الموسوعة الجنائية
الإسلامية
المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
تأليف
سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
عضو هيئة التحقيق والإدعاء العام
فرع منطقة الرياض
الطبعة الثانية 1427
مصصحة ومضاف لها بعض المصطلحات
***(1/1)
ح سعود بن عبد العالي العتيبي ، 1424هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
العتيبي ، سعود عبد العالي
الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها
في المملكة العربية السعودية. / سعود بن عبد العالي العتيبي.
الرياض ، 1424هـ
..ص ؛ .. سم
ردمك : 1-896-43-9960
1 - القانون الجنائي - السعودية 2 - الجنايات ( فقه إسلامي ) -
موسوعات أ.العنوان
ديوي 255,03 1029/1424
رقم الإيداع : 1029/1424
ردمك : 1-896-43-9960
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الثانية 1427هـ
***(1/3)
تقديم معالي الشيخ/ محمد بن سليمان المهوس
الرقم : هـ 19/43
التاريخ : 28/1/1424هـ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... وبعد:
فإن هذا الكتاب الذي بين أيدينا ( الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية ) لمؤلفه الأستاذ/ سعود بن عبد العالي العتيبي ، يحتوي على مادة علمية تعني بالمصطلحات والألفاظ التي يكثر تداولها في المجال الجنائي ، وجاءت مرتبة على حروف المعجم ، حيث ذكر تعريفها في اللغة والاصطلاح ، مشيراً إلى الألفظ ذات العلاقة ، ثم أورد تحت كل مصطلح بعض ما يتعلق به من الأحكام الفقهية والنصوص ذات العلاقة من الأنظمة والتعليمات المعمول بها في المملكة ، وقد تميز هذا العمل بسهولة الترتيب، وشموله لأكبر قدر من المصطلحات المتعلقة بالدعاوى الجنائية سواء في مرحلة التحقيق أم مرحلة المحاكمة أم مرحلة التنفيذ.
ولا شك أن المؤلف بذل جهداً كبيراً في إخراج هذا العمل ، مما يعد نواة للقيام بأعمال أخرى تتطلبها حاجة العمل ، لا سيما في ظل هذه المرحلة التي صدرت فيها أنظمة المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية، والمحاماة ، ومما يزيد هذا العمل أهمية كون مؤلفه أحد العاملين في مجال الإجراءات الجنائية حيث يعمل عضواً بالهيئة ، وله تجربة جيدة في الدراسات والأبحاث. نسأل المولى عز وجل أن ينفع بما في هذا الكتاب ، وأن يوفق الجميع للعمل الصالح ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ولكم تحياتنا،،،،
محمد بن سليمان المهوس
رئيس هيئة التحقيق والإدعاء العام
***(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن من أعظم الأمور التي تعين الإنسان على عمله بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، فهم نصوص الشريعة الإسلامية، وشريعتنا الغراء صالحة لكل زمان ومكان ومناسبة للأفراد والجماعات، وكافية لسد متطلبات الأمم والشعوب، ففيها المواعظ والعبر، وفيها الحِكمة والحُكم، وفيها صلاح الأمة في دنياها وأخراها، فباغي الخير في كنفاتها يُرفع ويُكرَّم، وباغي الشر يُنصح ويُقوَّم، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على كيان المجتمع وحمايته من انتشار الجريمة، وتقويم المنحرفين وإصلاحهم، بل إن من أهداف الشريعة الإسلامية منع الجريمة قبل وقوعها، وذلك بمنع وسائل الإجرام المفضية إليه، ولهذا كانت قواعد الشريعة الإسلامية المنظمة لفقه الجنايات أحق بالدراسة والتعليم من غيرها من الأنظمة الوضعية، ومن هذا المنطلق رأيت أن أجمع بعض المسائل المتعلقة بفقه الجنايات لتكون عونا لمن سلك هذا الاختصاص.
ولأن الأنظمة والتعليمات التي تدار عليها أعمال التحقيق الجنائي في المملكة العربية السعودية هي في الأصل مستمدة من الشريعة الإسلامية، وهذه الأنظمة لا يستغني عنها أصحاب الاختصاص من القضاة والمحققين ورجال الضبط، وغيرهم، لا سيما بعد صدور الأنظمة العدلية الثلاثة ( نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاماة )، فقد رأيت أن تكون هذه الدراسة مقارنة بهذه الأنظمة والتعليمات، لكي تعم الفائدة ويحصل المقصود بإذن الله تعالى.
الطريقة التي سرت عليها في هذا العمل:
1 - سميت هذا البحث ( الموسوعة الجنائية الإسلامية، المقارنة بالأنظمة والتعليمات في المملكة العربية السعودية ).(1/5)
2 - جمعت المصطلحات والألفاظ التي يكثر تداولها في المجال الجنائي، ورتبتها ترتيباً هجائياً يبدأ بحرف الألف، وينتهي بحرف الياء، وذلك لكي يسهل على الباحث الوصول إلى المصطلح الذي يريده بكل يسر وسهولة.
3 - عرَّفت كل مصطلح من المصطلحات التي أوردتها في اللغة والاصطلاح، ثم أوردت ما يندرج تحته من أحكام معنونة بعناوين مكتوبة بخط بارز. فمثلا : من أراد الإطلاع على الأحكام المتعلقة بالزنا، يذهب إلى حرف الزاي مادة ( زنا ) وتحتها : تعريف الزنا، وحكمه، وأضراره، ومعنى الإحصان، وعقوبة الزنا...الخ.
4 - عند ذكر أقوال العلماء وفقهاء المذاهب أوردت العبارات كاملة بنصها وبلفظ قائلها، وابتعدت بقدر المستطاع عن إيراد النص بالمفهوم وفي ذلك فائدة غير خافية.
5 - كتبت الآيات القرآنية الكريمة بالرسم العثماني، ليكون ذلك أسلم من الخطإ وعزوت الآيات إلى السور.
6 - خرَّجت الأحاديث النبوية الشريفة من كتب السنة.
7 - خرَّجت أقوال العلماء وفقهاء المذاهب من كتبهم وحرصت أن يكون النص منقولا من كتب المذاهب المعتمدة.
8 - أوردت تحت كل مصطلح النصوص ذات العلاقة من الأنظمة والتعاميم وقرارات هيئة كبار العلماء ، وقرارات المجمع الفقهي.
9 - أخيراً أود أن أنبه إخواني القراء الكرام أن هذا عمل بشري يعتريه النقص من جميع الوجوه ، ومع أنني بذلت ما في وسعي لإيراد أكبر عدد ممكن من المصطلحات الجنائية التي يكثر استعمالها وما يتعلق بها، إلا أنني لا أدعي الحصر والإحاطة بذلك ، فالرجاء من إخواني الكرام أن يصفحوا عن التقصير، ويصلحوا الخطأ ، ويسعفوني بما لديهم من ملاحظات وتوجيهات ، ليتم استدراكها في الطبعات اللاحقة فالمؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ، والله المستعان ، ومنه نرجوا العون والغفران لنا ، ولجميع المسلمين.
وفي الختام أسال الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا البحث، وأن يجعله عونا لي ولإخواني من القضاة والمحققين ورجال الضبط، وجميع المختصين.(1/6)
وآخر دعوانا أن الحمد لله ورب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين.
كتبه/ أبو عبد الله
سعود بن عبد العالي بن البارودي العتيبي
عضو هيئة التحقيق والإدعاء العام /فرع منطقة الرياض
العنوان البريدي: الرياض 11679 ص . ب 120163
هاتف رقم : 0505176102 فاكس رقم : 2355718
البريد الإلكتروني s-abu-abdallah@maktoob.com
***(1/7)
مقدمة الطبعة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصاحبته أجمعين ، أما بعد:
فهذه الطبعة الثانية من كتاب ( الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة والتعليمات المعمول بها في المملكة العربية السعودية ) ، أقدمها إلى القارئ الكريم ، وقد تميزت هذه الطبعة بإضافة بعض المصطلحات الجديدة والمهمة ومنها : مصطلحات : تكفير ، فتنة ، مظاهرات ، وغيرها مما سيجده القارئ الكريم ، كما تميزت هذه الطبعة بالمراجعة والعناية بضبط النصوص ، وتصحيح الأخطاء الواردة في الطبعة السابقة ، ولا أدعي أنها اتصفت بصبغة الكمال ، بل لازلت أقول إنها لم تخرج عن بؤرة العمل البشري الذي يعتريه النقص من جميع الجوانب ، ولقد سرني وأسعدني كثيراً تواصل كثير من الزملاء ،والأخوة الكرام معي عن طريق الاتصال الهاتفي ، أو المراسلة عبر البريد ، أو الفاكس، وكان لهذا التواصل دور كبير في التشجيع والحث على سرعة إخراج هذه الطبعة ، فلهؤلاء الأخوة الأعزاء والزملاء الكرام مني جزيل الشكر ، وكذلك الشكر موصولاً لكل أخ كريم يرشدني إلى تصويب خطأ ، أو تصحيح معلومة . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته أجمعين.
المؤلف
***(1/8)
حرف الألف
1 -آلة
1 - التعريف: -
الآلة لغة: الأداة، وجمعها آلات، ولكل ذي حِرْفة أَداةٌ: وهي آلته التي تُقيم حرفته(1).
وفي الاصطلاح: الآلة هي: الأداة التي يعمل بها؛ فآلة الكتابة القلم، وآلة الجلد السوط، وآلة استيفاء القصاص السيف.
2 - جناية الآلة:-
إذا جنت الآلة على إنسان، فإن هذه الآلة لا تخلو من أن يكون صاحبها معها أو لا يكون معها، فإن كان معها فإنه إما أن يكون متحكما بها، ففي هذه الحالة يجب الضمان على صاحب الآلة، أو يكون قد فقد السيطرة عليها، ولم يعد باستطاعته التحكم بها، وفي هذه الحالة لا يخلو من أن يكون فقد التحكم بها لإهمال منه وتقصير فعندئذ عليه ضمان جنايتها، أو يكون من غير تقصير ولا تهاون ففي هذه الحالة لاضمان عليه في جنايتها.
أما إن لم يكن صاحبها معها فانه لا يخلو من أن يكون مقصرا كما إذا لم يتخذ تدابير الأمن والسلامة من الآلة، أو يكون قد نصبها في غير ملكه، كمن أوقف سيارته في مكان يمنع الوقوف فيه، ونحو ذلك، ففي هذه الحالة يضمن صاحب الآلة جناية آلته؛ أما إن لم يُقصِّر فإنه لا يضمن جنايتها(2).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( أدا )
(2) - معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية صفحة (23)، الموسوعة الميسرة صفحة (1/16)(1/9)
2 -إبلاغ ( أنظر مصطلح: بلاغ )
3 -إبهام
1 - التعريف:-
الإبهام لغة: اسم للإصبع العظمى المتطرفة في اليد والقدم، وهي الإصبع التي تلي السبابة، وهي مؤنثة وجمعها: أباهيم ، ويأتي بمعنى الشيء الذي لا يعرف الطريق إليه، والكلام المبهم هو الذي لا يعرف له وجه يؤتى منه، وباب مبهم لا يُهتدى لفتحه، فهو ضد التمييز(1).
وفي الاصطلاح: هو الأصبع العظمى المتطرفة التي تلي السبابة.
2 - أهمية الإبهام:
الإبهام من أهم أصابع اليد وقد خلقه أحسن الخالقين سبحانه وتعالى متطرفا عن أصابع اليد، ويدخل الإبهام في كل عمل تقوم به اليد فيكون مقابلا لأصابع اليد في مسك الأشياء وتناولها وإعطائها.
ورد في المادة (135) من نظام مديرية الأمن العام النص التالي:
في محاضر التحقيق يجب توقيع الشهود والمتهمين وكل من أخذت إفادته على أقواله بخط يده أو بختمه أو ببصمة إبهام يده اليمني أو اليسرى أو أي إصبع آخر إذ تعذر ذلك وإن تكون البصمة واضحة وضوحاً تاماً مع بيان اسم الأصبع الذي أخذت بصمته للتمكن من الرجوع إليه وهذه طريقة عامة في أخذ التوقيع على أية ورقة رسمية أو دفتر من دفاتر الضبط.
3 - دية الإبهام:
روى ابن أبي شيبة عن مكحول عن زيد أنه قال: في الأصابع في كل مفصل ثلث دية الأصبع، إلا الإبهام فإن فيها نصف ديتها إذا قطعت من المفصل، لأن فيها مفصلين )(2). ومعلوم أن الأصبع الواحد فيه عُشر الدية.
جاء في منار السبيل: ( وفي أصابع اليدين: الدية، وفي أحدها عشرها، وفي الأنملة إن كانت من إبهام يد أو رجل: نصف عشر الدية؛ لأن في الإبهام مفصلين، ففي كل مفصل: نصف عقل الإبهام)(3).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( بهم )، معجم المصطلحات الفقهية صفحة (48)
(2) - المصنف 6/307
(3) - منار السبيل 2/235(1/10)
4 -إتلاف
1 - التعريف:-
الإتلاف في اللغة: مصدر تَلِفَ، وهو الهَلاكُ والعَطبُ في كل شيء، تَلِفَ يَتْلَفُ تَلَفاً، فهو تَلِفٌ: أي هَلَكَ (1).
وفي الاصطلاح عرفه الكاساني رحمه الله بأنه : إخراج الشيء من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة ( (2).
2 - حكم الإتلاف: -
الإتلاف على نوعين:
أ ـ إتلاف مشروع: كإتلاف النفس في الحدود، والقصاص، وإتلاف الأعضاء في القصاص، وإتلاف المحرمات، كالخمر، والمخدرات، وكتب السحر، وإتلاف المصنوعات المغشوشة، وسيأتي لهذا النوع مزيد من البيان عند ذكر مشروعية المعاقبة بالإتلاف.
ب ـ إتلاف غير مشروع: كإتلاف النفس والأعضاء ظلما، وإتلاف الأموال، والممتلكات المباحة من غير سبب، وهذا النوع محرم، لما رواه الترمذي عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع للناس: (أي يوم هذا؟) قالوا: يوم الحج الأكبر؛ قال: ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا؛ ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان أيس أن يعبد في بلادكم هذه أبدا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به)(3).
3 - الإتلاف الموجب للضمان :-
الإتلاف الموجب للضمان هو الإتلاف غير المشروع، وهو إما بالمباشرة، كالقتل، والإحراق؛ وإما بالتسبب ، كأن يوقد نارا في يوم ريح عاصف ، فيتعدى إلى إتلاف مال الغير، أو يحفر حفرة في الطريق العام فيقع فيها إنسان أو حيوان فيتلف؛ والإتلاف غير المشروع بنوعيه، المباشرة والتسبب، يوجب الضمان، لأن كل واحد منهما يقع اعتداء وإضرارا أيضا.
4 - مشروعية المعاقبة بالإتلاف:-
__________
(1) - لسان العرب مادة ( تلف ).
(2) - بدائع الصنائع 6/165
(3) - سنن الترمذي الحديث رقم ( 2159 ).(1/11)
تجوز المعاقبة بالإتلاف، وذلك لما رواه الدارقطني (1)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني اشتريت لأيتام في حجري خمراً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أهرق الخمر واكسر الدنان، فأعاد ذلك عليه ثلاث مرات ).
ولما ثبت، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه رأى رجلا قد شاب اللبن بالماء المبيع فأراقه عليه. وأنه رضي الله عنه أحرق حانوت خمر لرويشد الثقفي، وقال: إنما أنت فويسق لا رويشد(2). وما ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه أحرق قرية كان يباع فيها الخمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( وهذا كما يتلف من البدن المحل الذي قامت به المعصية ؛ فتقطع يد السارق، وتقطع رجل المحارب ويده ؛ وكذلك الذي قام به المنكر في إتلافه نهي عن العود إلى ذلك المنكر )(3).
وذكر ابن القيم - رحمه الله - جملة من الأمثلة على مشروعية العقوبات المالية ثم قال: ( ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا، فأكثر هذه المسائل: سائغ في مذهب أحمد وغيره، وكثير منها سائغ عند مالك، وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل أيضا لدعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة، ولا إجماع يصحح دعواهم )(4).
5 - التنظيمات المتعلقة بالإتلاف:
1 - جاء في تعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 16س/241 وتاريخ 19/1/1415هـ بشأن بعض الحجاج الذين يضبط معهم شيء من مادة (الشمة) النص التالي: (... نرغب الاطلاع والإيعاز للجهات المختصة بأن من وجد معه شيء من تلك المادة لغرض الاستعمال فقط وليس للاتجار يكتفى بمصادرة ما وجد معه وإتلافه، وإفهامه بأنها ممنوعة ومضرة بالصحة).
__________
(1) - سنن الدارقطني 4/265
(2) - رواه عبد الرزاق في المصنف 9/230
(3) - مجموع الفتاوى 28/114.
(4) - الطرق الحكمية 225 - 226.(1/12)
6 - من يقوم بالإتلاف ؟
تتولى عملية الإتلاف لجنة تكوَّن لهذا الغرض ، نص على ذلك تعميم سمو وزير الداخلية رقم 19/38272/2ش وتاريخ 24/11/1421هـ، المتضمن الموافقة على ضوابط الإتلاف المرفوعة للوزارة بخطاب سمو أمير منطقة الرياض رقم 101/9/10493س وتاريخ 14/8/1421هـ والتوجيه بتشكيل لجان للإتلاف في جميع المناطق.
وجاء في تعميم سمو نائب وزير الداخلية رقم 19/1347/2ش وتاريخ 13/1/1421هـ إسناد الإشراف على لجان إتلاف المخدرات إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، إذا لم يكن من بين اللجان قاض.
***(1/13)
5 -اتهام:
1 - تعريفه:-
الاتهام في اللغة: اعتقاد أن ما نسب للشخص متحقق فيه، قال ابن منظور: اتَّهَمَ الرجلَ وأَتْهَمه وأَوْهَمَه: أَدخلَ عليه التُّهمةَ، أَي ما يُتَّهَم عليه، واتَّهَم هو فهو مُتَّهِمٌ وتَهِيمٌ. واتَّهَمْتُه: ظننتُ فيه ما نُسب إِليه(1). وقال الخليل: والتُّهمةُ اشتُقَّتْ من الوهم وأصلُها: وُهْمة، اتَّهَمْتُه: افتعلته، وأَتْهَمْتُهُ، على بناء أَفْعَلْتُ، أي: أدخلت عليه التُّهْمة(2). وقال الفيروزآبادي: ( اتهمته بكذا اتهاماً، وأتهمه أدخل عليه التهمة أي ما يتهم عليه)(3).
وفي القانون يعرف الاتهام بأنه: إسناد جريمة أو عمل مخالف للقانون إلى شخص طبيعي أو معنوي بغية إلقاء القبض عليه وإحالته إلى المحكمة (4).
2 - قرار الاتهام:
قرار الاتهام هو: خلاصة التحقيقات والإجراءات التي قام بها المحقق، واتضح له من خلالها حال المتهم.
جاء في المادة ( 58 ) من مشروع اللائحة التنظيمية لنظام الهيئة النص التالي:-
1 - إذا تبين للمحقق أن الأدلة المتوفرة بالقضية ترجح توجيه الاتهام بارتكاب المتهم للفعل الجرمي فيصدر المحقق قرارا باتهامه وطلب محاكمته؛ ولا تعتبر سوابق المتهم دليلا على ارتكابه للجريمة.
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( وهم ).
(2) - كتاب العين، مادة ( وهم )
(3) - القاموس المحيط مادة ( وهم )
(4) - ( معجم المصطلحات الفقهية والقانونية صفحة 14 ).(1/14)
2 - يجب أن يتضمن قرار الاتهام اسم المحقق الذي أصدره، واسم المتهم وشهرته، وعمره، ومحل ولادته، وإقامته، ومهنته، وجنسيته، وسردا للوقائع والأفعال المرتكبة، وتاريخها، وكيفية ارتكابها، ودور المتهم وجميع المساهمين في الجريمة، وبيانا بالأدلة المادية الثابتة، والبيانات الشفوية، وجميع القرائن والأمارات التي تم استنباطها، وتعيين الوصف للجريمة المرتكبة بجميع أركانها المكونة لها، والمستند الشرعي، أو النظامي الذي يعاقب على ارتكابها، مع ذكر كافة الظروف والأسباب المشددة، أو المخففة التي يمكن أن تنطبق على الفاعل أو أحد المساهمين معه، مع تحديد بدء مدة توقيف المتهم على ذمة القضية، وطلب محاكمته أمام الجهة القضائية المختصة.
3 - إذا تضمن قرار الاتهام طلب توقيع عقوبة القتل أو القطع أو الرجم، فيتم رفعه إلى لجنة إدارة الهيئة لمراجعته، وفقا للفقرة (ج/1) من المادة الرابعة من نظام الهيئة.
4 - فيما عدا ما تضمنته الفقرة السابقة تراجع قرارات الاتهام من لجنة مشكلة من رئيس الدائرة التابع لها المحقق واثنين من الأعضاء من درجة أعلى من درجة المحقق أو سابقين له في الأقدمية إذا كانا في درجة واحدة لتمحيص التصرف في التحقيق ولها:-
أ - أن تأمر بالإحالة.
ب - أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي في نقاط تحددها للمحقق.
ج - أن تصدر قرارا بالحفظ.
3 - قرارات الاتهام بالقتل أو القطع أو الرجم:
بينت المادة ( الرابعة ج/1) من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام اختصاص (لجنة إدارة الهيئة) بمراجعة قرارات الاتهام في القضايا التي يطلب فيها إيقاع عقوبة القتل، أو القطع، أو الرجم.
وبناء عليه فإن قرارات الاتهام التي يطلب فيها القتل، أو القطع، أو الرجم لابد من عرضها على لجنة إدارة الهيئة لمراجعتها.
***(1/15)
6 -إثبات
1 - تعريفه :-
الإثبات لغة: مصدر أثبت بمعنى اعتبر الشيء دائما مستقراً أو صحيحا. قال ابن فارس: الثاء والباء والتاء، كلمةٌ واحدة، وهي دَوامُ الشيء ؛ يقال: ثَبَتَ ثباتاً وثُبُوتاً، ورجل ثَبْتٌ وثبيت(1).
وفي لاصطلاح: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددتها الشريعة، على حق أو على واقعة معينة، تترتب عليها آثار شرعية(2).
2 - أهمية الإثبات:
الإثبات مهم جدا لأن المقصود منه منع الظلم، وإيصال الحق إلى صاحبه ، ومعاقبة الجاني على جنايته.
3 - طرق إثبات الجنايات:
طرق إثبات الجرائم الجنائية هي: الإقرار ، والشهادة ، والاستفاضة والقرينة. ( أنظر تفصيل كل واحدة من هذه الطرق في موادها ).
4 - الفرق بين الإثبات والثبوت: -
الإثبات: مأخوذ من الفعل أثبت وهو فعل متعد، ومعناه إقامة الحجة والدليل والبرهان، وهو فعل يصدر من المدعي ، وهو قائم بذاته وصادر عنه.
والثبوت: مأخوذ من الفعل ثبت ، وهو فعل لازم ، ومعناه الأمر الثابت يقينا، وهو وجود الأمر حقيقة بحسب الواقع ، فهو وصف قائم بذات الشيء المدعى به قبل المدعى عليه(3).
5 - اهتمام الأنظمة بطرق الإثبات: -
اهتمت الأنظمة السعودية ببيان طرق الإثبات لما لها من أهمية، فنظام المرافعات الشرعية خُصص الباب التاسع منه لبيان إجراءات الإثبات، واشتمل على المواد من ( 97 - 157) ؛ وورد في المواد (95 - 100) والمواد ( 164 - 169 ) من نظام الإجراءات الجزائية بعض الضوابط المتعلقة بسماع الشهادة باعتبارها من أهم طرق الإثبات.
***
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة، مادة ( ثبت )
(2) - الموسوعة الفقهية 2/136
(3) - أنظر : النظام الإجرائي الجنائي صفحة (254 ) / سعد بن ظفير.(1/16)
7 -أثر
1 - التعريف:
الأثر في اللغة بقية الشيء: قال ابن فارس: الهمزة والثاء والراء، له ثلاثة أصول: تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي(1). وفي لسان العرب: الأثر بقية الشيء ، والجمع آثار وأُثور ؛ وخرجت في إِثْره وفي أَثَره ، أَي بعده(2). وعلامة الشيء تكون قبله ، وأثره يكون بعده ، تقول: الغيوم والرياح علامات المطر؛ ومجرى السيول: أثر المطر، دلالة عليه، وليس برهانا عليه.
وفي المصطلح الجنائي: الأثر هو: كل شيء يعثر عليه المحقق الجنائي في مسرح الحادث أو يشاهده بملابس أو جسم المجني عليه أو المتهم أو أي شيء يضبط بمسرح الحادث يساعد على كشف الحقيقة(3).
2 - مشروعية الاستدلال بالأثر: -
أصل الاستدلال بالأثر ثابت بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب قوله تعالى: { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ } (الفتح: من الآية29).
ومن السنة أحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في يوم بدر، وفيه (... قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم... ) الحديث(4).
لكن لما كانت الجريمة من الأفعال التي تحاط بالغموض في معظم الأحيان، وإعمالا لقاعدة ( الأصل براءة الذمة ) فإن الآثار المضبوطة في مسرح الجريمة تعامل معاملة القرائن، وهذا لا يعني الحط من قيمة الآثار لأنه ربما يكون هناك آثار تصل في مجموعها لجزم المحقق بتوجيه التهمة للمتهم. (أنظر مصطلح: قرينة)
3 - الآثار المادية الظاهرة:-
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة، مادة ( أثر ).
(2) - لسان العرب، مادة ( أثر )
(3) - إجراءات جمع الأدلة صفحة ( 148).
(4) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1763 )(1/17)
الآثار المادية الظاهرة هي: كل ما يعثر عليه المحقق في مسرح الجريمة، أو في موقع الحادث، أو في جسم المجني عليه، أو ملابسه، أو يحمله الجاني نتيجة تفاعله مع المجني عليه، ويمكن إدراكه ومعاينته بإحدى الحواس ، كالمقذوفات النارية ، والظروف الفارغة ، والجروح والإصابات في جسم المجني عليه ، والأدوات ، والآلات ، والشعر ، والملابس الممزقة ، والأمتعة المبعثرة ؛ وغير ذلك(1).
4 - الآثار المادية غير الظاهرة:-
الآثار المادية غير الظاهرة هي: كل أثر لا يدرك بالعين المجردة أو بإحدى الحواس، بل يحتاج إلى وسائل علمية مساعدة لكشفه وإظهاره، كأجهزة الميكروسكوب، أو الأشعة، أو الوسائل الفنية الطبية الكيميائية ؛ ومن أمثلة ذلك: آثار البصمات الخفية على الأبواب أو الأشياء المسروقة، وآثار الدماء على الملابس الداكنة أو المغسولة(2).
5 - قصاص الأثر: -
قصاص الأثر هو: أحد أعوان الجهات الأمنية المختصة بالتحقيق، ويسمى (المري) وهو ما يعرف في اللغة باسم القائف.(أنظر مصطلح: قائف)
6 - آثار البصمات: - ( أنظر مصطلح: بصمات )
***
__________
(1) - أنظر : الأدلة الجنائية صفحة ( 38 ) د/ منصور المعايطة، ود/عبد المحسن المقذلي.
(2) - أنظر: المرجع السابق صفحة ( 39 )(1/18)
8 -إجبار ( أنظر مصطلح: إكراه )
9 -إجراءات
1 - التعريف:
الإجراءات في اللغة من أَجْرَى يُجرِي إِجْرَاءاً، ومعناه التسيير والتحريك، يقال: أجرى السَّفينةَ أي حركها، وأجرى الماء أساله (1).
والمقصود بالإجراءات هنا: هي الخطوات التي تتبع عند وقوع جريمة.
وعُرِّف نظام الإجراءات بأنه: مجموعة القواعد التي تبين ما يجب اتخاذه عند وقوع الجريمة، لتحديد المسؤول عنها ومعاقبته، كما تعين السلطات التي تباشر هذه الإجراءات وتحدد اختصاصاتها(2).
2 - نظام الإجراءات الجزائية:
صدر نظام الإجراءات الجزائية بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 28/7/1422هـ وهو يضم مائتين وخمساً وعشرين مادة موزعة على تسعة أبواب ؛ وجاء في مجموعة لمراعاة كرامة الإنسان التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ودعت لها ، وهو يختص بنوع من القضايا وهي القضايا الجزائية.
وقد اشتمل النظام على الأمور التالية:
1 - حظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً أو معنوياً وعدم إيقاع أي عقوبة جزائية إلا على أمر محظور شرعاً أو نظاماً. ( م/ 2، 3، 35 )
2 - نص على أن للمتهم حق الاستعانة بوكيل أو محام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة. ( م/ 4، 64 )
3 - عرف رجال الضبط الجنائي وأخضعهم فيما يتعلق بوظائفهم في الضبط لسلطة هيئة التحقيق والإدعاء العام. ( م/ 24، 25 )
4 - بيَّن من يقوم بأعمال الضبط الجنائي. ( م/26 )
5 - بيَّن مهام رجال الضبط الجنائي. ( م/27، 28 )
6 - بيَّن الحالات التي يكون الشخص فيها متلبساً بالجريمة وحدد الإجراءات الواجب اتباعها من لدن رجل الضبط الجنائي للتعامل مع تلك الحالات. (م/30-33، 43 )
7 - حظر التوقيف أو السجن إلا في السجون أو الدور المخصصة لذلك وبأمر مسبب. ( م/ 2، 36، 39 )
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة ( جرى )
(2) - د/إدوار غالي / الإجراءات الجنائية صفحة ( 7 ) بتصرف.(1/19)
8 - حافظ النظام على حرمة الأشخاص ومساكنهم ومكاتبهم ومنع دخول أي مرفق مسكون أو تفتيشه إلا نهاراً ، وفي الحالات المنصوص عليها نظاماً وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والإدعاء العام. ( م/40 ، 51 )
9 - جعل لوسائل الاتصال حرمتها ولم يجز الإطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر مسبب. ( م/ 55 )
10 - نص على أن يكون الاستجواب للمتهم في حال لا تأثير فيها على إرادته وحظر تحليفه أو استعمال وسائل الإكراه ضده. (م/102)
11 - أعطى المحقق صلاحية إصدار الأمر بتوقيف المتهم مدة لا تزيد على خمسة أيام من تاريخ القبض عليه والإفراج عنه إذا انتفى المبرر للتوقيف أو لعدم وجود أدلة كافية.(م/114)
12 - نص على حضور المتهم جلسات المحكمة بغير قيود ولا أغلال. (م/158)
13 - نص على تلاوة الحكم في جلسة علنية حتى ولو كانت الدعوى منظورة في جلسة سرية وذلك بحضور القضاة ، وأطراف الدعوى. (م/182)
14 - أعطى النظام المتهم والمدعي العام والمدعي بالحق الخاص حق طلب تمييز كل حكم صادر في كل جريمة. ( م/193 )
15 - حدد النظام مدة الاعتراض بطلب التمييز بثلاثين يوماً من تاريخ تسلم صورة الحكم. وحدد مدة تسليم صور الحكم بمدة أقصاها عشرة أيام من تاريخ النطق به.( م/194)
16 - نص النظام على نقض الحكم إذا خالف نصاً من الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى. (م/201، 202)
17 - نص على أن يكون هناك تعويض معنوي ومادي للمحكوم عليه بعدم الإدانة لما أصابه من ضرر إذا طلب ذلك. ( م/210 )
18 - نص على أن يصدر مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية لهذا النظام بناء على اقتراح وزير العدل بعد الاتفاق مع وزير الداخلية. (م/ 223 )
19 - نصت المادة ( 225 ) من النظام على بدء العمل به بعد مضي مائة وثمانين يوما من تاريخ نشره ، ونشر بالعدد ( 3867 ) من جريدة أم القرى الصادرة بتاريخ 17 شعبان 1422هـ .
***(1/20)
10 -إجرام
1 - التعريف:-
الإجرام في اللغة: مصدر أجرم، وهو مأخوذ من مادة ( جرم ) التي تدل على القطع، والجرم التعدي، والذنب، والجمع أجرام وجروم، يقال من ذلك: جرم يجرم جرما، فهو مجرم، وجرم إليهم وعليهم جريمة، وأجرم: جنى جناية(1).
والإجرام: سلوك منحرف يدفع بصاحبه إلى ارتكاب جناية يعاقب عليها شرعا أو نظاما.
2 - السلوك الإجرامي: -
السلوك الإجرامي هو: كل ما يتخذه الجاني من نشاط إنساني إرادي يتمثل في مواقف إيجابية ، أو سلبية، يعاقب عليها بنص شرعي أو نظامي، لمساسها بمصالح المجتمع المحمية بنصوص التجريم.
ويقصد بالإيجابية: مباشرة الفعل المحرم، كمباشرة القتل أو السرقة.
ويقصد بالسلبية: الامتناع عن أداء الفعل الواجب، كالامتناع عن أداء الصلاة، أو الحقوق الواجبة.
3 - النتيجة الإجرامية:-
النتيجة الإجرامية هي: الأثر المترتب على السلوك الإجرامي؛ كإزهاق الروح في جرائم القتل، وأخذ المال في جرائم السرقة.
4 - علاقة السببية:-
يقصد بعلاقة السببية: تلك الرابطة التي تصل بين السلوك الإجرامي والنتيجة المترتبة عليه، بحيث يمكن أن يقال: إنه لولا هذا السلوك لما كانت تلك النتيجة. (للزيادة أنظر مصطلح: مجرم )
***
__________
(1) - مقاييس اللغة، ولسان العرب مادة ( جرم ).(1/21)
11 -أجنبي
1 - التعريف:
الأجنبي في اللغة: الغريب.
والمراد بالأجنبي عند الفقهاء:
أ - البعيد في رابطة النسب.
ب - الغريب عن الوطن، ودار الإسلام كلها وطن للمسلم، فالأجنبي عنها من ليس بمسلم.
ج - والأجنبي عن المرأة من لم يكن محرما لها، والمحرم من يحرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو بسبب مباح.
الأجنبي في المصطلح النظامي:هو من لا يتمتع بجنسية الدولة التي يقيم فيها(1).
2 - إبلاغ وزارة الخارجية عن سجن الأجنبي:
جاء في الفقرة (1) من تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16/2697 وتاريخ 20/1/1399هـ النص التالي: ( تقوم وزارة الداخلية بإبلاغ وزارة الخارجية ويحسن أن يكون إبلاغها برقيا عن سجن أي أجنبي لمدة تزيد على أسبوع على أن يوضح مكان وأسباب سجنه وهل حوكم أم لا ؟، وموعد محاكمته - متى كان ذلك معروفا - وموعد إطلاق سراحه ؛ وفي حالة إيقاف الأجنبي والحكم عليه بالسجن في منطقة نائية لا يوجد بها سجون متطورة يحال إلى السجون في المدن الرئيسية لاستيفاء العقوبة المحكوم بها ).
***
__________
(1) - معجم المصطلحات القانونية صفحة ( 22).(1/22)
12 -إجهاز
1 - التعريف:-
الإجهاز في اللغة: الإسراع في القتل، يقال: جهز على الجريح أي أتم قتله(1).
وفي الاصطلاح: الإجهاز الإسراع في إتمام القتل(2).
2 - الحكم العام للإجهاز:
يجوز الإجهاز على جرحى الكفار المقاتلين، وكذلك جرحى البغاة المقاتلين إذا كانت لهم فئة، فإن لم تكن لهم فئة فلا يجوز قتل جريحهم. أما الإجهاز على من وجب عليه الموت في حد أو قصاص فهو واجب بالاتفاق(3).
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( جهز ).
(2) - أنظر الموسوعة الفقهية 2/55
(3) - الموسوعة الفقهية 2/56(1/23)
13 -إجهاض
1 - التعريف:
الإجهاض في اللغة يطلق على صورتين: إلقاء الحمل ناقص الخلق، أو ناقص المدة، وهذا الإطلاق يصدق على الإلقاء بفعل فاعل أو تلقائيا.
قال ابن منظور: أَجْهَضَت الناقةُ إِجْهاضاً، وهي مُجْهِضٌ: أَلقت ولدها لغير تمام، والجمع مَجاهِيضُ(1). وقال ابن فارس: الجيم والهاء والضاد أصلٌ واحد، وهو زَوَالُ الشَّيء عن مكانه بسُرعة؛ يقال أجْهَضْنا فلاناً عن الشّيء إذا نحَّيناه عنه وغلَبْناه عليه، وَأجْهَضَتِ النّاقة إذا ألقَتْ ولدَها، فهي مُجْهِضٌ(2).
والإجهاض عند الفقهاء، لا يخرج عن هذا المعنى؛ وكثيرا ما يعبرون عن الإجهاض بمرادفاته كالإسقاط والإلقاء والطرح والإملاص.
وفي المصطلح الطبي: الإجهاض هو: إلقاء الحمل ناقص الخلق أو ناقص المدة، ويسمى أيضا الإسقاط والطرح والإملاص، فإذا نزل قبل أن يتم ( 20 أسبوعا ) في بطن أمه أو كان وزنه أقلَّ من ( 500 غرام ) سمي سقطا، ولا يكون قابلا للحياة عادة، أما إذا نزل بين ( 24 - 36 أسبوعا ) فيسمى خديجاً ويكون في الغالب قابلا للحياة ولكنه يحتاج غالبا لعناية طبية جيدة(3).
2 - حكم الإجهاض:-
من المعلوم أن الجنين في بطن أمه يمر بأربع مراحل: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم مرحلة نفخ الروح ؛ وهذا ثابت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح..)(4).
وهذا دليل على أن نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يوما.
وحكم الإجهاض في المراحل الثلاث الأولى- التي تسبق نفخ الروح- مختلف فيه بين الفقهاء.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( جهض ).
(2) - معجم مقاييس اللغة مادة ( جهض ).
(3) - الموسوعة الطبية الفقهية صفحة ( 42 ).
(4) - البخاري حديث رقم ( 3208 )، ومسلم حديث رقم ( 2643 ).(1/24)
أما الإجهاض في المرحلة الرابعة - بعد نفخ الروح - فهو جريمة محرمة بالكتاب، والسنة ، والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [ الإسراء 33] . والإجهاض بعد نفخ الروح يعتبر قتل نفس بغير حق.
ومن السنة: ما رواه الترمذي عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع للناس: ( أي يوم هذا؟ ) قالوا: يوم الحج الأكبر ؛ قال: ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا قي بلدكم هذا ؛ ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان أيس أن يعبد في بلادكم هذه أبدا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به )(1).
والإجهاض بعد نفخ الروح جناية. وقد أجمع الفقهاء على تحريمه ، و نصوا على أنه إذا نفخت في الجنين الروح حرم الإجهاض ؛ وقالوا إنه قتل له، بلا خلاف.
3 - عقوبة الإجهاض:
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث رقم ( 2159 ).(1/25)
الإجهاض المتعمد يترتب عليه عقوبة تعزيرية - في الحق العام - يقدرها القاضي على من تعمد الإجهاض، سواء كانت الأم، أو الطبيب، أو القابلة ؛ أو كل من كان سببا في الإجهاض. أما ما يتعلق بالحق الخاص، فقد اتفق الفقهاء على أن الواجب في الجناية على جنين الحرة هو غرة ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغرة عبد أو وليدة ) رواه البخاري ومسلم(1). واتفق فقهاء المذاهب على أن مقدار الغرة في ذلك هو نصف عشر الدية الكاملة، وإن الموجب للغرة كل جناية ترتب عليها انفصال الجنين عن أمه ميتا، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك، ولو من الحامل نفسها أو زوجها، عمدا كان أو خطأ. واختلفوا في وجوب الكفارة - وهي العقوبة المقدرة حقا لله تعالى - مع الغرة.
4 - الإجهاض المعاقب عليه:-
فقهاء الحنابلة يوجبون الغرة سواء أكان انفصال الجنين ميتا حدث في حياة الأم أو بعد موتها لأنه كما يقول ابن قدامة: جنين تلف بجناية، وعلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه كما لو سقط في حياتها ؛ ولأنه لو سقط حيا ضمنه، فكذلك إذا سقط ميتا كما لو أسقطته في حياتها(2).
ويتفق الفقهاء في أصل ترتب العقوبة إذا استبان بعض خلق الجنين ، كظفر وشعر، فإنه يكون في حكم تام الخلق اتفاقا ؛ ولا يكون ذلك كما يقول ابن عابدين إلا بعد مائة وعشرين يوما ؛ أي بعد أربعة أشهر، وهي مرحلة نفخ الروح كما سبق بيانه(3).
***
__________
(1) - البخاري حديث رقم (5758 ) ومسلم حديث رقم ( 1681 ).
(2) - المغني 12/63
(3) - رد المحتار على الدر المختار 3/176(1/26)
14 -احتراف
1 - التعريف: -
الاحتراف في اللغة: الاكتساب، أو طلب حرفة للكسب، قال ابن منظور: وأَما الحِرفةُ فهو اسم من الاحْتِرافِ وهو الاكْتِسابُ(1).
والحرفة: كل ما اشتغل به الإنسان واشتهر به، فيقولون حرفة فلان كذا، يريدون دأبه وديدنه ، وهي بهذا ترادف كلمتي صنعة ، وعمل(2).
أما الامتهان: فلا فرق بينه وبين الاحتراف ، لأنه من المهنة المرادفة في معناها للحرفة ، وكل منهما يراد به حذق العمل.
ويطلق الفقهاء الاحتراف على: مزاولة الحرفة وعلى الاكتساب نفسه.
ويقال للمجرم المتمرس في الإجرام ، مجرم محترف.
2 - الحرف المحظورة:
أ - الاتجار بالمحرمات كالخمر والمخدرات، واحتراف الكهانة، والسحر، والشعوذة.
ب - كل عمل يؤدي إلى الحرام أو يكون فيه إعانة عليه، ككتابة الربا، ولعب الميسر، والقمار.
3 - حكم احتراف المهن المحرمة:-
يحرم الاشتغال أو الاتجار بالمهن المحرمة، لقوله تعالى: { )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة:90-91] . وقوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة:188].
__________
(1) - لسان العرب مادة ( حرف )
(2) - القاموس المحيط مادة ( حرف )(1/27)
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها ومبتاعها وبائعها ، وعاصرها ومعتصرها ، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها )(1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)(2).
ونص قرار سمو وزير الداخلية رقم (1245) وتاريخ 23/7/1423هـ على أن: ترويج المسكرات، أو تهريبها، أو تلقيها، أو تصنيعها، أو حيازتها، وذلك كله بقصد الترويج، يُعد من الجرائم الكبيرة.
4 - عقوبة محترف المهن المحرمة:-
محترف المهن المحرمة يعاقب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي ، كما هو الحال في من قام ببيع وترويج الخمر، أو امتهن السحر والشعوذة ؛ وهناك عقوبات نظامية تطبق على محترفي بعض المهن المحظورة ، كترويج المخدرات ، وبيع الأسلحة.
***
__________
(1) - رواه أبو داود الحديث رقم (3674)، وابن ماجة الحديث رقم (3380 )
(2) - رواه الإمام أحمد الحديث رقم ( 3725 ).(1/28)
15 -احتياط
1 - التعريف:-
من معاني الاحتياط لغة: الأخذ في الأمور بالأحزم والأوثق، وبمعنى المحاذرة، ومنه القول السائر: أوسط الرأي الاحتياط، وبمعنى الاحتراز من الخطأ واتقائه(1).
وفي الاصطلاح : يستعمل الفقهاء الاحتياط بهذه المعاني كذلك.
2 - التوقيف الاحتياطي ( أنظر مصطلح: توقيف )
***
__________
(1) - لسان العرب، والقاموس المحيط مادة ( حوط )(1/29)
16 -احتيال
1 - التعريف:
الاحتيال في اللغة: يأتي بمعنى طلب الحيلة، وهي الحذق في تدبير الأمور، أي تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود، قال ابن منظور: الاحْتِيالُ والمُحاولَةُ: مطالبتك الشيءَ بالحِيَل(1).
ويعرف أهل القانون جريمة الاحتيال بأنها: الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير بخداع المجني عليه وحمله على تسليمه(2).
وعرفت أيضا بأنها : الاستيلاء على الحيازة الكاملة لمال الغير بوسيلة يشوبها الخداع تسفر عن تسليم ذلك المال(3).
والحيلة عرفها ابن القيم رحمه الله فقال: ( فالحيلة هي نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه المجاشعي، لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة ؛ فهذا أخص من موضوعها في اصل اللغة ، وسواء كان المقصود أمرا جائزا أو محرما أو خص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعا أو عقلا أو عادة )(4).
2 - أنواع الاحتيال وحكمه:-
__________
(1) - لسان العرب مادة ( حول )
(2) - محمود نجيب حسين/ شرح قانون العقوبات / القسم الخاص، صفحة ( 990 ).
(3) - حسن صادق المرصفاوي/ قانون العقوبات الخاص، صفحة ( 389 ).
(4) - إعلام الموقعين 3/240(1/30)
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ( الحيلة: معتبرة بالأمر المحتال بها عليه إطلاقا ومنعا ومصلحة ومفسدة وطاعة ومعصية، فإن كان المقصود أمرا حسنا كانت الحيلة حسنة ، وإن كان قبيحا ، كانت الحيلة قبيحة، وإن كان طاعة وقربة ، كانت الحيلة عليه كذلك ، وإن كانت معصية وفسوقا، كانت الحيلة عليه كذلك ؛ ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله تعالى بأدنى الحيل ) صارت في عرف الفقهاء إذا أطلقت: يقصد بها الحيل التي تستحل بها المحارم كحيل اليهود، وكل حيلة تتضمن إسقاط حق لله تعالى، أو لآدمي فهي مما يستحل بها المحارم )(1).
3 - الجانب الإجرامي في الاحتيال:-
الاحتيال المحرم، هو الذي يترتب عليه استباحة ما حرم الله ورسوله بالحيل الباطلة، وهو إما أن يكون تحايلا على حق من حقوق الله تعالى، أو تحايلا على حق من حقوق العباد، أو تحايلا عليهما معا، وكل ذلك يعد جريمة توجب العقاب والمساءلة. ويتمثل الركن المادي لجريمة الاحتيال باستخدام الجاني لإحدى وسائل الخداع المحرمة شرعاً أو نظاماً، ويترتب عليها نتيجة جرمية تتحقق بها غايته.
4 - الفرق بين جريمة الاحتيال والسرقة:
أ - تقوم جريمة السرقة على الجهد الجسماني ( المادي ) الذي يبذله الجاني في الاستيلاء على المال محل السرقة؛ في حين تقوم جريمة الاحتيال على الجهد الذهني ( المعنوي ) الذي يبذله لحمل المجني عليه على تصديقه.
__________
(1) - إغاثة اللهفان 1/385(1/31)
ب - يتميز الاحتيال على السرقة في نوع الوسيلة التي يستخدمها الجاني للاستيلاء على مال الغير، ففي السرقة يتم اختلاس المال المسروق دون رضا المجني عليه ودون علمه؛ بينما في الاحتيال يعمد إلى خداع المجني عليه وتضليله بوسائل وأساليب على نحو يولد لديه قناعة مخالفة للحقيقة، تدفعه إلى تسليم ماله إلى الجاني بإرادته ورضاه(1).
5 - عقوبة الاحتيال:-
عقوبة الاحتيال عقوبة تعزيرية، يرجع تقديرها للقاضي ، ويلاحظ أنه إذا نتج عن الاحتيال أكل حق لآدمي، أو ضياعه، أو إتلافه ، فإن المحتال يجب عليه الضمان.
***
__________
(1) - طاهر جليل الحبوش/ جرائم الاحتيال والأساليب والوقاية منها صفحة (19) منشورات أكاديمية نايف.(1/32)
17 -أحداث
1 - التعريف: -
الأحداث في اللغة جمع حدث ومعناه: صغير السن. جاء في القاموس: ورجُلٌ حَدَثُ السِّنِّ وحَديثُها، بَيِّنُ الحَداثَةِ والحُدوثَةِ: فَتِيٌّ. وقال الخليل: وشابٌّ حَدَثٌ، وشابَّة حَدَثة: فتيّة في السِّنِّ(1).
ولم يعرف الفقهاء الحدث بهذا اللفظ لكنهم فرقوا من حيث المسؤولية الجنائية بين الصبي، وغيره، وحددوا انتهاء مرحلة الصبا بسن البلوغ، على اختلاف بينهم في سن البلوغ.
وفي النظام: الحدث هو من تجاوز السنة السابعة ولم يبلغ سن الثامنة عشر(2).
وقد ورد في المادة الأولى من القانون الموحد للأحداث بدول مجلس التعاون الخليجي التعريفات التالية:
أ ـ الحدث : كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره.
ب ـ الحدث المنحرف: كل من أتم السابعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة وقت ارتكابه فعلاً معاقباً عليه.
ج ـ الحدث المعرض للانحراف : يعتبر الحدث معرضاً للانحراف إذا وجد في أي من الحالات الآتية :
1 ـ إذا وجد متسولا أو يمارس عملا لا يصلح مورداً جديا للعيش.
2 ـ إذا قام بأعمال تتصل بالدعارة أو الفسق أو بإفساد الأخلاق أو القمار أو المخدرات أو المسكرات أو نحوها أو بخدمة من يقومون بها.
3 ـ إذا اعتاد الهرب من البيت أو معاهد التدريس أو التدريب.
4 ـ إذا ألف المبيت بأماكن غير معدة للإقامة أو المبيت.
5 ـ إذا تردد على الأماكن المشبوهة أخلاقيا أو اجتماعيا.
6 ـ إذا خالط المعرضين للانحراف أو المشردين أو الذين أشتهر عنهم سوء السيرة أو فساد الأخلاق.
7ـ إذا كان هاربا أو مارقا من سلطة أبويه أو من يقوم برعايته.
8 ـ إذا لم يكن له وسيلة مشروعة للتعيش أو عائل مؤتمن.
9 ـ إذا كان مصابا بمرض أو ضعف عقلي أو نفسي بحيث يفقده كليا أو جزئيا القدرة على الإدراك أو الاختيار بحيث يخشى منه على سلامته أو سلامة الآخرين.
__________
(1) - القاموس المحيط، وكتاب العين مادة ( حدث ).
(2) - أنظر : المادة الأولى من لائحة دور الملاحظة.(1/33)
2 - تحديد سن البلوغ:
قال المرداوي رحمه الله: ( والبلوغ: يحصل بالاحتلام بلا نزاع، أو بلوغ خمس عشرة سنة، أو نبات الشعر الخشن حول القبل، هذا المذهب، وعليه الأصحاب، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله؛ وحكى عنه رواية: لا يحصل البلوغ بالإنبات؛ وقال في الفائق: ويحصل البلوغ بإكمال خمس عشرة سنة، وعنه: الذكر وحده؛ قوله: وتزيد الجارية بالحيض والحمل، بلا نزاع، على الصحيح من المذهب؛ قال في المحرر، والفروع: وحملها دليل إنزالها )(1).
3 - نص قرار الهيئة القضائية العليا رقم 309 في 28/12/1391هـ المتعلق بالأحداث:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد فقد اطلعت الهيئة القضائية العليا بوزارة العدل على خطاب معالي وزير العدل رقم 1505 في 11/9/1391هـ المتضمن رغبة معاليه دراسة الاستبيان الخاص بانحراف الأحداث الذي أعده المكتب العربي الدولي لمكافحة الجريمة ، المبعوث لمعاليه من صاحب السمو الملكي نائب وزير الداخلية بخطاب سموه رقم 3818/2 في 15/8/1391هـ من أجل أن تتخذ وزارة العدل نحو الاستبيان المشار إليه ما يجب مما هو من اختصاصاتها.
وبدراسة الاستبيان المرفق وجد أنه يحتوي على ستة وستين سؤالا يدخل في اختصاص وزارة العدل منها الأسئلة التالية: ( 2 - 3 - 6 - 7 - 8 - 17 - 21 - 22 - 25 - 44 - 46 ) ويمكن أن يجاب عن تلك الأسئلة بما يلي:
__________
(1) - الإنصاف 5/320(1/34)
أولا - إن حداثة السن في اللغة كناية عن الشباب وأول العمر وكل فتى من الناس حدث والأنثى حدثة، والحديث السن من الناس القريب السن والمولد، وقد لا نجد في كتب اللغة تحديدا لفترة حداثة السن من حيث الانتهاء كما نجدها بالنسبة للكهولة والهرم والشيخوخة. أما في الاصطلاح الشرعي فليس لحداثة السن أي مدلول اصطلاحي كما هو الحال بالنسبة للصبا لأن الشريعة الإسلامية قد فرقت من حيث المسؤولية الجنائية بين الصبي وغيره، وحددت للصبا حدا ينتهي إليه ألا وهو البلوغ ، قال صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة - ومنهم - الصبي حتى يحتلم )(1). والاحتلام من علامات البلوغ فإذا ظهرت مثل هذه العلامة على الصبي أعتبر بالغا مكلفا، ويعتبر الصبي بالغا إذا أتم خمسة عشر عاما قمريا على خلاف في ذلك بين العلماء، إذ منهم من يحدد سن البلوغ بتسعة عشر عاما للذكر وسبعة عشر عاما بالنسبة للأنثى، وقد يحكم ببلوغ الصبي، أو الصبية قبل أن يتما خمسة عشر عاما، وذلك إما:
أ - بإنبات الشعر الخشن حول قبليهما.
ب - أو بحيض الصبية أو حملها.
ج - وإذا أحبل الصبي امرأة أو أنزل حكم ببلوغه.
__________
(1) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4401 ) والترمذي حديث رقم ( 1423 ).(1/35)
ولما كانت هذه العلامات قد تتقدم وقد تتأخر فقد روي أن يحدد البلوغ بالسن، فحدده غالب الفقهاء بخمسة عشر عاما للغلام والجارية جميعا، وحجتهم أن المؤثر في الحقيقة هو العقل وهو الأصل في المسؤولية وبه لوازم الأحكام، وإنما جعل الاحتلام حدا للبلوغ شرعا لكون الاحتلام دليلا على كمال العقل والاحتلام لا يتأخر عادة عن خمسة عشر عاما، فإذا لم يحتلم إنسان حتى هذا السن فذلك يرجع إلى آفة في خلقته والآفة لا توجب آفة في العقل فكان العقل قائما بلا آفة ووجب اعتبار الشخص بالغا تلزمه الأحكام أما من يحددون البلوغ بثمانية عشر عاما أو بتسعة عشر عاما فإنهم يقولون: إن الشرع علق التكليف بالاحتلام فوجب بناء الحكم عليه ولا يرتفع الحكم عنه ما لم يتيقن بعدمه ويقع اليأس عن وجوده وإنما يقع اليأس بهذه المدة لأن الاحتلام في هذه المدة متصور في الجملة فلا يجوز إزالة الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع الاحتمال، أي أنه مادام الاحتلام مرجوا وجب الانتظار ولا يأس بعد خمس عشرة سنة إلى ثماني عشرة أو تسع عشرة، بل هو مرجو، فلا يقطع الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع رجاء وجوده بخلاف ما بعد هذه المدة فأنه لا يحتمل وجوده بعدها فلا يجوز اعتباره في زمان اليأس عند وجوده.
السؤال رقم ( 2 )
ثانيا: ليس لصغار السن أو الأحداث قانون خاص وإنما تطبق بحقهم أحكام الشريعة الإسلامية التي تميز بين الصغار والكبار من حيث المسؤولية الجنائية تمييزا كاملا.
السؤال رقم ( 3 )(1/36)
ثالثا: إن صغار السن غير مسؤولين جنائيا ولكن مسؤوليتهم تكون تأديبية وذلك فيما إذا وقعت منهم جرائم بعد بلوغهم سبع سنوات، حيث يعتبر الصغير في هذه السن مميزا فلا يقتص منه إذا قتل ولا يقطع إذا سرق ولكن يؤدب على ما يأتيه من هذه الجرائم وغيرها، وإعفاء الحدث من المسؤولية الجنائية لا يعفيه من المسؤولية المدنية عن كل جريمة يرتكبها، سواء كان مميزا أو غير مميز فهو مسؤول في ماله الخاص عن تعويض أي ضرر يتسبب في إيقاعه بالغير.
الأسئلة ( 6 - 7 - 8 )
رابعا: لقد أوجدت وزارة العدل هذا العام قضاء للأحداث ولكن تكوين هذا القضاء ونظامه لم يوضع بعد ومن الجائز أن يحضر محام عن الصبي يوكله ولي أمره، أما إذا بلغ الصبي فيجوز له أن يستدعي من يدافع عنه من المحامين وغيرهم.
الأسئلة ( 17- 21 - 22 )
خامسا: إن العقوبات التي يمكن إيقاعها على الأحداث أو صغار السن هي: التوبيخ، والضرب، والوضع في الإصلاحية، وفي كل حال يحكم على الصبي بضمان ما يتلفه على الغير، أما إذا بلغ فيعامل كغيره من المكلفين فيقتص منه إذا قتل متعمدا، ويقطع إذا سرق وهكذا بالنسبة للجرائم الأخرى.
السؤال رقم ( 25 )
سادسا: إن الشريعة الإسلامية تعتبر من يحرض الأحداث على الانحراف أو يسهل لهم ذلك جريمة من الجرائم التي يستحق مرتكبها العقوبة سواء كان ذلك التحريض من فرد أو من عصابة وليس لهذه العقوبة حد مقدر في الشريعة ولكن سلطة تقديرها ترجع إلى القاضي الذي ينظر في القضية ويختار لها العقوبة الملائمة لها بحسب شخصية المتهم وسوابقه ودرجة تأثره بالعقوبة وبحسب الجريمة وأثرها على المجتمع. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. ( الهيئة القضائية العليا بوزارة العدل ).
4 - توقيف الأحداث: -(1/37)
يتم تسليم الحدث فور القبض عليه إلى دار الملاحظة، ولا يجوز إيقافه في غيرها من دور التوقيف، نصت على ذلك المادة العاشرة من لائحة دور الملاحظة، حيث جاء فيها النص التالي: ( أ - في جميع الأحوال يسلم الحدث فور القبض عليه إلى السلطات المختصة في دور الملاحظة وتجري الجهة المختصة التحقيق معه داخل الدار بحضور المختصين فيها ).
وصدر بشأن توقيف الأحداث والفتيات والتحقيق معهم والإفراج عنهم تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16س/4382 وتاريخ 17/11/1400هـ، الذي ورد فيه النص التالي: ( ... أولا - يتم تسليم الأحداث الذكور إلى دار الملاحظة، والفتيات إلى مؤسسة رعاية الفتيات فور القبض عليهن ولا يحتجزون بحال في أي مكان آخر، وفي حالة عدم وجود دور ملاحظة أو مؤسسة للرعاية في المدينة أو القرية التي قبض فيها على الحدث أو الفتاة فيتم تسليمهم فورا لأقرب دور أو مؤسسة، ويثبت وقت القبض والتسليم والمرافقين وكافة البيانات في الدفاتر الرسمية في حينه، ويراعى في اختيار الجنود المرافقين أن يكونوا من المشهود لهم بالخلق القويم والسمة الطيبة.
ثانيا - إذا تطلبت مصلحة التحقيق استكماله مع الحدث أو الفتاة فعلى المحقق الانتقال إلى مبنى الدور أو المؤسسة والاتصال بمكتب الخدمة الاجتماعية بها لاستدعاء المطلوب التحقيق معه ويجري التحقيق مع الحدث بحضور الأخصائي الاجتماعي والنفسي ومع الفتيات بحضور الأخصائية الاجتماعية والنفسية ومديرة الدار.
ثالثا - عند وجود ضرورة لانتقال الحدث أو الفتاة للإرشاد عن أماكن وقوع الجرائم على الطبيعة أو غير ذلك من الإجراءات التي تستدعي خروج الحدث أو الفتاة من الدار أو المؤسسة لمصلحة التحقيق فيجب أن يصاحب الحدث أو الفتاة لجنة مكونة من مندوب الشرطة وضابط اتصال مؤسسة رعاية الفتيات أو الأخصائي الاجتماعي بدور الملاحظة.(1/38)
رابعا - بعد إيداع الحدث أو الفتاة بالدار أو المؤسسة يمنع الاتصال بهم إلا إذا تطلبت ذلك مصلحة التحقيق وعلى النحو الوارد بالبند ثانيا من هذا القرار ويثبت ذلك بالدفاتر الرسمية.
خامسا - إذا تقرر الإفراج عن الحدث أو الفتاة فتبلغ الدار أو المؤسسة بأمر فضيلة القاضي أو الإمارة لتنفيذه.
سادسا - يكلف مدراء الشرطة بالاهتمام الشخصي بقضايا الأحداث والفتيات ومتابعة إجراءات القبض والتسليم لدور الملاحظة أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية والتحقيق والمحاكمة والإفراج وضمان توفير الأمن الاجتماعي للحدث أو الفتاة، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع أي إجراء غير نظامي والتحقيق الفوري في أي شكوى أو إخبارية تصل لعلمه في هذا الشأن، والرفع للإمارة فورا للتوجيه باللازم. ولكم تحياتنا).
5 - التحقيق مع الأحداث: -
نصت الفقرة ( أ ) من المادة العاشرة من لائحة دور الملاحظة(1) على التحقيق مع الأحداث داخل الدار حيث أوردت النص التالي: ( في جميع الأحوال يسلم الحدث فور القبض عليه إلى السلطات المختصة في دور الملاحظة وتجري الجهة المختصة التحقيق معه داخل الدار بحضور المختصين فيها).
ونصت ( المادة الثالثة عشرة ) من نظام الإجراءات الجزائية على أن يتم التحقيق مع الأحداث والفتيات ومحاكمتهم وفقاً للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك.
6 - التحقيق مع الأحداث والفتيات في المناطق التي لا يوجد بها دور للملاحظة:
صدر بهذا الخصوص قرار مجلس الوزراء رقم (25) وتاريخ 26/1/1421هـ وقد ورد فيه النص التالي:
أولا : الموافقة على الإجراءات المتعلقة بقضايا الأحداث الذين لا تقل أعمارهم عن سبع سنوات ولا تتجاوز ثماني عشرة سنة, والفتيات اللاتي لا تزيد أعمارهن على الثلاثين عند الحاجة لإيقافهم في مناطق لا توجد بها دور للملاحظة الاجتماعية أو مؤسسة لرعاية الفتيات , وذلك على النحو الآتي:
__________
(1) - صدرت لائحة دور الملاحظة بقرار مجلس الوزراء رقم611 في13/5/1395هـ .(1/39)
1 - إنهاء قضية الحدث أو الفتاة داخل قسم الشرطة من قبل رئيس القسم شخصيا بحضور ولي أمر الحدث أو الفتاة إذا كانت القضية من القضايا الصغيرة أو التي لا تستوجب التحقيق خاصة قضايا المشاجرات البسيطة التي ينبغي التعاملمعها وفق تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16/11027 وتاريخ 27/2/1412هـ.
2 - إذا لم يتيسر إنهاء القضية حسب ما ورد في الفقرة (1) أعلاه , فيتم التحقيق مع الحدث أو الفتاة من قبل رئيس قسم الشرطة شخصيا وبحضور مندوب من أحد فروع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وإذا لم يوجد فرع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية يحضر مندوب من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإذا انتهى التحقيق بعدم ثبوت التهمة على الحدث أو الفتاة فيطلق سراحه أو سراحها بكفالة , ولا يتم حجزه أو حجزها مطلقا مهما كانت الأسباب. ثم يستكمل التحقيق لا حقا إذا استدعى الأمر, ولا يعتد بالتحقيق إذا لم يتضمن توقيع مندوب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أو مندوب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3 - إذا انتهى التحقيق إلى ترجيح ثبوت التهمة على الحدث أو الفتاة فيعرض الأمر على القاضي فوراً والعمل وفق ما يوجه به , وإذا لم يتيسر عرض الأمر على القاضي فيطلق سراح الحدث أو الفتاة بكفالة معتبرة إلى حين العرض على القاضي.
4 - إذا وجه القاضي بنقل الحدث أو الفتاة إلى دار الملاحظة أو مؤسسة رعاية الفتيات فيجب على قسم الشرطة ترحيل الحدث أو الفتاة فوراً إلى دار الملاحظة أو مؤسسة رعاية الفتيات وفق تعليمات الترحيل المدونة في الفقرة ( 7 ) أدناه.
5 - يجب ترحيل الحدث أو الفتاة فور القبض عليه أو عليها إلى دار الملاحظة أو مؤسسة رعاية الفتيات في الحالات التالية :(1/40)
قضايا القتل بجميع أنواعه, قضايا الاغتصاب أو الخطف, قضايا المخدرات والمسكرات قضايا السرقات التي تقترف بتكسير أبواب المنزل والمحلات التجارية وغيرها من خلال استخدام أدوات أو سلاح أو عن طريق تشكيل عصابة قضايا المشاجرات أو إطلاق النار التي يكون فيها أشخاص مصابون وحالتهم خطيرة , قضايا انتحال شخصية رجال الأمن؛ ( وغيرها من الجرائم الكبيرة المنصوص عليها في القرار الوزاري رقم 1245 وتاريخ 23/7/1423هـ )(1).
6 - الفتيات اللاتي يقبض عليهن في القضايا الأخلاقية يرحلن فور القبض عليهن إلى أقرب مؤسسة لرعاية الفتيات ولا يحقق معهن ولا تتم مساءلتهن في قسم الشرطة.
7 - في جميع الحالات التي تستدعي ترحيل الحدث أو الفتاة يجب أن يتم الترحيل بصحبة ولي أمر الحدث أو الفتاة , أو بصحبة سجانة من سجن النساء إن أمكن بالنسبة لترحيل الفتيات أو بصحبة مندوب من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتم الترحيل بالطائرة إن وجد مطار قريب.
8 - في جميع الأحوال لا يتم إيقاف الحدث أو الفتاة في أقسام الشرطة أو السجن مهما كانت الأسباب.
7 - محاكمة الأحداث: -
1 - تتم محاكمة الأحداث داخل دار الملاحظة، نصت على ذلك الفقرة ( ب ) من المادة العاشرة من لائحة دور الملاحظة الاجتماعية، حيث جاء فيها النص التالي: ( تتم محاكمة الأحداث ومجازاتهم داخل دور الملاحظة وذلك بالاتفاق بين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والجهات المختصة ).
2 - ونصت المادة الثالثة عشرة من نظام الإجراءات الجزائية على أن يتم التحقيق مع الأحداث والفتيات ومحاكمتهم وفقاً للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك.
__________
(1) - العبارة الواردة بين القوسين مضافة بقرار مجلس الوزراء رقم 274 وتاريخ 2/12/1423ه.(1/41)
3 - وجاء في تعميم فضيلة رئيس القضاة رقم 46/2/ت وتاريخ 29/4/1389هـ النص التالي: ( لا يخفى أن الشباب عندما يحصل من أحدهم هفوة أو انحراف أو يوجه إلى أحدهم تهمة بارتكاب شيء من ذلك يحتاجون عند محاكمتهم إلى طريقة تربوية تساعد على توجيههم وتقويم سلوكهم، ولذلك نرى أن تتبع في محاكمتهم الأمور التالية: -
1 - أن يكون نظر القضية في جلسة خاصة لا يحضرها إلا من يرى القاضي حضوره من ولي أمر الشاب الذي لم يبلغ، وكاتب الضبط، والشهود، وكذا متولي التحقيق إذا دعت الحال إلى ذلك و يكتفى به عن حضور مدع عام.
2 - العناية بسرعة البت في القضية حسب الإمكان.
3 - الرفق بالشاب حال استجوابه والعمل على ما يبعث الطمأنينة في نفسه ويشعره بأن الهدف من محاكمته هو تقويمه، وتوجيهه الوجهة الصالحة.
4 - على القاضي دراسة أوراق القضية قبل حضور الشاب لديه للاستنارة بما تضمنته من معلومات.
5 - عندما يصدر الحكم بسجنه يلاحظ أن يكون في سجن يتلاءم مع سنه، وإن لا يختلط بمن يخشى أن يفسده باجتماعه معه.
6 - إذا صدر الحكم بضربه تعزيرا فيلاحظ أن لا يكون علناً ما لم تقتضي المصلحة ذلك فينص عليه القاضي في حكمه.
7 - يلاحظ أن الأحكام الصادرة بحقهم خاضعة للتعليمات الخاصة بتمييز الأحكام الشرعية).
8 - تسجيل السوابق على الأحداث:-
الأحداث الذين لم يتجاوزا الخامسة عشرة من العمر حين ارتكابهم الجريمة لا تسجل عليهم سوابق، أما الذين تجاوزوها فتسجل سوابقهم في سجل خاص، وذلك استنادا لما جاء بالمادة الرابعة من قرار سمو وزير الداخلية رقم 3130 وتاريخ 3/9/1408هـ الذي جاء فيها النص التالي:
( الأحكام التي تصدر بحق الأحداث يتبع في شأنها ما يلي:
أ - بالنسبة للأحداث الذين لم يتجاوزا الخامسة عشرة سنة حين ارتكابهم الجرم لا يجري تسجيل ما يصدر بحقهم.(1/42)
ب - بالنسبة للأحداث الذين جاوزا الخامسة عشرة سنة حين ارتكابهم الجرم ولم يبلغوا الثامنة عشر يجري تسجيل ما يصدر بحقهم في سجل خاص دون أن يسجل في ملف سوابقهم ).
***(1/43)
18 -إحراق
1 - التعريف:
الحَرَقُ بالتحريك في اللغة: النار ، والتحريق تأثيرها في الشيء(1).
وعند الفقهاء الإحراق هو: إذهاب النار الشيء بالكلية، أو تأثيرها فيه مع بقائه.
2 - حكم الإحراق بالنار:-
الإحراق بالنار يقع على النفس، أو على المال المملوك المحترم، وكل ذلك محرم، لما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث، وقال لنا: ( إن لقيتم فلاناً وفلاناً لرجلين من قريش سماهما فحرقوهما بالنار ) ؛ قال: ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج، فقال: ( إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن لقيتموهما فاقتلوهما) (2). ولما رواه الحاكم في المستدرك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت: إن سيدي اتهمني فأقعدني على النار حتى احترق فرجي ؛ فقال عمر رضي الله عنه: هل رآى ذلك عليك؟ قالت: لا، قال: فاعترفتِ له بشيء؟ قالت: لا، قال: عمر رضي الله عنه: عليَّ به، فلما رأى عمر رضي الله عنه الرجل قال: أتعذب بعذاب الله ؟ قال: يا أمير المؤمنين، اتهمتها في نفسها، قال: رأيت ذلك عليها ؟ قال الرجل: لا؛ قال: فاعترفت لك بذلك ؟ قال: لا؛ قال: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ( لا يقاد مملوك من مالكه ولا ولد من والده )؛ لأقدتها منك، فبرزه وضربه مائة سوط ، ثم قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله وأنت مولاة الله ورسوله(3).
3 - عقوبة جريمة الإحراق:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( حرق )
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 2795 ).
(3) - المستدرك على الصحيحين الحديث رقم ( 8101 ).(1/44)
يؤخذ مما سبق أن تعمد الإحراق بالنار، يعتبر جناية عمد، وتجري عليه أحكام العمد ؛ فلو أن شخصا أحرق آخر عمدا وتسبب في وفاته، فيقتص من الجاني بالقتل ولا يحرق بالنار، وكذلك الحال فيما يجري فيه القصاص فيما دون النفس، هذا بالنسبة للحق الخاص. أما ما يتعلق بالحق العام: فعقوبة جريمة الإحراق عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
4 - إحراق الممتلكات من الجرائم الكبيرة:
نص قرار سمو وزير الداخلية رقم (1245) وتاريخ 23/7/1423هـ على أن: الاعتداء عمدا على الأموال والممتلكات العامة أو الخاصة بالتخريب أو بالحرق ، أو بالهدم ، ونحو ذلك ،... يُعد من الجرائم الكبيرة.
***(1/45)
19 -إحصان:
1 - التعريف :-
الإحصان في اللغة : معناه الأصلي المنع ، ومن معانيه أيضاً كما في لسان العرب: العفة ، والتزوج والحرية(1).
وفي الاصطلاح الفقهي: هو مجموع الصفات الواجب توافرها في الشخص ليقام عليه حد الرجم في الزنا، وليستحق قاذفه حد القذف(2).
2 - أنواع الإحصان:
الإحصان نوعان:
أ - إحصان الرجم: وهو مجموعة من الشروط إذا توفرت في الزاني كان عقابه الرجم، وأهم هذه الشروط النكاح الصحيح. ( أنظر مصطلح: زنا)
ب - إحصان القذف: وهو عبارة عن اجتماع صفات في المقذوف تجعل قاذفه مستحقا للجلد، وأهم هذه الشروط العفة. ( أنظر مصطلح: قذف).
3 - إثبات الإحصان في الرجم:
يثبت الإحصان في الرجم بالإقرار الصحيح وهو ما صدر من عاقل مختار فيجب أن يكون المقر بالإحصان عاقلا مختارا ; لأن المكره والمجنون لا حكم لكلامهما كما يثبت بشهادة الشهود، و يكفي في إثبات الإحصان شهادة رجلين ; لأنه حالة في الشخص لا علاقة لها بواقعة الزنى، فلا يشترط أن يشهد بالإحصان أربعة رجال كما هو الحال في الزنى.
4 - إثبات الإحصان في القذف:
كل مسلم محمول على العفة ما لم يُقر بالزنى ، أو يثبت عليه بأربعة عدول ، فإذا قُذِف إنسان بالزنى فالمطالب بإثبات الزنى وعدم العفة هو القاذف ، لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور الآية 4].
وأما المقذوف فلا يطالب بإثبات العفة ; لأن الناس محمولون عليها حتى يُثبت القاذف خلافه ، فإذا أقر القاذف بإحصان المقذوف ثبت الإحصان.
__________
(1) - لسان العرب، والقاموس المحيط، مادة ( حصن )
(2) - الموسوعة الفقهية الميسرة / محمد رواس، مادة ( إحصان )(1/46)
وإن أنكر القاذف الإحصان فعليه أن يقيم البرهان على سقوط عفة المقذوف، فإن عجز عن الإثبات فليس له أن يحلف المقذوف(1).
5 - شروط الإحصان في الرجم: ( أنظر مصطلح: زنا)
6 - شروط الإحصان في القذف: ( أنظر مصطلح: قذف )
7 - عقوبة الزاني المحصن : ( أنظر مصطلح: زنا )
8 - عقوبة قذف المحصن : ( أنظر مصطلح: قذف )
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 2/228(1/47)
20 -إحضار
1 - التعريف:-
الإحضار لغة: مصدر أحضَر، وأحضَر الشيء جعله حاضرا (1).
والمراد به هنا: إحضار المطلوبين للتحقيق أو المحاكمة عن طريق السلطة المختصة.
2 - المحضرون:
المحضرون هم الأشخاص الذين يكلفون بإحضار المطلوبين لغرض التحقيق أو المحاكمة ، أو لأي غرض آخر ، ويتم غالباً تخصيص أشخاص متفرغين لهذا الغرض .
3 - الفرق بين الحضور والإحضار:
الحضور من الفعل حَضَرَ، ومعناه أن يقوم الشخص بالحضور بنفسه لمن طلبه بطوعه واختياره. والإحضار من أَحْضَرَ ، ومعناه أن تقوم السلطة المختصة بإحضار الشخص المطلوب للجهة التي طلبته ولو كان مكرها.
4 - ضوابط الحضور والإحضار في مرحلة التحقيق:
بيَّن نظام الإجراءات كيفية الحضور والتحضير على النحو التالي:
1 - للمحقق في جميع القضايا أن يقرر - حسب الأحوال - حضور الشخص المطلوب التحقيق معه، أو يصدر أمراً بالقبض عليه إذا كانت ظروف التحقيق تستلزم ذلك. ( مادة/103 )
2 - يجب أن يشتمل كل أمر بالحضور على اسم الشخص المطلوب رباعيا، وجنسيته، ومهنته، ومحل إقامته، وتاريخ الأمر، وساعة الحضور وتاريخه، واسم المحقق وتوقيعه، والختم الرسمي. ( مادة/104 )
3 - يشتمل أمر القبض والإحضار أيضا على تكليف رجال السلطة العامة بالقبض على المتهم وإحضاره أمام المحقق إذا رفض الحضور طوعا في الحال. (مادة/104 )
4 - يبلغ الأمر بالحضور إلى الشخص المطلوب التحقيق معه بوساطة أحد المحضرين أو رجال السلطة العامة وتسلم له صورة منه أن وجد، وإلا فتسلم لأحد أفراد أسرته البالغين الساكنين معه. ( مادة/105)
5 - تكون الأوامر التي يصدرها المحقق نافذة في جميع أنحاء المملكة. (مادة/106)
__________
(1) - الصحاح، ولسان العرب، مادة ( حضر )(1/48)
6 - إذا لم يحضر المتهم - بعد تكليفه بالحضور رسميا - من غير عذر مقبول، أو إذا خيف هروبه، أو كانت الجريمة في حالة تلبس، جاز للمحقق أن يصدر أمرا بالقبض عليه وإحضاره ولو كانت الواقعة مما لا يجوز فيها توقيف المتهم. (مادة/107)
7 - إذا قبض على المتهم خارج نطاق الدائرة التي يجري التحقيق فيها يحضَّر إلى دائرة التحقيق في الجهة التي قبض عليه فيها، التي عليها أن تتحقق من جميع البيانات الخاصة بشخصه ، وتحيطه علما بالواقعة المنسوبة إليه ، وتدون أقواله في شأنها ، وإذا اقتضت الحال نقله فيبلغ بالجهة التي سينقل إليها. (مادة/110 )
8 - لا يجوز تنفيذ أوامر القبض أو الإحضار بعد مضيء ثلاثة اشهر من تاريخ صدورها ما لم تجدد. ( مادة /117 )
4 - ضوابط إحضار المتهمين في مرحلة المحاكمة:
1 - يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة أن يحضر بنفسه أمام المحكمة مع عدم الإخلال بحقه في الاستعانة بمن يدافع عنه. ( المادة/140 )
2 - في الجرائم الأخرى يجوز له أن ينيب عنه وكيلاً أو محامياً لتقديم دفاعه وللمحكمة في كل الأحوال أن تأمر بحضوره شخصياً أمامها.( المادة/140 )
3 - إذا لم يحضر المتهم المكلف بالحضور حسب النظام في اليوم المعين في ورقة التكليف بالحضور، ولم يرسل وكيلاً عنه في الأحوال التي يسوغ فيها التوكيل فيسمع القاضي دعوى المدعي وبيِّناته ويرصدها في ضبط القضية، ولا يحكم إلا بعد حضور المتهم. وللقاضي أن يصدر أمراً بإيقافه إذا لم يكن تخلفه لعذر مقبول. (المادة/141 )
4 - إذا رُفِعَت الدعوى على عدة أشخاص في واقعة واحدة وحضر بعضهم وتخلف بعضهم رغم تكليفهم بالحضور، فيسمع القاضي دعوى المدعي وبيناته على الجميع، ويرصدها في ضبط القضية، ولا يحكم على الغائبين إلا بعد حضورهم. (المادة/142 )
***(1/49)
21 -إخبار ( أنظر: بلاغ )
22 -اختصاص
1 - التعريف:-
الاختِصَاصُ في اللغة: الانفراد بالشيء دون الغير، أو إفراد الشخص دون غيره بشيء ما، يقال: اخْتَصَّ فلانٌ بالأَمر، وتخصّص له إِذا انفرد به(1).
وهو عند الفقهاء كذلك، فهم يقولون: هذا مما اختص به الرسول صلى الله عليه وسلم أو مما اختصه الله به، ويقولون فيمن وضع سلعته في مقعد من مقاعد السوق المباحة: إنه اختص بها دون غيره ، فليس لأحد مزاحمته حتى يدع.
2 - أنواع الاختصاص: -
الاختصاص إما أن يكون نوعيا، أو مكانيا.
أولا - الاختصاص النوعي:
هو أن يسند صاحب الصلاحية نوعا من العمل لجهة من الجهات الحكومية أو لشخص معين أو مجموعة أشخاص.
مثال ذلك: إسناد التحقيق والادعاء في القضايا الجنائية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام ، وإسناد النظر في نوع معين من القضايا إلى قضاة المحكمة العامة ؛ ونوع آخر إلى قضاة المحكمة الجزئية، وإسناد مهمة تشريح الجثث إلى الأطباء العاملين في مجال الطب الشرعي.
ضابط الاختصاص النوعي في نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية:
حددت المواد ( 31، 32، 33 ) من نظام المرافعات الاختصاص النوعي فيما يتعلق بالقضايا الحقوقية على النحو التالي:
1 - من غير إخلال بما يقضي به نظام ديوان المظالم، وبما للمحاكم العامة من اختصاص في نظر الدعوى العقارية، تختص المحاكم الجزئية بالحكم في الدعاوى التالية :
أ - دعوى منع التعرض للحيازة ودعوى استردادها.
ب - الدعاوى التي لا تزيد قيمتها على عشرة آلاف ريال ، وتحدد اللائحة التنفيذية كيفية تقدير قيمة الدعوى.
ج - الدعوى المتعلقة بعقد إيجار لا تزيد الأجرة فيه على ألف ريال في الشهر بشرط ألا تتضمن المطالبة بما يزيد على عشرة آلاف ريال.
د - الدعاوى المتعلقة بعقد عمل لا تزيد الأجرة أو الراتب فيه على ألف ريال في الشهر بشرط ألا تتضمن المطالبة بما يزيد على عشرة آلاف ريال.
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( خصص )(1/50)
ويجوز عند الاقتضاء تعديل المبالغ المذكورة في الفقرات (ب، ج، د) من هذه المادة وذلك بقرار من مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة بناء على اقتراح من وزير العدل. ( م/31 )
2 - من غير إخلال بما يقضي به نظام ديوان المظالم، تختص المحاكم العامة بجميع الدعاوى الخارجة عن اختصاص المحاكم الجزئية ولها على وجه الخصوص النظر في الأمور التالية:
أ - جميع الدعاوى العينية المتعلقة بالعقار.
ب - إصدار حجج الاستحكام، وإثبات الوقف، وسماع الإقرار به وإثبات الزواج، والوصية، والطلاق، والخلع والنسب، والوفاة، وحصر الورثة.
ج - إقامة الأوصياء، والأولياء، والنظار، والإذن لهم في التصرفات التي تستوجب إذن القاضي، وعزلهم عند الاقتضاء.
د - فرض النفقة ، وإسقاطها.
هـ - تزويج من لا ولي لها من النساء.
و - الحجر على السفهاء والمفلسين. ( م/32 )
3 - تختص المحكمة العامة بجميع الدعاوى والقضايا الداخلة في اختصاص المحكمة الجزئية في البلد الذي لا يوجد فيه محكمة جزئية. (م/33)
وحددت المواد ( 128، 129، 133 ) من نظام الإجراءات الاختصاص النوعي فيما يتعلق بالقضايا الجزائية على النحو التالي:
1 - تختص المحكمة الجزئية بالفصل في قضايا التعزيزات إلا بما يستثنى بنظام، وفي الحدود التي لا إتلاف فيها، وأروش الجنايات التي لا تزيد على ثلث الدية. (م/128 )(1/51)
2 - تختص المحكمة العامة بالفصل في القضايا التي تخرج عن اختصاص المحكمة الجزئية، المنصوص عليه في المادة الثامنة والعشرين بعد المائة، أو أي قضية أخرى يعدها النظام ضمن الاختصاص النوعي لهذه المحكمة، ولها على وجه الخصوص منعقدة من ثلاثة قضاة الفصل في القضايا التي يطلب فيها الحكم بعقوبة القتل ، أو الرجم ، أو القطع ، أو القصاص فيما دون النفس. ولا يجوز لها أن تصدر حكما بعقوبة القتل تعزيرا إلا بالإجماع ، وإذا تعذر الإجماع على الحكم بالقتل تعزيزاً فيندب وزير العدل اثنين من القضاة لينضما إلى القضاة الثلاثة ويكون صدور الحكم منهم بالقتل تعزيراً بالإجماع أو الأغلبية. ( م/129 )
3 - تختص المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجزائية المرفوعة أمامها، إلا إذا نص النظام على خلاف ذلك. ( م/133 )
ثانيا - الاختصاص المكاني:
وهو: أن يكلف صاحب الصلاحية جهة من الجهات الحكومية بمباشرة العمل داخل نطاق مكاني معين ومحدد.
مثال ذلك: تكليف كل فرع من فروع هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق والادعاء في القضايا الجنائية التي تقع في نطاق حدوده؛ وتكليف محكمة البلد بنظر قضايا المسجونين في سجن البلد الذي تقع فيه المحكمة، بصرف النظر عن مكان إقامتهم، أو مكان وقوع الجريمة.
ضابط تحديد الاختصاص المكاني في نظامي المرافعات، والإجراءات:
حددت المواد ( 34 - 38 ) من نظام المرافعات الشرعية الاختصاص المكاني فيما يتعلق بالقضايا الحقوقية على النحو التالي:(1/52)
1 - تقام الدعوى في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة المدعى عليه، فإن لم يكن له محل إقامة في المملكة فيكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة المدعي، وإذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق محل إقامة الأكثرية، وفي حال التساوي يكون المدعي بالخيار في إقامة الدعوى أمام أي محكمة يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة أحدهم. (م/34)
2 - مع التقيد بأحكام الاختصاص المقررة لديوان المظالم تقام الدعوى على أجهزة الإدارة الحكومية في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها المقر الرئيسي لها، ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها فرع الجهاز الحكومي في المسائل المتعلقة بذلك الفرع. (م/35)
3 - تقام الدعاوى المتعلقة بالشركات أو الجمعيات القائمة أو التي في دور التصفية أو المؤسسات الخاصة في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مركز إدارتها، سواء كانت الدعوى على الشركة أو الجمعية أو المؤسسة، أو من الشركة أو الجمعية أو المؤسسة على أحد الشركاء أو الأعضاء، أو من شريك أو عضو على آخر، ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها فرع الشركة أو الجمعية أو المؤسسة، وذلك في المسائل المتعلقة بهذا الفرع. ( م/36 )
4 - استثناء من المادة الرابعة والثلاثين يكون للمدعي بالنفقة الخيار في إقامة دعواه في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها محل إقامة المدعى عليه أو المدعي. ( م/37 )
5 - تعد المدينة أو القرية نطاقا محليا للمحكمة الموجودة بها، وعند تعدد المحاكم فيها يحدد وزير العدل النطاق المحلي لكل منها بناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى، وتتبع القرى التي ليس بها محاكم محكمة أقرب بلدة إليها، وعند التنازع على الاختصاص المحلي - إيجابا أو سلبا - تحال الدعوى إلى محكمة التمييز للبت في موضوع التنازع. (م/38) .(1/53)
وحددت المادتان (131،132) من النظام الاختصاص المكاني كالتالي:
1 - يتحدد الاختصاص المكاني للمحاكم في محل وقوع الجريمة، أو المحل الذي يقيم فيه المتهم، فان لم يكن له محل إقامة معروف يتحدد الاختصاص بالمكان الذي يقبض عليه فيه. ( م/131 )
2 - يعد مكاناً للجريمة كل محل وقع فيه فعل من أفعالها، أو ترك فعل يتعين القيام به، حصل بسبب تركه ضرراً جسدياً. ( م/132 )
3 - اختصاص ديوان المظالم: ( أنظر مصطلح: مظالم )
4 - اختصاص الشرطة: ( أنظر مصطلح: شرطة )
5 - اختصاص مجلس القضاء الأعلى: ( أنظر مصطلح: قضاء )
6 - اختصاص المحاكم: ( أنظر مصطلح: محكمة )
7 - اختصاص هيئة التحقيق والادعاء العام: ( أنظر مصطلح: هيئة )
***(1/54)
23 -اختطاف
1 - التعريف:-
الاختطاف: من خطف وهو: أخذ الشيء بسرعة واستلاب ، قال ابن فارس(1): خطف: الخاء والطاء والفاء، أصلٌ واحدٌ مطّرِد منقاس ، وهو استلابٌ في خفّة. فالخَطْف: الاستلاب ، تقول: خَطِفْتُه أخطَفُه ، وَخَطَفْتُه أخطِفُه، وبَرْقٌ خاطفٌ لنور الأبْصار، قال الله تعالى: { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } [ البقرة 20 ]
والاختطاف هو: أخذ الشيء بسرعة واستلاب. ويرى بعض الفقهاء أن الاختطاف هو الاختلاس، والاختلاس هو أخذ الشيء علانية بسرعة(2).
2 - ما يقع عليه الاختطاف: -
الاختطاف يقع على الأموال بأنواعها، ويقع كذلك على الأشخاص، فظاهرة اختطاف النساء، والغلمان، وبعض الشخصيات، أصبحت منتشرة في كثير من البلدان.
3 - اختطاف الأشخاص: - ( أنظر مصطلح: خطف )
4 - اختطاف الأموال: -
الاختطاف يقع على الأموال المنقولة، وصفته أن يأتي المختطف ويأخذ المال من صاحبه علانية على وجهة السرعة ويهرب به.
5 - عقوبة اختطاف الأموال: -
اتفق الفقهاء على أنه لا قطع على المختطف ؛ لأن الاختطاف والاختلاس بمعنى واحد ، ولا قطع على المختلس ، لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع)(3). ولأنه يأخذ المال على وجه يمكن انتزاعه منه بالاستغاثة بالناس وبالسلطان فلم يحتج في ردعه إلى القطع. وعلى هذا تكون عقوبة مختطف المال عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
والفقهاء يذكرون أحكام اختطاف الأموال عند الكلام على حد السرقة.
***
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة، مادة ( خطف ) ؛ وأنظر لسان العرب، والقاموس المحيط مادة ( خطف ).
(2) - الموسوعة الفقهية 2/287
(3) - رواه أبو داود برقم ( 4391 ) والترمذي ( 1448 ) والنسائي ( 4971 ) وابن ماجة ( 2591 )(1/55)
24 - اختلاء ( أنظر : خلوة )
25 - اختلاس
1 - التعريف:
الاختلاس والخلس في اللغة: أخذ الشيء مخادعة عن غفلة ؛ وقيل الاختلاس أسرع من الخلس، وقيل الاختلاس هو الاستلاب. قال ابن فارس(1): الخاء واللام والسين: أصلٌ واحد، وهو الاختطاف والالتماع، يقال اختلَسْتُ الشَّيءَ، وفي الحديث: "لا قَطْعَ في الخُلْسَة". وقال ابن منظور(2): الخَلْسُ: الأَخذ في نَهْزَةٍ ومُخاتلة؛ خَلَسَه يَخْلِسُه خَلْساً، وخَلَسَه إِياه، فهو خالِسٌ و خَلاَّس. وقال الخليل(3): الخَلْسُ والاختلاسُ: أخذ الشَّيْء مُكابَرَةً، تقول: اختلستُه اختلاساً واجتذاباً.
ويعرفه الفقهاء الاختلاس بأنه: أخذه المال بحضرة صاحبه على غفلة منه, وفرار آخذه بسرعة(4). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( المختلس الذي يجتذب الشيء , فيعلم به قبل أخذه )(5).
2 - محل الاختلاس: -
الاختلاس يقع على المال العام ، وعلى المال الخاص.
3 - حكم الاختلاس: -
اختلاس الأموال سواء كانت عامة أو خاصة محرم، لأنه أكل لأموال الناس بغير وجه حق، وجميع أدلة تحريم السرقة تنطبق على اختلاس الأموال.
وقد ورد النص في قرار سمو وزير الداخلية رقم (1245) وتاريخ 23/7/1423هـ على أن: اختلاس الأموال الحكومية، أو الاختلاس من المؤسسات التي تساهم بها الدولة، أو الشركات أو البنوك، أو المصارف. يُعد من الجرائم الكبيرة.
4 - عقوبة المختلس: -
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( خلس ).
(2) - لسان العرب مادة ( خلس ).
(3) - كتاب العين مادة ( خلس )
(4) - منح الجليل شرح مختصر خليل 9/292.
(5) - السياسة الشرعية صفحة ( 134 ).(1/56)
الاختلاس إما أن يقع على مال عام ( أموال الدولة ) أو على مال خاص ؛ فإن كان المُخْتَلَسُ مالاً عاماً فقد حددت المادة التاسعة من نظام وظائف مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/77 وتاريخ 23/10/1395 هـ عقوبة المختلس بالنص التالي: ( استثناء من أحكام المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/11/1377هـ يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات أو بغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال أو بكليهما معا، كل موظف يشمله هذا النظام ويثبت ارتكابه لجرم الاختلاس أو التبديد أو التصرف بغير وجه شرعي في أموال الدولة العامة أو الأعيان أو الطوابع أو الأوراق ذات القيمة المسلمة إليه، كما يعاقب بنفس العقوبة من اشترك أو تواطأ معه على ارتكاب إحدى تلك الجرائم، سواء كان موظفا أو غير موظف بالإضافة إلى إلزامهم بإعادة الأموال والأعيان والطوابع والأوراق ذات القيمة المختلسة أو المبددة أو المفقودة أو ما يعادل قيمتها ويتم الفصل في هذه الجرائم طبقا لنظام تأديب الموظفين ).(1/57)
أما إن كان الاختلاس قد وقع على مال خاص فهو من باب السرقة، لكن لا قطع فيه وعقوبته تعزيرية يقدرها القاضي ؛ لما رواه أبو داود وغيره عن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ( ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع)(1). قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ( وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وترك قطع المختلس، والمنتهب والغاصب، فمن تمام حكمة الشارع أيضا، فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن لصاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب، والمختلس، فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ويخلصوا حق المظلوم أو يشهدوا له عند الحاكم، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس فليس كالسارق بل هو بالخائن أشبه، وأيضا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبا فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك، في حال تخليك عنه وغفلتك عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالبا فهو كالمنتهب وأما الغاصب فالأمر فيه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب، والنكال، والسجن الطويل، والعقوبة بأخذ المال )(2).
ومن هذا يتبين أن عقوبة المختلس، ليست حدية، بل هي تعزيرية، يرجع في تقديرها للقاضي، وعلى المختلس ضمان ما اختلسه من مال.
5 - الجهة القضائية المختصة بنظر قضايا الاختلاس:-
__________
(1) - رواه أبو داود برقم ( 4391 ) والترمذي ( 1448 ) والنسائي ( 4971 ) وابن ماجة ( 2591 )
(2) - إعلام الموقعين 2/80(1/58)
يختص ديوان المظالم بنظر قضايا اختلاس الأموال العامة، نصت على ذلك المادة ( 8 ) من نظام ديوان المظالم المبينة لاختصاص الديوان حيث جاء في الفقرة (و) منها النص التالي: ( الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب جرائم التزوير المنصوص عليها نظاماً، والجرائم المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة، والجرائم المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/11/77هـ والجرائم المنصوص عليها في نظام مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 77 وتاريخ 23/10/95هـ ).
أما اختلاس الأموال الخاصة فتختص بنظره المحاكم الشرعية، وعقوبته كما سبق عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
***(1/59)
26 -اختلاط
1 - التعريف:
الاختلاط: اجتماع الشيء إلى الشيء، جاء في لسان العرب: وأَخْلاطٌ من الناس وخَلِيطٌ وخُلَيْطَى وخُلَّيْطَى: أَي أَوْباشٌ مجْتَمِعُون مُخْتَلِطُون. والخَلِطُ: المُخْتَلِطُ بالناس المُتَحَبِّبُ، يكون للذي يَتَمَلَّقُهم ويَتَحَبَّبُ إِليهم، ويكون للذي يُلْقي نساءَه ومتاعه بين الناس، والأُنثى خَلِطةٌ(1).
ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى.
والمقصود هنا: اختلاط الرجال بالنساء على الوجه المحرم شرعا.
2 - حكم اختلاط الرجال بالنساء:
يختلف حكم اختلاط الرجال بالنساء بحسب موافقته لقواعد الشريعة أو عدم موافقته ، فيحرم الاختلاط إذا كان فيه:
أ - الخلوة بالأجنبية، والنظر إليها بشهوة.
ب - تبذل المرأة وعدم احتشامها.
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( خلط )، وأنظر القاموس المحيط، وكتاب الغين.(1/60)
والأسواق، فالاختلاط الذي يؤدي إلى مثل هذه الأمور يكون محراً، لمخالفته لقواعد الشريعة. قال تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور 30-31](1/61)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً } [الأحزاب 53].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان } ، روه ابن حبان في صحيحه.(1) .
3 - من أضرار الاختلاط:
قال ابن القيم رحمه الله: ( ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر, وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة, كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة , واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا , وهو من أسباب الموت العام , والطواعين المتصلة.
ولما اختلط البغايا بعسكر موسى , وفشت فيهم الفاحشة: أرسل الله إليهم الطاعون , فمات في يوم واحد سبعون ألفا , والقصة مشهورة في كتب التفاسير. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا , بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال , والمشي بينهم متبرجات متجملات , ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعا لذلك )(2).
قلت: رحم الله ابن القيم ما أجمل كلامه هذا وأصدقه ، وكيف لو رآى حال أهل زماننا ، فماذا سيقول عنهم ؟ والله المستعان.
4 - عقوبة الاختلاط:
__________
(1) - رواه ابن حبان الحديث رقم ( 5586 ).
(2) - الطرق الحكمية صفحة ( 239 ).(1/62)
عقوبة الاختلاط عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي ، قال ابن القيم رحمه الله: (ويجب عليه - أي ولي الأمر - منع النساء من الخروج متزينات متجملات, ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات , كالثياب الواسعة والرقاق, ومنعهن من حديث الرجال , في الطرقات , ومنع الرجال من ذلك ؛ وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت - ثيابها بحبر ونحوه, فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب , وهذا من أدنى عقوبتهن المالية.
وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها, ولا سيما إذا خرجت متجملة, بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية , والله سائل ولي الأمر عن ذلك. وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال , والاختلاط بهم في الطريق. فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك(1).
***
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة ( 238 ).(1/63)
27 -اختلال
1 - التعريف:-
الاختلال لغة: مصدر اختل، وأصله يكون من الخلل، وهو الفساد والوهن في الرأي والأمر؛ جاء في القاموس: الخَلَلُ:الوَهْنُ في الأمرِ، والرِّقَّةُ في الناسِ، والاِنْتِشارُ، والتَّفَرُّقُ في الرأيِ، وأمْرٌ مُخْتَلٌّ: واهٍ، وأخَلَّ بالشيءِ: أجْحَفَ(1).
والاختلال عند الفقهاء لا يبعد عن المعنى اللغوي المذكور، إذ يأتي بمعنى مداخلة الوهن والنقص للشيء أو الأمر. ومنه اختلال العقل، وهو العته الذي يختلط معه كلام صاحبه فيشبه مرة كلام العقلاء ، ومرة كلام المجانين، واختلال العبادة أو العقد بفقد شرط أو ركن أو فسادهما.
والمقصود به هنا: ما يصيب الإنسان من فساد في عقله.
2 - هل المختل يسأل جنائيا:
تختلف درجات الفساد التي تطرأ على العقل، ومن المعلوم أن قواعد الشريعة الإسلامية قررت أن الإنسان يكون مسؤولا ومكلفا متى ما كان يتمتع بالأهلية الكاملة، فالشخص الذي يرتكب جناية ويثبت أن به خللاً في عقله ينظر إلى سبب الاختلال فإن كان الخلل بإرادة الشخص كمن تعاطى المسكرات والمخدرات حتى ذهب عقله ، فإنه يسأل جنائياً ، وإن كان الخلل بدون إرادته لا يسأل جنائيا في الحق العام . وسيأتي لذلك مزيد إيضاح في مصطلح : أهلية.
***
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( خل )(1/64)
28 -إخفاء
1 - التعريف:-
الإخفاء لغة: الستر والكتمان، ومن ذلك قوله تعالى: { يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ } [ آل عمران 154]، فهو متعد ، بخلاف الاختفاء بمعنى التواري، فإنه لازم ومطاوع للإخفاء(1).
والإخفاء في المصطلح الجنائي: هو عدم الإفصاح عن معلومات حقيقية لها علاقة بواقعة جنائية.
وللإخفاء في القانون له حالتان:-
الأولى: يعتبر الاخفاء فيها صورة من صور التدخل في جناية أو جنحة، شرط أن يكون مرتكب جرم الإخفاء على علم سابق بالجريمة المراد ارتكابها.
الثانية: يعتبر الإخفاء فيها جريمة مستقلة بحد ذاته، شرط أن يكون مرتكب الإخفاء قد علم بالجريمة بعد ارتكابها، وفي هذه الحالة تكون جريمته مستقلة عن جريمة الفاعل الأصلي(2).
2 - من صور الإخفاء:-
صور الإخفاء كثيرة ومنها: لو أن شخصا ارتكب جريمة قتل فلجأ إلى شخص آخر فستره وأخفاه عن جهة العدالة، فيعتبر الأخير مجرما لارتكابه جريمة إخفاء شخص مطلوب للعدالة. وسيأتي لهذا زيادة بيان في مادة: تستر )
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( خفا )
(2) - معجم المصطلحات الفقهية والقانونية صفحة ( 31 ).(1/65)
29 -أداة
1 - التعريف:
الأداة في اللغة: الآلة، قال في المصباح المنير: ( الأدَاةُ: الآلة وأصلها واو والجمع أدوات )(1).
والمراد بالأداة هنا: كل آلة استخدمت لتنفيذ غرض معين.
2 - الأحكام المتعلقة بالأداة :
هي ذات الأحكام المتعلقة بالآلة ، وقد مضى الكلام عليها في مصطلح: آلة.
***
__________
(1) - المصباح المنير مادة ( أدَّى ).(1/66)
30 -إدانة
1 - التعريف:-
الإدانة في اللغة: من الفعل أُدين، وله معان منها: الخسة والضعف، جاء في القاموس المحيط: أُدينَ، بالضم: صارَ دُوناً خَسيساً، أو ضَعُفَ(1). وقال ابن فارس: الدال والياء والنون ، أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها، وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل... قال القُتَبي: دانَ يدَونُ دَوْناً، إذا ضَعُف، وَأُدِين إدانة(2).
ومن معاني الإدانة: المطالبة بحق في الذمة ، جاء في لسان العرب: دِنْتُه أَقْرَضْتُه، وأَدَنْتُه اسْتَقْرَضته منه. ودانَ هو: أَخذَ الدَّيْنَ. ورجل دائنٌ ومَدِينٌ ومَدْيُون، ومُدانٌ: عليه الدينُ، وقيل: هو الذي عليه دين كثير(3).
ويطلق بعض المحققين : لفظ الإدانة على التهمة. والذي أراه أن هذا الإطلاق فيه نظر لأن الإدانة لا تثبت إلا في مجلس القضاء. (أنظر مصطلح : اتهام، متهم )
***
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( دون ).
(2) - معجم مقاييس اللغة مادة ( دين ).
(3) - لسان العرب مادة ( دين ).(1/67)
31 -إدعاء ( أنظر مصطلح : دعوى )
32 -إدمان ( أنظر مصطلح : مدمن )
33 -إرادة
1 - التعريف:-
الإرادة في: اللغة المشيئة، والرغبة، والمحبة، وأراد الشيء: شاءه، وأراد الشيء: أحبه(1).
ويستعملها الفقهاء بمعنى القصد إلى الشيء والاتجاه إليه.
ويطلق أهل القانون الإرادة على: الإحساس الذاتي بقدرة الإنسان على تنفيذ ما يصمم أو يخطط له من دون تردد أو تراجع وضمن ما تسمح به الإمكانيات والقدرات والقوانين المرعية الإجراء(2).
2 - ما يدل على إرادة الشيء:
الأصل أن يعبر عن الإرادة باللفظ الصادر عن أهله، وتقوم مقامه الإشارة من العاجز عن اللفظ، أو الرسالة، أو السكوت، أو التعاطي، أو القرائن القوية.
3 - الإرادة الجنائية:
الإرادة الجنائية هي: التصميم الجازم من الجاني على إتيان الفعل أو تركه؛ ويعبر عنها بالقصد الجنائي، وهو الركن المعنوي للجريمة.
4 - الإرادة الملكية في قضايا القتل:
المقصود بالإرادة الملكية، رغبة المقام السامي في معاقبة مرتكبي جرائم القتل، وذلك بأن يسجن القاتل عمدا الذي يسقط عنه القصاص ويحكم عليه بالدية لمدة خمس سنوات، وقاتل شبه العمد يسجن سنتين ونصفا، وقاتل الخطأ لا شيء عليه، وفيما يلي نص خطاب نائب جلالة الملك الموجه لفضيلة رئيس القضاة برقم 2624 وتاريخ 6/4/1372هـ بهذا الخصوص: ( حضرة المكرم رئيس القضاة: نشير إلى المكاتبة الواردة منكم برقم 1964 وتاريخ 3/2/1372هـ بشأن سجن من يقتل عمدا أو خطأ أو شبه عمد، ونخبركم بما يأتي:
1ـ قضت الإرادة الملكية الصادرة في خطاب الديوان العالي رقم 7/4/570 في 22/3/1360هـ والمبلغة إليكم من هذا المقام في حينه، بأن من لم يحكم عليه بالقود ويحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات من تاريخ سجنه.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( رود ).
(2) - المصطلحات القانونية صفحة 35(1/68)
2ـ ثم صدرت الإرادة الملكية أيضا في خطاب الديوان العالي رقم 8/4/2104 في 26/10/1363هـ والمبلغة إليكم منا في ذلك الحين، بأن المتعمد في القتل الذي يحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات، أما غير المتعمد فيستكفى بسجنه سنتين ونصفا تخفيفا عليه.
3 ـ ثم بعد ذلك صدرت الإرادة الملكية أيضا في خطاب الديوان العالي رقم 8/4/1563 في 3/9/1366هـ والتي أبلغت إليكم منا برقم 3182 في 8/10/1366هـ، بأن قضايا القتل الذي يثبت وقوعه قضاء وقدرا، وليس فيه عمد ولا شبه عمد، لا يطبق فيها عقوبة السجن على المحكوم عليه، بل يكتفى بإنفاذ ما يحكم به الشرع.
فمن تأمل ما ذُكِر تبيَّن أن قاتل العمد الذي يحكم عليه بالدية دون القصاص يسجن خمس سنوات، وقاتل شبه العمد يسجن سنتين ونصفا، وقاتل الخطأ المحض لا يشمله شيء من ذلك ؛ فالغاية التي نهدف إليها هي إشعار جميع المحاكم التي تنظر في قضايا القتل بأن تنص في صلب الحكم الذي تصدره على نوع القتل الذي يثبت لديها، حتى يمكن تطبيق العقوبة الإدارية على مرتكب الجريمة بما لا يخرج عن منطوق الأوامر العالية. فأكملوا ما يجب نحو ذلك ). ( نائب جلالة الملك)
وصدر خطاب نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 4/1197/م وتاريخ 12/6/1409هـ وجاء فيه النص التالي:( ... أن ما نصت عليه الإرادة الملكية الصادرة بحق قاتلي العمد في حالة سقوط القصاص وقاتلي شبه العمد، يعتبر الحد الأدنى، فمتى رأى القاضي أن المتهم يستحق عقوبة تعزيرية أكثر مما ورد في الإرادة لظروف مشددة، فله أن يقرر ذلك ).
***(1/69)
34 -إرجاف
1 - التعريف :-
الإرجاف في اللغة: الاضطراب الشديد، ويطلق أيضا على: الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس؛ جاء في لسان العرب:الإرْجافُ واحد أَراجيفِ الأَخبارِ، وقد أَرْجَفَوا في الشيء أَي خاضُوا فيه(1).
والإرجاف عند الفقهاء: التماس الفتنة، وإشاعة الكذب والباطل للاغتمام به.
2 - حكم الإرجاف:
الإرجاف محرم لقوله تعالى: { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً } [الأحزاب آية 60 -61 ]. قال القرطبي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: ( والمرجفون في المدينة قوم كانوا يخبرون المؤمنين بما يسؤهم من عدوهم، فيقولون إذا خرجت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم قد قتلوا أو هزموا، وإن العدو قد أتاكم، قاله قتادة وغيره؛ وقيل كانوا يقولون: أصحاب الصفة قوم عزاب، فهم الذين يتعرضون للنساء ؛ وقيل: هم قوم من المسلمين ينطقون بالأخبار الكاذبة حبا للفتنة؛ وقد كان في أصحاب الإفك قوم مسلمون ولكنهم خاضوا حبا للفتنة )(2).
3 - عقوبة المرجف:
الذي يثبت قيامه بترويج الأخبار، والكذب بقصد إخافة الناس وزعزعة الأمن يعاقب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
***
__________
(1) - أنظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، وكتاب العين، مادة ( رجف ).
(2) - الجامع لأحكام القرآن 14/234(1/70)
35 -أرش
1 - التعريف:-
من معاني الأرْشُ في اللغة: كما جاء في القاموس: الدِّيَةُ، والخَدْشُ، وطَلَبُ الأرْشِ، والرِشْوَةُ ، وما نَقَصَ العَيْبُ من الثَّوْبِ ، لأنَّهُ سَبَبٌ للأَرْشِ ، والخُصُومَةُ(1). وفي لسان العرب: الأَرْش من الجراحات: ما ليس له قدر معلوم ، وقيل:هو دِيَةُ الجراحات(2).
وفي الاصطلاح: هو المال الواجب في الجناية على ما دون النفس ، وقد يطلق على بدل النفس ، وهو الدية(3).
2 - أنواع الأرش:
أ - الأرش المقدر:
قال الكاساني: ( وأما الذي يجب فيه أرش مقدر ففي كل اثنين من البدن فيهما كمال الدية في أحدهما نصف الدية من إحدى العينين واليدين والرجلين والأذنين والحاجبين إذا لم تنبت والشفتين والأنثيين والثديين والحلمتين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كتب في كتاب عمرو بن حزم: { وفي العينين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية } ; ولأن كل الدية عند قطع العضوين يقسم عليهما فيكون في أحدهما النصف ; لأن وجوب الكل في العضوين لتفويت كل المنفعة المقصودة من العضوين، والفائت بقطع أحدهما النصف فيجب فيه نصف الدية، ويستوي فيه اليمين واليسار لأن الحديث لا يوجب الفصل بينهما، وسواء ذهب بالجناية على العين نور البصر دون الشحمة أو ذهب البصر مع الشحمة لأن المقصود من العين البصر، والشحمة فيه تابعة. وكذا العليا والسفلى من الشفتين سواء عند عامة الصحابة رضوان الله تعالى عنهم )(4).
ب - الأرش غير المقدر
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( أرش ).
(2) - لسان العرب، مادة ( أرش ).
(3) - الموسوعة الفقهية 3/104، وأنظر أيضاً: نهاية المحتاج 4/41، حاشية ابن عابدين 5/129.
(4) - بدائع الصنائع 7/313(1/71)
قال الكاساني: ( وأما الذي يجب فيه أرش غير مقدر وهو المسمى بالحكومة فالكلام فيه في مواضع: في بيان الجنايات التي تجب فيها الحكومة، وفي تفسير الحكومة. أما الأول فالأصل فيه أن ما لا قصاص فيه من الجنايات على ما دون النفس وليس له أرش مقدر ففيه الحكومة ; لأن الأصل في الجناية الواردة على محل معصوم اعتبارها بإيجاب الجابر أو الزاجر ما أمكن إذا عرف هذا فنقول: في كسر العظام كلها حكومة عدل إلا السن خاصة لأن استيفاء القصاص بصفة المماثلة فيما سوى السن متعذر، ولم يرد الشرع فيه بأرش مقدر فتجب الحكومة، وأمكن استيفاء المثل في السن، والشرع ورد فيها بأرش مقدر أيضا فلم تجب فيها الحكومة. وفي لسان الأخرس والعين القائمة الذاهب نورها والسن السوداء القائمة واليد الشلاء والرجل الشلاء وذكر الخصي والعنين - حكومة عدل لأنه لا قصاص في هذه الأشياء، وليس فيها أرش مقدر أيضا ; لأن المقصود هاهنا المنفعة، ولا منفعة فيها ولا زينة أيضا لأن العين القائمة الذاهب نورها لا جمال فيها عند من يعرفها على أن المقصود من هذه الأشياء المنفعة، ومعنى الزينة فيها تابع فلا يتقدر الأرش لأجله. وفي الإصبع والسن الزائدة حكومة عدل لأنه لا قصاص فيها، وليس لها أرش مقدر أيضا لانعدام المنفعة والزينة لكنها جزء من النفس، وأجزاء النفس مضمونة مع عدم المنفعة والزينة لما ذكرنا )(1).
3 - تأثير الجنس والديانة على الأرش:
أ - أرش جراح المرأة الحرة:
قال البهوتي(2): ( ويساوي جراحها، أي المرأة جراحه، أي الرجل من أهل ديتها كيف كانا فيما دون ثلث ديته فإذا بلغته ، أي الثلث ، أو زادت ، عليه صارت على النصف ؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها } رواه النسائي(3).
__________
(1) - بدائع الصنائع 7/323
(2) - كشاف القناع 6/21
(3) - سنن النسائي الحديث رقم ( 4805 ). والدار قطني 3/91(1/72)
ب - أرش جراح غير المسلم:
قال ابن قدامة عن أهل الكتاب: ( وجراحاتهم من دياتهم كجراح المسلمين من دياتهم، وتغلظ دياتهم باجتماع الحرمات، عند من يرى تغليظ ديات المسلمين، بها كتغليظ ديات المسلمين. قال حرب: قلت لأبي عبد الله: فإن قتل ذميا في الحرم ؟ قال: يزاد أيضا على قدره، كما يزاد على المسلم. وقال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: جنى على مجوسي في عينه وفي يده ؟ قال: يكون بحساب ديته، كما أن المسلم يؤخذ بالحساب، فكذلك هذا. قيل: قطع يده ؟ قال: بالنصف من ديته )(1).
وقال عن دية المجوسي: ( ودية المجوسي ثمانمائة درهم، ونساؤهم على النصف، وهذا قول أكثر أهل العلم ) وذكر رحمه الله، أن الإجماع انعقد على ذلك، ثم قال عن نسائهم وأروش جراحاتهم: ( ونساؤهم على النصف من دياتهم بإجماع ؛ وجراح كل واحد معتبرة من ديته )(2).
4 - نص حديث عمرو بن حزم في الديات:
__________
(1) - المغني 12/53
(2) - المغني 12/55(1/73)
روى النسائي بسنده عن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن هذه نسختها من محمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وإن في النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وإن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار )(1).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد ; لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة )(2).
***
__________
(1) - سنن النسائي الحديث رقم ( 4868 ).
(2) - التلخيص الحبير 4/36(1/74)
36 -إرهاب
1 - التعريف:
الإرهاب في اللغة: مصدر أرهب يرهب، وهو مأخوذ من مادة رهب، التي تدل على الخوف، وأصل ذلك، إرهاب الإبل، وهو قدعها - منعها - من الحوض وذيادها عنه ، ويقال: أرهب فلانا أي خوفه(1). قال ابن فارس: الراء والهاء والباء أصلان: أحدهما يدلُّ على خوفٍ، والآخَر على دِقّة وخِفَّة(2).
والإرهابيون: وصف أجاز مجمع اللغة العربية بالقاهرة إطلاقه على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهداف سياسية(3).
وفي المصطلح القانوني: الإرهاب: عمل تهديدي تخريبي يقصد منه زرع الخوف والذعر في نفوس الأهالي، وخلق الاضطرابات وزرع الفوضى بهدف الوصول إلى غايات معينة قد تكون لها خلفيات سياسية أو اجتماعية أو دينية أو اقتصادية(4).
2 - تعريف المجمع الفقهي للإرهاب(5):
عرف المجمع الفقهي الإرهاب بأنه: العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان: (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله: { وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } [ القصص 77].
__________
(1) - لسان العرب مادة ( رهب )
(2) - معجم مقاييس اللغة مادة (رهب )
(3) - المعجم الوسيط صفحة 736.
(4) - معجم المصطلحات القانونية 39
(5) - في دورته المنعقدة بمكة المكرمة خلال الفترة من 21-26/10/1422هـ، الموافق 5-10/1/2002م.(1/75)
3 - المفهوم المعاصر للإرهاب:
لقد تغير مفهوم الإرهاب في العصر الحديث تغيراً كثيراً ، وأصبح لهذه الكلمة في معناها المعاصر وقع سيئ جدا لارتباطها في أذهان الناس بمعنى ترويع الآمنين ، وتخريب العمران ، بغض النظر عمن توجه إليهم الضربات الإرهابية ، وتفزعهم ، وقد جاء في تعريف الإرهاب في أحد المصادر الحديثة: بأنه بث الرعب الذي يثير الرعب في الجسم والعقل ، أي الطريقة التي تحاول بها جماعة منظمة ، أو حزب أن يحقق أهدافه عن طريق استخدام العنف وتوجه الأعمال الإرهابية ضد الأشخاص العاديين أو الموالين للسلطة ممن يعارضون أهداف هذه الجماعة، ويعد هدم العقارات وإتلاف المحاصيل من أشكال النشاط الإرهابي ؛ وهذا النوع من أنواع الإرهاب هو الذي يرفضه الإسلام شكلا وموضوعا إذ لا يحل لمسلم أن يروع مسلما كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: { لا يحل لمسلم أن يروع مسلما(1) } (2).
4 - الجريمة الإرهابية:
بينت المادة الأولى من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة بتاريخ 22/4/1998م، الجريمة الإرهابية وبعض صورها بالنص التالي: ( هي أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية التالية، عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها:
أ - اتفاقية طوكيو والخاصة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة بتاريخ 14/9/1963م.
ب - اتفاقية لاهآي بشأن مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ 16/12/1970م
__________
(1) - الحديث رواه أبو داود في سننه برقم ( 5004 ).
(2) - موسوعة نظرة النعيم 9/3828(1/76)
ج - اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني والموقعة في 23/9/1971م. والبروتوكول الملحق بها والموقع في مونتريال بتاريخ 10/5/1984م.
د - اتفاقية نيويورك الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية بمن فيهم الممثلون الدبلوماسيون والموقعة في 14/12/1973م.
هـ- اتفاقية اختطاف واحتجاز الرهائن والموقعة في 17/12/1979م.
و - اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1983م، ما تعلق منها بالقرصنة البحرية.
4 - أنواع الإرهاب:
الإرهاب نوعان: محمود ومذموم.
فأما المحمود: فهو ما استعمل في تخويف الفسقة والعصاة والمجرمين والكفرة والمشركين، لصدهم وردعهم عما هم عليه وكف أذاهم عن الناس.
وأما المذموم: فهو ما استعمله المجرمون والمعتدون من ترويع الآمنين، وإزهاق أرواح الغافلين من المسلمين، ودب الرعب والخوف والفزع في قلوبهم في سبيل الحصول على حطام الدنيا، حقدا دفينا في قلوبهم على أهل الإسلام المؤمنين(1).
5 - حكم الإرهاب في الإسلام:
__________
(1) - موسوعة نظرة النعيم 9/3829(1/77)
الإرهاب المحمود الذي سبق بيانه، جائز شرعاً، بل مندوب إليه ومأمور به، قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } { الأنفال الآية 60 } ، وقال تعالى: { )لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ } { الحشر الآية 13 } . أما الإرهاب المذموم فهو حرام وترفضه الشريعة الإسلامية بشتى صوره ومضامينه، وفعله كبيرة من الكبائر، وفاعله ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: { اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم، فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل } (1).
6 - من مضار الإرهاب:
للإرهاب المذموم مضار عديدة منها:
1 - يوجب سخط الله عز وجل ويتعرض صاحبه لأليم العذاب في الدنيا والآخرة.
2 - يزعزع الأمن ويفزع القلوب وينشر الذعر والفزع بين الناس.
3 - يترتب عليه مفاسد اجتماعية، كارتفاع الأسعار، ونزع الرحمة والثقة بين الناس، وعدم مساعدة الأغنياء الضعفاء.
4 - ينعدم الأمن والاطمئنان وتعم الفوضى ، وينتشر القتل والسلب والسرقات وغيرها من الجرائم.
5 - يؤدي إلى تشتيت جهود الأمة في مواجهة أصحابه الذين يرهبون الناس ، ويتأخر المجتمع عن ركب العمران(2).
7 - عقوبة الإرهاب المذموم:
__________
(1) - الأوسط رقم الحديث: 3589
(2) - موسوعة نظرة النعيم 9/3836(1/78)
عقوبة الإرهاب المذموم القتل تعزيرا لأنه إفساد في الأرض، وترويع للآمنين، وسفك لدماء الأبرياء، وتخريب للأموال، والممتلكات، بدون وجه حق، هذا ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في قراره الآتي نصه في الفقرة التالية.
8 - قرار هيئة كبار العلماء رقم 148 وتاريخ 12/1/1409هـ بشأن حوادث التخريب:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 8/1/1409 إلى 12/1/1409هـ بناء على ما ثبت لديه من وقوع عدة حوادث تخريب ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء وتلف بسببها كثير من الأموال والممتلكات والمنشآت العامة في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة والحاقدة، ومن ذلك: نسف المساكن وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة والخاصة، ونسف الجسور والأنفاق وتفجير الطائرات أو خطفها.(1/79)
وحيث لوحظ كثرة وقوع مثل هذه الجرائم في عدد من البلدان القريبة والبعيدة, وبما أن المملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان عرضة لوقوع مثل هذه الأعمال التخريبية ؛ فقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملا تخريبيا سواء كان موجها ضد المنشآت العامة والمصالح الحكومية أو كان موجها لغيرها بقصد الإفساد والإخلال بالأمن، وقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة وهي: الدين، والنفس، والعرض, والعقل، والمال. وقد تصور المجلس الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وما تسببه الأعمال التخريبية من الإخلال بالأمن العام في البلاد، ونشوء حالة من الفوضى والاضطراب، وإخافة المسلمين على أنفسهم وممتلكاتهم والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص ومما يوضح ذلك قوله سبحانه وتعالى: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } (المائدة 32 ). وقوله سبحانه: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي(1/80)
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (المائدة 33) ، وتطبيق ذلك كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين في أنفسهم وممتلكاتهم، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وغيرها على السواء لقوله سبحانه: { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً } . ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره وقال أيضا: المحاربة هي المخالفة والمضادة وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر. والله تعالى يقول: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ } (البقرة 204-205)، وقال تعالى: { وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } (الأعراف 56) ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضره بعد الإصلاح، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد، فنهى تعالى عن ذلك. وقال القرطبي رحمه الله: نهى سبحانه عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر فهو على العموم على الصحيح من الأقوال.
وبناء على ما تقدم ولأن ما سبق أيضا حد يفوق أعمال المحاربين الذين لهم أهداف خاصة يطلبون حصولهم عليها من مال أو عرض وهؤلاء هدفهم زعزعة الأمن وتقويض بناء الأمة واجتثاث عقيدتها وتحويلها عن المنهج الرباني فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:(1/81)
أولا: من ثبت شرعا أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن بالاعتداء على الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة كنسف المساكن أو المساجد أو المستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال كأنابيب البترول, ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك، فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة.
ثانيا: أنه لا بد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى براءة للذمة واحتياطا للأنفس، وإشعارا بما عليه هذه البلاد من التقيد بكافة الإجراءات اللازمة شرعا لثبوت الجرائم وتقرير عقابها.
ثالثا: يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الإعلام.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. ( مجلس هيئة كبار العلماء ).
***(1/82)
37 -استئناف
1 - التعريف:
الاستئناف لغة: الابتداء والاستقبال(1).
وفي المعجم الوسيط: الاستئناف: طريق الطعن على الحكم برفعه إلى المحكمة الأعلى من المحكمة التي أصدرته لإلغائه أو تعديله(2).
وفي الاصطلاح الفقهي: هو البدء بماهية الشيء من أولها، بعد التوقف فيها وقطعها لمعنى خاص.
2 - الاستئناف في القضاء السعودي:
يختلف الاستئناف إلى محكمة أعلى في المملكة جوهريا عن معظم الأنظمة القضائية الأخرى، إذ يتم الاستئناف عن طريق طلب تمييز الأحكام أمام محكمة التمييز التي تقوم فقط بإعادة دراسة مستندات القضية مع طلب الالتماس المقدم، وبالطبع لا يستدعي المتقاضون ثانية للإدلاء بأقوالهم، ولهذا يكون الهدف من إعادة دراسة القضية التأكد من أن القاضي الذي أصدر الحكم قد طبق الحكم الشرعي على القضية بشكل صحيح، واستئناف الأحكام في المملكة، ماعدا عقوبات القتل والقطع والرجم والقصاص فيما دون النفس، من درجة واحدة ويشرح رئيس مجلس القضاء الأعلى ذلك بقوله: ( ليس في نظام القضاء أو في أحكام القضاء في المملكة أنه يتعين أن يكون القضاء درجات، والأصل أن القضاء في الإسلام أنه لا يكون تدقيق أو استئناف وإن كان هناك شيء من التدقيق فعلى حساب ما يقرره الحاكم لأن القضاء في الإسلام ولاية للحاكم، ونظام القضاء لم ينص على أن القضاء في المملكة درجات ، كما أن ما يوجد في المملكة ليس استئنافا ، كما في النمط الغربي ، إنما في القضايا الكبرى للتحرز والاحتياط يدقق الحكم فيها مرتين)(3).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( أنف )
(2) - المعجم الوسيط صفحة ( 30 )
(3) - د/ عبد الرحمن الشلهوب /النظام الدستوري صفحة (292 ).(1/83)
38 -استتار
1 - التعريف:-
الاستتار في اللغة: التغطي والاختفاء ؛ يقال: استتر وتستر أي تغطى، وجارية مستترة أي مخدرة. قال ابن فارس:السين والتاء والراء، كلمةٌ تدلُّ على الغِطاء. تقول: سترت الشيء سَتْراً (1).
وقد استعمله الفقهاء بهذا المعنى ، كما استعملوه بمعنى: اتخاذ السترة في الصلاة.
2 - وجوب الاستتار عند عمل المعاصي:-
من ابتلي بمعصية، كشرب الخمر والزنا، فعليه أن يستتر بذلك، ولا يجاهر بفعله السيئ، كما ينبغي لمن علم بفاحشته أن يستر عليه وينصحه، ويمنعه عن المنكر بالوسيلة التي يستطيعها.
وقد اتفق الفقهاء على أن المرء إذا وقع منه ما يعاب عليه يندب له الستر على نفسه، فلا يخبر أحدا، بفاحشته لإقامة الحد أو التعزير عليه، لما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله تعالى، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ) متفق عليه(2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإنه من يبدي لنا من صفحته نقم عليه كتاب الله )(3).
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ( لو أخذت شاربا لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت سارقا لأحببت أن يستره الله )(4).
__________
(1) - أنظر: مادة ( ستر ) في لسان العرب، والقاموس المحيط، ومعجم مقاييس اللغة.
(2) - البخاري حديث رقم ( 6069 ) ومسلم حديث رقم ( 2990 ).
(3) - رواه الإمام مالك في الموطأ حديث رقم ( 1562 ).
(4) - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم ( 28082 )(1/84)
ولأن الصحابة أبا بكر وعمر وعليا وعمار بن ياسر وأبا هريرة وأبا الدرداء والحسن بن علي وغيرهم ، قد أثر عنهم الستر على معترف بالمعصية، أو تلقينه الرجوع من إقراره بها ، سترا عليه ، وستر معترف المعصية على نفسه أولى من ستر غيره عليه. ولأن المجاهرة بالمعصية فيه إشاعة للفاحشة ؛ وقد توعد الله تعالى الذين يحبون إشاعة الفواحش بقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } { النور آية 19 } ولهذا يستحب لمن ارتكب معصية أن يستتر، ويتوب إلى الله تعالى، ويندم على فعل المعصية، وإذا كانت معصيته تتعلق بحق إنسان يبادر إلى إعطائه حقه. ( وسيأتي زيادة بيان لذلك في مادة : ستر )
***(1/85)
39 -استجواب
1 - التعريف:
الاستجواب لغة: طلب الإجابة، لأنه من أَجَابَ، أي رد الجواب، والجواب، هو ما يكون ردا على السؤال، والاستجواب هو طلب الإجابة، واستجوبه أي طلب منه الجواب(1).
وفي الاصطلاح الجنائي: هو مناقشة المتهم مفصلا ومواجهته بالأدلة أو بغيره من المساهمين أو الشهود وذلك لإثبات التهمة أو نفيها(2).
2 - طبيعة الاستجواب:
الاستجواب إجراء من إجراءات التحقيق له طبيعة مزدوجة.
الأولى: كونه من الإجراءات التي يُتوصل بها إلى الحقيقة، فهو من هذا المنطلق يكون واجبا على المحقق.
الثانية: كونه وسيلة من وسائل الدفاع الفورية، التي تتيح للمستجوب دحض التهمة القائمة ضده ما وجد لذلك سبيلا، فهو من هذا المنطلق يكون حقا للمتهم.
3 - أهمية الاستجواب:
تتمثل أهمية الاستجواب فيما يلي:
أولا: الاستجواب وسيلة استقصاء عن الحقيقة في اتجاهي الإثبات والنفي، إذ أنه كإجراء من إجراءات التحقيق يهدف في المقام الأول إلى الوقوف على حقيقة التهمة الموجهة للمستجوب، وذلك إما بالحصول على اعتراف منه يؤيدها، أو إلى دفاع منه ينفيها.
ثانيا: يحقق الاستجواب في مرحلة التحقيق الجنائي الغاية منه، وهي جمع الأدلة واعتباره وسيلة لتدعيم وتقوية أدلة الاتهام في مواجهة من يجري استجوابه.
4 - أنواع الاستجواب:
الاستجواب نوعان، استجواب حقيقي، واستجواب حكمي.
فالاستجواب الحقيقي: يتحقق بتوجيه التهمة ومناقشة المتهم تفصيليا عنها، ومواجهته بالأدلة القائمة ضده، فالاستجواب الحقيقي يقتضي توافر عنصرين أساسيين لا قيام له بدونهما، وهما:
أ - توجيه التهمة ومناقشة المتهم تفصيليا عنها.
ب - مواجهة المتهم بالأدلة القائمة ضده.
__________
(1) - أنظر المعجم الوسيط، والقاموس المعتمد مادة ( جاب )
(2) - مشروع اللائحة التنظيمية لنظام الهيئة صفحة ( 7 )(1/86)
أما الاستجواب الحكمي: فيعني المواجهة، إذ تعتبر مواجهة المتهم بغيره من المساهمين أو الشهود في حكم الاستجواب، حيث تنطوي هذه المواجهة على إحراجه ومواجهته بما هو قائم.
وقد تضمنت المادة الأولى بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية التقسيمين السابقين.
5- وجوب استجواب المتهم على الفور:
بينت المادة التاسعة بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية وجوب استجواب المتهم فورا، حيث جاء فيها النص التالي: ( يجب على المحقق أن يستجوب المتهم المقبوض عليه فورا، وإذا تعذر ذلك يودع دار التوقيف إلى حين استجوابه. ويجب ألا تزيد مدة إيداعه على أربع وعشرين ساعة ، فإذا مضت هذه المدة وجب على مأمور دار التوقيف إبلاغ رئيس الدائرة التي يتبعها المحقق ، وعلى الدائرة أن تبادر إلى استجوابه حالا ، أو تأمر بإخلاء سبيله ).
6 - كيفية الاستجواب:
يجب أن يكون الاستجواب في حالة لا تأثير فيها على إرادة المتهم، ويجب أن تكون المناقشة بعبارات واضحة وصريحة ومفهومة لدى المستجوب، وإذا كان لا يفهم اللغة العربية وجب إحضار مترجم بلغته يتولى الترجمة بينه وبين المحقق ، لأنه كما قيل: ( من أساء سمعاً أساء جابةً ) وأصل هذا المثل أن رجلاً سُئل: أَين أَمُّكَ أَي أَين قَصْدُكَ؟ فَظَنَّ أَنه يقول له: أَين أُمُّكَ، فقال: ذَهَبَتْ تَشْتَري دَقِيقاً، فقال أَبوه: أَساءَ سَمْعاً فأَساء جابةً(1).
وقد بينت المادتان ( 101، 102 ) من نظام الإجراءات الجزائية كيفية استجواب المتهم على النحو التالي:
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( جوب ).(1/87)
1 - يجب على المحقق عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق أن يدون جميع البيانات الشخصية الخاصة به ويحيطه علما بالتهمة المنسوبة إليه، ويثبت في المحضر ما يبديه المتهم في شانها من أقوال. وللمحقق أن يواجهه بغيره من المتهمين ، أو الشهود ، ويوقع المتهم على أقواله بعد تلاوتها عليه، فإذا امتنع أثبت المحقق امتناعه عن التوقيع في المحضر. ( م/101 )
2 - يجب أن يتم الاستجواب في حال لا تأثير فيها على إرادة المتهم في إبداء أقواله، ولا يجوز تحليفه ولا استعمال وسائل الإكراه ضده. ولا يجوز استجواب المتهم خارج مقر جهة التحقيق إلا لضرورة يقدرها المحقق ( م/102 ).
وهناك أمور تجب مراعاتها عند استجواب المتهم ، ومن ذلك ما يلي(1):
1 - يجب أن يتم استجواب المتهم في حالة لا تأثير فيها على إرادته في إبداء أقواله ودفاعه، ولا يجوز استعمال عقاقير أو أجهزة، أو العنف مع المتهم للحصول على دليل ضده، وكل دليل يتم الحصول عليه بناء على إكراه أو وعد أو وعيد أو تهديد أو أية وسيلة تشل الإرادة أو تفقد الوعي لا يعتد به ولا بما يسفر عنه في الإثبات. وتجوز الاستعانة بالكلاب البوليسية للتعرف ولا يؤخذ باستعرافها كدليل للاتهام.
2 - على المحقق عزل المتهمين عن بعضهم، وعن الشهود فور مباشرة الاستجواب.
3 - يبدأ المحقق بسؤال المتهم شفهيا بعد إحاطته بالتهمة الموجهة إليه، فإن اعترف بادر إلى تدوين اعترافه في المحضر، ثم استجوابه تفصيلا عن وقائع التهمة والتثبت من انطباقها على الواقع.
4 - إذا أنكر المتهم التهمة الموجهة له، فعلى المحقق مواجهته بالأدلة القائمة ضده ويناقشه فيها، ويستمع إلى أقوال الشهود، ويراعي مواجهة المتهم بالشهود أو المتهمين معه فيما تختلف فيه أقواله عن أقوالهم.
__________
(1) - ورد ذلك في المواد ( 19، 20، 21 ) من مشروع اللائحة التنظيمية للهيئة.(1/88)
5 - إذا اقتضى التحقيق عرض المتهم على المجني عليه أو أحد الشهود للتعرف عليه فيقوم المحقق بعرض عدد من الأشخاص أكثر من مرة يكون المتهم في إحداها من بينهم، للتثبت من تعرفه عليه، وينظم محضرا بذلك.
6 - يوجه الاستجواب بالنسبة للشخصيات أو الهيئات إلى من يمثلها.
7 - يراعى في استجواب المتهم الأبكم أن يدلي بمعلوماته كتابة وإذا كان أصم وأبكم وكان أميا فيتم استجوابه بواسطة من اعتاد على التحدث مع أمثاله.
8 - إذا كانت لغة المستجوب غير العربية تبين كيفية استجوابه إن كانت بواسطة مترجم، ويؤخذ توقيع المترجم على المحضر، وإن كان يجيد العربية يوضح ذلك في محضر التحقيق.
6 - التفريق بين المتهمين عند استجوابهم:
يجوز التفريق بين المتهمين عند مناقشتهم، وقد فعل ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في قصة النفر الثلاثة الذين خرجوا مع صاحب لهم، وعادوا ولم يعد معهم. ( أنظر القصة في مادة : قتل ).
وورد في المادتين ( 99، 125 ) من نظام مديرية الأمن العام النص على وجوب عزل المتهمين عن بعضهم.
7 - استعانة المتهم بمحام في مرحلة التحقيق والمحاكمة:
بين نظام الإجراءات الجزائية أن للمتهم الحق في الاستعانة بمحام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة على النحو التالي:
1 - يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة. ( م/4، 64)
2 - للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص ووكيل كل منهم أو محاميه أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق، وللمحقق أن يجري التحقيق في غيبة المذكورين أو بعضهم متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وبمجرد انتهاء تلك الضرورة يتيح لهم الاطلاع على التحقيق. ( م/69 )
3 - للمحقق في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين أو الموقوفين، وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على ستين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بوكيله أو محاميه.( م/119 )(1/89)
4 - ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه في أثناء التحقيق. (م/70)
5 - ليس للوكيل أو المحامي التدخل في التحقيق إلا بإذن من المحقق، وله في جميع الأحوال أن يقدم للمحقق مذكرة خطية بملاحظاته وعلى المحقق ضم هذه المذكرة إلى ملف القضية. ( م/70 )
***(1/90)
40 -استخلاف
1 - التعريف:-
الاستخلاف لغة: مصدر استخلف فلان فلانا إذا جعله في مكانه، ويقال: خلف فلان فلانا على أهله وماله صار خليفته(1).
وفي الاصطلاح: استنابة الإنسان غيره لإتمام عمله، ومنه الاستخلاف في القضاء(2).
2 - استخلاف القاضي:-
اتفق فقهاء المذاهب على أن الإمام إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فله ذلك، وعلى أنه إذا نهاه فليس له أن يستخلف، وذلك لأن القاضي إنما يستمد ولايته من الإمام، فلا يملك أن يخالفه إذا نهاه ، كالوكيل مع الموكل، فإن الموكل إذا نهى الوكيل عن تصرف ما فليس له أن يخالفه ؛ أما إن أطلق الإمام فلم يأذن ولم ينه فهذا محل خلاف عند الفقهاء؛ والذي يراه فقهاء الحنابلة أن للقاضي في حالة الإطلاق أن يستخلف. جاء في كشاف القناع: ( ويستحب للإمام أن يجعل للقاضي أن يستخلف، خروجا من خلاف من منعه منه بلا إذن، وإن نهاه أي نهى الإمام القاضي، عن الاستخلاف لم يكن له أن يستخلف غيره لأن ولايته قاصرة وإن أطلق الإمام فلم يأمره بالاستخلاف ولم ينهه عنه، فله أي القاضي ذلك، قال في الاختيارات: نص الإمام على أن للقاضي أن يستخلف من غير إذن الإمام فرقا بينه وبين الوكيل وجعلا له كالوصي )(3).
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( خلف ).
(2) - أنظر شرح حدود ابن عرفة صفحة ( 65، 66 ).
(3) - كشاف القناع 6/316(1/91)
وجاء في المادة الثانية عشرة بعد المائة من نظام المرافعات النص التالي: ( يجوز للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم معاينة المتنازع فيه بجلبه إلى المحكمة إن كان ذلك ممكنا، أو بالانتقال إليه، أو ندب أحد أعضائها لذلك، على أن يذكر في القرار الصادر بذلك موعد المعاينة، ولها أن تستخلف في المعاينة المحكمة التي يقع في نطاقها اختصاص الشيء المتنازع فيه، وفي هذه الحالة يبلغ قرار الاستخلاف القاضي المستخلف على أن يتضمن هذا القرار جميع البيانات المتعلقة بالخصوم وموضع المعاينة وغير ذلك من البيانات اللازمة لتوضيح جوانب القضية ).
وجاء في المادة الثامنة عشرة بعد المائة من نفس النظام النص التالي: ( إذا كان للشاهد عذر يمنعه عن الحضور لأداء شهادته فينتقل القاضي لسماعها أو تندب المحكمة أحد قضاتها لذلك، وإذا كان الشاهد يقيم خارج نطاق اختصاص المحكمة فتستخلف المحكمة في سماع شهادته محكمة محل إقامته ).
***(1/92)
41 -استدلال
1 - التعريف:-
الاستدلال لغة: طلب الدليل، وهو من دله على الطريق دلالة: إذا أرشده إليه. قال ابن فارس: الدال واللام، أصلان: أحدهما إبانة الشيء بأمارةٍ تتعلمها، والآخَر اضطرابٌ في الشيء ؛ فالأوَّل قولهم: دلَلْتُ فلاناً على الطريق، وَالدليل: الأمارة في الشيء، وهو بيّن الدَّلالة وَالدِّلالة(1).
وفي الاصطلاح: عرفه أبو الوليد الباجي: بأنه التفكر في حال المنظور فيه طلباً للعلم بما هو نظر فيه، أو لغلبة الظن إن كان مما طريقه غلبة الظن(2).
والاستدلال في المصطلح الجنائي: هو جمع المعلومات عن الجريمة ومرتكبيها، ويتولى القيام به رجال الضبط الجنائي(3).
2 - أهمية مرحلة الاستدلال:-
الاستدلال يساهم بشكل كبير في سرعة الإجراءات الجنائية، فهو يفيد في تهيئة أدلة الدعوى نفيا أو إثباتا، ومرحلة الاستدلال تسهل مهمة التحقيق الابتدائي في كشف الجريمة.
3 - طبيعة الاستدلال:-
الاستدلال إجراء أولي يسبق مرحلة التحقيق وتحريك الدعوى، ولهذا فإن النتائج المترتبة عليه يكون حكمها كالتالي:-
1 - ما ينشأ عن الاستدلال لا يصح اعتباره دليلا نظاميا يبنى عليه الاتهام، ولا يجوز بناء الحكم عليه.
2 - الدعوى الجنائية لا يحركها أي إجراء من إجراءات الاستدلال بينما تحركها إجراءات التحقيق المختلفة.
3 - إجراء الاستدلال يتجرد من كل ما يمس الحريات الفردية(4).
4 - السلطة المختصة بالاستدلال:-
السلطة المختصة بالاستدلال هم: رجال الضبط الجنائي، وقد بينت المادة الرابعة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية أن رجال الضبط الجنائي هم: الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام.
***
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( دل )
(2) - إحكام الفصول في أحكام الأصول صفحة ( 47 ).
(3) - د/ إدوار غالي / الإجراءات الجنائية ' صفحة ( 319 ) بتصرف يسير.
(4) - أنظر : المرجع السابق صفحة ( 343 ).(1/93)
42 -استرداد
1 - التعريف
الاسترداد مصدر استَرَدَّ ، جاء في لسان العرب: واستَرَدَّ الشيء وارْتَدَّه: طلب رَدَّه عليه(1). واستَرَدَّ ه: استرجعه، واستَرَدَّ فلاناً الشيء: سأله أن يرده عليه(2).
وفقهاء الإسلام - رحمهم الله - يعبرون بالاسترداد عن طلب استعادة الشيء فيقولون استرداد ثمن المبيع، ويقولون: استرداد المغصوب، أو المسروق.
والاسترداد الذي نحن بصدد بحثه هو: الطلب الذي تتقدم به دولة إلى دولة أخرى وفق اتفاقيات سابقة ليتم بموجبه تسليمها شخص مطلوب للتحقيق أو المحاكمة.
2 - مشروعية الاسترداد:
تسليم الأشخاص المطلوبين للدول التي طلبتهم من أجل التحقيق أو المحاكمة يتم وفق ضوابط واتفاقيات موقعة بين الدول أصبحت الضرورة تفرضها ، لاسيما مع اتساع دائرة الإجرام وسرعة التنقل بين الدول مما قد يفوت تقديم الجاني للعدالة، فإذا كان الشخص الجاني المطلوب تسليمه سوف يجرى له محاكمة عادلة لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ، فيجوز تسليمه للدولة التي طلبته، شرط أن تكون المحاكمة على جريمة وقعت فعلاً لا على جريمة متوقعة ، وأن يثبت قيامه بارتكابها أو المشاركة فيها.
3 - ضوابط طلب تسليم المطلوبين:
1 - قيام شخص ما بارتكاب واقعة مجرمة شرعاً أو نظاماً وتمكنه من الهرب خارج حدود الدولة التي ارتكب الجريمة على إقليمها.
2 - أن تقدم الدولة طالبة التسليم - التي ارتكبت الجريمة على إقليمها - طلباً إلى الدولة المطلوب منها التسليم - التي هرب إليها الشخص المطلوب - توضح فيه رغبتها في استرداد الشخص المطلوب .
3 - أن تكون هناك اتفاقية سابقة موقعة من الدولتين متعلقة بتسليم المطلوبين.
4 - تنظيم ملف الاسترداد:
أولاً : يجب أن يشتمل ملف الاسترداد على النقاط التالية:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( ردد ).
(2) - المعجم الوسيط مادة ( رده ) صفحة 338(1/94)
أ - بيانات تتعلق بالشخص المطلوب(1):
1 - بيان مفصل عن هوية الشخص المطلوب تسليمه وأوصافه وجنسيته.
2 - في حالة وجود جواز سفر للشخص المطلوب يرفق صورة منه ، موضحاً فيها الرقم والتاريخ، ومكان الإصدار، وعمل الشخص المطلوب.
3 - في حالة وجود الإقامة - لغير السعودي - يرفق صورة منها.
4 - في حالة توفر صور فوتوغرافية للمطلوب ترفق بالملف ويكتب اسمه أسفل الصورة.
5 - إرفاق خمس وأربعين صورة شخصية مستنسخة للمطلوب ويكتب اسمه اسفل كل صورة.
6 - صورة للبطاقة الشخصية للمواطنين.
7 - إرفاق كرت من بصمات المطلوب في حالة وجودها.
8 - تعبئة النموذج المخصص للأسلوب الإجرامي للشخص المطلوب.
9 - إيضاح كيفية خروجه من المملكة، وواسطة سفره، والمدينة التي توجه إليها، وعنوانه في بلاده والأماكن المحتمل زيارته لها وإقامته بها، أو يكثر تردده عليها.
10 - صورة من أمر القبض الصادر من قبل المحقق المختص بهيئة التحقيق والادعاء العام.
ب - المعلومات المتعلقة بالواقعة الجرمية المرتكبة:
1 - صورة واضحة من أوراق التحقيق في الواقعة الجرمية، تشتمل على الأدلة التي تثبت نسبة الجريمة للمطلوب، ومحاضر الضبط والمعاينة والتفتيش، وشهادة الوفاة، والتقارير الطبية والمخبرية، وغيرها مما له علاقة بالواقعة الجرمية.
2 - إذا كان المطلوب قد صدر بحقه حكم غيابياً - كما هو الحال في بعض الدول - أو حضورياً فيجب إرفاق نسخة مصدقة من الحكم.
3 - مذكرة تتضمن: تاريخ ومكان ارتكاب الأفعال المطلوب التسليم من أجلها، وبيان للجريمة المرتكبة وتكييفها، وتوضيح المقتضيات الشرعية أو النظامية المطبقة عليها، والعقوبة المترتبة على ارتكابها.
__________
(1) - وردت بعض هذه النقاط في خطاب مدير إدارة الاتصالات للشرطة الدولية المرفوع لوكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون الحقوق برقم 37/3289 في 20/9/1405هـ.(1/95)
ثانياً : بعد استكمال وثائق ملف الاسترداد يتم فحصه ودراسته من قبل الجهة المختصة - هيئة التحقيق والادعاء العام - وعند توفر أدلة اتهام ضد الشخص المطلوب تتخذ الإجراءات التالية:
1 - إصدار قرار يتضمن توجيه الاتهام للشخص المطلوب والأدلة القائمة ضده.
2 - المصادقة على الوثائق التي تضمنها ملف الاسترداد.
3 - إصدار أمر توقيف للمتهم المطلوب.
وفي حالة عدم استكمال وثائق الاسترداد يطلب استكمال النواقص من قبل الجهة المختصة.
***(1/96)
43 -استشمام
1 - التعريف:-
الاستشمام لغة: مصدر شَممتُ، وهو حس الأنف، واشْتمَّ الشيء أدناه منه ليجتذب رائحته. قال ابن فارس: الشين والميم أصلٌ واحد يدلُّ على المقاربَة والمداناة. تقول: شَممت الشيءَ فأنا أشمُّه، والمشامَّة: المفاعلة من شاممته، إذا قاربتَه ودنوتَ منه(1).
وفي الاصطلاح: لا يخرج معنى الاستشمام عند الفقهاء عن معناه اللغوي، لكنهم يعبرون عنه في أغلب الأحيان بلفظ الاستنكاه.
المراد بالاستشمام هنا: هو استنكاه فم المتهم بشرب المسكر لمعرفة ما إذا كانت رائحة الخمر تنبعث من أنفاسه أم لا.
2 - هل يثبت شرب الخمر بالاستشمام ؟ :
إثبات شرب الخمر بالاستشمام مسألة خلافية بين العلماء، فعند الإمام مالك، وأحمد، في إحدى الروايات عنه، إذا استنكه الشخص ووجدت رائحة الخمر منه وجب عليه الحد؛ ودليلهم في ذلك، ما جاء في قصة ماعز الأسلمي رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أشرب خمرا ؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد فيه ريح الخمر)(2).
ولما رواه البخاري ومسلم، عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أنزلت، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت؛ ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟ فضربه الحد(3).
قال ابن القيم رحمه الله: ( وحكم عمر وابن مسعود، ولا يعرف لهما مخالف بوجوب الحد برائحة الخمر من فيء الرجل أو قيئه خمرا اعتمادا على القرينة الظاهرة)(4).
فهذه الأحاديث والآثار دليل على إقامة الحد بوجود الرائحة.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( شمم )، ومعجم المقاييس في اللغة، مادة ( شم ).
(2) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1695 ).
(3) - الحديث رواه البخاري في صحيحه برقم ( 5001 ) ومسلم الحديث رقم ( 801 ).
(4) - الطرق الحكمية صفحة ( 8)(1/97)
وهذا هو المعمول به اليوم في محاكم المملكة استنادا لما ذكر من أحاديث وآثار. وجاء في الفقرة الثالثة من قرار هيئة كبار العلماء رقم ( 53 ) وتاريخ 4/4/1397هـ النص التالي:- ( قرر المجلس بالأغلبية ثبوت الحد بوجود رائحة الخمر أو قيئه مع وجود قرينة أخرى يقتنع بها القاضي ). ( أنظر نص القرار في مصطلح: مسكر).
3 - العدد المجزئ في الاستشمام :-
قال ابن فرحون رحمه الله: ( وأما العدة فلا يخلو أن يكون الحاكم أمر الشهود بالاستنكاه, أو فعلوا هم ذلك ابتداء فإن كان الحاكم أمرهم بذلك, فقد روى ابن حبيب عن أصبغ أنه يستحب أن يأمر شاهدين, فإن لم يكن إلا واحد وجب به الحد, وأما إن كان الشهود فعلوا ذلك من قبل أنفسهم, فلا يجزئ أقل من اثنين كالشهادة على الشرب)(1).
ويقوم بالاستشمام رجلان عدلان، لأنه شهادة على إثبات حد، ولا يصح قيام النساء به لعدم قبول شهادتهن في الحدود، وعلى هذا إذا كان المراد استشمامه امرأة فإن الرجال لا يقومون باستشمامها لما في ذلك من مفسدة.
4 - إذا شك المستشمون في الرائحة هل هي رائحة خمر أم لا ؟
بيَّن ابن فرحون رحمه الله حكم ذلك بقوله: ( إن شك الشهود في الرائحة هل هي رائحة مسكر أو غيره نظرت حاله، فإن كان من أهل السفه نكل، وإن كان من أهل العدل خلى سبيله، حكاه ابن القاسم في العتبية والموازية، ووجه ذلك أن من عرف بالسفه والشرب والتخليط، خيف أن يكون ما شك فيه ما حرم عليه ووجب أن يزجر عن التسمية بذلك لئلا يتطرق بذلك إلى إظهار معصية، وأما من كان من أهل العدل فتبعد عنه الريبة، والله أعلم )(2).
***
__________
(1) - تبصرة الحكام 2/95
(2) - تبصرة الحكام 2/96(1/98)
44 - استشهاد
1 - التعريف:-
الاستشهاد في اللغة: طلب الشهادة من الشهود، فيقال: استشهده: إذا سأله تحمل أو أداء الشهادة، قال تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } (البقرة آية 282) ؛ واستعمل في القتل في سبيل الله ، فيقال: استشهد: قتل في سبيل الله(1).
وفي اصطلاح الفقهاء لا يخرج استعمالهم عن هذين المعنيين؛ إلا أنهم في الغالب يستعملون لفظ إشهاد، ويريدون به: الاستشهاد على حق من الحقوق(2). ( للمزيد أنظر مصطلح: شهادة )
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( شهد )
(2) - الموسوعة الفقهية 3/32(1/99)
45 -استغاثة
1 - التعريف:-
الاستغاثة لغة: طلب الغوث والنصر، قال تعالى: { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } { القصص الآية 15 } . جاء في لسان العرب: وغَوَّثَ الرجلُ، واسْتَغاثَ: صاحَ واغَوثاه والاسمُ: الغَوْث، والغُواثُ، والغَواثُ(1).
والاستغاثة في الاصطلاح : لا تخرج في المعنى عن التعريف اللغوي ، فهي بمعنى العون، وتفريج الكروب.
والمراد بها هنا: طلب المجني عليه أو المضرور النجدة ومد يد العون له لتخليصه مما أصابه.
2 - حكم إغاثة المستغيث:-
إذا استغاث المسلم لدفع شر وجبت إغاثته، لما رواه ابن حبان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس ) ؛ قيل: يا رسول الله، ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟ فقال: ( إن أبواب الخير لكثيرة: التسبيح، و التحميد، والتكبير، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك)(2). وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، و من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، و من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )(3).
وتجب إغاثة المستغيث إذا لم يخش المغيث على نفسه ضرراً، لأن له الإيثار بحق نفسه دون حق غيره. أما رجال الأمن والدفاع المدني ، والإسعاف ، فتجب عليهم الإغاثة ولو مع الخشية على النفس، لأن ذلك مقتضى واجباتهم الوظيفية.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( غوث ).
(2) - صحيح ابن حبان الحديث (3377).
(3) - سنن أبي داود رقم الحديث (4946).(1/100)
3 - استغاثة المُكْرَه :
يرى الفقهاء أن الاستغاثة من المكرَه علامة من علامات الإكراه التي تُسقط الحد عنه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } (1).
***
__________
(1) - رواه الحاكم في المستدرك حديث رقم ( 2801 ) وابن حبان في صحيحه حديث رقم ( 2719 )(1/101)
46 -استفاضة
1 - التعريف:-
الاستفاضة في اللغة: مصدر استفاض. يقال: استفاض الحديث والخبر وفاض بمعنى: ذاع وانتشر(1).
وفي الاصطلاح: عرفها ابن القيم بأنها: ( الاشتهار الذي يتحدث به الناس وفاض بينهم )(2).
2 - إسناد الشهادة إلى الاستفاضة:-
قال ابن القيم رحمه الله: ( وهذا النوع من الأخبار يجوز استناد الشهادة إليه، ويجوز أن يعتمد الزوج عليه في قذف امرأته ولعانها إذا استفاض في الناس زناها، ويجوز اعتماد الحاكم عليه ؛ قال شيخنا في الذمي: إذا زنا بالمسلمة قتل، ولا يرفع عنه القتل الإسلام، ولا يشترط فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره هذا نص كلامه. وهذا هو الصواب، لأن الاستفاضة من أظهر البينات، فلا يتطرق إلى الحاكم تهمة إذا استند إليها؛ فحكمه بها حكم بحجة لا بمجرد علمه الذي يشاركه فيه غيره، ولذلك كان له شهادة الشاهد إذا استفاض في الناس صدقه وعدالته، من غير اعتبار لفظ شهادة على العدالة، ويرد شهادته ويحكم بفسقه باستفاضة فجوره وكذبه، وهذا مما لا يعلم فيه بين العلماء نزاع، وكذلك الجارح والمعدل، يجرح الشاهد بالاستفاضة ؛ صرح بذلك أصحاب الشافعي وأحمد، ويعدله بالاستفاضة، ولا ريب أنا نشهد بعدالة عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه وفسق الحجاج. والمقصود أن الاستفاضة طريق من طرق العلم التي تنفي التهمة عن الشاهد والحاكم وهي أقوى من شهادة اثنين مقبولين )(3).
وقال القرافي رحمه الله: ( قال ابن فرحون عن ابن رشد وشهادة السماع لها ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: تفيد العلم، وهي المعبر عنها بالتواتر كالسماع بأن مكة موجودة فهذه بمنزلة الشهادة بالمروية وغيرها مما يفيد العلم.
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( فيض).
(2) - الطرق الحكمية صفحة 70
(3) - الطرق الحكمية صفحة 70(1/102)
المرتبة الثانية: شهادة الاستفاضة ، وهي تفيد ظنا، يقرب من القطع ، ويرتفع عن السماع ، مثل الشهادة بأن نافعا مولى ابن عمر ، وإن ابن عبد الرحمن هو ابن القاسم: والهلال إذا رآه الجم الغفير من أهل البلد واستفاضة العدالة أو الجرح فيستند لذلك ، ولا يسأل عن عدالة المشهودين )(1).
3 - كيف تكون الشهادة بالاستفاضة ؟
يؤدي الشاهد شهادته بناء على ما استفاض من الأخبار ، كتأديته لها بناء على ما عاينه من أحداث ، أو سمعه من أقوال؛ لكن يشترط لصحة الشهادة بالاستفاضة شروط منها:-
1 - يشترط أن يكون الشاهد عدلا.
2 - يشترط في من يتحدثون بالخبر أن يكونوا جماعة يستحيل تواطئهم على الكذب.
3 - يشترط في الخبر المستفيض أن يكون عن واقعة يصح اشتهارها، كما لو تحدث الناس بأن هذه السيارة ، أو الدار ملك فلان.
***
__________
(1) - الفروق 4/100(1/103)
47 -استنشاق
1 - التعريف:-
الاستنشاق: من النشق: وهو إدخال الشيء عن طريق الأنف.
قال الخليل: النَّشْقُ: صَبُّ سَعُوطٍ في الأنف، وأنشَقْتُه الدَّواء. وأنشَقْتُه قُطْنَةً مُحْرَقةً أي أَدْنَيْتُها من أنْفِه ليدخُلَ ريحُها في أنْفِه وخَياشيمِه. والنَّشُوقُ اسمُ كلِّ دَواءٍ يُنْشَقُ، واستنشَقْتُه أي تَشَمَّمْتُه(1).
ويخصه الفقهاء بإدخال الماء في الأنف.
والمقصود به هنا: هو استنشاق المواد والمذيبات الطيارة، كاستنشاق الغراء (الباتكس) واستنشاق مواد الطلاء ( البوية )، ونحو ذلك بقصد السكر.
2 - أنواع المذيبات الطيارة:
من أشهر المذيبات الطيارة التي يستنشقها فئة من الناس اليوم ما يلي:
أ - مواد الطلاء ( البوية ): وهي مواد مركبة تركيبا كيميائيا تستخدم في طلاء الجدران والخشب والأحذية، ولها أنواع كثيرة.
ب - البنزين: وهو مادة بترولية سريعة الاشتعال، يستخدم كوقود للسيارات، وبعض المحركات.
ج - الغراء ( الباتكس ) : وهو مادة لزجة تستخدم في لصق الورق وغيره، وهو بذلك مشابه لمادة الصمغ التي تسيل من بعض الأشجار، وتتجمد عليها وتذوب في الماء، وتستخدم لأغراض لصق الورق وغيره، لكن غراء الباتكس يكون مركبا تركيبا كيميائيا من عدة مواد لها تأثير عند استنشاقها على خلايا المخ.
د - الجوارب المنتنة والصراصير الميتة: يقوم بعضهم بجمعها واستنشاقها.
3 - حكم الاستنشاق:-
__________
(1) - كتاب العين مادة ( نشق )(1/104)
الاستنشاق ثبت طبيا أنه مضر بالصحة، لأنه يتلف خلايا المخ، ويذهب العقل، ويورث الإدمان، ويؤدي إلى هلاك النفس، فإذا كان هذا حاله فإنه محرم بعموم الكتاب والسنة، قال تعالى: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } . { البقرة آية 195 } . وقال تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } . { النساء آية 29 } . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً )(1).
وروى مسلم، وغيره عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة )(2).
ولا شك أن استنشاق الغراء والبنزين وسائر المذيبات الطيارة يسكر ويذهب العقل، فهو خمر.
4 - ظاهرة الاستنشاق:
__________
(1) - البخاري الحديث رقم (5778)، ومسلم الحديث رقم (109).
(2) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 2003 ).(1/105)
ظهر مؤخرا بين صفوف فئة من الناس العاطلين ، ما يسمى باستنشاق مواد الطلاء (البوية) والغراء (الباتكس) والبنزين، والجوارب المنتنة وهم يفعلون ذلك بقصد المتعة والسكر، ويلجأون إلى هذه الأشياء نظراً لتوفرها بالأسواق ورخص ثمنها، وعندما يتم استنشاق شيء من هذه المذيبات يذهب العقل، ويتصرف الشخص تصرفات لا يعيها ، ومع خطورة الخمر والمخدرات، فإن استنشاق المذيبات الطيارة، يكون أشد خطرا منها، لأن هذه المذيبات الطيارة تكون جميع مكوناتها مركبة تركيبا كيميائيا ، مما يجعلها أسرع في إتلاف خلايا المخ، ولهذا تجد أن الشخص الذي يستنشق هذه المذيبات، ويدمن عليها دائما يعيش في هلع واضطرابات نفسية وعدم تركيز، نتيجة استنشاق هذه المذيبات.
5 - كيفية إثبات جريمة الاستنشاق:-
تثبت جريمة الاستنشاق بما تثبت به جريمة شرب الخمر، فهي تثبت بالإقرار، والشهادة، والاستشمام.
6 - عقوبة الاستنشاق:-
عقوبة الاستنشاق عقوبة تعزيرية يرجع تقديرها للقاضي ، وقد جاء في تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16س/183 وتاريخ 12/1/1407هـ التوجيه بإحالة من يستنشق الغراء والبنزين إلى المحكمة للنظر في معاقبتهم شرعا، لعدم انطباق العقوبات الواردة في قرار مجلس الوزراء رقم 11 لعام 1374هـ عليهم.
والذي أراه أن يعامل مستنشق المذيبات الطيارة الذي يقبض عليه وهو يقود سيارة تحت تأثير ما قام به من استنشاق معاملة من قبض عليه وهو يقود سيارة أثناء سكره، فتثبت إدانته شرعا، ويحال للجهة المختصة لمجازاته نظاما على ذلك، لأن ذهاب العقل بالاستنشاق أشد منه بشرب المسكر.
***(1/106)
48 -استيفاء
1 - التعريف:
الاستيفاء في اللغة: مصدر استوفى ، وهو أخذ صاحب الحق حقه كاملاً ، دون أن يترك منه شيئا(1). ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى.
2 - كيفية استيفاء الحقوق:
يختلف الاستيفاء باختلاف الحق المراد استيفاؤه ، إذ هو إما حق خالص لله سبحانه وتعالى، أو حق خالص للعبد، كالديون، أو حق مشترك، فإن كان الحق خالصا لله فهو إما أن يكون حدا أو تعزيرا ، وإن كان الحق مشتركا فهو إما أن يكون الغالب فيه حق الله كحد السرقة، وإما أن يكون الغالب فيه حق العبد كالقذف.
أ - استيفاء حق العبد المحض:
يملك العبد إسقاطه، بمعنى أنه لو أسقطه سقط، لكنه لا يملك استيفاءه دون إذن الإمام، ولو استوفاه بدون إذن الإمام فإنه يعزر لافتياته عليه.
ب - استيفاء حقوق الله تعالى:
يجب استيفاء الحقوق الواجبة لله، ولا يملك الإمام ولا غيره إسقاطها بعد ثبوتها لديه، والذي يتولى استيفاءها هو ولي الأمر أو من ينيبه.
وسنذكر إن شاء الله مزيدا من بيان كيفية استيفاء الحدود والقصاص، والتعزيرات في مواضعها، فيرجع إليها، حسب مواضعها.
3 - مكان استيفاء العقوبات:-
تستوفى العقوبات في الأماكن العامة التي يكثر فيها تجمع الناس، كالأسواق والساحات القريبة من المساجد، لما في ذلك من إظهار لإقامة الحدود وردع المجرمين. ولا يستوفى حد ، ولا قصاص ، ولا تعزير في المسجد ، حتى لو وقعت الجناية فيه ، لئلا يؤدي ذلك إلى تلويثه ، لما رواه ابن ماجة(2) ، عن واثلة بن الأسقع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ( جنبوا مساجدكم صبيانكم ، و مجانينكم ، و شراءكم ، وبيعكم وخصوماتكم ، ورفع أصواتكم ، و إقامة حدودكم ، وسل سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر ، و جمروها في الجمع ).
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( وفى ).
(2) - في سنن ابن ماجة الحديث رقم (750)(1/107)
49 -إسقاط
1 - التعريف: -
من معاني الإسقاط لغة: الإيقاع والإلقاء، يقال: سقط اسمه من الديوان: إذا وقع، وأسقطت الحامل: ألقت الجنين(1).
والمراد هنا: هو أن يقوم صاحب الحق بإسقاط حقه، إما بالعفو أو الصلح، كما لو عفا ورثة المقتول عن قاتل مورثهم، أو قام المجني عليه بالتنازل عن مطالبة الجاني بحقه الخاص.
2 - إذا اسقط الشخص حقه فهل له حق الرجوع والمطالبة:
جاء في شرح المادة (51) من مجلة الأحكام: ( الساقط لا يعود: يعني إذا أسقط شخص حقا من الحقوق التي يجوز له إسقاطها يسقط ذلك الحق وبعد إسقاطه لا يعود ؛ أما الحق الذي لا يقبل الإسقاط بإسقاط صاحبه له ؛ مثال: لو كان لشخص على آخر دين فأسقطه عن المدين، ثم بدا له رأي فندم على إسقاطه الدين عن ذلك الرجل، فلأنه أسقط الدين، وهو من الحقوق التي يحق له أن يسقطها، فلا يجوز له أن يرجع إلى المدين ويطالبه بالدين; لأن ذمته برئت من الدين بإسقاط الدائن حقه فيه، أما لو أبرأ شخص آخر من طريق له أو سيل أو كان له قطعة وأبرأه بها، فلا يسقط حقه بالطريق والمسيل والأرض ; لأنه لا يسقط الحق بما ذكر بمجرد الترك والإعراض ويجب لإسقاط الحق فيها إجراء عقد بيع أو هبة مثلا )(2).
3 - إذا أسقط المجني عليه حقه الخاص فهل يسقط الحق العام؟
إذا اسقط المجني عليه حقه الخاص فإنه يسقط، ولا علاقة له بالحق العام فلا يسقط الحق العام بسقوطه بل يبقى قائما ولا يخلو من إحدى ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون حدا بلغ الإمام، ففي هذه الحالة لا يسقط بحال من الأحوال وليس للإمام ولا لغيره إسقاطه، لحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب } . رواه أبو داود والنسائي(3).
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( سقط )
(2) - درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 1/280
(3) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4376 ) والنسائي الحديث رقم ( 4886 ).(1/108)
الثانية: أن يكون الحق العام حدا لكنه لم يبلغ الإمام، ففي هذه الحالة يجوز إسقاطه بل يستحسن عدم رفعه للإمام، لورود النص على ذلك في الحديث السابق.
الثالثة: أن يكون الحق العام تعزيرا، ففي هذه الحالة يجوز للإمام إسقاطه، والعفو عنه.
***(1/109)
50 -إسكار
1 - التعريف:-
الإسكار لغة: مصدر أسكر، والسكر اسم منه، جاء في القاموس: سَكِرَ، كفَرِحَ، سُكْراً وسُكُراً وسَكْراً وسَكَراً وسَكَرَاناً: نَقِيضُ صَحا، فهو سَكِرٌ وسَكْرانُ، وهي سَكِرةٌ وسَكْرَى وسَكْرانَةٌ والجمع: سُكارَى وسَكارَى وسَكْرَى(1).
والإسكار في اصطلاح الفقهاء: تغطية العقل بما فيه شدة مطربة كالخمر(2).
2 - ضابط الإسكار:
يرى جمهور الفقهاء أن ضابط الإسكار هو أن يختلط كلام الشخص، فيصير غالب كلامه الهذيان، حتى لا يميز بين ثوبه وثوب غيره عند اختلاطهما، ولا بين نعله ونعل غيره، وذلك بالنظر لغالب الناس.
وقال أبو حنيفة: السكران الذي لا يعرف السماء من الأرض ، ولا الرجل من المرأة(3). ( للمزيد أنظر مصطلح: مسكر )
***
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( سكر )
(2) - الموسوعة الفقهية 4/258
(3) - أنظر بدائع الصنائع 5/118(1/110)
51 -إشاعة
1 - التعريف:-
الإشاعة لغة: مصدر أشاع، وأشاع ذكر الشيء: أطاره وأظهره ، وشاع الخبر في الناس شيوعا أي انتشر وذاع وظهر ، جاء في لسان العرب: شاعَ الخبَرُ في الناس يَشِيعُ شَيْعاً وشَيَعاناً ومَشاعاً وشَيْعُوعةً ، فهو شائِعٌ: انتشر وافترَقَ وذاعَ وظهَر ؛ وَأشاعهُ هو وأَشاعَ ذِكَر الشيءِ: أطارَه وأظهره(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: نشر الأخبار التي ينبغي سترها ، بين الناس(2).
وكثيرا ما يعبر الفقهاء عن الإشاعة بألفاظ أخرى ، كالاشتهار، والإفشاء ، والاستفاضة.
وقد تطلق الإشاعة على الأخبار التي لا يعلم من أذاعها.
والمقصود هنا: ترويج ونشر الأخبار الكاذبة ، سواء كانت تتعلق بالأفراد أو المجتمع ، أو تضر بالأمن العام.
2 - حكم الإشاعة:
أ - تحرم إشاعة أسرار المسلمين وأمورهم الداخلية مما يمس أمنهم واستقرارهم ، حتى لا يعلم الأعداء مواضع الضعف فيهم ، فيستغلوها أو قوتهم فيتحصنوا منهم.
ب - تحرم إشاعة ما يمس أعراض الناس وأسرارهم الخاصة، قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } { النور الآية 19 } ، وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: { أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء، يشينه بها في الدنيا كان حقاً على الله عز وجل أن يذيبه يوم القيامة في نار النار حتى يأتي بنفاذ ما قال } (3).
3 - عقوبة الإشاعة:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( شيع )
(2) - الموسوعة الفقهية 3/80
(3) - ضعيف الجامع حديث رقم ( 2236 )، وأنظر : الترغيب والترهيب حديث رقم (4191 ).(1/111)
الإشاعة الكاذبة بالقذف يترتب عليها حد القذف على المشيع إن توفرت شروطه ، وإلا فالتعزير ، وأما الإشاعة الكاذبة بغير القذف فعقوبتها تعزيرية، يقدرها القاضي حسب حجم الإشاعة وما نتج عنها من ضرر.
***(1/112)
52 -اشتراك
1 - التعريف:-
الاشتراك في اللغة: مصدر أشرك ، وله معان منها: أن يكون الشيءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما، يقال: شَرِكه في الأَمر، يَشْرَكُه إِذا دخل معه فيه وأَشْرَكَه معه فيه. ويطلق على التباس الأمر، يقال: اشْتَركَ الأَمْرُ، إذا التبس(1).
والاشتراك عند الفقهاء: لا يخرج عن معناه في اللغة فهو بمعنى المشاركة.
والمراد به هنا: هو ارتكاب شخصين أو أكثر لجريمة ما، سواء كان ذلك بالتسبب أو المباشرة.
2 - صور الاشتراك في الجناية:-
الاشتراك في الجناية إما أن يكون بالمباشرة، أو بالتسبب وبيان ذلك:-
الشريك بالمباشرة: هو الذي يشترك في مباشرة تنفيذ الركن المادي للجريمة.
والشريك بالتسبب: هو الذي لم يباشر تنفيذ الركن المادي للجريمة، لكنه أعان بالتخطيط، أو التحريض، أو بشتى الوسائل التي أدت إلى إتمام الجريمة.
مثال ذلك: لو اشترك (أ) و (ب) في جريمة قتل، فاتفقا على التنفيذ ، وقام (أ) وأحضر أدوات القتل وسلمها للشريك (ب) وذهب الأخير إلى المجني عليه وقتله، فيكون الشريك (أ) شريكا بالتسبب ، ويكون الشريك (ب) شريكا مباشراً.
ومن صور الاشتراك: أن يكون في الجريمة الواحدة أكثر من شريك بالتسبب وأكثر من شريك بالمباشرة، وذلك كما لو اشترك خمسة أشخاص في ضرب شخص وباشر الضرب اثنان منهم ، فقام أحدهما بضرب رجله فقطعها ، وقام الآخر بضرب يده فقطعها، فيعتبر كل واحد من المباشرين شريك بالمباشرة، ويعتبر الثلاثة الذين لم يباشروا الضرب شركاء بالتسبب.
ومن صوره: أن يكون المشاركون كلهم شركاء في المباشرة، وذلك كما لو اتفق أربعة أشخاص على قتل شخص، فأخذ كل واحد منهم بندقية وأطلق عليه طلقة، وأصابته كل طلقة إصابة قاتله فمات، فيعتبر كل منهم شريك بالمباشرة لمباشرتهم جميعا للركن المادي للجريمة.
3 - شروط الاشتراك: -
__________
(1) - أنظر لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة، مادة ( شرك )(1/113)
يشترط لحصول لاشتراك بنوعيه (التسبب والمباشرة) شرطان هما:
* الشرط الأول: أن يتعدد الجناة، فإذا لم يتعددوا فليس هناك اشتراك.
* الشرط الثاني: أن ينسب للجناة فعل محرم معاقب عليه ، فإذا لم يكن الفعل محرما فليس هناك جريمة ، و بالتالي لا يكون هناك اشتراك.
4 - المسؤولية في الاشتراك:-
القاعدة الشرعية: أن عقوبة الجناية المقدرة يتحملها المباشر دون المتسبب، لكن قد يخرج عن هذه القاعدة إذا كان المتسبب في حكم المباشر ، كما لو كان المباشر كالآلة في يد المتسبب ، فإن العقوبة تكون على المتسبب.
5 - أثر الاشتراك:-
قد يكون الاشتراك في الجريمة مؤثرا كما لو اشترك اثنان في جريمة توجب القصاص، أحدهما ممن يجب عليه القصاص لو انفرد بالجريمة وحده، والآخر لا يجب عليه القصاص لو انفرد بالجريمة وحده لسبب من الأسباب ، هذا إذا لم يكن بالقدرة تحديد دور كل منهما في الجريمة ؛ كاشتراك الصبي مع البالغ ، والمجنون مع العاقل، والمخطئ مع العامد ، ففي هذه الحالة يسقط القصاص ويصار إلى الدية، وللفقهاء في ذلك تفصيلات يوردونها في باب القصاص(1).
6 - عقوبة المشتركين في الجريمة:-
الجرائم التي فيها عقوبة مقدرة شرعا، كالسرقة، والقصاص، تكون العقوبة المقدرة فيها على المباشر، إذا كان أهلا للعقوبة، وتكون عقوبة الشريك بالتسبب عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي حسب ظروف وأحوال الجريمة، والمجرم.
أما الجرائم التي ليس فيها عقوبة مقدرة شرعا، فتكون العقوبة فيها تعزيرية، يقدرها القاضي على حسب ظروف الجريمة، ودور كل شريك من الشركاء، وعليه فقد يشترك أكثر من شخص في جريمة واحدة وتتفاوت عقوباتهم.
***
__________
(1) - أنظر تفصيل ذلك في كشاف القناع 5/535(1/114)
53 -إشهاد ( أنظر شهادة )
54 -إشهار
1 - التعريف:
الإشهار لغة: الإعلان والوضوح، قال الجوهري: الشُهْرَةُ: وضوح الأمر، تقول منه: شَهَرْتُ الأمر أَشْهَرُهُ شَهْرًا وشُهْرَةً، فاشْتَهَرَ أي وضح. وكذلك شَهَّرْتُهُ تَشْهِيرًا. ولفلان فضيلةٌ اشْتَهَرَهَا الناسُ. وشَهَرَ سَيْفَه يَشْهَرُهُ شَهْرًا، أي سَلَّهُ(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: يطلق لفظ الإشهار ويراد به الإظهار، فيقال: إشهار الحدود، وإشهار النكاح.
2 - الإشهار الذي يعد جريمة:-
الإشهار الذي يعد جريمة هو الذي يكون بمعنى الإظهار ؛ كإشهار المعاصي، والمجاهرة بها، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النور الآية 19]. وكإشهار السلاح على المسلم ، لما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من رفع علينا السلاح فليس منا } (2). وروى عن العلاء بن المسيب عن خيثمة قال: قال عمر: ( ليس منا من شهر السلاح علينا )(3). وذكر الطحاوي رحمه الله: ( عن أبي حنيفة رحمه الله في رجل شهر السلاح على المسلمين قال: حق على المسلمين أن يقتلوه، ولا شيء عليهم قال ولو كان الذي شهر السلاح مجنونا فشهره على رجل فقتله ذلك الرجل كان عليه ضمان ديته، ولم يحك في ذلك خلافا بينهم، وذهبوا إلى أن المجنون الذي ذكرنا لو تم ما أشار به في الذي أشار به إليه لم يحل له به دمه فلما كان دمه لا يحل له بإمضائه ما أشار به إليه فيه كان بإشارته إليه أحرى أن لا يحل له بذلك دمه )(4).
3 - المعاقبة بالإشهار:
__________
(1) - الصحاح مادة ( شهر ).
(2) - مصنف ابن أبي شيبة الحديث رقم ( 28927 )، ورواه الحاكم في مستدركه برقم ( 279 ).
(3) - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم ( 28928 ).
(4) - مشكل الآثار 1/326(1/115)
قال ابن فرحون رحمه الله: ( وإن رأى - القاضي - المصلحة في قمع السفلة ، بإشهارهم بجرائمهم فعل )(1). وقال أيضاً: ( ويجوز تجريد المعزر من ثيابه إلا ما يستر عورته وإشهاره في الناس، والنداء عليه بذنبه عند تكرره منه وعدم إقلاعه عنه، ويجوز حلق شعره لا لحيته، ويجوز تسويد وجهه عند الأكثرين )(2).
وجاء في المادة الحادية عشرة من نظام مكافحة الرشوة النص التالي: ( على وزارة الداخلية نشر الأحكام التي تصدر في جرائم الرشوة وإعلانها ).
***
__________
(1) - تبصرة الحكام 2/150
(2) - تبصرة الحكام 2/299(1/116)
55 -إضراب
1 - التعريف:-
الإضراب مصدر أضرب. يقال: أضربتُ عن الشيء كففتُ عنه وأعرضتُ وضرب عنه الأمر: صرفه عنه. وأَضْرَبْتُ عن الشيء: كفَفْتُ وأَعْرَضْتُ. وضَرَبَ عنه الذِّكْرَ وأَضْرَبَ عنه: صَرَفَه. وأَضْرَب عنه أَي أَعْرَض. وقولُه عز وجل: { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ } [الزخرف الآية 5 ]. أَي نُهْمِلكم ، فلا نُعَرِّفُكم ما يَجب عليكم، لأَنْ كنتم قوماً مُسُرِفين أَي لأَنْ أَسْرَفْتُمْ(1).
وفي الاصطلاح المعاصر: هو امتناع شخص أو جماعة عن العمل أو الطعام تحقيقا لمطالب أو شروط يعلنون عنها للمسؤولين رسميين أو غير رسميين(2).
2 - حكم الإضراب:-
الإضراب من العادات الدخيلة على المجتمع الإسلامي، وهو محرم لما فيه من إلحاق الضرر بالنفس، ولو امتنع شخص عن الطعام والشراب فمات بسبب هذا الامتناع فهو قاتل لنفسه عمدا.
3 - عقوبة الإضراب:-
عقوبة الإضراب عقوبة تعزيرية ، يقدرها القاضي.
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( ضرب ).
(2) - الرائد في اللغة مادة ( ضرب )(1/117)
56 -إطلاق
1 - التعريف:-
من معاني الإطلاق في اللغة: التخلية ، والحل والإرسال، وعدم التقييد، قال ابن فارس: الطاء واللام والقاف، أصلٌ صحيحٌ مطّرد واحد، وهو يدلُّ على التّخلية والإرسال. يقال: انطلق الرجل ينطلق انطلاقًا ، ثم ترجع الفروع إليه؛ تقول أطْلَقته إطلاقًا(1).
وعند الفقهاء والأصوليين يؤخذ تعريف الإطلاق من بيان المطلق، فالمطلق اسم مفعول من أطلق، والمطلق: ما دل على فرد شائع، أو هو: ما دل على الماهية بلا قيد. أو هو: ما لم يقيد بصفة تمنعه أن يتعداها إلى غيرها(2).
والمراد بالإطلاق هنا: هو تخلية سبيل المتهم الموقوف، وإطلاق سراحه.
2 - الأحوال التي يجب فيها إطلاق سراح المتهم الموقوف:-
ورد في المادة ( 216 ) من نظام الإجراءات الجزائية النص التالي: ( يفرج في الحال عن المتهم الموقوف إذا كان الحكم صادراً بعدم الإدانة أو بعقوبة لا يقتضي تنفيذها السجن أو إذا كان المتهم قد قضى مدة العقوبة المحكوم بها في أثناء توقيفه).
وورد في المواد ( 4، 17، 18 ) من لائحة أصول الاستيقاف ما يلي:
1 - إذا انتفت الشبهة نحو المقبوض عليه فيجب إطلاق سراحه فورا بأمر من المحقق، أو من ضابط الخفر. ( م/4)
2 - يجب إطلاق سراح الموقوف احتياطيا في الأحوال التالية:-
أ - إذا صدر حكم أو قرار قضائي ببراءته أو بعدم ثبوت إدانته أو بعدم مسؤوليته أو بصرف النظر عن الدعوى قبله.
ب - إذا حكم عليه بالسجن فقط وكان قد أمضى بالتوقيف الاحتياطي مدة مساوية أو تزيد عن محكوميته. ( م/17)
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( طلق )
(2) - الموسوعة الفقهية 5/162(1/118)
3 - يجب إطلاق سراح الموقوف في الأحوال المشار إليها بالمادة السابقة وإن كان الحكم أو القرار الصادر مما يجوز طلب تمييزه أو استئنافه أو التظلم منه، أو مما يلزم التصديق عليه من مرجع مختص واستثناءً من ذلك يجوز لأمير المنطقة أو من يفوضه من الأمراء التابعين لمنطقته الأمر باستمرار سجن الموقوف لحين اكتساب الحكم أو القرار صفته القطعية أو لحين الرفع للوزارة للتوجيه بما تراه. ( م/18 )
3 - الأحوال التي يجوز فيها إطلاق السراح :-
ورد في المادتين (120 ، 121) من نظام الإجراءات الجزائية النص التالي:
1 - للمحقق الذي يتولى القضية، في أي وقت - سواء من تلقاء نفسه أم بناء على طلب المتهم - أن يأمر بالإفراج عن المتهم إذا وجد أن توقيفه ليس له مبرر، وانه لا ضرر على التحقيق من إخلاء سبيله، ولا يخشى هروبه أو اختفاؤه ، بشرط أن يتعهد المتهم بالحضور إذا طلب منه ذلك. (م/120 )
2 - في غير الأحوال التي يكون الإفراج فيها واجبا، لا يفرج عن المتهم إلا بعد أن يعين له محلا يوافق عليه المحقق. ( م/121 )
وورد المادة ( 16 ) من لائحة أصول الاستيقاف النص التالي:
( باستثناء ما تقضي به الأوامر السامية والتعليمات من ضرورة الاستئذان يجب على الجهة التي ترفع إليها المعاملة الأمر بإطلاق سراح الموقوف بالكفالة الحضورية أو الغرمية أو بهما معا في الأحوال التالية:-
1 - إذا لم يكن بالتحقيقات ما يرجح وقوع جرم ما.
2 - إذا كان الجرم موضع الاتهام ليس من الجرائم الكبيرة.
3 - إذا لم يكن بالتحقيقات ما يرجح إدانة الموقوف أو توجيه التهمة القوية إليه.
4 - في غير جرائم القتل العمد أو شبه العمد، وتعطيل المنافع البدنية، وجرائم الفساد في الأرض والسرقات إذا كان الموقوف قد أدى جميع الحقوق الخاصة أو أودعها على ذمة مستحقيها، أو قدم كفيلا بأدائها.(1/119)
5 - إذا كان الجرم المسند إلى الموقوف مما يجوز المعاقبة عليه نظاما بالغرامة فقط، وكان الموقوف معروفا ومليئا وله محل إقامة معروف بالمملكة، أو إذا أودع الغرامة المقدرة نظاما أو نصف حدها الأعلى إذا كانت ذات حدين، أو قدم كفيلا مليئا بأدائها.
6 - إذا كانت عقوبة السجن عن الجرم المسند للموقوف ذات حدين وكان قد أمضى نصف حدها الأعلى أو على سنة أي المدتين أقل ولم تكن له سوابق ولم يقترن الجرم المسند إليه بظروف تدعو لتشديد العقوبة.
7 - إذا كانت عقوبة الجرم المسند للموقوف تعزيرا متروكا للنظر القاضي، وكان قد أمضى بالتوقيف الاحتياطي مدة لا ينتظر أن يعاقب بأكثر منها.
8 - إذا كان الموقوف حدثا لم يبلغ العاشرة.
9 - إذا كان الموقوف حدثا بلغ العاشرة ولم يتجاوز الخامسة عشرة، ولم تكن ثمة ضرورة موجبة لتوقيفه أو لم يكن القاضي قد أذن بتوقيفه.
وبينت المادة ( 51 ) من مشروع اللائحة التنظيمية للهيئة الأحوال التي يطلق فيها المتهم بالكفالة، وهي لا تخرج عن الأحوال السابقة، إلا أنه جاء في الفقرة (5) منها ما نصه: ( يجوز في أحوال القضايا الكبيرة قبل الإحالة للمحكمة إطلاق سراح أحد المتهمين فيها بكفالة إذا كان ذلك في صالح التحقيق أو العدالة بأن أبدى استعداده لإرشاد السلطات إلى ما يعرفه من الأدلة، أو إلى من يعرفه من المتهمين فيها أو في غيرها من القضايا المماثلة لها في النوع أو الخطورة ولم يكن في ذلك إضرار بسير العدالة، أو تأثير على الأدلة موضع التحقيق ).
4 - إطلاق السراح في حوادث السيارات:-
أ - جاء في المادة ( 192 ) من نظام المرور: ( من قبض عليه لارتكابه حادثة سير تستوجب الحبس تحال أوراقه خلال ثلاثة أيام على الأكثر إلى الحاكم الإداري للبلد الذي وقع فيه الحادث ؛ ويطلق سراحه بالكفالة المعتبرة في الحالات التالية:-
1 - إذا حصل المصاب على تقرير طبي قطعي بمرضه، أو بتعطيله عن العمل لمدة شهر فما دون.(1/120)
2 - إذا تنازل المصاب عن حقه أو قرر أنه هو المتسبب في الحادث.
3 - إذا اتضحت - في الحوادث البسيطة - عدم مسؤولية السائق أو كانت مسؤوليته جزئية ).
ب - وجاء في المادة (193) : ( للحاكم الإداري ضمن نطاق اختصاصه أن يطلق سراح السائق بالكفالة المعتبرة حتى ولو لم يتنازل المصاب عن حقه، وعليه في هذه الحالة أن يحيل الطرفين للمحكمة للنظر في دعوى الحق الخاص وتحديد مسؤولية السائق المدنية والجزائية حتى يتسنى للحاكم توقيع الجزاء اللازم على ضؤ القرار الشرعي ).
***(1/121)
57 -اعتداء
1 - التعريف:-
الاعتداء في اللغة: مشتق من العدوان وهو: الظلم وتجاوز الحد. يقال: اعتدى عليه إذا ظلمه، واعتدى على حقه أي جاوز إليه بغير حق(1).
وفي الاصطلاح: يعرف الاعتداء بالظلم وتجاوز الحد(2).
والعدوان هو: أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال(3).
2 - ما يقع عليه الاعتداء:-
الاعتداء يقع على: ( الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والنسل، والمال، وسائر الحقوق ).
3 - حكم الاعتداء: -
الاعتداء محرم بالكتاب، والسنة، فقد وردت آيات كثيرة تحرم الاعتداء بجميع أنواعه، ومن ذلك قوله تعالى: { وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [المائدة 87 ] ؛ والأحاديث التي تحرم الاعتداء كثيرة، ومنها:ما رواه البيهقي عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء عن غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) (4).
4 - عقوبة الاعتداء: -
عقوبة الاعتداء تكون بحسب نوعه، وما نتج عنه، فإن كان الاعتداء أدى إلى إتلاف النفس أو أحد الأطراف ففيه القصاص أو الدية، وإن كان التعدي على ما فيه عقوبة حدية ففيه الحد، وإن أدى إلى إتلاف المال ففيه الضمان.
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( عدا )
(2) - الموسوعة الفقهية 5/202
(3) - موسوعة نظرة النعيم (10/4957).
(4) - سنن البيهقي الكبرى الحديث رقم ( 20283 )(1/122)
58 -اعتراض
1 - التعريف:-
الاعتراض في اللغة: المَنْعُ، والتصدي للشيء، يقال: اعتَرَضَ الشيءُ دون الشيء أَي حال دونه. ويقال: اعترَض في الأمر فلانٌ، إذا أدخَلَ نفسَه فيه، وعارَضْتُ فلانًا في الطَّريق، وعارَضْتُه بالكتاب(1).
وفي الاصطلاح: هو إنكار صحة الدعوى أو الدليل(2).
وفي القانون: الاعتراض طعن يرمي إلى رجوع المحكمة عن الحكم الصادر عنها أو تعديله لصالح المعترض(3).
2 - الاعتراض على الأحكام القضائية:
إن كان الحكم قد وقع وفقا للكتاب والسنة والمعترض يعلم ذلك فليس له الحق أن يعترض، وإن اعترض مع علمه بذلك فهو آثم لأن اعتراضه في الحقيقة يكون طعنا في أحكام الشريعة، وإن كان تبين للمعترض أن الحكم وقع خلاف الكتاب والسنة، أو جهل الأمر فله حق الاعتراض، وطلب رفع الحكم إلى الجهة القضائية العليا لتدقيقه، فإذا جرى تدقيقه من الجهة القضائية الأعلى من القاضي وتصديقه فلا يصح الاعتراض عليه.
3 - من له حق الاعتراض: -
أ - المدعي العام: له حق الاعتراض إذا رأى أن الحكم الصادر من المحكمة غير رادع.
ب - المحكوم عليه: إذا رأى أن الحكم عليه فيه شدة.
ج - المدعي بالحق الخاص إذا كان لديه ما يؤيد اعتراضه.
وقد بينت المادة ( 9 ) من نظام الإجراءات الجزائية أن الأحكام الجزائية قابلة للاعتراض عليها من المحكوم عليه أو من المدعي العام.
وجاء في خطاب وزير العدل الموجه لسمو وزير الداخلية برقم 1270 وتاريخ 28/7/1391هـ النص التالي: (.. ونفيدكم أننا نرى في حالة ما إذا رأى المدعي العام أن الحكم الجزائي الصادر من المحكمة إزاء الحق العام غير رادع فعليه أن يبدي اعتراضه على ذلك ليجري رفع الحكم إلى هيئة التمييز لتدقيقه حسب التعميم الصادر منا برقم 126 وتاريخ 25/7/1391هـ المبلغ لجميع المحاكم في المملكة ).
__________
(1) - أنظر لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة، مادة ( عرض ).
(2) - الموسوعة الفقهية الميسرة 1/237.
(3) - معجم المصطلحات صفحة ( 58).(1/123)
4 - ضوابط الاعتراض الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
ورد في الباب السابع من النظام النص على أن الاعتراض على الأحكام الجزائية يكون بأحد طريقين: أحدهما: طلب تمييز الحكم ؛ والآخر: إعادة النظر.
* أولا: الاعتراض بطلب التمييز:
1 - يحق للمتهم وللمدعي العام والمدعي بالحق الخاص طلب تمييز كل حكم صادر في جريمة بالإدانة ، أو بعدمها ، أو بعدم الاختصاص. وعلى المحكمة إعلامهم بهذا الحق حال النطق بالحكم. ( م/193 )
2 - مدة الاعتراض بطلب التمييز ثلاثون يوماً من تاريخ تسلم صورة الحكم. وتحدد المحكمة بعد النطق بالحكم موعداً أقصاه عشرة ... ( م/194 )
3 - إذا لم يقدم طالب التمييز لائحة الاعتراض خلال المدة المنصوص عليها في المادة الرابعة والتسعين بعد المائة ترفع المحكمة الحكم إلى محكمة التمييز خلال خمسة وأربعين يوماً من تاريخ النطق بالحكم... ( م/195 )
4 - تقدم اللائحة الاعتراضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم مشتملة على بيان الحكم المعترض عليه وتاريخه والأسباب التي بني عليها وطلبات المعترض والأسباب التي تؤيد اعتراضه. ( م/196 )
5 - ينظر من أصدر الحكم المعترض عليه اللائحة الاعتراضية من ناحية الوجوه التي بني عليها الاعتراض من غير مرافعة ما لم يظهر مقتضى لها. فان ظهر له ما يقتضي تعديل الحكم عدله، وإلا أيد حكمه ورفعه مع كل الأوراق إلى محكمة التمييز، أما إذا عدله فيبلغ الحكم المعدل إلى المعترض وإلى باقي الخصوم وتسري عليه في هذه الحالة الإجراءات المعتادة. ( م/197 )
6 - تنظر محكمة التمييز الشروط الشكلية في الاعتراض وما إذا كان صادراً ممن له حق طلب التمييز ثم تقرر قبول الاعتراض أو رفضه شكلاً فإذا كان الاعتراض مرفوضاً من حيث الشكل فتصدر قراراً مستقلاً بذلك.(م/198)
7 - تفصل محكمة التمييز في موضوع الاعتراض استناداً إلى ما يوجد في الملف من الأوراق ولا يحضر الخصوم أمامها ما لم تقرر ذلك. ( م/199 )(1/124)
8 - لمحكمة التمييز أن تأذن للخصوم بتقديم بينات جديدة لتأييد أسباب اعتراضهم ولها أن تتخذ كل إجراء يعينها على الفصل في الموضوع.(م/200)
9 - الأحكام التي تصدر في موضوع الدعوى بناء على طلب إعادة النظر يجوز الاعتراض عليها بطلب تمييزها ما لم يكن الحكم صادراً من محكمة التمييز فيجب التقيد بما ورد في المادة الخامسة بعد المائتين من هذا النظام. (م/212 )
* ثانيا: الاعتراض بطلب إعادة النظر:
1 - بينت المادة (206) من نظام الإجراءات الجزائية أنه يجوز لأي من الخصوم أن يطلب إعادة النظر في الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في الأحوال آلاتية:
أ - إذا حكم على المتهم في جريمة قتل ثم وجد المدعى قتله حياً.
ب - إذا صدر حكم على شخص من أجل واقعة ثم صدر حكم على شخص آخر من أجل الواقعة ذاتها، وكان بين الحكمين تناقض يفهم منه عدم إدانة أحد المحكوم عليهما.
ج - إذا كان الحكم قد بُنِيَ على أوراق ظهر بعد الحكم تزويرها أو بني على شهادة ظهر بعد الحكم أنها شهادة زور.
د - إذا كان الحكم بُنِيَ على حكم صادر من إحدى المحاكم ثم ألغي هذا الحكم.
هـ- إذا ظهر بعد الحكم بيِّنَات أو وقائع لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه البيِّنَات أو الوقائع عدم إدانة المحكوم عليه أو تخفيف العقوبة.
2 - يرفع طلب إعادة النظر بصحيفة تقدم إلى المحكمة التي أصدرت الحكم، ويجب أن تشتمل صحيفة الطلب على بيان الحكم المطلوب إعادة النظر فيه وأسباب الطلب. ( م/207 )
3 - تنظر المحكمة في طلب إعادة النظر وتفصل أولا في قبول الطلب من حيث الشكل ، فإذا قبلته حددت جلسة للنظر في الموضوع وعليها إبلاغ أطراف الدعوى. ( م/208 )
4 - كل حكم صادر بعدم الإدانة بناء على طلب إعادة النظر يجب أن يتضمن تعويضاً معنوياً ومادياً للمحكوم عليه لما أصابه من ضرر إذا طلب ذلك.(م/210)
5 - إذا رفض طلب إعادة النظر فلا يجوز تجديده بناء على الوقائع نفسها التي بني عليها. ( م/211 )(1/125)
6 - الأحكام التي تصدر في موضوع الدعوى بناء على طلب إعادة النظر يجوز الاعتراض عليها بطلب تمييزها ما لم يكن الحكم صادراً من محكمة التمييز فيجب التقيد بما ورد في المادة الخامسة بعد المائتين من هذا النظام. (م/212 )
***(1/126)
59 -اعتراف
1 - التعريف: -
الاعتراف في اللغة: الإقرار واصله إظهار معرفة الذنب، يقال: اعْتَرَفَ به: أَقَرَّ ، واعتَرفْتُه: سَألتُهُ عن خَبَرٍ ليَعْرِفَه ُ (1).
وفي الاصطلاح: هو الإقرار بالذنب. قال تعالى: { )فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ الملك الآية 11]
2 - تصديق الاعتراف: -
لم يرد في نظام الإجراءات الجزائية نص على تصديق اعتراف المتهم، لكن ورد في المادة ( 138 ) من نظام مديرية الأمن العام أن على المحقق أن يبذل كلما في وسعه لتأييد صحة الاعتراف ؛ بالإضافة إلى أن هناك بعض التعليمات التي تنص على تصديق الاعتراف، ومنها:
أ - تعميم معالي وزير العدل رقم 45/2/ت وتاريخ 5/3/1392هـ جاء فيه النص التالي: (... تخصيص وقت لتسجيل الاعترافات والمحاكمة الخاصة بالمخدرات عموما حيث تقتصر الجلسة على فضيلة القاضي وكاتب الضبط...).
ب - تعميم وزير العدل رقم 41/3/ت وتاريخ 24/2/1396هـ جاء فيه النص التالي: (... إلحاقا لتعميم سماحة رئيس القضاة - رحمه الله - رقم 3222 في 19/10/1382هـ بشأن تسجيل اعتراف المجرمين في أي وقت كان سواء في وقت الدوام أو خارجه إذا كانت الجناية قتلا. وبناء على أمر صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 1585 في 23/1/1396هـ القاضي بأخذ إفادة المجرم وتسجيل اعترافه سواء كانت الجريمة قتلاً أو غيره في أي وقت سواء وقت الدوام أو غيره أو خارجه لأن تأخير تسجيل اعتراف المجرم قد يحمله على كتمان الجريمة وقد تزول معالمها).
ج - قضى الأمر السامي الكريم رقم 5376 في 25/8/1399هـ بما يلي:
(.... إذا سجل اعتراف مجرمي القتل فلا يكتفى بقاض واحد بل لابد من رئيس المحكمة أن يسجل الاعتراف ).
__________
(1) - أنظر القاموس المحيط، ولسان العرب مادة ( عرف ).(1/127)
د - وصدرت الموافقة السامية الكريمة برقم 4/ث/7720 في 26/3/1400هـ على ما رأته وزارة العدل بان يكون تطبيق الأمر السامي السابق على المحاكم التي فيها أكثر من قاض، أما المحاكم الفردية فيكتفى بقاضيها في تسجيل الاعتراف بالقتل.
***(1/128)
60 -إعدام
الإعدام في اللغة: مصدر أعدم ، وهو تنفيذ الحكم بالموت(1).
وفي الاصطلاح الجنائي: معاقبة الإنسان بإزهاق روحه بالموت. (للمزيد أنظر مصطلح: قتل )
***
__________
(1) - أنظر معجم الرائد في اللغة، مادة ( عدم ).(1/129)
61 -إغماء
1 - التعريف:-
الإغماء في اللغة: الغشو وفقدان الوعي، يقال: غُمِيَ على المريض وأُغْمِيَ عليه: غُشِيَ عليه ثم أَفاقَ.وأُغْمِيَ على فلان إِذا ظُنَّ أَنه ماتَ، ثم يَرْجِع حيّاً(1).
وفي الاصطلاح: الإغماء آفة تعطل القوى المدركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا(2).
وفي المصطلح الطبي: الإغماء هو الغيبوبة، أو فقدان الوعي، لفترة قد تطول وقد تقصر(3). وهذا هو المقصود هنا.
2 - أسباب الإغماء:
أسباب الإغماء كثيرة جدا، فقد يحصل نتيجة بعض الأمراض، كالداء السكري، والصرع، وغيره من الأمراض، وقد يحصل نتيجة الرَّض الشديد، كالضرب على الرأس، وقد يحصل بسبب الرعب الشديد أو بسبب الأزمات العاطفية الحادة، كالفجيعة بموت شخص عزيز، ونحوها(4).
وقد يحصل الإغماء نتيجة الإفراط في تعاطي المخدرات والمسكرات، أو المذيبات الطيارة، أو الإفراط في استعمال بعض الأدوية.
3 - أثر الإغماء في الجنايات:
الإغماء العارض إذا لم يكن سببه نتيجة لتعاطي المخدرات أو المسكرات، تسقط معه المؤاخذة وفهم الخطاب ، فإن حالة المغمى عليه هي ستر للعقل ينشأ عنه فقد للوعي وفقد للاختيار ، لذلك كان سبباً من أسباب عدم المؤاخذة بالنسبة لحقوق الله تعالى. أما بالنسبة لحقوق العباد فإنها لا تسقط، فإذا وقعت منه جرائم أخذ بها. فإذا انقلب النائم على غيره فمات فإنه يعامل معاملة المخطئ وتجب عليه الدية ، وإذا أتلف مال إنسان وهو مغمى عليه وجب عليه ضمان ما أتلف(5).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( غما ).
(2) - الموسوعة الفقهية (4/258).
(3) - الموسوعة الطبية صفحة 94
(4) - الموسوعة الطبية صفحة (94)
(5) - لموسوعة الفقهية 5/271 ( بتصرف يسير ).(1/130)
62 -أفيون
الأفيون: عصارة لينة يستخرج من الخشخاش ، ويحتوي على ثلاث مواد منومة منها المورفين. ( للمزيد أنظر مصطلح: مخدرات )
***(1/131)
63 -إقرار:
1 - التعريف:
الإقرار في اللغة له عدة معان منها: الاعتراف، والإذعان، قال الخليل: الإِقرار: الاعتِرافُ بالشيء. وقال الفيروزآبادي:الإقْرارُ: الإذْعانُ للحَقِّ(1).
وفي الاصطلاح: إظهار مكلف مختار ما عليه لفظا، أو كتابة أو إشارة من أخرس أو على موكله أو موليه أو مورثه بما يمكن صدقه(2).
2 - دليل مشروعية الإقرار:
ثبتت حجية الإقرار بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
قال ابن قدامة رحمه الله: ( والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ } إلى قوله تعالى: { )وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي } . { آل عمران آية 81 } . وقال تعالى: { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ } { التوبة آية 102 } . وقال تعالى: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } { الأعراف 172 } . في آي كثيرة مثل هذا.
وأما السنة فما روي أن ماعزا أقر بالزنى ، فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الغامدية ، وقال: { واغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها } (3).
وأما الإجماع ، فإن الأمة أجمعت على صحة الإقرار.
__________
(1) - كتاب العين، والقاموس المحيط، مادة ( قر )
(2) - كشاف القناع 6/483
(3) - حديث ماعز رواه البخاري برقم ( 6815) ومسلم برقم ( 1695 ) وحديث الغامدية رواه مسلم برقم ( 1695 )، وحديث العسيف رواه البخاري برقم ( 6842 ) ومسلم برقم ( 1697 ).(1/132)
ولأن الإقرار إخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة ، فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضر بها ، ولهذا كان آكد من الشهادة ، فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة ، وإنما تسمع إذا أنكر ، ولو كذب المدعي ببينة لم تسمع، وإن كذب المقر ثم صدقه سمع ) (1).
3 - حجية الإقرار:
الإقرار خبر ، فكان محتملا للصدق والكذب باعتبار ظاهره ، ولكنه جعل حجة لظهور رجحان جانب الصدق فيه ، إذ المقر غير متهم فيما يقر به على نفسه. قال ابن القيم: الحكم بالإقرار يلزم قبوله بلا خلاف.
والأصل أن الإقرار حجة بنفسه، فهو أقوى ما يحكم به، وهو مقدم على البينة ؛ ولهذا يبدأ الحاكم بالسؤال عنه قبل السؤال عن الشهادة.
قال القاضي أبو الطيب: ولهذا لو شهد شاهدان للمدعي ثم أقر المدعى عليه حكم بالإقرار وبطلت الشهادة. ولذا قيل: إنه سيد الحجج. على أن حجيته قاصرة على المقر وحده لقصور ولاية المقر عن غيره فيقتصر عليه. فلا يصح إلزام أحد بعقوبة نتيجة إقرار آخر بأنه شاركه في جريمته. وهذا ما جرى عليه القضاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد زنى بامرأة - سماها - فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال، فأنكرت فحده وتركها(2).
4 - من يصح إقراره:
__________
(1) - المغني 7/262
(2) - الموسوعة الفقهية 6/48(1/133)
قال ابن قدامة: ( ولا يصح الإقرار إلا من عاقل مختار ، فأما الطفل ، والمجنون، والمبرسم، والنائم، والمغمى عليه ، فلا يصح إقرارهم. لا نعلم في هذا خلافا. وقد قال عليه الصلاة والسلام: { رفع القلم عن ثلاثة ; عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ } (1). فنص على الثلاثة ، والمبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون والنائم. ولأنه قول من غائب العقل، فلم يثبت له حكم، كالبيع والطلاق. وأما الصبي المميز, فإن كان محجورا عليه، لم يصح إقراره، وإن كان مأذونا له, صح إقراره في قدر ما أذن له فيه. قال الإمام أحمد في رواية مهنا, في اليتيم: إذا أذن له في التجارة وهو يعقل البيع والشراء, فبيعه وشراؤه جائز. وإن أقر أنه اقتضى شيئا من ماله، جاز بقدر ما أذن له وليه فيه ) (2).
5 - إقرار السكران ومن زال عقله بجنون أو غيره:
جاء في كشاف القناع: ( ويصح إقرار سكران بمعصية لأن أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي كطلاق، وكذا من زال عقله بمعصية كمن شرب ما يزيل عقله عامدا لغير حاجة فيؤاخذ بإقراره. و لا يصح إقرار من زال عقله بسبب مباح أو بسبب معذور فيه لأنه غير عاقل ولا معصية تغلظ عليه لأجلها )(3).
6 - إقرار المكره بالضرب ونحوه:
قال في كشاف القناع: ( ولا يصح إقرار مكره لحديث { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } (4)، إلا أن يقر بغير ما أكره عليه ، مثل أن يكره على أن يقر لزيد فيقر لعمرو أو على أن يقر بدراهم فيقر بدنانير أو على الإقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها أو على أن يقر بطلاق امرأة فيقر بعتق عبد ، فيصح إقراره إذن لأنه أقر بغير ما أكره عليه فصح كما لو أقر به ابتداء )(5).
__________
(1) - رواه أبو داود حديث رقم ( 4401 )
(2) - المغني 7/262
(3) - كشاف القناع 6/484
(4) - رواه الحاكم في المستدرك حديث رقم ( 2801 ) وابن حبان في صحيحه حديث رقم ( 7219 )
(5) - كشاف القناع 6/485(1/134)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( واختلف العلماء إذا أقر حال الامتحان بالحبس أو الضرب: هل يسوغ ذلك ؟ فمنهم من قال: يؤخذ بذلك الإقرار إذا ظهر صدقه: مثل أن يخرج السرقة بعينها ولو رجع عن ذلك بعد الضرب لم يقبل ; بل يؤخذ به وهذا قول أشهب في القاضي والوالي وهو الذي ذكره القاضيان الماوردي وأبو يعلى في الوالي. ومنهم من قال: لا بد من إقرار آخر بعد الضرب وإذا رجع عن الإقرار لم يؤخذ به. وهذا قول ابن القاسم وكثير من الشافعية والحنبلية وغيرهم )(1).
7 - الرجوع عن الإقرار:
إن كان الرجوع عن الإقرار يتعلق بحق من حقوق الله تعالى التي تُدرأ بالشبهات، كالرجوع عن الإقرار بالزنا مثلا، فيجوز للمقر الرجوع سواء ادعى الإكراه أو عدمه. أما إن كان المقر قد أقر بحق لآدمي ثم رجع عن الإقرار فلا يصح منه الرجوع.
قال البهوتي: ( ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به إلا فيما كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه كما تقدم في مواضعه لأن الحد يدرأ بالشبهة وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه أي المقر عنها أي عن الإقرار بها )(2).
__________
(1) - مجموع الفتاوى 35/404
(2) - كشاف القناع 6/506(1/135)
وقال أيضا: ( ومن أقر بحق ثم ادعى أنه كان مكرها لم يقبل منه دعوى الإكراه لأن الأصل عدمه ، إلا ببينة لحديث { البينة على المدعي } (1)، إلا أن تكون هناك دلالة على الإكراه كقيد وحبس وتوكل به أي ترسيم عليه فيكون القول قوله مع يمينه، لأنه دليل الإكراه ؛ قال الأزجي: أو أقام بينة بأمارة الإكراه استفاد بها أن الظاهر معه فيحلف ويقبل قوله قال في النكت: وعلى هذا تحرم الشهادة عليه وكتب حجة عليه وما أشبه ذلك في هذه الحال، وتقدم بينة إكراه على بينة طواعية لأن معها زيادة علم ؛ وإن قال من ظاهره الإكراه علمت أني لو لم أقر أيضا أطلقوني فلم أكن مكرها لم يصح قوله ذلك ولم يمنع كونه مكرها لأنه ظن منه فلا يعارض يقين الإكراه، لقوة اليقين قال في الفروع: وفيه احتمال لاعترافه بأنه أقر طوعا، ونقل أبو هانئ فيمن تقدم إلى سلطان فهدده فيدهش فيقر يؤخذ به فيرجع ويقول هددني، ودهشت يؤخذ وما علمته أنه أقر بالجزع والفزع )(2).
8 - إقرار من أقر بغير لغته وادعى عدم علمه بما أقر به:
قال البهوتي: ( وإن أقر العربي بالعجمية ، أو بالعكس بأن أقر الأعجمي بالعربية، وقال لم أدر ما قلت فقوله مع يمينه لأنه أدرى بنفسه والظاهر معه)(3).
9 - تصديق الإقرار شرعا: - ( راجع مصطلح: اعتراف )
***
__________
(1) - رواه الترمذي الحديث رقم ( 1341 ).
(2) - كشاف القناع 6/485
(3) - كشاف القناع 6/496(1/136)
64 -إكراه
1 - التعريف:-
في اللغة: الإكراه الإجبار وهو الحمل على فعل الشيء كارها، وكَرِهَ من كراهة وكراهية بالتخفيف وهي ضد الطواعية والكُره بالضم المشقة والكَره بالفتح تكليف ما يكره فعله وقيل هما لغتان في المشقة(1).
وفي اصطلاح الإكراه: هو إجبار أحدٍ على أن يعمل عملاً بغير حق من دون رضاه بالإخافة ويقال له المكرَه ( بفتح الراء ) ويقال لمن أجبره : مُجْبِر , ولذلك العمل : مكره عليه , وللشيء الموجب للخوف: مكره به(2).
وفي المصطلح الجنائي: هو أن يحمل إنسان إنسانا آخر ماديا أو معنويا على تحقيق سلوك إجرامي معين، ما كان ليقبله أو يحققه إذا ما تحققت له حرية الاختيار الكاملة(3).
2 - شروط تحقق الإكراه:-
1 - قدرة المكرِه - بكسر الراء - على إيقاع ما هدد به، لكونه متغلبا ذا سطوة وبطش، وإن لم يكن سلطانا ولا أميرا، ذلك أن تهديد غير القادر لا اعتبار له.
2 - خوف المكرَه - بفتح الراء - من إيقاع ما هدد به، حتى ولو كان مؤجلا؛ والمقصود بخوف الإيقاع غلبة الظن، ذلك أن غلبة الظن معتبرة عند عدم الأدلة، وتعذر التوصل إلى الحقيقة.
3 - أن يكون ما هدد به قتلا أو إتلاف عضو، ولو بإذهاب منفعته.
4 - أن يكون المكَره ممتنعا عن الفعل المكره عليه لولا الإكراه.
5 - أن يكون محل الفعل المكره عليه متعينا.
6 - ألا يكون للمكره مندوحة عن الفعل المكره عليه، فإن كانت له مندوحة عنه، ثم فعله لا يكون مكرها عليه.
3 - أقسام الإكراه: -
ينقسم الإكراه إلى: إكراه بحق ، وإكراه بغير حق، وبيان ذلك:
أ - الإكراه بحق:
هو الإكراه المشروع ، أي الذي لا ظلم فيه ولا إثم. وهو ما توافر فيه أمران:
الأول: أن يحق للمكره التهديد بما هدد به.
الثاني: أن يكون المكره عليه مما يحق للمكره الإلزام به.
__________
(1) - طلبة الطلبة مادة ( كره ).
(2) - درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 2/658
(3) - عبدا لفتاح خضر /الجريمة صفحة ( 366 )(1/137)
وعلى هذا فإكراه المرتد على الإسلام إكراه بحق، حيث توافر فيه الأمران، وكذلك إكراه المدين القادر على وفاء الدين، وإكراه المولي على الرجوع إلى زوجته أو طلاقها إذا مضت مدة الإيلاء. والعلماء عادة يقولون إن الإكراه بحق، لا ينافي الطوع الشرعي وإلا لم تكن له فائدة، ويجعلون من أمثلته إكراه المدين والمحتكر على البيع ، وكذلك من له أرض بجوار المسجد أو المقبرة أو الطريق يحتاج إليها من أجل التوسيع، ومن معه طعام يحتاجه مضطر.
ب - الإكراه بغير حق:
الإكراه بغير حق هو الإكراه ظلما، أو الإكراه المحرم، لتحريم وسيلته، أو لتحريم المطلوب به. كالإكراه على ارتكاب فعل محرم مثل القتل أو شرب الخمر.
وهذا النوع يقسمه فقهاء الحنفية إلى إكراه ملجئ وغير ملجئ.(1/138)
فالإكراه الملجئ عندهم: هو الذي يكون بالتهديد بإتلاف النفس أو عضو منها، أو بإتلاف جميع المال، أو بقتل من يهم الإنسان أمره. وحكم هذا النوع أنه يعدم الرضا ويفسد الاختيار ولا يعدمه. أما إعدامه للرضا، فلأن الرضا هو الرغبة في الشيء والارتياح إليه، وهذا لا يكون مع أي إكراه. وأما إفساده للاختيار دون إعدامه، فلأن الاختيار هو: القصد إلى فعل الشيء أو تركه بترجيح من الفاعل، وهذا المعنى لا يزول بالإكراه، فالمكره يوقع الفعل بقصده إليه، إلا أن هذا القصد تارة يكون صحيحا سليما, إذا كان منبعثا عن رغبة في العمل, وتارة يكون فاسدا، إذا كان ارتكابا لأخف الضررين، وذلك كمن أكره على أحد أمرين كلاهما شر، ففعل أقلهما ضررا به، فإن اختياره لما فعله لا يكون اختيارا صحيحا, بل اختيارا فاسدا. والإكراه غير الملجئ هو: الذي يكون بما لا يفوت النفس أو بعض الأعضاء، كالحبس لمدة قصيرة، والضرب الذي لا يخشى منه القتل أو تلف بعض الأعضاء. وحكم هذا النوع أنه يعدم الرضا ولكن لا يفسد الاختيار، وذلك لعدم اضطرار المكره إلى الإتيان بما أكره عليه، لتمكنه من الصبر على تحمل ما هدد به بخلاف النوع الأول(1).
4 - الإكراه على الانتحار:
إذا أكره شخص غيره إكراها ملجئا ليقتل الغير نفسه , بأن قال له: اقتل نفسك وإلا قتلتك , فليس له أن يقتل نفسه , وإلا يعد منتحرا وآثما , لأن الْمُكْرَهَ عليه لا يختلف عن الْمُكْرَهِ به , فكلاهما قتل , فلأن يقتله الْمُكْرِهُ أولى من أن يقتل هو نفسه. ولأنه يمكن أن ينجو من القتل بتراجع المكرِه , أو بتغير الحالة بأسباب أخرى , فليس له أن ينتحر ويقتل نفسه(2).
5 - الآثار المترتبة على الإكراه:-
__________
(1) - أنظر التقسيمات السابقة في الموسوعة الفقهية 6/104- 105، وبدائع الصنائع 7/175 ( بتصرف يسير ).
(2) - الموسوعة الفقهية 6/289(1/139)
قال ابن حزم رحمه الله: ( الإكراه ينقسم قسمين: إكراه على كلام، وإكراه على فعل: فالإكراه على الكلام لا يجب به شيء, وإن قاله المكره, كالكفر, والقذف, والإقرار, والنكاح, والإنكاح, والرجعة, والطلاق, والبيع, والابتياع, والنذر, والإيمان, والعتق, والهبة, وإكراه الذمي الكتابي على الإيمان, وغير ذلك ; لأنه في قوله ما أكره عليه إنما هو حاك للفظ الذي أمر أن يقوله, ولا شيء على الحاكي بلا خلاف ومن فرق بين الأمرين فقد تناقض قوله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } (1) فصح أن كل من أكره على قول ولم ينوه مختارا له فإنه لا يلزمه. والإكراه على الفعل ينقسم قسمين:
أحدهما: كل ما تبيحه الضرورة، كالأكل والشرب فهذا يبيحه الإكراه ; لأن الإكراه ضرورة، فمن أكره على شيء من هذا فلا شيء عليه ; لأنه أتى مباحا له إتيانه.
والثاني: ما لا تبيحه الضرورة، كالقتل، والجراح، والضرب، وإفساد المال، فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء من ذلك لزمه القود والضمان ; لأنه أتى محرما عليه إتيانه )(2).
***
__________
(1) - الحديث رواه البخاري في صحيحه برقم ( 54 ) ومسلم برقم ( 1907 ).
(2) - المحلى بالآثار 7/203(1/140)
65 -أمارة
1 - التعريف:-
الأمارة في اللغة: العلامة(1).
وفي الاصطلاح: هي التي يلزم من العلم بها الظن بوجود المدلول، كالغيم بالنسبة للمطر، فإنه يلزم من العلم به الظن بوجود المطر(2).
2 - الأصل في مشروعية الاستدلال بالأمارة والحكم بها:
قال ابن فرحون رحمه الله: ( والأصل في الأمارة ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله حين أراد السفر إلى خيبر: { إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإذا طلب منك آية فضع يدك على ترقوته } (3)، فأقام العلامة مقام البينة )(4).
3 - من صور الأمارات:
يرى أغلب الفقهاء أن نبات شعر العانة الخشن أمارة على البلوغ ، وكذلك يرى البعض أن فرق أرنبة الأنف، وغلظ الصوت وشهود الثدي، ونتن الإبط، أمارات على البلوغ.
4 - الاستدلال بالأمارات والحكم بها(5):
الاستدلال بالأمارات والحكم بها محل خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يرى ذلك عملا بقول الله سبحانه: { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } [يوسف 18 ]. روي أن اخوة يوسف لما أتوا بقميص يوسف إلى أبيهم يعقوب، تأمله فلم يجد فيه خرقا ولا أثر ناب، فاستدل بذلك على كذبهم. وقد خصص العلامة ابن فرحون الباب المتمم السبعين من تبصرته في القضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات وحكم الفراسة، وأيد الحكم بها بأدلة من الكتاب والسنة، وذكر ما يربو عن ستين مسألة منها ما هو متفق عليه، ومنها ما تفرد به بعضهم.
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( أمر ).
(2) - معجم المصطلحات الفقهية 1/279
(3) - الحديث رواه أبو داود برقم ( 3632 ).
(4) - تبصر الحكام 2/135
(5) - أنظر: الموسوعة الفقهية 6/195(1/141)
وبعضهم لا يرى العمل بالأمارات والقرائن، مستدلا بما أخرجه ابن ماجة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها(1).
***
__________
(1) - الحديث بهذا النص عند ابن ماجة برقم ( 2559 ) وفي البخاري نحوه برقم ( 6856 ) وفي مسلم برقم ( 1497 )(1/142)
66 -إمارة
1 - التعريف:-
الإمارة بالكسر، والإمرة: الولاية، يقال: أَمَرَ الرجلُ يَأْمُرُ إِمارةً إِذا صار عليهم أَميراً (1).
وفي الاصطلاح : الإمارة هي: الرئاسة العليا في دولة من الدول، أو في بلد من البلدان.
2 - تقسيم الإمارة، وحكمها التكليفي:
تنقسم الإمارة إلى عامة وخاصة:
أما العامة: فالمراد بها الخلافة أو الإمامة الكبرى، وهي فرض كفاية.
وأما الإمارة الخاصة: فهي لإقامة فرض معين من فروض الكفاية دون غيره، كالقضاء والصدقات والجند إذا دعت الحاجة إلى ذلك التخصيص. وقد يكون التخصيص مكانيا، كالإمارة على بلد أو إقليم خاص. كما يكون زمانيا، كأمير الحاج ونحوه. والإمارة الخاصة من المصالح العامة للمسلمين والمنوطة بنظر الإمام. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينيب عنه عمالا على القبائل والمدن، وفعل ذلك الخلفاء الراشدون. وعدها أصحاب كتب الأحكام السلطانية من الأمور اللازمة على الإمام، فيجب عليه أن يقيم الأمراء على النواحي والجيوش والمصالح المتعددة فيما لا يستطيع أن يباشره بنفسه(2).
3 - حكم نصب الإمام أو الأمير:
كما مر في الفقرة السابقة أن الإمارة على نوعين إمارة عامة وهي الإمامة الكبرى، وإمارة خاصة وهي ما يقوم به الإمام من إسناد إمارة إقليم أو منطقة أو عمل من الأعمال إلى شخص معين.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( أمر )
(2) - الموسوعة الفقهية 6/196(1/143)
فأما الإمارة العامة ( الإمامة الكبرى ): فقد أجمعت الأمة على وجوب عقد الإمامة , وعلى أن الأمة يجب عليها الانقياد لإمام عادل ، يقيم فيهم أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرج عن هذا الإجماع من يعتد بخلافه. ويستدل لذلك ، بإجماع الصحابة والتابعين ، وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم ، بمجرد أن بلغهم نبأ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بادروا إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة ، واشترك في الاجتماع كبار الصحابة، وتركوا أهم الأمور لديهم في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشييع جثمانه الشريف، وتداولوا في أمر خلافته. وهم وإن اختلفوا في بادئ الأمر حول الشخص الذي ينبغي أن يبايع، أو على الصفات التي ينبغي أن تتوفر فيمن يختارونه، فإنهم لم يختلفوا في وجوب نصب إمام للمسلمين، ولم يقل أحد مطلقا إنه لا حاجة إلى ذلك، وبايعوا أبا بكر رضي الله عنه، ووافق بقية الصحابة الذين لم يكونوا حاضرين في السقيفة، وبقيت هذه السنة في كل العصور، فكان ذلك إجماعا على وجوب نصب الإمام (1).
وأما الإمارة الخاصة: فيجب على إمام المسلمين أن ينصب لكل إقليم من أقاليم المسلمين أميرا ، ولكل بلد من بلدانهم أميرا ، ولكل مصلحة من مصالحهم أميرا ، ويجوز له أن ينيب أمراء المناطق في تعيين أمراء البلدان الواقعة في مناطقهم أو أمراء المصالح الخاصة بمناطقهم.
4 - واجبات الإمام:
قال الماوردي رحمه الله: (والذي يلزم سلطان الأمة من أمورها سبعة أشياء:
أحدها: حفظ الدين من تبديل فيه ، والحث على العمل به من غير إهمال له.
والثاني: حراسة البيضة والذب عن الأمة من عدو في الدين أو باغي نفسٍ أو مال.
والثالث: عمارة البلدان باعتماد مصالحها، وتهذيب سبلها ومسالكها.
والرابع: تقدير ما يتولاه من الأموال بسنن الدين من غير تحريف في أخذها وإعطائها.
__________
(1) - أنظر : الموسوعة الفقهية 6/216(1/144)
والخامس: معاناة المظالم والأحكام بالتسوية بين أهلها واعتماد النصفة في فصلها.
والسادس: إقامة الحدود على مستحقها من غير تجاوز فيها، ولا تقصير عنها.
والسابع: اختيار خلفائه في الأمور أن يكونوا من أهل الكفاية فيها، والأمانة عليها.
فإذا فعل من أفضى إليه سلطان الأمة ما ذكرنا من هذه الأشياء السبعة كان مؤديا لحق الله تعالى فيهم ، مستوجبا لطاعتهم ومناصحتهم ، مستحقا لصدق ميلهم ومحبتهم. وإن قصر عنها، ولم يقم بحقها وواجبها، كان بها مؤاخذا ثم هو من الرعية على استبطان معصية ومقت يتربصون الفرص لإظهارهما ويتوقعون الدوائر لإعلانهما )(1).
***
__________
(1) - أدب الدنيا والدين صفحة (206 )(1/145)
67 -أمن
1 - التعريف:
الأمن في اللغة والاصطلاح: ضد الخوف، وهو عدم توقع مكروه(1).
2 - أهمية الأمن وحاجة الناس إليه:-
الأمن للفرد وللمجتمع وللدول من أهم ما تقوم عليه الحياة، إذ به يطمئن الناس على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويتجه تفكيرهم إلى ما يرفع شأن مجتمعهم وينهض بأمتهم.
ومن طبائع المجتمعات البشرية - كما يقول ابن خلدون - حدوث الاختلاف بينهم ، ووقوع التنازع الذي يؤدي إلى المشاحنات والحروب، وإلى الهرج وسفك الدماء والفوضى ، بل إلى الهلاك إذا خلي بينهم وبين أنفسهم بدون وازع(2).
قال الماوردي: ( وأما القاعدة الرابعة: فهي أمن عام تطمئن إليه النفوس وتنتشر فيه الهمم ، ويسكن إليه البريء ، ويأنس به الضعيف. فليس لخائف راحة، ولا لحاذر طمأنينة. وقد قال بعض الحكماء، الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش ; لأن الخوف يقبض الناس عن مصالحهم، ويحجزهم عن تصرفهم، ويكفهم عن أسباب المواد التي بها قوام أودهم وانتظام جملتهم )(3).
3 - عقوبة ترويع الآمنين:
يجب على الولاة والقضاة إيقاع أشد العقوبة على من يروع الآمنين ويخيف السبيل ويحاول زعزعة أمن المسلمين ، لأن الأمن مطلب ضروري فمع وجوده تستقر الأمور ، وتؤدى العبادات ، ويأمن الناس على أنفسهم وأموالهم ، وإذا انعدم الأمن اضطربت الأمور وضُيِّعت العبادات ، وأصبح الضعيف فريسة للقوي ؛ وترويع الآمنين من جرائم الإرهاب التي مضى الكلام عليها في مادة: إرهاب.
***
__________
(1) - أنظر : لسان مادة ( أمن )، وأنيس الفقهاء صفحة ( 189 ).
(2) - مقدمة ابن خلدون صفحة 187.
(3) - أدب الدنيا والدين صفحة 215(1/146)
68 -انتحار
1 - التعريف:-
الانتحار في اللغة مصدر: انتحر، يقال: انْتَحَر الرجلُ: قَتَلَ نَفْسَه، وانتحر القومُ على الأمرِ: تَشاحُّوا عليه، فَكادَ بعضُهم يَنْحَرُ بعضاً(1).
ولم يستعمله الفقهاء بهذا المعنى. لكنهم عبروا عنه بقتل الإنسان نفسه(2).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قاتل في سبيل الله أشد القتال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { إنه من أهل النار } فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجرح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع منها سهما فانتحر بها.
وفي الحديث نفسه: { انتحر فلان فقتل نفسه } رواه البخاري ومسلم(3)
ويطلق الانتحار على قتل الإنسان نفسه بأي وسيلة كانت، ولهذا ذكروا أحكامه باسم ( قتل الشخص نفسه ).
ويعرف أهل القانون الانتحار بأنه: زهق الروح عن سابق تصور وتصميم يقدم عليه المنتحر نفسه، لأسباب غالبا ما تكون مجهولة، إلا أن معظمها مرتبط بحالة نفسية ناتجة عن وضع يائس وتعيس كان يعانيه المنتحر ؛ وإذا فشل فإن عمله يعتبر محاولة انتحار ويحاكم بحسب القوانين المرعية(4).
2 - بم يتحقق الانتحار:
الانتحار نوع من القتل فيتحقق بوسائل مختلفة ، ويتنوع بأنواع متعددة كالقتل. فإذا كان إزهاق الشخص نفسه بإتيان فعل منهي عنه ، كاستعمال السيف أو الرمح أو البندقية أو أكل السم أو إلقاء نفسه من شاهق أو في النار ليحترق ، أو في الماء ليغرق ، وغير ذلك من الوسائل ، فهو انتحار بطريق الإيجاب. وإذا كان الإزهاق بالامتناع عن الواجب ، كالامتناع من الأكل والشرب وترك علاج الجرح الموثوق ببرئه، أو عدم الحركة في الماء أو في النار أو عدم التخلص من السبع الذي يمكن النجاة منه، فهو انتحار بطريق السلب.
3 - حكم الانتحار:
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( نحر ).
(2) - الموسوعة الفقهية 6/281
(3) - الحديث رواه البخاري برقم ( 4204 ) ومسلم برقم ( 111 ).
(4) - معجم القوانين صفحة (70 )(1/147)
الانتحار في كل الأحوال حرام بالاتفاق ، ويعتبر من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، قال الله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } [الأنعام 151]. وقال تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [النساء الآية 29 ] ؛ وقد قرر الفقهاء أن المنتحر أعظم وزرا من قاتل غيره، وهو فاسق وباغ على نفسه، حتى قال بعضهم: لا يغسل ولا يصلى عليه كالبغاة(1).
كما أن ظاهر بعض الأحاديث يدل على خلوده في النار، ومنها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا } (2).
4 - الإكراه على الانتحار:
أ ـ إذا أكره إنسان غيره إكراها ملجئا ليقتله، بأن قال له: اقتلني وإلا قتلتك، فقتله فهو في حكم الانتحار، وفي هذه الحالة لا يجب على القاتل القصاص ولا الدية عند الجمهور، لأن المكرَه - بفتح الراء- كالآلة بيد المكرِه في الإكراه التام (الملجئ) فينسب الفعل إلى المكرِه وهو المقتول، فصار كأنه قتل نفسه.
ب ـ إذا أكره شخص غيره إكراها ملجئا ليقتل نفسه، بأن قال له: اقتل نفسك وإلا قتلتك، فليس له أن يقتل نفسه، وإلا عُدَّ منتحرا آثما، لأن المكره عليه لا يختلف عن المكره به، فكلاهما قتل، فلأن يقتله المكرِه أولى من أن يقتل نفسه ؛ ولأنه يمكن أن ينجو من القتل بتراجع المكرِه، أو بتغير الحالة بأسباب أخرى ، فليس له أن ينتحر ويقتل نفسه(3).
5 - عقوبة المنتحر: -
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 6/283
(2) - البخاري حديث رقم ( 5778 ) ومسلم حديث رقم ( 109 ).
(3) - الموسوعة الفقهية 6/289(1/148)
لا خلاف بين الفقهاء في أنه إذا لم يمت من حاول الانتحار عوقب على محاولته الانتحار، لأنه أقدم على قتل النفس الذي يعتبر من الكبائر ؛ كذلك لا دية عليه سواء أكان الانتحار عمدا أم خطأ عند جمهور الفقهاء ، لأن العقوبة تسقط بالموت، ولأن وجوب الدية على العاقلة في الخطأ إنما كان مواساة للجاني وتخفيفا عنه، وليس على الجاني هاهنا شيء يحتاج إلى الإعانة والمواساة، فلا وجه لإيجابه(1).
ويرى ابن حزم رحمه الله وجوب القود على قاتل نفسه فقال: ( فقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب السم ليموت به قاتلا لنفسه، فوجب أن يكون عليه القود ، وظهر خطأ من أسقط هاهنا القود )(2).
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 6/293/296
(2) - المحلى بالآثار 11/233(1/149)
69 -انحراف ( الانحراف الفكري ):
1 - تعريفه:
الانحراف في اللغة: الميل ، والانْحِراف عن الشيء هو الميل عنه(1).
والفِكْرُ، بالكسر ويُفْتَحُ: إعمالُ النَّظَرِ في الشيءِ، وجمعه: أفْكارٌ. والفِكْر تردُّدُ القَلْب في الشيء: يقال تفكرّ إذا ردَّدَ قلبه معتبِرًا، ورجلٌ فِكّير: كثير الفِكر(2).
قال الراغب الأصفهاني: الفكرة قوة مطرقة إلى المعلوم ، والتفكر: جولان تلك القوة بحسب نظر العقل ، وذلك للإنسان دون الحيوان ، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب(3).
والانحراف الفكري: خلل يطرأ على الغريزة المدركة ، للعلوم الضرورية والنظرية ، والعمل بمقتضاها.
2 - مفهوم الانحراف وعلاقته بالجريمة:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( حرف )
(2) - أنظر مصطلح ( فكر ) في لسان العرب ، ومعجم مقاييس اللغة.
(3) - مفردات ألفاظ القرآن صفحة 643(1/150)
يعتبر مفهوم الانحراف من المفاهيم التي ما يزال الاختلاف حولها قائماً بين علماء الاجتماع والأخلاق والنفس والقانون الجنائي ؛ وأن ما يبدو لنا أنه انحراف فكري أو خلقي أو ديني قد يدعي سوانا أنه نوع من التحرر أو الحرية ، ومن ثم كانت معظم نتائج البحوث والدراسات التي تصدت إلى ظاهرة الانحراف مختلفة نتيجة اختلافها في تحديد مفهوم الانحراف. ولكن الشيء المؤكد أن مفهوم الجريمة يشمل الانحراف بينما الانحراف لا يشمل بالضرورة على الجريمة ، وبعبارة أخرى فإنه كلما وجدت الجريمة وجد الانحراف ، ولا يلزم مع وجود الانحراف وجود الجريمة ، فقد ينحرف الشخص ولكنه لا يعد مجرما إذا لم تتوافر في انحرافه أركان الجريمة ولا شروط المسؤولية الجنائية. والانحراف مثله مثل الجريمة قد يكون اجتماعياً وقد يكون خلقياً ودينياً وقد يكون قانونياً ؛ فإذا كان الانحراف عن قيم المجتمع ونظمه وتقاليده سمي انحرافاً اجتماعياً ، وإذا كان عن القيم والمبادئ الخلقية والتعاليم الدينية سمي انحرافاً خلقياً أو دينياً ، وإذا كان عن القواعد التي رسمتها القوانين الوضعية سمي انحرافاً قانونياً.
والسلوك المنحرف يعني في مفهومه العام كل فعل أو نشاط أو تصرف فيه خروج عن القيم ونظم وتقاليد المجتمع الدينية والخلقية والاجتماعية والقانونية ومن ثم عن معايير السلوك السوي.
وقد فرق بعض علماء الإجرام بين ( الفعل المنحرف ) و ( السلوك المنحرف ) حيث ذكروا أن الفعل المنحرف يرتكبه كثير من الناس دون أن يصبحوا منحرفين، بينما السلوك المنحرف يتميز باستمرارية النسبية مع الشخص المنحرف ويتمحور ميول واتجاهات الشخصية فيه حول النشاط المناهض للمجتمع.(1/151)
وعلى الدارس لاتجاهات الجريمة والانحراف أن يدرك جيداً أن هناك عدداً من العوامل والأسباب والمتغيرات المتشابكة والمتداخلة فيما بينها والمؤدية إلى ظاهرة الجريمة والانحراف(1).
3 - أسباب الانحراف:
العقل السليم نعمة من الله تعالى أنعم بها على بني آدم وخصهم بها وميزهم على سائر المخلوقات ، قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } [الإسراء آية 70 ]، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة وسط بين الإفراط والتفريط ، وما ضلت الفرق الضالة وما هلكت الطوائف الهالكة إلا بسبب التأويلات العقلية المخالفة للفطرة السليمة ، التي جرفتهم في تيار الغلو في الدين أو في التفلت منه وتعطيل شعائره.
وباستقراء أسباب الانحراف الفكري تبين أنها تعود لمصدرين رئيسيين هما: الانحراف الفكري باسم الدين ، والانحراف الفكري عن الدين.
وكثيرة هي أسباب الانحراف العقلي أو الفكري نوجزها فيما يلي:
أ - الغلو في الدين : وهو ظاهرة مذمومة نهى الله تعالى عنها، فقال: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } (النساء الآية 171) ونهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )(2).
والغلو في الدين أدى بأهل الكتاب إلى القول بتأليه عيسى عليه السلام ، ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها.
ب - ضعف الوازع الديني: فالذي ليس لديه عصمة بالكتاب والسنة ، ولا يعرف حسن الأمور من قبيحها يكون عرضة للتيارات الفكرية المعادية ، ويسهل التأثير عليه وجره تبعاً للأهواء والرغبات.
ج - تقديم العقل على النقل الصحيح: وهذا منهج المعتزلة.
__________
(1) - البحث العلمي والوقاية من الجريمة والانحراف ، صفحة ( 14 ). من إصدارات أكاديمية نايف.
(2) - أخرجه الإمام أحمد الحديث رقم ( 1851 ).(1/152)
يقول الإمام الشاطبي: ( إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل ).
د - الارتباط العالمي: فالعالم اليوم أصبح مرتبطا ببعضه ، وذلك من خلال وسائل الإعلام والاتصالات المختلفة.
هـ - السفر إلى الخارج: فالشخص ربما يلتقي بأشخاص لهم تقاليد وعادات مخالفة فيحصل التأثر به لا سيما الشباب.
و - تعاطي المخدرات والمسكرات وإدمانها : لأنها بدورها تتلف المخ الذي هو مركز الفكر السليم.
4 - من شبه المنحرفين فكرياً:
الشبه عند المنحرفين فكرياً كثيرة ونذكر منها على سبيل المثال:
أ - تكفيرهم لحكام المسلمين ، بحجة أن هؤلاء الحكام لا يحكمون بشرع الله ، وبالتالي فإنهم يرون أن طاعتهم غير واجبه ، وأن الخروج عليهم جائز.
ب - يصفون العلماء بالنفاق ويرون عدم السمع والطاعة لهم لمداهنتهم للحكام الظلمة في فكرهم.
ج - يرون جواز قتل الأجانب - الكفار - في أي مكان من العالم بحجة أن الحرب دائرة بينهم وبين المسلمين.
د - يكفرون رجال الأمن ويرون جواز قتلهم.
هـ - ينصبون أنفسهم ممثلين للمطالبة بالإصلاح وحقوق المجتمع.
5 - الأضرار الناتجة عن الانحراف:
ينتج عن الانحراف الفكري جملة من الأمور ومن أهمها:
أ - ظاهرة التكفير التي هي امتداد لفكر الخوارج.
ب - التعسير: ويقصد به التضييق على الناس وتكليفهم بما يشق عليهم.
ج - الغلظة والشدة والعنف: فتجد هؤلاء المنحرفين يعاملون الناس بغلظة وبشدة حتى في مجال الدعوة إلى الله والنصح التي تتطلب الحكمة والموعظة الحسنة.
د - الطعن في العلماء: وذلك برميهم بالخيانة والنفاق والمداهنة للسلطان، وأنهم لا يفقهون الواقع ، ولا يقومون بدورهم نحو الإسلام والمسلمين.
هـ - ظهور المفتين الجهَّال: وهذا نتيجة الحط من منزلة العلماء ، وقد ضل هؤلاء الجهال وأضلوا.(1/153)
و - سوء الظن: أي سوء الظن بالآخرين وافتراض المقاصد السيئة من أقوالهم وأفعالهم.
ز - التهويل: فقد يختلف البعض مع غيرهم في مسألة يسوغ فيها الخلاف ، فيقوم البعض بتهويل هذا الخلاف ، ويجد ذلك مبرراً للحط من شأن الآخرين.
ح - التعصب للرجال: فتجد البعض يتعصب لزيد من العلماء أو الدعاة، ويفترض أنه الوحيد صاحب الأهلية، ويناصب غيره العداء ويحط من شأنه.
6 - الوقاية من الانحراف الفكري:
لا يوجد علاج أنفع للانحراف الفكري من الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومجالسة الثقاة من العلماء والدعاة والاستفادة منهم ؛ وهذا لا يمنع من العلاج الطبي والنفسي للمنحرف عند اللزوم، ومعاقبة من يؤدي به انحرافه إلى ارتكاب جريمة موجبة للعقاب.
7 - قرار المجمع الفقهي الإسلامي بشأن معالجة الفكر المنحرف:
صدر عن الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي الإسلامي التي عقدت في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 19 إلى 23 شوال 1424هـ ، عدد من القرارات ومنها القرار المتعلق بوسائل معالجة الفكر المنحرف ونصه:
تدارس المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي ، ما ورد في الخطاب القيم الموجه من خادم الحرمين الشريفين ، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود إلى العلماء المجتمعين في دورة المجمع ، حيث أشار إلى أخطار الانحراف الفكري ، التي حدثت بسبب الجهل بأحكام الإسلام لدى بعض شباب الأمة ، وبعد البحث والمناقشة في ذلك توصل المجمع إلى: أن الانحراف ووقوع حوادث إرهابية من بعض المسلمين راجع في معظمه إلى:
أ ـ الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية ، واستغلال ذلك في تجنيد عدد من شباب الأمة، ضمن عصابات البغي والإجرام والإفساد في الأرض ، انطلاقاً من مفاهيم استحلت تكفير المسلمين واستباحت دماءهم.(1/154)
ب - ضعف العلاقة بين العلماء الثقات وبعض الشباب ، الذين لم يجدوا الرعاية والعناية التربوية الكافية ، فانساقوا مع الغلاة من الناس واتخذوا من الفكر المنحرف منهاجاً.
ج - تعدد مظاهر الانحراف عن دين الله ، وخاصة في بعض وسائل الإعلام، مما أحدث في نفوس البعض ردة فعل، جعلتهم يغالون في التفكير، ويجنحون عن الإسلام وعمَّا تضمنه من الحث على الود والمحبة والتواصل والتعاون والتسامح والرأفة والرحمة بين المسلمين.
وقد لحظ المجمع أن سلوك هذه الفئة من الناس ، وما قامت به من أعمال وجرائم إرهابية أسهم في تشويه صورة الإسلام في المجتمعات الأخرى ، وقد زادت في انتشار الصورة المغلوطة عن الإسلام جهود حثيثة بذلتها مؤسسات معادية للنيل من الإسلام وأهله، مستفيدة من ضعف جهود المسلمين في نشر الإسلام والدفاع عنه.
ورغبة من المجمع في معالجة هذا التحدي ، واستجابة من أعضائه لدعوة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ، للبحث عن وسائل عملية لمواجهته، فإن المجمع يقرر:
أولاً: حث رابطة العالم الإسلامي على الإسراع في تكوين ملتقى العلماء الذي أيده خادم الحرمين الشريفين في خطابه للمجمع ، وحسب قرار المؤتمر الإسلامي العام الرابع الذي عقدته الرابطة ، وإعداد برنامج مناسب لأعماله وأهدافه في معالجة القضايا والنوازل التي تحل بالمسلمين.
ثانياً: حث الرابطة على الإسراع في تأسيس الهيئة العالمية للتنسيق بين المنظمات الإسلامية الكبرى، ووضع النظم الخاصة بها وفق ما قرره المؤتمر الإسلامي كذلك.
ثالثاً: إقامة لقاء عاجل تنظمه رابطة العالم الإسلامي، تشارك فيه مجامع الفقه الإسلامي ومجامع البحوث الإسلامية والمتخصصون في الشريعة ، لتدارس ما جد من قضايا في حياة المسلمين، يتم خلاله:
1 - الاتفاق على ميثاق بشأن الإفتاء ومعالجة الفتاوى الفردية في قضايا الأمة.(1/155)
2 - تحديد المصطلحات والتعريفات الشرعية ودلالاتها لإزالة اللبس الحاصل بشأنها لدى بعض الناس، في مثل: جماعة المسلمين، الطائفة المنصورة ، دار الإسلام، دار الحرب، الولاء والبراء ، الجهاد ، الحوار ، حقوق ولي الأمر وواجباته. وطباعة ذلك في كتاب وتعميمه بين المسلمين.
3 - تكوين لجنة تحضيرية لهذا اللقاء في الرابطة بالتشاور مع المجامع والهيئات المختصة في ذلك.
رابعاً: عقد مجموعة من الندوات المتخصصة في التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في المناطق التي تزداد الحاجة إليها في العالم الإسلامي وأماكن الأقليات المسلمة ، مما يسهم في معالجة التحديات الداخلية والخارجية.
خامساً: دعوة الحكومات الإسلامية إلى الاهتمام بتطبيق أحكام الإسلام في حياة شعوبهم.
سادساً: حث وسائل الإعلام الإسلامية على التقيد بالسمت الإسلامي فيما تعرضه أو تنشره والبعد عن عرض ما يخدش حياء المسلم، ويثير الفتن بين المسلمين، أو يكون سبباً في الغلو ورد الفعل لدى الشباب، ومطالبتها بالإسهام في معالجة التحديات التي تواجه الأمة.
سابعاً: دعوة علماء الأمة لتقوية الصلة مع الشباب والناشئة من أبناء المسلمين، وتفقيههم بما يلزمهم من أمور الدين ، دونما إفراط أو تفريط.
ثامناً: دعوة وزارات التعليم في مختلف البلدان الإسلامية لتضمين مناهج التعليم ما يربط الطلبة بأحكام الإسلام الصحيحة ، التي تنبذ الفكر المنحرف والتطرف والغلو في الدين.
تاسعاً: دعوة مجامع الفقه والكليات الشرعية للتعاون في تيسير ما يحتاج إليه أبناء المسلمين من الفقه الإسلامي بغية تحصينهم من الشذوذ الفكري والانحراف السلوكي والثقافي.
عاشراً: مطالبة علماء الأمة بإعداد البحوث والدراسات التي تعالج الفكر المنحرف والغلو في الدين ، ودعوة الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي للإسهام في تكليف عدد من الباحثين المتخصصين لإنجاز البحوث المطلوبة.(1/156)
حادي عشر: دعوة المثقفين المسلمين إلى المشاركة في البرامج الإعلامية التي تسهم في معالجة مشكلات الشباب في الثقافة والفكر وغير ذلك ، ولا سيما برامج الحوار التي تهدف إلى إبعاد فكر الغلو والانحراف عن المجتمع(1).
8 - التحقيق في جرائم الانحراف الفكري:
أ - الاستجواب والمواجهة:
الاستجواب كما هو معلوم: هو مناقشة المتهم مفصلا ومواجهته بالأدلة أو بغيره من المساهمين أو الشهود وذلك لإثبات التهمة أو نفيها.
والتحقيق في جرائم الانحراف الفكري كغيره من الجرائم التي يقوم المحقق فيها باستجواب المتهم ومواجهته بالتهمة المنسوبة إليه ، لكن الأمر الذي يجب التنبه إليه هنا هو أن الشخص المنحرف فكرياً يعتقد أن ما أقدم عليه هو الصواب، لذلك يحاول أن يبرر ويدافع عن موقفه ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن معظم المنحرفين فكرياً يكون لديهم قوة جدلية ، وذلك لأن مبنى الانحراف الفكري يكون على الشُّبَه التي يعتقد المنحرف أنها هي الموافقة للصواب ، ولهذا يجب على المحقق أخذ الحيطة والحذر عند مناقشة المنحرفين فكرياً وعدم الاسترسال معهم في الأسئلة ، بل يجب حصرها في موضوع التهمة بقدر الإمكان. وعلى الرغم من ذلك فإن اعتراف المنحرف فكريا بالتهمة المسندة إليه يكون في الغالب أمراً سهلاً ، لأن هذا المنحرف يعتقد سلامة التصرف الذي قام به المبني في الأصل على شبهه عنده يعتقد صوابها ، فيبادر بالإقرار بما بدر منه.
ب - توجيه الاتهام وتحريك الدعوى في جرائم الانحراف:
__________
(1) - نشر هذا القرار في العدد ( 1583 ) من مجلة المجتمع(1/157)
توجيه الاتهام للمنحرف ليس لمجرد انحرفه ، لأنه كما أسلفنا قد يوجد الانحراف المجرد ولا توجد الجريمة ، لكن يجب أن يكون الاتهام الموجه بالنتيجة المترتبة على الانحراف التي خولت لرجال الضبط إلقاء القبض عليه وإحالته إلى جهة التحقيق. وإذا توفرت الأدلة الكافية لدى المحقق على ارتكاب المنحرف فكرياً للتهمة المنسوبة إليه جاز توجيه الاتهام له وفقاً لما ورد في نظام الإجراءات الجزائية وإحالته مع المدعي العام إلى المحكمة المختصة.
9 - الاختصاص القضائي في جرائم الانحراف الفكري:
يخضع تحديد المحكمة المختصة في جرائم الانحراف الفكري إلى نوع الجريمة المنسوبة للمنحرف ، فإذا كانت الجريمة موجبة للقتل حداً أو تعزيراً أحيلت إلى المحكمة العامة ، وما عدا ذلك من العقوبات التعزيرية تختص بها المحكمة الجزئية.
10 - العقوبة المترتبة على جرائم الانحراف الفكري:
العقوبة مرتبطة بنوع الجريمة ، فإذا كانت الجريمة الناتجة عن الانحراف الفكري موجبة للحد ، كما لو أنكر المنحرف أحد أركان الإسلام فإن ذلك ردة عن الإسلام موجبة للحد ، أما إذا كانت الجريمة المرتكبة لا توجب الحد فإن العقوبة المترتبة تعزيرية يختص بتقديرها القاضي. ويستحسن أن يطالب المدعي العام في لائحته بالاستمرار في حبس المنحرف فكرياً حتى يثبت صلاحه.
***(1/158)
70 -انتقال:
الانتقال في اللغة: التحول من موضع إلى آخر(1).
ولا يخرج معناه عند الفقهاء عن ذلك.
وفي المصطلح الجنائي الانتقال: هو ذهاب المختص - قاضي ، محقق ، رجل ضبط - إلى مكان وقوع الجريمة ، حيث توجد آثارها وأدلتها. (وتنظر الأحكام المتعلقة بالانتقال في مصطلح: تحقيق)
***
__________
(1) - القاموس المعتمد مادة ( نقل )(1/159)
71 -انتهاب
الانتهاب أخذ الشيء بالغارة والسلب، قال ابن فارس: النون والهاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على توزُّع شيءٍ في اختلاسٍ لا عن مساواة. ومنه انتهابُ المالِ وغيرِه(1).
ويعرفه الفقهاء بأنه: أخذ الشيء قهرا، أي مغالبة. ( وتنظر الأحكام المتعلقة بالانتهاب في مصطلح: سرقة ).
***
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة، مادة ( نهب )(1/160)
72 -انتهاك
1 - التعريف:
الانتهاك في اللغة: من النهك، وهو التنقص، وانْتِهاكُ الحُرْمة: تناوُلُها بما لا يحل(1). وفي الاصطلاح: قطع الحرمة بما لا يحل(2).
2 - حكم انتهاك الحرمات:
انتهاك المحرمات حرام، بل هو من أكبر الكبائر، قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: ( الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة: إظهار زي الصالحين في الملأ وانتهاك المحارم ولو صغائر في الخلوة: أخرج ابن ماجة بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا، قال: ثوبان صفهم لنا يا رسول الله أو جلهم لنا لئلا نكون منهم ونحن لا نعلم قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها(3) } )(4).
3 - بم يكون انتهاك المحارم:
الانتهاك يكون بالجرأة على محارم الله تعالى، أو على محارم الناس، وهو يتحقق من عالم بالتحريم مختار للفعل، غير مضطر ولا مكره.
قال الفتوحي رحمه الله: ( الانتهاك إنما يتحقق مع العلم والقدرة والاختيار. والمختار للفعل: هو الذي إن شاء فعل، وإن شاء ترك )(5).
ويتحقق انتهاك محارم الله تعالى بارتكاب المعاصي التي أمر الله سبحانه وتعالى بتحريمها، كالشرك بالله، وترك الصلاة، وشرب الخمر، وأكل الربا.
ويتحقق انتهاك محارم الناس بسفك دمائهم بغير حق، وأكل أموالهم، والتعدي على أعراضهم بشتى الصور ومن ذلك دخول بيوتهم بدون إذن لأي غرض كان.
4 - عقوبة المنتهك للمحارم:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( نهك )
(2) - شرح التلويح على التوضيح 1/258
(3) - الحديث رواه ابن ماجة برقم ( 4245 ).
(4) - الزواجر عن إقتراف الكبائر 2/209
(5) - شرح الكوكب المنير صفحة 135(1/161)
من ثبت أنه انتهك حرمة من حرمات الله، أو من محارم الناس، وجبت على العقوبة الحدية إن كان الانتهاك وقع على حد من حدود الله تعالى، أو التعزيرية إن كان الانتهاك لا يوجب حدا، ولا تسقط العقوبة العامة عن المنتهك حتى ولو أسقط الإنسان حقه، وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: ( فائدة: ما من حق للعباد يسقط بإسقاطهم أو لا يسقط بإسقاطهم إلا وفيه حق لله، وهو حق الإجابة والطاعة، سواء كان الحق مما يباح بالإجابة أو لا يباح بها، وإذا سقط حق الآدمي بالعفو فهل يعزر من عليه الحق لانتهاك الحرمة ؟ فيه اختلاف والمختار أنه لا يسقط إغلاقا لباب الجرأة على الله عز وجل )(1).
ويُخرَّج على كلام العز بن عبد السلام رحمه الله ؛ ما لو أن شخصا دخل بيت آخر بغير إذنه لقصد سيئ فقبض على الداخل، وبعد التحقيق معه واعترافه، قال صاحب البيت: عفوت عنه، فإن العقوبة لا تسقط عن الداخل، بل يعاقب تعزيرا للحق العام بما يراه القاضي، والمستند في ذلك قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [سورة النور ]، ففيه نهي عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها، وذلك صيانة لأعراض الناس، ومحافظة على أسرارهم أن تنتهك، فهذا الذي تجرأ ودخل لا يسقط عنه العقاب حتى وإن أسقط صاحب المنزل حقه بالمطالبة.
***
__________
(1) - قواعد الأحكام 1/167(1/162)
73 -انفراد ( أنظر مصطلح: توقيف )
74 -إنكار
1 - التعريف:-
الإنكار لغة: الجُحُودُ. قال ابن فارس: النون والكاف والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف المعرفة التي يَسكُن إليها القَلب. ونَكِرَ الشّيءَ وأنكَره: لم يَقْبَلْه قلبُه ولم يعترِفْ به لسانُه(1).
أما في اصطلاح الفقهاء فيطلق الإنكار على الجحود وعلى تغيير المنكر.
2 - بم يتحقق الإنكار ؟
يتحقق الإنكار بالنطق، ويشترط في النطق أن يكون صريحا بحيث لا يحتمل إلا الإنكار، كأن يقول في إنكاره: أنا لم أسرق، أو لم أشرب الخمر، لأن هذا لا يحتمل إلا الإنكار، بخلاف ما لو قال: أنا لم أسرق اليوم، أو قال: أنا لم أسرق ذهبا، لاحتمال أنه سرق بالأمس، أو سرق مالا غير الذهب، وكذلك لو قال: أنا لم أشرب العرق المسكر، لاحتمال أنه شرب مسكرا غير العرق.
3 - حكم المُنْكِر:-
المُنكِر لا يخلو حاله من أمرين، فإما أن ينكر حقاً يتعلق بالعباد، وإما أن ينكر حقاً يتعلق بالله.
فإن كان من النوع الأول فيسري عليه ما يسري على الدعاوى في الأموال بحيث يكلف المدعي بالبينة، فإن لم يكن له بينه فاليمين على المنكر.
وأما إن كان المنكر ينكر شيئا يتعلق بحقوق الله المحضة، فلا يستحلف؛ ولكن ينظر في حاله فإن كان من أرباب الفسق والسوابق فإنه يتهم ويعزر حتى مع إنكاره، وإن كان من أهل الصلاح والاستقامة خلي سبيله.
4 - التعريض للمتهم بالإنكار في الحدود:-
__________
(1) - لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة، مادة ( نكر ).(1/163)
يرى بعض الفقهاء: أن من أقر لدى الحاكم ابتداء، أو بعد دعوى بما يستوجب عقوبة لحق الله تعالى ، كالزنى والسرقة ، فإنه يستحب للحاكم أن يعرض له بالرجوع عن الإقرار ، واحتجوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما أقر بالزنى: ( لعلك قبلت ، أو غمزت، أو نظرت)(1)، وقوله صلى الله عليه وسلم للذي أقر بالسرقة: ( ما أخالك سرقت )(2).
وبعضهم قال: لا بأس بتلقين المقر صراحة، لما روى البيهقي عن حماد عن إبراهيم قال: أتي أبو مسعود الأنصاري بامرأة سرقت جملا، فقال: أسرقتِ ؟ قولي لا. وعن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اطردوا المعترفين، قال سفيان : يعني المعترفين بالحدود(3).
5 - الإنكار بعد الإقرار:-
من أقر بحق ثم رجع عن إقراره، وأنكر جميع ما أقر به فإما أن يكون إقراره في الحدود التي هي حق لله تعالى، أو في غير ذلك مما هو حقوق للعباد.
فإن كان إقراره فيما هو حق لله تعالى، كالحدود، فقال بعض الفقهاء لا يلزمه حكم إقراره، بل إذا رجع وأنكر السبب أو أكذب نفسه، أو أنكر إقراره به، أو أكذب الشهود - أي شهود الإقرار - سقط الحد، فلم يقم عليه ؛ ولو كان رجوعه أثناء إقامة الحد سقط باقيه؛ لأن الرجوع خبر محتمل للصدق، كالإقرار، وليس أحد يكذبه فيه، فتتحقق الشبهة في الإقرار، بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص وحد القذف ؛ لوجود من يكذبه لو أنكر. وقال بعضهم: إن الحد إذا ثبت بالإقرار لم يسقط بإنكاره أو الرجوع عنه.
أما الإنكار بعد الإقرار بحقوق العباد، وحقوق الله تعالى التي لا تدرأ بالشبهة، فلا يقبل منه الإنكار بعد إقراره بهذا.
__________
(1) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 6824 ).
(2) - رواه الإمام أحمد في مسنده برقم ( 22002 ).
(3) - سنن البيهقي الكبرى 8/276 الحديث رقم ( 17056 )(1/164)
جاء في كشاف القناع: ( ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به، إلا فيما كان حدا لله تعالى، فيقبل رجوعه عنه كما تقدم في مواضعه لأن الحد يدرأ بالشبهة، وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه، أي المقر عنها، أي عن الإقرار بها)(1).
***
__________
(1) - كشاف القناع 6/506(1/165)
75 -أهلية
1 - التعريف:-
الأهلية في اللغة: الصلاح للشيء والاستعداد له، يقال: أَهّله لذلك الأَمر تأْهيلاً وآهله: رآه له أَهْلاً(1).
وفي الاصطلاح : هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه(2).
2 - أنواع الأهلية:-
الأهلية نوعان هما: أهلية وجوب، وأهلية أداء.
* النوع الأول: أهلية الوجوب وهي : صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه . وتنقسم أهلية الوجوب إلى قسمين:
أ - أهلية وجوب كاملة: وبها تثبت الحقوق للشخص، وتثبت عليه الحقوق، وهذه الأهلية تثبت للإنسان من ولادته إلى موته، فيرث، ويورث، وتجب له النفقة، وتجب في ماله.
ب - أهلية وجوب ناقصة: وهي صلاحية الإنسان لأن تكون له حقوق، ولكن لا يصلح لأن يجب عليه شيء، مثل أهلية الجنين، فهي ثابتة له في بطن أمه، وبها كان أهلا للإرث والوصية.
* النوع الثاني: أهلية الأداء وهي : صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعا . وتنقسم أهلية الأداء إلى قسمين:
أ - أهلية الأداء الكاملة: وهي صلاحية الإنسان لصدور الأفعال منه على وجه يُعتد به شرعا، وتثبت هذه الأهلية للبالغ الرشيد، فيكون صالحا لإبرام جميع التصرفات من غير توقف على إجازة غيره.
ب - أهلية أداء ناقصة: وهي صلاحية الإنسان لصدور بعض التصرفات منه دون بعض، ومناط هذه الأهلية هو التمييز حتى يكون الإنسان عاقلا (3).
3 - عوارض الأهلية :
العوارض: هي الأحوال التي تطرأ على الإنسان بعد كمال أهلية الأداء، فتؤثر فيها بإزالتها أو نقصانها ، أو تغير بعض الأحكام بالنسبة لمن عرضت له من غير تأثير في أهليته .
وعوارض الأهلية نوعان: سماوية، ومكتسبة، وقد بيَّن هذين النوعين البزدوي رحمه الله، فقال في أصوله: ( العوارض نوعان: سماوي ومكتسب.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( أهل )
(2) - كشف الأسرار 4/237
(3) - أنظر موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة صفحة 108، وكشف الأسرار 4/ 238 وما بعدها.(1/166)
أما السماوي فهو : الصغر والجنون والعته والنسيان والنوم والإغماء والمرض والرق والحيض والنفاس والموت.
وأما المكتسب فإنه نوعان: منه ومن غيره. أما الذي منه فالجهل والسكر والهزل والسفه والخطأ والسفر، وأما الذي من غيره فالإكراه بما فيه إلجاء وبما ليس فيه إلجاء )(1).
***
__________
(1) - كسف الأسرار على أصول البزدوي 4/262 - 263(1/167)
76 - إيواء
1 - التعريف :
الإيواء لغة : مصدر ( آوى ) وهو ضم الإنسان غيره إلى مكان يقيم ويأمن فيه، قال تعالى: { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } [سورة يوسف 99] ومجرده ( أوى ) يقال : أوى إلى فلان إذا التجأ وانضم إليه، ومنه الحديث: { لا يأوي الضالة إلا ضال } (1).
والإيواء في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن معناه اللغوي.
2 - المراد بالإيواء وحكمه:
المراد بالإيواء هنا: التستر على المجرمين، وإخفاؤهم عن العدالة؛ وحكمه في الشريعة الإسلامية التحريم، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من آوى محدثا، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: { لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير منار الأرض } رواه أحمد ومسلم والنسائي(2).
ومن آوى محدثا: أي ضم إليه من أحدث فعلا غير مشروع مثل السرقة وقطع الطريق، قيل كان إن بكسر الدال - محدِثا - أي جانيا بأن يحول بينه وبين خصمه ويمنعه القود، وإن كان بفتحها - محدَثا - وهو الأمر المبتدع والإيواء التقرير والرضا)(3). ( وسيأتي لذلك زيادة بيان في مصطلح: تستر )
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب، مادة ( أوا ) ، وحديث ( لا يأوي الضالة إلا ضال ) رواه بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند الحديث (19207) وأبو داود في سننه (1720)، وعند مسلم (1725) بلفظ ( من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها )
(2) - مسند الإمام أحمد حديث رقم ( 857 ) وصحيح مسلم الحديث رقم (1978) وسنن النسائي الحديث رقم (4346).
(3) - بريقة محمودية 3/197(1/168)
حرف الباء
77 -باتكس
الباتكس مادة بترولية لاصقة يستخدم في لصق المواد الورقية والفخارية ونحوها ، ويحتوي على مواد كيماوية رائحتها شديدة. وقد ابتلي بعض الأشخاص في هذا الزمان باستنشاق الباتكس لغرض السكر . ( راجع مصطلح : استنشاق).
***(1/169)
78 -باضعة
الباضِعةُ في اللغة: من الشِّجاج التي تَقْطع الجلد وتَشُقُّ اللحم تَبْضَعُه بعد الجلد وتُدْمِي إِلا أَنه لا يسيل الدم(1).
وفي الاصطلاح: الباضعة: هي التي تبضع اللحم ، أي تشقه بعد الجلد(2). (وسيأتي لها مزيد بيان في مصطلح: شجاج )
***
__________
(1) - لسان العرب، والقاموس المحيط، وكتاب العين، مادة ( بضع ).
(2) - كشاف القناع 6/53(1/170)
79 -بتر
1 - التعريف : -
البتر لغة: القطع والاستئصال، وبتر الشيء أي قطعه، والأبتر المقطوع الذنب، والبتار السيف(1).
وفي الاصطلاح: البتر هو القطع(2).
2 - الأحكام المتعلقة بالبتر :
البتر إما أن يكون عدواناً بجناية عمد أو خطإ ، وهذا محرم.
وإما أن يكون بحق ، كقطع اليد حدا أو قصاصا، وهذا جائز.
وإما أن يكون من وسائل العلاج بقطع اليد المصابة بالآكلة لمنع السراية للبدن، وهذا جائز عند الضرورة.
فإن كان عمدا وعدوانا وجب فيه القصاص ، عند توفر شروطه. وإن كان بتر العضو خطأ فتجب فيه الدية المقدرة لذلك العضو شرعا أو الأرش بالاتفاق ، ويختلف مقدارها باختلاف العضو المبتور.
80 -بتع
1 - التعريف :
البتع نبيذ العسل، قال ابن منظور: البِتْعُ والبِتَعُ، مثل القِمْعِ والقِمَعِ: نَبيذ يُتَّخَذ من عسَل كأَنه الخَمر صَلابة، وقال أَبو حنيفة: البِتْع الخمر المتخذة من العسل فأَوقع الخمر على العسل. والبِتْعُ أَيضاً:الخمر، يَمانية. وبَتَعَها: خَمَّرَها، والبَتَّاع: الخَمّارُ(3).
وفي الاصطلاح : البتع شراب يتخذ من العسل وهو مشهور في اليمن .
2 - حكم تعاطي البتع:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن كل مسكر خمر، يحرم شربه، ويحرم بيعه ، واحتجوا بما روى البخاري في صحيحه، أن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع، وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل شراب أسكر فهو حرام)(4).
3 - طريقة إثباته وعقوبته:
حكمه في ذلك حكم المسكر ؛ أنظر التفصيل في مصطلح: مسكر.
***
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( بتر )
(2) - تحفة المحتاج شرح المنهاج 1/361، غذاء الألباب 1/17
(3) - لسان العرب مادة ( بتع ).
(4) - صحيح البخاري الحديث رقم (5263 )(1/171)
81 -براءة
1 - التعريف:
من معاني البراءة في اللغة: السلامة من الذنب، والعيب، يقال: بريء الرجل من التهمة أي سلم منها(1).
وفي الاصطلاح: التخلص والتنزه من الشيء(2).
2 - هل الأصل في المتهم البراءة أم التهمة ؟
البراءة حالة أصلية في الأشخاص، فكل شخص يولد وذمته بريئة، وشغلها يحصل بالمعاملات أو الأعمال التي يجريها فيما بعد, فكل شخص يدعي خلاف هذا الأصل يطلب منه أن يبرهن على ذلك، فإذا ادعى شخص على آخر بحق، فالقول قول المدعى عليه لموافقته الأصل, والبينة على المدعي لدعواه ما خالف الأصل, فإذا لم يتمكن من إثبات دعواه بالبينة يحكم ببراءة ذمة المدعى عليه اعتبارا بالقاعدة الفقهية: (الأصل براءة الذمة)(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله: ( الناس في التهم ثلاثة أصناف: صنف معروف عند الناس بالدين والورع وأنه ليس من أهل التهم. فهذا لا يحبس , ولا يضرب ; بل ولا يستحلف في أحد قولي العلماء ; بل يؤدب من يتهمه فيما ذكره كثير منهم.
__________
(1) - القاموس المعتمد، مادة ( برأ ).
(2) - معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/366
(3) - الموسوعة الفقهية 5/52(1/172)
والثاني: من يكون مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور. فهذا يحبس حتى يكشف عن حاله. وقد قيل: يحبس شهرا. وقيل: يحبس بحسب اجتهاد ولي الأمر. والأصل في ذلك ما روى أبو داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة ، وقد نص على ذلك الأئمة , وذلك أن هذه بمنزلة ما لو ادعى عليه مدع فإنه يحضر مجلس ولي الأمر الحاكم بينهما , وإن كان في ذلك تعويقه عن أشغاله, فكذلك تعويق هذا إلى أن يعلم أمره , ثم إذا سأل عنه ووجد بارا أطلق. وإن وجد فاجرا كان من: الصنف الثالث: وهو الفاجر الذي قد عرف منه السرقة قبل ذلك, أو عرف بأسباب السرقة: مثل أن يكون معروفا بالقمار، والفواحش التي لا تتأتى إلا بالمال , وليس له مال , ونحو ذلك فهذا لوث في التهمة; ولهذا قالت طائفة من العلماء إن مثل هذا يمتحن بالضرب يضربه الوالي والقاضي - كما قال أشهب صاحب مالك وغيره - حتى يقر بالمال. وقالت طائفة: يضربه الوالي; دون القاضي, كما قال ذلك طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد , كما ذكره القاضيان الماوردي والقاضي أبو يعلى في كتابيهما في الأحكام السلطانية , وهو قول طائفة من المالكية , كما ذكره الطرسوسي وغيره )(1).
وقد كتب فضيلة الشيخ العلامة/ عبد الله بن منيع، بحثا نشرته مجلة البحوث الإسلامية في عددها ( السابع ) صفحة ( 209) ذكر فيه أن المتهم لا يخلو من ثلاثة أحوال، فإما أن يكون على جانب من الصلاح والاستقامة والتقوى، وإما أن يكون مجهول الحال لا يعرف باستقامة ولا فجور، وإما أن يكون معروفا بالفجور والإجرام، فالأول يعتبر برئيا براءة مطلقة، وأما الثاني والثالث فإن المترجح فيهما هو جانب الاتهام وذلك من أجل حفظ ورعاية الحقوق.
***
__________
(1) - الفتاوى الكبرى 3/522(1/173)
82 -بصمات
1 - التعريف:
البصمة في اللغة: من بَصَمَ يَبْصِمُ بَصْماً، أي ختم بطرف إصبعه، والبصم: فوت ما بين طرف الخنصر إلى البنصر، والبصمة: أثر الختم بالإصبع(1).
وفي الاصطلاح الجنائي: هي الانطباعات أو العلامات التي تتركها رؤوس الأنامل عند ملامستها أحد السطوح المصقولة سواء أكانت ظاهرة أم خفية، وهذه الانطباعات صور طبق الأصل لأشكال الخطوط الحلمية التي تكسو جلد أصابع الكفين والقدمين.
2 - حجية البصمات في الشريعة الإسلامية:
لم يتكلم الفقهاء عن البصمات لأنها لم تكن معروفة في عهدهم، فعلم البصمات علم حديث ظهر في غير بلاد المسلمين، بالرغم من ورود الإشارة إليه في القرآن الكريم، في قوله تعالى : { بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } [القيامة الآية 4] ؛ والبنان طرف الأصبع.
قال الدكتور/ محمد حجازي: ( والبنان وما فيه من سلاميات ومفاصل، ودقة في الوضع والتركيب، وما في أطرافه التي تختلف بصماتها في كل فرد عن الآخر دليل على كمال القدرة بل يدل على أن القادر على ذلك هو بلا شك قادر على جمع العظام وإحياء الموتى )(2).
وقد ثبت في هذا العصر بما لا يدع مجالا للشك أن البصمات من أدق ما يمكن التعرف به على الأشخاص ذلك لأن الخالق جل جلاله أعطى لكل شخص بصمة لا يمكن أن تنطبق على بصمة غيره من البشر، وهذه البصمة لا تتغير مع مراحل العمر، بل ثبت علميا أنها منذ الشهر الحملي الرابع ثابتة إلى نهاية العمر، فهي بذلك تكون من أدق طرق الإثبات، ومن أوضح الحجج والبراهين، فتكون بذلك وسيلة من وسائل إثبات الحق في الشريعة الإسلامية، لأن البينة في الشريعة الإسلامية لم تقصر على نوع معين، بل هي كل ما يظهر الحق ويبينه.
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة ( بصم )
(2) - التفسير الواضح 3/786(1/174)
قال ابن القيم رحمه الله: ( ولم تأت البينة قط في القرآن مرادا بها الشاهدان وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة مجموعة وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: { البينة على المدعي } المراد به: أن عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، لدلالة الحال على صدق المدعي. فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة: متقاربة في المعنى)(1). وسيأتي لذلك زيادة إيضاح في مادة: قرينة.
3 - الأماكن التي توجد عليها البصمات في مسرح الجريمة:
أماكن وجود آثار البصمات هي: الأشياء التي يمكن أن يلمسها المجرم وقت ارتكابه الجريمة مثل: زجاج النوافذ التي دخل منها، أو الأبواب أو المكاتب وأدراجها، أو الصندوق الذي فتحه، أو الأدوات التي كان يحملها واستخدمها في الحادث وتركها، وغير ذلك ؛ لذا يجب على المحقق ألا يلمس أي شيء في مكان الحادث حتى يصل خبير البصمات ويتعرف على أماكن وجودها لرفعها وفحصها(2).
4 - حالات البصمات في مسرح الجريمة:
تكون آثار البصمات في مسرح الجريمة على ثلاثة أنواع رئيسية هي:
أ - البصمات الخفية ( المستترة ): وهي: البصمة التي تطبع على أي سطح نتيجة ملامسة اليد لها، وذلك بواسطة العرق الذي يفرز من الغدد العرقية الموجودة في باطن اليدين، وهذا النوع من الآثار لا يُرى بالعين المجردة، ويستخدم في إظهارها وسائل خاصة مثل: الطرق الميكانيكية للتعفير بالمساحيق أو وسائل كيميائية بالإضافة إلى الأشعة غير المرئية وأشعة الليزر.
ب - البصمات الظاهرة: وهي: البصمة التي تشاهد بالعين المجردة بوضوح، وتُطبع عن طريق ملامسة اليد لأي مادة ملوثة مثل الشحوم أو الدماء أو التراب، وغيرها، ويتم رفعها بالتصوير المباشر.
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة (11 ).
(2) - الأدلة الجنائية صفحة ( 92 )(1/175)
ج - البصمات الغائرة ( المطبوعة ): وهي البصمات التي تحدث نتيجة الملامسة أو الضغط على مادة طرية أو لينة مثل الصلصال أو الجلود وغيرها، ويلاحظ عادة في هذه الطبعة أن الخطوط الحلمية تظهر وكأنها أخاديد نتيجة ضغط الأصبع على المادة اللينة(1).
5 - أهمية البصمات وأوجه دلالتها:
تعتبر البصمات من أهم الأدلة المادية المتخلفة عن الجاني، وذلك لأن دلالة أثر البصمة تتميز بقيمة إثباتية قاطعة لما تستند إليه من أساس علمي ولها من الدلالات الفنية في مجال التحقيق الجنائي الكثير، وعلى سبيل المثال ما يلي:
1 - تعتبر وسيلة لتحقيق شخصية صاحبها وتحديد ذاته على وجه اليقين.
2 - تعتبر وسيلة للتعرف على الأشخاص في ظروف معينة، كالتعرف على المواليد والوفيات.
3 - منع وقوع بعض الجرائم كالتزوير والغش.
4 - منع اشتغال المجرمين في بعض الوظائف التي تتطلب، النزاهة والأمانة.
5 - معرفة الأجانب المبعدين، ويحاولون العودة بأسماء مستعارة.
6 - كشف سجل المتهم لبيان ما عليه من جرائم وما نوعها(2).
6 - البصمة الجينية ( بصمة الحامض النوويDNA )
أدى اكتشاف البصمة الجينية في عام ( 1984م ) بواسطة البروفيسور (Alice Jeffrey) إلى طفرة حقيقية في مجال تحقيق الذاتية للشخص اعتمادا على الحامض النووي، حيث وجد هذا العالم أن الناس يختلفون عن بعضهم البعض في مواقع محددة على الحامض النووي، وهذا الاختلاف لا يمكن أن يتشابه فيه اثنان إطلاقا، والاستثناء الوحيد هو في حالة التوائم فقط، والتي تكون من بويضة واحدة وحيوان منوي واحد، وقد سمى هذا بصمة الحامض النووي.
__________
(1) - الأدلة الجنائية صفحة 92، 93
(2) - أنظر: الأدلة الجنائية صفحة 100، و حجية القرائن صفحة 167.(1/176)
ويعرف هذا الحامض بالحامض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين Deoxyribonucleic) ) ويرمز له بالحروف ( DNA ) وتظهر أهمية بصمة هذا الحامض في التحقيق الجنائي، إذ يمكن التعرف بواسطتها على المجرمين المشتبه بهم في كثير من الجرائم كالقتل والاغتصاب والسرقة وغيرها، وذلك عن طريق آثارهم ومخلفاتهم البيولوجية في مسرح الحادث مثل: الدماء والشعر والأنسجة، حيث نستطيع تحديد بصمة الحامض النووي من هذه المخلفات والآثار ومطابقتها مع بصمة الحامض النووي المأخوذة من المشتبه فيه(1).
***
__________
(1) - أنظر: الأدلة الجنائية 108، 116.(1/177)
83 -بطالة
1 - التعريف : -
البطالة لغة: التعطل عن العمل ، يقال بطل العامل بطالة، أي: تعطل وتفرغ من العمل(1).
واصطلاحا: هي التوقف عن العمل أو عدم توافر العمل لشخص قادر عليه وراغب فيه(2).
2 - حكم البطالة:
يختلف حكم البطالة تبعا للأحوال التي تكون فيها كالآتي:
البطالة حتى لو كانت للتفرغ للعبادة ، مع القدرة على العمل ، والحاجة إلى الكسب لقوته وقوت من يعوله تكون معصية ، لخبر { إن الله يكره الرجل البطال } (3) ؛ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: { إن الله يحب العبد المؤمن المحترف } (4) وعن ابن مسعود أنه قال: إني لأمقت الرجل فارغا ليس في شيء من عمل دنيا ولا آخرة ، وفي الشعب للبيهقي عن عروة بن الزبير أنه سئل: ما شر شيء في العالم ؟ فقال: البطالة.
والبطالة تهاونا وكسلا مع عدم الحاجة للكسب مكروهة أيضا وتزري بصاحبها. أما البطالة لعذر - كزمانة وعجز لعاهة - فلا إثم فيها ولا كراهة، لقوله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } [ البقرة آية 286 ].
3 - أضرار البطالة:
__________
(1) - أنظر: لسان العرب، والقاموس المعتمد، مادة ( بطل ).
(2) - موسوعة المفاهيم الإسلامية مادة ( بطل ).
(3) - قال العجلوني: ( قال الزركشي لم أجده انتهى، ومثله في اللآلئ وزاد لكن روى ابن عدي عن سالم عن أبيه مرفوعا إن الله يحب المؤمن المحترف، وفي سنده أبو الربيع متروك انتهى ملخصا وأقول ورواه أيضا الطبراني والبيهقي والحكيم الترمذي عن ابن عمر بلفظ إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف ) كشف الخفاء ومزيل الإلباس 1/291
(4) - رواه الطبراني في الأوسط 8/380 الحديث رقم ( 8934 ).(1/178)
1 - البطالة معصية لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أمر بالسعي في مناكب الأرض والتماس الرزق، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك الآية 15]. وقال تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة الآية 10 ].
وكذلك وردت أحاديث شريفة تحث على العمل وترك البطالة، فقد الطبراني عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن طلب كسب الحلال فريضة بعد الفريضة )(1).
2 - البطالة بوابة إلى المخدرات، لأن العاطل عن العمل إنسان كسول خامل، ومروجو المخدرات يبحثون عن أمثال هؤلاء ليكونوا مروجين لسمومهم مقابل مبالغ زهيدة يدفعونها لهم.
3 - البطالة تتسبب في تفكيك الأسرة بما ينتج عنها من طلاق بين الزوجين، وذلك لعجز العاطل عن مصاريف البيت، ونفقة الزوجة.
4 - البطالة تكون سبباً في الوقوع في الجرائم، كجريمة السرقة، لحاجة العاطل للمال، وجريمة الزنا، لعجز العاطل عن مؤنة الزواج وبالتالي يلجأ لتفريغ شهوته في الحرام.
5 - البطالة تسبب عبئا على بيت مال المسلمين، نظرا لكثرة ما تنفقه الدولة على العاطلين.
***
__________
(1) - رواه الطبراني في المعجم الكبير 6/128، الحديث رقم ( 11475 ) وقال: تفرد به عباد بن كثير الرملي وهو ضعيف.(1/179)
84 -بطلان
1 - التعريف:
البطلان في اللغة: الضياع والخسران، يقال: بَطَل الشيءُ يَبْطُل بُطْلاً وبُطُولاً وبُطْلاناً: ذهب ضَياعاً وخُسْراً، فهو باطل(1).
وفي الاصطلاح الفقهي: البطلان عدم وقوع الفعل على الوجه الشرعي(2).
وفي الأنظمة: هو جزاء إجرائي لتخلف كل أو بعض شروط صحة أي إجراء جوهري، فيهدر آثاره القانونية(3).
2 - أوجه البطلان الواردة في نظام الإجراءات:
بينت المواد ( 188 إلى 192 ) من النظام أوجه البطلان على النحو التالي:
1 - كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً.( م/188)
2 - إذا كان البطلان راجعاً إلى عدم مراعاة الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى فيتمسك به في أي حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب.(م/189)
3 - في غير ما نص عليه في المادة التاسعة والثمانين بعد المائة إذا كان البطلان راجعاً إلى عيب في الإجراء يمكن تصحيحه فعلى المحكمة أن تصححه. وإن كان راجعاً إلى عيب لا يمكن تصحيحه فتحكم ببطلانه.( م/190)
4 - لا يترتب على بطلان الإجراء بطلان الإجراءات السابقة عليه ولا الإجراءات اللاحقة له إذا لم تكن مبنية عليه.(م/191)
5 - إذا وجدت المحكمة أن في الدعوى عيباً جوهرياً لا يمكن تصحيحه فعليها أن تصدر حكماً بعدم سماع هذه الدعوى. ولا يمنع هذا الحكم من إعادة رفعها إذا توافرت الشروط النظامية.(م/192)
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( بطل )
(2) - الموسوعة الفقهية 8/106
(3) - إدوار غالي/ الإجراءات الجنائية صفحة 771(1/180)
85 -بغاء
1 - التعريف : -
البِغاءُ في اللغة: الزنا، جاء في لسان العرب: البِغاءُ مصدر بَغَتِ المرأَة بِغاءً زَنَت، والبِغاء مصدَرُ باغت بِغاء إِذا زنت، والبِغاءُ جمع بَغِيّ ولا يقال بِغيَّة(1).
ويعرف الفقهاء البِغاءُ بأنه : زنى المرأة ، أما الرجل فلا يسمون زناه بغاء(2).
وبغاء المرأة: هو خروجها تبحث عن من يفعل بها الفاحشة ، سواء أكانت مكرهة أم غير مكرهة ، ويفهم ذلك من كلام العلماء في تفسير قوله تعالى : { وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } . [ سورة النور آية 33 ].
وقد ذكر المفسرون سبب نزول هذه الآية، وهو أنه كان لعبد الله بن أبي ابن سلول جوار ، وكان يكرههن على ذلك الفعل ، فقد سمي فعلهن وهن مكرهات عليه بغاء، فإطلاق هذا الاسم عليه مع رضاهن يصح ، بل أولى(3). ( لمعرفة المزيد أنظر مصطلح: زنا ).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( بغا ).
(2) - الموسوعة الفقهية 8/129
(3) - أنظر : تفسير ابن كثير 6/55(1/181)
86 -بغاة
1 - التعريف : -
البَغْي في اللغة : الظلم والجور، يقال: بَغَى عليه يَبْغِي بَغْياً: عَلاَ، وظَلَمَ، وَعَدَلَ عن الحَقِّ، واسْتَطَالَ، وكذَبَ، والجمع: بُغَاةٌ، ومنه الفرقة الباغية لأنها عدلت عن الحق(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: أهل البغي طائفة من المسلمين يخرجون على الإمام ولهم قوة وشوكة ومنعة ويخالفون بعض أحكام المسلمين بالتأويل ويظهرون على بلدة من البلاد(2). قال ابن قدامة: ( وهم الخارجون على الإمام يريدون إزالته عن منصبه، فعلى المسلمين معونة إمامهم في دفعهم بأسهل ما يندفعون به)(3).
قلت: والبغاة في العصر الحاضر هم الذين يخرجون على الإمام محاولين قلب نظام الحكم في الدولة.
2 - شروط تحقق جريمة البغي : -
يتحقق البغي بما يلي:
أ - أن يكون الخارجون على الإمام جماعة من المسلمين لهم شوكة، وخرجوا عليه بغير حق لإرادة خلعه بتأويل فاسد ؛ فلو خرج عليه أهل الذمة لكانوا حربيين لا بغاة ؛ ولو خرجت عليه طائفة من المسلمين بغير تأويل ولا طلب إمرة لكانوا قطاع طريق.
ب - أن يكون الناس قد اجتمعوا على إمام وصاروا به آمنين، والطرقات به آمنة ; لأنه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزا , أو جائرا ظالما يجوز الخروج عليه وعزله , إن لم يلزم منه فتنة، وإلا فالصبر أولى من التعرض لإفساد ذات البين.
ج - أن يكون الخروج على سبيل المغالبة, أي بإظهار القهر؛ وقيل: بالمقاتلة; وذلك لأن من يعصي الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة, فمن خرج عن طاعة الإمام من غير إظهار القهر لا يكون باغيا.
د - وصرح الشافعية باشتراط أن يكون للخارجين مطاع فيهم، يصدرون عن رأيه, وإن لم يكن إماما منصوبا ; إذ لا شوكة لمن لا مطاع لهم. وقيل: بل يشترط أن يكون لهم إمام منصوب منهم(4).
3 - حكم جريمة البغي:
__________
(1) - القاموس المحيط، والمصباح المنير مادة ( بغا ).
(2) - نصب الراية 3/182
(3) - العمدة 1/558
(4) - انظر الموسوعة الفقهية 8/133(1/182)
الخروج على الإمام حرام، وذلك لما فيه من شق عصا الطاعة، وتفريق أمر المسلمين. جاء في شرح منتهى الإرادات: ( وهم - البغاة - الخارجون على الإمام ولو غير عدل بتأويل سائغ ولهم شوكة ولو لم يكن فيهم مطاع، سموا بغاة لعدولهم عن الحق وما عليه أئمة المسلمين والأصل في قتالهم قوله تعالى: { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [ الحجرات الآية 9 ] ، ولحديث : { من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه } رواه أحمد ومسلم(1). وعن ابن عباس مرفوعاً { من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فميتته ميتة جاهلية } متفق عليه(2)،
وقاتل علي رضي الله عنه أهل النهروان فلم ينكره أحد)(3).
4 - عقوبة البغاة:
إذا تحققت جريمة البغي بالشروط السابقة، ولم يجد مع البغاة النصح , ولم يستجيبوا للرجوع إلى طاعة الإمام والدخول في الجماعة جاز للمسلمين قتالهم درءا لتفريق الكلمة , وقتالهم يختلف عن قتال الكفار، فالمقصود به ردعهم لا قتلهم, ولهذا يُكف عن مدبرهم, ولا يُجهز على جريحهم, ولا تقتل أسراهم, ولا تغنم أموالهم, ولا تسبى ذراريهم, ولا يستعان عليهم بمشرك, ولا يوادعهم على مال, ولا تنصب عليهم الأسلحة الثقيلة, ولا تحرق مساكنهم , ولا يقطع شجرهم. وإذا تحيز البغاة إلى جهة مجتمعين , أو إلى جماعة ولم يمكن دفع شرهم إلا بالقتال , حل قتالهم حتى يتفرق جمعهم , ولو أمكن دفع شرهم بالحبس بعدما تأهبوا فُعل ذلك ; إذ جهادهم واجب بقدر ما يندفع به شرهم على ما سبق(4).
***
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1852 ) ومسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 20292 )
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 6646 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1849 ).
(3) - شرح منتهى الإرادات 3/378
(4) - الموسوعة الفقهية 8/140 بتصرف.(1/183)
87 -بكارة/ بكر
1 - التعريف : -
البَكَارة في اللغة : عذرة المرأة ، وهي الجلدة التي على القبل. والبِكْرُ خلاف الثيب رجلا كان أو امرأة وهو الذي لم يتزوج وعليه قوله ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب)(1).
وفي الاصطلاح: البكر اسم لامرأة لم تجامع بنكاح ولا غيره، فمن زالت بكارتها بغير جماع كوثبة، أو درور حيض، أو حصول جراحة، أو تعنيس: بأن طال مكثها بعد إدراكها في منزل أهلها حتى خرجت عن عداد الأبكار فهي بكر حقيقة وحكما(2).
2 - عقوبة زنا البكر: ( أنظر مصطلح: زنا )
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( عذر ) ، والمصباح المنير مادة ( بكر ).
(2) - الموسوعة الفقهية 8/176(1/184)
88 -بلاغ
1 - تعريف البلاغ:
البلاغ في اللغة له عدة معان منها: الإيصال، والكفاية، وبلغت الخبر، أي أوصلته(1).
وفي المصطلح الجنائي: هو إيصال خبر وقوع الحادثة إلى السلطة المختصة كتابة أو شفاهة، سواء كان ذلك عن طريق المجني عليه أو غيره.
2 - تلقي البلاغات:
البلاغات والشكاوى التي تنقل إلى جهات الاختصاص هي في حد ذاتها أخبار؛ والشريعة الإسلامية أوجبت التثبت من الأخبار المنقولة حتى لا يظلم بريء، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات الآية 6]
وفي صحيح البخاري، عن أبي مليكة، أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في حجرة، فخرجت إحداهما وقد أُنفذ بأشفى(2) في كفها، فادعت على الأخرى، فرفع إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال ابن عباس: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم؛ ذكروها بالله، واقرأوا عليها { إن الذين يشترون بعهد الله } ؛ فذكروها فاعترفت ؛ فقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اليمين على المدعى عليه )(3).
__________
(1) - انظر لسان العرب 1/486، والقاموس المحيط 1007، مادة ( بلغ )
(2) - الإشْفَى ما يُخرز به المساقي والمزاود وأشباهها.
(3) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 4552 )(1/185)
وذكر ابن القيم رحمه الله، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ؛ ثم جاءت إلى عمر صارخة فقالت هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله ؛ فسأل عمر النساء فقلن له إن ببدنها وثوبها أثر المني، فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ويقول يا أمير المؤمنين تثبت في أمري فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. فقال عمر: يا أبا الحسن: ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علي إلى ما على الثوب ؛ ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت(1).
3 - اهتمام الأنظمة السعودية بتمحيص البلاغ:
اهتمت الأنظمة السعودي بتمحيص البلاغ عند وروده ومن ذلك:
1 - ما جاء في المادة ( 27 ) من نظام الإجراءات الجزائية بالنص التالي: على رجال الضبط الجنائي كل حسب اختصاصه أن يقبلوا البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم في جميع الجرائم، وأن يقوموا بفحصها وجمع المعلومات المتعلقة بها في محضر موقع عليه منهم.وتسجيل ملخصها وتاريخها في سجل يعد لذلك، مع إبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام بذلك فوراً..
2 - ما جاء في المادة ( 6 ) من لائحة أصول الاستيقاف أنه إذا قدمت إخبارية أو شكوى ضد شخص فلا يقبض عليه حتى تتوافر أدلة ضده.
3 - ما جاء في المادة ( 6 ) من نظام مكافحة التستر أن من قدم بلاغا كاذبا عن قضايا التستر وكان قصده سيئا يحال للمحكمة لتعزيره وللمدعى عليه المطالبة بحق التعويض عن الضرر.
4 - كما صدرت تعليمات الوزارة المعممة برقم 28س / 4247 وتاريخ 22/12/1398هـ بوضع قواعد يسار عليها في هذا الشأن وهي كما يلي(2):
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة (44)
(2) - مرشد الإجراءات الجنائية صفحة (20)(1/186)
أولا: ما كان من الشكاوى من شخص ضد شخص آخر بدعوى حق خاص فتحال للمحكمة للنظر فيها بالوجه الشرعي وإذا لم يثبت الشاكي صحة ما ادعى به وظهر للقاضي بطلان دعواه فيحال للادعاء العام لتقرير ما يجب بحقه وردعه عن التمادي في الادعاءات الكاذبة.
ثانيا: الشكاوى ضد مسؤولي الدولة يطلب من الشاكي ما يبرر شكواه ومن ثم ينظر فيها بعد أخذ التعهد اللازم عليه بتحديد نقاط شكواه ومسئوليته عما ورد فيها؛ واستعداده لإثباتها وعندئذ يحقق فيها فإذا ظهر أنه كاذب يؤدب بما يراه ولي الأمر وفقا للأمر الملكي رقم 2331/3/ع في 24/12/89 هـ والذي جاء فيه أنه إذا تقدم أحد بشكوى ضد الإمارات فلا ترسل الشكوى لها بل يرسل أناس موثوق بهم فأما أن يثبت ما يقول وإلا يؤدب ؛ وتأيد بالأمر السامي رقم 1609 في 25/1/1401هـ وكتاب الوزارة رقم 7083 في 20/2/1401هـ.
ثالثا: إذا كانت الشكوى مقدمة لأمير المنطقة ضد أحد المسؤولين بالمنطقة سواء كانوا أمراء المراكز أو غيرهم من الموظفين الآخرين ففي هذه الحالة تقبل شكوى الشاكي على أن يطلب منه تحديد نقاط شكواه وتركيزها وإثباتها فيما بعد ؛ ويؤخذ عليه التعهد اللازم وإذا لم يثبت التحقيق أقواله فيما بعد ويتبين أنه كاذب يؤدب بما يردعه.
رابعا: يطلب من أي شخص يتقدم بشكوى ضد ممثلي الحكومة تحديد نقاط الشكوى ويؤخذ عليه الإقرار اللازم بأن ما جاء في شكواه صحيح ولا يقوم على أغراض شخصية فإذا ثبت أنه غير محق يجازى بما يردعه.
كل هذه الإجراءات السابقة احترازا من أن يتقدم أحد ببلاغ كاذب، يشغل به الجهات الأمنية، ويكون سببا في إزعاج راحة برئ.
4 - الإجراءات الواجبة عند تلقي البلاغات:
أ - الإجراءات الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
بينت المادة ( 27 ) من النظام الإجراءات الواجب على رجال الضبط اتباعها عند تلقي البلاغات على النحو التالي:(1/187)
1 - على رجال الضبط الجنائي كل حسب اختصاصه أن يقبلوا البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم في جميع الجرائم.
2 - فحص البلاغات وجمع المعلومات المتعلقة بها في محضر موقع عليه منهم.
3 - تسجيل ملخصها وتاريخها في سجل يعد لذلك.
4 - إبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام بذلك فوراً.
5 - يجب أن ينتقل رجل الضبط الجنائي بنفسه إلى محل الحادث للمحافظة عليه، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة، والمحافظة على أدلتها، والقيام بالإجراءات التي تقتضيها الحال.
6 - عليه أن يثبت جميع هذه الإجراءات في المحضر الخاص بذلك.
ب - الإجراءات الواردة في نظام مديرية الأمن العام:(1)
1 - على رجال الضبط إبلاغ أقرب مركز شرطة عن أي حادث جنائي.
2 - على مركز الشرطة الذي يرد إليه البلاغ المبادرة بتدوين البلاغ بمحضر يفتح لهذا الغرض؛ ولا يجوز التأخير في تدون البلاغ بحجة أن الواقعة خارج الاختصاص المكاني لمركز الشرطة الذي ورد إليه البلاغ.
3 - تجب العناية في قيد البلاغات عن غياب الأشخاص وخاصة الغلمان والمردان والنساء، وذلك بتسجيل اسم ولقب وعنوان المبلغ وعلاقته بالغائب، وأخذ أوصاف الغائب منه، ووقت غيابه وما معه من أشياء، وتعميم ذلك عل كافة المراكز الأمنية والجهات ذات العلاقة.
4 - على رئيس المركز أو الضابط الذي يتلقى البلاغ إشعار مرجعه بذلك فورا.
ج - في مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والادعاء العام :
ورد في (11) من مشروع لائحة هيئة التحقيق والادعاء العام ما يلي:
1 - يبادر المحقق فور إبلاغه عن وقوع جريمة بتمحيص مضمون البلاغ أو الشكوى.
__________
(1) - انظر نظام مديرية الأمن العام المواد ( 119 إلى 124 ) 0(1/188)
2 - إذا اتضح للمحقق من البلاغ توفر ما يدل على وقوع جريمة مضى في إثبات وقت تسلمه للبلاغ وتاريخه في السجل المعد لقيد البلاغات عن الحوادث، ومن ثم يبدأ الإجراءات التي يتطلبها التحقيق ويعطى لكل قضية رقما متسلسلا في سجل خاص ويعتبر هذا الرقم خاصا بملف القضية وتفرعاتها.
3 - إذا ورد للمحقق بلاغ أو شكوى ضد موظف أو أحد العاملين بالدولة بسبب فعل وقع منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، فعليه المبادرة بسماع أقوال المبلغ أو الشاكي وشهوده، وأخذ موافقة وزير الداخلية على الاستمرار في التحقيق بناء على اقتراح رئيس الهيئة.
4 - تخطر الجهة التي يتبعها الموظف بالتهمة المسندة إليه واليوم المحدد لسؤاله.
5 - يجب على المحقق أن يفرد سجلا يوميا لتسجيل جميع أعمال التحقيق التي قرر إجراءها خلال الأيام المقبلة والقضايا الخاصة بها، وسجلا بأسماء الموقوفين وتاريخ توقيف كل منها لملاحظة استمرار التوقيف أو إنهائه وإثبات مدته فيه.
6 - يحال للمحكمة المختصة كل شخص شهد ارتكاب جريمة أو علم بوقوعها ولم يبلغ عنها تواطؤا مع المتهمين وكل من قدم بلاغا كاذبا عن جريمة أو تسبب في مباشرة تحقيق باختلاقه أدلته.
5 - الإبلاغ عن الجرائم:
أولا: الإبلاغ عن جرائم الحدود:
المبلغ إما أن يكون محتسبا أو غير محتسب، والمحتسب هو من يأمر بالمعروف إذا ظهر تركه وينهى عن المنكر إذا ظهر فعله. قال تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [سورة آل عمران 104] وهذا وإن كان واجبا على كل مسلم فهو متعين على المحتسب بحكم ولايته، لكن غيره فرض عليه على سبيل الكفاية.(1/189)
وما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يبلغ عنها ولا أن يتتبع ما اختفى منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها ، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله } (1).
لكن إن غلب على الظن أن شخصا استتر ليفعل جريمة فيها انتهاك حرمة يفوت استدراكها كما لو علم أن رجلا خلا بامرأة ليزني بها أو رجل ليقتله، فيجوز في مثل هذه الحال إبلاغ السلطة عنه حذرا من فوات ما لا يستدرك من ارتكاب المحارم وفعل المحظورات.
***
__________
(1) - رواه الإمام مالك في الموطأ حديث رقم ( 1562 ).(1/190)
89 -بلوغ
البلوغ في اللغة: له معان منها الإدراك، يقال: بلغ الغُلامُ: أي أدْرَكَ(1).
وفي الاصطلاح : البلوغ استكمال خمس عشرة سنة الذكر والأنثى في ذلك سواء إلا أن يحتلم الرجل أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة فيكون ذلك البلوغ(2). (ولمعرفة المزيد عن أحكام راجع مصطلح: أحداث ).
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب، والقاموس المحيط مادة ( بلغ ).
(2) - الأم للإمام الشافعي 3/220(1/191)
90 -بنج
1 - التعريف : -
البَنْجُ في اللغة كما جاء في لسان العرب: ضرب من النبات. قال ابن سيده: وأُرى الفارسي قال: إنه مما يُنْتَبَذُ، أَو يُقَوَّى به النبيذُ(1). وقال الخليل: البَنْجُ من الأَدويةِ ، مُعَرَّبٌ(2).
وعرفه ابن عابدين فقال: البنج بالفتح نبات يسمى في العربية شيكران، يصدع ويسبت ويخلط العقل(3).
2 - حكم استعماله: -
يرى جمهور الفقهاء أنه يحرم تعاطي القدر المسكر من هذه المادة ، ويعزر بالسكر منه بغير عذر ويجوز عندهم التداوي به واستعماله لإزالة العقل لقطع عضو متآكل. قال الإمام النووي: ( وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة المعروفة فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات , ويجب فيه التعزير دون الحد )(4).
3 - تنفيذ العقوبات تحت تأثير البنج:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( بنج ).
(2) - كتاب العين مادة ( بنج ).
(3) - رد المحتار 6/457
(4) - المجموع شرح المهذب 3/9(1/192)
يجوز تنفيذ العقوبات التي فيها قطع أو قتل المتعلقة بالحدود التي هي حق لله تعالى، تحت تأثير البنج، أما العقوبات التي هي حق للأفراد، كالقصاص في النفس وما دونها، فلا يجوز تنفيذها تحت تأثير البنج إلا برضى صاحب الحق الخاص. وقد جاء في تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16/3898 وتاريخ 2/6/1420هـ النص التالي: ( نشير إلى الأمر السامي الكريم رقم 4/332/م وتاريخ 18/4/1420هـ المشار فيه إلى برقيتنا رقم 16/59861 في 27-28/8/1418هـ بشأن مسألة تنفيذ القصاص فيما دون النفس التي صدر فيها قرار الهيئة القضائية العليا رقم 82 في 14/3/1393هـ، المتضمن أن الهيئة القضائية لا ترى أن يتم القصاص تحت تأثير مخدر ( بنج ) ولو كان موضعيا لأنه لا يحصل باستيفاء القصاص مع المخدر ( البنج ) التشفي للمجني عليه من الجاني فتفوت حكمة القصاص لفوات إحساس الجاني المقتص منه بالآلام التي أحس بها المجني عليه عند وقوع الجناية، كما صدر الأمر رقم 16485 في 1/11/1415هـ المبني على قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة رقم 455/3 في 20/10/1415هـ بأنه ينبغي إنفاذ القصاص بواسطة مختص يؤمن من جانبه الحيف من أهل الطب ؛ أما إنفاذ الحدود كقطع اليد والرجل فقد سبق أن صدر قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة رقم 145/5/20 في 7/6/1406 هـ المتضمن أنه لم يظهر للمجلس ما يمنع من استعمال البنج عند قطع اليد أو الرجل في الحدود، وإن سمو أمير منطقة الرياض أشار إلى أن الوضع يتطلب استصدار فتوى بإجازة استعمال البنج عند القطع قصاصا أسوة بالحدود لضمان عدم التجاوز ، وإنفاذا للأمر رقم 16485 في 1/11/1415هـ المتضمن إجراء القطع من قبل أهل الطب وهم لا ينفذون العمليات إلا تحت تأثير البنج ؛ وبناء عليه ورد خطاب سماحة المفتي العام للملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء رقم 4949/2 في 30/10/1419هـ المتضمن أن مجلس هيئة كبار العلماء درس الموضوع وأصدر(1/193)
فيه قراره رقم 191 في 27/10/1419هـ بجواز استعمال المخدر ( البنج ) عند القصاص فيما دون النفس إذا وافق صاحب الحق وهو ( المجني عليه ).
4 - عقوبة تعاطي البنج : -
يعرف الفقهاء ما يحرم تناوله ، ويترتب على تعاطيه الحد بأنه : كل شراب مسكر؛ وعلى الرغم من ذلك فقد ذهب معظم الفقهاء إلى عدم إقامة الحد على السكران من البنج ونظائره من الجامدات ، وإن كان مذابا وقت التعاطي، ولكنه يعاقب عقوبة تعزيرية ، وسبق ذكر كلام الإمام النووي في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر، ولم يغيب العقل، ففيه التعزير )(1).
***
__________
(1) - الفتاوى الكبرى 3/424(1/194)
91 -بينة:
البينة: هي اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ويراد بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة. ( أنظر التفصيل في مادة: شهادة )
***(1/195)
حرف التاء
92 -تأخير
1 - التعريف : -
التأخير لغة: من تأَخر وضدّه تقدّم؛ وقد تَأَخَّرَ عنه تَأَخُّراً، وأَخَّرْتُه فتأَخَّرَ، واستأْخَرَ كتأَخَّر(1).
والتأخير عند الفقهاء : هو فعل الشيء في آخر وقته المحدد له شرعا(2).
2 - تأخير البلاغ عن الجرائم:
البلاغ عن الجريمة يجب المسارعة فيه، ونقله إلى الجهات المختصة قبل اختفاء معالم الجريمة، وهروب الجاني ، وإذا تأخر المبلغ في بلاغه ، عن الزمن المألوف فلا يقبل بلاغه إلا لعذر تقتنع به الجهة المختصة بتلقي البلاغات.
3 - تأخير إقامة الحد : -
الحد: عقوبة مقدرة شرعا تقام على مرتكب ما يوجب الحد زجرا له وتأديبا لغيره، والأصل أن الجاني يحد فوراً بعد ثبوت الحكم دون تأخير، حتى ولو كان مريضاً، هذا هو المذهب عند الحنابلة، خلافا للجمهور. قال ابن قدامة: ( وأما تأخير الحد للمريض، ففيه منع )(3). وقال ابن مفلح: ( وتأخير حد، وإن خيف من السوط لم يتعين، على الأصح فيقام بطرف ثوب وعثكول نخل حسبما يحتمله ؛ وقيل: ضربه بمائة شمراخ ، وقيل: يؤخر لحر وبرد ومرض مرجو البرء، وإلا ضمن، ويؤخر لشرب حتى يصحو، نص عليه ولقطع خوف التلف. ومن مات في حد ولو حد خمر، نص عليه، أو تعزير، ولم يلزم تأخيره، فهدر )(4).
هذا بالنسبة للجلد أما في القصاص وحد الرجم فلا تأخير إلا للحامل ؛ هذا إذا كان الأولياء في القصاص موجودين ، أما إذا كانوا صغارا أو غائبين فيؤخر القصاص حتى يبلغ الصغير ويقدم الغائب .
وأما حد السكران فيؤخر باتفاق الفقهاء حتى يزول عنه السكر تحصيلا للمقصود وهو الانزجار بوجدان الألم ، والسكران زائل العقل كالمجنون. ولو حد قبل الإفاقة فإن الحد يعاد عند جمهور الفقهاء.
4 - تأخير إقامة الدعوى :
__________
(1) - لسان العرب مادة ( أخر ).
(2) - الموسوعة الفقهية 10/6
(3) - المغني 12/443
(4) - الفروع 6/57(1/196)
يرى بعض الفقهاء أنه إذا تأخر المدعي في إقامة دعواه خمس عشرة سنة سقطت دعواه بالتقادم، ومن ثم فلا تسمع ، قال ابن عابدين: لنهي السلطان عن سماعها بعد هذه المدة إلا في الوقف والإرث وعند وجود عذر شرعي، ثم قال : ونقل في الحامدية فتاوى من المذاهب الأربعة بعدم سماع الدعوى بعد نهي السلطان(1).
***
__________
(1) - رد المحتار 5/419(1/197)
93 -تأديب
1 - التعريف : -
التأدِيبُ في اللغة له معان منها : التهذيب، والتعليم، والمعاقبة، يقال: أَدَّبَ الغُلامَ: أي هذَّبَه، وأدَّبَ فلانا على ذنبِه عاقبه(1).
وفي الاصطلاح: الضرب والوعيد والتعنيف(2).
2 - من له حق التأديب : -
أ - يقوم بالتأديب من له حق الولاية العامة:
وهذا يتمثل في الإمام ونوابه، فلهم الحق في تأديب من ارتكب محظورا ليس فيه حد ، مع الاختلاف بين الفقهاء في الوجوب عليهم وعدمه.
ب - الولي بالولاية الخاصة :
للولي الخاص أبا كان أو جدا أو وصيا ، أو قيما من قبل القاضي، حق التأديب لحديث : { مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع } (3).
قال ابن مفلح: ( قال ابن الجوزي في كتاب السر المصون: معاشرة الولد باللطف والتأديب والتعليم، وإذا احتيج إلى ضربه ضُرِبْ، ويُحمل على أحسن الأخلاق ويجنب سيئها، فإذا كبر فالحذر منه، ولا يطلعه على كل الأسرار، ومن الغلط ترك تزويجه إذا بلغ، فإنك تدري ما هو فيه بما كنت فيه، فصنه عن الزلل عاجلا، خصوصا البنات، وإياك أن تزوج البنت بشيخ أو شخص مكروه )(4).
ج - للمعلم تأديب التلميذ:
قال ابن قدامة: ( وللمعلم ضرب الصبيان للتأديب ؛ قال الأثرم: سئل أحمد، عن ضرب المعلم الصبيان قال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه )(5).
د - تأديب الزوج لزوجته:
للزوج تأديب زوجته فيما يتصل بالحقوق الزوجية، لقوله تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } [النساء 34] ، وهذا متفق عليه بين الفقهاء .
__________
(1) - القاموس المعتمد، مادة ( أدب ).
(2) - المغني 1/350
(3) - رواه أبو داود الحديث رقم ( 495 ).
(4) - الفروع 5/607
(5) - المغني 8/116(1/198)
وعن تأديب الزوجة على ترك فرائض الله قال ابن قدامة: ( وله تأديبها على ترك فرائض الله؛ وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه، قال: على ترك فرائض الله؛ وقال في الرجل له امرأة لا تصلي: يضربها ضربا رفيقا غير مبرح؛ وقال علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [سورة التحريم 6] قال: علموهم أدبوهم ؛ وروى أبو محمد الخلال، بإسناده عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { رحم الله امرأ علق في بيته سوطا يؤدب أهله } ؛ فإن لم تصل فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل لرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من جنابة، ولا تتعلم القرآن. قال أحمد في الرجل يضرب امرأته: لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا أبوها، لم ضربها؟ والأصل في هذا ما روى الأشعث ، عن عمر ، أنه قال يا أشعث ، احفظ عني شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا تسألن رجلا فيما ضرب امرأته } ، رواه أبو داود(1) ؛ ولأنه قد يضربها لأجل الفراش، فإن أخبر بذلك استحيا، وإن أخبر بغيره كذب)(2).
3 - طرق التأديب والتدرج فيها : -
تختلف طرق التأديب باختلاف من له التأديب ومن عليه التأديب ؛ فطرق تأديب الإمام لمن يستحق من الرعية غير محصورة ولا مقدرة شرعا ، فيترك لاجتهاده في سلوك الأصلح لتحصيل الغرض من التأديب، لاختلاف ذلك باختلاف الجاني والجناية ، وعليه أن يراعي التدرج اللائق بالحال والقدر كما يراعي دفع الصائل ، فلا يرقى إلى مرتبة وهو يرى ما دونها كافيا و مؤثرا.
__________
(1) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 2147 ) وهو في مسند الإمام أحمد برقم ( 123 ).
(2) - المغني 10/261(1/199)
أما الولي بالولاية الخاصة، كالأب، والوصي، والولي، والمعلم، فيبدأ بالأمر بأداء الفرائض والنهي عن المنكرات بالقول ، ثم الوعيد ، ثم التعنيف، ثم الضرب ، إن لم تجد الطرق المذكورة قبله، ولا يضرب الصبي لترك الصلاة إلا إذا بلغ عشر سنين، لحديث: { مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع } (1).
وتؤدب الزوجة، بالوعظ، والهجر، فإن لم يجد ذلك فبالضرب غير المبرح لقوله تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } [ النساء 34 ] ويشترط بعض الفقهاء ألا يزيد الضرب عن عشرة أسواط(2).
4 - هلاك المؤدََّب بسبب التأديب : -
جاء في كشاف القناع: ( ومن أدب ولده أو أدب امرأته في النشوز أو أدب المعلم صبيه أو أدب السلطان رعيته، ولم يسرف الأب أو الزوج أو المعلم أو السلطان، فأفضى التأديب إلى تلفه أي المُؤدَّب لم يضمن المؤدِّب لأنه مأذون فيه شرعا فلم يضمن ما تلف به كالحد، وإن أسرف في التأديب بأن زاد فوق المعتاد، أو زاد على ما يحصل به المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي غير مميز وغيره كمجنون ومعتوه ضمن، لأنه غير مأذون في ذلك شرعا )(3).
***
__________
(1) - رواه أبو داود الحديث رقم (495)
(2) - الموسوعة الفقهية 10/23-24 ( بتصرف)
(3) - كشاف القناع 6/16(1/200)
94 -تبرج
1 - التعريف : -
التَّبَرُّج لغة : الظهور، جاء في لسان العرب التَّبَرُّج: إِظهار المرأَة زينتَها ومحاسنَها للرجال. وتَبَرَّجَتِ المرأَةُ: أَظهرت وَجْهَها. وإِذا أَبدت المرأَة محاسن جيدها ووجهها، قيل: تَبَرَّجَتْ(1).
وفي الاصطلاح: التبرج إظهار الزينة للرجال الأجانب.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: { غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } [ النساء آية 60 ] أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة لينظر إليهن ، فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعدها عن الحق. وأصل التبرج: التكشف والظهور للعيون(2).
2 - بم يكون التبرج ؟
يكون التبرج بإظهار الزينة والمحاسن ، من البدن: كالوجه، والعنق، والصدر، والشعر، ورفع الصوت، وجميع ما يتعلق بذلك من زينة، ويكون بالتبختر والاختيال، والتثني في المشي ، ولبس الرقيق من الثياب الذي يصف بشرتها ، ويبين مقاطع جسمها، إلى غير ذلك مما يبدو منها مثيرا للغرائز ومحركا للشهوة.
قال ابن العربي رحمه الله: (من التبرج أن تلبس المرأة ثوبا رقيقا يصفها، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: { رب نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات ، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها } (3). وإنما جعلهن كاسيات ; لأن الثياب عليهن، وإنما وصفهن بعاريات لأن الثوب إذا رق يكشفهن; وذلك حرام ) (4).
3 - حكم التبرج :
__________
(1) - لسان العرب مادة ( برج ).
(2) - تفسر القرطبي 12/308
(3) - الحديث قي مسند الإمام أحمد برقم ( 7043، 8451) وفي صحيح مسلم برقم ( 2128) وفي الموطأ برقم ( 1694 ).
(4) - أحكام القرآن 3/419(1/201)
يحرم التبرج على الصفة السابقة ، لمخالفته لقول الله تبارك وتعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [ الأحزاب 33 ] وقوله تعالى: { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [ النور31 ] وذلك أن النساء في الجاهلية الأولى كن يخرجن في أجود زينتهن ويمشين مشية من الدلال والتبختر ، فيكون ذلك فتنة لمن ينظر إليهن ؛ حتى القواعد من النساء ، وهن العجائز ونحوهن ممن لا رغبة للرجال فيهن، نزل فيهن قوله تعالى : { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } [سورة النور 60 ]، فأباح لهن وضع الخمار ، وكشف الرأس ونحوه ، ونهاهن مع ذلك عن التبرج.
4 - واجب الأولياء نحو منع التبرج:
على الأب أن يمنع ابنته الصغيرة عن التبرج إذا كانت تشتهى، حيث لا يباح مسها والنظر إليها والحالة هذه لخوف الفتنة، ويجب عليه ذلك بالنسبة لابنته التي لم تتزوج ، إذ ينبغي له أن يأمرها بجميع المأمورات ، وينهاها عن جميع المنهيات، ومثل الأب في ذلك وليها عند عدمه. وعلى الزوج منع زوجته من التبرج، لأنه معصية ، فله تأديبها وضربها ضربا غير مبرح في كل معصية لا حد فيها، إذا لم تستجب لنصحه ووعظه، متى كان متمشيا مع المنهج الشرعي. وعلى ولي الأمر أن ينهى عن التبرج المحرم , وله أن يعاقب عليه, وعقوبته التعزير , والمراد به التأديب، ويكون بالضرب أو بالحبس أو بالكلام العنيف , أو ليس فيه تقدير , بل هو مفوض إلى رأي من يقوم به وفق مقتضيات الأحوال التي يطلب فيها التعزير(1).
5 - عقوبة التبرج:
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 10/64(1/202)
يعتبر التبرج من الجرائم الموجبة للعقوبة التعزيرية التي يرجع في تقديرها للقاضي ، وقد ظهر في هذا الزمان جيل من النساء صدق عليهن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كاسيات عاريات ) وأصبح بعض نساء المسلمين يقلدن نساء الغرب الفاجرات ، فالواجب عدم التهاون في هذا الجانب ؛ وإنني أحث القضاة والأولياء على عدم التساهل في معاقبة المتبرجات ، لاسيما في هذا الزمان الذي ظهرت فيه الفتن ، وكترت وسائل الشر ، والله المستعان.
***(1/203)
95 -تبغ
1 - التعريف :
التَّبغ بتاء مفتوحة: لم يرد ذكره في معاجم اللغة القديمة، فهو لفظ أجنبي دخل العربية دون تغيير ، وأقره مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وهو نبات من الفصيلة الباذنجانية يستعمل تدخينا وسعوطا ومضغا ، ومنه نوع يزرع للزينة (1).
وفي الاصطلاح : التبغ نبات يتخذ منه دخان يشرب عن طريق المص، ويسمى هذا الدخان التتن أو التنباك.
2 - حكم التبغ:
اختلف العلماء في حكم الدخان - التبغ - فقال بعضهم بتحريمه، وهو الصواب، وقال بعضهم بكراهيته، وقال بعضهم بإباحته، ويلاحظ أن الذين قالوا بالكراهية أو بالإباحة، اشترطوا ألا يكون مضرا، ولأن الدخان ثبتت مضرته طبيا فهو حرام ، وقد ذكر الشيخ محمد بن أحمد عليش كلاما نفيسا في ذلك فقال: (وغالب مستعملي الدخان لا يحفظ به صحة حاصلة ولا يجلب به صحة زائلة بل للتلذذ والتفكه وهذه أمارة الإسطال بلا إشكال ولو لم يكن في استعماله إلا تسويد الثياب والأبدان وكراهة الريح والأنتان لكان زاجرا للعاقل عنه خصوصا مع ذهابه بذلك الخبث إلى المحافل والجماعة للصلوات. وتأمل يا أخي شاربيه وهو يخرج من أفواههم وأنوفهم كأهل النار ومن يهلكون آخر الزمان من الأشرار فقد ورد في الأثر أنه يكون في آخر الزمان دخان يملأ الأرض يقيم أربعين يوما فأما المؤمن فيصيبه منه مثل الزكام وأما الكافر فيخرج من فمه وأنفه وأذنيه وعينيه وباقي منافذه حتى يصير رأس أحدهم كعجل حنيذ أي مشوي ولا ينبغي لأحد أن يتشبه بأهل النار ولا أن يستعمل ما هو من نوع عذاب ولا ما هو من ملابس أهل العذاب كخاتم حديد أو نحاس ففي الحديث { أنهما حلية أهل النار } وكالاستتار في الصلاة بحجر واحد وكالزنار والغيار والصلاة إلى النار وكره النبي صلى الله عليه وسلم الطعام الحار ، وقال صلى الله عليه وسلم: { إن الله - سبحانه وتعالى - لم يطعمنا نارا } ولو لم يكن فيه إلا إحياء سنة الكفار الذين أخرجوه
__________
(1) - أنظر المعجم الوسيط مادة ( تبغ )(1/204)
من أرضهم لأرض الإسلام للإضرار فقد أخبرني بعض مخالطي الإنكليز أنهم ما جلبوه لبلاد الإسلام إلا بعد إجماع أطبائهم على منعهم من ملازمته وأمرهم بالاقتصار على اليسير الذي لا يضر لتشريحهم رجلا مات باحتراق كبده وهو ملازمه فوجدوه ساريا في عروقه وعصبه ومسودا مخ عظامه وقلبه مثل سفنجة يابسة وفيه ثقب مختلفة صغرى وكبرى وكبده مشوية فمنعوهم من مداومته وأمروهم ببيعه للمسلمين لإضرارهم فلو لم يكن فيه إلا هذا لكان باعثا للعاقل على اجتنابه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الحلال بين والحرام بين وبينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ومن وقع في الشبهات كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه } (1). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { الإثم ما حاك في الصدر أو حاك في النفس } (3) ولا شك أن استعمال الدخان مما أراب وأوقع الاضطراب ولو سئل الفقهاء الذين قالوا السفه الموجب للحجر تبذير المال في اللذات والشهوات عن ملازم استعمال الدخان لما توقفوا في وجوب الحجر عليه وسفهه ثم انظر إلى ما ترتب على إضاعة الأموال فيه من التضييق على الفقراء والمساكين وحرمانهم من الصدقة عليهم بشيء مما أفسده الدخان على المترفهين به وسماحة أنفسهم بدفعها للكفار المحاربين أعداء الدين ومنعها من الإعانة بها على مصالح المسلمين وسد خلة المحتاجين، وهذا من أسباب التحريم ولا يرتاب فيما قررناه ذو دين ولا صاحب صدق متين فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وسنلتقي مع من خالفنا يوم الدين يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم تبلى السرائر، وتظهر
__________
(1) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 52 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1955 ).
(2) - الحديث رواه الترمذي برقم ( 2518 ) والنسائي برقم ( 5615 ).
(3) - الحديث في مسند الإمام أحمد برقم ( 17545 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 2553 ).(1/205)
المخبآت للأبصار والبصائر وتواترت الأخبار بأن التجر فيه مقرون بالخسارة ومما جربه أهله أن شاربه لا ينفك عن الكدر والحزن وسوء الخلق وأخذا لهم بنفسه ما دام أثره معه وأنه يورث الجبن والخور والنسيان )(1).
3 - متى ظهر التبغ ؟
أول من أحدثه بأرض المغرب رجل يهودي يزعمونه حكيما له فيه نظم، ونثر، وذكر لهم فيه منافع عدة، وزاد عليه أرباب البطالة كثيرا، وأول من أخرجه لبلاد السودان المجوس، ثم جلب إلى مصر، والحجاز، واليمن، والهند، وغالب أقطار الإسلام )(2).
4 - أضرار التبغ الصحية:
إن الدخان السلبي غير المباشر للتبغ عبارة عن مزيج من آلاف المواد الكيمائية، على الأقل (40) مادة منها موجودة في الدخان ثبت أنها تسبب السرطان، يحتوي دخان التبغ أيضاً على كميات كبيرة من أول أكسيد الكربون، وهو غاز يكبح قدرة الدم على حمل الأوكسجين لخلايا الجسم بما فيها الأعضاء الحيوية مثل القلب والمخ، بالإضافة إلى المواد الأخرى التي تؤدي إلى أمراض القلب و السكتة.
ووفقاً للتقرير الصادر عام 1977م عن وكالة حماية البيئة بكاليفورنيا، فإن معدل الوفيات المقدر بسبب التبغ بين غير المدخنين في كاليفورنيا يتراوح بين 147 إلى 251 حالة لكل مليون من عدد السكان، وإذا طبق المعدل نفسه على الاتحاد الأوروبي فسيكون حصيلة ذلك ما معدله سنوياً بين 55000 إلى 94000 ضحية سنوية بسبب التدخين السلبي غير المباشر، وفي الصين، سيتسبب المعدل نفسه في عدد وفيات مذهلة تتراوح بين 185000 إلى 317000 حالة وفاة سنوياً.
__________
(1) - فتح العلي المالك 1/132
(2) - فتح العلي المالك 1/190(1/206)
إن التعرض للتدخين السلبي غير المباشر يمكن أن يسبب كلا من التأثيرات الفورية والتأثيرات بعيدة المدى على صحة الإنسان: فالتأثيرات الفورية تشمل: التهاب العيون، والأنف، والحلق والرئتين، غير المدخنين، الذين لديهم حساسية بشكل عام للآثار السامة لدخان التبغ أكثر من المدخنين، قد يعانون من حالات الصداع والغثيان والدوار. والتدخين غير المباشر يفرض إجهاداً إضافياً على القلب ويؤثر على قدرة الجسم على امتصاص والاستفادة من الأوكسجين. أما التأثير الصحي بعيد المدى من جراء التدخين السلبي غير المباشر فهو: تزايد الإصابة بالسرطان وأمراض القلب بعد سنوات من التعرض للدخان. أما بالنسبة لمن يعانون من نوبات الربو فإن دخان التبغ مع ذلك يمكن أن يسبب لهم خطراً فورياً بتحفيز وتفجير النوبات، غالبية مرضى الربو يعانون من أعراض تتراوح بين الضيق في التنفس إلى الاختناق الحاد بسبب التعرض لدخان المدخنين(1).
***
__________
(1) - عن صحيفة الجزيرة العدد 10546 الصادر يوم الاثنين 23/5/1422هـ(1/207)
96 -تجسس
1 - التعريف : -
التَّجَسُّسُ لغة : تتبع الأخبار وتجسسها ، يقال: جَسَّ الخَبَرَ وتَجَسَّسه: بحث عنه وفَحَصَ. ومنه الجاسوس ، لأنه يتتبع الأخبار ويفحص عن بواطن الأمور ، ثم استعير لنظر العين(1). قال ابن الأثير: ( التَّجَسُّسُ بالجيم: التَّفْتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يُقال في الشَّرّ. والجَاسُوس: صاحب سرّ الشَّرّ. والنَّامُوسُ: صاحب سر الخير. وقيل التَّجَسُّس بالجيم أن يَطْلُبَه لغيره، وبالحاء أن يَطْلُبَه لنَفْسِه. وقيل بالجيم: البَحثُ عن العَوْرَات، وبالحاء: الاسْتِماع، وقيل معناهما واحدٌ في تَطَلُّب معرفة الأخبار )(2).
وفي الاصطلاح: لا يخرج معناه عن المعنى اللغوي.
2 - تحريم التجسس على عورات الناس: -
التجسس محرم بالكتاب والسنة، قال تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [الحجرات 12] ؛ وروى مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : ( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا )(3).
وروى أبو داود عن معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)(4).
3 - التجسس على مرتكبي الجرائم والمخالفات والإبلاغ عنهم:
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة (جس)
(2) - النهاية في غريب الحديث 1/263
(3) - صحيح مسلم الحديث رقم (2563).
(4) - سنن أبي داود الحديث رقم (4888).(1/208)
متابعة المجاهرين بالمعاصي ومرتكبي الجرائم وتقديمهم للعدالة لا شك في وجوبها، لكن إذا كان مرتكب الجريمة أو المعصية مستترا في داره ولم يجاهر بفعله فقد بين العلماء حكمه ومن ذلك ما قاله محمد القرشي بقوله: ( فأما ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يبحث عنها، ولا أن يهتك الأستار حذرا من الاستتار بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم { من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه } (1). ومن شرط المنكر الذي ينكره المحتسب أن يكون ظاهرا فكل من ستر معصية في داره, وأغلق بابه لا يجوز له أن يتجسس عليه إلا أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل من يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فيجوز له مثل هذه الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف، والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم, وارتكاب المحظورات.
الثاني: ما خرج عن هذا الحد , وقصر عن هذه الرتبة لا يجوز التجسس عليه, ولا كشف الأستار عنه, حكي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على قوم يتعاقرون على شراب, ويوقدون في الأخصاص(2) فقال: نهيتكم عن المعاقرة فعاقرتم, ونهيتكم عن الإيقاد في الأخصاص فأوقدتم فقالوا: نهاك الله عن التجسس فتجسست,وعن الدخول بغير إذن فدخلت ؛ فقال هاتين بهاتين، وانصرف, ولم يتعرض لهم, فإن سمع المحتسب أصوات ملاه منكرة من دار تظاهر أهلها بأصواتها أنكرها خارج الدار, ولم يهجم عليها بالدخول ; لأن المنكر ظاهر, وليس له أن يكشف عما سواه )(3).
4 - عقوبة التجسس :
الجاسوس إن كان حربياً فهو مباح الدم يقتل على أي حال بإجماع الفقهاء.
__________
(1) - رواه الإمام مالك في الموطأ حديث رقم ( 1562 ).
(2) - الأخصاص جمع خص وهو بيت من شجر أو قصب.
(3) - معالم القربة في معالم الحسبة صفحة 37(1/209)
أما إن كان ذمياً أو مستأمناً أو مسلماً، فقد اختلف الفقهاء في قتله ؛ وأختار بعض فقهاء المالكية والحنابلة أنه يقتل(1). وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر , فجلس عند بعض أصحابه يتحدث , ثم انفتل , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { اطلبوه واقتلوه } فسبقتهم إليه فقتلته , فنفلني سلبه(2). ومعلوم أن الجاسوس يقتل تعزيراً، فالأمر في قتله متروك للإمام فمتى ما رآى أن المصلحة في قتله فعل.
***
__________
(1) - أنظر : شرح مختصر خليل 3/119، الطرق الحكمية صفحة ( 94 )
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 3051 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1754 ).(1/210)
97 -تحري
1 - التعريف :
التَّحَرِّي في اللغة كما قال قال ابن منظور: مشتق من أَحْرِ به، وهو طَلَبُ ما هو أَحْرَى بالاستعمال في غالب الظن، كما اشتق التَّقَمُّن من القَمِين. وفلان يَتَحَرَّى الأمرَ أَي يَتَوخّاه ويَقْصِده. والتَّحَرِّي: قَصْدُ الأوْلى والأحَقِّ، مَأْخوذ من الحَرَى وهو الخَلِيقُ، والتَّوَخِّي مثله(1).
وفي الاصطلاح : بذل المجهود في طلب المقصود، أو طلب الشيء بغالب الظن عند عدم الوقوف على حقيقته .
2 - حكم العمل بالتحري:
التحري مشروع والعمل به جائز ، والدليل على ذلك الكتاب والسنة والمعقول ؛ أما الكتاب: فقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ } [ الممتحنة 10 ] . وذلك يكون بالتحري وغالب الرأي ، وأطلق عليه العلم. وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين اختصما في المواريث: { اذهبا وتوخيا واستهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه } (2)؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: { إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصواب } (3) .
وأما ما يدل عليه من المعقول : فهو أن الاجتهاد في الأحكام الشرعية جائز للعمل به، وذلك عمل بغالب الرأي ، ثم جعل مدركا من مدارك أحكام الشرع ، وإن كانت الأحكام لا تثبت به ابتداء ، فكذلك التحري مدرك من مدارك التوصل إلى أداء العبادات وإن كانت العبادة لا تثبت به ابتداء .
3 - البحث والتحري عن المجرمين:
البحث والتحري عن المجرمين وملاحقتهم والقبض عليهم جائز، على التفصيل الذي سبق بيانه في مادة ( تجسس فيرجع إليه ).
***
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( حري ).
(2) - رواه الحاكم في المستدرك برقم ( 7033 )
(3) - الحديث رواه ابن ماجة برقم ( 1212 ).(1/211)
98 -تحريش
1 - التعريف :
قال ابن منظور: الحَرْش والتَّحْرِيشُ: إغراؤُكَ الإِنسانَ والأسد ليقع بقِرْنِه. وحَرَّش بينهم: أَفْسَد وأَغْرى بعضَهم بِبَعض. قال الجوهري: التحريش الإِغراء بين القوم وكذلك بين الكلاب(1).
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للتحريش عن المعنى اللغوي.
2 - حكم التحريش:
التحريش بين الناس، أو التحرش بأحد منهم بقصد الإفساد حرام، لأنه وسيلة لإفساد ذات البين ، والله لا يحب الفساد ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ؛ قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة } (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: { إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم } (3): أي الإغراء وتغيير القلوب والتقاطع.
قال ابن مفلح رحمه الله: ( ويكره التحريش بين الناس وكل حيوان بهيم ككباش وديكة وغيرهما ذكره في الرعاية الكبرى، وذكر في المستوعب أنه لا يجوز التحريش بين البهائم، فهذان وجهان في التحريش بين البهائم، وكلام الإمام أحمد يحتملهما قال ابن منصور لأبي عبد الله يكره التحريش بين البهائم قال سبحان الله إي لعمري، والأولى القطع بتحريم التحريش بين الناس. وعن جابر رضي الله عنه قال: { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم } رواه أبو داود، والترمذي(4)، من رواية أبي يحيى القتات وهو مختلف فيه وباقيه ثقات)(5).
3 - عقوبة التحرش:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( حرش )، وأنظر الصحاح، والقاموس المحيط مادة ( حرش ).
(2) - رواه أبو داود برقم ( 4919 ) والترمذي برقم ( 2509 ).
(3) - رواه مسلم برقم ( 2812 ).
(4) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 2562 )، وسنن الترمذي الحديث رقم ( 1708، 1709 ).
(5) - الآداب الشرعية 3/342(1/212)
من تحرش بإنسان، رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً، وكان القصد من التحرش سيئاً، يحال المُتَحرِشُ إلى المحكمة الشرعية لتقرير ما يجب بحقه من عقوبة تعزيرية حسب ما يراه القاضي.
***(1/213)
99 -تحريض
1 - التعريف :
التَّحْرِيضُ في اللغة: الحث على الشيء، جاء في لسان العرب: التَّحْرِيض: التَّحْضِيض. قال الجوهري: التَّحْرِيضُ على القتال الحَثُّ والإِحْماءُ عليه. قال اللَّه تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } [ الأنفال 65 ]. قال الزجَّاج: تَأْويله حُثَّهم على القتال، قال: وتَأْويل التَّحْرِيض في اللغة أَن تَحُثُّ الإِنسان حَثَّاً يعلم معه أَنه حارِضٌ إنْ تَخَلَّف عنه، قال: والحارِضُ الذي قد قارب الهلاك(1).
وفي الاصطلاح: التحريض : هو ندب المرء إلى الفعل(2).
2 - حكم التحريض :
يختلف حكم التحريض باختلاف موضوعه: فالتحريض على القتال في الجهاد مأمور به، وكذلك التحريض على البر والإحسان، كإطعام المساكين والأيتام، والتحريض على طلب العلم، وعلى المسابقات النافعة.
أما التحريض على الفساد، وأنواع المنكرات، كالقتل والسرقة، وإيذاء الناس، فهذا حرام، لأنه من باب الإفساد في الأرض.
3 - عقوبة التحريض:
التحريض على الفساد، وارتكاب الجرائم، والإساءة إلى الناس، يعد جريمة يعاقب عليها في نظر الشرع بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
***
__________
(1) - لسان العرب، والصحاح مادة ( حرض )
(2) - أحكام القرآن لابن العربي 1/587(1/214)
100 -تحريف
التحريف لغة : مصدر حرف الشيء: إذا جعله على جانب، أو أخذ من جانبه شيئا، وتحريف الكلام عن مواضعه تغييره والعدول به عن جهته، ومنه قوله تعالى في اليهود : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [ النساء 46 ] أي يغيرونه(1).
والتحريف في الاصطلاح : التغيير في الكلمة بتبديل في حركاتها ، أو حروفها، مما يترتب عليه تغيير في المعنى. ( للمزيد أنظر التفاصيل في مصطلح: تزوير ).
***
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة ( حرف )(1/215)
101 -تحقير
1 - التعريف :
التَّحقِيرُ في اللغة: من حقر الشي أي قلل من شأنه، قال الجوهري: الحَقِيرُ: الصغير الذليل، تقول منه: حَقُرَ بالضم حَقَارَةً. وحَقَرَه، واحْتَقَرَه، واستحقره: استصغره. وتَحَاقَرَتْ إليه نفسُه: تصاغرت. والتحقِيرُ: التَصغِير. والمُحَقَّرَات: الصغائر(1).
وفي الاصطلاح هو: أن يستصغر شخص شخصا آخر أو ما يصدر عنه من معروف يسديه أو يهديه أو يعطيه(2).
2 - حكم التحقير:
يحرم تحقير المسلم للمسلم استخفافا به وسخرية منه وامتهانا لكرامته ، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الحجرات 11 ]
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا؛ ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم؛ كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } (3).
3 - من أضرار التحقير:
1 - دليل الكبر والعجب بالنفس.
2 - يؤذي الآخرين فيتسلطون عليه.
3 - يفسد المودة ويقطع أواصر القربى.
4 - أثر من آثار الجهل بالنفس والغرور بها.
5 - يحبط كثير من حسنات الإنسان.
6 - هو نوع من أنواع الكبر يبغض الله صاحبه.
7 - عاقبته عاقبة سؤ في الدنيا والآخرة.
8 - يجعل صاحبه منعزلا مكروها بين الناس.
__________
(1) - الصحاح مادة ( حقر )
(2) - موسوعة نظرة النعيم 9/4133
(3) - صحيح مسلم الحديث رقم (2562).(1/216)
4 - عقوبة التحقير والسخرية:
عقوبة التحقير، والاستهزاء، والسخرية بالمسلم، ونحو ذلك، عقوبة تعزيرية، فإذا قام شخصٌ، بتحقير شخصٍ آخر بما يعيبه ويهينه فإنه يستحق العقاب الذي يتناسب مع ما بدر منه وتقدير العقوبة المستحقة للقاضي.
***(1/217)
102 -تحقيق
1 - التعريف:
التحقيق في اللغة: من الحق، وهو الأمر الثابت يقينا؛ والمحقق: هو الذي يتحقق من ثبوت الأمر ؛ جاء في لسان العرب: حَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأَحَقَّه، كلاهما: أَثبته وصار عنده حقّاً لا يشكُّ فيه. وأَحقَّه: صيره حقّاً. وحقَّه وحَقَّقه: صدَّقه؛ وقال ابن دريد: صدَّق قائلَه. وحقَّق الرجلُ إِذا قال هذا الشيء هو الحقُّ كقولك صدَّق. ويقال: أَحقَقْت الأَمر إِحقاقاً إِذا أَحكمته وصَحَّحته؛ وأَنشد:
قد كنتُ أَوْعَزْتُ إِلى العَلاء بأَن يُحِقَّ وذَمَ الدِّلاء
وحَقَّ الأَمَرُ يَحُقُّه حَقّاً وأَحقَّه: كان منه على يقين ؛ تقول: حَقَقْت الأَمر وأَحْقَقْته إِذا كنت على يقين منه. ويقال: ما لي فيك حقٌّ ولا حِقاقٌ أَي خُصومة(1).
والتحقيق في الاصطلاح عرفه الجرجاني: بأنه إثبات المسألة بدليلها(2).
وأما التحقيق الجنائي الذي نحن بصدد الحديث عنه فهو: الوسيلة التي يمكن عن طريقها التوصل لمعرفة مرتكب الجريمة وظروف ارتكابها أو المشتركين فيها(3).
أو هو: مجموعة الإجراءات التي تباشرها السلطة المختصة ، قبل المحاكمة بقصد الوصول إلى الحقيقة عن طريق التثبت من الأدلة القائمة على ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى فاعل معين.
2 - نبذة مختصرة عن تطور التحقيق الجنائي عبر العصور:
* أولا: مرحلة ما قبل الإسلام
عرف التحقيق الجنائي لدى المصريين القدامى، وكانت الوسيلة الأساسية في التحقيق، هي تعذيب المتهم والاعترافات المتولدة عنه، ولجأوا إلي المعاينة عند اللزوم، وعرفوا القبض على الجناة وتحليفهم اليمين، وتفتيشهم، وحمل المتهم على تمثيل الواقعة التي ارتكبها في مكان وقوعها، وفي النهاية كان الحاكم يقدم النتائج التي اهتدى إليها بنفسه.
__________
(1) - لسان العرب 3/256 مادة ( حقق )
(2) - التعريفات صفحة ( 75 )
(3) - مرشد الأدلة صفحة ( 28 )(1/218)
أما الصينيون القدامى فإنهم يعتمدون في التحقيق، على مظاهر النشاط الفردي للإنسان، فيقدمون للمتهم كمية من دقيق الأرز ليمضغها ثم يبصقها بعد ذلك فإن كان الدقيق جافا قرروا أنه مذنب، وإن كان رطبا قرروا براءته، وهذا اعتقادا منهم على أن الشخص البريء يكون في حالة طبيعية وبالتالي تؤدي الغدد وظائفها المعتادة في إفراز العصارات المختلفة ومنها اللعاب، أما إذا كان مذنبا فإن الانفعال يؤدي إلى توقف بعض الغدد عن الإفراز فيجف الفم.
وأما حكماء اليونان فإنهم يقومون بجس نبض المتهم لمعرفة ما إذا كان متهما أم بريئا، صادقا أم كاذبا.
وفي أوروبا كان الإيطاليون يستعملون طرقا وحشية لحمل المتهم على الاعتراف، فكانوا يعلقونه من رأسه بحبل ثم يدلى إلى الأرض بين آن وآخر حتى يعترف، وأحيانا يجبرونه على مصارعة الوحوش، وكانوا يستعملون الماء في تعذيب المتهم فيصبون في جوفه كمية كبيرة من الماء حتى يكاد ينفجر ثم يضرب على بطنه حتى يخرج الماء من فمه.
وفي إنجلترا كانت طريقة التعذيب تتم بنقل المتهم إلى كهف مظلم تحت الأرض وإلقائه شبه عار على ظهره ويوضع ثقل من الحديد على جسمه ويقدم له الطعام الفاسد والماء المتغير حتى يعترف أو يعفى عنه.
وخلاصة القول أن الإكراه والتعذيب كانا من أشهر الوسائل السائدة في عصر ما قبل الإسلام التي يعتمد عليها في التحقيق، وربما أدى ذلك إلى حمل المتهم على الاعتراف كذبا على نفسه، لأن عقوبة الجريمة كانت أسهل من وسائل التعذيب في التحقيق.
* ثانيا: التحقيق في صدر الإسلام:(1/219)
عندما أضاء نور الإسلام ، وظهر دين الله على سائر الملل والنحل، ظهر بظهوره ميزان العدل ، وأفل نجم الظلم والتعذيب ، وحفظت لبني الإنسان كرامتهم ، قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [الإسراء آية 70 ] ، فحفظت الشريعة الإسلامية للمظلوم حقه حتى ينتصر له ممن ظلمه، وحفظت أيضا للمتهم بالظلم كرامته حتى يثبت أنه ظالم، فيمنع عن الظلم ويعاقب بما فيه مصلحة عامة للفرد والمجتمع، فقررت الشريعة ضوابط لتلقي الإخباريات والشكاوى، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات 6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم.. ) (1).
وحددت ضوابط لإثبات الجرم على المجرم، كالإقرار والشهادة، والقرائن الصحيحة، وسنبين هذه الأمور في موضعها إن شاء الله تعالى.
* ثالثا: التحقيق في العصر الحديث:
لم يقف التحقيق الجنائي جامدا في العصر الحديث، بل تطور وسار جنبا إلى جنب مع المستجدات والمتغيرات الحديثة، واستفاد من العلم الحديث، ومن ذلك علم البصمات التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: { بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } [ القيامة 4 ]، فأصبحت البصمات اليوم تشكل عنصرا مهما في الكشف عن الجريمة ومعرفة مرتكبها، كما استخدمت عدد من الأجهزة والوسائل، كجهاز الكشف عن الأسلحة والمتفجرات، وأجهزة التحليل الكيميائي، والطب الشرعي، وأجهزة كشف التزوير، وغيرها.
3 - خصائص التحقيق:
__________
(1) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 4552 )(1/220)
يختص التحقيق الجنائي بأمور من أهمها(1):
1 - الإثبات بالكتابة. 2 - سرية الإجراءات.
3 - حيدة المحقق. 4 - حفظ حقوق المتهم.
وتفصيل هذه الخصائص على النحو التالي:
* أولا: الإثبات بالكتابة:
وتتمثل هذه النقطة فيما يلي:
1 - يجب إثبات جميع إجراءات التحقيق كتابة.
2 - يتم تحرير محضر التحقيق بواسطة كاتب ضبط، وإذا استشعر المحقق حرجا من الاستعانة بكاتب معين مظنة المساس بحسن سير التحقيق جاز ندب غيره.
3 - يفتتح محضر التحقيق ببيان اسم المحقق، ووظيفته، واسم كاتب الضبط، ومكان تحرير المحضر وتاريخه، ونص البلاغ وساعة تسلمه.
4 - يحرر المحضر بخط واضح دون شطب أو محو أو تحشية، أو ترك فراغ، وإذا اقتضى الأمر إضافة أي شيء إلى الأقوال فعلى الكاتب بيان ذلك في هامش المحضر، والتوقيع عليه من المحقق والكاتب.
5 - ترقم صفحات المحضر، ويذكر اسم من أخذت أقواله وهويته المفصلة، وصلته بالقضية، سواء كان متهما، أو شاهدا، أو خبيرا.
6- يوقع كل من المحقق والكاتب بنهاية كل صفحة من صفحات المحضر، وكذلك يوقع من أخذت أقواله بعد تلاوتها عليه، أو يضع بصمة إبهام يده اليمنى أو أي أصبع من أصابعه إذا تعذر أخذ بصمة الإبهام، وذلك إذا كان أميا ؛ وإن امتنع عن الإجابة أو التوقيع يشار إلى ذلك في نهاية المحضر.
7 - إذا دعت الحاجة إلى الاستعانة بمترجم يشار إلى ذلك كتابة في المحضر.
8 - تدون باللغة العربية الأقوال الصادرة عن أصحابها بصيغة المتكلم، وعلى مسمع من قائلها، الذي له أن يبدي تعليقاته على الصيغة التي لا تتفق مع ما يريد الإفصاح عنه.
9 - يقوم المحقق بإملاء الكاتب صيغة السؤال، والإجابة عنه بعيدا عن أي إبهام أو غموض، وبما أفصح عنه من أُخذت أقواله وليس بما يعتقده المحقق.
__________
(1) - وردت هذه الخصائص في المواد ( 13، 14، 15 ) من مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والإدعاء العام.(1/221)
10 - تعتبر محاضر الهيئة المنظمة من قبل الأعضاء المستوفية للشروط الشكلية صحيحة حتى يثبت تزويرها.
* ثانيا: سرِّية إجراءات التحقيق:
تعتبر إجراءات التحقيق والنتائج التي يسفر عنها من الأسرار التي لا يجوز إفشاؤها من العاملين في دوائر التحقيق أو الإدعاء، وكل من يتصل بالتحقيق أو يحضره بسبب وظيفته أو مهنته، وقد ورد النص على ذلك في المادة ( 67 ) من نظام الإجراءات الجزائية على النحو التالي: ( تعد إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار التي يجب على المحققين ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ومن يخالف منهم تعينت مساءلته).
* ثالثا: حيدة المحقق:
على المحقق أن يكون في موقع المحايدة بالنسبة لأعمال التحقيق، ويتمثل ذلك فيما يلي:
1 - للمحقق إذا كانت لديه أسباب يستشعر معها الحرج من التحقيق في القضية، أن يطلب من رئيسه تنحيته عن التحقيق فيها، وذلك بمذكرة مسببه ولرئيسه قبول الطلب أو رفضه.
2 - لا يجوز للمحقق مباشرة أو تحقيق وتحضير أي قضية أو إصدار قرار فيها في الحالات التالية:
أ - إذا وقعت الجريمة عليه شخصيا، أو كان زوجا لأحد الخصوم، أو تربطه بأحدهم قرابة أو نسب حتى الدرجة الرابعة.
ب - إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها التأثير على مسار التحقيق.
ج - إذا كان قد سبق أن أداء المحقق شهادة فيها أو باشر عملا باعتباره خبيرا أو محكما.
* رابعا: حفظ حقوق المتهم:
1 - لا يسوغ للمحقق أن يحول دون إسعاف المصابين بقصد إجراء التحقيق أو استكماله.
2 - لأي من الخصوم أن يطلب من رئيس الهيئة تنحية المحقق عن التحقيق في القضية قبل مباشرة إجراءات التحقيق الأساسية أو أثناءه لأسباب يوضحها في طلبه، ولرئيس الهيئة قبول الطلب أو رفضه.(1/222)
3 - للمتهم حق الاستعانة بوكيل أو محام للدفاع عنه وفق الأنظمة ، نصت على ذلك المادتان ( 4 ، 64 ) من نظام الإجراءات الجزائية.
4 - ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله الحاضر معه أثناء التحقيق، نصت على ذلك المادة ( 70 ) من نظام الإجراءات الجزائية.
4 - إجراءات التحقيق:
تتمثل إجراءات التحقيق في الأمور التالية:
1 - الاستجواب.… 2 - الانتقال والمعاينة.……
3 - التفتيش. 4 - التصرف في التحقيق.
وبيان هذه النقاط على النحو التالي:
* أولا: الاستجواب : ( مضى الكلام عليه في مادته: استجواب)
* ثانيا: الانتقال والمعاينة(1):
أ - الانتقال:هو ذهاب القاضي أو المحقق أو رجل الضبط إلى مكان وقوع الجريمة، حيث توجد آثارها وأدلتها.
ب - المعاينة: هي إثبات مباشر ومادي لحالة شخص أو مكان معين من خلال الرؤية أو الفحص المباشر.
والهدف من الانتقال والمعاينة جمع الآثار والأدلة التي تخلفت عن الجريمة، وكذلك ضبط أقوال شهود الحال، فضلا عن أنهما يمكنان المحقق من تكوين صورة واضحة وكافية عن حقيقة وقائع الجريمة، ومختلف دوافعها.
* ضوابط الانتقال والمعاينة الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
1 - ينتقل المحقق عند الاقتضاء فور إبلاغه بوقوع جريمة داخلة في اختصاصه إلى مكان وقوعها لإجراء المعاينة اللازمة قبل زوالها أو طمس معالمها أو تغييرها. (م/ 79 )
2 - يجب أن ينتقل رجل الضبط الجنائي بنفسه إلى محل الحادث للمحافظة عليه، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة، والمحافظة على أدلتها، والقيام بالإجراءات التي تقتضيها الحال، وعليه أن يثبت جميع هذه الإجراءات في المحضر الخاص بذلك. ( م/27 )
3 - يجب على رجل الضبط الجنائي في حالة التلبس بالجريمة أن ينتقل فوراً إلى مكان وقوعها ويعاين آثارها المادية ويحافظ عليها، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة. ( م/31 )
__________
(1) - راجع المادتين ( 17، 18 ) من مشروع اللائحة التنظيمية للهيئة.(1/223)
4 - لرجل الضبط الجنائي عند انتقاله في حالة التلبس بالجريمة أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه، حتى يتم تحرير المحضر اللازم بذلك، وله أن يستدعي في الحال من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة. ( م/32 )
5 - للمحكمة إذا رأت مقتضى الانتقال إلى المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو إلى مكان آخر لإجراء معاينة أو لسماع شاهد لا يستطيع الحضور أو للتحقيق من أي أمر من الأمور أن تقوم بذلك وتمكن الخصوم من الحضور معها في هذا الانتقال ولها أن تكلف قاضيا بذلك. وتسري على إجراءات هذا القاضي القواعد التي تسري على إجراءات المحاكمة. ( إجراءات/170، مرافعات /112 )
6 - لكل من علم بوجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة أو في مكان غير مخصص للسجن أو التوقيف أن يبلغ هيئة التحقيق والادعاء العام. وعلى عضو الهيئة المختص بمجرد علمه بذلك أن ينتقل فوراً إلى المكان الموجود فيه المسجون أو الموقوف، وإن يقوم بإجراء التحقيق، وإن يأمر بالإفراج عنه إذا كان سجنه أو توقيفه جرى بصفة غير مشروعة، وعليه أن يحرر محضراً بذلك يرفع إلى الجهة المختصة لتطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق المتسببين في ذلك. ( م/39 )
* ضوابط وردت بالمادة (18) من مشروع اللائحة التنظيمية لنظام الهيئة.
1 - يبدأ المحقق فور وصوله إلى مكان الحادث بإجراء المعاينة اللازمة بإلقاء نظرة فاحصة وشاملة على مسرح الجريمة، والآثار المادية المتخلفة عنها، والاستماع بصورة سريعة وشفهية للمعلومات الأولية المتوفرة عن كيفية وقوع الحادث، وهوية مرتكبيه، والشهود.
2 - يكلف المحقق خبراء الأدلة الجنائية بالبحث عما تركه الجاني من آثار تفيد التحقيق، كآثار الأقدام والبصمات، وبقع الدم، وفحص الملابس والأشياء ورفع الآثار المتخلفة عن الجريمة، ووضع رسم تخطيطي، وأخذ صورة لمكان الحادث.(1/224)
3 - للمحقق أن يأمر بوضع الأختام على الأماكن التي كانت مسرحا للجريمة أو التي تخلفت فيها آثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة.
4 - إذا كان الحادث جريمة قتل يقوم المحقق بإثبات الحالة التي وجد عليها الجثة، ووصفها ظاهريا بصورة مفصلة والإذن بتشريح الجثة إذا اقتضى الأمر تحديد الإصابات وأسباب الوفاة، ويتخذ ما يلزم للتحفظ على ملابس المجني عليه والمتهمين والأداة المستعملة تمهيدا لفحصها من قبل خبراء الأدلة الجنائية.
5 - يتبع في تحريز ما تسفر عنه المعاينة من أدلة مادية مضبوطة، الإجراءات المقررة في هذا الشأن.
6 - يتعين إثبات انتقال المحقق ومعاينة مكان الحادث ومشاهداته والأشياء أو الأدلة المتخلفة عن الجريمة وجميع الإجراءات في محضر التحقيق.
7 - إذا رأى المحقق الاطلاع على مستندات في إحدى الجهات أو المصالح الحكومية ولا يمكن نقلها من مكانها فيبادر إلى الانتقال إلى الجهة المختصة والقيام بالإطلاع عليها واستنساخ صور منها إذا استلزم الأمر ذلك بعد استئذان المسؤول المختص فيها وليس للمحقق أن يطلب سجلات أو أوراقا قضائية من المحاكم بل يجب عليه الانتقال إلى المحكمة التي توجد فيها السجلات أو الوثائق للإطلاع عليها أو الاكتفاء بطلب صور منها إذا لم يكن الاطلاع على الأصل ضروريا لمصلحة التحقيق.
* ثالثا: التفتيش
التفتيش: هو البحث لضبط أدلة الجريمة وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، من أجل إثباتها أو إسنادها للمتهم، سواء كان محله شيئا، أو شخصا، أو مكانا.(1/225)
ويعتبر التفتيش من إجراءات التحقيق المهمة، ولكن لا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد ؛ هذا ما بينته (المادة الثمانون) من نظام الإجراءات الجزائية التي ورد فيها النص التالي: ( تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن تدل على انه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة.وللمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة، وفي جميع الأحوال يجب أن يعد محضرا عن واقعة التفتيش يتضمن الأسباب التي بني عليها ونتائجه، مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام ). وسيأتي زيادة بيان للتفتيش في مصطلح: تفتيش.
* رابعا: التصرف في التحقيق:
بينت المواد ( 124 إلى 127 ) من نظام الإجراءات الجزائية كيفية التصرف في التحقيق على النحو التالي:
1 - إذا رأى المحقق بعد انتهاء التحقيق أن الأدلة غير كافية لإقامة الدعوى فيوصي المحقق رئيس الدائرة بحفظ الدعوى وبالإفراج عن المتهم الموقوف، إلا إذا كان موقوفا لسبب آخر..( م/124)
2 - يعد أمر رئيس الدائرة بتأييد ذلك نافذاً، إلا في الجرائم الكبيرة فلا يكون الأمر نافذا إلا بمصادقة رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام، أو من ينيبه. (م/124)
3 - يجب أن يشتمل الأمر على الأسباب التي بني عليها، ويبلغ الأمر للمدعي بالحق الخاص ، وإذا كان قد توفي فيكون التبليغ لورثته جملة في محل إقامته. (م/124)(1/226)
4 - القرار الصادر بحفظ التحقيق لا يمنع من إعادة فتح ملف القضية والتحقيق فيها مرة أخرى متى ظهرت أدلة جديدة من شأنها تقوية الاتهام ضد المدعى عليه. ويعد من الأدلة الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التي لم يسبق عرضها على المحقق. ( م/125)
5 - إذا رأى المحقق بعد انتهاء التحقيق أن الأدلة كافية ضد المتهم ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة ويكلف المتهم بالحضور أمامها. ( م/126)
6 - إذا شمل التحقيق أكثر من جريمة من اختصاص محاكم متماثلة الاختصاص وكانت مرتبطة فتحال جميعها بأمر إحالة واحد إلى المحكمة المختصة مكانا بإحداها، فإذا كانت الجرائم من اختصاص محاكم مختلفة الاختصاص فتحال إلى المحكمة الأوسع اختصاصا.( م/127)
وورد في مشروع اللائحة التنظيمية لنظام الهيئة التفصيل التالي(1):
1 - على المحقق بعد استيفاء التحقيق في القضية سواء قام بالتحقيق بنفسه أو ندب أحد رجال الضبط الجنائي لذلك أن يتخذ قرارا بالتصرف فيه إما بحفظ التحقيق أو بالاتهام وطلب المحاكمة أمام الجهة القضائية المختصة.
2 - يصدر قرار حفظ التحقيق من المحقق إذا توافرت إحدى الحالات الآتية:
أ - إذا كان الفعل المسند للمتهم لا يكوِّن جريمة.
ب - إذا انقضت الدعوى الجنائية لسبب من الأسباب العامة أو الخاصة.
ج - عدم توفر أدلة على ارتكاب المتهم للفعل المسند إليه أو عدم صحة الوقائع المسندة إليه.
د - إذا كان الفاعل لا يزال مجهولا، وفي هذه الحالة يكلف المحقق الجهات الأمنية باستمرار البحث والتحري للتعرف على الفاعل.
3 - قرار حفظ التحقيق يكون مؤقتا في حالتين هما:
أ - إذا كان الفاعل لا يزال مجهولا.
ب - إذا لم تتوفر أدلة على ارتكاب المتهم الفعل المسند إليه.
4 - قرار حفظ التحقيق يكون نهائيا في حالة عدم ثبوت الوقائع المسندة للمتهم أو انتفاء قيام الجريمة.
***
__________
(1) - راجع المواد ( 53، 54، 55، 56 ) من مشروع اللائحة التنظيمية لنظام الهيئة.(1/227)
103 -تحكيم
1 - التعريف: -
التَّحكِيمُ في اللغة: هو تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما، قال في القاموس المحيط: حَكَّمَهُ في الأمْرِ تَحْكيماً: أمَرَهُ أن يَحْكُمَ فاحْتَكَمَ. وفي لسان العرب: حَكَّمُوهُ بينهم: أَمروه أَن يَحكمَ. ويقال حَكَّمْنا فلاناً فيما بيننا أَي أَجَزْنا حُكْمَهُ بيننا. وحَكَّمَهُ في الأمر فاحْتَكَمَ: جاز فيه حُكْمُه(1).
وفي الاصطلاح : التحكيم هو اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما.
2 - مشروعية التحكيم:
التحكيم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب الكريم فقوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } [النساء 35]. قال القرطبي : (وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم، وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله ، وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها باطل )(2) .
وأما السنة المطهرة: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي بتحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في أمر اليهود من بني قريظة، حين جنحوا إلى ذلك ورضوا بالنزول على حكمه(3). ورضي صلى الله عليه وسلم بتحكيم الأعور بن بشامة في أمر بني العنبر ، حين انتهبوا أموال الزكاة(4).
__________
(1) - القاموس المحيط، ولسان العرب مادة ( حكم ).
(2) - أحكام القرآن 5/184
(3) - خبر تحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة في الصحيحين، البخاري برقم (3043) ومسلم برقم (1768)
(4) - أنظر الخبر في الإصابة في تمييز الصحابة 1/246(1/228)
أما الإجماع : فقد كان بين عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما منازعة في نخل ، فحكما بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه.واختلف عمر مع رجل في أمر فرس اشتراها عمر بشرط السوم ، فتحاكما إلى شريح . كما تحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم رضي الله عنهم ، ولم يكن زيد ولا شريح ولا جبير من القضاة(1).
وقد وقع مثل ذلك لجمع من كبار الصحابة ، ولم ينكره أحد فكان إجماعا.
3 - شروط التحكيم :
يشترط في التحكيم ما يأتي :
1 - قيام نزاع ، وخصومة ، بين طرفين حول حق من الحقوق الخاصة.
2 - تراضي طرفي الخصومة على قبول حكمه ، أما المعين من قبل القاضي فلا يشترط رضاهما به ، لأنه نائب عن القاضي.
3 - اتفاق المتخاصمين والحكم على قبول مهمة التحكيم.
4 - صفة من يجوز تحكيه:
قال الباجي رحمه الله: ( فأما صفة من يحكم فأن يكون رجلا حرا مسلما بالغا عاقلا عدلا رشيدا )(2).
5 - الأمور التي يجوز التحكيم فيها:
يجوز عند الحنابلة التحكيم في المال والقصاص والحدود، خلافا للجمهور.
قال في كشاف القناع: ( وإن تحاكم شخصان إلى رجل للقضاء، بينهما فحكم، نفذ حكمه في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها حتى مع وجود قاض فهو كحاكم الإمام، لما روى أبو شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: { إن الله هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم } ؟ قال: إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي الفريقان قال: { فما أحسن هذا، فمن أكبر ولدك } ؟، قال: شريح قال: فأنت أبو شريح } أخرجه النسائي(3).
__________
(1) - شرح منتهى الإرادات 3/495
(2) - المنتقى شرح الموطأ 5/228
(3) - سنن النسائي الحديث رقم ( 5292 ) ورواه أبو داود برقم 4955 ).(1/229)
وعنه صلى الله عليه وسلم { من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضيا به فلم يعدل بينهما بالحق فعليه لعنة الله } رواه أبو بكر، ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم ولأن عمر وأبيا تحاكما إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد منهما قاضيا )(1).
وقال ابن فرحون رحمه الله: (... أن الخصمين إذا حكَّما بينهما رجلا وارتضياه ; لأن يحكم بينهما ، فإن ذلك جائز في الأموال وما في معناها، ولا يقيم المحكم حدا ، ولا يلاعن بين الزوجين، ولا يحكم في قصاص أو قذف أو طلاق أو عتاق أو نسب أو ولاء، وإنما استثنيت هذه المسائل من هذه القاعدة ; لاستلزامها إثبات حكم أو نفيه من غير المتحاكمين )(2).
والذي أراه أن يكون التحكيم مقتصرا على الأموال والخلافات الزوجية دون القصاص والحدود لأنهما من الأمور التي يجب فيها الاحتياط فيكون المختص بالفصل فيهما القاضي.
وورد في المادة الثانية من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/7/1403هـ النص التالي: ( لا يقبل التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ولا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف ).
6 - أثر التحكيم :
يراد بأثر التحكيم: ما يترتب عليه من نتائج، وهذا الأثر يتمثل في لزوم الحكم ونفاذه، كما يتمثل في إمكان نقضه من قبل القضاء.
قال ابن قدامة: ( وإذا تحاكم رجلان إلى رجل حكماه بينهما ورضياه، وكان ممن يصلح للقضاء ، فحكم بينهما، جاز ذلك ، ونفذ حكمه عليهما )(3).
__________
(1) - كشاف القناع 6/331
(2) - تبصرة الحكام 1/62
(3) - المغني 14/92(1/230)
وقال الزيلعي: ( وإذا حكم رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز، لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما، وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم لأنه بمنزلة القاضي فيما بينهما فيشترط أهلية القضاء، ولا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق والصبي لانعدام أهلية القضاء اعتبارا بأهلية الشهادة )(1).
***
__________
(1) - نصب الراية 5/59(1/231)
104 -تحليل
1 - التعريف:
التحليل في اللغة كما جاء في المعجم الوسيط، من حلَّل، يقال: حلَّل الشيءَ رَجَعه إلى عناصره، وحلَّل الدم، وحلَّل البول ؛ ويقال حلَّل نفسية فلان: أي درسها لكشف خباياها(1).
وفي الاصطلاح: لم يتكلم الفقهاء عن التحليل بالمعنى الذي نحن بصدده، لكن يتكلمون عن تحليل المسائل الفقهية والعلمية ودراستها وإرجاعها لأصولها.
والمراد بالتحليل هنا: هو فحص وتحليل العينات التي تفيد في كشف الحقيقة، كتحليل الدم، والمني، والمواد المشتبه فيها، ونحو ذلك.
2 - مشروعية التحليل :
كل أمر يبين الحق ويظهره فهو مشروع في الشريعة الإسلامية، وفي عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، ادعت امرأة على شاب أنه فعل بها الفاحشة، وقامت بوضع ماء البيض على ملابسها مدعية أنه مني الشاب ؛ فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب ؛ ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصبه على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت(2). وهذا نوع من أنواع التحليل لكشف الحقيقة.
3 - حجية الإثبات بالتحليل:
التحليل قرينة من القرائن لا تثبت به الحدود، سواء كان التحليل للدم، أو للبول أو للمني أو غير ذلك، لكن إذا ظهر من التحليل ما يدل على ارتكاب الشخص للفعل، كما لو ظهر في تحليل الدم مثلا ما يوحي بشرب الشخص للمسكر فإنه يعزر بعقوبة دون الحد، وذلك لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
4 - تعارض نتائج التحليل مع البينة:
إذا تعارضت نتيجة التحليل الطبية والمخبرية مع بينة معتبرة شرعاً كالإقرار والشهادة، فالعبرة بالبينة الشرعية ؛ كما لو جاءت نتيجة تحليل دم المشتبه فيه بشرب المسكر سلبية، لكنه اعترف بطوعه واختياره بشرب المسكر، فالعبرة بالاعتراف لأنه أقوى البينتين.
***
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة ( حلل)
(2) - الطرق الحكمية صفحة (44)(1/232)
105 -تداخل
1 - التعريف:
جاء في لسان العرب: الدخول نقيض الخروج، دخل يدخل دخولاً وتدخل، ودخل به، وتداخل الأمور تشابهها والتباسها، ودخول بعضها في بعض(1).
وفي الاصطلاح: عرفه الجرجاني رحمه الله ، بأنه : عبارة عن دخول شيء في شيء آخر بلا زيادة حجم ومقدار(2).
وعرفه الشيخ/عبد القادر عوده رحمه الله تعالى فقال: (إن الجرائم في حالة التعدد تتداخل عقوباتها بعضها في بعض بحيث يعاقب على جميع الجرائم بعقوبة واحدة، ولا يُنفذ على الجاني إلا عقوبة واحدة، كما لو كان ارتكب جريمة واحدة)(3).
2 - محل التداخل:
ذكر القرافي في الفروق أن التداخل وقع في الشريعة في ستة أبواب، وهي الطهارات والصلوات والصيام، والكفارات، والحدود، والأموال(4).
وذكر الزركشي في المنثور أنه يدخل في ضروب، وهي: العبادات والعقوبات والإتلافات(5).
وذكر السيوطي أنه إذا اجتمع أمران من جنس واحد، ولم يختلف مقصودهما ، دخل أحدهما في الآخر غالبا، كالحدث مع الجنابة(6).
والذي يهمنا في هذا البحث هو تداخل الجنايات، وتداخل العقوبات، سواء كانت العقوبة حداً أو تعزيراً، وتداخل الديات.
3 - ضابط التداخل:
قال عبد القادر عودة رحمه الله : ( تقوم نظرية التداخل على مبدأين:
أولهما: أن الجرائم إذا تعددت وكانت من نوع واحد كسرقات متعددة أو زنا متعدد أو قذف متعدد فإن العقوبات تتداخل ويجزئ عنها جميعا عقوبة واحدة، فإذا ارتكب الجاني جريمة أخرى من نفس النوع بعد إقامة العقوبة عليه وجبت عليه عقوبة أخرى. والعبرة بتنفيذ العقوبة لا بالحكم بها ؛ فكل جريمة وقعت قبل تنفيذ العقوبة تتداخل عقوبتها مع العقوبة التي لم يتم تنفيذها بعد.
__________
(1) - لسان العرب مادة (دخل).
(2) - التعريفات صفحة ( 76 ).
(3) - التشريع الجنائي 1/747
(4) - الفروق 2/29
(5) - المنثور في القواعد الفقهية 1/269
(6) - الأشباه والنظائر صفحة 126(1/233)
وتعتبر الجرائم على الرأي الراجح من نوع واحد ما دام موضوعها واحداً ولو اختلفت أركانها وعقوباتها، كالسرقة العادية والحرابة فكلاهما سرقة وإن اختلفت أركانهما وعقوباتهما، وكالزنا من محصن والزنا من غير محصن فكلاهما زنا، وفي هذه الحالة تكون العقوبة الأشد هي الواجبة ؛ تعليل هذا المبدأ: وأساس هذا المبدأ أن العقوبة شرعت بقصد التأديب والزجر، وإن عقوبة واحدة تكفي لتحقيق هذين المعنيين فلا حاجة إذن لتعدد العقوبات ما دام المفروض أن عقوبة واحدة تكفي لإحداث أثرها وتمنع المجرم من ارتكاب الجريمة مرة أخرى، وإذا كان من المحتمل عقلا أن يعود المجرم لارتكاب الجريمة فإن هذا الاحتمال وحده لا يكفي ما دام لم يثبت قطعاً أن العقوبة لم تردعه، فإذا ثبت هذا بأن ارتكب جريمة فعوقب عليها ثم عاد لها بعد ذلك فقد وجب أن يعاقب على جريمته الأخيرة ؛ لأنه قد تبين على وجه اليقين أن العقوبة الأولى لم تكن زاجرة ولا رادعة للجاني.
ثانيهما: أن الجرائم إذا تعددت وكانت من أنواع مختلفة فإن العقوبات تتداخل ويجزئ عن الجرائم جميعا عقوبة واحدة بشرط أن تكون العقوبات المقررة لهذه الجرائم قد وضعت لحماية مصلحة واحدة، أي : لتحقيق غرض واحد، فمن أهان موظفاً وقاومه وتعدى عليه عوقب بعقوبة واحدة على هذه الجرائم الثلاث التي وضعت عقوباتها لغرض واحد هو حماية الموظف والوظيفة، ومن تناول ميتة ودما ولحم خنزير عوقب على هذه الجرائم الثلاث بعقوبة واحدة، لأن عقوباتها جميعا وضعت لغرض واحد هو حماية صحة الفرد والجماعة.
والعبرة في التداخل بتنفيذ العقوبة لا بالحكم بها فكل جريمة وقعت قبل تنفيذ العقوبة تتداخل عقوبتها مع العقوبة التي لم يتم تنفيذها )(1).
4 - أقوال الفقهاء في تداخل الجنايات على النفس والأطراف:
__________
(1) - التشريع الجنائي 1/747 - 748(1/234)
يرى فقهاء الحنفية أن الجنايات على النفس والأطراف إذا تعددت، لا تتداخل إلا في حالة اجتماع جنايتين على واحد، ولم يتخللهما برء(1).
ويرى المالكية: أن الجناية على الطرف تندرج في الجناية على النفس، إن تعمدها الجاني، ما لم يقصد الجاني بجنايته على الطرف المثلة، فإن قصدها فلا يندرج الطرف في القتل, فيقتص من الطرف, ثم يقتل(2).
ويرى الشافعية: أن الجناية على النفس والأطراف إذا اتفقتا في العمد أو الخطأ, وكانت الجناية على النفس بعد اندمال الجناية على الطرف وجبت دية الطرف(3).
والحنابلة يرون: التداخل في القصاص في إحدى الروايتين عن أحمد فيما لو جرح رجل رجلا, ثم قتله قبل اندمال جرحه, واختار الولي القصاص, فعلى هذه الرواية ليس للولي إلا ضرب عنقه بالسيف. لقوله صلى الله عليه وسلم: { لا قود إلا بالسيف } (4), وليس له جرحه أو قطع طرفه ; لأن القصاص أحد بدلي النفس, فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية.
والرواية الثانية: أن للولي أن يفعل بالجاني مثلما فعل , لقوله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } .[ سورة النحل آية 126 ]
أما إذا عفا الولي عن القصاص, أو صار الأمر إلى الدية لكون الفعل خطأ أو شبه عمد، فالواجب حينئذ دية واحدة; لأنه قتل قبل استقرار الجرح, فدخل أرش الجراحة في أرش النفس(5).
5 - تداخل عقوبة جرائم الحدود إذا اجتمعت وهي من جنس واحد:
__________
(1) - أنظر : بدائع الصنائع 6/401 وما بعدها.
(2) - شرح مختصر خليل 8/30
(3) - المنثور في القواعد 1/275
(4) - رواه ابن ماجة في سننه برقم ( 2667 ).
(5) - أنظر الإنصاف 9/491 وما بعدها، ومطالب أولي النهى 6/54(1/235)
جاء في المغني: ( ومن زنى مرارا ولم يحد, فحد واحد ؛ وجملته أن ما يوجب الحد من الزنا, والسرقة, والقذف, وشرب الخمر, إذا تكرر قبل إقامة الحد, أجزأ حد واحد. بغير خلاف علمناه. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم, منهم عطاء, والزهري, ومالك, وأبو حنيفة, وأحمد, وإسحاق, وأبو ثور, وأبو يوسف. وهو مذهب الشافعي. وإن أقيم عليه الحد, ثم حدثت منه جناية أخرى, ففيها حدها. لا نعلم فيه خلافا. وحكاه ابن المنذر عمن يحفظ عنه.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة تزني قبل أن تحصن فقال: { إن زنت فاجلدوها, ثم إن زنت فاجلدوها, ثم إن زنت فاجلدوها } (1)، ولأن تداخل الحدود, إنما يكون مع اجتماعها, وهذا الحد الثاني وجب بعد سقوط الأول باستيفائه)(2).
6 - اجتماع جرائم الحدود التي ليست من جنس واحد:
قال ابن قدامة: ( وإن كانت الحدود من أجناس, مثل الزنا, والسرقة, وشرب الخمر, أقيمت كلها, إلا أن يكون فيها قتل, فإن كان فيها قتل, اكتفي به ; لأنه لا حاجة معه إلى الزجر بغيره. وقد قال ابن مسعود: ما كانت حدود فيها قتل, إلا أحاط القتل بذلك كله. وإن لم يكن فيها قتل, استوفيت كلها, وبدئ بالأخف فالأخف, فيبدأ بالجلد, ثم بالقطع, ويقدم الأخف في الجلد على الأثقل, فيبدأ في الجلد بحد الشرب, ثم بحد القذف, إن قلنا: إنه حق لله تعالى, ثم بحد الزنا وإن قلنا: إن حد القذف حق لآدمي قدمناه, ثم بحد الشرب, ثم بحد الزنا )(3).
7 - تداخل العقوبات التعزيرية :
__________
(1) - الحديث رواه البخاري برقم ( 2154 ) ومسلم برقم ( 1704 ).
(2) - المغني 12/381
(3) - المغني 12/381(1/236)
إذا اجتمعت جريمتان أو أكثر موجب كل واحدة منها التعزير، فإن عقوباتها تتداخل كعقوبة الحدود التي هي حق لله تعالى، فلو أن شخصا سرق من غير حرز، واختلى بامرأة خلوة محرمة، وشهد شهادة زور، فهذه الجرائم الثلاث موجب كل واحدة منها التعزير لو انفرد بها، وكذلك إذا اجتمعت فإن القاضي يحكم على مرتكبها بعقوبة تعزيرية واحدة ولا يلزمه أن يقول حكمت عليه بكذا لجريمة كذا، وبكذا لجريمة كذا، هذا مع اختلاف نوع الجريمة، وأما مع اتحاد النوع بأن يسرق من غير حرز عدة مرات فالتداخل من باب أولى.
8 - تداخل الديات:(1/237)
الأصل أن الدية تتعدد بتعدد الجناية، وإتلاف الأعضاء أو المعاني المختلفة إذا لم تفض إلى الموت. فإن قطع يديه ورجليه معا ولم يمت المجني عليه تجب ديتان. وإن جنى عليه فأذهب سمعه وبصره وعقله وجب ثلاث ديات, وهكذا. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رجل رمى آخر بحجر فذهب عقله وبصره وسمعه وكلامه فقضى فيه بأربع ديات وهو حي(1) ; لأنه أذهب منافع في كل واحدة منها دية, فوجب عليه دياتها كما لو أذهبها بجنايات مختلفة. أما إذا أفضت الجناية إلى الموت فتتداخل ديات الأطراف والمعاني في دية النفس فلا تجب إلا دية واحدة. وبناء على هذا الأصل اتفق الفقهاء في الجملة على أن الجناية على ما دون النفس إذا لم يطرأ عليها البرء والاندمال وكانت من جان واحد تتداخل مع الجناية على النفس. فإذا قطع يديه خطأ ثم قتله خطأ قبل البرء لا يجب على الجاني إلا دية واحدة. وكذلك إذا قطع سائر أعضائه خطأ ثم قتله خطأ, أو سرت الجناية على الأطراف إلى النفس فمات منها. كما اتفقوا على أنه تتداخل الأعضاء في منافعها، والمنافع في الأعضاء إذا كانت الجناية على نفس المحل, سواء أكانت مرة واحدة أم بدفعات مختلفة، إذا لم يطرأ عليها البرء. فإذا قطع أنفه وأذهب شمه لا تجب إلا دية واحدة, وإذا أذهب بصره ثم فقأ عينيه لا تجب إلا دية واحدة وهكذا. وسواء أحصلت الجنايتان معا أم بالتراخي بشرط أن لا يتخلل بينهما برء.
__________
(1) - رواه عبد الرزاق في مصنفه 10/11 الحديث رقم ( 18183 )(1/238)
وهذا إذا اتفقت صفة الجناية على النفس والأطراف في العمد والخطأ, وكانت الجناية في الأطراف بالقطع وإتلاف المعاني في محل واحد, ولم يطرأ على الجنايتين اندمال. وإذا طرأ البرء والاندمال بين الجنايتين على الأطراف, أو على طرف ومعنى من نفس الطرف تتعدد الديات. فإذا قطع أنفه واندمل ثم أتلف شمه تجب عليه ديتان. وإذا قطع يديه ورجليه ولم يسر إلى النفس واندملت تجب عليه ديتان, وهكذا. أما إن اختلفت الجناية صفة, بأن كانت إحداهما عمدا والأخرى خطأ, أو لم يكن محل الجنايتين واحدا, ولم يتخلل بينهما برء، أو كانت الجناية على طرف أو معنى لكنها سرت إلى طرف أو معنى آخر ففي هذه المسائل خلاف بين الفقهاء(1).
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 21/ 86، 87(1/239)
106 -تزكية ( أنظر مصطلح: شهادة )
107 - تزوير
1 - التعريف:
التزوير في اللغة: مصدر زوَّر, وهو من الزور, والزور: الميل والكذب ؛ قال ابن فارس: الزاء والواو والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْل والعدول. ومن ذلك الزُّور: الكذب، لأنه مائلٌ عن طريقَةِ الحقّ. ويقال زوَّرَ فلانٌ الشَّيء تزويراً، حتَّى يقولون زوَّر الشيءَ في نفْسه: هيّأه، لأنه يَعدِل به عن طريقةٍ تكون أقربَ إلى قَبول السامع(1).
وفي الاصطلاح: تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته, حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو عليه في الحقيقة ؛ فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق(2).
وفي الأنظمة يعرف التزوير: بأنه تغيير الحقيقة في بيانات محرر ما، بإحدى الطرق المحددة نظاما، مع ترتب ضرر للغير، ومع توافر نية استعمال المحرر فيما يزور من أجله(3).
2 - الأشياء التي يقع فيها التزوير:
يقع التزوير في المحررات الرسمية، والعرفية.
فالمحرر الرسمي: يقصد به وثيقة تصدر عن موظف عام مختص بإصدارها وتصديقها، وفقا للأنظمة واللوائح، كما يقصد به أية وثيقة يتدخل الموظف العام المختص في إضفاء صفة الرسمية عليها باعتمادها بعد أن كانت في الأصل عرفية لصدورها عن شخص عادي.
والمحرر العرفي: كل وثيقة تصدر عن شخص عادي - غير موظف - وتشتمل على بيانات مكتوبة أو مطبوعة، كسندات الديون، ونحوها.
3 - أنواع التزوير:
التزوير له نوعان: مادي، ومعنوي.وبيانهما على النحو التالي:
* أولا: التزوير المادي:
وهو الذي يقع بوسيلة مادية يتخلف عنها أثر يدرك حسياً، سواء في مادة المحرر أو في شكله. وقد يقع وقت إنشاء المحرر أو بعده.
أنواع التزوير المادي:
أ - الاصطناع والتقليد:
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( زور ).
(2) - الموسوعة الفقهية 11/254
(3) - د/ عبد الفتاح خضر جرائم التزوير والرشوة في أنظمة المملكة العربية السعودية، صفحة 25(1/240)
ورد بيان ذلك في المادتين ( الخامسة ، والعاشرة ) من نظام مكافحة التزوير.
والاصطناع هو: إنشاء محرر بأكمله عن طريق صنع كافة بياناته ابتداء.
والتقليد هو: إنشاء محرر بأكمله تقليدا للمحرر سابق.
أمثلة الاصطناع والتقليد في المحررات الرسمية: اصطناع أو تقليد قرار رسمي، أو حكم شرعي، أو شهادة دراسية، أو شهادة خبرة حكومية، أو شهادة ميلاد.
ومثاله في المحررات العرفية: اصطناع سند دين، أو مخالصة عن دين، أو شيك، أو تنازل عن حق، أو شهادة خبرة في القطاع الخاص.
ب - وضع إمضاءات أو أختام أو بصمات مزورة:
نصت على ذلك المادتان ( الخامسة والعاشرة ) من نظام مكافحة التزوير.
وتكون هذه الأشياء مزورة إذا نسبت إلى شخص آخر بغير علمه أو رضاه، ولا يشترط فيها المطابقة والإتقان.
وأمثلة ذلك: لو قام شخص بكتابة شكوى ووقعها توقيعا مزورا، وكانت نتائجها صحيحة، ويأخذ الختم المزور، أو البصمة المزورة حكم التوقيع المزور.
ج - إتلاف المحررات:
بينته المادة الخامسة من نظام مكافحة التزوير. ويقصد به إتلاف جزء معين من بيانات المحرر، أو إتلافه كليا ؛ ويستوي في ذلك المحرر الرسمي والعرفي.
قال الدكتور/ عبد الفتاح خضر: ( أما الإتلاف الكلي للمحرر، فهو ما يثير نوعا من الغرابة، إذ لا يعتبر تزويرا بالمعنى الفني الدقيق، ولا يحمل معنى تغيير الحقيقة الذي يمثل جوهر التزوير، ولذا تتجه بعض التشريعات إلى تجريم فعل الإتلاف الكلي للمحررات استقلالا، وبعيدا عن أحكام التزوير، ولكن نظرا لاشتمال نص المادة الخامسة من نظام مكافحة التزوير بالمملكة على الإتلاف كطريقة من طرق التزوير المادي، فلا مفر من اعتبار الإتلاف الكلي تزويرا ، حيث لا مسوغ للاجتهاد في مورد النص )(1)
د - التغيير أو التحريف في المحررات:
نصت على ذلك المادتان الخامسة والعاشرة من نظام مكافحة التزوير.
__________
(1) 1 - جرائم التزوير والرشوة في أنظمة المملكة صفحة 57.(1/241)
مثال ذلك: تزوير الموظف في السندات الرسمية المسلمة له كعهدة، أو قيام الشخص الموظف أو العادي بالتزوير في مبلغ الشيك.
هـ - تغيير الأسماء المدونة في المحررات:
نصت على ذلك المادة الخامسة من النظام ، ويقصد بتغيير الأسماء في المحررات الرسمية أو العرفية ، محو أو طمس الأسماء المدونة في المحررات، ووضع أسماء أخرى بدلا منها، ومن ذلك انتحال شخصية الغير بموجب محرر رسمي.
* ثانيا: التزوير المعنوي:
وهو الذي يقع بتغيير الحقيقة دون أن يترك ذلك أثرا يدرك بالحس، وهو لا يقع إلا وقت إنشاء المحرر، لذلك يصعب إثباته.
أنواع التزوير المعنوي:
أ - إساءة استغلال التوقيع على بياض:
فهذا النوع يعد تزويراً، مع أن المحرر يحمل توقيعا صحيحا، لكن المزور يستغل هذا التوقيع ويضع فوقه في متن المحرر بيانات لم تصدر عن صاحب التوقيع.
أمثلة ذلك: الحصول على توقيع الشخص على شيك توقيعا صحيحا، فيستغله المزور ويدون مبلغا لا يعلم به صاحب التوقيع.
ومثال آخر: لو حصل المدين على توقيع الدائن على ورق أبيض فاستغله وكتب سندا بالمخالصة من الدين.
ب - جعل وقائع وأقوال كاذبة في صورة صحيحة أو معترف بها:
تقع هذه الطريقة في محرر رسمي أو عرفي، وتتخذ صورة إثبات وقائع كاذبة على أنها وقائع صحيحة، أو الإدلاء بأقوال كاذبة على أنها أيضا صحيحة أو معترف بها.
ومن الأمثلة على ذلك: إثبات موظف بيانات مغيرة للحقيقة، على انتقاله إلى أرض ومعاينتها، وأنه وجدها قد تم إحياؤها وزراعتها، وهو في الحقيقة لم ينتقل إليها ولم يعاينها.
ومثال آخر: إثبات محصل شركة تجارية في دفاتر القسائم الداخلية مبالغ أقل من تلك التي تسلمها بالفعل من العملاء.
* ج - تغيير أقوال وإقرارات أولي الشأن:
وتتمثل هذه الطريقة في نوع من خيانة الثقة والأمانة، عندما يثبت القائم بتدوين أقوال أو إقرار ذي الشأن كلاما مخالفا لما أدلى به بسوء نية، ويقع ذلك على محرر عرفي أو رسمي.(1/242)
ومن أمثلة ذلك: تدوين سند دين بدلا من رسالة مملاة على الجاني، استغلالا لجهل المجني عليه بالقراءة والكتابة.
ومثال آخر: إثبات الموظف الرسمي المختص بيانات أو إقرارات أو أقوال غير التي أدلى بها الطرفان في عقد من العقود.
4 - التزوير الظاهر:
هذا النوع من أنواع التزوير يطلق عليه البعض التزوير المكشوف، ويطلق عليه أيضا التزوير المفضوح، ويقصد به: تغيير الحقيقة في محرر ما، بصورة تفقد المحرر قوته في الإثبات، بحيث يصبح غير صالح لترتب أي أثر قانوني، وهذا التغيير الواضح المكشوف يشترط فيه أن يكون على نحو لا يتصور معه أن ينخدع به بعض الناس، فهو تغيير يفقد المحرر مظهره القانوني(1).
5 - الطرق التي يحصل بها التزوير:
بيَّن الفقيه ابن فرحون رحمه الله، بعض الطرق التي يحصل بها التزوير فقال:
(.. وكذلك ينبغي له أن يتحفظ من التزوير عليه في الخط, فقد هلك بذلك خلق عظيم, وكذلك ينبغي له أن يتأمل الأسماء التي تنقلب بإصلاح يسير فيتحفظ من تغييرها نحو مظفر فإنه ينقلب مظهر, ونحو بكر فإنه ينقلب بكير, ونحو صقر فإنه يجيء ظفر, فيكون في أصل الكتاب صقر بن ظفر مثلا فيصلح ظفر بن مظهر، ونحو حبيب فإنه يجيء منه محمد, ونحو عائشة فإنه يصلح عاتكة, ويجيء منها أيضا فاطمة, ويجيء من زادان شادان, ويجيء من ياقوت يعقوب، ويجيء من جميل كميل، ويجيء منه أيضا خليل, ويجيء من يسار يشار، ويجيء منه أيضا بكار, ويجيء منه أيضا نصار, ويجيء من عبد المجيد عبد الحميد. وهذا باب واسع يكفي التنبيه عليه بهذا.
وقد يكون آخر السطر بياضا فيمكن أن يزاد فيه شيء كما لو كان آخره بكر فيزاد بكران, أو يكون عمر فيجعل عمران. وكذلك ينبغي له أن يحذر من أن يتم عليه زيادة حرف في الكتاب فقد تغير الألف المعنى إذا زيدت.
__________
(1) - جرائم التزوير والرشوة / عبد الفتاح خضر، ( 43 ).(1/243)
مثاله: أن يقر رجل بألف درهم لرجل فيكتب في الوثيقة أقر أن له عنده ألف درهم , فإن لم يذكر نصف المبلغ أمكن بعد زيادة ألف فصارت ألفا درهم, وكذلك لو كان في الوثيقة أنه أقر بألف درهم لزيد وعمرو فإذا زيدت ألف بين زيد وعمرو صارت لزيد أو عمرو, فبطل الدين من أصله ; لأن الألف لم يجزم بها لواحد منهما وقد يكون في الكتاب دينار واحد فيجعل دينارا ونصفا ; لأن الواحد يصلح ونصف ، وكذلك ينبغي للشاهد أن يتفقد حواشي الكتاب , فقد يبقى منها ما يمكن أن يزاد فيه ما يغير حكم الكتاب كله أو بعضه )(1).
6 - إثبات جريمة التزوير :
يثبت التزوير بإقرار المزور على نفسه، أو ظهور الكذب يقينا، وقد استحدثت نظم وآلات يمكن بواسطتها اكتشاف التزوير في المستندات. فإن طعن على سند ما بالتزوير أمكن التحقيق في ذلك. وهذا ما يجري عليه العمل الآن. وليس في قواعد الشريعة ما يمنع من تطبيق النظم الحديثة إذا كانت لا تخالف نصا شرعيا، ولا تجافي ما وضعه الفقهاء من قواعد وضوابط رأوها مناسبة في أزمنتهم.
ويوجد حاليا لدى البنوك مكائن لعد النقود لا تقبل النقود الورقية المزورة.
7 - دعوى التزوير في الأدلة:
بينت المواد ( 175 إلى 179 ) من نظام الإجراءات الجزائية دعوى التزوير الفرعية - التزوير في الأدلة - على النحو التالي:
1 - للمدعي العام ولسائر الخصوم في أي حالة كانت عليها الدعوى أن يطعنوا بالتزوير في أي دليل من أدلة القضية. ( م/175 )
2 - يقدم الطعن إلى المحكمة المنظورة أمامها الدعوى ويجب أن يعين فيه الدليل المطعون فيه بالتزوير والمستند على هذا التزوير. ( م/176 )
__________
(1) - تبصرة الحكام 1/278.(1/244)
3 - إذا رأت المحكمة المنظورة أمامها الدعوى وجهاً للسير في تحقق التزوير فعليها إحالة هذه الأوراق إلى الجهة المختصة وعليها أن توقف الدعوى إلى أن يفصل في دعوى التزوير من الجهة المختصة إذا كان الفصل في الدعوى المنظورة أمامها يتوقف على الورقة المطعون فيها. ( م/177 )
4 - في حالة الحكم بانتفاء التزوير تقضي المحكمة بتعزير مدعي التزوير متى رأت مقتضى لذلك. ( م/178 )
5 - في حالة الحكم بتزوير ورقة رسمية كلها أو بعضها تأمر المحكمة التي حكمت بالتزوير بإلغائها، أو تصحيحها بحسب الأحوال، ويحرر بذلك محضر يؤشر على الورقة بمقتضاه. ( م/179 )
8 - عقوبة التزوير
الأصل في عقوبة التزوير: التعزير بما يراه الحاكم، كأي جريمة ليس لها عقوبة مقدرة شرعاً ، فإذا ثبت أنه تعمد التزوير، فيعزر بما يراه الحاكم من تشهير أو ضرب أو حبس، أو إلى غير ذلك ؛ فقد روي: أن معن بن زياد عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال فأخذ مالا، فضربه عمر رضي الله عنه مائة جلدة، وحبسه، ثم ضربه مائة أخرى، ثم ثالثة، ثم نفاه.
والذي عليه العمل في المملكة هو إسناد النظر في جرائم التزوير إلى ديوان المظالم، حيث تطبق العقوبة بحق مرتكب جريمة التزوير طبقا لما ورد في نظام مكافحة التزوير.
9 - العقوبات الواردة في نظام مكافحة التزوير:
صدر نظام مكافحة التزوير في المملكة العربية السعودية، بالمرسوم الملكي رقم 4/1 وتاريخ 26/11/1380هـ ونص على بعض العقوبات على النحو التالي:
1 - من قلد بقصد التزوير الأختام والتواقيع الملكية الكريمة،أو أختام المملكة العربية السعودية أو توقيع أو خاتم رئيس مجلس الوزراء،وكذلك من استعمل أو سهل استعمال تلك الأختام والتواقيع مع علمه بأنها مزورة عوقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات وبغرامة مالية من خمسة آلاف إلى خمسة عشر الف ريال. ( م/1 )(1/245)
2 - من زور أو قلد خاتما أو ميسما أو علامة عائدة لإحدى الدوائر العامة في المملكة العربية السعودية أو للممثليات السعودية في البلاد الأجنبية،أو خاصة بدولة أجنبية أو بدوائرها العامة أو استعمل أو سهل استعمال التواقيع أو العلامات أو الأختام المذكورة،عوقب بالسجن من ثلاث إلى خمس سنوات وبغرامة من ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف ريال. ( م/2 )
3 - إذا كان مرتكب الأفعال الواردة في المادتين الأولى والثانية من هذا النظام أو المشترك فيها موظفا عاما أو ممن يتقاضون مرتبا من خزينة الدولة العامة يحكم عليه بأقصى العقوبة. وإذا اتلف الفاعل الأصلي أو الشريك الأشياء المزورة المذكورة في المادتين السابقتين قبل استعمالها أو أخبر عنها قبل إجراء التتبعات النظامية يعفى من العقاب والغرامة. ( م/3 )
4 - من قلَّد أو زوَّر الأوراق الخاصة بالمصارف أو سندات الشركات سواء كانت المصارف أو الشركات سعودية أو أجنبية، أو قلَّد أو زوَّر الطوابع البريدية والأميرية السعودية ، وأسناد الصرف على الخزينة، وإيصالات بيوت المال ودوائر المالية، أو صنع أو اقتنى الأدوات العائدة لتزوير السندات والطوابع المذكورة، بقصد استعمالها لنفسه أو لغيره، عوقب بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات، وبغرامة تتراوح من ثلاثة إلى عشرة آلاف ريال.
ويغرم الفاعل الأصلي والشريك بالإضافة إلى العقوبات السابقة، بجميع المبالغ التي تسبب بخسارتها للخزينة أو للشركات، أو للمصارف أو للأفراد.(1/246)
ويعفى من العقوبة من أنبأ بالجرائم المنصوص عنها في هذه المادة قبل إتمامها كاملا، أما من أخبر عن الفاعلين أو المشتركين فيها بعد بدء الملاحقات النظامية، فتخفض عقوبته إلى ثلث الحد الأدنى من العقوبة، كما يجوز الاكتفاء بالحد الأدنى من الغرامة فقط، ويشترط للاستفادة من هذا التخفيض أن يعيد الشخص جميع ما دخل في ذمته من الأموال بسبب التزوير(1).( م/4 )
5 - كل موظف ارتكب أثناء وظيفته تزوير بصنع صك أو أي مخطوط لا أصل له أو محرف عن الأصل عن قصد أو بتوقيعه إمضاء أو خاتما أو بصمة إصبع مزورة أو أتلف صكاً رسمياً أو أوراقاً لها قوة الثبوت سواء كان الإتلاف كلياً أو جزئياً أو زور شهادة دراسية أو شهادة خدمة حكومية أو أهلية أو أساء التوقيع على بياض أؤتمن عليه، أو بإثباته وقائع وأقوال كاذبة على أنها وقائع صحيحة وأقوال معترف بها، أو بتدوينه بيانات وأقوال غير التي صدرت عن أصحابها , أو بتغيير أو تحريف أوراق الرسمية والسجلات والمستندات بالحك أو الشطب أو بزيادة كلمات أو حذفها وإهمالها قصدا، أو بتغيير الأسماء المدونة في الأوراق الرسمية والسجلات ووضع أسماء غير صحيحة أو غير حقيقية بدلا عنها أو بتغيير الأرقام في الأوراق والسجلات الرسمية بالإضافة أو الحذف أو التحريف عوقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات. ( م/5 )
6 - يعاقب الأشخاص العاديون الذين يرتكبون الجرائم المنصوص عليها في المادة السابقة أو الذين يستعملون الوثائق والأوراق المزورة والأوراق المنصوص عليها في المادة السابقة على علم من حقيقتها بالعقوبات المنصوص عليها في المادة المذكورة، وبغرامة مالية من ألف إلى عشرة آلاف ريال.( م/6)
__________
(1) - هذا نص المادة الرابعة بعد تعديلها بالمرسوم الملكي رقم 53 وتاريخ 5/11/1382هـ(1/247)
7 - الأوراق المالية المنظمة لحاملها أو لمصلحة شخص آخر أو السندات المالية أو الأسهم التي أجيز إصدارها في المملكة العربية السعودية أو التي صدرت في البلاد الأجنبية ولم يمنع تداولها في المملكة، وبصورة عامة كافة السندات المالية سواء كانت لحاملها أو تحول بواسطة التظهير تعتبر بمثابة الأوراق والمستندات الرسمية في جميع الأعمال المنصوص عليها في المادة الخامسة من هذا النظام.(م/7)
8 - كل موظف أو مكلف بخدمة عامة أو مهنة طبية أو صحية أعطى وثيقة أو شهادة أو بيانا لشخص آخر على خلاف الحقيقة وترتب على ذلك جلب منفعة غير مشروعة أو إلحاق ضرر بأحد الناس، يعاقب بالسجن من خمسة عشر يوما إلى سنة. ( م/8 )
9 - من انتحل اسم أو توقيع أحد الأشخاص المذكورين في المادة السابقة لتزوير الوثيقة المصدقة أو حرف أو زور في وثيقة رسمية أو في حفيظة نفوس أو جواز سفر أو رخصة إقامة أو تأشيرة من التأشيرات الرسمية للدخول أو المرور أو الإقامة أو الخروج من المملكة العربية السعودية عوقب بالسجن من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من مائة إلى ألف ريال(1). ( م/9 )
10 - من قلد أو زوره توقيعا أو خاتما لشخص آخر أو حرف بطريق الحك أو الشطب أو التغيير سند أو أي وثيقة خاصة عوقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات. ( م/10 )
__________
(1) - عدلت هذه المادة فيما يتعلق بالتزوير في حفائظ النفوس، بالمرسوم الملكي رقم م/3 وتاريخ 13/1/1392 هـ، لإزالت التعارض بينها وبين نص المادة (21) من نظام دائرة النفوس، وقد نص هذا المرسوم على تعديل العقوبة الواردة في المادة (21) من نظام دائرة النفوس لتصبح كالآتي : الحبس من شهر إلى سنة، والغرامة من مائة إلى ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين ؛ هذا بشرط ألا يكون هناك ضرر فردي للغير، أما إذا ترتب على تزوير الحفيظة ضرر فردي فإن العقوبة التي تطبق هي الواردة في المادة (9) من نظام مكافحة التزوير.(1/248)
11 - يعفى من العقوبة الأشخاص المنصوص عليهم في المادتين الثامنة والتاسعة إذا أقروا بالجرائم قبل استعمال الوثيقة المزورة وقبل بدء الملاحقة. (م/11 )
***(1/249)
108 -تستر
1 - التعريف:
التستر في اللغة: التغطي والاختفاء، يقال: تستَّر، أي تغطى واختفى، وتستَّر عليه، أي أخفاه(1).
وعند الفقهاء: التستر، التغطي والاختفاء.
والمراد بالتستر هنا: هو عدم إبلاغ السلطات الأمنية عن الأشخاص المطلوبين أمنياً ، أو المخالفين لأحكام الأنظمة المرعية مع علم المتستر بحقيقة أمرهم.
2 - حكم التستر على المجرمين:
يحرم التستر على المجرمين وإيوائهم وإخفائهم ، لما رواه مسلم وغيره عن أبي الطفيل قال: كنت جالسا عند علي فأتاه رجل فقال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك ؟ فغضب فقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه حدثني بأربع كلمات قال: ما هن ؟ قال: لعن الله من لعن والده ، ولعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن الله من غير منار الأرض(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: { إن من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله في أمره } فكيف بمن منع الحدود بقدرته ويده , واعتاض عن المجرمين بسحت من المال يأخذه, لا سيما الحدود على سكان البر فإن من أعظم فسادهم حماية المعتدين منهم بجاه أو مال, سواء كان المال المأخوذ لبيت المال أو للوالي سرا أو علانية, فذلك جميعه محرم بإجماع المسلمين )(3).
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: ( الكبيرة الحادية والخمسون بعد الثلاثمائة: إيواء المحدثين أي منعهم ممن يريد استيفاء الحق منهم والمراد بهم من يتعاطى مفسدة يلزمه بسببها أمر شرعي )(4).
3 - أنواع التستر:
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة (ستر)
(2) - مسند الإمام أحمد حديث رقم (857) وصحيح مسلم الحديث رقم (1978) وسنن النسائي الحديث رقم (4346).
(3) - السياسة الشرعية صفحة (98).
(4) - الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/204(1/250)
التستر إما أن يكون على أشخاص مجرمين ارتكبوا جرائم جنائية وتواروا عن أنظار السلطة العامة ، وهذا النوع من التستر هو التستر الجنائي.
وإما أن يكون على اشخاص خالفوا الأنظمة والتعليمات المتعلقة بالتجارة ، ومارسوا أعمالاً غير مسموح لهم بممارستها ، وهذا النوع هو التستر التجاري ، وقد بينت المادة الأولى من نظام مكافحة التستر(1) أنه يعد متستراً في هذا الجانب كل من يمكن غير السعودي من الاستثمار في أي نشاط محظور عليه الاستثمار فيه ، أو ممارسة أي نشاط محظور عليه ممارسته ، سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري ، أو بأي طريقة أخرى.
وإما أن يكون التستر على أشخاص خالفوا أنظمة الإقامة ، أو أنظمة العمل والعمال ، وهذا هو التستر المدني ، ويعامل أطرافه وفق الأنظمة ذات العلاقة.
4 - الاختصاص القضائي في جرائم التستر:
تختص المحاكم الشرعية بنظر قضايا التستر في القضايا الجنائية ، وتختص هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق والادعاء في هذه القضايا.
اما قضايا التستر التجاري فقد بينت المادة (الثانية) من نظام مكافحة التستر الاختصاص فيها على النحو التالي:
أ - تختص وزارة التجارة والصناعة في تنفيذ أحكام هذا النظام بالتفتيش والتحري عن المخالفات وتلقي البلاغات وضبط المخالفات.
ب - يصدر وزير التجارة والصناعة قراراً بتسمية الموظفين الذين لهم صفة مأموري الضبط ، وتتضمن اللائحة التنفيذية ضوابط اختيارهم والإجراءات التي ينبغي عليهم الإلتزام بها في أداء أعمالهم.
ح - تختص هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق والادعاء في مخالفة أحكام النظام.
د - يختص ديوان المظالم بالنظر والفصل في مخالفات أحكام هذا النظام.
5 - عقوبة المتستر على المجرمين:
__________
(1) - صدر نظام مكافحة التستر بالمرسوم الملكي رقم ( م/22) وتاريخ 4/5/1425هـ ، ونشر في الجريدة االرسمية بتاريخ 28/5/1425هـ .(1/251)
التستر على المجرمين والمطلوبين للعدالة لإرتكابهم جرائم جنائية هو من باب مناصرتهم ومعاونتهم على ارتكاب جرائمهم ، ويستحق المتستر على هؤلاء المجرمين عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي بحسب نوع الجريمة.
أما قضايا التستر التجاري فقد بينت المادة ( الرابعة )من نظام مكافحة التستر أن العقوبة الأصلية فيها هي السجن مدة لا تزيد عن سنتين ، والغرامة بما لا يزيد عن مليون ريال ، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، وينشر منطوق قرار العقوبة في واحدة أو أكثر من الصحف المحلية. ونصت المادة (الخامسة) من النظام على إبعاد غير السعودي بعد تنفيذ الحكم ، ولا يسمح له بالعودة إلى المملكة للعمل بعد ذلك. ونصت المادة ( السادسة ) من النظام على عقوبة تبعية ، وهي شطب السجل التجاري المتعلق بالنشاط محل المخالفة ، وإلغاء الترخيص ، وتصفية الأعمال الخاصة بالنشاط محل المخالفة ، والمنع من مزاولة النشاط نفسه مدة لا تزيد عن خمس سنوات.
***(1/252)
109 -تشريح:
1 - التعريف :
التَّشْرِيح في اللغة: مصدر شرح يشرح شرحاً وتشريحاً ، والشَّرْحُ الكشف تقول شَرَحَ الغامض أي فسره وبابه قطع ومنه تَشْرِيحُ اللحم والقطعة منه شَرِيحةٌ (1).
وفي الاصطلاح التشريح: هو العلم الذي يدرس تركيب أجسام المخلوقات الحية عامة، من نبات أو حيوان أو إنسان(2).
2 - بعض الألفاظ المتعلقة بالتشريح:
1 - الطب الشرعي ( أنظر مصطلح : طب )
2 - الرسوب الدموي ( التلون الموتي)
هو تلون الجلد بعد الوفاة الناتج عن ترسب الدم في الأوعية الدموية الموجودة في الأجزاء المنخفضة من الجثة بفعل الجاذبية الأرضية، ويختلف هذا التلون باختلاف سبب الوفاة.
3 - التيبس الرمي
يقصد بالتيبس الرمي تصلب العضلات الإرادية واللإرادية للجثة نتيجة تحلل كيميائي وتلف مادة ثالث فوسفات الأدينوزين (P.T.A) ويحدث تدريجيا بعد فترة الارتخاء الأولى للعضلات ؛ وتبرز أهميته في كونه علامة أكيدة لحدوث الوفاة، وعن طريقه يحدد الطبيب الشرعي الوقت التقريبي للوفاة.
4 - التعفن ( التحلل الموتي )
وهو تحلل أنسجة الجسم بفعل الأنزيمات المتحررة من الخلايا والجراثيم التي يعيش معظمها في الأمعاء إلى غازات وسوائل وأملاح، وعن طريقه يحدد الطبيب الشرعي الوقت التقريبي للوفاة.
5 - التصبن ( التشمع )
يقصد به ازدياد ثقل الجثة وأخذها ملمساً دهنياً ولوناً أصفراً ذا رائحة كرائحة الجبن العفن نتيجة تحول الأنسجة الدهنية بالجثة إلى مادة شمعية صفراء صلبة بسبب تشبع الأحماض الدهنية غير المشبعة بالهيدروجين فيتحول حمض الزيت إلى حمض الشحم ؛ وعن طريقه يتعرف الطبيب الشرعي على الوقت التقريبي للوفاة، ومعرفة شخصية الجثة، وتحديد مكان وسبب الوفاة.
6 - التحنيط الطبيعي ( المومياء )
__________
(1) - مختارالصحاح مادة ( شرح ).
(2) - الموسوعة الطبية صفحة (199).(1/253)
تحدث هذه الظاهرة بدلا من التعفن في الجثث الموجودة في وسط شديد الجفاف والحرارة مثل الصحراء فتتبخر السوائل من الجثة وتموت البكتيريا وتتحول الجثة إلى مومياء بأن يصبح جل الجثة جافاً رقيقاً وصلباً ومتجعداً، ويتلون بلون بني غامق وتصبح الجثة أقل وزناً وحجماً، كما تصبح قاسية قابلة للكسر إن لم يحافظ عليها من المؤثرات الخارجية، وعند المحافظة عليها تبقى لسنين طويلة(1).
3 - حكم تشريح جثة المتوفى:
يشرح جسم الإنسان عادة بعد الوفاة، إما بقصد التعليم لمعرفة تركيب جسم الإنسان وعلاقة أعضائه بعضها ببعض ؛ وإما لدراسة المظاهر النسيجية للعلة التي أدت إلى الوفاة ؛ وإما بقصد معرفة أسباب الوفاة إن كانت جنائية أو غير جنائية(2). وقد بحثت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مسألة التشريح في بحث مطول نشرته مجلة البحوث العلمية في عددها الرابع لعام 1398هـ، وعلى ضوئه صدر قرار هيئة كبار العلماء رقم ( 47 ) وتاريخ 20/8/1396هـ الآتي نصه: ( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد: ففي الدورة التاسعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في مدينة الطائف في شهر شعبان عام 1396هـ، جرى الاطلاع على خطاب معالي وزير العدل رقم 3231/2/خ المبني على خطاب وكيل وزارة الخارجية رقم 34/1/2/13446/3 وتاريخ 6/8/1395هـ المشفوع به صورة مذكرة السفارة الماليزية بجدة المتضمنة استفسارها عن رأي وموقف المملكة العربية السعودية، من إجراء عملية جراحية طبية على ميت مسلم، وذلك لأغراض مصالح الخدمات الطبية. كما جرى استعراض البحث المقدم في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، وظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية.
__________
(1) - د/ إبراهيم الجندي/ الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية الصفحات ( 55 - 66 ).
(2) - الموسوعة الطبية صفحة (199).(1/254)
الثاني: التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها.
الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلما وتعليما.
وبعد تداول الرأي والمناقشة ، ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه قرر المجلس ما يلي:
بالنسبة للقسمين الأول والثاني: فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جانب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك، وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصومة أم لا.
وأما بالنسبة للقسم الثالث: وهو التشريح للغرض التعليمي، فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها، وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان، وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة ؛ فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة، إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا، وذلك لما روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: { كسر عظم الميت ككسره حيا } (1)؛ ونظرا على أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة، فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث، وعدم التعرض لجثث أموات معصومين، والحال ما ذكر. والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
***
__________
(1) - رواه الإمام أحمد في السند رقم ( 24218 ) وأبو داود برقم ( 3207 ) وابن ماجة برقم ( 1616 ).(1/255)
110 -تشفيط ( راجع مصطلح: استنشاق )
111 -تشهير
1 - التعريف:
التشهير في اللغة: الإعلان والوضوح ، والشُهْرَةُ: وضوح الأمر، تقول: شَهَرْتُ الأمر أَشْهَرُهُ شَهْراً وشُهْرَةً، فاشْتَهَرَ أي وضح. وكذلك شَهَّرْتُهُ تَشْهِيراً. ولفلان فضيلةٌ اشْتَهَرَهَا الناسُ. وشَهَرَ سَيْفَه يَشْهَرُهُ شَهْراً، أي سَلَّهُ(1).
ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللغوي.
2 - حكم التشهير:
التشهير قد يكون من الناس بعضهم ببعض، على جهة العداوة أو الغيبة، أو على جهة النصيحة والتحذير. وقد يكون من الحاكم في الحدود أو في التعازير. وبيان ذلك على النحو التالي:
* أولا: تشهير الناس بعضهم ببعض:
الأصل أن تشهير الناس بعضهم ببعض بذكر عيوبهم والتنقص منهم حرام وقد يكون مباحا أو واجبا وذلك راجع إلى ما يتصف به المشهر به.
فيكون التشهير حراما في الأحوال الآتية:
أ - إذا كان المشهَر به بريئا مما يشاع عنه ويقال فيه.
وقد ذكر القرطبي في تفسيره حديثا عن أبي الدرداء - رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء , يرى أن يشينه بها في الدنيا , كان حقا على الله تعالى أن يرميه بها في النار ؛ ثم تلا مصداقه من كتاب الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ } (2).
ومن ذلك: الهجو بالشعر ؛ قال ابن قدامة: ( فما كان من الشعر يتضمن هجو المسلمين، والقدح في أعراضهم، أو التشبب بامرأة بعينها، والإفراط في وصفها، فذكر أصحابنا أنه محرم )(3).
__________
(1) - الصحاح مادة ( شهر ).
(2) - الجامع لأحكام القرآن 12/209، والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/201، وعزاه للطبراني في الكبير، وضعفه.
(3) - المغني 14/165(1/256)
ب - إذا كان المشهر به يتصف بما يقال عنه، ولكنه لا يجاهر به، ولا يقع به ضرر على غيره. فالتشهير به حرام أيضا ; لأنه يعتبر من الغيبة التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها في قوله: { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } ، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته } (1).
ويكون التشهير جائزا في الأحوال الآتية:
أ - المجاهر بالمعصية, يجوز التشهير به ; لأن المجاهر بالفسق لا يستنكف أن يذكر به, ولا يعتبر هذا غيبة في حقه ; لأن من ألقى جلباب الحياء لا غيبة له.
ب - إذا كان التشهير على سبيل نصيحة المسلمين وتحذيرهم, وذلك كجرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام, والتشهير بالمصنفين والمتصدين للإفتاء مع عدم الأهلية, أو مع فسق أو بدعة يدعون إليها.
* ثانيا: التشهير من الحاكم:
التشهير من الحاكم يكون في الحدود أو في التعزير، وبيان ذلك:
أ - التشهير في الحدود:
قال الفقهاء: ينبغي أن تقام الحدود في ملأ من الناس , لقوله تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ سورة النور 2 ].
قال الكاساني: والنص وإن ورد في حد الزنا, لكن النص الوارد فيه يكون واردا في سائر الحدود دلالة, لأن المقصود من الحدود كلها واحد, وهو زجر العامة, وذلك لا يحصل إلا وأن تكون الإقامة على رأس العامة ; لأن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة، والغيَّب ينزجرون بإخبار الحضور، فيحصل الزجر للكل(2).
ب - التعزير بالتشهير:
__________
(1) - الحديث رواه مسلم برقم ( 2589 ).
(2) - بدائع الصنائع 6/529 ، طبعة دار إحياء التراث.(1/257)
التشهير نوع من أنواع التعزير, أي أنه عقوبة تعزيرية. ومعلوم أن التعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم, فقد يكون بالضرب أو الحبس أو التوبيخ أو التشهير أو غير ذلك, حسب اختلاف مراتب الناس, واختلاف المعاصي, واختلاف الأعصار والأمصار؛ وعلى ذلك فالتعزير بالتشهير جائز إذا علم الحاكم أن المصلحة فيه, وهذا الحكم هو بالنسبة لكل معصية لا حد فيها ولا كفارة في الجملة(1). قال الماوردي: للأمير إذا رآى من الصلاح في ردع السفلة أن يشهرهم وينادي عليهم بجرائمهم، ساغ له ذلك(2).
وقال أيضا: يجوز في نكال التعزير أن يجرد من ثيابه، إلا قدر ما يستر عورته، ويشهر في الناس, وينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ولم يتب(3).
ونصت الفقرة ( أ ) من المادة الثانية من نظام مكافحة التستر على نشر منطوق قرار العقوبة في واحدة أو أكثر من الصحف المحلية على نفقة المخالف.
3 - عقوبة التشهير بالناس:
إذا ثبت قيام الشخص بالتشهير بالناس ولم يقصد بالتشهير سوى إلحاق الضرر بهم يحال للمحكمة للحكم عليه بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
***
__________
(1) - أنظر الموسوعة 12/ 42 - 46
(2) - الأحكام السلطانية صفحة (275).
(3) - الأحكام السلطانية صفحة (297).(1/258)
112 -تصديق
1 - التعريف:
التصديق في اللغة من صدَّق: أي اعترف بصدق قوله ، ويقال: صدَّق على الأمر أي أقره ، ومنه قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } [ سبأ آية 20 ] أي تحقق ظنه فيهم(1).
وفي الاصطلاح: لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على توجه الحق قبل المقر (المصدق). ويقوم مقام اللفظ: الإشارة والكتابة والسكوت. فالإشارة من الأبكم ومن المريض. فإذا قيل للمريض: لفلان عندك كذا, فأشار برأسه أن نعم, فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده(2).
2 - الأثر المترتب التصديق:
يلزم الشخص بما صدَّق عليه في حقوق العباد، وحقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات، وهو أبلغ من الشهادة ; لأنه إقرار، ولا يقبل منه الرجوع في ذلك لأن رجوعه نقض لما صدر منه وتعلق به حق الغير.
أما بالنسبة لحقوق الله تعالى التي تدرأ بالشبهات فلا يلزم الشخص بما صدَّق عليه، بل له حق الرجوع، لما ثبت في قصة ماعز رضي الله عنه.
3 - التصديق المعتبر:
التصديق الذي يعتد به ويترتب عليه أثره ، هو الذي يصدر أمام القاضي ويكون من شخص بالغ عاقل مختار ، فلا يعتبر تصديق الصغير وغير العاقل، والمكره ، والمجنون ونحوهم.
4 - تصديق الاعتراف شرعاً : (راجع مصطلح: اعتراف، وإقرار)
5 - هل يقال صدَّق أو صادق؟
الصواب أن يقال صدَّق المتهم أقواله ، ولا يقال صادق ، لأن صدَّق من الصدق وهو التوكيد ، ومنه قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } { سبأ الآية 20 } أي أكد.
وأما صادق فهو من المصادقة، وهي بمعنى المخاللة ؛ يقال: صدَّقَ تَصدِيقاً، وصادَقَ مُصَادَقَةً.
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( صدق ).
(2) - الموسوعة الفقهية 12/51(1/259)
113 -تعاطي
1 - التعريف:
التَّعاطِي لغة: مصدر تعاطى، بمعنى: تناول الإنسان الشيء بيده, من العطو, وهو التناول. قال الخليل : العَطْوُ: التّناوُلُ باليدِ. يقال: ظبيٌ عاطٍ وعَطُوٌّ، وجَدْيٌ عطوٌّ، ومنه اشتُقّ الإِعطاءُ؛ والمُعاطاةُ: المُناوَلَةُ. عاطى الصبيُّ أهلَه إذا عمِلَ لهم وناولَ ما أرادوا والتَّعاطي: تناولُ ما لا يحق ّ. قال الله عزّ وجل: { ( فَتَعَاطَى uچs)yèsù } [ القمر الآية 29 ] قالوا: قام الشقي على أطراف أصابع رجليه، ثم رفع يديه فضربها فعقرها، ويقال: بل تعاطيه جرأته، كما تقول: تعاطى أمرا لا ينبغي له(1).
وفي الاصطلاح: التعاطي صيغة تقتضي المشاركة بمعنى حصول الإعطاء من طرفين ومنه التعاطي في البيع , وهو إعطاء البائع المبيع للمشتري على وجه البيع والتمليك, وإعطاء المشتري الثمن للبائع دون تلفظ بإيجاب أو قبول(2).
والمراد بالتعاطي هنا: هو تداول كل محظور سواء من المخدرات، أو المسكرات، أو سائر المحرمات، سواء كان ذلك بالبيع أو الإهداء أو الاستعمال.
2 - حكم تعاطي المحرمات:
تعاطي المحرمات كالمخدرات، والمسكرات، وسائر المحرمات، حرام مهما كانت الدوافع، لأن في ذلك ضرر كبير على الفرد والمجتمع، وفيه تعاون على الإثم والعدوان ونشر الرذيلة في المجتمع، وإشاعة للجريمة وتعاون مع المجرمين ، وأكل لأموال الناس بالباطل ، والله سبحانه وتعالى يقول: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ المائدة الآية 2] وقال تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [البقرة 188 ]. والآيات والأحاديث الدالة على تحريم تعاطي المحرمات كثيرة.
3 - عقوبة التعاطي: ( أنظر: مخدرات ، مسكرات )
***
__________
(1) - أنظر كتاب العين مادة ( عطو ).
(2) - الموسوعة الفقهية 13/116(1/260)
114 -تعزير
1 - التعريف: -
التَّعْزِيرُ لغة: مصدر عَزَّرَ من العزر , وهو الرد والمنع, والعَزْرُ: اللَّوْم. وعَزَرَهُ يَعْزِره عَزْراً وعَزَّرَه: ردَّه. والعَزْرُ والتَّعْزِيرُ: ضرب دون الحدّ لِمَنْعِ الجانِيَ من المُعاوَدة ورَدْعِه عن المعصية(1).
وفي الاصطلاح: هو عقوبة غير مقدرة شرعا، تجب حقا لله، أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا(2).
2 - مشروعية التعزير:
التعزير مشروع بالكتاب والسنة والإجماع:
فأما الكتاب فقوله تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } [ النساء 34 ].
وأما السنة فقد روى الشيخان عن أبي بردة الأنصاري رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله } (3). فهذا الحديث دليل على مشروعية التعزير على ما دون جرائم الحدود.
وأما الإجماع ، فقد أجمعت الأمة على مشروعية التعزير في كل معصية ليس فيها حد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( واتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد )(4).
__________
(1) - لسان العرب مادة ( عزر ).
(2) - الموسوعة الفقهية 12/254
(3) - رواه البخاري برقم ( 6848 ) ومسلم برقم ( 1708 ).
(4) - مجموع الفتاوى 35/402(1/261)
وقال ابن القيم: ( واتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية , ليس فيها حد وهي نوعان: ترك واجب , أو فعل محرم , فمن ترك الواجبات مع القدرة عليها, كقضاء الديون , وأداء الأمانات: من الوكالات, والودائع , وأموال اليتامى , والوقوف , والأموال السلطانية, ورد الغصوب , والمظالم ; فإنه يعاقب حتى يؤديها , وكذلك من وجب عليه إحضار نفس لاستيفاء حق وجب عليها ; مثل: أن يقطع الطريق , ويلتجئ إلى من يمنعه ويذب عنه ; فهذا يعاقب حتى يحضره)(1).
3 - الفرق بين التعزير والحد والقصاص:
أ - في الحدود والقصاص, إذا ثبتت الجريمة الموجبة لهما لدى القاضي شرعا, فإن عليه الحكم بالحد أو القصاص على حسب الأحوال، وليس له الخيار في العقوبة، بل يطبق العقوبة المنصوص عليها شرعا بدون زيادة أو نقص, ولا يحكم بالقصاص إذا عُفي عنه, وله هنا التعزير.
ومرد ذلك: أن القصاص حق للأفراد, بخلاف الحد ؛ وفي التعزير يختار القاضي من العقوبات الشرعية ما يناسب الحال, فيجب على الذين لهم سلطة التعزير الاجتهاد في اختيار الأصلح , لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس , وباختلاف المعاصي.
ب - إقامة الحد الواجب لحق الله لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط إذا وصل الأمر للحاكم, وثبت بالبينة, وكذلك القصاص إذا لم يعف صاحب الحق فيه.
والتعزير إذا كان من حق الله تعالى تجب إقامته, ويجوز فيه العفو والشفاعة إن كان في ذلك مصلحة, أو انزجر الجاني بدونه, وإذا كان من حق الفرد فله تركه بالعفو وبغيره, وهو يتوقف على الدعوى, وإذا طالب صاحبه لا يكون لولي الأمر عفو ولا شفاعة ولا إسقاط.
ج - إثبات الحدود والقصاص عند الجمهور لا يكون إلا بالبينة أو الاعتراف, بشروط خاصة، بخلاف التعزير فإنه يثبت بهما, وبغيرهما.
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة ( 93 ).(1/262)
د - لا خلاف بين الفقهاء أن من حده الإمام فمات من ذلك فدمه هدر, لأن الإمام مأمور بإقامة الحد, وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة، أما التعزير فقد اختلفوا فيه.
هـ- الحدود تدرأ بالشبهات, بخلاف التعزير, فإنه يثبت مع الشبهة.
و - يجوز الرجوع في الحدود إن ثبتت بالإقرار, أما التعزير فلا يؤثر فيه الرجوع.
ز - الحد لا يجب على الصغير, ويجوز تعزيره.
ح - الحد قد يسقط بالتقادم عند بعض الفقهاء، بخلاف التعزير(1).
4 - الحق الواجب في التعزير:
ينقسم التعزير إلى ما هو حق لله، وما هو حق للعبد.
والمراد بالأول غالبا: ما تعلق به نفع العامة, وما يندفع به ضرر عام عن الناس, من غير اختصاص بأحد. والتعزير هنا من حق الله ; لأن إخلاء البلاد من الفساد واجب مشروع , وفيه دفع للضرر عن الأمة , وتحقيق نفع عام.
ويراد بالثاني: ما تعلقت به مصلحة خاصة لأحد الأفراد.
وقد يكون التعزير خالص لحق الله , كتعزير تارك الصلاة , والمفطر عمدا في رمضان بغير عذر , ومن يحضر مجلس يشرب فيه الخمر.
وقد يكون لحق الله وللفرد, مع غلبة حق الله, كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها.
وقد تكون الغلبة لحق الفرد, كما في السب والشتم والمواثبة.
وقد قيل بحالات يكون فيها التعزير لحق الفرد وحده, كالصبي يشتم رجلا لأنه غير مكلف بحقوق الله تعالى فيبقى تعزيره متمحضا لحق المشتوم.
وتظهر أهمية التفرقة بين نوعي التعزير في أمور منها: أن التعزير الواجب حقا للفرد أو الغالب فيه حقه - وهو يتوقف على الدعوى - إذا طلبه صاحب الحق فيه لزمت إجابته, ولا يجوز للقاضي فيه الإسقاط, ولا يجوز فيه العفو أو الشفاعة من ولي الأمر. أما التعزير الذي يجب حقا لله فإن العفو فيه من ولي الأمر جائز, وكذلك الشفاعة إن كانت في ذلك مصلحة, أو حصل انزجار الجاني بدونه.
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 12/254(1/263)
وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: { اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء(1) } (2).
5 - موجب التعزير:
أجمع الفقهاء على: أن ترك الواجب أو فعل المحرم معصية فيها التعزير, إذا لم يكن هناك حد مقدر . ومثال ترك الواجب عندهم: منع الزكاة, وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك, وعدم أداء الأمانة، وعدم رد المغصوب, وكتم البائع ما يجب عليه بيانه, كأن يدلس في المبيع عيبا خفيا ونحوه, والشاهد والمفتي والحاكم يعزرون على ترك الواجب. ومثال فعل المحرم: سرقة ما لا قطع فيه، لعدم توافر شروط النصاب أو الحرز مثلا وتقبيل الأجنبية والخلوة بها والغش في الأسواق والعمل بالربا وشهادة الزور. وقد يكون الفعل مباحاً في ذاته لكنه يؤدي لمفسدة، وحكمه عند كثير من الفقهاء - وعلى الخصوص المالكية - أنه يصير حراما، بناء على قاعدة سد الذرائع، وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التعزير، ما دام ليست له عقوبة مقدرة(3).
__________
(1) - الحديث رواه البخاري برقم ( 1432 ).
(2) - الموسوعة الفقهية 12/25
(3) - الموسوعة الفقهية 12/258(1/264)
وجاء في تعميم وزير العدل رقم 12/152/ت وتاريخ 18/8/1404هـ النص التالي: ( إلحاقا للتعميم رقم 12/90/ت في 24/5/1404هـ المبني على المرسوم الملكي رقم م/3 في 1/4/1404هـ ، المتضمن تعديل المادة (23) من نظام القضاء بالنص المحرر بموجبه ؛ وإلحاقا للتعميم رقم 12/116/ت في 3/7/1404هـ المعطوف على قرار الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى رقم 52/5/6 في 5/3/1400هـ في صدد تحديد وصف الجرم الذي يوجب تعزيرا وإن ولايته للمحاكم المستعجلة، فقد وردنا من بعض أصحاب الفضيلة القضاة استشكال بظن التعارض بين التعميمين المذكورين، وهل التعميم رقم 12/90 المذكور له أثر رجعي على ما يسبق تاريخه أم لا ؟ ؛ نخبركم أنه بعد الدراسة تقرر ما يلي: - أولا: أن التعميم رقم 12/90/ت في 24/5/1404هـ المبني على المرسوم الملكي المذكور واجب التنفيذ وليس هناك ما يؤثر عليه، وإن إجراء موجبه من تاريخ التبليغ به وليس له أثر رجعي على ما يسبق تاريخ البلاغ به.
ثانيا: أن التعميم رقم 12/116/ت في 3/7/1404هـ المبني على قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 52/5/6 في 5/3/1400هـ فيما يتعلق بقضايا القتل إنما يعني القضايا التي لا تنظر لدى المحاكم الكبرى كالقضايا التي يتنازل أصحابها دون سابق نظر للدعوى في المحكمة الكبرى، فإن تحديد وصف الجرم الذي يوجب تعزيرا للحق العام والحالة هذه من اختصاص المحاكم المستعجلة. فللإحاطة واعتماد موجبه تحرر).
6 - العقوبات الجائزة في التعزير (1)1) :
يجوز في مجال التعزير: إيقاع عقوبات مختلفة، يختار منها الحاكم في كل حالة ما يراه مناسبا محققا لأغراض التعزير.
وهذه العقوبات قد تنصب على البدن، وقد تكون مقيدة للحرية، وقد تصيب المال، وقد تكون غير ذلك. وفيما يلي بيان هذا الإجمال.
* أولا:العقوبات البدنية:
أ - التعزير بالقتل:
__________
(1) 1 - ملخص من كتاب شيخنا الدكتور/ عبد الله الحديثي ( التعزيرات البدنية وموجباتها في الفقه الإسلامي )(1/265)
الأصل أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } [الأنعام 151 ]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة } (1). وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة, من ذلك: قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين, وقتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية.
وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم، إذا كان جنسه يوجب القتل, كما يقتل من تكرر منه اللواط أو القتل بالمثقل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل, لما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم, أو يفرق جماعتكم فاقتلوه } (2).
ب - التعزير بالجلد:
الجلد في التعزير مشروع، للأدلة التي سبق ذكرها في مشروعية التعزير، وقد سار على هذه العقوبة في التعزير الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من الحكام، ولم ينكر عليهم أحد، ولا زال الجلد من أكثر العقوبات البدنية تطبيقا.
* وهنا مسألة: ما هو مقدار الجلد تعزيرا ؟
أختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال هي:
__________
(1) - رواه البخاري برقم ( 6878 ) ومسلم برقم ( 1676 ).
(2) - رواه مسلم برقم ( 1852 ).(1/266)
القول الأول: أن أعلى قدر للتعزير بالجلد هو ما لا يبلغ الحد، وهو مذهب الحنفية، والمشهور عند الشافعية، وقول عند المالكية، ورواية عند الحنابلة، على اختلاف بينهم في معنى بلوغ الحد، فبعضهم قال: إن التعزير في كل جناية لا يبلغ قدر الحد في جنسها، وبعضهم قال: إن أكثر التعزير لا يبلغ به أدنى الحدود ؛ ودليل هذا القول، حديث { من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين } (1).
القول الثاني: أن أعلى قدر للتعزير بالجلد هو عشرة أسواط، وهذا هو مذهب الظاهرية، وقول عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، وأختاره الشوكاني، والصنعاني؛ ودليل هذا القول حديث أبي بردة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } متفق عليه(2).
القول الثالث: أن أكثر جلد التعزير غير محدد وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام على قدر عظم الجرم وصغره، وهذا القول هو المشهور عند المالكية، وأخذ به شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، ورجحه شيخنا عبد الله الحديثي ؛ ودليل هذا القول، الآثار الواردة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في تجاوزه في جلد التعزير عقوبات الحدود ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان إجماعا، وقالوا أيضا: إن الأصل مساواة العقوبات للجنايات، فالعقوبة تتناسب مع عظم الجريمة وصغرها.
__________
(1) - سنن البيهقي الكبرى 8/327 الحديث رقم ( 17362 )
(2) - البخاري الحديث رقم ( 6848)، ومسلم الحديث رقم (4435).(1/267)
وذكر ابن القيم ، في إعلام الموقعين، توجيها جيدا لحديث أبي بردة السابق، فقال: ( فإن قيل: فما تصنعون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: { لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } . قيل: نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة، ولا منافاة بينه وبين شيء مما ذكرنا، فإن الحد في لسان الشارع أعم منه في اصطلاح الفقهاء ; فإنهم يريدون بالحدود عقوبات الجنايات المقدرة بالشرع خاصة, والحد في لسان الشارع أعم من ذلك؛ فإنه يراد به هذه العقوبة تارة ويراد به نفس الجناية تارة، كقوله تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا } [ البقرة 187 ] وقوله: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } [ البقرة 229 ] فالأول حدود الحرام، والثاني حدود الحلال. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { إن الله حد حدودا فلا تعتدوها } (1) وفي حديث النواس بن سمعان ..والسور ، إن حدود الله، ويراد به تارة جنس العقوبة وإن لم تكن مقدرة، فقوله صلى الله عليه وسلم: { لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } يريد به الجناية التي هي حق لله. فإن قيل: فأين تكون العشرة فما دونها إذ كان المراد بالحد الجناية ؟. قيل: في ضرب الرجل امرأته وعبده وولده وأجيره، للتأديب ونحوه، فإنه لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط ; فهذا أحسن ما خرج عليه الحديث، وبالله التوفيق )(2).
ج - التعزير بالحبس: -
الحبس مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [النساء آية 15 ]
__________
(1) - سنن البيهقي الكبرى الحديث رقم ( 20283 )
(2) - إعلام الموقعين 2/44(1/268)
وأما السنة: فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حبس بالمدينة أناسا في تهمة دم , وحكم بالضرب والسجن , وأنه قال فيمن أمسك رجلا لآخر حتى قتله: { اقتلوا القاتل, واصبروا الصابر } . وفسرت عبارة { اصبروا الصابر } بحبسه حتى الموت ; لأنه حبس المقتول للموت بإمساكه إياه.
وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم, ومن بعدهم, على المعاقبة بالحبس؛ واتفق الفقهاء على أن الحبس يصلح عقوبة في التعزير.
ومما جاء في هذا المقام: أن عمر رضي الله عنه سجن الحطيئة على الهجو, وسجن صبيغا على سؤاله عن الذاريات, والمرسلات, والنازعات, وشبهه, وإن عثمان رضي الله عنه سجن ضابئ بن الحارث, وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم.
* ثانيا: التعزير بالمال:
التعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلافه، أو بمصادرته.
أ - حبس المال عن صاحبه: وهو أن يمسك القاضي شيئا من مال الجاني مدة زجرا له, ثم يعيده له عندما تظهر توبته, وليس معناه أخذه لبيت المال ; لأنه لا يجوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرعي يقتضي ذلك. ومن التطبيق المعاصر في هذه المسألة، حجز سيارة الجاني فترة معينة.
ب - التعزير بإتلاف المال. ( راجع مصطلح: إتلاف )
ج - التعزير بمصادرة المال. ( أنظر مصطلح: غرامة، مصادرة )
* ثالثا: التعزير بما يؤثر في النفس:
وهذا النوع من التعزير يدخل فيه أنواع كثير منها:
أ - الوعظ: وهو مشروع بدليل قوله تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ } [ النساء آية 34 ].
ب - الهجر: وهو مشروع بدليل الآية السابق، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك؛ وعاقب عمر رضي الله عنه، صبيغا بالهجر لما نفاه إلى البصرة، وأمر ألا يجالسه أحد، وهذا منه عقوبة بالهجر.(1/269)
ج - التوبيخ: وهو مشروع باتفاق الفقهاء، فقد روى البخاري أن أبا ذر رضي الله عنه: ساب رجلا فعيره بأمه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: { يا أبا ذر , أعيرته بأمه , إنك امرؤ فيك جاهلية } (1).
د - التهديد: وهو مشروع بدليل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الزكاة حيث يقول: { من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها منه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا عز وجل } (2).
هـ - التشهير: ( راجع مصطلح : تشهير )
***
__________
(1) - رواه البخاري في صحيحه برقم ( 30 ).
(2) - رواه الإمام أحمد في المسند برقم ( 19514 ) وأبو داود برقم ( 1575 ) والنسائي برقم ( 2401 ).(1/270)
115 -تغريب
1 - التعريف:-
التَّغْرِيبُ في اللغة: الإبعاد عن الوطن، قال الجوهري : التَّغْرِيب: النفي عن البلد. وقال الخليل: والغُرْبَةُ: الاغتِرابُ من الوَطَن. وغَرَبَ فلانٌ عَنّا يَغْرُبُ غَرْباً أي تَنَحَّى، وأَغْرَبْتُه وغَرَّبْتُه أي نَحَّيْتُه(1).
وفي الاصطلاح: هو النفي من البلد الذي وقعت فيه الفاحشة(2).
2 - مشروعية التغريب:
التغريب يكون عقوبة في حد الزنى، وحد الحرابة، كما يكون تعزيراً.
* أولا: التغريب في حد الزنى:
اتفق الفقهاء على مشروعية التغريب في الزنى, في الجملة على خلاف بينهم في اعتباره من حد الزنى أو عدم اعتباره، فعند جمهور الفقهاء أن من حد الزاني - إن كان بكرا - التغريب لمدة سنة لمسافة قصر فأكثر, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة, والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } (3). ولما روى أبو هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته, وأني افتديت منه بمائة شاة ووليدة, فسألت رجالا من أهل العلم، فقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام, والرجم على امرأة هذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى، على ابنك جلد مائة وتغريب عام } . وجلد ابنه مائة وغربه عاما. ثم قال لأنيس الأسلمي: { واغد يا أنيس إلى امرأة هذا, فإن اعترفت فارجمها, فاعترفت فرجمها } (4).
ولأن الخلفاء الراشدين جمعوا بين الجلد والتغريب, ولم يعرف لهم مخالف, فكان كالإجماع.
* ثانيا: التغريب في حد الحرابة:
__________
(1) - الصحاح للجوهري، وكتاب العين للخليل، مادة ( غرب ).
(2) - الدر النقي في شرح الفاظ الخرقي 2/748
(3) - رواه مسلم في صحيحه برقم ( 1690 ).
(4) - الحديث رواه البخاري برقم ( 2696 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1698 ).(1/271)
ورد النفي في حد الحرابة في قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } . (أنظر مصطلح: حرابة)
* ثالثا: التغريب على سبيل التعزير:
اتفق الفقهاء على مشروعية التعزير بالتغريب؛ لما ثبت من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالنفي تعزيرا في شأن المخنثين(1).
ولنفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذي عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال وأخذ به مالا منه(2).
3 - مكان وكيفية التغريب:
اتفق القائلون بالتغريب على وجوبه على الرجل الزاني الحر غير المحصن لمدة عام. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام } (3). وأما المرأة غير المحصنة فتغرب، ويغرب معها زوج أو محرم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { لا تسافر المرأة إلا ومعها زوج أو محرم } رواه البخاري(4). وفي الصحيحين: { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم } (5). ولأن القصد تأديبها, والزانية إذا خرجت وحدها هتكت جلباب الحياء. وذهب المالكية إلى أنه لا تغريب على المرأة, ولو مع محرم أو زوج ولو رضيت بذلك, على المعتمد عندهم(6).
__________
(1) - رواه الطبراني في الأوسط 5/31، الحديث رقم ( 4590 ).
(2) - المغني 12/525
(3) - سبق تخريجه.
(4) - صحيح البخاري حديث رقم ( 1862 )
(5) - البخاري حديث رقم ( 1088 ) ومسلم حديث رقم ( 1339).
(6) - أنظر الفواكه الدواني 2/206(1/272)
والمعمول به في محاكم المملكة أنه إذا حكم القاضي بتغريب الزاني البكر فإن تحديد مكان وكيفية التغريب يترك للجهات التنفيذية المختصة، ورد بيان ذلك في تعميم وزير العدل رقم 13/ت/1088 في 19/7/1418هـ حيث جاء النص التالي: ( تلقينا خطاب معالي رئيس مجلس القضاء الأعلى رقم 1/1389 في 9/7/1418هـ ومشفوعه قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة رقم 311/45 وتاريخ 18/6/1418هـ المتضمن أن مجلس القضاء الأعلى بناء على الصلاحيات المخولة له بموجب نظام القضاء، وبعد الاطلاع على قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة رقم 325/45 في 10/4/1417هـ المتضمن أن المجلس يرى الاكتفاء بسجن الزاني البكر متى ثبت عليه الحد بدلا من التغريب ؛ وبإعادة تأمل الموضوع والرجوع إلى الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في التغريب ، وأقوال الفقهاء في ذلك فإن المجلس يقرر بأن على القضاة إذا نظروا في قضية زنا البكر، وثبت موجب الحد أن يحكموا بحد زنى البكر، وهو الجلد والتغريب ، ويترك مكان التغريب وكيفيته للجهات المعنية بذلك ).
***(1/273)
116 -تفتيش
1 - التعريف:
التفتيش في اللغة: هو الاستقصاء في الطلب والبحث، يقال: فتَّش الرجلُ الشيءَ، أي تصفحه، وفتش عنه، أي سأل واستقصى في الطلب(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: لا يخرج معنى التفتيش عن البحث والاستقصاء.
وفي المصطلح الجنائي: هو البحث لضبط أدلة الجريمة وكل ما يفيد في كشف الحقيقة من أجل إثباتها أو إسنادها للمتهم سواء كان محله شيئا أو مكانا أو شخصا.
2 - مشروعية التفتيش في الشريعة الإسلامية:
حرمت الشريعة الإسلامية دخول المساكن، أو حتى النظر إليها من غير إذن ساكنيها وذلك من أجل حماية المساكن وحفظ كرامة الأشخاص، وصيانة للأعراض والأموال، وقد وردت نصوص شرعية كثيرة في ذلك، ومنها قوله تعالى: { )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ النور 27-28 ].
__________
(1) - أنظر كتاب العين، والقاموس المعتمد مادة (فتش).(1/274)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: { من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم ففقأوا عينه فلا دية ولا قصاص } رواه مسلم(1). وبناء على هذا الأصل العظيم في الشريعة الإسلامية فإنه لا يجوز لآحاد الناس دخول المساكن بغير إذن أهلها، ولا يجوز لهم تفتيشها، ولا تفتيش الأشخاص لأي سبب من الأسباب، لكن للسلطة العامة عند الضرورة ومقتضى المصلحة العامة دخول المنازل وتفتيشها، وتفتيش الأشخاص، بشرط أن يأذن ولي الأمر، أو من يفوضه ؛ وقد وردت بعض الأحاديث، والآثار وأقوال العلماء الدالة على مشروعية التفتيش للمصلحة العامة ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين: { أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة, فقتل مقاتلتهم, وسبى ذراريهم فكان يُكشف(2) عن مؤتزر المراهقين , فمن أنبت منهم قتل, ومن لم ينبت جعل في الذراري } .وما رواه الطبراني من حديث أسلم الأنصاري قال: ( جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على أسارى قريظة فكنت أنظر في فرج الغلام, فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه,وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين )(3). ضعفه الحافظ ابن حجر(4). وما ورد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، أنه قال للظعينة التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فأنكرته: ( لتخرجن الكتاب أو لأجردنك ) فلما رأت الجد أخرجته من عقاصها(5). قال ابن القيم رحمه الله: ( وعلى هذا: إذا ادعى الخصم الفلس, وأنه لا شيء معه, فقال المدعي للحاكم: المال معه وسأل تفتيشه وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك, ليصل
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 2158 ).
(2) - قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/94: ينبغي أن يُقرأ قوله: يكشف بالضم على البناء لما لم يسم فاعله، لأن سعدا مات عقب الحكم ولم يتول تفتيشهم، ويؤيد ذلك حديث أسلم الأنصاري.
(3) - المعجم الصغير 1/122، والكبير 19/436
(4) - تلخيص الحبير 3/42
(5) - حديث الظعينة في صحيح البخاري برقم (3007،3983، 4274، 4890، 6259، 6939) ومسلم برقم (2494).(1/275)
صاحب الحق إلى حقه؛ وقد كان الأسرى من قريظة يدعون عدم البلوغ فكان الصحابة يكشفون عن مآزرهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمون بذلك البالغ من غيره)(1).
وقال الحطاب: ( حكى ابن سهل أنه شاهد الفتوى بطليطلة إذا ادعى الطالب تفتيش مسكن المطلوب عند ادعائه العدم ، فالحق أن يفتش مسكنه فما ألفى فيه من متاع الرجل بيع عليه وأنصف الطالب منه وأنه أنكر ذلك على أكثرهم فلم يرجعوا عنه ؛ وأنه سأل عن ذلك ابن عات فأنكره وأنكر أيضا ابن مالك وقال: أرأيت إن كان الذي يلفى ببيته ودائع قال: وأعلمت ابن القطان بعمل أهل طليطلة فلم ينكره وأنا أراه حسنا فيمن ظاهره الإلداد والمطل )(2).
3 - أنواع التفتيش:
التفتيش له أنواع متعددة منها (3):
* أولا: التفتيش الوقائي:
وهو إجراء لا يتعلق بالتحقيق، وإنما هو إجراء المقصود منه تجريد الشخص مما يحمله من أسلحة وأدوات قد يستخدمها في الاعتداء على نفسه أو على غيره.
* ثانيا: التفتيش الإداري:
وهذا النوع من التفتيش ليس له علاقة بجريمة أو بأدلة معينة وإنما هو تفتيش تقتضيه الظروف مثل تفتيش المساجين قبل دخولهم مقر السجن، أو تفتيش مأمور الجمارك لأمتعة المسافرين أو القادمين داخل الدوائر الجمركية، ومثل تفتيش العاملين في المصانع والشركات عند الدخول والانصراف، فإذا أسفر عن ضبط أشياء تعد حيازتها جريمة، أو تكون جريمة تهريب، أو تكشف الحقيقة في جريمة وقعت، نشأت بذلك حالة تلبس بالجريمة، وكان التفتيش والضبط بشأنها صحيحا.
* ثالثا: التفتيش بحكم الضرورة:
وهذا النوع من التفتيش تفرضه الضرورة للقيام به، كما في الحالات التالية:
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة ( 9 ).
(2) - التاج والإكليل لمختصر خليل 5/615
(3) - النقيب / علي العجرفي- إجراءات جمع الأدلة، صفحة 70 - 73 ( بتصرف )(1/276)
1 - قيام رجل الإسعاف بالبحث في ملابس المصاب أو المغمى عليه للتعرف على شخصيته، وحفظ متعلقاته الشخصية، أو الأشياء ذات القيمة قبل نقله إلى المستشفى.
2 - إذا تطلب الأمر تفتيش سيارة ذات لون وأوصاف معينة، واتضح أن من بين السيارات التي ينطبق عليها الأمر بالتفتيش، سيارة بحوزة قائدها مواد ممنوعة مثل المخدرات، أو أسلحة غير مرخصة ففي هذه الحالة التفتيش صحيح، والأدلة حتمية على صاحب السيارة حتى لو لم يكن له علاقة بالجريمة المعمم عنها، والتي هي موضوع التفتيش.
* رابعا: التفتيش الجنائي:
وهذا التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق، الذي يتم بناء على جريمة قد وقعت بالفعل ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه، نصت على ذلك المادة ( 80 ) من نظام الإجراءات الجزائية بالنص التالي: ( تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة.وللمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة، وفي جميع الأحوال يجب أن يعد محضرا عن واقعة التفتيش يتضمن الأسباب التي بني عليها ونتائجه، مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام ).
والهدف من هذا النوع من التفتيش جملة أمور منها:
1 - ضبط الآثار المتخلفة عن ارتكاب الجريمة، مثل الملابس الملوثة بالدماء.
2 - ضبط الأشياء المستخدمة في الجريمة، كالأسلحة، والعصي، والطلقات، ونحو ذلك.
3 - البحث عن المسروقات، أو الأشياء الممنوعة.(1/277)
4 - البحث عن الأدلة المادية التي يستند عليها في توجيه الاتهام، كضبط النقود المسلمة قيمةً لمخدر في جيب المتهم، أو في منزله، أو في سيارته.
4 - ضوابط التفتيش الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
التفتيش الجنائي إما أن يكون على الأشخاص أو على المنازل وبيان ذلك كما ورد في نظام الإجراءات الجزائية على النحو التالي :
* أولا - تفتيش الأشخاص:
وهو إما أن يكون على الشخص المتهم أو على غير المتهم.
ونظام الإجراءات بعد أن بيَّن في المادتين (2، 40) حرمة الأشخاص، وعدم جواز القبض عليهم أو تفتيشهم إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما بيَّن الأحوال التي يجوز لرجل الضبط الجنائي فيها تفتيش الأشخاص هي:
أ- تفتيش المتهم:
1 - يجوز لرجل الضبط الجنائي في الأحوال التي يجوز فيها القبض نظاماً على المتهم أن يفتشه ويشمل التفتيش جسده وملابسه أمتعته. وإذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش من قبل أنثى يندبها رجل الضبط الجنائي.( م/42 )
2 - إذا قامت أثناء تفتيش منزل متهم قرائن ضده، أو ضد أي شخص موجود فيه على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الحقيقة جاز لرجل الضبط الجنائي أن يفتشه. ( م/44 )
ومن ذلك يتبين أن لرجل الضبط الجنائي تفتيش المتهم بشرطين :
الأول : أن يجوز القبض عليه نظاما، وتعليل ذلك أنه إذا جاز القبض على الشخص جاز تفتيشه من باب أولى.
الثاني: أن تقوم قرائن أثناء تفتيش منزل المتهم أنه يخفي معه أشياء تفيد في كشف الحقيقة.
ب - تفتيش غير المتهم :
يجوز لرجل الضبط الجنائي تفتيش الشخص غير المتهم بشرطين:
الأول: أن تقوم قرائن أثناء تفتيش منزل المتهم أن هذا الشخص يخفي معه أشياء تفيد في كشف الحقيقة. ( م/44 )
الثاني: أن يتضح من أمارات قوية أن هذا التفتيش سيفيد في التحقيق. (م/54 )(1/278)
أما المحقق فله تفتيش المتهم وغير المتهم إذا اتضح من أمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة، ويراعى في التفتيش حكم المادة الثانية والأربعين. (م/81 )
* ثانيا - تفتيش المساكن :
وهذا التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق، الذي يتم بناء على جريمة قد وقعت بالفعل ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، وقد وضع نظام الإجراءات الجزائية لتفتيش المساكن ضوابط منها:
1 - تشمل حرمة المسكن كل مكان مسور أو محاط بأي حاجز، أو معد لاستعماله مأوى. ( م/40 )
2 - تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة. ( م/80 )
3 - للمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة، وفي جميع الأحوال يجب أن يعد محضرا عن واقعة التفتيش يتضمن الأسباب التي بني عليها ونتائجه، مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام. ( م/80 )
4 - يجب أن يكون التفتيش نهاراً من بعد شروق الشمس وقبل غروبها في حدود السلطة التي يخولها النظام، ولا يجوز دخول المساكن ليلاً إلا في حال التلبس بالجريمة. ( م/51 )
5 - يجب على المحقق وعلى كل من وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة أن يحافظ على سريتها وألا ينتفع بها بأي طريقة كانت أو يفضي بها إلى غيره، إلا في الأحوال التي يقضي النظام بها، فإذا أفضى بها دون مسوغ نظامي أو انتفع بها بأي طريقة كانت تعينت مساءلته. ( م/60 )(1/279)
6 - يتم تفتيش المسكن بحضور صاحبه أو من ينيبه أو أحد أفراد أسرته البالغين المقيمين معه، وإذا تعذر حضور أحد هؤلاء وجب أن يكون التفتيش بحضور عمدة الحي أو من في حكمه أو شاهدين، ويمكن صاحب المسكن أو من ينوب عنه من الاطلاع على إذن التفتيش ويثبت ذلك في المحضر. (م/46)
7 - لا يجوز لرجل الضبط الجنائي الدخول في أي محل مسكون أو تفتيشه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً ، بأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام. (م/41 )
8 - في ماعدا المساكن يكتفى في التفتيش بإذن مسبب من المحقق. ( م/41)
9 - إذا رفض صاحب المسكن أو شاغله تمكين رجل الضبط الجنائي من الدخول أو قاوم دخوله، جاز له أن يتخذ الوسائل اللازمة المشروعة لدخول المسكن بحسب ما تقتضيه الحال. ويجوز دخول المسكن في حالة طلب المساعدة من الداخل، أو حدوث هدم أو غرق أو حريق أو نحو ذلك، أو دخول معتد أثناء مطاردته للقبض عليه. ( م/41 )
10 - إذا لم يكن في المسكن المراد تفتيشه إلا المتهمة وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة. ( م/52 )
11 - لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها، أو التحقيق بشأنها ومع ذلك إذا ظهر عرضاً في أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة، أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى، وجب على رجل الضبط الجنائي ضبطها وإثباتها في محضر التفتيش. (م/45)
12 - قبل مغادرة مكان التفتيش توضع الأشياء والأوراق المضبوطة في حرز مغلق، وتربط كلما أمكن ذلك، ويختم عليها، ويكتب على شريط داخل الختم تاريخ المحضر المحرر بضبطها، ويشار إلى الموضوع الذي حصل الضبط من اجله. (م/49).
13 - إذا وجد رجل الضبط الجنائي في منزل المتهم أوراقا مختومة أو مغلقة بأي طريقة فلا يجوز له أن يفضها، وعليه إثبات ذلك في محضر التفتيش وعرضها على المحقق المختص. ( م/48 )
14 - يجب أن يتضمن محضر التفتيش ما يأتي:(1/280)
(1) اسم من قام بإجراء التفتيش ووظيفته وتاريخ التفتيش وساعته.
(2) نص الإذن الصادر بإجراء التفتيش، أو بيان الضرورة الملحة التي اقتضت التفتيش بغير إذن.
(3) أسماء الأشخاص الذين حضروا التفتيش وتوقيعاتهم على المحضر.
(4) وصف الأشياء التي ضبطت وصفاً دقيقاً.
(5) إثبات جميع الإجراءات التي اتخذت أثناء التفتيش، والإجراءات المتخذة بالنسبة للأشياء المضبوطة. ( م/47)
***(1/281)
117 -تقادم
1 - التعريف:
التقادم لغة: من قَدُمَ يقدم قدوماً وتَقَادَماً، قال الجوهري: قَدُمَ الشيء بالضم قِدَمًا فهو قَدِيمٌ، وتَقَادَمَ مثله. وقال ابن فارس: القاف والدال والميم أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على سَبْق ورَعْف، ثم يفرَّع منه ما يقاربُه: يقولون: القِدَم خلاف الحُدوث، ويقال: شيءٌ قديم، إذا كان زمانُه سالفًا(1).
وفي الاصطلاح: هو مرور الزمن الذي لا تسمع الدعوى بعده(2).
وفي القانون: التقادم مدة محددة تسقط بانقضائها المطالبة بالحق أو بتنفيذ الحكم(3).
2 - مشروعية التقادم ومدته:
لم يرد في الشريعة الإسلامية نص صريح على تحديد مدة معينة للتقادم، بل الأمر متروك لولي الأمر حسب ما يراه باجتهاده مناسباً لأحوال الناس، وما يصدره ولي الأمر بهذا الشأن يكون ملزماً ما لم يحرِّم حلالاً أو يحلُّ حراماً.
وقد ورد في شرح مجلة الأحكام العدلية بعض الجوانب المتعلقة بمرور الزمن في الدعاوى الحقوقية بالنص التالي: ( مرور الزمن في الدعاوى الحقوقية نوعان:
النوع الأول - اجتهادي ومدته ست وثلاثون سنة وهو:
(1) دعوى المتولي والمرتزقة في أصل الوقف.
(2) دعوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في العقارات الموقوفة.
(3) الدعاوى المتعلقة بأصل النقود الموقوفة.
(4) العقار الراجع من الطريق إذا كان موقوفا.
(5) العقار الذي يرجع من طريق العقارات المملوكة.
(6) دعاوى رقبة الأراضي الأميرية التي يقيمها مأمور الأراضي. (تاريخ الإرادة السنية 21 محرم سنة 1300 ).
النوع الثاني- المعين من طرف السلطان وهو خمس عشرة سنة بعضا وذلك في:
(1) دعاوى الدين ، الوديعة ، العارية ، العقار، الملك ، الميراث ، القصاص ، دعوى التولية والغلة في العقارات الموقوفة والمقاطعة والمشروط التصرف فيها بالإجارتين.
__________
(1) - الصحاح، ومعجم مقاييس اللغة مادة ( قدم ).
(2) - الموسوعة الفقهية الميسرة 1/551
(3) - المعجم الوسيط، مادة (تقادم )(1/282)
(2) الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في العقار الملك. مثلا إذا كانت الطريق الراجعة من العقارات الموقوفة ملكا وبعضا عشر سنوات وذلك في دعاوى التصرف في الأراضي الأميرية والطريق الخاص والمسيل وحق الشرب وبعضا سنتان: وهي الأراضي الخالية والمحلولة التي فوضت من طرف الدولة للمهاجرين وزرعت من قبلهم وأنشئ عليها أبنية فلا تسمع الدعوى فيها بعد مرور سنتين، وبعض أشهر. والفرق بين مرور الزمن هو أنه في الأولى لا تسمع الدعوى مطلقا وفي الثانية تسمع بأمر سلطاني )(1).
3 - محل التقادم وأثره:
التقادم يسري على حقوق العباد، وعلى حقوق الله تعالى، فأما حقوق العباد فإنها لا تسقط بالتقادم بل تسمع الدعوى فيها متى ما تقدم صاحب الحق بالمطالبة بحقه، وأما الحقوق الخالصة لله تعالى كالحدود، فإن أقر بها الشخص بطوعه واختياره فلا أثر للتقادم فيها، وإن كانت أثيرت بناء على شهادة الشهود فهذا محل خلاف بين الفقهاء، كما سيأتي.
4 - تقادم الشهادة في الحدود:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الشهادة على الحدود تقبل ولو بعد مضي زمان طويل من الواقعة لعموم آية الشهادة في الزنى، ولأنه حق لم يثبت ما يبطله، ولأن الشهادة إنما صارت حجة باعتبار وصف الصدق، وتقادم العهد لا يخل بالصدق فلا يخرج من أن يكون حجة كالإقرار وحقوق العباد.
جاء في مطالب أولي النهى : ( وتقبل الشهادة بحد قديم، على الصحيح من المذهب ; لأنها شهادة بحق ; فجازت مع تقادم الزمان كالشهادة بالقصاص، ولأنه قد يعرض للشاهد ما يمنع الشهادة حينها ، ويتمكن منها بعد ذلك)(2).
__________
(1) - شرح مجلة الأحكام العدلية 4/321
(2) - مطالب أولي النهى 6/594(1/283)
ويرى الحنفية: أن التقادم في الحدود الخالصة لله تعالى يمنع قبول الشهادة إلا إذا كان التأخير لعذر كبعد المسافة أو مرض ونحو ذلك، وأما حد القذف فالتقادم فيه لا يمنع قبول الشهادة، لأن فيه حق العبد لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا تقبل دعواه، ولا يصح رجوع المقر عن إقراره فيه, ولأن الدعوى فيه شرط, فلا يتهم الشهود في ذلك(1). واختلفوا في مدة التقادم المسقطة للحد، فنقل ابن الهمام عن أبي حنيفة أنه قال: لو سأل القاضي الشهود متى زنى بها فقالوا منذ أقل من شهر أقيم الحد، وإن قالوا شهر أو أكثر درئ عنه(2).
5 - تقادم الإقرار في الحدود:
اتفق الفقهاء على أن التقادم في الإقرار لا أثر له بالنسبة للحدود ما عدا حد الشرب عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الإنسان غير متهم في حق نفسه، وعلى هذا فيقبل الإقرار بالزنى ولو بعد مدة(3).
6 - التقادم في نظام الإجراءات الجزائية:
بيَّن نظام الإجراءات الجزائية في المادتين ( 22، 23 ) الأسباب التي تنقضي بها الدعوى الجزائية العامة أو الخاصة ولم يذكر التقادم من بين تلك الأسباب المنهية للدعوى بنوعيها.
***
__________
(1) - أنظر: رد المحتار على الدر المختار 4/31
(2) - فتح القدير 5/282.
(3) - الموسوعة الفقهية 13/125(1/284)
118 -تقرير
1 - التعريف:
التقرير في اللغة: التثبيت, قال الجوهري: وتقرِيرُ الإنسان بالشيء: حَمْلُهُ على الإقرارِ به، وتَقْرِير الشيء: جعله في قَرَارِهِ. وقَرَّرْتُ عنده الخبرَ حتَّى اسْتَقَرَّ. وفلانٌ ما يَتَقَارُّ في مكانه، أي ما يَسْتَقِرُّ (1).
وعند الفقهاء: يأتي التقرير بمعانيه اللغوية لكنه يختلف بحسب متعلقه.
وفي المصطلح النظامي: هو ما يُكتب أو يُلقى لتبيين تفاصيل حدث أو حالة أو مهمة معينة(2).
2 - أنواع التقارير:
أولا: التقارير الطبية: ( أنظر مصطلح: طب )
ثانيا: تقارير الحوادث الجنائية:
وهي كل تقرير يتعلق بحادث جنائي، كالتقارير المعدة من قبل جهات القبض، أو جهات التحقيق، ونحوها. وقد نصت المادة ( 108) من نظام مديرية الأمن العام على وجوب كتابة تقرير مفصل في نهاية التحقيق يبين فيه المحقق ما انتهى إليه التحقيق.
وسبق ذكر الجوانب المتعلقة بضوابط كتابة قرار الاتهام في مادة: ( اتهام )
***
__________
(1) - الصحاح مادة ( قرر).
(2) - معجم الرائد في اللغة مادة ( قرر)(1/285)
119 -تكفير:
1 - التعريف:
التكفير: مصدر كفَّر تكفيراً ، والكُفْرُ: نقيض الإِيمان. وأَكْفَرْتُ الرجلَ: دعوته كافراً. يقال: لا تُكْفِرْ أَحداً من أَهل قبلتك أَي لا تَنْسُبْهم إِلى الكفر أَي لا تَدْعُهم كفاراً ولا تجعلهم كفاراً بقولك وزعمك. وكَفَّرَ الرجلَ: نسبه إِلى الكفر(1).
وفي الاصطلاح: هو نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر(2).
2 - حكم تكفير المسلم:
التكفير أمر خطير ومزلة قدم ، فليس لأحد أن يكفر أحداً إلا بأمر موجب للتكفير مما دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وقد عدَّ ابن حجر الهيتمي تكفير المسلم من الكبائر فقال: ( الكبيرة الثانية والثالثة والخمسون بعد الثلاثمائة : قول إنسان لمسلم : يا كافر أو يا عدو الله حيث لم يكفره به بأن لم يرد به تسمية الإسلام كفرا وإنما أراد مجرد السب ) أخرج الشيخان في جملة حديث : { ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه } أي رجع عليه ما قاله. وفي رواية لهما : { من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله } (3).
__________
(1) - أنظر : لسان العرب مادة ( كفر ).
(2) - الموسوعة الكويتية 13/228
(3) - الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/205(1/286)
والأصل بقاء المسلم على إسلامه حتّى يقوم الدّليل على خلاف ذلك ، لما ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: { من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته } .رواه البخاري(1). ويجب قبل تكفير أيّ مسلم النّظر والتّفحّص فيما صدر منه من قول أو فعل ، فليس كلّ قول أو فعل فاسد يعتبر مكفّرا. ويجب كذلك على النّاس اجتناب هذا الأمر والفرار منه لما يترتب عليه من خطر عظيم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : { إذا قال الرّجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما ، فإن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه } . متفق عليه(2). وعن أبي ذرّ - رضي الله عنه - أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : { من دعا رجلاً بالكفر ، أو قال : عدوّ اللّه ، وليس كذلك إلا حار عليه } (3). وبالرغم من ذلك فقد تساهل بعض الناس اليوم فأصبحوا يُكَفِّرون بأدنى الأمور، والله المستعان.
3 - متى ظهر التكفير؟:
__________
(1) - الحديث رقم ( 384 )
(2) - رواه البخاري الحديث رقم ( 5753 ) ومسلم الحديث رقم ( 60 ).
(3) - رواه مسلم الحديث رقم ( 61 )(1/287)
ظهر التكفير مع ظهور الخوارج في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقد وصفوه - عليهم لعنة الله - بالكفر ، واستباحوا قتاله ، واستحلوا دمه ، وذلك بعد قصة التحكيم. قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - ( وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه هم من الذنوب واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك فكانوا كما نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم { يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان } وكفَّروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ومن والاهما وقتلوا علي بن أبي طالب مستحلين لقتله ، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي منهم، وكان هو وغيره من الخوارج مجتهدين في العبادة ، لكن كانوا جهالاً فارقوا السنة والجماعة فقال هؤلاء: ما الناس إلا مؤمن أو كافر ، والمؤمن من فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات ؛ فمن لم يكن كذلك فهو كافر مخلد في النار . ثم جعلوا كل من خالف قولهم كذلك ، فقالوا إن عثمان وعلياً ونحوهما حكموا بغير ما انزل الله ، وظلموا فصاروا كفاراً )(1).
__________
(1) - الفتاوى 7/481- 482(1/288)
وقال ابن كثير رحمه الله : ( لما بعث علي أبا موسى ومن معه من الجيش إلى دومة الجندل اشتد أمر الخوارج وبالغوا في النكير على عليّ وصرحوا بكفره ، فجاء إليه رجلان منهم، وهما زرعة بن البرج الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي فقالا: لا حكم إلا لله، فقال علي: لا حكم إلا لله، فقال له حرقوص: تب من خطيئتك واذهب بنا إلى عدونا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فأبيتم، وقد كتبنا بيننا وبين القوم عهوداً وقد قال الله تعالى: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ } [النحل: 91]. فقال له حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، فقال علي: ما هو بذنب ولكنه عجز من الرأي ، وقد تقدمت إليكم فيما كان منه، ونهيتكم عنه، فقال له زرعة بن البرج: أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنك أطلب بذلك رحمة الله ورضوانه، فقال علي: تباً لك ما أشقاك كأني بك قتيلاً تسفي عليك الريح، فقال: وددت أن قد كان ذلك، فقال له علي: إنك لو كنت محقاً كان في الموت تعزية عن الدنيا، ولكن الشيطان قد استهواكم )(1).
وما أشبه اليوم بالأمس فقد ظهرت فلول الخوارج في هذا الزمان ، وكفروا ولاة الأمر، والعلماء ، ورجال الأمن ، وكل من خالفهم ، واستباحوا دماءهم وأموالهم، وساروا على نهج أسلافهم السابقين حذو القذة بالقذة.
4 - أصول الخوارج الأولين ومنهجهم وسماتهم العامة(2) :
إن الدارس لحال الخوارج الأولين يخلص في تقرير منهجهم وأصولهم وسماتهم العامة إلى الأصول والسمات التالية:
1 - التكفير بالمعاصي (الكبائر) وإلحاق أهلها (المسلمين) بالكفار في الأحكام والدار والمعاملة والقتال.
3 - الخروج على أئمة المسلمين اعتقاداً وعملاً- غالباً- أو أحدهما أحياناً.
__________
(1) - البداية والنهاية 8/187 طبعة مكتبة المعارف بيروت/ لبنان
(2) - د/ناصر العقل - دراسات في الأهواء والفرق والبدع 2/28-29(1/289)
3 - الخروج على جماعة المسلمين ومعاملتهم معاملة الكفار في الدار والأحكام، والبراء منهم وامتحانهم، واستحلال دمائهم.
4 - صرف نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى منازعة الأئمة والخروج عليهم، وقتال المخالفين.
5 - كثرة القراء الجهلة فيهم والأعراب، وأغلبهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام).
6 - ظهور سيما الصالحين عليهم، وكثرة العبادة كالصلاة والصيام، وأثر السجود، وتشمير الثياب، مسهمة وجوههم من السهر ويكثر فيهم الورع - على غير فقه - والصدق والزهد، مع التشدد والتنطع في الدين كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحقرون صلاتكم عند صلاتهم...).
7 - ضعف الفقه في الدين وقلة الحصيلة من العلم الشرعي، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ).
8 - ليس فيهم من الصحابة ولا الأئمة والعلماء وأهل الفقه في الدين أحد، كما قال ابن عباس: ( وليس فيكم منهم أحد ) يعني الصحابة.
9 - الغرور والتعالي على العلماء، حتى زعموا أنهم أعلم من علي وابن عباس وسائر الصحابة، والتفوا على الأحداث الصغار والجهلة قليلي العلم من رؤوسهم.
10 - الخلل في منهج الاستدلال ؛حيث أخذوا بآيات الوعيد وتركوا آيات الوعد ، واستدلوا بالآيات الواردة في الكفار وجعلوها في المخالفين لهم من المسلمين ، كما قال فيهم ابن عمر رضي الله عنهما: (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين).
11 - الجهل بالسنة واقتصارهم على الاستدلال بالقرآن غالباً.
12 - سرعة التقلب واختلاف الرأي وتغييره ( عواطف بلا علم ولا فقه ) ، لذلك يكثر تنازعهم وافتراقهم في ما بينهم ، وإذا اختلفوا تفاصلوا وتقاتلوا.
13 - التعجل في إطلاق الأحكام والمواقف من المخالفين ( سرعة إطلاق الحكم على المخالف بلا تثبت ).
14 - الحكم على القلوب واتهامها، ومنه الحكم باللوازم والظنون.(1/290)
15 - القوة والخشونة والجلد والجفاء والغلظة في الأحكام والتعامل وفي القتال والجدال.
16 - قصر النظر وضيق العَطَن وقلة الصبر ، واستعجال النتائج.
17 - يقتلون أهل الإسلام ويخاصمونهم ، ويَدَعُون أهل الأوثان كما جاء وصفهم في الحديث.
5 - التحذير من فتنة التكفير:
التكفير في هذا الزمان فتنة أبتلي بها بعض شباب المسلمين ومن ليس عندهم فقه في الدين ، فأخذ بعضهم يكفر بعضاً ، وما علم هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه). متفق عليه(1).
وذكر ابن عبد البر - رحمه الله - عن أبي سفيان قال: قلت لجابر أكنتم تقولون لأحد من أهل القبلة كافر ؟ قال: لا ، قلت: فمشرك؟ قال : معاذ الله وفزع (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : (اعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل الأسماء والأحكام التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة ، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا، فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين ، وحرم الجنة على الكافرين ، وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان)(3).
وقال الشوكاني - رحمه الله - : ( اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار )(4).
__________
(1) - رواه البخاري ( 5753) ومسلم ( 60 ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2) - التمهيد ج 17 ص 21
(3) - الفتاوى 12/468
(4) - السيل الجرار 4/578(1/291)
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: (وبالجملة فيجب على من نصح نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله ، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله ، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله من أعظم أمور الدين ؛ وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة ، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره ، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم..) (1).
__________
(1) - الدرر السنية 8/217(1/292)
6 - تكفير المطلق وتكفير المعين: (1) يفرِّق أهل السنة بين تكفير المطلق وتكفير المعيّن ، ففي الأول يطلق القول بتكفير صاحبه - الذي تلبس بالكفر - فيقال : من قال كذا ، أو فعل كذا ، فهو كافر ، ولكن الشخص المعيّن الذي قاله أو فعله لا يحكم بكفره بإطلاق ، بل لا بد من اجتماع الشروط وانتفاء الموانع ، فعندئذ تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. يقول ابن تيمية : ( وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط ، حتى تقام عليه الحجة ، وتبين له المحجة ، ومن ثبت إسلامه بيقين ، لم يزل ذلك عنه بالشك ، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة). ويقول أيضاً : (إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعيّن ، إلا إذا وجدت الشروط ، وانتفت الموانع ، يعين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه. ويسوق ابن تيمية بعضاً من الأعذار الواردة على المعين فيقول: (الأقوال التي يكفر قائلها ، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ، ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ ؛ فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، هذا الذي عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماهير أئمة الإسلام). ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : (ومسألة تكفير المعيّن مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون القول به كفراً ، فيقال : من قال بهذا القول فهو كافر ، لكن الشخص المعيّن إذا قال ذلك لا يحكم بكفره ، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها). وإذا ظهر لنا الفرق
__________
(1) - من مقال للشيخ/عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف، بعنوان (مسائل في التكفير) نشرته مجلة البيان في العدد (56) ربيع الآخر 1413هـ.(1/293)
بين التكفير المطلق ، وتكفير المعيّن ، فسندرك خطأ فريقين من الناس ، فهناك فريق قد غلا وتجاوز فادعى تكفير المعيّن بإطلاق ، دون الالتفات إلى مدى توافر الشروط وانتفاء الموانع عن ذلك المعيّن ، وفي المقابل نرى فريقاً من الناس قد امتنع عن تكفير المعين بإطلاق ، وأوصد باب الارتداد.
7 - عقوبة من كفر مسلماً:
إطلاق الحكم بالتكفير على من لا يستحقه أمر عظيم ومزلة قدم خطيرة كما أسلفنا ، وكفى بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن كان كما قال وإلا عادت عليه) زاجراً ورادعاً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولما كان التكفير من الأمور الخطيرة فقد اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على تعزير من رمى مسلماً بالكفر ونحوه , قال: ابن قدامة (لا أعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم). فمن نسب أحداً إلى الكفر , أو قذفه بوصف يتضمن معنى الكفر , كيا يهودي , ويا نصراني , ويا مجوسي عزر ؛ لما رواه الترمذي وغيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا قال الرجل للرجل يا يهودي فاضربوه عشرين...). قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن إسماعيل يضعف في الحديث والعمل على هذا عند أصحابنا(1).
__________
(1) - سنن الترمذي 4/62 ، الحديث رقم ( 1462 ) ، ورواه البيهقي في سننه 8/252 الحديث رقم ( 16925 ) ، والدار قطني في سننه 3/126 الحديث رقم ( 142 ) ، والطبراني في الكبير 11/229 الحديث رقم ( 11580 )(1/294)
وقال ابن الهمام - رحمه الله - : (ويعزر في قوله نحو يا كافر ويا خبيث أقل جلدات التعزير(1) , ولكن في فتاوى قاضي خان أن أسباب التعزير إن كان من جنس ما يجب به حد القذف يبلغ أقصى التعزير , وإن كان من جنس ما لا يجب به حد القذف لا يجب أقصاه فيكون مفوضا إلى رأي الإمام)(2).
وقال البابرتي - رحمه الله - : (ومن قذف عبدا أو أمة أو أم ولد أو كافرا بالزنا عزر ، لأنه جناية قذف , وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان فوجب التعزير ، وكذا إذا قذف مسلما بغير الزنا فقال يا فاسق أو يا كافر أو يا خبيث أو يا سارق ، لأنه آذاه وألحق الشين به , ولا مدخل للقياس في الحدود فوجب التعزير)(3).
وقال الدسوقي - رحمه الله - : (... كذا يؤدب في نحو يا شارب الخمر أو يا كافر أو يا يهودي)(4).
وقال ابن قدامة - رحمه الله - (وكذلك لو قال : يا كافر , يا فاسق , يا سارق , يا منافق , يا فاجر , يا خبيث , يا أعور , يا أقطع , يا أعمى ابن الزمن الأعمى الأعرج. فلا حد في ذلك كله ; لأنه قذف بما لا يوجب الحد , فلم يوجب الحد , كما لو قال يا كاذب. يا نمام. ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. ولكنه يعزر ; لسب الناس وأذاهم , فأشبه ما لو قذف من لا يوجب قذفه الحد )(5).
وقال ابن مفلح رحمه الله: ( ويعزر في يا كافر, يا فاجر, يا حمار, يا تيس, يا ثور، يا رافضي , يا خبيث البطن أو الفرج , يا عدو الله , يا ظالم , يا كذاب , يا خائن , يا شارب الخمر , يا مخنث , نص على ذلك )(6).
__________
(1) - التعزير بالجلد عند الحنفية أقله ثلاث جلدات وأعلاه تسع وثلاثين جلدة ، وقال أبو يوسف أعلاه خمس وسبعين سوطاً.
(2) - فتح القدير 5/350
(3) - العناية شرح الهداية 5/348
(4) - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/330
(5) - المغني 12/390
(6) - الفروع 6/94(1/295)
وقال ابن حزم: (وكثير من المعاصي ليس فيها في الدنيا حد, كالغصب، ومن قال لآخر: يا كافر، وكأكل لحم الخنزير, وعقوق الوالدين, وغير ذلك)(1).
قلت : وفي هذا الزمان تهاون بعض الناس في الحكم على غيرهم بالتكفير وأصبحوا يكفرون غيرهم لمجرد مخالفتهم ، أو لمجرد نص تأولوه تأويلاً خاطئاً ، فكفَّروا المسلمين ، واستباحوا دماءهم ، وممتلكاتهم ، وترجموا ذلك إلى واقع عملي، فهذه الأعمال الإرهابية التي تحدث من بعض المنحرفين ما هي إلا نتيجة لهذا الفكر التكفيري المنحرف ؛ وعلى هذا فإنه يجب على ولاة الأمر والقضاة تشديد العقوبة على هؤلاء المكفرين بما يقطع شرهم عن المسلمين ، وقد ثبت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سجن ضابئ بن الحارث حتى مات في السجن. قال ابن مفلح: (من عرف بأذى الناس وأموالهم فإن لم ينزجر حبس وأطعم من بيت المال حتى يموت وكذا من ابتدع ببدعة وحمل الناس عليها حبس حتى يكف المسلمين عن بدعته نص عليه )(2).
***
__________
(1) - المحلى 12/21
(2) - المبدع 9/144(1/296)
120 -تلبس
1 - التعريف:
التلبس في اللغة: الاختلاط والتعلق، جاء في لسان العرب: تَلَبَّسَ بالأَمر وبالثَّوْب. ولابَسْتُ الأَمرَ: خالَطْتُه. وقال ابن فارس: اللام والباء والسين أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على مخالَطَة ومداخَلة. من ذلك لَبِسْتُ الثَّوبَ ألْبَسُه، وهو الأصل، ومنه تتفرَّع الفروع(1).
وفي اصطلاح الفقهاء لا يخرج التلبس عن معناه اللغوي.
وفي المصطلح الجنائي التلبس هو: الجرم الذي يحدث في حضور رجل الضبط الجنائي أو إذا حضر رجل الضبط الجنائي إلى مكان حدوثه وتكون آثاره ونتائجه مما يحمل رجل الضبط الجنائي على الاعتقاد بقرب وقوعه أو لا يزال الجاني مطاردا بصياح الناس أو يوجد الجاني بعد برهة يسيرة ومعه أسلحة أو أشياء أو عليه آثار يستدل منها على أنه فاعل الجريمة أو مساهم في فعلها(2).
2 - حالات التلبس:
تنحصر صور التلبس في أربع حالات هي:
الحالة الأولى: مشاهدة الجريمة حال ارتكابها، وهذه أظهر حالات التلبس، وهي التي تمثل الوضع الطبيعي والأصل لحالة التلبس، ويطلق عليها البعض التلبس الحقيقي، وتعني أن الركن المادي للجريمة قد وقع تحت أنظار رجال الضبط الجنائي، ولا يشترط لذلك أن يشاهد رجل الضبط ببصره، بل يكفي أن يدرك وقوع الجريمة بإحدى حواسه الأخرى، كشم رائحة المسكر تتصاعد من فم المتهم، أو من سيارته، أو من مسكنه، أو يسمع أصوات الأعيرة النارية في جريمة القتل.
الحالة الثانية: مشاهدة الجريمة بعد ارتكابها بوقت يسير، وتتحقق مشاهدة الجريمة في هذه الحالة من خلال آثارها ومن الأدلة المترتبة عليها، والتي تفصح في حد ذاتها على أن الجريمة ارتكبت منذ وقت يسير، ويتحقق ذلك إما برؤية النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي، أو رؤية جسم الجريمة كرؤية المجني عليه ينزف دما، على إثر الاعتداء عليه، أو ضبط مخدر في الطريق.
__________
(1) - لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة مادة ( لبس ).
(2) - أنظر المادة ( 30 ) من نظام الإجراءات الجزائية.(1/297)
الحالة الثالثة: تتبع الجاني إثر وقوع الجريمة والقبض عليه. وتتحقق هذه الحالة بتتبع الجاني وملاحظته مع صراخ الناس عقب ارتكابها بوقت قصير. فإذا ثبت أن الجريمة قد ارتكبت في اليوم السابق فلما شاهد المجني عليه الجاني تتبعه بالصياح والصراخ في الطريق العام وأبلغ رجل الضبط بالإمساك به فلا تتوفر هنا حالة التلبس.
الحالة الرابعة: مشاهدة الجاني بعد وقوع الجريمة بوقت قريب حاملا أدلة الجريمة تنصرف هذه الحالة إلى مشاهدة مرتكب الجريمة بعد وقوعها بوقت يسير حاملا أسلحة أو أمتعة أو أية أشياء يستدل منها أنه فاعل الجريمة أو مساهم فيها أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك.
وتشترك هذه الحالة مع الحالة الثانية ولكنها تتميز عنها في مشاهدة الجاني نفسه حاملا لأدلة الجريمة التي تفيد مساهمته في ارتكابها كرؤية الجاني يخرج مسرعا من مكان الحادث وبيده مسدس مما يفيد التلبس فعلا بالقتل أو الشروع فيه أو إذا وجدت به آثار أو علامات تفيد ذلك.
3 - شروط صحة التلبس:
يشترط لصحة التلبس شرطان أساسيان هما:
1 - أن تتم مشاهدة التلبس من قبل رجل الضبط الجنائي.
فيجب أن يكون رجل الضبط قد شاهد الجريمة بنفسه وهي في حالة من حالات التلبس التي ذكرناها وذلك إما بمشاهدة الركن المادي للجريمة وقت مباشرته أو رؤية ما يكشف عن وقوعها منذ زمن يسير وذلك حرصا على حماية الحريات الشخصية للأفراد وحفظا لحقوقهم.
2 - أن تتم مشاهدة التلبس بطريقة مشروعة.
لا يكفي لترتب الآثار النوعية على التلبس مجرد توافر إحدى الحالات السابق ذكرها وإنما يتعين أن يتم ذلك وفقا لأعمال مطابقة للشرع والنظام.(1/298)
فلا يقوم التلبس نظاما إذا كشفت عنه إجراءات غير صحيحة، كاقتحام أبواب المساكن ، أو النظر من خلال ثقوب أبوابها، لأن الله سبحانه قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } [ النور 2] وقال تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا } [الحجرات آية 12] وكذلك لا يقوم التلبس إذا كان وليد غش أو خداع أو إكراه ، كتحريض المتهمين، على فعل شيء يتولد عنه جريمة، أو استدراجهم لذلك.
4 - حالات التلبس وسلطة رجل الضبط فيها الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
بين نظام الإجراءات الجزائية في المواد (30 إلى 32) حالات التلبس وسلطة رجال الضبط في حالة التلبس وذلك في على النحو التالي :
أ - الجريمة المتلبس بها:
1- تكون الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها أو عقب ارتكابها بوقت قريب.
2 - وتعد الجريمة متلبساً بها إذا تبع المجني عليه شخصاً، أو تبعته العامة مع الصياح اثر وقوعها، أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات، أو أسلحة، أو أمتعة، أو أدوات، أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها، أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك.( م/30)
ب - واجبات رجال الضبط في حالة التلبس:
1 - يجب على رجل الضبط الجنائي في حالة التلبس بالجريمة أن ينتقل فوراً إلى مكان وقوعها ويعاين آثارها المادية ويحافظ عليها.(م/3)
2 - يثبت حالة الأماكن والأشخاص، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، وإن يسمع أقوال من كان حاضراً، أو من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة ومرتكبها. ويجب عليه أن يبلغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً بانتقاله.(م/31)
3 - منع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه، حتى يتم تحرير المحضر اللازم بذلك.(م/32)
4 - وله أن يستدعي في الحال من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة. (م/32)(1/299)
5 - إذا خالف أحد الحاضرين الأمر الصادر إليه من رجل الضبط الجنائي أو امتنع أحد ممن دعاهم عن الحضور، يثبت ذلك في المحضر، ويحال المخالف إلى المحكمة المختصة لتقرير ما تراه بشأنه..(م/32)
ج - سلطة رجل الضبط الجنائي في حالة التلبس:
1 - لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بالجريمة القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، على أن يحرر محضراً بذلك، وإن يبادر بإبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً.
2 - وفي جميع الأحوال لا يجوز إبقاء المقبوض عليه موقوفاً لأكثر من أربع وعشرين ساعة إلا بأمر كتابي من المحقق.
3 - إذا لم يكن المتهم حاضراً فيجب على رجل الضبط الجنائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره، وإن يبين ذلك في المحضر. ( م/33 )
***(1/300)
121 -تمييز
1 - التعريف:
التمييز في اللغة من ميَّز، ومعناه العزل والفرز، قال الجوهري: مِزْتُ الشيء أَمِيزُهُ مَيْزًا، عزلته وفَرزته، وكذلك مَيَّزتُهُ تَمْييزًا ؛ فانْمَازَ، وامْتَازَ، وتَمَيَّزَ، واسْتَمازَ ، كلُّه بمعنى(1).
وعرفه الراغب الأصفهاني: بأنه الفصل بين المتشابهات، ثم قال: والتمييز يقال تارة للفصل، وتارة للقوة التي في الدماغ، وبها تستنبط المعاني، ومنه يقال: فلان لا تمييز له(2).
والمراد بالتمييز هنا: هو تدقيق الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم المختصة، ومراجعتها وتدقيقها من قبل محاكم الأعلى.
2 - تمييز الأحكام في الفقه الإسلامي:
قال ابن فرحون عن تدقيق الأحكام: ( ونظره في أحكام غيره يختلف, فأما العالم العدل فلا يتعرض لأحكامه بوجه إلا على وجه التجويز لها إن عرض فيها عارض بوجه خصومة فأما على وجه الكشف لها والتعقب فلا, وإن سأله الخصم ذلك إلا أن يظهر له خطأ, وهذا فيما جهل حاله من أحكامه هل وافق الحق أو خالفه ؟ فهذا الوجه هو الذي نفى عنه الكشف والتعقب, فإن ظهر له خطأ بين لم يختلف فيه وثبت ذلك عنده فيرده ويفسخه عن المحكوم به عليه, وقد يذكر القاضي في حكمه الوجه الذي بنى عليه حكمه , فيوجد مخالفا لنص أو إجماع فيوجب فسخه, وكذلك إذا قامت بينة على أنها علمت قصده إلى الحكم بغير ما وقع, وإن هذا الحكم وقع منه سهوا أو غلطا فينقضه من بعده كما ينقضه هو. وأما القاضي العدل الجاهل فإن أقضيته تكشف فما كان منها صوابا أمضي وما كان منها خطأ بينا لم يختلف في رده ؛ قال اللخمي: وأرى أن يرد من أحكامه ما كان مختلفا فيه;لأن ذلك كان منه حدسا وتخمينا, والقضاء بمثل ذلك كله باطل)(3).
3 - محكمة التمييز: ( أنظر : مادة قضاء )
__________
(1) - الصحاح مادة ( ميز )
(2) - مفردات القران صفحة ( 783 )
(3) - تبصرة الحكام 1/82، وأورد الطرابلسي في كتابه معين الحكام صفحة (30) كلاما قريبا مما ذكره ابن فرحون.(1/301)
4 - من له حق طلب التمييز :
نصت المادة ( 193 ) من نظام الإجراءات الجزائية على أنه يحق لأي من أطراف القضية سواء كان المتهم أوالمدعي العام أوالمدعي الخاص طلب تمييز الحكم ، هذا فيما يتعلق بالقضايا الجنائية ؛ أما القضايا الحقوقية فقد نصت المادة ( 174 ) من نظام المرافعات الشرعية أنه لايجوز الاعتراض على الحكم إلا من المحكوم عليه.
5 - ضوابط التمييز الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
1 - يحق للمتهم وللمدعي العام والمدعي بالحق الخاص طلب تمييز كل حكم صادر في جريمة بالإدانة، أو بعدمها، أو بعدم الاختصاص. وعلى المحكمة إعلامهم بهذا الحق حال النطق بالحكم. ( م/193 )
2 - مدة الاعتراض بطلب التمييز ثلاثون يوماً من تاريخ تسلم صورة الحكم. وتحدد المحكمة بعد النطق بالحكم موعداً أقصاه عشرة أيام لتسلم صورة الحكم، مع إثبات ذلك في ضبط القضية وأخذ توقيع طالب التمييز على ذلك وفي حالة عدم حضوره لتسلم صورة الحكم تودع في ملف الدعوى في التاريخ نفسه، مع إثبات ذلك في ضبط القضية بأمر من القاضي ويعد الإيداع بداية لميعاد الثلاثين يوماً المقررة لطلب تمييز الحكم. وعلى الجهة المسؤولة عن السجين إحضاره لتسلم صورة الحكم خلال المدة المحددة لتسلمها، وكذلك إحضاره لتقديم اعتراضه في المدة المحددة لتقديم الاعتراض. ( م/194 ).
3 - إذا لم يقدم طالب التمييز لائحة الاعتراض خلال المدة المنصوص عليها في المادة الرابعة والتسعين بعد المائة ترفع المحكمة الحكم إلى محكمة التمييز خلال خمسة وأربعين يوماً من تاريخ النطق بالحكم. وإذا كان الحكم صادراً بالقتل أو الرجم أو القطع أو القصاص فيما دون النفس فيجب تمييزه ولو لم يطلب أحد الخصوم تمييزه، وعلى المحكمة أن ترفعه إلى محكمة التمييز خلال المدة المذكورة آنفاً. ( م/195 )(1/302)
4 - تقدم اللائحة الاعتراضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم مشتملة على بيان الحكم المعترض عليه وتاريخه والأسباب التي بني عليها وطلبات المعترض والأسباب التي تؤيد اعتراضه. ( م/196 ).
5 - ينظر من أصدر الحكم المعترض عليه اللائحة الاعتراضية من ناحية الوجوه التي بني عليها الاعتراض من غير مرافعة ما لم يظهر مقتضى لها. فان ظهر له ما يقتضي تعديل الحكم عدله، وإلا أيد حكمه ورفعه مع كل الأوراق إلى محكمة التمييز، أما إذا عدله فيبلغ الحكم المعدل إلى المعترض وإلى باقي الخصوم وتسري عليه في هذه الحالة الإجراءات المعتادة. ( م/197).
6 - تنظر محكمة التمييز الشروط الشكلية في الاعتراض وما إذا كان صادراً ممن له حق طلب التمييز ثم تقرر قبول الاعتراض أو رفضه شكلاً فإذا كان الاعتراض مرفوضاً من حيث الشكل فتصدر قراراً مستقلاً بذلك. ( م/198 ).
7 - تفصل محكمة التمييز في موضوع الاعتراض استناداً إلى ما يوجد في الملف من الأوراق ولا يحضر الخصوم أمامها ما لم تقرر ذلك. ( م/199).
8 - لمحكمة التمييز أن تأذن للخصوم بتقديم بينات جديدة لتأييد أسباب اعتراضهم ولها أن تتخذ كل إجراء يعينها على الفصل في الموضوع. (م/200).
9 - ينقض الحكم إن خالف نصاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع.(م/201)
10 - ينقض الحكم إن خالف الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى وتعين محكمة التمييز المحكمة المختصة وتحيل الدعوى إليها. ( م/202).
11 - إذا قبلت محكمة التمييز اعتراض المحكوم عليه شكلا وموضوعاً فعليها أن تحيل الحكم إلى المحكمة التي أصدرته مشفوعا برأيها لإعادة النظر على أساس الملحوظات التي استندت إليها محكمة التمييز في قرارها، فإذا اقتنعت المحكمة بهذه الملحوظات فعليها تعديل الحكم على أساسها، فان لم تقتنع وبقيت على حكمها السابق فعليه إجابة محكمة التمييز على تلك الملحوظات. ( م/203).(1/303)
12 - على محكمة التمييز إبداء أي ملحوظة تراها على الأحكام المرفوعة إليها، سواء أكانت باعتراض أم بدون اعتراض وذلك وفقاً لما ورد في المادة الثالثة بعد المائتين. ( م/204 ).
13 - إذا اقتنعت محكمة التمييز بإجابة المحكمة على ملحوظاتها فعليها أن تصدق على الحكم. فإذا لم تقتنع فعليها أن تنقض الحكم المعترض عليه كله، أو بعضه بحسب الأحوال مع ذكر المستند، ثم تحيل الدعوى إلى غير من نظرها للحكم فيها وفقاً للوجه الشرعي. ويجوز لمحكمة التمييز إذا كان موضوع الحكم المعترض عليه بحالته صالحاً للحكم واستدعت ظروف الدعوى سرعة الإجراء أن تحكم في الموضوع. وفي جميع الأحوال التي تحكم فيها محكمة التمييز يجب أن تصدر حكمها بحضور الخصوم، ويكون حكمها نهائياً، ما لم يكن الحكم بالقتل أو الرجم أو القطع أو القصاص فيما دون النفس فيلزم رفعه إلى مجلس القضاء الأعلى. ( م/205 ).
***(1/304)
122 -تنفيذ
1 - التعريف:
التنفيذ في اللغة: له معان منها الجواز والمضي، جاء في لسان العرب: نَفَذَ السَّهْمُ الرَّمِيَّةَ ونَفَذَ فيها يَنْفُذُها نَفْذاً ونَفَاذاً: خالط جوفها ثم خرج طرَفُه من الشق الآخر وسائره فيه. يقال: نَفَذَ السهمُ من الرمية يَنْفُذُ نَفَاذاً ونَفَذَ الكتابُ إِلى فلان نَفَاذاً ونُفُوذاً، وأَنْفَذْتُه أَنا، والتَّنْفِيذُ مثله. وجاء في القاموس: أنْفَذَ الأَمْرَ: قَضاهُ، وأنفذ القَوْمَ: صارَ منهم، أو خَرَقَهُم، ومَشَى في وسَطِهِم(1).
وفي الاصطلاح: التنفيذ هو: إيقاع مقتضى الحكم الصادر من الجهة القضائية المختصة على المحكوم عليه.
2 - الفرق بين النفاذ والتنفيذ:
النفاذ هو: صحة العقد أو الحكم وترتب آثاره الخاصة منه, كوجوب إقامة الحد على المحكوم عليه, وانتقال ملكية المبيع إلى المشتري, والثمن إلى البائع.
أما التنفيذ فهو: العمل بمقتضى العقد أو الحكم وإمضاؤه بتنفيذ عقوبة الحد على المحكوم عليه, وتسليم المبيع للمشتري, والثمن للبائع من العاقد طوعا أو بإلزام من الحاكم.
3 - من يملك التنفيذ:
يختلف من له سلطة التنفيذ باختلاف الحق المراد تنفيذه، فإن كان الحق المنفذ عقوبة كالحدود, والتعازير والقصاص, فلا يجوز تنفيذه إلا بإذن من الإمام أو نائبه باتفاق الفقهاء؛ لأن ذلك يفتقر إلى الاجتهاد, والحيطة, ولا يؤمن فيه الحيف والخطأ, فوجب تفويضه إلى الإمام ; ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود، وكذا خلفاؤه(2).
4 - كيفية تنفيذ عقوبات الحدود والقصاص :
عقوبة الحدود المقررة شرعاً إما أن تكون بالجلد ، أو القطع ، أو القتل ، بحسب نوع الحد ، وقد بينا كيفية تنفيذ كل عقوبة متقررة عند ذكر الحد الموجب ، فتراجع في مصطلحاتها.
***
__________
(1) - لسان العرب، والقاموس المحيط، مادة ( نفذ ).
(2) - الموسوعة الفقهية 14/72(1/305)
123 -تهمة ( أنظر مصطلح: متهم )
124 -تواطؤ
1 - التعريف:
التواطؤ في اللغة: مصدر تواطأ, وأصل فعله الثلاثي: وطئ ومعناه في اللغة: التوافق, جاء في لسان العرب: واطأَه على الأَمر مُواطأَةً: وافَقَه. وتَواطَأْنا عليه وتَوَطَّأْنا: تَوافَقْنا. وفلان يُواطِىءُ اسمُه اسْمِي. وتَواطَؤُوا عليه: تَوافَقُوا(1). ومنه حديث ليلة القدر: { أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر } (2). أي توافقت.
وفي اصطلاح الفقهاء لا يخرج معنى التواطؤ عن التوافق(3).
2 - حكم التواطؤ:
يختلف حكم التواطؤ باختلاف ما تووطئ عليه , فإن كان الأمر الذي تم التواطؤ والاتفاق عليه مباحا فالتواطؤ مباح وإن كان ما تم التواطؤ عليه محرما فالتواطؤ محرم.
3 - التواطؤ في الجنايات:
إذا تواطأ جماعة على قتل شخص معصوم الدم عمدا عدوانا, فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجمع يقتلون بالفرد الذي تم التواطؤ على قتله, واستدلوا بأدلة: منها, ما روى البيهقي عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا(4).
وعن علي أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا, وعن ابن عباس أنه قتل جماعة بواحد, ولم ينكر عليهم ذلك مع شهرته فصار إجماعا سكوتيا.
وكذلك الحال إذا اشترك الجماعة في جرح أو جناية على طرف موجبين للقصاص وجب القصاص على جميعهم ; لما روي أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في الأول فرد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما(5).
__________
(1) - لسان العرب مادة (وطأ).
(2) - رواه البخاري برقم ( 1105 ) ومسلم برقم ( 1165 )
(3) - أنظر : طلبة الطلبة مادة ( وط ط )
(4) - سنن البيهقي الكبرى 8/41 الحديث رقم ( 15753 )
(5) - سنن البيهقي 10/251 الحديث رقم ( 20981 )(1/306)
ولأنه أحد نوعي القصاص فتؤخذ الجماعة بالواحد كالأنفس.
***(1/307)
125 -توسط
1 - التعريف:
التَّوسُّط في اللغة: الاعتدال بين أمرين، قال الجوهري: والتوسُّط بين الناس، من الوَسَاطَةِ(1). وفي القاموس المحيط: ووَسَّطَهُ تَوْسِيطاً: قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ، أو جعَلَهُ في الوَسَطِ، وتَوَسَّطَ بينَهُمْ: عَمِلَ الوَساطَةَ، وأخَذَ الوَسَطَ بين الجَيِّدِ والرَّديء(2).
وفي اصطلاح الفقهاء: التوسط لا يخرج عن كونه الاعتدال بين أمرين.
واتسع مفهوم التوسط حتى أصبح يطلق على أعمال الشفاعة في أمر من الأمور، ويطلق التوسط أيضاً على أعمال السمسرة التي يقوم بها السمسار بين البائع والمشتري.
والسمسرة اصطلاحا: هي التوسط بين البائع والمشتري.
والسمسار هو : الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا لإمضاء البيع , وهو المسمى الدلال , لأنه يدل المشتري على السلع , ويدل البائع على الأثمان(3).
2 - الأحكام المتعلقة بالتوسط:
التوسط الذي هو بمعنى الاعتدال بين الأمور بحيث لا إفراط ولا تفريط أمر مطلوب ومحمود ، وقد امتدح الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } { البقرة الآية 143 } . قال القرطبي رحمه الله: (المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطا ، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم ؛ والوسط العدل وأصل، هذا أن أحمد الأشياء أوسطها)(4).
وسنبين ما يتعلق بالتوسط الذي هو بمعنى الشفاعة في مصطلح: شفاعة.
وأما التوسط الذي هو بمعنى السمسرة ، أي التوسط بين البائع والمشتري ، فلا يخلو من أمرين ، أحدهما: أن يكون في أمر مباح، والأخر : أن يكون في أمر محرم.
__________
(1) - الصحاح، مادة ( وسط ).
(2) - القاموس المحيط، مادة ( وسط ).
(3) - أنظر: رد المحتار على الدر المختار 5/136
(4) - أحكام القرآن 2/158(1/308)
أولا : التوسط في الأمور المباحة: أمر جائز شرعاً، سواء كان ذلك بالتوسط في بيعها أو شرائها، وهو من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله تعالى به فقال : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } { المائدة الآية 2 } وقد أخرج الطبراني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة يخطوها سبعين حسنة )(1).
ثانيا - التوسط في الأمور المحرمة:سواء في بيعها، أو تداولها، أو استعمالها، فعل محرم لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله - سبحانه وتعالى - عن ذلك بقوله: { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } { المائدة الآية 2 } . والمتوسط في الأمور المحرمة بالبيع أو الشراء، مشمول بلعن النبي صلى الله عليه وسلم، الوارد في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثم لعنت الخمرة على عشرة وجوه، لعنت الخمر بعينها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها) رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم(2).
3 - عقوبة التوسط في الأمور المحرمة:
من يقوم بالتوسط في الأمور المحرمة، كبيع المسكرات، والمخدرات، والتوسط في الدعارة بالجرارة أو القوادة، ونحو ذلك، يعاقب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
__________
(1) - رواه الطبراني في الأوسط 3/344 الحديث رقم ( 3352 ).
(2) - الحديث في المسند برقم ( 4787 ) وسنن أبي داود برقم ( 3674 ) وسنن ابن ماجة برقم ( 3380 ).(1/309)
وقد جاء في الفقرة ( ثالثا ) من قرار مجلس الوزراء رقم 11 في 1/2/1374هـ أن كل شخص من غير الصيادلة والمرخص لهم بالاتجار بالجواهر المخدرة تثبت حيازته لشيء من المخدرات أو توسطه في تصريفها بالبيع أو الإرسال أو الإهداء أو النقل من جهة إلى أخرى يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات ويغرم بغرامة مالية قدرها عشرة آلاف ريال عربي سعودي.
***(1/310)
126 -توقيف
1 - التعريف:
التوقيف في اللغة: مصدر وقَّفَ، يقال: وقَّف الرجلُ دابَته جعلها تقف، وتوقف الرجل في مكان كذا مكث فيه، واستوقف الأميرُ فلانا سأله أن يقف(1).
وفي الأنظمة: التوقيف هو: سلب لحرية المتهم قبل الفصل نهائيا في التهمة المسندة إليه للمدة التي تقتضيها مصلحة التحقيق بالتحفظ على المتهم.
ويقابله بهذا المفهوم في الفقه الإسلامي، الحبس استيثاقا بتهمة، الذي يعرفه الفقهاء بأنه : تعويق ذي الريبة عن التصرف بنفسه حتى يبين أمره فيما أدعي عليه من حق الله أو الآدمي المعاقب عليه.
ويقال له أيضا، حبس الاستظهار، ليكشف به ما وراءه(2).
2 - مشروعية التوقيف ( الحبس بتهمة ):
يستدل لمشروعية الحبس في التهمة بقوله تعالى فيمن اتهم بعدم القيام بالحق: { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ } [ المائدة 106 ]، وبحبس النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الغفاريين بتهمة سرقة بعيرين ثم أطلقه. وروي عن علي رضي الله عنه أنه حبس متهمين حتى أقروا.
وذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعية حبس التهمة، واعتبروه من السياسة العادلة إذا تأيدت التهمة بقرينة قوية، أو ظهرت أمارات الريبة على المتهم أو عرف بالفجور، من مثل ما وقع لابن أبي الحقيق حين أخفى كنزا يوم خيبر, وادعى ذهابه بالنفقة ، فحبسه النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه بقوله: { العهد قريب والمال أكثر } (3) فكان ذلك قرينة على كذبه, ثم أمر الزبير أن يمسه بعذاب حتى ظهر الكنز. وفي نحو هذا يقول عمر بن عبد العزيز: المتاع يوجد مع الرجل المتهم فيقول ابتعته, فاشدده في السجن وثاقا ولا تحله حتى يأتيه أمر الله.
وذلك إذا جرت العادة أن لا يتحصل ذلك المتاع لمثل هذا المتهم.
__________
(1) - القاموس المعتمد مادة ( وقف)
(2) - أحكام السجن لأبي غدة ،صفحة (94).
(3) - رواه ابن حبان في صحيحه حديث رقم ( 5199 )، والحاكم في مستدركه حديث رقم ( 1406 ).(1/311)
وإذا قامت القرائن وشواهد الحال على أن المتهم بسرقة - مثلا كثير التطواف والمجيء والذهاب - أو في بدنه آثار ضرب, أو كان معه حين أخذ منقب, قويت التهمة وسجن(1).
3 - الهدف من التوقيف في التهمة:
التوقيف الاحتياطي لا يقصد منه العقوبة وإنما يهدف إلى أمرين، أحدهما بيان حال المتهم وعلاقته بالتهمة المنسوبة إليه، والثاني هو المصلحة العامة بدفع ضرر متوقع إما من الموقوف أو عليه، ويمكن تلخيص الهدف من التوقيف الاحتياطي في النقاط التالية:
1 - عدم هروب المتهم.
2 - إبعاد المتهم عن العبث بأدلة الاتهام.
3 - الحيلولة دون ارتكاب جرائم أخرى.
4 - امتصاص غيظ المجني عليه وذويه.
5 - أرضاء مشاعر الجمهور.
6 - حماية المتهم من إلحاق الضرر بنفسه.
7 - الحماية من الانتقام الجماعي.
8 - الحماية من رد الفعل الثأري من المجني عليه.
9 - ردع المجرمين الآخرين.
4 - أنواع التوقيف:
يطلق الفقهاء على التوقيف لفظ الحبس ويقسمونه إلى ثلاثة أقسام:
1 - الحبس للتهمة: وهو حبس الاستظهار الذي سبق تعريفه.
2 - الحبس للاحتراز: ويقصد به التحفظ للمصلحة العامة على من يتوقع حدوث ضرر بتركه، ولا يستلزم وجود تهمة، ومما ذكره الفقهاء من هذا النوع: حبس العائن الذي يضر الناس بعينه احترازا من أذاه، وحبس نساء البغاة وصبيانهم تحفظا عليهم من المشاركة في البغي، مع أنهم ليسوا من أهل القتال، وكان شريح القاضي يحبس من عليه الحق في المسجد مؤقتا إلى أن يقوم من مجلسه، فإن لم يعط الحق أمر به إلى السجن.
3 - الحبس لتنفيذ عقوبة أخرى: ويقصد به تعويق الشخص عن التصرف بنفسه حتى يتم استيفاء الحق الثابت منه.
فإذا حال دون تنفيذ العقوبة المحكوم بها أمر عارض أرجئ التنفيذ حتى يزول العذر، فإذا خيف هرب المطلوب تنفيذ العقوبة عليه جاز حبسه.
5 - مدة التوقيف :
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 16/292(1/312)
لا حد لأقل مدة الحبس، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم، حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى سبيله(1). أما أكثره فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم حتى ينكشف حال المتهم، وقد نسب ابن تيمية هذا القول إلى مالك وأصحابه، وأحمد ومحققي أصحابه، وأصحاب أبي حنيفة.
ونص المالكية على أنه لا يطال سجن مجهول الحال, والحبس الطويل عندهم ما زاد على سنة. وقال بعض الفقهاء: إن أكثر مدة يحبس فيها المتهم المجهول الحال يوم واحد. وحددها قوم بيومين وثلاثة, وأجاز آخرون بلوغها شهرا.
أما المتهم المعروف بالفجور والفساد فأكثر مدة حبسه بحسب ما يقتضيه ظهور حاله والكشف عنه ولو حبس حتى الموت, وهذا هو الظاهر في مذاهب جمهور الفقهاء(2).
6 - ضوابط التوقيف الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
وردت ضوابط التوقيف في نظام الإجراءات الجزائية على النحو التالي:
1 - لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً. ( م/2 )
2 - لا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة المحددة من السلطة المختصة.( م/2 )
3 - يحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً، أو معنوياً، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المهينة للكرامة.( م/2 )
4 - إذا لم يحضر المتهم - بعد تكليفه بالحضور رسميا - من غير عذر مقبول، أو إذا خيف هروبه، أو كانت الجريمة في حالة تلبس، جاز للمحقق أن يصدر أمرا بالقبض عليه وإحضاره ولو كانت الواقعة مما لا يجوز فيها توقيف المتهم.( م/10)
5 - للمحقق في جميع القضايا أن يقرر - حسب الأحوال - حضور الشخص المطلوب التحقيق معه، أو يصدر أمراً بالقبض عليه إذا كانت ظروف التحقيق تستلزم ذلك. ( م/103 )
__________
(1) - رواه النسائي برقم ( 4876 ).
(2) - أنظر: الموسوعة الفقهية 16/294، أحكام السجن صفحة 104(1/313)
6 - في غير حالات التلبس، لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك، ويجب معاملته بما يحفظ كرامته. ( م/35 )
7 - لا يجوز إيذاؤه جسدياً أو معنويا، ويجب إخباره بأسباب إيقافه، ويكون له الحق في الاتصال بمن يرى إبلاغه. ( م/35 )
8 - لا يجوز تنفيذ أوامر القبض، أو الإحضار، أو التوقيف، بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ صدورها ما لم تجدد. ( م/117 )
9 - لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بالجريمة القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، على أن يحرر محضراً بذلك، وإن يبادر بإبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً. (م/33)
10 - في جميع الأحوال لا يجوز إبقاء المقبوض عليه موقوفاً لأكثر من أربع وعشرين ساعة إلا بأمر كتابي من المحقق. فإذا لم يكن المتهم حاضراً فيجب على رجل الضبط الجنائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره، وإن يبين ذلك في المحضر. ( م/33 )
11 - يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يوقف بأسباب القبض عليه أو توقيفه، ويكون له حق الاتصال بمن يراه لإبلاغه، ويكون ذلك تحت رقابة رجل الضبط الجنائي. ( م/116 )
7 - التوقيف الانفرادي:
أ - مشروعية :
يجوز التوقيف المتهم انفرادياً إذا كان في ذلك مصلحة، وهذا معمول به في الشريعة، فقد روي أن عليا رضي الله عنه، أتي بنفر متهمين بقتل، ففرق بينهم وأمر أن لا يمكن بعضهم من مقابلة بعض، وأخذ يناقش كل واحد منهم بمفرده حتى اعترفوا جميعا.
ب - التوقيف الانفرادي في نظام الإجراءات الجزائية والأنظمة الأخرى:
1 - جاء في المادة ( 119 ) من نظام الإجراءات الجزائية النص التالي :
للمحقق في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين أو الموقوفين، وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على ستين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بوكيله أو محاميه.(1/314)
2 - ونصت المادة ( 126 ) من نظام مديرية الأمن العام على توقيف المتهم انفراديا عند الحاجة.
3 - وقضى الأمر السامي الكريم رقم 20634 وتاريخ 3/9/1402هـ بالتوجيه بحجز المتهم في القضايا الخطيرة انفراديا حيث جاء فيه النص التالي:
( سبق أن بلغناكم بأمرنا رقم 825/8 وتاريخ 15/4/1402هـ بأنه في مثل هذه القضايا يجب أن يسجن كل شخص وحده ولا يقوم بزيارته أحد حتى ينتهي التحقيق معه فاحرصوا على ذلك وعمموه ). وجرى تعميم الأمر السامي المشار إليه بموجب تعميم صاحب السمو الملكي نائب وزير الداخلية رقم 16/2992/2 ش وتاريخ 8-9/10/1402هـ لاعتماد العمل بموجبه.
8 - الاهتمام بقضايا الموقوفين:
يجب على رجل الضبط والمحقق والقاضي وكل من له علاقة بقضايا الموقوفين، أن يعطوا قضايا الموقوفين قدراً كبيراً من الأهمية والعناية، لأن الموقوف ربما أنه لا يستحق التوقيف، أو ربما أنه لبث في السجن أكثر مما يستحق، فالتهاون بقضايا الموقوفين ظلم لهم. وفي ذلك يقول ابن مفلح - رحمه الله - وهو يتحدث عن آداب القضاء: (ويسن أن يبدأ بالمحبوسين, فينفذ ثقة يكتب أسماءهم, ومن حبسهم , وفيم ذلك , ثم ينادي بالبلد أنه ينظر في أمرهم, فإذا حضر فمن حضر له خصم نظر بينهما: فإن حبس لتعدل البينة فإعادته مبني على حبسه في ذلك, ويتوجه إعادته: وفي الرعاية إن كان الأول حكم به مع أنه ذكر أن إطلاق المحبوس حكم, ويتوجه أنه كفعله, وإن مثله تقدير مدة حبسه ونحوه. والمراد إذا لم يأمر ولم يأذن بحبسه وإطلاقه , وإلا فأمره وإذنه حكم يرفع الخلاف. قال المروذي : لما حبس الإمام أحمد رحمه الله قال له السجان: يا أبا عبد الله, الحديث الذي يروى في الظلمة وأعوانهم صحيح ؟ قال: نعم, فقال: فأنا منهم ؟ قال أحمد: أعوانهم من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك , فأما أنت فمن أنفسهم )(1).
__________
(1) - الفروع 6/397(1/315)
وجاء في كشاف القناع: (ويستحب للقاضي أن يبدأ بالمحبوسين، لأن الحبس عذاب وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه فاستحبت البداءة فيهم، فينفذ، أي يبعث ثقة يكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبس في رقعة منفردة لأن ذلك طريق إلى معرفة الحال على ما هي عليه ولئلا يتكرر بكتابته في رقعة واحدة النظر في حال الأول منها فالأول بل يخرج واحداً منها بحسب الاتفاق، كالقرعة، ويأمر منادياً ينادي في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن له خصم منهم فليحضر، لما في ذلك من الإعلام بيوم جلوس القاضي لهم )(1).
و نصت المادة (22) من لائحة أصول الاستيقاف على تشكيل لجنة بكل أمارة منطقة تنظر في تظلمات الموقوفين الذين انقضت محكوميتهم ولم يطلق سراحهم.
***
__________
(1) - كشاف القناع 6/344(1/316)
حرف الثاء
127 -ثأر
1 - التعريف:
الثَّأْرُ في اللغة: الدَّمُ، أوالطَّلَبُ به، وثَأَرَ به: طَلَبَ دَمَهُ كثَأَرَهُ، وقَتَلَ قاتِلَهُ. وأثْأَرَ: أدْرَكَ ثَأْرَهُ. واسْتَثْأَرَ: اسْتَغاثَ لِيُثْأَرَ بِمَقْتولِهِ. والثَّائِرُ: الذي لا يبقي على شيء حتى يُدْرِكَ ثَأْرَهُ. ويقال: ثَأَرْتُ فلاناً واثَّأَرْتُ به إذا طلبت قاتله (1).
قال ابن فارس(2) : الثاء والهمزة والراء أصلٌ واحد، وهو الذَّحْل المطلوب. يقال ثأرتُ فلاناً بفلانٍ إذا قتَلْتَ قاتلَه، قال قيس بنُ الْخَطِيم:
ثأرتُ عَدِيّاً والخَطِيمَ فلم أُضِعْ وصيَّةَ أشياخٍ جُعِلْتُ إزاءَها
وفي الاصطلاح : الثأر هو الطلب بالدم(3).
2 - حكم الأخذ بالثأر :
كانت العرب في جاهليتها تعيب على من يأخذ الدية ويرضى بها من درك ثأره وشفاء غيظه , كقول قائلهم يهجو من أخذ الدية من الإبل :
وإن الذي أصبحتم تحلبونه دمٌ غير أن اللون ليس بأشقرا
وقال جرير يُعيِّر من أخذ الدية فاشترى بها نخلا :
ألا أبلغ بني حجر بن وهب بأن التمر حلو في الشتاء
ولما جاء الإسلام حرم قتل النفس ابتداء بغير حق لحرمة النفس الإنسانية, فقال تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } . [الإسراء 33 ]. وبين النبي صلى الله عليه وسلم الحق الذي يقتل به المسلم فقال: { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس , والثيب الزاني , والمفارق لدينه التارك للجماعة } . رواه البخاري(4).
__________
(1) - أنظر القاموس المحيط، ولسان العرب مادة ( ثأر ).
(2) - معجم مقاييس اللغة مادة ( ثأر ).
(3) - مفردات القرآن صفحة ( 181 )
(4) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 6484 )(1/317)
وأباح الإسلام الأخذ بالثأر على سبيل القصاص بشروطه. قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين , إما أن يودى وإما أن يقاد } رواه البخاري(1) ؛ قال ابن حجر : أي يؤخذ لهم بثأرهم.
وإباحة الإسلام للثأر مقيدة بعدم التعدي على غير القاتل , ولذلك حرم الإسلام ما كان شائعاً في الجاهلية من قتل غير القاتل , ومن الإسراف في القتل, لما في ذلك من الظلم والبغي والعدوان. قال الله تعالى: { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } .[الإسراء 33 ] , قال المفسرون: أي فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به , أو يقتص من غير القاتل ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : { أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرم , ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية , ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه } رواه البخاري(2) , قال ابن حجر: ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية. أي يكون له الحق عند شخص فيطلبه من غيره. واستيفاء القصاص لا بد له من إذن الإمام , فإن استوفاه صاحب الحق بدون إذن الإمام وقع موقعه , وعزر لافتياته على الإمام. ( وللمزيد ينظر مصطلح : قصاص ).
***
__________
(1) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 6486 )
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 6488 )(1/318)
128 -ثبوت
1 - التعريف:
الثبوت في اللغة: مصدر ثبت الشيء يثبت ثباتا وثبوتا إذا دام واستقر فهو ثابت. وثبت الأمر صح، ويتعدى بالهمز والتضعيف، فيقال: أثبته وثبَّته، ورجل ثبت أي متثبت في أموره، ورجل ثبت إذا كان عدلا ضابطا، والجمع أثبات. ويقال: ثبت فلان في المكان إذا أقام به(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: لا يخرج معنى الثبوت عن الدوام والاستقرار والضبط.
( وللمزيد يراجع مصطلح: إثبات )
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( ثبت).(1/319)
129 -ثيب
1 - التعريف:
الثَّيِّبُ لغة: هي المرأة التي تَزَوّجَتْ وفارَقَتْ زَوْجَها بأَيِّ وَجْهٍ كان بَعْدَ أَنْ مَسَّها. وقد يطلق لفظ الثيب على الرجل، قال الأَصمعي: امرأَة ثَيِّبٌ ورجل ثَيِّب إِذا كان قد دُخِلَ به أَو دُخِلَ بها، الذكَرُ والأُنثى، في ذلك، سواء(1).ومنه حديث : { البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } رواه مسلم(2).
والثيب اصطلاحا: من زالت بكارتها بالوطء مطلقاً(3).
2 - الفرق بين الثيوبة والإحصان:
الفرق بينهما هو أن الثيوبة قد تكون بالوطء بالزواج وقد تكون بغيره، أما الإحصان فلا يكن إلا بنكاح صحيح.
3 - زنا الثيب:
إذا حصل الزنا من الثيب، وجب الرجم إذا توفرت شروطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: { البكر بالبكر، جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } . رواه مسلم(4). ( وسيأتي زيادة بيان في مادة : زنا )
***
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( ثيب )
(2) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1690 )
(3) - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 4/362
(4) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1690 ).(1/320)
حرف الجيم
130 -جائفة
1 - التعريف:
الجائفةُ في اللغة: الطعْنةُ التي تبلغ الجوف. وطعْنَةٌ جائفة: تُخَالِط الجوْف، وقيل: هي التي تَنْفُذُه. وجافَه بها وأَجافَه بها: أَصابَ جوفه(1).
وفي الاصطلاح هي: الطعنة التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر، أو حلق أو مثانة أو بين خصيتين ودبر(2).
2 - دية الجائفة:
اتفق الفقهاء على أنه لا قصاص في الجائفة. وإن فيها ثلث الدية سواء أكانت عمداً أم خطأ، لما ورد في حديث عمرو بن حزم في كتابه ، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: { وفي الجائفة ثلث الدية } . وعليه الإجماع ; ولأنه لا تؤمن الزيادة فيها فلم يجب فيها قصاص ولحديث ابن عباس: { لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة } (3).
جاء في كشاف القناع: ( وفي الجائفة ثلث الدية، لقوله صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم: { وفي الجائفة ثلث الدية } (4) ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسواء كانت عمدا أو خطأ(5).
3 - الجائفة النافذة:
الجائفة النافذة هي التي تدخل في الجوف من جهة، وتخرج من جهة أخرى، كاختراق الطلقة للجسم، فهذا النوع عند الفقهاء عن جائفتين.
قال ابن مفلح: ( وفي الجائفة ثلث الدية، وهي ما تصل باطن جوف، كبطن ولو لم يخرق الأمعاء، وظهر وصدر وحلق ومثانة وبين خصيتين ودبر ؛ وإن جرح جانبا فخرج من آخر فثنتان ، نص عليه ، وقيل: واحدة )(6).
***
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( جوف ).
(2) - كشاف القناع 6/56
(3) - رواه النسائي برقم ( 2637 )
(4) - سنن النسائي الحديث رقم ( 4770 ) والدارمي حديث رقم ( 2366 ).
(5) - كشاف القناع 6/56
(6) - الفروع 6/36(1/321)
131 -جاني ( أنظر مصطلح: متهم )
132 -جريمة
1 - التعريف: -
الجريمة لغة: لها عدة معان، منها الذنب والجناية، وجمعها جرائم. قال ابن منظور: الجُرْمُ: التَّعَدِّي. والجُرْمُ: الذنب، والجمع أَجْرامٌ و جُرومٌ، وهو الجَرِيمَةُ، وهو جَرَمَ يَجْرِمُ جَرْماً واجْتَرَمَ وأَجْرَمَ، فهو مُجْرِمٌ و جَرِيمٌ. وفي الحديث: أَعظمُ المسلمين في المسلمين جُرْماً من سأَل عن شيء لم يُجَرَّمْ عليه فَحُرِمَ من أَجل مسأَلته. والجُرْم: الذنب(1).
وفي الاصطلاح عرف الماوردي الجرائم فقال: الجرائم محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير. ثم قال: ولها عند التهمة حال استبراء تقتضيه السياسة الدينية , ولها عند ثبوتها وصحتها حال استيفاء توجبه الأحكام الشرعية(2).
وقي القانون: الجريمة سلوك مخالف لأوامر ونواهي قانون العقوبات شريطة أن ينص هذا القانون صراحة على تجريم ذلك السلوك(3).
2 - أركان الجريمة:
للجريمة ثلاثة أركان لابد من توافرها وهي:-
* الأول: الركن الشرعي:
ويتمثل في الصفة غير المشروعة للفعل، ولا بد فيه من توافر أمرين هما:
أ - خضوع الفعل لنص شرعي يتضمن التجريم أو المعاقبة.
ب - عدم خضوع الفعل لأي سبب من أسباب التبرير، أي الإباحة ؛ لأن وجود أحد أسباب التبرير يلغي مفعول نص التجريم والمعاقبة، وينفي عن الفعل الصفة غير المشروعة، مما يؤدي إلى هدم الركن الشرعي.
* الثاني: الركن المادي:
وهذا الركن هو المظهر الذي تبرز به الجريمة إلى العالم الخارجي، ويتضمن الفعل أو الترك المعاقب عليه، والنتيجة الناشئة عنهما، شريطة أن تقوم بينهما رابطة السببية، وهو يقوم على ثلاثة عناصر:
1 - وقوع الفعل المعاقب عليه، وهو النشاط الإيجابي أو الموقف السلبي الذي ينسب إلى الفاعل.
2 - وقوع الضرر، وهو النتيجة الإجرامية.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( جرم ).
(2) - الحكام السلطانية صفحة 273
(3) - د/ محمد أبو حسان، أحكام الجريمة والعقوبة صفحة (159)(1/322)
3 - قيام الرابطة السببية، التي تربط بين الفعل والنتيجة.
* الثالث: الركن المعنوي:
وهو القصد الجنائي، ويعني الإرادة التي يقترن بها الفعل، سواء اتخذت صورة القصد أو صورة الخطأ، ويتكون هذا الركن من عنصرين هما:
1 - العلم بماهية الفعل والآثار المترتبة عليه، ولا يلزم أن يكون الفاعل عالما بنص التجريم والتكييف الشرعي للفعل، لأن العلم بها مفترض ولا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام.
2 - حرية الإرادة والاختيار، بمعنى أن يكن الفاعل قادرا على توجيه فعله الوجهة التي تتخذها إرادته، وتنتفي حرية الاختيار بوجود الإكراه، والجنون، ونحوهما(1).
3 - أقسام الجرائم في الشريعة :
تنقسم الجرائم في الفقه الإسلامي إلى ثلاثة أقسام: -
* الأول: جرائم القصاص والدية:
وهي خمس جرائم: ( يرجع لتفصيل كل واحدة منها في موضعه )
1 - القتل العمد. 2 - القتل شبه العمد. 3 - القتل الخطأ.
4 - الجناية على ما دون النفس عمداً. 5 - الجناية على مادون النفس خطأ.
* الثاني: جرائم الحدود:
وهي سبع جرائم: ( يرجع لتفصيل كل واحدة منها في موضعه )
1 - الزنا. 2 - شرب المسكر. 3 - السرقة. 4 - الحرابة.
5 - القذف. 6 - الردة. 7 - البغي.
* الثالث:جرائم التعزير:
وهي كل جريمة ليس فيها حد ولا قصاص، وهي غير محددة وقد ترك للحاكم صلاحية تحديدها حسب المصلحة العامة، وقد وضع الفقهاء بعض القيود على هذه الصلاحية ومنها:
(1) أن يكون الباعث حماية المصالح الإسلامية، المقررة الثابتة، لا حماية الأهواء والشهوات.
(2) أن تكون هادفة إلى القضاء على الفساد، وألا يترتب على العقوبة فساد أشد.
(3) أن تكون هناك مناسبة بين الجريمة والعقوبة، وألا يكون في العقوبة إسراف، ولا إهمال. ( عن جرائم التعزير راجع مصطلح: تعزير )
4 - أقسام الجرائم في القانون الوضعي:
تُقسم الجرائم في القوانين الوضعية إلى ثلاثة أقسام هي:
__________
(1) - أحكام الجريمة بتصرف ص 197 - 207(1/323)
1 - الجناية. 2 - الجنحة. 3 - المخالفة.
وتختلف ضوابط هذه الجرائم باختلاف القوانين، وقد بينت المادة (216) من نظام مديرية الأمن العام، هذا التقسيم بالنص التالي: ( مادة الجرائم ثلاثة أنواع:
أ - الجنايات: وهي الجرائم المعاقب عليها بالإعدام والأشغال الشاقة.
ب - الجنح: وهي المعاقب عليها بالحبس الذي تزيد أقصى مدته عن أسبوع.
ج - المخالفات: وهي المعاقب عليها بالحبس الذي لا تزيد مدته عن أسبوع.
5 - مراحل ارتكاب الجريمة:
تمر الجريمة بثلاث مراحل على النحو التالي:
أولا - مرحلة الإعداد والتحضير:
وهي المرحلة التي يفكر الشخص فيها بارتكاب جريمة ما وإعداد العدة اللازمة للتنفيذ كما لو أراد الشخص أن يشرب مسكرا وقام بشرائه لكنه لم يشربه بعد، أو أراد أن يقتل شخصا فاشترى سلاحا أو أداة قتل لكنه لم يباشر القتل بعد، ففي هذه المرحلة لا يعد الفعل جريمة يعاقب عليها في الشريعة الإسلامية، لكن إذا كانت الأشياء التي حازها تعد حيازتها محظورة فإنه يعاقب على الحيازة وليس على ما ينوي فعله.
ثانيا : مرحلة الشروع والبدء بالتنفيذ:
وهذه المرحلة التي يبدأ الشخص فيها بفعل الجريمة التي خطط لها، وبعد الشروع لا يخلو الأمر من حالتين هما:
إحداهما - أن يتم الشخص ما شرع فيه من جريمة فيكون مرتكبا لجريمة تامة يستحق العقاب عليها بحسب نوعها وعقوبتها.
والثانية - أن لا يتم الفعل الذي شرع في تنفيذه، وعدم التمام هنا لا يخلو من أمرين هما:
أ - أن يكون ترك الفعل لأمر خارج عن إرادته، كما لو قبض على السارق وهو يجمع المتاع ولم يخرجها بعد ففي هذه الحالة يعتبر فعله جريمة ناقصة يعزر عليها بما يراه القاضي، لكن لا يقام عليه الحد لعدم تمام الفعل.
ب - أن يكون ترك الفعل بطوعه واختياره، كما لو أراد أن يقتل شخصا وأخذ السلاح وصوبه إليه ثم عدل عن ذلك ولم ينفذه، ففي هذه الحالة لا عقوبة عليه، لعدم وقوع الفعل الموجب.(1/324)
المرحلة الثالثة : مرحلة إتمام الجريمة
وهي المرحلة التي تعقب مرحلتي الإعداد والشروع، بحيث يتم الشخص ما شرع فيه من فعل، وبهذا تكون الجريمة تامة ومرتكبها مستحق للعقاب بحسب نوع الجريمة.
6 - الجريمة المنظمة:
أ - تعريفها:
وردت تعاريف كثيرة للجريمة المنظمة منها تعريف المؤتمر الخامس لمكافحة الجريمة ومعاملة المذنبين المعقود في جنيف عام 1975م ، ونصه : ( أن الجريمة المنظمة تتضمن نشاطا إجراميا معقدا على نطاق واسع، تنفذه مجموعات من الأشخاص على درجة من التنظيم وتهدف على تحقيق ثراء للمشتركين فيها على حساب المجتمع وأفراده، وهي غالبا ما تتم عن طريق الإهمال التام للقانون، وتتضمن جرائم تهدد الأشخاص وتكون مرتبطة في بعض الأحيان بالفساد )(1).
ومنها تعريف اللجنة المشكلة من رجال القضاء والأمن الأمريكي عام 1987م والتي عرفت الجريمة المنظمة بأنها : ( تعبير إجرامي يعمل خارج إطار القانون والضوابط الاجتماعية ويضم بين طياته الآلاف من المجرمين الذين يعملون وفقا لنظام بالغ التعقيد والدقة، يفوق النظم التي تتبعها أكثر المؤسسات تطورا وتقدما، كما يخضع أفرادها لأحكام قانونية سنوها لأنفسهم تفرض أحكاما بالغة القسوة على من يخرج على قاموس الجماعة المنظمة ويلتزمون في أداء أنشطتهم الإجرامية بخطط دقيقة مدروسة ويجنون من ورائها الأرباح الطائلة )(2).
ب - كيفية ارتكاب الجريمة المنظمة:
ترتكب الجريمة المنظمة بواسطة جماعات سرية منظمة تستخدم أشخاصا يتم اختيارهم وانتقاؤهم وفق ضوابط صارمة ومن ثم يتم تدريبهم على طقوس وممارسات تكفل طاعتهم وولاءهم المطلق للعصابة التي ينضوون تحتها.
__________
(1) - د/ عبد الفتاح الصيفي / الجريمة المنظمة التعريف والأنماط والاتجاهات، صفحة ( 24 ).
(2) - أنظر: الجريمة المنظمة وأساليب مكافحتها، صفحة (149 ) ، بحث لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف.(1/325)
وتستخدم الجريمة المنظمة أحدث الوسائل والتقنيات في ممارسة أنشطتها، كما أنها لا تلتزم بالقيم الاجتماعية والضوابط الأخلاقية أو الإنسانية السائدة في المجتمع وتستخدم الجريمة المنظمة الترهيب والترغيب ومختلف وسائل الإفساد في سبيل تحقيق مآربها كما تلجأ لأقصى درجات العنف ضد من يقف في طريقها.
ونتيجة لذلك نجد أن عمليات التحقيق في قضايا الجريمة المنظمة تقابلها صعوبات بالغة تختلف عن تلك التي تقابل السلطات عند البحث والتحري في الجرائم العادية(1).
ج - خطر الجريمة المنظمة:
الجريمة المنظمة كغيرها من الجرائم تشكل خطرا على الفرد والمجتمع بما تسببه من أضرار، ولكن يكمن خطر الجريمة المنظمة في كونها بالغة التعقيد لأنها نتجت عن تخطيط واتفاق بين عناصر شتى يمثلون أفراد ومؤسسات بعضها خارج حدود الدولة، ولهذا يصعب القضاء على عناصرها لأنها لا تنتهي بمجرد ضبط مجموعة منهم بل تستمر قائمة في ظل مجموعات وعناصر أخرى يصعب حصرها، ولذلك يقال إن جرائم القرن القادم هي جرائم الجريمة المنظمة.
7 - الجرائم المستحدثة:
يقصد بالجريمة المستحدثة: الجريمة المخطط لها والتي استفاد المجرمون عند تنفيذها من معطيات العلم الحديث كجرائم الإرهاب والمخدرات وجرائم الحاسب وجرائم التزوير وغيرها(2).
فمع تطور التقنية العلمية في مختلف النواحي وارتباط العالم بعضه ببعض عبر مختلف الوسائل التي جعلت العالم كقرية واحدة يعرف أهلها أحداث الساعة التي تدور فيها استغل بعض محترفي الإجرام هذا التقدم ليظهروا للعالم جرائم لم يكن لها سابق أنموذج، ونذكر من هذه الجرائم على سبيل الاختصار:
1 - جرائم الإنترنت:
__________
(1) - المصدر السابق صفحة ( 185 ).
(2) - أنظر: الظواهر الإجرامية المستحدثة وسبل مواجهتها، صفحة -198-بحث لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف)(1/326)
الإنترنت هي: عدد من أجهزة الحاسب الآلي أو الشبكات المتصلة مع بعضها البعض عن طريق خطوط اتصال سلكية أو لا سلكية حيث يتم تبادل المعلومات بينها وفق صيغة متفق عليها تسمى ( إنترنت بروتوكول) تمكن مستخدميها من الاتصال فيما بينهم(1).
وجرائم الإنترنت هي : تلك التصرفات التي يقوم بها فئة من الناس إما بقصد الربح المادي وإما بصد إلحاق الضرر بالغير.
وكثيرة هي جرائم الإنترنت، ومن أبرزها عمليات النصب والاحتيال التي تحصل في البيع والشراء عبر شبكات الإنترنت، والأضرار المادية التي تلحق بمستخدمي شبكات الإنترنت من الشركات والمؤسسات والأفراد نتيجة تعرض مواقعهم للإصابة بالفيروسات، التي أصبحت ترعب المستخدمين وتسبب لهم حالة من القلق والخوف، وهذه الفيروسات في تزايد مستمر، وقد أُشير في إحدى الإحصائيات إلى ارتفاع عدد الفيروسات في العام 2002م إلى عشرة ملايين فيروس، وبالتالي ارتفع عدد الرسائل البريدية التي تعرضت للإصابة بالفيروسات ليصبح رسالة من بين كل مائتي رسالة، في حين أن العام 2001م، كانت النسبة رسالة واحدة من بين كل أربعمائة رسالة، أي أن النسبة تضاعفت خلال عام(2).
وجملة القول أن جرائم الإنترنت التي ظهرت مع تقدم العالم تكنولوجياً تتمثل في: السرقات، والنصب والاحتيال، ومهاجمة المواقع الشخصية بقصد إلحاق الضرر بأصحابها، ومحاولة نشر الرذيلة والفساد بين الناس من خلال بعض المواقع الإباحية التي تدع إلى فساد العقيدة والأخلاق.
ويكمن خطر جرائم الإنترنت في كونها غير محصورة في إقليم أو جهة معينة، وفي صعوبة التعرف على مرتكبيها وتقديمهم للعدالة.
2 - جرائم الحاسب الآلي:
__________
(1) - علي الشدوخي/ أسهل طريق لتعلم الإنترنت صفحة ( 37 ).
(2) - أنظر الخبر في مجلة العالم الرقمي التي تصدر عن صحيفة الجزيرة ( العدد الرابع صفحة 6 ).(1/327)
تعرف جرائم الحاسب الآلي: بأنها الجريمة التي يتم ارتكابها إذا قام شخص ما باستخدام معرفته بالحاسوب بعمل غير قانوني، ومن أمثلة هذه الجرائم سرقة النقود والسلع والبيانات أو تدميرها واستخدام وقت الحاسوب بشكل غير قانوني أو استخدام الحاسوب لإنجاز أغراض شخصية ليس لها علاقة بالعمل المكلف به الشخص(1).
وجرائم الحاسب الآلي كثيرة وخطيرة بالرغم من حداثة ظهورها، ويكمن خطرها في طابعها الخفي وسرعة انتشار الحاسب الآلي بين مختلف فئات المجتمع ومن هذه الجرائم سرقة البينات المخزنة على الحاسب أو تدميرها، والسرقة عن الطريقة العشوائية لمعرفة أرقام بطاقات الائتمان، وكذلك سرقة البرامج ونسخها وبيعها بطريقة التعدي على حقوق المنتجين.
3 - جرائم الهاتف الجوال:
الهاتف الجوال أصبح اليوم في متناول الجميع حتى طلاب وطالبات المدارس في المراحل الابتدائية والمتوسطة، ونعني بجرائم الهاتف الجوال تلك الجرائم التي يرتكبها الأشخاص ويكون الهاتف الجوال وسيلة فعالة في ارتكابها.
ومن هذه الجرائم : كشف الخطط التي يقوم بها رجال الأمن بوضع كمين للقبض على مجرم مطلوب، فيستغل بعض الأشخاص الذين تربطهم علاقة بالشخص المطارد الهاتف الجوال بالاتصال على هاتفه الجوال ويخبرونه بأماكن وجود نقاط التفتيش وتمركز رجال الأمن.
وظهر حديثا نوع من أجهزة الهاتف الجوال تحمل كمرة تصوير يتم من خلالها التقاط الصور للنساء في الأسواق وفي أماكن الحفلات ويتم تداول هذه الصور بين المراهقين وهواة الفساد.
ومن طرائف الجرائم التي ترتكب عبر الهاتف الجوال أن اثنين من الشعراء كانا يتبادلان قصائد الهجو والشتم عبر رسائل هاتفية نصية وبعد فترة من الزمن التقيا فاشتبكا في مضاربة كاد أحدهما أن يروح ضحيتها.
4 - جرائم تزوير بطاقات الائتمان.
__________
(1) - أنظر: الظواهر الإجرامية المستحدثة وسبل مواجهتها، صفحة ( 216 ) ( بحث لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف برقم 238 ).(1/328)
تنقسم بطاقات الائتمان إلى مجموعتين:
الأولى: بطاقات ائتمان تصدرها مؤسسات ولا تتعامل من خلال البنوك مثل : أمريكان اكسبرس.
الثانية: بطاقات ائتمان تصدرها مؤسسات وتعطي عضويتها إلى بعض البنوك لتتولى إصدار هذه البطاقات مثل : بطاقة الفيزا، والماستر كارد ؛ ونظراً لأن هذا النوع تصدره بنوك تتمتع بالعضوية وفي مختلف أنحاء العالم فإنه النوع الأكثر انتشارا والأكثر عرضة للتلاعب والتزوير، ويضم هذا النوع عدة بطاقات من حيث كيفية التعاملات المالية وتشمل:
أ - بطاقة الاعتماد : وهي التي يصرفها البنك لعملائه من خلال حساب جار لحاملها، ويحصل العميل من خلالها على خدمات عديدة، واستعمالها يتطلب حصول العميل على رقم سري.
ب - بطاقة دفع : تمنح من قبل الشركات المالية للعميل بحد صرف معين، ويقوم العميل باستخدامه في مشترياته ويرسل البنك حدا معينا متفقا عليه للعميل ليقوم بتسديده.
ج - بطاقات الائتمان الدائنة: هي التي يصرفها البنك للعميل من خلال حساب جار، أو بدون حساب جار، وتتقاضى البنوك مقابل ذلك مصاريف إصدار واشتراك سنوي، ومن خلال هذه البطاقة يستطيع العميل القيام بالسحب النقدي والشراء في حدود قيمة يتفق عليها مع البنك، ويلزم العميل بتسديد كامل المديونية خلال شهر ويترتب على التأخير فوائد وغرامات.
د - البطاقة الذكية ( دائنة ومدينة ) : وهي التي تحمل بيانات كافية عن العميل ورقم الحساب والرصيد ويستخدمها العميل في مشترياته التي تخصم قيمتها من حسابه مباشرة دون الرجوع للبنك.(1/329)
ومع انتشار هذه البطاقات وتعدد تنوع استخداماتها ظهرت صور إجرامية لم تكن معروفة من قبل، كاستخدام بطاقات ائتمان مزيفة جزئياً أو كلياً، أو بطاقات صحيحة لكنها مسروقة أو صادرة بطريقة غير مشروعة، يضاف إلى ذلك تواطؤ بعض التجار مع المجرمين في استخدام البطاقات(1).
8 - الجرائم الكبيرة:
عندما نقول جرائم كبيرة وصغيرة ليس استخفافا واستهانة بما يرتكب من بعض الجرائم، لكن المقصود بذلك الجرائم التي تطبق على مرتكبيها بعض الإجراءات المعينة كالتوقيف قبل الإحالة للمحكمة مثلا، وهي المحددة بقرار وزير الداخلية رقم (1245) وتاريخ 23/7/1423هـ(2) على النحو التالي:
1 - جرائم الحدود المعاقب عليها بالقتل أو القطع.
2 - القتل العمد وشبه العمد.
3 - الجناية عمداً على ما دون النفس الناتج عنها زوال عضو أو تعطيل منفعته بصفة دائمة، وتزيد مدة شفاء الجناية على (20) عشرين يوما، ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص.
4 - مقاومة رجال السلطة العامة التي يتسبب المقاوم خلالها بإصابة تزيد مدة شفائها عن عشرة أيام.
5 - الاعتداء عمدا على الأموال والمستهلكات العامة أو الخاصة بالتخريب، أو بالحرق، أو بالهدم، ونحو ذلك، بما يؤدي إلى الإتلاف الكلي أو الجزئي بما يزيد قيمة التالف عن خمسة آلاف ريال، ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص.
6 - القوادة ، أو إعداد أماكن للدعارة.
7 - ترويج المسكرات، أو تهريبها، أو تلقيها، أو تصنيعها، أو حيازتها، وذلك كله بقصد الترويج.
8 - ترويج المخدرات، أو تهريبها، أو تلقيها، أو تصنيعها، أو زراعتها، أو حيازتها، وذلك كله بقصد الترويج.
__________
(1) - أنظر: تزوير البطاقات الائتمانية صفحة (11 وما بعدها) بحث لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف برقم (288).
(2) - هذا القرار ألغى المادة العاشرة من لائحة أصول الاستيقاف والقبض والحجز المؤقت والتوقيف الاحتياطي الصادرة بقرار سمو وزير الداخلية رقم 233 وتاريخ 17/1/1404هـ(1/330)
9 - تهريب، أو تصنيع ، أو حيازة الأسلحة الحربية، أو ذخيرتها ، أو المتفجرات بقصد التخريب.
10 - غسل الأموال.
11 - جرائم تزييف وتقليد النقود الواردة في المادة الثانية من نظام تزوير وتقليد النقود الصادر بالمرسوم الملكي رقم 12 وتاريخ 12/7/1379هـ.
12 - جرائم التزوير الواردة في المادة الأولى من نظام مكافحة التزوير الصادر بالمرسوم الملكي رقم 114 وتاريخ 26/11/1380هـ والمعدل بالمرسوم الملكي رقم 53 وتاريخ 5/11/1382هـ.
13 - جرائم الرشوة الواردة في المادتين الأولى والثانية من نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 29/12/1412هـ.
14 - اختلاس الأموال الحكومية، أو الاختلاس من المؤسسات التي تساهم بها الدولة، أو الشركات / أو البنوك، أو المصارف.
***(1/331)
133 -جلد
1 - التعريف:
الجلد في اللغة: الضرب بالسوط، وجَلَدَهُ يَجْلِدهُ: ضَرَبَهُ بالسَّوْط، وأصابَ جِلْدَه(1).
وفي الاصطلاح: هو الضرب بالسوط ونحوه .
2 - حكم الجلد:
يختلف حكم الجلد باختلاف السبب، فيحرم جلد الإنسان ظلما، أي في غير حق ؛ أما جلد من ارتكب ما يوجب العقاب بالجلد، فواجب على الإمام، إذا ثبت ذلك عنده، كجلد الزاني البكر، والتأديب بالجلد جائز للإمام ونائبه إذا رأى فيه مصلحة.
3 - مشروعية الجلد:
لا خلاف بين الفقهاء في أن الجلد حدا يجب على من ارتكب إحدى جرائم ثلاث وهي: الزنا والقذف وشرب المسكر. وقد ثبت الجلد في الأوليين بالكتاب، والسنة، قال تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [النور 2 ]، وقال عز من قائل: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [ سورة النور الآية 4]
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( جلد )(1/332)
وجاء في الحديث المتفق عليه: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله تعالى: فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه - نعم فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني: أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت } متفق عليه(1). وعن عائشة رضي الله عنها: قالت: لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل، أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم(2).
أما جلد من شرب المسكر فقد ثبت بالسنة: فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر(3).
4 - الجلد في التعزير:
اتفق الفقهاء على أن للإمام، ونائبه التعزير بالجلد إذا رأى في ذلك مصلحة.
__________
(1) - صحيح البخاري حديث رقم ( 2725 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 1698 ).
(2) - الحديث في مسند الإمام أحمد برقم ( 23546 ) وسنن الترمذي رقم ( 3181 ) وسنن ابن ماجة رقم ( 2567 ).
(3) - الحديث في صحيح مسلم برقم ( 1706) ومسند الإمام أحمد برقم ( 12394 ).(1/333)
والتعزير: كل عقوبة ليس لها في الشرع حد مقدر، فيترك للإمام تحديد نوعها وتقدير عددها ؛ فللإمام أن يعزر بالحبس، أو بالجلد أو غيرهما، لخبر، أنه صلى الله عليه وسلم قال في سرقة تمر دون نصاب: { غرم مثله وجلدات نكال } . وقد مضى الكلام عليه مفصلا في مصطلح التعزير.
5 - كيفية تنفيذ الجلد:
اتفق الفقهاء على أنه يجلد الصحيح القوي في الحدود، بسوط معتدل، ليس رطبا، ولا شديد اليبوسة، ولا خفيفا لا يؤلم، ولا غليظا يجرح، ولا يرفع الضارب يده فوق رأسه بحيث يبدو بياض إبطه، ويتقي المقاتل، ويفرق الجلدات على بدن المجلود(1).
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 15/242(1/334)
134 -جناية
1 - التعريف: -
الجناية في اللغة: الذنب والجرم ، وهي مصدر جنى ، جاء في لسان العرب: جَنَى الذنْبَ عليه جِنايةً: جَرَّه ؛ قال أَبو حَيَّةَ النُّميري:
وإن دَماً لو تَعْلَمِينَ جَنَيْتُه على الحَيِّ جانِي مِثْلِه غَيْرُ سالم
ورجل جانٍ من قوم جُنَاة و جُنَّاء. والجِنايَةُ: الذَّنْبُ والجُرْم وما يفعله الإِنسان مما يوجب عليه العقاب أَو القصاص في الدنيا والآخرة(1).
وفي الاصطلاح: الجناية كل فعل محظور يتضمن ضررا على النفس أو غيرها(2).
وفي القانون الوضعي: هي جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة شائنة(3).
2 - أقسام الجناية:
قسم الفقهاء الجناية إلى أقسام ثلاثة:
1 - الجناية على النفس وهي القتل.
2 - الجناية على ما دون النفس، وهي الإصابة التي لا تزهق الروح.
3 - الجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه كالجناية على الجنين. بأن ضرب حاملا فألقت جنينا ميتا، فلا خلاف بين الفقهاء في أنه تجب فيه الغرة وهي نصف عشر الدية.
3 - العقوبة على الجناية:
تختلف العقوبة على الجناية بحسب نوع الجناية، فمنها ما يوجب القصاص، ومنها ما يوجب الدية، ومنها ما يوجب الحد، ومنها ما يوجب التعزير، فضابط العقوبة هو نوع الجناية، وقد بينا عقوبة كل جريمة أو جناية في موادها.
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( جنى ).
(2) - التعريفات صفحة (107).
(3) - معجم المصطلحات القانونية صفحة (130).(1/335)
135 -جنحة
1 - التعريف:
الجنحة في اللغة: من جنح، أي مال، والجناح: الإثم والجرم. قال ابن فارس: الجيم والنون والحاءُ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْلِ والعُدْوان. ويقال جنَح إلى كذا، أي مَالَ إليه، وسمِّي الجَناحانِ جَنَاحَيْنِ لميلهما في الشّقَّين، وَالجُناح: الإثم، سمِّي بذلك لمَيْلِه عن طريق الحقِّ(1).
وفي القانون الوضعي: هي الجريمة التي يعاقب عليها القانون أساسا بالحبس مدة تزيد على أسبوع أو بغرامة. ( راجع مصطلح: جريمة ).
***
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( جنح ).(1/336)
136 -جنزفوري
1 - التعريف: -
الجنزفوري، اسم غير عربي، وهو الاسم المحلي لمادة الماريجوانا المخدرة.
2 - حكم الجنزفوري:
الجنزفوري ( الماريجوانا ) مادة مخدرة يحرم استعمالها وبيعها، واستيرادها ، وزراعتها مهما كانت الأسباب والدواعي.( راجع مصطلح: مخدرات )
3 - عقوبة الجنزفوري:
جاء في قرار مجلس الوزراء رقم 614 وتاريخ 15/7/1387هـ النص التالي: تحظر زراعة الجنزفوري أو تداوله للأخطار التي تنجم من تداوله على المجتمع، ويعلن ذلك في الصحف المحلية.
1 - تطبق المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء رقم 11 في 1/2/1374هـ الخاص بعقوبة المخدرات الخاصة بالمهربين على كل شخص يثبت شرعا زراعته لمادة الجنزفوري وتطبق بقية المواد من القرار في الحالات الأخرى من حيازة، واتجار، ووساطة، واستعمال.
وجاء في قرار وزير المالية رقم 3/1210 وتاريخ 2/6/1414هـ المتضمن تحديد الغرامات المتوجبة في حالة تهريب المواد المخدرة ما يلي:
أولا: تعدل الفقرة الثانية من المادة (252) من اللائحة التنفيذية لنظام الجمارك المعدلة بالقرار الوزاري رقم 31/2275 وتاريخ 30/10/1406هـ لتصبح بالنص الآتي: أما فيما يتعلق بالمخدرات بكافة أنواعها وأشكالها ومسمياتها مثل الحشيش (كانابيس ساتيفا) والأفيون ( بابافيرسو منيفيروم ) والكوكايين (ميثيلستر بنزو ليكوني ) ، والماريجوانا المسماة محليا بالجنزفوري ( كانابيس ساتيفا ) فتكون غرامتها ألف ومائتان وخمسون ريالا عن كل كيلو غرام منها إلى ثلاثة كيلو غرامات وما زاد عن ذلك تكون غرامته سبعمائة وخمسون ريالا عن كل كيلو غرام منها ).
***(1/337)
137 -جنون
1 - التعريف:
الجنون في اللغة: مصدر جُنَّ الرجل بالبناء للمجهول، فهو مجنون: أي زال عقله أو فسد، أو دخلته الجن، وجن الشيء عليه: ستره(1).
وفي الاصطلاح عرفه التفتازاني بأنه: اختلال القوة المميزة بين الأمور الحسنة , والقبيحة المدركة للعواقب بأن لا يظهر آثارها , وبتعطل أفعالها إما لنقصان جبل عليه دماغه في أصل الخلقة , وإما لخروج مزاج الدماغ عن الاعتدال بسبب خلط أو آفة , وإما لاستيلاء الشيطان عليه , وإلقاء الخيالات الفاسدة إليه بحيث يفرح , ويفزع من غير ما يصلح سببا(2).
وفي القانون الوضعي: هو حالة فقدان الإدراك أو الذكاء التي تحول دون قدرة المصاب به على التمييز بين الخير والشر(3).
ويعرف علماء الطب الجنون بأنه: حالة من الاغتراب والانفصال عن الواقع، واضطراب أو انعدام التفاعل مع المجتمع(4).
2 - أثر الجنون في الأهلية:
الجنون من عوارض أهلية الأداء وهو يزيلها من أصلها، فلا تترتب على تصرفات المجنون آثارها الشرعية ; لأن أساس أهلية الأداء في الإنسان التمييز والعقل، والمجنون عديم العقل والتمييز.
ولا يؤثر الجنون في أهلية الوجوب ; لأنها ثابتة لكل إنسان، فكل إنسان أيا كان له أهلية الوجوب; لأن أهليته للوجوب هي حياته الإنسانية.
وما وجب على المجنون بمقتضى أهليته للوجوب من واجبات مالية يؤديها عنه وليه، فإذا جنى على نفس أو مال يؤاخذ ماليا لا بدنيا، ففي القتل يضمن دية القتيل ولا يقتص منه، لقول علي رضي الله عنه: ( عمد الصبي والمجنون خطأ ) وكذلك يضمن ما أتلفه من مال الغير.
3 - أثر الجنون في الجنايات:
__________
(1) - أنظر لسان العرب، والقاموس المحيط مادة ( جنن )
(2) - شرح التلويح على التوضيح 2/231
(3) - معجم المصطلحات القانونية صفحة (131).
(4) - الموسوعة الطبية صفحة (298).(1/338)
تقدم أن الجنون عارض من عوارض الأهلية يطرأ على العقل فيذهب به، ولذلك تسقط فيه المؤاخذة والخطاب لعدم وجود العقل الذي هو وسيلة فهم دليل التكليف، فالجنون سبب من أسباب عدم المؤاخذة بالنسبة لحقوق الله تعالى، فلا حد على المجنون، لأنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات، والإثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى، وأما بالنسبة لحقوق العباد كالضمان ونحوه فلا يسقط ; لأنه ليس تكليفا له، بل هو تكليف للولي بأداء الحق المالي المستحق في مال المجنون، فإذا وقعت منه جرائم، أخذ بها ماليا لا بدنيا، وإذا أتلف مال إنسان وهو مجنون وجب عليه الضمان، وإذا قتل فلا قصاص وتجب دية القتيل، كذلك لا يتم إحصان الرجم والقذف إلا بالعقل، فالمجنون لا يكون محصنا لأنه لا خطاب بدون العقل(1).
قال ابن قدامة: ( والمجنون غير مكلف، ولا يلزمه قضاء ما ترك في حال جنونه، إلا أن يفيق وقت الصلاة، فيصير كالصبي يبلغ. ولا نعلم في ذلك خلافا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { رفع القلم عن ثلاثة ; عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل } . أخرجه أبو داود، وابن ماجة، والترمذي وقال: حديث حسن(2). ولأن مدته تطول غالبا، فوجوب القضاء عليه يشق، فعفي عنه)(3).
4 - إقرار المجنون:
لا يصح إقرار المجنون ، لما جاء في حديث ماعز رضي الله عنه ، حين أقر بالزنا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله صلى الله عليه وسلم: ( أبك جنون ؟ ) ولأن الإقرار يترتب عليه حكم بحسب ما يقر به، والمجنون كما سبق بيانه غير مكلف، لأنه فاقد للأهلية.
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 16/107
(2) - الحديث في سنن أبي داود برقم ( 4398، 4399) وسنن الترمذي برقم (1433) وسنن ابن ماجة برقم (2041).
(3) - المغني 2/50(1/339)
حرف الحاء
138 -حادث
1 - التعريف:
الحادث في اللغة: نقيض القديم ، والحادث الأمر الواقع ، مؤنثه حادثة، وجمعه حادثات، وحوادث(1).
ومعنى الحادث في الاصطلاح هو: كل أمر طارئ لا إرادي يتسبب في ضرر، كحوادث السيارات، والطائرات، والسفن، وغيرها.
2 - الحوادث الجنائية وما يترتب عليها:
الحوادث الجناية عند الفقهاء يراد بها كل فعل محرم حل بنفس أو بمال كالقتل , والغصب , والسرقة , والإتلاف ؛ وغالب الفقهاء خصوا لفظ الجناية بما يقع على النفس أو الأطراف , من قتل أو قطع أو جرح أو إزالة منفعة. وقد اتسع مفهوم الحوادث الجنائية اليوم ليشمل ارتكاب كل فعل محرم شرعاً ، كالقتل، والسرقة ، والزنا، وشرب الخمر ، وتعاطي المخدرات، وإتلاف الأموال ، وتخريب الممتلكات ؛ وغير ذلك من الأفعال التي ينتج عنها إلحاق الضرر بالغير سواء كان الضرر الناتج مادياً أو معنوياً.
3 - العقوبة المترتبة على الحوادث الجنائية:
تختلف العقوبات المترتبة على الحوادث الجنائية باختلاف الجناية نفسها ، فمنها ما يوجب قصاصاً ، ومنها ما يوجب حداً ، أو تعزيراً بدنياً أو مالياً ، وقد بينا العقوبات المترتبة على نوع كل جناية في مواضها.
4 - الحوادث المرورية وما يتعلق بها. ( أنظر مصطلح: مرور)
***
__________
(1) - المعتمد في اللغة، مادة ( حدث ).(1/340)
139 -حبس
1 - التعريف: -
الحبس في اللغة له عدة معان منها: المنع والامساك، وهو ضد التخلية، قال تعالى: { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } [هود الآية 8 ]، ومن معانيه: السجن، يقال: حبس الحاكم المجرم إذا سجنه(1).
وفي الاصطلاح: هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه سواء كان في بيت أو مسجد أو كان بتوكيل نفس الخصم أو وكيل الخصم عليه وملازمته له(2).
2 - مشروعية الحبس:-
الحبس مشروع بالكتاب، والسنة، والإجماع، وتقتضيه المصلحة العامة.
فمن الكتاب قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة 33 ]، ووجه الدلالة أن الآية نصت على أن إحدى عقوبات قطاع الطرق النفي من الأرض وهو نوع من أنواع الحبس، فدل على مشروعية الحبس. وقوله تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [ النساء 15 ]، ووجه الدلالة أن الآية نصت على أن عقوبة المرأة إذا زنت الحبس في البيت - كان هذا في صدر الإسلام - فدل على مشروعية الحبس.
ووردت أحاديث كثيرة من السنة تدل على مشروعية الحبس ومنها: -
__________
(1) - أنظر لسان العرب، القاموس المحيط، مادة ( حبس )
(2) - مجموع الفتاوى 35/398، وأنظر الطرق الحكمية صفحة 89(1/341)
ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال: عندي يا محمد خير، إن تقْتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان بعد الغد، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك، إن تُنعم تنعم على شاكر، وإن تقْتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد، فقال: ما عندك يا ثمامة ؟ فقال: عندي ما قلت لك إن تُنعم تنعم على شاكر، وإن تقْتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة ؛ فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله... الحديث ) متفق عليه(1). وروى أبو داود عن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (حبس رجلا في تهمة )(2).
والدلالة من الحديثين السابقين على مشروعية الحبس واضحة.
وأما الإجماع فمعلوم أن الصحابة سجنوا بعض المتهمين، ومن ذلك سجن عمر بن الخطاب رضي الله عنه للشاعر الحطيئة، لهجائه الزبرقان ، وسجن صبيغا، لسؤاله عن المعضلات في القرآن؛ وسجن عثمان بن عفان رضي الله عنه ضابئ بن الحارث، أحد لصوص بني تميم حتى مات في السجن، وكان فعلهما هذا بعلم من الصحابة فلم ينكر عليهما أحد فكان بمثابة الإجماع.
__________
(1) - رواه البخاري حديث رقم ( 4372 )، ومسلم حديث رقم (4480 )
(2) - الحديث رواه أبو داود برقم ( 3630 ) والترمذي برقم ( 1417 ) والنسائي برقم ( 4793 ).(1/342)
وأما المصلحة العامة فتقتضي حبس المتهمين حتى تنفذ عليهم العقوبات أو تستوفى منهم الحقوق.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى: ( والحاصل أن الحبس وقع في زمن النبوة، وفي أيام الصحابة والتابعين، فمن بعدهم إلى الآن في جميع الأعصار والأمصار من دون إنكار، وفيه من المصالح ما لا يخفى، لو لم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم الذين يسعون في الإضرار بالمسلمين، ويعتادون ذلك، ويعرف من أخلاقهم، ولم يرتكبوا ما يوجب حدا ولا قصاصا حتى يقام ذلك عليهم، فيراح منهم العباد والبلاد، فهؤلاء إن تركوا وخلي بينهم وبين المسلمين بلغوا من الإضرار بهم إلى كل غاية، وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها، فلم يبق إلا حفظهم في السجن، والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصح منهم التوبة، أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره؛ وقد أمرنا الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بهما في حق من كان كذلك لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس ؛ وقد استدل البخاري على جواز الربط بما وقع منه صلى الله عليه وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري مسجده الشريف كما في القصة المشهورة في الصحيح )(1).
3 - ضوابط موجبات الحبس عند الفقهاء:
ذكر القرافي ثمانية ضوابط في موجبات الحبس هي:
1 - حبس الجاني لغيبة المجني عليه حفظا لمحل القصاص.
2 - حبس الآبق سنة حفظا للمالية رجاء أن يعرف مالكه.
3 - حبس الممتنع من دفع الحق إلجاء إليه.
4 - حبس من أشكل أمره في العسر واليسر اختبارا لحاله، فإذا ظهر حاله حكم عليه بموجبه عسرا أو يسرا.
5 - حبس الجاني تعزيرا وردعا عن معاصي الله تعالى.
6 - حبس من امتنع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة كمن أسلم على أختين أو أكثر من أربع نسوة، أو امرأة وابنتها، وامتنع من ترك ما لا يجوز له.
__________
(1) - نيل الأوطار 4/682(1/343)
7 - حبس من أقر بمجهول عين أو في الذمة وامتنع من تعيينه، فيحبس حتى يعينه فيقول: العين هو هذا الثوب، أو الشيء الذي في ذمتي وأقررت به هو دينار.
8 - حبس الممتنع من حق الله تعالى الذي لا تدخله النيابة عند الشافعية والمالكية كالصوم والصلاة فيقتل فيه، ولا يدخل الحج في هذا مراعاة للقول بوجوبه على التراخي.
9 - زاد الشيخ محمد علي حسين المالكي سببا آخر، فقال: والتاسع: من يحبس اختبارا لما ينسب إليه من السرقة والفساد.
10 - وذكر آخرون سببا عاشرا فقالوا: والعاشر حبس المتداعى فيه لحفظه حتى تظهر نتيجة الدعوى، كامرأة ادعى رجلان نكاحها فتحبس في بيت عند امرأة صالحة، وإلا ففي حبس القاضي(1).
4 - أنواع الحبس: ( راجع مصطلح: توقيف )
***
__________
(1) - الفروق 4/79(1/344)
140 -حبوب: ( أنظر مصطلح: مخدرات )
141 -حجز: ( راجع مصطلح: توقيف )
142 -حد:
1 - التعريف: -
الحَدُّ في اللغة: المنع ، وحُدُود اللَّه تعالى محارمه ، وهي: الأشياء التي بيَّن تحريمها وتحليلها ، وأَمر أَن لا يُتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أَمر فيها أَو نهى عنه منها ، ومنع من مخالفتها ، واحِدُها حَدّ ؛ قال تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا } [ البقرة الآية 187] ، وسمي الحد بذلك لأنه يمنع المحدود وغيره من المعاودة (1).
والحد في الاصطلاح: عقوبة مقدرة شرعا في معصية، لتمنع من الوقوع في مثلها(2).
وعرف الحد أيضاً بأنه: عقوبة مقدرة، شرعت لصيانة الأنساب، والأعراض، والعقول، والأموال، وتأمين السبل(3).
2 - فضل إقامة الحدود:-
الحدود شرعها الله سبحانه وتعالى رحمة بعباده، ومقاصد الشريعة الإسلامية تقتضي إقامة الحدود وإعلانها بين الناس، إذ بإقامة الحدود يعم الأمن والرخاء، وتحفظ الأنساب والأموال، وقد أمر الله تعالى، بإقامة الحدود، وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [ النور 2 ]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم)(4)، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ( حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا )(5).
3 - شروط إقامة الحد:
يشترط لإقامة الحدود عموما الشروط التالية:-
1 - الأهلية ويقصد بها ( العقل، والبلوغ، الرضا ).
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( حدد)
(2) - شرح منتهى الإرادات 3/335
(3) - شيخنا د/ عبد الله العلي الركبان / النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود 1/16
(4) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2540 ).
(5) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2538 ).(1/345)
2 - الإقامة في دار الإسلام، لكن لو ارتكب المسلم الجريمة الموجبة للحد خارج البلاد الإسلامية ثم عاد لبلاد المسلمين، فإن الحد يقام عليه.
3 - الصحة، إذا كان الحد غير القتل، لأن المريض غالبا لا يحتمل الجلد، فيؤجل الحد حتى يزول المرض ، أما إن كان المرض لا يرجى برؤه ، فإنه يحتال لإقامة الحد عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، في المريض الذي زنا: (خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة )(1).
4 - انتفاء الحمل، واستغناء المولود عن أمه التي سيقام عليها الحد، لما ثبت من قصة الغامدية.
5 - انتفاء الشبهة، لما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة )(2).
6 - العلم بالتحريم، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لا حد إلا على من علمه )(3).
4 - الحدود المقدرة شرعا:
الحدود المقدرة شرعا سبعة هي: -
1 - حد الزنا. 2 - حد القذف. 3 - حد شرب المسكر.
4 - حد السرقة. 5 - حد الحرابة. 6 - حد الردة.…
7 - حد البغي.
( ينظر ما يتعلق بهذه الحدود في مصطلحاتها )
5 - الفرق بين الحد والقصاص:-
هناك بعض الفروق بين الحد والقصاص ومنها: -
1 - لا تجوز الشفاعة في الحدود وتجوز في القصاص.
2 - لا يصح العفو في جرائم الحدود ويصح في القصاص.
3 - الحدود حق لله تعالى ـ باستثناء حد القذف ـ والقصاص حق لآدمي.
6 - الفرق بين الحد والتعزير:
1 - الحد عقوبة مقدرة من حيث الجنس والقدر والصفة، والتعزير عقوبة غير مقدرة لا جنسا، ولا قدرا ولا صفة.
__________
(1) - الحديث رواه الإمام أحمد في المسند برقم ( 41428 ) وابن ماجة برقم ( 2574 ).
(2) - الحديث رواه الترمذي برقم ( 1424 )
(3) - أنظر: الحديث رقم ( 13642 ) في مصنف عبد الرزاق الصنعاني 7/402(1/346)
2 - يشترط في إقامة الحدود التكليف، بأن يكون المجرم بالغا عاقلا، ولا يشترط ذلك في التعزير، فقد يعزر الصبي، والمجنون، لكن يعتبر تعزيرهما تعزير تأديب لا تعزير عقوبة.
3 - موجبات العقوبة الحدية معينة، وموجبات التعزير لا حصر لها.
4 - لا تقام الحدود مع الشبهة، بخلاف التعزير فإنه ينفذ مع الشبهة.
7 - طرق إثبات جرائم الحدود:
جرائم الحدود تثب بطريقين، الإقرار، والشهادة، إذا استوفيا شروطهما وأركانهما، وانتفت موانعهما هذا باتفاق العلماء.
8 - مسقطات الحدود:
يسقط الحد بالأمور التالية: -
1 - الرجوع عن الإقرار بارتكاب الجريمة الموجبة للحد، لما جاء في قصة ماعز رضي الله عنه، عندما هرب، وتبعه الصحابة فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال: ( هلاَّ تركتموه.... ).
2 - رجوع الشهود عن شهادتهم.
3 - دعوى الإكراه.
9 - الشفاعة في الحدود:
تحرم الشفاعة وقبولها في حد من حدود الله تعالى، بعد أن يبلغ الإمام، لقوله صلى الله عليه وسلم لصفوان ابن أميه: ( فهلاَّ قبل أن تأتيني به )(1).
ولما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر مرفوعا: ( من حالة شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد لله في أمره )(2).
ولما جاء في الصحيحين من خبر شفاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه في المخزومية، التي سرقت، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله )(3). وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة إن شاء الله: في مادة: شفاعة.
10 - ضابط بلوغ الحدود للسلطان:
__________
(1) - الحديث في المسند برقم (14879)والموطأ (1579) وسنن النسائي (4801) وسنن ابن ماجة (2595).
(2) - المسند الحديث رقم ( 5362 ) وسنن أبي داود الحديث رقم ( 3597 ).
(3) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 3475 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1688 ).(1/347)
المقصود بالسلطان الإمام أو نوابه، ومن نواب الإمام في هذا الشأن أمراء المناطق، والقضاة، فإذا بلغتهم قضايا الحدود حرمت الشفاعة فيها ، وكذلك الحال بالنسبة لرؤساء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورؤساء مراكز الشرطة، ورؤساء الجهات الحكومية الأخرى المختصة بالضبط الجنائي.
جاء في المدونة: ( قلت: أرأيت القذف , أتصلح فيه الشفاعة بعدما ينتهي إلى السلطان؟ قال: قال مالك: لا تصلح فيه الشفاعة إذا بلغ السلطان أو الشرط أو الحرس. قال : ولا يجوز فيه العفو إذا بلغ الإمام إلا أن يريد سترا.
قال مالك: والشرط والحرس عندي بمنزلة الإمام , إذا وقع في أيديهم لم تجز الشفاعة بعد , ولا يجوز لهم أن يخلوه فإن عفا المقذوف عن ذلك بعد بلوغ السلطان لم يجز عفوه عند مالك إلا أن يريد سترا ) (1).
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن ذلك بما نصه:
هل الهيئة - هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - نائبة عن السلطان، بمعنى أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع ) هل إذا وصلت القضية إلى الهيئة لا يجوز لهم أن يتنازلوا عنها، أو تستر، أم لابد من رفع كل قضية يقبض عليها، وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله بما نصه : ( رؤساء الهيئات الذي يظهر لي أنهم سلطان مثل الأمراء، إذا بلغتهم القضية عليهم أن يرفعوها لمراجعهم، أما الأعضاء فليسوا سلطانا، العضو مثل الجندي ليس بسلطان إذا رأى الستر فليستر، إلا إذا عُمِّد من جهة مرجعه بأن مهما وجد فليرفع، فعليه التنفيذ، وأما إذا لم يعمَّد ورأى أن الستر فيه مصلحة فلا بأس أن يستر، ولكن لأجل المصلحة، لا لأجل الدنيا وحطامها ونحو ذلك من الاعتبارات )(2).
11 - درء الحدود بالشبهات:
__________
(1) - المدونة 4/487
(2) - الستر على أهل المعاصي/ خالد الشايع، صفحة ( 188- 189)(1/348)
الحد عقوبة من العقوبات التي توقع ضررا في جسد الجاني وسمعته، ولا يحل استباحة حرمة أحد، أو إيلامه إلا بالحق ولا يثبت هذا الحق إلا بالدليل الذي لا يتطرق إليه شك، فإن تطرق إليه شك كان ذلك مانعا من اليقين الذي تنبني عليه الأحكام ؛ ومن أجل هذا كانت التهم والشكوك لا عبرة لها ولا اعتداد بها، لأنها مظنة الخطأ ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا ) رواه ابن ماجة(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ) رواه الترمذي(2).
ومن الشبهات التي يدرأ بها الحد على سبيل المثال: دعوى الاغتصاب ، ووطء الرجل لامرأة زفت إليه وتبين أنها ليست زوجته، أو دعوى الإكراه ، ونحو ذلك.
12 - من له حق إقامة الحدود:
اتفق الفقهاء على أن الحاكم أو من ينيبه عنه هو الذي يقيم الحدود، وأنه ليس للأفراد أن يتولوا هذا العمل من تلقاء أنفسهم، وذلك لأنه يفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب تفويضه للإمام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقيم الحدود في حياته، وكذلك خلفاؤه من بعده، ويقوم نائب الإمام مقامه، لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف: (... واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )(3)، فاعترفت فرجمها أنيس رضي الله عنه، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك لأمره صلى الله عليه وسلم للصحابة، برجم ماعز رضي الله عنه.
13 - إقامة الحد على من جاء تائبا:
اتفق العلماء على أن حد الحرابة لا يقام على من جاء تائبا قبل القدرة عليه، واختلفوا فيما عدا ذلك من الحدود.
__________
(1) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2545 ).
(2) - الحديث رواه الترمذي برقم ( 1424 )
(3) - سبق تخريج الحديث.(1/349)
قال ابن القيم رحمه الله: ( المسلك الوسط أن الإمام مخير بين إقامة الحد وتركه فيمن جاء تائبا، كما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز، والغامدية، وقال لصاحب الحد الذي اعترف به اذهب فقد غفر الله لك )(1).
14 - إقامة الحد على غير المسلم:
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( ثبت في الصحيحين والمسانيد أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ) ؛ قالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد، إن فيها الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما(2). فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وإن الذمي يحصن الذمية وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي )(3).
وقال سيد سابق رحمه الله: ( كما لا تشترط الحرية في إقامة الحد، فإنه لا يشترط الإسلام كذلك، فالكتابيون من اليهود الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة، ويعيشون معهم مواطنين - الذميين - مثل الأقباط في مصر، وكذلك الكتابيون الذين يقيمون مع المسلمين بعقد أمان إقامة موقوتة - المستأمنين - مثل الأجانب، هؤلاء يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر في دار الإسلام لأن لهم مالنا وعليهم ما علينا )(4). والذي عليه العمل اليوم أن من ارتكب جناية موجبة للحد، من الكفار الذين يقيمون بديار المسلمين، يعاقب، فمن العلماء من يرى أنها عقوبة حدية، ومنهم من يرى أنها تعزيرية.
15 - مكان إقامة الحدود:
__________
(1) - إعلام الموقعين 2/198
(2) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 3635 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1699 ).
(3) - زاد المعاد 5/35
(4) - فقه السنة 2/395(1/350)
تقام الحدود في الأماكن العامة كالساحات القريبة من الأسواق، أو من المساجد، لكي يحضرها الناس ويشاهدوا إقامة الحد، ليكون الزاجر ابلغ وأعم ؛ وتحرم إقامة الحدود في المساجد، لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود )(1).
16 - صفة تنفيذ عقوبة الحد: ( أنظر كل حد في مادته).
17 - إعلان إقامة الحدود:-
الحدود من جملة العقوبات التي فرضها الله تعالى لتكون زواجر رادعة عن ارتكاب المحظورات، قال تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة 179 ] ؛ ومن مقاصد الشريعة الإسلامية محاربة الجريمة قبل وقوعها، وهذا يتحقق بإعلان العقوبات والحدود، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن عقوبة الزنا: { èô‰pkôuٹّ9ur عَذَابَهُمَا ×pxےح!$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النور 2 ] ؛ فدل ذلك على جواز إعلان عقوبة الحدود.
18 - تداخل الحدود:
إذا اجتمعت حدود لله تعالى من جنس واحد، كأن يزني الشخص مرارا، أو يسرق مرارا، أو يشرب الخمر مرارا، فإنه يحد عن هذا الفعل المتكرر وهو من جنس واحد مرة واحدة، قال ابن المنذر: (وأجمعوا أن السارق إذا سرق مرات، إذا قدم إلى الحاكم في آخر السرقات، أن قطع يده يجزي من ذلك كله)(2) ؛ لأن الغرض من العقوبة الزجر وهو حاصل بحد واحد.
وإن كانت الحدود من أجناس مختلفة، ولم يكن فيها قتل، كمن زنى وهو غير محصن، وشرب الخمر، وسرق، فلا تتداخل، بل يجب إقامتها كلها، ابتداء بالأخف فالأخف، فيحد للشرب أولا، ثم يجلد للزنا، تم يقطع للسرقة.
__________
(1) - رواه أبو داود في سننه برقم ( 4490 ).
(2) - الإجماع صفحة ( 159 )(1/351)
وإن كان فيها قتل، كأن يكون الزاني في المثال السابق محصنا، استوفي القتل وحده، لقول ابن مسعود رضي الله عنه: ( إذا اجتمع حدان أحدهما القتل، أتى القتل على الآخر )(1).
وتستوفى حقوق الآدمي كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن فيها، ويبدأ وجوبا بغير القتل، بالأخف فالأخف. ( راجع التفصيل في مصطلح: تداخل)
***
__________
(1) - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 5/478 حديث رقم ( 28126 ).(1/352)
143 -حدث: ( راجع مصطلح: أحداث )
144 -حرابة:
1 - التعريف:
الحرابة في اللغة: من حَرَبَ، ومن معانيها: الطعن، والسلب، والمقاتلة، يقال: حَرَبَه بالحربة: أي طعنه بها، وحَرَبَه حربا: أي سلبه جميع ما يملك، وحَرَبَه مُحَارَبة:أي قاتله، ومحاربة الله معصيته، قال تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا } [المائدة 33](1).
والحرابة في الاصطلاح: هي البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو لإرعاب ، على سبيل المجاهرة والمكابرة، اعتماداً على القوة مع البعد عن الغوث(2).
وتسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء.
2 - من هم المحاربون وما هي حقيقة الحرابة ؟
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة ( حرب )
(2) - الموسوعة الفقهية 17/153(1/353)
المحارب: هو كل مكلف ملتزم بأحكام الإسلام يسعى في الأرض فسادا بقطع الطريق، وإخافة السبيل والسطو على أعراض الناس وممتلكاتهم، وترويج المخدرات، وزرع المتفجرات في الصحراء أو البنيان أو البحر، على سبيل المجاهرة والمكابرة، وتحت التهديد بالسلاح أو العصا، أو الحجر، فإن أخذوا المال مختفين فهم سُرَّاق، وإن اختطفوا وهربوا فهم منتهبون، وإن روجوا المخدرات، وزرعوا المتفجرات وسطوا على المنازل، فهم مفسدون في الأرض، وينتقض عهد الذميين بهذه الأفعال. والمحاربة ليست مختصة بالأموال فقط بل هي في الأعراض أعظم، وفي ذلك يقول ابن العربي رحمه الله: ( قال القاضي رضي الله عنه: ولقد كنت أيام تولية القضاء قد رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين ; لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج ؛ فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون، ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وإن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج، وحسبكم من بلاء صحبة الجهال، وخصوصا في الفتيا والقضاء)(1).
__________
(1) - أحكام القرآن 2/95(1/354)
وقال ابن فرحون رحمه الله: ( والحرابة كل فعل يقصد به أخذ المال على وجه يتعذر معه الاستغاثة عادة كإشهار السلاح والخنق وسقي السكران لأخذ المال، وإن قتل عبدا أو ذميا على ما معه وإن قل فهو محارب. وفي المنتقى قال القاضي أبو أحمد: المحارب هو القاطع للطريق المخيف للسبيل، الشاهر السلاح لطلب فإن أعطي وإلا قاتل عليه، كان في الحضر أو خارج المصر، قال ابن القاسم وأشهب: وقد يكون محاربا، وإن خرج بغير سبيل وفعل فعل المحاربين من التلصص وأخذ المال مكابرة، ويكون الواحد محاربا )(1).
وترى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية: أن من كان ذا منعة وسطا جهارا بسلاح في صحراء ونحوها، أو في طائرة في جو أو سفينة في بحر أو سيارة في بر مثلا فقتل أو أخذ مالاً أو انتهك عرضا أو أرهب وأخاف فهو محارب... ومن كان ذا قوة أو منعة فخطف إنسانا جهارا في صحراء فقتل أو أخذ مالا أو انتهك عرضا أو جنى جناية أقل من القتل أو أخاف وأرهب فقط فهو محارب(2).
وجاء في البند ( أولا ) فقرة ( أ ) من قرار هيئة كبار العلماء رقم ( 85 ) وتاريخ 11/ 11/1401هـ النص التالي: ( إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة سوى وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى)(3).
3 - حكم الحرابة:
__________
(1) - تبصرة الحكام 2/267
(2) - مجلة البحوث الإسلامية 12/67
(3) - مجلة البحوث 12/76(1/355)
الحرابة من الكبائر، وهي من الحدود باتفاق الفقهاء، وسمى القرآن مرتكبيها: محاربين لله ورسوله، وساعين في الأرض فساداً، وغلظ عقوبتها أشد التغليظ، فقال عز من قائل: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } [ المائدة 33 ] الخ. ونفى الرسول صلى الله عليه وسلم انتسابهم إلى الإسلام فقال في الحديث المتفق عليه: { من حمل علينا السلاح فليس منا } (1).
4 - شروط إقامة حد الحرابة:
لا بد من توافر شروط في المحاربين حتى يقام عليهم حد الحرابة ؛ وهذه الشروط هي:
أ - الالتزام بأحكام الشريعة:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يشترط في المحارب: أن يكون ملتزما بأحكام الشريعة، بأن يكون مسلما، أو ذميا، أو مرتدا ، فلا يحد الحربي ، ولا المعاهد ، ولا المستأمن ؛ واستدلوا بقوله تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } [ المائدة 34 ]، وهؤلاء تقبل توبتهم قبل القدرة، وبعدها، لقوله تعالى: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال الآية 38 ] ؛ ولخبر: { الإسلام يجب ما كان قبله } ؛ ولم يلتزموا أحكام الشريعة، أما الذمي فقد التزم أحكام الشريعة فله ما لنا، وعليه ما علينا ؛ وأما المستأمن فقد وقع الخلاف بينهم في أنه كونه محاربا أو لا(2).
ب - التكليف:
لا خلاف بين الفقهاء في أن البلوغ والعقل شرطان في عقوبة الحرابة لأنهما شرطا التكليف الذي هو شرط في إقامة الحدود.
ج - وجود السلاح معهم:
__________
(1) - رواه البخاري برقم ( 6874، 7070، 7071 ) ومسلم برقم ( 98، 100، 101 )
(2) - أنظر : المبسوط 9/134، المدونة 4/552، مغني المحتاج 5/498، شرح منتهى الإرادات 3/381(1/356)
اختلف الفقهاء في اشتراط السلاح في المحارب؛ فقال الحنفية والحنابلة: يشترط أن يكون مع المحارب سلاح، والحجارة والعصي سلاح هنا، فإن تعرضوا للناس بالعصي والأحجار فهم محاربون؛ أما إذا لم يحملوا شيئا مما ذكر فليسوا بمحاربين.
ولا يشترط المالكية والشافعية حمل السلاح بل يكفي عندهم القهر والغلبة وأخذ المال ولو باللكز والضرب بجمع الكف(1).
د - البعد عن العمران:
ذهب المالكية والشافعية وهو رأي أبي يوسف من الحنفية، وكثير من أصحاب أحمد إلى أنه لا يشترط البعد عن العمران وإنما يشترط فقد الغوث، ولفقد الغوث أسباب كثيرة، ولا ينحصر في البعد عن العمران فقد يكون للبعد عن العمران أو السلطان، وقد يكون لضعف أهل العمران، أو لضعف السلطان ؛ فإن دخل قوم بيتا وأشهروا السلاح ومنعوا أهل البيت من الاستغاثة فهم قطاع طرق في حقهم، واستدل الجمهور بعموم آية المحاربة، ولأن ذلك إذا وجد في العمران والأمصار والقرى كان أعظم خوفا وأكثر ضررا، فكان أولى بحد الحرابة.
وذهب الحنفية وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط البعد عن العمران، فإن حصل منهم الإرعاب وأخذ المال في القرى والأمصار فليسوا بمحاربين، وقالوا: لأن الواجب يسمى حد قطاع الطرق، وقطع الطريق إنما هو في الصحراء، ولأن من في القرى والأمصار يلحقه الغوث غالبا فتذهب شوكة المعتدين، ويكونون مختلسين وهو ليس بقاطع، ولا حد عليه(2).
هـ - الذكورة:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يشترط في المحارب الذكورة ؛ فلو اجتمع نسوة لهن قوة ومنعة فهن قاطعات طريق ولا تأثير للأنوثة على الحرابة، فقد يكون للمرأة من القوة والتدبير ما للرجل فيجري عليها ما يجري على الرجل من أحكام الحرابة.
__________
(1) - أنظر المراجع السابقة.
(2) - أنظر: بدائع الصنائع 7/66، التاج والإكليل 8/427، أسنى المطالب 4/154، المغني 12/474(1/357)
وقال الحنفية: يشترط في المحارب الذكورة: فلا تحد المرأة وإن وليت القتال وأخذ المال، لأن ركن الحرابة هو: الخروج على وجه المحاربة والمغالبة ولا يتحقق ذلك في النساء عادة لرقة قلوبهن وضعف بنيتهن، فلا يكن من أهل الحرابة(1).
و - المجاهرة:
وهي أن يأخذ قطاع الطريق المال جهرا فإن أخذوه مختفين فهم سراق، وإن اختطفوا وهربوا فهم منتهبون ولا قطع عليهم ؛ وكذلك إن خرج الواحد، والاثنان على آخر قافلة، فاستلبوا منها شيئا، فليسوا بمحاربين لأنهم لا يعتمدون على قوة ومنعة. وإن تعرضوا لعدد يسير فقهروهم، فهم قطاع طرق (2).
5 - معنى المجاهرة والمجاهرين :
المجاهرة إظهار الأمر وإعلانه، جاء في المصباح المنير: ( جَهَرَ الشيء يجهر بفتحتين ظهر وأجهرته بالألف أظهرته ويعدى بنفسه أيضا وبالباء فيقال جهرته وجهرت به وقال الصَّغاني: أجهر بقراءته وجهر بها ورجل أجهر لا يبصر في الشمس وامرأة جهراء مثل: أحمر وحمراء والفعل من باب تعب ورأيته جهرة أي عيانا وجاهره بالعداوة مجاهرة وجهارا أظهرها وجهر الصوت بالضم جهارة فهو جهير )(3). وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح، وقد ستره عليه الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره الله عز وجل، ويصبح يكشف ستر الله عز وجل عنه } (4).
قال الخادمي: ( من جاهر بكذا بمعنى جهر به أي المعلنين بالمعصية لا يعافون وعبر بفاعل للمبالغة أو هو على ظاهر المفاعلة أو المراد الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي )(5).
__________
(1) - أنظر : المراجع السابقة.
(2) - أنظر: المغني لابن قدامة 12/475
(3) - المصباح المنير مادة ( جهر )
(4) - صحيح البخاري حديث رقم ( 6069 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 2990 ).
(5) - بريقة محمودية 2/164(1/358)
وقال الصنعاني: ( المجاهرون، هم الذين جاهروا بمعاصيهم فهتكوا ما ستر الله عليهم فيبيحون بها بلا ضرورة ولا حاجة )(1).
ويتبين من ذلك أن معنى المجاهرة في جريمة الحرابة، هو ارتكاب الجريمة علانية.
6 - معنى المكابرة:
المكابرة هي المغالبة والتكبر ، قال الفيومي: ( كابرته مكابرة غالبته مغالبة وعاندته)(2).
وذكر الزيلعي أن معنى المكابرة: المقاتلة بالسلاح، والمغالبة والمدافعة(3).
وقال البابرتي: ( وأخذ المال من المالك مكابرة: أي مقاتلة بسلاح )(4)
وقال الخرشي: ( لا يخفى أن المكابرة ، المغالبة والمعاندة ، أي مغالبة بسبب قتال كذا مقتضى ما قاله أهل اللغة )(5).
وقال ابن عابدين: ( المكابر ، أي الآخذ علانية بطريق الغلبة والقهر)(6).
ومن هذه النصوص يتبين أن معنى المكابرة: هو غلبة المُحَارب ومعاندته وقهره لمن حاربه ، سواء كان ذلك بالسلاح أو بغيره.
7 - إثبات جريمة الحرابة:
لا خلاف بين الفقهاء في أن جريمة الحرابة تثبت بالإقرار، أو بشهادة عدلين، وتقبل شهادة الرفقة في الحرابة، فإذا شهد على المحارب اثنان من المقطوع عليهم لغيرهما ولم يتعرضا لأنفسهما في الشهادة قبلت شهادتهما، وليس على القاضي البحث عن كونهما من المقطوع عليهم، وإن بحث لم يلزمهم الإجابة، أما إذا تعرضوا لأنفسهما بأن يقولا: قطعوا علينا الطريق، ونهبوا أموالنا لم يقبلا، لا في حقهما ولا في حق غيرهما للعداوة.
__________
(1) - سبل السلام 2/664
(2) - المصباح المنير ( كابر )
(3) - تبيين الحقائق 3/212
(4) - العناية شرح الهداية 5/355
(5) - شرح مختصر خليل 8/103
(6) - رد المحتار على الدر المختار 4/64(1/359)
قال ابن قدامة رحمه الله: ( إذا شهد عدلان على رجل أنه قطع عليهما الطريق وعلى فلان، وأخذ متاعهم، لم تقبل شهادتهما ; لأنهما صارا خصمين له بقطعه عليهما، وإن قالا: نشهد أن هذا قطع الطريق على فلان، وأخذ متاعه، قبلت شهادتهما، ولم يسألهما الحاكم: هل قطع عليكما معه أم لا ؟ لأنه لا يسألهما ما لم يدع عليهما ؛ وإن عاد المشهود له، فشهد عليه أنه قطع عليهما الطريق، وأخذ متاعهما، لم تقبل شهادته لأنه صار عدوا له بقطعه الطريق عليه ؛ وإن شهد شاهدان أن هؤلاء عرضوا لنا في الطريق، وقطعوها على فلان، قبلت شهادتهما ; لأنه لم يثبت كونهما خصمين بما ذكراه)(1).
8 - ضبط اعتراف المحارب وتوجيه الاتهام له:
جريمة الحرابة كغيرها من جرائم الحدود التي يجب على المحقق العناية بضبط اعتراف المتهم بها بكل دقة، وتوجيه الاتهام له بما يتفق مع الأوصاف الجرمية التي ارتكبها ؛ ولكن تزداد جريمة الحرابة حساسية ودقة لتعدد الأوصاف الجرمية لها، وهذه الأوصاف قد يأتي واحد منها بمفرده وقد تجتمع، فعلى سبيل المثال المحارب، إما أن يخيف السبيل فقط، أو يخيفه ويأخذ المال، وقد ينضم إلى هذين الوصفين وصف ثالث وهو القتل، كما أن تحديد صفتي المجاهرة والمكابرة من أهم الجوانب في جريمة الحرابة لما يترتب عليهما من آثار، ولهذا يجب على المحقق الاهتمام بكل دقة بهذه الجوانب، وتدوينها بكل عناية، كما أن جرائم السطو والخطف التي ألحقت بجريمة الحرابة تحتاج أيضا لوصفها وصفا دقيقا طبقا للواقعة الجرمية.
9 - الاشتراك في جريمة الحرابة:
__________
(1) - المغني 12/492(1/360)
المشتركون في جريمة الحرابة يندرج عليهم جميعا الحكم بالحرابة، لأنهم متضامنون بفعلهم، وقد بيَّن ابن قدامة رحمه الله ذلك بقوله: ( وحكم الردء من القطاع حكم المباشر، وبهذا قال مالك، وأبو حنيفة ؛ وقال الشافعي: ليس على الردء إلا التعزير ; لأن الحد يجب بارتكاب المعصية، فلا يتعلق بالمعين، كسائر الحدود ؛ ولنا أنه حكم يتعلق بالمحاربة، فاستوى فيه الردء والمباشر، كاستحقاق الغنيمة ; وذلك لأن المحاربة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة، فلا يتمكن المباشر من فعله إلا بقوة الردء، بخلاف سائر الحدود، فعلى هذا، إذا قتل واحد منهم، ثبت حكم القتل في حق جميعهم، فيجب قتل جميعهم، وإن قتل بعضهم وأخذ بعضهم المال، جاز قتلهم وصلبهم، كما لو فعل الأمرين كل واحد منهم. وإن كان فيهم صبي، أو مجنون، أو ذو رحم من المقطوع عليه لم يسقط الحد عن غيره، في قول أكثر أهل العلم ؛ وقال أبو حنيفة: يسقط الحد عن جميعهم، ويصير القتل للأولياء، إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا ; لأن حكم الجميع واحد، فالشبهة في فعل واحد شبهة في حق الجميع ؛ ولنا أنها شبهة اختص بها واحد، فلم يسقط الحد عن الباقين، كما لو اشتركوا في وطء امرأة، وما ذكروه لا أصل له ؛ فعلى هذا، لا حد على الصبي والمجنون وإن باشرا القتل وأخذا المال; لأنهما ليسا من أهل الحدود، وعليهما ضمان ما أخذا من المال في أموالهما، ودية قتيلهما على عاقلتهما، ولا شيء على الردء لهما; لأنه إذا لم يثبت ذلك للمباشر، لم يثبت لمن هو تبع له بطريق الأولى، وإن كان المباشر غيرهما، لم يلزمهما شيء; لأنهما لم يثبت في حقهما حكم المحاربة، وثبوت الحكم في حق الردء ثبت بالمحاربة.(1/361)
وإن كان فيهم امرأة، ثبت في حقها حكم المحاربة، فمتى قتلت وأخذت المال، فحدها حد قطاع الطريق، وبهذا قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة: لا يجب عليها الحد، ولا على من معها ; لأنها ليست من أهل المحاربة، كالرجل، فأشبهت الصبي والمجنون ؛ ولنا أنها تحد في السرقة، فيلزمها حكم المحاربة كالرجل، وتخالف الصبي والمجنون; ولأنها مكلفة يلزمها القصاص وسائر الحدود، فلزمها هذا الحد، كالرجل؛ إذا ثبت هذا، فإنها إن باشرت القتل، أو أخذ المال، ثبت حكم المحاربة في حق من معها ; لأنهم ردء لها، وإن فعل ذلك غيرها، ثبت حكمه في حقها ; لأنها ردء له، كالرجل سواء ؛ وإن قطع أهل الذمة الطريق، أو كان مع المحاربين المسلمين ذمي، فهل ينتقض عهدهم بذلك ؟ فيه روايتان; فإن قلنا: ينتقض عهدهم، حلت دماؤهم وأموالهم بكل حال، وإن قلنا: لا ينتقض عهدهم، حكمنا عليهم بما نحكم على المسلمين )(1).
10 - توبة المحارب:
__________
(1) - المغني 12/486- 485(1/362)
المحارب الذي يتوب قبل القدرة عليه، وتثبت توبته، يسقط عنه الحد، ولكن لا تسقط حقوق الآدميين إلا بعفو منهم، وفي ذلك يقول ابن قدامة رحمه الله: ( فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم، سقطت عنهم حدود الله تعالى، وأخذوا بحقوق الآدميين ; من الأنفس، والجراح، والأموال، إلا أن يعفى لهم عنها ، لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي وأبو ثور ؛ والأصل في هذا قول الله تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة 34 ]. فعلى هذا يسقط عنهم تحتم القتل والصلب، والقطع والنفي، ويبقى عليهم القصاص في النفس والجراح، وغرامة المال والدية لما لا قصاص فيه ؛ فأما إن تاب بعد القدرة عليه ، لم يسقط عنه شيء من الحدود ; لقول الله تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة 34 ]. ؛ فأوجب عليهم الحد، ثم استثنى التائبين قبل القدرة، فمن عداهم يبقى على قضية العموم; ولأنه إذا تاب قبل القدرة، فالظاهر أنها توبة إخلاص، وبعدها الظاهر أنها تقية من إقامة الحد عليه; ولأن في قبول توبته، وإسقاط الحد عنه قبل القدرة، ترغيبا في توبته، والرجوع عن محاربته وإفساده، فناسب ذلك الإسقاط عنه، وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه; لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة )(1).
11 - عقوبة المحاربين:
__________
(1) - المغني 12/483(1/363)
اختلف العلماء في عقوبة جرائم الحرابة والسعي في الأرض فسادا هل هي على التنويع حسب نوع الجريمة؛ أو هي على التخيير، أيها شاء الإمام فعل، أو بعضها على التخيير وبعضها على التنويع، ومنشأ الخلاف في ذلك، هو الخلاف الحاصل في معنى ( أو ) الواردة في قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ المائدة 33 ]، هل هو لتنويع للعقوبة تبعا لنوع الجريمة أو لتخيير الإمام فيها، مع اتفاق الجميع على أنها من الحدود، فلا يجوز العفو فيها من الإمام ولا من ولي الدم.
وللمحاربين أربع حالات نبينها مع بيان عقوبتها على قول من قال إن (أو) للتنويع: الأولى: أن يقتلوا ولم يأخذوا مالا ففي هذه الحالة يتحتم قتلهم جميعا، يستوي في ذلك المباشر، والمعين والردء، وبعد القتل، إن كانوا مسلمين يغسلوا و يكفنوا، ويصلى عليهم ويدفنوا. الثانية: أن يقتلوا ويأخذوا المال، ففي هذه الحالة يتحتم قتلهم وصلبهم، حتى يشتهر أمرهم ليرتدع غيرهم. الثالثة: أن يأخذوا المال ولم يقتلوا، ففي هذه الحالة تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف حتما، في آن واحد، لوجوبه لحق الله تعالى، والله تعالى أمر بقطعهم، والأمر للفور، فلا ينتظر بقطع أحد الطرفين اندمال الآخر. الرابعة: إن أخافوا السبيل فقط ، ولم يقتلوا، ولم يأخذوا مالا، نفوا من الأرض.
وهذا التقسيم كما سبق على قول من قال إن ( أو ) في آية الحرابة للتنويع، وليست للتخيير، أما من قال إن ( أو ) للتخيير فإنه يقول اختيار العقوبة راجع للإمام حسب ما يراه مما يدرأ المفسدة ويحقق المصلحة لا بالهوى والتشهي(1).
__________
(1) - راجع كشاف القناع 6/157، والمغني 12/475(1/364)
12 - كيفية تنفيذ عقوبة الحرابة:
أ - تنفيذ عقوبة القتل:
صفة تنفيذ القتل في جريمة الحرابة، هو ضرب عنق الجاني بالسيف، ولا يقتل بغيره، ولا يسقط القتل هنا بالعفو لا من الإمام ولا من ولي المقتول(1).
ب - تنفيذ عقوبة الصلب:
اختلف الفقهاء في وقت الصلب، ومدته: فقال الحنفية والمالكية: يصلب حيا، ويقتل مصلوبا ؛ وعند الحنفية: يترك مصلوبا ثلاثة أيام بعد موته ؛ وعند المالكية تحدد مدة الصلب باجتهاد الإمام(2).
وقال الشافعية في المعتمد، وهو المذهب عند الحنابلة(3): يصلب بعد القتل، لأن الله تعالى قدَّم القتل على الصلب لفظا ؛ فيجب تقديم ما ذكر أولا في الفعل كقوله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } [ البقرة 158 ] ؛ ولأن في صلبه حيا تعذيبا له ؛ وقال صلى الله عليه وسلم: { إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة } (4).
ج - صفة تنفيذ عقوبة القطع في الحرابة:
تقطع اليد اليمنى، والرجل اليسرى، في آن واحد، ويراعى في ذلك ما يراعى في القطع في جريمة السرقة.
د - تنفيذ النفي:
اختلف الفقهاء في معنى النفي فقال الحنفية: نفيه حبسه حتى تظهر توبته أو يموت. وذهب المالكية: إلى أن المراد بالنفي إبعاده عن بلده إلى مسافة البعد، وحبسه فيه حتى يتوب. وقال الشافعية: المراد بالنفي الحبس أو غيره كالتغريب كما في الزنى. وقال الحنابلة: نفيهم: أن يشردوا فلا يتركوا يستقرون في بلد(5).
***
__________
(1) - كشاف القناع 6/157
(2) - أنظر : بدائع الصنائع 6/53، وتبيين الحقائق 3/237، والمدونة 4/553، وأحكام القرآن لابن العربي 2/100
(3) - أنظر : الأم 6/61، حاشية الجمل 5/155، الإنصاف 10/293.
(4) - الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم ( 1955 ).
(5) - أنظر: أحكام القرآن للجصاص 2/574، المدونة 4/552 ، الأم 6/157 ،الإنصاف 10/298(1/365)
145 -حرز
الْحِرْزُ في اللغة: الوعاء الحصين يحفظ فيه الشيء. قال الفيومي: الْحِرْزُ المكان الذي يحفظ فيه والجمع أَحرَازٌ مثل: حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَأَحْرَزْتُ المتاع جعلته في الْحِرْزِ ويُقال حِرْزٌ حَرِيزٌ لِلتأكيد كما يقال حِصْنٌ حَصِينٌ وَاحترز من كذا أَيْ تَحَفَّظَ وَتَحَرَّزَ مثله وأحرزتُ الشيء إحرازًا ضممتهُ ومنه قولهم أَحْرَزَ قَصَبَ السَّبْقِ إذَا سَبَقَ إليها فضمها دون غيره(1).
وفي الاصطلاح: هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس، كالدار والحانوت، والخيمة، والشخص(2).
قال ابن قدامة : الحرز ما عد حرزا في العرف , فإنه لما ثبت اعتباره في الشرع من غير تنصيص على بيانه , علم أنه رد ذلك إلى أهل العرف ; لأنه لا طريق إلى معرفته إلا من جهته , فيرجع إليه , كما رجعنا إليه , في معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك(3).
والحرز نوعان: الأول: حرز بنفسه وهو كل بقعة معدة للإحراز ممنوعة الدخول فيها، إلا بالإذن، كالدور والحوانيت والخيام، والخزائن والصناديق.
والثاني: حرز بغيره وهو كل مكان غير معد للإحراز يدخل إليه بلا إذن، ولا يمنع منه كالمساجد والمزارع. ( لتفاصيل أكثر أنظر مصطلح: سرقة )
***
__________
(1) - المصباح المنير مادة ( حرز )
(2) - الموسوعة الفقهية 7/172
(3) - المغني 12/427(1/366)
146 -حشيش:
1 - التعريف:
الحشيش في اللغة: النبات اليابس، والحشيش نبات مخدر، والحشَّاش: جامع الحشيش وبائعه، ومدخنه(1).
والحشيش: مادة مخدرة مشهورة تستخرج من شجرة القنب الهندي، وعندما تجف تتحول إلى مادة بنية داكنة أو قريبة من السواد، وتكون صلبة، ورائحته تشبه رائحة البخور الهندي.
وللحشيش عدة مسميات، ففي دول الخليج، والشام، ومصر، يعرف باسم (الحشيش أو الحشيشة) وفي الجزائر والمغرب يسمى (الكيف) وفي تونس، يسمى (التكروري) وفي الهند يسمى (غانجا أو بهانغ) وفي تركيا يسمى (الهبك) وفي أمريكا يسمى (الماريجوانا) ويكون تعاطيه عن طريق التدخين مفردا أو ممزوجا بالتبغ، وله تأثير يسبب الانفعال، وأحيانا بالسرور لفترة معينة يعقبها الخمول وقلة الوعي(2).
2 - حكم تعاطي الحشيش
الحشيش حرام باتفاق الفقهاء، وإن اختلفوا في العقوبة المترتبة على تعاطيه، وأدلة تحريمه هي عموم أدلة تحريم الخمر، والمخدرات.
قال الإمام النووي: وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة المعروفة فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات، ويجب فيه التعزير دون الحد، والله أعلم(3).
وقال القرافي: ( اتفق فقهاء أهل العصر على المنع من النبات المعروف بالحشيشة التي يتعاطاها أهل الفسوق أعني كثيرها المغيب للعقل واختلفوا بعد ذلك في كونها مفسدة للعقل من غير سكر فتكون طاهرة ويجب فيها التعزير أو مسكرة فتكون نجسة ويجب فيها الحد )(4).
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة (حش)
(2) - د/ محمد النوري ، وباء المخدرات صفحة ( 66 )
(3) - المجموع شرح المهذب 3/9
(4) - أنوار البروق 1/214(1/367)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وفي الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { كل شراب أسكر فهو حرام } (1). وفي الصحيحين، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل، فقيل له: عندنا شراب من العسل يقال له البتع، وشراب من الذرة يقال له المزر ؟ قال - وكان قد أوتي جوامع الكلم - فقال: { كل مسكر حرام } (2) إلى أحاديث أخر يطول وصفها، وعلى هذا فتحريم ما يسكر من الأشربة والأطعمة، كالحشيشة المسكرة ثابت بالنص، وكان هذا النص متناولا لشرب الأنواع المسكرة من أي مادة كانت من الحبوب، أو الثمار أو من لبن الخيل أو من غير ذلك ؛ ومن ظن أن النص إنما يتناول خمر العنب قال إنه لم يبين حكم هذه المسكرات التي هي في الأرض أكثر من خمر العنب، بل كان ذلك ثابتا بالقياس، وهؤلاء غلطوا في فهم النص، ومما يبين ذلك أنه قد ثبت بالأحاديث الكثيرة المستفيضة أن الخمر لما حرمت لم يكن بالمدينة من خمر العنب شيء، فإن المدينة لم يكن فيها شجر العنب، وإنما كان عندهم النخل، فكان خمرهم من التمر، ولما حرمت الخمر أراقوا تلك الأشربة التي كانت من التمر، وعلموا أن ذلك الشراب هو خمر محرم.
فعلم أن لفظ الخمر لم يكن عندهم مخصوصا بعصير العنب، وسواء كان ذلك في لغتهم فتناول، أو كانوا عرفوا التعميم بلغة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه المبين عن الله مراده، فإن الشارع يتصرف في اللغة تصرف أهل العرف، يستعمل اللفظ تارة فيما هو أعم من معناه في اللغة، وتارة فيما هو أخص )(3).
__________
(1) - صحيح البخاري حديث رقم ( 242 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 2001 ).
(2) - صحيح البخاري حديث رقم ( 4343 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 1733 ).
(3) - الفتاوى الكبرى 1/153 - 154(1/368)
وقال أيضا: ( وكذلك الحشيشة المسكرة يجب فيها الحد ; وهي نجسة في أصح الوجوه ; وقد قيل: إنها طاهرة. وقيل: يفرق بين يابسها ومائعها: والأول الصحيح، لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النيئ ; بخلاف ما لا يسكر بل يغيب العقل كالبنج ; أو يسكر بعد الاستحالة كجوزة الطيب ; فإن ذلك ليس بنجس. ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها ; فإنه لولا ما فيها من اللذة لم يتناولوها ولا أكلوها ; بخلاف البنج ونحوه مما لا لذة فيه. والشارع فرق في المحرمات بين ما تشتهيه النفوس وما لا تشتهيه فما لا تشتهيه النفوس كالدم والميتة اكتفى فيه بالزاجر الشرعي ; فجعل العقوبة فيه التعزير. وأما ما تشتهيه النفوس فجعل فيه مع الزاجر الشرعي زاجرا طبيعيا وهو الحد، والحشيشة من هذا الباب )(1).
وقال البهوتي(2): ( ولا يباح أكل الحشيشة المسكرة وتسمى حشيشة الفقراء ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم { كل مسكر خمر وكل خمر حرام } (3) ، ولا يباح كل ما فيه مضرة من السموم وغيرها، لقوله تعالى: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [البقرة 195 ]. وقال البجرمي في حاشيته على الخطيب: ( ويحرم البنج والحشيش ولا يحد به، بخلاف الشراب المسكر وإنما لم يحد لأنه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره بل فيه التعزير وله تناوله ليزيل عقله لقطع عضو متأكل حتى لا يحس بالألم، ولبعضهم:
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا يا خسيسا قد عشت شر معيشة
دية العقل بدرة فلماذا يا سفيها قد بعتها بحشيشة
والبدرة عشرة آلاف درهم أو ألف دينار )(4).
3 - عقوبة تعاطى الحشيش المخدر:
__________
(1) - مجموع الفتاوى 34/198، والفتاوى الكبرى 3/419
(2) - كشاف القناع 6/201
(3) - الحديث رواه مسلم في صحيحه حديث رقم ( 2003 ).
(4) - حاشية البجرمي على الخطيب 4/328(1/369)
من استعمل الحشيش يعاقب بعقوبة حد المسكر، ومن هربه، أو روَّجه، أو حازه تنطبق عليه عقوبة المخدرات. ( أنظر مصطلح: مخدرات ).
***(1/370)
147 -حق
1 - التعريف:
الحق في اللغة : خلاف الباطل، وهو مصدر حق الشيء يحق إذا ثبت ووجب.
قال ابن منظور: الحَقُّ نقيض الباطل، وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ. في القاموس أن الحق يطلق على المال والملك والموجود الثابت. ومعنى حق الأمر وجب ووقع بلا شك(1).
والحق في اصطلاح الفقهاء له معنيان: الأول: هو الحكم المطابق للواقع، ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ويقابله الباطل.
والآخر: أن يكون بمعنى الواجب الثابت. وهو قسمان: حق الله وحق العباد. فحق الله عرفه التفتازاني: بأنه ما يتعلق به النفع العام للعالم من غير اختصاص بأحد، فينسب إلى الله تعالى، لعظم خطره، وشمول نفعه(2).
وعرفه ابن القيم فقال: حق الله ما لا مدخل للصلح فيه، كالحدود والزكوات والكفارات وغيرها(3).
وأما حق العبد: فهو ما يتعلق به مصلحة خاصة له، كحرمة ماله. قال ابن القيم: وأما حقوق العباد، فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها(4).
2 - الحقوق المترتبة على الجنايات نوعان:
الأول: حق خاص، وهو المتعلق بالأفراد كمطالبة المجني عليه، أو وكيله، أو ورثته بالقصاص من الجاني على النفس أو ما دونها.
والثاني: حق عام، وهو المتعلق بعامة المجتمع، كمطالبة المدعي العام بإقامة حد
السرقة، أو حد شرب المسكر، ونحو ذلك.
3 - كيفية استيفاء الحقوق:
تنقسم الحقوق من حيث استيفاؤها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما لا بد فيه من الرفع إلى القضاء، باتفاق الفقهاء، كتحصيل العقوبات وما يخاف من استيفائه الفتنة، وذلك لخطرها وكذلك ما كان من الحقوق مختلفا في أصل ثبوته.
الثاني: ما لا يحتاج إلى القضاء باتفاق الفقهاء، لتحصيل الأعيان المستحقة، وتحصيل نفقة الزوجة والأولاد.
__________
(1) - لسان العرب، وكتاب العين، القاموس، ( حق )
(2) - شرح التلويح على التوضيح 2/300
(3) - إعلام الموقعين 1/85
(4) - إعلام الموقعين 1/85(1/371)
الثالث: ما اختلف في جواز تحصيله من غير قضاء، كاستيفاء الديون.
***(1/372)
148 -حكم
1 - التعريف:
الحُكْمُ في اللغة بالضم: القَضاءُ، جمعه: أحْكامٌ، وقد حَكَمَ عليه بالأَمْرِ حُكْمَاً وحُكومَةً، وحكم بَيْنَهُم كذلك. والحاكِمُ: مُنَفِّذُ الحُكْمِ، كالحَكَمِ محرَّكَةً، جمعه: حُكَّامٌ. وحاكَمَهُ إلى الحاكِمِ: دَعاهُ وخاصَمَهُ. وحَكَّمَهُ في الأمْرِ تَحْكيماً: أمَرَهُ أن يَحْكُمَ فاحْتَكَمَ(1).
وفي اصطلاح الفقهاء هو: قطع القاضي المخاصمة وحسمه إياها على الوجه المخصوص أي الإلزام(2).
وعرفه فقهاء الحنابلة بأنه: إنشاء الإلزام الشرعي وفصل الخصومات(3).
ويمكن تعريفه بما هو أعم من هذين التعريفين: فهو فصل الخصومة في قول أو فعل يصدر عن القاضي، ومن في حكمه بطريق الإلزام.
2 - صيغة الحكم:
لا يشترط جمهور الفقهاء ألفاظا مخصوصة، وصيغا معينة للحكم، بل كل ما دل على الإلزام فهو حكم، كقوله: ملكت المدعي الدار المحدودة، أو فسخت هذا العقد، أو أبطلته أو رددته، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على نفي أو إثبات بعد حصول ما يجب في شأن الحكم من تقدم دعوى صحيحة(4).
3 - شروط الحكم:
يشترط الفقهاء للحكم حتى يكون صحيحا شروطا نذكر منها باختصار:
1 - أن يسبق بدعوى صحيحة، وهذا فيما يتعلق بحقوق العباد.
2 - أن يكون بصيغة الإلزام، كألزمت، وقضيت، وحكمت، وأنفذت.
3 - أن يطالب المدعي بإصدار الحكم في القضية.
4 - أن يكون واضحا، بحيث يتعين ما يحكم به، ومن يحكم له بصورة واضحة.
5 - أن يصدر في حضرة الخصوم ، أو من ينوب عنهم.
6 - أن تبين أسبابه التي بني عليها.
7 - أن يسبقه إعذار، وهو سؤال المحكوم عليه بالبينة، هل عنده ما يجرح به البينة.
8 - ألا يكون مخالفا للكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس الجلي(5).
4 - تنفيذ الأحكام الشرعية:
__________
(1) - القاموس المحيط ( حكم )
(2) - شرح مجلة الأحكام 4/574
(3) - شرح منتهى الإرادات 3/511
(4) - الموسوعة الفقهية 33/333
(5) - أنظر النظام الإجرائي 216 - 220(1/373)
اتفق الفقهاء على أمرين هامين يتعلقان بالتنفيذ وهما:
1 - حق التنفيذ منوط بالحاكم، أي السلطة التنفيذية في الدولة.
2 - منع الثأر والانتقام الشخصي أو عدم وجود أي سلطة شخصية لصاحب الحق على المسؤول.
ففي نطاق العقوبات الجنائية، الدولة هي المختصة بتطبيق العقاب الجزائي، سواء أكان مقدراً، أم غير مقدر، حدا أو تعزيرا، أو قصاصا، وذلك حفظا للنظام ومنعا للفوضى، ودرءا للفساد وانتشار المنازعات بين الناس، وإبطال عادة الأخذ بالثأر(1).
5 - ضوابط إصدار الأحكام الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
بينت المواد (180 إلى 187) من النظام ضوابط إصدار الحكم كالتالي:
1 - تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه.(م/180)
2 - كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجزائية يجب أن يفصل في طلبات المدعي بالحق الخاص، أو المتهم إلا إذا رأت المحكمة أن الفصل في هذه الطلبات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إجراء الفصل في الدعوى الجزائية، فعندئذ ترجى المحكمة الفصل في تلك الطلبات إلى حين استكمال إجراءاتها. ( م/181 )
3 - يتلى الحكم في جلسة علنية ولو كانت الدعوى نظرت في جلسات سرية، وذلك بحضور أطراف الدعوى، ويجب أن يكون القضاة الذين اشتركوا في الحكم قد وقعوا عليه، ولا بد من حضورهم جميعاً وقت تلاوته ما لم يحدث لأحدهم مانع من الحضور، ويجب أن يكون الحكم مشتملاً على اسم المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره وأسماء القضاء وأسماء الخصوم والجريمة موضوع الدعوى وملخص لما قدمه الخصوم من طلبات أو دفاع وما أُستُنِد عليه من الأدلة والحجج ومراحل الدعوى ثم أسباب الحكم ونصه ومستنده الشرعي وهل صدر بالإجماع أو بالأغلبية. ( م/182 )
__________
(1) - الفقه الإسلامي أدلته 6/786، د/وهبة الزحيلي.(1/374)
4 - كل حكم يجب أن يسجل في سجل الأحكام ثم يحفظ في ملف الدعوى خلال عشرة أيام من تاريخ صدوره وتعطى صورة رسمية منه لكل من المتهم والمدعي العام والمدعي بالحق الخاص أن وجد، ويبلغ ذلك رسميا لمن ترى المحكمة إبلاغه بعد اكتسابه صفة القطعية. ( م/183 )
5 - يجب على المحكمة التي تصدر حكما في الموضوع أن تفصل في طلبات الخصوم المتعلقة بالأشياء المضبوطة ولها أن تحيل النزاع بشأنها إلى محكمة مختصة إذ وجدت ضرورة لذلك ويجوز للمحكمة أن تصدر حكماً بالتصرف في المضبوطات في أثناء نظر الدعوى. ( م/184 )
6 - لا يجوز تنفيذ الحكم الصادر بالتصرف في الأشياء المضبوطة - على النحو المبين في المادة الرابعة والثمانين بعد المائة - إذا كان الحكم الصادر في الدعوى غير نهائي، ما لم تكن الأشياء المضبوطة مما يسرع إليه التلف أو يستلزم حفظه نفقات كبيرة. ( م/185 )
7 - يجوز للمحكمة إذا حكمت بتسليم الأشياء المضبوطة إلى شخص معين أن تسلمه إياها فورا مع أخذ تعهد عليه - بكفالة أو بغير كفالة - بأن يعيد الأشياء التي تسلمها إذا لم يُؤَيَّد الحكم الذي تسلم الأشياء بموجبه. (م/185)
المادة السادسة والثمانون بعد المائة:
8 - إذا كانت الجريمة متعلقة بحيازة عقار ورأت المحكمة نزعه ممن هو في يده وإبقاءه تحت تصرفها في أثناء نظر الدعوى فلها ذلك.(م/186)
9 - إذا حكم بإدانة شخص في جريمة مصحوبة باستعمال القوة، وظهر للمحكمة أن شخصاً جرد من عقار بسبب هذه القوة جاز للمحكمة أن تأمر بإعادة العقار إلى حيازة من اغتصب منه دون الإخلال بحق غيره على هذا العقار.(م/186 )
10 - متى صدر حكم في موضوع الدعوى الجزائية بالإدانة ، أو عدم الإدانة بالنسبة إلى متهم معين فانه لا يجوز بعد ذلك أن ترفع دعوى جزائية أخرى ضد هذا المتهم عن الأفعال والوقائع نفسها التي صدر بشأنها الحكم. (م/187)(1/375)
11 - وإذا رفعت دعوى جزائية أخرى فيتمسك بالحكم السابق في أي حالة كانت عليها الدعوى الأخيرة، ولو أمام محكمة التمييز. ويجب على المحكمة أن تراعي ذلك ولو لم يتمسك به الخصوم. ويثبت الحكم السابق بتقديم صورة رسمية منه أو شهادة من المحكمة بصدده. ( م/187 )
6 - تمييز الأحكام: ( راجع مصطلح: تمييز )
7 - طلب إعادة النظر في الحكم:
بينت المواد (206 إلى 212) من نظام الإجراءات طلب إعادة النظر في الأحكام على النحو التالي:
1 - يجوز لأي من الخصوم أن يطلب إعادة النظر في الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في الأحوال آلاتية:
أ - إذا حكم على المتهم في جريمة قتل ثم وجد المدعى قتله حياً.
ب - إذا صدر حكم على شخص من أجل واقعة ثم صدر حكم على شخص آخر من أجل الواقعة ذاتها، وكان بين الحكمين تناقض يفهم منه عدم إدانة أحد المحكوم عليهما.
ج - إذا كان الحكم قد بُنِيَ على أوراق ظهر بعد الحكم تزويرها أو بني على شهادة ظهر بعد الحكم أنها شهادة زور.
د - إذا كان الحكم بُنِيَ على حكم صادر من إحدى المحاكم ثم ألغي هذا الحكم.
هـ - إذا ظهر بعد الحكم بيِّنَات أو وقائع لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه البيِّنَات أو الوقائع عدم إدانة المحكوم عليه أو تخفيف العقوبة.(م/206 )
2 - يرفع طلب إعادة النظر بصحيفة تقدم إلى المحكمة التي أصدرت الحكم، ويجب أن تشتمل صحيفة الطلب على بيان الحكم المطلوب إعادة النظر فيه وأسباب الطلب. ( م/207 )
3 - تنظر المحكمة في طلب إعادة النظر وتفصل أولا في قبول الطلب من حيث الشكل، فإذا قبلته حددت جلسة للنظر في الموضوع وعليها إبلاغ أطراف الدعوى. (م/208 )
4 - لا يترتب على قبول المحكمة طلب إعادة النظر من حيث الشكل وقف تنفيذ الحكم إلا إذا كان صادراً بعقوبة جسدية من قصاص أو حدد أو تعزير وفي غير ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف التنفيذ في قرارها بقبول طلب إعادة النظر. ( م/209 )(1/376)
5 - كل حكم صادر بعدم الإدانة بناء على طلب إعادة النظر يجب أن يتضمن تعويضاً معنوياً ومادياً للمحكوم عليه لما أصابه من ضرر إذا طلب ذلك.(م/210)
6 - إذا رفض طلب إعادة النظر فلا يجوز تجديده بناء على الوقائع نفسها التي بني عليها. ( م/211)
7 - الأحكام التي تصدر في موضوع الدعوى بناء على طلب إعادة النظر يجوز الاعتراض عليها بطلب تمييزها ما لم يكن الحكم صادراً من محكمة التمييز فيجب التقيد بما ورد في المادة الخامسة بعد المائتين من هذا النظام. (م/212)
8 - الأحكام النهائية وقوتها:
بينت المادتان ( 213، 214 ) من نظام الإجراءات الجزائية الأحكام النهائية وقوتها على النحو التالي:
1 - الأحكام النهائية هي: الأحكام المكتسبة للقطيعة بقناعة المحكوم عليه أو تصديق الحكم من محكمة التمييز أو مجلس القضاء الأعلى بحسب الاختصاص. (م/213)
2 - إذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجزائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالاعتراض على هذا الحكم وفقاً لما هو مقرر في هذا النظام. ( م/214)
9 - الأحكام الواجبة التنفيذ:
بينت المواد (215 إلى 220) من نظام الإجراءات ضوابط الأحكام الواجبة التنفيذ على النحو التالي:
1 - الأحكام الجزائية لا يجوز تنفيذها إلا إذا أصبحت نهائية. ( م/215)
2 - يفرج في الحال عن المتهم الموقوف إذا كان الحكم صادراً بعدم الإدانة أو بعقوبة لا يقتضي تنفيذها السجن أو إذا كان المتهم قد قضى مدة العقوبة المحكوم بها في أثناء توقيفه. ( م/216)
3 -إذا كان المحكوم عليه بعقوبة السجن قد أمضى مدة موقوفاً بسبب القضية التي صدر الحكم فيها وجب احتساب مدة التوقيف من مدة السجن المحكوم بها عند تنفيذها. ( م/217)
4 - يجوز للمحكمة التي أصدرت الحكم بالإدانة أن تأمر بتأجيل تنفيذ الحكم الجزائي لأسباب جوهرية توضحها في أسباب حكمها، على أن تحدد مدة التأجيل في منطوق الحكم. ( م/218)(1/377)
5 - يرسل رئيس المحكمة الحكم الجزائي الواجب التنفيذ الصادر من المحكمة إلى الحاكم الإداري لاتخاذ إجراءات تنفيذه، وعلى الحاكم الإداري اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم فوراً. ( م/219)
6 - تنفذ الأحكام الصادرة بالقتل أو الرجم أو القطع بعد صدور أمر من الملك أو من ينيبه. ( م/220)
7 - يشهد مندوبو الحاكم الإداري والمحكمة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة تنفيذ الأحكام الصادرة بالقتل أو الرجم أو القطع أو الجلد.(م/220)
***(1/378)
149 -حيازة ( أنظر مصطلح: مخدرات )
***(1/379)
حرف الخاء
150 -خبرة
1 - التعريف:
الخبرة في اللغة - بكسر الخاء وضمها - العلم بالشيء، ومعرفته على حقيقته، من قولك: خبرت بالشيء إذا عرفت حقيقة خبره(1).
والخبير بالشيء، العالم به صيغة مبالغة، مثل عليم، وقدير، وأهل الخبرة ذووها واستعمل في معرفة كنه الشيء وحقيقته ، قال الله تعالى: { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان 59] ، وعرف شيخ الإسلام ابن تيمية الخبرة: بأنها العلم ببواطن الأمور(2).
2 - من هم أهل الخبرة:
أهل الخبرة هم أهل المعرفة والدراية، بفن من الفنون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( والخبير بالأمور المطلع على بواطنها )، ويسمي الفقهاء أهل الخبرة بأهل البصيرة، ومن أهل الخبرة في هذا الزمن:
أ - الأطباء. ب - خبراء البصمات.
ج - خبراء الأسلحة. د - خبراء التحاليل الكيميائية.
هـ - مقدرو الشجاج. و - القافة ( المري ).
3 - حكم الأخذ بقول أهل الخبرة:
اتفق فقهاء المذاهب على جواز الأخذ بقول أهل المعرفة فيما يختصون بمعرفته إذا كانوا حذاقا مهرة، ومن ذلك الرجوع إلى أهل الطب والمعرفة بالجراح في معرفة طول الجرح، وعمقه وعرضه، وكذلك يرجع إلى أهل المعرفة من النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن كالبكارة.
قال ابن فرحون: ( ويرجع إلى أهل الطب والمعرفة بالجراح في معرفة طول الجرح وعمقه وعرضه، وهم الذين يتولون القصاص فيشقون في رأس الجاني أو في بدنه مثل ذلك، ولا يتولى ذلك المجني عليه، قالوا: وكذلك يرجع إلى أهل المعرفة من النساء في قياس الجرح وقدره إذا كان مما تجوز فيه شهادة النساء)(3).
__________
(1) - لسان العرب مادة ( خبر )
(2) - مجموع الفتاوى 18/31
(3) - تبصرة الحكام 2/84، 85(1/380)
وقال ابن قدامة: ( وتقبل شهادة الطبيب في الموضحة، إذا لم يقدر على طبيبين، وكذلك البيطار في داء الدابة؛ وجملته أنه إذا اختلف في الشجة، هل هي موضحة أو لا؟ أو فيما كان أكثر منها، كالهاشمة، والمنقلة، والآمة، والدامغة، أو أصغر منها، كالباضعة، والمتلاحمة، والسمحاق، أو في الجائفة، وغيرها من الجراح، التي لا يعرفها إلا الأطباء، أو اختلفا في داء يختص بمعرفته الأطباء، أو في داء الدابة، فظاهر كلام الخرقي أنه إذا قدر على طبيبين، أو بيطارين، لا يجزئ واحد; لأنه مما يطلع عليه الرجال، فلم تقبل فيه شهادة واحد، كسائر الحقوق، فإن لم يقدر على اثنين، أجزأ واحد; لأنه مما لا يمكن كل واحد أن يشهد به; لأنه مما يختص به أهل الخبرة من أهل الصنعة، فاجتزئ فيه بشهادة واحد، بمنزلة العيوب تحت الثياب، يقبل فيها قول المرأة الواحدة، فقبول قول الرجل الواحد أولى )(1).
4 - عدد أهل الخبرة:
الأصل أن قول أهل الخبرة إن كان على جهة الشهادة يجب فيه اثنان عند جمهور الفقهاء، إلا إذا لم يقدر على اثنين. وإن كان على جهة الإخبار والرواية فلا يجب فيه التعدد ويكفي فيه المخبر الواحد ولو كان غير مسلم، ومن هذا القبيل أهل المعرفة في العيوب، ومنهم الطبيب والبيطار، والخارص، والقائف، والقسام، وقائس الشجاج ونحوهم. واتفق الفقهاء على أنه لا يعتبر قول الواحد فيما يتعلق بحد من حدود الله تعالى.
5 - ندب الخبراء والاستعانة بهم وجواز الاعتراض عليهم:
بينت المواد (67 إلى 78) من نظام الإجراءات الجزائية جواز ندب الخبراء والاستعانة بهم، وجواز اعتراض الخصوم عليهم على النحو التالي:
1 - للمحقق أن يستعين بخبير مختص لإبداء الرأي في أي مسألة متعلقة بالتحقيق الذي يجريه. ( م/76)
__________
(1) - المغني 14/273(1/381)
2 - على الخبير أن يقدم تقريره كتابة في الموعد الذي حدد من قبل المحقق، وللمحقق أن يستبدل به خبيرا إذا لم يقدم التقرير في الميعاد المحدد له، أو وجد مقتضى لذلك، ولكل واحد من الخصوم أن يقدم تقريرا من خبير آخر بصفة استشارية. ( م/77)
3 - للخصوم الاعتراض على الخبير إذا وجدت أسباب قوية تدعو إلى ذلك، ويقدم الاعتراض إلى المحقق للفصل فيه، ويجب أن يبين فيه أسباب الاعتراض، وعلى المحقق الفصل فيه في مدة ثلاثة أيام من تقديمه.. ويترتب على هذا الاعتراض عدم استمرار الخبير في عمله إلا إذا اقتضى الحال الاستعجال فيأمر المحقق باستمراره. ( م/78)
***(1/382)
151 -خطف
1 - التعريف:
الخطف في اللغة: الأخذ في سرعة واستلاب، قال ابن منظور: الخَطْف: الاستلاب وقيل، الخطف الأخذ في سرعة واستلاب، خَطِفَه بالكسر يَخْطَفُه خَطْفاً بالفتح وهي اللغة الجيدة، وفيه لغة أخرى حكاها الأخفش خَطَفَ بالفتح يَخْطِفُ بالكسر وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف، اجتذبه بسرعة(1).
وهو في اصطلاح الفقهاء كذلك.
والمراد به هنا: خطف الأشخاص، والطائرات، والسيارات، والسفن، ونحوها على وجه المكابرة.
2 - حكم الخطف:
الخطف بجميع صوره وأشكاله محرم لأنه من الإفساد في الأرض، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الإفساد في الأرض، ولخطورة جرائم الخطف أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم 85 وتاريخ 11 /11/140هـ، الذي اعتبر جرائم السطو والخطف من جرائم الحرابة، والإفساد في الأرض، حيث جاء فيه النص التالي: (... وفي الدورة الثامنة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف من 29/10/1401هـ حتى 11 /11/1401هـ نظر المجلس في الموضوع وأطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة وبعد المناقشة المستفيضة وتداول الرأي انتهى المجلس إلى ما يلي:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( خطف)(1/383)
أولا: ما يتعلق بقضايا السطو والخطف: لقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم وما تسببه من التهديد للأمن العام في البلاد والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص وإن تنفيذ مقتضى أية الحرابة وما حكم به صلى الله عليه وسلم في المحاربين كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين إذ قال الله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة 33] ، وفي الصحيحين(1) واللفظ للبخاري عن أنس رضي الله عنه قال قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في الصفة فاجتووا المدينة فقالوا يا رسول الله أبغنا رسلا فقال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا وأشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا وقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصريخ فبعث الطلب في آثارهم فما ترجل النهار حتى أتى بهم فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا قال أبو قلابة سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله. أ هـ.
__________
(1) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 6804 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1671 ).(1/384)
وبناء على ما تقدم فإن المجلس يقرر الأمور التالية:
أ - إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحاري والقفار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى. قال أبن العربي يحكي عن وقت قضائه: رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجئ بهم فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتنين فقالوا: ليسوا محاربين لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال وإن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج. ا.هـ.
ب - يرى المجلس في قوله تعالى: { ِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } [ المائدة 33 ]، أن ( أو ) للتخيير كما هو الظاهر من الآية الكريمة وقول كثيرين من المحققين من أهل العلم رحمهم الله.(1/385)
ج - يرى المجلس بالأكثرية أن يتولى نواب الإمام - القضاة - إثبات نوع الجريمة والحكم فيها فإذا ثبت لديهم أنها من المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فسادا فإنهم مخيرون في الحكم فيها بالقتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض بناء على اجتهادهم مراعين واقع المجرم وظروف الجريمة وأثرها في المجتمع وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين إلا إذا كان المحارب قد قتل فإنه يتعين قتله حتما كما حكاه ابن العربي المالكي إجماعا وقال صاحب الإنصاف من الحنابلة: لا نزاع فيه ).
4 - عقوبة الخطف:
جرائم الخطف على سبيل المكابرة والمجاهرة ضرب من ضروب الحرابة والإفساد في الأرض ، فعقوبة الخطف هي العقوبة المقررة في جريمة الحرابة ، وقد مضى الكلام عنها مفصلاً في مصطلح: حرابة.
***(1/386)
152 -خلوة
1 - التعريف:
الخلوة في اللغة: انفراد الإنسان بنفسه أو بغيره، أو بمعنى المكان الذي يتم فيه ذلك. وفي المصباح المنير: خلا المنزل من أهله يخلو خلوا وخلاء فهو خال وأخلى بالألف لغة فهو مخل وأخليته جعلته خاليا ووجدته كذلك وخلا الرجل بنفسه وأخلى بالألف لغة وخلا بزيد خلوة انفرد به وكذلك خلا بزوجته(1).
وفي الاصطلاح: انفراد الرجل بالمرأة في مكان يبعد أن يطلع عليهما فيه أحد(2).
2 - حكم الخلوة:
خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه محرم ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب يقول: { لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم } متفق عليه(3).
3 - عقوبة الخلوة:
عقوبة الخلوة إذا لم تقترن بجريمة أخرى، عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
***
__________
(1) - المصباح المنير مادة ( خ ل و )
(2) - موسوعة المفاهيم الإسلامية صفحة 240
(3) - صحيح البخاري حديث رقم ( 5233 الإسلامية صفحة 240
- صحيح البخاري حديث رقم ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 1341 ).(1/387)
153 -خمر
1 - التعريف:
الخَمْرُ لغة: ما خَمَرَ العَقْلَ، وهو المسكر من الشراب، وهي خَمْرَةٌ وخَمْرٌ وخُمُورٌ مثل تمرة وتمر وتمور. قال ابن فارس: الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية، والمخالطةِ في سَتْر. فالخَمْر: الشَّراب المعروف، قال الخليل: الخمر معروفةٌ، وَاختمارُها: إدراكُها وغَليانُها، وَمخمّرها: متَّخِذها، وَخُمْرتها: ما غَشِيَ المخمورَ من الخُمار والسُّكْر في قَلْبه(1).
وفي الاصطلاح: كل مادة مسكرة سائلة كانت أو جامدة.
2 - الأحكام المتعلقة بالخمر:
سيأتي الكلام عنها بالتفصيل في مصطلح: مسكر.
***
__________
(1) - لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة مادة ( خمر )(1/388)
154 -خيانة
1 - التعريف:
الخيانة لغة: من الخَوْنُ وهو: أن يُؤْتَمَنَ الإنْسانُ فلا يَنْصَحَ، خانَهُ خَوْناً وخِيانَةً وخانَةً ومَخانَةً، واخْتانَهُ، فهو خائِنٌ وخائِنَةٌ وخَؤُونٌ وخَوَّانٌ جمعه: خانَةٌ وخَوَنَةٌ وخُوَّانٌ، وقد خانَهُ العَهْدَ والأمانَةَ(1).
وفي الاصطلاح: عدم التزام الأمانة فيما أؤتمن عليه. وعُرِّفت بأنها: أن يخون الرجل غيره في أمانته أو في نفسه أو في أهله أو في ماله(2).
2 - حكم الخيانة:
خيانة الأمانة حرام لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال 27 ]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: { آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان } متفق عليه(3).
وقد عد الذهبي - رحمه الله - الخيانة من الكبائر، ثم قال: (والخيانة في كل شيء قبيحة ، وبعضها شر من بعض ، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك وأرتكب العظائم ) (4).
3 - من صور الخيانة:
الخيانة تقع في كل ما أؤتمن الشخص عليه، فهي تقع في الأعمال، والأموال، والأقوال وتقع بين الأشخاص، والجماعات، والدول.
فمن صورها في الأعمال: أن يوكل إلى إنسان عمل من الأعمال، فيخون صاحب العمل بعدم تأدية العمل على الوجه الأكمل.
ومن صورها في الأموال: أن يودع شخص عند شخص آخر مالا، أو يوكله في بيع سلعة وقبض ثمنها فيخونه في ذلك، بأن يقول لم تودع عندي شيئا، أو يقول بعت بكذا، ويذكر قيمة أقل من القيمة الفعلية، وهذه الصورة كثيرة الحدوث في هذه الأزمنة. ومن صورها في الأقوال: أن يحدث شخص شخصاً آخر بحديث فيه سر ويطلب منه كتمان هذا السر ، فيقوم بإفشائه.
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( خون )
(2) - حاشية العدوي 2/418
(3) - صحيح البخاري حديث رقم ( 33 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 59 ).
(4) - كتاب الكبائر صفحة ( 92 ) الكبيرة الرابعة والثلاثون.(1/389)
4 - عقوبة الخيانة:
الخيانة توجب العقوبة التعزيرية، التي تقدر بحسب الخيانة، ومعلوم أن العقوبات التعزيرية تصل أحيانا إلى مرتبة القتل، وهو وجيه في من خان أمن الدول، وباع أسرارها لعدوها. وإن كانت الخيانة في الأموال فإن الخائن لا تقطع يده لحديث ، جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع } (1). قال ابن الهمام: وقد حكي الإجماع على هذه الجملة(2). ولأن الواجب قطع يد السارق، والخائن غير سارق لقصور في الحرز، لأن المال قد كان في يد الخائن وحرزه لا حرز المالك على الخلوص، وذلك لأن حرزه وإن كان حرز المالك فإنه أحرزه بإيداعه عنده لكنه حرز مأذون للأخذ في دخوله(3).
***
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث رقم ( 1448) والنسائي الحديث رقم ( 4885 ).
(2) - فتح القدير 5/374
(3) - الموسوعة الفقهية 20/188(1/390)
حرف الدال
155 -دخان ( راجع مصطلح: تبغ )
156 -دعارة
1 - التعريف:
الدَّعارَةُ في اللغة: هي الفِسْقُ. وعُودٌ دَعِرٌ أَي كثير الدخان. قال ابن فارس : الدال والعين والراء أصلٌ واحد، يدلُّ على كراهةٍ وأذى، وأصله الدُّخَان: يقال عُودٌ دَعِرٌ، إذا كان كثيرَ الدُّخان، قال ابنُ مُقبِل:
باتَتْ حواطِبُ لَيْلَى يلتمسْن لها جَزْل الجِذَى غَيْرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ
ومن ذلك اشتقاق الدَّعارة في الخُلُق، وَالدَّعَر: الفَساد(1).
وهي في اصطلاح الفقهاء: الفسق والفجور.
وعرفها ابن الأثير فقال: ( الدعارة: الفساد والشر، ورجل داعر خبيث مفسد، ومنه الحديث كان في بني إسرائيل رجل داعر؛ ويجمع على دعار )(2).
والدعارة وإن كانت لفظ عام في كل شر، إلا أنها في الأمور المتعلقة بالزنا ودواعيه من دياثة ، وقوادة ، ونحوها أخص.
2 - حكم الدعارة:
الدعارة بشتى صورها محرمة، لأنها كما عرفها الفقهاء، وأهل اللغة، فسق وفجور، والفسق أعم من الكفر، قال تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ. أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [سورة السجدة 18-20].، وقال تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ التوبة 67 ].
ومن معاني الدعارة كما سبق الفجور وهو كما قال الجرجاني:( هيئة حاصلة للنفس، بها يباشر أمورا على خلاف الشرع والمروءة )(3).
__________
(1) - لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة مادة ( دعر )
(2) - النهاية في غريب الحديث 2/ 111
(3) - التعريفات للجرجاني صفحة (232).(1/391)
وقال الجاحظ: الفجور هو الانهماك في الشهوات، والاستكثار منها، والتوفر على اللذات، والإدمان عليها، وارتكاب الفواحش، والمجاهرة بها، وبالجملة هو السرف في جميع الشهوات )(1). وقد حكم الله سبحانه وتعالى ولا معقب لحكمه على الفجار بالجحيم، في قوله تعالى: { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ.وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار 13-14]. وقال تعالى: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ. تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ. أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } [ عبس 40-42 ].
والفجور يطلق على فعل الزنا كما في قصة الغامدية - رضي الله عنها - التي أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تائبة فقالت: ( إني فجرت....)(2).
3 - أقوال العلماء في أهل الدعارة:
قال الحطاب المالكي في معرض كلامه عن الدار المؤجرة: ( وكذلك إذا ظهر فيها الدعارة والطنابير والزمر وشرب الخمر وبيعها فليمنعه الإمام وليعاقبه، فإن لم ينته أخرجه عن جيرانه وأكراها عليه ولا يفسخ الكراء )(3).
وقال الطرابلسي: ( رجل دخل على رجل في منزله فبادره صاحب المنزل فقتله وقال: إنه داعر دخل عليَّ ليقتلني، فإن كان الداخل معروفا بالدعارة لم يجب القصاص، وإن لم يكن معروفا وجب )(4). وقال أيضا: ( إذا رفع للقاضي رجل يعرف بالسرقة والدعارة فادعى عليه بذلك رجل فحبسه لاختبار ذلك فأقر في السجن بما ادعى عليه من ذلك فذلك يلزمه، وهذا الحبس خارج عن الإكراه )(5).
__________
(1) - موسوعة نظرة النعيم 11/5220
(2) - القصة في سنن أبي داود الحديث رقم ( 4442 ).
(3) - التاج والإكليل 4/567
(4) - معين الحكام (178).
(5) - معين الحكام (179).(1/392)
وقال ابن فرحون: ( ومن استرعي عليه الشهادة أنه من أهل الفسق والدعارة والشر ومجانبة أهل الخير والصلاح، وثبت عليه هذا، وجبت عقوبته وإطالة سجنه حتى تظهر توبته ويصلح حاله، ولو شهد له شهود عدول مع هذه الشهادة بأنه من أهل العافية والصلاح، لم تفد شهادتهم شيئا والشهادة الأولى أعلم ; لأنهم شهدوا بباطن، والثانية بظاهر، فالأولى أقوى إلا أن يكون عنده مدفع )(1).
وقال الجصاص: (واختلف الفقهاء في حد المحصن وغير المحصن في الزنا، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: يرجم المحصن ولا يجلد ويجلد غير المحصن، وليس نفيه بحد وإنما هو موكول إلى رأي الإمام إن رأى نفيه للدعارة فعل كما يجوز حبسه حتى يحدث توبة )(2).
وقال الطحاوي: ( ذهب قوم إلى أن البكر إذا زنى، فعليه جلد مائة وتغريب عام جميعا، واحتجوا في ذلك، بهذه الآثار. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: حد البكر إذا زنى جلد مائة ولا نفي عليه مع الجلد إلا أن يرى الإمام أن ينفيه للدعارة التي كانت منه فينفيه إلى حيث أحب كما ينفى الدُّعار وغير الزناة )(3).
3 - عقوبة الدعارة:
الدعارة تختلف عقوبتها بحسب نوع الجريمة، فمنها ما يوجب الحد كفعل الزنا بإيلاج، ومنها ما يوجب التعزير كفعل مقدمات الزنا، وفتح دور للدعارة والقوادة ، ونحو ذلك ، وفي جميع الأحوال فإن الدعارة بوابة الفساد والانحلال الأخلاقي ، فهي تحتاج إلى عقوبة شديدة ورادعة.
***
__________
(1) - تبصرة الحكام 1/454
(2) - أحكام القرآن 3/377
(3) - شرح معاني الآثار 3/135(1/393)
157 -دعوى:
1 - التعريف:
الدَّعْوَى في اللغة: اسمٌ لما يَدَّعيه الشخص، يقال: دعوى فلان كذا، أي قوله، وجمعها دعاوى، ودعاوٍ(1).
وفي الاصطلاح: الدعوى: قول مقبول عند القاضي يقصد به قائله طلب حق معلوم قبل غيره حال المنازعة، أو دفعه عن حق نفسه(2).
وفي القانون الوضعي: هي الحق الذي يعود لكل ذي مطلب بأن يتقدم به إلى القضاء للحكم له بموضوعه(3).
2 - حكم الدعوى:
لما كانت الدعوى في حقيقتها إخبارا يقصد به طلب حق أمام القضاء، وهي تحتمل الصدق والكذب، فمن البدهي أن تكون محرمة إذا كانت دعوى كاذبة، وكان المدعي يعلم ذلك، أو يغلب ذلك على ظنه.
أما إذا كان يغلب على ظنه أنه محق في دعواه، فهي عندئذ تصرف مباح، فله أن يرفعها، إلا إذا كان يقصد بها الضرار، فتكون محرمة، كما لو كان يعلم أن غريمه لا ينكر حقه، وأنه على استعداد لتوفيته إياه، فيرفع الدعوى للتشهير به، فتكون محرمة.
3 - أركان الدعوى:
أركان الدعوى عند جمهور الفقهاء هي(4):
1 - المدعي: هو من يلتمس بقوله أخذ شيء من يد غيره، أو إثبات حق في ذمته.
2 - المدعى عليه: هو من ينفي دعوى المدعي.
3 - المدعى به: هو الحق الذي يطالب به المدعي، فهو موضوع الدعوى.
4 - القول الذي يصدر عن المدعي: وهو طلب حق لنفسه أو لمن يمثله.
4 - أنواع الدعاوى باعتبار صحتها:
* أولا: الدعوى الصحيحة: وهي الدعوى المستوفية لجميع شروطها، وتتضمن طلبا مشروعاً، وهذه الدعوى يترتب عليها جميع أحكامها، فيكلف الخصم بالحضور، وبالجواب إذا حضر، وتطلب البينة من المدعي إذا أنكر خصمه، وتوجه اليمين إلى المدعى عليه إن عجز المدعي عن البينة.
__________
(1) - أنظر لسان العرب، والمعجم الوسيط، مادة ( دعا ).
(2) - رد المحتار على الدر المختار 5/541
(3) - معجم القوانين صفحة (162)
(4) - انظر: نظلم القضاء في الشريعة الإسلامية صفحة (9) د/ عبد الكريم زيدان(1/394)
* ثانيا: الدعوى الفاسدة: وهي الدعوى التي استوفت جميع شروطها الأساسية، ولكنها مختلة في بعض أوصافها بصورة يمكن إصلاحها وتصحيحها، كأن يدعي شخص على آخر بدين ولا يبين مقداره، أو يدعي عليه استحقاق عقار ولا يبين حدوده ؛ وترجع أسباب الفساد في الدعوى إلى تخلف أحد شرطين هما:
أ - شرط المعلومية: معلومية المدعى، كما في المثالين السابقين، أو معلومية سبب الاستحقاق فيما يشترط فيه ذكره من الدعاوى.
ب - الشروط المطلوبة في التعبير المكون للدعوى، كما لو كانت الدعوى في طلب عين من الأعيان، ولم يذكر المدعي فيها أنها بيد المدعى عليه، أو يكون متردداً في الألفاظ التي يستعملها، كأن يقول: أشك أو أظن أن لي على فلان ألف درهم مثلا. ففي جميع هذه الحالات لا ترد الدعوى، وإنما يطلب من المدعي إكمال ما ينقصها، فإن فعل ذلك نظرت دعواه، وطلب الجواب من خصمه، وإلا فترد إلى أن يصححها.
وهذا الاصطلاح في تسمية هذه الأنواع من الدعاوى بالفاسدة اختص به فقهاء الحنفية. غير أن فقهاء الشافعية ذكروا هذا النوع من الدعاوى، وجعلوا له الأحكام ذاتها، إلا أنهم يسمونها بالدعاوى الناقصة. والدعوى الناقصة عندهم هي: كل دعوى يفتقر الحاكم في فصل الخصومة معها إلى شيء آخر.(1/395)
* ثالثا: الدعوى الباطلة: وهي الدعوى غير الصحيحة أصلا، ولا يترتب عليها حكم؛ لأن إصلاحها غير ممكن. وتعود أسباب البطلان في الدعاوى إلى فقد أحد الشروط الأساسية المطلوبة فيها. ومن أمثلة الدعوى الباطلة الدعوى التي يرفعها الشخص، ولا يكون له في رفعها صفة، كأن يكون فضولياً، فلا تسمع دعواه وتكون باطلة ؛ وكذلك الدعوى المرفوعة على من ليس بخصم، والدعوى المرفوعة ممن ليس له أهلية التصرفات الشرعية، والدعوى التي لا تستند إلى حق ولو في الظاهر، كمن يطلب في دعواه الحكم على آخر بوجوب إقراضه مالا لأنه معسر، ودعوى ما ليس مشروعا، كدعوى المطالبة بثمن خمر، أو خنزير، أو ميتة(1).
5 - أقسام الدعاوى عند ابن تيمية:
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 25/281(1/396)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الدعاوى قسمان: دعوى تهمة، وغير تهمة. فدعوى التهمة: أن يدعي فعلا يحرم على المطلوب يوجب عقوبته ; مثل قتل ; أو قطع طريق أو سرقة ; أو غير ذلك من أنواع العدوان المحرم كالذي يستخفي به بما يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأوقات في العادة. وغير التهمة: أن يدعي دعوى عقد من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان أو دعوى لا يكون فيها سبب فعل محرم ; مثل دين ثابت في الذمة من ثمن بيع أو قرض أو صداق أو دية خطأ أو غير ذلك. فكل من القسمين قد يكون دعوى حد لله عز وجل محض كالشرب والزنا ؛ وقد يكون حقا محضا لآدمي: كالأموال ؛ وقد يكون فيه الأمران كالسرقة وقطع الطريق. فهذان القسمان إذا أقام المدعي فيه حجة شرعية وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه; لما روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ; ولكن اليمين على المدعى عليه } (1)، وفي رواية في الصحيحين عن ابن عباس: { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه } (2)، فهذا الحديث نص أن أحدا لا يعطى بمجرد دعواه... )(3).
6 - دعوى الحسبة:
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1711 ).
(2) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 2668 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1711 ).
(3) - مجموع الفتاوى 35/389(1/397)
الدعوى هي طلب شخص حقه من آخر في حضور الحاكم كما سبق، فهي أصلا تحتاج إلى طالب وهو المدعي، ومطالب به وهو المدعى به، ومطلوب منه وهو المدعى عليه. وإذا كان المدعى به من حقوق العباد فلا تتحقق الدعوى بغير الطلب من مدع معين كما هو الأصل. أما إذا كان من حقوق الله تعالى كالحدود والتعدي على ما يرجع منافعه للعامة، فلا تحتاج إلى مدع خاص، وتقبل فيها شهادة الحسبة(1). قال الدكتور/ عبد الكريم زيدان: ( وفي نطاق القضاء يراد بدعوى الحسبة، تلك الدعوى التي يتقدم بها الشخص إلى القاضي دون أن يطلب بها حقاً خاصا لنفسه، وإنما يطلب بها حقا لله تعالى، ويكون هو مدعياً وشاهداً في آن واحد في هذه الدعوى، كما لو ادعى شخص بأن فلانا طلق زوجته ثلاثا وهو لا يزال يعاشرها معاشرة الأزواج ويطلب التفريق بينهما )(2).
7 - ذكر السبب في الدعاوى الجنائية:
لم يختلف الفقهاء في وجوب ذكر السبب في الدعوى الجنائية، ففي دعوى القتل مثلا يشترط ذكر القتل وهل هو عن عمد أو عن خطإ ، وإلا فإن الدعوى لا تكون صحيحة حتى يصححها صاحبها، وسبب ذلك أن الفائت بالقتل ونحوه من الجنايات لا يعوض، وقد يحكم بشيء لا يمكن رده بعد الحكم، ولأن الأحكام الصادرة في هذه الدعاوى تتعلق بالأصول التي جاء الإسلام لحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فلا يجوز التهاون في أمرها، ولأن الحدود والقصاص تدفع بالشبهات، وعدم التفصيل في دعواها يورث شبهة، فلا تقبل.
8 - الدعوى الكيدية: ( أنظر مصطلح: كيد )
9 - الدعوى العامة:
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 20/296
(2) - نظام القضاء في الشريعة الإسلامية صفحة ( 95 ).(1/398)
الدعوى العامة هي: المطالبة بحق عام لا يخص شخص بعينه، بل يشترك فيه كافة المجتمع كالدعوى على شارب الخمر، وعلى متعاطي المخدرات، وفي جرائم القتل بعد سقوط القصاص، والدعوى على كل من ارتكب جريمة تشكل خطرا على الأمن العام، فالحق المتعلق بهذه الجرائم هو حق عام لكل أفراد المجتمع.
قال الدكتور/ سعد بن ظفير: ( إن الذي يتولى إقامة الدعوى بحقوق الله تعالى هو الحاكم المسلم ، أو نائبه، ورجال الحسبة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو غيرهم ممن يدخلون تحت هذا المصطلح.فقد أناط الشرع الإسلامي مهمة إقامة الحدود بهم لاعتبارات هامة، ويتضمن هذا التكليف إقامة الدعوى بها. والذي يتولى هذه السلطة اليوم هو ما اصطلح على تسميته بالمدعي العام أو نائب المدعي العام ، كما هو الاصطلاح في المملكة العربية السعودية، وبعض البلاد العربية الأخرى ؛ أو النيابة العامة كما هو الحال في بعض القوانين العربية )(1).
وقد نصت الفقرة ( ج ) من البند أولا من المادة الثالثة من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام على اختصاص الهيئة بالادعاء أمام الجهات القضائية وفقا للائحة الهيئة التنظيمية. وبينت ( المادة الستون ) من مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والادعاء العام مهام المدعي العام على النحو التالي:
1 - يتولى المدعي العام مباشرة دعوى الحق العام أمام الجهات القضائية المختصة بنفسه في المواعيد التي تحددها، وتقديم أدلة إثبات الجريمة وطلب إدانة المتهم وتوقيع العقوبة اللازمة عليه.
2 - يباشر المدعي العام دعوى الحق العام بموجب لائحة يبرز فيها الوقائع الثابتة في القضية، والأوصاف الجرمية، وأدلتها والدور الجرمي لكل متهم، والإشارة للنصوص الشرعية، أو النظامية للعقوبة المنطبقة وطلب إنزالها بحق المتهمين، وتكون هذه اللائحة مستندة إلى الاستدلالات، أو إلى قرار الاتهام أو إلى الأمرين معا.
__________
(1) - قواعد المرافعات الشرعية صفحة 111(1/399)
3 - على المدعي العام التصدي لكل ما يدفع به المتهم أو وكيله للتنصل من التهمة، أو الطعن في التحقيقات أو تجريح الأدلة.
4 - إذا ظهر أثناء نظر الدعوى أدلة نفي مؤكدة فلا يجوز للمدعي العام أن يطلب البراءة للمتهم بل يترك الأمر للمحكمة.
10 - رفع الدعوى الجنائية :
ورد في الفصل الأول من الباب الثاني من نظام الإجراءات الجزائية ، بيان كيفية رفع الدعوى الجزائية على النحو التالي:
1 - تختص هيئة التحقيق والادعاء العام وفقاً لنظامها بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة. ( م/16 )
2 - للمجني عليه أو من ينوب عنه، ولوارثه من بعده ، حق رفع الدعوى الجزائية في جميع القضايا التي يتعلق بها حق خاص، ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة.وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور.(م/17)
3 - لا يجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراءات التحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناءاً على شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إلى الجهة المختصة ، إلا إذا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة عامة في رفع الدعوى والتحقيق في هذه الجرائم. (م/18 )
4 - إذا تبين للمحكمة في دعوى مقامة أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم ، أو وقائع أخرى مرتبطة بالتهمة المعروضة فعليها أن تحيط من رفع الدعوى علماً بذلك، لاستكمال ما يلزم لنظرها والحكم فيها بالوجه الشرعي، ويسري هذا الإجراء على محكمة التمييز إذا ظهر لها ذلك. ( م/20 )
11 - لائحة الدعوى العامة:
يقوم المدعي العام بتقديم دعواه مكتوبة، بصحيفة تسمى ( لائحة الدعوى العامة ) ويجب أن تشتمل هذه اللائحة على بيانات أساسية، مثل:
1 - البيانات المتعلقة بالمتهم: اسمه، وعمره، وجنسيته، ورقم هويته، وبيان إن كان موقوفا أو مطلقا، وتاريخ توقيفه، وبيان حالته - في جرائم الزنا - إن كان محصنا، أو غير محصن، وفي جرائم الحدود، تبين الديانة.(1/400)
2 - مضمون الدعوى: وهو بيان نوع الدعوى التي يدعي بها ضد المتهم.
3 - الوقائع: وتشمل كيفية القبض على المتهم، والتحقيق معه، وإنكاره أو إقراره، وشهادة الشهود، وتفصيل الأدلة، والقرائن، المستند عليها في توجيه الاتهام، وما انتهى إليه التحقيق.
4 - ذكر موجز للأدلة المستند عليها مرتبة حسب الأقوى فالأقوى.
5 - السوابق: فتبين السوابق الموجودة على المتهم، ويلاحظ أنها لا تدخل ضمن الأدلة.
6 - الطلب: ويتضمن نوع العقوبة التي يطالب المدعي العام بإيقاعها على المتهم، سواء كانت حدية أو تعزيرية.
7 - تختم لائحة الدعوى العامة باسم وتوقيع المدعي العام.
12 - انقضاء الدعوى الجنائية:
بيَّن نظام الإجراءات الجزائية في المادتين (22، 23 ) كيفية إنقضاء الدعوى الجزائية على النحو التالي:
* تنقضي الدعوى الجزائية العامة في الحالات الآتية:
1 - صدور حكم نهائي.
2 - عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو.
3 - ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة.
4 - وفاة المتهم.
ولا يمنع ذلك من الاستمرار في دعوى الحق الخاص.
* وتنقضي الدعوى الجزائية الخاصة في الحالتين الآتيتين:
1 - صدور حكم نهائي.
2 - عفو المجني عليه أو وارثه.
ولا يمنع عفو المجني عليه، أو وارثه من الاستمرار في دعوى الحق العام.
***(1/401)
158 -دليل
1 - التعريف:
الدليل لغة: من دلَّ، أي أرشد، قال ابن فارس : الدال واللام أصلان: أحدهما إبانة الشيء بأمارةٍ تتعلمها، والآخَر اضطرابٌ في الشيء. فالأوَّل قولهم: دلَلْتُ فلاناً على الطريق، والدليل: الأمارة في الشيء، وهو بيّن الدَّلالة وَالدّلالة(1).
وفي الاصطلاح: هو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى علم أو ظن(2).
وقيل في تعريفه أيضا: ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري ولو ظنا، وقد يخصه بعضهم بالقطعي(3).
2 - أنواع الأدلة:
الأدلة نوعان:
* النوع الأول: أدلة ثبوت الأحكام الشرعية وهي: الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، وقول الصحابي ، والقياس الصحيح، والمصالح المرسلة ، والاستصحاب ، والعرف ، والبراءة الأصلية، والاستقراء، وسد الذرائع.
* النوع الثاني: أدلة إثبات الوقائع وهي: الإقرار، والشهادة، والاستفاضة، والقرائن.
والذي يهمنا في هذا البحث هو أدلة الإثبات ، وسنبين ما يتعلق بها بالتفصيل في مواضعها إن شاء الله.
3 - الطعن في الأدلة بالتزوير: ( راجع مصطلح : تزوير )
***
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( دل ).
(2) - حاشية البجرمي 1/7
(3) - الموسوعة الفقهية 21/22(1/402)
159 -دياثة
1 - التعريف:
الدِّيَاثَةُ لغة: الالتواء في اللسان، ولعله من التذليل والتليين، وهي مأخوذة من دَاثَ الشيء دَيْثاً، ويعدى بالتثقيل فيقال ديَّث غيره ؛ ومنه اشتقاق الدَّيُوث، وهو الرجل الذي لا غَيْرَةَ له على أهله(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: الدياثة هي: عدم الغيرة على الأهل والمحارم.
والديوث:هو الذي يرى مع امرأته أو محرمه رجلا فيدعه خاليا بها(2).
وربما أطلق الفقهاء على الديوث ألفاظ: قوَّاد ، قرنان ، وكشخان ، وقرطبان(3).
2 - حكم الدياثة:
الدياثة محرمة، والجنة محرمة على الديوث، لما رواه الحاكم عن عبد الله بن يسار الأعرج أنه سمع سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق بوالديه والديوث ورجلة النساء } . قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( ثم المسلمون متفقون على ذم الدياثة، ومن تزوج بغيا كان ديوثا بالاتفاق ) (5).
__________
(1) - لسان العرب، والمصباح المنير، مادة ( ديث )
(2) - تبيين الحقائق 3/208
(3) - أنظر شرح منتهى الإرادات 3/358
(4) - المستدرك الحديث رقم ( 244 )
(5) - الفتاوى الكبرى 3/152(1/403)
وعدَّ الهيتمي - رحمه الله - الدياثة من الكبائر فقال: ( الكبيرة الثانية والثمانون والثالثة والثمانون بعد المائتين: الدياثة والقيادة بين الرجال والنساء أو بينهم وبين المرد. عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والديوث، والرجلة من النساء } .رواه الحاكم في مستدركه(1). وقال البهوتي: (ومن الكبائر، اليمين الغموس وترك الصلاة والقنوط من رحمة الله وإساءة الظن بالله تعالى وأمن مكر الله وقطيعة الرحم والكبر والخيلاء والقيادة والدياثة ونكاح المحلل وهجره المسلم العدل، أي ترك كلامه )(2).
3 - الفرق بين الدياثة والقوادة:
الدياثة: هي استحسان الرجل على أهله. والقوادة: هي استحسان الرجل على غير أهله وهي مقيسة على الدياثة (3).
4 - من صور الدياثة:
الدياثة كما سبق بيانها هي عدم الغيرة على الأهل والمحارم، ومن صورها ما نقله السفاريني عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته، وغلظ القول فيه وقال هو دياثة، فمن فعل ذلك كان ديوثا(4).
5 - عقوبة الدياثة:
من أقر على نفسه بالدياثة ، وجب تعزيره تعزيرا بليغا بالجلد والحبس، حسبما يراه القاضي ، ولا يقتل ما لم يستحلها.(5)
***
__________
(1) - الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/81. والحديث في المستدرك برقم ( 244 )
(2) - كشاف القناع 6/449
(3) - أنظر حاشية العطار على شرح الجلال المحلي 2/188
(4) - غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 1/163
(5) - أنظر حاشية ابن عابدين 4/71(1/404)
160 -دية
1 - التعريف:
الدِّيةُ في اللغة: حَقُّ القَتيلِ، وقد وَدَيْتُه وَدْياً. والدِّيةُ واحدة الدِّيات، والهاءُ عوض من الواو، تقول: ودَيْتُ القَتِيلَ أَدِيه دِيةً إِذا أَعطيت دِيَتَه، واتَّدَيْتُ أَي أَخذتُ دِيَتَه، وإِذا أَمرت منه قلت: دِ فلاناً، وللاثنين دِيا، وللجماعة دُوا فلانا(1).
وفي الاصطلاح: هي المال المؤدى إلى مجني عليه، أو وليه، أو وارثه بسبب جناية.
2 - مشروعية الدية:
الأصل في مشروعية الدية، الكتاب، والسنة، والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } [ النساء آية 92 ]. ومن السنة ما رواه النسائي عن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو ابن حزم فقرئت على أهل اليمن هذه نسختها: { من محمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل ابن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد، وكان في كتابه: إن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وإن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار } . وفي رواية زيادة { وفي اليد الواحدة نصف الدية } (2).
__________
(1) - لسان العرب مادة ( ودي )
(2) - الحديث في سنن النسائي برقم ( 4770، 4771 ).(1/405)
وأما الإجماع فقد نقله ابن المنذر - رحمه الله - فقال: ( وأجمعوا على أن دية الرجل مائة من الإبل ، وأجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل ، وأجمعوا على ما في الآية التي في سورة النساء : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً } .[ النساء آية 92 ] ) (1).
3 - مقدار الدية:
سبق ذكر حديث عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، في بيان مقدار الديات، وهو في منتهى الوضوح والبيان، وقد بين مجلس القضاء الأعلى بيان هذه المقادير بالعملة النقدية الورقية، ووافق المقام السامي على ذلك، فجاء في خطاب صاحب السمو الملكي نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 22266 في 29/9/1401هـ النص التالي: ( نشير إلى خطاب سماحة رئيس مجلس القضاء الأعلى رقم 1652/1 وتاريخ 7/9/1401هـ ومشفوعه قرار المجلس بهيئته العامة رقم 133 وتاريخ 3/9/1401هـ المدرجة نسخته بخصوص اقتراح تعديل الديات والذي تضمن ما نصه: إن مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة يقترح ما يلي:
1- تكون دية شبه العمد مائة وعشرة آلاف ريال.
2 - تكون دية الخطأ المحض مائة ألف ريال.
3 - يسري أثر هذا التقدير من تاريخ الموافقة عليه من ولي الأمر.
4 - يعتبر هذا التقدير ساريا على كل حالة لم يتم الحكم فيها قبل صدور الموافقة عليه.
5 - دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل المسلم، وإن دية جراحها وأطرافها مثل دية الرجل حتى ثلث الدية ثم تكون على النصف من دية الأطراف وجراح الرجل. وحيث وافق جلالة مولاي حفظه الله على ذلك نرغب إليكم إكمال موجبه ).
4 - أنواع الديات:
أولا: أنواعها باعتبار المجني عليه:
تتنوع الدية باعتبار المجني عليه إلى أربعة أنواع هي:
1 - دية النفس. 2 - دية الأعضاء.
3 - دية القوى ( المنافع ). 4 - دية الجراح.
ثانيا: أنواعها باعتبار فعل الجاني:
تنقسم الدية باعتبار فعل الجاني إلى ثلاثة أقسام هي:
__________
(1) - الإجماع لابن المنذر صفحة ( 166 ).(1/406)
1 - دية العمد: وهي عند الجمهور مقدرة، وعند أبي حنيفة، ما اصطلحا عليه.
2 - دية شبه العمد: وهي مقدرة، ومغلظة.
3 - دية الخطأ: وهي مقدرة، مخففة(1). ( لتفاصيل أكثر أنظر: قصاص )
***
__________
(1) - أنظر: العفو عن العقوبة في الفقه الإسلامي، صفحة ( 305 ) د/ زيد بن عبد الكريم.(1/407)
حرف الذال
161 -ذمي
1 - التعريف:
الذّمّة في اللغة: العهد، والأمانة، والضمان، والذمي: الذي أُعطي الأمان على دمه وعرضه وماله ممن يعطون الجزية. قال ابن منظور: عَاهَدَ الذِّمِّيَّ: أَعطاهُ عَهْداً، وقيل: مُعَاهَدَتُه مُبايَعَتُه لك على إِعطائه الجزية والكفِّ عنه. والمُعاهَدُ: الذِّمِّيُّ. وأَهلُ العهدِ: أَهل الذمّة، فإِذا أَسلموا سقط عنهم اسم العهد(1). وقال ابن فارس: وأهل الذّمّة: أهلُ العَقْد، قال أبو عُبيد: الذّمّة الأمان في قوله صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم: { ويَسْعَى بذمَّتهم } ، ويقال أهل الذّمّة لأنهم أدَّوا الجِزْيَة فأمِنُوا على دمائهم وأموالهم(2).
وفي اصطلاح الفقهاء: الذمي نسبة إلى الذمة، أي: العهد من الإمام - أو ممن ينوب عنه - بالأمن على نفسه وماله نظير التزامه الجزية ونفوذ أحكام الإسلام(3).
2 - ما هو عقد الذمة:
عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الإسلام الدنيوية، والغرض منه، أن يترك الذمي القتال، مع احتمال دخوله الإسلام عن طريق مخالطته بالمسلمين، ووقوفه على محاسن الدين. فكان عقد الذمة للدعوة إلى الإسلام، لا للرغبة أو الطمع فيما يؤخذ منهم من الجزية.
3 - حكم الكفار الذين يعيشون في بلاد المسلمين في هذا الزمان:
الكفار الذين يعيشون في بلاد المسلمين في هذا الزمان، ليسوا أهل ذمة، ولكنهم مستأمنون، لأنهم لم يدفعوا الجزية للمسلمين، لأن عقد الذمة كما سبق بيانه يشترط له شرطان، الأول: بذل الجزية، والثاني: الالتزام بأحكام الإسلام.
4 - جناية الذمي:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( عهد ).
(2) - معجم مقاييس اللغة مادة ( ذم )
(3) - فقه السنة 3/110(1/408)
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ( وإذا قتل الذمي الذمية أو الذمي أو المستأمن أو المستأمنة أو جرح بعضهم بعضا فذلك كله سواء فإذا طلب المجروح أو ورثة المقتول حكمنا عليهم بحكمنا على أهل الإسلام فيما بينهم لا يختلف فنجعل القود بينهم كما نجعله بين المسلمين في النفس وما دونها ونجعل ما كان عمدا لا قود فيه في مال الجاني وما كان خطأ على عاقلة الجاني إذا كانت له عاقلة فإن لم تكن له عاقلة كان ذلك في ماله ولم يعقل عنه أهل دينه ; لأنهم لا يرثونه ولا المسلمون ; لأنه ليس بمسلم وإنما يأخذون ماله إذا لم يكن له وارث فيئا )(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وإذا شرب الذمي الخمر فهل يحد، ثلاثة أقوال للفقهاء، قيل يحد وقيل لا يحد، وقيل يحد إن سكر، وهذا إذا أظهر ذلك بين المسلمين، وأما ما يختفون به في بيوتهم من غير ضرر بالمسلمين بوجه من الوجوه فلا يتعرض لهم ، وعلى هذا فإذا كانوا لا ينتهون عن إظهار الخمر أو عن معاونة المسلمين عليها أو بيعها وهديها للمسلمين إلا بإراقتها عليهم فإنها تراق عليهم مع ما يعاقبون به ، إما بما يعاقب به ناقض العهد وإما بغير ذلك)(2).
وقال: ( وإذا زنى الذمي بالمسلمة قتل ولا يصرف عنه القتل الإسلام ولا يعتبر فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضته واشتهاره)(3).
وقال: ( ولو قال الذمي: هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب ينغصون علينا إن أراد طائفة معينين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله وإن ظهر منه قصد العموم ينقض عهده ووجب قتله )(4).
__________
(1) - الأم 6/48
(2) - الفتاوى الكبرى 3/434
(3) - الفتاوى الكبرى 5/527
(4) - الفتاوى الكبرى 5/545(1/409)
وقال ابن القيم: ( قال شيخنا في الذمي: إذا زنى بالمسلمة قتل، ولا يرفع عنه القتل الإسلام، ولا يشترط فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره، هذا نص كلامه. وهذا هو الصواب، لأن الاستفاضة من أظهر البينات، فلا يتطرق إلى الحاكم تهمة إذا استند إليها )(1).
وقال المرداوي: ( ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي، والمستأمن، ويقطعان بسرقة ماله هذا المذهب )(2).
***
__________
(1) - الطرق الحكمية 170
(2) - الإنصاف 10/281(1/410)
حرف الراء
162 -رجم:
1 - التعريف:
الرَّجْمُ في اللغة: الرمي بالحجارة. ويطلق على معان أخرى منها: القتل. قال ابن منظور: الرَّجْمُ: القتل، وقد ورد في القرآن الرَّجْمُ القتل في غير موضع من كتاب الله عز وجل، وإِنما قيل للقتل رَجْمٌ لأَنّهم كانوا إِذا قتلوا رجلاً رَمَوْهُ بالحجارة حتى يقتلوه، ثم قيل لكل قتل رَجْمٌ، ومنه رجم الثيِّبَيْنِ إِذا زَنَيا، وأَصله الرمي بالحجارة(1).
وفي الاصطلاح هو: رجم الزاني المحصن بالحجارة حتى الموت.
(أنظر التفاصيل المتعلقة بالرجم في مصطلح: زنا )
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( رجم )(1/411)
163 -ردة
1 - التعريف:
الرِّدّة لغة: بالكسر: مصدر قولك ردَّه يَرُدُّه رَدّاً ورِدَّة. والرِّدَّةُ: الاسم من الارتداد. وهو الرجوع عن الشيء ، ومنه الردة عن الإسلام ؛ قال الله تعالى: { اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } [ البقرة 217 ]. أي يرجع عنه(1).
وفي الاصطلاح: الردة: هي الإتيان بما يخرج به عن الإسلام ; إما نطقا , أو اعتقادا , أو شكا ينقل عن الإسلام(2).
والمرتد: هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة آية 217 ]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( والمرتد من أشرك بالله تعالى أو كان مبغضا للرسول ولما جاء به أو ترك إنكار منكر بقلبه أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد , ولهذا لم يكفر النبي الرجل الشاك في قدرة الله , وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ومنه قول عائشة رضي الله عنها: مهما يكتم الناس يعلمه الله , قال : نعم)(3).
2 - أركان الردة:
الردة تتحقق بركنين:
الأول: الرجوع عن الإسلام، سواء كان ذلك بالاعتقاد، أو القول، أو الفعل، أو الترك، وسيأتي مزيد بيان لكل حالة من هذه الحالات.
الثاني: القصد، بمعنى أن يأتي المرتد ما تحصل به الردة من اعتقاد أو قول أو فعل أو ترك وهو يعلم أنه أمر كفري يخرجه عن الإسلام.
3 - ما تحصل به الردة:
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( ردد )
(2) - المغني لابن قدامة 1/238
(3) - الفتاوى الكبرى 5/535(1/412)
تنقسم الأمور التي تحصل بها الردة إلى أربعة أقسام:
أ - ردة في الاعتقاد:
كمن اعتقد وجود شريك مع الله، أو جحد وجود الله، أو نفى صفة ثابتة من صفاته، أو أثبت لله الولد فهو مرتد كافر، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } [ النساء 48 ] ؛ وكذلك من قال بقدم العالم أو بقائه, أو شك في ذلك؛ ودليل ذلك قوله تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [القصص 88 ] ؛ ويكفر من جحد القرآن كله أو بعضه, ولو كلمة؛ وقال البعض: بل يحصل الكفر بجحد حرف واحد ؛ كما يقع الكفر باعتقاد تناقضه واختلافه, أو الشك بإعجازه، أو إسقاط حرمته، أو الزيادة فيه.
وكذلك يعتبر مرتدا من اعتقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ما جاء به، ومن اعتقد حل شيء مجمع على تحريمه، كالزنا وشرب الخمر، أو أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة.
ب - ردة في الأقوال:
ومن ذلك سب الله تعالى، فقد اتفق الفقهاء على أن من سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحا أو جادا أو مستهزئا ؛ وقد قال تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة آية 65، 66 ].
وكذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ويعتبر سابا له صلى الله عليه وسلم كل من ألحق به صلى الله عليه وسلم عيبا أو نقصا، في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو ازدراه، أو عرَّض به، أو لعنه، أو شتمه، أو عابه ، أو قذفه، أو استخف به ، ونحو ذلك.
وكذلك من سب نبيا من الأنبياء الذين أخبر الله تعالى عن نبوتهم، أو أخبر عنها نبينا صلى الله عليه وسلم.(1/413)
وكذلك يعتبر مرتدا من سب الدين أو أعتقد عدم شمول الشريعة الإسلامية لجميع الأحكام، أو عدم صلاحيتها لكافة العصور، أو المجتمعات، ونحو ذلك.
ج - ردة في الأفعال:
اتفق الفقهاء على أن إلقاء المصحف في محل قذر يوجب الردة ; لأن فعل ذلك استخفاف بكلام الله تعالى، فهو أمارة عدم التصديق ؛ وكذا كل فعل يدل على الاستخفاف بالقرآن الكريم ؛ كما اتفقوا على أن من سجد لصنم، أو للشمس، أو للقمر فقد كفر؛ ومن أتى بفعل صريح في الاستهزاء بالإسلام, فقد كفر لقوله تعالى: : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } [ التوبة 65].
د - ردة في الترك:
لا خلاف في أن من ترك الصلاة جاحدا لها يكون مرتدا، وكذا الزكاة والصوم والحج; لأنها من المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة(1).
4 - التحقيق في جريمة الردة:
جريمة الردة من الجرائم الخطيرة التي تتطلب من المحقق أخذ الحيطة والحذر، فالمرتد غالباً يكون ذا فكر منحرف، طبعه الجدال والمناظرة عما يعتقده، فيجب أن تكون الأسئلة الموجهة له مركزة وموضوعية ومحصورة في التهمة المنسوبة للمرتد، سواء كانت قولية أو فعلية.
5 - إثبات الردة:
تثبت الردة بالإقرار أو بالشهادة ؛ ولإثباتها بالشهادة شرطان هما:
أ - شرط العدد: اتفق الفقهاء على الاكتفاء بشاهدين في ثبوت الردة، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن، فإنه اشترط شهادة أربعة.
ب - تفصيل الشهادة: يجب التفصيل في الشهادة على الردة بأن يبين الشهود وجه كفره، نظرا للخلاف في موجباتها ، وحفاظا على الأرواح.
وأما إذا ثبتت الردة بالإقرار ؛ فيجب أخذ إقرار المرتد مفصلا، وواضحا، وبيان الأمر الذي حصلت به الردة.
__________
(1) - أنظر: الموسوعة الفقهية 22/183(1/414)
وفي كل الأحوال إذا ثبتت الردة بالإقرار، أو بالشهادة، فإنه يستتاب، فإن تاب فهو رجوع عن الردة ؛ وإن أنكر المرتد ردته و ما شُهِد به عليه اعتبر إنكاره توبة ورجوعا عند الحنفية فيمتنع القتل في حقه ؛ وعند الجمهور يحكم عليه بالشهادة ولا ينفعه إنكاره، بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلما.
6 - عقوبة المرتد:
عقوبة المرتد الأصلية القتل حدا، وهناك عقوبة تبعية لهذه العقوبة، وهي مصادرة مال المرتد فماله لا يورث بل يكون فيئا لبيت مال المسلمين ؛ وإذا سقط القتل لأي سبب شرعي، فيصار إلى العقوبة البدلية وهي عقوبة التعزير بما يراه القاضي من جلد وحبس وتوبيخ ونحو ذلك.
جاء في مطالب أولي النهى: ( وقد أجمع المسلمون على وجوب قتل المرتد ما لم يتب، وسنده ما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { من بدل دينه فاقتلوه } رواه الجماعة(1) إلا مسلما، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وخالد بن الوليد وغيرهم، وسواء الرجل والمرأة ; لعموم الخبر. وروى الدارقطني، أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام، فبلغ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت)(2).
***
__________
(1) - الحديث في البخاري برقم (3017) أبو داود (4351)،والترمذي (1458) والنسائي (2991) وابن ماجة (2535).
(2) - مطالب أولي النهي 5/275، والحديث في البيهقي 8/203، وسنن الدار قطني 3/118 وقد ورد فيهما (أم رومان)، والحديث ضعفه ابن حجر في: تلخيص الحبير 4/49 وقال: تنبيه وقع في الأصل أم رومان وهو تحريف والصواب أم مروان.(1/415)
164 -رشد ( راجع مصطلح: أحداث )
165 -رشوة
1 - التعريف:
الرَّشْوَةُ في اللغة: الجُعْلُ، وما يعطى لقضاء مصلحة، وجمعها رُشى، ورِشى. قال ابن منظور: الرَّشْوُ: فِعْلُ الرَّشْوَةِ، يقال: رَشَوْتُهُ. والمُراشاةُ: المُحاباةُ. قال ابن سيده: الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ والرِّشْوَةُ معروفة: الجُعْلُ، والجمع رُشىً ورِشىً؛ قال سيبويه: من العرب من يقولُ رُشْوَةٌ ورُشىً، ومنهم من يقول رِشْوَةٌ ورِشىً، والأَصل رُشىً، وأَكثر العرب يقول رِشىً. ورَشاه يَرْشُوه رَشْواً: أَعطاه الرَّشْوَةَ. وقد رَشا رَشْوَةً وارْتَشَى منه رَشْوَةً إِذا أَخذَها. وراشاهُ: حاباه. وتَرَشَّاه: لايَنَهُ. وراشاه إِذا ظاهرَه. قال أَبو العباس: الرُّشْوَةُ مأْخوذة من رَشا الفَرْخُ إِذا مدَّ رأْسَه إِلى أُمِّه لتَزُقَّه. قال أبو عبيد: الرَّشا من أَولاد الظِّباء الذي قد تحرَّك وتمشَّى. والرِّشاءُ: رَسَنُ الدَّلوِ. والرَّائِشُ: الذي يُسْدي بين الرَّاشي والمرتشي(1).
وفي الإصطلاح عرفت الرشوة بتعاريف منها : ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد(2).
2 - حكم الرشوة:
يحرم طلب الرشوة، وبذلها، وقبولها، كما يحرم عمل الوسيط بين الراشي والمرتشي. غير أنه يجوز للإنسان - عند الجمهور - أن يدفع رشوة للحصول على حق، أو لدفع ظلم أو ضرر، ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( رشا )
(2) - الفيومي/ المصباح المنير صفحة (228).(1/416)
قال ابن قدامة: ( فأما الرشوة في الحكم، ورشوة العامل، فحرام بلا خلاف، قال الله تعالى: { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } [ المائدة 42 ] ؛ قال الحس, وسعيد بن جبير, في تفسيره: هو الرشوة ؛ وقال: إذا قبل القاضي الرشوة، بلغت به إلى الكفر وروى عبد الله بن عمرو قال: { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي } قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ؛ ورواه أبو هريرة، وزاد: في الحكم(1). ورواه أبو بكر، في زاد المسافر، وزاد: والرائش، وهو السفير بينهما؛ ولأن المرتشي إنما يرتشي ليحكم بغير الحق، أو ليوقف الحكم عنه، وذلك من أعظم الظلم)(2).
وقال ابن حزم: ( ولا تحل الرشوة: وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل، أو ليولي ولاية، أو ليظلم له إنسان - فهذا يأثم المعطي والآخذ، فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي، وأما الآخذ فآثم، وفي كلا الوجهين فالمال المعطى باق على ملك صاحبه الذي أعطاه كما كان، كالغصب ولا فرق )(3).
وقال الصنعاني: ( والرشوة حرام بالإجماع سواء كانت للقاضي أو للعامل على الصدقة أو لغيرها )(4).
3 - من هو المرتشي في النظام ؟
بينت المواد (1 إلى 5) من نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/36) وتاريخ 29/12/1412 هـ المرتشي عل النحو التالي:
1 - كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل مشروعا يُعد مرتشيا.
2 - كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته ولو كان هذا الامتناع مشروعا يُعد مرتشيا.
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث (1336، 1337) وهو بدون الزيادة عند أبي داود (3580) وابن ماجة برقم (2313).
(2) - المغني 14/59
(3) - المحلى 8/118
(4) - سبل السلام 2/577(1/417)
3 - كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية للإخلال بواجبات وظيفته أو لمكافأته على ما وقع منه ولو كان ذلك بدون اتفاق سابق يُعد مرتشيا.
4 - كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يُعد في حكم المرتشي.
5 - كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على عمل أو أمر أو قرار أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو على وظيفة أو خدمة أو مزية من أي نوع يُعد مرتشياً.
3 - شروط تحقق جريمة الرشوة:
لا تقع جريمة الرشوة - وفقا لنظام مكافحة الرشوة بالمملكة - إلا من موظف عام مختص، أو من في حكمه، وقد بينت المادة الثامنة من النظام من يعد في حكم الموظف العام بالنص التالي:يعد في حكم الموظف العام في تطبيق أحكام هذا النظام:
1 - كل من يعمل لدى الدولة أو لدى أحد الأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة سواء كان يعمل بصفة دائمة أو مؤقتة.
2 - المحكم أو الخبير المعين من قبل الحكومة أو أية هيئة لها اختصاص قضائي.
3 - كل مكلف من جهة حكومية أو أية سلطة إدارية أخرى بأداء مهمة معينة.
4 - كل من يعمل لدى الشركات أو المؤسسات الفردية التي تقوم بإدارة وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو تقوم بمباشرة خدمة عامة وكذلك كل من يعمل لدى الشركات المساهمة والشركات التي تساهم الحكومة في رأس مالها والشركات أو المؤسسات الفردية التي تزاول الأعمال المصرفية.
5 - رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الشركات المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من هذه المادة.
4 - أقسام الرشوة:
قسم بعض الفقهاء الرشوة إلى أربعة أقسام منها:
أ - الرشوة على تقليد القضاء والإمارة وهي حرام على الآخذ والمعطي.
ب - ارتشاء القاضي ليحكم، وهو كذلك حرام على الآخذ والمعطي، ولو كان القضاء بحق ; لأنه واجب عليه.(1/418)
ج - أخذ المال ليسوي أمره عند السلطان، دفعا للضرر أو جلبا للنفع، وهو حرام على الآخذ فقط.
د - إعطاء إنسان غير موظف عند القاضي أو الحاكم مالا ليقوم بتحصيل حقه له، فإنه يحل دفع ذلك وأخذه ; لأنه وإن كانت معاونة الإنسان للآخر بدون مال واجبة، فأخذ المال مقابل المعاونة لم يكن إلا بمثابة أجرة(1).
5 - الفرق بين الرشوة والهدية:
قال الماوردي: ( الفرق بين الرشوة والهدية، أن الرشوة ما أخذت طلبا، والهدية ما بذلت عفوا )(2).
6 - الجهة القضائية المختصة بنظر جريمة الرشوة:
يختص ديوان المظالم بالنظر في قضايا الرشوة، نصت على ذلك الفقرة ( و ) من المادة الثامنة من نظام الديوان.
7 - عقوبة جريمة الرشوة:
الأصل في جريمة الرشوة العقوبة التعزيرية، لأنه لم يرد في الشريعة تحديد عقوبة للرشوة، ولأن باب التعزير واسعا والأمر متروك فيه للإمام وفقا لما يرى تحقق المصلحة به، وقد حددت العقوبات التي يمكن تطبيقها على من تثبت عليه جريمة الرشوة، فبين نظام مكافحة الرشوة أن هناك ثلاث عقوبات تطبق على مرتكبي جريمة الرشوة، وهي:
1 - عقوبة أصلية: وهي المنصوص عليها بالمواد ( 1، 2، 3 ) من النظام وتتمثل في السجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، والغرامة التي لا تزيد عن مليون ريال، أو إحدى هاتين العقوبتين.
2 - العقوبة التبعية: وهي المنصوص عليها بالمادة ( 13 ) من النظام، وتتمثل في العزل من الوظيفة العامة، والحرمان من تولي الوظائف العامة أو القيام بالأعمال التي يعد القائمون بها في حكم الموظفين العامين الوارد ذكرهم في المادة ( 8 ) من النظام، والحرمان من الدخول مع الوزارات والمصالح الحكومية، والأجهزة ذات الشخصية العامة في عقود تنفيذ مشترياتها، وأعمالها.
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 22/222
(2) - الأحكام السلطانية صفحة ( 97 ).(1/419)
3 - عقوبة تكميلية: وهي المنصوص عليها بالمادة ( 15 ) من النظام وتتمثل في الحكم في جميع الأحوال بمصادرة المال أو الميزة أو الفائدة موضع الجريمة متى كان ذلك ممكنا عملا.
8 - الجرائم الملحقة بجريمة الرشوة:
نص نظام مكافحة الرشوة على عدد من الجرائم التي تشترك مع جريمة الرشوة التامة من حيث الأثر المترتب عليها في إفساد الجهاز الحكومي بالاتجار بالوظيفة، واستغلال السلطة، ومن هذه الجرائم:
1 - جريمة الاستجابة لرجاء أو توصية أو وساطة:
بينت المادة الرابعة من النظام هذه الجريمة وعقوبتها بالنص التالي:
كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.
2 - جريمة العرض المرفوض:
بينت المادة التاسعة من النظام هذه الجريمة وعقوبتها بالنص التالي:
من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تزيد عن مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.
3 - جريمة الاشتراك في الرشوة سواء كان المشترك راشيا أو وسيطا أو غيرهما:
بينت المادة العاشرة من النظام هذه الجريمة وعقوبتها بالنص التالي:
يعاقب الراشي والوسيط وكل من اشترك في إحدى الجرائم الواردة في هذا النظام بالعقوبة المنصوص عليها في المادة التي تجرمها، ويعتبر شريكا في الجريمة كل من اتفق أو حرض أو ساعد في ارتكابها مع علمه بذلك متى تمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق أو التحريض أو المساعدة.
4 - جريمة المستفيد من المقابل:
بينت المادة الحادية عشرة من النظام هذه الجريمة وعقوبتها بالنص التالي:
كل شخص عينه المرتشي أو الراشي لأخذ الرشوة وقبل ذلك مع علمه بالسبب يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد عن خمسين ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.(1/420)
5 - جريمة استغلال النفوذ:
بينت المادة الخامسة من النظام هذه الجريمة وعقوبتها بالنص التالي:
كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على عمل أو أمر أو قرار أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو على وظيفة أو خدمة أو مزية من أي نوع يعد مرتشياً ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا النظام.
***(1/421)
حرف الزاي
166 -زنا
1 - التعريف:
الزنا في اللغة: مصدر قولهم: زَنَى يَزْنِي زِنىً وزِناءً، بكسرهما: فَجَرَ. وزانَى مُزاناةً وزِناءً: بمعناهُ، قال الجوهري: الزِنَى يمدُّ ويقصَر: فالقَصر لأهل الحجاز، قال تعالى: { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى } ؛ والمدُّ لأهل نجد ، قال الفرزدق:
أَبَا حاضرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُهُ ومَن يَشْرَبِ الخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا
وقد زَنَى يَزْنِي. والنسبة إلى المقصور: زِنَوِيٌّ ، وإلى الممدود: زِنَائِيٌّ. وزَنَّاهُ تَزْنِيَةً ، أي قال له: يازَانِي(1).
وفي الاصطلاح: الزنا هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في أحد الفرجين من قبل أو دبر ممن لا عصمة بينهما ولا شبهة(2).
وعرف بأنه: إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال عن الشبهة مشتهى يوجب الحد(3).
2 - حكم الزنا:
الزنا من أكبر الكبائر، ومن أقبح المعاصي، يقول الإمام أحمد رحمه الله: ( لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا )(4).
والزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً } [سورة الإسراء 32]. وقال تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً.يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً.إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } [الفرقان 68-70 ].
__________
(1) - الصحاح للجوهري، والقاموس المحيط مادة ( زنا )
(2) - الماوردي /الأحكام السلطانية صفحة ( 278 )
(3) - مغني المحتاج 5/442
(4) - شرح منتهى الإرادات 6/172(1/422)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )(1). وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية ، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله )(2).
ونقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على تحريم الزنا ، فقال: ( وأجمعوا على تحريم الزنا )(3).
3 - بم يثبت الزنا ؟
يثبت ارتكاب جريمة الزنا الموجب للحد ، من طريقين هما الإقرار والشهادة:-
أ - الإقرار :
__________
(1) - صحيح البخاري حديث رقم ( 2475 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 57 ).
(2) - المستدرك الحديث رقم (2261 )
(3) - كتاب الإجماع صفحة ( 160 ).(1/423)
يثبت الزنا بالإقرار ، والإقرار بالزنا يختلف عن الإقرار بالجرائم الأخرى، فلا بد أن يقر به أربع مرات، ويكون إقراره بطوعه واختياره، ويبين من هي التي زنا، وكيف فعل الزنا بها، لأنه قد يفعل ما ليس بزنا، ويظنه زنا، دليل ذلك ما رواه أبو داود عن هشام بن سعد قال: حدثني يزيد بن نعيم بن هزال ، عن أبيه قال: كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجاً، فأتاه فقال: يا رسول الله، إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله، إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله ، إني زنيت فأقم علي كتاب الله ، حتى قالها أربع مرار، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: ( إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟ قال: بفلانة ، فقال: هل ضاجعتها ؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها ؟ قال: نعم ، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه )(1).
ب - الشهادة:
__________
(1) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4419 )(1/424)
ويشترط لإثبات جريمة الزنا بالشهادة، أن يشهد به أربعة رجال عدول في مجلس واحد، قال تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [ النساء 15] ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [النور آية 4]. ويشترط أن يصفوا الفعل وصفا شرعيا، ويصرحوا بمعاينتهم بإيلاج ذكره في فرجها.
قال السرخسي: ( وإذا شهد الأربعة بالزنا بين يدي القاضي ينبغي له أن يسألهم عن الزنا ما هو ؟ وكيف هو ؟ ومتى زنى ؟ وأين زنى ؟ لأنهم شهدوا بلفظ محتمل فلا بد من أن يستفسرهم ، أما السؤال عن ماهية الزنا ; لأن من الناس من يعتقد في كل وطء حرام أنه زنى ولأن الشرع سمى الفعل فيما دون الفرج زنى قال: { العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذب } والحد لا يجب إلا بالجماع في الفرج، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفسر ماعزا حتى فسر كالميل في المكحلة والرشا في البئر ؟ وقال له مع ذلك: لعلك قبلتها، لعلك مسستها )(1).
4 - كيف يضبط المحقق إقرار من اعترف بالزنا ؟
__________
(1) - المبسوط 9/38(1/425)
إذا اعترف المتهم بالزنا بطوعه واختياره، فعلى المحقق ضبط اعترافه مفصلا، بحيث يشتمل على كيفية الفعل، ومن التي فعل بها، وإذا كان المعترف امرأة تبين من الذي فعل بها، وكيف فعل، لما جاء في حديث ماعز السابق ( إنك قد قلتها أربع مرات فبمن ؟ )، قال: بفلانة، فقال: (هل ضاجعتها ؟)...، ويبين الإحصان من عدمه، والديانة، وذلك لمعرفة العقوبة المترتبة على الفعل؛ ولا يلزم المحقق تدوين الاعتراف أربع مرات بل يكتفي بمرة واحدة، ولا يلزمه تصديق الاعتراف بالزنا شرعا، لأن المقر به له أن يرجع عن إقراره حتى أثناء التنفيذ.
5 - شروط إقامة حد الزنا:
يشترط لإقامة حد الزنا الشروط التالية:-
1 - الأهلية، بأن يكون الزاني بالغا عاقلا غير مكره؛ وهذا باتفاق الفقهاء.
2 - أن يكون عالما بالتحريم ؛ وقد بين ابن قدامة هذا الشرط فقال:
( ولا حد على من لم يعلم تحريم الزنى. قال عمر، وعثمان، وعلي: لا حد إلا على من علمه ؛ وبهذا قال عامة أهل العلم، فإن ادعى الزاني الجهل بالتحريم، وكان يحتمل أن يجهله، كحديث العهد بالإسلام والناشئ ببادية، قبل منه ; لأنه يجوز أن يكون صادقا، وإن كان ممن لا يخفى عليه ذلك، كالمسلم الناشئ بين المسلمين، وأهل العلم، لم يقبل ; لأن تحريم الزنى لا يخفى على من هو كذلك، فقد علم كذبه )(1).
3 - أن يكون محصنا. وسيأتي بيان معنى الإحصان
4 - انتفاء الحمل إذا كان الزاني امرأة. بدليل ما جاء بقصة الغامدية.
5 - استغناء الولد عن أمه التي سيقام عليها حد الرجم. بدليل ما جاء بقصة الغامدية.
6 - معنى الإحصان في الرجم:
قال الكاساني: ( إحصان الرجم هو عبارة عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم , وهي سبعة: العقل والبلوغ والحرية والإسلام والنكاح الصحيح وكون الزوجين جميعا على هذه الصفات )(2).
__________
(1) - المغني 9/56
(2) - بدائع الصنائع 7/37(1/426)
والمحصن: من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح، ويكفي تغييب الحشفة أو قدرها وهما بالغان عاقلان حران(1).
وشروط الإحصان سبعة هي:
1 - الوطء في القبل. 2 - أن يكون الوطء في نكاح.
3 - أن يكون النكاح صحيحا. 4 - أن يكون بالغا.
5 - أن يكون عاقلا. 6 - أن يكون حرا.
7 - أن تتوفر الشروط السابقة في الزوجين حال الوطء.
7 - الزنا بالمحارم:
الزنا من أقبح الجرائم، وإذا كان بإحدى المحارم فإنه أشد قبحا وتحريما، وفي حد من وقع على ذات محرم روايتان في المذهب، إحداهما حده حد الزنا، لعموم الآيات والأخبار، وهذا هو الراجح من المذهب، والرواية الثانية، يقتل في كل الأحوال، لحديث البراء، رضي الله عنه قال: ( لقيت عمي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده، أن اضرب عنقه وأخذ ماله )(2).
ولما رواه الترمذي، مرفوعا ( من وقع على ذات محرم فاقتلوه )(3).
8 - الفواحش المشابهة للزنا:-
1 - اللواط:
هو أن يأتي الرجلُ الرجلَ ، وهو من أقبح الجرائم ، وأعظمها إثما. (أنظر مصطلح: لواط )
2 - السحاق:
هو أن تدلك المرأةُ المرأةَ، وهو محرم بإجماع العلماء، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أتى الرجلُ الرجلَ، فهما زانيان، وإذا أتت المرأةُ المرأةََ، فهما زانيتان ). رواه البيهقي(4). ولا حد على المرأتين المتساحقتين، لأن السحاق لا يتضمن إيلاجا، لكن عليهما عقوبة تعزيرية بما يراه القاضي. (وأنظر مصطلح: سحاق)
3 - المباشرة فيما دون الفرج:
__________
(1) - الإنصاف 10/171
(2) - الحديث رواه الإمام أحمد في المسند برقم ( 18152 ) وأبو داود برقم ( 4457 )، وورد الحديث في سنن النسائي والترمذي وابن ماجة بلفظ ( لقيت خالي..).
(3) - سنن الترمذي الحديث رقم ( 1462 ) وابن ماجة برقم ( 2564 ).
(4) - سنن البيهقي 8/233 الحديث رقم ( 16810 )(1/427)
هي مباشرة الرجل للمرأة، والاستمتاع بها فيما دون الفرج، ويطلق عليها البعض (المفاخذة) وهي محرمة بالإجماع، ولا توجب الحد، لكن توجب عقوبة تعزيرية، ودليل كونها لا توجب الحد، ما رواه مسلم وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة فأصبت منها كل شيء إلا الجماع، فأنزل الله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاةَ [هود الآية 14 ]، فقال الرجل: ألي هذا ؟ فقال: ( لمن عمل بها من أمتي ) متفق عليه(1).
4 - التقبيل:
هو أن يصيب الرجل من المرأة الأجنبية قبلة، سوى كانت المرأة راضية أو مكرهة، وهذا محرم بالإجماع، وحكمه حكم المباشرة فيما دون الفرج، لما ورد في حديث ابن مسعود السابق.
5 - النظر إلى المردان ومصاحبتهم والخلوة بهم:
الأمرد في اللغة هو: من طر شاربه ولم تنبت لحيته.
جاء في كشاف القناع: (الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة، أي فتحرم لخوف الفتنة، ولو لمصلحة تعليم وتأديب )(2). وقال الإمام النووي رحمه الله: (وينبغي أن يحذر من مصافحة الأمرد والحسن، فإن النظر إليه من غير حاجة حرام على الصحيح المنصوص)(3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( والتلذذ بمس الأمرد: كمصافحته، ونحو ذلك: حرام بإجماع المسلمين )(4).
وقال ابن الحاج المالكي رحمه الله: ( وقد قال بعضهم: اللوطية على ثلاث مراتب، طائفة تتمتع بالنظر وهو محرم، لأن النظرة إلى الأمرد بشهوة حرام إجماعا، بل صحح بعض العلماء أنه محرم وإن كان بغير شهوة )(5).
__________
(1) - صحيح البخاري حديث رقم ( 4687 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 2763 ).
(2) - كشاف القناع 5/16
(3) - المجموع 4/64
(4) - الفتاوى الكبرى 1/282
(5) - المدخل 3/8(1/428)
ونقل ابن الحاج أيضا جملة من النصوص حول ذلك فقال: ( قال الواسطي رحمه الله وهو من كبار الصوفية: إذا أراد الله هوان عبد ألقاه إلى هؤلاء الأنتان الجيف أو لم تسمعوا إلى قول الله تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } [سورة النور آية 30 ]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: { لا تتبع النظرةَ النظرة فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة } (1)، وقال: بقية بن الوليد رحمه الله قال: بعض التابعين رضي الله عنه كانوا يكرهون أن يحدق الرجل النظر إلى الغلام الأمرد الجميل الوجه قال ابن عباس رضي الله عنهما: للشيطان من الرجل ثلاثة منازل في نظره وقلبه وذكره، وقال عطاء رحمه الله: كل نظرة يهواها القلب لا خير فيها، وقال: سفيان الثوري رحمه الله: لو أن رجلا عبث بغلام بين أصابع رجليه يريد الشهوة لكان لواطا، وقال الحسن بن ذكوان: رحمه الله لا تجالسوا أبناء الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى، وقال: بعض التابعين ما أخاف على الشاب الناسك في عبادته من سبع ضار كخوفي عليه من الغلام الأمرد يقعد إليه، وقال بعض التابعين رضي الله عنهم: اللوطية على ثلاثة أصناف: صنف ينظرون، وصنف يصافحون، وصنف يعملون ذلك العمل، وروي أن أحمد بن حنبل رحمه الله جاء إليه رجل، ومعه ابن له حسن الوجه فقال: لا تجئني به مرة أخرى فقيل له: إنه ابنه، وهما مستوران فقال: علمت، ولكن على رأي أشياخنا )(2).
6 - الخلوة:
__________
(1) - رواه أحمد في المسند برقم ( 22465، 22482، 22512 ) وأبو داود برقم (2149) والترمذي برقم ( 2777).
(2) - المدخل 3/114- 115(1/429)
هي أن ينفر رجل بامرأة أجنبية عنه، أو بأمرد، بحيث لا يراهما أحد، وهي محرمة بالإجماع، وسبق الكلام عن مصاحبة المردان والنظر إليهم والخلوة بهم، وحكم الخلوة من حيث العقوبة، حكم المباشرة فيما دون الفرج، لحديث ابن مسعود السابق. ( راجع مصطلح : خلوة )
7 - إتيان البهيمة:
وهو أن يفعل الشخص الفاحشة بالبهيمة، وهذا محرم بإجماع العلماء، وهو شذوذ تأنفه النفوس ، وللعلماء في البهيمة وعقوبة من أتاها تفصيلات.
قال البهوتي: ( ومن أتى بهيمة ولو سمكة عزر، لأنه لم يصح فيه نص ولا يمكن قياسه على اللواط لأنه لا حرمة له والنفوس تعافه، ويبالغ في تعزيره، لعدم الشبهة له فيه كوطء الميتة، وقُتلت البهيمة سواء كانت مملوكة له أو لغيره، وسواء كانت مأكولة أو غير مأكولة ؛ لما روى ابن عباس مرفوعا قال: { من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة } رواه أحمد وأبو داود و الترمذي(1). وقال الطحاوي: هو ضعيف، وقد صح عن ابن عباس أنه قال: من أتى بهيمة فلا حد عليه، فإن كانت البهيمة المأتية ملكه، أي الآتي لها فهي هدر لأن الإنسان لا يضمن مال نفسه، وإن كانت، البهيمة، لغيره ضمنها، لربها لأنها أُتلفت بسببه أشبه ما لو قتلها ؛ ويحرم أكلها، وإن كانت من جنس ما يؤكل، روي عن ابن عباس لأنها وجب قتلها لحق الله تعالى فأشبهت سائر المقتولات لحق الله تعالى )(2).
ويرى بعض الفقهاء أن إتيان البهيمة زنا يوجب الحد، قال الماوردي رحمه الله:
(واللواط وإتيان البهائم زنا يوجب جلد البكر، ورجم المحصن، وقيل بل يوجب قتل البكر والمحصن)(3).
9 - هل يثبت حد الزنا بالحمل:
__________
(1) - مسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 2420 )وسنن أبي داود الحديث رقم ( 4462 ) والترمذي الحديث رقم ( 1455).
(2) - كشاف القناع 6/99
(3) - الأحكام السلطانية 279(1/430)
قال في شرح منتهى الإرادات: ( وإن حملت من لا لها زوج ولا سيد لم تحد بذلك الحمل بمجرده، لكن تسأل، ولا يجب سؤالها، لما فيه من إشاعة الفاحشة وهو منهي عنه، فإن ادعت إكراها أو وطئا بشبهة أو لم تقر بالزنا أربعا لم تحد، وروى سعيد أن امرأة رفعت إلى عمر ليس لها زوج وقد حملت فسألها عمر فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس فوقع عليَّ رجل وأنا نائمة فما استيقظت حتى فرغ ؛ فدرأ عنها الحد. وروي عن علي، وابن عباس: إذا كان في الحد لعل وعسى ، فهو معطل ؛ ولا خلاف أن الحد يدرأ بالشبهة وهي متحققة هاهنا)(1).
__________
(1) - شرح منتهى الإرادات 3/354(1/431)
وقد فصل ابن قدامة رحمه الله القول في هذه المسألة وذكر أقوال العلماء فيها فقال: ( وإذا أحبلت امرأة لا زوج لها، ولا سيد، لم يلزمها الحد بذلك، وتسأل فإن ادعت أنها أكرهت، أو وطئت بشبهة، أو لم تعترف بالزنا، لم تحد؛ وهذا قول أبي حنيفة، والشافعي. وقال مالك: عليها الحد إذا كانت مقيمة غير غريبة، إلا أن تظهر أمارات الإكراه، بأن تأتي مستغيثة أو صارخة ; لقول عمر رضي الله عنه: والرجم واجب على كل من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا، إذا قامت بينة، أو كان الحبل أو الاعتراف. وروي أن عثمان أُتي بامرأة ولدت لستة أشهر، فأمر بها عثمان أن ترجم ، فقال علي: ليس لك عليها سبيل ، قال الله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } [الأحقاف 15 ]. وهذا يدل على أنه كان يرجمها بحملها، وعن عمر نحو من هذا وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس إن الزنا زناءان ; زنا سر وزنا علانية، فزنا السر أن يشهد الشهود، فيكون الشهود أول من يرمي، وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف، فيكون الإمام أول من يرمي، وهذا قول سادة الصحابة ولم يظهر لهم في عصرهم مخالف، فيكون إجماعا. ولنا أنه يحتمل أنه من وطء إكراه أو شبهة، والحد يسقط بالشبهات، وقد قيل: إن المرأة تحمل من غير وطء بأن يدخل ماء الرجل في فرجها، إما بفعلها أو فعل غيرها ؛ ولهذا تُصُوِّر حمل البكر، فقد وجد ذلك. وأما قول الصحابة: فقد اختلفت الرواية عنهم، فروى سعيد، حدثنا خلف بن خليفة، حدثنا هاشم ، أن امرأة رفعت إلى عمر بن الخطاب، ليس لها زوج، وقد حملت، فسألها عمر، فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس، وقع عليَّ رجل وأنا نائمة، فما استيقظت حتى فرغ ، فدرأ عنها الحد؛ وروى البراء بن صبرة ، عن عمر أنه أتي بامرأة حامل، فادعت أنها أكرهت، فقال: خل سبيلها؛ وكتب إلى أمراء الأجناد، أن لا يقتل أحد إلا بإذنه؛ وروي عن علي، وابن عباس، أنهما قالا: إذا كان في الحد لعل(1/432)
وعسى، فهو معطل؛ وروى الدارقطني بإسناده عن عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وعقبة بن عامر، أنهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد، فادرأ ما استطعت ؛ ولا خلاف في أن الحد يدرأ بالشبهات ، وهي متحققة هاهنا )(1).
10 - من اعترف بالزنا بامرأة فجحدت:
إذا أقر الرجل بالزنا بامرأة معينة، فسُئلت المرأة فجحدت، فإنه يقام عليه الحد وحده ، ولا تحد هي، دليل ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن سهل بن سعد، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه زنى بامرأة سماها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها فأنكرت، فحده وتركها(2). ولما جاء في قصة العسيف من قوله صلى الله عليه وسلم ( واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )(3). حيث شرط الرجم باعترافها.
* وهل تعزر المرأة في مثل هذه الحالة ؟
الجواب نعم ، إن كانت قد اشتهرت بسوء المسلك ، أو قامت قرائن تدل على ارتكابها للزنا.
11 - أضرار الزنا:
للزنا أضرار دينية، واجتماعية، وصحية، نذكر منها ما يلي:
1 - الزنا معصية لله تعالى، يوجب العقاب في الدنيا والآخرة.
2 - الزنا يسبب ضياع الأنساب واختلاطها، وتفكك الأسرة والمجتمع.
3 - الزنا يسبب العزوف عن الزواج.
4 - الزنا يورث الأمراض كالهربس ، والإيدز ، والسيلان ، والزهري.
12- عقوبة الزنا:
الزاني إما أن يكون محصنا، أو غير محصن، وسبق بيان معنى الإحصان وشروطه، وعقوبة المحصن تختلف عن عقوبة غير المحصن، وبيان ذلك:
* أولا: عقوبة الزاني المحصن:
__________
(1) - المغني 12/377
(2) - المسند حديث رقم ( 22368 ) وسنن أبي داود برقم ( 4437، 4466 ).
(3) - الحديث رواه البخاري برقم ( 2696 ) مسلم الحديث رقم ( 1698 ).(1/433)
الزاني، والزانية، إن كانا محصنين، واعترفا بالزنا، أو قامت عليهما البينة، على ما سبق بيانه، فعقوبتهما الرجم، وهو الرمي بالحجارة حتى الموت، وهذا بإجماع العلماء، لثبوته بالكتاب والسنة المتواترة، واختلفوا في الجلد قبل الرجم، والصحيح أنه لا يجلد. قال الماوردي: ( وأما المحصن فهو الذي أصاب زوجته بنكاح صحيح، وحده الرجم بالأحجار، أو ما قام مقامها حتى يموت ولا يلزم توقي مقاتله، بخلاف الجلد ; لأن المقصود بالرجم القتل، ولا يجلد مع الرجم ؛ وقال داود: يجلد مائة سوط ثم يرجم، والجلد منسوخ في المحصن ؛ وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا ولم يجلده )(1).
أ - دليل مشروعية الرجم:
الرجم ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع العلماء.
فمن الكتاب - المنسوخ لفظاً والباقي حكماً - ما جاء في الصحيحين عن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: ( إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله تعالى: على من زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف )(2).
وقد دلًّ على الرجم من السنة أحاديث كثيرة جدا، منها: قصة ماعز الأسلمي رضي الله عنه، وقصة الغامدية رضي الله عنها، وهما قصتان مشهورتان. وكذلك ما رواه مسلم وغيره عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم )(3).
__________
(1) - الأحكام السلطانية 279
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 6830 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1691 ).
(3) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1690 )(1/434)
وأما الإجماع فقد نقله ابن قدامة رحمه الله فقال: ( الفصل الأول: في وجوب الرجم على الزاني المحصن، رجلا كان أو امرأة ؛ وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج... )(1).
ب - صفة تنفيذ عقوبة الرجم:-
ذكر البهوتي - رحمه الله - في كشاف القناع بيان صفة تنفيذ حد الرجم فقال: (وإن كان الحد رجما لم يحفر له، أي المرجوم، رجلا كان أو امرأة، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحفر لماعز قال أبو سعيد: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا ؛ رواه أحمد ومسلم ؛ والمرأة كذلك نصره في المغني لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر وسواء، ثبت الزنا ببينة أو إقرار ، وتشد ثياب المرأة لئلا تنكشف ، لحديث عمران بن حصين قال: { فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها } رواه أبو داود؛ والسنة أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن كان ثبت ببينة، لأنه لا حاجة إلى تمكينه من الهرب ولا يسن ذلك إن كان زناه ثبت بإقرار لاحتمال أن يهرب فيترك، ولا يتمم عليه الحد؛ ويسن حضور من شهد بالزنا وبداءتهم ، أي الشهود بالرجم وإن كان، الزنا ثبت بإقرار الزاني، بدأ الإمام أو الحاكم إن كان ثبت عنده ثم يرجم الناس، لما روى سعيد بإسناده عن علي: الرجم رجمان ، فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الإمام ثم الناس وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الناس ؛ ولأن فعل ذلك أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه، ويجب حضور الإمام أو نائبه في كل حد لله أو لآدمي كما في استيفاء القصاص ، ومن أذن له الإمام في إقامة الحد فهو نائبه يكفي حضوره لقوله صلى الله عليه وسلم: { وامض يا أنيس إلى امرأة هذا فإن أقرت فارجمها } ؛ ويجب حضور طائفة في حد الزنا، لقوله تعالى: { وَلْيَشْهَدْ
__________
(1) - المغني 9/39(1/435)
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } النور 2] ولو واحدا وهو قول ابن عباس رواه ابن أبي طلحة - قال في المبدع وهو منقطع - مع من يقيم الحد لأن الذي يقيم الحد حاضر ضرورة فتعين صرف الأمر إلى غيره)(1).
* ثانيا: عقوبة الزاني غير المحصن ( البكر ):
المراد بالبكر عند الفقهاء: الحر البالغ الذي لم يجامع في نكاح صحيح.وعقوبته الجلد مائة جلدة، وتغريب عام.
1 - عقوبة الجلد:
الجلد : هو الضرب ، وآلة تنفيذه السوط، وجلد الزاني البكر ، متفق عليه عند العلماء لثبوته بالكتاب والسنة ، قال تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النور 2 ]. ودلالة السنة ، ثابتة لما جاء في حديث عبادة السابق.
* صفة تنفيذ عقوبة الجلد:
الجلد كما سبق هو الضرب ، وآلة تنفيذه السوط، وأما صفته، فقد اتفق الفقهاء على أنه يجلد الصحيح القوي في الحدود ، بسوط معتدل ، ليس رطبا، ولا شديد اليبوسة ، ولا خفيفا لا يؤلم، ولا غليظا يجرح ، ولا يرفع الضارب يده فوق رأسه بحيث يبدو بياض إبطه، ويتقي المقاتل ، ويفرق الجلدات على بدنه(2).
2 - التغريب :
وهو نفي الزاني من البلد وإبعاده عنها ؛ والنفي فيه خلاف، والذين خالفوا فيه هم فقهاء الحنفية، وحجتهم قالوا: إنه لم يذكر في آية النور، فالتغريب زيادة على النص وهو ثابت بخبر الواحد فلا يعمل به ; لأنه يكون ناسخاً.
__________
(1) - كشاق القناع 6/84
(2) - الموسوعة الفقهية 15/247(1/436)
ومما أجاب به العلماء عن ذلك ما ذكره الصنعاني رحمه الله تعالى قال: (وجوابه أن الحديث مشهور لكثرة طرقه وكثرة من عمل به من الصحابة، وقد عملت الحنفية بمثله، بل بدونه كنقض الوضوء من القهقهة، وجواز الوضوء بالنبيذ، وغير ذلك مما هو زيادة على ما في القرآن وهذا منه ؛ وقال ابن المنذر: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله، ثم قال: إن عليه جلد مائة وتغريب عام ، وهو المبين لكتاب الله ، وخطب بذلك عمر على رؤوس المنابر)(1).
* صفة تنفيذ عقوبة التغريب :-
التغريب هو: النفي عن البلد والإبعاد عنها، وصفته أن يبعد الزاني عن بلده لمدة عام، لبلد يبعد مسافة القصر فما فوق، وللحاكم أن يزيد في المسافة، وليس له أن يزيد في المدة لأنها مقررة شرعا، والمرأة تغرب مع محرم، لعموم النهي عن سفرها بمفردها، وعليها أجرته. ويُشترط لتنفيذ التغريب شروط ذكرها البجيرمي في حاشيته على الخطيب فقال: ( وشروط التغريب ستة: أن يكون من الإمام أو نائبه ، وأن يكون عاما، وأن يكون إلى مسافة القصر فما فوق، وأن يكون إلى بلد معين، وإن يكون الطريق والمقصد آمنا، وإن لا يكون بالبلد طاعون لحرمة دخوله ، ويزاد في حق المرأة والأمرد الجميل أن يخرجا مع نحو محرم)(2).
13 - شبهات يدرأ بها حد الزنا:
هناك شبهات يدرأ بها حد الزنا، ومنها:
1 - الخطأ في الوطء: كأن تزف المرأة للرجل، ويقال هذه زوجتك، فيطأها ويتبين له بعد الوطء أنها ليست زوجته، فلا حد عليه.
2 - إذا وجد الرجل على فراشة امرأة فوطئها، اعتقادا منه أنها زوجته، فلا حد عليه.
3 - الوطء في النكاح المختلف فيه مثل: ( الشغار، المتعة، بلا ولي، بلا شهود).
4 - عدم زوال العذرة : وذلك إذا قامت بينة على امرأة بفعل الزنا، وشهد نساء ثقات، بأنها لا تزال عذراء، فلا حد عليها.
14 - حكم الكافر إذا زنا بالمسلمة:
__________
(1) - سبل السلام 2/407
(2) - حاشية البجيرمي على الخطيب 4/170-171(1/437)
إذا زنا الذمي، أو المستأمن، بالمسلمة، قُتل لأنه نقض العهد الذي بينه وبين المسلمين، ولو لم يشترط ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وإذا زنى الذمي بالمسلمة قتل ولا يصرف عنه القتل الإسلام ولا يعتبر فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضته واشتهاره )(1).
وقال ابن القيم رحمه الله : ( قال الخلال : أخبرني عصمة بن عاصم، حدثنا حنبل ؛ وأخبرني جعفر بن محمد أن يعقوب بن بختان حدثهم ؛ وأخبرني محمد بن هارون، ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم ؛ وأخبرني الحسن بن عبد الوهاب، حدثنا إبراهيم بن هانئ ؛ كل هؤلاء: سمع أحمد بن حنبل - وسئل عن ذمي فجر بمسلمة - قال يقتل ؛ قيل: فإن أسلم ؟ قال: يقتل ، هذا قد وجب عليه والمعنى واحد في كلامهم كله؛ انتهى كلام الخلال ؛ وهذا هو القياس، لأن قتله حد، وهو قد وجب عليه، ومعنى إقامته فلا يسقط بالإسلام، لا سيما إذا أسلم بعد أخذه والقدرة عليه)(2).
__________
(1) - الفتاوى الكبرى 5/527
(2) - أحكام أهل الذمة 2/792(1/438)
وأخرج البيهقي في سننه الكبرى عن سويد بن غفلة قال: ( كنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين بالشام، فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدي، فغضب غضبا شديدا، فقال لصهيب: انظر من صاحب هذا، فانطلق صهيب ، فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي فقال له: إن أمير المؤمنين قد غضب غضبا شديدا، فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين، فإني أخاف عليك بادرته، فجاء معه معاذ، فلما انصرف عمر من الصلاة قال: أين صهيب ، فقال: أنا هذا يا أمير المؤمنين، قال: أجئت بالرجل الذي ضربه ؟ قال: نعم، فقام إليه معاذ بن جبل فقال: يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه، فقال له عمر: ما لك ولهذا ؟ قال: يا أمير المؤمنين ، رأيته يسوق بامرأة مسلمة ، فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع، ثم دفعها فخرت عن الحمار، ثم تغشاها، ففعلت ما ترى، قال: ائتني بالمرأة لتصدقك، فأتى عوف المرأة فذكر الذي قال له عمر رضي الله عنه، قال أبوها، و زوجها : ما أردت بصاحبتنا فضحتها، فقالت المرأة: والله لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين، فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها: نحن نبلغ عنك أمير المؤمنين، فأتيا فصدقا عوف بن مالك بما قال، قال: فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم ، فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له، قال سويد بن غفلة: وإنه لأول مصلوب رأيته)(1).
***
__________
(1) - سنن البيهقي 9/201 الحديث رقم ( 18492 ).(1/439)
167 -زندقة
1 - التعريف:
الزندقة في اللغة: كلمة معربة من اللغة الفارسية، استعملها العرب منذ فترة مبكرة في التاريخ الإسلامي للتعبير عن طائفة من الملاحدة(1). قال ابن منظور: الزِّنْدِيقُ القائل ببقاء الدهر فارسي معرب وهو بالفارسية زَنْدِ كِرَايْ يقول بدوام بقاء الدهر والزَّنْدَقةُ الضِّيقُ وقيل الزِّنْدِيقُ منه لأَنه ضيّق على نفسه. وقال الفيروزآبادي: الزِنْديقُ، بالكسر: من الثَّنَوِيَّةِ ، أو القائلُ بالنُّورِ والظُّلْمَةِ، أو مَن لا يُؤْمِنُ بالآخِرَةِ وبالرُّبوبِيَّةِ ، أو مَن يُبْطِنُ الكُفْرَ ويُظْهِرُ الإيمانَ، أو هو مُعَرَّبُ: زَنْ دينِ، أي: دِينِ المَرْأةِ، جمعه: زَنادِقَةٌ أو زَناديقُ ، وقد تَزَنْدَقَ، والاسْمُ: الزَّنْدَقَةُ. ورَجُلٌ زِنْديقٌ وزَنْدَقِيٌّ: شَديدُ البُخْلِ(2).
وفي الاصطلاح: الزندقة عند جمهور الفقهاء إظهار الإسلام وإبطان الكفر، والزنديق هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر(3).
وعرف ابن قدامة الزنديق بأنه: الذي يظهر الإسلام ويستسر بالكفر, وهو المنافق, كان يسمى في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منافقا , ويسمى اليوم زنديقا(4).
2 - حكم الزندقة والزنديق:
اتفق الفقهاء على أن الزندقة كفر، فمن كان مسلما ثم تزندق، بأن صار يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، أو صار لا يتدين بدين ، فإنه يعتبر كافرا، واختلفوا في قبول توبة الزنديق.
قال ابن قدامة بعد أن ذكر أحكام المرتد: ( الزنديق كالمرتد فيما ذكرنا. والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويستسر بالكفر، وهو المنافق، كان يسمى في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منافقا، ويسمى اليوم زنديقا)(5).
__________
(1) - موسوعة نظرة النعيم 10/4584
(2) - أنظر: لسان العرب ، والقاموس المحيط مادة ( زندق )
(3) - أنظر : تبصرة الحكام 2/279
(4) - المغني 9/159
(5) - المغني 9/159(1/440)
وقال ابن فرحون: ( الزنديق والزندقة هي إظهار الإيمان وإبطال الكفر، فمن أسر دينا من الأديان غير الإسلام فإن أتى تائبا قبلت توبته وإن أخذ على دين خفاه قتل ولم يستتب، ونقل ابن عبد السلام عن ابن لبابة: إنه يستتاب كالمرتد وهو مذهب جماعة من العلماء، قال مالك رحمه الله: النفاق في عهد رسول صلى الله عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة، لأنه لا يظهر ما يستتاب منه )(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( تنازع الفقهاء في استتابة الزنديق. فقيل: يستتاب. واستدل من قال ذلك بالمنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل أمرهم إلى الله ; فيقال له: هذا كان في أول الأمر وبعد هذا أنزل الله: { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً } [الأحزاب آية 61] فعلموا أنهم إن أظهروه كما كانوا يظهرونه قتلوا فكتموه.
والزنديق: هو المنافق وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق قالوا: ولا تعلم توبته لأن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر وقد كان يظهر الإيمان وهو منافق; ولو قبلت توبة الزنادقة لم يكن سبيل إلى تقتيلهم والقرآن قد توعدهم بالتقتيل)(2).
قلت : ومن الزنادقة في هذا الزمان العَلْمانيين الذين يحاربون الإسلام باسم الإسلام ، بل هم أشد من الزنادقة لأنهم يعملون في خفية تامة.
3 - عقوبة الزنديق:
يتضح من سياق كلام العلماء السابق أن الزندقة كفر وردة عن الإسلام، وعلى هذا تكون عقوبة الزندقة كعقوبة الردة. ( راجع مصطلح: ردة)
***
__________
(1) - تبصرة الحكام 2/279
(2) - مجموع الفتاوى 7/215(1/441)
حرف السين
168 -ستر
1 - التعريف:
الستر لغة: تغطية الشيء، وستر الشيء يستره سترا أي أخفاه، وتستر أي تغطى، وفي الحديث: { إن الله حيي ستِّيرٌ يحب الحياء والستر } (1). أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون لعباده. ويقال: رجل ستور وستير، أي عفيف. والستر ما يستتر به، والاستتار: الاختفاء، ومنه قوله تعالى: { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ } [ فصلت الآية 22] والسترة ما استترت به من شيء كائنا ما كان(2).
وفي الاصطلاح: الستر التغطية، والستر على المسلم تغطية عيوبه وإخفاء هناته.
2 - حكم الستر على مرتكب المعاصي:
أجمع العلماء على أن من اطلع على عيب أو ذنب أو فجور لمؤمن من ذوي الهيئات أو نحوهم ممن لم يعرف بالشر والأذى ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعيا إليه، كأن يشرب مسكرا أو يزني أو يفجر متخوفا متخفيا غير متهتك ولا مجاهر يندب له أن يستره، ولا يكشفه للعامة أو الخاصة، ولا للحاكم أو غير الحاكم، للأحاديث الكثيرة التي وردت في الحث على ستر عورة المسلم والحذر من تتبع زلاته، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: { من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة } ، وفي رواية { ستره الله في الدنيا والآخرة } (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم: { أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود } (4). وقوله صلى الله عليه وسلم: { من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته } (5).
__________
(1) - الحديث في مصنف عبد الرزاق برقم ( 1111).
(2) - أنظر لسان العرب (ستر) والقاموس المحيط (ستر)
(3) - مسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 17000 ) وسنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2544 ).
(4) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4375 )
(5) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2546 ).(1/442)
ولأن كشف هذه العورات، والعيوب والتحدث بما وقع منه قد يؤدي إلى غيبة محرمة وإشاعة للفاحشة. قال بعض العلماء: اجتهد أن تستر العصاة ، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب. قال الفضيل بن عياض: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير.
أما من عرف بالأذى والفساد والمجاهرة بالفسق وعدم المبالاة بما يرتكب، ولا يكترث لما يقال عنه فيندب كشف حاله للناس وإشاعة أمره بينهم حتى يتوقوه ويحذروا شره، بل ترفع قصته إلى ولي الأمر إن لم يخف مفسدة أكبر ; لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله. فإن اشتد فسقه ولم يرتدع من الناس فيجب أن لا يستر عليه بل يرفع إلى ولي الأمر حتى يؤدبه ويقيم عليه ما يترتب على فساده شرعا من حد أو تعزير ما لم يخش مفسدة أكبر. وهذا كله في ستر معصية وقعت في الماضي وانقضت.
أما المعصية التي رآه عليها وهو متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها ومنعه منها على من قدر على ذلك، فلا يحل تأخيره ولا السكوت عنها، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } (1) .
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 14/169، والحديث في صحيح مسلم برقم ( 49 ).(1/443)
قال الإمام النووي رحمه الله: ( أما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد، وأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك المحرمات وجسارة غيره على مثل فعله. وهذا كله في ستر معصية مضت وانقضت، أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك فلا يحل تأخيرها، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة )(1).
3 - هل الستر عام في جميع المعاصي والأشخاص أم خاص؟:
الستر عام في جميع المعاصي، لعموم الأحاديث والآثار الواردة في ذلك، وقد ذكرنا بعضا من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، عند الكلام عن حكم الستر، أما الآثار الواردة عن الصحابة فمنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال: ( لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره به )(2). وروى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه أتي برجل ، فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا ، فقال: ( إنا نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به)(3).
__________
(1) - شرح صحيح مسلم الحديث رقم (2580).
(2) - المصنف الحديث رقم ( 18931).
(3) - سنن أبي داود الحديث رقم (4890).(1/444)
وكما أن الستر عام في جميع المعاصي فهو عام كذلك لجميع الناس ، ممن لم يشتهروا بالفسق والفساد، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، لأن النصوص لم تفرق بينهما، فلم نجد نصا قال استروا على النساء دون الرجال أو العكس، وبذلك يُعلم أن ما تفعله بعض جهات القبض اليوم من قصر الستر على الجرائم الأخلاقية دون غيرها لا أصل له ، وما يقومون به من قصر الستر على النساء دون الرجال ، لا أصل له أيضا، ومن فرق فعليه الدليل ؛ والمصلحة المزعومة في التوسع في الستر على النساء في القضايا الأخلاقية تعارضها مفاسد أكبر منها ومن هذه المفاسد تمادي النساء في سلوك المسلك السيئ واختلاط الأنساب ، وغش المسلمين لأنه ربما يتزوج المسلم بامرأة سيئة الأخلاق وهو لا يعلم بحالها.
4 - متي يستحب الستر؟
يكون الستر على مرتكب المعصية مستحباً عندما تظهر علامات الندم والاستحياء على الشخص ويعرف منه صدق ذلك، ويكون في الستر عليه مصلحة راجحة. أما إذا كان مجاهرا غير مبال بما فعل فلا يستحب الستر عليه، بل يستحب رفع أمره إلى ولي الأمر لمعاقبته.
5 - ضابط الستر ؟ :(1/445)
إذا قبض على الشخص متلبسا بجريمة فإن هذه الجريمة لا تخلو إما أن تكون جريمة حدية، أي يترتب عليها العقوبة بحد شرعي، أو تكون غير حدية، أي لا يترتب عليها المعاقبة بحد؛ فإن كانت حدية فينظر إلى الشخص الذي سيقوم بالستر فإن كان له سلطان يأمر وينهى فلا يجوز له الستر، وقد بيَّنا الكلام عن ذلك في ضابط بلوغ الحدود للسلطان فيرجع إليه في مصطلح : حد. وأما إن كانت الجريمة ليست من جرائم الحدود فالستر مستحب متى ما كان فيه مصلحة مترجحة. وقد سئل سماحة الشيخ/عبد العزيز بن باز رحمه الله : هل هناك فرق بين رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف وبين عضو الهيئة في مسألة الستر وعدم المصلحة؟. فأجاب قائلاً: عضو الهيئة مثل بقية الناس ، إذا رأى المنكر يستر إذا ترجحت المصلحة في ذلك. أما الرئيس فالذي يظهر لي أنه مسؤول كالأمير ونحوه، لأن له سلطاناً يأمر وينهى، ففي الحدود لا يستر إذا بلغته ، بل يمضيها حتى يُقام الحد على صاحبه ، وأما في غير الحدود فينظر إلى المصلحة في ذلك ويستر أو لا يستر بحسبها(1).
***
__________
(1) - خالد الشايع / الستر على أهل المعاصي صفحة ( 194 ).(1/446)
169 -سجل:
1 - التعريف:
السِّجِلُّ في اللغة : الكتاب يدون فيه ما يراد حفظه. قال الفيومي: السِّجِلُّ كتاب القاضي والجمع سِجِلَّاتٌ وَأَسْجَلْتُ للرجل إسْجَالاً كتبت له كتاباً وسجَّل القاضي بالتشديد قضى وحكم وأثبت حكمه في السجل(1).
وفي الاصطلاح: السجل كتاب كبير تضبط فيه وقائع الناس وما يحكم به القاضي وما يكتب عليه(2). وهذا التعريف عند فقهاء الحنفية، وهو أعم من تعريف فقهاء الحنابلة الذين يعرفون السجل بأنه: ما تضمن الحكم المستند إلى البينة(3)، أو نسخ ما حكم به الحاكم(4).
2 - تنظيم السجلات:
قال في كشاف القناع: ( والأولى جعل السجل نسختين ; نسخة يدفعها، الحاكم إليه أي الطالب لها لتكون وثيقة بحقه، والنسخة الأخرى عنده، أي عند الحاكم ليرجع إلى النسخة التي عنده عند ضياع ما بيد الخصم أو الاختلاف لأن ذلك أحوط)(5).
وفي شرح المجلة: ( ومن الموافق تقسيم هذه السجلات إلى أربعة أقسام :
أولها : سجل نصب الوصي. وثانيها : سجل نصب القيم للأوقاف. وثالثها : سجل تقدير النفقات.ورابعها: سجل الإعلامات الحاوية للحكم , إذ أنه إذا قسمت الجهات إلى هذه الأقسام الأربعة يسهل الرجوع إليها لدى الحاجة بخلاف ما إذا خلط الكل فإن في الكشف عنه حينئذ عسرا شديدا )(6).
وفي محاكم المملكة العربية السعودية، يتم تقسيم السجلات بحسم أنواع القضايا، فالقضايا الجنائية لها سجل، والقضايا الحقوقية لها سجل، وهكذا. ونصت المادة الثالثة عشرة من نظام مديرية الأمن العام على: تنظيم سجلات وإضبارات لجميع المعاملات الصادرة والواردة وضبطها بطريقة تضمن الرجوع إليها بسهولة.
***
__________
(1) - المصباح المنير مادة ( سجل ).
(2) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق 7/3
(3) - الإنصاف 11/332، وقال : هو الصحيح من المذهب.
(4) - كشاف القناع 6/335
(5) - كشاف القناع 6/392
(6) - درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 4/623(1/447)
170 -سجن:
1 - التعريف: -
السّجن قي اللغة: الحبس، والمسجون، المحبوس، قال ابن فارس: السين والجيم والنون أصل واحد، وهو الحَبْس. يقال سجنته سَجناً، والسّجن: المكان يُسجَن فيه الإنسان، قال الله جلّ ثناؤه في قصّة يوسف عليه السلام : { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } [ يوسف الآية 33 ]. فيقرأ فتحاً على المصدر، وكسراً على الموضع. وجاء في القاموس المحيط: السِّجْنُ، بالكسر: المَحْبِسُ. وصاحِبُهُ: سَجَّانٌ. والسَّجِينُ: المَسْجُوْنُ جمعه: سُجَناءُ وسَجْنَى ، وهي: سَجِينٌ وسَجِينَةٌ ومَسْجونَةٌ، من سَجْنَى وسَجَائِنَ(1).
وفي الاصطلاح: هو حجز الشخص في مكان من الأمكنة، ومنعه من التصرف بنفسه حتى تبين حاله أو لخوف هربه أو لاستيفاء العقوبة(2).
2 - مشروعية السجن : ( راجع مصطلح: حبس )
3 - تنظيم السجون في المملكة:
جاء في المادة الثانية من نظام السجن الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/31 وتاريخ 21/6/1398 هـ النص التالي: ( تنشأ بقرارات من وزير الداخلية سجون للرجال وأخرى للنساء ودور توقيف للرجال وأخرى للنساء على أن يراعى في إنشائها الاستجابة لحاجات وحدات التقسيم الإداري للمملكة وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد إدارة السجون ودور التوقيف وسجلاتها والقواعد الخاصة بحراستها، والشروط الصحية ووسائل السلامة فيها ).
وفي المادة الثالثة من النظام ذاته ورد النص التالي: ( تنفذ عقوبات السجن في السجون، ويودع من يصدر بشأنه أمر توقيف من السلطات المختصة دور التوقيف وذلك وفقاً لأحكام هذا النظام ولائحته التنفيذية. ومع عدم الإخلال بالقواعد المتعلقة بمعاملة الأحداث ).
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة ، القاموس المحيط مادة ( سجن ).
(2) - حكم الحبس في الشريعة الإسلامية، صفحة (50 )(1/448)
وفي المادة الخامسة ورد النص التالي : ( تخضع السجون ودور التوقيف للتفتيش القضائي والإداري والصحي والاجتماعي وذلك وفقاً لأحكام اللائحة التنفيذية ).
4 - السجن دار للإصلاح:
السجن وإن كان في الأصل مكان لتنفيذ عقوبة صدرت بحق من يستحقها إلا إن الهدف منه لم يكن العقوبة ذاتها فهو مكان للإصلاح، ولذلك لم يغفل نظام السجون في المملكة العربية السعودية هذا الجانب، فالمسجون ينال حقه من التعليم والرعاية والإطلاع على الصحف والمجلات ونحو، وقد بينت ذلك المادة الثامنة عشرة من النظام بالنص التالي: ( تضع وزارة الداخلية بالاتفاق مع الجهات المختصة المسؤولة عن التعليم والتوعية مناهج التعليم والتثقيف داخل السجون ودور التوقيف. وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وإجراءات الامتحانات بالنسبة للمسجونين والموقوفين في المراحل الدراسية المختلفة. وتنشأ في كل سجن ودار للتوقف مكتبة تحوي كتباً دينية وعلمية وأخلاقية ليستفيد منها المسجونون والموقوفون في أوقات فراغهم. ويسمح للمسجونين والموقوفين باستحضار كتب أو صحف أو مجلات على نفقتهم الخاصة وذلك وفقاً لما تقرره اللائحة التنفيذية).
5 - الجزاءات التي تطبق على المسجون عند إخلاله بالنظام:
بينت المادة العشرون من نظام السجون الجزاءات التي يجوز توقيعها على المسجون أو الموقوف في حالة إخلاله بالنظام داخل السجن أو دار التوقيف وهي:-
1 - الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً.
2 - الحرمان من كل أو بعض امتيازات الزيارة والتراسل وغيرها من الامتيازات التي تحددها اللائحة التنفيذية.
3 - الجلد بما لا يزيد على عشر جلدات.(1/449)
وفي حالة تكرار المسجون أو الموقوف ارتكاب المخالفات أو الخروج على النظام على نحو ينبئ عن خطورته يرفع الأمر للحاكم الإداري لاتخاذ ما يراه وفقاً لأحكام اللائحة التنفيذية. ويجوز في هذه الحالة بالإضافة إلى جلد المسجون أو الموقوف مضاعفة مدة الحبس الانفرادي وحرمانه من كل امتيازات الزيارة والتراسل وجميع الامتيازات الأخرى التي تقرها اللائحة التنفيذية مع حرمانه كذلك من الاستفادة من نظام الإفراج تحت شرط المنصوص عليه في المدة (25) من هذا النظام. وتقيد في سجل خاص العقوبات التي توقع على المسجون. وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد الاختصاص بتوقيع الجزاءات. ويجوز لمدير السجن أن يأمر بتكبيل المسجون أو الموقوف بحديد الأيدي إذا وقع منه هياج أو تعد، ولا يجوز أن تتجاوز مدة التكبيل أثنتين وسبعين ساعة.
6 - اختصاص هيئة التحقيق بالرقابة على السجون ودور التوقيف:
بينت الفقرة (و) من المادة الثالثة من نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام اختصاص الهيئة بالرقابة والتفتيش على السجون، ودور التوقيف، وأي أماكن تنفذ فيها أحكام جزائية، والقيام بالاستماع إلى شكاوى المسجونين، والموقوفين، والتحقق من مشروعية سجنهم أو توقيفهم ، ومشروعية بقائهم في السجن، أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة.
ووردت بعض الضوابط في نظام الإجراءات الجزائية على التالي:
1 - على المختصين من أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام زيارة السجون ودور التوقيف في دوائر اختصاصهم في أي وقت دون التقيد بالدوام الرسمي، والتأكد من عدم وجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة، وأن يطلعوا على سجلات السجون ودور التوقيف، وأن يتصلوا بالمسجونين والموقوفين، وأن يسمعوا شكاواهم، وأن يتسلموا ما يقدمونه في هذا الشأن. وعلى مأموري السجون ودور التوقيف أن يقدموا لأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام كل ما يحتاجونه لأداء مهامهم. (م/37 )(1/450)
2 - لكل مسجون أو موقوف الحق في أن يقدم في اي وقت لمأمور السجن أو دار التوقيف شكوى كتابية أو شفهية، ويطلب منه تبليغها إلى عضو هيئة التحقيق والادعاء العام، وعلى المأمور قبولها وتبليغها في الحال بعد إثباتها في سجل معد لذلك، وتزويد مقدمها بما يثبت تسلمها، وعلى إدارة السجن أو التوقيف تخصيص مكتب مستقل لعضو الهيئة المختص لمتابعة أحوال المسجونين أو الموقوفين. (م/38 )
3 - لكل من علم بوجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة أو في مكان غير مخصص للسجن أو التوقيف أن يبلغ هيئة التحقيق والادعاء العام.
وعلى عضو الهيئة المختص بمجرد علمه بذلك أن ينتقل فوراً إلى المكان الموجود فيه المسجون أو الموقوف ، وأن يقوم بإجراء التحقيق ، وأن يأمر بالإفراج عنه إذا كان سجنه أو توقيفه جرى بصفة غير مشروعة ، وعليه أن يحرر محضراً بذلك يرفع إلى الجهة المختصة لتطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق المتسببين في ذلك. (م/39)
***(1/451)
171 -سحاق
1 - التعريف:
السحاق في اللغة من السحق، والسحق كما قال ابن منظور: الدق. قيل الدق الشديد، وقيل الدق الرقيق، وقيل الدق بعد الدق(1).
وفي الاصطلاح: هو إتيان المرأةِ المرأةَ(2).
2 - حكم السحاق:
لا خلاف بين الفقهاء في أن السحاق حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { السحاق زنى النساء بينهن } (3) ؛ وقد عده ابن حجر الهيتمي من الكبائر فقال:
( الكبيرة الثانية والستون بعد الثلاثمائة: مساحقة النساء وهو أن تفعل المرأة بالمرأة مثل صورة ما يفعل بها الرجل. كذا ذكره بعضهم واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم: { السحاق زنا النساء بينهن } (4) وقوله: { ثلاثة لا يقبل الله منهم شهادة أن لا إله إلا الله: الراكب والمركوب، والراكبة والمركوبة، والإمام الجائر(5) } )(6).
3 - عقوبة السحاق:
اتفق الفقهاء على أنه لا حد في السحاق ; لأنه ليس زنى، وإنما يجب فيه التعزير; لأنه معصية. قال ابن قدامة: ( وإن تدالكت امرأتان، فهما زانيتان ملعونتان ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { إذا أتت المرأةُ المرأةَ، فهما زانيتان } (7). ولا حد عليهما لأنه لا يتضمن إيلاجا، فأشبه المباشرة دون الفرج، وعليهما التعزير لأنه زنى لا حد فيه، فأشبه مباشرة الرجل المرأة من غير جماع )(8).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( سحق )
(2) - أنظر: منح الجليل شرح مختصر خليل 9/251
(3) - رواه الطبراني في الكبير 22/63
(4) - أنظر الحديث السابق.
(5) - الحديث رواه الطبراني في الأوسط 3/366
(6) - الزواجر عن اقترف الكبائر 2/235
(7) - رواه البيهقي في السنن الكبرى 8/233 الحديث رقم ( 16810 ).
(8) - المغني 12/350(1/452)
172 -سحر:
1 - التعريف:
السحر لغة: كل ما لطف مأخذه ودق ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: { إن من البيان لسحرا } (1) ، وسحره أي خدعه ، ومنه قوله تعالى: { )قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } [الشعراء الآية 153] أي المخدوعين؛ وفي لسان العرب قال: الأزهري: السحر عمل تُقُرِّبَ فيه إلى الشيطان وبمعونة منه، كل ذلك الأمر كينونة للسحر، ومن السحر الأُخْذَة التي تأخذ العين حتى يُظنَّ أن الأمر كما يُرَى، وليس الأصل على ما يُرى ؛ والسحر: الأُخْذة ؛ وكل ما لطف مأخذه ودق، فهو سحر، والجمع أسحار وسُحُور، وسَحَره يَسْحَرُه سَحْراً وسِحْراً وسَحَّرَه، ورجل ساحر من قوم سحرة وسُحَّار، وسَحَّار من قوم سَحَّارين (2).
وفي الاصطلاح: عرفه العلماء كل بحسب اعتقاده في السحر، ومن ذلك:
تعريف ابن قدامة له بأنه: ( عزائم ورقى وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض، ويقتل ، ويفرق بين المرء وزوجه ، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه)(3).
وعرفه الفخر الرازي بقوله: ( السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع )(4).
والفرق بين تعريف ابن قدامة ، وتعريف الرازي ، هو: أن ابن قدامة يرى أن السحر له حقيقة، أما الرازي فيرى أن السحر لا حقيقة له.
وعرفه شيخنا صالح الفوزان حفظه الله فقال: ( السحر عبارة عن عزائم ورُقي وعقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض ، أو بالإخلال بعقله ، أو يفرِّق بين الزوجين ، أو يأخذ الزوج عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها)(5).
2 - بعض الألفاظ المتعلقة بالسحر:
أ - الشعوذة:
__________
(1) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 4851 )
(2) - أنظر لسان العرب والقاموس المحيط مادة ( سحر )
(3) - الكافي 4/64
(4) - التفسير الكبير 1/619
(5) - إغاثة المستفيد بشرح كتاب التوحيد 1/471(1/453)
قال ابن منظور: الشَّعْوَذَةُ: خِفَّةٌ في اليد وأَخْذٌ كالسحر يُرى الشيءَ بغير ما عليه أَصله في رأْي العين؛ ورجل مُشَعْوِذٌ ومُشَعْوَذٌ وليس من كلام البادية. والشَّعْوَذَةُ: السُّرْعَةُ، وقيل: هي الخفة في كل أَمْرٍ(1).
ب - النشرة:
النشرة ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن؛ سميت نشرة لأنه ينشر بها ما خامره من الداء، أي يكشف ويزال، قال الحسن: النشرة من السحر ؛ وفي الحديث أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال : { هي من عمل الشيطان } (2).
ج - العزيمة:
العزيمة من الرقى التي كانوا يعزمون بها على الجن، وجمعها، عزائم، يقال: عزم الراقي: كأنه أقسم على الداء، وأصلها فيما ذكره القرافي: الإقسام والتعزيم على أسماء معينة زعموا أنها أسماء ملائكة وكَّلهم سليمان بقبائل الجان، فإذا أقسم على صاحب الاسم ألزم الجن بما يريد.
ويوجد في هذا الزمان بعض الدجالين الذين يكتبون بعض الخطوط والطلاسم بماء الورد والزعفران على ورق أبيض ويبيعونها للعامة خاصة النساء ويزعمون أن فيها شفاء.
د - الرقية:
الرقية وجمعها الرقى، وهي ألفاظ خاصة يحدث عند قولها الشفاء من المرض، إذا كانت من الأدعية الشرعية التي يتعوذ بها من الآفات من الصرع والحمى، وفي الحديث { أعرضوا علي رقاكم } (3) وفي حديث آخر { لا رقية إلا من عين أو حمة } (4) ؛ ومن الرقى ما ليس بمشروع كرقى الجاهلية ، وكل ما أفضى إلى الأمور الشركية من الرقي فهو محرم.
هـ - الطلسم:
الطلسمات أسماء خاصة كانوا يزعمون أن لها تعلقا بالكواكب، تجعل في أجسام من المعادن أو غيرها، ويزعمون أنها تحدث آثارا خاصة.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( شعذ )
(2) - رواه الإمام أحمد في المسند الحديث رقم (14167 )، وأبو داود برقم ( 3868 )، وابن أبي شيبة الحديث رقم (2351).
(3) - الحديث في صحيح مسلم برقم ( 2200 ).
(4) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 5378 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 220 ).(1/454)
و - الأوفاق :
الأوفاق هي أعداد توضع في أشكال هندسية على شكل مخصوص، كانوا يزعمون أن من عمله في ورق وحمله يؤدي ذلك إلى تيسير الولادة، أو نصر جيش على جيش، أو إخراج مسجون من سجن ونحو ذلك ، وقد رأيتها بعيني معلقة على عضد شاب حضر إلي وأخبرني أنه حديث عهد بزواج وأنه عندما ينام مع زوجته يشعر بأن شخصاً يطرق الشباك وينادي زوجته ، فلما سألته عن هذا الخيط المربوط على عضده ، أخبرني أن أحد القراء عمله له ليكون حرزاً له ولزوجته ، فلما فتحته وجدت بداخله أرقاماً موضوعة داخل دوائر ومربعات ، ومغلفة بإحكام داخل قطعة من البلاستيك.
ز - التنجيم :
التنجيم لغة: النظر في النجوم، واصطلاحا: ما يستدل به من التشكلات الفلكية على الحوادث الأرضية كما يزعمون(1).
ح - التنويم المغناطيسي:
حالة تتم عن طريق تأثير شخص قوي على شخص أضعف منه يكون في حالة وسط بين النوم واليقظة، يتم فيها طرد كل الأفكار من ذهن الشخص الآخر وإحلال الأفكار المطلوبة محلها ويكون له تأثيراً قوياً ، وهو منتشر في هذا الزمان ، وعلمت أن بعض المتسولين يعمدون إلى هذه الطريقة مع بعض الأطفال الذين يحضرونهم إلى المساجد والأمكان التي يتسولون فيها ، ويقصدون بذلك استعطاف الناس عليهم.
ط - قراءة الكف:
هي نظرة في كف اليد يزعم من يقوم بها أن الخطوط التي في كف الإنسان إنما تولد معه وتمحى بموته، ويدعون أن خطوط اليد الطولية والعرضية والتعرجات الموجودة في الكف تحدد عمر الإنسان طولا وقصرا وتنبئ عما سيحصل لصاحبها من سعادة أو تعاسة وغيرها. فهناك خط القلب وخط المستقبل وخط العمر وخط الإنجاب أو عدم الإنجاب لكن من الواضح أن هذه الخطوط لا يمكن أن تنم عن حقيقة شخصيات البشر ولا تحدد مستقبلهم وإنما هذه الممارسة عبارة عن نوع من الدجل والخرافات، وامتصاص أموال الناس بدون وجه حق.
ي - قراءة الفنجان والودع والحجارة وغيرها:
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 24/260 ـ 261(1/455)
قد يأخذ بعض الأشخاص في التحديق في فنجان القهوة بعد أن ينتهي صاحبها من احتسائها وذلك لمعرفة المستقبل وتحديد الآمال والأحلام، وذلك دون أي أساس من الصحة، ولكن ذلك نوع من التنبؤات والادعاءات التي غالبا ما تكون غير صحيحة ولكن الذي يحدث أن الناس يكونون مهيئين لتصديق ما يقال لهم وقد وضعوا ثقتهم في هذا القارئ، العالم في نظرهم.
وكذلك من يستخدمون الودع والحجارة فيلقونها على الأرض وقراءة ما توحيه لهم أشكالها التي تشكلت بها من خلال إلقائها على الأرض ولكنهم كلهم دجالون يحفظون تلك العبارات التي يقولونها عن ظهر قلب ويذكرونها دائما وربما صدق قارئ الفنجان أو ضارب الودع مرة ولكنها لا تعدو أن تكون مصادفة بحتة والمصادفة كما هو معلوم ليست أساسا سليما للمعرفة الصحيحة.
3 - هل السحر حقيقة أم خيال ؟(1/456)
اختلف العلماء في السحر هل له حقيقة ووجود وتأثير حقيقي، أم هو مجرد تخييل، فذهب الجمهور إلى أن السحر له حقائق؛ وذهب المعتزلة ومن وافقهم، كالفخر الرازي، إلى أنه ليس له حقيقة، وفي هذه المسألة يقول القرطبي رحمه الله: ( ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة؛ وذهب عامة المعتزلة وأبو إسحاق الإسترابادي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به وإنه ضرب من الخفة والشعوذة، كما قال تعالى: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [ طه الآية 66 ] ولم يقل على الحقيقة، ولكن قال { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } ،وقال أيضا: { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ } [ الأعراف الآية 116 ]، وهذا لا حجة فيه لأنا لا ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوزها العقل وورد بها السمع فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه، ولا أخبر تعالى أنهم يعلمونه الناس فدل على أن له حقيقة ، وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون: { وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [الأعراف الآية 116] وسورة الفلق، مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم، وهو مما خرجه البخاري ومسلم وغيرهما، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سحر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يهوديٌ من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم الحديث ...، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حل السحر: { إن الله شفاني } ، والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقا وحقيقة، فهو مقطوع به بأخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه ؛ وعلى هذا أهل الحق ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان، وتكلم الناس فيه ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله ؛ وروى سفيان عن أبي الأعور عن عكرمة عن ابن عباس قال: علم السحر في قرية من(1/457)
قرى مصر يقال لها الفرما فمن كذَّب به فهو كافر مكذب لله ورسوله، منكر لما علم مشاهدة وعيانا )(1).
4 - حكم عمل السحر:
عمل السحر محرم، وكبيرة من الكبائر، وقد نقل النووي وابن قدامة الإجماع على ذلك، وأدلة تحريمه كثيرة منها:
أ - قوله تعالى: { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } [ طه 69 ].
ب - قوله تعالى: { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر } [البقرة 102] ، فجعله من تعليم الشياطين ، وقال في آخر الآية: { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ } [البقرة 102]، فأثبت فيه ضررا بلا نفع.
ج - قوله تعالى حكاية عن سحرة فرعون: { إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [ طه 73 ]، فأخبر أنهم رغبوا إلى الله في أن يغفر لهم السحر، وذلك يدل على أنه ذنب.
د - قول النبي صلى الله عليه وسلم: { اجتنبوا السبع الموبقات... الشرك بالله، والسحر... } . الحديث(2). قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ( عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام )(3). وقال ابن قدامة: ( تعلّم السحر وتعليمه، حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم)(4).
5 - أنواع السحر:
السحر له نوعان، يذكرهما العلماء ويدرجون تحت كل نوع عدة أقسام، ونكتفي هنا بذكر النوعين الرئيسيين وهما: الحقيقي، والتخيلي.
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن 2/51
(2) - متفق عليه أخرجه البخاري برقم ( 2766 ) ومسلم برقم ( 89 ).
(3) - شرح النووي على صحيح مسلم 14/176
(4) - المغني 12/300(1/458)
النوع الأول: السحر الحقيقي.
وهو ما يقوم به السحرة من عقد، ثم ينفث فيها من ريقه، ويستعين على ذلك بالشيطان، قال تعالى: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } [ الفلق 4 ]، يعني السواحر، وهذا النوع، يؤثر بإذن الله تعالى في المسحور إما قتلا، وإما مرضا، وإما تفريقا بينه وبين من يحب، وإما أن يمنعه عن زوجته، فلا يستطيع الوصول إليها ؛ وهذا من النوع الذي سُحر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر فيه بإذن الله تعالى، وصار يخيل إليه صلى الله عليه وسلم، أنه يفعل الشيء، وهو لم يفعله، ورقاه جبريل فشُفي بإذن الله، وهذا النوع هو الذي أنكرته المعتزلة ومن وافقهم.
النوع الثاني: السحر التخيلي:
وهذا النوع ليس له حقيقة، وإنما هو خيال وشعوذة، وهو ما يسمى بالقُمْرة، فالساحر يخيِّل للناس شيئا وهو ليس حقيقة، كأن يخيِّل للناس أنه دخل في النار، وليس كذلك، ويخيِّل للناس أنه يمشي على حبل، وليس كذلك، ويخيِّل للناس أن السيارة تمشي على بطنه، وليس كذلك، ويخيِّل للناس أنه يطعن نفسه بالسلاح ولا يؤثر فيه، وليس كذلك، والحقيقة أنه عمل شيئا من التخييل ، والقُمرة ، كما قال تعالى في قوم فرعون: { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [الأعراف 116] سحروا الأعين فقط وذلك بما يعملونه من الحيل، ويجعلون في العصي التي معهم مواد تحركها، وتجعل العصي كأنها حية ، وهو ليس كذلك ، كما قال تعالى عن موسى ، عليه السلام: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [طه 66 ]، حشوها بشيء من الزئبق وشيء من الأمور التي لا يراها الناس، وظنوا أنها تتحرك(1).
وهذا النوع من السحر كثير في هذا الزمان، ويطلقون عليه اسم السيرك.
6 - أسباب انتشار السحر والسحرة في العصر الحاضر:
أولا: بالنسبة للمشتغلين بالسحر:
__________
(1) - إعانة المستفيد بشرج كتاب التوحيد 1/472(1/459)
إن من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار السحر والسحرة، الابتعاد عن الدين الإسلامي، فالناس كلما ابتعدوا عن دين الله تفشى فيهم الظلم، وظهرت فيهم الأمراض القلبية، والمفاسد الاجتماعية، والشعوذة، والسحر واحد من بين هذه المصائب التي ابتليت بها الأمة، فقد انتشر السحر، والسحرة بين الناس، وكثر المخادعون الدجالون الذين يوهمون الناس أن لهم قدرة في علاج بعض الأمراض، وخدعوا السذج من الناس بما ظهروا به من مظهر أهل الصلاح والتقوى، ولبَّسوا عليهم الحق بالباطل بما يهمهمون به من نغماتهم الخفية التي يدعون كذباً أنها من القرآن، وما علموا أن القرآن يلعنهم.
وحقيقة هؤلاء، أعني المشتغلين بأعمال السحر، أنهم أناس ابتعدوا عن الدين، هدفهم الأول والأخير هو جمع المال بأية طريقة كانت، سواء أدى ذلك إلى شفاء المريض أم إلى هلاكه، وسواء أدى ذلك إلى جمع الأسر أو إلى شتاتها.
ثانيا: بالنسبة للمترددين على السحرة:
يجمع بين المشتغلين بأعمال السحر وبين المترددين عليهم، جامع رئيسي وهو الابتعاد عن دين الله كما أسلفنا، فالإنسان الذي يعرض عن ذكر الله، يعيش في ضيق وفي نكد، ويجد الشيطان في جوفه مرتعاً خصباً لخلوه من ذكر الله، قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [ طه 124] وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف 36 ].
وهناك أسباب أخرى تدع ضعاف الإيمان إلى التردد على السحرة والمشعوذين، يمكن إيجازها في الآتي:
1 - طلب الشفاء وعلاج بعض الأمراض، وهذا الجانب بكثرة.
2 - الحب والغرام، فالذاهب إلى الساحر يطلب منه أن يعطف عليه من يحب، ظنا منه أن الساحر يستطيع ذلك.
3 - يذهب بعض ضعاف الإيمان إلى السحرة من أجل طلب إخبارهم بما سيكون لهم في المستقبل، ظناً منهم أن الساحر يستطيع ذلك.(1/460)
4 - أهداف متنوعة كطلب المظلوم الانتقام ممن ظلمه أو طلب التاجر تيسير ترويج وبيع تجارته(1).
7 - التحقيق في جريمة السحر:
التحقيق في جريمة السحر يحتاج لعناية فائقة من جانب المحقق، فهو يحتاج إلى الدقة في فهم الألفاظ والمعاني، والمعرفة بأحكام السحر ومدلولاته، وألفاظه، حتى لا يشتبه الأمر عليه، فيعتقد ما ليس بسحر سحرا، ويضاف إلى ذلك أمر أخر وهو أن يكون المحقق قوي الإيمان بالله تعالى حتى لا يتوهم أن الساحر الماثل أمامه يستطيع أن يضره بشيء من سحره.
8 - بم يثبت السحر:
تثبت جريمة السحر بطريقين من طرق الإثبات، وهما البينة ، والإقرار.
9 - جناية الساحر:
إذا جنى الساحر بسحره على إنسان فجنايته جناية عمد، ويجب فيها ما يجب في جناية العمد من القصاص أو الدية، فإذا سحر شخصا فجُّنَّ، فعليه الدية، وإن مات قُتل به.
10 - عقوبة الساحر:
قال الجصاص بعد أن نقل أقوال السلف في عقوبة الساحر:
( اتفق هؤلاء السلف على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره واختلف فقهاء الأمصار في حكمه على ما نذكره ; فروى ابن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال في الساحر: يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب، ولا يقبل قوله، إني أترك السحر وأتوب منه، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه، وإن شهد عليه شاهدان أنه ساحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم أنه سحر قتل ولا يستتاب)(2).
وقال الإمام مالك رحمه الله: ( الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيره، هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه: { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ } [ البقرة 102 ]، فأرى أن يقتل ذلك، إذا عمل ذلك هو بنفسه )(3).
__________
(1) - أنظر: رشيد ليزول /الجن والسحر في المنظور الإسلامي الصفحات 171-174
(2) - أحكام القرآن للجصاص 1/71-72
(3) - الموطأ باب ما جاء في الغيلة والسحر صفحة 663(1/461)
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ( والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب، وإلا قتل وأخذ ماله فيئا، وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف، ولم يضر به أحدا نهي عنه فإن عاد عزر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل فعمد أن يعمله عزر، وإن كان يعمل عملا إذا عمله قتل المعمول به، وقال عمدت قتله قتل به قودا إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته حالة في ماله، وإن قال: إنما أعمل بهذا لأقتل فيخطئ القتل ويصيب، وقد مات مما عملت به ففيه الدية، ولا قود، وإن قال قد سحرته سحرا مرض منه، ولم يمت منه أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل، وكانت لهم الدية، ولا قود لهم مال الساحر، ولا يغنم إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا، وأَمْرُ عمر أن يقتل السحار عندنا، والله تعالى أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا، وكذلك أمر حفصة، وأما بيع عائشة الجارية، ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله تعالى ، وحديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه المعاني عندنا، والله تعالى أعلم )(1).
__________
(1) - الأم 1/293(1/462)
وقال ابن قدامة رحمه الله: ( وحد الساحر القتل ؛ روي ذلك عن عمر، وعثمان ابن عفان، وابن عمر، وحفصة ، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز ؛ وهو قول أبي حنيفة ومالك. ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر ؛ وهو قول ابن المنذر، ورواية عن أحمد قد ذكرناها فيما تقدم، ووجه ذلك، أن عائشة رضي الله عنها، باعت مدبرة سحرتها، ولو وجب قتلها لما حل بيعها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث; كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق } (1)؛ ولم يصدر منه أحد الثلاثة، فوجب أن لا يحل دمه. ولنا ما روى جندب بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { حد الساحر، ضربه بالسيف } (2) ؛ قال ابن المنذر: رواه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف ؛ وروى سعيد، وأبو داود في كتابيهما عن بجالة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر؛ فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعا، وقتلت حفصة جارية لها سحرتها؛ وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة ؛ ولأنه كافر فيقتل ; للخبر الذي رووه )(3).
__________
(1) - البخاري الحديث رقم ( 6484 ) ومسلم الحديث رقم ( 1676 )، وسنن أبي داود الحديث رقم ( 4502 ) واللفظ له.
(2) - رواه الترمذي برقم ( 1460 ) والحاكم برقم ( 8073 )
(3) - المغني 12/302(1/463)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وجوز طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما: قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وكذلك كثير من أصحاب مالك. وقالوا: إنما جوز مالك وغيره قتل القدرية لأجل الفساد في الأرض; لا لأجل الردة ; وكذلك قد قيل في قتل الساحر ; فإن أكثر العلماء على أنه يقتل وقد روي عن جندب رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا: { إن حد الساحر ضربه بالسيف } رواه الترمذي. وعن عمر وعثمان وحفصة وعبد الله بن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم: قتله. فقال بعض العلماء: لأجل الكفر وقال بعضهم: لأجل الفساد في الأرض. لكن جمهور هؤلاء يرون قتله حدا. وكذلك أبو حنيفة يعزر بالقتل فيما تكرر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل كما يقتل من تكرر منه اللواط أو اغتيال النفوس لأخذ المال ونحو ذلك )(1).
وقال ابن حزم، بعد أن بيَّن أقوال العلماء في حكم الساحر: ( الساحر ليس كافرا كما بينا، ولا قاتلا، ولا زانيا محصنا، ولا جاء في قتله نص صحيح فيضاف إلى هذه الثلاث، كما جاء في المحارب، والمحدود في الخمر ثلاث مرات. فصح تحريم دمه بيقين لا إشكال فيه )(2).
وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله: ( والأظهر عندي أن الساحر الذي لم يبلغ به سحره الكفر ولم يقتل به إنسانا أنه لا يقتل لدلالة النصوص القطعية والإجماع على عصمة دم المسلمين عامة إلا بدليل واضح، وقتل الساحر الذي لم يكفر بسحره لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على دم مسلم من غير دليل صحيح من كتاب أو سنة مرفوعة غير ظاهر عندي والعلم عند الله تعالى مع أن القول بقتله مطلقاً قوي جداً لفعل الصحابة له من غير نكير )(3).
***
__________
(1) - مجموع الفتاوى 28/346
(2) - المحلى 12/421
(3) - أضواء البيان 4/462(1/464)
173 -سرقة
1 - التعريف:
السرقة في اللغة: أخذ الشيء من الغير خفية ؛ قال ابن فارس: السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخذ شئ في خفاء وسِتر. يقال سَرَق يَسْرِق سَرِقةً، والمسروق سَرَقٌ، واستَرَق السّمع، إذا تسمَّع مختفياً(1).
وفي الاصطلاح: هي أخذ العاقل البالغ نصابا محرزا، أو ما قيمته نصاب، ملكا للغير، لا شبهة له فيه، على وجه الخفية(2).
2 - حكم السرقة:
السرقة محرمة لأنها اعتداء على حقوق الآخرين، وأخذ لأموالهم بالباطل، وفيها إفساد للدين، والأخلاق والضمير، ويترتب عليها إخلال شديد بأمن البلاد والعباد، وزعزعة الاقتصاد العام بهز الأمن والثقة وهي محرمة بالكتاب والسنة، الإجماع. قال تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) } [ المائدة 38 ].
وفي صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا } (3).
وفي الصحيحين ، عنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: { أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فخطب، فقال: أيها الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد } متفق عليه(4). وقد أجمع الفقهاء على تحريم السرقة.
3 - الجرائم المشابهة للسرقة:
أ - الاختلاس:
الاختلاس: خطف الشيء بسرعة والهرب به.
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( سرق ).
(2) - الموسوعة الفقهية 24/292
(3) - رواه البخاري برقم ( 6407 ) ومسلم برقم ( 1684 ).
(4) - رواه البخاري برقم ( 3288 ) ومسلم برقم ( 1688 ).(1/465)
قال الخليل: الخَلْسُ والاختلاسُ: أخذ الشَّيْء مُكابَرَةً، تقول: اختلستُه اختلاساً واجتذاباً(1). وقال ابن منظور: الخَلْسُ: الأَخذ في نَهْزَةٍ ومُخاتلة؛ خَلَسَه يَخْلِسُه خَلْساً و خَلَسَه إِياه، فهو خالِسٌ و خَلاَّس؛ قال الهذلي:
يا مَيُّ إِن تَفْقِدي قوماً وَلَدْتِهم أَو تَخْلِسِيهم فإِن الدَّهرَ خَلاَّس(2)
والمختلس: هو الذي يأخذ المال جهرة معتمدا على السرعة في الهرب؛ فالفرق بين السرقة والاختلاس هو أن السرقة عمادها على الخفية، والاختلاس يعتمد على المجاهرة. قال البهوتي: ( والاختلاس نوع من الخطف والنهب، وإنما استخفى في ابتداء اختلاسه والمختلس الذي يخطف الشيء ويمر به )(3).
والمختلس يعاقب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، وليس عليه قطع، لحديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع } . ( راجع مصطلح: اختلاس)
ب - النهب:
النهب: أخذ المال بالقهر والغلبة ؛ يقال: نهب الشيء نهبا، أخذه قهرا ؛ والنهب: الغارة ؛ والغنيمة: الشيء المنهوب(4).
قال ابن عابدين: ( النهب والاختلاس، أخذ الشيء علانية، إلا أن الفرق بينهما من جهة سرعة الأخذ في جانب الاختلاس، بخلاف النهب فإن ذلك غير معتبر فيه)(5). ومن هذا يتبين أن الفرق بين النهب والاختلاس والسرقة يعود إلى صفة الأخذ، وهو الخفاء في السرقة، والعلانية في النهب والاختلاس ولهذا لا قطع على المنتهب والمختلس للحديث السابق، ويعاقب المنتهب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، ويجب عليه رد ما انتهبه.
ج - الغصب:
الغصب في اللغة: أخذ الشيء ظلما مجاهرة.
وفي الاصطلاح: هو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق(6).
__________
(1) - كتاب العين مادة ( خلس ).
(2) - لسان العرب مادة ( خلس )
(3) - كشاف القناع 6/129
(4) - أنظر لسان العرب، القاموس المحيط، معجم مقاييس اللغة مادة ( نهب )
(5) - رد المحتار 4/94
(6) - الإنصاف 6/121(1/466)
فالفرق بين الغصب والسرقة: أن الغصب يتحقق بالمجاهرة، في حين يشترط في السرقة أن يكون الأخذ سرا من حرز مثله.
وليس على المغتصب قطع، ولكن عليه عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، ويجب عليه رد ما اغتصب.
د - النبش:
قال ابن منظور: نَبَشَ الشيء يَنْبُشُهُ نَبْشاً: استخرجه بعد الدَّفْن، و نَبْشُ الموتى: استخراجُهم، والنبَّاشُ: الفاعلُ لذلك، وحِرْفتُه النِّباشةُ. والنَّبْشُ: نَبْشُك عن الميّت وعن كلّ دَفِين(1).
والنباش: هو الذي يسرق أكفان الموتى بعد دفنهم في قبورهم(2).
وقد اختلف الفقهاء في حكمه وفي اعتباره سارقا، فذهب جمهور الفقهاء إلى اعتبار النباش سارقا ; لانطباق حد السرقة عليه. قال ابن قدامة: ( وحرز الكفن كونه على الميت في القبر، فمن نبشه وسرقه قُطع، لأنه سارق، بدليل قول عائشة رضي الله عنها: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا)(3). وروى البيهقي عن عامر الشعبي أنه قال: يقطع في أمواتنا كما يقطع في أحيائنا(4). وروى ابن أبي شيبة عن حجاج أن مسروقا وإبراهيم النخعي والشعبي وزاذان وأبا زرعة بن عمرو بن جرير كانوا يقولون في النباش يقطع(5). وذهب أبو حنيفة إلى عدم اعتبار النباش سارقا لأنه يأخذ ما لا مالك له وليس مرغوبا فيه، واشتراط الخفية والحرز لا يجعل هذا النوع من الأخذ سرقة.
هـ - النشل أو الطر:
النَّشْلُ: هو نزع الشيء بسرعة، يقال: نَشَل الشيء يَنْشُله نَشْلاً: أَسرع نَزْعَه.
والطَّرُّ : هو القطع والشق ، يقال: طَرَّهم بالسيف يَطُرُّهم طرّاً(6).
والنشال: المختلس الخفيف اليد من اللصوص، يشق ثوب الرجل ويسل ما فيه على غفلة من صاحبه ؛ ويعبر عنه بالطرار ، من طررته طَرَّاً: إذا شققته.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( نبش )
(2) - فتح القدير 5/373
(3) - الكافي 4/77
(4) - سنن البيهقي الكبرى 8/269
(5) - مصنف ابن أبي شيبة 5 /524 الحديث رقم ( 28622 )
(6) - أنظر لسان العرب مادة ( نشل، طرر ).(1/467)
وفي اصطلاح الفقهاء الطرار أو النشال: هو الذي يسرق الناس في يقظتهم بنوع من المهارة وخفة اليد.
والفرق بين النشل أو الطر، وبين السرقة يتمثل في تمام الحرز، ولهذا اختلف الفقهاء في تطبيق حد السرقة على النشال، فجمهورهم يسوي بين السارق والطرار سواء شق الكم أو القميص وأخذ منها ما يبلغ النصاب، أو أدخل يده فأخذ دون شق، لأن الإنسان يعتبر حرزاً لكل ما يلبسه أو يحمله من نقود وغيرها ؛ وبعضهم يرى أنه إذا أدخل يده في الكم أو في الجيب فأخذ من غير شق، أو شق غيرهما مثل الصرة، فلا يقام عليه حد السرقة لعدم اكتمال الأخذ من الحرز. وفقهاء الحنابلة يرون قطع الطرار ؛ قال في الروض المربع: (ويقطع الطرار ، وهو الذي يبط الجيب، أو غيره، ويأخذ منه، أو بعد سقوطه نصابا، لأنه سرق من حرز )(1).
و - خيانة الأمانة:
الخيانة لغة: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، يقال: خَانَهُ في كذا يَخُونُه خَوْنًا وخِيَانَةً ومَخَانَةً، واخْتَانَهُ ؛ قال الله تعالى: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } [ الأنفال 58 ] ؛ ونقيض الخيانة الأمانة(2).
والخائن في الاصطلاح: هو الذي خان ما أتُمن عليه.
وخيانة الأمانة محرمة لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال 27 ]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: { آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان } متفق عليه(3). وقد عدَّ الذهبي وابن حجر الهيتمي، الخيانة من الكبائر.
وخائن الأمانة يعاقب تعزيراً ، ولا تقطع يده ، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع } .
ز - جحد العارية:
__________
(1) - الروض المربع صفحة(673)
(2) - أنظر الصحاح مادة ( خون ).
(3) - البخاري الحديث رقم (33 ) ومسلم الحديث رقم ( 59 )(1/468)
الجحد أوالجُحُودُ: الإنكار مع العلم. يقال: جَحَدَهُ حقَّه وبحقّه، جَحْدًا وجُحُودًا(1). والجاحد: هو الذي يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة فيأخذه ويدعي ضياعه، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية، وجحد العارية التي قيمتها نصاب، يوجب القطع عند الحنابلة(2). قال ابن الجوزي رحمه الله: ( ويجب القطع على جاحد العارية عندنا، وبه قال سعيد بن المسيب، والليث بن سعد، خلافا لأكثر الفقهاء )(3).
__________
(1) - الصحاح مادة ( جحد ).
(2) - أنظر ( انظر كشاف القناع 6/129 )
(3) - زاد المسير 2/352(1/469)
وبيَّن ابن قدامة رحمه الله الخلاف في هذه المسألة ، ورجح عدم القطع ، فقال: (واختلفت الرواية عن أحمد في جاحد العارية، فعنه: عليه القطع ، وهو قول إسحاق ; لما روي عن عائشة ، أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة فكلموه، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { لا أراك تكلمني في حد من حدود الله تعالى } ، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا، فقال: { إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم- لقطعت يدها } ؛ قالت: فقطع يدها(1). قال أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه متفق عليه. وعنه: لا قطع عليه، وهو قول الخرقي، وأبي إسحاق ابن شاقلا ، وأبي الخطاب، وسائر الفقهاء ؛ وهو الصحيح، إن شاء الله تعالى ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا قطع على الخائن } . ولأن الواجب قطع السارق ، والجاحد غير سارق، وإنما هو خائن، فأشبه جاحد الوديعة، والمرأة التي كانت تستعير المتاع إنما قطعت لسرقتها، لا بجحدها، ألا ترى قوله: { إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه } . وقوله: { والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد ، لقطعت يدها } . وفي بعض ألفاظ رواية هذه القصة عن عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، وذكرت القصة. رواه البخاري. وفي حديث أنها سرقت قطيفة، فروى الأثرم، بإسناده عن مسعود بن الأسود قال: لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك، وكانت امرأة من قريش، فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: نحن نفديها بأربعين أوقية. قال: { تطهر خير لها } . فلما سمعنا لين قول رسول الله، أتينا أسامة، فقلنا: كلم
__________
(1) - الحديث متفق عليه رواه البخاري برقم ( 3288 ) ومسلم برقم ( 1688 ).(1/470)
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الحديث نحو سياق عائشة. وهذا ظاهر في أن القصة واحدة، وأنها سرقت فقطعت بسرقتها، وإنما عرفتها عائشة بجحدها للعارية ; لكونها مشهورة بذلك، ولا يلزم أن يكون ذلك سببا، كما لو عرفتها بصفة من صفاتها، وفيما ذكرنا جمع بين الأحاديث، وموافقة لظاهر الأحاديث والقياس وفقهاء الأمصار، فيكون أولى. فأما جاحد الوديعة وغيرها من الأمانات ، فلا نعلم أحدا يقول بوجوب القطع عليه )(1).
ح - النصب والاحتيال: ( أنظر كلا منهما في مصطلحه: نصب، احتيال)
4 - أركان السرقة:
للسرقة ثلاثة أركان: السارق، والمسروق منه، والمال المسروق ؛ ويشترط في كل ركن شروط معينة وتفصيل هذه الأركان وشروطها على النحو التالي:
* الركن الأول: السارق ؛ ويشترط فيه خمسة شروط :
1 - أن يكون مكلفاً: وذلك بأن يكون بالغاً، عاقلا، مختاراً.
2 - أن يقصد فعل السرقة: أي أن السارق يأخذ المال مع علمه بتحريم السرقة، وأن هذا المال مملوكا لغيره، ويخرج بهذا من أخذ مالاً يعتقد أنه غير مملوك لأحد، وأنه مال مباح أو متروك.
3 - ألا يكون مضطرا إلى الأخذ، لأن الضرورة تبيح للإنسان أن يأخذ من مال غيره بقدر ما يدفع عنه الهلاك، فمن أخذ مال غيره ليدفع عن نفسه جوعاً أو عطشاً، فلا عقوبة عليه، إلا إذا تجاوز القدر الضروري.
4 - أن تنتفي القرابة بين السارق والمسروق منه: وذلك بأن لا يكون السارق أصلا أو فرعا للمسروق منه.
وأما سرقة الأقارب بعضهم من بعض، كسرقة الأخ من أخيه، فجمهور الفقهاء يعتبرونها سرقة، وفقهاء الحنفية يعتبرونها شبهة مسقطة للحد.
قال ابن مفلح: (ويقطع كل قريب بسرقة مال قريبه إلا عمودي نسبه، وعنه إلا أبويه وإن علوا، وقيل: إلا ذي رحم محرم، وظاهر الواضح قطع غير أب )(2).
__________
(1) - المغني 12/416- 417
(2) - الفروع 6/134(1/471)
5 - ألا تكون عنده شبهة في استحقاقه ما أخذ: فإذا كان للسارق شبهة ملك أو استحقاق في المال المسروق، فلا يقام عليه الحد، كما لو كان شريكا في المال المسروق، أو سرق من بيت المال، أو من مال موقوف عليه وعلى غيره، أو سرق من مال مدينه.
* الركن الثاني: المسروق منه: يشترط الفقهاء في المسروق منه شروطا لكي تكتمل السرقة وهي:
1 - أن يكون معلوما : بمعنى أن يكون صاحب المال معلوما، لاحتمال أن يكون المال غير مملوك.
2 - أن تكون يده صحيحة على المال المسروق : أي تكون ملكيته للمال صحيحة.
3 - أن يكون معصوم المال: بأن يكون مسلماً، أو ذمياً، أو مستأمناً.
قال ابن مفلح رحمه الله: ( ويُقطع مسلم بسرقة مال ذمي ومستأمن، وهما بسرقة ماله كقود وحد قذف، نص عليهما )(1).
* الركن الثالث: المسروق : ويشترط فيه ستة شروط هي:
1 - أن يكون مالا: لأن القطع شرع لصيانة الأموال، فلا يجب في غيرها.
2 - أن يكون المال محترما: ويخرج بذلك سرقة الكلب، والخمر، و آلات الطرب، ونحو ذلك.
3 - أن يبلغ نصابا: والنصاب ثلاثة دراهم فضة، أو ربع دينار ذهب(2)، دليل ذلك، ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا } .متفق عليه(3). ولما روي عنها أيضا مرفوعا: { اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك } وكان ربع دينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثنا عشر درهما. رواه البيهقي(4)
__________
(1) - الفروع 6/134
(2) - الدينار = ( 1,0625) جراما، وسعر بيع الجرام في الوقت الحالي = ( 50 ) ريالا بالعملة السعودية تقريبا.
(3) - أخرجه البخاري برقم ( 6789 ) ومسلم برقم ( 1684 ).
(4) - سنن البيهقي الكبرى ج 8/255 الحديث رقم ( 16941 )(1/472)
4 - أن يطالب به صاحبه: سواء كانت المطالبة من المالك الأصلي، أو من وكيله، أو من وليه، لاحتمال أن يكون مالا مبذولا أو مباحا من قبل صاحبة، فاعتبرت المطالبة لنفي هذه الشبهة.
5 - أن يكون محرزا: أي يكون المال المسروق محرزا على الأصح في أكثر أقوال أهل العلم. والحرز: هو الموضع الحصين الذي يحفظ فيه المال عادة، بحيث لا يعد صاحبه مضيعا له بوضعه فيه. قال البهوتي: (وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه، لأنه لما لم يثبت بالشرع اعتباره من غير تنصيص على بيانه علم أنه رد ذلك إلى العرف)(1). واستدل الذين اشترطوا الحرز بما رواه أصحاب السنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها، فقال: { فيها ثمنها مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن } ، قال: يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها ؟ قال: { من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن } (2). وذهب بعض الفقهاء وطائفة من أهل الحديث إلى عدم اشتراط الحرز لإقامة حد السرقة, لعموم قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } .[ المائدة آية 38].
* والحرز نوعان:
1 - حرز بنفسه، ويسمى حرزا بالمكان: وهو كل موضع مغلق معد لحفظ المال داخل العمران كالبيوت والحوانيت، وحظائر الماشية؛ فإن لم يكن مغلقا: بأن كان بابه مفتوحا أو به نقب، فلا يعتبر حرزا بنفسه، وإن لم يكن معدا لحفظ المال كالسوق والمسجد، فلا يعتبر حرزا بنفسه ؛ وإن كان خارج العمران فلا يعتبر حرزا بنفسه.
__________
(1) - كشاف القناع 6/136
(2) - مسند الإمام أحمد بن حنبل 2/ 180 الحديث رقم ( 6683 )(1/473)
2 - حرز بغيره، ويسمى حرز بالحافظ: وهو الموضع الذي لم يعد لحفظ المال دون حافظ في العادة، كالخيام والمضارب، أو الموضع المنفصل عن العمران، كالبيوت في البساتين والطرق والصحراء، مغلقة كانت أو مفتوحة، فلا تكون حرزا إلا بحافظ أيا كان، صغيرا أو كبيرا، قويا أو ضعيفا، ما دام لم يفرط في الحفظ بنحو نوم، أو يشتغل عن الملاحظة بنحو لهو ؛ وعلى ذلك تحرز الماشية في المرعى بملاحظة الراعي لها، بأن يراها ويبلغها صوته ؛ فإن نام أو غفل عنها أو استتر بعضها عنه فلا تكون محرزة ؛ أما الإبل فإنها تحرز وهي باركة إذا عقلت وكان معها حافظ ولو نائما. ولما كان ضابط الحرز وتحديد مفهومه يرجع إلى العرف، وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان ونوع المال المراد حفظه، وباختلاف حال السلطان من العدل أو الجور، ومن القوة أو الضعف، فقد اختلف الفقهاء في الشروط الواجب توافرها ليكون الحرز تاما، وبالتالي يقام الحد على من يسرق منه(1).
5 - ثبوت السرقة:
تثبت جريمة السرقة بطريقين، هما: الإقرار الصحيح، والشهادة.
* أولا: الإقرار: وهو الطريق الأول لإثبات جريمة السرقة ويشترط فيه جملة من الشروط منها:
1 - أن يكون صريحا لا لبس فيه. 2 - أن يكون بصيغة المتكلم.
3 - أن يكون موافقا للحقيقة. 4- أن يكون المقر عاقلا بالغا غير مكره.
5 - أن يستمر المقر على إقراره حتى يتم تنفيذ الحد.
* ثانيا: الشهادة: وهي الطريق الثاني من طرق إثبات جريمة السرقة، ويشترط لها شروط منها:
1 - أن تكون بلفظ أشهد. 2 - أن تكون بصيغة الجزم.
3 - أن تكون من رجلين عاقلين بالغين عدلين، ولا تقبل شهادة النساء.
4 - أن يصف الشاهدان، المسروق، والحرز.
قال ابن قدامة : ( ومن شهد على سرقة ذكر السارق، والمسروق منه كم والنصاب لأن الحكم يختلف باختلافها )(2).
6 - ضبط اعتراف السارق:
__________
(1) - أنظر ما يتعلق بالحرز في شرح منتهى الإرادات 3/373 - 375
(2) - الكافي 4/548(1/474)
على المحقق أن يضبط اعتراف المقر بالسرقة، بعبارات واضحة، وصريحة بعيدة عن اللبس، والشك ، ويكون الاعتراف بصيغة المتكلم ، بلسان المتهم ، ويُبيَّن الدور الذي قام به المتهم في السرقة ، ومقدار ونوع المسروق ، والمكان الذي تمت السرقة منه.
7 - الاشتراك في السرقة:
إذا اشترك الجماعة في سرقة تبلغ النصاب قطعوا، هذا هو المذهب ؛ قال المرداوي: ( قوله وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب : قُطِعُوا، سواء أخرجوه جملة، أو أخرج كل واحد جزءا ، وهذا المذهب ، نص عليه ؛ وعليه الأصحاب)(1).
وقال ابن الجوزي رحمه الله: ( وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا، وبه قال مالك إلا أنه اشترط أن يكون المسروق ثقيلا يحتاج إلى معاونة بعضهم لبعض في إخراجه، وقال أبو حنيفة والشافعي لا قطع عليه بحال )(2).
ورجح ابن قدامة رحمه الله، عدم القطع إلا إذا بلغت حصة كل منهم نصابا، فقال: ( وقال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وإسحاق: لا قطع عليهم إلا أن تبلغ حصة كل واحد منهم نصابا ; لأن كل واحد لم يسرق نصابا، فلم يجب عليه قطع، كما لو انفرد بدون النصاب. وهذا القول أحب إليَّ ; لأن القطع هاهنا لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص والمجمع عليه، فلا يجب، والاحتياط بإسقاطه أولى من الاحتياط بإيجابه ; لأنه مما يدرأ بالشبهات )(3).
8 - سرقة السيارات:
بيَّن الفقهاء رحمهم الله حكم سرقة وسائط النقل في زمانهم، وهي، الإبل والخيل، والدواب، لأنها المعهودة في زمانهم، ولم يتكلموا عن السيارات، لأنها غير معروفة لديهم، ويمكن أن نقيس السيارات في هذا الزمان على الإبل، بجامع أنها وسائط نقل، وهذا يتطلب منا أن نعرف الأحكام المتعلقة بسرقة الإبل عند فقهاء الإسلام أولا.
__________
(1) - الإنصاف 10/267
(2) - زاد المسير 2/351
(3) - المغني 12/468(1/475)
قال ابن قدامة رحمه الله: ( والإبل على ثلاثة أضراب ; باركة، وراعية، وسائرة، فأما الباركة: فإن كان معها حافظ لها، وهي معقولة، فهي محرزة، وإن لم تكن معقولة، وكان الحافظ ناظرا إليها، أو مستيقظا بحيث يراها، فهي محرزة، وإن كان نائما، أو مشغولا عنها، فليست محرزة ; لأن العادة أن الرعاة إذا أرادوا النوم عقلوا إبلهم ; ولأن حل المعقولة ينبه النائم والمشتغل )(1).
وعلى هذا فالسيارة إذا كانت واقفة أمام منزل صاحبها، وأبوابها مغلقة فهي شبيهة، بالإبل الباركة المعقولة، فهي إذاً محرزة، وإذا كانت واقفة غير مغلقة الأبواب لكن صاحبها ينظر إليها فهي محرزة، أشبهت الباركة غير المعقولة من الإبل التي ينظر إليها صاحبها. فالتعدي على السيارة المغلقة وفتح بابها وسرقتها، أو سرقت غير المغلقة على مرأى من صاحبها، سرقة حدية توجب القطع، متى توفرت جميع أركانها وشروطها.
وما يقال عن سرقة السيارة يقال عن سرقة أجزائها، كالعجلات، وقطع الغيار متى بلغت النصاب ؛ لاسيما مع كثرة سرقة السيارات في هذا الزمان.
وأما سرقة النقود والأمتعة من داخل السيارة، فلا توجب الحد لأن السيارة لم يعهد في عرف الناس أنها مكان لحفظ النقود، والأمتعة، والله أعلم.
9 - ضمان السارق للمال المسروق:
قال المرداوي: ( ويجتمع القطع والضمان، فترد العين المسروقة إلى مالكها، وإن كانت تالفة: غرم قيمتها وقطع، هذا المذهب، وعليه الأصحاب، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله )(2).
وقال ابن قدامة: (لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية، فأما إذا كانت تالفة، فعلى السارق رد قيمتها، أو مثلها إن كانت مثلية قُطع أو لم يقطع، موسراً كان أو معسراً )(3).
10 - عقوبة السرقة:
__________
(1) - المغني 12/428
(2) - الإنصاف 10/289
(3) - المغني 12/454(1/476)
إذا ثبتت جريمة السرقة، فإن عقوبة السارق قطع يده اليمنى من مفصل الكف، وإن عاد للسرقة تقطع رجله اليسرى. قال ابن قدامة: ( لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى، من مفصل الكف، وهو الكوع، وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - { فاقطعوا أيمانهما } وهذا إن كان قراءة وإلا فهو تفسير. وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما , أنهما قالا: إذا سرق السارق , فاقطعوا يمينه من الكوع. ولا مخالف لهما في الصحابة ; ولأن البطش بها أقوى , فكانت البداية بها أردع ; ولأنها آلة السرقة , فناسب عقوبته بإعدام آلتها. وإذا سرق ثانيا, قطعت رجله اليسرى ؛ وبذلك قال الجماعة إلا عطاء , حكي عنه أنه تقطع يده اليسرى; لقوله سبحانه: { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } . ولأنها آلة السرقة والبطش , فكانت العقوبة بقطعها أولى ؛ وروي ذلك عن ربيعة , وداود ؛ وهذا شذوذ, يخالف قول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الفقه والأثر , من الصحابة والتابعين , ومن بعدهم , وهو قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , وقد روى أبو هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السارق { إذا سرق فاقطعوا يده , ثم إن سرق فاقطعوا رجله } (1). ولأنه في المحاربة الموجبة قطع عضوين , إنما تقطع يده ورجله , ولا تقطع يداه, فنقول: جناية أوجبت قطع عضوين , فكانا رجلا ويدا , كالمحاربة ; ولأن قطع يديه يفوت منفعة الجنس , فلا تبقى له يد يأكل بها, ولا يتوضأ ,ولا يستطيب ,ولا يدفع عن نفسه ,فيصير كالهالك, فكان قطع الرجل الذي لا يشتمل على هذه المفسدة أولى)(2).
11 - كيفية تنفيذ عقوبة القطع:
__________
(1) - الحديث في سنن الدارقطني ج 3 ص 181 كتاب الحدود والديات برقم ( 292 ).
(2) - المغني 12/440(1/477)
قال في كشاف القناع : ( وصفة القطع أن يجلس السارق ويضبط لئلا يتحرك ؛ فيجني على نفسه؛ وتشد يده بحبل وتجر حتى يتبين مفصل الكف من مفصل الذراع ثم توضع بينهما سكين حادة ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة أو توضع السكين على المفصل وتمدُّ مدَّة واحدة، وكذا يفعل في قطع الرجل ؛ وإن علم قطعا أوحى من هذا قطع به؛ لأن الغرض التسهيل عليه، لحديث: { إن الله كتب الإحسان على كل شيء } (1). ويسن تعليق يده في عنقه لما روى فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه، رواه أبو داود وابن ماجة وفعله علي ؛ زاد جماعة منهم صاحب البلغة والرعايتين والحاوي ؛ ثلاثة أيام إن رآه الإمام، أي أداه إليه اجتهاده لتتعظ به اللصوص؛ ولا يقطع السارق، في شدة حر ولا في شدة برد ولا مريض في مرضه ولا حامل حال حملها، ولا بعد وضعها حتى ينقضي نفاسها، لئلا يحيف ويتعدى إلى فوات النفس )(2).
ويجوز تنفيذ عقوبة القطع تحت تأثير البنج المخدر ، وقد صدر بهذا الخصوص قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة رقم 145/5/20 في 7/6/1406 هـ المتضمن أنه لم يظهر للمجلس ما يمنع من استعمال البنج عند قطع اليد أو الرجل في الحدود. وقد بينا ما يتعلق بتنفيذ الحدود والقصاص تحت تأثير البنج ، فيرجع إليه في مصطلح ( بنج ).
***
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم (1955 ).
(2) - كشاف القناع 6/147(1/478)
174 -سطو
1 - التعريف:
السطو في اللغة: البطش والقهر، قال الخليل: السَّطْو: البَسْط على النّاس بقَهْرِهم من فوق ، يقال: سَطَوْتُ عليه وبه ، قال الله عزّ وجلّ: { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } [الحج: 72]. والسَّطْو: شدّة البطش، وإنما سُمِّي الفَرَسُ ساطياً، لأنّه يَسْطُو على سائر الخَيْل، فيقومُ على رِجليه، ويسْطُو بيديه. والفَحْلُ يَسْطُو على طَروقته(1).
وفي الاصطلاح: لا يخرج السطو في اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللغوي، وربما عبر عنه بعضهم بلفظ الصيالة.
2 - من صور السطو:
السطو له صور متعددة منها:
1 - السطو على البنوك، أو المحلات التجارية من أجل أخذ المال.
2 - السطو على الطائرات، أو السفن، أو السيارات واختطافها لأغراض معينة.
3 - السطو على المنازل لأي غرض من الأغراض سواء كان هدف الساطي القتل أو السرقة أو فعل الفاحشة.
4 - السطو على الأشخاص لأي سبب من الأسباب.
5 - السطو على المنشأءات، والدوائر الحكومية لأي غرض من الأغراض.
3 - حكم السطو:
السطو بجميع صوره وأشكاله محرم لأنه من الإفساد في الأرض ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الإفساد في الأرض في آيات كثيرة منها قوله تعالى: { وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ } [الأعراف 56 ]. وقوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . [ المائدة 33 ].
4 - جرائم السطو والخطف ضربا من ضروب الحرابة:
__________
(1) - كتاب العين مادة ( سطو ).(1/479)
ورد في قرار هيئة كبار العلماء رقم 85 وتاريخ 11 /11/1401هـ، النص على اعتبار جرائم السطو والخطف ضربا من ضروب الحرابة، حيث جاء فيه النص التالي: (... وفي الدورة الثامنة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف من 29/10/1401هـ حتى 11 /11/1401هـ نظر المجلس في الموضوع وأطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة وبعد المناقشة المستفيضة وتداول الرأي انتهى المجلس إلى ما يلي:
أولا: ما يتعلق بقضايا السطو والخطف:(1/480)
لقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم وما تسببه من التهديد للأمن العام في البلاد والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص وإن تنفيذ مقتضى أية الحرابة وما حكم به صلى الله عليه وسلم في المحاربين كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين إذا قال الله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . [ المائدة 33 ]. وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أنس رضي الله عنه قال قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في الصفة فاجتووا المدينة فقالوا يا رسول الله أبغنا رسلا فقال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا وأشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا وقتلوا الراعي واستاقوا الذود ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصريخ فبعث الطلب في آثارهم فما ترجل النهار حتى أتى بهم فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا قال أبو قلابة سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله. أ هـ.
وبناء على ما تقدم فإن المجلس يقرر الأمور التالية:(1/481)
أ - إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحاري والقفار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى. قال أبن العربي يحكي عن وقت قضائه: رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجئ بهم فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتنين فقالوا: ليسوا محاربين لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال وإن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج. ا.هـ.
ب - يرى المجلس في قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } [ المائدة 33 ]، أن ( أو ) للتخيير كما هو الظاهر من الآية الكريمة وقول كثيرين من المحققين من أهل العلم رحمهم الله.(1/482)
ج - يرى المجلس بالأكثرية أن يتولى نواب الإمام - القضاة - إثبات نوع الجريمة والحكم فيها فإذا ثبت لديهم أنها من المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فسادا فإنهم مخيرون في الحكم فيها بالقتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض بناء على اجتهادهم مراعين واقع المجرم وظروف الجريمة وأثرها في المجتمع وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين إلا إذا كان المحارب قد قتل فإنه يتعين قتله حتما كما حكاه ابن العربي المالكي إجماعا وقال صاحب الإنصاف من الحنابلة: لا نزاع فيه ).
5 - الأحكام المتعلقة بجرائم السطو:
جرائم السطو بناء على قرار هيئة كبار العلماء المشار إليه ملحقة بجريمة الحرابة، وتأخذ أحكامها من حيث شروط تحققها، والتحقيق فيها، والمحاكمة والعقوبة، وقد مضى الكلام على ذلك في مصطلح ( حرابة ) فيرجع إليه.
***(1/483)
175 -سفاح
1 - التعريف:
السفاح في اللغة له معان منها: الزنا، وسفك الدماء، جاء في القاموس المحيط: التَّسافُحُ والسِّفاحُ والمُسافَحَةُ: الفُجورُ(1). وقال ابن فارس: السين والفاء والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على إراقة شيء. يقال سفح الدّمَ، إذا صبَّه، وسفح الدّم: هَرَاقَهُ. والسّفاح: صبُّ الماء بلا عَقد نكاح، فهو كالشيء يُسفَح ضَياعاً(2).
وفي الاصطلاح: السفاح الزنا. قال ابن العربي: ( السفاح اسم للزنا، سمي به لأنه يسفح الماء أي يصبه)(3).
2 - الأحكام المتعلقة بالسفاح:
السفاح اسم للزنا، وأحكامه من حيث التحريم، وطرق الإثبات، والعقوبة هي أحكام الزنا، فيرجع إلى ذلك في مصطلح: زنا.
***
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( سفح )
(2) - معجم مقاييس اللغة مادة ( سفح )
(3) - أحكام القرآن 1/498(1/484)
176 -سفور
1 - التعريف:
السفور لغة: الظهور والوضوح، قال ابن فارس: السين والفاء والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الانكشاف والجَلاء. ومن ذلك السَّفَر، سمّي بذلك لأنّ الناس ينكشفون عن أماكنهم(1). وقال الخليل: والسُّفُور: سَفْرُ المرأةِ نِقابَها عن وجهها فهي سافِرٌ وهُنَّ سَوافِرُ، قال تَوْبةُ: فقد رابني منها الغَداةَ سُفُورُها(2).
وفي الاصطلاح: السفور: الظهور والتبرج.
قال المطرزي: ( وسفرت المرأة قناعها عن وجهها كشفته )(3).
2 - الأحكام المتعلقة بالسفور:
أحكام السفور هي أحكام التبرج فتنظر في مصطلح: ( تبرج).
***
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( سفر )
(2) - كتاب العين مادة ( سفر ).
(3) - المغرب صفحة (266).(1/485)
177 -سكر ( أنظر مصطلح: مسكر )
178 -سلاح
1 - التعريف:
السلاح في اللغة: اسم جامع لآلة الحرب، قال الخليل: السِّلاح من عِداد الحرب ما كان من حديد، حتى السَّيف وحدَه يُدعى سِلاحاً. وفي المصباح المنير: السلاح ما يقاتل به في الحرب ويدافع والتذكير أغلب من التأنيث فيجمع على التذكير أسلحة وعلى التأنيث سلاحات )(1).
وعرف السلاح في الفتاوى الهندية: بأنه ما يكون معدا للقتال ويستعمل في الحرب سواء يستعمل مع ذلك في غير الحرب أو لا يستعمل وأجناس السلاح ما كبر منه وما صغر حتى الإبرة والمسلة(2).
2 - أنواع الأسلحة :
بينت المادة الأولى من نظام الأسلحة والذخائر الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/8 وتاريخ 19/2/1402هـ أنواع الأسلحة على النحو التالي:
أ - الأسلحة الحربية :وهي الأسلحة النارية والذخائر والتجهيزات التي صممت خصيصا للاستعمال في العمليات الحربية كالرشاشات والمدافع والصواريخ وغيرها. ويدخل في حكم الأسلحة الحربية الأسلحة التي تستخدم الأشعة والغازات والسموم وأي سلاح غير الأسلحة النارية الفردية والأسلحة المشار إليها في الفقرات الأخرى في هذه المادة.
ب - الأسلحة الفردية : وهي الأسلحة النارية المعدة للاستعمال من قبل شخص واحد كالمسدسات والبنادق العادية وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية.
ج - أسلحة الصيد : وهي الأسلحة النارية ذات السبطانة الملساء والتي صممت أصلا لأغراض الصيد.
د - أسلحة التمرين : وهي أسلحة الرماية التي تنطلق بواسطة الضغط وبدون بارود أو الأسلحة التي لا يزيد مداها عن عشرة أمتار وتستعمل فيها قذائف مدببة ذات رؤوس غير معدنية.
هـ - السلاح الأبيض : ويشمل كل أداة قاطعة أو ثاقبة أو مهشمة أو راضة كالسيوف والخناجر والمدي والحراب والعصي ذات الحربة والقبضات الأمريكية وغيرها.
__________
(1) - كتاب العين، والمصباح المنير مادة ( سلح )
(2) - الفتاوى الهندية 2/233(1/486)
و - الأسلحة الأثرية : وهي الأسلحة الفردية النادرة وذات القيمة التاريخية والتي مضى أكثر من ثمانين عاما من تاريخ صدور هذا النظام على صنعها وأصبح استخدامها غير ممكن.
3 - حمل السلاح على المسلمين:
من حمل السلاح على المسلمين بغير حق ولا تأويل ولا استحلال فهو عاص، ولا يكفر بذلك ، فإن استحله كفر، لقوله صلى الله عليه وسلم: { من حمل علينا السلاح فليس منا } متفق عليه(1). قال الحافظ ابن حجر: ( قوله فليس منا: أي ليس على طريقتنا، أو ليس متبعا لطريقتنا، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله، ونظيره من { غشنا فليس منا } و { ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب } ، وهذا في حق من لا يستحل ذلك، فأما من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا مجرد حمل السلاح، والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر، وكان سفيان بن عيينة ينكر على من يصرفه عن ظاهره فيقول: معناه ليس على طريقتنا، ويرى أن الإمساك عن تأويله أولى لما ذكرناه، والوعيد المذكور لا يتناول من قاتل البغاة من أهل الحق فيحمل على البغاة وعلى من بدأ بالقتال ظالما (2).
4 - الحالات التي يجوز لرجال الأمن استخدام السلاح فيها:
بيَّن قرار وزير الداخلية رقم 1345 وتاريخ 8/4/1410هـ الحالات التي يجوز فيها لرجال الأمن استخدام السلاح ، والضوابط المتعلقة بالنص التالي:
* المادة الأولى: مع عدم الإخلال بحق الدفاع عن النفس متى كانت حياة أحد الأشخاص معرضة لخطر جسيم وشيك الوقوع. لرجال قوات الأمن الداخلي وأخويا الإمارات والمجاهدين المدربين على السلاح حق استعمال السلاح في الحالات الآتية:
1- للقبض على المحكوم عليه بعقوبة السجن مدة تزيد على ثلاثة أشهر إذا قاوم أو حاول الهرب.
__________
(1) - رواه البخاري برقم ( 6480 ) ومسلم برقم ( 98 )
(2) - فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/30(1/487)
2- للقبض على المتهمين بإحدى الجرائم المخلة بأمن الدولة وسلامتها وجرائم الاعتداء على النفس أو المال أو العرض وقضايا المخدرات والتهريب في البر أو البحر أو من صدر أمر رسمي بالقبض عليه، والمتلبس بإحدى تلك الجرائم إذا قاوم أو حاول الهرب.
3- عند حراسة المسجونين إذا حصلت منهم مقاومة أو محاولة للهرب أو تمرد أو عصيان جماعي وكانت الضرورة تقضي باستعمال السلاح ويتم التركيز على المحرضين لقمع التمرد أو العصيان.
* المادة الثانية:- يجب قبل إطلاق النار في الحالات المنصوص عليها بالمادة الأولى اتباع ما يلي:
1- عدم اللجوء إلى استعمال السلاح الناري إلا بعد استنفاذ جميع الوسائل الأخرى حسب ما يتوفر في حينه كالنصح واستعمال العصي والهراوات والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والإنذار الشفوي المسموع بأنه سيتم استخدام السلاح الناري إذا لم يكف المحكوم عليه أو المتهم عن المقاومة أو الهرب.
2- إذا استحال وصول الإنذار الشفوي إلى سمع المحكوم عليه أو المتهم فيكون الإنذار بإطلاق عيار ناري في الفضاء مع مراعاة أخذ الحيطة التامة والحذر حتى لا يصاب بريء.
3- إذا استمر المحكوم عليه أو المتهم في مقاومته أو محاولته الهرب بعد إنذاره وكان إطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة لمنعه من المقاومة أو الهرب فتطلق النار باتجاه ساقيه أو عجلات السيارة التي يمتطيها ما أمكن ذلك وبالقدر الذي يمنع المقاومة أو يعيق الهرب دون تجاوز له.
4- يجب وقف إطلاق النار فور زوال الموجب.
* المادة الثالثة: أ - يصدر إذن الأمر بإطلاق النار من رئيس تجب طاعته أو من قائد الموقع أو الدورية أو أقدم المكلفين بالمهمة وإذا تعذر ذلك وكانت الضرورة تستدعي إطلاق النار ولم يتيسر الحصول على هذا الأمر جاز لرجل الأمن التصرف وفقا للضرورة والحالة القائمة.
ب - يحرر بعد انتهاء المهمة محضر رسمي تثبت فيه الواقعة وكافة الظروف وملابسات إطلاق النار والأمر الصادر.(1/488)
5 - بيع السلاح لأهل الحرب وأهل الفتنة:
يحرم بيع السلاح لأهل الحرب ولمن يعلم أنه يريد قطع الطريق على المسلمين أو إثارة الفتنة بينهم. قال الحسن البصري: لا يحل لمسلم أن يحمل إلى عدو المسلمين سلاحا يقويهم به على المسلمين ، ولا كراعا ، ولا ما يستعان به على السلاح والكراع ; لأن في بيع السلاح لأهل الحرب تقوية لهم على قتال المسلمين، وباعثا لهم على شن الحروب ومواصلة القتال، لاستعانتهم به وذلك يقتضي المنع. ويحرم أيضا بيع السلاح للبغاة وأهل الفتنة ، لقول الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ المائدة 2]. ولما روى عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة(1). ولأن بيع السلاح لأهل الفتن إعانة لهم على المعصية.
6 - عقوبة المخالف لنظام الأسلحة:
المخالف لنظام الأسلحة يحال إلى المحكمة وتثبت إدانته بنوع المخالفة ، وذلك حسب ما نصت عليه المادة الثانية والثلاثون ، حيث جاء فيها النص التالي: ( يحال المخالف لأحكام هذا نظام إلى المحكمة الشرعية للحكم بثبوت الإدانة وإذا حكم عليه بثبوت الإدانة يحال إلى لجنة يشكلها وزير الداخلية من ثلاثة أعضاء يكون بينهم اثنان من المؤهلين في العلوم الشرعية لاقتراح مقدار العقوبة في الحدود المنصوص عليها في هذا النظام ورفع الاقتراح لوزير الداخلية لتقرير العقوبة التي يراها في الحدود النظامية وله وقف تنفيذ العقوبة لأسباب موجبة. إذا رأى وزير الداخلية أن الجريمة تستحق عقوبة أشد من الحد الأقصى المقرر في هذا النظام فيرفع الأمر للمقام السامي لتقرير العقوبة وفق السلطة الشرعية لولي الأمر).
__________
(1) - رواه الطبراني في المعجم الكبير 18/136(1/489)
وقد حددت المواد ( 22 إلى 31 ) من النظام العقوبات التي تطبق حسب نوع المخالفة ، وتترواح هذه العقوبات بين السجن من سنة إلى ثلاثين سنة ، والغرامة المالية من الف ريال إلى مائتي الف ريال ، حسب نوع المخالفة.
***(1/490)
179 -سلطة
1 - التعريف:
السُّلْطَةُ في اللغة: القوة والقهر، قال ابن فارس: السين واللام والطاء: أصلٌ واحد، وهو القوّة والقهر. ومن ذلك السَّلاطة، من التسلط وهو القَهْر، ولذلك سمّي السُّلْطان سلطاناً. وفي القاموس المعتمد: السُّلْطَةُ بالضم القدرة، والملك؛ والسُّلطان: الحجة، والقدرة، والمَلِك(1).
وفي الاصطلاح: هي السيطرة والتمكن والقهر والتحكم ومنه السلطان وهو من له ولاية التحكم والسيطرة في الدولة(2).
2 - أنواع السلطة:
الأصل في الإمام - ولي الأمر - أن يباشر إدارة الدولة بنفسه, ولكن لما كان هذا متعذراً مع اتساع الدولة وكثرة وظائفها, وتعدد السلطات فيها جاز له أن ينيب عنه من يقوم بهذه السلطات من ولاة , وأمراء , ووزراء , وقضاة , وغيرهم , ويعينهم وكلاء عنه في إدارة ما يوكل إليهم من أعمال، وهو المرجع لهم فيما أسند إليهم من سلطة.
وقد بينت المادة ( الرابعة والأربعون ) من النظام الأساسي للحكم السلطات التي تتكون منها الدولة السعودية، وبينت أن الملك هو مرجع هذه السلطات، وذلك بالنص التالي: ( تتكون السلطات في الدولة من:
1 - السلطة القضائية. 2 - السلطة التنفيذية. 3 - السلطة التنظيمية.
وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها وفقا لهذا النظام وغيره من الأنظمة والملك مرجع هذه السلطات ).
* أولا: السلطة القضائية:
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة، والقاموس المعتمد، مادة ( سلط ).
(2) - الموسوعة الفقهية 6/216(1/491)
للإمام أن يولي القاضي عموم النظر في عموم العمل بأن يوليه سائر الأحكام بسائر البلاد. ويجوز أن يوليه عموم النظر في خصوص العمل , فيقلده النظر في جميع الأحكام في بلد بعينه , فينفذ حكمه فيمن سكنه ومن أتى إليه من غير سكانه. ويجوز أن يقلده خصوص النظر في عموم العمل فيقول مثلا: جعلت إليك الحكم في المداينات خاصة في جميع ولايتي, أو يجعل حكمه في قدر من المال نحو أن يقول: احكم في المائة فما دونها. ويجوز أن يوليه خصوص النظر في خصوص العمل كأن يوليه قضاء الأنكحة في مدينة بعينها أو شطر منها(1).
والقضاء في المملكة العربية السعودية يأخذ بالتقسيمات السابقة، فقضاة المحاكم العامة يختصون بنوع من القضايا الجنائية والحقوقية، وكذلك الحال بالنسبة لقضاة المحكمة الجزئية ، وقضاة ديوان المظالم، وقد بينا ذلك في موضعه.
وتعتبر السلطة القضائية في المملكة سلطة مستقلة، فقد نصت المادة السادسة والأربعون من النظام الأساسي للحكم، على أن القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية. ( راجع مصطلح: قضاء )
* ثانيا: السلطة التنفيذية:
وهي الجهة المخولة بتولي تنفيذ الأحكام الصادرة من الجهات القضائية ذات الاختصاص.
وقد بينت المادة ( 219 ) من نظام الإجراءات الجزائية أن رئيس المحكمة يرسل الحكم الجزائي الواجب التنفيذ الصادر من المحكمة إلى الحاكم الإداري لاتخاذ إجراءات تنفيذه، وعلى الحاكم الإداري اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم فوراً. وبينت المادة ( 220 ) من النظام أن الأحكام الصادرة بالقتل أو الرجم أو القطع تنفذ بعد صدور أمر من الملك أو من ينيبه. (راجع مصطلح: تنفيذ ).
* ثالثا: السلطة التنظيمية:
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 33/298(1/492)
تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح ، ورد بيان ذلك في المادة (السابعة والستون) من النظام الأساسي للحكم بالنص التالي:( تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية، وتمارس اختصاصاتها وفقا لهذا النظام ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى ). وورد في المادة السادسة من نفس النظام النص التالي: (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة ). (وأنظر مصطلح: نظام )
3 - مقاومة رجال السلطة والاعتداء عليهم:
المعتدي على الموظفين العموميين والمكلفين بخدمة عامة يستحق التعزير، ومن الأمثلة التي أوردها الفقهاء في هذا المجال: إهانة العلماء أو رجال الدولة بما لا يليق، سواء كان ذلك بالإشارة، أو القول، أو بغير ذلك، والتعدي على أحد الجنود باليد، أو تمزيق ثيابه، أو سبه، ففيه التعزير، والتضمين عن التلف، ومن ذلك إهانة محكمة قضائية، وكذلك جرائم الجلسة، فالقاضي له فيها التعزير، وإن عفا فحسن(1). وورد في قرار وزير الداخلية رقم (1245) وتاريخ 23/7/1423هـ النص على اعتبار مقاومة رجال السلطة العامة التي ينتج عنها إصابة تزيد مدة شفائها عن عشرة أيام من الجرائم الكبيرة.
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 12/283(1/493)
180 - سم
1 - التعريف:
السَّم في اللغة: الشيء القاتل، يقال فتحاً وضماً، وسمّي بذلك لأنّه يرسُب في الجسم ويداخلُه، خِلافَ غيرِه ممّا يذاق. جمعه: سُمومٌ وسِمامٌ. وسَمَّ الطعامَ، أي جعل فيه السَمَّ(1).
وفي الاصطلاح : السم هو أي مادة إذا دخلت الجسم من أي طريق تؤدي إلى الإضرار بصحة الإنسان أو بحياته(2).
2 - القتل بالسم:
يعتبر القتل بالسم صورة من صور القتل العمد، جاء في شرح منتهى الإرادات: ( الصورة السابعة أن يسقيه سما، يقتل غالبا لا يعلم به شاربه أو يخلطه بطعام أو يطعمه لمن لا يعلم به أو يخلطه بطعام آكل فيأكله جهلا به فيموت فيقاد به كما لو قتله بمحدد فإن علم به أي السم آكل مكلف فهدر أو خلطه شخص بطعام نفسه فأكل أحد بلا إذنه فهو هدر ; لأنه القاتل لنفسه)(3).
3 - العقوبة المترتبة على القتل بالسم:
القتل المتعمد بالسم يأخذ حكم قتل العمد ، أنظر : مصطلح ( قتل ).
***
__________
(1) - أنظر مصطلح ( سم ) في الصحاح، وكتاب العين، ومعجم مقاييس اللغة.
(2) - د/ إبراهيم الجندي /الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية، صفحة ( 239 ).
(3) - شرح منتهى الإرادات 3/256(1/494)
181 -سوابق
1 - التعريف: -
السوابق في اللغة جمع سابقة، وهي الأمر الذي يسبق الإنسانُ إليه، يقال: له سابقَةٌ في هذا الأمرِ، أي: سَبَقَ الناسَ إليه(1).
وفي الاصطلاح الشرعي: السابقة، هي الأمر الذي سبق إليه الإنسان.
وفي القانون: هي الجريمة أو العمل المخالف للقوانين الذي يقيد في سجل المخالف أو مرتكب هذه الجريمة، بحيث تُثْبت عليه ويلاحق على أساس أنه صاحب سوابق في هذا المجال(2).
2 - اعتبار السوابق في الفقه الإسلامي:
تذكر السوابق في الفقه الإسلامي لكنها في الغالب تكون في الأمر المحمود، ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة قال: ( حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هارون قال: كنت مع ابن عمر جالسا إذ جاءه نافع بن الأزرق فقام على رأسه فقال: والله إني لأبغض عليا، قال: فرفع إليه ابن عمر رأسه فقال: أبغضك الله، تبغض رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها )(3). ولم تهمل الشريعة الإسلامية مسألة من عاد إلى فعل الجريمة ولم يرتدع بما حصل له من عقوبة، ففد روى أبو داود عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه } (4) ؛ فهذا الحديث دليل على جواز تشديد العقوبة على أصحاب السوابق.
3 - الأحكام التي تسجل في صحيفة السوابق:
بيَّن قرار سمو وزير الداخلية رقم 3130 وتاريخ 3/9/1408هـ ضوابط الأحكام التي تقيد في صحيفة السوابق على النحو التالي:
المادة الأولى: الأحكام الجزائية التي تسجل في صحيفة السوابق هي التي تصدر في جرائم تشين الكرامة وتجرح الاعتبار.
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( سبق ).
(2) - معجم المصطلحات القانونية صفحة (190).
(3) - المصنف فضائل علي رضي الله عنه الحديث رقم 64
(4) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4485 )(1/495)
المادة الثانية: تعتبر الجريمة مما يشين الكرامة ويجرح الاعتبار إذا انطوت على مساس بالعقيدة أو بالنفس أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال أو بأمن الدولة.
المادة الثالثة: الحكم الذي يصدر في جريمة من الجرائم المشار إليها في المادة السابقة يجري تسجيله في صحيفة السوابق إذا توافرت فيه الشروط الآتية: -
ا - أن يصدر الحكم في جريمة عمدية.
ب - أن يكون مبناه ثبوت ارتكاب الجريمة لا مجرد اتجاه التهمة أو الشبهة.
ج - أن تكون العقوبة المحكوم بها:
1- حدا شرعياً - غير حد المسكر - 2- حد المسكر للمرة الثالثة.
3- السجن مدة لا تقل عن سنتين.
4- إذا اجتمعت عقوبتان من العقوبات الآتية ( الجلد الذي لا يقل عن خمسين جلدة، السجن الذي لا يقل عن سنة، الغرامة التي لا تقل عن الف ريال ) والمقصود باجتماع العقوبات ما يتقرر شرعا أو نظاما أو هما مجتمعان.
4 - مراعاة السوابق عند الحكم:
أ - جاء في تعميم فضيلة رئيس القضاة رقم 43/1/ت وتاريخ 4/3/1392هـ ما يلي: ( فقد لاحظنا أن بعض الأحكام التي يصدرها أصحاب الفضيلة القضاة على المتهمين بمختلف التهم لا يراعى فيها ما إذا كان للمتهم سوابق تقتضي تشديد العقوبة وفرض الجزاء الرادع عليه على حسب أهمية التهمة المنظورة وأهمية سوابقها وحيث إنه من أخذ ذلك بعين الاعتبار لتكون الأحكام من القوة وليكون منها الجزاء المناسب للمتهم والعظة والعبرة للغير؛ لذا فإنه يقتضي ملاحظة ما ذكر مستقبلا سدد الله خطى الجميع).
***(1/496)
حرف الشين
182 -شبهة
1 - التعريف:
الشُّبْهَةُ في اللغة: بالضم: الالْتَبِاس، والمِثْلُ. وشُبِّهَ عليه الأَمْرُ تَشْبيهاً: لُبِّسَ عليه. وهي الاسم من الاشتباه، وهو: الالتباس، وجمعها شُبَه وشُبُهات، والشبهة أيضا ما يشبه الثابت وليس بثابت(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: الشبهة هي ما لم يتيقن كونه حراما أو حلالا(2).
وعُرفت أيضا بأنها: ما يشبه الثابت وليس في نفس الأمر بثابت أو اسم من الاشتباه وهي ما بين الحلال والحرام , والخطأ والصواب (3).
2 - أنواع الشبه عند الفقهاء:
ذكر الفقهاء رحمهم الله، الشبه المسقطة للحدود لا سيما حد الزنا وأهتم فقهاء الحنفية خاصة بذكر أنواع الشبهة، ويليهم في ذلك فقهاء الشافعية، أما المالكية والحنابلة فإنهم يذكرون الشبه عند المناسبة، ولم يتطرق فقهاء الحنابلة خاصة إلى ذكر أنواع وتفصيلات الشبه.
والحنفية والشافعية يقسمون الشبهة إلى ثلاثة أقسام(4): اتفقوا في اثنين منها وانفرد كل مذهب بقسم ثالث ؛ فاتفقوا في الشبهة الحكمية وشبهة الفعل.
فالقسم الأول : الشبهة الحكمية: وتسمى شبهة المحل أي: الملك؛ وسميت حكمية لأن حل المحل ثبت بحكم الشرع ؛ أو شبهة حكم الشرع بحل المحل , لأن نفس حكم الشرع ومحله لم يثبت وإنما الثابت شبهته لكون دليل الحل عارضه مانع. ومن أمثلتها: سرقة الأب من مال ولده. فإن شبهة الملك قائمة في حق الوالد، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: { أنت ومالك لأبيك } (5).
وسميت هذه الشبهة شبهة الملك لأن الشبهة واردة على كون المحل مملوكا.
__________
(1) - أنظر القاموس المحيط، والقاموس المعتمد مادة ( شبه).
(2) - التعريفات للجرجاني صفحة 165
(3) - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 1/592
(4) - أنظر: شرح فتح القدير 5/249، نصب الراية 4/129، حاشية البيجرمي 3/363، المنثور في القواعد 2/227.
(5) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2292 )، وصحيح ابن حبان الحديث رقم ( 410 ).(1/497)
أما القسم الثاني فهو شبهة الفعل: وتسمى شبهة اشتباه أي: شبهة في حق من حصل له اشتباه في الحكم , وذلك إذا ظن الحل ; لأن الظن هو الشبهة لعدم دليل قائم تثبت به الشبهة. ومن أمثلتها: من وطئ جارية زوجته ظاناً أنها تحل له.
وانفرد الحنفية بقسم شبهة العقد: وهو ما وجد فيه صورة العقد لا حقيقته ومثلوا له بمن وطئ محرما عليه نكاحها بعقد. ولا توجب الحد عند أبي حنيفة وعند صاحبيه يوجبه إن علم الحرمة.
وانفرد الشافعية بقسم شبهة الطريق : وهي الشبهة الناشئة عن اختلاف الفقهاء بأن يكون أحد المجتهدين قال بالحل.
ومثلوا له بالوطء في نكاح بدون ولي. ويحتمل أن يكون هذا القسم داخلا في القسم الأول وهو ما أطلق عليه الحنفية : الشبهة الحكمية.
3 - درء الحدود بالشبهات: ( راجع مصطلح: حدود )
4 - هل يجوز توجيه الاتهام للشخص بمجرد الشبهة؟
الشبه المجردة كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:-
1 - شخص معروف بالفقر وقلة الموارد المالية وفجأة ظهرت عليه علامات تدل على تحول حاله من الفقر إلى الغنى ؛ هل يتهم هذا الشخص بتورطه في السرقات التي وقعت في نطاق إقامته والمقيدة ضد مجهول؟
2 - وجود قارورة خمر لا يعرف صاحبها، وبالقرب منها شخص ؛ هل يتهم هذا الشخص بعائدية الخمر له؟
3 - ورود رسالة تحتوي على مواد مخدرة أو ممنوعة إلى أحد صناديق البريد دون أن تحمل اسم صاحب الصندوق، ولا اسم من وجهت له ؛ هل يتهم صاحب الصندوق باستقبال هذه الرسالة؟
4 - وجود كمية من المخدرات بالقرب من أحد الأشخاص أو في السيارة المعدة للإيجار والتي استأجرها للتو، هل يتهم بالحيازة.
ففي مثل هذه الحالات ينظر إلى حال الشخص فإن أي إنسان لا يخلو أمره من إحدى ثلاث حالات:-
الأولى: أن يكون معروفاً عند الناس بالدين والورع وأنه ليس من أهل التهم.
الثانية : أن يكون معروفاً بالفسق وسؤ المسلك وارتكاب الجرائم.
الثالثة: أن يكون مستور الحال لا يعرف من أمره شيء.(1/498)
ففي الحالة الأولى: يُغلَّب جانب الصلاح والاستقامة فلا يوجه للشخص الاتهام لوجود شبهة مجردة.
وفي الحالة الثانية: يُغلَّب جانب الفسق وسؤ المسلك ويوجه للشخص الاتهام بارتكاب الجرم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن أبي الحقيق حين أخفى كنزاً يوم خيبر.
وفي الحالة الثالثة: إن كانت التهمة تتعلق بحقوق الآدميين فيوجه له الاتهام وذلك من أجل حفظ ورعاية حقوق الناس، لا سيما في هذا الزمان الذي ضعف فيه الوازع الديني إلا من رحم الله.
وإن كانت التهمة تتعلق بحقوق الله تعالى المحضة، فلا يوجه له الاتهام استصحابا للبراءة الأصلية.
***(1/499)
183 -شبو:
1 - التعريف:
الشبو: هو مسحوق مخدر أبيض انتشرحديثاً ولم يكن معروفاً سابقاً لكنه انتشر عن طريق العمالة الوافدة من شرق آسيا ، ويتم تعاطيه عن طريق الحقن ، أو الاستنشاق أو التدخين أو البلع ، وهو يحتوي على مادة (ميثامفيتامين) المخدرة والمدرجة في الجدول الثاني للمؤثرات العقلية ( القائمة الخضراء ) الملحقة باتفاقية الأمم المتحدة للمؤثرات العقلية لعام 1971م.
2 - حكم استعمال الشبو :
الشبو مادة مخدرة ثبت طبياً أنها تحتوي على مادة ( ميثامفيتامين ) فهو مثيل (للإمفيتامين ) ومنبه قوي للجهاز العصبي المركزي ، ومضر بالصحة ، فيكون حكمه التحريم كسائر المخدرات والمؤثرات العقلية. (أنظر أدلة تحريم المخدرات في مصطلح : مخدرات).
3 - عقوبة استعمال الشبو:
هي ذات العقوبة المقررة لااستعمال الحبوب المخدرات ، من حيث ما يترتب على استعمالها أو ترويجها أو تهريبها ، وقد صدر تعميم سمو وزير الداخلية رقم 19/24287/2/ش في 17/4/1426هـ ، وجاء فيه النص التالي: (..نأمل الإيعاز بمعاملة كل من يضبط معه شيء من مسحوق الشبو وثبت بالتحليل أنها (ميثامفيتامين) معاملة حبوب الامفيتامين من حيث العقوبة وتحديد المحكمة المختصة).
***(1/500)
184 -شجاج
1 - التعريف:
الشِّجَاجُ في اللغة: جمع شَجَّة، والشجة: الجراحة في الوجه أو الرأس، ولا تكون في غيرهما من الجسد. والشَّجَجُ: أثر الشجة في الجبين(1).
وفى الاصطلاح: هي الجراح التي في الوجه والرأس(2).
2 - أنواع الشجاج:
تتنوع الشجاج بحسب ما تحدثه في الجسم وهي عشرة أنواع أو أحد عشر نوعا مع اختلاف الفقهاء في تسمية بعض أنواع الشجاج وفي ترتيبها، وبيان ذلك فيما يأتي:
1 - الحارصة: وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه ولا تخرج الدم وتسمى أيضا الخارصة. ولا قود فيها، ولا دية، وفيها حكومة.
2 - الدامعة: وهي التي تظهر الدم ولا تسيله كالدمع في العين ؛ وفيها حكومة.
3 - الدامية: وهي التي يسيل منها الدم، وقيل: الدامية هي التي تدمي دون أن يسيل منها دم والدامعة هي التي يسيل منها الدم ؛ وفيها حكومة.
ويسمي الحنابلة الدامية والدامعة: بازلة فهي عندهم شجة واحدة.
4 - الباضعة: وهي التي تشق اللحم بعد الجلد شقا خفيفا ؛ وفيها حكومة.
5 - المتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم فتذهب فيه أكثر مما تذهب الباضعة ولا تبلغ السمحاق؛ وفيها حكومة.
6 - السمحاق: وهي التي تصل إلى الجلدة الرقيقة التي بين اللحم والعظم، وهذه الجلدة تسمى السمحاق، فسميت الشجة باسمها لأنها تصل إليها ؛ وفيها حكومة. ويسميها المالكية: ( الملطاة ) ويعرفوها: بأنها هي التي قربت للعظم ولم تصل إليه وأطلقوا السمحاق على ما كشط الجلد وزاله عن محله.
وحكومات هذه الشجاج السابقة تزيد على حسب ترتيبها.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ( ولم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيما دون الموضحة من الشجاج بشيء وأكثر قول من لقيت أنه ليس فيما دون الموضحة أرش معلوم وإن في جميع ما دونها حكومة، قال: وبهذا نقول )(3).
7 - الموضحة: وهي التي توضح العظم وتكشفه ؛ وفيها القود، فإن عفي عنها ففيها خمس من الإبل.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( شجج ).
(2) - الإنصاف 10/106
(3) - الأم 6/83(1/501)
8 - الهاشمة: وهي التي تهشم العظم وتكسره ؛ وفيها عشر من الإبل ; فإن أراد القود من الهشم لم يكن له ذلك، وإن أراده من الموضحة قيد له منها، وأعطي في زيادة الهشم خمسا من الإبل ؛ وقال الإمام مالك: في الهشم حكومة.
9 - المنقلة: وهي التي تنقل العظم بعد كسره أي تحوله من موضع إلى موضع ؛ وفيها خمس عشرة من الإبل، فإن استقاد من الموضحة أعطي في الهشم والتنقيل عشرا من الإبل.
10 - الآمة: وتسمى أيضا المأمومة وهي التي تصل إلى أم الدماغ وهي الجلدة الرقيقة التي تجمع الدماغ وتسمى خريطة الدماغ ؛ وفيها ثلث الدية.
11 - الدامغة: وهي التي تخرق الجلدة التي تجمع الدماغ وتصل إلى الدماغ؛ ولا يعيش الإنسان معها غالبا. ولذلك يستبعدها بعض الفقهاء من الشجاج لأنها تعتبر قتلا للنفس لا شجا(1). هذه هي الشجاج عند جمهور الفقهاء؛ وهي عندهم على حسب الترتيب السابق(2). وخالف المالكية الجمهور في ترتيب الشجاج فهي عندهم: الدامية، فالخارصة، فالسمحاق، فالباضعة، فالمتلاحمة، فالملطاة، فالموضحة، فالمنقلة، فالآمة، فالدامغة(3).
3 - ما يجب في الشجاج من قصاص أو أرش:
الجناية في الشجاج: إما أن تكون عمدا وإما أن تكون خطأ؛ فإن كانت الجناية خطأ ففيها قبل الموضحة من الشجاج حكومة عدل لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن إهدارها فتجب الحكومة، وسبقت الإشارة إلى ذلك، وهذا عند جمهور الفقهاء. وأما الخطأ في الموضحة وما بعدها من الشجاج ففيه أرش مقدر، ففي الموضحة نصف عشر الدية وهو خمس من الإبل في الحر المسلم لما ورد في حديث عمرو بن حزم: { وفي الموضحة خمس من الإبل } (4).
__________
(1) - أنظر الأحكام السلطانية 191 - 292
(2) - انظر: المبسوط للسرخسي ج 26/74، مغني المحتاج للشربيني ج 5/255، المغني لابن قدامة ج 12/175
(3) - انظر: التاج والإكليل للحطاب ج 2/313- 315
(4) - مضى نص حديث عمرو بن حزم كاملا في مادة: أرش(1/502)
وإن كانت الجناية في الشجاج عمدا، فإن كانت موضحة ففيها القصاص باتفاق الفقهاء لقوله تعالى: { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } ؛ ولأنه يمكن الاستيفاء فيها بغير حيف ولا زيادة، لأن لها حدا تنتهي إليه السكين وهو العظم.
وإن كانت الشجة فوق الموضحة كالمنقلة والآمة فلا قصاص فيها، لأنه لا يؤمن الزيادة والنقصان فيها فلا يوثق باستيفاء المثل من غير حيف بخلاف الموضحة، وإذا امتنع القصاص وجبت الدية.
4 - متى يكون القصاص أو الدية في الشجاج ؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحكم بالقصاص في جنايات الشجاج لا يكون إلا بعد البرء لحديث جابر - رضي الله عنه -: { أن رجلا جرح رجلا وأراد أن يستقيد ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح } (1). ولأن الجرح يحتمل السراية فتصير قتلا فيتبين أنه استوفى غير حقه وهو قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتى يبرأ(2). لكن يتخرج في قول عند الحنابلة(3) أنه يجوز الاقتصاص قبل البرء فإن اقتص المجني عليه قبل برء جرحه فسراية الجاني والمجني عليه هدر ، لحديث عمرو بن العاص: أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني، فقال: { حتى تبرأ } ، ثم جاء إليه فقال: أقدني فأقاده ، ثم جاء فقال: يا رسول الله: عرجتُ فقال: { قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك } (4).
***
__________
(1) - رواه الدار قطني في سننه 3/88 كتاب الحدود الحديث رقم (25)
(2) - الإجماع صفحة ( 166 )
(3) - أنظر شرح منتهى الإرادات 3/289
(4) - مسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 6994 ).(1/503)
185 -شرطة
1 - التعريف:
الشُرْطَةُ في اللغة: مفرد، شُرَط، وهم أعوان الولاة، جاء في لسان العرب: الشُّرْطَةُ في السُّلْطان: من العلامة والإِعْداد. ورجل شُرْطِيٌّ وشُرَطِيٌّ: منسوب إلى الشُّرطَةِ، والجمع شُرَطٌ، سموا بذلك لأَنهم أَعَدُّوا لذلك وأَعْلَمُوا أَنفسهم بعلامات، وقيل: هم أَول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأُ للموت. وقال الخليل: والشُرْطيُّ منسوبٌ إلى الشُّرطة، والجميعُ: شُرَط، وبعضٌ يقول: شُرَطيّ ينسبه إلى الجماعة. والشُّرَطُ سُمُّوا شُرَطاً، لأن شُرْطَة كُلِّ شيءٍ خِيارُه، وهم نخبة السُّلطان من جنده(1).
وفي الاصطلاح: هم الجند الذين يعتمد عليهم الخليقة أو الوالي في استتباب الأمن وحفظ النظام، والقبض على الجناة والمفسدين، وما إلى ذلك من الأعمال الإدارية التي تكفل سلامة الجمهور وطمأنينتهم(2).
2 -الشرطة في المملكة ومهامها:
الشرطة في المملكة العربية السعودية، جهاز عسكري تابع لمديرية الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية ؛ ومن أبرز المهام الموكلة للشرطة في المملكة المحافظة على الأمن العام، وحراسة المنشأءات والمباني الحكومية، ومساندة رجال الحسبة في أداء واجباتهم، هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تقوم به أجهزة الشرطة المتمثل في متابعة المجرمين وإلقاء القبض عليهم وإحالتهم للجهات المختصة. ( وأنظر مصطلح: ضبط)
3 - الشرطة الجنائية الدولية ( انتربول )
أنشئت الشرطة الدولية ( الإنتربول ) عام 1923م ومقرها في مدينة ليون بفرنسا مع وجود مكاتب وطنية بالدول الأعضاء ( 177 ) دولة.
__________
(1) - لسان العرب، وكتاب العين مادة ( شرط )
(2) - العميد د/نمر الحميداني، ولاية الشرطة في الإسلام صفحة ( 19 ).(1/504)
والإنتربول هي منظمة رسمية بين الحكومات ميزانيتها السنوية (30) مليون دولار ، وهو مبلغ متواضع بالنسبة لمنظمة دولية يعمل بها (270) شخصاً. وتحقق الإنتربول عدة مهام هامة ومفيدة وإن كانت متواضعة خاصة في مجال تبادل المعلومات والتعاون الدولي ضد الجريمة المنظمة عبر الدول ؛ والجدير بالذكر أن الإنتربول ركزت أنشطها على الجريمة المنظمة والأنشطة الإجرامية ذات العلاقة مثل: غسل الأموال ؛ ففي أكتوبر 1995م وخلال الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للإنتربول اتخذ قرار بالإجماع بإصدار إعلان ضد غسل الأموال لأول مرة في تاريخ الإنتربول. وتشغل الإنتربول شبكة اتصالات لا سلكية مؤمنة تغطي كافة أنحاء العالم وتسهل هذه الشبكة النقل السريع للرسائل الإلكترونية التي تشمل رسائل مكتوبة وصور فوتوغرافية وبصمات وغيرها(1).
***
__________
(1) - أنظر: الجريمة المنظمة وأساليب مكافحتها صفحة (111)، (بحث لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف برقم 207).(1/505)
186 -شروع
1 - التعريف:
الشروع في اللغة: مصدر شرع، ومعناه البدء بالشيء، والدخول فيه، يقال، شرع في الأمر إذا بدأ فيه. قال الجوهري: وشَرَعْتُ في هذا الأمر شُرُوعًا، أي خُضْتُ، وشَرَعَتِ الدوابُّ في الماء تَشْرَعُ شَرْعًا وشُرُوعًا، إذا دَخَلَتْ(1).
وفي الاصطلاح: الشروع هو البدء في الشيء.
2- بم يتحقق الشروع في الجريمة:
يتحقق الشروع في الجرائم بأنواعها، بالفعل لا بالنية، فمن نوى أن يسرق، أو يزني، أو يشرب الخمر، لكنه لم يفعل فلا شيء عليه حتى يفعل، وهذا هو السبب الذي جعل فقهاء الشريعة لا يذكرون الشروع في كتبهم كثيرا. وسبق بيان المراحل التي تمر بها الجريمة فيرجع إليها في مصطلح : جريمة.
3 - العقوبة على الشروع في الجريمة:
من المقرر في الشريعة الإسلامية: أن كل معصية ينجم عنها عدوان على حق إنسان أو على حق الأمة فإن مرتكبها يخضع للحد أو للتعزير أو للكفارة، وحيث إن الحدود والكفارات محددة شرعا، فكل معصية لا حد فيها ولا كفارة يمكن أن يعاقب مرتكبها على وجه التعزير باعتبار أنه أتى جريمة كاملة، بغض النظر عن كونه أكمل الركن المادي للجريمة أو لم يكمله، لأن الشروع في حد ذاته يعتبر جريمة، اللهم إلا إذا كان عدوله عن ارتكاب الجريمة بطوعه واختياره، ولم يحدث أي ضرر.
وجمهور الفقهاء يمنعون إقامة الحد إذا لم تتم الجريمة الحدية، ولكنهم يوجبون التعزير على من يبدأ في الأفعال التي تكوَّن بمجموعها الجريمة، ليس باعتباره شارعا في الجريمة، ولكن باعتباره مرتكبا لمعصية تستوجب التعزير.
__________
(1) - الصحاح مادة ( شرع ).(1/506)
وقد روي عن عمرو بن شعيب: أن سارقا نقب خزانة المطلب بن أبي وداعة فوجد فيها قد جمع المتاع ولم يخرج به، فأتي به بن الزبير فجلده وأمر به أن يقطع، فمر ابن عمر فسأل فأخبر، فأتى ابن الزبير فقال: أمرت به أن يقطع؟ قال: نعم، قال: فما شأن الجلد، قال: قال ابن الزبير: غضبت، قال ابن عمر: ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت، أرأيت لو رأيت رجلا بين رجلي امرأة لم يصبها أكنت حاده؟ قال: لا، قال لعله سوف يتوب قبل أن يواقعها، قال: وهذا كذلك وما يدريك لعله قد كان نازعا وتائبا وتاركا للمتاع(1).
***
__________
(1) - مصنف عبد الرزاق ج 10 ص 196 الحديث رقم ( 18811 ).(1/507)
187 -شعوذة ( أنظر مصطلح: سحر )
188 -شفاعة
1 - التعريف:
الشَّفاعة في اللغة: الطلب، وقد ورد في لسان العرب: شفَعَ لي يَشْفَعُ شفاعةً وتَشَفَّعَ: طَلَبَ. والشَّفِيعُ: الشَّافِعُ، والجمع شُفَعاء، واسْتَشْفَعَ بفُلان على فلان وتَشَفَّع له إِليه فَشَفَّعَهُ فيه. وقال الفارسيّ: اسْتَشْفَعه طَلَبَ منه الشَّفَاعَةَ أَي قال له كُنْ لي شافِعاً(1).
وفي الاصطلاح: عرفها الجرجاني بأنها: السؤال في التجاوز عن الذنوب من الذي وقعت الجناية في حقه(2).
2 - الأحكام المتعلقة بالشفاعة:
الشفاعة قسمان : شفاعة حسنة , وشفاعة سيئة.
فالشفاعة الحسنة: هي أن يشفع الشفيع لإزالة ضرر أو رفع مظلمة عن مظلوم, أو جر منفعة إلى مستحق ليس في جرها ضرر ولا ضرار , فهذه مرغوب فيها ومأمور بها , قال الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } { المائدة الآية 2 } . وللشفيع نصيب في أجرها وثوابها قال الله تعالى: { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ } { النساء الآية 85 } ويندرج فيها دعاء المسلم لأخيه المسلم عن ظهر الغيب.
والشفاعة السيئة : هي أن يشفع في إسقاط حد بعد بلوغه السلطان أو هضم حق أو إعطائه لغير مستحقه , وهي منهي عنها لأنها تعاون على الإثم والعدوان. قال تعالى : { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } { المائدة الآية 2 } . وللشفيع في هذا كفل من الإثم. قال تعالى : { وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً } { النساء الآية 85 } .
والضابط العام : أن الشفاعة الحسنة هي : ما كانت فيما استحسنه الشرع , والسيئة فيما كرهه وحرمه(3).
3 - الشفاعة في الحدود:
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( شفع ).
(2) - التعريفات صفحة ( 168 ).
(3) - الموسوعة الفقهية 26/132-133(1/508)
قال ابن قدامة: ( ولا بأس بالشفاعة في السارق ما لم يبلغ الإمام , فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { تعافوا الحدود فيما بينكم , فما بلغني من حد وجب } (1). وقال الزبير بن العوام في الشفاعة في الحد : يفعل ذلك دون السلطان , فإذا بلغ الإمام , فلا أعفاه الله إن أعفاه. وممن رأى ذلك الزبير , وعمار , وابن عباس , وسعيد بن جبير , والزهري والأوزاعي. وقال مالك : إن لم يعرف بشر , فلا بأس أن يشفع له , ما لم يبلغ الإمام , وأما من عرف بشر وفساد , فلا أحب أن يشفع له أحد , ولكن يترك حتى يقام الحد عليه. وأجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه ; لأن ذلك إسقاط حق وجب لله تعالى , وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين شفع أسامة في المخزومية التي سرقت وقال: { أتشفع في حد من حدود الله تعالى(2) } , وقال ابن عمر: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله , فقد ضاد الله في حكمه(3) )(4).
__________
(1) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4376 ) والنسائي الحديث رقم ( 4886 ).
(2) - حديث المخزومية متفق عليه أخرجه البخاري برقم ( 3288 ) ومسلم برقم ( 1688 ).
(3) - رواه البيهقي في سننه برقم ( 17396 ). وعبد الرزاق في مصنفه برقم ( 20905 ). ورواه أبو داود مرفوعا، الحديث رقم (3597)، والحاكم، الحديث رقم (8157 ). وغيرهما.
(4) - المغني 12/467(1/509)
وجاء في المدونة: ( قلت: أرأيت القذف , أتصلح فيه الشفاعة بعدما ينتهي إلى السلطان ؟ قال: قال مالك: لا تصلح فيه الشفاعة إذا بلغ السلطان أو الشرط أو الحرس. قال : ولا يجوز فيه العفو إذا بلغ الإمام إلا أن يريد سترا. قال مالك: والشرط والحرس عندي بمنزلة الإمام , إذا وقع في أيديهم لم تجز الشفاعة بعد , ولا يجوز لهم أن يخلوه فإن عفا المقذوف عن ذلك بعد بلوغ السلطان لم يجز عفوه عند مالك إلا أن يريد سترا. قلت: أرأيت الشفاعة في التعزير أو النكال بعد بلوغ الإمام , أيصلح ذلك أم لا ؟ قال: قال مالك في الذي يجب عليه التعزير أو النكال فيبلغ به الإمام. قال مالك: ينظر الإمام في ذلك , فإن كان الرجل من أهل المروءة والعفاف وإنما هي طائرة أطارها تجافى السلطان عن عقوبته , وإن كان قد عرف بذلك وبالطيش والأذى ضربه النكال , فهذا يدلك على أن العفو والشفاعة جائزة في التعزير وليست بمنزلة الشفاعة في الحدود )(1).
وأورد الصنعاني - رحمه الله - جملة من الأحاديث والآثار في النهي عن الشفاعة في الحدود بعد بلوغها للإمام، ثم قال: ( وهذه الأحاديث متعاضدة على تحريم الشفاعة بعد البلوغ إلى الإمام , وأنه يجب على الإمام إقامة الحد وادعى ابن عبد البر الإجماع على ذلك , ومثله في البحر، ونقل الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره , فقال: لا يشفع في الأول مطلقا وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع; وفي حديث عن عائشة { أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود(2) } ما يدل على جواز الشفاعة في التعزيرات لا في الحدود. ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك )(3).
***
__________
(1) - المدونة 4/487 - 488
(2) - الحديث رواه الإمام أحمد في المسند برقم ( ) وأبو داود برقم ( 4375 ).
(3) - سبل السلام 7/174(1/510)
189 -شك
1 - التعريف:
الشَّكُّ لغة: نقيض اليقين، وجمعه شُكُوك، وقد شَكَكْتُ في كذا وتَشَكَّكْتُ، وشَكَّ في الأَمر يَشُكُّ شَكّاً وشَكَّكَهُ فيه غيرُه(1).
واصطلاحا : تردد الفعل بين الوقوع وعدمه(2).
أي لا يوجد مرجح لأحد على الآخر ولا يمكن ترجيح أحد الاحتمالين, أما إذا كان الترجيح ممكنا لأحد الاحتمالين , والقلب غير مطمئن للجهة الراجحة أيضا فتكون الجهة الراجحة في درجة الظن ، والجهة المرجوحة في درجة الوهم , وأما إذا كان القلب يطمئن للجهة الراجحة فتكون ظنا غالبا ، والظن الغالب ينزل منزلة اليقين(3).
2 - أنواع الشك:
قال الحموي : ( اعلم أن الشك على ثلاثة أضرب : شك طرأ على أصل حرام , وشك طرأ على أصل مباح , وشك لا يعرف أصله. فالأول , مثل : أن يجد شاة مذبوحة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا تحل , حتى يعلم أنها ذكاة مسلم ; لأن أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة , فلو كان الغالب فيها المسلمين جاز الأكل عملا بالغالب المفيد للطهورية. والثاني : أن يجد ماء متغيرا واحتمل تغيره بنجاسة , أو طول مكث , يجوز التطهير به عملا بأصل الطهارة. والثالث: مثل معاملة من أكثر ماله حرام ولم يتحقق المأخوذ من ماله عين الحرام فلا تحرم مبايعته لإمكان الحلال وعدم التحريم, ولكن يكره خوفا من الوقوع في الحرام)(4).
3 - تفسير الشك في ارتكاب الجناية:
ثمت قاعدة تترد في الأوساط الجنائية تقول: ( الشك يُفسر لصالح المتهم ) وعندي أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها فالمتهم كما قلنا في البراءة، وقلنا في الشبهة لا يخلو أمره من ثلاث حالات ؛ فإما أن يكون معروفا بالصلاح، أو معروفا بالفساد، أو مستور الحال، فالأول والثالث، يفسر الشك لصالحهما، أما الثاني وهو من عُرف بالفساد فيفسر الشك ضده.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( شك ).
(2) - أنظر : المجموع شرح المهذب 1/220
(3) - شرح مجلة الأحكام 1/21
(4) - غمز عيون البصائر 1/93(1/511)
4 - قاعدة : اليقين لا يزال بالشك. ( أنظر مصطلح : يقين )
***(1/512)
190 -شكوى
1 - التعريف:
الشكوى في اللغة: إخبار الشخص عما لحق به من سوء، شَكَوْتُ فلاناً أَشْكُوهُ شَكْوى و شِكايةً وشَكِيَّةً وشَكاةً إِذا أَخْبَرْتَ عنه بِسُوءِ فِعْلِهِ بِكَ، فهو مَشْكُوٌّ ومَشْكِيٌّ، والاسْم الشَّكْوَى(1).
وفي الاصطلاح: هي الاستدعاء أو العريضة المقدمة من شخص أو أكثر لولي الأمر، أو لمن فوضه بحكم وظيفته بتلقي الشكاوى، يدعي فيها الشاكي بارتكاب فعل يعد تعديا على حق عام أو خاص من المدعى عليه(2) .
2 - الأحكام المتعلقة بالشكوى. (أنظر مصطلح: بلاغ)
3 - الشكاوى الكيدية. (أنظر مصطلح: كيد)
***
__________
(1) - لسان العرب 7/180 مادة (شكا )
(2) - مرشد الإجراءات الجنائية صفحة (19)(1/513)
191 -شمة
1 - التعريف:-
الشمة تسمى ( البردقان ) وهي مادة مصنوعة من أوراق التتن ومادة نباتية تسمى الدقدقة، بحيث يتم طحنها حتى تصير دقيقا ناعما(1).
2 - حكم استعمالها:
استعمال الشمة فيه سؤ أدب مع النفس ومع المجتمع عموما، فتخيل كيف يتصرف من ابتلي باستعمال الشمة، إنه يأخذ المسحوق فيضعه إما بين الشفتين واللسان وإما أحد جانبي الفم، وفي هذه الأثناء يفرز لعابا ملونا قذرا تشمئز منه النفوس فيبصقه على الأرض ينتج عنه أذى لكل من يشاهده أو يشم رائحته. وقد ثبت طبيا أن الشمة مضرة بالصحة، كما سيتبين من الفقرة التالية، ومعلوم أن الشريعة الإسلامية حرمت كل شيء فيه مضرة، فاستعمالها إذاً يكون محرما.
3 - منع استيرادها:-
مُنع استيراد مادة الشمة والمتاجرة بها، بخطاب المقام السامي الموجه لسمو وزير الداخلية برقم 4/27485 وتاريخ 27/11/1403هـ وذلك بعد ما ثبت أن تركيب مادة الشمة يحتوي على مسحوق مادة التبغ وكلوريد الصوديوم بنسب مختلفة، أي أن تركيبها مشابه لتركيب مادة السويكة الممنوعة بالأمر رقم 3307 في 18/2/1388هـ.
4 - عقوبة استعمال الشمة:
عقوبة استعمال الشمة عقوبة تعزيرية، يقدرها القاضي.
***
__________
(1) - الشيخ/ زيد المدخلي، الموقف الحق، صفحة ( 49 ).(1/514)
192 -شهادة
1 - التعريف:
الشَّهادَة في اللغة: خَبرٌ قاطعٌ تقولُ منه: شَهِدَ الرجلُ على كذا، وربما قالوا شَهْدَ الرجلُ، بسكون الهاء للتخفيف؛ عن الأَخفش. وقولهم: اشْهَدْ بكذا أَي احْلِف(1).
وفي الاصطلاح: هي الإخبار بما علمه بلفظ خاص، وهو أشهد أو شهدت(2).
2 - مشروعية الشهادة:
جاء في شرح منتهى الإرادات: ( أجمعوا على قبول الشهادة في الجملة لقوله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } [ البقرة 282 ] الآية , وقوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } [ الطلاق 2 ] وقوله: { وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [البقرة 282 ]، ولحديث: { شاهداك أو يمينه } ، ولدعاء الحاجة إليها لحصول التجاحد، قال شريح: القضاء جمر فنحه عنك بعودين يعني الشاهدين، وإنما الخصم داء والشهود شفاء فأفرغ الشفاء على الداء. وهي أي الشهادة له، حجة شرعية، لما تقدم، تظهر الحق المدعى به أي تبينه، ولهذا سميت بينة، ولا توجبه، أي الحق بل الحاكم يلزمه به بشرطه )(3).
3 - أركان الشهادة:
أركان الشهادة عند الجمهور خمسة أمور: الشاهد، والمشهود له، والمشهود عليه، والمشهود به، والصيغة. وركنها عند الحنفية: اللفظ الخاص، وهو لفظ ( أشهد ).
4 - شروط الشهادة:
للشهادة نوعان من الشروط: شروط تحمل. وشروط أداء.
أ - شروط التحمل:
1 - العقل وقت التحمل ، فلا يصح تحملها من مجنون وصبي لا يعقل ; لأن تحمل الشهادة عبارة عن فهم الحادثة وضبطها، ولا يحصل ذلك إلا بآلة الفهم والضبط، وهي العقل.
2 - أن يكون الشاهد بصيرا، فلا يصح التحمل من الأعمى عند الحنفية. وذهب الجمهور إلى صحة تحمله فيما يجري فيه التسامع إذا تيقن الصوت وقطع بأنه صوت فلان.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( شهد ).
(2) - كشاف القناع 6/404
(3) - شرح منتهى الإرادات 3/575(1/515)
3 - أن يكون التحمل عن علم، أو عن معاينة للشيء المشهود به بنفسه لا بغيره: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: { يا ابن عباس، لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشمس } (1). ولا يتم ذلك إلا بالعلم، أو المعاينة، إلا فيما تصح فيه الشهادة بالتسامع، كالنكاح، والنسب، والموت، وغير ذلك مما نص عليه الفقهاء(2).
ب - شروط الأداء:
منها ما يرجع إلى الشاهد؛ ومنها ما يرجع إلى الشهادة؛ ومنها ما يرجع إلى المشهود به. ومنها ما يرجع إلى النصاب ( أي عدد الشهود ).
* أولا: ما يرجع إلى الشاهد:
بأن يكون الشاهد أهلا للشهادة، وذلك بأن تتوفر فيه شروط منها:
1 - البلوغ : فلا تصح شهادة الأطفال والصبيان لقوله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } [ البقرة 282 ]. والصبي ليس من الرجال لقوله صلى الله عليه وسلم: { رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق } (3).
وذهب بعض المالكية وبعض الحنابلة إلى جواز شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح والقتل قبل أن يتفرقوا، وزاد المالكية: أن يتفقوا في شهادتهم، وأن لا يدخل بينهم كبير، واختلف في إناثهم(4).
2 - العقل: فلا تصح شهادة غير العاقل إجماعا، لأنه لا يعقل ما يقوله ولا يصفه، سواء أذهب عقله بجنون أو سكر وذلك لأنه ليس بمحصل ولا تحصل الثقة بقوله.
__________
(1) - رواه الحاكم في المستدرك 4/110 حديث رقم ( 7045 ).
(2) - انظر الموسوعة الفقهية 26/219
(3) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4401 ) والترمذي حديث رقم ( 1423 ).
(4) - أنظر: المبسوط 6/136، أنوار البروق 4/97، حاشيتي قليوبي وعميرة 4/319، الإنصاف 12/37(1/516)
3 - الحرية: فلا تجوز شهادة من فيه رق عند جمهور الفقهاء، كسائر الولايات، إذ في الشهادات نفوذ قول على الغير، وهو نوع ولاية ; ولأن من فيه رق مشتغل بخدمة سيده فلا يتفرغ لأداء الشهادة ؛ وذهب الحنابلة إلى قبول شهادته في كل شيء إلا في الحدود والقصاص.
4 - البصر: فلا تصح شهادة الأعمى عند الحنفية مطلقا. وعند الحنابلة تجوز شهادة الأعمى إذا تيقن الصوت لأنه رجل عدل مقبول الرواية فقبلت شهادته كالبصير ; ولأن السمع أحد الحواس التي يحصل بها اليقين، وقد يكون المشهود عليه من ألفه الأعمى، وكثرت صحبته له، وعرف صوته يقينا، فيجب أن تقبل شهادته، فيما تيقنه كالبصير، ولا سبيل إلى إنكار حصول اليقين في بعض الأحوال.
5 - الإسلام: الأصل أن يكون الشاهد مسلما فلا تقبل شهادة الكفار سواء أكانت الشهادة على مسلم أم على غير مسلم ، لقوله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } [ البقرة 282 ]، وقوله: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } [الطلاق 2 ]. والكافر ليس من رجالنا، وليس بعدل، ويستثنى من هذا الأصل شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر، عملا بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ } [المائدة 106 ].
6 - النطق: فلا تصح شهادة الأخرس عند جمهور الفقهاء. وذهب مالك إلى صحة شهادته إذا عرفت إشارته ويرى الحنابلة قبول شهادة الأخرس إذا أداها بخطه.
7 - العدالة: لا خلاف في ذلك لقوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } [الطلاق 2]. ولهذا لا تقبل شهادة الفاسق.(1/517)
8 - التيقظ، أو الضبط: فلا تقبل شهادة مغفل لا يضبط أصلا أو غالبا لعدم التوثق بقوله، أما من لا يضبط نادرا والأغلب فيه الحفظ والضبط فتقبل قطعا ; لأن أحدا لا يسلم من ذلك.
9 - ألا يكون محدودا في قذف: وذلك لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ النور آية 4 ]. فإن تاب وأصلح فقد ذهب الجمهور إلى قبول شهادته لقوله تعالى بعد الآية السابقة مباشرة: { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [النور آية 5]. وذهب الحنفية إلى عدم قبول شهادته ولو تاب.
ومناط الخلاف في هذه الآية في ورود الاستثناء بعد مذكورين أيشملهم كلهم أم يعود إلى أقرب مذكور؟ فعند الحنفية أن الاستثناء يعود إلى الأخير وهو هنا التوبة من الفسق فقط، وعند الجمهور يعود إلى جميع ما ذكر.
10 - الذكورة في الشهادة على الحدود والقصاص ، لحديث الزهري: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص(1).
11 - عدم التهمة: أي لا يكون متهما في شهادته، وللتهمة أسباب منها:
أ - أن يجر بشهادته إلى نفسه نفعا أو يدفع ضرا.
ب - البعضية: فلا تقبل شهادة أصل لفرعه، ولا فرع لأصله، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر.
ج - العداوة: فلا تقبل شهادة عدو على عدوه، والمراد بالعداوة هنا، العداوة الدنيوية لا الدينية، فتقبل شهادة المسلم على الكافر، والسني على المبتدع.
د - الحرص على الشهادة بالمبادرة من غير تقدم دعوى، وذلك في غير شهادة الحسبة.
__________
(1) - رواه عبد الرزاق في مصنفه 5/533 الحديث رقم ( 28714 ).(1/518)
هـ - العصبية: فلا تقبل شهادة من عرف بها وبالإفراط في الحمية كتعصب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ رتبة العداوة.
نص على ذلك فقهاء الحنابلة، واستدلوا لاشتراط عدم التهمة بقوله صلى الله عليه وسلم: { لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت } (1).
* ثانيا: ما يرجع من شروط الأداء إلى الشهادة نفسها ومن ذلك:
1 - اشتراط وجود الدعوى في الشهادة على حقوق العباد من المدعي أو نائبه. أما الشهادة على حقوق الله تعالى فلا يشترط فيها وجود الدعوى على رأي جمهور الفقهاء.
2 - موافقة الشهادة للدعوى.
3 - اتفاق الشاهدين، أو الشهود.
4 - أن تؤدى بلفظ الشهادة. بأن يقول: أشهد بكذا وهذا قول الجمهور، والأظهر عند المالكية أنه يكفي ما يدل على حصول علم الشاهد كأن يقول: رأيت كذا أو سمعت كذا ولا يشترط أن يقول: أشهد.
* ثالثا: ما يرجع من شروط الأداء إلى المشهود به ومن ذلك:
1 - أن يكون معلوما، فإن كانت الشهادة بمجهول فلا تقبل. وذلك لأن شرط صحة قضاء القاضي أن يكون المشهود به معلوما.
2 - كون المشهود به مالا أو منفعة فلا بد أن يكون متقوما شرعا.
رابعا: ما يرجع إلى النصاب ( أي عدد الشهود )
ويقصد به عدد الشهود المطلوب، فقضايا الحدود مثلاً لا تثبت إلا بشهادة شاهدين عدلين، هذا في غير حد الزنا فإنه لا يثبت إلا بأربعة شهود عدول.
5 - كيفية سماع شهادة الشهود:
__________
(1) - مسند الإمام أحمد حديث رقم ( 6860 ) وسنن أبي داود حديث رقم ( 3601 ) وسنن الترمذي حديث رقم ( 2298) وسنن ابن ماجة حديث رقم ( 2366 ).(1/519)
قال ابن قدامة: ( والحقوق على ضربين: أحدهما: حق لآدمي معين , كالحقوق المالية, والنكاح , وغيره من العقود والعقوبات , كالقصاص, وحد القذف, والوقف على آدمي معين , فلا تسمع الشهادة فيه إلا بعد الدعوى ; لأن الشهادة فيه حق لآدمي, فلا تستوفى إلا بعد مطالبته وإذنه , ولأنها حجة على الدعوى ; ودليل لها , فلا يجوز تقدمها عليها.
الضرب الثاني: ما كان حقا لآدمي غير معين, كالوقف على الفقراء , والمساكين أو جميع المسلمين , أو على مسجد , أو سقاية أو مقبرة مسبلة, أو الوصية لشيء من ذلك, ونحو هذا, أو ما كان حقا لله تعالى , كالحدود الخالصة لله تعالى , أو الزكاة , أو الكفارة, فلا تفتقر الشهادة به , إلى تقدم الدعوى ; لأن ذلك ليس له مستحق معين من الآدميين يدعيه, ويطالب به , ولذلك شهد أبو بكرة وأصحابه على المغيرة , وشهد الجارود وأبو هريرة على قدامة بن مظعون بشرب الخمر, وشهد الذين شهدوا على الوليد بن عقبة بشرب الخمر أيضا, من غير تقدم دعوى , فأجيزت شهادتهم, ولذلك لم يعتبر في ابتداء الوقف قبول , من أحد , ولا رضى منه)(1).
5 - ضوابط سماع الشهادة الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
بينت المواد (95 إلى 100) من النظام كيفية سماع الشهود على النحو التالي:
1 - على المحقق أن يستمع إلى أقوال الشهود الذين يطلب الخصوم سماع أقوالهم ما لم ير عدم الفائدة من سماعها. وله أن يستمع إلى أقوال من يرى لزوم سماعه من الشهود عن الوقائع التي تؤدي إلى إثبات الجريمة وظروفها وإسنادها إلى المتهم أو براءته منها. ( م/95 )
2 - على المحقق أن يثبت في المحضر البيانات الكاملة عن كل شاهد؛ تشمل اسم الشاهد ولقبه وسنه ومهنته وجنسيته ومحل إقامته وصلته بالمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص. ( م/96 )
__________
(1) - المغني 14/209(1/520)
3 - تدون تلك البيانات وشهادة الشهود وإجراءات سماعها في المحضر من غير تعديل، أو شطب، أو كشط، أو تحشير، أو اضافة، ولا يعتمد شيء من ذلك إلا إذا صدق عليه المحقق والكاتب والشاهد.( م/96)
4 - يضع كل من المحقق والكاتب إمضاءه على الشهادة وكذلك الشاهد بعد تلاوتها عليه، فإن امتنع عن وضع إمضائه أو بصمته أو لم يستطع يُثْبتُ ذلك في المحضر مع ذكر الأسباب التي يبديها. ( م/97 )
5 - يستمع المحقق لكل شاهد على انفراد، وله أن يواجه الشهود بعضهم ببعض وبالخصوم. ( م/98 )
6 - للخصوم بعد الانتهاء من الاستماع إلى أقوال الشاهد إبداء ملحوظاتهم عليها، ولهم أن يطلبوا من المحقق الاستماع إلى أقوال الشاهد عن نقاط أخرى يبينونها. وللمحقق أن يرفض توجيه أي سؤال لا يتعلق بالدعوى، أو يكون في صيغته مساس بأحد. ( م/99 )
7 - إذا كان الشاهد مريضا، أو لديه ما يمنعه من الحضور تسمع شهادته في مكان وجوده. ( م/100 )
6- تزكية الشهود:
التزكية لغة: مصدر زكَّى، يقال: زكَّى فلانٌ فلاناً: إذا نسبه إلى الزَّكاء، وهو الصلاح.
جاء في شرح مجلة الأحكام: ( إذا طعن في الشهود من طرف الخصم فتجب تزكيتهم بالإجماع ويكون الحكم بدون التزكية غير صحيح أما إذا لم يطعن الخصم في الشهود فقد اختلف في لزوم التزكية..)(1).
والشاهد لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون مشهورا بالصدق والعدالة ، ومعروفاً لدى القاضي بذلك، فهذا لا يحتاج إلى تزكية.
الثانية: أن يكون الشاهد مشهورا بالفسق، فهذا لا تقبل شهادته أصلا لأن العدالة شرط في الشهادة.
الثالثة: أن يكون الشاهد مستور الحال فهذا هو الذي تطلب تزكيته.
7 - من الذي يطلب تزكية الشهود:
__________
(1) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام 4/95(1/521)
المحقق إذا حضر الشاهد لدية، فعليه ضبط الشهادة وفقا لما يدلى به الشاهد، ولا يطلب من الشاهد بينة تعرفه وتزكيه، لأن هذا من اختصاص القضاء، فالقاضي هو الذي يطلب تزكية الشهود متى ما رأى الحاجة لذلك، لأن الشهادة تثبت بالإدلاء بها في مجلس القضاء ، لكن إذا كان الشاهد معروفاً بالفسق وسؤ المسلك والمحقق يعلم ذلك فلا يقبل شهادته.
8 - الرجوع عن الشهادة:
ذهب الفقهاء إلى أن الشاهدين إن رجعا عن شهادتهما، فلا يخلو رجوعهما أن يكون قبل الحكم أو بعده.
فإن رجعا عن شهادتهما قبل الحكم: سقطت شهادتهما، لأن الحق إنما يثبت بالقضاء، والقاضي لا يقضي بكلام متناقض، ولا ضمان عليهما، لأنهما لم يتلفا شيئا على المدعي، ولا على المدعى عليه.
وإن رجعا بعد الحكم وقبل التنفيذ: فإن كان في حد أو قصاص لم يجز الاستيفاء والتنفيذ ; لأن هذه الحقوق تسقط بالشبهة، والرجوع شبهة ظاهرة، فلم يجز الاستيفاء لقيام الشبهة ؛ وإن كان مالا أو عقدا استوفي المال لأن القضاء قد تم، وليس هذا مما يسقط بالشبهة حتى يتأثر بالرجوع ; فلا ينتقض الحكم ؛ وعلى الشهود ضمان ما أتلفوه بشهادتهم لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان، ولا يرجعون على المحكوم له.
أما إن رجع الشهود بعد تنفيذ الحكم: فإنه لا ينقض الحكم، ولا يجب على المشهود له رد ما أخذه، لأنه يحتمل أن يكونا صادقين، ويحتمل أن يكونا كاذبين، وقد اقترن الحكم والاستيفاء بأحد الاحتمالين ; فلا ينقض برجوع محتمل، وعلى الشاهدين أن يضمنا ما أتلفاه بشهادتهما.(1/522)
فإن كان ما شهدا به يوجب القتل، أو القطع، أو القصاص، ينظر في أمرهما ؛ فإن قالا: تعمدنا ليقتل بشهادتنا، وجب عليهما القود عند الجمهور، لما روى الشعبي أن رجلين شهدا عند علي - رضي الله عنه - على رجل أنه سرق فقطعه، ثم أتياه برجل آخر فقالا: إنا أخطأنا بالأول، وهذا السارق، فأبطل شهادتهما على الآخر، وضمنهما دية يد الأول، وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما(1). ولأنهما ألجآه إلى قتله بغير حق، فلزمهما القود كما لو أكرهاه على قتله.
وإن قال الشهود: أخطأنا، أو جهلنا كانت عليهم الدية في أموالهم مخففة مؤجلة، ولا تتحمل العاقلة عنهما شيئا ; لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف(2).
9 - شهادة الزور:
شهادة الزور من أكبر الكبائر، ولا يجوز العمل بها، وما بني عليها فهو باطل، ولا تقبل شهادة من شهد بها فيما بعد، وقد جاء في حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا - فقال: ألا وقول الزور. قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت } متفق عليه(3). ولأن فيها رفع العدل، وتحقيق الجور، ولأنها كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى تعزير شاهد الزور وضربه والطواف به في المجالس.
***
__________
(1) - مصنف عبد الرزاق ج 10 ص 88 الحديث رقم (18461).
(2) - أنظر : الموسوعة الفقهية 26/242
(3) - صحيح البخاري حديث رقم ( 2654 )، وصحيح مسلم حديث رقم ( 87 )،(1/523)
حرف الصاد
193 -صلح
1 - التعريف:
الصلح في اللغة: الاتفاق والسلم ، قال ابن منظور: الصُّلْحُ: تَصالحُ القوم بينهم. والصُّلْحُ: السِّلْم. وقد اصْطَلَحُوا وصَالحوا وتَصالحوا واصَّالحوا، مشدّدة الصاد، قلبوا التاء صاداً وأَدغموها في الصاد بمعنى واحد. وقوم صُلُوح: مُتَصالِحُون، كأَنهم وصفوا بالمصدر. والصِّلاحُ، بكسر الصاد: مصدر المُصالَحِة، والعرب تؤنثها، والاسم الصُّلْح، يذكر ويؤنث. وأَصْلَح ما بينهم وصالَحهم مُصالَحة و صِلاحاً(1).
وفي الاصطلاح: معاقدة يرتفع بها النزاع بين الخصوم، ويتوصل بها إلى الموافقة بين المختلفين(2).
2 - مشروعية الصلح:
ثبتت مشروعية الصلح بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب: ففي قوله تعالى: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } [ النساء 114 ]. قال القرطبي: وهذا عام في الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين(3).
وفي قوله تعالى: { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } [ النساء 128 ]، فقد أفادت الآية مشروعية الصلح، حيث إنه سبحانه وصف الصلح بأنه خير، ولا يوصف بالخيرية إلا ما كان مشروعا مأذونا فيه.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( صلح ).
(2) - الإنصاف 5/234
(3) - تفسير القرطبي 5/384(1/524)
وأما السنة: فما روى الترمذي عن عمرو بن عوف - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا } (1). والحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح. وأخرج الشيخان عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أنه لما تنازع مع ابن أبي حدرد في دين على ابن أبي حدرد، أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهما: بأن استوضع من دين كعب الشطر، وأمر غريمه بأداء الشطر(2).
وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح في الجملة، وإن كان بينهم اختلاف في جواز بعض صوره.
وأما المعقول: فهو أن الصلح رافع لفساد واقع، أو متوقع بين المؤمنين، إذ أكثر ما يكون الصلح عند النزاع ؛ والنزاع سبب الفساد، والصلح يهدمه ويرفعه، ولهذا كان من أجل المحاسن(3).
3 - أنواع الصلح والحقوق التي يجري فيها الصلح:
قال ابن القيم رحمه الله:( والحقوق نوعان: حق الله، وحق الآدمي ; فحق الله لا مدخل للصلح فيه كالحدود والزكوات والكفارات ونحوها، وإنما الصلح بين العبد وبين ربه في إقامتها، لا في إهمالها، ولهذا لا يقبل بالحدود، وإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع ؛ وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها.
والصلح العادل هو: الذي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم به، كما قال تعالى: { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) } { الحجرات الآية 9 }
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث رقم ( 1352 ) وابن ماجة الحديث رقم ( 2352 ).
(2) - صحيح البخاري حديث رقم ( 457 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 1558 ).
(3) - الموسوعة الفقهية 27/324 - 325(1/525)
والصلح الجائر هو: الظلم بعينه، وكثير من الناس لا يعتمد العدل في الصلح، بل يصلح صلحا ظالما جائرا، فيصالح بين الغريمين على دون الطفيف من حق أحدهما، والنبي صلى الله عليه وسلم، صالح بين كعب وغريمه، وصالح أعدل الصلح فأمره أن يأخذ الشطر ويدع الشطر ; وكذلك لما عزم على طلاق سودة رضيت بأن تهب له ليلتها وتبقى على حقها من النفقة والكسوة، فهذا أعدل الصلح، فإن الله سبحانه أباح للرجل أن يطلق زوجته ويستبدل بها غيرها، فإذا رضيت بترك بعض حقها وأخذ بعضه وإن يمسكها كان هذا من الصلح العادل، وكذلك أرشد الخصمين اللذين كانت بينهما المواريث بأن يتوخيا الحق بحسب الإمكان ثم يحلل كل منهما صاحبه ; وقد أمر الله سبحانه بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين أولا فإن بغت إحداهما على الأخرى فحينئذ أمر بقتال الباغية لا بالصلح فإنها ظالمة، ففي الإصلاح مع ظلمها هضم لحق الطائفة المظلومة، وكثير من الظلمة المصلحين يصلح بين القادر الظالم والخصم الضعيف المظلوم بما يرضي به القادر صاحب الجاه، ويكون له فيه الحظ، ويكون الإغماض والحيف فيه على الضعيف، ويظن أنه قد أصلح، ولا يمكن المظلوم من أخذ حقه، وهذا ظلم، بل يمكن المظلوم من استيفاء حقه، ثم يطلب إليه برضاه أن يترك بعض حقه بغير محاباة لصاحب الجاه، ولا يشتبه بالإكراه للآخر بالمحاباة ونحوها )(1).
4 - الصلح في مرحلة التحقيق:
__________
(1) - إعلام الموقعين 1/85(1/526)
إذا وقعت جناية مما تجوز فيه المصالحة، كقضايا الاعتداء على النفس بالقتل، وما دونه، فيستحب للمحقق في أثناء التحقيق أن يعرض المصالحة على أطراف القضية، لأن الصلح خير، والله سبحانه وتعالى أمر به، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر به الخلفاء الراشدون، فإذا اصطلح أطراف القضية فعلى المحقق أن يضبط إقراراتهم بما اصطلحوا عليه، ويشهد عليهم، ويصدق ما كان متعلقا بالقصاص ونحوه شرعا، ويجب التنبه إلى أن القضية التي فيها حق خاص وحق عام، وتحصل المصالحة بين أطرافها، فإن المصالحة لا تسقط الحق العام الواجب في القضية، لأنه حق لكافة المجتمع، فلا بد من إكمال الإجراءات المتعلقة به وإحالة من وجب عليه الحق العام مع المدعي العام إلى المحكمة.
وقد ورد النص على ذلك في المادتين ( 22، 23 ) من نظام الإجراءات الجزائية وبيناه في مصطلح : دعوى.
5 - الصلح في مرحلة القضاء:(1/527)
إذا وصلت القضية المحكمة فإن المدعي فيها إما أن يكون مدعيا عاما، أو مدعيا خاصا، فالمدعي العام لا يملك بحال من الأحوال الصلح أو التنازل عن الدعوى. وأما المدعي الخاص فإن كانت دعواه مما يجوز فيه الصلح، فإنه يملك حق الصلح، والتنازل ، ويجوز للقاضي أن يعرض على الخصوم أمر الصلح، إذا رأى أن فيه مصلحة. قال الطرابلسي رحمه الله: ( وإذا أشكل على القاضي وجه الحق أمرهم بالصلح ، فإن تبين له وجه الحكم فلا يعدل إلى الصلح وليقطع به ، فإن خشي من تفاقم الأمر بإنفاذ الحكم بين المتخاصمين أو كانا من أهل الفضل أو بينهما رحم أقامهما وأمرهما بالصلح. وقد أقام بعض قضاة العدل من الصدر الأول رجلين من صالحي جيرانه من بين يديه وقال: استرا على أنفسكما ولا تطلعاني على سركما. وقال عمر بن الخطاب: ردوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن. قال بعضهم: إنما يجوز للقاضي أن يأمر بالصلح إذا تقارب الحجتان بين الخصمين غير أن أحدهما يكون ألحن بحجته من الآخر، أو تكون الدعوى في أمور درست وتقادمت وتشابهت. وأما إذا تبين للحاكم موضع الظالم من المظلوم لم يسعه من الله إلا فصل القضاء )(1).
***
__________
(1) - معين الحكام صفحة 20 - 21(1/528)
194 -صيال:
1 - التعريف:
الصِّيالُ في اللغة: مصدر صَالَ يصولُ، إذا قدم بجراءة وقوة، وهو: الاستطالة والوثوب والاستعلاء على الغير. جاء في القاموس: صالَ على قِرْنِه صَوْلاً وصِيالاً وصُؤُولاً وصَوَلاناً وصالاً ومَصالَةً: سَطا واسْتَطَالَ، وصالَ الفَحْلُ على الإبِلِ صَوْلاً، فهو صَؤُولٌ: قاتَلَها، وصالَ العَيْرُ على العانةِ: شَلَّها، وصالَ عليه صَوْلاً وصَوْلَةً: وثَبَ(1).
وفي الاصطلاح: الصيال الاستطالة والوثوب والاعتداء على الغير بغير حق(2).
2 - حكم الصيال:
الصيال حرام، لأنه اعتداء على الغير، وقد نهى الله تعالى عن الاعتداء في آيات كثيرة منها قوله تعالى: { وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [البقرة 190 ] ؛ ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: { كل المسلم على المسلم حرام ، دمه ، وماله، وعرضه } رواه مسلم(3).
3 - دفع الصائل وما يتعلق به من أحكام:
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( صال ).
(2) - أنظر تعريفاً قريبا مما ذكرنا في : تحفة المحتاج 9/181، الموسوعة الفقهية 28/103
(3) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 2564 ).(1/529)
اختلف الفقهاء رحمهم الله في دفع الصائل ولهم في ذلك تفصيلات، نذكر منها ما أورده البهوتي في كشاف القناع بالنص لوضوحه وشموله، حيث يقول: ( ومن صال على نفسه بهيمة أو آدمي ، أو صال على نسائه، كأمه وابنته وأخته وزوجته ونحوهن، أو على ولده أو ماله ولو قل المال، بهيمة، أو آدمي، ولو كان من أريدت نفسه أو حرمته أو ولده أو ماله غير مكافئ للمريد، أو كان الصائل صبيا أو مجنونا، كالبهيمة وسواء صال على ذلك في منزله أو غيره ولو كان متلصصا، أي طالبا للسرقة، ولم يخف الدافع أن يبدره الصائل بالقتل دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، لأنه لو منع من ذلك لأدى إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله ولأنه لو لم يجز ذلك لتسلط الناس بعضهم على بعض وأدى إلى الهرج والمرج، فإن اندفع بالقول لم يكن له ضربه بشيء، وإن لم يندفع بالقول فله، أي الدافع ضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به فإن ظن أنه يندفع بضرب عصا لم يكن له ضربه بحديد لأنه آلة القتل، وإن ولّى هاربا لم يكن له قتله ولا اتباعه ، كالبغاة ، وإن ضربه فعطله لم يكن له أن يثني عليه ، لأنه كفي شره. وإن ضربه فقطع يمينه فولى هاربا فضربه فقطع رجله فالرجل مضمونة بقصاص أو دية ، لأن الزائد على ما يحصل به الدفع لا حاجة إليه فلم يكن له فعله، قال أحمد: لا يريد قتله وضربه لكن دفعه، فإن مات، الصائل من سراية القطعين فعليه أي الدافع نصف الدية، لأنه مات من فعل مأذون فيه وغير مأذون فيه. وإن رجع الصائل إليه أي إلى الدافع، بعد قطع يده ثم، رجله فقطع، الدافع يده الأخرى لكونه لم يندفع بدونه، فاليدان غير مضمونتين، بخلاف الرجل التي قطعها بعد أن ولى هاربا، وإن مات الصائل فعليه أي الدافع، ثلث الدية، كما لو مات من جراح ثلاثة أنفس قال في المبدع والشرح وقياس المذهب أن يضمن نصف الدية كما لو جرحه اثنان ومات منهما. فإن لم يمكنه ، أي الدافع، دفعه، أي الصائل، إلا بالقتل أو خاف الدافع ابتداء أن(1/530)
يبدأه، أي الصائل بالقتل إن لم يعاجله بالدفع فله ضربه بما يقتله ويقطع طرفه ويكون ذلك هدرا، لأنه أتلف لدفع شره كالباغي.
وإن قتل المصول عليه فهو شهيد مضمون ؛ لحديث أبي هريرة قال: { جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته، قال: في النار } رواه أحمد ومسلم(1). وعن سعيد بن يزيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: { من قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد } رواه أبو داود والترمذي وصححه(2).
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم (140 )، ومسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 8456 ) واللفظ لمسلم.
(2) - سنن أبي داود الحديث رقم (4772) وسنن الترمذي الحديث رقم (1421) وسنن النسائي الحديث رقم (4027).(1/531)
وإن كان الدافع للصائل عن نسائه فهو لازم، أي واجب لما فيه من حقه وحق الله وهو منعه من الفاحشة، وإن كان الدفع عن نفسه في غير فتنة فكذلك ، أي فالدفع لازم لقوله تعالى: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ البقرة 195]، وكما يحرم عليه قتل نفسه يحرم عليه إباحة قتلها ولأنه قدر على إحياء نفسه فوجب عليه فعل ما يتقي به كالمضطر للميتة، فإن كان في فتنة لم يلزمه الدفع لقوله صلى الله عليه وسلم في الفتنة: { اجلس في بيتك فإن خفت أن ينهرك شعاع السيف فغط وجهك } (1)، وفي لفظ { فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل } (2)، ولأن عثمان ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه ومنع غيره قتالهم وصبر على ذلك ولو لم يجز لأنكر الصحابة عليه بذلك وله أن يدفع عن نفسه ، وإن أمكنه الهرب والاحتماء كما لو خاف من سيل أو نار وأمكنه أن يتنحى عنه وكما لو كان الصائل عليه بهيمة ، فإنه يجب عليه دفعها ، وله قتلها ولا ضمان عليه فيها لسقوط حرمتها بالصول.
وإن كان الدفع عن نفسه في غير فتنة وظن الدافع سلامة نفسه فالدفع لازم أيضا، لأنه لا يتحقق منه إيثار الشهادة كإحيائه ببذل طعامه ذكره القاضي وغيره فإن كان في فتنة لم يلزمه الدفع لقصة عثمان.
__________
(1) - مسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 15599) وسنن ابن ماجة الحديث رقم ( 3962 ).
(2) - مسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 20559 ).(1/532)
ولا يلزمه الدفع عن ماله ولا حفظه من الضياع والهلاك، ذكره القاضي وغيره لأنه يجوز بذله وذكر القاضي أنه أفضل ؛ وفي الترغيب المنصوص عنه أن ترك قتاله عليه أفضل؛ زاد في نهاية المبتدئ عن الثلاثة وعرضه، كمال غيره، أي كما لا يجب الدفع عن مال الغير ، قال في المذهب: أما دفع الإنسان مال غيره فيجوز ما لم يفض إلى الجناية على نفس الطالب أو شيء من أعضائه، وجزم في المنتهى باللزوم مع ظن سلامتهما وهو معنى ما قدمه في الإنصاف، لكن له ، كذا في الشرح ، والظاهر أنه يجب عليه معونة غيره في الدفع عن ماله ونسائه في قافلة وغيرها ، مع ظن السلامة، لحديث { انصر أخاك ظالما أو مظلوما } ولئلا تذهب الأنفس والأموال)(1).
***
__________
(1) - كشاف القناع 6/161- 164(1/533)
حرف الضاد
195 -ضبط
1 - التعريف:
الضبط في اللغة: لزوم الشيء وحبسه، وحفظه بحزم، جاء في لسان العرب: الضَّبْطُ: لزوم الشيء وحَبْسُه، ضَبَطَ عليه وضَبَطَه يَضْبُط ضَبْطاً وضَباطةً، وقال الليث: الضَّبْطُ لزومُ شيء لا يفارقه في كل شيء، وضَبْطُ الشيء حِفْظه بالحزم، والرجل ضابِطٌ أَي حازِمٌ. ورجل ضابِطُ وضَبَنْطي: قويٌّ شديدٌ، وفي التهذيب: شديد البطش والقُوَّة والجسم(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: الضبط : الحفظ المتقن.
والمراد بالضبط هنا هو: ملاحقة مرتكبي الجرائم وجمع المعلومات عنهم وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة.
2 - من هم رجال الضبط ؟
عرفت المادة الرابعة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية رجال الضبط الجنائي بأنهم: هم الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام.
وبينت المادة الخامسة والعشرون أن رجال الضبط يخضعون فيما يتعلق بوظائفهم في الضبط الجنائي لإشراف هيئة التحقيق ، فأوردت المادة النص التالي: (يخضع رجال الضبط الجنائي فيما يتعلق بوظائفهم في الضبط الجنائي المقررة في هذا النظام لإشراف هيئة التحقيق والادعاء العام. وللهيئة أن تطلب من الجهة المختصة النظر في أمر كل من تقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله، ولها أن تطلب رفع الدعوى التأديبية عليه، دون إخلال بالحق في رفع الدعوى الجزائية).
3 - من يقوم بالضبط الجنائي :
بينت المادة السادسة والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية من يقوم بأعمال الضبط الجنائي حسب المهام الموكولة إليه وهم:
1 - أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام في مجال اختصاصهم.
2 - مديري الشرط ومعاونيهم في المناطق والمحافظات والمراكز.
3 - ضباط القطاعات العسكرية كل حسب المهام الموكولة إليه في الجرائم التي تقع ضمن اختصاص كل منهم.
4 - محافظي المحافظات ورؤساء المراكز.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( ضبط )(1/534)
5 - رؤساء المراكب السعودية البحرية والجوية في الجرائم التي ترتكب على متنها.
6 - رؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود اختصاصهم.
7 - الموظفين والأشخاص الذين خولوا صلاحيات الضبط الجنائي بموجب أنظمة خاصة.
8 - الجهات واللجان والأشخاص الذين يكلفون بالتحقيق بحسب ما تقضي به الأنظمة.
4 - مهام رجال الضبط الجنائي:
بينت المادتان ( 27، 28 ) من نظام الإجراءات الجزائية مهام رجال الضبط الجنائي على النحو التالي:
1 - على رجال الضبط الجنائي كل حسب اختصاصه أن يقبلوا البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم في جميع الجرائم، وإن يقوموا بفحصها وجمع المعلومات المتعلقة بها في محضر موقع عليه منهم. وتسجيل ملخصها وتاريخها في سجل يعد لذلك، مع إبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام بذلك فوراً. ويجب أن ينتقل رجل الضبط الجنائي بنفسه إلى محل الحادث للمحافظة عليه، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة، والمحافظة على أدلتها، والقيام بالإجراءات التي تقتضيها الحال ، وعليه أن يثبت جميع هذه الإجراءات في المحضر الخاص بذلك. ( م/27 )
2 - لرجال الضبط الجنائي في أثناء جمع المعلومات أن يستمعوا إلى أقوال من لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها، وإن يسألوا من نسب إليه ارتكابها، ويثبتوا ذلك في محاضرهم. ولهم أن يستعينوا بأهل الخبرة من أطباء وغيرهم ويطلبوا رأيهم كتابة. ( م/28 )
5 - مهام رجال الضبط الجنائي في جرائم التلبس:
بينت المادتان ( 31، 32 ) من نظام الإجراءات الجزائية واجبات ومهام رجال الضبط الجنائي في حالات التلبس على النحو التالي:(1/535)
1 - يجب على رجل الضبط الجنائي في حالة التلبس بالجريمة أن ينتقل فوراً إلى مكان وقوعها ويعاين آثارها المادية ويحافظ عليها، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، وإن يسمع أقوال من كان حاضراً، أو من يمكن الحصول منه على معلومات في شان الواقعة ومرتكبها. ويجب عليه أن يبلغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً بانتقاله. ( م/31 )
2 - لرجل الضبط الجنائي عند انتقاله في حالة التلبس بالجريمة أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه، حتى يتم تحرير المحضر اللازم بذلك، وله أن يستدعي في الحال من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة. وإذا خالف أحد الحاضرين الأمر الصادر إليه من رجل الضبط الجنائي أو امتنع أحد ممن دعاهم عن الحضور، يثبت ذلك في المحضر، ويحال المخالف إلى المحكمة المختصة لتقرير ما تراه بشأنه. ( م/32 )
6 - ضبط الرسائل والأشياء المتعلقة بالجريمة ومراقبة المحادثات:
بينت المواد ( 55 إلى 61 ) من نظام الإجراءات طريقة ضبط الرسائل ومراقبة المحادثات على النحو التالي:
1 - للرسائل البريدية والبرقية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، فلا يجوز الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر مسبب ولمدة محددة، وفقاً لما ينص عليه هذا النظام. ( م/55 )
2 - لرئيس هيئة التحقيق والادعاء العام أن يأمر بضبط الرسائل والخطابات والمطبوعات والطرود ، وله أن يأذن بمراقبة المحادثات الهاتفية وتسجيلها، متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جريمة وقعت ، على أن يكون الإذن مسببا ومحددا بمدة لا تزيد على عشرة أيام قابلة للتجديد وفقا لمقتضيات التحقيق. (م/56 )(1/536)
3 - للمحقق وحده الاطلاع على الخطابات والرسائل والأوراق والأشياء الأخرى المضبوطة، وله أن يستمع إلى التسجيلات، وله حسب مقتضيات التحقيق أن يأمر بضمها أو نسخ منها إلى ملف القضية، أو يأمر بردها إلى من كان حائزا لها أو مرسلة إليه. ( م/57 )
4 - يبلِّغ مضمون الخطابات والرسائل البرقية المضبوطة إلى المتهم أو الشخص المرسلة إليه، أو تعطى له صورة منها في أقرب وقت، إلا إذا كان في ذلك إضرار بسير التحقيق. ( م/58 )
5 - لصاحب الحق في الأشياء المضبوطة أن يطلب من المحقق المختص تسليمها إليه، وله في حالة الرفض أن يتظلم لدى رئيس الدائرة التي يتبعها المحقق. ( م/59 )
6 - يجب على المحقق وعلى كل من وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة أن يحافظ على سريتها وألا ينتفع بها بأي طريقة كانت أو يفضي بها إلى غيره، إلا في الأحوال التي يقضي النظام بها، فإذا أفضى بها دون مسوغ نظامي أو انتفع بها بأي طريقة كانت تعينت مساءلته. ( م/60 )
7 - مع مراعاة حكم المادة الثامنة والخمسين، إذا كان لمن ضبطت عنده الأوراق مصلحة عاجلة فيها تعطى له صورة منها مصدق عليها من المحقق. (م/61)
7 - التصرف في الأشياء المضبوطة:
بينت المواد ( 82 إلى 94 ) من نظام الإجراءات الجزائية كيفية التصرف في الأشياء المضبوطة على النحو التالي:
1 - يراعى في ضبط الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود والبرقيات والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال أحكام المواد من الخامسة والخمسين إلى الحادية والستين من هذا النظام. ( م/82 )
2 - الأشياء والأوراق التي تضبط يتبع بشأنها أحكام المادة التاسعة والأربعين من هذا النظام. ( م/82 )
3 - لا يجوز للمحقق أن يضبط لدى وكيل المتهم أو محاميه الأوراق والمستندات التي سلمها إليه المتهم لأداء المهمة التي عهد إليه بها ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية. ( م/84 )(1/537)
4 - إذا توافرت لدى المحقق أدلة على أن شخصا معينا يحوز أشياء لها علاقة بالجريمة التي يحقق فيها فيستصدر أمرا من رئيس الدائرة التي يتبعها بتسليم تلك الأشياء إلى المحقق، أو تمكينه من الاطلاع عليها بحسب ما يقتضيه الحال.(م/85)
5 - يجوز أن يؤمر برد الأشياء التي ضبطت في أثناء التحقيق ولو كان ذلك قبل الحكم، إلا إذا كان لازمة للسير في الدعوى أو محلا للمصادرة. (م/86)
6 - يكون رد الأشياء المضبوطة إلى من كانت في حيازته وقت ضبطها، وإذا كانت المضبوطات من الأشياء التي وقعت عليها الجريمة ، أو المتحصلة من هذه الأشياء ، يكون ردها إلى من فقد حيازتها بالجريمة ، ما لم يكن لمن ضبطت معه حق في حبسها. ( م/87 )
7 - يصدر الأمر برد الأشياء المضبوطة من المحقق أو من قاضي المحكمة المختصة التي يقع في نطاق اختصاصها مكان التحقيق، ويجوز للمحكمة أن تأمر بالرد في أثناء نظر الدعوى. ( م/88 )
8 - لا يمنع الأمر برد الأشياء المضبوطة ذوي الشان من المطالبة أمام المحاكم المختصة بما لهم من حقوق إلا المتهم أو المدعي بالحق الخاص إذا كان الأمر بالرد قد صدر من المحكمة بناء على طلب أي منهما في مواجهة الأخر.(م/89)
9 - لا يجوز للمحقق الأمر برد الأشياء المضبوطة عند المنازعة أو عند وجود شك فيمن له الحق في تسلمها، ويرفع الأمر في هذه الحالة إلى المحكمة المختصة بناء على طلب ذوي الشان لتأمر بما تراه. ( م/90 )
10 - يجب عند صدور أمر بحفظ الدعوى أن يفصل في كيفية التصرف في الأشياء المضبوطة، وكذلك الحال عند الحكم في الدعوى إذا حصلت المطالبة بردها أمام المحكمة. ( م/91 )
11 - الأشياء المضبوطة التي لا يطلبها أصحابها بعد إبلاغهم بحقهم في استعادتها تودع بيت المال. ( م/92 )(1/538)
12 - للمحكمة التي يقع في دائرتها مكان التحقيق أن تأمر بإحالة الخصوم للتقاضي أمام المحكمة المختصة إذا رأت موجبا لذلك ، وفي هذه الحالة يجوز وضع الأشياء المضبوطة تحت الحراسة ، أو اتخاذ وسائل تحفظية أخرى بشأنها. ( م/93)
13 - إذا كان الشيء المضبوط مما يتلف بمرور الزمن، أو يستلزم حفظه نفقات كبيرة تستغرق قيمته أمرت المحكمة بتسليمه إلى صاحبه، أو إلى بيت المال لبيعه بالمزاد العلني متى سمحت بذلك مقتضيات التحقيق. وفي هذه الحالة يكون لمدعي الحق فيه أن يطالب بالثمن الذي بيع به. (م/94)
***(1/539)
196 -ضرر
1 - التعريف:
الضَرَرُ لغة: اسم من الضَّرِّ، وقد أطلق على كل نقص يدخل الأعيان، والضَّرُّ - بفتح الضاد - لغة: ضد النفع، وهو النقصان، يقال: ضَرَّه يضُرُّه إذا فعل به مكروها وأضر به.قال الخليل: والضَّرَرُ النُّقصان يدخُلُ في الشيء، تقول: دَخّلَ عليه ضَرَرٌّ في ماله(1).
وفي الاصطلاح: عرفه ابن رجب فقال :الضرر أن يُدْخِل على غيره ضرراً بلا منفعة له(2).
قلت : الضرر كل مكروه مجرد يصيب الإنسان في جسده أو ماله أو عرضه.
2 - الفرق بين الضرر والضرار:
__________
(1) - كتاب العين مادة ( ضر )
(2) - جامع العلوم 2/120(1/540)
قال الباجي- رحمه الله- في شرحه لحديث { لا ضرر ولا ضرار } (1): (ويحتمل عندي أن يكون معنى الضرر أن يضر أحد الجارين بجاره ، والضرار أن يضر كل واحد منهما بصاحبه ; لأن هذا البناء يستعمل كثيراً بمعنى المفاعلة كالقتال والضراب والسباب والجلاد والزحام , وكذلك الضرار ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ينفرد أحدهما وغيره بالإضرار بجاره عن أن يقصدا ذلك جميعا وليس استيفاء الحقوق في القصاص من هذا الباب ; لأن ذلك استيفاء الحقوق , أو ردع عن استدامة ظلم , وإنما الضرار فيما ليس فيه إلا مجرد الإضرار بصاحبه فأما الضرر على هذا التأويل فمثل ما يحدثه الرجل في عرصته(2) مما يضر بجيرانه من بناء حمام , أو فرن للخبز أو لسبك ذهب , أو فضة , أو كير لعمل الحديد أو رحى مما يضر بالجيران , فقد قال ابن القاسم عن مالك في المجموعة أن لهم منعه , وقاله في الدخان قال وأرى التنور خفيفا , ووجه ذلك أن ضرر الفرن والحمام بالجيران بالدخان الذي يدخل في دورهم ويضر بهم وهو من الضرر الكثير المستدام وما كان بهذه الصفة منع إحداثه على من يستضر به )(3).
3 - حكم إلحاق الضرر بالغير:
__________
(1) - رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (2867)، وابن ماجة في سننه برقم (2340)، ومالك في الموطأ برقم (1429).
(2) - قال في المصباح المنير : عَرْصَةُ الدار ساحتها وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء والجمع عِرَاصٌ.
(3) - شرح الموطأ 6/40(1/541)
الأصل تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل، وتزداد حرمته كلما زادت شدته ، وقد شهدت على ذلك النصوص الشرعية الكثيرة منها: قوله تعالى: { لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } [ البقرة 233 ]. وقوله تعالى: { وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا } [ البقرة 231 ]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا ضرر ولا ضرار } وهذا الحديث يشمل كل أنواع الضرر لأن النكرة في سياق النفي تعم، وفيه حذف أصله لا لحوق أو إلحاق، أو لا فعل ضرر أو ضرار بأحد في ديننا: أي لا يجوز شرعا إلا لموجب خاص.
أما إدخال الضرر على أحد يستحقه لكونه تعدى حدود الله فيعاقب بقدر جريمته ، أو لكونه ظلم نفسه وغيره فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل فهذا غير مراد بالحديث قطعا. كما أن الضرر يباح استثناء في أحوال أخرى ، ضبطتها بعض القواعد الفقهية من أمثال قاعدة: ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، وقاعدة: (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ) ، ونحو ذلك(1).
3 - عقوبة من الحق الضرر بغيره
من الحق الضرر بغيره يستحق العقاب على حسب الضرر الناتج عن فعله، فإن كان الضرر يوجب قصاصا فعليه القصاص، وإن كان يوجب حدا فعليه الحد، وإن كان يوجب ضمانا فعليه الضمان، وإن كان يوجب تعزيرا فقط فعليه التعزير، وهكذا تكون العقوبة حسب الضرر الناتج والمرجع في ذلك للقضاء.
***
__________
(1) - أنظر جامع العلوم والحكم 2/120، والموسوعة 28/180(1/542)
حرف الطاء
197 -طب
1 - التعريف:-
الطِّبُّ: علاجُ الجسم والنَّفسِ. والطَّبيب: العالم بالطِبِ، وجمع القلة أطِبَّةٌ، والكثير أطِبَّاء ؛ تقول: ما كنتَ طَبيبًا ولقد طَبِبت، بالكسر. والمتطبِّب: الذي يَتعاطى عِلم الطِّب. والطُبُّ والطَبُّ: لغتان في الطِبِّ، وفي المثل: إن كنت ذا طِبّ فطِبَّ لعينيك، وطُبَّ، وطَبَّ. وكلُّ حاذقٍ: طبيبٌ عند العرب(1).
وفي الاصطلاح: الطب علم يختص بمعالجة الأمراض(2).
2 - أنواع الطب:
أ - الطب العام (البشري): وهو المتعلق بالكشف على المرضى، ومعالجتهم وتشخيص حالاتهم ، وإجراء العمليات الجراحية اللازمة لهم، وهذا النوع من الطب يدرس في الجامعات، وله كليات متخصصة.
ب - الطب البيطري: وهو المتعلق بتطبيب الحيوانات، ومعالجتها، وهذا النوع يدرس في الجامعات، ويوجد أطباء متخصصون في هذا المجال.
ج - الطب البديل: وهو نوع من أنواع الطب لكنه يعتمد على وسائل تختلف عن تلك الوسائل المستخدمة في الطب التقليدي، ومن أنواع هذا الطب: طب الأعشاب ، والطب الطبيعي، والطب الصيني المعروف باسم الوخز بالإبر.
د - الطب الشرعي: وهو فرع من الطب يخدم العدالة والقضاء، لارتباطه بالقضايا القانونية، والجنائية، كتشريح الجثث ومعرفة أسباب الوفاة.
وعرف بأنه : تطبيق كافة المعارف والخبرات الطبية لحل القضايا التي تنظر أمام القضاء بغرض تحقيق العدالة(3). وهذا النوع هو الذي يهمنا لصلته بالعمل الجنائي لذا سوف يكون الحديث منصبا عليه في الفقرات التالية إن شاء الله تعالى.
3 - أهمية الطب الشرعي:
__________
(1) - الصحاح، ولسان العرب، مادة ( طبب)
(2) - الموسوعة الطبية 644
(3) - د/ إبراهيم الجندي / الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية صفحة ( 7 ).(1/543)
الطب الشرعي كما أسلفنا، فرع من فروع الطب، لكنه يرتبط بالقضايا الجنائية والحقوقية أكثر من غيره من أنواع الطب، فعن طريق الطب الشرعي تعرف في أغلب الأحيان أسباب الوفاة في جرائم القتل، والانتحار، والتسمم، والإجهاض، ونحوها، ولأهمية هذه الأمور وحساسيتها برزت أهمية الطب الشرعي، فعلى من يتخصص في الطب الشرعي أن يكون على درجة كافية من الفطنة، والمعرفة بالأحكام الشرعية التي تتعلق بالطب عامة، وبفنون الطب الشرعي خاصة.
والطب الشرعي لم يكن وليد العصر ، بل كان هناك ما يدل على وجوده في صدر الإسلام الأول، ومما يمكن الاستدلال به على وجوده ما ذكره ابن القيم رحمه الله قال: ( أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار، وكانت تهواه ، فلما لم يساعدها احتالت عليه ، فأخذت بيضة فألقت صفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي، وفضحني في أهلي ، وهذا أثر فعاله ؛ فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني ؛ فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ، ويقول: يا أمير المؤمنين، تثبت في أمري، فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب ؛ ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت)(1).
ففي هذه القصة قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بإجراء تحليل للمادة المشتبه فيها في دعوى جنائية، واستطاع عن طريق هذا التحليل أن يصل إلى معرفة نوع هذه المادة، ويكتشف كذب المرأة، وبراءة الشاب، المدعى عليه، واعتمد أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على نتيجة التحليل وحكم بموجبها.
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة (44).(1/544)
والطب الشرعي اليوم يعتمد على التحاليل، التي يتم التوصل إليها بطريقة علمية بمعرفة الأطباء الشرعيين.
4 - مهام الطبيب الشرعي:
الطبيب الشرعي هو الطبيب الذي يستعان بمعلوماته وخبراته الطبية الشرعية لخدمة العدالة عن طريق كشف غموض الجانب الطبي من القضايا المختلفة التي تعرض عليه ؛ ويختص الطب الشرعي بمهام منها:
1 - الكشف الطبي على المصابين في القضايا الجنائية، وبيان وصف الإصابة، وسببها، ونوعها، وتاريخ حدوثها، والآلة التي استخدمت في إحداثها، ومدة الشفاء المتوقعة، ومدى العاهة المستديمة التي تخلفت عن الإصابة(1).
2 - تشريح جثث المتوفين في القضايا الجنائية، في حالة الاشتباه في الوفاة، وذلك لمعرفة أسباب الوفاة، وكيفية حدوثها، ومدى علاقتها بالإصابة التي توجد بالجثة.
3 - الانتقال لمعاينة القضايا الجنائية الهامة، التي ينتج عنها وفاة.
4 - حضور عملية فتح القبور في الحالات التي تستدعي استخراج الجثة المشتبه في وفاتها، لتشريحها ومعرفة أسباب الوفاة.
5 - الاشتراك في اللجان الطبية، لتحديد نسبة العجز في الحوادث الجنائية، وحوادث السيارات.
5 - تشريح جثة المتوفى: ( راجع مصطلح : تشريح )
6 - أنواع التقارير الطبية الشرعية:
التقرير الطبي الشرعي: هو الذي يحرره الطبيب بعد دراسته لحالة المريض دراسة وافية، وتشخيص المرض الذي يشكو منه، أو بعد انتهاء فترة العلاج، أو بعد الجراحة، أو بعد تشريح الجثة.
__________
(1) - في الواقع العملي التطبيقي تسند هذه المهام حاليا للطب العام، ولعل السبب في ذلك عائد لقلة الأطباء الشرعيين.(1/545)
وقد حدد مدير الطب العلاجي بوزارة الصحة أنواع التقارير الطبية بخطابه التعميمي رقم 1622/4024/57 في 26/4/1393هـ الذي جاء بالنص التالي: ( حيث إن التقارير الطبية الشرعية لكافة الحوادث والإصابات سواء منها حوادث المرور أو المضاربة أو الاعتداء على النفس يتوقف عليها تحديد العقوبة سواء البدنية منها أو المادية لذلك يراعى الآتي عند إعداد التقارير: -
أولا: التقرير الطبي الشرعي المبدئي ، هذا الصنف شقان:
المصاب الذي يحضر وبه إصابات طفيفة جدا لا تستدعي عرضه على الأخصائي أو تنويمه بالمستشفى فيقوم بها طبيب الإسعاف حيث يثبت بها اسم وسن المصاب وعمله، ثم يصف الإصابات الموجودة بالمصاب وصفا كاملا شاملا طبيعة الإصابة ومكانها، ومساحتها والآلة المحدثة لها والعلاج المعطى - غيار أو غرز - على أن ينهي تقريره بأن هذه الإصابات تشفى في مدة ثمانية أيام ما لم يطرأ طارئ بحدوث مضاعفات لهذه الإصابات، على سلطة التحقيق في نهاية هذه المدة إرسال المصاب لطبيب الإسعاف لكتابة تقرير الشفاء أو إذا كانت قد حدثت مضاعفات عليه التأكد أنها مضاعفة لهذه الإصابات السابق وصفها، وفي هذه الحالة عليه عرضه على الأخصائي في المجال لهذه المضاعفات وعلى الأخصائي تولي الأمر بعد ذلك.
المصاب الذي يحضر وبه إصابات تحتاج العرض على الأخصائي أو تنويمه بالمستشفى فيقوم طبيب الإسعاف بإثبات الإصابات إجمالا وإحالته للأخصائي لتنويمه وعلى الأخصائي في هذه الحالة إثبات حالة المصاب في طبلة العلاج وصفا تفصيليا لحالة مع ذكر نوع الإصابات وعددها ومكانها والآلة المحدثة وإذا أحدث تداخلا جراحيا عليه إثبات هذا التداخل الجراحي وصفا تفصيلا وما وجده بالجراحة والفحص الشعاعي وإذا رفع عظاما من مكانها عليه التحفظ عليها أو إذا رفع أجزاء معدنية من المصاب التحفظ عليها وكذلك التحفظ على الملابس التي كانت على المصاب وقت الحادث.(1/546)
على الأخصائي الذي يباشر العلاج أن يكتب تقريرا طبيا شرعيا مبدئيا للحالة على ضؤ ما تقدم تفصيلا في ثاني يوم من دخول المريض وإرساله للشرطة التابع لها الحادث مرفقا به الأشياء المتحفظ عليها والسابق الإشارة إليها محرزة.
ثانيا: التقرير الطبي الشرعي الإلحاق - إعادة كشف -
يكتب هذا التقرير في الحالات التالية:
1 - في الحالات الإصابة الطفيفة التي تعرض على طبيب الإسعاف بعد ثمانية أيام من حدوثها ويجد أنه حدثت مضاعفات اضطرته إلى إرساله للأخصائي ؛ وفي هذه الحالة على الأخصائي كتابة تقرير طبي شرعي إلحاقي ( إعادة كشف ) بحيث يوضح أن هذه المضاعفات ناجمة ومضاعفة عن الحالة الإصابية الأساسية ويؤجل إعادة الكشف عليه بعد الفترة الزمنية التي يراها لتمام شفائه مع إعطائه العلاج اللازم على أن يلزمه به في تقريره حتى لا يتوانى المصاب عن العمل بهذا العلاج ويجر على المتسبب في إصابته أضرار أخرى.
2 - المصاب المنوم بالمستشفى إذا طالت مدة العلاج عليه أن يثبت تطور الحالة في تقرير يتضمن أن الإصابات قد تضاعفت بكذا وهذه تستلزم بقاءه في المستشفى تحت العلاج وذلك إنارة للشرطة والقضاء في عملها وإن يكون لدى المسؤولين في جهات التحقيق العلم بأن المصاب ما زال منوما تحت العلاج من جراء إصابته.
3 - المصاب الذي يكتب له خروج من المستشفى ولم يشف بعد ويلزمه فترة أخرى للعلاج سواء الطبيعي أو بالجلسات الكهربائية أو العلاج الدوائي حتى يتسنى تمام برئه وعليه في هذا التقرير أن يوضح اسم المصاب وعمره وعمله وتاريخ إدخاله المستشفى والتشخيص الإصابي لحالته وما جرى له من تداخل علاجي أو جراحي وما انتهت إليه حالته والفترة التي عليه أن يراجع فيها المستشفى لبيان تمام شفائه من عدمه.(1/547)
4 - المصاب الذي خرج من المستشفى وحضر لإعادة الكشف عليه لبيان شفائه وتبين للأخصائي أنه لم يشف بعد عليه أن يوضح بتقريره هذا تطور الحالة وما طرأ عليها من تحسن أو سؤ والفترة اللازمة لإعادة فحصه ثانيا لبيان شفائه من عدمه.
ثالثا: التقرير الطبي الشرعي النهائي ، هذا الصنف شقان:
1 - يثبت الأخصائي تقريرا طبيا شرعيا نهائيا عند تمام شفاء المصاب تماما من إصابته دون تخلف عاهة مستديمة لديه تقلل من كفاءته عن العمل أو تعوقه عن أداء العمل.
2 - بعد تمام شفاء المصاب تماما وتخلف لديه عاهة مستديمة على الأخصائي أن يثبت حالة المصاب بعد تمام شفائه ووصف العاهة المتخلفة لديه أنها مستديمة والضرر، أو التلف المستديم ومقدار العجز أو النقص في كفاءته على العمل وأنها متخلفة من حالة الإصابة، أو النقص في قوة احتماله ومقاومته للأمراض... ).
***(1/548)
198 -طعن
1 - التعريف:
الطَّعْنُ في اللغة: هو الوخز بآلة حادة كالرمح ونحوه، ويكون بالثلب بالقول. ورد في لسان العرب: طَعَنه بالرُّمْحِ يَطْعُنُه ويَطْعَنُه طَعْناً، فهو مَطْعُون وطَعِينٌ ، من قوم طُعْنٍ: وخَزَه بحربة ونحوها.. وطَعَنَه بلسانه، وطَعَنَ عليه يَطْعُنُ ويَطعَنُ طَعْناً وطَعَنَاناً: ثَلَبَهُ، على المَثَل، وقيل: الطَّعْن بالرمح، والطَّعَنَانُ بالقول(1).
وقال الخليل: طَعَنَ فلانٌ على فلانٍ طَعَناناً في أمره وقوله إذا أَدْخَلَ عليه العيبَ. وطعن فيه وقع فيه عند غيره. قال:
وأبى الكاشحونَ يا هندُ إلاَّ طَعَناناً وقولَ ما لا يُقالُ
وطَعَنَةُ بالرُّمحِ يطعُنُ بضمة العين طَعْناً، ويقال: يَطْعُنُ بالرُّمْحِ ويَطْعَنُ بالقول. قال: كلاهما مضموم(2).
وفي الاصطلاح: الطعن إما أن يكون قولياً: وهو السب وإظهار المثالب والمعايب. وإما أن يكون فعلياً: وهو الوكز والضرب بالرمح، أو السيف، أو السكين، أو أية آلة حادة.
2 - حكم الطعن:
أ - الطعن بمعنى الضرب:
__________
(1) - لسان العرب، مادة ( طعن ).
(2) - كتاب العين، مادة ( طعن ).(1/549)
يحرم الاعتداء على الشخص المعصوم والحاق الضرر به سواء كان بالضرب أو الطعن ، ولا يجوز يحمل الآلة الحادة عليه كالرمح أو السيف ونحوهما من الآلات التي تستخدم في الطعن ، لأن هذا من الاعتداء المحرم المنهي عنه في قوله تعالى: { وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [المائدة 87 ] ؛ ولأنه من إشهار السلاح على المسلمين الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من رفع علينا السلاح فليس منا } (1). وروى عن العلاء بن المسيب عن خيثمة قال: قال عمر: ( ليس منا من شهر السلاح علينا )(2).
ب - الطعن بمعنى التجريح وإظهار العيوب :
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة الحديث رقم ( 28927 )، ورواه الحاكم في مستدركه برقم ( 279 ).
(2) - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم ( 28928 ).(1/550)
التلفظ بالألفاظ البذيئة، وطعن المسلمين بها وقذفهم - بدون وجه حق - ليست من صفات المؤمنين، أخبر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء )(1).وهذا حكم عام يستثنى منه جواز طعن المشهود عليه في الشاهد الفاسق لبيان حقيقته أمام القاضي، وكذلك طعن المدعى عليه في الدعوى المقدمة ضده المفتقرة إلى أدلة أو قرائن صحيحة، أو طعن أحد المتداعيين بما يقدح شرعاً في الأدلة المقدمة ضده، وذلك من أجل بيان براءته. وورد في المادة (147) من نظام الإجراءات الجزائية ، إحالة ما يتعلق بالطعن في القضاة وطلب تنحيتهم عن الحكم إلى الأحكام الواردة في نظام المرافعات الشرعية، كما يكون القاضي ممنوعاً من نظر الدعوى إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه في غير أوقات انعقاد الجلسات. وقد خُصص الباب الثامن من نظام المرافعات الشرعية للأحكام المتعلقة بتنحي القضاة وردهم عن الحكم(2).
3 - الطعن في الدعوى:
الطعن في الدعوى إما أن يكون شكلاً أو مضمونا. فالطعن فيها شكلاً : يكون بعدم اختصاص المحكمة المقدمة لها الدعوى، أو بسقوط الدعوى بما يسقطها شرعاً ؛ وفي هذه الحالة يتعين رد الدعوى. وأما الطعن فيها مضموناً : فيكون بالاعتراض من جانب المدعى عليه بعدم صحة دعوى المدعي، وفي هذه الحالة يتعين على القاضي طلب البينة من المدعي.
4 - الطعن في القاضي:
يجب على كل مسلم احترام العلماء وتوقيرهم ومعرفة منزلتهم سواء كان هؤلاء العلماء من القضاة أو من طلبة العلم أو الدعاة، ونحوهم.
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث رقم ( 1977 )
(2) - أنظر الأحكام المتعلقة بتنحي القضاة وردهم عن الحكم في نظام المرافعات الشرعية المواد من ( 90-96).(1/551)
قال ابن مفلح - رحمه الله - محذراً من الطعن في العلماء : ( فاحذر من الإقدام على الطعن على العلماء مع عدم بلوغك إلى مقاماتهم , واختلاف أحوالهم حتى أنهم في حال كشخص , وفي حال آخر كشخص آخر , فإن للعبد عند كشف الحق محوا عن نفسه , والعالم يتلاشى في عينه )(1). وجاء في فتاوى الرملي - رحمه الله - أنه سئل: عما لو طعن شخص في القاضي وقال: إنه ليس بقاض لفسقه هل يصح حكم هذا القاضي له وعليه أم لا ؟ . فأجاب: ( بأنه ينفذ حكم القاضي على من قال: إنه فاسق , وكذا له إن ولاه سلطان له شوكة أو مضت بعد قوله مدة الاستبراء ثم ولي أيضا, وإلا فلا )(2).
5 - الطعن في الشهود:
ورد في شرح مجلة الأحكام: ( للمشهود عليه أن يطعن بالشهود أو أن يجرحهم, والطعن عبارة عن إظهار شيء يخل بالشهادة حال كون الشاهد عدلا وتوضيح الطعن هو: إذا طعن المشهود عليه قبل التزكية أو بعدها في الشهود بإسناد شيء مانع لقبول الشهادة كدفع مغرم أو جر مغنم،... وأنكر المشهود له هذا الطعن طلب القاضي من المشهود عليه الطاعن البينة ولا يكلف المشهود له بإثبات عكس الطعن , مثلا إذا طعن المشهود عليه بأن الشاهد هو ولد المدعي وأنكر المشهود له ذلك فيجب على المشهود عليه إثبات ذلك ولا يقال للمشهود له أن أثبت أن هذا الشاهد ليس بولدك بل هو ولد شخص آخر)(3).
6 - الطعن في الأدلة:
ورد في المادة ( 175 ) من نظام الإجراءات الجزائية أن: للمدعى العام ولسائر الخصوم في أي حالة كانت عليها الدعوى أن يطعنوا بالتزوير في أي دليل من أدلة القضية. وفي المادة ( 176 ) من النظام : يقدم الطعن إلى المحكمة المنظورة أمامها الدعوى ويجب أن يعين فيه الدليل المطعون فيه بالتزوير والمستند على هذا التزوير.
7 - العقوبة المترتبة على الطعن:
__________
(1) - الآداب الشرعية 1/295
(2) - فتاوى الرملي 4/113
(3) - درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 4/451، شرح المادة ( 1724 ).(1/552)
من اعتدى على معصوم وطعنه بسيف، أو سكين ونحو ذلك، يعاقب بحسب ما ينتج عن تلك الطعنة، فإن أدت إلى وفاة المطعون، أو قطع عضو من أعضائه، فالعقوبة القصاص بشروطه، من النفس أو العضو بحسب الحال ؛ وإن لم ينتج عن الطعن موت ولا قطع عضو، فيعاقب الجاني عن الحق العام بما يراه القاضي من عقوبة تعزيرية، بالإضافة إلى إلزامه بدفع أرش الجناية للمجني عليه ؛ هذا بالنسبة للطعن بالضرب. أما الطعن بالسب والتجريح وإظهار المثالب والمعايب، فإن كان بما يوجب حداً كالقذف مثلاً، ففيه الحد، وإن لم يكن موجباً للحد ففيه عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي.
***(1/553)
199 -طلاسم ( راجع مصطلح: سحر )
***(1/554)
200 -ظلم
1 - التعريف:
الظُّلْمُ في اللغة: بالضم: وضْعُ الشيءِ في غير مَوْضِعِه، والمَصدَرُ الحقيقِيُّ: الظَّلْمُ، بالفتح، ظَلَمَ يَظْلِمُ ظَلْماً، بالفتح، فهو ظالِمٌ وظَلومٌ، وظَلَمَهُ حَقَّهُ، وتَظَلَّمَهُ إيَّاهُ. وتَظَلَّمَ: أحالَ الظُّلْمَ على نفسِه، وتَظَلَّمَ منه: شَكا من ظُلْمِه(1).
وفي الاصطلاح: هو التعدي عن الحق إلى الباطل، وهو الجور ؛ وقيل: هو التصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد(2).
قال ابن الجوزي: ( والعرب تقول: هو أظلم من حية، لأنها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه، ويقال: قد ظلم الماء الوادي: إذا وصل منه إلي مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى )(3).
2 - تحريم الظلم:
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( ظلم )
(2) - التعريفات صفحة (186)
(3) - زاد المسير صفحة 55، تفسير الآية ( 35 ) من سورة البقرة.(1/555)
الظلم محرم بالكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب قوله تعالى: { )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً. )إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً } [ النساء 168، 169 ]. وقوله تعالى: { وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) } [هود 113]. ومن السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا... } رواه مسلم(1). وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } رواه البخاري(2). وأجمع الفقهاء على تحريم الظلم. وذكر ابن حجر أن ابن الجوزي قال: الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير حق ، ومبارزة الرب بالمخالفة ، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب; لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا(3).
4 - أنواع الظلم:
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 2577 ).
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 2449 ).
(3) - فتح الباري 5/100(1/556)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وقد جاء عن غير واحد من السلف ؛ وروي مرفوعا: الظلم ثلاثة دواوين: فديوان لا يغفر الله منه شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يعبأ الله به شيئا. فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا: فهو الشرك ; فإن الله لا يغفر أن يشرك به. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا: فهو ظلم العباد بعضهم بعضا; فإن الله لا بد أن ينصف المظلوم من الظالم. وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا: فهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ؛ أي: مغفرة هذا الضرب ممكنة بدون رضى الخلق ; فإن شاء عذب هذا الظالم لنفسه وإن شاء غفر له )(1).
5 - أنواع الظَلَمة:
أنواع الظلمة ثلاثة وهم:
1 - الظالم الأعظم : وهو الذي لا يدخل تحت شريعة الله ، وإياه عنى بقوله : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } { سورة لقمان الآية 13 } .
2 - الظالم الوسط: وهو الذي لا يلتزم حكم السلطان : أي فيما وضعه السلطان من أنظمة لتيسير الحياة ولا يتعارض مع أحكام الشرع.
3 - الظالم الصغير: وهو الذي يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس، ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تعاطي العدل بالطبع وبالخلق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة، فقد انسلخ عن الإنسانية، ومتى كان أهل كل صقع على ذلك فتهارشوا وتغالبوا وأكل قويهم ضعيفهم، ولم يبق فيهم أثر قبول لمن يمنعهم ويصدهم عن الفساد فقد جرت عادة الله سبحانه في أمثالهم هلاكهم واستئصالهم عن آخرهم(2).
5 - معاقبة الظَالم :
__________
(1) - مجموع الفتاوى 18/161- 162
(2) - موسوعة نظرة النعيم 10/4873(1/557)
الظلم مرتع وخيم ، وظلمات يوم القيامة ، وقد توعد الله تعالى الظالمين باللعنة ، وبأشد أنواع العذاب قال تعالى: { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } [الأعراف 41]، وقال تعالى: { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [الأعراف 44] وقال تعالى: { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } [ابراهيم آية 13]. هذا حالهم في الآخرة ، والعياذ بالله من الظلم وأهله ، أما في الدنيا فيجب على ولاة الأمر والقضاة الأخذ على يد الظلمة ومنعهم من الظلم ، وإنزال أقصى العقوبة على من تمادى في الظلم ، وتختلف عقوبة الظالم بحسب المظلمة.
***(1/558)
حرف العين
201 -عِرض
1 - التعريف:
العِرْضُ في اللغة: الحسب ، قال ابن منظور: عِرْضُ الرجلِ حَسَبُه، وقيل نفْسه، وقيل خَلِيقَتُه المحمودة ، وقيل ما يُمْدح به ويُذَمُّ. وفي الحديث: إِن أَعْراضَكم عليكم حَرام كَحُرْمةِ يومكم هذا. قال ابن الأَثير: هو جمع العِرْض المذكور على اختلاف القول فيه؛ قال حسان:
فإِنَّ أَبي ووالِدَه وعِرْضِي لِعِرْض مُحَمَّدٍ مِنْكُم وِقَاءُ
قال ابن الأَثير: هذا خاصّ للنفس. يقال: أَكْرَمْت عنه عِرْضِي أَي صُنْتُ عنه نَفْسي، وفلان نَقِيُّ العِرْض أَي بَرِيءٌ من أَن يُشْتَم أَو يُعابَ، والجمع أَعْراضٌ. وعَرَضَ عِرْضَه يَعْرِضُه واعتَرَضَه إِذا وقع فيه وانتَقَصَه وشَتَمه أَو قاتَلَه أَو ساواه في الحسَب(1).
وفي الاصطلاح : العرض هو موضع المدح والذم في الإنسان، سواء كان متعلقا بالنفس أو الأهل أو النسب.
2 - حماية الشريعة للأعراض:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( عرض )(1/559)
كفلت الشريعة الإسلامية المحافظة على الأنفس والأعراض والأموال، وشرعت لذلك الحدود والقصاص، واتفق الفقهاء على مشروعية الدفاع عن النفس والعرض والمال في حالة الصيال، لقوله تعالى: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [ البقرة 194 ] وقوله صلى الله عليه وسلم: { من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد } (1) وليس على المصول عليه ضمان ما يتلف من النفس أو المال في حالة الدفاع، إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى أخف من ذلك. واتفق الفقهاء على أن الدفاع عن العرض بمعنى البضع واجب، فيأثم الإنسان بتركه، قال الخطيب الشربيني : ( لأنه لا سبيل إلى إباحته، وسواء بضع أهله أو غيره، ومثل البضع مقدماته )(2).
وقال ابن قدامة: ( وإذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتله، فلا قصاص عليه، ولا دية ; لما روي أن عمر رضي الله عنه بينما هو يتغدى يوما، إذ أقبل رجل يعدو، ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم، فجاء حتى قعد مع عمر، فجعل يأكل، وأقبل جماعة من الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته ؛ فقال عمر: ما يقول هؤلاء ؟ قال: ضرب الآخر فخذي امرأته بالسيف، فإن كان بينهما أحد فقد قتله ؛ فقال لهم عمر: ما يقول ؟، قالوا: ضرب بسيفه، فقطع فخذي امرأته، فأصاب وسط الرجل، فقطعه باثنين ؛ فقال عمر: إن عادوا فعد )(3).
3 - عقوبة الجاني على العرض ؟
__________
(1) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4772 ) وسنن الترمذي الحديث رقم (1421) وسنن النسائي الحديث رقم (4027).
(2) - مغني المحتاج 5/528
(3) - المغني 12/535(1/560)
قال ابن القيم: ( المسألة الثالثة: الجناية على العرض, فإن كان حراما في نفسه كالكذب عليه وقذفه وسب والديه فليس له أن يفعل به كما فعل به اتفاقا, وإن سبه في نفسه, أو سخر به, أو هزأ به, أو بال عليه, أو بصق عليه, أو دعا عليه فله أن يفعل به نظير ما فعل به متحريا للعدل, وكذلك إذا كسعه, أو صفعه فله أن يستوفي منه نظير ما فعل به سواء, وهذا أقرب إلى الكتاب والميزان وآثار الصحابة من التعزير المخالف للجناية جنسا ونوعا وقدرا وصفة, وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة على ذلك , فلا عبرة بخلاف من خالفها , ففي صحيح البخاري: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن زينب بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه في شأن عائشة, فأتته فأغلظت, وقالت: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت ابن أبي قحافة, فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة, فسبتها, حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم , فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها, قالت: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال: إنها بنت أبي بكر (1))(2).
قلت: العرض كما مر في تعريفه منه ما يتعلق بالنفس أو الأهل أو النسب، والجناية عليه تكون بحسب نوعها فإن كانت موجبة للحد، فيقام على الجاني الحد، وإن كانت موجبة للأرش أو التعزير، ففيها الأرش أو التعزير، وفي كل الأحوال لا بد من الرجوع إلى القاضي.
***
__________
(1) - القصة في صحيح البخاري برقم ( 2581 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 2442 ).
(2) - إعلام الموقعين 1/304(1/561)
202 -عفو
1 - التعريف:
العَفْوَ في اللغة: له عدة معان، منها:الترك والتجاوز، جاء في لسان العرب:العَفْو هو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقاب عليه، يقال: عَفا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ وعَفُوٌّ. وعَفا عن ذَنْبهِ عَفْواً: صَفَح ، ومنه العفو عن الجاني ، ومنه قبول الدية(1).
وفي الاصطلاح: هو إسقاط الجزاء المترتب على الجريمة كله أو بعضه(2).
2 - حكم العفو:
يختلف حكم العفو باختلاف ما يتعلق به الحق، فإن كان الحق خالصا للعبد فإنه يستحب العفو عنه، وإن كان حقا لله سبحانه وتعالى كالحدود مثلا، فإنه لا يجوز العفو عنه بعد رفع الأمر إلى الحاكم، وإن كان الحق لله تعالى في غير الحدود، فإنه يقبل العفو في الجملة للأسباب التي يعتبرها الشارع مؤدية إلى ذلك تفضلا منه ورحمة ورفعا للحرج(3).
3 - العفو عن القصاص في النفس:
ذهب الفقهاء إلى مشروعية العفو عن القصاص لقول الله تعالى: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة 178] ; ولأن القياس يقتضيه إذ أن القصاص حق، فجاز لمستحقه تركه كسائر الحقوق، ونص بعض الفقهاء على ندب العفو واستحبابه لقوله تعالى: { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [ المائدة 45 ]، وسيأتي مزيد من بيان ذلك في مصطلح : قصاص.
4 - عفو المجني عليه عما دون النفس:
يرى الفقهاء أن المجني عليه إذا قال للجاني: عفوت عن القطع أو الجراحة أو الشجة أو الضربة، أو قال: عفوت عن الجناية، فإن برئ من ذلك صح العفو ; لأن العفو وقع عن ثابت وهو الجراحة أو موجبها وهو الأرش فيصح العفو ولا قصاص ولا دية، كما لو أذن في إتلاف ماله فلا ضمان بإتلافه.
5 - العفو في الحدود:
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( عفا ).
(2) - العفو عن العقوبة، د/ زيد بن عبد الكريم بن زيد، صفحة 31
(3) - الموسوعة الفقهية 30/167(1/562)
اتفق الفقهاء على أن الحد الواجب لحق الله تعالى لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط إذا وصل إلى الحاكم وثبت بالبينة؛ واتفقوا على أن حد الزنا والسرقة من حقوق الله تعالى واختلفوا في حد القذف؛ فالشافعية والحنابلة يرون صحة العفو في حد القذف; لأن الغالب فيه حق العبد فيسقط بالعفو عنه، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم كان إذا أصبح قال: تصدقت بعرضي } (1)، والتصدق بالعرض لا يكون إلا بالعفو عما يجب له ; ولأنه لا خلاف أنه لا يستوفى إلا بمطالبته فكان له العفو كالقصاص.
6 - العفو في التعزير:
قال الماوردي رحمه الله: ( والوجه الثاني: أن الحد وإن لم يجز العفو عنه ولا الشفاعة فيه فيجوز في التعزير العفو عنه وتسوغ الشفاعة فيه، فإن تفرد التعزير بحق السلطنة وحكم التقويم ولم يتعلق به حق لآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب ؛ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء } (2) ؛ ولو تعلق بالتعزير حق لآدمي كالتعزير في الشتم والمواثبة ففيه حق المشتوم والمضروب، وحق السلطنة للتقويم والتهذيب، فلا يجوز لولي الأمر أن يسقط بعفوه حق المشتوم والمضروب، وعليه أن يستوفي له حقه من تعزير الشاتم والضارب، فإن عفا المضروب والمشتوم كان ولي الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل الأصلح من التعزير تقويما والصفح عنه عفوا، فإن تعافوا عن الشتم والضرب قبل الترافع إليه سقط التعزير الآدمي. واختلف في سقوط حق السلطنة عنه والتقويم على الوجهين. أحدهما: وهو قول أبي عبد الله الزبيري أنه يسقط، وليس لولي الأمر أن يعزر فيه; لأن حد القذف أغلظ ويسقط حكمه بالعفو فكان حكم التعزير بالسلطنة أسقط.
__________
(1) - رواه أبو داود برقم ( 4886، 4887 ).
(2) - الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 1432 ) ومسلم برقم ( 2627 ).(1/563)
والوجه الثاني: هو الأظهر أن لولي الأمر أن يعزر فيه مع العفو قبل الترافع إليه كما يجوز أن يعزر فيه مع العفو بعد الترافع إليه مخالفة للعفو عن حد القذف في الموضعين لأن التقويم من حقوق المصلحة العامة)(1).
***
__________
(1) - الأحكام السلطانية صفحة ( 295 )(1/564)
203 -عقوبة
1 - التعريف: -
العقوبة في اللغة: المجازاة على الذنب قال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [ النحل 126 ]. قال الخليل: والعُقوبةُ: اسم المُعاقَبةِ، وهو أنْ يَجزْيَه بعاقبةِ ما فَعَلَ من السُّوء، قال النابغةُ:
ومَنْ عَصَاكَ فَعاقِبْهُ مُعاقَبَةً تَنْهَى الظَّلُومَ ولا تَقَعُدْ على ضَهَدِ
وقال ابن منظور: اعْتَقَبَ الرجلَ خيراً أَو شرّاً بما صَنَع: كافأَه به. والعقابُ والمُعاقَبة أَن تَجْزي الرجلَ بما فَعل سُوءاً؛ والاسمُ العُقُوبة. وعاقَبه بذنبه مُعاقَبة وعِقَاباً: أَخَذَه به. وتَعَقَّبْتُ الرجلَ إِذا أَخَذْتَه بذَنْبٍ كان منه(1).
وفي الاصطلاح: هي الألم الذي يلحق الإنسان مستحقا على الجناية.
وفرق بعضهم بين العقوبة وبين العقاب: بأن ما يلحق الإنسان إن كان في الدنيا يقال له العقوبة، وإن كان في الآخرة يقال له العقاب(2).
2 - أقسام العقوبة:
* أولا: عقوبة الحدود:
الحد عقوبة مقدرة شرعا تجب حقا لله تعالى، وهي معينة محددة لا تقبل التعديل والتغيير، ولكل جريمة حدية عقوبة معلومة، لكنها تختلف حسب اختلاف موجبها من جرائم الحدود، وهذه الجرائم هي: جريمة الزنا، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، وقطع الطريق: (الحرابة) باتفاق الفقهاء، وكذلك الردة، والبغي، مع اختلاف فيهما. وتفصيل عقوبات هذه الحدود ينظر في مصطلحاتها.
* ثانيا: عقوبة القصاص والديات:
عقوبة القصاص ، والديات ، محددة شرعا وتجري في: النفس وما دونها.
وقد بينا تفصيل هذه العقوبات في مصطلحات: ( قصاص، قتل، دية ).
* ثالثا: العقوبات التعزيرية:
__________
(1) - أنظر كتاب العين ، ولسان العرب مادة ( عقب ).
(2) - الموسوعة الفقهية 30/269(1/565)
التعزير عقوبة غير مقدرة، شرعت حقا لله تعالى أو للأفراد ؛ والغرض من مشروعيتها ردع الجاني وزجره وإصلاحه وتأديبه، كما صرح به الفقهاء، وقد شرع التعزير في الجرائم التي لا يكون فيها عقوبة مقدرة، وعدم التقدير في العقوبات التعزيرية لا يعني جواز ومشروعية جميع أنواع العقوبات في التعزير، فهناك عقوبات لا يجوز إيقاعها كعقوبة تعزيرية، مثل: الضرب المتلف، وصفع الوجه، والحرق، والكي، وحلق اللحية وأمثالها ؛ وهناك عقوبات تعزيرية مشروعة يختار منها القاضي ما يراه مناسبا لحالة المجرم تحقيقا لأغراض التعزير من الإصلاح والتأديب، كعقوبة الجلد والحبس والتوبيخ والهجر والتعزير بالمال ونحوها. وقد مضى الكلام مفصلاً عن هذا الجانب في مصطلح: تعزير.
3 - أهداف العقوبة:
إن القصد من إيقاع العقوبة على مرتكب الجريمة يرمي إلى تحقيق عدة أهداف أهمها:
1 - ردع المجرم بحيث ينال جزاء ما اقترف بمخالفته أوامر الشرع ونواهيه.
2 - إرضاء المعتدى عليه أو وليه، وذلك بأن تقوم السلطة بالرد على فعل المجرم بمعاقبته العقوبة الرادعة، مما يشيع الرضا والطمأنينة في نفس المعتدى عليه إن كان حيا وفي نفس وليه وأقاربه إن أدت الجريمة إلى قتله.
3 - تحقيق الاستقرار والأمن الاجتماعيين، وردع المجرمين.
4 - فتح باب الإصلاح أمام الجاني، فالقصد ليس الإيلام لذاته، بل الهدف الرئيسي هو الإصلاح.
5 - تحذير الآخرين من الوقوع في الجريمة، وهذا يكون مجتمعا متماسكا، يحترم القوانين ويراعي الأنظمة(1).
4 - تداخل العقوبات:
المراد بتداخل العقوبات هو دخول العقوبة في عقوبة أخرى بلا زيادة؛ وقد اتفق الفقهاء على أن الحدود إذا اتفقت في الجنس والموجب فإنها تتداخل، فمن زنى مرارا، أو سرق مرارا مثلا، أقيم عليه حد واحد للموجب المتكرر؛ لكنهم اختلفوا في بعض الصور. وقد مضى الكلام مفصلاً عن هذا الجانب في مصطلح: تداخل.
***
__________
(1) - أنظر أحكام الجريمة والعقوبة، د/محمد أبو حسن، صفحة 185(1/566)
حرف الغين
204 -غراء
1 - التعريف:
الغراء: مادة شمعية لاصقة تستخدم لأغراض اللصق المختلفة ومعظم أنواعه تتركب من مواد كيميائية ضارة. ( راجع مصطلح: استنشاق )
205 -غرامة:
1 - التعريف:
الغَرَامَةُ: مصدر غَرِمَ، وهي ما يلتزم الإنسان أداءه من مال. جاء في القاموس: والغَرامَةُ ما يَلْزَمُ أداؤُهُ، كالغُرْمِ، بالضم وكمُكْرَمٍ. وأغْرَمَهُ إيَّاهُ. وغَرَّمْتُهُ. وقد غَرِمَ الدِّيَةِ، كسَمِعَ(1). وفي المصباح المنير: غَرِمْتُ الدية والدين وغير ذلك أغرم من باب تعب أديته غرما ومغرما وغرامة ويتعدى بالتضعيف فيقال غَرَّمْتُهُ وأغرمته بالألف جعلته غارما(2).
وفي الاصطلاح: لا يخرج معنى الغرامة عن أمرين هما:
1- التعزير بأخذ المال. 2 - الضمان.
وبيان هذين المعنيين:
* أولا: التعزير بأخذ المال على وجه التغريم:
يجوز التعزير بأخذ المال على وجه التغريم، ومن أمثلة ذلك في الشريعة الإسلامية، كما ذكر ابن القيم: إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من الثمر والكثر. ومضاعفة الغرم على كاتم الضالة. وأخذ شطر مال مانع الزكاة، عزمة من عزمات الرب تبارك وتعالى. ومثل أمره - عليه الصلاة والسلام - لابس خاتم الذهب بطرحه، فطرحه، فلم يعرض له أحد (3). وقد مضى الكلام على التعزير بأخذ المال في مصطلح : تعزير.
* ثانيا: الضمان:
يطلق الضمان في اللغة على معان: منها الالتزام، تقول: ضمنتُ المال، إذا التزمته، ومنها: الكفالة، ومنها التغريم، تقول: ضمَّنته الشيء تضمينا، إذا غرَّمته، فالتزمه(4).
أما في اصطلاح الفقهاء فيطلق على المعاني التالية:
أ - يطلق على كفالة النفس وكفالة المال عند جمهور الفقهاء من غير الحنفية، وعنونوا للكفالة بالضمان.
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( غرم )
(2) - المصباح المنير مادة (غرم).
(3) - أنظر الطرق الحكمية 225 - 226
(4) - أنظر: مادة ( ضمن ) في لسان العرب، وفي مختار الصحاح.(1/567)
ب - غرامة المتلفات والغصوب والتعييبات والتغييرات الطارئة.
ج - ضمان المال، والتزامه بعقد وبغير عقد.
د - ما يجب بإلزام الشارع، بسبب الاعتداءات: كالديات ضمانا للأنفس، والأروش ضمانا لما دونها.
2 - مشروعية التغريم بالضمان :
شرع الضمان، حفظا للحقوق، ورعاية للعهود، وجبرا للأضرار، وزجرا للجناة، وحدا للاعتداء، في نصوص كثيرة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وفعل الصحابة رضي الله عنهم. قال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [ النحل 126 ]. وفي حديث البراء بن عازب أنه كانت له ناقة ضارية، فدخلت حائطا فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وإن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وإن ما أصابت الماشية بالليل فهو على أهلها(1). وعن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من أوقف دابة في سبيل من سبل المسلمين، أو في سوق من أسواقهم، فأوطأت بيد أو رجل فهو ضامن } رواه البيهقي(2).
وقد مر بنا ذكر طرفا مما قام به بعض الصحابة، كعمر، وعلي، رضي الله عنهما، من إتلاف بعض الممتلكات على وجه التغريم.
3 - استبدال الغرامة بالحبس:
يجوز أن تستبدل الغرامة بالحبس التعويضي بشروط وقيود حددها ( نظام استبدال الغرامة بالحبس)الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (128) في 25/4/1380هـ، المصادق عليه بالمرسوم الملكي رقم (22 )وتاريخ 26/5/1380هـ ومن هذه الضوابط:
1 - لا يجوز في تنفيذ الأحكام أن يستبدل الحبس بالغرامة. ويجوز أن تستبدل الغرامة بالحبس بالشروط والقيود التي يبينها النظام. ويسمي الحبس الذي يعوض عن الغرامة بالحبس التعويضي. ( م/1 )
__________
(1) - الحديث في مسند الإمام أحمد برقم ( 23179 ) وفي سنن أبي داود برقم ( 3570 ).
(2) - سنن البيهقي الكبرى ج 8 ص 344 الحديث رقم (17471 )(1/568)
2 - يصدر قرار استبدال الغرامة بالحبس التعويضي من وزير الداخلية إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك بشرط أن يثبت شرعا إعسار المحكوم عليه بالغرامة.
3 - يكون استبدال الغرامة بالحبس بواقع عشرة ريالات لليوم الواحد من أيام الحبس المحكوم به علي ألا تزيد مدة الحبس في مجموعها علي سنة واحدة بالنسبة للغرامة الواحدة يسقط بعدها التزام المحكوم عليه بدفع مبلغ متبق من تلك الغرامة.
4 - وإذا دفع المحكوم عليه المحبوس حبسا تعويضيا مبلغ الغرامة بعد حسم ما يعادل الأيام التي قضاها في الحبس وجب إطلاق سراحه. (م/2)
5 - إذا تعددت الغرامات المحكوم بها على الشخص في مدة سنة واحدة فيمكن استبدال أكبرها مبلغا فقط، طبقا لأحكام النظام ويلزم المحكوم عليه بدفع بقية الغرامات، علي أنه إذا كانت أكبرها تقل عن المبلغ الذي يوفيه الحبس التعويضي لمدة سنة يجوز أن تجتمع إليها غرامة أو أكثر من تلك الغرامات حتى يبلغ الحبس التعويضي سنة واحدة وكل غرامة دخلت كلها أو بعضها في مدة الحبس التعويضي تسقط عن المحكوم عليه أما باقي الغرامات فيلزم بدفعها. ( م/4 )
***(1/569)
206 -غسل الأموال
1 - التعريف:
الغَسْلُ في اللغة: المصدر من غَسَل، وغسل الشيء تنظيفه، وغُسالةُ كل شيء: ماؤُه الذي يُغْسَل به(1). والمالُ: معروف ما مَلَكْتَه من جميع الأَشياء(2).
و غسل الأموال هو : أي نشاط يتم بمقتضاه إدخال أرباح متولدة عن التجارة في الأموال المحرمة في النظام المصرفي المالي بشكل مشروع بحيث يصعب التعرف على المصادر الأصلية.
وقد ورد تعريفه في المادة الأولى من نظام مكافحة غسل الأموال(3): بأنه ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافا للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر.
كما ورد تعريف الأموال: بأنها الأصول أو الممتلكات أيا كان نوعها مادية كانت أو معنوية ، منقولة أو ثابتة ، والمستندات القانونية والصكوك التي تثبت تملك الأصول أو أي حق متعلق بها.
2 - الأعمال التي يعد فعلها من جرائم غسل الأموال:
ورد في المادتين الثانية والثالثة من نظام مكافحة غسل الأموال بيان لبعض الأفعال التي يعد فاعلها مرتكباً لجريمة غسل أموال على النحو التالي:
1 - يعد مرتكباً جريمة غسل الأموال كل من فعل أياً من الأفعال الآتية:
أ - إجراء أي عملية لأموال أو متحصلات ، مع علمه بأنها ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع أو غير نظامي.
ب - نقل أموال أو متحصلات ، أو اكتسابها أو استخدامها أو حفظها أو تلقيها أو تحويلها ، مع علمه بأنها ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع أو غير نظامي.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( غسل ).
(2) - لسان العرب مادة ( مول ).
(3) - صدر نظام مكافحة غسل الأموال بقرار مجلس الوزراء رقم (167) وتاريخ20 /6/1424هـ المصادق عليه بالمرسوم ملكي رقم ( م/39) وتاريخ 25/6/1424هـ.(1/570)
ج - إخفاء أو تمويه طبيعة الأموال أو المتحصلات ، أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها ، مع علمه بأنها ناتجة من نشاط إجرامي أو مصدر غير مشروع أو غير نظامي.
د - تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية.
هـ - الاشتراك بطريق الاتفاق أو المساعدة أو التحريض أو تقديم المشورة أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو الشروع في ارتكاب أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في هذه المادة. ( م/2 )
2 - يعد مرتكباً جريمة غسل الأموال كل من فعل أياً من الأفعال الواردة في (المادة الثانية) من هذا النظام أو اشترك فيه ، من رؤساء مجالس إدارات المؤسسات المالية وغير المالية أو أعضائها أو أصحابها أو موظفيها أو ممثليها المفوضين أو مدققي حساباتها أو مستخدميها ممن يتصرفون بمقتضى هذه الصفات ، مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية للمؤسسات المالية وغير المالية عن تلك الجريمة إذا ارتكب باسمها أو لحسابها. ( م/3 ).
3 - موقف الشريعة من غسل الأموال:
القاعدة الشرعية أن الشيء المحرم يحرم ثمنه والمتاجرة فيه بأي وجه من الوجوه، فعلى سبيل المثال تحريم الميتة، يترتب عليه تحريم ثمنها، والمتاجرة فيها، وكذلك الحال بالنسبة للخمر، والكلب، أو المخدرات.
روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عام الفتح وهو بمكة : ( ثم إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس، فقال: لا هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه)(1).
__________
(1) - رواه البخاري الحديث رقم ( 2236 ) ومسلم الحديث رقم ( 1581 )..(1/571)
والمتأمل في جرائم غسل الأموال يجد أنها ناتجة عن المتاجرة في أشياء محرمة مثل تجارة المخدرات والدعارة والقمار وتجارة السلاح غير الشرعية وتجارة الأعضاء البشرية وتجارة الأطفال وغيرها من النشاطات غير المشروعة(1).
وعلى هذا فإن الشريعة الإسلامية تحرم جميع الأنشطة والأموال المتولدة عن طريق غسل الأموال بجميع صورها.
4 - أساليب المتبعة في جريمة غسل الأموال:
أولا - الأساليب التقليدية:- وهي الأساليب الشائعة أو المألوفة في غسل الأموال ؛ ففي مجال المصارف مثلا درج غاسلو الأموال على التواطؤ مع موظفي أو إدارات المصارف، وغالبا ما يتم ذلك من خلال استعمال أساليب الفساد والإفساد من أجل تمرير المعاملات الخاصة بإيداع أو تحويل المبالغ الكبيرة دون تعبئة نموذج التبليغ أو من خلال تجزئتها إلى مبالغ صغيرة تفاديا لذلك الإجراء، أيضا فقد درج غاسلو الأموال على القيام بخلط الأموال القذرة والمراد غسلها مع أموال شركات أو مؤسسات الواجهة التي يقومون بتكوينها خصيصا لهذا الغرض. وهناك أيضا أسلوب شراء الموجودات والأدوات النقدية، حيث يقوم الغاسلون بشراء السيارات، والطائرات، والقوارب، والعقارات، والمعادن الثمينة، واللوحات الفنية لمشاهير الرسامين ؛ أو شراء الأدوات النقدية، كالشيكات النقدية والسياحية، وأوامر الدفع. ومن أكثر الوسائل المفضلة لدى غاسلي الأموال شراء الأوراق التجارية، خاصة شهادات الإيداع، وذلك لسهولة شرائها.
ومن أكثر أساليب الغسل التقليدية تهريب العملة من بلد إلى آخر.
__________
(1) - أنظر مقال بعنوان (الفساد والاقتصاد الأسود وغسيل الأموال ) للكاتب/ أحمد صالح العثيم، نشر في جريدة الوطن العدد ( 497 ) ليوم الجمعة 25/11/1422هـ(1/572)
ثانيا: الأساليب التجارية: يستخدم غاسلو الأموال التجارة بين الدول كوسيلة من وسائل غسل الأموال، وذلك بطرق مختلفة تتم عن طريق تسليم السيولة النقدية غير المشروعة لأحد سماسرة الاستثمار الذي يقوم بدوره بتسليم هذه النقود لإحدى الشركات العاملة في مجال الاستيراد والتصدير، ومن ثم شراء سلع تجزئة سهلة التسويق وعليها طلب متزايد، مثل أجهزة التليفزيونات، والكاميرات، ونحوها، ثم تصدر هذه إلى الخارج وتباع عن طريق التجزئة، وإيداع المبالغ العائدة من بيعها لدى المصارف الأجنبية ويتم تحويلها لتعود مرة أخرى بوصفها مبالغ عائدة من عمليات بيع مشروعة(1).
5 - المحكمة المختصة بنظر قضايا غسل الأموال:
بينت المادة السادسة والعشرون من نظام مكافحة غسل الأموال أن المحاكم العامة تختص بالفصل في جميع جرائم قضايا غسل الأموال المنصوص عليها في النظام. وبينت المادة السابعة والعشرون أن هيئة التحقيق والإدعاء العام تتولى التحقيق والإدعاء أمام المحاكم العامة في الجرائم المنصوص عليها في النظام.
6 - عقوبة جريمة غسل الأموال:
إذا ثبت جريمة غسل الأموال فإن المتورط فيها تطبق عليه العقوبات الواردة في المواد من ( 16 إلى 21 ) من نظام مكافحة غسل الأموال ، على النحو التالي:
__________
(1) - باختصار من كتاب ( جريمة غسل الأموال ) لأحمد بن محمد العمري، الصفحات ( 283 - 288 ).(1/573)
1 - يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة (الثانية) من هذا النظام بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة مالية لا تزيد عن خمسة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، مع مصادرة الأموال والمتحصلات والوسائط محل الجريمة. وإذا اختلطت الأموال والمتحصلات بأموال اكتسبت من مصادر مشروعة كانت هذه الأموال خاضعة للمصادرة في حدود ما يعادل القيمة المقدرة لمتحصلات غير المشروعة. وللمحكمة المختصة أن تعفي من هذه العقوبات مالك الأموال أو المتحصلات موضوع التجريم أو حائزها أو مستخدمها إذا أبلغ السلطات - قبل علمها - بمصادر الأموال أو المتحصلات وهوية المشتركين ، دون أن يستفيد من عائداتها. ( م/16 ).
2 - تكون عقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة وغرامة مالية لا تزيد على سبعة ملايين ريال إذا اقترنت جريمة غسل الأموال بأي من الحالات الآتية:
أ - إذا ارتكب الجاني الجريمة من خلال عصابة منظمة.
ب - استخدام الجاني للعنف أو الأسلحة.
ج - شغل الجاني وظيفة عامة واتصال الجريمة بهذه الوظيفة ، أو ارتكابه الجريمة مستغلا سلطاته أو نفوذه.
د - التغرير بالنساء أو القصر واستغلالهم.
هـ - ارتكاب الجريمة من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو في مرفق خدمة اجتماعية.
و - صدور أحكام محلية أو أجنبية سابقة بالإدانة بحق الجاني ، وبوجه خاص في جرائم مماثلة. ( م/17 ).(1/574)
3 - دون الإخلال بالأنظمة الأخرى يعاقب بالسجن - مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة مالية لا تزيد على خمسمائة ألف ريال ، أو بإحدى هاتين العقوبتين - كل من أخل من رؤساء مجالس إدارات المؤسسات المالية وغير المالية أو أعضائها أو أصحابها أو مديريها أو موظفيها أو ممثليها المفوضين عنها أو مستخدميها ممن يتصرفون بمقتضى هذه الصفات بأي من الالتزامات الواردة في المواد (الرابعة ، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة، والتاسعة، والعاشرة) من هذا النظام، ويسري تطبيق العقوبة على من يزاول النشاط دون الحصول على التراخيص اللازمة. ( م/18)
4 - يجوز بحكم بناء على ما ترفعه الجهة المختصة أن توقع على المؤسسات المالية وغير المالية التي تثبت مسؤوليتها وفقا لأحكام المادتين (الثانية) و(الثالثة) من هذا النظام غرامة مالية لا تقل عن مائة ألف ريال ولا تزيد على ما يعادل قيمة الأموال محل الجريمة. ( م/19).
5 - فيما عدا العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام يعاقب كل من يخالف أحكامه بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال ، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ( م/20).
6 - لا تطبق العقوبات الواردة في هذا النظام بحق من وقع في مخالفته بحسن نية. ( م/21).
***(1/575)
207 -غصب ( راجع مصطلح : سرقة )
208 -غيلة
1 - التعريف:
الغِيلَةُ في اللغة لها معان منها: الخَدِيعَة ؛ يقال: قُتِلَ فُلانٌ غيلة، أي: خُدْعة، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع، فإذا صار إليه قتله. والغيلة في كلام العرب: إيصال الشر والقتل إليه من حيث لا يعلم ولا يشعر(1).
وفي الاصطلاح: الغيلة: هي القتل على غرة كالذي يخدع إنسانا فيدخله بيتا أو نحوه، فيقتله(2).
2 - الأحكام المتعلقة بقتل الغيلة:
لا خلاف في تحريم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا خلاف في تحريم الغدر والخداع الذي يفضي إلى أمر محرم ، والقتل غيلة من أقبح الفعال وأشنعها ؛ لأنه يجمع بين الأمرين المحرمين الغدر والقتل ، وجريمة الغيلة من جرائم الحرابة التي يقتل مرتكبها حداً ، ولا يدخلها الصلح ولا القصاص ، كما سيتبين من الفقرات التالية.
3 - العفو عن القاتل غيلة:
يرى فقهاء المالكية أنه لو عفا ولي المقتول غيلة عن القاتل، فإن عفوه لا يسقط عقوبة القتل ; لأن الحق ليس له، وإنما لله سبحانه وتعالى، ويعتبرون القتل غيلة حرابة في حالة ما إذا كان القاتل ظاهرا على وجه يتعذر معه الغوث.
جاء في المدونة: ( قلت: أرأيت إن قتل رجل وليا لي قتل غيلة فصالحته على الدية، أيجوز هذا في قول مالك ؟ قال: لا يجوز فيه الصلح في رأيي، إنما ذلك إلى السلطان ليس لك هاهنا شيء وترد ما أخذت منه، ويحكم عليه السلطان بحكم المحارب فيقتله السلطان بضرب عنقه أو بصلبه إن أحب حيا فيقتله مصلوبا )(3).
__________
(1) - أنظر كتاب العين نادة ( غول ).
(2) - مطالب أولي النهي 6/32
(3) - المدونة 4/653(1/576)
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: ( وأما إذا كان يقتل النفوس سرا لأخذ المال ; مثل الذي يجلس في خان يكريه لأبناء السبيل فإذا انفرد بقوم منهم قتلهم وأخذ أموالهم ؛ أو يدعو إلى منزله من يستأجره لخياطة أو طب أو نحو ذلك فيقتله ويأخذ ماله وهذا يسمى القتل غيلة، ويسميهم بعض العامة المعرجين، فإذا كان لأخذ المال فهل هم كالمحاربين أو يجري عليهم حكم القود ؟ فيه قولان للفقهاء. أحدهما: أنهم كالمحاربين لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة كلاهما لا يمكن الاحتراز منه ; بل قد يكون ضرر هذا أشد ; لأنه لا يدرى به. والثاني: أن المحارب هو المجاهر بالقتال ; وإن هذا المغتال يكون أمره إلى ولي الدم ؛ والأول أشبه بأصول الشريعة ; بل قد يكون ضرر هذا أشد، لأنه لا يدرى به)(1).
ويرى جمهور الفقهاء أن قتل الغيلة كغيره، يجوز فيه القصاص والعفو وفي ذلك يقول ابن قدامة: ( وقتل الغيلة وغيره سواء في القصاص والعفو، وذلك للولي دون السلطان ؛ وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وابن المنذر.
وقال مالك: الأمر عندنا أن يقتل به، وليس لولي الدم أن يعفو عنه، وذلك إلى السلطان. والغيلة عنده، أن يخدع الإنسان، فيدخل بيتا أو نحوه، فيقتل أو يؤخذ ماله؛ ولعله يحتج بقول عمر، في الذي قتل غيلة: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم؛ به وبقياسه على المحارب. ولنا عموم قوله تعالى: { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً } [الإسراء 33] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: { فأهله بين خيرتين } ؛ ولأنه قتيل في غير المحاربة، فكان أمره إلى وليه، كسائر القتلى ، وقول عمر: لأقدتهم به، أي أمكنت الولي من استيفاء القود منهم)(2).
4 - قرار هيئة كبار العلماء رقم 38 وتاريخ 11/8 /1395هـ بشأن قتل الغيلة:
الحمد لله وحده. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد ,
__________
(1) - مجموع الفتاوى 28/316
(2) - المغني 11/460(1/577)
فبناء على ما تقرر في الدورة ( السادسة ) لهيئة كبار العلماء. بأن تعد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في الغيلة وقد أعدته وأدرج في جدول أعمال الهيئة في الدورة السابعة المنعقدة في الطائف من 2/8/1395هـ إلى11/8/1395هـ وقد عرض البحث على الهيئة وبعد قراءته في المجلس ومناقشة المجلس لكلام أهل العلم في تعريف الغيلة في اللغة وعند الفقهاء , وما ذكر من المذاهب والأدلة والمناقشة في عقوبة القاتل قتل غيلة هل هو القصاص أو الحد. وتداول الرأي , وحيث أن أهل العلم ذكروا أن قتل الغيلة ما كان عمدا عدوانا على وجه الحيلة والخداع أو على وجه يأمن معه المقتول من غائلة القاتل سواء كان على مال أو لانتهاك عرض أو خوف فضيحة وإفشاء سرها أو نحو ذلك , كأن يخدع إنسان شخصا حتى يأمن منه ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد, ثم يقتله , وكأن يأخذ مال رجل بالقهر ثم يقتله خوفا من أن يطالبه بما أخذ , وكأن يقتله لأخذ زوجته أو ابنته , وكأن تقتل الزوجة زوجها في مخدعه أو منامه - مثلا - للتخلص منه , أو العكس ونحو ذلك. لذا قرر المجلس بالإجماع ما عدا الشيخ/ صالح بن غصون(1) أن القاتل قتل غيلة يقتل حدا لا قصاصا فلا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد, والأصل في ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى.
__________
(1) - وجهة نظره - رحمه الله - تتلخص في أنه يرى أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدا، لكنه يستثني القتل الناتج عن العداوة أو خصومة أو ثأر، فلا يعتبره قتل غيلة. أنظر نص القرار ، ووجهة نظر الشيخ في مجلة البحوث الإسلامية 28/47-50 )(1/578)
أما الكتاب فقوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا } [ المائدة 33 ]، وقتل الغيلة نوع من الحرابة فوجب قتله حدا لا قودا وأما السنة فما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها أو حلي فأخذ وأعترف , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين. فأمر صلى الله عليه وسلم بقتل اليهودي ولم يرد الأمر إلى أولياء الجارية , ولو كان القتل قصاصا لرد الأمر إليهم لأنهم أهل الحق فدل أن قتله حدا لا قودا. وأما الأثر فما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة , وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا فهذا حكم الخليفة الراشد في قتل الغيلة ولا نعلم نقلا يدل على أنه رد الأمر إلى الأولياء ولو كان الحق لهم لرد الأمر إليهم على أنه يقتل حدا لا قودا. وأما المعنى , فإن قتل الغيلة حق لله , وكل حق يتعلق به حق الله تعالى فلا عفو فيه لأحد كالزكاة وغيرها , ولأنه يتعذر الاحتراز منه كالقتل مكابرة وبالله التوفيق , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
***(1/579)
حرف الفاء
209 -فاحشة:
1 - التعريف:
الفاحِشَةُ في اللغة: القبيحُ من القول والفعل، وجمعها الفَواحِشُ ؛ والفاحِشةُ الزِّنَى، وما يَشْتَدُّ قُبْحُهُ من الذُّنوبِ، وكلُّ ما نَهَى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عنه(1). وتطلق الفاحشة على معان كثيرة منها: الزنا واللواط.
وفي الاصطلاح: لا يخرج معنى الفاحشة عند الفقهاء عن معناها في اللغة.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ( وأصل الفحش القبح والخروج عن الحد والمقدار في كل شيء ومنه قيل للطويل المفرط الطول إنه لفاحش الطول يراد به قبيح الطول خارج عن المقدار المستحسن ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد كلام فاحش وقيل للمتكلم به أفحش في كلامه إذا نطق بفحش)(2).
وقال الجرجاني رحمه الله: ( الفحشاء: هو ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم )(3).
2 - تحريم الفواحش:
__________
(1) - أنظر مصطلح ( فحش ) في لقاموس المحيط ولسان العرب.
(2) - تفسير الطبري 4/ 95
(3) - التعريفات صفحة ( 212 ).(1/580)
حرمت الشريعة الإسلامية جميع الفواحش الظاهرة والباطنة ، قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [الأعراف 33 ] ، ولم تكتف الشريعة المطهرة بمجرد تحريم الفواحش بل نهت عن الاقتراب منها، قال تعالى: { وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأنعام 151]. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفحش ليس من صفات المسلم وذلك في ما رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء )(1). وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان الفحش في شيء إلا شانه وما كان الحياء في شيء إلا زانه )(2).
3 - عقوبة الفواحش:
العقوبة المترتبة في الدنيا على ارتكاب الفواحش تختلف باختلاف الفاحشة المرتكبة فإن كان في ارتكاب الفاحشة عقوبة مقدرة شرعا كحد أو قصاص فيعاقب مرتكبها بموجبها، وإن كانت الفاحشة المرتكبة ليس فيها عقوبة مقدرة شرعا فيعزر مرتكبها بما يرى القاضي أنه مناسب.
***
__________
(1) - سنن الترمذي الحديث رقم ( 1977 )
(2) - رواه الإمام أحم في المسند الحديث رقم ( 12712 ) والترمذي الحديث رقم (1974 ).(1/581)
210 -فتاة
1 - التعريف:
الفتاة في اللغة: مؤنث الفتى، وتطلق الفتوة على سن الشباب، جاء في لسان: ويقال للجارية الحدثة فَتاة وللغلام فَتىً، وتصغير الفَتاة فُتَيَّةٌ، والفتى فُتَيٌّ والفتاة، جمعها فتيات؛ والفتى جمعه، فتية وفتيان(1).
وفي الاصطلاح: الفتاة الشابة، ويعبر الفقهاء أحيانا عنها بالجارية.
وفي النظام: الفتاة هي الأنثى التي لا يزيد عمرها عن ثلاثين عاما.
وقد ورد في المادة الثانية من لائحة مؤسسة رعاية الفتيات النص التالي: ( يلحق بهذه المؤسسة الفتيات اللاتي لا تزيد أعمارهن عن ثلاثين سنة ممن يصدر بحقهن أمر بالتوقيف أو الحبس على أن يراعى بالنسبة لمن دون الخامسة عشرة أن يمضين فترة التوقيف أو الحبس في قسم خاص من داخل المؤسسة ).
وجاء في قرار مجلس الوزراء رقم 25 وتاريخ 26/1/1421هـ النص التالي: ( أولا: الموافقة على الإجراءات المتعلقة بقضايا الأحداث الذين لا تقل أعمارهم عن سبع سنوات ولا تتجاوز ثماني عشرة سنة، والفتيات اللاتي لا تزيد أعمارهن على الثلاثين عند الحاجة لإيقافهم...).
2 - التحقيق مع الفتيات وتوقيفهن:
وردت في لائحة مؤسسة رعاية الفتيات الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 23008 /ج وتاريخ 2/8/1395هـ بعض الضوابط المتعلقة بالتحقيق مع الفتيات على النحو التالي:
1 - يلحق بالمؤسسة الفتيات اللاتي لاتزيد أعمارهن عن ثلاثين سنة ممن يصدر بحقهن أمر بالتوقيف أو الحبس على أن يراعى بالنسبة لمن دون الخامسة عشرة أن يمضين فترة التوقيف أو الحبس في قسم خاص من داخل المؤسسة. ( م/2 )
2 - يتم تسليم الفتاة للمؤسسة بعد القبض عليها مباشرة وبعد إعداد محضر الضبط ويجب أن يتم التحقيق معها داخل المؤسسة. ( م/3 ).
3 - يتم حجز الفتيات الموقوفات رهن التحقيق أو المحاكمة في مكان منفصل عن الفتيات اللاتي صدرت ضدهن أحكام بالإدانة. ( م/5 )
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( فتا )(1/582)
4 - يتم تنفيذ العقوبات التي يصدرها المحاكم بحق الفتيات المنوه عنهن في المادة الثانية داخل المؤسسة. ( م/7 ).
3 - التحقيق مع الفتيات في المناطق التي لا يوجد بها مؤسسات لرعاية الفتيات:
صدر بشأن التحقيق مع الفتيات قرار مجلس الوزراء رقم ( 25 ) وتاريخ 26/1/1421هـ وسبق ذكر نصه بالكامل في مصطلح (أحداث) فيرجع إليه.
***(1/583)
211 -فتنة
1 - التعريف:
الفِتْنة في اللغة: الابتلاء والامْتِحانُ والاختبار، وأَصلها مأْخوذ من قولك فتَنْتُ الفضة والذهب إِذا أَذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيِّدِ(1).
وفي الاصطلاح: عرفها المنَّاوي: بأنها المحنة وكل ما يشق على الإنسان وكل ما يبتلي الله به عباده فتنة(2).
وعرفها الجرجاني : بأنها ما يُبيَّن به حال الإنسان من الخير والشر(3).
وقال الأصفهاني: ( والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد كالبلية والمصيبة ، والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة ، ومتى كان من الله يكون على وجه الحكمة ، ومتى كان من الإنسان يكون بضد ذلك ، ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة في كل مكان نحو قوله: { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } [البقرة191] { فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ } [البروج10] { مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } [الصافات 162])(4).
2 - أنواع الفتن:
قال ابن القيم رحمه الله: ( والفتنة نوعان: فتنة الشبهات. وهى أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( فتن ) صفحة ( 624 ).
(2) - فيض القدير 4/461
(3) - التعريفات صفحة ( 212 ).
(4) - مفردات القرآن مادة ( فتن ).(1/584)
ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيىء القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ } [النجم: 23]. وقد أخبر الله سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله، فقال: { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } [ص: 26]. وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهى فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع ، على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال. ولا ينُجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في دِقِّ الدين وجِلِّه، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام. وما يثبته الله من الصفات والأفعال، والأسماء، وما ينفيه عنه، كما يتلقى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها، ومقادير نُصبُ الزكاة ومستحقيها، ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة، وصوم رمضان، فلا يجعله رسولا في شيء دون شيء من أمور الدين، بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل، لا يتلقى إلا عنه، ولا يؤخذ إلا منه، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وكل ما خرج عنها فهو ضلال، فإذا عقد قلبه على ذلك وأعرض عما سواه، ووزنه بما جاء به الرسول، فإن وافقه قبله، لا لكون ذلك القائل قاله، بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه رده، ولو قاله من قاله، فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات، وإن(1/585)
فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه. وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة، وفساد في الإرادة.
وأما النوع الثاني من الفتنة. ففتنة الشهوات. وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: { كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ } [التوبة: 69]. أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر، ثم قال وخضتم كالذي خاضوا فهذا الخوض بالباطل ، وهو الشبهات. فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان، من الاستمتاع بالخلاق ، والخوض بالباطل ، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به ، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق الأعمال. فالأول فساد من جهة الشبهات ، والثاني من جهة الشهوات. ولهذا كان السلف يقولون " إحذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه ". وكانوا يقولون : احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون. وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة.(1/586)
ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة : 24]. فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وجمع بينهما أيضاً في قوله: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر: 3]. فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات. وجمع بينهما في قوله: { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ } [ص: 45]. فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله، والأبصار: البصائر في أمر الله )(1).
3 - التحذير من الفتن:
تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على التحذير من الفتن والأمر بتجنبها واعتزالها وعدم الخوض فيها , فمن ذلك قوله تعالى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [ الأنفال 25 ] ، وما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : { اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر , وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال , وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات , اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم } . قال ابن دقيق العيد : فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات , وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت (2).
__________
(1) - إغاثة اللهفان 1/625
(2) - الموسوعة الفقهية 32/19(1/587)
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه باباً تحت عنوان ( باب من الدين الفرار من الفتن ) ، ثم أورد تحته حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن )(1). وأخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: { لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض } (2).
__________
(1) - صحيح البخاري الحديث رقم (19 ).
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم (1036 ).(1/588)
وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ؛ فهل بعد هذا الخير شر ؟ قال: نعم ، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن ، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال: نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت : يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك ؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك(1). وفي صحيح مسلم عن أبي بكرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ) قال: فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟ قال: ( يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء ، اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت ) ، قال : فقال رجل يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجئ سهم فيقتلني ؛ قال: ( يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار )(2).
__________
(1) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 3606 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1847 ).
(2) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 2887 ).(1/589)
قال الماوردي - رحمه الله - ( فأما الفتنة في الأغلب فتحيط بصاحبها , وتنعكس عن البادئ بها , فلا تنكشف إلا وهو بها مصروع كما قال الله تعالى: { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } [ فاطر 43]. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { الفتنة نائمة فمن أيقظها صار طعاما لها } (1). وقال جعفر بن محمد: الفتنة حصاد للظالمين. وقال بعض الحكماء: صاحب الفتنة أقرب شيء أجلا وأسوأ شيء عملا. وقال بعض الشعراء :
وكنتَ كعنز السَّوْء قامتْ لحتفها إلى مدية تحت الثرى تَستثيرُها) (2).
4 - عقوبة من يثير الفتن:
__________
(1) - قال العجلوني حديث : ( الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ، قال النجم رواه الرافعي في أماليه عن أنس ، وعند نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن ابن عمر بلفظ أن الفتنة راتعة في بلاد الله تطأ في خطامها لا يحل لأحد أن يوقظها ويل لمن أخذ بخطامها ). كشف الخفاء ج2/ص108.
(2) - أدب الدنيا والدين صفحة ( 455 )(1/590)
الفتان الذي يثير الفتن يُعزَّر تعزيراً بليغاً بحسب ما أثاره من فتنة ، وما نتج عنها من قولٍ أو فعل ، وقد عزر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نصر بن حجاج بنفيه من المدينة إلى البصرة عندما علم أنه فتن النساء بجماله ؛ وعزَّر صبيغاً عندما سأل عن الذاريات والنازعات ونظائرها من القرآن وبان لعمر فيه الزيغ فضربه حتى أدبر ظهره وكان من أهل البصرة وكتب إلى أميرهم وإليهم أن لا تجالسوه(1). وكذلك فعل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مع ابن الكوَّاء(2). فإذا كان الأمر كذلك فكيف بمن يفتن الناس في دينهم ، وفي معتقداتهم ، ويثير الشبه بينهم ويفرق صفوفهم ويشتت كلمتهم ، ويكفِّر العلماء ، وولاة الأمر ورجال الأمن ، ويؤول النصوص الشرعية لتخدم هواه ؛ إنه بحق يستحق عقوبة رادعة تكبح جماحه وتقطع شره عن المجتمع.
وقد نصت (المادة الثانية عشرة )من النظام الأساسي للحكم على أن : تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام.
وحظرت المادة (التاسعة والثلاثون) من ذات النظام كل ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام بالنص التالي: ( تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه وتبين الأنظمة كيفية ذلك ).
***
__________
(1) - أنظر : معين الحكام / الطرابلسي صفحة ( 195 ) ، الطرق الحكمية/ لابن القيم صفحة ( 17 ).
(2) - أنظر قصة علي - رضي الله عنه - مع ابن الكواء في أحكام القران لابن العربي 3/244.(1/591)
212 -فجور
1 - التعريف:
الفجور في اللغة الانبعاث في المعاصي، وفي لسان العرب: فَجَرَ الإِنسانُ يَفْجُرُ فَجْراً وفُجوراً: انْبَعَثَ في المعاصي(1). وقال ابن فارس: الفاء والجيم والراء أصلٌ واحدٌ، وهو التفتح في الشيء... ومنه: انفجَرَ الماءُ انفجارًا: تفتَّحَ،... ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح في المعاصي فُجورًا ولذلك سمِّي الكَذِب فجورًا، ثم كثُر هذا حتَّى سمّي كلُّ مائلٍ عن الحقّ فاجراً(2).
وفي الاصطلاح: عرف الجرجاني الفجور بأنه: هيئة حاصلة للنفس بها يباشر أموراً على خلاف الشرع والمروءة(3).
وعرفه الجاحظ بأنه: (الانهماك في الشهوات، والاستكثار منها، والتوفر على اللذات والإدمان عليها، وارتكاب الفواحش، والمجاهرة بها، وبالجملة هو السرف في جميع الشهوات)(4).
2 - تحريم الفجور:
الفجور بكل أنواعه من كفر ومعاصي وعدول عن الحق من الكبائر، وهو من صفات المنافقين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) . متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو(5).
وقد توعد الله تعالى الفجار بالجحيم فقال تعالى: { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ. وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } [ الانفطار13، 14 ]. وقال تعالى : { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ. كِتَابٌ مَرْقُومٌ } [المطففين 7، 9 ].
3 - عقوبة الفجور:
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( فجر )
(2) - لقاموس المحيط مادة ( فجر )
(3) - التعريفات صفحة ( 212 ).
(4) - تهذيب الأخلاق صفحة ( 28 ).
(5) - رواه البخاري برقم ( 38 ) ومسلم برقم ( 58 ).(1/592)
من وقع في الفجور وجبت معاقبته بحسب نوع الجريمة التي ارتكبها، فإن كانت الجريمة موجبة للحد أو القصاص عوقب بما وجب من عقاب، وإن كانت لا توجب حدا ولا قصاصاً، عاقبه القاضي بما يراه زاجرا له عن الانهماك في المعاصي.
***(1/593)
213 -فذلكة
1 - التعريف:
الفذلكة: مصدر فذلك، وهو خلاصة الشيء، قال الفيروزآبادي: فَذْلَكَ حِسابَهُ: أنهاهُ وفَرَغَ منه، مُخْتَرَعَةٌ من قولِهِ إذا أجْمَلَ حِسابَهُ: فَذلِكَ كذا وكذا(1).
وفي المصطلح الجنائي: يقصد بالفذلكة خلاصة التحقيقات التي أجراها المحقق وما توصل إليه من نتيجة. وتسمى هذه الفذلكة: تقرير المحقق، وهو خلاصة ما يتوصل إليه المحقق بعد اكتمال إجراءات التحقيق. ونصت المادة (108) من نظام مديرية الأمن العام على وجوب إعداد هذا التقرير من قبل المحقق.
وبعد صدور نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام وإسناد التحقيق إليها أصبح هذا التقرير يسمى قرار الاتهام. وقد مضى الكلام عليه في مصطلح: اتهام.
***
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( فذلك ).(1/594)
214 -فساد
1 - التعريف:
الفسادُ في اللغة: نقيض الصلاح، فَسَدَ يَفْسُدُ ويَفْسِدُ وفَسُدَ فَساداً وفُسُوداً، فهو فاسدٌ وفَسِيدٌ فيهما. قال الجوهري: فَسَدَ الشيءُ يَفْسُدُ فَسادًا، فهو فاسدٌ، وقومٌ فَسْدَى ، كما قالوا: ساقطٌ وسَقْطَى ؛ وكذلك فَسُدَ الشيءُ بالضم، فهو فَسِيدٌ، ولا يقال انْفَسَدَ ؛ وَأَفْسَدْتُهُ أنا. والاسْتِفْسادُ: خلاف الاستصلاح. والمَفْسَدَةُ: خلاف المصلحة(1).
و في الاصطلاح: الفساد يطلق على معان منها: ارتكاب المعاصي. وأما الإفساد فهو التخريب.
قال ابن الجوزي: ( ويذكر الفساد في الدين كما يذكر في الذات ؛ فتارة بالعصيان، وتارة بالكفر، ويقال في الأقوال إنها فاسدة إذا كانت غير منتظمة، وفي الأفعال إذا لم يعتد بها )(2).
وقال الكفوي: ( الإفساد: هو جعل الشيء فاسداً خارجاً عما ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعا به. وفي الحقيقة هو إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح )(3).
2 - النهي عن الإفساد:
ورد النهي عن الإفساد في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومن ذلك قوله تعالى: { وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف 56 ]، وقال تعالى مخبراً عن ما قاله نبيه هود عليه الصلاة والسلام لقومه: { وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [ هود 85 ]. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
__________
(1) - أنظر : الصحاح، ولسان العرب مادة ( فسد ).
(2) - نزهة الأعين النواظر صفحة ( 470 ).
(3) - الكليات صفحة ( 154 ).(1/595)
وورد النهي عن الإفساد في السنة المطهرة، ومن ذلك ما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أتيت على راع فناده ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد ) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(1).
3 - بم يكون الفساد ؟
يكون الفساد بارتكاب المعاصي وفعل المحرمات، والتطاول على الناس، وأكل أموالهم بالباطل، وتخريب ممتلكاتهم وإتلافها، وبسفك الدماء، وقطع الطرق وترويع الآمنين، ونحو ذلك من الجرائم.
قال القرطبي: ( قوله تعالى: والله لا يحب الفساد، قال العباس بن الفضل: الفساد هو الخراب ؛ وقال سعيد بن المسيب: قطع الدراهم من الفساد في الأرض؛ وقال عطاء: إن رجلا كان يقال له عطاء بن منبه أحرم في جبة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها؛ قال قتادة: قلت لعطاء إن كنا نسمع أن يشقها فقال عطاء إن الله لا يحب الفساد. قلت: والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. قيل: معنى لا يحب الفساد أي لا يحبه من أهل الصلاح، أو لا يحبه دينا؛ ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به والله أعلم)(2).
4 - عقوبة المفسدين:
__________
(1) - المستدرك على الصحيحين الحديث رقم ( 7180 ).
(2) - تفسير القرطبي 3/21، 22(1/596)
تختلف عقوبة المفسدين باختلاف المفسدة المرتكبة، فقد تصل عقوبة المفسد إلى القتل ؛ فالقاضي يقدر العقوبة التعزيرية بما يراه مناسباً للواقعة. قال ابن رجب - رحمه الله - : ( وقال الله عز وجل : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } (المائدة 32 ). يدل على أنه إنما يباح قتل النفس بشيئين: أحدهما بالنفس، والثاني بالفساد في الأرض؛ ويدخل في الفساد في الأرض الحرب، والردة، والزنا، فإن ذلك كله فساد في الأرض)(1).
***
__________
(1) - جامع العلوم والحكم 1/120(1/597)
215 -فسق
1 - التعريف:
الفِسْق في اللغة: العصيان والترك لأَمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق. والعرب تقول إِذا خرجت الرُّطَبَةُ من قشرها. قد فَسَقَت الرُّطَبَةُ من قشرها، وكأَن الفأْرة إِنما سميت فُوَيْسِقةً لخروجها من جُحْرها على الناس. والفِسْقُ: الخروج عن الأَمر(1).
وفي الاصطلاح: الفسق هو عدم العمل بأحكام الشريعة مع الإقرار بالشهادتين والاعتقاد بالوحدانية(2).
وقال الجرجاني: الفاسق من شهد ولم يعمل واعتقد(3).
2 - الأحكام المتعلقة بالفسق :
الأحكام المتعلقة بالفسق هي ذات الأحكام المتعلقة بالفجور، وقد مضى الكرم عليها في مصطلح : فجور.
***
__________
(1) - لسان الغرب مادة ( فسق ).
(2) - موسوعة نظرة النعيم 11/5262
(3) - التعريفات صفحة ( 211 ).(1/598)
حرف القاف
216 -قائف
1 - التعريف:
القائفُ في اللغة: هو الذي يَعرف الآثار والشَّبه ، والجمع القافةُ. يقال: قُفْت أَثره إِذا اتَّبعْته مثل قَفَوْت أَثَره(1).
وعرفه النسفي: بأنه الذي يعرف الآثار والشبه ويقال بالفارسية ( بي شناس ) وهو الذي يعرف شبه الأولاد بالآباء فيخبر أن هذا الولد من فلان أو فلان(2).
والقائف هو الذي يسمى في هذا الزمان بقصاص الأثر أو بالمرِّي.
2 - من هم القافة؟
قال ابن قدامة: ( والقافة قوم يعرفون الإنسان بالشبه, ولا يختص ذلك بقبيلة معينة, بل من عرف منه المعرفة بذلك , وتكررت منه الإصابة , فهو قائف. وقيل: أكثر ما يكون في بني مدلج رهط مجزز المدلجي الذي رأى أسامة وأباه زيدا قد غطيا رؤوسهما, وبدت أقدامهما , فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. وكان إياس بن معاوية المزني قائفا, وكذلك قيل في شريح )(3).
قلت: وأكثر القافة اليوم هم من قبيلة المرة ، وهي قبيلة معروفة يمتاز رجالها بالفطنة والذكاء ، ويطلق على واحدهم مرَّي.
3 - حجية الأخذ بقول القائف:
دلت السنة على الأخذ بقول القائف، ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليَّ مسروراً , تبرق أسارير وجهه. فقال: { ألم تري أن مجززاً نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد , فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض } وفي لفظ { كان مجزز قائفا } . متفق عليه(4). قال ابن دقيق العيد رحمه الله: ( ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم سر بذلك وقال الشافعي رحمه الله: ولا يسر بباطل )(5).
__________
(1) - لسان العرب مادة ( قوف )
(2) - طلبة الطلبة مادة ( ق ف و )
(3) - المغني 8/375
(4) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 3555 ) وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1459 )
(5) - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/206(1/599)
قال ابن القيم رحمه الله: ( الطريق السادس والعشرون الحكم بالقافة: وقد دلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل خلفائه الراشدين والصحابة من بعدهم , منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري , وابن عباس , وأنس بن مالك رضي الله عنهم , ولا مخالف لهم في الصحابة , وقال بها من التابعين: سعيد بن المسيب , وعطاء بن أبي رباح , والزهري , وإياس بن معاوية , وقتادة , وكعب بن سوار , ومن تابعي التابعين: الليث بن سعد, ومالك بن أنس, وأصحابه , وممن بعدهم: الشافعي وأصحابه , وإسحاق, وأبو ثور, وأهل الظاهر كلهم. وبالجملة: فهذا قول جمهور الأمة. وخالفهم في ذلك أبو حنيفة وأصحابه, وقالوا: العمل بها تعويل على مجرد الشبه, وقد يقع بين الأجانب, وينتفي بين الأقارب )(1). وقال أيضا: ( والقياس وأصول الشريعة تشهد للقافة: لأن القول بها حكم يستند إلى درك أمور خفية وظاهرة , توجب للنفس سكونا , فوجب اعتباره كنقد الناقد , وتقويم المقوم. وقد حكى أبو محمد ابن قتيبة: أن قائفا كان يعرف أثر الأنثى من أثر الذكر )(2).
4 - الإثبات بقيافة الأثر في الجنايات:
يستعان بقياقة الأثر في القبض على المتهمين ، بتتبع آثارهم ، والقبض عليهم وإحضارهم , كما حدث ذلك في قضية العرنيين , الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متظاهرين بالإسلام ، فلما أصابتهم حمى المدينة بعثهم صلى الله عليه وسلم إلى رعاة الإبل في ضواحي المدين ليشربوا من ألبانها ، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم , فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة فأتي بهم.
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة ( 181 ).
(2) - الطرق الحكمية صفحة ( 185 ).(1/600)
ويعد رأي القائف شهادة تثبت بها الحقوق والدعاوى عند الفقهاء , مثاله فيما ذكره ابن تيميه: أن يدعي شخص أنه ذهب من ماله شيء , ويثبت ذلك , فيقتص القائف أثر الوطء من مكان إلى مكان آخر , فشهادة القائف أن المال دخل إلى هذا الموضع توجب أحد الأمرين: إما الحكم به, وإما أن يكون الحكم به مع اليمين للمدعي, وهو الأقرب , فإن هذه الأمارات ترجح جانب المدعي , واليمين مشروعة في أقوى الجانبين.
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالأثر في السيف كما يذكر ابن فرحون في قصة عبد الله بن أنيس وأصحابه رضي الله عنهم لما دخلوا الحصن على ابن أبي الحقيق ليقتلوه , وكان ذلك ليلا , فوقعوا فيه بالسيوف , ووضع عبد الله بن أنيس السيف في بطنه وتحامل عليه حتى نبع ظهره , فلما رجعوا وقد قتلوه نظر عليه الصلاة والسلام إلى سيوفهم فقال: { هذا قتله } لأنه رأى على السيف أثر الطعان.
وقد استند إياس بن معاوية إلى الأثر حين اختصم عنده رجلان في قطيفتين إحداهما حمراء والأخرى خضراء , وأحدهما يدعي التي بيد الآخر , وأنه ترك قطيفته ليغتسل, فأخذها الآخر وترك قطيفته هو في محله , ولم توجد بينة, فطلب إياس أن يؤتى بمشط , فسرح رأس هذا ورأس هذا , فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر , ومن رأس الآخر صوف أخضر , فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر.(1/601)
وفي إحدى القضايا هرب القاتل واندس بين الناس فلم يُعرف , فمر المعتضد على الناس يضع يده على قلب كل واحد منهم , واحدا بعد واحد فيجده ساكنا , حتى وضع يده على فؤاد ذلك الغلام فإذا به يخفق خفقا شديدا فركضه برجله , واستقره فأقر فقتله. ومع ذلك فإن الاستناد إلى الأثر ليس قرينة قطعية على ارتكاب الجريمة, تشير إلى ذلك قضية القصاب الذي ذهب إلى خربة للتبول ومعه سكينه , فإذا به أمام مقتول يتشحط في دمه, وما أفاق من ذهوله حتى وجد العسس يقبضون عليه, وقد عجز الرجل عن الدفاع عن نفسه معتقدا أن الأدلة جميعها ضده , ولم ينقذه من العقوبة المحتومة - وهي القتل - إلا إقرار القاتل الحقيقي بالجريمة(1).
ومن أخبار القيافة المعاصرة ، أن رجلاً مجهولاً ارتكب سرقة في إحدى محافظات المملكة ، ولم يوجد في مسرح الجريمة سوى أثر أقدام الجاني، فاستعان رجال الضبط بالقائف - المري - الذي نظر فقط إلى آثار الأقدام ثم مضت الأيام ، وبعد مضي ثلاثة أشهر من الواقعة اجتمع الناس في حفلة زواج عند الرجل صاحب المحل المسروق ، وكان المري الذي نظر إلى آثار الجاني من بين الحاضرين فرآى شاباً أقبل يمشي ، فسأل عنه فقال صاحب الحفلة هذا قريب لي ، فقال المري هذا هو الذي سرق محلك ، فلما استجوب هذا الشاب من قبل الجهات المختصة اعترف بالسرقة.
ولقد قلل من الحاجة للقافة في هذا العصر ظهور الوسائل الحديثة التي يتم بواسطتها التعريف على الآثار، كعلم البصمات، والتحاليل الطبية، ونحوها.
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 34/104(1/602)
217 -قات
1 - التعريف:
لم أجد للقات ذكراً في معاجم اللغة لكن ربما يكون اسمه مشتقاً من القوت وهو ما يسد الرمق ، فقد ورد في لسان العرب ، القُوتُ: ما يُمْسِكُ الرَّمَقَ من الرِّزْق. وتَقَوَّتَ بالشيء ، واقْتاتَ به واقْتاتَهُ: جَعَلَه قُوتَه(1).
ونبات القات: شجر كثير الانتشار خاصة في الصومال ، والحبشة واليمن، وبعض مدن المملكة المتاخمة للحدود اليمنية ، كمنطقة جازان ، وفيفا.
وللقات مفعول ينعش متعاطيه لمدة ساعتين تقريبا، بعدها يصيبه نوع من التخدير والفتور، ويكون تعاطيه عن طريق المضغ، مصحوبا أحيانا بتدخين الشيشة(2).
2 - حكم استعمال القات:
لا يجوز استعمال القات لما فيه من أضرار في الدين والبدن والمال والوقت، فهو مفتر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، وفي العكوف عليه تضييع للصلاة ، وللوقت.
قال الشيخ/ زيد المدخلي: ( إن في العكوف على أكله تضييعا للصلاة، وهذا ثابت بالمشاهدة لمن يتعاطون أكل هذه الشجرة المشؤومة، فإن وقت الفريضة يخرج وهم عكوف في مجالسهم حفاظا على امتداد الكيف لأن إخراج القات من الفم من أجل إجراء عملية الطهارة وأداء الصلاة يتنافى مع امتداد الكيف في مفهومهم)(3).
3 - التحقيق في قضايا القات:
__________
(1) - أنظر لسان العرب مادة ( قوت )
(2) - الموقف الحق، صفحة (31 )
(3) - الموقف الحق، صفحة (32 )(1/603)
القات من المواد المخدرة، وتعامل قضايا القات من حيث الإجراء معاملة قضايا المخدرات، وقد ورد في تعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 19/ب/240 وتاريخ 19/2/1419هـ معاملة تعاط القات وحيازته بقصد التعاطي، معاملة القضايا البسيطة المشمولة بالمادة التاسعة من لائحة أصول الاستيقاف (ُ(1)، بشرط ألا تقترن القضية بقضية أخرى، وألا تزيد كمية الحيازة عن كيلوجرام واحد من القات، وألا يكون المتهم قد حكم عليه بحد شرعي أو بعقوبة أكثر من ستة أشهر.
4 - عقوبة القات:
عقوبة القات هي العقوبة المقررة في قضايا المخدرات ، جاء ذلك في خطاب رئيس مجلس الوزراء الموجه لسمو وزير الداخلية برقم 601/م وتاريخ 17/3/1410هـ، حيث جاء في الفقرة الأولى منه النص التالي: ( يكتفى بالنسبة لقضايا القات بالعقوبة الواردة بقراري مجلس الوزراء رقم 11 لعام 1374هـ، ورقم 172 في 23/9/1400هـ ).
***
__________
(1) - هذا النص قبل صدور نظام الإجراءات الجزائية ، وصدور القرار الوزاري رقم ( 1245).(1/604)
218 -قبض
1 - التعريف:
القَبْضُ في اللغة له معان منها: الإمساك بالشيء، يقال: قبض على اللص، أي أمسك به. ويقال قَبَضَهُ بيَدِهِ يَقْبِضُهُ: تَناوَلَهُ بيَدِه، وقَبَضَ عليه بيَدِهِ: أمْسَكَه(ُ(1).
وفي المصطلح الجنائي: هو مجموعة احتياطات وقتية للهيمنة على حركة المتهم بغية التحقق من شخصيته واتخاذ الإجراءات حياله(2).
2 - مشروعية القبض على المتهمين:
دلت نصوص الشريعة على مشروعية ملاحقة المجرمين والقبض عليهم من أجل معاقبتهم على ما ارتكبوا من جرم، ومن ذلك قصة العرنيين، الثابتة في الصحيحين عن أنس بن مالك: ( أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة فاجتووها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا، فصحوا ، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم ، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في إثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا )(3).
ففي هذا الخبر دلالة واضحة على ملاحقة المجرمين والقبض عليهم ومعاقبتهم.
__________
(1) - القاموس المحيط , والمعجم الوسيط مادة: ( قبض ).
(2) - مشروع اللائحة صفحة (5 ).
(3) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 6417 )، وصحيح مسلم الحديث رقم ( 4329 ).(1/605)
ومن ذلك أيضا، خبر الظعينة الثابت في الصحيحين وغيرهما عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود ، قال: { انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة ، ومعها كتاب فخذوه منها } . فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { يا حاطب ما هذا } . قال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرأً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لقد صدقكم } . قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، قال: { إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم } (1).
وفي هذا الخبر دلالة على ملاحقة المتهمين، والقبض عليهم وتفتيشهم وضبط ما يتعلق بالجريمة.
3 - من يقوم بالقبض: ( راجع مصطلح: ضبط )
4 - حظر إيذاء المقبوض عليه جسديا أو معنويا:
ورد في المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية منع إيذاء المقبوض عليه جسديا أو معنويا ؛ ومنع معاقبته إلا على أمر محظور وذلك بالنص التالي:
__________
(1) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 3007 )، وصحيح مسلم الحديث رقم ( 2494 ).(1/606)
( لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة المحددة من السلطة المختصة. ويحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً، أو معنوياً، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المهينة للكرامة ).
***(1/607)
219 -قتل
1 - التعريف:
القَتْلُ في اللغة: فعل يحصل به زهوق الروح يقال: قتله قتلا: أزهق روحه، وقتله إذا أماته بضرب أو جرح أو علة. قال الخليل: والقَتْلُ معروف، يقالُ: قَتَلَه إذا أماتَه بضَرْبٍ أو جَرْحٍ أو عِلّةٍ(1). وفي لسان العرب يقال: قتله بضرب أو حجر أو سم: أماته(2).
وفي الاصطلاح : هو فعل ما يكون سببا لزهوق النفس وهو مفارقة الروح البدن(3).
2 - أنواع القتل:
القتل نوعان هما:
الأول - قتل مباح: وهو القتل بحق، كقتل القاتل قصاصا، والقتل الواجب نتيجة ارتكاب حد من حدود الله.
الثاني- قتل محرم: وهو قتل النفس المعصومة عمدا وعدوانا، وهذا النوع هو الذي يعد جناية، وهو الذي سنتحدت عنه ، إن شاء الله تعالى.
3 - حكم قتل النفس بغير حق:
قتل النفس التي حرم الله قتلها من أكبر الكبائر بعد الكفر بالله، لأنه اعتداء على صنع الله، واعتداء على الجماعة والمجتمع وهو محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
__________
(1) - كتاب العين، مادة ( قتل ).
(2) - لسان العرب مادة ( قتل ).
(3) - كشاف القناع 5/521(1/608)
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: ( وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.أما الكتاب فقول الله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [الإسراء 33 ]. وقال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً } [ النساء آية 92 ] وقال: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } [ النساء 93 ]. وأما السنة، فروى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث; الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة } . متفق عليه(1) . وروى عثمان، وعائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، في آي وأخبار سوى هذه كثيرة.
ولا خلاف بين الأمة في تحريمه، فإن فعله إنسان متعمدا فسق ، وأمره إلى الله، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له، وتوبته مقبولة في قول أكثر أهل العلم؛ وقال ابن عباس: إن توبته لا تقبل؛ للآية التي ذكرناها، وهي من آخر ما نزل؛ قال ابن عباس: ولم ينسخها شيء )(2).
4 - أقسام القتل:
يرى جمهور الفقهاء أن قتل النفس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عمد، وشبه عمد، وخطأ؛ وبيان ذلك:
*أولا - قتل العمد:
وهو أن يقصد آدميا معصوما فيقتله بما يغلب على الظن موته به ؛ وهذا النوع من القتل هو الموجب للقصاص.
وذكر البهوتي أن هذا النوع من القتل له تسعة أقسام فقال: ( قتل العمد الموجب للقصاص له تسعة أقسام عرفت بالاستقراء وهي:
__________
(1) - صحيح البخاري حديث رقم ( 6878 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 1676 ).
(2) - المغني 11/443(1/609)
القسم الأول: أن يجرحه بمحدد له مَوْر ، أي دخول وتردد في البدن بقطع اللحم والجلد كسكين وسيف ورمح وقدوم أو يغرزه بمِسلة، أو ما في معناه.
القسم الثاني: أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سئل عن المرأة التي ضربت جاريتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وبدية المرأة على عاقلتها(1). والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أن القتل بعمود الفسطاط ليس بعمد وإن العمد يكون بما فوقه، أو يضربه بحجر كبير، أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو صخرة أو خشبة عظيمة، أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب عليه بخشبة صغيرة أو حجر صغير؛ لأن ذلك كله مما يقتل غالبا؛ أو يضربه بما ذكر من الخشبة الصغيرة أو الحجر الصغير مرة في مقتل ونحوه، أو يلكزه بيده في مقتل، أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر مفرط أو برد شديد ونحوه فمات فعليه القود ؛ لأن ذلك الفعل يقتل غالبا.
القسم الثالث: أن يجمع بينه وبين حيوان مفترس كالأسد أو نمر، أو يلقيه مكتوفا بمضيق، بحضرة حية أو عقرب، فتنهشه أو تلدغه، فإنه إذا تعمد ذلك فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا.
القسم الرابع: أن يلقيه في ماء يغرقه أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص منهما، أي من الماء والنار، إما لكثرتهما أو لعجزه عن التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كان مربوطا أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها، أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا وسد منافذ البيت حتى اشتد الدخان وضاق به النفس أو دفنه حيا، أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك، فمات فعمد ; لأن ذلك يقتل غالبا.
__________
(1) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 5760 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1681 ).(1/610)
القسم الخامس: خنقه بحبل أو غيره، وهو نوعان: أحدهما: أن يخنقه في عنقه ثم يعلقه في نحو خشبة فيموت فهو عمد ; سواء مات في الحال أو بقي زمنا ; لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين، الثاني: أن يخنقه وهو على الأرض أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات في مدة يموت في مثلها غالبا فعمد لأنه يقتل غالبا.
القسم السادس: حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما، أو منعه الدفء في الشتاء ولياليه الباردة، حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا، بشرط أن يتعذر عليه الطلب فعمد ؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عند ذلك فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل.
القسم السابع: أن يسقيه سما لا يعلم المقتول به، أو خلطه بطعام ثم أطعمه إياه، فمات فعليه القود إن كان ذلك السم مثله يقتل غالبا؛ لما روي أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها النبي وبشير بن العلاء فلما مات بشير أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت فأمر بقتلها.رواه أبو داود(1).
القسم الثامن: أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا، إذا كان الساحر يعلم ذلك أشبه ما لو قتله بمحدد، وإن قال الساحر لا أعلمه قاتلا لم يقبل قوله؛ لأنه خلاف الظاهر، فهو أي السحر كسم حكما أي في حكمه السابق.
__________
(1) - الحديث في سنن أبي داود برقم ( 4510 ).(1/611)
القسم التاسع: أن يشهد اثنان فأكثر على شخص بما يوجب القتل، فيقتل بشهادتهم، ثم يرجعوا ويعترفوا بتعمد الشهادة كذبا، لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي على رجل أنه سرق فقطعه، ثم رجعا عن شهادتهما ; فقال علي: { لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما } ؛ ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا أشبه به المكره ؛ وكذلك الحاكم إذا حكم على شخص بالقتل عالما بكذب البينة، متعمدا فقتل واعترف الحاكم بذلك، فعليه القصاص ؛ لأنه في معنى الشهود، فكان الحاصل بسببه عمدا كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين(1).
* ثانيا - قتل شبه عمد:
قال ابن قدامة رحمه الله: ( شبه العمد أحد أقسام القتل، وهو أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا ; إما لقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له، فيسرف فيه، كالضرب بالسوط ، والعصا ، والحجر الصغير، والوكز واليد، وسائر ما لا يقتل غالبا إذا قتل، فهو شبه عمد ; لأنه قصد الضرب دون القتل، ويسمى عمد الخطإ وخطأ العمد ; لاجتماع العمد والخطإ فيه، فإنه عمد الفعل، وأخطأ في القتل، فهذا لا قود فيه ؛ والدية على العاقلة، في قول أكثر أهل العلم )(2).
* ثالثا - قتل الخطأ:
__________
(1) - أنظر كشاف القناع 5/521 - 527
(2) - المغني 11/462(1/612)
قال ابن قدامة: ( الخطأ أن يفعل فعلا لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله، مثل أن يرمي صيدا أو هدفا، فيصيب إنسانا فيقتله ؛ قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن القتل الخطأ، أن يرمي الرامي شيئا، فيصيب غيره، لا أعلمهم يختلفون فيه؛ هذا قول عمر بن عبد العزيز، وقتادة، والنخعي ، والزهري، وابن شبرمة ، والثوري ، ومالك ، والشافعي، وأصحاب الرأي ؛ فهذا الضرب من الخطإ تجب به الدية على العاقلة والكفارة في مال القاتل، بغير خلاف نعلمه ؛ والأصل في وجوب الدية والكفارة، قول الله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } . [ النساء 92 ]، وسواء كان المقتول مسلما أو كافرا له عهد ; لقول الله تعالى: { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } [ النساء 92 ] ؛ ولا قصاص في شيء من هذا ; لأن الله تعالى أوجب به الدية ، ولم يذكر قصاصا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { رفع عن أمتي الخطأ, والنسيان , وما استكرهوا عليه } (1) ؛ ولأنه لم يوجب القصاص في عمد الخطأ، ففي الخطأ أولى )(2).
5 - أركان القتل :
يتضح مما سبق أن أركان القتل أربعة هي:
الركن الأول: القاتل، وهو: الجاني الذي يقع منه الفعل.
الركن الثاني: المقتول، وهو: المجني عليه، الذي يقع عليه الفعل ؛ ويشترط فيه، أن يكون آدميا حيا، معصوم الدم.
__________
(1) - رواه ابن ماجة في سننه برقم ( 2043، 2045 ).
(2) - المغني 11/464(1/613)
الركن الثالث: القصد الجنائي، وهو: أن يقصد الجاني قتل المجني عليه، وهذا الركن هو الذي يميز أنواع القتل الثلاثة السابقة عن بعضها، فإن تعمد الجاني الفعل قاصدا قتل المجني عليه، فهو قتل عمد، وإن تعمد الفعل بقصد العدوان دون قصد النتيجة، فهو شبه عمد، وإن تعمد الفعل ولم يقصد العدوان، ولا النتيجة فهو خطأ.
الركن الرابع: حصول القتل، وهو: إزهاق الروح نتيجة الفعل.
6 - التحقيق في جرائم القتل:
يتطلب التحقق في جرائم القتل نوعا من الفطنة والدقة، وانتقاء الأسئلة، فهذا الهادي البشير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم، يرسم لنا منهجا واضحا في التحقيق في جرائم القتل وهو يناقش أحد المتهمين في قضية قتل، وذلك فيما رواه الإمام مسلم، عن سماك بن حرب: أن علقمة بن وائل حدثه: أن أباه حدثه قال: إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة، فقال: يا رسول الله لِلَّهِ هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أقتلته ؟ } فقال: - أي المدعي - إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته، قال: { كيف قتلته ؟ } قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: { هل لك من شيء تؤديه عن نفسك ؟ } قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي، قال: { فترى قومك يشترونك؟ } . قال: أنا أهون على قومي من ذاك، فرمى إليه بنسعته، وقال: { دونك صاحبك } ، فانطلق به الرجل، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن قتله فهو مثله } فرجع، فقال: يا رسول الله لِلَّهِ إنه بلغني أنك قلت: إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ } قال: يا نبي الله لِلَّهِ - لعله قال - بلى: قال: { فإن ذاك كذاك } ، قال: فرمى بنسعته وخلى سبيله(1).
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1680 ).(1/614)
وقصة أخرى يتولى التحقيق فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين حقق مع النفر الثلاثة الذين اتهموا بقتل صاحبهم، فقد ذكر ابن القيم، رحمه الله تعالى هذه القصة فقال: ( إن شابا شكا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفرا، فقال: إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر؛ فعادوا ولم يعد أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئا، وكان معه مال كثير، وترافعنا إلى شريح، فاستحلفهم وخلى سبيلهم، فدعا علي بالشرط، فوكل بكل رجل رجلين، وأوصاهم ألا يمكنوا بعضهم أن يدنو من بعض، ولا يدعوا أحدا يكلمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم ؛ فقال: أخبرني عن أبي هذا الفتى: في أي يوم خرج معكم ؟ وفي أي منزل نزلتم ؟ وكيف كان سيركم ؟، وبأي علة مات ؟ وكيف أصيب بماله؟، وسأله عمن غسله ودفنه؟، ومن تولى الصلاة عليه ؟، وأين دفن؟ ونحو ذلك، والكاتب يكتب، ثم كبر علي، فكبر الحاضرون، والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنوا أن صاحبهم قد أقر عليهم ؛ ثم دعا آخر بعد أن غيَّبَ الأول عن مجلسه، فسأله كما سأل صاحبه، ثم الآخر كذلك، حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد منهم يخبر بضد ما أخبر به صاحبه، ثم أمر برد الأول، فقال: يا عدو الله، قد عرفت غدرك وكذبك بما سمعت من أصحابك، وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق، ثم أمر به إلى السجن، وكبر، وكبر معه الحاضرون، فلما أبصر القوم الحال لم يشكوا أن صاحبهم أقر عليهم، فدعا آخر منهم، فهدده، فقال: يا أمير المؤمنين، والله لقد كنت كارها لما صنعوا، ثم دعا الجميع فأقروا بالقصة، واستدعي الذي في السجن، وقيل له: قد أقر أصحابك ولا ينجيك سوى الصدق، فأقر بمثل ما أقر به القوم، فأغرمهم المال، وأقاد منهم بالقتيل)(1).
ويستفاد من القصتين السابقتين:
1 - أن على المحقق بعد سماع الدعوى أن يسأل المتهم سؤالا عاما عما نسب إليه، وهذا مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: أقتلته.
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة 45(1/615)
2 - يجب أن يتصف المحقق برحابة الصدر، وعدم الانزعاج من مقاطعة كلامه أو المداخلة التي تحصل من أحد الطرفين أو من المحامي أو من الوكيل؛ أخذا من قول المدعي - أمام النبي صلى الله عليه وسلم-: إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم تلك المداخلة.
3 - تشديد الحراسة على المتهمين بجرائم القتل ؛ لأن علياً رضي الله عنه وكلَّ بكل متهم رجلين يحرسانه.
4 - التفريق بين المتهمين ؛ لما فعله علي رضي الله عنه عندما أوصى بعدم تمكين المتهمين من الدنو من بعضهم.
5 - حبس المتهمين انفراديا ؛ لأن عليا رضي الله عنه أمر الحراس ألا يدعوا أحدا يكلم المتهمين.
6 - محاصرة المتهمين بالأسئلة ؛ مستفاد من القصتين.
7 - مواجهة المتهم بأقوال غيره من المتهمين معه ؛ لفعل علي رضي الله عنه.
7 - ضبط اعتراف القاتل:
يجب على المحقق إذا اعترف المتهم بجريمة القتل أن يبادر إلى تدوين اعترافه، ويبين في الاعتراف، اسم المقتول وسبب القتل وكيفيته، والآلة التي تم القتل بواسطتها، ومكان ووقت وقوع القتل.
8 - إثبات جريمة القتل:
جريمة القتل تثبت بإقرار الجاني المعتبر ، وبالشهادة المعتبرة ، ويصح توجيه الاتهام له إذا توفرت واحدة من الأدلة والقرائن التالية:
1 ـ عن طريق الأدلة المعتبرة في إثبات الجرائم الأخرى، ومن أبرزها، الإقرار، والبينة.
2 ـ عن طريق الآلة المستخدمة في الجريمة، وهي التي يستخدمها الجاني في ضرب المجني عليه، فلو أن إنسانا ضرب آخر بسكين، وبعد فترة وجد المضروب ميتا، فقال الضارب أنا ضربته بالسكين لكن لم أقتله، ففي هذه الحالة يمكن أن يوجه له الاتهام بقتل المجني عليه، لأن السكين تقتل غالبا، مع مراعاة ما يقرره أصحاب الخبرة والاختصاص في هذا الشأن كالأطباء الشرعيين، ونحوهم.(1/616)
وحول هذه النقطة يقول الأستاذ / عبد القادر عودة، رحمه الله: ( واعتبار القصد الجنائي ثابتا باستعمال آلة قاتلة ليس قرينة قاطعة، ولا دليلا غير قابل للنفي، فيجوز للجاني أن يثبت أنه لم يستعمل الآلة القاتلة بقصد القتل، فإذا استطاع إثبات دفاعه انتفى وجود قصد القتل وأعتبر الفعل قتلا شبه عمد)(1).
3 - عن طريق اللوث: واللوث هو: أمر ينشأ عنه غلبة الظن بصدق المدعي.
ومن صور اللوث في جرائم القتل ما يلي:
أ - وجود قتيل في قرية وبينه وبين أهلها عداوة أو تهديد، وإدعاء الورثة على أهل هذه القرية.
ب - قول المقتول قبيل موته قتلني فلان.
ج - إقرار المتهم أثناء التحقيق أنه هو القاتل، ثم رجوعه عن إقراره مدعيا أنه أقر نتيجة تعذيبه.
4 - قول أهل الخبرة إن فلانا هو القاتل، نتيجة وجود بصماته على الآلة الثابت استخدامها في القتل.
5 - شهادة رجلين مردودي الشهادة لسبب من الأسباب على فلان أنه هو القاتل.
6 - ثبوت خروج المتهم والمقتول إلى جهة واحدة ورجوع المتهم دون المقتول.
7 - استخراج المقذوف الناري من المقتول ووجود المتهم بالقرب منه ومعه سلاح أثبت أهل الخبرة أن المقذوف الناري المستخرج من المقتول خارج من هذا السلاح.
فإذا وجد واحد من هذه الأمور صح توجيه الاتهام للمتهم بالقتل تحقيقا، وإن انضم إلى ذلك القسامة في مجلس القضاء وجب القصاص، بدليل قصة حويِّصة ومُحيِّصة(2).
9 - تحريك الدعوى العامة في جرائم القتل:
__________
(1) - التشريع الجنائي 2/32
(2) - أنظر قصة حويصة ومحيصة في مصطلح ( قسامة ).(1/617)
إن كان القتل خطأ، فليس فيه دعوى عامة، وإن كان القتل عمدا أو شبه عمد، ولم يتنازل الورثة عن القصاص فتقدم الدعوى الخاصة أولا، لاحتمال فوات محل الدعوى العامة بالحكم على الجاني بالقتل قصاصا، وإذا سقط القصاص لأي سبب من الأسباب، فإن المدعي العام يتقدم بدعواه للمحكمة الشرعية، طالبا إثبات صفة القتل، ليتم بموجبه تقرير مقتضى الإرادة المالكية المقررة المتعلقة بقضايا القتل.
10 - عقوبة القتل:
* أولاً- عقوبة القتل العمد:
الأصل أن القتل العمد موجب للقصاص بدليل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } [البقرة 178]. فمن قتل شخصا عمدا عدوانا يقتل قصاصا باتفاق الفقهاء. أما الدية فيرى جمهور الفقهاء أنها ليست عقوبة أصلية للقتل العمد، وإنما تجب بالصلح برضا الجاني، كما هو رأي الحنفية والمالكية، أو بدلا عن القصاص، ولو بغير رضا الجاني، كما هو المعتمد عند الشافعية ؛ فإذا سقط القصاص ; لسبب ما وجبت الدية عندهم ؛ وذهب الحنابلة وهو قول عند الشافعية: إلى أن الدية عقوبة أصلية بجانب القصاص في القتل العمد؛ فالواجب عندهم في القتل العمد أحد شيئين: القود أو الدية، ويخير الولي بينهما ولو لم يرض الجاني(1).
__________
(1) - أنظر المبسوط 26/61، بلغة السالك لأقرب المسالك ( حاشية الصاوي) 4/336، حاشيتي قليوبي وعميرة 4/117.(1/618)
قال المرداوي: ( الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القصاص، أو الدية، في ظاهر المذهب ؛ هذا المذهب المشهور المعمول به في المذهب، وعليه الأصحاب؛ وهو من مفردات المذهب ؛ وعنه: أن الواجب القصاص عينا فعلى المذهب الخيرة فيه إلى الولي فإن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا إلى غير شيء، والعفو أفضل بلا نزاع في الجملة ؛ وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: استيفاء الإنسان حقه من الدم عدل، والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل، وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر، فإذا حصل به ضرر كان ظلما من العافي، إما لنفسه وإما لغيره، فلا يشرع، قلت: وهذا عين الصواب )(1).
أما الكفارة فقال عنها: ( أما العمد: فلا تجب فيه الكفارة على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب )(2).
* ثانياً - عقوبة القتل شبه العمد:
لا خلاف بين الفقهاء ممن يقولون بشبه العمد في أنه موجب للدية ؛ والدية في شبه العمد مغلظة، ودليل وجوبها وتغليظها في القتل شبه العمد قوله صلى الله عليه وسلم: { ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، أربعون في بطونها أولادها } (3) وتجب هذه الدية على عاقلة الجاني عند جمهور القائلين بشبه العمد(4). قال المرداوي: ( يلزم في شبه العمد الدية، لكن هل تكون على العاقلة، أو على القاتل ؟ فيه خلاف )(5).
__________
(1) - الإنصاف 10/3
(2) - الإنصاف 10/136
(3) - الحديث رواه أبو داود حديث رقم ( 4547 ) والنسائي حديث رقم ( 4711 ).
(4) - الموسوعة الفقهية 21/50
(5) - الإنصاف 9/446(1/619)
وعن وجوب الكفارة في القتل شبه العمد قال ابن قدامة رحمه الله: ( وتجب الكفارة في شبه العمد؛ ولم أعلم لأصحابنا فيه قولا، لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه; ولأنه أجري مجرى الخطإ في نفي القصاص، وحمل العاقلة ديته، وتأجيلها في ثلاث سنين، فجرى مجراه في وجوب الكفارة، ولأن القاتل إنما لم يحمل شيئا من الدية لتحمله الكفارة، فلو لم تجب عليه الكفارة، تحمل من الدية; لئلا يخلو القاتل عن وجوب شيء أصلا، ولم يرد الشرع بهذا )(1).
* ثالثاً - ما يترتب على قتل الخطإ:
اتفق الفقهاء على أنه لا قصاص في القتل الخطأ، وإنما تجب الدية والكفارة فكل من قتل إنسانا ذكرا أو أنثى ، مسلما أو ذميا، مستأمنا أو مهادنا، وجبت الدية ، لقوله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } [ النساء 92 ]، وقوله سبحانه: { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } [ النساء 92 ] ؛ ودية الخطأ تجب على عاقلة الجاني مؤجلة في ثلاث سنين باتفاق الفقهاء ; لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها (2) , أي على عاقلة القاتلة.
ودليل تأجيلها كما قال الكاساني: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فإنه روي أن عمر رضي الله عنه قضى بذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينقل أنه خالفه أحد فيكون إجماعا(3).
11 - ما هي كفارة القتل ؟
__________
(1) - المغني 12/227
(2) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 6910 ) وفي صحيح مسلم ( 1681 ).
(3) - أنظر: بدائع الصنائع 7/256(1/620)
قال ابن قدامة رحمه الله: ( وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة، بنص الكتاب، سواء كان القاتل أو المقتول مسلما أو كافرا، فإن لم يجدها في ملكه، فاضلة عن حاجته، أو يجد ثمنها، فاضلا عن كفايته، فصيام شهرين متتابعين، توبة من الله، وهذا ثابت بالنص أيضا، فإن لم يستطع، ففيه روايتان ; إحداهما، يثبت الصيام في ذمته، ولا يجب شيء آخر ; لأن الله تعالى لم يذكره، ولو وجب لذكره.والثانية: يجب إطعام ستين مسكينا ; لأنها كفارة فيها عتق وصيام شهرين متتابعين، فكان فيها إطعام ستين مسكينا عند عدمها، ككفارة الظهار والفطر في رمضان، وإن لم يكن مذكورا في نص القرآن، فقد ذكر ذلك في نظيره، فيقاس عليه ؛ فعلى هذه الرواية، إن عجز عن الإطعام، ثبت في ذمته حتى يقدر عليه وللشافعي قولان في هذا، كالروايتين ؛ والله أعلم )(1).
12 - تطبيق الإرادة المكية في جرائم القتل:
قضت الإرادة الملكية بأن قاتل العمد الذي يسقط عنه القصاص ويحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات، وقاتل شبه العمد يسجن سنتين ونصفا، وقاتل الخطأ لا شيء عليه، وفيما يلي نص خطاب نائب جلالة الملك الموجه لفضيلة رئيس القضاة برقم 2624 وتاريخ 6/4/1372هـ بهذا الخصوص:
( حضرة المكرم رئيس القضاة:نشير إلى المكاتبة الواردة منكم برقم 1964 وتاريخ 3/2/1372هـ بشأن سجن من يقتل عمدا أو خطأ أو شبه عمد، ونخبركم بما يأتي:
1 - قضت الإرادة الملكية الصادرة في خطاب الديوان العالي رقم 7/4/570 في 22/3/1360هـ والمبلغة إليكم من هذا المقام في حينه، بأن من لم يحكم عليه بالقود ويحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات من تاريخ سجنه.
2 - ثم صدرت الإرادة الملكية أيضا في خطاب الديوان العالي رقم 8/4/2104 في 26/10/1363هـ والمبلغة إليكم منا في ذلك الحين، بأن المتعمد في القتل الذي يحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات، أما غير المتعمد فيكتفى بسجنه سنتين ونصفا تخفيفا عليه.
__________
(1) - المغني 12/228(1/621)
3 - ثم بعد ذلك صدرت الإرادة الملكية أيضا في خطاب الديوان العالي رقم 8/4/1563 في 3/9/1366هـ والتي أبلغت إليكم منا برقم 3182 في 8/10/1366هـ، بأن قضايا القتل الذي يثبت وقوعه قضاء وقدرا، وليس فيه عمد ولا شبه عمد، لا يطبق فيها عقوبة السجن على المحكوم عليه، بل يكتفى بإنفاذ ما يحكم به الشرع. فمن تأمل ما ذُكِر تبيَّن أن قاتل العمد الذي يحكم عليه بالدية دون القصاص يسجن خمس سنوات، وقاتل شبه العمد يسجن سنتين ونصفا، وقاتل الخطأ المحض لا يشمله شيء من ذلك ؛ فالغاية التي نهدف إليها هي إشعار جميع المحاكم التي تنظر في قضايا القتل بأن تنص في صلب الحكم الذي تصدره على نوع القتل الذي يثبت لديها، حتى يمكن تطبيق العقوبة الإدارية على مرتكب الجريمة بما لا يخرج عن منطوق الأوامر العالية. فأكملوا ما يجب نحو ذلك ). ( نائب جلالة الملك )
وصدر خطاب نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 4/1197/م وتاريخ 12/6/1409هـ وجاء فيه النص التالي: (أن ما نصت عليه الإرادة الملكية الصادرة بحق قاتلي العمد في حالة سقوط القصاص وقاتلي شبه العمد، يعتبر الحد الأدنى، فمتى رأى القاضي أن المتهم يستحق عقوبة تعزيرية أكثر مما ورد في الإرادة لظروف مشددة، فله أن يقرر ذلك، فأكملوا ما يلزم بموجبه ).
***(1/622)
220 -قذف
1 - التعريف:
القَذْفُ لغة: الرمي مطلقا، والتقاذف الترامي، وفي باب قذف قال ابن منظور: القَذْف هاهنا رَمْيُ المرأَة بالزنا أَو ما كان في معناه، وأَصله الرّمْيُ ثم استُعْمل في هذا المعنى حتى غَلب عليه(1). يعني في القذف بالزنا.
واصطلاحا: رمي المسلم المحصن الحر المكلف بالزنا، أو اللواط، أو نفي النسب، أو الشهادة بشيء من ذلك(2).
2 - حكم القذف:
قذف المحصن والمحصنة حرام، وهو من الكبائر، والأصل في تحريمه الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور 4]، وقوله سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . [ النور 23] وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: { اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات } متفق عليه(3).
وأما الإجماع فقد نقله ابن قدامة، فقال: ( وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف المحصن، إذا كان مكلفا )(4).
3 - مواضع يجوز فيها القذف:
ذكر البهوتي أن القذف محرم إلا في موضعين:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( قذف )
(2) - أنظر تعريفا قريبا من هذا، في المبدع 9/83
(3) - أخرجه البخاري برقم ( 2767 ) ومسلم الحديث رقم ( 89 ).
(4) - المغني 12/384(1/623)
أحدهما: أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه ؛ زاد في الترغيب والرعاية ولو دون الفرج؛ وفي المغني والشرح: أو تقر به أي بالزنا فيصدقها، فيعتزلها ثم تلد ما يمكن أنه من الزاني فيجب عليه قذفها لأن نفي الولد واجب، لأنه إذا لم ينفه لحقه وورثه وورث أقاربه وورثوا منه ونظر إلى بناته وأخواته ولا يمكن نفيه إلا بالقذف وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ و يجب نفي ولدها؛ لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزنا لكونها أتت به لستة أشهر من حين الوطء وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولم يدخلها الله في جنته } (1)، ولا شك أن الرجل مثلها، وفي المحرر وغيره وكذا لو وطئها الزوج في طهر زنت فيه، وظن الولد من الزاني لشبهه ونحوه وجزم به في المنتهى، وفي الترغيب نفيه أي الولد، محرم مع التردد في كونه منه أو من غيره لأن الولد للفراش.
والموضع الثاني: أن يراها تزني ولم تلد ما يلزم نفيه أو يستفيض زناها في الناس أو أخبره به، أي بزناها ثقة أو يرى الزوج رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها زاد في الترغيب خلوة فيباح قذفها، لأنه يغلب على ظنه فجورها، ولا يجب، لأنه يمكنه فراقها، وفراقها أولى من قذفها، لأنه أستر ولأن قذفها يلزم منه أن يحلف أحدهما كاذبا أو تقر فتفتضح )(2).
4 - أركان القذف:
للقذف ثلاثة أركان هي: القاذف، والمقذوف، والقذف بالزنا لفظا أو شهادة ؛ ولكل ركن شروط على النحو التالي:
* الركن الأول: القاذف
القاذف: هو الذي يقوم برمي الحر المسلم المحصن بالزنا أو اللواط ولم يكن له بينة، أو يشهد عليه بأحدهما - ولم يكتمل نصاب الشهادة - ويشترط الفقهاء في القاذف سواء أكان ذكرا أم أنثى، حرا أو عبدا، مسلما أو غير مسلم شروطاً منها:
__________
(1) - الحديث رواه أبو داود برقم ( 2263 ) والنسائي برقم ( 3427 ).
(2) - كشاف القناع 6/ 113(1/624)
1 - الأهلية المتمثلة في البلوغ والعقل والاختيار .
2 - أن لا يكون والدا للمقذوف: لأن عقوبة القذف حق لآدمي فلا تجب للولد على والده كالقصاص.
3 - أن يعجز عن إحضار أربعة شهود على ما قذف به.
4 - أن لا يصدقه المقذوف.
* الركن الثاني: المقذوف
يشترط الفقهاء في المقذوف رجلا كان أو امرأة شروطاً منها: -
1 - البلوغ ( وليس على إطلاقه، بل متى ما أمكن الوطء عادة، كابن عشر سنين ).
2 - العقل.
3 - أن لا يكون ولدا للقاذف.
4 - أن يكون محصنا.
والإحصان في القذف: العفاف، واجتماع صفات في المقذوف تجعل قاذفه مستحقا للجلد.
قال ابن قدامة رحمه اله: ( والمحصنات هاهنا العفائف. والمحصنات في القرآن جاءت بأربعة معان ; أحدها هذا. والثاني: بمعنى المزوجات ، كقوله تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء 24 ]، وقوله تعالى: { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } [النساء 25 ]. والثالث: بمعنى الحرائر، كقوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } [ النساء 25 ]، وقوله سبحانه وتعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [ المائدة 5 ] ؛ وقوله تعالى: { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } [ النساء 25 ]. والرابع: بمعنى الإسلام، كقوله: { فَإِذَا أُحْصِنَّ } [ النساء 25 ] ؛ قال ابن مسعود: إحصانها إسلامها. وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف المحصن، إذا كان مكلفا )(1).
* الركن الثالث: القذف بالزنا لفظا أو شهادة:
__________
(1) - المغني 12/384(1/625)
يشترط لجريمة القذف أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا، أو يشهد عليه به، ويشترط في ألفاظ القذف أن تكون صريحة، أو كناية يعجز القاذف عن تفسيرها.مثال الألفاظ الصريحة قوله: يا زاني، يا لوطي، يا عاهر، يا منيوك، يا معفوج، فهذه ألفاظ صريحة توجب القذف، ولا يقبل من القاذف تأويلها.
وأما إذا قذف بألفاظ الكناية مثل: يا مخنث، يا قحبة، يا ديوث، زنت يداك، يا فاجر، فضحتِ زوجكِ، أو غطيتِ رأسه أو نكستِ رأسه، أفسدتِ فراشه، ونحو ذلك من الألفاظ المحتملة للتأويل فإنه يسأل عن معنى ذلك، فإن فسره بما يحتمله قُبل منه، ولا حد عليه لكن يعزر، وإن عجز عن تفسيره فعليه الحد.
قال ابن قدامة رحمه اله: ( وكلام الخرقي يقتضي أن لا يجب الحد على القاذف إلا بلفظ صريح لا يحتمل غير القذف، وهو أن يقول: يا زاني ؛ أو ينطق باللفظ الحقيقي في الجماع، فأما ما عداه من الألفاظ، فيرجع فيه إلى تفسيره، لما ذكرنا في هاتين المسألتين، فلو قال لرجل: يا مخنث، أو لامرأة: يا قحبة، وفسره بما ليس بقذف، مثل أن يريد بالمخنث أن فيه طباع التأنيث والتشبه بالنساء، وبالقحبة أنها تستعد لذلك، فلا حد عليه ؛ وكذلك إذا قال: يا فاجرة، يا خبيثة ؛ وحكى أبو الخطاب في هذا رواية أخرى ، أنه قذف صريح، ويجب به الحد، والصحيح الأول؛ قال أحمد ، في رواية حنبل: لا أرى الحد إلا على من صرح بالقذف والشتيمة ؛ قال ابن المنذر: الحد على من نصب الحد نصبا ؛ ولأنه قول غير الزنا ، فلم يكن صريحا في القذف ، كقوله: يا فاسق ؛ وإن فسر شيئا من ذلك بالزنا ، فلا شك في كونه قذفا )(1).
4 - إثبات جريمة القذف:
يثبت القذف كغيره من الحدود، بالإقرار والشهادة.
والمراد بالإقرار هنا: أن يقر القاذف بأنه رمى المقذوف بالزنا ظلما؛ وإذا أقر بالقذف فقد لزمه، لأنه حق لآدمي لا يجوز الرجوع عن الإقرار به.
__________
(1) - المغني 12/391،392(1/626)
والمراد بالشهادة: أن يشهد رجلان عدلان، أنهما سمعا القاذف وهو يقذف المقذوف بالزنا ؛ ولا تقبل فيه شهادة النساء كسائر الحدود.
5 - ضبط اعتراف القاذف:
إذا اعترف القاذف وجب على المحقق ضبط اعترافه بكل دقة وفقا لما قال، وبعبارات صريحة وواضحة بحيث يشمل الاعتراف ألفاظ القذف، لأن هناك عبارات يعتقد أنها قذف وليست بقذف، وكذلك اسم المقذوف، وأسباب القذف.
6 - تحريك دعوى القذف:
يشترط في إقامة دعوى القذف مخاصمة المقذوف، أن يتقدم المقذوف بشكواه، فإذا قُدمت الشكوى من غيره لم يجز أن تقام الدعوى على أساس شكوى الغير، كذلك لو تقدم الشهود بشهادتهم حسبة لله لم تقبل منهم الشهادة، لأن الشهادة لا تقبل قبل قيام الدعوى، والدعوى هنا لا تقوم إلا بشكوى المقذوف(1).
7 - عقوبة القذف:
للقذف عقوبتان ثابتتان بنص الكتاب: إحداهما: الجلد وهو العقوبة الأصلية للقذف، فيجلد الحر ثمانين جلدة، لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [النور 4] وينصف في حق العبد عند الجمهور، وليس لأحد إسقاط عقوبة القذف أو العفو عنها، سوى المقذوف، لأنها حقه. والأخرى: عقوبة تبعية وهي عدم قبول الشهادة لقوله تعالى: { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ النور 4 ].
وعقوبة القذف تسقط بإسقاط المقذوف لها لأنها حق خاص له ، لا يُنفذ ولا يقام إلا بطلب منه.
***
__________
(1) - التشريع الجنائي 2/480(1/627)
221 -قرينة
1 - التعريف:
القَرِينَةُ في اللغة: مأخوذة من الاقتران، وهو المصاحبة، وقارن الشيء بالشيء ربطه به وضمه إليه، وتجمع القرينة على: قرائن(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: هي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا فتدل عليه.
وعرفها الجرجاني: بأنها أمر يشير إلى المطلوب(2).
وعرفت بأنها: استنباط أمر مجهول من أمر معلوم بناء على الغالب من الأحوال(3).
2 - مشروعية الاستدلال بالقرائن:
__________
(1) - لسان العرب مادة (قرن).
(2) - التعريفات صفحة ( 223 ).
(3) - مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والادعاء العام صفحة (5).(1/628)
ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية الاستدلال بالقرائن، مستدلين بالكتاب، والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } [يوسف 18]. قال ابن العربي رحمه الله: ( الآية الثالثة قوله تعالى: { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف 18 ]. فيها ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم، فروي في الإسرائيليات أن الله تعالى قرن بهذه العلامة علامة تعارضهما ; وهي سلامة القميص في التلبيب(1) ; والعلامات إذا تعارضت تعين الترجيح، فيقضى بجانب الرجحان ، وهي قوة التهمة لوجوه تضمنها القرآن، منها طلبهم إياه شفقة، ولم يكن من فعلهم ما يناسبها، فيشهد بصدقها، بل كان سبق ضدها، وهي تبرمهم به. ومنها أن الدم محتمل أن يكون في القميص موضوعا، ولا يمكن افتراس الذئب ليوسف، وهو لابس للقميص ويسلم القميص من تخريق وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات وتعارضها)(2).
وقال الجصاص رحمه الله: ( قوله تعالى: { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً } يدل على أن يعقوب عليه السلام قطع بخيانتهم وظلمهم وإن يوسف لم يأكله الذئب لما استدل عليه من صحة القميص من غير تخريق، وهذا يدل على أن الحكم بما يظهر من العلامة في مثله في التكذيب أو التصديق جائز; لأنه عليه السلام قطع بأن الذئب لم يأكله بظهور علامة كذبهم )(3).
__________
(1) - قال في لسان العرب: والتَّلْبيبُ من الإِنسان: ما في موضع اللَّبَبِ من ثيابه. ولَبَّبَ الرجلَ: جعل ثيابه في عُنقِه وصدره في الخصومة، ثم قَبَضه وجَرَّه. ( مادة : لبب )
(2) - أحكام القرآن لابن العربي 3/40
(3) - أحكام القرآن للجصاص 3/247(1/629)
ومن السنة ما جاء في الصحيحين، من قصة ابني عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: { هل مسحتما سيفيكما } ؟ قالا: لا، قال: { فأرياني سيفيكما } . فلما نظر فيهما، قال لأحدهما: { هذا قتله وقضى له بسلبه } (1).
قال ابن القيم رحمه الله: ( وهذا من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع، فالدم في النصل شاهد عجيب. وبالجملة: فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين، أو الأربعة، أو الشاهد لم يوف مسماها حقه. ولم تأت البينة قط في القرآن مرادا بها الشاهدان وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة مجموعة )(2).
3 - قوة القرائن في الدلالة:
القرائن منها ما يقوى حتى يفيد القطع، ومنها ما يضعف، ويمثلون لحالة القطع بمشاهدة شخص خارج من دار خالية خائفا مدهوشا في يده سكين ملوثة بالدم، فلما وقع الدخول للدار رئي فيها شخص مذبوح في ذلك الوقت يتشخط في دمائه، فلا يشتبه هنا في كون ذلك الشخص هو القاتل، لوجود هذه القرينة القاطعة. وأما القرينة غير قطعية الدلالة ولكنها ظنية أغلبية، فمنها القرائن العرفية أو المستنبطة من وقائع الدعوى وتصرفات الخصوم، فهي دليل أولي مرجح لزعم أحد المتخاصمين مع يمينه متى اقتنع بها القاضي ولم يثبت خلافها. والمقصود أن الشريعة لا ترد حقا ولا تكذب دليلا ولا تبطل أمارة صحيحة )(3).
4 - القرائن المعتبرة في الحدود:
تختلف القرائن المعتبرة في الحدود - عند من يقول بها - من حد لآخر.
فالقرينة المعتبرة في الزنى: هي ظهور الحمل في امرأة غير متزوجة، أو لا يعرف لها زوج ؛ والقرينة في شرب المسكر: الرائحة، والقيء، والسكر، ووجود الخمر عند المتهم ؛ وفي السرقة وجود المال المسروق عند المتهم، ووجود أثر للمتهم في موضع السرقة وغير ذلك.
__________
(1) - القصة في صحيح البخاري برقم ( 3141 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1752 ).
(2) - الطرق الحكمية صفحة ( 11 ).
(3) - الموسعة الفقهية 33/157(1/630)
5 - القرائن الحديثة:
من القرائن الحديثة: البصمات ، والتحاليل المخبرية ، وتشريح الجثث، والصور الفوتوغرافية ، وتسجيل الأصوات.
***(1/631)
222 -قسامة
1 - التعريف:-
القَسامةُ في اللغة: اسم من الإِقْسام ، وُضِع مَوْضِع المصدر ، وهي الجماعة يُقْسِمُون على الشيء أَو يُشهدون ، ويَمِينُ القَسامةِ منسوبة إِليهم(1).
وفي الاصطلاح هي: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم(2).
2 - مشروعية القسامة:
شرعت القسامة لصيانة الدماء وعدم إهدارها، حتى لا يهدر دم في الإسلام أو يطل، وكي لا يفلت مجرم من العقاب، قال علي لعمر رضي الله عنهما فيمن مات من زحام يوم الجمعة، أو في الطواف: يا أمير المؤمنين لا يطل دم امرئ مسلم، إن علمت قاتله، وإلا فأعطه ديته من بيت المال.
فالشريعة الإسلامية تحرص أشد الحرص على حفظ الدماء وصيانتها وعدم إهدارها، ولما كان القتل يكثر بينما تقل الشهادة عليه ; لأن القاتل يتحرى بالقتل مواضع الخلوات، جعلت القسامة حفظا للدماء.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن القسامة مشروعة وأنه يثبت بها القصاص أو الدية إذا لم تقترن الدعوى ببينة أو إقرار، ووجد اللوث(3).
__________
(1) - لسان العرب مادة ( قسم )
(2) - شرح منتهى الإرادات 3/329
(3) - الموسوعة الفقهية 33/168(1/632)
ودليل مشروعيتها: ما رواه الشيخان عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قُتِل وطرح في عين أو فقير(1)، فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمحيصة: ( كَبِّر كبر ) يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب )، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك، فكتبوا إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: ( أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ ) قالوا: لا، قال: ( فتحلف لكم يهود ؟ ) قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار ، فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء(2). وروى مسلم عن أبي سلمة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ، وزاد في رواية: وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود(3).
3 - شروط القسامة:
يشترط لصحة القسامة عشرة شروط هي:
الأول: أن يكون القاتل مكلفاً ; أي المدعى عليه بالقتل ; لتصح الدعوى ; لأنها لا تصح على صغير ولا مجنون.
__________
(1) - الفقير: البئر القريبة القعر، الواسعة الفم ، وقيل : هو الحفرة التي تكون حول النخل.
(2) - الحديث رواه البخاري برقم ( 3173 ) ومسلم برقم ( 1669 ).
(3) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 1670 ).(1/633)
الثاني: إمكان القتل منه ; أي: من المدعى عليه، فإن لم يمكنه أن يقتل كمريض وزمن لم تصح عليه دعوى، كبقية الدعاوى، وإن أقام المدعى عليه بينة أنه كان يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول لا يمكن مجيئه منه إليه في يوم واحد ; بطلت الدعوى.
الثالث: طلب جميع الورثة، فلا يكفي طلب بعضهم ; لعدم انفراده بالحق.
الرابع: اتفاقهم، أي جميع الورثة على الدعوى للقتل فلا يكفي عدم تكذيب بعضهم بعضا، إذ الساكت لا ينسب إليه حكم.
الخامس: اتفاقهم على القتل فإن أنكر القتل بعض الورثة فلا قسامة.
السادس: اتفاقهم على عين القاتل نصا، فلو قال بعض الورثة: قتله زيد، وقال بعضهم: قتله عمرو ; فلا قسامة، وكذا لو قال بعضهم: قتله زيد وقال بعضهم: لم يقتله زيد، عدلا كان المكذب أو فاسقا ; لإقراره على نفسه بتبرئة زيد، وكذا لو قال أحد ابني القتيل: قتله زيد، وقال الآخر: لا أعلم قاتله ; فلا قسامة كما لو كذبه ; لأن الأيمان أقيمت مقام البينة، ولا يجوز أن يقوم أحدهما مقام الآخر في الأيمان كسائر الدعاوى.
السابع: وصف القتل ; أي أن يصفه المدعي في الدعوى كأن يقول جرحه بسيف أو سكين ونحوه في محل كذا من بدنه أو خنقه أو ضربه بنحو لت في رأسه ونحوه فلا يعتد بحلف من المدعى عليه قَبْلَه، أي: قَبْل وصف مدعي القتل ; لعدم صحة الدعوى.
الثامن: اللوث وهو: العداوة الظاهرة ، سواء وُجِد معه أثر قتل كدم في أذنه أو أنفه ، أو لم يوجد ، لحصول القتل بما لا أثر له كضم الوجه والخنق وعصر الخصيتين ; ولأنه عليه الصلاة والسلام لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أو لا؟.(1/634)
التاسع: أن يكون في الورثة ذكورا مكلفين ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { يقسم خمسون رجلا منكم وتستحقون دم صاحبكم } (1) ؛ ولأن القسامة يثبت بها قتل العمد فلم تسمع من النساء كالشهادة ; ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل، ولا مدخل للنساء في إثباته.
العاشر: كون الدعوى على واحد لا أكثر، معين لا مبهم ; لقوله عليه الصلاة والسلام للأنصاري: { يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته } (2) ; ولأنها بينة ضعيفة خولف في قتل الواحد فيقتصر عليه، ويبقى على الأصل فيما عداه.
وبيان مخالفة الأصل بها أنها ثبتت باللوث شبهة مغلبة على الظن صدق المدعي. إذا تقرر هذا، فلو قالوا ورثة القتيل: قتله هذا مع آخر، فلا قسامة ; لأنها لا تكون إلا على واحد ; أو قالوا: قتله أحدهما، فلا قسامة ; لأنها لا تكون إلا على معين. ولا يشترط كون القسامة بقتل عمد ; لأن القسامة حجة شرعية، فوجب أن يثبت بها الخطأ كالعمد(3).
4 - من الذي يحلف في القسامة ؟
__________
(1) - الحديث في صحيح مسلم برقم ( 3173 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1669 ).
(2) - الحديث في صحيح مسلم برقم ( 3173 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1669 ).
(3) - أنظر مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهى 6/148 وما بعدها(1/635)
قال المرداوي: ( ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين فيحلفون خمسين يمينا ويختص ذلك بالوارث يعني العصبة على ما تقدم، وهذا المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام الخرقي، واختاره ابن حامد وغيره قال المصنف والشارح: هذا ظاهر المذهب ؛ وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والكافي والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم. وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث. نصرها جماعة من الأصحاب منهم الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما والشيرازي وابن البناء. قال الزركشي والقاضي : فيما أظن. فيقسم من عرف وجه نسبته من المقتول لا أنه من القبيلة فقط. ذكره جماعة وسأله الميمون يرحمه الله، إن لم يكن أولياء ؟ قال: فقبيلته التي هو فيها أو أقربهم منه. وظاهر كلام أبي بكر في التنبيه أنهم العصبة الوارثون)(1).
5 - قرار هيئة كبار العلماء رقم 41 وتاريخ 13/4/1396هـ المتعلق بالقسامة:-
__________
(1) - الإنصاف 10/146(1/636)
( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد: ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الآخر عام 1396هـ اطلع المجلس على ما سبق أن أجله من الدورة السابعة إلى الدورة الثامنة من بحث القسامة هل الورثة هم الذين يحلفون أيمان القسامة أو أن العصبة بالنفس هم الذين يحلفون ولو كانوا غير وارثين إذا كانوا ذكورا بالغين عقلاء ؟. وبعد استماع المجلس ما سبق أن أعد في ذلك من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها وتداول الرأي قرر المجلس بالأكثرية أن الذين يحلفون من الورثة هم الذكور البالغون العقلاء ولو واحدا، سواء كانوا عصبة أو لا، لما ثبت في الصحيحين من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة قتل اليهود لعبد الله بن سهل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحويَّصة ومحيَّصة وعبد الرحمن بن سهل: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟، قالوا: لا، وفي رواية يقسم منكم خمسون رجلا(1)؛ ولأنها يمين في دعوى حق فلا تشرع في حق غير المتداعين كسائر الأيمان ؛ وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ).
***
__________
(1) - الحديث في صحيح مسلم برقم ( 3173 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1669 ).(1/637)
223 -قصاص
1 - التعريف:
القصاص في اللغة: من القَصِّ وهو: أَخذ الشعر بالمِقَصّ، وأَصل القَصِّ القَطْعُ. يقال: قصَصْت ما بينهما أَي قطعت. والقِصاص في الجِراح مأْخوذ من هذا إِذا اقْتُصَّ له منه بِجرحِه مثلَ جَرْحِه إِيّاه أَو قتْله به. قال الفيومي: ثم غلب استعمال القصاص في قتل القاتل، وجرح الجارح وقطع القاطع(1).
وفي الاصطلاح: القصاص أن يُفعل بالفاعل الجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، وفقا لما حددته الشريعة الإسلامية.
2 - حكم القصاص:
__________
(1) - لسان العرب، والمصباح المنير مادة ( قصص)(1/638)
اتفق الفقهاء على أن حكم القصاص واجب على ولي الأمر إذا رفع إليه من مستحقه، ومباح طلبه من قبل مستحقه إذا استوفى شروطه، فله أن يطالب به، وله أن يصالح عليه، وله أن يعفو عنه، والعفو أفضل، ثم الصلح، وسواء في ذلك كله أن تكون الجناية على النفس أو على ما دونها، وذلك لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } [ البقرة 178 ]، وقوله سبحانه: { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [ الإسراء 33 ]، وقوله جل من قائل: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [المائدة 45]. وروى أبو داود والترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى ، وإما أن يقاد } (1). وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن الربيع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { كتاب الله القصاص } ، قال: فعفا القوم؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره } (2). ولأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى
__________
(1) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4505 ) والترمذي الحديث رقم ( 1406 ) والنسائي الحديث رقم ( 4703 ).
(2) - صحيح البخاري حديث رقم ( 2703، 4499، 4500، 4611 ).(1/639)
حفظه بالقصاص، فكان كالنفس في وجوب القصاص )(1).
3 - أنواع القصاص:
القصاص نوعان: قصاص في النفس، وقصاص فيما دون النفس، وبيانهما:
* أولا: القصاص في النفس:
ويشترط لوجوبه الشروط التالية:
1 - أن يكون القتل عمدا وعدوانا، وهذا باتفاق الفقهاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { من قتل عمدا فهو قود } رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة(2).
2 - أن يكون القاتل مكلفا ، أي يكون بالغا ، عاقلا ، غير مكره ؛ لحديث: { رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقض } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة(3). وقوله صلى الله عليه وسلم: { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } (4).
3 - أن يكون المقتول معصوم الدم ؛ فلا يكون حربيا، أو مرتدا لم يتب، ولا زانيا محصنا ثبت زناه عند القاضي.
4 - التكافؤ، بحيث لا يكون القاتل أفضل من المقتول بالإسلام أو الحرية، لقوله تعالى: { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } [ البقرة 178 ]، وقوله صلى الله عليه وسلم، { لا يقتل مسلم بكافر } (5).
5 - أن لا يكون القاتل والدا للمقتول، لحديث { لا يقتل والد بولده } (6).
* و يشترط لاستيفاء القصاص في النفس ثلاثة شروط:
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 33/260، 261
(2) - سنن أبي داود الحديث رقم (4539) وسنن النسائي الحديث رقم (4708) وسنن ابن ماجة الحديث رقم (2635).
(3) - سنن أبي داود حديث رقم (4398، 4399، 4402) والترمذي حديث رقم (1433) وابن ماجة حديث (2041).
(4) - رواه الحاكم في المستدرك حديث رقم ( 2801 ) وابن حبان في صحيحه حديث رقم ( 7219 )
(5) - رواه البخاري في صحيحه الحديث رقم ( 3047، 6903، 6915 ).
(6) - رواه الإمام أحمد في المسند برقم (348) والترمذي في برقم (1400) وابن ماجة في حديث رقم (2662).(1/640)
1 - أن يكون المستحق للدم بالغا، عاقلا، فإن كان مستحقه صبيا، أو مجنونا، لم ينب عنهما أحد في استيفائه، لا أب، ولا وصي، ولا حاكم، بل يحبس الجاني حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون، لأن معاوية رضي الله عنه، حبس هُدْبة بن خَشْرم ، في قصاص حتى بلغ ابن القتيل، وذلك في عصر الصحابة ولم ينكر عليه أحد، فكان كالإجماع.
2 - أن يتفق أولياء الدم جميعا على المطالبة باستيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به، فإن كان بعضهم غائبا، أو صغيرا، أو مجنونا، وجب انتظار الغائب حتى يرجع، والصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، لأن من كان له الخيار في أمر لم يجز الافتيات عليه.
3 - أن يؤمن في استيفاء القصاص تعديه إلى غير الجاني ، لقوله تعالى: { فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [الإسراء الآية 33 ] فلو لزم القصاص حاملا فلا يجوز استيفاؤه حتى تضع حملها، بلا خلاف، لأن قتل الحامل إسراف في القتل لتعديه إلى الجنين، لما رواه ابن ماجة عن معاذ ابن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { المرأة إذا قَتَلَت عمدا، لا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها } (1).
* ثانيا: القصاص في ما دون النفس :
المراد به ما ليس بقتل، ويشمل الجراح ، وقطع الأعضاء، ونحو ذلك، وهو المذكور في قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [ المائدة 45 ]؛ ولحديث أنس بن النضر في قصة الربيع، السابق. وأجمع العلماء على القصاص في ما دون النفس إن أمكن ؛ لأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص، فكان كالنفس في وجوب القصاص.
__________
(1) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2694 ).(1/641)
وعلى هذا كل من يقتص منه في النفس يقتص منه في ما دون النفس، من حر وعبد، ومن لا يقتص منه في النفس، كالأب مع ابنه، والحر مع العبد، والمسلم مع الكافر، لا يقتص منه في ما دون النفس من طرف وجرح، وغير ذلك فلا يقطع طرفه بطرفه لعدم التكافؤ.
ويقتص بالقطع وغيره من كل حر ومسلم وعبد وذمي بمثله ؛ ويقطع الذكر بالأنثى، والناقص بالكامل كالعبد بالحر، والكافر بالمسلم، لأن من جرى القصاص بينهم في النفس جرى في الأطراف.
* شروط القصاص في مادون النفس أربعة:
1 - العمد العدوان، فلا قصاص في الخطأ بالإجماع.
2 - إمكانية الاستيفاء بلا حيف، وذلك بأن يكون القطع من مفصل، أو ينتهي إلى حد، كمارن الأنف وهو ما لان منه دون قصبته، وهذا شرط مهم في القصاص في الجروح.
3 - المساواة في الاسم والموضع ، فالاسم كالعين بالعين، والأنف بالأنف، والموضع هو تماثل مكان العضو، فلا تقطع اليمين بالشمال وعكسه.
4 - مراعاة الصحة والكمال ، فلا يؤخذ عضو صحيح بعضو أشل ، من يد أو رجل أو إصبع ، ويصح أخذ الأشل بالصحيح بلا زيادة أرش ، لأن الأشل كالصحيح في الخلقة وإنما نقص في الصفة، ولأن الفعل الواحد لا يوجب مالا وقَوَداً في آن واحد(1).
4 - القصاص في النفس من الجماعة بالواحد:
__________
(1) - أنظر الفقه الحنبلي 4/33-36(1/642)
قال البهوتي: ( وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به، وانفرد لقوله تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } [ البقرة 179 ] لأنه إذا علم أنه متى قتل به أتلف به فلو لم يشرع القصاص في الجماعة بالواحد لبطلت الحكمة في مشروعية القصاص، ولإجماع الصحابة، فروى سعيد بن المسيب أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا ، وعن علي وابن عباس معناه، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان كالإجماع; لأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت على الجماعة كحد القذف والفرق بين قتل الجماعة والدية أن الدم لا يتبعض بخلاف الدية ؛ وإن لم يصلح فعل كل واحد من الجماعة للقتل; كما لو ضربه كل واحد منهم بحجر صغير فمات، فلا قصاص عليهم; لأنه لم يحصل من أحد منهم ما يوجب القود؛ ما لم يتواطئوا على ذلك الفعل ليقتلوه به فعليهم القصاص لئلا يتخذ ذريعة إلى درء القصاص )(1).
5 - القصاص في ما دون النفس من الجماعة بالواحد:
قال المرداوي: ( وإن اشترك جماعة في قطع طرف، أو جرح موجب للقصاص، وتساوت أفعالهم، مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا، حتى تبين: فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين، وهو المذهب، قال المصنف، والشارح: هذا أشهر الروايتين وهو الذي ذكره الخرقي ؛ قال الزركشي: هذا المذهب وصححه في التصحيح، وجزم به في الوجيز، والمنور، وغيرهما، وقدمه في الفروع وغيره؛ وعنه: لا قصاص عليهم؛ والحكم هنا كالحكم في قتل الجماعة بالواحد)(2).
5 - القصاص للجماعة من الواحد:
__________
(1) - كشاف القناع 5/530
(2) - الإنصاف 10/29(1/643)
قال البهوتي: ( وإن قتل واحد اثنين فأكثر واحدا بعد واحد أو دفعة واحدة، فاتفق أولياؤهم على قتله قتل لهم; لأن الحق لهم كما لو قتل عبدٌ عبيدا خطأ فرضوا بأخذه، ولأنهم رضوا ببعض حقهم كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء ، ولا شيء لهم سواه، أي سوى القتل ; لأنهم رضوا بقتله فلم يكن لهم سواه، وإن طلب أحدهم القصاص والباقون الدية فلهم ذلك ؛ وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول إن كان قتلهم واحدا بعد واحد، لأن حقه أسبق، ولأن المحل صار مستحقا له بالقتل ، وللباقين بعد الأول دية قتلاهم ، لأن القتل إذا فات تعينت الدية )(1).
6 - الفرق بين القصاص والحدود:
يذكر الفقهاء بعض الفروق بين القصاص والحد ومنها: -
1 - القصاص يورث، والحد لا يورث.
2 - القصاص يصح العفو فيه والحد لا يعفى فيه.
3 - التقادم في الشهادة لا يمنع قبولها في القصاص، بخلاف الحدود عدا القذف.
4 - تجوز الشفاعة في القصاص، ولا تجوز في الحدود بعد وصولها للحاكم.
5 - لا بد في القصاص من رفع دعوى إلى القضاء من ولي الدم، أما الحدود ما عدا القذف والسرقة، فلا يشترط فيها الادعاء الشخصي من صاحب المصلحة وإنما تصح فيها دعوى الحسبة.
6 - يثبت القصاص بإشارة الأخرس أو كتابته، أما الحدود فلا تثبت بهما لاشتمالها على الشبهة.
7 - لا يصح الرجوع عن الإقرار في القصاص، و يصح في الحدود.
7 - متى يستوفى القصاص في الجراح:
__________
(1) - كشاف القناع 5/555(1/644)
لا يجوز القصاص في الجراح حتى تندمل ، جاء في كشاف القناع: ( ويحرم أن يقتص من طرف قبل برئه، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني فقال: { حتى تبرأ } ثم جاء إليه فقال : أقدني فأقاده ، ثم جاء إليه فقال : يا رسول الله عرجت، فقال : { قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وأبطل عرجك } ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يقتص من جرح حتى يبرأ } رواه أحمد والدارقطني(1). ولأن الجرح لا يُدرى أيؤدي إلى القتل أم لا؟ فوجب أن ينتظر ليعلم حكمه؛ فإن فعل أي اقتص للطرف ، قبل برئه سقط حقه من سرايته فلو سرى الجرح بعد إلى نفسه فهدر للخبر، أو سرى القصاص إلى نفس الجاني فهدر)(2).
8 - لا يجوز استيفاء القصاص إلا بإذن السلطان:
قال في كشاف القناع: ( ولا يستوفى القصاص ولو في النفس إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا ؛ لأنه يفتقر إلى اجتهاده ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي ؛ فلو خالف الولي وفعل، أي اقتص بغير حضرة السلطان أو نائبه وقع الموقع لأنه استوفى حقه ؛ وله أي الإمام أو نائبه تعزيره لافتياته على السلطان )(3).
9 - مسقطات القصاص:
يسقط القصاص بواحد من الأمور التالية:
1 - العفو:
__________
(1) - مسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 6994 ) وسنن الدار قطني 3/88 كتاب الحدود والديات حديث رقم ( 24 ).
(2) - كشاف القناع 5/574
(3) - كشاف القناع 5/551(1/645)
فالقصاص حق لأولياء الدم ، فإذا عفوا عن القصاص عفواً مستوفياً لشروطه سقط القصاص بالاتفاق ; لأنه حق لهم فيسقط بعفوهم ، والعفو عن القصاص مندوب إليه شرعا لقوله تعالى: { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [البقرة 237] وقوله تعالى: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة 178] , وقوله سبحانه: { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [ المائدة 45 ] ؛ ولحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو.
قال البهوتي: ( أجمعوا على جواز العفو عن القصاص وأنه أفضل لقوله تعالى: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة 178 ]، والقصاص كان حتما على اليهود وحُرِّمَ عليهم العفو والدية، وكانت الدية حتما على النصارى وحُرِّمَ عليهم القصاص فخيرت الأمة بين القصاص وأخذ الدية والعفو تخفيفا ورحمة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرفع إليه أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو } رواه الخمسة إلا النسائي(1) من حديث أنس والقياس يقتضيه لأن القصاص حق له فجاز تركه كسائر الحقوق ؛ والعفو: المحو والتجاوز )(2).
2 - الصلح:
__________
(1) - رواه أحمد في المسند برقم (12808) وأبو داود برقم (4497) والنسائي برقم (4702) وابن ماجة (2692).
(2) - كشاف القناع 5/557(1/646)
اتفق الفقهاء على جواز الصلح بين القاتل وولي القصاص على إسقاط القصاص بمقابل بدل يدفعه القاتل للولي من ماله، ولا يجب على العاقلة; لأن العاقلة لا تعقل العمد، ويسمى هذا البدل بدل الصلح عن دم العمد، ثم إذا كان الولي أو الأولياء كلهم عاقلين بالغين جاز أن يكون بدل الصلح هو الدية أو أقل منها أو أكثر منها، من جنسها أو من غير جنسها، حالا أو مؤجلا على سواء، لأن الصلح معاوضة ، فيكون على بدل يتفق عليه الطرفان بالغا ما بلغ ما داما عاقلين بالغين. ( راجع مصطلح: صلح )
3 - موت الجاني ( فوات المحل ):
قال البهوتي: ( إن مات القاتل ، أو قتل وجبت الدية في تركته، لأنه تعذر استيفاء القود من غير إسقاط، كتعذره في طرفه، أي تعذر القود في طرف الجاني لقطع أو شلل؛ وكقتل غير المكافئ وإن لم يخلف الجاني تركة سقط الحق؛ يعني لم تطالب به عاقلته لأنها لا تحمل العمد المحض )(1).
4 - الأبوة والأمومة:
لا يقتل والد بولده وإن سفل ، والجد لا يقتل بولد ولده ، وإن نزلت درجته ، سواء في ذلك ولد البنين أو ولد البنات ، لحديث { لا يقتل والد بولده } (2)، والأم في ذلك كالأب في الصحيح من المذهب؛ ويقتل الولد بكل واحد من الوالدين في قول عامة أهل العلم، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة(3).
5 - الإسلام:
قال البهوتي: ( ولا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر ذمي، في قول أكثر العلماء منهم عمر وعثمان وعلي، وزيد لقوله صلى الله عليه وسلم: { لا يقتل مسلم بكافر } رواه البخاري(4) ، ولأنه منقوض بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن)(5).
__________
(1) - كشاف القناع 5/544
(2) - رواه الإمام أحمد في المسند برقم ( 348 ) والترمذي برقم ( 1400 ) وابن ماجة برقم ( 2662).
(3) - الفقه الحنبلي 4/32
(4) - رواه البخاري في صحيحه الحديث رقم ( 3047، 6903، 6915 ).
(5) - كشاف القناع 5/540(1/647)
وقال المرداوي: ( ولا يقتل مسلم بكافر، ولو ارتد ، ولا حر بعبد ؛ هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب وقال في الفروع: ويتوجه يقتل حر بعبد ومسلم بكافر وإن الخبر في الحربي كما يقطع بسرقة ماله قال: وفي كلام بعضهم: حكم المال غير حكم النفس بدليل القطع بسرقة مال زان وقاتل في محاربة ولا يقتل قاتلهما والفرق: أن مالهما باق على العصمة كمال غيرهما وعصمة دمهما زالت)(1).
وقال أيضاً: ( ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به ؛ يعني: إذا قتل عبد عبدا أو ذمي أو مرتد ذميا أو جرحه ثم أسلم القاتل أو الجارح أو عتق ويموت المجروح: فإنه يقتل به على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب قال في الفروع: قتل به في المنصوص قال المصنف والشارح: ذكره أصحابنا وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والزركشي وغيرهم، وقيل: لا يقتل به وهو احتمال في المغني وغيره وهو ظاهر نقل بكر كإسلام حربي قاتل )(2).
__________
(1) - الإنصاف 9/469
(2) - الإنصاف 9/470(1/648)
وجاء في مطالب أولي النهى: ( ولا يقتل مسلم ولو ارتد، بعد القتل بكافر كتابي أو غيره ذمي أو معاهد، روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية ; لحديث: { المسلمون على شروطهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يقتل مؤمن بكافر } رواه أحمد، وأبو داود(1)، وفي لفظ: { لا يقتل مسلم بكافر } رواه البخاري(2) وأبو داود وعن علي: من السنة أن لا يقتل مؤمن بكافر؛ رواه أحمد ولأن القصاص يقتضي المساواة، ولا مساواة بين الكافر والمسلم، والعمومات مخصوصة بهذه الأحاديث، وحديث: أنه عليه الصلاة والسلام أقاد مسلما بذمي، وقال: أنا أحق من وفى بذمته، رواه ابن السلماني قال أحمد: هو ضعيف إذا أسند، فكيف إذا أرسل؟)(3).
6 - الحرية:
قال في الإنصاف: ( ولا يقتل حر بعبد، هذا المذهب وعليه الأصحاب وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: ليس في العبد نصوص صريحة صحيحة تمنع قتل الحر به وقوَّى أنه يُقتل به وقال: هذا الراجح وأقوى على قول الإمام أحمد رحمه الله )(4).
7 - إرث القصاص:
__________
(1) - الحديث في مسند الإمام احمد برقم ( 994 ) وفي سنن أبى داود برقم ( 3751 ) وليس فيهما ذكر الشروط
(2) - رواه البخاري في صحيحه الحديث رقم ( 3047، 6903، 6915 ).
(3) - مطالب أولي النهى 6/32-33
(4) - الإنصاف 9/469(1/649)
قال في كشاف القناع: ( فلو قتل أحد الزوجين الآخر وله ولد، فلا قود لأنه لو وجب لوجب لولده، وإذا لم يجب للولد بالجناية فعلى غيره أولى، وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى، أو كان للمقتول من يشاركه في الميراث، لأنه لو وجب لثبت له حرمته ولا يمكن وجوبه وإذا سقط بعضه سقط كله، لأنه لا يتبعض كما لو عفا أحد الشريكين، أو قتل رجل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها زوجها القاتل، أو ورثها ولده، لم يجب القصاص سواء كان لها ولد من غيره أو لا لأنه ورث هو أو ولده شيئا من دمه وهو لا يتبعض، أو قتلت المرأة أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها بموت زوجها الوارث لأخيه أو قتل رجل أخاه فورثه ابن القاتل، أو ورثه أحد يرث ابنه منه شيئا لم يجب القصاص لإرث ولده جزءا من دمه وإذا قتل أحد أبوي المكاتبِ المكاتبَ، لم يجب القصاص لعموم ما سبق، أو قتل أحدهما عبدا له، أي للمكاتب لم يجب القصاص، لأنه لو وجب لكان للمكاتب ولا يثبت له قصاص على أبويه كما لو قتلاه، وأولى)(1).
10 - تحريك الدعوى في القصاص:
دعوى القصاص لابد فيها من وجود مطالبة من المجني عليه، أو ورثته، أو وكيله، لأنها دعوى شخصية، فلا تقبل فيها دعوى المدعى العام، لأن المدعي بها يملك إسقاطها، أو التنازل عنها مقابل دية، أو أرش.
11 - آلة استيفاء القصاص:
لا يجوز استيفاء القصاص إلا بالسيف، سوى كانت الجناية به أو بغيره، لعموم حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لا قود إلا بالسيف } رواه ابن ماجة والدارقطني(2) ، من غير طريق وقال أحمد: ( ليس إسناده بجيد ) ؛ ويدخل قود العضو في قود النفس، لأن القصاص حد بدل النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كاليد (3).
12 - هل يجوز تخدير الجاني عند استيفاء القصاص ؟
__________
(1) - كشاف القناع 5/544
(2) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2667 ) وسنن الدار قطني 3/87 كتاب الحدود والديات الحديث رقم (20 ).
(3) - أنظر: كشاف القناع 5/553(1/650)
لا يجوز استيفاء القصاص تحت تأثير المخدر ، وقد بينا تفصيل ذلك والقرارات الصادرة بهذا الخصوص ، في مصطلح ( بنج ).
13 - سراية القصاص:
قال ابن قدامة: ( وسراية القود غير مضمونة، ومعناه أنه إذا قطع طرفا يجب القود فيه فاستوفى منه المجني عليه، ثم مات الجاني بسراية الاستيفاء، لم يلزم المستوفي شيء، وبهذا قال الحسن، وابن سيرين، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وابن المنذر ، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي رضي الله عنهم )(1).
وقال المرداوي: ( وسراية القود غير مضمونة، فلو قطع اليد قصاصا، فسرى إلى النفس: فلا شيء على القاطع، بلا نزاع ؛ لكن لو اقتص قهرا مع حر أو برد، أو بآلة كالة أو مسمومة ونحوه: لزمه بقية الدية على الصحيح من المذهب )(2).
***
__________
(1) - المغني 8/267
(2) - الإنصاف 10/30(1/651)
224 -قصد
1 - التعريف:
القَصْدُ لغة: الاعتمادُ والأَمُّ، قَصَدَه يَقْصِدُه قَصْداً وقَصَدَ له وأَقْصَدَني إِليه الأَمرُ، وهو قَصْدُكَ وقَصْدَكَ أَي تُجاهَك، وكونه اسماً أَكثر في كلامهم. والقَصْدُ: إِتيان الشيء. تقول: قَصَدْتُه وقصدْتُ له وقصدْتُ إِليه بمعنى(1).
وعند الفقهاء هو: العزم المتجه نحو إنشاء فعل.
والقصد في المصطلح الجنائي: هو اتجاه الإرادة للفعل أو الترك المعاقب عليه؛ وهو الذي يحدد الركن المعنوي للجريمة. ( للمزيد راجع مصطلح: إرادة ).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( قصد )(1/652)
225 -قضاء
1 - التعريف:
القَضاء في اللغة: الحُكْم، والقَطْع والفصل. يقال: قَضَى يَقْضِي قَضاءً فهو قاضٍ إِذا حَكَمَ وفَصَلَ. وقَضاء الشيء: إِحْكامُه وإِمْضاؤُه والفراغ منه؛ وجمعه أقضية(1).
قال ابن فارس(2): القضاء الحُكم ، قال الله سُبحانه: { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ } { طه 72 } أي اصنَعْ واحكُمْ؛ ولذلك سمّي القاضي قاضيًا، لأنَّه يحكم الأحكامَ ويُنْفِذُها، وسمّيت المنيّةُ قضاءً لأنّه أمر يُنْفَذُ في ابن آدم وغيرِه من الخَلْق، قال الحارث بن حِلّزة:
وثمانونَ من تميمٍ بأيديـ ـهِمْ رماحٌ صُدورهنَّ القضاءُ
وفي الاصطلاح: هو الإلزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات(3).
2 - مشروعية القضاء:
الأصل في مشروعية القضاء الكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قول الله تعالى: { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ ص26]. وقول الله تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } [ المائدة 49 ]. وقوله تعالى: { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } [ النور 48 ]. وقوله تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء 65 ].
ومن السنة ما روى عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: { إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر } متفق عليه(4). وبعث صلى الله عليه وسلم علياً ومعاذاً رضي الله عنهما إلى اليمن قاضيين.
__________
(1) - لسان العرب مادة:( قضي ).
(2) - معجم المقاييس في اللغة مادة ( قضي ).
(3) - كشاف القناع 6/285
(4) - صحيح البخاري حديث رقم ( 7352 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 1716 ).(1/653)
ونقل ابن قدامة الإجماع على مشروعية القضاء فقال: ( وأجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاة، والحكم بين الناس )(1).
3 - فضل القضاء:
قال ابن قدامة: ( القضاء من فروض الكفايات; لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه، فكان واجبا عليهم ، كالجهاد والإمامة. قال أحمد: لا بد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به ، وأداء الحق فيه، ولذلك جعل الله فيه أجرا مع الخطأ، وأسقط عنه حكم الخطأ، ولأن فيه أمرا بالمعروف ، ونصرة المظلوم ، وأداء الحق إلى مستحقه، وردا للظالم عن ظلمه، وإصلاحا بين الناس، وتخليصا لبعضهم من بعض، وذلك من أبواب القرب ; ولذلك تولاه النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبله، فكانوا يحكمون لأممهم، وبعث عليا إلى اليمن قاضيا، وبعث أيضا معاذا قاضيا. وقد روي عن ابن مسعود، أنه قال: لأن أجلس قاضيا بين اثنين، أحب إلي من عبادة سبعين سنة. وعن عقبة بن عامر، قال: جاء خصمان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اقض بينهما. قلت: أنت أولى بذلك. قال: وإن كان. قلت: علام أقضي قال: اقض، فإن أصبت فلك عشرة أجور، وإن أخطأت فلك أجر واحد } . رواه سعيد بن منصور في سننه(2) )(3) .
4 - القضاء مسؤولية عظيمة:
__________
(1) - المغني 14/5
(2) - الحديث في سنن الدار قطني 4/203 كتاب الأقضية والأحكام الحديث رقم ( 1، 2، 3 ).
(3) - المغني 14/5(1/654)
القضاء مع ما فيه من الفضل، فإن فيه مسؤولية عظيمة ومهمة شاقة، وكيف لا يكون ذلك وهو يتعلق بحقوق الناس وفصل الخصومات بينهم، وقد بيَّن ابن قدامة رحمه الله خطر القضاء فقال: ( وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه، ولذلك كان السلف، رحمة الله عليهم، يمتنعون منه أشد الامتناع، ويخشون على أنفسهم خطره. قال خاقان بن عبد الله: أُريد أبو قلابة على قضاء البصرة، فهرب إلى اليمامة، فأريد على قضائها، فهرب إلى الشام، فأريد على قضائها، وقيل: ليس هاهنا غيرك. قال: فانزلوا الأمر على ما قلتم، فإنما مثلي مثل سابح وقع في البحر، فسبح يومه، فانطلق، ثم سبح اليوم الثاني، فمضى أيضا، فلما كان اليوم الثالث فترت يداه. وكان يقال: أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة. ولعظم خطره قال النبي صلى الله عليه وسلم: { من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين } (1) قال الترمذي: هذا حديث حسن وقيل في هذا الحديث: إنه لم يخرج مخرج الذم للقضاء، وإنما وصفه بالمشقة; فكأن من وليه قد حمل على مشقة، كمشقة الذبح)(2).
5 - جهات التقاضي في المملكة:
* أولا: القضاء العام ( الشرعي )
القضاء الشرعي في المملكة هو صاحب الولاية العامة في نظر جميع القضايا سواء كانت جنائية أم حقوقية، ويستثنى من ذلك ما خرج بنص نظامي صادر من ولي الأمر، وقد بينت المادة السادسة والعشرون من نظام القضاء ذلك بالنص التالي: ( تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما يستثنى بنظام وتبين قواعد اختصاص المحاكم في نظامي المرافعات والإجراءات الجزائية، ويجوز إنشاء محاكم متخصصة بأمر ملكي بناءا على اقتراح مجلس القضاء الأعلى).
وبينت المادة الخامسة من النظام ترتيب المحاكم على النحو التالي:
ا - مجلس القضاء الأعلى. ب - محكمة التمييز.
__________
(1) - رواه أحمد في المسند برقم (7105) وأبو داود برقم (3571) والترمذي برقم (1325) وابن ماجة برقم (2308).
(2) - المغني 14/6(1/655)
ج - المحاكم العامة. د - المحاكم الجزئية.
وتختص كل واحدة من هذه المحاكم بنوع من القضايا ورد النص على دخولها في اختصاصها .وسنذكر نبذة مختصرة عن اختصاص هذه الجهات القضائية حسبما حددته الأنظمة والتعليمات الخاصة بالقضاء.
أ - مجلس القضاء الأعلى:
ويتألف من أحد عشر عضواً بينتهم المادة السادسة من نظام القضاء على النحو التالي:
ا - خمسة أعضاء متفرغين بدرجة رئيس محكمة تمييز يعينون بأمر ملكي، ويكونون هيئة المجلس الدائمة ويرأسها أقدامهم في السلك القضائي.
ب- خمسة أعضاء غير متفرغين وهم رئيس محكمة التمييز أو نائبه ووكيل وزارة العدل وثلاثة من أقدم رؤساء المحاكم العامة في المدن الآتية: مكة، الرياض، جدة، الدمام، جازان، ويكونون مع الأعضاء المشاركين إليهم في الفقرة سابقة هيئة المجلس العامة ويرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى.
* اختصاص مجلس القضاء الأعلى:
بينت المادة الثامنة من النظام اختصاص المجلس على النحو التالي:
1- النظر في المسائل الشرعية التي يرى وزير العدل ضرورة تقرير مبادئ عامة شرعية فيها.
2- النظر في المسائل التي يرى ولي الأمر ضرورة النظر فيها من قبل المجلس.
3- إبداء الرأي في المسائل المتعلقة بالقضاء بناءا على طلب وزير العدل.
4- مراجعات الأحكام الصادرة بالقتل أو القطع أو الرجم.
ب - محكمة التمييز:
تتألف محكمة التمييز حسب نص ( المادة العاشرة ) من نظام القضاء من رئيس، وعدد كاف من القضاة، يسمى من بينهم نواب للرئيس حسب الحاجة، وحسب ترتيب الأقدمية المطلقة. وتكون بها دائرة لنظر القضايا الجزائية، ودائرة لنظر قضايا الأحوال الشخصية ودائرة لنظر القضايا الأخرى، ويجوز تعدد هذه الدوائر بقدر الحاجة ويرأس كل دائرة الرئيس أو نوابه. وبينت ( المادة الثامنة ) من النظام أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز تتكون من جميع قضاتها العاملين فيها.
* القرارات الصادرة من محكمة التمييز(1/656)
ورد في (المادة الثالثة عشرة) من النظام النص التالي: تصدر القرارات من محكمة التمييز من ثلاثة قضاة ماعدا قضايا القتل والرجم والقطع تصدر من خمسة قضاة. وورد في (المادة التاسعة عشرة) النص التالي: مع عدم الإخلال بما ورد في المادة (14) تصدر قرارات الهيئة العامة بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين وإذا تساوت الآراء يرجح الجانب الذي فيه الرئيس.
ج - المحاكم العامة.
نصت (المادة الثانية والعشرون) من نظام القضاء على أن المحكمة العامة تؤلف من قاض أو أكثر ويكون تأليفها وتعيين مقرها وتحديد اختصاصا بقرار من وزير العدل بناءا على اقتراح مجلس القضاء الأعلى .
* الأحكام الصادرة من المحاكم العامة:
بينت المادة الثالثة والعشرون من نظام القضاء كيفية صدور أحكام المحاكم العامة بالنص التالي: ( تصدر الأحكام في المحاكم العامة من قاض فرد ويستثنى من ذلك قضايا القتل والرجم والقطع غيرها من القضايا التي يحددها النظام فتصدر من ثلاثة قضاة ).
* اختصاص المحاكم العامة:
بينت المادتان ( 129 - 130) من نظام الإجراءات الجزائية اختصاص المحاكم العامة على النحو التالي:
1 - تختص المحكمة العامة بالفصل في القضايا التي تخرج عن اختصاص المحكمة الجزئية، المنصوص عليه في المادة الثامنة والعشرين بعد المائة، أو أي قضية أخرى يعدها النظام ضمن الاختصاص النوعي لهذه المحكمة، ولها على وجه الخصوص منعقدة من ثلاثة قضاة الفصل في القضايا التي يطلب فيها الحكم بعقوبة القتل، أو الرجم، أو القطع، أو القصاص فيما دون النفس. ولا يجوز لها أن تصدر حكما بعقوبة القتل تعزيرا إلا بالإجماع، وإذا تعذر الإجماع على الحكم بالقتل تعزيزاً فيندب وزير العدل اثنين من القضاة لينضما إلى القضاة الثلاثة ويكون صدور الحكم منهم بالقتل تعزيراً بالإجماع أو الأغلبية.
2 - تختص المحكمة العامة في البلد الذي ليس فيه محكمة جزئية بما تختص به المحكمة الجزئية.
د - المحاكم الجزئية.(1/657)
نصت (المادة الرابعة والعشرون) من نظام القضاء على أن المحكمة الجزئية تتألف من قاض أو أكثر ويكون تأليفها وتعيين مقرها وتحديد اختصاصها بقرار من وزير العدل بناءا على اقتراح مجلس القضاء الأعلى.
* الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية:
بينت المادة الخامسة والعشرون من النظام أن الأحكام تصدر في المحاكم الجزئية من قاض فرد.
* اختصاص المحاكم الجزئية:
بينت المادة ( 128) من نظام الإجراءات اختصاص المحاكم الجزئية الجزائية بالنص التالي : تختص المحكمة الجزئية بالفصل في قضايا التعزيزات إلا بما يستثنى بنظام، وفي الحدود التي لا إتلاف فيها، وأروش الجنايات التي لا تزيد على ثلث الدية.
ثانيا: القضاء الإداري.
* ديوان المظالم:
أ - استقلالية ديوان المظالم:
نصت المادة الأولى من نظام ديوان المظالم على أن الديوان هيئة قضاء إداري مستقلة ترتبط مباشرة بجلالة الملك ؛ ويكون مقره مدينة الرياض ويجوز بقرار من رئيس الديوان إنشاء فروع له حسب الحاجة.
ب - تأليف ديوان المظالم:
بينت المادة الثانية من نظام الديوان أنه يتألف من رئيس بمرتبة وزير، ونائب رئيس أو أكثر، وعدد من النواب المساعدين والأعضاء ذوي التخصص في الشريعة والأنظمة، ويلحق به العدد الكافي من الموظفين الفنيين والإداريين وغيرهم.
ج - اختصاص الديوان:
بينت المادة السادسة من نظام الديوان أنه يباشر اختصاصات عن طريق دوائر يحدد عددها وتشكيلها واختصاصها النوعي والمكاني بقرار من رئيس الديوان.
وبينت المادة الثامنة من النظام أن ديوان المظالم يختص بالفصل فيما يأتي:
أ - الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والتقاعد لموظفي ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامية المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم.(1/658)
ب - الدعاوى المقامة من ذوي الشأن بالطعن في القرارات الإدارية متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة النظم واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. ويعتبر في حكم القرار الإداري رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقاً للأنظمة واللوائح.
ج - دعاوى التعويض الموجهة من ذوى الشأن إلى الحكومة والأشخاص ذوى الشخصية العامة المستقلة بسبب أعمالها.
د -… الدعاوى المقدمة من ذوى الشأن في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون الحكومة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة طرفاً فيها.
هـ - الدعاوى التأديبية التي ترفع من هيئة الرقابة والتحقيق.
و - الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب جرائم التزوير المنصوص عليها نظاماً، والجرائم المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة، والجرائم المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/11/77هـ والجرائم المنصوص عليها في نظام مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 77 وتاريخ 23/10/95هـ.
وكذلك الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في الأنظمة إذا صدر أمر من رئيس مجلس الوزراء إلى الديوان بنظرها.
ز -… طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية.
ح - الدعاوى التي من اختصاص الديوان بموجب نصوص نظامية خاصة.
* اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي:
أسند الاختصاص في كثير من المنازعات والقضايا إلى هيئات قضائية ولجان إدارية تابعة لجهات متعددة، نذكر منها بإيجاز(1):
1 - هيئة حسم المنازعات التجارية.
2 - لجان مكافحة الغش التجاري.
3 - لجان إدارة الفنادق.
4 - اللجان الجمركية.
5 - لجان نظام المطبوعات.
6- لجان تسوية خلافات العمل والعمال.
7 - هيئة محاكمة الوزراء.
__________
(1) - أنظر تفصيل هذه الهيئات واللجان في كتاب: د/ ناصر الغامدي، الاختصاص القضائي صفحة 128-144
8 - المجالس التأديبية العسكرية.
9 - هيئة تأديب الموظفين.
***(1/659)
226 -قطع
1 - التعريف:
القطع لغة: الفصل والإبانة. قال ابن فارس: القاف والطاء والعين أصلٌ صحيحٌ واحد، يدل على صَرْمِ وإبانة شئ من شئ. يقال: قطعتُ الشيءَ أقطعه قَطْعًا(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: القطع هو إبانة بعض الجسم(2).
والمراد بالقطع هنا: القطع الواجب في جناية ، إما حدا أو قصاصا.
2 - الجرائم الموجبة للقطع:
1 - السرقة :
يجب على الإمام إقامة حد السرقة على سارق النصاب من حرز مثله إذا رفع إليه، وثبتت السرقة عنده لقوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [المائدة 38] وحديث: { تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا } . ( راجع التفاصيل الواردة في مصطلح: سرقة )
2 - الحرابة:
لا خلاف بين الفقهاء في أن من بين عقوبات المحاربين قطع أيديهم وأرجلهم، قال تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } [المائدة 33]. (راجع التفصيل في مصطلح: حرابة)
3 - الاعتداء على ما دون النفس بالقطع:
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة مادة ( قطع ).
(2) - شرح حدود بن عرفة صفحة ( 479 ) مادة ( قطع ).(1/660)
إذا حصل الاعتداء على ما دون النفس عمدا، ونتج عن هذا الاعتداء قطع أحد الأطراف، أو الأصابع، ونحوها، وجب القصاص بشرط مطالبة المجني عليه أو وليه بذلك. لقوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [ المائدة 45]. وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة الربيع بنت النضر بن أنس: { كتاب الله القصاص } (1). ( راجع مصطلح: قصاص ).
***
__________
(1) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 2703، 4499، 4500، 4611 ).(1/661)
227 -قوادة
1 - التعريف:
القُوَادةُ في اللغة: التوسط في فعل الفاحشة. جاء في المصباح المنير: ورجل قوَّادٌ في الدياثة، وهو استعارة قريبة المأخذ. وقال الفارابي: الكَلْتَبَانة الْقوَّادةُ. وقال في مجمع البحرين في ظلم ويقال ظُلْمَةُ امرأة من هذيل كانت فاجرة في شبابها فلما أسنت قادت وضُرِب بها المثل فقيل أقْوَد من ظلمة (1).
وفي الاصطلاح: القُوادة السعي بين الرجل والمرأة بالفجور وهي فعل القواد(2). والقوَّاد : هو المتوسط في فعل الحرام(3).
والقوَّادة: هي التي تجمع بين الرجال والنساء على الفاحشة(4).
2 - حكم القوادة:
القوادة محرمة، وهي من كبائر الذنوب، ومن رذائل الأخلاق، وحكمها حكم الدياثة، وقد سبق بيان حكم الدياثة والفرق بينها وبين القوادة، فيرجع إلى ذلك في مصطلح ( دياثة ).
3 - عقوبة القوادة:
عقوبة القوادة التعزير البليغ بما يراه القاضي زاجراً ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن امرأة قوادة تجمع الرجال والنساء ، وقد ضربت ، وحبست ، ثم عادت تفعل ذلك ، وقد لحق الجيران الضرر بها : فهل لولي الأمر نقلها من بينهم ، أم لا ؟
__________
(1) - المصباح المنير، مادة ( قود ).
(2) - الموسوعة الفقهية ( 21/96 ).
(3) - السياسة الشرعية لابن تيمية صفحة ( 98 ).
(4) - أسنى المطالب في شرح روضة الطالب 2/132(1/662)
فأجاب قائلاً: ( نعم , لولي الأمر كصاحب الشرطة أن يصرف ضررها بما يراه مصلحة: إما بحبسها , وإما بنقلها عن الحرائر ; وإما بغير ذلك مما يرى فيه المصلحة, وقد كان عمر بن الخطاب يأمر العزاب أن لا تسكن بين المتأهلين , وإن لا يسكن المتأهل بين العزاب ; وهكذا فعل المهاجرون لما قدموا المدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ; ونفوا شابا خافوا الفتنة به من المدينة إلى البصرة , وثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى المخنثين و أمر بنفيهم من البيوت ؛ خشية أن يفسدوا النساء . فالقوادة شر من هؤلاء , والله يعذبها مع أصحابها )(1).
وقال أيضاً: ( والقوادة التي تفسد النساء والرجال ما يجب عليها الضرب البليغ وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض هذا في النساء والرجال وإذا ركبت دابة وضمت عليها ثيابها ونودي عليها هذا جزاء من يفعل كذا وكذا كان من أعظم الجرائم إذ هي بمنزلة عجوز السوء امرأة لوط وقد أهلكها الله تعالى مع قومها )(2).
وجاء في مطالب أولي النهى: ( والقوادة : التي تفسد النساء والرجال تعزر بليغا وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الناس , وقال الشيخ: لولي الأمر صرف ضررها إما بحبسها أو بنقلها عن الجيران، دفعا لمفسدتها )(3).
***
__________
(1) - الفتاوى الكبرى ( 3/412 )
(2) - الفتاوى الكبرى ( 5/534 )
(3) - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 6/226، وأنظر : كشاف القناع ( باب التعزير ).(1/663)
حرف الكاف
228 -كبتاجون
1 - التعريف: -
الكبتاجون: اسم غير عربي، ويطلق على نوع من أنواع الحبوب المنبهة.
2 - حكم استعمال حبوب الكبتاجون:
استعمال الكبتاجون، محرم لما ثبت من أضرار ناتجة عنها، وقد بينا حكم استعمال المخدرات عموما في مصطلح ( مخدرات ) فينظر هناك.
3 - إدراج الكبتاجون ضمن المواد المخدرة: -
صدر قرار مجلس الوزراء رقم 110 وتاريخ 17/5/1406هـ المتضمن إدراج حبوب الكبتاجون ضمن المواد المخدرة المدرجة بتعميم وزارة الصحة رقم 243/1432/27 وتاريخ 13/5/1392هـ، وجاء فيه النص التالي:-
(...إدراج مادة الكبتاجون ضمن المواد المخدرة المدرجة بتعميم وزارة الصحة رقم 243/1432/27 وتاريخ 13/5/1392هـ، الموافق عليه بقرار مجلس الوزراء رقم 1798 وتاريخ 27/9/1392هـ لتقع تحت طائلة التحريم والعقوبات المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء رقم 11 لعام 1374هـ ).
4 - عقوبة استعمال أو ترويج أو حيازة الكبتاجون:
العقوبة المقررة لاستعمال أو ترويج أو حيازة الكبتاجون هي العقوبة المقررة للمخدرات، وسيأتي بيانها في مصطلح : مخدرات.
229 -كحول ( أنظر مصطلح: مسكر )
***(1/664)
230 -كفالة
1 - التعريف:
الكفالة لغة: من كفل المال وبالمال: ضمنه وَكَفَلَ بِالرَّجُلِ يَكْفُلُ وَيَكْفُلُ كِفْلاً وَكُفُولاً، وكفالة، وكَفَلَ وكَفِلَ وتكفل به كله: ضمنه، وأكفله إياه وكفله: ضمنه، وكفلت عنه المال لغريمه وتكفل بدينه تكفلا(1).
وفي الاصطلاح: هي أن يلتزم شخص رشيد بإحضار بدن من يلزم حضوره في مجلس الحكم(2).
وعرفها الحنفية بأنها: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة مطلقا بنفس أو دين أو عين(3).
2 - مشروعية الكفالة:
الكفالة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: { قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) } [ يوسف 72 ]. أي كفيل: ضامن ، وقوله تعالى: { سَلْهُمْ أَيُّهُمْ y7د9¨xخ/ زَعِيمٌ } [ القلم 40 ] ، أي: كفيل.
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: { العارية مؤداة، والزعيم غارم والدين مقضي } (4)، قال الخطابي وغيره: الزعيم الكفيل، والزعامة الكفالة.
وما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل ليصلي عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا، قال أبو قتادة: هو عليَّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالوفاء؟ قال: بالوفاء ، فصلى عليه } (5). قال ابن المنذر رحمه الله: ( وأجمعوا على أن الرجل إذا ضمن عن الرجل لرجل مالاً معلوماً بأمره، أن الضمان لازم له، وله أن يأخذ ممن ضمن عليه )(6).
3 - محل الكفالة:
قد تكون الكفالة بالمال، ويطلق عليها كثير من الفقهاء: الضمان، وقد تكون بالنفس، ويطلق عليها البعض: كفالة البدن، وكفالة الوجه.
__________
(1) - أنظر لسان العرب، وكتاب العين مادة ( كفل ).
(2) - أنظر شرح منتهى الإرادات 2/130
(3) - رد المحتار على الدر المختار 5/281
(4) - رواه الترمذي حديث رقم ( 1265، 2120 ).
(5) - رواه البخاري حديث رقم ( 2291 ).
(6) - الإجماع صفحة ( 141 ).(1/665)
* أولا - كفالة المال:
قد يكون المكفول به دينا، وقد يكون عينا، والحكم يتغير في كل حالة.
ويشترط الفقهاء لصحة كفالة الدين: أن يكون دينا صحيحا، وأن يكون واجبا في الذمة. ويقصد بكفالة العين: أن يلتزم الكفيل برد نفس العين إن كانت قائمة، وبرد مثلها أو قيمتها إذا تلفت، وللفقهاء في حكم كفالة الأعيان تفصيل يرجع إلى ثبوت الحق في ذمة الأصيل أو عدم ثبوته.
* ثانيا - كفالة النفس:
وهي التزام الكفيل بإحضار المكفول إلى المكفول له أو إلى مجلس الحكم أو نحو ذلك، وفي هذه الحالة يتحد المكفول به والمكفول عنه. وقد اختلفت كلمة الفقهاء في حكم الكفالة بالنفس، وفي مضمونها، فذهب الجمهور إلى أن الكفالة بالنفس صحيحة، للأدلة السابقة.
قال البهوتي: (والجمهور على جوازها لعموم حديث { الزعيم غارم } (1) ولدعاء الحاجة إلى الاستيثاق بضمان المال والبدن، وكثير من الناس يمتنع من ضمان المال فلو لم تجز الكفالة لأدى إلى الحرج وتعطل المعاملات المحتاج إليهما)(2).
4 - الكفالة في الحدود والقصاص:
نقل ابن المنذر - رحمه الله - الإجماع على عدم جواز الكفالة في الحدود فقال: (وأجمعوا على أنه لا تجوز الكفالة في الحدود )(3).
__________
(1) - رواه الإمام أحمد في المسند الحديث رقم ( 22349 ) وعبد الرزاق في مصنفه الحديث رقم ( 14767 ).
(2) - شرح منتهى الإرادات 2/130
(3) - الإجماع لابن المنذر صفحة ( 163 ).(1/666)
وقال ابن قدامة: ( ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد، سواء كان حقا لله تعالى، كحد الزنى والسرقة، أو لآدمي كحد القذف والقصاص. وهذا قول أكثر أهل العلم ; منهم شريح والحسن. وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وبه قال الشافعي في حدود الله تعالى، واختلف قوله في حدود الآدمي، فقال في موضع: لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان. وقال في موضع: تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد ; لأنه حق لآدمي، فصحت الكفالة به، كسائر حقوق الآدميين. ولنا ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا كفالة في حد } (1). ولأنه حد، فلم تصح الكفالة فيه كحدود الله تعالى، ولأن الكفالة استيثاق، والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات، فلا يدخل فيها الاستيثاق، ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه، إحضار المكفول به، فلم تصح الكفالة بمن هو عليه، كحد الزنى )(2).
وقال البهوتي: ( ولا تصح، الكفالة ببدن من عليه حد أو قصاص لإقامة الحد ; لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل، كحد زنا وسرقة وقذف، وشرب، إلا إذا كفل بدنه لأجل مال بالدفع، أي: بالعفو إلى الدية ليدفعها، وإلا إذا ضمن السارق بسبب غرم السرقة، أي: المسروق فتصح ; لأنه حق مالي )(3).
5 - الكفالة في نظام الإجراءات الجزائية:
__________
(1) - رواه البيهقي في سننه 6/77 طبعة مكتبة العلوم والحكم 1410هـ .
(2) - المغني 4/358
(3) - كشاف القناع 3/376(1/667)
لم يرد نظام الإجراءات الجزائية ما يوجب الكفالة عند الإفراج عن المتهم في قضايا جنائية، بل الذي يفهم منه هو عدم اشتراط الكفالة عند الإفراج ففي المادة الرابعة عشر بعد المائة أطلق الإفراج ولم يقيده بكفالة ؛ ونصت المادة العشرون بعد المائة أن للمحقق أن يأمر بالإفراج عن المتهم بشرط أن يتعهد المتهم بالحضور إذا طلب منه ذلك ؛ والمادة الحادية والعشرون بعد المائة نصت صراحة على أن شرط الإفراج أن يقدم المتهم محلا يوافق عليه المحقق. ويستفاد من ذلك أن ربط المتهم الذي يفرج عنه في قضية جنائية بالكفالة لا يشترط بل يكتفى بعنوان محل إقامته الواضح الذي يقتنع به المحقق، كما لو كان يعمل في جهة حكومية معينة، أو كان صاحب محلات ومؤسسات تجارية ظاهرة ومعروفة في البلد، أو كأن يكون شخصاً معروفاً له شهرته، كشيوخ القبائل وعمداء الأسر والأحياء.
***(1/668)
231 -كولونيا
1 - التعريف:
الكولونيا: اسم غير عربي وهو مستحضر عطري، لكنه يحتوي على نسبة عالية من المواد الكحولية المسكرة.
2 - حكم التطيب بالكولونيا:
يقول الإمام الشنقيطي رحمه الله: ( فالمسكر الذي عمت به البلوى اليوم بالتطيب به المعروف في اللسان الدارج بالكولانيا نجس لا تجوز الصلاة به، ويؤيده أن قوله تعالى في المسكر { فاجتنبوه } يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المسكر، وما معه في الآية بوجه من الوجوه كما قاله القرطبي وغيره.. ثم قال: لا يخفى على منصف أن التضمخ بالطيب والتلذذ بريحه واستطابته واستحسانه مع أنه مسكر، والله يصرح في كتابه بأن الخمر رجس فيه ما فيه، فليس للمسلم أن يتطيب بما يسمع ربه يقول فيه إنه رجس، كما هو واضح، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة الخمر، فلو كانت فيها منفعة أخرى لبينها كما بين جواز الانتفاع بجلود الميتة، ولما أراقها )(1)
قلت: ولم يصبح استعمال الكولونيا في هذا الزمان مقتصرا على التطيب بها بل إن بعض الأشخاص يقومون بتعاطي الكولونيا لأغراض السكر بعد مزجها بالماء، وهذا يزيدها قبحا وتحريماً ، وحكمها حكم المسكر لأنها تغيب العقل ، وذلك بسبب احتوائها على نسبة عالية من الكحول، وقد رأيت في أحد المحلات زجاجة كولونيا وقد كُتبت نسبة الكحول فيها (80?) ومع ذلك تباع في المحلات والبقالات على أنها عطر، ومعظم حالات السكر اليوم خاصة ما يقع من الشباب يكون بسبب تعاطي الكولونيا التي يجدونها في متناول أيديهم رخيصة الثمن. ولهذا فإننا نطالب بمنعها من الأسواق ، أو تحديد مواصفات ومقاييس تضمن خلوها من مادة الكحول المسكر.
3 - عقوبة تعاطي الكولونيا لغرض السكر:
من تعاطى الكولونيا بقصد السكر فحكمه حكم متعاطي الخمر المسكر، وسيأتي بيان العقوبة المترتبة على ذلك في مصطلح : مسكر.
***
__________
(1) - أضواء البيان 2/99(1/669)
232 -كيد
1 - التعريف:
الكَيْد في اللغة: هو المكر، والخبث؛ والمكيدة: المخاتلة والحيلة. جاء في لسان العرب: الكَيْدُ من المَكِيدَة، وقد كاده مَكِيدةً. والكَيْدُ: الخُبثُ والمَكْرُ؛ كاده يَكِيده كَيْداً ومَكِيدَةً، وكذلك المكايَدةُ. وكلُّ شيء تعالجُه، فأَنت تكِيدُه(1).
وفي الاصطلاح: الكيد إرادة مضرة الغير خفية. هكذا عرفه الجرجاني ثم قال: وهو من الخَلق: الحيلة السيئة ؛ ومن الله: التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق(2).
2 - ضوابط الدعاوى الكيدية:
صدر قرار مجلس الوزراء رقم 94 وتاريخ 25/4/1406هـ بشأن الموافقة على قواعد الحد من آثار الشكاوى الكيدية والدعاوى الباطلة ؛ وقد جاء في بعض مواده النص التالي:
1 - رفع الشكاوى حق لكل شخص.
2 - من قدم شكوى في قضية منتهية بحكم أو قرار يعلمه وأخفاه في شكواه فيجوز إحالته للمحكمة المختصة لتقرير تعزيره.
3 - من اعترض على حكم أو قرار نهائي مكتسب القطعية بقناعة أو تدقيق من جهات الاختصاص، وثبت لدى المحكمة أنه لم يقدم وقائع جديدة تستوجب إعادة النظر في الحكم أو القرار فيؤخذ التعهد اللازم عليه في المرة الأولى بعدم الاعتراض على الحكم أو القرار فإذا تكرر منه ذلك يحال إلى المحكمة المختصة للنظر في تعزيره.
4 - من تقدم بدعوى خاصة وثبت للمحكمة كذب المدعي في دعواه فللقاضي أن ينظر في تعزيره وللمدعى عليه المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب هذه الدعوى.
5 - دون الإخلال بالعقوبات التأديبية المنصوص عليها في الأنظمة الأخرى تتولى المحاكم المختصة وفقا لنظام القضاء تقرير العقوبة التعزيرية عن المخالفات المنوه عنها في المواد السابقة بناء على دعوى الادعاء العام مع مراعاة ما ورد في المادة الرابعة.
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( كيد )
(2) - التعريفات للجرجاني، صفحة 241(1/670)
حرف اللام
233 -لواط
1 - التعريف:
اللواط في اللغة: مصدر لاط، يقال: لاط الرجل لواطاً ولاوَطَ، أي عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: هو إيلاج الحشفة أو قدرها في دبر ذكر ولو عبده أو أنثى غير زوجته وأمته(2). وعُرِّف بأنه: كلمة تطلق على الشذوذ الجنسي، وذلك بالعملية الجنسية بين ذكرين، أي إتيان الذكر في دبره، كما تؤتى المرأة في فرجها(3).
2 - حكم اللواط:
اللواط محرم بالكتاب والسنة، والإجماع. قال تعالى: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } [الأعراف 80]. وقال تعالى: { )أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ. وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } [ الشعراء 165-166]. وروى الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله من عَمِلَ عمل قوم لوط، ولعن الله من عَمِلَ عمل قوم لوط، ولعن الله من عَمِلَ عمل قوم لوط )(4) . ونقل ابن قدامة الإجماع على تحريم اللواط، فقال: ( أجمع أهل العلم على تحريم اللواط )(5).
3 - أول من ارتكب جريمة اللواط:
قال الإمام البغوي رحمه الله: (... وقال الكلبي إن أول من عمل، عمل قوم لوط إبليس، لأن بلادهم أخصبت فانتجعها أهل البلدان، فتمثل لهم إبليس في صورة شاب ثم دعا إلى دبره فنكح في دبره، فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم والأرض أن تخسف بهم )(6).
__________
(1) - لسان العرب، والقاموس المحيط مادة: ( لوط )
(2) - حاشية البجيرمي على الخطيب 4/176
(3) - أنس إسماعيل/ دليل السائلين ( صفحة 550 )
(4) - مسند الإمام أحمد الحديث رقم ( 3908 )
(5) - المغني 12/348
(6) - تفسير البغوي 2/180، تفسير الآيتين ( 80 - 81 ) من سورة الأعراف.(1/671)
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ( ولوط بن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، وكان قد آمن مع إبراهيم، عليه السلام، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله تعالى إلى أهل سدوم وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله عز وجل، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنوا آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله )(1).
4 - أضرار اللواط ومفاسده:
قال الرحيباني - رحمه الله -: ( إن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد , ولأن يقتل المفعول به خير له من أن يؤتى فإنه يفسد فسادا لا يرجى له بعده صلاح أبدا , ويذهب خيره كله , وتمتص الأرض ماوية الحياء من وجهه , فلا يستحي بعد ذلك من الله تعالى ولا من خلقه, وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن , وهو جدير أن لا يوفق لخير, وأن يحال بينه وبينه, وكلما عمل خيرا قيض له ما يفسده عقوبة له ; وقل أن ترى من كان كذلك في صغره إلا وهو في كبره شر مما كان , ولا يوفق لعلم نافع , ولا عمل صالح , ولا توبة نصوح غالبا. إذا تقرر هذا, فمفسدة اللواط من أعظم المفاسد , وعقوباته من أعظم العقوبات في الدنيا والآخرة )(2).
قلت: اللواط له أضرار شنيعة على الفرد والمجتمع لا تخفى على كل عاقل سليم الفطرة ، نذكرها باختصار:
1- اللواط معصية لله تعالى ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
2- اللوطي ينصرف عن الرغبة في النساء، ولا يستطيع مباشرتهن، فتتعطل بذلك أهم وظائف الزواج وهي النسل.
3 - اللواط يسبب كثيرا من الأمراض ، العصبية والنفسية. ( راجع مصطلح: زنا )
5 - بم يثبت اللواط ؟
__________
(1) - تفسير ابن كثير 3/444
(2) - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 6/174(1/672)
يثبت اللواط بما يثبت به الزنا. ( راجع مصطلح: زنا )
6 - عقوبة اللواط:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في عقوبة اللوطي، وقد أورد ابن حزم رحمه الله أقوال العلماء في ذلك مختصرة، ثم بسط القول في ذلك، وذكر أدلة كل قول ومناقشته، ونورد هنا ما ذكره مختصرا حيث قال: ( فعل قوم لوط من كبائر الفواحش المحرمة: كلحم الخنزير، والميتة، والدم، والخمر، والزنى، وسائر المعاصي، من أحله أو أحل شيئا مما ذكرنا فهو كافر، مشرك حلال الدم والمال؛ وإنما اختلف الناس في الواجب عليه: فقالت طائفة: يحرق بالنار الأعلى والأسفل. وقالت طائفة: يحمل الأعلى والأسفل إلى أعلى جبل بقرية - فيصب منه، ويتبع بالحجارة. وقالت طائفة: يرجم الأعلى والأسفل - سواء أحصنا أو لم يحصنا. وقالت طائفة: يقتلان جميعا. وقالت طائفة: أما الأسفل فيرجم - أحصن أم لم يحصن- وأما الأعلى فإن أحصن رجم، وإن لم يحصن جُلد جلد الزنى. وقالت طائفة: الأعلى والأسفل كلاهما سواء - أيهما أحصن رجم ، وأيهما لم يحصن جلد مائة، كالزنى. وقالت طائفة: لا حد عليهما ولا قتل ، لكن يعزران )(1).
وقال النفراوي: ( ومعلوم أن اللواط هو تغييب الحشفة في دبر الذكر وحده الرجم مطلقا ، وأما في دبر الأنثى غير زوجته فهو من قبيل الزنا إلا أن يكون محصنا فيرجم ، وأما في دبر زوجته فيؤدب )(2).
__________
(1) - المحلى بالآثار 12/388
(2) - الفواكه الدواني 1/118(1/673)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وأما اللواط فمن العلماء من يقول: حده كحد الزنا، وقد قيل دون ذلك. والصحيح الذي اتفقت عليه الصحابة: أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل ؛ سواء كانا محصنين أو غير محصنين ؛ فإن أهل السنن رووا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: { من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به } (1) وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: في البكر يوجد على اللوطية، قال: يرجم(2) ؛ ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحو ذلك؛ ولم تختلف الصحابة في قتله، ولكن تنوعوا فيه، فروي عن الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريقه ، وعن غيره قتله، وعن بعضهم: أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم، وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا ؛ وعن بعضهم: أنه يرفع على أعلى جدار في القرية، ويرمى منه، ويتبع بالحجارة، كما فعل الله بقوم لوط وهذه رواية عن ابن عباس، والرواية الأخرى قال: يرجم ؛ وعلى هذا أكثر السلف، قالوا: لأن الله رجم قوم لوط، وشرع رجم الزاني تشبيها برجم قوم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حُرَّين أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوكا والآخر حرا، إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يرجم إلا البالغ)(3).
ونقل ابن قدامة روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله ، فقال: ( واختلفت الرواية عن أحمد ، رحمه الله، في حده ; فروي عنه ، أن حده الرجم ، بكرا كان أو ثيبا ؛ وهذا قول علي، وابن عباس، وجابر بن زيد، وعبد الله بن معمر، والزهري ، وأبي حبيب ، وربيعة ، ومالك، وإسحاق، وأحد قولي الشافعي.
__________
(1) - الحديث في المسند برقم (2727) وسنن أبي داود برقم (4462) والترمذي برقم (1456) وابن ماجة برقم (2561).
(2) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4463 ).
(3) - الفتاوى 28/334(1/674)
والرواية الثانية: أن حده حد الزاني. وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، والنخعي، وقتادة، والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأبو ثور، وهو المشهور من قولي الشافعي )(1).
والمذهب عند الحنابلة - كما نقله المرداوي في الإنصاف - أن اللوطي كالزاني، قال: ( قوله وحد اللوطي، يعني الفاعل والمفعول به؛ قاله في الفروع، والمذهب، كحد الزاني سواء، هذا المذهب، جزم به في العمدة، والوجيز، والمنور، ومنتخب الأدمي ، وغيرهم, وقدمه في الهداية, والمذهب، والمستوعب، والخلاصة، والهادي, والكافي، والبلغة ، والمحرر، والنظم، والرعايتين، والحاوي الصغير، وغيرهم )(2).
وهذا هو المعمول به اليوم في غالب محاكم المملكة، أي معاملة اللوطي مثل الزاني من حيث العقوبة والإحصان ؛ وبعض القضاة يفرقون بين الزنا واللواط من حيث العقوبة ، فيرون عقوبة اللوطي أشد.
وفي الحقيقة إن جريمة اللواط أشنع من جريمة الزنا، فاللواط فيه شذوذ ومخالفة للفطرة، حتى إن البهائم تأنفه ، ولا تعمله، وجرائم اللواط مفسدة للدين والدنيا، وقد عاقب الله سبحانه وتعالى عليها بأقسى عقوبة فخسف الأرض بقوم لوط وقلب عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود ؛ فالذي أراه أن تكون عقوبة اللواط عند ثبوته القتل، وذلك عملا بما اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وقد أحسن الإمام الشوكاني رحمه الله، حين قال: ( وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم ؛ وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم )(3).
***
__________
(1) - المغني 12/349
(2) - الإنصاف 10/176
(3) - نيل الأوطار 7/140(1/675)
234 -لوث
1 - التعريف:
اللَّوْثُ في اللغة: له عدة معان، جاء في لسان العرب: اللَّوْثُ الطيُّ. واللوثُ: اللَّيُّ. واللوث: الشرُّ. واللَّوْثُ: الجِراحات. واللَّوث: المُطالبات بالأَحْقاد. واللَّوثُ: تَمْريغُ اللقمة في الإِهالَة. قال أَبو منصور: واللوث عند الشافعي شبه الدلالة، ولا يكون بينة تامة؛ وفي حديث القسامة ذكرُ اللوثِ، وهو أَن يشهد شاهد واحد على إِقرار المقتول، قبل أَنْ يموت، أَنَّ فلاناً قتلني أَو يشهد شاهدان على عداوة بينهما، أَو تهديد منه له، أَو نحو ذلك، وهو من التَّلَوُّث والتلطُّخ؛ يقال: لاثه في التراب و لَوَّثَهُ(1).
وفي الاصطلاح: أمر ينشأ عنه غلبة الظن بصدق المدعي(2).
وجاء في الإنصاف: اللوث هي العداوة الظاهرة , كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر , وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب. قال المرداوي وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب(3).
وقال السرخسي: اللوث أن يكون عليه علامة القاتلين أو يكون هو مشهورا بعداوته ثم يحلف الولي خمسين يمينا بالله أنه قتله فإذا حلف اقتص له من القاتل(4).
وقال ابن الأثير: ( وفي حديث القسامة ذكر اللَّوْث وهو: أن يشهد شاهدٌ واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أنَّ فُلاناً قتلني، أو يشهد شاهدان على عداوةٍ بينهما، أو تهديدٍ منه له، أو نحو ذلك، وهو من التَلَوُّث: التَّلطُّخ. يقال لاثَه في التراب، ولَوَّثَ )(5).
2 - مشروعية الأخذ باللوث:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( لوث )
(2) - الموسوعة الفقهية 35/242
(3) - الإنصاف 10/139
(4) - المبسوط 26/108
(5) - النهاية في غريب الحديث مادة ( لوث )(1/676)
الأصل في اللوث ما رواه الشيخان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي حثمة، عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قُتِل وطرح في عين أو فقير، فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمحيصة: { كَبِّر كبر } يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب } ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك، فكتبوا إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: { أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ } ، قالوا: لا، قال: { فتحلف لكم يهود؟ } قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء(1).
3 - ما يعتبر لوثا في الجنايات:
اللوث المعتبر في الجنايات هو كل أمر يوجب القسامة ، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في موضعه ، راجع مصطلحي: ( قتل ، قسامة ).
***
__________
(1) - الحديث رواه البخاري برقم ( 3173 ) ومسلم برقم ( 1669 ).(1/677)
حرف الميم
235 -مباشرة
1 - التعريف:
المباشرة في اللغة: مصدر باشر، ومعناه: أن يلي الشخص الأمر بنفسه، جاء في لسان العرب: باشَرَ الأَمْرَ: ولِيَهُ بنفسه، وهو مَثَلٌ بذلك لأَنّه لا بَشَرَةَ للأَمر إِذ ليس بَعْيْنٍ، ومُباشَرَةُ الأَمر: أَن تَحْضُرَهُ بنفسك وتَلِيَه بنفسك(1).
وفي الاصطلاح: لا تخرج المباشرة عن المعنى اللغوي، وهو أن يتولى الشخص الفعل بنفسه. وعرفها العز بن عبد السلام: بأنها إيجاد علة الهلاك(2).
والمباشر: هو الذي يحصل التلف من فعله دون أن يتخلل بينه وبين التلف فعل فاعل آخر(3).
2 - اجتماع المباشرة والتسبب:
اتفق الفقهاء في الجملة على أنه إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر، وإن اختلفوا في بعض الجزئيات، فالقاعدة: إذا اجتمع السبب والمباشرة، أو الغرور والمباشرة قدمت المباشرة(4).
ويقول فقهاء الحنابلة: ( المباشرة تبطل حكم التسبب كالدافع مع الحافر)(5).
3 - قيام السبب مقام المباشرة:
يقوم السبب مقام المباشرة ويسند الفعل إلى المتسبب إذا كان السبب مؤدياً إلى الفعل لا محالة ، كشهود الزور إذا شهدوا على رجل أنه قتل فلاناً عمداً ، فحكم القاضي بشهادتهم ، ثم أقروا أو قامت البينة عليهم أنهم تعمدوا الكذب ليقتل المشهود عليه، وجب القصاص من الشهود. وكذلك لا يسند الفعل إلى المباشر ولا تترتب عليه المسؤولية إذا سُلِب المباشرُ حرية المباشرة والإختيار بإكراه ، أو سحر ، أو نحو ذلك ، وتنتقل المسؤولية إلى المكره والساحر ، وعلى هذا فإن من أكره شخصاً على إتلاف مال آخر ، ضمن المكرِه المال المتلف، ولم يضمن المباشر ؛ لأنه كان مسلوب الاختيار (6).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( بشر)
(2) - قواعد الأحكام 2/176
(3) - درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 1/91 ( المادة 90 )
(4) - الموسوعة الفقهية 36/53
(5) - شرح منتهى الإرادات 3/257
(6) - أنظر : الموسوعة الفقهية الميسرة2/1720 ، د/محمد رواس.(1/678)
236 -متهم
1 - التعريف:
المُتَّهَمُ في اللغة: هو الذي وقعت عليه التهمة، جاء في لسان العرب: واتَّهَمَ الرجلَ وأَتْهَمه وأَوْهَمَه: أَدخلَ عليه التُّهمةَ أَي ما يُتَّهَم عليه، واتَّهَم هو، فهو مُتَّهِمٌ وتَهِيمٌ؛ وأَنشد أَبو يعقوب:
هُما سَقياني السُّمَّ من غيرِ بِغضةٍ على غيرِ جُرْمٍ في إِناءِ تَهِيمِ
وأَتْهَم الرجلُ، على أَفْعَل، إِذا صارت به الرِّيبةُ.. يقال للرجل إِذا اتَّهَمْتَه: أَتْهَمْت إِتْهاماً، مثل أَدْوَأْتُ إِدْواءً. وفي الحديث: أَنه حبس في تُهْمة. والتُّهْمَةُ: هي ما يتهم به الشخص وينسب إليه، وتأتي بمعنى الاتهام، يقال: أتَّهِمُ فلاناً بكذا، أي أدخل عليه التهمة فيه(1).
وفي الاصطلاح: المتهم هو الشخص الذي يثبت قيامه بارتكاب فعل مجرم بنص شرعي أو نظامي.
وفي بعض المصطلحات القانونية: المتهم هو الطرف الثاني أو الخصم أو المدعى عليه في الدعوى الجنائية أي الشخص الذي يوجه إليه الاتهام منذ الوقت الذي تثار فيه أو تحرك فيه الدعوى الجنائية قبله، ومرورا بكل المراحل حيث لا تسقط صفة الاتهام إلا بانقضاء هذه الدعوى التي يعتبر المتهم طرفا فيها وذلك إما بصدور حكم بات أو بسبب آخر من أسباب الانقضاء(2).
2 - هل الأصل في المتهم البراءة أم الإدانة ؟
المتهم اتهاماً مجرداً لا يخلو من ثلاثة أحوال، فإما أن يكون معروفاً بالصلاح والاستقامة والتقوى، وإما أن يكون مجهول الحال لا يعرف باستقامة ولا فجور، وإما أن يكون معروفا بالفجور والإجرام، فالأول يعتبر برئيا براءة مطلقة، وأما الثالث فالمعتبر فيه جانب الاتهام ، وأما الثاني مجهول الحال ففيه خلاف . وقد مضى الكلام مفصلاً عن هذه المسألة في مصطلح : ( براءة ) فيرجع إليه.
__________
(1) - لسان العرب، مادة: ( وهم ). وأنظر المعجمين الوسيط، والمعتمد مادة: ( وهم ).
(2) - المعجم في علم الإجرام والاجتماع والقانون والعقاب، صفحة ( 25 ).(1/679)
3 - هل يضرب من توجهت له التهمة ليعترف بها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وأما الامتحان بالضرب ونحوه فاختلف فيه هل: يشرع للقاضي والوالي ؟ أم يشرع للوالي دون القاضي ؟ أم يشرع الضرب لواحد منهما ؟ على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه يضرب فيها القاضي والوالي، وهذا قول طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم منهم أشهب قاضي مصر قال أشهب: يمتحن بالسجن والأدب ويضرب بالسوط مجردا.
والقول الثاني: لا يضرب بل يحبس كما تقدم وهذا قول أصبغ من أصحاب مالك وقول كثير من الحنفية والشافعية وغيرهم ; لكن حبس المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول ; فلذلك اختلفوا هل يحبس حتى يموت ؟ فقال عمر بن عبد العزيز وجماعة من أصحاب مالك كمطرف وابن الماجشون وغيرهما أنه يحبس حتى يموت. وهكذا روي عن الإمام أحمد فيمن لم ينته عن بدعته أنه يحبس حتى يموت وقال مالك: لا يحبس حتى يموت.
والقول الثالث: أنه يضربه الوالي دون القاضي وهذا القول ذكره طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد كالقاضي أبي الحسن الماوردي، والقاضي أبي يعلى وغيرهما )(1).
__________
(1) - مجموع الفتاوى 35/400 - 401(1/680)
وقال أيضا: ( فأما ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده وقد كتمه وأنكره ليقر بمكانه فهذا لا ريب فيه; فإنه ضرب ليؤدي الواجب من التعريف بمكانه كما يضرب ليؤدي ما عليه من المال الذي يقدر على وفائه وقد جاء في ذلك حديث ابن عمر في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء سأل زيد بن سعية عم حيي بن أخطب، فقال: أين كنز حيي بن أخطب ؟ فقال: يا محمد أذهبته الحروب فقال للزبير: دونك هذا فمسه الزبير بشيء من العذاب فدلهم عليه في خربة ; وكان حليا في مسك ثور(1). فهذا أصل في ضرب المتهم الذي علم أنه ترك واجبا أو فعل محرما. والله أعلم)(2).
والذي يجري عليه العمل في الجهات ذات العلاقات بالتحقيق في المملكة، هو منع ضرب المتهم لحمله على الاعتراف، استنادا لما جاء في برقية المقام السامي الكريم الموجهة لسمو وزير الداخلية برقم 4/ب/14192 وتاريخ 22/9/1408هـ حيث ورد فيها النص التالي: ( نرغب إليكم عدم استعمال الشدة في التحقيق وأخذ الاعتراف يجب أن لا يكون بالتعذيب، لأن التعذيب يجعل المتهم يعترف ولو لم يرتكب ما نسب إليه، وإنما يكون بالتحقيق الدقيق المتقن). وورد في المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية، النص التالي: (..ويحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً، أو معنوياً، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المهينة للكرامة ).
4 - حبس المتهم:
__________
(1) - الحديث بهذا اللفظ في صحيح ابن حبان ابن حبان برقم (5199)، وفي سنن البيهقي 13/481 باب من رأى قسمة الأراضي المغنومة ومن لم يرها الحديث رقم ( 18896).
(2) - مجموع الفتاوى 35/407(1/681)
يجوز حبس المتهم إذا توجهت له التهمة بارتكاب الجريمة، لا سيما من كان من أرباب السوابق. قال ابن القيم رحمه الله: ( حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهمة، وعاقب في تهمة، لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم، فمن أطلق كل متهم وحلفه وخلى سبيله - مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل - فقوله مخالف للسياسة الشرعية )(1).
5 - ما يختص به الأمراء دون غيرهم في استبيان حال المتهم:
ذكر الماوردي رحمه الله جملة من الأمور التي للأمراء أن يستبينوا حال المتهم من خلالها ، وذكر أنهم يختصون بها عن القضاة ، فقال: ( وإن كان الناظر الذي رفع إليه هذا المتهوم أميراً أو من ولاة الأحداث والمعاون كان له مع هذا المتهوم من أسباب الكشف والاستبراء ما ليس للقضاة والحكام وذلك من تسعة أوجه يختلف بها حكم الناظرين.
أحدها: أنه لا يجوز للأمير أن يسمع قرف(2) المتهوم من أعوان الإمارة من غير تحقيق للدعوى المقررة، ويرجع إلى قولهم في الإخبار عن حال المتهوم , وهل هو من أهل الريب ؟ وهل هو معروف بمثل ما قرف به أم لا ؟ فإن برءوه من مثل ذلك خفت التهمة , ووضعت وعجل إطلاقه ولم يغلظ عليه , وإن قرفوه بأمثاله وعرفوه بأشباهه غلظت التهمة وقويت واستعمل فيها من حال الكشف ما سنذكره , وليس هذا للقضاة.
والثاني: أن للأمير أن يراعي شواهد الحال , وأوصاف المتهوم في قوة التهمة وضعفها , فإن كانت التهمة زناً، وكان المتهوم مطيعا للنساء ذا فكاهة وخلابة قويت التهمة , وإن كان بضده ضعفت , وإن كانت التهمة بسرقة وكان المتهوم بها ذا عيارة ، أو في بدنه آثار ضرب ، أو كان معه حين أخذ منقب قويت التهمة , وإن كان بضده ضعفت وليس هذا للقضاة أيضا .
__________
(1) - الطرق الحكمية صفحة (14).
(2) - القرف: الاتهام بالشيء، جاء في لسان العرب : وقرفه بكذا أي أضافه إليه واتهمه به. ( مادة : قرف)(1/682)
والثالث : أن للأمير أن يجعل حبس المتهوم للكشف والاستبراء . واختلف في مدة حبسه لذلك , فذكر عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي أن حبسه للاستبراء والكشف مقدر بشهر واحد لا يتجاوزه. وقال غيره : بل ليس بمقدر وهو موقوف على رأي الإمام واجتهاده وهذا أشبه وليس للقضاة أن يحبسوا أحدا إلا بحق وجب.
والرابع : أن يجوز للأمير مع قوة التهمة أن يضرب المتهوم ضرب التعزير لا ضرب الحد ليأخذه بالصدق عن حاله فيما قرف به واتهم , فإن أقر , وهو مضروب اعتبرت حاله فيما ضرب عليه , فإن ضرب لم يكن لإقراره تحت الضرب حكم , وإن ضرب ليصدق عن حالة وأقر تحت الضرب قطع ضربه واستعيد إقراره , فإذا أعاده كان مأخوذاً بالإقرار الثاني دون الأول , فإن اقتصر على الإقرار الأول ولم يستعده لم يضيق عليه أن يعمل بالإقرار الأول , وإن كرهناه.
والخامس : أنه يجوز للأمير فيمن تكررت منه الجرائم ولم ينزجر عنها بالحدود أن يستديم حبسه إذا استضر الناس بجرائمه حتى يموت بعد أن يقوم بقوته وكسوته من بيت المال ليدفع ضرره عن الناس , وإن لم يكن ذلك للقضاة.
والسادس : أنه يجوز للأمير إحلاف المتهوم استبراء لحاله وتغليظاً عليه في الكشف عن أمره في التهمة بحقوق الله تعالى وحقوق الآدميين , ولا يضيق عليه أن يجعله بالطلاق والعتاق والصدقة كالإيمان بالله في البيعة السلطانية , وليس للقضاة إحلاف أحد على غير حق ولا أن يجاوز الإيمان بالله إلى الطلاق أو العتق.
والسابع : أن للأمير أن يأخذ أهل الجرائم بالتوبة إجباراً ويظهر من الوعيد عليهم ما يقودهم إليها طوعاً , ولا يضيق عليهم الوعيد بالقتل فيما لا يجب فيه القتل ; لأنه وعيد إرهاب يخرج عن حد الكذب إلى حيز التعزير والأدب , ولا يجوز أن يحقق وعيده بالقتل فيقتل فيما لا يجب فيه القتل.
والثامن : أنه لا يجوز للأمير أن يسمع شهادات أهل الملل ومن لا يجوز أن يسمع منه القضاة إذا كثر عددهم.(1/683)
والتاسع : أن للأمير النظر في المواثبات , وإن لم توجب غرماً , ولا حداً , فإن لم يكن بواحد منهما أثر سمع قول من سبق بالدعوى , وإن كان بأحدهما أثر فقد ذهب بعضهم إلى أنه يبدأ بسماع دعوى من به الأثر ولا يراعي السبق. والذي عليه أكثر الفقهاء أنه يسمع قول أسبقهما بالدعوى ويكون المبتدئ بالمواثبة أعظمهما جرما وأغلظهما تأديبا , ويجوز أن يخالف بينهما في التأديب من وجهين : أحدهما: بحسب اختلافهما في الاقتراف والتعدي؛ والثاني: بحسب اختلافهما في الهيبة والتصاون , وإذا رأى من الصلاح في ردع السفلة أن يشهرهم وينادي عليهم بجرائمهم ساغ له ذلك, فهذه أوجه يقع بها الفرق في الجرائم بين نظر الأمراء والقضاة في حال الاستبراء وقبل ثبوت الحد لاختصاص الأمير بالسياسة واختصاص القضاة بالأحكام )(1).
6 - حق المتهم في الاستعانة بمحام:
أعطت الأنظمة المتهم الحق في الاستعانة بمحام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة وقد ورد النص على ذلك في نظامي الإجراءات الجزائية ، والمحاماة ؛ وليس للمحقق أو القاضي الاعتراض على ذلك بل عليهما تسهيل مهمة المحامي، وقد ورد النص على ذلك في المادة التاسعة عشر من نظام المحاماة ، لكن عليهما أن يتأكدا من نظامية المحامي وتوفر الشروط التي حددها نظام المحاماة ومنها:
1 - أن يكون المحامي من المحامين الممارسين. ( محاماة/3، 18 )
2 - أن تكون الرخصة سارية المفعول، فمدتها خمس سنوات. (محاماة/7)
وبيَّن نظام الإجراءات الجزائية ضوابط استعانة المتهم بمحام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة على النحو التالي:
1 - يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة. ( م/4، 64)
__________
(1) - الأحكام السلطانية صفحة ( 361 - 363 ).(1/684)
2 - للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص ووكيل كل منهم أو محاميه أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق، وللمحقق أن يجري التحقيق في غيبة المذكورين أو بعضهم متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وبمجرد انتهاء تلك الضرورة يتيح لهم الاطلاع على التحقيق. ( م/69 )
3 - ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه في أثناء التحقيق. (م/70)
4 - ليس للوكيل أو المحامي التدخل في التحقيق إلا بإذن من المحقق، وله في جميع الأحوال أن يقدم للمحقق مذكرة خطية بملاحظاته وعلى المحقق ضم هذه المذكرة إلى ملف القضية. ( م/70 )
5 - للمحقق في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين أو الموقوفين، وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على ستين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بوكيله أو محاميه. (م/119)
6 - يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة أن يحضر بنفسه أمام المحكمة مع عدم الإخلال بحقه في الاستعانة بمن يدافع عنه. أما في الجرائم الأخرى فيجوز له أن ينيب عنه وكيلاً أو محامياً لتقديم دفاعه، وللمحكمة في كل الأحوال أن تأمر بحضوره شخصياً أمامها. ( م/140 )
7 - تسمع المحكمة دعوى المدعي العام ثم جواب المتهم، أو وكيله، أو محاميه عنها ثم دعوى المدعي بالحق الخاص ثم جواب المتهم، أو وكيله أو محاميه عنها. (م/174)
***(1/685)
237 -مجاهرة ( راجع مصطلح: حرابة )
238 -مجرم
المُجْرمُ في اللغة: المُذْنِب، وهو من جَرَمَ يَجْرِمُ جَرْماً واجْتَرَمَ وأَجْرَمَ، فهو مُجْرِمٌ وجَرِيمٌ(1).
وفي الاصطلاح: كل شخص ارتكب جريمة وقامت دلائل كافية على ارتكابه لها. ( وللمزيد راجع مصطلح : متهم )
***
__________
(1) - لسان العرب مادة: (جرم).(1/686)
239 -محاكمة
1 - التعريف:
المُحاكَمَة في اللغةُ: المخاصمة إلى الحاكِمِ ، واحْتَكَمُوا إِلى الحاكِمِ وتَحاكَمُوا بمعنى(1).
وهي في اصطلاح الفقهاء المحاكمة : هي المخاصمة لدى القاضي.
والمحاكمة في الاصطلاح الجنائي: هي إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة لتقرير ما يستحقه من عقوبة.
2 - علنية المحاكمة:
نصت المادة الخامسة والخمسون بعد المائة من نظام الإجراءات على علنية المحاكمة على النحو التالي: جلسات المحاكم علنية، ويجوز للمحكمة، استثناء أن تنظر الدعوى كلها أو بعضها في جلسات سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها، مراعاة للأمن ، أو محافظة على الآداب العامة ، أو إذا كان ذلك ضرورياً لظهور الحقيقة.
3 - ضوابط جلسة المحاكمة الوارد في نظام الإجراءات:
بين نظام الإجراءات الجزائية ضوابط جلسات المحاكم على النحو التالي:
1 - يجب أن يحضر جلسات المحكمة كاتب يتولى تحرير محضر الجلسة تحت إشراف رئيس الجلسة، ويبين في المحضر اسم القاضي أو القضاة المكونين لهيئة المحكمة والمدعي العام، ومكان انعقاد الجلسة ووقت انعقادهاوأسماء الخصوم الحاضرين والمدافعين عنهم وأقوالهم وطلباتهم وملخص مرافعاتهم والأدلة من شهادة وغيرها وجميع الإجراءات التي تتم في الجلسة، ومنطوق الحكم ومستنده، ويوقع رئيس الجلسة والقضاة المشاركون معه والكاتب على كل صفحة.(م/156)
2 - يجب أن يحضر المدعي العام جلسات المحكمة في الحق العام في الجرائم الكبيرة ، وعلى المحكمة سماع أقواله والفصل فيها ، وفيما عدا ذلك يلزمه الحضور إذا طلبه القاضي ، أو ظهر للمدعي العام ما يستدعي حضوره. (م/157 )
__________
(1) - لسان العرب مادة: (حكم).(1/687)
3 - يحضر المتهم جلسات المحكمة بغير قيود ولا أغلال، وتجري المحافظة اللازمة عليه، ولا يجوز إبعاده عن الجلسة في أثناء نظر الدعوى إلا إذا وقع منه ما يستدعي ذلك. وفي هذه الحالة تستمر الإجراءات، فإذا زال السبب المقتضي لإبعاده مُكِّن من حضور الجلسة. وعلى المحكمة أن تحيطه علماً بما اتخذ في غيبته من إجراءات.(م/158)
4 - لا تتقيد المحكمة بالوصف الوارد في لائحة الدعوى ، وعليها أن تعطي الفعل الوصف الذي يستحقه ولو كان مخالفاً للوصف الوارد في لائحة الدعوى ، وإذا جرى التعديل وجب على المحكمة أن تبلغ المتهم بذلك. ( م/159 )
5 - للمحكمة أن تأذن للمدعي العام في أن يدخل تعديلاً في لائحة الدعوى في أي وقت، ويُبَلِّغ المتهم بذلك. ويجب أن يعطى المتهم فرصة كافية لإعداد دفاعه بشان هذا التعديل وفقاً للنظام. ( م/160 )
6 - توجه المحكمة التهمة إلى المتهم في الجلسة ، وتتلى عليه لائحة الدعوى وتوضح له ويعطى صورة منها ثم تسأله المحكمة الجواب عن ذلك. ( م/161)
7 - إذا اعترف المتهم في أي وقت بالتهمة المنسوبة إليه فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلاً وتناقشه فيها، فإذا اطمأنت إلى أن الاعتراف صحيح، ورأت انه لا حاجة إلى أدلة أخرى فعليها أن تكتفي بذلك وتفصل في القضية، وعليها أن تستكمل التحقيق إذا وجدت لذلك داعياً. ( م/162 )
8 - إذا أنكر المتهم التهمة المنسوبة إليه، أو امتنع عن الإجابة فعلى المحكمة أن تشرع في النظر في الأدلة المقدمة وتجري ما تراه لازماً بشأنها، وإن تستجوب المتهم تفصيلاً بشان تلك الأدلة وما تضمنته الدعوى. ولكل من طرفي الدعوى مناقشة شهود الطرف الأخر وأدلته. (م/163)
9 - لكل من الخصوم أن يطلب سماع من يرى من شهود والنظر فيما يقدمه من أدلة، وإن يطلب القيام بإجراء معين من إجراءات التحقيق. وللمحكمة أن ترفض الطلب إذا رأت أن الغرض منه المماطلة، أو الكيد، أو التضليل، أو أن لا فائدة من إجابة طلبه. ( م/164 )
10 - للمحكمة أن تستدعي أي شاهد ترى حاجة لسماع أقواله، أو ترى حاجة لإعادة سؤاله. كما أن لها أن تسمع من أي شخص يحضر من تلقاء نفسه إذا وجدت أن في ذلك فائدة لكشف الحقيقة. ( م/165 )
***(1/688)
240 -محاماة
1 - التعريف:
المحاماة في اللغة: المنعة والدفاع، جاء في لسان العرب: وحَمَى الشيءَ حَمْياً وحِمىً وحِماية ومَحْمِيَة: منعه ودفع عنه...وحَامَيْتُ عنه مُحاماةٌ وحِماءً. يقال:الضَّرُوسُ تُحامي عن وَلدِها(1).
وفي الاصطلاح: المحاماة هي المدافعة أمام الجهات المختصه عن حق من الحقوق المشروعة للغير. والمحامي: هو المدافع عن حق من الحقوق المشروعة.
وعُرِّف أيضا بأنه: رجل، رشيد، عدل، عالم بالشرع، يوكل بما يصح شرعاً(2).
والمحامي عند القانونيين: هو الذي يمارس المحاماة كمهنة متخصصة قائمة على دراسة للقانون ومن ثم أصبح يحترف التعامل في القضايا والدعاوى أمام المحاكم والقيام بتمثيل موكليه أمام الهيئات القضائية وغير القضائية للدفاع عن حقوقهم وفقا للقانون، إضافة إلى تقديم ما يطلب إليه من نصح واستشارات قانونية(3).
2 - المقصود بمهنة المحاماة:
بينت المادة الأولى من نظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/38 وتاريخ 28/7/1422هـ المقصود بمهنة المحاماة بالنص التالي:
( يقصد بمهنة المحاماة في هذا النظام الترافع عن الغير أمام المحاكم وديوان المظالم واللجان المشكلة بموجب الأنظمة والأوامر والقرارات لنظر القضايا الداخلة في اختصاصها ومزاولة الاستشارات الشرعية والنظامية, ويسمى من يزاول هذه المهنة محامياً. ويحق لكل شخص أن يترافع عن نفسه ).
3 - مشروعية المحاماة:
__________
(1) - لسان العرب مادة ( حما )
(2) - د/ مسلم محمد اليوسف/ المحاماة في ضؤ الشريعة الإسلامية والقوانين العربية، صفحة ( 72 ).
(3) - المعجم في علم الإجرام والاجتماع القانوني صفحة ( 341 ).(1/689)
من خلال التعاريف السابقة نلاحظ أن المحاماة في مفهومها لا تختلف عن الوكالة، ومعلوم أن الوكالة مشروعة بالإجماع، فالمحاماة إذاً تكون مشروعة ، وقد وردت نصوص من الكتاب والسنة تدل على ذلك، ومن ذلك قوله تعالى مخبرا عن موسى عليه الصلاة والسلام: { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ } { القصص آية 33-34 } .
ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة واضح فموسى عليه الصلاة والسلام، طلب من الله تعالى أن يرسل هارون معه لكي يدافع عنه، ويحامي دونه.
قال الرازي: ( وليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له صدقت أو يقول للناس صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار)(1).
ومن السنة: ما جاء في الصحيحين من حديث أم سلمة، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها } (2). قال الإمام النووي عند شرحه لهذا الحديث: (ألحن: أبلغ وأعلم بالحجة ).وفي هذا الحديث دلالة على تفاوت الناس في الإفصاح عن حججهم وأقوالهم التي يدلون بها أمام الحاكم.
وفي هذا الزمان الحاجة داعية لوجود محام ، لا سيما مع ضعف الوازع الديني لدى بعض الناس ، ومع تعدد وكثرة الأنظمة وجهل كثير من الناس بها.
4 - استعانة المتهم بمحام:
جاء في المادة الرابعة من نظام الإجراءات الجزائية النص التالي:
( يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة ). وقد فصلنا القول في ذلك في مصطلح: متهم.
__________
(1) - التفسير الكبير 24/249
(2) - صحيح البخاري الحديث رقم ( 7185 )، وصحيح مسلم الحديث رقم ( 1713 )(1/690)
5 - شروط ممارسة مهنة المحاماة:
بينت المادتان الثالثة والرابعة من نظام المحاماة شروط ممارسة مهنة المحاماة على النحو التالي:
1 - يشترط فيمن يزاول مهنة المحاماة أن يكون اسمه مقيداً في جدول المحامين الممارسين. ويشترط فيمن يقيد اسمه بهذا الجدول ما يأتي :
أ- أن يكون سعودي الجنسية, ويجوز لغير السعودي مزاولة مهنة المحاماة طبقاً لما تقضي به الاتفاقيات بين المملكة وغيرها من الدول.
ب- أن يكون حاصلاً على شهادة كلية الشريعة أو شهادة البكالوريوس تخصص أنظمة من إحدى جامعات المملكة أو ما يعادل أي منهما خارج المملكة, أو دبلوم دراسات الأنظمة من معهد الإدارة العامة بعد الحصول على الشهادة الجامعية.
ج- أن تتوافر لديه خبرة في طبيعة العمل لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات. وتخفض هذه المدة إلى سنة واحدة للحاصل على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية أو في تخصص الأنظمة أو ما يعادل أياً منهما. أو دبلوم دراسات الأنظمة بالنسبة لخريجي كلية الشريعة, ويعفى من هذه المدة الحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال التخصص.
د- أن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محجور عليه.
هـ- ألا يكون قد حكم عليه بحد أو بعقوبة في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة, ما لم يكن قد مضى على انتهاء تنفيذ الحكم خمس سنوات على الأقل.
و- أن يكون مقيماً في المملكة.
ويضع وزير العدل أنموذج إقرار يوقعه طالب القيد, يتضمن إقراره بتوافر الشروط الواردة في الفقرات ( د ,هـ , و) من هذه المادة.(م/3)
2 - يستثنى من الفقرتين ( ب , ج ) من المادة الثالثة من سبقت له ممارسة القضاء في المملكة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات. ( م/4 )
6 - واجبات المحامين وحقوقهم:
بينت المواد ( 11 إلى 28 ) من نظام المحاماة حقوق وواجبات المحامين، على النحو التالي:(1/691)
1 - على المحامي مزاولة مهنته وفقاً للأصول الشرعية والأنظمة المرعية, والامتناع عن أي عمل يخل بكرامتها, واحترام القواعد والتعليمات الصادرة في هذا الشأن. ( م/11 )
2 - لا يجوز للمحامي أن يتعرض للأمور الشخصية الخاصة بخصم موكله أو محاميه وعليه أن يمتنع عن السب أو الاتهام بما يمس الشرف والكرامة.(م/12)
3 - مع مراعاة ما ورد في المادة الثانية عشرة للمحامي أن يسلك الطريق التي يراها ناجحة في الدفاع عن موكله ولا تجوز مساءلته عما يورده في مرافعته كتابياً أو مشافهة مما يستلزمه حق الدفاع. ( م/13 )
4 - لا يجوز للمحامي بنفسه أو بوساطة محامٍ آخر أن يقبل أية دعوى أو يعطي أية استشارة ضد جهة يعمل لديها. أو ضد جهة انتهت علاقته بها, إلا بعد مضي مدة لا تقل عن خمس سنوات من تاريخ انتهاء علاقته بها. ( م/14 )
5 - لا يجوز للمحامي الذي يعمل لموكله بصفة جزئية بموجب عقد أن يقبل أية دعوى أو يعطي أية استشارة ضد موكله, قبل مضي ثلاث سنوات على انتهاء العقد. ( م/14 )
6 - لا يجوز للمحامي بنفسه أو بوساطة محامٍ آخر أن يقبل الوكالة عن خصم موكله, أو أن يبدي له أية معونة. ولو على سبيل الرأي في دعوى سبق له أن قبل الوكالة فيها أو في دعوى ذات علاقة بها ولو بعد انتهاء وكالته. (م/15)
7 - لا يجوز لمن كان قاضياً قبل مزاولة مهنة المحاماة أن يقبل الوكالة بنفسه أو بوساطة محام آخر في دعوى كانت معروضة عليه. (م/16)
8 - لا يجوز لمن أبدى رأيه في قضية بصفته موظفاً أو محكماً أو خبيراً أن يقبل الوكالة في تلك القضية. ( م/17 )
9 - للمحامين المقيدين في جدول الممارسين دون غيرهم - حق الترافع عن الغير أمام المحاكم أو ديوان المظالم. أو اللجان المشار إليها في المادة الأولى من هذا النظام. واستثناء من ذلك يقبل للترافع عن الغير:
أ- أي وكيل في قضية واحدة إلى ثلاث, فإن باشر الوكيل ثلاث قضايا عن ثلاثة أشخاص متعددين لا تقبل وكالته عن غيرهم.(1/692)
ب- الأزواج أو الأصهار أو الأشخاص من ذوي القربى حتى الدرجة الرابعة.
ج- الممثل النظامي للشخص المعنوي.
د- الموصي والقيم وناظر الوقف في قضايا الوصاية والقوامة ونظارة الوقف التي يقومون عليها.
هـ- مأمور بيت المال فيما هو من اختصاصه حسب النظام والتعليمات. (م/18)
10 - على المحاكم وديوان المظالم واللجان المشار إليها في المادة (الأولى) من هذا النظام والدوائر الرسمية وسلطات التحقيق أن تقدم للمحامي التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه, وأن تمكنه من الاطلاع على الأوراق وحضور التحقيق, ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ مشروع. ( م/19 )
11 - يجب على المحامي أو الوكيل أن يقدم أصل توكيله أو صورة منه مصدقاً عليها إلى المحكمة أو ديوان المظالم, أو اللجان المشار إليها في المادة (الأولى) من هذا النظام, في أول جلسة يحضر فيها عن موكله, وإذا حضر الموكل مع المحامي في الجلسة أثبت كاتب الضبط أو من يقوم مقامه ذلك في محضر الضبط, وقام هذا مقام التوكيل, وإذا كان بيد المحامي توكيل عام مصدق عليه رسمياً بالنيابة عن أحد الخصوم يعفى من تقديم أصل التوكيل ويكتفي بتقديم صورة مصدقة منه, أو يقدم أصل التوكيل مع صورة منه ويقوم القاضي بتصديقها. ( م/20 )
12 - على كل محامٍ أن يتخذ له مقراً أو أكثر لمباشرة القضايا الموكل عليها. وعليه أن يشعر وزارة العدل بعنوان مقره وبأي تغيير يطرأ عليه. ( م/21 )(1/693)
13 - على المحامي عند انقضاء التوكيل أن يرد لموكله عند طلبه سند التوكيل والمستندات والأوراق الأصلية, ومع ذلك يجوز له إذا لم يكن قد حصل على أتعابه أن يستخرج على نفقة موكله صوراً من جميع المحررات التي تصلح سنداً للمطالبة وأن يبقي لديه المستندات والأوراق الأصلية حتى يؤدي له الموكل الأتعاب الحالة ومصروفات استخراج الصور, ولا يلزم المحامي أن يسلم موكله مسودات الأوراق التي قدمها في الدعوى, ولا الكتب الواردة إليه, ومع ذلك يجب على المحامي أن يعطي موكله صوراً من هذه الأوراق بناء على طلب الموكل وعلى نفقته.(م/22)
14 - لا يجوز للمحامي أن يفشي سراً أؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء وكالته. ما لم يخالف ذلك مقتضى شرعياً. كما لا يجوز له بدون سبب مشروع أن يتخلى عما وكل عليه قبل انتهاء الدعوى. ( م/23 )
15 - لا تسمع دعوى الموكل في مطالبة محاميه بالأوراق والمستندات المودعة لديه بعد مضي خمس سنوات من تاريخ انتهاء مهمته, إلا إذا طلبها الموكل قبل مضي هذه المدة بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول, فيبدأ احتساب هذه المدة من تاريخ تسلم هذا الكتاب. (م/24)
16 - لا يجوز للمحامي أن يشتري كل الحقوق المتنازع عليها أو بعضها التي يكون وكيلاً عليها. ( م/25 )
17 - تحدد أتعاب المحامي وطريقة دفعها باتفاق يعقده مع موكله, فإذا لم يكن هناك اتفاق أو كان الاتفاق مختلفاً فيه أو باطلاً, قدرتها المحكمة التي نظرت في القضية عند اختلافهما. بناء على طلب المحامي أو الموكل بما يتناسب مع الجهد الذي بذله المحامي والنفع الذي عاد على الموكل. ويطبق هذا الحكم كذلك إذا نشأ عن الدعوى الأصلية أية دعوى فرعية.( م/26 )
18 - للموكل أن يعزل محاميه. وعليه أن يدفع كامل الأتعاب المتفق عليها إذا ثبت أن العزل بسبب غير مشروع ما لم تر المحكمة المختصة بنظر القضية غير ذلك بالنسبة للعزل وكامل الأتعاب. ( م/27 )
19 - في حالة وفاة المحامي وعدم اتفاق الورثة والموكل على تحديد الأتعاب, تقدر المحكمة التي نظرت القضية أتعابه في ضوء الجهد المبذول والنفع الذي عاد على الموكل والمرحلة التي بلغتها القضية والاتفاق المعقود. (م/28)
***(1/694)
241 -محصن ( راجع مصطلح: إحصان )
242 -محقق ( راجع مصطلح: تحقيق )
243 -مخدرات
1 - التعريف: -
المخدرات في اللغة: جمع مخدر، وهو مأخوذ من الخدر وهو: الضعف والكسل والفتور والاسترخاء. قال ابن منظور: والخَدَرُ في العين: فتورها، وقيل: هو ثِقَلٌ فيها من قَذىً يصيبها؛ وعين خَدْراءُ: خَدِرَةٌ. والخَدَرُ: الكسَلُ والفُتور؛ وخَدِرَتْ عظامه. والخادِرُ: الفاتِرُ الكَسْلانُ. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: أَنه رَزَقَ الناسَ الطِّلأَ فشربه رجل فَتَخَدَّر أَي ضَعُفَ وفَتَرَ كما يصيب الشارب قبل السكر، ومنه خَدَرُ اليدِ والرِّجْلِ(1).
وفي الاصطلاح: المخدر: ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وطرب(2).
ويطلق الفقهاء المخدرات على المسكرات غير المائعة كالحشيش والأفيون.
المخدرات بمفهومها الحديث: هي كل ما يؤثر على العقل، فيخرجه عن طبيعته المميزة المدركة الحاكمة العاقلة؛ ويترتب على الاستمرار في تعاطيها الإدمان، فيصبح الشخص أسيرا لها(3).
وفيما يلي تعريف موجز بأشهر أنواع المخدرات المنتشرة (4):
1- الأفيون : كلمة ( أفيون ) يونانية معناها ( المسبت ) أي المنوم، ويطلق عليه بالسريانية(شقيقل) ومعناها ( المميت للأعضاء ) وهو مادة مخدرة بل هو أشد أنواع المخدرات خطرا وأكثرها انتشارا، ويمكن أن يطلق عليه المخدر الأم لأن معظم المخدرات تحضر منه، وهو أسرع المخدرات إدامنا ، ويكون تعاطيه عن طريق خلطه بالطعام، أو التدخين عن طريق تدخين السجائر أو الغليون، أو عن طريق الحقن تحت الجلد ؛ وتأثيره مخدر مسكن للألم، وجالب لكثير من الأمراض.
__________
(1) - لسان العرب مادة (خدر).
(2) - حاشية الصاوي على الشرح الكبير 1/47
(3) - عبد الوهاب عبد السلام طويلة/فقه الأشربة وحدها (صفحة 32)
(4) - أنظر: وباء المخدرات، د/محمد بن زكي النورى، من صفحة 38 - 92.(1/695)
2 - المورفين: مورفين نسبة إلى ( مورفيوس ) وهو إله الأحلام عند الإغريق الذين يعتقدون أن هذا المخدر ينقلهم خلال دقائق إلى (مورفيوس)، هو مادة مخدرة شديدة التأثير تحضر من الأفيون، ويكون تعاطيه عن طريق التدخين أو الحقن تحت الجلد، ويسبب الإدمان، والقلق والهلوسة، واضطراب الشخصية، بالإضافة إلى كثير من الأمراض الناتجة عن تعاطيه.
3 - الهيروين: هيروين كلمة لاتينية تعني البطولة ، اعتقادا من مكتشفه أنه دواء بطولي، حتى ظهرت تأثيراته السلبية، وسرعة تأديته للهلاك ؛ وهو مادة مخدرة شديدة التأثير، و يحضر من المورفين، وفعاليته أكبر من فعالية المورفين بخمس مرات ؛ وهو أخطر المخدرات واشدها وأسرعها إدمانا، ويكون تعاطيه عن طريق التدخين أو الاستنشاق، أو الحقن تحت الجلد، وتأثيره يشبه المورفين، إلا أن مدمنه محكوم عليه بالموت.
4 - الإمفيتامين: هو مادة مستخرجة أيضا من الأفيون، وتعرف عند العامة باسم (الكونغو) لأنها هربت أول مرة مع بعض من يأتون من (الكونغو) إلى البلاد العربية، ويكون تعاطيها عن طريق البلع وله تأثير منشط يوحي لمتعاطيه بالعظمة، إلا أنه يخدر اللسان، ويسبب الهلوسة وكثيرا من الأمراض.
5 - الحشيش: وهو مادة مخدرة مشهورة تستخرج من شجرة القنب الهندي، وعندما تجف تتحول إلى مادة بنية داكنة أو قريبة من السواد، وتكون صلبة، ورائحته تشبه رائحة البخور الهندي، وللحشيش عدة مسميات، ففي دول الخليج، والشام، ومصر، يعرف باسم ( الحشيش أو الحشيشة ) وفي الجزائر والمغرب يسمى (الكيف) وفي تونس، يسمى (التكروري) وفي الهند يسمى (غانجا، أو بهانغ) وفي تركيا يسمى (الهبك).
ويكون تعاطيه عن طريق التدخين مفردا أو ممزوجا بالتبغ، وله تأثير يسبب الانفعال، وأحيانا بالسرور لفترة معينة يعقبها الخمول وقلة الوعي.(1/696)
6 - الماريجوانا: وهي مادة مخدرة تستخرج من نبات القنب الهندي وتأثيرها أشد وأقوى من تأثير الحشيش، وبعد استخراجها تشبه التبغ المهروس، وتؤخذ على هيئة سجائر تسمى لفائف القنب الهندي، وله تأثير كتأثير الحشيش.
7 - الكوكايين: وهو مادة مخدرة خطيرة، تستخرج من شجرة الكوكا، ويكون تعاطيه عن طريق الاستنشاق، أو المضغ، أو الحقن تحت الجلد، أو التدخين، ويسبب الإدمان، ويصيب اللسان بالتخدير، ويشعر متعاطيه بالعظمة، والشجاعة، ثم يبدأ بالهلوسة النظرية والسمعية.
8 - النيكوتين: وهو مادة سامة موجودة في كل مواد التدخين، ويحتوي كل جرام من التبغ على عشرين جراما من النيكوتين، ويقول الأطباء إن خمسين جرام نيكوتين، كافية لقتل رجل بالغ إذا أكلها ؛ ولاحظ أن سيجارة التبغ التي تزن خمسة جرامات تحتوي على مائة جرام نيكوتين.
9 - الكبتاجون: نوع من الحبوب المنبهة. ( أنظر مصطلح: كبتاجون )
10- القات: وهو نبات يشبه البرسيم، يزرع في اليمن بكثرة، وفي بعض مدن المملكة كجازان وفيفا، وله مفعول ينعش متعاطيه لمدة ساعتين تقريبا، بعدها يصيبه نوع من التخدير والفتور، ويكون تعاطيه عن طريق المضغ، مصحوبا أحيانا بتدخين الشيشة.
11 - الميساكلين والسيلوسين: وهي مواد تسبب الهلوسة السمعية والبصرية والحسية، فيتخيل لمتعاطيها سماع أصوات، ومشاهدة أشياء لا وجود لها في الحقيقة.
12 - الشبو : وهو مادة مخدرة اتشرت حديثاً بين فئات من العمال لا سيما من ينتمون إلى شرق آسيا ، ومادة الشبو ثبت طبياً أنها تحتوي على مادة (ميثامفيتامين) فهي مثيلة ( للإمفيتامين ) ومنبهة قوية للجهاز العصبي المركزي ، ويتم تعاطيها عن طريق الحقن ، او الاستنشاق أو التدخين أو البلع. ( انظر : مصطلح: شبو )
2 - حكم استعمال المخدرات:(1/697)
لم يرد نص صريح في الكتاب أو السنة يدل على تحريم المخدرات بذاتها، ولكن وردت نصوص صريحة تحرم الخمر والمسكرات، ويستفاد من عموم هذه النصوص تحريم المخدرات، لوجود العلة الموجودة في المسكرات في المخدرات، بل هي في المخدرات أظهر وأشهر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات، والمسكر منها حرام باتفاق العلماء؛ بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله، ولو لم يكن مسكرا، كالبنج، فإن المسكر يجب فيه الحد وغير المسكر يجب فيه التعزير.... وساق الكلام رحمه الله إلى أن قال: وأما قول القائل: إن هذه ما فيها آية ولا حديث؛ فهذا من جهله فإن القرآن والحديث فيهما كلمات جامعة هي قواعد عامة، وقضايا كلية تتناول كلما دخل فيها فهو مذكور في القرآن والحديث باسمه العام وإلا فلا يمكن ذكر كل شيء باسمه الخاص فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق، وقال: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [الأعراف 158] وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ سورة الفرقان آية 1 ] وقال: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء 107 ] فاسم الناس، والعالمين يدخل فيه العرب وغير العرب من الفرس، والروم، والهند، والبربر)(1).
__________
(1) - مجموع الفتاوى 34/204-207(1/698)
ولاشك أن المخدرات محرمة بعموم نصوص الكتاب والسنة وبإجماع الأمة وبالقياس الصحيح. فمن النصوص الواردة في الكتاب: قوله تعالى: { )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [ المائدة 90-91 ]. فهذه الآية نص في تحريم الخمر لما فيها من إيقاع العداوة بين الناس، وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، والخمر هو ما خامر العقل أي ستره وغطاه، وهذه الأوصاف متحققة في المخدرات، بل هي فيها أشد.(1/699)
وقوله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف 157 ]، وهذه الآية أخذ منها العلماء قاعدة كلية وهي: ( إن كل طيب مباح وكل خبيث محرم)، وجميع أصناف الناس حتى الذين يتعاطون المخدرات يقولون: إن المخدرات ليست من الطيبات بل هي من الخبيثات. وقوله تعالى: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ البقرة 195] ، وقوله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [ النساء 29 ]، وتعاطي المخدرات يخالف مقتضى الأمر في هاتين الآيتين، لأن المخدرات تؤدي إلى الهلاك والى قتل النفس، كما اثبت ذلك الطب.
وأما النصوص الواردة من السنة فكثيرة ومنها: ما رواه مسلم رحمه الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام)(1). قال ابن حجر رحمه الله: ( واستدل بمطلق قوله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام، على تحريم كل ما يسكر ولو لم يكن شرابا فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها)(2).
وما رواه أبو داود رحمه الله عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( نهى رسول الله صلى اله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر )(3).
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 2003 ).
(2) - فتح الباري 10/55
(3) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 3686 ).(1/700)
ونقل العظيم أبادي في عون المعبود عن الطيبي قوله ( لا يبعد أن يستدل به على تحريم البنج والشعثاء ونحوهما مما يفتر ويزيل العقل لأن العلة وهي إزالة العقل مطردة فيها )(1).
وأما الإجماع على تحريم المخدرات فقد حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: ( وأما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات والمسكر منها حرام باتفاق العلماء )(2).
وأما القياس فهو دليل على تحريم المخدرات، وذلك بقياسها على الخمر بجامع أن كلا منهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة البغضاء، بين الناس، بل إن المخدرات تفوق الخمر في ذلك وتنتج عنها المشاكل الأسرية والاجتماعية.
3 - أنواع المخدرات:
تنقسم المخدرات من حيث النوع إلى ثلاثة أقسام هي: -
* أولا : مخدرات طبيعية:
وهي التي توجد في بعض النباتات، ومنها: -
1 - الحشيش: وهو يوجد في نبات القنب الهندي
2 - والماريجوانا: وهو يوجد في نبات القنب الهندي، ويعرف محليا باسم (الجنزفوري ).
3 - الأفيون: ويوجد في شجرة الخشخاش.
4 - القات: ويوجد في نبات القات.
* ثانيا: مخدرات طبيعية مصنعة:
وهي التي تصنع من مواد طبيعية موجودة في النباتات، مثل:-
1 - المورفين: ويصنع من الأفيون الذي يستخرج أصلا من شجرة الخشخاش.
2 - الهيروين: ويصنع من المورفين ( السابق ).
* ثالثا: مخدرات مصنعة كيميائيا:
وهي التي يتم تصنيعا في المختبرات والمصانع الكيميائية، مثل:
1 - الإمفيتامينات.
2 - عقاقير الهلوسة0 مثل: حمض ليسرجيك ( إل ، إس ، دي ).
4 - أضرار المخدرات:
أضرار المخدرات كثيرة ومتنوعة، فهي مضرة بالدين، وبالأسرة والمجتمع، وبالصحة، والاقتصاد، والأمن، ويمكن أن نوجز هذه المضار في النقاط التالية:-
1 - تعاطي المخدرات وتهريبها، وترويجها، وبيعها، والمتاجرة فيها، معصية لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولولاة الأمر.
__________
(1) - عون المعبود شرح الحديث رقم ( 3686 ).
(2) - مجموع الفتاوى 34/204(1/701)
2 - تعاطي المخدرات فيه صد عن ذكر وعن الصلاة وعن سائر العبادات.
3 - تعاطي المخدرات فيه مرضاة لعدو الإنسان الأول الشيطان ؛ كما أنه سلاح فتاك يستعمله أعداء المسلمين لتدمير شباب المسلمين دينيا وعقليا، وفكريا، وماديا.
4 - تعاطي المخدرات فيه تعد على نعمة العقل التي أنعم الله به على الإنسان، وكرمه بها على سائر المخلوقات.
5 - المخدرات تكون سببا في تفكك الأسرة والمجتمع.
6 - متعاطي المخدرات يتجرد من خلق الحياء والصفات الحميدة، ويتصف بالصفات الرذيلة.
7 - متعاطي المخدرات كالحيوان، فهو يقع على محارمه ويفعل بهن الفاحشة تحت تأثير المخدر وفقدان العقل.
8 - متعاطي المخدرات يسهل عليه ارتكاب الجرائم، لاسيما مع الإدمان، وذهاب العقل.
9 - تعاطي المخدرات يؤثر تأثيرا بليغا على الحالة المعيشية والسكنية والتعليمية والأخلاقية للأسرة.
10 - المخدرات تتطلب مضاعفة الإنفاق المالي من قبل الدولة بسبب زيادة الإنفاق على أجهزة الرقابة والعاملين على مكافحة المخدرات، وإيجاد مراكز متخصصة لمعالجة المدمنين، وهذا يشكل عبئا اقتصاديا على خزانة الدولة وإرهاقا للميزانية العامة.
11 - المخدرات سبب رئيسي للبطالة وفقدان العمل.
12 - تعاطي المخدرات من الأسباب الرئيسية في كثرة حوادث المرور لعدم مقدرة متعاطيها على التركيز أثناء القيادة.
13 - متعاطي المخدرات يشعر دائما بالاضطهاد والكآبة والعزلة والتوتر العصبي والنفسي.
14 - يعيش متعاطي المخدرات دائما في حالة هلوسة سمعية وبصرية، وتخيل لأشياء لاوجود لها في الحقيقة.
15 - متعاطي المخدرات يكون ضعيف التركيز، كثير النسيان.
16 - تؤدي المخدرات إلى الجنون، وفقدان العقل.
17 - المخدرات تؤثر على الجهاز الهضمي فهي تؤدي إلى عسر الهضم، وضعف الشهية، وتضخم الكبد وتليفها، والتهاب البنكرياس وتضخم الطحال.(1/702)
18 - المخدرات تؤثر على القلب والأوعية الدموية بما تسببه من التهاب شغاف القلب، وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم.
19 - المخدرات تؤثر على الجهاز التنفسي بما تسببه من التهاب رئوي، وحساسية صدرية تحدث من المخدرات عامة ومن المورفين والهيروين والحشيش خاصة.
20 - المخدرات تؤثر على الجهاز البولي بما تسببه من فشل كلوي، والتهاب الحالبين والمجاري البولية.
21 - المخدرات تؤثر على الجهاز التناسلي بما تسببه من عقم وعجز جنسي، وأمراض كالسيلان والهربز والإيدز ، وتؤدي إلى سقوط الحمل وتشوه الأجنَّة.
5 - أسباب انتشار المخدرات:
هناك أسباب عديدة لانتشار المخدرات نوجزها فيما يلي:
1- ضعف الوازع الديني : وذلك لأن الدين حجاب عن المعاصي والمهالك ، فإذا قلَّ في القلب وازعه ضعف الحجاب أو زال وسهل ارتكاب المعاصي في كل وقت وحين ؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )(1).
2 - البحث عن المادة والربح السريع : وذلك لأن أسعار المخدرات مرتفعة جدا، حتى قيل إن الحبة الواحدة من ( الكبتاجون ) بيعت بمبلغ مائة ريال، مع أنه من أرخص المخدرات ثمنا، وهذا يكون دافعا لضعاف النفوس ليروجوا المخدرات.
__________
(1) - صحيح البخاري حديث رقم ( 2475 ) وصحيح مسلم حديث رقم ( 57 ).(1/703)
3 - الفراغ والبطالة: فقد ثبت من خلال الواقع العملي أن معظم الذين يقعون في فخ المخدرات هم من الفئة العاطلة عن العمل، المعطلة للوقت الذي هو أغلى من الذهب، وما علم هؤلاء أن المسلم ليس لديه فراغ أبدا، فذهابه ومجيئه ، ونومه ويقظته ، بل كل حياته ملك لله ، وعبادة له تعالى ، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام 162- 163 ]. وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )(1).
4 - قرناء السؤ: من الثابت في واقع الحياة أن الشباب بعضهم يؤثر على بعض ، سواء كان هذا التأثير إيجابيا أو سلبيا ، وصدق رسول الله إذ يقول: ( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) رواه أبو داود والترمذي(2).
ويقول الشاعر:-
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
5 - المشاكل الأسرية: وذلك أن الخلاف بين الأبوين، وانفصال أحدهما عن الأخر بسبب الطلاق له مردود سيئ على الأولاد فربما عاشوا مشردين، من غير موجه ولا مرشد، وأصبح كل واحد منهم يبحث عن رفقة يأنس بهم ويأوي إليهم، فعندئذ يسهل انخراطهم في مهاوي المخدرات.
6 - السفر إلى الخارج: فإن كثيرا من الشباب عندما يسافرون للخارج يختلطون بجنسيات، وثقافات، وعادات متباينة، فيقعون في أوحال الرذيلة، ومستنقع الجنس والخمور والمخدرات.
__________
(1) - صحيح البخاري حديث رقم ( 6412 ).
(2) - سنن أبي داود حديث رقم ( 4833 ) وسنن الترمذي حديث رقم ( 2378 ).(1/704)
7 - العمالة الأجنبية الوافدة إلى البلاد: تعتبر العمالة الأجنبية الوافدة من أخطر المصائب على المجتمعات المحافظة، وذلك لأن هذه العمالة تنقل معها أفكارها وعاداتها وتقاليدها، بل ربما يكون معظمهم قد كلف بالحضور إلى البلاد الإسلامية من أجل اجتذاب الشباب المسلم إلى هاوية المخدرات والمسكرات، والرذائل، قاصدين بذلك إضعاف المجتمعات المسلمة وطمس هوية الدين والكرامة لديهم.
8 - التقليد الأعمى ومجاملة الآخرين: فشعور الإنسان بالنقص في ذاته يدفعه إلى تقليد من يظن فيهم الكمال تقليدا أعمى، حتى إن بعضهم يعجبه المطرب الفلاني فيقلده، وبعضهم يعجبه اللاعب الفلاني فيقلده، بصرف النظر عن سلوك هذا المقلَّد، وربما أعجب الشخص بمجرم شاهده في فلم، أو قرأ عنه في صحيفة، فكان همه الشاغل هو تقليد هذا المجرم تقليدا أعمى، فكان ذلك سببا لوقوعه في هاوية المخدرات.
9 - رواج بعض الأفكار الكاذبة عن المخدرات: فمروجو المخدرات يروجون لها دعايات كاذبة ومزيفة، فيوهمون ضحاياهم أن هذا الصنف من المخدر يقوي الجنس، وهذا الصنف يجلب المتعة والسرور، وصنف آخر يساعد على النشاط واستذكار الدروس، وآخر يساعد سائقي سيارات الأجرة على مواصلة سفرهم دون تعب ولا ملل، ويساعدهم على قيادة السيارة على الطرق الطويلة دون حدوث تعب أو نعاس أو نوم؛ وهكذا يجذب المروجون ضحاياهم ويوقعونهم في شرك المخدرات.
10- الاستعمار الأجنبي: تعتبر المخدرات من الأسلحة الفتاكة في أيدي المستعمرين، حتى قال قائلهم: (... اغزوا البلاد الإسلامية بالمخدرات والمسكرات والجنس ، تحققوا مطالبكم..) ؛ وذلك لقناعتهم وعلمهم بالدمار الذي ينتج عن المخدرات، لاسيما وأنها مسلطة على العقل البشري، فلك أخي الحبيب أن تتخيل إنسانا يمشي بلا عقل.
6 - طرق مكافحة المخدرات:(1/705)
المخدرات وباء شديد وداء عضال، وسم قتَّال، فيجب على الفرد والمجتمع التكاتف والتعاون لمكافحته بمختلف الوسائل، ونورد هنا بعض الوسائل المعينة بإذن الله تعالى على مكافحة المخدرات: -
1 - تعميق الإيمان بالله، والتأكيد على التربية، والأخلاق الإسلامية في المدارس والمصانع وسائر المرافق الحيوية، بما فيها السجون.
2 - إيجاد فرص العمل المناسبة للشباب ، لإشغال أوقاتهم والقضاء على جانب البطالة.
3 - تشكيل جمعيات خيرية أهلية مهمتها توعية الشباب اجتماعيا وإبعادهم عن طريق المدمنين وقرناء السؤ ومنع وصول المخدرات إليهم، وتكون هذه الجمعيات تحت إشراف الإدارة العامة لمكافحة المخدرات.
4 - تحذير الأسرة والمجتمع من عواقب المشاكل والخلافات الأسرية التي تحصل بين الأبوين ويترتب عليها انفصالهما عن بعضهما، وبقاء الأبناء تتجاذبهم الأطراف المختلفة.
5 - منع الشباب من السفر للخارج إلا عند الضرورة القصوى.
6 - منع استقدام العمالة الأجنبية إلا ما دعت إليه الضرورة.
7 - منع بث ونشر وتداول المسلسلات والأفلام التي تخالف عادات وتقاليد مجتمعنا الإسلامي، لاسيما الإجرامية التي يقوم فيها الممثلون بتناول الخمور، أو يكون بطلها مروج مخدرات أو مسكرات.
8 - التوعية الصحية بأضرار المسكرات والمخدرات، وبيان المخاطر الناتجة عنها، وفضح شبهات المروجين لها الذين يغررون ضحاياهم بوجود فوائد في هذه المخدرات، والتركيز على هذا الجانب عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتوزيع النشرات التحذيرية على طلاب المدارس.
9 - دعم إدارات مكافحة المخدرات بالمعدات والضباط والأفراد المدربين المؤهلين تأهيلا راقيا للنهوض برسالتهم المهمة على أكمل وجه.
10 - إيجاد الأجهزة والمعدات والوسائل الحديثة التي تكشف عن تهريب المخدرات.(1/706)
11 - إيجاد الدورات التدريبية والبعثات الخاصة لضباط وأفراد إدارات مكافحة المخدرات، ومنسوبو الجمارك ، ليكونوا على علم ودراية بكل ما يستجد من أساليب المهربين والمروجين وطرق مكافحتها.
12 - تقديم المكافآت التشجيعية لكل من ساهم في إحباط عملية تهريب أو ترويج مخدرات أو مسكرات.
13 - تنفيذ عقوبة مرتكبي المخدرات في الأماكن العامة، والمدارس، والتشهير بهم عبر وسائل الإعلام.
7 - كيف تعرف مدمن المخدرات ؟
هناك علامات يمكن أن يتعرف المحقق، ورجل الضبط من خلالها على مستعملي ومدمني المخدرات، نوجزها في ما يلي:-
1 - وضوح آثار الحقن على الذراعين والرجلين.
2 - نزول حدقتي العينين عن مستوى الجفن الأسفل.
3 - الشعور بالابتهاج وعدم الاهتمام بشيء آخر، خاصة لمن استعملها حديثا.
4 - العصبية وسؤ المزاج لمن لم يتعاطاها في الوقت المعتاد، مع وجود رشح في الأنف، وخدر في العينين.
5 - الشعور بألم في البطن والمعدة، والتقيؤ المستمر، خاصة من الذين يستعملون الأفيون.
6 - التغيرات الطارئة على الأوردة المستخدمة للحقن، حيث تأخذ بالتصلب والاحمرار في البداية ثم تصبح بنفسجية اللون، وتنتهي بلون بني ظاهر، ( وهذه علامة مؤكدة ومتميزة لمن يستعمل الهيروين ).
7 - التصرفات والحركات الغريبة والجرأة الزائدة، خاصة عند مستعملي الحشيش.
8 - انتفاخ الشدقين وبروزهما، وهذا خاص بمستعملي القات.
8 - المخدرات و معدل الجريمة:(1/707)
هناك علاقة بين المخدرات ومعدل الجريمة، ذلك لأن عالم المخدرات أرض خصبة لوقوع الجرائم البشعة التي لا يتصورها أحد وتفوق كل تخيل، فمجرم المخدرات تسهل عليه الجريمة مهما كان حجمها، فيقع على ذوات المحارم، ويقتل، ويسرق، ويغتال، ويخطف النساء والأطفال، ويقاوم رجال الأمن، كل ذلك تحت وطأة الإدمان وغياب العقل البشري الذي كرم الله به بني آدم، نعم معدل الجريمة يزداد بشدة مع انتشار المخدرات؛ ففي تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول دراسة الجريمة في ثلاثين دولة من بينها الولايات المتحدة، وبريطانيا، ثبت أن ( 86? ) من جرائم القتل، و (50? ) من جرائم الاغتصاب تمت تحت تأثير الخمر ؛ و(50? ) من حوادث المرور سببه تعاطي الخمور، وفي الولايات المتحدة يلاقي ما لا يقل عن ( 30000 ) شخص حتفهم بسبب حوادث المرور الناتجة عن الخمور ، وتبلغ الوفيات أكثر من (60000) حالة سنويا ؛ كما يتوفى أكثر (20000) شخص بسبب الأمراض الناتجة عن تعاطي الخمور، ويبلغ العدد الإجمالي لوفيات الناتجة عن شرب الخمور وتدخين السجائر (250000) شخص. وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن معظم حوادث الاعتداء الجنسي على المحارم من البنات والأخوات والأمهات وقعت تحت تأثير الخمور.
9 - عقوبة المخدرات:
مجرم المخدرات لا يخلو من أن يكون مهربا للمخدرات، أو مروجا لها، أو مستعملا، أو حائزا، وتختلف عقوبته بحسب الاتهام الموجه له.
فمن يثبت تهريبه للمخدرات فعقوبته القتل، ومن يثبت ترويجه لها فإن كان للمرة الثانية فيعاقب بما يقطع شره ولو بالقتل، ومن استعملها فيعاقب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي الذي ينظر القضية ، ومن حازها فيعاقب وفقا لما جاء بقرار مجلس الوزراء رقم ( 11 ) لعام 1374هـ الذي سنورد نصه قريبا.(1/708)
وصدر مؤخرا الأمر السامي البرقي رقم 4/ب/17435 وتاريخ 1/9/1422هـ المتضمن الموافقة على اقتراح سمو وزير الداخلية بأن تكون عقوبة مهربي أو مروجي الحبوب الممنوع تداولها السجن أو الجلد أو الغرامة حسبما نص عليه قرار هيئة كبار العلماء عدد 85 في 11 /11/1401هـ ، ويترك تقدير الجزاء في ذلك إلى الحاكم الشرعي الذي ينظر القضية.
10 - نص قرار هيئة كبار العلماء رقم ( 85) لعام 1401هـ
ورد في الفقرة الثانية من قرار هيئة كبار العلماء رقم (85) الصادر بتاريخ 11/11/1401هـ، النص التالي: (... نظرا إلى أن للمخدرات آثارا سيئة على نفوس متعاطيها وتحملهم على ارتكاب جرائم الفتك وحوادث السيارات والجري وراء أوهام تؤدي إلى ذلك وأنها توجد طبقة من المجرمين شأنهم العدوان وأنها تسبب حالة من المرح والتهيج مع اعتقاد متعاطيها أنه قادر على كل شئ فضلا عن اتجاهه إلى اختراع أفكار وهمية تحمله على ارتكاب الجريمة كما أن لها آثار ضارة بالصحة العامة وقد تؤدي إلى الخلل في العقل والجنون وحيث أن أصحاب هذه الجرائم فريقان: أحدهما: من يتعاطاها للاستعمال فقط فهذا يجري في حقه الحكم الشرعي للسكر فإن أدمن على تعاطيها ولم يجد في حقه إقامة الحد كان للحاكم الشرعي الاجتهاد في تقرير العقوبة التعزيرية الموجبة للزجر والردع ولو بقتله. الثاني: من يروجها سواء كان ذلك بطريق التصنيع أو الاستيراد بيعا وشراء أو إهداء ونحو ذلك من ضروب إشاعتها ونشرها فإن كان ذلك للمرة الأولى فيعزر تعزيرا بليغا بالحبس أو الجلد أو الغرامة المالية أو بهما جميعا حسبما يقتضيه النظر القضائي وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان ذلك بالقتل لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض وممن تأصل الإجرام في نفوسهم وقد قرر المحققون من أهل العلم أن القتل ضرب من التعزير... )
11 - نص قرار مجلس الوزراء رقم ( 11) في 1/2/1374هـ(1/709)
اطلع مجلس الوزراء على المعاملة المرافقة لهذا المنتهية من مجلس الشورى بقراره رقم 200 في 31/13/73هـ المشتملة على العقوبات التي اقترح مدير الأمن العام تطبيقها على مهربي المخدرات ومتعاطيها والتعديلات التي أجراها مجلس الشورى في هذا الموضوع وتقرر بالموافقة على العقوبات التي اقرها مجلس الشورى في قراره المنوه عنه أعلاه بالصفة الآتية:
عقوبات تهريب المواد المخدرة والاتجار بها وتعاطيها.
أولا - كل من يثبت عليه لدى المحاكم المختصة تهريب المواد المخدرة إلى المملكة بطريق مباشر أو غير مباشر يعاقب بالعقوبات الآتية.
1) يسجن مدة خمسة عشر عاما.
2) وتصادر المواد المهربة وتتلف.
3) يغرم بغرامة مالية قدرها عشرون ألف ريال عربي سعودي.
4) بعد تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الفقرات الثلاث الموضحة أعلاه يجازى أيضا بحرمانه من السفر إلى خارج المملكة ووضعه داخل المملكة تحت المراقبة الدائمة إن كان سعوديا ويبعد من المملكة ويحرم من الدخول إليها إن كان أجنبيا وتعطى صورته إلى خفر الموانئ والحدود والممثليات.
ثانيا - كل من يثبت عليه لدى المحاكم المختصة الاشتراك في تهريب المخدرات أو تسهيل دخولها إلى المملكة يعاقب:
1 - بالسجن لمدة سبع سنوات.
2 - ويفصل من وظيفته إن كان موظفا.
ثالثا - كل شخص من غير الصيادلة والمرخص لهم بالاتجار بالجواهر المخدرة تثبت حيازته لشيء من المخدرات أو توسطه في تصريفها بالبيع أو الإرسال أو الإهداء أو النقل من جهة إلى أخرى يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات ويغرم بغرامة مالية قدرها عشرة آلاف ريال عربي سعودي.
رابعا - كل من يثبت عليه لدى المحاكم المختصة تعاطي شئ من المخدرات يعاقب بما يأتي:
1 - بالسجن لمدة سنتين.
2 - يعزر بنظر الحاكم الشرعي.
3 - بعد تطبيق أحكام الفقرتين ( 1, 2 ) عليه يجازى أيضا بإبعاده عن البلاد إن كان أجنبيا.(1/710)
خامسا - تلحق هذه العقوبات بالفصل الثالث من نظام منع الاتجار بالمواد المخدرة وتحل المادتين الثالثة والرابعة محل الفقرة الخامسة من المادة ( 24 ) والفقرتين المذيلة بهما محل المادة ( 25 ) من النظام المذكور.
سادسا - تسرى أحكام هذه المواد من تاريخ تصديق هذا القرار ونشره ولا تكون أحكامه رجعيه ولما ذكر حرر. ( رئيس مجلس الوزراء).
12 - مجازاة مهربي أو مروجي الحبوب الممنوع تداولها:
صدر الأمر السامي البرقي رقم 4/ب/17435 وتاريخ 1/9/1422هـ المتضمن الموافقة على اقتراح سمو وزير الداخلية بخصوص مجازاة مهربي أو مروجي الحبوب الممنوع تداولها بالسجن أو الجلد والغرامة حسبما نص عليه قرار هيئة كبار العلماء عدد 85 في11/11/1401هـ، على النحو التالي:
1- الموافقة على اقتراح سمو وزير الداخلية بخصوص مجازاة مهربي أو مروجي الحبوب الممنوع تداولها بالسجن أو الجلد والغرامة حسبما نص عليه قرار هيئة كبار العلماء عدد 85 في11/11/1401هـ.
2- يترك تقدير الجزاء في ذلك إلى الحاكم الشرعي الذي ينظر القضية ويطلع على ما فيها من اعترافات وما يثبت من جرم ومدى خطورة تلك الممنوعات سواء نظرت القضية لدى قاض واحد أو أكثر حسب الاختصاص ويكون تقدير التعزير لكل جريمة بما يناسبها على قدر الضرر المتوقع من المادة الممنوعة ولا شك أن هذه الحبوب التي تتابع المجرمون على بثها ونشرها في المجتمع أو تهريبها إليه محتاج لحزم ودقة نظر فيصدر الحكم ويكون بعد ذلك خاضعا للتمييز كالمتبع)(1).
13 - استثناء الشباب والطلبة من عقوبة المخدرات:
ورد في تعميم وزير الداخلية رقم 19/س/3969 وتاريخ 10/10/1400هـ النص التالي: ( .. نرغب معالجة قضايا الشباب الذين يقبض عليهم بتهمة استعمال الحبوب حسب القواعد التالية:
أولا : تحديد من عناهم الاستثناء.
__________
(1) - عمم هذا الأمر على أمراء المناطق وهيئة التحقيق والإدعاء العام بتعميم وزير الداخلية رقم19/45347/2ش وتاريخ7/8/11/1422هـ(1/711)
أ - أن لا يتجاوز عمر المقبوض عليه عشرين عاما وضرورة التثبت من ذلك بالرجوع إلى شهادة ميلاده أو حفيظة نفوسه أو حفيظة والده أو جواز سفره أو جواز سفر والده إن لم يكن سعوديا .
ب - أن يكون طالبا متفرغا للدراسة بجميع مراحلها وضرورة التثبت من ذلك بشهادة من الجهة التي يتلقى دراسته لديها.
ح - أن لا يكون مروجا أو مهربا للمخدرات بأنواعها بل مستعملا للحبوب فقط.
د - أن لا يكون له سوابق في تهريب أو ترويج المخدرات أو استعمال الحبوب أو أية سوابق في جرائم أخلاقية لم تردعه عقوباتها .
هـ - أن لا تكون تهمته باستعمال الحبوب مقترنة بجريمة أخرى أخلاقية تستدعى نظرها من قبل المحاكم والحكم فيها شرعا .
و - أن لا تكون تهمته باستعمال الحبوب مقترنة بحادث مروري نتج عنه إصابات أو وفاة يترتب عليها حقوق خاصة أو عامة .
ز - أن لا يكون سائقا برخصة عمومية ( أي ممتهنا السواقة )
ح - أن لا تكون قد صدرت منه مقاومة لرجال السلطة عند القبض عليه .
ثانيا : طريقة المعاملة بالنسبة لمن يقبض عليه .
أ - عندما يكون المقبوض عليه ممن عناهم الاستثناء حسب القواعد الموضحة أعلاه ينظم المحضر الخاص بالضبط وتحرز المضبوطات كالمتبع من قبل إدارة مكافحة المخدرات ويتم التحقيق المبدئي من قبل المختص في حينه وترفع الأوراق إلى إمارة المنطقة خلال أسبوع إلى عشرة أيام على الأكثر من تاريخ القبض على المتهم أما إذا كان المقبوض عليه طالبا وفترة القبض عليه تصادف أيام الامتحانات أو العطلة التي تسبق الامتحانات فيتم التحقيق فورا وتحرز المضبوطات ويطلق سراح الطالب بالكفالة الحضورية وترفع الأوراق للأمارة وعندما تقرر العقوبة من قبلها تنفذ على المتهم في فترة العطلة المدرسية.(1/712)
ب - تدرس الأوراق من قبل الإمارة وتصدر عليها العقوبة التي ترى الأمارة تطبيقها عليه بما يناسب مع حالته على أن لا يتجاوز مدة السجن ثلاثة أشهر أو خمسين جلدة وفي حالة تأخر عودة الأوراق من الإمارة أو لدى إدارة مكافحة المخدرات التي تولت الضبط والتحقيق لسبب أو لأخر تتطلبه ظروف العمل فيطلق سراح المقبوض عليه بالكفالة الحضورية بعد إمضاء الحد الأعلى من عقوبة السجن وهي ثلاثة أشهر وعند عودة الأوراق من الأمارة متضمنة عقوبة الجلد ينفذ على المتهم في وقت مناسب.
ج - إذا كان في القضية عدة أشخاص من بينهم من يعنيهم الاستثناء تفرد لهم معاملات خاصة بهم وتستكمل الإجراءات حسبما جاء في الفقرة السابقة.
د - ملاحظة أن تقترن هذه العقوبات بأخذ التعهد عليه بعدم العودة لمثل ما بدر منه وإخطاره بأنه ستوقع عليه عقوبة المخدرات إن هو عاد لذلك وأخذ التعهد على ولي أمره بمراقبته وحسن تربيته .
هـ - ترفع الإمارة للوزارة صورة من فذلكة التحقيق رفق صورة خطابها الموجه للجهة التي ستنفذ العقوبة ).
***(1/713)
244 -مدعي ( راجع مصطلح: دعوى )
245 -مدمن
1 - التعريف:-
الإدمان في اللغة: ملازمة الشيء و المداومة عليه، يقال: هذا مدمن خمر، أي مداوم على شربها. جاء في لسان العرب: مُدْمِن الخمر الذي لا يُقْلع عن شربها. يقال: فلان مُدْمن خمر أَي مُداومُ شربِها. قال الأَزهري: واشتقاقه من دَمْنِ البعر. وفي الحديث: مُدْمِن الخمر كعابد الوثَن؛ هو الذي يُعاقِر شربها ويلازمه ولا ينفك عنه، وهذا تغليظ في أَمرها وتحريمِهِ. ويقال: دَمَّن فلان فِناءَ فلان تَدْمِيناً إِذا غشيه ولزمه(1).
وفي الاصطلاح عُرِّف الإدمان: بأنه الاعتماد النفسي والجسدي أو النفسي فقط على عقار معين يسبب الكف عن تعاطيه آلاما نفسية هائلة، وأضرارا جسمية كبيرة ، وذلك لما يحدث في جسم المتعاطي ودمه من تغير في التركيب الكيميائي بحيث يتعذر معه التحمل الطبيعي عند الانقطاع(2).
2 - أسباب الإدمان:
السبب الرئيسي للإدمان على الشيء هو تكراره، فالشخص الذي عود نفسه على استعمال المخدرات والمسكرات سيشعر في يوم من الأيام أنه مجبر على تعاطي هذه الأشياء، وهذا الشعور ناتج عن مرض نفسي تولد نتيجة امتزاج هذه السموم بالدم وانتقالها إلى المخ، فعند فقدانها يشعر باضطراب في الدورة الدموية، وعدم تركيز الفكر، والإحساس بالاكتئاب، الذي يجد في النشوة الناتجة عن تعاطي المخدرات والمسكرات متنفسا في تفريجه، ومعلوم أن بداية الإدمان تبدأ بتجربة الشيء أولاً، ثم تتدرج شيئا فشيئا حتى تصل إلى مرحلة يصعب الإقلاع عنها وعلاجها.
3 - علاج الإدمان:
__________
(1) - لسان العرب مادة: (دمن)
(2) - أنظر : عبد الوهاب طويلة، فقه الأشربة صفحة ( 496 ).(1/714)
يكثر الحديث عن علاج الإدمان والمراحل التي يمر بها متلقي العلاج، وطرق العلاج التي يخضع لها المدمن، ومع التسليم بنتائج بعض البرامج العلاجية للمدمنين لا سيما البرامج التي يخضع لها المدمن في مستشفيات الأمل، وفي مراكز التأهيل المتخصصة بعلاج المدمنين، فإنه في اعتقادي أن أبرز الأمور في معالجة الإدمان هو تعميق الإيمان بالله في نفس المدن وذلك عن طريق الوعظ والإرشاد، وبيان ما يترتب على استعمال المخدرات والمسكرات من عقوبة في الدنيا والآخرة، يضاف إلى ذلك تقوية عزيمة المدمن على الإقلاع عما أدمن عليه.
4 - عقوبة المدمن:
المدمن على تعاطي المخدرات الذي تتكرر مراجعته للمستشفى أكثر من خمس مرات تثبت إدانته شرعا وتطبق عليه العقوبات الواردة في قرار مجلس الوزراء رقم (11) لعام 1374هـ، نص على ذلك تعميم سمو وزير الداخلية رقم 19س/2002 وتاريخ 12/5/1412هـ.
وإذا كان الإدمان على المسكرات، كالخمر والحشيش، وكل ما يوجب تعاطيه حداً فيقام على المدمن الحد ، ويعاقب بما يراه القاضي زاجراً وفقا لما جاء بقرار هيئة كبار العلماء رقم 53 في 4/ 4/1397هـ.
***(1/715)
246 -مرافعات
1 - التعريف:
المرافعات في اللغة جمع مفرده مرافعة: أي محاكمة، قال ابن منظور: ورافَعْتُ فلاناً إِلى الحاكم وتَرافَعْنا إِليه ورفَعه إِلى الحَكَمِ رَفْعاً ورُفْعاناً ورِفْعاناً: قرّبه منه وقَدَّمه إِليه لُيحَاكِمَه(1).
وفي الاصطلاح: لم يذكر الفقهاء تعريفا للفظ المرافعات لأنهم يطلقون عليها لفظ التحاكم إلى القاضي.
وفي القانون: المرافعة هي عرض ما تتضمنه الدعوى من وقائع تتصل من قريب أو من بعيد بكل التفاصيل المتعلقة بها(2).
2 - من له حق رفع الدعوى:
رفع الدعوى الصحيحة حق لكل شخص، وقد وردت في نظامي المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية ، بعض الضوابط المتعلقة برفع الدعوى الجزائية على النحو التالي:
أ - رفع الدعوى الجزائية العامة:
1 - تختص هيئة التحقيق والادعاء العام وفقاً لنظامها بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة.( إجراءات/16)
2 - تقام الدعاوى الجزائية في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إذا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة عامة في رفعها. (إجراءات/18 )
3 - تقبل الدعوى من ثلاثة على الأقل من المواطنين في كل ما فيه مصلحة عامة إذا لم يكن في البلد جهة رسمية مسؤولة عن تلك المصلحة. (مرافعات/5)
ب - رفع الدعوى الجزائية الخاصة:
1 - للمجني عليه أو من ينوب عنه، ولوارثه من بعده، حق رفع الدعوى الجزائية في جميع القضايا التي يتعلق بها حق خاص، ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة. وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور. (إجراءات/17)
2 - لا يجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراءات التحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو من نائبه أو وارثه. ( إجراءات/18 )
__________
(1) - لسان العرب مادة ( رفع ).
(2) - معجم المصطلحات الفقهية والقانونية صفحة ( 283 ).(1/716)
3 - لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يدعي بحقه الخاص في أثناء التحقيق، ويفصل المحقق في مدى قبول هذا الادعاء خلال ثلاثة أيام من تاريخ تقديمه له. ( إجراءات/68)
4 - كل من له مصلحة قائمة مشروعة في الدعوى، وتكفي المصلحة المحتملة، إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله. ( مرافعات/4).
3 - أنظمة المرافعات في المملكة العربية السعودية:
صدر أول نظام للمرافعات الشرعية بتاريخ 11/2/1355هـ ثم ألغي بنظام تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية المتوج بالتصديق العالي رقم 109 وتاريخ 24/1/1372هـ .
ثم صدر نظام المرافعات الشرعية بالمرسوم الملكي رقم م/1 وتاريخ 1/3/1410هـ بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 1 في 6/1/1410هـ وقبل البدء في العمل به ألغي بالمرسوم الملكي رقم م/1 وتاريخ 21/3/1411هـ بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (58) في 19/3/1411هـ، واستمر العمل بنظام تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية إلى أن صدر المرسوم الملكي رقم م/ 21 في 20/5/1421هـ المتضمن المصادقة على قرار مجلس الوزراء رقم (115) في 14/5/1421هـ القاضي بالموافقة على نظام المرافعات الشرعية الذي يضم مائتين وستاً وستين مادة موزعة على خمسة عشر باباً.
***(1/717)
247 -مرور
1 - التعريف:
المرور في اللغة: المضي والعبور، قال ابن منظور: مَرَّ عليه وبه يَمُرُّ مَرًّا أَي اجتاز. و مَرَّ يَمُرُّ مَرًّا و مُروراً: ذَهَبَ، واستمرّ(1).
وفي الاصطلاح : المرور : المضي والاجتياز بالشيء(2).
2 - حوادث المرور الموجبة للمسؤولية:
1 - بينت المادة (191) من نظام المرور أن حوادث السير تعنى جميع الحوادث التي ينتج عنها أضرار مادية أو جسمية من جراء استعمال المركبة.
2 - وبينت المادة (195) من النظام أن الفعل يعتبر موجبا للمسؤولية إذا نجم عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الأنظمة.
3 - وفي المادة (196): إذا سمح مالك السيارة لشخص آخر لم يحصل على رخصة قيادة بقيادة سيارته ونتج عن ذلك حادث ما يعتبر الاثنان متضامنين في المسئولية المادية وتستوفى من كل منهما الغرامات المالية المترتبة على الحادث وعلى المخالفات المتلازمة معه.
4 - وفي المادة (197): إذا كان سبب الحادث خطأ وقع من المتضرر أو من شخص ثالث بالاشتراك مع خطإ وقع من السائق توزع المسئولية بنسبة خطإ كل منهم، فإن تعذر تحديد درجة خطإ الأشخاص المذكورين اعتبروا مسؤولين بدرجة متساوية.
5 - وفي المادة (198) من النظام أنه إذا كان سبب الحادث خطأ وقع من المتضرر أو من شخص ثالث بالاشتراك مع خطإ وقع من السائق توزع المسؤولية بنسبة خطإ كل منهم , فإن تعذر تحديد درجة خطإ الأشخاص المذكورين اعتبروا مسؤولين بدرجة متساوية.
6 - وجاء في المادة ( 86 ) من اللائحة التنفيذية لنظام المرور أنه: طبقاً لنص المادة ( 191 ) من النظام تختص شرطة المرور بالتحقيق في حوادث السير الناتجة عن استعمال السيارة، أما حوادث السيارات التي تحدث على السيارات أو منها وهي واقفة فتعتبر حوادث تختص بالتحقيق فيها أقسام الشرطة ومكاتبه.
3 - الإجراءات التي تتبع في حوادث المرور:
__________
(1) - لسان العرب مادة: ( مرر )
(2) - مفردات الفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، صفحة ( 763 ).(1/718)
بينت المادة (192) من النظام أن من قبض عليه لارتكابه حادثة سير تستوجب الحبس تحال أوراقه خلال ثلاثة أيام على الأكثر إلى الحاكم الإداري للبلد الذي وقع فيه الحادث. ويطلق سراحه بالكفالة المعتبرة في الحالات الآتية:
1- إذا حصل المصاب على تقرير طبي قطعي بمرضه أو بتعطيله عن العمل لمدة شهر فما دون.
2 - إذا تنازل المصاب عن حقه أو قرر أنه هو المتسبب في الحادث.
3 - إذا اتضحت - في الحوادث البسيطة - عدم مسؤولية السائق أو كانت مسؤوليته جزئية.
وبينت المادة ( 193 ) أن للحاكم الإداري ضمن نطاق اختصاصه أن يطلق سراح السائق بالكفالة المعتبرة حتى ولو لم يتنازل المصاب عن حقه وعليه في هذه الحالة أن يحيل الطرفين للمحكمة للنظر في دعوى الحق الخاص وتحديد مسؤولية السائق المدنية والجزائية حتى يتسنى للحاكم توقيع الجزاء اللازم على ضوء القرار الشرعي.
4 - العقوبات المترتبة على حوادث المرور الموجبة للمسؤولية:
بينت المواد (199- 206) من نظام المرور ضوابط العقوبات الناتجة عن حوادث السير على النحو التالي:
1 - كل حادث سير موجب للمسؤولية ينتج عنه موت إنسان يعاقب المتسبب فيه بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين ؛ ولا تقل العقوبات عن سنة في حالة التكرار خلال خمسة سنوات من ارتكاب الحادث الأول. (م/199)
2 - إذ أدى الحادث الموجب للمسؤولية إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيلها أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث عاهة دائمة أو تشويه جسيم له مظهر العاهة الدائمة عوقب المتسبب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. ( م/200)
3 - إذا نجم عن الحادث الموجب للمسؤولية مرض أو تعطيل شخص عن العمل مدة تزيد عن الشهر عوقب المتسبب بالحبس من شهر إلى ثلاثة شهور. (م/201)
4 - إذا زادت مدة المرض أو التعطيل عن العمل عن عشرة أيام ولم تتجاوز شهرا عوقب المتسبب بالحبس من أسبوع إلى شهر. ( م/201)(1/719)
5 - إذا لم يتجاوز الأذى الحاصل عن مرض أو تعطيل المصاب مدة عشرة أيام عوقب المتسبب بالحبس مدة لا تزيد عن أسبوعين.( م/203)
6 - كل سائق مركبة تسبب في حادث ولم يقف على الفور أو لم يعتن بالمجني عليه أو حاول التملص من التبعة بالهرب يعاقب بالسجن من عشرة أيام إلى شهر وذلك مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يستحقها بموجب هذا النظام. (م/204)
7- تختص وزارة الداخلية بعد نظر القضية شرعا بتوقيع العقوبات المترتبة على حوادث السير المنصوص عنها في المواد ( 199، 200، 201 ) من هذا النظام وما يتلازم معها من مخالفات، ويختص الحاكم الإداري بعد نظر القضية شرعا بتوقيع العقوبات المترتبة على حوادث السير المنصوص عنها في المادتين (202، 203) من هذا النظام.(م/205)
8 - يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب موجبة وقف نفاذ عقوبة الحبس المحكوم بها طبقا لهذا النظام. ( م/206 )
5 - حكم قطع إشارة المرور:
إشارة المرور وضعت من أجل تنظيم حركة السير، وفي ذلك مصلحة ظاهرة، وقد قضت أوامر ولي الأمر بالتقيد بإشارات المرور الضوئية، ومن خالف ذلك فهو عاص لولي وتجب معاقبته على ذلك. ومن تعمد قطع إشارة المرور وتسبب في حادث مروري وتوفي بسببه فهو في حكم المنتحر.
6 - حوادث الطرق الناتجة عن البهائم السائبة: -(1/720)
جاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم (111) وتاريخ 2/11/1403هـ(1) ما يلي: (أولا: عدم ضمان البهائم التي تعترض الطرق العامة المعبدة بالإسفلت إذا تلفت نتيجة اعتراضها الطرق المذكورة فصدمت، وهي هدر وصاحبها آثم بتركها وإهمالها لما يترتب على ذلك من أخطار جسيمة تتمثل في إتلاف الأنفس والأموال وتكرار الحوادث المفجعة، ولما يترتب على حفظها وإبعادها عن الطرق العامة من أسباب السلامة وأمن الطرق والأخذ بالحيطة في حفظ الأموال والأنفس تحقيقا للمقتضى الشرعي، وتحريا للمصالح العامة، وامتثالا لأمر ولي الأمر.
ثانيا: نظرا إلى أن ولي الأمر سبق أن حذر أصحاب المواشي من الاقتراب بمواشيهم إلى الطرق العامة فإن المجلس يرى أن على ولي الأمر التأكيد على تحذير أصحاب المواشي وإعلامهم بهدر مواشيهم في حال تعرضها للطرق وصدمها وذلك في وسائل الإعلام المختلفة من تلفزة وإذاعة وصحف وإبلاغ ذلك إلى رؤساء القبائل وأعيانها ).
7 - قرار المجمع الفقهي بشأن حوادث السير(2):
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان ، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414 هـ الموافق 21-27 حزيران ( يونيو ) 1993م.
__________
(1) - وافق المقام السامي على هذا القرار بالخطاب الموجه لوزير الداخلية برقم 4/ل/28603 في 20/12/1403هـ.
(2) - قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، صفحة ( 162 ).(1/721)
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع : حوادث السير. وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله. وبالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم، واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط الأمن كسلامة الأجهزة وقواعد نقل الملكية ورخص القيادة والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة. قرر ما يلي :
أولا : أ - إن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجب شرعاً، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناءً على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل تلك الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال.
ب- مما تقتضيه المصلحة أيضاً سنّ الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي، لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى أخذاً بأحكام الحسبة المقررة.
ثانيا- الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطإ وضرر ولا يعفى من هذه المسؤولية إلا في الحالات الآتية :
أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.
ب- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة.
ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية.(1/722)
ثالثا - ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء.
رابعا - إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال.
خامسا - أ - مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعدياً، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرطاً.
ب- إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعدياً والمباشر غير متعد.
ج- إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة عليهما على السواء. والله أعلم.
***(1/723)
248 -مستأمن
1 - التعريف:
المستأمِن في اللغة: بكسر الميم. هو طالب الأمان، تقول: اسْتَأْمَنني فلانٌ فآمَنْتُه أُومِنُهُ إِيماناً. واسْتأْمَنَ إِليه: دخل في أَمانِه ، وقد أَمَّنَه وآمَنَه(1).
وفي الاصطلاح: المستأمن هو: الكافر الذي دخل دار المسلمين بأمان منهم(2).
2 - أصناف المستأمنين:
قال ابن القيم: ( وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام: رسل ؛ وتجار ؛ ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم ؛ وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجروا ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية وإن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن فإن دخل فيه فذاك وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به ولم يعرض له قبل وصوله إليه فإذا وصل مأمنه عاد حربيا كما كان)(3).
3 - ارتكاب المستأمن للجريمة هل ينتقض به العهد؟
اختلفت أراء الفقهاء في المستأمن إذا دخل دارنا بأمان فقتل مسلما عمدا أو خطأ أو قطع الطريق , أو تجسس أخبار المسلمين ؛ فبعث بها إلى المشركين أو زنى بمسلمة أو ذمية كرها , أو سرق. فعند الحنفية لا يكون هذا ناقضا لأمانه(4).
وعند المالكية ينتقض العهد بقتال المسلمين، والتجسس على عوراتهم، وبما يستكره عليه المسلمين، كالاغتصاب، ونحو ذلك(5).
والأصح عند الشافعية أنه إن شُرط انتقاض العهد بها انتقض , وإلا فلا(6).
والصحيح من المذهب عند الحنابلة أنه ينتقض العهد بذلك(7).
4 - إقامة الحد على المستأمن:
__________
(1) - لسان العرب مادة (أمن).
(2) - ابن القيم/أحكام أهل الذمة 2/476
(3) أحكام أهل الذمة 2/476
(4) - شرح السير الكبير 1/305
(5) - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/204
(6) - مغني المحتاج 6/84
(7) - الإنصاف 4/252 - 256(1/724)
الأصل عند فقهاء الحنفية أن الحدود تقام على المستأمن, إلا حد القذف فيقام عليه باتفاق فقهاء الحنفية؛ وفي حد الزنى تفصيل عندهم(1). وذهب المالكية: إلى أن الكافر سواء كان ذميا أو مستأمنا يقام عليه حد القذف والسرقة والقتل؛ أما الزنا فإنه يؤدب فيه فقط ولا يقام عليه الحد إلا إذا اغتصب امرأة مسلمة فإنه يقتل لنقضه العهد؛ وكذلك لو ارتكب جريمة اللواط فإنه يرجم؛ ولا حد عليه في شرب الخمر لكنه يؤدب بمجاهرته(2).
وعند الشافعية: لا يقام على المستأمن حد الزنى على المشهور، لكنه يحد في القذف، والسرقة(3). وعند الحنابلة: يقام على المستأمن حد السرقة، وحد القذف، ولا يُحد بشربه للمسكر لأنه يعتقد حله وذلك شبهة يدرأ بها الحد، أما زنا المستأمن فإن الواجب في حقه القتل لأنه نقض للعهد(4).
***
__________
(1) - أنظر المبسوط 9/56
(2) - أنظر : التاج والإكليل لمختصر خليل 8/395، 401، وحاشية العدوي 2/321
(3) - مغني المحتاج 5/447
(4) - أنظر المغني 12/451 ، وكشاف القناع 6/118(1/725)
249 -مسكر
1 - التعريف: -
المسكر: مشتق من سَكِرَ، يقال: سَكِرَ يَسْكَرُ سُكُراً؛ والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله، والسَّكَرُ، محركةً: الخَمْرُ، ونَبيذٌ يُتَّخَذُ من التمرِ والكَشُوثِ وكلُّ ما يُسْكِرُ.. .يقال: رجل سكور، أي كثير السكر، ورجل سكِّير أي دائم السكر(1).
والمسكر في الشرع: هو ما يغطي العقل، ويحبسه ويستره ويحجبه عن الوعي والإدراك السليمين، ولا يغيب الحواس ويتخيل صاحبه كأنه نشوان مسرور قوي النفس شجاع كريم.
وعرفه القرافي(2) فقال: والمسكر ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح وزيادة في الشجاعة وقوة النفس والميل إلى البطش والانتقام من الأعداء والمنافسة في العطاء وأخلاق الكرماء كما يشير لذلك قول حسان:
ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً ما يُنَهْنِهُنَا اللقاء
2 - التعريف بأشهر أنواع المسكرات: -
المسكرات متعددة ومتنوعة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد، وغيره عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن من الحنطة خمرا و من الشعير خمرا و من الزبيب خمرا و من التمر خمرا و من العسل خمرا، و أنا أنهى عن كل مسكر )(3).
__________
(1) - أنظر لسان العرب، والقاموس المحيط مادة ( سكر ).
(2) - الفروق1/215
(3) - الحديث في المسند برقم ( 17940 ) وفي سنن الترمذي برقم ( 1872 ) وفي سنن ابن ماجة برقم ( 3379 ).(1/726)
وفي هذا الزمان كثرة مسميات الخمور، والمسكرات وتعددت أنواعها، وأصبحت تسمى بغير اسمها، ولا عجب فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فيما رواه الحاكم، أن أبا مسلم الخولاني حج فدخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها، فجعل يخبرها فقالت: كيف يصبرون على بردها ؟ قال: يا أم المؤمنين إنهم يشربون شراباً لهم يقال له الطلاء؛ قالت: صدق الله وبلغ حبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: ( إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها )(1).
وسنبين باختصار أهم أنواع المسكرات المشتهرة بين الناس في هذا الزمان وهي:
1 - الحشيش والماريجوانا: ( راجع مصطلح : مخدرات ).
2 - العرق: هو عبارة عن سائل لونه لون الماء، وله رغوة بيضاء، ورائحة كريهة، يحضر بطريقة التقطير من المواد المخمرة.
3 - الويسكي: هو اسم حديث للمسكر، وهو كلمة من اللغة الأيتوسية معناها: ماء الحياة، وهو مشروب مقطر من الحبوب المنبتة المخمرة، غالبا الشعير أو القرطم أو القمح أو الذرة ونحو ذلك.
4- البيرة: وتسمى ( الجعة ) وهي شراب يتخذ من الشعير.
5 - الكولونيا: وهي نوع من العطور، يحتوى على الكحول الإثيلي، وقد عمت به البلوى في هذا الزمان فيندر أن تجد بقالة أو محلا إلا وتباع فيه، بل إن معظم البيوت توجد بها الكولونيا، تتخذ على أنها من العطورات، وفي الحقيقة هي من المسكرات، حيث تصل نسبة الكحول فيها إلى ( 80% ). للمزيد : راجع مصطلح : كولونيا.
7 - السيدر: وهو عصير التفاح المحتوي على نسبة عالية من الكحول.
وقد بيَّن الفقيه الكاساني - رحمه الله - أسماء ومعاني بعض المسكرات فقال:
( أما أسماؤها: فالخمر، والسكر، والفضيخ، ونقيع الزبيب، والطلاء، والباذق، والمنصف، والمثلث والجمهوري، وقد يسمى أبو سقيا والخليطان والمزر والجعة والبتع. أما بيان معاني هذه الأسماء:
__________
(1) - الحديث في مستدرك الحاكم برقم ( 7237 ).(1/727)
1 - الخمر: وهو اسم للنيئ من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، وهذا عند أبي حنيفة عليه الرحمة وعند أبي يوسف ومحمد عليهما الرحمة ماء العنب إذا غلى واشتد فقد صار خمرا وترتب عليه أحكام الخمر قذف بالزبد أو لم يقذف به، وجه قولهما أن الركن فيها معنى الإسكار وذا يحصل بدون القذف بالزبد، وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن معنى الإسكار لا يتكامل إلا بالقذف بالزبد فلا يصير خمرا بدونه.
2 - السكر: وهو اسم للنيئ من ماء الرطب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو لم يقذف على الاختلاف.
3 - الفضيخ: وهو اسم للنيئ من ماء البسر المفضوخ وهو المدقوق إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو لا على الاختلاف.
4 - نقيع الزبيب: وهو اسم للنيئ من ماء الزبيب المنقوع في الماء حتى خرجت حلاوته إليه واشتد وقذف بالزبد أو لا على الخلاف.
5 - الطلاء: وهو اسم للمطبوخ من ماء العنب إذا ذهب أقل من الثلثين وصار مسكرا ويدخل تحت الباذق والمنصف لأن الباذق هو المطبوخ أدنى طبخة من ماء العنب والمنصف هو المطبوخ من ماء العنب إذا ذهب نصفه وبقي النصف، وقيل الطلاء هو المثلث وهو المطبوخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقي معتقا وصار مسكرا.
6 - الجمهوري: وهو المثلث يصب الماء بعد ما ذهب ثلثاه بالطبخ قدر الذاهب وهو الثلثان ثم يطبخ أدنى طبخة ويصير مسكرا.
7 - الخليطان: وهما التمر والزبيب أو البسر والرطب إذا خلطا ونبذا حتى غليا واشتدا.
8 - المزر: وهو اسم لنبيذ الذرة إذا صار مسكرا.
9 - الجعة وهو: اسم لنبيذ الحنطة والشعير إذا صار مسكرا.
10 - البتع: وهو اسم لنبيذ العسل إذا صار مسكرا هذا بيان معاني هذه الأسماء)(1).
وهناك أنواع أخرى من المسكرات ذكرها بعض العلماء ومنها:
1 - شراب الداذي: قال الأزهري، وأبن منظور: الداذي حب يطرح في النبيذ فيشتد حتى يسكر ؛ قال أبو داود: وقال سفيان: الداذي شراب الفاسقين.
__________
(1) - أنظر: بدائع الصنائع 5/112(1/728)
2 - الباذق: قال ابن الأثير: الباذق بفتح الذال، الخمر، تعريب ( باذه) وهو اسم الخمر بالفارسية.
3 - الغبيراء: قال ابن الأثير: الغبيراء ضرب من الشراب يتخذه الحبشة من الذرة وتسمى السَّكركة.
3 - حكم المسكرات:
المسكرات محرمة بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة 90-91 ]. والأحاديث الواردة في تحريم المسكرات كثير ومنها:
ما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة )(1). وما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه)(2). وما رواه أبو داود، وابن ماجة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله الخمر وشاربها، و ساقيها ومبتاعها وبائعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها )(3). وما رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر )(4).
__________
(1) - صحيح مسلم الحديث رقم ( 2003 ).
(2) - سنن أبي داود حديث رقم ( 3485 )
(3) - أبو داود 3674، وابن ماجة 3380
(4) - المعجم الكبير للطبراني 11/191 الحديث رقم ( 11462 (0(1/729)
وقد انعقد الإجماع على أن الخمر حرام شرابه واستعماله، كيفما كان الاستعمال، وذلك مما عُلِمَ من الدين بالضرورة، ومن استحل الخمر فهو كافر بدين الله، يستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
4 - الكحول ( الغول ) مادة رئيسية في المسكرات فما هو ؟
يعرِّف الطب الكحول بأنه: سائل طيار ليس له لون، وله طعم لاذع، وذو رائحة معروفة؛ ويستعمل في الصناعات كحافظ لبعض المواد، وكمادة منشفة للرطوبة وكمذيب لبعض المواد القلوية والدهنية، ومقاوم للتجمد. ويستخدم في الطب كمطهر للجلد ومذيب لبعض الأدوية التي لا تذوب إلا في الكحول؛ ويستخدم بكثرة كمذيب للمواد العطرية، والكولونيا ، والروائح(1).
والكحول له نوعان هما:
أ - الكحول الإثيلي: وهو المعروف باسم ( السبرتو ) ويستعمل في تحضير الأدوية، وفي المسكرات.
ب - الكحول الميثيلي: وهو مادة سامة تستخدم في تركيب السموم، والمبيدات.
5 - المسكرات والجريمة:
__________
(1) - وباء المخدرات، صفحة ( 81 ).(1/730)
الخمر هو أصل المسكرات، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الخبائث، فقال: ( اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث )(1)، فمن شربه هانت عليه كل جريمة، وفعل كل معصية، ولربما وقع على أمه أو على ابنته أو أخته، وقد سمعنا في هذا الزمان كثيرا من هذه القصص، ولا ريب أن الخمر هي أم الخبائث، وهي أكبر الكبائر، برهان ذلك ما رواه الحاكم عن سالم بن عبد الله عن أبيه، أن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو أسأله فأخبرني أن أعظم الكبائر : شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك، ووثبوا إليه جميعا حتى أتوه في داره، فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفسا، أو يزني، أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه، فأختار الخمر، وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أرادوه منه ) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته شيء إلا حرمت بها عليه الجنة، فإن من مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية )(2).
وما أكثر الحوادث التي تقع تحت تأثير المسكرات، ولا زلت أذكر حادثا أليما وقع في مدينة بريدة في سنة 1418هـ عندما قام أحد الأشخاص بقيادة سيارته تحت تأثير المسكر وتجاوز إحدى الإشارات المرورية وهي باللون الأحمر، وتسبب في حادث مروري مؤلم راح ضحيته أحد الفضلاء من طلبة العلم وعائلته المكونة من زوجته وأبنائه وعددهم جميعا تسعة أشخاص لقوا ربهم في ساعة واحدة - رحمهم الله تعالى - بسبب ذلك المجرم. والقصص والمشاهد والجرائم الناتجة عن تعاطي المسكرات كثيرة.
6 - مسؤولية السكران:
__________
(1) - رواه النسائي في سننه الحديث رقم ( 5572 ).
(2) - مستدرك الحاكم الحديث رقم ( 7236 ).(1/731)
قال الماوردي رحمه الله : ( وحكم السكران في جريان الأحكام عليه كالصاحي إذا كان عاصيا بسكره, فإن خرج عن حكم المعصية لإكراهه على شرب الخمر ما لا يعلم أنه مسكر لم يجر عليه قلم كالمغمى عليه)(1).
7 - بم يثبت شرب المسكر؟
يثبت شرب المسكر بالإقرار والبينة باتفاق العلماء.
فالإقرار هو: أن يقر الشخص بشربه للمسكر، ولو مرة واحدة، ويبقى على إقراره، حتى تنفذ العقوبة، فإن رجع قُبِل رجوعه ودُرأ عنه الحد.
والبينة: هي أن يشهد رجلان مسلمان عدلان على شربه للمسكر، ولو لم يبلغ به درجة الإسكار.
جاء في كشاف القناع(2):( ولا يحتاجان لبيان نوعه ) أي لبيان نوع المسكر.
وأجاز فقهاء المالكية الحد بشهادة رجل واحد على الشرب، وشهادة آخر على تقيئه للمسكر، وبوجود رائحة الخمر، أو المسكر في الفم(3).
8 - هل يثبت الحد بالرائحة والقرائن ؟
ذهب جمهور العلماء إلى عدم ثبوت الحد بالرائحة ، قال البهوتي: ( ولا يحد بوجود رائحة الخمر، منه لاحتمال أنه تمضمض بها أو ظنها ماء فلما صارت في فيه مجها ونحو ذلك، والحد يدرأ بالشبهة ). وقال: ( ولو وُجد سكران أو تقيأها أي الخمر حد، لأنه لم يسكر أو يتقيأها إلا وقد شربها )(4). وذهب فقهاء المالكية إلى اعتبار رائحة الخمر أو المسكر المنبعثة من الفم موجبة للحد، فلو شهد رجلان مسلمان عدلان بشم رائحة الخمر، أو المسكر من الفم ثبت بها الحد، واستدلوا لذلك بما روي عن عبد الله بن مسعود، أنه جلد رجلا وجد فيه رائحة الخمر(5).
والذي عليه العمل بمحاكم المملكة اليوم، هو أن الحد يثبت بوجود رائحة الخمر أو قيئه مع وجود قرينة أخرى يقتنع بها القاضي ؛ والمستند في ذلك قرار هيئة كبار العلماء رقم 53 في 4/ 4/1397هـ، الذي سنورد نصه قريبا.
__________
(1) - الأحكام السلطانية صفحة (285).
(2) - كشاف القناع 6/123
(3) - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/353
(4) - كشاف القناع 6/124
(5) - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/353(1/732)
9 - التعليمات الصادرة بالتشديد على مروجي المسكرات:
صدر بهذا الخصوص تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16/8046 وتاريخ 15/3/1396هـ ، وقد جاء فيه النص التالي: ( تبلغنا الأمر السامي الكريم رقم 2010 في 26/1/1396هـ بشأن ما تقدم به فضيلة الشيخ / عبد الله بن حميد ، رئيس مجلس القضاء الأعلى بخطابه رقم 1954/1 في 18/12/1395هـ عن كثرة تداول بيع الخمور في مدن المملكة وقراها وحتى مضارب البادية، مما لم يسبق له نظير في تاريخ هذه البلاد وذلك لعدم العقوبة الرادعة لمن يشربها أو من توجد بحيازته وقد حصل بسبب انتشارها أضرار كثيرة وقد تضمن الأمر الكريم التعميم بما يمكن من كف الأذى في مثل هذه الأمور. فنأمل تتبع مصادر هذه المادة والتحري عنها بصورة جدية ومستمرة بين الحين والآخر، والتحقيق الدقيق مع كل من يقبض عليه سواء متناولها أو مروجها، والتشديد عليهم لمعرفة مصادر تسربها قبل إحالتهم للمحكمة، وإفادتنا بتقارير مستمرة في حالة وجود ذلك وقد زودت وزارة العدل بصورة من هذا الخطاب برجاء إبلاغ المحاكم الشرعية لتقرير الجزاء الرادع بحق شاربها وتطبيق الإرادة الملكية بحق صانعيها مع ملاحظة الرجوع إلى سوابق كل منهم لمضاعفة الجزاء بحقه ).
وقد عُمم الأمر السابق على المحاكم بتعميم وزير العدل رقم 78/12/ت وتاريخ 20/4/1396هـ.
10 - قرار هيئة كبار العلماء رقم (53) في 4/4/1397هـ بشأن الخمر وعقوبة شاربه: -
( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وبعد: ففي الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض من 22/3/1397هـ إلى 00/4/1397هـ جرى الإطلاع على البحث المقدم من اللجنة الدائمة، في موضوع شرب الخمر وعقوبة شاربه، وبعد تبادل وجهات النظر والمناقشة في الأمور الآتية:
1 - عقوبة شارب الخمر.
2 - تجزئة عقوبة شارب الخمر.
3 - ثبوت الحد بوجود الرائحة أو القيء مع قرينة أخرى.(1/733)
4 - وجود الإنسان بحالة غير طبيعية.
5 - تعزير من تكرر منه شرب الخمر بعد إقامة الحد عليه.
وبعد الرجوع إلى النصوص الشرعية وكلام أهل العلم في الأمور المذكورة قرر المجلس ما يلي: -
1 - أن عقوبة شارب الخمر الحد لا التعزير بالإجماع، كما قرر أنه ثمانون جلدة ما عدا فضيلة الشيخ عبدالله بن قعود ، فيرى أنه أربعون.
2 - قرر المجلس بالإجماع استيفاء الجلد جملة واحدة وعدم تجزئته.
3 - قرر المجلس بالأغلبية ثبوت الحد بوجود رائحة الخمر أو قيئه مع وجود قرينة أخرى يقتنع بها القاضي.
4 - للقاضي أن يعزر من تكرر منه شرب الخمر ثلاثا وأقيم الحد عليه بعد كل مرة بما يراه من سجن وجلد ونحوهما مع إقامة الحد الواجب. والله الموفق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ).
11 - عقوبة المسكر:
عقوبة شرب المسكر عقوبة حدية، وهي الجلد بشرط ثبوت الشرب، واختلف الفقهاء في مقدار الجلد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( أما شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت ذلك عليه, وحده أربعون جلدة, أو ثمانون جلدة. فإن جلده ثمانين جاز باتفاق الأئمة, وإن اقتصر على الأربعين ففي الإجزاء نزاع مشهور فمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه يجب الثمانون, ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه أن الأربعين الثانية تعزير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام, فإن احتاج إلى ذلك لكثرة الشرب أو إصرار الشارب ونحو ذلك فعل, وقد كان عمر بن الخطاب يعزر بأكثر من ذلك; كما روي عنه أنه كان ينفي الشارب عن بلده , ويمثل به بحلق رأسه)(1).
12 - إذا عاد للشرب الرابعة هل يقتل؟
__________
(1) - الفتاوى الكبرى 3/427(1/734)
روى الإمام أحمد - رحمه الله - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من شرب الخمر فاجلدوه, فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد فاقتلوه } . قال عبد الله: ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم عليَّ أن أقتله(1). وروى أبو داود عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من شرب الخمر فاجلدوه , فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه , فأتي برجل قد شرب فجلده , ثم أتي به فجلده , ثم أتي به فجلده, ثم أتي به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة } (2). وروى الإمام الشافعي رحمه الله حديث قبيصة السابق، ثم قال:( والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته)(3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وقد روي من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من شرب الخمر فاجلدوه , ثم إن شربها فاجلدوه , ثم إن شربها فاجلدوه , ثم إن شربها في الثالثة, أو الرابعة: فاقتلوه } . فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة. وأكثر العلماء لا يوجبون القتل; بل يجعلون هذا الحديث منسوخا ; وهو المشهور من مذاهب الأئمة.
__________
(1) - مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 2 ص 191 الحديث رقم (6791 )
(2) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 4485 )
(3) - الأم 6/155-156(1/735)
وطائفة يقولون: إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك, كما في حديث آخر في السنن أنه نهاهم عن أنواع من الأشربة قال: فإن لم يدعوا ذلك فاقتلوهم. والحق ما تقدم. وقد ثبت في الصحيح أن رجلا كان يدعى حمارا , وهو كان يشرب الخمر; فكان كلما شرب جلده النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل , فقال: لعنه الله , ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: { لا تلعنه ; فإنه يحب الله ورسوله } (1)، وهذا يقتضي أنه جلد مع كثرة شربه )(2).
وقال أيضاً: ( والقتل عند أكثر العلماء منسوخ وقيل هو محكم يقال : هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة )(3).
وقال الطحاوي رحمه الله بعد أن ذكر حديث قبيصة السابق: ( فثبت بما ذكرنا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار، ثم عدنا إلى النظر في ذلك لنعلم ما هو فرأينا العقوبات التي تجب بانتهاك الحرمات مختلفة فمنها حد الزنا وهو الجلد في غير الإحصان فكان من زنى وهو غير محصن فحد ثم زنى ثانية كان حده كذلك أيضا ثم كذلك حده في الرابعة لا يتغير عن حده في أول مرة وكان من سرق ما يجب فيه القطع فحده قطع اليد ثم إن سرق ثانية فحده قطع الرجل ثم إن سرق ثالثة ففي حكمه اختلاف بين الناس، فمنهم من يقول تقطع يده ومنهم من يقول لا تقطع، فهذه حقوق الله التي تجب فيما دون الأنفس وأما حدود الله التي تجب في الأنفس وهي القتل في الردة والرجم في الزنا إذا كان الزاني محصنا فكان من زنى ممن قد أحصن رجم ولم ينتظر به أن يزني أربع مرات وكان من ارتد عن الإسلام قتل ولم ينتظر به أن يرتد أربع مرات.
__________
(1) - الحديث في صحيح البخاري برقم ( 6780 ).
(2) - الفتاوى الكبرى 3/427
(3) - السياسة الشرعية صفحة (140 ).(1/736)
وأما حقوق الآدميين فمنها أيضا ما يجب فيما دون النفس فمن ذلك حد القذف فكان من قذف مرات فحكمه فيما يجب عليه بكل مرة منها فهو حكم واحد لا يتغير ولا يختلف ما يجب في قذفه إياه في المرة الرابعة وما يجب عليه بقذفه إياه في المرة الأولى فكانت الحدود لا تتغير في انتهاك الحرم وحكمها كلها حكم واحد فما كان منها جلد في أول مرة فحكمه كذلك أبدا، وما كان منها قتل قُتل الذي وجب عليه ذلك الفعل أول مرة ولم ينتظر به أن يتكرر فعله أربع مرات فلما كان ما وصفنا كذلك وكان من شرب الخمر مرة فحده الجلد لا القتل كان في النظر أيضا عقوبته في شربه إياها بعد ذلك أبدا كلما شربها الجلد لا القتل ولا تزيد عقوبته بتكرر أفعاله كما لم تزد عقوبة من وصفنا بتكرر أفعاله فهذا الذي وصفنا هو النظر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين )(1).
والذي عليه العمل اليوم في محاكم المملكة هو التعزير بما دون القتل.
***
__________
(1) - شرح معاني الآثار 3/161(1/737)
250 -مصادرة
1 - التعريف:
المصادرة في اللغة: من صادر أي طالب، وصادَرَهُ على كذا: طالَبَه به في إلحاح، وصادرت الدولة الأموال، أي استولت عليها عقوبة لمالكها(1).
وفي الاصطلاح: المصادرة نزع ملكية الشيء المملوك بحكم شرعي.
وعرفت بأنها: استيلاء الدولة على بعض الأموال الخاصة، دون مقابل، أو إتلافها، أو تمليكها لآخر، بسبب شرعي، رعاية للمصلحة العامة(2).
2 - مشروعية المصادر:
المصادرة معروفة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين وغيرهما من مصادرة الهدية التي أعطيت لابن اللتبية وهو من أحد العمال على الزكاة(3). وإباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده ، فقد جاء في سنن أبي داود: أن سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلموه فيه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم ، وقال: من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه ثيابه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه(4).
والفقهاء - رحمهم الله - مختلفون في جواز مصادرة المال، ومبني الخلاف على جواز المعاقبة بإتلاف المال من عدمه، وقد بينا ذلك في مصطلح ( إتلاف ).
3 - المصادرة في الأنظمة:
__________
(1) - أنظر القاموس المحيط، والمعجم الوسيط، والمعتمد مادة ( صادر ).
(2) - د/ وهبة الزحيلي / المصادرة والتأميم صفحة ( 9 ).
(3) - حديث ابن اللتبية في صحيح البخاري برقم ( 2457 ) وفي صحيح مسلم برقم ( 1832 ).
(4) - الحديث في سنن أبي داوود برقم (2027). مسند الإمام أحمد برقم ( 1460)(1/738)
نصت الأنظمة السعودية على عدم جواز المعاقبة بمصادرة الأموال إلا بحكم شرعي، ومن ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشرة من النظام الأساسي للحكم بالنص التالي: ( تحظر المصادرة العامة للأموال، ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي ). وفي المادة السادسة والثمانين من نظام الإجراءات الجزائية النص التالي: (يجوز أن يؤمر برد الأشياء التي ضبطت في أثناء التحقيق ولو كان ذلك قبل الحكم ، إلا إذا كان لازمة للسير في الدعوى أو محلا للمصادرة).
وفي الواقع التطبيقي المعمول به في المملكة، لا يُلجأ إلى المصادرة إلا في أضيق الحدود ، وفي قضايا معينة كجرائم ترويج المخدرات، أو الخطف، ونحوها من الجرائم الكبيرة التي تقضي التعليمات بأن ينظر بالوجه الشرعي في مصادرة الأشياء المستخدمة كوسيلة فعالة في تلك الجرائم، كالسيارات مثلاً المستخدمة في تهريب وترويج المخدرات أو في قضايا الخطف، ويتم النظر فيها من قبل القاضي الذي يتولى نظر القضية.
4 - شروط المصادرة:
يشترط لصحة المصادرة جملة من الشروط منها:
1 - أن يكون الشيء المطلوب مصادرته مالاً.
2 - أن تكون حيازته جريمة أو استعين به على ارتكاب جريمة.
3 - أن يكون مملوكا للجاني.
4 - أن تكون المصادرة مبنية على حكم شرعي.
***(1/739)
251 -مطبوعات
1 - التعريف:
المطبوعات في اللغة: جمع مطبوعة، والطَّبْع: ابتداء صَنْعةِ الشيء، تقول: طبعت الدولة النقد، أي صاغته ونقشته، وطبعت الكتاب، أي كتبته بواسطة المطبعة(1).
وفي الاصطلاح المطبوعات: كل نتاج فكري في المجال الأدبي والعلمي والفني أياً كانت طريقة أو شكل التعبير عنه ويعرض للتداول مكتوباً (صحف أو مجلات أو كتب) أو مرسوماً أو مصوراً أو مواد مسموعة أو مرئية أو أفلاماً أو برامج حاسب آلي أو غيرها من أوعية المعلومات(2).
2 - المقصود بالمطبوعات:
بينت الفقرة ( 7 ) من المادة الأولى من نظام المطبوعات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/32 تاريخ 3/9/1421هـ أن المطبوعة هي: كل وسيلة للتعبير مما يطبع للتداول، سواء أكان كلمة، أم رسما، أم صورة، أم صوتا.
3 - العقوبات المقررة في نظام المطبوعات:
خُصصت المواد ( 35 إلى 41 ) من نظام المطبوعات للمخالفات والجزاءات المترتبة عليها، ونذكر من ذلك:
1 - تنظر في المخالفات لأحكام هذا نظام لجنة تشكل بقرار من الوزير برئاسة وكيل الوزارة المختص لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة يكون أحدهم مستشارا قانونيا وتصدر قراراتها بالأغلبية بعد دعوة المخالف أو من يمثله وسماع أقواله، ويجوز لها دعوة من ترى الاستماع لأقواله كما يجوز لها الاستعانة بمن تراه، ولا تصبح قرارات اللجنة معتمدة إلا بعد موافقة الوزير عليها. ( م/37 ).
2 - مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر، يعاقب كل من يخالف حكما من أحكام هذا النظام بغرامة مالية لا تتجاوز خمسين ألف ريال أو بإغلاق محله أو مؤسسته مدة لا تتجاوز شهرين، أو بإغلاق محله أو مؤسسته نهائيا، ويصدر بالعقوبة قرار من الوزير بناءا على اقتراح اللجنة المنصوص عليها في المادة السابعة والثلاثين من هذا النظام. ( م/38 ).
__________
(1) - لسان العرب، والمعجم الوسيط مادة ( طبع ).
(2) - الفقرة ( 1 ) من المادة (2 ) من اللائحة التنفيذية لنظام المطبوعات.(1/740)
3 - للوزارة سحب المطبوعات المعروضة للتداول داخلية كانت أو خارجية، في الحالتين الآتية :
أ - عندما تكون محظورة التداول.
ب- عندما تكون غير مجازة، وتكون مشتملة على بعض المحظورات المنصوص عليها في المادة التاسعة أو المادة الثامنة عشرة.
وتكون الجهة المخولة بالنظر في ذلك اللجنة المنصوص عليها في المادة السابعة والثلاثين، وهي التي تقرر ما تراه مناسبا، في إتلافها دون تعويض أو تكليف صاحب العلاقة بإعادتها إلى خارج المملكة على نفقته إن كانت خارجية. (م/39)
4 - يحق لمن يصدر بشأنه عقوبة بمقتضى أحكام هذا النظام، التظلم أمام ديوان المظالم، وذلك خلال ستين يوما من تاريخ إبلاغه بالقرار الصادر بذلك. ( م/40 )
***(1/741)
252 -مظالم
1 - التعريف :
المظالم في اللغة: جمع مظلمة، قال الجوهري: الظُلاَمَةُ والظَلِيمَةُ والمَظْلِمَةُ: ما تطلبه عند الظالم، وهو اسمُ ما أُخِذَ منك. وقال ابن منظور: المُتَظَلِّمُ: الذي يَشْكُو رَجُلاً ظَلَمَهُ(1).
وفي الاصطلاح: المظالم هي الحقوق التي أخذت ظلماً(2).
2 - ولاية المظالم:
قال الماوردي: ( ونظر المظالم هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر , نافذ الأمر , عظيم الهيبة ظاهر العفة , قليل الطمع , كثير الورع ; لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة وثبت القضاة , فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين , وإن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين , فإن كان ممن يملك الأمور العامة كالوزراء والأمراء لم يحتج النظر فيها إلى تقليد وكان له بعموم ولايته النظر فيها, وإن كان ممن لم يفوض إليه عموم النظر احتاج إلى تقليد وتولية إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدمة )(3).
3 - أقسام المظالم:
تنقسم المظالم باعتبار ما تضاف إليه من الحقوق إلى قسمين :
أ - مظالم تتعلق بحقوق الله تعالى: كالزكوات ، والكفارات ، والنذور، والحدود ، والعبادات ، وارتكاب المحرمات.
ب - مظالم تتعلق بحقوق العباد: كالغصوب ، وإنكار الودائع والأرزاق، والجنايات في النفس والأعراض؛ قال الغزالي: ومظالم العباد إما في النفوس أو الأموال أو الأعراض أو القلوب(4).
4 - الفرق بين قضاء المظالم والقضاء العام:
ذكر الماوردي رحمه الله هذه الفروق فقال :
( والفرق بين نظر المظالم ونظر القضاة من عشرة أوجه :
__________
(1) - الصحاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور مادة ( ظلم ).
(2) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/25
(3) - الأحكام السلطانية صفحة ( 97 ).
(4) - الموسوعة الفقهية 38/128(1/742)
أحدها: أن لناظر المظالم من فضل الهيبة وقوة اليد ما ليس للقضاة في كف الخصوم عن التجاحد ومنع الظلمة من التغالب والتجاذب.
والثاني: أن نظر المظالم يخرج من ضيق الوجوب إلى سعة الجواز فيكون الناظر فيه أفسح مجالا وأوسع مقالا.
والثالث: أنه يستعمل من فضل الإرهاب وكشف الأسباب بالأمارات الدالة وشواهد الأحوال اللائحة ما يضيق على الحكام فيصل به إلى ظهور الحق ومعرفة المبطل من المحق.
والرابع: أن يقابل من ظهر ظلمه بالتأديب ويأخذ من بان عدوانه بالتقويم والتهذيب.
والخامس: أن له من التأني في ترداد الخصوم عند اشتباه أمورهم واستبهام حقوقهم, ليمعن في الكشف عن أسبابهم وأحوالهم ما ليس للحكام إذا سألهم أحد الخصمين فصل الحكم فلا يسوغ أن يؤخره الحاكم ويسوغ أن يؤخره والي المظالم.
والسادس: أن له رد الخصوم إذا أعضلوا وساطة الأمناء ليفصلوا التنازع بينهم صلحا عن تراض , وليس للقاضي ذلك إلا عن رضي الخصمين بالرد.
والسابع: أن يفسح في ملازمة الخصمين إذا وضحت أمارات التجاحد ويأذن في إلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التكفل لينقاد الخصوم إلى التناصف ويعدلوا عن التجاحد والتكاذب.
والثامن: أنه يسمع من شهادات المستورين ما يخرج عن عرف القضاة في شهادة المعدلين.
والتاسع: أنه يجوز له إحلاف الشهود عند ارتيابه بهم إذا بدلوا أيمانهم طوعا ويستكثر من عددهم ليزول عنه الشك وينفي عنه الارتياب ; وليس ذلك للحاكم.
والعاشر: أنه يجوز أن يبتدئ باستدعاء الشهود ويسألهم عما عندهم في تنازع الخصوم , وعادة القضاة تكليف المدعي إحضار بينة ولا يسمعونها إلا بعد مسألته.
فهذه عشرة أوجه يقع بها الفرق بين نظر المظالم ونظر القضاء في التشاجر والتنازع وهما فيما عداهما متساويان )(1).
5 - قضاء المظالم في المملكة:
__________
(1) - الأحكام السلطانية صفحة ( 105 ).(1/743)
اهتم ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية بولاية المظالم المعروفة في النظام الإسلامي، فجلس لها الملك عبد العزيز - رحمه الله - فاتحا بابه لشكايات الناس ومظالمهم، واضعا على باب الحكومة صندوقا لشكاوى الناس، داعيا إياهم لوضعها فيه ضدّ أيَّ شخصٍ كائناً من كان، مؤكداً على عدم إيذاء صاحب الشكاية المُحقة بسببها. فقد نشرت جريدة أم القرى في عددها الصادر في 26/12/1344هـ الإعلان التالي: ( إن صاحب الجلالة يعلن للناس كافة أن من كان له ظلامة على كائن من كان، موظفا أو غيره، كبيراً أو صغيراً، ثم يخفي ظلامته فإنما إثمه على نفسه وإن من كان له شكاية فقد وضع على باب دار الحكومة صندوق للشكاوى، مفتاحه لدى جلالة الملك، فليضع صاحب الشكاية شكايته في ذلك الصندوق، وليثق الجميع أنه لا يمكن أن يلحق المشتكي أي أذى بسبب شكايته المحقة من أي موظف كان، ويجب أن يراعى في الشكايات ما يأتي:
1 - ينبغي تجنب الكذب في الشكاية، ومن ادَّعى دعوى كاذبة جُوزي بكذبه.
2 - لا تُقبل الشكاية المغفلة من الإمضاء، ومن يفعل ذلك عُوقب على عمله.
وليعلم الناس كافة أن باب العدل مفتوح للجميع على السواء، والناس كبيرهم وصغيرهم أمامه واحد حتى يبلغ الحق مستقره، والسلام )(1).
وتطور قضاء المظالم في المملكة العربية السعودية، وأنشئ ديوان المظالم بالمرسوم الملكي رقم 2/13/8759 وتاريخ 17/9/1374هـ، وهو هيئة قضاء إداري مستقلة ترتبط مباشرة بجلالة الملك، ومقره الرئيسي مدينة الرياض، وتم فتح فروع للديوان في بعض مناطق المملكة وفقا للحاجة.
6 - اختصاص ديوان المظالم:
بينت المادة الثامنة من نظام ديوان المظالم اختصاص الديوان بالأمور التالية:
1 - يختص ديوان المظالم بالفصل فيما يأتي:
__________
(1) - د/ناصر الغامدي، الاختصاص القضائي في الفقه الإسلامي صفحة ( 128 ).(1/744)
( أ ) الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والتقاعد لموظفي ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامية المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم.
(ب) الدعاوى المقامة من ذوي الشأن بالطعن في القرارات الإدارة متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة النظم واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. ويعتبر في حكم القرار الإداري رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقاً للأنظمة واللوائح.
(ج)… دعاوى التعويض الموجهة من ذوى الشأن إلى الحكومة والأشخاص ذوي الشخصية العامة المستقلة بسبب أعمالها.
( د ) الدعاوى المقدمة من ذوي الشأن في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون الحكومة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة طرفاً فيها.
(هـ) الدعاوى التأديبية التي ترفع من هيئة الرقابة والتحقيق.
( و ) الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب جرائم التزوير المنصوص عليها نظاماً، والجرائم المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة، والجرائم المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/11/77هـ والجرائم المنصوص عليها في نظام مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 77 وتاريخ 23/10/95هـ. وكذلك الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في الأنظمة إذا صدر أمر من رئيس مجلس الوزراء إلى الديوان بنظرها.
( ز) طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية.
(ح ) الدعاوى التي من اختصاص الديوان بموجب نصوص نظامية خاصة.
2 - مع مراعاة قواعد الاختصاص المقررة نظاماً يجوز لمجلس الوزراء إحالة ما يراه من مواضع وقضايا إلى ديوان المظالم لنظرها.
***(1/745)
253 -مظاهرة:
1 - التعريف:
المُظَاهَرَةُ: في اللغة :المعاونة، والتَظَاهُرُ: التعاون، والظَّهيرُ: المُعينُ، وتظاهروا : تجمعوا ليعلنوا رضاهم أو سخطهم عن أمر يهمهم.وقد عرفها مجمع اللغة العربية بالقاهرة بأنها : إعلان رأي أو إظهار عاطفة في صورة جماعية(1).
وحقيقة المظاهرة هي: حالة من التجمهر يعمد إليها فئة من الناس للتعبير عن وجهة نظر معينة ، أو المطالبة بأمر من الأمور ، وتكون في الغالب مصحوبة بترديد الأهازيج ورفع الأصوات والشعارات ، وينتج عنها تعطيل لحركة المرور ، وإفساد لبعض الأموال العامة والممتلكات.
2 - حكم المظاهرة في الإسلام:
المظاهرة بمعناها الشرعي الصحيح الذي هو المعاونة والمناصرة إذا كانت على أمر مشروع كالتعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على نصرة المظلوم ودفع الظلم ، فهي من هذا المنطلق تكون جائزة بل مأمور بها شرعاً قال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة آية 2] وقال صلى الله عليه وسلم: (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال : تأخذ فوق يديه ) (2).
__________
(1) - أنظر: مادة ( ظهر ) في معجم الصحاح ، والقاموس المحيط ، والمعجم الوسيط.
(2) - رواه الإمام البخاري الحديث رقم ( 2444 ).(1/746)
أما ما يفعله بعض الناس اليوم من تجمهر واعتصام وتصفيق وإحداث أصوات وأهازيج فهذا العمل ليس له أصل في الإسلام ؛ وقد سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عن حكم هذا النوع من المظاهرات ، فأجاب قائلاً : ( ديننا ليس دين فوضى ديننا دين انضباط ودين نظام وهدوء وسكينة، والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها ، ودين الإسلام دين هدوء ورحمة ودين انضباط لا فوضى ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام والحقوق يتوصل إليها بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية ، والمظاهرات تحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال ، فلا تجوز هذه الأمور ) (1).
3 - من أضرار المظاهرات:
المضار الناتجة عن المظاهرات الغوغائية كثيرة ومن أبرزها:
1- ظلم الآخرين كسد الطريق وتعطيل حركة المرور والاعتداء على ممتلكات الناس وتحطيم المحلات التجارية ونهبها أو إحراقها وإتلاف المرافق العامة ونحو ذلك من المحرمات.
2- استخدام أنواع السباب والشتائم التي لا تجوز شرعاً.
3- خروج النساء متبرجات واختلاطهن بالرجال أثناء المظاهرة.
4- التشبه بالكفار بشيء من خصائصهم من لباس أو إشارة يضعها أو يرتديها المتظاهرون أثناء القيام بالمظاهرة.
4 - ما يجب اتخاذه حيال المتظاهرين:
إذا قام المتظاهرون بإحداث فوضى ، وإتلاف للممتلكات والمرافق العامة ، وإحداث اختلاط بين الجنسين ، وجب على الإمام منعهم وإحالتهم إلى المحكمة للنظر في معاقبتهم نظير ما أحدثوه من فوضى ، وإخلال بالأمن وإزعاج للآخرين، وتغريمهم قيمة ما أتلفوا من ممتلكات عامة وخاصة ، وواجب القضاة عدم التساهل مع هؤلاء الفئة من الناس ، فيجب زجرهم وتعزيرهم تعزيراً بليغاً.
***
__________
(1) - الفتاوى الشرعية في القضايا المعاصرة صفحة ( 139 - 140 ).(1/747)
254 -معاينة ( راجع مصطلح: تحقيق)
255 -مكابرة ( راجع مصطلح: حرابة )
256 -موضحة (راجع مصطلح: شجاج)
257 -ميسر
1 - التعريف: -
المَيسِرُ في اللغة: كل نَعْتٍ وفعل يُقُمَرُ عليه فهو القِمار. وفي المعجم الوسيط: المَيسِرُ: كل شيء فيه قمار حتى لعب الصبيان بالجوز(1).
وفي الاصطلاح: الميسر هو أن يأخذ المقامر من صاحبه شيئا فشيئا في اللعب(2). قال ابن قدامة: ( كل لعب فيه قمار, فهو محرم, أي لعب كان, وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه, ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته)(3).
2 - أدلة تحريم الميسر:
الميسر محرم بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. )إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة:90- 91]0 وقوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة:188]. ومن السنة ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله حرَّم عليَّ - أو حُرِّمَ - الخمر، والميسر والكوبة } وقال: { وكل مسكر حرام } قال سفيان: فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة ، قال: الطبل(4).
وقال الجصاص : ( ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم القمار )(5).
3 - أضرار الميسر:
__________
(1) - لسان العرب، كتاب العين، الوسيط مادة: ( يسر ).
(2) - موسوعة نظرة النعيم 11/5583.
(3) - المغني 13/154
(4) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 3696 ).
(5) - أحكام القرآن 1/450(1/748)
الميسر فيه خطر عظيم ، وأكل لأموال الناس بالباطل ، قال ابن الجوزي: ( وفي إثم الميسر قولان: أحدهما أنه يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة قاله ابن عباس. والثاني: أنه يدعوا إلى الظلم ومنع الحق رواه السدي عن أشياخه وجائز أن يراد جميع ذلك )(1).
4 - عقوبة الميسر:
عقوبة الميسر عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، لأنه لم ترد عقوبة مقدرة شرعا للميسر. وقد جاء في خطاب رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء الموجه لسمو وزير الداخلية برقم 22786 وتاريخ 25/11/1381هـ النص التالي: ( طيه الأوراق منكم برقم 5117 في 6/11/1381هـ المتعلقة بالستة الأشخاص المتهمين بلعب الميسر - القمار - مشفوعة بصورة من خطاب الديوان الملكي رقم 7/22/3462 في 19/11 1381هـ المتضمن أن جلالة الملك حفظه الله أمر بتطبيق الجزاء بحبس الثلاثة الأشخاص الذين ثبت عليهم لعب القمار ستة شهور وجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة وإن يطبق هذا الجزاء على كل من يثبت عليه لعب القمار وإذا تكرر يضاعف عليه الجزاء ويعمم على جميع المحاكم والإمارات كالإرادة الصادرة بشأن شاربي الخمر؛ أما المتهمون فيعزرون على قدر جرمهم وأقل من تعزير اللاعبين ).
***
__________
(1) - زاد المسير 1/240(1/749)
حرف النون
258 -نبش ( راجع مصطلح : سرقة )
259 -نشل ( راجع مصطلح : سرقة )
260 -نصب
1 - التعريف:
النَّصْبُ في اللغة: له معان منها: الشَّرُّ والبَلاءُ والداء، ونَصَبْتُ لفلانٍ نَصْبًا، إذا عاديته، ونَاصَبْتُه الحربَ مُناصَبة. قال الزبيدي(1): والنَّصْبُ بفتح فسكون، والنُّصْبُ، بالضَّمِّ، وبضَمَّتَيْن، ومنه قِرَاءَةُ أَبي عُميْرٍ وعبدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ: { مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً } { الكهف: 62 } هو: الداءُ والبلاءُ، والتَّعَبُ، والشَّرُّ. قال اللَّيْثُ: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ، يُقَالُ: أَصابهُ نَصْبٌ من الدّاءِ. وفي التّنزيلِ العزيزِ: { مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } { سورة ص الآية 41 }
والمراد بالنصب هنا: هو ما يقوم به بعض الأشخاص من الاحتيال على غيره ومخادعته ليأخذ ما معه من مال ونحوه متظاهراً بحسن النية مع أنه يضمر شراً.
2 - من صور النصب :
النصب من الجرائم المعاصرة، وفي أغلب الأحيان يرد لفظ النصب مقترنا بالاحتيال، فيقال: جريمة نصب واحتيال، والنصب والاحتيال على الغير لهما صور كثيرة، منها ما يقوم به بعض المحتالين من عرض عقود صفقات تجارية مستخدمين في ذلك أسماء شركات ومؤسسات لا حقيقة لها في الوجود، ويضعون بعض المغريات التي توهم ضحاياهم بصدقهم، وذلك عن طريق الدعاية والإعلان التي يغرون ضحاياهم من خلالها للمساهمة معهم في بعض المشاريع، وربما تكون هذه الشركات ظاهرة لبعض الوقت ثم تختفي أو تعلن الإفلاس.
ومن صور النصب على المستوى الفردي: ما يقوم به بعض ضعاف النفوس اليوم من الدجالين والمشعوذين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل زاعمين أن لديهم معرفة بالطب والرقية الشرعية ومعالجة جميع أنواع الأمراض وذلك مقابل مبالغ مالية كبيرة. وسبقت الإشارة إلى بعض ما يتعلق بالاحتيال في مصصطلح: احتيال.
3 - حكم النصب والاحتيال:
__________
(1) - تاج العروس مادة ( نصب ).(1/750)
النصب والاحتيال حرام، لأنه أكل لأموال الناس بالباطل، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن أكل أموال الناس بالباطل في أكثر من آية ومن ذلك قوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } { البقرة آية 188 } .
4 - عقوبة النصب والاحتيال:
عقوبة النصب والاحتيال عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، ويلزم الناصب أو المحتال ضمان أو إعادة ما أخذه من أموال نتيجة نصبه أو احتياله.
***(1/751)
261 -نقض
1 - التعريف:
النقض في اللغة : إفساد الشيء بعد إحكامه ؛ قال ابن فارس: النون والقاف والضاد أصلٌ صحيح يدلُّ على نَكْثِ شَيءٍ. وقال ابن منظور: النَّقْضُ: إِفْسادُ ما أَبْرَمْتَ من عَقْدٍ أَو بِناء(1).
والنقض في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن معناه في اللغة، وهو يتعلق بأمور كثيرة، كالطهارة، والعهود والمواثيق، والاجتهاد، وحكم القاضي ؛ والذي سنتحدث عنه هنا هو النقض المتعلق بحكم القاضي.
وعرَّف مجمع اللغة العربية نقض الحكم بأنه: إبطالة إذا كان قد صدر مبنياً على خطإٍ في تطبيق القانون أو تأويله، أو مشوباً بخطإٍ جوهري في إجراءات الفصل، أو ببطلان في الحكم. والنقض قد يصيب الحكم المدني والحكم الجنائي على السواء متى كان أحدهما قد صدر نهائيا من المحاكم الابتدائية أو من محاكم الاستئناف(2).
2 - ضابط نقض الحكم:
__________
(1) - معجم مقاييس اللغة، ولسان العرب مادة ( نقض ).
(2) - المعجم الوسيط مادة ( نقض ).(1/752)
إذا خالف الحكم نص الكتاب أو السنة أو الإجماع، فإنه ينقض، ومتى وافق الحكم نصاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع فإنه لا ينقض، وكذلك الحال بالنسبة للحكم فيما يسوغ فيه الاجتهاد. قال ابن قدامة: (ولا ينقض من حكم غيره إذا رفع إليه , إلا ما خالف نص كتاب , أو سنة , أو إجماعا، وجملة ذلك أن الحاكم إذا رفعت إليه قضية قد قضى بها حاكم سواه , فبان له خطؤه , أو بان له خطأ نفسه , نظرت ; فإن كان الخطأ لمخالفة نص كتاب أو سنة أو إجماع , نقض حكمه. وبهذا قال الشافعي , وزاد : إذا خالف قياسا جليا نقضه وعن مالك, وأبي حنيفة, أنهما قالا: لا ينقض الحكم إلا إذا خالف الإجماع )(1). وقال ابن القيم: (ولم يوجب أحد من الأئمة نقض حكم الحاكم ولا إبطال فتوى المفتي بكونه خلاف قول زيد أو عمرو , ولا يعلم أحد سوغ النقض بذلك من الأئمة والمتقدمين من أتباعهم , وإنما قالوا ينقض من حكم الحاكم ما خالف نص كتاب أو سنة أو إجماع الأمة)(2).
3 - ضوابط نقض الأحكام الواردة في نظامي المرافعات والإجراءات:
1 - ينقض الحكم إن خالف نصاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع. (إجراءات/201 )
2 - إذا لم يصادق مجلس القضاء الأعلى على الحكم المعروض عليه: تطبيقاً للمادة الحادية عشرة فينقض الحكم، وتعاد القضية للنظر فيها من جديد من قبل قضاة آخرين. (إجراءات/12)
3 - ينقض الحكم إن خالف الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى وتعين محكمة التمييز المحكمة المختصة وتحيل الدعوى إليها. ( إجراءات/202)
4 - وفي حال عدم اقتناع محكمة التمييز بإجابة القاضي عن ملحوظاتها، وتمسك القاضي برأيه فلها أن تنقض الحكم كله أو بعضه بحسب الحال مع ذكر المستند وإحالة القضية إلى قاض آخر. (مرافعات/188، إجراءات/205)
__________
(1) - المغني 14/34
(2) - إعلام الموقعين 4/197(1/753)
5 - إذا تعذر إرسال الملحوظات إلى القاضي الذي أصدر الحكم لموت أو غيره فعلى محكمة التمييز إرسال ملحوظاتها إلى القاضي الخلف أو نقض الحكم مع ذكر الدليل. ( مرافعات/189)
6 - يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع القرارات والإجراءات اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساسيا. ( مرافعات/190)
7 - إذا كان الحكم لم ينقض إلا في جزء منه بقى نافذا في أجزائه الأخرى ما لم تكن التجزئة غير ممكنة. (مرافعات/191)
8 - يجوز للمحكمة المرفوع إليها الاعتراض - متى رأت أن أسباب الاعتراض على الحكم قد تقضي بنقضه - أن تأمر بوقف التنفيذ إذا كان يخشى منه وقوع ضرر جسيم. ( مرافعات/200)
***(1/754)
262 -نهب ( راجع مصطلح : سرقة )
***(1/755)
263 -هاشمة ( راجع مصطلح: شجاج )
264 -هرب
1 - التعريف:
الهَرَبُ في اللغة: الفِرارُ، يقال هَرَبَ يَهْرُبُ هَرَباً: أي فَرَّ، ويَكونُ ذلك للإِنسان، وغيره من أَنواع الحيوان. وفي المصباح المنير: هَرَبَ يَهْرُبُ هَرَبًا وَهُرُوبًا، فَرَّ، والموضع الذي يهرب إليه مَهْرَبٌ ؛ ويتعدى بالتثقيل فيقال هَرَّبْتُهُ(1).
والهرب في الاصطلاح : الفرار.
2 - ملاحقة المجرمين الهاربين والقبض عليهم:
دلت نصوص الشريعة على مشروعية ملاحقة المجرمين الهاربين والقبض عليهم من أجل معاقبتهم على ما ارتكبوا من جرم، ومن ذلك قصة العرنيين، الثابتة في الصحيحين عن أنس بن مالك: أن ناساً من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها } ، ففعلوا، فصحوا، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في إثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا(2).
جاء في المدونة: ( قلت: أرأيت لو أن رجلا قتل وهرب , فأراد ولاة الدم أن يقيموا البينة عليه وهو غائب , أيمكنون من ذلك في قول مالك؟ قال: نعم في رأيي; لأن مالكاً يرى أن يقضى على الغائب وإن توقع البينة عليه فإذا قدم قيل له: ادفع عن نفسك إن كان عندك ما تدفع به ولا تعاد البينة عليه )(3). (للزيادة راجع مصطلح: قبض ).
وفي المادة (41) من نظام الإجراءات الجزائية ورد النص على جواز دخول المساكن عند دخول المعتدي لها أثناء مطاردته للقبض عليه. كما بينت المواد (107، 113، 120) من النظام جواز توقيف المتهم إذا خيف هروبه.
__________
(1) - أنظر : لسان العرب، والمصباح المنير، مادة ( هرب )
(2) - البخاري حديث رقم 6417، ومسلم حديث رقم 4329
(3) - المدونة 4/664(1/756)
3 - من أقر بحد من الحدود ثم هرب:
اتفق الفقهاء على أن من ثبت عليه الحد بالبينة فلا مجال لرجوعه سواء بالهرب أو بغيره ؛ أما من أقر بالحد ثم هرب بعد إقراره سواء كان الهرب قبل التنفيذ أو أثناءه فجمهور الفقهاء يعتبرون هربه رجوعاً عن الإقرار ويسقط به الحد. قال السرخسي رحمه الله : ( وإن أقر الرجل بالسرقة ثم هرب لم يطلب , وإن كان في فوره ذلك ; لأن هربه دليل رجوعه , ولو رجع عن الإقرار لم يقطع, فكذلك إذا هرب والأصل فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لماعز حين أخبر بالهرب فقال: { هلا خليتم سبيله } ، ولكنه إذا أتي به بعد ذلك كان ضامناً للمال , كما لو رجع عن إقراره فإنه يسقط القطع به دون الضمان)(1).
وقال ابن السبكي رحمه الله، معلقاً على كلام السرخسي السابق: ( هذا الكلام من السرخسي يقتضي أنه بالهرب يسقط القطع وفيه نظر ونحن نوافقه على أنه لا يطلب ولا يتبع كالزاني وهذا الحكم خطر لي تفقهاً ولم أجده منقولاً في كتب الأصحاب إلى الآن , وإنما رأيته في كلام السرخسي هذا , وهو قياس الزنا , وكون حد السرقة يسقط بالرجوع كحد الزنا )(2).
وقال ابن مفلح رحمه الله: ( وإن رجع من أقر بحد زنا أو سرقة أو شرب قبله أو في بعضه أو هرب , في المنصوص فيه , سقط , فإن تمم ضُمن الراجع فقط بالمال , ولا قود )(3).
وقال المرداوي: ( وإن كان بإقرار: ترك. يعني: إذا رجم بإقرار فهرب. وهذا المذهب نص عليه. وعليه جماهير الأصحاب , وقطع به كثير منهم , وقدمه في الرعايتين , والفروع , وغيرهم. وقيل: لا يترك. فلا يسقط عنه الحد بالهرب. فعلى المذهب: لو تمم الحد بعد الهرب: لم يضمنه على الصحيح من المذهب, نص عليه. وقطع به في المغني, والشرح , والنظم, والرعاية, وشرح ابن رزين. وقيل: يضمن)(4).
4 - كيفية التعامل مع السجين إذا حاول الهرب:
__________
(1) - المبسوط 9/191
(2) - فتاوى ابن السبكي 2/335
(3) - الفروع 6/61
(4) - الإنصاف 10/163(1/757)
إذا أراد المسجون الهرب وهجم على حارسه ليؤذيه فإنه يعامله كالصائل وقد ذكر الفقهاء أن الصائل يوعظ ويزجر ويخوف ويناشد بالله لعله يكف عن الأذى والعدوان. فإن لم ينكف وأراد نفس الحارس أو ماله فيدفعه بأسهل ما يعلم دفعه به كالضرب ونحوه. فإن لم يحصل إلا بالقتل فله ذلك ولا شيء عليه , غير أنه لا يجوز للمصول عليه جرح الصائل إن قدر على الهرب منه بلا مشقة تلحقه ارتكابا لأخف الضررين(1).
وفي المادة (127) من نظام السجن ورد النص التالي: يجوز للمختصين بداخل السجون ودور التوقيف ولرجال الحفظ المكلفين بحراسة المسجونين أو الموقوفين أن يستعملوا أسلحتهم النارية ضد المسجونين والموقوفين في الأحوال الآتية:
1 - صد هجوم أو مقاومة مصحوبة باستعمال القوة إذا لم يكن في مقدورهم صدها بوسائل أخرى.
2 - منع الفرار إذا لم يمكن منعه بوسائل أخرى.
ويجوز إطلاق النار أولاً في الفضاء، فإذا لم يجد ذلك جاز للأشخاص المكلفين بالحراسة إطلاق النار في اتجاه ساقي المسجون أو الموقوف أو يديه بما يوقف هجومه أو مقاومته أو محاولته الفرار.
***
__________
(1) - الموسوعة الفقهية 16/328 - 329(1/758)
265 -هوية
1 - التعريف:
الهُوِيَّةُ في اللغة: حقيقة الشخص، أو الشيء المطلقة، وهي نسبة إلى هو(1).
وفي الإصطلاح الهوية: بطاقة يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله، وجميع ما يتعلق بشخصه، وتسمى البطاقة الشخصية(2).
2 - أهمية بطاقة إثبات الهوية:
تعتبر بطاقة إثبات الهوية من الوثائق المهمة التي يقتنيها الشخص لأنها تميزه عن غيره لا سيما في هذا الزمان، فبموجبها تعرف شخصية الإنسان، ويعرف مكان إقامته ومهنته وكافة المعلومات المتعلقة به، وأصبحت اليوم بطاقة إثبات الهوية أيا كان نوعها أمرا ضروريا، وذلك بعد أن أصبح العالم دولا متفرقة يفصلها حدود معلومة لا يسمح بتجاوزها إلا وفق أنظمة وضوابط محددة، من أبرزها أن يحمل الشخص وثيقة تسمح له بالدخول وتسمى هوية التنقل بين الدول ( جواز سفر ). وفي مجال التحقيق الجنائي والمحاكمة أصبحت وثيقة إثبات الهوية أمرا ضروريا أيضا فعن طريقها يتم التعرف على شخصية المتهم، ويميَّز عن غيره في مرحلتي التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الحكم.
***
__________
(1) - أنظر القاموس المعتمد، والمعجم الوسيط مادة ( هو ).
(2) - المعجم الوسيط مادة ( هو ).(1/759)
266 -هيئة
1 - التعريف:
الهيئة في اللغة: لها عدة معان، منها الجماعة من الناس يعهد إليها بعمل خاص، يقال: هيئة الأمم المتحدة، وهيئة مجلس الإدارة، وجاء المجلس بكامل هيئته(1).
وفي الاصطلاح : لا يخرج معنى الهيئة عن معناه اللغوي.
2 - هيئة التحقيق والادعاء العام:
هي الجهة التي أنيط بها التحقيق والادعاء في القضايا الجنائية، وقد أنشئت بقرار مجلس الوزراء رقم 140 وتاريخ 13/8/1409هـ المتوج بالمرسوم المكي رقم م/56 وتاريخ 24/10/1409هـ، وتعتبر هيئة التحقيق والإدعاء العام في المملكة بمنزلة النيابة العامة في بعض الدول.
3 - اختصاص هيئة التحقيق والادعاء العام:-
بينت المادة الثالثة من نظام الهيئة، اختصاص الهيئة على لنحو التالي:
أولا: تختص الهيئة وفقا للأنظمة وما تحدده اللائحة التنظيمية بما يلي:
أ - التحقيق في الجرائم.
ب - التصرف في التحقيق برفع الدعوى أو حفظها طبقا لما تحدده اللوائح.
ج - الادعاء أمام الجهات القضائية وفقا للائحة التنظيمية.
د - طلب تمييز الأحكام.
هـ- الإشراف على تنفيذ الأحكام الجزائية.
و - الرقابة والتفتيش على السجون، ودور التوقيف، وأي أماكن تنفذ فيها أحكام جزائية ، والقيام بالاستماع إلى شكاوى المسجونين ، والموقوفين ، والتحقق من مشروعية سجنهم أو توقيفهم ، ومشروعية بقائهم في السجن، أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق سراح من سجن أو أوقف منهم بدون سبب مشروع، وتطبيق ما تقضي به الأنظمة في حق المتسببين في ذلك ، ويجب إحاطة وزير الداخلية بما يبدو من ملاحظات في هذا الشأن، ورفع تقرير له كل ستة أشهر عن حالة السجناء والموقوفين.
ز - أي اختصاصات أخرى تسند إليها بموجب الأنظمة، أو اللوائح الصادرة طبقا لهذا النظام، أو قرارات مجلس الوزراء، أو الأوامر السامية.
__________
(1) - المعجم الوسيط مادة ( هَاء )(1/760)
ثانيا: تحدد اللائحة التنظيمية التي تصدر طبقا لهذا النظام كيفية ممارسة الهيئة لاختصاصاتها، كإجراء التحقيق والادعاء، وعلاقة المحققين بدوائر الأمن والإمارات وترتيب العمل بين المحققين وهذه الجهات.
ثالثا: تحدد اللائحة التنظيمية الأحكام الانتقالية اللازمة لممارسة الهيئة لاختصاصاتها.
رابعا: استثناء من حكم المادتين التاسعة عشرة والعشرين من نظام مجلس الوزراء يجوز بقرار من مجلس الوزراء إسناد التحقيق والادعاء إلى الهيئة في الجرائم التي تنص الأنظمة على إسناد التحقيق والادعاء فيها إلى جهات حكومية أخرى.
***(1/761)
حرف الواو
267 -وثيقة
1 - التعريف:
الوَثِيقَة على وزن فعيلة ، وهي مشتقة من التَّوْثِيقُ، ومعناه: الإحكام في الأمر والأخذ بالثقة. وعقد وثيق: أي محكم وقد وَثُقَ وَثَاقَةً وَأَوْثَقَهُ وَوَثَّقَهُ أحكمه وشده بالوثاق بالقيد(1).
والتوثيق في الاصطلاح هو:كل ما تشمل عليه الصكوك , والمحاضر , والسجلات , والرهون , وكل ما يتوثق به الإنسان في حقه(2).
2 - مشروعية التوثيق:
شرع الله سبحانه وتعالى للناس ما يضمن لهم حقوقهم ويحفظها، وذلك بتوثيقها، بالإقرار أو الإشهاد أو الضمان أو الرهن ونحو ذلك، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على مشروعية التوثيق، ومن ذلك قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ } { آل عمران الآية 81 } وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } { البقرة 282 } وقوله تعالى: { فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } { محمد الآية 4 } .
3 - توثيق أقوال المتهمين:
إذا اعترف المتهم وجب على المحقق المبادرة إلى تدوين اعترافه وتوثيقه، وقد بيَّنا ما يتعلق بهذا الجانب في مصطلح: ( اعتراف ) فيرجع إليه.
4 - إتلاف الوثائق الرسمية والعرفية:
يعتبر تعمد إتلاف الأوراق والمستندات الرسمية والعرفية بقصد الإضرار بالغير جناية يعاقب عليها، نصت على ذلك المادة الخامسة من نظام مكافحة التزوير، وبينت المادة أن العقوبة المترتبة على ذلك هي السجن من سنة إلى خمس سنوات. للزيادة راجع مصطلح: ( تزوير ).
***
__________
(1) - المغرب مادة ( وثق ).
(2) - الموسوعة الفقهية 27/47(1/762)
268 -وساطة:
1 - التعريف:
الوَساطَةُ في اللغة: مصدر وسَّط، قال ابن فارس: الواو والسين والطاء بناءٌ صحيح يدلُّ على العَدل والنّصف. وأعْدَلُ الشيء: أوسَطُه وَوَسَطُه. وفي القاموس المحيط: ووَسَّطَهُ تَوْسِيطاً: قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ، أو جعَلَهُ في الوَسَطِ، وتَوَسَّطَ بينَهُمْ: عَمِلَ الوَساطَةَ، وأخَذَ الوَسَطَ بين الجَيِّدِ والرَّديء(1).
والوساطة في الاصطلاح: هي الشفاعة بين شخصين أو أكثر بما فيه منفعة لأحدهم أو لجميعهم.
2 - الأحكام المتعلقة بالوساطة:
هي ذات الأحكام المتعلقة بالشفاعة ، وقد مضى الكلام عليها باتفصيل في مصطلح : شفاعة .
***
__________
(1) - أنظر القاموس المحيط، ومعجم مقاييس اللغة، مادة ( وسط ).(1/763)
269 -وفاة
1 - التعريف:
الوَفاةُ في اللغة: المَوْتُ ؛ وتَوَفَّاهُ اللّهُ ، قَبَضَ رُوحَه(1).
وفي الاصطلاح: هي نهاية الحياة الدنيا لكل حي بخروج الروح من جسده.
2 - تشخيص الوفاة بمسرح الحادث:
يكفي لتشخيص الوفاة في الأحوال العادية التأكد من التوقف التام والمستمر لكل من القلب والتنفس والدماغ فترة من الزمن تكفي لحدوث تغيرات رمية في الجسم تمنع العودة للحياة وتقدر هذه الفترة من عشر إلى ثلاثين دقيقة. ويمكن للمحقق ورجل الضبط الجنائي عند الوصول لمسرح الجريمة معرفة وفاة المجني عليه من خلال العلامات الآتية:
* أولاً - علامات توقف الدورة الدموية والقلب :
أ - عدم الإحساس بالنبض عند وضع طرف الأصبع على شريان أو الرقبة أو على القلب مباشرة.
ب - عدم سماع ضربات القلب عند وضع الأذن على منتصف الصدر الأيسر.
ج - عدم احتقان طرف الأصبع عند الضغط عليه أو ربطه بخيط.
د - بهاتة لون الوجه والجلد.
* ثانياً - علامات توقف التنفس:
أ - توقف حركة الصدر والبطن الدالة على التنفس، ويمكن ملاحظة ذلك بالنظر والعينين في مستوى أفقي مع الصدر.
ب - عدم الإحساس بحركة هواء الزفير عند تقريب ظهر اليد أو حلمة الأذن من فتحتي الأنف والفم.
* ثالثاً - علامات توقف الجهاز العصبي ونشاط الدماغ:
أ - فقدان الحس.
ب - اختفاء الأفعال المنعكسة بالعينين: مثل اتساع حدقتي العينين وعدم تأثرهما بالضوء.
ج - الارتخاء الأولي للعضلات: حيث ترتخي جميع العضلات بعد توقف نشاط الدماغ وحدوث الوفاة نتيجة فقدان مرونة الجلد والعضلات ويمكن معرفة ذلك عن طريق سهولة ثني أو فرد الأطراف.
* رابعاً - التغيرات الرمية:
مثل برودة الجسم والرسوب الدموي والتيبس الرمي التي تعتبر علامات أكيدة لحدوث الوفاة(2).
2 - الأحكام الجنائية المترتبة على الوفاة:
__________
(1) - القاموس المحيط مادة ( وفى ).
(2) - د/إبراهيم الجندي/ الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية صفحة ( 45 - 46 ).
1 - إن كانت الوفاة بسبب جناية عمد وجب القصاص من الجاني ؛ وإن كانت بسبب خطأ وجبت الدية، ما لم يعفو ورثة المقتول.
2 - تعتبر الوفاة مسقطة للدعوى الجزائية العامة - المتعلقة بذات المتوفى-، كما نصت على ذلك المادة الثانية والعشرون من نظام الإجراءات الجزائية.
***(1/764)
270 -وكز
1 - التعريف:
الوكز في اللغة : الطعن بجُمْعِ الكف(1).
وفي الاصطلاح: هو الدفع والضرب بجمع الكف(2).
قال ابن العربي: ( والبطش يكون باليد , وأقله الوكز والدفع , ويليه السوط والعصا, ويليه الحديد ; والكل مذموم إلا بحق )(3).
2 - حكم القتل الناتج عن الوكز:
يرى جمهور الفقهاء أن القتل الناتج عن الوكز لا يوجب القود لأنه شبه عمد ؛ قال ابن قدامة: ( شبه العمد أحد أقسام القتل , وهو أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا ; إما لقصد العدوان عليه , أو لقصد التأديب له , فيسرف فيه , كالضرب بالسوط , والعصا , والحجر الصغير , والوكز واليد , وسائر ما لا يقتل غالبا إذا قتل , فهو شبه عمد ; لأنه قصد الضرب دون القتل , ويسمى عمد الخطإ وخطأ العمد ; لاجتماع العمد والخطإ فيه , فإنه عمد الفعل , وأخطأ في القتل , فهذا لا قود فيه ؛ والدية على العاقلة , في قول أكثر أهل العلم )(4).
ويفرق فقهاء المالكية بين الوكز المتعمد، والوكز بطريق المزاح واللعب ، فيوجبون القود في الوكز المتعمد، وفي غير المتعمد يوجبون الدية، وقال بعضهم بتغليظها. وفي ذلك يقول الباجي: ( قال مالك والعمد في كل ما يعمد به الرجل من ضربة أو وكزة أو لطمة أو رمية بندقة أو حجر أو ضرب بقضيب أو عصا أو غير ذلك , ولو قال لم أرد الضرب لم يصدق , وكل ما عمد به إلى اللعب من رمية أو وكزة أو ضربة بسوط أو اضطر غافلا فلا قود فيه , ولا يتهم بما يتهم به المتغاضب لظهور الملاعبة منهما فلا قود فيه )(5).
***
__________
(1) - لسان العرب مادة ( وكز )
(2) - كشاف القناع ( 6/127 )
(3) - أحكام القرآن ( 3/459 ).
(4) - المغني 11/462
(5) - المنتقى شرح الموطأ ( 7/100 ).(1/765)
271 -وهم
1 - التعريف:
الوَهْمُ في اللغة: كما جاء في القاموس المحيط: من خَطَراتِ القَلْبِ، أو مَرْجوحُ طَرَفَيِ المُتَرَدَّدِ فيه ، و جمعه: أوهامٌ. وفي لسان العرب: الوَهْمُ: من خَطَراتِ القلب، والجمع أَوْهامٌ، وللقلب وَهْمٌ. وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه، كانَ في الوجود أَو لم يكن. وقال: تَوَهَّمْتُ الشيء وتَفَرَّسْتُه وتَوَسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه بمعنى واحد(1).
وفي الاصطلاح عرفه الزركشي بأنه: الطرف المرجوح(2).
وعرف بأنه: إدراك الطرف المرجوح , أي ما يقابل الظن(3).
2 - قاعدة : لا عبرة للتوهم .
هذه القاعدة ذكرت في كثير من الكتب الفقهية, ويفهم منها أنه , كما لا يثبت حكم شرعي استنادا على وهم لا يجوز تأخير الشيء الثابت بصورة قطعية بوهم طارئ.
ومن الفروع التي يخرجونها على هذه القاعدة يقولون: إذا جرح شخص آخر , ثم شفي المجروح من جرحه تماما وعاش مدة , ثم توفي فادعى ورثته بأنه من الجائز أن يكون مات بتأثير الجرح , فلا تسمع دعواهم(4).
***
__________
(1) - لسان العرب، والقاموس المحيط مادة ( وهم ).
(2) - البحر المحيط 1/11
(3) - الموسوعة الفقهية 29/179
(4) - أنظر درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 1/74(1/766)
حرف الياء
272 -يقين
1 - التعريف:
اليَقِينُ في اللغة: العِلْم وإِزاحة الشك وتحقيقُ الأَمر، وقد أَيْقَنَ يُوقِنُ إِيقاناً، فهو مُوقِنٌ، ويَقِنَ يَيْقَنُ يَقَناً، فهو يَقِنٌ(1).
واصطلاحا: هو حصول الجزم أو الظن الغالب بوقوع الشيء أو عدم وقوعه(2). وعرف: بأنه العلم القاطع بوجود واقعة ما أو عدم وجودها وهذا اليقين واحد وليس له درجات(3).
2 - قاعدة : اليقين لا يزال بالشك:
هذه القاعدة أوردها السيوطي رحمه الله، قاعدة ثانية بعد قاعدة ( الأمور بمقاصدها) وعدها من القواعد الخمس التي ذكر أنها ترجع إليها جميع مسائل الفقه ؛ واستدل لها بما رواه مسلم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه, أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا } (4) . وبما في الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: { لا ينصرف حتى يسمع صوتا , أو يجد ريحا } (5).
ثم قال - السيوطي - اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه , والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر, ولو سردتها هنا لطال الشرح ولكني أسوق منها جملة صالحة، فأقول: يندرج في هذه القاعدة عدة قواعد. ثم أورد تحت هذه القاعدة ثمان قواعد نذكر منها باختصار ما يناسب بحثنا:
1 - قاعدة : الأصل بقاء ما كان على ما كان.
__________
(1) - لسان العرب مادة ( يقن ).
(2) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/22
(3) - مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والإدعاء العام صفحة ( 3 ).
(4) - رواه مسلم في صحيحه برقم ( 541 ) وأبو داود في سننه برقم ( 151 ),
(5) - أخرجه البخاري في صحيحه برقم ( 134 ) ومسلم برقم ( 540 ).(1/767)
ومن فروع هذه القاعدة: ما لو علمنا لزيد على عمرو ألفا , فأقام عمرو بينة بالأداء أو الإبراء , فأقام زيد بينة أن عمرواً أقر له بألف مطلقا , لم يثبت بهذه البينة شيء ; لاحتمال أن الألف الذي أقر به هو الألف الذي علمنا وجوبه , وقامت البينة بإبرائه , فلا نشغل ذمته بالاحتمال.
ومنها : لو زوج الأب ابنته , معتقدا بكارتها , فشهد أربع نسوة بثبوتها عند العقد لم يبطل لجواز إزالتها بإصبع أو ظفر , والأصل البكارة.
2 - قاعدة : الأصل براءة الذمة:
ولذلك لم يقبل في شغل الذمة شاهد واحد, ما لم يعتضد بآخر , أو يمين المدعي, ولذا أيضا كان القول قول المدعى عليه , لموافقته الأصل.
وفي ذلك فروع منها: اختلفا في قيمة المتلف , حيث تجب قيمته على متلفه, كالمستعير , والمستام , والغاصب , والمودع المتعدي فالقول قول الغارم , لأن الأصل براءة ذمته مما زاد .
ومنها: إذا توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل, لا يقضى بمجرد نكوله, لأن الأصل براءة ذمته بل تعرض على المدعي.
ومنها: لو قال الجاني هكذا أوضحت , وقال المجني عليه بل أوضحت موضحتين وأنا رفعت الحاجز بينهما , صُدِّق الجاني لأن الأصل براءة ذمته.
3 - قاعدة: أصل ما انبنى عليه الإقرار إعمال اليقين وإطراح الشك وعدم استعمال الغلبة.
ومن الفروع المندرجة تحتها: لو أقر له بألف، ثم أقر له بألف في يوم آخر, لزمه ألف فقط، أو بأكثر دخل الأقل في الأكثر.
4 - قاعدة : من شك هل فعل شيئا أولا ؟ فالأصل أنه لم يفعله.
ويدخل فيها قاعدة أخرى : من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير حمل على القليل لأنه المتيقن , اللهم إلا أن تشتغل الذمة بالأصل فلا تبرأ إلا بيقين..
5 - قاعدة: الأصل العدم.
فيها فروع منها: القول قول نافي الوطء غالبا ; لأن الأصل العدم.
ومنها: لو اختلف الجاني والولي في مضي زمن يمكن فيه الاندمال , فالمصدق الجاني ; لأن الأصل عدم المضي.
6 - قاعدة : الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن.(1/768)
ومن فروعها: لو أن شخصاً ضرب بطن حامل إمرأة فانفصل الولد حيا وبقي زمانا بلا ألم ثم مات, فلا ضمان ; لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر.
ومنها : لو أن شخصاً ضرب يد شخص آخر فتورمت وسقطت بعد أيام , وجب القصاص.
7 - قاعدة الأصل في الأبضاع التحريم.
فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة , غلبت الحرمة , ولهذا امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرمة بنسوة قرية محصورات لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه , وإنما جاز النكاح في صورة غير المحصورات , رخصة من الله كما صرح به الخطابي لئلا ينسد باب النكاح عليه(1).
***
__________
(1) - أنظر : الأشباه والنظائر للسيوطي الصفحات ( 50 - 63 ).(1/769)
273 -يمين:
1 - التعريف:
اليَمِينُ: القَسَمُ، والجمع أَيْمُنٌ وأَيْمَانٌ؛ يقال سمِّي بذلك لأنَّهم كانوا إذا تحالَفُوا ضَرَبَ كلُّ امرىءٍ منهم يَمِينَهُ على يَمِينِ صاحبه(1).
وفي الاصطلاح: اليمين هو الحلف بالله تعالى أو صفة من صفاته، لتأكيد أمر أو نفيه.
2 - أنواع اليمين:
أ - اليمين المشروعة : هي اليمين بالله تعالى اسمه(2).
ب - اليمين الفاجرة : وهي اليمين الكاذبة(3).
ج - اليمين اللغو : هي ما لا يكون عن قصد الحلف وإنما جرى على اللسان من غير إرادة الحلف(4).
د - اليمين المردودة: هي يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه يردها هو أو القاضي(5).
هـ - اليمين الغموس : وهي التي يحلف بها كاذباً , عالماً بكذبه(6).
و - اليمين المغلظة: هي اليمين التي غلظت بالزمان , والمكان , وزيادة الأسماء والصفات , وبحضور جمع , وبالتكرار(7).
ز - اليمين المعقودة : هي اليمين على أمر في المستقبل نفياً أو إثباتاً نحو قوله والله لا أفعل كذا وكذا وقوله والله لأفعلن كذا(8).
3 - اليمين المشروعة:
اليمين المشروعة هي التي تكون بالله سبحانه وتعالى أو باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته، ولا تنعقد اليمين بغير ذلك، بل اليمين بغير ما ذكر شرك بالله تعالى ؛ دليل ذلك، ما رواه الشيخان، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال : { ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } (9).
__________
(1) - الصحاح مادة ( يمن ).
(2) - الإنصاف 12/119
(3) - طلبة الطلبة مادة ( يمين ).
(4) - سبل السلام 2/554
(5) - حاشية قليوبي وعميرة 4/344
(6) - الإنصاف 11/16
(7) - الموسوعة الفقهية 7/250
(8) - بدائع الصنائع 3/9
(9) - رواه البخاري برقم ( 6108 ) ومسلم برقم ( 1646 ).(1/770)
وعنه - أيضا - من رواية ابن ماجة بسند حسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا تحلفوا بآبائكم ؛ من حُلف له بالله فليُصَدِّق ؛ ومن حُلِف له بالله فلْيَرْضَ؛ ومن لم يرض فليس من الله } (1).
وجاء في المغني(2): ( واليمين التي يبرأ بها المطلوب , هي اليمين بالله , وإن كان الحالف كافراً ؛ وجملته , أن اليمين المشروعة في الحقوق التي يبرأ بها المطلوب , هي اليمين بالله تعالى. في قول عامة أهل العلم , إلا أن مالكا أحب أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو, وإن استحلف حاكم بالله , أجزأ. قال ابن المنذر: هذا أحب إلي; لأن ابن عباس روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا , فقال له: { قل: والله الذي لا إله إلا هو , ماله عندك شيء } رواه أبو داود(3) ).
4 - تحليف المتهم اليمين:
الاتهام المراد الاستحلاف عليه إما أن يكون متعلقاً بحق من حقوق الله تعالى ؛ وإما أن يكون متعلقا بحق من حقوق الناس.
فإن كان المستحلف عليه يتعلق بحق من حقوق الله، فلا يجوز تحليف المتهم فيه اليمين، سواء كان هذا الحق مالياً كالكفارات المالية، والنذور المالية، أو غير مالي كالحدود، والتعزيرات ونحوها. وإن كان المستحلف عليه يتعلق بحق من حقوق العباد، فاليمين فيه جائزة، سواء كان هذا الحق مالياً أو غير مالي.
تم بحمد الله
***
__________
(1) - سنن ابن ماجة الحديث رقم ( 2101 ).
(2) - المغني 14/222
(3) - سنن أبي داود الحديث رقم ( 3620 ).(1/771)
الفهارس
فهرس المراجع
* المرجع الأول هو القرآن الكريم.
ويليه الكتب والمراجع التالية نوردها مرتبة على حسب الحروف الهجائية:
1 - الإجراءات الجنائية: د/إدوارد غالي ، طبعة مكتبة غريب/ مصر.
2 - إجراءات جمع الأدلة ودورها في كشف الجريمة: النقيب/ علي بن حامد العجرفي، طبعة دار الثقة العربية.
3 - الإجراءات الجنائية في جرائم الحدود: د/ سعد بن محمد بن ظفير، مطابع سمحة بالرياض.
4 - الإجماع : لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، طبعة مكتبة الفرقان/ الإمارات.
5 - أحكام أهل الذمة: محمد بن أبي بكر ( ابن القيم ) طبعة دار العلم للملايين/بيروت، بتحقيق د/صبحي الصالح.
6 - أحكام الجريمة والعقوبة: د/محمد أبو حسان، الطبعة الأولى 1408هـ، مكتبة المنار/ الأردن.
7 - أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام: د/ حسن أبو غدة، الطبعة الأولى 1407هـ، مكتبة المنار / الكويت.
8 - الأحكام السلطانية: لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، طبعة دار الكتاب العربي/ بيروت.
9 - أحكام القرآن الكريم: لأبي بكر محمد بن عبدالله المعروف بابن العربي، طبعة دار الكتب العربية/ بيروت.
10 - أحكام القرآن للجصاص: لأبي بكر بن علي الجصاص، طبعة دار الفكر/ بيروت.
11 - إحكام الفصول في أحكام الأصول: لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، طبعة مؤسسة الرسالة/ بيروت. تحقيق د/ عبد الله الجبوري.
12 - الآداب الشرعية: لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، طبعة مؤسسة الرسالة/ بيروت.
13 - أدب الدنيا والدين: لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، طبعة دار إحياء العلوم/ بيروت.
14 - الأدلة الجنائية: د/منصور المعايطة، د/عبد المحسن المقذلي، الطبعة الأولى 1421هـ، مطابع الحميضي /الرياض.
15 - أسنى المطالب شرح روضة الطالب: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي، طبعة دار الكتاب الإسلامي.(1/772)
16 - الأشباه والنظائر: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي، الطبعة الأولى دار الكتب العلمية/ بيروت.
17 - الإصابة في تمييز الصحابة: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى دار الكتب العلمية/ بيروت.
18 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد بن الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت.
19 - إعلام الموقعين: للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، طبعة دار الكتاب العربي / بيروت.
20 - إغاثة اللهفان : لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، طبعة دار زيدون/ بيروت.
21 - إغاثة المستفيد بشرح كتاب التوحيد: د/ صالح بن فوزان الفوزان، طبعة مؤسسة الرسالة/ بيروت.
22 - الأم : الإمام/ محمد بن إدريس الشافعي. طبعة دار المعرفة / بيروت.
23 - الإنصاف : علي بن سليمان بن أحمد المرداوي، طبعة دار إحياء التراث/ بيروت.
24 - أنوار البروق في أنواع الفروق: أحمد بن إدريس القرافي، طبعة عالم الكتب/ بيروت.
25 - أنيس الفقهاء: للشيخ/ قاسم بن عبد الله القونوي، طبعة مؤسسة الكتب الثقافية/ بيروت.
26 - الاختصاص القضائي في الفقه الإسلامي: د/ناصر بن محمد الغامدي، الطبعة الأولى 1420هـ مكتبة الرشد بالرياض.
27 - اسهل الطرق لتعليم الإنترنت: المهندس/علي الشدوخي، طبعة مكتبة الشقري / الرياض.
28 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق: زيد الدين بن إبراهيم بن نجيم، طبعة دار الكتاب الإسلامي.
29 - بدائع الصنائع: لأبي بكر مسعود بن أحمد الكاساني، طبعة دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
30 - بداية المجتهد: للقاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، طبعة دار الكتب الإسلامية/ بيروت.
31 - بريقة محمودية: محمد بن محمد بن مصطفى الخادمي، طبعة دار إحياء الكتب العربية/ بيروت.
32 - تاج العروس: لمحب الدين محمد بن محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، طبعة دار الفكر/ بيروت.(1/773)
33 - التاج والإكليل لمختصر خليل: محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، طبعة دار الفكر/ بيروت.
34 - تبصرة الحكام: إبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري، دار الكتب العلمية/ بيروت.
35 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: عثمان بن علي الزيلعي، دار الكتاب الإسلامي/ بيروت.
36 - تحفة الأحوذي: محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت.
37 - تحفة المحتاج: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، طبعة دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
38 - الترغيب والترهيب: للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، طبعة دار ابن كثير/ دمشق، بتحقيق/ محيي الدين ديب مستو.
39 - تزوير البطاقات الائتمانية: لعدد من الباحثين، من مطبوعات أكاديمية نايف، المطبوع رقم ( 288 ).
40 - التشريع الجنائي الإسلامي: عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة/ بيروت.
41 - التعريفات: علي بن محمد بن علي الجرجاني، طبعة دار الكتاب العربي/ بيروت.
42 - التعزيرات البدنية وموجبها في الفقه الإسلامي: د/عبد الله بن صالح الحديثي، طبعة مكتبة الحرمين بالرياض.
43 - تفسير الطبري ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن ): لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، طبعة دار المعرفة/ مصر.
44 - تفسير البغوي ( معالم التنزيل ): لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، طبعة دار طيبة/الرياض.
45 - تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، طبعة دار الفكر/ بيروت.
46 - التفسير الكبير: لفخر الدين الرازي، طبعة دار إحياء التراث/ بيروت.
47 - التفسير الواضح: د/ محمد محمود حجازي، طبعة دار الجيل/ بيروت.
48 - تلخيص الحبير: لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، طبعة عبد الله هاشم اليماني المدني.
49 - جامع العلوم والحكم: لأبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب بن رجب الحنبلي، طبعة دار الخير/ بيروت، بتحقيق د/وهبة الزحيلي.(1/774)
50 - الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، طبعة دار الحديث / القاهرة
51 - جرائم الاحتيال وأساليب الوقاية منها: الفريق/طاهر جليل حبوش، نشرته أكاديمية نايف، برقم ( 281 ).
52 - جرائم التزوير والرشوة في أنظمة المملكة: د/عبد الفتاح خضر، مطبعة السفير بالرياض.
53 - الجريمة أحكامها العامة: د/عبد الفتاح حضر، الطبعة الأولى 1405هـ معهد الإدارة بالرياض.
54 - الجريمة المنظمة وأساليب مكافحتها: لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف برقم ( 207 ).
55 - الجريمة المنظمة التعريف والأنماط والاتجاهات: لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف برقم ( 215 ).
56 - جريمة غسل الأموال: أحمد محمد العمري، الطبعة الأولى 1421هـ مكتبة العبيكان/ الرياض.
57 - الجن والسحر في المنظور الإسلامي: رشيد ليزول، طبعة دار الكتب العلمية / بيروت 1421هـ.
58 - حاشية البجيرمي على الخطيب: سليمان بن محمد البجيرمي، طبعة دار الفكر/ بيروت.
59 - حاشية البجيرمي على المنهاج : سليمان بن محمد البجيرمي، طبعة دار الفكر/ بيروت.
60 - حاشية الجمل: سليمان بن منصور العجيلي الجمل، طبعة دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
61 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، طبعة دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
62 - حاشية الصاوي على الشرح الصغير: لأبي العباس أحمد الصاوي، طبعة دار المعارف/ بيروت.
63 - حاشية قليوبي وعميرة: أحمد سلامة القليوبي، وأحمد البرسلي عميرة، طبعة دار إحياء الكتب العربية/ بيروت.
64 - حجية القرائن في الشريعة الإسلامية: عدنان حسن عزايزة، الطبعة الأولى 1990م، دار عمار/ عمان.
65 - حكم الحبس في الشريعة الإسلامية: محمد بن عبد الله الأحمد، الطبعة الأولى 1404هـ، مكتبة الرشد بالرياض.
66 - رد المحتار على الدر المختار: محمد بن أمين بن عمر بن عابدين، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت.(1/775)
67 - الدر النقي في شرح الفاظ الخرقي: جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن حسن بن عبد الهادي، المعروف بابن المبرد، الطبعة الأولى 1411هـ دار المجتمع/ جدة، بتحقيق د/ رضوان مختار بن غريبة.
68 - درر الحكام شرح مجلة الأحكام: علي حيدر، الطبعة الأولى، دار الجيل/ بيروت.
69 - دليل السائلين: أنس إسماعيل أبو داود، الطبعة الأولى 1416هـ
70 - الرائد في اللغة: جبران مسعود، طبعة دار العلم للملايين/ بيروت.
71 - الروض المربع: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، طبعة مكتبة الرياض الحديثة.
72 - زاد المعاد في هدي خير العباد: محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف ( بابن القيم ) طبعة مؤسسة الرسالة.
73 - زاد المسير في علم التفسير: لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، طبعة المكتب الإسلامي/بيروت.
74 - الزواجر عن إقتراف الكبائر: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، طبعة دار الفكر/ بيروت.
75 - سبل السلام: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، طبعة دار ابن الجوزي/ الدمام. بتحقيق / محمد صبحي حلاق.
76 - الستر على أهل المعاصي : خالد بن عبد الرحمن الشايع، الطبعة الأولى 1422هـ، دار بلنسية الرياض.
77 - سنن أبي داود: للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، طبعة دار الفكر/ بيروت.
78 - سنن ابن ماجة: للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، طبعة دار الفكر/ بيروت.
79 - سنن البيهقي: أحمد بن الحسن بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، طبعة مكتبة الباز/ مكة المكرمة، بتحقيق/ محمد عبد القادر عطا.
80 - سنن الترمذي: للحافظ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، طبعة مكتبة البيان الحديثة/الطائف.
81 - سنن الدار قطني: علي بن عمر أبو الحسن الدار قطني، طبعة دار المعرفة/ بيروت، بتحقيق/ السيد عبد الله هاشم يماني.
82 - سنن النسائي ( المجتبى ): لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، طبعة دار الفكر/ بيروت.(1/776)
83 - السياسة الشرعية: للإمام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، طبعة دار الكتب العلمية / بيروت.
84 - شرح التلويح على التوضيح: مسعود بن عمر التفتازاني، طبعة مكتبة صبيح/ مصر.
85 - شرح الكوكب المنير: لابن النجار محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، طبعة دار الفكر/ دمشق، بتحقيق/ د/محمد الزحيلي، ود/نزيه حماد.
86 - شرح النووي على صحيح مسلم: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، طبعة دار الحديث/ القاهرة، بتحقيق / عصام الصباطي.
87 - شرح فتح القدير: كمال الدين بن عبد الوهاب ( ابن الهمام )، طبعة دار الفكر/ بيروت.
88 - شرح مختصر خليل: محمد بن عبد الله الخرشي، طبعة دار الفكر/ بيروت.
89 - شرح معاني الآثار: أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت. بتحقيق / محمد زهري النجار.
90 - شرح منتهى الإرادات: منصور بن يونس البهوتي، طبعة عالم الكتب/ بيروت.
91 - الصحاح: إسماعيل بن حماد الجوهري، طبعة دار العلم للملايين/ بيروت.
92 - صحيح ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، طبعة مؤسسة الرسالة / بيروت، بتحقيق / شعيب الأرنؤوط.
93 - صحيح البخاري: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، طبعة دار الأرقم / بيروت.
94 - صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، طبعة دار الفكر / بيروت.
95 - صحيح الجامع الصغير : محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي/ بيروت.
96 - ضعيف الجامع الصغير : محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي/ بيروت.
97 - الطب الشرعي القضائي: د/جلال الجابري، الطبعة الأولى 2000م، مكتبة الثقاة للنشر / عمان.
98 - الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية: د/إبراهيم صادق الجندي، نشرته أكاديمية نايف برقم ( 247 ).
99 - الطرق الحكمية: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن قيم الجوزية، طبعة دار البيان / دمشق.(1/777)
100 - طلبة الطلبة: عمر بن محمد بن أحمد أبو حفص النسفي، طبعة دار النفائس/ بيروت.
101 - الظواهر الإجرامية المستحدثة وسبل مواجهتها: لعدد من الباحثين نشرته أكاديمية نايف برقم ( 238 ).
102 - العفو عن العقوبة في الفقه الإسلامي: د/ زيد بن عبد الكريم بن زيد، الطبعة الأولى 1410هـ، دار العاصمة بالرياض.
103 - العمدة: لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، طبعة مكتبة الطرفين / الطائف، بتحقيق/ عبد الله العبدلي، محمد العتيبي.
104 - العناية شرح الهداية: محمد بن محمد بن محمود البابرتي، طبعة دار الفكر/ بيروت.
105 - عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت.
106 - غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، طبعة مؤسسة قرطبة.
107 - غمز عيون البصائر: أحمد بن محمد الحموي، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت.
108 - فتاوى الرملي: شهاب الدين أحمد بن محمد الرملي، طبعة المكتبة الإسلامية/ بيروت.
109 - فتاوى السبكي: تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، طبعة دار المعارف/ بيروت.
110 - الفتاوى الكبرى: للإمام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، طبعة دار الكتب العلمية / بيروت.
111 - فتح الباري : للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت.
112 - فتح العلي المالك: محمد بن أحمد بن محمد عليش، طبعة دار المعرفة/ بيروت.
113 - فتح القدير: كمال الدين بن عبد الواحد بن الهمام، طبعة دار الفكر/ بيروت.
114 - الفروع: لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، المتوفى سنة 762هـ، الطبعة الأولى 1418هـ دار الكتب العلمية/ بيروت، بتحقيق أبي الزهراء حازم القاضي.
115 - الفقه الإسلامي وأدلته: د/ وهبة الزحيلي، طبعة دار الفكر/ دمشق.
116 - فقه الأشربة وحدها: عبد الوهاب عبد السلام طويلة، الطبعة الأولى 1406هـ دار السلام.(1/778)
117 - الفقه الحنبلي الميسر: د/ وهبة الزحيلي، طبعة دار القلم/ دمشق.
118 - فقه السنة : سيد سابق، طبعة دار الفتح للإعلام العربي/ القاهرة.
119 - الفواكه الدواني : أحمد بن غنيم النفراوي، طبعة دار الفكر/ بيروت.
120 - القاموس المحيط: مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، طبعة مؤسسة الرسالة / بيروت.
121 - القاموس المعتمد: جورجي شاهين عطية. طبعة دار صادر / بيروت.
122 - قانون العقوبات الخاص: حسن صادق المرصفاوي، طبعة منشأة المعارف/ الإسكندرية 1978م.
123 - قرارات وتوصيات المجمع الفقهي: الدورات من ( 1 - 10 ) طبعة دار القلم / بيروت.
124 - قواعد الأحكام: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت.
125 - قواعد المرافعات الشرعية: سعد بن محمد بن ظفير، الطبعة الأولى 1422هـ
126 - الكافي في فقه الإمام أحمد: لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، طبعة المكتب الإسلامي / بيروت.
127 - كتاب العين : لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، طبعة دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
128 - كشاف القناع: منصور بن يونس البهوتي المتوفى، سنة 1051هـ، الطبعة الأولى 1420هـ دار إحياء التراث/ بيروت، بتحقيق الشيخ/ محمد عدنان.
129 - كشف الأسرار: عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري، طبعة دار الكتاب الإسلامي/ بيروت.
130 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس: لإسماعيل بن محمد العجلوني، طبعة مؤسسة الرسالة/ بيروت.
131 - الكليات: لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، طبعة مؤسسة الرسالة/ بيروت.
132 - لسان العرب: للإمام العلامة ابن منظور، طبعة دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
133 - المبدع: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي، طبعة المكتب الإسلامي / بيروت.
134 - المبسوط: محمد بن أحمد أبي سهل السرخسي، دار المعرفة/ بيروت.(1/779)