الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
التورق المصرفي
دراسة تحليلية نقدية للآراء الفقهية
إعداد
الدكتور سعيد بوهراوة
الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص البحث
لقد كثرت البحوث والدراسات، وتتالت المؤتمرات والندوات، وتباينت آراء العلماء في مشروعية التورق المصرفي، ونجاعته الإقتصادية، فرأيت المصلحة في عقد دراسة تحليلية نقدية لهذه الآراء وأدلتها مساهمة منى في تلخيص الخلاف الفقهي فيها، ومناقشة آخر ما قيل فيه من أدلة، وقد تناولت هذه الدراسة من خلال مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة.
وقد اشتملت المقدمة على التعريف بمشكلة البحث، والأسباب الداعية إليه وخطة دراسته.
أما المبحث الأول، فقد عقد فيه دراسة تحليلية نقدية لمصطلح التورق، بحثت صلة المصطلح بالعينية حيث عقدت مقارنة نقدية لتعريفات التورق والعينة وصورهما، وقد خلصت فيها إلى إثبات العلاقة الإصطلاحية بين العينة وبعض صور التورق المنظم.
وخصصت المبحث الثاني لدراسة المستند الأصولي لاختلاف العلماء حول التورق المصرفي، بينت فيه أن خلاف العلماء استند إلى قاعدة الذرائع، التي استوعبت موضوع الحيل وإشكالية المعتبر في العقود. وقد حققت في محل النزاع في المسألة، وخلصت إلى أن تطبيقات التورق المصرفي لا تدخل في محل النزاع في مسألة الذرائع وقدمت الأدلة على هذا.
أما المبحث الثالث، فقد عرضت فيه الأدلة النقلية والعقلية لكل من المجيزين والمانعين للتورق المصرفي، وناقشت أدلتهم مناقشة تفصيلية، ورحجت أدلة المانعين للتورق المصرفي ودعمت هذا الترجيح بأدلة إضافية.
أما الخاتمة، فقد خصصتها لتلخيص أهم النتائج التي توصل إليه البحث.
التورق المصرفي
دراسة تحليلية نقدية للآراء الفقهية
المقدمة(1/1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين وبعد؛
فأكتب هذا البحث استجابة لطلب كريم من الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية بماليزيا لتقديمه في دورة المجمع الفقه الإسلامي الذي سيعقد إن شاء الله بإمارة الشارق.
من موضوعات المصرفية الإسلامية الأكثر دراسة في الآونة الأخيرة موضوع التورق المصرفي. ذلك أن هذه الأداة المالية لقيت رواجا كبيرا من قبل المصارف الإسلامية كونها تضمن في نظر هذه المصارف استمرار تعامل المودعين معها، وتوفر السيولة التي تعد عصب حياتها، كما لقيت تضاربا في الآراء الفقهية حيث تراوحت بين مجيزة لها بناء على حل البيع المبني على التراضي، وبناء على وجود طرف ثالث يضمن خروج هذا البيع من العينة المحرمة، وبين مشترطة شروطا لقبولها، وبين محرمة لهذه المعاملة باعتبارها تحايلا من المصارف الإسلامية على الربا المجمع على تحريمه. ويرجع هذا التضارب في تقدير الباحث إلى أسباب كثيرة منها:
أولا: تنازعُ الفقهاء المتقدمين والمعاصرين حول حكم التورق المصرفي بسبب ربطه بالتورق الفردي الذي أورده الحنابلة، حيث رأى بعضهم جوازه كما هو مذهب الجمهور، ورأى بعضهم كراهته كما هو مذهب عمر بن عبد العزيز، ، ورأى بعضهم تحريمه كما هو مذهب ابن تيمية وغيره.(1/2)
ثانيا: اختلاف المقدمات المنهجية الناظمة لفتاوى بعض العلماء في هذه المعاملة، فبعضهم ينطلق من اعتبار المبدأ العام المجيز للبيع، فلا يحرم معاملة إلا بدليل صريح، وبعضهم ينطلق من منطلق الموازنة بين المذاهب الفقهية، فما غلب عليها مال إليه وأخذ به، وبعضهم ينطلق من منطلق الحذر من معاملات هذه المصارف كونها بنظره وضعت نفسها في شبهات كثيرة أبيح للباحث فيها والمفتى في قضاياها التعامل معها بحذر وأحيانا بسوء ظن، وبعضهم اعتبر مقاصدها والمصلحة المرجوة منها، فما انسجم ومقاصد المعاملات الإسلامية اعتبره، وما عنها لم يعتبره وإن لم يأت النص الصريح بتحريمه.
ثالثا: غموض بعض عمليات التورق وتفاصيل إجراءاتها، بسبب تقديم بعض المصارف لهذه العملية بطريقة مختزلة مخلة بفهم طبيعة العقد، أو تقديمها تحت مسميات مشروعة مثل بيع المرابحة والوكالة، وغيرها من التسميات المشروعة.
رابعا: فتوى المجمع الفقهي الأولى المجيزة للتورق الفردي، وما أعقبه من إسقاط هذا التورق الفردي وأحكامه على التورق المصرفي المنظم، وتصريح بعض المصارف بهذا الإسقاط والإستناد إليه، مع عدم التنبيه على الشروط التي أوردتها فتوى المجمع الفقهي.
خامسا: تضارب القول في الآثار الإقتصادية للتورق المصرفي على اقتصاد الدول الإسلامية، فبعض التحليلات الإقتصادية تقدم صورة إيجابية مشرقة لهذه المعاملة، وبعضها الآخر تقدم صورة سلبية مظلمة لها.
وعليه فإن هذه الورقة ستبحث بحثا نقديا آراء الفقهاء حول التورق المصرفي من خلال نقد مقدماتهم اللغوية والأصولية، وكذا نقد أدلتهم الفقهية النقلية والعقلية، لتخلص إلى رأي فقهي، وسيتم بحث هذا من خلال المباحث الآتية:
المبحث الأول: دراسة نقدية لمصطلح التورق المصرفي وبحث مدى صلته بالعينة
المبحث الثاني: التورق المصرفي وإشكالية الذرائع والحيل
المبحث الثالث: دراسة نقدية للأدلة التفصيلية
نتائج البحث
المبحث الأول(1/3)
دراسة نقدية لمصطلح التورق المصرفي وبحث مدى صلته بالعينة
إن أول إشكالات التورق المصرفي تتعلق بمعنى التورق الإصطلاحي وعلاقته بمصطلح العينة. فمن قال ـ وهم جمهور الحنابلة ـ بأن مصطلح التورق يختلف عن مصطلح العينة بحثه بحثا مستقلا، وبحث حكمه الشرعي خارج إطار مبحث العينة، ومن جعله من معاني العينة ـ وهم الجمهور ـ بحثه ضمن مبحث العينة، وأعطى معظم صوره لاسيما المنظم منها حكمها. وهذا الإشكال يجعل أو خطوات نقد بحث الفقهاء للتورق المصرفي بحث معناه اللغوي والإصطلاحي، وبحث مدى التقائه مع دلالات مصطلح العينة.
المطلب الأول
تعريف التورق وصوره
الفرع الأول
تعريف التورق لغة واصطلاحا
أولا: التورق لغة:
التّورّق مصدر تورّق، يقال تورّق الحيوان: أي أكل الورق، والورق بكسر الرّاء الدّراهم المضروبة من الفضّة، وقيل: الفضّة مضروبة أو غير مضروبة، فالتورق استعمل عند المتقدمين في طلب النقود الفضية، واستعمل عند المعاصرين في طلب النقود الورقية وهو استعمال لغوي صحيح مشتق من نفس الكلمة. (1)
ثانيا: التورق اصطلاحا:
التورق مصطلح شاع في مؤلفات المذهب الحنبلي، وغير الحنابلة يذكرون صورة التورق في مسائل بيع العينة. وأما معناه الإصطلاحي فيختلف باختلاف أنواعه. وقد ذكر الفقهاء للتورق أنواعا ثلاثة هي:
أ: التورق الفردي: وقد عرفه المجمع الفقهي بأنه:" شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيع المشتري السلعة بنقد لغير البائع للحصول على النقد (الورق)" (2)
__________
(1) ... انظر، الصحاح مادة "ورق "، ولسان العرب 10 / 374، والمصباح 2 / 655، والموسوعة الفقهية ج14 ص147.
(2) ... تعريف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة. 11 رجب 1419 هـ الموافق 31 أكتوبر 1998 م.(1/4)
ب: التورق المنظم: وهو أن يتولى البائع ترتيب الحصول على النقد للمتورق، بأن يبيعه سلعة بأجل، ثم يبيعها نيابة عنه نقداً ويقبض الثمن من المشتري، ويسلمه للمتورق. ...
وقد ذكر الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم فروقا ثلاثة بين الفردي والمنظم وهي:
ـ ... توسط البائع في بيع السلعة بنقد لمصلحة المتورق في المنظم، في حين أن البائع في التورق الفردي لا علاقة له ببيع السلعة مطلقا، ولا علاقة له بالمشتري النهائي.
ـ ... استلام ا لمتورق للنقد من البائع نفسه الذي صار مدينا له بالثمن الآجل في المنظم، في حين أن الثمن في التورق الفردي يقبضه المتورق من المشتري النهائي مباشرة دون أي تدخل من البائع.
ـ ... قد يتفق البائع مسبقا مع المشتري النهائي لشراء السلعة في المنظم، وهذا الاتفاق يحصل من خلال التزام المشتري النهائي بالشراء لتجنب تذبذب الأسعار. (1) ...
ج : التورق المصرفي، وهو "قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على ان يلتزم المصرف ـ إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة ـ بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق (2) .
وقد عد الدكتور سامي إبراهيم السويلم وغيره التورق المصرفي تورقا منظما تسبقه مرابحة للآمر بالشراء، فهما سواء من حيث التنظيم، مختلفان من حيث الجهة التي تقوم بتنظيم هذا التورق.
الفرع الثاني
صور التورق
أولا: صور التورق الفردي:
__________
(1) ... سامي بن إبراهيم السويلم: التكافؤ الإقتصادي بين الربا والتورق، ورقة مقدمة إلى ندوة البركة الرابعة والعشرين. 29 شعبان ـ 2 رمضان1424هـ، 25-27 أكتوبر 2003م، ص18.
(2) ... هذا تعريف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ، في المدة من 19-23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13-17 / 12/ 2003 م.(1/5)
... ... للتورق الفردي ثلاث صور مشهورة هي:
1) أن يكون الشخص في حاجة إلى نقود، فلا يجد من يقرضه، أو لا يريد أن يطلب من أحد قرضا، فيشتري سلعة نسيئة، ويبيعها من غير البائع الأول من غير أن يعلم أحد بنيته وحاجته إلى النقود.
2) أن يطلب المتورق القرض من تاجر، فيقول له التاجر ليس عندي نقود، ولكن أبيعك هذه السلعة نسيئة إلى سنة لتبيعها في السوق، ويبيعه السلعة بسعرها نقدا في السوق من غير زيادة نظير الأجل.
3) الصورة الثالثة مثل الصورة الثانية، ولكن التاجر يبيع المستورق السلعة بأكثر من ثمنها في السوق نظير الأجل.
وقد استبعد الدكتور الصديق الضرير النزاع في الصورة الأولى والثانية، وذهب أن النزاع ينبغي أن يكون في الصورة الثالثة فقط. (1)
ثانيا: صور التورق المنظم:
أما التورق المنظم فله صور كثيرة منها:
1) شراء المصرف السلع المحلية أو الدولية نقدا وبيعها بالأجل للمتورق (الذي يكون غالبا فردا، وقد يكون مصرفا آخر كما هو الحال في ماليزيا مثلا)، ثم توكيل المصرف ببيع الحال إلى مشتر ثالث، ويكون غالبا نفس البائع الأول كون السلعة لم تتحرك من مكانها. وهذه أشهر صور التورق المصرفي.
2) الإيداع النقدي لدى مصارف خارجية وتفويضها بشراء سلع نقدا في السوق الدولية، وبيعها لنفسها أجلا بثمن يزيد بمقدار الفوائد حيث تباع تلك السلع ثانية في السوق الدولية لإعادة الوديعة إلى حالتها النقدية ثانية، وهو مما تعمد إليه المصارف الإسلامية كوسيلة لاستعمال السيولة ا لمتوفرة لديها.
3) صكوك أعيان مؤجرة: وهي تقوم على بيع أعيان للجمهور بثمن محدد ثم استئجارها منهم مع اشتراط بيعها ثانية للبائع الأول (الجهة المصدرة) بسعر شرائها، إما تقسيطا أو دفعة واحدة، مع تكسب حملة الصكوك من الأجرة ما بين الشرائين.
__________
(1) انظر، الصديق الضرير: التورق المصرفي (الرأي الفقهي)، حولية البركة، العدد السادس رمضان 1425هـ، أكتوبر 2004، ص194.(1/6)
4) صكوك منافع: وهي تمثل منافع طويلة الأجل، مملكة للجمهور بنقد حال مع اشتراط بيع هذه المنافع ذاتها لبائعها الأول بصورة سنوية، بنقد يتضمن زيادة ويستحق آخر كل سنة.
5) أخد توقيع العميل مسبقا على تفويض المصرف بإجراء تورق لحسابه في كل مرة ينكشف حسابه سواء في بطاقة الإئتمان أو في الحساب الجاري، والقيام بعملية التورق لتحقيق زيادة نقدية للمصرف الإسلامي على حسابه المنكشف. (1)
المطلب الثاني
تعريف العينة وبيان صورها
الفرع الأول
تعريف العينة لغة واصطلاحا
أولا:العينة لغة. العينة بكسر العين. معناها في اللّغة: السّلف. يقال: اعتان الرّجل: إذا اشترى الشّيء بالشّيء نسيئةً أو اشترى بنسيئة. وقيل: لهذا البيع عِينة، لأنّ مشتري السّلعة إلى أجل يأخذ بدلها (أي من البائع) عيناً، أي نقداً حاضراً والكمال بن الهمام يرى أنّه سمّي بيع العينة: لأنّه من العين المسترجعة. واستحسن الدّسوقيّ أن يقال: إنّما سمّيت عينةً، لإعانة أهلها للمضطرّ على تحصيل مطلوبه، على وجه التّحيّل، بدفع قليل في كثير، وقال عياض في كتاب الصرف سميت بذلك لحصول العين وهو النقد لبائعها وقد باعها لتأخير.
__________
(1) انظر، بحث محمد عبد الغفار الشريف: التطبيقات المصرفية للتورق: مشروعيتها ودورها و الإيجابي والسلبي. حولية البركة العدد الخامس رمضان 1424هـ/ أكتوبر 2003م، وبحث منذر قحف، وعماد بركات: التورق المصرفي في التطبيق المعاصر، بحث مقدم لمؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية: معالم الواقع وآفاق المستقبل المنعقد في جامعة الإمارات العربية المتحدة، 8- 10 مايو 2005م.(1/7)
ثانيا: العينة اصطلاحا. لقد اختلف تعريف العلماء للعينة من حيث المعنى الإصطلاحا تبعا لاختلافهم في صورها التي سيتم ذكرها، غير أن أشهر تعريفاتها عندما المتقدمين: أن يبيع الرجل الرجل السلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن نقدا (1) .
واختارت الموسوعة الفقهية تعريفها بحسب ما تؤول إليه غالبا بأنها: قرض في صورة بيع، لاستحلال الفضل (2) .
الفرع الثاني
صور العنية (3)
لقد أوردت كتب ا لمتقدمين صورا كثيرة للعينة منها:
الصورة الأولى: أن يبيع الرجل الرجل السلعة، بثمن معلوم إلى أجل، ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن نقدا.
__________
(1) ... انظر، النووي: المجموع شرح المهذب، (المدينة المنورة، المكتبة السلفية، د، ت)، ج10، ص153، وابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (القاهرة، دار الفكر للطباعة والنشر،د، ت) ج2، ص106، ومحمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي:حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1996م)، ج4، 143، ابن تيمية: مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، (بيروت، دار العربيةن 1978م)، ج29، ص430، وابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1998م)، ج7، ص480.
(2) ... وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: الموسوعة الفقهية، (الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1987م) ج9، ص96.
(3) ... انظر صور العينة في: بداية المجتهد ج2 ص142، والمجموع شرح المهذب، ج 10، ص 153، ومجموع الفتاوى ج29 ص430، ومواهب الجليل ج4 ص404، ورد المحتار، ج7، ص480، وأبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود شرح سنن أبي داود ومعه: شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، (بيروت، المكتبة السلفية، ط3، 1979م)، ج9، 334 وما بعدها(1/8)
الصورة الثانية: أن يشتري الرجل من الرجل السلعة بحضرته من أجنبي يبيعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراها به إلى أجل ثم يبيعها هذا المشتري الأخير من البائع الأول نقدا بأقل مما اشتراها. وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه الصورة بقوله: " إذا اشترى له البضاعة، وباعها له فاشتراها منه، أو باعها للثالث صاحبها الذي اشتراها المقرض منه، فهذا ربا" (1)
الصورة الثالثة: أن يبيع سلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها إلى أبعد من ذلك الأجل، بأكثر من الثمن.
الصورة الرابعة: أن يقرض شخص آخر خمسة عشر درهماً، ثم يبيعه المقرض ثوباً يساوي عشره بخمسة عشر درهماً، فيأخذ الدراهم التي أقرضه على أنها ثمن الثوب , فيبقى عليه الخمسة عشر قرضاً.
الصورة الخامسة: ذكرها ابن القيم بقوله:" وللعينة صورة خامسة - وهي أقبح صورها، وأشدها تحريما - وهي أن المترابيين يتواطآن على الربا، ثم يعمدان إلى رجل عنده متاع، فيشتريه منه المحتاج، ثم يبيعه للمُرْبي بثمن حال ويقبضه منه، ثم يبيعه إياه للمربي بثمن مؤجل، وهو ما اتفقا عليه، ثمن يعيد المتاع إلى ربه، ويعطيه شيئا، وهذه تسمى الثلاثية لأنها بين ثلاثة، وإذا كانت السلعة بينهما خاصة فهي الثنائية. وفي الثلاثية: قد أدخلا بينهما محللا يزعمان أنه يحلل لهما ما حرم الله من الربا. وهو كمحلل النكاح. فهذا محلل الربا، وذلك محلل الفروج، والله تعالى لا تخفى عليه خافية. بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. (2)
المطلب الثالث
قراءة نقدية لتعريفات وصور التورق والعينة:
__________
(1) ... ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج29 ص430.
(2) ... أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود شرح سنن أبي داود ومعه: شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1990م)، ج9 ص347.(1/9)
إن ما يلاحظ على التعريف اللغوي والإصطلاحي للتورق والعينة أنهما يتفقان في المقصود منهما وهو طلب العين وهي النقود، كما يتفقان في أنهما يؤولان إلى دفع كثير مؤجل بقليل معجل نظير التأجيل، غير أنهما يختلفان في استرجاع المبيع، فطالب العينة ـ على المشهور من تعريفها ـ يرجع المبيع إلى البائع، بينما يبيع المتورق في القسم الفردي السلعة إلى مشتر جديد غير المشتر الأول، وبدون ترتيب من البائع الأول ولا علمٍ منه، بينما يرتب في المنظم مع البائع الأول ليبيعه عنه لثالث، أو ليرده على بائعه الأول، وهذا الفارق الواضح بين التورق الفردي والتورق المنظم جعل بعض الحنابلة المنفردين بالتمييز بين التورق والعينة يدرجون المنظم منه ضمن دائرة العينة، وقد سبق بيان رأي ابن تيمية في الصورة الثانية، ورأي ابن القيم في الصورة الخامسة من صور العينة حيث مثلا للصورتين بمثال التورق المنظم، وسمى ابن القيم الصورة الخامسة العينة الثلاثية لدخول الثالث المحلل بين طالب العينة والبائع، وبيّن قبلهما النووي الشافعي أن الصورة الأولى والثانية يدرجها جمهور الشافعية ضمن العينة حيث قال بعد نقل الصورة الثانية عن الهروي:"...منهم من جعل العينة اسما للثاني فقط (الصورة الثانية التي تم إيرادها في صورة العينة)، ويسمي الأول (الصورة الأولى) الذي نحن فيه شراء ما باع وهذا صنع الحنفية ومن العلماء من يجعل اسم العينة شاملا للأمرين جميعا كما قال الهروي وكذلك إطلاق أصحابنا وإلى ذلك جنح المالكيون" (1) .
__________
(1) ... النووي: المجموع شرح المهذب، ج10، ص153.(1/10)
ويقوي إدراج التورق المنظم ضمن أبواب العينة آثار عن السلف لاسيما التصريح بتسمية التورق المنظم عينة في رواية عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن داود بن أبي عاصم الثقفي أن أخته قالت له: إني أريد أن تشتري متاعاً عِينة، فاطلبه لي. قال: فقلت فإن عندي طعاماً، قال: فبعتُها طعاماً بذهب إلى أجل، واستَوفَتْه. فقالت: انظر لي من يبتاعه مني. قلت: أنا أبيعه لك. قال: فبعتها لها. فوقع في نفسي من ذلك شئ. فسألتُ سعيدَ بن المسيب فقال: انظر ألا تكون أنت صاحبه؟ قال: قلت فأنا صاحبه. قال: ”فذلك الربا محضاً، فخذ رأسمالك، واردد إليها الفضل" (1) . وفتوى مالك في صورته التي تناولها المالكية في أبواب العينة حيث جاء في المدونة قال ابن القاسم: "سألتُ مالكاً عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار إلى أجل، فإذا وجَبَ البيع بينهما قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد فإني لا أبصر البيع. فقال مالك: لا خير فيه، ونهى عنه" (2) . ...
__________
(1) ... عبد الرزاق بن همام: المصنف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ( بيروت، المكتب الإسلامي، تط2، 1983م)، ج8، ص294-295.
(2) ... انظر، المدونة الكبرى للإمام مالك راوية سحنون بن سعيد التنوخي، ( الرياض عالم الكتب، ط2003م)، ج4، ص244-248.(1/11)
... يتلخص من هذا التحليل للتعريفات أن إدراج التورق المنظم ضمن باب العينة هو ليس فقط مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وإنما هو مذهب الحنابلة، وهو إدراج يرى الباحث صحته وجاهته لأنه يتفق والمعنى الإصطلاحي، كما يتفق وصورتي العينة التي وردت عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. غير أن هذا الإدارج لا ينهي الخلاف في حكم هذا التورق المصرفي كون العينة بحد ذاتها محل خلاف بين العلماء، فقد قسمها الحنفية إلى مباحة ومكروهة ومحرمة (1) ، وجوز المالكية بعض صورها (2) ، وجوزها جمهور الشافعية (3) ، كما جوزها الظاهرية (4) . وإذا كان الأمر كذلك توجب بحث الخلاف في التورق المنظم أو العينة من خلال البحث عن مبتنى الخلاف فيها، ومستند الخلاف في التورق المنظم والعينة هو الخلاف في قاعدة الذرائع، وأحكام العقود، وكذا الخلاف في الأدلة التفصيلية للعينة، الأمر الذي يقتضي بحث إشكالية الذرائع، ثم بحث الأدلة التفصيلية.
__________
(1) ... انظر، الكمال بن الهمام: شرح فتح القدير، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1995م)، ج6، ص396.
(2) ... ذكر صاحب مواهب الجليل تقسيم المالكية العينة إلى جائزة، ومكروهة، وممنوعنة، وأشار إلى الجائزة بقوله:"... الجائز لمن لم يتواعدا على شيء ولا يتراوض مع المشتري كالرجل يقول للرجل: أعندك سلعة كذا، فيقول: لا، فينقلب على غير مواعدة ويشتريها ثم يلقاه صاحبه فيقول: تلك السلعة عندي فهذا جائز أن يبيعها منه بما شاء من نقد وكالئ ونحوه" انظر، الحطاب، محمد بن عبد الرحمن: مواهب الجليل شرح مختصر خليل، تحقيق محمد أحمد عبد القادر عطا، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1995م) ج6، ص293
(3) ... انظر، الشافعي: الأم، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1993م)، ج 3، ص 90، والنووي: روضة الطالبين، 3/416، 417
(4) ... انظر، ابن حزم الظاهري: المحلى بالآثار، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري، (بيروت، دار الكتب العلمية،ط1988م)، ج9، ص549.(1/12)
المبحث الثاني
التورق المصرفي وإشكالية الذرائع والحيل
المطلب الأول
علاقة الذرائع بالحيل
إن الكلام عن الذرائع في المعاملات المالية منشأه الخلاف في العقود، وهل العبرة فيها الألفاظ والمباني أم المقاصد والمعاني. فمن قال بأن العبرة في العقود بالألفاظ والمباني لم يقل بسد الذرائع. ومن قال بأن العبرة بالمقاصد والمعاني أمر بسد الذرائع المفضية إلى الحرام.
وموضوع سد الذرائع وثيق الصلة بموضوع الحيل، وهما يتفقان في جريات الأحكام التكليفية عليهما (1) ويفترقان في بعض الفوارق منها:
1) أن المشهور من استعمال الحيل هو للتخلص من قواعد الشريعة، ولهذا قال الشاطبي:" حقيقتها المشهورة: تقديم عمل ظاهره الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر" (2) .
2) أن الحيل تجري في العقود خاصة، والذرائع تجري في العقود وغيرها فهي أوسع.
3) أنه يشترط في الحيلة القصد، ولا يشترط في الذرائع، فمتى وجد القصد في الذريعة فهي حيلة، ومتى عدم فهي ذريعة. (3)
المطلب الثاني
تحرير محل النزاع في الذرائع وبيان مذاهب العلماء فيها
الفرع الأول
تعريف الذرائع لغة واصطلاحا
__________
(1) ... يقول ابن القيم:" وإذا قسمت باعتبارها لغة انقسمت إلى الأحكام الخمسة فإن مباشرة الأسباب الواجبة حيلة على حصول مسبباتها فالأكل والشرب واللبس والسفر الواجب حيلة على المقصود منه والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على الحصول على المعقود عليه والأسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها "، انظر أعلام الموقعين عن رب العالمين، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2004م) ص 618.
(2) ... الشاطبي أبو إسحاق: الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، ( القاهرة، دار الحديث، ط 2006م)، ج4، ص436.
(3) ... المصدر نفسه، والصفحة نفسها، وصالح بن عبد العزيز آل منصور: أصول الفقة وابن تيمية، (مصر، دار النصر للطباعة والنشر)، ج2 ص 493.(1/13)
أولا: الذريعة في اللغة. الوسيلة والطريقة إلى الشيء.
ثانيا: الذرائع في الإصطلاح. " المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور" (1)
ثالثا: أقسام الذرائع: لقد ذكر العلماء للذرائع أقساما أربعة هي:
1) ذريعة أو وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة كشرب الخمر المفضي إلى مفسدة السكر، وكالقذف المفضي إلى مفسدة الفرية، والزنا المفضي إلى اختلاط الأنساب.
2) ذريعة أو وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة، لكنها قد تفضي إليه إلا أن مصلحتها أرجح من مفسدتها وأمثلة هذا: النظر إلى المخطوبة، وكلمة الحق عند السلطان الجائر.
3) ذريعة أو وسيلة موضوعة للمباح قصد منها التوسل إلى لمفسدة كمن يعقد النكاح قاصدا التحليل أو يعقد البيع قاصدا به الربا.
4) ذريعة أو وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد منها التوسل إلى مفسدة لكنها مفضية إليه غالبا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها، وأمثلة هذا: سب آلهة المشركين، وتزين المتوفى عنها زوجها في العدة. (2)
الفرع الثاني
تحرير محل النزاع في الذرائع
__________
(1) ... أبو الوليد الباجي: الإشارات في أصول الفقه، تحقيق نور الدين مختار الخادمي، (بيروت، دار ابن حزم، ط1، 2000م)، ص113.
(2) ... انظر، ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين، ص559.(1/14)
إن نزاع العلماء في الذرائع في المسألة الثالثة والرابعة، لأنهم اتفقوا على منع القسم الأول وإباحة القسم الثاني، واختلفوا في القسم الثالث والرابع، فذهب المالكية والحنابلة إلى أنه ينبغي أن تسد مثل هذه الذرائع لأن إباحتها تؤدي إلى التحلل من قصد التشريع، وذهب الشافعي وابن حزم الظاهري إلى التفريق بين ظهور قصد المفسدة في العقود من عدمه، فإذا ظهر قصد الحرام والمفسدة في العقود كقصد الربا، فإن الشافعي وابن حزم لا يجيزاه بحال. وقد نبه الشاطبي إلى هذا لمعنى بقوله: " فلا يصح أن يقول الشافعي إنه يجوز التذرع إلى الربا بحال، إلا أنه لا يتهم من لم يظهر منه قصد إلى الممنوع، ومالك يتهم بسبب ظهور فعل اللغو ( في البيعة المتوسطة) وهو دال على القصد إلى الممنوع، فقد ظهر إلى أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة، وإنما الخلاف في أمر آخر (المناظ الذي يتحقق في التذرع)" (1) فبين أن الخلاف في الذرائع ليس في أصل حكمها، وإنما في تحقيق مناطها، وعليه يكون نص القرافي في قوله:" ليس سد الذرائع من خواص مذهب مالك كما يتوهمه كثير من المالكية ... بل قال بها أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه" (2) صحيحا في عمل جميع المذاهب بالذرائع، واختلافهم في مناط الذرائع.
__________
(1) ... أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، ج4، ص435، 436.
(2) ... شهاب الدين القرافي: شرح تنقيح الفصول، ( القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ط1993م)، ص200.(1/15)
والدليل على أن الخلاف في مناط التحقق من الذرائع الفاسدة لا أصل حكمها نص واضح للشافعي وابن حزم في اشتراط تيقن ذريعته للحرام لإفساد العقد. يقول الشافعي: "أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحا في الظاهر لم أبطله بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين وأجزته بصحة الظاهر وأكره (1) لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد البيع، وكما أكره للرجل أن يشترى السيف على أن يقتل به ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يراه (بمعنى يظنه) أنه يقتل به ظلما، لأنه قد لا يقتل به ولا أفسد عليه هذا البيع، وكما أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يراه أنه يعصره خمرا ولا أفسد البيع إذا باعه إياه لأنه باعه حلالا، وقد يمكن أن لا يجعله خمرا أبدا، وفى صاحب السيف أن لا يقتل به أحدا أبدا، وكما أفسد نكاح المتعة. ولو نكح رجل امرأة عقدا صحيحا وهو ينوى أن لا يمسكها إلا يوما أو أقل أو أكثر لم أفسد النكاح إنما أفسده أبدا بالعقد الفاسد (.....)
__________
(1) ... قال الزركشي الشافعي :"ويطلق المكروه على أربعة أمور:أحدها: الحرام , ومنه قوله تعالى {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} أي محرما، ووقع ذلك في عبارة الشافعي ومالك . ومنه قول الشافعي في باب الآنية: وأكره آنية العاج، وفي باب السلم: وأكره اشتراط الأعجف والمشوي والمطبوخ ; لأن الأعجف معيب , وشرط المعيب مفسد. قال الصيدلاني: وهو غالب في عبارة المتقدمين كراهة أن يتناولهم قوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} فكرهوا إطلاق لفظ التحريم. البحر المحيط في أصول الفقه، ( الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط2، 1992م)، ج1، ص296.(1/16)
فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذى اشتراها منه ومن غير بنقد أقل أو أكثر مما اشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوى، وليست البيعة الثانية من البيعة الاولى بسبيل، ألا ترى أنه كان للمشترى البيعة الاولى إن كانت أمة أن يصيبها أو يهبها أو يعتقها أو يبيعها ممن شاء غير بيعه بأقل أو أكثر مما اشتراها به نسيئة؟ فإذا كان هكذا فمن حرمها على الذى اشتراها؟ وكيف يتوهم أحد؟ وهذا إنما تملكها ملكا جديدا بثمن لها لا بالدنانير المتأخرة؟" (1) ،
فالشافعي يحرم العينة ديانة إذا لم تظهر نية صاحب العينة الفاسدة، ولا يحرمه قضاء أي لا يفسد العقد، أما إذا ظهرت نية صاحب العينة باشتراط عود السلعة للبائع الأول فيحرمها ديانة وقضاء..
ومثله مذهب الظاهرية في موافقة الشافعي، وهو ما نص عليه ابن حزم بقوله: "ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة أو إلى أجل مسمى قريبا أو بعيدا، فله أن يبتاع تلك السلعة من الذى باعها منه بثمن مثل الذى باعها به منه وبأكثر منه وبأقل حالا والى أجل مسمى أقرب من الذى باعها منه إليه أو أبعد ومثله، كل ذلك حلال لا كراهية في شئ منه ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور في نفس العقد فان كان عن شرط فهو حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب وهو قول الشافعي" (2)
__________
(1) ... الشافعي: الأم، ج3، ص90.
(2) ... ابن حزم: المحلى بالآثار، ج7، ص549.(1/17)
وعليه فإن محل النزاع في المسألة الثالثة والرابعة من الذرائع هو فيما إذا لم يظهر قصد الممنوع في الوسيلة المباحة، لأن نص الشافعي لاسيما في مثال الأمة، ونص ابن حزم، يبين بوضوح أن القصد الحرام إذا ظهر من خلال شرط فاسد، أو تيقن من قصد الحرام، فإنهما يقولان بسد الذرائع، ويفسدان العقد، ويؤيد هذا التوجيه مذهب الشافعي في عد استخدام القاتل وسيلة معدة للقتل كالسلاح أو آلة تقتل غالبا قرينة على العمدية، وأن القتل يعد قتلا عمدا وإن ادعى صاحبه عدم العمد (1) ، وومذهب بعض أعلام المذهب الشافعي من أمثال الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وأبي محمد في منع العينة إذا ظهرت قرائن القصد السيء، كأن تصير العينة عادة للمتعامل بها، وكذا قول ابن حزم فيما إذا تيقنت ذرائع السوء في العمل:" مسألة ولا يحل بيع شئ ممن يوقن أنه يعصى الله به أو فيه، وهو مفسوخ أبدا، كبيع كل شئ ينبذ أو يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمرا، وكبيع الدراهم الرديئة ممن يوقن أنه يدلس بها. وكبيع الغلمان ممن يوقن أنه يفسق بهم أو يخصيهم. وكبيع المملوك ممن يوقن انه يسئ ملكته. أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه وهكذا في كل شئ لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والبيوع التى ذكرنا تعاون ظاهر على الاثم والعدوان بلا تطويل وفسخها تعاون على البر والتقوى" (2) .
__________
(1) ... يقول الشافعي في الأم:" (قال الشافعي) وإذا ضرب الرجل الرجل عليه البيضة والدرع فقتله بعد قطع جنته أقيد منه، وإن قال لم أرد إلا البيضة والدرع لم يصدق إذا كان عليه سلاح فهو كبدنه"، انظر، الشافعي: الأم، ج6، ص90.
(2) ... ابن حزم: المحلى بالآثار، ج7، ص522.(1/18)
ومع وضوح محل النزاع في موضوع الذرائع، يتضح في نظر الباحث رجحان خروج التورق المنظم من دائرة الخلاف في الذرائع، كون نية المتعاقدين ليست ظاهرة فقط، بل هي منصوص عليها في العقد، ومع هذا يظل الإشكال قائما في الحكم على قصد المتورق في المصرفي بالفاسد ونيته بالسيئة، لأنه قد يقول قائل ـ وقد قيل (1) ـ إن القصد من التورق المصرفي ليس فاسدا، لأن القصد هو تجنب الربا وليس الوقوع فيه، وهو ما يثير قضية تحديد صحة العمل من فساده، وهل هي النية القلبية وإن كان ظاهر العمل مخالفا للشرع؟ أم النية وظاهر العمل؟.
__________
(1) ... يقول الدكتور محمد العلي القري:". .. لا يكون التورق ولا غيره حيلة إلا إذا نوى فيه التوصل إلى ممنوع. لأن أصل الحيل كما ذكره (ابن تيمية) رحمه الله راجع إلى النية. فانظر إلى أمر التورق من المصارف اليوم. لا ريب أن هذا المتورق اليوم ليس نيته ارتكاب الحرام، بل العكس من ذلك تماما، إذ، إن نيته ومقصده هو اجتناب الحرام. ولو كان أراد الحرام ما احتاج إلى حيلة إليه، إذ إن أبوابه مشروعة في البنوك على صفة القرض، بل هو أقل كلفة ونفقة من التورق، وإنما تركه وأخذ بالتورق لاجتناب الحرام، فإن قيل: ولكن ليس غرضه السلعة، وإنما غرضه ثمنها ومن هنا كانت الحيلة، فالجواب أن مثل هذا لا يؤثر، لأنه غرض مشروع" انظر، بحث محمد العلي القري: التطبيقات المصرفية للتورق ومدى شرعيتها ودوها الإيجابي. حولية دله البركة العدد الخامس أكتوبر 2003، ص99.(1/19)
لاشك أن القصد القلبي لا يكفي وحده لقبول العمل، وإنما العبرة بظاهر العمل الموافق لمصقود الشرع، ويؤيد هذا قول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: "إن أناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة" (1) .
كما يؤيده تعليق شيخ الإسلام ابن تيمية على مثل هذه المسألة من خلال تعليقه على مسألة الذرائع وارتباطها بالعينة بقوله:" الذرائع حرمها الله، وإن لم يقصد بها المحرم خشية إفضائها إلى المحرم، فإذا قصد بالشيء نفس المحرم كان أولى بالتحريم من الذرائع، وبهذا التحريم يظهر علة التحريم في مسائل العينة، فسد هذا الباب لئلا يتخذه الناس ذريعة إلى الربا، وهو يقول لم أقصد به كذا" (2) .
وكذا تقرير الشاطبي عندما بحث عين المسألة في القسم الثاني من المقاصد في المسألة الرابعة:" في حكم من قصد المخالفة فواقق في العمل، أو قصد الموافقه فخالف" حيث قسمه إلى أربعة أقسام قال في القسم الرابع:" أن يكون الفعل أو الترك مخالفا والقصد موافقا فهو ضربان:
__________
(1) ... الحديث أخرجه البخاري في كتاب الشهادات. انظر، صحيح البخاري ( الرياض، دار السلام للنشر والتوزيع، ط2، 2000م) رقم2641.
(2) ... ابن تيمية : مجموع الفتاوى، ج 29، ص446.(1/20)
أحدهما أن يكون مع العلم بالمخالفة والآخر: أن يكون مع الجهل بالمخالفة. فإن كان مع العلم بالمخالفة فهذا هو الإبتداع، كإنشاء العبادات المستأنفة والزيادات على ما شرع، ولكن الغالب أن لا يتجرأ عليه إلا بنوع تأويل، ومع ذلك فهو مذموم حسبما جاء في القرآن والسنة.... والثاني: كون العمل مخالفا، فإن قصد الشرع بالأمر والنهي الإمتثال، فإذا لم يمتثل فقد خولف قصده، ولا يعارض المخالفةَ موافقهُ القصد الباعث على العمل، لأنه لم يحصل قصد الشارع في ذلك العمل على وجه، ولا طابق القصد العمل، فصار المجموع مخالفا كما لو خالف فيهما معا فلا يحصل الإمتثال" واستدل على الإستدلال بأهمية القصد بقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" (1) ، بشرط عدم معارضته لقصد الشارع مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (2)
ومع كل ما تم بيانه في الذرائع، وتوجيه الخلاف فيها عند الشافعي وابن حزم فيما إذا لم يظهر قصد المتذرع ونيته وهو ما لا ينطبق على التورق المصرفي، تبقى ضرورة بحث نقدي للأدلة التفصيلية حتى يتم التأكد من أن المسألة لا تخلوا من استثناءات، كاستثناء مسألة جزئية من أصل كلي، لاسيما أن ثمة استثناءات من الأصل الكلي ثبتت بنصوص جزئية، كاستثناء السلم من نصوص تحرم بيع المعدوم، واستثناء خيار الشرط من الأصل الكلي في العقود القاضي بلزومها، و استثناء المزابنة من حرمة الربا، وأنها لا تخلو كذلك من العدول عن قياس جلي إلى قياس خفي فيما إذا لم يرد فيها نص، أو أنها لا تخلو من إعمال قاعدة: الحاجة تنزل منزلة الضرورة، وهو ما يتطلب دراسة نقدية للأدلة الشرعية.
المبحث الثالث
دراسة نقدية للأدلةالشرعية
المطلب الأول
__________
(1) ... الحديث أخرجه البخاري في باب: كيف كان بدء الوحي حديث رقم 1.
(2) ... الحديث أخرجه متفق عليه، وانظر، الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص500ـ 503.(1/21)
أدلة القائلين بالتورق المصرفي (1)
إن التحديد الدقيق لأسماء المجيزين للتورق المصرفي من خلال البحوث المتقدمة غير ممكن، كون القائلين به في بداية الأمر بنوا رأيهم على جواز التورق الفردي، ولم تظهر لهم تداعيات تطبيقات المصارف الإسلامية لهذا التورق، وهو ما جعل كثيرا منهم ـ وعلى رأسهم المجمع الفقهي ـ يحدث فتواه بناء على التطورات التي ظهرت جراء تطبيقاته المصرفية، وهو ما يجعل تحديد القائلين به يحتاج إلى تحديث مستمر، وعليه فإني لن أهتم بإحصاء القائلين به، وإنما سأحاول تلخيص أدلتهم وأدرسها دراسة نقدية، وجدير بالتنبيه أن الذين قالوا بجواز التورق المصرفي قالوه تبعا لتجويزهم التورق الفردي الذي أجازه المجمع الفقهي ببعض الشروط (2) ، وقد استدلوا على جوازه بما يأتي:
1) إن التورق يدخل في عموم قوله تعالى :{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) فالتورق نوع من البيع الداخل في عموم الآية التي أحلت البيوع بكافة صورها إلا ما جاء الدليل على تحريمه، فهو من عموم البيوع التي أحلها الله، ولم يرد دليل صريح على تحريمه.
__________
(1) ... انظر، عبد الله المنيع: التأصيل الفقهي للتورق في ضوء الإحتياجات التمويلية المعاصرة، ج2، ص446 وما بعدها. ومحمد العلي القري: التطبيقات المصرفية للتورق ومدى شرعيتها ودورها الإيجابي، حولية البركة العدد الخامس، ص94 وما بعدها، محمد عبد الغفار الشريف: التطبيقات المصرفية للتورق: مشروعيتها ودورها الإيجابي والسلبي، حولية البركة العدد الخامس، ص89.
(2) ... اشترط المجمع الفقهي لجواز التورق الفردي، ألا يبيعها المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة. انظر قرار المجمع الفقهي في التورق في الدورة الخامسة عشرة.(1/22)
2) ما روي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا" (1) ووجه دلالتهم بهذا الحديث أن الشيء قد يكون محرما لعدم اتفاق صورته مع صيغته الشرعية، فإذا استطعنا أن نخرجه إلى صيغة شرعية مقبولة أصبح مباحا، والتورق صيغة بيع صحيح مشتمل على شروطه وأركانه ومنتفية عنه أسباب الفساد والبطلان، وغايته الحصول على السيولة النقدية ليتجنب الناس الوقوع في الربا.
3) إن الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على منعه، ولا يعلم حجة شرعية تمنع هذه المعاملة، وعليه فالذي يقول بالجواز غير مطالب بالدليل، وإنما الذي يطالب بالدليل من يمنع بيع التورق، لأنه خروج عن الأصل.
4) إن التجار يقصدون من معاملاتهم التجارية الحصول على نقود أكثر بنقود أقل، ويكون المبيع هو الواسطة بينهما، ولم يقل أحد إن التاجر إذا كان يقصد بتجارته الحصول على نقد أكثر إن هذه التجارة تكون مكروهة فكذلك التورق، فإن المقصود منه النقد، والمبيع هو الواسطة بينهما. والتفريق بين التاجر والمتورق بأن التاجر يبيع ليربح، والمتورق يبيع ليحصل على النقد ربح أم خسر تفريق غير دقيق، لأن الربح حصول على النقد أيضا، ولأن المتورق لم يخسر، إذ الأجل له قسط من الثمن.
5) إن الحاجة تدعو إلى مثل هذه المعاملة، فليس كل من احتاج إلى مال وجد من يقرضه.
__________
(1) ... انظر، صحيح البخاري، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، حديث رقم 2201، وصحيح مسلم، باب بيع الطعام مثلا بمثل،( الرياض، دار السلام للنشر والتوزيع، ط2، 2000م)، حديث رقم4081.(1/23)
6) إن التورق يعد صيغة من صيغ التمويل الإسلامي، يساعد في تغطية الكثير من الإحتياجات وتوفير السيولة الكافية بطريقة شرعية مباحة، ولها أثرها الفعال في تحقيق الفلسفة الإقتصادية وتحقيق مصالح المتعاملين سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات، وهي صيغة هامة تستطيع الحكومات بواسطتها تمويل العجز التجاري والحصول على السيولة اللازمة.
7) إن موقع المصرفية الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي يقتضي عدم تفويت أية فرصة للزيادة في ربحها، وتوفير ظروف التمويل لعملائها في ظل المنافسة المحتدمة مع المصارف الربوية التي تمثل في الدول الإسلامية أكثر من 70% من مجموع المصارف، والتي تقدم لعملائها منتجات مصرفية متنوعة تفوق بكثير منتجات المصارف الإسلامية، فلا يجوز أن نلغي منتجا مصرفيا غير مجزوم بتحريمه في ظل هذه الظروف الحرجة في حياة المصرفية الإسلامية، والتي تقتضي عدم تفويت أي فرصة تمويلية.
مناقشة أدلة المجيزين للتورق (1)
__________
(1) ... انظر مناقشة أدلة المجيزين عند الصديق الضرير: التورق المصرفي ( الرأي الفقهي)، ومختار السلامي: التورق المصرفي، وسامي بن إبراهيم السويلم: التورق والتورق المنظم، دراسة تأصيلية، وأحمد محي الدين أحمد: التطبيقات المصرفية لعقد التورق وآثارها على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي، ومنذر قحف، وعماد بركات: التورق المصرفي في التطبيق المعاصر، وعلي محي الدين القره داغي: مراجعة فتاوى ندوات البركة المجموعة الثانية، بحوث ندوة البركة التاسعة والعشرون للإقتصاد الإسلامي،7 رمضان 1429هـ، 6-7 سبتمبر 2008م.(1/24)
1) إن استدلال المجيزين للتورق بعموم قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرام الربا"، غير مسلم لأنه استدلال بالعام، والعام عند الجمهور ظني الدلالة على أفراده حتي شاع بين أهل العلم: "إنه من عام إلا وقد خصص منه البعض"، وعلى اعتبار قول الحنفية في قطعية العام، فلا يسلم لهم ذلك في هذه الآية، لأن حل عموم البيع خصص عندهم بحرمة البيوع الفاسدة. والعام بعد التخصيص عند الحنفية تصير دلالته على بقية أفراده ظنية. وعليه فإن الإستدلال بالآية استدلال بعام مظنون، قد خصص عند المانعين بالنصوص التي تنهي عن بيعتين في بيعة وبيع وشرط ، وبيع العينة، وقاعدة منع الحيل وغيرها من النصوص.
2) إن استدلالهم بحديث تمر جنيب استدلال في غير محله، بل هو دليل عليهم لا لهم، لأن قصد النبي من هذا التوجيه تغيير حقيقة المعاملة لا شكلها، ولا يعقل أن يراعي النبي صلى الله عليه وسلم شكل المعاملة مع غياب حقيقتها. فالحديث توجيه واضح للصحابي إلى تغيير حقيقة المعاملة نفسها من معاملة مرفوضة قائمة على الغبن إلى معاملة قائمة على مساواة حقيقية تؤدي فيها النقود دورها في الكشف عن الكشف عن الأنواع المتعددة من السلعة وفروقها الدقيقة.
3) إن استدلالهم بأن الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على منعه، استدلال صحيح في أصله، غير أنه قامت الأدلة الواضحة على تحريم هذه المعاملة، لاسيما أدلة تحريم الحيل، وأدلة تحريم العينة وتحريم بيع وشرط وبيعتين في بيعة.
4) إن قياسهم المتورق بالتاجر بأن التجار يقصدون من معاملاتهم التجارية الحصول نقود أكثر بنقود أقل، وهو نفس مقصد المتورق، قياس مع الفارق والفارق بين المعاملتين واضح كون النقود الأكثر عند المتورق تعد زيادة لا يقابلها ما ينتفع به المدين، بينما هي عند التاجر زيادة يقابلها الإنتفاع بالمبيع، وليس في مبادلة نقد بنقد.(1/25)
5) يمكن الرد على استدلالهم الخامس والسادس والسابع، بأن عد التورق حاجة توهّم من أصحابه، وهو إن كان حاجة فهو حاجة المصرف وحده في زيادة فائدته، وأن احتياجات السيولة احتياجات غير مؤسسة كون هذه المصارف كانت تعمل بدون تورق وأمورها سارت على ما يرام. أما تفويت الفرصة فلا يقول عاقل بجواز تفويت فرصة تخدم المصرفية الإسلامية، وإنما يرفض أية فرصة تكون على حساب الأسس والمبادئ التي قامت عليه المصرفية الإسلامية.
المطلب الثاني
أدلة المانعين للتورق المصرفي (1)
لقد اعتمد الذين منعوا التورق المصرفي على أدلة كثيرة منها:
1) إن التورق المصرفي يصطدم وقاعدة الأمور بمقاصدها، كون المقصود من تكرارا البيع في التورق هو مجرد الحصول على نقد حال مقابل نقد آجل مع الزيادة.
2) إن التورق المصرفي ذريعة إلى الرّبا، والذّريعة معتبرة في الشّرع، بدليل منع القاتل من الإرث، وإن التورق المصرفي يؤول إلى ما يؤول إليها الربا بصرف النظر عن صورة العقد، فالتورق يؤول إلى مبادلة نقد آجل بنقد حال مع زيادة، وهو في معنى الربا المحرم.
__________
(1) ... انظر، المراجع السابقة.(1/26)
3) إن عملية التورق المصرفي هي صورة من صور بيع العينة، وبيع العينة بيع ربوي، والجمهور على تحريم العينة لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « إذا ضنّ النّاس بالدّينار والدّرهم، وتبايعوا بالعينة، واتّبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل اللّه، أنزل اللّه بهم بلاءً، فلا يرفعه حتّى يراجعوا دينهم »، وفي رواية: « إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد، سلّط اللّه عليكم ذلّاً، لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم» (1) . والحيلة الموجود في بيع العينة التي من أجلها حرمه الشارع قد وجدت جلية في التورق المصرفي بسبب وجود التواطؤ التعاقدي بين البنك الإسلامي والمتورق، وهو تواطؤ على النقد الحال بنقد آجل أكثر منه.
إن التورق المصرفي يقع تحت طائلة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة والحديث فسره ابن تيمية وتلميذه ابن القيم على أنه العينة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في رواية أبى هريرة رضي الله عنه: « من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا » (2) ومعنى الحديث أن من باع شيئا نسيئة ثم اشتراه بأقل من الثمن الذي باعه به نقداً (عاجلاً) لا يستحقّ في ذلك إلاّ رأس ماله وهو أوكس الصفقتين ، و إذا أخذ الصفقة الثانية بزيادة من الأولى يكون قد أربى. ويقع تحت طائلة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط الذي منعه الشافعي وابن حزم.
__________
(1) ... حديث العينة صححه أحمد شاكر في تخريج المسند حديث رقم 4825، و5007..وصححه ناصر الدين الألباني بمجموع طرقه. انظر، السلسلة الصحيحة، ( الرياض، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط1995م) ج1، ص42، حديث رقم 11.
(2) ... الحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 2326.(1/27)
4) إن التورق المصرفي أكثر كلفة من الفائدة التي تفرضها البنوك الربوية، ومن الصور الأخرى لبيع العينة. ذلك أن الفائدة في الفوائد الربوية تكون محددة بناء على مؤشر عالمي، وهي قريبة منها في العينة. ينما نجد في التورق المصرفي مجموعة تكاليف تفوق بوضوح تكلفة الفائدة أو العينة، فهي مجموعة عقود متداخلة وملزمة؛ عقد المرابحة التي تساوي فائدته الفائدة الربوية حيث تقاس به، وأحيانا تفوقه، وتكاليف عقد الوكالة والسماسرة ومذكرة التفاهم والعقود الأخرى.
5) إن التورق المصرفي ليس بديلا للتمويل النقدي ـ القرض بفائدة ـ وإنما هو شبيه به، ومثيل له، وهو استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير وهو يشكل ردة للتمويل الإسلامي عن مساره وصيغه السليمة القائمة على قاعدة حقيقية من الزيادة من إنتاج الطيبات وتداولها إلى الربا ومبادلة نقد حال بنقد آجل مع الزيادة، وهو ما يجعل مسوغ قيام المصارف الإسلامية المتمثل في تجنب الربا غير قائم كونها آلت إليه.
6) إن ثمة فرقا جوهريا بين تكلفة السيولة وبين اعتبار الزمن في الثمن، فتكلفة السيولة يراد بها الزيادة في الدين مقابل نقد حاضر، وهي زيادة لا يقابله ما ينتفع به المدين، وتؤدي إلى استفحال المديونية والاستيلاء على ثروة المدين، ولهذا حرمها الشارع لأنها من الظلم. أما اعتبار الأجل في الثمن الذي ذكره الفقهاء، فهو زيادة الثمن في البيع وليس في مبادلة نقد بنقد.
7) إن السلع التي يتم تداولها في التورق المصرفي إما أنها مجرد عقود على أوراق جاهزة، وأن صور الشهادات مجرد صور ترسل إلى هنا وهناك، تكون غالبا في حوزة السمسار، وإما أنها سلع موجودة في المخازن تكون غير صالحة تجرى عليها عمليات المرابحة المتكررة، وإما أنها موجودة في المخازن غير أنها موجودة فقط لإجراء عمليات المرابحة.(1/28)
8) إن التورق المصرفي يكرس هيمنة المصارف الربوية، كما يكرس هيمنة الإقتصاد الغربي على الإقتصاد الإسلامي، ذلك أن التورق المصرفي يؤول إلى الطعن في مسوغ قيام هذه المصارف الإسلامية ما دامت هذه المصارف تقوم بنفس عمل المصارف الربوية، لكن تحت مسميات مختلفة والعبرة بالأسماء لا بالمسميات. ثم هو في المعكوس أين يكون المصرف الإسلامي هو المتورق يخضع لهيمنة المصارف الربوية الغربية إما من خلال حصول البنك الربوي على السيولة في حالة إيداع المصرف الإسلامي أمواله لغرض التورق، وإما من خلال حصول البنك الربوي على فائدة من خلال عقد المرابحة والوكالة. وهو بعد هذا يكرس هيمنة الإقتصاد الغربي على الإقتصاد الإسلامي، حيث يوفر لهذا الإقتصاد فوائد بملايين الدولارات من خلال عمليات شكلية تدر للشركات الغربية والسماسرة (الغربيين في الغالب) أموال طائلة بمجرد إرسال عقود صورية، ويحرم المتعاملين المحليين من استثمار هذه الأموال في مشاريع تنموية.
مناقشة أدلة المانعين:
يمكن مناقشة استدلالات المانعين فيما يأتي:
- إنه مع التسليم بقاعدة الأمور بمقاصدها، إلا أنه لا يسلم للمانعين انطباق القاعدة على التورق المصرفي كون نية المتورق في الربا غير ظاهرة، بل هذ ظاهرة عند كثيرين في اجتناب الربا، وعليه يكون مقصدهم صحيح والأمور بمقاصدها.
- إن استدلالهم على منع التورق المصرفي بتحريم الذرائع لا يسلم لهم، لأنه مذهب المالكية والحنابلة، والشافعية والظاهرية لا يقولون به، ولا حجة لمذهب على آخر في قضايا الخلاف.
- إن أحاديث العينة المستدل بها أحاديث مختلف في تصحيحها، وقد أشار إلى ضعفها جملة من العلماء منهم المنذري وابن حجر والشوكاني، وحتى مع التسليم بصحتها، فإنها في العينة ومحل النزاع في التورق المصرفي ولا يسلم لهم تسوية العينة بالتورق المصرفي في المعنى.(1/29)
- إن استدلالهم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة غير مسلم، لأن تفسرات الفقهاء لمعنى الحديث تباينت، فقد فسرها الشافعي بتفسيرين الأول: هو أن يقول البائع: أبيعك هذه السلعة بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة، ويعقدان العقد من غير تحديد لأحد الثمنين، والثاني: أن يقول البائع : أبيعك هذه السلعة بمائة مثلا على أن تبيعني دارك بكذا وكذا أي إذا وجب لك عندي وجب لي عندك، كما فسر ببيع العينة، وفسر بالبيع بالتقسيط مع زيادة الثمن، وكذلك الأمر بالنسبة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، فقد اختلف العلماء في تفسيره، وهو ما يضعف الإستدلال به مع وجود هذه الإحتمالات.
- إن استدلالهم بمنع التورق المصرفي كون كلفته أكثر من كلفة الربا والعينة، لا يسلم لهم لأن بأن ارتفاع كلفة الشيء ليس مقياسا لمنع المعاملة، وإنما العبرة بدليل الحل والحرمة، فهذا استدلال لا يصلح إلا عندما تتعارض المصالح فيجتهد المجتهد في ترجيح أحد الوجهين.
- إن قياس التورق بالربا، قياس مع الفارق، لأن الربا مبادلة نقد حال بنقد آجل مع زيادة، بينما التورق المصرفي شراء سلعة وتملكها، ثم توكيل البنك ببيعها لطرف ثالث غير المشتري الأول.
- لا يسلم لهم ربط تحريم التورق المصرفي بمشاكل تتعلق بالطرق الإجرائية لعقود التورق، لأن المسائل الإجرائية يمكن ضبطها من خلال اشتراط تحريك السلعة مثلا، وإذا كانت المشكلة في المسائل الإجرائية، فينبغي أن يتوجه النقد للطرق الإجرائية لا أصل الحكم في المسألة.(1/30)
- إن استدلالهم بأن التورق المصرفي يكرس هيمنة المصارف الربوية وكذا الإقتصاد الغربي الربوي، استدلال غير دقيق كونه لا يراعي واقع الإقتصاد العالمي، ولا يستحضر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملاته. فقد كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع المسلمين وغير المسلمين ممن كانوا يتعاملون بالربا، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، وهو ما يعني أن هذه المصارف لم تربط وجودها بإنهاء وجود المصارف الغربية ولا ببوار الإقتصاد الغربي، وإنما أنشئت لتقدم بديلا نموذجيا للإقتصاد الغربي عله يراجع منظومته، ويصحح مساره.
رأي الباحث في التورق المصرفي
بعد العرض النقدي لمصطلح التورق وبحث صلته بالعينة، وبعد بحث المقدمة الأصولية التي قام عليها خلاف العلماء في التورق المصرفي المتمثلة في الذرائع، وكذا بحث الأدلة التفصيلية للمجيزين والمانعين، يتبين للباحث أن الراجح في حكم التورق المصرفي هو عدم الجواز، ويستند الباحث في عدم جواز التورق المصرفي إلى ما يأتي:
1) إن التورق المصرفي (المنظم) يتفق ودلالات العينة في دفع كثير مؤجل بقليل معجل، وهو صورة واضحة من صور العينة التي أوردها حتى من فرقوا ـ وهم الحنابلة ـ بين التورق والعينة. والنصوص التي أوردتها في بيان صور العينة واضحة بأن كل المذاهب تدرج التورق المنظم ضمن صورة العينة الثانية والخامسة. وحرمة العينة مذهب جمهور العلماء، وحديث حرمة العينة عند التحقيق صحيح، وترجيح تفسير حديث " « من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا » بالعينة هو المتعين في نظر الباحث، وآثار السلف في تحريم العنية هي الراجحة.(1/31)
2) إن وجود الاختلاف بين العلماء في المسائل الفقهية لا يلغي التحقيق فيها، لأنه مذهب جميع العلماء بما فيهم القائلين بتصويب المجتهدين. وعليه فاعتبار مقاصد الشرع ومنع الحيل والذرائع التي يترجح إفضاؤها إلى الحرام هو ما يجب اعتباره هنا، لا لأنه مذهب جمهور العلماء المتقدمين والمعاصرين فحسب، وإنما لأنه كذلك ينسجم واعتبار روح الشريعة ومراعاة قواعدها الكلية لاسيما قاعدة الأمور بمقاصدها. وقد أحسن ابن القيم عندما قال:" لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها ، كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها معتبرةً بها ؛ فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ، ووسائل الطاعات والقُرُبات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، و تثبيتا له، ومنعا أن يقرب حماه" (1) . وعلى فرض اعتبار خلاف الشافعي وابن حزم في الذرائع، فإن محل النزاع في مسألة الذرائع في مذهبهما هو فيما إذا لم يظهر قصد الحرام في الوسيلة المباحة، وأما وظهور قصده في مبادلة نقد حال بنقد آجل مع زيادة من خلال تصريح المصارف في إعلاناتها بأن هدفها توفير السيولة للعميل، أو من خلال إضافة شرط مناقض للعقد، فنص الشافعي الذي سبق إيراده واضح في منعه، وكذلك نص ان حزم.
__________
(1) ... ابن القيم: أعلام الموقعين، ص558.(1/32)
3) إن واقع تطبيق التورق المصرفي، وتصريح المصارف بقصدها الحقيقي من المعاملة المتمثل في توفير السيولة للعميل وشهادة جملة من المسؤوليين ممن سألتهم عن هذه المعاملة بأنها نقد بنقد وأن السلعة واسطة فقط، تصريح بالقصد الحقيقي لهذه المعاملة، وإذا أضيف إلى هذا اكتشاف صدور عقود تورق وعينة على سلعة واحدة، يتبين عدم شرعية هذه المعاملة، وأنها تحايل حقيقي على الربا المحرم شرعا .
4) إنه مهما قيل في رد التهم الإقتصادية الموجهة للتورق المصرفي، ومحاولة التهوين منها، وتبرئة ساحة التورق منها، فإنه لن يغطي على آثارها الجسيمة على المصارف الإسلامية أنها:
ـ ... انحرفت فعلا بالإقتصاد الوطني من الطابع التنموي البناء إلى نفس طبيعة المصارف الربوية مع اختلاف المسميات، حتى زهد المتعاملون في المشاريع الفعلية وراحوا يطلبون قروضا ربوية تحت مسميات مختلفة أرهقت كاهلهم بالديون، فاستفحل إنفاقهم الإستهلاكي الكمالي، فتجاوز إنفاقهم مداخيلهم، فوقع لهم ما وقع للغرب من العيش تحت أسر الديون، بسبب ما يسمى الإنجليزية Living beyond one’s means، وقد ثم تقدير نسبة المعاملات المصرفية القائمة على العينة والتورق في بعض البنوك الماليزية بأكثر من 50%.
ـ ... انحرفت فعلا بالمصرف من خدمة الإقتصاد الوطني إلى الإقتصار على الإهتمام بالتنافس مع المصارف الوضعية، وتغليب الحرص على زيادة أرباح المصرف، ولو على حساب العميل والإقتصاد الوطني.(1/33)
ـ ... ساهمت في تغييب عقلية إبداع أدوات مالية جديدة، فاكتفت المصارف بالبحث عن حيل لتسويق بعض المنتجات الربوية، من خلال تبديل بعض الأسماء، فبدلت مثلت منتج مبادلة الفوائد الربويةInterest rate profit Swap بمصطلح مبادلة فوائد إسلامية Islamic profit Rate swap، وبدلت مصطلح العينة بالإستثمار الشخصي Personal Investment. وقد عبر أحدهم عن هذا الوضع بقوله:" فكما تطرد النقود الرديئة النقود الجيدة، وتحل مكانها في التداول، يقوم التورق المصرفي بطرد أساليب تمويل المرابحة والمضاربة والمشاركة من السوق ويحل هو محلها، لأن المستفيدين من التمويل يفضلون إطلاق أيديهم في استعمالته دون تدخل من الممول" (1) .
ـ ... ساهمت في تنامي إعتقاد كثير من المسلمين بأن المصارف الإسلامية في كثير من معاملاتها لا تختلف عن المصارف الربوية إلا في الإسم والشعار، وسبب هذا الإعتقاد ملاحظة تطابق كثير من منتجات المصرفية الإسلامية مع منتجات المصارف الربوية، اللهم إلا تغييرات شكلية في عناوين هذه العقود وبعض بنودها، فالعينة صارت استثمارا شخصيا، والتورق صار بيع مرابحة.
ـ ... ساهمت في إثقال كاهل المصارف الإسلامية والمتعاملين بالديون من خلال طلب وتقديم السيولة العاجلة بدون دراسة موضوعية لتداعياتها، كما ساهم بعضها في تحويل السيولة إلى البنوك الربوية الغربية تحت مسمى الإستثمار بالتورق، فحرمت بهذا الصنيع الإقتصاد الوطني والإسلامي من استثمار هذه السيولة فيما فيه مصلحة الوطن والأمة.
فبناء على هذه الإعتبارات وعلى وجاهة وقوة أدلة المانعين للتورق المصرفي، أرى حرمة هذه المعاملة، والله تعالى أعلى وأعلم بالصواب،
الخاتمة
وفي ختام هذا البحث أورد أهم ما توصلت إليه من نتائج، وهي على النحو الآتي:
__________
(1) منذر قحف، وعماد بركات: التورق المصرفي في التطبيق المعاصرة، ص21.(1/34)
أولا: إن اختلاف العلماء في حكم التورق المصرفي سببه اختلافهم في حكم التورق الفقهي، واختلافهم في المقدمات المنهجية الناظمة لفتاواهم، وكذا اختلافهم في الآثار الإقتصادية للتورق على المصارف والدول الإسلامية.
ثانيا: إن منشأ الخلاف في التورق المصرفي في إطاره اللغوي والإصطلاحي، اختلافهم في اشتراكه في المعنى الإصطلاحي للعينة بناء على نصوص تم إيرادها في البحث.
ثالثا: إن اختلاف العلماء في مقدمات التورق المصرفي الأصولية استند إلى اختلافهم في حكم الذرائع، وانطباق التورق المصرفي عليه، فمن ذهب إلى سد الذرائع المفضية إلى الحرام منع التورق المصرفي، ومن لم ير سد الذرائع لم يمنع العينة والتورق.
رابعا: إن التحقيق في محل النزاع في موقف الشافعي وابن حزم من سد الذرائع يقتصر على ما إذا لم تظهر نية المتعاقد الفاسدة، أما إذا ظهرت فإن الشافعي وابن حزم لا يجيزان العقد بحال.
خامسا: إن المجيزين للتورق المصرفي اعتمدوا على أدلة كثير منها: عموم حل البيع المستند إلى آية حل البيع وحرمة الربا، وقاعد الأصل في المعاملات، وحديث تمر جنيب، وكذا بعض الأدلة العقلية.
سادسا: إن المانعين للتورق المصرفي اعتمدوا كذلك على أدلة كثيرة منها: قاعدة الأمور بمقاصدها، وسد الذرائع المفضية إلى الحرام، وربط التورق بالعينة واعتباره صورة لها، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، وبيع وشرط، كما استدلوا ببعض الأدلة العقلية.
سابعا: تبين من خلال مناقشة المقدمات اللغوية والأصولية والأدلة التفصيلة لكل من المجيزين والمانعين أن أدلة المانعين أقوى وحجتهم أظهر، وعليه تم ترجيح تحريم التورق المصرفي، وقدمت أدلة إضافية تدعم تحريم هذه المعاملة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
قائمة المراجع
أولا: الكتب
? ابن تيمية، محمد بن عبد الحليم : مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، (بيروت، دار العربيةن 1978م)(1/35)
? ابن حزم الظاهري: المحلى بالآثار، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري، (بيروت، دار الكتب العلمية،ط1988م)
? ابن رشد الحفيد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (القاهرة، دار الفكر للطباعة والنشر، د، ت)
? ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1998م)
? أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، (القاهرة، دار الحديث، ط2006م)
? أبو الوليد الباجي: المنتقى شرح الموطأ ( القاهرة، دار الفكر العربي، 1900م)،
? أبو الوليد الباحي: الإشارات في أصول الفقه، تحقيق نور الدين مختار الخادمي، (بيروت، دار ابن حزم، ط1، 2000م)
? الزركشي، محمد بن بهادور: البحر المحيط في أصول الفقه، (الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط2، 1992م).
? مالك بن أنس: المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس، رواية سحنون، ( الرياض عالم الكتب، ط2003م)
? الشافعي، محمد بن إدريس: الأم، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1993م)
? شهاب الدين القرافي: شرح تنقيح الفصول، ( القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ط1993م)
? صالح بن عبد العزيز آل منصور: أصول الفقة وابن تيميه، (مصر، دار النصر للطباعة والنشر).
? الصديق الضرير: التورق المصرفي الرأي الفقهي، حولية البركة، العدد السادس رمضان 1425هـ، أكتوبر 2004م).
? أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود شرح سنن أبي داود ومعه: شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، (بيروت، المكتبة السلفية، ط3، 1979م)
? الكمال بن الهمام: شرح فتح القدير، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1995م)
? محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري، ( الرياض، دار السلام للنشر والتوزيع، ط2، 2000م)
? مسلم بن حجاج القشيري: صحيح مسلم، ( الرياض، دار السلام للنشر والتوزيع، ط2، 2000م)(1/36)
? الحطاب، محمد بن عبد الرحمن: مواهب الجليل شرح مختصر خليل(بيروت، دار الكتب العلمية، ط1995م)
? وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: الموسوعة الفقهية، (الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1983م)
? ناصر الدين الألباني: السلسلة الصحيحة، ( الرياض، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط1995م)
? النووي، شرف الدين: المجموع شرح المهذب، (المدينة المنورة، المكتبة السلفية، د، ت)
ثانيا: الأبحاث
? سامي بن إبراهيم السويلم: التكافؤ الإقتصادي بين الربا والتورق، ورقة مقدمة إلى ندوة البركة الرابعة والعشرين. 29 شعبان ـ 2 رمضان1424هـ، 25-27 أكتوبر 2003م.
? عبد الله المنيع: التأصيل الفقهي للتورق في ضوء الإحتياجات التمويلية المعاصرة، منشور ضمن كتاب الوقائع: دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الإستثمار والتنمية. كلية الدراسات الإسلامية جامعة الشارق، 25ـ 27 صفر 1423هـ الموافق ل7ـ9 مايو 2002 الجزء الثاني.
? محمد العلي القري: التطبيقات المصرفية للتورق ومدى شرعيتها ودورها الإيجابي. حولية البركة العدد
? محمد عبد الغفار الشريف: التطبيقات المصرفية للتورق: مشروعيتها ودورها الإيجابي والسلبي، حولية البركة العدد الخامس، رمضان 1424هـ، أكتوربر 2003م.
? مختار السلامي: التورق المصرفي. حولية البركة، العدد السادس رمضان 1425هـ، أكتوبر 2004.
? منذر قحف، وعماد بركات: التورق المصرفي في التطبيق المعاصر. بحث مقدم لمؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية: معالم الواقع وآفاق المستقبل، جامعة الإمارات العربية المتحدة 8 ـ 10 مايو 2005(1/37)