم (إِعْطَاء) مُبْتَدأ ثَان (مَطْلُوب) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لفَاعِله (بِهِ) يتَعَلَّق بِإِعْطَاء على أَنه مفعول ثَان لَهُ وضميره للشَّاهِد وباؤه للسَّبَبِيَّة، وَيحْتَمل أَن يعود على الْحق (الضَّامِن) مفعول أول بِإِعْطَاء (حق) خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الضَّمِير فِي بِهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الشَّاهِد إِذا شهد لشخص بدين على آخر فَأعْطَاهُ الْمَطْلُوب ضَامِنا بذلك الْحق وَاجِب احْتِيَاطًا لِأَن الحكم قرب توجهه أما بِشَاهِد ثَان أَو بِالْيَمِينِ، وَظَاهره وجوب الضَّامِن بِالْمَالِ بِدَلِيل الْبَيْت بعده وَهُوَ ظَاهر(1/312)
الْمُدَوَّنَة، وَصرح بِهِ فِي الشَّامِل وَعَلِيهِ درج (خَ) فِي الشَّهَادَات حَيْثُ قَالَ: وَمن استمهل لدفع بَيِّنَة أمْهل بِالِاجْتِهَادِ كحساب وَشبهه بكفيل بِالْمَالِ كَأَن أَرَادَ إِقَامَة ثَان الخ. وَالَّذِي صرح بِهِ فِي الْمُفِيد كَمَا فِي ابْن رحال وَهُوَ ظَاهر (خَ) فِي الضَّمَان حَيْثُ قَالَ: وَلم يجب وَكيل للخصومة وَلَا كَفِيل بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى إِلَّا بِشَاهِد الخ. وَإِن الْعَمَل على الضَّامِن بِالْوَجْهِ مَعَ الشَّاهِد وَهُوَ قَول سَحْنُون وَمَفْهُوم قَوْله: الشَّاهِد الْعدْل أَنه إِذا شهد لَهُ بِالْحَقِّ شَاهِدَانِ أَو أقرّ الْمَطْلُوب فَإِنَّهُ يجب الضَّامِن بِالْمَالِ قطعا فَإِن لم يقدر على الضَّامِن وأتى برهن فيكفيه ويؤجل فِي أَدَاء الدّين بِقدر قلَّة المَال وكثرته بِاجْتِهَاد الْحَاكِم على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا لِابْنِ رشد، ودرج عَلَيْهِ ناظم عمل فاس حَيْثُ قَالَ: وَمن بدين قد أقرّ يسجن إِن لم يجىء برهن أَو من يضمن وَسَيَأْتِي للناظم: وسلعة الْمديَان رهنا تجْعَل الخ. . وَفِي ابْن سهل عَن ابْن عتاب: إِذا كَانَت لَهُ أصُول مَأْمُونَة وَسَأَلَ تَأْخِيرا حَتَّى يَبِيعهَا فَإِنَّهُ يلْزمه حميل بِالْمَالِ كَانَ ذَا أصُول أَو لم يكن وَبِه الْعَمَل قَالَ: وَيلْزمهُ الْحميل وَلَو كَانَ بيد الطَّالِب رهن حَتَّى ينصفه وَهُوَ مَذْهَب الشُّيُوخ اه. وَعَلِيهِ عول (خَ) إِذْ قَالَ: وَأجل لبيع عرضه إِن أعْطى حميلاً بِالْمَالِ الخ. وَهَذَا مُخَالف لما قبله من أَنه يَكْتَفِي مِنْهُ بِالرَّهْنِ، وَبِالْجُمْلَةِ فالمدين يَكْفِيهِ الضَّامِن أَو الرَّهْن على مَا بِهِ الْعَمَل، فَإِن عجز عَنْهُمَا فيسجن لِأَن السجْن حميل من لَا حميل لَهُ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، فَإِن انْقَضى الْأَجَل وَلم يؤد فَإِن الرَّهْن يُبَاع بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا. وَعَن سَحْنُون فِيمَن وَجب عَلَيْهِ غرم فَقَالَ: هَذَا ربعي لَا أجد من يَشْتَرِيهِ إِنَّه لَا حميل عَلَيْهِ بِوَجْه وَلَا بِمَال. قَالَ: فَإِن زعم الطَّالِب أَنه يَقُول للْمُشْتَرِي لَا تشتريه فَإِن الْحَاكِم يشيده ويستقصي ثمَّ يَبِيع بِالْخِيَارِ اه. وبمثله أفتى ابْن مَالك وَأَن الْمَطْلُوب إِذا كَانَ مَعْرُوف الْعين ظَاهر الملاء بَين الوفر لم يلْزمه حميل. كَذَا فِي ابْن سهل، وَفِي الطرر أَن ابْن مَالك أفتى بحميل الْوَجْه وَعَلِيهِ فالأقوال ثَلَاثَة: حميل بِالْمَالِ وَهُوَ مَا لِابْنِ عتاب وَالْأَكْثَر وبالوجه وَهُوَ مَا لِابْنِ مَالك وَلَا حميل أصلا وَهُوَ مَا لسَحْنُون. وَمَفْهُوم الشَّاهِد الْعدْل أَنه إِذا لم يكن إِلَّا مُجَرّد الدَّعْوَى لم يجب ضَامِن بِالْمَالِ كَمَا قَالَ: وَضَامِنُ الْوَجْهِ عَلَى مَا أُنْكَرَا دَعْوى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; امرىءٍ خَشْيَةَ أنْ لَا يَحْضُرا (وضامن الْوَجْه) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (على من أنكرا) خبر وَأنكر صلَة والرابط الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهِ (دَعْوَى) مفعول (امرىء) مُضَاف إِلَيْهِ (خشيَة) مفعول لأَجله (أَن) بِفَتْح الْهمزَة (لَا يحضرا) صلَة لِأَن وَهِي وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مصدر مُضَاف إِلَيْهِ مَا قبله. مِنْ بَعْدِ تَأْجِيلٍ لهَذَا المُدَّعِي بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ فِيمَا يَدَّعِي (من بعد) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف على أَنه حَال من الِاسْتِقْرَار فِي الْخَبَر (تَأْجِيل) مُضَاف إِلَيْهِ (لهَذَا الْمُدَّعِي) يتَعَلَّق بتأجيل (بِقدر) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (مَا) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْأَجَل (اسْتحق) بِفَتْح التَّاء(1/313)
مَبْنِيا للْفَاعِل وضميره الْمُسْتَتر للْمُدَّعِي صلتها والرابط مَحْذُوف (فِيمَا) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ وَمَا وَاقعَة على الْإِثْبَات وَجُمْلَة (يَدعِي) صلَة والرابط مَحْذُوف، وَمَعْنَاهُ أَن ضَامِن الْوَجْه وَاجِب على من أنكر الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة حَيْثُ سَأَلَ الطَّالِب مِنْهُ ذَلِك الضَّامِن خشيَة عدم حُضُوره عِنْد الْإِتْيَان بِبَيِّنَتِهِ الَّتِي تشهد على عين الْمَطْلُوب بِالْحَقِّ حَال كَون الْوُجُوب كَائِنا بعد التَّأْجِيل للْمُدَّعِي بِقدر الْأَجَل الَّذِي يسْتَحقّهُ فِي الْإِثْبَات الَّذِي يَدعِيهِ من كَونه يقدر مَا يَسعهُ لإِقَامَة الْبَيِّنَة وَلَا ضَرَر فِيهِ على الْمَطْلُوب، وَيُمكن أَن تكون لفظ بِقدر مقحمة وَمَا وَاقعَة على الْمَفْعُول الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْأَجَل أَي بعد التَّأْجِيل للْمُدَّعِي الْأَجَل الَّذِي فِيهِ يسْتَحقّهُ الخ. وَهَذَا أظهر معنى فَإِن لم يجد ضَامِنا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: يُقَال للخصم لَازمه بِنَفْسِك أَو وكيلك وَلَا يسجن لَك وَهُوَ معنى قَوْله: وقيلَ إنْ لَمْ يُلْفِ مَنْ يَضْمَنُهْ لِلْخصْمِ لازمْهُ وَلَا يَسْجُنُهُ (وَقيل إِن لم يلف) بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء مَبْنِيا للْفَاعِل (من) مفعول بيلف مضارع ألفى بِمَعْنى وجد (يضمنهُ) صلَة من (للخصم) يتَعَلَّق بقيل (لَازمه) أَمر محكي بقيل (وَلَا يسجنه) بِضَم الْجِيم وَفتح الْيَاء مَعْطُوف على قيل وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَقَالَ أَشهب: إِن لم يلف من يضمن وَجهه فَإِنَّهُ يسجن وَهُوَ المُرَاد بقوله: وأشْهَبٌ بِضَامِنِ الوجْهِ قَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; عليْهِ حَتماً وبِقَوْلِهِ القَضَا (وَأَشْهَب) مُبْتَدأ وَصَرفه للضَّرُورَة (بضامن الْوَجْه) يتَعَلَّق بقوله (قضى) وَكَذَا (عَلَيْهِ) وَهَذَا لَا يظْهر فِيهِ أثر الْخلاف لاتِّفَاقهمَا على الْقَضَاء عَلَيْهِ بضامن الْوَجْه، وَإِنَّمَا يظْهر أَثَره فِي السجْن عِنْد الْعَجز عَنهُ، وَلذَا قَالَ: (حتما) نعت لمصدر مَحْذُوف أَي قَضَاهُ حتما أَي لَازِما بِحَيْثُ إِذا لم يجده سجن (وَبِقَوْلِهِ) خبر (القضا) مُبْتَدأ وَمَا ذكره ظَاهر فِي الدُّيُون لِأَنَّهُ يُرِيد إِقَامَة الْبَيِّنَة على عينه كَمَا مرّ وَكَذَا فِي الْأُصُول فِيمَا يظْهر فيعطي كل مِنْهُمَا ضَامِنا بِوَجْهِهِ لصَاحبه لِئَلَّا تطول الدَّعْوَى عَلَيْهِ. وَلَا يُقَال: إِذا تغيب فِي الْأُصُول يحكم عَلَيْهِ فِي غيبته وَيجْرِي على مَا مرّ فِي قَوْله: وَمن أَلد فِي الْخِصَام وانتهج الخ. لأَنا نقُول كل مِنْهُمَا يُرِيد أَن يقطع شغب صَاحبه، وَهُوَ إِذا تغيب قبل إتْمَام حججه كَمَا هُنَا لَا يَنْقَطِع شغبه وَلَا سِيمَا إِن كَانَ مجلوباً من الْبَادِيَة للحاضرة، وَهَذَا هُوَ مَا يحكم بِهِ الْقُضَاة الْيَوْم وَلم أَقف فِيهِ على نَص صَرِيح سوى مَا لم فِي شرح اللامية عِنْد قَوْلهَا: وَإِن يرد الْمَطْلُوب دفعا الخ. من أَن النزاع فِي الْأُصُول لَا يحْتَاج فِيهِ لضامن لأمنها، لكنه لم يجْزم بِهِ على أَن تَعْلِيله بالأمن لايطابق مَا هُنَا من أَن المُرَاد خشيَة عدم الْحُضُور ثمَّ وقفت على (ز) عِنْد قَول المُصَنّف: وَإِن تنَازع قادرون فبينهم. فَوَجَدته صرح بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ، وَظَاهر النّظم(1/314)
أَيْضا أَنه لَا فرق بَين قرب الْبَيِّنَة وَبعدهَا قَالَ ابْن رحال: وَبِه الْعَمَل وَلم أَقف على هَذَا الْعَمَل لغيره وَهُوَ خلاف الْمَنْقُول من أَنه إِنَّمَا يسجن إِن ادّعى بَيِّنَة قريبَة وَحلف على ذَلِك وإلاَّ بِأَن لم يحلف أَو بَعدت الْبَيِّنَة لم يسجن بل يحلف الْمَطْلُوب فِي الْبَعِيدَة ويسرح وللطالب الْقيام بِبَيِّنَتِهِ إِن قدمت، وَلَيْسَ فِي النّظم مَا يشْعر بالقيدين، وَقد استوفى فِي اللامية الْكَلَام على الْمَسْأَلَة حَيْثُ قَالَ: كبينة قَامَت بِقرب لمدع فَيُؤْمَر مَطْلُوب بِأَن يتحملا حميل بِهِ بِالْوَجْهِ بِالْعَجزِ سجنه وَإِن بَعدت يحلف لَهُ أَن تحصلا بذين يَمِين الْمُدَّعِي إِن مَا ادّعى من الْبَينَات صَحَّ باسم وَقيل لَا فيمين الطَّالِب شَرط فِي سجن الْمَطْلُوب فِي الْقَرِيبَة فِي تَحْلِيفه فِي الْبَعِيدَة، وَظَاهره أَن التَّسْمِيَة شَرط فيهمَا أَيْضا وَأَنه إِذا لم يسم الْبَيِّنَة فَلَا يسجنه وَلَا يحلفهُ، لَكِن تسميتهم فِي الْقَرِيبَة غير منصوصة فَيجب إخْرَاجهَا من كَلَامه، وَإِذا سماهم وَلم يشْهدُوا أَو لم يَكُونُوا عُدُولًا فَلَا شَيْء لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ استحلاف الْمَطْلُوب مَعَ بَقَائِهِ على حجَّته، فَلَا يُمكن من ذَلِك إِلَّا على هَذَا الْوَجْه، وَهَذِه الْمَسْأَلَة تخصص عُمُوم مَا تقدم من أَنه إِذا حلفه وَوجد بَيِّنَة لم يعلمهَا أَو نَسِيَهَا فَلهُ الْقيام بهَا أَي: مَا لم يكن حلفه لبعد بَينته وسماها كَمَا هُنَا، وَتَأمل مَا فِي اللامية مَعَ مَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال هُنَا من أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل فِي الْبَعِيدَة تَحْلِيف الطَّالِب أَن لَهُ بَيِّنَة ويسجن لَهُ الْمَطْلُوب وَإِلَّا تسْقط بَيِّنَة الطَّالِب فِي الْبَعِيدَة على قَول من لَا يرى حَبسه، وَأَنه يحلف ويسرح اه. فَهُوَ مُخَالف لما فِي اللامية من وَجْهَيْن، أَحدهمَا: أَن الطَّالِب إِذا حلف سجن الْمَطْلُوب إِن لم يَأْتِ بكفيل لَا أَنه يحلف فَقَط، وَثَانِيهمَا أَن بَيِّنَة الطَّالِب لَا تسْقط وَظَاهره وَلَو سَمَّاهَا وَمَا فِي اللامية أَصله فِي الْمُدَوَّنَة فِي الشَّهَادَات مِنْهَا. قَالَ فِيهَا والقرب اليومان وَالثَّلَاثَة، وَهَذَا إِن لم يدع الطَّالِب بَيِّنَة حَاضِرَة بكالسوق أَو بِبَعْض الْقَبَائِل الْقَرِيبَة وإلاَّ وقف الْحَاكِم الْمَطْلُوب عِنْده مُقَدرا مَا يَأْتِي بهَا، فَإِن جَاءَ وَإِلَّا خلى سَبيله. ابْن فتوح: إِنَّمَا كَانَ لَهُ أَن يحلف الْمَطْلُوب على أَن يقوم بِبَيِّنَتِهِ إِن قدمت لِأَنَّهَا بِموضع بعيد وَيُسمى الْبَيِّنَة. ابْن عَرَفَة: ويعين الْموضع خوف أَن يعْتَقد فِيمَا لَيْسَ بَعيدا أَنه بعيد وَالْخَوْف فِي الْمسَافَة يصير الْقصير بَعيدا اه. أَبُو الْحسن: عِنْد قَوْلهَا وَلَو استحلفه تَارِكًا لَهَا الخ، مَا نَصه: وَلَو أحلفه وَلم يرفعهُ إِلَى السُّلْطَان وَله بَيِّنَة بعيدَة الْغَيْبَة فَلهُ الْقيام إِذا قدمت لِأَنَّهُ لَو رفع أمره إِلَى الْحَاكِم لَكَانَ هُوَ الَّذِي يفعل وَذَلِكَ بِخِلَاف مَا لَو صَالح الْمَطْلُوب لبعد غيبَة الْبَيِّنَة لِأَنَّهُ قد رَضِي بِمَا أَخذ فَلَا قيام لَهُ. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ ابْن رشد فِي نوازله، وَنَقله ابْن عَاتٍ فِي طرره: أَنه يجب على القَاضِي أَن يعلم الطَّالِب بِوُجُوب الْحميل لَهُ إِن كَانَ مثله يجهل ذَلِك، وَكَذَا يجب عَلَيْهِ أَن يعلم الْحميل بِتَأْخِير الْمَطْلُوب إِن حكم القَاضِي بِالتَّأْخِيرِ بعد الْحُلُول. انْظُر الْمديَان من الْبُرْزُليّ. الثَّانِي: مَا جرى بِهِ الْعَمَل هُوَ إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي خَالف فِيهَا أهل الأندلس ابْن الْقَاسِم. وَثَانِيها أَنهم لَا يوجبون الْحميل بِالْحَقِّ إِلَّا بالعدلين وَهُوَ مَا تقدم قَرِيبا فِي قَوْله: وَالشَّاهِد الْعدْل بِهِ الضَّامِن الخ. وَثَالِثهَا من أنكر شَيْئا ثمَّ أقرَّ بِهِ وَأقَام بَيِّنَة بِالْبَرَاءَةِ لم تَنْفَعهُ وَتَقَدَّمت للناظم فِي قَوْله: لِأَنَّهُ كذبهمْ فِي الأول وبمنزلة من أنكر وَدِيعَة ثمَّ أقرّ بهَا وَأقَام بَيِّنَة بِالدفع، وَرَابِعهَا الشُّفْعَة(1/315)
فِيمَا لَا يَنْقَسِم وَسَتَأْتِي للناظم حَيْثُ قَالَ: والفرن وَالْحمام والرحى انقضا الخ. وأوجبوها أَيْضا فِي الْأَمْوَال الموظفة، وَهُوَ قَول أَشهب. وخامسها: أَنهم جعلُوا الشَّيْء الْمُسْتَحق يدْخل فِي ضَمَان الْمُسْتَحق وَتَكون لَهُ الْغلَّة، وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُوَطَّأ. وَعَلِيهِ اقْتصر النَّاظِم فِي فصل التَّوْقِيف. وسادسها: من غَابَ عَن زَوجته فحاله فِي مغيبه حَال خُرُوجه فِي الْعسر واليسر قَالَه ابْن نَافِع. ودرج النَّاظِم فِي هَذِه النَّفَقَات على الْمُقَابل حَيْثُ قَالَ: فحالة الْقدوم لِابْنِ الْقَاسِم الخ. وَكَذَا قَالَ (خَ) اعْتبر حَال قدومه. وسابعها: أَنهم أوجبوا الْقسَامَة مَعَ شَهَادَة غير الْعُدُول من اللفيف، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم وَمَالك فِيمَا رَوَاهُ أَشهب، وَقَوله أَيْضا: أَو بِكَثِير من لفيف الشهدا، وَتقدم قَوْله: وَلَا اللفيف فِي الْقسَامَة اعْتمد الخ. وثامنها: أَنهم لم يجيزوا الشَّهَادَة على خطّ الشَّاهِد إِلَّا فِي الأحباس المعقبة إِذا اقْترن بهَا السماع الفاشي، ودرج النَّاظِم على مُقَابِله حَيْثُ قَالَ: وَخط عدل مَاتَ أَو غَابَ اكْتفى الخ. وتاسعها: أَنهم تركُوا تحلية الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَصفته فِي الْعُقُود، وَلَعَلَّ هَذَا مَعَ وجود الْمُعَرّف وإلاَّ فقد تقدم أَنه إِذا لم تكن معرفَة وَلَا تَعْرِيف لَا بُد من التحلية، وَتَأمل قَول (خَ) وميز فِيهِ مَا يتَمَيَّز بِهِ من اسْم وحرفة وَغَيرهمَا الخ. وعاشرها: أَنهم لم يجيزوا للْوَصِيّ أَن ينظر على أَوْلَاد مَحْجُوره إِلَّا بِتَقْدِيم مُسْتَأْنف، وَسَيَأْتِي للناظم: وَنظر الْوَصِيّ فِي الْمَشْهُور الخ. وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا لبس الْحَرِير فِي الْغَزْو وَأَنَّهُمْ راعوا الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح فِي الْحَال والمآل وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: فَمَعَ كُفْء بِصَدَاق الْمثل الخ. وَأَن مَا التزمته المالكة نَفسهَا فِي الْخلْع من نَفَقَة ابْنهَا بعد الْحَوْلَيْنِ لَازم لَهَا وَهُوَ قَول المَخْزُومِي، وَسَيَأْتِي للناظم فِي الْخلْع وَأَنه لَا يلْزم الإخدام إِلَّا فِي ذَات المَال، وَعَلِيهِ درج (خَ) بقوله: وإخدام أَهله وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا الْأُجْرَة على تَعْلِيم النَّحْو وَالشعر وَهُوَ قَول ابْن حبيب. وأجازوا بيع كتب الْفِقْه وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَاب مَالك، ودرج على ذَلِك (خَ) بقوله وَبيع كتبه، وأجازوا أَفعَال السَّفِيه الَّذِي لم يول عَلَيْهِ (خَ) وأفعاله قبل الْحجر مَحْمُولَة على الْإِجَازَة عِنْد مَالك وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَفعل ذُو السَّفه رد كُله. وَعَلِيهِ الْعَمَل الْآن وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا التَّفَاضُل فِي الْمُزَارعَة إِذا سلما من كِرَاء الأَرْض بِمَا يخرج مِنْهَا لِأَنَّهَا كِرَاء لَا شركَة قَالَه ابْن دِينَار، وَالْمُعْتَمد خِلَافه (خَ) وقابلها مساوٍ الخ. وَهُوَ ظَاهر النّظم فِيمَا يَأْتِي وَأَن الْمُزَارعَة لَا تَنْعَقِد عِنْدهم إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَل قَالَه ابْن كنَانَة. وَعَلِيهِ عول (خَ) ودرج النَّاظِم على مُقَابِله حَيْثُ قَالَ: ولزمت بِالْعقدِ كالإجار الخ. وَهُوَ الَّذِي شهره فِي الشَّامِل، وَأما الْمسَائِل الَّتِي خالفوا فِيهَا مَذْهَب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى فَهِيَ سِتَّة أَن لَا يَكْتَفِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد لظَاهِر الْقُرْآن، وَأَن لَا يحكموا بالخلطة وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث، وأجازوا كِرَاء الأَرْض بالجزء مِمَّا يخرج مِنْهَا كالمساقاة والقراض وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث أَيْضا، وأجازوا غرس الْأَشْجَار فِي الْمَسَاجِد وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالُوا بِرَفْع الْمُؤَذّن صَوته فِي أول الْأَذَان بالتكبيرة وَجعلُوا فِي الْغَنِيمَة للفارس سَهْمَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، لَكِن القَوْل بِعَدَمِ الْخلطَة هُوَ لِابْنِ نَافِع فَهُوَ فِي الْمَذْهَب، وَكَذَلِكَ القَوْل بِأَن للفارس سَهْمَيْنِ كَمَا فِي (خَ) وَعَلِيهِ فالأنسب ذكر هذَيْن فِي الْمسَائِل قبله، وَإِنَّمَا احتاجوا لبَيَان هَذِه الْمسَائِل لقَولهم الْمعول عَلَيْهِ فِي الْفتيا قَول ابْن الْقَاسِم، لَا سِيمَا إِن كَانَ فِي الْمُدَوَّنَة. وَانْظُر الرُّكْن الثَّانِي من أَرْكَان الْقَضَاء من التَّبْصِرَة أَن من قَالَ القَوْل قَول ابْن الْقَاسِم عِنْد الِاخْتِلَاف لَيْسَ بِشَيْء. ويَبْرَأُ الحَمِيلُ بالوَجْه مَتَى أَحْضَرَ مَضْمُوناً لِخَصْمٍ مَيِّتا(1/316)
(وَيبرأ الْحميل) فعل وفاعل (بِالْوَجْهِ) يتَعَلَّق بالحميل (مَتى) اسْم شَرط (أحضر) فعل الشَّرْط (مَضْمُونا) مفعول بِهِ (لخصم) يتَعَلَّق بأحضر (مَيتا) صفة لمضمون وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، قَالَ فِيهَا: وَإِذا مَاتَ الْغَرِيم برىء حميل الْوَجْه لِأَن النَّفس المكفولة قد ذهبت. ابْن نَاجِي: ظَاهرهَا مَاتَ فِي الْبَلَد أَو فِي غيبَة قربت الْغَيْبَة أَو بَعدت وَهُوَ كَذَلِك اه. وعَلى هَذَا درج (خَ) حَيْثُ قَالَ فِي بَاب الضَّمَان: إِلَّا أَن أثبت عَدمه أَو مَوته فِي غيبته وَلَو فِي غير بَلَده الخ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَعَلِيهِ فَلَا مَفْهُوم لقَوْله أحضر، وَلَا لقَوْله مَيتا لِأَن الْمدَار على إِثْبَات الْمَوْت أَو الْعَدَم خلاف مَا درج عَلَيْهِ (خَ) فِي بَاب الْفلس حَيْثُ قَالَ: وَحبس لثُبُوت عسره إِن جهل حَاله وَلم يسئل الصَّبْر لَهُ بحميل بِوَجْهِهِ فَيغرم إِن لم يَأْتِ بِهِ، وَلَو أثبت عَدمه أَو مَوته فِي غيبَة الخ. وَأَحْرَى أَن يبرأ إِذا أحضرهُ فِي السجْن أَو مَرِيضا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَإِن ضَمَان الْوَجْه جَاءَ مُجملا الخ. وَظَاهر هَذَا أَنه يبرأ وَلَو أحضرهُ لَهُ فِي حرم يتَعَذَّر إِخْرَاجه مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِك لِأَن القَاضِي يبْعَث إِلَيْهِ إِمَّا أَن يخرج أَو يُوكل وَإِمَّا أَن يحكم عَلَيْهِ فَإِن توقف الحكم على إِحْضَار ذَاته أخرج من الْحرم فَهُوَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَة الْمُسلم فِي السجْن، وَلِهَذَا قَالَ ناظم الْعَمَل:
وضامن مضمونه قد أحضرا بِموضع إِخْرَاجه تعذرا يَكْفِيهِ مَا لم يضمن الْإِحْضَار لَهُ بِمَجْلِس الشَّرْع بِتِلْكَ المنزله وَظَاهر النّظم أَنه يبرأ بإحضاره مَيتا وَلَو بعد الحكم عَلَيْهِ بالغرم، وَلَيْسَ كَذَلِك بل إِذا أحضر حَيا أَو مَيتا بعد الحكم عَلَيْهِ بالغرامة لَا يبرأ وَصَارَ غريماً ثَانِيًا بِسَبَب الحكم عَلَيْهِ فَيُخَير الطَّالِب فِي اتِّبَاع أَيهمَا شَاءَ قَالَه ابْن يُونُس، فَإِن غرم الْحميل المَال ثمَّ أثبت أَن الْغَرِيم مَاتَ قبل الحكم رَجَعَ على رب الدّين بِمَا أَخذ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة لتبين خطأ الحكم كَمَا أَنه إِذا أثبت عَدمه أَي أثبت الْآن أَنه عِنْد حُلُول الْأَجَل عديم فَإِنَّهُ يبرأ وَلَو حكم عَلَيْهِ بالغرم، فَإِنَّهُ ينْقض لتبين خطئه، وَأما لَو مَاتَ حميل الْوَجْه فالحمالة لَا تسْقط على الْمَشْهُور وَطلب وَارثه بإحضار غَرِيمه إِن حل دينه، وإلاَّ أَخذ من تركته قدر الدّين ووقف على يَد عدل حَتَّى يحل الْأَجَل إِن لم يكن وَارثه(1/317)
مَأْمُونا وَإِلَّا وقف فِي ذمَّته قَالَه اللَّخْمِيّ. وَأَخَّرُوا السَّائِلَ لِلإرْجَاءِ كالْيَوْمِ عِنْدَ الحُكْمِ بالأَدَاءِ (وأخروا) فعل وفاعل (السَّائِل) مفعول (للإرجاء) أَي التَّأْخِير يتَعَلَّق بالسائل (كَالْيَوْمِ) يتَعَلَّق بإرجاء (عِنْد الحكم) يتَعَلَّق بالسائل (بِالْأَدَاءِ) يتَعَلَّق بالحكم. إنْ جَاءَ فِي الحالِ بِضَامِنٍ وَإنْ لَمْ يَأْتِ بالحَمِيلِ بِالمالِ سُجِنْ (إِن) شَرط (جَاءَ) فعله (فِي الْحَال) يتَعَلَّق بِهِ وَكَذَا قَوْله (بضامن) وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (وَإِن) شَرط (لم يَأْتِ) فعله (بالحميل) يتَعَلَّق بيأت (بِالْمَالِ) يتَعَلَّق بالحميل (سجن) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول جَوَاب الشَّرْط وَظَاهره أَنه لَا بُد من الْحميل بِالْمَالِ سَوَاء كَانَ مَعْلُوم الملاء أَو ظَاهره أَو مَجْهُول الْحَال وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لما سَأَلَ التَّأْخِير الْيَوْم وَنَحْوه ظَهرت قدرته على المَال كَمَا فِي الْمَبْسُوط فَلَا يقبل مِنْهُ حميل إِلَّا بِهِ وَمحل ذَلِك فِي مَعْلُوم الملاء إِن لم يعرف بالناض وإلاَّ لم يُؤَخر (خَ) وَإِن وعد بِالْقضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرا كَالْيَوْمِ وَنَحْوه أعْطى حميلاً بِالْمَالِ وإلاَّ سجن كمعلوم الملاء وَأجل لبيع عرضه وَإِن أعطي حميلاً بِالْمَالِ، وَفِي حلفه على عدم الناض تردد وَإِن علم بالناض لم يُؤَخر الخ. وَالرَّهْن كالحميل على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا مرّ قَرِيبا عِنْد قَوْله: وَالشَّاهِد الْعدْل الخ. وأدخلت الْكَاف الْيَوْمَيْنِ فَقَط على مَا فِي شرَّاح الْمَتْن ولمالك فِي الْمَبْسُوط يُؤَخر المليء ثَلَاثًا وأربعاً وخمساً وَالتَّعْلِيل بِظُهُور قدرته على المَال الخ، لَا يَقْتَضِي أَنه إِذا سَأَلَ التَّأْخِير الْيَوْم وَنَحْوه ثمَّ ادّعى الْعَدَم لَا يقبل قَوْله: وَتبطل بِهِ بَينته لِأَن غَايَته أَن يكون بِمَثَابَة من صَالح رجلا على دين بِنَقْد حَال ثمَّ ادّعى الْعَدَم فَإِنَّهُ يتبع الْيَوْم وَنَحْوه فِي ذمَّته وَلَيْسَ صلحه يكذب قَوْله وَلَا يبطل بَينته بِالْعدمِ لِأَنَّهُ يَقُول: كنت أَرْجُو سلفا أَو هبة من بعض أَهلِي أَو أقاربي وَنَحْو ذَلِك قَالَه فِي الطرر، وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو أقرّ الْمَدِين عِنْد الْمُعَامَلَة أَو بعْدهَا بالملاء، فَفِي ابْن فتوح إِن كتب الموثقين أَن الْمديَان مَلِيء بِالْحَقِّ الَّذِي كتب عَلَيْهِ حسن، فَإِن ادّعى عدماً لم يصدق وَإِن قَامَت لَهُ بِهِ بَيِّنَة لِأَنَّهُ كذبهَا وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا وَبِه الْعَمَل، وَفِي الفشتالي والمعيار إِن عدم قبُول الْبَيِّنَة بِالْعدمِ مِمَّن اعْترف بالملاء هُوَ الْمَشْهُور والمعمول بِهِ ويسجن أبدا حَتَّى يُؤَدِّي دينه أَو تبيض عَيناهُ مَا لم تقم بَيِّنَة بطرو آفَة أذهبت مَاله بِسَرِقَة أَو نهب أَو إحراق. تَنْبِيه: من مَعْلُوم الملاء مَا ذكره الْبُرْزُليّ فِي امْرَأَة تفالست فَقَالَ لَهَا غريمها: لَك مَال فِي مَحل كَذَا آخذه وأسقطت عَنْك من الدّين ثَلَاثِينَ دِينَارا وجدت شَيْئا أَو لم أَجِدهُ فلجت فِي الْإِنْكَار وأبت أَن تسعفه لما طلب فَقَالَ أَيُّوب بن سُلَيْمَان: لَا شَيْء أدل على لدد هَذِه الْمَرْأَة من أَن يدعوها غريمها إِلَى مَا قَالَ فتأبى إِلَّا الْجحْد فَيجب حَبسهَا أبدا حَتَّى يكون أحد ثَلَاثَة أوجه: إِمَّا أَن يكْتب إِلَى رجل ثِقَة من تِلْكَ النَّاحِيَة ليبحث عَنْهَا، وَإِمَّا أَن تجيب إِلَى دفع المَال، وَإِمَّا أَن يكْشف عَن بَاطِنهَا أهل الْمعرفَة فِي النَّاحِيَة الَّتِي ذكرهَا الطَّالِب اه.(1/318)
(بَاب الْوكَالَة)
بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا بِمَعْنى التَّفْوِيض يُقَال: وَكله بِأَمْر كَذَا فوض إِلَيْهِ فِيهِ وَتَقَع بِمَعْنى الْحِفْظ وَالرِّعَايَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: أَلا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} (الْإِسْرَاء: 2) قيل: حفيظاً، وَقيل كَفِيلا، وَقيل ضَامِنا كَمَا فِي ضيح (وَمَا يتَعَلَّق بهَا) من تداعي الْوَكِيل وَالْمُوكل وانعزاله بِالْمَوْتِ وَنَحْو ذَلِك. وَشرعا قَالَ ابْن عَرَفَة: نِيَابَة ذِي حق غير ذِي إمرة وَلَا عبَادَة لغيره فِيهِ غير مَشْرُوطَة بِمَوْتِهِ، فَتخرج نِيَابَة إِمَام الطَّاعَة أَمِيرا أَو قَاضِيا أَو صَاحب صَلَاة وَالْوَصِيَّة اه. فَخرجت نِيَابَة إِمَام الطَّاعَة أَمِيرا أَو قَاضِيا بقوله: غير ذِي إمرة وَخرج بقوله: وَلَا عبَادَة إِمَامَة الصَّلَاة وَبِقَوْلِهِ غير مَشْرُوطَة الخ. الْوَصِيَّة لِأَن الْوَصِيّ لَا يُقَال فِيهِ وَكيل عرفا، وَلذَا فرقوا بَين فلَان وَكيلِي ووصيي وَقَوله لغيره: يتَعَلَّق بنيابة وَكَذَا قَوْله فِيهِ وضميره يعود على حق، لَكِن إِن جعل غير الأول صفة لذِي الأولى بَطل جَمِيعه فِي الإِمَام يُوكل فِي حق نَفسه من نِكَاح وَنَحْوه، وَإِن جعلته صفة لحق لم يَصح إِلَّا على ضرب من الْمجَاز وَهُوَ مجتنب فِي الْحُدُود، فَالْأولى إِسْقَاط ذِي الثَّانِيَة. وَكَيْفِيَّة وثيقتها إِن كَانَ مفوضة وكل فلَان فلَانا توكيلاً مفوضاً مُطلقًا ويكفيه ذَلِك كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله وحيثما التَّوْكِيل بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَإِن كَانَت مَخْصُوصَة قلت: وكّل فلَان فلَانا على بيع دوابه أَو شِرَاء سلْعَة كَذَا، وَنَحْو ذَلِك. وَيتَعَيَّن أَن يَبِيع بِثمن الْمثل وَأَن يَشْتَرِي لَهُ مَا يَلِيق بِهِ كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ يمْضِي غير مَا فِيهِ نظر الخ. وَإِن كَانَت مَخْصُوصَة بالخصام قلت: وكّله على طلب حُقُوقه واستخراج مَنَافِعه أَيْنَمَا كَانَت أَو من فلَان وَقبض مَا يجب لَهُ قَبضه جاعلاً لَهُ فِيهِ الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار، وَأخذ الضَّمَان والرهان وتقاضي الْأَيْمَان وَقبلهَا وَالصُّلْح وَأخذ النّسخ وإعطائها وَضرب الْآجَال والتزامها توكيلاً تَاما وَقبض الْوَكِيل ذَلِك شهد عَلَيْهِمَا من أشهداه بِمَا فِيهِ وهما بأتمه وعرفهما، وَفِي كَذَا فَإِن سقط الْقبُول فَلَا يضر إِن قَامَ بِالْوكَالَةِ دَاخل سِتَّة أشهر كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. كَمَا لَا يضر أَيْضا سُقُوط معرفَة الْقدر، وَلذَلِك لم نذكرهُ وَإِن سقط الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار جرى على مَا يَأْتِي للناظم فِي قَوْله: وَالنَّقْص للإقرار وَالْإِنْكَار الخ. وَإِن سقط ذكر الْقَبْض أَو الصُّلْح أَو أَخذ الضَّمَان والرهان أَو تقاضى الْأَيْمَان لم يضر ذَلِك. وَلَكِن لَا يتَوَلَّى الْقَبْض وَلَا يمْضِي صلحه إِلَّا على مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وحيثما التَّوْكِيل بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَلَا تَحْلِيفه إِلَّا على مَا يَأْتِي أَيْضا عِنْد قَوْله: وَالنَّقْص للإقرار الخ. وَإِن سقط الْإِشْهَاد فَفِي ابْن سَلمُون إِذا شهد شَاهِدَانِ بِمَعْرِِفَة الْوكَالَة وَلم يبينا فِي شَهَادَتهمَا أَن الْمُوكل أشهدهما بهَا فشهادتهما سَاقِطَة وَنَحْوه فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن الْحَاج، وَتقدم نَحْو ذَلِك فِي الضَّمَان عِنْد قَوْله: وَلَا اعْتِبَار الخ.(1/319)
يَجُوزُ تَوْكِيلٌ لِمَنْ تَصَرَّفَا فِي مَالِهِ لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفا (يجوز تَوْكِيل) فعل وفاعل (لمن) يتَعَلَّق بيجوز لَا بتوكيل ومتعلق تَوْكِيل مَحْذُوف أَي فِي كل مَا يقبل النِّيَابَة (تَصرفا) صلته (فِي مَاله) يتَعَلَّق بِهِ، وَيُرِيد أَن من جَازَ لَهُ التَّصَرُّف فِي مَاله بمعاوضة مَالِيَّة جَازَ لَهُ أَن يُوكل فِي قَابل النِّيَابَة فَتدخل الزَّوْجَة وَالْمَرِيض إِذْ كِلَاهُمَا لَهُ التَّصَرُّف، وَلَو فِي زَائِد الثُّلُث بالمعاوضة وَيخرج الْمَحْجُور عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَن يُوكل لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّف بِمَا ذكر اتِّفَاقًا كَمَا فِي (ح) قَالَ: إِلَّا مَا يفهم من مَسْأَلَة الْعتْق وَهِي أَن يُعْطي العَبْد مَالا لمن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ من سَيّده، وَأَصله لِابْنِ عَرَفَة، لَكِن ظَاهر النّظم بِحَسب مَفْهُومه أَن الْمَحْجُور لَا يُوكل وَلَو فِي طلب حُقُوقه وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَمن تبعهما، وَالَّذِي بِهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والمعيار أَن لَهُ أَن يُوكل على طلب حُقُوقه وَالْخُصُومَة فِيهَا حضر وَصِيّه أَو غَابَ، كَمَا لَهُ أَن يطْلبهَا بِنَفسِهِ كَذَلِك إِلَّا أَنهم قَالُوا لَا يقبض المَال إِذا تعين وَبِهَذَا أفتى الغبريني وَعَلِيهِ درج ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَطلب الْحق لتوكيل لمن حضر أَو غَابَ وَصِيّه قمن فيقيد مَفْهُوم النَّاظِم مَا على مَا بِهِ الْعَمَل بالمعاوضة كَمَا قَررنَا فَلَا يَشْمَل طلب الْحُقُوق كَمَا هُوَ ظَاهره، وَظَاهر كَلَامهم أَن لَهُ أَن يُوكل على طلب حُقُوقه وَلَو وكل عَلَيْهَا مَحْجُورا أَيْضا. وَقَوْلنَا فِي قَابل النِّيَابَة احْتِرَازًا مِمَّا لَا يقبلهَا كاليمين وَالْمَعْصِيَة كالظهار وَنَحْوه، وَاخْتلف فِي الْوكَالَة على الْقيام بالوظائف كالإمامة وَالْقِرَاءَة وَالْأَذَان فَاخْتَارَ الْقَرَافِيّ عدم جَوَازهَا لغير عذر. قَالَ: وَلَا يسْتَحق النَّائِب وَلَا المنوب عَنهُ شَيْئا، وَاخْتَارَ اللَّقَّانِيّ والأجهوري جَوَازهَا وارتضاه الملوي وَألف فِي ذَلِك. (لمن) يتَعَلَّق بتوكيل (بِذَاكَ) يتَعَلَّق بقوله (اتصفا) وَالْجُمْلَة صلَة وَالْإِشَارَة ترجع للتَّصَرُّف فِي المَال أَي كَمَا اشْترط فِي الْمُوكل أَن يكون مِمَّن يَصح تصرفه كَذَلِك يشْتَرط(1/320)
فِي الْوَكِيل أَيْضا أَن يكون مِمَّن يَصح تصرفه، فَلَا يجوز أَن يكون الْوَكِيل مَحْجُورا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَضْييع لِلْمَالِ، وَقد نهى عَنهُ قَالَه اللَّخْمِيّ، وَابْن شَاس وَمن تبعهما، ابْن عَرَفَة: وَعَلِيهِ عمل بلدنا وَظَاهر كتاب الْمديَان من الْمُدَوَّنَة، وَصرح بِهِ فِي الْعُتْبِيَّة أَن الْمَحْجُور يجوز كَونه وَكيلا عَن غَيره. ابْن رشد: وَذَلِكَ مِمَّا لَا خلاف فِيهِ لِأَن للرجل أَن يُوكل من رَضِي تَوْكِيله من رشيد أَو سَفِيه وَيلْزمهُ من فعل السَّفِيه مَا يلْزمه من فعل الرشيد وعَلى طَريقَة ابْن رشد هَذِه درج ناظم عمل فاس حَيْثُ قَالَ: وجوزوا التَّوْكِيل للمحجور عَلَيْهِ والإيصاء فِي الْأُمُور قَالَ شَارِحه: يُرِيد أَن الْإِنْسَان يجوز لَهُ أَن يُوكل سَفِيها مَحْجُورا عَلَيْهِ فِي خُصُومَة أَو تصرف فِي مَال، وأو يوصى إِلَيْهِ بتنفيذ وَصِيَّة لَا بِالنّظرِ فِي مَال الْوَلَد اه. لَكِن يَنْبَغِي أَن يُقيد الْخلاف بِمَا إِذا لم يُفَوض إِلَيْهِ وإلاَّ فَيمْنَع لظُهُور التضييع حِينَئِذٍ ويقيد جَوَاز كَونه وَكيلا أَيْضا بِمَا إِذا كَانَ الْمُوكل رشيدا عَالما بحجره كَمَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال هُنَا، وَهُوَ مَا أفتى بِهِ أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَسَيَأْتِي ذَلِك عِنْد قَوْله: وَمن على قبض صَبيا قدما الخ. تَنْبِيهَات. الأول: هَذَا كُله فِي الْحُقُوق الْمَالِيَّة، وَأما الْحُقُوق الْبَدَنِيَّة كضرر زوج وَقيام بِعَيْب الزَّوْج وَنَحْوه فللمحجور أَن يُوكل من يُخَاصم عَنهُ فِيهَا قطعا وَلَا قيام فِيهَا لوَلِيِّه إِلَّا بتوكيله كَمَا للمتيطي وَغَيره قَالَ الغرناطي فِي وثائقه: والمحجور لَا يُوكل إِلَّا فِيمَا هُوَ من ضَرَر الْبدن وَفِي الشُّرُوط المشترطة لَهُ وَفِي طلب النَّفَقَة وَالْكِسْوَة أَي من وليه، فَلَو كَانَت المحجورة متزوجة وَطلبت من وَليهَا أَن يسكن زَوجهَا بهَا فِي دارها وَأَن تنْفق على نَفسهَا من مَالهَا لرغبتها فِي الزَّوْج ومخافة طَلَاقه فَإِنَّهَا تجاب، وَلَا مقَال لوَلِيّهَا. وَانْظُر الْحجر من الْبُرْزُليّ وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله فِي بيع الْفُضُولِيّ. الثَّانِي: إِذا وكل الْمَحْجُور وليه فبمجرد قبُول الْوَلِيّ لتوكيله يصير الْمَحْجُور رشيدا وَلَا يصدق الْوَلِيّ فِي أَنه لم يُخرجهُ من الْحجر قَالَه فِي الكراس الثَّانِي من أنكحة المعيار قَالَ: وَنزلت فَحكم فِيهَا بذلك. الثَّالِث: تقدم أَنه لَا بُد أَن يضمن الموثق فِي رسم الْوكَالَة أَن الْمُوكل أشهدهما بهَا فَإِن لم يبينا أَن الْمُوكل أشهدهما بهَا فشهادتهما بَاطِلَة لَا يعْمل بهَا. قَالَه ابْن الْحَاج وَنَقله ابْن سَلمُون فِي فصل بيع الْوَكِيل وَنَقله (ح) أَيْضا مُسلما. وَمُنِعَ التَّوْكِيلُ لِلذَّمِّيِّ وَلَيْسَ إنْ وُكّلَ بِالْمَرْضِيِّ (ومُنِعَ) فعل وفاعل (التَّوْكِيل) مفعول بِهِ (للذِّمِّيّ) يتَعَلَّق بِمَا قبله يَلِيهِ أَي وَمنع الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَن يُوكل الْمُسلم الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ لَا يَتَّقِي الْحَرَام فِي بياعاته وَسَائِر معاملاته وَظَاهره(1/321)
وَلَو قارضه لِأَن الْقَرَاض تَوْكِيل وَفِي ذَلِك نزاع، وَكَذَا مشاركته إِذْ كل من الشَّرِيكَيْنِ وَكيل عَن الآخر إِلَّا أَن لَا يغيب عَنهُ وَظَاهره منع تَوْكِيله، وَلَو فِي خُصُومَة عَنهُ وَظَاهره أَيْضا مَنعه فِي كل شَيْء وَلَيْسَ كَذَلِك، بل تَوْكِيله على قبُول نِكَاح أَو دفع هبة وَنَحْو ذَلِك لَا يمْنَع وَكَذَا مساقاته إِن كَانَ لَا يعصر حِصَّته خمرًا وبمنزلة الذِّمِّيّ من ظهر مِنْهُ عِنْد القَاضِي لدد وتشغيب فِي الْخُصُومَات فَيمْنَع وَلَا يقبله القَاضِي وَكيلا، إِذْ لَا يحل لَهُ إِدْخَال اللدد على الْمُسلمين قَالَه ابْن فَرِحُونَ. وَالْمرَاد بالذمي الْكَافِر فَيشْمَل الْمُؤمن وَعَبده النَّصْرَانِي وَنَحْوهمَا (خَ) وَمنع ذمِّي فِي بيع أَو شِرَاء أَو تقاض وعدوّ على عدوه (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (أَن وكَّل) بِفَتْح الْهمزَة وَالْكَاف الْمُشَدّدَة فِي تَأْوِيل مصدر اسْمهَا، وفاعل وكَّل ضمير يعود على الذِّمِّيّ ومفعوله مَحْذُوف أَي وَلَيْسَ تَوْكِيل الذِّمِّيّ الْمُسلم (بالمرضي) خبر لَيْسَ جر بِالْبَاء الزَّائِدَة قَالَ الشَّعْبَانِي: الوكالات أمانات فَيَنْبَغِي لأولي الْأَمَانَات أَن لَا يتوكلوا لأولي الخيانات، وَعَن مَالك: كفى بِالْمَرْءِ خِيَانَة أَن يكون أَمينا للخونة اه. وَالتَّعْبِير بينبغي يَقْتَضِي الْكَرَاهَة وَهُوَ ظَاهر النّظم، وَبهَا صرح غير وَاحِد وَسَوَاء كَانَ تَوْكِيل الذِّمِّيّ للْمُسلمِ بِأُجْرَة أم لَا. وَكله فِي خُصُومَة أَو بيع أَو شِرَاء، وَهَذَا مَا لم يكن الْمُسلم تَحت يَد الذِّمِّيّ كأجير الْخدمَة وإلاَّ فَيمْنَع انْظُر ضيح. وَمَنْ عَلَى قَبْضٍ صَبِيّاً قَدَّمَا فَقَبْضُهُ بَرَاءةٌ لِلْغُرَمَا (وَمن) اسْم شَرط (على قبض) يتَعَلَّق بقدما (صَبيا) مفعول (قدما) بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة مَبْنِيّ للْفَاعِل وضميره الْمُسْتَتر يعود على من وألفه للإطلاق (فَقَبضهُ) مُبْتَدأ (بَرَاءَة) خَبره (للغرما) يتَعَلَّق بِهِ، وَالْجُمْلَة فِي مَحل جزم جَوَاب الشَّرْط، وَيجوز أَن تكون من مَوْصُولَة وَدخلت الْفَاء فِي خَبَرهَا لشبه الْمَوْصُول بِالشّرطِ فِي الْعُمُوم والإبهام، وَمَعْنَاهُ أَن من قدم صَبيا على قبض دين وَنَحْوه من وَدِيعَة وعارية وَغير ذَلِك من الْحُقُوق فَإِن الدَّافِع يبرأ من ذَلِك أَن ثَبت الدّفع بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ قد رَضِي بِهِ ونزله مَنْزِلَته وَسَوَاء أوصله الصَّبِي لرَبه أَو أتْلفه وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَو ثَبت تعديه عَلَيْهِ، فَإِن لم يثبت الدّفع فَلَا يبرأ. وَلَو أقرّ الصَّبِي لقَوْل (خَ) وَإِن قَالَ أَي الْوَكِيل غير الْمُفَوض قبضت وَتلف برىء وَإِن لم يبرأ الْغَرِيم إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَا مَفْهُوم للصَّبِيّ بل الْبَالِغ الْمَحْجُور كَذَلِك، وَإِنَّمَا خصص الصَّبِي بِالذكر ليفهم غَيره بالأحرى وَلَا مَفْهُوم لقبض بل لَو وَكله على البيع أَو الشِّرَاء أَو نَحْو ذَلِك لَكَانَ فعله مَاضِيا وَيبرأ المُشْتَرِي بِدفع الثّمن إِلَيْهِ لِأَن من وكل على بيع شَيْء فَهُوَ مُوكل على قبض ثمنه إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ أَن لَا يقبضهُ إِلَّا بتوكيله على الْقَبْض، نَص عَلَيْهِ ابْن الْحَاج كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. وتوكيله على البيع نَص عَلَيْهِ أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم(1/322)
كَمَا فِي وَصَايَا المعيار. وَقَيده بِمَا إِذا كَانَ الْمُوكل لَهُ رشيدا عَالما بحجره، وَاعْتمد ابْن رحال قَيده الْمَذْكُور كَمَا مر قَرِيبا. قلت: أما التَّقْيِيد بِكَوْن الْمُوكل رشيدا فَظَاهر لما مرّ من أَن الْمَحْجُور لَا يُوكل على مَا فِيهِ مُعَاوضَة وَلَا يقبض حُقُوقه الْوَاجِبَة لَهُ، وَإِذا لم يقبضهَا بِنَفسِهِ فَكَذَلِك بوكيله وَإِلَّا بطلت فَائِدَة الْحجر فيقيد النّظم بِهَذَا الْقَيْد، وَلَا يبرأ الْغَرِيم بِالدفع إِلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَأما التَّقْيِيد بِكَوْنِهِ عَالما بحجره فَلَا تظهر لَهُ ثَمَرَة لِأَن تصرفه بِالْبيعِ وَالْقَبْض وَنَحْوهمَا لَا يرد لدعوى الْمُوكل عدم الْعلم بحجره وَلَا يُوجب تضمين الْمَحْجُور أَو الْغَرِيم كَمَا لَا يخفى، بل لَو ثَبت عدم علمه حِين التَّوْكِيل لم يرد تصرفه لتَعلق حق الدَّافِع وَالْمُشْتَرِي بذلك والتفريط إِنَّمَا جَاءَ من قبله حَيْثُ لم يتثبت. وَلَا يُقَال ثَمَرَته تظهر فِي تصرفه بِعَدَمِ الْمصلحَة. لأَنا نقُول الْوَكِيل من حَيْثُ هُوَ رشيد أَو مَحْجُور علم الْمُوكل بحجره أم لَا مَعْزُول عَن غير الْمصلحَة، فَلَا فرق فِي هَذَا بَين الْمَحْجُور وَغَيره كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَلَيْسَ يمْضِي غير مَا فِيهِ نظر الخ. وَالله أعلم. وَهنا تمّ الْكَلَام على الْمُوكل وَالْوَكِيل اللَّذين هما الركنان الْأَوَّلَانِ من أَرْكَان الْوكَالَة، وَسَيَأْتِي الرُّكْن الثَّالِث وَالرَّابِع اللَّذَان هما الْمُوكل فِيهِ والصيغة عِنْد قَوْله، وحيثما التَّوْكِيل الخ وَعند قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. تَنْبِيه: مَا ذكره ابْن الْحَاج وَتَبعهُ النَّاظِم ظَاهر فِي جَوَاز تَوْكِيل الْمَحْجُور كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَهِي طَريقَة ابْن رشد كَمَا مرّ فدرج النَّاظِم أَولا على طَريقَة اللَّخْمِيّ وَهنا على طَريقَة ابْن رشد، فَلَو قَالَ إِثْر قَوْله: لمن بِذَاكَ اتصفا مَا نَصه: وَقيل فِي الْمَحْجُور ذِي التَّقْدِيم فِي قَبضه بَرَاءَة الْغَرِيم لكفاه فِي الْإِشَارَة لطريقة ابْن رشد وَسلم من التَّنَاقُض فِي الْكَلَام وَالْجَوَاب عَنهُ بِكَوْن مَا هُنَا فِيمَا بعد الْوُقُوع وَمَا مر فِي الْجَوَاز ابْتِدَاء غير ظَاهر لِأَن ظَاهر كَلَام اللَّخْمِيّ وَمن وَافقه أَن وكَالَة الْمَحْجُور لَا تَنْعَقِد لِأَن الأَصْل فِيمَا لَا يجوز عدم الِانْعِقَاد، وَإِذا لم تَنْعَقِد فَلَا تترتب عَلَيْهَا الْآثَار من لُزُوم تَصَرُّفَاته للْمُوكل، وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون تَوْكِيله بِمَنْزِلَة التَّوْكِيل على غير النّظر فَهُوَ كالتوكيل على الْمعْصِيَة لِأَن الْغَالِب أَن الْمَحْجُور لَا يتَصَرَّف إِلَّا بِغَيْر النّظر، وَلذَا قَالَ ابْن عَرَفَة: أصل الْمَذْهَب منع التَّوْكِيل على غير وَجه النّظر قَالَ: وَيَأْتِي نقل اللَّخْمِيّ عَن الْمَذْهَب منع تَوْكِيل السَّفِيه اه. وَقد عللوا عدم الْجَوَاز بِأَن وكَالَته تَضْييع لِلْمَالِ وَعَلِيهِ فَلَا يلْزمه بَيْعه، وَلَو وَافق السداد وَلَا يبرأ الْغَرِيم بِالدفع إِلَيْهِ وَهُوَ ظَاهر إِن لم يعلم الْمُوكل بِحَالهِ وَعلم الْغَرِيم بحجره وَلَو جهل انْعِقَاد وكَالَته لِأَن الْجَهْل فِي الْأَحْكَام لَا يُفِيد، وَأما إِن لم يعلم بحجره فَالظَّاهِر الْبَرَاءَة لَا من جِهَة صِحَة وكَالَته، بل لِأَن الْمُوكل إِن علم بِهِ فَهُوَ الْمُسَلط لَهُ على إِتْلَاف مَاله وَإِن لم يعلم فالتفريط جَاءَ من قبله فَلَيْسَ تضمين الْغَرِيم بِأولى من تَضْمِينه. هَكَذَا يَنْبَغِي تَفْصِيل هَذِه الطَّرِيقَة وَمَا فِي (ح) عِنْد قَوْله: إِلَّا أَن يَقُول وَغير نظر مِمَّا يَقْتَضِي خلاف التَّفْصِيل الْمَذْكُور غير ظَاهر فَتَأَمّله وَالله أعلم. وَجَازَ لِلْمطْلُوبِ أنْ يُوَكِّلاَ وَمَنْعُ سَحْنُونٍ لَه قَدْ نُقِلاَ(1/323)
(وَجَاز للمطلوب) يتَعَلَّق بجاز (أَن يوكلا) فِي تَأْوِيل مصدر فَاعله (وَمنع) مُبْتَدأ (سَحْنُون) مُضَاف إِلَيْهِ (لَهُ) يتَعَلَّق بالمبتدأ وضميره للمطلوب بِتَقْدِير مُضَاف أَي لتوكيله، وَيحْتَمل أَن يعود على الْمصدر المؤول أَي وَمنع التَّوْكِيل جملَة (قد نقلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه يعود على الْمُبْتَدَأ، وَالْجُمْلَة خَبره وَمَعْنَاهُ أَن الْمَطْلُوب يجوز لَهُ أَن يُوكل من يُخَاصم عَنهُ على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، كَمَا يجوز ذَلِك للطَّالِب. وَنقل عَن سَحْنُون أَنه كَانَ لَا يقبل من الْمَطْلُوب وَكيلا إِلَّا أَن يكون امْرَأَة لَا يخرج مثلهَا أَو مَرِيضا أَو مرِيدا سفرا أَو كَانَ فِي شغل الْأَمِير أَو على خطة لَا يَسْتَطِيع مفارقتها وَنَحْو ذَلِك من الْأَعْذَار، وَلما قيل لَهُ لأي شَيْء تفعل هَذَا وَمَالك يقبل الْوَكِيل مُطلقًا؟ قَالَ: قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: تحدث للنَّاس أقضية الخ. وَوَقع لَهُ أَيْضا فِي رِسَالَة لقَاضِي الْقُضَاة بقرطبة الْمَنْع من التَّوْكِيل جملَة طَالبا أَو مَطْلُوبا. ابْن عَرَفَة: وَفِي جَوَازهَا لغير عذر. ثَالِثهَا: للطَّالِب لَا للمطلوب للمعروف مَعَ قَول المتيطي هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل، وَنَقله عَن سَحْنُون وَفعله اه. فَقَوْل النَّاظِم: وَمنع سَحْنُون الخ يحْتَمل أَن يكون أَشَارَ بِهِ لقَوْله الأول أَو الثَّانِي. وَحَيْثُمَا التَّوْكِيلُ بِالإِطْلاَقِ فَذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; لِكَ التَّفْوِيضُ بِاتِّفَاقِ (وحيثما) اسْم شَرط (التَّوْكِيل) فَاعل بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره وَقع (بِالْإِطْلَاقِ) فِي مَحل الْحَال مِنْهُ (فَذَلِك) مُبْتَدأ (التَّفْوِيض) خبر وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَالْفَاء رابطة بَينهمَا (بِاتِّفَاق) فِي مَحل الْحَال من التَّفْوِيض، وَمَعْنَاهُ أَن التَّوْكِيل إِذا وَقع مُطلقًا وَلم يُقيد بالتفويض وَلَا بِأَمْر مَخْصُوص كَقَوْلِه: وَكلتك أَو أَنْت وَكيلِي فَإِن ذَلِك هُوَ التَّفْوِيض بِاتِّفَاق فَيعم جَمِيع الْأَشْيَاء، وَأَحْرَى إِذا نَص على التَّعْمِيم كَقَوْلِه: وَكلتك على جَمِيع أموري أَو أقمتك مقَامي فِي جَمِيع الْأُمُور، وَلم أستثن عَلَيْك فصلا من الْفُصُول فيمضي فعله فِي كل شَيْء وَإِن كَانَ نظرا إِلَّا فِي طَلَاق زَوجته وإنكاح بكره وَبيع دَار سكناهُ أَو عَبده إِلَّا أَن يَقُول: وَكلتك بِمَا إِلَيّ من تطليق نسَائِي وَعتق عَبِيدِي وَبيع أملاكي فيمضي فعله فِي الْجَمِيع فَإِن نَص على التَّخْصِيص كَقَوْلِه: وَكلتك على قبض ديني أَو على(1/324)
بيع ثوبي أَو على فلَان أَو بمخاصمة خصمائي فَهِيَ وكَالَة خَاصَّة بالخصام، وَقبض الدّين وَالْبيع من فلَان. ابْن فَرِحُونَ: الْوكَالَة على طلب الْآبِق لَا تَشْمَل الْخُصُومَة فِيهِ اه. وَمَا ذكره النَّاظِم من أَنه إِذا لم يُقيد بتعميم وَلَا بتخصيص يكون تفويضاً بِاتِّفَاق هُوَ طَريقَة ابْن رشد، وَطَرِيقَة ابْن بشير وَابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب أَن الْإِطْلَاق لَا يَصح بِهِ تَوْكِيل، بل حَتَّى ينص على التَّعْمِيم أَو التَّخْصِيص وَعَلَيْهَا درج (خَ) إِذْ قَالَ: صحت الْوكَالَة بِمَا يدل عرفا لَا بِمُجَرَّد وَكلتك، بل حَتَّى يُفَوض أَو يعين بِنَصّ أَو قرينَة وتخصص وتقيد بِالْعرْفِ فَلَا يعده الخ. فَلَو قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لي عبدا فَإِنَّهُ يتَقَيَّد بِمَا يَلِيق بِهِ، وَكَذَا لَو قَالَ لَهُ: بِعْ دوابي وَكَانَ الْعرف يَقْتَضِي تَخْصِيص بعض أَنْوَاعهَا فَإِنَّهُ يتخصص بِهِ، وَلَو قَالَ: بِعْ بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه فَالْعَمَل بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان مشترط فِي حق الْوَكِيل لَا فِي حق الْمُوكل. قلت: وَيُمكن تمشية النَّاظِم على هَذِه الطَّرِيقَة بِحمْل الْإِطْلَاق فِي كَلَامه على أَنه نَص لَهُ عَلَيْهِ أَو على مرادفه كَقَوْلِه: وَكلتك وكَالَة مُطلقَة أَو مفوضة أَو غير مُقَيّدَة بِشَيْء دون شَيْء أَو بِمَا إِلَيّ من قَلِيل أَو كثير أَو على جَمِيع الْأُمُور وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ التَّنْصِيص على إِطْلَاق يَده فِي التَّصَرُّف وَمرَاده بالِاتِّفَاقِ اتِّفَاق أهل هَذِه الطَّرِيقَة، وَهَذَا أولى وَأقرب من تمشيته على الطَّرِيقَة الضعيفة. المتيطي: إِن لم يسم شَيْئا بل قَالَ: وكلته وكَالَة مفوضة جَازَ فعله عَلَيْهِ فِي كل شَيْء من البيع وَالصُّلْح وَغَيرهمَا، وَإِن قَالَ: وكلته وكَالَة مفوضة جَامِعَة لجَمِيع وُجُوه التَّوْكِيل ومعانيه كَانَ أبين اه. ابْن شَاس. يشْتَرط فِيمَا فِيهِ التَّوْكِيل أَن يكون مَعْلُوما فِي الْجُمْلَة وَيَسْتَوِي كَونه مَنْصُوصا عَلَيْهِ أَو دَاخِلا تَحت عُمُوم اللَّفْظ أَو مَعْلُوما بالقرائن أَو بِالْعَادَةِ اه. ابْن عَرَفَة: شَرط صِحَة الْوكَالَة علم متعلقها خَاصّا أَو عَاما الخ. قَالَ وَقَول ابْن شَاس بِالْعَادَةِ هُوَ كقولها فِي ذبح الْوَلَد أضْحِية أَبِيه وإنكاحه أُخْته حَسْبَمَا ذكره فِي الْأُضْحِية وَالنِّكَاح فَتَأمل قَوْله: أَو دَاخِلا تَحت عُمُوم الخ. قلت: وَمن الْعَادة قَول النَّاظِم الْآتِي: وغائب يَنُوب فِي الْقيام الخ. وَقَوله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. وَهَذَا إِذا لم يَقع التَّعْمِيم إِثْر تَخْصِيص، وإلاَّ فَفِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن عتاب الَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل وَأفْتى بِهِ الشُّيُوخ: أَنه مَتى انْعَقَد فِي وَثِيقَة التَّوْكِيل تَسْمِيَة شَيْء، ثمَّ ذكر بعد ذَلِك التَّفْوِيض أَنه إِنَّمَا يرجع لما سمى وَإِن لم يسم شَيْئا، وَذكر التَّفْوِيض التَّام فَهُوَ عَام فِي الْجَمِيع اه. وَنَحْوه لِابْنِ رشد كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَهُوَ الْمشَار لَهُ بقول اللامية: وَإِن وَقع التَّفْوِيض إِثْر مُقَيّد الخ وَأما عَكسه وَهُوَ أَن يُفَوض ويعمم أَولا ثمَّ يُسَمِّي بعض مَا يدْخل تَحت ذَلِك اللَّفْظ ويسكت عَن الْبَاقِي. فَقَالَ الْبُرْزُليّ أَيْضا: يجْرِي على الْخلاف الْآتِي فِي الْهِبَة إِذا قَالَ: وهبت لوَلَدي وسمى الْبَعْض وَسكت عَن الْبَعْض الآخر، وأحفظ عَن الطرر وَعَن بعض الأندلسيين دُخُول الْمَسْكُوت عَنهُ، وأحفظ فِي بعض الرِّوَايَات فِي الوكالات أَنَّهَا تخْتَص بِمَا ذكر خَاصَّة. قلت: أفتى أَبُو الْحسن فِي نوازله فِيمَن حبس على وَلَده جَمِيع أملاكه، وَذكر بعض الْأَمْلَاك وَترك الْبَعْض الآخر أَنه يدْخل الْجَمِيع قَالَ: لِأَن الْمَخْصُوص دَاخل بِلَفْظ الْخُصُوص والعموم والمتروك دَاخل بِلَفْظ الْعُمُوم فَقَط، فَهُوَ كمن بَاعَ جَمِيع أملاكه وسمى بَعْضهَا وَترك الْبَعْض الآخر فَيلْزمهُ البيع فِي الْجَمِيع على الرَّاجِح، انْظُر ابْن هِلَال وشراح الْمَتْن فِي التَّنَاوُل، وَهَذَا أنسب(1/325)
بِمَسْأَلَة الْوكَالَة الْمَذْكُورَة فيترجح فِيهَا الْعُمُوم إِن كَانَ يعلم بِمَا لم يسمه، وَأما من قَالَ: وهبت لوَلَدي أَو أوصى عَلَيْهِ وسمى الْبَعْض دون الْبَعْض، فَاخْتَارَ ابْن رشد فِيهَا عدم الْعُمُوم قَائِلا لِأَن لفظ وَلَدي يَقع على الْوَاحِد وَالْجمع فَلَا يدْخل إِلَّا مَا سَمَّاهُ وَإِن كَانَ ناظم الْعَمَل درج فِي الْوَصِيَّة على التَّعْمِيم حَيْثُ قَالَ: وَمن على أَوْلَاده أوصى وَمَا سمى سوى الْبَعْض فَذَاك علما تَنْبِيهَانِ. الأول: معنى كَون التَّفْوِيض رَاجعا للمقيد أَنه تَفْوِيض فِي أَحْوَال ذَلِك الْخَاص من كَونه جعل لَهُ فعل ذَلِك فِي أَي زمَان وَفِي أَي الْأَسْوَاق والأمكنة شَاءَ وَأَن يتحاكم فِي الْخُصُومَة عِنْد أَي قَاض شَاءَ أَو يَبِيع مِمَّن شَاءَ وَنَحْو ذَلِك. هَكَذَا فِي ابْن عَرَفَة عَن ابْن عبد السَّلَام، بل وَقع فِي السماع فِيمَن وكلت رجلا على خُصُومَة فِي قَرْيَة وَأَنَّهَا فوضت إِلَيْهِ وَأمره جَائِز فِيمَا يصنع وَلم تذكر بيعا وَلَا صلحا فَبَاعَ الْوَكِيل الْقرْيَة بعد أَن صَالح فِيهَا أَن الصُّلْح لَازم لَهَا دون البيع. ابْن رشد: الأَصْل أَن الْوَكِيل لَا يتَعَدَّى مَا سمى لَهُ، وَإِنَّمَا أجَاز فِي هَذَا السماع صلحه لقَوْل موكلته فوضت إِلَيْهِ فِي الْخُصُومَة وَجعلت أمره جَائِزا فِيمَا يصنع فَلم يُخَالف قَول أصبغ لَيْسَ لوكيل الْخُصُومَة صلح أَي لِأَنَّهُ لم يذكر لَهُ فِيهَا تفويضاً وَلَا قَول. عِيسَى: من وكل على قبض دُيُونه وفوض إِلَيْهِ النّظر فِيهَا لَا يجوز صلحه لِإِمْكَان تَفْوِيض صرف النّظر فِي قَول عِيسَى لتعجيل مَا يَقْتَضِي النّظر تَعْجِيله وَتَأْخِير مَا يَقْتَضِي النّظر تَأْخِيره اه. قلت: وَانْظُر على مَا فِي السماع إِذا قَالَ: وكلته على الْخِصَام توكيلاً مفوضاً هَل يَشْمَل تَوْكِيله الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار لِأَنَّهُمَا من عوارض الْخِصَام فَيرجع لَهما لتفويض أَشد من رُجُوعه للصلح فَتَأَمّله. وَالله أعلم. قَالَ فضل: وَمن وكل وكَالَة مفوضة فَيجوز صلحه إِذا كَانَ نظرا وَأما من وكل على تقاضي دين أَو خُصُومَة أَو أَمر معِين وفوض إِلَيْهِ النّظر فَلَا يجوز صلحه وَإِن كَانَ نظرا حَتَّى ينص لَهُ على ذَلِك قَالَ: وَقَالَهُ جَمِيع أَصْحَابنَا. وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْمُتَيْطِيَّة والفشتالية وَابْن رحال وظاهرهم أَنه الْمُعْتَمد دون مَا تقدم عَن السماع فَتَأَمّله وَهُوَ ظَاهر قَول اللامية: وكل وَكيل فامنعن صلحه سوى وَكيل بتفويض يُصَادف منهلا فمراده بوكيل التَّفْوِيض الْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ فِي جَمِيع الْأُمُور لِأَنَّهُ إِذا أطلق إِنَّمَا ينْصَرف إِلَيْهِ لَا الْوَكِيل الْمَخْصُوص الْمُتَقَدّم فِي السماع كَمَا قَرَّرَهُ بِهِ بعض شراحها، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا لفضل وَصَاحب اللامية هُوَ الَّذِي تقدم عَن ابْن عتاب أَن بِهِ الْعَمَل وَمَا وفْق بِهِ ابْن رشد بَين كَلَام الْأَئِمَّة يظْهر من المتيطي وَغَيره أَنه مُقَابل فَتَأَمّله. الثَّانِي: قَالَ فِي كتاب الْغرَر من الْمُدَوَّنَة: وَأما الدّور والأرضون وَالْعَقار فالنقد فِيهَا جَائِز بِشَرْط قربت الْغَيْبَة أَو بَعدت قَالُوا: يحْتَمل أَن يكون عطف الْعقار على مَا قبله من عطف الْعَام على الْخَاص، وَيحْتَمل أَن يكون من عطف المغاير وَأَن المُرَاد بِهِ الْبَسَاتِين فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن من وكل على بيع عقار أَن الدّور لَا تدخل فِي الْوكَالَة وَنزلت فِي الأندلس، وَحكم فِيهَا بِعَدَمِ الدُّخُول حَتَّى ينص على الدّور قَالَه الْبُرْزُليّ. ابْن شَاس: ومخصصات الْمُوكل مُعْتَبرَة فَلَو قَالَ: بِعْ من زيد لم يبع من غَيره وَإِن عين زَمنا أَو سوقاً تَتَفَاوَت الْأَغْرَاض فِي كل مِنْهُمَا وَجب اتِّبَاعه. ابْن عَرَفَة: وَفِي كتاب الْقَرَاض وَمِنْه تَأْخِير بيع سلعه لما يُرْجَى لَهُ سوق أَي فَإِن بَاعَ قبله ضمن وَلَو وَكله على(1/326)
شِرَاء سلْعَة فلَان بِخُصُوصِهِ بهَا فاشتراها فَتبين أَنَّهَا لغيره أدخلها فِي سلع فلَان الْمَذْكُور، فَذَلِك عيب يُوجب للْمُوكل الْقيام بِنَقْض البيع قَالَه الْمَازرِيّ. وَلَيْسَ يَمْضِي غَيْرُ مَا فِيهِ نَظَرْ إلاَّ بِنَصَ فِي الْعُمُومِ مُعْتَبَرْ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (يمْضِي) مضارع مضى الثلاثي خَبَرهَا مقدم (غير) اسْمهَا مُؤخر (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (فِيهِ) خبر عَن قَوْله (نظر) وَالْجُمْلَة صلَة مَا (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (بِنَصّ) يتَعَلَّق بيمضي أَي لَا يمْضِي غير النّظر بِسَبَب من الْأَسْبَاب أَو بِشَيْء من الْأَشْيَاء إِلَّا بِنَصّ (فِي الْعُمُوم) يتَعَلَّق بقوله (مُعْتَبر) الَّذِي هُوَ صفة لنَصّ، وَالتَّقْدِير لَا يمْضِي غير النّظر من الْمُفَوض إِلَيْهِ وَأَحْرَى الْمَخْصُوص إِلَّا بِنَصّ مُعْتَبر فِي الْعُمُوم كَأَن يَقُول وَكلتك على النّظر وَغير النّظر فيمضي حِينَئِذٍ غير النّظر (خَ) فيمضي النّظر إِلَّا أَن يَقُول وَغير نظر إِلَّا الطَّلَاق الخ. وَمَا ذكره من أَنه يمْضِي غير النّظر إِذا نَص لَهُ عَلَيْهِ نَحوه لِابْنِ بشير وَابْن شَاس وَابْن الْحَاجِب وَاعْتَرضهُ ابْن عَرَفَة وَكَذَا (خَ) فِي ضيح قَائِلا: فِيهِ نظر إِذْ لَا يَأْذَن الشَّرْع فِي السَّفه فَيَنْبَغِي أَن يضمن الْوَكِيل إِذْ لَا يحل لَهما ذَلِك اه. فَقَوله يَنْبَغِي الخ ظَاهر إِذا كَانَ الْوَكِيل رشيدا لِأَنَّهُ إِذا بَاعَ مَا يُسَاوِي مائَة بِخَمْسِينَ مثلا وَتعذر رده صَار بِمَنْزِلَة الْمُودع عِنْده يحرق الْوَدِيعَة بِإِذن رَبهَا فَإِنَّهُ يضمنهَا وَبِه تعلم أَن قِيَاس (خَ) عدم الضَّمَان على نفي الْقود غير ظَاهر إِذْ لَا يلْزم من نفي الْقود فِي قطع الْيَد بِإِذن رَبهَا عدم الْغرم فِي المَال لِأَن الْقود عين وَالْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَاف الْغرم انْظُر عِنْد قَول (خَ) فِي الدِّمَاء، وَلَو قَالَ: إِن قتلتني أَبْرَأتك وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: وَمن على قبض صَبيا قدما الخ. وَشَمل قَوْله غير مَا فِيهِ نظر مَا فِيهِ مفْسدَة راجحة أَو مرجوحة أَو مُسَاوِيَة وَمَا لَا مصلحَة فِيهِ وَلَا مفْسدَة، لِأَن هَذِه الْأَقْسَام لَيست من بَاب مَا هُوَ أحسن قَالَه فِي أَوَائِل أحباس المعيار. قَالَ: وَالْوَصِيّ فِي ذَلِك كَالْوَكِيلِ ابْن عَرَفَة: وَظَاهر قَول أبي عمرَان إِن قدر الْغبن فِي بيع الْوَصِيّ وَالْوَكِيل مَا نقص عَن الْقيمَة نقصا بَينا وَإِن لم يبلغ الثُّلُث وَهُوَ صَوَاب لِأَنَّهُ مُقْتَضى الرِّوَايَات فِي الْمُدَوَّنَة وَغَيرهَا إِذا بَاعَ الْوَكِيل أَو ابْتَاعَ بِمَا لَا يشبه من الثّمن لم يلزمك اه. أَي: وَلَو الْتزم لَهُ إتْمَام النَّقْص وَنَقله (ح) عِنْد قَول الْمَتْن وَلَا بِغَبن وَلَو خَالف الْعَادة الخ. وَمَا ذكره عَن الْمُدَوَّنَة وَهُوَ قَول (خَ) فِي الْوكَالَة وَتعين فِي الْمُطلق نقد الْبَلَد ولائق بِهِ وَثمن الْمثل والأخير، وَقَالَ أَيْضا فِي الْإِجَارَة عاطفاً على مَا لَا يمْضِي: وكراء وَكيل بمحاباة أَو بِعرْض الخ. وَقَوله خبر أَي فِي إِمْضَاء فعله أَو نقضه وَأخذ سلْعَته إِن كَانَت قَائِمَة فَإِن فَاتَت خير فِي الْإِمْضَاء أَو تَضْمِينه الْقيمَة. تَنْبِيهَات. الأول: يُمكن أَن يكون المُرَاد بِغَيْر النّظر الَّذِي يمْضِي بِالنَّصِّ عَلَيْهِ على مَا فِي النّظم وَمن مَعَه هُوَ مَا لَا تنمية لِلْمَالِ فِيهِ كعتق وَهبة وَصدقَة أُرِيد بهَا ثَوَاب الْآخِرَة، لِأَن فِيهَا مصلحَة فِي نفس الْأَمر وَإِن كَانَت لَا تنمية فِيهَا، أَو المُرَاد بِهِ مَا لَيْسَ نظر عِنْد النَّاس، وَهُوَ عبد الْوَكِيل نظر كَشِرَاء جَارِيَة رخيصة لَا تلِيق بالموكل أَو يَشْتَرِي بأزيد من الْقيمَة لسهول الْعهْدَة فِي(1/327)
ذَلِك البَائِع أَو يَبِيع بأنقص كَذَلِك أَيْضا فَيسْقط الِاعْتِرَاض حِينَئِذٍ عَن النَّاظِم وَمن وَافقه. الثَّانِي: قَالَ ابْن بشير: إِن قَالَ لَهُ بِعْ بِعشْرَة فَبَاعَ بِاثْنَيْ عشر أَو بِعْ بِالدّينِ بِعشْرَة فَبَاعَ بهَا نَقْدا. فَقَوْلَانِ مبنيان على الْخلاف فِي شَرط مَا لَا يُفِيد هَل يُوفي بِهِ أم لَا؟ ابْن عَرَفَة: وَالْأَظْهَر إِن كَانَ ذَلِك من بيع مَا فِيهِ شُفْعَة أَن يكون للْآمِر مقَال لجَوَاز تعلق قَصده بشركة الشَّفِيع دون غَيره اه. وَلَو قَالَ لَهُ بعها بِعشْرَة بِالنَّقْدِ فَبَاعَهَا إِلَى أجل لعدم وجود من يَشْتَرِيهَا فِي ذَلِك الْبَلَد الَّذِي سَافر إِلَيْهِ بِالنَّقْدِ لَزِمته الْقيمَة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد ابْن عَرَفَة: وَلَو قَالَ لَهُ بعها بِعشْرَة نَقْدا فَبَاعَهَا بذلك وَقيمتهَا أَكثر فَلَا مقَال للْآمِر، ثمَّ قَالَ أَيْضا: وَإِن قَالَ بعها بِثمن إِلَى أجل فَبَاعَهَا بِهِ نَقْدا، وَقِيمَة السّلْعَة أَكثر من ذَلِك غرم الْوَكِيل الْقيمَة إِذْ لَا ينظر لما سمي بل إِلَى الْقيمَة لِأَنَّهُ يَقُول: إِنَّمَا سميت الْعشْرَة خوف بيعهَا بِأَقَلّ مِنْهَا قَالَ: وَاخْتلف فِي كَون التَّسْمِيَة للثّمن مسقطة عَن الْمَأْمُور النداء والشهرة وَالْمُبَالغَة فِي الِاجْتِهَاد. على قَوْلَيْنِ بالإمضاء وَعَدَمه لِأَن الْقَصْد عدم النَّقْص عَن الثّمن وَطلب الزِّيَادَة انْظُر ذَلِك فِيهِ إِن شِئْت. الثَّالِث: من غير النّظر أَيْضا أَن يدْفع الْوَكِيل الدّين وَنَحْوه بِغَيْر إِشْهَاد (خَ) وَضمن أَن أَقبض الدّين وَلم يشْهد الخ. وَتقدم نَحوه فِي الضَّامِن والمقارض مثل الْوَكِيل فِي ذَلِك، وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم: وَمن لَهُ وكَالَة مُعينَة. الخ. . وَلَا فرق فِي هَذَا بَين الْمُفَوض وَغَيره، ويسوغ للْمُوكل تَضْمِينه وَإِن علم بِبَرَاءَة الْوَكِيل لِأَنَّهُ الَّذِي أتلف عَلَيْهِ مَاله حَيْثُ لم يشْهد مَا لم يَدْفَعهُ الْعَامِل أَو الْوَكِيل بِحَضْرَة رب المَال وإلاَّ فَلَا ضَمَان لِأَن التَّفْرِيط حِينَئِذٍ من ربه. وَذَا لَهُ تَقْديمُ مَنْ يَرَاهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ (وَذَا) مُبْتَدأ وَالْإِشَارَة للْوَكِيل الْمُفَوض إِلَيْهِ (لَهُ) خبر عَن قَوْله (تَقْدِيم) مُبْتَدأ وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ الْعَمَل وَيحْتَمل أَن يكون فَاعِلا بِمَحْذُوف أَي: وَذَا يجوز لَهُ تَقْدِيم (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (يرَاهُ) صلَة والرابط الضَّمِير البارز ومفعوله الثَّانِي مَحْذُوف وفاعله ضمير مستتر يعود على ذَا (بِمثلِهِ) يتَعَلَّق بِتَقْدِيم وَهُوَ على حذف مُضَاف أَي بِمثل تَقْدِيمه، وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَخَبره خبر الأول (أَو بعض) مَعْطُوف على بِمثل وَلم يعد الْخَافِض لعدم لُزُومه على حد قَوْله: وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام} (النِّسَاء: 1) وَهُوَ مَذْهَب ابْن مَالك إِذْ قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِما الخ. (مَا) مَوْصُول (اقْتَضَاهُ) صلته، وَالْمعْنَى أَن الْمُفَوض إِلَيْهِ لَهُ أَن يقدم بِمثل تَقْدِيمه أَو بِبَعْض مَا اقْتَضَاهُ تَقْدِيمه من فصوله من يرَاهُ أَهلا لذَلِك. وَالْحَاصِل، أَن لَهُ أَن يُوكل وَكيلا مفوضاً إِلَيْهِ أَو مَخْصُوصًا بِبَعْض الْأُمُور لِأَنَّهُ قَائِم مقَام مُوكله فَمَا جَازَ لمُوكلِه يجوز لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَظْهرهُ ابْن رشد وَفِي ضيح أَنه الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب، وَقَالَ ابْن نَاجِي فِي كتاب الشَّهَادَات من الْمُدَوَّنَة: وَالْعَمَل عندنَا أَن الْمُفَوض إِلَيْهِ لَا يُوكل إِلَّا بالتنصيص عَلَيْهِ، وَكَذَا الْعَمَل عندنَا أَنه لَا يحل عَنهُ الْعِصْمَة وَلَا يَبِيع عَنهُ الرّبع للْعُرْف وَإِلَّا فَالْأَصْل دُخُوله اه. وَنَحْوه ذكره(1/328)
فِي إرخاء الستور مِنْهَا. وَأفهم قَوْله للْعُرْف أَن هَذِه الْأُمُور إِنَّمَا خرجت عِنْدهم لأجل الْعرف وَأَن الْمدَار فِي ذَلِك عَلَيْهِ، فَإِن جرى عرف بلد بِمثل ذَلِك عمِلُوا عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا. وَحِينَئِذٍ فَقَوْل (خَ) وتخصص وتقيد بِالْعرْفِ شَامِل للمفوض والمخصوص خلافًا لبَعض شراحه لِأَن مَا خرج عَن الْعرف لم يقْصد إِلَيْهِ، وَلِهَذَا خرج بيع دَار السُّكْنَى وَبيع العَبْد الْقَائِم بأموره كَمَا مر وَقد قَالَ ابْن عَرَفَة مَا نَصه: وَالْحَاصِل أَن بَين مُتَعَلق التَّوْكِيل خُصُوصا أَو عُمُوما لزم قصره عَلَيْهِ وإعماله فِيهِ إِلَّا مَا خص وَلَو بعادة اه. فَهُوَ صَرِيح فِي تَخْصِيص التَّفْوِيض بِالْعرْفِ وَالله أعلم. وَمَنْ عَلَى مُخَصَّصٍ وُكِّلَ لَمْ يُقَدِّمْ إِلَّا إنْ بِهِ الْجَعْلُ حَكَمْ (وَمن) اسْم شَرط أَو مَوْصُول (على مُخَصص) بِفَتْح الصَّاد صفة لمَحْذُوف يتَعَلَّق بقوله: (وكل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول فعل الشَّرْط أَو صلَة (لم يقدم) بِكَسْر الدَّال الْمُشَدّدَة جَوَاب الشَّرْط أَو خبر عَن الْمَوْصُول (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (أَن) شَرط (بِهِ) يتَعَلَّق بِحكم آخر الْبَيْت وضميره للتقديم الْمَفْهُوم من قَوْله لم يقدم (الْجعل) بِفَتْح الْجِيم فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (حكم) وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنى الْفَاعِل أَي الْجَاعِل أَو على حذف مُضَاف أَي ذُو الْجعل، وَالْمرَاد بِهِ الْمُوكل على كل تَقْدِير، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على شَيْء مَخْصُوص كَبيع سلع مثلا لم يجز لَهُ أَن يقدم أَي يُوكل غَيره على فعله إِلَّا إِذا حكم الْجَاعِل لَهُ بالتقديم أَي جعل لَهُ مُوكله ذَلِك بِنَصّ أَو قرينَة كَأَن يكثر مَا وكل عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الِاسْتِقْلَال بِهِ وَحده، فيوكل حِينَئِذٍ من يُعينهُ فَقَط، وَإِن لم ينص لَهُ عَلَيْهِ وكشريف قد وكِّل على بيع دَوَاب مثلا لَا تلِيق بِهِ مُبَاشرَة بيعهَا وَعلم الْمُوكل بِحَالهِ أَو كَانَ مَشْهُورا عِنْد النَّاس بِأَنَّهُ لَا يَلِي ذَلِك بِنَفسِهِ، فَلهُ أَن يُوكل فِي الْحَالَتَيْنِ وَيحمل الْمُوكل فِي الثَّانِيَة على أَنه علم بِحَالهِ وَلَا يصدق فِي أَنه لم يعلم فَإِن لم يعلم الْمُوكل وَلَا اشْتهر الْوَكِيل بذلك فَلَيْسَ لَهُ التَّوْكِيل، وَهُوَ ضَامِن حَيْثُ لم يعلم الْوَكِيل الثَّانِي بتعديه فِي تَوْكِيله وإلاَّ فَالضَّمَان عَلَيْهِ كَمَا فِي (خَ) وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله عاطفاً على الْمَمْنُوع وتوكيله إِلَّا أَن يَلِيق بِهِ أَو يكثر فَلَا يَنْعَزِل الثَّانِي بعزل الأول الخ. تَنْبِيهَات. الأول: الْوَصِيّ مثل الْمُفَوض ومقدم القَاضِي مثل الْمَخْصُوص قَالَه أَبُو الْحسن. قَالُوا للْوَصِيّ أَن يُوصي بِلَا خلاف ويوكل وَالْوَكِيل الْمَخْصُوص ومقدم القَاضِي لَيْسَ لَهما أَن يوكلا بِلَا خلاف، وَنقل (ح) عَنهُ فِي بَاب الْحجر أَن الْمَشْهُور فِي مقدم القَاضِي عدم التَّوْكِيل وَهُوَ معنى قَول اللامية: بتوكيل ذِي التَّقْدِيم من عِنْد حَاكم بِلَا إِذْنه قَولَانِ بِالْمَنْعِ فاعملا وَتَأمل قَوْله: بِالْمَنْعِ فاعملا مَعَ مَا فِي نَوَازِل الرَّهْن من المعيار عَن الإِمَام السنوسي أَن الَّذِي بِهِ الْعَمَل وانعقدت عَلَيْهِ الوثائق جَوَاز تَوْكِيله وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة عَن بعض الموثقين.(1/329)
الثَّانِي: قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا وكلته وكَالَة على الْخِصَام وَجعلت لَهُ أَن يُوكل من يرى تَوْكِيله. قلت: وَأذن لَهُ أَن يُوكل عَنهُ من شَاءَ بِمثلِهِ أَو بِمَا شَاءَ من فصوله وتكمل العقد. فَإِن قلت: وَأذن لَهُ أَن يُوكل عَنهُ من شَاءَ وَلم تزد بِمثلِهِ أَو بِمَا شَاءَ مِنْهُ لم يكن للْوَكِيل الثَّانِي أَن يُخَاصم عَن الْمُوكل الأول حَتَّى يَجْعَل لَهُ من الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار مثل مَا جعله للْأولِ، وَقَالَ بعد ذَلِك: وَإِن وكلته وكَالَة مفوضة جَامِعَة لفصوله وَجعلت للْوَكِيل أَن يُوكل من شَاءَ بِمَا شَاءَ من فصوله فَلَا بُد أَن يَقُول الموثق: وَالْتزم الْمُوكل لوكيل وَكيله مثل مَا الْتزم لوَكِيله وَإِلَّا لم يكن للثَّانِي أَن يُوكل غَيره اه فَانْظُرْهُ. الثَّالِث: إِذا جَازَ للْوَكِيل أَن يُوكل بِمَا قَبضه الثَّانِي من المَال يلْزمه دَفعه لمن أَرَادَ قَبضه مِنْهُ من مُوكله أَو رب المَال لِأَنَّهُ يبرأ بِالدفع لكل مِنْهُمَا، وَإِن بَاعَ كل مِنْهُمَا شَيْئا وَاحِدًا فَالْعِبْرَة بِالْأولِ كَمَا قَالَ (خَ) وَإِن بِعْت وَبَاعَ فَالْأول إِلَّا لقبض الخ. وَلَو جَاءَ رجل بِكِتَاب فِيهِ الْأَمر بِأَن يدْفع لحامله من دينه كَذَا فاعترف الْمَدِين أَنه خطّ رب الدّين لم يقْض عَلَيْهِ بِالدفع، وَكَذَا إِذا صدقه فِي أَنه أمره أَن يدْفع إِلَيْهِ بِخِلَاف مَا لَو أَتَاهُ بوكالة فَأقر لَهُ بِصِحَّتِهَا وأبى من الدّفع فَإِنَّهُ يقْضِي عَلَيْهِ، فَإِن أنكر الْمُوكل الْوكَالَة بعد ذَلِك غرم الْحق ثَانِيًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا قضى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَمَا ذكره من أَنه إِذا أقرّ لَهُ بِالْوكَالَةِ يقْضِي عَلَيْهِ نَحوه فِي الْبَاب السّبْعين من التَّبْصِرَة وَذكره فِي الْفَصْل السَّادِس فِي حكم الْوكَالَة مِنْهَا أَيْضا، وَهُوَ مُخَالف لما ذكره فِي الْفَصْل الْخَامِس من أَن الْخصم إِذا صدق الْوَكِيل لم يجْبرهُ الْحَاكِم على الدّفع على الْمَشْهُور حَتَّى يثبت عِنْده صِحَة الْوكَالَة وَهُوَ الْمُوَافق لما فِي الْمُدَوَّنَة وتبصرة اللَّخْمِيّ كَمَا فِي (ح) وَفِي الْبُرْزُليّ أَيْضا: إِذا قبض رجل دينك بِغَيْر إذنك وأخبرك الْقَابِض بذلك ورضيت لم ترجع على الْغَرِيم. وَما مِنَ التَّوْكِيلِ لاثَّنَيْنِ فَمَا زَادَ مِنَ المَمْنُوعِ عِنْد العُلَمَا (وَمَا) مُبْتَدأ مَوْصُول (من التَّوْكِيل) يتَعَلَّق بالاستقرار صلَة (لاثْنَيْنِ) يتَعَلَّق بِالتَّوْكِيلِ (فَمَا) مَعْطُوف على اثْنَيْنِ (زَاد) صلَة مَا ومتعلقه مَحْذُوف أَي عَلَيْهِمَا (من الْمَمْنُوع) خبر الْمُبْتَدَأ (عِنْد العلما) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر وَهَذَا فِي الْخُصُومَة قَالَ المتيطي: وَلَا يجوز لرجل وَلَا لامْرَأَة أَن يُوكل فِي الْخِصَام أَكثر من وَكيل وَاحِد يُرِيد إِلَّا بِرِضا الْخصم (خَ) : وَوَاحِد فِي حضومة الخ: وَأما فِي غَيرهَا من بيع أَو شِرَاء أَو تقاضضٍونحو ذَلِك فَجَائِز وَلكُل الاستبداد. (خَ) : ولأحد الوكلين الاستبداد إِلَّا لشرط وَإِن بِعْت وَبَاعَ فَالْأول إِلَّا لقبض.(1/330)
والنَّقْضُ لِلإِقْرَارِ والإِنْكَارِ مِنْ تَوْكِيلِ الاخْتِصامِ بِالرَّدِّ قمِنْ (وَالنَّقْص) مُبْتَدأ (للإقرار) يتَعَلَّق بِهِ (وَالْإِنْكَار) مَعْطُوف عَلَيْهِ (من تَوْكِيل) يتَعَلَّق بِالنَّقْصِ أَيْضا (الاختصام) مُضَاف إِلَيْهِ (بِالرَّدِّ) يتَعَلَّق بقوله (قمن) بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْمِيم أَي حقيق خبر الْمُبْتَدَأ، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على الْخِصَام وَلم يَجْعَل لَهُ مُوكله فِي الْوَثِيقَة الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَإِن التَّوْكِيل قمن بِالرَّدِّ حقيق بِهِ لما على الْمَطْلُوب من الضَّرَر فِي ذَلِك إِذْ قَرَار الْوَكِيل حِينَئِذٍ لَا يلْزم الْمُوكل (خَ) : وَلَيْسَ لَهُ الْإِقْرَار إِن لم يُفَوض أَو يَجْعَل لَهُ ولخصمه اضطراره إِلَيْهِ، وَهَذَا ظَاهر إِذا امْتنع من الْحُضُور مَعَ وَكيله أَيْضا، أما إِذا قَالَ لَا أفوض وَلَا أجعَل لَهُ الْإِقْرَار لِئَلَّا يرشيه الْخصم وَلَكِن أحضر مَعَ الْوَكِيل فِي الْمجْلس أَو قَرِيبا مِنْهُ لأقر بِمَا يَدعِيهِ خصمي أَو أنكرهُ فَإِنَّهُ يُجَاب إِلَى ذَلِك كَمَا فِي الْبَيَان، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل فَلَيْسَ المُرَاد أَنَّهَا نَاقِصَة مُطلقًا كَمَا هُوَ ظَاهر النّظم، وَلَا سِيمَا وَقد أفتى ابْن الشقاق بِأَنَّهُ لَا يلْزم بِأَن يَجْعَل لَهُ الْإِقْرَار مَخَافَة أَن يرتشي الْوَكِيل. نَقله ابْن رحال قَالَ: وَقد شاهدنا من ذَلِك من ارتشاء الوكلاء مَا يُعلمهُ الله اه. وَمحل كَونهَا نَاقِصَة أَيْضا إِذا كَانَ الْوَكِيل مَالِكًا أمره أما إِن كَانَ صَبيا أَو مولى عَلَيْهِ أَو وَصِيّا أَو مقدم قَاض وكل بِإِذْنِهِ أَو نَائِب بَيت المَال فَإِن وكَالَة هَؤُلَاءِ لَا تكون نَاقِصَة بِنَقص الْإِقْرَار مِنْهَا بل إِن جعلُوا لَهُ الْإِقْرَار فَأقر بِشَيْء من معنى الْخُصُومَة فَإِنَّهُ لَا يلْزمهُم إِقْرَاره كَمَا فِي وكالات المعيار، وَكَذَا الْأَب يُوكل من يُخَاصم عَن صغَار وَلَده أَو نَاظر الأحباس يُوكل من يُخَاصم عَنْهَا لِأَن أَمْوَال الأحباس كأموال الْأَيْتَام وَإِقْرَار الْأَب وَالْوَصِيّ والناظر لَا يجوز وَهُوَ فِي ذَلِك شَاهد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ، وَتقدم شَيْء من ذَلِك عِنْد قَوْله: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً الخ. نعم إِن وكل الْوَصِيّ وَنَحْوه فِيمَا تولاه من الْمُعَامَلَات لمحجوره فإقرار الْوَكِيل حِينَئِذٍ لَازم للْوَصِيّ ويكلف الْوَصِيّ بِأَن يَجْعَل لوَكِيله الْإِقْرَار حِينَئِذٍ كَمَا لِابْنِ رشد وَغَيره وَفهم من قَوْله: الاختصام الخ. أَنه إِن كَانَ مفوضاً إِلَيْهِ يلْزم إِقْرَاره للْمُوكل وَإِن لم يكن جعله لَهُ وَظَاهر النّظم أَنه لَا بُد من جعل الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار أَو الْحُضُور، وَلَو كَانَ الْوَكِيل مولى عَلَيْهِ أَو صَبيا وَهُوَ كَذَلِك على طَريقَة ابْن رشد كَمَا مرّ لِأَنَّهُ قَالَ يلْزمه من فعل الْوَكِيل السَّفِيه مَا يلْزمه من الْوَكِيل الرشيد. تَنْبِيه: إِذا وكلته فِي خُصُومَة على حق فجحده الْمَطْلُوب وحلفه الْوَكِيل فَلَيْسَ لَك أَن تحلف الْمَطْلُوب ثَانِيًا كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة وَابْن عَرَفَة وَنَقله (ح) عِنْد قَوْله أَو يعين بِنَصّ أَو قرينَة الخ. وَيُرِيد(1/331)
أَن تَحْلِيف الْوَكِيل لَا يسْقط بَيِّنَة الْمُوكل، وَإِنَّمَا يسْقط إِعَادَة الْيَمين لِأَن الْوَكِيل قد لَا يكون لَهُ علم بِبَيِّنَة الْمُوكل، وَقد قَالَ (خَ) فَإِن نفاها واستحلفه فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان الخ. وَانْظُر لَو كَانَ الْوَكِيل عَالما بهَا وحلفه على إِسْقَاطهَا هَل لَا قيام للْمُوكل بهَا لِأَن قَول الْوَكِيل قَول مُوكله وَيدل لَهُ مَا فِي معاوضات المعيار عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِي امْرَأَة أنكر وكيلها أَن تكون عقدت لابنها هبة فِي أملاكها، فَلَمَّا ثبتَتْ الْهِبَة أظهر وكيلها عقد استرعاء مقدم التَّارِيخ أَنَّهَا غير ملتزمة لتِلْك الْهِبَة إِن صدرت مِنْهَا أَن إِنْكَار الْوَكِيل لعقد الْهِبَة مسْقط للْقِيَام بالاسترعاء اه. أَوله الْقيام لِأَنَّهُ لم يُوكله على إِسْقَاطهَا وَيدل لَهُ مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده عَن الْمُدَوَّنَة أَن من وكل على الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فَأقر بإسقاطها وَهُوَ الَّذِي فِي الْبُرْزُليّ عَن أَخَوَيْنِ ادّعى أَحدهمَا أَن أباهما بَاعَ مِنْهُ بعض الْأَمْلَاك بكالىء أمه وَأثبت ذَلِك وَقَالَ أَخُوهُ: إِن ذَلِك كَانَ توليجاً فَقَالَ: وَكيل مدعي البيع من أَيْن كَانَ لأم مُوكله مَالا وَمَا كَانَت أمه إِلَّا أمة ثمَّ تزَوجهَا أَبوهُمَا فَقَالَ ابْن حَارِث: أما الْوَثِيقَة فعقدها تَامّ لإفساد فِيهِ بِوَجْه وَإِقْرَار الْأَب لِابْنِهِ جَائِز، وَأما مَا تكلم بِهِ الْوَكِيل فَإِنَّهُ لَا يلْزم مُوكله إِذْ كَانَ مِنْهُ على وَجه الْغَلَط والسقط وَبعد هَذَا كُله فَإِنَّهُ لم يُوكله على تَكْذِيبه، وَإِنَّمَا وَكله على تَصْدِيقه وعَلى طلب مَا ادّعى بِهِ قبل صَاحبه، وَإِنَّمَا يجوز إِقْرَاره عَلَيْهِ فِيمَا يحدث من الْوُجُوه فِي الْخُصُومَة غير الْوَجْه الَّذِي هُوَ الأَصْل فَإِن قَوْله: وَمن أَيْن كَانَ لَهَا مَال سَاقِط عَن مُوكله للوجهين الْمَذْكُورين. وَقَالَ ابْن زرب: عقد الْوَثِيقَة صَحِيح غير أَن الْوَكِيل قد لبس مقَالَته وصير الْأَمر عِنْدِي مُشكلا لَا يظْهر فِيهِ شَيْء أتقلد الْجَواب بِهِ اه بِاخْتِصَار. قلت: وَالظَّاهِر فِي الْمَسْأَلَة مَا لِابْنِ حَارِث وَمَسْأَلَة الْمُدَوَّنَة شاهدة لَهُ، وَيُؤَيِّدهُ مَا لِابْنِ الْحَاج فِيمَن وكل على الصُّلْح وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَأقر الْمَطْلُوب فَثَبت الْحق فَصَالح الْوَكِيل على ذَلِك بمثاقيل منجمة وَأطْلقهُ قَالَ: لَا يمْضِي الصُّلْح وَيجب على الْوَكِيل غرم مَا أقرّ بِهِ الْغَرِيم لتعديه بِإِطْلَاقِهِ فَتَأمل ذَلِك. وَلَا سِيمَا على مَا يَأْتِي فِي الْبَيْت بعده عَن (ح) من أَن من جعل لوَكِيله الْإِقْرَار إِنَّمَا أَرَادَ الْإِقْرَار فِيمَا هُوَ من معنى الْخُصُومَة وَالله أعلم. وَانْظُر مَا مر عِنْد قَوْله: ومنكر للخصم مَا ادَّعَاهُ الخ. وَحَيْثُ الإقْرَارُ أَتَى بِمَعْزِلِ عَنِ الخِصَامِ فَهْوَ غَيْرُ مُعْمَلِ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (الْإِقْرَار) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (أَتَى) خَبره وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بمعزل) حَال من فَاعل أَتَى جر بِالْبَاء الزَّائِدَة (عَن الْخِصَام) يتَعَلَّق بمعزل (فَهُوَ) مُبْتَدأ (غير) خَبره (معمل) بِفَتْح الْمِيم اسْم مفعول مُضَاف إِلَيْهِ وَالْجُمْلَة جَوَاب حَيْثُ وَالْمعْنَى أَن من وكل على الْخِصَام فِي حق وَجعل لَهُ فِيهِ الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار فَأقر بِشَيْء أَجْنَبِي من تِلْكَ الْخُصُومَة كإقراره أَن مُوكله وهب دَاره لزيد أَو لفُلَان عَلَيْهِ(1/332)
مائَة وَنَحْو ذَلِك فَإِقْرَاره بذلك غير مَعْمُول بِهِ على الْأَصَح عِنْد ابْن سهل وَغَيره خلافًا لفقهاء طليطلة حَيْثُ قَالُوا: يلْزمه إِقْرَاره وَإِن لم يكن من معنى الْخُصُومَة، وَاسْتدلَّ ابْن سهل على تَصْحِيحه بقولِهَا: وَمن وكل على الْأَخْذ بِالشُّفْعَة فَأقر أَن مُوكله قد أسقطها فَهُوَ شَاهد لَا مقرّ انْظُر نَصهَا فِي (ح) قَالَ ابْن عَرَفَة مضعفاً لاستدلاله بِمَسْأَلَة الشُّفْعَة مَا نَصه: لَا يلْزم من لَغْو إِقْرَار الْوَكِيل على الشُّفْعَة لَغْو إِقْرَار من جعل لَهُ الْإِقْرَار لعدم صدق الْأَخْذ بِالشُّفْعَة على إِقْرَاره بإسقاطها وَصدق مُطلق الْإِقْرَار على الْإِقْرَار بِالْهبةِ اه. قَالَ (خَ) عقبه مَا قَالَه ابْن عَرَفَة من ضعف الِاسْتِدْلَال بِمَسْأَلَة الشُّفْعَة هُوَ الظَّاهِر، لَكِن يُؤْخَذ ذَلِك من أَن الْوكَالَة تخصص وتفيد بِالْعرْفِ لِأَن من وكل على الْخِصَام وَجعل لوَكِيله الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار إِنَّمَا أَرَادَ الْإِقْرَار فِيمَا هُوَ من معنى الْخُصُومَة الَّتِي وكل فِيهَا اه. قلت: قد يرد تَضْعِيف ابْن عَرَفَة للاستدلال بِمَسْأَلَة الشُّفْعَة بِأَن مُطلق الْإِقْرَار الْوَاقِع أثر الْخُصُومَة إِنَّمَا يرجع للوجوه الراجعة لَهَا كالتفويض الْوَاقِع أثر الْمُقَيد على حسب مَا مر عِنْد قَوْله: وحيثما التَّفْوِيض بِالْإِطْلَاقِ الخ. وَيدل لَهُ قَول ابْن حَارِث الْمَار إِنَّمَا يجوز إِقْرَاره فِيمَا يحدث من الْوُجُوه فِي الْخُصُومَة غير الْوَجْه الَّذِي هُوَ الأَصْل الخ. إِذْ لَا شكّ أَن الْمقر بِإِسْقَاط الشُّفْعَة قد ذكر على أصل مَا وكل فِيهِ بالإبطال كَمَا أَنه فِي مَسْأَلَة التَّنْبِيه الْمَذْكُورَة فِي الْبَيْت قبله قد ذكر على بَيِّنَات أصل الْحق الَّذِي وكل على طلبه بالإسقاط والتكذيب مَعَ أَن الْمُوكل لَا نظر لَهُ فِي ذَلِك، فَلَو صَحَّ الْإِقْرَار بِالْهبةِ الْخَارِج عَن الْخُصُومَة كَمَا يَقْتَضِيهِ بحث ابْن عَرَفَة لصَحَّ الْإِسْقَاط الْخَارِج عَن الْأَخْذ بِالشُّفْعَة، وَمَفْهُوم قَول النَّاظِم بمعزل عَن الْخِصَام أَنه إِذا لم يكن بمعزل عَنهُ لصَحَّ الْإِقْرَار وَلزِمَ وَهُوَ كَذَلِك على الْمَعْرُوف إِذْ هُوَ فَائِدَة رد الْوكَالَة النَّاقِصَة عَن الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار كَمَا مرّ فِي الْبَيْت قبله. قَالَ ابْن عَاتٍ عَن الْكَافِي الَّذِي بِهِ الْعَمَل أَنه إِذا جعل لَهُ الْإِقْرَار لزمَه مَا أقرّ بِهِ عِنْد القَاضِي، وَزعم ابْن خويز منداد أَن تَحْصِيل مَذْهَب مَالك أَنه لَا يلْزمه إِقْرَاره إِذا لم يكن مفوضاً إِلَيْهِ قَالَ: وَاتفقَ الْفُقَهَاء فِيمَن قَالَ مَا أقرّ بِهِ فلَان عَليّ فَهُوَ لَازم لي أَنه لَا يلْزمه اه. ابْن عَرَفَة: فَظَاهر ابْن عبد السَّلَام أَن قَول ابْن خويز منداد اتّفق الْفُقَهَاء الخ. خلاف الْمَعْرُوف من الْمَذْهَب وَالْأَظْهَر أَنه لَيْسَ بِخِلَاف لِأَن مَسْأَلَة الْمَذْهَب نَص فِيهَا على تَوْكِيله على الْإِقْرَار عَلَيْهِ، وَمَسْأَلَة ابْن خويز منداد إِنَّمَا صدر مِنْهُ أَن مَا أقرّ بِهِ فلَان فَهُوَ لَازم لَهُ فَصَارَ ذَلِك كَقَوْلِه مَا شهد بِهِ فلَان عَليّ فَهُوَ حق وَهَذَا لَا يلْزمه مَا شهد بِهِ اه. قلت: وَحَاصِل فرقه أَن مَسْأَلَة الْمَذْهَب أذن لَهُ فِي الْإِقْرَار عَنهُ بِخِلَاف مَسْأَلَة ابْن خويز منداد فَإِنَّهَا مُحْتَملَة للْإِذْن وَعَدَمه لِأَن مَا فِي قَوْله: مَا أقرّ بِهِ فلَان الخ شَرْطِيَّة بِدَلِيل دُخُول الْفَاء فِي جوابها فَصَارَت كَقَوْلِه: مَا شهد بِهِ فلَان الخ. وَيُمكن أَن يُقرر النَّاظِم بِمَا يَشْمَل مَسْأَلَة ابْن خويز منداد وَمَسْأَلَة الْهِبَة وَنَحْوهَا مِمَّا مر لِأَن الْكل بمعزل عَن الْخِصَام وَالله أعلم. تَنْبِيه: قَوْله فِي الْمُدَوَّنَة فَهُوَ شَاهد أَي يحلف مَعَه المُشْتَرِي وَيسْتَحق، وَمحله إِذا قَالَ: إِن مُوكله أسقطها بعد التَّوْكِيل وَالْمُوكل حَاضر فِي الْبَلَد فَإِن كَانَ غَائِبا غيبَة يتهم على الِانْتِفَاع بِالْمَالِ أَو أقرّ أَنه أسقطها قبل تَوْكِيله فَإِن شَهَادَته سَاقِطَة للتُّهمَةِ فِي الأولى ولإقراره بِأَنَّهُ إِنَّمَا توكل فِي بَاطِل فِي الثَّانِيَة قَالَه ابْن فَرِحُونَ فِي فصل التَّوْكِيل، وَفِي الْبَاب الثَّانِي وَالْعِشْرين من تبصرته مَا(1/333)
نَصه: وَفِي الطرر إِذا قَالَ الْوَكِيل: قبض موكلي المَال أَي الَّذِي وكلني على قَبضه فَإِن قَالَ قَبضه بعد الْوكَالَة لزم الْإِقْرَار، وَإِن قَالَ قَبضه قبل الْوكَالَة فَلَا عِبْرَة بِإِقْرَارِهِ وَلَا شَهَادَته لِأَنَّهُ إِنَّمَا توكل فِي بَاطِل وانفسخت وكَالَته. وانظره مَعَ مَا فِي (ح) عَن أَشهب وَمَعَ مَا فِي أَوَائِل وكالات المعيار فِي وَكيل رب الْحق يقر أَن الضَّامِن لِلْمَالِ إِنَّمَا كَانَ ضَمَانه لَهُ بِجعْل وَتَأمل قَول اللامية: فَمَا بعد تَوْكِيل فَيلْزمهُ وَمَا قبيل وَمَا نافى خصاماً نعم وَلَا وَمَنْ عَلَى خُصُومَةٍ مُعَيَّنَهْ تَوْكيلُهُ فالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ (وَمن) اسْم مَوْصُول مُبْتَدأ (على خُصُومَة) صلته (معينه) بِفَتْح الْيَاء صفة لخصومة (تَوْكِيله) فَاعل بالمجرور وَيجوز أَن يكون تَوْكِيله مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور قبله وَالْجُمْلَة صلَة من (فالطول) مُبْتَدأ (لن يوهنه) بِضَم الْيَاء وَفتح الْوَاو وَكسر الْهَاء الْمُشَدّدَة مضارع وَهن المضعف وفاعله ضمير مستتر يعود على الطول وضميره البارز على التَّوْكِيل، وَالْجُمْلَة خبر الطول وَجُمْلَة الطول وَخَبره خبر من، وَيجوز أَن تكون من اسْم شَرط وتوكيله فَاعل بِفعل مَحْذُوف وَجُمْلَة فالطول الخ جَوَاب الشَّرْط قَالَه اليزناسني، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على خُصُومَة مُعينَة كقبض إِرْث أَو قبض دين أَو على مخاصمة فلَان فالطول فِيمَا بَين التَّوْكِيل وَالْقِيَام بِهِ أَو فِيمَا بعد المناشبة وَقبل التَّمام لَا يضعف ذَلِك التَّوْكِيل وَلَا يُبطلهُ هَذَا ظَاهره. الْبُرْزُليّ: إِذا وَكله على قَضِيَّة مُعينَة فَلَا تَنْقَضِي إِلَّا بِتَمَامِهَا قَالَه بعض الموثقين اه. وَنَقله (ح) وَظَاهره كالناظم أَنه لَا يسْأَل الْمُوكل هَل هُوَ بَاقٍ على وكَالَته، وَأما إِن كَانَ غَائِبا فالوكيل على وكَالَته وَفهم مِنْهُ أَن الْمعينَة إِذا انْقَضتْ لَيْسَ لَهُ أَن يُخَاصم فِي غَيرهَا إِلَّا بوكالة مستأنفة قَالَ فِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة وَإِن كَانَت الْوكَالَة مُقَيّدَة بخصومة فلَان أَو فِي شَيْء بِعَيْنِه فَلَا بُد من تَجْدِيد التَّوْكِيل لغير ذَلِك طَال الْأَمر أم قصر اه. فَعلم مِنْهُ أَنه لَا يحْتَاج للتجديد فِي ذَلِك الْمعِين، وَإِنَّمَا يحْتَاج للتجديد فِي غَيره على مَا يَأْتِي تَفْصِيله، وَأَشَارَ إِلَى مَفْهُوم مُعينَة وَهُوَ إِذا وَكله على خُصُومَة مُبْهمَة فَقَالَ: وَإنْ يَكُنْ قُدِّم لِلْمُخاصَمَهْ وَتمَّ مَا أرادَ مَعْ مَنْ خَاصَمَهْ (وَإِن) شَرط (يكن) فعله واسْمه ضمير الْوَكِيل (قدم) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نَائِبه ضمير الْوَكِيل أَيْضا (للمخاصمة) يتَعَلَّق بقدم وَالْجُمْلَة خبر يكن (وَتمّ) مَا مضى يتم (مَا) مَوْصُول فَاعله (أَرَادَ)(1/334)
صلته وفاعله ضمير الْوَكِيل والرابط بَينه وَبَين الْمَوْصُول مَحْذُوف (مَعَ) بِسُكُون الْعين لُغَة فِي مَعَ يتَعَلَّق بأراد (من) مُضَاف إِلَيْهِ (خاصمه) صلَة من وضميره الْمُسْتَتر هُوَ الرابط والبارز للْوَكِيل، وَيجوز الْعَكْس وَالْجُمْلَة من تمّ وَمَا بعده معطوفة على قدم وَكَذَا جملَة قَوْله. ورامَ أنْ يُنْشىءَ أُخْرَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; فَلَهُ ذَاكَ إذَا أطْلَقَ مَنْ وَكَّلْهُ (ورام) وفاعله ضمير الْوَكِيل أَيْضا (أَن ينشىء) فِي تَأْوِيل مصدر مَفْعُوله (أُخْرَى) مفعول بقوله ينشىء على حذف الْمَوْصُوف أَي خُصُومَة أُخْرَى (فَلهُ) خبر عَن قَوْله (ذَاك) وَالْإِشَارَة للإنشاء وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط (إِذا) ظرف خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (أطلق من) مَوْصُول فَاعل أطلق (وَكله) صلَة من والرابط الضَّمِير الْمُسْتَتر والبارز للْوَكِيل وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة إِذا وَلَمْ يَجُز عَلَيْهِ نِصْفُ عَامِ مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِلْخِصَامِ (وَلم يجز عَلَيْهِ نصف) فَاعل بيجز (عَام) مُضَاف إِلَيْهِ (من زمن) يتَعَلَّق بيجز (التَّوْكِيل) مُضَاف إِلَيْهِ (للخصام) يتَعَلَّق بيجز أَيْضا أَي لم يجز من زمن التَّوْكِيل إِلَى وَقت إِرَادَة إنْشَاء الْخِصَام نصف عَام، وَمَعْنَاهُ أَنه إِذا وَكله على خُصُومَة مُبْهمَة أَي لم يذكر فِيهَا مخاصمة فلَان أَو فِي أَمر كَذَا(1/335)
كَمَا فِي النِّهَايَة، بل قَالَ: وَكلتك على الْمُخَاصمَة عني من غير تعْيين خُصُومَة بِعَينهَا أَو على مخاصمة خصمي كَمَا فِي (ح) عَن الذَّخِيرَة، وَيظْهر أَنَّهَا على مخاصمة من كَانَ كَذَلِك فخاصم الْوَكِيل بعض النَّاس وتمَّ خصامه ثمَّ أَرَادَ أَن ينشىء خُصُومَة أُخْرَى مَعَ الأول أَو مَعَ غَيره، فَلهُ ذَلِك بِشَرْطَيْنِ: أَحدهمَا إِذا أطلق الْمُوكل فِي وكَالَته كَمَا مرّ وَالثَّانِي أَن لَا يجوز عَلَيْهِ نصف عَام من الْفَرَاغ من الأولى لإنشاء الثَّانِيَة ثمَّ إِن الصَّوَاب حذف الشَّرْط الأول لِأَنَّهُ الْمَوْضُوع فَقَوله: وَإِن يكن قدم للمخاصمة. أَي: لمُطلق الْمُخَاصمَة لِأَنَّهُ قسيم قَوْله: وَمن على خُصُومَة مُعينَة الخ. وَالصَّوَاب أَيْضا أَن يَقُول: من زمن الْفَرَاغ للخصام كَمَا قَررنَا قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة: وَإِذا وَكله عَن الْخِصَام فخاصم عَنهُ وَانْقَضَت تِلْكَ الْخُصُومَة، فَإِن كَانَت الْوكَالَة مُطلقَة وَأَرَادَ أَن يُخَاصم عَنهُ بِقرب انْقِضَاء الأولى بِالْأَيَّامِ أَو اتَّصل بعض ذَلِك بِبَعْض وتطاول سِنِين لم يحْتَج إِلَى تَجْدِيد، وَإِن كَانَ بَين المطلبين الْأَشْهر يَعْنِي سِتَّة أشهر فَعَلَيهِ التَّجْدِيد، وَكَذَا إِن لم يُخَاصم عَنهُ فِي أول التَّوْكِيل أَو قربه حَتَّى مَضَت الْأَشْهر فَيُسْتَحَب التَّجْدِيد ثمَّ قَالَ: وَإِن كَانَت مُقَيّدَة بمخاصمة فلَان إِلَى آخر مَا مرّ عَنهُ قبل هَذِه الأبيات ثمَّ قَالَ: وَلَو قيد الْوكَالَة بالدوام والاستمرار دَامَت أبدا مَا لم يعزله اه بِاخْتِصَار. وَقد قَالَ فِي الْمَقْصد الْمَحْمُود: وَإِن كَانَت الْوكَالَة مُبْهمَة فللوكيل أَن يُخَاصم عَنهُ فِي قَضِيَّة أُخْرَى بحدثان انْقِضَاء الأولى وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي قَضِيَّة مفسرة بمطالبة فلَان وَلَا فِي المبهمة إِذا طَال الزَّمَان نَحْو السِّتَّة أشهر، وَأما إِذا اتَّصل الْخِصَام فَلهُ التَّكَلُّم عَنهُ، وَإِن طَال الأمد فَقَوله: وَأما إِذا اتَّصل الْخِصَام الخ هُوَ عين قَوْله بحدثان انْقِضَاء الأولى الخ. إِلَّا أَنه هُنَاكَ فصل بِالْأَيَّامِ كَمَا مرّ عَن المتيطي، وَهنا لم يفصل بِشَيْء، وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده بالاتصال إنشاب الْخُصُومَة وابتداؤها فِي المبهمة مَعَ بعض النَّاس ثمَّ أمسك سِتَّة أشهر وَقَامَ لإتمامها مَعَ ذَلِك الْبَعْض، وَلَكِنِّي لم أَقف الْآن على نَص صَرِيح فِيهِ إِلَّا مَا يفهم من قَول الْمُتَيْطِيَّة الْمُتَقَدّم، وَكَذَلِكَ إِن لم يُخَاصم عَنهُ فِي أول التَّوْكِيل الخ. وتأمله مَعَ قَول الْمجَالِس المكناسية الَّذِي بِهِ الْعَمَل تَجْدِيد التَّوْكِيل بعد سِتَّة أشهر. هَذَا إِذا كَانَت فَتْرَة فِي خلل الْعَمَل، وَأما إِن اتَّصل خصامه فَلَا ينسخه الزَّمَان اه. وَقَوله: وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي قَضِيَّة مفسرة الخ. أَي لَيْسَ لَهُ أَن يحدث خُصُومَة أُخْرَى بعد الْفَرَاغ من الْخُصُومَة الْمعينَة كَمَا مرّ، وَيفهم مِنْهُ أَن الْمعينَة لَا تبطل إِلَّا بالفراغ مِنْهَا، فَهَذَا مَعَ مَا مر عَن المتيطي والبرزلي هُنَاكَ شَاهد على قَول النَّاظِم؛ وَمن على خُصُومَة مُعينَة الخ وَالله أعلم. وَالْحَاصِل أَنه إِذا أسقط من الْوَثِيقَة الدَّوَام والاستمرار وَلم يتَّصل الْخِصَام وَلَا كَانَ بالحدثان وَلم تكن الْخُصُومَة مُعينَة، فَلَا بُد من التَّجْدِيد على مَا فِي النّظم والمتيطية وَغَيرهمَا وَإِن وجد وَاحِد مِمَّا مر فَلَا تَجْدِيد وَلَا فرق بَين الْمُفَوض إِلَيْهِ وَغَيره كَمَا فِي القوانين، وَأفْتى ابْن مَرْزُوق بقول سَحْنُون إِنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى التَّجْدِيد مُطلقًا. وَظَاهر نقل ابْن عَرَفَة والمتيطية وَصَاحب اللامية أَن خلاف سَحْنُون جَار سَوَاء كَانَت الْخُصُومَة مُعينَة أم لَا. اتَّصل الْخِصَام أم لَا. إِلَّا أَنه يسْأَل الْمُوكل إِن كَانَ حَاضرا أهوَ على وكَالَته. وَظَاهر نقل ابْن سهل أَن سحنوناً إِنَّمَا قَالَ بِعَدَمِ التَّجْدِيد فِي الْمعينَة لِأَنَّهُ قَالَ: وَسُئِلَ سَحْنُون عَمَّن وكل على مخاصمة رجل فَلم يقم الْوَكِيل إِلَّا بعد سِنِين الخ. فَفرض السُّؤَال فِي مخاصمة رجل، وَظَاهره أَنه معِين وَعَلِيهِ فَقَوْل سَحْنُون لَيْسَ بمخالف لِلْقَوْلِ بالتجديد لاخْتِلَاف الْمَوْضُوع وَهُوَ ظَاهر النّظم لِأَنَّهُ اقْتصر فِي الْمعينَة على عدم التَّجْدِيد وَفِي غَيرهَا على التَّجْدِيد وَلم يذكر فِي ذَلِك الْخلاف الَّذِي ذَكرُوهُ، فَلَعَلَّهُ فهم أَن المُرَاد بِرَجُل فِي السُّؤَال رجل(1/336)
معِين كَمَا هُوَ الظَّاهِر لَا أَن المُرَاد بِهِ الْجِنْس كَمَا فهموه فجعلوه مُقَابلا. تَنْبِيه: تقدم عَن النِّهَايَة أَن الْمعينَة هِيَ الَّتِي قيدت بمخاصمة فلَان أَو كَانَت فِي شَيْء بِعَيْنِه وَأَن المبهمة هِيَ الَّتِي سقط مِنْهَا ذَلِك، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنه إِذا قَالَ: وكلته على قبض ديني أَو إرثي وَلم يعين مِمَّن أَنَّهَا من الْمعينَة، وَقَوْلها فِي النِّكَاح فِي تَوْكِيل الْأَب رجلا على إنكاح ابْنَته مِمَّن يرَاهُ من شاكلة لَهَا وَبِمَا يرى من الصَدَاق وَأَنه إِن سقط مِنْهُ دائمة مستمرة لم يعْقد عَلَيْهَا بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر إِلَّا بتوكيل ثَان الخ. يَقْتَضِي أَن ذَلِك لَيْسَ من الْمعينَة وإلاَّ لم يحْتَج إِلَى التَّجْدِيد فَتَأَمّله، وَيَقْتَضِي أَيْضا أَن التَّجْدِيد بعد مُضِيّ سِتَّة أشهر لَا يخْتَص بوكالة الْخِصَام بل كَذَلِك الْوكَالَة على النِّكَاح وَالْبيع وَنَحْوهمَا وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي القوانين وَغَيرهَا وَهُوَ ظَاهر قَول ناظم الْعَمَل: وَبعد سِتَّة من الشُّهُور قد جددوا وكَالَة الْأُمُور وَمَوْتُ مَن وَكَّلَ أَوْ وكيِلِ يُبطِلُ مَا كانَ مِنَ التَّوْكِيلِ (وَمَوْت) مُبْتَدأ (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (وكّل) بِفَتْح الْكَاف مُشَدّدَة مَبْنِيّ للْفَاعِل صلَة (أَو وَكيل) مَعْطُوف على الْمَوْصُول (يبطل) بِضَم الْيَاء وَكسر الطَّاء مضارع أبطل وفاعله ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة خَبره (مَا) مَفْعُوله (كَانَ) صلَة مَا وَهِي تَامَّة بِمَعْنى وجد (من التَّوْكِيل) بَيَان لما وَمَعْنَاهُ أَن موت الْمُوكل أَو الْوَكِيل يبطل التَّوْكِيل الَّذِي وجد من الْمُوكل وعزل الْمُوكل للْوَكِيل كموته إِن أشهد بِهِ وأعلنه عِنْد الْحَاكِم، وَلم يفرط فِي إِعْلَامه فَإِن اخْتَلَّ وَاحِد من الثَّلَاثَة لم يَنْفَعهُ عَزله على القَوْل بانعزاله بعزله وَإِن لم يعلم بِهِ، وَأما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِل إِلَّا إِن علم فَلَا يَنْعَزِل قبله وَإِن أشهد وأعلنه وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَفِي عَزله بعزله وَلم يعلم خلاف الخ. وَظَاهر النّظم أَنه يبطل بِمَوْت الْوَكِيل وَلَو قَالَ وَارثه: أَنا أقوم مقَامه وَكَانَت بِأُجْرَة وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا لَيست بِحَق تورث وَلِأَن الْوَكِيل يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْمَنْفَعَة فتنفسخ الْإِجَارَة بِمَوْتِهِ، وَظَاهره أَيْضا أَن التَّوْكِيل يبطل بِمَوْت الْمُوكل وَلَو كَانَ الْوَكِيل مفوضاً إِلَيْهِ وَله وَكيل آخر تَحْتَهُ أَو وَكيل خُصُومَة فَيبْطل الْجَمِيع وَهُوَ كَذَلِك لانتقال الْحق للْغَيْر وهم الْوَرَثَة فَلَا يمْضِي عَلَيْهِم شَيْء من تَصَرُّفَاته إِلَّا أَن يكون غير عَالم بِمَوْتِهِ أَو يشرف وَكيل الْخُصُومَة على تَمامهَا بِحَيْثُ لَو أَرَادَ عَزله لم يكن لَهُ ذَلِك(1/337)
على مَا يَأْتِي فِي قَوْله: وَمَا لمن حضر فِي الْجِدَال الخ. قَالَه فِي الْمُدَوَّنَة وَمَا قَرَّرْنَاهُ بِهِ من أَن مَحل الْبطلَان بِمَوْت الْمُوكل إِن علم الْوَكِيل وَإِلَّا فَلَا هُوَ أحد التَّأْويلَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِح (خَ) : وانعزل بِمَوْت مُوكله إِن علم وَإِلَّا فتأويلان ومحلهما إِذا كَانَ من بَاعَ مِنْهُ الْوَكِيل أَو ابْتَاعَ حَاضرا بِبَلَد مَوته وَإِلَّا اتّفق التأويلان على عدم الْبطلَان قَالَه الزّرْقَانِيّ. وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ مُوَكّلُ بِمَوْتِ مِنَ وَكَّلْهُ يَنْعَزِلُ (وَلَيْسَ) فعل نَاقص (من) مَوْصُول وَهِي وَاقعَة على الْوَكِيل الثَّانِي (وَكله) صلتها والرابط الضَّمِير البارز (مُوكل) بِفَتْح الْكَاف فَاعل وَكله، وَالْمرَاد بِهِ الْوَكِيل الأول (بِمَوْت) يتَعَلَّق بينعزل آخر الْبَيْت (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ (وَكله) صلته وَجُمْلَة (يَنْعَزِل) ومتعلقه خبر لَيْسَ وَمَعْنَاهُ أَن وَكيل الْوَكِيل لَا يَنْعَزِل بِمَوْت الْوَكِيل الأول وَلَا بعزله لِأَنَّهُ لما كَانَ تَوْكِيله بِإِذن من رب المَال إِمَّا بالصراحة أَو بالتفويض على مَا للناظم فِي قَوْله: وَذَا لَهُ تَقْدِيم من يرَاهُ الخ. على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا لِابْنِ نَاجِي أَو بِالْعرْفِ كَكَوْنِهِ لَا يَلِيق بِهِ أَو يكثر كَمَا مرّ صَار هَذَا الثَّانِي وَكيلا لَهُ فَلَا يَنْعَزِل بِمَوْت الأول وَلَا بعزله بِمَثَابَة من وكل شَخْصَيْنِ فَلَا يَنْعَزِل أَحدهمَا بِمَوْت الآخر وَلَا بعزله. نعم للْوَكِيل الأول عزل وَكيله كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد من شرَّاح الْمَتْن. والعَزْلُ لِلوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ مِنْهُ يَحِقُّ بِوَفَاةِ الأوَّلِ (والعزل) مُبْتَدأ (للْوَكِيل) يتَعَلَّق بِهِ (والموكّل) بِفَتْح الْكَاف الْمُشَدّدَة مَعْطُوف على الْمَجْرُور (مِنْهُ) يتَعَلَّق بالموكل (يحِق) بِفَتْح الْيَاء وَكسر الْحَاء بِمَعْنى يجب خبر الْمُبْتَدَأ (بوفاة) يتَعَلَّق بِهِ (الأول) مُضَاف إِلَيْهِ، وَالْمعْنَى أَن الْوَكِيل الأول وَالثَّانِي وَهُوَ المُرَاد بالموكل مِنْهُ ينعزلان بِمَوْت الأول الَّذِي هُوَ رب المَال، وَهَذَا الْبَيْت مُسْتَغْنى عَنهُ بِعُمُوم قَوْله فِيمَا مر: يبطل مَا كَانَ من التَّوْكِيل. وكما ينعزلان بِمَوْتِهِ ينعزلان أَيْضا بفلسه لانتقال الْحق للْغُرَمَاء، فَلَا يلْزمهُم مَا بَاعَ أَو ابْتَاعَ إِن علم على الْمَشْهُور، وَكَذَا ينعزلان بطول جُنُونه جدا بِحَيْثُ يفْتَقر مَعَه إِلَى نظر القَاضِي فِي مَاله وَكَذَا ينعزلان بردته وَلَو بعد أَيَّام الِاسْتِنَابَة حَيْثُ لم يقتل لمَانع كحمل وَنَحْوه، وَأما ردة الْوَكِيل فَلَا توجب عَزله وَكَذَا الطَّلَاق فَإِنَّهُ لَا يُوجب عزل الزَّوْجَة الوكيلة عَن زَوجهَا إِلَّا أَن يعلم أَنه لَا يرضى بتصرفها بعد انْقِطَاع مَا بَينهمَا وَاسْتظْهر ابْن عَرَفَة أَن الزَّوْج إِذا كَانَ وَكيلا لزوجته وَجب انعزاله بِطَلَاقِهَا. وَمَا لِمَنْ حَضَرَ فِي الْجِدَالِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ انْعِزَالِ (وَمَا) نَافِيَة (لمن) مَوْصُولَة وَاقعَة على الْوَكِيل تتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر عَن الْمُبْتَدَأ بعْدهَا (حضر) صلتها (للجدال) يتَعَلَّق بالصلة (ثَلَاث) نَائِب عَن الْمَفْعُول الْمُطلق (مَرَّات) مُضَاف إِلَيْهِ(1/338)
وَالْأَصْل حضوراً ثَلَاث مَرَّات فَحذف الْمصدر وناب عَنهُ عدده كَقَوْلِه تَعَالَى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة} (النُّور: 4) أَي جلدا ثَمَانِينَ (من) زَائِدَة (انعزال) مُبْتَدأ خَبره فِي الْمَجْرُور الْمُتَقَدّم. إلاَّ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ لِسَفَرْ ومِثْلُه مُوَكَّلٌ ذَاكَ حَضَرْ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (لعذر) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الْمُتَقَدّم على أَنه بدل من مُقَدّر، وَالْعَامِل فِي الْبَدَل هُوَ الْعَامِل فِي الْمُبدل مِنْهُ أَي: وَمَا انعزال ثَابت للحاضر للجدال لوجه من الْوُجُوه إِلَّا لعذر (مرض) مُضَاف إِلَيْهِ (أَو لسفر) مَعْطُوف على مرض وَاللَّام زَائِدَة، وَيحْتَمل أَن يعْطف على لعذر فَلَيْسَتْ زَائِدَة وَمَعْنَاهُ أَنه لَا انعزال للْوَكِيل الَّذِي حضر للجدال أَي قَاعد خَصمه ثَلَاث مَرَّات وَلَو فِي يَوْم وَاحِد سَوَاء عَزله الْمُوكل أَو عزل هُوَ نَفسه لتَعلق حق الْخصم بخصومته إِلَّا لعذر من مرض ظَاهر أَو سفر، وَعَلِيهِ فِي السّفر الْيَمين أَنه مَا اسْتَعْملهُ ليوكل، وَكَذَا عَلَيْهِ أَن يحلف فِي الْمَرَض الْخَفي فَإِن نكل لم يجز لَهُ الْعَزْل، وَلَعَلَّ الْوَكِيل إِنَّمَا وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين ليسقط حق الْخصم الَّذِي يتَعَلَّق بِعَيْنِه لَا لينْتَفع الْمُوكل إِذْ لَا يحلف الْإِنْسَان لينْتَفع غَيره، وَمثل الْمَرَض ظُهُور تفريطه من قلَّة قِيَامه بِأَمْر الْخِصَام أَو يظْهر ميله للخصم أَو مسامحته فِي الْحق فَلهُ عَزله حِينَئِذٍ ويوكل غَيره أَو يُخَاصم بِنَفسِهِ قَالَه اللَّخْمِيّ وَغَيره. وَحكى بَعضهم عَلَيْهِ الِاتِّفَاق وَلَو كَانَت الْوكَالَة بِأُجْرَة فَظهر غشه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مرّ كَانَ عَيْبا وَله أَن يفْسخ الْوكَالَة وَقَوْلهمْ: يحلف فِي الْمَرَض الْخَفي كَمَا فِي (ز) يَقْتَضِي أَنه يحلف فِي هَذِه الْأُمُور وَإِن ادَّعَاهَا وَلم تظهر، وَفِي اخْتِصَار الْمُتَيْطِيَّة مَا يَقْتَضِي أَنه لَا بُد من إِثْبَات ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِن ظهر من الْوَكِيل تَفْرِيط أَو ميل مَعَ خَصمه أَو غش ليبطل بذلك حق مُوكله أَو مرض فللموكل عَزله إِذا ثَبت ذَلِك اه. وَكَذَا لَا سَبِيل للعزل إِذا تعلق للْوَكِيل حق بِالْوكَالَةِ كَأُجْرَة وَنَحْوهَا أَو كَانَ الْحق لأَجْنَبِيّ، وَقد ذكر فِي اللامية جملَة من ذَلِك فانظرها إِن شِئْت. (وَمثله) خبر عَن قَوْله (مُوكل) بِكَسْر الْكَاف الْمُشَدّدَة وسوغ الِابْتِدَاء بِهِ وَصفه بِالْجُمْلَةِ وَهِي قَوْله: (ذَاك) مفعول بقوله: (حضر) وَالْمعْنَى أَن الْمُوكل إِذا جادل خَصمه ثَلَاث مَرَّات فَلَيْسَ لَهُ أَن يتخلى عَن الْخِصَام إِلَّا لعذر من مرض أَو سفر، وَمن ذَلِك أَن يشتمه خَصمه فَيحلف أَن لَا يخاصمه بِنَفسِهِ كَمَا فِي التَّبْصِرَة. قَالَ ابْن الفخار: فَإِن حلف أَن لَا يخاصمه دون عذر يُوجب الْيَمين لم يكن لَهُ أَن يُوكل إِلَّا بِرِضا خَصمه أَو لعذر من سفر وَنَحْوه. وَمَفْهُوم ثَلَاث مَرَّات أَنه إِن جادله أقل مِنْهَا وَلم يتَّجه الحكم فَلهُ عَزله وَهُوَ كَذَلِك إِن شهد بِهِ وأعلنه وَلم يفرط فِي إِعْلَامه بِأَن ترك إِعْلَامه لبعده كَمَا فِي (ح) وَهَذَا على أحد قَوْلَيْنِ. تقدما عِنْد قَوْله: وَمَوْت من وكل أَو وَكيل الخ. وَقَوْلِي وَلم يتَّجه الحكم الخ احْتِرَازًا مِمَّا إِذا اتجه فَلَا عزل، وَلَو قَالَ حِينَئِذٍ: إِن وَكيله جهل مَا يُخَاصم بِهِ وَإِن حجَّته غير مَا احْتج بِهِ عَنهُ وَلم يعلم بِمَا خَاصم بِهِ عَنهُ أَو كَانَ غَائِبا لم يقبل مِنْهُ ذَلِك وَلَا يكون عذرا فِي عَزله وَلَا دفع الحكم عَنهُ إِلَّا لوجه يدل على(1/339)
صدقه فِي ذَلِك، وَكَذَا لَو خَاصم الْمُوكل بِنَفسِهِ وَزعم أَنه غلط أَو بقيت لَهُ حجَّة كَمَا فِي الْبُرْزُليّ والشامل. ومَنْ لهُ مُوَكِّلٌ وعَزَلَهْ لَخِصْمِهِ إنْ شَاءَ أنْ يُوَكِّلَهْ (وَمن) مُبْتَدأ مَوْصُول (لَهُ) خبر عَن قَوْله (مُوكل) بِفَتْح الْكَاف الْمُشَدّدَة وَالْجُمْلَة صلَة وَجُمْلَة قَوْله: (عَزله) حَالية مقدرَة مَعهَا قد (لخصمه) خبر مقدم (إِن شَاءَ) شَرط جَوَابه مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ (أَن يُوكله) فِي تَأْوِيل مصدر مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول والرابط الضَّمِير فِي لخصمه، وَالْمعْنَى أَن من كَانَ لَهُ وَكيل فِي خُصُومَة وَقد عَزله حَيْثُ يسوغ لَهُ عَزله أَو يُرْضِي خَصمه فَإِن لخصمه أَن يُوكل ذَلِك الْوَكِيل فِي تِلْكَ الْخُصُومَة إِن شَاءَ أَو فِي غَيرهَا وَلَا حجَّة للْأولِ فِي أَنه اطلع عَلَيْهِ عوراته ووجوه خصوماته قَالَه فِي الِاسْتِغْنَاء؛ وَاقْتصر عَلَيْهِ ابْن سَلمُون وَابْن فَرِحُونَ فِي تبصرته، وَله أَي لِابْنِ فَرِحُونَ فِي شرح ابْن الْحَاجِب يَنْبَغِي أَن لَا يُمكن من تَوْكِيله لِأَنَّهُ صَار كعدوه اه نَقله (ح) . وكُلُّ مَنْ عَلَى مَبِيعٍ وُكِّلاَ كانَ لَهُ القَبْضُ إذَا مَا أُغْفِلاَ (وكل) مُبْتَدأ (من) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ وَاقع على الْوَكِيل (على مَبِيع) يتَعَلَّق بقوله (وكلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، وَالْجُمْلَة صلَة (كَانَ) فعل نَاقص (لَهُ) خَبَرهَا وَاللَّام بِمَعْنى على (الْقَبْض) اسْمهَا (إِذا) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (مَا) زَائِدَة (أغفلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ضمير الْقَبْض، وَالْجَوَاب مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَن من وكل على بيع مَبِيع فَبَاعَهُ فَإِن عَلَيْهِ أَن يقبض ثمنه إِذا أغفل الْمُوكل قبض الثّمن أَي سكت عَنهُ لِأَنَّهُ كَمَا عَلَيْهِ تَسْلِيم الْمَبِيع عَلَيْهِ قبض ثمنه، وَإِن وكل على الشِّرَاء فَعَلَيهِ قبض السّلْعَة أَيْضا فَإِن لم يفعل حَتَّى تعذر الْقَبْض ضمن فيهمَا وَهَذَا مَا لم يَبِعْهُ لأجل بِنَصّ من الْمُوكل وإلاَّ فَلَا يقبضهُ إِلَّا بتوكيل مُسْتَأْنف (خَ) : وتخصص وتقيد بِالْعرْفِ فَلَا يعده إِلَّا على بيع فَلهُ طلب الثّمن وَقَبضه أَو اشْتَرَاهُ فَلهُ قبض الْمَبِيع ورد الْمَعِيب إِن لم يُعينهُ مُوكله الخ. وَمَفْهُوم أغفلا أَنه إِذا نَص لَهُ على الْقَبْض أَو على عمله فَإِن يعْمل على ذَلِك فيقبضه فِي الأول دون الثَّانِي فَإِن تعدى وَقَبضه فِي الثَّانِي ضمن وَلَا ضَمَان على المُشْتَرِي إِن لم يعلم بِالنَّهْي، وَكَانَ الْعرف دفع الثّمن للْوَكِيل فِيمَا يظْهر، وَظَاهر النّظم أَن(1/340)
عَلَيْهِ الْقَبْض جرى عرف بِهِ أَو بِعَدَمِهِ أَو لَا عرف أصلا وَهُوَ كَذَلِك فِي الطَّرفَيْنِ دون الْوَاسِطَة فَإِنَّهُ جرى بِعَدَمِهِ كَبيع الدّور وَالْعَقار فَلَا قبض عَلَيْهِ كَمَا لأبي عمرَان. وَلَا يبرأ المُشْتَرِي بِالدفع إِلَيْهِ، وَيدل عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاء فِي كَلَام (خَ) ، إِذْ مَا بعد الِاسْتِثْنَاء هُوَ مَا إِذا لم يكن عرف أصلا، وَكَذَا يدل عَلَيْهِ قَول الشَّامِل وَله أَي الْوَكِيل قبض ثمن مَا وكل فِي بَيْعه إِلَّا لعادة أَو بِعَدَمِ قَبضه وَنَحْوه لِابْنِ فَرِحُونَ فِي تبصرته، وَمَا مر من أَن وَكيل الشِّرَاء عَلَيْهِ قبض السّلْعَة مَحَله إِذا لم يُصَرح الْوَكِيل للْبَائِع بِأَن نقد الثّمن على مُوكله، وإلاَّ فَلَا. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يجب عَلَيْهِ دفع الثّمن فَلَا يجب عَلَيْهِ قبض الْمُثمن كَمَا فِي ابْن عَرَفَة. وَمَفْهُوم قَوْله على مَبِيع أَن من وكل على النِّكَاح لَيْسَ عَلَيْهِ قبض الصَدَاق لِأَنَّهُ لَا يسلم الْمَبِيع أَي الْبضْع وَلَا يبرأ الزَّوْج بِالدفع إِلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِك كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله. تَنْبِيه: إِذا سلم الْوَكِيل السّلْعَة الْمَبِيعَة أَو دفع الثّمن فِي الشِّرَاء وَلم يشْهد، فَأنْكر البَائِع أَو المُشْتَرِي ضمن لتَفْرِيطه بِعَدَمِ الْإِشْهَاد، وَسَوَاء كَانَ مفوضاً إِلَيْهِ أم لَا جرى عرف بترك الْإِشْهَاد أم لَا، على الْمَشْهُور. وَتقدم شَيْء من ذَلِك عِنْد قَوْله: وَلَيْسَ يمْضِي غير مَا فِيهِ نظر الخ. وغَائِبٌ يَنُوبُ فِي القِيَام عَنْهُ أبٌ وابْنٌ وفِي الخِصَامِ (وغائب) مُبْتَدأ وسوغه الْعُمُوم أَو كَونه صفة لمَحْذُوف وَجُمْلَة: (يَنُوب فِي الْقيام عَنهُ أَب وَابْن) خَبره (وَفِي الْخِصَام) مَعْطُوف على فِي الْقيام والمجرورات الثَّلَاث تتَعَلَّق بينوب وَأب وَابْن فَاعل بِهِ، وَمَعْنَاهُ أَن الشَّخْص الْغَائِب إِذا تسور عَلَيْهِ فِي عقاره أَو أحدث عَلَيْهِ ضَرَر فِي ملكه أَو أَخذ شَيْء من مَاله كدابة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يجوز لِأَبِيهِ أَو ابْنه أَن يقوم عَنهُ فَيثبت حَقه بِالْبَيِّنَةِ ويخاصم عَنهُ فَيَأْخُذ النّسخ ويعطيها بِغَيْر وكَالَة، فَإِن آل الْأَمر إِلَى عجز الْمَطْلُوب أشهد القَاضِي بِمَا ثَبت عِنْده وَلَا ينْزع الشَّيْء من يَده، وَإِن آل الْأَمر إِلَى عجز الْقَائِم فَلَا تَنْقَطِع حجَّة الْغَائِب كَمَا مرّ فِي بَاب الْقَضَاء. قَالَ فِي الْمعِين: وَإِذا قُلْنَا بِجَوَاز الْمُخَاصمَة عَن الْغَائِب فَإلَى أَيْن تَنْتَهِي؟ قَالَ بعض الموثقين: يسمع القَاضِي الْبَيِّنَة وَيشْهد على ثُبُوتهَا عِنْده، وَلَا يخرج الْمُدعى فِيهِ من يَد الْمَطْلُوب إِن ادَّعَاهُ لنَفسِهِ وَلَا يقطع مَا أحدث عَلَيْهِ من الضَّرَر وَالْعَيْب إِذْ لَعَلَّ الْمَطْلُوب إِذا قدم لم يمنعهُ إِلَّا أَنه إِذا أقرّ الْمَطْلُوب بِمَا فِي يَده للْغَائِب أخرجه من يَده وَأَوْقفهُ حَيْثُ يرَاهُ اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة وَغَيرهَا، وَظَاهر النّظم أَنه لَا فرق بَين قرب الْغَيْبَة وَبعدهَا وَهُوَ أحد قَوْلَيْنِ، وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا فرق بَين الدُّيُون وَغَيرهَا، وَهُوَ كَذَلِك كَمَا فِي نَوَازِل الْمديَان ونوازل الشَّهَادَات من الْبُرْزُليّ وَابْن الْحَاج، وَيبقى الدّين بِذِمَّة الْغَرِيم إِلَّا أَن يخْشَى فقره أَو سَفَره وَظَاهره أَيْضا أَن غير الْأَب(1/341)
وَالِابْن لَا يُمكن وَلَو كَانَ قريب الْقَرَابَة كالأخ وَنَحْوه، وَهُوَ الَّذِي فِي (ق) وَأحد الْأَقْوَال الْخَمْسَة الَّتِي فِي (ح) وَغَيره عَن ابْن رشد عِنْد قَول (خَ) وَفِي تَمْكِين الدَّعْوَى لغَائِب بِلَا وكَالَة تردد الخ. وَالَّذِي فِي نقل ضيح أَنه على هَذَا القَوْل يُمكن الابْن وَالْأَب وَقَرِيب الْقَرَابَة، وَلَعَلَّ المُرَاد بقريب الْقَرَابَة الْأَخ كَمَا صرح بِهِ فِي الكراس الرَّابِع من معاوضات المعيار عَن اليزناسني قَائِلا الَّذِي مضى بِهِ عمل الموثقين أَنه لَا يُبَاح ذَلِك إِلَّا للوالد أَو الولدة أَو الْأَخ من جَمِيع الْجِهَات ثمَّ قَالَ: وَقد ذكر ابْن رشد فِي ذَلِك خَمْسَة أَقْوَال يُمكن الْأَب وَالِابْن يُمكن كل قَائِم وَإِن أَجْنَبِيّا قَالَه ابْن الْقَاسِم، وَسَحْنُون يُمكن الْوَلِيّ من إِقَامَة الْبَيِّنَة لَا من الْخُصُومَة لَا يُمكن من وَاحِد مِنْهُمَا يُمكن كل قَائِم فِيمَا يخْشَى فَوَاته كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة وَالثَّوْب لَا فِيمَا لَا يفوت كَالدّين وَغَيره إِلَّا الْأَب وَالِابْن قَالَ: وَمَا ذَكرْنَاهُ عَن الموثقين هُوَ الَّذِي يجب بِهِ الْعَمَل إِن شَاءَ الله اه. وبأدنى تَأمل تعلم أَن الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين وَالْخَامِس متفقة على تَمْكِين الْأَب وَالِابْن وعَلى هَذِه الْفَتْوَى عول ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَفِي عقار غَائِب يحْتَسب قِيَامه أَخ أَو ابْن أَو أَب وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِالْأَبِ وَالِابْن فِي النّظم الْجِنْس فَيشْمَل الْجد وَإِن علا وَالِابْن وَإِن سفل. وَجَائزٌ إثْباتُ غَيْرِ الأجَنَبِي لِمَنْ يَغِيبُ واخْتِصَامُهُ أُبي (وَجَائِز) خبر مقدم (إِثْبَات) مُبْتَدأ (غير الْأَجْنَبِيّ) مجروران بِالْإِضَافَة (لمن) يتَعَلَّق بِإِثْبَات (يغيب) صلَة من وَهُوَ بِمَعْنى غَابَ فأوقع الْمُضَارع موقع الْمَاضِي (واختصامه) مُبْتَدأ وَجُمْلَة (أبي) مَبْنِيّ للْمَفْعُول بِمَعْنى منع خَبره وَمَعْنَاهُ أَن غير الْأَب وَالِابْن من بَاقِي الْقَرَابَة يُمكن من إِثْبَات حُقُوق الْغَائِب عِنْد القَاضِي خشيَة ضياعها بِمَوْت الشُّهُود أَو طرُو فسق وَلَا يُمكن من الْخُصُومَة بِأخذ النّسخ وإعطائها، وَكَأن النَّاظِم رَحمَه الله ترجح عِنْده من تِلْكَ الْأَقْوَال الْخَمْسَة الأول وَالثَّالِث فاقتصر فِي الابْن وَالْأَب على الْقيام وَالْخِصَام وَفِي غَيرهمَا من بَاقِي الْقَرَابَة على الْقيام فَقَط وَلم يذكر لذَلِك مُقَابلا وَوجه تَرْجِيح الأول ظَاهر مِمَّا مرّ وَوجه تَرْجِيح الثَّالِث أَنه لَا مضرَّة على الْمَطْلُوب وَلَا على الْغَائِب فِي إِثْبَات ذَلِك بل ذَلِك من حفظ مَال الْغَيْر الَّذِي يجب على النَّاس(1/342)
فَكيف بالقريب، وَلَا سِيمَا وَالْقَوْل الثَّانِي يُوَافق هَذَا الثَّالِث فِي تَمْكِين الْقَرِيب من الْقيام كَمَا هُوَ وَاضح، وَإِنَّمَا خَالفه فِيمَا زَاد على ذَلِك فَهُوَ قوي من جِهَة الْعزو وَكَثْرَة الْقَائِل، وَبِهَذَا تعلم أَن النَّاظِم لم يخرج عَن الْأَقْوَال الْخَمْسَة كَمَا قيل وَلَا أَنه جعل الثَّالِث من تَمام الأول بل هُوَ تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ رشد كَمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاق ابْن سَلمُون. وَنَصه الصَّوَاب أَن الْأَب وَالِابْن يمكنان من الْإِثْبَات وَالْخُصُومَة عَن الْغَائِب وَمن عداهما من الْقَرَابَة لَا يُمكن من شَيْء لَا من الْإِثْبَات وَلَا من الْخُصُومَة، وَظَاهر الرِّوَايَات أَن الْأَجْنَبِيّ لَا يُمكن من شَيْء وَالله أعلم. تَنْبِيهَات. الأول: الصَّبِي كالغائب فَيقوم عَنهُ أَخُوهُ كالقول الأول وتجري فِيهِ الْأَقْوَال الْبَاقِيَة وَإِذا قُلْنَا بِجَوَاز الْقيام وَالْخِصَام للِابْن وَالْأَب أَو الْقيام فَقَط لغَيْرِهِمَا من الْقَرَابَة أَو الْقيام وَالْخِصَام مُطلقًا على القَوْل بِهِ فَقَالَ ابْن الْحَاج: لَيْسَ للقائم أَن يُوكل وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِنَفسِهِ أَو يتْرك قَالَ: وَيحْتَمل جَوَاز ذَلِك عِنْد الْعذر. الثَّانِي: ذكر الْبُرْزُليّ فِي آخر الشَّهَادَات من ديوانه أَن الْعَمَل على عدم التَّوْكِيل وَلَو من قريب الْقَرَابَة وَعَلِيهِ فَعمل تونس مُخَالف لعمل فاس. الثَّالِث: مَحل الْخلاف فِيمَا لَا حق فِيهِ للْمُدَّعِي وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَلَو وَدِيعَة فَلَيْسَ للْمُودع عِنْده أَن يُخَاصم سارقها مثلا، أما مَا لَهُ فِيهِ حق كالمستأجر وَالْمُسْتَعِير عَارِية لَا يُغَاب عَلَيْهَا وَالْمُرْتَهن رهنا كَذَلِك وللغرماء وَزَوْجَة الْغَائِب وأقاربه الَّذين تلْزمهُ نَفَقَتهم أَو عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَان كالمستعير عَارِية يُغَاب عَلَيْهَا وَالْمُرْتَهن رهنا كَذَلِك، وَالْغَاصِب إِذا غصب مِنْهُ شَيْء والحميل إِذا أَرَادَ الْمَدِين السّفر وخشي ضيَاع الْحق وَنَحْو ذَلِك فَيمكن من الدَّعْوَى بِلَا وكَالَة اتِّفَاقًا وَيُبَاع إِن ثَبت ملكه لَهُ فِي الدّين وَالنَّفقَة.
(فصل فِي حكم تداعي الْمُوكل وَالْوَكِيل)
فِيمَا قَبضه الْوَكِيل من دين وَثمن مَبِيع وَادّعى أَنه دفع ذَلِك لمُوكلِه وَأنكر الْمُوكل ذَلِك، وَحكى النَّاظِم فِي ذَلِك أَرْبَعَة أَقْوَال أَشَارَ لأولها بقوله: وَإنْ وَكيلٌ ادَّعَى إقْبَاضَ مَنْ وَكَّلَهُ مَا حَازَ فَهْوَ مُؤْتَمَنْ (وَإِن) شَرط (وَكيل) فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره (ادّعى إقباض) مَفْعُوله (من) مُضَاف إِلَيْهِ من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (وَكله) صلَة من (مَا) مفعول ثَان لإقباض وَجُمْلَة (حَاز) صلَة مَا والرابط مَحْذُوف أَي حازه (فَهُوَ) مُبْتَدأ عَائِد على الْوَكِيل (مؤتمن) خَبره. وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط. مَعْ طُولِ مُدَّةٍ وإنْ يَكُنْ مَضَى شَهْرٌ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينٍ تُقْتَضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ;(1/343)
(مَعَ) بِسُكُون الْعين ظرف مُتَعَلق بمؤتمن (طول مُدَّة) مجروران بِالْإِضَافَة (وَإِن) شَرط (يكن) فعله واسْمه ضمير الشَّأْن. (مضى. شهر) فعل وفاعل خبر يكن (يصدق) بِالْجَزْمِ جَوَاب الشَّرْط (مَعَ) بِالسُّكُونِ أَيْضا يتَعَلَّق بِمَا قبله (يَمِين) مُضَاف إِلَيْهِ (تقتضى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة ليمين. وَإنْ يَكُنْ بِالفَوْرِ والإنْكَارِ لَهُ فَالَقَوْلُ مَعْ حَلْفٍ لِمَنْ وَكَّلَهُ (وَإِن يكن) شَرط وَفعله (بالفور) يتَعَلَّق بالاستقرار فِي خبر يكن (الْإِنْكَار) بِنَقْل حَرَكَة الْهمزَة للام اسْم يكن (لَهُ) خَبَرهَا (فَالْقَوْل) مُبْتَدأ (مَعَ) بِالسُّكُونِ أَيْضا (حلف) بِسُكُون اللَّام مُضَاف إِلَيْهِ والظرف يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر الَّذِي هُوَ (لمن وَكله) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَهَذَا القَوْل لمطرف. وَحَاصِله إِن ادّعى الْوَكِيل أَنه دفع لمُوكلِه مَا قَبضه لَهُ، وَقد طَالَتْ الْمدَّة فِيمَا بَين الْقَبْض والإدعاء كَسنة وَنَحْوهَا فَهُوَ مُصدق بِلَا يَمِين، وَإِن قصرت الْمدَّة فِيمَا بَين الْقَبْض والادعاء كشهر وَنَحْوه فَهُوَ مُصدق أَيْضا، لَكِن بِيَمِين. وَإِن قصرت الْمدَّة عَن الشَّهْر فَالْقَوْل للْمُوكل مَعَ يَمِينه وَكَانَ الطول الْكثير منزل منزلَة الشَّاهِدين عِنْده فِي الدّلَالَة على الْبَرَاءَة والمتوسط بِمَنْزِلَة الشَّاهِد الْوَاحِد والقليل كَالْعدمِ. وَقِيلَ إنَّ القَوْلَ لِلْوَكِيلِ مَعَ اليَمِينِ دُونَ مَا تَفْصِيلِ (وَقيل إِن) بِكَسْر الْهمزَة (القَوْل) اسْمهَا (للْوَكِيل) خَبَرهَا (مَعَ) ظرف يتَعَلَّق بالاستقرار فِي الْخَبَر (الْيَمين) مُضَاف إِلَيْهِ (دون) يتَعَلَّق بالاستقرار أَيْضا (مَا) زَائِدَة (تَفْصِيل) مُضَاف إِلَيْهِ أَي دون تَفْصِيل بَين الطول وَعَدَمه وَلَا بَين مفوض إِلَيْهِ وَغَيره، وَلَا بَين أَن يَدعِي الدّفع إِلَى مُوكله فِي حَيَاته أَو بعد مَوته، وَلَا بَين مَا قَبضه الْوَكِيل ليدفعه لفُلَان أَو ليَشْتَرِي بِهِ سلْعَة فَلم يدْفع وَلم يشتر، وَادّعى رد ذَلِك. وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الْمُدَوَّنَة فَكَانَ على المُصَنّف أَن يصدر بِهِ (خَ) وَصدق فِي الرَّد كَالْمُودعِ فَلَا يُؤَخر للإشهاد أَي لَيْسَ للْمُودع وَلَا للْوَكِيل أَن يَقُول لَا أدفَع لَهُ حَتَّى أشهد عَلَيْهِ إِذْ لَا نفع لَهما فِي ذَلِك لتصديقهما بِيَمِين وَنَحْوه لِابْنِ شَاس وَابْن الْحَاجِب، وَاعْترض بِأَن لَهما نفعا فِي الْإِشْهَاد وَهُوَ سُقُوط الْيَمين وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه أصُول الْمَذْهَب كَمَا لِابْنِ عَرَفَة، وَعَلِيهِ فَإِذا أخر الدّفع للإشهاد فَتلف لم يضمن بِخِلَافِهِ على مَا لِابْنِ شَاس فَإِنَّهُ يضمن انْظُر بعد هَذَا عِنْد قَوْله: وَالزَّوْج للزَّوْجَة كالموكل الخ. وَمحل التَّصْدِيق على هَذَا القَوْل إِنَّمَا هُوَ فِيمَا قبضاه بِغَيْر إِشْهَاد أما مَا قبضاه بإشهاد مَقْصُود بِهِ التَّوَثُّق فَلَا يصدقان فِي رده إِلَّا بِبَيِّنَة كَمَا فِي (ح) وَجعله معنى التَّشْبِيه فِي قَول (خَ) كَالْمُودعِ. وَفِي الْبُرْزُليّ مَا يَفْعَله النَّاس الْيَوْم إِذا أعطَاهُ قراضا أَو بضَاعَة أَو لفتح حَانُوت يأْتونَ إِلَى الْعُدُول ويكتبون رسماً بذلك عِنْد الْبَيِّنَة الْمَقْصُودَة للتوثق اه. وَنَحْوه فِي الْخَرشِيّ عِنْد قَول (خَ) فِي الشّركَة ولمقيم بَيِّنَة الخ. وَظَاهر كَلَامهم أَنه(1/344)
لَا يشْتَرط علم الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِقصد التَّوَثُّق وَلَا فهمه ذَلِك. انْظُر شرح الشَّامِل فِي الْوَدِيعَة. وَقِيلَ إنْ أنْكَرَ بَعْدَ حِينِ فَهْوَ مُصَدَّقٌ بِلاَ يَمِينِ (وَقيل إِن أنكر) الْمُوكل الْقَبْض (بعد حِين) أَي سنة (فَهُوَ) أَي الْوَكِيل (مُصدق بِلَا يَمِين. وإنْ يَمُرَّ الزَّمَنُ القَلِيلُ فَمَعْ يَمينٍ قَوْلُهُ مَقْبُولُ وَإِن يمر الزَّمن الْقَلِيل) بَين قَبضه وادعائه الدّفع وَذَلِكَ مَا دون السّنة (فَمَعَ يَمِين قَوْله) أَي الْوَكِيل (مَقْبُول) وَهَذَا قَول ابْن الْمَاجشون وَابْن عبد الحكم، وَقد فَارق القَوْل الأول فِي أَنه يقبل قَوْله فِيمَا دون السّنة الصَّادِق بالشهر واللحظة والظرف الأول يتَعَلَّق بقوله أنكر وَالْجُمْلَة بعده جَوَاب الشَّرْط، والظرف الثَّانِي يتَعَلَّق بقوله مَقْبُول، وَالْجُمْلَة جَوَاب أَيْضا ويمر مجزوم مدغم يجوز فِي رائه الْفَتْح وَالْكَسْر وَالضَّم، وَالثَّالِث أفْصح وَأكْثر كَمَا قَالُوهُ فِي كل مدغم لقِيه سَاكن أَو ضمير. وَقيلَ بَلْ يَخْتَصُّ بِالمُفَوِّضِ إلَيْهِ ذَا الحكْمُ لِفَرْقٍ مُقْتَضِي (وَقيل بل يخْتَص ب) الْوَكِيل (الْمُفَوض إِلَيْهِ ذَا) فَاعل يخْتَص (الحكم) بِالرَّفْع صفة لاسم الْإِشَارَة أَو عطف بَيَان أَو بدل، وَالْمرَاد بالحكم مَا مرّ من التَّصْدِيق بِيَمِين مَعَ الْقرب وبدونها مَعَ الْبعد (لفرق) يتَعَلَّق بيختص ولامه للتَّعْلِيل (مُقْتَضى) صفة لفرق أَي لفرق اقْتضى التَّخْصِيص الْمَذْكُور وَهُوَ شدَّة الوثوق بالمفوض إِلَيْهِ دون غَيره. وَمَنْ لَهُ وكالَةُ مُعَيَّنهْ يَغْرَمُ إلاَّ أنْ يُقِيمَ البَيِّنَهْ (و) هُوَ (من لَهُ وكَالَة مُعينَة) أَي مَخْصُوصَة بِشَيْء معِين فَإِنَّهُ (يغرم) مَا أنكرهُ فِيهِ مُوكله طَال مَا بَين الْقَبْض والادعاء أم لَا (إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة) على مَا دفع إِلَيْهِ، وَهَذَا قَول أصبغ فَقَوله: وَمن(1/345)
لَهُ الخ من تَمام القَوْل الرَّابِع وَهِي مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعْدهَا صلتها وَجُمْلَة يغرم بِفَتْح الْيَاء وَالرَّاء خَبَرهَا. تَنْبِيهَات. الأول: مَا تقدم من أَن الْمَشْهُور من الْأَقْوَال تَصْدِيق الْوَكِيل مُطلقًا مَحَله إِذا لم يَتَعَدَّ وَإِلَّا فَلَا يصدق، وَقد سُئِلت عَن امْرَأَة وكلت شقيقها على قبض دَرَاهِم من شخص فَأخذ الْوَكِيل عَن الدَّرَاهِم حَرِيرًا وَادّعى دَفعه لموكلته فأجبت بِأَنَّهُ لَا يصدق وَلَا تَبرأ ذمَّة الْغَرِيم من الدَّرَاهِم لِأَن من ثَبت عداؤه فقد زَالَت أَمَانَته، وَإِذا تعذر الرُّجُوع على الْغَرِيم رجعت على الْوَكِيل لِأَن غَرِيم الْغَرِيم غَرِيم، وَفِي كتاب الْوَدِيعَة من ابْن يُونُس فِيمَن بعث مَعَ رجل مَالا يوصله لرجل آخر فَقَالَ: لم أجد الرجل ورددت المَال للباعث أَنه لَا يصدق فِي رده لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الرَّد فَإِن الْوَاجِب عَلَيْهِ إِذا لم يجده إيداعها لَهُ فَإِذا كَانَ مُتَعَدِّيا فِي الرَّد وَجب عَلَيْهِ الضَّمَان فَإِذا صَارَت فِي ذمَّته لتعديه وَجب أَن لَا يقبل قَوْله رَددتهَا اه. وَنَقله أَبُو الْحسن وَغَيره، وَقَالَ اللَّخْمِيّ: اخْتلف فِيمَن اسْتقْرض دَرَاهِم من رجل فَأمر الرجل غَرِيمه أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ فَأخذ الْمُسْتَقْرض عَنْهَا عرضا قَالَ: وَالصَّوَاب أَن ذَلِك بيع حَادث وَلَا يرجع الْمقْرض إِلَّا بِمَا أمره بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ اه. الثَّانِي: كَمَا يصدق الْوَكِيل فِي الرَّد كَذَلِك يصدق فِي التّلف، وَلَا فرق بَين أَن يَدعِي تلف الثّمن أَو المُشْتَرِي بِالْفَتْح أَو البيع سَوَاء أسلفك الثّمن الَّذِي وَقع بِهِ الشِّرَاء أم لَا. فَفِي ابْن يُونُس قَالَ مَالك فِيمَن أَمر رجلا يَشْتَرِي لَهُ لؤلؤاً من مَكَّة وينقد عَنهُ فَقدم، وَزعم أَنه ابتاعه لَهُ وَنقد فِيهِ ثمَّ تلف اللُّؤْلُؤ فَيحلف أَنه قد ابْتَاعَ لَهُ مَا أمره بِهِ وَنقد عَنهُ وَيرجع بِالثّمن على الْآمِر لِأَنَّهُ أَمِينه قَالَ بعض الْقرَوِيين: وَالْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين الَّذِي أَمر غَرِيمه أَن يكتال الطَّعَام فِي غرائره فيدعي ضيَاعه بعد الْكَيْل أَن مَسْأَلَة الغرائر ادّعى ضيَاع مَا فِي ذمَّته فَلَا يبرأ حَتَّى يثبت زَوَاله من ذمَّته. وَفِي مَسْأَلَة اللُّؤْلُؤ إِنَّمَا ادّعى ضيَاع مَا صرف فِيهِ الثّمن الَّذِي أسلفه وَهُوَ اللُّؤْلُؤ، وَلَو ادّعى أَنه أخرج الثّمن فَضَاعَ قبل شِرَائِهِ لَهُ لم يضمن إِلَّا بِبَيِّنَة كَمَسْأَلَة الغرائر وَلَو كَانَ السّلم مِمَّا يجوز بَيْعه قبل قَبضه فوكله على بَيْعه فَقَالَ: أَنا بِعته وَضاع الثّمن فههنا يصدق مَعَ يَمِينه كَمَسْأَلَة اللُّؤْلُؤ، وَقد قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي المستخرجة: فِيمَن لَهُ على رجل دين أمره أَن يَشْتَرِي لَهُ بِهِ سلْعَة أَو عبدا وَهُوَ فِي بلد آخر، فَلَمَّا قدم قَالَ اشْتَرَيْته وَهَلَكت السّلْعَة أَو أبق العَبْد فالمصيبة من الْآمِر اه. ابْن يُونُس وَقَالَ فِي السّلم الأول قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَإِذا كَانَ غَائِبا بِبَلَد آخر لم يجز لَهُ أَن يَأْمُرهُ بشرَاء سلْعَة بِدِينِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يُوكل وَكيلا فِي ذَلِك الْبَلَد يقبضهَا. قَالَ: وَلَو ادّعى الْمَأْمُور أَنه اشْتَرَاهَا وَتَلفت فَإِن كَانَ الْآمِر أَو وَكيله مَعَه فِي الْبَلَد فَالْقَوْل للْمَأْمُور، وَإِن لم يَكُونَا مَعَه فِي الْبَلَد فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة على الشِّرَاء فَقَوله وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن لَهُ اه مِنْهُ. فَانْظُرْهُ مَعَ مَا فِي المستخرجة وَقَالَ قبل ذَلِك وَمن لَهُ على رجل مَال فَقَالَ لَهُ أسلمه لي فِي طَعَام لم يجز حَتَّى يقبض مِنْهُ وَيبرأ من التُّهْمَة ثمَّ يَدْفَعهُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يتهم أَن يُعْطِيهِ من عِنْده فيدخله فسخ الدّين فِي الدّين وَهَذَا فِي السّلم وَمَا قبله فِي الشِّرَاء نَقْدا اه مِنْهُ. وَهَذِه الْمسَائِل تقع كثيرا فَلِذَا نقلناها. الثَّالِث: إِذا وكلته على شِرَاء سلْعَة مُعينَة فاشتراها الْوَكِيل لنَفسِهِ فلابن الْقَاسِم فِي الثَّمَانِية هِيَ للْمُوكل، وروى ابْن نَافِع عَن مَالك هِيَ للْوَكِيل وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون. وَعَلِيهِ فَيصدق أَنه اشْتَرَاهَا لنَفسِهِ، وَقيل لَا يصدق إِلَّا إِن أشهد عِنْد الشِّرَاء أَنه يَشْتَرِي لنَفسِهِ، وَهَذَا بِنَاء على أَنه(1/346)
يجوز للْوَكِيل على البيع وَنَحْوه عزل نَفسه ابْن زرقون. وَهُوَ الْمَشْهُور وَانْظُر ابْن عَرَفَة أَوَاخِر الْوكَالَة، فقد ذكر فِي ذَلِك أقوالاً سَبْعَة، وَاقْتصر (ز) و (خش) عِنْد قَول (خَ) وَهل تلْزم أَوَان وَقعت بِأُجْرَة الخ على أَنَّهَا للْوَكِيل، وَانْظُر مَا يَأْتِي للناظم فِي آخر اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين. والزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ كالمُوَكِّلِ فِيما مِنَ القَبْضِ لِمَا باعَت يَلي (وَالزَّوْج) مُبْتَدأ (للزَّوْجَة) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ قَوْله (كالموكل) بِفَتْح الْكَاف وَاللَّام بِمَعْنى عَن (فِيمَا) يتَعَلَّق بِهِ أَيْضا (من الْقَبْض) بَيَان للموصول، وَمن زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء، وَيجوز أَن تتَعَلَّق بيلي آخر الْبَيْت، وَمن لتقوية الْعَامِل لضَعْفه بِالتَّأْخِيرِ (لما) يتَعَلَّق بِالْقَبْضِ (باعت) صلَة مَا الثَّانِيَة (يَلِي) صلَة مَا الأولى والرابط مَحْذُوف فيهمَا، وَالتَّقْدِير وَالزَّوْج كَالْوَكِيلِ عَن زَوجته فِيمَا يَلِيهِ من قبض ثمن مَا باعته فَيقْضى لَهُ بِقَبْضِهِ مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَإِن لم توكله عَلَيْهِ وَيصدق فِي دَفعه لَهَا إِن أنْكرت على الْمَشْهُور من الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة لِأَنَّهُ وَكيل عَنْهَا بِالْعَادَةِ وَلَا مَفْهُوم للقبض بل سَائِر التَّصَرُّفَات من البيع وَالشِّرَاء وَغَيرهمَا كَذَلِك حَيْثُ كَانَت عَادَة الْبَلَد تصرف الْأزْوَاج لأزواجهم بذلك. ابْن رشد: يحكم للزَّوْج بِحكم الْوَكِيل فِيمَا بَاعَ وَاشْترى لامْرَأَته وَإِن لم تثبت وكَالَته للْعُرْف الْجَارِي من تصرف الْأزْوَاج لأزواجهم فِي أمورهن اه. وَقَالَ ابْن عَرَفَة فِي حمل الزَّوْج فِي بَيْعه وشرائه لزوجته على الْوكَالَة وَإِن لم تثبت أَو حَتَّى تثبت دَلِيلا سَماع. ابْن الْقَاسِم فِي كتاب الْمديَان وَسَمَاع عبد الْملك فِي كتاب الدَّعْوَى اه. وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الزَّوْجَة لَا مقَال لَهَا فِي رد مَا بَاعه زَوجهَا أَو اشْتَرَاهُ لَهَا أَو قَبضه وَتلف قبل دَفعه لَهَا للْعُرْف الْمَذْكُور فَإِن لم يكن عرفهم ذَلِك أَو لَا عرف أصلا كَمَا عندنَا الْيَوْم حَسْبَمَا فِي (ت) أَو كَانَ بَين الزَّوْجَيْنِ مُشَاورَة كَمَا لِابْنِ رحال فلهَا رد ذَلِك وتضمينه إِن تلف الْمَقْبُوض وَهُوَ الْجَارِي على مَا فِي نَوَازِل الصُّلْح وَالرَّهْن من المعيار فِيمَن رهن أَو بَاعَ مَال زَوجته، فأنكرت الْإِذْن لَهُ أَنَّهَا تحلف وَترد ذَلِك، ثمَّ إِنَّه(1/347)
قد تقدم أَن الْوكَالَة تكون بِالنَّصِّ وبالعادة (خَ) بِمَا يدل عرفا الخ، وَلِهَذَا أفتى أصبغ بن مُحَمَّد كَمَا فِي الْبُرْزُليّ و (ق) فِيمَن غَار عَلَيْهِم الْعَدو وعادتهم من وجد حِينَئِذٍ فرسا لجاره ركبهَا لما يروه من العجلة فَركب رجل فرس جَاره وَخرج بهَا فاضطرته خيل الْعَدو فَنزل عَنْهَا وهرب فَقَامَ صَاحبهَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن الْعَادة كَالْوكَالَةِ قِيَاسا على مَسْأَلَة الْأَضَاحِي، الْبُرْزُليّ: يُرِيد والأنكحة والأيمان. قلت: وَمرَاده بالأضاحي مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) فِي الْأُضْحِية بقوله وَصَحَّ إنابة بِلَفْظ أَو بعادة كقريب الخ. وبالأنكحة مَا أَشَارَ لَهُ أَيْضا بقوله فِي النِّكَاح، وَإِن أجَازه مجبر فِي ابْن وَأَخ وجد فوض لَهُ أُمُوره بِبَيِّنَة جَازَ الخ. وبالأيمان مَا أَشَارَ لَهُ أَيْضا بقوله فِيهَا وبر إِن غَابَ بِقَضَاء وَكيل تقاض أَو مفوض وَهل ثمَّ وَكيل ضَيْعَة أَوَان عدم الْحَاكِم الخ. وَلذَلِك أَيْضا أفتى ابْن عَرَفَة وَغَيره بِتَصْدِيق الْأَخ فِي دَفعه لأخته مَا قَبضه لَهَا من كِرَاء رباعها سِنِين كَمَا فِي ابْن نَاجِي محتجين بِأَنَّهُ وَكيل لَهَا عَادَة، فَلَو قَالَ النَّاظِم بدل هَذَا الْبَيْت مَا نَصه: وصححت بِالنَّصِّ أَو بالعاده فالزوج والشبه على الوكاله وَقد مر ذَلِك إِثْر قَوْله: وَمن على قبض صَبيا قدما الخ. لأجاد لتَكون فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن صِيغَة الْوكَالَة اللَّفْظ أَو مَا يقوم مقَامه كَمَا مرّ أَي فتصرف الزَّوْج وَنَحْوه من أَخ أَو ابْن أَو أَب مَحْمُول على الْوكَالَة مَعَ الْعرف بذلك. ابْن شَاس: وَلَا بُد مَعَ الصِّيغَة من الْقبُول فَإِن وَقع بالفور فَوَاضِح وَإِن تَأَخّر فَفِي لغوه قَولَانِ. وعَلى الثَّانِي اقْتصر ناظم الْعَمَل حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ يشْتَرط للْوَكِيل يَوْمًا إِذا وكل من قبُول يُرِيد: إِنَّه لَا يشْتَرط الْقبُول بالفور بل إِذا قَامَ بهَا دَاخل سِتَّة أشهر كَفاهُ ذَلِك على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم. وَمَوْتُ زَوْجٍ أَوْ وكيلٍ إنْ عَرَضْ مِ غَيْرِ دَفْعِ مَا بِتَحْقِيقٍ قَبَضْ (وَمَوْت زوج) مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ (أَو وَكيل) مَعْطُوف عَلَيْهِ (إِن عرض) شَرط وَفعله (من(1/348)
غير) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من فَاعل عرض (دفع) مُضَاف إِلَيْهِ (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ أَيْضا من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله (بتحقيق) يتَعَلَّق بقوله (قبض) وَالْجُمْلَة صلَة والرابط مَحْذُوف أَي قَبضه، وأفرد الضَّمِير لكَون الْعَطف بِأَو. مِنْ مالِهِ يَأْخُذُ ذَاك قَائِمُ بالفَوْرِ والعكسُ لِعكْسٍ لازِمُ (من مَاله) يتَعَلَّق بقوله (يَأْخُذ) وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وارتفع الْفِعْل لقَوْل ابْن مَالك. وَبعد مَاض رفعك الجزا حسن. (ذَاك) مفعول بِهِ وَالْإِشَارَة للمقبوض بالتحقيق (قَائِم) فَاعل بيأخذ (بالفور) يتَعَلَّق بِعرْض أَو بقائم على وَجه التَّنَازُع، وَالْجُمْلَة من الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر الْمُبْتَدَأ، وَمَعْنَاهُ أَن الْوَكِيل بِالْعَادَةِ كالزوج وَنَحْوه أَو الْوَكِيل بِالنَّصِّ إِذا عرض موت أَحدهمَا بفور مَا قَبضه بالتحقيق من أَثمَان المبيعات الَّتِي بَاعهَا أَو الدُّيُون الَّتِي اقتضاها وَنَحْو ذَلِك وَلم تعلم بَرَاءَته من ذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله من غير دفع مَا بتحقيق الخ. فَإِن الزَّوْجَة وَالْمُوكل يأخذان ذَلِك الْمَقْبُوض من تَرِكَة الْوَكِيل أَو الزَّوْج إِن قاما حِينَئِذٍ وادعيا عدم الدّفع، وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين الْمَقْبُوض إِلَيْهِ وَغَيره. (وَالْعَكْس) مُبْتَدأ (لعكس) يتَعَلَّق بالْخبر الَّذِي هُوَ (لَازم) أَي: وَالْعَكْس الَّذِي هُوَ عدم الْأَخْذ لَازم للعكس وَهُوَ عرُوض الْمَوْت بعد طول كالشهر وَنَحْوه، وَإِنَّمَا على من يظنّ بِهِ الْعلم من الْوَرَثَة الْيَمين أَنهم لَا يعلمُونَ بَقَاء شَيْء من ذَلِك بيد الْوَكِيل. ابْن عَرَفَة: وَإِن مَاتَ يَعْنِي الْوَكِيل بحدثان قَبضه كَانَ فِي مَاله وَبعده مِمَّا يُمكن فِيهِ الْقَضَاء وَالدَّفْع فَلَا شَيْء عَلَيْهِ اه. وَقَالَ ابْن أبي زمنين: إِن مَاتَ الزَّوْج وَالْوَكِيل بحدثان مَا جرى على أَيْدِيهِمَا فَذَلِك فِي أموالهما إِذا عرف الْقَبْض وَجَهل الدّفع وَالْمَرْأَة وَالْوَكِيل يدعيان ذَلِك، وَإِن كَانَ الْمَوْت بِغَيْر الْحدثَان فَلَا شَيْء فِي أموالهما اه. وَبِهَذَا أفتى ابْن لب فِي رجل قبض مِيرَاث زَوجته فِي أَبِيهَا وَتُوفِّي، وَأَن الزَّوْج إِن مَاتَ بحدثان الْقَبْض فَذَلِك لَازم لتركته بعد يَمِين الْقَضَاء، وَإِن كَانَ بعد الشَّهْر وَنَحْوه حمل على أَنه قد دفع مَا قبض هَذَا إِن كَانَ الْقَبْض بِإِذن الزَّوْجَة فَإِن كَانَ تجاسر أَو تحامل عَلَيْهَا فَهُوَ فِي مَاله وَتركته اه. بِنَقْل (م) بِبَعْض اخْتِصَار، وَقَوله إِن كَانَ الْقَبْض بِإِذن الزَّوْجَة الخ. يَعْنِي إِن كَانَ الْعرف أَن الزَّوْج لَا يتَصَرَّف لزوجته وإلاَّ فَهُوَ وَكيل بِالْعَادَةِ كَمَا مرّ. وَفهم من قَوْله قَائِم بالفور أَن الزَّوْجَة وَالْمُوكل حاضران بِالْبَلَدِ، وَأما إِن كَانَا غائبين وَقبض الْوَكِيل وَمَات فِي غيبتهما فَذَلِك فِي مَاله من غير تَفْصِيل، وَفِي ابْن سَلمُون وَمن وكّل وَكيلا على النّظر فِي غلاته وَغَابَ ثمَّ(1/349)
قدم وَقد مَاتَ الْوَكِيل حلف المكترون لحوانيته ودوره وَكَانَ القَوْل قَوْلهم وَرجع هُوَ بِهِ فِي مَال الْوَكِيل إِلَّا أَن يذكر لذَلِك سَببا قبل مَوته من سَبَب أَو إِنْفَاق يعرف وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ اه. قلت: ويقيد بِمَا يَأْتِي فِي بَاب الْكِرَاء من أَن القَوْل للمكتري فِي سالف الْمدَّة مَا عدا شَهْرَيْن من آخرهَا فَإِن القَوْل فيهمَا قَول الْمكْرِي إِنَّه لم يقبض كراءهما على مَا بِهِ الْعَمَل بفاس قَالَه المكناسي وَغَيره، وَكَذَا يُقيد أَيْضا بِمَا فِي الْمعِين من أَن الْوَكِيل أَو الزَّوْج إِذا أقرّ عِنْد سفرهما أَو مرضهما أَو دون ذَلِك بِبَقَاء ذَلِك بأيديهما، ثمَّ اخْتلفَا بعد ذَلِك أَو بعد الصِّحَّة أَو الْقدوم لكلف الْوَكِيل الْبَيِّنَة على الدّفع وإلاَّ حلف الآخر وَغرم اه. وَإِذا كَانَ يُكَلف الْبَيِّنَة فِي الْحَيَاة فَكَذَلِك فِي الْمَوْت لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ صَار كَالدّين فِي ذمَّته كَمَا صرح بِهِ فِي الْمعِين أثر مَا مر عَنهُ، وَمَفْهُوم قَوْله: وَمَوْت الخ. أَن الْعَزْل لَيْسَ كَذَلِك بل يصدق الْوَكِيل إِن ادّعى الدّفع قبل الْعَزْل على الْمَشْهُور كَمَا مرّ لَا أَن ادَّعَاهُ بعده فَلَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ بعد الْعَزْل لَيْسَ أَمينا لَهُ.
(بَاب الصُّلْح)
وَهُوَ لُغَة قطع الْمُنَازعَة مَأْخُوذ من صلح الشَّيْء بِفَتْح اللَّام وَضمّهَا إِذا كمل وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث. وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ} (النِّسَاء: 114) الْآيَة. وَقَوله تَعَالَى: وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} إِلَى قَوْله: فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا} (النِّسَاء: 128) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا والمسلمون على شروطهم إِلَّا شرطا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا) . وَقَوله: حرم حَلَالا أَي كصلحه على دَنَانِير بِثَوْب على أَنه لَا يلْبسهُ أَو لَا يَبِيعهُ. وَاصْطِلَاحا قَالَ ابْن عَرَفَة: هُوَ الِانْتِقَال عَن حق أَو دَعْوَى بعوض لرفع نزاع أَو خوف وُقُوعه. الْبُرْزُليّ: وَصلح الْمَوَارِيث أخص وَهُوَ مُعَاوضَة عَن دَعْوَى تنقل الْوَارِث عَن نصِيبه اه. فَقَوله عَن حق يدْخل فِيهِ صلح الْإِقْرَار. وَقَوله: أَو دَعْوَى بعوض هُوَ صلح الْإِنْكَار، وَقَوله: بعوض مُتَعَلق بانتقال وَيخرج بِهِ الِانْتِقَال بِغَيْر عوض، وَقَوله: لرفع نزاع أَو خوف الخ. يخرج بِهِ الِانْتِقَال لغير رفع وَلَا لخوف وكبيع الدّين وَنَحْو ذَلِك من الْبياعَات وَيدخل فِي قَوْله: أَو خوف الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار مِثَال الأول أَن يقر لَهُ بِثَوْب مثلا وَخَافَ إِن طَالبه بِهِ خاصمه وَأطلق فِي الْحق فَيشْمَل الِانْتِقَال عَن بعضه أَو عَن كُله فَيسْقط اعْتِرَاض (ح) وَقَول طفي: لَا نسلم أَن الصُّلْح هُوَ الِانْتِقَال بل هُوَ مُعَاوضَة والانتقال مَعْلُول لَهَا كالانتقال فِي البيع مُفَرع عَنهُ مَعْلُول لَهُ الخ. يُرِيد بِأَن الِانْتِقَال لَازم لعقد الْمُعَاوضَة فتعريف ابْن عَرَفَة لَهُ تَعْرِيف بالخاصة اللَّازِمَة كالضاحك فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان على أَن عقد الْمُعَاوضَة والانتقال(1/350)
بعوض بِمَعْنى وَاحِد وَكَيْفِيَّة وثيقته ستأتي عِنْد قَوْله: وَلَا بِإِعْطَاء من الْوَارِث الخ. والصُّلْحُ جائِزٌ بالاتِّفاقِ ل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; كِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الإطْلاَقِ (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (جَائِز) خَبره (بالِاتِّفَاقِ) يتَعَلَّق بِهِ (لكنه) حرف اسْتِدْرَاك وَالضَّمِير اسْمه وَهُوَ عَائِد على الْجَوَاز الْمَفْهُوم من جَائِز (لَيْسَ) فعل نَاقص وَاسْمهَا ضمير الْجَوَاز أَيْضا (على الْإِطْلَاق) خبر لَيْسَ وَالْجُمْلَة خبر لَكِن، وَالْمرَاد بِالْجَوَازِ الْإِذْن فَيشْمَل المستوى الطَّرفَيْنِ وَالْمَنْدُوب وَالْوَاجِب أَي فَيجوز لِلْخَصْمَيْنِ فعله وَقد ينْدب لَهما أَو يجب، وَكَذَا ينْدب للْقَاضِي أَن يَأْمر بِهِ أَو يجب كَمَا تقدم فِي قَول النَّاظِم: مَا لم يخف بنافذ الْأَحْكَام فتْنَة أَو شحناً أولي الْأَرْحَام وَخرج بالاستدراك الْحَرَام وَالْمَكْرُوه فَيفْسخ فِي الْحَرَام ويمضي فِي الْمَكْرُوه، وَقَول أصبغ ينفذ الْحَرَام ويمضي مُرَاده بالحرام مَا حرم على دَعْوَى أَحدهمَا دون الآخر كَمَا يَأْتِي لَا الْحَرَام مُطلقًا وَإِلَّا لم يَسعهُ أَن يَقُول بِالْفَسْخِ فِيمَا إِذا اتّفقت دعواهما عَلَيْهِ فإطلاق ابْن سَلمُون وضيح وَغَيرهمَا قَول أصبغ لإمضاء الْحَرَام غير سديد، وَالْمرَاد بالمكروه مَا هُوَ مَمْنُوع على ظَاهر الحكم انْظُر الْمجَالِس المكناسية، وَهَذَا هُوَ الْمَكْرُوه الَّذِي خَالف فِيهِ ابْن الْمَاجشون. وَقَالَ: يفْسخ بالحدثان مَا لم يطلّ، وَأما الْمَكْرُوه الْمَحْض فيمضي قطعا. ابْن عَرَفَة: وَهُوَ من حَيْثُ ذَاته مَنْدُوب إِلَيْهِ وَقد يعرض وُجُوبه عِنْد تعين مصلحَة أَي كَقَوْلِه تَعَالَى: وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات: 9) الْآيَة. وحرمته وكراهته لاستلزامه مفْسدَة وَاجِبَة الدرء أَو راجحته. ابْن رشد: لَا بَأْس بندب القَاضِي الْخَصْمَيْنِ إِلَيْهِ مَا لم يتَبَيَّن الْحق لأَحَدهمَا وَإِن أَبَاهُ أَحدهمَا فَلَا يلح عَلَيْهِمَا إلحاحاً يُوهم الْإِلْزَام. الْبُرْزُليّ: وَقد عزل ابْن عبد السَّلَام بعض الْقُضَاة لما جبرهما عَلَيْهِ اه. قلت: وَهُوَ يَقْتَضِي أَن ذَلِك جرحة فِيهِ، وَقد تقدم عِنْد قَول النَّاظِم: وَالصُّلْح يَسْتَدْعِي لَهُ إِن أشكلا ... الخ. أَن الْخصم إِذا صَالح أَو رَضِي الْيَمين لاضطراره بالحكم لَا يلْزمه شَيْء من ذَلِك، وَشَمل كَلَام النَّاظِم: الصُّلْح على الْإِقْرَار وعَلى الْإِنْكَار قَالَ فِي الْمُفِيد: اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز الصُّلْح على الْإِقْرَار وَالْإِنْكَار إِن كَانَ عَن طوع من المتصالحين اه. وَفِي مسَائِل القَاضِي عبد الْوَهَّاب الصُّلْح على الْإِنْكَار جَائِز عندنَا. وَعند أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَجَابِر بن زيد وَالشعْبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ. وَقَالَ الشَّافِعِي: الصُّلْح بَاطِل وَلَا يملك الْمُدَّعِي مَا يَأْخُذهُ من الصُّلْح، وَيجب عَلَيْهِ أَن يردهُ، وَبِه قَالَ ابْن أبي ليلى اه وَنَحْوه فِي ابْن سَلمُون، فمراد النَّاظِم اتِّفَاق أهل الْمَذْهَب وَمَا نَقله عِيَاض عَن ابْن الجهم عَن بعض الْأَصْحَاب من عدم جَوَازه فِي الْإِنْكَار بلغ الْغَايَة فِي الشذوذ بِحَيْثُ لَا يَنْبَغِي أَن يعْتَبر، وَلما قدم أَنه غير جَائِز على الْإِطْلَاق بَين وَجه ذَلِك فَقَالَ:(1/351)
وَهُوَ كَمِثْلِ البَيْع فِي الإقْرارِ كَذَاكَ لِلْجُمْهُورِ فِي الإنْكَارِ (وَهُوَ كَمثل البيع فِي الْإِقْرَار كَذَاك لِلْجُمْهُورِ فِي الْإِنْكَار) أَي إِنَّمَا لم يجز على الْإِطْلَاق لِأَنَّهُ مثل البيع وَالْبيع مِنْهُ مَا هُوَ جَائِز وَغير جَائِز فَهُوَ كالتعليل لعدم الْجَوَاز على الْإِطْلَاق، لَكِن الصُّلْح على الْإِقْرَار تعْتَبر فِيهِ شُرُوط البيع وَانْتِفَاء مانعه اتِّفَاقًا. وَكَذَا الصُّلْح على الْإِنْكَار تراعى فِيهِ شُرُوط البيع أَيْضا وَانْتِفَاء موانعه على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَظَاهر الحكم على مَذْهَب مَالك وَجُمْهُور أَصْحَابه وَهُوَ الْمَشْهُور الَّذِي اقْتصر عَلَيْهِ (خَ) وَغَيره خلافًا لِابْنِ الْقَاسِم فِي اشْتِرَاطه شُرُوط البيع فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فَقَط، ولأصبغ فِي اشْتِرَاطه عدم اتِّفَاق دعواهما على فَسَاد مِثَال المتوفر للشروط أَن يَدعِي عَلَيْهِ بِعشْرَة حَالَة فَأقر بهَا أَو أنكرها فَصَالحه بِثمَانِيَة حَالَة أَو بِعرْض حَال، وَمِثَال الْمُمْتَنع على ظَاهر الحكم فَقَط أَن يَدعِي بِمِائَة دِرْهَم حَالَة فيصالحه على أَن يُؤَخِّرهُ بهَا إِلَى شهر أَو على خمسين مِنْهَا يَدْفَعهَا عِنْد الشَّهْر، فَالصُّلْح جَائِز على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ لِأَن الأول أَخّرهُ بِالْكُلِّ أَو بِالْبَعْضِ وَأسْقط الْبَاقِي وَالثَّانِي افتدى من الْيَمين وممتنع على ظَاهر الحكم لِأَنَّهُ سلف جر نفعا، فَهَذَا مَمْنُوع عِنْد الْجُمْهُور لعدم انْتِفَاء مَانع البيع الَّذِي هُوَ الْقَرْض هُنَا جَائِز عِنْد ابْن الْقَاسِم وَأصبغ، وَمِثَال الْمُمْتَنع على دعواهما مَعًا فَقَط أَن يدعى عَلَيْهِ بِدَرَاهِم وَطَعَام من بيع فَيقر بِالطَّعَامِ وينكر الدَّرَاهِم فيصالحه على طَعَام مُؤَجل أَكثر من طَعَامه أَو يعْتَرف بِالطَّعَامِ ويصالحه على دَنَانِير مُؤَجّلَة أَو على دَرَاهِم أَكثر من دَرَاهِمه، فَلَا يجوز اتِّفَاقًا لما فِيهِ من سلف بِزِيَادَة على دَعْوَى الْمُنكر، وَمن فسخ الدّين على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمن الصّرْف الْمُؤخر فِي الصُّلْح بِدَنَانِير، وَمِثَال مَا يمْتَنع على دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحده أَن يَدعِي بِدَنَانِير فيصالحه بِدَرَاهِم لأجل فَيمْتَنع على دَعْوَاهُ، وَيجوز على دَعْوَى الْمُنكر لِأَنَّهُ افتداء فَهَذَا جَائِز عِنْد أصبغ مُمْتَنع عِنْد غَيره، وَمِثَال مَا يمْتَنع على دَعْوَى الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يدعى بِطَعَام من قرض فَيَقُول الْمُنكر: بل من سلم فيصالحه بِدَرَاهِم حَالَة فَلَا يجوز على دَعْوَى الْمُنكر لِأَنَّهُ بيع للطعام قبل قَبضه جَائِز على دَعْوَى(1/352)
الآخر، وَإِذا قُلْنَا بِجَوَاز الصُّلْح على الْإِنْكَار بِشُرُوطِهِ فَإِنَّمَا ذَلِك فِي ظَاهر الْأَمر، وَأما فِي بَاطِن الْأَمر فَلَا يحل للظالم مِنْهُمَا فَإِن كَانَ هُوَ الْمُنكر فَهُوَ غَاصِب فِي الْبَاقِي عِنْده حَتَّى يُوفيه وَإِن كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِك حَتَّى يرد مَا أَخذ (خَ) وَلَا يحل لظَالِم الخ. فمقابل الْجُمْهُور فِي النّظم هُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأصبغ لَا مَا حَكَاهُ ابْن الجهم عَن بعض الْأَصْحَاب لِأَن كَلَامه لَيْسَ فِي جَوَاز الصُّلْح على الْإِنْكَار بل فِي كَونه مثل البيع، أما جَوَازه فمستفاد من عُمُوم الْبَيْت قبله كَمَا مرّ. وَمرَاده بِالْبيعِ البيع الْأَعَمّ الشَّامِل للقرض وَالصرْف وَالْإِجَارَة وَغير ذَلِك إِذْ الْجَمِيع بيع فِي الْحَقِيقَة كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا إِن كَانَ على مَا يُخَالف الْمُدَّعِي بِهِ جِنْسا أَو صفة فَإِن كَانَ على بعض الْمُدَّعِي بِهِ فَهُوَ هبة. وَترك النَّاظِم هَذَا الْقسم لوضوحه فالكاف فِي قَوْله كَمثل زَائِدَة وَهُوَ خبر عَن الضَّمِير الْمُنْفَصِل، وَفِي الْإِقْرَار حَال من الضَّمِير فِي مثل لِأَنَّهُ بِمَعْنى مماثل، وَقَوله كَذَلِك خبر عَن مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي وَهُوَ كَذَلِك الخ. والمجروران بعده فِي مَوضِع الْحَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر. فَجَائِزٌ فِي البَيْع جازَ مُطْلَقا فِيهِ وَمَا اتُّقِي بِيْعاً يُتَّقَى (فَجَائِز) مُبْتَدأ سوغه تعلق (فِي البيع) بِهِ (جَازَ) خَبره (مُطلقًا) حَالا (فِيهِ) يتَعَلَّق بجاز (وَمَا) مُبْتَدأ (اتَّقى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلته (بيعا) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض (يتقى) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر عَن الْمَوْصُول وَلَيْسَ فِي هَذَا زِيَادَة على مَا أفهمهُ الْبَيْت الَّذِي قبله أَي فَيجوز الصُّلْح عَن دين بِمَا يُبَاع بِهِ كدراهم فِي الذِّمَّة يُصَالح عَنْهَا بِعرْض حَال، وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ مَحْض بيع وكدراهم حَالَة يُصَالح عَنْهَا بِدَنَانِير نَقْدا. وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ مَحْض صرف وكذهب حَال يُصَالح بِبَعْضِه نَقْدا أَو دَرَاهِم حَالَة بِبَعْضِهَا كَذَلِك لِأَنَّهُ مَحْض هبة وَكَذَا بذلك الْبَعْض أَو الْكل إِلَى أجل إِن كَانَ عَن إِقْرَار لَا عَن إِنْكَار لِأَن التَّأْخِير بِالْبَعْضِ الْمصَالح بِهِ سلف جر نفعا بِسُقُوط الْيَمين عَنهُ بِتَقْدِير نُكُول الْمُدعى عَلَيْهِ وانقلابها وبعدم ضيَاع حَقه كُله بِتَقْدِير حلف الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور، وَهَكَذَا يُقَال فِي جَمِيع الصُّور الَّتِي فِيهَا الصُّلْح على الْإِنْكَار بِالْكُلِّ إِلَى أجل أَو الْبَعْض إِلَى أجل، وَقَوله: يَتَّقِي أَي يمْتَنع فَيمْتَنع بِمَجْهُول أَو غرر أَو إِن دَعَا إِلَى ضع وتعجل أَو حط الضَّمَان وَأَزِيدك أَو سلف جر نفعا أَو ضَمَان بِجعْل أَو صرف مُؤخر أَو بدل كَذَلِك أَو بيع للطعام قبل قَبضه أَو بيع ذهب بِذَهَب مَعَهُمَا أَو مَعَ أَحدهمَا غَيره أَو فضَّة كَذَلِك أَو بيع لحم بحيوان أَو بيع دين بدين أَو فسخ دين فِي دين، أَو دوران الْفضل من الْجَانِبَيْنِ كصلحه بِذَهَب أقل مِمَّا عَلَيْهِ مَعَ اخْتِلَافهمَا سكَّة وصياغة أَو جودة ورداءة أَو بِفِضَّة كَذَلِك وَهَكَذَا. وَهَذَا كُله يدْخل تَحت الْكَاف فِي قَوْله:(1/353)
كالصُّلْحِ بِالْفِضَّة أَو بِالذَّهبِ تَفَاضُلاً أَو بِتأخُّر أُبي (كالصلح) عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار (بِالْفِضَّةِ أَو بِالذَّهَب) عَن مثليهما (تفاضلاً) لما فِي ذَلِك من رَبًّا الْفضل (أَو) الصُّلْح بأحدها عَن الآخر (بتأخر) أَي مَعَ تَأْخِير (أُبي) أَي منع مثله فِي الصّرْف لَا التَّأْخِير الَّذِي لَا يمْنَع مثله كحل صرة أَو استقرضه من رجل بجانبه فَلَا يمْنَع وأبى آخر الْبَيْت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لتأخير، وَقَوله: كالصلح خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَذَلِكَ كالصلح الخ. وتفاضلا حَال بِمَعْنى مُتَفَاضلا. والصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ فِي الْمُطْعُومِ نَسِيئَةً رُدَّ عَلَى العُمومِ (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (بالمطعوم فِي) أَي عَن (المطعوم) تفاضلا فِي الْجِنْس الْوَاحِد أَو (نَسِيئَة) فِي الْمُتَّفق والمختلف (رد) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر (على الْعُمُوم) يتَعَلَّق بِهِ كَانَا فِي مَسْأَلَة النَّسِيئَة ربويين أَو أَحدهمَا أم أقل من الْمصَالح عَنهُ أَو أَكثر ونسيئة حَال. والوَضْعُ منْ دَينٍ عَلَى التَّعْجِيلِ أَوِ المَزِيدُ فِيهِ للتَّأْجِيلِ (والوضع) مُبْتَدأ (من دين على التَّعْجِيل) ينطقان بِهِ كَأَن يَدعِي عَلَيْهِ بِعشْرَة دَنَانِير أَو عشرَة أَثوَاب فَأقر بذلك أَو أنكرهُ وَصَالَحَهُ على ثَمَانِيَة مُعجلَة لما فِيهِ من ضع وتعجل، وَهُوَ مُمْتَنع فِي الْعين وَغَيرهَا بِخِلَاف حط الضَّمَان وَأَزِيدك فَهُوَ خَاص بِغَيْر الْعين كَأَن يَدعِي عَلَيْهِ بِعشْرَة أَمْدَاد أَو أَثوَاب إِلَى شهر، فَيقر أَو يُنكر وَصَالَحَهُ على اثْنَي عشر مُؤَجّلَة أَو ثَمَانِيَة مُعجلَة. وَوجه الْمَنْع فِي الأول أَن من عجل مَا أجل يعد مسلفاً فقد أسلف الْآن ثَمَانِيَة ليقتضي عِنْد الْأَجَل عشرَة من نَفسه، وَكَذَا فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ قد انْتفع على سلفه الَّذِي هُوَ تَعْجِيله قبل أَجله بحطيطة الضَّمَان عَنهُ وَلِأَن فِيهِ أَيْضا ضمانا بِجعْل لِأَنَّهُ أَدخل الثِّيَاب فِي ضَمَانه بِجعْل وَهُوَ الزِّيَادَة. (أَو الْمَزِيد) مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ (فِيهِ للتأجيل) يتعلقان بِهِ أَيْضا لما فِيهِ من سلف بِزِيَادَة كَانَ الصُّلْح عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار وَخبر الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف أَي والوضع مِنْهُ أَو الزِّيَادَة فِيهِ مَرْدُودَة كَذَلِك. وَالْجَمْعُ فِي الصُّلْحِ لبيْعٍ وسَلَفْ ومَا أَبانَ غَرَراً بِذَا اتَّصَفْ (وَالْجمع) مُبْتَدأ (فِي الصُّلْح لبيع) يتعلقان بِهِ (وَسلف) مَعْطُوف على مَا قبله كَأَن يَدعِي عَلَيْهِ بِدِينَار حَال فَيقْرَأ وينكر وَصَالَحَهُ على أَن يَأْخُذ مِنْهُ ثوبا أَو طَعَاما أَو عبدا بِنصْف دِينَار وأخره(1/354)
بِالنِّصْفِ الآخر إِلَى أجل. (وَمَا) مَوْصُول مَعْطُوف على الْمُبْتَدَأ وَجُمْلَة (أبان غرراً) صلته كَأَن يصالحه عَمَّا أقرّ بِهِ أَو أنكرهُ بِعَبْد آبق أَو بعير شارد أَو بِمَجْهُول كحظ من دَار لَا يعرفان أَو أَحدهمَا قدره (بذا) يتَعَلَّق بقوله (اتّصف) وَالْإِشَارَة للْمَنْع وَالرَّدّ وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وَمَا عطف عَلَيْهِ. وَالصُّلْحُ بالطَّعَام قَبْلَ القَبْضِ مِنْ ذِمَّةٍ فَذَاكَ غَيْرُ مَرْضِي (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (بِالطَّعَامِ) يتَعَلَّق بِهِ (قبل الْقَبْض) حَال (من ذمَّة) يتَعَلَّق بِالْقَبْضِ أَو حَال من الطَّعَام وَمن بِمَعْنى فِي (فَذَاك) مُبْتَدأ (غير) خَبره (مرضِي) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الضَّاد وَتَخْفِيف الْيَاء للضَّرُورَة لِأَن أَصْلهَا التَّشْدِيد مُضَاف إِلَيْهِ، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وَدخلت الْفَاء عَلَيْهِ لعُمُوم الْمُبْتَدَأ، وَإِنَّمَا لم يجز بِالطَّعَامِ الْمَذْكُور لِأَنَّهُ بيع لَهُ قبل قَبضه كَانَ عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار، وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي فِي الطَّعَام الَّذِي فِي الذِّمَّة من بيع فَلَو قَالَ بيعَة بدل قَوْله ذمَّة لأجاد ليخرج طَعَام الْقَرْض وَالْأَمَانَة ثمَّ يَقُول فِي الشّطْر الأول بعده. فَإِن يكن قرضا أَو الْأَمَانَة الخ. وإنْ يَكُنْ يُقْبَضُ مِنْ أمَانَهْ فَحالةُ الجوَّازِ مُسْتَبَانَهْ (فَإِن يكن) شَرط واسْمه ضمير الطَّعَام (يقبض) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر يكن (من أَمَانه) يتَعَلَّق بِهِ (فحالة الْجَوَاز مستبانة) مُبْتَدأ وَخبر الْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط، وَلما كَانَ فِي قَول النَّاظِم وَهُوَ كَمثل البيع نوع خَفَاء أَشَارَ بِهَذِهِ الأبيات على سَبِيل التَّمْثِيل لإيضاح وَجه كَونه مثل البيع، وإلاَّ فمسائله كَثِيرَة لَا تَنْحَصِر فِيمَا ذكر ولكثرتها وتشعبها قَالَ بَعضهم: من أتقن بَاب الصُّلْح وبيوع الْآجَال فقد أتقن مَذْهَب مَالك وَقَول بَعضهم فِي جمع الْمسَائِل الَّتِي تتقى هُنَا:(1/355)
جهلا وفسناً ونسا وَحط ضع وَالْبيع قبل الْقَبْض إِن صالحت دع وغرراً وسلفاً مَعَ بيع وسلفاً مقترناً بنفع وَاضح قصوره مِمَّا مرّ من الْأَمْثِلَة وَمَا أحسن قَول النَّاظِم: وَهُوَ كَمثل البيع الخ (خَ) : الصُّلْح على غير الْمُدعى بِهِ بيع أَو إِجَارَة وعَلى بعضه هبة الخ. والأولان داخلان فِي النّظم كَمَا مرّ، وَتقدم أَنه ترك الثَّالِث لوضوحه أَو هبة للْبَعْض الْمَتْرُوك وَهِي لَازِمَة إِن قبلهَا فِي حَيَاة الْوَاهِب لِأَنَّهَا مَقْبُوضَة لَا إِن ردهَا أَو سكت حَتَّى مَاتَ فَلَا تلْزم، وَإِن حلت لَك عَلَيْهِ عشرَة فَقلت لَهُ: إِن أتيتني بِخَمْسَة لشهر أسقطت عَنْك مَا بَقِي لزمك ذَلِك إِن أَتَى بهَا عِنْد الشَّهْر فَإِن أَتَى بهَا بعده بِيَوْم أَو بَقِي مِنْهَا دِرْهَم لم يلزمك كَمَا فِي الالتزامات وَصُورَة الْإِجَارَة أَن يَدعِي عَلَيْهِ بِمعين كَثوب حَاضر مثلا فَيقر أَو يُنكر ويصالحه بمنافع مُعينَة أَو مَضْمُونَة لَا إِن ادّعى بِغَيْر معِين كدراهم فَيمْنَع لِأَنَّهُ فسخ دين فِي دين لِأَن قبض الْأَوَائِل لَيْسَ كقبض الْأَوَاخِر على الْمَذْهَب، ثمَّ هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة تجْرِي فِي كل من صلح الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار أَو السُّكُوت. أما الْإِقْرَار فَظَاهر، وَأما الْإِنْكَار فبالنظر للْمُدَّعِي بِهِ، وَأما السُّكُوت فَهُوَ رَاجع إِلَى أَحدهمَا. تَنْبِيه: صلح الرَّاعِي فِيمَا وَجب عَلَيْهِ غرمه بتفريط وَنَحْوه يجْرِي على مَا مرّ فَإِن عرفت قيمَة الْمُسْتَهْلك جَازَ كَانَ الْمصَالح بِهِ قدر الْقيمَة أَو أقل أَو أَكثر، وَإِن صَالح بمؤخر بعد معرفَة الْقيمَة جَازَ أَيْضا إِن كَانَ بِدَرَاهِم قدر الْقيمَة أَو أقل، وَلَا يجوز بِأَكْثَرَ وَإِن صَالح بمؤخر غير دَرَاهِم كعرض منع مُطلقًا، وَإِن وَقع الصُّلْح قبل معرفَة الْقيمَة فَهُوَ فَاسد على الْأَصَح لِأَن الصُّلْح بيع للقيمة وَهِي قبل مَعْرفَتهَا مَجْهُولَة، وَكَذَا إِن قتل بقرة مثلا فَلَا يجوز لَهُ الصُّلْح بِمِثْلِهَا قبل فَوَات لَحمهَا لِأَنَّهُ من بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ إِذْ رَبهَا مُخَيّر فِي أَخذ لَحمهَا أَو قيمتهَا فَإِن فَاتَ وَعرفت قيمتهَا جَازَ حِينَئِذٍ وَتَأمل قَول (خَ) فِي الصُّلْح وَإِن صَالح بمؤخر عَن مستهلك الخ. ثمَّ إنَّهُمَا يرجعان للخصومة فِي جَمِيع الصُّور الممنوعة إِلَّا أَن يستأنفا صلحا آخر، فَإِن فَاتَ الْمصَالح بِهِ كعرض قبل فَسخه صحّح بِالْقيمَةِ كَمَا يصحح البيع الْحَرَام إِذا فَاتَ. ابْن سَلمُون: وَإِذا فَاتَ الصُّلْح الَّذِي يَقع بِهِ الْحَرَام فسخ وَصحح بِالْقيمَةِ اه. وَتَأمل قَول (خَ) آخر الِاسْتِحْقَاق وَقَول النَّاظِم فِيمَا يَأْتِي: وَلَا يجوز نقض صلح أبرما الخ. وَإِنَّمَا أَشَرنَا إِلَى هَذَا الْفِقْه هُنَا وَإِن كَانَ هُوَ مضمن قَول النَّاظِم الْآتِي: وَإِن يفت مَا الصُّلْح فِيهِ يطْلب ... الخ. تدريباً وتمريناً وإجراء على مَا مرّ فِي النّظم وَلذَا كَانَ حق النَّاظِم أَن يقدم ذَلِك الْبَيْت هُنَا كَمَا أَن حَقه أَن يقدم قَوْله: وَلَا يجوز نقض صلح أبرما ... الخ. وَالْبَيْت الَّذِي بعده لِأَن ذكر ذَلِك كُله هُنَا أنسب وأقعد بالْمقَام وَمثل الرَّاعِي فِيمَا ذكر الْغَاصِب والمكتري وَالْمُرْتَهن والصانع وَالسَّارِق إِذا صَالحُوا فِيمَا يجب عَلَيْهِم غرمه فَإِن وجدوا مَا ادعوا تلفه بعد الصُّلْح فَهُوَ لَهُم إِلَّا أَن يموهوا فِي الذَّات فَيكون لرَبه فَإِن موهوا فِي الصّفة فَيرجع عَلَيْهِم بِفضل الْغَيْبَة. وَكَذَا إِن ادّعى عَلَيْهِ بِسَرِقَة فَصَالح وَهُوَ مُنكر ثمَّ وجد فَهُوَ لَهُ، فَإِن صَالح على شَرط إِن وجد فَهُوَ لرَبه فَالظَّاهِر فَسَاده للتردد بَين السلفية والثمنية، وَتَأمل قَول (خَ) فِي الْغَصْب وَملكه إِن اشْتَرَاهُ أَو غرم قِيمَته الخ. وَإِن وجد الْغَارِم فِي الْمصَالح بِهِ عَيْبا فَلَيْسَ لَهُ الْقيام بِهِ لثقل الْخُصُومَة كَمَا فِي (ز) وَإِذا اسْتهْلك عجلاً يمنح بِهِ فَإِنَّهُ يغرم قِيمَته على أَنه يمنح بِهِ فَيُقَال مَا قيمَة هَذَا الْعجل أَو الخروف على أَنه يمنح بِهِ قَالَه القوري، وَإِذا اشْترى عبدا وَنَحْوه بِمِائَة ونقدها فَاطلع على عيب وأثبته أَو أقرّ بِهِ البَائِع فَصَالحه على ترك الْقيام بِهِ بمعجل كعشرة(1/356)
دَنَانِير من سكَّة نَقده أَو عرض جَازَ اتِّفَاقًا. وَكَذَا إِن تَأَخّر الْعرض الْمَوْصُوف أَو الْعشْرَة بِغَيْر شَرط لَا بِعشْرَة مُؤَجّلَة أَو حَالَة من سكَّة أُخْرَى أَو بِعرْض مُؤَجل وَلَو وصف فَيمْنَع لِأَن الصُّلْح على الْعَيْب ابْتِدَاء بيع بعد فسخ الأول على الْمَشْهُور، وَلما فسخ ترَتّب للْمُشْتَرِي فِي ذمَّة البَائِع مائَة أَخذ عَن تسعين مِنْهَا عبدا، وَالْعشرَة الَّتِي أَخّرهُ بهَا سلف فَصَارَ الصُّلْح مُشْتَمِلًا على البيع وَالسَّلَف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعشْرَة وعَلى فسخ دين فِي دين بِالنِّسْبَةِ للعرض، وعَلى بيع ذهب وَعبد بِذَهَب فِي الْعشْرَة الَّتِي من سكَّة أُخْرَى، وَأَجَازَ ذَلِك أَشهب بِنَاء على أَن البيع الأول لم يفْسخ وَسبب الْخلاف اخْتلَافهمْ فِيمَن ملك أَن يملك هَل يعد مَالِكًا أم لَا؟ فَابْن الْقَاسِم وَالْمَشْهُور أَي أَن المُشْتَرِي لما كَانَ قَادِرًا على حل البيع صير البيع منحلاً، وَأَشْهَب رأى أَن الْقُدْرَة على حل البيع أَعم من حلّه وَلَا يلْزم من وجود الْأَعَمّ وجود الْأَخَص ابْن عبد السَّلَام: وَهَذَا أصح فَلَو صَالح قبل نقدها بتسعين وَتَأْخِير الْعشْرَة الْبَاقِيَة إِلَى شهر مثلا، فالجواز على الْمَشْهُور دون الشاذ لِأَنَّهُ على الْمَشْهُور بيع مُسْتَأْنف بِحَال وَهُوَ التِّسْعُونَ الَّتِي يعجلها المُشْتَرِي ومؤجل وَهُوَ الْعشْرَة الْبَاقِيَة أَو الْعرض الْمَوْصُوف، وعَلى الشاذ أَخّرهُ البَائِع بِالْعشرَةِ الْبَاقِيَة أَو الْعرض ليترك الْعَيْب، فالتأخير سلف جر نفعا بِالنِّسْبَةِ للعشرة وَفسخ دين فِي دين بِالنِّسْبَةِ للعرض لِأَن البَائِع وَجب لَهُ على المُشْتَرِي عشرَة بَقِيَّة الْمِائَة فَسخهَا فِي عرض إِلَى أجل، وَهَذَا كُله إِذا لم يفت العَبْد وَنَحْوه بِشَيْء من مفوتات الرَّد بِهِ كالتدبير فِي العَبْد وَالتَّفْصِيل فِي الشقة وَنَحْوهمَا، وإلاَّ فَلَا يجوز الصُّلْح إِلَّا إِذا علم قيمَة الْعَيْب وَلَو كَانَ البيع بِدَنَانِير نَقْدا وَقَبضهَا البَائِع وَالْمَبِيع دَارا أَو غَيرهَا فَقَامَ المُشْتَرِي بِعَيْب يُوجب الرَّد فاصطلحا على دَنَانِير منجمة لم يجز على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهُ إِن قدر ابْتِدَاء بيع بعد فسخ الأول دخله بيع وَسلف وَإِن قدر تتميماً للْأولِ دخله عرض وَذهب بِذَهَب مَعَ مَا فِيهِ من التَّأْخِير قَالَه الطرابلسي فِي تَقْيِيده على الْمُدَوَّنَة.
(فصل)
وَلِلأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَلَوْ بِدُونِ حَقِّهِ المَأْثُورِ (وَللْأَب) خبر مقدم (الصُّلْح) مُبْتَدأ (عَن الْمَحْجُور) يتَعَلَّق بِهِ (وَلَو) إغيائية وَكَانَ مقدرَة بعْدهَا لقَوْل ابْن مَالك: ويحذفونها ويبقون الْخَبَر الخ (بِدُونِ) خبر كَانَ الْمقدرَة وَاسْمهَا ضمير يعود على الصُّلْح (حَقه) مُضَاف إِلَيْهِ (الْمَأْثُور) صفة لَهُ. إنْ خَشِيَ الفَوْتَ عَلَى جَمِيعِ مَا هُوَ بِهِ يَطْلُبُ مَنْ قَدْ خَصَمَا (إِن خشِي) شَرط (الْفَوْت) مَفْعُوله (على جَمِيع) يتَعَلَّق بِهِ (مَا) مُضَاف إِلَيْهِ (هُوَ) مُبْتَدأ يعود على الْأَب (بِهِ) يتَعَلَّق بقوله (يطْلب) بِضَم اللَّام مَبْنِيا للْفَاعِل (من) مفعول يطْلب وَجُمْلَة (قد(1/357)
خصما) صلَة والرابط مَحْذُوف. وَالْجُمْلَة من يطْلب ومعموله خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر صلَة مَا. والرابط هُوَ الْمَجْرُور بِالْبَاء وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ. وَالْمعْنَى أَن الْأَب يجوز لَهُ الصُّلْح عَن مَحْجُوره الصَّغِير أَو السَّفِيه ذكرا أَو أُنْثَى حَيْثُ سلم من الْمَوَانِع الْمُتَقَدّمَة وَلَو كَانَ الصُّلْح بِأَقَلّ من حَقه إِن خشِي أَي الْأَب فَوَات جَمِيع الْحق الَّذِي الْأَب يطْلب بِهِ من قد خَصمه لكَونه مُنْكرا وَلَا بَيِّنَة أصلا أَو يخْشَى تجريحها وسقوطها وصلحه مَحْمُول فِي ذَلِك على النّظر وَهُوَ مُصدق فِيمَا يذكر وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يُصَالح عَنهُ فِيمَا طلب لَهُ من حَقه أَو فِيمَا طلب بِهِ إِذا خشِي أَيْضا أَن يثبت عَلَيْهِ جَمِيع الْحق فيعطي بعض مَا يطْلب بِهِ كَمَا فِي الْبُرْزُليّ أَوَائِل الْبيُوع، وَمَفْهُوم الشَّرْط أَنه إِن كَانَ الْحق لَا خصام فِيهِ أَو فِيهِ خصام، لَكِن بِبَيِّنَة لَا يخْشَى عَلَيْهَا لَا يجوز صلحه بِأَقَلّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَظَر، فَإِن فعل كَانَ للمحجور الْقيام بِبَقِيَّة حَقه على الْغَرِيم، ثمَّ لَا رُجُوع للْغَرِيم على الْأَب إِلَّا أَن يكون ضمن لَهُ الدَّرك فَيرجع عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِن كَانَ الْغَرِيم عديماً فللمحجور الرُّجُوع على الْوَالِد قَالَه مَالك وَجَمِيع أَصْحَابه نَقله ابْن سَلمُون وَنَحْوه فِي الْمُفِيد وَفهم من هَذَا أَن تحمل الْأَب من بَاب الْحمل لَا من بَاب الْحمالَة، وإلاَّ لم يكن للْوَلَد رُجُوع على أَبِيه إِذْ لَو رَجَعَ عَلَيْهِ لرجع الْأَب عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبُرْزُليّ فِي نَوَازِل الصُّلْح: وَإِن خَافَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يولج الْمُدَّعِي الدَّعْوَى إِلَى غَيره، فليأخذ مِنْهُ بِالصُّلْحِ كَفِيلا على أَنه مَتى أدْركهُ فِيهِ دَرك من توليج أَو رفع إِلَى غَيره فالحميل ضَامِن بذلك فَإِن كَانَ كَذَلِك لزم الضَّامِن دَعْوَى الْمُدعى عَلَيْهِ اه. وَقد علمت بِهَذَا أَن التَّحَمُّل من الْأَب وَغَيره فِي مثل هَذَا مَحْمُول على الْحمل إِذْ لَا يقْصد بِهِ غَيره فِي مثل ذَلِك لِأَن الْخصم يقْصد بذلك التحصين لنَفسِهِ فَلَا معنى لحمله على الْحمالَة لكَون الْمقَام ينبو عَنهُ. وَقد قَالَ (خَ) فِي النِّكَاح: وَلَا يرجع أحد مِنْهُم إِلَّا أَن يُصَرح بالحمالة أَو يكون بعد العقد الخ. وَلَا فرق بَين الصُّلْح وَقيام الزَّوْجَة بضررها بعد الْخلْع وَغير ذَلِك كَمَا مرّ تَحْصِيله فِي بَاب الضَّمَان. وَفِي أَوَاخِر الكراس الأول من أنكحة اخْتِصَار الْبُرْزُليّ فِيمَن تزوج امْرَأَة لَهَا دَار فأباح لَهُ والدها أَو أمهَا أَو وصيها السُّكْنَى طول الْعِصْمَة وَالْتزم أحدهم ضَمَان الدَّرك فِي ذمَّته ثمَّ توفّي الضَّامِن فَإِنَّهُ يُوقف من تركته بِقدر أقل الزَّوْجَيْنِ عمرا وَنَحْوه فِي فصل الْمُتْعَة أَوَائِل النِّكَاح من ابْن سَلمُون ثمَّ قَالَ الْبُرْزُليّ: وَهَذَا إِذا فسرنا الدَّرك بِأَنَّهُ ضَمَان المَال وَإِن قُلْنَا ضَمَان الدَّرك هُوَ الْعهْدَة فِيمَا يلْحق من دَرك المحجورة فَينْظر فِي هَذَا حِينَئِذٍ هَل هُوَ صَلَاح لَهَا أم لَا؟ فَذكر أَن ضَمَان الدَّرك على وَجْهَيْن فَانْظُرْهُ. تَنْبِيه: قَالَ فِي الطرر: إِن صَالح الْأَب عَن ابْنه الصَّغِير اسْتَغْنَيْت فِي قطع الدَّعَاوَى عَن ذكر الاسترعاء وبيناته لِأَن استرعاءه لَا يعْمل فِي الصَّغِير لِأَن إِقْرَار أَبِيه غير لَازم، وَإِنَّمَا يحسن الاسترعاء أَن يستجلب بِهِ إِقْرَار من يلْزمه إِقْرَاره لغيره، وَكَذَا الْوَصِيّ فِيمَن يَلِي عَلَيْهِ. الْبُرْزُليّ:(1/358)
وَلِهَذَا لَا يبرأ عَنهُ إِلَّا فِي المعينات وَلَا يعمم الْإِبْرَاء، وَكَذَا فِي الأحباس وَمن فعل ذَلِك فَهُوَ جهل مِنْهُ اه. وَانْظُر آخر الْإِقْرَار من (ح) وَسَيَأْتِي حكم الْوَصِيّ ثمَّ اسْتثْنِي من مَفْهُوم الشَّرْط مَا إِذا عَفا الْأَب عَن نصف صدَاق الْبكر لِأَنَّهُ وَإِن لم يكن اسْتثِْنَاء صَرِيحًا فَهُوَ فِي قوته فَقَالَ: والبِكْرُ وَحْدَهَا تُخَصُّ هَا هُنَا بِعَفْوِهِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَا (وَالْبكْر) مُبْتَدأ (وَحدهَا) حَال من الضَّمِير فِي قَوْله: (تخص) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول عملا بقول ابْن مَالك. وَالْحَال إِن عرف لفظا فَاعْتقد تنكيره الخ. وَالْجُمْلَة خبر (هَهُنَا) اسْم إِشَارَة للمكان يتَعَلَّق بتخص لِأَنَّهُ ظرف (بعفوه) يتَعَلَّق بتخص أَيْضا (عَن مهرهَا قبل الْبَنَّا) ء يتعلقان بعفوه وضميره البارز يعود على الْأَب فَيخرج بذلك غَيره من جد ووصي وَنَحْوهمَا فَهَذَا الْبَيْت هُوَ قَوْله فِي الْخلْع: وَللْأَب التّرْك من الصَدَاق أَو وَضعه للبكر فِي الطَّلَاق وَظَاهره جَوَاز عَفوه قبل الْبناء سَوَاء طَلقهَا الزَّوْج أَو أَرَادَ إِِمْسَاكهَا وَهُوَ كَذَلِك فِيمَا بعد الطَّلَاق اتِّفَاقًا ظَهرت مصلحَة أم لَا لقَوْله تَعَالَى: إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي} (الْبَقَرَة: 237) الْآيَة وَكَذَا فِيمَا إِذا أَرَادَ إِِمْسَاكهَا وَظَهَرت الْمصلحَة فيتفق على جَوَاز عَفوه كَمَا يتَّفق على الْمَنْع إِن تحقق عدمهَا فَإِن جهل الْحَال فَمَنعه مَالك لِأَن الأَصْل عدم الْمصلحَة وَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم لِأَن أَفعاله مَحْمُولَة على الْمصلحَة حَتَّى يظْهر خلَافهَا. هَذَا أحد التَّأْويلَيْنِ والتأويل الآخر يَقُول: كل من مَالك وَابْن الْقَاسِم يَقُول بِجَوَاز عَفوه عِنْد جهل الْحَال لِأَن فعله حِينَئِذٍ مَحْمُول على الْمصلحَة، وَيحمل ظَاهر قَول مَالك لعدم جَوَازه قبل الطَّلَاق على مَا إِذا تحقق عدمهَا كَمَا مرّ، وعَلى هَذَا التَّأْوِيل فَلَا خلاف بَين الْإِمَامَيْنِ أصلا، وَبِهَذَا تعلم أَن التَّأْوِيل بالوفاق أرجح لمساعدته لما قَالُوهُ فِي غير مَا مَوضِع من أَن أَفعَال الْأَب مَحْمُولَة على الْمصلحَة، وَلِهَذَا أطلق النَّاظِم رَحمَه الله وَلم يُقيد بِكَوْنِهِ بعد الطَّلَاق وَلَا قبله وَإِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة أَشَارَ (خَ) بقوله وَجَاز عَفْو أبي الْبكر عَن نصف الصَدَاق قبل الدُّخُول وَبعد الطَّلَاق. ابْن الْقَاسِم: وَقَبله لمصْلحَة وَهل وفَاق: تَأْوِيلَانِ الخ. وَفهم من قَوْله قبل الْبناء أَنه لَيْسَ لَهُ الْعَفو بعده وَأَحْرَى بعد الْمَوْت إِلَّا أَن يكون الْمُحِيط بإرثها فَإِن فعل فلهَا أَو لوارثها نقضه كَانَت رَشِيدَة أَو سَفِيهَة.(1/359)
ثمَّ أَشَارَ إِلَى حكم الْوَصِيّ وَأَنه لَا يجوز لَهُ الْعَفو وَإِن كَانَ مجبراً وَإِنَّمَا يجوز لَهُ الصُّلْح إِن كَانَ نظرا فَقَالَ: ولِلْوصِيِّ الصُّلْحُ عَمَّن قَدْ حَجَرْ يَجُوزُ إلاَّ مَعَ غَبْنٍ أَوْ ضَرَرْ (وللوصي) يتَعَلَّق بيجوز بعده (الصُّلْح) مُبْتَدأ (عَمَّن) يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ (قد حجر) صلَة من والرابط مَحْذُوف أَي حجره (يجوز) خبر الْمُبْتَدَأ (إِلَّا) اسْتثِْنَاء (مَعَ غبن) يتَعَلَّق بيجوز أَي الصُّلْح عَن الْمَحْجُور للسالم من الْمَوَانِع الْمُتَقَدّمَة يجوز للْوَصِيّ فِي كل حَال إِلَّا مَعَ غبن أَو بخس فِي حَقه الَّذِي يَطْلُبهُ (أَو ضَرَر) فِي الصُّلْح عَمَّا يُطَالب هُوَ بِهِ، وَشَمل النّظم صلحه عَن مَحْجُوره فِي يَمِين الْقَضَاء حَيْثُ رأى عَزِيمَة الْغَرِيم عَلَيْهَا وتعرف عزيمته بقرائن الْأَحْوَال. وَحَاصِل الْبَيْت أَن صلح الْوَصِيّ عَن الْيَتِيم فِيمَا طلب لَهُ من حق أَو طلب بِهِ بِأَن يَأْخُذ بعض حَقه الَّذِي يطْلب لَهُ إِذا خشِي أَن لَا يصلح لَهُ مَا ادَّعَاهُ أَو يُعْطي من مَاله بعض مَا يطْلب بِهِ إِذا خشِي أَن يثبت عَلَيْهِ جَمِيع مَا يطْلب بِهِ جَائِز خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون فِي أَنه يجوز فِيمَا طلب لَهُ لَا فِيمَا طلب بِهِ. ابْن رشد: وَالصَّوَاب أَن لَا فرق بَين الْمَوْضِعَيْنِ كمذهب ابْن الْقَاسِم نَقله الْبُرْزُليّ فِي الوكالات وأوائل الْبيُوع وَنَحْوه فِي الشَّارِح والمفيد وَابْن سَلمُون قَالُوا: وصلحه مَحْمُول أبدا على السداد وَالنَّظَر حَتَّى يثبت خِلَافه فَإِن قَامَ أحد يتعقبه نظر فِيهِ السُّلْطَان فَإِن رَآهُ نظرا وسداداً أَمْضَاهُ وإلاَّ نقضه. وَفِي المعيار مَا مَعْنَاهُ أَن الْمَحْجُور إِمَّا أَن يكون طَالبا أَو مَطْلُوبا فَالْأول إِن ثَبت حَقه فِي الْحَال أَو يُرْجَى ثُبُوته فِي الْمَآل، فَالصُّلْح مَمْنُوع وَإِن كَانَ غير ثَابت وَلَا يُرْجَى ثُبُوته فَالصُّلْح مَشْرُوع وَالثَّانِي إِن كَانَ مَا يُطَالب بِهِ غير ثَابت وَلَا مرجو الثُّبُوت لم يجز الصُّلْح، وَإِن كَانَ ثَابتا أَو مرجو الثُّبُوت جَازَ بِمثل الْحق فَأَقل على الرَّاجِح وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم. وَهَذَا هُوَ معنى مَا مرّ عَن الْبُرْزُليّ وَغَيره، وَهَذَا التَّفْصِيل يجْرِي فِي الْأَب أَيْضا فَإِن صَالح الْوَصِيّ بِغَيْر النّظر جرى على مَا مرّ فِي الْأَب وَسَوَاء كَانَ صلحهما عَن إِقْرَار أَو إِنْكَار إِذْ الصُّلْح بيع فَيجْرِي فِيهِ قَول (خَ) : وَالْوَلِيّ وَالْأَب لَهُ البيع مُطلقًا وَإِن لم يذكر سَببه ثمَّ وَصِيّه وَهل كَالْأَبِ أَو إِلَّا الرّبع فببيان السَّبَب خلاف الخ. وَسَيَأْتِي مثله للناظم فِي فصل مسَائِل من أَحْكَام البيع ثمَّ لَا ضَمَان على الْوَصِيّ إِن بَاعَ أَو صَالح بِغَبن(1/360)
بعد الِاجْتِهَاد إِن حصل مفوت وَلم يُمكن تَدَارُكه لذهاب من عَلَيْهِ الْحق وَهُوَ مَحْمُول على الِاجْتِهَاد حَتَّى يثبت تَقْصِيره كَمَا أَنه إِذا أنْفق التَّرِكَة على الْأَيْتَام ثمَّ ظهر دين فَلَا غرم عَلَيْهِ قَالَ مَعْنَاهُ الْبُرْزُليّ أَيْضا، ثمَّ إِن مقدم القَاضِي كالوصي قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن لم يكن للطفل الْيَتِيم وَصِيّ فَأَقَامَ لَهُ القَاضِي خَليفَة كَانَ كالوصي فِي جَمِيع أُمُوره اه. لَكِن يسْتَثْنى من كَلَامهَا كَمَا فِي (ح) عَن نَص (خَ) الْمُتَقَدّم أَيْضا أَنه أَي مقدم القَاضِي لَا يُوكل على خلاف فِيهِ تقدم فِي بَاب الْوكَالَة، وَإِذا كَانَ كالوصي فَيجْرِي صلحه على صلح الْوَصِيّ الْمُتَقَدّم إِلَّا أَن صلحه مَحْمُول على غير السداد كَبَيْعِهِ حَتَّى يثبت السداد، وَلَا يبعد أَن يكون النَّاظِم أطلق الْوَصِيّ وَأَرَادَ مَا يَشْمَل مقدم القَاضِي، وَأما نَاظر الْمَسَاكِين فَيظْهر أَنه كمقدم القَاضِي إِن تبين السداد مضى صلحه وَلَا يُعَكر عَلَيْهِ مَا فِي نَوَازِل الصُّلْح من المعيار عَن ابْن رشد من أَنه لَا يُصَالح عَنْهُم إِلَّا من مَاله الْخَاص بِهِ لِأَن ذَلِك مَعَ ثُبُوت الْحق وَالله أعلم. وَأما وَكيل الْغَائِب فَلَيْسَ لَهُ أَن يُصَالح عَن مُوكله الْغَائِب إِلَّا أَن ينص لَهُ على ذَلِك وَلَيْسَ للْقَاضِي عَزله عَن الْوكَالَة مَا دَامَ الْمُوكل حَيا وَلَو ثَبت بِبَيِّنَة أَنه سيىء النّظر كَمَا فِي وكالات الْبُرْزُليّ وَنَحْوه فِي المعيار، وَأما الشَّرِيك فِي الدَّابَّة وَنَحْوهَا يُصَالح مستحقها مثلا على مَال يَدْفَعهُ من يَده ويسلمها للْمُسْتَحقّ، أَو بِالْعَكْسِ فَإِن ذَلِك لَا يلْزم الشَّرِيك الآخر إِلَّا أَن يَكُونَا متفاوضين قَالَه الْبُرْزُليّ والمعيار أَيْضا. وَلاَ يَجُوزُ نَقْضُ صُلْح أُبْرِمَا وَإنْ تَرَاضَيا وَجَبْراً أُلْزِمَا (وَلَا) نَافِيَة (يجوز نقض) فَاعل (صلح) مُضَاف إِلَيْهِ (أبرما) بِضَم الْهمزَة مَبْنِيا للْمَفْعُول من أبرمه إِذا أحكمه صفة لصلح (وَإِن تَرَاضيا) مُبَالغَة فِي عدم الْجَوَاز (وجبراً) مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول حَال من الضَّمِير فِي (ألزما) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائبه ألف التَّثْنِيَة الْعَائِد على المتصالحين ومفعول الثَّانِي مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة معطوفة على جملَة أبرما وَالْمُبَالغَة مؤخرة عَنْهُمَا فِي التَّقْدِير، وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يجوز نقض صلح عَن إِنْكَار انبرم بَينهمَا على الْوَجْه الْجَائِز وألزماه جبرا وَإِن تَرَاضيا على نقضه، فَفِي الْبُرْزُليّ إِذا ثَبت الصُّلْح بِوَجْه جَائِز بعد أَن تناكرا، لم يجز نقضه لِأَنَّهُ رُجُوع عَن مَعْلُوم إِلَى مَجْهُول، وَمن أَحْكَام ابْن حبيب عَن مطرف: كل مصطلحين تمّ صلحهما وأشهدا عَلَيْهِ، ثمَّ أَرَادَا نقضه ويرجعان للخصومة لَا يجوز لِأَنَّهُ من وَجه المخاطرة، وَأجْمع أَصْحَابنَا عَلَيْهِ اه بِاخْتِصَار وَعنهُ أفْصح (خَ) فِي الِاسْتِحْقَاق بقوله: وإلاَّ فَفِي عوضه كالإنكار على الْأَرْجَح لَا إِلَى الْخُصُومَة واحترزت بِقَوْلِي عَن إِنْكَار عَمَّا إِذا كَانَ عَن إِقْرَار فَإِنَّهُ يجوز نقضه بتراضيهما لِأَنَّهُ إِقَالَة وَعنهُ وَقع الِاحْتِرَاز فِي النَّقْل بقوله: بعد أَن تناكرا وَقَوله يرجعان للخصومة الخ، إِذْ لَا تناكر وَلَا رُجُوع للخصومة فِي الْإِقْرَار وبقولي بِوَجْه جَائِز عَمَّا إِذا وَقع على وَجه فَاسد وَلَو على دَعْوَى أَحدهمَا أَو(1/361)
ظَاهر الحكم كسلف جر نفعا أَو بيع ذهب بِذَهَب مَعَ أَحدهمَا غَيره أَو ضع وتعجل، وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ ينْقض وَلَو تَرَاضيا على عدم نقضه وَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَام صَاحب المعيار فِي نَوَازِل الصُّلْح مِنْهُ أَنه نقضه إِذا وَقع بِذَهَب مَعَ أَحدهمَا غَيره إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يشْهد كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو أَحدهمَا فِي وَثِيقَة الصُّلْح بِإِبْطَال كل دَعْوَى يقوم بهَا أَو بَيِّنَة يستظهر بهَا وإلاَّ فَلَا ينْقض. وَلَو قَامَ أَحدهمَا بنقضه قَائِلا وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين حق الله وَحقّ العَبْد لِأَنَّهُ قد كذب دَعْوَاهُ وأبطل بَينته الخ غير ظَاهر لِأَنَّهُ يسلم أَن كل مَا فسد على دعواهما أَو دَعْوَى أَحدهمَا فسد على ظَاهر الحكم، وَإِذا فسخ الْفَاسِد على ظَاهر الحكم مَعَ اتِّفَاقهمَا على صِحَّته فِي الظَّاهِر كَمَا مرّ، فَكَذَلِك مَا كَانَ فَاسِدا على دعواهما أَو أَحدهمَا إِذْ لَا أقل أَن يكون بعد رُجُوع مدعي الْفساد إِلَى صِحَّته بِمَنْزِلَة الْفَاسِد على ظَاهر الحكم الَّذِي نفيا عَنهُ الْفساد فِي الظَّاهِر فإبطال الدَّعَاوَى والبينات حِينَئِذٍ الَّتِي توجب نقضه لَا يسْقط مَا أوجبته دَعْوَاهُ أَولا من الْفساد وَلَو كَانَ إِسْقَاط دَعْوَاهُ ثَانِيًا يُوجب تَكْذِيب دَعْوَاهُ أَولا وَلَو فِي حق الله كَمَا قَالَ: للَزِمَ أَن الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت انْقِضَاء الْعدة ثمَّ كذبت نَفسهَا أَن تصدق فِي تكذيبها نَفسهَا وَأَن الرجل إِذا استلحق ولدا ثمَّ أَرَادَ أَن يَنْفِيه بِلعان يُمكن من ذَلِك إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يطول جلبه وللزم أَيْضا أَن تمكنه من أكل الرِّبَا الثَّابِت بِدَعْوَاهُ الأولى، وَأَيْضًا لَا يلْزم من إِسْقَاط الدَّعَاوَى والبينات تَكْذِيب نَفسه فِيمَا ادَّعَاهُ أَولا كَمَا هُوَ وَاضح، وَقد علمت أَن الْفَاسِد على ظَاهر الحكم يفْسخ على الْمَشْهُور الْمَعْمُول بِهِ، وَلَو لم يقم بفسخه أَحدهمَا مَعَ اتِّفَاق دعواهما على صِحَّته فِي الظَّاهِر لحق الله تَعَالَى فأحرى، هَذَا وَإِبْطَال الدَّعَاوَى والبينات إِنَّمَا يعْمل بِهِ فِي حق العَبْد الَّذِي لَهُ إِسْقَاطه بِالْتِزَام عدم الْقيام فِيهِ لَا فِي حق الْخَالِق سُبْحَانَهُ فَتَأَمّله منصفاً فَالصَّوَاب فِيمَا يظْهر مَا أفتى بِهِ غَيره من وجوب نقض الصُّلْح الْمَذْكُور، وَبِه كنت أَفْتيت قبل الْوُقُوف على مَا للمعيار وَغَيره فِي عين النَّازِلَة وَهِي أَن وَارِثا ادّعى فِي التَّرِكَة ذَهَبا وأثاثاً وَصَالح عَن الْجَمِيع بِذَهَب، وَأسْقط الدَّعَاوَى والبينات، وَهَذِه الْمَسْأَلَة تقع كثيرا وفيهَا من الرِّبَا الْمَعْنَوِيّ مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: كدينار أَو دِرْهَم وَغَيره بِمِثْلِهَا الخ. ثمَّ اسْتثْنى مِمَّا قبله فَقَالَ: وَيُنْقَضُ الواقِعُ فِي الإنْكَارِ إنْ عَادَ مُنْكِرٌ إلَى الإقْرَارِ (وينقض) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول (الْوَاقِع) نَائِبه على حذف الْمَوْصُوف أَي الصُّلْح الْوَاقِع (فِي الْإِنْكَار) يتَعَلَّق بالواقع (إِن عَاد) شَرط (مُنكر) فَاعل بعاد (إِلَى الْإِقْرَار) يتَعَلَّق بعاد، وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف للدلالة عَلَيْهِ وَلَو قَالَ:(1/362)
مَا لم يقم بعد بكالإقرار
فَإِنَّهُ فِي النَّقْض بِالْخِيَارِ لَكَانَ أصرح فِي الِاسْتِثْنَاء، وَأفَاد أَن مَوْضُوع الْبَيْت الأول فِي الْإِنْكَار وَأَن النَّقْض غير وَاجِب بل رب الْحق بِالْخِيَارِ وَأَن مثل الْإِقْرَار قيام الْبَيِّنَة على مَا يَأْتِي وَالله أعلم. وَحَاصِله أَن مَحل عدم نقض الصُّلْح بعض الْحق فِي الْإِنْكَار إِذا لم يقم الْمُدَّعِي بِإِقْرَار الْمُنكر أَو يُقيم بَيِّنَة بِالْحَقِّ لم يعلمهَا وَنَحْو ذَلِك، وإلاَّ فَلهُ نقض الصُّلْح وَالرُّجُوع بباقي حَقه بعد يَمِينه أَنه لم يعلم بهَا أَو نَسِيَهَا، وَفِي معنى ذَلِك وجود الْوَثِيقَة بِالْحَقِّ بعده وَلم يكن علم بهَا وقته أَو علم بِالْبَيِّنَةِ وَهِي بعيدَة كخراسان من إفريقية، وَأشْهد مُعْلنا عِنْد الْحَاكِم أَنه يقوم بهَا أَو ادّعى تلف الْوَثِيقَة، وَأشْهد مُعْلنا أَيْضا أَنه يقوم بهَا إِن وجدهَا، بل ظَاهر ابْن فتوح والمقصد الْمَحْمُود وَغَيرهمَا أَن لَهُ النَّقْض فِي هَذِه وَإِن لم يشْهد، وَكَذَا إِن صَالح لبعد بَيِّنَة جدا وَأشْهد سرا أَنه يقوم بهَا وَفِي مَعْنَاهَا أَيْضا فِيمَا يظْهر مَا إِذا تقدم شُعُور بالوثيقة وَأشْهد سرا أَنه يقوم بهَا إِن ظفر بهَا، وَكَذَا إِن كَانَ الْمقر يقر سرا ويجحد عَلَانيَة خوف أَن يَطْلُبهُ بِهِ عَاجلا فَأشْهد الطَّالِب بَيِّنَة سرا أَو عَلَانيَة على إِنْكَاره، وعَلى أَنه إِنَّمَا يصالحه على التَّأْخِير سنة مثلا لِيُقِر لَهُ بِالْحَقِّ عَلَانيَة ثمَّ صَالحه على التَّأْخِير الْمَذْكُور، فَإِن ذَلِك التَّأْخِير لَا يلْزمه وَله أَن يَأْخُذهُ بِحقِّهِ عَاجلا، وَقد علمت أَن الْمُدعى عَلَيْهِ فِي هَذِه مقرّ حَال الصُّلْح، وَلذَلِك لم يُمكن الْمُدَّعِي من نقض الصُّلْح إِلَّا بِتَقْدِيم بَيِّنَة الاسترعاء لاحْتِمَال أَن يكون أقرّ لَهُ قبل عقد الصُّلْح وَالتَّأْخِير وَقع طَوْعًا وَهَذَا كُله يدْخل تَحت الْكَاف فِي قَوْله بكالإقرار الخ. وَقد ألم (خَ) بِهَذِهِ الْأُمُور حَيْثُ قَالَ: وَلَا يحل لظَالِم فَلَو أقرّ بعده أَو شهِدت بَيِّنَة لم يعلمهَا أَو أشهد وأعلن أَنه يقوم بهَا أَو وجد وَثِيقَة بعده فَلهُ نقضه كمن لم يعلن أَو يقر سرا فَقَط على الْأَحْسَن لَا أَن علم بِبَيِّنَة وَلم يشْهد، أَو ادّعى ضيَاع الصَّك فَقيل لَهُ: حَقك ثَابت فأت بِهِ فَصَالحه ثمَّ وجده الخ. وَالْمرَاد بِالْبَيِّنَةِ مَا يَشْمَل الشَّاهِد وَالْيَمِين كَمَا هُوَ ظَاهره، وَمَا قَالَه الشَّيْخ بناني فِي حَاشِيَته من أَن المُرَاد بهَا الشَّاهِدَانِ فَقَط لَا يعول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خلاف مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَقد نقل هُوَ بِنَفسِهِ عِنْد قَول (خَ) فِي الْقَضَاء فَلَا بَيِّنَة إِلَّا لعذر كنسيان أَن المُرَاد بهَا مَا يَشْمَل الشَّاهِد وَالْيَمِين على مَذْهَب ابْن الْقَاسِم، وَلِأَن الصُّلْح مآل أَو آيل إِلَيْهِ. وَاعْلَم أَن كل بَيِّنَة أشهدتها بِغَيْر علم الْخصم أَن مَا تَفْعَلهُ مَعَه فِيمَا يسْتَقْبل من صلح أَو نِكَاح أَو خلع أَو هبة أَو بيع فَإِن مَا تَفْعَلهُ لِيُقِر لَك أَو خوفًا مِنْهُ أَو لغيبة بينتك وَنَحْو ذَلِك تسمى بَيِّنَة سر واستحفاظ واسترعاء فَقَوْلهم: أشهد سرا أَي أستحفظ وأسترعي ثمَّ إِن هَذَا الاستحفاظ(1/363)
ينفع فِي التَّبَرُّعَات كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق بِغَيْر عوض وَالْحَبْس وَالْهِبَة وَنَحْو ذَلِك مُطلقًا ثبتَتْ التقية أم لَا. وَيصدق المسترعي فِيمَا يذكرهُ، وَلَو لم يعرف إِلَّا من قَوْله كَمَا فِي ابْن سهل وَغَيره. وَأما الْمُعَاوَضَات وَمِنْهَا طَلَاق الْخلْع فَإِذا أثبت أَنه بَاعَ لَهُ قهرا أَو زوجه قهرا أَو خَالعهَا قهرا وَنَحْو ذَلِك بِالضَّرْبِ والسجن أَو أَنه كَانَ يخوفه بهما حَتَّى عقد مَعَه مَا ذكر سَوَاء اسْتمرّ التخويف إِلَى العقد أَو انْقَطع قبله بِنَحْوِ الشَّهْر والشهرين، ثمَّ وَقع العقد لِأَن الأَصْل الِاسْتِصْحَاب فَلهُ نقض ذَلِك وَلَو لم يسترع إِذْ لَا يحْتَاج لَهُ مَعَ ثُبُوت الاستطالة والقهر بالسجن وَالضَّرْب أَو التهديد بهما، وَإِن لم يثبت الْقَهْر بِمَا ذكر بل ثَبت فِي الْجُمْلَة أَنه من ذَوي الاستطالة والتعدي أَو أَنه كَانَ يجحده أَو أَنه كَانَ يحوز النِّسَاء بِغَيْر نِكَاح وَنَحْو ذَلِك، فَهَذَا لَا يقبل من البَائِع وَلَا من الْوَلِيّ وَلَا من الْمصَالح أَنه فعل ذَلِك لجحده أَو خوفًا من سطوته إِلَّا بتقدم استرعاء لِأَنَّهُ لَا يلْزم من جَحده وسطوته أَن يكون فعل مَعَه ذَلِك على غير رضَا، بل حَتَّى يقوم الدَّلِيل عَلَيْهِ من الاسترعاء الْمَذْكُور، وَلَا بُد من الْقيام بفور زَوَال التقية من سطوة وَنَحْوهَا فِي جَمِيع الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة، فَإِذا سكت بعد زَوَالهَا السّنة وَنَحْوهَا فَلَا قيام لَهُ كَمَا فِي ابْن سهل وَابْن سَلمُون وَغَيرهمَا. قلت: وَالَّذِي يُوجِبهُ النّظر أَن الْفَوْر هُوَ مَا دون الشَّهْر لِأَن من بيع مَاله بِحَضْرَتِهِ أَو وهب وَهُوَ سَاكِت بِلَا مَانع يمْضِي عَلَيْهِ ذَلِك بسكوته وَلَو سكت أقل من شهر وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الثّمن، وَهَذَا أَحْرَى مِنْهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَلِي لتفويته بِنَفسِهِ. تَنْبِيه: مَحل الْقيام ببينات السِّرّ والإعلان الَّتِي تقدّمت إِذا لم يلْتَزم فِي وَثِيقَة الصُّلْح أَنه مَتى قَامَ عَلَيْهِ بِدَعْوَى أَو بَيِّنَة فدعواه بَاطِلَة وبيناته زور المسترعاة وَغَيرهَا، وَإِلَّا فَلَا تسمع لهَذَا الْمُدَّعِي بَيِّنَة كَانَ عَارِفًا بهَا حِين الصُّلْح أم لَا. بعيدَة الْغَيْبَة أَو قريبَة استرعائية أَو غَيرهَا قَالَه فِي الْمُتَيْطِيَّة أَي: لِأَن الْحق فِي مثل هَذَا للْمُدَّعِي وَالصُّلْح وَقع على وَجه جَائِز، فَلِذَا لزمَه مَا الْتَزمهُ من إِسْقَاط الدَّعَاوَى والبينات بِخِلَاف مَا تقدم فِي الْبَيْت قبل هَذَا وَالله أعلم. وَهَذِه الْمَسْأَلَة أَعنِي مَسْأَلَة الاسترعاء طَوِيلَة الذيل فلنكتف مِنْهَا بِمَا مر، وَمن تعلق لَهُ غَرَض بهَا، فَليُرَاجع الْبَاب الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ من التَّبْصِرَة الفرحونية، ونوازل الصُّلْح من المعيار، وشراح نظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَفِي الْمُعَاوَضَات الاسترعاء مَعَ الخ وشراح اللامية وَغير ذَلِك. والتَّرِكَاتُ مَا تكُونُ الصُّلْحُ مَعْ عِلْمِ مِقْدَارٍ لَها يَصِحُّ (والتركات) مُبْتَدأ (مَا) مَوْصُولَة (تكون) بِمَعْنى تُوجد صلتها والموصول صفة للتركات أَي والتركات الَّتِي تُوجد وَيجوز أَن تكون مَا خبر تكون النَّاقِصَة وَاسْمهَا ضمير التركات وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب حَال أَي والتركات أَي شَيْء تكون أَي كائنة أَي شَيْء عينا أَو عرضا أَو طَعَاما أَو مُخْتَلفَة (الصُّلْح) مُبْتَدأ ثَان (مَعَ) بِسُكُون الْعين يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ (علم مِقْدَار) مخفوضان بِالْإِضَافَة(1/364)
(لَهَا) يتَعَلَّق بِمِقْدَار أَو بِمَحْذُوف صفة لَهُ (يَصح) خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط الضَّمِير فِي لَهَا وَشَمل كَلَامه صلح الزَّوْجَة وَغَيرهَا من سَائِر الْوَرَثَة إِذْ مَا قيل فِي الزَّوْجَة يُقَال فِي غَيرهَا وَحِينَئِذٍ فَإِذا كَانَت التَّرِكَة نوعا وَاحِدًا كطعام أَو عرض مثلا جَازَ أَن يُصَالح بِهِ فِي ذَلِك النَّوْع بعد معرفَة قدره بِأَقَلّ أَو أَكثر من حَظه فَيَأْخُذ بعض حَظه وَيسلم الْبَاقِي أَو يَأْخُذ فِيهِ شَيْئا من عِنْد الْوَارِث إِن جَازَ بَيْعه بِهِ لَا نَحْو حَيَوَان بِلَحْمِهِ من جنسه كَمَا مرّ، وَإِن كَانَت التَّرِكَة أنواعاً فَفِي الْمُدَوَّنَة: وَمن مَاتَ وَترك زَوْجَة وَولدا وَخلف دَنَانِير ودراهم حَاضِرَة وعروضاً حَاضِرَة وغائبة وعقاراً فَصَالح الْوَلَد الزَّوْجَة على دَرَاهِم من التَّرِكَة، فَإِن كَانَت قدر موروثها من الدَّرَاهِم فَأَقل جَازَ اه. اللَّخْمِيّ: لِأَنَّهَا أخذت حظها أَو بعضه فِي الدَّرَاهِم ووهبت نصِيبهَا فِي الدَّنَانِير وَالْعرُوض الْحَاضِرَة والغائبة وَالْعَقار فيراعى فِيهَا الْحَوْز أَبُو الْحسن: وَكَذَا إِن صالحها على عرُوض قدر موروثها فَأَقل أَو على دَنَانِير كَذَلِك، وَقَوْلها ودراهم حَاضِرَة يُؤْخَذ مِنْهُ أَن النَّوْع الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَا بُد من حُضُوره وَهُوَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ إِن كَانَ بعضه غَائِبا لزم النَّقْد بِشَرْط فِي الْغَائِب. نعم إِن صالحت على أَن تَأْخُذ مَا صالحت بِهِ من الْحَاضِر وَالْغَائِب جَازَ ذَلِك، وَلَو كَانَ الْغَائِب دينا والمدين غير مقرّ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تبِعت مِيرَاثهَا فِي ذَلِك النَّوْع وَتركت مَا سواهُ بِغَيْر عوض، وَأما غير النَّوْع الْمَأْخُوذ مِنْهُ فَلَا يشْتَرط حُضُوره وَلَا معرفَة قدره وَلَا إِقْرَار الْمَدِين الَّذِي هُوَ فِي ذمَّته كَمَا يفهم من قَوْلهَا: وعروضاً حَاضِرَة وغائبة. وَقد صرح بذلك اللَّخْمِيّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هبة وَهبة الْمَجْهُول وَالْغَالِب جَائِزَة، وَقد تبين بِهَذَا أَن علم الْمِقْدَار إِنَّمَا يشْتَرط فِي النَّوْع الْمَأْخُوذ مِنْهُ لَا فِي غَيره خلاف ظَاهر إِطْلَاق النَّاظِم، وَظَاهره أَيْضا جَوَاز الصُّلْح مَعَ علم الْمِقْدَار كَانَت نوعا وَاحِدًا أَو أنواعاً من التَّرِكَة أَو من غَيرهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ إِذا كَانَت أنواعاً كَمَا فِي الْمِثَال لَا يجوز الصُّلْح من غَيرهَا مُطلقًا كَانَ الْمصَالح بِهِ ذَهَبا أَو فضَّة أقل من نصِيبهَا أَو أَكثر وَعَن ذَلِك احْتَرز فِي الْمُدَوَّنَة بقوله: من التَّرِكَة وَذَلِكَ لما فِيهِ من بيع ذهب بِذَهَب مَعَ أَحدهمَا غَيره إِن كَانَ الصُّلْح بِذَهَب أَو بيع فضَّة بِفِضَّة كَذَلِك إِن كَانَ الصُّلْح بهَا. نعم إِن وَقع صلحها فِي الْمِثَال الْمَذْكُور بِعرْض من غَيرهَا جَازَ إِن عرفت الزَّوْجَة وَالْولد قدر جَمِيع التَّرِكَة وَحضر جَمِيعهَا حَقِيقَة فِي الْعين وَالْعرض، وَلَو حكما بِأَن كَانَ قريب الْغَيْبَة وَأقر الْمَدِين بِمَا عَلَيْهِ إِن كَانَ فِيهَا دين وَحضر الْمَدِين وَقت الصُّلْح كَمَا أَشَارَ لذَلِك (خَ) بقوله: لَا من غَيرهَا مُطلقًا إِلَّا بِعرْض إِن عرفا جَمِيعهَا وَحضر وَأقر الْمَدِين وَحضر الخ. وَانْظُر بَقِيَّة مَا يتَعَلَّق بذلك فِي شروحه وَنَحْوه قَول الْمُدَوَّنَة: فَأَما على عرُوض من مَاله نَقْدا فَذَلِك بعد مَعْرفَتهَا وَحُضُور أصنافها وَحُضُور من عَلَيْهِ الدّين وَإِقْرَاره وَإِن لم يقفا على معرفَة ذَلِك كُله لم يجز اه ابْن نَاجِي: وظاهرها يتَنَاوَل أَنهم لَو اتَّفقُوا على أَنهم اطلعوا على جَمِيع التَّرِكَة وَلم ينصوا عَلَيْهَا بِالتَّسْمِيَةِ أَنه كافٍ، وَأفْتى شَيخنَا رَحمَه الله غير مَا مرّة بِعَدَمِ الْجَوَاز إِلَّا مَعَ التَّسْمِيَة وَهُوَ بعيد اه. قَالَ (ح) : انْظُر لَو صالحها على عرض من التَّرِكَة مَعَ وجود الشُّرُوط الَّتِي ذكر فِي مَعْرفَتهَا لجَمِيع الْمَتْرُوك الخ. فَذَلِك جَائِز وَالله أعلم اه. وَلَعَلَّه لذَلِك أطلق (خَ) فِي الْعرض. وَمَفْهُوم قَوْله: مَعَ علم مِقْدَار أَنه إِذا جهل قدرهَا وَهِي نوع وَاحِد أَو جهل قدر الْمَأْخُوذ مِنْهُ أَو كَانَت أنواعاً لم يجز وَهُوَ كَذَلِك لما قدمه من أَن الصُّلْح مثل البيع، وَمن جملَة مَا يَتَّقِي فِي البيع الْجَهْل، وَلذَا كَانَ الْأَنْسَب أَن يذكر هَذَا الْبَيْت فِي الأبيات الْمَذْكُورَة قبل هَذَا الْفَصْل لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار مَفْهُومه من جملَة مَا امْتنع فِي البيع.(1/365)
تَنْبِيه: إِن سَقَطت معرفَة الْقدر من وَثِيقَة الصُّلْح أَو البيع أَو غَيرهمَا مِمَّا يتقى فِيهِ الْجَهْل فَلَا يَمِين لمدعيه على نافيه بِحَال إِلَّا أَن يَدعِي على نافيه أَنه كَانَ عَالما بجهله فَتجب لَهُ الْيَمين عَلَيْهِ. فَإِن حلف وإلاَّ حلف مدعيه وَفسخ العقد عَن نَفسه، فَإِن اعْترف الْخصم أَنه كَانَ عَالما بِجَهْل صَاحبه عِنْد العقد وَجب الْفَسْخ لفساد العقد حِينَئِذٍ وَلَو تَرَاضيا على إِتْمَامه وَهَذَا إِذا عين مدعي الْعلم قدره، وإلاَّ فَيسْأَل مدعي الْعلم عَن قدره كحظ من مِيرَاث يحْتَاج فِي جمعه إِلَى إِعْمَال حِسَاب وفريضة، وَلَيْسَت الْفَرِيضَة عِنْدهمَا فَيَقُول الموثق بَاعَ لَهُ جَمِيع حَظه الْمُنجز لَهُ بِالْإِرْثِ من كَذَا. وَفِي الوراثة مناسخات فَإِن عرفه مدعي الْعلم جرى على مَا مرّ وإلاَّ فَيفْسخ من غير يَمِين كَذَا يَنْبَغِي وَلم أره مَنْصُوصا، وَتَقَع هَذِه الْمَسْأَلَة كثيرا فِي الْبَوَادِي وَبَعض الحواضر إِذْ كثيرا مَا يبيعون حظوظ الْمَوَارِيث قبل حِسَابهَا وَضرب فريضتها وَيكْتب موثقوهم بَاعَ لَهُ جَمِيع حَظه، وَلَا يبين قدره فَتَأمل هَذَا مَعَ مَا تقدم عَن ابْن نَاجِي وَشَيْخه، فَلَعَلَّ مَا قَالَه شَيْخه إِنَّمَا هُوَ عِنْد النزاع أَي لَا بُد من التَّسْمِيَة مِنْهُمَا مَعًا حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَا. وَحِينَئِذٍ فَلَا فرق فِي مثل هَذَا بَين أَن يَقُول فِي الْوَثِيقَة عرفا قدره أم لَا وَالله أعلم. وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ بِاقْتِسَامِ مَا فِي ذِمَّةٍ وإنْ أَقَرَّ الغُرمَا (وَلَا يجوز الصُّلْح) فعل وفاعل (باقتسام) يتَعَلَّق بيجوز (مَا) مَوْصُول مُضَاف إِلَيْهِ وَهِي وَاقعَة على الدّين عينا كَانَ أَو غَيره (فِي ذمَّة) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف صلَة (وَإِن أقرّ الغرما) ء جملَة شَرْطِيَّة إغيائية حذف شَرطهَا للدلالة عَلَيْهِ، وَظَاهره أَنه لَا يجوز ذَلِك، وَلَو اتّحدت الذِّمَّة وَلَيْسَ كَذَلِك. فَلَو قَالَ بذمم بدل قَوْله فِي ذمَّة لطابق النَّقْل. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَة: وَإِن ترك دينا على رجال لم يجز للْوَرَثَة أَن يقتسموا الرِّجَال فَيصير ذمَّة بِذِمَّة وليقتسموا مَا على كل رجل قَالَ مَالك: سَمِعت بعض أهل الْعلم يَقُول: الذِّمَّة بِالذِّمةِ من وَجه الدّين بِالدّينِ. وَقَوْلها وليقتسموا مَا على كل رجل الخ. زَاد الأَجْهُورِيّ كَمَا فِي طفي أَي حَيْثُ جَازَ بَيْعه كَمَا هُوَ الظَّاهِر اه. أَي بِأَن يكون الدّين مُخْتَلفا جنسه كعين وَعرض مثلا على وَاحِد فَيَأْخُذ أَحدهمَا الْعين وَالْآخر الْعرض، فَإِن كَانَ عينا فَقَط كذهب وَفِضة فَلَا يجوز قسمه على أَن يَأْخُذ هَذَا الذَّهَب وَالْآخر الْفضة لما فِيهِ من الصّرْف الْمُؤخر، وَأما إِن كَانَ نوعا وَاحِدًا كعرض فَقَط أَو ذهب فَقَط مثلا أَو أنواعاً على رجل أَو رجال، وَاتَّفَقُوا على أَن كلاًّ يَقْتَضِي نصِيبه من النَّوْع الْوَاحِد أَو النَّوْعَيْنِ، فَيجوز كَمَا يدل لَهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَة فِي الشُّرَكَاء يشخص أحدهم للاقتضاء بعد الْإِعْذَار إِلَيْهِم فِي الْخُرُوج أَو التَّوْكِيل فيمتنعون من أَنهم لَا يدْخلُونَ مَعَ الشاخص فِيمَا اقْتضى وَلَو توى مَا على الْغَرِيم. أَبُو الْحسن: دلّت هَذِه الْمَسْأَلَة على جَوَاز قسْمَة مَا على الْغَائِب اه. وَكَذَا صرح بِهِ ابْن حبيب. وتوى: بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق(1/366)
التّلف والهلاك لَا بِالْمُثَلثَةِ لِأَنَّهُ من الْإِقَامَة، وَمَفْهُوم قَوْله باقتسام مَا فِي ذمَّة الخ. أَن الصُّلْح باقتسام الْعرض الْحَاضِر بِمَا فِي الذِّمَّة جَائِز فَمن ترك عرُوضا حَاضِرَة وديوناً جَازَ أَن يَأْخُذ بعض الْوَرَثَة الْعرُوض وَالْآخر الدُّيُون إِن حضر الْغُرَمَاء وأقروا، أَو جمع بَينه وَبينهمْ وَالْأَحْكَام تنالهم وهم أملياء (خَ) : وَجَاز أَخذ وَارِث عرضا وَآخر دينا إِن جَازَ بَيْعه الخ. تَنْبِيه: إِذا وَقع الصُّلْح باقتسام مَا فِي الذِّمَّة أَو الذمم على الْوَجْه الْفَاسِد فَاقْتضى أحدهم حِصَّته فللآخرين الدُّخُول مَعَه، كَمَا إِذا اقْتضى أحدهم حَقه من غير قسْمَة أصلا أَو صَالح عَنْهَا إِلَّا أَن يكون الْمُقْتَضِي أَو الْمصَالح أعذر إِلَيْهِم فِي الْخُرُوج أَو التَّوْكِيل فامتنعوا كَمَا مرّ عَن الْمُدَوَّنَة وَهُوَ قَول (خَ) وَإِن صَالح أحد وليين وارثين وَإِن عَن إِنْكَار فلصاحبه الدُّخُول مَعَه الخ. وَإِذا دخل مَعَه وَطلب الشاخص أُجْرَة الِاقْتِضَاء من صَاحبه وَجَبت لَهُ بعد حلفه أَنه مَا خرج لذَلِك مُتَطَوعا كَمَا لِابْنِ الْحَاج. قَالَ الْبُرْزُليّ: إِلَّا أَن تشهد الْعَادة أَن مثله لَا يَأْخُذ الْأُجْرَة فِيمَا ولى فعله اه. وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَالَّتِي بعْدهَا لَهما تعلق ببابي الصُّلْح وَالْقِسْمَة وَفِي الْقِسْمَة ذكرهمَا أَكْثَرهم. والزَّرْعُ قَبْلَ ذَرْوِهِ والثَّمَرْ مَا دَامَ مُبْقَى فِي رُؤُوسِ الشَّجَرْ (وَالزَّرْع) بالخفض عطف على مَا أَي لَا يجوز الصُّلْح باقتسام مَا فِي الذِّمَّة وَلَا باقتسام الزَّرْع (قبل ذروه) والظرف يتَعَلَّق باقتسام (وَالثَّمَر) مَعْطُوف على مَا قبله يَلِيهِ (مَا) ظرفية مَصْدَرِيَّة تتَعَلَّق باقتسام (دَامَ) صلتها وَاسم دَامَ يعود على الثَّمر (مبقي) بِسُكُون الْبَاء خَبَرهَا (فِي رُؤُوس الشّجر) يتَعَلَّق بمبقي وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يجوز قسم الزَّرْع فِي الأندر قبل تصفيته وَلَا الثَّمر فِي رُؤُوس الْأَشْجَار بعد بَدو صَلَاحه بِالتَّحَرِّي لِأَنَّهُمَا ربويان وَالشَّكّ فِي التَّمَاثُل كتحقق التَّفَاضُل بل حَتَّى يصفى الزَّرْع ويجنى الثَّمر وَيقسم كل بمعياره فَإِن وَقع واقتسموه جهلا لم يجز، وَكَانَ على الشّركَة وَمَا أَصَابَهُ من جَائِحَة فبينهم وَشَمل قَوْله قبل ذروه قسمه فِي فدانه بعد بَدو صَلَاحه، وَلَو قسم بأرضه أَو قتاً أَو زرعا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة، وَأما قبل البدو فَيجوز قسم كل من الزَّرْع وَالثَّمَر على الْجد لَا على التبقية، وَلَا مَفْهُوم لقَوْله فِي رُؤُوس الشّجر بل قسمه كَذَلِك فِي جرينه أَو غَيره بِالتَّحَرِّي لِلْعِلَّةِ السَّابِقَة وَيسْتَثْنى من قَوْله مَا دَامَ مبقي الخ. أما إِذا اخْتلفت حَاجَة أَهله مَعَ بَقِيَّة الشُّرُوط الْمشَار لَهَا بقول (خَ) إِلَّا الثَّمر وَالْعِنَب إِذا حل بيعهمَا، وَاخْتلفت حَاجَة أهلهما وَإِن بِكَثْرَة أكل وَقل وَحل بَيْعه واتحد من بسر وَرطب لَا تمر وَقسم بِالْقُرْعَةِ بِالتَّحَرِّي. ولاَ بِإعْطَاءٍ مِنَ الوُّرَّاثِ لِلعَيْنِ فِي الكالِىءِ والمِيْرَاثِ (وَلَا بِإِعْطَاء) مَعْطُوف على قَوْله باقتسام فِي الْبَيْت قبله وَلَا لتأكيد النَّفْي أَي: وَلَا يجوز الصُّلْح باقتسام بِمَا فِي الذِّمَّة وَلَا بِإِعْطَاء (من الوراث) يتَعَلَّق بِإِعْطَاء (للعين فِي الكالىء) بِالْهَمْز(1/367)
يتعلقان بِإِعْطَاء أَيْضا وَالْمَجْرُور الأول مفعول ثَان لإعطاء، ومفعوله الأول مَحْذُوف تَقْدِيره الزَّوْجَة (وَالْمِيرَاث) مَعْطُوف على الكالىء وموضوع النّظم أَنه لَيْسَ فِي التَّرِكَة ذهب وَلَا ورق وَلَا دين على غَائِب وَلَا سلم فِي طَعَام وَلَا شَيْء غَائِب وَوَقع الصُّلْح بعد الْمعرفَة بِجَمِيعِ مَا فِي التَّرِكَة من عقار وأثاث ورقيق وحيوان وَنَحْو ذَلِك بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم من عِنْد الْوَارِث فِي الكالىء وَالْمِيرَاث صَفْقَة وَاحِدَة كَمَا فِي الْمُتَيْطِيَّة والوثائق الْمَجْمُوعَة وَالْعلَّة فِي ذَلِك الْجَهْل بِالْقدرِ الْمُشْتَرك كَمَا يَأْتِي، وَلَا مَفْهُوم للصلح وَلَا للكالىء بل الْمدَار على وجود الدّين، فَفِي الوثائق الْمَجْمُوعَة أَوَائِل بيوعها مَا نَصه: وَإِذا أوصى بقطيع من مَاله أَو كَانَ عَلَيْهِ دين لم يجز لأحد من الْوَرَثَة قبل أَدَاء الدّين أَو تَنْفِيذ الْوَصِيَّة بيع شَيْء من التَّرِكَة لَا مشَاعا وَلَا مقسوماً وَإِن بَاعَ شَيْئا وَإِن قل فسخ البيع لقَوْله تَعَالَى: من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} (النِّسَاء: 12) اه وَقَالَ فِيهَا أَيْضا فِي بَاب الصُّلْح: وَلَا يجوز الصُّلْح بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم صَفْقَة وَاحِدَة عَن الكالىء وَالْمِيرَاث لِأَن الْجَهْل يدْخلهُ إِذْ لَا مِيرَاث إِلَّا بعد أَدَاء الدّين، وَيَنْبَغِي أَن يُبَاع من التَّرِكَة بِقدر الدّين وَيعرف مَا بَقِي بعد ذَلِك وَيَقَع الصُّلْح على نصِيبهَا مِنْهُ وَلَعَلَّه يُبَاع فِي الْكل ثلث الْعقار أَو ربعه أَو سدسه أَو من العبيد وَالْإِمَاء والوطاء وَغير ذَلِك، فَلَا يدْرِي كم يُبَاع فِي الدّين من التَّرِكَة فَإِذا لم يعرف وَقع الْجَهْل فِي نصِيبهَا من الْبَاقِي اه. وَنَحْوه فِي الْمُتَيْطِيَّة قَائِلا: وَهَكَذَا روى أَشهب وَقَالَهُ ابْن الْعَطَّار وَابْن زرب وَفضل بن مسلمة وَغَيرهم من الموثقين، وَفهم من قَول النَّاظِم فِي الكالىء وَالْمِيرَاث الخ. أَنَّهَا أَعْطَيْت أَكثر من مبلغ صَدَاقهَا إِذْ حِينَئِذٍ تكون الْعين فِي مُقَابلَة الكالىء وَالْمِيرَاث. وَأما إِن كَانَ مَا أَعْطيته قدر كالئها فَأَقل فَيجوز لِأَنَّهَا أخذت صَدَاقهَا أَو بعضه ووهبت الْبَاقِي قَالَه أَبُو الْحسن فِي بعض أجوبته. قلت: لِأَنَّهُ يجوز للْوَارِث أَن يُؤَدِّي الدّين من عِنْده لتسلم لَهُ التَّرِكَة إِذْ رب الدّين لَا حق لَهُ فِي عينهَا وَهنا كَذَلِك لأَنهم أَدّوا الدّين أَو بعضه لتسلم الزَّوْجَة لَهُم فِيمَا عداهُ، وَظَاهر قَوْله من الوراث أَن الْعين من عِنْدهم وَهُوَ كَذَلِك لِأَن الْمَوْضُوع أَنه لَا عين فِي التَّرِكَة كَمَا مرّ، فَإِن كَانَ فِيهَا عين وصالحوها على عين من عِنْدهم فَلَا يجوز أَيْضا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: والتركات مَا تكون الصُّلْح. الخ. وَمَا أحسن تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ لما بَينهمَا من الارتباط وَلِأَن هَذَا مَفْهُوم مَا هُنَاكَ وَإِن صالحها على عين مِنْهَا فَإِن كَانَ قدر كالئها فَأَقل جَازَ، وَكَذَا إِن كَانَ بِأَكْثَرَ من كالئها، وَمن مِيرَاثهَا فِي الْعين لأَنهم أدوها كالئها وميراثها فِي الْعين من الْعين وَالزَّائِد على ذَلِك فِي مُقَابلَة مَا ينوبها فِي غَيرهَا، وَالْفَرْض أَنهم أحاطوا بِمَعْرِِفَة جَمِيع الْمَتْرُوك وَلَا دين وَلَا سلم فِي طَعَام كَمَا مرّ وَمَفْهُوم قَوْله للعين أَنه إِذا كَانَ بِإِعْطَاء عرض فَإِن كَانَ من عِنْدهم فَكَذَلِك لِأَن الْعلَّة السَّابِقَة تَأتي فِيهِ، وَإِن كَانَ مِنْهُمَا جَازَ لِأَنَّهُ إِن كَانَت قِيمَته قدر الكالىء أَو أقل فَوَاضِح وَإِن(1/368)
كَانَت أَكثر فَالظَّاهِر الْجَوَاز أَيْضا فِي الْمَوْضُوع الْمَذْكُور لِأَنَّهَا اشترت الْعرض بكالئها وبنصيبها من الْمِيرَاث فِي غَيره فَتَأَمّله، وَمَفْهُوم قَوْله فِي الكالىء وَالْمِيرَاث أَنه إِذا كَانَ فِي صفقتين جَازَ أَيْضا، وَكَيْفِيَّة وثيقتها أشهدت فُلَانَة وبنوها فلَان وَفُلَان وهم المحيطون مَعهَا بوارثة الْمُتَوفَّى فلَان أَنَّهَا طلبت بنيها الْمَذْكُورين بميراثها فِي أَبِيهِم الْمَذْكُور وبكالئها عَلَيْهِ قدره كَذَا، وَقد خلف دَارا فِي مَحل كَذَا حُدُودهَا كَذَا وأملاكاً بقرية كَذَا مجاورة لكذا ومملوكة تسمى كَذَا ونعتها كَذَا وَطَعَامًا قمحاً وشعيراً مبلغ الْقَمْح كَذَا وَالشعِير كَذَا بكيل كَذَا ودواب بغلاً كَذَا وَصفته كَذَا وفرساً كَذَا وَصفته كَذَا. وَتَنَازَعُوا فِي بعض ذَلِك ثمَّ صالحت عَن كالئها الْمَذْكُور بِعرْض كَذَا صفته كَذَا وقبضته بعد مَعْرفَتهَا بِقَدرِهِ ومبلغه ثمَّ صالحت عَن مِيرَاثهَا الْمَذْكُور بِكَذَا وَكَذَا دِينَارا قبضتها مِنْهُم على فرائضهم فِي الْمُتَوفَّى، وبحسب ذَلِك يكون اشتراكهم فِيمَا خرجت لَهُم عَنهُ على الْبَرَاءَة من الْعهْدَة فِي الرَّقِيق الْمَذْكُورين وَقبض المصالحون المذكورون جَمِيع التَّرِكَة الْمَذْكُورَة وَقطعت فُلَانَة حجتها عَنْهُم فِيهَا وَفِي كالئها، وَلم يبْق لَهَا دَعْوَى وَلَا مطلب حق بِوَجْه بعد معرفتهم أَجْمَعِينَ بِقدر مَا تصالحوا عَلَيْهِ وَمَا قطعت عَنْهُم الدَّعْوَى فِيهِ وتساقطوا الْبَينَات المسترعاة وَغَيرهَا. والاسترعاء فِي الاسترعاء واعترف جَمِيعهم أَنه لَيْسَ فِي التَّرِكَة ذهب وَلَا ورق وَلَا دين على غَائِب وَلَا سلم فِي طَعَام وَلَا شَيْء غَائِب فَمَتَى قَامَ أحدهم بِدَعْوَى مُتَقَدّمَة على هَذَا فَهِيَ بَاطِلَة وبيناته زور آفكة شهد عَلَيْهِم الخ. هَكَذَا فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة والمتيطية ثمَّ قَالَ بإثر ذَلِك: وَلَا يجوز الصُّلْح بِدَنَانِير أَو دَرَاهِم فِي صَفْقَة وَاحِدَة عَن الكالىء وَالْمِيرَاث إِلَى آخر مَا تقدم، وَقد علمت أَنه إِذا وَقع صفقتين لَا فرق بَين أَن يكْتب فِي كتاب وَاحِد وَيَوْم وَاحِد كَمَا هُنَا أَو كتابين ويومين، وظاهرهما أَن الْعرض الَّذِي أَعْطيته فِي الكالىء كَانَ من التَّرِكَة أَو من عِنْدهم وَهُوَ ظَاهر لأَنهم أَدّوا الدّين لتسلم لَهُم التَّرِكَة وظاهرهما أَيْضا أَنهم إِن صالحوها عَن مِيرَاثهَا بِعرْض مِنْهَا أَو من غَيرهَا لم يمْنَع، وَأَنه لَا مَفْهُوم للدنانير وَالدَّرَاهِم إِذْ الْمدَار على تعداد الصَّفْقَة لانْتِفَاء الْجَهْل بتعددها، وَيَنْبَغِي أَن يُقيد الْمَنْع مَعَ اتحادها بِمَا إِذا لم يقوم كل فَرد من أَفْرَاد الْمَتْرُوك على حِدته أما إِن قومت وضعت قيمتهَا وَعلم قدر جُمْلَتهَا فَيجوز فِي الْمَوْضُوع الْمَذْكُور لانْتِفَاء عِلّة الْمَنْع حِينَئِذٍ وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: بِمَا مر من النَّص الْمُتَقَدّم يظْهر لَك مَا فِي قَول أبي الْحسن فِي شرح الْمُدَوَّنَة مَا محصله قَالُوا: لَا يجوز الصُّلْح على الكالىء وَالْمِيرَاث صَفْقَة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يجوز صفقتين وَلَا فرق عِنْدِي بَين الصَّفْقَة الْوَاحِدَة والصفقتين لِأَنَّهُ مَجْهُول حَتَّى الْآن إِلَّا أَن يخرج مَا يَنُوب الكالىء فَحِينَئِذٍ يَصح هَذَا اه. لما علمت من أَنه لَا يُمكن تصَوره صفقتين إِلَّا بِإِخْرَاج مَا يَنُوب كل وَاحِد مِنْهُمَا كَمَا مر فَتَأَمّله. الثَّانِي: ظَاهر الوثائق الْمَجْمُوعَة أَوَائِل الْبيُوع حَسْبَمَا مرَّ أَن البيع يفْسخ إِن وَقع قبل أَدَاء الثّمن وَإِن الْتَزمهُ الْوَرَثَة وَكَانَ فِي الْبَاقِي وَفَاء بِالدّينِ وَهُوَ رِوَايَة أَشهب عَن مَالك، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لايفسخ إِن الْتزم الْوَرَثَة الدّين. ابْن رشد: وَهُوَ أظهر لِأَنَّهُ اخْتلف فِي فَسَاد البيع إِذا طابقه نهي فَكيف إِذا لم يطابقه، وَفِي المعيار والدر النثير عَن أبي الْحسن فِي وَرَثَة بَاعَ أحدهم نصِيبه من الْملك قبل أَن يخرج الدّين مَا نَصه: إِن الْتزم الْوَرَثَة الدّين الْآن فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا يبطل البيع وَلَا تَضُرهُمْ الْجَهَالَة. وَقَالَ أَشهب: يبطل ثمَّ إِن لم يلْتَزم الْوَرَثَة الدّين فَحِينَئِذٍ يُبَاع(1/369)
من التَّرِكَة بِمِقْدَار الدّين وَيبقى الْبَاقِي لَهُ مِنْهُ مَا اشْترى وَيرجع لما اسْتحق من يَده اه. وَقَالَ فِي الشَّامِل: وَأَصله للمازري وَمنع وَارِث من بيع قبل وَفَاء دين فَإِن فعل وَلم يقدر الْغُرَمَاء على أَخذ دينهم إِلَّا بِالْفَسْخِ فَلهم ذَلِك إِلَّا أَن يَدْفَعهُ الْوَارِث من مَاله على الْأَشْهر اه. زَاد الْمَازرِيّ. لِأَن النَّهْي عَن البيع لحق المخلوقين وَقد سقط اه. وَهَذَا إِذا علمُوا بِالدّينِ أَو كَانَ الْمَيِّت مَشْهُورا بِهِ وإلاَّ لم ينْقض البيع وَيتبع الْغُرَمَاء الْوَرَثَة بِالثّمن كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة وَالْقِسْمَة كَالْبيع انْظُر (ح) وَشرح الشَّامِل فِي الْفلس وَالْقِسْمَة، وَسَيَأْتِي نَص الْمَازرِيّ الَّذِي اخْتَصَرَهُ فِي الشَّامِل آخر الْفلس، وَقد أَشَرنَا فِي بَاب الْقِسْمَة من هَذَا الشَّرْح إِلَى أَن بيع الْوَرَثَة مَاض كَانَ بمحاباة أم لَا؟ فَانْظُرْهُ هُنَاكَ. وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا يفْسخ الصُّلْح الْمَذْكُور فِي النّظم على مَا لِابْنِ الْقَاسِم لِأَن الْوَرَثَة قد أسقطوا حَقهم، وَهَذَا على فرض كَون الصُّلْح فِي مَسْأَلَتنَا كَالْبيع وَلم يظْهر لي لِأَنَّهُ إِذا فَرضنَا أَن التَّرِكَة ثَلَاثَة أَثوَاب وَفرس مثلا وَالْأَوْلَاد سَبْعَة ذُكُور وَالزَّوْجَة لَهَا عَلَيْهِ من الكالىء ثَلَاثَة دَنَانِير فصالحوها بأَرْبعَة دَنَانِير صَفْقَة عَن الْجَمِيع فقطعاً هِيَ قد باعت نصِيبهَا بعضه للدّين وَهُوَ ثَلَاثَة أَرْبَاعه وَبَعضه لغيره وَهُوَ الرّبع فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، وَلَا علينا كَانَ نصِيبهَا يُسَاوِي ذَلِك أَو يزِيد عَلَيْهِ أَو ينقص عَنهُ لِأَن ذَلِك رَاجع للغبن وَهُوَ جَائِز، وَكَذَا الْأَوْلَاد باعوا ثَلَاثَة أَربَاع أنصبائهم للدّين وَبَقِي لَهُم الرّبع واشتروا ثَلَاثَة أَربَاع أنصبائهم لأَنْفُسِهِمْ كَمَا اشْتَروا نصيب الزَّوْجَة الْمَبِيع للدّين وَلغيره فهم بائعون مشترون وَهِي بائعة فَقَط فَلَا جهل لَا من جِهَتهَا وَلَا من جهتهم إِلَّا من جِهَة كَون قيمَة الْمَبِيع قدر الثّمن أَو أقل أَو أَكثر، وَذَلِكَ لَا يضر فِي البيعات وَإِذا صَحَّ هَذَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَكَذَلِك غَيره فِي الْأَمْثِلَة فَأَي جهل حِينَئِذٍ يُؤَدِّي لفسخ الصُّلْح الْمَذْكُور، وقديماً كنت متأملاً فِي فسخ الصُّلْح وأدائه للْجَهْل فَلم يتَبَيَّن لي وَجه الْجَهْل فِيهِ بِحَال لِأَن كَون الْأَمر آل فِي الْمِثَال الْمَذْكُور إِلَى أَن الْمَبِيع للدّين ثَلَاثَة أَربَاع الْمَتْرُوك وَبَقِي ربعه باعت الزَّوْجَة نصِيبهَا مِنْهُ بِدِينَار إِذْ مَا زَاد على الدّين هُوَ ثمن بَاقِي واجبها. وَأما مَسْأَلَة بيع الْوَرَثَة قبل الدّين فَلَيْسَتْ كهذه كَمَا هُوَ وَاضح ومنشأ الْخلاف فِيهَا هَل النَّهْي عَن البيع قبل الدّين لحق الله أَو لحق المخلوقين؟ وَذكر ابْن عَرَفَة فِي بَاب الْفلس الْقَوْلَيْنِ، وَنقل عَن ابْن مُحرز أَن كَونه لحق المخلوقين أشبه بِظَاهِر الْكتاب، وَكَلَام الشَّامِل مَعَ كَلَام أبي الْحسن الْمُتَقَدّم أول التَّقْرِير وفتواه الْمَذْكُورَة هُنَا يدلان على أرجحيته، وَلذَلِك فرعنا عَلَيْهِ بعض مَا تقدم، وَإِذا علمت هَذَا فَتَأمل وَجه كَون الصُّلْح فِي مَسْأَلَتنَا مثل البيع قبل الدّين مَعَ أَن رِوَايَة أَشهب إِنَّمَا هِيَ فِي منع البيع قبل الدّين كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَغَيره لَا فِي الصُّلْح الَّذِي مرّ تَفْسِيره، وَإِن كَانَ نقل المتيطي يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي الصُّلْح وَأَن الموثقين قَالُوا بهَا كَمَا مرّ لأَنهم إِن قَالُوا ذَلِك إِجْرَاء فَلم يظْهر وَجه الْمُسَاوَاة إِذْ البيع فِي الصُّلْح هُنَا للدّين لَا قبله، وَالزَّوْجَة قد بَقِي لَهَا من نصِيبهَا فباعته بِنِسْبَة مَا زيد لَهَا على الدّين وَنسبَة ذَلِك قد بَقِي لكل وَارِث مِمَّا بِيَدِهِ كَمَا رَأَيْته وَذَلِكَ لَا جهل فِيهِ، وَلَعَلَّه لذَلِك عبر فِي الوثائق الْمَجْمُوعَة بقوله: وَيَنْبَغِي أَن يُبَاع الخ. المؤذنة بِعَدَمِ الْوُجُوب، وَلَو فَرضنَا أَن الصُّلْح وَقع بِالدّينِ فَقَط لَكَانَ الْمَبِيع فِيهِ هُوَ جَمِيع الْمَتْرُوك، وَلَو كَانَ فِيهِ فضل لِأَن ذَلِك الْفضل يسْلك فِيهِ بِالنِّسْبَةِ للزَّوْجَة سَبِيل الْمُحَابَاة وَالْهِبَة، وَكَذَا لَو أخذت بعض دينهَا لَكَانَ جَمِيع الْمَتْرُوك مَبِيعًا بذلك الْبَعْض أَيْضا، وَإِن كَانُوا قَالُوا ذَلِك لكَون رِوَايَته فِي صلح النَّازِلَة بالخصوص فَلَيْسَ لنافيه إِلَّا مَحْض التَّقْلِيد، والتمسك حِينَئِذٍ بِمذهب ابْن الْقَاسِم أولى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مذْهبه أرجح فِي البيع قبل الدّين فَكَذَلِك(1/370)
هَذَا الصُّلْح أَو أَحْرَى لِأَنَّهُ بيع للدّين، وَلِهَذَا وَالله أعلم لم يعرج (خَ) وَلَا ابْن عَرَفَة وَلَا غَيرهمَا من غَالب الْمُحَقِّقين على مَسْأَلَة الصُّلْح الْمَذْكُورَة. وَحَيْثُ لاَ عَيْنَ وَلاَ دَيْنَ وَلاَ كالِىءٍ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلاَ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه (لَا) نَافِيَة للْجِنْس (عين) اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف أَي مَوْجُودَة فِي التَّرِكَة (وَلَا دين) إعرابه كَالَّذي قبله وَالْجُمْلَة معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا (وَلَا كالىء) يُقَال فِيهِ مَا قيل فِي الَّذِي قبله (سَاغَ) جَوَاب حَيْثُ (مَا) فَاعل سَاغَ (من إِرْث) بَيَان لما (بذلا) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صلَة مَا وَالْمعْنَى أَنه إِذا لم يكن شَيْء مِمَّا ذكر فِي التَّرِكَة فَإِنَّهُ يجوز الْإِرْث الَّذِي أعطي للزَّوْجَة من التَّرِكَة قلّ أَو كثر صلحا عَن واجبها فِيهَا كَمَا لَو كَانَ فِيهَا عرض وَطَعَام وعقار فَأعْطيت الْعرض أَو بعضه صلحا عَن اتِّبَاع نصِيبهَا فِيمَا عداهُ كَانَت قِيمَته أقل من قيمَة نصِيبهَا فِي الْجَمِيع أَو أَكثر أَو مُسَاوِيَة، وَيجوز أَن تكون من لَيست بَيَانا لما بل بِمَعْنى عَن تتَعَلَّق بقوله بذلا أَي سَاغَ الشَّيْء الَّذِي بذل لَهَا عَن إرثها من عِنْد الْوَارِث سَوَاء كَانَ المبذول عينا أَو غَيرهَا بِشَرْط أَن يجوز بَيْعه بهَا لَا بِلَحْم مثلا من غَيرهَا، وفيهَا حَيَوَان من جنسه أَو الْعَكْس كَمَا مرّ فَأطلق اتكالاً على ذَلِك. وَمَفْهُوم وَلَا عين أَنه إِذا كَانَ فِيهَا عين لم يجز بِعَين من عِنْد الْوَارِث، بل بِعرْض كَمَا مرّ تَفْصِيله مَعَ مَفْهُوم قَوْله: وَلَا دين عِنْد قَوْله: والتركات مَا تكوّن الخ. وَلذَا كَانَ الْأَنْسَب تَقْدِيم هَذَا الْبَيْت، وَالَّذِي قبله هُنَاكَ، وَمَفْهُوم وَلَا كالىء هُوَ الْبَيْت الَّذِي قبله حَيْثُ لم يكن فِيهَا عين أَو دين، وإلاَّ فقد تقدم تَفْصِيله أَيْضا. وَإنْ يَفُتْ مَا الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ لَمْ يَجْزِ إلاَّ مَعْ قَبْضٍ يَجِبُ (وَإِن يفت) شَرط وَفعله (مَا) مَوْصُولَة فَاعل يفت (الصُّلْح) مُبْتَدأ (فِيهِ) يتَعَلَّق بقوله (يطْلب) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة صلَة مَا والرابط الْمَجْرُور بفي (لم يجز) جَوَاب الشَّرْط وفاعله ضمير يعود على عقد الصُّلْح (إِلَّا) اسْتثِْنَاء من مُقَدّر أَي لم يجز مَعَ حَال من الْأَحْوَال إِلَّا (مَعَ) يتَعَلَّق بيجز كَقَوْلِك: مَا مَرَرْت إِلَّا مَعَ زيد (قبض) مُضَاف إِلَيْهِ (يجب) فِي مَحل الصّفة لقبض، وَالْمعْنَى أَنه إِذا فَاتَ الشَّيْء الَّذِي الصُّلْح يطْلب فِيهِ وَهُوَ الْمصَالح عَنهُ لم يجز عقد الصُّلْح فِيهِ إِلَّا مَعَ قبض يجب للْمصَالح بِهِ كَمَا إِذا غصبه عبدا أَو سَرقه ثوبا، وَفَاتَ ذَلِك بذهاب عينه(1/371)
وَنَحْو ذَلِك فَلَا يجوز الصُّلْح فِي ذَلِك إِلَّا بِقَبض الْمصَالح بِهِ ناجزاً لِأَنَّهُ لما فَاتَ ترتبت قِيمَته دينا فِي ذمَّة الْمُتَعَدِّي فَالصُّلْح عَنهُ صلح عَن الْقيمَة فَلَا يجوز بِالتَّأْخِيرِ إِلَّا بِدَرَاهِم قدر قِيمَته أَو أقل أَو ذهب كَذَلِك وَهُوَ مِمَّا يُبَاع بِهِ كَمَا مرّ مُسْتَوفى تَفْصِيله فِي التَّنْبِيه قبل هَذَا الْفَصْل، وَمَفْهُوم أَن يفت أَنه لَو كَانَ قَائِما جَازَ وَلَو بِالتَّأْخِيرِ وَهُوَ كَذَلِك. وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فِيمَا ادُّعِي وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي (وَجَائِز) خبر عَن قَوْله (تحلل) سوغ الِابْتِدَاء بِهِ تعلق (فِيمَا ادعِي) بِهِ وَيجوز أَن يكون جَائِز مُبْتَدأ وتحلل أغْنى عَن الْخَبَر على مَذْهَب من لَا يشْتَرط الِاعْتِمَاد وَادّعى صلَة مَا والعائد مَحْذُوف أَي بِهِ وَجُمْلَة قَوْله: (وَلم تقم بَيِّنَة للْمُدَّعِي) حَالية أَي لم تقم لَهُ بَيِّنَة أصلا مَعَ جهلهما بِقَدرِهِ، فَإِن قَامَت بِهِ وَرجع أَحدهمَا لقولها: فَالصُّلْح حِينَئِذٍ حَقِيقِيّ يعْتَبر فِي جَوَازه الشُّرُوط الْمُتَقَدّمَة فَقَوله فِيمَا ادّعى الخ يدْخل فِيهِ مَا إِذا جهل أَو نسي كل مِنْهُمَا قدر الْمُدَّعِي بِهِ مَعَ اعترافهما بِأَصْل وجوده أَو بِهِ بَيِّنَة وَلم يرجع أَحدهمَا لقولها، وَمَا إِذا علماه وَسَماهُ الْمُدَّعِي دون الآخر، وَلَا بَيِّنَة أَيْضا أَو بِهِ بَيِّنَة وَلم تعين قدره على القَوْل بِعَدَمِ قبُولهَا كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا الخ. وَسَوَاء كَانَ الْمُدعى بِهِ حظاً فِي عقار أَو غَيره لَا فِي هَذَا وَلَا فِيمَا إِذا جهلا مَعًا لَكِن فِيمَا إِذا سَمَّاهُ الْمُدَّعِي وَعلمه دون الآخر لَا بُد من اعْتِبَار شُرُوط الصُّلْح، لِأَن الآخر إِمَّا أَن يكون مُنْكرا لما ادّعى بِهِ عَلَيْهِ جملَة فَيكون افتداءاً من الْيَمين أَو مقرا بِهِ لَا بِقَدرِهِ أَو بِهِ وبقدره وَالْكل دَاخل فِي قَوْله: وَهُوَ كَمثل البيع فِي الْإِقْرَار كَذَاك للمحجور فِي الْإِنْكَار فَيجب إِخْرَاج هَذَا من عُمُوم كَلَامه هُنَا لِئَلَّا يُؤَدِّي للتكرار وَلِأَنَّهُ عبر بالتحلل وَهُوَ إِنَّمَا هُوَ مَنْقُول فِيمَا إِذا جهلاه مَعًا أما إِن علمه وَسَماهُ أَحدهمَا فَهُوَ وَإِن عبر عَنهُ بَعضهم بالتحلل أَيْضا بِاعْتِبَار الْمُدعى عَلَيْهِ، لَكِن الْمَنْصُوص فِي الْمُدَوَّنَة وَهُوَ الأول وَهُوَ التَّحَلُّل الْحَقِيقِيّ فَإِن علمه الْمُدَّعِي وَلم يسمه لم يجز الصُّلْح وَإِن وَقع بَطل إِذا علم الْمُدعى عَلَيْهِ بِعلم الْمُدَّعِي الْمُدعى وَأما إِن لم يعلم بِعِلْمِهِ وَقت العقد فَهِيَ كالصبرة يعرف البَائِع كيلها دون الْمُبْتَاع فَيُخَير حِينَئِذٍ فِي الْفَسْخ(1/372)
وَعَدَمه قَالَه أَبُو الْحسن. وَإِنَّمَا جَازَ الصُّلْح فِيمَا جهلاه أَو نسياه مَعَ أَن الصُّلْح بيع يشْتَرط فِيهِ عدم الْجَهْل لِأَن اشْتِرَاط الشَّيْء إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَلَا قدرَة هُنَا فَيجوز الصُّلْح على وَجه التَّحَلُّل فِي حَظّ من دَار لَا يعرفان قدره، وَكَذَا فِي دَرَاهِم لَا يعرفان عَددهَا بِعرْض أَو ذهب أَو دَرَاهِم عَاجلا لَا بِالتَّأْخِيرِ، وَتَأمل لم لم يشترطوا هُنَا تحقق التَّمَاثُل فِي الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ؟ لِأَن ذَلِك على وَجه التَّحَلُّل. أَبُو الْحسن: كل مَوضِع لَا يقدران على الْوُصُول إِلَى معرفَة ذَلِك فَالصُّلْح فِيهِ جَائِز على معنى التَّحَلُّل، وَمثله بيع الصُّبْرَة لَا يعرفان كيلها، وَمثله لِابْنِ الْقَاسِم فِي المتجاعلين على حفر بِئْر أَي جهلا جَمِيعًا صفة الأَرْض من رخو أَو صلابة اه. أَو يُقَال وَهُوَ الظَّاهِر مَحل جَوَازه فِي الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة إِن كَانَ لَا يشك أَن الْمَأْخُوذ من الدَّرَاهِم الْآن أقل من الْمُدَّعِي بهَا، وإلاَّ منع كَمَا قَالُوا فِيمَن اسْتهْلك صبرَة من قَمح مثلا لَا يُصَالح على التَّحَرِّي بمكيله من جنسه إِلَّا أَن يتَحَقَّق أَن الْمَأْخُوذ أدنى من كيل الصُّبْرَة لِأَنَّهُ أَخذ لبَعض الْحق وَقِيمَة للْبَاقِي كَمَا فِي (ق) أول بَاب الصُّلْح، ثمَّ إِن هَذَا الْبَيْت كالاستثناء من قَوْله: فِيمَا مر وكل مَا اتَّقى بيعا يَتَّقِي الخ. لَكِن جَازَ الْجَهْل فِي بعض أَفْرَاد الصُّلْح على وَجه التَّحَلُّل كَمَا جَازَ فِي بعض أَفْرَاد الْبياعَات كالصبرة وَنَحْوهَا. وَالصُّلح فِي الكالِىءِ حَيْثُ حَلاَّ بِالصَّرْفِ فِي العَيْنِ لِزَوْجٍ حَلاَّ (وَالصُّلْح) مُبْتَدأ (فِي الكالىء) بِالْهَمْز يتَعَلَّق بِهِ (حَيْثُ) ظرف زمَان هُنَا على قلَّة فِيهِ مُجَرّد عَن معنى الشَّرْط يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ، وَيجوز أَن يكون ظرف مَكَان مضمن معنى الشَّرْط خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه وَالْأول أظهر معنى (حلا) جملَة فعلية فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ على كلا الْوَجْهَيْنِ (بِالصرْفِ) يتَعَلَّق بِالصُّلْحِ على الأول أَو بِحل آخر الْبَيْت على الثَّانِي لَا بِالصُّلْحِ لما يلْزم عَلَيْهِ من الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله بأجنبي (فِي الْعين) يتَعَلَّق بِالصرْفِ (لزوج) يتَعَلَّق بقوله: (حلا) الَّذِي هُوَ جَوَاب حَيْثُ على الثَّانِي، وَالْجُمْلَة من حَيْثُ وجوابها خبر الْمُبْتَدَأ. وحلا الأول ضد أحل، وَالثَّانِي ضد حرم وَبَينهمَا جناس تَامّ، وَالْمعْنَى على الأول وَالصُّلْح فِي الكالىء وَقت حُلُول أَجله بِالصرْفِ فِي الْعين جَائِز لزوج، وعَلى الثَّانِي وَالصُّلْح فِي الكالىء إِذا حل أَجله جَائِز للزَّوْج بِالصرْفِ فِي الْعين وأشعر قَوْله لزوج أَن المُرَاد بالكالىء فِي كَلَامه دين الزَّوْجَة من صَدَاقهَا، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ من بَاب صرف مَا فِي الذِّمَّة وَعَلِيهِ فَلَا خُصُوصِيَّة لدين الزَّوْجَة وَلَا الزَّوْج، بل كل دين من عين فِي الذِّمَّة يجوز صرفه بعد حُلُول أَجله لَا إِن لم يحل كَمَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله فِي الصّرْف عاطفاً على الْمَنْع أَو بدين تأجل، وَإِن من أَحدهمَا فمفهوم قَوْله: إِن تأجل هُوَ قَول النَّاظِم هُنَا حل أَي يجوز صرف مَا حل مِنْهُ كلا أَو بَعْضًا بمعجل لَا بمؤجل، فَإِنَّهُ(1/373)
لَا يجوز وَلَو تعجله لوُقُوعه فَاسِدا بِاشْتِرَاط تَأْخِيره كَمَا فِي الْمُدَوَّنَة؛ وَانْظُر لَو وَقع بِدَنَانِير عَن دَرَاهِم أَو بِالْعَكْسِ وَجعل التَّأْخِير بِدُونِ شَرط، وَنقل أَوَاخِر الصُّلْح من المعيار جَوَاز ذَلِك. قلت: وَمثله يُقَال فِي تَأْخِير الْحَوْز فِي التصيير بِغَيْر شَرط بل هُوَ أَحْرَى وَمحل النّظم إِن اتفقَا على الْحُلُول أَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة، فَإِن اخْتلفَا فِي الْحُلُول وَعَدَمه وَلَا بَيِّنَة فسد لِأَنَّهُ صرف مستأخر بِالنِّسْبَةِ لمنكره كَمَا مرّ، وَيحْتَمل أَن يعمم فِي كَلَامه أَولا فيراد بالكالىء مُطلق الدّين الْمُؤخر كَانَ لزوجة أَو غَيرهَا طَعَاما كَانَ أَو عرضا أَو عينا. وَقَوله: بِالصرْفِ فِي الْعين لزوج إِشَارَة لحكم بعض مَا شَمله الْعُمُوم الْمَذْكُور إِذْ لَا مَفْهُوم حِينَئِذٍ للصرف وَلَا للزَّوْج، فَيكون كَقَوْل (خَ) فِي الصُّلْح: وَجَاز عَن دين بِمَا يُبَاع بِهِ الخ. وَقد تقدم هَذَا عِنْد قَوْله: وكل مَا اتَّقى بيعا يَتَّقِي اه.
(بَاب النِّكَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ)
من صِحَة وَفَسَاد وَمن لَهُ الْإِجْبَار من الْأَوْلِيَاء وترتيبهم إِلَى غير ذَلِك وَهُوَ لُغَة الضَّم والتداخل، وَيُطلق على الْوَطْء وَالْعقد وَأكْثر اسْتِعْمَاله فِي الْوَطْء، وَيُسمى بِهِ العقد لكَونه سَببا فِيهِ، وَهل هُوَ حَقِيقَة فِي الْوَطْء مجَاز فِي العقد أَو الْعَكْس أَو حَقِيقَة؟ فيهمَا أَقْوَال. أَصَحهَا الأول ابْن عبد السَّلَام، وَالثَّانِي أقرب لُغَة وَالْأول أقرب شرعا أَي حَتَّى قيل لم يرد فِي الْقُرْآن إِلَّا للْعقد وَلَو فِي قَوْله تَعَالَى: حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} (الْبَقَرَة: 230) لِأَن الْمَعْنى حَتَّى يعْقد عَلَيْهَا لَكِن السّنة بيّنت أَن لَا عِبْرَة بِالْعقدِ فِي التَّحْلِيل، بل حَتَّى يحصل الْوَطْء بعده، وَقيل هُوَ فِي هَذِه الْآيَة بِمَعْنى الْوَطْء كَمَا أَنه كَذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى: الزَّانِي لَا ينْكح} (النُّور: 3) الخ وَثَمَرَة الْخلاف على الْأَوَّلين من زنى بِامْرَأَة هَل تحرم على ابْنه وَأَبِيهِ أم لَا؟ قَالَه (تت) وَقَالَ ابْن عَرَفَة: عقد على مُجَرّد مُتْعَة التَّلَذُّذ بآدمية غير مُوجب قيمتهَا بِبَيِّنَة قبله غير عَالم عاقدها حرمتهَا إِن حرمهَا الْكتاب على الْمَشْهُور أَو الْإِجْمَاع على الآخر اه. فَقَوله عقد جنس وعبّر بِهِ لِأَنَّهُ يفْتَقر إِلَى إِيجَاب وَقبُول. وَقَوله: على مُجَرّد مُتْعَة من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف، وَالتَّقْدِير على مُتْعَة التَّلَذُّذ الْمُجَرَّدَة، وَخرج بِهِ العقد على الْمَنَافِع كَالْإِجَارَةِ وَنَحْوهَا، وَلم يقل عقد مُعَاوضَة كَالْبيع لِأَن الْمُعَاوضَة هُنَا غير مَقْصُودَة وَالْمَقْصُود المعاشرة، وَلذَا يَقُولُونَ: النِّكَاح مَبْنِيّ على المكارمة وَخرج بالمجردة العقد على شِرَاء الْأمة للْوَطْء، وَقَوله: بآدمية خرج بِهِ العقد على الجنية. وَقَوله: غير مُوجب الخ حَال من التَّلَذُّذ أَي حَال كَون التَّلَذُّذ بِتِلْكَ الْآدَمِيَّة غير مُوجب قيمتهَا، وَأخرج بِهِ الْأمة المحللة إِن وَقع بَيِّنَة. وَقَوله: بِبَيِّنَة حَال من التَّلَذُّذ أَيْضا أخرج بِهِ صور الزِّنَا الْمشَار لَهَا بقول (خَ) : أَو وجدا فِي(1/374)
بَيت وأقرّا بِهِ وادعيا النِّكَاح حدا. الخ. وَشَمل قَوْله: بِبَيِّنَة الخ الْبَيِّنَة الْحَقِيقِيَّة والحكمية كتصديق الطارئين والخصي فِيهَا لِأَنَّهُمَا يصدقان فِي كَون النِّكَاح كَانَ بِبَيِّنَة، وَأما الفشو وَالْعدْل الْوَاحِد فَإِنَّهُ وَإِن قَامَ كل مِنْهُمَا مقَامهَا فِي نفي الْحَد فَإِنَّمَا ذَلِك لِكَوْنِهِمَا شُبْهَة لَا لثُبُوت النِّكَاح بهما، وَلذَا كَانَ يفْسخ. فَإِن قلت: الْفَسْخ بِطَلَاق وَهُوَ فرع النِّكَاح. فَالْجَوَاب: أَن الطَّلَاق إِنَّمَا لزم مُؤَاخذَة لَهما بِالْإِقْرَارِ أَن العقد كَانَ بِشَاهِدين فدرأنا الْحَد للشُّبْهَة وألزمنا الطَّلَاق مُرَاعَاة للإقرار قَالَه ابْن رشد. وَقَوله: غير عَالم صفة لعقد أَو حَال من الْمُتْعَة أَي حَال كَون الْمُتْعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا غير عَالم عاقدها حرمتهَا فَإِن علم حرمتهَا فزنا وَهل مُطلقًا حرمهَا الْكتاب كالأخت أَو الْإِجْمَاع كَبِنْت الْأَخ من الرَّضَاع أَو إِنَّمَا يكون زنا إِن كَانَ تَحْرِيمهَا بِالْكتاب لَا بِغَيْرِهِ؟ قَولَانِ. الْمَشْهُور الثَّانِي. وَقَول بَعضهم صَوَابه أَو الْكتاب أَو الْإِجْمَاع على الآخر، وَقَول آخَرين صَوَابه أَو وَالْإِجْمَاع بِزِيَادَة الْوَاو بعد أَو كُله لَا حَاجَة إِلَيْهِ لِأَن من اعْتبر الْإِجْمَاع يعْتَبر الْكتاب إِذْ كل مَا فِي الْكتاب مجمع عَلَيْهِ على أَن من قَالَ بِاعْتِبَار الْإِجْمَاع يَقُول بِاعْتِبَار الْكتاب بالأحرى. تَنْبِيه: فهم مِمَّا مرّ أَن الطارئين إِذا تقاررا على النِّكَاح واتفقا عَلَيْهِ قبل قَوْلهمَا، وَأما إِن كَانَا من أهل الْبَلَد فَفِي أقضية الْبُرْزُليّ لَا يقْضِي القَاضِي بقولهمَا أَنَّهُمَا زوجان إِلَّا بعد إِثْبَات أصل النِّكَاح قَالَ: وَالْعَمَل الْيَوْم أَنَّهُمَا لَا بُد أَن يثبتا عِنْد قَاضِي الْأَنْكِحَة أَنه يحوزها بحوز الزَّوْجِيَّة بِجَمَاعَة من الْموضع الَّذِي هما بِهِ، وَكَذَا إِذا طَلقهَا وَأَرَادَ ارتجاعها وَلم يأتيا بِالصَّدَاقِ أَو تجحده الْمَرْأَة وَلم يعثرا على شَاهِدي النِّكَاح، فَلَا بُد من تَعْرِيف القَاضِي بِأَنَّهُ كَانَ يحوزها وَاسْتِعْمَال مُوجب الارتجاع فَيسمع الطَّلَاق مِنْهُمَا ويعملان على مُوجب الرّجْعَة اه. وَسَتَأْتِي كَيْفيَّة وَثِيقَة النِّكَاح عِنْد قَوْله: وَالْمهْر والصيغة الخ. وَبِاعْتبَارِ النَّاكِحِ والنِّكَاحُ واجِبٌ أَوْ مَنْدوُبٌ أَوْ مُبَاحُ (وَبِاعْتِبَار الناكح) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف خبر عَن قَوْله. (النِّكَاح) على حذف مُضَاف أَي حكم(1/375)
النِّكَاح يخْتَلف بِاعْتِبَار حَال الناكح وَيدل على حذف الْخَبَر والمضاف الْمَذْكُورين قَوْله: (وَاجِب أَو مَنْدُوب أَو مُبَاح) أَو حرَام أَو مَكْرُوه فتعرض لَهُ الْأَحْكَام الْخَمْسَة، فَيجب على الرَّاغِب فِيهِ إِن خشِي الْعَنَت وَلم يكفه الصَّوْم أَو التَّسَرِّي وَلَو مَعَ اتِّفَاق عَلَيْهَا من حرَام، وَإِن أعفه أَحدهمَا فَالنِّكَاح أولى وَالْمَرْأَة مثل الرجل إِلَّا فِي التَّسَرِّي. ابْن عَرَفَة: وَقد يُوجِبهُ عَلَيْهَا عجزها عَن حفظهَا أَو سترهَا إلاّ بِهِ وَينْدب إِن لم يخْش الْعَنَت رجا نَسْله أَو لَا، وَلَو قطعه عَن عبَادَة غير وَاجِبَة وَكَذَا إِن كَانَ لَا أرب لَهُ فِي النِّسَاء وَرَجا نَسْله وإلاَّ فمباح حَيْثُ لم يقطعهُ عَن عبَادَة كالعقيم وَالشَّيْخ الفاني والخصي والمجبوب، وَيكرهُ لغير الرَّاغِب فِيهِ ويقطعه عَن عبَادَة غير وَاجِبَة، وَظَاهر الْمَازرِيّ وَلَو رجا النَّسْل وَصرح بِهِ. (ز) : وَيحرم فِيمَا عدا الأول من هَذِه الْأَقْسَام إِن خشِي ضَرَرا بِالْمَرْأَةِ بِعَدَمِ وَطْء أَو نَفَقَة أَو كسب محرم، وَلَو رَاغِبًا فِيهِ لم يخْش عنتاً، وَلابْن بشير عَن بَعضهم كَمَا فِي ابْن عَرَفَة تَقْسِيم آخر. قَالَ: إِن خَافَ الْعَنَت وَجب وإلاَّ حرم إِن أضرّ بِالْمَرْأَةِ لعَجزه عَن الْوَطْء أَو مُطلق النَّفَقَة أَو للأمن من مَال حرَام وإلاَّ ندب إِلَيْهِ إِن تشوق إِلَيْهِ وتشوش عَلَيْهِ فعله إِن تَركه وإلاَّ كره لَهُ إِن لم تكن لَهُ حَاجَة أَو قدر على التعفف وتزويجه يضيق حَاله ومباح إِن تَسَاوَت أَحْوَاله اه. وَمَا تقدم من أَنه يجب على من خشِي الْعَنَت وَلَو مَعَ إِنْفَاق من حرَام هُوَ مَا يفِيدهُ كَلَام ابْن بشير الْمُتَقَدّم وَكَلَام الشَّامِل، وَاعْتَرضهُ ابْن رحال بِأَن الْخَائِف من الْعَنَت مُكَلّف بترك الزِّنَا كَمَا هُوَ مُكَلّف بترك التَّزَوُّج الْحَرَام، فَلَا يحل فعل محرم لدفع محرم وَإِنَّمَا يُصَار لمثل هَذَا عِنْد الْإِكْرَاه كَالْمَرْأَةِ لَا تَجِد مَا يسد رمقها إِلَّا بِالزِّنَا اه. قلت: نَحوه قَول القلشاني عاطفاً على الْمَمْنُوع مَا نَصه: أَو بكسب من مَال لَا يحل الخ. وَقد يرد بِأَن مَا قَالُوهُ هُوَ من بَاب ارْتِكَاب أخف الضررين كَمَا أَن مَا فعلته الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة كَذَلِك لِأَن الْإِضْرَار بِالزَّوْجَةِ بِعَدَمِ الْإِنْفَاق أخف من الزِّنَا لِأَن الْإِنْفَاق يُمكن إِسْقَاطه لِأَنَّهُ حق لَهَا وإطعامها من الْحَرَام يُمكن التَّحَلُّل مِنْهُ، وَأَيْضًا فَإِن كلا مِنْهُمَا مترقب فَيمكن عدم حُصُوله لقَوْله تَعَالَى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله} (النُّور: 32) الْآيَة. وَلِأَنَّهُ يزجز عَن الْإِضْرَار وإطعامها الْحَرَام وإلاَّ طلق عَلَيْهِ على أَن إطعامها الْحَرَام فسق وَالْفَاسِق غير كُفْء فللزوجة الْفَسْخ وَلها الرِّضَا كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وحيثما زوج بكرا غير الْأَب. وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذَا يجب عَلَيْهِ التَّزَوُّج كَمَا يجب عَلَيْهِ ترك الْإِنْفَاق من حرَام فَهُوَ مُكَلّف بأمرين فيرتكب أخفهما. ثمَّ إِن فَائِدَته غض الْبَصَر وتحصين الْفرج والإطلاع على مُعظم لَذَّة من لذات الْجنَّة، وَكَثْرَة النَّسْل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (تناكحوا تَنَاسَلُوا) الحَدِيث. وَيسْتَحب نِكَاح الْبكر لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (عَلَيْكُم بِنِكَاح الْأَبْكَار فَإِنَّهُنَّ أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير) وَقَالَ: (هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) وَأَن(1/376)
يخْطب يَوْم الْجُمُعَة بعد صَلَاة الْعَصْر وَيكرهُ صدر النَّهَار كَمَا فِي الطرر، وَأَن يعْقد فِي شَوَّال كَمَا فعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعائشة رَضِي الله عَنْهَا، وَأَن يَبْنِي بِهِ وَأَن يُخَالف الْجُهَّال فِي تَركهم فعل ذَلِك فِي الْمحرم، بل يقْصد العقد وَالدُّخُول فِيهِ تمسكاً بِمَا عظم الله وَرَسُوله من حرمته ورجاء بركته كَمَا فِي آخر السّفر الأول من المعيار قَالَه (م) . والمَهْرُ والصِّيغَةُ والزَّوْجَانِ ثُمَّ الْوَلِيُّ جُمْلَةُ الأرْكانِ (وَالْمهْر) مُبْتَدأ (والصيغة والزوجان) معطوفان عَلَيْهِ (ثمَّ) للتَّرْتِيب الإخباري (الْوَلِيّ) مَعْطُوف أَيْضا (جملَة الْأَركان) خبر، وَيجوز الْعَكْس، وَمرَاده كَابْن الْحَاجِب و (خَ) بالركن مَا لَا تُوجد الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة إِلَّا بِهِ فَتدخل الْخَمْسَة الَّتِي فِي النّظم لِأَن العقد لَا يتَصَوَّر إِلَّا من عاقدين وهما شرعا الْوَلِيّ وَالزَّوْج، وَمن مَعْقُود عَلَيْهِ وَهِي الزَّوْجَة وَالصَّدَاق نصا كَمَا فِي نِكَاح التَّسْمِيَة أَو حكما فِي التَّفْوِيض إِذْ الصَدَاق فِيهِ مَوْجُود حكما لِأَنَّهُمَا لم يدخلا على إِسْقَاطه وَلَو دخلا على إِسْقَاطه لم يَصح كَمَا يَأْتِي وَلَا يتَصَوَّر أَيْضا إِلَّا بِصِيغَة وَقد خصها الشَّرْع بِمَا يَأْتِي فِي قَوْله فالصيغة النُّطْق الخ. وَقد عد فِي الشَّامِل هَذِه الْأَركان شُرُوطًا لِأَن النِّكَاح الَّذِي هُوَ العقد معنى من الْمعَانِي والزوجان وَالْوَلِيّ وَالصَّدَاق ذَوَات فَلَا يَصح تَفْسِيره بهَا، وأركان الشَّيْء أجزاؤه، وَهَذِه خَارِجَة عَنهُ. وَكَذَا الصِّيغَة خَارِجَة عَنهُ إِذْ بهَا يُوجد العقد الَّذِي هُوَ الرَّبْط، وَجعل ابْن مُحرز الْوَلِيّ وَالصَّدَاق وَالشُّهُود شُرُوطًا والزوجين ركنا وَهُوَ أظهر وَلَا يُعَكر عَلَيْهِ مَا مرّ لِأَن الْمَقْصُود من الزَّوْجَيْنِ رضاهما وَالرِّضَا معنى يَصح تَفْسِير النِّكَاح بِهِ، وَلذَا قَالَ (ح) : الظَّاهِر أَن الزَّوْج وَالزَّوْجَة ركنان وَالْوَلِيّ والصيغة شَرْطَانِ، وَأما الصَدَاق وَالشُّهُود فليسا بركنين وَلَا شرطين لِأَن الشَّهَادَة شَرط فِي الدُّخُول لَا فِي العقد وَالصَّدَاق لَا يشْتَرط التَّعَرُّض لَهُ، وَإِنَّمَا يشْتَرط أَن لَا يدخلا على إِسْقَاطه اه بِاخْتِصَار فَقَوله: وَالْوَلِيّ الخ يُرِيد إِن كَانَ غير مجبر وإلاَّ فرضاه ركن لَا شَرط تَأمل. وَقد علمت أَن من نظر إِلَى أَن العقد الشَّرْعِيّ لَا يُوجد إِلَّا بهَا عدهَا أركاناً، وَمن نظر إِلَى كَونهَا خَارِجَة عَنهُ وَأَنَّهَا غَيره لم يَصح تَفْسِيره بهَا عدهَا شُرُوطًا، وَمن نظر إِلَى أَن العقد لُغَة يُوجد فِي نَفسه من عَاقد وَهُوَ الزَّوْج وَالزَّوْجَة، لَكِن يشْتَرط فِي صِحَّته شرعا الْوَلِيّ والصيغة جعل الْأَوَّلين ركنين والثانيين شرطين، وَالْكل صَحِيح معنى وَالله أعلم، فَإِن زوجت نَفسهَا بِغَيْر ولي فسخ وَلَو طَال وَهل بِطَلَاق؟ قَولَانِ: لِابْنِ الْقَاسِم وَابْن نَافِع. وَكَيْفِيَّة وثيقته تزوج فلَان الْفُلَانِيّ فُلَانَة الْفُلَانِيَّة الْبكر فِي حجر والدها الْمَذْكُور، وَتَحْت ولَايَة نظره الْحل للنِّكَاح على صدَاق(1/377)
مبارك مبلغ قدره كَذَا وكَالَته كَذَا يُؤَدِّيه لَهَا تقاضياً بِحَسب كَذَا آخر كل عَام تزَوجهَا بِكَلِمَة الله الْعلية، وعَلى سنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْيَمين والأمان، وَمَا جَاءَ فِي مُحكم الْقُرْآن من إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان أنكحه إِيَّاهَا والدها الْمَذْكُور أَو وصيها الْمُجبر بِمَالِه من الْإِجْبَار عَلَيْهَا حَسْبَمَا يرسم الْإِيصَاء أَعْلَاهُ أَو حوله، أَو وَليهَا أَخُوهَا فلَان أَو عَمها أَو ابْن عَمها وَقَبله الزَّوْج الْمَذْكُور قبولاً تَاما وارتضاه وألزمه نَفسه وأمضاه، وَالله يوفق بَينهمَا لما يُحِبهُ ويرضاه عرفا قدره شهد عَلَيْهِمَا بِهِ وهما بأتمه أَو أكمله وعرفهما، وَفِي كَذَا، وَلَا شكّ أَن الْوَثِيقَة تَضَمَّنت الْأَركان الْمَذْكُورَة واحترزت بِقَوْلِي الْبكر من الثّيّب فَلَا بدّ من إِذْنهَا زَوجهَا أَبوهَا أَو غَيره كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وتأذن الثّيّب بالإفصاح الخ. فَإِن سقط ذَلِك من الرَّسْم وَلم يبين بكرا وَلَا ثَيِّبًا فَلَا كَلَام للزَّوْج كَمَا قَالَ (خَ) : وَلَا رد بالثيوبة إِلَّا أَن يَقُول عذراء الخ. وَسَيَأْتِي قَول النَّاظِم أَيْضا: وَالزَّوْج حَيْثُ لم يجدهَا بكرا الخ. وبقولي فِي حجر والدها مِمَّا لَو كَانَت بكرا وَلَيْسَت فِي حجره كالمرشدة وَمثلهَا المعنسة فَلَا بدّ من إذنهما أَيْضا كَمَا يَأْتِي فِي نَظَائِره عِنْد قَوْله: واستنطقت لزائد فِي العقد الخ. وبقولي: الْحل للنِّكَاح الخ. احْتِرَازًا من الْمَوَانِع الَّتِي تمنع تزَوجهَا من عدَّة وَفَاة أَو كَونهَا فِي نِكَاح آخر وَنَحْو ذَلِك فَإِن سقط ذَلِك من الرَّسْم لم يضر لِأَن الأَصْل انْتِفَاء الْمَانِع، وَفِي المعيار عَن ابْن المكودي أَن النِّكَاح على السَّلامَة وَالصِّحَّة إِن سقط من رسمه خلو من زوج وَفِي غير عدَّة وَأَنه لَا يحْتَاج إِلَى ذكره، وَسَيَأْتِي عِنْد قَول النَّاظِم وحيثما العقد لقاض قد ولى الخ. مَا إِذا سقط ذَلِك فِي الثّيّب وَأَن (ح) استظهر أَن سُقُوطه غير مُضر وَفِي الفشتالي مَا يُخَالِفهُ وبقولي على صدَاق مبارك الخ. مِمَّا لَو نصوا على إِسْقَاطه فَالْعقد فَاسد يفْسخ قبل الْبناء اتِّفَاقًا وَفِي فَسخه بعده وتصحيحه بِصَدَاق الْمثل. قَولَانِ، وَإِن لم يتَعَرَّضُوا لَهُ أصلا فَهُوَ نِكَاح تَفْوِيض وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله: أَو مَا فوّضا فِيهِ وحتماً للدخول فرضا الخ، وبقولي مبلغ نَقده كَذَا مِمَّا لَو لم يتَعَرَّضُوا لقدره وَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة مهما اخْتلفَا فِي قدر مهر وَالنِّكَاح عرفا أَي: عرف بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَلَا تسْقط الْبَيِّنَة لجهلها الْقدر، وَقد أنكر أَحدهمَا النِّكَاح من أَصله كَمَا مرّ عِنْد قَوْله: وَلم يُحَقّق عِنْد ذَاك العددا الخ. وَقَوْلِي مبلغ نَقده كَذَا الخ. لَا بُد فِيهِ من بَيَان السِّكَّة كَمَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وكل مَا يَصح ملكا يمهر الخ. فَإِن قَالُوا نقدها كَذَا أَو أقبضها أَو عجل لَهَا أَو قدم، وَنَحْوه بِصِيغَة الْمَاضِي فِي الْجَمِيع فَذَلِك مُقْتَض لقبضه وَإِن قَالُوا النَّقْد من ذَلِك كَذَا أَو مبلغ النَّقْد وَنَحْوه، فَهُوَ مُقْتَض لبَقَائه وَإِن قَالُوا: نَقده كَذَا بِالْمَصْدَرِ فَقَوْلَانِ. قَالَ ذَلِك كُله فِي الشَّامِل وَنَحْوه قَول ناظم الْعَمَل: إِن قيل نَقده كَذَا لَا نقد الخ. فَإِن قَالُوا: مبلغ نَقده كَذَا يُؤَدِّيه لَيْلَة الدُّخُول بهَا وَالدُّخُول مُخْتَلف. فَقيل: يفْسخ للْجَهْل بليلة الدُّخُول. وَقيل: لَا، وَبِه الْعَمَل قَالَ ناظمه: والنقد إِن أجل بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ من عقد على الْحُلُول وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد قَوْله وأمد الكوالىء الْمعينَة، وبقولي وكَالَته كَذَا الخ. مِمَّا لَو بينوا قدر الصَدَاق وَلم يتَعَرَّضُوا لنقد وَلَا لكالىء فَيجْرِي على مَا قَالُوهُ فِي الِاخْتِلَاف فِي أصل الْأَجَل فِي البيع فِيمَا يظْهر فَيحمل على الْحُلُول إِلَّا لعرف على أَنه قد نقل الْبُرْزُليّ عَن ابْن رشد فِي(1/378)
مسَائِل الْأَنْكِحَة أَنه مَحْمُول على الْحُلُول حَيْثُ لم يذكرُوا تأجيلاً وَلَا ضِدّه، وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الشَّامِل وَنَحْوه فِي الْمُدَوَّنَة، لَكِن قَالَ أَبُو الْحسن: لَو اتّفق هَذَا فِي زمننا لَكَانَ النِّكَاح فَاسِدا لِأَن الْعرف جرى بِأَنَّهُ لَا بُد من الكالىء فَيكون الزَّوْجَانِ قد دخلا على الكالىء وَلم يضربا لَهُ أَََجَلًا اه. وَانْظُر مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله: وأمد الكوالىء الْمعينَة الخ. وبقولي بِحَسب كَذَا آخر كل عَام الخ. مِمَّا لَو ذكرُوا الكالىء وَلم يتَعَرَّضُوا لأَجله فَسَيَأْتِي فِي قَوْله: وَأجل الكالىء مهما أغفلا الخ. والكلمة الْعلية هِيَ قَول لَا إل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1648 - ; هـ إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. إِذْ لَا يحل لكَافِر أَن يتَزَوَّج مسلمة. وَقيل هِيَ قَوْله تَعَالَى: فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 229) والدرجة الَّتِي قَالَ تَعَالَى: وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} (الْبَقَرَة: 228) الْآيَة هِيَ الطَّلَاق الَّذِي بِيَدِهِ، وَقيل الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ أكمل من شَهَادَة الْمَرْأَة، وَقيل غير ذَلِك. وَقَوْلِي: بِمَا لَهُ من الْإِجْبَار الخ رَاجع للْوَصِيّ الْمُجبر، وَتقول فِي الْأَب بِمَا ملكه الله من أمرهَا وَذَلِكَ كُله ظَاهر فِي عدم الاستئمار والمشاورة وَإِن كَانَت مشاورتهما أحسن وأحوط ليخرج من الْخلاف، وَقَوْلِي حَسْبَمَا برسم الْإِيصَاء الخ إِشَارَة إِلَى أَنه لَا بُد من نسخ رسم الْإِيصَاء لِئَلَّا تَدعِي أَنه لَيْسَ بوصي عَلَيْهَا، وَهَذَا إِذا أنْكحهَا الْمُجبر فَإِن زَوجهَا غَيره زِدْت فِي الْأَوْصَاف الْمُتَقَدّمَة الْبَالِغ فَتَقول الْبكر الْبَالِغ الخ. وَقلت: أنْكحهَا أَخُوهَا أَو ابْن عَمها كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ وَلَا بُد حِينَئِذٍ من أَن نقُول بِإِذْنِهَا ورضاها وتفويضها ذَلِك إِلَيْهِ تَلقاهُ مِنْهَا شهيداه أَو غَيرهمَا حَسْبَمَا أَعْلَاهُ أَو حوله بعد أَن استؤمرت وأعلمت بِالزَّوْجِ بعلاً، وَبِمَا بذل لَهَا من الصَدَاق مهْرا فصمتت أَو بَكت وَنَحْو ذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: والصمت إِذن الْبكر فِي النِّكَاح الخ. وَلَا تزوج إِلَّا بعد الْبلُوغ وَثُبُوت أَنه لَا أَب لَهَا وَلَا وَصِيّ وَأَن الصَدَاق صدَاق مثلهَا إِلَى غير ذَلِك كَمَا يَأْتِي فِي قَوْله: وحيثما زوج بكرا غير الْأَب فَمَعَ بُلُوغ بعد إِثْبَات السَّبَب الخ. وَيقبل قَوْلهَا فِي الْبلُوغ عِنْد إِرَادَة النِّكَاح إِذا أشبه قَوْلهَا كَمَا فِي الْبُرْزُليّ وَفِي المعيار عَن ابْن الْحَاج أَنه يعرف بُلُوغهَا فِي وَجههَا وقدها ويخبره ثِقَات النِّسَاء فَيشْهد الشَّاهِد بِهِ مُعْتَمدًا على ذَلِك الخ. فَإِن ادَّعَت بعد العقد أَنَّهَا غير بَالِغَة وَقد كَانَت أقرب بِهِ حِين العقد، فَلَا يلْتَفت إِلَى دَعْوَاهَا لِأَن إِقْرَارهَا عَامل فِي مثل هَذَا، فَإِن نظر إِلَيْهَا النِّسَاء فشهدن بِعَدَمِ الْبلُوغ فَفِي الْبُرْزُليّ وَنَقله (ح) أَنه يفْسخ النِّكَاح، وَفِي المعيار أَوَاخِر الكراس الأول من الْأَنْكِحَة عَن اليزناسني أَن الْبَيِّنَة بِعَدَمِ بُلُوغهَا لَا تقبل قَائِلا قد جَاءَت الرِّوَايَات بطرح الْبَيِّنَة الْمُقَابلَة لما أقرَّت بِهِ الْمَرْأَة فِيمَا تصدق فِيهِ من ذَلِك دَعْوَى الْمَرْأَة الْإِصَابَة بِعَدَمِ إرخاء السّتْر، وينكرها الزَّوْج وَيُقِيم بَيِّنَة بِالنسَاء أَنَّهَا عذراء فَيغرم جَمِيع الصَدَاق وَمن ذَلِك لَو أقرَّت الْمُطلقَة أَنَّهَا دخلت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فينظرنها النِّسَاء فَلَا يرين دَمًا بهَا فَإِنَّهَا تبين بِمُجَرَّد قَوْلهَا. وَاحْتج أَيْضا بِأَن النِّسَاء يعتمدن فِي شَهَادَتهنَّ على عدم الْبلُوغ بِعَدَمِ الإنبات وَهِي قد تزيل الشّعْر بِحَيْثُ لَا يرى النَّاظر شَيْئا. قلت: وَأَيْضًا فَإِن الْبلُوغ لَا ينْحَصر فِي الإنبات بل يكون بالاحتلام وَالسّن، وَمَا للبرزلي هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ابْن هِلَال وَالْفَائِق كَمَا فِي شرح ناظم الْعَمَل عِنْد قَوْله: وَجَاز للنسوة لِلْفَرجِ النّظر الخ. وَإِذا قُلْنَا بِقبُول بينتها بِعَدَمِ إِقْرَارهَا بِهِ أَو لم يضمن الشُّهُود إِقْرَارهَا بِهِ فَإِن شهِدت بَيِّنَة بِعَدَمِ الْبلُوغ بعد أَن صرح شُهُود الصَدَاق بِالْبُلُوغِ فَذَلِك من التَّعَارُض. وَلَا يُقَال تصريحهم فِي(1/379)
رسم الصَدَاق بِالْبُلُوغِ مُجَرّد حِكَايَة، لأَنا نقُول الْحِكَايَة الْمُجَرَّدَة جرت عَادَتهم بالتبرىء مِنْهَا فَيَقُولُونَ: قبل فلَان لزوجه بِزَعْمِهِ وَلَا وَارِث لَهُ سوى من ذكر فِي علم من علمه إِلَى غير ذَلِك، فَكَذَلِك هَؤُلَاءِ حَيْثُ قَالُوا: الْبَالِغ وَلم يزِيدُوا بزعمها علم أَن شَهَادَتهم بِالْبُلُوغِ مَقْصُودَة قَالَه فِي المعيار عَن ابْن عَطِيَّة الونشريسي، وَإِذا ثَبت التَّعَارُض فَيجْرِي ذَلِك على مَا مرّ فِي آخر الشَّهَادَات فَانْظُر ذَلِك هُنَاكَ. وَقَوله: جرت الْعَادة الخ، ظَاهر إِذا كَانَ الشُّهُود من أولي الْعلم وإلاَّ فَلَا. وَتَأمل مَا قَالُوهُ من الْفَسْخ مَعَ مَا فِي ضيح وَابْن عبد السَّلَام من أَن شَهَادَة النِّسَاء لَا تعْمل فِيمَا يُوجب الْفِرَاق، وَنَقله شَارِح نظم الْعَمَل فِي الْمحل الْمَذْكُور، وَقَوْلِي وَقَبله الزَّوْج الخ. أَي بفور علمه بِالْإِيجَابِ وَلَا يضر التَّأْخِير الْيَسِير فَإِن تَأَخّر الْإِشْهَاد على الزَّوْج بِالْقبُولِ أَو على الْوَلِيّ بِالْإِيجَابِ كَمَا لَو عقد الْأَب النِّكَاح على ابْنه الْمَالِك أَمر نَفسه أَو يعْقد الْوَلِيّ على وليته ويتأخر إعلامها أَو ينْعَقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ ويتأخر إِعْلَام الْوَلِيّ، فَذَلِك كُله هُوَ النِّكَاح الْمَوْقُوف ثَالِث الْأَقْوَال فِيهِ كَمَا فِي الفشتالي: إِن قرب جَازَ وَإِن بعد لم يجز، وَمحل الْخلاف إِذا لم يدع الْوكَالَة وَلم يقر بالافتيات اه. وَهُوَ معنى قَول (خَ) وَصَحَّ إِن قرب رِضَاهَا بِالْبَلَدِ وَلم يقرّ بِهِ أَي بالافتيات حَال العقد الخ، وَقَالَ أَيْضا: وَحلف رشيد وأجنبي وَامْرَأَة أَنْكَرُوا الرِّضَا وَالْأَمر حضوراً إِن لم ينكروا بِمُجَرَّد علمهمْ وَإِن طَال كثير الزم الخ. وحد الْقرب اليومان عِنْد سَحْنُون وَالثَّلَاثَة على مَا أفتى بِهِ ابْن لب قَائِلا، وَبِه الْعَمَل فِي هَذِه الْأَزْمِنَة. وَسبب الْخلاف بَين الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين من الثَّلَاثَة هَل الْخِيَار الْحكمِي كالشرطي أم لَا؟ وَمَفْهُوم قَوْله: بِالْبَلَدِ أَنه إِذا كَانَ بِغَيْر الْبَلَد لم يَصح فَمن سَحْنُون: قلت لِابْنِ الْقَاسِم فِيمَن زوج ابْنه الْكَبِير الْمُنْقَطع عَنهُ وَهُوَ غَائِب فَبَلغهُ ذَلِك فَرضِي وَكَانَ بَعيدا عَن مَوْضِعه فَقَالَ: لَا يُقَام على هَذَا النِّكَاح وَإِن رَضِي لِأَنَّهُمَا لَو مَاتَا لم يتوارثا اه. فالغائب تَارَة يكون غَائِبا عَن مَحل العقد حَاضرا بِالْبَلَدِ، وَتارَة يكون غَائِبا عَن الوطن قَالَه ابْن عرضون فِي جَوَاب لَهُ. قلت: وتأمله مَعَ مَا مرّ من أَن حد الْقرب اليومان وَالثَّلَاثَة فَلَعَلَّ هَذَا إِنَّمَا يتمشى على قَول عِيسَى من أَن حد الْقرب كَون العقد بِالسوقِ أَو بِالْمَسْجِدِ ويصار إِلَيْهَا بالْخبر من وقته وَالْيَوْم بعد اه، وَوَقعت نازلة وَهِي أَن رجلا زوج وَلَده الْمَالِك أمره أَو أَخَاهُ وَقبل لَهُ ذَلِك وَلم يسمع من الْمَعْقُود عَلَيْهِ ردّ وَلَا قبُول حَتَّى مَاتَ بعد ثَلَاثَة أَعْوَام، وَالْحَال أَن الْعَاقِد لم يدع توكيلاً وَلَا أقرّ بافتيات فَأجَاب ابْن عرضون والقصار وَغَيرهمَا بِأَن عَاقد نِكَاح غَيره وَإِن غَائِبا يحمل على الْإِذْن لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يعْقد أحد نِكَاح غَيره إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَالَهُ ابْن رشد اه. من الزياتي بِاخْتِصَار، ثمَّ إِنَّه تقدم حكم مَا إِذا سقط من الْوَثِيقَة معرفَة الْقدر عِنْد قَوْله: والتركات مَا تكون الصُّلْح الخ. كَمَا تقدم أَيْضا حكم مَا إِذا سَقَطت الْمعرفَة أَو التَّعْرِيف عِنْد قَوْله: وَيشْهد الشَّاهِد بِالْإِقْرَارِ الخ. وَتقدم أَيْضا حكم مَا إِذا سقط وَهُوَ بأتمه. تَنْبِيهَانِ. الأول: يثبت النِّكَاح بعد الْمَوْت بِشَهَادَة الْعدْل الْوَاحِد وَلَو الْخَاطِب على قبُول الزَّوْج أَو تَوْكِيل الزَّوْجَة لِأَنَّهُ غير عَاقد فَلَيْسَ شَاهدا على فعل نَفسه وَذَلِكَ رَاجع لِلْمَالِ فَيثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين كَمَا مرّ، وَسَوَاء أَخذ الْخَاطِب على خطبَته أجرا أم لَا على مَا بِهِ الْعَمَل كَمَا لِابْنِ نَاجِي.(1/380)
الثَّانِي: لَا يلْزم الزَّوْج تَعْجِيل النَّقْد إِلَّا أَن يدعى للْبِنَاء وَهُوَ بَالغ وَهِي مِمَّن تطِيق الْوَطْء، وَإِن لم تَحض بِخِلَاف مَا لَو أصدقهَا معينا كعرض ورقيق وَنَحْوهمَا فَيجب تَعْجِيله، وَلَا يجوز اشْتِرَاط تَأْخِيره كَالْبيع (خَ) وَوَجَب تَسْلِيمه إِن تعين وإلاَّ فلهَا منع نَفسهَا الخ. ويقبضه مجبر ووصي لَا غَيرهمَا وَلَو تولى عقد النِّكَاح إِلَّا بوكالة مَنْصُوص فِيهَا على الْقَبْض أَو يتَطَوَّع بضمانة قَالَ الغرناطي: تسمى فِي الْوَثِيقَة الزَّوْجَيْنِ وَعدد الصَدَاق وَمن أَي سكَّة هُوَ وَقبض النَّقْد أَو حُلُوله وَفِي تَأْجِيله إِلَى الْبناء خلاف وَتسَمى قابضة وَمن يجوز لَهُ قَبضه أَو تطوع الْقَابِض بضمانه الخ. وَفِي الدُّخُولِ الخَتْمُ فِي الإشْهَادِ وَهُوَ مُكَمِّلٌ فِي الانْعِقَادِ (وَفِي الدُّخُول) خبر عَن قَوْله (الْخَتْم فِي الْإِشْهَاد) يتَعَلَّق بالختم (وَهُوَ) مُبْتَدأ (مكمل) خَبره (فِي الِانْعِقَاد) يتَعَلَّق بِهِ أَو بِمَحْذُوف حَال من الْمُبْتَدَأ أَي الْوَاجِب فِي الْإِشْهَاد كَونه عِنْد الدُّخُول وَهُوَ حَال كَونه كَائِنا فِي الِانْعِقَاد أَي عِنْد العقد مُحَصل الْكَمَال. أَي: النّدب خوف موت أَحدهمَا أَو إِنْكَاره فَعلم مِنْهُ أَن الْإِشْهَاد لَيْسَ شرطا فِي صِحَة النِّكَاح وَلَا ركنا فِيهِ لوُجُود العقد وَصِحَّته بِحُصُول الْإِيجَاب من الْوَلِيّ وَالْقَبُول من الزَّوْج، وَإِنَّمَا هُوَ شَرط فِي الدُّخُول فَإِن دخل بِغَيْر إِشْهَاد فسخ بِطَلْقَة بَائِنَة كَمَا قَالَ (خَ) وَفسخ إِن دخل بلاه وَلَا حدّ إِن فَشَا وَلَو علم فَإِن لم يكن فشو حد إِن أقرا بِالْوَطْءِ وَإِلَّا عوقبا فَقَط، وَلَو جهلا وجوب الْإِشْهَاد ابْن يُونُس والباجي: وَالشَّاهِد الْوَاحِد لَهما بِالنِّكَاحِ وَمَعْرِفَة ابتنائهما باسم النِّكَاح، وَذكره، وإظهاره كالأمر الفاشي فِي سُقُوط الْحَد قَالَه ابْن الْمَاجشون وَأصبغ. وَإِذا فسخ فَلَهُمَا الْمُرَاجَعَة بعد الِاسْتِبْرَاء بِثَلَاث حيض وَتحرم على آبَائِهِ وأبنائه فَإِن عقد الْأَب على ابْنه فِي غيبته الْقَرِيبَة بِحَيْثُ لَو رَضِي لصَحَّ، لكنه لم يرض فَتحرم على أُصُوله وفصوله أَيْضا، وَإِن عقد عَلَيْهِ فِي حَال غيبته الْبَعِيدَة بِحَيْثُ لَو رَضِي لم يَصح على مَا مر تَفْصِيله لم تحرم قَالَه ابْن حبيب. وَظَاهر النّظم كَغَيْرِهِ أَنه يفْسخ وَإِن طَال وَولدت الْأَوْلَاد وَأَن الشُّهْرَة وَحدهَا من غير إِشْهَاد لَا تَكْفِي فِي عدم الْفَسْخ وَهُوَ مَا ذكره الشَّارِح عَن بعض شرَّاح(1/381)
الرسَالَة قَالَ: وَأفْتى ابْن لب بِأَن الْإِشْهَاد بِالنِّكَاحِ وشهرته مَعَ علم الْوَلِيّ والزوجين يَكْفِي وَإِن لم يحصل إِشْهَاد قَالَ: وَهَكَذَا كَانَت أنكحة كثير من السّلف وَفِي الْجَوَاهِر وَلم تكن أنكحة السّلف بإشهاد اه. قلت: وَهَذَا الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَول ابْن سَلمُون فَإِن كَانَ النِّكَاح وَالدُّخُول شَائِعا مشتهراً سقط الْحَد بِاتِّفَاق وَثَبت النِّكَاح اه. فَتَأمل قَوْله وَثَبت النِّكَاح. قَالَ سَيِّدي أَحْمد البعل فِي جَوَاب لَهُ نَقله العلمي فِي نوازله بعد أَن ذكر مَا نَصه: من أَرَادَ سلوك مَا نَقله الْمُوثقُونَ فليفسخ كل نِكَاح دخل صَاحبه بِغَيْر إِشْهَاد للنصوص الْوَارِدَة بذلك، وَمَا يفهم من عدم فَسخه على مَا للأقدمين عملا على الشُّهْرَة لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن الموثقين سبقُونَا إِلَى كَلَامهم فَلَو عدلوا عَنهُ إِلَى الْفَسْخ، فَلَمَّا فهم مِنْهُم أَنهم لَا يكتفون فِيهِ بالشهرة اه بِاخْتِصَار. قلت: تَأمله مَعَ تَعْلِيلهم الْفَسْخ بِأَنَّهُ سد لذريعة الْفساد إِذْ لَا يَشَاء إثنان يَجْتَمِعَانِ فِي خلْوَة على فَسَاد إِلَّا فعلا مثل ذَلِك وادعيا سبق عقد بِغَيْر إِشْهَاد فَيُؤَدِّي إِلَى ارْتِفَاع حد الزِّنَا وَالتَّعْزِير الخ. وَلَا شكّ أَن الشُّهْرَة يَنْتَفِي بهَا التَّعْلِيل الْمَذْكُور وَالْحكم يَدُور مَعَ علته. وَلذَا قَالَ ابْن شَاس: لَيْسَ الْإِشْهَاد ركنا وَلَا شرطا فِي العقد، وَإِنَّمَا هُوَ شَرط فِي الدُّخُول وَالْمَقْصُود إعلان النِّكَاح وإشهاره ليتميز عَن الزِّنَا، وَإِنَّمَا شرح الْإِشْهَاد لرفع الْخلاف المتوقع بَين الزَّوْجَيْنِ وَإِثْبَات حقوقهما، وعَلى هَذَا جرت أنكحة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم مَا كَانَت بِشَهَادَة اه.(1/382)
تَنْبِيه: ذكر فِي المعيار أَوَاخِر الكراس الثَّالِث من أنكحته أَن رُجُوع الشُّهُود عَن الشَّهَادَة بِالنِّكَاحِ بعد شهرته بِالْعقدِ وَالْبناء غير مُؤثر فَانْظُرْهُ. فالصِّيغَةُ النُّطْقُ بِما كأنكَحَا مِنْ مُقْتضٍ تَأبُّداً مُستوضحا (فالصيغة) مُبْتَدأ (النُّطْق) خَبره وَيجوز الْعَكْس (بِمَا) يتَعَلَّق بالنطق (كأنكحا) صلَة مَا (من) بَيَان لما (مُقْتَض) صفة لمَحْذُوف (تأبدا) مفعول بمقتض (مستوضحا) نعت لَهُ أَي الصِّيغَة من الْوَلِيّ هِيَ النُّطْق بِمَا هُوَ كأنكحا من كل لفظ مُقْتَض التأبد الْوَاضِح فأدخلت الْكَاف زوجت، فَإِنَّهُ ينْعَقد النِّكَاح بِهِ كأنكحت اتِّفَاقًا وأدخلت أَيْضا بِعْت وملكت ووهبت وتصدقت ومنحت وَأعْطيت وَنَحْو ذَلِك حَيْثُ قصد بهَا النِّكَاح وَظَاهره سمي مَعهَا صَدَاقا أم لَا. إِذْ الْمدَار عِنْده على كَونهَا تَقْتَضِي التَّأْبِيد لَا إِن لم يقْصد بهَا النِّكَاح فَلَا ينْعَقد كَمَا فِي شرَّاح (خَ) وَمَفْهُوم قَوْله: تأبدا الخ إِنَّه لَا ينْعَقد بِنَحْوِ: أعمرت أَو أوصيت أَو وأجرتها لَك أَو أعرتها أَو رهنتها لاقتضائها التَّوْقِيت دون التَّأْبِيد، وَعدم اللُّزُوم فِي الْوَصِيَّة وَظَاهره وَلَو قصد بهَا النِّكَاح أَو سمي مَعهَا الصَدَاق، وَمَا ذكره من أَنه ينْعَقد بِكُل لفظ يَقْتَضِي التَّأْبِيد هُوَ لِابْنِ الْقصار وَعبد الْوَهَّاب والباجي وَابْن الْعَرَبِيّ ودرج عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب فَقَالَ: الصِّيغَة كل لفظ يَقْتَضِي التَّأْبِيد مُدَّة الْحَيَاة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وَكَذَلِكَ وهبت بِتَسْمِيَة الصَدَاق. وَقَالَ فِي الْمُقدمَات: لَا ينْعَقد بِمَا عدا أنكحت وزوجت إِلَّا لفظ الْهِبَة حَيْثُ قرن بِصَدَاق وشهره فِي الشَّامِل فَقَالَ: وَصِيغَة بأنكحت وزوجت وَفِي وهبت مشهورها إِن ذكر مهْرا صَحَّ وإلاَّ فَلَا. وَقيل: يَصح ببعت وتصدقت بِقصد نِكَاح، وَقيل: بتحليل وَإِبَاحَة وكل لفظ يَقْتَضِي تَمْلِيكًا مُؤَبَّدًا إِلَّا إِجَارَة وعارية ورهناً وَوَصِيَّة الخ. فَأَنت ترَاهُ حكى مَا لِابْنِ الْعَرَبِيّ وَمن مَعَه بِصِيغَة. قيل: الْمُقْتَضِيَة للتضعيف فَيكون مَا فِي الْمُقدمَات هُوَ الرَّاجِح كَمَا فِي شرَّاح (خَ) وَأفهم قَوْله: كأنكحا أَن الْمُضَارع لَيْسَ كالماضي وَنَحْوه فِي الالتزامات قَائِلا الأَصْل فِي الْمُضَارع الْوَعْد، وَفِي الْمَاضِي اللُّزُوم وَنَحْوه لشراح الْمَتْن عِنْد قَوْله فِي الْخلْع(1/383)
وَالْبَيِّنَة إِن قَالَ: إِن أَعْطَيْتنِي ألفا فارقتك أَو أُفَارِقك إِن فهم الِالْتِزَام والوعد إِن وَطئهَا الخ. وَقَالَ فِي ضيح الْمُضَارع فِي النِّكَاح كالماضي وموه لأبي الْحسن قَائِلا يُؤْخَذ مِنْهَا أَن لفظ الْمُسْتَقْبل فِي النِّكَاح كالماضي بِخِلَاف البيع اه. وَفِي الإلتزامات أَن الْمُضَارع إِنَّمَا يدل اللُّزُوم مَعَ قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ تفهم من سِيَاق الْكَلَام بِخِلَاف وقرائن الْأَحْوَال اه. وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا هُوَ الْمُعْتَمد، وَأما الصِّيغَة من الزَّوْج فَهِيَ قبلت وَنَحْوه مِمَّا يدل على الْقبُول وَأفهم قَوْله النُّطْق أَن غَيره من إِشَارَة أَو كِتَابَة لَا يَكْفِي، وَمِنْه يعلم حكم الْمَسْأَلَة الأمليسية وَهِي مَا جرت بِهِ عَادَة الْبِلَاد من أَن الرجل يُوَجه من يخْطب لَهُ فيجاب بِالْقبُولِ ويتواعدون للْعقد لَيْلَة الْبناء، ثمَّ يبْعَث الرجل بحناء وحوائج تتزين بهَا ويولول النِّسَاء وَيسمع النَّاس وَالْجِيرَان فلَان تزوج فُلَانَة سُئِلَ عَن ذَلِك أَبُو سَالم بن إِبْرَاهِيم الجلالي فَقَالَ: أما إِن كَانَت الْعَادة الْمَذْكُورَة جَارِيَة عِنْدهم مجْرى العقد المصطلح عَلَيْهِ بِحَيْثُ يرتبون على تِلْكَ الْأُمُور من إرْسَال الْحِنَّاء وَغَيرهَا آثَار النِّكَاح، وَأَن المواعدة للْعقد لَيْلَة الْبناء لَيست هِيَ عِنْدهم لإنشاء العقد بل للإشهاد بِقدر الْمهْر وأجله، وَتَحْقِيق مَا قبض مِنْهُ وَمَا بَقِي خوف التَّنَازُع فِي ذَلِك فَلَا إِشْكَال فِي لُزُوم النِّكَاح وترتب آثاره عَلَيْهِ، وَأما إِن كَانَت الْعَادة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا هِيَ عِنْدهم تَوْطِئَة للْعقد وأمارة على ميل كل لصَاحبه فَلَا إِشْكَال فِي عدم اللُّزُوم وَإِن جهل الْحَال بِحَيْثُ لَو سُئِلَ أهل الْبَلَد هَل يقصدون العقد المنبرم أَو الْوَعْد، وَأَن الانبرام إِنَّمَا يَقع لَيْلَة الْبناء لم يجروا شَيْئا فَهَذَا مَحل الْإِشْكَال على مَاذَا يحمل هَل الانبرام أَو الْوَعْد. وَلَعَلَّ هَذَا الْقسم هُوَ مَحل الْخلاف، فَمن قَالَ إِنَّهَا تنزل منزلَة العقد المنبرم وَيَقُول: إِن أَرْكَان النِّكَاح كلهَا حَاصِلَة لِأَن الدّلَالَة الفعلية أقوى من القولية، وَمن قَالَ بِعَدَمِ اللُّزُوم يَقُول: إِن تِلْكَ الْأَوْصَاف غير العقد فَلَا تنزل مَنْزِلَته وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا حكم فمما يدل على اللُّزُوم جَوَاب الشريف المزدغي فِي يتيمة عقد عَلَيْهَا أَخُوهَا بِغَيْر وكَالَة غير أَن النَّاس حَضَرُوا وأكلوا وَكَانَ يبْعَث لَهَا بِالْحِنَّاءِ والفاكهة والصابون فِي المواسم والأعياد قَالَ فِيهِ: إِن صبغت بِالْحِنَّاءِ وأكلت من تِلْكَ الْفَاكِهَة مَعَ علمهَا لَزِمَهَا النِّكَاح اه. وَنَحْوه كَمَا يَأْتِي للعبدوسي وَابْن لب والبرزلي، وَمَا ذكره المزدغي وَابْن لب والعبدوسي يُؤْخَذ من قَول الْمَتْن وَإِن طَال كثيرا لزم بِالْأُخْرَى وَمَا ذكره الْبُرْزُليّ يُقيد بالطول الَّذِي فِي الْمَتْن وَالله أعلم. وَمِمَّا يدل على عَدمه جَوَاب أبي الْعَبَّاس البقيني فِي رجل خطب يتيمة من أَخِيهَا، وَاتَّفَقُوا على الزواج بِعَدَد مَعْلُوم وحوائج وحضروا بِمَجْلِس وَاحِد وأكلوا دون أَن تقع بَينهم شَهَادَة وَأَعْطَاهَا العفصة وألقتها فِي رَأسهَا، ثمَّ إِن الرجل فقد أَو أسر هَل يَصح لغيره العقد عَلَيْهَا أم لَا؟ فَقَالَ: لَا نِكَاح بَينهمَا وَلَا توارث وَلَا عدَّة، وَبِهَذَا جرت عَادَة الْمُفْتِينَ، وَأَنه إِذا لم يَقع إِشْهَاد فَلَا نِكَاح، وَكَانَ شَيخنَا سَيِّدي إِبْرَاهِيم بن فتوح يسْتَشْكل هَذَا، وَلَا سِيمَا إِذا عظم التراكن فِيمَا مثل هَذِه الْمَسْأَلَة اه. هَذَا ملخص مَا نقلوه من جَوَاب الجلالي الْمَذْكُور، وَلم أَقف على جَوَابه بِعَيْنِه، وَيُؤَيّد مَا للمزدغي مَا أفتى بِهِ ابْن لب والعبدوسي فِيمَن عقد(1/384)
عَلَيْهَا وَليهَا بِغَيْر وكَالَة من أَنَّهَا إِذا هنيت حِين العقد فَلم تنكر، أَو حضرت صَنِيع وليمتها دون إِظْهَار نَكِير لَزِمَهَا النِّكَاح، وَكَذَا نقل الْبُرْزُليّ عَن الرماح أَن النِّكَاح إِذا كَانَ مَشْهُورا فَإِنَّهُ يُغني عَن تَوْكِيل الْبكر أَو الثّيّب اه، وَيُؤَيّد مَا للبقيني مَا أجَاب بِهِ السَّرقسْطِي فِي امْرَأَة خطبت من والدها وأكلوا الطَّعَام قَالَ: إِن ثَبت أَن وَالِد الزَّوْجَة قَالَ: زوجت ابْنَتي الْبكر فُلَانَة من فلَان وَسمع من الزَّوْج أَنه قَالَ: تَزَوَّجتهَا فَإِنَّهُمَا يتوارثان وإلاَّ فَلَا اه. وَقَالَ أَيْضا فِي جَوَاب آخر عَن مثل النَّازِلَة الصِّيغَة وَهِي اللَّفْظ الدَّال على التَّزْوِيج والتزوج ركن من أَرْكَان النِّكَاح لَا ينْعَقد إِلَّا بهَا، فَإِن حصلت من الزَّوْج وَالْأَب وَالْأَب مجبر حصل النِّكَاح وإلاَّ فَلَا اه. وبمثله أجَاب (ق) وَابْن سراج كَمَا فِي المعيار وَغَيره إِلَّا أَن البقيني علل بِعَدَمِ الْإِشْهَاد وهم عللوا بفقد الصِّيغَة قَالُوا: وَهُوَ الصَّوَاب فِي التَّعْلِيل لما مر أَن الْإِشْهَاد لَيْسَ شرطا وَلَا ركنا. قلت: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون جَوَابه فِي قوم عَادَتهم أَن كل مَا يَفْعَلُونَهُ قبل الْإِشْهَاد لَغْو وَقَوْلهمْ وَهُوَ الصَّوَاب فِي التَّعْلِيل يَقْتَضِي إِن قَوْله فِي السُّؤَال، وَاتَّفَقُوا على الزواج الخ. أَنهم عقدوا لَا أَنهم تواعدوا وإلاَّ مَا حسن التَّعْلِيل بفقد الْإِشْهَاد أَو الصِّيغَة لِأَن الَّذِي لَا عقد فِيهِ لَا يُعلل بذلك لأَنهم يَقُولُونَ عقد فَاتَت فِيهِ الصِّيغَة أَو الْإِشْهَاد وَلَا يَقُولُونَ وعد فَاتَ فِيهِ مَا ذكر، وَقَوله: بعد وَلَا سِيمَا إِن عظم التراكن الخ. لَا يُنَافِي ذَلِك لِأَن التراكن وَإِن بلغ مَا بلغ لَا يكون عقدا فَالْمُرَاد بالتراكن العقد أَي وَلَا سِيمَا إِن عظم مَا يدل على العقد الخ. وَالتَّعْلِيل بفقد الصِّيغَة هُوَ الْجَارِي على مَا فِي النّظم وَغَيره، وَقَالَ فِي اللّبَاب: الصِّيغَة من الْوَلِيّ لفظ الخ. وَبِهَذَا يحسن مُقَابلَة مَا للبقيني بِمَا للمزدغي ونصيرنا زلتاهما متحدتي الْمَعْنى وَإِن الافتيات على الْمَرْأَة وَقع فيهمَا، وزادت نازلة الثَّانِي بفقد الصِّيغَة لِأَن قَوْله: اتَّفقُوا مُحْتَمل للاتفاق مَعَ الصِّيغَة أَو مَعَ عدمهَا، والمحتمل لَا دَلِيل فِيهِ، وَلذَا قَالُوا: الصَّوَاب التَّعْلِيل بفقدها، لَكِن حَيْثُ زَادَت نازلة الثَّانِي بِمَا ذكر أدّى ذَلِك إِلَى اخْتِلَاف مَوْضُوع النازلتين وَإِن اتحدتا فِي الافتيات، وَبِهَذَا استشكلت الْمُقَابلَة بَين النازلتين، وَعِنْدِي أَنه مُشكل من جِهَة أُخْرَى، وَذَلِكَ أَن سَيِّدي إِبْرَاهِيم الجلالي أجمل فِي جَوَابه على حسب مَا نقلوه عَنهُ ووقفنا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يبين مَا المُرَاد بقول السَّائِل فيجاب بِالْقبُولِ الخ. لِأَنَّهُ إِن كَانَ مَعْنَاهُ أَن الْإِيجَاب وَقع من الْوَلِيّ بِشَيْء من الْأَلْفَاظ الْمُتَقَدّمَة فِي تَقْرِير النّظم من غير استئمار للْمَرْأَة وَلَا تَوْكِيل مِنْهَا، وَثَبت ذَلِك بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار بعد الْمَوْت أَو النزاع فالمرأة حِينَئِذٍ مفتات عَلَيْهَا فَيجْرِي حكمهَا على قَول (خَ) وَصَحَّ إِن قرب رِضَاهَا بِالْبَلَدِ وَلم يقر بِهِ حَال العقد الخ. وَالزَّوْج هُنَا غير مفتات عَلَيْهِ إِن كَانَ خاطباً لنَفسِهِ لِأَن الْخَاطِب حِينَئِذٍ وَكيله إِذْ الْفَرْض أَن الْخطْبَة بِإِذْنِهِ، فَقَوْل الْخَاطِب فلَان يَقُول لَك زوج وليتك مني أَو يخْطب مِنْك وليتك بِمَنْزِلَة قَول (خَ) ويزوجني فَفعل الخ، فالصيغة حِينَئِذٍ مَوْجُودَة من الْوَلِيّ إِلَّا أَنَّهَا تَارَة تُوجد بِلَفْظ الْإِنْكَاح وَالتَّزْوِيج وَتارَة بِغَيْرِهِمَا فَيجْرِي ذَلِك على مَا مرّ فِي تَقْرِير النّظم وَلَا يخفى أَنهم قصدُوا بهَا النِّكَاح حَتَّى رتبوا عَلَيْهَا الولاول وَنَحْوهَا، وَإِن كَانَ الْإِيجَاب وَقع من المخطوبة أَو كَانَ الْبَاعِث يخْطب لوَلَده لَا لنَفسِهِ والموضوع بِحَالهِ فالافتيات وَقع على الْوَلِيّ فِي الأولى وَلَا يَصح النِّكَاح بِحَال وَلَو أجَازه الْوَلِيّ لِأَن عاقده امْرَأَة وعَلى الزَّوْج فِي الثَّانِيَة يجْرِي حكمه على مَا أَشَارَ لَهُ (خَ) بقوله: وَحلف رشيد وأجنبي إِلَى قَوْله: وَإِن طَال كثيرا لزم الخ. وَإِن كَانَ الافتيات على الزَّوْج وَالزَّوْجَة فَيجْرِي كل على حكمه على قَول مَرْجُوح فِيهِ كَمَا يَأْتِي، وعَلى هَذَا الْقسم أَعنِي الافتيات على(1/385)