نسخ
Basam6000@yahoo.com
لنسخ البحوث العلمية
مكان غلاف الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولي
1414 هـ - 1993 م
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْل }
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا إله الإ الله وحده لا شريك له أمر بالعدل والإحسان وأرسل رسله بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان بالقسط فاطر السموات والأرض وجعل الظلمات والنور القائل سبحانه وتعالي :
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا }(1) .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من حكم فعدل صلي الله عليه وسلم .
أما بعد فإن علم القضاء من أجل العلوم قدراً وأعزها مكاناً واشرفها ذكراً لأنه مقام علي ومنصب نبوي به الدماء تعصم وتسفح والابضاع تحرم وتنكح فهو أعلي درجة اسستطاع البشر الارتقاء إليها لتعيش الأمة في اطمئنان وسعادة ورخاء فلا تحفظ الحقوق وتصان الأعراض والدماء إلا بالقضاء ولا يوقف كل عند حده إلا بالقضاء ولا يتحقق التعاون علي جلب المصالح ودرء المفاسد إلا بالقضاء فهو إظهار للعدل وبالعدل قامت السموات والأرض وهو أساس لبقاء أية دولة في أس مجتمع إسلامي . وبالظلم والجور زوالها وإذا عددت مفاخر أية أمة وأمجادها فالقضاء في قمة تلك المفاخر ويكون القاضي العالم رمزاً علي مكارم أهل بلده ونبل أمته وقد وصف الله نفسه به فقال تعالي :
{ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ }(2) .
{
__________
(1) - سورة النساء آية [65] .
(2) - سورة النساء آية [141].(1/1)
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم}(1)
ولا أحد ينكر فضل الأئمة الأربعة(2) فقد بذلوا جهوداً كبيرة في بيان الفقه الإسلامي وخصصوا أبواباً وفصولاً في كتبهم تبحث في الأحكام الشرعية وما يتعلق بالقضاء وفرَّعَ مَنْ بعدهم ، إلا أن هذه الكتب يغلب عليها الالتزام بمذهب معين وبعضها يخلو من الدليل فيما ذهب إليه اجتهاده .
والقاريء في هذا العصر يميل إلي حب الاختصار وقراءة الكتب المختصرة وبحكم عملي في القضاء وممارستي له ما يزيد عن خمسة وعشرين سنة تكونت لدي الرغبة في أن أضع خلاصة تجربتي وأجمع ما تيسر لي من كتب الفقهاء والعلماء الأعلام بعد أن شرح الله صدري وأخذت أتجول في المراجع التي لا تقل عن 53 مرجعاً وأقطف من زهورها كل زهرة جميلة وأضمنها كتابي هذا ليكون خلاصة للأعمال الكبيرة في الكتب المطولات وكم كانت سعادتي غامرة عندما اتجهت النية إلي الكتابة في مجال القضاء رغم ما في ذلك من صعوبة ومشقة وعدم وجود الفراغ الذي يعين علي البحث لانشغالي بأعمال القضاء فقد أخذ كل وقتي وجهدي ولكنني عزمت أن أحقق الرغبة بهذه المشاركة المتواضعة محاولاً الاختصار بقدر الإمكان بعيداً عن الإطناب الممل والإختصار المخل بلغة سهلة ومبسطة بعيداً عن التقيد واسميتة (( النور الوضاء في بيان أحكام القضاء )) وجعلته أبواباً وفصولاً ومسائل علي النحوالتالي :
1- باب القضاء : ويحتوي علي عشرة فصول .
2- باب شروط القضاء : ويتكون من خمسة فصول .
3- باب آداب القاضي : وبه خمسة عشر فصلاً .
4- باب ما يأخذه القضاة وما لا يجوز أخذه من الأموال : ويتكون من خمسة فصول .
5- باب أعوان القضاة : ويتكون من ستة فصول .
6- باب فيمن لا يجوز توليته القضاء : ويتكون من تسع مسائل .
7- باب الدعاوي : ويشتمل علي تسعة فصول .
8- باب طرق القضاء أو إثبات الدعوي : ويتكون من خمسة وعشرين فصلاً .
__________
(1) - سورة النمل آية [78] .
(2) - وغيرهم من علماء الإسلام .(1/2)
9- فصل في الشهادة : علي الشهادة وشروطها ونصابها .
10- فصل إذا غير الشاهد شهادته : ويتكون من ثلاثة مباحث .
11- فصل في شهادة الأعمي .
12- باب في اليمين في الدعاوي : يتكون من ستة فصول .
13- فصل حكم الحاكم لا يحل حراماً .
14- فصل للقاضي أن يعظ الشاهد .
15- فصل للقاضي أن يعظ الطرفين .
16- فصل فيما يجوز للقاضي نقضه من الأحكام : ويتكون من أربع مسائل .
17- باب الصلح .
18- لمحة موجزة عن القضاء بالمملكة العربية السعودية .
19- فصل في نماذج من الرعيل الأول .
20- كما توجد في ثنايا البحث نبذة موجزة عن بعض الشخصيات الواردة لتعم الفائدة .
والواقع أنني لم استقص كل المسائل القضائية وإنما اقتصرت علي الأهم من ذكر قواعد هذا العلم وبيان ما تتصل به الأقضية من الأحكام ولم التزم بمذهب بعينه فقد تتبعت آراء الفقهاء في المسألة مع ذكر الراجح فيما أمكن مدللاً من كتاب الله وسنة رسول الله و إجماع الأمة والقياس الجلي سائلاً المولي القدير أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن يجعله في ميزان عملي حجة وهو حسبي ونعم الوكيل وصلي الله علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابة وسلم .
المؤلف
أحمد بن محمد الشعفي المعافا
...
الفصل الأول
(( تعريف القضاء لغة وشرعاً ))
القضاء بالمد الولاية المعروفة وهو في اللغة مشترك بين إحكام الشيء والفراغ منه ، ومنه : { فقضاهن سبع سماوات } . وبمعني إمضاء الأرض ومنه : { وقضينا إلي بني إسرائيل } وبمعني الحتم والإلرزام ومنه : {وقضي ربك الأ تعبدوا إلا إياه } وأصله . قضاي لأنه من قضيت لأن الياء لما جاءت بعد الألف أبدلت همزة والجمع الأقضية وفي الشرع إلزام ذي الولاية بعد الترافع وقيل : هو الإكراه بحكم الشرع في الوقائع الخاصة .(1/3)
فالقضاء في القرآن واللغة ياتي علي وجوه تتقارب معانيها ومرجعها كلها إلي انقطاع الشيء وتمامه واالفراغ منه أو بيان الأحكام الشرعية وتنفيذها وسمي الحاكم قاضياً لأنه يمضي الأحكام ويحكمها فالقاضي القاطع للأمور المحكم لها ومن يحكم بين الناس بحكم الشرع .
- - -
الفصل الثاني
((مشروعية القضاء ))
الأصل في مشروعية القضاء الكتاب والسنة والإجماع .
أولاً : مشروعيته من كتاب الله :
قد وردت آيات تدل علي مشروعية القضاء ومنها قال الله تعالي :
{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ}(1) .
وقوله عزوجل : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْل }(2) .
وقوله سبحانه: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا }(3) .
وقوله تعالي : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ }(4) .
وقوله : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(5) .
وقوله تعالي : {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا }(6) .
وقوله عزوجل : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }(7) .
__________
(1) - سورة المائدة آية [49] .
(2) - سورة النساء آية [58] .
(3) - سورة النساء آية [65] .
(4) - سورة ص آية [26] .
(5) - سورة المائدة آية [45] .
(6) - سورة النساء آية [105] .
(7) - سورة المائدة آية[ 44] .(1/4)
والآيات من كتاب الله تعالي في مشروعية القضاء كثيرة .
ثانياً : مشروعية القضاء في السَّنة .
قد ثبت بقول النبي صلي الله عليه وسلم وفعله ، ومن ذلك ما روي عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( إذا حكم أحدكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم ثم أخطأ فله أجر)) . (متفق عليه)(1) . وقد تولي رسول الله صلي الله عليه وسلم القضاء بين الناس وثبت أنه قضي باليمين علي المدعي عليه والبينة علي المدعي وقضي بشاهد ويمين المدعي وقضي علي رجل يهودي رضّ رأس أمرأة ، فقتله بنفس الطريقة التي قتل بها المرأة وولي صلي الله عليه وسلم رجالاً من الصحابة علي القضاء في حياته حيث بعث علياً قاضياً إلي اليمن وبعث معاذ بن جبل قاضياً إلي اليمن وغيرهما .
ثالتاً : مشروعيته بالإِجماع .
قد نقل عن كثير من الفقهاء إجماع المسلمين علي مشروعية نصب القضاء والحكم بين الناس . قال ابن قدامة : ((وأجمع المسلمون علي مشروعية نصب القضاء والحكم بين الناس ))(2) . وحكي الكاساني إجماع الصحابة رضي الله عنهم علي ذلك لمساس الحاجة إليه(3) .
- - -
الفصل الثالث
((في حكم القضاء ))
__________
(1) - أي إذا أراد الحكم لقوله فاجتهد فإن الاجتهاد قبل الحكم ثم أصاب فله أجران ورواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، ج13 ، ص 318 فتح الباري . ورواه مسلم في كتاب الأقضية ، صحيح مسلم شرح النووي ، ج 11 – 12 ، ص 254 – 255 . وأخرجه = كتاب أبو داود في كتاب الأقضية ، سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 6 ، وابن ماجه في باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق ، ج 2 ، ص 776 ، والإمام أحمد في المسند 2/187، والترمذي عارضه ، الأحوذي ، ج 6 ، ص 67 .
(2) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 5 .
(3) - بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ، ج 7 ، ص 2 .(1/5)
ذكر الفقهاء أن حكم القضاء فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخر قال تعالي : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(1) .
قال الإمام أحمد : (( لابد للناس من حاكم . أتذهب حقوق الناس ؟! ولأن فيه أمراً بمعروف ونصرة للمظلوم وآداء الحق إلي مستحقه وردعاً للظالم عن ظلمه))(2) . وهذه كلها واجبات لا تتم إلا بتولي القضاء والقاعدة الفقهية أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
فإن لم يكن من يصلح للقضاء إلا واحد تعين عليه(3) . وإذا امتنع أجبر عليه لأن الكفاية لا تحصل إلا به ، وقد نقل عن أحمد ما يدل علي أنه لا يتعين فإنه سُئل هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ؟ قال : لا يأثم فهذا يحتمل أنه يحمل علي ظاهره في أنه لا يجب عليه لما فيه من الخطر بنفسه ، فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره . ولذلك امتنع أبو قلابة منه وقد قيل له : ليس غيرك ويحتمل أنه يحمل علي من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإن أحمد قال : (( لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس ))(4) . قال ابن فرحون : وأما حكمه فهو فرض كفاية ولا خلاف بين الأئمة أن القيام بالقضاء واجب ، ولا يتعين علي أحد إلا أن يوجد عنه عوض ، وقد اجتمعت فيه شرائط القضاء فيجبر عليه . قال عيسي عن بن القاسم : قيل لمالك هل يجبر الرجل علي ولاية القضاء ؟ قال : لا إلا أن يوجد عنه عوض فيجبر عليه . قيل أيجبر بالضرب والحبس ؟ قال : نعم .
__________
(1) - سورة النساء آية [135] .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 5 – 6 .
(3) - المصدر السابق ، ج 14 ، ص 8 ، ومنتهي الإرادات ، ج2 ، ص 571 .
(4) - المغني ، ج 14 ، ص 9 .(1/6)
وأما حكمته أي القضاء ، فرفع التهارج ورد التواثب وقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1) : وبه تسوس الدولة مملكتها وتسود رعيتها تحت ظل الأمن والاطمئنان إذ لولا القضاء لعمت الفوضاء واختل الأمن وفسد النظام وساد الاضطراب قال الله تعالي :
{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }(2) .
- - -
الفصل الرابع
(( أركان القضاء ))
الركن في اللغة الجانب القوي وركن الشيء جانبه الأقوي وهو يأوي إلي ركن شديد أي إلي عز ومنعة(3) وفي اصطلاح الفقهاء ما به قوام الشيء الذي لا يوجد ولا يتحقق إلا به سواء كان جزءا منه أم مختصاً به .
أركان القضاء ستة :
1- القاضي .
2- المقضي به .
3- المقضي له .
4- المقضي فيه .
5- المقضي عليه .
6- كيفية القضاء .
فالركن الأول : يشمل شروط وآداب القاضي .
والركن الثاني : وهو المقضي به وهو الحكم من كتاب الله ، فإن لم يجده فبسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فإن لم يجده في السنة نظر في أقوال الصحابة وسوف نفصل هذا الموضوع في أثناء بحثنا .
الركن الثالث : المقضي له ، وهو كل من تجوز شهادته له .
الركن الرابع : المقضي فيه ، وهو جميع الحقوق في القليل والكثير .
الركن الخامس : هو كل من توجه عليه حق ، إما بإقراره إن كان ممن يصح إقراره ، و إما بالشهادة عليه ومنهم الحاضر الملك لأمره ومنهم الغائب ومنهم الصغير المحجور عليه ومنهم السفيه المولي عليه غيره ، ومنهم الورثة المدعي عليهم في مال البيت وفيهم الصغير والكبير ، ولا يحكم علي عدوه إذا كانت العداوة لدينا ، أما إذا كانت العداوة في الدين فلا مانع من الحكم عليه .
__________
(1) - تبصرة الحكام لابن فرحون ، ج 1 ، ص 8 .
(2) - سورة البقرة آية [251] .
(3) - مختار الصحاح ، باب الراء ، ص 255 .(1/7)
الركن السادس : في كيفية القضاء(1) وسيأتي تفصيل لك .
- - -
الفصل الخامس
(( في القضاء والإفتاء ))
القضاء والإفتاء بينهما تشابه لاشتراكهما في أن كلاً منهما يجب عليه إظهار حكم الشرع في الواقعة ، أو الإخبار بالحكم الشرعي ، ويتميز الحاكم بأن له سلطة إلزام بخلاف الإفتاء ، فليس للمفتي سلطة إلزام علي أحد المستفتين . وكل خطر علي المفتي فهو علي القاضي ، وعليه من زيادة الخطر ما يختص به . ولكن خطر المفتي أعظم من جهة أخري فإن فتواه شرعية عامة تتعلق بالمستفتي وغيره ، وأما الحاكم فحكمه جزئي خاص لا يتعدي إلي غير المحكوم عليه وله ، فالمفتي يفتي حكماً عاماً كلياً أن من فعل كذا ترتب عليه كذا ، ومن قال كذا لزمه كذا ، والقاضي يقضي قضاء معين علي شخص معين فقضاؤه خاص ملزم وفتوي العالم عامة غير ملزمة وكلاهما أجره عظيم وخطره كبير وليس للقاضي أن يفتي في الخصومات بين أهل ولايته ، لأنها دعاو ٍ قد ترجع إليه للفصل فيها بحكم الشرع . وله أن يفتي في العبادات من صلاة ، وزكاة ، وحج ونحوها ، وعليه أن يتبين الأحكام الشرعية في هذه الأمور العامة بما فيهم أهل ولايته ولا فرق بين القاضي وغيره في جواز الفتيا . ولم يزل أمر السلف والخلف علي هذا فإن منصب الفتيا داخل ضمن منصب القضاء عند الجمهور وإذا أفتي القاضي ففتواه لا تكون حكماً ، ولا ملزمة كالمفتي فالحاكم فيه ثلاث صفات : فمن جهة الإثبات ، هو شاهد ، ومن جهة الأمر والنهي ، هو مفت ومن جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان .
- - -
الفصل السادس
(( في حكم الدخول في القضاء ))
الناس في القضاء ثلاثة أقسام : منهم من لا يصلح للقضاء ، ومنهم من يصلح مع صلاح غيره ، ومنهم من يصلح ولا يوجد غيره .
__________
(1) - تبصرة الحكام لابن فرحون ، ج 1 ، ص 17 باختصار .(1/8)
فالأول : من لا يصلح لتولي منصب القضاء لعدم توفر الشروط التي يجب توفرها في القاضي فهذا لا يجوز له تولي القضاء كالجاهل . قال صلي الله عليه وسلم : (( القضاة ثلاثة وذكر منهم من قضي للناس علي جهل فهو في النار))(1) .
قال ابن قدامة(2) : لأنه لا يحسنه ، ولم تجتمع فيه شروطه ، ولأن من لا يحسنه لا يقدر علي العدل فيه ، فيأخذ الحق من مستحقيه ويدفعه إلي غيره .
القسم الثاني : من يصلح لتولي منصب القضاء لتوفر شروطه فيه ، مع صلاح غيره ، فهل يستحب الدخول فيه وتولي منصب القضاء ؟ ظاهر كلام الإمام أحمد بن حنبل أنه لا يستحب له تولي منصب القضاء واحتج له ابن قدامة بما يلي :
أولاً : 1- لما فيه من الخطر والضرر .
2- ولأن طريق السلف الامتناع منه والتوقي وفي تركه للقضاء سلامة له .
__________
(1) - هذا جزء من حديث رواه بريده ونصه : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( القضاة ثلاثة أثنان في النار وواحد في الجنة رجل عرف الحق فقضي به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضي للناس علي جهل فهو في النار )) . ( رواه الأربعة وصححه الحاكم ) ، انظر سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 776 ، وسنن أبي داود ، ج 4 ، ص 5 ، كتاب الأقضية باب في القاضي يخطيء ، والترمذي في سننه من كتاب الأحكام ، ج6 ، ص 65 عارضه الأحوذي .
(2) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 7 وما بعدها .(1/9)
قال ابن قدامة (( ومنهم من يجوز له ولا يجب عليه . وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد ويوجد غيره مثله ، فله أن يلي القضاء بحكم حاله وصلاحيته ، ولا يجب عليه لأنه لم يتعين له )) إلي أن قال : (( وقال أبو عبد الله بن حامد : إن كان رجلاً خاملاً لا يرجع إليه في الأحكام ، ولا يعرف فالأولي له توليه ليرجع إليه في الأحكام ويقوم به الحق، وينتفع به المسلمون . وإن كان مشهوراً في الناس بالعلم يرجع إليه لتعليم العلم والفتوي . فالأولي الاشتغال بذلك لما فيه النفع مع الأمن من الضرر )) ونحو هذا قال اصحاب الشافعي وقالوا أيضاً إذا كان ذا حاجة وله في القضاء رزق فالأولي له الاشتغال به فيكون أولي من سائر المكاسب لأنه قربة وطاعة وعلي كل حال فإنه يكره للإنسان طلبه والسعي في تحصيله لأن أنس روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( من ابتغي القضاء وسأل فيه الشفعاء وكل إلي نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده ))(1) وقال النبي صلي الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة (( يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها )) ( متفق عليه)(2) .
__________
(1) - أخرجه الترمذي في سننه عارضه الأحوذي من أبواب الأحكام ، ج 6 ، ص 65 – 66 وأخرجه أبو داود في سننه في باب طلب القضاء والتسرع إليه من كتاب الأقضية ، ج 4 ، ص 8 وأخرجه ابن ماجة في باب ذكر القضاه من كتاب الأحكام سنن ابن ماجة ، ج2 ، ص 774 .
(2) - أخرجه البخاري في أول كتاب الإيمان والنذور وفي باب من لم يسأل الإمارة اعانه الله ، وباب من سأل الإمارة وكل إليها من كتاب الأحكام فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 124 ومسلم في باب النهي عن طلب الإمارة ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 12 ، ص 448 وسنن أبي داود ، ج 2 ، ص 118 وسنن الترمذي عارضه الأحوذي ، ج 7 ، ص 10 ، والسنن الكبير للبيهقي ، ج 10 ، ص 100 .(1/10)
وذهب الجهور إلي إباحة تولي القضاء لمن يصلح له ، بل ومستحب لما يلي لأن النبي صلي الله عليه وسلم تولي القضاء بنفسه وولي غيره وأن الخلفاء الراشدين قد تولوا القضاء وولوا غيرهم من الصحابة ولو كان غير مستحب لما قام به النبي صلي الله عليه وسلم ولما أمر به وقد مر حكم القضاء وأنه فرض كفاية وقد يصل إلي فرض عين وقد جاءت السنة والاثار عن السلف ترغب في تولي القضاء منها الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ((ليوم واحد من إمام عادل أفضل أو خير من عبادة ستين سنة وحد يقام في أرضه بحقه أزكي من مطر أربعين خريفاً )) ( رواه اسحاق بن راهوية في مسنده والطبراني في الكبير والأوسط وأبو عبيدة في الأحوال ) . انظر القضاء في الإسلام للدكتور أبو فارس ، ص 23 .(1/11)
القسم الثالث : من يصلح للقضاء مع عدم وجود غيره ، فهذا يصبح تولي القضاء في حقه فرض عين قال ابن قدامه: من يجب عليه وهو من يصلح للقضاء ولا يوجد سواه ، فهذا يتعين عليه لأنه فرض كفاية . لا يقدر علي القيام به غيره ، فيتعين عليه كغسل الميت وتكفينه وقد نقل عن أحمد ما يدل علي أنه لا يتعين عليه فإنه سئل هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ؟ قال : لا لا يأثم فهذا يحتمل أنه يحمل علي ظاهره في أنه لا يجب عليه لما فيه من الخطر بنفسه فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره ولذلك امتنع أبو قلابة منه(1) وقد قيل له ليس غيرك ويحتمل أن يحمل علي من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان ، أو غيره فإن أحمد قال : لابد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس ؟(2) . أما من طلب القضاء تكالبا(3) علي الدنيا وحباً للمنصب والجاه مزاحمة للآخرين ومباهاة بالوظيفة في الأرض فهذا طلب مذموم وسعي غير محمود حذر الله المؤمنين منه في قوله تعالي :
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(4) .
- - -
الفصل السابع
(( فضل القضاء ))
__________
(1) - السنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 97 .
(2) - المغني ، ج14 ، ص 8 – 9 .
(3) - لمحات حول القضاء في المملكة العربية السعودية للشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، ص 23 .
(4) - سورة القصص آية [83] .(1/12)
إن القضاء مسلك وعر ، ومركب خطر . وبقدر خطورته فيه فضل عظيم لمن قوي علي القيام به وأدي الحق فيه لأن فيه نصرة للمظلوم ، وردعاً للظالم عن ظلمه ، وإصلاحاً بين الناس وحل مشكلاتهم وخصوماتهم ، وتخليصاً لبعضهم من بعض ورعاية شؤون القصّار ، وحفظ حقوقهم ورعايتهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولذلك تولاّه النبي صلي الله عليه وسلم والأنبياء قبله ، وكانوا يحكمون لأممهم ، وبعث النبي صلي الله عليه وسلم عليًّا قاضياً إلي اليمن كما بعث معاذا قاضياً إلي اليمن ، ولأن الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – حكموا بين الناس ، وبعث عمر رضي الله عنه أبا موسي الأشعري إلي البصرة قاضيا ، كما بعث عبد الله بن مسعود قاضياً إلي الكوفة ، فأعمال القاضي كلها من أبواب القرب إلي الله عز وجل . وقد أمر الله بالقسط وهو العدل في قوله تعالي :
{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ }(1) .
{ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(2) .
وقوله تعالي : { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }(3) .
و إن صلاح الإنسان في العدل ، وفساده في الظلم فالإصلاح في الآية الكريمة بين الناس عام في الدماء والأعراض والأموال وفي كل شيء يقع فيه التداعي وهو من صميم عمل القاضي ، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما أعد الله لمن قام بذلك ابتغاء مرضاة الله من الأجر العظيم . والآيات في هذا الباب كثيرة ، وأما السنة فقد بوب الإمام البخاري في صحيحه قال : باب أجر من قضي بالحكمة في قوله تعالي :
{
__________
(1) - سورة الأعراف آية [29] .
(2) - سورة الممتحنة آية [8] .
(3) - سورة النساء آية [114] .(1/13)
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(1) .
ثم أورد حديثاً عن قيس عن عبد الله قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه علي هَلَكَته في الحق وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ))(2) .
وحديث : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )) (متفق عليه)(3) .
__________
(1) - سورة المائدة آية [47] .
(2) - صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 234 في كتاب الأحكام وفي كتاب الأعتصام بالكتاب والسنة ، باب ما جاء في اجتهاد القضاة ، ج 4 ، ص 264 بحاشية السندي .
(3) - أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ حاشية السندي ، ج 4 ، ص 268 ، وفي جامع الأصول لابن الأثير ، ج 10 ، ص 548 ، وأخرجه مسلم بشرح النووي ، ج 11- 12 ، ص 254 – 255 .(1/14)
وهذا دليل أن القاضي مأجور في أحكامه بأجرين إذا وافقت الصواب وبأجر إذا أخطأ . وسقط عنه حكم الخطأ فكله أجر لمن خلصت نيته وعمل لإظهار الحق وإيصاله إلي أهله وعن عبد الله ابن عمر قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إن المقسطين عند الله تعالي علي منابر من نور علي يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )) . (رواه مسلم)(1) وفي الحديث (( أن الله مع الحاكم ما لم يجر فإذا جار وكل إلي نفسه )) . ووردت أحاديث أيضاً ترغب في تولي القضاء منها قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( ليوم واحد من إمام عادل أفضل أو خير من عبادة ستين سنة وحد يقام في أرض بحقه أزكي من مطر أربعين خريفا )) (رواه إسحق بن راهويه في مسنده والطبراني في الكبير والأوسط وأبو عبيد في الأموال ) ، انظر القضاء في الإسلام للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس ، ص 23 . وقال عليه الصلاة والسلام : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )) . وذكر منهم الإمام العادل ( رواه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد )(2) وقال ابن مسعود : لأن أجلس فأقضي بين الناس أو لأن أجلس قاضياً بين أثنين أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة(3)
__________
(1) - أخرجه مسلم تلخيص صحيحه الإمام مسلم لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي ، ج 1 ، ص 622 ، باب فصل الإمام المقسط . والسنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 87 – 88 .
(2) - السنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 87 في باب فضل من ابتلي بشيء من الأعمال من كتاب آداب القاضي .
(3) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 6 ، وانظر ما أخرجه البيهقي في باب فضل من أبتلي بشيء من الأعمال من كتاب آداب القاضي ، ج 10 ، ص 89 بلفظ لأن أقضي يوماً ووافق فيه الحق والعدل أحب إلي من عز وسنة أو مائة يوم ..(1/15)
وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فإن القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالي به الأجر ويحسن به الذكر فمن خلصت نيته في الحق ولو علي نفسه كفاه الله تعالي ما بينه وبين الناس . ومن تخلق للناس بما ليس في قلبه شانه الله تعالي ، فإن الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً ، فما ظنك بثواب من الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته . وعن عقبة ابن عامر قال : جاء خصمان يختصمان إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لي اقض بينهما قلت أنت أولي بذلك . قال : و إن كان . قلت : علام اقضي ؟ قال اقض فإن أصبت فلك عشرة أجور ، وإن أخطأت فلك أجر واحد . ( رواه سعيد في سننه )(1) فرسالة القاضي عظيمة وأجره أعظم لمن قوي علي القيام به وأدي الحق فيه .
- - -
الفصل الثامن
(( فيما جاء في خطر القضاء ))
لا شك أن منصب القضاء من أصعب المناصب خطراً ، بل أن خطره كبيره ووزره عظيم لمن لم يؤد الحق فيه . قال تعالي :
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }(2) .
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(3) .
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(4) .
__________
(1) - المغني لإبن قدامة ، ج 14 ، ص 6 ، وعارضه الأحوذي شرح صحيح الترمذي ، ج 6 ، ص 71 .
(2) - سورة المائدة آية [44] .
(3) - سورة المائدة آية [45] .
(4) - سورة المائدة آية [47] .(1/16)
ومن السنة الحديث الذي رواه بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( القضاة ثلاثة : إثنان في النار وواحد في الجنة ، رجل عرف الحق فقضي به فهو في الجنة ، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ، ورجل لم يعرف الحق فقضي للناس علي جهل فهو في النار )) . ( رواه الأربعة وصححه الحاكم )(1) ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين )) . ( رواه أحمد والأربعة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ) (2) وتدل الآيات القرآنية أن من لم يحكم بما أنزل الله فهو من الكافرين تارة ، ومن الظالمين أخري ، ومن الفاسقين مرة ثالثة ، ويدل الحديث الأول علي ما يلي :
1- لا ينجو من النار من القضاة إلا من عرف الحق وعمل به .
__________
(1) - رواه أبو داود في كتاب الأقضية باب القاضي يخطيء حديث رقم ( 3573) ، ج 4 ، ص 5 ، رواه ابن ماجه في كتاب الأحكام باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق حديث رقم (2315) 2/776 ، انظر سبل السلام للإمام محمد بن إسماعيل الأمير ، ج 4 ، ص 223 .
(2) - رواه أبو داود في كتاب الأقضية ، باب طلب القضاء حديث رقم ( 3571) ج 4 ، ص 4 ، ورواه الترمذي في كتاب الأحكام ، باب ما جاء في القاضي عارضه الأحوذي ، ج 6 ، ص 64- 65 ورواه أحمد في مسنده 2/ 230 – 365 ، انظر سبل السلام ، ج 4 ، ص 225 وفي جامع الأصول لابن الأثير ، ج 10 ، ص 545 ورواه ابن ماجة في كتاب الأحكام باب ذكر القضاء حديث رقم 2308/2/774 .(1/17)
2- من عرف الحق ولم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ، ودل الحديث الثاني علي التحذير من ولاية القضاء والدخول فيه ، كأن يقول من تولي القضاء فقد تعرض لذبح نفسه فليحذره ، والمراد من ذبح نفسه إهلاكها بتوليته القضاء . وقال بغير سكين للإعلام بأنه للإعلام بأنه لم يرد بالذبح فري الأوداج الذي يكون في الغالب بالسكين بل أريد به إهلاك النفس بالعذاب الأخروي . وقيل المراد بالذبح الذبح المعنوي وهو لازم لما يلاقيه القاضي من مشاق ومصاعب للبحث والاجتهاد لإصابة الحق في القضية ، وما يواجهه مع الخصمين والتسوية بينهما في العدل في المجلس ، والنظر والكلام ، قال النووي رحمه الله : من استقضي فكأنما ذبح بغير سكين . قال في الشامل : لم يخرج مخرج الذم للقضاء وإنما وصفه بالمشقة ، فكأن من قلده فقد حمل علي نفسه مشقة كمشقة الذبح ، ومن أجل خطره فإن السلف وعلماء الخلف كان يمتنعون منه أشد الامتناع ويخشون علي أنفسهم من خطره ، فقد أراد عثمان بن عفان رضي الله عنه تولية ابن عمر فأباه(1) وامتنع أبو قلابة منه(2) ، وامتنع الإمام الشافعي لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق ، وامتنع منه أبو حنيفة(3)
__________
(1) - أخرجه الترمذي في صحيحه عارضه الأحوذي ، أبواب الأحكام باب ما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في القاضي ، ج 6 ، ص 63 – 64 ، واخرجه ابن حبان باب ذكر الزجر من دخول المرء في قضاء المسلمين ( الإحسان ) ترتيب صحيح ابن حبان ، ج7 ، ص 257- 258 .
(2) - أخرجه البيهقي في كتاب آداب القاضي ، باب كراهية الإمارة السنن الكبري ، ج 10 ، ص 97 .
(3) - أخرجه البيهقي في السنن الكبري كتاب آداب القاضي باب كراهية الإمارة وكراهية أعمالها ، ج 10 ، ص 98 ..(1/18)
لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه ، وكثير غيرهم امتنعوا من القضاء وهم أعرف الناس بمسؤوليته وخطره ومن الأحاديث الواردة في خطره أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : (( يدعي بالقاضي العادل يوم القيامة فيلقي من شدة الحساب ما يتمني أنه لم يقض بين اثنين في تمرة ))(1) .
__________
(1) - أخرجه البيهقي في كتاب آداب القاضي ، باب كراهية الإمارة وكراهية تولي أعمالها ، السنن الكبري ، ج 10 ، ص 96 .(1/19)
والحديث لم يوضح خطر القضاء والقضاة وما يلاقونه من شدة الحساب يوم القيامة وخاصة في قضاة الجور ، العلماء أو الجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم . وفي هذين الصنفين جاء الوعيد ، فينبغي للقاضي أن يتحري الحق ، ويبلغ فيه أقصي الجهد ، ويحكم بالعدل ، ولو كان علي أقرب قريب ويحذر من خلطاء السوء للحديث الذي أخرجه البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً (( ما استخلف الله من خليفة إلا له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله تعالي))(1) ، وأخرجه النسائي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ (( ما من وال إلا له بطانتان ... الحديث )) ولذلك تجنب أكابر العلماء ولاية القضاء كما تقدم وإذا كان القاضي العدل يوم القيامة يتمني أنه لم يقض بين اثنين في تمرة فكيف بقضاة الجور والجهالة ؟! نسأل الله السلامة والتوفيق للصواب ، والعصمة من الزلل . وقد اطلعت علي قصيدة للعلاّمة محمد بن إسماعيل الأمير(2) صاحب سبل السلام في ديوانه موجهة لتلميذه الشيخ ناصر بن الحسين المحبشي عندما تولي القضاء فكره له ذلك وقد بلغ سن الستين أحببت ذكرها لما تحتويه من العبر حيث قال :
__________
(1) - الفتح الرباني ، ترتيب مسند الإمام أحمد ، ج 23 ، ص 20 .
(2) - هو العلاّمة محمد بن إسماعيل بن صلاح بن علي الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير الإمام الأكبر الأمير المجتهد المطلق صاحب التصانيف ولدليله الجمعة نصف جمادي الآخرة سنة 1099 هجرية بكحلان ثم انتقل مع والده إلي مدينة صنعاء ورحل إلي مكة وقرأ الحديث علي أكابر العلماء بها وعلماء المدينة وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران وتفرد برئاسة العلم في صنعاء وله مؤلفات تبلغ 25 مؤلفاً منها سبل السلام – شرح بلوغ المرام توفي سنة 1182 هجرية يوم الثلاثاء الثالث من شهر شعبان عن 83 سنة ، انظر كتابي لآليء الدرر في تراجم رجال القرن الثالث عشر ، ص 31 .(1/20)
ذبحتَ نفسكَ لكن لا بسكين كما رويّناه عن طه ويس(1)
ذبحت نفسكَ والستون قد وردت عليك ماذا ترجي بعد ستين
ذبحت نفسكَ يا لهفي عليك لقد كنا نعدك للتقوي وللدين
أي الثلاثة(2) تغدو في غداة غد إذ يجمع الله أهل الدين والدون
فواحدُ ُفي جنان الخلد مسكنه واثنان في النار دار الخزي والهون
يأتي القيامة قد غلت يداه(3) فكن يوم التغابن فيه غير مغبون
وإن يكن عادلا فكت وإن يكن ال أخري في النار من أقران قارون
قإن تقل أكرهون كان ذا كذب فنحن نعرف أحوال السلاطين
وإن تقُل حاجة مست فربما فأين صبرك من حين إلي حين
والله وصَّي به في الذكر سور كم في الحواميم منه والطواسين
قد شد خير الوري في بطنه حجرا ولو أراد أتاه كل مخزون
ما مات والله جوعاً عالم أبدا سل التواريخ عنه والدواوين
ليس القضا مكسبا للرزق نعرفه كما عرفناه في أهل الدكاكين
إلا لمن للرشا كفَّاه قد بُسطت لبسط اللصوص شباكا للثعابين
سل الهدي والغني ممن خزائنه سبحانه بين حرف الكاف والنون
وحيث قد صرت مذبوحا فخذا نبذا للنصح ما بين تخشين وتليين
إياك إياك كتابا تخالهم إنسا وهم مثل إخوان الشياطن
واحذر حجابا وحجابا مع خدم فهم أكل أموال المساكين
وجانب الرشوة(4) الملعون قابضها نصا فسحقا لإخوان الملاعين
وفي الرشا خفيات ويعرفها من كان ذا همه في الحفظ للدين
واحذر قرينا تقل بئس القرين غدا كم حاكم بقرين السوء مقرون
ولا تقل ذا أمين الشرع أرسله فكم وجدنا أمينا غير مأمون
ولا تنفذ أحكاما ومستند ال أحكام رجم بتبخيت وتخمين
__________
(1) - يشير إلي حديث : (( من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين )) .
(2) - يشير إلي حديث : (( القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة )) .
(3) - يشير إلي حديث : (( ما من أمير عشيرة إلا يؤتي به يوم القيامة ويده مغلولة إلي عنقه )) ، السنن الكبري ، ج 10 ، ص 95 – 97 .
(4) - يشير إلي حديث : (( لعن الله الراشي والمرتشي )) .(1/21)
لا تجعلن بيوت الله محكمة(1) ولا تحلق من خلف الأساطين
لتنظرن بين أقوام صراخهم صراخ ثكلي ولكن غير محزون
لا يستطيع المصلي من صراخهم يأتي بفرض ولا يأتي بمسنون
واحذر وكيلا يشرك الحق باطله يزف بين تنميق وتحسين
وثمة أشياء ما بينتها لك في نظمي وتعرفها من غير تبيين
إن عشت سوف تري منها عجائبها إن كان قلبك حيا غير مفتون
ومن يمت قلبه لا يهتدي أبدا لو جئته بصحيح البراهين
هذه النصائح إن كان القبول لها مهرا ظفرت غدا بالخرد العين
مالم ظفرت أنا بالفوز منفردا بأجر نصحي يقينا غير مظنون
ثم الصلاة علي المختار من مضر وآله السادة الغر الميامين
وقال آخر :
إذا خان الأمير وكاتباه وقاضي الأمر داهن في القضاة
فويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
__________
(1) - يشير إلي عدم جواز اتخاذ المسجد مجلسا للحكم والصحيح الجواز وسوف نفرد فصلاً في هذه المسألة .(1/22)
ولا شك في أهمية القضاء وما ورد فيه من أحاديث تبين خطره ووززره لمن لم يؤد الحق فيه . وفيه أجر عظيم وفضل كبير لمن قوي علي القيام به ، وأدي الحق فيه . وقد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( لا حسد إلا في اثنين رجلاً آتاه الله مالاً فسلطته علي هلكته في الحق ، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها))(1) ودل الحديث علي الترغيب في ولاية القضا لمن استجمع شروطه وقوي علي أعمال الحق ووجد له أعواناً لما فيه من الأمر بالمعروف , ونصر المظلوم ، وآداء الحق لمستحقيه ، وكف يد الظالم ، والإصلاح بين الناس . وكل ذلك من القربات ، ولذلك تولاّه الأنبياء ومن بعدهم الخلفاء الراشدون ، ومن ثم اتفقوا علي أنه من فروض الكفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه بحاشية السندي ، باب ماجاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، ج 4 ، ص 264 ، وفتح الباري شرح صحيح البخاري ، كتاب الأحكام ، باب أجر من قضي بالحكمة ، ج 13 ، ص 120 .
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 120 – 121 ..(1/23)
قال بن فرحون في تبصرة الحكام : اعلم أن كثيراً من المؤلفين من أصحابنا وغيرهم بالغوا في الترهيب والتحذير من الدخول في ولاية القضاء ، وشددوا في كراهية السعي فيها ، ورغبوا في الإعراض عنها ، والنفور والهرب منها حتي تقرر في أذهان كثير من الفقهاء والصحاء أن من ولي القضاء فقد سهل عليه دينه ، وألقي بيده إلي التهلكة ، ورغب عما هو الأفضل وساء اعتقادهم فيه ، وهذا غلط فاحش يجب الرجوع عنه والتوبة منه والواجب تعظيم هذا المنصب الشريف ومعرفة مكانته في الدين فبها بعث الرسل وبالقيام به قامت السموات والأرض ، وجعله النبي صلي الله عليه وسلم من النعم التي يباح الحسد عليها ، فقد جاء من حديث ابن مسعود عن النبي صلي الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في اثنتين )) وأورد نصه وقد مر ذكره قال الله تعالي : { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } فأي شرف أشرف من محبة الله ، واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد إنما هي قضاة الجور العلماء أو الجهال الذين يدخلون أنفسهم هذا المنصب بغير علم ففي هذين الصنفين جاء الوعيد ، وأما قوله صلي الله عليه وسلم : (( منّ ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين )) فقد أورده أكثر الناس في معرض التحذير من القضاء ، وقال بعض أهل العلم : هذا الحديث دليل علي شرف القضاء وعظيم منزلته وأن المتولي له مجاهد لنفسه وهواه وهو دليل علي فضيلة من قضي بالحق إذ جعله ذبيح الحق امتحاناً لتعظم له المثوبة امتنانا فالقاضي لما استسلم لحكم الله وصبر علي مخالفة الأقارب والأباعد في خصوماتهم فلم تأخذه في الله تعالي لومة لائم حتي قادهم إلي مر الحق وكلمة العدل وكفاهم عن دواعي الهوي والعناد جعل ذبيح الحق لله وبلغ حال الشهداء الذين لهم الجنة وقد ولَّي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل كما مربك ، ومعقل بن يسَّار رضي الله عنهم القضاء(1/24)
فنعم الذابح نعم المذبوح فالتحذير الوارد من الشرع إنما هو عن الظلم لا عن القضاء . فإن الجور في الأحكام واتباع الهوي من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر(1) وعن الحرص عليه والتماسه لأن سبب ذلك الخذلا وعدم السداد فيه نسأل الله العافية .
- - -
الفصل التاسع
(( لا يحوز التسمي بقاضي القضاة ))
لا يجوز أن يلقي القاضي أو رئيس القضاة بقاضي القضاة أو أقضي القضاة فإن أقضي القضاة هو الله سبحانه وتعالي ، ولا يصح إطلاقه علي المخلوقين لأن كل لفظ يقتضي التعظيم والكمال لا يكون إلا له سبحانه وتعالي دون غيره لحدديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( إن أخنع(2) اسم عند الله رجل تسمي ملك الأملاك لا مالك إلا الله ))(3) قال سفيان مثله شاهنشاه وقوله صلي الله عليه وسلم : (( اشتد غضب الله علي من زعم أنه ملك الأملاك )) ( أخرجه الطبراني) وألحق بعض المتأخرين بملك الأملاك حاكم الحكام وقد شدد الزمخشري(4) النكير عليه فقال في تفسير قوله تعالي :
{ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}(5) .
رب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمننا قد لقب أقضي القضاة ومعناها أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر(6) .
__________
(1) - تبصرة الحكام لابن فرحون ، ج1 ، ص 9 .
(2) - معني أخنع : أوضع وأذل والخنوع الذي والاستكانة .
(3) - أخرجه أبو داود في سننه كتاب الأدب باب تغيير الاسم القبيح ، ج 5 ، ص 245 .
(4) - الزمخشري هو العلاّمة محمود بن عمر بن محمد أحمد الخوارزمي أبو القاسم من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والأدب ولد في قرية زمخشر من قري خوارزم سنة 467 هجرية وتوفي سنة 538 هجرية ومن أشهر كتبه الكشاف في تفسير القرآن الكريم في أربعة مجلدات وكان معتزلي المذهب ، أنظر الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 128 .
(5) - سورة هود آية [45] .
(6) - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ، ص 428 .(1/25)
وقد بوَّب صاحب فتح المجيد(1) شرح كتاب التوحيد بقوله باب التسمي بقاضي القضاة بعد باب من سب الدهر فقد آذي الله إشارة إلي النهي عن التسمي بقاضي القضاة قياساً علي ما في أحاديث الباب لكونه شبيهه في المعني فينهي عنه ، وإنما نهي عنه لما فيه من التشبيه بالله فيما هو من خصائصه ، ولا يليق إلا به جلت عظمته وتعالت أسماؤه .
- - -
الفصل العاشر
(( القضاة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ))
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتولي وظيفة القضاء بحكم إمارته للمسلمين ، ويحكم بين الناس بما أنزل الله عليه من الوحي ولما اتسعت رقعة الإسلام عين رسول الله صلي الله عليه وسلم قضاة اشتغلوا بوظيفة القضاء في عهده وهم :
__________
(1) - هو الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قال عنه ابن بشر : هو الشيخ العالم النحرير البحر الزاخر الغزير مفيد الطالبين المحفوف بعناية رب العالمين جامع أنواع العلوم الشرعية ومحقق العلوم الدينية والأحاديث النبوية والآثار السلفية وارث العلم كابراً عن كابر ، إلي أن قال : وصنف مصنفات في الأصول والفروع أكثرها رداً علي أهل المغالاة ومن غلط منهم في الصفات وله مصنف فيما يحل ويحرم من الحرير واختصر شرح التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله ابن شيخ الإسلام وله كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ولم يذكر المصدر تاريخ ولادته ولا وفاته – يرحمه الله – وهو من رجال القرن الثالث عشر الهجري ، انظر مقدمة كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد .(1/26)
أولاً : علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد بعثه رسول الله صلي الله عليه وسلم قاضياً إلي اليمن لحديث علي رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت يار رسول الله إنك تبعثني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء قال : (( انطلق فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك)) قال فما شكيت في قضاء بين اثنين(1) .
__________
(1) - هذا الحديث أخرجه أبو داود من كتاب الأقضية سنن أبي داود ، ج4 ، ص 11 وابن ماجة في سننه ، ج 2 ، ص 774 في باب كيفية القضاء ، ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه والطيالسي في مساندهم الكل عن طريق سماك عن حنش عن علي ورواه الحاكم في المستدرك في كتاب الفضائل وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، انظر القضاة لوكيع ، ج 1 ، ص 84 وما بعدها .(1/27)
ثانياً : معاذ بن جبل ، فقد بعثه صلي الله عليه وسلم إلي اليمن أيضاً للحديث الذي أخرجه أبو داود أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بعث معاذ إلي اليمن فقال له : (( بما تحكم ؟ قال : بكتاب الله قال فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم . قال : فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأي ، قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ))(1) .
__________
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه ، باب بعث أبي موسي ومعاذ إلي اليمن كتاب المغازي صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 3 ، ص 72 وأخرجه مسلم في باب أول ما يجب علي المكلفين من كتاب الإيمان تلخيص صحيح مسلم للقرطبي ، ج 1 ، ص 56 ، وأخرجه أبو داود في باب زكاة السائمة من كتاب الزكاة سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 234 ، والنسائي في باب وجوب الزكاة وباب إخراج الزكاة المجتبي ، ج 5 ، ص 3 – 41 وأخرجه ابن ماجة في فرض الزكاة من كتاب الزكاة سنن ابن ماجة ، ج1 ، ص 568 ، والدارمي في باب فصل الزكاة من كتاب الزكاة سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 379 ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبري كتاب آداب القاضي ، ج 10 ، ص 86 ، وأخرجه الترمذي في صحيحه عارضة الأحوذي من كتاب الأحكام ، ج 6 ، ص 68 .(1/28)
ثالثاً : أبو موسي الأشعري ، بعثه رسول الله صلي الله عليه وسلم قاضياً إلي اليمن ، وقيل قاضياً وجامعاً للصدقات ، فكان يقضي ويفتي في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي أيام الخلفاء الراشدين لما ذكره أبو موسي أن النبي صلي الله عليه وسلم بعثه علي نصف اليمن ومعاذ بن جبل علي النصف الآخر . وعن أحمد بلفظ أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث معاذاً وأبا موسي إلي اليمن فقال : (( بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا )) ، قال لكل واحد منهما فسطاط يكون فيه يزور أحدهما صاحبه(1) .
رابعاً : ذكر وكيع في كتابه أخبار القضاة عن مجالد عن الشعبي قال : القضاة أربعة عمر وعلي وابن مسعود وأبو موسي ، وعن قتادة قال : كان قضاة أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ستة : عمر ، وعلي ، وأبي بن كعب ، وابن مسعود ، وأبو موسي ، وزيد بن ثابت(2). ولم يذكر معاذ بن جبل مع أن معاذ قد ثبت توليته القضاء في اليمن علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم كما مر بك .
__________
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه ، باب بعث أبي موسي ومعاذ إلي اليمن كتاب المعازي بحاشية السندي ، ج 3 ، ص 72 وأخرجه البيهقي في السنن الكبري ، ج 10 ، ص 86 من كتاب آداب القاضي ، ورواه أحمد ، انظر أخبار القضاة لوكيع ، ج 1 ، ص 11 .
(2) - المصنف لعبد الرزاق ، ج 11 ، ص 327- 328 .(1/29)
خامساً : عتاب بن أسيد(1) استعمله النبي صلي الله وسلم علي مكة بعد الفتح وعمره نيف وعشرون سنة . قال له : يا (( عتاب تدري علي من استعملتك ؟! استعملك علي أهل الله عز وجل ولو أعلم لهم خير منك استعملته عليهم)) . ولم يزل علي مكة إلي أن توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم .
سادساً : تولي معقل بن يسار القضاء في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم(2) .
سابعاً : أبو عبيدة بن الجراح بعثه صلي الله عليه وسلم علي نجران(3) .
- - -
الفصل الأول
(( شروط القاضي ))
وهي :
__________
(1) - عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة القرشي الأموي يكني بعبد الرحمن وقيل أبو محمد ,أمه زينب بنت عمر بن أمية بن عبد شمس . أسلم يوم فتح مكة واستعمله النبي صلي الله عليه وسلم أميراً وقاضياً فاقام للناس بالحج وهي سنة ثمان ، وحج المشركون علي ما كانوا وحج أبو بكر رضي الله عنه سنة تسع فقيل : كان أبو بكر أول أمير في الإسلام وقيل : بل كان عتاب ، ولم يزل عتاب علي مكة إلي أن توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأقره أبو بكر عليها إلي أن مات ، وتوفي عتاب يوم مات أبو بكر وكان رجلاً خيّرا صالحاً فاضلاً . ، قال عتاب : رزقني رسول الله صلي الله عليه وسلم كل يوم درهمين فلا أشبع الله بطنا لا يشبعه كل يوم درهمان . ( أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري ، ج 3 ، ص 452 ) .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 9 .
(3) - السنن الكبري للبيهقي ، كتاب آداب القاضي ، ج 19 ، ص 86 .(1/30)
1- أن يكون بالغاً ، حيث لم يشترط الشرع في السن إلا البلوغ ولما قلد المأمون يحيي ابن أكثم قضاء البصرة كان ابن ثماني عشر ، تكلم الناس في حداثة سنه ، فكتب إليه المأمون : كم سن القاضي ؟ فكتب في جوابه أنا علي سن عتاب بن أسيد لما بعثه النبي صلي الله عليه وسلم إلي مكة قاضياً وأميراً . فسكت المأمون وأعجبه(1) . فلا يجوز تقليد القضاء للصغير المميز لأنه غير مكلف . ولا تنعقد تصرفاته بحق نفسه فمن باب أولي أن تنعقد علي غيره .
2- أن يكون عاقلاً ، فلا تصح ولاية المجنون للقضاء ، ولا السفيه والمعتوه أو مختل النظر للكبر أو للمرض . لحديث النبي صلي الله عليه وسلم : (( رفع القلم عن ثلاثة ، عن الصبي حتي يبلغ وعن النائم حتي يستيقظ ، وعن المجنون حتي يفيق ))(2) .
3- أن يكون ذكراً ، فلا تجوز ولاية المرأة للقضاء . وهذا رأي جمهور الفقهاء كالحنابلة والمالكية والشافعية ، وسوف نفصل في هذا الموضوع في فصل مستقل إن شاء الله .
__________
(1) - القضاء في الإسلام لعلي الطنطاوي ، ص 12 .
(2) - أخرجه أبو داود في باب المجنون يسرق أو يصييب حداً من كتاب الحدود سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 451 – 453 ، والترمذي عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي ، ج 6 ، ص 195 ، وأخرجه البخاري كتاب الحدود ، باب لا يرحم المجنون والمجنونة فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 12 ، ص 120 ، وابن ماجه في باب طلاق المعتوه والصغير من كتاب الطلاق سنن ابن ماجة ، ج 1 ص 658 ، والنسائي في باب من لا يقع طلاقه من الأزواج من كتاب الطلاق المجنبي ، ج 6 ، ص 127 ، والدارمي في باب رفع القلم عن ثلاثة من كتاب سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 171 والإمام أحمد في المسند ، ج 1 ، ص 116- 118 – 140 – 155 – 158 .(1/31)
4- أن يكون حراً ، فلا تجوز ولاية العبد ولا المكاتب والمدبر لأنه لا ولاية للعبد حتي علي نفسه فمن باب أولي ألا يملك الولاية علي غيره وكذلك المكاتب والمدبر حيث إن المكاتب مشغول بحقوق سيده فإذا عجز عن الآداء عاد إلي الرق ، بل هو لا زال رقيقا ما دام عليه شيء من المال . والمدبر هو عبد يكون حر بعد موت سيده ويعامله سيده في حياته معاملة الرقيق ويباع فقد باع النبي صلي الله عليه وسلم مدبراً لحاجة مَنْ دَبَّرَه من الأنصار .
5- أن يكون مسلماً ، فلا تجوز ولاية الكافر علي المسلم باتفاق الفقهاء لقوله تعالي : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }(1) .
6- أن يكون عدلاً ، فلا تجوز ولاية الفاسق .
7- أن يكون سميعاً ، فلا تجوز تولية الأصم لأنه لا يسمع كلام الخصوم وشهادة الشهود . وإلي ذلك ذهب جمهور الحنابلة والشافعية والمالكية أما الحنفية فلم يشترطوا السمع .
8- أن يكون بصيراً ، وإلي ذلك ذهب جمهور الشافعية والحنابلة في إحدي الروايتين وذهب المالكية إلي أنه مشترط في استمرار ولاية القاضي للقضاء وليس شرطاً في جواز ولايته له ، فإذا عين الأعمي قاضياً استحق العزل نقل ذلك الدكتور ناصر بن عقيل الطريفي في كتابه القضاء في عهد عمر ثم اختتم بحثه بقوله : والراجح لم أجد أدلة شرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم تدل علي منع الأعمي من القضاء ، أما ما ذكروه من التوجيه بأنه لا يعرف المحق من المبطل ولا المدعي من المدعي عليه ولا الشاهد من المشهود له أو عليه فغير صحيح . فإننا نجد أن الله تعالي قد منح الأكِفّاء قدرة علي التمييز كما أنه يجوز أن يستعين بغيره من الكتبة وغيرهم(2) .
__________
(1) - سورة النساء آية [141] .
(2) - القضاء في عهد عمر بن الخطاب للدكتور ناصر الطريفي ، ج 1 ، ص 240 .(1/32)
9- أن يكون متكلماً ، فلا تجوز ولاية الأخرس للقضاء لأنه غير قادر علي النطق بالأحكام ، كما أن الناس كلهم لا يفهمون إشارته .
10- أن يكون مجتهداً ، فلا يقبل قضاء العامي والمراد بالمجتهد من فيه الأهلية والقدرة علي استنباط الحكم من مصادر التشريع .
11- أن يكون كاتباً ، كما ذهب إلي ذلك بعض الشافعية وأجاز جمهور العلماء أن يكو
12- أن القاضي غير كاتب لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان أمياً وهو سيد الحكام(1) وبوّب الإمام البخاري بقوله باب متي يستوجب الرجل القضاء(2) وقال الحسن : أخذ الله علي الحكام الأ يتبعوا الهوي ولا يخشوا الناس ولا يشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً ثم قرأ :
{ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }(3) .
قوله تعالي : { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }(4) .
__________
(1) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 16 – 17 ، والقضاء في عهد عمر لناصر الطريفي ، ج 1 ، ص 242 .
(2) - صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 146 فتح الباري .
(3) - سورة ص آية [26] .
(4) - سورة المائدة آية [44] .(1/33)
وقرأ بـ { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا }(1) .
فحمد سليمان ولم يُلَمْ داود ولولا ما ذكر الله من أمر هذين لرأيت أن القضاة هلكوا ، فإنه أثني علي هذا بعمله وعذر هذا باجتهاده . وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : ينبغي للقاضي أن تجتمع فيه خمس خلال إن فاتته واحدة كانت فيه وصمة : أن يكون فهما ، حليما ، عفيفا ، صلبا ، عالما ، سؤلا عن العلم(2) .
وأن يكون متصفا بكل جميلة تزيده هيبة في النفوس وعظمة في القلوب وخلوة من كل ما ينقص من قدره ومنزلته في أقواله وأفعاله وخلوه من الشبهات في الاعتقادات هذه هي شروط القاضي .
وهناك شروط أخري بعضها يرجع إلي نفس القضاء ، وبعضها يرجع إلي المقضي له ، وبعضها يرجع إلي المقضي عليه ، ونلخصها فيما يلي :
أولاً : الشروط التي ترجع للقضاء أنواع منها : أن يكون بحق ، وهو الثابت عند الله في حكم الحادثة إما قطعاً بأن قام عليه دليل قطعي وهو النص المفسر من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم(3) ، أو الإجماع .
ثانياً : أما الذي يرجع إلي المقضي له فأنواع أيضاً منها أن يكون ممن تقبل شهادته للقاضي فإن كان ممن لا تقبل شهادته له لا يجوز قضاء القاضي له ، ومنها طلب القضاء من القاضي في حقوق العباد لأن القضاء وسيلة إلي حقه فكأن حقه وحق الإنسان لا يستوفي إلا بطلبه .
__________
(1) - سورة الأنبياء آية [78] .
(2) - أخرجه البخاري في صحيحه ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، مجلد 13 ، ص 146 من كتاب الأحكام ، باب متي يستوجب الرجل القضاء وأخرجه البيهقي في باب مشاورة الوالي والقاضي في الأمر من كتاب آداب القاضي ( السنن الكبري) ، ج 10 ، ص 110 .
(3) - وإما ظنا غالبا كثبوته بالدليل الظاهر أو بالتأويل الراجح .(1/34)
ثالثاً : أما الذي يرجع إلي المقضي عليه فحضوره(1) إذا كان حاضراً في البلد وعلي رأي من يري عدم جواز القضاء علي الغائب وأن يكون جائز التصرف .
- - -
الفصل الثاني
(( شروط صحة ولاية القاضي ))
القضاء ولاية شرعية ، وليست وظيفة من الوظائف ، وهي اختصاص ولي أمر المسلمين .
ويشترط في صحة ولاية القاضي شروط منها ما يلي :
1- أن يعين القاضي من قبل إمام المسلمين أونائبه . لأن القضاء من المصالح العامة العظام فلا يجوز إلا من جهة الإمام أو نائبه . والتعيين إما كلاماً مشافهة ، أو كتابة وإشهاد شاهدي عدل علي ذلك ، أو استفاضة خبر التولية .
2- قبول القاضي لهذه التولية .
3- أن يعرف الوالي صلاح من يوليه علي ولاية القضاء ، أو يعهد لمن يثق به لاختيار الصالح لعمل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حيث كتب إلي معاذ بن جبل وأبي عبيدة حين بعثهما إلي الشام فقال لهما : أن انظرا رجالا من صالحي من قبلكم فاستعملوهم علي القضاء وأوسعوا عليهم وارزقوهم , كفوهم من مال الله(2) .
4- أن تتضمن الولاية حدود صلاحيات المولَّي علي القضاء ويعلن عن ذلك ويشاع في الرعية حتي تنقاد لطاعته وتخضع لقضائه .
__________
(1) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 4 وما بعدها .
(2) - انظر المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 9 ، وتكملة المجموع شرح المهذب ، ج 2 ، ص 128 .(1/35)
5- أن لا يكون ولاَّه علي أن يعمل بمذهب بعينه وجاء في تكملة المجموع للنووي(1) – رحمه الله - : ولا يجوز أن يعقد تقلد القضاء علي أن يحكم بمذهب بعينه لقوله عز وجل : { فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } والحق ما دل عليه الدليل ، وذلك لا يتعين في مذهب بعينه فإن قلد علي هذا الشرط بطلت التولية وقال ابن قدامة(2) : لا يجوز أن يقلد القضاء لواحد علي أن يجكم بمذهب بعينه وهذا مذهب الشافعي ، ولا نعلم فيه خلافاً لأن الله تعالي قال : { فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } و الحق لايتعين في مذهب ، وقد يظهر له الحق في غير ذلك المذهب فإن قلده علي الشرط بطل الشرط وفي فساد التولية وجهان بناء علي الشروط الفاسدة في البيع(3) .
- - -
الفصل الثالث
(( هل تشترط عدالة الإمام في صحة ولاية القضاء ))
__________
(1) - النووي هو : أبو زكريا محيي الدين يحيي بن شرف النووي نسبه إلي نوي قرية بالشام وهو إمام مشهور صاحب تصانيف مفيدة توفي سنة 676 – رحمه الله – وقد نقلنا تكملة كتابه المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 128 ، وقد توفي قبل أن يكمل الشرح فقام بإكماله الإمام السبكي ثم المطيعي .
(2) - ابن قدامة : هو الإمام العلاّمة شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي المتوفي سنة 682 هجرية صاحب الشرح الكبير علي كتاب المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي المتوفي سنة 620 هجرية ، وكلاهما علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل .
(3) - الشرح الكبير علي المقنع ، ج 11 ، ص 383 .(1/36)
عرفنا أن ولاية القضاء من خصائص إمام المسلمين أو نائبه اشترطت العدالة في القاضي فهل تشترط في إمام المسلمين ؟ ذكر ابن قدامة(1) في الشرح الكبير علي المقنع روايتين ، احداهما تشترط العدالة والثانية لا تشترط لأن ولاية الإمامة الكبري تصح من كل بر وفاجر ، فصحت ولايته كالعدل ولأننا لو اعتبرنا العدالة في المولي أفضي إلي تعذرها بالكلية فيما إذا كان الإمام غير عدل ، قلت : وهذا هو الصحيح إذا كان سيتمكن القاضي من الحكم بالحق ، ولا يتدخل الإمام في أحكامه لأن القضاء فريضة محكمة والقاضي إذا حكم بالعدل فقد أقم هذه الفريضة وبالعدل إصلاح الناس وبالظلم فسادها فتولية الإمام الجائر للقاضي جائزة لأن ضرر تقلده القضاء والحالة ما ذكر لا يساوي ضرر تعطيل القضاء وضياع حقوق الناس وترك أمورهم فوضي يأكل القوي الضعيف ، وقد أوجب رسول الله صلي الله عليه وسلم طاعة ولي الأمر . ففي الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : بايعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال : إلا أن تروا كفراً بواحا فيه من الله برهان(2)
__________
(1) - الشرح الكبير لابن قدامة ، ج 11 ، ص 379 .
(2) - أخرجه مسلم باب في البيعة ما ذا تكون من كتاب الإمارة والبيعة تلخيص صحيح مسلم للقرطبي ، ج1 ، ص 628 ..(1/37)
وعنه صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( سيليكم ولاة بعدي ، فيليكم البر ببره والكافر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، وصلوا وراءهم ، فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم ))(1) فهذه الأحاديث في صحة ولاية الإمامة الكبري لبر ٍ كان أو فاجر ووجوب السمع والطاعة لهم وعدم الخروج عليهم قال سبحانه وتعالي :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }.
ومن السمع والطاعة له صحة ولايته لمن يوليه إمارة أو قضاء إذ التولية بدونه تعد افتياتاً عليه وخرلاوجاً عن طاعته(2) .
- - -
الفصل الرابع
(( ألفاظ التولية ))
للتولية ألفاظ صريحة وكناية ذكرها العلماء فألفاظه الصريحة هي :
(( وليتك الحكم ، قلدتك ، استخلفتك ، رددت إليك ، فوضت إليك الحكم )) .
__________
(1) - أخرجه مسلم برواية اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ، تلخيص صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 630 وأخرجه في باب المنع من اخراج الصلاة عن وقتها من كتاب المساجد صحيح مسلم تلخيص القرطبي ، ج 1 ، ص 248 – 249 وأخرجه أبو داود في باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت من كتاب الصلاة سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 299 – 300 وأخرجه الترمذي في باب ماجاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام من أبواب الصلاة ، عارضة الأحوذي ، ج 1 ، ص 287 ، والنسائي في باب الصلاة مع أئمة الجور من كتاب الإمامة المجتبي ، ج 2 ، ص 58 – 59 ، وابن ماجة في باب ما جاء إذا أخروا الصلاة عن وقتها من كتاب إقامة الصلاة سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 398 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 40 – 409 .
(2) - مزيل الداء عن أصول القضاء لعبد الله بن مطلق الفهيد ، ص 17 – 18 .(1/38)
فإذا وجد لفظ واحدة منها بالاضافة إلي القبول من المولَّي انعقدت وصحت الولاية . وألفاظ الكناية كقوله : اعتمدت عليك ، وعولت عليك ، وكلت إليك ، أسندت إليك الحكم ، فلا تنعقد حتي يقترن بها قرينة نحو فاحكم أو تولي ما عولت عليك فيه : وانظر فيما أسندت إليك ، واحكم فيما وكلت إليك . هذ الألفاظ تحتمل التولية(1) : فإذا وجد لفظ واحد منها بالاضافة إلي القبول من المولَّي انعقدت وصحّت الولاية .وبالجملة فإن التولية تنعقد بكل لفظ دل عليها وفهم المقصود منه مثل : وليتك في الألفاظ الصريحة ، أو مثل أسندت إليك الحكم فاحكم في ألفاظ الكناية .
- - -
الفصل الخامس
(( لا ينعزل القاضي بموت الإمام ))
__________
(1) - الشرح الكبير علي المقنع ، ج 11 ، ص 379 ، والإنصاف ، ج 11 ، ص 160 .(1/39)
إذا ولَّي الإمامُ قاضياً ثم مات ، أو عزل الإمام لم ينعزل القاضي لأن الخلفاء الراشيدين – رضي الله عنهم – ولُّوا حكاماً في زمنهم فلم ينعزلوا بموتهم ، ولأن في عزول القاضي بموت الإمام ضرراً علي المسلين فإن البلدان تتعطل من الحكام ، وتقف أحكام الناس إلي أن يولي الإمام الجديد حكماً وفي ذلك ضرر عظيم ، فإما إن عزله الإمام أو غَيْره ممن خلفه علي ولاية المسلمين ففيه وجهان : أحدهما لا ينعزل وهو مذهب الشافعي لأنه عقد لمصلحة المسلمين فلم يملك عزله مع سداد حاله . الوجه الثاني : له عزله لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لأعزلن أبا مريم وأولين رجلا إذا رآه الفاجر فرقه . فعزله عن قضاء البصرة وولي كعب بن سوار مكانه . ولي عليُّ ُُ رضي الله عنه الأسود ثم عزله فقال لِمَ عزلتني ، وما خنت ، وما جنيت ؟ فقال : إنني رأيتك يعلو كلامك علي الخصمين ، ولأنه يملك عزل أمرائه فكذلك قضاته(1) وقال ابن حزم : يجوز للإمام أن يعزل القاضي متي شاء عن غير خربه واستدل بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما بعث عليا قاضياً إلي اليمن ثم صرفه حين حجة الوداع ولم يرجع إلي اليمن بعدها(2) وينعزل القاضي في الأمور الآتية :
1- إذا وجد الإمام أفضل منه ، أو أظهر عجزه وعدم كفاءته ، أو أنه حكم بجور متعمدا أو ثبت عليه بالبينة .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 87 – والانصاف ، ج 11 ، ص 170 – 180 .
(2) - المحلي لابن حزم ، ج 9 ، ص 435 .(1/40)
2- في حالة فسقه أي ارتكب من الأفعال مفسقة كشرب الخمر ، أو ارتكاب بعض الكبائر فإن جمهور الفقهاء يرون عزله لحظة فسقه ، ولا تعتبر أحكامه بعد تلك اللحظة ، قال ابن قدامة : فأما إن تغيَّر حال القاضي بفسق ، أو زوال عقل أو مرض يمنعه من القضاء ، أو أختل فيه بعض من شروطه فإنه بنعزل بذلك ويتعين علي الإمام عزله وجهاً واحداً(1) لأن العدالة شرط من شروط صحة ولاية القضاء ، فلا يولي الفاسق أبتداء فإذا ولُّي العدل علي القضاء ثم أصبح فاسقا فقدْ فقدَ أهليته للقضاء فينعزل في لحظة فسقه وتعتبر أحكامه لاغية ، وعلي ذلك جمهور الفقهاء ، وخالف في ذلك الحنقية(2) فقالوا إن الفسق لا يخرج القاضي عن ولايته لأنه جاز توليته عنده ابتداء فجاز استمرارها ، فهم لا يعتبرون العدالة شرط صحة لولاية القضاء . وهل ينعزل بنفس الفسق أو حتي يعزله الإمام ؟ علي قولين والمرجع منهما أنه ينعزل(3) . فإذا لم ينعزل فعلي الإمام عزله لأن العدالة شرط من شروط صحة ولاية القضاء ، كما رأي الجمهور وهو الراجح .
- - -
الفصل الأول
(( صفات القاضي ))
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 87 – 88 .
(2) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ج7 ، ص 3 .
(3) - تبصرة الحاكم لابن فرحون ، ج1 ، ص 62 .(1/41)
للقاضي صفات وآداب ذكرها سلف هذه الأمة وعلماؤها ومنها : أن يكون عفيفاً ورعاً، نزيهاً بعيداً عن الطمع ، صدوق اللهجة ، حليما ، متأنيا ذا فطنة وتيقظ لا يؤتي من غفلة ، ولا يخدع لغرة قوياً من غير عنف لينا من غير ضعف ، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ، ذا رأي ومشورة ، كلامه لين إذا قرب ، وهيبة إذا أوعد , ووفاء إذا وعد ولا يكون جباراً ولا عسوفاً فيقطع ذا الحجة عن حجته ، قال علي رضي الله عنه : لا ينبغي أن يكون القاضي قاضياً حتي تكون فيه خمس خصال : عفيف ، حليم ، عالم بما كان قبله يستشير ذوي الأبلاب ، لا يخاف في الله لومة لائم . ( أخرجه البيهقي ، 10/110) من طريق محمد بن يوسف . قال ذكر سفيان عن يحيي بن سعيد ، قال : سأل عمر بن عبد العزيز عن قاضي الكوفة ، وقال : القاضي لا ينبغي أن يكون قاضياً حتي يكون فيه خمس خصال وذكرها إلا أنه قال في الأخيرة ولا يبالي بملامة الناس والمعني واحد ثم رواه من طريق سعيد بن منثور : حدثنا سفيان نحوه وزاد : فإن أخطأته واحدة كانت فيه وصمة وإن أخطأته اثنتان كانت فيه وصمتان وقد امتحن عليّ رضي الله عنه قاضياً فقال له : بم صلاح هذا الأمر ؟ قال : بالورع ، قال : ففيم فساده ؟ قال بالطمع ، قال : حق لك أن تقضي . ونصوا علي أن من أكبر الواجبات علي القاضي ألا يحفل بالناس ، وأن يقيم الحق ولو أغضب أقواماً ، قيل للقاضي شريح : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت وشطر الناس علي غضبان وذلك لما يلاقيه القاضي في الأحكام عندما يحكم برفع يد هذا عن ملك مغتصب ويعزر ذاك ويقيم الحد علي الآخر وحزم وربط كل ذلك تسبب لقاضي كراهية نصف الناس قال الإمام الشافعي – رحمه الله - :
إن نصف الناس أعداء لمن وُلَي الأحكام هذا إن عدل(1/42)
وبالجملة فإنه ينبغي للقاضي أن يتحلي بالعدل ، والاستقامة والأخلاق الفاضلة ، والقوة والقدرة علي العمل ، والأمانة { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }(1) .
__________
(1) - سورة القصص آية [26] وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص علي ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان )) . رواه مسلم في الصحيح وأخرجه البيهقي في باب فضل المؤمن القوي من كتاب آداب القاضي ، ج 10 ، ص 89 .(1/43)
وأن يكون مهاب الجانب مع تواضع وورع عن الحرام ، وأن يكون عفيفا أنزه الناس عرضا ، وأقواهم علي تطبيق الحق والقيام به ، وأبعدهم عن استغلال منصبه في أموره الشخصية مع خشيته لله ومراقبته ، وأن يكون قدة صالحة للخير ، زاهدا عن الدنيا وزخارفها ، عالماً بأحوال الناس ، رحيماً بهم ، حريصاً علي مصالحهم ولا يكلفهم ما يشق عليهم ، ويبزرع المحبة والألفة بين ولي الأمر وأفراد المجتمع ، مما يكون له الأثر الكبير في محبته وتنفيذ آوامره ويحسن التخاطب مع المراجعين مستعملاً معهم الأدب كل الأدب ، لا يغمط ولا يتكبر ولا ينهر ولا يزجر إلا من ظهر له ظلمه . أخلاقه أخلاق العلماء العاملين . وروي بن جوزي قال : كتب عمر(1) بن الخطاب إلي أبي عبيدة بن الجراح كتاباً فقرأه علي الناس بالجابية : أما بعد فإنه لم يقم أمر الله في الناس إلا حصيف العقدة(2) بعيد الغرة(3) ولا يطلع الناس منه علي عورة ، ولا يخشي في الحق علي جرأة ، ولا يخاف في الله لومة لائم والسلام عليكم . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً : لا يصلح هذا الأمر إلا الشدة في غير تجبر ، ولين في غير وهن . ويري عمر رضي الله عنه أن القوة والقدرة والكفاية اللائقة بالقضاء يجب أن تقترن بالتشمير والاستقلال بالأمر وحمل النفس علي الجد فيقول : القوة في العمل لا تؤخر عمل اليوم لغد ، والأمانة أن لا تخالف سرية علانية وتقوي الله عز وجل فإنما التقوي بالتوقي ومن يتقي الله يقه .
__________
(1) - انظر كتاب القضاء في عهد عمر بن الخطاب للدكتور ناصر الطريفي ، ج 1 ص 195 وما بعدها .
(2) - حصيف العقدة أي مستحكمها واستحصف الشيء استحكم والحصيف الرجل المحكم العقل وكني بذلك عمر عن الأشداد في دين الله وقوة الإيمان .
(3) - الغرة أي الغفلة ومعني بعيد الغرة أي من بعد حفظه لغفلة المسلمين . قاله ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ، ج 3 ، ص 355 وانظر القضاء في عهد عمر للطريفي ، ج 1 ، ص 195 .(1/44)
انتهي ، وأن يظهر بالمظهر اللائق به بحيث يلبس ما يليق به ، فإن ذلك أهيب في حقه وأجمل في شكله ، وأدل علي فضله وعقله ، وليلزم الصمت والسكينة والوقار وما يحفظ به مروءته فتميل الهمم إليه ويكبر في نفس الخصوم .
- - -
الفصل الثاني
(( فيما يتولي القاضي من أعمال ))
إن ولاية القاضي تكون عامة في جميع الأحكام في بلد بعينه ، فينفذ حكمه فيمن سكنه وأتي إليه من غير سكانه ، ويجوز أن تكون ولايته خاصة بالنظر في الجنح والتعزيرات الخفيفة ، وفي المداينات أو في قدر من المال لا يتجاوز عشرة آلاف ريال مثلاً فلا ينفذ في أكثر منها ، فإن ولي بالنظر في عموم القضايا فيخول له النظر في الأشياء الآتية :
1- فصل الخصومات بين المتنازعين طبقاً للشرعية الإسلامية إجبار بحكم بات أو صلحاً عن تراض يتوخي فيه العدل .
2- استيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إلي صاحبه بعد ثبوته بأحد أمرين اعتراف أو بينة .
3- النظر في أموال اليتامي والمجانين والسفهاء والحجر علي من يري الحجر عليه لسفه أو فلس أو عدم حسن تصرف لكبر أو مرض وإقامة أوصياء علي الجنون واليتيم وعلي الذي لا يحسن التصرف لحفظ حقوقهم والإنفاق عليهم منها بالمعروف والمدافعة عنهم حتي يبلغ القاصر سن الرشد وحتي يشفي المجنون.
4- النظر في الأوقاف والمحافظة عليها وتنميتها وصرفها في سبيلها ، وقد أنيطت مسؤولية الأوقاف في زماننا هذا بإدارة عامة للأوقاف في كل منطقة تابعة لوزارة الحج لتخفيف العبء عن القاضي لكثرة مشاغله وأعماله ودور القاضي في الحال هو ردع المعتدي علي الأوقاف فور تبليغه وكذلك إثبات وقفيتها بصكوك شرعية ، أما ما يختص بحاصلات الأوقاف فقد أنيط بإدارة الأوقاف .
5- تنفيذ الوصايا علي شرط الموصي فيما أباحه الشرع .
6- تزويج الأيامي بالأكفاء الائي لا وليَّلهن والشرع ولي لمن لا ولي له ويعتبر القاضي في هذه الحالة هو الممثل للشرع .(1/45)
7- النظر في القضايا العامة التي يستحق أربابها التعزير .
8- إقامة الحدود علي مرتكبي الجرم بعد ثبوتها إما باعتراف أو بينات .
9- النظر في مصالح عمله بكف الأذي عن طرقاتالمسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
10- تسهيل أمور المسلمين ممن هم تحت ولايته بإخراج صكوك تملك علي أملاكهم وسرعة إنجاز قضاياهم .
11- يتولي عقود الأنكحة ويعين مأذوني عقود أنكحة محتسبين في المدن والقري التابعة لولايته حسب الحاجة.
12- النظر في الجنح والتعزيرات .
13- وأول ما يبدأ به النظر في حال المسجونين والحكم فيها وأن يخرج من السجن من لا يستحقه ، قال القرطبي : اتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من الحقوق كان حقاً لله أو حقاً للآدميين ، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعني(1) .
__________
(1) - بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي ، ج 2 ، ص 461 .(1/46)
وللإمام سلطته واختصاصاته فله أن يضيف إلي القاضي بعض الأعمال التي ليست من القضاء ، ويعين له البلد الذي يقضي فيه ، ويسحب منه بعض الاختصاصات القضائية ، ويجوز أن يوليه القضاء دون تحديد لسلطته ويكون العرف السائد في المجتمع هو الذي يحدد سلطة القاضي واختصاصاته إذ ليس في الشريعة الإسلامية نص يحدد سلطة القاضي واختصاصاته من الوقائع والخصومات والموضوعات التي يحكم فيها لا يدخل فيها سواها ، ومن جهة أخري إذا نظرنا إلي ما تفيده كلمة قاض وقضاء في اللغة وجدناها لا تعطي أكثر من الفصل في الخصومة ، وهو مفهومها الشرعي ، والخصومة أيا كان نوعها الفصل فيها من اختصاص القاضي فإضافة شيء ليس فيه خصومة يعتبر من الأعمال التي تسند إلي القاضي وليست من القضاء وسلب نوع من الخصومات من القاضي لا يقدح فيه ، ولا وفي سلطته وإنما هو نوع من التنظيم والإدارة ، يقول ابن القيم : إذا عرف هذا فعموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقي من الألفاظ والأحوال والعرف وليس لذلك حد في الشرع ، فقد يدخل في ولاية القضاء بعض الأزمنة والأمكنة ما يدخل في ولاية الحرب في زمان ومكان آخر وبالعكس(1)
__________
(1) - الطرق الحكيمة ، ص139 ..(1/47)
وعلي هذا فأمر تحديد سلطة القاضي واختصاصه متروك لولي الأمر يحدده لما فيه المصلحة تبعاً لحاجة الناس وأعرافهم ومصالحهم إذا أن القضاء من حق الخليفة وجزء من أجزاء الولاية العامة فله أن يقوم به وله أن يدفعه أو يدفع جزءا منه إلي من يري ، وقد ورد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم دفع إلي غيره في بعض الولايات فبعث معاذ بن جبل وابا موسي الأشعري إلي اليمن وفوّض القضاء إليهما فيما ولاّهما عليه ، فكان من حقهما أن يحكما في كل ما يعرض عليهما من الخصومات سواء أكانت في الأموال ، أم الحدود ، أم الجنايات ، أم الأحوال الشخصية إلي غير ذلك من أنواع الخصومات فحكم كل من أبي موسي الأشعري ومعاذ بن جبل في الحدود مما يدل علي عموم الولاية وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دفع بعض الفقهاء إلي غيره فقال ليزيد ابن أخت النمر : اكفني بعض الأمور يعني صغارها وقد أجمع الفقهاء رحمهم الله تعالي علي جواز كون ولاية القاضي عامة أو خاصة وبهذا يتبين سعة الفقه الإسلامي ، والقضايا تنظر من قبل قاض ٍ واحد وقد يخصص لبعض القضايا اثنان من القضاة أو أكثر علي وجه الاشتراك فيتوقف الحكم فيها عليهما جميعاً ، فقد اختلف العلماء في ذلك فالحنفية يرون الجواز وهو وجه عند الحنابلة والشافعية والمالكية والوجه الآخر عند الشافعية والحنابلة عدم الجواز لأنه لأنه يؤدي إلي إيقاف الحكم والخصومات لأنهما قد يختلفان في الاجتهاد ويري أحدهماما يري الآخر والذي يظهر أن المانعين لا يستندون إلي دليل شرعي من الكتاب والسنة ويرد علي وجهتهم بأنهم عند الاختلاف يرفع الأمر إلي من هو أعلي منهم ليفصل فيه(1)
__________
(1) - القضاء في عهد عمر للطريفي ، ج 1 ، ص 356 وما بعدها باختصار ..(1/48)
وهذا هو الصواب لأن في زماننا هذا قد عين في المحكام الكبيرة والمتوسطة أكثر من قاض لمواجهة الكم الهائل من المراجعين مما يعجز عنه قاض ٍ وإلا لتعطلت قضايا المراجعين ولحق الضرر بهم ولكل قاض ٍ النظر بمفرده فيما يحال إليه من قضايا وقد يجتمعون في النظر في قضايا الحدود والقضايا الكبيرة وقد قال الرسول صلي الله عليه وسلم لرسوليه إلي اليمن (( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا )) أو كما قال صالي الله عليه وسلم هذا هو الصواب .
- - -
الفصل الثالث
مجلس الحكم (( أي المحكمة )
إن الإسلام يسر وسماحة ، فما صغيرة ولا كبيرة إلا بيَّنها ووضحها ، فلا يكلف الناس العنت والمشقة ، ومن ذلك ينبغي أن يكون مقر المحكمة معروفاً للناس ، يتوسط البلد حتي يصل الناس عند التنازع بكل يسر وسهولة ، وأن يكون رحباً فسيحاً يتوفر فيه الاستقرار النفسي والراحة الجسدية للقاضي وللمراجعين ، وقد جاء في كتاب عمر لأبي موسي : أياك والقلق والضجر وأن يكون للقاضي في مجلسه هيبة ، فلا يجلس علي التراب ولا علي حسير وأن يُبسط له شيئاً وشإن وضع له مقعد عال ٍ أحسن ليراه الناس . كما كتب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وإليه حينما نزل جبل الأهواز ووجد الناس مشقة في الوصول إليه : (( بلغني أنك نزلت منزلاً كؤودا لا تؤتي فيه إلا علي مشقة ، فاسهل ولا تشق علي مسلم ولا معاهد ، وقم في امرك علي رجل تدرك الآخرة وتصفُ لك الدنيا ، ولا تدركنك فترة ولا عجلة فتكدر دنياك وتذهب آخرتك ))(1) .
( حكم اتخاذ المسجد مجلساً للحكم
وللعلماء آراء في اتخاذ المسجد مجلساً للقضاء :
__________
(1) - القضاء في عهد عمر للطريفي ، ج 1 ، ص 270 وما بعدها باختصار .(1/49)
1- ذهب جمهور الفقهاء كالحنفية(1) والمالكية(2) والحنابلة(3) إلي أن المسجد أفضل مكان يقضي فيه القاضي لأنه أقرب علي الناس في شهودهم ثم أن القضاء طاعة وقربة لله ، و إنصاف بين الناس ، وهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسجد أفضل مكان لكل هذا إذ هو من جنس ما بينت المساجد له أما بالنسبة لمن يمنع من دخول المسجد كالحائض والمشرك فيفضل أن يجعل القاضي موضع جلوسه لهم في مكان بجوار المسجد وأدلة الجمهور من كتاب الله قوله تعالي : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ }(4)
__________
(1) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 12 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 26 .
(3) - الكافي لابن قدامة ، ج 4 ، ص 443 ، والمغني ، ج 14 ، ص 20 ، والإنصاف ، ج 11 ، ص 203 ، ومنتهي الإرادت ، ج 2 ، ص 579 .
(4) - سورة ص آية [21 ، 22] .(1/50)
فالحكومة وقعت عند داود عليه السلام في مسجده ، ومن السنة كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقضي في المسجد . روي البخاري ومسلم عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه تقاضي بن أبي حدرد دينا كان عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتي سمعها رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما حتي كشف سجف حجرته فنادي : (( يا كعب ، قال : لبيك يا رسول الله . قال : ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر ، قال : قلت : فعلت يا رسول الله ، قال : قم فاقضه ))(1) ففي هذا الحديث جواز المطالبة بالحق والقضاء بين الخصوم في المسجد ، فقد سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم خصوماتهما ولم ينههما عن ذلك وإنما قضي بينهما فيما اختلفا فيه ، وروي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سهل أخي بني ساعدة : أن رجلاً من الأنصار جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال :
__________
(1) - أخرج البخاري في باب التقاضي والملازمة في المسجد من كتاب الصلاة فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 551 – 552 ، وأخرجه مسلم في باب استحباب الوضع من الدين من كتاب المساقات صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 10 ، ص 479 وأخرجه أبو داود في كتاب الصلح من كتاب الأقضية سنن أبي داود ، ج4 ، ص 20 ، وأخرجه النسائي في كتاب آداب القضاة (( حكم الحاكم في = داره )) سنن النسائي ، ج 8 ، ص 239 ، وأخرجه ابن ماجة في باب الحبس في الدين والملازمة من كتاب الصدقات سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 811 ، وأخرجه الدارمي في باب انظار المعسر من كتاب البيوع سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 261 والإمام أحمد في مسنده ، ج 6 ، ص 390 .(1/51)
أرأيت رجلاً وجد مع أمرأته رجلاً أيقتله ؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد(1) فهذه الأحاديث تدل علي القضاء في المسجد وكان الخلفاء الراشدون يقضون في المسجد وكذلك كبار التابعين من غير نكير من أحد ، قال ابن قدامة(2): ولنا إجماع الصحابة بما قد رويناه عنهم ، وقال الشعبي : رأيت عمر وهو مستند إلي القبلة يقضي بين الناس .
2- - وذهب الإمام الشافعي وحكي عن سعيد بن نسيب وعمر بن عبد العزيز إلي أن القضاء في المسجد مكروه ، إلا أن يتفق الخصمان عنده في المسجد لأن جعل القضاء في المسجد فيه تضييق علي الناس إذ قد يتعذر علي عدد منهم الدخول إلي المسجد كالجنب والحائض والنفساء والذمي والمجانين والصغار وفي جعل القضاء في المسجد امتهان له لأنه يكثر في مجلس القاضي الهرج ، والضجيج ، واللغط ، واللجاج ، ورفع الأصوات ، والتكالب والتجاحد ، وربما أدي إلي السباب ، وإلي ما لم تبن له المساجد من العبادة ، إذ قد تشوش الضوضاء والجلبة علي المصلين و المتعبدين وقاريء القرآن واستدل علي هذا بقوله :
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}(3) .
__________
(1) - فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 154 .
(2) - انظر المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 20 .
(3) - سورة النور آية [36] .(1/52)
ووجه الدلالة من الآية أن القضاء في المسجد قد يكون فيه إهانة للمسجد خصوصاً المساجد الثلاثة مما مما يحصل من اللجاج ، والخصومة ، وكلام السوء ، مما يتعارض مع مكانة المسجد ، ومن السنة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا )) (1) وفي رواية لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له ووجه الدلالة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم صان المسجد أن ينشد فيه الضالة فمن باب أولي أن يصان عن حضور الجنب ، والحائض ، والافر ، والمجانين ، والصبيان ولحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ، ورفع أصواتكم وخصوماتكم ، وحدودكم ، وسل سيوفكم ، وشرائكم ، وبيعكم ))(2) وقد تعرض الدكتور ناصر الطريفي(3) إلي أدلة الفريقين وناقشها وترجح له بعد عرض رأي الجمهور ورأي الشافعية جواز اتخاذ المسجد مجلساً للقضاء لسلامة الأدلة التي استدل بها الجمهور ولأن أدلة الشافعية ليس فيها نص علي كراهة اتخاذ المسجد مكاناً للقضاء ، قال ابن قدامة(4)
__________
(1) - رواه مسلم ، انظر صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 5 ، ص 57 في باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد ولفظه عن أبي عبد الله مولي شداد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من سمع رجل ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا )) رواه البيهقي في السنن الكبري ، ج 10 ، ص 102 .
(2) - هذا حديث رواه مكحول عن أبي الدرداء وواثلة وابن ماجة ، وأخرجه البيهقي في الخلافيات وسنده ضعيف ، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 157 ، والسنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 103 .
(3) - القضاء في عهد عمر بن الخطاب لناصر الطريفي ، ج 1 ، ص 271 .
(4) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 20 ..(1/53)
-رحمه الله- القضاء طاعة وقربة و إنصاف بين الناس ، فلم يكره في المسجد ولا نعلم صحة ما رواه عن عمر ، وقد روي عنه خلافه ، وأما الحائض فإن عرضت لها حاجة إلي القضاء وكلت أو اتته في منزله والجنب يغتسل ويدخل الذمي يجوز دخوله بإذن مسلم ، ثم أنه عند اتخاذ المسجد مكاناً للقضاء اتخاذ الاحتياطات اللازمة من إشعار الخصوم وكل من يحضر مجلس القاضي بحرمة المسجد ووضع من يردع من لم يلتزم بذلك ويعاقبه ، كما أن التنظيم الحالي يستدعي عدم اتخاذ المسجد مكاناً للقضاء والحاجة إلي المكاتبات مع الجهات المتعددة وهذا يتطلب عدة مكاتب للطباعة والتحرير والصادر والوارد وغير ذلك لذا يحسن اتخاذ مكان للقضاء ، وهو المحاكم ولكن موضع الخلاف في المسألة هو الجواز وعدمه وليس الأولوية والأفضلية(1)ويترجح لديّ جواز اتخاذ المجلس مجلساً للقضاء ، وهو ما ذهب إليه الجمهور للأدلة المكورة وقصور ما جاء به المخالفون عن ثبوت الكراهة .
- - -
الفصل الرابع
((لا يجلس الخصمان إلا بين يدي الحاكم ))
__________
(1) - القضاء في عهد عمر لناصر الطريفي ، ج 1 ، ص 280 وما بعدها .(1/54)
لا يجلس الخصمان إلا بين يدي الحاكم لأن ذلك أمكن للحاكم في الإقبال عليهما ، والنظر في خصومتهما لحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم (( قضي أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم )) ( رواه الحاكم ) وحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال : (( قضي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم )) ( رواه أبو داود وصححه الحاكم )(1) ويسوي بينهما في المجلس ما لم يكن أحدهما غير مسلم فغنه يرفع المسلم كما في قصة عليّ رضي الله عنه مع غريمه الذمي عند القاضي شريح ، وهي ما أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده قال : وجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه درعاً له عند يهودي التقطها فعرفها فقال : درعي سقطت عن جمل لي أورق فقال اليهودي : درعي وفي يدي ثم قال اليهودي بين وبينك قاضي المسلمين فأتيا شريحا فلما رأي عليا قد أقبل تحول عن موضعه وجلس علي فيه ثم قال علي : لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس لكني سمعت رسول الله صلي الله ععليه وسلم يقول : (( لا تساووهم في المجلس )) وساق الحديث ، قال شريح : ما تشاء يا أمير المؤمنين ؟ قال درعي سقط عن جمل لي أورق فالتقطها هذا اليهودي ، قال شريح :ما تقول يا يهودي ؟ قال : درعي وفي يدي ، قال شريح : صدقت والله يا أمير المؤمنين إن هذه درعك ولكن لابد لك من شاهدين فدعا قنبرا والحسن بن عليّ فشهدا أن هذا الدرع لعلي فقال شريح : أما شهادة مولاك فقد أجزناها ، وأما شهادة ابنك فلا نجيزها فقال علي رضي الله : ثكلتك أمك ، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول ، قال : رسول الله صلي الله عليه وسلم (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )) .
__________
(1) - رواه أبو داود في كتاب الأقضية كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي حديث رقم ، 3588 ، ج 4 ، ص 16 ، وأورده صاحب جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الأثير ، ج 10 ، ص 549 ، حديث رقم 7646 .(1/55)
ثم قال لليهودي خذ الدرع ، فقال اليهودي : أمير المؤمنين جاء معي إلي قاضي المسلمين فقضي لي ورضي صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فوهبها له علي رضي الله عنه وأجازةه بتسعمائة وقتل هذا الرجل وهو في جيش علي يوم صفين(1) انتهي . وقول شريح : والله إنها لدرعك كأنه عرفها أنه درعه لكنه لا يري الحكم بعلمه ، كما أنه لا يري شهادة الوالد لأبيه وأجاز شهادة المولي ، وهذه القضة توضح عظمة الإسلام ، وما وصل إليه القضاء من قمة في العدل بحيث يتساوي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مع اليهودي في الحق ، بل ويحكم عليه لليهودي وما أحسن العمل بالحق من الحاكم والمحكوم عليه ؛ ونتيجة لذلك فقد أدي العدل إلي إسلام اليهودي عندما شاهد عظمة الإسلام وسماحة ورضا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – وقناعته بالحكم ، وهكذا تجب المساواة بين الصغير والكبير والمسلم والكافر والأمير والمأمور والحاكم والمحكوم حتي يعم الأمن والاطمئنان .
- - -
الفصل الخامس
(( المساواة بين الخصمين ))
__________
(1) - أورده صاحب سبل السلام ، ج 4 ، ص 240 – 241 ، وضعفه صاحب ارواء الغليل في تخريج أحاديث منار لسبيل ، ج 8 ، ص 242 ، وأخرجه الحاكم في ترجمة ابن سمير وأخرجه البيهقي ، انظر تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 143 .(1/56)
العدل مطلوب من كل أحد ، وهو من الحاكم أشد فعلي القاضي أن يعدل بين الخصمين في الدخول عليه وفي المجلس والنظر وفيلفظه ولحظه ولا يرفعن صوت أحدهما دون الآخر حتي يشعر الطرفان بالمساواة وتطمأن النفوس إلي عدله وقد جاء في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور الموجه إلي أبي موسي حيث قال فيه آس بقين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتي لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك(1) انتهي .
__________
(1) - هذا الأثر صحيح أخرجه الدارقطني من طريق عبد الله بن أبي حميد وأخرجه أيضاً الدارقطني والبيهقي من طريق سفيان بن عيينه وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين . وهذا المقطع جزء منن حديث طويل ، انظر أخبار القضاة لوكيع ، ج 1 ، ص 70 – 71 ، والقضاء في عهد عمر للطريفي ، ج 2 ، ص 594 وما بعدها ، والمصنف لعبد الرازق ، ج 11 ، ص 328 ، والسنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 135 .(1/57)
فكما أن العدل مطلوب في القضاء فهو أيضاً مطلوب في المعاملة وفي نظرتك وفي مجلسك وفي لحظك ومناقشتك حتي لا يشعر الخصوم بميزة خصمه لدي الحاكم لحديث أم سلمة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته علي أحد الخصمين ما لا يرفعه علي الآخر )) . ( رواه عمران بن شيبة في كتاب قضاة البصرة )(1) والأثر المروي عن عمر بن الخطاب وهذا الحديث يدلان علي معني صحيح ومطلوب وهو العدل بين الخصمين وقد تضافرت الأدلة و إجماع الأمة علي وجوبه ، وقال ابن القيم في تخصيص أحد الخصمين بمجلس أو إقبال أو إكراه : مفسدتان إحداهما طعمعه في أن تكون الحكومة له فيقوي جانبه وقلبه ، والثانية أن الآخر ييئس من عدله ويضعف قلبه وتنكسر حجته .
__________
(1) - أخرجه الدراقطني والبيهقي من طريق عبادة بن كثير وإسناده ضعيف ، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني : وله طريق آخر فاتت الحافظين المذكورين ونبه عليهما الحافظ الزيلعي في نصب الراية 4/73/74 فقال رواه إسحاق بن هارون في مسنده أخبرنا بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عباس حدثني أبو بكر التميمي عن عطاء بن سارية وبهذا الإسناد والمتن رواه الطبراني في معجمه قال : وهذا الإسناد رجاله ثقات ، انظر ارواء الغليل ، ج 8 ، ص 239 – 240 باختصار .(1/58)
فإذا عدل الحاكم في هذا بين الخصمين وفهو عنوان عدله في الحجكومة ، فمتي خص أحد الخصمين بالخول عليه ، أو القيام بصدر المجلس أو الإقبال عليه والبشاشة له ، والنظر إليه كان عنوان حيفه وظلمه إلي أن قال ابن القيم : وقد رأيت في بعض التواريخ القديمة أن أحد قضاة العدل في بني إسرائيل أوصاهم إذا دفنوه أن ينبشوا قبره بعد مدة فينظروا هل تغيّر منه شيء أم لا وقال : إني لم أجر قط في حكم ، ولم أحابي فيه غير أنه دخل علي خصمان وكان أحدهما صديقاً لي فجعلت أصغي إليه بأذني أكثر من إصغائي إلي الآخر ففعلوا ما أوصاهم به فرأو أذنه قد أكلها التراب ولم يتغير جسده(1) .
- - -
الفصل السادس
(( لا يحكم القاضي حتي يسمع جواب المدعي عليه ))
__________
(1) - أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية ، ج 1 ، ص 96 .(1/59)
لا يحكم القاضي بمجرد دعوي المدعي حتي يسمع جواب المدعيَ عليه ، ولا يجوز أن يبني حكمه علي سماع طرف دون الطرف الآخر ، فإن فعل متعمداً قدحت عدالته وحكمه باطل ويجب نقضه وإن كان من باب الخطأ لم يكن قادحاً في عدالته وعليه إعادة المحاكمة وسماع جواب المدعيَ عليه لحديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( إذا تقاضي إليك رجلان فلا تقض للأول حتي تسمع كلام الآخر فسوف تدري كيف تقضي . قال عليُُّ : فما شككت في قضاء بعد )) ( رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسَّنه ابن المدين وصححه ابن حبان)(1) ، وبلفظ آخر أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث علياً إلي اليمن للقضاء وهذا صحيح ، وله طرق عن عليٍّ رضي الله عنه الأولي عن حسن قال : بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم قاضياً فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال : إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقفضين حتي تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحري أن يتبين لك القضاء . قال : فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد .
- - -
الفصل السابع
(( بم يحكم القاضي ))
__________
(1) - رواه أبو داود في كتاب الأقضية ، ورواه الترمذي في كتاب الأحكام ، ورواه ابن ماجة في كتاب الأحكام ، باب ذكر القضاء ، ورواه أحمد في مسنده . ، انظر سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 11 ، والسنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 86 ، وجامع الأصول لابن الأثير ، ج 10 ، ص 549 ، وسنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 774 ، وعارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي ، ج 6 ، ص 72 .(1/60)
سبق أن ذكرنا أن العدالة شرط من شروط تولية القضاء ، ولا تتحق العدالة إلا إذا كانت الأحكام الشرعية موافقة لما جاء في الكتاب(1) والسنة(2)
__________
(1) - الكتاب : هو كتاب الله المنزل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهو القرآن الكريم المدون بين دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس ، ولا خلاف بين المسلمين في الاحتجاج به ، فهو حجة علي أمة محمد صلي الله عليه وسلم ، وأحكامه واجبة الاتباع أيّاَ كان نوعها ، وهو المصدر الأول للتشريع الإسلامي .
(2) - السنة : هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم وهي ما أثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . فهي ثلاثة أنواع : 1- السنة القولية : وهي أحاديث الرسول التي قالها ، كقوله صلي الله عليه وسلم (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) . 2- السنة الفعلية وهي أفعاله صلي الله عليه وسلم كقضائه في الزنا بعد الإقرار ، وقطعه يد السارق اليمني ، وقضائه بشاهد ويمين المدعي . 3- السنة التقريرية : وهي ما صدر عن بعض أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وأقرها رسول الله صلي الله عليه وسلم بسكوته وعدم إنكاره ، أو بمافقة وإظهار إستحسانه ، فيعتبر عمل الصحابي أو قوله بعد أن أقؤه صلي الله عليه وسلم كأنه صادر من الرسول نفسه لحديث معاذ بن جبل حينما بعثه الرسول صلي الله عليه وسلم إلي اليمن وقال له : بما تقضي ؟ قال : بكتاب الله ، قال فإن لم تجد ؟ قال : فبسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، قال فإن لم تجد ؟ قال : اجتهد = رأيي . فأقره السول صلي الله عليه وسلم علي ذلك حيث قال الرسول صلي الله عليه وسلم : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لم يرضي الله ورسوله ، ولا خلاف بين المسلمين في الاحتجاج بها .
وتنقسم السنة إلي ثلاثة أقسام :
الأول : السنة المتواترة : وهي ما رواها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم جمع يمتنع عادة أن يتواطأ أفراده علي كذب لكثرتهم وأمانتهم ثم رواه عن الجمع جمع مثله وعن هذا الجمع جمع آخر حتي وصلت إلينا كالأحاديث الواردة في الصلاة والصوم وغير ذلك من شعائر الدين .
الثاني : السنة المشهورة : وهي ما رواها عن الرسول صلي الله عليه وسلم صحابي أو أكثر دون أن يبلغ الرواة حد التواتر ثم نقلها من الراوي جمع من جموع التواتر ، وتناقلها عن هذا الجمع جمع آخر حتي وصلت إلينا ، ومن هذا القسم ما رواه عمر بن الخطاب وابن مسعود وغيرهما من الصحابة .
الثالث : سنة الآحاد : وهي ما رواها عن الرسول صلي الله عليه وسلم آحاد أو جمع لم يبلغ حد التواتر وتناقلها عن هؤلاء أمثالهم من الآحاد أو الجموع التي لا تبلغ حد التواتر حتي وصلت إلينا بسند طبقات الرواة فيه آحاد أو جموع لا تبلغ حد التواتر ومن هذا القسم معظم الأحاديث . والحديث في اللغة ضد القديم والسنة لغة : الطريق حسنة كانت أم سيئة ، لقوله صلي الله عليه وسلم (( من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة ، ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة )) . والمعني الاصطلاحي للحديث والسنة كما تقدم واحد فهما مترادفان لأنهما من مورد واحد .(1/61)
والإجماع(1) والقياس(2) .
__________
(1) - الإجماع : هو اتفاق جميع المجتهدين من الأمة الإسلامية في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم علي حكم شرعي ، سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين واجب الاحتجاج به والاتباع ويعتبر دليلاً قطعياً علي الحكم ومشروعيته ثابتة من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، قال تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } سورة النساء آية [59] ، والمراد بأولي الأمر في هذه الاية هم الحكام والعلماء معاً فإذا أجمع العلماء علي حكم وجب اتباعه ، وقوله تعالي{ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمًْ } سورة النساء آية [83] ، والمقصود بأولي الأمر في هذه الآية العلماء . أما السنة فجعلت رأي الجماعة صواباً خالصاً بعيداً عن الخطأ ، وأعتبرت الرأي المجمع عليه حسناً عند الله . لحديث (( لا تجتمع أمتي علي خطأ )) وقال صلي الله عليه وسلم (( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن )) .
(2) - القياس : هو إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص في الحكم الشرعي المنصوص عليه لاشتراكهما في علة هذا الحكم أو عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل ومثاله النبيذ كالخمر في التحريم بجامع الإسكار في كل لحديث معاذ المار ذكره عندما قال : اجتهد رأي ، وما روي عن الصحابة اشتوروا في حد شارب الخمر فقال علي رضي الله عنه : إنه أذ شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افتري فحده حد المفتري فقاس حد الشارب علي حد المفتري ، ولم ينقل من أحد من الصحابة نكير فكان إجماعا ..وقسمه الأصولين إلي قسمين : قياس العكس : وهو عبارة عن تحصيل نقيض حكم معلوم ما في غيره لافتراقهما في علة الحكم مثال وطء الزوجة علي وطء الأجنبية في ئان له أجراً علي وطء الزوجة كما أن عليه وزراً في وطء الأجنبية وهو التحليل في وطء الزوجة والتحريم في وطء الأجنبية ، قياس الطرد : وهو عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل ، وقد اختلف العلماء في القياس وترجح مذهب القائلين بمشروعية التعبد بالقياس ، وقال الإمام أحمد : لا يستغني أحد عن القياس ، وقال ابن القيم في أعلام الموقعين ، ج 1 ، ص 131 كلاماً يتفق مع كلام الإمام أحمد - يرحمهما الله تعالي -(1/62)
ولا يحصل ذلك إلا بالاجتهاد وبذل غاية الجهد في الوصول إلي الحق في القضية لحديث إذا حكم الحاكم(1) فاجتهد ثم أصاب فله أجران أي إذا أراد الحكم فاجتهد قبل الحكم ثم أصاب فله أجران أي إذا أراد الحكم فاجتهد قبل الحكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.( متفق عليه ) . أي إذا أراد الحكم فاجتهد ثم حكم ثم أخطأ فله أجر فهذا الحديث يدل علي ضرورة الاجتهاد والبحث في القضية عما هو الحق والصواب الموافق للكتاب والسنة والإجماع والقياس ويدل الحديث أيضاً أن الحق في كل قضية وحد معين قد يصيبه من اجتهد ووتبع الأدلة ووفقه الله يكون له أجران : أجر الاجتهاد ، وأجر الإِصابة ومن اجتهد فأخطأ فله أجر الاجتهاد وسقط عنه حكم الخطا ، ويدل أيضاً علي أشتراط أن يكون الحاكم مجتهداً وهو المتمكن من أخذ الأحكام من الأدلة الشرعية ، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما بعث معاذ قاضياً إلي اليمن قال : (( بم تحكم ؟ قال بكتاب الله . قال فإن لم ت جد ؟ قال : بسنة رسول الله . قال فإن لم تجد ؟ قال اجتهد رأيي .
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ من كتاب الاعتصام صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 4 ، ص 268 ، وأخرجه مسلم في باب الاعتصام بحبل الله ، وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ من كتاب الأقضية تلخيص صحيح مسلم للقرطبي ، ج 2 ، صة 832 ، وأخرجه الترمذي ، وأخرجه الترمذي ، باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطيء من أبواب الأحكام عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي ، ج6 ، ص 67 ، وأخرجه البيهقي في باب اجتهاد الحاكم بما يسوغ فيه الاجتهاد وهو من أهل الاجتهاد من كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 118 ، وأخرجه أبو داود في كتاب الأقضية باب (( في القاضي يخطيء سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 6 )) ، وأخرجه النسائي في كتاب آداب القاضي (( الإصابة في الجكم )) سنن النسائي ، ج 8 ، ص 223 .(1/63)
قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )) . والمجتهد من جمع خمسة علوم : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، واللغة ، والقياس . ومن أدلة التشريع الاستحسان وهو ترجيح دليل علي دليل يعارضه بمرجح معتبر شرعاً والأصل فيه قوله تعالي :
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }(1) .
وقوله تعالي : { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا }(2) .
ومن السنة ما روي الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن(3)
ومن أدلة التشريع الاستصلاح وهو المنفعة التي قصدها الشارع الكريم لعبادة من المحافظة علي الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، والمصلحة تقضي بالمحافظة علي هذه الأصول الخمسة وكل ما يفوَّت هذه الأصول فهو مفسدة .
ومن أدلة التشريع أيضاً الاستصحاب وهو اصطلاح الأصوليين استبقاء الحكم الذي ثبت بدليل في الماضي قائماً في الحال حتي يوجد دليل يقيده .
__________
(1) - سورة الزمر آية [18] .
(2) - سورة الأعراف آية [145] .
(3) - العلجوني كشف الخلفاء 2/188 وقال : هو موقوف حسن ، وقال الحافظ بن عبد الهادي روي مرفوعاً عن أنس بإسناد ساقط . والأصح وقفه علي ابن مسعود ، انظر (( أدلة التشريع للدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن الربيعة ، ص 156 هامش )) .(1/64)
وبهذا يتضح أن أدلة التشريع الكتاب ، والسنة ، والإجماع مجمع علي الاحتجاج بها ، أما الأخري فمختلف بين العلماء في الاحتجاج بها والصحيح أنها من أدلة التشريع التي يحتج بها للأحكام الشرعية ولولا خوف الإطالة لذكرت إدلة الاحتجاج بها . قال ابن قدامة رحمه الله تعالي في المغني : أما الكتاب فيحتاج أن يعرف منه عشرة أشياء : الخاص ، والعام ، والمطلق ، والمقيد ، والمحكم ، والمتشابه ، و المجمل والمفسر ، والناسخ ، والمنسوخ ، في الآيات المتعلقة بالأحكام ولا يلزمه معرفة سائر أحكام القرآن ، وأما الشنة فيتحتاج إلي معرفة ما يتعلق منها بالأحكام دون سائر الأخبار في ذكر الجنة والنار والرقائق ، ويحتاج أن يعرف منها ما يعرف في الكتاب ويزيد معرفة التواتر و الآحاد والمرسل والمتصل ، والمسند والمنقطع ، والصحيح ، والضعيف ويحتاج إلي معرفة ما أجمع عليه وما أختلف فيه ، ومعرفة القياس وهو طريق استنباط الحكم من الكتاب والسنة إذا لم تجده صريحاً في نص كتاب أو سنة أو إجماع إذا أستوي الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل ومعرفة شروطه وأنواعه ، وكيفية استنباط الأحكام ، ومعرفة لسان العرب فيما يتعلق بما ذكرنا ليعرف به استنباط الأحكام في أصناف علوم الكتاب والسنة وقد نص الإمام أحمد(1)
__________
(1) - هو الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني إمام أهل السنة وأحد الأعلام الأربعة المشاهير ولد في بغداد شهر ربيع الأول سنة 164 وكان إمام المحدثين فصنف كتابه المسند وجمع فيه من الأحاديث ما لايتفق بغيره وهو من المراجع المهمة وقيل إنه كان يحفظ ألف ألف حديث ، قال الإمام الشافعي : خرجت من بغداد وما خلفت فيها أتقي ولا أفقه من ابن حنبل وقد أخذ عنه في الحديث جماعة من الأماثل منهم الإمام البخاري والإمام مسلم وغيرهما وقد حرزت كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حملا يحفظها عن ظهر قلب وقد دعي إلي القول بخلق القرآن فلم يجب فضرب وحبس وهو مصر علي الامتناع وله عدة كتب وإليه ينسب المذهب الحنبلي عاش حياة كلها مليئة بالعلم والمعرفة وترك لنا علوماً جمة من أعظمها مسند الإمام أحمد في الحديث وقد أجمع أئمة الدين في زمان الإمام أحمد بن حنبل = علي تقدمه في شأنه ونبله وعلو مكانه وله من المناقب مالا يعد ولا يحصي قام لله تعالي مقاماً لولاه بعد الله لتجهم الناس ولمشوا علي أعقابهم القهقري ولضعف الإسلام واندرس العلم ، وذكر ابن رجب في الطبقات في ترجمة الحافظ بن منده أنه صنف كتاب مناقب الإمام أحمد في مجلد كبير وهو أشهر من أن أعرفه بهذه الأسطر ومن أراد المزيد فليرجع إلي كتب التراجم كوفيات الأعيان لابن خلكان ، والبداية لابن كثير ، والتهذيب لابن حجر ومناقبه لابن الجوزي ، وطبقات الحنابة والشذرات والأعلام للزركلي وقد توفي- يرحمه الله -سنة 241 هجرية / 855 ميلادية .(1/65)
علي اشتراط ذلك للفتيا والحكم في معناه إلي أن قال : وليس من شروطه أن يكون محيطاً بهذه العلوم إحاطة تجمع أقصاها وإنما يحتاج إلي أن يعرف من ذلك ما يتعلق بالأحكام في الكتاب والسنة ولسان العرب ، ولا أن يحيط بجميع الأخبار الواردة في هذا ، فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، خليفتا رسول الله صلي الله عليه وسلم ووزيراه ، وخير الناس بعده في حال إمامتها يسالان عن الحكم فلا يعرفان ما فيه في السنة فيسألان الناس فيخبران . فقد سئل أبو بكر عن ميراث الجدة ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، ولا أعلم لك في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئاً ، ولكن ارجعي حتي أسأل الناس . ثم قام فقال : أنشد الله من يعلم قضاء رسول الله صلي الله عليه وسلم في الجدة فقام المغيرة بن شعبة فقال : أشهد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أعطاها السدس(1) وسئل عمر عن املاص(2)
__________
(1) - أخرجه الترمذي في باب ماجاء في ميراث الجدة من أبواب الفرائض عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي ، ج 8 ، ص 251 – 252 وأخرجه أبو داود في باب الجدة من كتاب الفرائض سنن أبي داود ، ج 3 ، ص 316 ، وأخرجه ابن ماجة في باب ميراث الجدة من كتاب الفرائض سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 909 – 910 .
(2) - إملاص المرأة : هو الجنين إذا خرج من بطن أمه نتيجة أعتداء ويسمي إملاصاً لأن المرأة تزلقه قبل وقت الولادة ، وكذلك كلما زلق من اليد فقد ملص ..والمراد أن الجنين إذا مات بسبب الجناية وجبت فيه الغرة وقد فسر الغرة في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين ، قال : اقتتلت إمرأتان من هذيل فرمت أحداهما الأخري بحجر فقتلها وما في بطنها ، فاختصموا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقضي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو أمة ، ونقل صاحب سبل السلام شرح بلوغ المرام ، ج 3 ، ص 485 وما بعدها = أن الشعبي قال : الغرة خمسمائة درهم وعند أبي داود والنسائي من حديث بريدة مائة شاه وقيل خمس من الإبل إذ هي الأصل في الديات أي نصف عشر الدية وهذا في جنين الحرّة وأما جنين الأمة فنصف عشر قيمتها وهذا إذا خرج من بن أمه ميتا أما إذا خرج حيا ثم مات ففيه الدية كاملة ولكنه لابد أن يعلم أنه جنين بأن تخرج منه يد أو رجل وإلا فالأصل براءة الذمة وعدم وجوب الغرة وحديث الباب المشار إليه ثابت في صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 298 فتح الباري وصحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 188 .(1/66)
المرأة فأخبره المغيرة بن شعبة أن النبي صلي الله عليه وسلم قضي فيه بغرة عبد أو أمة .
ولا يشترط معرفة المسائل التي فرَّعها المجتهدون في كتبهم إلي أن قال ابن قدامة : وليس من شرط الاجتهاد في مسألة أن يكون مجتهداً في كل المسائل ، بل من عرف أدلة مسألة أمر ما يتعلق بها ، فهو مجتهد فيها ، و إن جهل غيرها كمن يعرف الفرائض وأصولها ليس من شرط اجتهاده فيها معرته بالبيع ، ولذلك ما من إمام إلا وقد توقف في مسائل . وقيل من يجيب في كل مسألة فهو مجنون ، وإذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله . وحكي أن الإمام مالك سئل عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين منها لا أدري ، ولم يخرجه ذلك عن كونه مجتهداً و إنما المعتبر أصول هذه الأمور وهو مجموع مدون في فروع الفقه وأصوله فمن عرف ذلك ورزق فهمه كان مجتهداً له القضاء وولاية الحكم وبوّب ابن القيم(1)
__________
(1) - هو العلاّمة محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي الأصولي المفسر النحوي العارف شمس الدين أبو عبد الله بن القيم الجوزية ولد في 7 من شهر صفر سنة 691 هجرية ونشأ في بيت علم وتلقي علومه الأولي علي أبيه وأخذ العلم عن كثير من العلماء الأعلام في عصره وله في كل فن إنتاج قيم وقد أعجب بابن تيمية إذ ألتقي به في سنة 712 هجرية ولازمه طول حياته وتتلمذ عليه وتحمل معه أعباء الجهاد ونصر مذهبه وحمل لوا ء الجهاد بعد وفاة شيخه ابن تيمية وظل يحترم العلم إلي أنتوفي ليلة الخميس 13 رجب سنة 751 هجرية وكان بحراً زاخراص بألوان العلوم والمعارف وكان مبرزاً في فقه الكتاب والسنة وأصول الدين واللغة العربية وعلم الكلام والسلوك بعبارات المتصوفين وغير ذلك وقد انتفع الناس به وتتلمذ عليه العلماء ولا تزال مؤلفاته حتي اليوم مصادر إشعاع ومنارات توجيه – يرحمه الله - . ومن أراد المزيد فلينظر ترجمته في مقدمة كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين ..وكتابه هذا من المراجع الهامة وهو أحد مصادر بحثي ، انظر ج1 ، ص 64 .(1/67)
بقوله : بم يتمكن الحاكم من الفتوي والحكم ؟ قال : لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من فتوي والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتي يحيط به علماء والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم في كتابه أو علي لسان رسوله لهذا الواقع ثم يطبق أحدهما علي الآخر فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجراً . فالعالم من توصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلي معرفة حكم الله ورسوله ، كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من دبر إلي معرفة براءته وصدقه(1) ، وكما توصل سليمان عليه السلام بقوله : ائتوني بالسكين حتي أشق الولد بينكما(2) إلي معرفة عين الأم وكما توصل أمي المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله للمرأة التي حملت كتاب حاطب لما أنكرته : لتخرجن الكتاب أو لنجردنك(3) إلي اتخراج الكتاب منها ، وكما توصل الزبير بن العوام بتعذيب أحد بني أبي الحقيق بأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي دلهم علي كنز حيي لما ظهرله من كذبه في دعوي ذهابه بالإنقاق بقوله : المال كثير والعهد قريب (4) من ذلك ، وكما توصل النعمان بن بشير بضرب المتهمين بالسرقة إلي ظهور المال المسروق(5)
__________
(1) - الطرق الحكيمة ، ص 6 ، وبدائع الفوائد لابن القيم ، ج 4 ، ص 13 .
(2) - بدائع الفوائد لابن القيم ، ج 4 ، ص 13 – 14 ، والطرق الحكيمة ، ص 5 .
(3) - بدائع الفوائد لابن القيم ، ج 4 ، ص 14 ، الطرق الحكيمة ، ص 9 ، وأخرجه مسلم بصحيحه بشرح القرطبي ، ج 2 ، ص 1103.
(4) - بدائع الفوائد لابن القيم ، ج 4 ، ص 14.
(5) - بدائع الفوائد لابن القيم ، ج 4 ، ص 14..(1/68)
عندهم فإن ظهر وإلا ضرب من اتهمهم كما ضربهم ، وأخبر أن هذا حكم رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا ومن سلك غير هذا أضاع علي الناس حقوقهم ونسبه إلي الشريعة التي بعث بها رسوله(1)
__________
(1) - الطرق الحكيمة ، ص 5- 6 – 9 ، وبدائع الفوائد لابن قيم الجوزية ، ج 4 ، ص 13 – 14 وتفسير ابن كثير ، ج 2 ، ص 475 ..(1/69)
وما ذكره ابن القيم جزء من شرحه علي كتاب عمر بن الخطاب (1)
__________
(1) - هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزة ويتصل نسبه إلي عدي بن كعب بن لؤي ولد في مكة المكرمة قبل الهجرة بأربعين سنة وأول من لقب بأمير المؤمنين وكناه رسول الله صلي الله عليه وسلم بأبي حفص ولقبه بالفاروق لأن الله فرق به بين الحق والباطل فهو أول من جهر بالإسلام وأيد الله به دعوة الصادق المصدوق لما قال صلي الله عليه وسلم اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إلأيك عمر بن الخطاب أو عمر بن هشام ( أبو جهل ) وسبب إسلامه أنه لما بلغه إسلام أخته فاطمة وزوجها سعد بن يزيد قصدهما ليعاقبهما فأسال دمها علي وجهها وعندما قرأت عليه أخته شيئاً من القرآن أسلم ولقد كبر المسلمون فرحاً بإسلامه وبشره الرسول صلي الله عليه وسلم بالجنة وشهد له بأن الله جعل الحق علي لسانه وقلبه وأن الشيطان يفر منه وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر رضي الله عنه وأجمعوا علي كثرة علمه وشدة ذكائه وزهده ، تولي الخلافة علي المسلمين بعد أبي بكر رضي الله عنه حيث اجتمعوا عليه فكان مالاً للعدل والإصلاح مع تواضع واهتمام بمصالح المسلمين ومناقبه كثيرة وروي خمسمائة وتسعة وثلاثين حديثاً عن رسول الله صلي اللهعليه وسلم وعاش62 سنة ومات شهيداً بست طعنات من خنجر أبي لؤلؤة المجوسي وهو يصلي في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الفجر واستمرت خلافته عشر سنين وستة اشهر وخمس ليال بقين من شهر ذي الحجة سنة 23 هجرية رضي الله عنه وأرضاه ودفن بجوار رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر ..(1/70)
الموجه إلي أبي موسي ، وهو كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة ولا يستغني عنه الحاكم والمفتي ومن المستحسن أن نأتي بنصه لارتباطه بالباب الذي نحن بصدده فإلي النص :((أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ، وآس الناس في مجلسك ، وفي وجهك وقضائك حتي لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك . البينة علي المدعي ، واليمين علي من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً ، ومن أدعي حقاً غائباً أو بينه فاضرب له أمداً ينتهي إليه ، فإن بينه أعطيته بحقه ، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك هو أبلغ في العذر ، وأجلي للعماء ، ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم لايبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، والمسلمون عدول بعضهم علي بعض إلا مجربا عليه شهادة زور ، أو مجلوداً في حد أو ظنينا في ولاء أو قرابة فإن الله تعالي تولي من العباد السرائر فستر عليهم الحدود إلا بالبينات والإيمان ، ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس ليس في قرآن ولا سنة . ثم قايس الأمور عند ذلك وأعرف الأمثال ، ثم اعمد فيما تري إلي أحبها إلي الله وأشبهها بالحق ، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة أو الخصوم شك شك أبو عبيد فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله تعالي به الأجر ، ويحسن به الذكر . ومن خلصت نيته في الحق ولو علي نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس . ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله .(1/71)
فإن الله تعالي لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً فما ظنك بثواب الله لعاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك(1) ورحمة الله )) .
- - -
الفصل الثامن
(( في مشاورة القاضي للعلماء ))
القاضي يواجهه الكثير من الأمور والقضايا المدلهمة التي تضج مضجعه وتوقظه من نومه ، لا يهتدي لحلها من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا في إجماع أو قياس جلي فيبذل قصاري جهده للوصول إلي الحقيقة والحق في المسألة بما تبرأ به الذمة ، عند ذلك استحب له أن يشاور اهل العلم والأمانة في الأمر لعله يصل إلي الحق في القضية لقوله تعالي :
{
__________
(1) - أخبار القضاء لوكيع ، ج 1 ، ص 70 – 71 ، والقضاء في عهد عمر للطريفي ، ج 2 ، ص 594 وما بعدها ورويت هذه الرسالة بعدة طرق عن وكيع وعن طريق الدارقطني وطريق ابن حزم وطريق البيهقي وطريق ابن القيم مع وجود بعض الاختلافات في الأفاظ حسب الروايات المتعددة ، انظر كتاب القضاء في عهد عمر ، ج 2 ، ص 598 وما بعدها ، والمصنف لعبد الرزاق ، ج 11 ، ص 328 ، وتكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 155 وما بعدها .(1/72)
وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } (1) وكان النبي صلي الله عليه وسلم يشاور أصحابه . قال الحسن : إن كان رسول الله صلي الله عليه وسلم لغنيا عن مشاورتهم ، وإنما أراد أن يستن بذلك الحام بعده(2) ، فقد شاور رسول الله صلي الله عليه وسلم أصحابه في أساري بدر(3) وأشار أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالفداء ، وأشار عمر رضي الله عنه بالقتل ، وشاورهم في مصالحة الكفار يوم الخندق ، وفي لقاء الكفار يوم بدر(4) وروي ما كان أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلي الله عليه وسلم(5)
__________
(1) - سورة آل عمران آية [159] .
(2) - فتح الباري ، ج 13 ، ص 340 .
(3) - أخرجه البخاري في باب ما من النبي صلي الله عليه وسلم من الأساري من غير أن يخمس من كتاب فرض الخمس صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 111 .
(4) - أخرجه مسلم في باب غزوة بدر من كتاب الجهاد والسير صحيح مسلم ، ج3 ، ص 1403 . ، والإمام أحمد في المسند ، ج 3 ، ص 219 .
(5) - أخرجه الترمذي في باب ماجاء في المشورة من كتاب الجهاد ، وقال ابن حجر في فتح الباري ، ج 13 ، ص 340 : ورجاله ثقات إلا أنه منقطع وقد أشار إليه الترمذي في الجهاد عارضة الأحوذي في باب ما جاء في المشورة ، ج 7 ، ص 210 ، وأخرجه البيهقي في باب مشاورة الوالي والقاضي في الأمر من كتاب آداب القاضي ، السنن الكبري ، ج 10 ، ص 109 ..(1/73)
وشاور أبو بكر الناس في ميراث الجدة ، وعمر في دية الجنين(1) وشاور الصحابة في حد الخمر ، وروي أن عمر كان عند جماعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم منهم عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف إذا نزل به الأمر شاورهم فيه(2) قال أحمد : لما ولي سعد بن إبراهيم قضاء المدينة كان يجلس بين القاسم وسالم ويشاورهما ، وولي محارب بن دثار قضاء الكوفة فكان يجلس بين الحكم وحماد ويشاورهما(3) . فينبغي للقضاي أن يطرح القضية المشكلة علي أهل العلم والفضل من أجل المشورة واستبيان الحق ، ولا أحد يخالف في استحباب مشاورة القاضي للعلماء وفقهاء عصره . قال ابن قدامة : وجملته أن الحاكم إذا حضرته قضية تبين له حكمها من كتاب الله أو في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم أو إجماع او قياس جلي ، حكم ولم يحتج إلي رأي غيره لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلي اليمن : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله . قال فإن لم تجد ؟ قال فبسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم . قال فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأي ولا آلو .
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب جنين المرأة من كتاب الديات صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 4 ، ص 193 ، وأخرجه مسلم في باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ من كتاب القسامة صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 187 ، وأخرجه أبو داود في باب دية الجنين من كتابالديات سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 696 ، وأخرجه ابن ماجة في باب دية الجنين من كتاب الديات سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 882 ، وأخرجه الترمذي في الديات باب ما جاء في دية الجنين ، عارضة الأحوذي ، ج 6 ، ص 179 ، والنسائي في القسامة باب دية جنين المرأة ، ج 8 ، ص 46- 47 .
(2) - أخرجه البيهقي في باب من يشاور في كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 113 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 27 .(1/74)
قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله(1) . و إن احتاج إلي الاجتهاد استحب له أن يشاور لقوله تعالي : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } .
__________
(1) - أخرجه البخاري في وجوب الزكاة وباب أخذ الصدقة من الأغنياء ، صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 130 ، ومسلم في باب الدعاء إلي الشهادتين من كتاب الإيمان ، ج 1 ، ص 50 – 51 .(1/75)
وذكر – رحمه الله – كثيراً من الأدلة ذكرناها سابقاً ولا حاجة لتكرارها إلي أن قال : ما أحسن هذا لو كان الحكام يفعلونه ، يشاورون وينتظرون ، ولأنه قد ينتبه بالمشاورة ويتذكر ما نسيه بالمذاكرة ، ولأن الإحاطة بجميع العلوم متعرة ، وقد ينتبه لإصابة الحق ومعرفة الحادثة من هو دون القاضي فكيف بمن يساوية أو يزيد عليه وذكر مشاورة أبي بكر في ميراث الجدتين(1) ، وروي عمر بن شيبة عن الشعبي أن كعب بن سور كان جالساً عند عمر فجاءته أمرأة فقالت : يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي ، والله أنه ليبيت ليله قائماً ، ويظل نهاره صائماً في اليوم الحار ما يفطر ، فاستغفر لها وأثني عليها وقال : مثلك أثني الخير أو أنثي الخير وقال : واستحيت المرأة فقامت راجعة فقال كعب : يا امير المؤمنين هلاّ اعديت المرأة علي زوجها ؟ قال : وما شكت ؟ قال شكت زوجها أشد الشكاية . قال : أو ذاك أرادت ؟قال : نعم . قال : ردوا عليَّ المرأة . فقال لا بأس بالحق أن تقوليه إن هذا زعم أنك جئت تشتكي زوجك إنه يجتنب فراشك . قالت : أجل ، إني امرأة شابة وإني لأبتغي ما يبتغي النساء . فأرسل إلي زوجها فجاء فقال لكعب : أقض بينهما . قال : أمير لمؤمنين أحق أن يقضي بينهما . قال عزمت عليك لتقضين بينهما فإنك فهمت من آمرهما ما لم أفهم . قال : فإني أري كأنها أمراة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقض له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ، ولها يوم وليلة . فقال عمر : والله ما رأيك الأول أعجب إليَّ من الآخر ، اذهب فأنت قاضٍ علي البصرة(2)
__________
(1) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 27 .
(2) - المصنف لعبد الرزاق ، باب حق المرأة علي زوجها من كتاب الطلاق ، ج 7 ، ص 148 والطرق الحكمية ، ص 25 ، والطبقات الكبري لابن سعد ، ج 7 ، ص 52 ، والإصابة لابن حجر ، ج 5 ، ص 646 ، والمغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 28 ، من كتاب القضاء ، ج10 ، ص 238 من كتاب عشرة النساء والخلع ..(1/76)
إذا ثبت هذا فإنه يشاور أهل العلم والأمانة ، لأن من ليس كَذلك فلا قول له في الحادثة ولا يسكن إلي قوله . قال سفيان : وليكن أهل مشورتك أهل التقوي ، وأهل الأمانة ، ويشاور الموافقين والمخالفين ويسألهم عن حجتهم ليبن له الحق واستخراج الأدلة ، ويعرف الحق بالاجتهاد ويستحب أن يحضر مجلسه أهل العلم من كل مذهب حتي إذا حدثت حادثة سألهم ليذكروا أدلتهم فيها وجوابهم منها ، فإنه أسرع لاجتهاده وأقرب لصوابه ، فإن حكم باجتهاده فليس لأحد منهم أن يرد عليه ، وإن خالف اجتهاده ، لأن فيه افتياتا عليه ، إلا أن يحكم بما يخالف نصاً أو إجماعاً(1)، ولقد أمر الله سبحانه وتعالي رسوله صلي الله عله وسلم بالمشاورة في قوله تعالي :
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }(2) .
__________
(1) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 28 – 29 والأولي بالحضور مجلس القاضي أهل العلم من أهل الاجتهاد والرأي أما حضور أهل المذاهب مجلس القاضي لا سيما المقلدون والمتعصبون منهم فلا يزيد القضية إلا تعقيداً والقاضي ترددا .
(2) - سورة آل عمران آية [159] .(1/77)
ولذلك كان رسول الله صلي الله عليهوسلم يشاور أصحابه ، وقد روي الحاكم في مستدركه عن ابن عباس في قوله تعالي : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }. قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، ثم قال صحيح علي شرط الشيخين ، وكذا رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت في أبي بكر وعمر وكانا حواري رسول الله صلي الله عليه وسلم ووزيريه وأبوي مسلمين ، وقد روي الإمام أحمد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر : لو اجتمعتما في مشاورة ما خالفتكما . وروي ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سُئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن العزم قال : مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم . وعن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : المستشار مؤتمن . وحديث إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه ، والمشاورة في الأمر الذي يرد الشرع بها هذا ، وإن المشاورة تكون عامة في الحرب وفي الأمور الشرعية كما استشار أبو بكر(1)
__________
(1) - أبو بكر الصديق : هو عبد الله بن عثمان التيمي القرشي ولد بعد مولد الرسول صلي الله عليه وسلم بعامين وقد ولد الرسول صلي الله عليه وسلم في عام الفيل يوم الأثنين لأثني عشر ليلة خلت من ربيع أول ..أول من اسلم من الرجال وتحمل أذي كبيراً من المشركين وجاهد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم حق جهاده وكناه الرسول صلي الله عليه وسلم بالصديق لأنه صدقه في حادثة الإسراء وصدقه في رسالة السماء ولم يتردد رضي الله عنه وكان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثاني اثنين إذ هما في الغار وثاني اثنين في الإسلام وثاني اثنين في العريش الذي نصب للرسول صلي الله عليه وسلم في بدر وثاني اثنين في كل معركة بين الرسول صلي الله عليه وسلم والمشركين وأقرب الناس إلي الرسول صلي الله عليه وسلم في سره وجهره وفي شدته ورخائه وفي نفسه وشؤون المسلمين وهو أول شخصية إسلامية بشرها الرسول صلي الله عليه وسم بالجنة وأول خليفة للمسلمين بعد موت رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث أجمع المسلمون بمبايعته للمسلمين عام 11 هجرية وهو العام الذي توفي فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانت حياته كلها مليئة بالكفاح والجهاد في سبيل الله والعدل في الرعية وعمل علي جمع القرآن الكريم في صحف ثم مرض واستمر مرضه 15يوماً حتي توفي في اليوم السابع من جمادي الآخر سنة 13 هجرية وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة اشهر وعشر ليال وقد بلغ من العمر 63 سنة وقبره بجوار رسول اللله صلي الله عليه وسلم ورضي الله عنه .(1/78)
في ميراث الجدة وعمر في الجنين وما أحرانا بالاتباع لنهتدي إلي طريق الحق والصواب في المسألة امتثالاً لأمر الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم واقتداءاَ بصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم .
- - -
الفصل التاسع
(( في الحكم حالة الغضب ))
من الآداب التي يجب أن يراعيها القاضي أن يختار الوقت المناسب للقضاء ويكون فيه مطمئن هاديء النفس بحيث لا يحكم وهو غضبان لأن الغضب إلي تشويش الفكر ومشغلة القلب عن استيعاب القضية ؛ ويذهله عن التأمل ودقة النظر والتفكير ويؤدي إلي الخطأ ومجانبة الصواب لحديث أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ((لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان))(1) فظاهر النهي يقتضي التحريم وحمله الجمهور علي الكراهة وسبب النهي عن الحكم حالة الغضب أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلي غير الحق فمنع وبذلك قال فقهاء الأمصار. وقال ابن دقيق العيد(2)
__________
(1) - هذا الحديث متفق عليه حيث أخرجه البخاري في باب هل يقضي الحاكم أو يفتي وهو غضبان من كتاب الأحكام صحيح البخاري وأخرجه مسلم في باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان في كتاب الأقضية صحيح مسلم 3/1342وأخرجه أبو داود في باب القاضي يقتضي وهو غضبان من كتاب الأقضية سنن أبي داود ج4ص16وابن ماجة ج2ص 776والأحوذي شرح صحيح الترمذي ج-5-6ص 77والسنن الكبري ج10ص 104.
(2) - هو الإمام الكبير الحافظ الزاهد المجتهد شيخ الإسلام محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري بن فتح المعروف بابن دقيق العيد القوصي ولد يوم السبت 25/8/625هجرية في سفينة شراعية تبحر في مياه القلزم بالبحر الأحمر علي مقربة من ثغر ينبع حين كان والده في رحلة إلي الحج..قال العز بن عبد السلام: ديار مصر تفتخر برجلين من طرفها ابن المنير في الإسكندرية وابن دقيق بقوص وقال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية: لم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث علي رأس السبعمائة وقال عنه الحافظ ابن كثير: أحد علماء وقته بل أجلهم وأكثرهم علما ودينا وورعا. تولي مشيخة دار الحديث الكاملية والصالحية وولي قضاء القضاة علي مذهب الشافعي بعد أبي شديد وله مؤلفات عديدة مفيدة كأحكام الأحكام في الحديث وشرح العمدة وشرح الأربعين حديثا للنووي وغيرها توفي سنة 702هجرية يرحمه الله.(1/79)
في حديث الباب فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر؛ ولا يحصل استيفاء الحكم علي الوجه الأكمل: قال: وعداه الفقهاء بهذا المعني إلي كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة علي مظنة وكأن الحكمة في الاقتصار علي ذكر الغضب لاستيلائه علي النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره.(1/80)
قال ابن حجر العسقلاني (1) في فتح الباري شرح صحيح البخاري علي القول قياس مظنة علي مظنة (2): ((إنه صحيح وهو استنباط معني دل عليه النص؛ فإنه لما نهي عن الحكم حالة الغضب فهم منه أن الحكم لا يكون إلا في حالة استقامة الفكر؛ والوصف بالغضب يسمي علة بمعني أنه مشتمل عليه؛ فألحق به ما في معناه كالجائع)) وقال عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي شارح العمدة :((لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ذلك)) (3) ويلحق بالغضب الجوع والعطش المفرطان لجامع العلة وهي المشقة وانشغال القلب وتشويش الفكر لما أخرجه الدار قطني والبيهقي بسند تفرد به القاسم العمري وهو ضعيف عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان))(4) وألحق به الهم ؛ والمرض؛ وغلبة النعاس وكل ما يشغل عن الفهم وروي ابن حزم في المحلي : (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان) وقد كره ذلك شريح وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة والشافعي وقال الشافعي في الأم: ( أكره للحاكم أن يحكم وهو جائع وتعب أو مشغول القلب فإن ذلك يغير القلب).
__________
(1) - هو الإمام العلامة الفضل أحمد بن علي بن محمد الكتاني العسقلاني الشهير بابن حجر من مواليد عام 773هجرية 1372ميلادية بعسقلان بفلسطين رحل في طلب العلم إلي اليمن والحجاز حتي تضلع وقصده الناس للأخذ عنه وكان فصيح اللسان رواية للشعر ولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل وله تصانيف كثيرة تزيد علي ثلاثين مؤلفا منها الدرر الكافية في أعيان المائة الثامنة والأحكام لبيان ما في القرآن وفتح الباري صحيح البخاري وبلوغ المرام من أدلة الأحكام وغيرها وقد توفي- يرحمه الله- بمصر سنة 852هجرية 1449م انظر ترجمته في الاعلام للزركلي ج1ص178.
(2) - فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج13ص137.
(3) - العدة شرح العمدة ص 623.
(4) - السنن الكبري للبيهقي ج10ص105و106.(1/81)
فإذا خالف القاضي وحكم في حال الغضب أو الجوع أو العطش المفرطين فللعلماء في هذه المسألة آراء أولا قال الجمهور: إذا خالف فحكم في حال الغضب صح أن صادف الحق مع الكراهة . وقال بعض الشافعية: إذا حكم في هذه الأحوال صح حكمه (1)؛ وينفذ مع الكراهة في حقنا ولا يكره في حقه صلي الله عليه وسلم لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف علي غيره. قال بعض الحنابلة: لا ينفذ الحكم في حال الغضب لثبوت النهي عنه والنهي يقتضي الفساد.
__________
(1) - تكملة المجموع شرع المهذب ج2ص131وشرح صحيح مسلم من كتاب الأقضية باب كراهية قضاء القاضي وهو غضبان ج12ص256.(1/82)
وقال ابن قدامة: فإن حكم في الغضب أو ما شاكله فحكي عن القاضي أنه لا ينفذ قضاؤه لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فقال في المجرد : ينفذ قضاؤه وهو مذهب الشافعي لما روي النبي صلي الله عليه وسلم: اختضم إليه الزبير ورجل من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلي الله عليه وسلم اازبير: اسق ثم ارسل الماء إلي جارك. فقال الأنصاري إن كان ابن عمتك فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال للزبير: اسق ثم احبس الماء حتي يبلغ الجدر. (متفق عليه)(1)فحكم في حال غضبه؛ وقيل انما يمنع الغضب الحاكم إذا كان قبل أن يتضح له الحكم؛ ثم عرض الغضب لم يمنعه. لأن الحق قد استبان قبل الغضب فلا يؤثر الغضب فيه قال ابن حجر في فتح الباري: وهذا تفصيل معتبر(2).
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب سكر الأنهار وباب شرب الأعلي قبل الأسفل وباب شرب الأعلي إلي الكعبين من كتاب المساقاة وفي باب إذا أشار الإمام بالصلح من كتاب الصلح وفي باب فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم من كتاب التفسير صحيح البخاري ج2 ص 51- 25 - 144 -115وأخرجه مسلم في باب وجوب الإذعان لحكمه صلي الله عليه وسلم صحيح مسلم ج2ص1032شرح القرطبي كما أخرجه أبو داود في أبواب من الرجلين يكون أحدهما أسفل من الاخر في الماء من الأحكام عارضه الأحوذي ج6ص118والنسائي في باب الرخصة للحاكم الأمين أن يحكم وهو غضبان وباب إشارة الحاكم بالرفق من كتاب القضاه المجتبي 8/209-215وابن ماجه في باب تعظيم حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ج1ص7-8-والإمام أحمد في المسند 4/5.
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ج13ص 638.(1/83)
وأقول إن النهي عن الحكم حالة الغضب للتحريم حيث أن المراد بالكراهية عن السلف الأقدمين كراهة تحريم أما رسول الله صلي الله عليه وسلم فلا يقاس عليه غيره من البشر فقد ثبت ان عبد الله بن عمرو كان يكتب ما يسمعه من الرسول فقال بعض قريش لا تكتب عنه كل ما يقول إنما هو بشر يغضب فذكر ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له أكتب فو الذي نفسي بيده لا أقول الا حقاً (1) وهذا يدل أن غيره بخلافه.
- - -
الفصل العاشر
((كتاب القاضي إلي القاضي ))
الأصل في كتاب القاضي إلي القاضي الكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالي:
{ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }(2)
ومن السنة ما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كتب إلي النجاشي وملوك الأطراف؛ وإلي ولاته؛ وإلي عماله؛ وكتب إلي كسري وقصير وقد جاء في كتابه إلي قصير ما نصه: (( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلي قصير عظيم الروم.. أما بعد ، فأسلم تسلم وأسلم يؤتيك الله أجرا عظيما، فإن توليت فإن عليك اثم الاريسيين))(3) . قال تعالي :
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }(4) .
__________
(1) - مسند الأمام أحمد ج2ص 419.
(2) - سورة النمل الآيات [29 ، 30 ، 31] .
(3) - الحديث أخرجه البخاري في باب دعاء النبي صلي الله عليه وسلم إلي الإسلام من كتاب الجهاد والسير وفي باب أن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا في تفسير سورة آل عمران من كتاب التفسير صحيح البخاري4/53-57-6/42-45وأخرجه مسلم في باب كتاب النبي إلي هرقل يدعوه الإسلام وباب كتب النبي صلي الله عليه وسلم إلي ملوك الكفار يدعوهم إلي الله عز وجل من كتاب الجهاد صحيح مسلم 3/1393-1394- 1397.
(4) - سورة آل عمران آية 64.(1/84)
وأجمعت الأمة علي قبول كتاب القاضي إلي القاضي؛ لأن الحاجة داعية إلي قبوله؛ فإن له حق في بلد غير بلده؛ ولا يمكنه إتيانه والمطالبة به إلا بكتاب القاضي فوجب قبوله. قال ابن قدامه: إن كتاب القاضي إلي القاضي يقبل في الأموال بغير خلاف نعلمه؛ ولا يقبل في الحدود ، وما عدا ذلك علي وجهين وقال الشافعي: ( يقبل كتاب القاضي إلي القاضي في كل حق لآدمي من الجراح وغيرها)(1) وبوب الإمام البخاري(2) في صحيحه باب الشهادة علي الخط المحتوم وما يجوز من ذلك وما يضيق عليهم؛ وكتاب الحاكم إلي عماله ، والقاضي إلي القاضي قال بعض الناس : كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ثم قال: إن كان القتل خطأ فهو جائز لأن هذا مال بزعمه ، وإنما صار مالاً بعد أن ثبت القتل والخطأ والعمد واحد ، وقد كتب عمر إلي عامله في الحدود وكتب عمر ابن عبد العزيز في سن كسرت فقال إبراهيم : كتاب القاضي إلي القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم . وكان الشعبي يجير الكتاب المختوم بما فيه من القاضي. ويروي عن ابن عمر نحوه؛ وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي : شهدت عبد الملك بن يعلي قاضي البصرة ، والياس بن معاوية والحسن؛ وثمامة بن عبد الله بن أنس ؛ وبلال بن أبي بردة وعبد الله بن بريدة ، الأسلمي ، وعامر بن عبيدة ؛ وعباد بن منصور يجيرون كتب القضاه بغير محضر من الشهود، فإن قال الذي جيء عليه بالكتاب : إنه زور قيل : له اذهب فالتمس المخرج من ذلك. وأول من سأل علي كتاب القاضي البينة ابن أبي ليلي، وسوار بن عبد الله وقال أبو نعيم: حدثنا عبيد الله بن محذر جئت بكتاب من موسي بن أنس قاضي البصرة؛ وأقمت عنده البينة أن لي عند فلان كذا وكذا وهو بالكوفة وجئت به قاسم بن عبد الرحمن فأجازه.
__________
(1) - المغني ج14ص74.
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ج13 ص 140وما بعدها.(1/85)
وقد ذكر الفقهاء شروطاً ثلاثة لقبول كتاب القاضي أحدها أن يشهد به شاهدا عدل الثاني أن يكتبه القاضي من موضع ولايته وحكمه ، الثالث أن يصل الكتاب إلي المكتوب إليه في موضع ولايته فإن وصله في غيره لم يكن له قبوله حتي يصل إلي موضع ولايته (1) ولي وجهة نظر حول الشرط الأول تتلخص فيما يلي :
أولا: إن تكليف الشاهدين للذهاب إلي ذلك القاضي المكتوب فيه مشقة وضرر عليهما وتعطيل لمصالحهما .
ثانياً : إن كتاب القاضي إلي القاضي في عصرنا الحاضر يصل بواسطة البريد الرسمي بما يتضمن وصوله دون تبديل ولا تغيير ، فلا أري داعيا إلي تكليف الشاهدين لأن القصد منهما تحقيق صحة ما في الكتاب وقد حصل بما لا يدعو مجالا للشك ويبقي الإشهاد علي كتاب القاضي قائما مثله مثل غيره من الأحكام التي تصدر من القاضي موقعة بتوقيعه وختمه ، ولا يكلف الشاهد بالذهاب إلي القاضي المكتوب له وليس بلازم أن يشهدهم علي ما في الكتاب. قال ابن القيم: ولم يزل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال يعتمدون علي كتب بعضهم إلي بعض ؛ ولا يشهدون حاملها علي ما فيها ، ولا يقرؤنه عليه أي الحامل هذا عمل الناس من زمن نبيهم إلي الآن(2).
- - -
الفصل الحادي عشر
(( هل للحاكم أن يحكم بعلمه ؟ ))
__________
(1) - المغني ج14ص79-80.
(2) - حاشية السلسبيل ، ج2 ، ص169.(1/86)
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة علي عدة أقوال نلخصها كالآتي ، أولاً : ليس للحاكم أن يحكم بعلمه مطلقاً ، سواء كان في حدود الله أم في حقوق الآدميين . وهو رأي الإمام أحمد ، والشافعي ، وإليه ذهب البخاري(1) واختاره ابن القيم(2) ومتأخروا الحنفية نظراً لفساد الزمان وهو مروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال : لو رأيت حداً علي رجل لم أحده حتي تقوم عليه البينة(3) ومرويُّ عن عمر بن الخطاب حيث ادعي عنده رجلان فقال أحدهما : أنت شاهدي فقال : إن شئتما شهدت ولم أحكُم أو أُحَّكم فلا أشهد(4) مروي عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين وذهب الأكثرون من أصحاب الشافعي أنه لا يجوز أن يحكم القاضي بعلمه في حدود الله قولاً واحداً واستدل القائلون بمنع القاضي من أن يحكم بعلمه بقوله تعالي : { فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ }(5) .
وقال تعالي : { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ }(6) .
__________
(1) - صحيح البخاري كتاب الأحكام باب من رأي للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة ، فتح الباري ، ج 13 ، ص 138- 139 .
(2) - الطرق الحكيمة لابن القيم ، ص 194 .
(3) - رواه البيهقي وابن حزم ، انظر السنن الكبري كتاب آداب القاضي ، باب من قال ليس للقاضي أن يحكم بعلمه ، ج 10 ، ص 142 ، والمحلي ، ج 9 ، ص 426 ، والطرق الحكيمة ، ص 196 ، والمغني ، ج 14 ، ص 30 – 31 – 32 .
(4) - رواه بن أبي شيبة وابن حزم الكتاب المصنف للأحاديث والآثار ، كتاب البيوع والأقضية ، وذكره ابن القيم في الطرق الحكيمة ، ص 196 ، والمحلي ، ج 9 ، ص 427 .
(5) - سورة النساء آية [ 15] .
(6) - سورة النور آية [13] .(1/87)
وبقوله تعالي :{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }(1)
ومن السنة أن رجلاً من حضرموت ورجلاً من كندة أتيا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال الحضرمي : إن هذا غلبني علي أرض ورثتها من أبي . وقال الكندي : أرضي وفي يدي لا حق له فيها . فقال النبي صلي الله عليه وسلم للحضرمي (( شاهداك أو يمينه فقال : إنه لا يتورع من شيء ، فقال : ليس لك منه إلا ذلك ))(2)
__________
(1) - سورة النور آية [4] .
(2) - أخرجه الترمذي في باب ما جاء أن البينة علي المُدعي واليمين علي المدعي عليه من أبواب الحكام ، ج 6 ، ص 86 ، وأخرجه البيهقي في باب الرجلين يتنازعان والمال من كتاب الدعاوي والبينات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 254 ، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب وعيد من اقتتطع حق مسلم بيمين فاجره بالنار ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 1 – 2 ، ص 516 ، وأخرجه أبو داود في كتاب الإيمان ، والنذور ، ج 3 ، ص 566 ..(1/88)
وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له علي نحو ما أسمع ))(1) فهذا الحديث يدل علي أنه صلي الله عليه وسلم يقضي بما يسمع من الحجة والبينات لا بما يعلم ، وكذلك حديث الحضرمي والكندي أفاد أن الإثبات لا يكون إلا بشاهدين وإلا فالبراءة باليمين لا بما يعلم القاضي .
__________
(1) - أخرجه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، والبيهقي ، حيث جاء في صحيح البخاري كتاب الشهادات ، باب من أقام البينة بعد اليمن ، فتح الباري ، ج 5 ، ص 288 ، ج 12 ، ص 339 ، ج 13 ، ص 157 ، وفي صحيح مسلم كتاب الأقضية ، باب بيان حكم الحاكم لا يغير الباطن ، صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11- 12 ، ص 245 ، وأبو داود في باب قضاء القاضي إذا أخطأ من كتاب الأقضية سنن أبو داود ، ج 4 ، ص 12 ، والترمذي في باب ماجاء في التشديد من كتاب الأحكام ، عارضة الأحوذي ، ج 6 ، ص 83- 84 ، والنسائي باب ما يقطع القضاء في كتاب القضاء ، ج 8 ، ص 247 ، وابن ماجة في باب قضية الحاكم لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً في كتاب الأحكام سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 777 ، والبيهقي في السنن الكبري ، كتاب الشهادات باب لا يقبل حكم القاضي علي المقضي له والمقضي عليه ولا يجعل الحلال علي واحد منهما حراماً ولا الحرام علي واحد منهما حلالاً ، ج 10 ، ص 149 ، والإمام مالك في باب الترغيب في القضاء بالحق من كتاب الأقضية الموّطأ ، ص 509 ، والإمام أحمد في المسند ، ج 6 ، ص 203- 290 – 291 – 308 – 320 .(1/89)
والآيات القرآنية(1) دلت علي أن القاضي لا يحكم في الحدود إلا بالشهود لا بعلمه ودلت علي أن المتهم لا يطالب باليمين لبراءته اللهم إلا في القسامة لقوله صلي الله عليه وسلم (( فتبرئكم يهود بخمسين يميناً )) هذا إن جعلنا جريمة القتل من الحدود علي اختلاف في مصطلح الفقهاء والذين يرمون النساء بالزنا في حدَّ القذف وتتعدي إلي ما سواه من الحدود وإلي حقوق الآدميين حيث لا فرق في حدود التشريعات ولحديث النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( لو كنت راجماً أحد بغير بينة لرجمت هذه ))(2) يريد لمرأة التي تظهر في الإسلام السوء ، فقد دل الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم علم بوقوع الزنا من هذه المرأة ، ولكنه لم يرجمها لعدم قيام البينةعلي زناها ، فدل هذا علي عدم جواز قضاء القاضي بعلمه وقال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف لو رأيت رجلاً زنا أو سرق ؟ قال : أري شهادتك شهادة رجل من المسلمين . قال : أصبت(3)فلا يري قضاء القاضي بعلمه .
وعن شريح القاضي أن إنساناً سأله الشهادة فقال ائت الأمير حتي أشهد لك(4) فلم يقض شريح - رحمه الله - بعلمه.
__________
(1) - { فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ } من سورة النساء آية [15] وآية { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } من سورة النور آية [13] ، وآية { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } سورة النور آية [4] .
(2) - رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي وابن ماجة ، فتح الباري ، ج 9 ، ص 454 ، وص 461 ، و ج 12 ، ص 180 ، في كتاب الحدود ، وج 13 ، ص 224 في كتاب التمني وفي صحيح مسلم كتاب اللعان بشرح النووي ، ج 10 ، ص 384 .
(3) - رواه البخاري ، وعبد الرزاق ، والبيهقي ، فتح الباري ، ج 13 ، ص 158 ، باب الشهادة عند الحاكم ، والسنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 144 .
(4) - رواه ابن أبي شيبة في كتاب المصنف في الأحاديث والإثارة ، ج 6 ، ص 538 .(1/90)
ثانياً : روي عن الإمام الشافعي في القضاء بعلم القاضي روايتان : الجواز والمنع ، وذهب الأكثرون من أصحاب الشافعي بأنه لايجوز أن يحكم القاضي بعلمه في حدود الله قولاً واحداً وإنما القولان في حقوق الآدمين .
ثالثاً : وروي عن الإمام أحمد في القضاء بعلم القاضي ثلاث روايات :
( أ ) ليس له أن يحكم بعلمه في غير مجلسه سواء كان ذلك في حدَّ أم في غيره وهو اختيار الأصحاب .
( ب ) يجوز له أن يحكم بعلمه في غير مجلسه سواء كان في حدَّ أم في غيره .
( ج ) له أن يحكم بعلمه في غير حدود الله ، لأن مبناها علي التسامح والستر ، وهذا مرويُّ عن محمد بن حسن(1) .
رابعاً: أما الإمام أبو حنيفة فإنه يري أن القاضي لا يحكم بعلمه في الحدود لأن كل واحد من المسلمين يساوي القاضي فيه إلا السكران ومن به إمارة السكر فينبغي له أن يعزره للتهمة ولا يكون حداًّ أما حقوق الآدميين فيفصل القول فيها ويجعلها علي قسمين .
أ – ما علمه قبل ولايته فها لا يحكم فيه بعلمه ، لأنه بمنزلة ما سمعه من الشهود قبل الولاية . وعند صاحبيه محمد بن الحسن وزفر يقضي ، وكذا الخلاف لو علم وهو قاض في مصره ثم عزل ثم أعيد .
ب- ما علمه وهو في ولايته(2) فهذا يحكم فيه بعلمه لأنه بمنزلة ما سمعه من الشهود في ولايته ، تتلخص لنا من هذه الأقوال والآراء سبعة آراء :
1- يقضي بعلمه مطلقاً .
2- لا يقضي بعلمه مطلقاً .
3- يقضي في زمن قضائه خاصة .
4- يقضي في مجلس حكمه .
5- يقضي في الأموال دون غيرها .
6- يقضي في الأموال والقذف .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 31 .
(2) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 7 .(1/91)
7- يقضي في كل شيء إلا في الحدود ، وقيد الإمام البخاري قول من قال : إن القاضي يحكم بعلمه بقوله إذا لم يخف الظنون والتهمة(1) . وقال ابن حجر والكرابيسي : الذي عندي أن شرط جواز الحكم بالعلم أن يكون الحاكم مشهوراً بالصلاح والعفاف والصدق ولم يعرف بكبير زلة ، ولم يؤخذ عليه خربة بحيث تكون أسباب التقي فيه موجودة وأسباب التهم فيه مفقودة ، فهذا الذي يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقاً .
وأدلة القائلين بجواز القاضي أن يحكم بعلمه قوله تعالي :
{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }(2) .
وقوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ }(3) .
وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ }(4) .
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 38 .
(2) - سورة الإسراء آية [36] .
(3) - سورة النساء آية [135] .
(4) - سورة المائدة آية [8] .(1/92)
ففي هاتين الايتين الأمر بالقوامة والقسط ، والحاكم جملته وليس من القسط أن يعلم الحاكم أن أحد الخصوم مظلوم والآخر ظالم ، ويترك كلاَّ منهما علي حاله ، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم قضي لهند أمراة أبي سفيان أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف(1) ولقوله صلي الله عليه وسلم : (( من رأي منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ))(2) . فأمر رسول الله صلي الله عله وسلم بتغيير المنكر باليد أو باللسان إذا علم الحاكم شيء فهو أولي الناس بتغيير الباطل ، وإقامة الحق وللأثر المرويّ عن عروة ومجاهد أن رجلاً من بني مخزوم استعدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه علي أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه أنه ظلمه حدَّا في موضع كذا وكذا فقال عمر : إني لأعلم الناس بذلك وربما لعبت أنا وأنتفيه غلمان ، فآتني بأبي سفيان ، فأتاه به فقل له عمر : يا أبا سفيان انهض بنا إلي موضع كذا وكذا فنهضوا ، ونظر عمر وقال : يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من هنا فضعه هاهنا قال والله لا أفعل . فقال والله لتفعلن . فقال : والله لا أفعل . فعلاه عمر بالدرة وقال : خذه لا أمك لك فضعه هاهنا فإنك ما علمت قديم الظلم ، فأخذ أبو سفيان الحجر ووضعه حيث قال عمر رضي الله عنه(3)
__________
(1) - أخرجه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، والدارمي ، ، انظر فتح الباري كتاب النفقات ، ج 9 ، ص 507 ، وصحيح مسلم كتاب الأقضية ، باب قضية هند ،ج 12 ، ص 7 ، وسنن أبي داود ، ج 3 ، ص 802 ، وسنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 769 ، وسنن النسائي المجتبي ، ج 8 ، ص 216 ، والدارمي ، ج 2 ، ص 159 .
(2) - أخرجه مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجة ، صحيح مسلم كتاب الإيمان ، باب وجوب الأمر بالمعروف بشرح النووي ، ج 1-2 ، ص 381 ،وسنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1330 ، وسنن أبي داود ، ج 4 ، ص 511 .
(3) - تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ، ص 17 ، والمغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 31 ..(1/93)
ثم أن عمر استقبل القبلة فقال : اللهم لك الحمد ، حيث لم تمتني حتي غلبت أبا سفيان علي رأيه وأذللته بالإسلام . قال : فاستقبل أبو سفيان القبلة وقال : اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتي جعلت في قلبي من الإسلام ما أذل به لعمر . وهكذا حكم بعلمه من غير بينة ولا اقرار .
الترجيح
وقد ترجح لدي الدكتور ناصر الطريفي القول بعدم جواز قضاء القاضي بعلمه ، لئلا يكون العلم ذريعة لقضاة السوء في التسلط علي رقاب الناس وأعراضهم وأموالهم ، وليأمن الناس علي حقوقهم ، كما أن في المنع حماية للقضاء من أن تتزلزل مكانته في نفوس الناس ، ويهن شأنه في نظرهم . كما أنه من الممكن أن يترك القاضي النظر في القضية ليحكم فيها غيره ويدلي هو بشهادته ، وما استدل به المجيزون لقضاء القاضي بعلمه فليسفيها نص صريح في المسألة فالآيات في غير محل النزاع ، فقوله تعالي :
{(1/94)
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } المراد بها النهي عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخيال لا الحكم بالعلم أما قوله : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ } فهي خاصة بالشهود كما هو ظاهر في سياق الاية ، أما قصة امرأة أبي سفيان ، فالرسول صلي الله عليه وسلم لم يحكملها وإنما أفتاها فالقصة ليس فيها قضاء وحكم إذا لم تكتمل أركان القضية فليس هناك مدع ٍ عليه حاضر مجلس الحكم . قال ابن القيم : فانها لم تسأله عن الحكم وإنما سألته : هل يجوز لها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي أولادها ؟ وهذا استفتاء محض ، فالاستدلال به علي الحكم سهو)(1) أما حديث (( من رأي منكم منكرا فليغيره )) فهو الأمر بتغيير المنكر الذي يعلم الناس أنه منكر ، بحيث لا يتطرق غليه تهمة في تغييره ، أما أن يحكم بعلمه ويدعي أنه يغير المنكر ، فلا يجوز ، وليس في الحديث ما يدل عليه أما قضية المخزومي وأبي سفيان فإنه لم يكن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فيها قضاء ، بل ما فعله هو من باب إزالة المنكر بدليل أنه لم يسأل أبا سفيان حتي يقر أو ينكر وبهذا تسلم أدلة المانعين للقضاء بعلم القاضي في الجملة ، إذ هي أصرح في موضع الخلاف(2) ولا شك أن علم القاضي في القضية مهم جداً والقاضي مسؤول عن تحقيق العدل وإظهار الحق في القضية ، وقد ظهر له فعليه أن يخوَّ الخصم من مغبة الظلم ويقنعه بالحق كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبزجره وينهره حتي لا يضيع الحق مع علم القاضي ، والراجح أن القاضي لا يحكم بعلمه حتي يبتعد عن الشبهة و التهمة والله أعلم .
- - -
الفصل الثاني عشر
(( الحكم علي الغائب ))
__________
(1) - الطرق الحكمية ، ص 196 .
(2) - القضاء في عهد عمر بن الخطاب ، ج 1 ، ص 494 .(1/95)
مر بك فصل لا يحكم القاضي حتي يسمع جواب المدعي عليه ، وهناك حالات يكون المدعي عليه حاضراً في البلد ولم يحضر فالقاضي يحضره هذا إذا كان في البلد وداخلاً في ولايته ، ولا يحكم حتي يسمع جوابه ، ولكن هناك أشخاصاً لهم حقوق علي أشخاص غائبين لايعرف أين هم ، أو غابوا مع الامتناع عن الحضور ، أو غابوا ويعرف مكان غيبتهم ولكنهم في ولاية غير ولاية القاضي فإذا ترك هؤلاء حتي يحضروا مع استحالة حضورهم ، أو يترك حق المدعي يضيع بسبب غيبة المدعي علهم وتهربهم ، أو تسمع الدعوي أو البينة ويحكم له ، والمدعي عليه علي حجته متي ما حضر . هذا ما سنبحثه في هذا الفصل وللعلماء في الحكم علي الغائب أقوال فنلخصها فيما يلي .(1/96)
1- ذهب(1) الحنابلة(2)(3)والشافعية(4)إلي جواز الحكم علي الغائب في حقوق الآدميين ، كالأموال والقصاص والأبدان ، ولا يحكم عليه في الحدود كالزني وشرب الخمر ، لأنها حق لله وحقوق الله مبناها علي الستر والدرء أما الحدود التي للآدميين فيها حق كالقذف والسرقة فيحكم فيها علي القاذف بالجلد وعلي السارق بالمال دون القطع .
__________
(1) - الحنابلة نسبة إلي الإمام أحمد بن حنبل الشيباني وقد تقدمت ترجمته .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 93 ، والكافي ، ج 4 ، ص 466 .
(3) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 406 .
(4) - نسبة إلي الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي الشافعي يجتمع مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في عبد مناف ، مولده سنة 150 هجرية بمدينة غزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن والأول أصح وكان الشافعي كثير المناقب جم المفاخر منقطع القرين اجتمع فيه العلم بكتاب الله وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم وكلام الصحابة . قال أحمد بن حنبل : ما أحد من بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منه عليه وقد اتفق العلماء قاطبة علي ثقته وأمانته وعدالته وزهده وورعه ونزاهة عرضه وعفة نفسه وحسن سيرته وعلو قدره وسخائه وللشافعي أشعار كثيرة وهو من الأئمة الأربعة المجتهدين الذين تركوا للأمة الإسلامية علوماً واسعة وهو أشهر من أعرفه توفي في آخر يوم من رجب سنة 204 هجرية ، انظر كتابي لاليء الدرر .(1/97)
2- قال(1) المالكية(2) : يقضي علي الغائب في بعض الحالات ، ولا يقضي عليه في حالات أخري . فإذا كانت غيبته أكثر من مسيرة عشرة أيام ، أو منقطع الغيبة فيحكم عليه ، أما إذا كانت غيبته قريبة علي مسيرة اليوم واليومين فيكتب إليه ، ويعذر إليه في كل حق .
3- ذهب(3) ابن حزم(4) إلي القضاء علي الغائب كما يقضي علي الحاضر في كل الحقوق سواء أكانت للمخلوقين أم للخالق جلَّ وعلا .
__________
(1) - نسبة إلي الإمام مالك أحد الأئمة الأربعة الأعلام ، هو أبو عبد الله بن أبي عامر الأصبحي المدني صاحب الحديث والفتوي ولد سنة 95 هجرية وتوفي سنة 179 هجرية في 14 ربيع أول أو صفر وكان إمام في السنة والحديث وسيرته عطرة وعلومه جمة – يرحمه الله – انظر ترجمته حلية الأولياء – لأبي نعيم ، ج 6 ، ص 316 ، وصفوة الصفوة لابن الجوزي ، ج 2 ، ص 99 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 69 .
(3) - هو الإمام الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي الظاهري المشهور بابن حزم أحد أئمة السنة والفقه وكان متفننا في علوم جمة عالماً بعلمه زاهداً في الدنيا ، مولده في قرطبة يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس ىخر رمضان سنة 384 هجرية وكان حافظاً عالماً في علوم الحديث والفقه مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة مجتهدا صاحب مصنفات عظيمة ألف ابن حزم في فقه الحديث كتاباً سماه الإيصال إلي فهم الخصال في نحو 80 مجلدا وله كتاب المحلي وغيرهما وكانت وفاته سنة 456 هجرية في نهار يوم الأحد لليلتين باقيتين من شعبان ، انظر اعلام الحاضر برجال من الماضي الغابر ، ج 1 ، ص 110 ومابعدها .
(4) - المحلي ، ج 9 ، ص 366 .(1/98)
4- ذهب(1) الحنفية(2) إلي عدم جواز القضاء علي الغائب . واستدل المجيزون بالحكم علي الغائب بقوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ } وبقوله : { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } أي لجميع الناس الحاضرين والغائبين وقال ابن حزم : فلم يخص تعالي حاضراً من غائب . ومن السنة عن عائشة رضي الله عنها أن هند قالت للنبي صلي الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح ، فاحتاج أن آخذ من ماله . فقال صلي الله عليه وسلم : (( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )) فقضي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أبي سفيان وهو غير حاضر مجلس القضاء .
__________
(1) - نسبة إلي الإمام أبي حنيفة وهو النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي أحد الأئمة الأعلام صاحب المذهب المشهور أدرك أربعة من الصحابة وهو: أنس بن مالك بالبصرة ، وعبد الله بي أبي عوفة بالكوفة ، وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة ، وأبو طفيل عامربن واثلة بمكة . وكان أبو حنيفة خزازا يبيع الخز وجده زوطي من أهل كابل او بابل ، وهو الذي مسه الرق فأعتق وابوه ثابت وقيل ما وقع عليهم الرق قط وذهب ثابت إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو صغير فدعي له بالبركة وفي ذريته كان افمام أبو حنيفة عالماً زاهداً ورعاً تقياً كثير الخشوع حبس ايام المنصور وضرب أيام مروان محمد لامتناعه عن القضاء وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكي وترحم علي أبي = حنيفة وذلك بعد أن ضرب أحمد في مسألة خلق القرآن . قال الشافعي : من أراد ان يتبحر في الفقه فهو عيال علي أبي حنيفة ولد سنة 80 هجرية وتوفي في بغداد ليلة النصف من شعبان سنة 150 هجرية وهو أشهر من أن نعرفه ، انظر أعلام الماضي ، ج 1 ، ص 82 .
(2) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 8 .(1/99)
وعن أنس قال : (( قدم اناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي صلي اله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يخرجوا فشربوا من أبوالها والبانها حتي إذا برئوا قتلوا الراعي واستاقوا النعم فبلغ النبي صلي الله عليه وسلم فبعث الطلب في أثرهم فما ارتفع النهار حتي جيء بهم فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم فالقوا بالحرة يستسقون فلا يسقون ))(1) .
وقال ابن حزم : وقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم الحكم علي الغائب كما حكم علي العرانيين(2) وقال ابن حجر كلاماً بفيد الإجماع حيث جاء في كلامعه قوله : القضاء علي الغائب ، أي في حقوق الآدميين دون حقوق الله بالاتفاق حتي لو قامت البينة علي غائب بسرقة مثلا حكم بالمال دون القطع(3).
__________
(1) - أخرجه البخاري في كتاب الحدود ، باب سمر النبي أعين المحاربين ، فتح الباري ، ج 12 ، ص 112 ، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب القسامة ، باب حكم المحاربين والمرتدين بشرح النووي ، ج 11 ، ص 166 ، ص 167 ، وسنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 861 ، وسنن أبي داود ، ج 4 ، ص 531 .
(2) - المحلي ، ج 9 ، ص 369 .
(3) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 171 .(1/100)
واستدل القائلون القائلون بعدم جواز القضاء علي الغائب بحديث أم سلمة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ((إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له علي نحو ما أسمع فمنقضيت له من حق أخيه شيئا فلا ياخذه فإنما أقطع له قطعة من النار )) (1) فيدل الحديث علي أن القاضي يجب أن يبني حكمه علي ما يسمع من الخصمين ، وهذا يتطلب حضورهما مجلس القضاء ، وإذا غاب أحدهما فلا يقضي . وحديث عليَّ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلي الله عليه وسلم قاضيا ومرَّ ذكره والشاهد : (( فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي حتي تسمع من الآخركما سمعت من الأول ، فإنه من الأحري أن يتبين لك القضاء )) .
__________
(1) - رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الحيل باب الحاكم لا يحل ما حرمه الله ورسوله فتح الباري ، ج 12 ، ص 339 ، ورواه مسلم في صحيحه كتاب الأقضية ، باب بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطل بشرح النووي ، ج 11- 12 ، ص 247 ، وأخرجه ابن ماجة باب قضية الحاكم لاتحل حراماً ولا تحرم حلالاً من كتاب الأحكام ، ج 2 ، ص 777 ، وأخرجه أبو داود في باب قضاء القاضي إذا أخطا من كتاب الأقضية ، ج 4 ، ص 2 ، وأخرجه الترمذي في سننه عارضة الأحوذي ، باب ما جاء في التشديد علي من يقضي له بشيء من أبواب الأحكام ، ج 6 ، ص 83 ، وأخرجه البيهقي في باب من قال ليس للقاضي أن يقضي بعلمه من كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 143 ، والنسائي في باب الحكم بالظاهروباب ما يقطع القضاء من كتاب القضاء المجتبي ، ج 8 ، ص 205 ، والإمام أحمد في المسند ، ج 2 ، ص 203- 290 ، ومالك في الموطأ من كتاب الأقضية ، باب الترغيبفي القضاء بالحق ، ص 509 .(1/101)
فهذا يدل علي أن الحاكم لا يقضي علي غائب لأنه صلي الله عليه وسلم منعه أن يقضي لأحد لخصمين حتي يسمع كلام الاخر ، وقالوا لو جاز الحكم علي الغائب لم يكن الحضور واجباً عليه كما أنه يجوز أن يكون للغائب ما يبطل البينة ويجرح فيها كما يجوز أن يقر بما أدعي عليه به فيحكم عليه بالإقرار .
كما أن القضاء من أجل المنازعة ولا منازعة مع غياب الخصم . وأحب أن أوضح أيضاً إجابة المجيزين للقضاء علي الغائب علي أدلة المانعين حتي يتضح الترجيح بما يلي :
1- حديث أم سلمة لا حجة لهم فيه لأنه في حضور الخصمين مجلس القضاء فيحكم بما يسمع ببينات الخصوم وليس فيه ما يدل علي المنع من القضاء علي الغائب .
2- أما حديث علي بن ابي طالب فإنه محمول ما إذا كان الخصمان حاضرين إذا جلس بين يديه الخصمان ويفارق الحاضر الغائب بخلافه قال ابن حجر حديث عليًّ إنما هو مع إمكان السماع أما مع تعذره بمغيب فلا يمنع الحكم كما لو تعذر بإغماء ، أو جنون ، أو صغر(1) . وما ذكروه من التعليلات لا يمنع الحكم علي الغائب لأن حجته إذا حضر قائمة فتسمع ويعمل بمقتضاها وينقض لها الحكم .
الترجيح
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 172 .(1/102)
ويترجح جواز الحكم علي الغائب لقوة أدلتهم وسلامتها ، ويتفق مع مقاصد الشريعة من الحكم بالعدل ونصرة المظلوم ، وعدم إبطال ما قامت البينة العادلة بإثباته ، ومنع الحيل علي أكل أموال الناس بالباطل ، والهروب من آداء الحقوق والواجبات ولو لم تسمع البينة لجعلت الغيبة والاستتار ذريعة وطريقاً لإسقاط الحقوق التي نصب الحكام لحفظها والقضاء بها علي الغائب هو الطريق السليم للمحافظة علي حقوق الناس من الضياع وقال ابن حزم : وما ندري في أي الضلال أعظم من فعل حاكم شهد عنده العدول بأن فلانا الغائب قتل زيداً عمداً ، أو خطأ ً ، أو أنه غصب هذه الحرة ، أو تملكها ، أو أنه لق أمراته ثلاثا ، أو أنه غضب هذه الأمة من هذا ، أو تملك مسجداً ، أو مقبرة فلا يلتفت إلي كل ذلك وتبقي ملكة الحرة والفرج الحرام ، والمال الحرام ألا إن هذا هو الضلال المبين ، والجور المتيقن، والفسق المتين ، والتعاون علي الإثم والعدوان . انتهي(1) علي أن القائلين بجواز الحكم علي الغائب جعلوا الباب مفتوحاً أمام الغائب إذا قدم فيرفع الدعوي ، أو يجرح البينة . كما أن بعضهم يطلب اليمين من المدعي علي صحة دعواه بعد شهادة البينة وانه لم يستوف من المدعي عليه ، ولم يبرئه ، ولم يحل عليه ، وان حقه الذي قدم بينته علي إثباته لم يزل في ذمة المدعي عليه الغائب حتي الساعة دون إبراء ، أو اسيفاء ، أو إحالة . وبهذا كما يظهر رجحان القول بالقضاء علي الغائب وحتي تتم الفائدة فإن للعلماء آراء في تحديد الغيبة التي يحكم فيها علي الغائب كما يلي :
أولاً : المالكية يقسمون الغيبة إلي ثلاثة أقسام :
( أ ) غيبة قريبة علي مسيرة اليوم أو اليومين فهذا يكتب إليه ويعذر إليه في كل حق ، فإما وكَّلً وإما قدم ، فإن لم يفعل حكم عليه في الدَّيْن ، وبيع عليه ماله .
(
__________
(1) - المحلي ، ج 9 ، ص 369 لابن حزم حيث يري القضاء علي الغائب كالحاضر .(1/103)
ب ) غائب بعيد الغيبة علي مسيرة 10 أيام وشبهها فهذا يحكم عليه فيما عدا الاستحقاق في الرباع الأصول من الديون والحيوان والعروض وترجي له الحجج في ذلك(1) .
ثانياً : الشافعية : يقولون : يحكم علي الغائب إذا كان في ولاية القاضي أو بعيداً عنه مسافة تقصر فيها الصلاة ، أو اختفي عنه ، أو تعزز وهو في ولايتته فتسمع البينة عليه(2) .
ثالثاً : الحنابلة يقولون : ما كان يبعد عن القاضي مسافة قصر وفي حكمه المستتر في بلد القاضي ، وتعذر حضوره فيحكم عليه(3) فإذا قدم الغائب أثناء المحاكمة وسماع البينة وقف الحكم حتي يحضر ليتولي الدفاع عن نفسه . أما إذا قدم الغائب بعد الحكم فلهالحق أن يقدم بينة علي التخلص من الدعوي أو يجرح البينة التي قدمها المدعي بما يجرحهم قبل آداء الشهادة أما إذا جرحهم بأمر حصل لهم بعد الشهادة فلا يسمع هذا الجرح(4) .
وفي حال الحكم علي الغائب يجب علي القاضي أن يذكر أسماء الشهود علي الغائب يجب علي القاضي أن يذكر أسماء الشهود علي الغائب ليتمكن بعد قدومه من معرفتهم وجرحهم إذا علم فيهم جرحا وهذا هو الراجح إذا لابد من ذكر أسماء الشهود وحيثيات الحكم ليكون الأمر واضحاً أمام المحكوم عليه وحتي يبتعد القاضي؛ عن الشبهة ويتمكن المحكوم عليه من الجرح في الشهود إذا أمكن.
- - -
الفصل الثالث عشر
(( لايحكم القاضي لنفسه ))
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص9 6 .
(2) - مغني المحتاج ، ج4 ، ص414.
(3) - المغني لابن قدامة ، ج14 ، ص96 ، والاقناع ، ج4 ، ص403.
(4) - المغني لابن قدامة ، ج14 ، ص94- 95.(1/104)
لايحكم القاضي لنفسه ؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحاكم مع أبي بن كعب إلي زيد بن ثابت (1)؛ وتحاكم عثمان بن عفان رضي الله عنه مع طلحة إلي جبير بن مطعم(2)؛ وتحاكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع يهودي في درع إلي شريح (3) وذلك في وقت خلافتهم لأنه لايجوز أن يكون شاهدا لنفسه فلا يجوز أن يكون حاكما لنفسه ولا يجوز له أن يحكم لوالده وإن علا ولا لولده وإن سفل لأنه متهم في الحكم وقد قال صلي الله عليه وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)) (4)
__________
(1) - أخرجه البيهقي في باب إنصاف الخصمين من كتاب آداب القاضي عن الشعبي كان بين عمر وأبي خصومه في حائط فقال عمر بن الخطاب: بيني وبينك زيد بن ثابت فانطلقا فطرق عمر الباب فعرف زيد بن ثابت فانطلقا فطرق عمر الباب فعرف زيد صوته فقال: يا أمير المؤمنين ألا بعثت الي حتي آتيك فقال في بيته يؤتي الحكم الكبري ، ج10 ، ص136.
(2) - أثر تحاكم عثمان وطلحة أخرجه البيهقي من رواية ابن أبي مليكة أن عثمان ابتاع من طلحة أرضا بالمدينة بأرض له بالكوفة ثم ندم عثمان فقال: بعتك مالم أره فقال طلحة إنما النظر لي لأنك بعت ما رأيت وأنا ابتعت مغيبا انظر تكملة المجموع شرح المهذب ، ج2ص142.
(3) - أثر تحاكم علي ويهودي إلي شريح أخرجه الحاكم في ترجمة أبي سمير وقال: منكر وأوورده ابن الجوزي في العلل وقال لا يصح.تفرد به أبي سمير وأخرجه البيهقي وفيه عمر بن شمر عن جابر الجعفي وهما ضعيفان وقال ابن صلاح لم أجد له اسناد وقال ابن عسكر الكلام علي أحاديث المهذب إسناده مجهول انظر تكملة المجموع شرح المهذب ، ج20ص129، 143.
(4) - سنن أبي داود كتاب الأقضية باب من ترد شهادته هامش ص 25-ج5..(1/105)
وكذلك لا يجوز أن يحكم لزوجته فإن تحاكم إليه والده مع ولده جاز الحكم بينهما؛ وإذا فوض الإمام إلي رجل قاضيا لم أن يختار والده ولا ولده لأنه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار ولا ولده (1) لأنه متهم في هذه الحالة.
- - -
الفصل الرابع عشر
((يجوز للقاضي زيارة المرضي))
__________
(1) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج20 ، ص129وما بعدها.(1/106)
يجب علي المسلم زيارة أخيه المسلم إذا مرض.لقوله صلي الله عليه وسلم((اطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني)) (1) ويستحب له إذا عاده في مرضه أن يدعو له بالشفاء وأن يوصيه بالصبر، ولا يقول له إلا ما يطيب نفسه ، ولا يطيل الجلوس عنده. وكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضا قال له: ((لا بأس طهور إن شاء الله))(2).وقال صلي الله عليه وسلم :((عائد المريض في مخرف (3) من مخارف الجنة حتي يرجع)) وعاد النبي صلي الله عليه وسلم سعدا وجابرا وعاد غلاما يهوديا (4) بجواره، وعرض عليه الإسلام. وكان يصلي صلي الله عليه وسلم علي الجنائز، ويجوز للقاضي أن يعود المرضي، ويشهد الجنائز ويأتي الغائب إذا قدم من سفره للنصوص المذكورة. قال ابن قدامه: وله عيادة المرضي، وشهود الجنائز، وإتيان مقدم الغائب وزيارة إخوانه، والصالحين من الناس لأنه قربة وطاعة. وإن كثر ذلك فليس له الاشغال به عن الحكم لأن هذا تبرع ولا يشتغل به عن الفرض، وله حضور البعض دون البعض لأن هذا يفعله لنفع نفسه بتحصيل الأجر والقربة له (5) ويجوز للقاضي تعزية أهل الميت لقوله صلي الله عليه وسلم : ((ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة (6)
__________
(1) - رواه البخاري. انظر صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج4 ، ص3
(2) - صحيح البخاري ، ج4، ص5 حاشية السندي.
(3) - هذان الحديثان أشار إليهما صاحب تكملة المجموع في شرح المهذب ج20ص 130-143.
(4) - هذان الحديثان أشار إليهما صاحب تكملة المجموع في شرح المهذب ج20ص 130-143.
(5) - المغني لابن قدامه ج14ص 61، 62وتكملة المجموعة شرح المهذب ج20ص130-131.
(6) - رواه ابن ماجة بسند حسن، انظر سنن ابن ماجة تحقيق محمد فؤاد ج1.ص511في باب ما جاء في ثواب من عزي مصابا من كتاب الجنائز وفي اسناده قيس أبو عمارة ذكره بن حبان في الثقات وقال الذهبي في الكاشف ثقة وقال البخاري فيه نظر وباقي رجاله علي شرط مسلم..(1/107)
وقوله صلي الله عليه وسلم(من عزي مصابا فله مثل أجره))(1) .
- - -
الفصل الخامس عشر
((يجوز للقاضي حضور الولائم))
__________
(1) - انظر سنن لبن ماجه ج1ص511.قال السندي قال السيوطي هذا الحديث أورد بن الجوزي في الموضوعات وقال تفرد به علي بن عاصم عن محمد سراقة وقد كذبه في سنده يزيد به هارون ويحيي بن معين وقال المحقق محمد فواد قلت سند الحديث حسب النسختين اللتين تحت يدي وهما من الصحة بالمكان الذي لا يتطرق إليه احتمال الشك ان علي بن عاصم رواه عن محمد بن سوقه لاعن محمد بن سراقه وفوق كل ذي علم عليم.(1/108)
يجوز للقاضي أن يحضر الولائم، كوليمة العرس إذا دعي إليها فإن الإجابة واجبة ومستحبة في الولائم الأخري، ولا يخص بالإجابة قوماً دون قوم لأن في التخصيص ميلا وتركا للعدالة. قال ابن قدامة: ويجوز للحاكم حضور الولائم أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يحضرها ، ويأمر بحضورها وقال: ((من لم يجب فقد عصي الله ورسوله))(1) فإن كثرت وازدحمت تركها كلها ولم يجب أحدا لأن ذلك يشغله عن الحكم الذي قد تعين إليه، لكنه يعتذر لهم ويسألهم التحليل ، ولا يجيب بعضا دون بعض لأن في ذلك كسراً لقلب من لم يجبه إلا أن يختص في مكان بعيد، أو يشغل بها زمنا طويلا والأخري بخلاف ذلك فله الإجابة إليها دون الأولي لأن عذره ظاهر في التخلف عن الأولي(2) لقوله صلي الله عليه وسلم : ((من دعي إلي عرس ونحوه فليجب))(3) ويرخص في عدم حضورها إذا كان بها لهو (4)
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب من ترك الدعوة فقد عصي الله ورسوله من كتاب النكاح صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج3 ، ص255وأخرجه مسلم في باب إجابة دعوة النكاح من كتاب صحيح مسلم تلخيص القرطبي ج1ص654وأخرجه ابن ماجة في باب الداعي من 405وأخرجه أبو داود في باب ما جاء في إجابة الدعوة من كتاب الأطعمة سنن أبي داود ج2ص125والدارمي في باب المليمة من كتاب الأطعمة سنن الدرامي ج2 ص 105 والإمام مالك في الموطأ في أحاديث الوليمة من كتاب النكاح ص 371-372-373
(2) - المغني لابن قدامة ، ج14 ، ص61 .
(3) - أخرجه مسلم انظر تلخيص صحيح للقرطبي ، ج1 ، ص653 ، وابن ماجه في سننه ، ج1 ، ص616.
(4) - لما أخرجه البخاري في باب هل يرجع إذا رأي منكراً في الدعوة صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 3 ، 256 ، وأبو داود في سننه ، ج 4 ، ص 133 ، وابن ماجة في باب إذا رأي الضيف منكراً رجع ، ج 2 ، ص 1115 ..(1/109)
ومن لا يجب الدعوة ، فقد عصي الله ورسوله ومن دعي وهو صائم أجاب الدعوة وإن شاء أكل إن كان صومه تطوعاً، وإن شاء دعا لهم وخرج لقوله صلي الله عليه وسلم :(( إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل أن يدعو وإن كان مفطراً فليطعم))(1) واختلف في معني فليصل قال الجمهور: معناه فليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك واصل الصلاة في اللغة الدعاء وقيل المراد الصلاة الشرعية بالركوع والسجود أي يشتغل بالصلاة ليجعل له فضلها وثوابها وللحاضرين بركتها(2) .
- - -
الفصل الأول
(( رزق(3) القاضي أو مرتبه ))
لا شك أن القضاء يحتاج إلي تفرغ القاضي للنظر في قضايا الناس المتعددة علي كثرة مشكلاتهم ، وحتي يتفرغ لهذه المهمة العظيمة ولا ينشغل عنها بأمور حياته المعيشية فهل له أن ياخذ رزقاً أو أجرة علي ذلك ؟ وهذا ما سنبحثه في هذا الفصل فللعلماء آراء نختصرها فيما يلي :
__________
(1) - أخرجه مسلم ، انظر تلخيص الإمام مسلم للقرطبي ، ج 1 ، ص 653 .
(2) - تلخيص صحيح مسلم للقرطبي ، ج 1 ، ص 356 هامش .
(3) - الرزق : جمعه الأرزاق وهو ما ينتفع به ، وياتي بمعني العطاء . وارتزق الجند : أخذوا أرزاقهم ويسمي المطر رزقا . قال الله { وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ } َوقال تعالي { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ } ، انظر مختار الصحاح ، ص 241 والمراد به هنا هو ما يعطاه القاضي من مرتب شهري لقاء عمله .(1/110)
أولاً : حوَّز العلماء للقاضي أخذ الرزق من بيت المال ، وبوَّب الإمام البخاري في صحيحه(1) باباً حيث قال : باب رزق الحاكم والعاملين عليها ، وكان شُرَيْحُ القاضي يأخذ علي القضاء أجراً ، وذكره ابن حجر العسقلاني(2) في فتح الباري حيث قال : باب رزق الحاكم والعاملين عليها هو إضافة المصدر إلي المفعول ، والرزق ما يرتبه الإمام من بيت المال لمن يقومون بمصالح المسلمين . وقال : قال الطبري : ذهب الجمهور إلي جواز أخذ القاضي الأجرة علي الحكم لكونه يشغله الحكم عن القيام بمصالحه وقال : أبو علي الكرابيسي : لا بأس للقاضي أن ياخذ الرزق علي القضاء عند اهل العلم قاطبة من الصحابة ومن بعدهم ، وهو قول فقهاء الأمصار ، لا أعلم بينهما اختلافا وقد روي الإمام البخاري عن عبد الله بن السعدي أنه قدم علي عمر في خلافته وقال له عمر : ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا إذا أعطيت العمالة كرهتها ؟ فقلت : بلي فقال عمر : ما تريد إلي ذلك ؟ قلت إن لي أفراسا وأعبدا ، وأنا بخير ، وأريد أن تكون صدقة علي المسلمين . قال عمر : لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعطيني العطاء فاقول : اعطه أفقر إليه مني حتي أعطاني مرة مالاً فقلت : اعطه أفقر إليه مني فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تبعه نفسك )) وأول من أعطي أرزاقاً للقضاة هو رسول الله صلي الله عليه وسلم لقوله : (( من استعملناه علي عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ))(3)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 149 .
(2) - المصدر السابق ، ج 13 ، ص 150 .
(3) - رواه أبو داود في سننه كتاب الخراج والفيء والإمارة ، باب أرزاق العمال ، ج 3 ، ص 353 ..(1/111)
وفرض رسول الله صلي الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلي اليمن وقال له : (( لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك ))(1) وأرزق النبيُّ صلي الله عليه وسلم عتابَ بن أُسَيْد حين استعمله علي مكة أربعين أوقية في السنة . قال اسحق : لا أدري ذهبا أو فضة(2) وذكر ابن الأثير أن عتابا قال : رزقني رسول الله صلي الله عليه وسلم كل يوم درهمين فلا أشبع الله بطنا لا يشبعه كل يوم درهمان(3) . قال ابن القيم : قال ابن عقيل : وأما الرزق من بيت المال فإن كان غنياً لا حاجة له إليه احتمل أن يكره لئلا يضيق علي أهل المصالح ، ويحتمل أن يباح لأنه بذل نفسه . لذلك فصار كالعامل في الزكاة والخراج وأما الجرة فإن كان للحاكم رزق من بيت المال حرم عليه أخذ الأجرة قولا واحدا لأنه إنما أُجري له الرزق لأجل الاستغناء بالحكم ، فلا وجه لأخذ الأجرة من جهة الخصوم ، وإن كان لا رزق له فعلي وجهين أحدهما الإباحة لأنه عمل مباح(4) وقال صاحب الإقناع وله طلب الرزق من بيت المال لنفسه وأبنائه وخلفائه مع الحاجة وعدمها ، فإن لم يجعل له شيء وليس له ما يكفيه ، وقال للخصمين لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز ، ولا يجوز الاستئجار علي القضاء(5) . وقال ابن حزم بجواز الارتزاق علي القضاء للثابت من قوله عليه الصلاة والسلام : (( من أتاه مال من غير مسألة أو اشراف نفس فليأخذه ))(6) وقال النووي بجواز أخذ العوض علي أعمال المسلمين سواء كانت لدين أو لدنيا(7)
__________
(1) - أسد الغابة لابن الأثير ، ج 4 ، ص 419 .
(2) - روضة القضاة وطريق النجاة للسمناني ، ج 1 ، ص 86 .
(3) - أسد الغابة ، ج 3 ، ص 452 لابن الأثير .
(4) - بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية ، ج 3 ، ص 146 .
(5) - الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل لشرف الدين المقدسي ، ج 4 ، ص 666 .
(6) - المحلي لابن حزم ، ج 9 ، ص 435 .
(7) - شرح النووي علي صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 7 ..(1/112)
وقال الشيرازي يحل له الأخذ والأفضل له أن ياخذ ، أما الحلُّ فلأنه عامل للمسلمين ، فكانت كفايته عليهم(1) وقال ابن حجر : إن الأخذ أعون في العمل ، وألزم للنصيحة من التارك ، لأنه إذا لم ياخذ كان عند نفسه متطوعا بالعمل ، فلا يجدُّ جدَّ من أخذ ، ركونا إلي أنه غير ملتزم بخلاف الذي يأخذ فإنه يكون مستشعرا بأن العمل واجب عليه فيجدًّ جدَّه فيها(2) وقال ابن قدامة : يجوز للقاضي أخذ الرزق ، وروي عن عمر عنه : أنه رضي الله عنه أنه استعمل زيد بن ثابت علي القضاء وفرض له رزقا ورزق شُرَيْحاً في كل شهر مائة درهم وبعث إلي الكوفة عمًّارا ، وعثمان بن حنيف ، وابن مسعود ورزقهم كل يوم شاة نصفها لعمار ونصفها لابن مسعود ، وعثمان ، وكان ابن مسعود قاضيهم ومعلمهم(3) وبعض العلماء كره للقاضي أخذ الأجرة والرزوق علي القضاء لأن القضاء قُربي من القرب إلي الله تعالي ، فكره أخذ الرزق عليها من غير حاجة قال الإمام احمد :ما يُعجبني أن يأخذ علي القضاء أجراً وإن كان فبقدر شغله(4)ويقول ابن فرحزن : وأما الارتزاق من بيت المال فإن من تعيَّن عليه القضاء وهو في غني عن الارتزاق منه ، فإنه ينتهي عن أخذ العوض عن اقضاء لأن ذلك أبلغ في المهابة وأدعي للنفوس لاعتقاد التعظيم والجلالة(5) وإن كان القضاء لم يتعيَّن عليه ، وهو محتاج إلي طلب الرزق من بيت المال ساغ له أخذ ذلك(6)
__________
(1) - المهذب ، ج 2 ص 291 .
(2) - فتح الباري ، ج 13 ، ص 154 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 9 .
(4) - المغني ، ج 14 ، ص 9 .
(5) - كل لفظ يقتضي التعظيم لايطلق إلا علي الله فمن باب أولي اعتقاد التعظيم والجلالة .
(6) - تبصرة الحكام لابن فرحون ، ج 1 ، ص 23 ..(1/113)
ويقول الكاساني : إن كان فقيراً له أن يأخذ لأنه يعمل للمسلمين فلابد له من الاكفاية ولا كفاية له فكانت كفايته من بيت المال وينبغي علي الإمام أن يوسَّع عليه ، وعلي أولاده كي يطمع لا يطمع في أموال الناس ، وإن كان غنيًّا اختلفوا قال بعضهم : لا يحل له أن يأخذ لأن الأخذ بحكم الحاجة ولا حاجة غلي ذلك ، ولهذا اشترط النووي لأخذ الأجرة علي القضاء شروطاص استناداص لما فهم من قوله صلي الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( خذه فتموله وتصدق به )) المار ذكره قال ابن قدامة : ولا يجوز الاستئجار عليه وقال عمر رضي الله عنه : لا ينبغي لقاضي المسلمين أن ياخذ علي القضاء أجراً وهو مذهب الشافعي(1) وقد ثبت عنه رضي الله عنه أنه أخذ من رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله السعدي ثم عمر رضي الله عنه لو كان يكره أخذ الأجرة علي القضاء من بيت المال لما أجر للقضاة بالأرزاق . وقال صاحب سبل السلام : فأما الأجرة فإن كان للحاكم جراية من بيتن المال ، ورزق حُرَّمت بالاتفاق ، لأنه إنما أُجري له رزق لأجل الاشتغال بالحكم ، فلا وجه للأجرة ، وإن كان لا جراية له من بيت المال جاز له أخذ الأجرة علي قدر عمله غير حاكم ، فإن أخذ أكثر كونه حاكمافأخذه لما زاد عن أجرة مثله إنما أخذها في مقابل شيء بل في مقابلة شيء بل في مقابلة كونه حاكماً ولا يستحق لأجل كونه حاكماً شيئاً من أموال اتفاقا ، فأجرة العمل أجرة مثله فأخذ الزيادة علي أجرة مثله حرام ، ولذا قيل أن تولية القضاء لمن كان غنيًّا أولي من تولية من كان فقيراً ، ولك لأن فقره يصيره متعرضاً لتناول ما لا يجوز تناوله إذا لم يكن له رزق من بيت المال(2) ،
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 10 ، ومغني المحتاج ، ج 4 ، ص 389 .
(2) - سبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل ، ج 4 ، ص 239 – 240 ..(1/114)
وإن جعل له أهل بلده رزقا ويتفرغ لهم جاز(1)والراجح جواز أخذ الرزق أو المرتب علي القضاء سواء أكان القاضي مُحتاجاً أم غير محتاج للأدلة الثابتة ، ومنها حديث عبد الله بن السعدي عن عمر ، فقد دل دلالة واضحة علي أن من اشتغل بشيء من اعمال المسلمين ، أخذ الرزق علي عمله ذلك كالولاة ، والقضاة ،وجباة الفيء وعمال الصدقة وبما فرضه الله للعاملين علي الصدقة وجعل الله لهم منها حقا لقيامهم وسعيهم فيها ولما ثبت عن عمر انه فرض أرزاقاص لقضاته ، وعمّاله وما رواه البخاري أن شريحاً القاضي كان ياخذ علي القضاء أجراً وما روي عن الرسول صلي الله عليه وسلم قال : (( من استعملناه علي عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعده فهو غلول )) وأرزق النبيُّ صلي الله عليه وسلم عتابَ بن أسيد حيث استعمله علي مكة أربعين أوقية في السنة ، فترجح جواز أخذ الرزق علي القضاء من بيت مال المسلمين أن يعطي القضاة من بيت المال .
هل للقاضي أن يأخذ الأجرة من المتخاصمين ؟
__________
(1) - الإقناع في فقه الإمام أحمد ، ج 4 ، ص 372 .(1/115)
وهذه فيها تفصيل فغن كان له رزق من بيت المال فيحرم عليه أخذ الجرة من المتخاصمين فإذا لم يكن للقاضي رزق من بيت المال جاز له الأخذ من المتخاصمين ، وتدفع له مقدماً من قبل المدعي ، والمدعي عليه ، وتكون معلومة للجميع حتي لا تكون رشوة للقاضي ، ولا يجوز له أخذ الأجرة من شخص دون آخر ، أو مضاعفة الأجرة علي شخص دون الأخر ، أو الأخذ من أحد المتخاصمين دون الآخر ، وإلا تكون من باب الرشوة ، ويحرم علي القاضي أخذها . قال ابن قدامة : فإن لم يكن للقاضي رزق قال للخصمين : لا أقضي بينكما حتي تجعلا لي رزقا عليه جاز ، ويحتمل أن لا يجوز(1) ويحمل كلام من كره أو حرّم أخذ الأجرة علي القضاء فيما إذا كان من الخصمين ، لأن فيه امتهاناً وإذلالاً للقاضي ، ودعاة أن تؤول إلي الرشوة ولا سيما إن أخذ من طرف دون الآخر ، أما أخذ الأجرة من بيت المال فهو جائز للأدلة والنصوص الشرعية وعمل الصحابة والخلفاء ونقل لنا التاريخ سيرة القضاة في العصر الأول ، وما كانوا عليه من زهدٍ وورع ٍ وتقشف ٍ ، ومع هذا فإن وظيفة القاضي او عمل القاضي من أجزل الأعمال ، ففي العصر الأول الذي يلبس فيه عمر الثوب المرقع ، ويقنع بالزيت وكان عليُّ(2)
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 10 .
(2) - هو علي بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي يُكنَّي أبا الحسن ، وهو ابن عم الرسول صلي اللهعليه وسلم ، وأول من اسلم من الصبيان وعمر 13 سنة ، وصلي إلي القبلتين ولد سنة 23 قبل الهجرة سنة 600 ميلايدة وشهد بدراً والحديبية وسائر المشاهد ، وكان لواء رسول الله صلي الله عليهوسلم بيده إلي مواطن كثيرة ..بعثه الرسول صلي الله عليه وسلم قاضياً إلي اليمن ، فشهد صلي الله عليه وسلم له بالقضاء فقال : وأقضاهم عليُّ بن أبي طالب وشهد له عمر بن الخطاب فقال : عليُّ أقضانا ، وكان عمر رضي الله عنه يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ، ومناقبه كثيرة ومتعددة ، وهو من العشرة المبشرين بالجنة ، تولي خلافة المسلمين بعد عثمان بن عفان رضي الله عنهما حتي توفي شهيداص عندما طعنه عبد الرحمن بن ملجم سنة 40 هجرية .(1/116)
رضي الله عنه تجزيه قطعة ثريد ومع هذا كان مرتب شُرِيْح القاضي خمسمائة درهم في الشهر ، ومرتب ابن لهيعة ثلاثين ديناراً في الشهر ومرتب ابن حجيرة ألف دينار في السنة ، ومرتب القاضي مفضل بن فضالة ثلاثين ديناراً في الشهر ، ومرتب القاضي عيسي بن المقدر أربعة الآف دينار في الشهر ، ومرتب الفضل بن غانم مائة وثمانية وستون ديناراً كل شهر ، وكان مرتب أبي عبيد القاضي مائة وعشرين ديناراً في الشهر . قال الشيخ علي الطنطاوي في كتابه القضاء في الإسلام : نظر خلفاء المسلمين بنور الله ، فدفعوا إلي القضاة المال الوفير ، والرزق الكثير لتعف نفوسهم عن حرامه اكتفاءًا بيحلاله ، وذلك ما تفعله أرقي الأمم في زماننا ، وأقومها سيرة في القضاء علي أنه لو تركوا قضاتنا إلي دينهم لوزعهم ولو خلو بينهم وبين نفوسهم قمعوها بخوف الله ، وأزاحو شهوتها بانتظار جنته ، وخشية ناره ، ولقد كانوا علي هذا المرتب الكثير ، والعطاء الجزل ، أولي تقشف وزهد ينفقون المال يشترون به الجنة ثم يعودودن إلي زهادتهم وقناعتهم . حدث ابراهيم بن نشيط قال : دخلت علي القاضي بن حجيرة الأصفر ، وكان قد تغذي فقال : أتتغدي ؟ قلت نعم . قال : أعيدي عليه الغداء يا جارية . فأتت بعدس بارد علي طبق خوص ، وكعك ، وماء قال : أبلل وكل ، فلم تتركنا الحقوق نشبع من الخبز ،وأي حقوق هي حقوق الله ، حقوق الشرف ، والنبل ، والكرم حقوق المسلمين أبلل وكل ، أبلل وكل يا إبراهيم هذه لعمري أعظم وأجل من موائد الملوك ، واسمعوا تتمة القصة تعلموا ما هذه الحقوق قال : وآتاه رجل يسأله حاجة . فقال ليرجع ، وسأله عنه وحقق عن فقره ، فلما عرف فاقته أعطاه ثمانية عشر دينارا .(1/117)
هذه هي التي تركته لا يشبع الخبز ، واستطرد ذكر أعمال ومواقف القضاة الوائل المشرفة حيث قال : ولقد كانوا يغرمون الغرامات في أموالهم ، كان القاضي أبو زرعة كثير الشفقة رقيق القلب يغرم عن الفقراء والمستورين إذا أفلسوا ، حتي كان بعضهم إذا أراد أن يتكسب أخذ بيد رفيقه فأدعي عليه عند القاضي فيعترف ويبكي ويدعي أنه لا يقدر علي وفائه ، فيغرم(1) عنه إلي أن قال : وإذا كثرت مرتبات القضاة ، فلقد كثرت تكاليفهم وازدادت الواجبات عليهم(2) ولقد نظر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظرة فاحصة مقتدياً برسول الله صلي الله عليه وسلم في أمر رزق القضاة ، ومخصصاتهم اليومية ، والشهرية ، والسنوية ، فأجزل لهم العطاء ووسع في الرزق وقد مر بك أنه أرزق القاضي شُرَيْحاً(3) مائة درهم كما أرزقه علي خمسمائة درهم في عهده لكثرة عياله في عهد علي وكان هذاالمبلغ في وقته كثيراً جداً حيث أن الدرهمين تكفي البيت ليوم كامل .
__________
(1) - القضاء في الإسلام لعلي الطنطاوي ، ص 16 ويلاحظ علي قوله لعمري فهو قسم ولا يجوز هذا القسم لأنه قسم بغير الله.
(2) - المصدر السابق ، ص 18 .
(3) - هو القاضي شُرَيْح بن الحارث بن المجتمع بن معاوية بن جهم بن ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد الكندي . تولي شُرَيْح رحمه الله القضاء لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب علي الكوفة واستمر في عهد عثمان ثم عليًّ ، فلم يزلقاضياً بها إلي زمن الحجاج وكان مثالاً للعدل ولد سنة 43 قبل الهجرة وتوفي سنة 87 هجرية ويقال سنة 78 هجرية وولي القضاء ستين سنة من زمن عمر بن الخطاب إلي زمن عبد الملك بن مروان وبهذا يتضح أن عمره مائة وواحداً وعشرين سنة – يرحمه الله - .(1/118)
وقد فرض الصحابة لأبي بكر الصديق لما بويع بالخلافة حيث أخذ الذراع وقصد السوق فقالوا يا خليفة رسول الله لا يسعك أن تشتغل عن أمور المسلمين ، قال : فإني لا أدع عيالي يضيعون ، قالوا : فنحن نفرض لك ما يكفيك ففرضوا له كل يوم درهمين(1) .
- - -
الفصل الثاني
(( في حكم الهدية ))
__________
(1) - انظر ما أخرجه البخاري في صحيحه بحاشية السندي ، باب كسب الرجل عمله يده من كتاب البيوع ، ج 2 ، ص 6 ، والسنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 107 من كتاب آداب القاضي .(1/119)
لا يجوز للحاكم أخذ الهدية لحديث أن النبيَّ صلي الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني أسد يُقال له ابن اللتبية علي الصدقة فلما قدم قال : هذا لكم ، وهذا أهدي إليَّ . فقام النبيُّ صلي الله عليه وسلم إلي المنبر فقال : (( ما بال العامل نبعثه علي بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليَّ ألا جلس في بيت أمه فينظر أيهدي إليه أم لا ؟! والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله علي رقبته ))(1) فدل الحديث علي عدم جواز أخذ الهدية، وقد ذكر الشوكاني في تفسيره علي آية ( أكالون السحت) (2) أن جماعة فسروها بنوع من أنواع الحرام الخاص كالهدية لمن له حاجة (3) قال بن القيم : قال ابن عقيل: وأما الهدية فضربنا هدية كانت قبل الولاية لاتحرم استدامتها، وهدية لم تكن إلا بعد الولاية وهي ضربان مكروهة، وهي الهدية إليه ممن لا حكومة له، وهدية ممن اتجهت له حكومة فهي حرام علي الحاكم والمهدي وقال بعض الشافعية وأما من كانت له عادة بأن يهدي إليه قبل الولاية برحم ، أو مودة فإنه إنه إن كانت له في الحال حكومة أي قضية لدي الحاكم لم يجز قبولها منه، لأنه يأخذ في حال يتهم وإن لم يكن له حكومة أي قضية الحاكم فإن كان أكثر مما كان يهدي إليه أو رفع منه لم يجز له قبولها لأن الزيادةحدثت بالولاية وإن لم يكن أكثر ور أنفع مما كان يهدي إليه جاز قبولها لخروجها عن تسبب الولاية والأولي أنه لا يقبل لجواز أن يكون أهدي إليه لحكومة منتظرة(4) انتهي.
__________
(1) - صحيح البخاري ج 13 ص 164فتح الباري ومسلم بشرح النووي ح12ص460.
(2) - سورة المائدة [آية 42].
(3) - فتح القدير ، ح2 ، ص42.
(4) - تكملة المجموع شرح المهذب ج20ص130(1/120)
وهذا الذي تطمئن إليه النفس حيث لا يوجد في زمننا هذا من يهدي بنية خالصة، بل يريد بها مآرب أخري ، ومقاصد يخطط لها، والأولي عدم قبول الهدية بأي شكل من الأشكال لأنهما من الحرام ولا يجوز أكل الحرام. وذكر الشوكاني علي حديث ابن التبيه المار ذكره حيث قال: والظاهر أن الهدايا التي تهدي للقضاه ونحوهم هي نوع من الرشوة، لأن المهدي إذا لم يكن معتاد للإهداء إلي القاضي قبل ولايته، لا يهدي إليه إلا لغرض وهو: إما التقوي به علي باطله، أو التوصل بهديته له إلي حقه، والكل حرام .وأقل الأحوال أن يكون طالباً لقربه من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه ولا غرض له بذلك إلا الاستطالة علي خصومه ، أو الأمن من مطالبتهم له فيحشمه من له الحق عليه، ويخافه مالا يخافه قبل ذلك وهذه الأغراض كلها تؤول إلي ما آلت إليه الرشوة، فليحدذر الحاكم المتحفظ لدينه المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدي إليه بعد توليه للقضاء فإن للإحسان تأثيرا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة علي حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلي الذي أهدي إليه ميلا يؤثر الميل في الحق عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره والقاضي لا يشعر بذلك ويظن أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه، والرشوة لا تفعل زيادة علي هذا ومن هذه الحيثية امتنعت عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إلي قبل الدخول فيه بل من الأقارب فضلا عن سائر الناس فكان في ذلك من المنافع لا يتسع المقام لبسطه (1)
__________
(1) - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار لمحمد بن علي الشوكاني ، ج9 ، ص173..(1/121)
وما ذكره العلامة محمد بن علي الشوكاني يتفق مع الحق والنصوص الشرعية حيث فسر بعض العلماء قوله تعالي: ( أكالون للسحت) بأنه نوع من أنواع الحرام الخاص كالهدية وقد قال صلي الله عليه وسلم في الحديث المار ذكره: (( والذي نفسه بيده لا يأخذ أحد منها شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحملها علي رقبته)) (1) والمنع يشمل العامل والحاكم وكل ذي ولاية وعن أبي حريز عن الشعبي أن رجلا كان يهدي إلي عمر بن الخطاب كل عام رجل جزور خاصم إليه يوما فقال: يا أمير المؤمنين اقض بيننا قضاء فصلا كما يفصل الرجل من سائرالجزور فقضي عمر عليه، وكتب إلي عماله ألا إن الهدايا هي الرشا، فلا تقبلن من أحد هدية. وعن الحسن قال: إذا دخلت الهدية من باب خرجت الأمانة من الوزنة وهي الكوة(2) ويلحق بالهدية الهبة والعطية وأقل ما تنطبق عليه ما قيل في الهدية لكونه أخذ مال بدون حق، وأي مال أخذ من هذا القبيل فهو حرام يأكله سحتا فتنوع العطاءات سواء أكان باسم الهدية أو باسم الهبة والعطية، أو باسم المساعدة والإكرامية كلها حرام يأكلها سحتا، وهذه الأمور هي أساس فساد العالم وضياع الحقوق . وقال صاحب الإنصاف وذكر جماعة من الأصحاب لا يقبل الهدية ممن كان يهدي إليه قبل إذا أحسن أن له حكومة وجزم به في المغني والشرح والرعاية وغيرهم وقال: قلت وهو الصواب قال.
__________
(1) - ولهذا الحديث تكملة وهي : إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتي رأينا عفرتي أبطيه ألا هل بلغت ثلاثا ، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 13 ص 164، وصحيح مسلم شرح النووي ج12ص 460-461.
(2) - ذكر وكيع في كتابة أخبار القضاة ، ج 1 ، ص56 ، أن حديث أبي حريز أخرجه البيهقي في كتاب آداب القاضي وقال في كنز العمال بعد رواية الحديث: لهذا اللفظ ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الاشراف ووكيع في الغرر ورواه في كنز العمال آخرها قال: والله ما زال يكررها حتي كدت أن أقضي له.(1/122)
في المستوعب: ولا يقبل الهدية إلا من ذي محرم منه وما هو ببعيد وقال القاضي في الجامع الصغير:ينبغي أن لا يقبل هدية إلا من صديق كان يلاطفه قبل ولايته، أو ذي رحم محرم منه بعد أن لا يكون له خصم. وذكر في الفصول احتمالا أن القاضي في غير عمله كالعادة أي أن حكم هدية القاضي إذا كان في غير عمله حكم الهدية إلي القاضي ممن كان يهدي إليه قبل ولايته(1).
- - -
الفصل الثالث
((في حكم اقتراض القاضي))
القرض لغة هو القطع وشرعا دفع مال ينتفع به ثم يرد بدله كان يقول محتاج لمن يصح تبرعه: أقرضني أو أسلفني كذا من مال أو متاع أو حيوان مدة ثم أرده عليك فيفعل وحكم القرض مستحب بالنسبة للمقرض لقوله تعالي:
{ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }(2) .
وقوله تعالي : { إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }(3) .
وقوله تعالي : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً }(4) .
قال عمر بن الخطاب علي قوله تعالي : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا }.
هو الإنفاق في سبيل الله قيل والنفقة علي العيال والصحيح أنه أعم من ذلك وكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآيات ولهذا قال تعالي :
{ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } .
كما قال في آية أخري: { أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } .
__________
(1) - الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، ج11 ، ص 210 - 211.
(2) - سورة الحديد آية [ 11].
(3) - سورة التغابن آية [ 17].
(4) - البقرة آية [ 245].(1/123)
أي جزاء جميل ورز باهر والجنة يوم القيامة(1) وقوله صلي الله عليه وسلم: (( من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عليه كربة من كرب يوم القيامة ))(2) وأما بالنسبة للمقترض فهو في حقه جائز مباح لا حرج فيه إذا استقرض رسول الله صلي الله عليه وسلم بكرا من الإبل ورد جملا خيارا وقال : (( إن من خير الناس أحسنهم قضاء ))(3)
__________
(1) - تفسير ابن كثير ، ج4 ، ص307.
(2) - أخرجه مسلم بشرح النووي ، ج9 – 10 ، ص485- 486 .
(3) - رواه البخاري(منهاج المسلم) لأبي بكر الجزائري ، ص 353باختصار وأخرجه مسلم في صحيحه عن أبي رافع أن رسول الله صلي الله عليه وسلم استلف من رجل بكر ... الخ .
انظر صحيح مسلم بشرح النووي ، ج11- 12 ، ص39.(1/124)
ويحرم أي نفع يجره القرض للمقرض سواء كان بزيادة في القرض أو بتجويده أو بنفع آخر خرج عن القرض إن كان ذلك بشرط وتواطؤ بينهما أما إذكان مجرد إحسان من المقترض فلا بأس إذ أعطي رسول الله صلي الله عليه وسلم جملا خيارا رباعيا في بكر صغير وقال: (( إن خير الناس أحسنهم قضاء)) وبهذا يتضح جواز واستحباب القرض وأن فيه أجرا كبيرا وقد استقرض رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقد دلت النصوص الشرعية علي مشروعيته من الكتاب والسنة والإجماع للأمة وما نحن بصدده هو البحث هل يجوز للقاضي أن يأخذ قرضاً ممن هم تحت ولايته أو ممن لهم قضايا لديه والذي يظهر لي أنه ليس للحاكم أن يأخذ قرضا ممن قضايا لديه لأنه يأخذ في حال يتهم فيه حيث لم يعط إلا الأمر يقصده المقرض ويطمع في تحقيقه، ولو كان علي حساب الآخرين، قد قال صلي الله عليه وسلم في الهدية : (( ألا جلس في بيت أبيه أو أمه وينظر أيهدي إليه أم لا )) وهنا نقول له ألا جلس في بيته حتي يعطي مطلوبه من القرض أم لا وما أشبه الليلة بالبارحة ولو طلب قرضا من بلد آخر ليست تحت ولايته فإنه قد يستحيل الحصول عليه فقياس القرض هنا علي الهدية ظاهر لأنه لا يقرض الحاكم إلا لغرض وهو إما التقوي به علي باطلة، أو التوصل بقرضه له إلي حقه والكل حرام وأقل الأحوال أن يكون طالبا لقربه من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه ولا غرض له في ذلك إلا الاستطالة علي خصومه، أو الأمن من مطالبتهم له فيحشمه من له حق عليه، ويخافه مالا يخافه قبل ذلك، وهذه الأغراض كلها تؤول إلي ما آلت إليه الهدية، هذا التحليل ذكره الإمام الشوكاني علي موضوع الهدية وهو صالح لوضعه علي موضوع القرض للحاكم ممن لهم قضايا لديه فعلي الحكام عدم أخذ قرض ممن هم تحت ولايتهم وخاصة من لهم قضايا لديهم حتي يبتعدوا عن الشبهة ووالتهمة ويحافظوا علي المكانة والسمعة ويلحق بالقرض العارية وهي الشيء يعطي لمن ينتفع به زمنا ثم يرده.(1/125)
كأن يسعير جملا أو سيارة ينتفع بها ثم يردها ممن لهم قضايا لديه، فالأولي الابتعاد عن ذلك كله وإذا قلنا ليس للحاكم أن يأخذ قرضا، أو يستعير ممن هم تحت ولايته، أو ممن لهم قضايا لديه يتهم في هذه الحالة بعكس إذا كان هو الطالب والمسألة ليست مسألة جواز أو عدمه وإنما الهدف الابتعاد عن الشبهة وما يشك في العدالة. قال ابن فرحون(1) : إنه ينبغي له التنزه عن طلب الحوائج من ماعون أو دابة وأن يجتنب العارية والسلف والقرض والأبضاع إلا أن لا يجد بدا من ذلك فهو خفيف إلا من عند الخصوم أو ممن هو في جهتهم فلا يفعل(2).
- - -
الفصل الربع
((هل للقاضي أن يباشر البيع والشراء))
__________
(1) - هو ابراهيم بن علي بن محمد بن فرحون برهان الدين اليعمري عالم بحاث ولد ونشأ ومات في المدينة وهو مغربي الأصل نسبة إلي يعمر بن مالك من عدنان رحل إلي مصر والقدس والشام سنة 792هجرية وتولي القضاء بالمدينة 793هجرية وهو من شيوخ المالكية ومن مؤلفاته الديباج المذهب في تراجم أعيان المذهب المالكي ، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية، ومناهج الاحكام توفي سنة 799هجرية الأعلام للزركلي ، ج1 ، ص52.
(2) - تبصرة الحكام ، ج1 ، ص24.(1/126)
ولا ينبغي للقاضي أن يباشر البيع والشراء بنفسه في مكان ولايته لما روي أبو الأسود المالكي عن أبيه عن جده أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ما عدل ولا اتجر في رعيته أبدا (1) وقال شريح القاضي : شرط علي عمر حين ولاني القضاء أن لا أبيع، ولا أبتاع، ولا أرتشي وأنكر علي أبي هريرة عندما أرسله إلي البحرين لاشتغاله بغير مهام عمله، كأمير لهذا البلد فقاسمه ماله الذي اكتسبه بسبب تجارته أثناء عمله وكذلك أنكر علي عتبه بن أبي سفيان علي اتجاره بما له وقاسمه، وروي ابن جرير(2) الطبري قال:حدثني عمر حدثنا علي بن محمد عن محمد بن صالح عن عبد الملك بن نوفل بني مصاحق قال استعمل عمر عتبة بن أبي سفيان علي كنانه، فقدم معه بمال فقال ما هذا يا عتبة ؟ فقال: مال خرجت به معي، واتجرت فيه .قال : ومالك تخرج المال معك في هذا الوجه فسيره في بيت المال. وكتب عمر بن الخطاب أيضا أن تجارة الأمير في إمارته خسارة (3)
__________
(1) - المغني لابن قدامه حيث عزاه السيوطي إلي الحاكم في الكني انظر المغني ، ج 14 ، ص60.
(2) - محمد بن جزير بن يزيد الطبري أبو جعفر مولده 224هجرية في آمل طبرستان وأستوطن بغداد وعرض عليه القضاء فامتنع والمظالم فأبي مؤرخ ومفسر ومن مؤلفاته تاريخ الطبري في 11جزءاً وتفسير الطبري في 30جزءاً قال ابن الأثير: أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ وفي تفسيره ما يدل علي علم غزير وتحقيق وكان مجتهدا في أحكام الدين توفي سنة 310هجرية ( الأعلام للزركلي ج6ص 69) .
(3) - انظر كتاب القضاء في عهد عمر ، ج 1، ص248- 249..(1/127)
وقد دل الحديث المروي عن أبي الأسود أن من اتجر في رعيته فقد جانب العدل ودلت الآثار المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه علي منع القضاة والولاة من الاتجار في مكان ولا يهتم لأنه إذا باشر القاضي البيع والشراء بنفسه لم يؤمن أن يحابي فيميل إلي من حاباه ولأنه تؤثر علي القاضي إذ يتساهل التجار معه في البيع والاتجار لكسب وده ثم أنه كفي المؤنة من ما يأخذه من بيت المال. قال ابن قدامة : ولا ينبغي للقاضي أن يتولي البيع والشراء بنفسه، وأورد حديث أبي الأسود المالكي المار ذكره إلي أن قال: ولأنه يعرف فيحابي فيكون كالهدية، ولأن ذلك يشغله عن النظر في أمور الناس ، وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما بويع أخذ الذراع وقصد السوق ، فقالوا يا خليفة رسول الله لا يسعك أن تشغل عن أمور المسلمين . قال: فإني لا ادع عيالي يضيعون . قالوا: فنحن نفرض لك ما يكفيك ففرضوا له كل يوم درهمين (1) فإن باع واشتري صح البيع لأن البيع تم بشروطه وأركانه وإن احتاج إلي مباشرته ولم يكن له من يكفيه جاز ذلك ولم يكره لأن أبا بكر رضي الله عنه قصد السوق يتجر فيه حتي فرضوا له ما يكفيه، ولأن القيام بعياله فرض عين فلا يتركه لوهم مضرة وإنما إذا استغني عن مباشرته ، ووجد من يكفيه ذلك كره له لما ذكرنا من المعنيين وينبغي أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله لئلا يحابي، وهذا مذهب الشافعي، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال : لا يكره له البيع والشراء وتوكيل من يعرف لما ذكرنا، من قضية أبي بكر رضي الله عنه ولنا ما ذكرناه وروي عن شريح أنه قال شرط علي عمر حين ولاني القضاء أن لا أبيع ولا ارتشي ولا أقضي وأنا غضبان (2)
__________
(1) - انظر ما أخرجه البخاري في صحيحه بحاشية السندي باب كسب الرجل عمله بيده من كتاب البيوع ، ج2 ، ص6.
(2) - المغني ، ج14 ، ص60- 61 ..(1/128)
وقضية أبي بكر حجة لنا فإن الصحابة أنكروا عليه فاعتذر بحفظ عياله عن الضياع، فلما أغنوه عن البيع والشراء بما فرضوا له قبل قولهم وترك التجارة فحصل الاتفاق منهم علي تركها عند المغني عنها والبيع مشروع بالكتاب والسنة قال تعالي :
{ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }(1)
ومن السنة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( لابيع حاضر لباد))(2) .
وقال: (( البيعان بالخيار مالم يتفرقا))(3) وقد باع النبي صلي الله عليه وسلم واشتري وحكمة مشروعيته بلوغ الإنسان حاجته مما في يد أخيه بغير حرج ولا مضرة، وقد منع القاضي من مباشرة البيع والشراء أو كره البيع والشراء لنفسه في مكان ولايته حتي لا يحابي ولا يتأثر ولا يتساهل التجار معه ويشتغل بغير القضاء. قال بعض الشافعية: فإن لم يجد من ينوب عنه تولي بنفسه لأنه لابد لهم منه فإذا وقعت لمن باعه حكومة أي قضية استخلف لمن يحكم بينه وبين خصمه لأنه إذا تولي الحكم بنفسه لم يؤمن أن يميل إليه (4) قلت : والأولي عدم مباشرة الحكام للبيع والشراء في مكان ولايتهم لأنه يشغلهم عن الأهم وهو القضاء بين الناس وقد يتعرضون لبعض القضايا عند الاختلاف مع من يتعاملون معهم ولا يجوز لهم أن يحكموا فيها وقد كفي بالراتب من بيت المال.
__________
(1) - سورة البقرة آية 275.
(2) - ولفظه عن ابن عباس قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد رواه البخاري في كتاب البيوع باب تحريم بيع الحاضر للبادي بحاشية السندي ج2 ص 19 رواه مسلم بشرح النووي ج1ص420.
(3) - متفق عليه وقد رواه البخاري في كتاب البيوع، بحاشية السندي ج2 ص12 ورواه مسلم في كتاب البيوع باب ثبوت خيار المجلس بشرح النووي ج10ص429.
(4) - تكملة المجموع شرح المهذب ج20ص131.(1/129)
وأما شراء بعض ما يحتاجه لبيته كذبيحة وغيرها وتوكيل من يرغب في ذلك فلا بأس لما ثبت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم اشتري بعيراً من أعرابي ثم أنكر الأعرابي البيع فاستشهد صلي الله عليه وسلم فشهد له خزيمة فقبل شهادته وجعلها بشادة شاهدين وقد أعطي صلي الله عليه وسلم عروة البارقي درهماً لشراء شأه فاشتري شاه بدرهم ثم باعها بدرهمين فاشتري شاه بدرهم وعاد للرسول بدرهم وشاه فدعا له بالبركة في بيعه وشرائه والله أعلم.
- - -
الفصل الخامس
الرشوة
الرشوة بضم الراء وكسرها مع التشديد والجمع رشا بكسر الراء وضمها وقد رشاه من باب عداء وارتشي أخذ الرشوة واسترشي في حكمه طلب الرشوة عليه وأرشاه أعطاه رشوة وهي من الأمراض الخطيرة التي إن فشت في مجتمع أفسدته وهي حرام بالإجماع وأي مال من هذا القبيل فهو حرام قال الله تعالي:
{ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ }(1) .
قال بن كثير في تفسير هذه الآية : أكالون للسحت أي الحرام، وهو الرشوة(2) أي ومن كان هذه صفته كيف يطهر الله قلبه، وأني يستجيب له وقال الشوكاني في تفسيره للسحت (3) بالمال الحرام وأصله الهلاك والشدة من سحته إذا هلكه ، ومنه فيسحتكم بعذاب وسمي الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها وقيل هو الرشوة والأول أولي والرشوة تدخل فيه دخولا أوليا، وقد فسره جماعة بنوع من أنواع الحرام خاص كالهدية لمن يقضي حاجته ، وحلوان الكاهن، والتعميم أولي بالصواب وقد لعن الرسول صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ، ونهي الله عن أكل أموال الناس بالباطل لقوله تعالي :
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ }(4) .
__________
(1) - سورة المائدة آية [ 42] .
(2) - تفسير ابن كثير ، ج2 ، ص20.
(3) - فتح القدير لمحمد بن علي الشوكاني ، ج2 ، ص44.
(4) - سورة البقرة آية [188] .(1/130)
والرشوة أكل للمال بالباطل وفي تفسير قوله تعالي : { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } والآية عامة في الرجل يكون عليه مال وليس عليه منه بينة فيجحد المال ويخاصم إلي الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، ويعلم أنه آثم آكل الحرام ولا يحل له أكله فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وكذلك إذا ارتشي الحاكم فحكم له بغير الحق فإنه من أكل أموال الناس بالباطل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم )) ( رواه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي)(1) وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (( لعنة الله علي الراشي والمرتشي )). ( رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي) . وعن ثوبان قال : لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش يعني الذي يمشي بينهما(رواه أحمد) .
__________
(1) - انظر سبل السلام ، ج4 ، ص 238 ، وأخرجه ابن ماجه في سننه تحقيق محمد فؤاد ، ج ، 2ص775 ، وأخرجه الترمذي في باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم عارضة الأخوي ، ج 6 ، ص 81 من أبواب الأحكام وأخرجه البيهقي في السنن الكبري في باب التشديد في أخذ الرشوة من كتاب آداب القاضي ، ج10 ، ص238 ، وأخرجه أبو داود في سننه في باب كراهية الرشوة من كتاب الأقضية ج 4 ، ص9.(1/131)
والمرتشي عام للحكام والعمال علي الصدقة وكل ذي ولاية وغيرهم من المسلمين، وخطرها كبير وفسادها يعم المجتمع قال ابن القيم الجوزيه: قال بن عقيل : الأموال التي يأخذها القضاة أربعة أقسام رشوة وهدية وأجرة ورزق فالرشوة حرام وهي ضربان: رشوة ليميل إلي أحدهما بغير حق عن فعل حرام علي الأخذ والمعطي وهما آثمان، ورشوة يعطاها ليحكم بالحق واستيفاء حق المعطي من دين ونحوه فهي حرام علي الحاكم دون المعطي لأنها للاستنقاذ فهي كجعل الابق وأجره الوكلاء في الخصومة (1)
__________
(1) - بدائع الفوائد القيم ، ج3 ، ص146..(1/132)
وفي الإقناع قال: ويحرم قبول رشوة وهي ما يعطي بعد طلبه ويحرم بذلها من الراشي ليحكم بباطل، أو يدفع عنه حقا وإن رشاه ليدفع ظلمه علي واجبه فلا بأس به في حقه قال الشوكاني ذكر المغربي في شرح بلوغ المرام علي شرح الرشوة كلاما في غاية السقوط قال ما معناه : أنه يجوز أن يرشي من كان يتوصل بالرشوة إلي نيل حق أو دفع باطل، وكذلك قال : يجوز للمرتشي أن يرتشي إذا كان ذلك في حق لا يلزمه فعله وهذا أعم ممن قال المنصور بالله ومن معه لأنهم خصوا الجواز بالراشي وهذا عممه في الراشي والمرتشي والقائل يرحمه الله كان قاضيا وهذا التخصيص بدون مخصص ومعارضة لعموم حديث: (( لعنة الله علي الراشي والمرتشي في الحكم )) بمحض الرأي الذي ليس عليه آثاره من علم ولا يغتر بمثل هذا إلا من لا يعرف كيفية الاستدلال وقال بعض أصحاب الشافعي وإن طلب بذلك أي بالرشوة حقا مجمعا عليه جاز وإن كان مختلفا فيه كالباطل إذ لا تاثير لحكمه وقد علق علي هذا الشوكاني فقال : قلت : والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم لا أدري بأي مخصص ، فالحق التحريم مطلقا أخذا بعموم الحديث ، ومن زعم الجواز في صورة من الصور فإن جاء بدليل مقبول وإلا كان تخصيصه ردا عليه، فإن الأصل في مال المسلم التحريم، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، ولا يحل مال أمريء مسلم إلا بطيبة نفسه وقد انضم إلي هذا الأصل كون الدافع إنما دفعه لأحد أمرين:إما لينال به حكم الله إن كان محقا وذلك لا يحل لأن المدفوع في مقابلة أمر واجب أوجب الله عز وجل علي الحاكم الصدع به فكيف لا يفعل حتي يأخذ عليه شيئا من الحطام، وإن كان الدفع للمال من صاحبه لينال به خلاف ما شرعه الله إن كان مبطلا فذلك أقبح لأنه مدفوع في مقابلة أمر محظور فهو أشد تحريما من المال المدفوع إلي البغي في مقابل الزنا بها لأن الرشوة يتوصل بها إلي أكل مال الغير الموجب لإحراج صدره والإضرار به بخلاف المدفوع إلي البغي فالتوصل(1/133)
به إلي شيء محرم وهو الزنا لكنه مستلذ للفاعل والمفعول به وهو أيضا ذنب بين العبد وربه وهو أسمح الغرماء ليس بين العاصي وبين المغفرة إلا التوبة ما بينه وبين الله وبين الأمرين بون بعيد(1) وهذا قول موافق للنصوص الشريعة التي دلت علي تحريم الرشوة مطلقا طلب بها حقا أم باطلا، فهو أخذ مال بغير وجهه حق لأن الرشوة تخلو من حالين:
1- إما أن يقضي له بحقه.
2- وإما أن يقضي له بما ليس له فيه حق .
فالحالة الأولي : إن أعطي المال للحاكم ليقضي له بحق فقد فسق الحاكم بقبول الرشوة علي أن يقضي له ما هو فرض عليه ، وقد سعي الباذل للمال إلي إعطاء الرشوة للحاكم. وقد عرفنا أن الحاكم ينعزل بالفسق فاستحق الذنب حين تحاكم إليه وليس بحاكم، ولا ينفذ حكمه لأنه قد انعزل عن الحكم بأخذه الرشوة ولأنه أعطاه ما هو حرام فهو راش ومرتكب للحرام ولم يظهر لي ما يخرجه عن كونه راشيا لبذله المال الحرام وللنصوص الشرعية ولا مخصص.
والحالة الثانية : أن أعطي الرشوة ليحكم له بباطل، فقد فسق الحاكم والمحكوم له لأخذ الرشوة والحكم بغير الحق، ولا خلاف بين العلماء علي تحريم هذه الحالة من الرشوة علي الراشي والمرتشي والريش لحديث لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي قال الترمذي: (2) هذا حديث حسن صحيح ورواه أبو هريرة وزاد في الحكم ورواه أبوبكر في زاد المسافر وزاد والمراشي وهو السفير.
والراجح تحريم الرشوة مطلقا طلب بها حقا أم باطلا للنصوص الشرعية والله أعلم.
- - -
__________
(1) - نيل الأوطار ، ج9 ، ص171- 172 .
(2) - أخرجه الترمذي في باب ما جاء في الراشي والمرتشي من كتاب الأحكام عارضة الأحوذي ، ج6 ، ص81- 82 ، وأخرجه أبو داوود في كراهية الرشوة من كتاب الأقضية سنن أبي داوود ، ج2 ، ص270 ، وابن ماجه في باب التغليظ في الحيف والرشوة في كتاب الأحكام سنن ابن ماجه ، ج2 ، ص 775 ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند ، ج2 ، ص 164-190- 194- 212.(1/134)
أعوان القضاة يتنوعون حسب الحاجة علي النحو التالي :
أولا : عندما تدعوا الحاجة إلي تعيين أكثر من قاض في محكمة واحدة فيعين قاض آخر باسم مساعد ومجموعة قضاة تحت مسمي عضو قضائي نتيجة لكثرة الأعمال في المدن ومكان ازدحام السكان وذلك للرفع من مستوي الإنتاج وإنجاز أرباب المصالح وإنهاء قضاياهم ويكون الجميع في مبني واحد لكل قاض أو مساعد مكتب مستقل للنظر في القضايا المحالة إليه بمفرده.
ثانياً: كتاب العدل : من أعوان القضاة ولهم دور كبير في ضبط المبايعات وإخراج الصكوك وإصدار الوكالة وضبط الأقارير(( والإفراغات الأخري )) قال تعالي :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ }(1) . وبالجملة فإن كتاب العدل من أعوان القضاة وأن تعيينهم واختيارهم يتم بترشيح وتزكية من قبل، ويشترط في كاتب العدل الأهلية العلمية والعدالة والإسلام والتكليف والورع.
__________
(1) - سورة البقرة آية [ 282] .(1/135)
ثالثاً: الكاتب : يستحب للقاضي أن يتخذ كاتباً(1) أو كتاباً لأنهم من هيبة المنصب من عون وإسعاف، وعلي ذلك جمهور الفقهاء لضبط الأقارير والدعاوي، وتنظيم محاضر الجلسات، وتحديد مواعيد الجلسات، والتحرير علي المعاملات وإجابة الجهات الحكومية وحفظ المعاملات والملفات والضبوط والسجلات. كل ذلك يحتاج إلي كتبه لاسيما والناس اليوم قد تفننوا في أسلوب المنازعات والالتواء، ناهيك عن كثرة الدعاوي وأحيانا تنظيم بعض الصكوك في صك لا يقل عن ثلاثة أمتار من الحجم الكبير وما يتبع ذلك من إخراج صورة الضبط، لا شك أن ذلك يحتاج إلي مجهود كبير وأيد عاملة متمرسة وعلي مستوي المسؤولية ودرجة عالية من الكفاءة والمقدرة حتي يتفرغ القاضي لأداء واجبه كما ينبغي ، وقد اتخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم أربعين كاتبا منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وابن أبي الصرح وأبكر وعمر وعثمان وأبي بي كعب وعمار بن فهيرة وعبد الله بن الأرقم والزبير بن العوام وثابت بن قيس بن شماسي وحنظلة بن الربيع الأسيدي والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن رواحة وخالد بن الوليد بن سعيد بن العاصي(2) واشترط في الكاتب أن يكون مسلماً عدلاً والأهلية الكاملة كما أن هناك شروطاً مستحبة أن يكون فقيها وأن يكون صحيح الضبط حافظا واعياً بما يسمع فيسجله كما سمع حتي لا يفسد ما يكتبه بجهله، وأن يكون عاقلاً ورعاً وأن يكون جيد الخط، ولا يلحن ويستحب أن يكون أميناً عاملاً(3).
__________
(1) - الانصاف ، ج11 ، ص216.
(2) - القضاء في عهدعمر بن الخطاب لناصر الطريفي ، ج1 ، ص282.
(3) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج13 ، ص183.(1/136)
رابعا: الشرطة : ومهمتهم الوقوف بين يدي القاضي أو القيام حسب استدعاء الحال لمنع الناس عن التقدم بين يدي الحاكم في غير وقتهم ومنعهم عن إساءة الأدب، ويجب أن يكون هذا الصنف من أعوان القضاة في زي الصالحين، ويأمرهم بالرفق واللين من غير عنف ولا ضعف ولا تكبر، وعليهم إحضار الخصوم ، وأن يكونوا من ذوي الدين وأهل الثقة والأمانة والتعفف والبعد عن الطمع ومهمة الشرطة باختصار:
1- إحضار الخصوم واستدعاءهم .
2- حفظ النظام وترتيب الخصوم والشهود وحجز الناس من التقدم أكثر من اللازم في اتجاه القاضي.
3- تنفيذ العقوبات من الحدود والتعزيزات وذلك بعد حكم القاضي فيها.
4- الوقوف بين يدي القاضي انتظارا لأوامره واستكمالا لهيبة مجلس القضاء ولإرهاب المبطل وتأديب المجرم.
5- التعرف علي المجرم والتحقيق معه وذلك بعد ثبوت التهمة عليه بوجود القرائن لتثبت الجريمة إذا كانت حقا للمخلوقين.
خامسا:هل للحاكم أن يتخذ حاجبا؟ اختلف العلماء في هذه المسألة علي النحو التالي:
1- ذهب الشافعي والحنابلة وجماعة أنه لا ينبغي للقاضي أن يتخذ حاجبا في مجلسه.قال ابن قدامة: ولا يتخذ حاجبا ولا بواباً إلا في غير مجلس الحكم إن شاء الله (1) وقال ابن حجر: ومن العلماء من قيد اتخاذ الحاجب بغير وقت جلوسه للناس لفصل القضاء(2).
2- وذهب آخرون إلي جواز أو استحباب اتخاذ القاضي حاجبا لترتيب الخصوم ومنع المستطيل ودفع الشر(3) ، واستدل من قال بعدم جواز اتخاذ الحاجب بأدلة منها ما يلي:
( أ) – حديث عمر بن مرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
((
__________
(1) - المغني ج ، 14 ، ص21 ، والكافي ، ج4 ، ص 443 ، ومنهي الإرادات ، ج2 ، ص579.
(2) - فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج13 ، ص133.
(3) - المصدر السابق ، ج13 ، ص133.(1/137)
ما من وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون وحاجته ومسكنته))(1) (رواه أحمد والترمذي) .
(ب) – ولما أخرجه أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي مريم الأسدي أنه قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ((من ولاه الله من أمر الناس شيئا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة)) ، وفي رواية : احتجب الله عن حاجته وفاقته وفقره . (رواه الترمذي)(2) ويدل هذا الحديث والذي قبله علي عدم جواز احتجاب أولي الأمر عن أهل الحاجات والوعيد الشديد لمن كان حاكما بين الناس فاحتجب عنهم بغير عذر.
(ج)- وما ثبت في الصحيح في قصة المرأة التي وجدها صلي الله عليه وسلم تبكي عند قبر فقال : ((اتقي الله واصبري)) فقالت : إليك عني فإنك خلو من مصيبتي قال فجاوزها ومضي ومر بها رجل فقال: ما قال لك رسول الله صلي الله عليه وسلم .قالت : ما عرفته قال: إنه لرسول الله صلي الله عليه وسلم . قالت : فجاءت إلي بابه فلم تجد عليه بوابا فقالت : يا رسول الله والله ما عرفتك! فقال: النبي صلي الله عليه وسلم :((إن الصبر عند أول صدمة))(3) والشاهد أنها جاءت إلي بابه صلي الله عليه وسلم فلم تجد عليه بوابا.
__________
(1) - أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الأحكام باب أن الله مع القاضي مالم يجر ، ج4، ص94 ، وأخرجه الترمذي في كتاب الأحكام باب ما جاء في إمام الرعية عارضة الأحوذي ، ج 6، ص73.
(2) - اخرجه الترمذي في صحيحه في باب ما جاء في إمام الرعية من أبواب الأحكام عارضة الأحوذي ، ج6 ، ص73 ، وأخرجه أبو داود من كتاب الإمارة باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم سنن أبي داود ، ج2 ، ص122 ، وأخرجه البيهقي في باب ما يستحب للقاضي من كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج10 ، ص101- 102.
(3) - صحيح البخار فتح الباري كتاب الأحكام باب ما ذكر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن له بواب ، .ج13 ، ص132.(1/138)
أما أدلة من جوز أن يكون للحاكم حاجبا فهي كثيرة ومنها:
1- حديث أبي موسي أنه كان بوابا للرسول صلي الله عليه وسلم لما جلس علي القف(1) وقال
2-
3- دل حديث عمر حين استأذن له الأسود من قصة حلفه صلي الله عليه وسلم أن لا يدخل علي نسائه شهرا أنه صلي الله عليه وسلم كان بخلوته بنفسه يتخذ بواباً ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه ولم يحتج إلي قوله : يا رباح استأذن لي(2) وجمع بين حديث أبي موسي وحديث المرأة التي لم تجد بوابا علي بابه أنه إذا لم يكن في شغل من أهله ولا انفراد في شيء من أمره الخاص إنه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة إليه، وقيل إنه لم يكن له بواب راتب أو في حجرته التي كانت مسكنا له أو لم يكن البواب بتعيينه بل ذلك بأنفسهما يعني أبا موسي ورباح لكن تقريره لهما علي ذلك يفيد مشروعيته فيمكن أن يؤخذ منه الجواز مطلقا ويمكن أن يقيد بالحاجة فهو الأولي، ونقل ابن التين عن الدوودي قال: الذي أحدثه بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن من فعل السلف انتهي(3).
__________
(1) - فتح الباري ، ج13، ص132.
(2) - المصدر السابق ، ج13 ، ص132.
(3) - المصدر السابق ، ج ، 13ص132.(1/139)
قال الشوكاني : صدق لم يكن من فعل السلف ولكن من لنا بمثل رجال السلف في آخر الزمان، فإن الناس اشتغلوا بالخصومة لبعضهم بعضا لولم يحتجب الحاكم لدخل عليه الخصوم في وقت طعامه وشرابه وخلوه بأهله وصلاته الواجبة وجميع أوقات ليله ونهاره، وهذا مما لم يتعبد الله به أحدا من خلقه ولا جعله في وسع عبد من عباده وأورد الأحاديث التي أشرنا إليها أن المصطفي صلي الله عليه وسلم كان يحتجب بعض أوقاته، وجمع بين حديث المرأة التي جاءت الي رسول الله صلي الله عليه وسلم تبكي فلم تجد بوابا علي بابه، وبين حديث وجوب الحاجب أما أولا فلأن النساء لا يحجبن عن الدخول في الغالب لأن الأمر الأهم في اتخاذ الحاجب هو منع دخول من يخشي الإنسان من اطلاعه علي ما لايحل الاطلاع عليه وأما ثانيا فلأن النفي للحاجب في بعض الأوقات لا يستلزم النفي مطلقا وغاية ذلك أنه لم يكن له صلي الله عليه وسلم حاجب راتب وقال ابن بطال : الجمع بينهما أنه صلي الله عليه وسلم إذا لم يكن في شغل من أهله، ولا انفراد بشيء من أمره رفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة(1) وقد اتخذ الخلفاء الراشدون حجاباً، فكان حاجب أبي بكر شديدا (2) وحاجب عمر يرفا(3) وحاجب عثمان مولاه حمران وكان حاجب علي رضي الله عنه مولاه قنبرا(4) وهذا دليل علي مشروعية الحاجب وقد اقتدي الخلفاء الراشدون برسول الله صلي الله عليه وسلم.
(الترجيح)
__________
(1) - نيل الأوطار للشوكاني ، ج9 ، ص 174- 175 ،.
(2) - القضاء في عهد عمر ، ج1 ، ص304.
(3) - فتح الباري ، ج13 ، ص133.
(4) - القضاء في عهد عمر ، ج1، ص304.(1/140)
ومن خلال عرض آراء الفقهاء والنصوص الشرعية ترجح لدي جواز أن يكون للحاكم حاجب وذلك من أجل ترتيب الخصوم، وإدخالهم علي القاضي بالترتيب أولاً بأول حتي يتسني للقاضي التفرغ لسماع الدعوي والحكم فيها. ومن العدل والتثبيت في الحكم أن لا يدخل علي الحاكم جميع من كان ببابه من المتخاصمين إلي مجلس حكمه دفعه واحدة إذا كانوا كثيراً، وقد أمر القاضي باجتهاد الرأي في الخصومة وينتعذر اجتهاده مع إبداء الرأي الصحيح والتأذي بأمر من الأمور وقد وقد حصل اتفاق العلماء علي استحباب تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر علي المقيم فلا يحصل معرفة ذلك إلا بالبواب أو الحاجب علي أن يكون أميناً ثقة عفيفاًعارفاً حسن الأخلاق. أما الأحاديث التي استدل بها من قال : لا يجوز للحاكم اتخاذ الحاجب فهي تنطبق علي من اتخذ الحاجب لمنع الناس من الوصول إلي الحاكم دون حاجة مع ما في ذلك من تعطيل المراجعين وتأخير إيصال الحقوق إلي أهلها وتضييعها وعدم قضاء حاجة ذي الحاجة والخلة والمسكنة، فإذا كان الحاجب لغرض مماطلة الناس وتضييع حقوقهم وضياع وقتهم، فهذا هو الاحتجاب الممنوع وبهذا يكون الجمع بين أحاديث جواز اتخاذ الحاجب وأحاديث المنع.(1/141)
سادسا: ومن الأمور التي يجب أن تتوفر للقاضي وجود مترجم للغات الأخري ليقوم بترجمة دعوي وإجابة غير الناطقين باللغة العربية وكذلك ترجمة شهادة شهودهم للحاجة إلي ذلك لأن بعض الدعاوي تحصل من أعجميين بعضهم علي بعض أو أعجمي علي عربي والعكس، ولا بد من مترجم لإيضاح أقوال المتخاصمين حتي يتمكن كل طرف من معرفة دعوي خصمه والإجابة عليها وبالتالي يستطيع القاضي معرفة الدعوي والإجابة والتميز بين المدعي والمدعي عليه، ومعرفة المنكر والمعترف والمحق والمبطل ومعرفة شهادة الشهود حتي يكون الحكم في القضية بالعدل، ويشترط في المترجم أن تتوفر فيه العدالة والورع والتقوي حتي يؤتمن علي الترجمة بالإضافة إلي كونه بالغا عاقلاً، واختلف الفقهاء في نصاب قبول الترجمة فمنهم من قال يكتفي بترجمة عدل واحد كأبي حنيفة (1) والمالكية(2) ورواية عن أحمد(3) واختاره أبو بكر وابن المنذور والبخاري(4)
__________
(1) - القضاء في عهد عمر ، ج1 ، ص313.
(2) - تبصرة الحكام ، ج1 ، ص 25 لابن فرحون.
(3) - المغني لابن قدامة ، ج 14، ص84.
(4) - فتح الباري شرح البخاري كتاب الأحكام باب ترجمة الحكام ، ج13، ص185 - 186..(1/142)
ومنهم من قال لا تقبل الترجمة إلا من اثنين عدليين، وهو المعتمد في مذهب الإمام أحمد وبه قال الشافعي ومحمد بن حسن الشيباني قال في المغني: ولا تقبل الترجمة إلا من اثنين عدلين وبهذا قال الشافعي وعن أحمد رواية أخري أنه تقبل من واحد لحديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود فقال كنت أكتب إذا كتب إليهم وأقرأ له كتبوا ولأنه مما لا يفتقر إلي لفظ الشهادة فأجزاء فيه الواحد كأخبار الديانات، ولنا علي أحجبته المعتمد في المذهب لا علي أرجحية الرواية الثانية أنه نقل ما خفي علي الحاكم إليه فيما يتعلق بالمتخاصمين، فوجب فيه العدد كالشهادة ويفارق أخبار الديانات فإنها لا تتعلق بالمتخاصمين ولا نسلم أنه يعتبر فيه لفظ الشهادة ولأن ما لا يفهمه الحاكم وجوده عنده كغيبة، فإذا ترجم له كان كنقل الإقرار إليه من غير مجلسه ولا يقبل ذلك إلا من شاهدين كذا ها هنا فعلي هذه الرواية تكون الترجمة شهادة فتفتقر إلي بذلك الحق، فإن كان مما يتعلق بالحدود والقصاص اعتبر فيه الحرية ولم يكف إلا شاهدان ذكران وإن كان ما لا كفي فيه ترجمه رجل وامرأتين ولم تعتبر الحرية فيه(1) قال بعض الشافعية: وإذا تحاكم إلي الحاكم أعجمي لا يعرف لسانه لم يقبل في الترجمة إلا عدلان لأنه إثبات قول يقضي الحكم عليه فلم يقبل إلا من عدلين كالإقرار وإن كان الحق مما يثبت بمترجمين والثاني أنه لا يثبت إلا بأربعة (2) والإمام البغوي اشترط رجلين بكل حال(3).
وبعد الإطلاع علي آراء الفقهاء من الفريقين وأدلتهم ترجح لدي الاكتفاء بمترجم واحد عدل للأدلة الشرعية من فعل الرسول صلي الله عليه وسلم وعمل الصحابة ومن ذلك :
__________
(1) - المغني لابن القيم ، ج14، ص84 - 85.
(2) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج20، ص162 - 163.
(3) - القضاء في عهد عمر للطريفي ، ج1 ، ص213.(1/143)
1- ما رواه الإمام البخاري عن زيد بن ثابت أن النبي صلي الله عليه وسلم أمره يتعلم كتاب اليهود حتي كتب للنبي صلي الله عليه وسلم كتبه وقرأ عليه كتبهم إذا كتبهم إذا كتبوا إليه(1) .
2- قال البخاري: قال عمر، وعنده علي وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ماذا تقول هذه؟ قال عبد الرحمن بن حاطب : تخبرك بصاحبها الذي بها(2).
3- وروي البخاري قال: قال أبو جمرة : كنت أترجم بين ابن عباس والناس(3) .
4- وروي البخاري في صحيحه أن عبد الله ابن عباس قال : إن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ثم قال لترجمانه قل لهم : إني سائل هذا فإن كذبني فكذبوه فذكر الحديث فقال للترجمان قل له إن كان ما يقوله حقا فسيملك موضع قدمي هاتين (4) هذه الأدلة الثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وعمل الصحابة تدل علي الأكتفاء بمترجم واحد سواء كان حرا أم عبد امرأة شريطة العدالة فلو أن التعدد لازم لبينه رسول الله صلي الله عليه وسلم،وإنما اكتفي بمترجم واحد واقتدي به عمر مع حضرة أكابر الصحابة في قبول ترجمة عبد الرحمن بن حاطب للمرأة التي وجدت حبلي من الزنا وهي أعجمية فأقرت أن ذلك من عبد اسمه برغوس، واكتفي في ذلك بمترجم واحد ليترجم عن لسانها ولا تترجم المرأة إلا في حالة عدم وجود رجل وكان ممن يقبل فيه شهادة النساء.
سابعاً : ومن أعوان القاضي الحكم أو المحكم وهو أن يتحاكم رجلان إلي رجل حكماه بينهما ورضياه وكان ممن يصلح للقضاء(5) ومشروعيته من الكتاب والسنة والإجماع فمن الكتاب قوله تعالي:
{
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج13، ص185.
(2) - المصدر السابق ، ج 13، ص186.
(3) - المصدر السابق ، ج13، ص186.
(4) - المصدر السابق ، ج13، ص186.
(5) - المغني لابن قدامة ، ج14 ، ص92.(1/144)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا }(1) .
ومن السنة حديث أبي شريح أنه وفد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم مع قومه فسمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ((إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكني أبا الحكم؟)) قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء آتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين.فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (( ما أحسن هذا فمالك من الولد )) قال شريح ومسلم وعبد الله قال : فمن أكبرهم قال : شريح قال:(( فأنت أبو شريح ))(2)وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:
((
__________
(1) - سورة النساء آية [ 35] .
(2) - أخرجه النسائي في باب إذا حكموا رجلا فقضي بينهم من كتاب آداب القضاء سنن النسائي بشرح السيوطي حاشية السندي ، ج4 ، ص 266 ، وأخرجه ابو داود في سننه كتاب الأدب باب في تغيير الاسم القبيح ، ج5 ، ص240 ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبري في باب ما جاء في التحيم من كتاب آداب القاضي ، ج10 ، ص145.(1/145)
من حكم بين أثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما.فهو ملعون ))(1) فدلت الآية الكريمة علي مشروعية الحكمين عند بدء الشقاق والاختلاف بينهما.وأما الحديث الأول فقد أقره الرسول صلي الله عليه وسلم علي أن يتحاكم إليه قومه، ودل الحديث الثاني علي أن الحكم مجزي علي حكمه إن لم يعدل بالذم المذكور وهو اللعن. أخرج البخاري في صحيحه أن أناسا نزلوا علي حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه فجاء علي حمار فلما بلغ قريبا من المسجد قال النبي صلي الله عليه وسلم : قوموا إلي خيركم أو سيدكم ، فقال: أبا سعد إن هؤلاء نزلوا علي حكمك فقال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقالتهم وتسبي ذرايهم.قال: حكمت بحكم الله أو بحكم الملك (2) وهذا الحديث يدل علي مشروعية التحكيم.
أما الإجماع :
فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم علي جوازالتحكيم ولم ينقل عن أحد خالف في ذلك فقد تحاكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبّي بن كعب إلي زيد بن ثابت وتحاكم عثمان بن عفان رضي الله عنه وطلحة رضي الله عنه إلي جبير بن مطعم قبل أن يكونوا قضاة(3) ، وتحاكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأعرابياً إلي شريح قبل أن يوليه القضاء(4) ، واختلف الفقهاء هل حكم الحكمين أو المحكم ملزم علي ما يأتي :
__________
(1) - المغني ، ج14 ، ص92.
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج7 ، ص123باب مناقب سعد بن معاذ من كتاب مناقب الأنصار.
(3) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 92 ، وأخبار القضاء لوكيع ، ج 1 ، ص 108 – 109 .
(4) - أعلام الموقعين ، ج 1 ، ص 91 ، والمغني ، ج 14 ، ص 92 .(1/146)
أولاً : ذهب الحنابلة إلي أنه ينفذ الحكم عليهما وبهذا قال أبو حنيفة وللشافعي قولان أحدهما لا يلزمها حكمه إلا بتراضيهما لأن حكمه إنما يلزم بالرضا ، وأن لا يكون الرضا إلا بعد المعرفة بحكمه . واستدل الحنابلة بالأحاديث المار ذكرها قال ابن كثير(1) في تفسيره : فقد أجمع العلماء علي أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة بين الزوجين ، وذلك علي تفسير قوله تعالي : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا }(2) ، واختلف الفقهاء فيما يجوز فيه التحكيم . فعند الحنابلة وجهان قال ابن قدامة : إلي أنه ينفذ حكم من حكماه في جميع الأحكام إلا أربعة أشياء النكاح واللعان والقذف والقصاص . لأن لهذه الأحكام مزية علي غيرها ، فاختص حاكم الإمام بالنظر فيها ، ونائبه يقوم مقامه . وقال أبو الخطاب ظاهر كلام أحمد انه ينفذ حكمه فيها أي يجوز في كل ما يتحاكم فيه الخصمان عند القاضي قياساً علي قاضي الإمام فينفذ في القصاص والحدود واللعان والنكاح ومنهم من قصره علي الأموال خاصة لوجوب الحيطة فيما عداها ، وهذا ما ذهب إليه القاضي أبو يعلي(3) وقال المقدسي : ينفذ حكمه في المال والقصاص والحد واللعان(4) والنكاح وغيرها فهو كحاكم افمام .
__________
(1) - تفسير ابن كثير ، ج 1 ، ص 493 .
(2) - سورة النساء آية [35] .
(3) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 93 .
(4) - الاقناع ، ج 4 ، ص 376 .(1/147)
ثانياً : قال الحنفية بجواز التحكيم في الأموال أما الحدود والقصاص فلا يجوز التحكيم فيها لأن حكم المحكمة بمنزلة الصلح والقصاص والحدود لا تجوز بالصلح ، فلا تجوز بالتحيكم ولأن الإنسان ليس له ولاية علي دمه فلا يملك الإباحة . قالوا وتخصيص الحدود والفصاص يدل علي جواز التحكيم في سائر الأحكام كالطلاق والنكاح إلا أنه لا يفتي به دفعاً لتجاسر العوام فيه(1) وعندهم ينفذ حكمه عليهما إذا حكماه ورضياه .
ثالثاً : قال المالكية بجواز التحكيم في الأموال وما في معناها ، ولا يقيم حدا ، ولا يلاعن بين الزوجين ، ولا يحكم في قصاص أو قذف ، أو طلاق ، أو عتاق ، أو نسب ، أو ولاء وإنما استثنيت هذه المسائل من هذه القاعدة لاستلزامها إثبات حكما أو نفيه من غير المتحاكمين وما عدا هذين المتحاكمين لم يرض بحكم هذا المحكم(2) فليس لأحدهما أن ينتقض حكمه وأن خالف مذهبه إلا أن يكون جورا بيّنا لم يختلف فيه أهل العلم(3) .
رابعاً : للشافعية أقوال في هذه المسألة فمنهم من يري جواز التحكيم في كل شيء قال الشربيني : والصحيح عدم الاختصاص لأن من صح حكمه في مال صح في غيره كالمولّي من جهة الإمام(4) ومنهم من قال بجواز التحكيم في الأموال وحدها . ومنهم من قال بجواز التحكيم في كل شيء سوي الحدود وكذا الحقوق المالية التي لله لأنها ليس لها طالب معين(5) .
وبهذا يتلخص لنا مايلي :
1- إلزام الطرفين بحكم المحكم إذا رضي الطرفان بالحكم بعد صدوره بالاتفاق .
__________
(1) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 334 – 335 .
(2) - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون ، ج 1 ، ص 43 – 44 .
(3) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 44 .
(4) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 379 .
(5) - المصدر السابق ، ص 379 .(1/148)
2- إذا لم يرض الطرفان بالحكم بعد صدوره ففي إلزامهم به أقوال لدي الفقهاء فقد ذهب مالك(1) وأبو حنيفة(2) وأحمد(3) والشافعي(4) في أحد قوليه . إذا رضيا المتخاصمان بالمحكم قبل إصدار الحكم لزمهما الرضا بحكمه ونفذ الحكم قياساً علي حكم القاضي الذي ولاّه الإمام والرأي الثاني للشافعي أشترط رضا المتحاكمين قبل الحكم وبعده(5) قياساً علي اشتراط الرضا قبل الحكم .
والراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد وابو حنيفة ومالك والشافعي في أحد قولية إلي أن الرضا بالحكم بعد صدوره غير لازم فإذا رضي المتخاصمان بالمحكم قبل إصدار الحكم لزمهما الرضا بحكمه ونفذ الحكم قياساً علي حكم القاضي الذي ولاّه الإمام ولقوله تعالي :
{ فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا }(6) .
فقد سماهما الله حكمين يفصلان بين الزوجين المتشاحنين بإصلاح ذات البين إن قدرا وإلا جاز لهما التفريق بينهما إذا رأيا ذلك وينفذ حكمهما ويلحق بالحكمين المحكم بين الخصمين في القضايا الأخري قياساً لا سيما إذا رضي الخصمان أن يتحاكمها إليه فليزمهما الرضا بحكمه .
__________
(1) - تبصرة الحاكم ، ج 1 ، ص 379 .
(2) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 339 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 44 .
(4) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 379 .
(5) - المصدر السابق ، ج 4 ، ص 379 .
(6) - سورة النساء آية [35] .(1/149)
وينقض حكم المحكم إذا خالف نصاً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، أو إجماع كما هو الحال في قاضي الإمام لحديث العسيف حيث رد رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلح الذي حصل بين صاحب العسيف وبين والد العسيف حينما زنا العسيف بامرأة صاحبه فقال صلي الله عليه وسلم : (( المائة شاة والخادم رد عليك وعلي ابنك جلد مائة وتغريب عام وأغد يا أنيس إلي أمرأة هذا فإن أعترفت فارجمها ))(1) وقد اتضح مشروعية التحكيم من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم والإجماع ولابد أن يكون علي مستوي من العلم والثقة والعدالة وصلاح النية لأن المحكم يطلعه الطرفان علي أسرارهما حيث لا يُحكَّمان إلا من يعرفان ويثقان فيه ، ودائما يحرص علي صلاح ذاتالبين التي هي من المطالب الشرعية قال تعالي :
{ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُم } .
وقال : { فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }(2) .
والمحكم من السهل الوصول إليه من غير مشقة ويسرع في إنجاز القضية بخلاف القاضي الذي يحكم بالظاهرمن البينة وكثيراً ما يزدحم مجلس القضاء بالناس فلا يبوح الطرفان بما لديهما من أسرار مع كثرة الناس ، كما أنه لا يحصل الوصول إليه إلا بمشقة ، أما المحكم فإن الخصمان يبوحان له بما لديهما وخاصة الأقارب ، وكثيراً ما تحل القضايا بواسطة الحَكَم أو الالمُحَكَّم أو ما يسمونه اليوم بالأمناء أو الأمين أو العدل .
__________
(1) - رواه البخاري ومسلم ، انظر فتح الباري ، ج 12 ، ص 137 ، ومسلم كتاب الحدود ، باب حد الزنا ، ج 11 ، ص 217 – 218 ، انظر صحيح مسلم بشرح النووي ، والعسيف بالعين والسين المهملتين أي الأجير وجمعه عسفاء كأجير وأجراء وفقيه وفقهاء .
(2) - سورة الحجرات آية [10] .(1/150)
ثامناً : ومن أعوان القاضي مقدر الشجاج : والشجاج هو جراح الرأس والوجه خاصة دون سائر الجسم ، ويعتبر مقدر الشجاج المسؤول عن وصف الشجاج والجنايات التي تحصل في الأطراف المتخاصمة في بعضهم من بعض ، أو في أحدهما ويصفها وصفاً دقيقاً حسب مسميات الفقهاء كالحارصة(1) والبازلة(2) والباضعة(3)والمتلاحمة(4) والسمحاق(5) والموضحة(6) والهاشمة(7) والمنقلة(8) والمأمومة(9) والدامغة(10) والجائفة(11) بحيث تكون الجناية واضحة لدي المنازعة والمطالبة بالارش لأن في الغالب أن المجني عليه لا يستطيع تحديد الشجاج الحاصلة فيه من جراء الاعتداء .
__________
(1) - الحارصة : هي التي تحرص الجلد وتشقه قليلا .
(2) - البازلة : هي الدامية التي يسيل منها الدم .
(3) - الباضعة : وهي التي تشق اللحم بعد الجلد .
(4) - المتلاحمة : وهي التي أخذت في اللحم .
(5) - السمحاق : هي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة .
(6) - الموضحة : وهي التي تقشر تلك الجلدة وتبري العظم وفيها خس من الإيل اما الخمس الشجاج الأولي فليس فيها مقدرة من الشرع وفيها حكومة والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقصته الجناية فله مثله من الدية كأن تكون قيمته وهو عبد صحيح عشره قيمته وبه الجناية تسعة فيكون فيه عشر ديته .
(7) - الهاشمة : هي التي توضح العظم وتهشمه .
(8) - المثقلة : هي التي تكسر العظام وتزيلها عن مواضعها .
(9) - المأمومة وهي التي تصل إلي جلدة الدماغ أو أم الدماغ ويقال لها الآمة والمأمومة .
(10) - الدامغة : وهي التي تخترق جلدة الدماغ .
(11) - الجائفة : وهي التي تصل إلي الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو ثغر نحر . ( المغني لابن قدامة ، ج12، ص 175 – 158 ) .(1/151)
ويشترط في مقدر الشجاج العدالة والثقة والاستقامة بالاضافة إلي الإسلام والأهلية وأن يكون ملماً بالفقه في مجال اختصاصه ولا مانع من تخصيص مقدرة شجاج علي مستوي من العدالة والثقة والأمانة والعلم لتتولي تقدير شجاج النساء ويكون مقدرها في دائرة سجن النساء أو في بيتها .
تاسعاً : مأذون عقد الأنكحة أو المأذون الشرعي : ويعتبر من معاوني القاضي حيث يخفف الضغط عن القاضي . فالغالب أن القاضي مشغول بالنظر في قضايا المراجعين المتعددة ، ولا يوجد لديه متسع منالوقت للنظر في مسالة إجراء عقود الأنكحة ، وأن تخصيص مأذون عقود انحكة بالمحكمة أمر ضروري تمليه المصلحة العامة حتي يتفرغ القاضي في النظر فيما هو أهم كفصل المنازعات ، والخصومات ، وما أكثرها لا سيما في زماننا الحاضر فقد غصت المحاكم بالمراجعين وربما شكلوا طوابير في مداخل المحكمة وأسيابها مع تعدد القضايا وتنوعها ويشترط في المأذون الشرعي الإسلام والبلوغ والعدالة والأهلية وإلمامه بالفقه عامة وبأحكام الأنكحة خاصة .
- - -
الفصل الأول
(( المرأة ))
للمرأة حق التكريم كما كرمها الإسلام ووضعها في مكانها اللائق بها كرعاية البيت وشؤون الأمومة وتربية الأولاد ، وكفاها مؤنة السعي والبحث عن الرزق فقد جعل الرجال قوامين علي النساء ، وأن تربية الأود ورعاية البيت والأمومة رسالة عظيمة ، وصان افسلام المراة عن الاختلاط بالرجال الأجانب وما يشغلها عن رسالتها ورعاية أسرتها وليس لها أن تتولي منصب القضاء وللعلماء آراء في هذا الموضوع نوردها باختصار فيما يلي :(1/152)
1- ذهب جمهور الفقهاء كالحنابلة والمالكية والشافعية غلي عدم جواز ولاية المرأة للقضاء مطلقاً فإذا وليت يأثم المولَّي وتكون ولايتها باطلة وقضاؤها غير نافذ(1) .
2- ذهب الحنفية إلي جواز ولايتها للقضاء فيما تجوز فيه شهادة النساء ولا تقضي في الحدود والقصاص(2).
3- ذهب ابن جرير الطبري(3) وابن حزم(4) إلي جواز ولاية المرأة للقضاء مطلقا .
واستدل الجمهور علي جواز تولية المراة للقضاء من الكتاب والسنة وعمل الخلفاء .
أ- من الكتاب قوله تعالي :
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }(5) .
فدلت الآية أن القوامة للرجال علي النساء ولا العكس .
__________
(1) - المقنع ، ج 3 ، ص ، 109 وبداية المجتهد ، ج 2 ، ص 460 وتبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 24 ، والكافي ، ج 4 ، ص 433 والأحكام السلطانية ، ص 83 ، والمغني ، ج 14 ، ص 12 ، وفتح الباري ، ج 8 ، ص 12 .
(2) - فتح الباري ، ج 8 ، ص 128 ، وبدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 3 .
(3) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 8 ، ص 128 ، وبداية المجتهد ، ج 2 ، ص 460 ، ومغني المحتاج ، ج 4 ، ص 375 .
(4) - المحلي ، ج 9 ، ص 429 .
(5) - سورة النساء آية [34] .(1/153)
ب- ومن السنة قوله صلي الله عليه وسلم : (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة ))(1) فدل الحديث علي أنه ليس للمراة أن تتولي الإمارة ولا القضاء ، ولم يثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه ولي أمراة القضاء ، ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال ويحتاج فيه إلي كمال الراي وتمام العدبل والفطنة والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي ليست أهلا للحضور في محافل الرجال ولا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف أمرأة مثلها مالم يكن معهن رجل وقد نبه الله تعالي عن ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالي :
{ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } ولا تصلح للولاية العظمي ولا لتولية البلدان ، ولهذا لم يول النبي صلي الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، ولا من هم بعده أمرأة قضاء ولاولاية بلد فيما بلغنا ، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا(2) .
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 53 ، باب حدثنا عثمان بن الهيثم من كتاب الفتن ، و ج 8 ، ص 126 ، باب كتاب النبي صلي الله عليه وسلم إلي كسري وقيصر من كتاب المغازي وأخرجه الترمذي في أبواب الفتن ، باب حدثنا محمد بن المثني ، عارضة الأحوذي ، ج 9 ، ص 118 – 119 ، وأخرجه النسائي في باب النهي عن استعمال النساء في الحكم ، كتاب آداب القضاة للسيوطي ، ج 4 ، ص 227 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 43 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 12 – 13 .(1/154)
وقد ثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن : وما ذاك يا رسول الله ، قال : أليست إحداكن علي النصف من شهادة الرجل كذلك نقصان عقلها))(1) وهذه الأمور من لوازم المرأة فطرياً لا تنفك عنها ، فولاية القضاء خاصة بالرجال لن المراة مامورة بالحجاب عن الرجال الأجانب ويتعذر البحجاب الذي امر الله به عن توليتها . وفي تفسير آية الرجال قوامون علي النساء أي الرجل قيم علي المراة أي هو رئيسها وكبيرها والحكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت بما فضل الله بعضهم علي بعض أي لن لرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة لهذا كانت النبوة خاصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم ومنصب القضاء وغير ذلك فالرجل أفضل من المراة في نفسه وله الفضل عليها والفضال مناسب أن يكون قيماً عليها(2) قال تعالي : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }(3) . أي في الفضيلة والخلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة . وقال ابن عباس(4) :
__________
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الحيض ، باب ترك الحائض الصوم ، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 405 ، و ج 3 ، ص 325 ، باب الزكاة علي الأقارب من كتاب الزكاة ، وأخرجه البيهقي في باب ما جاء في عددهن من كتاب الشهادات ، السنن الكبري ، ج 7 ، ص 151 .
(2) - تفسير ابن كثير ، ج1 ، ص 491 .
(3) - سورة البقرة آية [ 228] .
(4) - هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس حبر الأمة الصحابي الجليل ولد بمكة سنة 3 / ق هـ - ونشأ في بدء عصر النبوة قال عنه ابن مسعود هو ترجمان القرآن وكان عمر رضي الله عنه إذا أعضلت عليه قضيية دعا ابن عباس وقال أنت لها ولأمثالها وكان آية في الحفظ وأخباره كثيرة توفي بالطائف سنة 68 هجرية ، باختصار وتصرف من كتاب الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 95 ..(1/155)
الرجال قوامون علي النساء يعني أمراء عليهن أن تطيعه فيما أمرها الله من طاعته وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله وقال الحسن البصري(1) : جاءت أمرأة إلي النبي صلي الله عليه وسلم تشكو أن زوجها لطمها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم القصاص فأنزل الله عز وجل الرجال قوامون علي النساء فرجعت بدون قصاص وفي رواية أن أمرأة شكت زوجها الأنصاري أنه يضربها فأثر في وجهها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس ذلك فأنزل الله تعالي الرجال قوامون علي النساء ، أي من الأدب فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أردت أمرا وأراد الله غيره(2)
__________
(1) - هو الحسن بن يسار البصري أبو سعيد تابعي كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه ولد بالمدينة سنة 21 هجرية وشب في كنف علي بن أبي طالب رضي اله عنه وسكن البصرة وعظمت هيبته في القلوب فكان يدخل علي الولاة فيأمرهم وينهاهم ولا يخاف في الحق لومة لائم وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك أشبه الناس كلاما لكلام النبياء وأقربهم هديا من الصحابة لتصبب الحكمة من فيه وله مع الحجاج بن يوسف مواقف وقد لا يسلم من آذاه توفي سنة 110 هجرية ، الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 226 باختصار .
(2) - تفسير ابن كثير ، ج 1 ، ص 491 ، وقال القرطبي : الرجال قوامون علي النساء (( مبتدأ وخبر أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن وأيضاً فإن فيهم الحكام ومن يغزو وليس ذلك في النساء يقال قوام وقيم والآية نزلت في سعد بن الربيع وذكر ما ذكره ابن كثير وقال إن في هذا الحكم المردود نزل ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه ( تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 168 ) ..(1/156)
وقيل إنها أمرأة سعد الربيع نشزت علي زوجها فلطمها والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين ولفظ الآية عام في القيام عليهن في كل الأمور ولحديث أن المرأة بلا تلي الإمارة ولا القضاء واستدل الحنفية بجواز ولاية المرأة للقضاء في غير الحدود والقصاص لأن المرأة تجوز شهادتها في أحكام الأموال والأبدان ولا يجوز شهادتها في الحدود والقصاص وكذلك ولايتها للقضاء لأنه ولاية والشهادة ولاية – تجوز أن تلي القضاء فيما تجوز شهادتها فيه(1) واستدل ابن حزم بما روي عن عمر بن الخطاب أنه ولي الشفاء(2)
__________
(1) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 3 .
(2) - هي الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف بن صداد ويقال ضرار بن عبد الله بن قرط بن رازح بن عدي بن كعب القرشية العدوية قيل اسمها ليلي وغلب عليها الشفاء أم سليمان بن أبي حثمة من الصحابيات الجليلات وقد بايعت الرسول صلي الله عليه وسلم قبل الهجرة فهي من المهاجرات الأوليات وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأتيها ويقيل عندها في بيتها وكانت قد اتخذت إليه إزاراً أو فراشاً ينام فيه فلم يزل ذلك عند ولدها حتي أخذه منه مروان بن الحكم وقال لها رسول الله صلي الله عليه وسلم علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة وأقطعها رسول الله صلي الله عليه وسلم داراً عند الحكاكين بالمدينة فنزلتها مع ابنها سليان وكان عمر يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئاً من أمر السوق ، القضاء في عهد عمر ، ج 2 ، ص 877- 878 باختصار وتصرف ..(1/157)
بنت عبد الله العدوية السوق ورد علي أدلة الجمهور بأن حديث لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة قال بأن الرسول صلي الله عليه وسلم قال ذلك في الأمر العام الذي هو الخلافة برهان ذلك قوله عليه الصلاة والسلام المرأة راعية علي مال زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها(1) والمرأة صالحة وقادرة علي افصل في الخصومة وليس بها مانع من ذلك وعليه تصح ولايتها في القضاء(2) .
وقال الطبري : بأن المراة يجوز أن تكون مفتية فيجوز أن تكون قاضية(3) وناقش الجمهور أدلة القائلين بجواز تولية المرأة القضاء فيما يلي :
__________
(1) - هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في باب قول الله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} من كتاب الأحكام فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 11 .
(2) - المحلي لابن حزم ، ج 9 ، ص 429 – 430 .
(3) - القضاء في عهد عمر لناصر الطريفي ، ج 1 ، ص 220 .(1/158)
1- بالنسبة لدليل الحنفية حيث قاسواالقضاء علي الشهادة وهو قياس مع الفارق لأن اقضاء في الأمور العامة والشهادة في أمور جزئية والشهادة إبانة للحق والقضاء إبانة للحق وإلزام به فالشهادة غير ملزمة والقضاء ملزم ولأنه لابد للقاضي من مجالسة الرجال من الفقهاء والشهود والخصوم والمراة ممنوعة عن مجالسة الرجال لما يخاف عليهم من الافتتان(1) بها ، ولما ذكر من نقصان عقلها ودينها ، ولأن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يول إمراة علي القضاء واتبعه الخلفاء الراشدون فلم يولوا أحد من النساء القضاء ولا ولاية بلد فيما بلعنا(2) فالأهلية في الشهادة مغايرة للأهلية في القضاء وإلا كان العامي الجاهل الذي تقبل شهادته أهلا للقضاء(3)لأن منصب الشهادة دون منصب القضاء ولا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف أمرأة مالم يكن معهن رجل(4) .
ورد الجمهور علي ابن حزم والطبري القائلين بجواز تولية المرأة القضاء مطلقاً حيث ردوا بما يلي :
1- قياس ابن جرير الطبري القضاء علي الإفتاء قياس مع الفارق إذ أن هناك فروقاً كثيرة بين القاضي والمفتي وبين وظيفة القضاء ووظيفة الإفتاء(5) كما أن الإفتاء ليس من باب الولايات لأنه إخبار عن الحكم الشرعي ولا إلزام فيه أما القضاء فهو الإخبار بالحكم مع الإلزام فهو من باب الولايات فليس هناك جامع معتبر بينهما حتي يصح الإلحاق .أما ما ذكر ابن حزم يرحمه الله بأن عمر بن الخطاب ولي الشفاء فلا يصح حجة إذ الخبر لم يثبت فقد ساقه غير مسند وبصيغه فقد روي وهي من صيغ التمريض وهذه الصيغة لا تؤهل النصل للاحتجاج به .
__________
(1) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 127 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 12 – 13 .
(3) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 223 .
(4) - المغني ، ج 14 ، ص 13 .
(5) - المصدر السابق ، ج 14 ، ص 13 .(1/159)
قال أبو بكر العربي(1) : هذ ا لم يصح فلا تلتفتوا إليه وإنما هو دسائس المبتدعة في الأحاديث ، ثم إنه لو صح وثبت فلا يفهم منه أن عمر رضي الله عنه ولاها القضاء ، بل يفهم منه أنه اختارها لتقاوم المنكرات المتعلقة بالنساء في السوق فتأمر بالمعروف وتنهيي عن المنكر(2) وهذا من باب الحسبة .
أما كونها صالحة وقادرة علي الفصل في الخصومة وليس بها مانع من ذلك فالأصل في الأشياء الإباحة وقد دلل الجمهور من الكتاب والسنة والإجماع علي عدم جواز توليتها القضاء ، وهذا هو ما يمنعها من تولية القضاء فالمنع قائم من الكتاب والسنة والإجماع هذا والمرأة لا يتأتي منها الفصل في الخصومات علي وجه الكمال للنقصان الفطري فيها ، ولانسياقها وراء العاطفة وللعوامل الخلقية التي تعتريها بتوالي الشهر والسنين من حيض وحمل ورضاع فتؤثر علي فهمها للحجج وتكوين الحكم الكامل(3) .
__________
(1) - هو الإمام القاضي محمد بن عبد الله المعافري أبي بكر العربي وهو فخر المغرب إمام في الأصول والفروع مولده سنة 468 هجرية تولي القضاء باشبيلية وله مصنفات منها كتاب القبس في شرح موطأ مالك بن أنس وكتاب ترتيب المسالك في شرح الموطأ وأحكام القرآن قال أبو تراب : وهو ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها بلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين وكتابة الناسخ والمنسوخ بجامعة القرويين والانصاف في مسائل الخلاف عشرون مجلداً وتوفي سنة 543 ، انظر أعلام الحاضر ، ج 1 ص 142 .
(2) - القضاء في الإسلام للدكتور محمد عبد القادر أبو فارسي ، ص 40 .
(3) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 224 .(1/160)
وبهذا يترجح ما ذهب إليه الجمهور من عدم جواز تولية المرأة القضاء للأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليهخ وسلم وعملا لصحابة أما الولاية الخاصة وهي ما يملك المولّي التصرف في شأنه من الشؤون الخاصة كالوصاية علي القصار والتصرف بإدارة ما يملكه الإنسان من الأمور الخاصة والنضارة علي الوقف فهذا النوع من الولاية أجازت الشريعة للمرأة أن تتولاه مثلها مثل الرجل سواء فلها التصرف في شؤون نفسها إذا صارت بالغة عاقلة فتبيع وتشتري وتؤجر وتهب فلها حق التصرف دون أن يشترط معها أحد من أب أو زوج أو أخ علي أن يكون تصرفها لا يتنافي مع شرفها وكرامتها فعند ذلك تمنع من هذا التصرف فلا تسافر وحدها للتجارة أو تخالط الرجال الأجانب بحجة أنها تدير شؤونها وتتصرف في أملاها ز لقوله صلي الله عليه وسلم (( لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها ))( متفق عليه )(1) ولا تصح تولية الخنثي (2) المشكل القضاء لأنه لا يعلم كونه ذكراً(3) فلو ولي وبان رجلا لم تصح ولايته أما إذا بانت ذكورته قبل التولية فإنها تصح(4) .
- - -
الفصل الثاني
(( العبد ))
هل للعبد أن يتولي منصب القضاء وهذا ما سنبحثه في هذا الفصل وذلك بعرض آراء الفقهاء والتي تتلخص فيما يلي:
__________
(1) - أخرجه مسلم بعدة روايات لا تسافر المرأة ثلاثا أو فوق ثلاث ورواية يومين ويوم وليلة إلا ومعها ذو محرم ، صحيح مسلم كتاب الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلي حج وغيره شرح لنووي ، ج 9 ، ص 110 وأخرجه البخاري في باب حج النساء من كتاب المحصر صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 1 ، ص 319 ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ، ج1 ، ص222 .
(2) - الخنثي المشكل هو الذي لم يتبن ذكورته ولا أنوثته .
(3) - الكافي في فقه الإمام أحمد لابن قدامة ، ج 4 ، ص 433 .
(4) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 375 .(1/161)
1- اشترط الحنابلة في القاضي أن يكون حرا(1) ، وقال بعضهم لا تشترط الحرية فيجوز أن يكون عبدا قاله ابن عقيل وأبو الخطاب(2) وقالا أيضاً يجوز بإذن السيد وتصح ولاية العبد إمارة السرايا وقسم الصدقات والفيء وإمامة الصلاة ذكره القاضي محل وفاق(3) والحرية من أوصاف الكمال ولأن العبد مختلف في قبول شهادته(4) .
2- اشترط المالكية الحرية في تولية القضاء ولا ولاية للعبد لأن ولاية العبد لا تصح وكذا كمن فيه بقية رق ولا المعتَق خوفاً من أن تستحق رقبته فتذهب أحكام الناس باطلا(5) .
3- واشترط الحنفية أيضا الحرية في تولية القضاء(6) .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 12 ، والمقنع ، ج 3 ، ص 609 .
(2) - الانصاف ، ج 11 ، ص 176 .
(3) - الانصاف ، ج 11 ، ص 176 .
(4) - العدة شرح العمدة ، ج 1 ، ص 621 .
(5) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 18 .
(6) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ج 7 ، ص 3 .(1/162)
4- واشترط الشافعية الحرية في تولية القضاء ولا أعلم بينهما أختلافاً لاشتراط الحرية فمن رد قضاء المرأة شبهه بقضاء الإمامة الكبري وقاسها أيضاً علي العبد لنقصان حرمتها وأما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه(1) وقد حكي الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنها لا تجب الطاعة للعبد إلا إذا كان المستعمل له إماماً قرشياً لأن الإمامة لا تكون إلا في قريش قال وأجمعت الأمة أنها لا تكون في العبيد وحكي في البحر عن العترة أنه يصح أن يكون العبد قاضياً ونقل الشوكاني عن الشافعية والحنفية أنه لا يصح أن يكون العبد قاضيا(2) وفي مغني المحتاج قال : اشترطت الشافعية الحرية فلا يولي رقيق كله أو بعضه لنقصه كالشهادة من بل أولي(3) وبهذا يتضح أن الجمهور اشترطوا أن يكون القاضي حراً لن له الولاية ولا ولاية للعبد حتي علي نفسه فمن باب أولي لا يملك الولاية علي غيره وهو مشغول بحقوق سيده لا يستطيع أن يتصرف بنفسه وكسبه فكيف يمكن أن يتصرف بمال غيره وليس لديه الوقت الذي يتمكن به القضاء ، وكذلك المكاتب والمدير فالمكاتب مشغول بحقوق سيده فإذا عجز عن الآداء علي إلي الرق بل هو رقيق ما دام عليه درهم والمدبر ، هو عبد يكون حراص بعد موت سيده ، ويعامل معاملة الرقيق أثناء حياة سيده(4)
__________
(1) - بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، ج 2 ، ص 460 .
(2) - نيل الأوطار ، ج 9 ، ص 169 – 170 .
(3) - مغني المحتاج إلي معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، ج 4 ، ص 375 .
(4) - القضاء في عهد عمر بن الخطاب ، ج 1 ، ص 208 باختصار ..(1/163)
أما بن حزم فلم يشترط الحرية في القضاء وقال يجوز أن يلي العبد القضاء لأنه مخاطب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبقول الله تعالي : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } وهذا متوجه بعمومه إلي الرجل والمرأة والحر والعبد والدين كله واحد إلا حيث جاء النص بالفرق بين الرجل والمرأة وبين الحر والعبد فيستثني حينئذ من عموم إجمال الدين ونقل عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز تولية العبد القضاء وقال : وما نعلم مع أهل هذا القول حجة اصلاً وقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من طريق شعبة حدثنا أبو عمران الجوني عن عبد الله الصامت عن أبي ذر قال : أوصاني خليلي يعني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف فهذا نص جلي علي ولاية العبد وهو فعل عثمان بحضرة الصحابة لا ينكر ذلك منهم أحد ونقل عن سويد بن عقلة قال : قال لي عمر بن الخطاب : أطع الإمام وإن كان عبدا مجدعا فهذا عمر لا يعرف له من الصحابة مخالف(1) .
__________
(1) - المحلي ، ج 9 ، ص 430 .(1/164)
ونقب ابن حجر في أثناء الكلام عن أحاديث السمع والطاعة للإمام وإن أستعمل عليكم عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة(1) حيث قال ونقل ابن بطال(2) عن المهلب قال قوله : اسمعوا وأطيعوا لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشي لما تقدم أن الإمامة لا تكون إلا في قريش وأجمعت الأمة علي أنها لا تكون في العبيد قلت ويحتمل أن يسمي عبدا باعتبار ما كان قبل العتق وهذا كله إنما هو فيما يكون بطريق الاختيار وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب غخمادا للفتنة مالم يأمر بمعصية وقال الخطابي(3) :
__________
(1) - أخرجه البخاري في كتاب الأحكام ، باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 121 .
(2) - ابن بطال : هو أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال الإمام الحافظ المالكي البكري أصله من قرطبة وأخرجته الفتنة إلي بلنسية وكان عارفا فقيها عني بالحديث وله شرح علي صحيح البخاري وولي قضاء لورقة وروي عنه جماعة وله كتاب الاعتصام في الحديث وكانت وفاته سنة هجرية 449 أو سنة 444 هجرية ولمك تذكر المصادر تاريخ مولده ، انظر الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 285 ، وأعلام أهل الحاضر برجال من الماضي الغابر ، ص 160 .
(3) - هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب (( الخطابي )) البستي ولد سنة 319 هجرية 931 ميلادية وتوفي سنة 388هجرية 998 ميلادية كان فقيها أديبا محدثا له التصانيف البديعة منها غريب الحديث ومعالم السنن في شرح سنن أبي داود وأعلام السنن في شرح البخاري وكتاب الشجاع وكتاب إصلاح غلظ المحدثين وغير ذلك والبستي بالضم نسبة إلي بست وهي مدينة من بلاد كابل ، الاعلام ، ج 2 ، ص 273 ، وإعلام أهل الحاضر برجال من الماضي الغابر ، ج 1 ، ص 217 باختصار ..(1/165)
قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجوه يعني وهذا من ذاك إطلاق العبد الحبشي مبالغة بالأمر في الطاعة وإن كان لا يتصور شرعاً أن يلي ذلك(1) ، انتهي ... .
الترجيح
ومن خلال ما عرضناه من رأي الجهور القائلين بعدم جواز تولية العبد القضاء ورأي المخالفين بجواز تولية العبد القضاء ترجح لدي َّ ما ذهب إليه الجمهور من عدم جواز تولية العبد القضاء لكونه لا ولاية له حتي علي نفسه فمن باب أولي ألا يملك الولاية علي غيره . ونقل ابن قدامة(2) إجماع أهل العلم علي أنه ليس للعبد أن يتزوج بغير أذن سيده فإن نكح لم ينعقد نكاحه ، وقال ابن المنذر : أجمعوا علي أن نكاحه باطل وأورد حديثاً عن جابر قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ))(3) ( رواه الأثرم وأبو داود)(4)
__________
(1) - فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 122 في باب السمع والطاعة للإمام من كتاب الأحكام .
(2) - المغني لابن قدامة ، ج 9 ، ص 436 .
(3) - أخرجه ابن ماجة في كتاب تزويج العبد بغير إذن سيده من كتاب النكاح سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 630 ، وأخرجه الدارمي في باب في العبد يتزوج بغير إذن من سيده من كتاب النكاح ، سنن الدارمي ، مجـ 2 ، ص 152 .
(4) - أبو داود : هو الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث بن اسحق الأزديي السجستاني أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح جمع كتاب السنن وهو من الكتب الستة ...وعرضه علي الإمام أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه واعتبره الشيخ أبو اسحاق شيرازي في طبقات الفقهاء من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وكان يقول كتبت من رسول الله صلي الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني السنن جمعت فيه أربعة الآف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه وله كتاب المراسيل وكتاب مسائل الإمام أحمد بالإضافة إلي كتاب السنن أحد الكتب الستة الشهيرة ود سنة 202 هجرية وتوفي سنة 310 هجرية ، إعلام الحاضر ، ج 1 ، ص 47 باختصار .(1/166)
وابن(1)ماجة(2) ) فإذا كان لا يصح تصرفه في نفسه فمن باب الولي لا يصح مع غيرهوهو مشغول بحقوق سيده منقوص برقه فلم يكن أهلا للقضاء كالمرأة .
- - -
الفصل الثالث
(( الكافر ))
لا يجوز تولية كافر لمنصب القضاء بين المسلمين وقد اتفق الفقهاء علي ذلك(3) لقوله تعالي : { وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }(4) .
والقضاء ولاية وسبيل ولا ولاية ولا سبيل لكافر علي مسلم كما أن القاضي مطلوب منه الغيرة علي حدود الله وتنفيذ شريعته فهو يتصرف بناء علي تقواه ومحبته للإسلام والكافر لاغيرة عنده علي حدود الله ولا تقوي تدفعه لمراقبة الله تعالي ولا محبة للإسلام تشرح صدره لأحكام الله وسلطانه .
__________
(1) - هو الإمام ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد ماجه الربعي بالولاء القزويني الحافظ المشهور مصنف كتب السنن في الحديث مولده سنة 209 هجرية وتوفي يوم الأثنين لثمان باقين من شهر رمضان سنة 273 كان إماماً في الحديث عارفاً بعلومه وجمع ما يتعلق به وكان مؤرخاً إلي كونه أحد الأئمة في الحديث ومفسراً وحاضراً وقد سمع الكثير- يرحمه الله - ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 53 .
(2) - هذا الحديث أخرجه عن جابر أبو داو في باب نكاح العبد بغير إذن مواليه من كتاب النكاح سنن أبو داود ، ج 1 ، ص 480 كما أخرجه عن جابر أبو داود في باب نكاح العبد بغير إذن مواليه من كتاب النكاح سنن أبو داود ، ج 1 ، ص 630 والإمام أحمد في المسند ، ج 3 ، ص 301 – 377 والدارمي في باب العبد ينزوج بغير إذن سيده من كتاب النكاح سنن الدارمي ، ج 2 ص 152 هامش المغني ، ج 9 ، ص 436 .
(3) - المقنع لبن قدامة ، ج 3 ، ص 609 ، انصاف ، وبدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 3 .
(4) - سورة النساء آية [141] .(1/167)
ولو فرض أن كافرا ولي القضاء بين المسلمين لم تصلح ولايته ولا ينفذ قضاؤه(1) لأنه لم يعدل مع الله حيث أشرك معه سبحانه غيره في عبادته فمن باب أولي ألا يعدل بين الناس فلاعدل في غير ما شرع الله والكافر غير مؤهل للحكم بشريعة الإسلام لأنه لايؤمن بها فكيف يحكم بها ولا نعلم مخالفاً في ذلك فالإجماع منعقد علي اشتراط الإسلام في قاضي المسلمين ولا سبيل لكافر علي مسلم .
واختلف الفقهاء في ولاية الكافر علي أهل ملته علي النحو التالي :
أولاً : قال أبو حنيفة : يجوز تقليده القضاء بين أهل دينه(2) ، فقد ولي عمر بن العاص قضاة من لأقباط ليفصلوا بين أهل ديانتهم ، وأقر عمربن الخاب هذه التولية حين بلغته(3) .
ثانياً : ذهب الشافعية وجمهور الفقهاء إلي عدم جواز ولاية الكافر للقضاء بين أهل دينه ، وهذا وإن كان قد عرف الولاة بتقليده لالتزامهم له لا لزومه لهم ولا يقبل الإمام قوله فيما حكم به بينهم ، وإذا امتنعوا من تحاكمهم إليه لم يجبروا عليه وكان حكم الإسلام عليهم أنفذ(4) وقال ابن حزم ولا يحل أن يلي القضاء والحكم في شيء من أمور المسلمين وأهل الذمة إلا مسلم بالغ عادل عالم بأحكام القرآن والسنة(5) .
ولعل الراجح ما ذهب إليه أبو حنيفة من جواز قضاء الكافر بين أهل ملته من الكفر لأنهم علي شاكلته ولا سبيل له علي المؤمنين وغنما سبيله علي أهل ملته وقد أجاز الله للمسلمين ان يحكموا بين الكفر كما أجاز ترك الحكم في قوله تعالي :
{ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ َ}(6)
__________
(1) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 205 .
(2) - الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي ، ص 84 .
(3) - القضاء في عهد عمر للطريفي ، ج 1 ، ص 205 .
(4) - الأحكام السلطانية ، ص 84 ، ومغني المحتاج ، ج 4 ، ص 375 .
(5) - المحلي لابن حزم ، ج 9 ص 363 .
(6) - سورة المائدة آية [42] .(1/168)
قال ابن كثير(1) في تفسير هذه الآية فإن جاءوك أي يتحاكموا إليك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلم يضروك شيئا أي فلا عليك أن لا تحكم بينهم لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق بل مايوافق أهواءهم وقيل إنها منسوخة بقوله تعالي :
{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ }(2) .
{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ }(3) .
أي الحق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل إن الله يحب المقسطين(4) .
- - -
الفصل الرابع
(( الفاسق ))
لا يجوز تولية الفاسق القضاء لأن العدالة شرط من شروط القضاء عند جمهور(5) واختلفوا هل هي شرط جواز أو شرط صحة علي النحو التالي :
__________
(1) - هو عماد الدين اسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الأصل الدمشقي الشافعي ولد بقرية من اعمال مدينة بصري سنة 701 هجرية برع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل ومن مشايخه شيخ الإسلام ابن تيمية ولازمه وأحبه حباً عظيماً وأفتي ودرس وله تصانيف مفيدة منها التفسير المشهور وهو في مجلدات خمسة وقد جمع فيه فأوعي ونقل المذاهب والأخبار والآثار وتكلم بأحسن كلام وانفسه وهو من أسن التفاسير عن لم يكن أحسنها ومن مصنفاته كتاب التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل وكتاب البداية والنهاية وغيرها وقد انتفع الناس بمصنفاته لا سيما التفسير مات في شعبان سنة 774 هجرية – يرحمه الله - .
(2) - سورة المائدة آية [49] .
(3) - سورة المائدة آية [42] .
(4) - تفسير ابن كثير ، ج 2 ، ص 60 .
(5) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 375 ، وبداية المجتهد ، ج 2 ، ص 460 ، والمقنع ، ج 3 ، ص 609 ، والمغني ، ج 14 ، ص 13 – 14 والانصاف ، ج 1 ، ص 177 .(1/169)
1- ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلي أن العدالة شرط جواز وصحة التولية فلايتم القضاء إلا بها ، ولا تنعقد الولاية ولا يستخدم عقدها إلا معها(1) فالفسق يوجب العزل ويمضي ما حكم به(2) . قال سحنون : من لا تجوز شهادته لا تصح ولايته ، وقال أيضاً : تصح ويجب عزله . قال القاضي عياض(3) : وفي الفاسق خلاف بين أصحابنا هل يرد ما حكم فيه وإن وافق الحق وهو الصحيح ، أو يمضي إذا وافق الحق ووجه الحكم(4)
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 18 ، وبداية المجتهد ، ج 2 ، ص 460 .
(2) - بداية المجتهد ، ج 2 ، ص 60 .
(3) - القاضي أبو الفضل عياض بن موسي بن عياض بن عمرو بن موسي بن عياض بن محمد بن موسي بن عياض اليحصبي السبتي ولد بمدينة سبتة في النصف من شعبان سنة 476 هجرية وتوفي بمراكش يوم الجمعة سابع جماد الآخرة وقيل في شهر رمضان سنة 544 هجرية كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم وصنف التصانيف المفيدة منها الأكحال في شرح كتاب مسلم ومشارق الأنوار وهو كتاب مفيد جدا في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلاثة وهي الموطيء والبخاري ومسلم وغير ذلك وهو من أهل التفنن في العلم والذكاء واليقظة والفهم تولي قضاء بلدة سبته مدة طويلة فحمدت سيرته فيها ثم نقل عنها إلي قضاء غرناطة فلم يطل أمده فيها وللقاضي عياض شعر حسن – يرحمه الله - . وفيات الأعيان وأنباء الزمان لابن خلكان ، ج 53 ، ص 483 ، واعلام الحاضر ، ص 273 والاعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 9 باختصار .
(4) - تبصرة الحكام ، ج1 ، ص 18 ..(1/170)
وحكي عن الأصم أنه قال : يجوز أن يكون القاضي فاسقاص لما روي عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قال (( سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوها لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة))(1) قال ابن قدامة : ولنا قول الله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } فأمر بالتبين عند قول الفاسق ، ولا يجوز ان يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله ويجب التبين عند حكمه ، ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدا فلئلا يكون قاضيا أولي فأما الخبر فاخبر بوقوع كونهم أمراء لا بمشروعية في صحة تولية لا في وجودها(2) فإذا ولي الفاسق القضاء أثم موليه وبطلت التولية ، ولا ينفذ شيء من قضائه ولو صادف الحق لأنه متهم في دينه ، والقضاء طريق الأمانات فإن تاب الفاسق وصلحت حاله اصبح عادلاً كما كان لقوله تعالي :
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(3) .
فجعل تعالي التوبة والاستغفار من صفات ولوازم المؤمنين الذين يستحقون مجازاتهم بالمغفرة من ربهم والجنات التي تجري من تحتها الأنهار .
__________
(1) - رواه مسلم في صحيحه ، ج 1 ، ص 448 باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار من كتاب المساجد أخرجه مسلم أيضاً في باب الندب إلي وضع الأيدي من كتاب المساجد صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 379 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 40، ص 409 ، ص 455 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 13 – 14 .
(3) - سورة آل عمران آية [135] .(1/171)
2- قال الحنفية : العدالة ليست شرط جواز التقليد لكنها شرط الكمال فيجوز تقليد الفاسق وتنفيذ قضاياه إذا لم يجاوز فيها حد الشرع لأنه من أهل الشهادة فيكون من أهل القضاء لكنه لا ينبغي أن يقلد الفاسق لأن القضاء أمانة عظيمة وهي أمانة الأموال والأبضاع والنفوس فلا يقوم بوفائها إلا من كمل ورعه وتم تقواه إلا أنه مع هذا لو قلد جاز التقليد في نفسه وصار قاضيا لأن الفساد لمعني في غيره فلا يمنع جواز تقليده القضاء في نفسه(1) علي أن نفاذ كل قضاء مشروط بموافقة الشرع وقد اعتبر الكاساني والمرغيناني العدالة في القاضي شروط كمال وأفضلية يحسن بالإمام أن لا يختار الفاسق فإن أختاره للقضاء فولايته جائزة واحكامه نافذة ولو كانت شرط جواز لكانت ولايته باطة عنده وأحكامه لاغية غير معتبرة(2) .
ولا تجيز الحنفية للمحدود في القذف ان يتولي القضاء حتي ولو تاب لأن رفض الشهادة جزء من العقوبة وهذا بناء علي قاعدتهم القائلة من تقبل شهادته تجوز ولايته للقضاء ومن لا تقبل شهادته لا تقبل ولايته والمحدود بحد القذف عندهم غير مقبولة شهادته بنص القرآن قال تعالي :
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(3) .
والجمهور يرون جواز المحدود بحد القذف أن يتولي القضاء إذا تاب وأكذب نفسه فإن الله يتوب عليه وتقبل شهادته ويتولي منصب القضاء .
الترجيح
بعد عرض آراء الفقهاء يترجح لديَّ ما ذهب إليه الجمهور من عدم جواز تولية الفاسق منصب القضاء لما ذكره ابن قدامة لأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدا فلئلا يكون قاضيا أولي ولقوله تعالي :
{
__________
(1) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ج 7 ، ص 3 .
(2) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 227 .
(3) - سورة النور آية [4] .(1/172)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }(1) .
فأمر بالتبين عند قول الفاسق ولا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله ويجب التبين عند حكمه ، انتهي .... ومن لا تقبل شهادته لا يقبل قضاؤه وغذا تاب واستقام جاز أن يلي القضاء والله أعلم .
- - -
الفصل الخامس
(( لا يولي القضاء من يطلبه ))
__________
(1) - سورة الحجرات آية [6] .(1/173)
القضاء أمانة عظيمة وتبعة ثقيلة لا يطلبها غلا مستخف بشأنها مستهين بحقها لا يؤمن ان يخونها ويستغلها مع ما في ذلك من فساد وضياع حقوق العباد ما لا يحمل ولا يطاق ، فلا ينبغي أن يوليَّ هذا المنصب لرجل طلبه ، أو حرص عليه ، أو توسط عليه بالشفعاء لقوله صلي الله عليه وسلم : (( إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه ))(1) . وحديث أبي ذر(2)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 125 من كتاب الأحكام باب ما يكره من الحرص علي الإمارة واخرجه مسلم في كتاب الإمارة باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 12 ، ص 449 ، وأخرجه ابو داود في كتاب القضية باب في طلب القضاء والتسرع إليه ، ج 4 ، ص 9 وكتاب الحدود باب الحكم فيمن ارتد ، ص 523 – 524 ، وأخرجه النسائي في القضاة باب ترك استعمال من يحرص علي القضاء من كتاب آداب القضاة ، ج 8 ، ص 224 السيوطي وأخرجه ابن ماجة في باب كراهية طلب الإمارة والقضاء في كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 100 ، وانظر عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي ، ج 6 هامش ص 71 من أبواب الأحكام .
(2) - أبو ذر جنديب بن جنادة الغفاري أحد السابقين الولين من نجباء أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم قيل خامس خمسة في الإسلام فلما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه ولازمه و جاهد معه وكان يفتي في خلافة ابي بكر وعثمان وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أيكم يلقاني علي الحال الذي أفارقه عليه قال أبو ذر أنا فقال له النبي صلي اللله عليه وسلم ما اضلت الخضراء ولا اقلت الغبراء علي ذي لهجة اصدق من ابي ذر كانت حياته حافلة بالفضائل والجهاد في سبيل الله وحب رسول الله صلي الله عليه وسلم وله مائتا حديث مات سنة اثنين وثلاثين ويقال مات في ذي الحجة رضي الله عنه . سير أعلام النبلاء ، ج 2 ، ص 46 وما بعدها باختصار..(1/174)
قال : قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال : (( إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها ))(1) قال النووي : هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية(2) وعن أنس(3)
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 126 ، وصحيح مسلم بشرح النووي ، ج 12 ، ص 451 .
(2) - فتح الباري ، ج 13 ، ص 126 ، وصحيح مسلم بشرح النووي ، ج 12 ، ص 452 .
(3) - هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زين بن حزم بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الإمام المفتي المقريء المحدث راوية الإسلام أبو حمزة الأنصاري والخزرجي البخاري المدني خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم وقرابته من النساء وتلميذهوتبعه روي عن النبي صلي الله عليه وسلم علما جما وعن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم بايع رسول الله صلي الله عليه وسلم تحت الشجرة شهد بدرا وهو غلام يخدم رسول الله صلي الله عليه وسلم ودعا له الرسول صلي الله عليه وسلم فقال اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته فالله أكثر ماله وولده لصلبه مائة وستة قال أنس قدم النبي صلي الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر ومات وأنا ابن عشرين وروي عنه نحو مائتي نفس من الرواة مولده قبل عام الهجرة بعشر سنين ومات سنة إحدي وتسعين وقيل سنة اثنيتين وتسعين وقيل سنة ثلاثة وتسعين وهو الصحيح فيكون عمره علي هذا مائة وثلاث سنين ومستنده ألفان ومائتان وستة وثمانون اتفق له البخاري ومسلم علي مائة وثمانين حديثا وانفرد البخاري بثمانين ومسلم بتسعين حديثا رضي الله عنه ، سير أعلام النبلاء ، ج 3 ، ص 395 وما بعدها باختصار ..(1/175)
رفعه من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلي نفسه ومن اكره عليه انزل الله عليه ملكا يسدده أخرجه ابن المنذر(1) وحديث عبد الرحمن بن سمرة قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإن اعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها))(2)
__________
(1) - قال الترمذي هذا حديث حسن غريب في باب ما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في القاضي من أبواب الأحكام عارضة الأحوذي 6/65- 66 كما أخرجه ابو داود في باب طلب القضاء والتسرع إليه منكتاب الأقضية سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 8 ، وابن ماجة في باب ذكر القضاة كتاب الأحكام سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 774 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 118- 220 .
(2) - أخرجه مسلم ، انظر صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11- 12 ، ص 448 ، وفتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ص 124 من كتاب الأحكام باب من سأل الإمارة وكل إليها وأخرجه الترمذي في باب ما جاء فيمن حلف علي يمين فرأي غيرها خيراً منها من كتاب النذور وعارضة الأحوذي ، ج 7 ، ص 10 ، واخرجه البيهقي في باب كراهية طلب الإمارة والقضا من كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 100 ، وأخرجه أبو داود في باب ما جاء في طلب افمارة من كتاب الخراج والإمارة والفييء ، ج 3 ، ص 343 ، وأخرجه النسائي في النهي عن مسألة الإمارة من كتاب آداب القضاة سنن النسائي ، ج 8 ، ص 235 (( السيوطي )) ، وأخرجه الدارمي في باب من حلف علي يمين فرأي غيرها خيراً منها من كتاب النذور سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 186 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 62 – 63 ..(1/176)
ومعني وكلت إليها أي صرفت إليها ، ومن وكل إلي نفسه هلك ، ومنه في الدعاء ولا تكلني إلي نفسي ومعني الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك وأن من حرص علي ذلك لايعان(1) ومن طلب القضاء ينبغي ألا يجاب لطلبه وغن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلا(2) لا سيما لمن كان فيه ضعف وهو في حق من دخل فيه بغير أهلية ، ولم يعدل فإنه يندم علي ما فرط منه إذا جوزي بالجزاء يوم القيامة قال ابن قدامة وعلي كل حال فغنه يكره للإنسان طلبه والسعي في تحصيله(3) للأحاديث التي ذكرناها سابقا ، وقد منع من الدخول فيه السلف الصالح مع الحاجة إليهم والإلحاح الشديد توقيا من خطره لمعرفتهم بمسؤوليته فكيف بمن يطلبه ويتكالب علي الحصول عليه .
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 124 .
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 124 .
(3) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 7 .(1/177)
قال ابن فرحون : اعلم أن طلب القضاء والحرص عليه حسرة وندامة في عرصات يوم القيامة فقد روي عن الرسول صلي الله عليه سلم أنه قال : (( ستحرصون علي الإمارة وتكون حسرة وندامة يوم القيامة فنعمة المرضعة وبئست الفاطمة )) فمن طلب القضاء وأراده وحرص عليه بالشفعاء وكل إليه ، ومن لم يطلبه واستعان عليه أنزل الله ملكا يسدده(1) وأما من توصل عليه عن طريق الرشوة فهو أشد كراهية وولايته باطلة وقضاؤه مكروه وإن كان قد حكم بحق وغن أعطي رشوة علي عزل قاض ليولي مكانه فكذلك أيضا(2) قال العلماء : والحكمة في أنه لا يُوليَّ من يسال الولاية أنه يكول إليها ولا يكون معه إعانة من الله كما في الحديث المار ذكره وإذا لم يكن معه إعانة لا يكون كفؤا ولا يولي غير الكفء لأن فيه تهمة ، وفي الجملة فإذا كان الطالب مسحوب الإعانة تورط فيما دخل وخسر الدنيا والآخرة فلا تحل توليته ومن كان كذلك وربما كان الطالب للإمارة مريدا بها الظهور علي الأعداء والتنكيل بهم فيكون في توليته مفسدة عظيمة . قال ابن فرحون : وطلب القضاء ينقسم إلي خمسة أقسام واجب ومباح ومستحب ومكروه وحرام .
__________
(1) - أخرجه الترمذي عن أنس صحيح الترمذي عارضة الأحوذي ، ج 6 ، ص 66 من كتاب ابواب الأحكام باب ما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في القاضي ، وفتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 124 من كتاب الأحكام باب من سأل الإمارة وكل إليها واخرجه البيهقي في باب كراهية طلب الإمارة والقضاء من كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 100 ، وأخرجه ابو داود في باب في طلب القضاء والتسرع إليه من كتاب الأقضية سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 8 ، وأخرجه ابن ماجة في باب ذكر القضاة من كتاب الأقضية سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 774 والإمام أحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 118 – 220 .
(2) - تبصرة الحاكم ، ج 1 ، ص 10 – 11 .(1/178)
فالأول إذا كان من أهل الاجتهاد أو من أهل العلم والعدالة ، ولا يكون هناك قاض ٍ أو يكون ولكن لا تحل ولايته ، أو ليس في البلد من يصلح للقضاء غيره ، أو لكونه إن لم يل ِ القضاء وليه من لا تحل ولايته وكذلك إن كان القضاء بيد من لا يحل بقاؤه عليه ولاسبيل إلي عزله إلا بتصدي هذا إلي الولاية فيتعين عليه التصدي لذلك والسعي فيه إذا قصد يطلبه حفظ الحقوق وجريان الأحكام علي وفق الشرع لأن في تحصيله القيام بفرض الكفاية .
الوجه الثاني : أن يكون فقيرا وله عيال فيجوز له السعي في تحصيله لسد خلته وكذلك إن كان يقصد به دفع ضرر عن نفسه فيباح له أيضا .
الوجه الثالث : إذا كان هناك عالم خفي علمه عن الناس فأراد الإمام أن يشهره بولاية القضاء ليعلم الجاهل ويفتي المسترشد أو كان هناك خامل الذكر لا يعرفه الإمام ولا الناس فأراد السعي في القضاء ليعرف موضع علمه فيستحب له تحصيل ذلك والدخول فيه بهذه النية .
الوجه الرابع : أن يكون سعيه في طلب القضاء لتحصيل الجاه والاستعلاء علي الناس فهذا يكره له السعي ، ولو قيل أنه يحرم كان وجهه ظاهرا لقوله تعالي : { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(1) .
الوجه الخامس : أن يسعي في القضاء وهو جاهل ليس له أهلية القضاء أو يسعي فيه وهو من اهل العلم لكنه ملتبس بما يوجب فسقه ، أو كان قصده بالولاية الانتقام من أعدائه ، أو قبول الرشا من الخصوم وما أشبه ذلك من المقاصد فهذا يحرم عليه السعي في القضاء(2) .
- - -
الفصل السادس
(( أهل الآفات ))
__________
(1) - سورة القصص آية [83] .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 11 – 12 .(1/179)
ذهب الحنابلة(1) والشافعية(2) والحنفية(3) إلي اشتراط السمع والبصر والكلام فيما يولَّي القضاء أما المالكية(4) فقالوا : إن هذه الآفات ليست بشرط صحة ولكن عدمها يقتضي الفسخ ، وحكي القاضي عياض في سلامة السمع والبصر والإجماع من العلماء مالك وغيره وهو المعروف إلا ما حكاه الماوردي(5) عن مالك(6)
__________
(1) - المقنع ، ج 3 ، ص 906 والمغني ، ج 14 ، ص 12 – 13 والانصاف ، ج 11 ، ص 177 .
(2) - الأحكام السلطانية ، ص 84 .
(3) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 3 .
(4) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 19 .
(5) - هو أبو الحسن بن محمد بن حبيب الماوردي من العلماء الباحثين اصحاب التصانيف الكمثيرة النافعة ولد في البصرة سنة 364 هجرية وولي القضاء في بلدان كثيرة وله المكانة الرفيعة عند الخلفاء وربما توسط بينهم وبين الملوك وكبار الأمراء فيما يصلح به خللا أو يزيل خلافا وكان يميل إلي مذهب الاعتزال ومن مؤلفاته كتاب بعنوان أدب الدنيا والدين والأحكام السلطانية والنكت والعيون والحاوي في فقه الشافعية ونصيحة الملوك وإعلام النبوة ومعرفة الفضائل والأمثال والحكم والاقناع فقه وغير ذلك توفي ببغداد سنة 450 هجرية ، انظر الاعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 327 .
(6) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 19 ..(1/180)
أنه يجوز قضاء الأعمي وذلك معروف ولا يصح عند مالك وقال ابن رشد(1) ولا خلاف في مذهب مالك أن السمع والبصر والكلام مشترطة في استمرار ولايته وليست شرطاً في جواز ولايته(2) وقال بعض الشافعية : وفي الأخرس الذي يفهم الإشارة وجهان كالوجهين في شهادته ، ولا يجوز أن يكون أعمي لأنه لا يعرف الخصوم والشهود ، ولا يجوز أن يكون جاهلاً بطرق الأحكام(3) فأما سلامة العضاء فغير معتبرة فيه وإن كانت معتبرة في الإمامة فيجوز أن يقضي . وإن كان مقعدا ذا زمانة ، وإن كانت السلامة من الآفات أهيب لذوق الولاية(4)
__________
(1) - هو القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي الأندلسي القرطبي العالم الفيلسوف الطبيب المشهور واحد آحاد عصره ذكاء وعلما واجتهادا ولد سنة 530 هجرية في بيت فقه وقضاء قديم واشتغل بها ولزم ابن العربي وغيره ولم يزل مجدا بالاشتغال بها حتي صار ابن بجدتها وأبا عزرتها وكان كثير الدرس والمطالعة لا يشغله عن البحث والنظر شاغل ولتشهد بذلك كثرة مؤلفاته فال ابن الآبار إنه لم يصرف ليلة من أمره بلا درس أو تصنيف إلا ليلة عرسه وليلة وفاة أبيه وكان أكثر تلامذته من اليهود والنصاري وقل من كان يقرأ عليه من المسلمين لأنه كان يرمي بضعف المعتقد وقيل كان يهودي الصل وله تصانيف كثيرة منها كتاب التحصيل وكتاب نهاية المجتهد في الفقه وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في كثير من مقالاته ، أعلام الحاضر ، ص 162 .
(2) - بداية المجتهد ، ج 2 ، ص 460 .
(3) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 127 .
(4) - الأحكام السلطانية ، ص 84 ..(1/181)
وذهب بعض الشافعية إلي جواز كون القاضي أعمي أو أخرس إذا فهمت إشارته ولم تشترط الحنفية السمع في القاضي ، أما جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة قيشترطون السمع في القاضي واستدل الفقهاء بادلة كما يلي بالنسبة للبصر والسمع واللسان بأن الأعمي لا يعرفالمدعي من المدعيَ عليه ، ولا المُقر من المقر له ، ولا الشاهد ولا المشهود له ، والأصم لا يسمع ، والأخرس لا يتكلم ولايفهم منه شيء ولأه غير قادر علي النطق بالاحكام .
واستدل القائلون بجواز ولاية الأعمي للقضاء بأدلة منها :
أولاً : أن الرسول صلي الله عليه وسلم ولَّي ابن أم مكتوم علي المدينة أثناء غيابه ، والقضاء في ذلك العهد يندرج تحت الولاية العامة وهو أعمي ، ولذلك قال مالك بصحة ولاية الأعمي(1) .
ثانياً : أن نبي الله شعيبا عليه السلام كان أعمي(2) وأجيب عن ذلك بأن نبي الله شعيباً عليه السلام لم يثبت أنه كان أعمي ولو ثبت فيه ذلك فلا يلزم هاهنا فإن شعيبا عليه السلام كان من آمن معه من الناس قليلا وربما لا يحتاجون إلي حكم بينهم لقلتهم وتناصفهم فلا يكون حجة في مسألتنا(3) .
__________
(1) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 375 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 13 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 13 .(1/182)
أما ابن أم مكتوم(1) فأجيب عليه بأنه إنما استخلفه في إمامة الصلاة دون الحكم(2) .
(( الترجيح ))
يترجح لديَّ عدم جواز تولية الأخرس القضاء لأنه غير قادر علي النطق بالأحكام الشرعية ، ولا تفهم إشارته ، ولا تقبل شهادته فمن باب أولي لا يقبل قضاؤه ولأن الغرض من تولية القضاء هو حل قضايا الناس وحتي يتوصل إلي حلها لابد من مناقشة المدعي والمدعي عليه ، وأخذ ما لديهما من حجج والأخرس لا يستطيع النطق الذي هو من لوازم المناقشة والتوصل إلي حل القضية بالوجه الشرعي فالاستفتادة منه في هذا المجال تكاد تكون معدومة وكذلك الأصم أنه لا يسمع أقوال المدعي ولا المدعي عليه ولا الشاهد ولا تنبني الأحكام إلا بعد أخذ أقوال الطرفين المدعي والمدعي عليه ثم شهادة الشهود ، فلا يميز المحق من المبطل والمقر من المنكر فلا يجوز توليتة القضاء لانعدام الاستفادة منه .
__________
(1) - ابن أم مكتوم هو عبد الله وقيل عمر بن قيس بن زائدة الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي أمه عاتكة أسلم بن أم مكتوم بمكة قديما وكان ضرير البصر وقد أتي إلي المدينة مهاجرا بعد بدر بيسير وكان يؤذن للنبي صلي الله عليه وسلم يستخلفه علي المدينة ليصلي بالناس في غزواته صلي الله عليه وسلم وعندما أقبل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم يسأله وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يشتغل بالحديث مع رجال من وجوه قريش فأنزل الله تعالي عبس وتولي أن جاءه الأعمي فلما نزلت هذه الآية دعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم فاكرمه واستخلفه علي المدينة مرتين شهد القادسية ومعه الراية ثم رجع إلي المدينة فمات به ولم يسمع له بذكر بعد عمر بن الخطاب ولم يذكر المصدر تاريخ مولده ولا وفاته – رضي الله عنه - ، انظر الطبقات الكبري لابن سعد ، ج 4 ، ص 154 باختصار وتصرف .
(2) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 375 .(1/183)
أما الأعمي فتجوز ولايته للقضاء فإن الله تعالي قد منح الأكِفَّاء قدرة علي التمييز وله أن يستعين بالكتبة وغيرهم وقد ثبت كفاءة الأعمي في مجال القضاء فقد عوضهم الله من الذكاء اذلي يميزون به الأشخاص عندما يسمعون الصوت لأول مرة كما هو الملموس في سماحة رئيس مجلس القضاء الأعلي – يرحمه الله – الشيخ عبد الله بن حميد ، وفد حدثني من أثق به أنه يدخل عليه مجموعة من الناس وقد يكون بعضهم لأول مرة ويسلمون عليه واحداً بعد واحد ويأخذون أماكنهم ثم يرد عليهم واحداً بعد واحد بأسمائهم ، وكنت ممن يسمع فتاواه في برنامج نور علي الدرب في الإذاعة السعودية فتوجه إليه الأسئلة فيقوم بإعادة السؤال حسب النص ثم الإجابة عليه ومثله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وغيرهما وقد تولي القضاء ابن باز فقام به أحسن قيام وكان زملائي بكلية الشريعة بالرياض من الأكَفَّاء يتفوقون علينا ويأخذون درجة الامتياز وثبت جدارتهم وصلاحيتهم في القضاء ، وبهذا يبطل ما قيل أن الأعمي لا يعرف المحق من المبطل ، ولا المدعي من المدعي عليه ، ولا الشاهد من المهود له أو عليه فمع وجود الكاتب تستقيم الأمور ويقوم الأعمي بالقضاء علي الوجه المطلوب كما هو المشاهد بخلاف الأخرس والأصم فلا فائدة من توليتهما القضاء والله أعلم .
- - -
الفصل الأول
(( في تعريفها لغة واصطلاحا ))(1/184)
الدعاوي بفتح الواو وكسرها جمع دعوي والدعوي هي الطلب والتمني قال الله تعالي : { وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ }(1) قال القرطبي(2) في تفسيره من دعا أي من دعا بشيء أعطيته قال : قال أبو عبيد : فمعني يدعون يتمنون الدعاء وقيل : المعني أن من ادعي شيئاً فهو له لأن الله سبحانه وتعالي قد طبعهم علي أن لا يدعي منهم أحد إلا ما يجمل ويحين أن يدعيه(3) وقال تعالي :
{ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ }(4) .
__________
(1) - سورة يس آية [57] .
(2) - هو محمد أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي الأندلسي أبو عبد الله القرطبي من كبار المفسرين صالح متعبد من أهل قرطبة رحل غلي الشرق واستقر بمية ابن خصيب في شمال أسيوط بمصر وتوفي فيها سنة 671 هجرية 1273 ميلادية . وله مصنفات منها الجامع لأحكام القرآن في عشرين جزءا يعرف بتفسير القرطبي وقمع الحرص بالزهد والقناعة والاسني في شرح أسماء الله الحسني والتذكار في أفضل الأذكار والتذكرة باحوال الموتي وأحوال الآخرة والتقريب لكتاب التمهيد وكان ورعاً متعبدا طارحا للتكلف يمشي بثوب واحد وعلي رأسه طاقية (( الأعلام للزركلي ، ج5 ، ص 322 )) .
(3) - تفسير القرطبي ، ج 15 ، ص 45 .
(4) - سورة النور آية [48] .(1/185)
وقال صلي الله عليه وسلم : (( ما بال دعوي أهل الجاهلية حيث كانوا يدعون إلي العصبية ))(1) وقوله صلي الله عليه وسلم : (( لو يعطي الناس بدعواهم لادعي ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين علي المدعي عليه ))(2).
وادعي عن كذا زعم أن له حقا أو باطلا والاسم الدعوة(3) وهي اسم مصدر من ادعي شيئا وسميت دعوي لأن المدعي يدعو صاحبه غلي مجلس الحكم ليخرج من دعواه .
أما الدعوي في اصطلاح الفقهاء فتختلف من مذهب إلي آخر ولكن أقوالهم متقاربة وقد نقل الدكتور ناصر الطريفي عن مصادره آراء المذاهب الأربعة علي النحو التالي :
أولاً : الحنفية :
أ –عرَّف صاحب الدر المختار وشرحه تنوير الأبصار بأنها قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب حق قبل غيره أوز دفعه عن حق نفسه .
__________
(1) - فتح الباري ، ج 6 ، ص 546 شرح صحيح البخاري ، وأخرجه مسلم ، انظر صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 16 ، ص 138 .
(2) - أخرجه البخاري في باب (( الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا )) من كتاب التفسير فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 8 ، ص 212 – 213 ، وأخرج مسلم في باب اليمين علي المدعي عليه من كتاب الأقضية بشرح النووي ، ج 11 – 12 ، ص 243 ، وأخرج ابن ماجة في باب البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه من كتاب الأحكام سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 778 ، وأخرجه البيهقي في باب البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه من كتاب الدعوة والبينات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 252 ، وأخرجه النسائي في عظة الحاكم علي اليمين من كتاب آداب القضاة سنن النسائي بشرح السيوطي ، ج 8 ، ص 248 ، وسبل السلام ، ج 4 ، ص 255 .
(3) - القاموس المحيط فصل الال باب الواو والياء ، ج 4 ، ص 328 .(1/186)
ب –وعرَّفها السمناني(1) بقوله : الدعوي عبارة عن قول يقصد به إثبات شيء عار عن برهان ومتي كان فيها حجة أو برهان لم تكن دعوي .
ج- وجاء في تعريف الدعوي في مجلة الأحكام العدلية الدعوي هي طلب واحد حقه في حضور الحاكم .
ثانياً : عند المالكية : قال القرافي طلب معين أو ما في ذمة معين أو ما يترتب عليه أحدهما معتبرة شرعاً لا تكن بها العادة .
ثالثاً : عند الشافعية : يعرَّف الشافعية الدعوي بأنها أخبار عن وجوب حق علي غيره عند حاكم .
رابعاً : عند الحنابلة : يعرَّف الحنابلة الدعوي بأنها إضافة الإنسان إلي نفسه استحقاق شيء في يد غيره أو ذمته وبعد ذكر هذه التعريفات في المذاهب نجد عدم التباين بينها فهي تؤدي معني واحد مفهوما فلا مشاحة في الاصطلاح ولكن تعريف الحنفية أدق أو نقول الدعوي قوله مقبول أو ما يقوم مقام القول في مجلس القضاء يقصد به إنسان طلب حق له أو لمن ينوب عنه(2) وقيل إخبار عن وجوب حق علي غره عند حاكم .
وبهذا يتضح أن أقوال الفقهاء في تعريف الدعوي متقاربة فهي كل حق يدعيه شخص قبل آخر لدي الحاكم .
- - -
الفصل الثاني
(( في أركان وشروط الدعوي ))
أركانها أربعة وهي :
1- المدعي 2- المدعي عليه 3- المدعي به 4- القاضي
__________
(1) - السمناني : هو محمد بن أحمد بن محمد السمناني أبو جعفر قاضي حنفي أصله من سمنان العراق نشأ ببغدادوولي القضاء بالموصل إلي ان توفي بها سنة 444 هجرية ومولده سنة 361 هجرية وكان مقدم الشعرية في وقته وشنع عليه بن حزم له تصانيف في الفقه ((الأعلام للزركلي )) ، ج 5 ، ص 314 .
(2) - القضاء في عهد عمر بن الخطاب ، ج 1 ، ص 372 – 373 .(1/187)
فالمدعي هو من أدعي شيئاً أو زعم أن له حقاً أو باطلاً لدي آخر وقيل هو من يطالب غيره بإثبات حق ، أو من يقيم دعوي علي شخص آخر لدي المحاكم والمدعَي عليه هو المطالب بما يدعيه المدعي ، وإذا ترك الخصومة لم يترك بعكس المدعي فإنه إذا ترك الخصومة يترك . قال القرافي : وضابط المدعي والمدعي عليه فيه عباراتان للأصحاب إحداهما أن المدعي أبعد المتداعيين سببا ، والمدعي عليه هو أقرب المتداعيين سببا والعبارة الثانية وهي توضح الأولي المدعي من كان قوله علي خلاف أصل أو عرف ، والمدعي عليه منكان قوله علي وفق أصل أو عرف . مثاله أن اليتيم إذا بلغ وطلب الوصي بماله تحت يده فقال : أوصلتك فإنه مدعي عليه والوصي المطلوب مدع ٍ فعليه البينة لأن الله تعالي أمر الأوصياء بالإشهاد علي اليتامي إذا دفعوا إليهم أموالهم فلم ياتمنهم علي الدفع بل علي التصرف والإنفاق خاصة ، زغذا لم يكونوا أمناء كان الأصل عدم الدفع ، وهو يعضد اليتيم ويخالف الوصي فهذا طالب واليمين عليه لأنه مدعي عليه والوصي مطلوب وهو مدع ٍ(1) وإن علي المدعي البينة إذا أنكر المطلوب وأن علي المدعي عليه اليمين إذا لم تقم البينة(2) . الركن الرابع من أركان الدعوي القاضي حيث يشترط أن تكون الدعوي من نوع ما أذن للقاضي الحكم فيه ، فإن كانت الدعوي ليست داخلة في اختصاص القاضي فلا يجوز له الحكم فيها لأنه في حكم المعزول عنه(3) .
(( شروط الدعوي : خمسة ))
__________
(1) - كتاب الفروق للقرافي ، ج 4 ، ص 74 ، 75 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 98 .
(3) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 377 .(1/188)
أولاً : أن تكون الدعوي محررة معلومة فلا تصح الدعوي بمجهول لأن القصد فصل القضية وسؤال المعي عليه عن شيء معلوم والإجابة عليها ، ولا يمكن ذلك في مجهول واستثني الدعوي في الوصية فغنها تجوز بالمجهول قال ابن قدامة : وإنما صحت الدعوي في الوصية المجهولة لأنها تصح مجهولة فإنه لو وصي له بشيء ، أو سهم صح ، فلا يمكنه أن يدعيها إلا مجهولاً كما ثبت(1) ، وكذلك يصح الإقرار والعوظ في الخلع قال البهوتي(2) : ولا تصح الدعوي إلا محررة تحريراً يعلم به المدعي لأن الحاكم يسأل المدعَي عليه عما ادعاه المدعي ، فإن اعترف به ألزمه ولايمكنه أن يلزمه مجهولا إلا فيما نصححه مجهولا كوصية وإقرار وعوض خلع وعبد من عبيده ، وكذا فرس من خيله وثوب من ثيابه ونحوه فيجوز الدعوي بذلك مع جهالته بصحته . ويعتبر التصريح بالدعوي فلا يكفي قول المدعي لي عند فلان كذا حتي يقول وأنا الآن مطالب به ليوجد التصريح ، وظاهر كلام جماعة يكفي الظاهر لدلالة الحال عليه(3) .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 67 ، والكافي لابن قدامة ، ج 4 ص 486 ، والانصاف للمرادي ، ج 11 ، ص 271 .
(2) - هو الشيخ منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي الحنبلي شيخ الحنابلة بمصر في عصره نسبته إلي بهوت في غربية مصر مولده سنة 1000 هجرية 1591 ميلادية وتوفي 1051 هجرية ألف كتبا نافعة منها الروض المربع شرح زاد المستقنع المختصر من المقنع وكشاف القناع علي متن الاقناع من الفقه للحجاوي أربعة أجزاء ودقائق أولي النهي لشرح المنتهي وإرشاد أولي النهي لدقائق المنتهي والمنح الشافية في شرح نظم المفردات للمقدسي وعمدة الطالب في الفقه شرحه عثمان بن أحمد النجدي بكتابه هداية الراغب لشرح عمدة الطاب ويعتبر كتابه كشاف القناع عن متن الاقناع من المراجع المهمة للعالم والمتعلم .
(3) - كشاف اقناع عن متن الاقناع للشيخ منور البهوتي ، ج 6 ، ص 344 ، 345 .(1/189)
فإن كانت الدعوي في عقار فيذكر موقعه وحدوده ، قال البهوتي : وإن ادعي داراً بَيَّن حدودها وموضعها إن لم تكن مشهورة عند القاضي والخصمين بما يغني عن البيان . قال الغزي : إن كانت في عقار ذكر البلد والمحلة والسكة وهي الزقاق والحدود ، فإن التحديد شرط في الدعوي والشهادة ، وأحيانا تكفي شهرة المدعي به من دار ونحوه عند الخصمين والحاكم عن تحديد أي بيان حدوده لأن القصد علم المدعي به وهو حاصل بالشهرة(1) أو في مبلغ فيذكر فيذكر قدره وغن كانت في ماشية فلابد من معرفتها ومعرفة عددها ومن أي المواشي ، وغن كان ما يدعيه تالفا مما له مثل ادعي المثل وضبطه بصفته ، وإن كانت الدعوي في شي لا مثل له ادعي قيمته ، وإن كانت الدعوي في عين حاضرة عيّنها بالإشارة إليها ، وإن كانت غائبة ذكر بيان جنسها وقيمتها ، وأما إذا كانت الدعوي في سب وشتم فيذكر بيانه ، وذكر ألفاظه ، وإن كانت في اعتداء بالضرب ذكره وحدد موقعه من جسده وعدد الضربات والآلة المستعملة في الضرب ومعرفة الشجاج والجراح ، وإن كانت الدعوي في قتل فلابد من معرفة الأسباب والآلة المستعملة مما تقتل غالبا ، وهل القاتل بالغ عاقل ولو أحضر المدعي ورقة فيها دعوي محررة فقال أدعي بما فيها من حضور خصمه لم تسمع دعواه حتي يبين ما فيها قال ابن فرحون : والمدعي به أنواع فإن كانت الدعوي في شيء من الأعيان وهو بيد المدعي عليه فتصحيح الدعوي أن يبينما يدعي ، ويذكر أنه في يد المطلوب بطريق الغصب أو العداء أو الوديعة أو العارية أو الرهن أو الإيجارة أو المساقاة ، ولا يشترط في المدعي أن يسأل الحاكم النظر بينهما بما يوجبه الشرع ، قال المازري : والدعوي علي الغائب كالحاضر فيجب أن يذكر الحق ومقداره وجنسه وكون البينة تشهد به ويفسر الدعوي علي حسب ما يجب في دعوي الحاضر(2)
__________
(1) - كشاف القناع ، ج 6 ، ص 345 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 104 ..(1/190)
وما لزم ذكره في الدعوي ولم يذكره سأله الحاكم عنه ليذكره فتصير الدعوي معلومة فيمكن الحكم بها(1) .
قال ابن سهل : يجب علي القاضي إذا حضر عنده الخصمان أن يسأل المدعي عن دعواه ويفهمها عنه فإذا كانت دعوي لا يجب بها علي المدعي عليه حق أعلمه بذلك ، ولم يسأل المدعي عليه عن شيء وأمرهما بالخروج عنه ، وإن نقص من دعواه مافيه بيان مطلبه أمره بتمامه ، وإن أتي باشكال أمره ببيانه فإن صحت الدعوي سأل المطلوب عنها فإن أقر أو أنكر نظر في ذلك وإن أبهم جوابه أمره بتفسيره حتي يرتفع الاشكال وقيد ذلك عنهما(2) .
ولا ينبغي للقاضي أن يتعجز المدعي فيأمره بتحرير دعواه خارج المحكمة ، ثم إذا حضر بها لم يوافق عليها ثم يعيده وهكذا تمضي الأيام بل الأسابيع والأشهر وهو من الشرطة إلي الإمارة إلي المحكمة . وبعضهم يضيق ويترك دعواه وبالتالي تضيع حقوقه .. وقد دلت النصوص عن النبي صلي الله عليه وسلم وعمل الصحابة أن تحرير الدعوي لدي القاضي ، فعلي القاضي أن يسمع دعوي المدعي وما لم يذكره المدعي وهو من لازم الدعوي فيسأله الحاكم عنه حتي تصير الدعوي معلومة اقتداء بسنة الرسول صلي الله عليه وسلم وعمل الصحابة وسلف الأمة ولا يتخذ أسلوب المماطلة وتعجيز الخصم حتي تضيع حقوقه ويترك دعواه .
ثانياً : أن تكون الدعوي مما لو أقر بها المدعي عليه لزمته كدعوي الهبة فإن الهبة تلزم بالقول فيلزم المدعي عليه الجواب بإقرار أو إنكار علي رأي من يقول أن الهبة تلزم بهبة الواهب . والقول الآخر أن الهبة لا تلزم إلا بقبضها .
ثالثاً : أن تكون مما يتعلق بها حكم أو غرض صحيح مثل أن يدعي رجل بدين ويقيم عليه البينة علي ذلك وعدلت البينة .
__________
(1) - الكافي لابن قدامة علي المذهب الحنبلي ، ج 4 ، ص 488 ، وكشاف القناع ، ج6 ، ص 347 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 38 .(1/191)
رابعاً : أن تكون الدعوي محققة ، فلو قال أظن أن لي عليه مائة ريال لم تسمع الدعوي لتعذر الحكم بالمجهول .
خامساً : أن تكون الدعوي مما لا تشهد العادة والعرف بكذبها(1) .
- - -
الفصل الثالث
(( أنواع الدعوي ))
للدعوي أنواع وهي :
النوع الأول : ما تشهد العادة بكذبه كدعوي الحاضر ملك دار بيد رجل مدة طويلة وهو يراه يهدم ويبني ويؤجر من غير مانع يمنعه من الطلب كخوف من ذي سلطة ، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها ولا يدعي أن له فيها حقاً وليس بينهما قرابة ولارحم وليس بينهما شراكة ثم قام يدعي أنها له ويريد أن يقيم البينة علي دعواه فهذا لا تسمع دعواه أصلاً فضلاً عن بينته لتكذيب العرف إياه .ومن ذلك دعوي الفساد علي رجل صالح معروف بذلك ولا يليق به فلا تسمع الدعوي ضده .
النوع الثاني : ما تصدقة العادة مثل أن يدعي سلعة معينة بيد رجل أو يدعي وديعة علي رجل صالح ، أو يدعي مسافر انه أودع أحد رفقته وكالمدعي علي صانع منتصب للعمل أنه دفع إليه متاعاً يصنعه له وكالمدعي علي بعض أهل السواق المنتصبين للبيع والشراء انه باع منه أو اشتري وكالرجل يذكر في مرض موته أن له دينا قبل رجل وأوصي ان يتقاضي منه فينكره المطلوب ، وما اشبه ذلك فهذه الدعوي تسمع من مدعيها .
النوع الثالث : وهو ما لا تقضي العادة بصدقه ولا بكذبه مثل أن يدعي الرجل دينا في ذمة رجل أو يدعي معاملة فهذه الدعوي أيضاً مسموعة .
النوع الرابع : ما لا يسمعه الحاكم ويؤدب المدعي وهي الدعوي علي أهل الصلاح والدين بما لا يليق بهم .
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 101 وما بعدها .(1/192)
النوع الخامس : ولا تسمع الدعوي علي الصغير والسفيه والمجنون والمعتوه وتقام علي أوليائهم بولاية شرعية في حالة كونهم مدعي عليهم ، أو في موقف المدعين ولا تسمع الدعوي من المذكورين لأنه لا يصح إقرارهم ولا يينبغي للقاضي أن يسألهم عن شيء مما يدعي به عليهم ولا يكلفهم في ذلك إقراراً ولا إنكاراً وذلك في دعاوي الديون والمعاملات والبيع والسلف وقد ذكر ابن القيم مراتب الدعوي ثلاث :
المرتبة الأولي : دعوي يشهد لها العرف بأنها مشبهة أي تشبه أن تكون حقاص مثل أن يدعي سلعة معينة بيد رجل ، وما ذكره ابن القيم بهذا النوع يتطابق مع ما ذكرناه في النوع الثاني تقريباً .
المرتبة الثانية : ما يشهد العرف بأنها غير مشبهة إلا أنها لم تقض بكذبها مثل أن يدعي علي رجل دينا في ذمته معروف بكثرة المال وأنه اقترض منه مالاً ينفقه علي عياله ، وعدد كثير من هذه الأمثلة قد أشرنا إلي بعضها فهذه الدعوي تسمع ولمدعيها أن يقيم البينة علي مطابقتها .
المرتبة الثالثة : دعوي يقضي العرف بكذبها كان يكون رجل حائزا لدار متصرفا فيها السنين العديدة الطويلة بالبناء والهدم وبإلاجارة والعمارة وينسبها إلي نفسه ويضيفها إلي ملكه وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة وهو مع ذلك لا يعارضه ، ولا يذكر أن له فيها حقا ولا مانع يمنعه من مطالبته من خوف سلطان أو ما أشبه 1لك من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق لا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شركة في ميراث أو ما أشبه ذلك بما يتسامح به القرابات والصهر بيبينهم بل كان عريا من جميع ذلك ، ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه ويزعم أنها له ويريد أن يقيم بذلك بينة فدعواه غير مسموعة اصلا فضلاً عن بينته وتبقي الدار بيد حائزها لأن كل دعوي يكذبها العرف وتنفيها العادة فإنها مرفوضة وغير مسموعة قال تعالي :
{ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ }(1)
__________
(1) - سورة الأعراف آية [199] .(1/193)
وقد أو جبت الشريعة الرجوع إليه عند الاختلاف في الدعاوي كالنقد والحمولة والسير وفي الأبنية ومثل أيضاً بأن تأتي أمرأة بعد سنين متطاولة تدعي علي الزوج أنه لم يكسها في شتاء ولا صيف ولاأنفق عليها شيئا فهذه الدعوي لا تسمع لتكذيب العرف والعادة لها ولا سيما إذا كانت فقيرة والزوج موسر(1) .
- - -
الفصل الرابع
(( المدعي عليهم ))
تقسيم المدعي عليهم : ينقسم المدعي عليهم إلي أربعة أقسام :
__________
(1) - الطرق الحكيمة في السياسة الشرعة لابن القيم ، ص 88- 89 باختصار .(1/194)
دعوي علي الحاضر المالك لأمره ، ودعوي علي الصغير والسفيه المولَّي عليه ، ودعوي علي الغائب ، ودعوي في مال الميت . فالقسم الأول والثاني فقد تقدم بيان ذلك بما يغني عن إعادته ، وأما القسم الثالث وهو الدعوي علي الغائب . فقد تقدم بحث جانب كبير منه في فصل مستقل ونشير هنا إلي لمحة موجزة عن الدعوي علي الغائب فإن الغائب ينقسم إلي قسمين غائب عن مجلس الحكم وهو في البلد ، وغائب عن البلد ككل . أما الأول فلا تسمع الدعوي إلا بحضوره أو تهرب وثبت ذلك تسمع الدعوي والبينة ويحكم عليه غيابيا . أما الثاني فقد أفردنا فصلاً في الحكم علي الغائب الفصل الثاني عشر من باب آداب القاضي ص 102 بما يغني عن إعادته هنا . القسم الرابع : الدعوي علي الميت ولا تسمع الدعوي في مال الميت إلا بعد ثبوت وفاته وحصر ورثته ، فإن أقر الوارث الرشيد بها ولم يكن ثمة غره لم يفتقر إلي ثبوتها وإن ثبت الدين بالشهادة وأعذر فيه للوارث وعجز عن الدفع حلَّفَ القاضي المدعي يمن القضاء أنه ما اقتضي ذلك الدين ولاشيئا منه ولا سقط عن الميت بوجه وأنه باق ٍ له عليه وفي تركته بعد وفاته إلي حين يمينه هذا(1) وأعداه به علي الوارث . ولا يلزم المدعي أن يحلف مع بينته التامة أن حقه باق ، لقوله صلي الله عليه وسلم : (( البينة علي المدع واليمين علي من أنكر )) والاحتياط تحليفه خصوصا في هذه الأزمنة لأنه يحتمل أن يكون قضاة أو غير ذلك(2)
__________
(1) - تبصرة الحام ، ج 1 ، ص 108 – 109 .
(2) - كشاف القناع ، ج 6 ، ص 354 ..(1/195)
ولأنها بينة عادلة فلم تجب اليمين معها كما لو كانت علي حاضر والرواية الثانية يستحلف معها ، وهو قول الشافعي لأنه يجوز ان يكون استوفي ما قامت به البينة أو ملكة العين التي قامت بها البينة ولو كان حاضرا فادعي ذلك لوجبت اليمين ، فإذا تعذر ذلك منه لغيبته أو عدم تكليفه يجب أن يقوم الحاكم مقامه فيما يمكن دعواه ، ولأن الحاكم مأمور بالاحتياط في حق الصبي والمجنون والغائب لأن كل واحد منهم لا يعبر عن نفسه وهذا من الاحتياط (1) .
قلت وهذه اليمين لاتتنافي مع النص الشرعي البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه لأنه يجوز انه استوفي ما شهدت به البينة لن شهدت بأن للمدعي بذمة المدعي عليه كذا ولم تشهد أنه باق بذمة المدعي عليه إلي تاريخه فإذا شهدت بأنه باق بذمته إلي تاريخه فلا داعي لتحليف المدعي والحالة ما ذكر حيث لم يبق ما يدعو إلي تحليفه وهذا جمع بين القولين الماضين والله أعلم .
- - -
الفصل الخامس
(( في كيفية حضور المدعي عليه ))
ينبغي للمدعي عليه الحضور إلي مجلس الحكم عند طلبه من قبل المدعي لقوله تعالي :
{
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 95 ، والمقنع ، ج 3 ، ص 630 .(1/196)
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(1) فالمعرض عن تلبية الدعوة إلي مجلس الحكم موصوف بالظلم ووصف من يلبي الدعوة بالفلاح ، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالي : { وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } أي إ كانت الحكومة لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين ، وهو معني قوله مذعنين ، وغذا كانت الحومة عليه أعرض ودعا إلي غير الحق ، وأحب أن يتحاكم غلي غير النبي صلي الله عليه وسلم ليروج باطله ، وعندما أنزل الله هذه الآية قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( من كان بينه وبين أخيه شيء فدعي إلي حكم من حكام المسلمين فأبي أن يجيب فهو ظالم لا حق له )) .
__________
(1) - سورة النور الآيات [48 – 49 – 50 – 51] .(1/197)
وقال ابن كثير : وهذا الحديث غريب وهو مرسل وعن الحسن عن سمرة مرفوعا : (( من دعي إلي سلطان فلم يجب فهو ظالم )) (1) فدلت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة علي وجوب حضور المدعي عليه إذا دعي إلي مجلس الحكم أما إذا لم يحضر مع المدعي فعلي القاضي استدعاؤه بواسطة محضر المحكمة بخطاب يدعوه فيه بالحضور إلي المحكمة في وقت يحدده القاضي ، فإذا لم يحضر في الوقت المحدد ولم يبعث وكيلاً فعلي القاضي أن يحدد موعد آخر ، ويطلب حضوره بواسطة مخفر الشرطة(2) فإذا حضر إلي مجلس القاضي سأله القاضي عن أسباب عدم حضوره فإن قدم عذراً مقبولا وإلا له أن يعزره بما يراه رادعا قال صاحب كشف القناع : فإن امتنع المستعدي عليه من الحضور أو كسر الختم أعلم الوالي فأحضره ، ولا يرخص له في تخلفه لئلا يكون وسيلة إلي ضياع الحوق ، فإذا حضر بعد امتناعه وثبت امتناعه عزره القاضي إن رأي ذلك بحسب ما يراه من كلام وكشف رأس وضرب وحبس لأن التعزير غلي رأيه . فإن اختفي المستعدي عليه بحث الحاكم من ينادي علي بابه ثلاثا بأنه إن لم يحضر سمر بابه وختم عليه لتزول معذرته فغن لم يحضر وسأل المدعي أن يسمر عليه منزله ويختمه أجابه إليه ، فإن أصر علي الامتناع حكم عليه كغائب عن البلد فوق مسافة القصر(3) وقال ابن القيم : يجب علي الحاكم إحضاره من مسافة القصر(4)
__________
(1) - تفسير ابن كثير ، ج 3 ، ص 298 - 299 .
(2) - المخفر : هو المكان الذي يستقر به الشرطة . قال في القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 يخفر خفرا أجازه ومنعه وآمنه والخفير هو المجار والمجير كالخفرة وأخفره بعث معه خفيرا وتخفر اشتد حياءه به استجار وسأله أن يكون له خفيرا .
(3) - كشاف القناع عن متن الاقناع للبهوتي ، ج 6 ، ص 328 .
(4) - الطرق الحكيمة لابن القيم ، ص 102 ..(1/198)
وقال ابن فرحون : إذا تبين أن المطلوب ألد بالمدعي شدد القاضي عليه في الطلب وأجرة الرسول علي الطالب وفي مفيد الحكام لابن هشام من استهان بدعوة القاضي أو الحاكم ولم يجب ضرب أربعين(1) وقال ابن قدامة ولا يخلو المستعدي عليه من أن يكون حاضرا أو غائبا ، فإن كان حاضرا في البلد أو قريبا منه فإن شاء الحاكم بعث مع المستدعي عونا يحضر المدعي عليه ، وإن شاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختوما بخاتمه ، فغذا بعث معه ختما فعاد فذكر أنه امتنع أو كسر الختم بعث إليه عونا فغن امتنع أنفذ صاحب المعونة فأحضره فإذا حضر وشهد عليه شاهدان بالامتناع عزره إن رأي ذلك بحسب ما يراه تاديباً له إما بالكلام أو كشف راسه أو بالضرب أو بالحبس ، وذكر ما ذكره صاحب كشاف القناع من المناداة علي بابه وتسميره إن اختبأ فإن لم يحضر أقام عنه وكيلا وسمع البينة عليه وحكم عليه كما يحكم علي الغائب وقضي حقه من ماله إن وجد له مال وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف وأهل البصرة حكاه عنهم أحمد وغن لم يوجد له مالا ولم تكن للمدعي بينة فكان أحمد ينكر التهجم عليه ويشتد عليه حتي يظهر وقال الشافعي : إن علم له مكان أمر بالهجوم عليه إلي أن قال ابن قدامة : ولنا أنه لابد من فصل الخصومة بين المتخاصمين فإذا لم يمكن إلا بمشقة فعل ذلك كما لو امتنع من الحضور فغنه يؤدب ويعزر ولأن الحاق المشقة به أولي من إلحاقها لمن ينفذه الحاكم أن يحكم بينهما حيث إن الشافعي وأبا يوسف قالا من يحكم بينهما(2) .
ومن خلال ما ذكر من آراء العلماء يترجح لديَّ أنه لا داعي للتهجم علي المدعي عليه وتسمير باب داره ويكتفي بسماع دعوي المدعي وبينته والحكم عليه كغائب .
- - -
الفصل السادس
(( في المدعي عليهم لهم ))
لا خلاف في سماع دعوي المدعي عن نفسه فهل له أن يقيمها عن غيره وهذا ما سنبحثه في هذا الفصل علي النحو التالي :
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 38 – 39 .(1/199)
1- فإن تقدم بالوكالة جاز أن يقيم الدعوي وعلي القاضي سماعها .
2- وإما أن يكون بغير وكالة ويريد إقامة الدعوي لقريبه أو جاره بالاحتساب فلا تسمع هذه الدعوي .
3- وإما أن يكون يريد الإدعاء لمن تحت ولايته كابنته المتزوجة ، فلا تسمع دعواه إلا بوكالة من ابنته .
4- ومنهم من يريد إقامتها لنفسه ولغيره فتسمع هذه الدعوي ويحكم فيها ، ولا يكون الحكم إلا للمدعي أو عليه ولا يشمل الحكم الغير الذي لم يحضر ولم يدع ِ فهو علي حجته حتي يحضر فإن شاء طالب ، وإن شاء سكت علي راي بعض القهاء والذي يترجح لي أنه إذا كان بالإمكان حضور الشركاء ، أو وكالة منهم فهو الأولي حتي إذا نظر في القضية أو اصدر فيها حكم يكون منهيا للنزاع أما إذا نظرت القضية من البعض دون الآخر فلم ينته النزاع بحي كلما انتهي شخص قام آخر وهكذا قسم ابن فرحون المدعي لهم إلي ستة أنواع(1) :
النوع الأول : من يريد إقامتها لصحة ما ادعي به لنفسه ، وأن الدعوي صحيحة يمكن مدعيها من إقامة البينة علي صحتها .
النوع الثاني : من يريد إقامتها لصحة ما ادعي به لموكله فتسمع الدعوي إذا كان لديه وكالة .
النوع الثالث : من يريد إقامتها لصحة ما ادعي به لقريبه أو جاره من غير وكالة علي ما قام به فقيل تسمع دعواه بغير توكيل فإذا ثبت الحق بالبينة أعذر إليه السلطان بالمال فأتي به ووفقه للغائب وضربأجلا ، فإن جاء وطلبه أخذه وغن قال قد تقاضيته رد إلي الغريم ، فإذا لم يأت إلا شاهد واحد حلف المدعي عليه أنه بريء من هذا الدين وصرف النظر عن الدعوي ، وإذا نكل المدعي عليه عن اليمين حكم عليه ودفعالمال ووقف .
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج1 ، ص 109 وما بعدها .(1/200)
والرأي الثاني :لا يقوم عن الغائب إلا بتوكيل للولد أو تفويض إليه في أمور أبيه ، ولو كان مقرا بالدين ترك ولم يعرض له كانت غيبة الأب قريبة أو بعيدة ، وإذا قام شخص ضد آخر اعتدي علي دار جاره فللقاضي أن يقيم هذا الجار لإقامة هذه الدعوي ومنع المعتدي من التعدي في حال غياب صاحب الدار كتب الإمام مالك إلي ابن غانم القاضي بافريقية أنه لا يقبل للقائم حجة إلا بوكالة من الغائب ولا بأس علي القاضي بأن يأمر الذي يرفع يديه بأن يثبت ما للغائب عنده بالبينة ويسمع منها ويكتب للغائب بذلك ، وأما الأخ يقوم لأخيه والجار يقوم لجاره فليس لهاما ذلك إلا أن يكون ذلك في العبد والدابة أو الثوب يدعيه في يد الرجل لأبيه أو ابنه أو لأخيه أو لجاره وعلي وجه الحسبة والحبس عليهم وكلهم غائب ، فأري أن يمكن في مثل هذا من إيقاع البينة لهؤلاء كلهم . لأن هذه أشياء تفوت وتحول وتغيب ، فإن أقام بينة قاطعة أو شاهدا واحداً دعاه السلطان وكلفه بقيمة ذلك الشيء بعد أن يذكر صفته في كتاب ويشهد عليه كما يشه علي الحكم ويضرب فيه أجلا للغائب فإن أتي إلي ذلك الأجل حلف بالله ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه ولا عن يده بوجه حق ، ويأخذه هذا إذا كانت أقامت له شهادة قاطعة وإن كان إنما قام له شاهد واحد حلف مع شاهده أن حقه لحق وأنه ما باع ولا وهب ولا خرج ذلك من يده وقال ابن الماجشون : لست اري إن أمكن احد من إيقاع البينة علي أحد بدعواه عليه لغير نفسه ، لا لأب ، ولا لولد ، ولا لجار ، ولا لأخ في دين ، ولا في حيوان ولا في عرض كانت غيبة المدعي له قريبة أو بعيدة ، ولا يعرض للمدعي عليه ذلك إلا بوكالة القائم في ذلك .(1/201)
النوع الرابع : من يريد إقامة الدعوي عن الغائب أو لغيره علي وجه الحسبة قال فضل بن سلمة : وقد حكي ابن عبدوس لابن كنانة في مال الغائب إذا كان بييد رجل بغير خلافة فهل يمكن أحد من القيام فيه بغير وكالة فقال ذلك إلي اجتهاد الإمام ونظره وهذا خلاف ما ذهب إليه أصحاب مالك . قال ابن القاسم : ولو جه الإمام فأمره بالمخاصمة فحكم علي القائم لم يجز ذلك علي الغائب ولا له .
النوع الخامس : من يريد إقامة البينة لصحة ما ادعي به لمن هو تحت ولايته فقال : ليس للأب ولا للوصي القيام عمن في نظرهما لابنته أو يتيمته إذا ضربها زوجها في نفسها إلا بتوكيلها ، وليس له أن يقيم البينة أنها تحت حجره وولايته ويدعي لها لأن لها الرضا باحتمال الضرر وغن كانت مولي عليها ، فليس للأب ولا للوصي في ذلك اعتراض إلا أن يتصل سفهها وسوء حالها وتبذيرها لمالها .
النوع السادس : من يريد إقامة البينة لصحة ما ادعي به لنفسه ولغيره قال ابن حبيب ك قال لي ابن الماجشون في الوارث يطلب حقا أو ميراثا له ولشركته أن يمكن من الخصومة في ذلك ، فإن قضي عليه لم يكن ذلك قضاء علي الغائب إلا بتوكيل منهم له علي طلب ذلك وغن قضي له وأحيا ما طلب قضي له بحظه فقط وترك حظ الغائب في يد المطلوب يصنع فيه ما يشاء فغن قدم الغائب أو ورثته فأرادوا أخذ ذلك بالحكم الأول أخذوه بلا خصومة ولا شيء قالوا لا حق لنا فيه ترك في يد الذي هو في يده(1) .
__________
(1) - تبصرة الحاكم ، ج 1 ، ص 109 وما بعده باختصار .(1/202)
وقال صاحب المقنع : وإن ادعي أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب وله مال في يد فلان أو دين عليه ، فأقر المدعي عليه أو ثبت بينه سلم إلي المدعي نصيبه ، وأخذ الحاكم نصيب الغائب فيحفظه له ويحتمل أنه إذا كان المال دينا أن يترك نصيب الغائب في ذمة الغريم حتي يقدم . قال الشارح : من ادعي أن أباه مات وخلفه وأخا له غائبا لا وارث له سواهما وترك في يد إنسان داراً أو عيناً منقولة فأقر له صاحب اليد أو أنكر فثبتت بينة بما ادعاه ثبت ما في يد المدعي عليه للميت وانتزعت من يد المنكر ودفع نصفها إلي المدعي وجعل النصف الآخر في يد أمين الغائب يكريه له إن كان يمكن كراه . وبهذا قال الشافعي وهو الصحيح من المذهب أي الحنبلي وقال أبو حنيفة : إن كان مما لا ينقل ولا يحول أو مما ينحفظ ولا يخاف هلاكه لم ينزع نصيبالغائب من يد المدعي عليه لأن الغائب لم يدعه ولا وكيله ولنا أنها تركة ميت تثبت ببينه فوجب أن ينزع نيبالغائب كالمنقول وكما لو كان أخوه صغيرا أو مجنونا(1) .
الترجيح
يترجح لديَّ ما يلي :
أولاً : لا تسمع دعوي أحد عن أحد إلا بوكالة تخول للوكيل المطالبة بهذا الشيء أو الولي بولاية شرعية من القاضي علي القاضر والسفيه والمجنون والمريض لكبره وإساءة تصرفه .
__________
(1) - المقنع ، ج 3 ، ص 631 لابن قدامة .(1/203)
ثانياً : تسمع دعوي في ميراث إذا قام من يدعي أن أباه مات وخلفه وأخا له غائبا ولا وارث له سواهما فإنها تسمع هذه الدعوي والبينة ويحكم فيها ويدفع نصفها إلي المدعي والنصف الآخر في يد أمين الغائب ، وهذا هو الذي ذهب إليه الحنابلة لأنه أدعي لنفسه ولريكه . ولو قيل بعدم سماع هذه الدعوي لضاع حقه ولحق الضرر به بهذا جاز سماع دعوي الشريك في المال المشترك بينه وبين شريكه الغائب ، فأما إن كان الشريك حاضرا في البلد فالأولي حضوره ويكلف به المدعي فإن حضر وادعي شراكته فيما يدعي فيه شريكه ورغب إقامة الدعوي بنفسه ، أو يوكل من يرغب في إقامتها فإذا رفض إقامتها فلا يكلف لأنه مدع ٍ والمدعي إذا ترك يترك وتسمع الدعوي بالنسبة للشريك ، ويحكم في دعواه ، ولا يسري هذا الحكم إلا عليه فقط .
- - -
الفصل السابع
(( في القسم الثاني من الدعاوي ))
تنقسم الدعاوي إلي قسمين :
1 –القسم الأول : دعاوي حقوقية في الأموال الثابتة والمنقولة وغيرها وقد ذكرناها قبل هذا .
2 –القسم الثاني : دعاوي في التهم وهذا ما سنبحثه في هذا الفصل وهي دعوي الجنايات والأفعال المحرمة كدعوي القتل وقطع الطريق والسرقة والقذف والعدوان .
وقد قسم ابن القيم(1) المدعي عليه في هذه اقضايا إلي ثلاثة أقسام بحسب حال المتهم ، إما أن يكون بريئا ليس من أهل تلك التهمة ، أو فاجر من أهلها ، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله .
القسم الأول : البريء :
__________
(1) - الطرق الحكيمة لابن القيم ، ص 101 وما بعدها .(1/204)
لم تجز عقوبته اتفاقا ، واختلفوا في عقوبة المتهم له علي قولين أصحهما يعاقب صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان علي أعراض البرأ . قال مالك وأشهب(1) رحمهما الله : لا أدب علي المدعي إلا أن يقصد أذية المدعي عليه وعيبه وشتمه فيؤدب . وقال أصبغ(2) : يؤدب قصد أذيته أو لم يقصد ، وهل يحلف في هذه الصور فغن كان المدعي حد ا لله لم يحلف عليه ، وإن كان حقا لآدمي ففيه قولان مبنيان علي سماع الدعوي فإن سمعت الدعوي حلف له وإلا لم يحلف والصحيح أن لا تسمع الدعوي في هذه الصور ، ولا يحلف المتهم لئلا يتطرق الأرذال والأشرار إلي الاستهانة بأهل الفضل والأخطار لأن المسلمين يرون ذلك قبيحا .
__________
(1) - أشهب القيسي : هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري الجعدي أبو عمرو وفقيه الديار المصرية في عصره كان صاحب الإمام مالك قال الشافعي ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه قيل اسمه مسكين مولده سنة 145 هجرية سنة 762 وتوفي بمصر سنة 204 هجرية سنة 819 ميلادية ، انظر الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 333 .
(2) - هو أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع فقيه من كبار المالكيين بمصر قال ابن الماجشون : ما أخرجت مثل أصبغ تفقه بابن القاسم وابن وهب وأشهب وكان كاتب بنوهب وجده نافع عتيق عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي والي مصر حكي عون بن عبد الله قال : قال لي سبق جمعت من أبيك كلاما نفعني الله تعالي به وهو لأن يخطيء الإمام في العفو خير من أن يخطيء في العقوبة توفي يوم الأحد لأربع بقين من شوال سنة 225 هجرية وله مؤلفات منها كتاب الأصول في عشرة أجزاء وتفسير غريب المواطن وكتاب آداب الصيام ( وفيات الأعيان ، ج 1 ، ص 240 ) .(1/205)
القسم الثاني : أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور ، فهذا يحبس حتي ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام . والمنصوص عليه عند أكثر الائمة انه يحبسه القاضي والوالي . هكذا نص عليه مالك واصحابه وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي اصحابه ، وذكر اصحاب أبي حنيفة وقال الإمام أحمد : قد حَبَسَ النيُّ صلي الله عليه وسلم في تهمة : قال أحمد وذلك حتي يتبين للحاكم أمره وقد روي أبو داود في سننه ,احمد وغيرهما من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلي الله عليه وسلم حبس في همة قال عليُّ بن المدين : حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح وفي جامع الخلال عن أبي هريرة(1) رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم حبس في تهمة يوما وليلة .
__________
(1) - هو أبو هريرة بن عامر بن عبد ذي الشري بن طريف بن عتاب مولده سنة 21 قبل الهجرة أسلم سنة 7 هجرية ولازم رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاث سنين قال ابن حجر وقد أجمع أهل الحديث علي أنه أكثر الصحابة حديثا وروي عنه نحو الثمنمائة من أهل العلم وكان أحفظ أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ولاه عمر علي البحرين ولاية عامة يدخل فيها القضاء وكان ذلك سنة 20 هجرية وري عنه أنه قال : لا ينبغي للقاضي إلا أن يكون عالما فهما صارما توفي أبو هريرة رضي الله عنه سنة 57 هجرية عن عمر 78 سنة منها 48 سنة حافلة بطلب العلم وتعليمه للناس وعبادة الله تعالي ومع هذا عند موته بكي فلما سئل عن سبب بكائه قال من قلة الزاد وشدة المغازة – رحم الله أبا هريرة ورضي عنه وأرضاه – ( القضاء في عهد عمر ، ج 2 ، ص 800 وما بعدها باختصار ) .(1/206)
(1) والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك فإنهم متفقون علي أن المدعي إذا طلب المدعي عليه الذي يسوغ احضاره وجب علي الحاكم احضاره إلي مجلس الحكم .
واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة ، هل هو مقدر أو مرجعه إلي اجتهاد الوالي ، والحاكم علي قولين ذكرهما الماوردي أبو يعلا(2) وغيرهما وقال الزبيري : هو مقدر بشهر . وقال الماوردي غير مقدر .
__________
(1) - حديث بهز أخرجه أبو داود في باب الحبس في الدين وغيره من كتاب الأقضية سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 46 – 47 ، وأخرجه الترمذي في باب ما جاء في الحبس في التهمة من أبواب الديات عارضة الأحوذي ، ج 6 ، ص 186 ، وأخرجه النسائي في باب امتحان = السارق بالضرب والحبس من كتاب قطع السارق ، ج 8 ، ص 66 ، وانظر سنن أبي داود باب في الامتحان بالضرب من كتاب الحدود ، ج 4 ، ص 544 – 545 .
(2) - هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء أبو يعلا كان عالم زمانه وفريد عصره ونسيج وحده قريع دهره وكان له في الأصول والفروع القدم العالي وفي شرف الدين والدنيا المحل السامي وأصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - له يتبعون ولتصانيفه وبقوله يفتون وعليه يعولون جاريا علي سنن الإمام أحمد حذو القذة بالقذة ومن مؤلفاته أحكام القرآن وإيضاح البيان ومسائل الإيمان والمعتمد ومختصر المعتمد والعدة في أصول الفقه ومختصر العدة والكفاية في أصول الفقه ومختصر الكفاية والأحكام السلطانية وفضائل أحمد وغير ذلك مولده في تسع وعشرين أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحركم سنة 380 هجرية وتوفي ليلة الاثنين بين العشائين التاسع عشر من شهر رمضان سنة 458 هجرية – يرحمه الله – ودفن بمقبرة الإمام احمد ( مختصر من كتاب الأحكام السلطانية ، ص 12 وما بعدها باختصار ) .(1/207)
القسم الثالث : أن يكون المتهم معروفاً بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولي . قال : قال شيخنا ابن تيمية يرحمه الله : وما علمت أحداً من ائمة المسلمين يقول إن المدعي عليه في جميع هذه الدعاوي يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره فليس هذا علي إطلاقه مذهباً لأحد من الأئمة الأربعة ولاغيرهم من الأئمة ومن زعم أن هذا علي إطلاقه وعمومه هو الشرع فقد غلط غلطاً فاحشاً مخالفاً لنصوص رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولإجماع الأمة ، إلي أن قال ابن القيم – يرحمه الله- : ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين كما أمر النبي صلي الله عليه وسلم الزبير بتعذيب المتهم الذي غيب ماله حتي أقر به في قصة ابن أبي الحقيقي . قال شيخنا : واختلفوا هل الذي يضربه الوالي دون القاضي أو كلاهما أو لا يسوغ ضربه علي ثلاثة أقوال.
القول الأول : إنه يضربه الوالي والقاضي ، وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم ، منهم أشهب بن عبد العزيز قاضي مصر فإنه قال يمتحن بالحبس والضرب ويضرب بالسوط مجردا .
القول الثاني : إنه يضربه الوالي دون القاضي ، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد حكاه القاضيان ووجه هذان أن الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزير وذلك إنما يكون بعد ثبوت أسبابها وتحققها(1) .
القول الثالث : إنه يحبس ولا يضرب ، وهو قول أصبغ وكثير من الطوائف الثلاثة ، بلقول أكثرهم يكن حبس المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول .
__________
(1) - الطرق الحكيمة ، ص 105 .(1/208)
ثم قالت طائفة منهم عمر بن عبد العزيز(1)
__________
(1) - هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو حفص القرشي الأموي المعروف أمير المؤمنين وأمه أم عاصم ليلي بنت عاصم بن عمر بن الخطاب مولده سنة 61 هجرية وقيل سنة 63 هجرية وقيل سنة 59 هجرية كان تابعيا جليلا روي عن أنس بن مالك وغيره وكان أبوه واليا علي مصر فلما مات والده أخذه عمه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وزوجه ابنته فاطمة وهي التي يقول الشاعر فيها :
بنت الخليفة والخليفة جدها أخت الخلائف والخليفة زوجها
ولاه الوليد المدينة ومكة والطائف من سنة 86 هجرية إلي 93 هجرية ثم بويع له بالخلافة بعد ابن عمه سليمان بن عبد الملك يقول الثوري الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز واجمع العلماء قاطبة علي أنه من ائمة العدل وأحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين توفي سنة 102 هجرية أو سنة 101 هجرية وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام وقيل أربع عشر يوما وقيل سنتان ونصف وكان عمره حين وفاته 39 سنة وهو الصحيح وقيل غير ذلك ( البداية والنهاية ، ج 9 ، ص 192 باختصار ) .(1/209)
ومطرف وابن الماجشون : إنه وابن الماجشون (1) إنه يحبس حتي يموت وقال مالك لا يحبس إلي الموت(2) . وقد جوز الشرع حبس المتهم في عصر النبوة ، ونقل ابن القيم الإجماع علي ذلك وما علم أحد من أئمة المسلمين يقول : إن المدعي عليهخ في جميع هذه الدعاوي يحلف ويرسل بلا حبس ، ولا غيره ، فليس هذا علي الإطلاق مذهب لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة ومن زعم أن هذا علي إطلاقه وعمومه هو الشرع فقد غلط غلطاً فاحشاً مخالفاً لنصوص رسول الله صلي الله عليه وسلم ولإجماع الأمة(3) . أ . هـ .
قلت ولو شاهد من لديه أدني شبهة في جواز حبس وضرب حال عصرنا وعصيان أهله واساليبهم الملتوية من المتهمين لما تردد في جواز سجن وضرب المتهم لإظهار الحق ، وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده وقد جحده فمتفق عليها بين العلماء لا نزاع بينهم أن من وجب عليه حق ليس فيه حبس وخاصم بالباطل حبس في ردغة الخبال حتي يخرج مما عليه . قال ابن القيم : فمن وجب إحضاره من النفوس والأموال استحق الممتنع من احضاره العقوبة وأما إذا كان إحضاره غلي من يظلمه أو إحضار المال إلي من يأخذه بغير حق فهذا لا يجب بل ولا يجوز ، فإن الإعانة علي الظلم ظلم (4) .
- - -
الفصل الثامن
(( في جواب المدعي عليهم ))
__________
(1) - هو أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الأعمي الفقيه المالكي تفقه علي الإمام مالك وعلي والده وغيرهما وقيل إنه عمي في آخر عمره وكان مولعا بسماع الغناء قال أحمد بن حنبل حدث وكان من الفصحاء مات سنة 213 هجرية وقيل سنة 212 هجرية وقيل سنة 214هجرية ( وفيات الأعيان ، ج 3 ، ص 166 ) .
(2) - الطرق الحكيمة ، ص 105 .
(3) - المصدر السابق ، ص 104 .
(4) - المصدر السابق ، ص 106 .(1/210)
إذا حضر المدعي عليه مع المدعي ، وقام المدعي بتحرير دعواه بين يدي القاضي ، ولم يبق بها إشكال ولا احتمال طلب من المدعي عليه الجواب وجوابه لا يخلو من أربعة اشياء إما الاعتراف ، أو الإقرار ، وإما طلب مهلة ، وإما الإنكار ، وإما الامتناع عن الجواب .
فالأول : إذا أقر المدعي عليه صراحة بما ادعاه المدع ، حكم القاضي بموجب اعترافه ، إذا كان من جائز التصرف فإن الاعتراف سيد الأدلة .
ثانياً : إذا طلب المدعي عليه مهلة ثلاثة ايام أو أقل للرجوع إلي دفاتره وسجلاته ثم يحر الإجابة في الموعد المحدد فلا مانع من إمهاله .
ثالثاً : إذا أنكر المدعي عليه ما جاء بدعوي المدعي سأل القاضي المدعي الك بينة فإن أحضرها وشهدت صراحة ولم يجرح المدعي عليه في الشاهدين وعدَّلَ الشاهدان حكم للمدعي لحديث الحضرمي والكندي حيث ادعي الحضرمي علي الكندي في أرض فقال الكندي إن الأرض أرضي فقال النبي صلي الله عليه وسلم للحضرمي (( ألك بيَّنة . قال : لا . فقال : ليس لك إلا يمينه )) وقد تقدم توضيح هذا الحديث وتخريجه علي ص 96 في الفصل الحادي عشر .
رابعاً : امتناع المدعي عليه عن الجواب ، أو قال : لا أقر ولا أنكر كرر عليه القاضي الإجابة علي الدعوي فإذا امتنع واصر علي الامتناع فيخبره بأنه سيجري النظر في القضية والحكم عليه لزيادة في التأكيد والإعذار لقوله تعالي : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }(1) .
وقوله تعالي : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا }(2) .
وقوله تعالي : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }(3) .
__________
(1) - سورة الإسراء آية [15] .
(2) - سورة طه آية [134] .
(3) - سورة النساء آية [165] . ... ... ... ... ... ... ... ... ...(1/211)
ومنه قول (( قد أعذر من أنذر )) ثم يستمر القاضي في إجراءت القضية ويسأل المدعي البينة علي صدق دعواه فإذا شهدت البينة ولم يجرح فيها المدعي عليه ، وعدَّلتَ حُكِمَ للمدعي لأن تمرده كاف في الحكم عليه ويري بعض العلماء حبسه حتي يقر أو ينكر وقيل الأولي أن يقال : ذلك حكمه حكم الغائب فمن أجاز الحكم علي الغائب ، أجاز الحكم علي الممتنع عن الإجابة الاشتراكهما في عدم الإجابة ورأي سحنون أنه لا يترك حتي يقر أو ينكر ويجبر علي ذلك بالسجن أولا ، فإن تمادي فبالضرب . وقيل : إذا أبي عن الجواب لم يجبر علي ذلك وعد كالنكول فيقضي للطالب(1) . ولعل الصواب ما اشرت إليه بأنه لا داعي لحبس المدعي عليه حتي يقر أو ينكر ، ويكتفي بالحكم في القضية وإذا جاز الحكم علي الغائب فمن باب أولي علي الحاضر المتمرد فيحكم عليه لتمرده بعد أخذ البينة اللازمة لإثبات دعوي المدعي ، لأن الحكم في القضية – والحالة ما ذكر – يعتبر من العدل الذي أمر به الله لقوله تعالي :
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ }(2) .
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 130 .
(2) - سورة النحل آية [90] .(1/212)
والسكوت أو الرضا بالمماطلة من الظلم ، وقد حرَّم الله الظلم في كثير من الآيات ، وفي الحديث القدسي : (( يا عبادي إني حرمَّتُ الظلم علي نفسي وجعلته بينكم مُحرَّمَا فلا تظالموا )) (1) . الحديث (( والظلم ظلمات يوم القيامة )) (2) ((
__________
(1) - وهذا جزء من حديث أبي ذر عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما روي عن الله تبارك وتعالي أنه قال : (( يا عبادي أني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدون أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من اطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني اكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم يا عبادي إنكم لم تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي قتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أتقي قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فيسألوني فأعطيت كل واحد مسالته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم غياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )) ( انظر صحيح مسلم بشرح النووي ، مجل\د 15 – 16 ، ص 368 ) والظلم مستحيل في حق الله تعالي وأما في حق عباده فلا يستحيل .
(2) - أخرجه مسلم صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 15 – 16 ، ص 371 في باب تحريم الظلم من كتاب البر والصلة والأدب اخرجه الترمذي في باب ما جاء في الظلم من أبواب البر والصلة سنن الترمذي بعارضة الأحوذي ، ج 8 ، ص 185 ، وأخرجه البخاري حاشية السندي ، ج 2 ، ص 67 ..(1/213)
وانصر أخاك ظالما أو مظلوما )) (1) قال رجل : يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال : (( تأخذ فوق يديه )) أي تردعه وتمنعه من الظلم فإن ذلك نصرا له(2) .
- - -
الفصل التاسع
(( في دعوي الإعسار ))
__________
(1) - أخرجه مسلم في باب نصر الأخ ظالما او مظلوما من كتاب البر والصلة و الأدب صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 15 – 16 ، ص 274 – 373 ، وأخرجه البخاري في صحيحه بحاشية السندي ، ج 2 ، ص 66 .
(2) - الظلم حرام للنصوص الشرعية والإجماع وقد ورد فيه الوعيد من القرىن والسنة وهو وضع الشيء في غير موضعه تقول العرب سقاء مظلوم إذا سقس قبل أن يخرج زخره وطريق مظلومة إذا عدل عنها ، قال تعالي : (( وما ظلمونا )) أي ما عدلوا عن طريق ا القضاء والقدر وإن كانوا قد خرجوا عن طريق الطاعة وقيل ما عاد من فعلهم علينا لأنه مقدس وإنما عاد عليهم ولذلك لم يجز ان يكن الباري ظالما للخلق والظلم تكذيب الله أو الكذب عليه وهو الشرك وأقله وضع الأذي في الطريق ( عارضة الأحوذي ، هامش 44- 45 ، ج 6 ) .(1/214)
وتقام دعوي الإعسار في مواجهة صاحب الحق ، فإذا قرر صاحب الحق عدم وجود بينة لديه تثبت قدرة مدعي الإعسار علي دفع حقه ، فعلي مدعي الإعسار إثبات إعساره بثلاثة شهود لحديث قبيصة(1) بن مخارق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلّت له المسألة حتي يصيب ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتي يصيب قواماً من عيش ، ورجل أصابته فاقة حتي يقول ثلاثة من ذوي الحجي من قومه : لقد اصابت فلانا فاقة . فحلّت له المسألة . فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا )) . ( رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة و ابن حبان ) (2) وإلي كون شهادة الإعسار ثلاثة ذهبت الشافعية للنص فقالوا : لا يقبل في الإعسار أقل من ثلاثة ، وذهب غيرهم إلي كفاية الاثنين قياسا علي سائر الشهادات فحملوا الحديث علي الندب(3)
__________
(1) - هو قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن معاوية الهلالي أبو بشر سكن البصرة له أبناء منهم قطن وجدولي سجستان ( القاضي إلياس بن معاوية والقضاء بالفراسة لابن ستان ، ص 26 ) .
(2) - أخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب من تحل له المسألة صحيح مسلم بتلخيص القرطبي ، ج 1 ، ص 403 – 404 وأخرجه أبو داود في باب ما تجوز فيه المسألة من كتاب الزكاة ، ج 2 ، ص 290 – 291 ، وأخرجه النسائي في الصدقة لمن تحمل بحماله من كتاب الزكاة سنن النسائي بشرح السيوطي ، ج 5 ، ص 8 – 89 – 90 ، وأخرجه الدارمي في باب من تحل له الصدقة من كتاب الزكاة سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 396 والإمام أحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 477 ، وسبل السلام للصنعاني ، ج 2 ، ص 299 .
(3) - سبل السلام شرح بلوغ المرام ، ج 2 ، ص 299 ..(1/215)
وقد ذكر الإمام احمد في الإعسار ما يدل علي أنه لا يثبت إلا بثلاثة شهود لحديث قبيصة المذكور أعلاه (( حتي يشهد ثلاثة من ذوي الحجي من قومه لقد أصابت فلانا فاقة )) . قال أحمد : هكذا جاء الحديث فظاهر هذا أنه أخذ به(1) .
فترجح لي أن الإعسار لا يثبت إلا بثلاثة شهود لحديث قبيصة ، وقد نص علي الثلاثة ولا اجتهاد مع النص ومن قال إن الثلاثة الشهود خاصة بحل المسألة والأخذ من الزكاة فنقول له فمن باب أولي ان يحتاط في دعوي الإعسار المتوصل به إلي اسقاط الحقوق الثابتة بذمته للغير والله أعلم فغذا امتنع صاحب الحق من الحضور مع مدعي الإعسار فيجري عليه ما يجري علي المدعي عليه في حالة امتناعه عن الحضور والاجابة علي دعوي المدعي .
- - -
__________
(1) - الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن القيم ، ص 162 .(1/216)
المراد بطرق القضاء ، هي التي يحكم بها القاضي، ويعتمد عليها في إظهار الحق ، فشريعة الإسلام كاملة ووافية ، فقد حفظت الحقوق وأوقفت كلاَّ عند حده . ومن ذلك أنه لم يعط الإنسان ما ادعاه لمجرد دعواه ، بل جعلت ضوابط للدعوي وطرق إثباتها ، فإذا خليت من ذلك فهي دعوي باطلة ، ولا تسمع ولا مكان لها في شرع الله ، فإذا أثبت المدعي في دعواه حكم له . أما لمجرد الدعوي فلا . قال صلي الله عليه وسلم : (( لو يعطي الناس بدعواهم لادعي أناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين علي المدعي عليه ))(1) وفي لفظ البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه(2) فقد جعلت شريعة الإسلام إثبات الدعوي بالبينة علي المدعي ، فإذا لم يثبتها فاليمين علي المدعي عليه .
وإلا لسادت الفوضي وأخذ القويُّ الضعيف لمجرد الدعوي ، ولكن شريعة الله جعلت طرقا للقضاء وإثبات الدعوي ، ومن هذه الطرق ما هو موضع اتفاق بين العلماء في اعتبارها والقضاء بموجبها ، ومنها ما هو مختلف فيه بين العلماء ، وهي علي سبيل الإجمال ما يلي :
أولاً : الإقرار أو الإعتراف .
ثانياً : الشهادة أو البينة .
ثالثاً : نكول المدعي عليه ويمين المدعي وتُسمَي اليمين المردودة .
رابعاً : يمين المدعي عليه عند عجز المدعي عن إثبات دعواه .
خامساً : يمين المدعي مع شاهده .
سادسا ً : الإيمان في القسامة .
__________
(1) - هذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع لحفظ الحقوق وصيانة الأعراض وحقن الدماء فلا يعطي الإنسان ما يدعيه لمجرد دعواه مهما كانت منزلته لا فرق بين الصغير والكبير والأمير والمأمور والحاكم والمحكموم والحكمة في ذلك وضحها رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله : (( لأدعي قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه )) فلو اعطي لمجرد الدعوة لضاعت الحقوق واستبيحت الأعراض والدماء وصارت الأمور فوضي يأكل القوي الضعيف .
(2) - تقدم تخريجه علي ، ص 124 .(1/217)
سابعاً : أيمان الزوجين في اللعان .
ثامناً : الحبل في المرأة .
...
تاسعاً : الرائحة والقييء في السكران .
عاشراً : السرقة إذا وجد بيده المسروق .
أحد عشر: القرينة القاطعة .
ثاني عشر : الفراسة .
ثالثت عشر: علم القاضي .
رابع عشر : الكتابة .
خامس عشر : القيافة في ثبوت النسب .
سادس عشر : معرفة العفاص والوكاء في اللقطة .
سابع عشر : اليد المجردة التي لا تفتقر إلي يمين .
ثامن عشر : الإنكار المجرد .
تاسع عشر : العرف .
عشرون : الحكم بالقرعة .
وسنتحدث عنها بشيء من التفصيل وعن مشروعيتها من الكتاب والسنة والإجماع وآراء الفقهاء إن شاء الله تعالي .
- - -
الفصل الأول
(( الاقرار أو الاعتراف ))
الاقرار في اللغة : الاعتراف بالحق مأخوذ من المقر ، كأن المقر جعل الحق في موضعه .
وفي الشرع كما عرَّفه الحنابلة : إظهار مُكَلَّف مُختار ما عليه لفظاً ، أو كتابة ، أو إشارة من أخرس ، أو علي موكله ، أو موليه مما يمكن إنشاؤه لهما أو علي موروثه بما يمكن يمكن صدقه .
وهو ثابت بالإجماع لقوله تعالي : { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ }(1) .
وقال الله تعالي :{ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ }(2) .
وقال تعالي : { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا }(3) .
وقال تعالي : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى }(4) .
ورجم النبي صلي الله عليه وسلم ماعزا والغامدية باقرارهما .
والإقرار أو الاعتراف سيد الأدلة ، وللإقرار او الاعتراف شروط نجملها فيما يلي :
__________
(1) - سورة آل عمران آية [81] .
(2) - سورة الملك آية [11] .
(3) - سورة غافر آية [11] .
(4) - سورة الأعراف آية [172] .(1/218)
أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير محجور عليه فيما حجر عليه فيه ، ولم يكذبه المقرُّ له ، ولم يتهم المقر في إقراره ، وكان الإقرار قابلاً للتمليك ويكون في الصحة ، فلا يصح اعتراف المكره لأنه معدوم الاختيار ، وسواء كان الإقرار بالضرب أم الإجاعة أم الحبس أم التهديد ممن يقدر علي تنفيذ ما هدد به أو يغلب علي الظنّ أنه سينفذ ما هدد به(1) . ويقول عمر : ليس الرجل أمينا علي نفسه إذا أو جعته أو أوثقته أو ضربته(2) . قال صاحب كشاف القناع : والإقرار إخبار وإظهار لما هو في نفس المر ، فيصح من المُكلَّف المختار بما يتصور منه التزامه ، واشترط في صحة الإقرار أن يكون المقرّ به بيد المقر ، وولايته واختصاصه فلا يصح إقراره بشي في يد غيره أو في ولاية غيره كما لو أقرَّ أجنبي ُُّ علي صغير أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه(3) أ . هـ . إلي أن قال : ولا يشترط في المقرّ به أن يكون معلوماً فيصح بالمجمل ، ويطالب بالبيان ويصح من أخرس بإشارة معلومة لقيامها مقام نطقه .
__________
(1) - القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 389 – 390 .
(2) - المصنف لعبد الرزاق كتاب الطلاق باب الطلاق الكره ، ج 6 ، ص 411 وباب الاعتراف بعد العقوبة والتهديد ، ج 10 ، ص 193 .
(3) - كشاف القناع عن متن الاقناع ، ج 6 ، ص 452 – 453 .(1/219)
ولا يصح الإقرار بالإشارة من ناطق بغير خلاف في المذهب(1) الحنبلي ، ولا يصح الإقرار من الطفل والمجنون والنائم ، قال العلاّمة ابن مازة المعروف بالصدر الشهيد(2) الحجة انواع بيّنة ، وإقرار ، ونكول . وجاء في البحر للعلاّمة ابن نجيم(3) طرق القضاء ثلاثة بينة وإقرار ونكول وصرحوا بان منها علم القاضي بشيء فإنه ينفذ القضاء به في غير الدود ، وأما القاضي فله القضاء به بعلمه كما في الخلاصة علي خلاف في ذلك ذكره ، ثم قال : والقسامة من طرق القضاء بالدية فهي خمس(4)
__________
(1) - كشاف القناع ، ج 6 ، ص 453 .
(2) - هو عمر بن عبد العزيز بن مازه أبو محمد حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد إمام الفروع والأصول من كبار الأئمة وأعيان الفقهاء في مذهيب الحنفية تفقه علي أبيه برهان الدين الكبير عبد العزيز له الفتاوي الصغري والكبري وشرح أدب القضاء للخصاف وشرح الجامع الصغير توفي مقتولا سنة 536 هجرية ودفن في بخاري وكان مولده سنة 483 هجرية ( الإعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 51 ) .
(3) - هو زين الدين ابراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم فقيه حنفي مصري له تصانيف منها الأشباه والنظائر في اصول الفقه والبحر الرائق في شرح كنز الدقائق فقه ثمانية اجزاء منها سبعة له والثامن تكملة الطواريء والرسائل الزينية 41 رسالة في مسائل فقهية والفتاوي الزينية ( الاعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 64 ) .
(4) - القاضي اياس والقضاء بالفراسة ، ص 14 ..(1/220)
وزاد ابن الغرس(1) .
__________
(1) - هو محمد بن محمد بن خليل أبو اليسر البدر بن الغرسي فاضل من فقهاء الحنفية له شعر حسن مولده سنة 833 هجرية سنة 1429 ميلادية ووفاته 894 هجرية 1489 بالقاهرة والغرس لقب جده خليل حج وجاور غير مرة واقرا الطلبة بمكة وكان غاة في الذكاء وأخذ عليه السخاوي ولعله باللعب بالشطرنج ونقل عن البقاعي أنه صار من رؤوس الاتحادية التابعين للحلاج وابن عربي وابن الفارض له كتب منها الفواكه البدرية في الأقضية الحكمية يعرف برسالة ابن الغرسي في القضاء ورسالة في التمانع ذكرها السخاوي وحاشية علي رح التفتازاني للعقائد النسفية وكتاب في الرد علي البجاعي دفاعا عن ابن الفارض ( الاعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 52 ) .(1/221)
سادسا ً : وهو القرائن الدالة علي ما يطلب الحكم به دلالة واضحة بحث يسيّره في حيز مقطوع به ، وعلق العلاّمة ابن عابدين(1) علي ذلك بأن قول ابن غرس منقول عنه لأنه قال عن نفسه ، وعدم رؤية المؤلف له لا تقتضي عدم وجوده في كلامهم ، والمثبت مقدم إلا أنه عاد ونقل عن الرملي قوله ولا شك أن ما زاده ابن الغرس غريب خارج عن الجادة ، فلا ينبغي التعويل عليه مالم يعضده نقل من كتاب معتمد ، وقال العلاّمة ابن جزي(2) المالكي وعلي المذهب فإنما يحكم بحجة ظاهرة ، وهي سبعة أشياء ، وما يتركب منها وهي :
__________
(1) - هو محمد أمين بن عمر بن العزيز عابدين الدمشقي فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره مولده سنة 1198 هجرية ووفاته في دمشق سنة 1252 هجرية له رد المختار علي الدر المختار يعرف بحاشية بن عابدين ورفع الأنظار عما أورده الحلبي علي الدر المختار والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية الأعلام ، ج 6 ، ص 42 .
(2) - هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن جزي الكلبي أبو القاسم من العلماء بالأصول واللغة من أهل غرناطة له مصنفات ولد سنة 693 هجرية وتوفي سنة 741 هجرية من كتبه القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية وتقريب الأصول إلي علم الأصول والفوائد العامة في لحن العامة والتسهيل لعلوم التنزيل ووسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم وغير ذلك ( الأعلام ، ج 5 ، ص 325 بتصرف ) .(1/222)
اعتراف ، أو شهادة ، أو يمين أو نكول ، أو حوز في دعوي الملك ، أو لوث مع القسامة في الدماء أو معرفة العفاص(1) ، والوقاء(2) في اللقطة(3) وجاء في الدراري المضيئة : ويحكمالحاكم بالإقرار وبشهادة رجلين ، أو رجل وأمرأتين ، أو رجل ويمين المدعي وبيمين المنكر وبيمين الرد وبعلمه(4) وفي الدراري المضيئة للشوكاني حيث قال : وأما كونه يحكم الحاكم بالإقرار فليس في ذلك خلاف وهو أقوي مستندات الحكم إذا لم يكن معلوم البطلان ولزوم المقر لما أقر به . وجواز الحكم للحاكم بإقراره لال يحتاج إلي إيراد الأدلة عليه ، فقد كان النبي صلي الله عليهخ وسلم يسفك بالإقرار الدماء ، ويقيم الحدود ويقطع الأموال ، بل اكتفي به في أعظم الأمور وهو الرجم كما وقع ، المقرّ عند رسول الله صلي الله عليه وسلم . كما في حديث (( وغد يا أنيس إلي أمرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ))(5)
__________
(1) - العفاص جلدة يشد بها رأس القارورة .
(2) - الوقاء وصحته الوكاء وهو ما يشد به رأس القربة وغيره .
(3) - القاضي أياس والقضاء بالفراسة ، ص 15 .
(4) - الدراري المضيئة شرح الدرر البهية لمحمد علي شوكاني ، ص 370 .
(5) - من حديث طويل عن أبي هريرة وزيدا بن خالد أخرجه البخاري في باب الاعتراف بالزنا من كتاب الحدود فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 136 – 137 وأخرجه مسلم في باب من اعترف علي نفسه بالزنا من كتاب الحدود صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 217 – 218 – 219 ، وأخرجه أبو داود في باب المكرأة التي أمر النبي صلي الله عليه وسلم برجمها من جهينة من كتاب الحدود ، ج 4 ، ص 591 – 592 ، وأخرج الترمذي في باب ما جاء في الرجم علي الثيب من أبواب الحدود ، سنن الترمذي ، ج 6 ، ص 205 – 206 ، وأخرجه ابن ماجة في باب حد الزنا من كتاب الحدود سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 852 ، وأخرجه البيهقي في كتاب الحدود السنن الكبري ، ج 8 ، ص 212 ..(1/223)
وهو في الصحيح فكيف بالإقرار فيما هو أحف من الرجم أ . هـ (1) .
والإقرار أبلغ من الشهادة لأنهلأنه تصرّف من إنسان عاقل ، لا ولاية لأحد عليه والحكم به واجب لحديث : (( وغد يا أنيس إلي أمرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )) .
(( أركان الإقرار ))
للإقرار أربعة أركان : الصيغة ، والمقر ، والمقر له ، والمقر به .
الركن الأول : الصيغة : وهي لفظ او ما يقوم ماقمه مما يدل علي توجه الحق قبل المقر ولا خفاء بصريح الفاظه ، ويقوم مقام اللفظ الإشارة والكتابة والسكوت فالإشارة من الأبكم ومن المريض إذا قيل للمريض لفلان عندك كذا ؟ فأشار برأسه ان نعم ، فهذا اقرار إذا فهم عنه المراد ، والكتابة مثل أن يكتب بيده بمحضر قوم وقال : اشهدوا عليَّ بما فيه وإن لم يقرأه عليهم .
الركن الثاني : المقر ّ : وإقرار الرجل إما علي نفسه ، أو علي غيره ، أو علي نفسه وغيره ، فإن أقر علي نفسه وهو رشيد طائع لزمه وإن أقر بمال أو بقصاص ولا ينفعه الرجوع أو أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع لكن يلزمه الصداق والمال ، وأما إقراره علي غيره فغير لازم ، وأما إقراره علي نفسه وغيره فيقبل في حق نفسه ويكون شاهداً علي غيره .
الركن الثالث : المقرّ له : ويشترط أن يكون أهلاً للأستحقاق وأن لا يكذَّب المقر .
الركن الرابع : المقر به : وهو ضربان نسب ومال(2) فإذا أقر مكلف بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب ولم ينازعه أحد ثبت نسبه(3) ويصح إقرار سكرن لأن أفعاله تجري مجري أفعال الصاحي كالطلاق وكذا من زال عقله بمعصية كمن شرب ما يزيل عقله عامداً لغير حاجة فيؤاخذ بإقراره ولا يصح إقرار من زال عقله بسبب مباح أو بسبب معذور فيه لأنه غير عاقل ولا معصية تغلب عليه لأجلها .
__________
(1) - الدراري المضيئة شرح الدرر البهية للشوكاني ، ص 371 .
(2) - تبصرة الحاكم ، ج 2 ، ص 53 ، وما بعدها باختصار .
(3) - كشف القناع ، ج 6 ، ص 460 .(1/224)
ولا يصح إقرار المجنون لحديث رفع القلم عن ثلاثة(1) . ولا يصح إقرار المكرّه لحديث : (( عفي لأمتي من الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) (2) . إلا أن يقر بغير ما أكره عليه مثل أن يكره علي أن يقرَّ لزيد فيقر لعمرو ، ومن أقر بحق ثم أدعي أنه كان مكرها لم تقبل منه دعوي الإكراه إلا ببينة لأن الأصل عدمه لحديث (( البينة علي المدعي )) إلا أن يكون هناك دلالة علي الإكراه كقيد وحبس فيكون القول قوله مع يمينه لأنه دليل الإكراه .
__________
(1) - صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 4 ، ص 176 .
(2) - سيأتي تخريجه علي ، ص 273 .(1/225)
ومن أقرّ في مرض موته بشيء فكإقراره في صحته ، لأنه غير متهم فيه إلا في إقراره بما له لوارث فلا يقبل إلا ببينة أو إجازة من الورثة لأنه إصال المال إلي وارثه بقوله في مرض موته ، فلم يصح بغير رضا بقية الورثة كهبة ولأنه محجور عليه في حقه اشبه تبرعه له ويلزم المريض أن يقر لوارثه بدين ونحوه ، وإن لم يقبل منه الإقرار إذ كان إقراره حقا كالأجنبي(1) وقال الدسوقي(2) من المالكية : والصبي والمجنون والسفيه والمكره لا يلزمهم إقرار وكذا السكران . وقد تقدم ما يفيد صحة إقرار السكران وهو الصحيح في الأقوال .
- - -
الفصل الثاني
(( الرجوع عن الإقرار أو الاعتراف ))
الشيء المقر به لا يخلو من أمرين ، إما أن يكون حقاً لله أو حقاً للناس :
__________
(1) - كشاف القناع ، ج 6 ، ص 452 وما بعدها .
(2) - هو الشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ولد ببلدة دسوق من قري مصر وحضر إلي مصر وحفظ القرآن وأخذ علي مشايخها وتصدر للأقراء والتدريس وإفادة الطلبة وكان فريدا في تسهيل المعاني وتبين المباني بفك كل مشكل بواضح تقريره وبفتح كل مغلق برائح تحليله ودرسه مجمع أذكياء الطلاب والمهرة من ذي الأفهام والألباب وكثر الآخذون عليه وله تأليفات منها حاشية علي مختصر السعد علي التلخيص وحاشية علي شرح الشيخ الدرديل علي متن سيدي خليل في فقه المالكية وغير ذلك توفي يوم الأربعاء 21/4/1230 هجرية ولم يذكر المصدر تاريخ مولده – يرحمه الله - ، انظر ترجمته في الجزء الأول من حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير ، ج 1 في آخر الكتاب .(1/226)
1- إذا أقر لله تعالي جاز له الرجوع عن إقراره لأن حقوق الله تعالي مبنية علي التسامح فيجوز فيها الستر لما روي عبد الرازق(1) عن معمر ابن طاووس عن عكرمة بن خالد أن عمر بن الخطاب أتي بسارق فاعترف قال : أري يد رجل ما هي بيد سارق . فقال الرجل : والله ما أنا بسارق ولكنهم تهددوني فخلي سبيله ولم يقطعه ، وعن عبد الرازق(2) أيضا عن معمر عن الزهري قال : لا يجوز الاعتراف بعد عقوبة في حد ولا غيره(3) .
2- فإن كان الإقرار في حق الناس فليس له الرجوع عن إقراره وقَسَّمَ القرافي(4) هذا الإقرار إلي قسمين :
الأول : ما لا يجوز الرجوع عنه وضابطه ما ليس للمقر في رجوعه عنه عذر عادي وهذا هو الغالب .
__________
(1) - المصنف باب الاعتراف بعد العقوبة والتهديد ، ج 10 ، ص 193 .
(2) - هو الحافظ أبو بكر عبد الرزاق بنهمام بن نافع الحميري والصنعاني ولد في صنعاء سنة 126 هجرية سنة 744 ميلادية ووفاته سنة 211 هجرية سنة 827 ميلادية باليمن من حفاظ الحديث الثقات كان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث ومن مؤلفاته الجامع الكبير وله كتاب في تفسير القرآن وكتاب المصنف في الحديث إحدي عشر جزء حققه حبيب الرحمن الأعظمي ونشره المجلس العلمي قال الذهبي وهو خزانة علم ، انظر الاعلام ، ج 1 ، ص 216 .
(3) - مصنف عبد الرزاق ، ج 10 ، ص 193 .
(4) - هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن أبو العباس شهاب الدين الصنهاجي القرافي من علماء المالكية نسبة إلي قبيلة صنهاجة من برابرة المغرب وهو مصري المولد والمنشأ والوفاة له مصنفات جليلة في الفقه والأصول منها أنوار البروق في أنواء الفروق أربعة أجزاء والأحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرف القاضي والإمام والزخيرة في قصة المالكية ست مجلدات وغيرها توفي سنة 684 هجرية سنة 1285 ميلادية ولم يذكر المصدر تاريخ ميلاده – يرحمه الله – ( الأعلام ، ج 1 ، ص 94 ) .(1/227)
الثاني : ما يجوز الرجوع عنه وضابطه ما للمقر عذر عادي في رجوعه عنه ومثَّل بقوله : إذا أقر الوارث للورثة ان ما تركه أبوه ميراث بينهم علي ماعهد في الشريعة ، ثم جاء شهود وأخبروه أن أباه اشهدهم أنه تصدق عليه في صغره بهذه الدار وحازها له ، أو أن والده أقر أنه ملكها عليه بوجه شرعي ، فإنه يقبل رجوعه عن إقراره وعذره بأنه لم يكن عالما بما أخبرته البيّنة به من أن التركة كلها موروثة إلا أن هذه الدار المشهود بها له دون الورثة لأنه عذر عادي يسمع مثله فيقيم بينته ، ولا يكن إقرارها السابق مكذبا للبينة وقادحاً فيها(1) ، وعن سحنون أن إقراره الأول مكذب للبينة فلا ينتفع بها .
ويتلخص ما يلي :
1- يجوز للمقر الرجوع عن إقراره في الحدود وفي كل حق لله تعالي لما أخرجه عبد الرزاق عن عمر ، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( من أتي شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإنه من أبدي لنا صفحته أقمنا عليه الحد ))(2) وعرض صلي الله عليه وسلم لمقر عنده بالرجوع عن الإقرار كماعز(3) .
2- لا يجوز الرجوع عن الإقرار إذا كان بحق لآدمي مالم يكن له عذر عادي كما ذكره القرافي مثاله إذا أقر وراث للورثة أن ما خلفه والده ميراث بينهم وبعد ذلك جاء شهود يخبرونه بان هذه الدار ليست من التركة ، وأنها خاصة وهبها له صغره تسمي به كما هي عادة بعض القبائل من باب السماية والله أعلم .
__________
(1) - الفروق للقرافي ، ج 4 ، ص 38 .
(2) - أخرجه الإمام مالك في باب ما جاء في من اعترف علي نفسه بالزنا من كتاب الحدود الموطأ ، ص 593 .
(3) - سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 573 في باب رجم ماعز بن مالك من كتاب الحدود وصحيح مسلم ، ج 11 ، ص 207 بشرح النووي كتاب الحدود باب من اعترف علي نفسه بالزنا .(1/228)
أما الاعتراف بعد العقوبة والتهيديد فلا يجوز في حد ولا غيره لما روي عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال لا يجوز الاعتراف بعد عقوبة في حد ولا غيره(1) وما رواه أيضاً محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة أن رجلاً كان مع قوم يتهمون بهوي فاصبح يوما قتيلا فاتهم رجل من القوم فأرسل له عمر بن عبد العزيز وأمر بالسياط فقال الرجل أيها المسلمون إني والله ما قتلته وإن جلدتني لاعترفن فأمر به عمر فاستُحلٍف وخلي سبيله (2) .
- - -
الفصل الثالث
(( الشهادات والبينات ))
الشهادة مصدر شهد قال صاحب الصحاح : الشهادة خبر قاطع ، والشاهد حامل الشهادة ومؤديها لأنه مشاهد لما غاب من غيره . وقيل مأخوذة من قوله تعالي : { شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ }(3) .
أي علم ، وقوله تعالي : { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ }(4) .
والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع والعبرة أما الكتاب فقول الله تعالي : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء }(5) .
وقال تعالي : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }(6) .
وقال تعالي : { وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ }(7) .
__________
(1) - المصنف لعبد الرزاق حديث رقم 18786 ، ج 10 ، ص 192 .
(2) - المصدر السابق حديث رقم 18787 ، ج 10 ، ص 192 .
(3) - سورة آل عمران [18] .
(4) - سورة البقرة آية [143] .
(5) - سورة البقرة آية [282] .
(6) - سورة الطلاق آية [2] .
(7) - سورة البقرة آية [282] .(1/229)
أما السنة فما روي وائل بن حجر قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا غلبني علي أرض لي فقال الكندي هي أرضي وفي يدي وليس له فيها حق .فقال النبي صلي الله عليه وسلم للحضرمي : ألك بينة ؟ قال : لا . قال : فلك بيمينه . قال يا رسول الله الرجل فاجر لا يبالي علي ما حلف عليه ، وليس يتورع من شيء . قال : ليس لك منه إلا ذاك . قال فانطلق الرجل يحلف له . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لما أدبر : لئن حلف علي ماله يأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض )) . قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح(1) وتأتي الشهادة بمعني البينة والبينة أعم ، فالبينات جمع بينة وهي الحجة الواضحة سميت الحجة بينة لوضوح الحق وظهوره بها وهي أعم من كونها مقصورة علي الشاهدين أو الشاهدين واليمين فالبينة اسم لكل ما يبيّن الحق ويظهره ويدل عليه قال تعالي : الاية { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ }(2) .
وقال سبحانه : { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ }(3) .
وقال تعالي : { أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى }(4) .
__________
(1) - أخرجه مسلم في باب وعيد من اقتطع من مسلم بيمين فاجره بالنار من كتاب الإيمان صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 1 – 2 ، ص 521 ، وأخرجه أبو داود في باب فيمن يحلف يميناً ليقطع بها مالاً لأحد من كتاب الإيمان والنذور سنن أبي داود ، ج 3 ، ص 566 ، وأخرجه البيهقي في باب التشديد في اليمين الفاجرة من كتاب الشهادات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 178 – 179 وفي باب الرجلين يتنازعان المال وما يتنازعان في يد أحدهما من كتاب الدعاوي والبينات ، ص 254 – 261 .
(2) - سورة الحديد آية [25] .
(3) - سورة البينة آية [4] .
(4) - سورة طه آية [133] .(1/230)
والآيات في هذا الموضوع في كتاب الله كثيرة فلم يختص لفظ البينة بالشاهدين وبالجملة فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره و من خصها بالشاهدين فلم يوف مسماها حقه ، ولم تأت البينة في القرآن قط مراد بها الشاهدان ، وإنما أتت مراد بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة . وكذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم : (( اليّنة علي المدعي )) المراد به أن عليه أن يصحح دعواه ليحكم له ، والشاهدان من البيّنة ، ولا ريب أن غيرهما من أنواع البينة قد تكون أقوي منها كدلالة الحال علي صدق المدعي فإنها أقوي من دلالة إخبار الشاهد ، والبينة ، والحجة والدلالة والبرهان والآية والتبصرة والأمارة كالمترادفة لتضارب معانيها والمقصود أن الشرع لم يلغ القرائن ولا دلالات الحال بل من استقرأ مصادر الشرع وموارده وجده شاهدا لها بالاعتبار مرتبا عليها الأحكام ، ولا يقف ظهور الحق علي أمر معين لا فائدة في تخصيصه به مع مساواة غيره في ظهور الحق أو رجحانه عليه ترجيحا لا يمكن جحده ودفعه ، كترجيح شاهد الحال علي مجرد اليد في صورة مَنْ علي رأسه عمامة وبيده عمامة آخر . خلفه مكشوف الرأس يعدو إثره ، ولا عارة له بكشف رأسه ، فبينة الحال ودلالته هنا تفيد من ظهور صدق المدع أضعاف ما يفيد مجرد اليد عن كل أحد ، فالشارع لا يهمل مثل هذه البينة والدلالة ويضيع حقا يعلم كل أحد ظهوره وحجته ، بل لما ظنّ هذا ما ظنوا ضيعوا طريق الحكام فضاع كثير من الحقوق لتوقف ثبوتها عندهم علي طريق معين ، وصار الظالم الفاجر مُمَكَّنَّا من ظلمه وفجوره فيفعل ما يريد ويقول : لا يقوم عليَّ بذلك شاهدان اثنان فضاعت حقوق كثيرة لله ولعباده(1)
__________
(1) - بدائع الفوائد لابن القيم الجوزية ، ج 3 ، ص 118 ، والطرق الحكيمة ، ص 12 وما بعدها ..(1/231)
أما السنة فقد وردت أحاديث كثيرة تارة بلفظ البيّنة وأخري بلفظ الشهادة ومن ذلك حديث الكندي والحضرمي المار ذكره وحديث : (( البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه )) وحديث (( ألك بينة )) وحديث (( البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر )) (1) وحديث (( شاهداك أو يمينه )) (2) ، وأجمع أهل العلم علي ذلك قال الترمذي :والعمل علي هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وغيرهم ولن الحاجة داعية إلي الشهادة لحصول التجاحد بين الناس فوجب الرجوع إليها . قال شريح : القضاء جمر فنحه عنك بعودين يعني شاهدين .
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه من كتاب الرهن صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 187 ، والترمذي في باب ما جاء في أن البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه من كتاب الأحكام ، ج 2 ، ص 778 ، ورواه البيهقي في السنن الكبري من أبواب الأحكام ، ج 6 ، ص 86 ، وابن ماجه في باب البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه كتاب الدعاوي والبينات باب البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه ، ج 10 ص 252 .
(2) - أخرجه البخاري في باب اليمين علي المدعي عليه في الأموال والحدوود من كتاب الشهادات فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 280 ، واخرجه مسلم في باب وعيد من اقتتطع حق مسلم بيمين فاجة بالنار من كتاب الإيمان ، ج 1 – 2 ، ص 519 ، وأخرجه أبو داود في باب من حلف يمينا من كتاب الإيمان وفي باب الرجل يحلف علي علمه فيما غاب عنه من كتاب الأقضية ، ج 3 – 4 ، ص 42 ـ 565 ، وأخرجه الترمذي في باب ما جاء أن البينة علي المدعي من كتاب الأحكام عارضة الأحوذي ، ج 6 ، ص 86 وأخرجه البيهقي في باب البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه في كتاب الدعاوي والبينات السنن الكبري ، ج 1 ، ص 253 – 261 .(1/232)
وإنما الخصم داء والشهود شفاء ، فأفرغ الشفاء علي الداء واشتقاق الشهادة من المشاهدة لن الشاهد يخبر عما يشاهده ، وقيل بان الشاهد بخبره يجعل الحاكم كالمشاهد للمشهود عليه ، وتسمي بيّنة لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق فيما اختلف فيه(1) ولهذا سمي النبي صلي الله عليه وسلم الشهود بيذنة لوضوح البيان بقولهم وارتفاع الاشكال بشهادتهم .
حكم الشهادة :
حكم الشهادة وأداؤها فرض كفاية لقوله تعالي : { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ } .
وقوله تعالي : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } فإذا لم يوجد من يقوم بها سوي اثنان لزمهما القيام بها علي القريب والبعيد إذا أمكنهماذلك من غير ضرر ، لأن الشهادة أمانة فلزم أداؤها كسائر الأمانات ، فإن قام بالغرض اثنان سقط عن الجميع وإن امتنع الكل أثموا إذا كان بلإمكان أداؤها من غير ضرر لقوله سبحانه وتعالي :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ }(2) .
وقال سبحانه : { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ }(3) .
وقال عز وجل : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }(4) .
__________
(1) - المغني ، ج 12 ، ص 124 ، 125 .
(2) - سورة النساء آية [135] .
(3) - سورة البقرة آية [282] .
(4) - سورة البقرة آية [283] .(1/233)
قال العلماء : إذا دعي إلي آداء شهادة في مكان بعيد يشق عليه المشي إليه لم يلزمه ذلك وكذلك إذا دعاه في وقت برد أو مطر أو طين كثير وثلج يتضرر بالخروج فيه لقوله صلي الله عليه وسلم : (( لا ضرر ولا ضرار )) (1) وقوله تعالي : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ }(2) .
وأن خير الشهداء لمن يأتي بشهادته لمن هي له قبل أن يسأل لحديث زيد بن خالد الجهني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها )) ( رواه مسلم ) وإن كان يعارضه حديث عمران بن حصين وفيه ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون ، وقد اختلف العلماء في الجمع بينهما علي ثلاثة أوجه :
__________
(1) - حديث حسن رواه ابن ماجة في كتاب الأحكام باب من بني في حقه ما يضر بجاره ، ج 2 ، ص 784 ورواه الدارقطني في الأحكام ، ج 4 ، ص 228 ، والإمام مالك في الموطأ في باب القضاء في المرفق من كتاب الأقضية ، ص 529 والضرر خلاف النفع والضرار من الاثنين فالمعني ليس لأحد أن يضر صحابه بوجه ولا لاثنين أن يضر كل منهما بصاحبه ظنا أنه من باب التبادل فلا إثم فيه والواقع أنه لا يجوز الضرر ولا الإضرار .
(2) - سورة البقرة آية [282] .(1/234)
الأول : أن المراد بحديث زيد إذا كان عند الشاهد شهادة بحق لا يعلم بها صاحب الحق فيأتي إليه فيخبره بها ، أو يموت صاحبها فيخلف ورثة فيأتي إليهم فيخبرهم بأن عنده لهم شهادة وهذا أحسن الأجوبة وهو جواب ابن سعيد شيخ مالك(1) .
الثاني : أن المراد بها شهادة الحسبة وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بها محضا ، ويدخل في الحسبة ما يتعلق بحق الله تعالي وما فيه شائبة منه كالصلاة والوقف والوصية العامة ونحوها ، وحديث عمران المراد به الشهادة في حقوق الآدميين المحضة .
__________
(1) - يحيي بن سعيد بن قي الأنصاري البخاري أبو سعيد قاضي من أكابر أهل الحديث من أهل المدينة قال الجمحي ما رأيت أقرب شبها بالزهري من يحيي بن سعيد ولولاهما لذهب كثير من السنن ولي القضاء بالمدينة في زمن بني أمية ولاه يوسف بن محمد الثقفي أيام الوليد بن عبد الملك واستمر إلي أن استخلف أبو جعفر المنصور فجعله للخلفاء ورحل صاحب الترجمة إلي العراق في العهد العباسي فتولي قضاء الحيرة وتوفي بالهاشمية سنة 143 هجرية – 760 ميلادية ( الأعلام ، ج 8 ، ص 147 ) .(1/235)
الثالث : أن المراد بقوله صلي الله عليه وسلم : (( أن يأتي بالشهادة قبل أن يسألها )) المبالغة في الإجابة فيكون لقوة استعداده كالذي أتي بها قبل أن يسألها كما يقال في حق الجواد إنه ليعطي قبل الطلب ، وهذه الأجوبة مبنية علي أن الشهادة لا تؤدي قبل أن يطلبها صاحب الحق ومنهم من أجاز ذلك عملا برواية زيد(1) وتأويل حديث عمران(2) بأحد التأولات الآتية . الأول أنه محمل علي شهادة الزور ، أي شهادة لم يسبق لهم بها علم . حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم ، والثاني أن المراد إتيانه بالشهادة بلفظ الحلف نحو أشهد بالله ما كان كذا ، وهذا جواب الطحاوي .
__________
(1) - رواه مسلم في كتاب الأقضية باب خير الشهود بشرح النووي ، ج 11 – 12 ، ص 258 ، ص 259 ، ورواه أبو داود في كتاب الأقضية باب الشهادات سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 21 – 22 ، ورواه الترمذي في كتاب الشهادات باب ما جاء في الشهداء أيهم خير حديث رقم 2295/ 4 / 544 ورواه ابن ماجه في كتاب الأحكام باب الرجل عنده الشهادة لا يعلم بها صاحبها سنن ابن ماجه ، ج 2 ، ص 792 ، ورواه مالك في الموطأ في كتاب الأقضية باب ما جاء في الشهادات ، ص 510 ، ورواه أحمد في مسنده 1 / 4218 ، 115 ، 116 ، 5/193 .
(2) - رواه البخاري في كتاب الشهادات باب لا يشهد علي شهادة جور إذا أشهد فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 258 ، وأخرجه مسلم في باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم من كتاب النبوات شرح القرطبي ، ج 2 ، ص 1117 ، وأخرجه البيهقي في باب كراهية التسارع إلي الشهادة من كتاب الشهادات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 160 ، وأخرجه الترمذي في باب شهادة الزور من أبواب الشهادات سنن الترمذي عارضة الأحوذي ، ج 9 ، ص 175 – 176 ، وأخرجه ابن ماجة في باب كراهية الشهادة لمن يستشهد من كتاب الأحكام ، ج 2 ، ص 791 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 378 – 417 .(1/236)
والثالث أن المراد به الشهادة علي ما لا يعلم مما سيكون من الأمور المستقبلية ، فيشهد علي قوم بأنهم من أهل النار وعلي قوم بأنهم من أهل الجنة من غير دليل كما يصنع أهل الأهواء . حكاه الخطابي والأول أحسنها(1) .
وللشهادة حالتان حالة تحمل وحالة آداء :
1- فأما التحمل وهو أن يدعي ليشهد ويستحفظ الشهادة ، فإن ذلك فرض كفاية يحمله بعض الناس عن بعض ، فإن كان الرجل في موضع ليس فيه من يحمل ذلك عنه تعين الفرض عليه في خاصته ، ومن أهل العلم من ذهب إلي أنه واجب علي كل من دعي إلي شهادة أن يجيب سواء دعي إلي أن يستحفظ الشهادة أو يؤدي ما حفظ لقوله تعالي : { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ } وقيل (( إن الشاهد لا يصح أن يسمي شاهدا إلا بعد إلا بعد أن يكون عنده علم بالشهادة وأما قبل أن يعلم بها فليس بشاهد ولا يدخل تحت قوله تعالي {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء} إلا من هو شاهد )) .
2- وأما الأداء وهو ان يدعي ليشهد بما علم واستحفظ إياه فإن ذلك واجب عليه للآية المتقدمة ولقوله تعالي : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ } وقوله تعالي : { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } فمن كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يكتمها ويلزمه إذا دعي إليها أن يقوم بها(2) قال ابن قدامة : تحمل الشهادة وأداؤها فرض علي الكفاية(3) لقوله تعالي : { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ }(4) وقوله تعالي : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }(5) .
- - -
الفصل الرابع
(( أقسام الشهادة ))
أولاً : تنقسم الشهادة إلي خمسة أقسام :
الأول : لا تصح الشهادة به إلا بعد أن يدعي إلي آداء الشهادة وهي الشهادة الخاصة بالمال .
__________
(1) - سبل السلام ، ج 4 ، ص 244 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 164 – 165 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 124 .
(4) - سورة البقرة آية [282] .
(5) - سورة البقرة آية [283] .(1/237)
الثاني : يلزمه القيام بها وإن لم يدع إليها وهي الشهادة بما يستدام فيه التحريم مثل الطلاق والعتق وشبه ذلك .
الثالث : لا يلزم القيام بها إن لم يدع إليها وهي الشهادة علي ما مضي من الحدود التي لا يتعلق بها حق المخلوق كالزنا وشرب الخمر ويستحب فيها الستر .
الرابع : لا يجوز للشاهد القيام بها وإن دعي إليها وهي الشهادة التي يعلم الشاهد من باطنها خلاف ظاهرها .
الخامس : علي قولين وهي الشهادة بالمال للغائب(1) .
- - -
الفصل الخامس
(( الشروط الواجب توافرها في الشاهد ))
ويعتبر في الشهود الشروط الاتية :
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 165 – 166 .(1/238)
البلوغ والإسلام والعقل والعدالة والحفظ والكلام ولا بد من توافر هذه الشروط ويضاف إليها الحرية ، فأما العدالة : فشرطها الإسلام ، والمسلمون عدول بعضهم علي بعض إلا مجلود حدا أو مجربا عليه شهادة زور ، وروي البخاري بسنده أن عبد الله ابن عتبة قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وغن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسب سريرته ومن اظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة(1) ويروي عن عمر تحديد العدالة المطلوبة لاعتبار الشهادة من معرفة أمر الشاهد بالتعامل معه ومعاشرته وعدم الاكتفاء بظاهره ، ومن لا يعرف لا تقبل شهادته روي البيهقي بسنده قال : شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشهادة فقال له : لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك أئت بمن يعرفك فقال رجل من القوم : أنا أعرفه فقال : بأي شيء تعرفه قال : بالعدالة والفضل . فقال : فهو جارك الأدني الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه ؟ قال : لا . فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل علي الورع ؟ قال : لا . قال : فرفيقك في السفر الذي يستدل به علي مكارم الأخلاق ؟ قال : لا . قال لست تعرفه ثم قال للرجل ائت بمن يعرفك(2).
أما البلوغ : فلقوله تعالي : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ }والصغير ليس برجل واشترط عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلوغ الشاهد أثناء آداء الشهادة وقال تعالي : { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء } .
__________
(1) - فتح الباري بشرح صحيح البخاري كتاب الشهادات باب الشهداء العدول ، ج 5 ، ص 251 .
(2) - السنن الكبري للبيهقي كتاب آداب القاضي باب من يرجع غليه في السؤال ، ج 10 ، ص 125 – 126 .(1/239)
والصبي ليس برضي . قال ابن عباس لا اري أن تجوز شهادتهم إنما أمرنا الله ممن نرضي وأن الصبي ليس برضي(1) .
الحرية : اشترط عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحرية في الشاهد اثناء آداء الشهادة ، فإذا تحمل الشهادة وهو رقيق وأداها بعد العغتق جاز ذلك حيث قال عمر : تجوز شهادة الكافر والصبي والعبد إذا لم يقوموا بها في حالهم تلك وشهدوا بها بعدما يسلم الكافر ويكبر الصبي ويعتق العبد إذا كانوا حين يشهدون بها عدولا . والعدل هو من لم تعرف له كبيرة ولا مجاهرة بصغيرة(2) ولا يشهد الشاهد إلا بما يعلمه برؤية ، أو سماع والسماع علي الأقوال في العقود والاقرار والطلاق والرجعة والعتق والسماع من جهة الاستفاضة كنسب وموت وملك ونكاح وخلع ووقف ومصرف وولاية وعزل ونحو ذلك إذا سمعه من جمع يحصل العلم يخبرهم وكذلك إذا سمع من يقر بنسب ابن وصدقة جاز أن يشهد به ويهد بالمالك إذا رآه يتصرف فيه تصرف الملاك ويذكر في الشهادة بنكاح شروطه وبالرضاع عدده وصفته وإن شهد بالقتل ذكر صفته ، وإن شهد بالزنا ذكر الزاني والمزني بها وكيف وأين ويصفه وصفا لا يحتمل غيره وبالسرقة يذكر الصفة والمسروق وبالقذف يذكر المقذوف وصفة القذف وبالإرث أنه وارثه ولا يرثه غيره وهذا من الدقة وهي مطلوبة .
- - -
الفصل السادس
(( موانع الشهادة ))
هناك أمور تمنع الشهادة وتردها ونلخصها فيما يلي :
__________
(1) - انظر المصنف لعبد الرزاق باب شهادة الصبيان ، ج 8 ، ص 348 ، والمغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 147 ، والمحلي لابن حزم ، ج 9 ، ص 420 .
(2) - المحلي لابن حزم ، ج 9 ، ص 393 .(1/240)
أولاً : لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر(1) علي أخيه والقانع(2) لأهل البيت لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر علي أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت )) ( رواه أحمد وأبو داود )(3) .
__________
(1) - معني ذي غمر علي أخيه أي حقد وشحناء علي أخيه .
(2) - القانع هو الخادم لأهل البيت المنقطع إليه للخدمة وقضاء الحوائج وموالاتهم عند الحاجة .
(3) - أبو داود في كتاب الأقضية باب من ترد شهادته ج ، 4 ، ص 24 ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأحكام باب من لا تجوز شهادته ، ج 2 ، ص 792 تحقيق محمد فؤاد ، وأخرجه الترمذي في باب ما جاء فيمن لاتجوز شهادته من أبواب الشهادات سنن الترمذي عارضة الأحوذي ، ج 9 ، ص 171 – 172 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 2 ، ص 204 – 208 ، وأخرجه البيهقي في باب لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر علي أخيه من كتاب الشهادات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 200 – 201 – 203 .(1/241)
ثانياً : لا يشهد بدوي علي صاحب القرية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : (( لا تجوز شهادة بدوي علي صاحب قرية )) ( رواه أبو داود وابن ماجه )(1) وإلي هذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من اصحابه وقال أحمد : أخشي أن لا تقبل شهادة البدوي علي صاحب القرية لهذا الحديث ، ولأنه متهم حيث أشهد بدويا ولم يشهد قرويا ، وغليه ذهب مالك غلا أنه قال : لا تقبل شهادة البدوي لما فيه من الجفاء في الدين ، والجهالة بأحكام الشرائع ، ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة علي وجهها ، وذهب الأكثر إلي قبول شهادة البدوي ، وحملوا الحديث علي من لا تعرف عدالته من أهل البادية ، إذ تأغلب أن عدالتهم غير معروفة وقد استدل في البحر لقبول شهادة البدو بقبوله صلي الله عليه وسلم شهادة الأعرابي علي هلال رمضان(2) ويحمل حديث لا يشهد بدوي علي قروي علي من لم تعرف عدالته من أهل البدو(3) .
__________
(1) - رواه أبو داود في كتاب الأقضية باب شهادة البدوي علي أهل المصار ، ج 4 ، ص 26 ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأحكام باب من لا تجز شهادته ، ج 2 ، ص 793 تحقيق محمد فؤاد .
(2) - أخرجه أبو داود في باب شهادة الواحد علي رؤية هلال رمضان في كتاب الصوم سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 547 ، والترمذي في باب ما جاء في الصوم بالشهادة من أبواب الصوم عارضة الأحوذي ، ج 3 ، ص 206 ، والنسائي في باب قبول شهادة الرجل الواحد علي هلال شهر رمضان من كتاب الصيام المجتبي ، ج 4 ، ص 106 ، وأخرجه ابنماجة في باب ما جاء في الشهادة علي رؤية الهلال في كتاب الصيام سنن ابن ماجة في باب ما جاء في الشهادة علي رؤية الهلال في كتاب الصيام ، ج 1 ، ص 529 ، والدارمي في باب الشهادة علي رؤية هلال رمضان في كتاب الصوم سنن الدارمي في باب الشهادة علي رؤية هلال رمضان في كتاب الصوم سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 5 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 150 .(1/242)
ثالثاً : ولا تقبل شهادة الأصول للفروع ، والفروع للأصول أي الوالد لولده وإن علا لقصة عليَّ مع اليهودي لدي القاضي شُرٍيْح : أما شهادة ابنك فلا نجيزها(1) ولقوله صلي الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك(2) فكأنه يشهد لنفسه وهو المذهب واستدل ابن قدامة بما روي عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر علي أخيه ولا ظنين في قرابة ولا ولاء )) (3) والظنين المتهم والأب يتهم لولده لأن ماله كماله ولأن بينهما بعضية فكأنه يشهد لنفسه ولهذا قال : (( فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها )) (4) .
__________
(1) - قصة علي رضي الله عنه مع اليهودي لدي القاضي ريح ، اخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده ، انظر سبل السلام ، ج 4 ، ص 240 .
(2) - وفي رواية أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه وهذا الحديث أخرجه أبو داود في باب الرجل يأكل من مال ولده من كتاب البيوع سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 259 ، والترمذي في باب ما جاء أن الولد ياخذ من مال ولده من أبواب الأحكام عارضة الأحوذي ، ج 6 ، ص 110 ، والنسائي في باب الحث علي الكسب في كتاب البيوع المجتبي ، ج 7 ، ص 212 ، وابن ماجة في باب ما للرجل من مال ولده كتاب التجارات سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 768 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 6 ، ص 31 – 41 – 42 – 127 – 162 – 193 – 220 .
(3) - أخرجه الترمذي في باب ما جاء في من لا تجوز شهادته من أبواب الشهادات عارضة الحوذي ، ج 9 ، ص 171 .
(4) - أخرجه البخاري في باب ما جاء في مناقب رسول الله صلي الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة وباب ذكر اجتهاد النبي صلي الله عليه وسلم وباب مناقب فاطمة من كتاب فضائل الصحابة وفي باب ذكر الرجل عن ابته في الغيرة والانصاف من كتاب النكاح صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 26 – 28 – 36 ، ج 7 ، ص 47 ..وأخرجه مسلم في باب فضائل فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب المناقب عارضة الأحوذي ، ج 13 ، ص 246 – 247 ، وأبو داود في باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء من كتاب النكاح سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 557 ، وأخرجه ابن ماجة في باب الغيرة من كتاب النكاح سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 643 – 644 .(1/243)
رابعاً : ولا تقبل شهادة من جر النفع بشهادته لنفسه كسيَّد ٍ لمكاتبه والوارث لمرثه والوصي للميت والوكيل لموكله فيما هو وكيل فيه والشريك لشريكه وما استحق وقضي فيه أو به ونحو ذلك .
خامساً : ولا تقبل شهادة من دفع الضرر بشهادته عن نفسه .
سادساً : ولا تقبل شهادة فاسق والفسق هو الخروج عن الطاعة ومجاوزة الحد بالمعصة لقوله تعالي : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } واختلف العلماء في قبول شهادته إذا تاب ، وحسن حاله ، وصلح عمله ، وندم علي ما فرط ، واستغفر الله من ذلك وعزم علي ترك العودة إلي مثله ، والتوبة تمحو الذنوب ، والزاني إذا تاب قبلت شهادته لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وبعضهم يري عدم قبول شهادة الفاسق لصريح الاية ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا . والصحيح قبول شهادة الفاسق إذا تاب وحسن حاله وصلح عمله وأكذب نفسه وندم علي ما فرط واستغفر الله من ذلك وعزم علي ترك العودة إلي مثله لإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن عمر كان يقول لأبي بكرة حين شهد علي المغيرة : تب أقبل شهادتك(1) ولم ينكر ذلك منكر فكان إجماعا .
سابعاً : ولا تقبل شهادة المجنون والمعتوه والمجهول لقوله تعالي : { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء } وهذا غير مرض ٍ والمجهول غير معلوم العدالة ، فلا تقبل شهادته كالفاسق .
ثامناً : ولا تقبل شهادة الكافر إلا في الوصية في السفر عند عدم وجود مسلم لقوله تعالي : { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُم ْ } والآية صريحة في قبول شهادة الكافرين علي وصية السفر عند عدم وجود الشاهدين المسلمين .
__________
(1) - أخرجه البيهقي في باب شهادة القاذف من كتاب الشهادات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 152 وعبد الرزاق في المصنف ، ج 8 ، ص 362 .(1/244)
تاسعاً : ولا تقبل شهادة يكذبها المدعي كأن يدعي المدعي بأن له بذمة المدعي عليه عشرين ريالاً وتشهد بينته بأن له ألف ريال فيقول المدعي ليس لي إلا عشرين ريال .
عاشراً : ولا تقبل شهادة من تناقضت شهادتهم أو اختلفت في الوصف أو العدد أو الزمان أو المكان .
حادي عشر : ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه وهو المذهب وبه قال الشعبي والنخعي ومالك وإسحاق وأبو حنيفة(1) وللعلماء آراء في مسألة شهادة القريب لقريبه واحد الزوجين لصاحبه فقد نقل ذلك ابن القيم الجوزية(2) فقال :
1 –منهم من جوز شهادة القريب لقريبه مطلقا كأجنبي ولم يجعل القرابة مانعاً للشهادة بحال كما يقول أبو محمد بن حزم وغيره من أهل الظاهر وهؤلاء يحتجون بالعمومات التي لا تفرق بين أجنبي وقريب وهؤلاء أسعد بالعمومات.
__________
(1) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 185 .
(2) - أعلام الموقعين لابن القيم ، ج 1 ، ص 120 وما بعدها بختصار .(1/245)
2 –ومنعت طائفة من العلماء شهادة الأصول للفروع والفروع للأصول خاصة ، وجوزت شهادة سائر الأقارب بعضهم لبعض ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وليس مع هؤلاء نص صريح صحيح بالمنع ، واحتج الشافعي بأنه لو قبلت شهادة الأب لابنه لكانت شهادة منه لنفسه لأنه منه وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ))(1) قالوا : بنو البنات فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( إن ابني هذا سيد ))(2) قال الشافعي فإذا شهد له فإنما يشهد لشيء منه قال : وبنوهم منه فكأنه شهد لبعضه . قالوا : والشهادة ترد بالتهمة والوالد متهم في ولده فهو ظنين في قرابته قالوا : وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم في الأولاد : (( إنكم لتبخلون وتجبنون وإنكم لمن ريحان الله ))(3) وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( أنت ومالك لأبيك )) (4)
__________
(1) - أخرجه ابن ماجة في باب الغيرة من كتاب النكاح سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 643 - 644 وأخرجه البيهقي في باب من قال لا تجوز شهادة الوالد لولده من كتاب الشهادات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 102 – 103 .
(2) - أخرجه البخاري في باب قول النبي صلي الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما ابني هذا سيد من كتاب الصلح بحاشية السندي ، ج 2 ، ص 114 .
(3) - أخرجه ابن ماجة في باب بر الوالد والإحسان إلي البنات من كتاب الأدب ، ج 2 ، ص 1209 ، وأخرجه البيهقي في باب من قال لا تجوز شهادة الوالد لولده السنن الكبري ، ج 10 ، ص 202 .
(4) - أخرجه البيهقي في باب ما جاء في أخباره من قال في نفسه شعرا دلائل النبوة ، ج 6 ، ص 304 – 305 ، وأخرجه ابن ماجة في باب ما للرجل من مال ولده من كتاب التجارات سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 769 ، وانظر باب من ترد شهادته من كتاب الأقضية سنن أبي داود هامش ، ص 25 ، ج 4 ، وأخرجه الترمذي في باب مال جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده من أبواب الأحكام ، ج 6 ، 110 ..(1/246)
فإذا كان مال الابن لأبيه فإذا شهد له الأب بمال كأنه قد شهدت به لنفسه وفي الحديث قال الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلي الله عله وسلم قال : (( لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ظنين في ولاء أو قرابة ولا مجلود )) قالوا ولأن بينهما من البعضية والجزئية ما يمنع قبول الشهادة كما منع من إعطائه من الزكاة وقد قال الله تعالي :
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } أي ولدا فالولد جزء لا تقبل شهادة الرجل في جزئه . قالوا : وقد قال صلي الله عليه وسلم : (( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه )) وأن ولده من كسبه فكيف يشهد الرجل لكسبه والإنسان متهم في ولده مفتون به كما قال تعالي :
{ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } فكيف تقبل شهادة المريء لم قد جعل مفتونا به والفتنة محل التهمة .ورجح ابن القيم قبول الشهادة لابن لأبيه والأب لأبنه فيما لا تهمة فيه . وللإمام أحمد ثلاث روايات المنع والقبول فيما لا تهمة فيه والتفريق بين شهادة الابن لأبيه فتقبل وشهادة الأب لابنه فلا تقبل وشهادة بعضهما علي الآخر نص الإمام أحمد علي قبولها لقوله تعالي :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } وأما شهادة الأخ لأخيه فالجمهور يجيزونها – وحكي الإجماع(1) .
ثاني عشر : ولا تقبل شهادة النساء في الحدود والقصاص ، قال ابن قدامة :
إن هذا مما يحتاط لدرئه وإسقاطه ولهذا يدرأ بالشبهات ولا تدعو الحاجة إلي إثباته وفي شهادة النساء شبهة بدليل قوله تعالي :
{
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 184 .(1/247)
أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } وبهذا قال سعيد بن المسيَّب(1) والشعبي وأبو ثور(2)
__________
(1) - هو أبو محمد سعيد بن مسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم القرشي المدني كانت ولادته لسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه أحد الفقهاء السبعة في المدينة سيد التابعين من الطراز الأول جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة والورع وروي عنه أنه قال حججت أربعين حجة وقال ما فاتتني التكبيرة الأولي منذ خمسين سنة وقيل أنه صلي الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة وكان يقول ما أعزت العباد نفسها بمثل طاعة الله ولا هانت نفسها بمثل طاعة الله ولا هانت نفسها بمثل معصية الله ودعي إلي نيف وثلاثين ألفا ليأخذها فقال لا حاجة لي فيها ولا في بني مروان حتي ألقي الله فيحكم بيني وبينهم وكانت حياته حافلة بالدرس والتدريس والعبادة والصلاح والزهد حتي توفي بالمدينة أحد وقيل أثنين وقيل ثلاث وقيل أربعة وقيل خمس وتسعين للهجرة إنه توفي خمس ومائة وفيات الأعيان ، ج 2 ، ص 375 وما بعدها باختصار .
(2) - أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه البغدادي صاحب الإمام الشافعي وكان أحد الفقهاء الأعلام وثقات المأمونين في الدين له الكتب المصنفة في الأحكام جمع فيها بين الحديث والفقه وكان أول اشتغاله بمذهب أهل الراي حتي قدم الشافعي العراق فاختلف إليه واتبعه ورفض مذهبهالأول قال أحمد بن حنبل أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة توفي لثلاث بقين من صفر سن 246 هجرية ببغداد ولم يذكر المصدر تاريخ ميلاده – يرحمه الله - . الأعلام ، ج 1 ، ص 26 ..(1/248)
والنخعي(1) وحماد والزهري وربيعة(2) ، وأصحاب الرأي ، واتفق هؤلاء وغيرهم علي أنها تثبت بشهادة رجلين ، وقد نص أحمد في رواية الجماعة علي أ،ه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق والرأي الثاني ما روي عن عطاء وحماد أنهما قالا يقبل فيه رجل وأمرأتان قياسا علي الشهادة في الأموال(3) .
وقد استدل الجمهور علي عدم قبول شهادة النساء في الحدود والقصاص بقوله تعالي : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }(4) .
وقوله تعالي : { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُم }(5) .
__________
(1) - هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود بنن عمر بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع الفقيه الكوفي النخعي أحد الئمة المشاهير تابعي رأي عائشة رضي الله عنها ودخل عليها ولم يثبت له منه سماع توفي ست وقيل خمس وتسعين للهجرة وله تسعة وأربعون سنة يلتقي في النسب مع القاضي شريك النخعي قاضي الكوفة ايا المهدي وكان مولد شريك سنة 95 هجرية ومات سبعة أو ثمان وسبعين ومائة والنخعي بفتح النون والخاء المعجمة وبعدها عين مهملة هذه النسبة غلي النخع وهي قبيلة كبيرة من مدجج وفيات الأعيان ، ج 1 ، ص 25 ، و ج 2 ، ص 464 وما بعدها باختصار .
(2) - أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ مولي آل المنكدر التميميين يتم قريش المعروف بربيعة الرأي فقيه أهل المدينة أدرك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وعنه اخذ مالك بن أنس رضي الله عنه وكان ربيعة يكثر الكلام ويقول الساكت بين النائم والأخرس وكانت وفاته 36 وقيل 130 الأعلام ، ج 2 ، ص 288 وما بعدها باختصار .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 126 – 127 .
(4) - سورة الطلاق آية [2] .
(5) - سورة المائدة آية [106] .(1/249)
وقوله تعالي : { فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ }(1) .
حيث أمر الله بإشهاد ذوي عدل في الطلاق وأربعة منكم ولم يذكر النساء ولو كانت شهادة المرأة جائزة لذكرها الله تعالي في هذه المواضع .
ومن السنة قوله صلي الله عليه وسلم : (( شاهداك أو يمينه )) (2) (( ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )) (3) وروي عن الزهري قال : مضت السنة من رسول الله صلي الله عليه وسلم والخليفتين بعده أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق(4) .
وذكر الزيلعي أن الأمة أجمعت علي أن الزنا لا تجوز فيه شهادة النساء ، ولا يقبل فيه إلا الرجال لأن الله تعالي يحب الستر علي عباده ، وما ذهب إليه الجمهور من عدم قبول شهادة النساء في الحدود والقصاص هو الراجح والله سبحانه وتعالي أعلم .
- - -
الفصل السابع
(( نصاب الشهادة ))
يختلف نصاب الشهادة من قضية إلي أخري وهذا ما سنبحثه في هذا الفصل الفصل علي ضوء ما جاء في كتاب الله ، وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، والإجماع ، وأقوال الفقهاء ويتلخص فيما يلي :
أولاً : نصاب شهادة الزنا أربعة رجال عدول لقوله تعالي :
{ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ ً }(5) .
وقوله تعالي : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(6) .
__________
(1) - سورة النساء آية [15] .
(2) - تقدم تخريجه علي ص 226 .
(3) - رواه البيهقي السنن الكبري باب لا نكاح إلا بولي مرشد ، ج 7 ، ص 124 ، ورواه الدارقطني في سننه كتاب النكاح ، ج 3 ، ص 226 والصحيح موقف علي بن عباس .
(4) - المحلي لابن حزم ، ج 10 ، ص 571 وهو ضعيف .
(5) - سورة النساء آية [15] .
(6) - سورة النور آية [4] .(1/250)
فقد أمر الله سبحانه وتعالي بأربعة شهود في الزنا لأنه مأمور فيه بالستر ولهذا غلَّط فيه نصاب الشهادة . قال ابن قدامة : أجمع المسلمون علي أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة شهود وقد نص الله تعالي عليه بقوله سبحانه :
{ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } .(1/251)
وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( أربعة و إلا حد في ظهر )) وقوله : (( لولا الأيمان لكان لي ولها شأن )) (1) وأجمعوا علي انه يشترط كونهم مسلمين عدولا ظاهرا وباطنا وسواء كان المشهود عليه مسلما أو ذميًّا ، وجمهور العلماء علي أنه يشترط أن يكونوا رجالا أحرار ، فلا تقبل شهادة النساء ولا العبيد وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وشذ أبو ثور وقال : تقبل شهادة العبيد .
__________
(1) - حديث هلال بن أمية أخرجه البخاري في باب إذا دعي أو قذف فله أن يلتمس البينة من كتاب الشهادات . وفي باب ويدريء عنها العذاب من كتاب التفسير وفي باب يبدأ الرجل بالتلاعن في المسجد وباب قول النبي صلي الله عليه وسلم لو كنت راجما بغير بينة وباب قول الإمام اللهم بين من كتاب الطلاق صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 283 ، و ج 6 ، ص 126 ، وج 7 ، ص 96 – 72 ، ورواه مسلم في كتاب اللعان صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 1134 ، وأبو داود في باب اللعان من كتاب الطلاق سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 686 – 687 – 688 ، وابن ماجة في باب اللعان من كتاب الطلاق سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 668 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 238 – 239 - ، وج 3 ، ص 142 ، والترمذي في باب التفسير سورة النور من ابواب التفسير عارضة الأحوذي ، ج 12 ، ص 45 – 46 ، والنسائي في باب اللعان في قذف الرجل زوجته برجل بعينه وباب كيف اللعان من كتاب الطلاق شرح السيوطي ، ج 5 ، ص 172 – 173 ، وأخرجه البيهقي في فصل في سؤال المرمي بالمرأة من كتاب اللعان ، ج 7 ، ص 408 .(1/252)
وحكي عن عطا وحماد أنهما قالا : تجوز شهادة ثلاثة رجال وامرأتين لأنه نقص واحد من عدد الرجال فقام مقامه امرأتان كالأموال ، ولنا ظاهر الآية وأن العبد مختلف في شهادته في المال فكان ذلك شبهه في الحد لأنه بالشبهات يندريء ولا يصح قياس هذا علي الأموال لخفة حكمها وشدة الحاجة إلي إثباتها لكثرة وقوعها والاحتياط في حفظها ولهذا زيد في عدد شهود الزنا علي شهود المال(1) .
والراجح أن نصاب شهادة الزنا أربعة رجال عدول ، وهو ما ذهب إليه ابن قدامة لنص القرآن وعليه جمهور العلماء من الحنابلة والشافعية والمالكية وأصحاب الرأي والإجماع .
ثانياً : نصاب شهادة القصاص وسائر الحدود غير الزنا شاهدين رجلين عدلين وهذا مذهب الحنابلة ومالك والشافعي ، وهو ما ذهب إليه سعيد بن المسيَّب والشعبي والنخع وحماد والزهري وأبو عبيدة وأبو ثور واتفق هؤلاء وغيرهم علي أنها تثبت بشهادة رجلين .
وقد نص أحمد من رواية الجماعة علي أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق فالنكاح والرجعة والطلاق والعتاق والإيلاء والظهار والنسب والتوكيل والوصية إليه والولاء والكتابة وأشباه هذا فقال القاضي : المعمول به في المذهب أن هذا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين ، ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال(2) .
ثالثاً : نصاب شهادة المال وما يقصد به المال : رجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين المدعي لقوله تعالي :
{
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 125 وما بعدها .
(2) - المصدر السابق ، ج 14 ، ص 127 وما بعدها .(1/253)
وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فإن لم يحضر المدعي إلا شاهدا واحدا فإنه يحلف وهذه اليمين مكملة لنصاب شهادة الشاهد ، وإلي ذلك ذهب الإمام أحمد(1) والإمام مالك(2) والإمام الشافعي(3) وابن حزم الظاهري(4) قال الإمام أحمد : مضت السنة أن يقضي باليمين مع الشاهد الواحد لحديث ابن عباس أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، قضي بيمين وشاهد(5) قال الإمام النووي في شرحه علي صحيح مسلم باب وجوب الحكم بشاهد ويمين وذكر حديث ابن عباس المشار إليه ، وحكي أن جمهور علماء الإسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار يقضون بشاهد ويمين المدعي في الأموال وما يقصد به الأموال وبه قال أبو بكر الصديق وعليُُّ وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وفقهاء المدينة وسائر علماء الحجاز ومعظم علماء الأمصار وحجتهم أنه جاءت أحاديث كثيرة في هذه المسألة ومن رواية عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت وجابر وأبي هريرة وابن حزم وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، قال الحفاظ أصح أحاديث الباب حديث ابن عباس قال ابن عبد البر : لا مطعن لأحد في إسناده قال : ولا خلاف بين اهل المعرفة في صحته .
أما أبو حنيفة والكوفيون والشعبي والحكم والأوزاعي والليث والأندلسيون من أصحاب مالك لا يحكمون بشاهد ويمين في شيء من الأحكام(6) .
__________
(1) - المعني ، ج 14 ، ص 129 وما بعدها .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 214 – 215 ، وبداية المجتهد ، ج 2 ، ص 467 وما بعدها .
(3) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 443 ، وشرح صحيح مسلم للنووي كتاب الأقضية ، ج 12 ، ص 244 .
(4) - المحلي ، ج 10 ، ص 373 .
(5) - سيأتي تخريجه علي ص 245 .
(6) - صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 12 ، ص 245 .(1/254)
والراجح جواز القضاء بالشاهد واليمين وهو ما ذهب غليه جمهور العلماء للأحاديث الصحيحة وعمل الصحابة والتابعين وعليه المذهب(1) لما رواه أبو هريرة قال : قضي رسول الله صلي الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد(2) .
رابعاً : نصاب الشهادة بالوصية : تثبت بشاهدي عدل ٍ من المسلمين أو آخرين من غيرهما لقوله تعالي :
{ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}(3) .
والآية صريحة لقبول شهادة غير المسلمين علي وصية السفر عند عدم وجود شاهدين مسلمين .
خامساً : نكول المدعي عليه ويمين المدعي : وهي اليمن المردودة من المدعي عليه علي المدعي وذلك في الأموال الثابتة والمنقولة عندم يعجز المدعي عن إثبات دعواه .
اختلف العلماء في الحكم بالنكول ، هل يحكم بالنكول بدون يمين المدعي علي ثلاثة أقوال :
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 130 .
(2) - أخرجه مسلم بشرح النووي ، ج 11 – 12 ، ص 244 ، وأخرجه أبو داود في باب القضاء باليمين والشاهدين كتاب الأقضية سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 32 – 33 ، والترمذي في باب ما جاء في اليمين مع الشاهد من أبواب الأحكام عارضة الأحوذي ، ج 6 ، ص 89 وابن ماجه في القضاء بالشاهد واليمين سنن ابن ماجه ، ج 2 ، ص 793 ، والبيهقي في باب القضاء باب القضاء باليمين مع الشاهد من كتاب الشهادات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 167 – 167 ، والمحلي لابن حزم ، ج 9 ، ص 404 .
(3) - سورة المائدة آية [106] .(1/255)
الأول : يُحكم بنكول المدعي عليه وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه المروي عن عبد الله بن عمر أنه باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة ، ثم إن صاحب العبد خاصم فيه ابن عمر إلي عثمان بن عفان فقال لابن عمر : احلف بالله لقد بعته وما به تعلمه ، فأبي ابن عمر أن يحلف فرد عليه قال ابن أبي شيبة عن شريك عن مغيرة عن الحارث : قال نكل رجل عند شريح عن اليمين فقضي عليه ، فقال : أنا أحلف . قال شريح : قد قضي قضاؤك وهذا قول الإمام أحمد في أحدي الروايتين وقول أبي حنيفة(1) .
القول الثاني : أنه لا يقضي بالنكول بل ترد اليمين علي المدعي فإن حلف قضي له وإلا صرفها وهذا مروي عن ابن عمر وعليًّ والمقداد بن الأسود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وروي البيهقي وغيره من حديث مسلم ابن علقمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن المقداد استقرض من عثمان سبعة آلاف درهم فلما تقاضاها قال : إنما هي أربعة آلاف درهم فخاصمه إلي عمر فقال المقداد : احلف أنها سبعة آلاف فقال عمر رضي الله عنه : أنصفك فأبي أن يحلف فقال عمر : خذ ما أعطاك(2) وأحاديث القسامة والأيمان المردودة فيها(3) .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 232 .
(2) - رواه البيهقي في سننه الكبري كتاب الشهادات باب النكول ورد اليمين ، ج 10 ، ص 184 .
(3) - انظر صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 155 وما بعدها .(1/256)
القول الثالث : إنه يحبره علي اليمين شاء أم أبي بالضرب والحبس ولا يقضي عليه بنكول ولا رد يمين . وهذا قول ابن حزم ومن وافقه من أهل الظاهر قالزا : لم يأت قرىن ولا سنة ولا إجماع علي القضاء بالنكول ولا باليمين المردودة(1) والرد علي ابن حزم أن فقهاء الأمصار علي قولين : منهم من يقول يقضي بالنكول ومنهم من يقول إذا نكل ردت اليمين علي المدعي وحكم له بالاتفاق فإن الشارع مكنه من التخلص من الدعوي باليمين وهي واجبة عليه للمدعي فإذا امتنع من اليمين فقد امتنع من الحق الذي وجب عليه لغيره وامتنع من تخليص نفسه من خصمه باليمين فقيل : يحبس أو يضرب حتي يقر أو يحلف وقيل يقضي عليه بنكوله ويصير كأنه مقر بالمدعي وقيل : ترد اليمين علي المدعي والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهناك قول رابع وهو أنه إن كان المدعي متهما ردت عليه ، وإن لم يكن متهما قضي عليه بنكول خصمه . قالابن القيم : وهذا القول يحكي عن ابن أبي ليلي وله حظ من الفقه فإنه إذا لم يكن متهما غلب علي الظن صدقه فإذا نكل خصمه قوي ظن صدقه فلم يحتج إلي اليمين وأما إذا كان متهما لم يبقي معنا إلا مجرد النكول وقويناه برد اليمين عليه وهذا نوع من الاستحسان(2) والراجح رد اليمين علي المدعي في حالة نكول المدعي عليه لما رواه البيهقي والدارقطني أن النبي صلي الله عليه وسلم رد اليمين علي طالب الحق(3) وللأحاديث الثابتة في رد الأيمان في القسامة والله أعلم .
- - -
الفصل الثامن
(( في تعارض البينات وفيه خمسة أمور ))
إذا ادعي المدعي وأجاب المدعي عليه فلا يخلو من عدة أمور وهي :
__________
(1) - المحلي ، ج 9 ، ص 372 – 373 .
(2) - الطرق الحكيمة ، ص 118 وما بعدها .
(3) - رواه الدارقطني والحاكمن والبيهقي كتاب الأقضية والأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، والمستدرك كتاب الأحكام باب ولد الزنا شر الثلاثة ، ج 4 ، ص 100 ، والسنن الكبري كتاب الشهادات باب النكول ورد اليمين ، ج 10 ، ص 184 للبيهقي .(1/257)
1- أن يحضر كل منهما بينة والعين في يد المدعي عليه .
2- إذا كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر أكثر .
3- بينة أحدهما شاهدان وبينة الآخر شاهدان وأمرأتان .
4- إن كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر شاهدا ويمينا .
5- ولا تخلو العين إما أن تكون في يدهما أو يد أحدهما أو في يد غيرهما .
الأمر الأول : إذا أحضر كل منهما بينة والعين في يد المدعي عليه فللإمام أحمد ثلاث آراء في هذه المسألة .
أ – تقديم بينة المدعي ولا تسمع بينة المدعي عليه بحال .
ب- تقديم بينة المدعي عليه بكل حال لأن جنبة الداخل أقوي بدليل أن يمينه تقدم علي يمين المدعي فإذا تعارضت البينتان وجب تقديمه .
ج – إن شهدت بينة الداخل بسب الملك فقالت نتجت او كانت أقدم تاريخا قدمت بينته لأنها إذا شهدت بالسبب فقد أفادت ما لا تفيده اليد ، لما روي عن جابر بن عبد الله أن رجلين اختصما إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم في دابة أو بعير فأقام كل واحد منهما أنها له أنتجها فقضي بها رسول الله صلي الله عليه وسلم للذي هي في يديه(1) .
ودليل الأولي حديث (( البينة علي المدعي )) فجعل جنس البينات في جنبة المدعي ، فلا يبقي بجنبة المنكر بينة ولأن بينة المدعي أكثر فائدة بدليل أنها تثبت شيئا لم يكن ، وبينة المدعي عليه إنما تثبت ظاهرا دلت اليد عليه فلم تكن مقيدة فوجب تقديم ما كان أكثر فائدة علي غيره ، ولأنه تجوز الشهادة بالملك لرؤية اليد والتصرف فجائز أن يكون مستند بينته فصارت بمنزلة اليد المفردة فتقدم عليها المدعي كما تقدم علي اليد(2) .
__________
(1) - السنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 256 كتاب الدعوي والبينات باب المتداعين يتنازعان شيئا في يد أحدهما ويقيم كل منهما علي ذلك بينة .
(2) - العدة شرح العمدة ، ص 626 ، 627 .(1/258)
قال بعض الشافعية : وإن كان لكل واحد منهما بينة نظرت فإن كانت العين في يد أحدهما قضي لمن له اليد من غير يمين ، وقال : ومن أصحابنا من قال : لا يقضي لصاحب اليد من غير يمين لأن بينته تعارضها بنة المدعي فتسقطها ويبقي له اليد ، واليد لا يقضي بها من غير يمين والمنصوص أنه يقضي له من غير يمين لأن معه بينة معها ترجيح وهو اليد ومع الآخر بينة لا ترجيح معها(1) .
الترجيح
ويترجح لديَّ تقديم بينة المدعي عليه إذا كانت العين في يديه لأن لديه حجتين : الأولي يده والثانية بينته وتسمي بينة الداخل . ولحديث جابر المتقدم حيث قضي رسول الله صلي الله عليه وسلم بالبعير للذي هو في يده مع بينته والله أعلم .
الأمر الثاني : إن كانت بينة أحدهما شاهدين ، وبينة الآخر أكثر فهما متعارضان لأن الشاهدين نصاب ولا عبرة بما زاد ، وهذا قول والقول الثاني يرجح جانب الأكثر . والصواب لا يرجح الأكثر لأن الشاهدين نصاب الشهادة كاملة وما زاد فلا تأثير له وتقسيم العين بينهما نصفين إذا كانت العين في أيديهما لما روي أبو موسي الأشعري أن رجلين اختصما غلي رسول الله صلي الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضي رسول الله صلي عليه وسلم بالبعير بينهما نصفين . ذكره ابن المنذر ورواه أبو داود(2) .
__________
(1) - تكملة المجموع شرح المهذب للنووي ، ج 2 ، ص 189 .
(2) - رواه البيهقي في السنن الكبري كتاب الدعوي والبينات باب المتداعين يتنازعان شيئا في أيديهما معا ويقيم كل واحد منهما بينة بدعواه السنن الكبري ، ج 10 ، ص 257 .(1/259)
قال أبو الخطاب في رواية أخري : يقرع بينهما ومن خرجت له القرعة حلف أنها لا لا حق لغيره فيها ، وكانت العين له كما لو كانت في يد غيرهما وقال الخرجي : يحلف كل واحد منهما علي النصف المحكوم له به لأن البينتين لما تعارضتا من غير ترجيح وجب إسقاطهما كالخبرين إذا تعارضا ولأنه لا يمكن الجمع بينهما لتنافيهما ولا تتعين إحداهما لأنه تحكم لا دليل عليه فلم يبق إلا إسقاطها ولكل واحد منهم النصف الذي يدهخ عليه مع يمينه .
وله رأيُُّ آخر أن العين تقسم بينهما من غير يمين لظاهر الحديث المتقدم ذكره(1) وذلك في حالة إذا أحضر كل منهما بينة وتساويا ولا مرجح . وفي نظري أن ترجيح أحد البينتين علي الأخري ليس بالكثرة فالشاهدان نصاب كاف لإثبات الحق والترجيح بأحد الأمور الآتية :
أ – بأن تكون بينة أحد الطرفين أقل عدالة من بينة الآخر .
ب – غير معروفة .
ج – حصل زيادة إيضاح لم يأت في بينة الآخر كذكر سبب الملك ونحو ذلك والله أعلم .
الأمر الثالث : إن كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر شاهداً وامرأتين ففيها قولان :
الأول : متعارضان ومتساويان في إثبات المال لا فرق بين شاهدين وشاهد وأمرأتين في إثبات وما يؤول إلي المال لقوله تعالي :
{ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فدلت الآية أن المرأتين تكملان نصاب الشهادة . ويحكم بينهما بمثل ما جري من حكم في الأمر الثاني المار ذكره .
الثاني : الشهاداتان متعارضتان ويرح جانب الشاهدين ويقضي بالشاهدين لأن المراتين وصفهما الله بالنسيان والغفلة في قوله :
{ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } .
__________
(1) - العدة شرح العمدة ، ص 127 – 128 وتكملة المجموع شرح المهذب ، ج 10 ، ص 190 .(1/260)
الأمر الرابع : إن كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر شاهداً ويمين المدعي ، ففيهما قولان كالتي قبلها ويرجح جانب الشاهدين لأنه مجمع عليها وبينة الآخر مختلف فيها .
الأمر الخامس : إن كانت العين في يدهما أو في يد غيرهما أو في يد أحدهما :
1 – فإذا كانت في يدهما فلا يخلو الأمر من أحد أمرين :
أ- إن كانت لأحدهما بيّنة حكم له بها لأنها كا لإقرار ولا نعلم في ذلك خلافاً .
ب- وإن لم تكن لكل واحد منهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه ، وجُعلت بينهما نصفين ، لأن كلّ واحد ٍ منهما يده علي نصفها وإن نكلا عن اليمين قضي عليهما بالنكول ، وجعلت بينهما نصفين لكلَّ واحد منهما النصف الذي كان في يد صاحبه ، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضي له بجميعها .
2 – فإن كانت العين في يد غيرهما وشهدت بيّنة أحدهما بأنه ملكه من سنة وشهدت بيّنة الآخر أنه ملكه من سنتين فذكر الشافعية قولين :
الأول : قال : قال : في الهويطي هما سواء لأن القصد إثبات الملك في الحال وهما متساويان في إثبات الملك في الحال .(1/261)
الثاني : إن التي شهدت بالملك المتقدم أول ، وهو اختيار المزني وهو الصحيح لأنها انفردت بإثبات الملك في زمان لا تعارضها فيه البينة الأخري(1) فإن اقر بها لأحد أو لغيرهما صار المقر له كصاحب اليد ، وقد مضي الكلام فيه وإن أقر لهما صارت كالتي في أيديهما وقد مضي الكلام عن هذه المسألة . وإن قال : لا أعرف صاحبها منهما ، ولا لأحدهما بينة ، فهي له بينته لما سبق وإن لم تكن لهما بيّنة أو لكل واحد بينة استهما علي اليمين ، فمن خرج سهمه حلف وأخذها(2) ، لما روي ابو هريرة أن رجلين تداعيا عينا ولم يكن لواحد منهما بينة فأمرهما النبي صلي الله عليه وسلم أن يستهما علي اليمين أحبا او كرها ( رواه أبو داود )(3) ولأنهما تساويا في الدعوي وعدم البينة واليد والقرعة تميز عند التساوي ، كما لو اعتق عبيدا في مرض موته ، ولا مال له غيرهم(4) .
3 – أما إذا كانت العين في يد أحدهما فقد مضي الحديث عنها في الأمر الول بما يكفي عن إعادته هنا .
- - -
الفصل التاسع
(( في الجرح والتعديل ))
الجرح والتعديل هو علم يبحث فيه عن جرح الشهود وتعديلهم وهو جائز للتثبت في الحقوق والأموال لا طعنا في الناس .
والجرح مقدم علي التعديل ، لأن الجارح لديه زيادة علم خفيت علي المعدل فموجب تقديمه ، ولأن التعديل يتضمن نفي الريبة والمحارم والجارح مثبت لوجود ذلك ، والإثبات مقدم علي النفي ، ولأن الجارح يقول رأيته يفعل كذا وكذا ، والمعدل لم يره يفعل ذلك .
(( الجرح ))
__________
(1) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 190 .
(2) - العدة شرح العمدة ، ص 628 .
(3) - أخرجه أبو داود في سننه باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة من كتاب الأقضية ، ج 4 ، ص 39 ، وأخرجه ابن ماجة في سنه باب الرجلان يدعيان السلعة وليس بينهما بينة من كتاب الأحكام ، ج 2 ، ص 780 .
(4) - العدة شرح العمدة ، ص 69 .(1/262)
ولا يقبل الجرح إلا مفسرا ولا يثبت إلا بشاهدي عدل ، غير مجروح في عدالتهما . حيث أن شاهدي الجرح يتحملان ما يتحمله الشاهدان ويشترط فيهما ما يشترط في الشاهدين نوقد تساهل بعض الناس في زمننا هذا في الشهادات ، ولا يخفي أن أمرها عظيم ويجب أن يكون شهود الجرح علي مستوي من العدالة والأمانة والاستقامة ، ولا مطعن فيهم . قال ابن قدامة : ولا يقبل الجرح من النساء . وقال أبو حنيفة : يقبل وعن الإمام أحمد مثله ورجّح ابن قدامة بأنه لا يقبل من النساء(1) .
(( التعديل ))
ولا يثبت التعديل إلا بشاهدي عدل ٍ ، يعرفان عدالة الشاهد لما روي سليمان عن حريث قال : شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمر : إني لست أعرفك ولا يضرك أني لا أعرفك ، فأتني بمن يعرفك . فقال رجل : أنا أعرفه يا أمير المؤمنين . فقال بأي شيء تعرفه ؟ قال : بالعدالة . قال : هو جارك الأدني تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه ؟. قال : لا . قال : فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما علي الورع ؟ قال : لا . قال : فصاحبك في السفر الذي يستدل به علي مكارم الأخلاق ؟ . قال : لا . قال : لن تعرفه . ثم قال للرجل أأتني بمن يعرفك(2) أ . هـ .
وفي المذهب لا يقبل التعديل من النساء . وقال أبو حنيفة : يقبل . وعن الإمام أحمد مثله ورجّح ابن قدامة بأنه لا يقبل من النساء وقال أبو حنيفة : يقبل وعن أحمد مثله لأنه لا يعتبر فيه لفظ الشهادة(3) ويترجح لديَّ ما ذهب إليه ابن قدامة بعدم قبول التعديل والجرح من النساء لقوله تعالي :
{
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 50 .
(2) - السنن الكبري للبيهقي في باب من يرجع إليه في السؤال يجب أن تكون معرفته متقادمة من كتاب آداب القاضي ، ج 10 ، ص 125 ، وسبل السلام لمحمد بن إسماعيل ، ج 4 ، ص 249 .
(3) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 50 .(1/263)
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } وللقاضي أن يثبت الجرح والتعديل بعلمه ومعرفته بعدالة الشاهد ، أو فسقه وحيث أن شاهدي التعديل وشاهدي الجرح هم شهود يتحملون ما يتحمله الشاهد ، ويشترط فيهم ما يشترط في الشاهد بل ينبغي أن يكون شهود الجرح والتعديل علي مستوي أعلي من الشهود الأساس عدالة ، واستقامة ـ وأمانة . وقد تساهل بعض الناس في هذه الأزمنة في الشهادة وبالأخص شهادة التعديل وكثيرا ما تبني علي المجاملات . . يعرف ذلك من تولي القضاء فقد وضح لنا كثيرا من هذا القبيل ، ورددنا كثيرا من الشهادات من هذا النوع .ولا شك في خطورة الشهادة بدون علم لأنها تتسبب في ضياع الحقوق ، وإعطاء آخر حق آخر وقد عدّها رسول الله صلي الله عليه وسلم من أكبر الكبائر في قوله : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا ؟ قالوا : بلي يا رسول الله . قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين . وجلس وكان متكئا ثم قال ألا وقول الزور ألا وقول الزور فمازال يكررها حتي قلنا : ليته سكت ))(1) وسيأتي الكلام علي موضوع شهادة الزور وخطرها الكبير في فصل مستقل .
- - -
الفصل العاشر
((
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب ما قيل في شهادة الزور من كتاب الشهادات وفي باب عقوق الوالدين من الكبائر من كتاب الأدب وفي باب من اتكأ بين يدي أصحابه من كتاب الاستئذان صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 361 ، وج 10 ، ص 405 فتح الباري ، وأخرجه مسلم في باب بيان الكبائر وأكبرها من كتاب الإيمان صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 2 ، ص 441 كم أخرجه الترمذي في باب ما جاء في عقوق الوالدين من ابواب البر في باب ما جاء في شهادة الزور من أبواب الشهادات وفي باب تفسيرسورة النساء من أبواب الشهادات عارضة الأحوذي ، ج 8 ، ص 97 ، و ج 9 ، ص 175 ، وج 11 ، ص 150 – 151 والإمام أحمد في المسند ، ج 5 ، ص 36 – 38 ، وأخرجه البيهقي في باب من جرب شهادة زور لم تقبل شهادته من كتاب الشهادات السنن الكبري ، ج 10 ، ص 197 .(1/264)
في القسامة ))
القسامة في اللغة مصدر أْقسَم قَسَماً وقسامةً ، ومعناه حلف حلفاً قال الفيروز ابادي(1) : وتقاسم تحالف ، والقسامة الهدنة بين العدو ، والمسلمين والجماعة يقسمون علي الشيء ويأخذونه أو يشهدوا(2) .
وقال ابن حجر : القسامة مصدر أقسم قسما وقسامة ، وهي الإيمان تقسم علي أولياء القتيل إذا ادعوا الدم ، أو علي المدعي عليهم الدم . وقال إمام الحرمين : القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون ، وعند الفقهاء اسم للإيمان . وقال في المُحكَم : القسامة : الجماعة يقسمون علي الشيء ، أو يشهدون به ، ويمين القسامة منسوب إليهم ، ثم أطلقت علي الأيمان نفسها(3) . والقسامة في الاصطلاح هي الإيمان المكررة في دعوي القتل(4) وقال ابن حجر : وهي في عرف الشرع حلف معين عند التهمة بالقتل علي الإثبات أو النفي ، وقيل مأخوذة من قسمة الأيمان علي الخالقين(5) والقسامة نوعان : قسامة في الدماء وقد دلت عليها السنة الصحيحة الصريحة وأنه يبدأ فيها بأيمان المدعين ، ويحكم فيها بالقصاص كمذهب مالك وأحمد في إحدي الروايتين .
__________
(1) - هو محمد بن يعقوب الفيروز بادي مجد الدين أبا طاهر الشيرزاي الشافعي من ائمة اللغة والدب كان قوي الحافظة يحفظ مأتي سطر كل ليلة قبل أن ينام مرجع أهل عصره في اللغة والحديث والتفسير له تصانيف كثيرة تنيف علي أربعين مصنفا تولي قضاء اليمن واستقر بزبيد وتوفي ببلد زبيد باليمن باليمن سنة 817 هجرية وولد 729 هجرية ومن مؤلفاته القاموس المحيط ( البدر الطالع للشوكاني ، ج 2 ، ص 280 وما بعدها ) .
(2) - القاموس ، ج 4 ، ص 165 .
(3) - فتح الباري ، ج 12 ، ص 231 .
(4) - المغني ، ج 12 ، ص 188 .
(5) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 156 .(1/265)
والثانية : القسامة مع اللوث في الأموال وقد دل عليها القرآن(1) والأصل في القسامة ما روي يحيي بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا غلي خيبر ، فتفرقا في النخل ، فقُتل عبد الله بن سهل ، فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( كبر الكبر )) أو قال : (( ليبدأ الأكبر )) فتكلما في أمر صاحبهما ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم (( يقسم خمسون منكم علي رجل منهم فيدفع إليكم برمته فقالوا : يا رسول الله قوم كُفَّار ضُلاَّل . قال فوداه رسول الله صلي الله عليه وسلم من قبله . قال : سهل فدخلت مربدا لهم فركضتني ناقة من تلك الإبل )) ( متفق عليه)(2) . وعن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : القسامة توجب العقل ، ولا تشيط الدم(3) وروي عبد الرزاق عن معمر عن أبي الزناد أن عمر بن الخطاب استحلف أمرأة خمسين يمينا علي مولي لها أصيب(4) .
(( شروط القسامة ))
وللقسامة شروط وهي :
أولاً : أن تكون بين القتيل والمدعي عليه عداوة ولوث .
ثانياً : أن توجد قرينة .
ثالثاً : أن تكون الدعوي علي معين .
رابعاً : أن يتفرق جماعة عن قتيل فيكون ذلك لوثاً في حق كل واحد منهم .
خامساً : أن يزدحم الناس في مضيق فيوجد فيهم قتيل وظاهر كلام أحمد أن هذا ليس بلوث .
__________
(1) - الطرق الحكيمة ، ص 143 .
(2) - أخرجه البخاري فتح الباري ، ج 13 ، ص 184 ، وأخرجه مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 156 – 157 .
(3) - المصنف لعبد الرزاق ، ج 10 ، ص 41 .
(4) - المصنف لعبد الرزاق ، ج 10 ، ص 49 .(1/266)
سادساً : أن يوجد قتيل ولا يوجد بقربه إلا رجل معه سيف أو سكين ملطخ بالدم ، ولا يوجد غيره ممن يغلب الظن علي أنه قتله . مثل أن يري رجلاً هارباً يحتمل أنه القاتل .
سابعاً : أن يقتتل فئتان عن قتيل من إحداهما فللوث عن الأخري ذكره القاضي . ولا تثبت القسامة مالم يتفق الأولياء علي الدعوي ، وإذا لم يوجد عداوة بين القاتل والمقتول ، ولم يكن للمدعي بينة فهي دعوي من الدعاوي ولم تكن من باب القسامة(1) .
(( قسامة الخطأ ))
روي عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : أوطا رجل من بني سعد بن ليث رجلاً من جهينة فرسا فقطع إصبعا من أصابع رجله فنزف حتي مات فقال عمر للجهنين : اتحلف منكم خمسون لهو أصابه ولمات منها ، فأبوا أن يحلفوا ، فاستحلف من الآخرين خمسين فابوا أن يحلفوا ، فجعلها عمر بن الخطاب نصف الدية(2). فكما تكون القسامة من باب العمد تكون أيضاً من باب الخطأ ، وتلك فيها القصاص ، والأخري فيها الديّة لهذا الأثر .
(( أيمان القسامة ))
الأصل أن الأيمان في جانب المدعي عليه في دعاو الأموال وما يؤول إلي المال ، أما الأيمان في القسامة فقد جاءت علي خلاف الأصل حيث أن اليمين في جانب المدعي لحديث ان النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( البيننة علي المدعي واليمين علي من أنكر إلا في القسامة ))(3) . ويقول مالك : أجمعت الأئمة في القديم والحديث علي أن المدعين يبدون في القسامة ، ولأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة او شبهة صارت اليمين له وهنا الشبهة قوية وقالوا هذه سنة بحالها ، وأصل قائم برأسه لحياة الناس وردع المعتدين ، وخالفت الدعاوي في الأموال . فهي علي ما ورد فيها وكل أصل يتبع ويستعمل ولا تطرح سنة لسنة(4) .
__________
(1) - المغني لابن قدامة ، ج 12 ، ص 191 – 197 .
(2) - المصنف لعبد الرزاق ، ج 20 ، ص 4 ط .
(3) - أخرجه البيهقي في السنن الكبري ، ج 8 ، ص 123 .
(4) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 12 ، ص 236 .(1/267)
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بدأ بأيمان المدعين في إحدي الروايات عنه لأن الأيمان تقوم مقام البينة ، فإن حلفوا استحقوا ز وقد ذكر ابن قدامة ما يؤيد هذا وأورد حديث عمرو بن شعيب المتقدم ونصه :
(( البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر(1) إلا القسامة )) وهذه الزيادة يتعين العمل بها ، لأن الزيادة من الثقة مقبولة نولأنها أيمان مكررة فبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان ، وإذا ثبت فإن أيمان القسامة خمسون مردودة علي ما جاءت به الأحاديث الصحيحة ، وأجمع عليه أهل العلم لا يُعلم أحد خالف فيه(2) سبق أن ذكرنا أن القسامة نوعان . قسامة في الدماء ، وقد مر بك بيانها ، أما القسامة في الأموال مع اللوث ، فهي في صورة إذا أغار قوم علي بيت رجل فأخذوا ما فيه والناس ينظرون ولكن لم يشهدوا علي معاينة ما أخذوا . فالقول قول المُنْتَهب مع يمينه(3) ، وهذه القسامة في الأموال ، وهي النوع الثاني . فكما أن القسامة تكون في الدماء تكون أيضا في الأموال في الصورة المشار إليها ونحوها والله أعلم .
(( صيغة اليمين ))
__________
(1) - أخرجه الدارقطني في باب المرأة تقتل إذا ارتدت من كتاب الأقضية والأحكام سنن الدارقطني ، ج 4 ، ص 218 ، وأخرجه البيهقي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده من كتاب القسامة السنن الكبري ، ج 8 ، ص 123 ، والإمام الشافعي في مسنده ، انظر ترتيب المسند ، ج 2 ، ص 181 .
(2) - المغني ، ج 12 ، ص 204 .
(3) - تبصرة الحكام ، ج 2 ، ص 82 ، والطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن القيم ، ص 143 .(1/268)
يبدأ المدّعون بحلف خمسن يمينا ، فإن كانوا خمسين رجلاً حلف كل واحد منهم يميناً بالله أن فلانا قتله ، وإن كانوا أقل من خمسين أعيدت عليهم اليمان ، فإن كان واحداً حلف خمسين يمينا ، فإذا نكل المدّعون يحلف المدعي عليهم خمسين يمينا بالله ، وإن كانوا خمسين رجلاً حلف كل واحد منهم يميناً بالله ما قتلته ، ولا يعلم له قاتلا ، كما حلَّفَ عمر وداعة ، وإن كانوا أقل أعيدت عليهم الأيمان ، وإن كان واحدا حلف خمسين يمينا بالله ما قتله ، ولا يعلم له قاتلا .
- - -
الفصل الحادي عشر
(( اللعان ))
اللعان هو دعوي الزوج ضد زوجته بالزنا وقد سماها الله شهادات في قوله تعالي : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ }(1) .
__________
(1) - سورة النور الآيات [4 ، 5 ، 6] .(1/269)
قال ابن كثير في هذه الاية الكريمة : فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته وتعذر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل ، وهو أن يحضرها إلي الإمام فيدعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء أنه لمن الصادقين . أي فيما رماها به من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، فإذا قال ذلك بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعية وطائفة كثيرة من العلماء ، وحرمت عليه أبدا ويعطيها مهرها ، ويتوجه عليها حد الزنا ، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن ، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين . أي فيما رماها به . والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين(1) . أ . هـ .
وبهذا يُفرَّقُ بينهما وتُحرَّمُ عليه أبداً . ويلحق الولد بأمه لحديث فرق رسول الله صلي الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه(2) .
- - -
الفصل الثاني عشر
(( نصاب شهادة الإعسار ))
__________
(1) - تفسير ابن كثير ، ج 3 ، ص 265 .
(2) - تلخيص صحيح مسلم للقرطبي ، ج 1 ، ص 690 كتاب الطلاق باب ما يتبع اللعان إذا كمل من الأحكام وصحيح البخاري بحاشية السندي باب يلحق الولد بالملاعنة في كتاب الطلاق ، ج 3 ، ص 280 – 281 .(1/270)
نصاب شهادة الإعسار ثلاثة شهود لحديث قبيصة بن مخارق الهذلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلّت له المسألة حتي يصيب ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتي يصيب قواماً من عيش ، ورجل أصابته فاقة حتي يقول ثلاثة من ذوي الحجي من قومه : لقد اصابت فلانا فاقة . فحلّت له المسألة حتي يصيب قواما من عيش . فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا )) . ( رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة و ابن حبان) (1) .
واستدل بالحديث أنه لا يقبل في ثبوت الإعسار أقل من ثلاثة شهود ، وقد نص الإمام أحمد أنه لا يقبل منه إلا ثلاثة شهود لحديث قبيصة واختلف أصحاب الإمام أحمد في نصه هل هو عام ؟ أو خاص . فقال القاضي : إنما هذا في حل المسألة كما دل عليه الحديث وأما الإعسار فيكفي فيه شاهدان . وقال الشيخ ابو محمد : وقد نقل عن أحمد في الإعسار ما يدل علي أنه لا يثبت إلا بثلاثة . وقد أيد ابن القيّم أنه لا يثبت الإعسار إلا بثلاثة شهود(2) ، وهو الراجح ، وقد سبق أن ذكرنا دعوي الإعسار في فصل مستقل من باب الدعاوي وذكرناه هنا في باب طرق القضاء وإثبات الدعاوي لمناسبة ذلك .
- - -
الفصل الثالث عشر
(( اللقطة ))
__________
(1) - رواه مسلم في كتاب الزكاة باب من تحل له لمسألة ، ج 7 ، ص 140 بشرح النووي وأبو داود في كتاب الزكاة باب ما تجوز فيه المسألة ، ج 2 ، ص 289 ، والنسائي في كتاب الزكاة باب فضل من لا يسأل الناس شيئا ، ج 5 ، ص 96 – 97 .
(2) - الطرق الحكيمة ، ص 162 – 163 .(1/271)
هي بفتح القاف علي اللغة المشهورة التي قالها الجمهور واللغة الثانية لقْطة بإسكانها والثالثة لُقاطة بضم اللام ، والرابعة لَقَطة لفتح اللام والقاف . هي ما يجده الإنسان ويلتقطه ولا يعرف صاحبه . يكفي في إثباتها مجرد وصفها وصفا دقيقا من قبل المدعي يدل علي صدقه ، وتدفع إليه كما دلت علي ذلك السنة . فقد قام وصفُه مقام شاهدين . بل وصفه لها بيّنة تبيّن صدقه وصحة دعواه ، والأصل فيها ما رواه مسلم عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم وسألة عن اللقطة فقال : (( أعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة ، فإن جاء صاحبها وإما فشأنك بها . قال فضالة : الغنم . قال : لك أو لأخيك أو للذئب . قال فضالة : الإبل : قال مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتي يلقاها ربها ))(1) وقوله صلي الله عليه وسلم : (( فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فاعطها إياه وإلا فهي لك )) . قال النووي : في هذا دلالة لمالك وغيره مما يقول إذا جاء وصف اللقطة بصفاتها وجب دفعها إليه بلا بينة ، وأصحابنا أي الحنابلة يقولون لا يجب دفعها إليه إلا ببينة ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالي ، ويتأولو هذا الحديث علي أن المراد أنه إذا صدق جاز له الدفع إليه ، ولا يجب فالأمر بدفعها بمجرد تصديقه ليس للوجوب والله أعلم(2) ومدة تعريفها سنة لحديث زيد ، وقيل ثلاث سنين لحديث أبيّ بن كعب . وقيل أحد ثلاثة أعوام إلا ما روي عن عمر بن الخطاب ولعله لم يثبت عنه(3) .
- - -
الفصل الرابع عشر
(( دعوي المرأة بالطلاق ))
__________
(1) - صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 12 ، ص 263 من كتاب اللقطة وأخرجه البخاري في صحيحه بحاشية السندي كتاب اللقطة ، ج 2 ، ص 62 .
(2) - شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 12 ، ص 269 .
(3) - المصدر السابق ، ج 12 ، ص 270 .(1/272)
دعوي المرأة بالطلاق تثبت بشاهدين ، فإذا أقامت شاهدا ولا يوجد خلافه لم يثبت الطلاق ، فإن حلف الزوج أنه لم يطلق لم يقض عليه ، وإن لم يحلف حلفت المرأة تكملة لشاهدها ويقضي عليه لحديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلي الله عليه وسلم : أن المرأة إذا أقامت شاهداً واحداً علي الطلاق وإن حلف الزوج أنه لم يطلق لم يقض ِ عليه(1) وهذا دليل أن بينة الطلاق يكفي فيه شاهد واحد ونكول الزوج ويمين المرأة ولا تحلف المرأة مع شاهدها إلا إذا نكل الزوج عن اليمين بخلاف الأموال فإن المدعي إذا شهد له فإنه يحلف مع شاهد فإنه يحلف مع شاهده ويحكم له ولا تعرض اليمين علي المدعي عليه كما مر بك .
- - -
الفصل الخامس عشر
(( قبول شهادة الواحد ))
__________
(1) - السنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 182 ، وأخرجه ابن ماجه في سننه باب الرجل يجحد الطلاق من كتاب الطلاق ، ج 1 ، ص 657 ، والمغني ، ج 14 ، ص 134 ، والطرق الحكيمة ، ص 157 .(1/273)
يحكم بشهادة الواحد إذا ظهر صدقة ، بل الحق أن الشاهد الواحد إذا ظهر صدقه حكم بشهادته وحده ، وقد أجاز النبيُّ صلي الله عليه وسلم شهادة الشاهد الواحد لبي قتادة بقتل المشرك ، ودفعه إليه سلبه بشهادته وحده ولم تُحلَّف أبا قتادة فجعله بينة تامة ، وأجاز شهادة خزيمة بن ثابت وحده بمبايعته للأعرابي ، وجعل شهادته بشهادتين لما استندت غلي تصديقه صلي الله عليه وسلم بالرسالة المتضمنة في كل ما يخبره به(1) ، وقبوله شهادة الأعرابي علي رؤية هلال رمضان(2) . وقال ابن القيم : ولكن هل يكفي وحده في الحكم : هذا موضع تفصيل فيقال : إما أن يخبره ما يفيد معه اليقين أم لا فإن اقترن بخبره ما يفيد معه اليقين جاز أن يحكم به ، وينزل منزلة الشهادة بل وشهادة محضة في اصح الأقوال ، وهو قول الجمهور(3) قال ابن فرحون : قال ابن رشد يكفي الشاهد الواحد فيما يبتدي فيه بالسؤال وفيما كان علمه يؤديه وقال ابن حبيب : قال لي ابن الماجشون : وما اختصهم فيه من عيوب التي تكون في العبيد كالبرص المشكوك فيه ، وأمثال ذلك بأن يرسل بالعبد إلي من يرتضيه أو يثق ببصره ومعرفته بذلك العيب ، فيؤخ فيه بالمخبر الواحد .
__________
(1) - أعلام الموقعين ، ج 1 ، ص 108 .
(2) - أخرجه أبو داود في شهادة الواحد علي رؤية هلال رمضان من كتاب الصوم سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 547 ، وأخرجه الترمذي في باب ما جاء في الصوم بالهادة من ابواب الصوم عارضة الأحوذي ، ج 3 ، ص 206 ، وأخرجه النسائي في باب قبول شهادة الواحد علي هلال رمضان من كتاب الصيام المجتبي ، ج 4 ، ص 106 ، وأخرجه ابن ماجة في باب ما جاء في باب الشهادة علي رؤية الهلال من كتاب الصيام سنن ابن ماجة ، ج 1 ، 529 ، والدارمي في باب الشهادة علي رؤية هلال رمضان من كتاب الصوم ، سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 5 .
(3) - الطرق الحكمية ، ص 202 .(1/274)
وبقول الطبيب ومن ذلك شهادة القايس للجراح ، ما هي ؟ وما غورها ؟ وما اسمها ؟ وما قياسها؟ فيقبل في ذلك وحده (1) .
وكذلك تقبل شهادة المراة الواحدة العدل في الرضاعة لحديث عقفبة بن الحارث قال : تزوجت أم يحيي أبي إيهاب فجاءت أمه سوداء فقالت قد ارضعتكما ، فذكرت ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم . فقال : (( كيف وقد زعمت ذلك))(2) ويقاس علي هذا مالا يطلع عليه إلا النساء كالولادة والحيض والعيوب تحت الثياب والبكارة والثيوبة . فهل يكفي في هذا أمرأة أو امرأتان ؟ فعن الإمام أحمد روايتان الأولي تقبل فيه امرأتان والشهر تثبت بشهادة إمرأة واحدة والرجل فيه كالمرأة(3) .
- - -
الفصل السادس عشر
(( القيافة ))
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ص 229 .
(2) - أخرجه البخاري في باب شهادة المرضعة من كتاب النكاح صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 3 ، ص 244 ، وأخرجه الترمذي في كتاب الرضاع باب ما جاء في شهادة المراة الواحدة في الرضاع عارضة الأحوذي ، ج 5 ، ص 94 ، والنسائي في كتاب النكاح باب الشهادة في الرضاع المجتبي ، ج 6 ، ص 90 ، وأخرجه الدارمي في باب شهادة المرأة الواحدة علي الرضاع في كتاب النكاح سنن الدارمي ، ج 2، ص 158 .
(3) - الطرق الحكمية ، ص 161 ، ص 162 .(1/275)
القيافة بالقاف والياء والألف والفاء وهاء التأنيث مصدر قاف قيافة ، والقائف الذي يتتبع الآثار ويعرفها ، ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه ، وقد دلّتْ عليها سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وعمل خلفائه الراشدين والصحابة من بعدهم ، منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو موسي الشعري ، وابن عباس ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم . ولا مخالف لهم في الصحابة وقال بها من التابعين سعيد بن المسيَّب ، وعطاء بن أبي رباح ، والزهري ، واياس(1) بن معاوية ، وقتادة ، وكعب بن سوار . ومن تابعي التابعين الليث بن سعد ، ومالك بن أنس واصحابه ، ومن بعدهم الشافعي واصحابه ، واسحق وأبو ثور وأهل الظاهر كلهم وبالجملة فهذا قول جمهور الأئمة وإلي اعتبارها في ثبوت النسب وذهب الإمام أحمد(2) ومالك(3) والشافعي(4) مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو مسرور تبرق أسارير وجهه فقال : (( أي عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل فرأي أسامة وزيدا ، وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما وبدت أقدامهما .
__________
(1) - هو اياس بن معاوية بن قرة بن هلال بن رباب بن عبيد ويتصل نسبه إلي نظار بن معد بن عدنان فهو عدناني ولد باليمامة سنة 46 هجرية واقام بالبصرة وتولي القضاء بها بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز كان عاقلا ذكيا حكيما نزيها ورعا صدوقا بارا بوالديه كريما معجبا برأيه بغير غرور كثير الكلام لا يعتني بنفسه سريع المشية تابعي ثقة اشتهر بالذكاء والفراسة شهرة واسعة توفي سنة 122 هجرية بعيدس قرية بين البصرة وخوزستان عن عمر يبلغ السادسة والسبعين عام – يرحمه الله - ، انظر كتاب القاضي اياس والقضاء بالفراسة للدكتور / محمد بن سنان .
(2) - المغني ، ج 9 ، ص 578 ، والطرق الحكيمة ، ص 216 .
(3) - تبصرة الحاكم ، ج 2 ، ص 91 .
(4) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 488 .(1/276)
فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ))(1) وفي لفظ دخل قائف والنبي صلي الله عليه وسلم ساجد واسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ، فسر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم وأخبر به عائشة (متفق عليهما ) وذلك يدل علي أن إلحاق القافة يفيد النسب لسرور النبي صلي الله عليه وسلم وهو لا يسر بباطل(2) وقد أقر القيافة وهو لا يقر علي خطأ ، ولا يسر إلا بحق وسبب سروره صلي الله عليه وسلم بما قاله مجزز أن المنافقين كان يطعنون في نسب أسامة(3)
__________
(1) - صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 4 ، ص 170 ، وابن ماجة في سننه ، ج 2 ، ص 787 من كتاب الأحكام باب القافة .
(2) - الطرق الحكمية 116 ، 117 .
(3) - هو اسامة بن زيد بن حارثة من كنانة عوف أبو محمد صحابي جليل ولد بمكة سنة 7 قبل الهجرة ونشأ علي الإسلام وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحبه حبا جما وينظر إليه نظرة صبيته الحسن والحسين وقد امره النبي صلي الله عليه وسلم علي الجيش وامره أن يسير إلي الشام وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوصي الرسول صلي الله عليه وسلم في مرضة أن يسير غلي جيش أسامة فساروا بعد موته ولماتوفي رسول الله صلي الله عليه وسلم رحل اسامة غلي وادي القري فسكنه ثم إلي دمشق ثم عاد غلي المدينة فاقام إلي أن مات بالجرف سنة 54 هجرية ، انظر اسد الغابة ، ج 1 ، ص 79 ، وكتاب القاضي اياس والقضاء بالفراسة ، ص 35 ..(1/277)
لأنه كان طويلاً أسود أقني الأنف وكان زيد قصير(1) بين السواد والبياض أخنس الأنف ، وكان طعنه مغيظة له صلي الله عليه وسلم إذ كان حبيبيه فلما قال المدلجي ذلك هو لا يري إلا أقدامهما سر به . وخالف أبو حنيفة(2) وقال : لا اعتبار بقول القائف ، وما ذهب إليه مرجوح والراجح ما ذهب إليه الجمهور ، وما دلت عليه السنة الحيحة من إلحاق النسب بالقيافة ، وقد أقر صلي الله عليه وسلم عمل مجزز والتقرير أحد اقسام السنة .
وتثبت القيافة بشهادة شاهد واحد وهو القائف وقيل لابد من اثنين وحديث الباب يدل علي الاكتفاء بالواحد .
- - -
الفصل السابع عشر
(( الحكم بغير شهادة شاهد ))
__________
(1) - هو زيد بن حارثة بن شراحبيل الكلبي اشترته خديجة بنت خويلد ووهبته للنبي صلي الله عليه وسلم حين تزوجها قتبناه قبل الإسلام وأعتقه وزوجه بنت عمه واستمر الناس يسمون زيد بن محمد حتي نزلت الآية ادعوهم لآبائهم وهو من اقدم الصحابة إسلاما وكان النبي صلي الله عليه وسلم لا يبعثه بسرية إلا أمره عليها وكان يحبه ويقدمه وجعل له الإمارة في غزوة مؤته فاستشهد فيها سنة 8 هجرية الأعلام ، ج 3 ، ص 57 .
(2) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 488 .(1/278)
وفي بعض القضايا يثبت الحق فيها بدون شهادة شاهد كالزنا بالحبل وشرب الخمر بالرائحة والفيء ، وفي السرقة إذا وجد المسروق عند السارق . وإلي ذلك ذهب ابن القيم حيث قال : والمقصود أن الشارع لم يوقف الحكم في حفظ الحقوق البتّة علي شهادة ذكرين . لا في الدماء ، ولا في الأموال ، ولا في الفروج ، ولا في الحدود . فلقد حدّ الخلفاء الراشدون والصحابة رضي الله عنهم في الزنا بالحبل ، وفي الخمر بالرائحة والقيء وكذلك إذا وجد المسروق عند السارق كان أولي بالحد من ظهور الحبل والرائحة(1) . وذهبت المالكية غلي العمل بقرينة الحبل والرائحة بالخمر ووجود المال المسروق في يد السارق(2) .وذهب الحنابلة(3) والشافعية والحنفية إلي عدم العمل بالقرائن في الحدود لن الحدود تُدرأ بالشبهات .
وفي رواية عن الإمام أحمد : الحد بالقيء والرائحة بالخمر واستدل القائلون بالقرائن والحكم بالحبل والقيء والرائحة في الخمر بما يلي :
__________
(1) - أعلام الموقعين لابن القيم ، ج 1 ، ص 111 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 2 ، ص 79 وما بعدها .
(3) - المغني ، ج 12 ، ص 377 .(1/279)
1 – روي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أما بعد فإني قائل لكم مقالة . قد قدر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يديَّ أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب عليَّ . إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ، ووعيناها ، رجم رسول الله صلي الله عليه وسلم ورجمنا بعده فإخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله . فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق علي من زنا إذا احصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف(1) .
2 – حكم عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما ولا يعرف لهما مخالفة بإقامة الحد علي مِنْ وجُدت منه رائحة الخمر أو القيء اعتمادا علي القرينة الظاهرة(2) .
3 – وما ذكره ابن القيم من أن الئمة والخلفاء حكموا بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم وهذه القرينة أقوي من البينة والإقرار وهذا من أعظم الأدلة علي فقه الصحابة وعظمته ومطابقته لمصالح العباد وحكمة الرب وشرعه.
واستدل القائلون بمنع العمل بالقرائن في الحدود بما يلي :
__________
(1) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 12 ، ص 144 وحاشية السندي وعلي صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 179 – 180 ، وأخرجه مسلم في صحيحه بشرح النووي ، ج 11 ، ص 204 من كتاب الأحكام باب رجم الثيب في الزنا .
(2) - الطرق الحكمية ، ص 6 .(1/280)
1 – الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : شرب رجل الخمر فسكر ، فلُقٍي يميل في الفج ، فانْطُلق به إلي النبيّ صلي الله عليه وسلم ، فلما حاذي بدار العباس انفلت فدخل علي العباس فالتزمه فذُكر ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم فضحك وقال : أفعلها ؟ ولم يأمر فيه بشيء(1) .
2 – عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (( لو كنت راجما أحداً بغير بينة لرجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها ))(2) .
فدل الحديث الأول علي عدم العمل بقرينة ترنحه في الشارع ولم يؤاخذ لعدم وجود بينة علي سكره بشرب الخمر ، ودل الحديث الثاني علي عدم العمل بقرينة دخول الرجال الأجانب علي المرأة حتي يقام الحد ببينة علي الزنا .
3 – روي أن أمرأة رفعت إلي عمر بنالخطاب رضي الله عنه وقد حمبت ليس لها زوج فسألها فقالت : إني أمرأة ثقيلة الرأس ، وقع عليَّ رجل وأنا نائمة ، فما استيقظت حتي فرغ . فدرأ عنها الحد(3) . وهذا المروي عن عمر يدل علي درء الحد بالشبهة لاحتمال صدقها وعدم قيام البينة .
__________
(1) - سنن ابي داود كتاب الحدود باب في الحد في الخمر ، ج 4 ، ص 619 – 620 ، والسنن الكبري كتاب الأشربة باب من وجد منه ريح شراب أو قيء سكران ، ج 8 ، ص 314 .
(2) - سنن ابن ماجة كتاب الحدود باب من أظهر الفاحشة ، ج 2 ، ص 855 ، وقال إسناد صحيح ورجاله ثقات .
(3) - المصنف في الأحاديث والآثار لأبي شيبة كتاب الحدود باب في درء الحدود بالشبهات ، ج 9 ، ص 267 – 568 .(1/281)
4 – ما روي عن البراء عن ثبرة أن عمر بن الخطاب أتي بأمراة قد حملت ولا زوج لها ، فادعت أنها أكُرٍهت فخلاَّ سبيلها وكتب إلي أمراء الأجناد : أن لا يُقتَل أحد إلا بإذنه(1) فالقرينة غير كافية لإقامة الحد بالزنا .
(( الراجح ))
__________
(1) - الكتاب المصنف لابن أبي شيبة كتاب الحدود باب في درء الحدود بالشبهات ، ج 9 ، ص 569 ، والسنن الكبري للبيهقي كتاب الجنايات باب الوالي لا يستبد بالقصاص دون الإمام ، ج 8 ، ص 61 ، والمغني ، ج 12 ، ص 347 .(1/282)
مما تبين لنا من أدلة الطرفين ترجح لديَّ أن القرائن المشار إليها بالحبل لإثبات حد الزنا ، ووجود المال المسروق بيد السارق لإقامة حد السرقة ، ورائحة الخمر والقيء منه لإقامة حد السكر ، فهي قرائن قوية ولا تُهمَل ولا سيما إذا لم تدع المرأة او السارق أو الشارب لإكراه أو شبهة ، فإن أدعت المرأة انها أُكرٍهَتْ كما في الأثر المروي عن عمر ، عندما أدعت المرأة أنه وقع عليها رجل وهي نائمة وما استيقظت حتي فرغ فدرأ عنها الحد ، فلا يقام عليها الحد والحالة ما ذكر لأن الحدود تُدرأ بالشهادات لقوله صلي الله عليه وسلم : (( ادرؤا الحدود بالشبهات )) وقوله صلي الله عليه وسلم : (( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه ))(1) وقوله : (( إن القلم رفع عن المجنون حتي يفيق وعن الصبي حتي يدرك وعن النائم حتي يستيقظ ))(2) وقال صلي الله عليه وسلم لمن اعترف لديه بالزنا اربع مرات : أبك جنون(3) وقوله صلي الله عليه وسلم : ما أخالك سرقت . وقوله صلي الله عليه وسلم : (( لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ))(4) .
- - -
الفصل الثامن عشر
(( الحكم بالقرعة ))
جاءت الشريعة بالحكم بالقرعة عند الاختلاف ولا مرجح قال الله تعالي :
{
__________
(1) - حديث حسن رواه ابن ماجة في الطلاق باب طلاق المكره ، ج 7 ، ص 356 ، والطبراني في الصغير ، ص 752 ، والحاكم ، ج 2 ، ص 198 والحديث صححه الألباني في الأرواء ، ج 1 ، ص 82 بعد أن أورد له طرقا أخري بلفظ عفي لأمتي .
(2) - صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 4 ، ص 176 .
(3) - صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 4 ، ص 177 .
(4) - أخرجه أبو داود في الطلاق علي غلط ، ج 2 ، ص 642 ، وابن ماجة في الطلاق باب طلاق المكره والناس ، ج 1 ، ص 660 ، والحاكم في الطلاق ، ج 2 ، ص 198 والحديث حسنه الألباني في الأرواء .(1/283)
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}(1) .
قال قتادة : كانت مريم ابنة إمامهم وسيدهم ، فتشاح عليهم بنو اسرائيل ، فاقترعوا عليها بسهامهم أيهم يكفلها فقُرٍع زكريا وكان زوج أختها فضمها غليه وقال ابن عباس : لما وُضٍعَتْ مريمُ في المسجد اقترع عليها أهل المصلي ، وهم يكتبون الوحي فاقترعوا باقلامهم أيهم يكفلها(2) ، وهذا متفق عليه بين أهل التفسير(3) .
وقال تعالي : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ }(4) .
أي فقارع فكان من المغلوبين نبيان كريمان استعملا القرعة وقد احتج الئمة الأربعة بشرع من قبلنا إن صح ذلك عنهم .
وقد وردت عدة أحاديث علي مشروعية القرعة ومن ذلك :
1- عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم عرض علي قوم اليمين فسارعوا إليه فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف(5) .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ))(6) .
__________
(1) - سورة آل عمران آية [44] .
(2) - تفسير ابن كثير ، ج 1 ، ص 363 .
(3) - الطرق الحكمية ، ص 287 .
(4) - سورة الصافات آية [141] .
(5) - صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 2 ، ص 110 باب القرعة كتاب الشهادات .
(6) - أخرجه البخاري في صحيحه بحاشية السندي ، ج 2 ، ص 110 باب القرعة كتاب الشهادات ، وأخرجه الترمذي في باب ما جاء في الصف الأول من أبواب الصلاة ، ج 2 ، ص 24 عارضة الأحوذي .(1/284)
3- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فايتهن خرج سهمها خرج بها معه(1) .
4- عن عبد الله بن رافع مولي أم سلمة ، قالت اتي رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما ، لم يكن لهما بيّنة إلا دعواهما . فقال : (( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له علي نحو مما اسمع ، فمن قضيت له من حقه أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار)) ( رواه أبو داود في السنن ) وفيه : وبكي الرجلان ،وقال كل واحد مهما : حقي لك . فقال لهما النبي صلي الله عليه وسلم : أما إذا فعلتما ما فعلتما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحالا(2) .
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب هبة المرأة لغير زوجها في كتاب الهبة وفي باب تعديل النساء بعضهن بعضا من كتاب الشهادات وفي باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه وفي كتاب الجهاد وفي باب حديث الافك من كتاب المغزي وفي باب القرعة بين النساء إذا أرادوا سفرا من كتاب النكاح صحيح البخاري 3 / 208 227 – 4 / 60 ، ج 5 ، ص 148 – 149 ، وج 7 ، ص 43 ، وأخرجه مسلم في باب فضل عائشة في كتاب فضائل الصحابة وفي باب حديث الإافك وقبول توبة القاذف من كتاب التوبة صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 1894 – 2130 ، وابن ماجة ، ج 1 ، ص 633 والدارمي في بابالرجل يكون عنده النسوة وفي كتاب النكاح في باب خروج النبي صلي الله عله وسلم مع بعض نسائه في الغزو من كتاب الجهاد وسنن الدارمي ، ج 52 ، ص 144- 211 .
(2) - أخرجه أبو داود في باب قضاء القاضي إذا أخطأ في كتاب الأقضية سنن ابي داود ، ج 4 ، ص 13 – 14 ، والإمام أحمد في المسند ، ج 6 ، ص 320 ، وأخرجه مسلم في صحيحه بشرح النووي باب الحكم بالظاهر من كتاب الأقضية ، ج 11 - 12 ، ص 245 ، والطرق الحكمية ، ص 288 .(1/285)
ولا تشرع القرعة إلا عند تساوي الحقوق والمصالح عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد ، والرضا بما جرت به الأقدار وذهب إلي الحكم بالقرعة الحنابلة(1) والشافعية(2) والمالكية(3) والحنفية والقول بالقرعة مذهب عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه لثبوت شرعيتها بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالي : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } .
وقال تعالي : { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ } .
__________
(1) - المغني ، ج 24 ، ص 382 – 383 ، والطرق الحكمية ، ص 287 .
(2) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 480 .
(3) - تبصرة الحكام ، ج 2 ، ص 90 – 91 .(1/286)
وأما السنة فقال أحمد : في القرعة خمس سنن ، أقرع بين نسائه ، وأقرع في ستة مملوكين ، وقال للرجلين : استهما ، وقال (( مثل القائم علي حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة )) وقال : (( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه )) وفي حديث زبير أن صفية جاءت بثوبين ليكفن فيها حمزة رضي الله عنه ، فوجدنا إلي جنبيه قتيلاً ، فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب ، فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر ، فاقرعنا عليهما ثم كفّنا كل واحد في الثوب الذي صار(1) له وتشاح الناس يوم القادسية في الآذان ، فأقرع بينهم سعد(2) وأجمع العلماء علي استعمالها في القسمة ولا أعلم بينهم خلافاً في أن الرجل يقرع بين نسائه إذا أراد السفر بإحداهن . و إذا أراد البداية بالقسمة بينهن وبين الأولياء إذا تساوا وتشاحوا في من يتولي التزويج أو من يتولي استيفاء القصاص وأشباه هذا(3) . فالقرعة جاءت بها الشريعة من الكتاب والسنة ، وهي من الطرق التي يحكم بها وينفصل النزاع بها وهذا هو الراجح أما الذين قالوا بعدم جواز القرعة والحكم بها وأنها نوع من القمار فهذا قول رديء خبيث مخالف للنصوص الشرعية ورد علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في قضائه وفعله قال الله تعالي :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }.
وقال : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ }.
قال أحمد : القرعة في كتاب الله والذين يقولون القرعة قمار جهال .
(( كيفية القرعة ))
هناك طرق تستعمل لكيفية القرعة وهي :
__________
(1) - أخرجه الإمام أحمد في المسند ، ج 1 ، ص 165 .
(2) - أخرجه البخاري في باب الاستهام علي الآذان من كتاب الآذان صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 159 ، وأخرجه البيهقي في باب الاستهام علي الآذان من كتاب الصلاة السنن الكبري ، ج 1 ، ص 428 .
(3) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 382 – 383 .(1/287)
1- أن يقرع بالخواتيم تجمع وتوضع في ثوب ، ثم تدفع إلي رجل فيخرج منها واحدة .
2- أن نكتب رقاعاً صغاراً متساوية ، ثم تلقي في حجر رجل لم يحضر أو يغطي عليها بثوب ثم يقال له : ادخل يدك واخرج واحدة من الرقاع فيفضها ويعلم ما في فمن وقعت عليه وقع الحكم به قال الإمام أحمد : بأي شيء خرجت مما يتفقان عليه وقع الحكم به سواء كان رقاعاً أو خواتيم(1) .
- - -
الفصل التاسع عشر
(( الحكم بالفراسة ))
الفراسة في اللغة بالكسر : الاسم من قولك تفرّست فيه خيرا وهو يتفرس أي يثبت وينظر تقول منه رجل فارس النظر(2) وجاء في لسان العرب : الفراسة بكسر الفاء النظر والتثبت والتأمل للشيء والبصر به ويقال : إنه لفارس بهذا الأمر إذا كان عالماً به ، والفراسة بالكسر اسم من التفرس .
والفراسة في قولك تفرست فيه خيراً وتفرست فيه الشيء توسم والاسم الفراسة بالكسرة وفي الحديث اتقوا فراسة المؤمن(3) وجاء في القاموس المحيط الفراسة بالكسر اسم من التفرس(4) .
وهي في الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله علي أخلاقه وفضائله ورذائله(5) .
وقيل : الفراسة ناشئة عن وجود القريحة ، وحدة النظر وصفاء الفكر ولابن القيم جواب عندما سئل عن الحاكم أو الوالي يحكم بالفراسة والقرائن التي يظهر له بها الحق فقال : هذه مسألة كبيرة عظيمة النفع جليلة القدر إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقا كثيرا ، وأقام باطلا كبيرا ، وإن توسع وجعل معوله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع في أنواع من الظلم والفساد .
واستطرد قائلا فهاهنا نوعان من الفقه لابد للحاكم منها :
__________
(1) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 383 .
(2) - الصحاح ، ج 3 ، ص 958 ، ومختار الصحاح للرازي ، ص 208 .
(3) - للسان العرب ، ج 4 ، ص 160 ، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال اتقوا فراسة المؤمن .
(4) - القاموس المحيط للفيروزبادي ، ج 2 ، ص 245 .
(5) - القاضي عياض والفراسة ، ص 99 .(1/288)
1- فقه في احكام الحوادث الكلية .
2- فقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز بين الصادق ، والكاذب والمحق ، والمبطل ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع .
وإلي الحكم بالفراسة ذهب الحنابلة والمالكية واجمع الفقهاء – رحمهم الله - علي أن يلزم لصحة تقليد القاضي أن يكون عاقلا ، والمقصود بالعقل ما يتوصل به صاحبه إلي فهم ما أشكل ، وفصل ما يصعب وهو مطلق الفطنة ومن الفطنة التوصل غلي الحقيقة بما ألهمهم الله من الذكاء وأحوال الناس ودلائل الحال ، ومن ذلك ما ذكره الله في قوله تعالي :
{ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }(1) .
فتوصل بقدَّ القميص إلي تمييز الصادق منهما من الكاذب .
ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات إذا ظهرت لم يقدَّموا عليها شهادة تخالفها ، ولا إقراراً وصرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بشهود فرَّقهم وسألهم ، كيف تحملوا الشهادة وأين تحملوها ؟ وذلك واجب عليه متي عدل عنه إثم وجار في الحكم(2) .
(( أقسام الفراسة ))
تنقسم الفراسة غلي ثلاثة أقسام :
__________
(1) - سورة يوسف آية [25 – 26 – 27 – 28] .
(2) - كتاب عياض والفراسة ، ص 103 .(1/289)
القسم الأول : فراسة إيمانية أو نورانية ، وهي ناشئة عن نور يقذفه الله تعالي في قلب عبده المؤمن االقوي في إيمانه ، يفرق بين الحق والباطل والصادقوالكاذب وهذه فراسة علي حسب قوة الإيمان فمن كان أقوي إيمانا فهو حاد الفراسة . ولهذا عدة امثلة من عمل الصحابة ، انظر كتاب القاضي إياس بن معاوية والقضاء بالفراسسة للدكتور/ محمد بن سنان .
القسم الثاني : الفراسة الرياضية وتحصل للإنسان بالتخلي عن الناس والجوع والسهر ، وذلك أن النفس إذا تغلبت علي غرائزها وميولها وتحررت عن الهوي والشهوات حصل لها من الفراسة بمقدار تجردهم(1) .
جاء في مدارج السالكين : أن الفراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل علي إيمان ، ولا ولاية ، وكثير من الجهّال اغتربها ، وللرهبان فيها وقائع معلومة . وهي فراسة لا تكشف عن حق نافع ، ولا طريق مستقيم . بل كشفها جزئي عن جنس فراسة الولاة وأصحاب معبري الرؤية والأظناء ونحوهم(2) .
القسم الثالث : فراسة خلقية وهي الاستدلال بهيئة الإنسان وشكله ولونه وفعله وقوله علي سمح نفسه ، أو دناءتها وبعبارة مختصرة الاستدلال بالخلق علي الخلق ومن أمثلة ذلك سعة الصدر واحتماله وبسطته(3) .
__________
(1) - القاضي اياس والفراسة للدكتور / محمد بن علي سنان ، ص 122 .
(2) - مدارج السالكين ، ج 2 ، ص 507 ، وشرح العقيدة الطحاوية ، ص 499 .
(3) - القاضي اياس والفراسة ، ص 113 .(1/290)
قال ابن القيم في مدارج السالكين : والفراسة الخلقية وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخلق علي الخلق لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله ، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة علي صغر العقل وبكبره وبسعة الصدر ، وبعد ما بين جانبيه علي سعة خلق صاحبه واحتماله وبسطته وبضيقه علي ضيقه ، وبجمود العين الخارجةعن العادة وكلال نظرها من بلادة صاحبها ، وضعف حرارة قلبه . وبشدة بياضها مع إشرابها بحمرة وهو الشكل الذي يدل علي شجاعته وإقدامه ، وفطنته . وبتدويرها مع حمرتها وكثرة تقلبها علي خيانته ومره وخداعه ، ومعظم تعلق الفراسة بالعين فإنها مرآة القلب وعنوان ما فيه ، ثم اللسان فإنه رسوله وترجمانه(1) وجملته أنها تتعلق بثلاثة اشياء بعينه واذنه وقلبه ، فعينه للسيماء والعلامات ، وأذنه للكلام وتصريحه وتعريضه ومنطوقه ومفهومه وفحواه و إشارته ولحنه و إيمانه وقلبه للعبور والاستدلال من المنظور والمسموع إلي باطنه وخفيه .
__________
(1) - مدارج السالكين ، ج 2 ، ص 508 .(1/291)
ومن أنواع الفراسة ما ارشدت إليه السنة النبوبية من التخلص من المكروه بأمر سهل جدا من تعريض بقول ، أو بفعل . ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجل يا رسول الله إن لي جار يؤذيني . قال : (( انطلق فأخرج متاعك إلي الطريق )) فانطلق فأخرج متاعه فاجتمع الناس إليه فقالوا : ما شأنك ؟ فقال إن لي جار يؤذيني ، فجعلوا يقولون : اللهم إلعنه اللهم أخرجه ؛ فبلغه ذلك فأتاه الرجل فقال : أرجع إلي منزلك ، والله لا أوذيك ابدا . فهذه وأمثالها هي الحيل التي أباحتها الشريعة وهي تحيل الإنسان بفعل مباح علي تخلصه من ظلم غيره وآذاه ، لا احتيال علي إسقاط فرائض الله واستباحة محارمه . وقد ألفت كتب في الفراسة والحكم بالقران كالطرق الحكمية لابن القيم وغيرها من كتبه ، والقاضي إياس والقضاء بالفراسة . ولا تخلو كتب الفقهاء منها ومن فراسة القاضي إياس بن معاوية ما يلي :
أودع رجلا كيسا فيه دنانير ، فغاب خمسة عشر سنة ثم رجع ، وقد فتق المودع الكيس من أسفله فأخذ ما مكانه دراهم ، والخاتم علي حاله فنازعه فقال إياس : منذ كم اودعته ؟ قال : منذ خمس عشرة سنة . فسأل المودع فقال : صدق فأخرج إياس الدراهم فوجد فيها ما ضرب منذ عشر سنين وخمس سنين فقال للمودع : أقررت أنه أودعك منذ خمس عشرة سنة وهذا أُرضرب أحدث مما ذكرت . فأقر له بوديعته فدفعها له . أ . هـ .
ومن الفراسة تولية ابي بكر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما . قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالي عنه : أفرس الناس ثلاثة الملك حين تفرَّس بيوسف ، والقوم فيه زاهدون ، والمرأة التي تفرَّست موسي فقالت : { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }(1) .
__________
(1) - سورة القصص آية [26] .(1/292)
وأبو بكر حين تفرَّس عمر فاستخلفه . وقد روي ابن جرير الطبري – رحمه الله – أن أبا بكر الصديق توقع اللين من عمر إذا ولي الخلافة قال : لما نزل بأبي بكر – رحمه الله – الوفاة دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : اخبرني عن عمر فقال : يا خليفة رسول الله هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ، ولكن فيه غلظة فقال أبو بكر : ذلك لأنه يراني رقيقا ، ولو أفضي الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه ، ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت علي الرجل في الشيء أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه(1) .
قال ابن القيم : السياسة نوعان ، سياسة ظالمة فالشريعة تحرّمها ، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر فهي الشريعة ، علمها من علمها وجهلها من جهلها ولا تنسي في هذا الموضوع قول نبي الله سليمان صلي الله عليه وسلم للمرأتين اللتين ادعتا الولد فحكم به داود صلي الله عليه وسلم للكبري فقال سليمان : (( ائتوني بالسكين أشقه بينكما)) فسمحت الكبري بذلكك وقالت الصغري : (( لا تفعل يرحمك الله هو ابنها ))(2) فقضي للصغري . فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة الظاهرة ، فاستدل برضا الكبري بذلك وأنها قصدت الاسترواح إلي التأسي بمساواة الصغري في فقد ولدها ، وشفقة الصغري عليه وامتناعها من الرضا بذلك علي أنها أمه ، وأن الحامل لها علي الامتناع من الدعوي ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها الله في قلب الأم(3) .
__________
(1) - كتاب القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 130 – 140 .
(2) - أخرجه السيوطي في سننه شرح السيوطي حاشية السندي باب آداب القضاة ، ج 4 ، ص 234 .
(3) - الطرق الحكمية لابن القيم ، ص 5 .(1/293)
والذي يترجح لديَّ أن الفراسة لا تكفي للحكم بها دون الاعتبارات الشرعية الأخري ، وإنما هي وسيلة تساعد الحاكم أو القاضي علي إظهار الحق واعتراف الخصم . قال ابن القيم : وغن توسع وجعل معوله عليه دون الأوضاع الشرعية وقع في أنواع من الظلم والفساد والله أعلم .
- - -
الفصل العشرون
(( الحكم بشهادة الصبيان المميزين ))
اختلف العلماء في الحكم بشهادة الصبيان المميزين فذهب الشافعي(1) وأبو حنيفة(2) ورواية عن الإمام أحمد(3) غلي عدم قبول شهادة الصبيان . وعن الإمام أحمد رواية ثانية : أن شهادة الصبي المميز مقبولة إذا وجد فيها بقية الشروط ، وعنه رواية ثالثة : أنها تقبل في جراح بعضهم بعضا إذا أدوها قبل تفرقهم وهذا قول مالك وقال قتادة عن الحسن قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : شهادة الصبي علي الصبي جائزة . وقال الحسن : قال معاوية : شهادة الصبيان علي الصبيان جائزة مالم يدخلوا البيوت فيعلموا . وعن علًّي مثله أيضا ، وقال ابن حزم : صح عن ابن الزبير أنه قال إذا حيز بهم عند المصيبة جازت شهادتهم قال أبو مليكة : فأخذ القضاة بقول ابن الزبير ، واجاز عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شهادة الصبيان بعضهم علي بعض في الجراح ، فإذا بلغت النفوس فقضا بشهادتهم مع أيمان الطالبين .
وقال ربيعة : تقبل شهادة بعضهم علي بعض ما لم يتفرقوا(4) وبعد الاطلاع علي أقوال الصحابة والتابعين والأئمة الربعة بين مجيز ومانع يتلخص لي ما يلي :
1- لا شك أن الصبيان ينقصهم كثير من الأمور التي تترتب علي الشهادة وخطرها .
2- إن البلوغ شرط من شروط الشهادة والصبي لم يتوفر فيه هذا الشرط .
__________
(1) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 427 .
(2) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 11 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 146 ، والعدة شرح العمدة ، ص 648 ، ومنتهي الإرادات ، ج 2 ، ص 657 .
(4) - الطرق الحكمية ، ص 170 – 171 .(1/294)
3- العدالة مطلوبة في الشاهد والصبي لا تعرف عدالته ولا يحتاج إلي تعديل وجرح وقد قال الله سبحانه وتعالي : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ }(1) .
{ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }(2) .
{ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء }(3) .
والصبي ليس برضي لأنه غير موثوق به .
4- ويحمل كلام من أجاز شهادة الصبيان علي حالة واحدة ، وهو علي ما يحصل من مضاربة في أماكن تجمعهم ولعبهم إذا حيز بهم وأخذت أقوالهم قبل اختلاطهم بأحد جاز أخذ شهادتهم في هذه الحالة ، وهي راي كثير من العلماء وهذا ما ترجّح لدي والله أعلم .
- - -
الفصل الواحد والعشرون
(( الحكم بشهادة العبد والأمة ))
في مذهب الإمام أحمد(4) يحكم بشهادة العبد والأمة في كل ما يقبل فيه شهادة الحر والحرة ، ونقل عنه تقبل في كل شيء إلا في الحدود والقصاص لاختلاف العلماء في قبول شهادته .
ورجّح ابن القيم الأول ، وذهب مالك(5) والشافعي(6) وأبو حنيفة(7) إلي عدم قبول شهادة العبد ، وانتصر ابن القيم لما ذهب إليه الإمام أحمد في قبوله شهادة العبد من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وصريح القياس وأصول الشرع ، وليس مع مَنْ ردها كتابُُ ولا سنة ولا إجماع ولا قياس . قال تعالي : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }(8) .
{ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ }(9) .
__________
(1) - سورة البقرة آية [282] .
(2) - سورة الطلاق آية [2] .
(3) - سورة البقرة آية [282] .
(4) - الطرق الحكمية ، ص 165 .
(5) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 172 .
(6) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 427 .
(7) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 3 - 16 .
(8) - سورة القرة آية [143] .
(9) - سورة الطلاق آية [2] .(1/295)
وقوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ }(1) .
وهو من الذين آمنوا قطعا فيكون من الشهداء بذلك .
وقوله تعالي : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }(2) .
والعبد المؤمن الصالح من خير البرية فيكيف ترد شهادته ؟ وقد عدّله الله ورسوله كما في الحديث الصحيح المعروف المرفوع يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين والعبد يكون من حملة العلم فهو عدل بنص الكتاب والسنة . فأجمع الناس علي أنه مقبول الشهادة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا روي عنه الحديث فكيف تقبل شهادته علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا تقبل شهادته علي واحد من الناس ؟ وقال الثوري عن عمار الدهني قال : شهدت شريحا شهد عنده عبد علي دار وأجاز شهادته فقيل : إنه عبد . فقال شريح : كلنا عبيد و إماء(3) .
والراجح قبول شهادة العبد إذا توافرات فيه العدالة ، وهذا ما ذهب غليه الحنابلة للنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم .
- - -
الفصل الثاني والعشرون
(( الإنكار المجرَّد ))
ذكر ابن القيم : أن من الطرق التي يحكم بها الحاكم الإنكار المجرد وأورد له صورا منها :
1- إذا أدعي رجل ديناً علي ميّت ، أو أنه أوصي له بشيء ،وللميت وصيُّ بقضاء دينه ، و إنقاذ وصاياه فأنكر ، فإن كان للمدعي بّنة حكم بها ، لأن مقصود التحليف أن يقضي عليه بالنكول إذا امتنع مع اليمين والوصي لا يُقبل إقراره بالدين والوصية ولو نكل لم يقض عليه ، فلا فائدة في تحليفه ولو كان كان وارثا لاستحلف وقضي بنكوله .
__________
(1) - سورة النساء آية [135] .
(2) - سورة البينة آية [7] .
(3) - الطرق الحكمية ، ص 165 – 166 ، وأعلام الموقعين ، ج 1 ، ص 105 .(1/296)
2- أن يدعي علي القاضي أنه ظلمه في الحكم ، أو علي الشاهد أنه تعمد الكذب أو الخلط أو أدعي عليه ما يسقط شهادته لم يحلفا لارتفاع منصبها عن التحليف(1) .
- - -
الفصل الثالث والعشرون
(( الحكم باليد المجرَّدة ))
ومن الطرق التي يحكم بها الحاكم اليد المجردة التي لا تفتقر إلي يمين وذلك في الصور الآتية :
1- إذا كان وصياً علي طفل أو مجنوناً وفي يده شيء انتقل إليه عن أبيه ، كان مجرد اليد كافبا في الحكم به له من غير يمين لا علي الطفل ، ولا علي الوصي . أما الطفل فلعدم صحة اليمين منه وأما الوصي فلأنه ليس المدعَي عليه في الحقيقة ولا يتوجه عليه اليمين .
2- أن يدعي عليه صاحب اليد دعوي يكذبه فيها الحس فلا يحلف له صاحب اليد ، بل ولا تسمع دعواه ، كما إذا ادعي علي مَنْ في يده عبد أنه ابنه ، وهو اكبر من المدعي وهذا لأن اليمين إنما تشرع في جانب من رجح جانبه مع احتمال كونه مبطلا ، فإذا لم يحتمل ذلك لم يكن في اليد فائدة(2) .
- - -
الفصل الرابع والعشرون
(( علم القاضي ))
__________
(1) - الطرق الحكمية ، ص 109 .
(2) - الطرق الحكمية ، ص 108 .(1/297)
ومن الطرق التي يري بعض العلماء الحكم بها عليم القاضي ، وقد أفردت في هذا فصلا مستقلا علي صفحة 95 ، وأحب هنا أن أضيف ما فاتني هناك ، وخاصة فيما سمعه القاضي في مجلسه من الطرفين أثناء المحاكمة في أثناء سماع الدعوي والإجابة من الطرفين المتنازعين . علي النحو التالي : إذا أقر المدعي عليه بما أدعاه المدعي في مجلس حكمه فاللقاضي أن يكم بإقراره ، واعترافه في مجلس الحكم لأن الإعتراف سيد الأدلة ويشهد علي ذلك شاهدان نسميهما شاهدي حال ، فإذا لم يوجد شاهدا حال فعلي الصحيح الحكم بإقراره ، لأن مجلس الحكم خاص بالمحاكمة ، وقد نُصَّب القاضي من أجل إظهار الحق ، وقد ظهر له فلا يعدل عنه إلي غيره ، لأن عدوله يعتبر ضياعاً للحقوق ، ومن الظلم الذي نهي الله عنه . وهي رواية عن الإمام أحمد ليس له أن يحكم بعلمه في غير مجلسه(1) ، وبه قال أبو حنيفة ومطرف وابن الماجشون ، واصبع وسحنون من المالكية ، ويوافقهه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين قال : اعترف رجل عند شريح بأمر ثم أنكره فقضي عليه باعترافه ، فقال : عليَّ بغير بينة ؟ فقال أشهد عليك ابن أخت خالتك يعني نفسه(2) .
2 – للقاضي أن يحكم بما يعلمه عن الشاهدين من جرح أو تعديل قال ابن حجر : اتقفقوا علي أنه يقضي في قبول الشاهد ورده بما يعلمه منه من جرح وتعديل أو تزكية(3) .
- - -
الفصل الخامس والعشرون
(( العرف ))
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 14 – 33 .
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 13 ، ص 161 ، وتبصرة الحكام ، ج 2 ، ص 48 .
(3) - بداية المجتهد ، ج 2 ، ص 470 ، وتبصرة الحكام ، ج 2 ، ص 45 ، وفتح الباري ، ج 13 ، ص 161 .(1/298)
من الطرق التي يُحكم بها العُرف الذي تعارفه أهل البلد ، وجرت عاداتهم عليه إذا لم يخالف نصوص الشرع . قال تعالي : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }(1) . والعرف والمعروف والعارفة كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس(2) .
قال الشاعر :
مَنْ يَفعل الخيرَ لا يعدمُ جَوَازيَه لا يذهبُ العُرفُ بين اللّهِ والنّاس ِ
وكمثال علي ذلك في الصور الآتية :
1- اختلاف الزوجين في متاع البيت ، ولا زالت المرأة في عصمة ، أو بعد طلاق أو موت وسواء كانت الدعوي بين الزوجين ، أو بين الزوجة وورثة زوجها بعد وفاته أو بين الزوج وورثة زوجته بعد وفاتها ، فالحكم في ذلك للمرأة بما يعرف للنساء وللرجل بما يعرف للرجال وما يصلح لهما يحكم به للزوج لأن البيت بيته وتحت يده فتقدم اليد . وقيل ما يصلح للرجال والنساء يقسم بنهما ومن قضي له بسيء حلف عليه وأخذه .
__________
(1) - سورة الأعراف آية [199] .
(2) - الجامع لأحكام القرآن القرطبي ، ج 7 ، ص 346 .(1/299)
2- ما تعارف عليه أهل بلد من مساقي المياه فهي عرفية ونظرية فالاهتمام بها مطلوب ، ولا تحتاج إلي تأجيل كالقضايا الأخري لأن ذلك يفوت مصالح المواطنين ، من سقي مزراعهم . ويشجع أهل الشر في التمادي في الباطل لا سيما إذا كانت نازلة فإن العرف في هذه الحالة في جهتنا أن يختار المتنازعان محمكمين أو أمناء أو عدولا وهي بمعني واحد للوقوف علي الطبيعة والنظر فيما يقتضيه عرف الجهة والحكم بينهما ، وذلك في حالة اعتراض المدعي عليه علي الماء وتحويله إلي جهة أخري فأهلب الخبرة والعرف يقررون الللازم ويعملون علي إعادة المياه ، إلي مجاريها الأصلية المتعارف عليها ، لأن فيها تخفيف الضغط علي المحاكم ، ولأن المحكمين هما من أعوان القاضي كما مر بك ، وفيها أيضاً تخفيف علي المراجعين وإنجاز قضاياهم ولا داعي لتطويل مثل هذه القضايا لأن التطويل يعتبر ضياعاً للحقوق ويسبب فتناً ومشاحنات وربما مضاربات حيث أن المزراع بهذه الجهة تسقي علي مياه الأمطار والسيول النازلة من أعالي الجبال في فترة قصيرة لا تحتمل التأخير والممماطلة وتحديد جلسات ، ومن الإنصاف مراعاة ظروف الناس و إعطاء القضايا المستعجلة الأهمية والأولوية .
3- العرف له دخل في معرفة الإحياء وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالإحياء ، ويختلف إحياء الأرض والعقار من بلد لآخر ، فما يسمي إحياء في جنوب المملكة العربية السعودية ، قد لا يسمي إحياء في شمالها فعرف الجهة هو الذي يحدد الإحياء الذي يملك به العقار سواء كان زراعيا أو سكنيا .
- - -
الفصل السادس والعشرون
(( الكتابة ))
من الطرق التي يحكم بها القاضي الكتابة ، حيث ورد الأمر بالكتابة بالديون المؤجلة في قوله تعالي :
{(1/300)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } .
فقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ }(1) .
هذا إرشاد منه تعالي لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك احفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها ، وقد نبه علي هذا في آخر الآية حيث قال :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } وقوله الاية : { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ } أمر منه تعالي بالكتابة للتوثيق والحفظ وقد امر الله بالإشهاد بقوله : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ } .
مع الكتابة لزيادة التوثيق(2) ولم يأمر الله بالكتابة إلا لحفظ الحقوق وحفظ مقدارها وميقاتها ، والضبط للشاهد فيها ، وكذلك الحكم بها عند التنازع . وقسم ابن فرحون الخطوط إلي ثلاثة أقسام :
__________
(1) - سورة البقرة آية [282] .
(2) - تفسير ابن كثير ، ج 1 ، ص 334 .(1/301)
القسم الأول : خط الشاهد ، الذي يتعذر حضوره عند القاضي لموته ، أو غيبته والمشهور من المذهب المالكي أنه جائز ورواية أخري عن مالك أيضاً لا يجوز .
القسم الثاني : خط المقر ، لم يختلف مالك وأصحابه في جواز الشهادة علي خط المقر .
القسم الثالث : شهادة الشاهد علي خط نفسه في الوثيقة ، إذا علم أنه خطه ولم يذكر الموطن . والمروي عن مالك أنه إذا لم يشك في خطه ، ولم ير في الكتابة محواً ولا إلحاقاً ، ولا شيئاً يكرهه فليشهد به(1) فإذا لم يذكر أين حصل وكيف فهل له أن يشهد والحالة ما ذكر علي قولين :
1- لا يشهد حتي يذكر ويعلم لقوله تعالي : { وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } .
2- القول الثاني له أن يشهد بما سبق أن شهد عليه ووقعه أو كتبه بخط يده لأنه تأكد له صحة كتابته وتوقيعه ، ولم يبق له أدني شبهة وقد شرع الله الكتابة في قوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } .
وذك لحفظ الحقوق وحتي لا تضيع بالنسيان ومن أجل ذلك شرعت الكتابة .
- - -
فصل في
(( الشهادة علي الشهادة ))
اتفق العلماء علي جوازها ، واختلفوا هل تقبل في كل شيء . فذهب مالك(2) والشافعي(3) في قول وابو ثور إلي قبولها في الحدود وكل حق لأن ذلك يثبت بشهادة الأصل فيثبت بالشهادة علي الشهادة .
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 285 وما بعها باختصار .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 282 .
(3) - مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 452 .(1/302)
وذهب الحنابلة(1) والحنفية إلي قبولها في الأموال وما يقصد به المال ولا تقبل في حد وهذا قول النخعي والشعبي واحتج ابن قدامة للمذهب الحنبلي بقوله : إن الحدود مبنية علي الستر والدرء للشبهات والإسقاط بالرجوع عن الإقرار والشهادة علي الشهادة فيها شبهة ، فإنها يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو الكذب في شهود الأصل وهو معتبر بدليل أنها لا تقبل مع القدرة علي شهود الأصل فوجب ألا تقبل فيما يندريء بالشبهات ولأنها إنما تقبل للحاجة ولا حاجة لها في الحد لأن ستر صاحبه أولي من الشهادة عليه ، ولأنه لا نص فيها ولا يصح قياسها علي الأموال لما بينهما من الفرق في الحاجة والتساهل فيها . ولا يصح قياسها علي شهادة الأصل فيما ذكرنا من الفرق فبطل إثباتها . وقال : وظاهر كلام أحمد أنها لا تقبل في القصاص أيضاً ولا حد القذف ، لأنه قال : إنما تجوز في الحقوق وأما الدماء والحد فلا (2) .
وقال ابن حزم : تقبل الشهادة علي الشهادة في كل شيء لأن تخصيص حد أو غير لا يجوز غلا بنص ولا نص في ذلك(3) .
(( شروط الشهادة علي الشهادة ))
اشترط الفقهاء لقبول الشهادة علي الشهادة أربعة شروط :
الأول : أن تتعذر شهادة الأصل لموت أو غيبة او مرض أو حبس أو خوف من سلطان أو غيره ، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد .
الثاني : أن تتحقق شروط الشهادة من العدالة وغيرها في كل واحد من شهود الأصل والفرع .
الثالث : أن يعين شاهدي الأصل ويسميانهما .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 199 ، والعدة شرح العمدة ، ص 655 ، وكشاف القناع ، ج 6 ، ص 438 ، والمقنع ، ج 3 ، ص 712 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 200 .
(3) - المحلي لابن حزم ، ج 9 ، ص 438 .(1/303)
الرابع : أن يسترعيه شاهد الأصل الشهادة فيقول : إشهد علي شهادتي أني اشهد أن لفلان علي فلان كذا ، أو أقر عندي بكذا ، أو يسمع شاهدا يسترعي آخر شهادة يشهده عليها فيجوز لهذا السامع ان يشهد إلا أن يسترعيه بعينه وهو قول أبي حنيفة . قال أحمد : لا تكون شهادة إلا أن يشهدك ، وأما إذا سمعته يتحدث فإنما ذلك حدي . قال ابن قدامة : وبما ذكرناه قال الشافعي ، وأصحاب الرأي وأبو عبيد .
قال ابن سهل : وصورة نقل الشهادة عن المريض أن يكتب شهد عند القاضي فلان بن فلان وفلان بن فلان وان فلانا أشهدهما لمرضه المانع له من الخروج أن شهادته الواقعة في هذا الكتاب حق حسب وقوعها فيه . أ . هـ .
قال ابن فرحون : أما المرأة فإنه ينقل عنها مع حضورها في البلد لما ينالها من الكشف والمشقة ، ولا تنقل المرأة شهادة احد من الرجال ، ويجوز شهادة النساء علي شهادة غيرهن فيما تجوز فه شهادتهن وليكن معهن رجل ومنع من ذلك اشهب وعبد الملك مطلقا ، وأجاز اصبغ نقل أمرأتين عن أمرأتين فيما ينفردن به(1) وبمثل هذا ذكره ابن قدامة(2) ، واشترط افما أحمد شرطاً خامساً في شروط الشهادة علي الشهادة وهي الذكورية في شهود الفرع فلا يقبل في شهود الفرع نساء بحال(3) ، وغلي ذلك ذهب مالك والثوري والشافعي وقيل لأحمد : فشهادة امرأتين علي أمرأتين تجوز ؟ قال : نعم(4) وقال بعض الشافعية : ولا يقبل في الشهادة علي الشهادة ، وكتاب القاضي إلي القاضي شهادة النساء لأنه ليس بمال ولا المقصود منه المال وهو مما يطلع عليه الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء كالنكاح (5) .
(( نصاب شهادة الفرع ))
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 282 – 283 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 204 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 204 – 205 .
(4) - المصدر السابق ، ص 205 .
(5) - تكملة المجموع ، ص 268 ، ج 20 .(1/304)
يجوز أن يشهد علي كل واحد من شاهدي الأصل شاهد فرع ، فيشهد شاهدان علي شاهدي أصل . قال القاضي : لا يختلف كلام أحمد في هذا وهو قول شريح والشعبي والحسن وابن شبرمة وابن أبي ليلي والثوري واسحق والبتي والعنبري ونمير بن قوس .
قال اسحاق : لم يزل اهل العلم علي هذا حتي جاء هؤلاء . وقال أحمد : وشاهد علي شاهد يجوز لم يزل الناس علي ذا شريح فمن دونه(1) و إلي قبول شهادة الواحد علي الواحد ذهب ابن حزم(2) وذهب ابو حنيفة ومالك(3) والشافعي(4) إلي أنه لا يقبل علي كل شاهد أصل إلا شاهد فرع .
وقد جازت الشهادة علي الشهادة للضرورة فلو لم تقبل شهادة الفرع علي الأصل لحصل ضرر علي الناس ، ولربما ضاعت حقوقهم فجاز ان تقبل شهادة الفرع كشهادة الأصل ، ولا تبطل شهادة الفرع بموت شاهدي الأصل بل إن الحاجة إليهما بعد موت شاهد الأصل أكد وأشهر وبعض الفقهاء يشترط لقبول شهادة الفرع تعذر أو تعسر الأصي بموت أو عمي(5) .
- - -
فصل
(( إذا غير الشاهد شهادته ))
ويتكون من ثلاثة مباحث
المبحث الأول :
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 206 .
(2) - المحلي ، ج 9 ، ص 438 .
(3) - تبصرة الحاكم ، ج 1 ، ص 284 .
(4) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 455 .
(5) - المصدر السابق ، ج 4 ، ص 455 .(1/305)
إذا غير الشاهد العدل شهادته قبل الحكم بحيث يشهد شاهد العدل ثم يراجع نفسه ، ويظهر له زيادة او نقصانُ في أقواه ، وأراد التصحيح فإن له ذلك ، مثل أن يشهد بألف ريال ويتضح له أن المبلغ أكثر أو أقل فله أن يرجع عن شهادته ، ويصحح الخطأ ، وعلي القاضي قبول رجوعه إذا كان لم يحكم في القضية ، ويحكم بما شهد به أخيرا . وقيل : تبطل شهادته . وقيل : يؤخذ بأول قولية لأنه أداها وهو غير متهم فلم يقبل رجوعه عنها كما لو اتصل به الحكم . ورجّح المقدسي شارح العمدة بما نصه . (( ولنا أن شهادته الأخيرة من عدل غير متهم لم يرجع عنها ، فوجب أن يحكم بها كما لو لم يتقدمها ما يخالفها ، وأما الشهادة الأولي فلا يحكم بها لأنه رجع عنها فزالت برجوعه ، وهي شرط الحكم فيعتبر استمرارها إلي انقضائه ))(1) .
و إلي جواز تغيررر العدل شهادته بحيث زاد فيها أو نقص ذهب الحنابلة(2) وأبو حنيفة والثوري وسليمان بن حبيب واسحق . وذهب مالك إلي أنه يؤخذ بأول قوليه لأنه أدي الشهادة وهو غير متهم فلم يقبل رجوعه عنها .
__________
(1) - العدة شرح العمدة للمقدسي ، ص 657 .
(2) - العدة شرح العمدة ، ص 656 ، والمغني ، ج 14 ، ص 264 .(1/306)
وقال الزهري : لا تقبل شهادته الأولي ولا الأخيرة لأن كل واحدة منهما ترد الأخر يوتعارضها ، ولأن الأولي مرجع عنها ، والثانية غير موثوق بها لأنها من مقر بغلطه وخطأه في شهادته فلا يؤمن أن يكون في الغلط كالأولي. ويترجّح لديَّ ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية ومن معهم إلي جواز تغيير العدل شهادته ويحكم بما شهد به أخيرا لأن شهادته الأخيرة من عدل غير متهم لم يرجع عنها فوجب الحكم بها .. كما لم يتقدمها ما يخالفها وتعارضها الأولي لأنها قد بطلت برجوعه عنها ، ولا يجوز الحكم بها لأنها شرط الحكم ، فيعتبر استمرارها إلي انقضائه ، وهذا هو الصواب لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم وراجعت عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلي الحق فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل(1) .
وكذلك الشاهد لا تمنعه شهادة شهد بها اليوم فراجع عقله وهدي لرشده أن يرجع إلي الحق ، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، وعلي حاكم القضية قبول رجوعه وتصحيح خطأه إّا كان الشاهد معروفة عدالته.
المبحث الثاني :
إذا حدث من الشاهد ما يمنع قبول شهادته كفسق بعد ادائها وقبل الحكم بها ردت شهادته ، ولم يجز الحكم بها لأن العدالة شرط في الشهادة ، ومن شروط الحكم العدالة في الشاهد لقوله تعالي : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} وليس هذا بعدل فترد شهادته ، و إن كان فسق بعد حكم الحاكم بشهادته لم ينقض الحكم . لأن الحكم تم بشرطه وهي شهادة عدل وقد وجدت .
__________
(1) - هذا مقطع من حديث عمر بن الخطاب إلي أبي موسي وقد تقدم تخريجه علي ، ص 71 – 82 .(1/307)
قال بعض الشافعية : إن شهد ثم فسق قبل الحكم لم يجز الحكم بشهادته ، لأن الفسق يوقع شكا في عدالته عند الشهادة فمنع الحكم بها ، و إن شهد علي رجل ثم صار عدوا له بأن قذفه المشهود عليه لم تبطل شهادته لأن هذه عداوة حدثت بعد الشهادة فلم تمنع من الحكم ، و إن شهد وحكم الحاكم بشهادته ثم فسق فإن كان في مال أو عقد لم يؤثر في الحكم لأنه يجوز أن يكون حادثا ويجوز أن يكون موجودا عند الشهادة فلا ينتقض حكم نفذ بأمر محتمل و إن كان في حدَّ أو قصاص لم يجز الاستيفاء لأن ذلك يوقع شبهة في الشهادة والحد والقصاص مما يسقطان بالشبهة فلم يجز استيفاؤه مع الشبهة(1) .
المبحث الثالث :
إذا شهد شهود ثم رجعوا عن شهادتهم بعد الحكم لم ينقض الحكم لأنه تم بشرطه ، فلم يجز نقضه لاحتمال أن الشهود كذبوا في الرجوع لا في الشهادة ، لما استجد بينهم وبين من شهدوا له من خصومه أدت إلي تراجعهم عن شهادة حق قد أدوها من باب الإضرار به والحسد ، وقد حصل من هذا النوع في زمننا الحاضر كثير يعرفه رجال القضاء ، فيثبت الحكم في الحقوق المالية ويجب تنفيذه . أما إذا رجعت الشهادة في الحدود والقصاص قبل الاستيفاء فيعدل عن الحكم بالقصاص والحدو بالشبهة وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( ادرؤا الحدود بالشبهات )) وإن كان رجوعهم بعد تنفيذ الحكم بالقصاص ، وقالوا : أخطأنا فعليهم دية ما تلف بشهادتهم لأنهم تسببوا إلي الجناية خطأ ، ولا تحملها العاقلة لأنها وجبت باعترافهما ، وهي لا تحمل ما وجب بالاعتراف وعليهم غرامة ما فات بشهادتهم بمثله إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن مثليا للمشهود عليه لأنهم حالوا بينه وبين ماله بعدوان فلزمهم الضمان ، ويكون الضمان بينهم علي عددهم بالتساوي .
__________
(1) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 282 .(1/308)
أما إذا كان المشهود به قتلا أو جرحا فقالوا : تعمدنا . فعليهم القصاص لأنهم تسببوا في قتل من شهدوا عليه عمدا وعدوانا فلزمهم القصاص كما لو باشروا القتل . و إن قالوا أحطأنا . غرموا الدّية وأرشي الجرح ، لأنهم تسببوا في القتل فلزمهم ضمان بأرشه كما لو باشروه ومثله قال بعض الشافعية(1) : قال ابن قدامة : إن الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد أدائها لم يخل من ثلاث أحوال :
الحال الأول : أن يرجعوا قبل الحكم بها فلا يجوز الحكم بها في قول عامة أهل العلم ، وحكي عن أبي ثور أنه شذ عن أهل العلم وقال : يحكم بها لأن الشهادة قد أديت فلاتبطل برجوع من شهد بها .
الحال الثاني : أن يرجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء فينظر فإن كان المحكوم به عقوبة كالحد والقصاص لم يجز استيفاؤه لأن الحدود تدرأ بالشبهات ورجوعها من أعظم الشبهات .
وفارق المال فإنه يمكن جبره بإلزام الشاهدين عوضه ، والحد والقصاص لا ينجز بإيجاب مثله علي الشاهدين لأن ذلك لا يجبر ، ولا يحصل لمن وجب له منه عوض .
__________
(1) 1- تكملة الجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 287 .(1/309)
الحال الثالث : أن يرجع ا بعد الاستيفاء فغنه لا يبطل الحكم ، ولايلزم المشهود له شيئا سواء كان المشهود به مالاً أو عقوبة لأن الحكم قد تم باسيفاء المحكوم به ووصول الحق غلي مستحقيه ، ويرجع به علي الشاهدين ثم ينظر فإن كان الشهود به إتلافا في مثله القصاص كالقتل والجرح نظرنا في رجوعهما . فإن قالا : عمدنا الشهادة عليه بالزور ليقتل أو يقطع فعليهما القصاص . وبهذا قال أبو شبرمة وابن أبي ليلي والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وقال أصحاب الرأي : لا قود عليهما لأنهما لم يباشرا الإتلاف فأشبه حافر البئر وناصب السكين إذا تلف بهما شيء . قال ابن قدامة : ولنا أن عليا رضي الله عنه شهد عنده رجلان علي رجل بالسرقة فقطعه ثم عادا فقالا أخطأنا ليس هذا هو السارق فقال لو علمت أنكما تعمدتا لقطعتكما(1) ولا مخالف له في الصحابة فيكون إجماعا(2) .
- - -
فصل في
(( شهادة الأعمي ))
تجوز شهادة الأعمي فيما يسمعه من شخص أو اشخاص يعرفهم ، وليسوا بغرباء عليه . ويشهد بما سمع وينقل شهادة الأصل ، واختلف الفقهاء في قبول شهادته علي النحو التالي :
1- ذهب مالك(3) إلي جواز شهادة الأعمي إذا كان المشهود عليه لازمه كثيرا حتي يقطع بأن ما سمعه صوت فلان .
2- ذهب أبو حنيفة(4) والشافعي إلي عدم جواز شهادة الأعمي .
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب إذا أصاب قوم رجل في كتاب الريان صحيح البخاري ، ج 9 ، ص 10 والدارقطني في كتاب الحدود الريان وغيره سنن الدارقطني ، ج 3 ، ص 182 ، والبيهقي في باب الاثنين أو كثير بقطعان يد رجل معا في كتاب الجنايات السنن الكبري ، ج8 ، ص 41 ، وابن أبي شيبة باب الرجلان يشهدان علي رجل بالحد في كتاب الريان ، المصنف ، ج 9 ، ص 408 .
(2) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 244 وما بعدها .
(3) - تبصرة الحكام ، ج 2 ، ص 76 .
(4) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 3(1/310)
3- أجاز الشافعي(1) وشهادته فيما أدركه قبل العمي ، وقد اجازت الشافعية تولية الأعمي للقضاء ،وذهب الحنابلة غلي جواز شهادة الأعمي(2) .
الترجيح
يترجّح لديَّ جواز شهادة الأعمي للأدلة الآتية :
أولاً : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولَّ ابن أم مكتوم علي المدينة وهو أعمي(3) .
__________
(1) - مغني المحتاج ، ج 3 ، ص 446 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 178 ، والانصاف في معرفة الراجح من الخلاف ، ج 12 ، ص 37 .
(3) - الطبقات الكبري لابن سعد ، ج 4 ، ص 154 .(1/311)
ثانياً : أن نبي الله شعيبا عليه السلام كان أعمي(1) ، ورسالة الأنبياء أهم من الشهادة ، ولم نجد دليلا شرعيا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم تدل علي عدم جواز شهادة الأعمي . بل الأدلة من القرآن والسنة تدل علي جواز شهادة الأعمي لقوله تعالي : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } والأعمي داخل في ذلك ومن السنة قوله صلي الله عليه وسلم : (( شاهداك او يمينه )) والأعمي داخل في هذا النص ، ولقد عوَّض الله الأعمي بذكاء خارق يميّز به هذا من ذاك ، وقد جاز توليته القضاء كما مر بك في باب أهل الآفات فإن الله منح الأكِفَّاء قدرة علي التميّز ، وقد ثبت كفاءة الأعمي في مجال القشاء كالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ(2) ، حيث تولي رئاسة القضاء وتولي القضاء عبد العزيز بن باز(3)
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 13 .
(2) - هو العلامة الجليل الأصولي المحدث الفقيه اللغوي والمفكر الإسلامي الشيخ محمد ابراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها ولد في مدينة الرياض في 17/ 1 / 1311 هجرية وكف بصره وهو في الرابعة عشر من عمره وقد أنيطت به بالإضافة غلي رئاسة القشاء رئاسة الكليات والمعاهد العلمية ورئاسة المجلس الأعلي لرابطة العالم الإسلامي والإشراف علي رئاسة مدارس البنات واستمر في أعماله الإصلاحية من عام 1339 هجرية إلي أن حبسه المرض وجاء أجله المحتوم سنة 1389 هجرية بمدينة الرياض ودفن بها عن عمر بلغ 78 هجرية وثمانية أشهر وثمانية أيام -يرحمه الله – ( فرجة النظر في تراجم رجال من بعد القرن الثالث عشر ، مخطوط للباحث ) .
(3) - هو العلامة البارع الزاهد الورع الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الأثري رئيس إدارت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وله خصائص رفيعة يغبط عليها ..منها بذل النصح المخلص للقريب والبعيد ومنها الحرص علي قضاء حاجات المضطرين ومنها المشاركات النافعة في تدعيم الدعوة إلي الله والقائمين عليها في كل قطر من أقطار العالم يرجو من وراء ذلك الصلاح لخلق الله أجمعين = = ولد شيخنا مبارك العمر عام 1330 هجرية وكف بصره وهو صغير السن ولازم الدراسة علي مشايخ عصره ومنهم الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم آل الشيخ ولي القضاء فترة ثم التدريس في كلية الشريعة بالرياض فترة اخري ثم عين رئيسا للإفتاء له مؤلفات نافعة في فنون العلم المختلفة منها كتاب نقد القومية العربية ومنها الفوائد الجلية في علم الفرائض ومنها فتاوي في مسائل الحج والعمرة ورسائل أخري مطبوعة ومنشورات تعالج مشاكل تقع في العالم الإسلامي امتع الله بحياته وجعلها حياة خير ودعوة وجهاد .(1/312)
فقام به أحسن قيام ، وقد ذكرت في باب أهل الآفات في ذكاء الأعمي ما يغني عن إعادته هنا ، والقضاء أهم فمن باب أولي قبول شهادته لا سيما إذا حضر مجلس مَنْ يعرفه فاعترف أحدهم للآخر وكذلك إذا حضر الوصية أو سمع فلانا يطلق زوجته أو راجع زوجته ، ونحو ذلك فله أن يشهد وإلا ضاعت الحقوق .
- - -
الفصل الأول
(( اليمين المشروعة ))
معني اليمين في اللغة : القوة ، واليمين القَسَم ، والجمع أَيمن وأيمان قيل : سميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل أمريء منهم يمينه علي يمين صاحبه(1) .
اليمين المشروعة :
هي الحلف بأسماء الله تعالي وصفاته نحو والله والذي نفسي بيده سواء كان الحالف مسلما أو كافرا ومشروعيتها ثابتة من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم قال الله سبحانه وتعالي : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ }(2) .
وقال تعالي : { تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ }(3) .
وقال سبحانه وتعالي : { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ }(4) .
وقال عزوجل : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ }(5) .
وقال تعالي : { أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ }(6) .
وقال سبحانه : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ }(7) .
ومن السنة قال النبي صلي الله عليه وسلم لركانة بن يزيد في الطلاق :
((
__________
(1) - مختار الصحاح ، ص 744 – 745 .
(2) - سورة النور آية [6] .
(3) - سورة المائدة آية [106] .
(4) - سورة النحل آية [38] .
(5) - سورة فاطر آية [42] .
(6) - سورة المائدة آية [53] .
(7) - سورة النور آية [53] .(1/313)
والله ما أردت إلا واحدة قال : والله ما أردت إلا واحدة ))(1) وقال النبي صلي الله عليه وسلم في قضية الحضرمي مع الكندي (( ليس لك إلا يمينه )) فقال الحضرمي إنه رجل فاجر لا يبالي ما يحلف عليه ، قال : ((ليس لك إلا ذلك ))(2) ويحلف القاضي من يلزمه اليمين علي النحو التالي :
- والله ما أردت بها إلا واحدة إن كان مسلما .
- وإن كان يهوديا يقولله : قل والله الذي أنزل التوراة علي موسي وفلق البحر ونجاه من فرعون وملئه ، وإن كان نصرانيا يقول له : قل والله الذي أنزل الإنجيل علي عيسي وجعله يحيي الموتي ويبريء الأكمه والأبرص .
- والمجوسي يقول له : والله الذي خلقني ورزقني لما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ، يعني لليهودي : (( نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة علي موسي ما تجدون في التوراة علي من زنا ))(3) .
__________
(1) - أخرجه الترمذي في باب ما جاء في الرجل مطلق امرأته البتة من كتاب الطلاق عارضة الأحوذي ، ج 5 ، ص 131 – 132 ، وابن ماجة في باب طلاق البتة من كتاب الطلاق سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 661 .
(2) - تقدم تخريجه علي ص 96 .
(3) - سنن أبي داود باب رجم اليهوديين من كتاب الحدود ، ج 4 ، ص 594 ، وسنن ابن ماجة من كتاب الحدود باب رجم اليهودي واليهودية ، ج 2 ، ص 854 .(1/314)
ولا يجوز الحلف بغير الله تعالي بالإجماع لحديث ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بابآكم فمن كان حلفا فليحف بالله أو ليصمت )) ( متفق عليه )(1) ولما أخرج ابو داود والحاكم واللفظ له من حديث ابن عمر أنه قال صلي الله عليه وسلم : (( من حلف بغير الله كفر ))(2) وفي رواية للحاكم كل يمين يحلف بها دون الله تعالي شرك ، ورواه أحمد بلفظ (( من حلف بغير الله فقد أشرك )) .
(( اليمين علي نية المستحلف ))
المستحلف بكسر اللام هو من له اليمين فقد جعل الشارع اليمين علي نيته لا علي نية الحالف لحديث ابي هريرة . قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( يمينك علي ما يصدقك عليه صاحبك ))(3) وفي رواية اليمين علي نية المستحلف قال النووي : وهذا الحديث محمول علي الحلف باستحلاف القاضي فإذا ادعي رجل علي رجل حقا فحلف القاضي فحلف وروي فغنوي غير ما نوي القاضي انعقدت يمينه علي ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية وهذا مجمع عليه ، ودليله هذا الحديث والإجماع فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي وروي تنفعه التورية ولا يحنث سواء إن كان حلف ابتداء من غير تحليف ، أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك ، ولا اعتبار بنية المستحلف غير القاضي .
__________
(1) - صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 4 ، ص 151 ، وصحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 116 .
(2) - السنن الكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 29 .
(3) - صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 127 – 128 من كتاب الإيمان باب اليمين علي نية المستحلف .(1/315)
وحاصله أن اليمين علي نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي ، أو نائبه في دعوي توجهت عليه فتكون علي نية المستحلف ، وهو مراد الحديث . أما إذا حلف عند القاضي من غير استحلاف القاضي في دعوي فالاعتبار بنية الحالف ، وسواء في هذا كله اليمين بالله تعالي أو بالطلاق والعتاق . لأن القاضي ليس له التحليف بالطلاق والعتاق وإنما يستحلف بالله .
واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها ، حيث يبطل بها حق مستحق وهذا مجمع عليه . هذا تفصيل مذهب الشافعي وصاحبه . ونقل القاضي عياض عن مالك وأصحابه في ذلك اختلافا وتفصيلا فقال : لا خلاف بين العلماء أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته ، ويقبل قوله غلي أن قال : وأما فيما بينه وبين الله تعالي فقيل : اليمين علي نية المحلوف له ، وقيل : علي نية الحالف ، وقيل : إن كان مستحلفا فعلي نية المحلوف له ، وإن كان متبرعاً باليمين فعلي نية الحالف وهو قول عبد الملك وسحنون وهو ظاهر كلام مالك ، ولا خلاف في إثم الحالف بما يدفع به حق غيره وإن وري(1) والذي يترجّح لي أن اليمين علي نية المحلوف له . علي كل حال لأنها يمين لإسقاط حقه ، ولأنها حق للمدعي فلا تكون إلا علي وفق دعواه ظاهرا وباطنا ولم تنفعه التورية ويكون حالفا باليمين الغموس والله أعلم .
- - -
الفصل الثاني
(( فيما تشرع اليمين ))
__________
(1) - صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 ، ص 127 – 128 .(1/316)
تشرع اليمين في كل حق لآدمي لقول النبي صلي الله عليه وسلم : (( لو يعطي الناس بدعواهم ، لادعي قوم دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين علي المدعي عليه )) ( متفق عليه )(1) . ولحديث الحضرمي والكندي المار ذكره(2) وقال أبو بكر : تشرع في كل حق لآدمي إلا في النكاح والطلاق لأن هذا مما لا يحل بدله فلم يستحلف فيه كحقوق الله سبحانه وتعالي ،ولأن الأبضاع مما يحتاط لها فلا تستباح بالنكول لأنه ليس بحجة قوية لأنه سكوت مجرد يحتمل أن يكون للخوف من اليمين ، ويحتمل أن يكون للجهل بحقيقة الحال ، ويحتمل أن يكون لعلمه بصدق المدعي . ومع هذه الاحتمالات لا ينبغي أن يقضي به فيما يحتاط له . ونقل المقدسي عن أبي الخطاب قوله : تشرع اليمين في كل حق إلا تسعة اشياء ، النكاح ، والرجعة ، والطلاق ، والرق ، والولاء ، والاستيلاء ، والنسب ، والقذف ، والقصاص لأن البدل لا يدخلها فلم يستحلف فيها(3) .
ولا يستحلف في حقوق الله من العبادات والحدود كحد الزنا ، والخمر أو علي نصاب الزكاة فالقول قول ب المال من غير يمين ونحو ذلك من العبادات والحدو التي لا تدخلاها الأيمان .
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب إن الذين يشترون بعهد الله و إيمانهم ثمنا قليلا من كتاب التفسير في سورة آل عمران صحيح البخاري ، ج 6 ، ص 43 ، وأخرجه مسلم في باب اليمين علي المدعي عليه من كتاب الأقضية صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 11 – 12 ، ص 243 ، والنسائي في باب خطة الحاكم علي اليمين من كتاب آداب القضاء المجتبي ، ج 8 ، ص 218 ، وابن ماجة في باب البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه من كتاب الأحكام سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 778 .
(2) - تقدم تخريجه علي ص 96 .
(3) - العدة شرح العمدة ، ص 659 .(1/317)
ولا تدخل اليمين النيابة ، ولا يحلف أحد عن غيره ، فلو كان المدعي عليه صغيرا أو مجنونا لم يُحلف عنه ، ووقف الأمر حتي يبلغ الصغير ويعقل المجنون ولم يحلف عنه وليه . ولو ادعي الأب لابنه الصغير حقا أو ادعاه الوصي أو الأمين له فأنكر المدعي عليه ، فالقول قوله مع يمينه فمن نكل قضي له .
ومن لم ير القضاء بالنكول ورأي رد اليمين علي المدعي لم يحلف الولي عنهما ، ولكن تقف اليمين ويكتب الحاكم محضرا بنكول المدعي عليه(1) .
قال ابن فرحون : ويحلف الأب مع الشاهد في حق ابنه إن كان هو الذي تولي المعاملة له وإن نكل الأب غرم(2) .
- - -
الفصل الثالث
(( الأيمان التي تتوجه علي المدعي عليه والمدعي ))
تنقسم هذه الأيمان إلي قسمين :
القسم الأول :
اليمين علي البت وهي : الغالب لأن النبي صلي الله عليه وسلم استحلف رجلا فقال : (( قل والله الذي لا إله إلا هو ما له عندي شيء )) ( رواه أبو داود )(3) عن ابن عباس ، ولأن له طريقا إلي العلم فيلزمه القطع بنفيه وذلك إذا كانت الدعوي مركزة علي المدعي عليه في فعله ، فإن اليمين المطلوبة من المدعي عليه علي البت . وفي حديث عمر حين حلف لأُبيّ قال : والله الذي لا إله إلا هو إن النخل نخلي وما لأُبيّ منه شيء(4) .
القسم الثاني :
اليمين علي نفي العلم : وذلك إذا كانت الدعوي مقامة علي االمدعي عليه في فعل غيره ، كدعوي بمال علي الوارث فإن اليمين المطلوب والحالة ما ذكر علي نفي العلم لأنها علي نفي فعل غيره .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 233 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 223 .
(3) - أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية باب كيف اليمين ، سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 41 .
(4) - أخرجه البيهقي في باب القاضي لا يحكم لنفسه من كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 144 .(1/318)
قال ابن قدامة : ويحلف الرجل فيما عليه علي البت ، ويحلف الوارث علي ديَنْ الميت علي العلم ، ومعني البت : القطع أي يحلف بالله ما له عليَّ شيء وجملة الأمر أن الأيمان كلها علي البت والقطع إلا علي نفي فعل الغير فإنها علي نفي العلم ، وذكر ابن أبي موسي رواية عن أحمد ، وذكر أحمد حديث الشيباني عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي صلي الله عليه وسلم : (( لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا علي ما لا يفعلون))(1) ولأنه لا يكلف ما لا علم له به(2) .
- - -
الفصل الرابع
(( في تعدد الأيمان لتعدد المدعي عليهم ))
إذا أقيمت دعوي من شخص علي جماعة ، أو من جماعة علي شخص فهل يلزم الواحد أن يحلف لكل واحد من الجماعة يمينا ، وهذا ما سبحثه في هذا الفصل .
قال المقدسي : وإذا كانت الدعوي لجماعة فعليه لكل واحد يمين ، لأنه لكل واحد منهم حق فيلزمه لكل واحد يمين . كما لو انفردوا ، وإن قال : أنا أحلف يميناً واحداً لجميعهم لم يُقبل منه إلا أن يرضوا بها . لأن الحق لهم لا يخرج عنهم وإذا ادعي واحد حقوقا علي واحدٍ فعليه في كل حق يمين(3) .
قلت : إذا أقيمت دعوي من جماعة علي واحد في حق معين لهم جميعا ولم يثبتوا دعواهم فيكفي يمين المدعي عليه يمينا واحدا . لأن الدعوي واحدة في شيء معين مشترك ولا يلزم لكل واحد منهم يمين إلا إذا كان بعضهم غائبا ، وحلف لبعضهم دون بعض ، فعليه أن يحلف للآخرين الذين لم يحلف لهم .
أما إذا كانت الدعوي من جماعة علي واحد في حقوق مختلفة بحيث لهذا مائة ولآخر خمسين ولثالث عشرين فيحلف لكل منهم يمينا . وهذا يوافق ما ذهب إليه المقدسي .
__________
(1) - أخرجه عبد الرزاق في باب اليمين بما يصدقك صاحبك في كتاب الأيمان والنذور المصنف ، ج 8 ، ص 494 .
(2) - المغني ، ج 14 ، ص 228 .
(3) - العدة شرح العمدة في فقه إمام السنة احمد بن حنبل للمقدسي ، ص 660 – 661 .(1/319)
وإذا كانت الدعوي من واحد علي جماعة ولم يثبت دعواه فيلزم كل واحد من المدعي عليهم يمين ولا تكفي يمين واحد منهم عن جميعهم إلا أن يرضي بها المدعي فإذا نكل المدعي عليهم وردت اليمين علي المدعي فيحلف يمينا واحدة للجميع ولا يلزمه أن يحلف لكل واحد منهم يمينا لأن الحق واحد والمطالب به واحد والله أعلم .
- - -
الفصل الخامس
(( في خطر اليمين الكاذبة ))
شرعت الأيمان لقطع الخلافات والمنازعات ولاغضاضة في ذلك إن كان الحالف صادقاً ، أما إذا كان كاذبا في يمينه فقد ارتكب جرما كبيرا وإثما عظيما دل علي ذلك الكتاب والسنة فمن كتاب الله قوله تعالي :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً }(1) .
وقوله تعالي : { وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمٌْ }(2) .
ومن السنة :
1- ما روي عن أبي أمامة ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (( من اقتطع حق امريء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار ، وحرَّم عليه الجنة . فقال له رجل : وإن كان شيئا يسيراً يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك )) (3) .
2- وحديث الحضرمي مع الكندي ، وقد أوردناه في أثناء بحثنا كثيراً والشاهد هنا قوله صلي الله عليه وسلم لما أدبر ليحلف : (( أما لأن حلف علي ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض ))(4) .
__________
(1) - سورة آل عمران آية [77] .
(2) - سورة البقرة آية[224] .
(3) - أخرجه مسلم في صحيحه تلخيص القرطبي باب إثم من اقتطع حق إمريء مسلم بيمينه من كتاب الأيمان ، ج 1 ، ص 91 ، وأخرجه الترمذي عارضة الأحوذي باب ما جاء في اليمين الفاجرة يقطع بها مال المسلم من أبواب البيوع ، ج 5 ، ص 271 ، وأخرجه بن ماجة في سننه كتاب الأحكام باب من حلف علي يمين فاجرة ليقطع بها مال المسلم ، ج 2 ، ص 779 .
(4) - تقدم تخريجه علي ص 96 .(1/320)
3- ومن حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من حلف علي يمين صبر يقتطع بها مال أمريء هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان )) (1) وقال فنزلت آية : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(2) .
4- وفي الحديث : (( إيَّاكم واليمين الكاذبة إنها تدع الديار بلاقع )) .
5- وفي الحديث : (( اليمين الفاجرة الذي يقتطع بها الرجل مال أخيه المسلم تعقم الرحم )) فهذه الآيات والأحاديث تدل علي خطر اليمين الفاجر .
وقسم العلماء الأيمان إلي ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
اليمين الغموس وهي أن يحلف المرء متعمدا الكذب ، وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ، ولا تجزيء فيها كفارة ، وإنما يجب فيها التوبة والاستغفار ورد الحقوق إلي أهلها لأنه توصل بها إلي أخذ حق مال امريء مسلم بالباطل .
القسم الثاني :
لغو اليمين : وهي ما يجري علي لسان المسلم من الحلف بدون قصد كقوله لا والله : وبلي والله . زمنها أن يحلف المسلم علي الشيء يظنه كذا فيتبين خلاف ما كان يظن ، ولا إثم في هذه اليمين ولا كفارة تجب علي قائلها لقوله عز وجل : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }(3) .
القسم الثالث :
__________
(1) - أخرجه الترمذي شرح عارضة الأحوذي باب ما جاء في اليمين الفاجرة يقطع بها مال المسلم من أبواب البيوع ، ج 5 ، ص 271 ، وأخرجه ابن ماجة في سننه كتاب الأحكام باب من حلف علي يمين فاجرة ليقطع بها مالا ، ج 2 ، ص 778 .
(2) - سورة آل عمران آية [77] .
(3) - سورة البقرة آية[255] .(1/321)
اليمين المنعقدة : وهي التي عقدها علي أمر مستقبل كأن يقول المسلم : والله لأفعلن كذا أو والله لا أفعل كذا . فهذه اليمين هي التي يؤاخذ فيها الحانث لقوله تعالي : { وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ }(1) .
وحكم من حنث فيها أثم ، وتجب عليه الكفارة . فإن كفَّر عن يمينه سقط الأثم والكفارة وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير(2) . وإذا جمعهم وغدّاهم وعشّاهم أجزأه أو كسوتهم لكل منهم ثوبا يستر عورته وتجزئه الصلاة فيه ، أو تحرير رقبة مؤمنة فإن لم يجد الشياء المذكولرة فصيام ثلاثة أيام متتابعة إن أمكن أو متفرقة لقوله تعالي : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ َ }(3) .
- - -
الفصل السادس
(( في بيان خطر شهادة الزور ))
الزور في اللغة : الكذب ، وقل الزور أعم من شهادة الزور لأنه يشمل كل زور من شهادة أو غيبة ، أو بهت أو كذب وشهادة الزور من الكبائر بل من أكبرها لما يحمله صاحبها من إثم عظيم نتيجة لما أقدم عليه من قلب الحق إلي باطل والعدل إلي ظلم ، وتضييع الحقوق ، و إعطاء حق شخص لآخر ، ما يسببه من فوضي وضياع المجتمع ، وأكل أموال الناس باباطل قال تعالي :
{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ }(4) .
أي لا يشهدون الشهادة الكاذبة وقوله تعالي : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ }(5) .
__________
(1) - سورة المائدة آية [89] .
(2) - المغني ، ج 11 ، ص 94 .
(3) - سورة المائدة [89] .
(4) - سورة الفرقان آية [72] .
(5) - سورة الحج آية [30] .(1/322)
وقد غلَّظ رسول الله صلي الله عليه وسلم في شأنها فقال في الحديث الذي روي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم عدّ شهادة الزور من الكبائر ( متفق عليه ) في حديث طويل ولفظه أنه صلي الله عليه وسلم قال : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا ؟ قالوا : بلي يا رسول الله . قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين . وجلس وكان متكئا ثم قال ألا وقول الزور ألا وقول الزور فمازال يكررها حتي قلنا : ليته سكت)) (1) . فقد عظّم صلي الله عليه وسلم امرها لعظم خطرها حيث كان متكئاً فجلس وجعل قول الزور عديلا للإشراك ومساويا له قال النووي يرحمه الله : وليس علي ظاهره المتبادر ، وذلك لن الشرك أكبر بلا شك ، وكذلك القتل فلابد من تأويله وذلك باب التفضيل لها بالنظر غلي ما يناظرها في المفسدة وهي التسبب إلي أكل المال بالباطل فهي أكبر من الزنا ، ومن السرقة وإنما اهتم صلي الله عليه وسلم بإخبارهم عن شهادة الزور ، وجلس وأتي بحروف التنبيه لأن الحوامل عليها كثيرة من العداوة والحسد وغيرها ، فاحتيج إلي الاهتمام بشأنها بخلاف الإشراك فإنه ينبو عن قلب المسلم ، ولأنه تعدي مفسدته إلي غير المشرك بخلاف قول الزور لأنه يتعدي إلي من قيل فيه ، والعقوق يصرف عنه كرم الطبع والمروءة(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب الشهادات باب ما قيل في شهادة الزور ، ج 2 ، ص 152 ، وسب السلام ، ج 4 ، ص 249 ، وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان باب بيان الكبائر وأكبرها ، ج 2 ، ص 249 ، وأخرجه الترمذي في كتاب الأيمان باب بيان الكبائر وأكبرها ، ج 2 ، ص 441 ، وأخرجه الترمذي في كتاب الشهادات باب ما جاء في شهادة الزور ، ج 9 ، ص 175 عارضة الأحوذي .
(2) - انظر سبل السلام ، ج 4 ، ص 250 ..(1/323)
وهذا التحليل الذي ذكره النووي جميل ، وبمثله قال محمد بن علي الشوكاني – يرحمه الله - ، وأورد حديثا عن أنس قال : ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائرفقال : (( الشرك بالله ، وعقوق الوالدين . وقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور وقال وشهادة الزور))(1) كما أورد حديث أبي بكرة المتقدم ذكره وحديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ((لن تزول قدم شاهد زور حي يوجب الله له النار )) ( رواه ابن ماجة )(2) . فدلت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة علي خطر شهادة الزور وأنها من أكبر الكبائر والوعيد الشديد لشاهد الزور ، حيث أوجب الله له النار قبل أن يزول من مكانه فأي خطر اشد من ذلك إذا كان هذا مصير شاهد الزور فبقدر ما يترتب عليها من تضييع الحقوق ، وقلب الحق إلي الباطل ، والعدل إلي ظلم يأتي الإثم ، وخطرها علي الشاهد نفسه حتي لا تزول قدمه حتي يوجب الله له النار . قال الشوكاني : ولعل ذلك مع عدم التوبة أما لو تاب وأكذب نفسه قبل العمل بشهادته ، فالله يقبل التوبة من عباده(3) .
- - -
فصل
(( حكم الحاكم لا يحل حراما ))
قد يتجرأ الخصم علي إقامة دعوي كاذبة ، ويحكم له لبراعة اسلوبه وخبرته التي يستطيع بها قلب الحق باطلا بما يدلي به وما يحضره من بيانات كاذبة أو يمين فاجرة ، وهو في الحقيقة ادعي ظلما وجورا فكأنما أقطع له قطعة من النار قال سبحانه وتعالي :
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}(4).
__________
(1) - نيل الأوطار للشوكاني ، ج 9 ، ص 211 – 212 .
(2) - حديث ابن عمر انفرد به ابن ماجة بإخراجه كما في الجامع وغيره ، انظر نيل الأوطار ، ج 9 ، ص 211 .
(3) - نيل الأوطار ، ج 9 ، ص 213 .
(4) - سورة البقرة آية [188] .(1/324)
وعن أم سلمة رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إنكم تختصمون إليَّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له علي نحو ما أسمع منه ، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من نار ))( متفق عليه )(1) . وفي رواية ذكرها ابن كثير في تفسيره : (( إنما أنا بشر فإنما يأتيني الخصم ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فاٌضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها او ليذرها )) فدلت هذه الآية وهذا الحديث علي أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر ، فلا يحل حراماً ولا يحرّم حلالاً ، وإنما هو ملزم في الظاهر . فإن طابق ووافق الحق فذاك ، وإلا فللحاكم أجره وعلي المحتال وزره(2) .
ويدل الحديث أيضاً علي إثم مَنْ خاصم في باطل بوجه من وجوه الحيل حتي يصير حقا في الظاهر ، ويحكم له به إنه لا يحل له تناوله في الباطن ، ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم قال قتادة : إعلم يا بن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراماً ولا يحق لك باطلاً ، و إنما يقضي القاضي بنحو ما تشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطيء ويصيب ، واعلموا أن من قُضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتي يجمع الله بينهما يوم القيامة ، قيقضي علي المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل علي المحق في الدنيا(3) ولا خلاف بين أهل العلم ان حكم القاضي لا يحلل الحرام ولا يحرَّم الحلال ، بمعني أن حكم الحاكم لا يحل به للمحكوم له ما حكم له به علي غيره إذا كان ما ادعاه باطلاً في نفس الأمر وتخليص المحكوم عليه مما حكم به لو امتنع وينفذ حكمه ظاهراً ولكنه لا يحل به الحرام إذا كان المدعي مبُطلاً وشهادته كاذبة .
ومن فوائد الحديث ما يلي :
1- يحتج به من لم ير أن يحكم الحاكم بعلمه وقد تقدم بيان ذلك .
__________
(1) - تقدم تخريجه علي ص 96 .
(2) - تفسير ابن كثير ، ج 1 ، ص 225 .
(3) - تفسير ابن كثير ، ج 1 ، ص 225 .(1/325)
2- ويفيد أن المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه إثم علي خطئه ، بل يؤجر كما هو ثابت في الصحيحين .
3- ويدل أنه صلي الله عليه وسلم كان يقضي لبالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء وخالف في ذلك قوم وهذا الحديث أصرّح ما يحتج به عليهم . وقد أشار الشوكاني إلي خلاف العلماء في هذه المسألة وخلاصته ما يلي :
أ منهم من يري أنه يجوز أن يؤؤل اجتهاده صلي الله عليه وسلم إلي أمر فيحكم به فيكون في الباطن بخلاف ذلك لهذا الحديث .
ب وقال بعضهم : لو رفع ذلك لم يقر عليه صلي الله عليه وسلم لثبوت عصمته .
ج – ومنهم من منع وقوع ذلك عليه صلي الله عليه وسلم لثبوت عصمته ، وأنه لا يقول إلا حقا وقد قال الله تعالي : { َمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }.
د- ومنهم من حمل الخطأ الذي لا يقر عليه هو الحكم الذي صدر . عن اجتهاده فيما لم يوح إليه فليس النزاع فيه وإنما النزاع في الحكم الصادر منه عن شهادة زور ، أو يمين فاجرة فلا يسمي خطأ للأتفاق علي العمل بالشهادة ، وبالأيمان وإلاّ لكان الكثير من الأحكام يسي خطأ وليس كذلك لما في حديث : (( أُمِرْتُ أن أُقاتل الناس حتي يقولوا لا إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم )) فيحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك ، ولما في حديث المتلاعنين حيث قال : (( لولا الأيمان لكان لي ولها شأن )) فإنه لو كان خطأ لم يترك استدراكه والعمل بما عرفه ، وكذلك حديث (( إني لم أومر بالتنقيب عن قلوب الناس)) فالحجة من حديث الباب شاملة للأموال ، والعقود ، والفسوخ . وقد حكي الشافعي الإجماع علي أن حكم الحاكم لا يحل الحرام .
قال النووي : والقول بأن حكم الحاكم يحلل ظاهرا وباطنا مخالف لهذا الحديث الصحيح ، وللإجماع المذكور ، ولقاعدة أجمع عليه العلماء ووافقهم القائل المذكور وهي أن الأوضاع أولي بالاحتياط من الأموال(1) .
__________
(1) - نيل الأوطار ، ج 9 ، ص 185 وما بعدها باختصار وتصرف .(1/326)
4- ويدل الحديث علي أن للحاكم أن يعظ الطرفين المتنازعين ويخوفهم مغبة الإقدام علي أخذ ما ليس لهما فيه حق .
5- ويفيد الحديث أنه لا يحكم الحاكم إلا علي من سمع منه ويحتج به من يري عدم الحكم علي الغائب وقد تقدم البحث في الحكم علي الغائب وأوضحنا هناك آراء العلماء والراجح في المسألة ، انظر ص 102 .
- - -
فصل
(( للقاضي أن يعظ الشاهد ))(1/327)
للقاضي أن يعظ الشاهد ويوضح له أهمية الشهادة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لرجل : (( تري الشمس ؟ قال نعم . قال : علي مثلها فاشهد أو دع )) أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف وصححه الحاكم فأخطأ ورواه الحاكم في المستدرك 4 / 98 ، 99 في كتاب الأحكام باب لا تشهد إلا علي ما يضيء لك كضياء الشمس ، وللآثار الواردة فقد استطرد ابن القيم أخبار سلف هذه الأمة حيث قال : قال عبد الملك بن عمير : كنت في مجلس محارب بن دثار ، وهو في قضائه حتي تقدم غليه رجلان ، فادعي أحدهما علي الآخر حقا فأنكره ، فقال : ألك بيّنة ؟ فقال : نعم دع فلانا ، فقال المدعي عليه : إنا لله وإنا إليه راجعون والله إن شهد عليَّ ليشهدن بزور ، ولإن سألني عنه لأزكيه ، فلما جاء الشاهد قال محارب بن دثار : حدثني عبد الله بن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (( إن الطير لتضرب بمناقيرها ، وتقذف ما في حواصلها وتحرك ما في أذنابها من هول يوم القيامة(1) وإن شاهد الزور لا تغار قدماه علي الأرض حتي يفذف به في النار (2) ثم قال لرجل بم تشهد ؟ قال : ما كنت أشهد علي شهادة وقد نسيتها .
__________
(1) - أخرجه البيهقي في باب وعظ القاضي الشهود من كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 122 .
(2) - أخرجه ابن ماجة في باب شهادة الزور في كتابالأحكام ابن ماجة ، ج 2 ، ص 794 ، والحاكم في باب ظهور شهادة الزور من أشراط الساعة في كتاب الأحكام المستدرك ، ج 4 ، ص 98 ، والبيهقي في باب وعظ القاضي في الشهود في كتاب آداب القاضي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 122 .(1/328)
ارجع فأتذكرها ، فانصرف ولم يشهد عليه بشيء )) قال ابن قدامة : ولا بأس أن يعظ الشاهدين كما روي عن شريح أنه كان يقول للشاهدين إذا حضرا : يا هذان ألا تريان إني لم أدعكما ولست أمنعكما أن ترجعا ، وإنما يقشي علي هذا أنتما وأنا متق بكما ، وفي لفظ وإني بكما أقضي اليوم وبكما اتقي يوم القيامة(1) ولا يجزر الشاهد ولا يتعنته لأن ذلك يمنعه من آداء الشهادة علي وجهها ، ويدعوه إلي ترك القيام بتحمل الشهادة وآدائها وفي ذلك تضييع للحقوق(2) .
مسألة
إذا ارتاب القاضي في الشهود فرقهم وسأل كل واحد منهم بمفرده عن شهادته بحيث يسأله عن المكان والشهر والسنة واليوم ، وهل كان في المكان وحده أو معه غيره ؟ ومن هم ؟ ويسأل عن صفة شهادته ، وهل الحادث في الصباح أو المساء ، في ليلة مقمرة أم مظلمة ، في أول الشهر أو في وسطه أوفي آخره ، وكل قضية لها أسلوب يختلف عن الأخري ، فإن اختلف في أقوالهم سقطت الشهادة ، وإن اتفقوا ولا جرح فيهم سأل المدعي إحضار من يعدلهم . قال ابن قدامة في المغني : وروي عن علي رضي الله عنه أن سبعة نفر خرجوا ففقد واحد منهم ، فأتت زوجة عليا ، فدعي الستة فسألهم عنه فأنكروا ، ففرقهم وأقام كل واحد عند سارية ، ووكل به من يحفظه ، ودعي واحداً منهم فسأله فأنكر فقال : الله أكبر . فطن الباقون أنه قد اعترف ، فدعاهم فاعترفوا ، فقال للأول : قد شهدوا عليك وأنا قاتلك ، فاعترف فقتلهم(3) .
- - -
فصل
(( للقاضي أن يعظ الطرفين المتنازعين ))
__________
(1) - المغني لابن قدامة ، ج 14 ، ص 51 – 52 ، وأخبار القضاة ، ج 2 ، ص 245 – 255 .
(2) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 53 .
(3) - المغني ، ج 14 ، ص 71 .(1/329)
إذا قلنا بأن للقاضي أن يعظ الشاهد ، فمن باب أولي أن يعظ الطرفين المتنازعين ويخوفهما مغبة أخذهما ما ليس بحق لقوله صلي الله عليه وسلم : (( إنكم تختصمون إليَّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له علي نحو ما أسمع منه ، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من نار ))(1) . وهذا الحديث يدل علي أن للقاضي أن يعظ الخصمين ويوضح لهما حقيقة ما يؤول إليه حقوق الغير بدون حق وإنما هو قطعة من نار .
وللقاضي أن ينهر أحدهما أو كليهما ويزجره إذا التوي أو ماطل بعكس الشاهد فلا يجوز نهره ولا زجره ولا يتعنته ، لأن ذلك يمنعه من آداء الشهادة علي وجهها ، ويدعوه إلي ترك القياتم بتحمل الشهادة وآدائها في ذلك تضييع للحقوق .
قال ابن قدامة : وله أن ينتهر الخصم إذا التوي ، ويصيّح عليه ، وإن استحق التعزير عزره بما يري من أدب أو حبس ، وإذا افتات عليه بأن يقول : حكمت عليَّ بغير الحق ، أو ارتشيت فله تأديبه وله أن يعفو(2) .
وقال بعض الشافعية : ولا ينتهر خصما لأن ذلك يكسره ويمنعه من استيفاء الحجة ، وإن ظهر من أحدهما لدد أو سوء أدب نهاه ، فإن عاد زجره و إن عاد عزره(3) .
- - -
فصل
(( فيما يجوز للقاضي نقضه من الأحكام ))
إذا اجتهد القاضي فأداه اجتهاده إلي حكم فحكم به ثم بان له خطأه فلا يخلو هذا الخطأ من حالين :
الحال الأول :
إن خالف الحكم نصاً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم أو إجماعاً أو قياساً جلياً ، ففي هذه الحالة علي الحاكم نقض حكمه لقوله تعالي :
{
__________
(1) - تقدم تخريجه علي ، ص 96 .
(2) - الشرح الكبير ، ج 11 ، ص 386 .
(3) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 153 .(1/330)
وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ } ولما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ردوا الجهالات إلي السنة ، وكتب إلي أبي موسي : لا يمنعك قضاء قضيت به ثم راجعت فيه نفسك فهديت فيه لرشدك ان تراجع الحق ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، وأن الرجوع إلي الحق أولي من التمادي في الباطل .
ولللقاضي نقض حكم غيره إذا رفعت إليه فبان الخطأ من كون الحكم قد خالف نص كتاب أو سنة أو إجماعاً .
وأحب أن أوضح آراء الفقهاء في هذه المسألة علي النحو التالي :
( أ ) ذهب الحنابلة أن الحكم إذا خالف نصاً أو إجماعاً نقض ، لأنه قضاء لم يصادف شرطه فوجب نقضه كما لو خالف الإجماع ، وبيان مخالفته للشرط أن شرط الحكم بالاجتهاد عدم النص بدليل خبر معاذ ، ولأنه إذا ترك الكتاب والسنة فقد فرط فوجب نقض حكمه كما لو خالف الإجماع أو كما لو حكم بشهادة كافرين(1) .
( ب ) ذهب المالكي إلي أن حكم الحاكم لا يستقر في أربعة مواضع وينقض ، وذلك إذا وقع علي خلاف الإجماع أو القواعد أو النص الجلي أو القياس(2) .
( ج ) ذهب الشافعية أنه إذا حكم الحاكم ، ثم بان خطأه فإن كان ذلك بدليل مقطوع به كالنص والإجماع والقياس الجليّ نقض الحكم(3) . وفي المنهاج إذا حكم باجتهاده ثم بان خلاف نص الكتاب أو السنة أو الإجماع أو قياس جلي نقضه هو وغيره(4) .
( د ) ذهب الحنفية إلي أن قضاء القاضي ينقض إذا وقع علي خلاف النص في الكتاب والسنة المتواترة والإجماع(5) .
الحالة الثانية :
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 34 – 35 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 56 .
(3) - تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 1 ، ص 138 .
(4) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 396 .
(5) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 14 .(1/331)
فيما إذا حكم بحكم مبني علي اجتهاده ، ولم يخالف نص كتاب ، أو سنة ، أو إجماعا ، أو قياسا جليا فلا ينقض حكمه ، وليس لأحد نقض حكمه لمخالفته اجتهاده لاتفاق الأئمة الأربعة علي ذلك إجمالا ، وأحب أن أوضح آراء الفقهاء في هذه المسألة باختصار علي النحو التالي :
أولاً : ذهب الحنابلة(1) إلي أنه لا يجوز نقض حكم غيره لمخالفة اجتهاده أو اجتهاد من قبله ، وكذلك حكمه لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا علي ذلك فإن أبا بكر حكم في مسائل باجتهاده ، وخالفه عمر ولم ينقض أحكامه وخالفهما عليُُّ فلم ينقض أحكامهما ؛ وأن أبا بكر سوَّي بين الناس في العطاء ، وأعطي العبيد ، وخالفه عمر ففاضل بين الناس وخالفهما عليُُّ فسويَّ بين الناس وحرم العبيد ولم ينقض واحد منهم ما فعله من قبله .
ثانياً : ذهب المالكية(2) إلي ان كل قضاء قُضي به مما اختلف الناس فيه لا يجوز لأحد نقضه كائنا من كان ما لم يكن خطأ ً بيناً . حكي عن مالك وعن غيره من علماء المدينة في القاضي يقضي بالقضاء ، ثم يري ما هو أحسن منه فيريد الرجوع عنه إلي ما رأي فذلك له وقال ابن عبد الحكم : لم أسمع أحداً من أصحابنا اختلف في ذلك ، وقضاؤه وقضاء غيره عندي واحد لا يرجع عما اختلف فيه ، ولا إلي ما هو احسن منه حتي يكون الأول خطأ بيّنا صراحاً .
ثالثاً : ذهب الشافعية(3) أنه لا ينقض الحكم المخالف له .
رابعاً : ذهب الحنفية إلي ا،ه لا يجوز للثاني نقض حكم الأول المبني علي الاجتهاد وهذا يتضح ما يلي :
1- للقاضي نقض حكمه إذا خالف نصاً من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم أو الإجماع ، وهذا لا خلاف فيه بين الأئمة الأربعة وغيرهم .
2- للقاضي أيضاً نقض حكم غيره إذا خالف نصًّا من كتاب الله أو سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم أو الإجماع .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 35 .
(2) - تبصرة الحكام ، ج 1 ، ص 57 .
(3) - بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 14 .(1/332)
3- أما بالنسبة للأحكام التي تبني علي الاجتهاد ولم تتعارض مع النصوص الشرعية فلا تجوز لأحد من القضاة نقض حكم غيره فيها لاجتهاده لأن الحكم بالإجتهاد لا ينقض بمثله .
4- إذا اجتهد القاضي في قضية ثم ظهر له أفضل من اجتهاده الأول فإنه يحكم بما ظهر له أخيرا .
وليس علي الحاكم تتبع قضايا من كان قبله لأن الظاهر صحتها وصوابها وأنه لا يولي القضاء إلا من هو اهل الولاية(1) .
(( صيغة النقض ))
وللنقض صيغ منها : نقضت ُ أو فسخت ُ أو أبطلت ُ ، ويبين مستنده في نقض الحكم . قال الماوردي : ويجب علي القاضي أن يسجل بالنقض كما سجل بالحكم ليكون التسجيل الثاني مُبطلاً للأول كما صار الثاني ناقضاً للحكم الأول فإن لم يكن قد سجل بالحكم لم يلزمه الإسجال بالنقض وإن كان الإسجال به أولي(2) .
- - -
الصلح في اللغة : قطع النزاع وشرعاً معاقدة يتوصل بها إلي الإصلاح بين المختلفين ، وهو جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرَّم حلالا أو أحلّ حراماً ، ودل علي مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالي : { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }(3) .
وقوله تعالي : { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }(4) .
وقال عزوجل : { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ }(5) .
وقال سبحانه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }(6) .
__________
(1) - المغني ، ج 14 ، ص 37 .
(2) - مغني المحتاج ، ج 4 ، ص 396 .
(3) - سورة النساء آية [114] .
(4) - سورة النساء آية [128] .
(5) - سورة الأنفال آية [1] .
(6) - سورة الحجرات آية [10] .(1/333)
ومن السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين وتعين الرجل في دايته فتحملها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلي الصلاة صدقة وتميط الأذي عن الطريق صدقة )) ( متفق عليه ) (1) والشاهد تعدل بين الاثنين أي تصلح بينهما بالعدل ، وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : (( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا )) ( متفق عليه ) وفي رواية مسلم زيادة قالت : ولم اسمعه يرخص مما يقول الناس إلا في ثلاث تعني الحرب والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل لزوجته ، وحديث المرأة لزوجها .
__________
(1) - أخرجه البخاري في باب فضل الإصلاح بين الناس ، ج 2 ، ص 114 بحاشية السندي كتاب الصلح من أخذ بالركاب ، ج 6 ، ص 132 ، واخرجه مسلمك في كتاب صلاة المسافر من باب استحباب صلاة الضحي ، ج 5 ، ص 233 ، والإمام أحمد في مسنده ، ج 2 ، ص 316 سلامي بضم السين المهملة وتخيف الام وهي المفاصل والأعضاء وقد ثبت في صحيح مسلم أنهما ثلاثمائة وستون قال القاضي عياض وأصله عظام الكف والأصابع والأرجل ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله . قال بعض العلماء المراد صدقة ترهيب وترغيب لا إيجاب وإلزام وفي حديث آخر من رواية مسلم يصبح علي كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزي في ذلك ركعتان يركعها في الضحي أن يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان فإن الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد فإذا صلي فقد قام كل عضو بوظيفته .(1/334)
وعن عمر بن عوف المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرَّم حلالاً أو أحلّ حراماً )) والمسلمون علي شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحلّ حراماً ( رواه الترمذي وصححه )(1) حيث قال حديث حسن صحيح وروي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلي أبي موسي بمثل ذلك ، وأجمعت الأمة علي جواز الصلح والعمل به ، فدلت الآيات والأحاديث علي جواز الصلح ، وعظم أجر من يصلح بين الناس بالعدل ابتغاء مرضاة الله حيث قال تعالي : {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} ونحن بحاجة إلي هذا الأجر العظيم من الله عز وجل فما لنا لا نضاعف جهودنا ونحاول الإصلاح بين الناس ابتغاء مرضاة الله .
واختلف الفقهاء في الصلح حال إنكار الخصم وإلي جوازه ذهب الإمام مالك(2) وأحمد(3) وأبو حنيفة(4) وخالف في ذلك الهادوية والشافعي(5) وقالوا لات يصح الصلح مع الإنكار وئاجيب عليهم بأنه قد حصلت طيبة النفس بالرضا بالصلح ، أما إن كان المدعي يعلم أن له حقاً لدي خصمه ، جاز له أخذ ما صلح عليه ، و إن كان يعلم أن لديه حقاً يعلمه فيجب عليه قبول الصلح ودفع ما صلح به إلي الخصم ، وهذا النوع الثاني حيث ينقسم الصلح إلي نوعين :
__________
(1) - أخرجه ابن ماجة في سننه كتاب الأحكام باب الصلح ، ج 788 ، والبخاري بحاشية السندي كتاب الصلح باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس ، ج 2 ، ص 111 ، ومسلم في صحيحه بشرح النووي من كتاب الأيمان باب النهي عن الحلف بغير الله ، ج 11 ، ص 116 ، وأخرجه الترمذي عارضة الأحوذي أبواب الأحكام باب الصلح ، ج 6 ، ص 103 – 104 ، وأخرجه أبو داود في باب الصلح من كتاب الأقضية سنن أبي داود ، ج 4 ، ص 19 ، والإمام أحمد في المسند ، ج 2 ، ص 366 .
(2) - تبصرة الحاكم ، ج 2 ، ص 52 .
(3) - المغني ، ج 7 ، ص 5 وما بعدها .
(4) - بدائع الصنائع ، ج 6 ، ص 40 .
(5) - مغني المحتاج ، ج 2 ، ص 179 – 180 .(1/335)
أولاً : صلح الإنكار وهو المار ذكره .
ثانياً : صلح علي الإقرار ويعتبر فيه ما يحل وما يحرم باتفاق كل من باب المعاوضة أو غيرها .
والصلح يكون بين المسلم ، والكافر وبين الزوجين ، والصلح بين الفئة الباغية والعادلة ، والصلح بين المتقاضيين ، والصلح في الجراح كالعفو علي مال ، والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت في الأملاك والحقوقو فعلي الحكام عرض الصلح الذي هو خير علي المتخاصمين في الحقوق والأملاك ، وبين الزوجين وفي الجراح . فإن قبل الطرفان بالصلح حكم به وألزم الطرفين بموجبه ، وإذا لم يحصل الرضا به لا يلتزم به الطرفان وحكم في القضية كما جاء في قصة الزبير والأنصاري ، فإنه صلي الله عليه وسلم أمر الزبير أن يأخذ بعض ما يستحق علي جهة الإصلاح فلما لم يقبل الأنصاري الصلح وطلب الحق أبان رسول الله صلي الله عليه وسلم للزبير قدر ما يستحق(1) وهذا دليل علي أن للحكام أن يعرضوا الصلح علي المتنازعيين في حال الإنكار فإن قبلا به جاز وألزما بموجبه ، وليس لمن رضي بالصلح العدول عنه لأنه قد رضي به .
وفي معين الحاكم لابن عبد الرفيع : وإذا خشي القاضي في تفاقم الأمر بين الخصمين ، أو كانا من أهل الفضل ، أو بينهما رحم أمرهما بالصلح . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ردوا القضاء بين ذوي الأرحام حتي يصطلحان فإن فصل القضاء يورث الضغائن(2) .
__________
(1) - تقدم تخريجه علي ص 91 .
(2) - تبصرة الحام ، ج 2 ، ص 52 .(1/336)
قال ابن راشد وغيره : ولا يامر بالصلح إذا تبين له وجه الحكم ، وعلي هذا لا يكون الصلح إلا في حالة الإشكال ، أو وجود شبهة وقسم ابن فرحون الصلح إلي أربعة أقسام : جائز ، وممنوع ، ومكروه ، ومختلف فيه . فالجائز الصلح علي الإقرار بما تصح به المعاوضة ، والممنوع الصلح علي الإقرار بما لا تصح المعاوضة به ، والمكروه ما يؤدي إلي أسلفني وأسلفك ومثل لهذا : كأن يدعي كل واحد علي صاحبه بدنانير فينكر صاحبه ، فيصطلحان علي أن يؤخر إحداهما صاحبه بما يدعيه عليه إلي أجل .
والمختلف فيه الصلح علي الإنكار وهو جائز(1) ، وقد تقدمت الإشارة إلي الصلح علي الإنكار ، وأنه جائز لدي مالك والإمام أحمد وأبو حنيفة وخالف في ذلك الهادوية والإمام الشافعي .
- - -
(( لمحة موجزة عن القضاء في المملكة العربية السعودية ))
__________
(1) - تبصرة الحكام ، ج 2 ص 52 .(1/337)
لقد خلد التاريخ سيرة زاخرة من لدن رسول البشرية محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم ومهاجره إلي المدينة المنورة والخلفاء الراشدين والقضاة المخلصين والقادة المفكرين من حكام المسلمين لما قاموا به من تطبيق الشريعة الإسلامية بكل معانيها علي الصغير والكبير والأمير والمأمور والحاكم والمحكوم علي حد سواء ، ولهم مواقف عظيمة وأدوار مجيدة حرية بأن يفاخر بها في مجال الاعتزاز والتفاخر بأسلافنا الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة فيالبطولة واللعدل والانصاف ، ومدي اعتزازهم بشريعة الإسلام وتنفيذها ، واستمر الحال علي ذلك في عصر الصحابة والتابعين ومن تبعهم ، ثم عاش المسلمون فترة من التخلف والانحطاط بسبب بعدهم عن شريعة الإسلام ، فتغلب الكفار علي أكثر ديار المسلمين وأحلوا القوانين وثقافتهم محل الإسلام ، وسرعان ما يتحرر المسلمون من الاستعمار ، وتبقي بعض الدول عالقة بأذهانها تلك القوانين الوضعية ، ومع الأسف جعلوها دستوراً لحياتهم ومنازعاتهم وخصوماتهم ، واستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير . أما شبه الجزيرة العربية فقد حمي الله تعالي مهابط الوحي فيها من نير الاستعمار وسلطته ، وهيأ الله الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - ، فقام بالدعوة الإصلاحية لتوحيد رب العباد ، ومحاربة الشرك والبدع والتقاليد والعادات الباطلة المخالفة للشرع ، فعمّ نورها الجزيرة العربية وهيأ لهذه الدعوة حكاما صالحين بدأ ً من الإمام محمد بن سعود سنة 1157 هجرية وأبنائه الملوك من بعده ، فجاهد في سبيل الله ، ونشر الدعوة السلفية وتطبيق الشريعة افسلامية لموافقتها ما عليه السلف الصالح ، واستمرت هذه الدعوة وهذا التأييد من حكام آلأ سعود إلي يومنا هذا .(1/338)
أخذ الأبناء عن الآباء والآباء عن الأجداد ، وأحب أن أعطي القاريء الكريم لمحة عن دور الدولة السعودية المعاصرة في التمسك بالشريعة الإسلامية وتطبيق أحكام الله لأنها الدولة التي تطبق القضاء الشرعي الإسلامي ، واتخذت أسلوباً بارعاً في تنظيم القضاء واختيار القضاة الأكفَّاء حسب الحاجة وتعيينهم في مناطق المملكة ، بل عمت المحاكم القري والمدن والسهل والجبل مما سهل للمواطن قضاء حاجته وحل مشكلاته في بلده دون اللجوء إلي بلد آخر كل ذلك من أجل راحة و إسعاد المواطن في المملكة العربية السعودية وهذا التنظيم يتلخص فيما يلي :
أولاً : ولاية القضاء :(1/339)
عينت الحكومة السعودية قضاة مستقلين للنظر في قضايا الناس طبقا للشريعة الإسلايمة ، أنيطت مسألة اختيار القضاة بمجلس القضاء الأعلي المكون من إحدي عشر عضوا ورئيسا من كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من حاملي الشهادة الجامعية فما فوق ، المتضلعين في العلوم الشرعية والعلوم الأخري التي تعين علي فهم الكتاب والسنة ، ويصدرون القرارات اللزمة بتعينهم ويصدرون القرارات اللازمة بتعينهم ويرفعون بأسمائهم إلي ولي الأمر ملك المملكة العربية السعودية ، وبدوره يصدر امر بتعيين من يصلح للقضاء ، وقد بلغ عدد القضاة في المملكة العربية السعودية إلي عام 1411 هجرية ( 458 ) قاضيا موزعين في المحاكم المنتشرة في مناطق المملكة والتي بلغت ( 297 ) محكمة بالإضافة إلي محكمتي تمييز بمكة والرياض وديوان المظالم بالرياض وفروعه في جدة وأبها والدمام ، والأحكام تصدر وفقاً للشريعة الإسلامية فانتشر العدل واطمأنت العباد وأمنت البلاد وعم الرخاء في عهد الملك عبد العزيز(1)
__________
(1) - الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود من آل مقرن من ربيعة بن شيبان ملك المملكة العربية السعودية الأول ومنشئها وأحد رجالات الدهر ولد في الرياض سنة 1293 هجرية / 1876 ميلادية ودولة آبائه في ضعفة وانحلال وصحب أباه إلي الكويت واستقر بها سنة 1309 هجرية / 1891 ميلادية وشب فيها وشن الغارات علي آل رشيد وأنصارهم فاجأ عامل ابن رشيد في الرياض بوثبة فاستولي عليها وجدد فيها إمارة آل سعود سنة 1319 هجرية / 1902 ميلادية ثم استولي علي بقية مناطق المملكة حيث استولي علي الحجاز سنة 1343 هجرية / 1915 ميلادية وأصبحت مكة عاصمة آل سعود وفي عام 1351 هجرية / 1932 ميلادية تم الإعلان عن تسمية المملكة العربية السعودية فأقام العدل وحكم شريعة الإسلام في عباده فآمنت العباد والبلاد ولم شتاتها ووحد أجزائها فجمع الله به بعد فرقة وأعز به بعد ذلة وكان لقيام دولته أثر كبير في إحياء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فقد جعل أكبر همه توطيد الأمن وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم في شعبه وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وأقام العدل والإنصاف وقضي علي البدعيات القبلية والفتن والحروب الطاحنة بين القبائل وأقام الحدود الشرعية وقضي علي الشرك حتي استقامت المور خير قيام بعد جهاد طويل ولم يشغله خوض المعارك وتوحيد البلاد فقد حرص – يرحمه الله – علي تحسين وضع المعيشة في البلاد فتفجر البترول وانتعشت البلاد واتجهت إلي العمران وأخذت البلاد في التقدم العمراني والحضاري وعين القضاة لفصل المنازعات بين المواطن طبقاً للشريعة الإسلامية وكان قوياً في دين الله عمر ما بينه وبين ربه فسيرته سيرة الأبطال المصلحين والقادة المشمرين وهو أشهر من أن أعرفه بهذه الأسطر فقد ألفت فيه الكتب كتاريخ نجد الحديث وملوك العرب لأمين الريحاني وقلب جزيرة العرب والبلاد العربية السعودية كلاهما لفؤاد حمزة وجزيرة العرب في القرن العشرين لحافظ وهبة وصقر الجزيرة لأحمد العطار وآل سعود في التاريخ لفريداي عز الدين والملك بن سعود لمحمد صبيح والملك عبد العزيز لعبد الله حسين ولمحة في سيرة الملك عبد العزيز لمحي الدين رضا وسيد الجزيرة العربية لعمران النصر والإمام العادل لعبد الحميد الخطيب وغيرها . توفي بالطائف سنة 1373 هجرية / 1953 ميلادية ودفن بمقبرة آبائه بالرياض – يرحمه الله - .(1/340)
بن عبد الرحمن آل سعود وأبنائه من بعده الملوك سعود (1)
__________
(1) - هو الملك سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ولد في الكويت سنة 1319 هجرية / 1902 ميلادية بويع ملكاً للملكة العربية السعودية بعد وفاة والده الملك عبد العزيز عام 1373 هجرية / 1953 ميلادية وكان ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز فأدار الأمور علي خير ما يرام وبقي سعود ملك المملكة العربية السعودية حتي عام 1384 هجرية اجتمعت أسرة آل سعود والعلماء برئاسة مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وقرروا تنحية الملك سعود ومبايعة فيصل بن عبد العزيز لمرض الملك سعود واضطراب الأمور فعزم علي السفر إلي الخارج وكان الملك فيصل بن عبد العزيز في مقدمة مودعيه في مطار الرياض وجميع الأسرة السعودية وأعيان البلاد وكان وداعاً حاراً من الأسرة السعودية وعلي رأسها الملك فيصل فنزل علي بالعاصمة اليونانية أثينا للاستشفاء وزار مصر واليمن وتوفي عام 1388 هجرية / 1969 ميلايدة فجأة بالفندق باليونان ونقلته طائرة سعودية من أثينا إلي جدة حيث صلي عليه أخوه الملك فيصل بمكة ودفن بمقبرة آبائه بالرياض – يرحمه الله - ..(1/341)
وفيصل(1) وخالد – يرحمهم الله – والملك فهد وولي العهد حفظهما الله ، ونال القضاة ما لم ينالوه في أي عصر مضي من تقدير واحترام في هذه الدولة المباركة فقد هيأت الجو المناسب للقاضي من وجود دور للمحاكم تتوفر فيها وسائل الراحة والاطمئنان ولم تتدخل في شؤون القاضي فالقاضي ورأيه ، مرجعه كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، رقيبه الله ثم ضميره ودينه ووازعه أيمانه ويقينه ، ودورها عظيم في تطبيق الشريعة الإسلامية ، وتنفيذ أحكام القضاء بكل حزم فلا عدول عما تقرر شرعاً حتي ساد العدل والأمن والاطمئنان في البلاد في طولها وعرضها .
ثانياً : صدرت تعليمات من رئاسة القضاء سابقاً برئاسة سماحة الشخ محمد ابن ابراهيم آل الشيخ ومن وزارة العدل التي حلّت محل رئاسة القضاة وتتلخص هذه التعليمات فيما يلي :
1- نظام القضاء .
__________
(1) - هو الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ولد في مدينة الرياض سنة 1324 هجرية / 1906 ميلادية ولي ولاية العهد لأخيه الملك سعود في 11 / 3 / 1373 هجرية الموافق 9 / 11 / 1953 ميلادية وفي يوم الاثنين الموافق 27 / 6 / 1384 هجرية الموافق 3 / 11 / 1964 ميلادية بويع بالاجماع ملكا شرعيا علي المملكة العربية السعودية فقام الملك بالمسؤولية خير قيام وكان عهده غرر في جبين الدهر يسجله التاريخ بمداد من نور عمل لراحة شعبه وتطوير بلده ونشر الدعوة الإسلامية في ربوع العالم اشتهر بالعدل والإنصاف والقوة في دين الله متضلعا في العلوم الشرعية سياسيا محنكا له مواقف بطولية وأعمال جليلة والكلام عن هذا الملك قد يصل إلي مجلدات وهو أشهر من أن أعرفه بهذه الأسطر توفي – يرحمه الله – في صباح يوم الثلاثاء الموافق 13 / 3 / 1395 هجرية 25 آذار سنة 1975 متأثرا من جراحه التي خلفها حادث الاعتداء الأثيم من قبل الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز المعروف باختلال عقله .(1/342)
2- نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي .
3- نظام تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية .
4- لائحة تمييز الأحكام الشرعية .
5- لائحة تحديد مؤهلات شغل وظائف كتاب العدل .
6- لائحة التفتيش القضائي .
7- لائحة التفتيش الإداري .
وكل النظم والتعليمات المشر إليها اقتضتها مصلحة العمل وتسهيل أمور الناس بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية بل تؤيدها وتتمشي معها .
ثالثاً : رواتب القضاة :
لقد مر بك الحديث عن رزق القاضي ، وأنه يجوز له أخذ الرزق من بيت المال ، وقد بَّوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله : باب رزق الحكام والعاملين عليها . وكان شُرَيح القاضي ياخذ علي القضاء أجراً ، وقد ذكرنا هناك بما يكفي عن إعادته ، وعلي غرار للك فإن الدولة السعودية قد خصصت رواتب للقضاة كافية باحتياجات القاضي وتغنيه عن مؤنة البحث عن الرزق ، بل دفعت إلي القضاة المال الوفير والرزق الوفير لإغنائهم ، والتفرغ لعملهم الصعب الذي يحتاج إلي جهد ، وإذا كثرت مرتبات القضاة فقد كثرت تكاليفهم وازدادت الواجبات عليهم .
رابعاً : أعوان القاضي :
أعوان القاضي كثيرون ويتنوعون حسب الحاجة وقد عين لكل قاض ٍ أعوان ، وخصصت لهم رواتب تتناسب مع أعمالهم ، ولهم ميزة خاصية تميزهم علي غيرهم لشرف العمل المناط بهم :
1- كُتّاب العدل .
2- كُتّاب الضبط .
3- مأمور بيت المال .
4- كُتّاب سجل الأحكام .
5- مترجم اللغات الأجنبية .
6- كتاب للصادر والوارد .
7- مُقدر شجاج .
8- كتاب لتحرير علي المعاملات .
9- عدد كاف من الشرطة .
10- كُتّاب للأرشيف وحفظ المعاملات .
11- محضر خصوم .
12- خبرا أو هيئة نظر .
13- مأذون عقود أنكحة .
14- مَسَّاح .
15- نَسَّاخ علي الآلة الكاتبة .
خامساً : أمنت المحاكم سيارات للأغراض الرسمية في تنقلات القاضي :(1/343)
وعملت هذه الدولة المباركة علي خلق الجو المناسب للقاضي لآداء رسالته بكل راحة واطمئنان بما لم يسبق له مثيل في التاريخ الإسلامي وما أسجله هنا هو كلمة عرفان وشكر ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله .
- - -
فصل في
(( نماذج من الرعيل الأول ))
المتتبع للتاريخ الإسلامي من قصص الخلفاء الراشدين والقضاة المنخلصين من حكام المسلمين يجد سيرة زاخرة تعتبر مثالاً يحتذي بها في العدالة والإنصاف ، وسنأتي ببعض الأمثلة التي تدل علي عظمة هذا الإسلام وتأثيره في أبنائه وما وصلوا إليه من قمة التواضع ، إنها أمثلة جديرة بالاهتمام ومن ذلك :(1/344)
1- جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبيّ لدي القاضي زيد في خصومة علي حائط ، فأتيا زيد بن ثابت في منزله ، فلما دخلا عليه قال له عمر جئناك لتقضي بيننا ، وفي بيته يؤتي الحكم . قال فتنحي له زيد عن صدر فراشه فقال : هاهنا يا أمير المؤمنين . فقال جُرت يا زيد في أول قضائك ، ولكن أجلسني مع خصمي ، فجلسا بين يديه فادعا أبيّ ، وأنكر عمر . فقال زيد لأبيّ ُ أعفي أمير المؤمنين من اليمين وما كنت لأسألها لأحد غيره ، قال فحلف عمر : لا يدرك زيد القضاء حتي يكون عمر ورجل من عرب المسلمين عنده سواء . وفي رواية قال عمر : أهكذا يُقضي بين الناس كلهم ، قال : لا . قال : فأقض بيننا كما تقضي بين الناس . قال لا: احلف يا أمير المؤمنين : فقال عمر : لا أتحرج من أكل شيء أتحرج أن أحلف عليه . قال : ثم قال : والله الذي لا إله إلا هو ما لأبيّ في أرضي هذه حق(1) وكان عمر بن الخطاب أمير لمؤمنين ولم يمنعه ذلك من إتيان القاضي والجلوس مع خصمه وهذا موقف في غاية العدالة من أمير المؤمنين ، ولنا فيه أسوة حسنة في الإنصاف من النفس وإعطاء الحق للصغير والكبير والحاكم والمحكوم علي حد سواء .
__________
(1) - أثر تحاكم عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أخرجه البيهقي عن الشعبي السنن الكبري ، ج 10 ، ص 144 ، انظر تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 142 .(1/345)
2- تحاكم عليّ ُُ رضي الله عنه ويهودي لدي القاضي شريح في درع ونصه ، وجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه درعاً له عند يهودي التقطها فعرفها فقال : درعي سقطت عن جمل لي أورق فقال اليهودي : درعي وفي يدي ثم قال اليهودي بين وبينك قاضي المسلمين فأتيا شريحا فلما رأي عليا قد أقبل تحول عن موضعه وجلس علي فيه ثم قال علي : لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس لكني سمعت رسول الله صلي الله ععليه وسلم يقول : (( لا تساووهم في المجلس )) وساق الحديث ، قال شريح : ما تشاء يا أمير المؤمنين ؟ قال درعي سقط عن جمل لي أورق فالتقطها هذا اليهودي ، قال شريح :ما تقول يا يهودي ؟ قال : درعي وفي يدي ، قال شريح : صدقت والله يا أمير المؤمنين إن هذه درعك ولكن لابد لك من شاهدين فدعا قنبرا والحسن بن عليّ فشهدا أن هذا الدرع لعلي فقال شريح : أما شهادة مولاك فقد أجزناها ، وأما شهادة ابنك فلا نجيزها فقال علي رضي الله : ثكلتك أمك ، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول ، قال : رسول الله صلي الله عليه وسلم (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )) . ثم قال لليهودي خذ الدرع(1) ،
__________
(1) - أثر تحاكم علي بن أبي طالب مع اليهودي إلي شريح أخرجه الحاكم في ترجمة أبي سمير ، وأخرجه البيهقي انظر تكملة المجموع شرح المهذب ، ج 20 ، ص 143 ، وأورده صاحب سبل السلام ، ج 4 ، ص 240 ، وضعفه صاحب إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، ج 8 ، ص 242 ، وانظر السنن لكبري للبيهقي ، ج 10 ، ص 136 من كتاب آداب القاضي باب انصاف الخصمين في المدخل عليه ..(1/346)
فقال اليهودي : أمير المؤمنين جاء معي إلي قاضي المسلمين فقضي لي ورضي صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فوهبها له علي رضي الله عنه وأجازةه بتسعمائة وقتل هذا الرجل وهو في جيش علي يوم صفين وهذه القصة توضح عظمة الإسلام وما وصل إليه القضاء من قمة في العدل والمساواة في الحقوق بحيث أمير المؤمنين عليّ ُُ بن أبي طالب مع اليهودي في الحق ، بل ويحكم عليه لليهودي ، وما أحسن العمل بالحق من الحاكم والمحكوم ، ونتيجة لذلك أسلم اليهودي لما رأي من عظمة هذا الدين وسماحة أهله وتتمل هذه السماحة في رضا المؤمنين عليّ بن أبي طالب بالحكم وقناعته به .
3- سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت قاضي المدينة بلغه أن والي المدينة غصب قوما مالاً لهم بملل ، وملل موضع بينه وبين المدينة ليلتان قال ياقوت : وهو مبتدأ ملك الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكان أول قضاء قضي به سعيد ابن سليمان علي والي المدينة ، فأخرج من يده ذلك المال الذي غصبه وتصدق به ابن لرفاة بن رافع العجلان علي فقراء العجلان وانتعش منه خلق كثير من فقرائهم بالمدينة ، فقال محمد بن مصعب يا سعيد متي يدرك المضلون فضل هذه القضية ، فأراد الوالي عزله فما استطاع وعزل الوالي من أجله . فقال أحمد بن خيسة لموسي شهوات يمدح سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري :
من سرّه الحكم صرفا لا مزاح له من القضاة وعدل غير مغمور
فليأت دار بني زيد فإن بها أمضي علي الحكم من سيف جرموز
4- لما دخل أبو جعفر المدينة يريد الحج لقيه الناس يتظلمون من محمد بن عمران ، وهو يسايره فقال : ما هذا ؟ قال : يا أمير المؤمنين مالم تر أكثر من نصف أهل المدينة ممن قضيت عليهم غضبان ، ولا والله ما يجوز للقاضي أن يترك الحق لغضب الناس .
إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحاكم هذا إن عدل(1/347)
5- عرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالحزم والشدة بالإضافة إلي الورع والتقوي في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه ، فلما تولي الخلافة هابه الناس ، فلما بلغه صيح فيهم بالصلاة جامعة فحضروا ثم جلس علي المنبر حيث كان أبو بكر يضع قدميه ، فلما اجتمعوا قام فحمد الله واثني عليه بما هو أهله وصلّي علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم قال :(1/348)
بلغني أن الناس هابوا شدتي وخافوا غلظتي ، وقالوا : قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلي الله عليه وسلم بين أظهرنا ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه ، فكيف إذا صارت الأمور غليه ؟ ومَنْ قال ذلك فقد صدق كنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه ، وكان من لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة فقد سمّاه الله بذلك ووهب له اسمين من أسمائه رؤوف رحيم ، فكنت سيفاً مسلولا حتي يغمدني أو يدعني فأمضي حتي قبض رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عني راض ، والحمد لله وأنا أسعد بذلك ، ثم ولي أمر المسلمين أبو بكر ممن لاتنكرون دعته وكرمه ولينه ، فكنت خادمه وعونه أخلط شدتي بلينه فأكون سيفاً مسلولاً يغمدني أو يدعني فأمضي فلم أزل معه كذلك حتي قبض وهي عني راض ، والحمد لله وأنا أسعد بذلك ، ثم أني قد وليت أموركم أيها الناس واعلموا أن هذه الشدة قد أضعفت ولكنها إنما تكون علي أهل الظلم والتعدي علي المسلمين ، فأما أهل السلامة والدين والفضل فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض ، ولست داع أحداً يظلم أحداً ويتعدي عليه حتي أضع خده علي الأرض وأضع قدمي علي الخد الآخر حتي يذعن للحق ، ولكم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها كم فخذوني بها ، لكم عليَّ أن لا أخبأ شيئا من خراجكم مما أفاء الله عليكم ، إلا من وجهه ، ولكم عليَّ إذا وقع عندي ألا يخرج إلا بحقه ، ولكم عليَّ أن أرد عطاياكم وأرزقكم إن شاء الله تعالي ، ولكم عليَّ أن لا ألقيكم في المهالك ، وإذا رغبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتي ترجعوا إليهم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم(1) .
- - -
خاتمة البحث
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلي آله وصحبه أجمعين .
__________
(1) - كتاب القضاء في عهد عمر ، ج 1 ، ص 121 – 122 .(1/349)
أما بعد فأختتم كتابي هذا ( النور الوضاء في بيان أحكام القضاء ) الذي جمعت فيه لآليء ذهبية من أصول وقواعد شرعية ، لا يستغني عنها طالب العلم وكثير من الناس لتعلق الإنسان في حياته بهذا العلم وحاجته للعدل ، ولا يتحقق العدل ، ولا يتحقق العدل إلا بالقضاء وهو قليل من كثير ، ولا يستطيع العالم مهما حرص لاستقصاء أحكام القضاء ، ولكن حسبي أن أكتفي بهذا المختصر الذي بذلت فيه جهداً لإصابة الحق ، فما وجدت فيه من صواب وحق فأقبله وما وجدت فيه من خطأ فالله سبحانه المتفرد بالكمال .
والنقص في أصل الطبيعة كامن فبنو الطبيعة نقصهم لا يجحد
وأسأل الله العلي القدير أن يعصمني من الزلل ويوفقني لصالح القول والعمل وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعني به يوم لاينفع مال ولا بنون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين .
المؤلف
- - -
(أحمد بن محمد الشفْعي آل المعافا من مواليد مدينة ضَمَد عام 1359 هجرية.
(حاصل علي الشهادة الجامعية ليسانس في الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض في العام الدراسي 1386- 1387 هجرية.
( اشتغل بالقضاء من عام 1387هجرية ولا يزال.
له من الآثار
1- كتاب بعنوان ((لآليء الدّرر في تراجم رجال القرن الثالث عشر)) (مطبوع) تُرجِم فيه لعلماء وأدباء وشعراء منطقة جازان في القرن الثالث عشر الهجري مرتّبة هجائياً ، يقع الكتاب في 290صفحة من القطع المتوسط .
2- كتاب بعنوان ((فُرْجة النظر في تراجم رجال من بعد القرن الثالث عشر)) تُرْجم فيه لرجال منطقة جازان في القرن الرابع عشر الهجري مرتبة هجائيا ، يتكون من جزئين
3- كتاب بعنوان((منطقة جازان في الماضي والحاضر))ولا يزال مخطوطا ربط فيه الحاضر المشرق بالماضي المجيد.
4- مجموعة خطب منبرية علي مدار السنة ولا تزال مخطوطة.
5- ((النور الوضاء في بيان أحكام القضاء)) وهو الذي بين يديك .
- - -
المراجع(1/350)
1- القرآن الكريم .
2- تفسير القرطبي – مصورة عن طبعة دار الكتب للطباعة والنشر – القاهرة – سنة 1387 هجرية 1967 .
3- تفسير ابن كثير – مطابع المختار الإسلامي مكتبة دار التراث 22 شارع الجمهورية – القاهرة .
4- فتح القدير – لمحمد بن علي الشوكاني – دار المعرفة – بيروت – لبنان .
5- سبل السلام – شرح بلوغ المرام لمحمد بن اسماعيل الأمير – الطبعة الرابعة سنة 1407 هجرية 1987 ميلادية دار الكتاب العربي .
6- تلخيص صحيح الإمام مسلم الطبعة الأولي سنة 1409 هجرية 1988 ميلادية – دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع . لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي .
7- صحيح مسلم بشرح النووي - دار القلم – بيروت – لبنان تحقيق وتعليق لجنة من العلماء .
8- صحيح البخاري - دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – دار البار .
9- صحيح الخاري بحاشية السندي الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت – لبنان .
10- العدة شرح العمدة في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل تأليف بهاء الدين عبد الرحمن بن ابراهيم المقدسي – دار الفكر للطباعة .
11- المجموع شرح المهذب لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي – المكتبة السلفية – المدينة المنورة .
12- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لعلاء الدين علي المتقي الهندي مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر – بيروت .
13- المغني لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي تحقيق الدكتور عبد الله التركي والدكتور عبد الفتاح الحلو مطبعة المقدسي الطبعة الأولي سنة 1410 هجرية 1990 ميلادية .
14- المغني والشرح الكبير لأبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المكتبة السلفية – المدينة المنورة .
15- أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية مطبعة الكيناني سنة 1389 هجرية – 1969 ميلادية .(1/351)
16- أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج بهاء للدكتور / عبد العزيز الربيعة الطبعة الثانية سنة 1401 هجرية – 1981 ميلادية مطابع الرياض .
17- منتهي الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات لتقي الدين محمد ابن أحمد الفتوحي الحنبلي المصري تحقيق عبد الغني عبد الخالق – عالم الكتب .
18- الأحكام السلطانية والولايات الدينية لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي – دار الكتب العلمية بيروت - لبنان .
19- الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل لابن قدامة المقدسي تحقيق زهير الشاويش الطبعة الخامسة سنة 1408 هجرية – 1988 ميلادية – المكتب الإسلامي بيروت .
20- البداية والنهاية للحافظ ابن كثير الطبعة السابعة سنة 1408 هجرية – 1988 بيروت – لبنان – مكتبة المعارف .
21- الأحكام السلطانية للقاضي للقاضي أبي يعلي محمد بن الحسين الفراء صححه وعلق عليه محمد حامد الفقي بيروت – لبنان سنة 1403 هجرية – 1983 – دار الكتب العلمية .
22- كشاف القناع علي متن الإقناع للشيخ منصور البهوتي – عالم الكتب – بيروت .
23- القاضي إياس بن معاوية والقضاء بالفراسة – مكتبة دار الكتاب الإسلامي الطبعة الأولي سنة 1411 هجرية – 1991 ميلادية – المدينة المنورة .
24- الدراري المضيئة شرح الدرر البهية للإمام محمد بن علي الشوكاني الطبعة الأولي سنة 1409 هجرية – 1988 ميلادية مؤسسة الكتب الثقافية بيروت لبنان .
25- حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير لمحمد عرفة الدسوقي علي الشرح الكبير لأبي البركات أحمند الدرديل طبع طبع بدار إحياء الكتب العربية .
26- منهاج المسلم لأبي بكر جابر الجزائري الطبعة الثامنة سنة 1396 هجرية – 1976 ميلادية – دار الفكر .
27- أخبار القضاة لمحمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع – عالم الكتب – بيروت .(1/352)
28- القضاء في الإسلام الطبعة الأولي سنة 1408 هجرية – 1988 ميلادية دار المنارة للنشر والتوزيع جدة – السعودية – لعلي الطنطاوي .
29- لآليء الدرر في تراجم رجال القرن الثالث عشر للمؤلف محمد أحمد بن محمد الشعفي الطبعة الأولي 1412 هجرية – 1991 ميلادية – مطبعة دار البلاد – جدة – السعودية .
30- مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثير في الأحكام لجمال الدين يوسف ابن عبد الهادي الحنبلي – مطبعة السنة المحمدية – القاهرة سنة 1391 هجرية – 1971 ميلادية .
31- بدائع الفوائد لابن القيم الجوزية .
32- إرواء الغليل في تخريج منار السبيل امحمد نصر الدين الألباني الطبعة الأولي سنة 1399 هجرية – 1979 ميلادية المكتب الإسلامي – بيروت .
33- أعلام أهل الحاضر برجال من الماضي الغابر الظاهري – الطبعة الأولي سنة 1405 هجرية – 1985 ميلادية دار القبلة للثقافة الإسلامية .
34- جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الطبعة الأولي 1370 هجرية 1950 ميلادية نشر وتوزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – السعودية .
35- الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل مطابع دار العلم للطباعة والنشر – جدة .
36- ديوان محمد بن إسماعيل الأمير .
37- فتح المجيد كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ المكتبة الثقافية – بيروت – لبنان بتحقيق محمد حامد الفقي .
38- مزيل الداء عن أصول القضاء تأليف عبد الله بن مطلق الفهيد الطبعة الأولي سنة 1372 هجرية – 1953 ميلادية مطبعة السنة المحمدية – القاهرة .
39- الأعلام لخير الدين الزركلي الطبعة الثامنة سنة 1989 ميلادية دار العلم للملايين – بيروت – لبنان .
40- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم الجوزية دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – مطابع يوسف .
41- التقريب لفقه ابن القيم الجوزية لبكر بن عبد الله أبو زيد مطابع دار الهلال الرياض سنة 1406 هجرية .(1/353)
42- الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للشيخ شرف الدين موسي الحجاوي تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد السبكي الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت – لبنان .
43- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني الحنفي – الطبعة الثانية سنة 1406 هجرية – 1986 ميلادية دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان .
44- مغني المحتاج إلي معرفة معاني ألفاظ المنهاج شرح ابن الشربيني الخطيب الناشر - دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان سنة 1352 هجرية – 1933 ميلادية .
45- المحلي لابن حزم تحقيق لجنة إحياء التراث العربي دار الحيل بيروت – لبنان .
46- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف علي مذهب الإمام احمد بن حنبل الطبعة الأولي سنة 1377 هجرية – 1958 ميلادية – دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان .
47- نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقي الأخبار لمحمد بن علي الشوكاني دار الحيل – بيروت سنة 1973 ميلادية .
48- سنن أبي داود إعداد وتعليق عزت عبد البر عباس نشر وتوزيع محمد بن علي السيد – حمص ص . ب 283 الطبعة الطبعة الأولي سنة 1391 هجرية – 1971 ميلادية .
49- سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وبحاشية السندي – دار القلم بيروت – لبنان .
50- عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لأبي العربي المالكي الناشر دار أم القري للطباعة والنشر بالقاهرة مكتبة الحرمين للعلوم النافعة .
51- سنن ابن ماجة تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الكتب العلمية بيروت – لبنان .
52- تهذيب مدارج السالكلين لابن القيم الجوزية تهذيب عبد المنعم العزي دولة الإمارات العربية المتحدة وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف .
53- موطأ مالك رواية يحيي بن يحيي الليثي إعداد أحمد راتب عرموش رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – المملكة العربية السعودية الطبعة السابعة سنة 1404 هجرية – 1983 ميلادية دار النفايس ببيروت .(1/354)
54- المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق الصنعاني تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي توزيع المكتب الإسلامي.
- - -
الفهارس العامة
1- فهرس الآيات القرآنية .
2- فهرس الأحاديث .
3- فهرس الآثار .
4- فهرس الأعلام .
5- فهرس التراجم .
6- فهرس الأماكن والمدن والأقاليم .
7- فهرس الموضوعات .
- - -
فهرس الآيات القرآنية .
الآية ... السورة ... رقم ... رقم
الآية ... الصفحة
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } ... المائدة ... 65 ... 6
{ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ }
{ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم} ... النساء ... 141 ... 6
{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ}
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْل }ِ ... النمل ... 78 ... 6
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }
{ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ } ... المائدة ... 49 ... 1
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ } ... النساء ... 58 ... 10
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }
{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ } ... النساء ... 65 ... 10
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ }
ص ... 26 ... 10
{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ }
المائدة ... 45 ... 10
{ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
النساء ... 105 ... 10
{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ }
{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ... المائدة ... 44 ... 10
{(1/355)
وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}
{ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } ... البقرة ... 251 ... 12
{ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ }
{ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ } ... القصص ... 83 ... 15
{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}
{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } ... الأعراف ... 29 ... 17
{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } ... الممتحنة ... 8 ... 17
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ } ... النساء ... 114 ... 17
{ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمًْ }
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } ... المائدة ... 47 ... 17
{ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } ... هود ... 45 ... 22
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }
النساء ... 141 ... 26
{ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
ص ... 26 ... 27
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء }
{ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ } ... المائدة ... 44 ... 27
{ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ }
:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } ... المائدة ... 78 ... 27
{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ } ... القصص ... 26 ... 33
{(1/356)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ }
{ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } ... ص ... 21- 22 ... 36
{ إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا }
{ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ } ... النور ... 36 ... 37
{ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }
{ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } ... النساء ... 59 ... 41
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ }
{ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } ... النساء ... 83 ... 41
{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ }
الزمر ... 18 ... 42
{ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُم }
الأعراف ... 7 ... 42
{ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء } ... آل عمران ... 159 ... 45
{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }
{ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم َ} ... النمل ... 29- 31 ... 49
{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } ... آل عمران ... 64 ... 49
{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ} ... النساء ... 15 ... 50
{ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } ... النور ... 13 ... 50
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } ... النور ... 4 ... 51
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ }
{ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ } ... الإسراء ... 36 ... 52
{ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}
{ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } ... النساء ... 135 ... 52
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }
{ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ... المائدة ... 7 ... 52
{(1/357)
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ }
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } ... الحديد ... 11 ... 65
{ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ } ... التغابن ... 17 ... 65
:{ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ }
{ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } ... البقرة ... 245 ... 65
{ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى } ... البقرة ... 275 ... 67
{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ }
{ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } ... المائدة ... 42 ... 69
{ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ }
{ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } ... البقرة ... 188 ... 69
{ وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } ... البقرة ... 282 ... 72
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ }
النساء ... 35 ... 75
{ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ }
الأنفال ... 1 ... 77
{ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى }
الحجرات ... 10 ... 77
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}
{ وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء } ... النساء ... 34 ... 80
{ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ }
{ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } ... البقرة ... 228 ... 81
{ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ْ } ... المائدة ... 42 ... 86
{ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ } ... المائدة ... 42 ... 86
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... المائدة ... 41 ... 86
{ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ } ... آل عمران ... 135 ... 87
{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } ... النور ... 4 ... 88
{ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ } ... الحجرات ... 6 ... 78
{ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ } ... القصص ... 83 ... 90
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } ... يس ... 57 ... 94
{(1/358)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } ... النور ... 48 ... 94
{ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } ... الأعراف ... 199 ... 98
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى }
الإسراء ... 134 ... 107
{ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ}
النساء ... 165 ... 107
{ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ }
{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى } ... طه ... 134 ... 107
{ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لمعكم}
{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } ... النحل ... 90 ... 107
{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً }
آل عمران ... 81 ... 112
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمٌْ }
الملك ... 11 ... 112
{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ }
غافر ... 11 ... 112
{ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ }
{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } ... الأعراف ... 172 ... 112
{ فاجتنبوا الرزق من الأوثان وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ }
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } ... آل عمران ... 18 ... 116
{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ }
{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } ... البقرة ... 143 ... 116
{ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ }
{ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } ... البقرة ... 282 ... 116
الطلاق ... 2 ... 116
البقرة ... 282 ... 116
الحديد ... 25 ... 117
البينة ... 4 ... 117
طه ... 133 ... 117
النساء ... 135 ... 118
البقرة ... 282 ... 118
البقرة ... 283 ... 118
البقرة ... 282 ... 118
المائدة ... 106 ... 123
النساء ... 15 ... 125
النور ... 4 ... 126
آل عمران ... 44 ... 145
الصافات ... 141 ... 145
يوسف ... 25 ... 148
القصص ... 26 ... 149(1/359)
البقرة ... 143 ... 151
البينة ... 7 ... 152
الأعراف ... 199 ... 154
البقرة ... 282 ... 155
المائدة ... 106 ... 164
النمل ... 38 ... 164
فاطر ... 42 ... 164
المائدة ... 53 ... 164
النور ... 53 ... 164
البقرة ... 77 ... 169
البقرة ... 224 ... 169
البقرة ... 225 ... 170
المائدة ... 89 ... 170
الفرقان ... 72 ... 171
الحج ... 30 ... 171
البقرة ... 188 ... 171
النساء ... 114 ... 172
النساء ... 128 ... 179
الأنفال ... 1 ... 179
الحجرات ... 10 ... 179
- - -
فهرس الأحاديث .
الحديث ... الصفحة
إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر . ... 11
القضاة ثلاثة : إثنان في النار وواحد في الجنة . ... 15
من ابتغي القضاء وسأل فيه . ... 15
يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها . ... 15
لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه علي هَلَكَته في الحق . ... 17
إن المقسطين عند الله علي منابر من نور . ... 17
أن الله مع الحاكم ما لم يجرفإذا جار وكل إلي نفسه . ... 18
ليوم واحد من إمام عادل أفضل أو خير من عبادة ستين سنة . ... 18
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . ... 18
اقض فإن أصبت فلك عشرة أجور ، وإن أخطأت فلك أجر واحد . ... 18
من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين . ... 19
يدعي بالقاضي العادل يوم القيامة فيلقي من شدة الحساب . ... 20
ما استخلف الله من خليفة إلا له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه . ... 20
إن أخنع اسم عند الله رجل تسمي ملك الأملاك لا مالك إلا الله . ... 22
حديث علي : بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي اليمن فقلت يا رسول الله . ... 23
بعث معاذ وأبا موسي إلي اليمن فقال : بشرا ولا تنفرا . ... 24
يا عتاب تدري علي من استعملتك ؟! استعملك علي أهل الله . ... 24
رفع القلم عن ثلاثة . ... 26
بايعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي السمع والطاعة . ... 29
سيليكم ولاة بعدي ، فيليكم البر ببره والكافر بفجوره فاسمعوا وأطيعوا . ... 29(1/360)
المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير . ... 33
بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا . ... 35
فنادي يا كعب ، قال : لبيك يا رسول الله . قال : ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر . ... 36
من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك . ... 37
جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ، ورفع أصواتكم وخصوماتكم . ... 37
من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته . ... 39
قضي أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم . ... 38
إذا تقاضي إليك رجلان فلا تقض للأول حتي تسمع كلام الآخر ... ... 40
من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ... 41
لا تجتمع أمتي علي خطأ . ... 41
ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن . ... 41
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أعطي الجدة السدس . ... 41
كان النبي صلي الله عليه وسلم يشاور أصحابه . ... 45
كان النبي صلي الله عليه وسلم يشاور أصحابه . ... 45
ما كان أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلي الله عليه وسلم . ... 45
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لمعاذ بما تحكم قال بكتاب الله . ... 45
لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان . ... 47
قال النبي صلي الله عليه وسلم للزبير : اسق ثم أرسل الماء إلي جارك . ... 48
من محمد رسول الله إلي قيصر عظيم الروم أما بعد فاسلم تسلم . ... 49
حديث إنما أن بشر وأنكم تختصمون إلي ... ... 51
شاهداك أو يمينه . ... 51
لو كنت راجماً أحداً بغير بينة لرجمت هذه . ... 51
قضي لهند أمرا’ أبي سفيان بأن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف . ... 51
من رأي منكم منكراً فليغيره ...
52
حديث أنس أن أناساً من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بلقاح .
55
انما أنا بشر وانكم تختصمون إلي ولعل بعضكم الحن بحجته .
55
أنت ومالك لأبيك .
57
اطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني .
58
لا بأس طهور إن شاء الله .
58(1/361)
ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة.
58
من عزي مصابا فله مثل أجره .
58
من دعي إلي عرس ونحوه فليجب .
59
من لم يجب فقد عصي الله ورسوله .
59
إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل أن يدعو وإن كان مفطراً فليطعم .
59
من استعملناه علي عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول .
61
والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئاً ...
64
من نفس عن أخيه كربه من كرب الدنيا نفس الله عليه كربه من كرب يوم القيامة .
65
إن من خير الناس أحسنهم قضاء .
66
لابيع حاضر لباد .
67
البيعان بالخيار مالم يتفرقا .
68
لعن الله الراشي والمرتشي .
69
ما من وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة
73
من ولاه الله من أمر الناس شيئا فاحتجب عنهم
73
إن الصبر عند أول صدمة .
75
عن زيد أن النبي صلي الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود .
76
من حكم بين أثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما.فهو ملعون .
76
حديث عن أبي شريح أنه وفد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم مع قومه فسمعهم يكنون .
76
رد رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلح الذي حصل بين صاحب العسيف وبين والد العسيف .
77
لن يفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة .
80
ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن .
80
لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها .
82
أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر .
84
سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوها لوقتها .
87
إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه .
89
ألا تستعملني ؟ قال : (( إنك ضعيف وإنها امانة ...
89
لا تسأل الإمارة فإن اعطيتها عن مسألة وكلت إليها .
89
عن أنس من طلب القضي واستعان عليه ...
89
أن رسول الله صلي الله عليه وسام ولَّي ابن أم مكتوم علي المدينة أثناء غيابه .
91
أن نبي الله شعيبا عليه السلام كان أعمي .
93
لو يعطي الناس بدعواهم لادعي ناس دماء رجال وأموالهم .
94(1/362)
أن النبي صلي الله عليه وسلم حبس في تهمة يوما وليلة .
104
يا عبادي إني حرمَّتُ الظلم علي نفسي وجعلته بينكم مُحرَّمَ .
107
إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة .
108
واغد يا أنس إلي هذه المرأة فغن اعترفت فارجمها .
113
من أتي شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله .
115
حديث الخضرمي والكندي أن هذا غلبني علي أرض لي ..
116
لئن حلف علي ماله يأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض .
117
البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر .
117
لا ضرر ولا ضرار .
118
ألا أخبركم بخير الشهداء والذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها .
118
لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة .
122
لا تجةوز شهادة القانع علي أهل البيت .
122
لا تجوز شهادة بدوي علي صاحب قرية
122
قبوله صلي الله عليه وسلم شهادة الأعرابي علي رؤية هلال رمضان .
122
قال صلي الله عليه وسلم إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها .
123
قال النبي صلي الله عليه وسلم أن اني هذا سيد .
123
شاهداك أو يمينه .
125
لا نكاح غلا بولي وشاهدي عدل .
125
مضت السنة مع رسول الله والخليفتين أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق .
125
لولا الأيمان لكان لي شأن .
126
قضي رسول الله صلي الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد .
126
أن رجلين أختصما إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم في دابة او بعير فأقام كل واحد منهما البينة .
129
ان رجلين تداعيا عيناً ولم يكن لواحد منهما بينة فأمرهما النبي صلي الله عليه وسلم أن يستهما علي اليمين .
131
ألا أنبئكم باكبر الكبائر قالوا بلي يا رسول الله قال الإشراك بالله .
133-173
في القسامة قال النبي صلي الله عليه وسلم : يقسمون خمسون منكم علي رجل منهم .
134
البينة علي المدعي اليمين علي من أنكر إلا القسامة .
135
فرق رسول الله صلي الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه .
137
إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة .
138(1/363)
جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم وسألة عن اللقطة .
139
إن المراة إذا أقامت شاهدا واحدا علي الطلاق فإن حلف الزوج أنه لم يطلق لم يقض عليه .
140
حديث عقبة بن الحارث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف وقد زعمت .
141
إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم .
142
عن ابن عباس قال : شرب رجل الخمر فسكر فلقي يميل ...
143
ادرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم .
144
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
144
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم عرض علي قوم اليمين فسارعوا إليه فأمر أن يسهم بينهم .
145
لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لاستهموا .
145
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أراد سفراً اقرع بين أزواجه .
145
مثل القائم علي حدود الله ومثل المداهن فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة .
146
اتقوا فراسة المؤمن .
147
إن لي جاراً يؤذيني قال : انطلق فأخرج متاعك في الطريق .
149
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف النحالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .
153
الله ما أردت بها إلا واحدة .
164
ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائككم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت .
165
من حلف بغير الله كفر .
165
كل يمين يحلف بها دونه تعالي شرك .
165
يمينك علي ما يصدقك عليه صاحبك .
165
قل والله الذي لا إله إلا هو ماله عندي شيء .
167
لا تضطروا الناس في ايمانهم أن يخلصوا علي ما لا يفضلون .
167
من اقتطع حق امريء مسلم بيمينه أوحب الله له النار وحرم عليه الجنة .
169
من حلف علي يمين صبر يقتطع بها مال امريء مسلم هو فيها فاجر ...
169
إياكم واليمين الكاذبة أنها تدع الديار بلاقع .
169
اليمين الفاجرة التي يقتطع بها الرجل مال أخيه المسلم تعقم الرحم .
169
ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا ...
169(1/364)
أن النبي صلي الله عليه وسلم عد شهادة الزور من الكبائر .
196
لن تزول قدم شاهد الزور حتي يوجب الله له النار .
171
تري الشمس ؟ قال : نعم قا : علي مثلها فاشهد أو دع .
174
إن الطير لتضرب بمناقيرها وتقذف ما في حواصلها وتحرك ما في أذابها ...
174
كل سلامي من الناس عليه صدقة ...
179
ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيراً .
179
الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرَّم حلالاً أو أحلّ حراماً .
179
أمر النبي صلي الله عليه وسلم الزبير أن يأخذ بعض ما يستحق علي جهة الإصلاح فلم يقبل الأنصاري الصلح .
180
- - -
فهرس الآثار .
الأثر ... الصفحة
قال ابن مسعود : لأن أجلس فأقضي بين الناس أو لأن أجلس قاضياً بين أثنين أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة . ... 18
وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فإن القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالي به الأجر ويحسن به الذكر . ... 18
أخذ الله علي الحكام الأ يتبعوا الهوي ولا يخشوا الناس ولا يشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً . ... 27
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلي معاذ بن جبل وأبي عبيدة حين بعثهما إلي الشام . ... 28
عن عمر : أما بعد فإنه لم يقم أمر الله في الناس إلا حصيف العقدة بعيد الغرة . ... 33
لا يصلح هذا الأمر إلا الشدة في غير تجبر . ... 33
لا تؤخر عمل اليوم إلي الغد . ... 33
حديث علي مع اليهودي لدي القاضي شريح . ... 38
كتاب عمر إلي أبي موسي وفيه : آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتي لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف في عدللك . ... 39
شاور أبو بكر الناس في ميراث الجدة . ... 43
شاور عمر في دية الجنين وحد الخمر . ... 45
المروي عن عمر عندما جاءته أمرأة فقالت : يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي . ... 46
المروي عن أبي بكر لو رأيت حدا علي رجل لم أحده حتي تقوم عليه البينة . ... 50(1/365)
عن عمر حيث ادعي عنده رجلان فقال أحدهما أنت شاهدي فقال إن شئتما شهدت ولم أحكم أو أحكم فلا اشهد . ... 50
قال عمر : لو رأيت رجلا زني أو سرق . قال : شهادتك شهادة رجل من المسلمين . ... 51
عن شريح القاضي أن إنسانا سأله الشهادة قال ائت الأمير حتي أشهد لك . ... 51
المروي عن عروة ومجاهد أن رجلا من بني مخزوم استعدي عمرى ابن الخطاب علي أبي سفيان أنه ظلمه حدا في موضع كذا وكذا ... الخ . ... 52
عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحاكم مع أبي بن كعب إلي زيد بن ثابت تحاكم عثمان رضي الله عنه مع طلحة إلي جبير بن مطعم . ... 57
تحاكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع يهودي في درع إلي شريح . ... 57
روي عن عمر أنه رضي الله عنه انه استعمل زيد بن ثابت علي القضاء وفرض له رزقا ورزق شُرَيْح . ... 62
عن الشعبي أن رجلاً كان يهدي إلي عمر بن الخطاب كل عام رجل جزور خاصم إليه يوما فقال : يا أمير المؤمنين أقض بيننا قضاء فصلا كما يفصل الرجل في سائر الجزور . فقضي عمر عليه وكتب إلي عماله إلا أن الهدايا هي الرشا . ... 64
قال شريح القاضي : شرط عمر حين ولاني القضاء أن لا أبيع ولا ابتاع ولا ارتشي. ... 67
كتب عمر بن الخطاب أن تجارة الأمير في إمارته خسارة . ... 67
المروي عن أبي بكر رضي الله عنه قصد سوقا يتجر فيه فرضنا له ما يكفيه . ... 67
كان حاجب أبي بكر شديدا . ... 74
كان حاجب عمر يرفا . ... 74
كان حاجب عثمان مولاه حمران . ... 74
كان حاجب علي مولاه قمبرا . ... 74
تحاكم عمر بن الخطاب وأعرابياً إلي شريح . ... 76
عن عمر بن الخطاب أنه ولي الشفاء بنت عبد الله العدوية السوق . ... 85
أن عمر بن الخطاب أتي بسارق فاعترف قال : أري يد رجل ما هي بيد سارق ، فقال الرجل : والله ما أنا بسارق ولكنهم تهددوني فخلي سبيله . ... 115
عن معمر عن الزهري قال : لا يجوز الاعتراف بعد عقوبة في حد ولا غيره . ... 115
عن عبد الله بن عمر أنه باع عبداً له بثمانمائة درهم بالبراءة . ... 115(1/366)
عن شريك عن المغيرة عن الحارث قال : نكل رجل عند شريح عن اليمين فقضي عليه . ... 128
شهد رجل عند عمر بن الخطاب فقال له إني لست أعرفك .... الخ . ... 121
روي أن عمر بن الخطاب استحلف أمرأة خمسين يمينا . ... 134
روي البخاري عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب في حديث طويل .. أما بعد فإني قائل لكم .. الخ . ... 143
تشاح الناس يوم القادسية في الآذان فأقرع بينهم سعد . ... 146
قال عليّ ُُُ شهادة الصبي علي الصبي جائزة . ... 150
صح عن ابن الزبير أنه قال : إذا حيز بهم عن المصيبة جازت شهادتهم . ... 150
أجاز عمر بن عبد العزيز شهادة الصبيان . ... 150
حديث محارب بن دثار لما وعظ الشاهد فقال نسيتها وخرج ولم يعد . ... 174
ما روي عن علي رضي الله عنه أن سبعة نفر خرجوا ففقد واحد منهم ، فأتت زوجة عليا ، فدعي الستة فسألهم عنه فأنكروا ، ففرقهم وأقام كل واحد .. الخ . ... 174
أن أمرأة جاءت إلي عمر وهي حبلي وادعت أنها ثقيلة النوم ووقع عليها رجل .. الخ . ... 144
ما روي عن عمر بن الخطاب : أُتِي بأمراة قد حملت ولا زوج لها ، فادعت أنها أكُرٍهت فخلاَّ سبيلها . ... 144
عن عمار الدهني قال : شهدت شريحا شهد عنده عبد علي دار وأجاز شهادته . ... 152
لا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم وراجعت عقلك وهدييت فيه لرشدك .. الخ . ... 159
ما روي عن علي رضي الله عنه شهد عنده رجلان علي رجل بالسرقة فقطعه ثم عادا وقالا اخطأنا . ... 160
حلف عمر لأبي علي البت . ... 184
ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ردوا الجهالات إلي السنة . ... 176
ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ردوا القضاء بين ذوي الأرحام حتي يصطلحان . ... 180
- - -
فهرس الآعلام .
الاسم ... الصفحة
عبد الله بن عمرو بن العاص ... 11 -48
الإمام أحمد ... 12 -15 -42-46-50-51 62- 75 -77-104
ابن فرحون ... 108-122-124-127-128-132-138-141-142-143-147
ابن قدامة ... 11-15-18-27-29-36-37-46-52-56-59-75-76-78-82-84(1/367)
علي بن أبي طالب ... 21-23-38-46-50-55-57-72-142-150-184-54-63-81-184
معاذ بن جبل ... 11-21-23-28
عمر بن الخطاب ... 18-28-33-35-38-39-43-44-50-51-57-62-63-65-67-76-81-84-115-121-134-136-139
عبد الله بن مسعود ... 17-149-169
عبد الله بن عمر ... 48-96-122-127
اسحاق بن راهويه ... 16-18-23
الطبراني ... 16-18-22-39
محمد عبد القادر أبو فارس ... 18
البخاري ... 11-17-43-121-182
مسلم ... 18-36-70-85
النسائي ... 20-37-96-189
عقبة بن عامر ... 18
بريدة ... 19-43-49
أبو هريرة ... 19-20-23-46-67-69-104-122-127-131-145
ابن خزيمة ... 19
ابن حبان ... 19-40
النووي ... 19-62-66-77-89-94-107-113
عثمان بن عفان ... 19-57-63-75-128
حماد ... 45
المفضل بن فضالة ... 63
عيسي بن المقداد ... 63
ابن المنير ... 47
عبد الملك بن مروان ... 63
أبو بكر الجزائري ... 66-189
ابن مردوية ... 46
عائشة ... 55-122-124
أبو سعيد الخدري ... 20-47
محمد بن إسماعيل الأمير ... 19-20
ناصر بن حسين المحبش ... 20
معقل بن يسار ... 21-24
الزمخشري ... 22
أبو موسي الأشعري ... 17-24-35-130
وكيع ... 24
أبي بنكعب ... 24-57-76-128
عتاب بن أسيد ... 24-26-62
المأمون ... 19-26
يحيي بن الأكثم ... 26
الحسن ... 27-38-45-49
عمر بن عبد العزيز ... 33-37-47-105-116-150
عبادة بن الصامت ... 27
الشافعي ... 15-19-26-27-28-37-33-35-37-47-48-49-50-54-63
كعب بن سوار ... 31-142
المقداد بن الأسود ... 128
عروة البارقي ... 68
خزيمة ... 68
ابن حزم ... 31-33-47-54-55-56-61-80-81
يزيد بن أخت النمر ... 35
كعب بن مالك ... 36
ناصر بن الطريفي ... 37-53-94
المغربي ... 69
أبو عمران الجون ... 84
عبد الله الصامت ... 84
الغزي ... 189
المازري ... 96
أبو الأسود المالكي ... 76
مجاهد ... 52
الشيرازي ... 62
تاج الدين السبكي ... 47
الحسن بن علي بن أبي طالب ... 38
أم سلمة ... 51-55-145-32
عمران بن شيبة ... 39-46
ابن القيم ... 35-39-34-44-50-53-61-64-69-98-101-104-105
الدارقطني ... 39-47-128
محمد ناصر الدين الألباني ... 39
الحافظ الزيلعي ... 39-125(1/368)
المغيرة بن شعبة ... 43-72-127
الإمام مالك ... 43-51-54-59-104-105-127-179
الزبير بن العوام ... 43-72-105-150
النعمان بن بشير ... 43
أبو بكر الصديق ... 4-45-46-147
طلحة ... 57-45
عبد الرحمن بن عوف ... 50-75-149-179
سعد بن إبراهيم ... 45
محارب بن دثار ... 45
الشعبي بن كعب ... 46-49
كعب بن سور ... 46
ابن عباس ... 46-50-75-81-121-127
الحاكم ... 19-38-57-73-174
أبو سلمة ... 184
عمران بن حصين ... 118
ابن سهيل ... 96-157
أبو يوسف ... 101
فضل بن سلمة ... 102
ابن كنانة ... 102
أبو القاسم ... 102
يهز بن حكيم ... 104
أبو بكرة ... 123-171
ابن دقيق العيد ... 47
ابن حجر العسقلاني ... 47-48-52-55-61-73-74-159-188
أبو سعيد الخدري ... 49
عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي ... 49
النجاشي ... 49
قيصر ... 49
معاوية بن عبد الكريم ... 49
عبد الملك بن يعلي ... 49
الياس بن معاوية ... 49-108-142
تمامة بن عبد الله ... 49
عبد الله بن ربيدة ... 49
عامر بن عبيدة ... 49
عبادة بن منصور ... 49
ابن أبي ليلي ... 49-128-158-160
سوار بن عبد الله ... 49
موسي بن أنس ... 49
قاسم بن عبد الرحمن ... 49
معاوية بن أبي سفيان ... 50-72
شريح القاضي ... 33-38-57-61-62-63-67-76-117-122
الصدر الشهيد ... 112
الحسين بن علي بن أبي طالب ... 184
المرغيناني ... 88
وائل بن حجر ... 116
أبو حنيفة ... 19-47-25-76-85-86-103-123
محمد بن الحسن ... 52
زفر ... 52
الكرابيسي ... 52
أبو سفيان ... 52-50-53-55
زيد بن ثابت ... 24-57-62-72-75
عبد الله السعدي ... 62
ابن عقيل ... 61-64-83
عمار ... 62
عثمان بن حنيف ... 62
الكاساني ... 11-62-88
ابن لهيقة ... 63
ابن حجيرة ... 63
أبي عبيد القاضي ... 63
علي الطنطاوي ... 63
القاضي أبو زرعة ... 63
ابن اللتبية ... 64
محمد بن علي الشوكاني ... 46-66-69-70-74-83-171-188
أبو حريز ... 53
ابن جرير الطبري ... 37-80-81-82
عتبة بن أبي سفيان ... 67
ابن كثير ... 43-44-47-66-69
مالك بن أنس ... 82-125
سفيان ... 22
كسري ... 49
ابن جوزي ... 43
سهل ... 54
سعيد بن نسيب ... 54
عبد الله بن الزبير ... 38
بقية بن الوليد ... 39
اسماعيل بن عباس ... 39(1/369)
أبو بكر التميمي ... 39
المنصور بالله ... 70
عمرو بن العاص ... 72-127
ثابت بن قيس ... 72
ابن أبي العزم ... 72
عامر بن فهيرة ... 72
حنظلة بن الربيع ... 72
عبد الله بن رواحة ... 72
خالد بن الوليد ... 72
خالد بن سعيد بن العاص ... 72
عمر بن مرة ... 73
أبو مريم الأسدي ... 73
الدوودي ... 74
ابن بطال ... 74-83
أبو بكر المنذري ... 70
سعد بن معاذ ... 76
جبير بن مطعم ... 57-76
ابن الخطاب ... 67
القاضي أبو يعلي ... 76
الشربيني ... 77
الحسن البصري ... 81
الشفاء العدوية ... 81
أبو بكر بن العربي ... 82
عطاء بن سارية ... 125
ابن المدين ... 40
الحافظ بن عبد الهادي ... 189
الحافظ بن مندة ... 43
سعد بن يزيد ... 44
عبد الرحمن بن حاطبي ... 75
البغوي ... 75
محمد بن حسن الشيباني ... 75
طاووس ... 115
الخطابي ... 84
الحافظ ... 54
أبو داود ... 23-38-40-73-84-104-108-122-130
ابن ماجة ... 171-189-190
سحنون ... 87-107-115-153
القاضي عياض ... 87-91-165
أبو ذر ... 89-107
انس بن مالك ... 54-89-105-142
الماوردي ... 91
ابن رشد ... 91-141
ابن أم مكتوم ... 92-161
عبد الله بن حميد ... 35-94-188
عبد العزيز بن باز ... 94
القرطبي ... 35-94-188
السمناني ... 94
القرافي ... 95-115
البهوتي ... 96
ابن الغانم القاضي ... 102
ابن عبدوس ... 102
ابن الماجشون ... 103-15-141-153
أشهب ... 104-158
أصبغ ... 104-158
زيد بن خالد الجهيني ... 118-139
بشر بن يسار ... 134
رافع بن خديج ... 134
معمر ... 134-135
أبي الزناد ... 135-38-49-54
أبو نعيم ... 115
عكرمة بن خالد ... 43-86-91
ابن تيمية ... 43-86-91
ابن مطرف ... 105
قبيصة بن مخارق ... 108-138
ابن فارض ... 113
ابن نجيم ... 113
ابن الغرس ... 113
ابن عابدين ... 113
ابن جزي ... 113
أنيس ... 77-113
الدسوقي ... 114
عبد الرازق ... 39-115-116-134
يحيي بن سعيد ... 33-134
سعيد بن المسيب ... 124-127-142
أبو ثور ... 124-126-127
النخعي ... 123-124-157
الشعبي ... 24-37-46-49-64-123-127
الثوري ... 128-158
أبو أمامة ... 169
الحضرمي ... 51-164-166-169
الكندي ... 51-106-116-164
الدارمي ... 24
ابن شبرمة ... 158
البتي ... 158
العنبري ... 158
هرقل ... 75(1/370)
ابن جمرة ... 75
ربيعة ... 124
الزهري ... 124-125
سعد بن عبادة ... 127
ابن عبد البر ... 127
الحكم ... 127
الأوزاعي ... 160
الليث ... 127
المقداد بن الأسود ... 128
الفيروز ابادي ... 134
عمر بن شعيب ... 136
أبو قتادة ... 140
عطاء بن أبي رباح ... 142
قتادة ... 142-145
اسامة بن زيد ... 142
زيد بن حارثة ... 142
حمزة ... 146
محمد بن ابراهيم آل الشيخ ... 161
أبو عبد الله بن حامد ... 15
أبو قلاية ... 12-16-19
عبد الرحمن بن سمرة ... 15
أبي عبيدة ... 16-24-28-33-49-127
عبد الرحمن ... 22
ابن المنذر ... 84-89
أبو فارس ... 16
عبد العزيز بن عبد الله آل شيخ ... 16
قيس ... 17
ابن الأثير ... 17-19-24-33-38
أسامة بن زيد ... 142
مجزز المدلجي ... 142
خزيمة بن ثابت ... 140
عقبة بن الحارث ... 140
ابن حبيب ... 191-115
- - -
فهرس التراجم .
الاسم ... الصفحة
محمد بن اسماعيل الأمير ... 20
الزمخشري ... 22
عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ... 23
عتاب بن أسيد ... 24
النووي محي الدين بن شرف ... 28
الإمام ابن قدامة ... 28
الإمام أحمد بن حنبل ... 42
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ... 44
الإمام ابن القيم الجوزية ... 43
الخليفة أبو بكر الصديق ... 46
ابن دقيق العيد ... 47
ابن حجر ... 47
الإمام الشافعي ... 54
الإمام مالك ... 54
ابن حزم الظاهري ... 54
الإمام أبو حنيفة ... 54
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ... 63
القاضي شريح ... 63
ابراهيم بن فرحون ... 66
محمد بن جرير الطبري ... 67
عبد الله بن عباس ... 81
الحسن البصري ... 81
الشفاء العدوية ... 81
القاضي بن العربي ... 82
ابن بطال ... 84
ابن الخطاب ... 84
أبو داود ... 84
ابن ماجة ... 85
ابن كثير ... 86
القاضي عياض ... 87
أبو ذر ... 89
أنس بن مالك ... 89
الماردوي ... 91
91
ابن رشد المالكي
92
ابن أم مكتوم
94
أبو عبد الله القرطبي
94
السمناني
96
البهوتي الحنبلي
104
أشهب القيسي
104
اصبغ ابن الفرج
104
ابو هريرة
105
أبو يعلي
105
عمر بن عيد العزيز ( أمير المؤمنين )
105
ابن الماجشون
108
قبيصة بن مخارق
112
أبو محمد المعروف بالصدر الشهيد
113
ابن نجيم
113
ابن الغرس
113(1/371)
ابن عابدين الدمشقي
113
ابن جزي الكلبي
114
الدسوقي المالكي
115
عبد الرزاق بن همام
115
أحمد بن إدريس
118
يحيي بن سعيد
124
سعيد بن مسيب
124
أبو ثور
124
إبراهيم النخعي
125
أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن
134
الفيروز ابادي
142
إياس بن معاوية
142
أسامة بن زيد
142
زيد بن حارثة
162
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
161
عبد العزيز بن باز
181
الملك عبد العزيز
182
الملك سعود بن عبد العزيز
182
الملك فيصل بن عبد العزيز
- - -
فهرس الآماكن والمدن والأقاليم .
الاسم ... الصفحة
المملكة العربية السعودية ... 155-181-190
اليمن ... 11-17-23-24-31-35
الكوفة ... 45-49-62
صنعاء ... 20-115
مكة ... 20-24-26-46-54-61-62-181
الشام ... 28-66-113-142
قرية نوي ... 28
البصرة ... 54-81-91-108-142
جبل الأهواز ... 36
مسجد النبي صلي الله عليه وسلم ... 36
بغداد ... 42
دمشق ... 113
الغار ... 46
بدر ... 46-63-89-92
القزم ... 47
البحر الأحمر ... 47
مصر ... 47-66-94-96-105-105-114-128
ينبع ... 47
الإسكندرية ... 47
عسقلان ... 54
فلسطين ... 54
الحجاز ... 54-181
شراج الحرة ... 48
الأندلس ... 82
أفريقيا ... 102
خراسان ... 63
الحديبية ... 82
المغرب ... 6
القدس ... 67
طبرستان ... 81
الطائف ... 82
أشبيلية ... 84
قرطبة ... 84
بلنسية ... 84
مدينة بست ... 84
كابل ... 54-84
مدينة بصري ... 86
سلنسية ... 84
مراكش ... 87
تحت الشجرة ... 89
القادسية ... 92-146
منية ... 94
الدينة المنورة ... 45-55-91-127-161-177-181-184-185-188
كنانة ... 142
غرناطة ... 87-113
غزة ... 54
زبيد ... 134
أسيوط ... 94
سمنان ... 94
العراق ... 118
الموصل ... 94
بهوت ... 96
البحرين ... 104
بخاري ... 112
القاهرة ... 113
دسوق ... 114
الحيرة ... 118
الهاشمية ... 118
زبيد ... 142
اليمامة ... 142
خوزستان ... 142
عيدس ... 142
مؤتة ... 142
الجزيرة العربية ... 181
الرياض ... 92-181-182
أبها ... 181
الدمام ... 181
ملل ... 184
خوارزم ... 22
نجران ... 24
حضر موت ... 51
كندة ... 51
العريش ... 46
- - -
فهرس الموضوعات .
الموضوع ... الصفحة
الإهداء ... كم
المقدمة ... 5
باب القضاء ... 6(1/372)
الفصل الأول : تعريف القضاء لغة وشرعاً . ... 7
الفصل الثاني : مشروعية القضاء من الكتاب . ... 9
مشروعية القضاء في السنة والإجماع . ... 10
الفصل الثالث : حكم القضاء وحكمته . ... 10
الفصل الرابع : أركان القضاء . ... 12
الفصل الخامس : في القضاء والإفتاء والفرق بينهما . ... 13
الفصل السادس : حكم الدخول في القضاء . ... 14
من لا يصلح للقضاء . ... 15
من يصلح للقضاء مع وجود غيره . ... 15
من يصلح للقضاء مع عدم وجود غيره . ... 15
من طلب القضاء تكالبا علي الدنيا . ... 16
الفصل السابع : فضل القضاء . ... 16
صلاح الإنسان في العدل وفساده في الظلم . ... 17
أجران لمن اجتهد فأصاب وأجر لمن اجتهد فأخطأ . ... 17
الفصل الثامن : فيما جاء في خطر القضاء . ... 17
الفضاة ثلاثة ... 18
المراد بقول النبي صلي الله عليه وسلم : (( من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين)) ... 19
امتناع السلف عن تولية القضاء . ... 19
قضاة الجور والجهالة . ... 19
لكلّ وال ٍ بطانتان . ... 20
قصيدة محمد بن إسماعيل الأمير في خطر القضاء . ... 20
الفصل التاسع : لا يجوز التسمي بقاضي القضاة . ... 20
الفصل العاشر : القضاة في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم . ... 22
باب شروط القضاء ... 23
الفصل الأول : شروط القاضي . ... 25
شروط القضاء . ... 26
شروط المقضي له . ... 26
الفصل الثاني : شروط صحة ولاية القاضي . ... 27
لا يجوز أن يعقد تولية القضاء علي أن يحكم بمذهب بعينه . ... 28
الفصل الثالث : هل تشترط عدالة الإمام في صحة ولاية القاضي ؟ ... 28
وجوب طاعة أولي الأمر . ... 29
الفصل الرابع : ألفاظ التولية . ... 29
الفصل الخامس : لا ينعزل القاضي بموت الإمام . ... 30
ينعزل القاضي إذا أعزله الإمام . ... 31
هل الفسق يعزل القاضي . ... 31
الأمور التي ينعزل فيها القاضي . ... 31
باب آداب القاضي . ... 31
الفصل الأول : صفات القاضي . ... 32
كتاب عمر بن الخطاب إلي أبي عبيدة بن الجراح . ... 32
الفصل الثاني : فيما يتولي القاضي من أعمال . ... 32
الولاية عامة وخاصة . ... 34(1/373)
أول ما يبدأ به . ... 34
تحدبد ولاية القاضي وسلطته واختصاصه متروك لولي الأمر . ... 34
القضاء من حق الخليفة وله أن يدفعه لمن يري . ... 34
الفصل الثالث : مجلس الحكم . ... 34
حكم اتخاذ المسجد مجلساً للحكم . ... 36
أقول العلماء في اتخاذ المسجد مجلسا للقضاء . ... 36
ترجيح جواز اتخاذ المسجد مجلسا للقضاء . ... 36
الفصل الرابع : لا يجلس الخصمان إلا بين يدي الحاكم . ... 37
الفصل الخامس : المساواة بين الخصمين . ... 38
الفصل السادس : لا يحكم القاضي حتي يسمع جواب المدعي عليه . ... 39
الفصل السابع : بما يحكم القاضي . ... 40
الكتاب . ... 41
السنة . ... 41
الإجماع . ... 41
القياس ... 41
الحق في كل قضية واحد ... 41
من هو المجتهد ... 43
الاستحسان . ... 43
الاستصلاح . ... 43
الاستصحاب . ... 43
ما ينبغي للقاضي أن يعرف من الكتاب والسنة . ... 43
العرف . ... 43
شرع من قبلنا . ... 43
مذهب الصحابي . ... 43
المتفق عليها من أدلة التشريع . ... 43
أبو بكر وعمر كانا يستشيران . ... 43
معني الغرة وأملاص المرأة . ... 43
ليس من شرط الاجتهاد ان يكون مجتهدا في كل فن . ... 43
فتوي الإمام مالك في اربع مسائل من اربعين مسألة . ... 43
بم يتمكن الحاكم من القتوي والحكم في نظر ابن القيم . ... 43
كتاب عمر في القضاء لأبي موسي . ... 43
الفصل الثامن : في مشاورة القاضي للعلماء . ... 43
مشاورة النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه . ... 45
إذا بان الحق بنص شرعي فلا يحتاج إلي مشاورة . ... 45
قضاء كعب في حضرة عمر وتعجب عمر من حكمه . ... 46
استحباب حضور اهل العلم مجالس القضاء . ... 46
الفصل التاسع : في الحكم في حالة الغضب . ... 46
العلة في نهي الشارع عن قضاء القاضي وهو غضبان . ... 47
هل ينفذ قضاء الغضبان . ... 47
لا يؤثر الغضب إذا كان قد اتضح الحق في القضية . ... 47
الفصل العاشر : كتاب القاضي إلي القاضي . ... 47
شروط قبول كتابل القاضي إلي القاضي . ... 49
الفصل الحادي عشر : هل للحاكم أن يحكم بعلمه . ... 49
أقوال العلماء في هذه المسألة . ... 50(1/374)
الترجيح في عدم جواز قضاء القاضي بعلمه . ... 50
الفصل الثاني عشر : الحكم علي الغائب . ... 53
أقوال العلماء في هذه المسألة . ... 54
الترجيح . ... 54
تحديد مسافة الغائبوأقوال العلماء بذلك . ... 56
حُكْم المستتر في بلد القاضي . ... 56
إّذا قدم الغائب أثناء المحاكمة . ... 56
إذا قدم الغائب بعد الحكم . ... 56
الفصل الثالث عشر : لا يحكم القاضي لنفسه . ... 56
لا يحكم القاضي لفروعه وأصوله وزوجته . ... 57
إذا تحاكم إليه والده مع ولده . ... 57
الفصل الرابع عشر : للقاضي زيارة المريض . ... 57
للقاضي أن يشهد الجنائز ويأتي الغائب إذا قدم من سفره . ... 58
الفصل الخامس عشر : يجوز للقاضي أن يحضر الولائم . ... 58
باب ما يأخذه القضاة وما لا يجوز أخذه من الأموال ... 59
الفصل الأول : رزْق القاضي أو مرتبه . ... 60
أقوال العلماء في جواز أخذ القاضي مرتب من بيت المال . ... 61
هل للقاضي أخذ أجرة علي الحكم من الخصوم إذا كان ليس له مرتب من بيت المال ... 61
الترجيح . ... 63
سيرة القضاة في العصر الأول ومرتباتهم . ... 63
نظرة عمر في مرتبات القضاة . ... 63
الفصل الثاني : حكم الهدية . ... 63
الهديّة ضربان . ... 64
حكم من كان له عادة يهدي إليه قبل الحكم . ... 64
كْيف كانت الهدية رشوة في الحكم . ... 64
قياس الهبة والعطية علي الهدية . ... 64
هل تقبل الهدية من ذي رحم أو قريب أو في غير عمله . ... 64
الفصل الثالث : حْكم اقتراض القاضي . ... 64
معني القرض لغة وشرعا . ... 65
حْكم القرض للمقرض والمقترض . ... 65
هل يجوز للقاضي أن يأخذ قرضا ممن تحت ولايته . ... 66
هل يجوز للقاضي أن يأخذ قرضا ممن لهم قضايا لديه . ... 66
هل للقاضي أن يقرض أحد ممن هم تحت ولايته . ... 66
الفصل الرابع : هل للقاضي أنم يباشر البيع والشراء . ... 66
لا ينبغي للقاضي أن يباشر البيع والشراء بنفسه في مكان ولايته . ... 67
ما الحكم إن باع أو اشتري . ... 67
ما الحكم عن احتاج إلي مباشرة البيع والشراء وليس لدية ما يكفيه . ... 67
الفصل الخامس : الرشوة . ... 67(1/375)
معني الرشوة . ... 69
خطر الرشوة . ... 69
الكلام في الرشوة إذا اعطيت ليحكم له بحق أو باطل . ... 69
الرشوة ضربان . ... 69
باب أعوان القضاة ... 69
مساعد القاضي . ... 71
كُتَّاب العدل . ... 72
الكاتب . ... 72
الشرطة . ... 72
الحاجب وأقوال العلماء فيه . ... 72
الترجيح في جواز اتخاذ القاضي حاجبا . ... 73
المترجم . ... 74
نصاب الترجمة وأقوال العلماء في ذلك . ... 74
الترجيح بالاكتفاء بمترجم واحد عدل . ... 75
من أعوان القاضي الحكم أو المحكم ومشروعيته من الكتاب والسنة والشروط الواجب توافرها في المحكم . ... 75
اختلاف الفقهاء هل حكم الحكمين أو المحكم ملزم . ... 76
الترجيح في المسألة . ... 76
مقدر الشجاج ومسمياتها . ... 77
تقسيم الشجاج أو الجراح إلي قسمين . ... 78
المأذون الشرعي يعتبر من معاوني القاضي . ... 78
شروط المأذون الشرعي . ... 78
باب من لا يجوز توليته القضاء ... 78
الفصل الأول : المرأة . ... 79
أقوال العلماء . ... 80
الترجيح عدم جواز تولية المرأة القضاء . ... 80
يجوز للمرأة التصرف في الولاية الخاصة كالوصاية علي القصار . ... 82
لا تصح تولية الخنثي المشكل القضاء . ... 82
الفصل الثاني : العبد . ... 82
آراء العلماء في اشتراط الحرية وعدم تولية العبد . ... 83
الترجيح عدم جواز تولية العبد القضاء . ... 83
الفصل الثالث : الكافر . ... 84
لا يجوز تولية كافر لمنصب القضاء واتفاق المسلمين علي ذلك . ... 85
اختلاف الفقهاء في ولاية الكافر علي أهل ملته . ... 85
الراجح في المسألة . ... 85
جواز أن يتحاكم الكافر إلي المسلمين . ... 86
الفصل الرابع : الفاسق . ... 86
لا يجوز تولية الفاسق للقضاء . ... 87
اختلاف الفقهاء هل العدالة شرط جواز أو شرط صحة . ... 87
الترجيح عدم جواز تولية الفاسق منصب القضاء . ... 87
ما الحكم إذا تاب واستقام الفاسق . ... 88
الفصل الخامس : لا يولي القضاء من يطلبه . ... 88
طلب القضاء ينقسم إلي خمسة أقسام . ... 89
الفصل السادس : أهل الآفات . ... 90(1/376)
أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء في مسألة اشتراط السمع والبصر والكلام فيمن يولي القضاء . ... 91
الترجيح في المسألة . ... 91
باب الدعاوي ... 92
الفصل الأول : في تعريفها لغة واصطلاحا . ... 93
الفصل الثاني : في أركانها وشروط الدعوي . ... 94
ولا ينبغي للقاضي أن يتعجز المدعي . ... 95
الفصل الثالث : أنواع الدعاوي . ... 96
الفصل الرابع : المدعي عليهم ... 98
.
تقسيم المدعي عليهم إلي أربعة أقسام . ... 99
الفصل الخامس : في كيفية حضور المدعي عليه . ... 99
الفصل السادس : في المدعي لهم . ... 100
تقسيم المدعي لهم إلي ستة أنواع . ... 102
أقوال العلماء في سماع دعوي البعض عن البعض بدون وكالة . ... 102
الترجيح في المسألة . ... 102
الفصل السابع : في القسم الثاني من الدعاوي . ... 103
تقسيم الدعاوي إلي قسمين . ... 104
دعاوي التهم . ... 104
تقسيم دعاوي التهم إلي ثلاثة أقسام . ... 104
الفصل الثامن : في جواب المدعي عليه . ... 105
إذا امتنع المدعي عليه من الجواب . ... 106
الفصل التاسع : في دعوي الإعسار . ... 107
أقوال العلماء في نصاب شهادة دعوي الإعسار . ... 108
الترجيح للمسألة . ... 108
باب طرق القضاء أو إثبات الدعوي ... 108
المراد بطرق القضاء . ... 109
طرق القضاء إجمالا . ... 110
الفصل الأول : الإقرار أو الاعتراف . ... 110
الإقرار في اللغة وفي الشرع . ... 112
شروط الإقرار . ... 112
الحجة أنواع : بينة ، وإقرار ، ونكول . ... 112
أركان الإقرار . ... 113
الفصل الثاني : الرجوع عن الإقرار أو الإعتراف . ... 113
ما يجوز الرجوع فيه وما لا يجوز الرجوع فيه . ... 115
الفصل الثالث : الشهادات والبينات . ... 116
معني الشهادة والبيّنة . ... 116
البيّنة أشمل من الشهادة . ... 116
حكم الشهادة . ... 116
للشهادة حالتان حالة تحمل وحالة آداء . ... 118
الفصل الرابع : أقسام الشهادة . ... 119
الفصل الخامس : الشروط الواجب توافرها في الشاهد . ... 120
الفصل السادس : موانع الشهادة . ... 121
الفصل السابع : نصاب الشهادة . ... 122(1/377)
نكول المدعي عليه ويمين المدعي وأقوال العلماء في ذلك . ... 126
الترجيح في المسألة . ... 127
الفصل الثامن : في تعارض البينات وفيه خمسة أمور . ... 128
الترجيح في المسألة . ... 129
الفصل التاسع : في الجرح والتعديل . ... 129
الفصل العاشر : في القسامة . ... 132
القسامة في اللغة وفي الاصطلاح . ... 134
القسامة نوعان . ... 134
شروط القسامة . ... 134
قسامة الخطأ . ... 135
أيمان القسامة . ... 135
صيغة اليمين . ... 135
الفصل الحادي عشر : اللعان . ... 136
الفصل الثاني عشر : نِصَاب شهادة الإعسار . ... 137
الفصل الثالث عشر : اللَّقطة . ... 138
الفصل الرابع عشر : دعوي المرأة بالطلاق . ... 139
الفصل الخامس عشر : قبول شهادة الواحد . ... 140
قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاعة . ... 140
الفصل السادس عشر : القيافة . ... 141
معني القيافة . ... 142
أقوال الفقهاء في الاستدلال بها . ... 142
نِصَاب شهادة القيافة . ... 142
الفصل السابع عشر : الحكم بغير شهادة شاهد . ... 142
أقوال الفقهاء في عدم العمل بالقرائن في الحدود . ... 143
الراجح في المسألة . ... 143
الفصل الثامن عشر : الحُكْم بالقرعة . ... 144
متي تشرع القرعة ؟ ... 145
مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه في القرعة . ... 146
الترجيح في المسألة . ... 146
كيفية القرعة . ... 146
الفصل التاسع عشر : الحكم بالفراسة . ... 147
الفراسة في اللغة والاصطلاح . ... 147
أقسام الفراسة . ... 147
الفصل العشرون : الحكم بشهادة الصبيان المميزين . ... 148
اختلاف العلماء في ذلك . ... 150
الفصل الحادي والعشرون : الحكم بشهادة العبد والأمة . ... 150
الفصل الثاني والعشرون : الإنكار المجرَّد . ... 151
الفصل الثالث والعشرون : الحكم باليد المجرَّدة . ... 152
الفصل الرابع والعشرون : علم القاضي . ... 153
الفصل الخامس والعشرون : العُرْف . ... 153
الفصل السادس والعشرون : الكتابة . ... 153
تقسيم الكتابة إلي ثلاثة أقسام . ... 154
فصل في الشهادة علي الشهادة . ... 155
أقوال الفقهاء في ذلك . ... 155(1/378)
شروط الشهادة علي الشهادة . ... 157
أقوال الفقهاء في ذلك . ... 157
شروط الشهادة علي الشهادة . ... 157
نٍصَاب شهادة الفرع . ... 158
فصل إذا غير الشاهد شهادته وتكون من ثلاثة مباحث . ... 159
المبحث الأول : إذا غير الشاهد العدل شهادته قبل الحكم . ... 159
المبحث الثاني : إذا حدث من الشاهد ما يمنع قبول شهادته كفسق . ... 159
المبحث الثالث : إذا شهد شهود ثم رجعوا عن شهادتهم بعد الحكم . ... 159
فصل في شهادة الأعمي . ... 160
باب اليمين في الدعاوي ... 161
معني اليمين في اللغة . ... 163
الفصل الأول : اليمين المشروعة . ... 164
مشروعية اليمين من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم . ... 164
أيمان أهل الكفر . ... 164
اليمين علي نية المستحلف وأقوال العلماء والترجيح . ... 164
الفصل الثاني : فيما تشرع اليمين . ... 165
الأشياء التي لا تدخلها الأيمان . ... 166
الفصل الثالث : الأيمان التي تتوجه علي المدعي عليه . ... 166
الفصل الرابع : في تعدد الأيمان . ... 167
الفصل الخامس : في حظر اليمين الكاذبة . ... 168
أقسام الأيمان . ... 169
الفصل السادس : في بيان خطر شهادة الزور . ... 169
معني الزور في اللغة . ... 171
في حُكْم في الحاكم لا يحل حراما . ... 171
فصل للقاضي أن يعظ الشاهد . ... 172
فصل للقاضي أن يعظ الطرفين المتنازعين . ... 174
فصل فيما يجوز للقاضي نقضه من الأحكام وما لا يجوز نقضه . ... 175
آراء الفقهاء في هذه المسألة . ... 176
ليس للجاكم تتبع قضايا من كان قبله . ... 176
صيغة النقض . ... 176
باب الصلح . ... 177
تقسيم الصلح . ... 178
لمحة موجزة عن القضاء في المملكة العربية السعودية . ... 179
عدد القضاة في المملكة العربية السعودية . ... 181
عدد المحاكم في المملكة العربية السعودية . ... 181
ما ناله القضاة من تقدير واحترام في الدولة السعودية . ... 181
تعليمات صادرة من رئاسة القضاء في الدولة السعودية . ... 182
مرتبات القضاة في العهد السعودي . ... 182
أعوان القاضي . ... 182(1/379)
فصل في نماذج من الرعيل الأول . ... 182
خاتمة البحث . ... 184
المراجع ... 186
188
- - - -(1/380)