المسائل الفقهية
للقاضى أبى يعلى الفراء
مكتبة مشكاة الإسلامية
عدد الأجزاء / ثلاثة أجزاء
دار النشر / مكتبة المعارف ـ الرياض
كتاب الطهارة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 59
مسائل في أحكام المياه
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 59
الوضوء بالماء المتغير بمائع طاهر:
1 ـ مسألة اختلفت الرواية عن أحمد في الماء إذا خالطه مائع طاهر فغير أحد صفاته.
فنقل جعفر بن محمد ، وبكر بن محمد جواز الوضوء به لأنه تغير بطاهر لم يخرجه عن طبعه، أشبه إذا تغير بورق الشجر والطحلب والطين.
ونقل الصاغاني كلاماً يدل على أنه لا يجوز الوضوء به، وهو اختيار الحرقي وهو أصح، لأنه تغير بمخالطة ما ينفك عنه غالباً، أشبه إذا تغير بالباقلاء المغلي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 59
الطهارة من ماء زمزم:
2 ـ مسألة: واختلفت في كراهية الغسل والوضوء من ماء زمزم:
فنقل المروي روايتين إحداهما كراهية ذلك، لما روي عن العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: لا أحله لمغتسل لكن لشارب حل وبل، ولأن النبي ـ عليه السلام ـ قال: ماء زمزم لما شرب له.
يعني من الشبع والري والمغفرة، فلو قلنا يغتسل ربما اتسع الناس في ذلك فزال المقصود.
والثانية: نفي الكراهية لأنه ليس فيه أكثر من أنها موضع شريف وهذا لا يمنع من الغسل والوضوء كجب يوسف. وعين سلوان، وعين البقر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 59
الطهارة بالماء المستعمل في طهارة مستحبة:
3 ـ مسألة: واختلفت في الماء المستعمل في تحديد الوضوء، هل يجوز رفع الحدث به أم لا؟
فنقل مهنا ، وإسماعيل بن سعيد، وعلي بن سعيد فيمن ترك لمعة من جسده من غسل الجنابة ومسحه ببلل لحيته أو شعره يجزيه، وذكر الحديث.
ونقل حمدان بن علي والأثرم : يأخذ ماء جديداً وقال لا يثبت الحديث عندي ذكر هذا في رواية حمدان.
---(1/1)
وجه الأولى: ما روى اسحق بن سويد أن النبي اغتسل من الجنابة فرأى على منكبه لمعة لم يمسها الماء فمسحها بأطراف شعره، ولأن هذا الماء لم يرفع الحدث فجاز الوضوء به كما لو تبرد به.
ووجه الثانية: أن طهارة مقصودة أو طهارة مشروعة فلم يجز رفع الحدث بالماء المنفصل عنها دليله إذا نوى به الحدث أو نقول هذا ماء تعلق به حكم فصار مستعملاً، أو نقول (ماء) حصلت به طهارة فصار مستعملاً كما لو أزيل به الحدث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 60
حكم الماء الذي يمكن نزحه إذا وقع فيه بول الآدمي أو عذرته ولم يتغير:
4 ـ مسألة: واختلفت في الماء إذا كان يمكن نزحه فوقع فيه بول الآدميين أو عذرتهم المائعة.
فنقل الجماعة منهم أبو طالب أنه ينجس، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه ، ولم يفرق بين القلتين وما دون.
ونقل بكر بن محمد ، وابن يحيى الناقد أنه طاهر إذا كان قتلتين ولم يتغير لأنها نجاسة حصلت في قلتين فلم تغيره فلم تنجسه كسائر النجاسات غير البول والعذرة المائعة، فإن الرواية لا تختلف في ذلك، وأنه لا ينجس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 61
مسائل في النجاسات وأحكامها
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 62
أسور سباع البهائم:
2 ـ مسألة واختلفت أيضاً في سؤر البغل والحمار الأهلي:
1ـمسألةواختلفت في اسوار سباع البهائم فنقل حنبل وصالح أنها نجسة وهو اختيار الخرقي وهو أصح لأنه حيوان حرم أكله لا لحرمته يمكن التحرز منه غالبا أشبه الكلب والخنزير ونقل اسماعيل بن سعيد وأبو الحارث أنها طاهرة لما روي عن النبي أنه قال: لها ما أخذت في أفواهها ولنا أبقت شرابا وطهورا
2ـ
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 62
سؤر البغل والحمار الأهلي
---
فنقل صالح وعبد الله وحنبل أنه نجس للعلة التي تقدمت.
ونقل حرب أنه مشكوك فيه يتوضأ به ويتيمم لأنه حيوان يجوز بيعه فكان طاهراً كالشاة.(1/2)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 62
العدد المشترط في غسل نجاسة غير الكلب والخنزير إذا كانت على غير الأرض:
3 ـ مسألة: واختلفت في غسل النجاسات غير الكلب والخنزير إذا كانت على غير وجه الأرض.
فنقل حنبل وأبو طالب يجب غسلها سبعاً، لأنها نجاسة يجب غسلها أشبه نجاسة الكلب والخنزير، فإن المذهب لا يختلف في وجوب العدد فيها سبعاً أو ما إليه في رواية أبي داود [وأومأ في رواية] صالح، إلى أنه لا يجب العدد في ذلك لأنها نجاسة ليس من شرط إزالتها التراب، فلم يجب فيها العدد كما لو كانت على وجه الأرض، فإن الرواية لا تختلف أنه لا يجب العدد في ذلك.
ونقل بكر بن محمد عن أبيه أنه يجب في الاستنجاء ثلاث وفي غيره سبع، لأن الماء أحد ما يزال به أثر الاستنجاء فكان العدد فيه ثلاثاً دليله الاستجمار.
ونقل أبو طالب عنه: إذا أصاب البول ثوبه غسله سبعاً، وإذا استنجى غسله سبعاً، وإذا أصاب جسده فهو أسهل فظاهر هذا أنه لم يوجب العدد في البدن في غير السبيلين، وفي البول وغيره، وقد ضعف أبو بكر الخلال هذه الرواية، ووجهها أن السبيلين لما دخلهما التغليظ من وجه وهو إيجاب العدد سبعاً دخلهما التخفيف من وجه وهو الاستجمار، فيجب أيضاً في البدن لما دخله التغليظ من وجه، وهو أن لا يزول بغير الماء يجب أن يدخله التخفيف من وجه وهو سقوط العدد.
ونقل حنبل عنه في آنية المجوس تغسل ثلاثاً، وظاهر هذا إنه لم يوجب السبع. والوجه فيه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أوجب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل، وجعل العلة فيه وجوب النجاسة بقوله: لا يدري أين باتت يده . فدل على أن غسلها مقدر بالثلاث.
---(1/3)
قال أبو بكر بن جعفر في كتاب التنبيه هل يجب استعمال التراب في غير الولوغ على قولين: يعني وجهين أحدهما يجب فيه التراب قياساً على الولوغ فإن التراب يجب فيه رواية واحدة. والثاني لا يجب فيه التراب، لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لما قصر على التراب في الولوغ دل على إسقاطه فيما عداه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 63
العدد المشترط في تطهير نجاسة الكلب والخنزير:
4 ـ مسألة: واختلفت في نجاسة الكلب والخنزير.
فنقل الجماعة: صالح، وعبد الله، وابن منصور أنه يجب غسلها سبعاً إحداهما بالتراب، وهو اختيار الخرقي وهو أصح لقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب.
ونقل إسماعيل بين سعيد وحرب ثمانياً إحداهن بالتراب، لما روى في خبر آخر وليعفره الثامنة بالتراب .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 64
حكم صوف الميتة وريشها:
5 ـ مسألة: صوف الميتة وشعرها، هل هو طاهر أم نجس..؟
فنقل الجماعة منهم: أبو الحارث قال: الصوف غير الجلد، وفي رواية حنبل الريش لا يموت ورأيت بخط أبي بكر بن شكا حدثنا الشيخ الصالح من أصحابنا قال: حدثني أبو بكر بن ساموج قال: حدثني أحمد بن محمد بن مسلم، قال: حدثني أبي قال: قلت: لأبي عبد الله: أن الشعر يقع من لحيتي في النسيج: فقال: هي ميتة أقلعها، فقلت له: إني أكون قد عملت بعدها طاقات. قال: أقلعها وظاهر هذا أن شعر الآدميين نجس، فأولى أن يقول بمثل ذلك في شعر البهيمة الميتة، فإن ذهب إلى هذا بعض أصحابنا فوجهه أنه متصل بذي روح ينمى بنمائه، فيجب أن ينجس بنجاسته بموته كالأعضاء، والدلالة على أنه لا ينجس لأنه لا روح فيه بدليل أن الحيوان لايألم بأخذه منه، ولو كان فيه روح لألم كالأعضاء، ولأنه لو انفصل حال الحياة كان طاهراً، فلم ينجس بالموت كالبيض واللبن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 65
طهارة جلود الميتة بالدباغ:
---
6 ـ مسألة: واختلفت في جلود الميتة.(1/4)
فنقل الجماعة منهم: صالح وعبد الله والأثرم، وحنبل، وابن منصور، وأبو الصقر أنها لا تطهر بالدباغ، لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه كتب إلى جهينة: كنت رخصت لكم في جلود الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.
ونقل الصاغاني أن يطهر بالدباغ جلد كل حيوان طاهر حال الحياة لقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أيما إهاب دبغ فقد طهر .
فصل: فإن قلنا لا يطهر بالدباغ فدبغت، فهل يجوز الانتفاع بها في اليابسات دون المائعات؟ على روايتين: إحداهما لا يجوز، نص عليه في رواية حنبل فقال: كل ما لا يؤكل لحمه حرام لبسه وافتراشه، وكذلك نقل صالح عنه قال: كل ما لا يؤكل لحمه من ذي ناب من السبع فلا يفترش.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 66
افتراش جلود النمور والسباع:
7 ـ مسألة: وكذلك نقل إسماعيل بن سعيد في جلود النمور والسباع على السروج فقال: أكره ذلك كله، وكذلك نقل الميموني في الثعلب، لتعظيم الحرمة فلا يلبس لأنه سبع، والرواية الثانية يجوز نص عليه في رواية أبي الحارث فقال: لا يصلي في أهب السباع وإن دبغت وأما اللباس فأرجو.
وجه الأولى ما تقدم من حديث ابن عكيم، وأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن ينتفع من الميتة بجلد ولا عصب، هذا عام.
وروى أبو المليح عن أبيه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن جلود السباع، وروى أبو هريرة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر، ولأنه جلد ميتة فأشبه قبل الدباغ، ولأن الله تعالى حرم الميتة على الإطلاق.
ووجه الثانية: ما تقدم من حديث ميمونة، وقوله: ما على أهل هذه الشاة لو أخذوا أهابها فدبغوه، فانتفعوا به، فقالوا: إنها ميتة، فقال إنما حرم أكلها.
وروت عائشة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 67
مسائل في الوضوء
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69(1/5)
غسل اليدين عند القيام من نوم الليل قبل إدخالها في الإناء:
1 ـ مسألة واختلفت في غسل اليدين عند القيام من نوم الليل.
فنقل حنبل ما يدل على وجوبه لأنه قال: إن أدخلهما في الإناء قبل الغسل أراق الماء، لما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:
إذا قام أحدكم من النوم فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أدخلها قبل الغسل أراق الماء .
ونقل مهنا وأبو الحارث وإسماعيل بن سعيد ما يدل على أنه مستحب لأنه قال: أحب إليّ وأعجب إليّ أن يريق الماء.
وهو اختيار الخرقي، لأنه قيام من نوم فلم يوجب غسل اليدين منفرداً دليله نوم النهار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
التسمية عند الطهارة:
2 ـ مسألة: واختلفت في التسمية على الطهارة.
فنقل أبو الحارث لفظين: أحدهما مستحبة، وكذلك نقل عبد الله وأبو داود ، وهو اختيار الخرقي، ولأن كل عبادة لم يجب الذكر في آخرها لم يجب في أولها كالصيام.
ونقل الحارث في موضع آخر أنها واجبة، وإن تركها عامداً لم تصح طهارته، لما روي عن النبي ، أنه قال: لا صلاة إلاّ بالطهارة، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 69
المضمضة في الطهارة الصغرى:
3 ـ مسألة: واختلفت في وجوب المضمضة في الطهارة الصغرى.
فنقل الجماعة منهم إبراهيم بن هاني أنها واجبة، وهي اختيار الخرقي لما روي عن النبي ، أنه قال: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه.
---
ونقل الأثرم وابن منصور ما يدل على أنها غير واجبة لأنه قال: المضمضة أهون من الاستنشاق، لقوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم ، والوجه ما يقع به المواجهة وداخل الفم لا يقع به المواجهة، ولا تختلف الرواية أنها تجب في غسل الجنابة والحيض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 70
فرضية المضمضة والاستنشاق:
4 ـ مسألة: واختلفت في تسمية المضمضة والاستنشاق فريضتان.(1/6)
فنقل أبو داود وإبراهيم لا يسمى فرضاً، وإنما يسمى سنّة مؤكدة، لأن وجوبها أخذ من جهة السنَّة.
ونقل بكر بن محمد ما يدل على تسميتها فرضاً، فقال: إن تركها يعيد، كما أمر الله تعالى، لأن كل عضو وجب غسله في الطهارة جاز أن يسمى فرضاً كظاهر الوجه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 70
غسل ما فوق الساعدين في الوضوء:
5 ـ مسألة: هل يستحب غسل ما فوق الساعدين من العضد أم (لا)..؟ فنقل حنبل قال رأيت أبا عبد الله يبلغ بالماء فوق المرفقين، ونقل ابن منصور وموسى بن عيسى لا يغسل ما فوق الذراعين، قال أبو بكر الخلال العمل على أنه لا يغسل لأنه عضو محدود فلم يكن له تابع يغسل معه، دليله غسل الرجلين. وجه الأولى: أن الوضوء غسل ومسح، فإذا كان لعضو ممسوح تابع وهو الرأس تابعة الأذن يجب أن يكون لعضو مغسول تابع، وليس إلا اليدين.
وروي عن أبي هريرة : أنه توضأ فغسل وجهه وأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ويده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه اليمنى واليسرى حتى أشرع في الساق ثم عبد الله هكذا رأيت رسول الله ـ توضأ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 71
تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل أعضاء الوضوء:
---
6 ـ مسألة: واختلفت في وجوب الترتيب فيهما، وأنهما إذاتركهما حتى فرغ من الوضوء هل يعيد الوضوء أو يعيد غسلهما.
فنقل أبوطالب وإسحاق بن إبراهيم وجوب الترتيب وإعادة الوضوء، لأنه موضع من الوجه، فإذا أخر غسله حتى فرغ يعيد تلك الطهارة، دليله: لو ترك موضعاً من ظاهر الوجه.
ونقل أبو داود وإبراهيم بن الحارث سقوط الترتيب، ويعيد غسلهما، أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نص على وجوب المضمضة ولم يبين موضعها، فصار موضعها مجتهداً فيه، والاجتهاد مساغ فيه، إذ ليس هناك نص يمنع منه فصار كسائر المواضع التي يسوغ الاجتهاد فيها، والأولى أصح.(1/7)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 72
الموالاة بين أعضاء الوضوء وبين المضمضة والاستنشاق على القول بسقوط الترتيب بينها:
7 ـ مسألة: واختلفت في اعتبار الموالاة فيهما مع سقوط الترتيب.
فنقل إبراهيم بن الحارث إيجاب الموالاة، وأنه يعيد غسلهما فقط ما لم تنشف أعضاء الوضوء، لأنه عضو يجب غسله في الوضوء، فكانت الموالاة معتبرة فيه دليله موضع ظاهر من الوجه.
ونقل أحمد بن أبي عبده سقوط الموالاة، وأنه يجب غسلهما، وإن تطاول الزمان، لأنه لما سقط فيهما الترتيب سقطت الموالاة، دليله غسل الجنابة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 72
استيعاب الرأس بالمسح:
8 ـ مسألة: واختلفت في مسح جميع الرأس.
فنقل حرب وجوب مسح جميعه، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنه عضو من أعضاء الطهارة، فلم يجزىء ما يقع عليه الاسم دليله الوجه واليدان.
ونقل أبو الحارث : يجزىء مسح بعضه، لأنه مسح بالماء أشبه مسح الخفين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 72
مسح الأذنين:
9 ـ مسألة: واختلفت في مسح الأذنين.
---
فنقل حرب وجوب ذلك قال: يعيد الصلاة إذ تركها، ونقل صالح وابن أصرم المزني لا يعيد إذاتركها فهذا يدل على أنه غير واجب، أصل هذا أن الأذنين من الرأس، وقد اختلفت الرواية في استيعاب جميع الرأس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 73
أخذ ماء جديد للأذنين:
1 ـ مسألة: هل يستحب له أن يفرد لهما ماء جديداً؟
فنقل ابن منصور والأثرم والميموني يمسحهما مع الرأس، قال الميموني: رأيت أبا عبد الله مسحهما مع الرأس.
ونقل أبو داود وابن ابراهيم هما من الرأس، ويفرد لهما ماء جديد.
وجه الثانية: أنهما وإن كانا منه فهي مختلف فيهما بين الفقهاء، منهم من قال: ليستا من الرأس فاستحب الخروج من الخلاف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 73
تكرار مسح الرأس:
1 ـ مسألة: واختلف في تكرار مسح الرأس.(1/8)
فنقل الأثرم : ما يدل على أنه ليس بسنّة، لأنه سئل عن مسح الرأس مرة واحدة، فقال: نعم، لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ومسح برأسه مرة واحدة.
ونقل أبو الحارث ما يدل على أنه سنّة، لأنه سئل عن مسح الرأس ثلاثاً أو واحدة فقال: إن مسح ثلاثاً فحسن، وإن مسح مرة أجزأه، ولأنه عضو من أعضاء الطهارة فكان من سنته التكرار كالوجه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 73
تكرار مسح الرأس بماء واحد:
12 ـ مسألة: فإن مسح رأسه بماء واحد مرتين يقبل بيده، ويدبر في مرة واحدة فهل يكون مسنوناً أم لا..؟
فنقل إبراهيم أنه سأل أحمد عن مسح الرأس فقال: هكذا، ووضع يديه كلتيهما على مقدم رأسه، ثم جرَّهما إلى مؤخر رأسه، ثم ردهما جميعاً إلى المكان الذي منه بدأ في مرة واحدة، ثم رفعهما، فظاهر هذا أنه مسنون.
---
ونقل أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي أنه قال: حضرت مجلس أبي عبد الله وقد سئل عن المسح بالرأس فأومأ بيده من مقدم رأسه وردهما إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه. فسئل عن الردة بماء جديد، فقال: بماء جديد، فظاهر هذا أن ذلك غير مسنون بماء واحد.(1/9)
قال أبو بكر الخلال : لم يضبط هذا الشيخ ما قيل لأبي عبد الله ولا ما قال يعني أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: ولولا أنها مسألة قد حدث بها قوم لم أخرج مثل هذا عنه، وقال أبو حفص العكبري : ما رأيت أحداً روى عنه الأخذ بماء جديد، والذي اختار ما روى الجماعة أنه يجزيه ماء واحد يقبل من مقدم رأسه إلى مؤخره، ويرده إلى مقدمه، وعندي أن ما رواه أحمد بن الحسن محمول على رواية أبي الحارث، وأن التكرار مسنون فلا يجزيه الاقتصار على ماء واحد، وما رواه إبراهيم بن الحارث محمول على ما رواه الأثرم، وأن التكرار غير مسنون، وأنه يجزيه مسحه بماء واحد، ومن ذهب إلى ظاهر رواية أحمد بن الحسن فوجهه أنه لو مسح رأسه مرة واحدة ورفع يديه ثم أراد أن يردهما لم يكن مسنوناً إلا بماء جديد. كذلك إذا وصل المسح مرة واحدة يجب أن يكون مسنوناً.
ومن ذهب إلى ظاهر رواية ابراهيم بن الحارث فوجهه ما روت الربيع بنت معوذ بن عفراء أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ مسح رأسه بماء واحد مرتين أقبل بهما وأدبر. وهذا نص في تكرار المسح بماء واحد، ولأنه إذا لم يرفع يده عن رأسه فلم يحصل للماء حكم الاستعمال فجاز الإقبال والإدبار، وإذا رفعهما عن رأسه فالبلل الذي يبقى في يده مستعمل فلهذا لم يكن الرجوع مسنوناً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 74
مسح العنق بعد مسح الرأس في الوضوء:
13 ـ مسألة: واختلفت هل يستحب مسح العنق بعد مسح رأسه..؟
فنقل عبد الله قال: رأيت أبي إذا مسح رأسه وأذنيه في الوضوء مسح قفاه.
---
ونقل جعفر بن محمد عنه، وقد سئل عن مسح القفا فقال: لا أدري يعني حديث ليث عن طلحة عن أبيه عن جده في مسح القفا فلم يذهب إليه، قال أبو بكر الخلال : توهم عبد الله عنه ولم يضبط، لأنه ينكر الحديث في رواية الجماعة ووجه الرواية الأولى، ما روى عبد الوارث بن سعيد عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى النبي ، مسح برأسه وأذنيه وأمرّ يده على القفا.(1/10)
وقد بين أحمد في رواية صالح عن سبب ضعفه بما لا يوجب رده فقال: بلغنا عن ابن عينية أنه أنكر أن يكون له صحبه، وأكثر ما في هذا أن يكون مرسلاً.
ووجه الثانية: أن العنق ليس من الرأس لم يتبع الرأس في المسح دليله جاوز العنق، ولا يلزم عليه الأذنان لأنهما من الرأس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 75
المسح على القلانس:
14 ـ مسألة: واختلفت في جواز المسح على القلانس الرميات المبطنات والدسات فنقل حرب واسحق بن إبراهيم أنه لا يجوز ذلك قياساً على المنديل وهو أصح.
ونقل الميموني كلاماً يدل على جوازه، وهو اختيار أبي بكر الخلال، قياساً في العمامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
مسح المرأة على القناع:
15 ـ مسألة: واختلفت في المرأة هل يجوز لها أن تمسح على قناعها الذي يدور تحت حلقها.
فنقل إسحق بن إبراهيم جوازه قياساً على عمامة الرجل، ونقل الميموني منع ذلك قياساً على وقايتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
تنشيف الأعضاء من ماء الوضوء:
16 ـ مسألة: واختلفت هل يكره أن تنشّف الأعضاء من ماء الوضوء، ومن غسل الجنابة؟
فنقل جماعة منهم أبو داود ويعقوب بن بختان وصالح أنه مكروه، وهو أصح، لما روى قيس بن سعد قال: أتانا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فقدمنا له غسلاً فاغتسل، فأتيناه بملحفة مورسة فالتحف بها فرأيت أثر الورس في كتفيه.
---
ونقل عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الكراهية لما روت ميمونة قالت: توضأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فأتيته بمنديل فنفض يده ولم يأخذه.
قال أبو بكر الخلال : ما فهم عبد الله بن محمد، والمنقول عنه في رواية صالح ويعقوب وجماعة: لا بأس به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 76
تجديد الوضوء لكل صلاة:
17 ـ مسألة: واختلفت هل يستحب تكرار الوضوء لكل صلاة؟
فنقل علي بن سعيد أنه سأله عن الوضوء لكل صلاة هل يرى فيه فضلاً؟ فقال: لا أرى فيه فضلاً.(1/11)
ونقلالمروذي ، قال: رأيت أبا عبد الله يتوضأ عند كل صلاة، وقال: ما أحسنه لمن قوي عليه، لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:
الوضوء على الوضوء نور على نور، وقال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة . ومعلوم أن السواك إنما يكون في وضوء، ولأنه كان يداوم على ذلك، ألا ترى أنه يوم الخندق جمع أربع صلوات بوضوء واحد، فقيل له: أعمداً فعلت هذا؟ قال: نعم .
ولأن فيه احتياطاً لجواز أن يكون قد أحدث وهو لا يعلم، ومن ذهب من أصحابنا إلى ظاهر رواية علي بن سعيد قال أحمل المسألة على أحمد لم يستحب المداومة على ذلك، لأن فيه مداومة على ترك الرخصة ولهذا المعنى استحب الفطر والقصر في السفر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 77
الموالاة بين أعضاء الوضوء:
18 ـ مسألة: واختلفت في الموالاة في الطهارة الصغرى.
فنقل الجماعة منهم المروذي أنها شرط، لأن من شرطها الترتيب فكان من شرطها الموالاة كالصلاة.
ونقل حنبل أنها غير واجبة لأنها أحد الطهارتين فأشبه غسل الجنابة، فإنه لا تختلف الرواية أن الموالاة غير واجبة فيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 79
تصفح المحدث للمصحف بكمه:
19 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز للمحدث أن يتصفح ورق المصحف بكمه؟
---
فنقل الحسن بن ثواب، وإبراهيم بن هانىء جواز ذلك، لأنه حائل، فهو كما لو حمل المصحف بثوبه أو بعلاقته. ونقل أبو طالب منع ذلك، والأولى أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 79
مسائل في الاستنجاء والاستجمار وآداب قضاء الحاجة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 80
استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة:
1 ـ مسألة واختلفت في استدبار القبلة واستقبالها بالبول والغائط.(1/12)
فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث تحريم ذلك في الصحارى والبنيان لنهي ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن استقبال بالبول والغائط ونقل بكر بن محمد منع ذلك في الصحاري وجوازه في البنيان، وهو أصح، لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ استقبلها بمقعده قبل موته بعام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 80
الإستجمار بغير الأحجار:
2 ـ مسألة: واختلفت في جواز الاستجمار بغير الأحجار.
فنقل الميموني جواز ذلك وهو اختيار الخرقي وهو أصح، لأنه جامد طاهر منقى غير مطعوم لا حرمة له أشبه الحجر.
ونقل حنبل أنه لا يجوز، وهو اختيار أبي بكر، لأنها عبادة تتعلق بالأحجار، فلم يقم غيرها مقامها، دليله رمي الجمار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 81
الاستجمار بشعب الحجر الواحد:
3 ـ مسألة: واختلفت في الحجر الكبير الذي له ثلاث شعب، إذا مسح بكل شعبة منه مسحة هل يجزئه؟
فنقل المروذي وأحمد بن أبي عبده، جواز ذلك وهو اختيار الخرقي، وهو أصح لأنه بمنزل ثلاثة أحجار صغار شدها بخيط واستجمر بها، فإنه يجزيه كذلك ها هنا.
ونقل حنبل لا يجزيه وهو اختيار أبي بكر بن جعفر لأن ما كان العدد معتبراً فيه لم يفرق الحال بين الصغير والكبير، كما لو رمى بحجر كبير فإنه لا يقوم مقام العدد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 81
الوضوء قبل الاستنجار:
---
4 ـ مسألة: واختلفت إذا توضأ بالماء قبل الاستنجار هل تصح طهارته؟
فنقل بكر بن محمد أن طهارته باطلة، وهو اختيار أبي بكر، لأن الطهارة تراد لاستباحة الصلاة فلم تصح مع وجود ما يمنع من إباحتها، وتفارق هذه النجاسة غيرها لأن غيرها لا ينقض الوضوء، وهذه تنقض الوضوء.
ونقل حرب أنها طهارة صحيحة وهو أصح لأن النجاسة في غير أعضاء الوضوء فلم يمنع بقاؤها من صحة الوضوء، دليله لو كانت في غير موضع الاستنجاء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 81
الطهارة في المسجد:
5 ـ مسألة: واختلفت في كراهية الوضوء في المسجد.(1/13)
فنقل المروذي الكراهية، لأنها في العادة لا تسلم أن يبصق في وضوئه وهذا مكروه في المسجد، ولأن من الناس من يقول: إن ذلك نجس.
ونقل حنبل جواز ذلك من غير كراهية لما روى أبو العالية قال: حدثني من كان يخدم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: أما ما حفظت لكم منه أنه كان يتوضأ في المسجد، وروى نافع عن ابن عمر قال: كان يتوضأ في المسجد الحرام على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء، وروى محمد بن سيرين أن أبا بكر وعمر والخلفاء هجيراً كان يتوضأون في المسجد، وروى حمران مولى عثمان قال: سمعت عثمان حين دخل المسجد وجاء المؤذن عند العصر دعا بوضوء فتوضأ ثم قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وذكر الخبر وروى عطية العوفي أن ابن عمر توضأ في المسجد، وروي عن ابن عباس مثل ذلك، وكذلك عن عطاء وطاووس وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وابن جريج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 82
مسائل في نواقص الوضوء
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
وضوء من نام ساجداً أو راكعاً:
1 ـ مسألة فيمن نام ساجداً أو راكعاً فقال في رواية مهنا إذا نام ساجداً كثيراً أعاد، وإن كان قليلاً فلا إعادة ولكن يعيد الركعة، وظاهر هذا أنه إذا لم يطل نومه فلا وضوء عليه.
---
ونقل صالح إذا نام قائماً أو قاعداً وطال نومه فأحب إليَّ أن يعيد الوضوء، وأما الركوع فهو أشد من القيام والقعود، والسجود أشد من الركوع لأنه يتفجج، وكذلك نقل حرب إذا نام راكعاً أو ساجداً فهو أشد لأنه يتفجج، فظاهر هذا أنه يعيد الوضوء وإن لم يطل.
وجه الأولى قوله ـ صلى الله عليه وسلم إنما الضوء على من نام مضطجعاً ولأنه نام على حالة من أحوال الصلاة يسيراً فلم ينتقض وضوءه كالقاعد والقائم، ووجه الثانية قوله: العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ، ولأنه نام على حالة يسوغ معها خروج الحدث أشبه المضطجع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 83
وضوء من نام جالساً مستنداً:(1/14)
2 ـ مسألة: فصل: فإن نام جالساً مستنداً؟
فنقل حرب عنه أنه إذا نام مستنداً إلى الحائط فكرهه ورأى عليه الوضوء، فظاهر هذا أنه كالمضطجع.
ونقل الأثرم عنه إذا نام محتبياً أو مستنداً أو ساجداً توضأ إذا طال فظاهر هذا أنه كالقاعد لأنه اعتبر فيه الكثرة.
وجه الأولى أنه معتمد في نومه على غيره فهو كالمضطجع.
ووجه الثانية: أنه نام جالساً يسيراً أشبه إذا لم يكن مستنداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
انتقاض الوضوء بمس الذكر بظهر الكف:
3 ـ مسألة: واختلفت إذا مس ذكره بظهر كفه.
فنقل صالح أنه ينتقض الوضوء كما لو مسه ببطن كفه، وهو أصح، لأنه مس ينقض ببطن الكف فنقض بظهره كما لو مس النساء.
ونقل حنبل كلاماً يدل على أنه لا ينتقض، لأنه لم يسمه بآلة مسه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
انتقاض الوضوء بمس الذكر بالذراع:
4 ـ مسألة: واختلفت إذا مسه بذراعه.
فنقل الجماعة أنه لا ينتقض، لأنه لم يمسه بكفه.
ونقل أبو داود أنه لا ينقض، لأن اسم اليد عليه، ويجب غسله في الوضوء، فهو كالكف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
انتقاض الوضوء بمس الذكر من غير موضع الثقب:
---
5 ـ مسألة: واختلفت إذا مس من ذكره غير موضع الثقب.
فنقل الجماعة ينقض الوضوء، لأنه قد مس ذكره، فهو كما لو مس موضع الثقب.
ونقل هارون المستملي نقض الوضوء بمس موضع الثقب لا غيره، لأنه لم يمس موضع مخرج الحدث، فهو كما لو مس الانثيين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 84
انتقاض الوضوء بمس الذكر من غير شهوة:
6 ـ مسألة: واختلفت إذا مسه بغير شهوة.
فنقل أبو داود نقض الوضوء وهو أصح، لأنه مس لا يقصد به الشهوة، فلهذا لم يعتبر، وأومأ في رواية إسحاق بن ابراهيم إلى أنه لا ينتقض إذا كان لغير شهوة، فقال: إذا مس الرجل فرج جاريته فإن (وجد) منه شهوة توضأ، وذلك أنه لمس ينقض الطهارة الصغرى فاعتبر فيه الشهوة قياساً على مس النساء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
انتقاض وضوء المرأة إذا مست فرجها:(1/15)
7 ـ مسألة: فإن مست المرأة فرجها فهل ينتقض طهرها كالرجل إذا مس ذكره أم لا؟
فنقل بكر بن محمد والمروذي ومهنا وهذا لفظه، وقد سئل عن المرأة تمس فرجها هل هي مثل الرجل تتوضأ؟
فقال: لم أسمع فيه شيئاً إنما سمعت في الرجل، فظاهر هذا أنه لا يجب عليها الوضوء.
ونقل إسحق بن إبراهيم عنه في المرأة إذا مست فرج الرجل، فإن كان منها شهوة توضأت، فظاهر هذا أنه ينتقض طهرها بمس الفرج.
وجه الأولى: أن مسها لفرجها لا يدعو إلى الحدث فهو كمس الدبر، ولأنه موضع من بدنها أشبه بثديها.
ووجه الثانية: ما روي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ولأنه مكلف مس من بدنه مخرج الحدث أشبه الرجل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 85
انتقاض الوضوء بمس حلقة الدبر:
8 ـ مسألة: واختلفت إذا مس حلقة الدبر.
---
فنقل المروذي لا ينقض طهره، لأنه مس من بدنه غير ذكره أشبه لو مس فخذه. ونقل أبو طالب وأبو داود أن الوضوء ينتقض، لأنه أحد السبيلين أشبه الذكر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 86
قدر الدم الذي ينقض الوضوء:
9 ـ مسألة: واختلفت في الفاحش من الدم الذي ينتقض الوضوء، ويمنع من صحة الصلاة فيه.
فنقل الأثرم عنه أنه قال: لا أحده، وكذلك نقل ابن حطان بن بشير، لأن الفاحش ما يستفحشه الإنسان، وهذا يختلف باختلاف الناس، فمنهم المتفحش الذي يستفحش القليل، ومنهم ما لا يستفحش الكثير.
ونقل ابن منصور وأحمد بن علي وإسماعيل بن سعيد حده شبر في شبر، لأن أقل ما يقدر به الأشياء الشبر. فإذا صار شبراً صار في حد الكثير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 86
الوضوء من شرب لبن الجزور وأكل كبده وطحاله وشحمه:
10 ـ مسألة: في شرب لبن الجزور وأكل كبده، وطحاله، وسنامه، هل ينتقض الوضوء؟(1/16)
فنقل صالح أنه ينتقض الوضوء لأنه من الجزور أشبه لحمه، ونقل عبد الله وحرب ويوسف بن موسى وأبو الحارث لا ينتقض الوضوء لأن الخبر ورد في نقض الوضوء بأكل لحمه، ولم يرد في غير ذلك ولا يدخل القياس في ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 86
مسائل في الغسل
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
الطهارة الواجبة بخروج بقية المني بعد الغسل وقبل البول:
1 ـ مسألة واختلفت في بقية المني يخرج بعد الغسل، وقبل البول.
فنقل أبو طالب وغيره فيه الوضوء. وهو اختيار أبي بكر، لأنه خرج على غير وجه الدفق والشهوة فهو كما لو خرج بعد البول. فإنه لا يختلف المذهب فيه.
ونقل مهن وحنبل ومحمد بن الحكم فيه الغسل، لأن انتقاله كان على وجه الشهوة. ويفارق هذا إذا كان بعد البول، لأنه مني مبتدأ وانتقاله كان على غير وجه الشهوة فلهذا لم يجب فيه الغسل. وهذه الرواية أصح.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
غسل الكافر إذا أسلم:
2 ـ مسألة: في الكافر إذا أسلم هل يجب عليه الغسل؟
فنقل الأثرم وصالح وجوب الغسل، وهو اختيار الخرقي لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه أمر ثمامة بن أثال وقيساً بالغسل لما أسلما ولأنه غسل لأمر ماض فكان واجباً كالغسل من الحيض. والجنابة، والنفاس، ولا يلزم عليه غسل الجمعة والعيدين والاغتسال للحج، لأن تلك لأمر مستقبل، وهذا غسل لأمر ماض، وهو الكفر السابق ولا محالة أن ما لا يوجبه يستحبه، فقل حصل الكفر في الجملة. فيؤثر في الغسل لأمر ماض. وقال أبو بكر : هو مستحب وليس بواجب، لأن جماعة من الصحابة أسلموا ولم يأمرهم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ بالغسل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 87
ارتفاع الحدث الأصغر بالطهارة عن الحدث الأكبر إذا نواهما:
3 ـ مسألة: واختلفت إذا أحدث وأجنب.
فنقل عبد الله أنه يقتصر على غسل البدن ويجزىء ذلك عن الطهارتين إذا نوى بذلك عن الطهارتين، لأنهما طهارتان ترادفتا فتداخلتا كغسل الجنابة والحيض.(1/17)
ونقل موسى بن عيسى الجصاص أنه يلزمه أن يأتي بكل واحدة من الطهارتين بكمالها على الانفراد، لأن الطهارتين يختلفان فعلاً وحكماً فلم تتداخلا كالحدود المختلفة. والأولى أصح، وهو اختيار الخرقي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 88
طهارة الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت به:
4 ـ مسألة: واختلفت في فصل وضوء المرأة إذا خلت بالماء هل يجوز للرجل أن يتوضأ منه؟
فنقل جماعة منهم عبد الله وحنبل وأبو الحارث أنه لا يجوز، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح. لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة.
---
ونقل الباهلي الكراهية. فإن توضأ أجزأه. وأومأ إليه أيضاً في رواية صالح والأثرم فقال الكراهية لأن من جاز له الوضوء بفضلها من غير الخلوة جاز في الخلوة دليله امرأة مثلها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 88
باب التيمم
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 89
نفخ التراب عن اليدين في التيمم
1ـمسألة
واختلفت في التيمم إذا علق على يديه تراب كثير هل يكره ذلك نفخ التراب ليخف ما عليها؟
فنقل الميموني كراهية بذلك. ونقل جعفر بن محمد نفي الكراهية، وهو أصح لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نفخ عن يديه التراب، ويمكن أن تحمل كراهيته لذلك إذا كان النفخ يذهب بجميع التراب، ولا يبقي له غبار يمسح به وجهه، فإنه لا يجوز ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 89
في التيمم بالرمل:
2 ـ مسألة: واختلفت في جواز المتيمم بالرمل.
فنقل الميموني منع ذلك. ونقل أبو داود ويوسف بن موسى أنه يبطل بخروج الوقت، ويجب عليه إعادته عند دخول وقت صلاة ثانية، وهو أصح لأنها طهارة لا ترفع الحدث فيبطل بخروج الوقت، دليله طهارة المستحاضة، فإن المذهب لا يختلف أنها تبطل بخروج الوقت.(1/18)
ونقل الميموني والفضل بن عبد الصمد كلاماً يدل على أنه يبطل بالحدث كالوضوء، لأنها طهارة لا يتعقبها ما يفسدها فلم تبطل بخروج الوقت، دليله الطهارة بالماء ولا يلزم عليه طهارة المستحاضة لأنه يتعقبها ما يفسدها وهو خروج الدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 89
التيمم قبل طلب الماء:
5 ـ مسألة: واختلفت في طلب الماء هل هو شرط في صحة التيمم؟
فنقلصالح وابن منصور أنه شرط، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح لأنه سبب يختص بالصلاة فإذا أعوزه لزمه طلبه كالقبلة.
---
ونقل الميموني أنه مستحب وليس بواجب، وهو اختيار أبي بكر، لأنه غير مالك (للماء) ولا عالم بمكانه فجاز التيمم، دليله لو طلبه فلم يجده ولا يلزم عليه إذا نسي الماء في رحلة لأنه مالك للماء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 91
إعادة الصلاة على من صلى بالتيمم في الحضر لعدم الماء أو شدة البرد:
6 ـ مسألة: واختلفت فيمن عدم الماء في الحضر بحبس أو غيره وتيمم وصلى هل يعيد؟
فنقل إسماعيل بن سعيد لا يعيد وهو أصح، لأنه صلى بطهارة مثله فهو كما لو تيمم في السفر.
ونقل المروذي ما يدل على وجوب الإعادة، لأنه عذر نادر، وكذلك اختلفت الرواية فيمن خاف التلف أو المرض من استعمال الماء لشدة البرد فتيمم وصلى هل يعيد؟
فنقل المروذي يعيد، لأنه عذر نادر. ونقل غيره ما يدل على أنه لا إعادة، لأنه صلى بطهارة مثله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 91
إعادة الصلاة على من صلى بلا طهارة لعدم الماء والتراب:
وكذلك اختلفت فيمن عدم الماء والتراب وصلى.
فنقل الميموني وأحمد بن الحسين يصلي ويعيد، وهو أصح، لأنه لم يأت بالطهارة ولا ببدل عنها، ولأنه عذر نادر غير متصل فلم يسقط الفرض.
ونقل أبو الحارث لا يعيد، لأنه صلى على حسب حاله فهو كما لو تيمم وصلى، وكما لو عدم الستارة وصلى عرياناً، فإنه لا يعيدها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 91
إعادة الصلاة على من صلى في موضع أو ثوب نجس لعدم الطاهر:(1/19)
6 ـ مسألة: وكذلك اختلفت إذا صلى في موضع نجس هل يعيد؟
فنقل صالح وأبو الحارث ، إذا حبس في حش صلى على (حسب) حاله ولا يعيدها.
ونقلحنبل يعيد، وكذلك نقل حرب إذا لم يكن معه ثوب طاهر ومعه ثوب نجس صلى فيه وأعاد.
وجه الإعادة أنه صلى بغير طهارة، ووجه الأجزاء أنه صلى على حسب حاله، فهو كالمريض والعريان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 92
التيمم خوف زيادة المرض باستعمال الماء:
---
7 ـ مسألة: واختلفت في المريض إذا خاف الزيادة في المرض، هل يجوز له التيمم؟
فنقل الميموني جواز ذلك، وهو أصح، لأنه يستضر باستعمال الماء أشبه إذا خاف التلف.
ونقل الأثرم كلاماً يدل على أنه لا يجوز التيمم حتى يخاف التلف، وقال فيمن ترك على جرحه خرقة فيها دواء، وخاف إن نزعه يتأذى به فقال: إن خاف من ذلك على نفسه مسح عليه، فظاهر هذا أنه إن لم يخف التلف لا يمسح، لأنه واجد للماء لا يخاف من استعماله التلف فلم يجز له التيمم، كما لو لم يخف المرض، والأولى أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 92
الجمع بين التيمم والمسح على الجرح:
8 ـ مسألة: في الجريج والقريح إذا أمكن أن يمسح الماء على الجرح أو القرح ولم يمكنه الغسل، فإنه يلزمه المسح، لأنه بعض الواجب، وهو قادر عليه فلزمه الإتيان به كمن عجز عن الركوع وأمكنه الإيماء فإنه يلزمه كذلك ههنا، وهل يلزمه أن يتيمم مع المسح على روايتين، قال في رواية صالح وابن منصور وحنبل : إذا كان به الجرح، وخاف، مسح موضع الجرح، وغسل ما حوله، وظاهر هذا أنه لا يجب عليه التيمم، لأنه لم يذكره، ووجهه أنه مسح بالماء لعجزه عن الغسل فلم يجب معه التيمم دليله المسح على الجباير.(1/20)
وقال في رواية حنبل في موضع آخر: الجنب إذا كان به الجرح والقرح، وخاف على نفسه تيمم بالصعيد، وظاهر هذا وجوب التيمم بكل حال، لأنه لم يفرق بين أن يكون مسح عليها أو لم يمسح، لأنه بالمسح عليها لم يأت بجميع الواجب في محله فيجب أن يلزمه التيمم لبقيته، وهو غسل المحل ويفارق الجباير، لأن الغرض انتقل إلى الحائل فهو كالخفين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
استعمال الماء الذي لا يكفي لجميع الأعضاء في الوضوء:
---
9 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا وجد من الماء ما يكفيه لبعض أعضاء الوضوء، فحكى أبو بكر أن من أصحابنا من قال: يجب عليه استعماله كما لو كان جنباً، ووجد من الماء ما يكفيه لبعض بدنه أنه يستعمله بلا خلاف على المذهب، كذلك الوضوء. ومنهم من قال: لا يجب عليه، واختار أبو بكر ذلك لأنه لا يستفيد بذلك فائدة، لأن الحدث لا يرتفع لعدم الموالاة، ويفارق هذا الغسل من الجنابة، لأن الحدث يرتفع عن قدر ما غسل، لأنه ليس من شرطها الموالاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
المسح على الجبيرة إذا شدت على غير طهارة:
10 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز المسح على الجباير إذا شدها على غير طهارة؟
فنقل المروذي أنه لا يجوز، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنه مسح على حائل، فأشبه الخفين والعمامة.
ونقل حرب جواز ذلك، لأنه قد يشدها على غير طهارة، وتلحقه المشقة العظيمة في حلها، فلهذا جاز المسح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 93
التيمم لخوف فوات الجنازة:
11 ـ مسألة: واختلفت في الجنازة إذا حضرت وخاف إن توضأ فاتته الصلاة عليها هل يجوز له التيمم؟ على روايتين نقلهما المروذي. إحداهما لا يجوز وهو أصح، لأن كل صلاة لم يجز التيمم لها إذا لم يخف فوتها لا يجوز وإن خاف فوتها دليله صلاة الجمعة وعكسه إذا عدم الماء.(1/21)
والثانية: يجوز، لأنه لم يصل إلى أداء فرضه باستعمال الماء جاز له أن يتيمم، دليله: العادم للماء، وهذا التعليل لا يخرج على المذهب، لأن صلاة الجنازة لا تفوت عندنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
تقديم طهارة الحي على الميت إذا لم يكف الماء لهما:
12 ـ مسألة: واختلفت إذا اجتمع في السفر جنب وميت ومعه ما يكفي لأحدهما أيهما يقدم على روايتين نقلهما مهنا.
إحداهما: تقديم الحي، لأن وجوب الغسل عليه ثابت بنص الكتاب، وغسل الميت بالاجتهاد وأخبار الآحاد.
---
والثانية: يقدم الميت، وهو أصح، لأن الغسل خاتمه عمله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
التيمم لاشتباه الماء الطهور بالماء النجس إذا لم يوجد غيرهما:
13 ـ مسألة: واختلفت فيمن كان في السفر ومعه إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس واشتبها عليه هل يجوز التيمم مع بقائهما أم لا؟
فنقل أبو الحارث جواز التيمم مع بقائهما، وهو اختيار الخرقي، لأنه ماء طاهر بيقين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 94
التحري في الأواني الطاهرة إذا اشتبهت بالنجسة:
14 ـ مسألة: واختلف أصحابنا فيمن معه عشرة أو أن إحداهما نجس واشتبه عليه هل يتحرى فيها أم لا؟
فقال أبو بكر عبد العزيز وأبو علي النجاد وأبو إسحاق بن شاقلا : يتحرى، وفرق أبو إسحاق وأبو علي بين الأواني وبين أخته إذا اختلطت بنساء أجانب أنه لا يتحرى هناك ويتحرى في الأواني، وكان شيخنا يمنع من التحري بلا خلاف بين أصحابنا، ومن أجاز التحري في التحري قال: إن للأكثر تأثيراً في الأصول، منها في الماء إذا وقعت فيه النجاسة، ومدة المسح. وجه من لا يجيز (أنه) اشتبه النجس بالطاهر فلم يجز التحري فيه الدليل عليه إذا اختلط المذبوح بالميتة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 95
مسائل في المسح على الخفين
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 96
اشترط كمال الطهارة قبل اللبس لجواز المسح:(1/22)
1 ـ مسألة واختلفت إذا غسل إحدى رجليه فأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها، هل يجوز المسح على الخف بهذه الطهارة؟
فنقل المروذي ، وأبو الحارث ، ومحمد بن يحيى الكمال ، وإسحاق بن إبراهيم : لا يجوز المسح عليه.
ونقل أبو طالب أحب إليَّ أن يغسلهما جميعاً ثم يلبس، فقيل له: فإن فعل ما عليه يعني إذا غسل إحداهما وأدخلهما الخف، فقال: ليس عليه شيء، وإنما هو تأويل.
وجه الأولى أن اللبس أحد شرطي جواز المسح، فوجب أن يتقدمه طهارة كاملة كالحدث.
---
ووجه الثانية أنه حدث طرأ على طهر كامل فأباح المسح كما لو لبس الخفين على كمال الطهارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 96
ابتداء مدة المسح:
2 ـ مسألة: واختلفت في ابتداء مدة المسح.
فنقل الجماعة: بكر بن محمد ، والفضل ، وأبو الحارث ، وصالح : من وقت الحدث بعد لبس الخف.
ونقل أبو داود : من وقت فعل المسح بعد الحدث.
وجه الأولى: أن كل عبادة اعتبر فيها الوقت، فابتداء وقتها يحسب من الوقت الذي يمكن فعلها فيه. ولا يعتبر حالة فعلها كالحج والصلاة وغيرها.
ووجه الثانية: قول عمر، ولأنه لما كان كبقية المسح معتبراً بحالة المسح كان ابتداؤه به معتبراً، ومعناه أنه لو مسح في الحضر ثم سافر بنى على مسح مقيم، ولو أحدث ثم سافر بني على مسح مسافر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 96
في مدة المسح لمن سافر بعد ما مسح:
3 ـ مسألة: واختلفت فيمن أنشأ المسح في الحضر ثم سافر يكمل مسح مقيم أم مسح مسافر؟
فنقل صالح وعبد الله يكمل مسح مقيم يوماً وليلة، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر، فإذا تلبس بها في الحضر ثم سافر وجب أن يغلب فيها حكم الحضر، دليله الصلاة.(1/23)
ونقل المروذي ، والفضل بن زياد ، وأبو الحارث ، وإسحاق بن إبراهيم : يكمل مسح مسافر، لأنه قبل استكمال مدة الرخصة فأشبه إذا أحدث ثم سافر قبل أن يمسح. وقال أبو بكر بن جعفر المسألة على روايتين، وقال أبو بكر الخلال : نقل عنه أحد عشر نفساً أنه يكمل مسح مسافر. ورجع عن قوله يكمل مسح مقيم، فأبو بكر الخلال جعل المسألة رواية واحدة، وأنه يتم مسح مسافر، وغيره جعلها على روايتين، وهذا أشبه بكلامه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 97
الاكتفاء بغسل القدمين عند نزغ الخفين بعد المسح عليهما:
---
4 ـ مسألة: واختلفت إذا مسح عليهما ثم نزعهما في أثناء المدة أو بعد انتهائها هل يستأنف الوضوء أم يجزيه غسل رجليه؟
فنقل الجماعة صالح وحنبل وأبو داود ويوسف بن موسى يستأنف الوضوء. وهو أصح، لأنه ممنوع من الصلاة استباحتها بحكم الحدث فوجب أن يلزمه حكم الطهارة، دليله إذا أحدث.
ونقل محمد بن داود أبو جعفر بن داود المصيصي والميموني: إذا مسح على خفيه ثم خلع وغسل قدميه وصلى. أرجو أن يجزيه، وأومأ إليه أيضاً في رواية محمد بن موسى بن أبي موسى، وأحمد بن الحسين فقال: أعجب إلي، أو أحب أن يعيد الوضوء، لأن المسح على الخفين قائم مقام غسل الرجلين، فإذا بطل حكمه بظهور هذا وجب غسل ما قام المسح مقامه كالتيمم لما كان قائماً مقام غسل الأعضاء لزمه عند بطلانه غسل ما قام تحصيل التيمم مقامه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 97
تفضيل مسح الخفين على غسل القدمين:
5 ـ مسألة: واختلفت أيما أفضل المسح على الخفين أو غسل الرجلين؟
فنقل أبو منصور وصالح وبكر بن محمد عن أبيه عنه: المسح أفضل.
ونقل مهنا عنه أنه سئل: أيما أعجب إليك المسح على الخفين أو الغسل فقال: كله جائز ليس في قلبي من المسح ولا من الغسل شيء، وظاهر هذا أنهما سواء.(1/24)
وجه من قال: أن المسح أفضل ما روى صفوان بن عسال كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يمسح بعد سورة المائدة حتى قبضه الله إليه. وهذا إخبار عن دوام الفعل ولا يداوم على ترك الأفضل. ولأن القصر أفضل من الإتمام، كذلك ههنا، ومن قال هما سواء قال: قد تعارض فيهما دليلان: أحدهما دوام ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك، والثاني ما في الغسل من المشقة فتساويا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 98
مسائل في الحيض والاستحاضة والنفاس
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 100
الغسل من الجنابة حال الحيض:
---
1 ـ مسألة واختلفت في المرأة إذا حاضت وقد وجب عليها غسل الجنابة. هل يستحب لها الغسل في حال الحيض أم لا؟
نقل صالح عنه: إذا جامعها زوجها ثم حاضت قبل الغسل، فإن اغتسلت فلا بأس، وإن لم تغتسل فلا شيء عليها، فظاهر هذا أنه لا يجب لأن استدامة الحدث، يمنع صحة الغسل بدليل أن استدامة البول يمنع صحة الوضوء، وكذلك استدامة الحيض يمنع صحة الغسل من الحيض.
قال أبو حفص العكبري : وقد روي عنه أنها تغتسل رواه حنبل، قال سمعت أبا عبد الله يقول: إذا أجنبت ثم حاضت اغتسلت غسلها من الجنابة، وكذلك نقل المروذي إذا وطئها وهي حائض فعليها الغسل، واحتج بقوله تعالى:
وإن كُنتم جُنباً فاطَّهروا .
فظاهر هذا أنه يستحب الغسل، لأن الحدث الذي يوقع الغسل له هو الجنابة وقد انقطع ذلك الحدث فجاز أن يصح الغسل منه ولأن الحائض يستحب لها أن تغتسل عند الإحرام وإن كان الحدث موجوداً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 100
ما يجب بوطء الحائض مع العلم بالتحريم:
2 ـ مسألة: واختلفت إذا وطىء زوجته وهي حائض ـ مع العلم بالتحريم ـ هل يجب عليه كفارة؟
فنقل الجماعة منهم المروذي وإسماعيل بن سعيد يتصدق بدينار أو بنصف دينار. لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في الذي يأتي امرأته ـ وهي حائض ـ يتصدق بدينار أو بنصف دينار.(1/25)
ونقل أبو طالب يستغفر الله، ولا شيء عليه، لأن تحريمه لا لأجل عبادة فلم يجب به كفارة دليله الزنا واللواط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 101
ما تجلسه المبتدأه إذا استحيضت:
3 ـ مسألة: واختلفت في المبتدأة إذا استحيضت على أربع روايات:
نقل الميموني وغيره: أنه تجلس يوماً وليلة، وقال: أعجب من قول مالك أنها تجلس أكثر الحيض، لأن هذا هو اليقين، وما زاد عليه مشكوك فيه فجعل في حكم الطهر كسائر المستحاضات.
---
ونقل أبو داود : أنها تجلس غالب عادات النساء ستاً أو سبعاً، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنها لما حيضت في كل شهر حيضة اعتباراً يغالب عادات النساء، كذلك يجب أن تحيض ستاً أو سبعاً اعتباراً بغالب عادات النساء.
ونقل حنبل : أنها ترد إلى عادة أقربائها فحسب، لأن ذلك أقرب إلى عادتها. ونقل علي بن سعيد ويوسف بن موسى : تجلس أكثر الحيض لأنه زمان يصح فيه وجود الحيض فجاز أن تجلسه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 101
ما تجلسه المستحاضة الناسية لزمان حيضها وعدده:
4 ـ مسألة: واختلفت في الناسية للوقت والعدد.
فنقل حنبل تحيض اليقين يوماً وليلة. من كل شهر، لأن ما زاد عليه مشكوك فيه.
ونقل محمد بن الحكم وعبد الله : تحيض ستاً أو سبعاً من كل شهر، وهو اختيار الخرقي، لأنه غالب عادات النساء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 102
التكرار المعتبر لإلحاق الدم الزائد عن العادة بها:
5 ـ مسألة: واختلفت في المعتادة إذا رأت الدم زيادة على عادتها في زمان لا يمكن أن يكون حيضاً، هل ينتقل إليه بدفعتين أم بثلاث؟
فنقل حنبل وابن ابراهيم أنها تنتقل بدفعتين، لأن العادة مأخوذة من المعاودة، وقد وجد ذلك في الدفعة الثانية فيجب أن تحصل عادة.(1/26)
ونقل أبو داود والمروذي وحنبل ومحمد بن الحكم . لا تنتقل حتى تتكرر ثلاثاً، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأن ما اعتبر فيه المعاودة فأقله ثلاث بدلالة الإقراء في حق الحرة المعتدة والمشهور في حقها أيضاً وتعليم الكلب لا يثبت حتى يتكرر منه ترك الأكل وأقله ثلاث، ولأن العادة في حق خصوص النساء وهو ابتداء حكم الحيض لم يثبت بأقل من ثلاث فكذلك في حق عمومهن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 102
الدم العائد بعد الطهر في العادة قبل التكرار:
---
6 ـ مسألة: واختلفت فيمن لها عادة، فحاضت في بعضها وطهرت بعضها وعاودها الدم بعد الطهر في بقية العادة هل يكون هذا الدم بعد الطهر في بقية العادة حيضاً في هذا الشهر الأول أم لا؟
فنقل الأثرم ويعقوب بن بختان يكون حيضاً لأنه صادف زمان العادة.
ونقل بكر بن محمد لا يكون حيضاً حتى يتكرر لأنه دم رأته عقب طهر فلم يثبت بأول مرة دليله لو رأته بعد أيامها والأولى أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 102
وطء المستحاضة:
7 ـ مسألة: واختلفت في جواز وطء المستحاضة. فنقل الميموني جوازه على الإطلاق، لأنها في حكم الطاهرة في باب العبادات. الصلاة، والصيام، وقراءة القرآن، كذلك الوطء.
ونقل المروذي . لا يجوز إلا عند الضرورة وخوف العنت، لأن الحائض منع من وطئها لأجل الأذى، وهذا موجود في المستحاضة. قال أبو حفض العكبري . قد روى عنه في وطء المستحاضة قولان: والاختيار أن يتوقى ذلك، فإن وطىء فلا كفارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 103
وطء المبتدأة إذا طهرت بعد يوم واحد:
8 ـ مسألة: واختلفت في المبتدأة إذا رأت الدم يوماً وانقطع ورأت الطهر، هل يكره وطؤها في ذلك الطهر فيما دون خمسة عشر؟
فنقل الفضل بن زياد : لا يكره، لأنها رأت الطهر الخالص في غير أيام العادة، فأشبه لو رأته بعد خمسة عشر يوماً.(1/27)
ونقل إسحاق بن هانىء عنه لا يعجبني، وتتوقى حتى تعلم أيامها مرتين أو ثلاثة، لأن الدم لو عاودها في هذه الأيام جاز أن يكون حيضاً فكره أن يطأها كالنفساء، إذا انقطع دمها دون الأربعين. وهكذا يتخرج في المعتادة إذا رأت الطهر في بعض أيامها ولم يتكرر بها ذلك، هل يكره وطؤها فيه؟ على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 103
أقل الحيض:
9 ـ مسألة: واختلفت في أقل الحيض.
---
فنقل حنبل والأثرم والمروذي : أقله يوم، لأن المرجع في ذلك إلى الوجود، وقد وجد حيض معتاد يوماً فلهذا كان حيضاً.
ونقل عبد الله : يوم وليلة، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنه حكم معتبر بالأيام محدود الأقل والأكثر فكان أقله يوماً وليلة كالمسح على الخفين، ويمكن أن يجمل قوله أن أقله يوم، أراد به بليلته، فتكون المسألة رواية واحدة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 103
أكثر الحيض:
10 ـ مسألة: اختلفت في أكثر الحيض.
فنقل الجماعة منهم أبو داود والفضل بن زياد والميموني، وإسحاق بن إبراهيم: أكثره خمسة عشر يوماً، وهو أصح، لأن ما زاد على الخمسة عشر يوماً لا يكون حيضاً دليله العشرون، ولأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال:
تجلس إحداكن شطر دهرها لا تصلي وشطر الشيء نصفه.
ونقل ابن منصور وأومأ إليه في رواية المروذي: أكثره سبعة عشر يوماً، لأن المرجع في ذلك إلى الوجود. وقد وجد من تحيض سبعة عشر يوماً. ولأن السبع عشرة، يبقى معها من الشهر طهر صحيح وهو الثلاث عشرة، فجاز أن يكون حيضاً كالخمسة عشر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 104
ابتداء مدة النفاس لمن ولدت أكثر واحد:
11 ـ مسألة: واختلفت إذا ولدت توأمين هل يحسب ابتداء نفاسها من حين انفصال الأول أو بعد انفصال الثاني؟ على روايتين نقلهما مهنا.
إحداهما أنه يحتسب من بعد انفصال الأول، وهو أصح لأن الولادة تقع على الأول، ألا ترى أنه لو علق طلاق زوجته بالولادة طلقت بولادة الأول فاحتسب النفاس منه.(1/28)
والثانية: أنه يكون أوله من الولد الأول وآخره من الولد الثاني.. لأن كل ولد تعلقت به مدة النفاس إذا كان مفرداً تعلقت به إذا كان توأماً أصله الأول، فعلى هذه الرواية يكون آخره من الولد الثاني. وإن زاد على الأربعين من ولادة الأول، وعلى الرواية الأولى إذا كان بين الولدين أربعون يوماً لم يكن بعد الثاني نفاس.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 104
كتاب الصلاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 109
مسائل في مواقيت الصلاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 109
آخر الوقت المختار لصلاة العصر:
1 ـ مسألة: واختلفت الرواية عن أحمد في آخر وقت العصر المختار.
فنقل إسحاق بن إبراهيم : آخر وقتهاه إذا صار ظل كل شيء مثله، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي في اليوم الأول لما صار ظل كل شيء مثله، وفي اليوم الثاني لما صار ظل كل شيء مثليه وقال الوقت ما بين هذين.
ونقل الأثرم وصالح وابن منصور: آخر وقتها ما دامت الشمس بيضاء فإذا اصفرت خرج وقتها المختار. لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي قال: وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
آخر وقت صلاة العشاء المختار:
2 ـ مسألة: واختلفت في آخر وقت العشاء الآخرة المختار فنقل إسحق بن إبراهيم: آخر وقتها إذا ذهب ثلث الليل، وهو اختيار الخرقي.
ونقل عبد الله: آخر وقتها إذا ذهب نصف الليل وهو أصح، لأنه قد روى الأمران جميعاً والأخذ بالزائد أولى إلا أن الأخبار قد تطابقت على ثلث الليل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
التغليس بصلاة الصبح:
3 ـ مسألة: أيما أفضل التغليس بصلاة الصبح أم الإسفار؟
فنقل حنبل
عنه: أرى تغليس الصبح، ولا أرى أن يصلي حتى يتبين له ضوء الفجر. وظاهر هذا أن التغليس أفضل لكل حال.(1/29)
ونقل عبد الله والحسن بن ثواب : يغلس إلا أن يشق على الجيران ويكون أرفق بهم إسفارها. وظاهره أن التأخير أفضل إذا كانت الجماعة تتوفر. وجه الأولى عموم قول النبي : أول الوقت رضوان الله وأخره عفو الله .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
وجوب صلاة العصر على المرأة إذا حاضت في وقت الظهر:
---
4 ـ مسألة: واختلفت في المرأة إذا حاضت في وقت الظهر، هل يلزمها قضاء العصر لإدراكها وقت الظهر؟
فنقل عبد الله : يلزمها ذلك، لأنه يلزمها ظهر يومها فلزمها عصر يومها كما لو حاضت في وقت العصر. ونقل أبو الحارث والفضل أنه لا يلزمها فضاؤها، لأنها حاضت وقت الظهر فلم يلزمها صلاة العصر كما لو حاضت قبل وقت الظهر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 110
مسائل في الأذان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 111
أذان الجنب:
5 ـ مسألة: واختلفت هل يعتد بأذان الجنب؟
فنقل حرب أنه يعتد به، لأنه أحد الحدثين فلم يمنع من صحة الأذان، كالحدث الأصغر، لأنه ذكر يتقدم الصلاة فصح من الجنب كالخطبتين، وقد نص
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 111
من يقدم في الأذان عند المشاحة فيه:
8 ـ مسألة: واختلفت إذا تشاح نفسان في المنارة في الأذان في المسجد لا مزية لأحدهما على الآخر في عمارة المسجد ولا في التقدم قبله ورضي الجيران بأحدهما.
فنقل أبو داود أنه يقرع بينهما لما روي أبو هريرة أن رسول الله قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهمواعليه. وروى ابن شبرمة أن الناس تشاحوا في الأذان يوم القادسية فأقرع سعد بينهم في ذلك، ولأنهما قد تساويا في وجه لا يمكن تقديم أحدهما أشبه العتق في المرض لعبد من عبيده وطلاق امرأة من نسائه لا بعينها.
ونقل حرب : يقدم من رضي به الجيران، لأن نفسين لو تشاحا في الإمامة ورضي الجيران بأحدهما قدم كذلك ههنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 113
مسائل في صفة الصلاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 113(1/30)
صلاة من خفيت عليه القبلة وهو ليس من أهل الاجتهاد فصلى على حسب حاله:
---
9 ـ مسألة: قال أبو بكر إذا خفيت عليه القبلة ولم يكن من أهل الإجتهاد وصلى على حسب حاله فهل يعيد. على قولين يعني وجهين:
أحدهما يعيد أصاب أو أخطأ، لأنه إذا صلى بغير اجتهاد فهو كمن صلى بغير طهارة ولا تيمم، فإنه يعيد كذلك ههنا. والثاني: لا يعيد، لأنه صلى على حسب حاله فهو كما لو اجتهد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 114
حد رفع اليدين عند التكبير في الصلاة:
10 ـ مسألة: إذا رفع يديه في تكبيره الإحرام فإلى أي موضع يرفعهما؟
نقل أبو الحارث يرفع يديه إلى فروع أذنيه. ونقل الجماعة يرفع إلى منكبيه واختلف أصحابنا فقال الخرقي ذلك سنة، وهو مخير في الرفع إلى منكبيه أو إلى فروع الأذنين.
وقال أبو حفص العكبري ، اختلفت الرواية عنه في حد الرفع، وكلاهما موافق للسنة، قال: والذي اختار أن يجعل يديه حذاء منكبيه، وإبهاميه عند شحمة أذنيه، فتحصل أطراف أصابعه عند فروع أذنيه، فيكون قد أخذ بالأحاديث كلها وظاهر كلام أبي حفص أن المسألة على روايتين:
إحداهما: يرفع إلى فروع الأذنين. والثانية: إلى المنكبين.
وظاهر كلام الخرقي أن المسألة رواية واحدة، وأنه مخير في أيهما شاء، لأن ابن عمر روى أن النبي رفع إلى منكبيه، ومالك بن الحويرث روى أنه رفع إلى فروع أذنيه والذي نص عليه شيخنا أبو عبد الله في الخلاف أنه يرفع إلى حذو منكبيه نص عليه أحمد في رواية الأثرم فقال: أما أنا فأذهب إلى المنكبين إلى حديث ابن عمر ومن ذهب إلى أنه يرفع إلى فروع أذنيه فحسن وأنا أذهب إلى المنكبين ولفظ حديث ابن عمر رضي الله عنه رواه أحمد بإسناده عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وكذلك روى أبو هريرة وعلي بن أبي طالب وأبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله رفع يديه حذو منكبيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 114
الاستعاذة في كل ركعة:
---(1/31)
11 ـ مسألة: واختلفت في الاستعاذة هل تستحب في كل ركعة؟ فنقل أبو طالب المشكاتي : أنها تختص بالركعة الأولى، لأنها تتقدم القراءة فلم تستحب في الركعة الثانية كالاستفتاح ونقل جعفر بن محمد : يستعيذ في كل ركعة، لأنها ركعة فيها قراءة فكان فيها استعاذة كالأولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 115
استعاذة المأموم في الصلاة الجهرية:
12 ـ مسألة: واختلفت في المأموم هل يستعيذ في الصلاة التي يجهر فيها الإمام؟ فنقل مهنا وابن منصور : لا يستعيذ قياساً على القراءة، ونقل الأثرم وأحمد بن إبراهيم الكوفي : يستعيذ، لأنه ذكر يسر به الإمام فلم يسقط عن المأموم كالتسبيح والتشهد، ويفارق هذا القراءة يجهر فيها الإمام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 116
وضع اليدين تحت السرة حال القيام في الصلاة:
13 ـ مسألة: واختلفت في أي موضع يضع يديه فنقل الفضل بن زياد : أنه يضع اليمين على الشمال تحت السرة، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح لما روى أبو هريرة قال أمر رسول الله بأخذ الأكف على الأكف تحت السرة. وروى أبو جحيفة عن علي عليه السلام ـ قال: من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة.
ونقل عبد الله قال أبي رأيت إذا صلى وضع يمينه على شماله فوق السرة، وهذا يحتمل أن يكون ظناً من الراوي أنها كانت على السرة، ويحتمل أن يكون سهواً من أحمد في ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 116
قراءة الفاتحة في الصلاة:
14 ـ مسألة: واختلفت في قراءة الفاتحة هل تتعين في الصلاة؟
فنقل الجماعة، منهم: إسحاق بن إبراهيم ، وأبو الحارث ، وعلي بن سعيد : أنها تتعين لأن القراءة ركن من أركان الصلاة فوجب أن يكون متعيناً دليله الركوع والسجود، ولأنها صلاة تعرت عن فاتحة الكتاب مع القدرة فلم يصح كما لو لم يقم الصلاة.
---
ونقل حرب : أنها لا تتعين، وأنه إن قرأ غيرها جاز، لأن الفاتحة سورة من القرآن فلم يتعين فرض القراءة فيها قياساً على سائر السور.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 117(1/32)
قراءة الفاتحة في كل ركعة:
15 ـ مسألة: واختلفت هل تجب القراءة في كل ركعة؟
فنقل الجماعة وجوبها في كل ركعة، لأنها صلاة تتكرر فيها القراءة فوجب أن يتكرر في كل ركعة دليله صلاة الصبح. وكل ركعة وجب فيها القيام وجب فيها القراءة كالأولتين.
ونقل عبد الله وجوبها في ركعتين، لأنها لو كانت واجبة في جميع الركعات لم يخلف موضعها في الجهر والإخفات في الصلوات التي يجهر فيها، ألا ترى أنها لما كانت واجبة في صلاة الفجر في جميع الركعات لم يختلف فلما اختلف موضعها في الجهر والإخفات دل على أنها غير واجبة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 117
البسملة من الفاتحة:
16 ـ مسألة: واختلفت في بسم الله الرحمن الرحيم هل هي من فاتحة الكتاب؟.
فنقل الجماعة منهم عبد الله ، ومهنا ، وإسحاق بن إبراهيم ، وابن مشيش ، وحنبل ، وأبو طالب ، أن قراءتها تستحب في الصلاة، وإن سها أن يقرأها أجزأته صلاته، وهذا يدل على أنها ليست آية من الفاتحة، وقال في رواية يعقوب بن بختان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم كما في المصحف فإن لم يقرأ لم تفسد صلاته، ولكن ينبغي أن يقرأها. وهذا يدل على أنها ليست بآية منها. لأن موضع الآي يجري مجرى الآي نفسها، بدليل أن من رام إثبات آية في موضع من القرآن كمن رام إثبات آية في القرآن، وأجمعنا على أن إثبات آية في القرآن لا يكون إلا بأخبار متواترة، كذلك مواضع الآي يجب أن تجري ذلك المجرى وليس ههنا خبر متواتر يدل على أنها من فاتحة الكتاب ولا من كل سورة، ونقل أبو زرعة الدمشقي ، وأحمد بن إبراهيم الكوفي: أنها إحدى آياتها لما روى أبو هريرة عن النبي أنه قال: الحمد سبع آيات. إحدى آياتها بسم الله الرحمن الرحيم.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 117
الجمع بين السور في الركعة الواحدة:
17 ـ مسألة: واختلفت هل يكره أن يجمع بين السورتين في ركعة واحدة.(1/33)
فنقل عبد الله في الرجل يقرأ السورتين في كل ركعة من الظهر والعصر لا بأس به، لما روى ابن شبرمة أن ابن عمر كان يقرأ عشر سور في كل ركعة. وروى أبو وائل عن عبيد الله أن النبي كان يقرأ سورتين في كل ركعة.
وروت عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله يصل بين السور إلا المفصل.
ونقل ابن منصور عنه: لا بأس بذلك في التطوع فأما الفريضة فلا. قال أبو حفص العكبري : العمل على ما روى الجماعة من الجواز. وجه رواية ابن منصور ما روى ابن جابر صاحب الخلاف قال: حدثنا أحمد بن منصور قال: حدثنا أبو حنيفة قال: حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي العالية عمن سمع النبي قال: لكل سورة ركعة.
قال: وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا وكيع عن معمر بن موسى عن أبي جعفر قال لا يقرن بين السور في ركعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 118
قراءة أواخر السور في الصلاة:
18 ـ مسألة: هل يكره قراءة أواخر السور:
فنقل المروذي أنه كان يكره ذلك، وقال: سورة أعجب إلي. ونقل حرب وصالح : قد فعل ذلك بعض التابعين، وأرجو. قال أبو حفص: إن قرأ سورة من المفصل وآخر سورة آل عمران والفرقان أكرهه لما فيه من تنكيس القرآن، وإن قرأ سورة السجدة ونحوها ومن آخر سورة الأحزاب ونحوها فلا بأس. وجه من قال أنه مكروه ما روى النجاد وابن جابر بإسناد عن أبي العالية، عمن سمع رسول الله قال: أعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود.
---(1/34)
وروى: أعطِ كل سورة حقها من الركوع والسجود. ووجه من قال لا يكره: ما روى عبد الصمد قال: كنت جالساً عند الحسن فسأله رجل عن الرجل يقرأ في الصلاة ببعض هذه السورة وبعض هذه السورة قال: فقال الحسن: غزوت إلى خراسان في جيش فيه ثلاثمائة رجل من أصحاب النبي ، فكان أحدهم يؤم أصحابه في الفريضة فيقرأ بخاتمة البقرة، وخاتمة الفرقان، وبخاتمة الحشر، وكان بعضهم لا ينكر على بعض. وروى إبراهيم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ في الركعة الأخيرة في الفجر بآخر البقرة وآخر آل عمران.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 119
القراءة من وسط السورة في الصلاة:
19 ـ مسألة: واختلفت هل تكره القراءة من وسط السور؟
فنقل صالح أما آخر السورة فأرجو، وأما وسطها فلا، وظاهر هذا الكراهة، ووجهه ما تقدم من قول النبي :لكل سورة ركعة. ومن قوله أعطوا السورة حظها من الركوع والسجود.
ونقل حرب وأحمد بن هشام الأنطاكي فيمن يقرأ مع فاتحة الكتاب آية أو آيتين فقال: إذا كانت آية كبيرة مثل آية الدين، وآية الكرسي. فظاهر هذا جواز ذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج. وقال أبو عبد الله الصنابحي : قدمت المدينة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فصليت وراء أبي بكر رضوان الله عليه المغرب فقرأ بالأولى بأم القرآن وسورة من المفصل. ثم قرأ في الثانية بأم الكتاب وبهذه الآية: ربنا لا تزغ قلوبنا... الآية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 120
إعادة ما قرىء سراً مما يجهر به في الصلاة الجهرية:
20 ـ مسألة: واختلفت فيمن خافت بالقراءة في موضع الجهر ساهياً. هل يعيد القراءة؟
فنقل أبو داود : يعيدها، لأن النبي جهر وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي.
---
ونقل الأثرم والفضل بن زياد لا يعيدها، لأن الجهر هيئة، وترك الهيئات لا توجب الإعادة كمن ترك الرمل في الطواف والسعي في السعي، فإنه لا يعيد كذلك ههنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 121(1/35)
سجود السهو لأجل الجهر في موضع الإسرار أو عكسه:
21 ـ مسألة: واختلفت هل يسجد للسهو لأجل الإخفات في موضع الجهر، والجهر في موضع الإخفات؟
فنقل أبو داود : أنه يسجد، وهو اختيار الخرقي لقول النبي : لكل سهو سجدتان.
ونقل صالح وابن منصور والأثرم والمشكاتي : ليس عليه سجود، ونقل المشكاتي: إن سجد لم يضره.. فظاهر هذا أن السجود غير مسنون، وإنما هو جائز، لأن هذا ترك هيئة فلم يجبر كبقية الهيئات، وكما لو ترك الرمل والاضطجاع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 121
القراءة في الصلاة بقراءة تخرج عن مصحف عثمان:
22 ـ مسألة: واختلفت فيمن قرأ في صلاته بقراءة تخرج عن مصحف عثمان رضي الله عنه نحو قراءة ابن مسعود وغيره.
فنقل إسحاق بن إبراهيم فيمن قرأ بقراءة عبد الله: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله، وكالصوف المندوف، لا يصلى خلفه. فظاهر هذا أن صلاته تبطل، ولأن هذه القراءة تتضمن زيادة ونقصاناً وذلك لا يجوز (إلا) من جهة توقيف متواتر ونقل إسماعيل بن سعيد ، وحنبل : إذا قرأ بقراءة تثبت عن عبد الله فصلاته جائزة، ولا أحب أن يقرأها، لأن قراءة عبد الله كانت مستفيضة.
وروي عن إبراهيم أنه قال: كنا نعلم ونحن صبيان قراءة عبد الله بن مسعود وعن سعيد بن جبير أنه كان يصلي بهم فيقرأ قراءة عبد الله ليلة، وبقراءة زيد ليلة، وهذا يدل على أنها كانت مستفيضة عندهم، وإنما انقطع النقل بعد ذلك، فجاز إثبات ذلك بالنقل المستفيض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 122
قول المنفرد في الرفع من الركوع ربنا ولك الحمد:
23 ـ مسألة: واختلفت في المنفرد هل يقول ربنا ولك الحمد؟
---
فنقل عبد الله أنه يقوله كالإمام لأنه مسنون في حق الإمام فكان مسنوناً في حق المنفرد كقوله: سمع الله لمن حمده، ولأنه لما سن له أن يقول: سمع الله لمن حمده سن له أن يقول: ربنا لك الحمد كالإمام.(1/36)
ونقل إسحاق بن إبرهيم ق لا يقول ذلك، لأنه لا يتحمل سهو غيره، ولأنه لا يجهر بالقراءة في الصلاة التي يجهر فيها فلم يكن من سنته الجمع بين قول: سمع الله لمن حمده، وبين قول: ربنا لك الحمد كالإمام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 123
ما يقول الإمام والمنفرد في حالة الاعتدال من الركوع:
24 ـ مسألة: واختلفت هل يزيد الإمام والمنفرد في حال الاعتدال من الركوع على ملء ما شئت من شيء بعد.
فنقل الفضل بن زياد عنه فيقول ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد قيل له فيقول بعدها: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت. فقال: لا يزيد على شيء بعده هكذا روي عن النبي (في) حديث ابن أبي أوفى وحديث أبي سعيد. قال أبو بكر الخلال فيما حكاه أبو حفص عنه في كتابه: سها الفضل في حفظه، أحسب أن أبا عبد الله: قال: لا يزيد عليه، حديث ابن أبي أوفى، وفي حديث أبي سعيد الزيادة.
ونقل أبوالحارث : سألت أحمد إذ قال: سمع الله لمن حمده فليقل ربنا ولك الحمد، وإن شاء قال: اللهم ربنا لك الحمد، ويقول: ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وإن شاء قال بعدها: أهل الثناء والمجد. قال أبو عبد الله: وأنا أقول ذلك. قلت: إن صلى وحده أو كان إماماً يقول ذلك؟ قال نعم إن كان إماماً أو صلى وحده قال أبو جعفر : ليس العمل في هذا الباب على ما روى الفضل، لأنه لا يزيد على ما شئت من شيء بعد لما ذكرنا من الأحاديث.
---
وجه ما رواه الفضل، وهو اختيار الخرقي ما روى أبو حفص بإسناده عن أبي عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله إذا قال سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض. وملء ما شئت من شيء بعد.(1/37)
ووجه ما رواه أبو الحارث: ما رواه أبو حفص بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 123
السجود على الأنف:
25 ـ مسألة: واختلفت في السجود على الأنف هل يجب؟
فنقل حرب: إن سجد على جبهته دون أنفه لم يجزه لقول النبي : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة والأنف، قال أبو حفص بن المسلم : يجزيه، لأن الأنف من الجبهة فجاز أن يسجد على بعض العضو كما يسجد على بعض الأكف.
ونقل الحارث : إن سجد على جبهته دون أنفه أجزأه، وهو أصح لأن أحمد قد أجاز السجود على كور العمامة. وذلك لما روى في حديث ابن عمر وأنس أن النبي قال: إذا سجدت فمكَّن جبهتك من الأرض ـ فظاهر هذا أنه إذا مكن جبهته أجزأه، وإن لم يكن (أنفه) لأنه قد أتى بالسجود على الجبهة فأجزأه كما لو أتى به مع الأنف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 124
صلاة من ائتم بمن يخالفه في بعض شروط الصلاة أو أركانها اجتهاداً:
26 ـ مسألة: واختلفت فيمن صلى خلف من أخل بشرط من شرائط الصلاة مثل: إن كان لا يرى الوضوء من مس الذكر، ولا من خروج النجاسات من غير السبيلين، ولا يرى الوضوء من أكل لحم الجزور، أو أخل بركن من أركانها، مثل: أن لا يرى قراءة الفاتحة أو لا يرى القراءة في جميع الركعات أو لا يعتدل في ركوعه وسجوده هل تبطل صلاة المأموم؟
---
على روايتين: إحداهما تبطل صلاته قال في رواية الميموني عن إمام لا يتم الركوع والسجود يعيد الصلاة من صلى خلفه، لأنه لا صلاة له، ولا لمن صلى خلفه، وكذلك قال في رواية جعفر بن محمد: إذ صلى خلف إمام لا يقرأ بفاتحة الكتاب يعيد الصلاة.(1/38)
والثانية: لا تبطل صلاته قال في رواية إبراهيم بن الحارث فيمن صلى خلف من عليه جلود الثعالب فقال: إذا تأول قوله أيما إيهاب دبغ فقد طهر صلى خلفه.. قيل له: كيف وهو مخطىء في تأويله؟ فقال: وإن أخطأ في تأويله ليس من تأول كمن لم يتأول. وكذلك قال في رواية أبي داود فيمن صلى خلف من لا يرى الوضوء من مس الذكر، وقد علم أنه قد مس يصلى خلفه، وكذلك نقل الأثرم فيمن صلى خلف من احتجم ولم يتوضأ، فإن كان ممن يتدين بهذا وأنه لا وضوء فيه لا يعيد، وإن كان يعلم أنه لا يجوز فتعمد يعيد.
وجه الأولى: أنه لا يخلو إما أن يكون جاهلاً أو عالماً، فإن كان جاهلاً فحاله، فإن المأموم يعذر فيما جهل من حالة الإمام كما لو صلى خلف محدث وهو لا يعلم، وإن كان عالماً بحاله عذر لأن العلم بطرق مسائل الخلاف خفي لا يعلمه إلا أهل العلم فعذر بذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 126
صلاة المنفرد إذا أخل بشرط يسوغ فيه الاجتهاد من غير تأويل ولا تقليد:
27 ـ مسألة: واختلفت فإن صلى منفرداً وأخل بشرط من شرائط الصلاة من غير تأويل ولا تقليد وكان ذلك الشرط مما يسوغ فيه الاجتهاد... فظاهر كلامه أن صلاته تبطل. قال في رواية الميموني : إذا صلى وقد مس فرجه من غير تأويل تأمره بالإعادة؟ (قال: نعم). قيل له: فإن طالت الأيام؟ قال يعيد على القرب اليوم واليومين... فأما إذا طال ذلك فلا... وظاهر هذا أنه لا تجب الإعادة لأنه أسقطها إذا كثرت ويتخرج فيه ما ذكرنا إذا ما ائتم بغيره فيكون على روايتين:
إحداهما: البطلان، لأن فرضه التقليد وقد أخل بفرضه.
والثانية: الصحة، لأن طرق المسائل خفية فعذر في ذلك.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 127
السجود على كور العمامة:
28 ـ مسألة: واختلفت في السجود على كور العمامة.
فنقل أبو داود : إذا سجد عليها لم يعد، وظاهر هذا الإجزاء، وهو اختيار أبي بكر لأنه عضو من أعضاء السجود فجاز السجود على حائل دونه، دليله القدمان.(1/39)
ونقل أبو طالب : لا يسجد على كور العمامة، ويمكن أن يحمل على طريق الاختيار والاستحباب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 127
جلسة الاستراحة:
29 ـ مسألة: واختلفت في جلسة الاستراحة.
فنقل أبو طالب وغيره: لا يجلس، ويقوم على صدور قدميه، وهو ا اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنه أشق على المصلي، والفضيلة تحصل بحسب المشقة بدليل طول القيام.
ونقل عبد الله والمروذي يجلس على التيه، وهو اختيار أبي بكر الخلال وأبي بكر عبد العزيز. قال أبو بكر الخلال: رجع أبو عبد الله عن قوله الأول. ونقل الجماعة أنه يجلس على أليته لما روي عن النبي في حديث أبي حميد ومالك ابن الحويرث أنه كان يجلس على أليته إذا رفع من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 127
صلاة من ترك التسبيح ساهياً:
30 ـ مسألة: واختلفت فيمن ترك التسبيح في الركوع والسجود ساهياً، فنقل أبو الحارث : الصلاة صحيحة، وهو اختيار الخرقي، لأن هذا الركن قربه في نفسه فصح بغير ذكر.
ونقل حنبل صلاته باطلة نص على ذلك في المنفرد إذا ترك بعض التكبر ساهياً قال: يعيد الصلاة، وإن كان مأموماً لم يعد كذا وجدته في مسائل حنبل لأنه ذكر لا يسقط في الصلاة بالعمد فلم يسقط بالسهو كالقراءة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 128
موضع التشهد الأول في حق من أدرك مع الإمام ركعة من صلاة المغرب:
---
31 ـ مسألة: واختلفت فيمن أدرك مع الإمام ركعة من صلاة المغرب. هل يجلس في الثانية؟ فنقل حرب : لا يجلس في الثانية، ولكن يجلس في الثالثة، لأن ما يقتضيه أول صلاته، وليس في الأولى من صلاة المغرب جلوس.
ونقل صالح وابن مشيش : يجلس فيها وفي الثالثة فيجتمع له ثلاث جلسات لأنها وإن كانت أولة في الحكم فهي ثانية في الفعل فلهذا جلس فيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 128
موضع التشهد الأول في حق من أدرك مع الإمام ركعة من صلاة رباعية:(1/40)
32 ـ مسألة: واختلفت أيضاً فيمن أدرك ركعة من صلاة الظهر ثم قام يقضي. هل يجلس عقيب الثانية أم لا؟
فنقل حرب عنه: أنه لا يجلس. ونقل صالح والميموني : أنه يجلس عقيب الثانية. وقد ذكر أبو بكر الروايتين في باب الإمامة، والوجه فيها ما تقدم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
صلاة من ترك الصلاة على النبي :
33 ـ مسألة: واختلفت إذا ترك الصلاة على النبي في التشهد الأخير فنقل أبو زرعة الدمشقي عنه أنه قال: كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي أمر فمن تركها في الصلاة أعاد الصلاة. لأن الصلاة عبادة يفتقر صحتها إلى ذكر الله عزّ وجلّ، فافتقرت إلى ذكر النبي كالأذان.
ونقل المروذي عنه وقد حكى له قول ابن راهويه فيمن ترك الصلاة على النبي يعيد؟ فقال لا أتجرأ أن أقول هذا. وظاهر هذا أن الصلاة لا تبطل بتركها عمداً أو سهواً. لأنه تشهد في الصلاة فلم تجب فيه الصلاة على النبي كالتشهد الأول، وأنه ذكر يفعل بعد التشهد وقبل السلام فلم يكن واجباً كالاستعاذة من أربع: وقال الخرقي: إن تركها عامداً بطلت صلاته، وإن تركها ساهياً فالصلاة صحيحة اعتباراً بالتشهد الأول والتسبيح في الركوع والسجود والتكبير غير تكبيرة الإحرام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
صفة الصلاة على النبي :
---
34 ـ مسألة: واختلفت في صفة الصلاة على النبي ، فنقل عبد الله يقول: اللهم صل (على) محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وهو اختيار الخرقي رحمه الله.
ونقل المروذي: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. قال أبو بكر الخلال: لم يضبط المروذي عن أبي عبد الله كيف حكى الصلاة على النبي .
والوجه في ذلك: أن كليهما مروي عن النبي . فمن أثبت الصلاة على إبراهيم قال هو زائد، فكان الأخذ به أولى، ومن حذف ذكر إبراهيم قال: لأن الرواية المشهورة بحذفه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 129
حكم التسليمة الثانية في الصلاة:(1/41)
35 ـ مسألة: واختلفت في التسلمية الثانية هل هي واجبة؟
فنقل هارون بن يعقوب الهاشمي وغيره أنها واجبة، لأنها إحدى التسليمتين فشابهت الأولى.
ونقل أبو زرعة : أنها غير واجبة، لأن النبي كان يسلم بتسليمة واحدة ولأنها صلاة فجاز أن يخرج منها بتسليمة كالجنازة والنوافل فإن الرواية لا تختلف في ذلك أنه يخرج منها التسليمة واحدة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 130
المقصود بالسلام في التسليمة الثانية:
36 ـ مسألة: لا يختلف أصحابنا في التسليمة الأولى أنه ينوي بها الخروج من الصلاة لا غيره، واختلفوا في الثانية فقال شيخنا أبو عبد الله: هي كالأولى وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله في رواية أحمد بن الحسين فقال: ينوي بالسلام الخروج من الصلاة، فإن نوى على الملكين ومن خلفه فلا بأس، وإن كان منفرداً نوى بالثانية الحفظة، وكذلك نقل علي بن سعيد عنه إنما يخرج به من الصلاة.
---
وقال أبو حفص العكبري : إن كان مأموماً نوى بالثانية الرد على الإمام والحفظة والخروج من الصلاة. وظاهر كلامه في التسليمتين جميعاً. ولعل أبا حفص اختار رواية أبي زرعة، وأنه يخرج من الصلاة بالتسليمة الأولى وتكون الثانية مستحبة، واستحب أن ينوي به بالسلام على الحفظة. والرد على الإمام لما روى سمرة قال: أمرنا رسول الله أن نسلم على إمامنا، وأن يسلم بعضنا على بعض. وروى عروة بن الزبير أن رسول الله قال:لا تسبقوا قارئكم بالركوع والسجود ولكنه يسبقكم، فإذا كان التسليم فسلموا على نبيكم وسلموا على قرَّائكم، وسلموا على أنفسكم إذا انصرفتم.
وعن أبي هريرة : كان إذا سلم الإمام قال: السلام عليك أيها القارىء.(1/42)
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ كان إذا سلم الإمام رد عليه. والدلالة على أنه لا يزيد في ذلك على نية الخروج أن الصحيح من المذهب أن كذلك في الثانية يخرج بها من الصلاة كاولألى ثم لا يستحب ذلك في الأولى الثانية. ولأنه قبل أن يكمل السلام هو في صلاة فإذا نوى بذلك السلام على الحفظة والإمام فقد قصد خطاب آدمي في الصلاة فكره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 130
ما يقنت فيه من الصلوات عند النوازل:
37 ـ مسألة: واختلفت إذا نزل بالمسلمين نازلة هل يقنت الإمام في جميع الصلوات المفروضات؟
فنقل عبد الله : لا يقنت إلا في الفجر، لأن النبي قنت فيها، ولم يقنت في غيرها من الصلوات.
ونقل المروذي : يقنت في الفجر والمغرب، وهو اختيار أبي بكر، وقد روي عن النبي أنه قنت في الفجر والمغرب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
مسائل في قضاء الفوائت
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
تقديم الصلاة الحاضرة على الفائتة عند ضيق وقت الحاضرة:
---
38 ـ مسألة: واختلفت في الترتيب في قضاء الفوائت هل يسقط مع ضيق الوقت؟ فنقل صالح والأثرم وإبراهيم بن الحارث وأبو داود أنه يسقط، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأن فوات إحدى الصلاتين وفعل الأخرى في وقتها أولى من فواتها.
ونقل الحسن بن ثواب : أن الترتيب لا يسقط، وهو اختيار أبي بكر الخلال، لأنه ترتيب لا يسقط مع سعة الوقت، فلم يسقط مع ضيقه دليله: ترتيب الركوع على السجود، وعندي أن المسألة رواية واحدة، وأنه يسقط، لأنه قال في رواية مهنا في رجل نسي صلاة فذكرها عند حضور صلاة الجمعة يبدأ بالجمعة، هذه يخاف فوتها فقال له: كنت أحفظ عنك أنك تقول إذا صلى وهو ذاكر لصلاة فاتته أنه يعيد قال: كنت أقول، فظاهر هذا أنه رجع عن ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 132
تقديم الجماعة للصلاة الحاضرة على قضاء الفائتة:(1/43)
39 ـ مسألة: فإن حضرت صلاة الوقت في جماعة وعليه فائتة والوقت متسع. إلا أنه لا يطمع في جماعة أخرى في آخر الوقت. فهل يقدم صلاة الوقت ويسقط الترتيب أم لا؟.
فنقل صالح عنه في الذي يقضي الفائتة فتحضر صلاة مكتوبة ويسمع الإقامة لا يصلي حتى يخاف الفوات لوقت هذه الصلاة. وظاهر هذا أن الترتيب لا يسقط، لأن حضور الجماعة ليس بشرط في الصحة، ولترتيب شرط في الصحة فكان تقديمه أولى.
---
ونقل ابن منصور عنه فيمن يقضي صلوات فائتة فيحضر الصلاة: صلى في الجماعة إذا كان لا يطمع أن يقضي الفوائت كلها إلى آخر وقت هذه الصلاة التي حضرت، فإن طمع قضي الفوائت ما لم يخش فوات الوقت. ظاهر هذا أنه اختار تقديم صلاة الوقت في جماعة إذا لم يعلم أن الوقت يتسع لقضاء جميع ما عليه من الفوائت، وهو اختيار أبي حفص، لأنه إذا لم يتسع الوقت لجميع ذلك كان فعل البعض في جماعة وبعضه فرادى أولى من فعل جميعه فرادى، وقل نقل أبو داود: إذا كان عليه فوائت فأدركته الظهر يصلي مع الإمام ويحسبها من الفوائت فيصلي الظهر في آخر الوقت لا يصلي وعليه فائتة حتى يخشى الفوات، وهذا محمول على أن الفائتة كانت ظهراً. فلهذا تبع الإمام فيها لاتفاق النية. (ما يصنع من ذكر صلاة فائتة وهو إمام في صلاة حاضرة). فإن ذكر الفائتة وهو في الصلاة وهو إمام. قال أبو بكر : لم يروها غيرها، وفيها دلالة على بطلان الاستخلاف. وعندي أن هذه المسألة مبنية على أنه ذكر والوقت واسع فيكون في حقه نفلاً والمنتفل لا يؤم المفترض على الصحيح من الروايتين، ولا يجوز له الاستخلاف أيضاً على إحدى الروايتين. فلهذا استأنفوا الصلاة. وقوله ينصرف وهو معناه أن ينصرف من الإمامة. فأما إن ذكر والوقت ضيق. فإن صلاته صحيحة وإمامته باقية لسقوط الترتيب في هذه الحال، وإذا ذكر في الصلاة وهو مأموم فقال في رواية الأثرم: إذا ذكر وهو في الصلاة فإن كان وحده قطع ثم صلى التي ذكر، وإن كان خلف إمام مضى فيها، ويصلي(1/44)
التي ذكر ثم يعيدها وهذه المسألة أيضاً محمولة على أن المأموم ذكر والوقت واسع فإنها تكون نقلاً، ويقضي الفائتة ويصلي صلاة الوقت. فأما إن كان الوقت ضيقاً فإنه يمضي في صلاته، وإنما يختلفان في أنه إذا كان إماماً وكان الوقت واسعاً لبطلت صلاة المأمومين لما ذكرنا. ويكون ذكره للفائتة مع سعة الوقت كذكره لحدث في الصلاة أن صلاتهم تبطل
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 133
(تذكر المنفرد لصلاة فائتة أثناء التلبس بصلاة حاضرة) وأما إن ذكر وهو منفرد فقال في رواية الأثرم والحسين بن حسان ويوسف بن موسى يقطع الصلاة. وقال في رواية حنبل يمضي فيها وتكون نقلاً. وعندي أن قوله يقطعها معناه يقطعها عن نية الفرض لا أنه يبطلها من أصلها كما قلنا في الإمام والمأموم. وقد روى ابن عمر أن النبي قال: من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع إمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته قضى المذكورة وليعد التي صلى مع الإمام.
فقد حكم النبي بصحة الصلاة التي هو فيها وجعلها نفلاً. إلا أن أصحابنا ـ رضي الله عنهم ـ حملوا الكلام على ظاهره فقال أبو بكر : لا يختلف قوله أنه إذا كان وراء إمام أنه يمضي، واختلف إذا كان منفرداً فروى عنه يقطع الصلاة وروى عنه يمضي فيها وهو أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 133
الترتيب بين الفوائت إذا نسي المتقدم منها:
40 ـ مسألة: فإن كان عليه صلاتان فائتتان من يومين لا يعلم السابق منهما فنقل الأثرم عنه: إذا نسي الطهر والعصر من يومين لا يدري أيهما قبل الأخرى عمل عمل أكثر ظنه وقضى.
ظاهر هذا أنه يتحرى في الأولى منهما. ونقل مهنا عنه: يصلي وينوي أنها الظهر ثم يصلي وينوي أنها العصر.
وجه الأول: أن هذا اشتباه في صفة الأداء فهو كاشتباه القبلة وعدد الركعات فإنه يتحرى في ذلك كذلك ههنا، ولأنا إذا جعلنا الظهر أولته احتمل أن تكون العصر هي الفائتة أولاً فاحتاج إلى التحري.(1/45)
وجه الثاني: أن التحري إنما يكون إذا كان هناك إمارة تدل على الحكم وليس ههنا إمارة تدل على الأولى فوجب أن يرجح في ذلك إلى ترتيب الشرع فيتقدم الظهر على العصر، فهو كما لو نسي صلاة من يوم فقضي صلاة يوم مرتباً، ويفارق هذا عدد الركعات لأنه يبني على غالب ظنه، ويرجع إلى قول المأمومين ويفارق القبلة. لأن عليها إمارة ظاهرة.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 135
مسائل فيما يبطل الصلاة أو يكره فيها
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 135
بطلان الصلاة بمرور المرأة والحمار الأهلي بين يدي المصلي:
41 ـ مسألة: واختلفت في المرأة والحمار الأهلي هل يقطعان الصلاة؟
فنقل ابن منصور : يقطعان الصلاة لقول النبي : ثلاث يقطعن الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود .
ونقل حبيش بن سندي وأبو طالب وصالح لا يقطعان الصلاة، لأن المرأة آدمية فلا تقطع الصلاة كالرجال، ولأن الحمار بهيمة ينتفع بظهره كالبغل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 135
حد عورة الرجل:
42 ـ مسألة: واختلفت في حد عورة الرجل فنقل المروذي وعبد الله وأحمد ابن هشام : حدها من السرة إلى الركبة لقول النبي لعلي كرم الله وجهه: غط فخذك فإن الفخذ عورة.
ونقل مهنا : حدها القبل والدبر، لأن النبي كشف فخذه بحضرة أبي بكر وعمر وغطاه بحضرة عثمان، والأول أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 136
حد عورة أم الولد:
43 ـ مسألة: واختلفت في حد عورة أم الولد فنقل الأثرم : أنها كالحرة فقال تغطي شعرها وقدميها. وكذلك نقل أبو طالب عنه أنه قال: هي في جميع أحوالها أمه في الحد والجناية، وإن ماتت فمالها لسيدها. فقيل له: في القناع في الصلاة فقال: يحتاط لها لأنها لا تباع فهي بالحرة.
ونقل عنه: أن عورتها عورة الأمة الفن وهو اختيار الخرقي، لأن حكمها حكم الإماء في جميع أمورها إلا في العقد على رقبتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 136
سقوط القيام في الصلاة عمن صلى عرياناً:
---(1/46)
44 ـ مسألة: لا تختلف الرواية أن العراة إذا صلوا جماعة أن المستحب أن يصلوا جلوساً فإن صلوا متفرقين بحيث لا يشاهد بعضهم بعضاً فهل يكره أن يصلوا قياماً؟ فنقل الأثرم : إذا توارى بعضهم عن بعض فلا بأس أن يصلوا قياماً. وقال في رواية أبي طالب في القوم إذا كانوا عراة: لا يصلون قياماً إذا ركعوا أو سجدوا بدت عوراتهم، فجعل العلة ظهور العورة. وهذا موجودة في الخلوة وهو الصحيح، لأن الستر في الصلاة حق الله، ولهذا لو صلى وحده ويجد الستارة عرياناً لم تصح صلاته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
سقوط السجود في الصلاة عمن صلى عرياناً:
45 ـ مسألة: واختلفت في العريان إذا صلى جالساً هل يومىء في سجوده أم يسجد بالأرض؟ فنقل إبراهيم الحربي يومىء، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح لأنه إذا سجد بالأرض بدت عورته فإذا أومأ لم تبدِ. فلهذا قلنا: يصلي جالساً حتى لا تبدو عورته.
ونقل المروذي : يسجد بالأرض، وهذا محمول على أنه يلصق بطنه بالأرض بحيث لا تبدو عورته، ولأن السجود آكد من القيام بدليل أنه يسقط القيام لعدم الستارة ولا يسقط السجود.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
السجود على الماء:
46 ـ مسألة: واختلفت فيمن كان في ماء هل يومىء في سجوده أو يسجد على متن الماء؟
فنقل المروذي روايتين: إحداهما: يومىء لأن الماء ليس بقرار فهو كما لو صلى على الراحلة فإنه يومىء، والثانية: يسجد على متن الماء. وعندي أنه لم يرد وجوب السجود على نفس الماء، لأن الماء ليس بقرار، لكن يومىء بحسب ما يقدر عليه من القرب إلى الأرض وإن غاص وجهه في الماء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 137
الكلام العمد في الصلاة لمصلحتها:
---(1/47)
47 ـ مسألة: واختلفت في الكلام عامداً في الصلاة لمصلحتها. فنقل حرب وحنبل : يبطلها، وهو أصح، لأنه تكلم في صلاته عامداً فأبطلها كما لو كان مأموماً. ونقل صالح إن كان إماماً لم تبطل صلاته، وإن كان مأموماً بطلت وكذلك نقل المروذي، وهو اختيار الخرقي، لأن النبي تكلم في الصلاة وبنى عليها.
قال أبو حفص الكعبري : ونقل أبو طالب الصلاة صحيحة في حق الإمام والمأموم، لأنه يقصد به تنبيه الإمام لمصلحة الصلاة فهو كالتسبيح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
الكلام في الصلاة لغير مصلحتها سهواً:
48 ـ مسألة: واختلفت في الكلام ساهياً لغير مصلحة هل تبطل صلاته؟
فنقل المروذي وإسحاق بن إبراهيم والمشكاتي ومحمد بن الحكم إبطال الصلاة وهو أصح، لأنه ليس من جنس ما هو مشروع في الصلاة فأبطلها سهوه كالحدث.
ونقل يوسف بن موسى وأبو الحارث : صحة الصلاة، لأنه خطاب آدمي على وجه السهو، فلم تبطل الصلاة كما لو سلم من ركعتين ساهياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
الإتيان قبل السلام بذكر مشروعيته بعد السلام:
49 ـ مسألة: واختلفت إذا قال في صلاته قبل السلام: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. هل تبطل صلاته؟
فنقل أبو طالب : لا بأس بذلك، لأن ذلك ثناء على الله عزّ وجلّ وتعظيم له فهو كالتشهد وكالتسبيح.
ونقل جعفر بن محمد: ليس ذلك من شأن الصلاة، ويستأنف الصلاة، لأن هذا الدعاء لم يرو أنه سنة قبل الس
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 138
الاستخلاف بعد سبق الحدث:
---(1/48)
53 ـ مسألة: واختلفت في جواز الاستخلاف ـ فنقل صالح ومهنا : إذا أحدث استخلف. ونقل أحمد بن سعيد : إذا أحدث استقبلوا الصلاة ولم يستخلف. كنت أذهب إلى الإستخلاف وعندي أن هذا الاختلاف مبني على بطلان الصلاة. فإن قلنا: إن صلاته قد بطلت بالحدث لم يستخلف، لأن صلاتهم قد بطلت أيضاً، وإن قلنا: إن صلاته لم تبطل بل يبني عليها فإنه يستخلف وقد اختلفت الرواية هل تبطل صلاتهم إذا سبقه الحدث؟.
فنقل صالح ومهنا : يستخلف، وهذا يدل على أن صلاتهم لم تبطل، لأن الإمام ممنوع من الصلاة لأجل الحدث، فلم تبطل كذلك صلاة المأمومين، كما لو ذكر أنه محدث بعد الفراغ من الصلاة. وقد روى أبو هريرة عن النبي قال: إذا صلى أحدكم فرعف أو قاء فليضع يده على أنفه وينظر رجلاً من القوم لم يسبق بشيء من الصلاة فيقدمه . وهذا يدل على صحة صلاتهم.
ونقل علي بن سعيد، أنهم يعيدون الصلاة، لأنه ائتم بمن لا تصح صلاته فبطلت صلاته، دليله إذاترك القراءة ناسياً أو ذكر الحدث في صلاته أن صلاتهم تبطل كذلك ههنا. وقد نقل ابن منصور : إذا قهقه الإمام في صلاته يعيد ويبنون على صلاتهم. وظاهر هذا أن صلاتهم لم تبطل.
ويتخرج في ذلك لوايتان كالحدث إذا لحقه في الصلاة، ونقل ابن مشيش وابن أصرم المزني : إذا لم يقرأ يعيد ويعيدون، فخرج من هذا أن كل موضع بطلت صلاة الإمام هل تبطل صلاة المأموم؟ على روايتين، إلا في موضع، وهو إذا ذكر الحدث بعد الفراغ من الصلاة فإن صلاتهم لا تبطل رواية واحدة استحساناً لأجل السنة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 141
بناء المستخلف إذا كان مسبوقاً على صلاة الإمام:
---(1/49)
54 ـ مسألة: واختلفت إذا كان المستخلف مسبوقاً هل يبتدىء الصلاة أم يبني، وإنما تصح المسألة إذا كان خروجه بعذر أو بحدث لحقه، وقلنا: إن طريان الحدث لا يبطل صلاته وصلاتهم فنقل إسحاق بن هانىء إذا استخلف رجلاً قد فاتته ركعة إن شاء استأنف وإن شاء بنى على الصلاة الأولى، فإذا أراد أن يسلم يقدم رجلاً فيسلم بهم ويتم هو صلاته، ونقل صالح : يبني وهو أصح لما روي عن النبي أنه قال: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا.
والذي أدركه هو بقية صلاة الإمام، فيجب أن يصليه ثم يقضي بعد ذلك، ولأنه قائم مقام الأول.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 142
الأكل والشرب اليسيران في صلاة التطوع:
55 ـ مسألة: واختلفت فيمن أكل أو شرب في صلاة التطوع، فنقل حرب وحنبل : الصلاة صحيحه، لأنه عمل يسير أشبه المشي اليسير.
ونقل صالح وأبو داود : الصلاة باطلة، لأنه يبطل الصوم فأبطل الصلاة كالجماع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 142
سؤال الرحمة والتعوذ من العذاب في الصلاة عند مرورهما في القراءة:
55 ـ مسألة: واختلفت إذا كان في صلاة فريضة فمرت به آية رحمة هل يسألها أو آية عذاب هل يستعيذ بالله منه؟
فنقل حرب عنه: لا يعجبني ذلك في المكتوبة، لأن زمان الوقوف ليس بموطن للدعاء، فيأتي بالدعاء في غير محله، ولا يقطع نظم القراءة ولأنه يترك القراءة ويأتي بغيرها.
ونقل الفضل بن زياد أن ذلك في التطوع، قيل له: ويدعو بمثل ذلك في الفرض؟ قال: نعم، لأن النبي كان يفعله فروى حذيفة قال: صليت خلف رسول الله فما مر بآية رحمة إلا سألها ولا بآية عذاب إلا استعاذ منها ثم قرأ سورة آل عمران وسورة النساء مثل ذلك فهممت بأمر بسوء. فقيل له: ما هو؟ قال: أردت أن أقطع الصلاة.
ولم ينقل أنه كان يخص ذلك بصلاة النفل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 142
مصافة المرأة:
---
56 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا صلت المرأة إلى جنب الرجل هل تبطل صلاته؟(1/50)
فقد توقف أحمد في ذلك، وقال أبو بكر الخلال : لا تبطل صلاته، لأنه لو تقدمها الرجل في الموقف لم تبطل صلاته فإذا ساواها فيه لم تبطل صلاته. ذليله لو وقف إلى جنب عبد أو صبي، وقال أبو بكر وصاحبه في كتاب الخلاف: تبطل صلاته، لأنه خالف مسنون الموقف فهو كما لو وقف فذاً خلف الصف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 143
مسائل في سجود التلاوة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 143
عدد سجدات القرآن:
57 ـ مسألة: واختلفت في عدد سجود القرآن، فنقل صالح وعبد الله والأثرم والفضل بن زياد : أنها خمسة عشر.
ونقل المروذي وحرب : أنها أربعة عشر، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، والخلاف في سجدة (ص).
فإن قلنا: إنها من عزائم السجود فوجهه أن من يقول: إنها سجدة شكر يعلقها بالتلاوة، وكل سجدة تعلقت بالتلاوة فإنها من سجدات التلاوة. دليله سائر سجدت القرآن.
وإن قلنا ليست من عزائمه فوجهه ما روى أبو سعيد الخدري، قال: قرأ رسول الله سجدة (ص) على المنبر فنزل فسجد وسجد الناس ثم قرأها ثانية فتهيأ الناس للسجود، فنزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قال: لم أرد أن أسجد لأنها توبة نبي، فلما رأيتكم قد تشرفتم سجدت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 143
متابعة المصلي لمن يقرأ خارج الصلاة في سجود التلاوة:
---
58 ـ مسألة: واختلفت إذا سمع السجدة من القارىء وهو في الصلاة هل يجوز له أن يسجد؟ فنقل يوسف بن موسى وأحمد بن الحسين : إذا سمع السجدة وهو في صلاة فأحب إليَّ أن يسجد، ولو كان في غير صلاة فليس عليه. فظاهر هذا أنه قد استحب له ذلك، لأنه قاصد إلى الاستماع، فأشبه لو سمعها من إمامه أو سمعها وهو خارج الصلاة. ونقل محمد بن الحكم : إذا سمع السجدة فلا يسجد أخشى أن تفسد صلاته عليه، وكذلك روى عبد الله قال: لا يدخل في صلاته ما ليس معها، وهو اختيار أبي بكر، وهذا أصح، لأن سبب السجود هو التلاوة، ولم يوجد ذلك السبب في الصلاة فلم يجز السجود، أصله سجود الشكر.(1/51)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 144
السلام من سجود التلاوة:
59 ـ مسألة: واختلفت هل يجب السلام في سجود التلاوة؟ فنقل عبد الله : إذا رفع رأسه من السجود فإن شاء سلم فإن لم يفعل فلا بأس، وكذلك نقل الكوسج قال: يكبر إذا سجد، وأما السلام فما أدري ما هو؟ وكذلك نقل بشر ابن موسى، وقد سأله عن الرجل يسجد للتلاوة هل يسلم إذا رفع رأسه، فقال: روي عن بعضهم أنه كان يسلم، ولا بأس به وإن لم يسلم، وذلك لأن هذا السلام يفعل في حال الجلوس فلو كان مسنوناً لكان فيه تشهد. ألا ترى أن الفرائض والنوافل لما كان فيها سلام كان فيها تشهد، ولما لم يكن فيها تشهد لم يكن فيها سلام؟ ونقل الأثرم أنه يسلم ولا يتشهد، وهو اختيار الخرقي، لأنها صلاة لها تحريم، فكان لها تحليل دليله صلاة النافلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
مسائل في السهو والسجود له
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
بناء الإمام على غالب ظنه إذا شك في عدد الركعات:
---
60 ـ مسألة: واختلفت في الإمام إذا شك في صلاته هل يبني على اليقين أم على غالب ظنه؟ فنقل ابن القاسم عنه: أنه قال: لا آخذ بالتحري، وكذلك نقل أبو داود عنه: لا أذهب إلى التحري، ويبني على الأقل، وهو اختيار أبي بكر لأنه مصلٍّ شك في عدد الركعات فيجب أن يبني على اليقين كالمنفرد فإنه لا يختلف المذهب أنه يبني على اليقين كذلك الإمام، ونقل أبو طالب : يتحرى فإن قاموا قام وإن سبحوا به تحرى. وهو اختيار الخرقي، لأن الإمام معه إمارة ظاهرة على السهو وهم المأمومون. فجاز التحري والرجوع إلى تلك الإمارة كالتحري في القبلة لما كان عليها إمارة ظاهرة على إصابتها تحري فيها، ويفارق هذا المنفرد لأنه ليس معه إمارة تدل على سهوه فلهذا بنى على اليقين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
ما يفعل من نسي أربع سجدات من أربع ركعات:
61 ـ مسألة: واختلفت فيمن نسي أربع سجدات من أربع ركعات.(1/52)
فنقل بكر بن محمد : أنه يستأنف الصلاة، لأنه يحتاج أن يلغي عملاً كثيراً في الصلاة، فيجب أن تبطل صلاته.
ونقل علي بن سعيد والأثرم : الصلاة صحيحة، ويسجد في الحال سجدة فيأتي بثلاث ركعات، لأنه زاد في الصلاة ما هو من جنسها سهواً، فيجب ألا يبطلها كما لو ترك سجدة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 145
تكرار السجود للسهو بتكرار السهو:
62 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا سها في صلاته سهوين أو أكثر من جنسين مثل إن كان بعضه من نقصان وبعضه من زيادة هل يسجد لكل سهو سجدتين؟ فذكر أبو بكر وجهين: أحدهما أنه يجزىء فيه سجدتان، وهو المنصوص في رواية صالح وابن منصور، لأنه لو كان لكل سهو سجدتان لأتى بهما عقب كل سهو كسجود التلاوة، فلما ثبت أنه لا يأتي بهما عقب السهو ثبت أنه أخره ليجبر به كل سهو في الصلاة. والوجه الثاني: لكل سهو سجدتان، لأن الصلاة عبادة يدخلها الجيران فلم تتداخل كالحج.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 146
سجود السهود للزيادة التي لا يبطل عمدها الصلاة:
63 ـ مسألة: واختلفت فيمن زاد في صلاته على وجه السهو زيادة لا يبطل الصلاة عمدها مثل أن قرأ في الأخريين من الظهر والعصر والعشاء، والركعة الأخيرة من المغرب بسورة مع الفاتحة أو صلى على النبي في التشهد الأول أو دعا بشيء يدعو به في التشهد الأخير أو قرأ في موضع تشهده أو موضع ركوعه وسجوده أو تشهد في موضع قيامه ونحو ذلك.
فنقل أبو الصقر وقد سأله عن الرجل يتشهد في قيامه ناسياً أو قرأ بأم الكتاب في جلوسه للتشهد هل يسجد للسهو؟ فقال: إنما يسجد من سلم من السجدتين أو قعد في الثالثة أو أراد أن يقعد فقام، وظاهر هذا أنه لم يرَ في ذلك سجود السهو.
وقال أيضاً: في رواية الميموني وأحمد بن هشام إذا قرأ في الأخيرتين بالحمد وسورة لا يسجد، لأن هذه الزيادة لا يبطل الصلاة عمدها، فإذا فعلها ناسياً لم يسجد لها، دليله العمل في الصلاة.(1/53)
ونقل الجماعة أنه يسجد لذلك قال في رواية صالح فيمن قرأ في جلوسه أو تشهد في مكان القراءة ناسياً: يسجد للسهو. ونقل إسحاق بن إبراهيم فيمن صلى على النبي في التشهد الأول، أو قال في ركوعه سمع الله لمن حمده: يسجد للسهو.
ونقل أبو طالب عنه فيمن سها فقرأ في الأربع بالحمد وسورة: يسجد للسهو لأن هذه زيادة في الصلاة من طريق القول، فيجب أن يسجد لها دليله إذا سلم من ركعتين وإذا تكلم ناسياً، وقلنا: إن الصلاة لا تبطل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 146
محل سجود السهو:
64 ـ مسألة: واختلفت إذا كان سهوه عن زيادة في الصلاة هل يسجد للسهو قبل السلام أم بعده؟
---
فنقل الحسن بن علي عنه أنه قال: العمل عندنا في سجود السهو على حديث النبي قبل السلام في النقصان وبعد السلام في الزيادة، وظاهر هذا أنه يجسد قبل السلام إذا كان نقصان فإنه يقع به جيران الصلاة، فكان في أثنائها، وإذا كان عن زيادة فلا يقع به الجيران فكان محله بعد السلام.
ونقل ابن بدينا لولا ما كان عنه يعني النبي لكان السجود قبل السلام لأنه من تمام الصلاة، لكن حديث ذي اليدين سلم من ركعتين فسجد بعد السلام. وظاهر هذا أن ما عدا ذلك يسجد له قبل السلام، وهو أصح، لأن الزيادة في الصلاة نقصان في المعنى بدليل أنها تبطل بذلك كما تبطل بالنقصان ثم ثبت أنه إذا سها عن نقصان سجد قبل السلام كذلك الزيادة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 147
محل سجود السهو للزيادة:
65 ـ مسألة: واختلفت إذا صلى خمساً ساهياً هل يسجد قبل السلام أو بعده؟
نقل حرب وأبو داود : يسجد قبل السلام، وهو أصح، لما بينا أن الزيادة في الصلاة نقصان في المعنى.
ونقل صالح وابن منصور يسجد بعد السلام لما روي أن النبي صلى خمساً فلما انفتل قالوا هل زيد في الصلاة؟ قال: لا. قالوا: صليت خمساً سجد سجدتين ثم سلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 147
اتخاذ المسجد مبيتاً ومقيلاً:(1/54)
66 ـ مسألة: واختلفت الرواية عن أحمد هل يكره اتخاذ المسجد مبيتاً ومقيلاً؟
فروى إبراهيم بن هانىء ، ويعقوب به بختان عنه أنه قد رخص في المبيت في المسجد وقال: إن وفداً قدموا على رسول الله فأنزلهم المسجد، وظاهر هذا نفي الكراهة.
ونقل صالح وابن منصور عن أحمد أنه سئل عن النوم في المسجد فقال: إذا كان رجلاً على سفر وما يشبهه. وأما أن يتخذ مقيلاً فلا. ومثل ذلك نقل أبو داود، وظاهر هذا يقضي المنع.
---
وجه الألى: وأنه جائز غير مكروه، ما روى ابن عمر قال: كنا على عهد رسول الله ننام في المسجد ونقيل فيه ونحن شباب. وفي لفظ آخر قال: ما كان لي مبيت ولا مأوى على عهد رسول الله إلا المسجد. وروى طرفة الغفاري وكان من أصحاب الصفة قال رسول الله : إن شئتم نمتم عندنا، وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد فنمتم فيه، فقلنا: بل ننطلق إلى المسجد. ووجه الثانية وإنه مكروه ما روي عن ابن عباس أنه قال: أما أن نجعله مبيتاً ومقيلاً، فلا، وروي عن مجاهد أن عبد الله كان لا يرى أحداً ينام في المسجد إلا أخرجه، وفي لفظ آخر: رأيت ابن مسعود يعس المسجد ليلاً فلا يدع سواداً إلا أخرجه إلا رجلاً يصلي. ومن ينصر هذه الرواية يجيب عما يحتج به القائل الأول بأن ذلك كان في صدر الإسلام، وكان بالمنازل قلة وضيق. فلهذا أنزلهم النبي المسجد. وكان يقيل فيها بعض الصحابة ثم اتسع عليهم فزال ذلك بدليل ما رويناه عن ابن عباس وابن مسعود، ولم أجد نصاً صريحاً عن النبي بالنهي عن ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 148
سجود المأمومين للسهو إذا تركه الإمام:
67 ـ مسألة: واختلفت إذا سها الإمام فلم يسجد هل يسجد المأمومون؟
فنقل المروذي أنهم يسجدون، لأن سهو الإمام يدخل به النقص على صلاته وصلاة المأمومين، لأن صلاة المأموم تكمل بصلاة الإمام فنقصت بنقصانها، فإذا ترك الإمام إكمال صلاته لزم المأموم إكمال صلاة نفسه كما لو تركا معاً سجدة من نفس الصلاة.(1/55)
ونقل يوسف بن موسى : لا يسجدون، لأن ذلك إنما يلزمه بحكم سهو الإمام فإذا ترك الإمام السجود لم يتعلق على المأمومين، والأولى أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 149
موضع سجود المسبوق لسهو إمامه:
68 ـ مسألة: واختلفت في المسبوق إذا سها إمامه ويسجد للسهو فاتبعه في ذلك، فإذا قام فقضى ما فاته هل يعيد سجوده للسهو؟
---
نقل حنبل : أنه يسجد مع إمامه ويقضي ما فاته ويقضي سهوه، وهو أصح، لأنه قد دخل بذلك نقص على صلاته فعليه جيرانه بالسجود، وقد أتى به في غير موضعه، وإنما أتى به متابعة لإمامه فلزمه أن يأتي بالسجود في موضعه.
ونقل إسجاق بن إبراهيم : يسجد مع الإمام قبل أن يقضي ويقوم فيقضي، ولم يذكر إعادة سجود السهو، لأنه إنما يلحقه السهو بحكم سهو الإمام، وقد سجد مع إمامه فلم يلزمه شيء آخر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 150
رجوع المسبوق لسجود السهو مع الإمام إذا قام قبل أن يسجد الإمام:
69 ـ مسألة: فإن قام ولم يعلم بسهو إمامه ثم علم بعد أن اعتدل قائماً وأخذ في عمل الأخرى، هل يرجع فيسجد معه أم يمضي؟
فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث : إذا استتم قائماً يسجد بعد ما يقضي. وظاهر هذا أنه لا يرجع.
ونقل أبو الحارث : ينحط فيسجد معه ثم يقضي ما فاته. ونقل ابن منصور : ءن شاء قعد مع الإمام، وإن شاء مضى في صلاته ثم يسجدهما بعد. فظاهر هذا أنه مخبر.
وجه الأولى: إن هذا السجود ليس بشرط في صحة الصلاة، فهو كالتشهد الأول إذا سها عنه وذكره بعد القيام فإنه لا يرجع.
ووجه الثانية: أنه سجود يلزم متابعة الإمام فيه أشبه سجود صلب الصلاة.
ووجه الثالثة: أنه قد أخذ شبهاً من التشهد الأول ومن سجود صلب الصلاة فلهذا كان مخيراً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 150
صلاة من ترك سجود السهو:
70 ـ مسألة: في سجود السهو إذا تركه هل تبطل صلاته أم لا؟
---(1/56)
فنقل الأثرم عنه أنه سئل فيمن نسي سجدتي السهو فقال: إن كان من سهو خفيف فأرجو أن لا يكون عليه شيء، قيل له فإن كان فيما سها فيه النبي . فلم يجب فيه، قال الأثرم : وبلغنا أنه كان يستحب أن يعيد. وظاهر هذا أنه يقتضي أنه ما كان يوجبه. ونقل يعقوب بن بختان فيما حكاه شيخنا أنه يرجع ما كان في المسجد، وإن خرج وتكلم أعاد. وظاهر هذا أنه يعيد قال أبو بكر الخلال : اتفقوا عنه أنه يسجد بالقرب. فإن بعد فلا شيء عليه، وما نقله الأثرم أنه إذا لم يسجد يعيد، فيحتمل أن يكون سهواً ممن حكاه.
وجه من قال يعيد أنه سجود مفعول لتكملة الصلاة فبطلت بتركه دليله سجود صلب الصلاة.
ووجه من قال لا تبطل أنه جيران للعبادة فلم تبطل بتركه دليله الجيران في الحج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 151
مسائل في تطهير النجاسة والعفو عن يسير
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 151
العفو عن يسير بول الخفاش:
71 ـ مسألة: واختلفت في يسير بول الخفاش هل يعفى عنه في الثوب والبدن؟
فنقل أبو طالب في الرجل يكون في المسجد فيصيبه بول الخفاش فقال: أرجو أن لا يضر، وإن كان كثيراً غسل، لأنه في المساجد من لدن النبي وإلى وقتنا هذا فلولا أنه معفو عنه لما أقره في المساجد، كما عفي عن بول الحمام وروثه.
ونقل إسحاق بن إبراهيم عنه أنه سئل عن بول الخفاش فقال: يروى عن الشعبي فيه شيء، والذي أذهب إليه أن ما أكل لحمه فلا بأس ببوله، لأنه بول ما لا يؤكل لحمه فلا يعف عن شيء منه دليله بول الكلب والخنزير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 152
العفو عن يسير لعاب الحمار:
72 ـ مسألة: واختلفت أيضاً في يسير لعاب الحمار وعرقه إذا حكمنا بنجاسة عينه.
فنقل عبد الله في لعاب الحمار وعرقه يصيب الثوب فقال: أكرهه، وهو نجس أو رجس لأنه عرق من حيوان حكمنا بنجاسة عينه فلم يعف عن يسيره.
---(1/57)
دليله: عرق الكلب والخنزير. ونقل إبراهيم بن عبد الله بن مهران الدينوري في لعاب الحمار والبغل: إن كان كثيراً لا يعجبني. فظاهر هذا أنه عفي عن اليسير/ لأنه مختلف في تنجيسه فخف حكمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 152
العفو عن يسير القيء:
73 ـ مسألة: واختلفت أيضاً في يسير القيء.
فنقل أبو داود عنه في القلس هو مثل ما خرج من السبيلين.. فظاهر هذا أن يسيره كيسير البول. لأن ما ينافيه كثير القيء ينافيه يسيره. دليله الصيام. ونقل الميموني في القلس إذا ملأ الفم شبهه بالدم. لأنه خارج من غير السبيل فعفي عن يسيره. دليله الدم، فإن المذهب لم يختلف في العفو عن يسيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 152
العفو عن يسير المسكر يصيب الثوب:
74 ـ مسألة: واختلفت في يسير النبيذ.
فنقل حنبل عنه في الخمر: هو مثل البول قيل له: قطرة مسكر قال: من أقام المسكر مقام الخمر أنزله هذه المنزلة. فظاهر هذا أنه لم يعف عن يسيره لأنه شراب مسكر فلم يعف عن يسيره كالخمر.
ونقل بكر بن محمد في المسكر: إذا كان فاحشاً أعاد، وكذلك نقل أبو طالب إن كان قليلاً لم يعد، لأنه مختلف في نجاسته، فمنهم من يقول هو طاهر، فكان ذلك شبهة في يسيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 152
العفو عن يسير المذي:
75 ـ مسألة: واختلف في يسير المذي فنقل الحسن بن الحسين في المذي يصيب الثوب يغسل ليس في القلب منه شيء، لأنه خارج من الفرج لا يوجب الغسل فلم يعف عن يسيره كالبول. ونقل صالح في المني والمذي والودي: إذا فحش أعاد، وكذلك نقل أبو الصقر في المذي والدم في الثوب لا يكون قدر الدرهم فلم تجزه صلاته. لأن المذي جزء بدليل أنه يتولد عند الشهوة فكان شبهة في العفو عن يسيره. ولهذا أفسد الصلاة كالمني ولا تختلف الرواية في يسير المني أنه يعفى عنه. إذا قلنا إنه نجس.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
من صلى بثوب لم يعلم بنجاسته حتى فرغ من الصلاة:(1/58)
76 ـ مسألة: واختلفت إذا صلى وفي ثوبه نجاسة وهو غير عالم بها هل يعيد؟
فنقل أبو داود : يعيد في الوقت وبعد الوقت، لأن كل طهارة لا تصح الصلاة مع العلم بفقدها لا تصح مع الجهل بفقدها. دليله الطهارة من الحدث. ونقل أحمد بن الحسن الترمذي : إذا صلى في ثوب غير طاهر يطرحه ويبني على صلاته. لأن النجاسة مما نهى عنه وأمر بتركه فجاز أن يفرق بين عمده وسهوه كالأكل في الصيام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
طهارة أسفل الخف بالدلك:
77 ـ مسألة: واختلفت إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه بالأرض حتى زالت عنها.
فنقل الفضل بن زياد فيمن وطىء بنعله فأرة فتبين أثرها عليه: يغسله وقيل له فيمسحه؟ قال: لا. وكذلك نقل عبد الله : إذا كان السرجين رطباً في بغل أو حمار فيعجبني غسله، لأنه ملبوس نجس فلم تجز الصلاة فيه إلا بعد غسله كالثوب. ونقل عبد الله وقد سأله عن البول في النعل أو الخف هل هو مثل الثوب؟ فقال: أرجو أن يكون أخف.
وذلك لأن في غسله مشقة فعفي عنه كأثر الاستنجاء. ونقل ابن منصور عنه في الأرض يطهر بعضها بعضاً سوى البول والعذرة والرطبة. لأن نجاسة البول أغلظ، ولهذا يقول: إذا وقعت في ماء قدرة قلتين فصاعداً نجس وإن لم يتغير بخلاف غيره من النجاسات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 153
تطهير المذي بالرش:
---
78 ـ مسألة: واختلفت في المذي هل يجزىء فيه الرش؟ فنقل أبو داود وأبو طالب وصالح في المذي: أرجو أن يجزىء فيه النصح، والغسل أعجب إليّ، لما روي في حديث سهل بن حنيف قال: كنت ألقى في المذي عناء، فذكرت ذلك لرسول الله فقال: يجزيك أن تأخذ حثية من ماء فترش عليه . ونقل الحسن بن الحسين في المذي يصيب الثوب: يغسل ليس في القلب منه شيء لما روي في حديث حسين بن قبيصة عن علي قال: كنت رجلاً مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله فذكرت ذلك لرسول الله فقال: إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ فأمره بالغسل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 154(1/59)
طهارة البول والروث مما يؤكل لحمه:
79 ـ مسألة: واختلفت في بول ما يؤكل لحمه وروثه، فنقل عبد الله عنه، الأبوال كلها نجسة إلا بول ما يؤكل لحمه، وكذلك نقل المروذي لما روى البراء عن النبي أنه قال: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله .
ونقل الأثرم في بول الإبل يصيب الثوب: إن كان كثيراً فاحشاً يعيد، وكذلك نقل صالح : يتنزه عن جميع الأبوال فقيل له: أليس قد شربه قوم فقال: ذلك عند الضرورة، لأنه حيوان حكم بنجاسة دمه فحكم بنجاسة بوله دليله ما لا يؤكل لحمه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 155
طهارة مني الآدمي:
80 ـ مسألة: واختلفت في مني الآدميين فنقل خطاب بن بشر: يفركه أو يغسله، ولو كان نجساً ما كان الفرك يطهره فقد صرح بطهارته لقول النبي : امطه عنك بأذخرة إنما هو كبصاق أو مخاط.
ونقل عبد الله : إن كان فاحشاً أعاد، وكذلك نقل إسماعيل بن سعيد ومهنا وغيرهما، لأنه مائع خارج من الفرج يوجب الغسل فكان نجساً. دليله الحيض والنفاس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 155
مسائل في الصلاة في المواضع أو الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أو في لباس منهي عنه
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 156
---
بطلان الصلاة في المواضع المنهي عن الصلاة فيها:
81 ـ مسألة: واختلفت في المواضع المنهي عن الصلاة فيها إذا صلى فيها. هل تبطل صلاته؟
فنقل بكر بن محمد: إذا صلى في مواضع نهى النبي عن الصلاة فيها كمعاطن الإبل والمقبرة يعيد الصلاة. لنهي النبي عن الصلاة في سبعة مواطن. والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
ونقل أبو الحارث : إذا صلى في المقبرة أو الحمام يكره، فقيل له: يعيد؟ قال إن أعاد كان أحب إليّ وظاهر هذا أن الإعادة غير واجبة، لأنها بقعة طاهرة مستقبل بها القبلة فصحت الصلاة فيها. دليله غير المواضع المنهي عن الصلاة فيها.(1/60)
ونقل حنبل : إذا صلى في أعطان الإبل فإن كان جاهلاً ولم يعلم ولم يسمع الخبر عن النبي رجوت أن لا يلزمه، وإن كان قد سمع الخبر وفعل أعاد كما قلنا في التكبير خلف الصف فذاً، وإن كان يعلم فلم تصح تحريمته، وإن كان جاهلاً صحت صلاته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 156
الصلاة على سطح الطريق:
82 ـ مسألة: واختلفت في الصلاة على ساباط تحته طريق فنقل إسحاق بن إبراهيم لا يصلى فيه إذا كان من الطريق، ظاهر هذا المنع لأن ما تحته (ليس) بموضع للصلاة، كذلك ما فوقه لأن الهواء تابع للقرار، وهو في حكمه. ولهذا هواء الدار تابع لقرارها كذلك هواء الطريق يجب أن يكون تابعاً له. يبين صحة هذا على أصلنا أنه لا يجوز إشراع الجناح إلى الطريق كما لا يجوزبناء دكة في أسفله، ونقل محمد بن ماهان في ساباط يمر الناس تحته إذا صلى عليه: أرجو أن لا يكون به بأس، وإن صلى على ظهر مسجد وتحته نهر أخشى أن يكون النهر من الطريق، ظاهر هذا جواز الصلاة على ساباط تحته طريق ومنع الصلاة في مسجد على نهر، لأن الطريق قد تكون موضعاً للصلاة، وهو إذا اتصلت الصفوف والماء ليس بموضع للصلاة لأنه يمنع من الإتيان بأركان الصلاة، فكان الهواء تابعاً له في المنع بكل حال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 157
---
الصلاة في البقعة النجسة إذا فرشت بطاهر:
83 ـ مسألة: واختلفت في البقعة النجسة إذا بسط عليها بساطاً طاهراً فصلى.
فنقل المروذي عنه في البول: إذا جف فألقى عليه ثوباً فصلى فلم يعجبه، ظاهر هذا الكراهة، لأن هذا الموضع قد حصل مدفناً للنجاسة فهو كالمقبرة، ونقل ابن منصور وصالح وقد سئل عن المكان القذر يبسط عليه الثوب ويعلى عليه قال: إذا كان الشيء لا يعلق بالثوب فظاهر هذا أنه غير مكروه إذا لم يعلق بالثوب، لأن بينه وبين النجاسة حائل. فهو كما لو بنى عليها سقفاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 157
الصلاة في الثوب المغصوب:
84 ـ مسألة: واختلفت في الصلاة في الثوب المغصوب.(1/61)
نقل جماعة منهم عبد الله : إذا سرق ثوباً وصلى فيه ما هو بأهل (آمره بإعادة) صلاته لأن الصلاة قربة، فإذا وقعت على وجه محرَّم لم يصح، لأن المعاصي تنافي القرب وتضادها، فهو كما لو صلى في ثوب نجس. ونقل علي بن سعيد : فمن صلى في ثوب غصب لا آمره بإعادة الصلاة، لأن تحريم الغصب لا يختص الصلاة ولا يرجع إليها فيجب أن لا يؤثر في صحتها كما لو صلى وهو مانع لقضاء دين هو مطالب به متمكن من قضائه أو مانع لتسليم الوديعة. وعلى هذا الاختلاف إذا صلى في أرض غصب أو توضأ بماء غصب أو حج بمال غصب أو ذبح شاة بسكين غصب أو صلى في ثوب حرير جميع ذلك على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 158
صفة اشتمال الصماء المنهي عنها:
---
85 ـ مسألة: واختلفت في صفة اللبسة الصماء المنهي عنها فنقل حنبل: إذا كان عليه قميص فأخرج إزاره تحت يده فألقاه على عنقه لم يكن صماء، إنما الصماء إذا صنع ذلك وليس عليه إلا إزار واحد تبدو منه عورته، وظاهر هذا أن صفتها ثوب واحد يضطجع به، وهو ظاهر الخبر، لأنه قال في حديث أبي مسعود البدري نهى النبي عن لبستين أن يحتبي الرجل في ثوب واحد لا يكون بين عورته وبين السماء شيء تصيب مذاكره الأرض، وإن يلبس ثوباً واحداً يأخذ جوانبه على منكبيه، فتدعى تلك الصماء.
ونقل بكر بن محمد وقد سأله يلتحف الصماء فوق القميص فقال: لا يعجبني يروى عن ابن عباس أنه كرهه وإن كان عليه قميص وإن كان حديث النبي أنه ثوب واحد ولكن ابن عباس كرهه وإن كان عليه ثوب واحد
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 158
صفة التلثم المكروه في الصلاة(1/62)
86ـ مسألةواختلفت في صفة التلثم المكروه في الصلاة فنقلحنبل أن ذلك على الفم دون الأنف فقال: أكره تغطية الفم في الصلاة ولا بأس بالتلثم على الأنف لما روى أبو هريرة عن النبي أنه نهى عن السدل، وأن يغطي الرجل فاه في الصلاة فخص ذلك بالفم. ونقل صالح كراهة ذلك على الأنف أيضاً فقال: أكره التلثم في الصلاة والتلثم على أنفه، لأنه إذا تلثم على أنفه منعه ذلك من مباشرة الأرض في السجود على الأنف، وكره ذلك كما كره السجود على كور العمامة لأجل الحائل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 159
دخول أهل الذمة المسجد:
87 ـ مسألة: واختلفت في دخول أهل الذمة المسجد.
---
فنقل أبو طالب عنه، وقد سئل عن اليهودي والنصراني يدخلان المسجد فقال: لا، ظاهر هذا المنع، لأنه بيت الله عزّ وجلّ أشبه المسجد الحرام، ونقل الأثرم وقد سئل أيدخلون المسجد؟ فقال: ينبغي أن يتوقى، وقد روي في هذا حديث وفد ثقيف أتوا النبي فأنزلهم المسجد. ظاهر هذا أن منعهم من ذلك على طريق الأولى لا على طريق التحريم للخير الذي ذكره أحمد أن النبي أنزلهم المسجد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي:
88 ـ مسألة: واختلفت في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها هل يجوز فعل النوافل التي لها سبب فيها؟ على روايتين:
إحداهما: تجوز قال في رواية الفضل بن زياد، وحبيش بن سندي، وإسماعيل بن سعيد: تجوز صلاة الكسوف والآيات في غير وقت صلاة، وكذلك نقل مهنا: يجوز سجود القرآن بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس. وكذلك نقل المروذي : يقضي الوتر بعد طلوع الفجر. وكذلك نقل الأثرم : أحب إليَّ أن يقضي ركعتي الفجر عن الضحى فإن صلاهما بعد الفرض أجزأه... لأن هذه صلاة لها سبب، فجاز فعلها في الأوقات المنهي عنها دليله ركعتا الطواف. وإذا صلى الفرض وحضرت جماعة ثانية فإنه يصليها في هذه الأوقات.(1/63)
والثانية لا يجوز، قال في رواية بكر بن محمد: لا يصلي صلاة الكسوف نصف النهار وبعد العصر، وقال في رواية المروذي:
يصلي تحية المسجد إلا أن يكون وقتاً لا تجوز فيه الصلاة. وقال في رواية الأثرم لا يسجد للقرآن بعد طلوع الفجر. نقل المروذي وغيره: لا يصلي ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس، لأنها نافلة مقصورة في نفسها، فلم يجز فعلها في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها دليله التي لا سبب لها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 160
التنفل في جماعة بعد صلاة التراويح:
89 ـ مسألة: واختلفت في كراهية صلاة النوافل في جماعة بعد صلاة التراويح.
---
فنقل بكر بن محمد عن أبيه أنه سئل عن التعقيب في رمضان، فقال: أكرهه.
ويروى عن أنس أنه كرهه، ولكن يؤخرون القيام إلى آخر الليل كما قال عمر. ونقل المروذي وأبو طالب عنه، وقد سئل عن التعقيب وهو أن يصلوا التراويح ثم ينصرفون ثم يرجعون يصلون: لا بأس. قال أبو بكر ما رواه بكر بن محمد قول قديم، والعمل على ما رواه الجماعة أنه غير مكروه، وعندي أن المذهب غير مختلف في ذلك، وأنهم إذا صلوا في جماعة في آخر الليل لم يكره، وإنما يكره أن يجمعوا بعقب صلاة التراويح، لأنه قال في رواية بكر بن محمد أكره ذلك، ولكن يؤخرون من آخر الليل، وقال في رواية أبي طالب: لا بأس إذا صلوا التراويح وانصرفوا ثم عادوا فأجاز ذلك بعد التراويح بزمان. وقد روي في ذلك عن عمر أنه قال: يدعون أفضل الليل آخره، وفي لفظ آخر: الساعة التي تنامون أحب إليَّ من الساعة التي تقومون.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
مسائل في الوتر
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
الوتر بركعة ليس قبلها صلاة:
90 ـ مسألة: واختلفت في كراهية الوتر بركعة مفردة ليس قبلها صلاة.
---(1/64)
فقال أبو بكر الخلال : قد روي عن أبي عبد الله كراهية أن يوتر بركعة لا يكون قبلها صلاة قريب من عشرين نفساً. ثم رأيت المروذي وحنبل وإسماعيل أنه لا يرون به بأساً أن يوتر بركعة على فعل سعد ومعاوية. فالوجه في نفس الكراهة ما روى أحمد في المسند بإسناده عن أبي أيوب الأنصاري، قال رسول الله : أوتر بخمس، فإن لم تستطع فبثلاث، فإن لم تستطع فبواحدة، فإن لم تستطع فأومىء إيماء ، وهذا يدل على جواز الاقتصار على الواحدة من غير كراهة وروى أحمد أيضاً بإسناده عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يوتر بواحدة ولا يزيد عليها، ووجه الكراهية أنه لم ينقل عن النبي أنه أوتر بواحدة ليس قبلها صلاة بل كان يداوم على صلاة قبلها فإذا اقتصر على ركعة كان فيه ترك للسنة، ولما داوم النبي على فعله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 161
نقض الوتر:
91 ـ مسألة: فإن أوتر في الليل ثم أراد أن يتطوع بعد ذلك هل ينقض وتره بركعة مفردة ليكون شفعاً لوتره ثم يتطوع ما شاء ثم يوتر بعد ذلك أم لا؟
فنقل عبد الله وإبراهيم بن الحارث عن أحمد: لا أرى نقض الوتر وكرهه. وقال أبو بكر في كتاب الشافي: ينقض وتره، واحتج فيه بما روي عن عثمان وابن عمر وابن عباس وأسامة بن زيد رضوان الله عليهم من نقض الوتر.
والوجه في كراهة ذلك ما روى طلق بن علي عن النبي قال: لا يكون وتران في ليلة . فلو قلنا: ينقض وتره كان فاعلاً لوترين في ليلة. ولأن التطوع بعد الوتر جائز بدليل ما روى أنس أن النبي كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس وإذا كان ذلك جائزاً فلا حاجة به إلى نقضه. وروى النجار بإسناده عن إبراهيم عن عائشة رضوان الله عليها أنها سئلت عن الذي ينقض وتره قالت: ذلك يلعب بوتره، وهذا يعارض ما روي عن غيرها من الصحابة من نقضه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 162
القنوت في جميع السنة:
92 ـ مسألة: واختلفت في القنوت في جميع السنة.
---(1/65)
فنقل أبو طالب وأبو الحارث عنه أنه قال: أذهب إلى أن أقنت في النصف الأخير من شهر رمضان لما روي أن عمر قدم أُبي بن كعب ليصلي بالناس في رمضان فلم يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان.
ونقل خطاب بن بشر عنه أنه قال: كنت أذهب إلى أن أقنت في النصف الأخير من رمضان، ثم رأيت أن لا يضيق على الناس، فقنت في السنة كلها ويرفع يديه ويقنت بعد الركوع، لأنه ذكر مسنون في هذه الصلاة، فوجب أن لا يختص بزمان دون زمان أو لا يختص بالنصف الأخير من شهر رمضان قياساً على سائر الأذكار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 163
مسح الوجه باليدين بعد القنوت:
92م ـ مسألة: واختلفت إذا قنت هل يمسح يديه على وجهه؟
فنقل عبد الله : لا بأس بذلك لما روى ابن عباس عن النبي أنه قال: إذا دعوت فادع ببطن كفك ولا تدع بظهرها، فإذا فرغت فأمسح بها وجهك .
ونقل المروذي : لا يمسح، لأنه عبث، وقد نهى عن ذلك في الصلاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 164
مسائل في الصلاة الجماعة والإمامة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 164
سقوط صلاة الجماعة بفعلها في غير المسجد:
93 ـ مسألة: واختلفت إذا صلى في بيته جماعة هل يسقط عنه السعي إليها، إلى المسجد؟
فنقل حرب في قوم في دار نحو من عشرة والمسجد على باب الدار فقال: يخرجون ولا يصلون في الدار إلا أن يكون في الدار مسجد يؤذن فيه. وظاهر هذا أنه لم يسقط عنهم فرض السعي، وكذلك نقل المروذي لعموم قول النبي : (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) وروي عنه أنه قال: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر). ولأننا لو قلنا: يسقط السعي أدى ذلك إلى خراب المساجد وإسقاط حرمتها
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 164
صلاة من سبق الإمام بركن:
---
97 ـ مسألة: إذا سبق المأموم الإمام بركن واحد في الصلاة عامداً. هل يبطل صلاته أم لا مثل أن سبقه بكمال الركوع؟
فنقل أبو الحارث : إذا ركع ورفعقبل الإمام لم يعتد بتلك الركعة.(1/66)
فظاهر هذا أنه إذا كان عامداً لم يعتد بالصلاة، لأنه لم يحكم بصحة الركعة في حقه في حال الجهل ونقل المروذي عنه: إن سبقه بسجدة اتبعه وإن سبقه بسجدتين لم يعتد بتلك الركعة.
فظاهر هذا أنه إن ترك ركناً واحداً لا تبطل صلاته، لأنه لم يحكم بفوات الركعة ووجهها أن الركن الواحد في حد القلة فجاز أن يعفى عنه.
ووجه الأولى: أنه ترك متابعة الإمام في ركن يجب إتباعه فيه فبطلت صلاته كما لو ترك المتابعة له في الركن الثاني، ويمكن أن يفرق فيقال: إن سبقه بالركوع بطلت صلاته، وإن سبقه بإحدى السجدتين لم تبطل، لأنه إذا سبقه بإحدى السجدتين يمكن الإتيان بمثل ما سبقه وهي الثانية، وإذا سبقه بالركوع لم يمكنه الإتيان بمثل ذلك. ولهذا نقول: إذا سبقه بسجدتين بطلت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
رجوع الإمام الراتب إلى الإمامة أثناء الصلاة واستمرار خليفته إماماً يبلغ عنه:
98 ـ مسألة: واختلفت في إمام الحي إذا استخلف إماماً لعذر ثم زال العذر هل يجوز أن يفعل كفعل النبي ، ويكونا إمامين في صلاة واحدة على ثلاث روايات: إحداهما: لا يجوز ذلك، قال في رواية أبي داود ذلك خاص للنبي ، وهو اختيار أبي بكر ـ لأن النبي قال: إذا كنتم في جماعة فليؤمكم رجل منكم فجعل الإمام واحداً في صلاة واحدة، ولأن هذا يؤدي إلى صلاة واحدة بإمامين في حالة واحدة، وهذا لا يجوز كما لو أحرما جميعاً بالصلاة ابتداء. والثانية الجواز قال في رواية إسماعيل بن سعيد الشالنجي: الخليفة والأمير والإمام المنصوب إذا جاؤوا وقد عقد الإمام الثاني الصلاة فعل كما فعل النبي يصير إماماً للأول والأول على إمامته. لأن النبي فعل مثل ذلك وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي .
---
وروي أن النبي خرج فوقف على يسار أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وأبو بكر إمام للناس. والظاهر أن هذا شرع لنا، ولأن أكثر ما في هذا أنها صلاة بإمامين. وهذا جائز بدلالة جواز الاستخلاف.(1/67)
الثالثة: يجوز ذلك للإمام الأعظم كالخليفة ولا يجوز لغيره من الأئمة، قال في رواية المروذي: في إمام مسجد جامع مرض فتقدم إلى رجل ليصلي بهم هل يفعل كما فعل النبي ؟ قال: لا، ليس هذا لأحد إلا للخليفة، لأن القياس يمنع من فعل ذلك جملة لما ذكرنا، وإنما أجزنا ذلك في حق الخليفة لأن الخبر ورد بذلك في حق النبي وهو للإمام، فتركنا القياس لأجل ذلك وما عداه على موجب القياس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 169
إمامة المتنفل للمفترض، ومن يصلي صلاة لمن يصلي صلاة أخرى مشابهة لها في الهيئة:
99 ـ مسألة: واختلفت في المتنفل هل يؤم المفترض ومن هو في ظهر يصلى بمن يصلي العصر؟ فنقل أبو الحارث وأبو طالب وحنبل ويوسف بن موسى والمروذي ومهنا: لا يجوز ذلك، لأنه لا يصح صلاته بنية صلاة إمامة فلا يصح اقتداؤه به. دليله صلى الجمعة خلف من يصلي الظهر والفرض خلف من يصلي الكسوف.
ونقل صالح وإسماعيل بن سعيد والميموني وأبو داود الجواز لأن الصلاتين متفقتان في الأفعال الظاهرة، وتفعل جماعة وفرادى فصح اقتداءه فيها. دليله الظهران والعصران، والأول أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 170
إمامة المسافر للمقيمين:
100 ـ مسألة: فإن صلى مسافر بمقيمين فأتم هل تصح إمامته؟
فنقل أبو منصور والميموني: يجزيهم، ونقل أبو طالب: لا يجزيهم. وقال أبو بكر يتوجه على قولين. يعني روايتين بناء على المتنقل هل يؤم المفترض، لأن هذا المسافر له القصر، فإذا أتم بهم فهو كالمتطوع، لأن الإتمام غير واجب عليه. وعندي أن هذا يصح إمامته رواية واحدة، لأنه متى لم ينوِ القصر فجميع صلاته فرض لأن القصر رخصة.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 171
إمامة من يقضي الصلاة لمن يؤديها:
100 مكرر ـ مسألة: فإذا صلى الظهر أداء خلف من يصليها قضاء فهل يجوز أم لا؟
نقل ابن منصور عنه في نفسين عليهما صلاة ظهر من يومين مختلفين: يجمعان جميعاً من يوم واحد وأيام متفرقة.(1/68)
ونقل صالح: يجمعان من يوم واحد فأما من أيام متفرقة فلا يجوز.
قال أبو بكر الخلال غلط صالح على أبيه، والقول ما قاله ابن منصور، لأن نيتهما متفقة في الفرض وفي تعين الفرض أيضاً، وإنما اقترفا في أن أحدهما ما ينوي القضاء، وهذا لا يؤثر لأن القضاء قد يصح بنية الأداء ألا ترى أن الأسير إذا خفيت عليه الأوقات فصلى بنية الأداء فبان أن الوقت قد خرج أجزاه، فكذلك ههنا.
ومن يذهب إلى رواية صالح فيقول: النية مختلفة، لأن نية القضاء غير نية الأداء. بدليل أنه يجب على من يصلي الفائت أن ينوي نية القضاء، ولا يجوز مثل هذا للمؤدي فقد اختلفت النيتان فلم يصح فلا يجوز مثل هذا كالظهر والعصر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 171
إمامة الفاسق:
101 ـ مسألة: واختلفت في إمامة الفاسق هل تصح أم لا؟
فنقل أبو الحارث عنه: لا يصلى خلف الفاجر ولا خلف مبتدع ولا فاسق إلا أن يخافهم فيصلي ويعيد. وكذلك نقل أحمد بن أبي عبدة : لا يصلي خلف إمام يكذب إذا كثر كذبه.
وكذلك نقل أبو الصقر : لا يصلي خلف من يأكل الربا لما روي عن النبي أنه قال: (لا يؤمن فاجر براً) . ولأنها إحدى الإمامتين فيصح أن ينافيها الفسق في الدين دليله الإمامة الكبرى.
ونقل أبو الحارث وقد سئل هل يصلي خلف من يغتاب الناس؟ فقال: لو كان كل من عصا الله تعالى لا يصلي خلفه من يؤم الناس على هذا؟ وقال في رواية حرب: يصلي خلف كل بر وفاجر فلا يكفر أحد بذنب. ظاهر هذا صحة الإمامة، لأنه لما صحت صلاته صحت إمامته كالعدل، والأول أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
---
إمامة الصبي للبالغين في النفل:
102 ـ مسألة: في (إمامة) الصبي، اختلفت الرواية عن أحمد هل تصح إمامته بالبالغين في النفل؟
فنقل أبو طالب : لا تصح، ونقل حنبل قال: كنت أصلي بأبي عبد الله في شهر رمضان التراويح وأنا غلام مراهق، وكان أبو عبد الله يصلي بهم المكتوبة.(1/69)
وجه الأولى: ما روى علي عن النبي أنه قال: لا تقدموا صبيانكم في صلاتكم ولا جنائزكم فإنهم وفودكم إلى الله تعالى . ولأن من لا تصح إمامته في الفرض لا تصح إمامته في النقل كالمجنون.
ووجه الثانية: ما روى أن عمرو بن سلمة أسلم وجاء إلى قومه فقال: جئت من عند رسول الله يأمركم بكذا وينهاكم عن كذا، وقال: إذا حضرت الصلاة يؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فما وجدوا أكثر مني قرآناً، فقدموني وأنا ابن سبع سنين أو ست سنين، ولأنه عدل تصح صلاته فصحت إمامته كالبالغ. وأما إمامته في الفرائض فهو مبني على ما تقدم فإن قلنا: لا يؤم في النفل فأولى أن لا يؤم في الفرض وإذا قلنا: يؤم في النقل فهل يؤم البالغ في الفرض أم لا؟
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 172
على روايتين:
في المتنفل البالغ هل يؤم المفترض، فإن قلنا: لا يؤم فأولى أن لا يؤم الصبي. وإن قلنا: يؤم، فهل يؤم الصبي؟ يحتمل أن يقول: يؤم لأن له صلاة صحيحة نافلة فهو كالبالغ ويحتمل أن يقول لا يؤم بخلاف البالغ، لأنه ليس من أهل فرض الصلاة فلا يصح أن يؤم فيها لمن هو من أهل فرضها. دليله العبد والمرأة في صلاة الجمعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 173
من أحرم وركع فذا ثم دخل في الصف:
103 ـ مسألة: واختلفت إذا كبر الفذ خلف الصف وركع ثم دخل في الصف.
---
فنقل أبو الحارث : إذا كبر وركع دخل في الصف يجزيه، وذكر حديث أبي بكرة فظاهر هذا الجواز على الإطلاق. كذلك نقل المروذي لأن النبي نهى أبا بكرة أن يفعل مثل فعله ولم يأمره بالإعادة، ونقل أبو طالب وصالح فيمن ركع دون الصف جاهلاً: أجزاه، ويقال له: لا تعد، وإن كان عالماً بذلك يعيد الصلاة. لأن الصلاة خلف الصف منهي عنها، فجاز أن يفرق بين العلم والجهل، ألا ترى أن الأكل في الصيام منهي عنه، وقد فرق فيه بين العلم والجهل كذلك ههنا، وهذه الرواية اختيار الخرقي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 173
جلوس المأموم خلف الإمام إذا زاد في الصلاة ولم يرجع لتسبيحهم:(1/70)
104 ـ مسألة: واختلفت في الإمام إذا قام إلى خامسة على ثلاث روايات:
أحدها: لا يتبعونه بل يسلمون فإن تبعوه بطلت صلاتهم وصلاته أيضاً إذا لم يجلس. قال في رواية أبي داود فيمن وهم في صلاته وهو إمام يسبح به من خلفه فإن سبحوا فلم يلتفت وصلى يعيد ويعيدون. وقال أيضاً في رواية محمد بن يحيى المتطيب: إذا قام إلى خامسة فسبحوا به فلم يقعد يسلمون وصلاتهم تامة قال أبو بكر الخلال: لا يليق بمذهبه غير هذا. لأن المأموم قام إلى خامسة مع العلم والإمام كان يلزمه الرجوع إلى قول المأمومين.
والثانية: يتبعونه في القيام والسلام قال في رواية أبي طالب إذا صلى أربع ركعات ثم قام إلى خامسة وهو يظن أنها رابعة ومن خلفه لا يشك أنه قد صلى أربعاً معه حتى صلى الخامسة فقد أحسن الذين قاموا معه، وقد صلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ خمساً. أما الإمام فإنه قام إلى خامسة، وهو يظن أنها رابعة فقد زاد في الصلاة على وجه السهو فلم تبطل الصلاة. وأما المأموم فإنها لم تبطل صلاته لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ قام إلى خامسة فاتبعوه، وقالوا له: صليت خمساً فسجد للسهو بعد ما سلم ولم يأمرهم بالإعادة. وقد علم من حالهم أنهم قاموا مع علمهم أنها خامسة.
---
والثالثة: لا يتبعوه لكن ينتظرونه جلوساً حتى يسلم بهم. قال في رواية المروذي فيمن صلى يقوم فقام إلى خامسة فسبحوا به فلم يلتفت إلى قولهم يقعدون ولا يتبعونه حتى يقعد فيسلم بهم. وكذلك نقل أبو الحارث ـ رحمه الله ـ إنما لم يتبعونه في القيام لما ذكرنا، وإنما انتظروه ليسلموا معه، لأنه يجب عليهم متابعته في السلام ولا يجوز أن يتقدموه فيه. فلهذا أمرناهم بالانتظاار، ولأنه لما جاز للإمام انتظار المأموم ليسلم معه وهو انتظاره الثانية في صلاة الخوف كذلك جاز للمأموم أن ينتظر الإمام ليسلم معه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 174
الانتقال من الانفراد إلى الائتمام أثناء الصلاة:(1/71)
105 ـ مسألة: واختلفت إذا أحرم بالصلاة منفرداً ثم صار مأموماً في أثناء الصلاة وهو أن يحضر جماعة فاتبعهم في الصلاة هل تبطل صلاته أم لا؟
على روايتين:
إحداهما: أنها تبطل قال في رواية حنبل في رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوي الظهر أو العصر ثم جاء مؤذن وأقام: فلا يدخل معهم فإن دخل معهم في الصلاة لم يجزه حتى ينوي بها الصلاة مع الإمام ابتداء الفرض. وظاهر هذا أنها لا تصح.
ونقل بكر بن محمد عن أبيه عنه: إذا صلى ركعتين من فرض ثم أقيمت الصلاة فإن شاء دخل مع الإمام، فإذا صلى ركعتين سلم، وأعجب إلى أن يقطع الصلاة ويدخل مع الإمام. وظاهر هذا الجواز، وجه الأولى، وهي أصح أن صلاته انعقدت على جهة من الجهات وصفة من الصفات فلم يجز نقلها إلى غيرها بنيته دليله إذا أحرم بالظهر ثم نقلها إلى الجمعة.
ووجه الثانية: إن للصلاة أولاً وأخيراً ثم يجوز أن يكون أول الصلاة جماعة وآخرها فرادى وهو المسبوق فكذلك جاز أن يكون أولها فرادى وآخرها جماعة، وهكذا الحكم إذا أحرم بالصلاة مأموماً ثم أخرج نفسه من صلاة الإمام لغير عذر فهل تبطل صلاته على روايتين/ والوجه فيه ما تقدم، وكذلك إذا أحرم بالصلاة منفرداً ثم صار إماماً يتخرج على روايتين.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 175
قطع المنفرد لصلاة الفرض ليصليها مع جماعة:
106 ـ مسألة: وإذا أحرم بالصلاة منفرداً ثم حضرت الجماعة هل يقطع الصلاة ويدخل معهم أم يقتصر على بعض الركعات ويسلم؟
نقل محمد بن يحيى المتطيب عنه في الرجل يصلي فرضه فلما صلى ركعة جاء الإمام وأقام الصلاة فقطع الصلاة: يقطع الصلاة ويتكلم ويصلي مع الإمام. ونحو هذا نقل بكر بن محمد، ونقل حنبل عنه: إذا صلى ركعتين أو ثلاثاً ثم أقيمت الصلاة يسلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم، وظاهر هذا أنه لا يقطعها.
وجه الأولى: أن هذا خروج لغرض صحيح فيجب أن يجوز كما قلنا في فسخ الحج إلى العمرة.(1/72)
ووجه الثانية: أنه يمكنه أن يقتصر على بعض صلاته فتكون نافلة صحيحة، ويدرك الفضيلة فيجمع بين الفعلين، فتكون أولى من البطلان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
مسائل في صلاة المسافر والمريض
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
قصر الصلاة في سفر النزهة:
107 ـ مسألة: واختلفت في القصر في سفر النزهة.
فنقل مهنا خرج إلى بلد يريد النزهة بها: لا يقصر الصلاة. وظاهر هذا المنع محمول على طريق الاختيار. ونقل ابن منصور أن ابن مسعود يقول: لا يقصر الصلاة إلا حاج أو غاز. قال أحمد: تقصر الصلاة في كل سفر. وظاهر هذا الجواز على الإطلاق.
وجه الأولى: أنه ليس بسفر طاعة فلا يباح فيه القصر كسفر المعصية، ولا يلزم عليه سفر التجارة، لأن ذلك سفر طاعة يدل عليه ما روى ابن أبي الدنيا في كتاب إصلاح المال بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : طلب الحلال جهاد ، التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء . وبإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله : شطلب الحلال جهاد إن الله يحب العبد المحترف .
---
وبإسناده عن عمر قال: ما خلق الله ميتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إليَّ من أن أموت بين شعبتي جبل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله.
ووجه الثاني: أنه سفر مباح أشبه سفر التجارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 176
الإقامة التي يجب فيها الإتمام:
108 ـ مسألة: إذا نوى إقامة زيادة على أربعة أيام أتم في أصح الروايتين، نقلهما أبو داود وابن إبراهيم، لأنه نوى زيادة على أربعة أيام أشبه إذا نوى خمسة أيام. ونقل عبد الله والأثرم : إذا نوى إقامة إحدى وعشرين صلاة قصر، وإن نوي زيادة صلاة أتم للخبر، ولفظه ما روى ابن عباس وجابر أن النبي قدم مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة، وخرج منها إلى منى يوم التروية، وكان حاجاً والحاج لا يخرج إلى منى قبل يوم التروية.
فوجد الدلالة: أنه نوى المقام أكثر من أربعة أيام وقصر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 178(1/73)
الصلاة في السفينة مع القدرة على الخروج منها:
109 ـ مسألة: واختلفت في الصلاة في السفينة مع القدرة على الخروج. فنقل عبد الله : إذا لم يمكنهم الخروج صلوا في السفينة فأما إذا كان يمكنهم الخروج خرجوا حتى يصلوا على الأرض. فظاهر هذا منع الصلاة فيها، لأنها ليست حال استقرار أشبه الراحلة.
ونقل أبو الحارث والأثرم وغيرهما جواز الصلاة فيها مع القدرة على الخروج، لأنه يتمكن في العادة من القيام والركوع والسجود فأشبه إذا كانت واقفة على الأرض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 178
وجوب الصلاة مع العجز عن أفعالها:
---
110 ـ مسألة: في المريض إذا عجز عن أفعال الصلاة هل تسقط عنه الصلاة؟ نقل الجماعة أنها لا تسقط فبعضهم نقل عنه في المغمى عليه: يقضي وبعضهم يقول إذا صلى مضطجعاً صلى على جنب. ونقل أبو بكر المستملي محمد بن يزيد قال: مرض أبو عبيد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه فوضأته فقلت له: تصلي مرة أو مرتين؟ فقال: أما سمعت حديث أبي سعيد فلم يصل. فظاهر هذا أنه لم يرَ وجوبها عليه. والحديث الذي ذهب إليه رواه إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: لما مرض أبو سعيد الخدري وضأته. قال: ثم قلت: الصلاة قال: قد كفاني إنما العمل في الصحة، ولأنه نوع مرض فجاز أن يسقط فرض الصلاة كالجنون.
والمذهب الأول: أن الصلاة لا تسقط ويصلي على حسب حاله لما روي في حديث عمران بن حصين أن النبي قال: صلِّ قائماً فإن لم تطق فعلى جنب تومىء إيماء .
فقد أمر بالصلاة في حال المرض، وأمره بالإيماء، ولأن هذا نوع مشقة لا يزول معها التكليف فلم يسقط فرض الصلاة كالسفر. ويفارق هذا الجنون. لأن هناك يسقط التكليف بدليل أن الصيام والحج لا يلزمه والمريض يتعلق به فرض الصيام بدليل أنه يقضيه والحج يتعلق بالمال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 179
السجود بالإيماء عند العجز عن السجود:(1/74)
111 ـ مسألة: فإذا ثبت أن الصلاة لا تسقط عنه وإن عجز عن السجود بالأرض فإنه يومىء فإذا رفع إلى وجهه شيئاً فسجد عليه فهل يجزيه أم لا؟.
---
نقل الميموني وحنبل عنه: إن شاء سجد على المرفقة، وإن شاء أومأ إلا أنه لا يسجد على عود، ظاهر هذا المنع. ونقل ابن منصور : ولا يسجد على شيء يرفعه إلى جبهته، فإن فعل فلا بأس، وإن سجد على المرفقة فهو أحب إليَّ من الإيماء. وظاهر هذا الجواز، ويمكن أن يحمل هذا على أنه أومأ إلى الحد الذي يمكنه ثم رفع إلى وجهه شيئاً سجد عليه فيجزيه لأن الفرض قد سقط بالإيماء والدلالة على أنه لا يجزيه أن يرفع شيئاً يسجد عليه من غير إيماء، ما روى ابن عمر عن النبي قال: من استطاع أن يسجد فليسجد، ومن لم يستطع فلا يرفعن إلى جبهته شيئاً، وليكن سجوده ركوعاً، وليكن ركوعه أن يومىء برأسه.
ولأنه كان يلزمه السجود بالأرض فإذا عجز عن ذلك وجب أن يلزمه ما يقدر عليه من الإيماء، فإذا رفع إلى وجهه شيئاً فقد ترك الإيماء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 180
صلاة المريض على الراحلة إذا شق عليه النزول:
112 ـ مسألة: واختلفت في صلاة المريض على الراحلة إن كان يشق عليه النزول.
فنقل أبو طالب : أنه لا يجوز، لأنه ليس عليه في نزوله وصلاته على الأرض مشقة غالبة بل قد يكون في نزوله وصلاته على وجه الأرض أسكن لجسمه وبدنه، وما يلحقه في حال صعوده ونزوله فهو يسير لا حكم له فهو يجري مجرى ما يلحقه من المشتقة حال نزوله، وهو الصحيح، ويفارق هذا الطين والمطر لأن عليه في ذلك مشقة غالبة في ثيابه وبدنه.
ونقل أبو إسحاق بن إبراهيم ومهنا الجواز، لأن عليه المشقة في النزول فأشبه لو كان سائراً في ماء وطين وكان يتأذى بنزوله فإنه يصلي على الراحلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 181
نية القصر:
113 ـ مسألة: واختلف أصحابنا في المسافر إذا عزم على القصر هل عليه نية القصر؟
---(1/75)
فقال الخرقي : ينوي القصر، وهو أصح، لأن الأصل الإتمام، والقصر ترفيه ورخصة فإذا أحرم بالصلاة من غير نية القصر، انعقدت بالإتمام الذي هو الأصل. وقال أبو بكر : لا يحتاج إلى نية القصر، لأن السفر سبب القصر كما أن الحضر سبب الإتما، فلا يحتاج في الحضر إلى نية التمام كذلك في السفر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 181
مسائل في صلاة الجمعة والخوف
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 181
سقوط الجمعة عن العبد:
114 ـ مسألة: واختلفت في العبد هل يجب عليه الجمعة.
فنقل ابن منصور وصالح : لا جمعة عليه لقول النبي : لا جمعة على عبد .
ونقل المروذي عنه في عبد سأله أن مولاه لا يدعه هل يذهب من غير علمه؟ فقال: إذا نودي فقد وجبت عليك وعلى كل مسلم لقوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا .
وهذا عام، ولأنه ذكر مقيم صحيح فلزمته الجمعة كالحر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 181
العدد الذي تنعقد به الجمعة:
115 ـ مسألة: واختلفت في العدد الذي تنعقد به الجمعة فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث : أربعون لما روى أن أول جمعة جمعت في الإسلام كان العدد أربعين ومعلوم أن ما دون الأربعين قد كانوا موجودين فلو كان فرض الجمعة قد وجب لأقيمت، ولو كان العدد يزيد على ذلك لم يجز إقامتها.
ونقل محمد بن الحكم إذا كان القوم في موضع وأحمد خمسين جمعوا الجمعة، ويحتمل أن يكون هذا القول منه لا على طريق التحديد، لكن على معنى أن الجمعة قد تلزم عدداً مبلغه هذا القدر وقد روى أبو أمامة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: على الخمسين جمعة وليس فيما دون ذلك .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 182
الإنصات حال خطبة الجمعة:
116 ـ مسألة: في الإنصات عند سماع الخطبتين هل هو واجب أم لا؟
---
فنقل أبو داود قال: سأل رجل أحمد أرى الرجل يتكلم والإمام يخطب (قال) ليس له أومىء إليه.(1/76)
وكذلك نقل أبو طالب، وظاهر هذا وجوب الإنصات، ونقل أحمد بن الحسن الترمذي أنه سأل أحمد إذا تكلم والإمام يخطب (فقال): ليس عليه شيء لحديث أنس: أن رجلاً سأل النبي وهو يخطب، فقال استسقِ لنا، وظاهر هذا أنه غير واجب.
وجه الأولى: وهي أصح ما روى ابن عباس عن النبي قال: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفاراً .
وجه الثانية: أنها عبادة لا يفسدها الكلام فلم يحرم فيها كالطواف والأذان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 183
رد السلام وتشميت العاطس حال خطبة الجمعة:
117 ـ مسألة: وإذا ثبت أن الإنصات واجب فهل يجوز في حال الاستماع رد السلام وتشميت العاطس؟
نقل أبو داود وأبو طالب عنه: لا يرد ولا يشمت.
ونقل علي بن سعيد: لا بأس برد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب.
ووجه الأولى: أنها عبادة حرم فيها الكلام فحرم فيها رد السلام وتشميت العاطس كالصلاة.
ووجه الثانية: أنها عبادة لا يفسدها الكلام فلا تمنع من رد السلام وتشميت العاطس. دليله الطواف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
إمامة من لم يتول الخطبة في الجمعة:
118 ـ مسألة: إذا خطب بهم واحد وصلى بهم آخر.
فنقل حنبل لا يجوز ذلك. ونقل أبو طالب : جواز ذلك. وأصل الروايتين جواز الاستخلاف في صلاة الجمعة، وفيه روايتان:
وجه الأولى: أنه ذكر يتقدم الصلاة فصح من غير الإمام كالأذن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
من كبر للإحرام في صلاة الجمعة مع الإمام ثم زحم فلم يتخلص حتى جلس الإمام للتشهد.:
119 ـ مسألة: واختلفت إذا كبر مع الإمام تكبيرة الإحرام وزحم فلم يتخلص حتى جلس الإمام للتشهد.
---(1/77)
فنقل أحمد بن القاسم ، وأبو الحارث ، وبكر بن محمد : أنه يكون مدركاً للجمعة ويصلي ركعتين لأنه أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام والعدد موجود فكان مدركاً كما لو كان أدرك ركعة فزحم عن الأخرى. ونقل ابن منصور وصالح والحسن بن حسان : يصلي ظهراً لأنه لم يدرك مع الإمام الركوع فلم يدرك الجمعة كما لو يدرك تكبيرة الإحرام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 184
تخطي الرقاب في المسجد لسد فرج الصفوف:
120 ـ مسألة: واختلفت إذا أتى المسجد فرأى بين يديه سعة وفرجة هل يتخطى ليسد تلك الفرجة؟
فنقل حنبل : لا يتخطى، لأنه يؤدي من مر أمامه. ونقل ابن القاسم : يتخطى لأنهم أسقطوا حرمة أنفسهم بتركهم الخلل أمامهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
اشتراط إذن الإمام لإقامة الجمعة:
121 ـ مسألة: واختلفت هل من شرط الجمعة إذن الإمام؟
فنقل أبو الحارث واسماعيل بن سعيد ليس من شرطها (إذن) الإمام ولا أمره، لأنها إقامة صلاة فلم يفتقر إلى إذن الإمام كسائر الصلوات.
ونقل المروذي ومحمد بن الحسين بن هارون وعلي بن سعيد ما يقتضي أنها لا تنعقد إلا (بإذن) الإمام أو بأمره، لأنه لا يصح لكل أحد إقامتها على الانفراد فوجب أن يكون من شرطها (إذن) السلطان. دليله الحدود.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
صلاة الجمعة خلف المبتدع بدعة مكفرة:
121 ـ مسألة: واختلفت إذا كان الإمام يكفر باعتقاد هل يتبع في صلاة الجمعة؟
فنقل المروذي عنه في إمام تكلم بكلام الجهمية: لا يصلي خلفه الجمعة، لأنه كافر بذلك، والكافر تزول إمامته الكبرى والصغرى فلا يتبع.
ونقل حنبل : يصلي ويعيد ولا يدع إتيان الجمعة، وكذلك نقل ابن منصور : لا يترك الجمعة لشيء، لأنها من أعلام الدين الظاهرة، فلو قلنا: لا يصلي خلفه أدى إلى تعطيلها، وما يعود بفساد صلاته يقضيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 185
---
الوقت الذي يحرم فيه البيع يوم الجمعة:
122 ـ مسألة: واختلفت في الوقت الذي يحرم فيه البيع يوم الجمعة.(1/78)
فنقل حنبل وصالح والمروذي : إذا زالت الشمس يوم الجمعة حرم البيع. لأنه وقت لصلاة الجمعة فحرم البيع فيه. دليله بعد النداء يبين صحة هذا أن الحضور قد وجب بدخول الوقت، وإن لم يوجد الآذان فيجب أن يتعلق المنع به. ونقل ابن منصور : إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء لقوله: إذا نودي للصلاة من يوم الجُمُعةِ فاسعَوْا إلى ذكرِ الله وذروا البيع . فنهى عن هذا (عند) النداء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 186
الدخول مع الإمام في تشهد الجمعة بنية الظهر:
123 ـ مسألة: واختلف أصحابنا فيه إذا أدرك الإمام في التشهد ودخل معه، هل ينوي الظهر أم الجمعة؟
فقال الخرقي : ينوي الظهر لأنه لم يدرك ما يعتد به من الجمعة فلم يجزِ أن ينوي فيه الجمعة.
وقال إسحاق بن شاقلا : ينوي نية الجمعة، ولا يجوز أن ينوي الظهر كما لو أدرك معه ركعة، ولأنه وإن لم يدرك ما يعتد به فهو في حكم ما يعتد به بدليل أن المسافر لو دخل في صلاة المقيم وهو في التشهد لزمه الإتمام كما لو أدرك ما يعتد به.
وقل أبو إسحاق : ولأن الجمعة ليست ظهراً مقصورة بدليل أنه يجوز فعلها قبل الزوال عندنا، وبدليل أنه يجوز أن يدخل مع الإمام في صلاة الجمعة قبل الزوال وإن كان في التشهد، وإن كان ما يقضيه بعد ذلك ظهراً. فلو كانت ظهراً مقصورة لم يجز فعلها قبل وقت الظهر. وأجود ما يقال أنه غير ممتنع أن يدخل نية الجمعة مع علمه أنه لا يصليها جمعة كالمسافر إذا أحرم بالصلاة بنية القصر وهو في سفينة ويعلم أنه يدخل في البلد قبل إكمالها، فإنه يصح ويلزمه إتمامها بعد دخوله كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 186
سفر من تلزمه الجمعة في يومها بعد الزوال:
---
124 ـ مسألة: ولا تختلف الرواية أنه لا يجوزالسفر يوم الجمعة بعد الزوال واختلفت قبل الزوال.
فنقل أبو طالب عنه أنه قال: خرجنا من اليمن نريد عبد الرزاق يوم الجمعة ولم نصل فأصابنا شقاً. وهذا يدل على جواز السفر.(1/79)
ونقل صالح عنه أنه قال: لا يخرج الرجل يوم الجمعة حتى يجمع، وهذا يقتضي المنع. ونقل أبو طالب عنه: يجوز الخروج للجهاد خاصة.
وجه الأولى: أنه سافر قبل دخول وقتها فجاز. دليله إذا سافر قبل طلوع الفجر.
وجه الثانية: أن التسبب إلى الجمعة واجب كوجوبها. بدليل أن من بعدت داره لزمه أن يتسبب إليها من أول النهار فيجب أن يحرم ذلك بطلوع الفجر.
ووجه الثالثة: أن النبي جهز جيشاً وأمر عليه جعفراً وعبد الله بن رواحة. فتأخر عبد الله فقال له النبي : روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 187
صلاة الطالب للعد وصلاة الخوف:
125 ـ مسألة: واختلفت في الطالب هل يصلي صلاة الخوف، فنقل الأثرم ومحمد بن الحسن : لا يصلي صلاة خائف، وهو أصح، لأن العلة في ذلك هي الخوف والخوف معدوم إذا كان هو الطالب. ونقل أبو طالب : يصلي، وقد ذكر الخرفي الروايتين جميعاً في مختصره، لأنه القصد من صلاة الخوف النكاية فيهم والتحرز منهم. فلما أجاز أن يصلي صلاة الخوف لأجل التحرز منهم جاز أن يصليها لأجل النكاية فيهم لوجود أحد المقصودين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 187
لبس الحرير في دار الحرب::
126 ـ مسألة: واختلفت في لبس الحرير في دار الحرب.
فنقل إبراهيم بن الحارث : جواز ذلك لما روى قتادة عن أنس أن رسول الله رخص لعبد الرحمن والزبير في قميص الحرير في غزوة تبوك حين شكوا إليه القمل، ونقل ابن منصور : منع ذلك، لأن ما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب كالزنا والسرقة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 187
صلاة العيدين
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
وقت انقطاع التكبير في عيد الفطر:
127 ـ مسألة واختلفت في الوقت الذي ينقطع فيه التكبير في عيد الفطر.(1/80)
فنقل حنبل : بعد فراغ الإمام من الخطبة لما روى أحمد في مسائل عبد الله قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري قال: كان ـ رسول الله ـ يخرج يوم عيد الفطر فيكبر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير. لأن الناس تبع للإمام، والإمام يقطع التكبير بعد فراغه من الخطبتين، ولأن التكبير من شعار الصلاة فما دامت الصلاة والخطبة قائمتين. فإنه يؤتى به.
ونقل الأثرم : إذا جاء الإمام إلى المصلى قطع. ومعناه إذاخرج الإمام للصلاة قطع لأنه يحتاج أن يتأهب للصلاة فيقطع حين يتأهب فأما قبل خروجه فإنه يكبر، لأن الكلام مباح، وأولى الكلام التكبير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
محل التكبير في صلاة العيد:
128 ـ مسألة: واختلفت في محل التكبير في صلاة العيد.
فنقل أبو داود ، وأبو طالب ، وأبو الحارث ، وصالح : أن التكبير قبل القراءة في الركعتين جميعاً، لأنها تكبيرات زائدة في صلاة العيد، فوجب أن تكون قبل القراءة.
وفي الثانية: بعد القراءة لأنه ذكر مسنون في حال القيام، فوجب أن يؤخر عن القراءة في الركعة الثانية قياساً على القنوت في الوتر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 189
تكبير أهل القرى في صلاة العيد:
129 ـ مسألة: إذا صلى أهل القرى صلاة العيد فهل يكبرون في صلاتهم أم يصلون ركعتين؟
---
فنقل إبراهيم بن هاني : سئل أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ عن أهل القرى يجمعون صلاة العيد قال: نعم يخطبون ويصلون، ولكن إذا كان بإذن الأمير فهو أجود. وظاهر هذا أنهم يصلون كأهل الأمصار. وقال أبو حفص : روى عنه رواية أخرى يعني لا يكبرون. قال حنبل : قلت لأحمد : كم ترى أن يصلوا العيد إذا كانوا في قرية؟ قال: مائة ونحوه. وقد روى
أربعين يخرجون ويصلون ركعتين يكون ذلك بإذن الإمام، ولا يكبرون كما يكبر أهل الأمصار في الصلاة ابتداء التكبير إلى الإمام. وظاهر هذا أنها ركعتان بغير تكبير.(1/81)
وجه الأولى: أنها صلاة عيد في وقتها أشبه صلاة المصر ولأنها صلاة تفعل في القرى، فيجب أن تفعل على صفتها في المصر كالجمعة.
ووجه الثانية: أنها صلاة العيد والجمعة في القرى مختلف فيها، كما أن قضاء العيد مختلف فيه ثم إن قضاء العيد بغير تكبير أفضل فوجب أن تكون صلاة العيد في القرى بغير تكبير أفضل، لأنها صلاة عيد تفعل في وقتها في المصر، فلم تفعل في القرى على صفتها في المصر دليله الجمعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 190
صفة قضاء صلاة العيد:
130 ـ مسألة: واختلفت في صلاة العيد إذا فاتت كيف تقضي؟
فنقل أبو طالب : أنه يصلي أربع ركعات بلا تكبير ولا خطبة، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنها تشرع لها الخطبة، فإذا فاتت مع الإمام صلاها أربعاً. دليله صلاة الجمعة.
ونقل بكر بن محمد وأحمد بن الحسين : أنه يصلي ركعتين بتكبيرة لما روي عن أنس أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة وكان بمنزله بالظهر جمع أهله وولده ومواليه ثم أمر غلامه عبد الله بن أبي عتبة فيصلي بهم فيكبر تسع تكبيرات خمساً في الأولى، وأربعاً في الآخرة.
---
ونقل حنبل وصالح هو مخير إن شاء صلى أربعاً بلا تكبير، وإن شاء صلى ركعتين بتكبير لأنها أخذت سببها في الجمعة من جهة أنها صلاة فيها خطبة ذاتية، فكان القضاء بخلاف الأداء، وأخذت سببها من سائر النوافل، لأنها صلاة نفل فيجب أن تصح فرادى وجماعة، وتفعل قضاء كما تفعل أداء كسائر النوافل الراتبة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 190
التكبير عقب الصلاة لمن صلى منفرداً في أيام عيد الأضحى:
131 ـ مسألة: واختلفت هل يكبر عقيب الصلاة الفرادى؟
فنقل صالح وعبد الله والأثرم : من صلى وحده لا يكبر، وهو اختيار أبي حفص، لأنها صلاة منفردة فأشبه النوافل ونقل ابن منصور : أحب إليَّ أن يكبر وهو اختيار الخرقي، لأنها صلاة مفروضة فأشبه إذا صلى في جماعة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191(1/82)
الأيام المعلومات التي يشرع فيها الذكر في شهر ذي الحجة:
132 ـ مسألة: واختلفت في الأيام المعلومات.
فنقل يعقوب بن بختان : هي أيام العشر، لأن الله تعالى ذكر الأيام المعلومات والمعدودات وغاير بينهن. فاقضى ذات اختلاف المسمى، فلو قلنا: هي الأيام المعدودات لم نخالف بين المسمى.
ونقل المروذي : هي يوم النحر ويومان بعده. وروى في حديث ابن عمر: الأيام المعلومات هي يوم النحر ويومان بعده لقوله تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزَقَهُم من بهيمةِ الأنعام . والتسمية على ذلك إنما يكون في يوم النحر وما بعده دون ما قبله فثبت أنه ليس ذلك من المعلومات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 191
مسائل في صلاة الكسوف والاستسقاء
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
عند الركوع في صلاة الكسوف:
133 ـ مسألة: واختلفت في صلاة الكسوف.
---
فنقل حنبل والمروذي : أنها أربع ركعات وأربع سجدات، وهو أصح لما روي عن ابن عباس وعائشة أن النبي صلى صلاة الكسوف وذكر الخبر بطوله، وكان فيه أربع ركعات، وأربع سجدات.
ونقل إسماعيل بن سعيد : أنها ثمان ركعات وأربع سجدات، وكذلك صلاة الزلزلة لما روى ابن عباس أيضاً قال: صلى بنا رسول الله في كسوف الشمس ثماني ركعات وأربع سجدات.
وروى حذيفة عن النبي مثل ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 192
الخطبة في صلاة الاستسقاء:
134 ـ مسألة: واختلفت هل في صلاة الاستسقاء خطبة أم لا؟
فنقل حنبل ، وبكر بن محمد : فيها خطبة، وهو أصح لما روى أبو هريرة قال: خرج رسول الله يستسقي فصلى بنا ركعتين بغير آذان ولا إقامة وخطب.
ونقل يوسف بن محمد بن موسى، والمروذي والفضل بن زياد : ليس فيها خطبة لأنها نافلة، تفعل لأجل عارض، فلم يكن من سببها الخطبة كالكسوف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 193
تأخير خطبة الاستسقاء عن الصلاة:(1/83)
135 ـ مسألة: واختلف هل تكون الخطبة قبل الصلاة أم بعدها؟ على ثلاث روايات: إحداها: تكون الخطبة بعد الصلاة. ونقل ذلك حنبل وبكر بن محمد، وهو أصح، لما تقدم من حديث أبي هريرة، قال: خرج رسول الله يستسقي، فصلى بنا ركعتين وخطب.
فالظاهر أن الخطبة بعد الصلاة.
ونقل محمد بن الحسن بن هارون : يبدأ بالخطبة قبل الصلاة لما روى أنس أن النبي استسقى فخطب قبل الصلاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 194
كتاب الجنائز
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 197
مسائل في عيادة المريض
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 199
عيادة أهل الذمة:
ـ مسألة واختلفت هل يكره للمسلم عيادة اليهودي والنصراني؟
فنقل جعفر بن محمد : كراهية ذلك. وقال: لا، ولا كرامة لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: لا تبدأهم بالسلام.
---
ونقل أبو منصور الأصبهاني جواز ذلك لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ عاد يهودياً ونصرانياً فقال: كيف أنت يا يهودي، كيف أنت يا نصراني؟
وروى أنس أن النبي كان إذا عاد رجلاً على غير دين الإسلام لم يجلس عنده.
فأما تعزية الذمي فإنه يخرج على روايتين كالعيادة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 199
مسائل في تغسيل الميت
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 200
تغسيل المرأة من فوق الثياب إذا لم يوجد امرأة تغسلها:
2 ـ مسألة: واختلفت في المرأة إذا ماتت مع الرجال وليس هناك امرأة أو مات الرجل مع النساء وليس هناك رجل.
فنقل حرب : ييمم وهو أصح. لأن الغسل إذا تعذر أقيم التيمم مقامه كالحي. ونقل حنبل لفظين: أحدهما مثل هذا.
والثاني: تغسل من فوق ثوب، لأن الغسل واجب، وإنما سقط ها هنا لأجل ما فيه من النظر إلى الصورة، فإذا غسلت في ثيابها فليس فيه إظهار لصورتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 200
تغسيل الخنثى من فوق الثياب:
3 ـ مسألة: واختلفت في الخنثى.
فنقل محمد بن عبده : أنه ييمم، لأنه يحتمل أن يكون ذكراً، فلا يغسله النساء، ويحتمل أن يكون أنثى، فلا يغسله الرجال.(1/84)
ونقل أحمد بن العباس بن أشرس أنه يغسله الرجال ويصلون عليه. ومعناه أنه يغسل من فوق ثوب كما قلنا في الرجل إذا مات بين النساء، والمرأة بين الرجال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 200
تغسيل الرجل لزوجته:
4 ـ مسألة: واختلفت في الرجل هل يغسل زوجته.
فنقل حنبل : جواز ذلك، لأن كل فرقة حصلت بالوفاة لم تحرم الغسل، كما لو مات الزوج، وكل شخص حل له غسل شخص حل لذلك الشخص غسله كالأخوين والأختين.
وتوقف عنه في رواية صالح وعبد الله والأثرم، وهو ظاهر كلام الخرقي ـ رحمه الله ـ لأن له أن يتزوج أختها وأربعاً سواها فوجب أن يمنع من غسلها كالأجنبية.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 200
عدم نجاسة الآدمي بالموت:
5 ـ مسألة: واختلفت هل ينجس الآدمي بالموت؟
فنقل صالح وأبو الحارث ما يدل على نجاسته فقال: الآدمي إذا مات في الماء فهو نجس ينزح. وسأله المروذي عن الماء الذي ينتضح من غسل الميت فيصيب الثوب أو الخف يرى أن يغسل قال: نعم، لأنه حيوان لا يؤكل لحمه بعد الموت فحكم بنجاسته كسائر الحيوانات غير السمك والجراد ونقل جعفر بن محمد ما يدل على طهارته فقال: سألته عن الميت يغسل في البيت فيدخل الماء الحفيرة ينجس البيت؟ قال: لا، ولكن يرش عليه فلو كان نجساً لحكم بنجاسة الماء. وقال في رواية مهنا: يصلي في الثوب الذي نشف فيه الميت ولو كان نجساً لم يطهر بالغسل، فإذا لم يطهر وجب أن ينجس الثوب الذي نشف فيه ويمنع من الصلاة فيه.
وهو أصح لما روي عن النبي أنه قال: لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم لا ينجس حياً ولا ميتاً.
ولأنه شرع غسله، فلو كان نجساً لم يطهر بالغسل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 201
عدم نجاسة أعضاء الآدمي بانفصالها عنه حال الحياة:
6 ـ مسألة: واختلفت أيضاً في الأعضاء إذا انفصلت عنه في حال الحياة هل هي نجسة أم لا؟(1/85)
فنقل المروذي في الرجل ينقلع ضرسه ثم يرده إلى موضعه فيمكث أياماً فيصلي فيه ثم ينقلع فقال: كان الشافعي يقول: يعيد لأنه صلى في ميتة وأما بعد ما قال. بل لو أخذ سن شاة فوضعه لم يكن به بأس وذهب إلى أن يعيد ما صلى. وكذلك نقل إسحاق بن إبراهيم، وهو أصح، لأنه ما شرع غسله فكان نجساً. ونقل الأثرم عنه في الرجل يقتص منه من أذن أو أنف فيأخذ المقتص منه فيعيد، بحرارته فيثبت هل تكون ميتة؟ فقال: أرجو أن لا يكون به بأس. وكذلك نقل صالح فيمن قطع عضواً من أعضائه فأعاده مكانه فلا بأس. فقيل له يعيد سنه؟ قال: أما سن نفسه فلا بأس، وهذا يدل على الطهارة لأنه بعض من الجملة فلما كانت الجملة طاهرة كانت أبعاضها طاهرة.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 202
مسائل في الصلاة على الجنازة وحملها
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 202
ما يوضع على الميت في قبره:
7 ـ مسألة: واختلفت هل الأفضل أن يجعل على الميت في قبره القصب أم اللبن؟
فنقل الميموني عنه وقد سئل: أيما أحب إليك اللبن أو القصب؟ فقال: اللبن. لما روى عن سعيد أنه قال: اصنعوا بي كما صنع برسول الله ، انصبوا على اللبن وهيلوا على التراب.
ونقل عبد الله بن محمد الفقيه: القصب أحب إليَّ، لأن النبي وضع على قبره طن قصب: وروي عن الشعبي قال: جعل على لحد النبي طن قصب.
وقال عمرو بن شرحبيل: اطرحوا على قبري طناً من قصب فإنني رأيت المهاجرين يستحبونه على ما سواه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 202
الصلاة على شهيد المعركة:
8 ـ مسألة: واختلفت في الصلاة على شهيد المعركة.
فنقل صالح : لا يصلى عليه، وهو اختيار الخرقي، لأنه لا يغسل مع إمكان الغسل. فلم يصل عليه كالسقط.
ونقل إسحاق بن هانىء : إذا قتل في المعركة لا يغسل ويصلى عليه، لأن الامتناع من الصلاة يكون لانقطاع الموالاة ووجوب البراءة كالكافر، والشهادة تؤكد الموالاة فلم يمنع من الصلاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
الصلاة على شهيد غير المعركة:(1/86)
9 ـ مسألة: واختلفت في شهيد غير المعركة مثل الذي يقتله للصوص ومن قتل ظلماً دون ماله ونفسه عمداً.
فنقل صالح وأبو الحارث : أنه كشهيد المعركة لا يغسل، وهل يصلى عليه؟ على روايتين: لأنه قتل بغير حق، ولا وجب عليه غسل في حال الحيال أشبه شهيد المعركة. ونقل أبو طالب : أنه كسائر الأموات يغسل ويصلى عليه، لأنه مات في غير معركة المشركين أشبه سائر الأموات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 203
الصلاة على العادل إذا قتله الباغي:
---
وأما العادل إذا قتله الباغي فهو يغسل ويصلى عليه يخرج على روايتين:
إحداهما: لا يغسل، لأنه قاتل عن الدين فهو كما لو قتل في معركة المشركين وهو اختيار أبي بكر.
والثانية: يغسل ويصلى عليه، لأنه قتل في معركة المسلمين فهو الباغي إذا قتل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 204
تغسيل أبعاض الميت والصلاة عليها:
10 ـ مسألة: واختلفت في أبعاض الميت هل تغسل. ويصلى عليها كالجملة أم تدفن؟ على روايتين.
فنقل عبد الله وصالح وأبو الحارث في الميت يوجد منه يد أو رجل: تغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه لأنه بعض من الجملة لا يزال. عنها في حال السلامة انفصل عنها بعد وجوب الصلاة عليها فوجب غسله والصلاة عليه كما لو وجد الأكثر أو نقول: اليد تضمن بالدية فجاز إفرادها بالصلاة كالجملة.
ونقل أبو منصور : لا يصلى على الجوارح. قال أبو بكر : قد خالف ابن منصور أصحابه المتقدمين والمتأخرين والعمل على ما رواه الجماعة.
ويجب أن يكون ما نقله محمول على أن الموجود قليل أقل من النصف، فأما إن كان كثيراً، فإنه يغسل ويصلى عليه رواية واحدة.
ووجه ما نقله ابن منصور أنه أقل من أكثره فلم تجب الصلاة عليه كما لو قطعت يده بقصاص أو سرقة وكالشعر وقلامة الأظافر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 204
سقوط الغسل للميت بالحرق إذا خيف تلاشيه بالغسل:
11 ـ مسألة: واختلفت في المحترق إذا مات حتف أنفه وخيف عليه إن غسل أن يتلاشى هل يصلى عليه من غير غسل؟(1/87)
فنقل أبو طالب : يكفن ويصلي عليه من غير غسل، لأنه إذا كان على هذه الصفة كان الغسل مثله له، وقد نهى النبي عن المثلة.
ونقل ابن منصور : ييمم ويصلى عليه، لأن الغسل إذا تعذر أقيم التيمم مقامه اعتباراً بحالة الحي، وهذه الرواية أصح. ويمكن أن يحمل قوله لا يغسل إذا لم يمكن أن ييمم أيضاً. فإن أمكن ذلك فإنه ييمم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 204
---
صفة التربيع في حمل الجنازة:
12 ـ مسألة: واختلفت في صفة التربيع.
فنقل أحمد: أنه يبدأ بالرأس، ويختم بالرجل. لأن ما يلي رأس الميت حال كمال، ولهذا مشى أمامها، ويقف مما يلي رأس الرجل في الصلاة فتجب البداية به في الحالين لما فيه من الكمال، ويختم بالرجل لما فيه من النقصان. ونقل بكر بن محمد : إن بدأ بالرأس وختم بالرأس فلا بأس فظاهر هذا أنه مخير، لأن القصد حمل الميت، وهذا المعنى يحصل إذا بدأ بالرأس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 205
تقديم الزوج على الأب وابن في الصلاة على زوجته:
12 ـ مسألة: واختلفت في الزوج هل (له) ولاية في الصلاة على زوجته؟
فنقل محمد بن الحكم : إذا ماتت ولها زوج وأخ فالزوج أولى من الأخ أذهب إلى حديث أبي بكر لما روي عن ابن عباس وابن وأبي بكرة أنه أحق بغسلها والصلاة عليها. ولأنه ذكر لا يسقط إرثه منها بحال أشبه الأب والابن ولأن السلطان مقدم على العصبات. ونقل حنبل : إذا حضر الأب والأخ والزوج، فالأب والأخ أولى من الزوج. فإن لم يكن إلا الزوج فهو أولى، وذلك لأن الصلاة على الميت طريقها الولاية.
ألا ترى أنه لا مدخل للنساء فيها لأنهن لسن من أهل الولاية، والزوج لا مدخل له في الولايات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 205
تقديم جنازة الصبي إلى الإمام على جنازة المرأة حال الصلاة:
---(1/88)
14 ـ مسألة: واختلفت إذا اجتمعت جنازة صبي وامرأة هل يقدم الصبي مما يلي الإمام أم المرأة؟ فنقل صالح وأبو الحارث : إذا اجتمع رجل وصبي وامرأة، فالرجل مما يلي الإمام والصبي خلفه والمرأة خلفهما. فقدم الصبي على المرأة لأنه إجماع الصحابة. روى عمار بن ياسر قال: شهدت جنازة أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابنها فوضع الغلام مما يلي الإمام والمرأة خلفه وفي الناس عبد الله بن عباس والحسن والحسين وابن عمر، وأبو هريرة وثلاثون نفساً من الصحابة. ولأنه لما كان الصبي يتقدم من الإمام والمرأة تتأخر وراءه كذلك في باب الجنازة مثله. ونقل أن المرأة مقدمة على الصبي وهو اختيار الخرقي، لأن المرأة يتبعها في الإسلام، فيجب أن تتقدم على الصبي في الصلاة والدفن كالرجل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 206
تقديم جنازة الصبي الحر إلى الإمام على جنازة المملوك حال الصلاة:
15 ـ مسألة: واختلفت إذا اجتمع صبي ومملوك أيهما يقدم؟
نقل صالح : إذا اجتمع جنازة صبي ومملوك، فالمملوك يلي الإمام والصبي يلي المملوك، لأن المملوك ذكر مكلف فقدم على الصبي كالحر.
ونقل أبو الحارث : إدا اجتمع جنازة صبي ورجل حر ومملوك فالرجل يلي الإمام، والصبي يلي الرجل، والعبد يلي الصبي. فأخر المملوك وقدم الصبي، لأن الصبي من جنس أهل الكمال، وهم الأحرار، فكان مقدماً على العبد. ولا تختلف الرواية أن الحر البالغ مقدم على العبد لما فيه من الكمال.
ونقل أبو الحارث عنه: فإن صلى على حر وعبد يصير أكبرهما مما يلي الإمام قال أبو بكر : أخطأ أبو الحارث ولم يضبط، والعمل على ما رواه الباقون يعني من تقدمة الحر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 207
متابعة الإمام فيما زاد على الأربع في التكبير على الجنازة:
16 ـ مسألة: واختلفت إذا كبر الإمام زيادة على الأربع هل يتبعه المأموم؟
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 207
على ثلاث روايات:(1/89)
نقل حرب : لا يتبعه، لأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة، وقد ثبت أن التكبير المشروع أربع، فإذا زاد على ذلك لم يتبعه، كما لو زاد ركعة في صلاة الفرض.
ونقل الأثرم : يتبعه في خمس ولا يتبعه فيما زاد على ذلك، لأن الأخبار مختلفة في ذلك: فروي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ كبر على زيد بن أرقم خمساً، وروى أنه كبر على النجاشي وعلى سكينة أربعاً. وإذا اختلفت الأخبار جاز الأخذ بالأكثر. دليله تكبيرات العيد. ونقل ابن منصور: لا يزاد على سبع، وظاهر هذا أنه يتبعه إلى سبع ولا يتبعه فيما زاد عليه، وكذلك نقل أبو حفص الدينوري : إذا كبر الإمام سبعاً لا يسبح به وهو اختيار الخرقي، وهو أصح لما روى الزبير بن العوام قال: صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر سبع تكبيرات.
وروى عبد الله بن يزيد أن علياً كبر على أبي قتادة سبعاً. وعن بكر بن عبد الله قال: لا ينقص من ثلاث ولا يزاد على سبع. قال أبو حفص : ولأن السبع قد جعلت حداً في مواضع منها في غسل الولوغ، وغسل الميت إذا انتقض وتكبير العيدين في الركعة الأولى، وخلق السموات والأرض والأيام والبحار سبع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 207
الاستفتاح في صلاة الجنازة:
17 ـ مسألة: واختلفت هل يستفتح في صلاة الجنازة فنقل أحمد بن الحسين وحسان : يستفتح، ويستعيذ، لأن محله موجود وهو افتتاح فكان مشروعاً، ألا ترى أن القراءة لما كان محلها موجوداً وهو القيام لم تسقط. ونقل أحمد بن علي الوراق ، وأحمد بن واصل وقد سئل هل يقول سبحانك اللهم وبحمدك؟ فقال: ما سمعت أن أحداً قال هذا لأن هذه الصلاة مبناها على التخفيف ألا ترى أنه يسقط فيها قراءة السورة بعد الفاتحة والتشهد. وأما الاستعاذة فإنها تخرج على روايتين أيضاً كالاستفتاح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 209
---
الدعاء بعد التكبيرة الرابعة في صلاة الجنازة:
18 ـ مسألة: إذا كبر الرابعة هل يدعو بعدها أم لا؟(1/90)
فنقل أبو داود أنه يدعو بعد الرابعة ثم يسلم لما روى إبراهيم الحربي قال: رأيت عبد الله بن أوفى وكان من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم وماتت ابنة له فكبر عليها أربعاً ثم قام بعد ذلك قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال: هكذا كان رسول الله يصنع على الجنازة. وفي لفظ آخر: كبر عليها أربعاً وسكت حتى ظننا أنه سيكبر الخامسة حتى قال من خلفه: سبحان الله ثم انصرف. فقال: لعلكم ظننتم أني أكبر الخامسة قالوا: نعم. قال: إني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك الذي فعلت.
وروى أن علياً كبر على ابن المكفف أربعاً ثم قام هنيهة يدعو ثم سلم ولم يكبر الخامسة.
ونقل حرب : إذا كبر الرابعة وقف قليلاً ثم يسلم ولا يقول شيئاً. ولأن العبادة إذا توالى فيها التكبير، فإنما يكون الذكر بين كل تكبيرتين، ولا يكون عقب الأخيرة كصلاة العيد إنما يتخلل الذكر بين التكبيرتين، فأما السابعة فلا ذكر بعدها، وإنما يتشاغل بالقراءة كذلك هاهنا يجب أن يتشاغل بالسلام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 210
انتظار المسبوق في صلاة الجنازة ليدخل مع الإمام في تكبيرة لم يسبق بها:
19 ـ مسألة: واختلفت إذا أدرك الإمام في أثناء صلاة الجنازة هل ينتظر تكبيرة ليدخل معه أم يكبر في الحال؟
---
نقل بكر بن محمد عن أبيه: أنه ينتظر حتى يكبر الإمام ولا يكبر لأن كل تكبيرة منها قائمة مقام ركعة، ولو فاتت ركعة لم يجز أن يقضيها إلا بعد الفراغ، كذلك إذا فاتته تكبيرة مع الإمام. يجب أن لا يقضيها إلا بعد الفراغ. ونقل الأثرم عنه ـ وقد سئل هل يدخل بتكبير أم يقف حتى يكبر الإمام؟ فسهل فيهما جميعاً، فظاهر هذا أنه مخير في ذلك، وليس أحدهما أولى من الآخر لأن التكبيرة الأولى افتتاح الصلاة فله أن يفعلها في أي وقت أدرك الإمام في الصلاة كما تقول في سائر الصلوات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 210
مسائل في زيارة القبور والقراءة عليها
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 211(1/91)
زيارة النساء للقبور:
20 ـ مسألة: واختلفت هل يكره للنساء زيارة القبور؟ فنقل إسحاق بن إبراهيم : لا تخرج المرأة إلى المقابر ولا غيرها لما روي عن ابن عباس أن النبي قال: لعن الله زائرات القبور .
وروى ابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نظر إلى فاطمة وقد أقبلت فقال: ما أخرجك من بيتك؟ فقالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم ميتهم. فقال رسول الله عليه السلام: لعلك بلغت معهم الكدى، فقالت: معاذ الله، فقال: لو بلغت معهم الكدى ما رأيتِ الجنة حتى يراها أبو أمك أو أبو أبيك.
ونقل: محمد بن الحسن بن هارون وقد سئل عن المرأة تزور القبر قال: أرجو أن لا يكون به بأس لما روى عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أقبلت يوماً من المقابر فقلت: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلت لها: أليس قد نهى رسول الله عن زيارة القبور؟ قالت: نعم. قد نهى عنها ثم أمر بزيارتها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 212
القراءة في المقبرة:
21 ـ مسألة: واختلفت في كراهة القراءة في المقبرة.
---
فنقل المروذي القراءة عند القبر بدعة، وإن نذر أن يقرأ كفر عن يمينه، ولم يقرأ لما روى أبو هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان ليفر من البيت يقرأ فيه البقرة فلولا أن المقبرة لا يقرأ فيها لم يشبه البيت الذي لا يقرأ فيه بالمقبرة.(1/92)
ولأن المقبرة مدفن النجاسة فكره القراءة فيها كالحش، ولأنه ركن يفعل في كل ركعة فكره في المقبرة كالسجود. ونقل محمد بن أحمد المروذي عنه: إذا دخلتم المقابر فاقرأوا فيها فاتحة الكتاب والمعوذتين، وقل هو الله أحد، واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم. وظاهر هذا جواز القراءة من غير كراهة. قال أبو بكر : نقل أبو بكر المروذي وأبو داواد ومهنا وحنبل وأبو طالب وابن بدينا وإسحاق بن إبراهيم وغيرهم: أن القراءة لا تجوز عند القبر. وبعضهم يروي أنها بدعة، وعلى هذا كان مذهبه، ورجع أبو عبد الله رجوعاً أبان عن نفسه فقال: يقرأ، وقال أبو حفص بن مسلم العكبري ـ وقد روي عن أبي عبد الله بضع عشرة نفساً كلهم يقول بدعة ومحدث فأكرهه، وبهذه الرواية أقول: وقد روى عنه موسى بن علي الحذَّاء رخصة، ولعله قول قديم. وأبو بكر يغلب الجواز، وأبو حفص يغلب الحظر، والأشبه ما قاله أبو بكر، وأنه جائز لما روى أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله : من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد ما فيها حسنات . وروت عائشة عن أبي بكر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له .
وروى عطاء بن أبي رباح المكي قال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة البقرة .
---(1/93)
وقد روى أبو بكر بن صدقة قال: سمعت عثمان بن أحمد الموصلي قال: كان أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ ومعه محمد بن قدامة الجوهري في جنازة فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة. قال: كتبت عنه؟ قال: نعم. قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء عن أبيه أنه وصى إذا دفن بأن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك. فقال له أحمد: فارجع فقل للرجل يقرأ.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 212
الصلاة على الجنازة في المقبرة:
22 ـ مسألة: واختلفت. هل تكره الصلاة على الجنازة في المقبرة؟
فنقل حنبل وأبو الحارث . جواز ذلك، لأن المقبرة محل للصلاة على الميت، فلهذا يجبر الصلاة على القبر. ونقل المروذي عنه وقد سئل هل يصلي عليها وهي في المقبرة عند اللحد؟ فقال: لا يعجبني، يخرج من المقابر ويصلي عليها لما روى عاصم الأحوال عن أنس قال: كانوا يكرهون الصلاة على الجنازة بين القبور ولأنها صلاة يمكن فعلها في غير المقبرة فكره فعلها فيها كسائر الصلوات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 214
وضع اليدين على القبر:
23 ـ مسألة: واختلفت في وضع اليد على القبر على روايتين: قال محمد بن حبيب البزار : كنت مع أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في جنازة فأخذ يدي وقمنا ناحية فلما فرغ الناس وانقضى الدفن جاء إلى القبر وأخذ بيدي وجلس ووضع يده على القبر، وقال: اللهم إنك قلت في كتابك: فأما إن كانَ مِنَ المُقرَّبينَ فروحٌ وريْحانٌ وجنةُ نعيمٍ، وأما إن كانَ من أصحابِ اليمينِ فسلامٌ لكَ من أصحاب اليمين. وأما إن كان من المُكذبين الضّالينَ فنُزْلٌ منْ حَميمٍ وتَصليةُ جحيمٍ . إلى آخر السورة.
---(1/94)
اللهم إنا نشهد أن هذا فلان ابن فلان ما كذب بك، ولقد كان يؤمن بك وبرسولك اللهم فاقبل شهادتنا له، ودعا وانصرف. وظاهر هذا يدل على وضع اليد على القبر وعلى الجلوس. ونقل الأثرم : قلت لأبي عبد الله: قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. قلت له: فالمنبر قال: أما المنبر فنعم قد جاء فيه. قيل لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر. وقيل له رأيت من أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون ويقومون ناحية فيسلمون. قال أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ نعم، وهكذا كان ابن عمر يفعل. وهذه الرواية تدل على أنه ليس بسنة وضع اليد على القبر.
وجه الرواية الأولى: أن الزيارة للميت جارية مجرى زيارة الحي، ولهذا يستحب أن يسلم على الميت عند قبره كما أنه يستحب أن يسلم على الحي ويستحب مصافحة الحي فجاز أن يستحب مس قبره، لأنه في معنى المصافحة.
ووجه الثانية: إنما طريقة القربة تقف على التوقيف ولهذا قال عمر ـ رضي الله عنه ـ في الحجر: لولا أني رأيت رسول الله يقبلك لما قبلتك وليس في هذا توقيف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 214
تغسيل الميت واتباع الجنازة مع وجود المنكر:
24 ـ مسألة: واختلفت هل تتبع الجنازة ومعها المنكر من النوح وغيره أو يغسل الميت وعنده المنكر؟
فنقل أبو الحارث عنه في الرجل يدعى ليغسل الميت وعنده النوح فقال: يدخل فيغسله وينهاهم، وكذلك نقل الفضل بن زياد وقد سئل عن الرجل يتبع الجنازة فيرى ما ينكر يتبعها ولا يترك حقاً لباطل، لأن اتباعها حق وطاعة والمنكر الذي معها منكر وباطل فلا يجوز ترك الحق للباطل فهو كما لو كان في طريقه إلى الجمعة والجماعة منكر فإن ذلك لا يمنعه من قصدها.
---(1/95)
ونقل المروذي عنه: إذا جاء يغسل الميت فيسمع صوت طبل فلا يدخل إلا أن يكسره صغيراً كان أو كبيراً. وظاهر هذا: أنه يترك الغسل لأجل المنكر إذا لم يقدر على إزالته لقوله تعالى: {وقدْ نزلَ عليكُمْ في الكتاب أن إذا سمعتُم آياتِ الله يُكفرُ بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخُوضوا في حديثٍ غيره} .
وظاهر الآية يقتضي المباعدة عنهم، ولما روى نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً فوضع إصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق، وقال: يا نافع، هل تسمع شيئاً؟ فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا.
وأيضاً ما روى ابن عمر أن رسول الله نهى أن نتبع جنازة فيها رنة.
ولأنه إذا لم يبعد عنهم ربما ساكنته نفسه واعتاد سماعه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 215
تغطية وجه من مات محرماً:
25 ـ مسألة: واختلفت في المحرم إذا مات هل يغطى وجهه؟
فنقل ابن مشيش : يغطى وجهه ولا يغطى رأسه.
ونقل إسماعيل بن سعيد الشالنجي : لا يغطى رأسه ولا وجهه.
وعندي أن هذه الرواية سهو من إسماعيل، لأن مذهبه لا يختلف أن إحرام الرجل في رأسه، وأنه يجوز له تغطية وجهه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 217
إعادة تغسيل الميت إذا انتقض:
26 ـ مسألة: واختلفت إذا انتقض الميت بعد أن يوضع في أكفانه.
فنقل ابن منصور : إن كان شيئاً قليلاً رفع إلا أن يكثر فيظهر على الكفن فيعاد عليه الغسل. قال أبو بكر الخلال : قد روى الجماعة عنه أنه إذا جعل في أكفانه قبل السبع وبعضهم قال: إذا وضع في أكفانه ولم يذكر عدداً، وقال بعضهم إذا وضع في الأكفان بعد السبع فإنه يحمل ولا يعاد عليه الغسل.
---(1/96)
وما نقله الكوسج فقد خالفه عليه أصحابه، وأرجو أن يكون قد رجع عنه والمذهب لا يختلف أنه إذا فرغ من غسله وخرج منه شيء قبل أن يوضع في أكفانه لا أنه يعاد عليه الغسل، لأن الغسل يراد لتكميل حال الميت فيعاد حتى يكون آخر ما يفعل به غسلاً كاملاً، وأما إذا اخرج منه بعد الوضع في أكفانه فالذي نقل ابن منصور أنه يعاد أيضاً إذا فحش وكثر قياساً عليه إذا خرج قبل أن يوضع في أكفانه. والذي نقل الجماعة أنه لا يعاد، لأن المشقة تعظم في ذلك. فلهذا لم يعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 217
كتاب الزكاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 219
مسائل في حكم مانع الزكاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
من امتنع عن إخراج الزكاة بخلاً وقاتل عليها:
1 ـ مسألة واختلفت الرواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ فيمن اعتقد وجوب الزكاة وامتنع من إخراجها وقاتل عليها هل يكفر؟
فنقل الميموني فيمن منع الزكاة وقاتل عليها كما منعوا أبا بكر وقاتلوه عليها لم يورث ولم يصل عليه، وإن منعها من بخل أو تهاون فلم يقاتل ولم يحارب على المنع ورث وصلى عليه. وظاهر هذا أنه يكفر بالقتال على منعها، لأن أبا بكر قطع على مانعي الزكاة بالكفر، وقال: لا حتى تشهدوا أن قتلاكم في النار.
ونقل الأثرم فيمن ترك صوم رمضان هو مثل تارك الصلاة، فقال: الصلاة آكد ليس هي كغيرها. فقيل له: تارك الزكاة. فقال: قد جاء عن عبد الله ما تارك الزكاة بمسلم، وقد قاتل أبو بكر عليها. والحديث في الصلاة. فظاهر هذا أنه حكى قول عبد الله، وفعل أبي بكر، ولم يقطع به لأنه قال الحديث في الصلاة يعني الحديث الوارد بالكفر، لينظر هو في الصلاة، وقول النبي بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر. ولأن الزكاة حق في المال فلم يكفر بمنعه، والقتال عليه كالكفارات وحقوق الآدميين.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 221
تعزير مانع الزكاة بأخذ المال:(1/97)
2 ـ مسألة: إذا غلَّ صدقته وكتمها فلم يخرجها، ولم يقاتل عليها هل يؤخذ منه زيادة عليها؟
فنقل محمد بن الحكم وقد سأله عن حديث بهز بن حكيم عن النبي : من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، فقال: لا أدري ما وجهه إذا منع الصدقة أخذها منه (الإمام) ولم يأخذ غير ما وجب عليه، فقد نص على أنه لا يؤخذ منه زيادة على الصدقة الواجبة لأنه منع أداء حق وجب عليه فلم يلزمه زيادة عليه كما لو امتنع من الصلاة ثم فعلها أو من الصيام، أو من حقوق الآدميين.
وقال أبو بكر : العمل على حديث بهز بن حكيم، ومثله قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم لا قطع في ثمر ولا كثر وفيه غرمته ومثله معه. ومثله قول النبي : في الضالة المكتومة فيها غرامتها ومثلها. ومثله حديث الذمي إذا قتل عمداً تضعف الدية فيه، ومثله الأعور إذا فقأ عين الصحيح أو الصحيح إذا فقأ عين الأعور إن الدية كاملة ويرفع القود (فكذلك هاهنا، والمذاهب على ما نص عليه أحمد رضي الله عنه).
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 222
احتساب ما يأخذه الإمام زيادة في الخراج من الزكاة:
3 ـ مسألة: إذا أخذ الإمام زيادة على الخراج أو خرص عليه زيادة على الحق وأخذه. منه فهل يحتسب رب المال تلك الزيادة من الزكاة أم لا؟
فنقل أحمد بن سعيد في السلطان يأخذ الخراج زيادة على ما عليه قال: يحتسب به مما فيه العشر.
نقل إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور ، ونقل أبو داود لا يحتسب بالزيادة من العشر، وقال: لأن هذا غاصب.
---(1/98)
وأصحابنا جعلوا المسألة على روايتين، وعندي أن المسألة على اختلاف حالين: فالموضع الذي قال: يحتسب به من الزكاة إذا كان المأخوذ منه من جنس ما تجب فيه الزكاة وكان الشيء المأخوذ باقياً في يده لم يهلك فنوى به حال الدفع أو بعده أنه من زكاته فيجزيه، لأنه إنما يعتبر فيما يأخذه الإمام من رب المال، الإمام ممن يجوز له الأخذ، ويقع الاعتداد بقبضة فلهذا أجزأ، وإن كان الشيء قد هلك في يد الإمام لم يجزه لأنه يصير ديناً والدين ولا يجزىء عن الزكاة، لأن الزكاة تمليك عين، فأما إن لم يوجد من رب المال نية الزكاة مع بقاء العين، فلا يجزئه لعدم النية من جهته، ويصير مغصوباً على ذلك فلا يسقط الحق الواجب عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 224
مسائل في الزكاة الأبل
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 224
ما يجب في الإبل إذا زادت على عشرين ومائة واحدة:
4 ـ مسألة: واختلفت إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدة فنقل صالح عنه إذا زادت الأبل على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنه لبون، وفي كل خمسين حقه، وظاهر هذا أن زيادة الواحدة تغير الفرض فيكون فيها ثلاث بنات لبون، وهو اختيار الخرقي، لأنه وقص حد في الشرع فحد في جنس يتغير الفرض فيه بالزيادة في السن والعدد، فوجب أن يتغير فرضه بزيادة الواحدة كسائر الأوقاص، ولا يلزم عليه تحديد وقص الغنم بثلاثمائة لقولنا: في جنس يتغير الفرض فيه بزيادة السن والعدد.
---(1/99)
ونقل عبد الله : لا شيء فيها حتى تكون ثلاثين ومائة، فإذا بلغتها ففيها حقة وبنتا لبون، وظاهر هذا أن بزيادة الواحدة لا يتغير الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة، فتكون الحقتان في إحدى وتسعين إلى مائة وثلاثين، فإذا بلغتها ففيها حقة وبنتا لبون، وهو اختيار أبي بكر لما روي في حديث عمرو بن حزم المنسوخ له من كتاب النبي وكتاب عمر ـ رضي الله عنه ـ في الصدقات (فإذا بلغت الإبل عشرين ومائة، فليس فيها دون العشرة) وهذا نص، ولأن أصول الزكاة موضوعة على أن كل زيادة غيرت فرضاً كانت داخلة فيه، كما قلنا في خمس وثلاثين فيها ابنة مخاض، فإذا زادت واحدة فصارت ستة وثلاثين تغير الفرض بها وكانت داخلة فيها، هذه الزيادة هاهنا لا تدخل فيها، وإنما تكون عفواً فهو خلاف الزكاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 224
إخراج المريضة في الزكاة إذا كانت الإبل ونحوها مراضاً:
5 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا كانت إبله مراضاً كلها هي يجزىء إخراج الزكاة منها؟ فقال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا يجزئه ويكلف شراء صحيحه، وكذلك إذا كانت غنمه سخالاً لزمه إخراج ما يجزىء في الأضاحي، قال: وهو ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية ابن القاسم: لا يأخذ إلا ما يجوز في الأضاحي لما روي عن النبي أنه قال: لا يؤخذ هرمه ولا ذات عيب، ولأنه عيب يمنع إخراجها في الأضحية فمنع إخراجها في الزكاة قياساً عليها إذا كان في الغنم صحاح.
---(1/100)
وقال شيخنا أبو عبد الله : يجزىء واحدة من المراض، ومن السخال، وهو ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية الميموني: لا يأخذ كرائم أموالهم ولكن يأخذ الوسط ، وقال أيضاً في رواية الأثرم: إذا كان أربعون جملاً يؤخذ منها كأنه أهون له ما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه قال: إياك وكرائم أموالهم ولأنها قد تكون خيراً من كل الباقي إذا كثر، ولأن أخذ الزكاة مبناه على التعديل بين أرباب المال والمساكين، وقد تقرر أنه لو كانت صحاحاً لم يؤخذ مريضة كذلك إذا كانت مراضاً يجب أن لا يؤخذ صحيحه، وهذا الوجه عندي أصح، وعلى هذا اختلافهم إذا كانت إبله لئاماً مهازيل وفيها ابنة مخاض صحيحة سمينة على قول أبي بكر يلزمه إخراجها، وعلى قول شيخنا لا يلزمه ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 225
ما يجب بالمائتين من الإبل:
6 ـ مسألة: فإن بلغت إبله مائتين.
---(1/101)
فنقل أحمد بن سعيد عن أحمد: أنه يأخذ من المائتين أربع حقاق فظاهر هذا أن الواجب فيها فريضة معينة هي أربع حقاق: وقال أبو بكر وشيخنا أبو عبد الله : إن أخرج الحقاق أجزأ، وإن أخرج بنات لبون أجزأ سواء كانت بنات لبون خيراً من الحقاق أو الحقاق خيراً من بنات لبون فعلى قولهما الواجب أحد فرضين: أربع حقاق أو خمس بنات لبون، وهذا أشبه عندي ويمكن أن يحمل كلام أحمد ـ رحمه الله ـ على أن فيها أربع حقاق وهي أحد الفرضين لا على أنها معينة، فمن ذهب من أصحابنا إلى ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ فوجهه أن أصول فرائض الإبل أنه لا يزاد في عدد بنات لبون (مع إمكان الزيادة في السن، ألا ترى أن في مائة وعشرين ثلاث بنات لبون) وفي مائة وثلاثين بنتي لبون وحقه، فلم يزد في العدد مع إمكان الزيادة في السن، وكذلك في مائة وأربعين حقتان وبنتا لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وهكذا في مائة وسبعين إلى مائة وتسعين ثلاث حقاق، وبنت لبون، ويمكن في المائتين أن يزيد في السن فيكون أربع حقاق، فوجب أن لا يزاد في عدد بنات لبون، وإذا قلنا: هو بالخيار فوجهه أن كل فريضة جمعت سنين حقاقاً وبنات لبون وجب أن يتقدمها بعددها بنات لبون محضة. أصله مئة وثلاثون ومائة وأربعون، فيها السننان معاً حقاق وبنات لبون والكل ثلاثة يقدمها بعددها ثلاث بنات لبون محضة، في مائة وإحدى وعشرين، وكذلك سبعون ومائة وثمانون ومائة وتسعون ومائة، في كل عقد السننان معاً، والعدد أربعة فيقدمها بعددها بنات لبون محضة أربع في مائة وستين فلما كان في مائتين وعشر أربع بنات لبون وحقه فالكل خمس وجب أن يتقدمها بعددها بنات لبون محضة وليس ذلك إلا في المائتين.
---(1/102)
وقول ذلك القائل: لا يزاد في العدد مع إمكان الزيادة في السن، فإنما لم يزد في العدد لأنه لم يكن غيره، فلهذا زدنا في السن، ألا ترى أنه إذا انتقل عن مائة وخمسين، وفيها ثلاث حقاق إلى مائة وستين، وجب أربع بنات لبون، فزاد في العدد وإن لم يمكن الزيادة في السن جئنا إلى مائة وستين، فوجدناها يمكن الزيادة في العدد فوجب أن لا يزاد في السن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 227
مسائل في البقر والغنم
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 228
الزيادة في بقر الوحش:
7 ـ مسألة: واختلفت في بقر الوحش إذا ملك منها نصاباً هل يجب فيها الزكاة؟
فنقل ابن منصور : تزكي، وهو أصح لعموم قوله : في ثلاثين بقرة تبيع ولأنه ملك نصاباً من البقر السائمة حولاً أشبه البقر الإنسية يبين صحة هذا أن إطلاق الاسم يشملها وليس كذلك الظباء، فإنه لا ينطلق عليها اسم الغنم، فلهذا لم تجب فيها الزكاة، ونقل صالح : لا زكاة فيها، لأنه لو ملك نصاباً من الغنم الوحشية وهي الغزلان لم تلزمه زكاة فيها، كذلك البقر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 228
ما يجب في الغنم إذا زادت على مائتي شاة شاة واحدة:
---(1/103)
8 ـ مسألة: واختلفت إذا زادت الغنم على مائتي شاة، فنقل عبد الله: لا شيء فيها حتى تبلغ أربعمائة، فيكون فيها أربع شياه، فيكون في مائتين وشاة ثلاث شياه، ولا شيء في زيادتها حتى تبلغ أربعمائة، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح لما روي في حديث أبي بكر، وفي صدقة الغنم السائمة، إذا بلغت أربعين إلى مائة وعشرين، ففيها شاة، فإذا زادت عليها واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت عليها واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت على ذلك ففي كل مائة شاة، فظاهر الخبر أن الغنم إذا زادت على ثلاثمائة فإنه يتعلق بكل مائة شاة فحسب، وعلى الرواية الأخرى تتعلق الشاة بدون المائة، ونقل حرب : لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا زاد عليها شاة ففيها أربع شياه، وعلى هذا كلما زادت على مائة شاة ففيها شاة، وهو اختيار أبي بكر، لأن الثلاثمائة وقص حد في الشرع بحد بدليل قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة فإذا زادت ففي كل مائة شاة شاة فإذا كانت الثلاثمائة في الشرع حدا وجب أن لا يتعقب الوقص وقص، أصله سائر أوقاص الإبل والبقر، ومن نصر الرواية الأولى يقول: إنما حددناه بالثلاثمائة ليتبين أن الزكاة تتعلق بالمائة في هذه الحال خلاف ما كانت فيما قبل، لأن قبل كانت الشاة تتعلق بدون المائة وهاهنا بالمائة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 228
البناء على حول السائحة إذا كملت نصاباً بنتاجها أثناء الحول:
---(1/104)
9 ـ مسألة: واختلفت إذا ملك عشرين شاة ستة أشهر فتوالدت حتى بلغت أربعين. على روايتين: إحداهما: ابتداء الحول من حين ملك الأمهات، وهذا ظاهر ما نقله حنبل، وقد حكى له قول مالك في رجل له غنم لا تجب فيها الصدقة فتوالدت إن عليه الصدقة إذا بلغت الغنم بأولادها قال أحمد: أنا أرى ذلك إذا كان تمامها منها فهي بمنزلة أمهاتها. وجبت فيها الصدقة لأن الأولاد وإن كان ظهورها في أثناء الحول فهي في حكم الموجودة من أول الحول لأنها كانت موجودة في بطون أمهاتها، فإذا حال حول الأمهات، كان كأنه حال على أربعين من أول الحول فوجب تجب فيها الزكاة/ والرواية الأخرى يكون ابتداء الحول من حين كملت كما لو كان تمامها من غيرها، وهذا ظاهر ما نقله الميموني في الرجل يكون له ثلاثون شاة لم يحل عليها الحول. فولدت قبل تمام الفريضة ثم حال الحول، فلا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول فيكون فيها وفي أولادها، الزكاة تشبيهاً بالدراهم، لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول، وقد أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم أيضاً وهو الصحيح، لأنها زيادة كمل بها النصاب، فوجب أن يكون الحول من حين كمل أصله إذا كانت الزيادة من غيره ولأن المذهب لا يختلف أن الربح في مال التجارة لا يكمل به النصاب، كذلك في نصاب الماشية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 229
الزكاة في صغار بهيمة الأنغام إذا انفردت عن الكبار:
9 ـ مسألة: واختلفت في الحملان والخسال وعجاجيل البقر، وصغار الإبل، هل فيها زكاة إذا انفردت عن الكبار؟
فنقل صالح عنه في الفصلان إذا كانت مع الإبل والعجاجيل إذا كانت مع البقر يجب فيها الصدقة.
---(1/105)
وإذا كانت وحدها فبعض الناس يقول: ليس عليه فيها شيء حتى تثنى وبعضهم قال: يؤخذ منها حمل وقال بعضهم: فيها مسنة، وكان أبي يذهب إلى أن يها حملاً، فظاهر هذا أن أوجب فيها الزكاة، لأن كل ذات ولد تبعها ولدها في حكمها لم يسقط ذلك الحكم عنه بتلفها، كولد أم الولد والأضحية وولد المدبرة والمكاتبة، ونقل حنبل عنه فيمن له أربعون حملاً: ليس عليه فيها صدقة وكذلك نقل حرب في رجل عنده خمس بنات مخاض ليس فيها كبيرة وهي صغار، فقيه اختلاف وكأنه لم يرَ فيها شيئاً لما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه قال لا زكاة في السخال . وقد روى سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله فجلسنا إليه. فقال: في عهدي أن لا أخذ من راضع لبن شيئاً. وبيان موضع الروايتين أن تموت الأمهات كلها وتبقى السخال والعجاجيل والفصلان هل ينقطع حولها فتسقط الزكاة أم يبنى على ما مضى من الحول على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 230
مسائل في الخلط وأثرها في الزكاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
تأثير الخلطة في إسقاط الزكاة فيما عدا المواشي:
10 ـ مسألة: واختلفت الرواية هل تؤثر الخلطة فيما عدا المواشي من الزروع والثمار والأثمان والتجارات؟
---(1/106)
فنقل حنبل أنها تؤثر ويصح لأنه ملك بين مالكين لو انفرد كل واحد منهما به وجب فيه الزكاة، فإذا كان خلطة بينهما وجب أن تجب فيه الزكاة، أصله إذا كان بينهما نصاب من الماشية خمس من الإبل أو أربعون من الغنم أو ثلاثون من البقر، ونقل محمد بن الحكم وصالح: لا يصح، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأن الخلطة إنما تصح فيما يستضر فيه رب المال تارة وينتفع أخرى، وإنما يتصور هذا في الماشية، لأنه إذا كان بين (ثلاثة) مائة وعشرون شاة لكل واحد أربعون فقيهاً شاة، ولو انفرد بملكه كان فيها ثلاث شياة فانتقع رب المال، وإذا كان المال مائتين وشاة يستضران لأن كل واحد منهما لو انفرد بماله كان عليه شاة لأن معه مائة، وإذا كان خليطين فعلى كل واحد منها شاة ونصف شاة، فها هنا تصح الخلطة، فأما الزروع والثمار فكله ضرر على رب المال لأنه إذا كان بينهما نصاب فعليهما الزكاة، وإذا زاد على ذلك فإنه يجب الزكاة فعليه ضرر، فلهذا لم تصح فيه الخلطة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 231
حدوث الخلطة على نصاب السائمة أثناء الحول:
11 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا كان لرجل أربعون شاة سائمة فأقامت في يده ستة أشهر ثم باع نصفها مشاعاً، هل ينقطع حول البايع؟
فقال شيخنا أبو عبد الله : لا تنقطع، لأن ماله ما انفك عن النصاب طول الحول بعضه خليط نفسه، وبعضه خليط غيره، وقال أبو بكر في كتاب الخلاف ينقطع حول البايع، ويستأنف الحول من حين البيع، لأنه قد انقطع الحول بالبيع، فإذا انقطع كأنه لم يجر في حول بحاله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
مسائل في إخراج الزكاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
تعجيل الصدقة لأكثر من عام واحد:
12 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز تعجيل الصدقة لأكثر من عام واحد؟
---(1/107)
فنقل أبو الحارث : يجوز تعجيل صدقته لسنتين لما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه استسلف من العباس صدقة عامين. ولأن وجود النصاب سبب في وجوب الزكاة في هذه السنة وفيما بعدها من السنين لأنه لم يبق بينه وبين الوجود إلا مرور الزمان، وإذا كان سبباً فيه جاز إخراجها عند وجوده. ونقل الأثرم ، وإبراهيم بن الحارث : أما السنة فقد سمعناه، ولا أدري ما سنتان، فظاهر هذا أنه توقف عن جواز ذلك فيما زاد على السنة، لأن زكاة السنة الثانية والثالثة غير مضافة إلى المال، لأنه إنما يضاف إلى المال ما هو سبب في وجوبه وهو زكاة العام الواحد فأما زكاة العام الثاني فإنما تضاف إليه في العام الثاني، وعلى هذا الاختلاف إذا كان عنده نصاب هل يجوز أن يخرج عن العامين على الروايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 232
الرجوع في الزكاة المعجلة إذا تلف المال قبل الحول:
13 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا عجل زكاته ودفعها إلى المسكين وأعلمه أنها زكاته ثم هلك المال قبل الحلول هل يرجع بها على المسكين؟
فقال أبو بكر في كتاب التنبيه:لا يرجع بها وقال: لايعتبر بأخذها فقر صاحبها ولا غنى من أعطيها لأنها صدقة وصلت إلى يد المسكين، وحصلت ملكاً له فوجب أن ينقطع حق الدفع عنها كما لو دفعها إليه ولم يبين أنه عجلها قبل وجوبها أو دفع إليه زكاة وظن أنها عليه ثم تبين أنها ليست عليه فإنه ليس له أن يرجع فيها. وقال شيخنا أبو عبد الله: يرجع بها على المسكين، لأنه مقبوض عما يستحق عليه في الثاني، فإذا طرأ ما يمنع استحقاق كان له أن يرجع فيها كالمستأجر إذا عجل الأجرة ثم انهدمت الدار، أنه يرجع في الأجرة التي عجلها، ولا يختلفون أنه لو هلك المال قبل الحلول والصدقة في يد الساعي أو الإمام أن له الرجوع فيها، لأن القصد منها نفع المساكين ولم يوجد ذلك إذا كانت في يد الساعي فلهذا ملك الرجوع فيها.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 233
نقل الزكاة إلى غير بلد المال:(1/108)
14 ـ مسألة: لا تختلف الرواية أنه يكره الصدقة من بلد المال إلى بلد تقصر فيه الصلاة فإن نقلها فهل تقع موقعها أم لا؟
ذكر شيخنا أبو عبد الله أنه لا يجزىء، وهو قياس قول أحمد ـ رحمه الله ـ في تفرقة لحم الهدي أنه يختص فقراء الحرم، وأنه لا يجوز نقله عنهم. ونقل أبو حفص محمد بن يحيى المتطبب: إذا نقل صدقته إلى الثغر جاز فظاهر هذا الجواز وجه الأولى قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أعلمهم أن الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم .
فأخبر أن صدقة أهل اليمن ترد على فقراء أهل اليمن، ولأن حقوق الله تعالى على ضربين: حق على البدن، وحق في المال ثم ثبت أن من حقوق الأبدان ما يختص بمكان وهو الوقوف والطواف والسعي فجاز أن يكون من حقوق الأموال ما يختص بمكان.
ووجه الرواية الثانية: أن الصدقات كانت تحمل إلى أبي بكر وإلى عمر رضوان الله عليهما من غير المدينة ولأنه وضعها في أصنافها فهو كما لو وضعها في فقراء بلده، ولأنها تخرج على وجه الطهرة فلم تختص ببلده كالكفارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 234
إخراج أحد النقدين زكاة عن الآخر:
15 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز إخراج العين عن الورق، والورق عن العين في الزكاة.
---
فنقل حنبل عنه: لا يكسو مسكيناً، ولكن يمضيها كما أمر الله عزّ وجلّ، وكما فرض الله تعالى، فظاهر هذا المنع، وكذلك نقل الحسن بن ثواب : إذا كان عنده مائة دينار فأخرج زكاتها ورقاً فلا أحب أن يخرج ذهباً لأنه عدل عن النصوص إلى قيمته فلم يجزه كما لو أخرج زكاة الحبوب والمواشي ذهباً وورقاً فإنه لا يجزيه رواية واحدة، ونقل بكر بن محمد ويعقوب بن بختان جواز ذلك، فقال: إذا أعطى زكاة الدنانير دراهم جاز ليس هو عرض، وهو أصح، لأن الدراهم والدنانير أجريا مجرى الجنس الواحد، ألا ترى أنهما قيم المتلفات وأروش الجنايات ويضم بعضها إلى بعض في الزكاة فجاز أن يكونا في حكم الجنس الواحد في إخراج بعضها عن بعض.(1/109)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 235
وجوب زكاة الصداق المؤجل على الزوجة:
16 ـ مسألة: واختلفت إذا صدقها مالاً في الذمة يجب الزكاة فيه وبقي في يد الزوج سنين لم تقبضه ثم وهبته للزوج هل تجب الزكاة على الزوج أم على الزوجة؟
فنقل حرب روايتين، إحداهما: أن الزكاة على الزوجة، وكذلك نقل إبراهيم بن هانىء ويعقوب بن بختان، لأنها ملكته بالعقد فكانت الزكاة عليها كما لو كان الصداق مالاً معيناً فإن الزكاة عليها رواية واحدة. ونقل حرب رواية أخرى: أن الزكاة على الزوج لأنها ملكت عليه ما لم يزل ملكه عنه، لأن ما كان ديْناً في الذمة فملكه عليه باق قبل أن يعينه، فإذا وهبت له ذلك فكأن ملكه ما زال عن هذا الصداق، فلهذا كانت الزكاة عليه، ويفارق هذا لو كان الصداق عيناً لأنها ملكت عنه ما زال ملكه عنه، فإذا ملكه عنها بعد ذلك لم يكن عليه الزكاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
مسائل في الزكاة الثمار
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
اعتبار نصاب ثمر النخل والعنب بحالة الجفاف:
17 ـ مسألة: واختلفت في ثمرة النخل والكرم هل يعتبر نصابها بعد جفاف الثمر، أم في حال رطوبتها؟
---
على روايتين إحداهما: يعتبر بعد جفافه، فإذا حمل النخل القدر الذي إذا جف وأثمر كان خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة، وكذلك الكرم، فأما إذا كان مبلغه رطباً خمسة أوسق وينقص عنه إذا جف فلا زكاة فيه، وهذا ظاهر ما نقله أبو الحارث ، فقال: النخل والعنب يخرص على أهله ويؤخذ منهم العشر إذا أثمر، فظاهر هذا أنه اعتبر نصابه بعد جفافه، وكذلك نقل حنبل إذا خرص فترك في رؤوس النخل فأصابه جائحة فذهبت الثمرة سقط عنه ولم يؤخذ منه. وهذا يدل على أن النصاب معتبر بحال الجفاف إذا لو كان معتبراً في الحال لم تسقط الزكاة والوجه فيما روى أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة.(1/110)
ونقل الأثرم ما يدل على أن النصاب معتبر في حال رطوبته، فإذا بدا الصلاح في النخل والكرم ومبلغه خمسة أوسق رطباً وينقص إذا جف وجبت الزكاة ولفظ كلامه أنه سئل عن الخارص يخرص مائة وسق، وهذا يؤول إلى أن يكون تسعين وسقاً فقال: كان الشافعي يقول: يخرص على ما يؤول إليه وإنما هو على ظاهر الحديث، ومعناه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم خرص عليهم ولم يعتبر الجفاف وقيل له أيضاً: إذا خرص عليه مائة وسق رطباً يعطي عشرة أوسق تمراً فقال: نعم على ظاهر الحديث. فظاهر هذا أنه أوجب في الرطب تمراً، ولفظ الحديث رواه سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال: لما بعثني رسول الله إلى مكة قال: اخرص عليهم العنب، وخذ منهم زبيباً كما تخرص عليهم الرطب، وتأخذ منهم تمراً فظاهر الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أمره بخرص العنب والرطب ولم يأمره أن يعتبر نقصان ذلك، وإلى هذا ذهب أبو بكر في كتاب الخلاف. وأيضاً فإن حال رطوبته حالة لإيجاب الزكاة فيه فكان النصاب معتبراً بها دليله حالة الجفاف ولا يلزم عليه ما قبل هذه الحالة.
---
أعني حالة الأرطاب، لأنه ليس بحالة للوجوب. وقد أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور، ويكره أن يبيع الثمرة حتى تطيب فإن باعها قبل أن تطيب نسخته، وإن باعه ثمرة قد طابت فالزكاة على البائع، فأوجب الزكاة إذا باعها بعد أن طابت. فالزكاة على البائع، والأولى أشبه عندي بالمذهب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
ووجهة حديث أبي سعيد الخدري عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة فنص على التمر. ولأنه لو كان النصاب معتبراً في حالة رطوبته لجاز لإخراج منه. كسائر الأموال. ولما وجب الإخراج من التمر والزبيب. دل على أن تلك حالة الوجوب.(1/111)
وقد نص أحمد على أن المأخوذ تمر أو زبيب، وبه جاءت السنة في حديث عتاب بن أسيد قال: أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أن نخرص العنب كما نخرص النخل ونأخذ زكاته زبيباً كما نخرص النخل ونأخذ زكاته تمراً.
والأولى أشبه عندي بالمذهب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 236
الزكاة في الزيتون:
18 ـ مسألة: واختلفت في الزيتون هل فيه صدقة؟
فنقل يعقوب بن بختان : ليس فيه صدقة، لأنه لا يدخر في العادة فأشبه التين. ونقل صالح في الزيتون العشر إذا بلغ ستين صاعاً لعموم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم : فيما سقت السماء العشر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
الزكاة في القطن:
19 ـ مسألة: واختلفت في القطن هل فيه صدقة؟
فنقل أبو داود : ليس فيه زكاة، وهو اختيار أبي بكر، وهو أصح، لأنه غير مكيل فلا زكاة فيه كسائر الخصروات، ونقل يعقوب بن بختان : فيه الزكاة لعموم قوله: فيما سقت السماء العشر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 238
الزكاة في الزعفران:
20 ـ مسألة: واختلفت في الزعفران
---
فنقل يعقوب بن بختان روايتين: إحداهما: زلا زكاة فيه، وهو اخيتار أبي بكر لأنه غير مكيل أشبه الفواكه، والثانية: فيه الزكاة لعموم قوله عليه السلام ـ فيما سقت السماء العشر، والصحيح من المذهب في هذه الأشياء وافق الأصل الذي اعتبرناه من الكيل والادخار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 239
ضم الحبوب إلى بعضها في تكميل النصاب:
21 ـ مسألة: واختلفت في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في تكميل النصاب وإيجاب الزكاة على ثلاث روايات: إحداها: لا يضم شيء منها بعضه إلى بعض.
قال في رواية ابن القاسم وإسحاق بن ابراهيم : ما أخرجت الأرض لا أضم بعضه إلى بعض، لأنهما جنسان، فلم يضم بعضها إلى بعض، دليله التمر والزبيب.(1/112)
والثانية: يضم بعضها إلى بعض فتضم الحنطة إلى الشعير وإلى القطاني، وهذا ظاهر ما نقله الميموني ، فقال: اختلفوا في هذا، والأحوط أن يجمعها كلها إذا كانت تكال بالقفيز مثل الحنطة، والأرز، والعدس، فتزكى هذه تكال ويقع عليها اسم الحب فتجمع فتزكى، وليس هذا مثل التمر فيضمه إليه، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فقال: ليس على مال مسلم صدقة في حب ولا ثمر. ففرق بين الحب والثمر، فظاهر هذا أن جميع الحبوب من المقتات والقطاني، فيضم بعضها إلى بعض، في إكمال النصاب، وإيجاب الزكاة، ولأنها فروع لأصول لا تتنافى فيجب أن يضم بعضها إلى بعض دليله أنواع الحنطة وأنواع الشعير، ولا يلزم عليه الثمار أنها لا تضم، لأنها فروع لأصول تتنافى فلهذا لم تضم.
والرواية الثانية:تضم الحنطة إلى الشعير، والقطنيات بعضها إلى بعض، ولا تضم القطنية إلى الحنطة ولا إلى الشعير، وهذا ظاهر ما نقله أبو الحارث فقال: إذا أخرجت أرضه حنطة وسمسماً هل يضم؟
---(1/113)
فقال: فيه اختلاف، وكل ما كان من القطاني يضم بعضه إلى بعض، فظاهر هذا أنه لم يضمه إليه لا الحنطة والشعير في معنى الجنس الواحد، ونهما يتفقان في الخلقة والمنفعة (فأشبه أنواع الحنطة وأنواع الشعير، وكذلك الأرز والعدس يتفقان في المنفعة) لأنهما يؤكلان طبخاً وأدماً، والحنطة والشعير يؤكلان قوتاً. فلهذا ضمت القطاني بعضها إلى بعض، والحنطة والشعير بعضه إلى بعضه، ولم يضم القطاني إلى الحنطة والشعير لاختلافهما في المنقعة، وكذلك لم يضم التمر إلى الزبيب، لاختلافهما في الخلقة والمنفعة لأن منفعة التمر أعم من منفعة الزبيب، لأن التمر أعم في الأقتيات، ويصنع منه ما لا يصنع من الزبيب، وهو جميع ما يعقد بالنار، وقد نقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد ـ رحمه الله ـ أنه رجع عن هذه المسألة، قال: ويضم الذهب إلى الفضة فيزكى، وكذلك الحنطة والشعير يضم بعضه إلى بعض، ويزكى القليل إلى الكثير، فظاهر هذا أن أحمد ـ رحمه الله ـ رجع عن قوله بترك الضم وأنه رأى الضم، وهو الصحيح في المذهب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 240
مسائل في الزكاة النقدين وعروض التجارة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 241
ضم الذهب إلى الورق في تكميل النصاب:
22 ـ مسألة: واختلفت الرواية ـ أيضاً ـ في ضم الذهب إلى الورق في تكمل النصاب، فنقل المروذي وابن ابراهيم : يضم، لأن زكاتهما ربع العشر في عموم الأحوال فضم بعضها إلى بعض، دليله أنواع الدراهم، وأنواع الدنانير، ولأنهما من جنس الأثمان. ونقل حنبل وسندي : لا يضم، لأنهما جنسان أشبه التمر والزبيب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 241
تأثير نقص النصاب اليسير في إسقاط الزكاة:
23 ـ مسألة: إذا نقصت المائتان ثلث دراهم، والعشرون مثقالاً ثلث مثقال، هل تجب فيها الزكاة؟
---(1/114)
فنقل عبد الله إذا نقصت المائتان ثلث درهم فلا شيء فيها، وهو أصح لأنه نقصان بين فأسقط الزكاة دليله النصف وزيادة عليه، ولا يلزم الجبة والجبتين، لأن ذلك النقصان ليس ببين، ونقل أيضاً في موضع آخر: إذا ملك عشرين ديناراً غير ثلث زكاها، فإن كان غير نصف فلا زكاة، وظاهر هذا أنه أوجب الزكاة لما روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال في عشرين مثقالاً غير ثلث زكاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
الزكاة فيما يخرج من البحر:
24 ـ مسألة: واختلفت فيما يخرج من البحر من لؤلؤ ومرجان وزبرجد ودر وعنبر ونحو ذلك غير السماك هل فيه زكاة؟
فنقل صالح وأبو الحارث : لا زكاة فيه، وهو أصح، لأن الزكاة إنما تجب في الأموال النامية أو المرصدة للنماء كالثمار والماشية، وهذه الجواهر ليست نامية، ولا مرصدة للنماء، وإنما هي معدة للاستعمال المعتاد، فلهذا لم تجب الزكاة، ونقل الميموني : فيه الزكاة إذا بلغت قيمته نصاباً (لأنه تملك بما تعجل دفعة واحدة فوجب أن يجب فيه حق كالركاز، ولا يلزم على هذا السمك إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة كأنه صياد صار في يديه منه ثمن مائتي درهم يزكيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 242
دخول أموال القنية في مال التجارة إذا نويت للتجارة:
25 ـ مسألة: واختلفت إذا اشترى سلعة للقنية ثم نواها للتجارة هل تصير للتجارة بمجرد النية؟
فنقل صالح أنها لا تصير بذلك، وهو اختيار الخرقي، لأن كل ما لم يكن في أصله الزكاة لم يجرِ في حول الزكاة بمجرد النية دليله الماشية إذا كانت معلوفة فنواها للسوم لم يجرِ في حول الزكاة بمجرد النية، ونقل ابن منصور : أنها تصير للتجارة وهو اختيار أبي بكر، لأنه لو كان جارياً في حول التجار فنوى القنية لانقطع عن الحول بمجرد النية، كذلك إذا كان للقنية فنوى التجارة وجب أن يجري في حول التجارة بمجرد النية.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
شراء المزكي للزكاة ممن أعطاها إياه:(1/115)
26 ـ مسألة: إذا أخرج الزكاة بنفسه ودفعها إلى المسكين، فهل يجوز له أن يبتاعها أم لا؟
نقل المروذي وأبو طالب : إذا تصدق بشيء فلا يشتريه، واحتج بحديث عمر، وظاهر هذا إبطال البيع.
ونقل حنبل عنه ما أحب أن يشتريها، وظاهر هذا الكراهة من غير تحريم.
وجه الأولى: ما روي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ تصدق بفرس في سبيل الله فوجده يبتاع فسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم أن يشتريه، فقال: لا تعد في صدقتك والنهي يقتضي الحظر. ولأن العادة أن يسامحه فمنع من ذلك لئلا يعود في جزء منها.
ووجه الثانية: أن ملكها بالشراء أحد جهات التملك لها، فصح كالميراث والهبة، ولأنها صدقة يجوز لغيره شراؤها فجاز له. دليله: صدقة غيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 243
إسقاط الديون للزكاة في الأموال الظاهرة:
27 ـ مسألة: واختلفت في الدين هل يسقط الزكاة في الأموال الظاهرة، كالحبوب، والثمار، والمواشي؟
---
فنقل إسحاق بن إبراهيم : أنها تسقط كالأموال الباطنة، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنه حق يجب بوجود مال فوجب أن يمنع الدين منه كالحج، ولأنه مال تجب فيه الزكاة فسقطت بالدين. دليله: الأموال الباطنة ونقل عنه الأثرم ، وإبراهيم بن الحارث، وبكر بن محمد: أنه لا يمنع بخلاف الأموال الباطنية ، لأن وجوب الزكاة في الأموال الباطنة أضعف من وجوبها في الظاهرة بدليل أن للإمام حقاً في المطالبة في الظاهرة. ويجب الدفع إليه فيصير كأنه قد تعلق به حقان. حق الله تعالى، وحق للإمام، وهو الآخذ. وهذا المعنى معدوم في الأموال الباطنة فكانت أضعف فجاز أن يسقط الزكاة فيها لضعف سببها، ولأن من أصلنا أنه إذا كان عليه دين، وله مال ناظ وعروض من ماشية وغيرها فإنه يجعل الدين في مقابلة الناض دون المواشي والحيوان، وهذا أيضاً يدل على نقصان الملك في الأموال الباطنة لتوجه المطالبة، نحوها وقوة الأموال الظاهرة لسلامتها عن المطالبة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 244(1/116)
وجوب الزكاة في المال المغصوب:
28 ـ مسألة: واختلفت في المال المغصوب: هل تجب فيه الزكاة؟
فنقل الميموني ، والأثرم ، وإبراهيم بن الحارث : لا زكاة. لأن كل مال منع الإنسان من الانتفاع به، ولم تكن يده ثابتة عليه لم يجب عليه فيه زكاة، دليله مال المكاتب، ونقل مهنا وأبو الحارث: فيه الزكاة، وهو أصح، لأن ملك المغصوب منه باق عليه، وإنما زالت يده عنه، وزوال ذلك لا يمنع كالوديعة، والرهن والإجارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 244
مسائل فيمن تصرف لهم الزكاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 244
مسائل فيمن تصرف لهم الزكاة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 244
وقت وجوب الزكاة في الأجرة المقبوضة عند عقد الإجارة:
---
29 ـ مسألة: واختلفت إذا أجر ملكه بمال مبلغه نصاب هل تجب الزكاة في الأجرة في الحال، أم حتى يحول عليه الحول؟
فنقل بكر بن محمد ، ومهنا : لا زكاة حتى يحول عليها الحول، وهو الصحيح لأن الأجرة ملكها بعقد. معاوضة فاستقبل بها حولاً. دليله أثمان البياعات. ونقل حنبل : أنه قيل له: قال مالك في إجارة العبيد والمساكين لا تجب الزكاة في ذلك حتى يحول عليه الحول من يوم قبضه. قال أحمد : وأنا أرى ذلك من يوم قبضه. ويصير مالاً ففيه الزكاة.
ووجه هذه الرواية: أن الأجرة مستفادة من نماء ملكه، ولمن يعتبر فيها الحول. دليله السخال. والربح في مال التجارة، وثمرة النخلة ولا يعتبر الحول في ذلك. لأنه من مال هو ملكه، كذلك الأجرة، ويفارق هذا أموال أثمان البياعات لأن تلك أملاك مبتدئة وليست بنماء ما هو في ملكه. ولهذا استقبل بها حولاً، ويمكن أن يحمل قوله وأنا أرى ذلك من يوم قبضه معناه أن يبتدىء الحول من يوم يقبضه، ويصير (بيده) لأنه غير متحقق. ولأنه في حكم الإعسار، ولأن أحكامه موقوفة على الظهور إلا أن أصحابنا جعلوا المسألة على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
مصرف خمس الركاز:
30 ـ مسألة: واختلفت في مصرف خمس الركاز.(1/117)
فنقل بكر بن محمد : مصرفه مصرف الفيء والغنيمة لأنه مخموس. فأشبه مال الفيء والغنيمة. وأومأ في رواية حنبل إلى أن مصرفه مصرف الصدقات فقال: أرى إن تصدق به رجل على المساكين أجزأه، لأن علياً ـ رضي الله عنه ـ أمر صاحب الركاز أن يتصدق به على المساكين، ولأنه حق على المسلم في المستفاد من الأرض فيجب أن يصرف مصرف الزكاة، دليل حق المعدن وزكاة الحبوب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 245
الأقارب الذين لا تصرف لهم الزكاة:
---
31 ـ مسألة: لا تختلف الرواية أنه لا يجوز صرف صدقته إلى الوالدين وإن علوا، ولا للولد وإن سفل، واختلفت في غيرهم من الأقارب ممن تلزمه نفقته كالأخ والأخت والعم ونحوهما. هل يجوز صرف الصدقة إليهم بحق الفقر، أم لا؟. فنقل: إن أعطى زكاته من تجب عليه نفقته من العصبة لم يجزه لأنه ممن يلزمه نفقته فلم يجز دفع زكاته إليه كالوالدين والمولودين ولأنه إذا دفع الزكاة إليهم أسقط ما يلزمه من النفقة ولأنهم أغنياء بنفقته.
ونقل ابن القاسم : لا يدفع الزكاة للوالدين ولا إلى الولد ولا إلى الجد، ويعطى من سوى ذلك. وظاهر هذا الجواز، لأن استحقاق النفقة إنما هو دين وحق يلزمه فلم يمنع ذلك من دفع الزكاة كما لو كان عليه ديْن لإنسان. فإن ذلك لا يمنعه من دفع الزكاة إليه، ويفارق هذا دفعها إلى الولد أنه لا يجزي لأن مال الولد مضاف إلى الأب، بقوله: أنت ومالك لأبيك .
فيحصل كأنه دفع الزكاة إلى نفسه، وإذا ثبت هذا في الابن يثبت في الأب، لأن كل واحد بعض من الآخر، ولأن شهادة كل واحد منهما لا تقبل للآخر، لأجل ماله في ماله من الشبهة. وهذا المعنى معدوم في سائر الأقارب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
مسائل في زكاة الفطر
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
صدقة الفطر عن الجنين:
32 ـ مسألة: واختلفت هل تجب صدقة الفطر عن الجنين؟(1/118)
فنقل أبو الحارث أنها لا تجب، وهو أصح، لأنه لا حكم له قبل ظهوره، لأن قبل الظهور قد حكم له بالحياة بدليل أنه إذا سقط ميتاً بالضربة ضمنه بالغرة والكفارة، فلم يخرج عنه.
ونقل الفضل : يخرج عنه إذا تبين، وعندي أن هذا على طريق الاستحباب إلا أن أبا بكر جعل المسألة على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 246
مقدار صدقة الفطر عن العبد المشترك:
33 ـ مسألة: واختلفت في عبد بين جماعة هل يلزم كل واحد منهم صاع أو يجب عليهم جميعهم صاع؟
---
فنقل أبو طالب ، وعبد الله ، وصالح ، والكوسج : يجب عليهم إخراج صاع واحد يخرجونه بالحصة، لأن صدقة الفطر تجب لأجل الملك، فوجب أن يتقسط على قدر الملك كالنفقة تلزم الجميع بالحصة، ولا يلزم كل واحد نفقة كاملة. ونقل الأثرم وأحمد بن سعيد : يلزم كل واحد منهم صاع كامل، لأن كل من لزمه أن يخرج عن رفيقه صدقة الفطر لزمه صاع كامل. كما لو كان مالكاً للجميع وحده، ولأن صدقة الفطر لا تتبعض بدليل أنه لو ملك نصف صاع فاضلاً عن قوته لم يلزمه إخراجه.
فإذا لم يتبعض أشبهت الكفارات، وقد ثبت أنه لو اشترك نفسان في قتل نفس لزم كل واحد كفارة كذلك هذا.
وكذلك الخلاف إذا كان بعضه حراً، والأولى أصح. وقد قال ابن مشيش: قاللا الحسن بن الهيثَم: سمعت فوران يقول: رجع أبو عبد الله عن هذه المسألة وعبد الله وقال: يعطي كل واحد منهما نصف صاع. وقال: لا تحكها عن أبي عبد الله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 247
إخراج الأقط في صدقة الفطر:
34 ـ مسألة: واختلفت في الأقط، هل يجوز إخراجه في صدقة الفطر؟(1/119)
فنقل حنبل: إذا أخرج الأقط أجزأه. وظاهر هذا الإجزاء على الإطلاق وهو اختيار أبي بكر، لأنه منصوص عليه فأجزأه إخراجه كالبر يبين صحة هذا ما روي في حديث أبي سعيد وغيره: صاعاً من أقط، ولأنه وإن لم تجب فيه الزكاة فهو متولد مما تجب فيه الزكاة، ونقل ابن مشيش: إذا لم يجد التمر فأقط، فظاهر هذا أنه لا يجوز إخراجه مع وجود غيره، وهو اختيار الخرقي، لأنه جنس لا تجب فيه الزكاة، فلم يجز إخراجه في زكاة الفطر كاللحم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 247
مسائل في المسألة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 248
ترك المسألة مع الضرورة إليها:
35 ـ مسألة: إذا امتنع المسكين عن المسألة فمات هل يأثم أم لا؟
---
ظاهر كلام أحمد يقتضي روايتين: إحداهما: لا يأثم، قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله: الرجل يكون مع القوم فيحتاج ويقدر على الميتة والمسألة أيهما أفضل؟(1/120)
قال: يأكل الميتة وهو مع الناس هذا شنيع. قيل له: فإن اضطر الى الميتة؟ قال: هي مباحة قيل له: فإن تعفف؟ قال ما أظن أحداً يموت من الجوع الله يأتيه برزقه ثم ذكر حديث أبي سعيد: من استعفف أعفه الله ـ عزّ وجلّ ـ وظاهر هذا أنه لا إثم عليه بترك ذلك، قال: فإن تعفف ما أظن أحداً يموت من الجوع الله يأتيه برزقه، ونقل محمد بن حمدان العطار: سمعت أبا عبد الله وقد صلى في مسجد باب التبن، فنظر التبانون إليه فصلى خلفه جماعة، فسمعت رجلاً في الصف الثاني أو الثالث وهو قاعد فقال: تصدقوا عليَّ فسمعته وهو يقول: أيها الشاب قم قائماً ـ عافاك الله ـ حتى يرى إخوانك ذل المسألة في وجهك فيكون ذلك لك عذراً عند الله ـ عزّ وجلّ ـ فظاهر هذا أنه إن ترك ذلك أثم، لأنه أمره بالقيام حتى يعرف، وأخبر أن ذلك يكون عذراً ولا يكون العذر إلا في ترك واجب. وقال أبو داود الكاذي: كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه رجل فقال له: يا أبا عبد الله الرجل يكون عطشان وهو بين الناس فلا يستسقي فأظنه قال في الورع ما يكون أحمق، فظاهر هذا الإنكار عليه في ترك طلب الماء. وجه الأولى ما روى أبو حفص بإسناده عن قيس بن ثعلبة أنه أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ويقول: من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن أغناه الله، ومن يستعفف أو يستغن عنا فهو أحب إلينا.
---
فأخبر أن المستعفف عن المسألة خير وهذا يمنع الإثم، وروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، أو التمرة أو التمرتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً ولا يفطن بمكانه فيعطى ، وهذا خرج مخرج المدح ووجه الثانية أنه قادر على ما يحيى به نفسه فهو كما لو وجد طعاماً فلم يأكله حتى مات، والجواب أن ذاك واجد، وذاك غير واجد بل يظن أنه يعطى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 248
كتاب الصيام
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 251
مسائل في نية الصيام(1/121)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
نية الصيام لكل يوم من رمضان:
1 ـ مسألة اختلفت الرواية عن أحمد ـ رضي الله عنه ـ: هل يجزي نية واحدة لجميع شهر رمضان؟
فنقل أبو طالب ، وعبد الله ، وصالح ، والأثرم ، والميموني : لا بدّ من نية لكل يوم من الليل، وهو أصح، لأنه صوم يوم واجب فكانت النية من شرطه وفي ليلته دليله اليوم الأول.
ونقل حنبل عنه: إن نوى في أول ليلة من رمضان صيام الشهر كله أجزأه لجميع الشهر.
قال أبو القاسم البغوي ، وعبد الله: حدثنا حنبل: قال: سألت أبا عبد الله: هل يحتاج في شهر رمضان إلى نية كل ليلة؟ قال: لا. إذا نوى من أول الشهر يجزيه، لأنه زمان لا يصح فيه صوم التطوع، فجاز أن تتقدم النية عليه كزمن الليل. والأولى أصح.
2 ـ مسألة: واختلفت في تعيين النية لصوم شهر رمضان. هل هو شرط أم لا؟
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
تعيين النية لصوم شهر رمضان:
فنقل المروذي : إذا حال دون مطلع الهلال غيم صام ذلك اليوم.
فقيل له: يصومه على أنه من رمضان؟ فقال: نحن أجمعنا على أنا نصبح صياماً، ولم نعتقد أنه من رمضان فهو يجزينا من رمضان.
وظاهر هذا أنه لا يشترط نية التعيين، وهو اختيار الخرقي ذكره في شرحه.
---
ونقل الأثرم عنه في يوم الشك: لا يجزيه إلا بعزيمة على أنه من رمضان، وظاهر هذا وجوب التعيين، وهو اختيار أبي حفص ذكره في شرحه.
وجه الأولى: أن هذا الوقت لا يصح فيه غير الفرض، فلم يحتج إلى نية التعيين، دليله الإحرام، وهو إذا كان عليه حجة الفرض فأحرم مطلقاً أجزأه كذلك الصوم.
ووجه الثانية: وهو أصح ـ أنه صوم واجب، فكان من شرطه نية التعيين كالنذر، ولأن قضاءه يفتقر إلى التعيين، فافتقر أداؤه إلى التعيين كالصلاة والمذهب على ما رواه الأثرم وغيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 253
مسائل في صيام يوم الشك والصيام برؤية الواحد
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 254
صيام رمضان والفطر منه إذا رئي الهلال يوم الشك نهاراً:(1/122)
3 ـ مسألة: إذا رئي الهلال يوم الشك نهاراً، فهل يكون للماضية أم للمستقبلة؟
---
فنقل الأثرم عنه إذا رئي قبل الزوال ففي الصوم يصومون هو أحوط، وأما في الفطر، فلا يفطرون، وأما بعد الزوال فليس فيه اختلاف أنهم يصومون. فظاهر هذا أنه حكم به في أول الشهر لليلة الماضية فأوجب صيام ذلك اليوم، وحكم في آخره أنه للمستقبلة فألزمه صيام ذلك اليوم، ولم يحكم به للماضية في جواز الفطر، وهذا عندي على طريق الاختيار، وأنه يستحب له صيام أوله للخروج من الخلاف، لا أنه أوجب عليه، والواجب في ذلك أن يكون للمستقبلة فلا يجب عليه صومه، وفي آخره لا يجوز له الفطر، على ما قال، لأننا نحكم فيه أنه للمستقبلة، وأن هذا اليوم الأخير من رمضان، وهو ظاهر كلام الخرقي ـ رضي الله عنه ـ لأنه قال: وإذا رئي الهلال نهاراً قبل الزوال أو بعده، فهو لليلة المستقبلة، ولم يفرق بين أوله وآخره، ونقل إسحاق بن هانىء في القوم يرون الهلال قبل الزوال قال: يفطرون، وإذا رأوه بعد الزوال لم يفطروا، والمذهب على ما رواه الأثرم وغيره، والوجه في ذلك إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ روي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر ، وأنس ، كلهم قالوا للقابلة، ويحتمل أن تحمل رواية الأثرم على ظاهرها، وأنه في أول الشهر يغلب طلوعه في الماضية، وفي آخره يغلب طلوعه في المستقبلة احتياطاً للصوم، فإنا إذا غلبنا طلوعه في أوله للماضية أوجبنا قضاء هذا اليوم، وإذا غلبنا طلوعه في آخره للمستقبلة أوجبنا إتمامه، ولهذا المعنى أوجبنا صيام يوم الشك، وقدرنا طلوع الهلال، ولهذا قبلنا في هلال رمضان شهادة الواحد تغليباً للصيام، وفي آخره شاهدين تغليباً للصيام، وإنما فرقنا بين قبل الزوال وبعده على رواية اسحاق لما رواه سيف في الفتوح بإسناده قال: كتب ـ يعني عمر ـ إلى سعد وإلى أهل حلوان: إذا رأيتم الهلال في الصوم من آخر النهار فلا تفطروا، وإذا رأيتموه في أول النهار فأفطروا، فإنه كان(1/123)
بالأمس. ولأنه إذا رئي قبل الزوال كان أقرب إلى الماضية، وإذا رئي بعد الزوال كان أقرب
---
إلى المقبلة.
وإذا قلنا: إنه يكون للمستقبلة في أوله وفي آخره قبل الزوال وبعده، فلما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وقوله: أفطروا لرؤيته معناه لوقت رؤيته، ووقت رؤيته هو الليل يدل على صحة قوله: صوموا لرؤيته... المراد به: وقت الرؤية الذي يجب أن يكون الفطر لأنه معطوف عليه، ولأنه رآه من النهار فكان للقابلة، دليله: لو رآه بعد الزوال. وما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ فقد روى عن غيره خلافه، وقولهم: إنه إذا رئي قبل الزوال، فهو أقرب إلى الماضية، فهو بالعكس لأنه أبعد من الماضية، وأقرب إلى القابلة، وذلك أن بينه وبين الماضية الليل بطوله، وبعض النهار، وبينه وبين المستقبلة بعض النهار، فكان إلى القابلة أقرب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 254
صيام يوم الشك وقيام ليلته إذا حال دون مطلع الهلال غيم:
4 ـ مسألة: إذا حال دون مطلع الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان غيم، فلا يختلف أصحابنا أنه يجب صوم الغد. واختلفوا في صلاة التراويح في هذه الليلة، فقال أبو حفص العكبري : لا يصلي فيها.. لأننا لا نتحقق ذلك من رمضان، وإنما وجب صيامه احتياطاً للغرض.
وقال شيخنا أبو عبد الله : يصلي في هذه الليلة، لأن كل ليلة وجب صيام نهارها، عن رمضان، مسنون قيامها كالثانية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 257
ثبوت هلال رمضان برؤية واحد:
5 ـ مسألة: واختلفت هل يثبت هلال رمضان بواحد؟ فنقل صالح وابن منصور والميموني : أنه يثبت بشهادة الواحد ـ وهو أصح ـ لأنه إخبار عن سبب يلزم به عبادة يستوي فيها المخبر والمخبَر، فلم يعتبر فيه العدد. كرواية أخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم .
---(1/124)
ونقل حنبل في رجل رأى هلال رمضان وحده هل يصوم؟ فقال: لا يصوم إلا في جماعة الناس، ولا يفطر حتى يفطر الإمام.. فظاهر هذا أنه لم يثبت صومه بشهادة الواحد، قال أبو بكر : اختياري أنه إذا رأى الواحد الهلال وقدم على أهل المصر أنه يصوم الناس، وإن كان الواحد في جماعة من المسلمين فذكر أنه رآه اتهم علم ما رواه حنبل، لأن رؤية الهلال تدرك بالنظر والمشاهدة، والناس مشتركون في ذلك، فإذا أخبر به أحدهم مع انتفاء الموانع والعوارض على خطؤه في ذلك، فوجب التوقف عن شهادته، والمذهب أنه تقبل شهادة الواحد إذا كان عدلاً في هلال رمضان، سواء كان بالسماء علة أو لم يكن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 257
مسائل في مفسدات الصوم وأحكام الكفارة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 258
بطلان الصيام بابتلاع النخامة إذا حصلت في الفم:
6 ـ مسألة: واختلفت في النخامة إذا ازدردها بعد أن حصلت في فيه هل يفطر أم لا؟
فنقل حنبل : أنه يفطر، لأنه أمكنه أن يحترز عن ازدرادها، فإذا لم يفعل وابتلعها أفطر كما لو انفصلت عن فيه ثم أعادها.
ونقل المروذي ، وأبو طالب : لا يفطر،لا وهو اختيار أبي بكر، لأن الفطر إنما يحصل بالازدراد، دون ما يحصل في فيه، ولو ازدرد ما اجتمع في فيه من غير جمعه لم يفطر كذلك إذا ازدرد ما جمعه، وهذا التعليل في الريق إذا جمعه وحكمه وحكم النخامة سواء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 258
وجوب الكفارة على من احتجم وهو صائم:
7 ـ مسألة: واختلفت إذا احتجم هل عليه كفارة؟ على روايتين:
فنقل الجماعة: إنما تجب الكفارة بالغشيان، لأنه أفطر بغير جماع فلا توجب كفارة دليله الأكل.
---
ونقل محمد بن عبدك القزاز فيمن احتجم في شهر رمضان: إن كان بلغه الخبر فعليه القضاء، والكفارة، كفارة يمين، وإن لم يبلغه فعليه القضاء، لأن الصوم عبادة يجب بالوطء فيها الكفارة، فوجب أن يجب فيها الكفارة بمحظور غير الوطء، دليله الحج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 258(1/125)
وجوب كفارة الجماع على المرأة المطاوعة:
8 ـ مسألة: اختلفت هل يلزم المرأة كفارة الجماع في صوم رمضان؟
فنقل إسحاق بن إبراهيم والمروذي : عليها الكفارة، وهو اختيار أبي بكر، وهو أصح، لأنه قد نص على أن عليها كفارة الجماع في الإحرام، لأنهما اشتركا في سبب الكفارة، دليله: القتل.
ونقل مهنا : لا كفارة عليها، لأنه حق مالي يتعلق بالوطء، فوجب أن يختص الرجل بتحمله كمهر المثل، في النكاح الفاسد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 259
عدم وجوب كفارة الجماع على المكرهة:
9 ـ مسألة: واختلفت إذا أكرهها، فنقل جعفر بن محمد ويعقوب بن بختان في المكرهة لا كفارة عليها، وهو أصح، لأن الفعل لا يضاف إليها.
ونقل أبو طالب في المحرمة إذا أكرهها تكفر، لأن أكثر ما فيه أنها معذورة في ذلك، وهذا المعنى لا يسقط كفارة الوطء، بدليل أنه لو وطىء ناسياً وجبت الكفارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 259
فساد الصوم بالجماع من الناسي:
10 ـ مسألة: واختلفت إذا جامع ناسياً، هل يفسد صومه وتجب الكفارة؟
---
فنقل جماعة منهم: يفسد صومه، وتجب الكفارة، لأنه وطء تام صادف صوم رمضان متحتماً، فيجب أن يفسده، ويوجب الكفارة إذا كان الصوم متحتماً. دليله العامد ولا يلزم عليه المسافر إذا وطىء في سفره لأنه غير متحتم عليه صيامه، ونقل أبو داود ... إذا وطىء ناسياً يعيد صومه ولا كفارة فقيل له قد وطىء فقال: وطىء وهو ناس قال أبو حفص العكبري: فيها روايتان، فظاهر هذا أن الصوم قد فسد أيضاً لكن لا كفارة فيه، لأنه وطء لا يأثم به، فلا يوجب الكفارة، دليله المسافر إذا وطىء وهو صائم في حال السفر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 259
ترتيب كفارة الجماع في نهار رمضان:
11 ـ مسألة: واختلفت في كفارة الجماع في رمضان: هل هي على التخيير، أم على الترتيب؟(1/126)
فنقل أبو القاسم : أنها على الترتيب مثل كفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً. قال في رواية ابن القاسم مالك يقول: هو بالخيار، وإنما يقال له: عندنا شيء بعد شيء، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنها كفارة صيامها شهران فوجب أن يكون على الترتيب دليله كفارة الظهار والقتل.
ونقل صالح : أنها على التخيير بين أن يعتق أو يصوم أو يطعم ستين مسكيناً، وذكر ما يرويه مالك من التخيير وأعجبه ذلك لما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم فقال له: هلكت، وأهلكت، فقال: وما شأنك؟ فقال: وقعت على امرأتي في رمضان فأمره أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 260
ترتيب كفارة الجماع في نهار رمضان:
11 ـ مسألة: واختلفت في كفارة الجماع في رمضان: هل هي على التخيير، أم على الترتيب؟
---
فنقل أبو القاسم : أنها على الترتيب مثل كفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً. قال في رواية ابن القاسم مالك يقول: هو بالخيار، وإنما يقال له: عندنا شيء بعد شيء، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، لأنها كفارة صيامها شهران فوجب أن يكون على الترتيب دليله كفارة الظهار والقتل.
ونقل صالح : أنها على التخيير بين أن يعتق أو يصوم أو يطعم ستين مسكيناً، وذكر ما يرويه مالك من التخيير وأعجبه ذلك لما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم فقال له: هلكت، وأهلكت، فقال: وما شأنك؟ فقال: وقعت على امرأتي في رمضان فأمره أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 260
الكفارة على من قبل وهو صائم فأنزل:(1/127)
12 ـ مسألة: إذا قبل فأنزل في حال الصوم، هل تجب عليه الكفارة أم لا؟
فنقل حنبل عليه الكفارة لأنها مباشرة تؤثر في فساد الصوم، فأوجبت الكفارة، الدليل عليه الوطء في الفرج، ولا يلزم عليه إذا استمنى بيده أنه لا كفارة عليه نص عليه في رواية ابن منصور، لأن هذا اللمس ليس بمباشرة لأن المباشرة ما كانت بين شخصين.
ونقل الأثرم وأبو طالب : لا كفارة، وهو اختيار الخرقي، لأنه إنزال عن غير وطء، فلا يوجب الكفارة دليله: إذا نظر أو فكر فأنزل (فإنه لا كفارة عليه رواية واحدة. وكان شيخنا أبو عبد الله ينصر الأولى وأنه يكفر).
---
12 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا وطىء في يومين، ولم يكفر عن اليوم الأول. فقال أبو بكر : في كتاب التنبيه: عليه كفارة واحدة، لأن الشهر له حرمة واحدة، والكفارة تجب لهتك حرمة الوقت، فهو كاليوم الواحد إذا كرر فيه الوطء ولم يكن كفر، وقال: شيخنا أبو عبد الله : عليه كفارة ثانية، وهو أصح، لأن كل يوم عبادة ألا ترى أنه يفتقر إلى نية، وفساده لا يتعدى إلى غيره، فلهذا لم تتداخل الكفارة (ويفارق اليوم الواحد إذا كرر فيه الوطء ولم يكفر عن الأولة فإنه يلزمه كفارة واحدة، لأن صوم اليوم الواحد عبادة واحدة وفساد بعضه يتعدى إلى البعض).
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 261
وطء المسافر إذا نوى الصيام في حال صيامه:
13 ـ مسألة: في المسافر إذا نوى الصيام. هل يجوز له أن يطأ في حال صيامه..؟
فنقل مهنا عن المسافر إذا نوى الصيام فواقع: وجب عليه القضاء والكفارة، فظاهر هذا المنع، لأن الرخصة حصلت لما تدعو الحاجة إليه من الطعام والشراب.
ونقل ابن منصور : قلت لأحمد قال الزهري: يكره المسافر أن يجامع امرأته في سفره نهاراً في رمضان فلم يرَ به بأساً في السفر، وظاهر هذا الجواز، لأن من جاز له الفطر بالأكل جاز له بالجماع كالمتطوع والمريض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 262
وجوب الإمساك على من زال عذره أثناء النهار:(1/128)
14 ـ مسألة: واختلفت في المسافر إذا قدم في نهار رمضان مفطراً هل يجب عليه الإمساك باقي نهاره؟
---
فنقل حنبل : إذا قدم في بعض النهار أمسك عن الطعام وقضى ذلك اليوم. فظاهر هذا وجوب الإمساك، لأن كل معنى لو وجد قبل شروعه في الصوم لزمه به الصوم، فإذا وجد في أثناء النهار لزمه الإمساك أصله ثبوت الهلال يوم الشك لو ثبت يوم الشك أن الهلال كان بالأمس لزمه الإمساك بقية النهار، كذلك يقال في السفر مثله، ونقل الأثرم : إذا قدم مفطراً ينبغي أن يتوقى الأكل في الحضر وكذلك الحائض، وكذلك نقل ابن منصور : إذا قدم مفطراً وقد طهرت امرأته من حيضها ما أحب أن يغشاها. فظاهر هذا: أن الإمساك على طريق الاستحباب لا عن طريق الوجوب. لأن كل من لم يلزمه إمساك أوله ظاهراً أو باطناً لم يلزمه إمساك آخره كالمسافر إذا استدام السفر، وكذلك يتخرج في الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، والكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق، هل يلزمهم الإمساك بقية اليوم؟ على روايتين، وكذلك المريض إذا برىء وقد أكل، والصبي إذا بلغ وقد أكل هل يلزمهما الإمساك؟ على روايتين، فأما إذا بلغ الصبي، ولم يأكل، وبرىء المريض ولم يأكل، لزمهما الإمساك رواية وحدة، (وكذلك المسافر إذا قدم وهو صائم لم يجز له الفطر رواية واحدة، لأن الرخصة أتت مع بقاء العبادة، فهو كما لو حضر وهو متلبس بالصلاة فإنه يتمها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 262
مسائل في قضاء رمضان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 263
جوب القضاء على من صار أهلاً للصيام أثناء اليوم:
1 ـ مسألة: واختلفت في الكافر إذا أسلم في أثناء النهار، هل يلزمه قضاء ذلك اليوم، والصبي إذا بلغ في أثناء النهار، والمجنون إذا أفاق.
---(1/129)
فنقل حنبل : إذا احتلم في بعض الشهر، لا يقضي ويصوم فيما يستقبل، واليهودي والنصراني إذا أسلما يصومان ما بقي ولا يقضيان. فظاهر هذا: أنه لم يوجب القضاء، لأنه زمان فاته صيامه في حال كفره، فوجب أن لا يكون عليه القضاء كاليوم الذي قبله، وذلك أنه لا يمكنه صوم يوم هو في أوله غير صائم، ونقل صالح وابن منصور في اليهودي والنصراني يسلمان: يكفان عن الطعام، ويقضيان ذلك اليوم، فظاهر هذا: وجوب القضاء لأنه أسلم مع بقاء وقت الصيام، فلزمه صيام ذلك القدر، إلا أنه لا يمكنه ذلك إلا بقضاء اليوم كله، فلزمه صومه كله، كما قلنا في جزاء الصيد. يقوم المثل طعاماً ويصوم عن كل مد يوماً، فإن كان هناك كسر في المد ألزمناه صوم يوم كامل لأنه لا يمكنه صيام بعض النهار إلا بصيامه كله وكذلك هاهنا وقد ذكر أبو بكر هذه المسألة في كتاب (التنبيه) وقال: فيهما قولان: يعني روايتين، والأولى أشبه فأما الحائض والنفساء والمريض، والمسافر، فعليهم القضاء بكل حال، رواية واحدة لأنهم مخاطبون في حال العذر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 263
من سافر أثناء النهار:
ـ مسألة: واختلفت إذا أصبح المقيم صائماً، ثم سافر في أثناء النهار هل يجوز له الفطر؟
---
فنقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يريد أن يسافر متى يفطر، فقال: إذا نزح عن البيوت، فظاهر هذا جواز الفطر، ونقل صالح : إذا أصبح في شهر رمضان صائماً ثم سافر آخر النهار لا يعجبني أن يفطر، فظاهر هذا المنع لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر. فإذا تلبس بهما في الحضر ثم سافر غلب حكم الحضر دليله الصلاة إذا أحرم بها في الحضر ثم سافر، فإنه لا يجوز له القصر، والأولى أشبه، لأنه لو نوى الصيام ابتداء في السفر لم يتعين عليه وكان له الفطر، كذلك إذا طرأ بعد التلبس به، ويفارق هذا الصلاة لأنه لو نوى الإتمام ابتداء في السفر تعيّن عليه ولم يجز له القصر، فلهذا إذا تلبس بها في الحضر ثم سافر وجب أن يلزمه الإتمام.(1/130)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 264
صوم أيام التشريق عن قضاء رمضان أو عن النذر أو دم التمتع:
17 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز صوم أيام التشريق صوماً واجباً مثل قضاء رمضان والنذر والتمتع إذا لم يجد الهدي؟
فنقل المروذي : إذا لم يصم المتمتع قبل يوم التروية لم يصم أيام التشريق، (فظاهر هذا المنع لأنه يوم سن فيه الرمي فلم يجز صومه دليله يوم النحر، وكل زمان لم يجز صومه تطوعاً لم يجز واجباً دليله يوم الفطر.
ونقل حنبل وإبراهيم : يصوم المتمتع أيام التشريق.
ونقل عبد الله : إذا نذر صوم سنة، فصام أيام التشريق) أرجو أن لا يكون به بأس. ولو أفطر وكفر رجوت، فظاهر هذا جواز صومها عن النذر لما روى الزهري عن سالم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: رخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدى أن يصوم أيام التشريق.
وقد نقل الفضل بن زياد عنه أنه قال: كنت أذهب إلى هذا يعني صوم المتمتع لأيام التشريق إلا أني رأيت الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : أنها أيام أكل وشرب وبعال فظاهر هذا أنه رجع عن قوله بالجواز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 264
---
مسائل في صيام من لم يبلغ إذا أطاق
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 265
صيام الصبي لرمضان إذا أطاق الصيام:
18 ـ مسألة: واختلفت في الصبي إذا أطاق الصيام هل يلزمه.
فنقل حنبل في صبي احتلم في بعض الشهر لا يقضي ويصوم ما يستقبل، وظاهر هذا أنه لا يجب عليه، لأنه وجب للزمه قضاء ما تركه قبل بلوغه، وقد صرح به في رواية الفضل بن زياد في غلام أتى عليه أربع عشرة سنة أيصوم؟ قال: لا. قيل له: فإن أتى عليه خمس عشرة سنة يصوم؟ قال: نعم. لأنها عبادة على البدن فلم يلزمه كالحج، ونقل المروذي في غلام ابن أربع عشر سنة لم يحتلم هل عليه الصيام؟ قال: نعم. يضرب على الصوم والصلاة. فظاهر هذا أنه ألزمه ذلك، لأنها عبادة تجب في كل سنة مرة فوجب عليه دليله الزكاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266(1/131)
إعادة الصبي للصلاة التي يبلغ في وقتها وقد صلاها قبل بلوغه:
1 ـ مسألة: واختلفت ـ أيضاً ـ في الصلاة، فنقل أبو عبد الله بن بطة عن يعقوب بن بختان في غلام احتلم في بعض الليل يقضي المغرب والعشاء، قيل له: وإن كان قد صلاها، قال نعم. صلاها وهو مرفوع عنه القلم، وهذا صريح في أن الصلاة لا تجب عليه قبل بلوغه، وهو اختيار الخرقي، لأنها عبادة على البدن، أشبه الحج، ونقل ابن منصور عنه في ابن أربع عشرة سنة ترك الصلاة قال: يقضيها.
فظاهر هذا أنها وجبت عليه، وقد كان أبو الحسن التميمي ينصر هذه الرواية، ويقول: تجب عليه الصلاة، وتكلم أبو عبد الله بن بطة على رواية ابن منصور فقال: يحتمل أن يكون أمره بالقضاء، لأنه كان قد بلغ بإنبات أو احتلام، وعندي أن المسألة رواية واحدة، وأن الصلاة والصيام لا يجبان عليه حتى يبلغ، ويحمل ما قاله على الاستحباب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
مسائل في السواك للصائم
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
السواك بعد الزوال للصائم:
---
20 ـ مسألة: يكره للصائم السواك بعد الزوال في أصح الروايتين. نقلها الأثرم، وابن منصور، وعبد الله. ونقل إسحاق بن هانىء قال: رأيت أبا عبد الله يستاك وهو صائم في وقت العصر، وكان(صومه) يعني تطوعاً.
وجه الأولى: قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم : لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، والسواك يزيل الخلوف، ولأنه أثر عبادة، ورد الشرع باستطابتها، أشبه (دم) الشهداء.
ووجه الثانية: أن كل من جاز له السواك في أول النهار، جاز له في آخره كالمفطر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 266
تسوك الصائم بالعود الرطب:
21 ـ مسألة: هل يكره السواك بالعود الرطب في الصوم...؟ على الروايتين:(1/132)
نقل البرزاطي : إذا كان في أول النهار فالرطب واليابس سواء لا بأس به، وكذلك نقل إسحاق بن هانىء : الرطب واليابس أرجو، وظاهر هذا أنه لا يكره، لأن أكثر ما فيه جواز أن يتحلل، وهذا لا يمنع الاستعمال كالمضمضة. ونقل الأثرم وابن منصور : أكره الرطب، لأنه لا يؤمن أن يتحلل إلى جوفه، لأنه يطول مكثه في فمه، ويفارق المضمضة، لأنه لا يطول مكثه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
مسائل في الإعتكاف
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف:
22 ـ مسألة: واختلفت في الاعتكاف هل من شرطه الصوم؟
فنقل علي بن سعيد ، وحنبل وأبو طالب : أنه مستحب وليس بواجب، وهو أصح، لأن كل عبادة مقصودة في نفسها لم تكن شرطاً في صحة عبادة أخرى كالصلاة مع الصوم والصوم مع الحج.
ونقل الأثرم : إذا اعتكف وجب عليه الصوم.
فظاهر هذا: أنه شرط لما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: لا اعتكاف إلا بصوم .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 267
الكفارة على من أفسد اعتكافاً واجباً بوطء:
---
23 ـ مسألة: واختلفت إذا أفسد اعتكافاً واجباً بوطء هل يلزمه الكفارة؟
فنقل حنبل روايتين: إحداهما: إذا وطىء نهاراً وجب عليه كفارة.
ونقل في موضع آخر: يبطل اعتكافه، وعليه أيام مكان ما أفسده، ويستقبل ذلك ولا كفارة عليه، لأنها عبادة لا يدخل في جبرانها المال، بدليل أنها لا تسقط إلى مال فلم تجب بإفسادها كفارة، دليله الصلاة. ووجه الرواية الأولى: أنها لبث في مكان مخصوص فجاز أن يجب بإفسادها الكفارة كالحج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
خروج المعتكف لعيادة المريض وشهود الجنازة:
24 ـ مسألة: واختلفت في المعتكف هل يخرج لعيادة المريض وشهود الجنازة من غير شرط؟(1/133)
فنقل بكر بن محمد وحنبل : المعتكف يشهد الجنازة ويعود المريض فظاهر هذا جوازه من غير شرط، لما روى أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض.
ونقل المروذي في المعتكف يشترط عيادة المريض والجنازة قال: أرجو.
فظاهر هذا جوازه بالشرط، وهو اختيار الخرقي لما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: من السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يتبع جنازة ولا يعود مريضاً ولأن خروجه لعيادة المريض فضيلة ولبثه في المسجد فريضة، فكان أولى، وإنما جاز ذلك بالشرط، لأن للشرط تأثيراً في الأصول. بدليل أن الحج إذا شرط فيه التحليل جاز وكان له التحلل ولا فدية عليه كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 268
كتاب الحج
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 271
من أحرم بالحج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه:
1 ـ مسألة اختلف أصحابنا ـ رحمة الله عليهم ـ فيمن أحرم بالحج عن غيره وعليه وفرض الحج هل ينعقد الإحرام عن نفسه أم لا ينعقد أصلاً؟
---
فقال الخرقي : ينعقد عن نفسه، وهو أصح لما روي في بعض ألفاظ حديث شبرمة: هذه عنك. ومعناه انعقدت عنك، وفي لفظ آخر: إن كنت حججت عن نفسك فلب عنه، وإلا فلب عن نفسك، فثبت أن الإحرام انعقد عنه، ولأن الحج لا يفتقر إلى تعيين النية بدليل أنه لو أطلق النية أو قيدها بالنفل انعقدت فرضاً كذلك إذا نواها عن غيره انصرفت إليه.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف لا تنعقد عنه ولا عن غيره، وحكى في ذلك رواية إسماعيل بن سعيد عن أحمد أنه قال: إذا أحرم بالضرورة عن غيره لم يجزه عن نفسه ولا عن الذي حج عنه بنيته، لما روى في بعض ألفاظ حديث شبرمة: اجعلها عنك وظاهر هذا يقتضي الابتداء، ولأنه نوى بالحج عن غيره فلم ينعقد عن نفسه دليله إذا نوى بالحج عن غيره وكان قد حج عن نفسه ولأنه لم ينوِ بالحج عن نفسه، فهو كما لو لم ينوِ الحج.(1/134)
وقال أبو حفص العكبري: ينعقد الإحرام عن المحجوج عنه ثم ينقلب الحج عن نفسه ذكره في شرح الخرقي. وهو ظاهر الخبر، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال له: اجعلها عن نفسك . فظاهر هذا الابتداء، ولأنه لا يمتنع مثل هذا وهو إذا أحرم بالحج، لأنه يجوز فسخه إلى العمرة (ولا يختلف أصحابنا أنه لا ينعقد عن المحجوج عنه).
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 273
سقوط الحج عمن لا تكفيه نفقته لذهابه وإيابه:
2 ـ مسألة: واختلفت فيمن وجد زاد وراحلة. لذهابه ولم يفضل منه شيء لرجوعه، ونفقة عياله، هل يلزمه الحج أم لا...؟
نقل أبو داود ، وصالح ، وحنبل : يجب الحج على من وجد زاداً وراحلة، والسبيل هو الزاد والراحلة، وظاهر هذا أنه يجب عليه وإن لم يفضل منه شيء لما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه فسر السبيل بالزاد والراحلة، وهذا واجب لهما.
---
ونقل أبو طالب عنه: يجب عليه الحج إذا كان عنده ما يبلغه إلى مكة ويرجع ويخلف لأهله نفقة ما يكفيهم حتى يرجع. وظاهر هذا: أنه لا يجب حتى يفضل عنه بقدر الرجوع والنفقة، ولأنه إذا لم يكن كذلك ضاع عياله بالغيبة، وقد روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه قال: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ولأنه لو لم نعتبر نفقة رجوعه شق عليه مفارقة الأهل والعيال، لأنه يستوحش. فلهذا اعتبر ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 274
مسائل في محظورات الإحرام وكفارتها
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 275
تظلل المحرم تحت محمل ونحوه:
3 ـ مسألة: واختلفت الرواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ إذا ظلل المحرم المحمل على رأسه هل يجب عليه الفدية؟
فنقل جعفر بن محمد ، وبكر بن محمد : عليه الفدية، لأن ذلك مما يقصد به الترفه في بدنه، فهو كما لو غطى رأسه بمنديل.
ونقل الفضل بن زياد ، وعبد الله : أرجو أن لا يكون عليه كفارة، لأنه منفصل عنه فهو كما لو جلس تحت خيمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 275(1/135)
تداخل كفارة الطيب واللبس والحلق وتقليم الأظافر إذا وقعت دفعة:
4 ـ مسألة: واختلفت إذا تطيب، ولبس وحلق وقلم الأظافر دفعة واحدة هل تجب كفارة واحدة أم لكل جنس منها كفارة؟ على روايتين نقلهما ابن منصور إحداهما: أن في كل واحد كفارة، وقد نقل ذلك إبراهيم بن هاني أيضاً لأنها أجناس فلم تتداخل كالحدود إذا اختلفت أجناسها واجتمعت، والرواية الثانية كفارة واحدة، لأن هذه الأجناس كفارتها واحدة، وهو التخير بين الصيام والنسك والصدقة فتداخلت كالجنس الواحد إذا توالى في وقت واحد، فإنه يتداخل، ولا تختلف الرواية أن هذه الأجناس لو تفرقت في أوقات أنه يجب لكل فعل كفارة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 275
تداخل فدية المحظور الواحد إذا تكرر قبل التكفير:
---
5 ـ مسألة: واختلفت في الجنس الواحد إذا تفرق في دفعات وأوقات لم يكفر عن الأول هل عليه كفارة ثانية مثل أن تطيب في وقت وتطيب في وقت آخر أو لبس في وقت ثم لبس في وقت آخر، أو حلق في وقت، وحلق في وقت آخر؟ على روايتين.
نقل ابن القاسم : تتداخل وتجب كفارة واحدة ما لم يكفر عن الأول، لأنه استمتاع تكرر لم يتخلله تكفير فوجب أن لا تجب إلا كفارة واحدة كما لو كان كله دفعة واحدة في مجلس واحد.
ونقل الأثرم : إن كان السبب واحداً فكفارة واحدة، وإن كانا سببين فكفارتان مثل أن يلبس في وقت لمرض ويلبس في دفعة أخرى لذلك المرض أو يحلق دفعة ثانية لذلك المرض، فهذا كفارة واحدة وإن كان الثاني بسبب آخر غير الأول فكفارة ثانية سواء كفر عن الأول أو لم يكفر، لأن الكفارات كالحدود ـ قال ـ: الحدود كفارات لأهلها .(1/136)
ثم ثبت أن الحدود إذا ترادفت، فإن كان سببها واحداً تداخلت. وإن اختلفت أسبابها مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر لم تتداخل كذلك هاهنا، ولا تختلف الرواية، وإن كل واحد من هذه الأجناس إذا توالى في وقت واحد أن فيه كفارة واحدة لأن الأصول فرقت بين الفعلة الواحدة والفعلتين، ألا ترى أنه لو حلف: لا أكلت اليوم إلا أكلة فأكل من برد الغداة إلى العشاء ولم يقطع كانت أكلة واحدة، ولو فرق لكان لكل أكلة حكم فحنث بالأولة دون الثانية.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 276
تداخل فدية حلق الرأس والبدن إذا وقع دفعة واحدة:
6 ـ مسألة: واختلفت إذا جمع في حلق الشعر بين الرأس والبدن دفعة واحدة، هل يجب فدية أو فديتان؟ فنقل أبو الحارث وعبد الله تجب فديتان: فدية للرأس، وفدية للبدن ـ وهو أصح ـ لأنهما في حكم الجنسين بدليل أن الرأس يتعلق النسك بأخذ شعره والبدن لا يتعلق النسك بأخذ شعره.
---
ونقل سندي الخواتيمي عنه: أن شعر الرأس واللحية والإبط سواء لا أعلم أحداً يفرق بينهما، فظاهر هذا أنه إذا جمع بينهما في الأخذ ففديه لأنه ترفه بجنس واحد في وقت واحد فهو كما لو جمع في اللبس بين الرأس والبدن أو جمع في الطيب بين الرأس والبدن في وقت واحد فإن فيه فدية رواية واحدة نقلها أبو طالب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 277
سقوط كفارة الطيب واللبس نسياناً:
7 ـ مسألة: واختلفت إذا تطيب أو لبس ناسياً أو جاهلاً بتحريمه هل تجب عليه الكفارة؟
فنقل ابن منصور عليه الكفارة، لأنه معنى ينافيه الإحرام، فاستوى حكم عمده وسهوه كقتل الصيد والحلاق وتقليم الأظافر فإن الرواية لا تختلف في ذلك.
ونقل أبو طالب وابن القاسم : لا كفارة عليه، وهو اختيار الخرقي وهو أصح، لأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فوجب أن يكون فيما نهى عنه فيها ما يفرق بين عمده وسهوه كالصيام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
شم المحرم لما ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب:(1/137)
8 ـ مسألة: واختلفت فيما ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب كالريحان الفارسي والنرجس والمرزبحوش ونحوه فنقل جعفر بن محمد يشم الريحان لأنه لا يتخذ منه الطيب فوجب أن لا يكون طيباً كالشيخ والقيصوم.
ونقل أبو طالب لا يشم المحرم الريحان لأنه ينبت للطيب فوجب أن يكون طيباً كالورد والبنفسج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
إدهان المحرم بما لا طيب فيه:
9 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز للمحرم أن يدهن بدنه ورأسه بما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والزبد.
فنقل الأثرم وأبو داود جواز ذلك، فظاهر هذا أنه لا فدية لأنه قد أجازه لما روى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ادهن وهو محرم بزيت غير مقتت. قال أبو عبد الله المقتت: المطيب ولأنه دهن غير مطيب فلم يمنع ولم يجب به فدية كالسمن.
---
وقال أبو داود : لا يدهن وهو اختيار الخرقي.
وقال الخرقي : ولا يدهن بما فيه طيب، وما لا طيب فيه، فظاهر هذا المنع يقتضي وجوب الفدية، لأنه دهن يرجل الشعر ويحسن البدن فهو كدهن النبفسج والورد والبنفسج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 278
فدية حلق الثلاث شعرات:
10 ـ مسألة: واختلفت: إذا حلق ثلاث شعرات هل يجب عليه دم؟
فنقل حنبل : فيها دم، لأنه حلق من الشعر الممنوع منه لحرمة الإحرام ما يقع عليه اسم الجمع المطلق فتعلقت به الفدية الكاملة كما لو حلق معظم رأسه، ولأن القليل لا يوجب الدم والكثير يوجب الدم، فلا بد من حد فاصل بينهما فيجب أن يكون الثلاث لأنها أول حد لكثرة، وآخر حد القلة.(1/138)
ونقل المروذي : الدم كثير في ثلاث ولست أوقت فإذا نتف أكثر من ثلاث ففيه دم، وكذلك نقل ابن منصور. فظاهر هذا أنه أوجب الدم فيما زاد على الثلاث ولو بشعره، وهو اختيار الخرقي، لأنه قال: من حلق أربع شعرات فصاعداً ففيها الفدية وفي كل شعرة من الثلاث منه فأوجب القدية في أربع، لأنه حلق من رأسه أقل من أربع شعرات، فلم يلزمه دم، كما لو حلق شعرة أو شعرتين، ولأن القليل لا يوجب الدم، والكثير يوجبه الثلاث في حد القليل، قال الله تعالى:
فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام فجعلها في حيز القلة، وقال النبي ـ عليه السلام ـ: لا يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه فوق ثلاث فجعل الكثير فيما زاد على ثلاث، وكذلك شرط ا لخيار منعه قوم فيما زاد على الثلاث وجعلوه في حد الكثرة، والثلاث في حد القلة، وكذلك استتابة المرتد ثلاثاً ولم ينظر زيادة عليها كذلك هاهنا يجب أن يجعل الكثير ما زاد على الثلاث من غير تحديد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 279
فدية حلق الشعرة الواحدة:
11 ـ مسألة: واختلفت إذا حلق شعرة كم يجب فيها؟
---
فنقل مهنا : أن فيها مداً، ونقل الأثرم : إذا ترك حصاة واحدة تصدق بصدقة ونقل المروذي عنه: في حصاة دم وفيها ضعف.
ونقل أبو طالب : إذا ترك ليلة من ليالي منى يتصدق بدرهم أو بنصف درهم.
فنقل قوله في بعض المسائل إلى بعض فيتخرج في الشعرة، وفي الظفر الواحد، وفي الحصاة الواحدة، وفي ليلة من ليالي منى روايتان: إحداهما: يجب في الواحدة منه مد وفي الثلاث من ذلك دم.(1/139)
والرواية الثانية: يجب في ذلك درهم أو نصف درهم، لأن كل شيء ضمن بمثله، فإذا تعذر مثله وجبت قيمته من غالب نقد البلد كمن أتلف على غيره ما له مثل فتعذر مثله فإن عليه فيمته من غالب نقد البلد، كذلك هاهنا قد تعذر إيجاب المثل فوجب أن يجب من غالب نقد البلد، والأولى أصح وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ لأن للإطعام مدخلاً في هذه الكفارة مع الدم كما أن له (مع الدم في جزاء الصيد مدخلاً) مع الدم في جزاء الصيد ثم ثبت أنه إذا تعذر الدم في جزاء الصيد كان الطعام أولى من غيره لأنه إليه أقرب وبه أشبه كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 280
وكالة المحرم في عقد النكاح:
12 ـ مسألة: واختلفت في المحرم هل يصح أن يكون وكيلاً في عقد النكاح..؟
فنقل عبد الله والكوسج : لا يتزوج ولا يزوج.
ونقل الميموني : إن نكح فالنكاح باطل، وإن زوج لم أفسخه، فظاهر هذا: أن النكاح في حقه باطل رواية واحدة، وفي حق غيره على روايتين: إحداهما: تبطل، وهو أصح، لأنه محرم عقد نكاحاً فلم يصح كما لو عقده لنفسه، والثانية: جواز العقد لأنه إنما منع من العقد لنفسه خوفاً أن تدعوه نفسه إلى الاجتماع معها والمباشرة لها، وهذا معدوم إذا كان وكيلاً لغيره، ولأنه لا يمتنع أن لا يصح أن يلي العقد لنفسه ويليه لغيره كما لو كان ولي امرأة فأراد العقد عليها لنفسه لم يصح ويصح لغيره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
رجعة المحرم:
---
13 ـ مسألة: واختلفت في الرجعة هل تصح من المحرم.
فنقل عبد الله : لا بأس أن يراجع امرأته، لأنه نوع عقد لا يفتقر إلى الشهود فلم يفتقر إلى الإحلال كالبيع والشراء، ولأنها في مقام الزوجات.
ونقل أحمد بن أبي عبده والفضل بن زياد : لا يراجع المحرم امرأته فقيل له: فيخاف أن تبين منه، قال: وإن خاف، لأنه استباحة بضع مقصود في عينه فمنع المحرم منه كالنكاح والأولى أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 281
مسائل في الطواف
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282(1/140)
القراءة في الطواف:
14 ـ مسألة: واختلفت في القراءة في الطواف.
فنقل الأثرم وأبو طالب القراءة في الطواف جائزة. فظاهر هذا أنها غير مكروهة لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه النطق، فشبهه بالصلاة، واستثنى الكلام فقط.
ونقل الميموني عنه: لا يقرأ في الطواف. فظاهر هذا أنه غير مستحب، لأنه موطن للدعاء فلم تستحب فيه القراءة، كما أن الركوع لما كان موطناً للتسبيح لم تجز القراءة فيه وكذلك السجود والتشهد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
طواف المحدث:
15 ـ مسألة: واختلفت إذا طاف محدثاً.
فنقل أبو طالب : إن طاف محدثاً أو جنباً أعاد طوافه، وهو أصح، لأنها عبادة تفتقر إلى البيت، فكانت الطهارة فيها شرطاً كالصلاة، ونقل بكر بن محمد عن أبيه: إذا طاف بالبيت للزيارة أو الصدر وهو جنب أو على غير وضوء ناسياً أرجو أن يجزئه ويريق دماً، وإن كان بمكة أعاد الطواف، فظاهر هذا أن الطهارة غير شرط، ولكن ينوب عنها الدم لأنه ركن من أركان الحج، فلا يكون من شرط صحته الطهارة كالوقوف بعرفة، وإنما وجب عليه الدم لأن الطهارة واجبة في الطواف فكان عليه الدم كترك واجب إلا أن هذا الوجوب ليس بشرط في صحة الطواف كما أن الرمي والمبيت بالمزدلفة واجب وليس بشرط.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 282
فساد الطواف بالحدث:
16 ـ مسألة: واختلفت إذا أحدث في أثناء الطواف، وقلنا: إن الطهارة شرط هل يبنى أم يبتدىء؟
فنقل حرب : يبتدىء وهو اختيار الخرقي.
ونقل حنبل عنه أنه ذكر قول عطاء: إذا يحدث عملاً غير الوضوء بنى ولم يستقبل الطواف، وإن أحدث عملاً غير الوضوء استقبل، فظاهر هذا أنه يبني. والمسألة مبنية على اختلاف الروايات في الحدث في الصلاة، وقد ذكرنا في ذلك ثلاث روايات كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
الطواف راكباً:
17 ـ مسألة: واختلف أصحابنا إذا طاف راكباً من غير علة هل يجزئه؟(1/141)
فنقل حنبل عنه: لا يطوف راكباً، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم إنما طاف راكباً ليراه الناس، فظاهر هذا المنع من جواز الطواف راكباً وهو اختيار الخرقي رحمه الله، لأنه قال: ومن طاف وسعى محمولاً لعله أجزأه فظاهر هذا أنه إذا كان لغير علة لم يجزئه، لأنها عبادة تخص بالبيت فلم يصح فعلها على الراحلة مع القدرة، دليله الصلاة، ولأن المشي هو نفس الطواف فإذا حل به مع القدرة عليه فلم يأت به.
وقال أبو بكر : يجوز الطواف راكباً وماشياً صحيحاً ومريضاً لأنه ركن من أركان الحج فصح فعله راكباً دليله الوقوف والسعي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 283
مسائل في السعي
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
حكم السعي في الحج:
18 ـ مسألة: واختلفت في السعي: هل هو ركن من أركان الحج؟
فنقل الأثرم وابن منصور : من ترك السعي لم يجزئه حجة حتى يسعى فإن انصرف ولم يسع رجع فسعى، لأنه عبادة مبنية على تكرار المشي فأشبه الطواف ولأنه مشي يتكرر في بقعة من بقاع الحرم يتضمن رملاً ومشياً فأشبه الطواف.
ونقل أبو طالب : إذا ترك السعي بين الصفا والمروة عامداً أو ساهياً أرجو أن لا يكون عليه شيء.
---
ولا ينبغي له أن يتركه، فظاهر هذا أنه ليس بواجب فلا يجب تركه دم، وكذلك نقل الميموني : السعي بين الصفا والمروة تطوع، لأنه نسك لا يجوز أن يكون بانفراده مقصوداً بالإحرام فوجب أن يكون من توابع الإحرام كالوقوف بالمزدلفة، ولأنه نسك يتكرر لا يتعلق بالبيت فلم يكن ركناً أو نقول فكان من توابع الإحرام، دليله الرمي والمبيت بالمزدلفة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد:
19 ـ مسألة: واختلفت هل يجزي القارن طواف وسعي واحد..؟
فنقل صالح والفضل بن زياد وأحمد بن محمد البرني يجزيه وهو اختيار الحزقي وهو أصح لأنه يقتصر على تلبية واحدة وحلاق واحد فيجب أن يقتصر على طواف واحد كالمفرد.(1/142)
ونقل إسحاق بن إبراهيم: إذا قرن طاف طوافين للحج والعمرة لهذا على حده ولهذا على حدة، وكذلك نقل أبو طالب فقال: ومن قرن لم يجزه طواف واحد لحجه وعمرته لأنهما نسكان فلم يجزهما أمر واحد.
نقل الأثرم ومحمد بن الحكم: أخشى أن لا يجزيه، فظاهر هذا وجوب طوافين وسعيين، لأنهما نسكان فوجب أن يجب لهما طوافان كما لو أفرد كل واحد منهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 284
المبيت بالمزدلفة:
20 ـ مسألة: واختلفت إذا ترك المبيت بالمزدلفة وليالي منى كلها هل يجب عليه لتركه دم؟
فنقل حنبل : أن من لم يبت ليلة بالمزدلفة وبمنى ليالي منى فعليه دم لأنه عمل مشروع بعد كمال التحلل فكان واجباً قياساً على الرمي وطواف الوداع.
ونقل أبو طالب وعبد الله فيمن لم يبت ليالي منى بمنى: لا دم عليه ويتصدق بشيء فيخرج في ليلة المزدلفة كذلك، لأن البيتوتة ليست نسكاً وإنما تراد للتأهب لغيرها وهو الرمي والخروج إلى عرفات ألا ترى أنها تسقط بالفراغ من هذه الأشياء؟ ولأنه ترك الكون بها من غير وقت الرمي فهو كما لو تركه نهاراً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
غسل حصى الجمار:
---
21 ـ مسألة: واختلفت: هل يستحب غسل حصى الجمار؟
فنقل أبو طالب : يغسله، لأن ابن عمر فعل ذلك، ولأنه ربما كان عليه نجاسة.
ونقل حنبل عنه: ما علمنا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فظاهر هذا أنه غير مستحب، لأنه لو كان مستحباً لفعله النبي، ولو فعله لنقل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
مسائل في الحلق
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 285
الحلق قبل النحر:
22 ـ مسألة: واختلفت إذا حلق قبل أن ينحر عامداً هل يجب عليه دم؟(1/143)
فنقل أبو طالب : فيمن حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن يرمي أو زار البيت قبل أن يرمي فإن كان ناسياً فلا بأس، وإن كان عامداً فلا، إنما هذا على النسيان، فظاهر هذا أنه أوجب الترتيب في ذلك، لأنه فرق بين العمد والسهو، وإذا ثبت وجوب الترتيب فيه ثبت وجوب الدم بتركه، وقد صرح أبو بكر بوجوب الدم، في ذلك.
ونقل أحمد بن الحسين الترمذي فيمن قدم من نسكه شيئاً أو أخره: فإن كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، وإذا تعمد فهو أشد عندي، ومن قال لا شيء عليه إذا تعمد فقد قال بأكثر الأحاديث، فظاهر هذا أنه لم يوجب الترتيب في ذلك ولا أوجب الدم، وهكذا الخلاف فيه إذا حلق أو قصر قبل أن يرمي هل يجب عليه دم لأجل الحلاقة.
فنقل أبو مسعود عنه، وقد حكى له قول مالك: من حلق قبل أن يرمي فعليه الفدية، فقال أحمد: إن كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإن كان عالماً فعليه دم.
---
فظاهر هذا وجوب الترتيب والدم جميعاً، ويتخرج رواية أخرى لا دم عليه بناء على ما تقدم إذا حلق قبل أن ينحر لا دم عليه على إحدى الروايتين كذلك هاهنا يتخرج على روايتين فإن قلنا لا دم عليه فوجهه ما روى عمرو بن العاص قال: وقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى عام حجة الوداع والناس يسألونه فأتاه رجل فقال: لم أشعر حتى حلقت قبل أن نحرت، فقال: (افعل ولا حرج)، فأتاه آخر فقال: لم أشعر حتى نحرت ثم رميت فقال: (افعل ولا حرج) فما سئل يومئذ عن شيء أو أخر إلا وقال: افعل ولا حرج، فأخبر أنه لا حرج على من حلق قبل أن ينحر، ورفع الحرج ينفي وجوب الدم إذ لو كان الدم واجباً لما أخر البيان عند الحاجة، وإذا قلنا يجب الدم، وهو أصح فوجهه أن هذا ترتيب واجب يدل عليه قوله تعالى: فكُلوا مِنها وأطعِموا البائسَ الفقيرَ ثمَّ ليقضوا تَفَثَهُمْ .(1/144)
فأمر بقضاء التفث، وهو الحلاق بعد الذبح، وحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق وقال: خذوا عني مناسككم .
وإذا ثبت وجوب الترتيب بهذا فنقول: خالف فعل نسك في الحج فوجب بتركه دم كما لو ترك رمى الجمار والمبيت بمنى ونحو ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288
حكم الحلق في الحج:
---
32 ـ مسألة: واختلفت في الحلاق هل هو نسك في الحج والعمرة أم إطلاق محظور كاللباس والطيب؟ على روايتين: إحداهما: أنه إطلاق من محظور، قال في رواية ابن منصور في الذي يصيب أهله في العمرة قبل أن يقصر الدم كثير، وقال أيضاً في رواية أبي داود في المعتمر إذا أطاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر حتى أحرم بحجة: بئس ما صنع وليس عليه شيء فظاهر هذا أنه قد تحلل منها لأنه لم يوجب عليه الدم بوطئه قبل التحلل، وأجاز له الإحرام بالحج قبل ذلك ولم يجعله قارناً ولو كان نسكاً لأوجب الدم وكان قارناً، ووجه هذه الرواية أنه محظور في الإحرام فوجب أن يكون في وقته إطلاق محظور كالطيب واللباس وقتل الصيد/ والرواية الثانية: أنه نسك يثاب على قعله ويأثم بتركه، وهو الأصح نص عليه في مواضع فقال في رواية الميموني في المتمتع إذا دخل الحرم: حل له بدخوله كل شيء إلا النساء والطيب قبل أن يقصر أو يحلق فنص على أن التحلل لا يقع من العمرة إلا بعد الحلق والتقصير.
ونقل الميموني عنه أيضاً إذا جامع قبل أن يقصر، فقال ابن عباس : عليه دم وإنما يحل بالحلق أو التقصير، وقال في رواية أبي داود: من دخل بعمرة فلم يقصر حتى كان يوم التروية بهذا لم يحل بعد ويقصر ثم يهل بالحج. وقال في رواية الأثرم في معتمر حل من عمرته وقصر فوقع على امرأته قبل أن يقصر فعليه دم. يذبح شاة، ووجه هذه الرواية أنها عبادة لها تحليل وتحريم فوجب أن يقع التحليل منها بمعنى محظور عليه في خلال الإحرام، دليله الصلاة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 288(1/145)
تأخير الحلق أو التقصير عن أيام التشريق:
24 ـ مسألة: فإذا قلنا: إن الحلاق نسك فأخره عن أيام التشريق فهل يجب عليه بتأخيره دم؟ على روايتين: نقل صالح فيمن لم يحلق حتى مضت أيام منى فإن لم يجىء بدم فأرجو ألا يكون عليه شيء، وكذلك نقل أبو داود.
---
ونقل مهنا لفظين: أحدهما: مثل هذا، وأنه لا دم عليه والثاني يجب الدم فقال في امرأة حجت فلم تأخذ من شعرها حتى خرجت من مكة بعد أيام التشريق عليها دم، وهكذا الحكم فيه، إذا أخر الطواف عن أيام التشريق هل يجب بتأخيره دم؟ على روايتين مبنيتين على الحلاق إلا أن المنصوص عنه في رواية ابن القاسم أنه قال: لا بأس أن يؤخر طواف الإفاضة حتى يريد الانصراف، فظاهر هذا أنه لا دم عليه.
فإن قلنا: عليه دم فوجهه أنه نسك يجب فعله في الإحرام فوجب أن يكون مؤقتاً كالوقوف والرمي ولا فرق، وإذا ثبت توقيته وجب بالتأخير دم، وإذا قلنا: لا دم عليه وهو أصح فوجهه أنه فعله في وقت جوازه يجب بتأخيره إليه دم، دليله السعي إذا أخره.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 289
ما يجب بالوطء قبل الطواف بعد التحلل الأول:
25 ـ مسألة: واختلفت إذا وطىء بعد التحلل الأول وقبل الطواف.
فنقل بكر بن محمد وابن منصور والميموني : عليه شاة.
ونقل الميموني فيمن وطىء وقد بقي عليه شوط: الدم ولكن يأتي ببدته أرجو أن يجزئه، ووجه هذه الرواية ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: من وطىء بعد التحلل فحجه تام وعليه بدنة، ولأنه وطء في الإحرام قبل إباحة الوطء، فوجبت عليه بدنة، كما لو وطىء قبل رمي الجمرة، وإذا قلنا: تجب شاة، وهو أصح فوجهه أنه استمتاع لا يفسد الحج فلم يوجب البدنة دليله واللباس والطيب والحلاق وتقليم الأظافر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 289
وجوب كفارة الوطء على المرأة المطاوعة:
فنقلجعفر بن محمد ويعقوب بن بختان عليها بدنة كالرجل
26 ـ مسألة: إذا وطئها في الحج وهي مطاوعة هل يجب عليها بدنة؟(1/146)
وقد نقل مهنا عنه في الصيام: لا كفارة عليها، فتخرج في الحج روايتان/ إحداهما: ألا كفارة عليها، والثانية عليها كفارة، والوجه لكل رواية ما تقدم في كتاب الصيام.
---
فإن أكرهها على الوطء، فنقل جعفر بن محمد ويعقوب بن بختان ، لا كفارة عليها، لأنه لا يضاف الفعل إليها.
ونقل أبو طالب على كل واحد هدي أكرهها أو لم يكرهها، هكذا قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ولأنه ليس فيه أكثر من أنها معذورة، وهذا لا يسقط الكفارة كما لو وطىء ناسياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 290
وطء المحرم ناسياً:
27 ـ مسألة: فإن وطىء ناسياً، فنقل أبو طالب ثلاثة في الحج العمد والنسيان سواء: إذا أتى أهله وإذا أصاب صيداً، وإذا حلق رأسه.
ونقل أبو طالب عنه في الصيام: إذا وطىء ناسياً لا يفسد صومه فيتخرج في الحج روايتان: إحداهما: لا يفسد لقوله ـ صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان.
والثانية: أنه يفسد وهو أصح، لأنه معنى يوجب القضاء فاستوى فيه العمد والخطأ كالفوات.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 290
وطء المحرم دون الفرج:
28 ـ مسألة: واختلفت إذا وطىء دون الفرج فأنزل.
فنقل ابن منصور : عليه بدنة ولا يفسد حجه.
ونقل المروذي ، وأبو طالب يفسد حجه، وكذلك يتخرج في الوطء، دون الفرج في الصوم، هل يفسد الصوم؟ على روايتين، والمنصوص عنه في الصيام الفساد، وفي الحج في رواية ابن منصور : لا يفسد، كذلك يخرج في الصوم، فإن قلنا: لا يفسد في الحج والصوم، فوجهه أنه استمتاع لا يوجب الحد فلم يفسد كما لو لم ينزل، وإذا قلنا: يفسد، وهو أصح فوجهه أنه استمتاع يوجب البدنة فأفسد الحج دليله إذا كان في الفرج.
29 ـ مسألة: واختلفت إذا قبل فأنزل.
فنقل المروذي : يفسد، لأنه استمتاع انضم إليه إنزال فهو كما لو وطىء دون الفرج، وفيه رواية أخرى لا يفسد نص عليها في رواية ابن منصور فيمن وطىء دون الفرج فأولى لا يفسد بالقبلة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291(1/147)
ما يجب بالنظر إذاترتب عليه إنزال:
30 ـ مسألة: فإن نظر فأنزل هل يجب عليه بدنة؟
---
فنقل الفضل بن زياد : يهريق دماً فظاهر هذا أنها شاة، لأنه إنزال بغير مباشرة فلم يجب عليه بدنة كما لو فكرة فأمنى، وقال الخرقي: عليه بدنة لأن هذا إنزال يؤثر في فساد الصوم فأوجب بدنة، دليله الإنزال بالاستمتاع، ومن أصلنا أنه لو كرر النظر فأنزل فسد صومه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 291
ترتيب جزاء الصيد:
31 ـ مسألة: واختلفت في جزاء الصيد هل هو على الترتيب.
فنقل بكر بن محمد: هو بالخيار، في فدية الأذى، وليس هو بالخيار في قتل الصيد، فظاهر هذا أنه على الترتيب كدم المتعة والإحصار، فإن وجد المثل فيما له مثل أخرجه، وإن لم يجده أخرج بقيمته طعاماً فإن لم يجد صام عن كل مد يوماً وإن لم يكن له مثل قومه ونظركم يجىء به طعاماً فيخرجه فإن لم يجد صام عن كل مد يوماً.
ونقل ابن القاسم: هو على ما في القرآن، وكل شيء في القرآن أو في السنة فإنما هو على التخيير، فظاهر هذا أنه على التخيير كفدية الأذى، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح، فإن قلنا: أنها على الترتيب فوجهه أنها نفس مضمونة بالكفارة فوجب أن يكون على الترتيب كالآدمي، وإذا قلنا: أنها على التخيير فوجهه أنها كفارة وجبت بإتلاف ما هو مضمون بحرمة الإحرام فوجب أن يكون على التخيير، أصله فدية الأذى، أو نقول: كفارة متعلقة بالإحرام فيها أجناس فكانت على التخيير، دليلة فدية الأذى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 292
كيفية التخيير في جزاء الصيد:
---(1/148)
32 ـ مسألة: فإذا قلنا إنها على التخيير على الرواية الصحيحة فقد اختلفت الرواية في كيفية التخيير على روايتين: إحداهما: أنه مخير بين إخراج المثل من النعم، وبين أن يقوم المثل دراهم والدراهم طعاماً فيتصدق به، وبين أن يصوم عن كل مد يوماً هذا ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية البغوي فقال: يكفر على ما في الآية، وكذلك الميموني نقل عنه: إن أعطى طعاماً جعله في أهل مكة، فإن أراد أن يصوم بدل الطعام صام. والرواية الثانية: لا إطعام في جزاء الصيد وإنما هو مخير بين المثل والصيام فأما الإطعام فإنما ذكر في الآية لأجل الصيام. قال في رواية الأثرم وقد سئل يطعم في جزاء الصيد؟ فقال: إذا جعل الإطعام ليعلم الصيام، فإن قلنا: بهذه الرواية وأنه لا مدخل للإطعام فيها فوجهه أنها نفس مضمونة بالكفارة فلا يكون للإطعام مدخل فيها، دليله الآدمي، وإذا قلنا: له مدخل فيها، وهو أصح فوجهه قوله تعالى: يحكم به ذو عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً قنص لعى الإطعام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 292
الصيام عن الإطعام في جزاء الصيد:
33 ـ مسألة: واختلفت عن كم يصوم يوماً؟
فنقل حنبل وابن منصور : يصوم عن كل صاع بر يوماً.
ونقل الأثرم : يصوم في فدية الأذى عن كل مد يوماً وعن نصف صاع تمر أو شعير يوماً، وهو اختيار الخرقي وأبي بكر، ويمكن أن يحمل قوله عن كل نصف صاع يوماً على أن نصف الصاع من التمر والشعير لا من البر فتكون المسألة رواية واحدة فإن قلنا: عن كل نصف صاع يوماً فوجهه أن البر أحد أنواع الطعام المخرجة في جزاء الصيد فيجب أن يصام عن كل نصف صاع منه يوماً دليله التمر والشعير، وإن قلنا: يصوم عن كل مد يوماً فوجهه أن كل كفارة كان الإطعام فيها في مقابلة الصيام فإن الصوم عن كل مد يوماً دليله كفارة الظهار والقبلة والوطء في رمضان.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 293
وجوب الجزاء بقتل الصيد خطأ:(1/149)
34 ـ مسألة: واختلفت هل يجب الجزاء بقتل الصيد خطأ؟
فنقل عبد الله وأبو طالب وسندي عليه الجزاء، وهو حيوان مضمون بالكفارة فوجبت بقتله خطأ كالآدمي ولأن ضمانة ضمان الأموال بدليل أنه يختلف بالصغر والكبر كالبهائم، وضمان الأموال يجب في العمد والخطأ.
ونقل صالح : لا جزاء بقتله خطأ، لأنه محظور لحرمة الإحرام ففرق بين عمده وسهوه كاللباس والطيب، وعلى هذه الرواية إذا حلق شعره أو قص ظفره لا كفارة أيضاً لأن ضمان الصيد آكد وقد سقط بالخطأ فأولى أن يسقط ضمان الشعر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 294
تداخل جزاء الصيد إذا تكرر قبل التكفير:
35 ـ مسألة: واختلفت إذا قتل صيداً فلم يكفر حتى قتل آخر.
فنقل حنبل روايتين: إحداهما: عليه جزاء واحد لقوله تعالى: ومن قتله منكم متعمداً فجزاء .
فعلق الجزاء بشرط (من)، والجزاء إذا علق بشرط (من) لم يتكرر بتكرر الشرط بل يقتضي فعل مرة واحدة كقوله:
من دخل داري فله درهم، فلو دخل ألف مرة لم يجب إلا درهم واحد والرواية الثانية عليه لكل صيد جزاء.
نقل ذلك ابن القاسم وسندي، وهو اختيار الخرقي وهو أصح لأنه إتلاف مضمون ببدل على سبيل التعديل أشبه إتلاف الأموال بتكرار الضمان بتكرار الإتلاف، يبين صحة هذا أنه يختلف بالصغر والكبر، كما يختلف ضمان الأموال، ولأنه حيوان مضمون بالكفارة وإذا تكرر قتله تكررت الكفارة كالآدمي.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 294
مسائل في فوات الحج والأحصار
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 295
ما يترتب على فوات الوقوف بعرفة:
36 ـ مسألة: واختلفت إذا فاته الوقوف بعرفة بعذر من مرض أو ضل الطريق أو أخطأ العدد أو أبطأ سيره.
---
فنقل ابن القاسم : عليه القضاء وعليه دم، فظاهر هذا وجوب الأمرين، ونقل الميموني : إذا فاته الحج فليس عليه دم، ويأتي من قابل بما أهل به، فظاهر هذا أن عليه القضاء، ولا دم عليه.(1/150)
ونقل أبو طالب : عليه الهدى والحج من قابل، ولكن إن كان قد حج الفريضة فليس عليه حج، فظاهر هذا أن القضاء لا يجب ولكن يهدي فإن قلنا: يقضي ويهدي، وهو أصح، فوجهه أنه لم يكمل نسكه بتفريط منه فلزمه القضاء والهدى كما لو أفسده، ولأنه قد جعل له التحلل من نسكه قبل الفراغ منه فلزمه الهدى كالمحصر، وإذا قلنا: يقضي ولا دم عليه فوجهه أن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي كما لو أحصر بتحلل بالهدى، فالهدي في حق المحصر من حيث أنه يتحلل به، كالطواف والسعي في حق الفائت ثم الحصر لا يجب عليه هدى آخر وقد تحلل بالهدى كذلك هذا لا يجب عليه هدى وقد تحلل بطواف وسعي، وقد روى الأسود قال: سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ عمن يفوته الحج فقال: يحل بعمرة في هدى ويحج من قابل فلقيت زيد بن ثابت بعد ثلاثين سنة، فقال لي مثل ما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ، وإذا قلنا: لا قضاء، ولا كفارة، فوجهه: أنه يتحلل من إحرام لم يتخلله فساد فلم يلزمه القضاء، دليله لو أكمل أفعال الحج. وكل من حل له الخروج من عبادة لم يلزمه القضاء بالتحلل منها، إذا دخل في الظهر يظن أن الشمس قد زالت ثم بان أنها لم تزل فخرج منها فلا قضاء عليه، ولا يلزم عليه المفسد لأنه لم يلزمه القضاء بالتحلل وإنما لزمه بالفساد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 295
ذبح هدي الإحصار قبل يوم النحر:
37 ـ مسألة: واختلفت الرواية في هدي الإحصار هل يجوز ذبحه قبل يوم النحر؟
فنقل الميموني ـ رحمه الله ـ ينحره مكانه ويحل، وظاهر هذا جواز نحره في الحال، وهو قول الشافعي، لأنه دم وجب لارتكاب مباح فلم يختص ذبحه بيوم النحر كسائر الجنايات، ولا يلزم عليه دم التمتع والقرآن لأنه لاارتكاب مباح.
---
ونقل ابن منصور ، وأبو الحارث : لا ينحر إلا يوم النحر، لأنه دم يقع به التحلل فاختص ذبحه بيوم النحر دليله: دم المتعة والقرآن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
الحلق والتقصير على المحصر:(1/151)
38 ـ مسألة: هل على المحصر حلق أو تقصير أم لا؟ قال في رواية الميموني إذا حصره العدو فإن كان معه هدي نحره مكانه وحل. وليس عليه شيء أكثر من هذا. فظاهر هذا أنه ليس عليه حلق ولا تقصير.
وقال في رواية الكوسج في المحصر: يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق ويرجع، وليس عليه قضاء، فظاهر هذا أن عليه الحلق.
وجه الأولى: أن الحلق من توابع الإحرام فلم يكن نسكاً خارج الحرم كالرمي، ولا يلزم عليه الوقوف لأنه ليس من توابعه.
ووجه الثانية: ما روي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه بالحديبية: قوموا فانحروا ثم احلقوا وكانوا محصرين، ولأنه مأمور بالذبح لأجل الإحلال. فوجب أن يكون مأموراً بالحلق كما لو لم يحصر، ولأن أحمد قد نص على أن الحلاق في غير الحرم نسك.
فقال في رواية أبي داود ومهنا فيمن حلق خارج الحرم ما أعلم عليه شيئاً. ولا بأس حلق في الحرم أو غير الحرم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 296
القضاء على المحصر في حج التطوع:
39 ـ مسألة: واختلفت في المحصر في حجة التطوع هل يلزمه القضاء؟
فنقل ابن القاسم : ينحر الهدي ولا قضاء عليه، وهو أصح، لأنه تحلل من إحرام لم يتخلله ما يوجب القضاء فلم يلزمه القضاء، كما لو أكمل الأفعال، ولأن الهدى في حقه أقيم مقام بقية أفعال الحج وبدلاً عنها، بدليل أن يحل به كما يحل بإكمال الأفعال.
ونقل أبو طالب : عليه الحج من قابل، لأنه خروج من النسك قبل التمام فلزمه القضاء كالفائت.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 297
مسائل في الإحرام لدخول مكة وتجاوز الميقات قبل الإحرام
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 298
---
الإحرام لدخول مكة:
40 ـ مسألة: واختلفت إذا أراد دخول الحرم غير مريد للنسك ولا خائف لقتال بل لحاجة لا تكرر مثل أن يدخل لتجارة أو زيارة أو رسالة هل يجوز بغير إحرام؟
فنقل أحمد بن القاسم وسندي الخواتيمي عنه: الجواز، وسئل إن لم يرد حجاً ولا عمرة هل يدخلها بغير إحرام؟(1/152)
فقال: قد رخص للحطابين وللرعاة، وقد دخلها ابن عمر بغير إحرام لما رجع من بعض الطريق، فقيل له: يقولون: ابن عمر لم يبلغ الميقات، فمن أجل ذلك دخل بغير إحرام، فقال: الميقات وغيره سواء قد دخل مكة بغير إحرام فقيل له: والنبي ـ صلى الله عليه وسلم دخلها يوم الفتح بغير إحرام. فقال ذاك من أجل الحرب، فظاهر هذا أنه لا يجب عليه دخولها بإحرام.
ونقل عبد الله : لا يدخلها أحد بغير إحرام، فظاهر هذا أنه يجب عليه الإحرام، ولا يجوز دخولها بغير إحرام، ووجه هذه الرواية أن كل من لا يتكرر دخوله إلى مكة إذا دخلها بغير قتال لزمه الإحرام كما لو دخلها مريداً للنسك، ولأنه لو نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو نذر دخول مكة لزمه أن يدخلها بأحذ النسكين أما بحج أو عمرة، فلولا أنه نسك يختص بدخولها لما وجب عليه غير ما نذره وهو الدخول فقط، وإذا قلنا لا يلزمه الإحرام، وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ لأنه قال: وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها ممن أراد حجاً أو عمرة لأنه غير مريد للنسك فلم يلزمه الإحرام كما لم تكرر دخوله بأن يكون حطاباً فإن الرواية لا تختلف أنه لا يلزمه الإحرام ولأنها قربة مفعول لحرمة المكان فلم تكن واجبة بالشرع كتحية المسجد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 298
الدم على من يقضي نسكاً فاسداً لإحرامة في الفاسد بعد الميقات:
41 مسألة: إذا جاوز الميقات غير محرم ثم أحرم بحجة أو عمرةٍ ثم جامع فيها فإن عليها القضاء فإن قضى فهل يسقط عنه الدم لترك الميقات؟.
فيه روايتان: إحداهما: لا يسقط نص عليه في رواية ابن منصور.
---
ونقل مهنا عنه إذا جاوز الميقات فأحرم بعمرة ثم أفسدها يرجع إلى الميقات فيحرم منه. فقيل له: ولا يكون عليه شيء لتركه الميقات أول مرة، قال: لا.
وجه الأولى: أن كل دم لم يسقط عنه إذا لم يوجد القضاء لم يسقط عنه وإن وجد القضاء، دليله الدم الواجب باللباس والطيب، وقتل الصيد في الإحرام الفاسد.(1/153)
ووجه الثانية: أن الدم قائم مقام النسك المتروك وهو الإحرام في الميقات فإذا قضى ذلك الإحرام من الميقات فقد فعل المتروك فسقط الدم ألا ترى أنه لو لم يفسد الإحرام ثم عاد إلى الميقات سقط عنه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
الدم على من جاوز الميقات غير أهل للنسك ثم صار أهلاً فأحرم دون الميقات:
42 ـ مسألة: واختلفت في الكافر إذا جاوز الميقات، وأسلم قبل فوات الحج فأحرم من موضعه ولم يرجع إلى الميقات هل عليه دم أم لا؟.
فنقل أبو طالب : إذا خشي الفوات أحرم من مكة وعليه دم.
ونقل حنبل عنه: أن عطاء يقول: في الذمي يسلم بمكة يخرج إلى الميقات. قال أحمد : يحرم من مكة من موضع أسلم، فظاهر هذا أنه لم يوجب عليه دم لأنه لم يذكر الدم، فإن قلنا: لا دم عليه فوجهه: أنه حال مجاوزته الميقات لا يصح منه إحرام فلا يلزمه أحكام الدماء كالصبي والمجنون، وإذا قلنا: عليه دم، وهو اختيار أبي بكر، وهو أصح فوجهه: أنه جاوز الميقات مريداً للنسك وأحرم دونه فكان عليه دم كالمسلم بل هذا أولى، لأن المسلم جاوز مريداً ولم يفعل، وهذا جاوز الميقات، وفعل ولكن لم ينعقد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 299
تداخل جزاء الصيد والمحظورات للعمرة والحج بالقران:
43 ـ مسألة: في القارن إذا قتل صيداً أو أتى محظوراً هل يجب عليه كفارة واحدة.
---
فنقل ابن القاسم وسندي عليه جزاء واحد، وكذلك نقل ابن منصور : إذا تطيب أو حلق شعراً فجزاء واحد، وتتخرج رواية أخرى: عليه جزاءان على الرواية التي تقول عليه طوافان وسعيان، ووجه هذه الرواية أنه أدخل النقص على إحرامين بقتل الصيد، فلزمه جزاءان كما لو أفرد بالحج والعمرة، وإذا قلنا: جزاء واحد، وهو أصح، فوجهه أنهما حرمتان يجب بهتك كل واحدة منهما جزاء، فإذا اجتمعا وجب لأجلهما جزاء. كحرمة الحرم والإحرام.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
ضمان الجراد في الإحرام:
44 ـ مسألة: واختلفت في الجراد هل يضمنه المحرم؟(1/154)
فنقل حنبل إذا أصاب المحرم الجراد تصدق عن كل جرادة بتمرة، وقال في موضع آخر في الجراد والسمك: لا بأس بأكلهما للمحرم ليس لهما ذكاة، فإن قلنا: لا جزاء فيه، فوجهه ما روى النجاد بإسناده عن أبي هريرة قال كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد، فجعلنا نضربهم بأياطنا وعصينا، فقتلناهن، فقلنا: ما نصنع ونحن محرمون، فسألنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فقال: لا بأس بصيد البحر ولأن ذكاته ميتة فلا جزاء فيه، دليله السمك، وإذا قلنا يضمن بالجزاء فوجهه ما روي عن ابن عمر وابن عباس في الجراد قبضة من طعام، ولأنه صيد يؤكل يعيش جنسه في البر فأشبه الظباء، يبين صحة هذا أن المرجع في صيد البر والبحر إلى المشاهدة، فلما كان الجراد مأواه البر ورعيه وعيشته فيه ثبت أنه من صيده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 300
الجزاء في الثعلب:
45 ـ مسألة: واختلفت في الثعلب هل يضمن بالجزاء.
فنقل حنبل : إنما جعلت الكفارة في الصيد المحلل أكله، فظاهر هذا أنه لا كفارة فيه، لأنه قد نص على تحريم أكله، وكل حيوان حرام أكله لم يضمن صيده بالجزاء كالسباع.
---(1/155)
ونقل ابن القاسم وسندي الخواتيمي : إنما يقوم المثل ولا يقوم الصيد ولا يقوم ثعلب ولا حمار وحش فظاهر هذا أن الثعلب مضمون، ولكن القيمة لا تقع عليه. وهذا أيضاً مبني على إباحة أكله فوجب أن يضمن كالغزال، وقد قال في رواية حنبل: إنما الجزاء في الصيد المحلل أكله. وقال أبو بكر ـ رحمه الله ـ في كتاب الخلاف: وما لا يؤكل لا جزاء ولا فدية على أحد القولين، وفي الآخر يفدي الثعلب والسنور، وقد قال: في السنور الأهلي وغير الأهلي فيه حكومة في رواية ابن منصور، لأن أكثر ما فيه أنه غير مأكول، وهذا لا يمنع الجزاء كالسبع وهو المتولد بين الذئب والضبع فإن فيه الجزاء، والمذهب أنه لا جزاء في ذلك، لأنه متولد من بين ما لا يحل أكل شيء من لحم جنسه بحال، فلا جزاء فيه كالذئب والسبع. ولا يلزم عليه السمع لأنه متولد من بين ما يحل أكل شيء من لحم جنسه وهو الضبع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 301
قتل القمل في الإحرام:
46 ـ مسألة: واختلفت الرواية في المحرم هل يجوز له قتل القمل؟
فنقل مهنا روايتين: قال في إحداهما يقتل البرغوث، فقيل له: يقتل القملة؟ قال: لا.
وقال في موضع آخر، وقد سئل يقتل القملة؟ قال كل شيء من جسده فلا بأس بقتله إذا آذاه، وموضع الروايتين إذا ألقاها مما بين الشعر من رأسه أو بدنه أو لحمه، فأما أن ألقاها من ظاهر بدنه أو ثيابه، أو بدن محل أو محرم فهو جائز ولا شيء عليه رواية واحدة، فإن قلنا: أن ألقاها من بين بشعره وبدنه ولا فدية عليه فوجهه أنها من الإنسان وليس بصيد، ولو كانت صيداً فإنها لا تؤكل، ولا تولدت من مأكول فلم يمنع من إلقائها فهو كما لو ألقاها من ظاهر بدنه وإذا قلنا ليس له ذلك ويفديها فلأنه ترفه بإلقائها، وأزال الأذى فهو كفدية الأذى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 302
موضع شعار الهدى:
47 ـ مسألة: واختلفت هل يشعر الهدى في صفحته اليمنى أم اليسرى؟
---(1/156)
فنقل ابن منصور : في صفحته اليمنى. لما روى ابن عباس أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أشعر بدنته من الجانب الأيمن.
ونقل حنبل : من الجانب الأيسر. لما روى عن ابن عمر أنه أشعر بدنته من الشق الأيسر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 303
اشتراط المحرم لوجوب الحج على المرأة:
48 ـ مسألة: واختلفت في المحرم هل هو من شرائط الوجوب أم من شرائط الأداء؟
فنقل عنه أبو داود في امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب الحج عليها؟ قال: لا، فظاهر هذا أنه من شرائط الوجوب.
ونقل محمد بن علي الجوزجاني في امرأة ليس لها ولي هل تعطي من يحج عنها؟ فقال: إذا أيست تعطي من يحج عنها في حياتها، فظاهر هذا أنه قد أوجب عليها، وقوله تعطي من يحج عنها محمول على أنها قد صارت معضوبة، فإن قلنا هو من شرائط الوجوب، فوجهه أن عدم المحرم لما أسقط لزوم السعي والأداء بنفسها وما لها، دل على أنه من شرائط الوجوب وإذا قلنا: ليس بشرط في الوجوب فوجهه أنها حرة بالغة مسلمة واجدة للزاد والراحلة فلزمها فرض الحج وإن لم يلزمها السعي والأداء كالمعتدة، وعلى هاتين الروايتين تخليه الطريق وإمكان السير هل هو شرط في الوجوب أم في لزوم السعي؟ يتخرج على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 303
ذبح الكتابي الأضحية المسلم وهديه:
49 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز أن يذبح الأضحية والهدى كتابي؟
فنقل ابن منصور : أما اليهودي والنصراني فلا يذبح النسك.
---
ونقل حنبل لا بأس أن يذبح اليهودي والنصراني نسك المسلم فإن قلنا: لا يجوز فوجهه أن ما لم يجز أن يتقرب به الكافر عن نفسه لم يجز أن يفعله عن المسلم كالحج، وإذا قلنا: يجوز، وهو أصح فوجهه أن كل من كان من أهل الذكاه جاز أن يتولى ذبح الأضحية والهدي كالمسلم، ولأن القربة إنما تعتبر في الأضحية حال إيجابها ونذرها دون الذبح بالآلة، بدلالة أن من نذر أضحية ثم نسي فذبحها يظن أنها شاة لحم أجزأت عنه وإن كانت القربة منعدمة.(1/157)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 304
تأخير صيام التمتع والقرآن عن أيام الحج:
50 ـ مسألة: إذا أخر المتمتع الصيام عن أيام الحج هل يلزمه مع القضاء دم لأجل التأخير أو أخر ذبح الهدى مع القدرة عليه عن وقته هل يلزمه دم آخر للتأخير فيه روايتان:
إحداهما: عليه دم التأخير نص عليه في رواية أبي طالب: إذا لم يصم حتى جاز أيام النحر صام إذا رجع وعليه دم، وكذلك نقل المروذي ويعقوب بن بختان: إذا لم يهدِ إلى قابل عليه هديان.
والثانية: لا دم عليه للتأخير نص عليه في الرواية ابن منصور في متمتع لم يذبح حتى رجع إلى أهله يبعث بالدم إذا كان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 304
كتاب البيوع
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 309
وما يتعلق به من العقود
بيع من غير رؤية المبيع ولا وصفه:
1 ـ مسألة واختلفت الرواية عن أحمد ـ رضي الله عنه ـ في بيع الأعيان الغائبة إذا لم يسبق من المشتري رؤية ولا صفة.
فنقل الجماعة إنه لا يصح، قال في رواية الميموني: البيع بيعان: بيع صفة، وبيع شيء حاضر، فالصفة هي السلم، وبيع حاضر، فلا يبعه حتى يراه ويعرفه، فهذا يقتضي ابطال البيع.
ونقل حنبل عنه: قال: كل ما بيع في ظروف مغيب لم يره الذي اشتراه، فالمشتري بالخيار إذا قبضه: إن شاء رد، وإن شاء أخذ.
---
قيل له: فيكون عيباً، قال: له الخيار لأنه بيع غرر، فظاهر هذا جواز البيع، وإثبات خيار الرؤية، ووجه هذه الرواية إن البيع عقد من العقود، فوجب أن لا يكون من شرط صحته رؤية المعقود عليه ولا صفته، دليله عقد النكاح، ووجه الأولى، وهي الصحيحة أن الرؤية أو الصفة في بيع الأعيان جهة يتوصل بها إلى معرفة البيع (لأن) لعدمها تأثيراً في العقد وهو إبطاله على هذه الرواية، إثبات الخيار على الرواية الأخرى، فوجب أن يكون وجودها شرطاً فيه كالصفة في المسلم (فيه).
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 311
مسائل في الخيار
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 312
انقطاع خيار المجلس بالتخيير:(1/158)
2 ـ مسألة: واختلف في خيار المجلس، هل ينقطع بالتخاير؟ على روايتين: إحداهما: ينقطع.
قال في رواية الميموني ـ رحمه الله ـ وقد سأله عن قوله:
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما بيع خيار .
فقال: كذا يرويه ابن عمر، وهما معنيان، إن وقع أحدهما وجب البيع، لأنهما قد تراضيا عليه.
وكذلك نقل حرب.
والثانية: لا ينقطع إلا بالتفرق، قال في رواية ابن ابراهيم والمروذي وقد سئل: إذا خير أحدهما صاحبه فقال: هكذا في حديث ابن عمر أو يقول لصاحبه: اختر، وأنا لا أذهب إليه إنماأذهب إلى الأحاديث الباقية أن الخيار لهما ما لم يتفرقا.
ووجه هذه الرواية ما روى أبو برزة، وحكيم بن حزام، وأبو هريرة، وسمرة كل يروي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وهذا أولى من حديث ابن عمر، لأنه تفرد بروايته في التخاير، وهذا قد رواه جماعة كل لا يذكر فيه تخاير، وإنما يشترط التفرق، ووجه الرواية الأولى وهي أصح، ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صحبه ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر .
---
وفي لفظ آخر: ما لم يتفرقا أو يتخايرا يعني يتخايرا فثبت أن الخيار ينقطع بالتفرق وبالتخاير، وهذه أولى من تلك الأخبار، لأنه مقيد، وتلك مطلقة، والقيد يقضي على المطلق، ولأن فيه زيادة، وهو التخاير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 312
بطلان الخيار بتلف البيع:(1/159)
3 ـ مسألة: في المبيع إذا هلك في مدة الخيار أو كان عبداً فأعتقه المشتري هل يبطل الخيار أم لا؟ فقال الخرقي : فإن تلفت السلعة أو كان عبداً فأعتقه المشتري أو مات بطل الخيار، فصرح ببطلان الخيار، وقد أومأ أحمد ـ رحمه الله ـ إلى هذا في رواية الميموني، وحرب إذا أعتقه المشتري ضمن الثمن، فقد حكم بلزوم الثمن ولم يجعل الأمر موقوفاً على الفسخ، فيرجع البائع بالقيمة على المشتري، والوجه في ذلك أنه خيار فسخ فبطل بتلف المبيع، دليله خيار الرد بالعيب وخيار الإقالة، وذلك أنه لو كان المبيع عبداً فمات ثم ظهر على عيب بعد موته لم يملك الفسخ، وكذلك إذا تلف المبيع لم تصح الإقالة، وعندي أن الخيار لا يبطل بل يكون باقياً، فإن اختيار الفسخ بعد هلاك المبيع في يد المشتري لزم المشتري رد قيمة المبيع على البائع، وقد نص أحمد على هذا في رواية ابن القاسم وصالح إذا أتقه المشتري في مدة الخيار كان ضامناً للقيمة، إن لم يتم البيع بينهما.
فظاهر هذا أن لهما الفسخ لقوله: إن لم يتم البيع بينهما لزم المشتري القيمة، وإنما يلزمه القيمة عند فسخ البيع، ويمكن أن يحمل قوله في رواية الميموني وحرب: أن المشتري يضمن الثمن، على أنهما أمضيا البيع ولم يفسخاه، فلهذا لزم المسمى .
والدلالة على أن الخيار لا يبطل أنها مدة ملحقة بالبيع فلم يبطل بتلف المبيع كالأجل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 313
انقطاع الخيار بالتصرف في المبيع:
ط ـ مسألة: واختلفت في الخدمة هل تكون دلالة على الرضا فتقطع الخيار أم لا؟
---
فنقل حرب : أن خياره يبطل بالخدمة، لأنها أحد المنفعتين فإذا تصرف فيها كان قطعاً لخياره، ودلالة على الرضا كالوطء والعتق والبيع والهبة والوقف.(1/160)
ونقل أبو الصقر : أن الخدمة لا تقطع الخيار، لأن كل مالو وقع من البائع لم يكن فسخاً فإذا وقع من المشتري لم يكن رضاً وقطعاً كالإمساك بغير خدمة وعكسه الوطء والبيع والهبة والعتق لما كان وجوده من جهة البائع يكون فسخاً فوجوده من جهة المشتري يكون رضاً وقطعاً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 314
خيار المجلس في الصرف:
5 ـ مسألة: واختلفت في عقد الصرف هل يدخله خيار المجلس؟
فنقل محمد بن يحيى الكحال : يدخله، لأنها معاوضة محضة أشبه البيع، يبين صحة هذا أن القصد من خيار المجلس أن ينظر كل واحد منهما إلى ما فيه من الحظ له، وهذا موجود في الصرف.
ونقل أحمد بن سعيد : لا يدخله، لأنه عقد لا يثبت فيه خيار الشرط فلا يثبت فيه خيار المجلس كالنكاح، ولأنه أحد الخيارين فلم يثبت في الصرف دليله خيار الشرط، فأما السلم فيتخرج فيه روايتان كالصرف، لأنهما يتفقان في اعتبار القبض فيهما ويحتمل أن يجوز في السلم رواية واحدة، لأنه أوسع من الصرف، لأن من شرط الصرف القبض في الطرفين قبل التفرق، وفي السلم يجوز التفرق قبل قبض المسلم فيه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
تقدم القبول على الإيجاب:
6 ـ مسألة: واختلفت إذا تقدم القبول على الإيجاب في عقد البيع هل يصح؟
فنقل مهنا عنه في الرجل يقول يعني هذا الثوب بدينار فقال قد فعلت لا يكون بيعاً حتى يقول الآخر: قد قبلت، فظاهر هذا أنه لا يصح العقد، لأنه قبول تقدم الإيجاب فلم يصح، دليله عقد النكاح لا يختلف المذهب فيه أنه لا يصح.
---(1/161)
ونقل علي بن سعيد النسوي في الرجل يقول: يعني هذا الثوب بكذا، فيقول البائع: هو لك فهو جائز وقد تم البيع، فإن قال: زوجني ابنتك أو أختك فقال قد زوجتك ففي النكاح يقول: قد قبلت النكاح ابتداء، فقد أجاز ذلك في البيع ومنعه في النكاح، والوجه فيه: أن القبول إنما كان شرطاً في صحة البيع ليدل على الرضا بالإيجاب، وهذا المعنى يوجد فيه إذا رغب إليه، وطلب منع البيع، بل الرغبة والطلب أبلغ في الرضا لأنه يستدعي منه ذلك ابتداء فيجب أن يصح ويفارق النكاح، لأن الفروج يحتاط لها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 315
مسائل في الربا
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
علة الربا:
7 ـ مسألة: واختلفت في علة الربا على روايتين: إحداهما: مطعوم جنس فيدخل فيه سائر المطعومات دون غيرها، قال أبو بكر : روى ذلك جماعة منهم محمد بن يحيى الكحال قال: حدثنا أبو بكر الخلال عنه، وقد سئل عن البيض بالبيض والرمان بالرمان فقال: لا يجوز إلا مثلاً بمثل، هذا يؤكل، قيل له: وإن لم يؤكل ولم يوزن؟ قال: نعم. قيل له: مثل أي شيء يجوز؟ قال مثل الحديد وما أشبهه.
والرواية الثانية: العلة ذات وصفين، مكيل جنس أو موزون جنس، فكل ما يدخله الكيل والوزن يجري في جنسه الربا.
---(1/162)
ونقل ذلك الجماعة، قال في رواية الميموني : أذهب إلى حديث عمار وهو حديث جامع: ما يكال ويوزن مما يؤكل ويشرب ما لا يؤكل ولا يشرب، وقال في رواية سندي الخواتيمي: لا يجوز رطل حديد برطلين قياساً على الذهب والفضة، وقال في رواية حنبل وبكر بن محمد: لا بأس خيارة بخيارتين وبطيخة ببطيختين ورمانة برمانتين لأنه ليس أصله كيلاً ولا وزناً/ وفي رواية ثالثة: العلة ما يكال أو يوزن مما يؤكل، نص على ذلك في رواية حنبل ، فقال في القوارير المكسرة بالصحاح والمكسور أكثر لا بأس يداً بيد أليس هو مما يوزن ولا يكال (وليس) مما يؤكل ويشرب؟ وجه الرواية الأولى أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ جعل الكيل علة للتخلص من الربا بقوله: كيلاً بكيل .
فلا يجوز أن يكون علة للربا لامتناع جواز كون الشيء الواحد علة للتحليل والتحريم جميعاً، لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل، وهذا يعم سائر المطعومات، ووجه الرواية الثانية ـ وهي الصحيحة ـ وعليها شيوخ المذهب ـ هو أنا وجدنا للزيادة في الكيل تأثيراً في فساد البيع ولتساويهما تأثيراً في صحة البيع مع وجود التفاصيل في الأكل بدليل أنه لو باع قفيز حنطة جيدة بقفيز حنطة رديئة جاز لوجود التساوي في الكيل وإن اختلفا في الطعام، وبإزائه لو تساويا في الطعم واختلفا في الكيل لم يصح فعلمنا أن العلة هي المساواة في الكيل، ولأن الزيادة في الأكل ليس لها تأثير في تحريم البيع فوجب أن لا يكون الأكل والجنس علة كالأقتيات، والادخار، ولأن البطيخ ونحوه غير مكيل، ولا موزن، فلم يحرم التفاضل فيه، دليله الثياب والعبيد.
وجه الرواية الثالثة: ماروى عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: الطعام بالطعام مثلاً بمثل فحص الطعام بالذكر، ولأنه ليس بمأكول ولا مشروب فلم يجز الربا فيه كسائر المعدودات التي لا تؤكل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 316
---
الربا فيما صنع من الموزونات الربوية:(1/163)
8 ـ مسألة: واختلفت هل يجري الربا في معمول الرصاص والنحاس ونحوه مما أصله الوزن؟
فنقل أبو طالب وأحمد وهشام وحرب : لا يباع فلس بفلسين ولا سكين بسكينين ولا إبرة بإبرتين، أصله الوزن لأن كل ما دخله الربا فإنه يجري في معموله كالذهب والفضة.
ونقل ابن منصور ، وإسحاق بن إبراهيم ، ويعقوب بن بختان ، وحنبل في ثوب بثوبين وكساء بكساءين: لا بأس به يداً بيد فقد أجاز ذلك، وإن كان أصله الوزن، لأنه في الحال غير موزون، فالعلة غير موجودة فيه واختار أبو بكر ـ رحمه الله ـ الرواية الأولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 318
ربا النسيئة فيما لا يدخله ربا الفضل:
9 ـ مسألة: واختلف فيما لا يدخله الربا (هل) يحرم فيه النساء على ثلاث روايات: إحداها: أن الجنس الواحد الذي يجري فيه الربا يحرم فيه النساء كالمكيل والموزون، وما لا يدخله الربا لا يحرم النساء فيه نص عليه في رواية حنبل فقال: ما لم يكن أصله الكيل أو الوزن فلا بأس اثنين بواحد يداً بيد ونسيئة، ولا بأس ثوب بثوبين يداً بيد ونسيئة/ والثانية: أن العروض بانفرادها يحرم النساء (فيها) إذا لم يكن في مقابلها جنس الأثمان فلا يجوز بيع بعضها ببعض نساء ولا إسلام بعضها في بعض من جنس أو جنسين، نص على ذلك في رواية جعفر بن محمد وإسحاق بن إبراهيم فقال: لا يجوز ثوب بثوبين نساء، اختلفت الأنواع كالقطن والكتان أو اتفقت.
ونقل حنبل أيضاً: لا يباع شيء من الحيوان، اثنين بواحد إلى أجل وإن اختلفت أجناسها، لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن بيع الحيوان (بالحيوان) نساء ووجه هذه الرواية، وهي اختيار الخرقي ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: إنما الربا في النسيئة وقال: لا ربا إلا في النسيئة.
---(1/164)
ونهى عن بيع الحيوان بالحيوان نساء. ووجه الرواية الأولى، وهي أصح عندي، لأن الأجل أحد وجهي الربا، فلم يحرم في جميع الأموال دليله تحريم الفضل لما كان أحد وجهي الربا لم يحرم في جميع الأموال بل في بعضها دون بعض وهو المكيل والموزون، كذلك تحريم الأجل يجب أن لا يحرم في جميع الأموال بل يختص ببعضها دون بعض. والثالثة: يحرم النساء في الجنس الواحد فأما في الجنسين فلا، نص عليه في رواية حنبل.
فقال: لا أرى ببيع الحيوان بالحيوان نساء بأساً إذا اختلفت، وأتوقاه إذا كان من جنس واحد، لأن الجنسين لما كان لهما تأثير في جواز التفاضل يداً بيد فيما يدخله الربا جاز أن يكون لهما تأثير في جواز النساء فيما لا يدخله الربا، وليس كذلك الجنس الواحد، لأنه لما أثر في تحريم التفاضل يداً بيد فيما يدخله الربا جاز أن يحرم النساء فيما لا يدخله الربا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 318
ربا النسيئة بين الجنسين المختلفين في العلة:
10 ـ مسألة: واختلفت في الجنسين إذا كان يدخلهما الربا بعلتين كالحنطة بالحديد، هل يجوز بيع بعضه ببعض نساء أو إسلام بعضه في بعض.
فنقل حنبل : يسلف ما يكال فيما يوزن وما يوزن فيما يكال، إذا اختلف النوعان، لأنهما جنسان يدخلهما الربا بعلتين فجاز دخول النساء فيهما، دليله بيع الحنطة بالذهب والفضة.
ونقل المروذي : لا يسلف ما يكال فيما يوزن وإن اختلفا، وكذلك نقل ابن منصور : لا يعجبنا سلف ما يكال فيما يوزن، لأنهما جنسان يدخلهما الربا وليس أحدهما ثمناً للأشياء، فلم يجز دخول النساء فيه.
دليله: ما يجمعه علة واحدة. كالبر والشعير والحديد والرصاص.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 320
بيع حب الجنس الواحد بدقيقة أو سويقة:
11 ـ مسألة: واختلف في بيع الحنطة بالدقيق.
---(1/165)
فنقل اسحاق بن إبراهيم ويعوب بن بختان وأبو الحارث وابن منصور ، في إحدى الروايتين: أنه لا يجوز، فقال: قال في رواية ابن منصور: البر بالدقيق لا يستقيم، وإن كان وزناً، لأن أصله الكيل، وإذا كلته زاد على الدقيق، وكذلك نقل أبو الحارث: لا يجوز بيع الدقيق بالطعام كيلاً بكيل، فقيل له: فوزناً بوزن، فقال: أكرهه، فظاهر هذا أنه لا يجوز كيلاً ولا وزناً، وهو أصح.
ونقل حنبل : لا بأس بالبر بالسويق والسويق بالدقيق مثلاً بمثل، وكذلك نقل ابن منصور: شراء الدقيق بالقمح كيلاً بكيل لا يجوزفإن كان وزناً فلا بأس، فظاهر هذا جواز بيع بعضه ببعض وزناً ولا يجوز كيلاً، وكذلك اختلفت في بيع الحنطة بالسويق.
فنقل حنبل: جواز ذلك، ونقل أبو الحارث السويق الحنطة أكرهه فإن قلنا: لا يجوز فوجهه أن المساواة معدومة، لأن أجزاءه تفرق بالطحن فإذا بيع كيلاً بكيل كانا متفاضلين في الكيل، وإن بيع وزناً بوزن خالف به أصله لأن أصله الكيل، لأنه جنس فيه الربا فقد منه ما به بقاؤه فلم يجز بيعه بأصله الذي فيه بقاؤه دليله بيع اللحم بالحيوان، وإذا قلنا: يجوز، وهو أصح فوجهه أن أكثر ما فيه أن أجزأه قد تفرقت بالطحن وذلك لا يمنع المماثلة، لأن الوزن يأخذ من الدقيق كما يأخذ من الحنطة، ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا يقضي إلى التفاضل في الثاني فأشبه بيع الحنطة بالحنطة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 320
بيع الربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسه
12 ـ مسألة: واختلفت إذا باع جنساً فيه الربا بعضه ببعض ومع كل واحد منهما أو مع أحداهما من غير جنسه مثل ثوب ودرهم بدرهمين أو ثوب وقفيز حنطة بقفزتين أو سيف محلى بفضة بالفضة أو خاتم وفضة بفضة.
فنقل الجماعة: أنه لا يجوز قال في رواية حنبل في الخاتم والمنطقة والسيف وما أشبهه: لا أرى أن يباع حتى يفصل ويخرج منه والقلادة على ذلك.
---(1/166)
ونقل عبد الله قال: قرأت على أبي عن الحكم أنه قال: ألف درهم وستون درهماً بألف درهم وخمسة دنانير لا بأس به فقال أبي هذا حديث رديء لا يعجبنا، فظاهر هذا المنع.
ونقل الميموني : وقد سأله لا يشتري السيف والمنطقة حتى يفصلها قال: لا يشتريها حتى يفصلها إلا أن هذا أهون من ذلك، لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر بفضل وفيه غير النوع الذي اشترى به فإذا كان من فضل الثمن فهو بما فيه من غير ذلك إلا أنه من ذهب إلى ظاهر (حديث) القلادة قال: لا يشتريه حتى يفصله، قيل له: فما تقول أنت؟ قال: هذا موضع نظر قال: أبو بكر روى هذه المسألة عن أبي عبد الله خمس عشرة نفساً كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز البيع حتى يفصل إلا الميموني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 321
---(1/167)
ونقل مهنا قولاً آخر، والعمل على ما روى الجميع، وكذلك يتخرج الخلاف إذا كان من أحدهما نوع آخر مثل درهم راضي ودرهم سلامي بدرهمين راضيين أو سلاميين ودينار قاساني ودينار مغربي بدينارين أبريزين وكذلك في كل المطعومات نحو حنطة سمراء وحمراء ببيضاء، وقد أومأ إلى هذا في رواية ابن القاسم في رجل باع دراهم صحاحاً وفضة مكسورة بدراهم مكسورة وزناً بوزن سواء قال: لا يجوز، إنما أراد أن يجوز فيه شيء فقد منع من ذلك المعقود عليه مختلف القيمة وقد نقل الميموني عنه وقد سئل إذا كانت له دنانير سلامية لها وضائع على غيرها فقال: إن كانت إنما تكره من قبل سكتها فهو أهون قيل له: يوجد مثلاً بمثل على حديث ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال: نعم، فظاهر هذا الجواز، وهو اختيار أبي بكر، لأنه قال: ولا يلتقت إلى النوع لأن الجنس يجمعها فالدراهم الفرقانية والصعيدية والطبرية والدنانير مثل الأهوازية والبصرية والمصرية وما أشبه ذلك فقد صرح أبو بكر بجواز ذلك وفرق بينه وبين أن يكون مع أحدهما من غير جنسه أنه لا يجوز في ذلك ويجوز مع اختلاف النوع، وعندي أن الحكم في المسألتين سواء وإنها على روايتين، فإن قلنا: بجواز ذلك فوجهه أنه إذا باع درهماً راضياً وردهماً سلامياً بدرهمين راضيين أو سلاميين فالمماثلة من جهة الوزن موجودة فيجب أن يصح كما لو باع درهمين جيدين راضيين أو سلامين بدرهمين وسطين أو رديين فإنه لا يجوز بلا خلاف كذلك إذا كان جيداً أو رديئاً بجيدين أو وسطين يجب أن يجوز، وإذا قلنا لا يجوز، وهو أصح فوجهه أن العقد تناول شيئين مختلفي القيمة، لأن أحد الدرهمين جيد، والآخر وسط، فينقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما كما لو اشترى ثوبين أو عبدين فإن الثمن ينقسم عليهما، وإذا انقسم الثمن على قدر قيمتهما حصل فيه ربا، لأنه إذا كان في أحد الجنسين مد عجوة قيمته درهم ودرهم بمدى عجوة قيمتها ثلاثة دراهم فإن ثلث المدين يقابل الدرهم وثلثاه
---(1/168)
يقابل المد وهو مد وثلث فيكون ذلك ربا، وكذلك إذا باع نوعين مختلفين بنوع واحد فإن الثمن يتقسط على القيمة فكأنه إذا باع مائة دينار قيمتها ألفان ومائة قيمتها ألف بمائتين قيمتها ألفان فإن ثلث المائتين الوسط يقابله المائة دينار الدون وثلثاها يقابل الجياد، وهذا ربا محض فبطل البيع، ويفارق هذا إذا باع جيدين برديئين، لأن العقد تناول شيئين متفقي القيمة فانقسم الثمن على أجزائهما لا على قيمتهما فلم يحصل فيه ربا فلهذا فرقنا بينهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 321
بيع الزبد باللبن الذي زبده فيه:
13 ـ مسألة: واختلفت في بيع الزبد باللبن الذي زبده فيه.
فنقل مهنا عنه وقد سأله عن بيع الزبد باللبن فكرهه فظاهر هذا المنع على الإطلاق.
ونقل ابن منصور عنه: يجوز إذا كان الزبد أكثر من الزبد الذي في اللبن فيكون بعضه في مقابلة الزبد الذي في اللبن وبعضه في مقابلة المخيض، نص على هذا اللفظ، وهذه الرواية تحتاج على ما نقله الميموني: إذا باع جنساً فيه الربا بجنسه ومع أحدهما من غير جنسه أنه يجوز فأما على رواية الجماعة فلا يجوز في ذلك الموضع، ورواية مهنا توافق رواية الجماعة، وكذلك يتخرج في بيع الزبد بالسمن على روايتين إحداهما لا يجوز.
ونقل ابن منصور جوازه بناء على ذلك الأصل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
بيع النوى بالتمر الذي فيه نوى:
14 ـ مسألة: واختلف في بيع النوى بالتمر الذي فيه نوى.
فنقل ابن منصور عنه: إذا باع النوى بالتمر صاعاً بصاع وصاعاً بصاعين فلا بأس.
---(1/169)
ونقل ابن القاسم ومهنا : إذا باع التمر بالنوى اثنين بواحد أو أربعة بواحد أكرهه، فإن قلنا: إنه لا يجوز، وهو اختيار أبي بكر فوجهه أن النوى مكيل والربا في المكيل، فإذا اشترى مكيل تمر بمكيل نوى أو بأكثر فالتفاضل فيهما حاصل فلا يصح، وإذا قلنا يجوز، وهو أصح فوجهه أن النوى الذي في التمر غير مقصود بدليل أنه يجوز بيع التمر بالتمر، وإن كان نعلم أن في كل واحد منهما نوى لأنه غير مقصود فجاز كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
بيع لحوم بهيمة الأنعام ببعضها متفاضلاً:
15 ـ مسألة: واختلفت في لحوم الأنعام هل هي جنس كالإبل والبقر والغنم فنقل حنبل : لا بأس رطل لحم غنم برطلين لحم بقر وكذلك لحم الخيل فظاهر هذا أنها أجناس، وهو اختيار أبي بكر.
---(1/170)
ونقل مهنا وأبو الحارث وابن مشيش وحرب ويعقوب بن بختان : لا يجوز لحم غنم بلحم بقر رطل برطلين، فظاهر هذا أنها جنس واحد وهو اختيار الخرقي قال أبو بكر : وكذلك الألبان تخرج على روايتين: إحداهما أنها جنس واحد قال: في رواية ابن منصور أكره سمن البقر بسمن الغنم اثنين بواحد، والثانية أنها أجناس كاللحوم. ولا يختلف المذهب أن التمور صنف واحد وكذلك الأدقة والأخباز، وإنما الخلاف في اللحمان والألبان، فإن قلنا: هي أجناس فوجهه أنها فروع لأصول هي أجناس فوجب أن نكون أجناساً كالأدقة والأخباز ومعنى هذا أن أصول هذه اللحوم الحيوان، وذلك الحيوان أجناس بدليل أن بعضه لا يضم إلى بعض في الزكاة. وإذا قلنا: هي جنس واحد، وهو أصح فوجهه أن اللحمان والألبان فروع لأصول ليست في حكم الربا أجناساً فلم تكن الفروع أحناساً كالتمور، وذلك أن أصل التمور النخيل ولا ربا في النخيل وأصل اللحوم والألبان لحيوان ولا ربا فيها، ويفارق الأدقة والأخباز لأنها فروع لأصول (هي) في حكم الربا أجناس، لأن أصول الأدقة أجناس فيها الربا فلهذا كانت الفروع أجناساً، ولا تختلف الرواية أن الأنسى والوحشي والطائر والسمك (أصناف) وهو معنى قول أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية أبي الحارث وغيره الغنم والبقر صنف فقيل له فلحم السمك: قال: هذا أبعد. قيل له: فلحم الطير قال: هذا أبعد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 324
مسائل في البيع قبل القبض وما يحصل به القبض
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 325
بيع الطعام قبل قبضه:
16 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز بيع الصبرة قبل قبضها؟
فنقل الأثرم : أنه لا يجوز بيعها، وهذا اختيار الخرقي، لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه.
---(1/171)
ونقل ابن القاسم عنه: أنه روي عن ابن عمر أنه قال: كنا نؤمر أن ننقله عن موضعه، ولا أدري ما معنى هذا، إذا كان بينهما اشترى صبرة فهو بمنزلة القبض، فظاهر هذا جواز البيع، وهو أصح، لأنه بيع متعين فجاز بيعه قبل قبضه كالثوب والعبد.:
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 325
بيع المكيل والموزون غير المأكول قبل قبضه:
17 ـ مسألة: واختلفت في المكيل والموزون إذا لم يكن مأكولاً هل يجوز بيعه قبل قبضه؟
فنقل مهنا : كل شيء يباع قبل قبضه إلا ما كان يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب فظاهر هذا أنه يجوز بيعه إذا لم يكن مأكولاً.
وكذلك نقل أحمد بن الحسن الترمذي وقد سأله عن بيع الفاكهة قبل القبض. فقال: في هذا شيء إن خرج مخرج الطعام، لأن الحديث في الطعام فظاهر هذا أنه منع من بيع ما يكال ويوزن مما يؤكل لنهي ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن بيع الطعام قبل قبضه وهذا يعم سائر المطعومات، ودليل الخطاب جواز بيع ما عدا المطعومات.
ونقل حرب عنه إذا اشترى ما يكال ويوزن فلا يبيعه حتى يكيله ويقبضه، وإذا كان لا يكال ولا يوزن كالدار ونحوها جاز. فقد أطلق القول بمنع ما يكال ويوزن قبل قبضه، ولم يعتبر كونه مأكولاً، وهذا أصح، لأنه مبيع لم يتعين فلم يجز بيعه قبل قبضه دليله ما يؤكل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 326
قبض المنقولات:
18 ـ مسألة: واختلفت في التخلية هل تكون قبضاً؟
فنقل الأثرم : إذا اشترى صبرة فلا يبيعها حتى ينقلها فظاهر هذا أن التخلية لا تكون قبضاً، وأن القبض هو النقل، لأنه لما كان القبض في العقار التخلية والتسليم اعتباراً بحكم العادة فيه وجب أن يكون القبض فيما ينقل ويحول التحويل والنقل اعتباراً بحكم العادة فيه.
---
ونقل الميموني لفظين يدلان على أن التخلية قبض فقال: قال لي أحمد ـ رحمه الله ـ في البيع والشراء وهو حيث كان له وملكه فقد قبضه فظاهر هذا أنه إذا لم يميز وخلى بينه وبينه فقد حصل القبض.(1/172)
وقال أيضاً في الرجل يشتري صبرة الطعام فقيل له: كيف التسليم إليه؟ فقال: كيف تسلم الثمرة في رؤوس النخل إذا لم يخل بينه وبينه؟ فهو تسليم، وهذا صريح في أن التخلية قبض، وكذلك نقل محمد بن الحسن بن هارون : إذا اشترى طعاماً فلا يبيعه حتى يكتاله قبضه كيله. ومعنى قوله: يكتاله يميزه بالكيل من مال البائع، ولم يعتبر النقل.
والوجه فيه: أن التخلية حصلت بين المبيع والمشتري فوجب أن يحصل في ضمانه. دليله ما لا ينقل.
وقولهم: إن العادة في ذلك التخلية وهاهنا القبض بالبرّاج فافترقا قيل: فما هنا قد جرت العادة بالتعيين والتخلية كما جرت بالقبض فاستويا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 327
قبض المشتري للمكيل بكيل سابق للبيع إذا شاهده:
19 ـ مسألة: واختلفت فيمن ابتاع قدراً من الطعام مكيلاً فسلم إليه البائع ذلك المقدار بكيل تقدم قد شاهده المشتري. هل يكون قبضاً صحيحاً على روايتين؟
إحداهما: لا يكون قبضاً. قال في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن اشترى من رجل كر طعام وقبضه فقال المشتري يعني ما بعتك. فإنه يكيله أيضاً حتى يجري فيه الصاعان. وكذلك نقل حرب عنه قال في حديث ابن عمر: إذا ابتعت فاكتل، وإذا بعت فكل .
فظاهر هذا أنه لم يجعله قبضاً، لأن القبض الأول قد يكون فيه تقصير في الاستيفاء.
---(1/173)
والرواية الثانية: يكون قبضاً. قال في رواية حنبل:قال الحسن في رجل كان له على رجل طعام سلفاً فلقيه رجل فقال له، يعني طعاماً فقال له: اكتل مالي عند فلان. يعني المسلم إليه، لم يجز حتى يقبضه. قال أحمد: لا يبيعه حتى يقبضه صاحب الدين. فإذا قبض استوفاه بكيل جديد، أو يكون حاضراً لكيله، فيأخذه مكانه الذي اكتاله صاحبه. فيجوز ذلك إذا كان حاضراً لكيله، فظاهر هذا أنه قبض صحيح، لأن القصد من الكيل معرفة المقدار وهما يعرفان ذلك. قال أبو بكر ما رواه حنبل قول قديم، والأولى أصح. ويفيد هذا الاختلاف. أما إذا قلنا: إنه قبض صحيح فطالب المشتري بالكيل لم يلزم البائع ذلك، وإذا قبضه على هذا الوجه. كان للمشتري التصرف فيه، وإن ادعى النقصان لم يقبل منه، وإذا قلنا: ليس بقبض فطالب البائع بكيله لزمه ذلك، وإن قبضه قبل ذلك لم يجز له التصرف فيه، وإن ادعى النقصان كان القول قوله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 328
مسائل في الرد بالعيب
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
رد الجارية بالعيب إذا وطئها المشتري:
20 ـ مسألة: واختلفت في وطء البكر والثيب هل يمنع من الرد بالعيب؟ فنقل أبو الصقر في رجل اشترى من رجل جارية بكراً فلم يجدها بكراً فوطئها هل يردها على مولاها وقد أصابها؟
قال: يرجع صاحب الجارية على المولى. بقيمة ما بين البكر والثيب، وهي جائزة عليه ـ وقد وطئها، وظاهر هذا أن الوطء يمنع الرد في البكر والثيب ونقل حنبل فيمن اشترى أمة فوطئها ثم ظهر على عيب: ردها ورد غرتها ثيباً كانت أو بكراً
---(1/174)
فإن وطئها وقد علم بالداء لزمه ولم يرد بالعيب. فظاهر هذا أن وطء البكر لا يمنع الرد، وأنه إذا ردها رد معها غرتها، فإن قلنا: الوطء في الجملة يمنع الرد فوجهه أنه لو ردها بالعيب لاانفسخ العقد من الأصل، وعادت الجارية إلى البائع على حكم الملك الأول كأنه لم يكن بينهما بيع ويحصل وطء المشتري في ملك الغير، والوطء في ملك الغير لا يخلو من إيجاب حد أو مهر، واتفقوا أنه لا يجب عليه الحد ولا المهر فوجب ألا يردها، وإذا قلنا: الوطء في الجملة لا يمنع الرد، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح فوجهه أنه معنى لو حصل من الزوج لم يمنع من الرد بالعيب، فإذا حصل من المشتري يجب ألا يمنع دليله: الاستخدام، ولأنه وطء وجد بعد ثبوت سب الفسخ فاستوى فيه البكر والثيب دليله إذا ابتاع أمة بشرط الخيار فوطئها فإن اختياره لا يبطل بكراً كانت أو ثيباً فيجب ألا يبطل حق الفسخ، ها هنا في البكر والثيب.
وهكذا الخلاف إذا اشترى ثوباً فقطعه ثم ظهر على عيب هل يملك الرد؟ على روايتين.
نقل صالح ويعقوب بن بختان وأبو طالب وابن منصور ومهنا وإبراهيم بن هانىء ، وأبو الحارث ، وبكر بن محمد : الرد، وعليه أرش القطع.
ونقل الأثرم ومحمد بن الحسن بن هارون في الرجل يشتري الثوب فيقطعه أو يصبغه ثم يجد به عوراً، فله ما بين العيب والصحة فظاهر هذا أنه لم يجعل له الرد. وكذلك إذا اشترى عبداً فجنى عليه أو جنى جناية فقطع هل يمنع ذلك من الرد بالعيب على روايتين.
قال: في رواية حنبل قال: الحكم في الرجل يبتاع الغلام وبه داء لم يبينه سيده، فيحدث عنده عيب. فيقطع يده يرد أقطعاً ويأخذ دراهمه.
قال أحمد اذهب إلى الحكم (بالرد) فقد نص على أنه يملك الرد بعد قطع يده، ويتخرج المنع على اختلاف الروايتين في وطء البكر وقطع الثوب. وكذلك إذا (حدث) عنده عيب وظهر على عيب متقدم هل يمنع حدوث العيب من الرد بالعيب على روايتين:
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
---(1/175)
قال في رواية بكر بن محمد فيمن اشترى سلعة فوجد بها عيباً أو حدث عنده عيب آخر: فالمشتري بالخيار إن شاء يرد السلعة ويعطي أرش ما ذهب عنده من العيب، وإن شاء أخذ أرش العيب الذي دلس فقد نص على أن له الرجوع.
والرواية الأخرى: لا يملك بناء على ما تقدم من اختلاف الروايتين في وطء البكر وقطع الثوب. فإذا قلنا: إن ذلك منع الرد فوجهه أن النقص لو حدث بالمبيع قبل القبض لم يجبر المشتري على أخذ المبيع معه، ولأن النقص حصل بالمبيع في حالة هو مضمون فيها على البائع، وكذلك إذا حدث بالمبيع النقص في يد المشتري وجب ألا يجبر البائع على أخذ المبيع مع ذلك النقص. لأنه حدث بالمبيع وهو مضمون على المشتري. وإذا قلنا لا يمنع الرد ـ وهو أصح ـ فوجهه أن إتلاف بعض المبيع لا يمنع الرد بدليل لبن المصراة إذا أتلفه المشتري لم يمنع الرد. وكذلك إذا كسر البطيخ والباذنجان ونحوه فإنه لا يمنع الرد كذلك ها هنا. ولأنا دللنا على أن وطء البكر لا يمنع الرد، وإن كان فيه إتلاف جزء من المبيع كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 329
التعامل بالعملة المغشوشة:
21 ـ مسألة: واختلفت في جواز إنفاق المغشوشة إذا كان الغش ظاهراً.
فنقل صالح عنه في دراهم يقال له المسبّبة عامتها نحاس إلا شيئاً يسيراً فيها فضة فقال: إذا كان شيئاً قد اصطلحوا عليه فيما بينهم مثل الفلوس اصطلحوا عليها فأرجو أن لا يكون به بأس، فظاهر هذا جواز ذلك، وكذلك نقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث في الدراهم فيها رديئة وشرقية بدينار فقال: ما ينبغي، لأنه يُغَرُّ بها المسلم ولا أقول: إنه حرام، لأنه على تأويل. فظاهر هذا الجواز.
ونقل حنبل في درهم يخلط فيها نحاس وماس فيشتري بها ويباع فلا يجوز أن يبتاع بها أحد، وكل ما وقع عليه اسم الغش فالشراء به والبيع حرام، قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: من غشنا فليس منا .
فظاهر هذا التحريم:
---(1/176)
وكذلك نقل أبو الحارث في ذهب مكسور محمول عليه: لا يباع بورق حتى يخلص.
فظاهر هذا المنع، فإن قلنا: لا يجوز المعاملة بها فوجهه أن في إنفاقها غشاً، وقد قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: من غشنا فليس منا .
واحتج أحمد ـ رحمه الله ـ بما روي عن ابن مسعود أنه باع نفاية بيت المال فنهاه عمر ـ رضي اللهعنه ـ فسبكها، ولأن المقصود منه غير متميز فهو كتراب الصناعة، وإذا قلنا يجوز فوجهه ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: من زافت عليه دراهمه فليدخل البقيع وليشتر بها ثياباً ولأن في المنع منه مشقة لا تطاق فإنه يمنع تصرف الناس جملة فلهذا أجزنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 331
مسائل في ضمان المبيع
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 332
ضمان المقبوض على سوم:
22 ـ مسألة: واختلفت في المقبوض على وجه السوم هل هو مضمون أم لا؟
فنقل أبو طالب فيمن ساوم رجلاً بدابة فقال: خذها بما أحببت فأخذها ولم يقطع الثمن فماتت فهي من مال البائع، لأنها ملك له فقد نص على أنها من ضمان صاحبها دون المساوم.
---(1/177)
ونقل ابن منصور فيمن قبض سلعة على سوم ولم يسم الثمن فهلكت فهو ضامن للقيمة على اليد ما أخذت حتى تؤدى فقد نص على أنها من ضمان المساوم، فإن قلنا: إنه غير مضمون فوجهه أنه قبض بإذن مالكه لا على وجه العوض والمنفعة فلم يكن مضموناً عليه، دليله الوديعة. وقولنا: بإذن مالكه احتراز من الغصب. وقولنا: لا على وجه العوض احتراز من المبيع إذا قبضه المبتاع أنه مضمون عليه بالثمن وكذلك منافع الدار إذا قبضها هي مضمونة عليه لأنه على وجه العوض قبضه، وها هنا لا يقابل هذا القبض عوض، وإنما يحصل العوض في الثاني في مقابلة عقد البيع، وقولنا: لا على وجه المنفعة بها يعني لا يجوز له الانتفاع بها حال المساومة احترازاً من العارية فإنها مضمونة لأنه قبض على وجه الانتفاع بها، وإذا قلنا: إنه مضمون، وهو أصح فوجهه أنه قبضه لينفرد بمنفعته لنفسه فكان مضموناً عليه كالعارية والغصب، وقولنا: لينفرد بمنفعته نريد به أنه ينظر ويتفكر هل المنفعة في شرائه وحصول الخط له أم لا؟ ولسنا نريد بالمنفعة أنه ينتفع بنفس العين المقبوضة، لأن ذلك لا يجوز بلا خلاف.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 332
بطلان الصرف إذا بان عيب في أحد البدلين:
33 ـ مسألة: واختلفت إذ وجد أحد المتصارفين عيباً بعد التفرق وكان العيب من جنسه فهل له البدل؟، وعلى روايتين: إحداهما: له البدل نص عليه في رواية أبي الحارث ومحمد بن يحيى الكحال.
(وهو اختيار الخرقي وأبي بكر الخلال ذكره في كتاب الخلاف) فعلى هذه الرواية إذا أبدل فالعقد صحيح في الجميع، لأن البدل قائم مقام المبدل والقبض قد حصل في المبدل والرواية الثانية: ليس له البدل نص عليه في رواية حنبل، فعلى هذا يبطل العقد في قدر المردود، نص عليه في رواية بكر بن محمد، لأن القبض لم يحصل في البدل حال التفرق فلهذا بطل العقد فيه.
---(1/178)
ولا يجوز أن يكون القبض في عين من الأعيان قبضاً في عين أخرى فإذا بطل الصرف في قدر المردود فهل يبطل في بقيته؟ على روايتين بناء على تفريق الصفقة، وقد ذكر أبو بكر هذه المسألة وحكى فيها روايات فليست على ظاهرها، والمذهب على ما حكيته، ولا تختلف الرواية أنه إذا كان العيب من غير جنسه كالحديد والرصاص أن الصرف باطل في قدر المعيب لأن القبض لم يحصل في المبدل، وإذا كان من جنسه فقد حصل القبض في المبدل لأن الحديد والرصاص لم يقع العقد عليه ألا ترى أنها لو تراضيا بذلك بعد العقد لم يصح لأنه يحصل بيعاً ثانياً كأنه يبيعه ماله في ذمته من الذهب الجيد بهذا الحديد، وليس كذلك إذا كان من جنسه، لأن العقد واقع عليه ألا ترى أنهما لو تراضيا بذلك بعد العقد صح؟
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 333
بطلان بيع الثمرة بشرط القطع إذا تركت حتى بدا صلاحها:
24 ـ مسألة: واختلفت إذا اشترى ثمرة لم يبدِ صلاحها على (شرط) القطع فتركها حتى بدا الصلاح على أربع روايات: إحداها: العقد باطل والنماء للبائع.
نقل ذلك حنبل وأبو طالب وابن القاسم في الرجل يبتاع النخل على أن يصرمه فتركه حتى بلغ: البيع باطل والنماء للبائع، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح/ والوجه فيه: أنا لو حكمنا بصحة البيع كان ذريعة إلى شراء الثمرة قبل بدو صلاحها على الترك إلى وقت الجذاد، لأنه يشترط القطع ليسلم له العقد ويعتقد الترك ليحصل له الغرض، والذرائع معتبرة على أصولنا في مواضيع، ولهذا قلنا: الفرار من الزكاة لا يسقطها، لأنه يكون ذريعة إلى إسقاط الزكاة جملة.
وكذلك إذا باع طعاماً إلى أجل، فلما حل الأجل باع المشتري من البائع ذلك الطعام بالثمن الذي له عليه لم يصح البيع، لأنه ذريعة إلى حصول بيع طعام بطعام/ والرواية الثانية: البيع باطل، والزيادة لا يملكانها بل يتصدقان بها.
---(1/179)
ونقل ذلك حنبل في موضع آخر فقال: إذا باعه رطبة على أن يجزها أو نخلاً على أن يصرمه، فتركه حتى زاد فالزيادة لا يستحقها واحد منهما ويتصدقان بها، والبيع فاسد، وعندي أن قوله: يتصدقان بالزيادة على طريق الاستحباب لأجل الاختلاف، لأن جماعة من الفقهاء حكموا بصحة هذا البيع، وأن الزيادة للمشتري، ومنهم من حكم ببطلانه، والزيادة تابعة للأصل للبائع، فاستحب الصدقة بهذه الزيادة، وإلا فالفقه فيها أن تكون للبائع تبعاً للملك فإن حملنا الكلام على ظاهره وأنه يجب الصدقة بها فوجهه نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ربح ما لم يضمن وهذه الثمرة قبل قبضها ليست من ضمان المشتري، لأنها لو تلفت كانت من مال البائع.
والرواية الثالثة: البيع صحيح، ويشتركان في الزيادة.
---(1/180)
ونقل ذلك أحمد بن سعيد فقال: إذا ترك الرطبة حتى تطول وتكثر فالبائع شريك في النماء، إلا أن يكون شيئاً يسيراً، وكذلك النخل. أما الحكم بصحة العقد فالوجه فيه أن المبيع بحاله وذاته، إنما انضاف إليه غيره على وجه لا يتميز عنه، وهذا لا يفيد بطلان البيع، كما لو كان المبيع عبداً صغيراً فكبر، وطال، وسمن فإن البيع لا يبطل، كذلك زيادة الثمرة ونماؤها يجب أن لا يبطل العقد. وقوله: ويكونان شريكين في الزيادة على طريق الاستحباب لأجل أنها حدثت في ملكهما، في ملك المشتري وهو نفس الثمرة، وفي ملك البائع وهو أنها معلقة على أصول نخله وشجره، والفقه في ذلك أن يكون للمشتري كزيادة العبد بالكبر، وقوله: في رواية حنبل: يتصدقان بالزيادة، وفي رواية أحمد بن سعيد: يكونان شريكين في الزيادة، لم يرد به زيادة في عين الثمرة، لأن الزيادة ليست عيناً يشار إليها، ويصح أفرادها بالعقد فيكون شريكاً فيها، وإنما هي زيادة في ذات المبيع وعينه فيجب أن يحمل قوله يشتركان في القيمة، وهو أن ينظر كم كان قيمتها وقت العقد، فإذا قيل: مائة قيل: فكم قيمتها بعد الزيادة؟ قالوا: مئتان ويتصدق أو يشتركان في القيمة الزائدة، فإن جهلت قيمته وقت العقد، وقف الأمر فيه حتى يصطلحا على شيء/ والرواية الرابعة: إن تعمد الترك فالعقد باطل، وإن لم يتعمد فالعقد صحيح...
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 334
---(1/181)
نقل ذلك أبو طالب : إذا اشترى قصيلاً ثم مرض أو توانى فيه حتى صار شعيراً، فإن أراد الحيلة فسد البيع، فظاهر هذا أنه إذا لم يقصد ذلك فالعقد صحيح، ومعنى هذا عندي أنه إذا لم يقصد الحيلة فهو أسهل في بابه في معنى أنه لا يأثم بذلك ولو قصد الحيلة وهو أن يشترط القطع حال العقد، ويقصد تبقيته إلى وقت الجزار فإنه يأثم بذلك لأنه يغر البائع، وإلا فهما يتفقان في حكم البطلان، وإنما يختلفان في المأثم لأن ما يبطل البيع لا فرق بين القصد فيه وعدمه، كتلف المبيع قبل قبضه فيكون محصول المذهب على روايتين: إحداهما: بطلان العقد وجميع الثمرة للبائع والثمن للمشتري، والثانية: العقد صحيح وجميع الثمرة للمشتري والثمن للبائع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 334
وضع الجوائح:
25 ـ مسألة: واختلفت في وضع الجوائح.
فنقل الأثرم وأبو طالب بوضع في القليل والكثر.
---(1/182)
ونقل حنبل عنه: يوضع من الجائحة عن المشتري الثلث من الثمرة فظاهر هذا أنه لا يوضع عنه ما قلّ عن الثلث لأنا لو أثبتنا الضمان من أحدهما أضررنا به فحددنا ذلك بالثلث لأنه معتبر في الأصول من ذلك المريض جعل له التصرف في مرضه في الثلث لا غير، وجراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث لا زيادة، والجد يقاسم الأخوة ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث كذلك ها هنا/ ووجه الرواية الأولى: وهي ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: إذا ابتعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق وهذا يعم القليل والكثير، ولأنه لا يخلو ما أن تكون مقبوضة فتكون من ضمانه أو لا تكون كذلك، فإن كانت مقبوضة وجب أن لا يفرق بين الثلث وما دونه كسائر المبيعات وإن لم تكن مقبوضة وجب ألا تكون من ضمانه شيء منها كسائر المبيعات، وقد ثبت أنها في حكم ما لم يقبض بدليل أنها لو أصابها عطش كان للمشتري الخيار، فلو كانت في حكم المقبوضة لم يكن له الخيار، ولأن قبضها على ما جرت به العادة أن تستوفي شيئاً بعد شيء فهو كما لو اكترى داراً شهراً فإنه يستوفي المنافع شيئاً بعد شيء ولو هلكت المنافع قبل انقضاء المدة كان ما فات من المنافع من ضمان المكتري كذلك هاهنا، إذا لم تكن في حكم المقبوض وجب أن يكون ضمان جميعها من مال البائع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 336
تفريق الصفقة:
26 ـ مسألة: واختلفت إذا اشترى شيئين في صفقة واحدة وأصاب بأحدهما عيباً وكانا مما لا ينقص القيمة بتفريقهما هل له أن يرد المعيب ويمسك الصحيح؟ على روايتين:
نقل ابن القاسم : أنه لا يرد، ويأخذ الأرش.
---(1/183)
ونقل صالح وأبو طالب : له الرد وهو اختيار أبي بكر قال أبو بكر : وكذلك لو ابتاع نفسان من رجل شيئاً مثل العبد والثوب فأصاب به عيباً فأراد أحدهما الرد والآخر الإمساك هل له ذلك؟ على روايتين كما لو كان المشتري واحداً لعبدين فوجد بأحدهما عيباً. وعندي أنه إذا كان المشتري اثنين فلأحدهما أن يرد قدر حصته رواية واحدة. وإنما الروايتان فيما إذا كان المشتري واحداً؛ لأن أحمد ـ رحمه الله ـ فرق بين هذه المسألة وبين التي قبلها في رواية ابن القاسم في رجلين اشتريا ثوباً من رجل صفقة واحدة فوجدا به عيباً فرضي أحدهما ولم يرض الآخر فإن شاء رد نصفه على البائع. قيل له: فإنا شتراهما صفقة واحدة فوجد بأحدهما عيباً فقال لا يرد أحدهما دون الآخر فلا يشبه شراء واحد لثوبين اثنين فقد فرق أحمد ـ رحمه الله ـ بين المسألتين بلفظ واحد. فإن قلنا: يملك الرد فوجهه أن أكثر ما في هذا تفريق الصفقة على البائع، وهذا لا يمنع الرد كما لو كان المشتري اثنين فأراد أحدهما أن يرد بقدر حصته فإنه يملك، وكذلك لو كان المشتري واحداً فباع بعض المبيع ثم ظهر على عيب كان له الرد بقدر حصته منها بمقداره من الثمن كذلك هاهنا، وإذا قلنا لا يملك، وهو أصح فوجهه أن السلعة خرجت من ملك البائع جملة بجهة واحدة فلو أجزنا رد بعضها تبعض الملك على البائع وأضررنا به فلم يجز لما عليه فيه من الضرر، ويفارق هذا إذا كان المشتري اثنين فأصاب أحدهما عيباً أنه يملك الرد بحصته دون شريكه لأن المشتريين ملكا ذلك الشيء بجهتين، لأن بيع الواحد من اثنين هو في حكم العقدين المنفردين يدل عليه أن الصفقة الواحدة إذا تناولت أشياء وكان جملة الثمن فيها معلوماً صح العقد، وإن كان ما يقابل بعضاً منها مجهولاً فلو كان بيع الواحد من الاثنين صفقة واحدة (صحيحاً) لوجب إذا قال رجل لرجلين بعتك يا زيد هذا العبد، وبعتك يا عمرو هذا العبد جميعاً بألف أن يصح البيع، لأن الصفقة واحدة، وجملة
---(1/184)
الثمن فيها معلوم فلما لم يصح ثبت أنه واقع على صفقتين فلما كان ما يخص كل واحد منهما من الثمن مجهولاً لم يصح العقد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 337
تفريق الصفقة إذا جمعت ما يجوز بيعه وما لا يجوز:
27 ـ مسألة: واختلفت إذا جمعت الصفقة الواحدة بين ما يجوز فيه البيع وما لا يجوز هل يتفرق أم تبطل من أصلها؟
نقل صالح فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما حراً: أنه يرجع بقيمته من الثمن فقد نص على تفريق الصفقة وإبطاله في الحر دون العبد، ونص في النكاح إذا عقد على حرة وأمة عقداً واحداً هل يبطل العقد فيهما أم في الأمة على روايتين:
نقل ابن منصور : يثبت نكاح الحرة، ويفارق الأمة.
ونقل محمد بن حبيب وغيره: ينفسخ العقد فيهما ويتزوج الحرة إن شاء فقد اختلفت الرواية عنه في تفريق الصفقة في النكاح كذلك في البيع.
---(1/185)
فإن قلنا: لا تتفرق الصفقة فوجهه أن الثمن إذا قابل شيئين مختلفي القيمة يقسط الثمن على قيمتهما، فإذا باع عبدين بألف كان ثمن كل واحد منهما منه بحصة قيمته وذلك القدر مجهول فإذا باع حراً وعبداً كان ما قابل العبد من الألف مجهولاً حال العقد فوجب أن يكون باطلاً، لأنه بيع بثمن مجهول فهو كما لو قال بعتك هذا العبد بحصة قيمته من ألف كان البيع باطلاً كذلك ها هنا، ولأن اللفظة الواحدة جمعت حلالاً وحراماً فوجب أن تبطل فيهما كما لو تزوج أختين بعقد واحد وباع درهماً بدرهمين، وإذا قلنا: يتفرق، وهو أصح، وهو اختيار الخرقي في النكاح، لأنه قال: إذا تزوج أخته وأجنبية ثبت نكاح الأجنبية ووجهه إنهما عينان لو أفرد كل واحدة منهما بالعقد خالف حكم إحداهما حكم الآخر فإذا جمع بينهما صفقة وجب أن تكون على تلك المخالفة أصله إذا باعه شقصاً وسيفاً فالشقص يؤخذ بالشفعة والسيف لا يؤخذ بها فإذا كان كل واحد منهما منفرداً بالعقد خالف حكم إحداهما الآخر، وكذلك إذا اجتمعا فكذلك ها هنا لو باع الحر بطل البيع. وإذا باع عبداً صح فإذا جمع بينهما وجب أن يكون على تلك المخالفة، لأنه إذا باع حراً وعبداً بألف وأحدهما مما لا يصح بيعه والآخر يصح فليس حمل الباطل على الصحيح بأولى من حمل الصحيح على الباطل فتقابلا من غير مزية فأعطينا كل واحد منهما حكمه إذا انفرد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 338
اختلاف المتبايعين في حدوث العيب الممكن حدوثه بعد العقد:
27 ـ مسألة: فإن ظهر على عيب يمكن حدوثه قبل الشراء وبعده فاختلفا، فقال المشتري: كان موجوداً قبل العقد، وقال البائع: بل حدث عندك أيها المشتري.
---(1/186)
فقنل حنبل وأبو حارث : القول قول البائع مع يمينه أنه باعه وهو صحيح لا خرق فيه ولا عيب، وقال الخرقي : القول قول المشتري مع يمينه: فإن قلنا: القول قول البائع ـ وهو أصح ـ فوجهه أن معه سلامة العقد، ولأن الأصل السلامة حتى يعلم حدوث العيب، وإذا قلنا: القول قول المشتري فوجهه أن الأصل عدم القبض، والبائع يدعي كمال القبض وحصوله فيجب أن يكون القول قول المشتري لأن الأصل يشهد له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 339
ظهور عيب العبد المبيع بعد عتقه في واجب:
28 ـ مسألة: واختلفت إذا ظهر على عيب بعد العتق للعبد في كفارته.
فنقل مهنا لفظين: أحدهما: إذا اعتقه عن ظهاره ثم وجد وقد جنى جناية أخذ الأرش، قيل له: فيأخذه لنفسه قال: نعم. فقد نص على أن الأرش له.
ونقل في موضع آخر: يجعله في الرقاب، قال أبو بكر : وبه أقول. فإن قلنا: يكون الأرش للمشتري فوجهه أن السلامة من العيب ليس بشرط في صحة العتق، والسلامة منه شرط في البيع، فلهذا استحق الرجوع بالأرش على البائع لينفرد بملكه، ولم يستحق ذلك عليه لأجل العتق لأن السلامة منه ليس بشرط، وإذا قلنا: يعرف ذلك في الرقاب، أو يتصدق به، إن لم يجد رقبة، يعاون فيها فوجهه: أنه أعتقه بشرط السلامة، فكما جاز أن يرجع المشتري على البائع لعدم السلامة، جاز أن يرجع المعتق بذلك لعدم السلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 340
رد المبيع بعد كسره بالعيب الذي لا يظهر إلا بالكسر:
28 ـ مسألة: واختلفت إذا اشترى شيئاً مأكولة في جوفه ثم ظهر على عيب بعد كسره فنقل ابن منصور : أنه مخير بين الرد وأخذ الثمن، وبين إمساكه وأخذ الارش، وإنما يكون هذا فيما له قيمة بعد الكسر كالجوز واللوز والبطيخ والرمان ونحوه، وهو اختيار الخرقي.
---(1/187)
ونقل بكر بن محمد : أنه لا يملك الرد، ولا أخذ الأرش، لأنه لم يكن من البائع تفريط فيه، لأنه لا يمكنه استعلام العيب فيه إلا بإفساده فإذا ظهر على عيب لم يملك عليه الرد، ويفارق سائر المبيع لأن البائع مفرط فيه، لأنه كان يمكنه استعلام العيب فيه إن كان ثوباً نشره واستشفه ـ أي تفقده ـ وإن كان عبداً قلبه والأولى أصح، لأنه مبيع ظهر به عيب قبل البيع فملك المبتاع الرد أو الأرش، دليله سائر المبيع، ولأن العقد وقع على شيء صحيح فإذا خرج معيباً فقد خرج على خلاف ما عقد عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 340
رد الحيوان إذا ظهر به عيب بعد القبض:
29 ـ مسألة: فإن ابتاع حيواناً وقبضه ثم ظهر به عيب.
فنقل الجماعة: أن ذلك من ضمان المبتاع وليس له الرد، قال أبو طالب . قلت لأحمد: مالك يقول: في العهدة ثلاثة أيام فما أصابه في الثلاث من حين يشتري حتى تنقضي الثلاث، وعهده السنة في الجنون والجذام والبرصي فإذا مضت السنة فقد برىء البائع فقال: ليس يصح في العهدة شيء، ولا يرد إلا من عيب كان به.
وكذلك نقل اسماعيل بن سعيد ، وأحمد بن سعيد ، وبكر بن محمد : أنه لا يثبت حديث العهدة ليس فيه حديث صحيح.
ونقل حنبل: إذا كان لا يحدث مثله في هذا الأجل، فعهدة الرقيق ثلاثة فإن حدث في هذه الأيام فهو من مال المشتري وإن كان لا يحدث فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: عهدة الرقيق ثلاث فظاهر هذا أنه أخذ بالحديث، وأن العيب إذا كان يكمن في البدن ثم يظهر كالجنون والجذام والبرص فإنه إذا ظهر قبل الثلاث من حين الابتياع تبيناً أنه كان كامناً فثبت له الرد.
---(1/188)
لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: عهدة الرقيق ثلاث ، ومعناه عهدته على البائع فما يحدث به في مدة الثلاث كان على البائع، والمذهب هو الأول، لأنه عيب ظهر بالمبيع بعد القبض فلم يملك المشتري الرد به كما لو ظهرت سائر العيوب بعد الثلاث، ولأن تلف المبيع آكد وأشد ضرراً من حدوث عيب به، ثم لو تلف المبيع قبل ثلاث لم يلزم البائع عهدته، فبأن لا يلزمه عهدة عيب يحدث به أولى وقد ضعف الحديث أحمد ـ رحمه الله ـ فلا يحتج به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 341
بقاء خيار العيب بعد العلم به ما لم يوجد دليل الرضا:
30 ـ مسألة: لا تختلف الرواية أنه إذا علم بالعيب أنه على خياره ما لم يرضى به أو يفعل ما يستدل به على الرضا.
واختلفت الرواية في الاستخدام هل يستدل به على الرضا أم لا؟
فنقل ابن القاسم وسندي : إذا اشترى عبداً فوجد به عيباً فاستخدمه بعد ذلك ليس هو رضا حتى يكون منه شيء بين.
ونقل حرب : إذا اشترى دابة أو شيئاً فعرضه على البيع لزمه، فإن ركبه واستعمله لزمه حين استعماله.
وجه الأولى: أن الاستخدام لا يسقط خيار الشرط، كذلك لا يسقط خيار الرد بالعيب.
ووجه الثانية: أنه تصرف في المبيع بعد العلم بالعيب أشبه لو عرضه على البيع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
ملك العبد بالتمليك:
31 ـ مسألة: واختلفت في ملك العبد هل يملك إذا ملك؟
---(1/189)
فقال أبو بكر : في ملك العبد روايتان: إحداهما يملك فلا تجب عليه الزكاة لأن ملكه ناقص ولا على سيده لعدم ملكه، والثانية ألا يملك قال: وهو اختياري، وقد نص أحمد ـ رحمه الله ـ في مواضيع أن له أن يطأ ملك اليمين وهذا يدل على الملك، ونص عليه أنه إذا باعه وله مال مجهول فشرط أن يكون للمشتري أنه لا يصح إذا كان قصده المال، وهذا يدل على أنه لا يملك، لأنه لو ملك لصح، لأنه يكون (باقياً) على ملك العبد فلما بطل البيع علم أنه على ملك البائع قال في رواية محمد بن الحسن بن هارون عنه في رجل وهب لغلامه جارية فلا يطأها.
ونقل الأثرم إذا وهب لعبده جارية فلا يعتقها إنما هي لسيده، وهذا يدل على أنه لا يملك فمن قال يملك فوجهه ما روى إبراهيم عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من أعتق عبداً وله مال فماله للعبد إلا أن يستثنيه السيد فأضافه إليه، ولأنه آدمي فصح أن يملك كالحر، وكل من صح أن يقبل النكاح لنفسه صح أن يملك، أو يقبل البيع لنفسه كالحر، ومن قال: لا يملك، وهو أصح فوجهه أن الشراء سبب يملك به الملك فوجب أن لا يملك العبد به المال كالميراث، ولأنه يفضي إلى تناقض الأحكام فإنه إذا ملك السيد عبده مالاً اشترى العبد بذلك المال عبداً ثم ملكه مالاً فمضى عبد العبد إلى سيد سيده فاشترى سيده منه فيصير كل واحد منهما عبداً لصاحبه فتناقض الأحكام، وليس لأحدهما أن يسافر بصاحبه إلا وله أن يقول: بل أنا أسافر بك فإنك عبدي فإذا أفضى إلى هذا بطل في نفسه كما قلنا: لا يجوز أن يتزوج المرأة عبدها لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 342
المبيع بشرط البراءة من العيب:
32 ـ مسألة: واختلفت في البيع بشرط البراءة (من العيب).
---
فنقل جنبل: أنه لا يبرأ حتى يوقفه عليه فإذا لم يره لم يبرأ لأنه مجهول، فظاهره هذه الرواية (أنه) لا يبرأ سواء علم البائع بالعيب أو لم يعلم (وهو اختيار الخرقي).(1/190)
ونقل الحسن بن ثواب ، وأبو الحارث في الرجل يبيع السلعة ويبرأ من كل عيب لم يبرأ حتى يبينه إلا أن يكون عالماً به فيبرأ حينئذ من العيب، فظاهر هذا أنه إن كان عالماً بالعيب لم يبرأ منه، وإن لم يكن عالماً به برىء منه، وجه هذه الرواية إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ روي أن عبد الله بن عمر باع عبداً من زيد بن ثابت بشرط البراءة بثمانمائة درهم فأصاب زيد به عيباً فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله فارتفعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر: اتحلف أنك لم تعلم بهذا العيب؟ فقال: لا. فرده عليه، فظاهر هذا القول من عثمان أنه إن لم يكن عالماً بالعيب برىء منه، وإنما لم يبرئه لأنه كان عالماً به حين أبرأه، ولم يخالفه على هذا القول زيد وابن عمر، ولأنه إذا كان عالماً بذلك فشرط البراءة فقد قصد التدليس وليس كذلك إذا لم يكن عالماً، ألا ترى أنا قلنا: لا يجوز بيع طعام صبرة إذا كان البائع يعلم مبلغه لأنه يقصد التدليس، ويجوز إذا لم يعلم لأنه لا يقصد ذلك/ ووجه الرواية الأولى: وهي أصح ـ أنه أصاب عيباً لم يقف على محله فملك الرد كما لو لم يشترط ولأنه إبراء عما لم يجب فلم يصح كإبراء الشفيع قبل البيع، وكما لو أبرأ قبل العقد فقال: أبيعك هذا لكن بشرط البراءة، وكما لو أبرأه وهو لا يعلم بذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 344
بيع الأمة قبل استبرائها:
33 ـ مسألة: واختلفت إذا باع الأمة قبل أن يستبرئها هل يصح البيع؟ فالمنصوص عنه في رواية حنبل أنه قال: يعجبني أن يستبرىء البائع بحيضة. فظاهر هذا أن ذلك على طريق الاستحباب، وقال في رواية أبي الحارث: لا يبيعها حتى يستبرئها بحيضه.
---(1/191)
فظاهر هذا وجوب الاستبراء قال أبو بكر: في البيع قولان: يعني روايتين إحداهما: البيع باطل فجعل ذلك شرطاً واجباً/ والثانية: البيع موقوف على الحمل فإن ظهر حمل بطل البيع، وإن لم يظهر حمل تم البيع قال: وبالأولى أقول وجه من قال بوجوب الاستبراء وهو قول ابن عمر، أن أكثر ما فيه أنه استبراء قبل زوال الملك، وهذا غير ممتنع كما لو أراد السيد تزويجها من غيره وقد دخل بها فإنه يجب الاستبراء ها هنا، ولا يجوز عقد النكاح قبل ذلك، كذلك هاهنا ووجه من قال: لا يجب، وهو أصح، وهو قول عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ان الاستبراء في حق الحرة آكد منه في حق الأمة بدليل أن استبراء الحرة بثلاثة أقراء، واستبراء الأمة بقرء واحد ثم ثبت أن الحرة لا تستبرأ مرتين مترادفتين فبأن لا تستبرأ الأمة باستبراءين مترادفين أولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 345
مسائل في بيع الورابحة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 345
الخيار في بيع المرابحة إذا زاد البائع في رأس المال:
34 ـ مسألة: إذا باعه مرابحة فزاد البائع في رأس المال هل يملك المشتري الخيار في فسخ البيع أم البيع لازم وله الرجوع بقدر الزيادة؟
---
فنقل حنبل : إذا علم المشتري أنه قد كذب في بيعه وزاد في القيمة له الخيار إن أحب أن يرد على البائع سلعته، وإن أحب كان الرجوع على البائع بالزيادة، فظاهر هذا أنه قد جعل له الخيار في ذلك، وقال الخرقي : وإذا اشترى سلعة مرابحة فعلم أنه زاد في رأس ماله رجع عليه بالزيادة وحطها من الربح، فظاهر هذا أنه يرجع بالزيادة فلا يكون له الخيار في الفسخ، ووجه ما نقله حنبل أنه إذا بان أنه خان في هذا ودلس لم يؤمن أن يكون في الخبر الثاني خائناً فيؤدي إلى ما لا نهاية له. ووجه ما قاله الخرقي وهو أشبه أنه ما تبين نقصاً وإنما تبين فائدة وفضيلة ونقصان ثمن فهو كما لو اشترى عبداً يعتقده أمياً فبان كاتباً يعرف العلوم كلها فإنه لا خيار له.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 345(1/192)
قبول قول البائع مرابحة بنقصان رأس المال:
35 ـ مسألة: فإن أخبر البائع بنقصان من رأس ماله هل يكون القول قوله في ذلك مع يمينه أم لا؟
فنقل أبو طالب في الرجل يشتري ثوباً مرابحة فأخبر شراءه عشرين فعاد وقال غلطت شراؤه أحد وعشرون فإن كان صدوقاً رد عليه ما غلط. قال الشافعي عن عبد الله لا غلت في الإسلام يعني لا غلط، وإن لم يكن صدوقاً جاز البيع، فظاهر هذا أنه جعل القول قول البائع وهو اختيار الخرقي، لأنه كان أخبر بنقصان من رأس ماله وكان على المشتري رده إعطاؤه ما غلط به ويحلفه أنه وقت ما باع لم يعلم أن شراءه أكثر من ذلك.
ونقل مهنا في رجل أخبر شراء ثوب بخمسة وعشرين درهماً فأربحه درهماً ثم عاد.
فقال شراؤه ثلاثون درهماً، وءنما غلطت، وقد كان المشتري باعه من رجل لا يعرفه، فقال لا أرى شيئاً إذا كان الثوب مستهلكاً، فظاهر هذا أنه لم يقبل قوله في ذلك.
---
ووجه الأول: وهو أصح ـ أن المرابحة نقل الملك بالثمن الأول والبائع أمين فيما يخبر من الثمن، والمشتري قد التزم بدخوله معه في المرابحة أن يكون القول قوله فإذا اتهمه في ذلك استخلفه فيما يدعيه من الغلط.
ووجه الثانية: أن يدعي عليه حقاً لنفسه فلا يقبل قوله عليه، ويفارق هذا إذا ادعى أن رأس المال أقل مما أخبر به، لأنه يقر على نفسه لغيره فلهذا قبل قوله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 346
بيع السلعة مرابحة لمن اشتريت منه مرابحة دون إخباره بالحال:
36 ـ مسألة: واختلفت إذا ابتاع أحد الشريكين حصة شريكه مرابحة هل يجوز بيعه مرابحة إذا لم يخبره عن الحال؟
فنقل أبو الحارث في رجلين اشتريا ثوباً بعشرين درهماً فاشتراه أحدهما بإثنين وعشرين لأنه يسقط الدرهم الذي قابل حصته من الربح، فقد أجاز بيعه مرابحة، وإن لم يخبره عن الحال.(1/193)
ونقل ابن منصور: إذا اشتريا متاعاً فأخذ كل واحد منهما بعضه فليس له بيعه مرابحة: إلا أن يقول: اشتريا متاعاً فأخذ كل واحد منهما بعضه فليس له بيعه مرابحة: إلا أن يقول: اشتريناه جميعاً واقتسمناه. فظاهر هذا أنه منع من بيعه مرابحة. إذا حصل لأحدهما.
وجه الأولى: أن التهمة منتفية هاهنا، لأن شراءه منه بربح ليس بأكثر من أن يشتري سلعة من غير شريكة بربح فإنه يجوز أن يبيعها مرابحة كذلك لها ها هنا.
ووجه الثانية: أن المشتري عساه لو علم أن المتاع كان بينهما، وأنه اشتراه أحدهما بربح لم يرغب في شرائه، فلهذا اجتاج أن يبين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 347
مسائل اختلاف المتبايعين
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 347
تحالف المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن والسلعة تالفة:
37 ـ مسألة: إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن والسلعة تالفة يتحالفان قال في رواية الأثرم، وابن بدينا، وإبراهيم بن الحارث.
---
إذا اختلف المتبايعان تحالفا ولم يفرق بين أن تكون السلعة قائمة أو تالفة، وقال في رواية محمد بن العباسي النسائي : إن كانت السلعة قد استهلكت فالقول قول المشتري مع يمينه.
فقال أبو بكر : المسألة على روايتين: إحداهما: يتحالفان كما لو كانت باقية وهو اختيار الخرقي/ والثانية: القول قول المشتري، وهو اختيار أبي بكر/
ووجه الأولى: أنه اختلاف في ثمن المبيع فأوجب التحالف كما لو كانت السلعة قائمة.
ووجه الثانية: ما روى ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: إذا اختلف المتبايعان ولا بينه مع واحد منهما والسلعة قائمة تحالفا وترادا .
فشرط في التحالف بقاء السلعة، فإذا كانت تالفة فقد عدم الشرط فلم يتحالفا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 347
تحالف المتبايعين إذا اختلفا في الأجل أو في النقد والنسيئة أو في شرط رهن أو ضمين:
38 ـ مسألة: فإن اختلفا في الأجل أو في النقد والنسيئة (أو في) شرط رهن أو ضمين هل يتحالفان؟(1/194)
فنقل ابن منصور لفظين: أحدهما: إذا اختلفا في النقد والنسيئة يكون على البائع اليمين بما ادعى المشتري، ويكون على المشتري يمين بما ادعى البائع، فظاهر هذا وجوب التحالف في ذلك، وقال في موضع آخر: إذا قال البائع بعتك ولي الخيار يومان أو ثلاثة وأنكر المشتري فبينه البائع وإلا فالمبيع مسلم، فظاهر هذا أنه لم يوجب التحالف في ذلك ويكون القول قول من ينفيه.
وجه الأولى: عموم قوله ـ صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا، لأنه اختلاف يعود إلى الثمن فوجب أن يتحالفا قياساً على الاختلاف في قدره.
---
ووجه الثانية:أنهما اختلفا في صفة ملحقة بالعقد فلم يتحالفا كما لو اختلفا في البيع بشرط البراءة من العيب فإن القول قول من ينفيه، ولأن القياس يقتضي أن لا يتحالفا في الثمن، وأنه يكون القول قول المنكر للزيادة لكن تركنا القياس هنا للأثر، ولا أثر للاختلاف هاهنا فيجب أن يبقى على موجب القياس.
فإن كان الاختلاف في قدر الثمن فهل يتحالفا؟
فقال في رواية مهنا في رجل اشترى سرجاً فقال البائع: بعته بغير ركابين وقال المشتري: بركابين فالقول قول البائع مع اليمين، وعلى المشتري البنية، لأنه مدعى، فظاهر هذا أنه لم يوجب التحالف في الاختلاف في المثمن وجعل القول قول البائع.(1/195)
وكذلك نقل ابن منصور في رجل باع ثوباً وشرط وسمى الثمن فجاء بالثوب فقال: هذا ثوبك فقال صاحب الثوب ليس هذا ثوبي فالقول قول الذي جاء بالثوب فقد جعل القول قول البائع في ذلك ولم يوجب التحالف، لأن البائع في هذه الحالة ينفي الصفة التي يدعيها المشتري وتبقى الزيادة التي يدعيها المشتري فكان القول قوله، ويجب أن يقال في الاختلاف في الثمن ما قلنا في الأجل والشرط والضمين، وقد حكينا في ذلك روايتين: إحداهما: يتحالفان كذلك ها هنا، لأنه اختلاف في أحد عوضي المبيع فأوجب التحالف كالمثمن/ والثانية: لا يتحالفان ويكون القول قول من ينفي الزيادة، لأن القياس كان يمنع من التحالف في الثمن أيضاً تركناه للأثر ولا أثر ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 348
الشروط في البيع
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 348
الشرط الفاسد في البيع:
39 ـ مسألة: فإن شرط في البيع شرطاً فاسداً هل يبطل العقد أم يبطل الشرط ويصح العقد؟
فنقل عبد الله بن محمد الفقيه فيمن اشترى جارية وشرط عليه أن لا يبيعها ولا يطأها: فالبيع جائز، والشرط باطل.
---
وكذلك نقل حرب وحنبل فيمن اشترى بشرط البراءة: لم يبرأ ويرد المشتري بعيبه، فظاهر هذا أنه يبطل العقد لأنه قال: يرده بعيبه.
ونقل أحمد بن الحسين في الرجل يشتري الثوب على أنه إن جاز له وإلا رده لم يجز فإن باعه بربح هل يطيب له هذا الربح؟ فقال: لا يعجبني فظاهر هذا أنه أبطل البيع، وقد نص في المزارعة إذا شرط صاحب الأرض أن يرجع ببذره على العامل أن العقد باطل، ويكون الزرع لرب الأرض، وللعامل أجره المثل كذلك في البيع.(1/196)
وجه الأولى: أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ اشترت بريرة وشرطت الولاء لمواليها وأعتقتها فأبطل ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ الشرط بقوله: ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله وأجاز العتق فلو كان العقد باطلاً لم ينفذ عنقها، ولأنه عقد ليس من شرط صحته القبض في المجلس فلم تبطله الشروط الفاسدة دليله النكاح، ولا يلزم عليه الصرف والسلم، لأن من شرطهما القبض في المجلس، لأنه قد يصح تعليقه بضرب من الغرر والخطر وهو شرط الخيار فلم تبطله الشروط الفاسدة دليله الطلاق والعتاق يصح تعليقه بضرب من الخطر الغرر وهو مجيء زمان.
ووجه الثانية: القياس على الصرف والسلم، ولأن إسقاط الشرط يؤدي إلى جهالة الثمن، لأنه يحتاج أن يسقط من الثمن ما قابل الشرط، لأنه إنما نقصه في الثمن لأجل الشرط، والبيع بثمن مجهول باطل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 349
مسائل في بيع العبد بشرط العتق:
40 ـ مسألة: فإن باعه بشرط العتق فهل الشرط صحيح أم باطل؟
فنقل ابن القاسم في الرجل يبيع الجارية على أن يعتقها: فالبيع والشرط جائزان.
ونقل حنبل عنه: البيع جائز، والشرط باطل إن شاء أعتق، وإن شاء لم يعتق.
وجه الأولى: أنه تمليك شرط فيه العتق فلم يبطل كما لو قال: أعتق عبدك عني وعلي ألف درهم فأعتقه أنه يصح ويلزم الألف، ولأن العتق قد يكون من مقتضى العقد فجازا شتراطه فيه كما لو شرط أن يقبضه إياه وعلى أن له التصرف فيه.
---
ووجه الثانية: أن هذا الشرط يمنع كمال التصرف، وهو كما لو شرط إلا يقبضه أو على أن لا يبيعه ولا يهبه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 350
شرط أولوية البائع بالمبيع إذا باعه المشتري:
فإنباعه وشرط إن هو باعه فهو أحق به.
فنقل علي بن سعيد في الرجل يشتري الشيء ويشترط البائع إن هو باعه فهو أحق به الثمن فالشرط والبيع جائزان، فظاهر هذا أنه حكم بصحة الشرط.(1/197)
ونقل المروذي عنه أنه سئل ما معنى حديث ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا شرطان في البيع قال: إذا قال: أبيعك أمتي هذه على أنك إذا بعتها فأنا أحق بها، فظاهر هذا إبطال الشرط . وجه الأول: أن هذا الشرط لا ينافي مقتضاه لأنه خلاه وجميع تصرفاته إلا أنه شرط عليه بيعه منه بالثمن الذي يريد والقصد من البيع حصول الربح دون أعيان المشترين/ ووجه الثاني: أنه قد يكون غرض المشتري بيع ذلك من رجل بعينه، فإذا منعه من ذلك فقد فوته الغرض فيجب أن يبطل كما لو شرط عليه أن لا يبيعها جملة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 351
مسائل في بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 352
بيعملك الغير بغير إذنه (بيع الفضول):
41 ـ مسألة: إذا باع ملك غيره بغير إذنه هل يقف على الإجازة أم يقع باطلاً من أصله؟ على روايتين:
نقل صالح وعبد الله : هو موقوف.
ونقل علي بن سعيد: البيع باطل ذكرهما أبو بكر.
---
وجه الأولى: حديث حكيم بن حزام أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ دفع إليه ديناراً ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار ثم أتى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ بدينار وشاة فقد باع إحدى الشاتين بغير إذن، ووقف ذلك على إجازة ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فجاز أن يقف على إجازته كالوصية فيما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة، أو نقل كل عقد جاز أن يقف على الفسخ جاز أن يقف على الإجازة كالوصية.(1/198)
ووجه الرواية الثانية: ـ وهي أصح ـ أن وإذا قلنا: يقف على الإجازة ـ وهو اختيار الخرقي ـ ذكره في كتاب الوكالة فوجهه أنه وقف البيع كذلك الشراء ولأنه إذا كان الشراء في الذمة فلا ينفك العقد من الصحة، أما في حق موكله بالإجازة أو في حق الوكيل لعدم الإجازة، ويفارق هذا إذا كان بعين المال، لأنه معرض للصحة والبطلان لأنه إذا أبطله الموكل لم يلزم في حق الوكيل، لأنه لا يمكن تسليم العين المعقود عليها، لأنها ملك لغيره ولا يملك الانتقال عنها إلى عين أخرى وهذا معدوم فيه إذا كان في الذمة، وهكذا الخلاف في النكاح هل يقف على إجازة الولي أو إجازة المنكوحة؟ على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 352
بيع الصوف على الظهر:
42 ـ مسألة: واختلفت في بيع الصوف على ظهر الحيوان هل يصح أم لا؟ نقل أبو طالب : لا يجوز.
ونقل حنبل : جواز ذلك.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن بيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر.
ولأنه إن شرط أن يقلعه من الحيوان كان فيه تعذيب له، وإن شرط أن يجزه فالجز يختلف ألا ترى أن الحيوان المجزوز قد يستقصى على موضع منه دون موضع فلا يمكن استيفاء كله، ولا يمكن حمل جزه على عرف العادة لأنه لا حد لذلك ينتهي إليه فثبت أنه باطل.
---
ووجه الثانية: أن ما جاز بيعه بعد جزه جاز بيعه قبل جزه قياساً على الرطبة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 353
بيع الحاضر للبادي:
43 ـ مسألة: في بيع الحاضر للبادي.
نقل محمد بن يحيى الكحال ، وأبو طالب ، وأحمد بن الحسين الترمذي : لا يبيع حاضر لباد. نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك وإن باع رددت البيع.(1/199)
ونقل علي بن الحسن المصري عن أحمد ـ رحمه الله ـ أنه سئل عن بيع حاضر لباد فقال: لا بأس به فقيل له: فالخبر المروي بالنهي يخيرونهم السعر فنهى عنه ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ذكر هذه الرواية ابن إسحاق بن شاقلا، فظاهر هذه الرواية جواز بيع الحاضر (للبادي) خلاف ما رواه الجماعة وعندي أن هذه المسألة محمولة على بادية تجلب المتاع ولا حاجة بالناس إلى شرائه، خلاف ما كان عليه أهل المدينة من الحاجة فغير محرم، ذلك لأن التحريم إنما يكون بأربع شرائط: أن يكون البدوي حضر لبيع سلعته، والثاني بسوق يومها، والثالث أن يكون الحضري هو الذي قصده ليتولى ذلك له، والرابع أن يكون بالناس حاجة لشراء متاعه وضيق في تأخر بيعه، فإذا وجدت هذه الشرائط حرم. والوجه: فيه حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا بيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ولأن البدوي إذا حضر البلد على بيع سلعته بسوق يومها اتسع على الناس وابتاعوا رخيصاً، وإذا تولى بيعه حاضر على الإدرار كان فيه تضييق على أهل البلد وهو معنى قوله:
دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض . فلهذا كان حراماً وكان العقد باطلاً، لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه.
---
وأما تلقي الركبان والجلب للابتياع منه قبل دخولها البلد فحرام أيضاً لحديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلق واشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق، ولأنه إذا تلقاه فاشتراه فقد غره لأنه لا يعرف سعره بالسوق، وقد يسترخصه منه بغبنه فيه، لأنه إذا ترك حتى يرد الأسواق اتسع على الناس وإذا منع ضاق عليهم فيكون في معنى بيع الحاضر للبادي، فإن خالف وتلقى الركبان واشترى فهل العقد باطل أم لا؟(1/200)
نقل الترمذي العقد باطل، لأنه منهي عنه فهو كبيع الحاضر للبادي. ونقل أبو طالب : العقد صحيح، وهو بالخيار ـ وهو اخيتار الخرقي ـ لما روي في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ فصاحبه بالخيار إذا ورد السوق فلو كان البيع باطلاً ما كان بالخيار، ولأنه ليس فيه أكثر من أنه غره ودلس عليه وهذا لا يوجب بطلان البيع كما لو باعه وبه عيب كتمه، ويفارق هذا بيع الحاضر للبادي، لأن النهي لم يرجع إلى الغبن، وإنما هو الأجل الرفق بأهل البلد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 353
استثناء الحمل في البطن:
44 ـ مسألة: إذا ابتاع أمة حاملاً واستثنى البائع حملها هل يصح الاستثناء؟
فنقل ابن القاسم وسندي وابن منصور : جواز ذلك.
ونقل حنبل والمروذي : أنه لا يجوز، قال أبو بكر : ولا تختلف الرواية أنه إذا أعتقها واستثنى حملها أن الشرط جائز.
وجه الأولى: أن البيع يزيل الملك فصح استثناء الحمل فيه كالعتق، ولأنه يصح إفراده بالعتق فصح استثناؤه كالمنفصل، ولأنه استثناء السواقط فأولى أن يجوز استثناء الحمل.
---
ووجه الثانية: أنه مجهول غير معلوم لأنه لا يجوز أن يكون ربحاً، ولهذا لم يصح اللعان عليه، ولا يصح استثناء المجهول في المبيع كما لو باع شيئاً واستثنى منه جزءاً غير معلوم فإنه لا يصح، ويفارق هذا استثناء السواقط أن يصح، لأنها معلومة بالمشاهدة، ويفارق استثناءه في العتق، لأن العتق ينفذ في المجهول، وهو إذا أعتق عبداً لا بعينه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 353
بيع الدين ممن هو عليه:
45 ـ مسألة: واختلفت في بيع الدين ممن هو عليه.
فنقل أبو طالب : المنع.
ونقل مهنا : جواز ذلك، ولا تختلف الرواية أنه لا يجوز بيعه من غير من هو في ذمته.
وجه الأولى: أنه بيع دين قبل قبضه فلم يصح كما لو باعه من غير من هو عليه.(1/201)
ووجه الثانية: أنه إذا باعه ممن هو عليه فقد حصل القبض فيه فيجب أن يصح، ويفارق هذا إذا باعه من غيره أنه لا يصح، لأنه قد لا يتمكن من استيفائه ممن هو عليه فيتعذر تسليم المبيع فلهذا لم يصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 357
بيع الرزق من بيت المال قبل قبضه:
45 ـ مكرر مسألة: فإن كان له دراهم معلومة في الديون يقبضها على وجه الرزق فهل يجوز بيعها بعوض قبل قبضها؟
فنقل أبو طالب : لا يجوز ـ وهو أصح ـ لأنه لا يقدر على تسليمه لجواز منع التسليم، ولأنه ليس هذا بأكثر من الدين الثابت له في ذمة غيره فإنه لا يجوز بيعه من غيره قبل قبضه فأولى أن لا يجوز هاهنا.
ونقل حنبل : جواز ذلك وعندي أن هذه محمولة على أنه ابتاع العرض وأحاله بالثمن على الرزق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 357
من تتعلق به ديون العبد غير المأذون:
46 ـ مسألة: واختلفت في ديون العبد غير المأذون له هل يتعلق بذمته أم برقبته؟
فنقل مهنا : أنها تتعلق برقبته إما أن يفديه السيد أو يسلمه ـ وهو اختيار الخرقي ـ وأبي بكر.
ونقل عبد الله : أنها تتعلق بذمته يتبع به إذا أعتق.
---
وجه الأولى: أنه إتلاف وجد من جهة العبد فتعلق برقبته كالجنايات، ولأنه لو أذن فيه السيد تعلق برقبته فتعلق برقبته وإن لم يأذن كالجنايات.
وجه الثانية: أن الذي باعه أو أقرضه هو المتلف لماله، لأنه دخل على بصيرة أن دينه يتأخر، وأن ذلك بغير إذن سيده فهو كالمحجور عليه لسفه من عامله بعد الحجر تعلقت ديونه بذمته ولم يطالب في الحال كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 357
مسائل في السلم والإقامة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 358
أخذ الرهن والكفيل في السلم:
47 ـ مسألة: واختلفت في جواز أخذ الرهن والكفيل في السلم.
فنقل حنبل : جواز ذلك، وهو اختيار أبي بكر.
ونقل أبو طالب والمروذي : منع ذلك، وهو اختيار الخرقي.
وجه الأولى: أنه أحد نوعي البيع فجاز الرهن بما ثبت في الذمة منه كالثمن في البيع.(1/202)
وجه الثانية: أن بهلاك الرهن على وجه العدوان يصير مستوفياً للمسلم فيه فيصير كأنه استوفى الرهن به لا عن السلم فلا يجوز لقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 358
السلم إلى أجل غير منضبط:
48 ـ مسألة: واختلفت إذا قال: أسلمت إليك إلى الحصاد وإلى الجذاذ وإلى الصرام.
فنقل أبو الصقر : أنه لا يجوز حتى يسمى شهراً معلوماً، وليس هنا معلوم.
ونقل ابن منصور : يجوز، وقال أبو بكر : الأولى اختياري.
وجه الأولى: أن الأجل مجهول، لأن وقت الحصاد والجذاذ يختلف فلم يصح.
ووجه الثانية: أن هذا الاختلاف والجهالة يتقارب ولا تتباعد فيسقط حكمها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 358
تحديد موضع قبض المسلم فيه في عقد السلم:
49 ـ مسألة: واختلفت فيه إذا ذكر في عقد السلم شرط موضع قبض السلم هل يصح الشرط أم لا؟
فنقل ابن منصور : جواز ذلك.
---
ونقل مهنا : إذا شرط في السلف توفيته ببغداد لم يصح هذا الشرط وعليه توفيته حيث أسلف، ولا تختلف الرواية أنه لا يجب ذكر الموضع في عقد السلم.
وجه الأولى أنه عقد بيع فجاز شرط مكان القبض فيه دليله بيع الأعيان.
ووجه الثانية: أنه لم يجز أن يسلم إليه في ثمرة بعينها ولا في مكيال بعينه ولا في ذراع بعينه لما يدخله من الغرر وهو فقد المكيال، والثمرة كذلك لا يجوز اشتراط بقعة بعينها لجواز تعذر القبض فيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 359
اعتبار الإقالة فسخاً:
50 ـ مسألة: واختلفت في الإقالة في البيع هل هي فسخ أم بيع؟
فنقل يعقوب بن بختان : الإقالة فسخ، ونقل أبو طالب وأبو الحارث : الإقالة بيع.
وجه الأولى: أن المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به بيع فوجب أن يكون فسخاً كما لو عاد بالرد بالعيب، ولأنها لو كانت بيعاً لجازت بقدر الثمن وأقل منه وأكثر، وقد نص أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية ابن القاسم على أنها لا تجوز بزيادة، وإنما تجوز بالثمن فثبت أنها فسخ.(1/203)
ووجه الثانية: أن المبيع يعود بالإقالة إلى البائع على الجهة التي خرج عليها منه فلما كان العقد الأول بيعاً كذلك الثاني، ولأنها لو كانت فسخاً لجازت بعد تلف المبيع، والأولى أصح، ولهذا الاختلاف فوائد:
إن قلنا: إنها فسخ لم يجز إلا بجنس الثمن ونوعه وقدره كالرد بالعيب ولا يستحق الشريك الشفعة، لو حلف لا يبيع فأقال لم يحنث، ويجوزفي السلم قبل قبضه وفي البيع قبل القبض.
وإذا قلنا هي بيع استحق الشريك الشفعة ولم يجز في السلم ولا في المبيع قبل القبض، ولا يمنع أن يجوز بزيادة في الثمن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 359
إسلام المكيل بالموزون والموزون بالمكيل:
51 ـ مسألة: في إسلام ما يكال فيما يوزن أوما يوزن فيما يكال.
فنقل حنبل: جواز ذلك.
ونقل ابن منصور : لا يعجبنا ذلك، وقد ذكرنا كل رواية في مسائل الربا.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 360
المسلم في جنسين بثمن واحد دون بيان ثمن كل جنس:
52 ـ مسألة: إذا أسلم في جنسين ثمناً واحداً ولم يبين ثمن كل جنس.
فنقل أبو داود لا يجوز، وهو الصحيح، قال أبو حفص .
ونقل حنبل: جواز ذلك، وليس العمل عليه.
وجه الأولى: أنه لا يؤمن من تعذر أحد الجنسين فيرجع المسلم على المسلم إليه بقية ذلك الجنس ولا يعلم ذلك فلهذا احتاج إلى بيان قيمة كل جنس.
ووجه ما نقل حنبل أن الثمن في الحال معلوم وخوف التعذر في الثاني مظنون والأصل الصحة والسلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 360
السلم في الرقيق:
53 ـ مسألة: ولا يختلف المذهب في جواز السلم في البهائم واختلفت في جواز السلم في الرقيق.
فنقل الميموني عنه يجوز السلم في الحيوان والرقيق.(1/204)
ونقل أبو الحارث : أما استسلاف الإبل خاصة فجائز الحديث ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه استسلف بكراً، وأما غيره من الحيوان فكأني أهاب ذلك، فظاهر هذا جواز السلم في الإبل خاصة لورود الأثر فيها فكان القياس يمنع الجواز لأنه يمكن ضبط صفاته المقصودة من القوة وسرعة المشي وكثرة العمل والمذهب جواز ذلك في جميع الحيوان، لأنه مما يمكن ضبطه بالصفات، لأن الصفات المقصودة مثل الجنس والنوع والطول والجودة والرداءة يمكن ضبطه وهي المقصودة فيجب أن يجوز كما جاز في البعير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 360
السلم في الفواكه:
54 ـ مسألة: واختلفت في جواز السلم في الفواكه والجوز واللوز ونحو ذلك من الخضروات.
فنقل إسحاق بن إبراهيم لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن فأما الرمان والبيض فلا أدري؟ وقال في رواية المروذي ويوسف بن موسى وقد سئل عن السلم في البيض والرمان فقال السلم فيما يكال ويوزن، ولا أرى السلم إلا فيما يكال ويوزن أو شيء وقف عليه.
---
ونقل إسماعيل بن سعيد بن منصور ولا بأس بالسلم في الفاكهة والبطيخ والبيض والجوز والرمان.
ووجه الأولى: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم فخص السلم بهما، ولأنه عوض غير مكيل ولا موزون فلا يصح السلم فيه، دليله الجواهر، ولا يلزم عليه الحيوان لأنه ليس بعوض.
ووجه الثانية: أنه يمكن ضبط ذلك بالصفات فجاز السلم فيه كالحيوان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 361
مسائل في بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 352
بيعملك الغير بغير إذنه (بيع الفضول):
41 ـ مسألة: إذا باع ملك غيره بغير إذنه هل يقف على الإجازة أم يقع باطلاً من أصله؟ على روايتين:
نقل صالح وعبد الله : هو موقوف.
ونقل علي بن سعيد: البيع باطل ذكرهما أبو بكر.(1/205)
وجه الأولى: حديث حكيم بن حزام أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ دفع إليه ديناراً ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار ثم أتى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ بدينار وشاة فقد باع إحدى الشاتين بغير إذن، ووقف ذلك على إجازة ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فجاز أن يقف على إجازته كالوصية فيما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة، أو نقل كل عقد جاز أن يقف على الفسخ جاز أن يقف على الإجازة كالوصية.
---
ووجه الرواية الثانية: ـ وهي أصح ـ أن وإذا قلنا: يقف على الإجازة ـ وهو اختيار الخرقي ـ ذكره في كتاب الوكالة فوجهه أنه وقف البيع كذلك الشراء ولأنه إذا كان الشراء في الذمة فلا ينفك العقد من الصحة، أما في حق موكله بالإجازة أو في حق الوكيل لعدم الإجازة، ويفارق هذا إذا كان بعين المال، لأنه معرض للصحة والبطلان لأنه إذا أبطله الموكل لم يلزم في حق الوكيل، لأنه لا يمكن تسليم العين المعقود عليها، لأنها ملك لغيره ولا يملك الانتقال عنها إلى عين أخرى وهذا معدوم فيه إذا كان في الذمة، وهكذا الخلاف في النكاح هل يقف على إجازة الولي أو إجازة المنكوحة؟ على روايتين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 352
بيع الصوف على الظهر:
42 ـ مسألة: واختلفت في بيع الصوف على ظهر الحيوان هل يصح أم لا؟ نقل أبو طالب : لا يجوز.
ونقل حنبل : جواز ذلك.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن بيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر.
ولأنه إن شرط أن يقلعه من الحيوان كان فيه تعذيب له، وإن شرط أن يجزه فالجز يختلف ألا ترى أن الحيوان المجزوز قد يستقصى على موضع منه دون موضع فلا يمكن استيفاء كله، ولا يمكن حمل جزه على عرف العادة لأنه لا حد لذلك ينتهي إليه فثبت أنه باطل.
ووجه الثانية: أن ما جاز بيعه بعد جزه جاز بيعه قبل جزه قياساً على الرطبة.(1/206)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 353
بيع الحاضر للبادي:
43 ـ مسألة: في بيع الحاضر للبادي.
نقل محمد بن يحيى الكحال ، وأبو طالب ، وأحمد بن الحسين الترمذي : لا يبيع حاضر لباد. نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك وإن باع رددت البيع.
---
ونقل علي بن الحسن المصري عن أحمد ـ رحمه الله ـ أنه سئل عن بيع حاضر لباد فقال: لا بأس به فقيل له: فالخبر المروي بالنهي يخيرونهم السعر فنهى عنه ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ذكر هذه الرواية ابن إسحاق بن شاقلا، فظاهر هذه الرواية جواز بيع الحاضر (للبادي) خلاف ما رواه الجماعة وعندي أن هذه المسألة محمولة على بادية تجلب المتاع ولا حاجة بالناس إلى شرائه، خلاف ما كان عليه أهل المدينة من الحاجة فغير محرم، ذلك لأن التحريم إنما يكون بأربع شرائط: أن يكون البدوي حضر لبيع سلعته، والثاني بسوق يومها، والثالث أن يكون الحضري هو الذي قصده ليتولى ذلك له، والرابع أن يكون بالناس حاجة لشراء متاعه وضيق في تأخر بيعه، فإذا وجدت هذه الشرائط حرم. والوجه: فيه حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا بيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ولأن البدوي إذا حضر البلد على بيع سلعته بسوق يومها اتسع على الناس وابتاعوا رخيصاً، وإذا تولى بيعه حاضر على الإدرار كان فيه تضييق على أهل البلد وهو معنى قوله:
دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض . فلهذا كان حراماً وكان العقد باطلاً، لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه.(1/207)
وأما تلقي الركبان والجلب للابتياع منه قبل دخولها البلد فحرام أيضاً لحديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلق واشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق، ولأنه إذا تلقاه فاشتراه فقد غره لأنه لا يعرف سعره بالسوق، وقد يسترخصه منه بغبنه فيه، لأنه إذا ترك حتى يرد الأسواق اتسع على الناس وإذا منع ضاق عليهم فيكون في معنى بيع الحاضر للبادي، فإن خالف وتلقى الركبان واشترى فهل العقد باطل أم لا؟
---
نقل الترمذي العقد باطل، لأنه منهي عنه فهو كبيع الحاضر للبادي. ونقل أبو طالب : العقد صحيح، وهو بالخيار ـ وهو اخيتار الخرقي ـ لما روي في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ فصاحبه بالخيار إذا ورد السوق فلو كان البيع باطلاً ما كان بالخيار، ولأنه ليس فيه أكثر من أنه غره ودلس عليه وهذا لا يوجب بطلان البيع كما لو باعه وبه عيب كتمه، ويفارق هذا بيع الحاضر للبادي، لأن النهي لم يرجع إلى الغبن، وإنما هو الأجل الرفق بأهل البلد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 353
استثناء الحمل في البطن:
44 ـ مسألة: إذا ابتاع أمة حاملاً واستثنى البائع حملها هل يصح الاستثناء؟
فنقل ابن القاسم وسندي وابن منصور : جواز ذلك.
ونقل حنبل والمروذي : أنه لا يجوز، قال أبو بكر : ولا تختلف الرواية أنه إذا أعتقها واستثنى حملها أن الشرط جائز.
وجه الأولى: أن البيع يزيل الملك فصح استثناء الحمل فيه كالعتق، ولأنه يصح إفراده بالعتق فصح استثناؤه كالمنفصل، ولأنه استثناء السواقط فأولى أن يجوز استثناء الحمل.(1/208)
ووجه الثانية: أنه مجهول غير معلوم لأنه لا يجوز أن يكون ربحاً، ولهذا لم يصح اللعان عليه، ولا يصح استثناء المجهول في المبيع كما لو باع شيئاً واستثنى منه جزءاً غير معلوم فإنه لا يصح، ويفارق هذا استثناء السواقط أن يصح، لأنها معلومة بالمشاهدة، ويفارق استثناءه في العتق، لأن العتق ينفذ في المجهول، وهو إذا أعتق عبداً لا بعينه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 353
بيع الدين ممن هو عليه:
45 ـ مسألة: واختلفت في بيع الدين ممن هو عليه.
فنقل أبو طالب : المنع.
ونقل مهنا : جواز ذلك، ولا تختلف الرواية أنه لا يجوز بيعه من غير من هو في ذمته.
وجه الأولى: أنه بيع دين قبل قبضه فلم يصح كما لو باعه من غير من هو عليه.
---
ووجه الثانية: أنه إذا باعه ممن هو عليه فقد حصل القبض فيه فيجب أن يصح، ويفارق هذا إذا باعه من غيره أنه لا يصح، لأنه قد لا يتمكن من استيفائه ممن هو عليه فيتعذر تسليم المبيع فلهذا لم يصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 357
بيع الرزق من بيت المال قبل قبضه:
45 ـ مكرر مسألة: فإن كان له دراهم معلومة في الديون يقبضها على وجه الرزق فهل يجوز بيعها بعوض قبل قبضها؟
فنقل أبو طالب : لا يجوز ـ وهو أصح ـ لأنه لا يقدر على تسليمه لجواز منع التسليم، ولأنه ليس هذا بأكثر من الدين الثابت له في ذمة غيره فإنه لا يجوز بيعه من غيره قبل قبضه فأولى أن لا يجوز هاهنا.
ونقل حنبل : جواز ذلك وعندي أن هذه محمولة على أنه ابتاع العرض وأحاله بالثمن على الرزق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 357
من تتعلق به ديون العبد غير المأذون:
46 ـ مسألة: واختلفت في ديون العبد غير المأذون له هل يتعلق بذمته أم برقبته؟
فنقل مهنا : أنها تتعلق برقبته إما أن يفديه السيد أو يسلمه ـ وهو اختيار الخرقي ـ وأبي بكر.
ونقل عبد الله : أنها تتعلق بذمته يتبع به إذا أعتق.(1/209)
وجه الأولى: أنه إتلاف وجد من جهة العبد فتعلق برقبته كالجنايات، ولأنه لو أذن فيه السيد تعلق برقبته فتعلق برقبته وإن لم يأذن كالجنايات.
وجه الثانية: أن الذي باعه أو أقرضه هو المتلف لماله، لأنه دخل على بصيرة أن دينه يتأخر، وأن ذلك بغير إذن سيده فهو كالمحجور عليه لسفه من عامله بعد الحجر تعلقت ديونه بذمته ولم يطالب في الحال كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 357
مسائل في السلم والإقامة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 358
أخذ الرهن والكفيل في السلم:
47 ـ مسألة: واختلفت في جواز أخذ الرهن والكفيل في السلم.
فنقل حنبل : جواز ذلك، وهو اختيار أبي بكر.
---
ونقل أبو طالب والمروذي : منع ذلك، وهو اختيار الخرقي.
وجه الأولى: أنه أحد نوعي البيع فجاز الرهن بما ثبت في الذمة منه كالثمن في البيع.
وجه الثانية: أن بهلاك الرهن على وجه العدوان يصير مستوفياً للمسلم فيه فيصير كأنه استوفى الرهن به لا عن السلم فلا يجوز لقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 358
السلم إلى أجل غير منضبط:
48 ـ مسألة: واختلفت إذا قال: أسلمت إليك إلى الحصاد وإلى الجذاذ وإلى الصرام.
فنقل أبو الصقر : أنه لا يجوز حتى يسمى شهراً معلوماً، وليس هنا معلوم.
ونقل ابن منصور : يجوز، وقال أبو بكر : الأولى اختياري.
وجه الأولى: أن الأجل مجهول، لأن وقت الحصاد والجذاذ يختلف فلم يصح.
ووجه الثانية: أن هذا الاختلاف والجهالة يتقارب ولا تتباعد فيسقط حكمها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 358
تحديد موضع قبض المسلم فيه في عقد السلم:
49 ـ مسألة: واختلفت فيه إذا ذكر في عقد السلم شرط موضع قبض السلم هل يصح الشرط أم لا؟
فنقل ابن منصور : جواز ذلك.
ونقل مهنا : إذا شرط في السلف توفيته ببغداد لم يصح هذا الشرط وعليه توفيته حيث أسلف، ولا تختلف الرواية أنه لا يجب ذكر الموضع في عقد السلم.(1/210)
وجه الأولى أنه عقد بيع فجاز شرط مكان القبض فيه دليله بيع الأعيان.
ووجه الثانية: أنه لم يجز أن يسلم إليه في ثمرة بعينها ولا في مكيال بعينه ولا في ذراع بعينه لما يدخله من الغرر وهو فقد المكيال، والثمرة كذلك لا يجوز اشتراط بقعة بعينها لجواز تعذر القبض فيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 359
اعتبار الإقالة فسخاً:
50 ـ مسألة: واختلفت في الإقالة في البيع هل هي فسخ أم بيع؟
فنقل يعقوب بن بختان : الإقالة فسخ، ونقل أبو طالب وأبو الحارث : الإقالة بيع.
---
وجه الأولى: أن المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به بيع فوجب أن يكون فسخاً كما لو عاد بالرد بالعيب، ولأنها لو كانت بيعاً لجازت بقدر الثمن وأقل منه وأكثر، وقد نص أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية ابن القاسم على أنها لا تجوز بزيادة، وإنما تجوز بالثمن فثبت أنها فسخ.
ووجه الثانية: أن المبيع يعود بالإقالة إلى البائع على الجهة التي خرج عليها منه فلما كان العقد الأول بيعاً كذلك الثاني، ولأنها لو كانت فسخاً لجازت بعد تلف المبيع، والأولى أصح، ولهذا الاختلاف فوائد:
إن قلنا: إنها فسخ لم يجز إلا بجنس الثمن ونوعه وقدره كالرد بالعيب ولا يستحق الشريك الشفعة، لو حلف لا يبيع فأقال لم يحنث، ويجوزفي السلم قبل قبضه وفي البيع قبل القبض.
وإذا قلنا هي بيع استحق الشريك الشفعة ولم يجز في السلم ولا في المبيع قبل القبض، ولا يمنع أن يجوز بزيادة في الثمن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 359
إسلام المكيل بالموزون والموزون بالمكيل:
51 ـ مسألة: في إسلام ما يكال فيما يوزن أوما يوزن فيما يكال.
فنقل حنبل: جواز ذلك.
ونقل ابن منصور : لا يعجبنا ذلك، وقد ذكرنا كل رواية في مسائل الربا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 360
المسلم في جنسين بثمن واحد دون بيان ثمن كل جنس:
52 ـ مسألة: إذا أسلم في جنسين ثمناً واحداً ولم يبين ثمن كل جنس.
فنقل أبو داود لا يجوز، وهو الصحيح، قال أبو حفص .(1/211)
ونقل حنبل: جواز ذلك، وليس العمل عليه.
وجه الأولى: أنه لا يؤمن من تعذر أحد الجنسين فيرجع المسلم على المسلم إليه بقية ذلك الجنس ولا يعلم ذلك فلهذا احتاج إلى بيان قيمة كل جنس.
ووجه ما نقل حنبل أن الثمن في الحال معلوم وخوف التعذر في الثاني مظنون والأصل الصحة والسلامة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 360
السلم في الرقيق:
---
53 ـ مسألة: ولا يختلف المذهب في جواز السلم في البهائم واختلفت في جواز السلم في الرقيق.
فنقل الميموني عنه يجوز السلم في الحيوان والرقيق.
ونقل أبو الحارث : أما استسلاف الإبل خاصة فجائز الحديث ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه استسلف بكراً، وأما غيره من الحيوان فكأني أهاب ذلك، فظاهر هذا جواز السلم في الإبل خاصة لورود الأثر فيها فكان القياس يمنع الجواز لأنه يمكن ضبط صفاته المقصودة من القوة وسرعة المشي وكثرة العمل والمذهب جواز ذلك في جميع الحيوان، لأنه مما يمكن ضبطه بالصفات، لأن الصفات المقصودة مثل الجنس والنوع والطول والجودة والرداءة يمكن ضبطه وهي المقصودة فيجب أن يجوز كما جاز في البعير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 360
السلم في الفواكه:
54 ـ مسألة: واختلفت في جواز السلم في الفواكه والجوز واللوز ونحو ذلك من الخضروات.
فنقل إسحاق بن إبراهيم لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن فأما الرمان والبيض فلا أدري؟ وقال في رواية المروذي ويوسف بن موسى وقد سئل عن السلم في البيض والرمان فقال السلم فيما يكال ويوزن، ولا أرى السلم إلا فيما يكال ويوزن أو شيء وقف عليه.
ونقل إسماعيل بن سعيد بن منصور ولا بأس بالسلم في الفاكهة والبطيخ والبيض والجوز والرمان.
ووجه الأولى: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم فخص السلم بهما، ولأنه عوض غير مكيل ولا موزون فلا يصح السلم فيه، دليله الجواهر، ولا يلزم عليه الحيوان لأنه ليس بعوض.(1/212)
ووجه الثانية: أنه يمكن ضبط ذلك بالصفات فجاز السلم فيه كالحيوان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 361
بطلان عقد السلم بظهور عيب في الثمن بعد التفرق:
---
55 ـ مسألة: إذا قبض المسلم إليه الثمن فأصاب به عيباً بعد التفرق، فقال في رواية ابن منصور: يبطل العقد في قدر المعيب، قال أبو بكر : حكم السلم إذا خرج فيه عيب حكم الصرف، وقد حكينا في الصرف روايتين: إحداهما: أنه لا يملك البدل. وإذا رد المعيب بطل في المردود، وهل يبطل في بقيته، على روايتين.
الثانية:يملك البدل فعلى هذا العقد صحيح في الجميع، وقد ذكرنا توجيه ذلك في الصرف، والسلم مبنى عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 362
الإقالة ببعض السلم:
56 ـ مسألة: هل يصلح الإقالة ببعض السلم؟
قال في رواية صالح وابن القاسم: يأخذ سلمه كله أو رأسماله، فظاهره هذا المنع.
ونقل حنبل وقد ذكر له قول ابن عباس يأخذ بعض سلفه وبعض رأسماله، فقال أحمد: لا بأس به ولا يأخذ فضلاً، فظاهر هذا الجواز.
وجه الأولى: وهي أصح ـ أنه إذا أسلم في كرين من طعام مائة درهم فلو أجزنا الإقالة في أحدهما رد البائع إلى المشتري خمسين من المائة حين الإقالة وبقي الكر الآخر بخمسين، وبمنفعة هذه الخمسين إلى حين الإقالة، وهذا لا يصح.
ووجه الثانية أن ما صحت الإقالة بجميعه صحت ببعضه، دليله تنوع الأعيان، وإنما تصح هذه المسألة على الرواية التي تقول: إن الإقالة فسخ، وإنها تصح في جميع السلم فأما إذا قلنا: إنها بيع فلا يصح في جميعه ولا في بعضه، وقد ذكر أبو حفص العكبري الروايتين في جواز الإقالة ببعض السلم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 362
نقص المبيع أو زيادته عما عقد عليه:
57 ـ مسألة: إذا ابتاع ثوباً على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم فبان تسعة هل يبطل البيع أم هو صحيح ويكون له الخيار بين أن يمسكه بتسعة أو يرد لأجل الذراع؟
---(1/213)
على روايتين، نقلهما ابن منصور قيل له: قال سفيان الثوري : إذا اشترى مائة ثوب كل ثوب بعشرة دراهم فوجدها تسعين فالمشتري بالخيار، وإن زادت على مائة فالمبيع مردود. قال أحمد : هو كما قال. فقد حكم بصحته إذا كان ناقصاً وجعل له بالخيار، وأبطله إذا بان زائداً وكذلك نقل الحسن بن محمد بن الحارث في رجل اشترى ثوباً على أنه اثنا عشر ذراعاً فإذا هو أحد عشر ذراعاً فهو بالخيار بين رده وبين أخذه وله ثمن ذراع، وكذلك نقل ابن مشيش فيمن اشترى قصباً على أنه ألف طن فإذا هو سبعمائة أخذ من الثمن بقدر ذلك، وكذلك الطعام.
---(1/214)
ونقل ابن منصور في موضوع آخر: قال سفيان في رجل اشترى مائة ثوب بألف درهم، فزاد أو نقص فالمبيع مردود قال أحمد : نعم فقد حكم بإبطال البيع في الزيادة والنقصان، ولا تختلف الرواية إذا بان زائداً أنه يبطل البيع، وإنما الاختلاف إذا بان ناقصاً، فإن قلنا البيع صحيح وله الخيار في الإمساك بقسطه من الثمن هو أنه قد تبين نقصاً بالمبيع فيجب أن يثبت له الخيار كما لو ظهر على عيب فإنه يملك الخيار بين الفسخ وبين الإمساك وأخذ الإرش كذلك هاهنا يجب أن يكون بالخيار بين الفسخ والإمساك والرجوع بقدر قسطه من الثمن، وإذا قلنا البيع باطل فوجهه أنه إذا بان تسعة أذرع فهو نقصان في حق المشتري كما أنه إذا بان أحد عشر فهو نقصان في حق البائع ثم ثبت أنه لو بان أحد عشر بطل البيع، كذلك إذا بان تسعة يجب أن يبطل، والأولى أصح وأنه لا يبطل البيع بظهور النقصان ويبطل بظهور الزيادة، لأنه إذا بان زائداً فلا يمكن إجبار البائع على تسليم أحد عشر ذراعاً وقد باع عشرة، ولا يمكن إجبار المشتري على قبول تسعة وقد اشترى جميع الثوب فلم يبق إلا البطلان ولأنه يفضي إلى أن يكون المبيع عشرة أذرع من جملة أحد عشر ذراعاً ولا يجوز هذا لأنه يفضي إلى جهالة المبيع، ولهذا لو قال: ابتعت منك ذراعاً من هذا الثوب لم يصح، لأن أجزاءه مختلفة، ولا يمكن إثبات الخيار للبائع لأجل الزيادة لأنه ليس بأولى من إثبات الخيار للمشتري لأنه يقول: اشتريت جميع الثوب من غير مزيد، ولا يلزمني نصفه، ويفارق هذا إذا بان ناقصاً، لأن نقصان المبيع لا يبطل البيع كما لو بان به عيب.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 363
كتاب الرهن، والتفليس والحجر، والصلح والحوالة، والضمان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 367
تقديم المرتهن في الرهن على غيره من الغرماء إذا مات الراهن مفلساً:
---
1 ـ مسألة اختلفت الرواية إذا مات الراهن مفلساً وعليه دين هل يكون المرتهن أحق به أم يكون أسوة الغرماء؟(1/215)
فنقل أبو طالب ، وابن منصور: المرتهن أحق به.
ونقل أحمد بن سعيد : المرتهن أسوة الغرماء، ولا تختلف إذا مات مفلساً فوجد البائع عين ماله أنه يكون أسوة الغرماء أحق به، وكذلك لا تختلف إذا أفلس الراهن حياً أن المرتهن أحق بالرهن من بقية الغرماء، فإن قلنا إنه بالموت أسوة فوجهه أن المرتهن تعلق حقه بعين الرهن كتعلق حق البائع بعين المبيع، ثم ثبت أن المشتري إذا مات مفلساً كان البائع أسوة الغرماء كذلك المرتهن مثله، وإذا قلنا: هو أحق بالرهن من جميع الغرماء، وهو أصح، فوجهه أن المرتهن لم يرض بذمة من عليه الحق ليتعلق حقه بذمته وبعين ماله، فلهذا قدم على الغرماء بكل حال ويفارق البائع لأنه دخل معه على أنه يتعلق حقه بالذمة فقط فلهذا كان أسوة الغرماء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 367
مسائل في النفقة على الرهن
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 368
رجوع المرتهن على الراهن بما أنفقه على الرهن بغير إذنه:
3 ـ مسألة: واختلفت إذا امتنع الراهن من نفقة الدابة المرهونة فأنفق المرتهن عليها محتسباً بذلك هل يملك الرجوع بقدر النفقة؟
فنقل ابن منصور فيمن ارتهن دابة فعلفها بغير إذن صاحبها: فالعلف على المرتهن من أمره أن يعلف.
وكذلك نقل مهنا : إذا مات العبد في يد المرتهن فكفنه لم يرجع بالكفن من أمره بذلك، فظاهر هذا أنه لا يرجع بذلك إذا لم يكن مأذوناً له.
---
ونقل ابراهيم بن الحارث وبكر بن محمد وابن القاسم : الرهن محلوب ومركوب، وعلى الذي يحلب ويركب نفقته، فقد حكم للمرتهن بالركوب بقدر علفه ولم يعتبر إذن الراهن في ذلك، فإن قلنا: لا يرجع بذلك فوجهه أن النفقة حصلت بغير إذن المالك ولا إذن الحاكم فيجب أن يكون متطوعاً بها كما لو بنى داره وأنفق على أولاده في الملاذ والشهوات، وكما لو كان الراهن باذلاً للنفقة فأنفق المرتهن عليها فإنه لا يرجع بذلك، كذلك ها هنا.(1/216)
وقد نقل أبو جعفر محمد بن حرب الجرجاني عن أحمد ـ رحمه الله ـ في رجل عمل في قناة رجل بغير إذنه فاستخرج الماء فجاء صاحب القناة فقال: لهذا الذي عمل نفقته إذا عمل ما يكون منفعته لصاحب القناة، فظاهر هذا أنه حكم له بالأجرة في عمل القناة بغير إذن وإن كان عملها، لا يجب على صاحبها، ويجب أن يكون المذهب على أنه لا أجرة له في كل فعل لا يجب على صاحبه فعله رواية واحدة.
ويحمل هذا على أن القناة كانت مشتركة بينه وبين غيره، فإذا قلنا يرجع (وهو أصح) فوجهه ما روى يزيد بن هارون عن ابن أبي زائدة عن الشعبي عن أبي هريرة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً .
---(1/217)
وهذا يقتضي أن النفقة تجب للركوب ولشرب اللبن، وإنما يكون هذا في حق المرتهن فأما الراهن فالنفقة واجبة عليه وإن لم يركب ولم يحلب وإذا جعل له الركوب بنفقته دل على أنه يرجع بالنفقة وإن لم يؤذن له فيها وروى هشيم عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن أبي هريرة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها ولأن أكثر ما فيه عدم الإذن لا يمنع الرجوع ألا ترى أن من أعار غيره عبداً ليرهنه المستعير بدين عليه فرهنه لم يلزم المعير أن يؤدي عنه دينه، ومع هذا فإذا أدى وانفك الرهن كان له الرجوع عليه، وكذلك إذا أدى أحد الورثة دين الميت ليتوصل بإسقاط حق الغريم إلى قسمة التركة فله الرجوع بما أدى في التركة، وكذلك صاحب السفل إذا بنى الحائط عند امتناع صاحب العلو، وكذلك قال أحمد في الرجوع بجعل الآبق وبالنفقة على الآبق وإن لم يكن من جملة المالكين إذن وكذلك إذا فدى أسيراً من أيدي المشركين بماله بغير إذنه رجع بذلك عليه كذلك ها هنا، وقد اختلفت الرواية إذا ضمن عن غيره بغير إذنه ووزن الحق بغير إذنه هل يرجع بذلك على من عليه الحق؟ على روايتين:
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 368
نقل ابن منصور والأثرم : يرجع بذلك، وهو اختيار الخرقي.
ونقل محمد بن عبد الله بن المنادي وإسحاق بن إبراهيم : لا يرجع بذلك، فإن قلنا: لا يرجع فالوجه فيه أنه فعله بغير إذن، وإن قلنا يرجع فالوجه فيه ما ذكرنا في الرهن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 368
مسائل في بيع الرهن
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 370
بيع المرتهن للرهن إذا فقد صاحبه:
3 ـ مسألة: واختلفت فيمن كان في يده رهون فقد أصحابها هل يجوز له بيعها؟ على ثلاث روايات:
---(1/218)
إحداها: لا يجوز له ذلك إلا بإذن القاضي قال في رواية أبي طالب فيمن كان في يده رهن وصاحبه غائب وخاف فساده كالصوف ونحوه: فليأتِ السلطان ليأمره ببيعه ولا يبيعه بغير أمر السلطان.
والثانية: يجوز له ذلك ويتصدق بجميعه بشرط الضمان، ولا يأخذ قدر حقه من ثمنه قال: في رواية أبي طالب: في رجل عنده رهون لا يعرف صاحبها وقد أتى عليها حين يبيعها ويتصدق بثمنها فإن جاء صاحبها عرفها ولا يأخذ ما (أنفق) على الرهن ءذا باعه.
---(1/219)
والثالثة: يجوز بيعها، ويأخذ قدر حقه من الثمن، ويتصدق ببقية الثمن. قال في رواية أبي الحارث يبيعه ويتصدق بالفضل فإذا جاء صاحبه كان مخيراً بين الأجر وبين أخذ ما بقي من الثمن، وهكذا الخلاف في كل مال حصل في يده مصرفه إلى بيت المال، كالوديعة، والغصب، ونحو ذلك، إذا لم يعرف مالكه وهل يجوز بيعه والصدقة به؟ على روايتين، فإن قلنا: لا يجوز أن يلي بيعها بنفسه فوجهه: أن مصرف هذا المال إلى بيت مال المسلمين، والولاية في تفرقة مال بيت المال إلى الإمام دون آحاد المسلمين ولأن تفرقة مال بيت المال موقوف على اجتهاد الإمام في البداية، بالأهم فالأهم، من المصالح، وقد يكون الأهم صرفه في غير الصدقة فهذا لم يجز، وإذا قلنا: يجوز بيعها ولا يأخذ قدر حقه فوجهه أن هذا المال حصل في يده بحق وليس له مالك معلوم بعينه فجاز أن يلي تفرقته والصدقة به كاللقطة إذا عرفها حولاً ولم يجىء مالكها جاز له أن يلي تفرقتها بشرط الضمان كذلك ها هنا، ولأن تفرقة ذلك طريقة الأمر بالمعروف والإمام وغيره في ذلك سواء بل ربما كان غيره أولى لأن الإمام نائب عنهم ووكيل لديهم ولهذا المعنى قال أحمد ـ رحمه الله ـ: الأفضل أن يلي تفرقة زكاته بنفسه وإنما لم يجز له أخذ حقه من ثمنه لأن التهمة تلحقه في ذلك لأنه يحصل بذلك مستوفياً لحقه من تحت يده، ولهذا منعنا الوكيل والوصي في إحدى الروايتين أن يبتاع مما يلي عليه، ولأن هذا يؤدي إلى أنه يستوفي حقه من تحت يده وهو ممنوع من ذلك بدليل أن من كان له على رجل حق فأنكره وكان له تحت يده وديعة فإنه لا يأخذ من تحت يده وإذا قلنا: يجوز أن يأخذ قدر حقه من قيمته فوجهه أنه لا يمتنع مثل هذا بدليل أن المرتهن إذا أعلف دابة فإنه يركب وكذلك يركب وكذلك الزوجة تأخذ من تحت يدها، وإذا أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن وأخذ حقه من قيمته من تحت يده جاز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 370
رهن المصحف:
---
4 ـ مسألة: في رهن المصحف.(1/220)
نقل حرب وجعفر بن محمد ويعقوب ابن بختان وابن مشيش بعضهم يقول: لا أرخص في رهن المصحف، وبعضهم يقول: أكرهه، فظاهر هذا أنه لا يصح رهنه وهو قياس المذهب، لأنه يمنع من بيعه، والقصد من الرهن وثيقة بالحق حتى أن امتنع من الإيفاء بيع في الدين، فإذا لم يجز بيعه لم يصح رهنه.
ونقل مهنا وعبد الله وابن ابراهيم إذا رهن عنده مصحفاً فلا يقرأ فيه إلا بإذن، فظاهر هذا جواز رهنه، ووجهه أن المنع من بيعه مختلف فيه وكثير من الفقهاء يجيزه ونحن نمنع منه ويجوز أن يرفع إلى حاكم يرى بيعه فإذا ليس يقطع على منع البيع ومثل هذا لا يمنع الرهن كالمدير يجوز رهنه وإن جاز أن يموت السيد فيتعذر بيعه، وكذلك المعتق لصفة يجوز أن توجد الصفة قبل بيعه فيتعذر بيعه بالعتق كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 371
القرض بشرط:
5 ـ مسألة: فيمن كان عليه دين مستقر في ذمته فقال لصاحب الحق: أقرضني ديناً ديناً آخر على أن أرهنك بالحقين عبدي هذا.
فنقل حنبل : لا يصح القرض، لأنه قرض جر منفعة، وهو أن الحق الأول كان بغير رهن، فيصير برهن.
ونقل مهنا: جواز ذلك، لأن أكثر ما فيه أنه أخذ بالدين الأول وثيقة، وهذا جائز كما لو قال: أقرضني حتى أشهد لك به. ولأن بالناس حاجة إلى القرض ولو لم يعط رهن بالأول لم يحصل لهم القرض الثاني فجاز للحاجة إليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 372
في رجوع البائع في المبيع ونمائه عند إفلاس المشتري
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 372
رجوع البائع بما بقي من المبيع بعينه في يد المفلس:
6 ـ مسألة: إذا كان المبيع ثوبين أو عبدين فتلف أحدهما في يد المشتري وأفلس هل يملك البائع الرجوع بما بقي؟ على روايتين.
ونقل أبو طالب فيمن باع رجلاً ثلاثين ثوباً فأفلس المشتري فوجد البائع خمسة عشر ثوباً: لم يأخذها وهو بمنزلة الغرماء.
---(1/221)
ونقل الحسن بن ثواب فيمن باع متاعاً كل ثوب بكذا وكذا إلى أجل فأتلف بعضه لم يأخذه قد غيره من حاله فإن كانت رزماً فباعه ثم أفلس فوجد بعض الرزم أخذها إذا كانت بعينها، فظاهر هذا جواز الرجوع في الباقي/ وجه الأولى: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من وجد عين ماله فهو أحق به .
وهذا قد وجد بعض العين، ولأن إتلاف بعض المبيع لو كان في عين واحدة منع من الرجوع فإذا كان في عينين (منع الرجوع) كذلك (لأنه) إتلاف لبعض المبيع. ووجه الثانية: أن المبيع إذا كان عيناً واحدة فالثمن يتقسط على الأجزاء، فلو قلنا: يرجع البائع ببعضه ربما كان عليه فيه ضرر، لأنه قدّر بما نقصت قيمة الباقي عما قابله من الثمن، وليس كذلك إذا كان المبيع أعياناً، لأن الثمن يتقسط على قيمة كل عين منه فهو يأخذ العين بقيمتها في نفسها لا بقسطها من الثمن فلا ضرر عليه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 372
رجوع نماء المبيع المنفصل إلى البائع إذا أفلس المشتري فأخذ البائع عين ماله:
7 ـ مسألة: إذا رجع البائع في عين المبيع، وقد أفلس المشتري وقد نما المبيع نماء منفصلاً فهل يكون النماء للبائع أم للمشتري؟
---(1/222)
فنقل حنبل عن أحمد في ولد الجارية ونتاج الدابة: أنه للبائع، وهو اختيار أبي بكر. وقال شيخنا أبو عبد الله : يكون النماء للمشتري. وجه الأولى: أنها زيادة في المبيع فكانت للبائع، دليله النماء المتصل كالسمن وتعليم صنعة يبين صحة هذا أن المنفصل كالمتصل بدليل ولد الأضحية والهدى والمعتقة بصفة والمرهونة وولد أم الولد والمدبرة والمكاتبة في أنه يبيع الأصل فيجري مجرى المتصل كذلك ها هنا. ووجه ما ذكر شيخنا، وهو الصحيح عندي أن النماء المتميز لا يتبع الأصل في الفسوخ ألا ترى أنه لو اشترى جارية فولدت أو نخلة فأثمرت ثم أصاب بالأصل عيباً كان للمشتري دون البائع ويمكن أن يحمل كلام أحمد ـ رحمه الله ـ على أن المبيع كان جارية حاملاً أو داية حاملاً فولدت بعد البيع فإنه يرجع البائع بها وبولدها، ومن قال بالوجه الأول يقول: إن النماء المنفصل قد أجري مجرى المتصل في أن يتبع الأصل بدليل ولد الأضحية والهدي وولد المرهونة وولد أم الولد والمدبرة والمكاتبة كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 373
عتق المفلس بعد الحجر عليه:
8 ـ مسألة: واختلفت في عتق المفلس إذا حجر الحاكم عليه هل ينفذ؟
فنقل ابن منصور : إذا فلسه الحاكم فلا يبيع ولا يشتري ولا يتصدق، وأما العتق فهو شيء مستهلك يجوز عتقه.
ونقل محمد بن موسى الدنداني إذا طلب البائع عين ماله لم يجز بيعه ولا هبته ولا عتقه.
وجه الأولى: وهي الأصح أن بالحجر يتعلق حقوق الغرماء له كتعلق حق المرتهن بالرهن ثم تصرف الراهن في الرهن بالعتق ينفذ كذلك تصرف المفلس بالعتق يجب أن ينفذ.
ووجه الثانية: أنه محجور عليه لحق غيره فلم ينفذ عتقه (دليله المريض إذا أعتق زيادة على الثلث فإنه لا ينفذ عتقه) ولا يلزم عليه عتق المحجور لسفه فإن المنصوص عنه أنه ينفذ عتقه لأن الحجر عليه لحق نفسه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 374
---
حلول الديون المؤجلة بالموت:(1/223)
9 ـ مسألة: واختلفت في الديون المؤجلة إذا كانت على الميت هل تحل بالموت؟
فنقل ابن منصور : أنها تحل فقال: إذا أفلس لم يحل دينه والموت أحرى أن يحل دينه.
ونقل أبو الحارث وابن ثواب وحنبل : أنها لا تحل ـ وهو اختيار الخرقي ـ وهو أصح.
ووجه الأولى: أن الأجل مضروب لمن عليه الدين ليتصرف فيه في يديه مدة الأجل فإذا مات قبل محله سقط المقصود في الأجل فحل.
ووجه الثانية: أن الأجل حق لمن عليه الدين، وقد عاوض عليه لأن الأجل يأخذ قسطاً من الثمن ألا ترى أن الأثمان والقيم تختلف على قدر بعد الأجل وقربه فلا يجوز أن يسلم الثمن للبائع ولا يسلم عوضه الذي هو الأجل للميت أو من يقوم مقامه ولأن وارثه قائم مقامه في استيفاء حقوقه وهذا من جملة الحقوق فقام مقامه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 374
مؤاجرة المفلس نفسه لسداد ديونه:
10 ـ مسألة: واختلفت هل يؤاجر المفلس في الدين إذا لم يكن له مال وكانت له حرفة؟
فنقل ابن منصور : يؤاجر في عمل إن كان يحسنه إذا كان في كسبه فضل عن قوته.
ونقل حنبل : يعطي الغرماء ما كان له ولا يحكم لهم بغيره، فظاهر هذا أنه لا يؤاجر.
وجه الأولى: أن المنافع قد أجريت مجرى الأعيان بدليل جواز العقد عليها وإنها تضمن بالمسمى في العقد الصحيح وفي الفاسد بعوض المثل، وأجريت مجراها في منع أخذ الزكاة وفي إيجاب النفقة على الأقارب وفي وجوب الجزية على الفقير فجاز أن يجري مجراها في مسألتنا في استيفائه لحق الغرماء كما في باب الأعيان.
---(1/224)
ووجه الثانية: أن إجازة المفلس اكتساب منه للمال، والمفلس لا يجبر على اكتساب المال لغرمائه ألا ترى أنه لا يجبر على قبول الهدية والوصية ولا يجبر على طلاق زوجته قبل الدخول ليعود إليه نصف المهر، وقد روى أبو حفص العكبري بإسناده عن عبد الله بن أبي قتادة أن معاذ بن جبل اشترى ثماراً فنقص فيها فاستعدى عليه غرماؤه ـ بالنبي صلى الله عليه وسلم ـ وقد ذكر أن معاذاً جلس في بيته أياماً استحياء من الغرماء فأتوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال: (انطلقوا فيما وجدتم من عين ماله فخذوه واقتسموه بينكم) قال: فدفع معاذ ماله إليهم ـ فاقتسموه فأصابهم نصف حقهم. قالوا: يا رسول الله بعه لنا كما بعت سرقاً قال: (خذوا ماله ولا حق لكم في رقبته) وهذا يمنع إجازته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 375
منع المدين من السفر حتى يوثق لصاحب الحق:
11 ـ مسألة: إذا أراد سفراً وعليه حق لا يستحق قبل مدة سفره هل لصاحب الحق منعه؟
فنقل أبو طالب : إذا كان عليه حق إلى أجل فأراد سفراً بعيداً يجوز الوقت أخذه السلطان حتى يوثق له بحقه، وإن كان سفراً قريباً أخذه أيضاً حتى يوثق له بحقه لعله لا يجيء أو يكون حدث فظاهر هذا أن له منعه وقال الخرقي : ومن أراد سفراً وعليه حق يستحق قبل مدة سفره كان لصاحب الحق منعه، فظاهر هذا أنه إذا لم يستحق قبل المدة لم يملك منعه ـ وهو أصح ـ.
وجه الأولى: أنه لو أراد الخروج إلى الجهاد كان له منعه كذلك إذا أراد الخروج لغير الجهاد يجب أن يمنع.
ووجه الثانية: أنه لا يملك المطالبة في هذه الحال لأن الظاهر أن الدين يحل بعد رجوعه فلم يكن له منعه، ويفارق هذا الجهاد لأن القصد منه الاستشهاد فلا يؤمن أن يهلك الدين بهلاكه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 376
فك الحجر عن الجارية إذا بلغت رشيد قبل أن تتزوج:
---
12 ـ مسألة: واختلفت في الجارية إذا بلغت رشيدة هل يدفع إليها مالها ويفك الحجر عنها قبل أن تتزوج؟(1/225)
فنقل أبو طالب عنه: ليست الجارية مثل الغلام لا يعلم أنها تحفظ حتى تلد ولداً أو يأتي عليها حول في بيت زوجها إذا كانت بكراً، وإن كان ثيباً جازت عطيتها فظاهر هذا أن الحجر مستديم عليها لحق نفسها كما يحجر على الصبي حتى تلد ولداً أو يحول عليها الحول في بيت زوجها أو تزول بكارتها بجماع قال الخرقي ـ رحمه الله ـ ومن أونس منه رشداً دفع إليه ماله إذا كان قد بلغ وكذلك الجارية وإن لم تنكح، فظاهر هذا أنها كالغلام، وأنه يفك الحجر عنها بالبلوغ ووجود الرشد.
وجه الأولى: ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: لا تعطى الجارية مالها حتى تلد ولداً. رواه الشعبي عن شريح: قال عهد إلى عمر ألا أجيز لجارية عطية حتى تحيل في بيت زوجها حولاً أو تلد ولداً، ولأنها لا معرفة لها بوجوه الصلاح من الفساد قبل التزويج لأنه لم يحصل منها تجربة للأمور، فإذا تزوجت اختبرت الرجال وعرفت وجه الصلاح من الفساد يبين صحة هذا أن البكر البالغ لا يعتبر نطقها ولا رضاها في النكاح.
ويعتبر ذلك في حق الثيب لأنها اختبرت المقصود، ووجه ما ذكره الخرقي ـ رحمه الله ـ أنها بالغة رشيدة فوجب دفع مالها إليها كما لو تزوجت وولدت يبين صح هذا أن المرأة قبل التزويج تشح على مالها وتقتر على نفسها في النفقة وغيرها ليكثر مالها ويرغب الناس فيها، وإذا تزوجت خفت مؤنتها وحصلت على زوجها فتسمح نفسها وتوسع في نفقتها فلما جاز دفع مالها إليها بعد التزويج كان دفعه إليها قبله أولى.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 377
تصرف المرأة في مالها من غير إذن زوجها:
13 ـ مسألة: إذا فك الحجر عنها وسلم مالها إليها فهل تملك التصرف فيه من غير إذن الزوج أم لا؟
---
فنقل أبو طالب عن أحمد ـ رحمه الله ـ أنه سئل عن المرأة هل يجوز أن تهب مالها لرجل أجنبي فقال: ليس لها ذلك إلا بعد أن تلد ولداً أو يأتي عليها حول، فظاهر هذا جواز تصرفها بعد فك الحجر عنها.(1/226)
ونقل أبو طالب في موضع آخر: لا تهب من مالها شيئاً إلا بإذنه، لأنه مالك لها، فظاهر هذا أنها لا تملك التصرف إلا بإذنه، ويجب أن يكون هذا محمولاً على الكثير فأما القليل لا يمنع ولا يعتبر إذنه فقد صرح به في رواية حنبل قال: يجوز لها أن تنحل من مالها بعد ما تلد وتقيم سنة إذا لم يكن في ذلك حيف ولا ضرر.
وجه الأولى: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ تصدقن ولو من حليكن .
ولم يعتبر إذن الزوج وكل شخص وجب دفع ماله إليه نفذ تصرفه كالغلام.
وجه الثاني: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتصرف في مالها بعد ما ملك الزوج عصمتها إلا بإذنه .
ولأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: تنكح المرأة لثلاث خصال: لمالها، وجمالها، ودينها فلولا أن للزوج حقاً في مال الزوجة لما كان ينكحها لأجله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 378
وضع جار المسجد خشبة على جدار المسجد:
14 ـ مسألة: واختلفت هل يجوز للجار أن يضع خشبة على جدار المسجد؟
فنقل أبو طالب : ليس له ذلك، وأجاز له في حائط جاره.
ونقل حبيش بن سندي : له ذلك ذكر أبو بكر هذه الرواية في كتاب القولين.
وجه الأولى: أن القياس يمنع من وضع الخشب على جدار جاره، لأنه تصرف في حق الغير بغير إذنه إلا أنا أطرحنا القياس في ذلك للأثر، وهو قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جدار أخيه . وروي في جدار جاره فوردت الرخصة في حائط الجار فكان المسجد مبقي على موجب القياس، وهو المنع.
---
وجه الثانية: أنه لما جاز له ذلك في حائط الجار وهو حق الآدمي وحقوقهم مبنية على الشح فأولى أن يجوز في حائط المسجد، وهو حق الله وحقوقه مبنية على المسامحة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 379
إجبار الشريك في الجدار على الإنفاق في بنائه إذا انهدم:(1/227)
51 ـ مسألة: في الحائط إذا كان بين نفسين فانهدم وطلب أحدهما البناء هل يجبر الشريك على الإنفاق؟
فنقل ابن القيم وسندي وحرب : يجبر، وهو الصحيح.
ونقل بكر بن محمد في رجل له سفل وآخر علو فانهدم السفل والعلو: لا يؤخذ صاحب السفل بالبناء ولكن إن اختار صاحب العلو بناءه بنى عليه ولم ينتفع به صاحب السفل حتى يعطيه ما بنى في الأسفل وكان لهما جميعاً، فظاهر هذا أنه لا يجبر الشريك على الإنفاق.
وجه الأولى: أنه إنفاق على ملك يتعلق به إزالة الضرر عن شريكه فأجبر عليه أصله العبد المشترك والدابة المشتركة.
ووجه الثانية: أنه ملك لو انفرد به لم يلزمه الإنفاق عليه فإذا كان شركاً بينه وبين غيره وجب أن لا يجبر على الإنفاق عليه أصله إذا كان بينهما أو فأراد أحدهما أن يبنيها أو يغرسها غراساً، وقال أحدهما للآخر أريد أن تبني حاجزاً بين ملكي وملكك فإنه لا يجبر الآخر على ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 380
مسائل في الضمان
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 381
رجوع الغارم بغير إذن على من غرم عنه:
16 ـ مسألة: واختلفت الرواية إذا ضمن عنه بغير إذنه وقضى عنه الحق بغير إذنه هل يرجع به؟
فنقل ابن منصور : أنه يرجع، وكذلك نقل الأثرم ، وهو اختيار الخرقي.
ونقل محمد بن عبيد الله بن المنادى وإسحاق بن إبراهيم : لا يرجع، وقد ذكرنا توجيه الروايتين في مسائل الرهن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 381
الضمان بمال الكتابة:
،17 ـ مسألة: واختلفت هل يصح الضمان بمال الكتابة؟
---
فنقلابن منصور لاتصح الكفالة به وهو اختيار ابي بكر ونقل حرب ويعقوب بن بختان ومهنا ؛ تجوز الكفالة والضمان بمال الكتابة وجه الأولى: أن مال الكتابة غير مستقر في الحال ولا مستقر في الثاني لأن للمكاتب أن يعجز نفسه أي وقت شاء فلو قلنا: يصح ضمانة ثبت على الضامن دين صحيح، ولا يجوز أن يثبت على الكفيل خلاف ما هو ثابت على المكفول عنه.(1/228)
وجه الثانية: أن مال الكتابة دين على المكاتب فجازت الكفالة به كسائر الديون ولأن ضمان مال الكتابة قد يصح على وجه، وهو إذا كاتب عبدين كتابة واحدة على أن كل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه جاز كذلك في الحر، ومن قال بالأول انفصل عن هذا بأن ضمان أحدهما عن صاحبه لا يؤدي إلى إلزام الضامن خلاف ما هو ثابت على المكفول به، لأنه لا يعتق واحد منهما إلا بأداء جميع المال. ولا يلزم الضامن خلاف ما هو على المكفول وفي باب ضمان الحر عنه يؤدي إلى إلزامه على خلاف ما هو على المكفول فلهذا لم يصح، فأما أخذ الرهن بمال الكتابة فيحتمل أن لا يصح، رواية واحدة لأنه ليس يتسع أن يصح الضمان فيما لا يصح به أخذ الرهن وهو ضمان الدرك ويحتمل أن يجوز أخذ الرهن به رواية واحدة لأن في صحة ضمان الحر عنه يؤدي إلى أن يثبت على الكفيل خلاف ما هو على المكفول عنه وهذا المعنى معدوم في الرهن لأنه متى عجز كان رهنه كسائر أمواله.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 381
المقاصة في الدين من غير تراضي:
18 ـ مسألة: إذا كان لرجل على رجل مال من قرضٍ أو قيمةٍ متلف أو ثمن مبيع أو غيره، وكان للآخر عليه من جنس ذلك المال. مثل إن كان الدينان دراهم أو دنانير فهل يقع القصاص عن رضاهما وبتراد من كل واحد منهما عن حق صاحبه بغير اختياره أم لا؟
---
على روايتين: إحداهما: يقع أومأ إليه أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية مهنا في رجل له على رجل عشرة دراهم وللآخر عليه عشرة دراهم فلقيه فقال: العشرة التي لي عليك بالعشرة التي لك عليَّ. فهو جائز قد قضاه حين صارت له عليه عشرة.
فقد نص على أن القصاص حصل حين صار له عليه من جنس دينه، إن لم يوجد التراضي في تلك الحال، وإنما وجد في الثاني.(1/229)
والرواية الأخرى: متى رضى بذلك أحدهما برئا معاً، ولا يقع القصاص بغير رضى واحد منهما أومأ إليه في روايته أيضاً في موضع آخر في رجل استقرض من رجل دراهم فجاءه بدراهم ليقضيه فقال: قد جعلتك في حل ثم ذكر هذا المستقرض أن له على الذي أقرضه دراهم أصابها في حسابه فطالب بها. فقال: الذي كنت أقرضتك قضاء مما ذكرت فقال أحمد : تلك قد حاله منها. ويأخذ منه الدراهم التي أصابها في حسابه فلم يحكم بالقصاص بما خرج له في حسابه من الدراهم التي كانت له عليه قبل أن يحاله منها لعدم الرضى من أحدهما، وأوجب عليه القضاء كذلك.
وجه الأولى: (أنه) لا فائدة في بقاء الحقين، لأن أحدهما يقبض ماله على صاحبه ثم يرده إليه.
ولأنه لو كان له دين على والده فمات والده والدين في ذمته برىء الوالد منه لأن الدين يتعلق بتركته، وتركته لولده فلا معنى في بيع التركة في حقه والحق كله له.
ووجه الثانية: أن من عليه دين جاز له أن يقتضيه من أي أمواله شاء، وليس لمن له الدين أن يتغير عليه جهة القضاء فإذا رضى أحدهما أن يقضي دينه من الذي في ذمة صاحبه لم يكن له أن يعترض عليه، فلهذا وقع القضاء عنه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 382
كتاب الشركة والمضاربة والوكالة
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 385
قسمة الدين في الذمة:
1 ـ مسألة واختلفت في جواز قسمة الدين وهو في الذمة.
---
ونقل حنبل : منع ذلك، وهو أصح، لأن الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل، والروايتان فيه إذا كانت الديون في ذمم جماعة، وأقلها ذمتان فأما إن كانت في ذمة واحدة لم تصح، رواية واحدة، لأنه لا يصح إفراز ذلك في ذمة واحدة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 387
استئجار أحد الشريكين صاحبه لعمل في العين المشتركة بينهما:
1 ـ مسألة: واختلفت في استئجار أحد الشريكين صاحبه لإيقاع عمل في العين المشتركة مثل أن يستأجره لنقل الطعام بنفسه أو بغلامه أو بدابته أو لقصارة الثوب ونحو ذلك.(1/230)
فنقل ابن القاسم وسندي وصالح : جواز ذلك كما لو استأجر منه داراً يخزن فيها الطعام أو جوالق أو سفينة أو رحاً فإن ذلك جائز بلا خلاف على المذهب.
ونقل أحمد بن الحسان أنه لا يجوز، وهو أشبه، لأنه لا يمكن إبقاء العمل في العين المشتركة، لأن نصيب المستأجر غير متميز من نصيب المؤجر، وإذا لم يعرف المعقود عليه لم يجب الأجر، ويفارق هذا الدار والسفينة، لأن الأجرة لا تجب فيها بإيقاع عمل في العين، وإنما تجب بوضع العين في الدار وفي الجوالق فيمكن التسليم في المعقود عليه فلهذا جاز، ولأنه إذا لم يتميز مال أحد الشريكين من مال صاحبه حصل عاملاً في مال نفسه، فلا يجوز أخذ الأجرة على عمله في مال نفسه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 387
توزيع ربح المبيع المشترك شركة إملاك على قدر الملك لا على قدر الثمن:
3 ـ مسألة: إذا اشتركا في ثوب شركة إملاك لا شركة اختلاط واستويا في الملك فكان بينهما نصفين واختلفا في الثمن فابتاع أحدهما نصفه بخمسين، وابتاع الآخر نصفه بمائة ثم باعه فالمنصوص عن أحمد في رواية المروذي وأبي طالب وحرب وأحمد بن سعيد: أن الثمن والربح بينهما نصفان، لأن الثمن في مقابلة أجزاء المبيع والأجزاء بينهما متساوية وخرج أبو بكر في ذلك وجهين آخرين:
---
أحدهما: إن باعاه مرابحة انقسم الربح على قدر الثمنين، وإن باعه مساومة كان الربح بينهما نصفين.
نقل عنه ذلك إسحاق بن هاني، لأن بيع المرابحة يقتضي أن يكون الربح في مقابلة ثمن كل واحد منهما، والثمن مختلف، وإذا باعاه مساومة فالثمن في مقابلة أجزاء المبيع، والأجزاء بينهما متساوية فتساويا في ذلك.
والوجه الثاني: أن الربح والثمن بينهما على قدر أموالهما مساومة كان البيع أو مرابحة لأن الثمن مختلف فانقسم الربح عليه دليله شركة الاختلاط.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 388
ما يستحقه المضارب إذا تعدى الإذن في المضاربة الصحيحة:(1/231)
4 ـ مسألة: واختلفت الرواية في المضارب إذا تعدى الإذن في المضاربة الصحيحة مثل أن نهاه أن يعامل فلاناً لرجل بعينه أو نهاه أن يتجر في نوع من المتاع بعينه فخالف فيه وأجاز رب المال ذلك العقد، وقلنا: إن الشراء يقف على الإجازة فهل للمضارب أجرة المثل أم لا؟
نقل عبد الله وأبو الحارث وأبو طالب : لا أجرة له، لأنه لم يكن مأذوناً له في ابتداء العقد.
ونقل يعقوب بن بختان وصالح : له أجرة المثل، لأن بالإجازة تبين صحة الإذن فاستحق الأجرة.
ونقل حنبل إذا خالف فربح لم يكن الربح لواحد منهما ويتصدقان بالربح، قال أبو بكر انفرد بها حنبل، وإنما لم يكن للمضارب، لأنه غير مأذون له في العقد، ولم يكن لرب المال لأن هذا المال لو تلف لم يكن من ضمانه، وإنما كان من ضمان المضارب، وقد نهى عن ربح ما لم يضمن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 388
بيع المضارب نسيئه أو بغير نقد البلد أو بأقل من ثمن المثل:
---(1/232)
4 ـ مسألة: في المضارب هل يجوز أن يبيع بنسيئه على روايتين نقلهما الخرقي، ويتخرج على هذا الاختلاف: هل يجوز أن يبيع بغير نقد البلد وبأقل من ثمن المثل؟ يتخرج على روايتين. وكذلك الحكم في الوكيل هل يجوز له أن يبيع بنسيئه وبغير نقد البلد أو بأقل من ثمن المثل؟ يتخرج على الروايتين فإن قلنا: له ذلك فوجهه أن الوكيل والمضارب يتصرف من طريق الأمر، والأمر بالبيع مطلقاً يقتضي بيعه نقداً ونسيئه وبنقد البلد وغيره وبثمن المثل ودونه لأن اسم البيع المطلق يقع على جميع ذلك ولأنه شرط معلق بالعقد فملكه الوكيل بإطلاق الأمر دليله خيار الثلاث، وإذا قلنا لا يصح، وهو أشبه بالمذهب فوجهه أن قوله: بع يقتضي بيعاً مطلقاً، والبيع المطلق يقتضي تعجيل الثمن، بدلالة أن من باع واشترط تأجيل الثمن تأجل بالشرط، وإذا أطلق كان الثمن حالاً فيجب أن يحمل مطلق الأمر على هذا، ولأن المحاباة في البيع تحل محل الهبة بدليل (أن) محاباة المريض معتبرة من ثلثه كما أن هبته معتبرة من ثلثه ثم ثبت أنه إذا وكله في بيع شيء فباع البعض ووهب البعض لم يصح، كذلك إذا حاباه فيه يجب أن لا يصح، ولأن في العادة إذا وكل غيره ببيع عبد أو ثوب فإنما يريد بيعه بالدراهم والدنانير فيصير المعتاد كالمنطوق به. فإن قلنا إن إطلاق الإذن يقتضي البيع نقداً أو نساء فالعقد صحيح ولرب المال الثمن مؤجلاً وعلى قياسه إذا باع بأقل من عوض المثل وبغير نقد البلد.
وإذا قلنا: إن إطلاق الإذن لا يقتضي بيع النساء، وإنما يقتضي نقداً وثمن المثل ونقد البلد فمتى خالف، فهل يبطل العقد من أصله أو يحكم بصحته، ويغرم المضارب والوكيل؟
ونقل ابن منصور لفظين في موضعين أحدهما في الوكيل إذا باع بأقل من ثمن المثل فالبيع جائز وهو ضامن لما نقص.
---(1/233)
فقد حكم بصحة البيع، وألزم الوكيل النقصان، واللفظ الثاني: قال: لا يبيع إلا بنقد يبيع الناس به فإن باعه نسيئه رده فإن استهلك الثوب فقيمته على الذي قد باعه. فقد حكم ببطلان العقد من أصله فيتخرج ذلك على روايتين.
إحداهما: بطلان العقد من أصله، وهو أشبه.
والثانية: صحة العقد ويغرم الوكيل النقصان عن ثمن المثل، وكذلك يضمن الثمن في البيع نساء حالاً وكذلك إذا باعه بعرض يضمن قيمة العرض بنقد البلد يوم البيع، وليس يمتنع أن يحكم بصحة البيع، والغرم إذا اختار رب المال كما لو ابتاع ذا رحمة بغير إذنه صح وغرم القيمة. وكذلك لو وكله في بيع سلعة، فإذا ابتاع معيبه صح الشراء وكان لرب المال الخيار في الإمضاء وفي تضمين الوكيل إذا لم يثبت أنه وكيل لرب المال كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 389
ما يجب للمضارب إذا اختلف في المشروط:
6 ـ مسألة: إذا اختلف العامل ورب المال في قدر الربح فقال المضارب: شرطت لي نصف الربح، وقال رب المال: بل الثلث.
فنقل ابن منصور وسندي : القول قول رب المال مع يمينه.
ونقل حنبل : إن كان ما يدعيه المضارب قدر أجرة مثله أو زيادة عليه بقليل مما يتغابن بمثله قبل قوله، والله أعلم. وإن كان فيه زيادة على ذلك فله أجرة مثله.
وجه الأولى: أنه يدعي عليه حقاً في ماله فكان القول قول المنكر كسائر الدعاوي، ولا يلزم على هذا المتبايعان إذا ا ختلفا تحالفا وكان القول قول البائع، لأن المتبايعين إذا اختلفا تراجعا إلى عين أموالهما، وها هنا لا يمكن التراجع لأنه عمل قد تلف لا يمكن الرجوع فيه.
ووجه الثانية: أنه إذا كان ما يدعيه المضارب قدر أجرة المثل وما يقاربه فالظاهر معه، لأن الغالب من معاملات الناس يقتضي أجرة المثل أو زيادة بقليل فهو كما قلنا في اختلاف الزوجين في قدر الصداق القول قول الزوجة مع يمينها ما ادعت مهر مثلها لأن الظاهر معها.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 391
شراء المضارب ذا رحم لرب المال:(1/234)
7 ـ مسألة: إذا ابتاع المضارب أبا رب المال أو ابنه صح الشراء وعتق رواية واحدة نص عليه في رواية علي بن سعيد وابن منصور وهل يضمن لرب المال عوض ذلك؟
ذكر أبو بكر في كتاب التنبيه وجهين:
أحدهما: لا ضمان عليه، لأنا قد حكمنا بصحة العقد في حق رب المال.
والثاني: يضمن، وهو أصح، لأنه إذا دفع إليه المال مضاربة ليمينه ويحصل له الربح، وفي هذا الموضع قد أتلف عليه المال، لأنه قد عتق عليه فإذا قلنا يضمن قال أبو بكر: في قدر الضمان قولان:
أحدهما: أنه ضامن بالثمن، لأن العدوان فيه حصل.
والثاني: يضمن قيمته ويكون له من الربح بحصته، لأن إنما يعتق بعد صحة الشراء.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 391
شراء رب المال سلعة من مال المضاربة:
8 ـ مسألة: إذا اشترى المضارب سلعة للمضاربة هل لرب المال ابتياعها منه؟ على روايتين نقلهما حنبل:
إحداهما: جواز ذلك كما جاز له أن يشتري من مكاتبه ومن عبده المأذون له إذا كان عليه دين.
الثانية: لا يجوز، لأنه ملكه فلم يجز له ابتياعه كالموكل لا يصح أن يبتاع ما له في يد وكيله، وكذلك السيد فيما له في يد عبده المأذون له في الشراء بمال السيد فأما المكاتب فإنما جاز للسيد أن يشتري مما في يده، لأن ما في يده ليس بملك للسيد، وأما العبد المأذون فإن لم يكن عليه دين لم يصح شراؤه منه، وإن كان عليه دين لم يمنع لأن حق السيد انقطع عما في يده فأما شراء أحد الشريكين سلعة من مال الشركة فالعقد باطل في قدر حصته، لأنه يبتاع ما هو ملكه، وهل يبطل في حصة شريكه على روايتين بناء على تفريق الصفقة وقد تقدم شرحهما وإن اتباع قدر حصة شريكه من سلعة بعينها جاز، لأنه يبتاع ملك غيره فهو كما لو ابتاع من غير مال الشركة.
---(1/235)
ويفارق هذا رب المال إذا ابتاع سلعة من مال المضاربة أنه لا يصح على الصحيح من الروايتين، لأنه يبتاع ملكه، وقد علق أحمد ـ رحمه الله ـ القول في رواية حنبل في أحد الشريكين إذا أراد أن يبتاع حصة شريكة قبل القسمة فإن كان مما لا يكال ولا يوزن مثل عبد وثوب فلا بأس. فظاهر هذا أنه لا يجوز شراؤه لحصته من المكيل والموزون، وليس هذا الكلام على ظاهره لأنه قد نص على جواز ذلك في رواية ابن القاسم في الشريكين في الطعام يريد أحدهما بيع حصته من صاحبه فإن لم يكونا يعلمان كيله فلا بأس، وإن علما مبلغ كيله فلا بدع من كيله فقد أجاز بيع حصته من شريكه من المكيل والموزون، وقوله: إن علما مبلغ كيله لم يجز حتى يكيلاه معناه إذا كان بينهما شركة في طعام فباع حصته من شريكه صبره بغير كيل فإن كان البائع مبلغ كيل ذلك الطعام لم يجز بيعه صبره، وإن لم يعلم جاز، وهذا بناء على أصل آخر (وهو) أن من عرف مبلغ شيء لم يجز بيعه صبره لنهي ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك ولأنه إذا علم وكتم فإنه يقصد غبنه فمنع من ذلك كتلقي الركبان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 392
المضاربة بالعروض:
9 ـ مسألة: المضاربة بالعروض هل تصح أم لا؟
نقل إسحاق بن هانىء: أنها لا تصح.
ونقل الأثرم: جواز ذلك.
ووجه الأولى: أنها نوع شركة فلم تصح على العروض كشركة العنان لا تصح رواية واحدة.
ووجه الثانية: أن العروض أعيان مباحة فصح عقد المضاربة عليها كالدراهم والدنانير.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 393
تحديد المضاربة بأجل:
10 ـ مسألة: هل يصح أن تقع المضاربة مؤقتة أم لا؟
نقل مهنا جواز ذلك فقال: إذا دفع إليه ألفاً مضاربة شهراً فإذا مضى الشهر يكون قرضاً جاز.
ونقل حنبل : أنه لا يجوز، وهو اختيار أبي حفص.
وجه الأولى: أنها تختص بنوع دون نوع فوجب ألا يفسد بذكر الوقت وتتوقت إذا وقتت كالوكالة.
---(1/236)
ووجه الثانية: أن المضاربة تقتضي التصرف في عموم الأوقات فإذا وقتها فقد نفى موجب العقد فهو كما لو شرط ألا يخلي بينه وبين المال.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 394
رجوع المضارب عن إقراره بالربح:
11 ـ مسألة: إذا دفع المضارب إلى رب المال شيئاً وقال له: هذا ربح حصل في المال ثم ادعى بعد ذلك أنه لم يكن ربحاً وإنما كان من صلب المال.
فنقل الأثرم : أنه لا يقبل قوله في ذلك. قال أبو حفص : وقد روى عنه خلاف ذلك في رواية مهنا ـ رضي الله عنه ـ أنه يستحلف على دعواه.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أنه قد أقر على نفسه أن الذي دفعه من الربح هو مدع بعد ذلك أنه كان من صلب المال فيجب ألا يقبل قوله كما لو قال: لفلان عليَّ كذا، ثم قال غلطت بإقراري على نفسي فإنه لا يقبل قوله كذلك ها هنا.
ووجه الثانية: أن المضارب أمين في حق رب المال بدليل أنه لو أخبر بالوضيعة قبل منه وإذا أقر بحصول الربح ثم ادعى الوضيعة وذلك مما لا يجوز أن يكون صادفاً فيه. جاز أن يقبل منه، والأولى أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 394
تصرف الوكيل قبل علمه بالعزل أو موت الموكل:
12 ـ مسألة: إذا تصرف الوكيل بعد عزل الموكل أو موته وقبل علمه بذلك هل ينفذ تصرفه؟
فنقل ابن منصور : إذا تصرف بعد العزل أو الموت نفذ تصرفه إذا لم يعلم بموته فقد نص على نفوذ التصرف، وقال الخرقي ـ رحمه الله ـ: ما فعله الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته فباطل، فظاهر كلامه بطلان التصرف.
---(1/237)
وجه الأولى: أن العزل نهى عن التصرف بعد تقدم الإذن والأوامر والنواهي لا تثبت أحكامها إلا بعد العلم بها بدلالة أوامر الله ونواهيه لا يثبت حكمها إلا بعد العلم، والأصل فيه قصة أهل قباء لما نسخت القبلة وهم في الصلاة استداروا ولم يبتدئوا الصلاة من أولها، ولأنها معاملة تمت بهما فلم تنفسخ بأحدهما كالبيع لا ينفسخ بإقالة أحدهما للآخر بغير علمه، كذلك الوكالة. ووجه ما قاله الخرقي، وهو أشبه بأصول المذهب أن الفسخ رفع عقد لا يفتقر إلى رضا شخص فلم يفتقر إلى علمه كالطلاق لما لم يفتقر إلى رضا المرأة لم يفتقر إلى علمها، وعكس هذا الإقالة لما افتقر فيها إلى رضا المقيل افتقر إلى علمه وهذه العلة تجري في مسائل، منها: إذا ثبت الخيار لأحد المتبايعين ملك الفسخ بغير علم صاحبه، وكذلك إذا وجد بالمبيع عيباً ملك بغير علمه، وكذلك الوصي يملك عزل نفسه بعد موت الموصي وليس يعتبر العلم إلا في مسألة وهي إذا حلف على زوجته ألا تخرج إلا بإذنه فأذن لها بحيث لا تعلم لم يكن إذناً لأن ذلك ليس بفسخ عقد وإنما هو وجود صفة والصفة لا توجد إلا بالعمل لأن قوله لأخرجت إلا بإذني معناه: إلا بأن أعلمك الإذن لأن الإذن في لغتهم: الإعلام، قال الله تعالى: وآذان من الله ومعناه: وإعلام، وقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في مسكينة إذا ماتت فآذونني معناه: فاعلموني.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 395
بيع الوكيل نساء أو بأقل من ثمن المثل مما لا يتغابن به الناس:
13 ـ مسألة: إذا باع الوكيل بأقل من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله أو باعه نساء فهل يصح البيع أم لا؟
نقل ابن منصور لفظين:
أحدهما: أحدهما: إذا باع بأقل من ثمن المثل فالبيع جائز وهو ضامن لما نقص.
واللفظ الثاني: قال سفيان إذا أمره يبيع له شيئاً فلا يبيعه إلا بنقد، يبيع الناس نقداً.
---(1/238)
فإنه باعه بنسيئة رده فإن استهلك الثوب فقيمته قال أحمد : كما قال: فقد نص على صحة البيع إذا باع بنقصان وضمن الوكيل النقصان ونص على بطلانه إذا باعه نساء وضمنه القيمة عند تعذر العين فيكون فيه روايتان: إحداهما: بطلان العقد من أصله في الموضعين.
والثانية: صحة البيع فيهما، ويضمن قيمة النقصان. فإن قلنا البيع باطل فوجهه أن المحاباة في البيع تحل محل الهبة بدليل أن محاباة المريض معتبرة من ثلثه كالهبة ثم ثبت أنه وكله في بيع شيء فباع البعض ووهب البعض لم يصح ولأن التوكيل المطلق يقتضي تعجيل الثمن بدليل أنه لو شرط التأجيل تأجل.
وإذا لم يشرط تعجل، فيجب أن يحمل الإطلاق عليه.
ووجه الثانية: أن قوله: بع يعم ثمن المثل، وما دون ذلك. والنقد والنسيئة فيجب أن يحمل على إطلاقه، ولأنه لا يمتنع أن يحكم بصحة العقد على حالة يملك الموكل فيها الفسخ كما لو وكله في شراء ثوب فاشترى معيباً فالعقد صحيح وللموكل الخيار في إبطاله وإمضائه ـ كذلك هاهنا يكون له الخيار في مطالبة الوكيل بالنقصان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 396
توكيل الوكيل لغيره فيما وكل فيه:
14 ـ مسألة: واختلفت في الوكالة المطلقة هل يملك الوكيل أن يوكل غيره؟
فنقل ابن منصور : لا تجوز وكالة الوكيل. قال أبو بكر : وكذلك الوصي هل له أن يوصي إلى غيره؟ على روايتين.
نقلابن منصور : له أن يوصي إلى آخر، ويكون هذا وصيا عن الأول
ونقل جعفر بن محمد : ليس له أن يوصي فإن وصى عنه لم تصح الوصية، وكذلك إذا ولى الإمام حاكماً بلداً يقدر أن ينظر فيه بنفسه هل له أن يستنيب من ينظر فيه عنه على روايتين.. نقل مهنا : يجوز، ويتخرج المنع بناء على الوكيل والوصي.
---(1/239)
وجه الرواية الأولى: أن الموكل أذن له في التصرف بنفسه ولم يأذن له في أن يولي غيره فيجب أن يمنع من ذلك كما قلنا فيمن استأجر رجلاً ليخيط له قميصاً أو يحج عنه فإنه لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره لخياطته ولا ليحج مكانه، لأن الإذن حصل في حقه كذلك ها هنا.
ووجه الرواية الثانية: أنه لما ملك البيع بنفسه على الإطلاق ملك أن يوكل فيه دليله الأب، ولأن أكثر ما فيه أن تصرفه بتوليه وهذا لا يمنع التوكيل كالوصي وأمين الحاكم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 397
قبول قول الوكيل في قضاء دين الموكل:
15 ـ مسألة: إذا أمر وكيله أن يقضي دينه فذكر الوكيل أنه قد قضاه فأنكر صاحب الدين ذلك لم يقبل قول الوكيل على صاحب الدين رواية واحدة وهل يقبل قوله على موكله أم لا؟
فنقل الميموني : أنه يقبل في رجل أمر رجلاً أن يدفع إلى فلان ألف درهم فدفعها، وأنكر المدفوع إليه فإن كان أمره بالإشهاد فلم يشهد ضمن وإن فالقول قوله، وقال الخرقي: ولو أمر وكيله أن يدفع إلى رجل مالاً فذكر أنه دفعه إليه لم يقبل قوله على الأمر إلا ببينة، فظاهر هذا أنه لا يقبل قوله على موكله وجه ما نقله الميموني أنه تصرف من الوكيل على موكله فهو كالبيع، وقد ثبت أنه لو أقر على موكله بالبيع قبل قوله كذلك ها هنا.
ووجه ما نقله الخرقي: أنه أمره بقضاء دينه وإبراء ذمته، وإنما يحصل ذلك بأن يشهد عليه بالقبض فإذا دفعه دفعاً لا تبرأ ذمته به كان مفرطاً فيه فكان عليه الضمان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 397
شراء الوكيل والوصي مما وكل فيه:
16 ـ مسألة: في الوصي والوكيل وأمين الحاكم هل لهم الشراء من أنفسهم على روايتين:
نقل مهنا والبرازطي في الوصي لا يشتري من مال اليتيم ولا يبيعه شيئاً وهو اختيار الخرقي، وقد نص في الوكيل أيضاً في رواية حرب وأبي طالب فقال في الوكيل: لا يشتري ولا يشارك فيه إنما وكل في بيعه.
---(1/240)
ونقل جعفر بن محمد في رجل دفع إلى رجل ثوباً، وقال: بعه، فدفعه إلى مناد فبلغ الغاية لم يأخذه إلا أن يزيد، فظاهر هذا جواز الشراء بزيادة، وقاله أيضاً في رواية إسحاق بن إبراهيم: إذا أمره ببيع سلعة فأراد شراءها لم يجز حتى يوكل رجلاً ولا يعقد هو لنفسه فظاهر هذا جواز الشراء بشرط أن يستعين بغيره في النداء عليها ومعرفة مبلغ الثمن، وكذلك نقل حنبل عنه فقال لا يشتري الوصي من نفسه حتى يوكل رجلاً يشتري منه لا يأخذ بإحدى يديه من الأخرى، فعلى هذه الرواية يجوز شراء الوكيل بشرطين: أحدهما أن يكون بزيادة في الثمن وأن يستعين بغيره في النداء عليها وكذلك الوصي.
وقد نقل حنبل لا يشتري الوصي لأحدى يديه من الأخرى لكن يوكل رجلاً فإذا قام على ثمن في السوق اشتراه، فظاهر هذا جواز الشراء من نفسه إذا اشترى غيره في عرض السلعة والنداء عليها، وزاد في قيمتها لنفي التهمة عن نفسه في انفراده بعرضها والنداء عليها.
وجه الأولى: أن الوكيل والوصي وأمين الحاكم كل واحد منهما يستقصي لنفسه وقد أخذ عليه أن يستقصي للموكل فيؤدي إلى تضاد الغرضين والتهمة تلحق في ذلك فلهذا لم يجز.
ووجه الثانية: أنه لما جاز بيعه من غيره جاز من نفسه كالأب يجوز أن يبيع على ولده من غيره ويجوز من نفسه كذلك الوكيل والوصي وإنما اعتبر في شرائه زيادة في الثمنن وأن يكون من يد غيره لأنه أبعد للتهمة وأنفى للظنة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 398
إنكار الوكالة في عقد النكاح:
17 ـ مسألة: في رجل ادعى على رجل أنه وكله في عقد النكاح، وأنه قد عقد له عقد النكاح فأنكر الموكل فإنه لا يقبل قول الوكيل على موكله، لأن الأصل عدم التوكيل، وهل يلزم الوكيل نصف الصداق المسمى، على روايتين: نص عليهما في أخوين ادعى أحدهما على أخيه أنه وكله في تزويجه من امرأة وقد تزوجها وأنكر الآخر.
فنقل ابن منصور: يلزم الأخ الوكيل نصف الصداق.
---(1/241)
ونقل أبو طالب : لا يلزمه فعلى هذا تكون الخصومة فيه بين الموكل وبين المرأة فيكون القول الموكل، لأن الأصل أن لا عقد وعلى رواية ابن منصور تكون الخصومة بين المرأة وبين الوكيل فيلزمه أن يدفع إليها نصف الصداق. وقد تأول بعض أصحابنا هذه الرواية على وجه، وهو أن يكون الوكيل عقد العقد وضمن الصداق عن الموكل، وأنكر الموكل الإذن في العقد ولا بينة عليه بذلك القول قوله في ذلك، ويلزم الوكيل بحق الضمان نصف الصداق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 399
كتاب الإقرار
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 401
استثناء النصف مما أقر به:
1 ـ مسألة: لا يختلف أصحابنا إنما إذا أقر بشيء واستثنى منه الكثير لم يصح استثناؤه، واختلفوا إذا استثنى منه النصف فقال أبو بكر في كتاب الشافي لا يصح استثناء النصف، وظاهر كلام الخرقي جواز ذلك، لأنه قال ومن أقر بشيء واستثنى منه الكثير وهو أكثر من النصف كان استثناؤه باطلاً، وجه قول أبي بكر أنه لما لم يجز استثناء الكثير لأنه لم ينقل ذلك عن أهل اللغة وهذا موجود في النصف لأنه لم ينقل عنهم وإنما نقل عنهم فيما دونه فيجب أن يمنع من ذلك كما منع في الكثير، ووجه قول الخرقي أنه لم يستثنِ الكثير فيجب أن يصح استثناؤه كما لو استثنى القليل، ونظير هذه المسألة إذا كان الحرير غالباً على القطن لم يجز لبسه، وإن كان القطن غالباً جاز وإن كانا نصفين فهل يجوز لبسه أم لا؟ يتخرج على وجهين:
أحدهما: التحريم، لأنه معلوم ظاهر، وقد أومأ إليه في رواية إسحاق بن هانىء في الثوب يكون سداه حريراً ولحمته قطناً فهو الملحم المحدث لم يكن على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فكرهه.
---(1/242)
والثاني: الإباحة، لأنه ليس بغالب، وقد أومأ إليه في رواية الأثرم في الخز الذي سداه الإبريسم، فلم ير به بأساً، وكذلك نقل صالح في ثواب سداه حرير ولحمته قطن فهو كالخز، وقد قال ابن عباس : نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن المصمت من الحرير، وهذا يدل على الجواز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 403
استثناء العين من الورق والورق من العين:
2 ـ مسألة: واختلفوا في استثناء العين من الورق والورق من العين.
فقال أبو بكر : لا يصح، لأنه استثناء من غير الجنس فهو كما لو أقر بدراهم فاستثنى منها طعاماً أو ثوباً. وقال الخرقي : يصح، لأن العين والورق في حكم الجنس الواحد ألا ترى أنهما قيم المتلفات وأروش الجنايات ويضم بعضها إلى بعض في الزكاة، ويفارق هذا الاستثناء من جنس غيرهما لأنه لم يجرِ مجرى الجنس الواحد...
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 404
ما يلزم بالإقرار بكذا وكذا درهماً:
3 ـ مسألة: واختلفوا إذا قال له عليَّ كذا وكذا درهماً.
فقال شيخنا أبو عبد الله : يلزمه درهم واحد.
وقال أبو الحسن التميمي : يلزمه درهمان، قال: ومن أصحابنا من قال: يلزمه درهم فأكثر. وجه من قال: يلزمه درهم واحد أن كذا يقع على فلس ودانق ونصف درهم وكذا الثاني أيضاً.
فإذا قال: درهماً كان تفسيراً لأقل اثنين يفسران بدرهم وأقل اثنين يفسران بدرهم نصف ونصف، فأوجبنا اليقين، ووجه من قال: يلزمه درهمان أنه أقر بمبهمين بدليل أنه لو فسرهما بثوبين أو عبدين أو درهمين كان القول قوله فإذا قال بعد هذا: درهماً كان تفسيراً لهذا العدد فهو كقوله عشرون، هذا مبهم فإذا قال: درهماً كان تفسيراً للعشرين كذلك ها هنا قوله: درهماً تفسير لهاتين الجملتين.
ووجه من قال: يلزمه درهم فأكثر أن قوله كذا يقع على أقل من درهم.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 404
الإقرار لأجنبي في مرض الموت:
---
4 ـ مسألة: إذا أقر في مرض الموت لأجنبي هل يصح إقراره؟ فقال أبو بكر : فيها روايتان.(1/243)
إحداهما: لا ينفذ إقراره، قال في رواية ابن منصور: إذا قال: فرسي هذا لفلان فإقراره جائز إذا كان صحيحاً، وإن أقر وهو مريض فلا، فظاهر هذا المنع جملة، لأنه إقرار في مرض الموت بحق في ماله فلم يصح كما لو أقر لوارث.
والرواية الثانية: يصح إقراره، وهو اختيار الخرقي ، لأنه قال: والإقرار في مرض موته بدين كالإقرار في صحته إذا كان لغير وارث، لأنه غير متهم في هذا الإقرار فهو كما لو أقر بنسب فإنه يقبل إقراره، ويفارق هذا الإقرار لوارث لأن التهمة تلحقه في ذلك فلهذا لم يقبل.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 405
العارية بشرط عدم الضمان:
5 ـ مسألة: إذا استعار بشرط أنها إن تلفت لم يضمن، فهل يسقط الضمان أم لا؟
قال أبو حفص : لا ضمان، قال وقد نقل ابن منصور قلت لأحمد: قال سفيان : كل شيء أصله ضامن فإذا شرط أنه ليس عليه ضمان فهو ضامن. قال أحمد : إذا اشترط له فالمسلمون عند شروطهم، وعندي أن عليه الضمان كما لو لم يشرط وهو ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ، لأنه أطلق القول بأن العارية مضمونة، ولم يعتبر الشرط في في ذلك.
وجه قول أبي حفص: ما روى أبو هريرة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: المؤمنون عند شروطهم... .
روى عبد الرحمن بن غنم قال شهدت عمر بن الخطاب قال: إن مقاطع الحق عند الشرط، ولأنه لا يمتنع أن يسقط الضمان بالشروط. كفدية اللبس والتحلل عند الإحصار إذا شرط ذلك في عقد الإحرام، وكما لو أذن في قطع يده، وشرط ألا ضمان على القاطع فإنه لا يجب الضمان، والدلالة على ثبوت الضمان وإن شرط نفيه قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في حديث صفوان:
عارية مضمونة مؤادة .
---
فوصفها بالضمان، وهذا عام، ولأن ما كان مضموناً لم يزل ضمانة بالشرط كالمبيع قبل القبض، والقرض والمقبوض على وجه العموم، وما لم يكن مضموناً فشرط الضمان لا يوجب ضمانه كالوديعة والشركة والرهن كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 405
كتاب الغصب(1/244)
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 407
ما يضمن به المثلى:
ـ مسألة فيما له مثل:
نقل حرب وإبراهيم بن هاني : وما كان من الطعام والدراهم، أو ما يكال أو يوزن فعليه مثله ليس القيمة، فظاهر هذا أن ما يكال ويوزن له مثل وما عدا ذلك لا مثل له. ونقل موسى بن سعيد الدنداني : المثل في العصا والقطعة إذا كسرت وفي الثوب، ولا أقول في العبد والبهائم فظاهر هذا أن ما عدا الحيوان له مثل كالثياب والحطب والخشب والأواني، وإلى هذا ذهب جماعة من أصحابنا وعندي أن المسألة رواية واحدة، وأن ما عدا المكيل والموزون لا مثل له، وما نقله موسى بن سعيد قول مرجوع عنه لأنه ليس بمكيل ولا موزون فلم يضمن بمثله كالحيوان ولأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل لأنه إن ساواه في القدر خالفه في الثقل وإن ساواه فيهما خالفه من وجه آخر وهو القيمة فإذا تعذر المثل لم يكن بد من اعتبار القيمة، ومن ذهب من أصحابنا إلى إثبات المثل في هذه الأشياء يحتج بما روى أنس قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين فبعثت إحداهن قطعة من طعام إليه فضربت بيدها على يد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم فسقطت القطعة وانكسرت نصفين فضم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أحد الكسرين إلى الآخر، وجعل يجمع الطعام فيه، وقال: كلوا، غارت أمكم وبعث بقطعة صحيحة إليها وقال: خذوا ظرفاً مكان ظرفكم ، وروى عن عائشة ـ رضي الله عنه ـ قال: بعث بقصعتي إليها والجواب أن هذا محمول على أنه بعث بالقصعة إليها برضا عائشة، بدليل أنه بعث بقصعة بكسر قصعة، وهذا لا يجب، فثبت أنه رضى منها به.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 409
ما تضمن به عين الدابة:
2 ـ مسألة: إذا قلع عين دابة ينتفع بظهرها في العادة دون لحمها هل يجب فيها مقدار أم يضمن بما نقص؟
قال أبو بكر : فيها روايتان:
إحداهما: ما نقص، قال في رواية الميموني: من جنى على الدابة أو أعور فيها فعليه ما نقص.(1/245)
فظاهر هذا أن الواجب في ذلك ما نقص.
ونقل أبو داود في رجل فقأ عين دابة رجل فعليه ربع قيمتها قيل له: فإن فقأ العينين جميعاً فقال: إذا كانت واحدة فقضى عمر بأن فيها ربع القيمة وأما العينان فما سمعت فيهما شيئاً فقد نص على ربع القيمة في العين الواحدة. وتوقف في العينين أن يحكم فيهما بمقدر.
وقد نقل أبو الحارث هذه المسألة وكشف فقال في رجل فقأ عين دابة لرجل: عليه ربع قيمتها. قيل له: فقأ العينين، قال: إذا كانت واحد فقال عمر ربع القيمة، وأما العينان فما سمعت فيهما شيئاً قيل له: فإن كان بعيراً أو بقرة أو شاة. فقال: هذا غير الدابة هذا ينتفع بلحمه وينظر ما نقصها.
وجه الرواية الأولى: أنها جناية على بهيمة فضمنت بالنقصان، دليله لو قلع العينين أو قطع يداً أو قلع عين بهيمة بقصد الانتفاع بلحمها دون ظهرها.
ووجه الرواية الثانية: حديث عمر أنه قضى في عين الدابة بربع قيمتها. وروى عن علي أيضاً والصحابي إذا قال قولاً يخالف القياس فلا يقوله اجتهاداً، لأن الاجتهاد لا يقتضيه، وإنما يقوله توقيفاً عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ، ولأن الفرس حيوان يستحق به من المغنم فوجب في عينه مقدر كالحر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 410
ضمان منافع الغصب:
3 ـ مسألة: في منافع الغصب. هل هي مضمونة على الغاصب؟
فنقل الأثرم فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم فعليه أجرة مثلها.
ونقل بكر بن محمد عن أبيه في رجل غصب داراً فسكنها سنة أو أقل أو أكثر هل ترى عليه أجرة مثلها؟.
---
فقال: من الناس من يقول: لا أجرة عليه، ولا اجترىء أن أجعل عليه سكنى ما سكن.
قال أبو بكر الخلال : هذا قول قديم، لأن محمد بن الحكم مات قبل أبي عبد الله بنحو من عشرين سنة.(1/246)
فمن ذهب إلى رواية بكر بن محمد فوجهه أنه لو غصب حراً فحبسه مدة ثم أرسله لم يضمن منافعه كذلك العبد، والعلة فيه أنها منفعة استخدام فلم تضمن بالغصب، ولأن منفعة ولد المغرور غير مضمونة وإن كانت قيمته مضمونة كذلك العبد.
ووجه الضمان: وهو الصحيح أن المنفعة تضمن بالبدل في العقد الفاسد فضمنت بالغصب كالأعيان. يبين صحة هذا أنها تحل محل الأعيان بدلالة جواز العقد عليها، وأنها تضمن بالمسمى في العقد الصحيح وبالمثل في الفاسد، وتصح هبتها والوصية بها كالأعيان سواء فيجب أن تساويه في باب الضمان.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 411
فداء المغرور بالأمة لأولاده منها لسيدها:
4 ـ مسألة: في المغرور إذا استولد الأمة، هل يفدي أولاده لمالك الأمة؟
فنقل جعفر بن محمد ، يفديهم، ويرجع بذلك على من غره.
ونقل ابن منصور روايتين: إحداهما مثل هذا.
والثانية: قال: ليس عليه أن يفديهم، ويرد الأمة إلى مالكها. قال أبو بكر الخلال : أحسب هذا قولاً قديماً، والذي أذهب إليه أنه يفديهم ويرجع بذلك على الغار، فوجه من نفى ضمان القيمة أن هذا الولد انعقد حراً في الأصل وإذا انعقد حراً لم يضمن لسيد الأمة، لأنه غير مالك له ووجه من أثبت ضمان قيمته ـ وهو الصحيح ـ أن الولد من نماء ملكه ـ وكان من سبيله أن يكون مملوكاً لسيدها. وقد أتلف الرق عليه باعتقاده فكان عليه قيمته.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 412
رجوع المغرور بالمهر على من غره:
5 ـ مسألة: إذا ضمن المغرور المهر للمستحق هل يرجع به على الغار وهو البائع؟
---
فنقل ابن منصور : أنه يرجع به على من غره، وكذلك قال في المغرور في النكاح إذا غره في العيوب فوطىء وهو لا يعلم ثم فسخ أنه يرجع به على من غره.(1/247)
قال في رواية بكر بن محمد : قد كنت أذهب إلى حديث علي ـ ثم هبته وكأني أميل إلى حديث عمر، فقد أخذ بحديث عمر ولفظه: إذا تزوج بامرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها، ورجع عن قوله بحديث علي، وهو الغرم بلا رجوع. قال في رواية أبي طالب يقول: ليس عليه غرم بما غره فقيل له: ما تقول أنت؟ قال: لا أدري، وكذلك نقل هارون بن عبد الله البزاز فيمن خطب امرأة فزوجوه بغيرها فدخل بها فلهذا الصداق على وليها لأنه غره. وقد نص بالرجوع على الغار فيه.
قال أبو بكر : فقد توقف أحمد عن المهر، لأن عمر وعلياً اختلفا فقال عمر: يرجع.
---(1/248)
وقال علي: لا يرجع، وكلا القولين قال بهما أحمد. قال: واختياري قول علي ـ رضي الله عنه ـ فقد جعل أبو بكر المسألة على روايتين في الرجوع واختياره أنه لا يرجع به، والمنصوص عنه في الأمة وفي العيوب أنه لا يرجع بذلك. وأخذ بحديث عمر ـ وهو اختيار الخرقي وكذلك يتخرج الخلاف إذا استخدمها المشتري. ثم جاء مستحق فاستحقها فإنه يغرم للمستحق أجرة مثلها. وهل يرجع بذلك على البائع أم لا؟ على روايتين: فمن ذهب إلى أن لا يرجع فوجهه أن المهر بدل منفعة قد حصلت له. فيجب ألا يرجع به على غره، ألا ترى أنه لو غصب طعاماً فغصبه آخر منه، فأكله فضمنه المغصوب منه لم يرجع بما ضمنه على الغاصب الأول، ولا يشبه هذا قيمة الولد إذا ضمنها المستحق يرجع بها على البائع لأنه يكون مغروراً يمنع دخول الولد في الرق فصار الولد حر الأصل، وهذا المعنى لا يحصل للمغرور وإنما يحصل للولد والوطء منفعته قد حصلت له فلا يجوز أن يرجع ببدلها على غيره، ومن ذهب إلى أنه يرجع، وهو أصح فوجهه أن البائع قد ضمن له بعقد البيع سلامة الوطء كما ضمن له سلامة الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يجب أن يرجع عليه بالمهر ولأن كونه منتفعاً بالوطء لا يمنع الرجوع بدليل أن قيمة الولد يرجع بها وهو منتفع بحريته، لأنه يرثه ولا ينتفي عنه النقص برق ولده، ولأنه لا يرجع وإن لم يحصل له منفعة وهو أن العين إذا تلفت في يده فإنه يغرم القيمة لمالكها ولا يرجع بذلك على البائع وإنما يرجع بالثمن الذي أخذه فامتنع أن يكون عليه الرجوع ما لم ينتفع به، لأنه قد لا ينتفع ولا يرجع وهو القيمة يعني قيمة العين، وقد ينتفع ويرجع وهو قيمة الولد.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 412
الوقت الذي يعتبر فيه قيمة المغصوب:
6 ـ مسألة: في قيمة المغصوب هل يعتبر وقت الإتلاف أو وقت الغصب؟
---(1/249)
فنقل ابن مشيش فيمن غصب ثوباً: فعليه قيمته يوم يستهلكه لا يوم بغصبه، وكذلك نقل حنبل وصالح فيمن غصب جارية قيمتها ألف فماتت وهي تساوي مائتين فعليه قيمتها يوم ماتت فقد نص على أن القيمة معتبرة يوم التلف.
ونقل ابن منصور في الرجل يستهلك الطعام لرجل أو شيئاً من العروض: فعليه قيمته يوم غصبه فعاوده السائل بعد ذلك فجبن عنه، قال أبو بكر الخلال : قد روى جماعة أن عليه القيمة يوم الاستهلاك.
ونقل إسحاق عنه يوم غصبه ثم جبن عنه ورجع إلى قوله الأول، فعلى هذا رجوعه يمنع اختلاف الروايتين بل تكون المسألة رواية واحدة بأنه لا يعتبر قيمته يوم الغصب، وإذا لم يعتبر قيمته يوم الغصب فهل يعتبر يوم التلف؟ فالمنصوص في رواية ابن مشيش وحنبل وصالح: أنه يعتبر قيمته يوم التلف.
---(1/250)
وقال الخرقي : ولو غصبها وهي حامل فولدت في يده ومات الولد فعليه قيمة ولدها أكثر ما كانت قيمته يعني أكثر ما كانت قيمته من حين الولادة إلى حين التلف، وما وجدت رواية بذلك فعلى قوله: إذا كانت قيمته يوم الولادة مائة ويوم التلف خمسين ضمنه بمائة، وكذلك سائر المتلفات فالغصب يخرج على قوله أنه يضمن بأعلى القيمتين من حين الغصب إلى حين الإتلاف. والمنصوص عن أحمد خلاف هذا، وهكذا الحكم في المقبوض عن عقد فاسد أنه يضمن بقيمته حين الإتلاف ولا تعتبر قيمته حين القبض ولا أعلى القيمتين وقد قال أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية الأثرم وحنبل في الرجل يأخذ من الرجل رطلاً من كذا وكذا على وجه البيع ولا يقاطعه على سعره: فلا بأس به، ويكون له قيمته يوم أخذه لا يوم محاسبته، وإنما حكم بأن القيمة يوم القبض لأن استهلاك هذه الأشياء في العادة يوم القبض. فمن نصر قول الخرقي وأنه يضمن بأعلى القيمتين فوجهه أنه يطالبه بتسليم العين حال زيادتها، وهو غاصب لها في هذه الحال فيجب أن تكون مضمونة عليه كزيادة الثمر والصنعة (لما كان) مطالباً بها على هذه الصفة كانت مضمونة عليه، والدلالة على أنه يضمن بقيمته يوم الإتلاف هو أن الزيادة في القيمة لو كانت مضمونة مع تلف العين لكانت مضمونة مع بقائها.
ولما لم يضمن هذه الزيادة مع بقاء العين كالسمن وتعليم الصنعة لما كانت هذه الأشياء مضمونة مع تلف العين كانت مضمونة مع بقائها، لأنه لو غصبها وقيمتها مائة فبلغت قيمتها مائتين ثم نقصت فرجعت إلى مائة فردها وقيمتها مائة لم يضمن هذا النقصان، كذلك يجب ألا يضمنها مع تلف العين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 414
ربح المال المغصوب إذا اتجر به الغاصب:
7 ـ مسألة: إذا غصب مالاً اتجر فيه فهل يكون الربح لصاحب المال؟
فنقل أبو طالب وعلي بن سعيد : إذا اتجر في الوديعة بغير إذن مالكها فربح فيها فالربح لصاحب الوديعة.
---
ونقل حنبل : لا يكون الربح لأحدهما بل يتصدقان به.(1/251)
وجه الأولى: أنه لا خلاف أنه لو غصب الحنطة فزرعها فالزيادة لرب الحنطة كذلك ها هنا يبين صحة هذا أن الربح يضم إلى النصاب ويزكى، وتضم السخال إلى الأمهات وتزكى إن كان أحدهما من غير المال وهو السخال. والآخر من غيره وهو الربح.
ووجه الثانية: نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ربح ما لم يضمن. وهذا المال بعد التصرف فيه لو تلف قبل قبضه لم يكن من ضمان المالك، وإنما يكون من ضمان الغاصب فيجب أن يتصدق بالربح، وهكذا نقل حنبل فيمن ابتاع ثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع فتركها حتى يبدو صلاحها تصدق بالزيادة، لأن الثمرة قبل قبضها من ضمان البائع فلم يملك الزيادة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 415
وجوب المهر على مكره الثيب:
8 ـ مسألة: واختلفت إذا استكره حرة ثيباً هل يلزمه مهرها؟
فنقل بكر بن محمد : عليه الصداق، لأنه ملتزم حكم الإسلام صادف وطؤه أجنبية منه فإذا سقط الحد عن الموطوءة وجب المهر على الواطىء إذا كان من الضمان كما لو كانت بكراً فإنه يلزمه المهر، رواية واحدة كوطء الشبهة، ولأن أكثر ما فيه أنه لم يتلف جزءاً منها، وإنما انتفع بالوطء، ومثل هذا يوجب الضمان كمنافع المغصوبة إذا كانت أمة، وسكنى الدار وركوب الدابة، وكل هذا مضمون كذلك ها هنا.
ونقل ابن منصور : لا صداق عليه لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى عن مهر البغي ويروى بالتخفيف، ومعناه عن مهر في مقابلة فعل البغي وهذا فعل البغي، لأن الحد يجب عليه بهذا الوطء، والصحيح أنه يروي بالتشديد والمكرهة غير باغية فلا ينصرف الخبر إليها، والرواية الأولى أصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 416
ما يضمن به المغصوب إذا تغير عن صفته حال الغصب:
---
9 ـ مسألة: إذا تغير المغصوب عن صفته التي هي عليها مثل أن غصب حديداً فضربه سكاكين أو خشباً فعمله أبواباً أو حنطة فطحنها أو دقيقاً فخبزه أو شاة فذبحها وشواهاً هل ينقطع حق المغصوب منه؟(1/252)
فنقل بكر بن محمد : إذاغصب حديداً فعمله سكاكين فإنه يدفع إليه سكاكين، وإذا كان حديداً يدفع الثمن على القيمة، فظاهر هذا أنه حكم بملكه الغاصب وألزمه القيمة، وهو اختيار أبي بكر، لأنه قال في كتاب (التنبيه): ولو غصب يبرماً فعمله أبراً أو ساجة فعملها أبواباً فعليه قيمة البيرم والساجة، وعندي أنه لا ينقطع حق المغصوب منه، لأنه قال في رواية الميموني: في رجل دفع إلى رجل ثوباً ليقطعه قميصاً فقطعه قباء، أو قميص امرأة، أو إلى صباغ ليصبغه بعصفر فصبغه أسود فهو لصاحب الثوب، ويلزمه قيمة ما نقص. وهذا نظير هذه المسألة لأن الأجير إذا تعدى في الإذن صار غاصباً. وقال في رواية ابن منصور: إذا ذبح الشاة ثم أخرجها يقطع في ذلك، وهؤلاء يقولون: لا يقطع، وهذا يدل على أنه لا يملكها الغاصب، وقال أيضاً: إذا جنى على العين المغصوبة جناية أتلف منها منفعة مقصودة مثل أن يقطع يد العبد المغصوب أو شق الثوب نصفين يلزمه الأرش ولم يجعل له حبس العين ودفع القيمة، ويكون معنى قوله في رواية بكر بن محمد : يعطيه القيمة، يعني نقصان القيمة عما كانت عليه وقت الغصب لا أنه أراد قيمة جميع العين، فعلى هذه الطريقة إن نقصت قيمة العين بتغير صفته فعليه ما نقص، وإن زادت فالزيادة لصاحب العين ولا شيء للغاصب لأنها آثار أفعال وليست أعيان أموال، قال أبو بكر : وقد روى عنه إن كان فيها زيادة كان شريكاً لصاحب السلعة المغصوبة بقدر الزيادة ولعله خرج هذا القول على رواية إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيمن غصب ثوباً فصبغه فزاد أن الغاصب شريك في الزيادة، ويجب أن يكون بينهما فرق وذلك أن الصبغ زيادة أعيان، وليس كذلك ها هنا، لأنها زيادة آثار، فمن ذهب من أصحابنا إلى أنه ينقطع حق
---(1/253)
المغصوب منه إذا تغيرت صفته فوجهه ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه زار قوماً من الأنصار في دارهم فذبحوا له شاة وصنعوا منها طعاماً فأخذ من اللحم شيئاً ليأكله فيمضعه ساعة فلم يسغه فقال ما شأن هذا اللحم، وروي أنه قال: إن هذه الشاة لتحدثني أنها أخذت بغير حق، فقالوا: طلبنا شاة في السوق فلم نجد وهذه الشاة كانت لبعض جيراننا فذبحناها ونحن نرضيه من ثمنها فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: أطعموها الأسرى فلولا أن حق صاحبها قد انقطع عنها لما أمرهم أن يطعموها الأسرى ولأمرهم بردها على المغصوب منه، ولأنه إذا ذبحها وشواها فات أعظم منافعها وزال الاسم عنها فوجب أن ينقطع حق صاحبها عنها كما لو غصب شاة فقتلها، ولا يلزم عليه إذا ذبحها ولم يشوها لأن معظم المنافع لم تفت لأن المقصود من الشاة اللحم وهو قبل أن يشوي يصلح لكل لون، والدلالة على أنه لا ينقطع حق المغصوب منه أن كل ما إذا فعله المالك في ملكه لم يزل ملكه عنه فإذا فعله الغاصب لم يزل ملكه عنه أصله إذا ذبحها ولم يشوها، وإذا غصب نقرة فضربها دراهم، ولأنه لو كان الغاصب أحق بها لملك التصرف فيها بالبيع والهبة والأكل ونحو ذلك.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 417
إجبار الغاصب على إزالة ما أحدثه في الأرض:
10 ـ مسألة: إذا غصب أرضاً فبنى فيها هل يجبر الغاصب على قلع البناء أم له المطالبة بالقيمة أو أرش النقص بما يحصل بالنقص؟.
فنقل بكر بن محمد عن أبيه عنه: يقوم البناء ويعطى، لأنه إن أخذ الغاصب بناء يضر برب الأرض في الخراب والهدم ويكون ذهاب مال الغاصب في الجص والآجر.
ونقل ابن مشيش ومهنا : يجبر على قلع البناء، وهو أصح.
---(1/254)
ووجه الأولى: أنه بناء حصل في ملك الغير فلم يجبر على قلعه على وجه يضربه كما لو أعاره أرضاً للبناء، ولأنه لو أعاره أرضاً للزراعة مدة معلومة فانقضت المدة والزرع لم يبلغ فإنه يجبر على إقراره في أرضه حتى يبلغ، وإن لم يكن الإذن حصل فيما زاد على ذلك.
ووجه الثانية: ما روى عروة بن الزبير: أن رجلين من الأنصار وروي من بني بياضة اختصما إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما في أرض الآخر نخلاً فقضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، وقال:
من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق قال ولقد رأيتها والفؤوس تعمل في أولها وهي يومئذ عم، وهذا المعنى موجود في البناء، ولأنه شغل ملك غيره غصباً بملكه الذي لا حرمة له بنفسه فكان عليه التفريغ أصله إذا غصب داراً فصب فيها طعاماً فعليه التفريغ والنقل، ولأنه لو غصب ساحة وبنى عليها لزمه نقل بنائه من غير قيمة البناء كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 418
ما يأخذ به صاحب الأرض ما عليها من بناء أو زرع للغاصب:
11 ـ مسألة: فإن غصب أرضاً فزرعها، فأراد صاحب الأرض أخذ الزرع لنفسه، فهل يأخذه بقيمته أم بما أنفقه الغاصب على الزرع؟ فيه روايتان:
نقل الميموني أبو الحارث وأبو طالب : يأخذه بما أنفق عليه.
ونقل مهنا عنه: له قيمة الزرع.
وجه الأولى: حديث رافع أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: له نفقته فنص على النفقة دون القيمة.
ووجه الثانية: أن الزرع ملك الغاصب، بدليل أنه لو لم يحضر صاحب الأرض حتى حصد الزرع لم يكن له أخذه وإذا كان على ملكه كان له أخذه بقيمته، كما لو غصب خياطاً فخاط به خرجه دفع قيمته، ولأن الشفيع والمعير يأخذ الغراس والبناء بقيمته كذلك صاحب الأرض.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 419
كتاب الإجارة
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 421
إجارة الدار مشاهرة كل شهر بكذا:(1/255)
1 ـ مسألة إذا قال: أجرتك داري هذه كل شهر بدراهم معلومة هل تصح الإيجارة أم لا؟
فنقل ابن منصور في الرجل يؤاجر داره بعشرة دارهم كل شهر: لا بأس به، فظاهر هذا أن الإجارة صحيحة، ومعنى هذا أنها صحيحة في الشهر الأول، وهي مراعاة فيما بعده من الشهور فلكل واحد منهما فسخ الإجارة عند رأس الشهر فإن لم يفسخ حتى مضى من الشهر (الثاني) يوم أو يومان لواحد منهما أن يفسخ، وهو اختيار الخرقي، وقال أبو بكر : الإجارة باطلة، لأن أحمد قال: في رواية أبي الحارث والمروذي في الرجل يكتري لمدة غزاته لا يصح. وجه الرواية الأولى: أن الشهر (الأول) معلوم لأنه عقيب العقد، وقد ذكر له قسطاً من العوض معلوماً، والشهور لا تختلف فيجب أن يصح العقد على الشهر الأول كما لو قال الشهر الأول بعشرة، وما بعده من الشهور بحساب ذلك، ولا يشبه هذا إذا (قال) بعتك هذه الثياب التي في الجراب كل ثوب بعشرة أنه لا يصح البيع في شيء من الثياب لأنها تختلف والشهور لا تختلف.
ووجه الرواية الثانية: أن العقد إذا وقع على جملة مجهولة بطل فيها وفي أبعاضها كلها، وإن كانت أبعاضها معلومة، كما لو قال: أجرتك هذه الدار وداراً أخرى بعشرة، أوقال بعتك هذا الثوب وثوباً آخر بعشرة فإن العقد باطل في الجميع، ومن نصر الأول أجاب عن هذه بأنه يبطل به إذا قال: أجرتك هذه الدار الشهر الأول بعشرة وما بعده من الشهور فبحسابه فإنه يبطل فيما بعده ويصح فيه وعلى أن الدار والثياب تختلف فلهذا يبطل العقد في الجميع، والشهور لا تختلف فلهذا لم يبطل في الجميع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 423
كرى الأرض بجزء مما يخرج منها:
2 ـ مسألة: هل يجوز كرى الأرض بالثلث والربع مما تخرج أم لا؟
---(1/256)
نقل الحسن بن ثواب ، وأحمد بن أصرم ، وأبو بكر بن صدقة ، وإسحاق بن هانىء وأبو طالب ، وأحمد بن هشام ، وحرب ، وأبو النصر ، وعبد الله الميموني : جواز ذلك قال أبو حفص: وقد روي عن أبي عبد الله الكراهية في رواية ابن منصور، وقد سئل عن كرى الأرض بالطعام قال: هو المحاقلة، ولا بأس بكراها بالدراهم والدنانير.
وجه الأولى: ما روى البخاري قال: قال قيس بن سالم عن أبي جعفر: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وروي عن سعد بن مالك ، وابن مسعود أنهما كانا يعطيان أرضهما بالثلث والربع، ولأن المزارعة صنف من الإجارة وقد جارت بالثلث والربع كذلك المساقاة والمضاربة، وكذلك الإجارة.
وجه الثانية: ما روى رافع بن خديج قال: كنا نحاقل بالأرض على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فنكرتها بالثلث والربع والطعام المسمى ـ فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهانا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها ولأن هذه أجرة مجهولة لأنه لايعلم قدر ما تخرج الأرض فلهذا لم يصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 424
إجارة بكيل معلوم من جنس ما يخرج منها:
3 ـ مسألة: فإن أجر أرضه بكيل معلوم من جنس ما تخرج الأرض هل يجوز أم لا؟
نقل الحسن بن ثواب عنه: الكراهية، وقال أبو حفص : ونقل عبد الله الرخصة ، في رواية أبي النصر.
وجه الأولى: ما تقدم من حديث رافع بن خديج أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن يحاقل الأرض بالثلث والربع وطعام مسمى. ونهى عن إجارتها بطعام مسمى.
ووجه الثانية: وهي أصح ما تقدم من إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأنهم كانوا يكرون بالثلث والربع، ولأن كل ما جازت إجارته بغير المطعوم جازت بالمطعوم كالدور والبدن.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 425
---
تسليم العين المؤجرة قبل تمام المدة وأثره في مقدار الأجرة:(1/257)
4 ـ مسألة: إذا استأجر دار مدة بعينها فسكن بعض المدة وانتقل عنها باختياره.
فنقل أبو طالب : يلزمه جميع الكرى للمدة، قال أبو بكر : وقد نقل ذلك الأثرم وإبراهيم بن الحارث ، وانفرد أبو الحارث عنه، فقال: عليه بقدر ما ترك من الشهر، وعندي أن هذا محمول على أنه انتقل لعذر منعه من السكنى فأما أن ينتقل باختياره فإن جميع الأجرة تلزمه، لأن أصلنا أن جميع الأجرة قد ملكت عليه بعقد الإجارة، ولأن الإجارة عقد لازم لا يملك فسخه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 426
دعوى مستأجر العبد أنه أبق أو مرض أثناء المدة:
5 ـ مسألة: فإن استأجر عبداً مدة بعينها وتسلمه ثم ادعى المستأجر أن العبد أبق في هذه المدة وأنه لم ينتفع به.
فنقل ابن منصور القول قول المستأجر في ذلك فإن ادعى أنه مرض في هذه المدة لم يقبل قوله تحى يقيم البينة على ذلك، فظاهر هذا أنه قد فرق بين الأباق والمرض فجعل القول قول المستأجر في الأباق، وجعل القول قول المؤجر في عدم المرض.
ونقل حنبل أنه لا يقبل قوله في ذلك، ويكون القول قول السيد إلا أن يقيم المستأجر بينة بإباقه.
ووجه هذه الرواية: أن التسليم قد حصل في الظاهر، والأجرة قد ملكها المؤجر بالعقد، والمستأجر يدعي زوال ملكه عنها فيجب أن لا يقبل قوله إلا ببينة ويكون القول قول المؤجر لأنه تشهد له سلامة العقد/ ووجه الرواية الأولى: أنه قد استحق المستأجر التسليم للمنفعة المعقود عليها والمؤجر يدعي تسليمها منه والأصل عدم ذلك فكان القول قول المستأجر لأنه منكر، وإنما فرق بين الأباق وبين المرض، لأن الأباق لا يمكنه إقامة البينة عليه فكان القول قوله، والمرض يمكن إقامة البينة عليه فإذا لم يقمها لم يقبل قوله، وأصل هذا ادعى المبتاع عيباً في المبيع أنه كان موجوداً قبل العقد هل يقبل قوله أم لا؟ على روايتين كذلك ها هنا.
---
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 426
استئجار الأجير والظئر بطعامه وكسوته:(1/258)
6 ـ مسألة: فإن استأجر أجيراً للخدمة أو ظئراً للرضاع جعل أجرته طعامه وكسوته.
فنقل حنبل وابن منصور أكرهه ولا يعجبني، لأنه مجهول.
ونقل أبو داود وأحمد بن سعيد لا بأس به، وهو جائز على حديث أبي هريرة، وهو اختيار الخرقي.
ووجه الأولى: أن الإطعام والكسوة يختلف، وقد يقل ويكثر فإذا كان كذلك حصلت الأجرة مجهولة، وجهالة الأجرة تبطل عقد الإجارة كما لو قال: استأجرته على طعام، أو دراهم.
ووجه الثانية: أن هذا الإطلاق في الإطعام والكسوة ينصرف إلى الإطعام المجزي في الكفارة، وهو مد من البر والكسوة التي تجزي في الكفارة، وهو ما تجزي الصلاة فيه، وإذا كان إطلاقه يحمل على هذا صار كأنه منطوق به فخرج عن أن يكون مجهولاً، وليس يمتنع رد المطلق من كلام الآدميين على ما يقتضيه عرف الشرع، ألا ترى أنه لو وصى أن يصرف ثلثه في الرقاب صرف في المكانتين، ولو نذر أن ينحر بهيمة حمل على موجبه في الشرع وهو الجذع من الضأن والثني من المعز، ولو باع بدراهم، وأطلق حمل على نقد البلد، كذلك ها هنا جاز أن يحمل مطلقه على ما يقدر في الشرع في الكفارة ويحصل كالمنطوق به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 427
فصل
فإذا قلنا: إن الإجارة صحيحة، فاختلف في مقدار النفقة، ففيه روايتان:
إحداهما: أنها مقدرة بما يجزى في الكفارة من المد، وما تجزي الصلاة فيه نص على ذلك في رواية أحمد بن سعيد. فقال: إذا اختلفا في الإطعام حكم فيه بالمد، وكذلك نقل أبو الصقر.
والثانية: أنها غير مقدرة، وهو بها أشبه من الكفارة، لأنها معاوضة في عقد الإجارة، ولأنها إذا كانت أجره الظئر فهي نفقة تلزم الزوج.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 427
ضمان الأجير المشترك لما يتلف في يده:
7 ـ مسألة: هل يضمن الأجير ما تلف في يده بغير قوله؟
---
فنقل ابن منصور : لا ضمان عليه، سواء كان مما لا يستطاع الامتناع منه كالحريق والغرق، والموت، أو كان مما يستطاع كاللصوص ونحوه.(1/259)
ونقل أبو طالب : إن كان هلاكه بما لا يستطاع الامتناع منه فلا ضمان عليه، وإن كان مما يستطاع ضمن.
ونقل مهنا عنه فيمن دفع إلى القصار ثوباً يقصره ثم ذهب الثوب مقصوراً: فعليه قيمة الثوب خاماً، فظاهر هذا أنه يضمن سواء كان هلاكه بما يستطاع أو بما لا يستطاع لعموم قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ على اليد ما أخذت حتى تؤدي .
ولأنه لو تلف في يده بفعل من جهته من غير تعد لزمه الضمان فكان ذلك القبض مضموناً عليه كالمقبوض على وجه السوم.
والأولى أصح، وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ ووجهها أنه قبضه على وجه الإجارة فأشبه الأجير الخاص، ولأنه قبض الشيء لمنفعته ومنفعة غيره أشبه المضارب، والعامل في المساقاة، ولأنه لو كان مضموناً عليه لما انتلف هلاكه في يده بما لا يستطاع الامتناع به، وما يستطاع كسائر المغصوبات، فلما اتفقنا على أنه لو هلك الشيء في يد الأجير بما لا يستطاع الامتناع منه (كالحريق واللصوص لم يضمن كذلك إذا هلك بما يستطاع الامتناع منه) كالأجير الخاص والمودع.
ووجه الرواية الثانية: أن القياس يقتضي نفي الضمان لما ذكرنا لكن تركناه لأن غالب أحوال الصناع أنهم خونة، فإذا كان الهلاك بأمر ظاهر وادعوا ذلك، فالظاهر معهم كالبنية، وإذا لم يكن بأمر ظاهر لحقتهم التهمة، فلم يصدقوا ولأن علياً ضمن الصناع، وهو محمول على ما ذكرنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 428
إجارة المسلم نفسه من الذمي ليخدمه:
8 ـ مسألة: في إجارة المسلم نفسه من ذمي ليخدمه.
فنقل أحمد بن سعيد: لا بأس أن يؤاجر نفسه من الذمي فظاهر هذا الجواز.
---(1/260)
ونقل الأثرم: إذا أجر نفسه في خدمته لم يجز، وإن كان في عمل شيء جاز. ووجه هذه الرواية أن في إجارته نفسه منه للخدمة إذلالاً وصغاراً فيجب أن لا يصح العقد على هذا الوجه كما قلنا في بيع العبد المسلم من الكافر لا يصح لهذه العلة، وكما قلنا في نكاح الكافر لمسلمة لا يصح لهذه العلة كذلك ها هنا، وإذا قلنا يصح فوجهه ما روى عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه أجر نفسه من يهودي لينضح نخلاً له، ولأنه نوع إجارة فصحت مع الذمي كالإجارة في الذمة، ولأنه عقد لا يقتضي التأييد فصح مع الذمي، دليله عقد المضاربة، ويمكن أن تحمل المسألة على اختلاف حالين فالموضع الذي قال يصح الاستئجار إذا كانت الإجارة في الذمة، وهو أن يستأجر ليحصل له عملاً فإنه لا ذلة فيه ولا صغار والموضع الذي قال: لا يجوز إذا كانت الإجارة على العين وهو أن يستأجره ليخدمه بنفسه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 429
تأجير المستأجر ما استأجره لغيره:
9 ـ مسألة: هل يجوز أن يؤاجر ما استأجره (لغيره) فيه ثلاث روايات:
إحداها: لا يجوز بحال نص عليه في رواية حنبل فيمن استأجر غلاماً فأجره من غيره بغير إذن سيده فتلف ضمنه.
ونقل عنه لفظ آخر: إن تلف بسبب العمل ضمن، وإن تلف بغير سبب العمل لم يضمن، فظاهره أنه لا يجوز له أن يؤاجره من غيره، لأنه علق عليه الضمان.
والثانية: يجوز إجارته في مثل عمله بمثل الأجرة وبزيادة عليها، نص عليه في رواية صالح وأبي الحارث والفضل في الرجل يستأجر الدار فيؤجرها بأكثر من أجرتها من أهل صناعته: أرجو ألا يكون به بأس.
والثالثة: إن كان قد أحدث فيها عمارة أو عملاً جاز أن يكريها بزيادة على ذلك، وإن لم يحدث فيها عملاً لم يجز كراؤها بزيادة على ذلك، نص عليه في رواية حنبل وحرب وابن إبراهيم.
وجه الأولى: أن النافع ليست من ضمانه بدليل أنها لو انهدمت الدار ارجع بالأجرة فلم يجز التصرف فيها كالمبيع قبل القبض.
---(1/261)
ووجه الثانية: أن المنافع في حكم المقبوض بدليل جواز التصرف فيها بالهبة والعارية، وبدليل أنه لو لم ينتفع بها حتى انقضت المدة كانت من ضمانه فهي كالمبيع بعد القبض، فيجوز التصرف فيه، كيف شاء بزيادة ونقصان.
ووجه الثالثة: أن المنافع غير مقبوضة لأنها معدومة، والربح فيما لم ي
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 430
كتاب الوقف والعطية
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 433
وقف الشخص على نفسه:
1 ـ مسألة إذا وقف على نفسه شيئاً من أملاكه هل يصح وقفه أم لا؟
فنقل إسحاق بن إبراهيم ويوسف بن موسى والفضل بن زياد في الرجل يوقف على نفسه شيئاً ثم على ولده من بعده: فهو جائز.
ونقل حنبل وأبو طالب في الرجل يوقف على نفسه حياته وإذا مات فعلى المساكين: (ما سمعت) بهذا لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه الله أو وقفه على المساكين فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه. (فقد أطلق القول في رواية إسحاق ويوسف والفضل بالجواز)، وأطلق القول في رواية حنبل وأبي طالب بالمنع. ويمكن أن تحل المسألة على اختلاف حالين: فالموضع الذي (قال فيه): إذا وقف على نفسه ثم على ولده صح بمعنى أن الوقف على ولده وشرط لنفسه جزءاً من المنفعة فإنه يصح ذلك بدليل الوقف العام، وهو إذا وقف مسجداً أو سبل بئراً جاز أن يصلي (فيه)، ويشرب من ماء تلك البئر، والموضع الذي قال: لا يصح على أنه وقف الرقبة على نفسه، لأن الوقف على أصلنا يقتضي التمليك للموقف عليهم وهو مالك لذلك فلا يصح أن يملك من نفسه لنفسه، وإن حمل الكلام على ظاهره، وجعلت المسألة على روايتين فيكون وجه الصحة أنه حبس الملك على نفسه وقطع تصرفه بالبيع ومثل هذا جائز بدليل الاستيلاد في الأمة.
ووجه الرواية الثانية: في إبطال الوقف على نفسه:
---(1/262)
إن الوقف جهة من جهات الملك، لأن الوقف تمليك للرقبة فلم يصح أن يملك به عن نفسه كالبيع وغيره من جهات الملك، وهذا يفارق الوقف العام حيث صح أن يدخل الواقف فيه لأن ذلك ليس بتمليك، وإنما هو إباحة فلا يكون فيه تمليك من نفسه لنفسه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 435
مصرف الوقف المنقطع الآخر:
2 ـ مسألة: فإن وقف على قوم ولم يجعل آخره للمساكين فالوقف صحيح لأن الموقوف عليه ممن يصح أن يملك المنفعة فصح الوقف عليه كما لو جعل آخره للمساكين فإن انقرض الموقف عليهم فهل ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه أم إلى بيت المال أم إلى ورثة الموقف فيه ثلاث روايات.
إحداها: ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه قال في رواية حرب فيمن تصدق بصدقة. فقال: هذا ما تصدق به فلان على فلان. لا يباع ولا يوهب ثم مات المتصدق عليه هو لورثته فإن لم يكن ورثة رجع إلى ورثة الذي تصدق.
والرواية الثانية: يكون في بيت المال. قال في رواية أبي طالب وابن ابراهيم : إذا وقف على ولده ولم يجعل آخره للمساكين فانقرضوا جعل في بيت المال فظاهر هذا أنه لا يرجع إلى الورثة، لأن ملك مورثهم زال عنه على وجه القربة فلا يرجع إليهم كالعتق.
ونقل حنبل وصالح يرجع إلى ورثة الواقف، وهو أصح، لأن المقصود حصول الثواب والأجر، وقراباته اكثر ثواباً لقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ صدقتك على رحمك صدقة وصلة فإذا ثبت أنها ترجع إلى ورثة الواقف فهل ترجع إلى جميعهم أم إلى أقربهم؟
---(1/263)
فنقل حنبل وصالح يرجع إلى ورثة الميت الذي وقفه، ويرثون ذلك على مواريثهم وقرابتهم منه، فظاهر هذا أنه يرجع إلى ورثة الواقف ولا يختص به الأقرب منهم، وذكر الخرقي في مختصره في هذه المسألة روايتين: إحداهما: أنه يرجع إلى ورثة الواقف على ما تنص عليه في رواية حنبل وصالح/ والثانية: يرجع إلى أقرب عصبته، فإن قلنا: يرجع إلى جميع الورثة، فوجهه أن هذه عطية على وجه القربة، فيجب ألا يختص بها بعض الأقارب كالعطية على وجه الهبة والوصية، فإن الأفضل في ذلك المساواة: وجه الثانية: وأنه يختص به الأقرب هو أن القصد منها البر والصلة، وبر الأقربين وصلتهم أولى، ولهذا المعنى قلنا: إنه يرجع إلى الأقارب دون الفقراء والمساكين، لأن في رده على الأقارب دون الفقراء والمساكين صلة الرحم كذلك يجب أن يقدم الأقرب (منهم) على الأبعد ويجب أن يقال إنها ترجع إلى الفقراء من أقاربه دون الأغنياء لأن القصد بذلك البر والصلة، وهذا المعنى يختص به القراء دون الأغنياء ويكون ذلك راجعاً عليهم وقفاً كما كان لأن ملكه زال عنه بالوقف فلا يعود ملكه إلى الورثة كالعتق.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 436
الوقف في مرض الموت على بعض الورثة:
3 ـ مسألة: إذا وقف في مرضه على بعض ورثته هل يصح الوقف أم لا؟
فنقل الجماعة منهم حنبل والميموني : أنه يصح الوقف، وقال: عمر وقف على ورثته، ولأنه لا يباع ولا يورث فليس هو مثل الوصية.
ونقل إسحاق بن إبراهيم : إذا وقف على أولاد ابنته ولا يرثونه فهو جائز ولا وصية لوارث، فظاهر هذا أن الوقف غير صحيح عليهم، وهو اختيار أبي حفص العكبري فيما وجدته معلقاً بخطه، لأن الوقف هو تمليك المنفعة، والمنفعة تجري مجرى الأعيان والوارث لا يصح أن يملكه في مرضه عيناً من الأعيان لأنه يحصل وصية له كذلك في باب المنافع، ويبين صحة هذا أنه معتبر من الثلث كما تعتبر الأعيان.
---(1/264)
ووجه الرواية الأولى: وهي أظهر من قوله إن الوقف ليس فيه معنى المال لأنه لا يمكنه بيع العين الموقوفة، ولا هبتها ولا المعاوضة عليها، وهو بمثابة أن يوهب له ابنه في مرضه فيقبله فإنه يعتق عليه، لأن عتقه ليس في معنى المال وإن كان النفع قد حصل له، ولأنه قد ينفذ الوقف فيما لا ينفذ فيه غيره، من الوصايا ألا ترى أنه يصح أن يقف على نفسه على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى إن حكم به حاكم صح ولمثله لا يصح، أن يملك نفسه بوصية أو بهبة كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 437
دخول أولاد البنات في الوقف على ولد الولد:
4 ـ مسألة: فإن وقف على ولد ولده هل يدخل فيه ولد البنات؟
فنقل المروذي : أنهم لا يدخلون، وهو اختيار الخرقي، وقال أبو بكر وشيخنا : يدخلون، لأنه يقع عليهم اسم ولد الولد حقيقة، ولهذا قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في الحسن ابني هذا سيد.
ووجه الأولى: أن الولد على الإطلاق يضاف إلى الأب دون الأم، ولهذا لا يقال لولد العلوي من الزنجية: إنه زنجي، لأن الإضافة إلى الأب، وقد قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا
بنوهن أبناء الرجال الأجانب
وإذا كان مضافاً إلى الأب خرج عن أن يكون مضافاً إلى ولد ولده.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 438
رجوع الورثة فيما فضل فيه بعضهم من العطية إذا مات المورث قبل الرجوع:
5 ـ مسألة: إذا فاضل بين ولده في العطية ومات قبل أن يرجع في ذلك هل يرجع ورثته (بعده) في ذلك قال أبو بكر روايتين:
نقل أبو طالب يرد في حياته وبعد موته وهو اختيار ابن بطة وأبي حفص.
ونقل الميموني وبكر بن محمد أنه لا يرجع فيه بعد موته وهو اختيار أبي بكر الخلال وأبي بكر عبد العزيز والخرقي.
وجه الأولى: أن الرجوع فيها إنما كان لأجل أن لا يحصل بينهم التباغض والعداوة وهذا المعنى موجود بعد الموت فيجب الرجوع فيها لوجود المعنى في ذلك.
---(1/265)
ووجه الثانية: أن هذا رجوع يتعلق بالهبة فسقط بالموت دليله رجوع الأب على ابنه في الهبة، أنه يموت الأب يسقط حق الرجوع لبقية الورثة كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 349
العطية لبعض الأولاد في مرض الموت لتسويتهم بمن فضلوا عليهم في الصحة:
6 ـ مسألة: إذا فضل بعض الأولاد في العطية هل يجوز أن يسوي بينهم في مرض موته أم لا؟
نقل ابن إبراهيم وعبد الله لا يجوز.
ونقل أبو طالب جواز ذلك. قال أبو حفص: سألت أبا عبد الله عن رواية أبي طالب فقال قرأتها على أبي حفص بن رجاء فقال: إضربوا عليها فإن الجماعة روت عن أبي عبد الله خلاف هذا وهو الصحيح لأن العطية في المرض وصية بدليل أنها تعتبر من الثلث ولا تجوز الوصية للوارث.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 439
تقسيم الشخص لماله على أولاده في حياته:
7 ـ مسألة: هل يكره للرجل أن يقسم ماله في حياته على ورثته على فرائض الله عزّ وجلّ أم لا؟
نقل بكر بن محمد عنه: لا يعجبني ذلك لعله يولد له ولد.
ونقل ابن منصور وحنبل: لا بأس بذلك، لأن النعمان لما جاء إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ليشهد عليه قال: أكل ولدك نحلته مثل هذا...؟ قال: لا، قال: أشهد غيري؟
فوجه لحجة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنكر عليه التفضيل ولم ينكر عليه القسمة.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 440
إبطال الأب لتصرف ولده في ماله إذا كان الأب محتاجاً إليه:
8 ـ مسألة: إذا تصرف الابن في ماله بالبيع والهبة والوقف، وكان بالأب حاجة فهل يملك الاعتراض في إبطال تصرفه؟.
---
نقل حنبل عنه: أنه للأبوين الاعتراض عليه في ذلك وإبطاله إذا كانا محتاجين. واحتج بما روى بكر بن محمد: أن رجلاً تصدق بأرض على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فجاء أبواه فقالا: يا رسول الله ما كان لنا مال أو قال: معيشة غيرها فدفعها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم إليهما فماتا فورثهما ابنهما.(1/266)
قال أبو حفص: وقد روى عن أبي عبد الله خلاف ذلك وهو المعمول عليه نقله مهنا، لأن الابن مطلق التصرف في ماله فيجب ألا يملك الاب الاعتراض عليه في ذلك كما لو كان غنياً.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 440
رجوع الابن فيما أخذه منه أبوه على وجه التمليك إذا وجده ابن بعينه بعد وفاة الأب:
9 ـ مسألة: فإن أخذ الأب شيئاً من مال ولده على وجه التمليك، ومات الأب فوجد ذلك الشيء بعينه، فهل يملك الابن الرجوع فيه؟
نقل أبو طالب: لا يرجع، ونقل أبو داود: يرجع.
وجه الأولى: أن للأب ملكه بالأخذ فلم يملك ابن الأخذ بعد الموت.
وجه الثانية: أنه إذا استقرض من ابنه شيئاً ومات الأب فإن وجده بعينه فهو له، وإن أتلفه الأب لم يرجع به، وإنما قال هذا لأنه لم يأخذه ليتملكه، فلهذا رجع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 441
تصدق المرأة من مال زوجها بغير إذنه:
10 ـ مسألة: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بغير إذنه بالسير من الطعام الرطب.
نقل أبو طالب وحنبل: لا يجوز، ونقل أبو طالب وابن منصور : جوازه.
وجه الأولى: ما روى أبو هريرة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: لا تتصدق المرأة إلا بإذن زوجها.
ووجه الثانية: ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:
إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر وله مثل ذلك .
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 441
رجوع الأب في هبته لولده:
11 ـ مسألة: في الأب هل له الرجوع في الهبة؟
---
فنقل الميموني وأبو طالب وإسحاق بن إبراهيم : له الرجوع، وهذا على الاطلاق بكل حال.
ونقل أبو الحارث : إذا وهب لابنه أو لابنته هبة فإن غرَّ بها قوماً فليس له الرجوع، فظاهر هذا أنه إن بان نفع ذلك عليه لم يكن له الرجوع، وهو أن يهب لولده شيئاً وهو فقير فيستغني بعد ذلك فيرغب الناس في معاملته ومصاهرته فلا يكون له الرجوع، وإن لم يبنِ نفعه عليه فله الرجوع.(1/267)
وجه الأولى: ما روى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال:
لا يحل لأحد أن يهب هبة أو يعطي عطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده .
وهذا عام في كل هبة، ولأنه إنما ملك الرجوع في الهبة لما يختص به من أحكام لا يشاركه غيره فيها، منها أنه يلي عليه بغير توليه ويملك أن يبيع ماله ويبتاع منه وجعل في الشرع ماله بقوله: أنت ومالك لأبيك وهذه المعاني موجودة إذا ظهر نفعها فيجب أن يملك الرجوع.
ووجه الثانية: أنه إذا ظهر نفع الهبة عليه فقد تعلق بها حق الغير وهو أنه من رغب في معاملته وفي خطبة ابنته إنما رغب في ذلك لأجل المال الذي كان معه فيجب أن يمنع ذلك من الرجوع لما فيه من الضرر من تعلق حقه به، ولهذا المعنى إذا باعها الابن لم يملك الأب الرجوع فيها لتعلق حق الغير بها، وكذلك قلنا: إن العبد المأذون له تتعلق ديونه بذمة السيد، لأنه لما أذن له في التجارة حصل منه غرور لمن عامله في أنه أذن له في الدين فتعلق بذمة سيده كذلك ها هنا يجب أن يمنع من الرجوع فيها لتعلق حق الغير بها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 442
رجوع أحد الزوجين فيما وهبه للآخر:
12 ـ مسألة: في هبة المرأة لزوجها هل تملك الرجوع فيها؟.
فنقل ابن منصور : هبة المرأة لزوجها وهبة الرجل لامرأته كل واحد منهما لا يرجع في شيء من ذلك، وظاهر هذا أنه لا يملك الرجوع في ذلك على الإطلاق.
---(1/268)
ونقل أبو طالب وابن صدقة والفضل: إن وهبت له تبرعاً من غير مسألة منه لها أن ترجع به، وإن سألها وخافت غضبه أو الإضرار بها أن يتزوجه عليها ملكت الرجوع فظاهر هذا أنها إذا وهبت له تقصد بذلك دفع الضرر عنها مثل أن تعلم أنه يريد طلاقها أو يتزوج عليها فلها الرجوع في ذلك، وعندي أن المسألة على اختلاف حالين: فالموضوع الذي قال: لا ترجع إذا وهبت له ابتداء، لقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا يحل الواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد والموضع الذي قال: ترجع إذا كان شاهد الحال يقتضي أن هبتها كانت لتقصد بها المنفعة، وهو أن تكفه عن طلاقها وتمنعه من التزويج عليها فإذا عدم المعني الذي لأجله وهبت ملكت الرجوع، لأنه في التقدير يحصل كأنها وهبت له بشرط أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها فجعلت ذلك في مقابلة الهبة، والهبة بشرط الثواب صحيحة وتستحق الثواب فكأنه جعل دلالة الحال وشاهده كالمنطوق به، وهذا ظاهر على أصلنا في التعريض بالقذف يوجب حد القذف وإن لم يوجد لفظ القذف لوجود دلالة الحال، وإن حملنا كلام أحمد على ظاهره وجعلنا المسألة على روايتين فوجه الأولى وأنها لا تملك الرجوع ما روى ابن عباس عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد .
ولأنه لا إيلاد لها فلم تملك الرجوع كالأخت.
ووجه الثانية: قوله تعالى: فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً .
فأباح ذلك بشرط أن تطيب به نفسها. وهذا إنما يكون عند الابتداء من جهتها فأما عند المسألة فلا. وروى محمد بن عبد الله الثقفي قال: كتب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن النساء إنما هن عوان عند أزواجهن يعطين على الرغبة والرهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها شيئاً ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق به.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 444
كتاب الشفعة وإحياء الموات
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 447
---
استحقاق الشفعة بنسبة الأنصباء:(1/269)
1 ـ مسألة في الشفعة هل تستحق على عدد الرؤوس أم على قدر الأنصباء؟
فحكى أحمد القولين جميعاً في رواية ابن منصور والأثرم ، ولم يقطع بأحدهما. قال أبو بكر : فيها روايتان:
إحداهما: أنها تجب على قدر الأنصباء، وهو اختيار الخرقي.
والثانية: تجب على عدد الرؤوس.
وجه الأولى: في أنها تجب على قدر الأنصباء أن الشفعة حق يستفاد بالملك فوجب أن يستحق حال الاشتراك على قدر الملك كغلة الدار، وغلة العبد، وثمرة النخل، والشجر وغير ذلك من نماء الملك، يبين صحة هذا وأنها تستحق بالملك وأن الرجل إذا وصى بمنفعة نصف داره لرجل ومات فإن رقبة النصف تكون للورثة والمنفعة له، ثم إذا بيع النصف الآخر كانت الشفعة للورثة المالكين لا لمن يلحقه التأذي والضرر، وهو الموصي له بالمنفعة.
ووجه الثانية: أن الشفعة وجبت في الأصل لخوف التأذي على وجه الدوام. ألا ترى أنه ما لا يدوم فيه التأذي لا شفعة فيه كالعروض؟ والتأذي يرجع إلى الأشخاص لا إلى الملك، وصاحب القليل يساوي صاحب الكثير في هذا المعنى فوجب أن يساويه في الاستحقاق كما لو تساوت أنصباؤهما.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 449
الشفعة في غير العقار أو العقار الموهوب العوض أو المبذول صدقا
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 449
الشفعة في الشقص المبذول صداقاً:
2 ـ مسألة: إذا أصدقها شقصاً هل للشفيع أخذه بالشفعة فقال أبو بكر: ليس له ذلك، وقال شيخنا أبو عبد الله: له أخذه، وهكذا الخلاف إذا كان عوضاً عن إجارة أو خلع أو صلح، وجه قول أبي بكر أنها لم تملك الشقص ببدل هو مال فلم يستحق بالشفعة كالهبة والإرث، ووجه قول شيخنا أنه نوع معاوضة تملك به ما يجب فيه الشفعة فجاز أن تجب فيه الشفعة كالمبيع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 450
الشفعة في غير العقار:
3 ـ مسألة: هل تجب الشفعة في غير العقار؟
---(1/270)
نقل حنبل عنه قال: أرى الشفعة للخليط. وإن لم يمكن قسمته كالعبد والحيوان. قال أبو حفص : لا أدري؟ لم يضبطه حنبل أو كان قولاً قديماً، وقد قال في رواية عبد الله. لا أرى الشفعة إلا في الدور والأرضين وليس فيما سوى ذلك شفعة. وكذلك نقل الفضل بن زياد. فمن ذهب إلى ظاهر رواية حنبل يقول: هذا ملك مشترك. فأشبه العقار.
والمذهب: أنه لا شفعة في غير الأرضين، لأن الشفعة إنما وجبت في العقار إما لخوف التأذي على الدوام أو أنه يستضر لأن شريكه يطالبه بالقسمة فيلزمه مؤونة بذلك وهذا معدوم في غير العقار.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 450
الشفعة في الشقص الموهوب بشرط العوض:
4 ـ مسألة: إذا وهب الشقص بشرط العوض. فهل يستحق الشفيع الرجوع أم لا؟
نقل بكر بن محمد عن أبيه: أنه إذا وهبها فليس للشفيع شفعة أثيب منها أو لم يثب منها، لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن يرجع في الهبة إلا الوالد. فظاهر هذا إبطال الشفعة، ولابنه ملك الشفعة بعقد الهبة فلم يملك الشفيع الشفعة كما لو ملكها بغير عوض. وعندي أنه يملك المطالبة بالشفعة، لأن أحمد قد قال في رواية حنبل وابن منصور: إذا كانت الهبة بشرط الثواب، فإنه يرجع فيها إن لم يثب عليها. فجعلها جارية مجرى عقد المعاوضة. كذلك في الشفيع، لأن الشقص ملك يعوض فملك الشفعة فيه كالملك بالمبيع.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 450
ملك الأرض المجهول أهلها بالإحياء:
5 ـ مسألة: في الموات الذي جرى عليه مجرى ملك مسلم ولا يعرف مالكه هل يملك بالإحياء؟
فنقل أبو الحارث ويوسف بن موسى وأبو داود : لا يملك، وهو اختيار الخرقي وأبي بكر.
ونقل صالح أنه يملك: فقال إن كانت أرضاً قد ملكت وذهب أربابها ولا يعرف لها وارث فأرجو إن شاء الله.
وجه الأولى: أنها أرض جرى عليها ملك من له حرمة فلم تملك بالإحياء كما لو كان لها مالك موجود.
---(1/271)
ووجه الثانية: أنها أرض لا حق فيها لقوم بأعيانهم فملكها بالإحياء كالأرض التي لم يجز عليها ملك المسلمين.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 451
إحياء ما قرب من العامر إذا لم يتعلق بمصلحته:
6 ـ مسألة: اختلفت في أحياء ما قرب من العامر إذا لم يتعلق بمصلحته. فنقل يوسف بن موسى إنما يكون في البرية والصحراء فإن كانت بين القرى فلا، فظاهر هذا المنع.
ونقل أبو الصقر في رجل أحيا أرضاً ميتة وأحيا آخر إلى جنبه أرضاً وبقيت بين القطعتين بقعة فجاء رجل فأحياها فليس لهما منعه فظاهر هذا جواز ذلك ويمكن أن تحمل المسألة على اختلاف حالين فالموضع الذي قال يمنع فيما يتعلق بمصلحة العامر، والموضع الذي أجاز فيما لا يتعلق بمصلحتها فإن حملنا الكلام على ظاهره. فوجه الرواية الأولى: أن فناء القرية مثل فناء الدار، وصاحب الدار أخص بفناء داره من غيره، ألا ترى أن أجنبياً لو جاء يحفر فيه بئراً، كان لصاحب الدار أن يمنعه منه؟ كذلك القرية يجب أن يكون أهلها أحق بها من غيرهم.
ووجه الثانية: أنه موات لم تملك لا يتعلق بمصلحة مملوك فجاز إحياؤه كالموات البعيد عن العامر.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 451
صفة إحياء الأرض:
7 ـ مسألة: في صفة إحياء الأرض.
فنقل أبو القاسم: الإحياء باستخراج نهر أو عين أو بئر فظاهر هذا (أنه) إذا أحاط عليها حائطاً ولم يستخرج لها ما يسقي الزرع من بئر أو عين لأنه لا يملك بذلك.
ونقل علي بن سعيد الإحياء أن يحوط عليها حائطاً، فظاهر هذا أنه لم يتخذ لها ماء وأحاط عليها حائطاً أنه محى لها بذلك.
وجه الأولى: أن صفة الأحياء لا حد له في الشريعة ولا في اللغة فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة كالإحراز والقبوض والتفرق في المجلس وأقل الحيض وأكثره، ففي العرف أن الأرض التي تتخذ للزرع لا تخلو من أن يتخذ لها ماء لأن الزرع لا بدّ له من ماء.
---(1/272)
ووجه الثانية: وهو ظاهر كلام الخرقي، ما روى جابر بن عبد الله عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به ولأن من لدن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ وإلى يومنا هذا يفعل الناس هذا من غير إنكار فثبت أن المسلمين أجمعوا على جوازه.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 452
الرجل يسقي بمائه أرض غيره بجزء من الزرع:
9 ـ مسألة: في رجل له أرض ولآخر ماء في نهر فقال صاحب الأرض لصاحب الماء سق ماءك إلى أرضي حتى أزرعها فيكون الزرع بيننا.
فنقل يعقوب بن بختان وحرب : جواز ذلك.
ونقل أبو طالب : أنه لا يجوز.
وجه الأولى: أن المزارعة جائزة، وهو العمل ببعض ما تخرج الأرض كذلك ها هنا يجب أن يجعل الماء قائماً مقام العمل فيكون العمل هناك بحسب كفاية الزرع ويستحق بعض ما تخرج الأرض كذلك ها هنا يكون السقي بحسب كفاية الزرع ببعض ما تخرج الأرض.
ووجه الثانية: أن هذا بيع للماء في الحقيقة، والعوض والمعوض مجهولان فيجب أن لا يصح.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 454
ملك ما تشتمل عليها لأرض من الماء والمعادن بملك الأرض:
10 ـ مسألة: فيما نبع في ملكه من الماء، مثل أن حفر بئره في ملكه فنبع الماء فيها أو نبع بنفسه أو حفر بئراً في موات بقصد الملك فنبع الماء أو ظهر في أرضه معدن من المائعات كالنفط والقير والموبيا ونحو ذلك. فقال في رواية أبي طالب لا يبيع نقع ماء البئر فإن استقاه وحمله فجائز بيعه، فظاهر هذا أنه لا يملكه لأنه منع من بيعه وكذلك قال في رواية صالح: إذا كان له في أرضه بئر فليس له أن يمنع ذلك الفضل لمن يرعى حوله، وقد أومأ في رواية أبي طالب في المعدن إذا ظهر في ملكه أنه يملكه، فظاهر هذا يدل على ملكه للماء.
---
وجه الأولى: في أنه لا يملكه هو أنه لا خلاف أن من اكترى داراً فيها بئر كان له أن يستقي منها فلو كان ملكاً لصاحب الدار ما ملك بالإجارة لأن الأعيان لا تملك بالإجارة.(1/273)
ووجه الثانية: أنه لما حدث في ملكه وجب أن يكون ملكاً له كالثمر والنتاج، ولأنه لما جاز له منع كل أحد منه ثبت أنه ملكه، والأولى أصح.
وقولهم: إن له منع كل أحد منه فالجواب: أن له منع كل أحد أن يتخطى في ملكه فأما عن الماء فلا.
والخلاف في البئر والعين والقناة واحد وفائدته أنه إذا قلنا: لا يملك لم يكن له بيع شيء منه قبل تناوله كالمباح في النهر كدجلة والفرات، وهو المنصوص عن أحمد.
وإذا باع الدار وفيها بئر ماء كان المبتاع أحق به لكونه في ملكه لا لأنه قد ملكه، وإن غصب منه غاصب لم يكن عليه رده، وإذا قلنا: هو مملوك فباع منه آصعاً معلومة فجائز. وقد أومأ إليه في رواية حرب ويعقوب بن بختان فيمن قال الرجل سق ماءك إلى أرضي على أن الزرع بيننا أنه يجوز.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 454
إجراء النهر والقناة أو المرور في أرض الغير للحاجة:
11 ـ مسألة: هل له أن يحفر نهراً أو يجري قناة في أرض جاره إذا كان به حاجة إلى ذلك؟
فنقل حنبل وأبو الصقر : جواز ذلك.
ونقل حرب وأبو الصقر في موضع آخر: ليس له ذلك إلا بإذنه.
وجه الأولى: ما روي أن الضحاك ومحمد بن مسلمة اختصما في خليج أراد الضحاك أن يمره في أرض محمد بن مسلمة فترافعا إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال لمحمد بن مسلمة: لأمرنه ولو على بطنك فأجبره عمر ـ رضي الله عنه ـ على إمرار الخليج لأن فيه إزالة الضرر عن الضحاك كذلك ها هنا، ولأن المذهب لا يختلف أن له أن يضع خشبة على حائط جاره كذلك له أن يجري الماء في أرضه.
ووجه الثانية: أن حفر النهر تصرف في أرض الغير بغير إذنه فيجب أن يمنع منه كما لو أراد أن يبني في ملكه بغير إذنه فإنه يمنع كذلك ها هنا.
---
وقد كان القياس يقتضي أن يمنع من طرح الخشب على حائط جاره لكن تركنا القياس وأجزناه للخبر، وبقي ما عداه على موجب القياس.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 455
بذل ماء البئر لزرع الغير عند الحاجة:(1/274)
12 ـ مسألة: هل يلزمه أن يبذل فضل ماء بئره لزرع غيره عند الحاجة إليه، فظاهر ما نقله حنبل وأبو الصقر : يقتضي أنه يلزمه بذله، لأنه أجاز (له) أن يجري نهراً في أرض غيره ليسقي زرعه، وقد أومأ إليه في رواية إسحاق بن إبراهيم، وقد سئل عن القوم: يكون لهم نهر يشربون منه فيجيء رجل فيغرس على جنب النهر بستاناً فقال: إذا كان يفضل عن شرب القوم ولا يضر بغيره فلا بأس أن يسقي ذلك البستان، وقد ظاهر في البذل ونقل الأثرم عنه وقد سأله هل لمن في أسفل الماء ممن ليس له الماء حق أن يزرعوا على فضل الماء إن فضل من الماء أن يأتي زرعهم؟ فلم يعجبه، فظاهر هذا أنه لا يلزم صاحب الماء بذل الفضل وجه الأولى: أنه مال يخاف عليه الهلاك الأجل فيلزمه أن يبذل فضل مائه لأجله، دليله الماشية.
ووجه الثانية: أنه لو كان الزرع له لم يلزمه سقيه فبأن لا يلزمه بذل مائه لحاجة غيره أولى، ويفارق هذا البهائم لأنها لو كانت له لزمه سقيها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 456
لزوم تكاليف الحصاد والجذاذ في المساقاة والمزراعة للعامل:
13 ـ مسألة: الجذاذ في المساقاة، والحصاد في المزارعة هل يكون عليهما أو على العامل؟
نقل المروذي عنه: إذا شرط الجذاذ على العامل فهو جائز، لأن العمل إذا لم يشترط فعلى رب الأرض ما يخصه مما يصير إليه من جذاذه، وعلى العامل ما يخصه مما يصير إليه، وظاهر هذا أنه عليهما، ووجهه أن المبتغى من ذلك النماء، وليس في هذا تنمية فيصير العمل خارجاً من المساقاة والمزارعة.
---
ونقل أبو طالب في الحصاد وفي المزارعة: على العامل، ووجهه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم، وأن لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم شطرها.
رقم الجزء: 1 رقم الصفحة: 457
كتاب اللقطة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 7
ملك اللقطة بعد تعريفها:
1 ـ مسألة إذا كانت اللقطة عيناً أو ورقاً فعرفها سنة هل يملكها؟(1/275)
نقل الجماعة: أنه يملكها.
ونقل حنبل: إن جاء صاحبها فعرف وعاءها وصرارها فهي له وإلا تصدق بها، فظاهر هذا أنه لم يحكم له بملكها بعد الحول والتعريف. قال أبو بكر الخلال : ليس هذا قول أحمد ومذهبه: إن لم يجىء صاحبها فهي له.
وجه الأولى: ما روى سويد بن غفلة عن أبي كعب قال: وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فقال: عرفها حولاً قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: أعرف عددها ووكاءها ووعاءها فإن جاء صاحبها وإلاَّ استمتع بها. فهذا نص في التمليك لأنه قال: استمتع بها.
ووجه الثانية: أنها لقطة فلم يملكها دليله غير الدراهم والدنانير فإن الرواية لا تختلف في ذلك أنه لا يملك بعد الحول والتعريف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 7
التصرف في اللقطة بعد التعريف سنة:
2 ـ مسألة: فإن كانت اللفطة غير الدراهم والدنانير كالحلي والثياب والأواني فعرفها حولاً ولم يجىء صاحبها فإنه لا يملكها، وهل يجوز له بيعها ويتصدق بثمنها بشرط الضمان؟
فنقل أبو داود ومهنا: يبيعه ويتصدق بثمنه فإن جاء صاحبها خير بين الثواب والضمان.
---
ونقل ظاهر بن محمد التيميمي : يعرفها أبداً. قال أبو بكر الخلال : كل من روى عنه أنه يعرفها سنة ويتصدق به، وما نقله طاهر من أنه يعرف أبداً قول أول رجع عنه، قال أبو بكر عبد العزيز في ـ زاد المسافر ـ: الذي اختار ما روى طاهر بن محمد يعرفها أبداً والوجه في جواز الصدقة ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: لا تحل اللقطة فمن التقط لقطة فليتصدق بها .
وروي أنه قال للذي وجد اللقطة تصدق بها .(1/276)
وروي أنه قال: من وجد لقطة مالاً فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب، فإن جاء صاحبها وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء ولأنه مال أبيح له تناوله بغير إذن مالكه فجاز الصدقة به كالركاز، والوجه في منع الصدقة أنها على ملك صاحبها بعد الحول، فلا يجوز له التصدق فيه بغير إذنه كما لا يجوز له التصرف فيها في حق نفسه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 8
ملك لقطة الحرم بعد التعريف:
3 ـ مسألة: هل تملك لقطة الحرم بعد التعريف والحول كما يملك غيرها؟
نقل أبو طالب والميموني والترمذي ومحمد بن داود وابن منصور : أنها تملك.
ونقل حرب عنه: اللقطة في الحرم ليس بمنزلة اللقطة في غير الحرم، لا تحل إلا لمنشد.
وجه الأولى: ما روي من حديث زيد بن خالد الجهني وقد سأل ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن اللقطة فقال: عرفها سنة ثم استنفقها وهذا عام .
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في الحرم: لا يختلي خلاه ولا تحل لقطته إلا لمنشد .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 9
التقاط للحيوان
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 10
التقاط غير الإمام للحيوان الذي لا يمتنع على صغار السباع:
4 ـ مسألة: هل يجوز لغير الإمام التقاط الحيوان الذي لا يمتنع على صغار السباع كالشاة وعجاجيل البقر وفصلان الإبل؟
فنقل مهنا وحرب وصالح وحنبل : لا يجوز أخذها كما لا يجوز أخذ الممتنع من الإبل.
---
ونقل ابن منصور وأبو طالب، وأحمد بن الحسين والترمذي له أخذها.
وجه الأولى: في منع التقاطها قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: ضالة المؤمن حرق النار .
وقوله: لا يؤوي الضالة إلا ضال. وهذا عام ولأنه حيوان فلم يجز التقاطه كالممتنع على صغار السباع.(1/277)
ووجه الثانية: أن في التقاطها حفظ مال يخشى ضياعه على صاحبه، فوجب أن يجوز أخذه كالدراهم والدنانير، ويفارق هذا الحيوان الممتنع لأنه ليس في التقاطه حفظه على صاحبه لأنه يمكنه البقاء إلى أن يجيء صاحبه في طلبه فتركه أولى ولأن للإمام التقاط ذلك، وحفظه على صاحبه كذلك لغير الإمام كالدراهم والدنانير.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 10
التصرف بلقطة الحيوان بعد التعريف حولاً:
5 ـ مسألة: إذا قلنا: له التقاط ذلك فهل يملكه بعد الحول والتعريف؟
على روايتين: ظاهر كلامه في رواية طاهر بن محمد: لا يملكها. لأنه قال: إن كانت ذهباً أو فضة عرفها سنة وإن كانت غير ذلك عرفها أبداً.
ونقل الجماعة منهم ابن منصور وأبو طالب والترمذي: أنه يملكها بعد الحول والتعريف.
وجه الأولى: أن اللقطة غير أثمان الأشياء فلم يجز تملكها دليله العروض والأواني.
ووجه الثانية: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في الشاة: هي لك أو لأخيك أو للذئب .
فأضافها إليه بلام التمليك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 11
مقدار الجعل لرد الآبق:
6 ـ مسألة: في مقدار الجعل لرد الآبق من خارج المصر.
فنقل حرب ويعقوب بن بختان: قدره أربعون درهماً.
ونقل عبد الله : دينار أو اثنا عشر درهماً. ولا تختلف الرواية أنه إذا جاء به من المصر فله عشرة دراهم.
وجه الأولى: ما روى عمرو بن دينار عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: في الآبق أربعون درهماً .
---
وفيه ضعف، والصحيح (أنه) عن ابن مسعود فروى عمرو والشيباني أن رجلاً أصاب آبقاً بعين التمر فجاء به فجعل ابن مسعود فيه أربعين درهماً. وفي لفظ آخر قال: جعالة الآبق أربعون درهماً إذا جيء به خارجاً من المصر وعن أبي إسحاق قال: أعطيت الجعل في زمن معاوية أربعين درهماً وعن عمار: إذا أخذه في المصر فله عشرة دراهم وإذا أخذه خارج المصر فله أربعون.(1/278)
ووجه الثانية: ما روي عن عمر وعلي أنهما قالا دينار أو اثنا عشر درهماً إذا أخذ خارج المصر فمن قال بالأولى، قال: ما روي عن ابن مسعود ومعاوية وعمار أولى لأنه يعضده الخبر المروي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ وإن كان فيه ضعف، ومن قال بالثاني: قال: ما روي عن عمر وعلي أولى لأن ذلك القدر متفق عليه وما زاد مختلف فيه فكان المتفق عليه أولى سيما والقياس يمنع من الاستحقاق جملة فيجب أن يعتبر في مقدار ما حصل الإجماع عليه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 11
ما يجده الأجير في الأرض أو الدار من لقطة أو ركاز:
7 ـ مسألة: إذا استأجر رجلاً ليحفر له بئراً فوجد الأجير لقطة أو ركازاً في حفرة هل يكون أحق بها أم صاحب الدار؟
فنقل صالح في الرجل يستأجر الرجل يحفر له بئراً في داره أو في أرضه فيصيب فيها كنزاً: (فهو لرب الدار، ونقل محمد بن يحيى الكحال في ساكن في دار وجد فيها كنزاً) فقال: قد قال بعضهم: هو لصاحب الدار والأولى أن يكون لمن وجده.
وجه الأولى: أنه لو استأجره لحفر بئر فوجد فيها معدناً كان لصاحب الدار دون الأجير كذلك في باب اللقطة والركاز.
ووجه الثانية: أن هذه لقطة أو ركاز انفرد بوجوده فكان أحق به كما لو وجد ذلك في أرض الموت وقوارع الطرق ومن قال بهذا أجاب عن المعدن بأن المعدن من أجزاء الأرض وطبقاتها، ومن ملك الأرض ملكها بأجزائها وطبقاتها وليس كذلك اللقطة والركاز، لأنه مودع فيها غير متصل بها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 13
---
كتاب الوصايا
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 17
مقدار الوصية بالسهم:
1 ـ مسألة إذا أوصى لرجل بسهم من ماله.
فنقل ابن منصور وحرب : له السدس إلا أنه تعول الفريضة فيعطي سهماً مع العول، فإن كانت الفريضة من ثمانية كان له التسع، وإن كانت من عشرة فله سهم من أحد عشر سهماً مع العول.(1/279)
نقل الأثرم وأبو طالب : إذا وصى له بسهم من ماله يعطي سهماً من الفريضة فقيل: له سهم رجل أو امرأة قال: أقل ما يكون من السهام. فظاهر هذا أنه اعتبر أقل سهام الفريضة، ولم يعتبر أقل نصيب الورثة. ويجب أن تكون هذه الرواية محمولة على أن له سهماً مما تصح منه الفريضة، ما لم يزد عن السدس فإن زاد على السدس رد إلى السدس وإن نقض لم يكن له زيادة عليه، وقال أبو بكر الخلال وأبو بكر عبد العزيز: له أقل سهام الورثة وهذا محمود على أن له أقل سهام الورثة ما لم يزد عن السدس فإن زاد رد إلى السدس وإن نقص لم يكن له زيادة عليه.
وجه الأولى: في أنه يستحق السدس ما روى عبد الله بن مسعود أن رجلاً جعل لرجل على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم سهماً من ماله فسأل ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك فجعل له السدس وروي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه من وصى بسهم من ماله فله السدس ولا يخلو أن يكون قاله من طريق اللغة أو التوقيف وأيهما كان فهو حجة، وروى أياس بن معاوية: أن السهم في كلام العرب السدس ولأن الوصية عول في الفريضة وأقل فريضة يقع فيها العول ستة وأدنى ما تعول به سهم من ستة، وهو السدس فوجب أن يستحق السدس، والدلالة على أن له سدس عائل إذا عالت المسألة، هو أنه لما جاز أن يدخل النقص على الورثة بالعول عند ضيق السهام كذلك جاز أن يدخل على الموصى له في سهمه عند ضيق السهام.
---(1/280)
ووجه الرواية الثانية: أنه يكون له أقل سهام الفريضة إذا لم يعتبر السدس هو أن اسم السهم يقع على ذلك، وهو متحقق، وما زاد عليه مشكوك فيه، وبيان هذا الاختلاف، في رجل كانت له زوجة وأبوان، وخمس بنات، ووصى لرجل بسهم من ماله، فإن قلنا: له السدس فنقول: للزوجة الثمن وللأبوين السدسان، وللبنات الثلثان، وللموصى له السدس، وأصل الفيضة من أربعة وعشرين، وعالت إلى سبعة وعشرين، للزوجة ثلاثة، وللأبوين ثمانية، والبنات سنة عشر، ونضيف إلى ذلك أربعة للموصى له، فيكون إحدى وثلاثين، ثلثاً البنات ستة عشر لا تصح عليهم، فتضرب خمسة في إحدى وثلاثين يكن مائة وخمسة وخمسين، للزوجة خمسة عشر وللأبوين أربعون، وللموصى له عشرون، وللبنات ثمانون، لكل بنت ستة عشر، وإن قلنا: له سهم مما تصح الفريضة منه، فنقول: أصلها من أربعة وعشرين، وقد عالت إلى سبعة وعشرين، فثلثا البنات لا يصح عليهن، فتضرب خمسة في سبعة وعشرين فيكون مائة وخمسة وثلاثين، ومنها تصح المسألة فنضيف إليها سهماً للموصى له فتصير مائة وستة وثلاثين للموصى له سهم وللزوجة خمسة عشر وللأبوين أربعون، وللبنات ثمانون، لكل واحدة ستة عشر. وإذا قلنا بقول أبي بكر وصاحبه وأن له أقل سهام الورثة فنقول أصلها من أربعة وعشرين وعالت إلى سبعة وعشرين، وتضم إليها مثل نصيب الزوجة وذلك ثلاثة، فيكون ثلاثين ثلثاً البنات لا تصح عليهن فيضرب خمسة في ثلاثين فيكون مائة وخمسين للزوجة خمسة عشر وللموصى له خمسة عشر وللأبوين أربعون وللبنات ثمانون، لكل بنت ستة عشر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 17
ما يستحقه من وصى له بعبد غير مسمى من عبيد معينين:
2 ـ مسألة: فإن أوصى لرجل بعبد من عبيده ولم يسمه.
فنقل ابن منصور يعطى أحدهم ومعناه أن الخيار في ذلك إلى الورثة في أي عبد شاؤوا، وذكر الخرقي في مختصره أنه يقرع بينهم فيكون له أحدهم بالقرعة.
---(1/281)
وجه الأولى: في أن للورثة الخيار في أي عبد شاءوا من سليم ومعيب وجيد ورديء أن الاسم يتناوله، ولا أصل له في الشرع فيرد إليه لأن الوصية عطية ويفارق هذا إذا نذر عتق رقبة أنه لا يجزىء فيها المعيب لأن للنذر أصلاً في الشرع وهو الكفارة.
ووجه الرواية الثانية: أنه لو وصى بعتق عبد من عبيده ولم يسمه أظنه يخرج أحدهم بالقرعة رواية واحدة، ولا يرجع في ذلك إلى تعيين الورثة، كذلك إذا وصى لرجل بعبد لا يعينه يجب أن يعطى أحدهم بالقرعة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 19
الزيادة على مهر المثل في مرض الموت:
3 ـ مسألة: إذا تزوج امرأة في مرض الموت وأصدقها زيادة على مهر المثل.
فنقل أبو الحارث : أن الزيادة تسقط.
ونقل المروذي : أنها تعتبر من الثلث، قال أبو بكر ــ رحمه الله ـ: ما رواه المروذي قول قديم ويمكن أن تحمل المسألة على اختلاف حالين: فما نقله أبو الحارث في أنها تسقط: إذا كانت وارثة، وما نقله المروذي أنها من الثلث: إذا لم تكن وارثة حال الموت، وهو أن تكون مطلقة، وإن حملنا الكلام على ظاهره وأن الروايتين إذا كانت وراثية فوجه ما نقله أبو الحارث أن المحاباة في مرض الموت وصية، ألا تراها تعتبر من الثلث، والوصية لوارث لا تصح، كذلك ها هنا، وإذا زاد في صداقها فقد حاباها فيجب أن يبطل.
ووجه الثانية: أن المحاباة في الصداق لا تعتبر من الثلث، دليله إذا لم تكن وارثة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 20
من يدخل في الوصية للقرابة:
4 ـ مسألة: إذا أوصى لقرابته، هل يدخل فيهم قرابته من قبل أمه؟
---(1/282)
فنقل عبد الله وصالح وابن القاسم إن كان يصلهم في حياته دخلوا في الوصية وإن لم يصلهم لم يدخلوا، وذكر الخرقي في مختصره: أنهم يدخلون ولم يعتبر صلته لهم في حياته. ولا تختلف الرواية أنه يدخل في ذلك قرابته من قبل أبيه سواء كان يصلهم في حياته أو لا يصلهم، وجه قول الخرقي: أن العطية إذا كانت مستحقة باسم القرابة لم تدخل فيه قرابة الأم، بدليل سهم ذي القربى، قسمه ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ على قرابة أبيه دون أمه كذلك ها هنا.
ووجه ما نقله عبد الله وصالح: أن اسم القرابة يقع عليهم حقيقة، فإذا كان يصلهم في حياته علم أنه قصدهم بعد موته، لأن القصد من الوصية البر والصلة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 20
الوصية للقاتل:
5 ـ مسألة: هل تصح الوصية للقاتل فقال شيخنا: أبو عبد الله: يصح، وقد أومأ إليه أحمد في رواية ابن القاسم: إذا عفا عن الجراحة وعما يحدث منها، وهي خطأ جاز عفوه من الثلث وهذا لا محالة وصية لقاتله، وقد أجازها، وقال أبو بكر في كتاب الجنايات: لا تصح الوصية للقاتل، كما لا يصح إرثه، وأجاز عفو المجروح عن الجراحة، وقد أومأ أحمد إلى بطلان الوصية في المدبر، إذا قتل سيده أنه يبطل التدبير والتدبير وصية.
وجه من قال بصحة الوصية: أن الوصايا تمليك يفتقر إلى اتحاذ الملك فاشترك فيه القاتل وغير القاتل دليله البيع ولأن التهمة لا تلحق الموصى له لأنه إذا كان جرحه تقدم حالة الوصية ثم أوصى له فالتهمة معدومة لأن المجروح أوصى باختياره، وإن كانت الوصية تقدمت فالمجروح يمكنه الرجوع فيها فيؤمن أن يكون الجارح أقدم على الجرح أقدم على الجرح لتعجيل له الوصية، فانتفت التهمة وتفارق الميراث لأن التهمة تلحقه.
---(1/283)
وجه من قال لا يصح: وهو أشبه ـ أن صحة الوصية وثبوتها يتعلق بالموت فالقتل يمنع منها كالميراث، يبين صحة هذا أن الميراث آكد في ثبوته من الوصية بدلالة أنه لا يدخل في ملك الوارث شاء أم أبى، والموصى له لا يملك الشيء إلا القبول والقتل يمنع الإرث فالوصية أولى، ولأن التهمة تلحق في ذلك وهو إذا قتله بوصية بأن أبان رأسه أو أجاز عليه في الحال فالرجوع لا يمكن في ذلك، ولا يشبه هذا إذا عفا عن الجراحة لأن ذلك إسقاط وليس بتمليك.
وعندي أن لا فرق بين العفو عن أرش الجراحة وبين الوصية بمال، وأنه إن صح في أحدهما صح في الآخر وإن بطل في أحدهما بطل في الآخر لأن ذلك الإسقاط في معنى التمليك ولهذا المعنى اعتبر أحمد أن يعفو على الجراحة في قدر الثلث كما يوصى له بقدر الثلث.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 21
العطية في المرض الذي لا يرجى برؤه:
6 ـ مسألة: في العطايا في الأمراض الممتدة التي لا يرجى برؤها كالسل والفالج والجذام هل يكون من الثلث أم من صلب المال؟
فقال أبو بكر في كتاب الشافي ـ: اختلف قول أبي عبد الله على وجهين: أحدهما: أن كل من أطلق عليه المرض الذي يمنع معه الحركة والخروج والدخول فوصيته من الثلث.
والثاني: لا يكون من الثلث، وقد قال أحمد في رواية حرب: وصية المفلوج والمجذوم من الثلث. وعندي أن صاحب هذه الأمراض إن كان صاحب فراش يمنعه من الدخول والخروج فهو من الثلث وإن طال مرضه وعلى هذا يحمل كلام أحمد، وإن كان يدخل ويخرج وبه هذه الأمراض فهو من جميع المال. فوجه من قال: إن عطاياه من الثلث: بأنه مرض الغالب منه الهلاك فكانت العطايا فيه من الثلث كالأمراض التي لا تمتد ويخاف معها الهلاك، والوجه في أنها من صلب المال، أنه لا يخاف الموت في يومين وثلاثة في العادة لأنها قد تمتد سنين، ويخاف عليه فهو كالصحيح الذي لا خوف عليه في العادة من الموت في الحال.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 22
العطية في المعركة:(1/284)
7 ـ مسألة: فإذا أعطى في حل التحام الحرب هل يعتبر ذلك من الثلث؟
فقال أبو بكر : قد روى صالح أن ذلك من جميع المال وخالفه ابن منصور.
الأولى: أن المخوف أن يحل ببدنه شيء يخاف منه التلف وهذا لم يحل ببدنه شيء وإن التحم القتال فلهذا لم يكن مخوفاً.
ووجه الثانية: أن المخوف ما يخاف معه التلف.
وهذا المعنى موجود هاهنا فوجب أن يكون مخوفاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 23
تقديم العتق على الوصايا إذا ضاق الثلث عنها:
8 ـ مسألة: إذا وصى بوصايا وفيها عتاقه وعجز الثلث عن جميع ذلك فهل يقدم العتق؟
فنقل محمد : أن العتق مقدم.
ونقل أبو طالب : أن الكل سواء وهو اختيار الخرقي رحمه الله.
وجه الأولى: أن للعتق من النفوذ ما ليس لغيره بدليل أن له تغليباً وسراية فجاز أن يكون له تغليب وسراية ها هنا.
ووجه الثانية: وهو أصح ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال في الرجل يوصي بالوصية فيها العتق وغيره قال بالحصص ولأن الكل في حال الاستحقاق سواء فيجب أن يتحاصا كما لو كانا من جنس واحد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 23
عزل الوصي إذا طرأ عليه الفسق:
9 ـ مسألة: إذا تغيرت حال الوصي بفسق هل تخرج الوصية من يده؟
فقال في رواية ابن منصور: إذا كان الوصي متهماً لم يخرج من يده ويجعل معه آخر وهو اختيار الخرقي. وقال في رواية المروذي: إذا وصى إلى رجلين وأحدهما ليس بموضع للوصية لا يعطى يعني من الوصية. قيل له: أليس قد رضي به، قال: وإن رضي به.
---
وجه الأولى: أن الفسق يمنع من التصرف في الوصية بنفسه وهذا لا يوجب إخراجه من الوصية كما لو ضعف عنها ولأن الملتقط إذا كان فاسقاً فإن اللقطة لا تنتزع من يده بل يضم إلى يده يد أخرى، ولأن المعنى الذي أوجب قطع تصرفه وجود التهمة لأجل الفسق وهذا المعنى يزول إذا جعل معه أمين فعلى هذه الرواية يكون حكمه بطريان الفسق كحكمه إذا عجز عن القيام لضعف.(1/285)
ووجه الثانية: وهو أصح عندي، أن الوصية ولاية والفاسق ليس من أهل الولاية ألا ترى أن الأب إذا فسق بطلت ولايته وكذلك الحاكم، ولأن المذهب لا يختلف أنه لا تصح الوصية إليه ابتداء مع الفسق لوجود المعنى الذي ذكرنا كذلك إذا طرأ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 24
الوصية بجميع المال لمن لا وارث له:
10 ـ مسألة: إذا لم يكن له وارث بعينه هل يجوز له أن يوصي بجميع ماله؟
فنقل المروذي : له أن يبيع ماله حيث شاء.
ونقل ابن منصور : ليس له ذلك.
وجه الأولى: وهي أصح، أن ما زاد على الثلث مال للمريض ليس فيه حق لإنسان معين قله أن يوصي به ويهبه ويضعه حيث يشاء كالثلث.
ووجه الثانية: أنها عطية تلزم بالموت فلم تلزم في أكثر من الثلث كما لو كان له وارث مناسب.
وهذه الرواية أصح لأن أحمد ـ رضي الله عنه ـ قد نص على أن التوارث بالمعاقدة والحلف لا يصح وأنه يكون لبيت المال فالوصية بجميع ماله في معنى ذلك. فيجب ألا يصح. فعلى الرواية الأولى: من مات ولم يخلف وارثاً ينتقل ماله إلى بيت المال على حكم الفيء لا على حكم الإرث. لأنه لو كان إرثاً لم يشترك فيه الأب والجد ولم يستوِ فيه الذكر والأنثى، ولم يجز أن يخص بعض المسلمين ويحرم بعضهم، ولهذا المعنى قال أحمد ـ رضي الله عنه ـ: ذو الأرحام أولى من بيت المال، لو كان إرثاً لم يقدمهم عليه ـ وعلى الرواية الثانية: ينتقل إرثاً لأن المسلمين يعقلون عنه فجاز أن يرثوه كالموالي والإخوة والأعمام.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 24
دخول الوصية في الدية:
11 ـ مسألة: إذا وصى لرجل بثلث ماله فقتل الموصي عمداً أو خطأ وأخذت ديته هل يكون للموصي له ثلث الدية؟
فنقل مهنا : يكون له ثلث الدية.
ونقل ابن منصور : ليس له من الدية شيء، ولا تختلف الرواية أن يقضي منها ديونه، ويقسم بين الورثة، كما يقسم سائر أمواله على قدر مواريثهم.(1/286)
وجه الأولى: أنها تحدث على ملك الميت بدليل أنه يقضي منها ديونه ويرثها ورثته على فرائض الله عزّ وجلّ فيجب أن تجري فيها الوصية.
ووجه الثانية: أنها حدثت على ملك الورثة لأنها بدل من متلف فلم يثبت البدل إلا بعد حصول المتلف كسائر المتلفات والتلف إنما يحصل بموت فتحدث الدية على ملك الورثة فلم يكن له فيها خط، والأولى أصح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 25
وصية من دون العشر سنين:
12 ـ مسألة: في السن الذي تجوز وصية الصبي فيه فقال أبو بكر : لا يختلف المذهب أن ما دون سبع سنين لا تجوز وصيته وإذا بلغ عشر سنين فصاعداً جازت وصيته، وهل تصح فيما دون العشر وفوق السبع؟ على روايتين إحداهما: تصح لأنه في حكم المميز بدليل قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: مروهم بالصلاة لسبع ولأنه يخير بين أبويه إذا بلغ سبعاً ويصح إسلامه. والثانية: لا يصح. لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: واضربوهم عليها لعشر.
فلو كان ابن سبع في حد التمييز لأمر بتأديبه على تركها كما أمر بذلك في ابن عشر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 26
إخراج كل الثلث مما في يد الوصي من التركة إذا منع الورثة إخراجه مما في أيديهم:
13 ـ مسألة: إذا كان وصياً بتفرقة الثلث وفي يده بعض التركة وبقيتها في يد الورثة فمنعوه من إخراج ثلث ما في أيديهم فهل يخرج ثلث جميع المال من القدر الذي في يديه؟
---
فنقل أبو الحارث : لا يخرج كما لا يجوز له استيفاء حقه من مال تحصل في يديه لمنله عليه الحق إذا أنكره.
ونقل أبو طالب : يخرج لأن حق الوصي متعين في جميع أجزاء التركة وتصرفه نافذ في أبعاضها فجاز أن يخرج جميع الثلث مما في يديه، ويفارق هذا من له عليه حق أنه لا يأخذ مما في يديه لأن حقه غير متعين في شيء بعينه من مال من له عليه الحق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 26
ضمان الوصي لما أكله من مال اليتيم مقابل عمله:
14 ـ مسألة: في الوصي إذا أكل من مال اليتيم بقدر عمله هل يضمنه؟(1/287)
فنقل حنبل : لا ضمان عليه.
ونقل يعقوب بن بختان : يضمن ولا يختلف المذهب أنه له الأكل عند الحاجة وإنما الروايتان في الضمان.
فإن قلنا: لا ضمان عليه فوجهه ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه أتى رجلاً رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم له مال. فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأمل .
فأباحه الأكل ولم يوجب عليه الضمان ولأنه عامل في مال من لا يمكنه موافقته فجاز له الأخذ بقدر عمله من غير ضمان، دليله العامل على الزكاة.
ووجه الثانية: أن هذه ولاية مستفادة بعقد فلا يملك الأكل من المال المتصرف فيه بغير ضمان كالوكيل والقاضي فيما يأخذه من المال ولأنه لما لم يجز له أن يأخذ مع الغنى بقدر عمله لم يجز مع الحاجة كالقاضي إذا نظر في مال اليتيم وعيشة العامل على الزكاة والرزق الذي يأخذه القاضي يجوز مع الغني والأولى أصح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 27
كتاب الوديعة
وقسم الفيء والغنيمة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 29
في ضمان الوديعة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 31
ضمان الوديعة إذا تلفت من حرز مثلها من بين متاع المودع:
---
1 ـ مسألة اختلفت الرواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ في الوديعة إذا تلفت من حرز مثلها من بين متاع المودع، فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث وبكر بن محمد: لا ضمان عليه ونقل حنبل وابن منصور: عليه الضمان، ولا تختلف الرواية أنها إن ضاعت مع متاعه فلا ضمان عليه.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، ما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: ليس على المستودع ضمان ولأنها وديعة تلفت من حرز مثلها فلم يضمنها كما لو تلفت مع متاعه.(1/288)
ووجه الثانية: ما روى أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه أودع وديعة ـ فهلكت فرافع إلى عمر فقال له عمر: هل هلك معها من مالك شيء؟ فقال: لا، قال أغرمها. ولأنه إذا ادعى ضياعها من بين متاعه كان متهماً لأن الغالب أن الحرز إذا أهتك أخذ جميع ما فيه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 31
ضمان الوديعة إذا تلفت وقد خلطت بمال المودع:
2 ـ مسألة: فإن خلط الوديعة بملكه وكانت تتميز مثل أن كانت صحاحاً فخلطها في غلة، فنقل أبو طالب: لا ضمان عليه. ونقل ابن منصور وصالح: إذا استودع بيضاً فخلطها في سود فهلكت فعليه الضمان.
فظاهر هذا أنه ضمنه مع التمييز ويمكن أن يحمل هذا على أن البيض اسودت بعد والخلط فلم تتميز فلهذا ضمنه وإن حملنا الكلام على ظاهره فوجهه أنه خلط الوديعة بغيرها فكان عليه الضمان كما لو كان لا يتميز، وإذا قلنا: لا ضمان عليه وهو الصحيح فوجهه: أن الضمان يتعلق بخلط لا يتميز به ألا ترى أن المودع لو ترك ثوباً فوق الوديعة لم يضمن؟ كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
تخميس الفيء والعشور والخراج وأموال من لا وارث له من الكفار:
---
3 ـ مسألة: في مال الفيء وهو ما أخذ من الكفار بحق الكفر بغير قتال وهو ما تركوه وهربوا فزعاً وخوفاً وما أخذ منهم من العشور إذا دخلوا تجاراً وأموال الخراج وما صولحوا عليه ومن مات منهم ولا وارث له ـ هل يخمس ذلك أم لا...؟(1/289)
فنقل أبو طالب عنه في مراكب حملتها الريح من بلاد الروم هي لمن أخذها، ولا تخمس إنما تخمس الغنيمة، فقد صرح بالقول فيها أنها لا تخمس، وقال الخرقي في مختصره: مال الفيء مخموس، وبه قال أبو حفص العكبري من أصحابنا وزاد فقال إذا أراد الإمام قسم مال الفيء جزأه خمسة أجزاء بالسوية ثم أقرع عليه بقرعه. يكتب سهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم في رقعة وكل سهم في رقعة فإذا وقع بهم الرسول على جزء قسمه على خمسة، فإن قلنا: لا يخمس، فوجهه أنه مال أخذ بغير قتال ولا إيجاف البخيل فلم يخمس كسائر الأموال المأخوذة (منهم من المباحات وغيرها) وإن قلنا: تخمس فوجهه قوله تعالى: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهذه الآية نزلت في بني النضير فتحها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم صلحاً على أن لهم كل صفراء وبيضاء وما تحمله الركاب وما تركوه فهو له، فحملوا ذلك، وتركوا الأرض، فقسمها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم على خمسة وعشرين سهماً.
وروى البراء بن عازب . قال: لقيت خالي ومعه راية فقلت: إلى أين فقال: بعثني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم إلى رجل عرس بامرأة أبيه أضرب عنقه وأخمس ماله، فقد خمس مال المرتد ولأنه مال أخذ من المشرك بحق الكفر فيجب أن يخمس دليله ما أخذ بقتال، وكالركاز.
---(1/290)
ومن قال بالأولى: أجاب عن الآية بأن المراد خمس الغنيمة بدليل قوله في سياقها: كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم وإنما يكون هذا في الأراضي التي هربوا عنها حال القتال وأما حديث البراء فيحتمل أن يكون المعرس بامرأة أبيه قد تحيز إلى فئة وقاتل وحارب فصار ماله غنيمة، وأما مال الغنيمة فذلك مأخوذ بالقتال وهذا بغير قتال وكذلك الركاز لأنه أخذ بالقهر لأن الكفار هربوا عن الديار وتركوها فهو مأخوذ بالقهر فلهذا خمس. واحتج أبو حفص العكبري على القرعة بما روى نافع عن ابن عمر قال: رأيت المغانم تجزأ خمسة أجزاء ثم يسهم عليه فما صار لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فهو له ـ لا يختار ـ وروى مالك بن عبد الله قال: قال عمر: من ها هنا من أهل الشام. قال: قلت: أنا. قال: أبلغ معاوية أن إذا غنمتم غنيمة تجزأ خمسة أسهم فاكتب على سهم منها: لله ثم أقرع حيث ما وقع فليأخذه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
وروى عاصم بن كليب قال: علي عليَّ مال من أصفهان فجزأه سبعة أجزاء فوجد فيه رغيفاً فكسره سبع كسر ثم جعل على كل جزء كسرة ثم دعا أمراء الأجناد فأقرع بينهم أيهم يعطيه أولاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 32
مسائل في السلب
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 35
استحقاق القاتل للسلب بغير شرط الإمام:
4 ـ مسألة: هل يستحق القاتل السلب بغير شرط الإمام، فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث : هو له وإن لم يأذن فيه، وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ ونقل حرب: ليس له ذلك إلا أن يكون قتاله بإذن الإمام وهو اختيار أبي بكر الخلال.
وجه الأولى: ما روى أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم خيبر: من قتل كافراً فله سلبه.
---
وهذا القول من ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ابتداء شرع منه وبيان ما يستحق به السلب ولأنه ذو سهم غرر بنفسه بقتل كافر ممتنع حال القتال فوجب أن يستحق سلبه أصله إذا شرط الإمام.(1/291)
ووجه الثانية: أنه مال يستحق بالتحريض على القتال فوجب أن يفتقر استحقاقه إلى شرط الإمام أصله النقل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 35
دخول الدابة في السلب:
5 ـ مسألة: في الدابة، هل هي من جملة السلب....؟ فنقل الميموني وأبو النضر العجلي: أنها من السلب وهو اختيار الخرقي، ونقل الفضل بن زياد وإسحاق بن إبراهيم: ليست من السلب.
وجه الأولى: أنها تراد جنة للقتال فهي كالسلاح.
ووجه الثانية: أنها ليست بلباس فلم يكن من السلب كالرحل والنفقة التي في وسطه، فإن قلنا: إنها من السلب فهل يفترق الحال بين راكبها أو قائدها؟ فنقل أبو طالب: إذا أخذ العنان بيده فهو سلب. ونقل ابن منصور وصالح والأثرم : لا يكون الفرس له إلا أن يكون العلج راكباً. قال أبو بكر الخلال : ما رواه أبو طالب قول قديم والذي اعتمد عليه ما رواه الجماعة وأن إن كان راكباً على الفرس فهو من السلب وإن كان على وجه الأرض وعنان الدابة في يده لم يكن من السلب. فمن ذهب إلى رواية أبي طالب فوجهه أن الفرس يراد جنة للقتال فلا فرق بين أن يكون راكباً أو قائداً كما أن السلاح يراد جنة للقتال فلا فرق بين أن يقتله وهو لابسه وبين أن يكون الدرع والجوشن بيده في أنه يستحقه.
ومن قال: لا يكون من السلب فوجهه أن القتل حصل وهو نازل عن فرسه فلم يكن من السلب كما لو كان غلامه يقوده خلفه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 36
الإسهام للكافر إذا غزا مع المسلمين:
6 ـ مسألة: في الكافر إذا غزا مع المسلمين هل يسهم له...؟
فنقل أبو طالب وابن إبراهيم وابن منصور : يسهم له وهو اختيار الخرقي وأبي بكر الخلال وصاحبه، ونقل أبو الحارث لا يسهم له ولك يرضخ له.
---
وجه الأولى: وهي الصحيحة ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة وهذا عموم ولأنه حر بالغ ذكر حضر الوقعة فأشبه المسلم ولأن كفره نقص في دينه فلم يحرمه السهم كفساق المسلمين.(1/292)
ووجه الثانية: ما روى ابن عباس أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ استعان بيهود من بني قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم ولأنه ليس من أهل الجهاد ولأنه لا يصفو قلبه مع أهل دين الله تعالى فيجب أن لا يسهم له.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 37
مقدار سهم الفرس الهجين والبرذون:
7 ـ مسألة: هل يسهم للهجين والبرذون سهمان أم سهم...؟
فنقل أبو طالب وإسحاق بن إبراهيم وأبو الحارث ويوسف بن موسى وأبو داود وبكر بن محمد : يسهم له سهم وهو اختيار الخرقي وأبي بكر ونقل اسماعيل بن سعيد والفضل بن عبد الصمد له اختيارأبي بكر الخلال .
وجه الأولى: وهي الصحيحة ما روى أحمد قال: حدثنا زيد بن الحباب: حدثني معاوية عن أبي قيس عن مكحول أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس العربي وأعطى الهجين سهماً .
وروى أحمد عن حماد الخياط عن معاوية بن صالح عن أبي بشر عن مكحول أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: عربوا العربي وهجنوا الهجين للعربي سهمان وللهجين سهم وروى سليمان بن موسى أن أبا موسى الأشعري لما فتح العراق كتب إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: إنا وجدنا بالعراق خيلاً عراض الدكا فما يرى أمير المؤمنين في سهامها...؟
فكتب إليه عمر: تلك البراذين فما قارب العتاق منها فاجعل له سهماً واحداً والغ ما سوى ذلك ولأنه لا يلحق العربي في الجري والسرعة فلم يسهم له سهمان، دليلة الآدمي، ولأنه حيوان يستحق من الغنيمة فلم يستوفِ الاستحقاق جميع أجناسه دليله الآدمي لا يساوي بين المرأة والعبد والحر كذلك الفرس.
---
ووجه الثانية: أنه حيوان يسهم له فيجب أن يسهم الجميع أجناسه على حد واحد كالآدمي الحر يستوي فيه المريض والصحيح والعربي والعجمي ولأن العربي أحد وأسرع وأطوع والبرذون أشد وأكد وأصبر فما في العربي من الحدة والسرعة يقابله ما في البرذون من الصبر والشدة فتساويا إذا كان كل واحد منهما يكر ويفر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 38(1/293)
الإسهام للأجير والتاجر إذا حضر الوقعة:
8 ـ مسألة: في الأجير إذا حضر الوقعة والتاجر هل يسهم له فنقل أبو داود وأبو طالب يسهم للتاجر والبيطار والحداد وهو اختيار أبي بكر الخلال وأبي بكر عبد العزيز ، ونقل صالح وابن منصور وأبو طالب : لا يسهم للأجير إذا غزا ولكن أن يحمل هذا على الأجير الذي يستأجره الإمام للجهاد فلا يسهم له ويعطوا الأجرة وقد يصح الاستئجار على الجهاد لأهل الذمة وإن حملنا الكلام على ظاهره فمن ذهب إلى أنه لا يسهم لهم يقول: لأنه مستحق المنفعة أشبه العبد ولأنه ما حضر للجهاد وإنما حضر للخدمة وطلب الأجرة والتجارة وطلب الربح فيجب أن لا يسهم له يبين صحة هذا وأنه ليس بمجاهد قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ومن ذهب إلى أنه يسهم له وهو الصحيح فوجهه أن السهم يستحقه بالحضور وقد حضر الوقعة مع كونه من أهل المنفعة وقد فعل فيجب أن يستحق السهم ولأنه حضر الوقعة مع كونه من أهل الجهاد أشبه غير الأجير وغير التاجر ولأنها عبادة من شرط وجوبها الزاد والراحلة فوجب أن يكون الأجير وغيره فيها سواء كالحج ويفارق هذا العبد لأنه مع سيده لم يسهم له.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 40
تفضيل الذكور على الإناث في خمس الخمس:
---
9 ـ مسألة: في خمس الخمس الذي لبني هاشم وبني المطلب هل يفضل فيه الذكور على الإناث أم هم فيه سواء...؟
قال الخرقي : للذكر مثل حظ الأنثيين، وقال الشيخ أبو عبد الله ظاهر: كلام أحمد ـ رحمه الله ـ أنهم سواء لأنه قال في رواية الميموني وأحمد بن سعيد : سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني عبد المطلب خاصة ولم يحكم بالتفضيل.(1/294)
وجه ما قاله الخرقي وهو الصحيح: أنه مال مستحق بالقرابة شرعاً فوجب أن يفضل فيه الذكر على الأنثى كميراث الأخوة والأخوات من الأب والأم وهذا ظاهر على أصلنا وأن السهم مستحق باسم القرابة.
ووجه الثانية: أنه سهم من الخمس فلا يجب فيه تفضيل الذكر على الأنثى دليله سهم اليتامى والمساكين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 40
مسائل في مصارف الزكاة وتشمل:
دفع الزكاة إلى صنف واحد من أهلها:
1 ـ مسألة: هل يجوز وضع الزكاة في أحد الأصناف أم لا...؟
فنقل أبو طالب : إذا
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 40
دفع الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم في حال عز الإسلام:
3 ـ مسألة: هل يجوز أن يتألف المشركون في وقتنا هذا على الإسلام بدفع الزكاة إليهم...؟
فنقل أبو طالب وإبراهيم بن الحارث : جواز ذلك وهو اختيار الخرقي وأبي بكر ونقل حنبل لا يجوز، وأن حكمهم قد انقطع اليوم.
وجه الأولى: أن المؤلفة من أحد الأصناف فكان حكمهم باقياً بعد ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ دليله الفقراء والمساكين والعاملون ولأن المعنى الذي كان (الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ) يعطيهم (من أجله) قبل وفاته موجود بعد وفاته فيجب أن يعطيهم.
ووجه الثانية: أن عمر وعثمان وعلياً ما كانوا يعطون المؤلفة شيئاً ولأن الله تعالى قد أعز الإسلام عن أن يتألف له من يكف شره من المشركين أو يرجى إسلامه منهم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
دفع الزكاة إلى المكاتب:
---
4 ـ مسألة: هل يجوز أن يدفع الزكاة إلى المكاتب...؟
فنقل الأثرم : لا يجوز.
ونقل المروذي وغيره: الجواز وهو أصح.
وجه الأولى: أنه ناقص بالرق فلم يجز دفع الزكاة إليه كالعبد.
ووجه الثانية: قوله تعالى: وفي الرقاب . ولأن المكاتب غارم بسبب مباح فجاز الدفع إليه دليله الحر الغارم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
إعتاق الرقاب من الزكاة:(1/295)
5 ـ مسألة: هل يجوز أن يعتق من زكاته رقبة كاملة...؟ فنقل الميموني : وابن منصور : جواز ذلك وهو اختيار الخرقي، ونقل المروذي وصالح: كنت أذهب إلى أن يعتق ثم إنني جبنت عنه.
فظاهر هذا أنه رجع عن قوله بجواز العتق ولكن أصحابنا حملوا المسألة على روايتين.
فإن قلنا: يجوز أن يعتق منها فوجهه أنه صرف الزكاة في حرية الرقاب فأشبه إلى دفعها إلى المكاتب.
وإذا قلنا: لا يجوز أن يعتق منها وهو أصح فوجهه أنهم صنف من أهل الصدقات فوجب أن يكونوا على صفة يصح صرف الصدقة إليهم كسائر الأصناف.
فإذا قلنا: يعتق منها رقبة كاملة فهل يعقل عنها رب المال؟ فنقل الميموني : يعقل عنه. ونقل أحمد بن هاشم : جنايته في رقبته، وهو رجل من المسلمين ولا تختلف الرواية أن ولاءه لا يكون لسيده بل يصرف في الرقاب.
وحكى أبو بكر عن أبي بكر الخلال أنه قال: جنايته في رقبته لا يعقل عنه السيد لأنه لا يرث من ولائه شيئاً.
---
وما رواه الميموني عنه فهو قول قديم، وقال أبو بكر بن جعفر: الذي أقول به ما رواه الميموني ، وأن معتقه يعقل عنه وإن لم يرثه ولا يمتنع مثل هذا لأن من أعتق سائبه فلا ولاء له عليه ويعقل عنه كذلك الحكم في عبد له بنتان اشترت إحداهما أباها عتق عليها وتنفرد بالولاء فيما زاد على الفرض والعقل عليهما جميعاً وإنما لم يرثه السيد بالولاء لأن عتقه مستحق عليه فلا نعمة له عليه يستحق بها الولاء ولأنه أخرجه عما استحق عليه، فلم يثبت له حق على المستحق الذي هو العبد، دليله إذا دفع الزكاة إلى الفقير فإنه لا يثبت له حق على المستحق وهو الفقير كذلك ها هنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 43
دخول الحج في السبيل الذي تصرف الزكاة فيه:
6 ـ مسألة: هل الحج من السبيل فيجوز صرف الزكاة فيه...؟
فنقل حنبل وصالح وإسحاق بن إبراهيم : لا يعطى في الحج. ونقل الميموني وعبد الله والمروذي يعطى في الحج والعمرة وهو اختيار الخرقي.(1/296)
وجه الأولى: أن كل صنف (من أهل الصدقة يأخذها إما لحاجتهم إليها كالفقراء والمساكين وابن السبيل أو لحاجتنا إليهم كالعاملين والمؤلفة قلوبهم كذلك هذا الصنف) فوجب أن يكون بهذه الصفة وهذا إنما يكون في المجاهدين فإن الصدقة تدفع إليهم فيدفعون الكفار عنا فأما إذا دفع في الحج فإنه لا يكون دفعاً إلى من يحتاج إلينا ولا (إلى) من نحتاج إليه.
ووجه الثانية: وهي أصح ما روي أن رجلاً وقف ناقة في سبيل الله (فأرادت امرأته أن تحج فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : اركبيها فقالت: إنما وقفها زوجي في سبيل الله) وروي عن أم عطية قالت: يا رسول الله نذرت أن أجعل ناقتي في سبيل الله فقال: اجعليها في الحج ـ ولأن الحج سفر يتعلق وجوبه بالمال فجاز أن يكون من السبيل أو فجاز صرف الصدقة إليه كالجهاد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 45
شراء عدة الجهاد من الزكاة:
---
7 ـ مسألة: هل يجوز أن يشتري الكراع والسلاح من الزكاة ويصرفه إلى الجهاد...؟
فنقل بكر بن محمد وهارون بن عبد الله: يعطى ثمن الفرس ولا يتولى هو شراء. ونقل محمد بن الحكم يجعل من زكاة ماله في السيف والفرس والرمح وإن اشترى به أرجو أن يجزيه، قال أبو بكر : دفع الدراهم أمكن على مذهبه لأنه لا يرى دفع العروض في الزكاة.
وجه الأولى: أن سبيل الله أحد الجهات التي ينصرف إليها الزكاة فلم يجز صرف القيمة فيها، دليله الفقراء والمساكين ولأنه أخرج القيمة في الزكاة فلم يجز دليله ما ذكرناه ويمكن أن يحمل ما قاله في رواية محمد بن الحكم على أن الإمام يتولى صرف الزكاة في الفرس والرمح لأن الفرض قد سقط عن صاحبها بالدفع إليه فأما أن يكون رب المال هو الفاعل لذلك فلا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 45
دفع زكاة المرأة إلى زوجها:
8 ـ مسألة: هل يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها؟(1/297)
فنقل أبو طالب ، وابن مشيش : لا يجوز، ونقل صالح وأبو الحارث: الجواز ولا تختلف الرواية في الزوج أنه لا يجوز دفع زكاته إلى زوجته.
وجه الأولى: أن بينهما زوجية فمنعت من دفع الزكاة: دليله الزوج إذا أراد أن يدفع زكاته إليها فإنه لا يجوز كذلك هي هاهنا. ولأنه لما لم يجز له أن يعطيها لم يجز لها أن تعطيه كالابن مع أمه.
ووجه الثانية: أن الزوجية سبب لا تجب به النفقة عليها بحال فلم تحرم دفع صدقتها إليه كالنسب المتباعد ويفارق هذا الزوج أنه لا يجوز له دفع الزكاة إليها لأنه تجب نفقتها عليه فهي غنية به فلهذا لم يجز دفع صدقته إليها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 46
ضمان الزكاة إذا دفعت إلى من ظاهره الفقر فبان غنياً:
9 ـ مسألة: إذا دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر فبان غنياً.
---
فنقل أبو طالب ومهنا: لا ضمان عليه، ونقل المروذي : يضمنها. ولا تختلف الرواية أنه إذا بان عبداً أو كافراً أو من ذوي القربى أنه يضمنها ولا تجزئه.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن الغني طريقه الظن والاجتهاد لأن من الناس من يكون غنياً في الظاهر فقيراً في الباطن، ومنهم من يكون غنياً في الباطن فقيراً في الظاهر فإذا تبين له خلاف ما ظنه حال الدفع فقد انتقل من اجتهاد إلى اجتهاد فلا يفسخ الاجتهاد الأول كالحالم إذا لاح له اجتهاد بعد ما قضى بالاجتهاد ويفارق هذا إذا دفع إلى عبد أو كافر أو مناسب أو هاشمي أنه لا يجزيه لأنه انتقل من اجتهاد إلى قطع ويقين لأن الكفر طريقه القطع واليقين ولهذا يقتل عليه وكذلك الزوجية مثله ولهذا يتعلق بها إباحة الوطأ، وكذلك ملك اليمين يتعلق بها إباحة الوطأ، وكذلك النسب، ولهذا إذا نفى الولد لا عن أو أحد فلهذا فسخ الاجتهاد الأول، وهذه الرواية أشبه بالمذهب ولهذا إذا بان له الخطأ في القبلة لا يعيد.(1/298)
ووجه الثانية: أنه دفع الزكاة إلى غير مستحقها فلم يجز، دليله الأم والأب والهاشمي، ولأنه حق لآدمي يضمن مع العبد جاز أن يضمن مع الخطأ كما لو كانت عنده وديعة فدفعها إلى غير صاحبها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 46
كتاب الفرائض
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 49
التوارث بن أهل ملل الكفر المختلفة:
1 ـ مسألة في الكفر هل هو ملل أم ملة...؟
فنقل ابن منصور: لا يرث اليهودي النصراني، فعلى هذا ثبت أن الكفر ثلاث ملل: اليهودية ملة، والنصارى ملة، والمجوس وعبدة الأوثان ملة، وهو اختيار أبي بكر.
ونقل حرب: يرث اليهودي النصراني فعلى هذا الكفر كله ملة، وهو اختيار أبي بكر الخلال.
وجه الأولى: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يتوارث أهل ملتين شتى .
---
وهذا عام ولأن مللهم مختلفة فأشبه ملة الإسلام والكفر ولأن التوارث يثبت بالموالاة، وإن كان الدين واحداً فإذا سقطت الموالاة سقط التوارث.
ألا ترى أنه لا توارث بين أهل الإسلام والكفر لوجود هذا المعنى؟
وكذلك لا توارث بين أهل الذمة وأصل دار الحرب
ووجه الثانية: أنه يجمعهم الضلال والكفر فأشبه وفرق اليهود وفرق النصارى ولأن الذمة سبب يحقن به دم من ضمنه ذلك السبب فكانوا ملة واحدة وجرى بينهم التوارث كالإسلام فنقيس عقد الذمة على الإسلام والأولى أصح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 51
منزلة العمة في الميراث:
2 ـ مسألة: في العمة: فنقل المروذي وإسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور هي بمنزلة الأب ونقل الأثرم وإبراهيم وحنبل: هي بمنزلة العم وهو اختيار أبي بكر.(1/299)
وجه الأولى: ما روى عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا يزيد قال: أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن الزهري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال: العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب، والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم. ولأن العمة تدلى بأربع جهات وارثات ـ تدلى بالأب، والجد، والجدة، والعم، لأنها بنت الجد والجدة وهي أخت الأب والعم ـ فإذا اجتمع لها هذه الجهات الأربع الوارثات ولم ترث بجمعيها وجب أن ترث بأقواها وهو الأب ألا ترى أنهم قالوا في المجوسي إذا كان له قرابتان ورث بأقوالهما ومنهم من قال يرث بجميعها كذلك العمة لما لم ترث بجميعها: ورثت بأقواها قالوا في الجدة إذا كان لها قرابتان مثل أن تكون جدة من قبل أم وجدة من قبل أب منهم من ورثهم بهما ومنهم من ورثها بأقواهما ـ كذلك ها هنا.
ووجه الثانية: أنا إذا نزلنا بمنزلة أب، أسقطت من هو أقرب منها وهم ولد الأخوات وبنات الإخوة لأنهم ولد الأب وهي من ولد الجد ولا يجوز أن يسقط الأبعد الأقرب وإذا نزلناها بمنزلة العم لم يوجد هذا المعنى.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 52
التسوية بين ذكور ذوي الأرحام وإناثهم في الميراث:
3 ـ مسألة: هل يرث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية إذا كان أبوهم وحداً وأمهم واحدة، أم يفضل الذكر على الأنثى؟
فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث وحنبل في ولد الخال والخالة: يعطون بالسوية ولا يفضل بعضهم على بعض.
فظاهر هذا أنه سوى بين الذكور والإناث. ونقل يعقوب بن بختان : إذا ترك ولد خاله وخالته أجعله بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين. وكذلك ولد العم فظاهر هذا أنه فضل الذكور على الإناث، وكذلك نقل المروذي للخال الثلثان وللخالة الثلث، قال أبو بكر: المسألة على روايتين:(1/300)
إحداهما: أنهم يرثون بالسوية/ والثانية: يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين، فجعل الروايتين في جميع ذوي الأرحام، وقال الخرقي في مختصره: ويورث الذكور والإناث بالسوية إلا الخال والخالة فللخال الثلثان وللخالة الثلث فخص الخال والخالة بالتفضيل وسوى بينهم فيما عداهما ولم أجد هذا بعينه عن أحمد.
وجه من سوى بينهما: أنهما في القرابة سواء وليس لأحدهما تعصيب فيجب أن يسوى بينهما لتساويهما في النسب المستحق ولأنهم يرثون بالرحم المحض فاستوى الذكر والأنثى كالإخوة والأخوات من الأم وكابن أخت وبنت أخت أخرى.
ووجه من فضل بينهما: أنه لو وجبت التسوية بينهما لوجب مثله في الخال والعمة لأنهما في درجة واحدة ولوجب مثله في الأخوال والخالات المتفرقين لأنهم في درجة واحدة وقد أدلوا بشخص واحد ولما لم يسوِ بينهم كذلك ها هنا في غيرهم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 53
في إرث الجدات
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 54
الرد على الجدة وولد الأم مع ذي سهم:
---
4 ـ مسألة: هل يرد على ولد الأم والجدة مع ذي سهم فنقل ابن منصور: لا يرد عليهم ويرد على من سواهم، قال الخرقي : ويرد على كل أهل الفرائض على قدر فرائضهم إلا الزوج والزوجة، ولا تختلف الرواية أنه لا يرد على الزوج والزوجة. وجه ما نقله ابن منصور أنه إذا اجتمع في الفريضة أم وإخوة من أم فإنما قلنا: يرد على الأم دون الإخوة من الأم لأن سبب الأم آكد بدليل أنه لا يسقط إرثها بحال والإخوة من الأم يسقطون في مواضع ولأنهم بها يدلون فكانت أقوى حالاً منهم، وكذلك الجدة إذا اجتمعت مع الإخوة والأخوات من الأب والأم أو من الأب لأنهم آكد إرثاً منها ألا ترى أن الأم تسقط الجدة والأخوات يحجبن الأم وينقصنها ولأن الأخوات يرثن بالفرض تارة والتعصيب أخرى مع البنات وليس هذه المنزلة للجدة فكانوا آكد منها.(1/301)
ووجه ما قاله الخرقي وهو أصح أن ولد الأم والجدة يرثون بالرحم فجاز الرد عليهم مع غيرهم دليله بقية ذوي الفرائض وكل من رد عليه إذا انفرد رد عليه إذا كان معه وارث غيره كولد الصلب مع ولد الابن والأخت للأب مع الأخت للأب والأم فإن أحمد قد نص على الرد على جميع هؤلاء ويفارق هذا الزوج والزوجة لأنهم لا يرثون بالرحم ولأنهم لا يرد عليهم إذا انفردوا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 54
إرث الجدة أم الأب مع الأب:
5 ـ مسألة: في الجدة أم الأب هل ترث مع الأب؟
فنقل أبو طالب : أنها لا ترث، ونقل ابن القاسم وبكر بن محمد: ترث وهو اختيار الخرقي ولا تختلف الرواية أن أم الأم لا ترث مع الأم.
وجه الأولى: أن أم الأم لا ترث مع الأم لأنها تدلى بها كذلك أم الأب ولأنها ولادة من جهة واحدة فلا يقع بها ميراثان كأم الأم مع الأم، والأب مع الجد.
---
ووجه الثانية: وهي الصحيحة، أن الأب ابنها، فلم يحجبها دليله العم والجد ولأنها ترث باسم الأمومة فلم يحجبها الأب كأم الأم أو نقول: لأنها جدة ترث مع عدم الأب فورثت معه كأم الأم أو نقول: أم الأب تأخذ سهم الأم بدليل أنها لا ترث معها فلم يسقطها الأب، دليله أم الأم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 55
حجب القربى من الجدات للبعدى منهن:
6 ـ مسألة: إذا كانت الجدة القربى من قبل الأب والبعدى من قبل الأم هل تسقط البعدى؟
فقال الخرقي : فإن كان بعضهن أقرب من بعض كان الميراث لأقربهن.
فظاهر هذا أنه أسقطها.
وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: أنا أقول السدس بينهما ولا يختلفون أن البعدى إذا كانت من جهة الأب والقربى من جهة الأم أن البعدى تسقط.
وجه ما نقله الخرقي أنه اجتمعت جدتان فيجب أن يكون الأقرب منهما أولى كما لو كانت الأقرب من جهة الأم والأبعد من جهة الأب.
ووجه ما نقله ابن إبراهيم أن الجدات من قبل الأب إنما يدلين بالأب والأب لو اجتمع مع الجدات من قبل الأم لم يحجبهن فبأن لا يحجبهم من يدلى به أولى.(1/302)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 55
إرث ابن الابن من الولاء مع الابن:
7 ـ مسألة: هل يرث ابن الابن مع الابن من الولاء...؟
فنقل أبو طالب : لا يرث، ويكون الولاء للابن، فإذا مات المولى وخلف ابن مولاه وابن ابنه فالولاء لابنه.
قال أبو بكر وله قول آخر الولاء بينهانقله حنبل.
---
وجه ما نقله أبو طالب وهي الصحيحة أن الابن أقرب إلى المولى من ابن الابن فقدم في التعصيب عليه كابن المناسب مع ابن الابن، والذي نقله حنبل يفيد أن الولاء يورث فيكون لعصبة الابن وهو قول شريح وقد صرح أحمد في مواضع أن الولاء لا يورث وعلى هذا الاختلاف إذا أعتقت امرأة عبداً وخلفت ابناً وأخاً ثم مات الابن وترك عصبة ثم مات العبد وترك أخاً مولاته، وعصبة ابنها كان ماله لأخي مولاته أن المرأة لو كانت الميتة لورثها أخوها.
ونقل جعفر بن محمد عنه إذا خلفت ابناً وأخاً وخلفت مولى ومات الابن فإن كان للابن عصبة رجع إلى عصبته، وإلا يرجع إلى الخال يعني بالخال أخا المعتقة وهو خال ابنها هذا يخرج على رواية حنبل ـ رحمه الله ـ وإن الولاء يورث فيكون لعصبة الابن ما كان للابن فالدلالة على أن الولاء لا يورث ما روى جابر عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث .
ولأنه لو كان ورثاً كالمال لورث منه الزوج والزوجة والنساء ولا يقول هذا أحد، ولأن الولاء كالنسب يورث به وهو في نفسه غير موروث قال ـ : الولاء لحمة كلحمة النسب ثم ثبت أن النسب لا يورث وإنما يورث به كذلك الولاء.
ووجه من قال يورث: قال: إن الولاء من حقوق الملك ونتيجته فيجب أن يورث دليله ثمرة الشجرة. وولد الشاة، والأجل في الدين وغيره ذلك.
فإن اعتق عبداً ومات وخلف ابنين وماتا وخلف أحدهما ابناً وخلف الآخر عشرة، ثم مات العبد المعتق كيف يقسم الولاء بينهم؟(1/303)
فنقل ابن منصور إذا خلف أحدهماابناً وخلف الآخر عشرة قسم الولاء بينهم على أحد عشر سهماً، ونقل بكر بن محمد عنه إذا خلف أحدهما ابناً وخلف الآخر أربعة قسم الولاء بينهم نصفين نصف للواحد ونصف للأربعة.
---
وقال أبو بكر : العمل على رواية إسحاق وفيه ضبط ولم يضبط بكر بن محمد ما نقله وهذه المسألة مبنية على الأصل الذي قد تقدم فرواية ابن منصور مبنية على أن الولاء لا يورث وأن البنين يورثون بولاء أبيهم فأولادهم أيضاً كذلك ومال الجد يقسم بينهم على عددهم ورواية بكر بن محمد تخرج على أن الولاء يورث وأن الولدين ورثوا الولاء عن أبيهم نصفين وأن أولادهم يرثون عنهم ما ورثه كل واحد منهما، وقد ورث كل ابن النصف فكان ذلك لولده.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 56
في الإرث بالولاء
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 58
إرث النساء بالولاء:
8 ـ مسألة: في ابنه المولى هل ترث من الولاء...؟
فنقل أبو طالب وأبو الحارث وحنبل : لا يرث النساء من الولاء إلا من اعتقن أو أعتق من اعتقن أو دبرن.
---(1/304)
ونقل أبو طالب : إذا مات المولى وله بنت وللذي أعتقه بنت: المال بينهما نصفان مثل بنت حمزة وهو اختيار الخرقي لأنه قال: وقد روي عن أبي عبد الله رواية أخرى في بنت المعتق خاصة: أنها ترث واحتج في ذلك بما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه ورث ابنة حمزة من الذي أعتقه حمزة ولأنه سبب يرث به الابن فورثت به البنت كالنسب والدلالة على أنها لا ترث وهو اختيار أبي بكر وقد تكلم على رواية أبي طالب وقال: وهم فيها وأن البنت لا ترث من الولاء لأنها أنثى فلم ترث من الولاء ـ دليله الأخت ولأن النساء إنما يرثن مع النسب المتداني ولا يرثن إذا تباعدن بدليل أن الأخ يعصب أخته فترث معه ولو كان ابن أخ لم يعصب أخته والعم لا يعصب أخته ولا ترث لبعدها ثم كان الولاء مؤخراً عن النسب بكل حال فإذا لم يرثن مع تباعد النسب فبأن لا يرث مع ما هو أبعد من النسب الأبعد أولى وقد سئل أحمد في رواية ابن القاسم: هل كان المولى لحمزة أو لابنته فقال: لابنته فقد بين أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها. لأنها كانت هي المعتقة فلم يكن فيه حجة على أنها ترث بولاء عبد أعتقه أبوها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 58
جر الجد لولاء أولاد الابن:
9 ـ مسألة: في الجد هل يجر الولاء وهو إذا تزوج عبد معتقه لقوم فولدت له أولاداً فولاؤهم لمواليها.
فإن أعتق أبوهم، صار ولاؤهم لمواليه. وإن لم يعتق ولكن أعتق جدهم لم يجر الولاء في إحدى الروايتين نص عليها في رواية أبي طالب.
فقال: الأب يجر الولاء فأما الجد فليس هو كالأب.
وفيه رواية أخرى: يجر، قال في رواية الحسن بن ثواب في مملوك أولاده: أحرار.
مات المملوك بعد أن الجد عتق فهو يجر ولاءهم لأنه عتق بعد موت ابنه.
وجه الأولى: أن الجد يدلى إليهم بأبيهم لأنه يقول: أنا أبو أبيهم كما أن العم يدلى إليهم بأبيهم لأنه يقول: أنا أخو أبيهم والعم لا يجر الولاء كذلك الجد.
---
ووجه الثانية: أن الجد له ولادة وتعصيب فأشبه الأب.(1/305)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 58
في سريان العتق
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 59
ثبوت الولاء للمعتق عتقاً واجباً:
10 ـ مسألة: إذا أعتق عبداً عن كفارته لم يرثه بالولاء، وكذلك من زكاته في إحدى الروايتين.
نص عليها في رواية الميموني ، وأحمد بن هاشم: لا يعتق من زكاته ونقل مهنا وأبو طالب إذا اعتق في الكفارة يرثه بالولاء وجه الأولى: أن الميراث بالولاء من جهة الإنعام عليه بالعتق إذا كان العتق واجباً فلم ينعم عليه، ولأنه يرجع من منافع هذا العتق، وهو الولاء.
ووجه الثانية: أنه أعتق وقع ملك فوجب أن يكون الولاء لمن وقع العتق في ملكه كما لو تطوع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 59
ولاء العبد المعتق عن الغير بإذنه بلا عوض:
11 ـ مسألة: إذا أعتق عبده عن غيره بإذنه بغير جعل فهل يكون الولاء للمعتق عنه أم للمعتق؟
على روايتين: نقل ابن منصور : أنه للمعتق عنه وهو اختيار الخرقي، ونقل مهنا الولاء للمعتق.
وجه الأولى: أن العتق جعل عن الغير بإذنه فكان الولاء للمعتق عنه. دليله إذا كان يجعل.
ووجه الثانية: أن هذا العتق يتضمن التمليك لأنه لايكون معتقاً عنه إلا بعد حصول الملك فإذا لم يشترط فيه المال كان تمليكاً بغير بدل والتمليك بغير بدل لايصح إلا بالقبض وإذا لم يملكه وقع العتق على ملك المعتق فكان الولاء له دون المعتق عنه. ويفارق هذا إذا كان بعوض لأنه يحصل تمليكا ببدل والتمليك ببدل يصح بغير قبض بدلالة البيع وإذا ملكة الأمر وقع العتق عنه فكان الولاء له.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 59
ما يترتب على عتق أحد الشريكين، وهو موسر لمكاتبهما بعد ما أدى جزءاً من مال الكتابة:
---
12 ـ مسألة: في عبد بين شريكين كاتباه على ألف فأدى تسع مائة وأعتقه أحدهما وهو موسر هل يسري العتق إلى جميعه ويغرم لشريكه نصف قيمته أم يعتق من المكاتب بقدر ما بقي من مال الكتابة...؟(1/306)
فنقل بكر بن محمد يسري إلى جميعه ويغرم لشريكه نصف قيمة العبد ولا يحاسبه بما أخذ من المكاتب هكذا نص عليه وهو اختيار أبي بكر، ونقل حنبل عنه: أنه لا يعتق إلا نصف المائة ويكون لذلك نصف المائة على هذا ويكون الولاء له على قدر ما أعتق.
فظاهر هذا أنه يعتق منه بقدر ما بقي من مال الكتابة ويغرم لشريكه نصف قيمة عشرة ومقداره خمسون درهماً ولا يجري العتق في جميعه لأنه إذا أدى من كتابته شيئاً فقد حصل له العوض عنه ولهذا يمنع من عتقه في الكفارة فإذا أعتقه وقد بقي من مال الكتابة عشرها فقد أتلف على شريكه نصف عشرة فيجب أن يضمن قدر ما أتلفه عليه ولا يلزمه ضمان نصف قيمة جميعه لأن الشريك قد حصل له العوض في مقابلة ذلك.
وجه الرواية الأولى: وهي الصحيحة أنه قبل كمال الإذاء عبد ما بقي عليه درهم.
قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولهذا المعنى يرث ولا يعقل ولا يلي النكاح على ابنته وإذا كان عبداً فقد أتلف عليه نصفه بالمعتق فيجب أن يغرم قيمة نصفه لشريكه وما قبضاه يكون لهما لأنه من الكتابة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 60
ميراث المرتد:
13 ـ مسألة: في ميراث المرتد فنقل حنبل والعباس بن أحمد الثمامي والعباس بن محمد النسائي وموسى بن سعيد الطرطوسي وابن منصور: أنه لبيت المال لا يرثه ورثته المسلمون، وقال كنت أقول يرثه أهل ملته ثم جبنت عنه. ونقل أبو داود وأبو الحارث ما يدل على أنه لورثته من المسلمين إذا قتل أو مات، فقال: كنت أذهب إلى أنه لا يرثه أحد من المسلمين ثم أجبن عنه.
---
قال أبو بكر الخلال : روى هذه المسألة جماعة على التوقيف وجماعة رووا أنه لجماعة المسلمين وهو أشبه بقوله، ونقل بكر بن محمد ما يدل على أن ميراثه لورثته من أهل دينه الذين اختارهم إذا لم يكونوا مرتدين فقال: لا يرثه ورثته المسلمون فإن كان له ورثه كفارة وإلا في بيت المال.(1/307)
وجه الأولى: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم والمرتد كافر فلم يرثه المسلم، ولأن المرتد لا يرث بحال فيجب أن لا يورث كالمكاتب ولأنه مال كافر فلم يرثه مسلم كاليهودي.
ووجه الثانية: ما روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قتل المستورد بن الأحنف وكان مرتداً وجعل ماله لورثته المسلمين وعن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أنهما قالا ماله لورثته المسلمين ولا يعرف لهم مخالف ولأنه لما لم يرث المرتد أقرباؤه المشركون ورثة أقرباؤه المسلمون كالمسلم.
ووجه الثانية: قوله: لايرث المسلم الكافر دليله أن الكافر يرث الكافر والمرتد كافر فيجب أن يرثه ورثته ولأن دينهما متفق أو لأنهم يجمعهم الضلال فيتوارثون دليله اليهود والنصارى.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 61
ميراث ولد الملاعنة:
14 ـ مسألة: في ميراث ولد الملاعنة فنقل الأثرم وحنبل عصبته عصبة أمة وهو اختيار الخرقي ونقل أبو الحارث ومهنا الملاعنة أولى عصبة ولدها فإن لم تكن فعصبة الأم.
وجه الأولى: وأن عصبته عصبة أمه وأن الأم لا تكون عصبة ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: ما أبقت الفريضة فالأولى عصبة ذكر ، الملاعنة أنثى فوجب أن تكون بقية المال لعصبتها إذا لا عصبة ها هنا سواهم ولأنه لو كانت الأم عصبة كالأب لم يرث معها كالإخوة والأخوات كما لا يرثون مع الأب، ولما ورثوا معها دل على أنها ليست عصبة، ولأنه لما كان مولاها مولى لأولادها مع وجودها عند عدم موالى الأب كذلك يجب أن يكون عصبته مع وجودها عصبة لولدها.
---
ووجه الثانية: وأن أمه عصبتها لا تكون عصبة له مع وجودها ما روى مكحول وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها وروى واثلة بن عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه .(1/308)
وروى عبد الله بن عبيد بن عمير عن رجل من أهل الشام أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال في ولد الملاعنة: عصبته أمه وفي حديث آخر: هي بمنزلة أبيه وأمه .
ولأن الإناث قد يكن عصبة بأنفسهن وهن الأخوات مع البنات وقد يكن عصبة بتعصيب غيرهن وهن البنات وبنات الابن والأخوات للأب والأم والأخوات للأب يعصبهن إخوتهن، والمولاة عصبة لمعتقها فغير ممتنع أن تكون الأم عصبة لولدها عند عدم العصبات من جهة الأب.
والرواية الأولى أصح في المذهب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 63
من أسلم على ميراث قبل أن يقسم:
15 ـ مسألة: فيمن أسلم على ميراث قبل أن يقسم.
فنقل الأثرم وابن منصور، وبكر بن محمد: أنه يرث وهو اختيار الخرقي ونقل أبو طالب عنه: وقال: قد وجبت المواريث لأهلها. ولا تختلف الرواية أنه إن أعتق قبل قسمة الميراث أنه لا يرث ونص عليه في رواية بكر بن محمد.
---(1/309)
وجه الأولى: ما روي عن أنه قال: من أسلم على شيء فهو له وهذا عام في كل شيء أسلم عليه، وروى زيد قتادة أن أمه ماتت فأسلم بعض أولادها. فرفع ذلك إلى عثمان فسأل عن ذلك أصحاب ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ. فقالوا: يرثون ما لم يقسم. وهذا إشارة إلى جماعتهم، ولأن دينهما متفق قبل القسمة أشبه ما لو كان متفقاً حال الموت، ولأن المواريث التي كانت في الجاهلية ما طرأ عليه الإسلام منها قبل القسمة قسم على حكم الإسلام ولم يعتبر وقت الموت، كذلك الإسلام بعد الموت ويكون في حكم الموجود قبله كما قلنا فيمن حفر بئراً ومات ثم وقع فيها إنسان فإن الضمان يتعلق بتركته كما لو وجد الوقوع في حال حياته فالحفر سبب للضمان وجد حال الحياة والوقوع شرط في الضمان وجد بعد الموت والنسب سبب للإرث وجد قبل الموت والإسلام شرط في استحقاقه وجد بعد الموت فلا فرق بينهما ولأنهم قد قالوا: إن ما ينتقل إلى بيت المال عن ميت ولا وارث له ينتقل إرثا فلو أسلم رجل بعد انتقال المال عن ميت استحق جزءاً منه كما لو كان مسلماً قبل الانتقال كذلك ها هنا.
ووجه الثانية: أنه بالموت تنتقل التركة إلى ملك الورثة ويستقر ملكهم عليها فيجب أن لا يزول ملكهم عنها بالإسلام، كما لا يزول بحدوث وارث آخر وهو أن يموت ويخلف أماً وأخاً فتعلق الأم بولد آخر فإنه لا يرث بحدوثه بعد الحكم بالميراث للموجود كذلك ها هنا.
ولأن من لم يكن وارثاً حال الموت لم يكن وارثاً بعده كما لو أسلم بعد قسمة الميراث أو أعتق بعد الموت وقبل القسمة، ومن قال بالأولى أجاب عن هذا فقال: إذا حدث له وارث بعد الموت لم يرث لأن سبب الإرث لم يكن موجوداً حال الموت.
---(1/310)
والسبب هاهنا موجود وهو النسب فجاز أن يرث بعد الموت. وأما إذا أسلم بعد قسمة الميراث فلا يمنع أن لا يرث إذا أسلم قبل القسمة كما أن المشركين إذا غنموا أموال المسلمين ثم ظهر عليها المسلمون فإن أدركه صاحبه قبل قسمته فهو أحق به وإن أدركه مقسوماً كان أحق به بالثمن، وأما عتق العبد بعد الموت وقبل القسمة فإنما لم يرث لأن العتق جاء من جهة غيره والإسلام جاء من جهته وفرق بينهما ألا ترى أن ما يقطع الإرث إذا كان من جهته يحرم (الإرث) وهو القتل، ولو كان من جهة غيره لم يحرم الإرث كذلك فيما يوجب الإرث جاز أن يفرق بينهما ولأنه إذا كان من جهته فهو مثاب ممدوح وإذا كان من جهة غيره فلا منة له، ولا ثواب له فيه وإنما هو لسيده فجاز أن يستحق بما يمدح عليه ولا يستحق بما لا يمدح عليه ولا ثواب له فيه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 64
إرث الشخص الواحد بقرابتين لا تحجب إحداهما الأخرى:
16 ـ مسألة: في ميراث المجوس فنقل ابن القاسم والفضل بن عبد الصمد وابن منصور: يرثون من الوجهين يعني بالقرابتين. نحو أن تكون الأم أختاً وهو أن يتزوج بنته فيولدها بنتاً فترث أمها بالأمومة والأخوة وغير ذلك.
---(1/311)
ونقل حنبل قال: كان أبو عبد الله يذهب إلى أنه يورث من وجه واحد من الحلال، فظاهر هذا أنه يرث بآكد القرابتين ولا يرث بهما قال أبو بكر : لا أعرف لقول حنبل وجهاً لأنه لم يحك عن أبي عبد الله لفظاً والعمل على ما روي عنه من توريثهم من الوجهين جميعاً فمن نصر رواية حنبل احتج بأنهما سببان يورث بأحدهما من جنس ما يورث بالآخر فإذا اجتمعا لم يورث بهما جميعاً دليله العم إذا كان مولى والأم إذا كانت مولاة والابن إذا كان مولى ولأنهما قرابتان يورث بكل واحد منهما فرض مقدر فإذا اجتمعا لم يورث بهما كالأخت من الأب والأم لا ترث لكونها أختاً من أب وكونها أختاً من أم، ومن ذهب إلى أنهما يرثان بالسببين جميعاً وهو الصحيح فوجهه أنهما قرابتان من جهتين لو كانتا موجودتين في شخصين ورث بهما كذلك إذا وجدتا في شخص واحد فوجب أن يورث بهما كابني عم أحدهما أخ لأم. لأن الأخ للأم يأخذ السدس والباقي بينه وبين الأخ نصفين ولا يلزم عليه الأخ للأب والأم والأخ للأب أنه لا يستحق لأنه أخ لأم وأخ لأب لأن الجهة ها هنا واحدة ألا ترى أنه لو أوصى لإخوته وله إخوة لأم، وإخوة لأب وأم، وهناك من يحجبهم من الميراث صحة الوصية فإنه لا يجوز أن يقال: إن الإخوة للأم والإخوة للأب والأب يشتركون في سهام الإخوة للأم ثم يكون الباقي للإخوة للأب والأم، وليس كذلك كونها بنتاً وأختاً لأنهما قرابتان من وجهين، ويفارق هذا ابن العم إذا كان مولى وكذلك الأخ إذا كان مولى لأن ابن العم والأخ عصبة والعصبة إنما تأخذ فاضل المال فإذا أخذ الفاضل بإحدى المعنين لم يكن لاعتباره معنى وها هنا يأخذ الفرض فإذا أخذ الفاضل بإحدى المعنيين قرضاً معلوماً جاز أن يأخذ بالمعنى الآخر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 66
إرث المبتوتة في المرض:
17 ـ مسألة: المبتوتة في المرض هل ترث بعد انقضاء العدة ما لم تتزوج؟
---(1/312)
فنقل الجماعة منهم الأثرم وأبو الحارث وأبو طالب : أنها ترث وإن انقضت العدة ما لم تتزوج.
ونقل حنبل فيمن طلق في المرض قبل الدخول: قال جابر بن زيد لا ميراث ولا عدة وقال الحسن: ترث، وأذهب إلى قول جابر.
فظاهر هذا: أنه حرمها الإرث لعدم العدة فاقتضى أن العدة معتبرة، ومن ذهب إلى هذه الرواية فوجهه أنه إذا انقضت العدة لم يبق عليها حكم من أحكام النكاح فيجب أن لا ترث كما لو تزوجت وليس كذلك إذا كانت العدة باقية لأنه قد مات وقد بقي عليها حكم من أحكام النكاح فورثت كالرجعية، ومن ذهب إلى أنها ترث وإن انقضت العدة ما لم تتزوج وهو الصحيح فوجهه: أنه طلقها في حال ثبت حقها في ماله، ولم يوجد من جهتها قبل الطلاق ولا بعده ما يوجب إسقاط حقها فيجب أن ترث كما لو مات وهي في العدة ويفارق هذا إذا تزوجت من وجهين:
أحدهما: أنها لو ورثت بعد التزوج كان فيه إثبات إرثها من زوجين وهذا لا يجوز وهذا المعنى ليس فيه إذا لم تتزوج ولأنها قبل التزوج حكم الفراش باق. ألا ترى أنها إذا أتت بولد لأربع سنين لحق به وإن تزوجت بعد ثلاث حيض زال فراش الزوج الأول والحق الولد بالثاني. فإن كان الطلاق قبل الدخول في مرض الموت، فقال أبو حفص العكبري: فيه أربع روايات:
نقل حنبل: لا ميراث لها ولا عدة عليها ولها نصف المهر.
ونقل ابن منصور لها الميراث والصداق كاملاً عليها العدة.
ونقل الميموني لها الميراث ونصف الصداق ولا عدة عليها.
ونقل أبو الحارث لها الصداق والميراث ولا عدة عليها وذهب إلى قول عطاء.
وجه الأولى: في حرمانها الإرث ما تقدم من أنه لم يبق عليها شيء من أحكام النكاح، وأما نصف المهر فلأنه طلاق قبل الدخول وأما عدم العدة فلأنه طلاق قبل الدخول فهو كحال الصحة.
ووجه الثانية: في أن لها الميراث: أنه طلاق في المرض لم يحصل من جهتها ما يسقطه فهو كما لو دخل بها، وأما إيجاب كمال الصداق والعدة فلأنها فرقة أوجبت الإرث فكملت الصداق والعدة كالوفاة.
---(1/313)
ووجه الثالثة: في إثبات الميراث وإسقاط العدة ونصف الصداق أن الميراث إنما وجب لأن الطلاق في المرض فهو متهم، وأما إسقاط العدة ونصف الصداق فلأنه لا تهمة فيه وقد وجد في طلاق قبل الدخول.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 67
ووجه الرابعة: في إثبات الميراث وكمال الصداق وإسقاط العدة فلأنه متهم في إسقاط ميراثها فلهذا ورثته، وأما تكميل الصداق وإسقاط العدة فلأنه متهم أيضاً بطلاقها ليسقط كمال صداقها فلهذا كمل وليس بمتهم في العدة فلهذا لم تجب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 67
إرث من سألت الطلاق في مرض الموت:
18 ـ مسألة: فإن سألته الطلاق في مرض الموت فطلقها ثلاثاً فهل ترثه...؟
نقل مهنا: أنها ترثه، ونقل حنبل في رجل خيَّر امرأته في مرضه فاختارت نفسها ثم مات: لم ترثه، هي اختارت نفسها وهو ميت فهو بمنزلة الخلع ولا يشبه هذا الطلاق فقد نص على أنها لا ترثه إذا اختارت نفسها لأن الفرقة جاءت من جهتها وهذا موجود هاهنا إذا سألته الطلاق.
ونقل مهنا إذا اختلعت من زوجها في مرضه ومات، وهي في العدة لا ترثه ولو قال لها وهو مريض: أمرك بيدك واختاري نفسك واختارت نفسها ومات وهي في العدة: ورثته وليس هذا كالخلع والخلع أمر من قبلها. وقد فرقا بين أن تختار نفسها وبين الخلع.
وجه الأولى: أن الطلاق حصل في حال ثبت حقها في ماله فيجب أن ترث كما لو لم تسأله.
ووجه الثانية: أن المبتوتة ورثت لأجل أنه متهم في طلاقها أنه قصد إسقاطه وإذا سألته فالتهمة قد زالت فيجب أن لا ترث وهكذا الخلاف فيه إذا طلقها في المرض ثم ارتدت بعد الطلاق ثم عادت إلى الإسلام ثم مات الزوج بعد ذلك هل ترثه..؟
---(1/314)
على روايتين: إحداهما: ترثه لأن الطلاق وجد في المرض/ والثانية: لا ترثه لأنه وجد من جهتها ما يسقط الإرث وهي الردة فإذا قال لها في مرضه: أنت طالق ثلاثاً إن دخلت الدار أو فعلت كذا وكذا لأمر نهاها عنه لها منه بد ولا تأثم بتركه ففعلت ذلك وهي عالمة باليمين طلقت وهل ترثه على روايتين:
إحداهما: لا ترثه لأن الطلاق وقع باختيارها فهو غير متهم.
والثانية: ترثه لأن الطلاق وجد في المرض، فأما إن فعلت ذلك ولا تعلم بيمينه ورثته ـ رواية واحدة ـ وكذلك لو قال لها في مرضه: أنت طالق ثلاثاً إن شئت فشاءت ذلك فطلقت أو اختلعت أو سألته أن يخيرها نفسها ثلاثاً فاختارت نفسها ثلاثاً فبانت منه هل ترثه في جميع ذلك...؟
على روايتين:
فإن سألته في مرضه أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثاً ورثته رواية واحدة، ولو قال لها في مرضه: أنت طالق ثلاثاً إن صليت المكتوبة أو صمت رمضان أو كلمت أباك أو أمك أو فعلت كذا لأمر لا بد لها منه أو تأثم بتركه ففعلت ذلك طلق ثلاثاً وورثته رواية واحدة.
سواء علمت بيمينه أو لم تعلم لأن أعنتها فإن قال لها في مرضه: أنت طالق ثلاثاً إن كلمت أخاك فكلمته وهي عالمة بيمينه ـ فهل ترثه...؟
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 69
على روايتين: لأن لها منه بد فهو كما لو سألته الطلاق، وإن لم تعلم بيمينه ورثته رواية واحدة فإن قال لها في الصحة: أنت طالق ثلاثاً إن صمت رمضان أو كلمت أباك أو أمك أو فعلت كذا لأمر لها منه بد أو لا بد لها منه ففعلت ذلك في مرضه بانت منه وهل ترثه على روايتين:
إحداهما: لا ترثه علمت باليمين أو لم تعلم لأن اليمين كانت في الصحة وقد نص على ذلك في رواية مهنا في القذف إذا كان في حال الصحة واللعان في المرض لا ترثه.
---(1/315)
والثانية: ترثه اعتباراً بوقوع الطلاق البائن في المرض على أي صفة كان وقد نص على ذلك في رواية مهنا إذا قال في صحته أنت طالق إذا جاء رأس الشهر فجاء وهو مريض ترثه فإن قال في صحته: إن لم أضرب غلامي فأنت طالق ثلاثاً فمات قبل أن يضرب غلامه ورثته وإن ماتت هي قبله لم يرثه ولو مات الغلام قبل أن يضربه والزوج مريض طلقت. وهل ترثه...؟
على روايتين:
إحداهما: لا ترثه لأن اليمين كانت في الصحة
والثانية:
ترثه لأن الطلاق وقع في المرض، فإن لاعنها في مرضه عن قذف في صحته ثم مات ـ فهل ترثه...؟
يخرج على روايتين: والمنصوص عنه في رواية مهنا إذا قذفها في صحته ولاعنها في مرضه لا ترثه، فإن قذفها في مرضه ولاعنها في مرضه ومات ورثته، رواية واحدة نص عليه في رواية حنبل فقال إذا لاعنها في مرضه ومات ورثته لأنه بمنزلة اللعان وهذا محمول على أن القذف واللعان وجدا في المرض فأما إن كان القذف في الصحة واللعان في المرض تخرج على روايتين وأبو بكر حمل كلام أحمد في المسألتين جميعاً إذا كان القذف في الصحة واللعان في المرض أو كانا جميعاً في المرض. على روايتين:
ولو أن مريضاً وثب ابنه على امرأة أبيه فقبلها لشهوة أو وطئها مستكرهاً لها بانت من زوجها؟ فإن مات المريض من مرضه ورثته ما لم تتزوج لأن الابن متهم أنه فعل ذلك ليجر ميراثها إلى نفسه فإن كانت طاوعته على ذلك بانت. وهل ترثه؟ على روايتين كما لو سألته الطلاق، ولو كان الابن من الرضاعة أو كان مملوكاً أو مشركاً ففعل ذلك مستكرهاً لها بانت ولم ترثه لأن الابن ليس بمتهم بجر ميراثها إلى نفسه لأنه لا يرث الميت في تلك الحال وكذلك لو فعل بها ذلك ابن الابن وللمريض ابن لصلبه يحجبه بانت ولم ترثه ولو مات ابن المريض لصلبه فصار ابن الابن وارثاً ثم مات المريض فهل ترثه...؟
يخرج على روايتين:
إحداهما: لا ترثه لأنه حين وطئها لم يكن وارثاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 69
---(1/316)
والثانية: ترثه لأن البينونة وجدت في حال المرض ولو أن مبرسماً زائل العقل أو مجنوناً وطىء أم امرأته أو ابنتها بانت منه امرأته فإن مات من مرضه، فهل يرثه يتخرج على روايتين:
والثانية: ترثه لوجود البينونة في المرض ولو فعل ذلك وهو صحيح العقل ومات من مرضه ورثته رواية واحدة لأنه فار، فإن وطئها ابن زوجها في مرضها ورث منها، ولو اعتقت (تحت) عبد واختارت نفسها وأعتق لم يرث منها لأنها بالاختيار لا تهمة تلحقها لأن الفرقة السبب ظاهر في الشرع جعل لها استدراك حقها به فلم تحمل الفرقة على قصد إسقاط حقه ـ وفي مسألتنا هي متهمة أن تكون قصدت الفرقة ليسقط حقها من إرثها فلم يسقط.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 69
قسمة التركة إذا كان في الورثة خنثى قبل اتضاح حاله:
19 ـ مسألة: إذا كان في الورثة خنثى مشكل فهل تقسم التركة أم توقف...؟ فنقل الجماعة منهم إسحاق بن إبراهيم: أنه يقسم له نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى، ويؤدي كل
ونقل الميموني إذا أشكل لم يقدم عليه حتى يعرف أسبابه فإذا عرف قسم له، قيل له: ففي هذا ضرر على أهل المواريث بحبس أموالهم.
قال: كيف يصنعون..؟
فظاهر هذا أن التركة توقف حتى ينكشف أمره كما أوقفنا ميراث المفقود والأسير، والمذهب: أنه لا يوقف، لأن أكثر ما يحتمل أن يكون ذكراً فلا اعتراض له فيما زاد على سهمه، فلا يجب أن يوقف، وأقل ما يحتمل أن يكون أنثى فلا اعتراض له فيما زاد على ذلك، فالاحتمال هو نصف ميراث ذكر فيجب أن يحكم له بنصف كما حكمنا لمتداعين ثوباً أيديهما عليه أن بينهما، ولم يوقف الأمر كذلك ها هنا.
ويفارق هذا المفقود لأن الأصل فيه الحياة وهذا الأصل منع التصرف في شيء من ماله فوجب الوقوف حتى ينظر ما كان من حاله، وليس الأصل في الخنثى أنه يستحق جميع المال دون بقية الورثة فلهذا لم يوقف ذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 72
أثر القتل بحق في منع الإرث:
---(1/317)
20 ـ مسألة: القتل إذا كان مستحقاً مثل العادل إذا قتل الباغي وإذا شهد معه ثلاثة أن مورثه زنى فرجم والحاكم إذا أقام القصاص على مورثه لمطالبة غيره هل يرث أم لا؟
على روايتين: قال أبو بكر في كتاب الخلاف في العادل إذا قتل مورثه الباغي: ورثه وحكاه عن أحمد، وقال أحمد أيضاً في رواية بكر بن محمد في أربعة شهدوا على أختهم بالزنا ورجموا مع الناس: يرثونها.
فظاهر هذا ثبوت الإرث فيما ذكرنا. وحكى شيخنا أبو عبد الله عن أحمد في رواية صالح وعبد الله: لا يرث العادل الباغي ولا الباغي العادل. فظاهر هذا إسقاط الإرث فيما ذكرنا.
وجه الأولى: أنه قتل مستحق فهو غير متهم فيه.
ووجه الثانية: أن روح مورثه خرجت بسبب كان منه فلم يرثه كالعمد والخطأ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 73
كتاب النكاح
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 75
وفيما يتعلق به من المهر والخلع والطلاق والرجعة، والإيلاء، والظهار، والرضاع، والعدة، والنفقات
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 75
نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي لغير حاجة:
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 77
النظر إلى المخطوبة
1 ـ مسألة اختلفت الرواية عن أحمد ـ رضي الله عنه ـ هل يكره للمرأة الأجنبية أن تنظر من الرجل الأجنبي ما ليس بعورة لغير حاجة كما يكره ذلك في حق الرجل؟
فنقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال: لا ينبغي للمرأة أن تنظر إلى الرجل كما لا ينبغي للرجل أن ينظر إلى المرأة. واحتج بحديث نبهان عن أم سلمة: افعمياوان أنتما فظاهر هذا الكراهة وهو اختيار أبي بكر.
ونقل بكر بن محمد عنه أنه ذكر له حديث أم سلمة إذا كان لمكاتب إحداكن ما يؤدي، فاحتجبن منه.
---
فقال هذا لأزواج النبي خاصة. وكذلك نقل الأثرم وقد ذكر له حديث نبهان عن أم سلمة أنه لهن خاصة، فظاهر هذا أنه غير مكروه وأن الأخبار الواردة في ذلك خاصة لأزواج ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن ينظرن إلى رجل أجنبي.(1/318)
وجه الأولى: أنه يكره للرجل أن ينظر من المرأة الأجنبية ما ليس بعورة لغير حاجة خوفاً أن يدعو ذلك إلى الفتنة وهذا المعنى موجود في المرأة لا يؤمن عليها حصول الفتنة بنظرها إلى الأجنبي فيجب أن يكره ذلك في حقها، وهذا معنى معتبر ألا ترى أن الصائم منع من القبلة خوفاً أن يتعقبها إنزال فيعود بفساد الصيام؟ ويوضح هذا المعنى قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لأنه سلمة: أفعمياوان أنتما لا تبصرانه فنهاها عن النظر إلى ابن أم مكتوم، ولأنها كالرجل يحرم عليها الاستمتاع بالأجنبي كما يحرم على الأجنبي الاستمتاع بها. ثم ثبت أن الأجنبي يكره النظر له كذلك المرأة.
ووجه الثانية: أنه لو كان مكروهاً لوجب أن يؤمر الرجل أن يستر جميع بدنه كما تؤمر المرأة.
ولما لم يؤمر الرجل إلا بستر العورة فقط دل على أن النظر إليهم غير مكروه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 78
ما يجوز النظر إليه من المخطوبة:
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 78
3:في قدر ما يجوز للرجل أن ينظر من المرأة إذا أراد أن يتزوجها.
فنقل صالحأنه ينظر إلى الوجه ولا يكون على طريق التلذذ، فظاهر هذا أنه أجاز النظر إلى ما ليس بعورة وهو الوجه.
ونقل حنبل لا بأس أن ينظر إليها وإلى ما يدعوه إلى نكاحها من وجه أو يد أو جسم أو نحوه.
---
فظاهر هذا أنه ينظر إلى ما يظهر في العادة من الوجه واليدين والقدمين وهو اختيار أبي بكر قال في ـ كتاب الخلاف ـ: ولا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة، وقال في رواية حرب ومحمد بن أبي حرب الجرجاني في البيع: تأتيه المرأة فينظر في كفها ووجهها فإن كانت عجوزاً رجوت، وإن كانت شابة بسنها فإني أكره ذلك، فظاهر هذا أن الكفين ليس بعورة عنده لأنهما لو كانا عورة لم يبح النظر إليها، وإن كانت عجوزاً.(1/319)
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن القصد من النظر ليتأمل المحاسن. والوجه مجمع المحاسن فيجب أن يكتفي بذلك عما زاد عليه ولأن ما عدا ذلك عورة فيجب أن لا يجوز النظر إليه قياساً على مغابن البدن.
ووجه الثانية: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: إذا أوقع الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فله أن ينظر إليها كي يؤدم بينهما .
فأباح النظر إليها على الإطلاق، وأن اليدين والقدمين تظهر في العادة فهو كالوجه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 78
وقوع الطلاق من نكاح في العدة:
3 ـ مسألة: إذا نكحها في العدة ثم طلق، هل يقع طلاقه.
فنقل ابن منصور : إذا تزوج بغير ولي ثم طلقها أجزت طلاقه فإن تزوجها في العدة لم يكن مثل ذاك ولم يكن شيئاً.
ونقل أبو طالب ومهنا : إذا تزوجها من العدة وطلقها لا يعجبني أن يراجعها حتى تتزوج بغيره وهو اختيار أبي بكر.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن هذا نكاح مجمع على فساده فلم يقع الطلاق فيه دليله: إذا نكحها وهي ذات زوج.
ووجه الثانية: أنهما اعتقدا صحة هذا العقد فجاز أن يلحق الطلاق فيه كالمختلف فيه، ولأن النكاح في العدة قد تلحقه الصحة وهو إذا عقد النكاح في حال الشرك وأسلما بعد انقضاء العدة فإنهما يستديمان ذلك النكاح وإن كان واقعاً في العدة فجاز أن يقع الطلاق فيه كالمختلف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 80
الولي
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 80
ولاية النكاح بالوصية:
4 ـ مسألة: هل تستفاد ولاية النكاح بالوصية؟
فنقل ابن منصور وأبو الحارث: ليس لوصي من النكاح شيء إنما هو إلى العصبة والأموال إلى الأوصياء.
ونقل إسحاق بن إبراهيم والمروذي: الوصي يقوم مقام الأب ويثبت النكاح.
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر أن الحق في الولاية إلى العصبات فلم تجز الوصية بذلك لأن فيه إسقاط حقوق العصابات.(1/320)
ووجه الثانية: وهي الصحيحة أنها ولاية تنتقل إلى غيره بموته فجاز أن يقطعها بفعله، دليله الولاية في المال على أولاده الصغار لما كان الحق في ذلك إلى الحاكم وجاز له إسقاطه بالوصية إلى غيره كذلك هاهنا وكذلك ثلث التركة له أن يوصي بذلك، وإن كان الحق في ذلك للورثة كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 80
إجبار الأب لابنته البكر البالغ على النكاح:
5 ـ مسألة: في الأب هل يملك إجبار ابنته البكر البالغ على النكاح؟
فنقل الأثرم والميموني : يملك وهو اختيار الخرقي.
ونقل عبد الله : إذا بلغت تسع سنين فلا يزوجها أبوها ولا غيره إلا بإذنها.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة: أن من لم يفتقر نكاحها إلى نطقها مع قدرتها على النطق لم يفتقر إلى رضاها قياساً على البكر الصغيرة.
وجه الأولى: أنها تملك التصرف في مالها بنفسها فلم يملك الأب إجبارها دليله الثيب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 81
إجبار الأب لابنته الثيب الصغيرة على النكاح:
6 ـ مسألة: في الثيب الصغيرة هل يملك الأب إجبارها على النكاح؟
فقال أبو بكر في كتاب الخلاف: أنه يملك الإجبار. وقال شيخنا أبو عبد الله وأبو عبد الله بن بطة وأبو حفص بن المسلم : لا يملك إجبارها. وجه قول أبي بكر أنها غير متصرفة في مالها فجاز إجبارها على النكاح دليله البكر الصغيرة.
---
ووجه من قال: لا يملك إجبارها وهو الصحيح أنها حرة سليمة ذهبت بكارتها بجماع فلم يملك إجبارها على النكاح كالثيب الكبيرة ولأنها قد اختبرت المقصود فلم يثبت عليها اجبار فيه كما أن من اختبر أمر المال لا يثبت عليه إجبار فيه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 81
النكاح الموقوف على الإجازة:
7 ـ مسألة: في النكاح هل يصح أن يقع موقوفاً على الإجازة؟(1/321)
فنقل ابن منصور: إذا تزوجت بغير إذن وليها ثم إذن الولي بعد ذلك فأعجب إليَّ أن يستأنف النكاح وكذلك نقل أبو الحارث إذا جعلت أمرها إلى رجل فزوجها لم يجز وتستأنف النكاح، فظاهر هذا أن النكاح لا يقف على الإجازة ـ وهو اختيار الخرقي ـ.
ونقل صالح في صغير زوجه عمه فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز وإن لم يرضَ فسخ. وكذلك نقل عبد الله: إذا زوجت اليتيمة فإذا بلغت فلها الخيار فهذا يدل على أن النكاح يقف على الإجازة.
ونقل أيضاً ابن منصور عنه: قال سفيان في يتيمة زوجت ودخل بها الزوج ثم حاضت عند الزوج بعد ذلك قال: تخير فإن اختارت نفسها لم يقع التزويج وهي أحق بنفسها وإذا قالت: اخترته فليشهدوهما على نكاحهما. قال أحمد : جيد فهذا يدل على أن النكاح يقف على الإجازة.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن هذا النكاح لا يثبت فيه شيء من أحكام النكاح الصحيح كالطلاق والظهار واللعان والإيلاء واستباحة الاستمتاع والتوارث وعدة الوفاء وغير ذلك من أحكام النكاح الصحيح فدل ذلك على أنه باطل من أصله كنكاح المرتدة والمعتد.
ووجه الثانية: أن هذا العقد له مخير في الحال فجاز أن يقف على إجازته قياساً على الوصية بأكثر من الثلث، واللقطة إذا تصدق بها بعد الحول فإنها تقع موقوفة على إجازة الورثة، وإجازة المالك كذلك هاهنا، ولا يلزم عليه المعتدة، والمرتدة، والنكاح في حال الإحرام، لأنه ليس له مخير في الحال فلهذا كان باطلاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 82
---
ولاية الفاسق في عقد النكاح:
8 ـ مسألة: في ولاية الفاسق هل تصح في عقد النكاح؟(1/322)
فنقل مثنى بن جامع الأنباري، أنه سأل أحمد رحمه الله: إذا تزوج بولي وشهود غير عدول هل يفسد من النكاح شيء؟ فلم ير أنه يفسد من النكاح شيء، فظاهر هذا أن ولاية الفاسق صحيحة، وكان شيخنا أبو عبد الله يقول لا ولاية فإن قلنا: تصح ولايته، فوجهه أن عصراً من الأعصار لم يخل من الفساق، يزوجون أولادهم الصغار ولم ينقل عن أحد من السلف الإنكار عليهم والفرق بينه وبين العدل، ولأنه من أهل ميراثها أشبه العدل، ولأنه ممن يزوج ابنه فكان فه أن يزوج ابنته، كالعدل، ولأنه ممن يقبل النكاح لنفسه فجاز أن يملك الولاية في نكاح ولده كالعدل. وإذا قلنا: لا تصح فوجهه أنها ولاية بتزويج في حق الغير فيجب أن ينافيها فسقه في دينه قياساً على ولاية الأبكم. وقولنا: ولاية بتزويج احتراز من ولاية القصاص وقولنا: في حق الغير احتراز من ولاية السيد على أمته. وقولنا: فنافاها فسقه في دينه احتراز من الكافر يزوج ابنته الكافرة فإنه ليس بفاسق في دينه وإنما هو فاسق في ديننا ولأن الولي إنما أريد في النكاح ليطلب الحظ ويضعها في كفء ولا يضيع حقها وهذا المعنى إنما يوجد في الولي إذا كان رشيداً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 83
اشتراط الشهادة لصحة النكاح:
9 ـ مسألة: في الشهادة هل هي شرط في صحة النكاح؟
فنقل الميمومني ومهنا والمروذي : إذا تزوج ولم يشهد ثم مات أحدهما لم يتوارثا لأنه لم ينعقد النكاح. فظاهر هذا أن الشهادة شرط في صحة النكاح.
وذكر أبو بكر في كتاب المقنع فقال: حدثنا علي بن عيسى الحذاء أبو الحسن الشيخ الصالح من أصحابنا ثقة مأمون قال: حدثنا شيخ له ذكر عن إبراهيم بن يعقوب الودخاني قال: قلت لأحمد ما تقول في نكاح بلا ولي؟ قال: لا يجوز قلت: فلا شهود قال: الشهود أحب إليَّ وإن لم يشهد فالنكاح جائز وجدنا ابن عمر زوج بلا شهود.
---(1/323)
وكان يزيد بن هارون يحتج بحديث يحدث به شعبة عن عبد الله أنه رأى نكاحاً جائزاً ولم يكن شهود فظاهر هذا أن الإشهاد ليس بشرط. وقد ذكر أبو بكر أن المسألة على روايتين.
وجه الرواية الأولى: وهي الصحيحة ما روت عائشة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدين : ولأن النكاح يتعلق به حق المتعاقدين وهو أنه يثبت به الفراش ويلحق به النسب فاشترط فيه الشهادة لحفظ النسب ويفارق هذا سائر العقود من البيع والإجارة لأن الحق لا يتجاوزهما.
ووجه الثانية: ما روي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ زوج إمامة بنت الحارث ولم يشهد ولأنه عقد معارضة فلم يفتقر إلى الشهادة كالبيع ولأنه عقد على منفعة فهو كالإجارة ولأنه عقد يستباح به البضع فهو كالرجعة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 83
الشهادة وإعلان النكاح
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 84
النكاح المكتوم:
10 ـ مسألة: إذا حضر العقد شاهدان وتواصوا بكتمان النكاح. فهل النكاح صحيح أم باطل؟
فقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم وقد سأله عن الرجل يتزوج بولي وشاهدين ويخفي النكاح فقال: يستحق أن يضرب عليه بالدف كيما يعلم به الناس.
وكذلك نقل عبد الله وقد سأله عن نكاح السر، وهل يكون السر إذا كان شاهدين ووليا فقال يسنحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشتهر ولا يكون سراً بولي. وظاهر هذا أن إعلانه مستحب وكتمانه لا يبطل العقد.
وقال أبو بكر في كتاب الرجعة من كتاب الشافي: النكاح باطل. قال: لأن أحمد قال في رواية أبي طالب : إذا طلقت زوجته وراجعها واستكتم الشهود حتى انقضت العدة فرق بينهما ولا رجعة له عليها فلما نص على بطلان الرجعة لأجل كتمان الشهود فأولى أن يبطل النكاح. قال أبو بكر : من شرط النكاح الإظهار فإذا دخله الكتمان فسد كذلك الرجعة.
---(1/324)
ووجه الأول في أن النكاح صحيح وهو الصحيح ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدين فعلق صحته بالولي والشاهدين وقد وجدا، ولأنه عقد فلم يكن من شرطه ترك التواصي بكتمانه دليله البيع .
ووجه قول أبي بكر نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن نكاح السر. فإذا تواصوا بكتمانه فهو سر ولأن التواصي بكتمانه ذريعة إلى الزنا لأن من يوجد مع امرأة يقول: تزوجتها سراً أو ما أعلمت أحداً ولا ينفعه حضور الشهود، ولأنه إذا قارنه التواصي بالكتمان فالإشهاد ير نافع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 84
شهادة النساء في النكاح:
11 ـ مسألة: هل ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين؟
فنقل حنبل لا يجوز وليستأنف النكاح.
ونقل حرب : إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز فإن كان معهن رجل فهو أهون. فظاهر هذا صحة النكاح.
وقال أبو حفص بن السلم العكبري: قوله أهون ليس باعتقاده لإجازة النكاح برجل وامرأتين وإنما قال: أهون، يعني في اختلاف الناس، فإن حملنا الكلام على ظاهره وأنه ينعقد بشهادة رجل وامرأتين، فوجهه قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا نكاح إلا بولي وشهود ، وهذا عام ولأن النكاح لا يسقط بالشبهة فكان لشهادة النساء مدخل فيه كحقوق الآدميين، ولأنه عقد على منفعة فأشبه الإجارة.
وإذا قلنا: لا ينعقد بشاهد وامرأتين، وهو الصحيح، فوجهه أن كل ما لم يكن المقصود منه المال فإذا لم يقبل شهادة النساء على الانفراد لم يقبلن مع الرجال قياساً على القصاص، وقولنا: لم يكن المقصود منه المال احتراز من الديون وعقد البيع والإجارة وغير ذلك مما يقصد به المال. وقولنا: إذا لم يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد احتراز من الولادة والرضاع وعيوب النساء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 85
تزويج المجنون:
---(1/325)
12 ـ مسألة: في المجنون إذا كان جنونه مطبقاً في جميع الأوقات وكان محتاجاً إلى النكاح. فقال الخرقي : يجوز للولي تزويجه وقد نص عليه أحمد في رواية بكر بن محمد في المعتوه يزوج، فإن لم يكن له ولي يزوجه فالسلطان.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف لا يجوز للأب أن يزوج ولده المجنون إذا كان بالغاً.
وجه قول الخرقي أنه يحتاج إلى ذلك وليس له إذن في الحال ولا يرجى له إذن في الثاني فجاز تزويجه بغير إذنه غير مكلف فملك تزويجه كالصغير العاقل.
ووجه قول أبي بكر أنه بالغ محجوز عليه فلم يملك الولي إجازة على النكاح كالمحجور عليه لسفه وكالذي يفيق في وقت ويجن في وقت.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 86
في الصداق
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 87
تحمل السيد لمهر ونفقة زوجة بعده إذا تزوج بإذنه:
13 ـ مسألة: إذا أذن السيد لعبده في النكاح فنكح فمن أين يستوفي المهر والنفقة؟ على روايتين: إحداهما يتعلق بذمة السيد فإن كان له مال أخذ من ماله، وإن لم يكن له مال بيع جزء منه وصرف ثمنه فيه. أومأ إلى هذا في رواية حنبل فقال: إذا أذن السيد لعبده فتزوج فالنفقة على السيد وكذلك قال في رواية مهنا: إذا أذن السيد لعبده فتزوج فالنفقة على السيد وكذلك قال في رواية مهنا: إذا أذن لعبده في التزويج فتزوج وأصرف أربعة آلاف وثمنه ثمانمائة ولم يرضَ المولى فالمهر دين على العبد وعلى السيد قيمته فقد جعل النفقة في ذمة السيد والمهر أيضاً إذا كان المسمى قدر قيمته.
والرواية الثانية:يتعلق ذلك بكسب العبد إذا كان له كسب فإنه لم يكن له كسب ملكت الفسخ كما تملك على الحر المعسر ولا يلزم السيد ذلك أومأ إليه في رواية المروذي فيمن زوج عبده حرة ولم يكن عنده ما ينفق: يفرق بينهما وإن زوجة أمة أنفق العبد عليها إذا كانت بقيمة ضريبته.
---(1/326)
وكذلك روى مهنا: إذا أذن له فنفقته في ضريبته يعني كسبه. فظاهر هذا أنها تتعلق بكسبه ولا تتعلق بذمة السيد فإن كان له كسب وإلا فرق بينهما إذا اختارت الفسخ.
والأولى أشبه بالمذهب لأنه حق تعلق بالعبد برضى المولى فجاز أن يباع فيه كما لو رهنه بدين بيع فيه.
ووجه من قال: تعلق بكسب العبد قال: لا يخلو من أربعة أحوال إما أن يتعلق بذمة السيد أو برقبته أو بذمة العبد أو بكسب العبد ولا يجوز أن يتعلق بذمته فيتبع به العتق لأن ما في مقابلة المهر والنفقة من الاستمتاع يستحقه الزوج معجلاً ويستوفيه في الحال فلا يجوز أن يتأخر حق المرأة الذي في مقابلته إلى وقت العتق ولا يجوز أن يقال: إنه يتعلق برقبة العبد لأن كل حق وجب برضا صاحبه فلم يتعلق بالرقبة كما لو استقرضت العبد شيئاً فإن ذلك لا يتعلق برقبته لأنه وجب برضا صاحبه كذلك المهر وبطل أن يتعلق بذمة السيد لأنه إنما يتعلق بذمة السيد ما ضمنه عن عبده ولم يضمن عنه المهر والنفقة حتى يتعلق بذمته فإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة ثبت أن ذلك يتعلق بكسب العبد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 87
قدر صداق زوجة العبد إذا تزوج بغير إذن سيده:
14 ـ مسألة: إذا نكح العبد بغير إذن سيده ودخل بها ففي قدر الصداق روايتان: إحداهما:يتعلق بذمة السيد خمساً المسمى إن لم يجاوز ذلك قيمة العبد، فإن جاوز ذلك (رجع) إلى قيمته. نص على هذا في رواية أبي عبد الله وأبي الحارث وهو اختيار الخرقي.
والثانية: يتعلق برقبته مهر المثل إن لم يجاوز قدر القيمة لأن أحمد ـ رحمه الله ـ قال في رواية المروذي: إذا تزوج بغير إذن سيده فدخل بها فقد جعل لها عثمان الخمسين وإنما ذهب إلى أن تعطى شيئاً بذلك مهر المثل.
---(1/327)
قال أبو بكر : هو القياس ولا يختلف المذهب أن الصداق يتعلق برقبته فإنما الروايتان في مقداره إنما يتعلق برقبته يباع فيه لأن الوطء يجري مجرى الجناية بدليل أن الشهود يغرمون المهر إذا رجعوا في الشهادة في الطلاق وقد بينا أن جناية العبد تتعلق برقبته يباع فيها كذلك هاهنا.
ووجه من قال: يجب خمسا المهر ما روى جلاس أن غلاماً لأبي موسى تزوج مولاة أحسبه قال: تيجان التيمي بغير إذن أبي موسى فكتمه في ذلك إلى عثمان فكتب إليه أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة. قال قتادة: فذكرت ذلك لبلال فقال: نعم ذلك غلامنا تزوج أم رواح فعثمان قضى بذلك قضية ظاهرة ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلافة فعلم أن المسألة إجماع.
ووجه من قال: يجب مهر المثل أن المسمى إذا سقط وجب مهر المثل كمن تزوج على خمر أو خنزير لما سقط المسمى رجع فيه إلى مهر المثل كذلك هاهنا ولأنه ليس في الأصول أن المرأة تنقص من جميع المسمى أو جميع مهر المثل بعد الدخول.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 88
وجوب الصداق على الأب إذا تزوج ابنه الصغير الذي لا مال له:
15 ـ مسألة: إذا زوج ابنه الصغير ولم يكن للصبي مال فهل يلزم الأب الصداق؟
فيه روايتان: إحداهما: يجب في ذمة الصبي إلى أن يكبر ويكتسب ويدفعه ولا يلزم الأب أن يؤدي من ماله: نص عليه في رواية مهنا وصالح وأبي الحارث الصداق على الابن إلا أن يضمن الأب.
وقال أيضاً في رواية المروذي في الصبي يزوجه أبوه وليس له مال فطالبوه بالنفقة، فقال: ليس على الأب أن ينفق عليها قدر رضوه حين زوجوه.
---(1/328)
والثانية: يجب على أبيه أن يؤديه من ماله نص عليه في رواية إسحاق بن هانىء إذا زوج ابنه الصغير من غير رضاه فالمهر على الأب وإن زوجه وهو راضي به فالمهر على الغلام إذا كان له مال فقد نص على أن المهر على الأب. ومعنى قوله: إن زوجه بغير رضاه فالمهر عليه يعني أن يكون الابن قد بلغ حداً يصبح أن يلي عقد النكاح لنفسه وهو إذا كان له عشر سنين فصاعداً. وقلنا: إنه يصح أن يلي عقد النكاح بينه فإذا زوجه في هذه الحال بغير اختياره فالمهر على الأب وإن كان باختياره وهو أن أذن لأبيه في ذلك فالمهر في مال الابن لأجل إذنه فيه.
فوجد هذه الرواية وأن المهر يلزم الأب أنه لو أذن لعبده في التزويج تعلق بذمة السيد وكذلك إذا زوج ابنه وهو غير واجد للمهر يجب أن يتعلق المهر بذمته.
وجه الرواية الأولى: وهي الصحيحة أن ذمة السيد ذمة العبد بدليل أنه لو أذن له في الدين فداين فعلى السيد قضاؤه ولو أذن لابنه في الدين لم يكن على الأب قضاؤه فبان الفرق بينهما ولأنه مال وجب بعقد معارضة فكان لازماً لمن ملك البدل كالثمن في البيع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 89
انعقاد النكاح بلفظ ـ أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها ـ:
16 ـ مسألة: إذا قال: أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها، فهل ينعقد النكاح بهذا اللفظ؟
فنقل حنبل وأبو طالب وأبو داود وعبد الله : ينعقد النكاح وهو اختيار الخرقي، إذا كان بحضرة شاهدين.
ونقل المروذي : إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلاً يزوجها، فظاهر هذا أن النكاح لم ينعقد بذلك.
وجه الأولى: ما روى أنس أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت ما أصدقها قال: نفسها وروى: تزوج صفية وجعل عتقها صداقها.
---(1/329)
ووجه الدلالة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ وجد منه لفظ العتق وجعله صداقاً وحكم بصحة النكاح بذلك اللفظ ولم ينقل عنه أحد أنه عقد بعد هذا ولأنه قال: جعل عتقها صداقها ولا يكون العتق صداقاً إلا في نكاح قد انعقد.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة عندي أن لفظ النكاح لم يوجد وإنما وجد لفظ العتق وجعله صداقها وهذا لا يجوز أن ينعقد به لفظ النكاح لأنه ليس بلفظ إيجاب وقبول ولأن لفظ النكاح ينحصر بلفظين: أنكحت، وتزوجت وجواباً عنها وهو أن يقول: نعم عند قبول الخاطب له أزوجت وتزوجت وهذا لم يوجد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 90
الكفاءة
تقديم الجد على الابن والأخ في ولاية النكاح:
17 ـ مسألة: هل يقدم الابن على الجد في ولاية النكاح؟
وقال الخرقي وأبو بكر : الجد مقدم عليهما.
ووجه قولهما: أن الجد له إيلاد وتعصيب فكان مقدماً كالأب.
ووجه الأولى: أن الابن والأخ أقرب إليها من جدها لأن الجد يدلي إليها بغيره وهو الأب والابن يدلي إليها بنفسه وهو أنه ابنها ولأنه بعض منها والأخ ركض معها في رحم واحد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 91
تقديم الأخ الشقيق على الأخ لأب في ولاية النكاح:
18 ـ مسألة: هل يقدم الأخ من الأب على الأخ من الأب. أم هما سواء؟
فنقل صالح وأبو الحارث : أنهما سواء وهو اختيار الخرقي. وقال أبو بكر : الأخ من الأب والأم أولى.
وجه الأولى: أنهما عصبتان انفرد أحدهما بما لا مدخل به بالتزويج بحال فيجب أن يتساويا كالأخوين إذا كان أحدهما خالاً.
ووجه الثاني: أن الأخ من الأب والأم قد ساوى الأخ من الأب في التعصيب وانفرد بميزة الرحم من جهة الأم فكان أولى كما قلنا في باب الميراث.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 91
ولاية الصبي المميز للنكاح:
19 ـ مسألة: في الصبي إذا كان مميزاً هل يملك الولاية في النكاح؟
---
قال أبو بكر في كتاب المقنع: اختلفت الرواية في الصغير هل يكون ولياً؟(1/330)
فنقل ابن منصور : لا ولاية لصغير ولا لمعتوه لأنه غير بالغ فاشبه الطفل الذي ليس بميز.
ونقل صالح : إذا بلغ عشر سنين يزوج ويتزوج ويطلق ويوكل في الطلاق وذكر هذا أبو بكر في زاد المسافر لأنه في هذه الحالة تصح وصيته وإسلامه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 91
شروط الكفاءة:
20 ـ مسألة: واختلفت في شروط الكفاءة على روايتين:
إحداهما: أنها شرطان النسب والدين، قال في رواية ابن مشيش وابن الحارث الأكفاء المنصب والدين قيل له: فالمال قال: لا.
والثانية أنها خمسة: المنصب والحرية والدين والمال والصناعة قال في رواية مهنا: الناس أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح قيل له: تأخذ بالحديث قال: نعم، قيل له: فإنك تضعفه، قال: العمل عليه.
ونقل ابن منصور : الكفء في الحسب والدين والمال.
ووجه هذه الرواية أن الناس يتفاضلون في العادة بالأنساب فمن كان رفيع النسب لا يساويه من كان وضيع النسب فدل على أن التساوي في النسب من شرائط الكفاءة وكذلك الفسق نقص في العادة فيجب أن يكون من شرائطها ولأنه ربما يجنى عليها بفسقه، وكذلك الصنائع الزرية نقص في العادة كالحائك والحجام والكساح وقد قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في حديث ابن عمر: العرب بعضها أكفاء لبعض حي بحي وقبيلة بقبيلة ورجل لرجل إلا حائك وحجام. وكذلك الرق نقص في العادة ولأن على المرأة ضرر في نكاحه لأنه ينفق نفقة المعسرين ولا ينفق على أولاده وكذلك اليسار في العادة لأن الناس يتفاضلون بكثرة المال كما يتفاضلون بالأنساب فيجب أن يكون من شرائطها.
---(1/331)
وجه الأولى: أن جميع هذه الأشياء نقصها ليس بلازم إلا النسب فإن نقصه لازم يزول فالضرر يلحق به فلهذا كان شرطاً وهذا التعليل يوجب ألا يكون من شرائطها لأنه نقص يزول ولأن فقد النسب يوجب بطلان النكاح نص عليه في رواية المسموني ومهنا وبقية الشرائط لا يوجب فقدها بطلان النكاح للمعنى الذي ذكرناه وهو أن نقص هذا لازم ولأنه عقد اعتبر فيه النسب فكان فقده مبطلاً له كالإمامة الكبرى لما كان النسب معتبراً فيها وكونه من قريش كان فقده مانعاً من صحة العقد ولأن محمد بن طلحة قال: قال عمر لا منعن فروج ذات الأنساب من النساء إلا من الأكفاء. فلولا أن ذلك حق الله تعالى لم يعترض فيه ولتركه موقوفاً على اختيار الأولياء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 92
تكافؤ العرب في النسب:
21 ـ مسألة: في العرب هل يتفاضلون أم كلهم أكفاء؟
---(1/332)
على روايتين: إحداهما: أنهم يتفاضلون في النسب فقريش ليسوا بأكفاء لسائر العرب وبنو هاشم ليسوا بأكفاء لقريش قال في رواية مهنا: قريش أكفاء بعضهم لبعض والموالي أكفاء بعضهم لبعض ومولى القوم منهم. وقال في رواية الحارث: لا يتزوج العربي إلا عربية ولا القرشي إلا قرشية فقريش أكفاء لقريش والعرب أكفاء للعرب والناس بعضهم أكفاء لبعض. ونقلت من خط جدي أبي القاسم ـ رحمه الله ـ قال: قرىء على أبي الحسن محمد بن حبيش البغوي المعدل قال: حدثنا عبد الله بن أحمد حنبل قال: سألت أبي قلت: من أفضل الناس بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر قلت: يا أبت ثم من؟ قال: عمر، قلت: يا أبت ثم من؟ قال: عثمان، قلت: يا أبت فعلي، قال: يا بني عليٌّ من أهل بيت لا يقاس بهم أحد ومعناه لا يقاس بهم نسباً. فعلى هذا لا تكون قريش أكفاء لبني هاشم لأنه فضلهم على غيرهم ممن تقدم ذكره من الصحابة وهم من قريش. وكذلك أخبرنا بن أبي مسلم الفرضي في الإجازة قال: حدثني محمد بن يحيى الصولي قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سألت أبي عن حديث ابن عمر: كنا إذا فاضلنا بين أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان فقال: هو كما قال: قلت: فأين علي بن أبي طالب؟ قال: يا بني لم يقل من أهل بيت رسول الله فلذلك لم يذكره. فظاهر هذا من كلامه أن حديث ابن عمر تضمن بيان التفضيل بين أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم الذين لا قرابة لهم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وعلى له قرابة وصحابة وتفضيله على غيره ثبت بدليل آخر ولأنه وإن كان علي من حملة الصحابة إلا أن له اسماً اختص به وهو القرابة.
---(1/333)
فالرواية الأخرى: العرب كلها أكفاء قال في رواية أبي طالب وقد ذكر له حديث أسامة لما تزوج فاطمة بنت قيس قال: أسامة عربي جرى عليه الرق فظاهر هذا أنه اعتبر المساواة في الشرف. وجه الأولى: وهي الصحيحة ما روى ابن عمر عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: نحن معاشر قريش خير العرب وموالينا خير الموالي. وما روت عائشة قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : قال لي جبريل عليه السلام: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد أفضل من بني هاشم. ولأن قريشاً فضلت عن سائر العرب برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وإنه منهم وبنو هاشم فضلوا على سائر قريش أنهم من أجداد ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فلم يكن بعضهم كفئاً لبعض.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 93
ووجه الثانية: أن العربية تجمعهم فكانوا أكفاء دليله قريش مع قريش وبنو هاشم مع بني هاشم. وأما مولى العرب فهو العبد المعتق فهل يكون كفئاً لهم أم لا؟
فنقل مهنا: أن مولى القوم منهم فظاهر هذا أنه كفء.
ونقل الميموني وأبو طالب: مولى القوم منهم أن ذلك خاص في حرمان الصدقة، أما في جواز المناكحة فلا.
وجه الأولى: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: مولى القوم منهم. وهذا عموم ولأنه لما كان له حكمهم في حرمان الزكاة يجب أن يكون لهم حكمهم في الكفاءة في النكاح.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة قوله عليه السلام: العرب أكفاء قبيلة بقبيلة . وهذا ليس من العرب ولأنهم لم يساووا بهم في النسب أو لأنهم دونهم في النسب أو لأنهم فضلوا عليه بالعربية فلم يكن كفئاً لهم، دليله مولى غيرهم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 93
النكاح المعقود من وليين إذا جهل السابق منهما:
22 ـ مسألة: إذا زوج الوليان ولم يعلم السابق منهما.
فنقل أبو الحارث: يفسخ النكاحان جميعاً وهو اختيار الخرقي.
---
ونقل ابن منصور : يقرع بينهما فمن وقعت عليه القرعة فهي له، وظاهر هذا أنها له بالنكاح المتقدم.(1/334)
وقال أبو بكر أحمد بن سليمان صاحب الخلاف: يقرع بينهما فمن أصابته القرعة أمر الذي لم تصبه القرعة أن يطلق ويجدد الذي أصابته القرعة النكاح فإن كانت امرأة الذي لم تصبه القرعة فقد بانت منه بالطلاق ويجدد الذي أصابته القرعة بعد ذلك النكاح.
وجه قول من قال بالقرعة أنه لما جاز استدامة النكاح بالقرعة وهو إذا طلق إحدى نسائه وأنسيها أو طلق واحدة لا يعنيها أنه تخرج المطلقة بالقرعة ويستديم نكاح البواقي جاز ابتداء الملك بالقرعة ولأنه لو تداعي نفسان وديعة في يده فأقر بها لأحدهما وأشكل عليه عينه فإنه يقرع بينهما فتكون لأحدهما كذلك هاهنا.
ووجه من قال: لا يقرع أن النكاح مما لم يبنِ أمره على التعيين والسراية. ولا يدخله البدل والإباحة فلم تدخله القرعة دليله النسب وهو إذا قال أحد هؤلاء الجماعة: ابني ومات قبل أن يتبين فإنه لا يقرع بينهم.
ومن قال بالأول يجيب عن هذا بأن النسب قد يدخله التغليب ألا ترى أنه إذا أقر بأحد التوأمين كان إقراراً منه بالآخر؟ فالوصف لا يوجد مع أن في ذلك نظراً من المذاهب لأنه إذا طلق إحدى نسائه لا بعينها ومات أنه يقرع بينهن وترث من لم تقع عليها القرعة.
والروايتان فيما إذا علم أن أحدهما أسبق وجهل عينه وإذا علم أنهما وقعا معاً في حالة واحدة لأنه إذا جازت القرعة مع العلم بفساد أحدهما وهو المتأخر فأولى أن يجوز فيما إذا لم يحكم بالفساد في أحدهما ألا ترى أنه يقرع بين العبيد في العتق في المرض سواء أعتقهم معاً أو أعتق واحداً بعد واحد؟
---(1/335)
وأما قول أبي بكر بن سليمان يؤمر من لم تصبه القرعة بالطلاق فصحيح لجواز أن تكون زوجته فيستديم الآخر وطأها ومثل هذا قلنا في النكاح الفاسد يفسخ الحاكم النكاح لأجل الخلاف. وقوله يستأنف الذي وقعت عليه القرعة العقد لا معنى له لأن أحمد ـ رحمه الله ـ قال من أصابته القرعة فهي له ولم يذكر استئنافاً ولأنه إذا كان يحتاج إلى استئناف فلا معنى للقرعة لأنه كان يجب أن يؤمر كل واحد منهما بالطلاق ثم يتزوجها من تشاء منهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 95
طلاق الأب لزوجة ابنه الصغير أو المجنون:
23 ـ مسألة: إذا زوج الرجل ابنه الصغير أو المجنون هل يملك الأب أن يطلق زوجته؟
فقال أحمد في رواية أبي الصقر قد اختلف في ذلك وكأنه رآه.
قال أبو بكر : لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة إلا ما رواه أبو الصقر فيتخرج على قولين:
أحدهما: يملك الفسخ عليه يعني يملك إيقاع الطلاق كما يملك العقد ألا ترى أنه لما ملك أن يبتاع له ملك أن يبيع عليه ويزيل ملكه عنه؟
والثاني: لا يملك إيقاع الطلاق وعليه وهو أصح لأن الطلاق إنما هو لعجزه عن القيام بالزوجة أو لبغضه لها ولا يعلم ذلك من الصبي والمجنون.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 96
ولاية المرأة لنكاح أمتها أو معتقتها:
24 ـ مسألة: في المرأة إذا كان لها أمة أو معتقة هل لها أن تزوجها بنفسها وإن زوجتها هل يصح العقد أم لا؟
فنقل أبو الحارث في امرأة زوجت أمتها بنفسها: لم يجز، هذا النكاح باطل. قال أبو هريرة: لا تنكح المرأة نفسها ولا تنكح من سواها. فظاهر هذا أنها ليست ولية بحال وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ لأنه قال يزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها ويزوج مولاتها من يزوج أمتها.
---(1/336)
ونقل بكر بن محمد عن أبيه عنه: إذا كان للمرأة جارية قن فعتقتها فأرادت أن تزوجها جعلت أمرها إلى رجل يزوجها لأن النساء لا يلين العقد فإن زوجت لم يفسخ النكاح. فظاهر هذا أنه لا يستحب ذلك ولكن العقد صحيح قال أبو بكر: كلا القولين محتمل، والصحيح أن النساء لا يلين العقد ولا تكون المرأة عصبة في النكاح. وجه ذلك أن المرأة ناقصة بالأنوثية وولاية النكاح مبنية على الكمال فلم يكن لها مدخل فيها كما أن العبد والأمة لما كانا ناقصين بالرق لم يكن لهما مدخل في ولاية النكاح ولأن المرأة لما لم يكن لها ولاية على نفسها فبأن لا يكون لها ولاية على أمتها أولى.
ووجه من قال: لها ولاية أنها تملك الولاية عليها وكل من ملك الولاية على مملوكه أن يعقد عليه عقد النكاح. دليله السيد مع أمته ويفارق هذا ولايتها على بضع نفسها لأن للولي ولاية عليها وهو الكفاءة وليس على المرأة ولاية في أمتها بحال ولهذا ملكت العقد عليها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 97
المحرمات في النكاح
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 98
اشتراك من يحرم الجمع بينهما في نصف الصداق إذا عقد عليهما الواحد بعقدين واشتبه عين السابق منهما ففسخ النكاح:
25 ـ مسألة: إذا تزوج أختين في عقدين واشتبه عين السابقة منهما وفسخ النكاح فيهما هل يستحقان نصف الصداق؟
فقال أحمد في رواية مهنا: يفرق بينهما، وقد قيل: يكون نصف المهر لها جميعاً وما أخلفه أن يكون كذلك ولكن لم أسمع فيه شيئاً.
فقال أبو بكر : يتوجه على قوله أن يحكم بنصف المهر يقترعان عليه فمن وقعت القرعة عليها حكم لها به مع يمينها ولأنا قد حكمنا بصحة النكاح في أحداهما وأشكل عينها فيجب أن يميز بالقرعة ويتوجه أن يسقط المهر لأنه مكره على الطلاق فكان الفسخ جاء من جهتهما فلم يستحقا شيئاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 98
الجمع بين الأختين بملك اليمين:
---
26 ـ مسألة: في الجمع بين الأختين بملك اليمين.(1/337)
فنقل جماعة منهم أبو داود وابن بدينا وأبو طالب: المنع وأنه لا يطأ الثانية حتى يحرم الأولى على نفسه.
ونقل ابن منصور عنه أنه قيل له الجمع بين الأختين المملوكتين. تقول إنه حرام، قال: لا أقول حرام ولكن ينهى عنه. فظاهر هذا أنه ليس بحرام.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أنها قد صارت فراشاً له فوجب أن تحرم عليه أختها ما دامت الأولى فراشاً، دليله إذا تزوجها.
ووجه الثانية: أن الجمع المحرم جمعان، جمع من حيث العدد وهو جمع بين خمس نسوة وجمع بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها فلما كان الجمع من طريق العدد يختص بالنكاح كذلك الجمع الآخر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 98
الجمع بين بنتي العم في النكاح والوطء بملك اليمين:
27 ـ مسألة: هل يكره الجمع بين بنتي عم في عقد النكاح والوطء بملك اليمين؟
فنقل ابن منصور أنه سأل أحمد: هل يكره الجمع بين بنتي عم؟ فقال: لا. ونقل حرب عنه: قلت لأحمد يكره الجمع بين بنتي عم أو بنتي خال. قال: نعم للقطيعة.
وجه الروابة الأولى: في نفي الكراهية نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، وقوله تعالى: وأن تجمعوا بين الأختين ، فلما خص النبي بالأختين والعمة والخالة دل على أن ما عدا ذلك غير منهي عنه ولا ممنوع عنه.
ووجه الثانية: أنه إنما حرم الجمع بين الأختين لما يؤول إلى قطع الرحم من التباغض والتحاسد وهذا المعنى موجود هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 99
تحريم الربيبة إذا ماتت أمها قبل الدخول بها:
28 ـ مسألة: إذا ماتت زوجته قبل الدخول بها هل تحرم عليه بنتها؟ فنقل أحمد بن أصرم والمزني: أنها لا تحل له.
ونقل ابن منصور لفظين، أحدهما مثل هذا والثاني أنها حلال وهو أشبه، ولا تختلف الرواية أنها إذا طلقها قبل الدخول حلت له.
---
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر أن الموت أقيم مقام الدخول في وجوب العدة وكمال الصداق فوجب أن يقوم مقامه في تحريم الربيبة.(1/338)
ووجه الثانية: وهي أشبه أنها فرقة قبل الدخول فلم تحرم الربيبة ـ دليله فرقة الطلاق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 99
تحريم المصاهرة بالاستمتاع بما دون الفرج:
29 ـ مسألة: في القبلة والملامسة فيما دون الفرج هل ينعقد بها تحريم المصاهرة؟ فنقل إسماعيل بن سعيد وابن منصور والمروذي: لا ينشر الحرمة إلا الوطء. ونقل الحسن بن ثواب وعبد الله والمروذي: أنها تنشر الحرمة.
وجه الأولى: أنه استمتاع بمباشرة فتعلق به تحريم المصاهرة كالوطء في الفرج.
ووجه الثانية: أنها مباشرة لا يجب بها الغسل أولاً يجب بها الحد فلم يتعلق بها التحريم قياساً عليه إذا كان بغير شهوة.
والأول أشبه بالمذهب فإن نظر إلى فرج امرأة لشهوة، فهل ينشر الحرمة؟ على روايتين، كالقبلة والمباشرة والمنصوص عنه في رواية مهنا أنه ينشر الحرمة.
وقال في رواية إسماعيل بن سعيد: إذا لمس امرأته وبنتها لشهوة فلا اجترىء على التحريم حتى يكون الغشيان فظاهر هذا أن القبلة لا تحرم.
فإن قلنا: ينشر الحرمة فوجهه ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من كشف قناع امرأة حرمت عليه أمها وبنتها ولأنه نوع من الاستمتاع فتعلق به التحريم قياساً على الوطء. فإذا قلنا: لا ينشر الحرمة فوجهه أنه نظر إلى بعض بدنها فلم تحرم عليه أمها وبنتها قياساً عليه إذا نظر إلى الوجه ولأن النظر إلى الوجه فيه استمتاع والتذاذ لأنه يجمع المحاسن والنظر إلى الفرج ليس فيه استمتاع فلما لم يتعلق التحريم بالنظر إلى الوجه مع ما فيه من اللذة والمتعة فبأن لا يتعلق بالنظر إلى الفرج أولى.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 100
إجبار الزوجة على الغسل من الجنابة:
30 ـ مسألة: هل يملك الزوج إجبار زوجته على الغسل من الجنابة؟
---
فنقل حنبل يأمر زوجته بالغسل من الجنابة فإذا هي أبت لم يتركها. فظاهر هذا أنه يملك إجبارها.(1/339)
ونقل صالح في المشركة تحت مسلم يحثها على الغسل من الجنابة والحيض فإن لم تغتسل فلا شيء عليها: الشرك أعظم فظاهر هذا أنه لا يلزمها. ولا يختلف المذهب أنه يجبرها على الغسل من الحيض. وقوله: إن لم تغتسل فلا شيء عليها إنما يرجع إلى الغسل من الجنابة دون الحيض لأن ترك الغسل من الحيض يمنع الزوج من أصل الاستمتاع ويحرمه عليه والجنابة لا يمنع أصل الاستمتاع وإنما يمنع كماله فلهذا كانت على روايتين.
وعلى هذا القياس هل له إجبارها على التنظيف إذا كان عليها وسخ ودرن وطول أظفار وشعر؟ على روايتين:
فإن قلنا يملك إجبارها فوجهه أن بقاء الغسل عليها يمنعه من كمال الاستمتاع فإن النفس تعاف وطء من لا تغتسل من الجنابة فيفوته بذلك أخص حقه فكان له إجبارها عليه كما كان له ذلك في الحيض.
ووجه الثانية: إن بقاء غسل الجنابة عليها لا تحرم عليه وطأها فلم يكن له إجبارها ويفارق الحيض لأن بقاءه يحرم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 101
نكاح الأمة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 101
نكاح العبد للأمة وتحته حرة:
31 ـ مسألة: في العبد إذا كان تحته حرة، هل يجوز له أن ينكح أمة؟
فنقل ابن منصور : يجوز له ذلك وهو اختيار أبي بكر.
ونقل حرب : أنه لا يجوز له ذلك ولا تختلف الرواية في الحر إذا كان تحته حرة أنه لاي جوز له العقد على أمة.
وجه الأولى: أنها مساوية له فلم يكن من شرط جواز نكاحها عدم الحرية قياساً على الحرة.
ووجه الثانية: أن تحته حرة فلم يجز له التزويج بالأمة قياساً على الحر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 101
نكاح الحر لأكثر من أمة إذا خاف العنت ولم يجد طول حرة:
32 ـ مسألة: في الحر هل يجوز له أن يعقد على أكثر من أمة إذا كان يخاف العنت ولا يجوز طولاً لحرة؟
---
فنقل حرب عنه: أذهب إلى حديث ابن عباس: لا يتزوج إلا واحدة.
ونقل أبو طالب عنه: إن خشي العنت تزوج أربعاً وهو اختيار الخرقي.(1/340)
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر أنه مقيم على نكاح فلم يجز له التزويج بالأمة كما لو كان تحته حرة.
ووجه الثانية: أن كل جنس جاز التزويج بواحدة منه جاز له التزويج بأربع كالحرائر ولأنه له أن يتزوج بأمة فكان له التزويج بأكثر كالعبد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 102
الجمع بين الحرة والأمة بعقد واحد:
33 ـ مسألة: إذا عقد الحر على الحرة والأمة عقداً واحداً.
فنقل منصور : يثبت نكاح الحرة ويفارق الأمة.
ونقل محمد بن حبيب لفظين: أحدهما مثل هذا والثاني يبطل العقد فيهما جميعاً.
قال أبو بكر : ويتخرج وجه آخر إن كان يخاف العنت بنكاح الحرة منفردة أن يصح النكاحان جميعاً ذكره في كتاب العنت.
ووجه الأولى: وهي الصحيحة أنه لو تأخر نكاح الحرة على نكاح الأمة جاز فإذا قارن نكاحها يجب أن يجوز كما لو كانت الأخرى حرة أجنبية وعكس هذا نكاح الأختين لو تأخر عن نكاح أختها وأوقعه في الثاني لم يصح ونكاح الحرة لو تأخر وأوقعه بعد نكاح الأمة صح.
ووجه الثانية: أن العقد اشتمل على محظور ومباح فغلب فيه حكم الحظر كما لو نكح أختين في عقد واحد، وكما لو اختلطت الذكاة بالميتة وذبيحة المسلم والمجوسي وأصل هذه المسألة قد تقدم في كتاب البيوع إذا جمعت الصفقة حراماً وحلالاً هل تفرق الصفقة؟ فيصح فيما يجوز العقد عليه ويبطل فيهما على روايتين كذلك هاهنا.
وأما قول أبي بكر : يتخرج وجه آخر إن كان يخاف العنت بنكاح الحرة صح نكاحهما جميعاً وهذا ينبني على أصل قد تقدم وهو الحر إذا تزوج بأمه وكان يخاف العنت ولا يجد طولاً لحرة هل يجوز له أن يعقد على أمة ثانية فقد حكينا روايتين: إحداهما: لا يجوز وأولى أن لا يجوز له ذلك إذا كان تحته حرة.
---(1/341)
والثانية: أنه يجوز له ذلك فإذا جاز له ذلك إذا كان له أمة فهل يجوز له ذلك إذا كان تحته حرة فقد ذكر أبو بكر أنه يتخرج الجواز لوجود العلة فيه وهو عدم الطول لحرة ثانية والخوف من العنت فهو كما لو كان تحته أمة. وخرج المنع لأنه إذا كان تحته حرة فهو واجد لطول حرة فلم يجز له العقد على أمة كما لو كان قادراً على طول حرة يبتدىء العقد عليها فإنه لا يجوز العقد على أمة فنقيس الاستدامة على الابتداء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 102
انفساخ نكاح الأمة إذا تزوج عليها حرة:
24 ـ مسألة: في الحرة إن تزوج حرة على أمة هل ينفسخ نكاح الأمة؟ نقل أبو بكر بن محمد وحرب وأبو طالب ، لا ينفسخ ويقسم للحرة ليلتين والأمة ليلة. ونقل ابن منصور : قد ينفسخ ويكون طلاقاً للأمة واحتج بحديث ابن عباس. ويتخرج من هذا الأصل إذا عقد على الأمة وفيه الشرطان قائمان ثم أيسر بعد ذلك ووجد طولاً لحرة يبطل نكاح الأمة بوجود ذلك؟ يتخرج على روايتين. واختيار الخرقي ان النكاح صحيح.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أنه استفراش بنكاح فلم ينفسخ بنكاح من هي تحته كما لو تزوج حرة على حرة وأيضاً فإن وجود المال أحد شرطي نكاح الأمة، فوجب أن يكون شرطاً في ابتداء العقد دون استدامته كخوف العنت، ولأن المال يراد للإتلاف والإنفاق دون الاستدامة والبقاء وما لا يراد للبقاء فإنه يكون شرطاً لابتداء العقد دون استدامته كالإحرام يشترط في صحة ابتداء النكاح دون استدامته.
ووجه الثانية: ما روى ابن عباس قال تزويج الحرة طلاق الأمة وكل حكم وجب في الأصول لعله زال بزوالها فلما كانت العلة في جواز نكاح الأمة عجزه عن نكاح الحرة وجب إذا زالت العلة أن يزول ذلك الحكم ويبطل نكاحها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 103
نكاح المسلم للأمة الكتابية:
35 ـ مسألة: هل يجوز نكاح الأمة الكتابية؟
---(1/342)
فنقل صالح وأبو طالب : لا يجوز وهو اختيار الخرقي وغيره وقال في رواية أبي القاسم: الكراهية في إماء أهل الكتاب ليست بالقوية إنما هو شيء تأوله المحسن ومجاهد وفيه شنعة.
قال أبو بكر : وقف أحمد في مسألة ابن القاسم لا يرد قول من قطع وقد روى عنه هذه المسألة أكثر من عشرين نفساً أنه لا يجوز وعليه (العمل) ولعل ابن القاسم سأله قبل أن ينكشف له القول فيها.
وجه الأولى: وهي الصحيحة قوله تعالى: من فتياتكم المؤمنات ولأن الأمة الكافرة قد تكون ملكاً لكافر فإذا تزوجها المسلم أو ولدها ولداً فإنه يصير ولدها رقيقاً لكافر فلم يجز التزويج بها كالأمة الوثنية والمجوسية.
ووجه الثانية: أن كل أمة حل وطؤها بملك اليمين حل بعقد النكاح كالمسلمة وكل امرأة حل أكل ذبيحتها حل للمسلم نكاحها كالحرة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 104
توقف انفساخ الوثنيين إذا أسلم أحدهما أو ارتد بعد الدخول على انقضاء العدة:
36 ـ مسألة: إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين بعد الدخول هل ينفسخ العقد في الحال، أم يقف على انقضاء العدة فإن لم يسلم المتأخر حتى انقضت العدة انفسخ النكاح؟
فقال أبو بكر : روى عنه نحو من خمسين رجلاً أنه يقف على انقضاء العدة فإن لم يسلم المتأخر حتى انقضت العدة انفسخ النكاح. منهم أبو طالب وعبد الله وابن القاسم وإسحاق وإبراهيم وهو حنبل وهو اختيار الخرقي. قال أبو بكر : روى عنه أبو طالب والميموني وحنبل والشالنجي والمكشاتي: أن النكاح ينفسخ في الحال وهو اختيار أستاذنا أبي بكر الخلال، واختار هو ذلك أيضاً. وكذلك إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول هل يتعجل الفراق أم يقف على انقضاء العدة؟ على روايتين:
نقل أبو طالب والميموني ينفسخ في الحال.
ونقل حنبل: يقف على انقضاء العدة: وهو اختيار الخرقي.
---(1/343)
فإذا قلنا يقف: وهو الصحيح فوجهه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ رد هنداً إلى أبي سفيان وكان قد تأخر إسلامها. ولأنه لفظ لو كان قبل الدخول تعجلت الفرقة فإذا كان بعد الدخول تعلقت به الفرقة بعد انقضاء العدة قياساً على الطلاق ولا يلزم عليه الرضاع لأنه ليس بقول وإنما هو فعل أو نقول: لفظ تقع به الفرقة فاختلف باختلاف الدخول وغيره دليله ما ذكرناه.
ووجه الثانية: أنه اختلاف دين فأوجب الفرقة دليله قبل الدخول ولأن ما يوجب فيه الفسخ لا يتغير فيه انقضاء العدة ولا يفرق فيه بين الدخول وبعده كالرضاع وشراء الزوجة ووطء أمها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 105
الأنكحة الفاسدة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 106
ما يلزم من الصداق إذا نفسخ النكاح بإسلام الزوج قبل الدخول:
37 ـ مسألة: إذا أسلم الزوج قبلها وقبل الدخول هل يلزمه نصف الصداق؟
فنقل مهنا وابن منصور : يلزمه نصف الصداق وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ وأبي بكر.
ونقل حنبل : لا يلزمه شيء.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن الفرقة حصلت بسبب من قبل الزوج فأسقطت نصفه وبقي النصف كالطلاق.
ووجه الثانية: أنه إسلام من أحد الزوجين قبل الدخول فلا يستحق عليه شيئاً عن الصداق كما لو كانت هي المسلمة قبله.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 106
نكاح الشغار:
38 ـ مسألة: إذا قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ومهر كل واحدة منهما مائة هل يبطل النكاح؟
فنقل الميموني والأثرم : إذا كان بينهما شرط أن يزوج كل واحد منهما صاحبه وكان فيه صداق فليس بشغار فظاهر هذا أن النكاح صحيح.
وقال الخرقي ـ رحمه الله ـ: وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته لم يجز: وإن سموا مع ذلك صداقاً. فظاهر هذا إبطال العقد.
---(1/344)
وجه الأولى: ما روى ابن بطة بإسناده في سننه أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن يعني اب،ن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلا صداقاً فكتب معاوية وهو خليفة إلى مروان بالتفريق بينهما وكان في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فقد حكم بإبطاله مع ذكر المهر، لأنه جعل البضع مهراً في نكاح فلم يصح العقد عليه. دليله لو قال ويضع كل واحدة منهما مهراً للأخرى وذلك بأنه إذا قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ومهرها مائة: فقد جعل المائة وبضع المرأة التي تزوج بها مهراً لابنته، لأن قوله: على أن تزوجني بنتك بمثابة قوله: زوجتك بنتي ببضع بنتك ومائة درهم، فيكون البضع والمائة جميعاً مهراً.
ووجه ما نقله الإمام أن أبا عبيد فسر الصغار فقال: هو أن يزوج الرجل أخته أو ابنته على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته ليس بينما مهراً غير هذا. فقد فسر الشغار المنهي عنه ألا يكون بينهما ذكر المهر وقد قيل: الشغار مأخوذ من الخلو يقال: بدل شاغر يعني خالي وهذا العقد ما خلا من المهر ولأنه إذا ذكر المهر فلم يجعل البضع مهراً في النكاح وإنما جعل المال المذكور مهراً فيجب أن يبطل الشرط ويصح العقد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 106
نكاح المتعة:
39 ـ مسألة: فنقل صالح وعبد الله وحنبل : نكاح المتعة حرام.
ونقل ابن منصور أنه سأله عن متعة النساء تقول أنها حرام قال: يتجنبها أحب إليّ، فظاهر هذا أنها مكروهة وليست حراماً.
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: فيها روايتان وجماعة من أصحابنا يجعلون المسألة رواية واحدة وأنها حرام.
فمن ذهب إلى ظاهر رواية ابن منصور فوجهه قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) وهذا صفة المتعة.
---(1/345)
وروي عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أنا أنهي عنهما بل أعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج. فأخبر أن المتعة كانت جائزة على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وإنما هو نهى عنها ونهيه لا يؤثر فيما كان مباحاً على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم والدلالة على تحريمها وهو المذهب الصحيح ما روي محمد بن الحنفية قال سألت علي بن أبي طالب عن المتعة فقال: نادى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: ألا أن المتعة حرام .
وروى عمر بن الخطاب قال: أباح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم المتعة ثلاثة أيام ثم حرمها. وروى الربيع بن سبره عن أبيه قال: كنا مع رسول الله بمكة فقال رسول الله استمتعوا بالنساء وقال فخرجت أنا وابن عمر فلقيتنا امرأة وذكر قصة إلى أن قال فتمتعت بها وكان الشرط بيننا عشرين ليلة فأقمت معها ليلة فما كان من الغد خرجت فرأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بين الركن والمقام وهو يقول: إني كنت أذنت لكم في المتعة وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة،فمن كان عنده شيء منها فليخل سبيلها ولا يأخذ شيئاً مما أعطاها.
ولأن النكاح عقد يصح مطلقاً فلم يصح إلى مدة كالبيع ولأن النكاح الصحيح له أحكام تختص به كالطلاق، والظهار، واللعان، والتوارث، وعدة الوفاة، ولحوق النسب، ونكاح المتعة لا يتعلق به شيء من هذه الأحكام فلم يتعلق به الإباحة. وأما الآية فالجواب عنها أنها تقتضي أن النكاح يلزمه العوض بالاستمتاع ونحن نوجب العوض ولا يدل هذا على إباحة الوطء كما قال تعالى: ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم . ولم يدل ذلك على جواز القتل. وأما قراءة ابن مسعود فلا تثبت لو ثبتت فتحتمل أن يكون قوله: (إلى أجل مسمى) المراد به ما يؤجل من المهر دون العقد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 107
---(1/346)
وأما حديث عمر فلم ينه عنها برأيه واختياره إنما كان علم من ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فحرم ذلك إذ لو كان فعله باختياره لم يقره الصحافة على ذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 107
فسخ النكاح بالبخر في أحد الزوجين:
40 ـ مسألة: في البخر وهو روائح في الفم يوجد من أحد الزوجين هل ذلك عيب يوجب الرد؟
فقال أبو بكر : يرد به الجميع، وظاهر كلام الخرقي في أنه ليس بعيب لأنه لم يذكره في حد العيوب وكذلك ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ وكذلك أبو حفص العكبري وذكر العيوب ولم يذكره من جملتها، وقال أبو بكر عبد العزيز أيضاً: فإن الرجل يستطلق بوله فلها الفسخ. ولم أجد ذلك لأحد من أصحابنا.
فمن قال: هو عيب قال لأنه يقدح في الاستمتاع ولهذا المعنى كان عيباً في الأمة، والعبد، المشتراة لأنه لا يمكن السيد أن يتسايده.
ومن قال: ذلك يمنع الزوجة من الاستمتاع لأجل ما يحصل له من كثرة البول فالنفس تنفر من استمتاع من هذه صفته. ومن قال: ليس بعيب، قال: معظم الاستمتاع يحصل مع ذلك، فيجب ألا يجب به الفسخ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 109
استمرار نكاح العبدين إذا أعتقا معاً:
41 ـ مسألة: في الأمة إذا كانت تحت عبد وأعتقا معاً هل ينفسخ النكاح؟
فقال في رواية محمد بن حبيب: إذا زوج عبده أمته ثم أعتقهما، فهما على نكاحهما.
ونقل يعقوب بن بختان وإبراهيم بن هانىء: إذا زوج عبده من أمته ثم أعتقهما جميعاً فمكثت عنده لم يجز إلا أن يجددا النكاح.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن العتق لو وجد في أحدهما لم يفسخ النكاح، فإذا وجد فيهما لم يفسخ كالعيوب وعكسه الموت والرضاع.
ووجه الثانية: أن العتق معنى يزيل الملك عنهما لا إلى مالك فجاز أن يثبت به الفرقة كالموت ولأن لا يمتنع أن لا يحصل الفرقة بوجوده من أحدهما ويثبت بوجوده منهما كاللعان والإيلاء والبيع.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 110
خيار الفسخ للأمة إذا أعتقت مع زوجها:(1/347)
42 ـ مسألة: فإذا قلنا: إن النكاح لم ينفسخ بعتقهما فهل لها الخيار؟
فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث: لها الخيار.
ونقل محمد بن حبيب: لا خيار لها وهو اختيار أبي بكر لأنه لم يحدث بالعتق نقص على الزوجة بل كمل جميعاً في حالة واحدة فيجب ألا تملك الفسخ كما لو كانا سفيهين فبلغا أو فاسقين فعدلا.
ووجه من قال: يملك الفسخ أنها كملت بالحرية تحت من لم تسبق له الحرية فملكت الفسخ فإذا وجد منهما لم يمنعها من ثبوت الفسخ كالعيب ولأن ردتهما تجري مجرى ردة أحدهما في باب تحريم الوطء وفسخ النكاح كذلك هاهنا والأولى أصح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 110
خيار الفسخ للأمة أعتق بعضها وهي تحت عبد:
43 ـ مسألة: فإن كان لنفسين، فأعتق أحدهما حصته وكان معسراً، وهي تحت عبد، فهل تملك خيار الفسخ؟
فقال الخرقي : لا تملك وهو الصحيح لأنه إنما ثبت لها الخيار لأنها صارت كاملة في نفسها كاملة في أحكامها، وهذا المعنى لا يوجد فيها إذا أعتق بعضها لأن أحكامها لم تكتمل بل هي في حكم الأمة القن في الشهادة والولاية ونحو ذلك مما لا يتبعض.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف تملك، ونقل ذلك عن أحمد في رواية محمد بن الحكم، لأنها أكمل منه بما يحصل فيها من الحرية ولهذا نقول: إنها ترث وتورث وتحجب على قدر ما فيها من الحرية فيجب أن تملك الفسخ كما لو أعتق جميعها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 111
قبول قول الزوج في نفي العنة:
44 ـ مسألة: إذا ضرب للعنين الأجل ثم اختلفا في الإصابة والمرأة ثيب.
فقال شيخناأبو عبد الله : فيها ثلاث روايات.
إحداها: يخلى معها ويقال له: أخرج ماءك على شيء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن قلب فهو مني فيبطل قولها نقل ذلك مهنا عن أحمد رحمه الله.
---
والثانية: القول قول الزوج نقل ذلك منصور.(1/348)
والثالثة: القول قول الزوجة نقلها ابن منصور أيضاً. وقال أبو بكر في كتاب التنبيه: يزوج من بيت المال امرأة لها دين فإن ذكرت أنه يقربها كذبنا الأولى وكانت الثانية بالخيار إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته ويكون الصداق في بيت المال وإن كذبته فرق بينه وبين الأولى والثانية وكان صداقها عليه في ماله واحتج في هذا بما روى النجار بإسناد له أن امرأة جاءت إلى سمرة بن جندب تزعم أن زوجها لا يصل إليها، فسأل زوجها، فأنكره، فكتب في ذلك إلى معاوية، فكتب إليه: انظر امرأة ذات ولد، زوجه إياها، وسق عنه المهر من بيت المال، ثم أدخلها عليه وسلمها، فإن زعمت أنه ليس يصل إليها فخل عنها. ففعل فدعا المرأة، فقال: كيف رأيته؟ فقالت: والله ما عنده من شيء، فقال: ما دنى ولا انتشر، فقالت: دنا وانتشر، ولكن جاءه شره، يعني أنزل قبل أن يولج. فقال سمرة بن جندب: خل سبيلها.
ووجه من قال تخلى معه في بيت ويكلف بإخراج مائه على شيء إن هذا فعل يتوصل به إلى صحة دعواه لأن العنين في العادة يضعف على إنزال الماء على هذا الوجه.
ووجه من قال: القول قولها: أن الزوج يدعي أنه قد وطىء والمرأة تقول: لم يطأ والأصل أن لا وطء فهو كما لو ادعت بالزوج عيباً وأنكر الزوج أو ادعى هو بها عيباً وأنكرت هي فإن القول قول من ينفي ذلك لأن الأصل أن لا عيب.
ووجه من قال: القول قول من ينفي ذلك وهي الصحيحة أن المرأة تدعي على الزوج العنة وتريد أن تفسخ النكاح وترفعه والزوج ينكر ذلك ويقول: لست بعنين ليبقي النكاح على حالته والأصل بقاء النكاح فكان القول قول الزوج لموافقته لذلك الأصل ولأن المرأة تدعي حدوث عيب بالزوج وهو ينفي ذلك والأصل عدم العيب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 111
قبول قول الخنثى في ميوله الجنسي:
---
45 ـ مسألة: في الخنثى المشكل هل يرجع إليه فيما يخبر به من ميل طبيعته إلى الرجال أو النساء.(1/349)
فقال الخرقي : يرجع إليه في ذلك ولو قال طبيعتي تميل إلى النساء وأشتهي الجماع حكم بأنه رجل.
وإن قال يميل طبعي إلى الرجال حكم بأنه امرأة ولا يرجع في ذلك إلى شهوته فإنه قد يكون في النساء من يترجل ويشتهي النساء وفي الرجال من يتخنث ويشتهي الرجال فلا يرجع إلى شهوته واختياره ولكن يرجع إلى ميل طبيعته لأن الطبع يغلب الشهوة وينبىء عما بنيت عليه خلقته وجبلته. فإذا حكم بأنه رجل جعل حكمه حكم الرجال في جميع الأشياء، ويجوز له التزوج بالنساء وإن حكم أنه امرأة جعل حكمه حكم النساء في جميع الأشياء ويجوز للرجل التزوج به.
وقال أبو بكر في كتاب المقنع: لا معنى لرده إلى علم نفسه فالقول في الخنثى ألا يحكم فيه بحكم الرجال ولا بحكم النساء بل كان أكثر أحواله في صلاته وتحجبه وسوءته أحكام النساء وفي ديته نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وكذلك ميراثه ويمنع من التزوج وإن صلى مكشوف الرأس أعاد الصلاة وإذا مات بين الرجال والنساء يم، وذكر في كلامه نصاً عن أحمد في رواية الميموني قال في الخنثى: لا يتزوج ولا يزوج حتى يتبين أمره ولا بد أن يبين عند بلوغه أمر مشكوك فيه فيجب ألا يباح له التزويج معاً خوفاً أن يكون رجلاً فينكح رجلاً أو امرأة فتنكح امرأة والفروج يحتاط لها ولا تباح بغلبة الظن وما فيه شك، والصحيح عندي ما قاله الخرقي.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 112
الشروط في النكاح
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 113
أثر الشرط الفاسد في عقد النكاح:
46 ـ مسألة: إذا اشترط في عقد النكاح شرطاً فاسداً هل يبطل العقد بذلك مثل أن يشترط عليها ألا ينفق عليها ولا يكسوها ولا يصدقها وتشترط هي عليه ألا تمكنه من الوطء ونحو ذلك.
---(1/350)
فقال أبو بكر : فيها قولان: أحدهما: أن النكاح باطل كما قلنا في نكاح الشغار ونكاح المحلل والمتعة إنما بطل العقد في ذلك لأجل الشرط كذلك هاهنا والثاني يبطل الشرط ويصح العقد وهو المنصوص عن أحمد في رواية مهنا إذا شرط عليها أن ترد عليه مهر المثل فلم يبطله الشرط كالعتق والطلاق والوصية. ولا يشبه هذا نكاح الشغار والمحلل والمتعة لأن نكاح الشغار لم يبطل لأجل الشرط الفاسد ولكن لأجل أن البضع حصل مشتركاً بين الزوج وغيره فالفساد حصل في نفس المعقود عليه. وأما نكاح المتعة فلم يبطل أيضاً لأجل الشرط ولكن لأن شرائط العقد معدومة وفيه من الولي والشهود والدوام على النكاح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 113
اشتراط فسخ النكاح إذا لم يتم المهر المؤجل عند حلول الأجل:
47 ـ مسألة: إذا تزوجها على مهر مؤجل وشرط في العقد إن جاء في المهر المؤجل عند الأجل وإلا فسخ النكاح فهل العقد والشرط صحيح أم باطل؟
فيه روايات: إحداها: أن الشرط والعقد باطلان نقلها ابن منصور لأن هذا الشرط يقدح في المقصود وهو قطع الاستدامة في النكاح لهو كما لو تزوجها وشرط أن يطلقها أو يحلها للزوج الأول.
والثانية: أن الشرط والعقد صحيحان نقلها ابن منصور أيضاً أما صحة العقد فلأن اللفظ الذي يقتضي الدوام قد وجد، وإنما حصل الشرط في المهر فلم يؤثر ذلك في فساد العقد وأما المهر فإنما كان صحيحاً لأنه لما ملكت فسخ النكاح عند تعذر تسليم المهر جاز أن يشترط هذا المعنى في العقد ولا يؤثر فيه.
والثالثة: أن العقد صحيح والمهر فاسد نقلها الأثرم أما صحة العقد فلما ذكرنا وأما فساد المهر فلأن الشرط يأخذ قسطاً من المهر لأن المرأة تنقص من مهرها لتعجل المهر فإذا أخذ قسطاً فذلك القدر مجهول فيؤدي إلى جهالة المهر فلهذا بطل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 114
تأخر القبول عن مجلس العقد:
---
48 ـ مسألة: هل يجوز أن يتأخر القبول عن مجلس العقد؟(1/351)
فقال أحمد في رواية أبي طالب رحمه الله في رجل مشى إليه قوم فقالوا زوج فلاناً فقال: قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه قال: قبلت يكون هذا نكاح ويتوارثان.
قال أبو بكر في المقنع: مسألة أبي طالب تتوجه على قولين:
أحدهما: يجوز وهو ظاهر كلامه في رواية أبي طالب جواز التأخير.
والثانية: لا يجوز وهو الصحيح لأن معنى القبول ما كان يقابله الإيجاب وهذا المعنى إنما يكون عقيبة أو في المجلس لأن المجلس يجري مجرى القبول عقب الإيجاب، ولهذا قلت إن خيار المخيرة يقف على المجلس وكذلك قبض رأس مال السلم وعرض الصرف ويجب أن يحمل كلامه في رواية أبي طالب على أنه أذن لهم في قبول النكاح عنه فقبلوه قبل التفرق ثم جاؤوا فأعلموه بذلك فأمضاه فلا يكون القبول قد تأخر عن العقد وإن حمل كلام أحمد ـ رحمه الله ـ على ظاهره فوجهه أن جملة العقد قد وجد وهو القبول والإيجاب لأن القبول إذا تعذر حال العقد قام الإيجاب مقامه بدليل ابن العم إذا قبل نكاح ابنة عمه الذي هو وليها فقال: تزوجت ابنة عمي فإن النكاح ينعقد ولو لم توجد لفظة القبول لأن ليس هناك موجب يجيزه لينعقد قبوله عليه وإنما يقف الإيجاب عن القبول إذا وجد من جهة غيره كذلك هاهنا الغائب ينعقد قبوله في الحال فجرى مجرى المعدوم وجعل الإيجاب جملة العقد في النكاح ولكن نقف على إجازته لا على قبوله فإن أجازه جاز وقد اختلفت الرواية عنه في النكاح هل يقف على الإجازة أم لا؟ على روايتين فتتخرج هذه الرواية على إحدى الروايتين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 114
أثر فساد المهر في عقد النكاح:
49 ـ مسألة: هل يفسد النكاح بفساد المهر؟
---
فالمنصوص عنه أنه لا يفسد قال في رواية يعقوب بن بختان في الرجل يتزوج بالمال الحرام: قد يثبت التزويج وقال في رواية المروذي: إذا تزوجها على مال بعينه غير طيب أكرهه قيل له ترى استقبال النكاح فأعجبه.(1/352)
قال أبو بكر إذا كان المهر مجهولاً فالعقد صحيح وإذا كان حراماً كالميتة والدم فالعقد باطل من أصله وقد أومأ إلى هذا أبو بكر الخلال وقد ذكر رواية المروذي ويعقوب بن بختان، وقال بعد ذلك بما روى المروذي أقول: وقال شيخنا أبو عبد الله: العقد صحيح والمهر فاسد وهو المنصوص عن أحمد وما قاله في رواية المروذي على طريق الاستحباب.
فالوجه لمن قال: إن النكاح باطل بأنه عقد معارضة فيجب أن يبطل بفساد العوض كالبيع والإجارة ولأن نكاح الشغار فسد لفساد المهر.
والوجه في صحة العقد هو أن النكاح والمهر عقدان قد انفرد كل واحد منهما عن صاحبه بدليل أنه قد ينعقد النكاح مجرداً عن المهر فيصح ثم يفرض المهر بعده بعقد ثاني فإذا كان عقدين ففسد أحدهما لم يعترض الفساد على الآخر كما لو باعه شيئاً ورهنه شيئاً فاعترض الفساد على أحدهما فإنه لا يؤثر في فساد الآخر.
وأما نكاح الشغار لم يحصل الفساد لأجل المهر لكن لأجل التشريك في البضع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 115
جعل منفعة الزوج الحر مهراً:
50 ـ مسألة: في منافع الحر هل يصح أن تكون مهراً؟
فنقل أبو طالب : يصح أن يتزوجها على بناء الدار وخياطة الثوب وعمل شيء: ونقل مهنا إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر: كيف يكون هذا؟
قيل له: فإن كانت لها ضياع وأرضين لا تقدر أن تعمرها قال: هذا فظاهر هدا أنه لا يصح.
فالوجه في أنها تصح أن تكون مهراً وهي الصحيحة أن كل ما جاز أن يملك بعقد الإجارة صح أن يكون بعقد النكاح لنفعة العبد وكل عقد صح أن يملك به منفعة العقد صح أن يملك به منفعة الحر كعقد الإجارة.
---(1/353)
ووجه الثانية: أن منافع الحر ليس بمال ولا يجب به تسليم مال فلا يصح أن يكون مهراً دليله رقبة الحر ومنافع البضع وطلاق فلانة ولا يلزم عليه منافع العبد لأنه يجب بها تسليم مال وهو رقبة العبد ولأن المرأة تستحق على الزوج خدمته بدلالة أنه إذا لم يقم لها من يخدمها فإن عليه أن يتولى خدمتها فإذا كانت خدمته مستحقة لها لم يجز أن يأخذ عليها عوضاً ألا ترى أن خدمة الابن لما كانت مستحقة للأب لم يجز للابن أن يأخذ عليها عوضاً من الأب ولا يلزم عليه إذا تزوج العبد بعقد النكاح بل هي مستحقة للمولى فجاز أن يجعل بدلاً عن بضعها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 116
جعل تعليم القرآن مهراً:
51 ـ مسألة: تعليم القرآن هل يصح أن يكون مهراً؟
فقال في رواية ابن منصور وقد سئل عن التزويج على ما معه من القرآن فقال: أكرهه فظاهر هذا أنه لا يصح أن يكون مهراً.
ونقل بكر بن محمد عن أبيه أنه سأل عن حديث ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه زوج على سورة من القرآن فقال: لا أعلم شيئاً يمنعه ولكنها مسألة لا يحتملها الناس. فظاهر هذا أنه أخذ الجواز من الحديث ولكن توقف عن القول فيه ورعاً واختياراً.
ووجه الثانية: قال أبو بكر في كتاب الخلاف: أحمد لا يرى التزويج على القرآن إذا كان لا يصح عنده أجراً وله فيه قولان واختياري أنه لا يجوز فقد أثبت المسألة على روايتين:
فمن قال: لا يجوز وهي الصحيحة قال: إن تعليمه إياها للقرآن لا يجوز أن يملك بعقد إجارة على أصلنا فلم يصح أن يملك بعقد نكاح كمنافع البضع. وفي المسألة حديث رواه أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد بإسناده عن أبي عثمان قال: زوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم رجلاً على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لأحد بعدك مهراً، وهذا نص لأنه خصه بذلك ومنع أن يكون مهراً لغيره.
---(1/354)
ووجه الثانية: ما روى سهل بن سعد الساعدي أن امرأة أتت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقالت له وهبت نفسي لك يا رسول الله، فقال: مالي اليوم في النساء من حاجة، فقام رجل من القوم فقال زوجنيها يا رسول الله فقال: هل معك شيء؟ قال: لا، قال هل معك شيء من القرآن؟ فقال: نعم لسورة أسماها، فقال: زوجتكها بما معك من القرآن، وتقديره زوجتكها بتعليمها ما معك من القرآن لأن نفس لا يكون مهراً ولأن تعليم القرآن منفعة يجوز التطوع بها فجاز أن يكون مهراً كالخدمة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 117
جعل طلاق الزوجة مهر الأخرى:
52 ـ مسألة: فإن تزوجها على طلاق فلانة زوجة له أخرى فهل يصح الصداق؟
ذكر أبو بكر في كتاب المقنع روايتين: إحداهما: يصح أومأ إليه في رواية يعقوب بن بختان في رجل تزوج امرأة فجعل طلاق الأولى منهما مهراً للأخرى إلى سنة فجاء الوقت ولم يقضِ شيئاً رجع الأمر إليه قيل له: يجوز مثل هذه الشروط في النكاح؟ قال: نعم، فقد أحل التزويج بشرط أن يكون مهرها طلاق زوجة أخرى.
ووجهه أن لها فيه منفعة وهو أن يرجع حظ المطلقة من الزوج إليها. ونقل مهنا عنه وقد سأله: أرأيت إن قال لها أتزوجك على طلاق امرأتي يكون مهرا قال: لا يجوز ذلك لأنه لا منفعة لها فيه وقولهم يرجع حظها من الزوج إليها لا يصح لأن حقها لا يختلف بوجود الضرة وعدمها.
قال أبو بكر: فإن كان الطلاق متعلقاً بوقت فامتنعت منه يعني من قبوله عند محله احتمل وجهين:
أحدهما: لا مهر لها لأنها أسقطت حقها باختيارها.
الثاني: لها المهر الذي استحل به فرج الأولى لأن ذلك خرج عن يدها بخروج الوقت والحق لها ثابت.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 118
استحقاق الزوجة لنماء المهر قبل الدخول:
53 ـ مسألة: وهل تملك المرأة جميع الصداق بالعقد وتملك ما يحدث فيه من النماء أم يكون مراعاً بالدخول؟
---(1/355)
فقال في رواية ابن منصور وقيل له: سئل سفيان عن رجل تزوج امرأة على خادم ثم تزوجها غلامه فولدت أولاداً فطلق امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها. قال أحمد: جيد. فظاهر هذا أنه يحكم لها بملك جمعية لأنه جعل لها نصف النماء.
وقال الخرقي : وإذا أصدقها غنماً فتوالدت ثم طلقها قبل الدخول كانت الأولاد لها وترجع بنصف الأمهات فظاهر هذا أنه حكم لها بملك جمعيه لأنه جعل لها جميع النماء، وهو الصحيح.
ووجههما أن الزوج يملك البضع بالنكاح فوجب أن تملك المرأة ما في مقابلته من المهر كالمتبايعين وتحريره أنه عوض في مقابلة معوض فوجب أن يملك في الوقت الذي يملك فيه المعوض كالثمن في البيع ولأن من أصلنا أن الأجرة تملك جميعها بعقد الإجارة يجب أيضاً أن يملك جميع المهر بعقد النكاح لأن كل واحد منهما عقد على المنفعة.
---(1/356)
ووجه من ذهب إلى رواية ابن منصور أنها لو كانت قد ملكته لم يسقط بعد ثبوته ألا ترى أنه إذا دخل بها لا يسقط بوجه لثبوته وقبل الدخول لما سقط بردتها جميعه وباختيارها لنفسها إذا أعتقت تحت عبد ونصفه إذا طلقها قبل الدخول علم أنها لم تملكه. ومن ذهب إلى الأول انفصل عن هذا بأنا وإن قلنا قد ملكته فهو ملك غير مستقر ومثل ذلك المبيع قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض، الملك قد حصل لكنه غير مستقر لأنه معرض لانتقاض العقد ورجوعه إلى البائع، ولم يدل هذا على أن الملك لم يحصل وأن النساء ليس بملك للمشتري كذلك هاهنا، وأما قول أحمد ـ رحمه الله ـ : يرجع عليه بنصف القيمة في الأم والولد، فظاهر هذا أنه لم يقر ملكها على نصف الأم ونصف الأولاد شائعاً وحكم لها بنصف القيمة على الزوج، وهذا محمول على أنها اختارت أخذ القيمة أو يحمل على أنه قصد بقوله يرجع بنصف قيمة الأم، والولد معناه بنصف الأم ونصف الولد ولم يقصد القيمة لأن الولد على هذه الرواية حدث على ملكهما ومن كان بينهما أمة فولدت كان الولد ملكاً لهما كالأم ولا يجبر أحدهما على أخذ القيمة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 119
إذا كان المهر عبدين فبان أحدهما حراً:
54 ـ مسألة: إذا تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حراً فهل ترجع بقيمة الحر وتأخذ العبد الآخر أم ترجع بقيمتهما؟
على روايتين نقلهما مهنى وأصلهما تفريق الصفقة هل يجوز أم لا؟
فإن قلنا: لا يجوز ترجع بقيمتهما. وإن قلنا يتفرق ترجع بقيمة الحر دون العبد. وقد ذكرنا وجه كل رواية في كتاب البيوع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 120
صفة متعة المطلقة وقدر الواجب فيها:
55 ـ مسألة: في صفة للمطلقة وقدر الواجب فيها.
فقال الخرقي : كسوة يجوز لها أن تصلي فيها ومعناه ثوبان: درع وخمار سواء وافق نصف مهر مثلها أو دونها أو زاد عليه.
---(1/357)
ونقل الميموني عنه: كم المتاع فقال: على قدر الجدة وعلى من قال: تمتع بمثل نصف صداق المثل لأنه لو كان فرض صداقاً كان لها نصف الصداق،فظاهر هذا أنها غير مقدرة وأنها معتبرة بيسارة وإعساره وقد حكى قول ـ غيره إن قدرها نصف مهر المثل لا زيادة عليه ولم ينكره. فظاهر هذا أنه مذهب له فيكون أقله عند الاختلاف ما يصادف نصف مهر المثل.
وقال في رواية أبي داود وقد سئل عن المتعة فقال: على قدر يساره قيل عشرة آلاف درهم قال: هو على قدر ما يرى الحاكم فظاهر هذا أنها غير مقدرة وأن تقديرها يقف على اجتهاد الحاكم ورأيه في ذلك.
فمن ذهب إلى ظاهر رواية الميموني وإنها تكون في مقابلة نصف الصداق فوجهه أن المتعة أقيمت مقام الصداق لأن لا يعر العقد عن عوض لو كان الطلاق قبل الدخول وقد سمى لها صداقاً كان لها نصفه كذلك ما قام مقامه ومن ذهب إلى ظاهر رواية الميموني وأنها إلى رأي الحاكم واجتهاده. فوجهه أن المتعة قد ورد الشرع بوجوبها بقوله تعالى: ومتعوهن ولم يرد بمقدارها وبيانها ولا يتوصل إلى تقديرها من غير اجتهاد الحاكم فيجب أن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم كسائر الأشياء المجتهد فيها إذا لم يكن لها تقدير في الشرع.
---(1/358)
ومن ذهب إلى أنها مقدرة بكسوة تجوز الصلاة فيها وهو الصحيح فوجهه قوله تعالى: متاعاً بالمعروف والمتاع اختص بالأثواب منه بالدراهم، ولأن له أصلاً في الواجب على الزوج وهو الكسوة في حال النكح وله أصل في الشرع أيضاً وهو في الكفارة. وليس الدراهم أصلاً في الشرع وإنما تقدرت بما يجوز الصلاة فيه لأن إطلاق الكسوة تتصرف إلى ذلك فالكسوة في الكفارة ولأنه عوض وجب لأجل خروج البضع عن ملكه فلم يفتقر فيه إلى اجتهاد الحاكم كالمهر ولا يختلف المذهب أنه لايجزي فيه ما يقع عليه الاسم وإن قل لقوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره . فلو كان ما يقع عليه الاسم لم يختلف ذلك باختلاف اليسار والإعسار ولأن المتعة ثبت شرعاً فجاز أن تكون مقدرة كسائر الشرعيات ويفارق الصداق لأنه ثبت بتراضيهما فكان ما تراضيا عليه وإن قل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 120
ما يجب من الصداق إذا مات أحد الزوجين قبل الإصابة والفرض:
56 ـ مسألة: إذا مات أحد الزوجين قبل الإصابة وقبل الفرض ففيه روايتان:
إحداهما: لها مهر مثلها نقل ذلك الجماعة: صالح والميموني وابن منصور ونقل إبراهيم: إذا تزوج ولم يسم صداقاً ومات قبل أن يدخل بها فلها نصف مهر مثلها.
ووجه هذه الرواية: أنها فرقة قبل الدخول فلا تستحق بها جميع مهر المثل دليله الفرقة بالطلاق.
ووجه الرواية الثانية: وأنه يجب مهر المثل ما روى عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود أنه أتى في رجل تزوج امرأة فمات عنها، ولم يفرض لها فقال: لها صداق نسائها ولا وكس ولا شطط فقام أناس من أشجع منهم أبو الجراح وأبو سنان فقالوا: تشهد أن رسول الله قضى في بروع بنت واشق كما قضيت ففرح بذلك وقال: الحمد لله الذي وافق قضائي قضاء رسول الله ، ولأن الموت يستقر به المسمى فجاز أن يستقر مهر المثل كالدخول وكل مهر كمل بالدخول كمل بالموت كالمسمى.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 121
النساء اللاتي يعتبر بهن مهر المثل:(1/359)
57 ـ مسألة: في مهر المثل هل يعتبر بنساء عصباتها دون نساء أرحامها أم يعتبر بجميع نساء أهلها؟
فنقل إسحاق بن إبراهيم : لها مهر نسائها مثل أمها وأختها وعمتها وبنت عمتها. فظاهر هذا أنه يعتبر بنساء العصبات والأرحام جميعاً فنساء العصبات مثل أخواتها وبنات الإخوة وعماتها وبنات الأعمام وبنات أعمام الأب، ونساء الأرحام الأمهات وأخواتهن وهن الخالات وبناتهن وخالات الأم والأخوات من الأم.
ونقل أبو الحارث : ينظر في ذلك إلى عصبتها إلا أن تكون امرأة جميلة فينظر حينئذ إلى مثلها في الجلالة والجمال.
وكذلك نقل حنبل: لها صداق نسائها قيل له من نساؤها قال: الذين هم من قبل أبيها فظاهر هذا أنه يعتبر بنساء العصبات دون أرحامها. ولا تختلف الرواية أنه تعتبر بنساء بلدها.
فمن ذهب إلى أنه يعتبر بجميع نساء وهو اختيار أبي بكر فوجهه ما تقدم من حديث ابن مسعود: لها مهر نسائها، وهذا يدخل تحته نساء العصبات والأرحام جميعاً ولأن النساء من جهة الرحم بينهن رحم فجاز أن نعتبر بهن في المهر قياساً على نساء العصبات.
---
ومن ذهب إلى أنه يعتبر نساء العصبات وهو ظاهر كلام أحمد فوجهه ما روي من حديث ابن مسعود أنه قام معقل بن يسار وغيره فقالوا: نشهد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قضى في بردع ابنة واشق بمثل مهر نساء قومها. وقومها رجال قومها وكأنه قال: نساء رجالها، ونساء رجالها عصبتها، لأن الاعتبار بالآباء لأن الهاشمس من العامية هاشمي وولد العامي من الهاشمية عامي،فإذا كان الاعتبار بالأباء ثبت أن الذي اعتبرها بنساء عصبتها أولى لأنها إذا لم يكن بد من اعتبارها بنساء من أهلها كان نساء عصباتها أولى لأنها بهن أشبه وإليهن أقرب والدلالة على أنها لا تعتبر بنساء بلدها قول ابن مسعود: لها مهر نسائها، وليس نساء بلدها من نسائها، ولأنه إذا لم يكن بد من اعتبار مهر مثلها بغيرها كان اعتباره بنسائها وأقربائها أولى لأنها بهن أشبه وإليهن أقرب.(1/360)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 122
اختلاف الزوجين في مقدار الصداق ولا بينة:
58 ـ مسألة: إذا اختلف الزوجان في قدر المهر ولا بينة على مبلغه ففيه روايتان نقلهما مهنا.
إحداهما: القول قول الزوج مع يمينه سواء كان يدعيه مهر المثل أو أقل أو أكثر.
قال في رواية مهنا: إذا اختلفا في المهر ولا بينة على مبلغه يستحلف قيل: إن شاء يقول لها صداق مثلها قال: لعل صداق مثلها يكون أقل أو أكثر ولكن يستحلف فقد نص على أن القول قوله بكل حال لأنه غارم والقول في الأصول قول الغارم مع يمينه.
---
والرواية الثانية: إن كان مهر مثلها ما يدعيه الزوج أو أقل فالقول قوله مع يمينه وإن كان مهر مثلها ما ادعت هي أو أكثر فالقول قولها وإن كان أقل مما ادعت هي أو أكثر مما ادعى الزوج رجع إلى مهر المثل. هذا ظاهر كلامه في رواية مهنا في اللفظ الآخر إذا قالت صداقي ألفين وقال الزوج: صداقها ألف ولم يكن بينة نظر إلى صداق نسائها، قيل له: فإن ناساً يقولون: القول قول الزوج ويحلف قال: لا، وهذه الرواية اختيار الخرقي وهي أصح لأن اختلافهما في التسمية يمنع ثبوت التسمية لأنا لا نصدق واحداً منهما على صحبه وعقد النكاح إذا عرى عن التسمية وجب الرجوع إلى مهر المثل فأيهما ادعى مقدار مهر المثل فالظاهر معه فيجب أن يكون القول قوله لأنه مدعى عليه والآخر مدعي فإذا كان مهر مثلها أقل كما ادعت هي أو أكثر مما ادعى الزوج فليس مع أحدهما ظاهر نصير إليه فجيب الرجوع إلى مهر المثل لأن العقد إذا عرى عن التسمية وجب الرجوع فيه إلى مهر المثل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 123
الذي بيده عقدة النكاح:
59 ـ مسألة: في الذي بيده عقدة النكاح.
فنقل ابن منصور : إذا طلق امرأته وهي بكر قبل أن يدخل بها فعفى أبوها عن نصف الصداق فلا أرى عفوه إلا جائزاً وظاهر هذا أن الذي بيده عقدة النكاح الولي لأنه قد أجاز عفوه عن نصف الصداق.
ونقل أبو طالب وأبو الحارث : أن عفو الولي لا يصح.
---(1/361)
فعلى الرواية الأولى يكون تقدير الآية إلا أن يعفون النساء فيكون الكل للزوج أو يعفو الولي إذا كانت صغيرة فيكون للزوج. وعلى الرواية الثانية يكون تقدير الآية: إلا أن يعفون النساء فيكون الكل للزوج أو يعفو الزوج عن نصفه فيكون الكل لها ثم قال: وأن تعفو أقرب للتقوى . تعني الأزواج بلا خلاف ففي الآية ذكر العفو في ثلاثة مواضع قوله: إلا أن يعفون النساء بلا خلاف، وقوله وأن تعفو أقرب للتقوى الأزواج بلا خلاف وقوله أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح . وهو موضع الخلاف.
ووجه من ذهب إلى أنه الولي قال ذكر الله العفو في الآية في ثلاثة مواضع فقال: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى فمن قال: الذي بيده عقدة النكاح هو الولي حمل كل عفو على فائدة. وإذا قلنا: هو الزوج حمل عفوين على فائدة واحدة فكان حمل كل عفو على فائدة أولى.
ومن ذهب إلى أنه الزوج وهو الصحيح فوجهه من الآية من موضعين: أحدهما: أن العقد ما انعقد عليه الشيء ولم ينحل عنه ومنه يقال: فلان عقدة من العقد: إذا كان لا ينحل ويقال: حبل معقود وعهد معقود والزواج بهذه الصفة لأن الولي يملك العقد قبل عقده فإذا انعقد صار عقدة وخرج عن يده وصار بيد الزوج ولأن العفو إذا أطلق إنما ينصرف إلى من كان مالكاً له في الحقيقة والمالك للنصف هو الزوج والولي لا يملكه فكان حمل العفو على المالك أولى من حمله على غير المالك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 124
الرجوع على الزوجة بنصف المهر إذا وهبت له المهر فطلقها قبل الدخول:
60 ـ مسألة: إذا أصدقها صداقاً فوهبته له وطلقها قبل الدخول فهل يرجع بنصفه عليها أم لا؟ على روايتين:
فنقل مهنا وعبد الله يرجع عليها بنصفه.
ونقل ابن مشيش : لا يرجع عليها بشيء ولا فرق بين أن يكون ذلك بعد أن قبضه أو قبل.
---(1/362)
فمن ذهب إلى أنه لا يرجع عليها بشيء فوجهه أنه قد تعجل الصداق قبل محله فلم يرجع عليها بشيء ولأنها لو كانت مفوضة فطلقها قبل الدخول لم يرجع عليها بشيء لأنها ما حصل لها شيء من الصداق فلم يرجع عليها بشيء ومن قال: يرجع عليها وهو اختيار أبي بكر وهو أصح فوجهه أن الصداق عاد إليه بعقد فوجب ألا يمنع من رجوعه بنصف الصداق إذا طلقها قبل الدخول كما لو وهبت الصداق لرجل ثم ان الرجل وهبه للزوج ثم طلقها فإنه يعود عليها بنصف الصداق ولأنه عاد الصداق إليه بغير الوجه الذي يعود إليه حين الطلاق فإذا طلقها قبل الدخول عاد نصفه إليه كما لو اشتراه منها بأقل من قيمته ثم طلقها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 125
امتناع الزوجة من تسليم نفسها حتى تقبض المهر بعد أن سلمت نفسها:
61 ـ مسألة: إذا أسلمت نفسها قبل أن تقبض صداقها ثم طالبت بعد ذلك هل لها أن تمتنع حتى تقبض الصداق؟
فقد توقف أحمد عن الجواب في ذلك في رواية أبي الحارث واختلف أصحابنا في ذلك.
فقال شيخنا أبو عبد الله : لها أن تمتنع حتى تقبض الصداق.
وقال أبو إسحاق بن شاقلاً وأبو عبد الله بن بطة فيما حكاه عنه أبو حفص ابن المسلم عنهما: ليس أن تمتنع.
فمن قال: لها أن تمتنع فوجهه أنها لم تستوف بدل بضعها مع ثبوت المطالبة لها بذلك فلها أن تمنع نفسها كما لو لم يكن قد وطئها.
ومن قال: ليس لها فوجهه أنه تسليم استقر به البدل فمنع من الرجوع كما لو سلم المبيع قبل قبض الثمن يبين صحة هذا أن الوطء الأول في مقابلة المهر دون الثاني والثالث بدلالة أنه يستقر به المهر وإذا لم يكن المهر في مقابلة الثاني لم تملك الامتناع بعد ذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 126
أثر الخلوة مع إمكان الوطء في إيجاب الصداق إذا اتفق الزوجان على نفي الوطء:
62 ـ مسألة: إذا خلا بها وهما على صفة يمكن وطؤها فقال: لم أطأها وصدقته هل لها جميع المهر؟
---
فنقل أبو الحارث : لها المهر.
ونقل يعقوب بن بختان : لها نصفه.(1/363)
وجه الأولى: وهو اختيار الخرقي أن المهر بالتسليم ولهذا لا يصح العقد على من لا يصح منها تسليم نفسها وهي ذوات المحارم والتسليم قد وجد فلم يؤثر فيه إقرارها في إسقاط ذلك.
ووجه الثانية: أن الخلوة توجب حقاً لها وهو المهر وحقاً عليها وهو العدة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 126
استقرار الصداق بالخلوة مع المانع الشرعي للوطء:
63 ـ مسألة: فإن خلا بها وهما على صفة لا يمكن معها الوطأ كالإحرام وصيام الفرض والحيض هل يستقر الصداق؟ على روايتين:
قال في رواية أبي داود: إذا دخل على أهله وهما صائمان في غير شهر رمضان فأغلق الباب وأرخى السترة وجب الصداق، قيل له: فشهر رمضان؟ قال: رمضان غير هذا. فظاهر هذا أنه لا يكمل الصداق.
ونقل أبو الحارث وابن منصور: إذا خلا بها وهي حائض أو كان صائماً في رمضان أو محرماً وجب الصداق.
وجه الأولى: أن التسليم المستحق لم يوجد من جهتها فوجب ألا يكون لها الصداق كما لو تسلم نفسها جملة.
ووجه الثانية: ما روى زرارة بن أبي أوفى قال: أجمع الراشدون أن من أغلق الباب أو أرخى ستراً وجب عليه المهر دخل بها أو لم يدخل ولم يفرق، ولأن الخلوة تكمل الصداق كالوطء ثم لا فرق بين أن يطأها محرمة أو حائضاً أو صائمة إكمال الصداق كذلك في باب الخلوة، ولأن أكثر ما في هذا أنها على صفة لا يمكن وطؤها وهذا لا يمنع كمال الصداق كالمريضة المدنفة والرتقاء وقد نص على أن لها الصداق بالخلوة كذلك هاهنا وهذه الرواية أشبه ولأن هذا المنع ليس من جهتها فيجب ألا يسقط حقها ألا ترى أن المرض لا يسقط النفقة لأن المنع ليس من جهتها ولو نشزت سقطت نفقتها لأن المنع حصل من جهتها كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 127
جعل الصداق عبداً مطلقاً من عبدين معينين:
---
64 ـ مسألة: إذا تزوج المرأة وأمهرها عبداً من عبيده مطلقاً.(1/364)
فنقل مهنا: إذا كان له عدة عبيد يعطيها من أوسطهم وأرى أن يقرع بينهم. فظاهر هذا أنه قد حكم بصحة المسمى أنها تستحق عبداً من عبيده بالقرعة. وقال أبو بكر في المقنع في النكاح كالبيع فلا يصح إلا على معلوم فيكون لها صداق المثل قال: وأحمل مسألة مهنا على وجه وهو أن يتزوجها على عبد من عبيده معلوم وأشكل عينه فتعطى من أوسطهم فإن تشاحا كان لها أحدهم بالقرعة. وظاهر كلام أحمد خلاف هذا فإن تزوجها على عبد مطلق ولم يكن له عبيد فعلى ما نقل مهنا المسمى صحيح ويكون لها أوسط العبيد السندي أو المنصوري لأن أوسطها السندي والمنصوري وعلى قول أبي بكر لها مهر المثل.
وجه ما نقله مهنا أن النكاح يتضمن إتلاف عضو فجاز أن يثبت الحيوان فيه في الذمة مجهول الصفة كقتل الخطأ ولا يلزم عليه السلم لأنه لا يتضمن إتلافاً وكل سبب استحق به العبد الموصوف جاز أن يستحق به العبد المطلق إذا لم يبطل بإطلاقه دليله النذر ولا يلزم عليه السلم في الحيوان لأنه يبطل بإطلاق التسمية فلهذا لم يصح ثبوته فيه مجهول الصفة.
ووجه قول أبي بكر أنه عقد معارضة فلم يصح أن يثبت الحيوان فيه في الذمة مجهول الصفة دليله السلم، ولأنه عوض مجهول فلم يصح أن يكون مهراً كما لو تزوجها على ثوب مطلق، ومن قال بالأول أجاب عن السلم بأنه لما بطل العقد بالإطلاق لم يصح أن يكون مجهول الصفة والنكاح لما لم يبطل بإطلاق الصفة لهذا جاز أن يكون مجهول الصفة كدية الخطأ والنذر، وأما الثوب فإنما لم يصح أن يكون مطلقاً مهراً لأن أعلى الأجناس من الثياب غير معلوم وأدناها أيضاً غير معلوم فلم يكن الوسط معلوماً حتى ينصرف الإطلاق إليه وليس كذلك العبيد لأن أعلى الأجناس منهم الرومي وأخس الأجناس منهم الزنجي، والوسط السندي فينصرف الإطلاق إليه لا شك أن جهالة الوسط منه ليس بأكثر من جهالة مهر المثل بل دونه فكان أولى.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 128
متعة المطلقة بعد الدخول:(1/365)
65 ـ مسألة: المطلقة بعد الدخول هل لها المتعة؟
فنقلالميموني ومهنا :إذا طلقت بعد الدخول فلا متعة لها.
ونقل حنبل: لكل مطلقة متاع مدخولاً بها وغير مدخول.
قال أبو بكر كل من روي عن أبي عبد الله لا يحكم بالمتعة إلا من لم يسم لها مهر فإذا سمى مهراً فلها ما تراضوا عليه ولا متعة لها إلا ما روى حنبل فمن قال: لها المتعة فوجهه أن المهر الذي استقر لها بالدخول في مقابلة الدخول بدليل أنه لو لم يكن هناك عقد ووطئها بشبهة وجب المهر وقد لحقها ابتذال في العقد فوجب أن يكون لها المتعة في مقابلة ذلك الابتذال.
ومن قال: لا متعة لها وهو الصحيح قال لأنها تستحق المهر فلا تستحق المتعة كالمتوفى عنها زوجها وكل من لا يسقط حلها من المهر بالطلاق لا تستحق المتعة كالمسمى لها مهرها إذا طلقها قبل الدخول.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 129
نكاح المرأة على طلاق أخرى:
66 ـ مسألة: إذا تزوجها على طلاق فلانة امرأة من نسائه هل يكون صداقاً صحيحاً؟
فقال في رواية يعقوب بن بختان في الرجل يتزوج امرأة ويجعل طلاق الأولى منها مهراً للأخرى إلى سنة أو إلى وقت فجاء الوقت ولم يقضِ شيئاً قال يرجح الأمر إليه له شرطه، قيل له: فيجوز مثل هذا الشرط في النكاح قال: نعم فظاهر هذا أنه حكم بصحة الصداق.
قال أبو بكر : ويتخرج ألا يكون ذلك صداقاً وهو كما قال لأنه قد نص في رواية مهنا على أن منافع الحر لا يكون صداقاً فأولى ألا يكون الطلاق صداقاً. فوجه من قال: يكون صداقاً قال لأن لها في طلاقها منفعة لأنها تحصل به حظ تلك إلى نفسها وما كان لها به منفعة جاز أن يكون صداقاً كالمال ومنافع الخدمة.
---(1/366)
ومن قال: لا يكون صداقاً فوجهه (ما روى أبو عبد الله بن بطة في سننه بإسناده عن عبد الله بن عمر عن النبي قال: (لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى) ولأن الطلاق ليس بمال ولا يقصد به المال في العادة فلا يكون صداقاً كرقبة الحر ومنافع البضع ويفارق المنافع لأنه يقصد بهم المال في العادة. فجاز أن يكون صداقاً، فإذا قلنا: لا يكون صداقاً، لها مهر المثل، كما لو تزوجها على خمر أو خنزير.
وإذا قلنا: يصح أن يكون صداقاً فإذا جعل صداقها طلاق فلانة بيدها بعد سنة صح ذلك لأن أكثر ما فيه أنه صداق مؤجل لأنه جعل لها استيفاءة بعد سنة فهو كما لو تزوجها على مائة درهم بدفعها بعد سنة فإن لم تطلق في الوقت الذي شرط فيه فقد قال أحمد يسقط حقها من الطلاق لأنه تمليك للطلاق فاقتضى إيقاعه على الفور كما لو خيرها في طلاق نفسها فلم تختر في مجلسها بطل خيارها كذلك هاهنا فإذا بطل حقها من الطلاق فهل يسقط المهر؟
قال أبو بكر يتخرج على وجهين:
أحدهما: يسقط لأنها أسقطت حقها باختيارها لأن الذي ملكته إيقاع الطلاق فلما أخرته فات باختيارها فهو كما لو تزوجها على عبد (فأتلفته فإنه يسقط حقها منه كذلك هاهنا.
والثاني: لا يسقط مهرها لأنها أخرت الاستيفاء عن وقته فلا يسقط كما لو تزوجها على مهر مؤجل فأخرت قبضه عن الأجل فإنه لا يسقط حقها كذلك هاهنا فإذا لم يسقط فإلى أي شيء ترجع؟
قال أبو بكر : يحتمل أن ترجع إلى صداق التي ملكها طلاقها لأنها ملكت زوال بضعها عن ملكه فإذا تعذر يجب أن يرجع فيه إلى قيمة البضع الذي ملكت زواله كما لو تزوجها على عبد) فبان حراً أو غصباً فإنه لما تعذر تسليمه رجعت إلى قيمته كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 129
متعة المطلقة قبل الدخول إذا كان المهر المسمى فاسداً:
---(1/367)
67 ـ مسألة: إذا تزوجها على مهر فاسد كالخمر والخنزير أو مجهول مثل أن يتزوجها على مهر مثلها أو على حكمها ثم طلقها قبل الدخول هل يجب لها المتعة أو نصف مهر المثل؟ على روايتين:
قال في رواية مهنا: إذا تزوجها على مهر مثلها فطلقها قبل الدخول بها فلها المتعة.
وقال الخرقي : إذا تزوجها على خمر وما أشبهه وهما كافران ثم أسلما فلها عليه مهر المثل أو نصفه حيث أوجب ذلك.
وجه الأولى: أنها تستحق مهر المثل قبل الطلاق فاستحقت المتعة بعد الطلاق كالتي لم يسم لها.
ووجه الثانية: أنه عقد لم يعر عن تسمية فلم يكن لها المتعة دليله إذا سمى لها تسمية صحيحة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 131
الزيادة في الصداق بعد العقد:
68 ـ مسألة: الزيادة في الصداق هل تلحق بالعقد ويلزم؟ على روايتين:
نقل مهنا : إذا زوج عبدة من أمته ثم أعتقهما جميعاً فقالت الأمة: زدني في مهري حتى اختارك فالزيادة للأمة ولا تكون للسيد إنما هي بعد الدخول قيل له فإن طلق العبد قال: الزيادة للأمة أيضاً. وهذا يدل على أنها لم تلحق لأنها لو لحقت كانت للسيد كالصداق.
ونقل مهنا أيضاً في موضع آخر في رجل تزوج امرأة على مهرها فلما رآها زاد في مهرها ثم طلقها قبل الدخول: فلها نصف الصداق الأول والذي زادها وهذا يدل على أنها تلحق لأنه نصفها بالطلاق.
وجه الأولى: أنه عقد معارضة فالزيادة فيه بعد لزومه لا تلحق به كالبيع لا يختلف المذهب فيه.
ووجه الثانية: أن ما بعد العقد يجري مجرى حال العقد ألا ترى أنه يصح تسمية الصداق بعد العقد في نكاح المفوضة ويلزم كلزومه حال العقد فلو طلقها قبل الدخول لاستحقت نصفه وبعد الدخول استحقت جميعه فيجب أن يجري مجراه في باب الزيادة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 131
تعليق مقدار الصداق على شرط:
---
69 ـ مسألة: إذا قال تزوجتك على صداق ألف إن كان أبوك حياً وعلى ألفين إن كان ميتاً فهل الصداق باطل أم صحيح؟
فقال مهنا : إن لها صداق نسائها.(1/368)
ونقل منصور: إذا تزوجها على صداق ألف وإن لم يكن له امرأة غيرها فإن كان لها مرأة فصداقها ألفان فهو على ما اشترطوا عليه؟
قال أبو بكر في كتاب المقنع: المسألة على روايتين:
إحداهما: أن الصداق فاسد كما نقل مهنا لأنه صداق مجهول حال العقد لأنه لا يعلم حياته أم موته ولأنه تمليك بشرط فهو كما لو قال: بعتك بألف إن كان أبوك حياً وبألفين إن كان أبوك ميتاً فإنه باطل كذلك هاهنا وعلى ما نفقه ابن منصور الصداق صحيح لأن أحد الألفين معلومة وإنما الكلام في الألف الأخرى فإن صحت كانت كأنها زيادة في الصداق بعد لزومه والزيادة بالصداق تلحق بالعقد على أصلنا والأولى أصح.
قال أبو بكر : ومن أصحابنا من حمل مسألة ابن منصور على ظاهرها في الجواز ومسألة مهنا على ظاهرا في المنع، ولم ينقل جوابه في إحداهما إلى الأخرى ولا فرق بينهما عندي لأن النفقة في إحدى المسألتين مثله في الأخرى فما جاز في إجداهما جاز في الأخرى وما امتنع في إحداهما امتنع في الأخرى.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 132
تسمية الصداق للأمة إذا زوجها سيدها عبده:
70 ـ مسألة: إذا زوج عبده من أمته هل يثبت الصداق في ذمة العبد؟
نقل المروذي والفضل بن زياد وصالح وأبو طالب: إذا زوج عبده من أمته يعجبني أن يكون صداقاً بمهرها ويعقد ما شاء فظاهر هذا أنه مستحب ذكر الصداق لئلا يحصل نكاحها على صفة الموهوبة بغير صداق ولا يجب ذلك لأنه لو وجب لكان للسيد والسيد لا يجب له حق مبتدأ على عبده لأنه عبده ملكه.
ونقل سندي : إذا زوج عبده من أمته فأحب إلى أن يذكروا مهراً فإن طلقها فالصداق عليه إذا أعتق. فظاهر هذا أنه أوجب الصداق بالعقد وجعله في ذمة العبد يتبع بعد العتق.
---
قال أبو بكر : قوله الصداق على العبد قول أول والعمل على ألا صداق لأنه حق للسيد.(1/369)
ومن ذهب إلى هذه الرواية قال: أكثر ما فيه أنه يحصل للسيد على عبد محق وهذا غير ممتنع كالعبد المدين إذا ابتاعه صاحب الدين فإن دينه يتحول في ذمته ولا يسقط بالشراء كذلك هاهنا.
ومن ذهب إلى الأولى أجاب عن هذا بأن هذا الدين لم يثبت ابتداء له على عبده وإنما يثبت له وهو على ملك غيره واستدامة ملكه عليه وهو في ملكه وهاهنا يؤدي إلى أن يثبت حقه مبتدأ على عبده وهذا لا يجوز.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 133
أثر الوطء بشبهة أو عقد فاسد في إيجاب الصداق:
71 ـ مسألة: إذا وطىء امرأة من ذوي رحمه أو امرأة محرمة عليه بالرضاعة أو المصاهرة بعقد فاسد أو شبهه عقد غير عالم بذلك، فهل يجب عليه مهر المثل؟
فنقل إسحاق بن هانىء في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلع بعد أنها ذات محرم فلها المهر بما استحل من فرجها وإن لم يدخل بها يفرق بينهما لا صداق لها.
ونقل حرب إذا تزوج ذات محرم وهو لا يعلم ثم علم فولدت منه لحق به الولد فأما المهر فاستوحش منه إذا كانت أمه أو بنت من الرضاعة أو غيره ولو كانت عمته أو خالته ونحو ذلك كان أهون.
ونقل بكر بن محمد عن أبيه إذا تزوج (أخته من الرضاعة ثم علم بعد أو أمه من الرضاعة ثم علم أو أخت امرأته أو أمها ثم علم فقال: أما أخته أو أمه أو بنته فلا صداق لها وأما أخته من الرضاعة أو أخت امرأته أو بنتها أو أم امرأته فلها الصداق ولا ميراث.
---
فالمسألة على ثلاث روايات: إحداها: لها الصداق سواء كان تحريمها من جهة النسب أو السبب على ظاهر رواية إسحاق وهو اختيار أبي بكر وهو الصحيح لأن الوطء قد أتلف عليها منفعة البضع بغير اختيارها فيجب أن يلزمه قيمة ما أتلف عليها كما لو وطىء أمتها فإنه يلزمه مهر مثل الأمة كذلك إذا وطئها لوجود الإتلاف من جهته وكل امرأة لو وطىء أمتها لزمه المهر فإذا وطئها جاز أن يلزمه المهر كالأجنبية.(1/370)
والثانية: إن كان تحريمها من جهة النسب فلا مهر لها وإن كان من جهة السبب والمصاهرة فلها المهر على ظاهر كلامه في رواية حرب لأن المناسبة بعضها محرم تحريم الأصل فلا تستحق عليه العوض دليله إذا تلوط بغلام أو أكرهها على الوطء في الموضع المكروه ويفارق هذا المحرمة بالمصاهرة والسبب لأن ذلك التحريم طارىء فلا يمنع المهر كما لو وطىء أجنبية وهي حائض.
ووجه الثالثة: إن كانت امرأة يحرم عليه نكاح بنتها كالأم والبنت والأخت فلا مهر لها سواء كان تحريمها من جهة النسب أو السبب، وإن كانت امرأة لا تحرم بنتها مثل العمة والخالة وبنت العم ونحو ذلك فلها الصداق على ظاهر رواية بكر بن محمد لأن تحريمها أخف ألا ترى أن بنتها مباحة له وليس كذلك من ذكرنا لأن تحريمها آكد، بدليل أن بنتها محرمة عليه وكلما تأكد التحريم في البضع سقط المهر كاللواط والوطء في الموضع المكروه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 133
النثار والتقاطه:
72 ـ مسألة: في النثار هل التقاطه مكروه أم لا؟
فنقل بكر بن حمد عن أبيه عن أحمد أنه سأله عن النثار فرخص فيه واحتج بحديث عبد الله بن قرط من شاء التقط فقالت له: نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن النهبة فقال إنما نهى لأنه لم يؤذن لهم: وهذا قد أذن فيه ونقل أبو داود والمروذي: لا يعجبني لأنه نهبه.
---
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر ما احتج به أحمد من حديث عبد الله ابن قرط أن النبي قدم إليه ست بدنات أو سبع فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن ويبدأ فلما وجبت قال: من شاء اقتطع. والنثار من هذا المنع فدل على جوازه.
ووجه الثانية: وهي اختيار الخرقي رحمه الله أن النثار يؤخذ نهبة ففيه سخف ودناءة ولأنه ربما كان في القوم من يجب صاحب النثار أن يأخذ أكثر فلا يتمكن من ذلك ويأخذه من لا يحب أخذه فيكون قد أخذ ماله من لا يجب أن يأخذه فكره ذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 135
الخلع
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 136
اعتبار الخلع فسخاً أو طلاقاً:(1/371)
73 ـ مسألة: اختلفت الرواية في الخلع هل هو فسخ أو طلاق؟
فنقل ابن منصور وغيره: الخلع فراق وليس بطلاق. ونقل عبد الله: إذا خالعها فتزوج بها تكون عنده على اثنتين فظاهر هذا أنه طلاق.
قال أبو بكر: في الخلع روايتان: إحداهما: أنه طلاق، وما أقل من رواه، والثاني فسخ وما أكثر من روي عنه.
وجه الأولى: أنها متعلقة بسبب من جهة الزوج تختص النكاح فوجب أن يكون طلاقاً دليله الطلاق.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة أن الخلع نوع فرقة ولا تختص بوقت دون وقت فوجب أن يكون فسخاً دليله البضاع. أو نقول: لا يثبت بها رجعة بحال، فوحب أن يكون فسخاً كما لو أعتقت تحت عبد فاختارت نفسها، ولا يلزم على هذا الطلاق لأنه يختص بزمان الطهر ويثبت فيه رجعة بحال لأن الفرقة في النكاح فرقتان: طلاق وفسخ ثم يثبت أن الطلاق يتنوع نوعين بعوض وبغير عوض (فوجب أن يتنوع الفسخ، بعوض وبغير عوض). وعلى الرواية الأولى لا يقع الفسخ بعوض بحال.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 136
سقوط الصفة المعلق عليها الطلاق بوجودها حال البينونة بخلع أو طلاق:
---
74 ـ مسألة: إذا علق الطلاق بصفة ثم أبان زوجته بخلع أو غيره ووجدت الصفة في حال البينونة ثم عقد عليها بعد ذلك عقد النكاح هل تعود الصفة أم قد سقطت؟ فنقل حرب فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً إن دخلت هذه الدار فطلقها طلقة: وبانت منه ثم دخلت الدار ورجعت إليه اليمين لأنها دخلت وليست امرأته فقد نص في الطلاق أن الصفة تعود واختلفت الرواية عنه في العتق إذا علقه بصفة فباعه ووجدت الصفة في ملك غيره ثم ملكه هل تعود الصفة؟
فنقل جعفر بن محمد في رجل قال لعبده: أنت حر إن دخلت هذه الدار فباعه ثم رجع إليه فقال: إن رجع إليه وقد دخل الدار لم يعتق وإن لم يكن دخل فلا يدخل العبد إذا رجع العبد إليه فإن دخل عتق. فظاهر هذا أنه أسقط الصفة بوجودها في غير ملكه ولم يحكم بعودها بعد عود الملك.(1/372)
ونقل الحسن بن ثواب في رجل قال: إن دخل عبدي الدار فهو حر فباعه قبل أن يدخل ثم دخل الدار بعد ما اباعه ثم اشتراه ثم دخل الدار حنث. فقد نص على أن الصفة تعود بعود الملك.
واختلف أصحابنا فكان أبو الحسن التميمي يذهب إلى أن الصفة تزول ولا تعود بعود النكاح بوجودها في غير ملكه ولعله كان يذهب في رواية جعفر ابن محمد في العتق وكان يفتي بذلك ويستعمل الخلع إذا أراد إسقاط اليمين.
وكان شيخنا أبو عبد الله وجماعة من أصحابنا يحكمون بعود الصفة ولا يرون الخلع حيلة في أسقاط اليمين وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله ومنصوص في رواية حرب ولا يختلفون أنه إذا لم توجد الصفة في حل البينونة أن اليمين تعود بعود الملك لأن العقد والصفة وجدا في ملك فتعلق به حكم الطلاق كما لو وجد في زوجته واحدة ولأنه حكم متعلق بالطلاق فجاز أن يبني أحد النكاحين على الآخر فيه، دليله عدد الطلاق.
---
ومن ذهب من أصحابنا إلى أن اليمين تسقط بوجود الصفة حال البينونة فوجهه أن قوله: إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق قول مطلق في كل حال وكل زمان فإن وجدت المخالفة وجب أن يكون حنثاً وتنحل اليمين وتسقط كما لو فعله في النكاح الأول ولأن اليمين إذا وقعت على الزوجة على صفة من الصفات فإن الاعتبار بوجود الصفة وإن لم توجد على الصفة التي عقد اليمين عليها. ألا ترى أنه لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق وهي مكتسية، فدخلت الدار وهي عريانة حدث بوجود الفعل دون الصفة التي هي عليها كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 136(1/373)
ووجه من قال: لا تسقط اليمين لوجود الصفة في حال البينونة أن قوله: أنت طالق إن دخلت الدار معناه وأنت زوجتي لأنه منعها من الدخول بيمين الطلاق ولا غرض له في دخولها وهي أجنبية ولم يتعلق بدخولها في حال البينونة حكم ووجب أن تكون اليمين مقصورة على حل النكاح دون البينونة، ولأن الطلاق يقع بسببين بعقد اليمين ووجود الصفة ثم ثبت أن العقد يفتقر إلى وجود الملك كذلك الصفة لأنها أحد مقصودي الطلاق. وقد احتج أبو عبد الله بن بطة من أصحابنا في أن الحيلة بالخلع لا تسقط اليمين بأخبار منها ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فاستحلوا محارم الله بأدنى الحيل. وما روى عمر بن شعيب قال: سمعت شعيباً يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجل ابتاع من رجل بيعاً فإن كان واحداً منهما بالخيار حتى يفترقا من مكانهما ولا يحل لأحدهما أن يفارق صاحبه مخافة أن يستقيله.
---
وروى أبو موسى قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله عزّ وجلّ ويستهزئون بآياته: خلعتك راجعتك، طلقتك راجعتك). وهذا حديث جيد في المسألة لأنه يقتضي ذم من تلاعب بحدود الله عزّ وجلّ واستهزأ بآياته ثم وصف ذلك بالرجعة بعد الخلع والطلاق بهذه الصفة.
فالظاهر يقتضي أنه متى قصد إبطاله بالخلع والرجعة أنه متلاعب بحدود الله عزّ وجلّ ومستهزىء بها. وعن العمري عن أبيه قال: قال عمر: اليمين حنث أو مذمة فقسم اليمين قسمين: إما حنث في يمينه بوجود مخالفة الصفة أو مذمة على مقامة على اليمين بالصفة فتلحقه الندامة على ما يفوته من الفعل الذي منع نفسه باليمين. فمن قال: إن الخلع والرجعة تسقط اليمين خرج عن القسمين ولم يلحقه حنث لأنها تعود معه كما كانت ولا مذمة لأنه إيقاع للفعل الذي منع به نفسه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 136(1/374)
خلع الوكيل بأقل مما حدد له الموكل:
75 ـ مسألة: إذا وكل رجلاً أن يخالع زوجته بمال معلوم فخالعها بأقل من ذلك مثل أن قال: خالعها بألف فخالعها بمائة.
فقال شيخنا أبو عبد الله : الخلع باطل والطلاق غير واقع لأنه أوقع طلاقاً غير مأذون فيه كما لو قال له طلقها على عبد فطلقها على ثوب.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: الطلاق واقع لأنه استهلك والزيادة على الوكيل والنقصان للآمر وذكر من قول أحمد في رواية أحمد بن القاسم: إذا أمره أن يخالع بمائة فخالع بخمسين الخلع جائز والخمسون للآمر ولو خالعها بخمسين وقد أمره بثلاثين كانت الزيادة عليه والأول أصح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 139
الخلع بغير عوض:
76 ـ مسألة: اختلفت الرواية هل يصح الخلع بغير عوض ويكون خلعاً يقع به البينونة؟ على روايتين:
نقل عبد الله : الخلع على غير شيء تفتدي به نفسها ويكون على فدى.
---
ونقل مهنا : إذا قال اخلعي نفسك فقالت: قد خلعت لم يكن خلعاً إلا على شيء إلا أن ينوي به الطلاق فيكون ما نوى.
وجه الأولى: أن الخلع نوع بينونة فيصح بغير عوض كالرضاع، ولأنه لو قال: خلعتك على ألف فقالت: خلعتني على غير شيء صح في مدخول بها لم يستوفِ عدد الطلاق فلم يقع بائناً دليله الطلقة الواحدة بلفظ الطلاق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 139
الطلاق
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 139
الطلاق قبل النكاح:
77 ـ مسألة: في الطلاق قبل النكاح هل ينعقد ويتعلق به حكم أم لا؟
نقل أبو طالب وأبو الحارث والمروذي إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوج لا طلاق قبل نكاح وقت أو لم يوقت. فظاهر هذا أنه لا حكم له قبل النكاح بحال من الأحوال.
ونقل ابن منصور عنه في رجل طلق امرأته تطليقة فقال: إذا راجعتك فأنت طالق ثلاثاً فإن كان أراد بهذا القول أن يغلظ عليها ولا تعود إليه فمتى راجعها في العدة أو بعد العدة طلقت وإن كان أراد الرجعة فهي على ما أراد ولا يحنث بعد العدة.(1/375)
وكذلك نقل إسحاق بن إبراهيم في رجل تحته امرأة فقال: أنت طالق إن فعلت كذا وكذا وأنت طالق إن تزوجت بك فإن كان قد حنث فلا يعجبني أن يتزوجها لأنه حلف وهي ملك يمين.
ونقل عنه أيضاً: إذا كان له جارية فيقول: أنت حرة ثم يتبع هذا الكلام فيقول وأنت طالق إن تزوجت بك فلا يحل له أن يتزوجها إن كان الطلاق ثلاثاً وإن كان واحدة ثم تزوجها فلها نصف الصداق وقال: وليس هذا بمنزلة الرجل يطلق ما لا يملك هذا فرج قد وطئه والذي يطلق قبل الملك لم يطأها. فظاهر ما نقله ابن منصور وابن إبراهيم إنها إذا كانت في عدة منه من طلاق رجعي فقال لها: أنت طالق إن راجعتك أو كانت أمة قد دخل بها فأعتقها وعقب العتق بالطلاق فإن الصفة تنعقد.
---
وجه ما أطلقه في رواية أبي الحارث وأبي طالب والمروذي في أنه لا حكم له قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: (لا طلاق فيما لا يملك) وهذا عام ولأنه عقد طلاقاً بغير صفة في غير ملك فلم ينعقد كما لو قال لأجنبية: أنت طالق إذا دخلت الدار فتزوج بها ودخلت الدار فإن الطلاق لا يقع كذلك إذا قال لها: إذا دخلت الدار وأنت زوجتي فأنت طالق، وكما لو قال لمن ليست في عدة منه: إن تزوجتك فأنت طالق فإنه لا يقع الطلاق إذا تزوجها، كذلك إذا كانت محبوسة عليه بحق الملك.(1/376)
ووجه ما نقل ابن منصور وابن إبراهيم أنه إذا قال لها في حال الرجعة: إن راجعتك فأنت طالق ثم ارتجعها بعد العقد فقد عقد الصفة في حال يقع طلاقه المباشر فانعقدت صفته كما لو وجد العقد والصفة في حالة يملك العقد عليها بغير اختيارها فهو كما لو عقد الصفة وهي رجعية فإن الصفة تنعقد لأنها وجدت في حال يملك العقد عليه بغير اختيارها وهي الرجعة كذلك هاهنا، يملك العقد عليها في هذه الحال بغير اختيارها وهو أن يقول: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك فينعقد النكاح في هذه الحال على قولنا وإن كرهت، فإن كانت له زوجة فقال لها: إن تزوجت فلانة فهي طالق فنقل أبو الحارث: إذا قال: إن تزوجت عليك امرأة فهي طالق لم آمره أن يفارقها لا يكون طلاقاً قبل النكاح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 139
ونقل الحسن بن ثواب : إذا قال لامرأته إن تزوجت فلانة فهي طالق فإن تزوج يلزمه لأن اليمين لها فقوله: إن تزوج يلزمه يحتمل أن يريد به يلزمه الطلاق فتكون المسألة على روايتين.
إحداهما: لا تنعقد به الصفة على ما نقل أبو الحارث لأنه عقد الصفة في ملك هو كما لو قال: إن تزوجت امرأة فهي طالق.
---
والثانية: يلزمه الطلاق على ما قاله في رواية الحسن وفيها ضعف ويحتمل أن معنى قوله يلزمه على أنه تزوج الأولى بشرط أن لا يتزوج عليها فإذا تزوج بهذه الثانية لزمه الوفاء للأولى بالشرط وهو أن يطلق هذه الثانية أو تملك هي الفرقة إن اختارت لأن من أصلنا أن هذا شرط صحيح، فإن قال: إن ملكت فلاناً فهو حر فملكه هل يعتق؟
نقل الجماعة منهم أبو طالب والمروذي وأبو الحارث : يقع العتق بخلاف الطلاق. ونقل محمد بن الحسن بن هارون : لا يعتق.
قال شيخنا أبو عبد الله : المسألة على روايتين.
وقال أبو بكر الخلال وصاحبه: ما نقله محمد بن الحسن سهو في النقل.
فمن ذهب إلى أنه لا يعتق فوجهه أن العتق لفظ يزيل الملك فإذا وجد في غير ملك لم يثبت له حكم كالطلاق.(1/377)
ومن قال: يعتق فوجهه أن العتق قد يسري في غير ملك، وهو إذا أعتق شركاً له في عبد وهو موسر عتق عليه جميعه، وإن لم يكن له ملك فأولى أن تنعقد الصفة في غير ملك ولأن العتق قربة بدليل أنه لو قال إن اشتريت فلاناً فلله على أن أعتقه فإن العتق يلزمه بموجب النذر، ولو نذر طلاقاً فإنه يكفر عن يمينه ولا يطلق وقد قال النبي : أبغض الحلال إلى الله الطلاق .
وإنما تنعقد الصفة في العتق قبل إذا كانت مضافة إلى الملك نحو قوله: إن ملكت فلاناً فهو حر وأما إن كانت مطلقة ثم ملكه لم يعتق نحو قوله: إذا دخل هذا العبد الدار فهو حر ثم دخل بعد أن ملكه لم يعتق.
وقد قال أحمد في رواية يعقوب بن بختان في رجل قال لجارية امرأته: أنت حرة في مالي ثم ماتت ليس بشيء.
وكذلك نقل ابن إبراهيم وقال أيضاً في رواية ابن منصور في رجل قال لعبد رجل أنت حر في مالي فبلغ ذلك سيد العبد فقال: قد رضيت وأبى الآخر ليس بشيء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 139
وقت وقوع الطلاق المعلق على الحيض:
78 ـ مسألة: إذا قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق، فحاضت ثم انقطع دمها، فهل يقع الطلاق بانقطاع الدم أم بالغسل؟
---
قال أبو بكر : على قولين:
أحدهما: تطلق بانقطاع الدم وإن لم تغتسل، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية إبراهيم الحربي رحمه الله، فقال: إذا قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق، فإذا رأت النقاء آخر الدم طلقت.
والثاني: لا تطلق حتى تغتسل لأن حكم الحيض باق ألا ترى أن المعتدة لا تباح للأزواج بعد انقطاع الدم حتى تغتسل، كذلك هاهنا.
والأول أصح، لأن قوله: حيضه عبارة عن أول الدم وآخره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 142
السراح والفراق من كنايات الطلاق الظاهرة:
79 ـ مسألة: لفظة السراح والفراق هل هي صريح أم كناية؟
فقال الخرقي : هي صريح.(1/378)
وقال شيخنا أبو عبد الله : هي من كنايات الطلاق الظاهرة لأنه لفظ لا يشتمل على لفظ الطلاق، فلم يكن صريحاً كقوله: الحقي بأهلك ولأن الصريح ما لا يحتمل وقوله فارقتك يحتمل الفراق إلى السفر إلى أهلي ويحتمل الطلاق وليس أحدهما أولى من الآخر، فوقف ولم يكن صريحاً.
ووجه قول الخرقي : أن الفراق والسراح قد يثبت لهما عرف الشرع بقوله: فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً وقال تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال تعالى: فإمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف فإذا ثبت لها عرف الشرع وجب أن يكون صريحاً كلفظة الطلاق ولأن كناية الطلاق لا يقف على لفظه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 143
اعتبار النية في كنايات الطلاق:
80 ـ مسألة: إذا قال لزوجته: أنت خلية وبرية وبائن وحبلك على غاربك والحقي بأهلك وأنت حرة في حال الرضا ولم ينوِ به الطلاق فهل يقع به الطلاق أم لا؟
فنقل أبو الحارث إذا قال لها أنت خلية وبرية وبائن ولم (يرد) بينهم ذكر الطلاق ولا غضب وقال الزوج لم أرد الطلاق يصدق.
وكذلك نقل الأثرم إذا قال: الحقي بأهلك وقال: لم أنوِ به طلاقاً ليس بشيء ظاهر هذا اعتبار النية.
---
وقال الخرقي : إذا قال لها أنت خلية وبرية بوائن وحبلك على غاربك والحقي بأهلك هذا ثلاث ولم تعتبر النية.
وجه الأولى: وهو ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه من كنايات الطلاق فاعتبر فيه النية دليله إذا قال لها: اخرجي واعتدي وتقنعي ونحو ذلك.
ووجه الثانية: أن هذه الألفاظ قد ثبت لها عرف الشرع والاستعمال.
أما الشرع فروي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ تزوج امرأة فرأى بكشحها بياضاً فقال: (الحقي بأهلك). وأما الاستعمال فلأن العرب كانت تطلق بهذه الألفاظ ويفارق هذا: اعتدي واخرجي وتقنعي لأنه لم يثبت لها العرفان فلهذا كانت النية معتبرة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 143
كراهية الطلاق بلا حاجة:(1/379)
81 ـ مسألة: إذا كان الحال بين الزوجين ساكنة وكل واحد منهما قائم بحق صاحبه، فهل يكره للزوج الطلاق في هذه الحال أم لا؟
قال في رواية إبراهيم الحربي في رجل حلف بالطلاق الثلاث أن لا بدّ يطأ امرأته وكانت حائضاً فقال: تطلق ولا يطأ قد أباح الله عزّ وجلّ الطلاق وحرم وطء الحائض. فظاهر هذا أنه غير مكروه.
قال في رواية أبي طالب في رجل نذر أن يطلق امرأته فقال: لا يطلق ويكفر قيل له: هو معصية؟ قال وأي شيء من المعصية أكثر من الطلاق إذا طلقها فقد أهلكها، فظاهر هذا أنه مكروه.
وجه الأولى: وهي الصحيحة حديث ابن عمر رضي الله عنه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ طلق حفصة وراجعها حين عاتبه الله عزّ وجلّ عليها وقال: إنها صوامة قوامة . وعن المغيرة بن شعبة أنه كان يجمع أربعاً من النساء فيصيبهن جميعاً فيقول: إن كنتن كريمات الأحساب حسنات الأخلاق طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، أنتن طوالق.
ووجه الثانية: قوله تعالى: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .
---
وروى محارب بن دثار عن ابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: أبغض الحلال إلى الله الطلاق . وعن معاذ بن جبل قال: ما خلق الله عزّ وجلّ على وجه الأرض شيئاً أبغض إليه من الطلاق ولا أحب إليه من العتاق .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 144
الطلاق الثلاث في طهر واحد:
وجه الأولى: اختلفت الرواية في الطلاق الثلاث في طهر واحد هل هو بدعة أم لا؟
فنقل أبو طالب : طلاق السنة ما أمر ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ابن عمر به ظاهرة من غير جماع واحدة واثنتين وثلاث فظاهر أنه للسنة وليس ببدعة.
ونقل إسحاق بن إبراهيم : طلاق السنة طلقة من غير جماع ويدعها حتى تحيض ثلاث حيض ولا تطلق عند كل حيضة فإن طلاق ثلاثاً بلفظ واحد لم يكن طلاقاً للسنة لقوله تعالى: لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً .(1/380)
وجه الأولى: وهي اختيار الخرقي ما روى سهل بن سعد الساعدي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لاعن بين العجلاني وامرأته، فقال العجلاني وامرأته فقال العجلاني: إن أمسكتها فقد كذبت عليها هي طالق ثلاثاً، وقال له ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: (لا سبيل لك عليها).
ووجه الثانية: أنه كان يعتقد أن الزوجية بعد اللعان باقية وأن الطلاق، غير محرم ولم ينكر ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ذلك عليه ولو كان معصية لم يقره على ذلك، ولأن الطلقة الثانية والثالثة طلاق في عدة من غير ريبة مباحاً دليله الطلقة الواحدة، ولأن الطلاق عدد محصور يملكه الزوج، فله الجمع والتفريق، كالنكاح في المنكوحات والرجعة في المطلقات.
ووجه الثانية: وهو اختيار أبي بكر وهو الصحيح ما روى الحسن عن ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض طلقة وأردت أن أتبعها الطلقتين الأخيرتين فسألت فقال: راجعها، فقلت: أرأيت لو أطلقتها ثلاثاً؟ فقال: إذن بانت امرأتك وعصيت ربك .
---
فوجه الدلالة أن طلق في الحيض طلقة فأمره بالمراجعة وأخبره أنه محرم فسأله عن الطلاق الثلاث فقال: إذن عصيت ربك ولا يجوز أن يكون سؤاله عن الثلاث في الحيض لأنه قد عرف تحريم ذلك بالطلقة الأولى فعلم أنه سأل عن الثلاث في الجملة فأخبره بأنه يعصي بذلك ولأن الجماع والطلاق يجريان مجرى واحد ألا ترى أن كل واحد منهما منهي عنه في حال الحيض ثم اتفق أن الجماع إذا حصل في طهر منع إيقاع الطلاق في ذلك الطهر؟ كذلك الطلاق إذا حصل في طهر يجب أن يمنع إيقاع طلاق آخر في ذلك الطهر ولأنه عقد يقع بمجموعة البينونة فوجب أن يكرر آحاده. دليله اللعان.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 145
صرف صريح الطلاق عن مقتضى الظاهر:(1/381)
83 ـ مسألة: إذا أتى بصريح الطلاق ونوى به شيئاً يخالف الظاهر هل يصدق في الحكم أم لا؟ مثل أن قال: أنت مطلقة أو مطلقة وقال: نويت من زوج قبلي أو قال: أنت طالق وقال: نويت من عقال أو قال أنت طالق، وقال: نويت إن دخلت الدار، أو قال: أنت طالق إن دخلت الدار، وقال: نويت شهراً، أو قال: أنت طالق، وقال: أردت أن أقول: أنت طاهر أو قال: طلقتك ثم قال: أردت أمسكتك فسبق لساني فقلت: طلقتك ونحو ذلك فإنه يصدق فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ، وهل يصدق في الحكم؟ على روايتين:
---
إحداهما: يصدق لأنه لا خلاف أنه لو قال لمدخول بها: أنت طالق طالق وقال أردت بالثانية إفهامها إن قد وقع بها طلقة قبل منه ذلك، كذلك هاهنا ولأنها يمين يصدق فيها في الباطن فصدق فيها في الظاهر دليله كنايات الطلاق إذا نوى بها غير الطلاق فإن يصدق فيها ظاهراً وباطناً. وقد نص على هذه الرواية في مواضع فقال في رواية حرب في رجل قال لامرأته: يا مطلقة فإن كان أراد من الزوج الأول رجوت وإن كان يريد خفت عليه فظاهر هذا أنه قبل قوله في ذلك، وقال أيضاً في رواية أبي الحارث إذا قال أنت طالق وقال نويت من عقال فإن كان على حد الغضب لم يقبل منه فظاهر هذا أنه إذا لم يكن على حد الغضب قبل منه وإنما لم يقبل منه على حال الغضب لأن دلالة الحال بخلاف ما ذكره. وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار، وقال: نويت شهراً قبل منه، وقال في رواية ابن منصور فيمن حلف فجرى على لسانه غير ما في قلبه وأراد أن يتكلم: فأرجو أن يكون الأمر فيه واسعاً.(1/382)
ووجه الثانية: لا يصدق في الحكم لأن ما قاله خلاف الظاهر فلم يصدق في حقها كما لو أقر بألف درهم ثم رجع وقال: كذبت في اقراري وليس له قبلي شيء فإنه يحتمل ما قال، ولكن لا يصدق في الحكم لأنه خلاف الظاهر، كذلك هاهنا، وقد نص على هذه الرواية في مواضع، فقال في رواية مهنا فيمن قال لزوجته: أنت طالق، وقال: نويت إن دخلت الدار لم يقبل منه، وقال أيضاً في رواية أبي داود في رجل كانت له امرأتان أسماهما فاطمة فماتت إحداهما فقال فلانة طالق سوى الميتة، فقال: الميتة تطلق كأن أحمد أراد ألا يصدق في الحكم ونقل مهنا: إذا قال لزوجته أنت طالق غداً تطلق إذا طلع الفجر، قيل له: فإن نوى آخر النهار فإن ناساً يقولون: لا يدين فقال: هي طالق إذا طلع الفجر فظاهر هذا أنه لم يقبل منه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 147
وقوع الثلاث بلفظ أنت الطلاق:
---
84 ـ مسألة: إذا قال أنت الطلاق هل ذلك صريح في الثلاث أم لا؟ على روايتين:
إحداهما: أنه صريح في الثلاث نوى الثلاث أو دونها نص عليه في رواية حنبل والفضل بن زياد والميموني أيضاً إذا قال: أنت الطلاق هل هي بينونة فقال: قد جمع.
ونقل الأثرم أيضاً أنت عليَّ حرام أعني به الطلاق فهو ثلاث ولا يكون إلا ثلاثاً، وكذلك نقل عبد الله.
والرواية الثانية: إن نوى ثلاثاً فثلاث، وإن نوى ثنتين فثنتين وإن نوى واحدة فواحدة، وإن أطلق فواحدة، نقل ذلك الأثرم وأبو الحارث إذا قال لامرأته: أنت الطلاق فإن قال: أردت ثلاثاً فهي ثلاث وإن قال أردت واحد فهي واحدة.
وجه الأولى: إن الألف واللام تدخل في الكلام لأحد شيئين.
وإما للمعهود أو الاستغراق، وليس هاهنا معهود ينصرف إليه، فلم يبق إلا استغراق الجنس وهو الثلاث.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة ـ أنه يحتمل أن يريد لها الجنس ويحتمل أن يريد بها المعهود، وهي طلقة واحدة، فلم يجز حمله على الجنس دون المعهود إلا ببينة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 148(1/383)
ما يقع من عدد الطلاق بلفظ: انكحي من شئت واعتدي:
85 ـ مسألة: إذا قال لزوجته: انكحي من شئت ونوى به الطلاق في الجملة أو لم ينوِ به لكن كانا في ذكر الطلاق.
ففيه روايتان:
إحداهما: أنه تقع به الثلاث، وإن لم ينوِ الثلاث نقلها حرب فقال: هي مثل الخلية، ونقل أبو الحارث أنها واحدة.
وجه الأولى: أنها كناية ظاهرة، فكانت ثلاثاً كالخلية والبرية، ومعنى قولنا: ظاهرة أن الاعتداد لا يكون إلا عن طلاق، ويفارق الخفية مثل قوله: اخرجي وتقنعي لأن هذا يحتمل أن يكون عن طلاق وعن غيره وليس الطلاق فيه ظاهراً فلهذا لم يكن ثلاثاً.
ووجه الثانية: أنها قد تباح للزوج بالطلقة الواحدة والثلاث، فإن قال لها: اعتدي ففيه أيضاً روايتان.
---
نقل الأثرم : إن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى اثنتين فاثنتان، وإن نوى ثلاثاً فثلاث، قال: وكذلك إن قال: لا سبيل لي عليك، ونقل أبو طالب وأبو الحارث والميموني: إنه ثلاث مثل الخلية والبرية.
وجه الأولى: ما احتج به أحمد وهو ما روى عبد الله بن عبيد بن عمير أن رجلاً قال لامرأته: حبلك على غاربك ثلاث مرات. فسأل عمر بن الخطاب عنها علي بن أبي طالب فقال: هو ما نوى.
ووجه الثانية: أنها كناية ظاهرة أشبه الخلية والبرية، فيها معنى البينونة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 149
عدم وقوع الطلاق على المخيرة إذا ختارت زوجها:
86 ـ مسألة: إذا خير زوجته فاختارت زوجها فهل يقع الطلاق؟
نقل الجماعة منهم أبو الحارث، وأبو طالب، والمشكاتي: لا يقع الطلاق، ونقل ابن منصور، أنها طلقة رجعية.
قال أبو بكر : العمل على ما رواه الجماعة.(1/384)
ووجه رواية ابن منصور: أنه قول جماعة من السلف فروى جماعة منهم عن الشعبي عن علي: إن اختارت زوجها فواحدة وهو أحق بها. وروى زاذان قال: كنا عند علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بالكوفة فقال: سألني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـرضي الله عنه ـ عن الخيار فقلت: لا بد من واحدة، فإن اختارت زوجها فواحدة، وهو أحق بها، وروى الحسن عن زيد بن ثابت إن اختارت زوجها فواحدة وهو أحق بها، وروى ذلك عن الحسن وقتادة.
والوجه في أنه لا يقع بها طلاق إن اختيارها زوجها ضد اختيارها نفسها فلما كان اختيارها نفسها طلاقاً لم يكن ضده طلاقاً، ولأن الأمة إذا أعتقت تحت عبد كان لها الخيار فإذا اختارت زوجها لم يكن فرقة، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 150
طلاق المخيرة إذا اختارت نفسها في المجلس متراخياً عن التخيير:
87 ـ مسألة: إذا خيرها فاختارت نفسها في مجلسها، فهل يقع الطلاق أم لا؟
فنقل أبو الحارث: لها الخيار ما دامت في مجلسها، أو تأخذ في حديث آخر غير ما كانا فيه.
---
وقال الخرقي: إذا خيرها فاختارت فراقه في وقتها وإلا فلا خيار لها، وظاهر كلامه أن الخيار يجب أن يكون عقب التخيير، فإن تراخى سقط خيارها، وإن كان في المجلس.
ووجه قوله: أنها لم تختر نفسها عقب التخيير فلم يصح خيارها كما لو اختارته بعد المجلس، ولأن الخيار قبول منها والقبول يجب أن يكون عقب الإيجاب لأنه جواب عنه.
والوجه: في أنه يصح الاختيار: إجماع الصحابة، وروي عن عمر وعثمان أنهما قالا: أيما رجل ملك امرأته أو خيرها فافترقا من ذلك المجلس ولم يحدثا حدثاً فأمرها إلى زوجها ، وفي لفظ آخر عن عمر: إذا خير امرأته لم تقض في مجلسها فليس بشيء . وعن جابر: إذا خير الرجل امرأته فلم تختر في مجلسها ذلك فلا خيار لها .
وعن ابن مسعود: إذا جعل أمر امرأته إليها فافترقا من مجلسهما فليس لها ، ولأنها اختارت نفسها في مجلسها فصح اختيارها كما لو اختارته عقب التخيير.(1/385)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 151
الطلاق المعلق بوقت إذا نوى من حين التعليق إلى الوقت المعلق عليه:
88 ـ مسألة: إذا قال: أنت طالق إلى رأس الشهر، أو إلى رأس السنة، ونوى بذلك من الساعة إلى رأس الشهر، ورأس السنة، هل يقع الطلاق في الحال؟
فنقل حرب وغيره: إذا قال لها: أنت طالق إلى سنة، فإذا جاءت السنة فهي طالق، ونقل الأثرم إذا قال: أنت طالق رأس الشهر فإن كان أراد من الساعة إلى رأس الشهر فهي طالق من الساعة، وإن كان أراد به رأس الشهر فهي طالق رأس الشهر، قال أبو بكر: قد روى عنه: إذا قال: أنت طالق إلى رأس الشهر أنها تطلق إلى رأس الشهر إلا أن ينوي قبل ذلك، قال: والعمل على ما ذكرت يعني لا تطلق قبل رأس الشهر وظاهر كلامه أنه جعل المسألة على روايتين:
---
إحداهما: لا يقع الطلاق في الحال وإن نواه، وهو اختيار أبي بكر لأنه لو أطلق ولم ينوِ الطلاق في الحال لم يقع قبل الشهر، فإذا نوى به الحال يجب ألا يقع قبل الشهر كما لو قال أنت طالق بعد شهر أو قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، وقال: نويت الساعة.
والثانية: يقع ـ وهي الصحيحة ـ لأن إلى يد تكون غاية لانتهاء الفعل عند الشهر فتقديره أنت طالق من الساعة إلى شهر فيقع الطلاق في الحال، ومنه قوله: سرت من الكوفة إلى البصرة يقتضي انتهاء السير إلى البصرة، وقد يكون لابتداء الفعل عند انتهاء الغاية فيقول: قدوم زيد إلى شهر، وقدوم الأمير والحاج إلى شهر فلا يقع الطلاق في الحال لأن الأصل بقاء النكاح فلا يوقعه الاحتمال، فإذا نوى الحال يجب أن يصح لأنه نوى ما يحتمله اللفظ، ويفارق قوله: أنت طالق بعد شهر لأن ذلك لا يحتمل الحال فلهذا لم يقع الطلاق بمجرد النية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 152
الطلاق المعلق على قدوم شخص إذا جيء به ميتاً:
89 ـ مسألة: إذا قال: إذا قدم فلان فأنت طالق فجيء به ميتاً هل تطلق أم لا؟
قال الخرقي : لا تطلق لأن القدوم لم يوجد منه وإنما قدم به.(1/386)
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: تطلق، وذكر عن أحمد كلاماً في رواية محمد ابن الحكم: إذا قال: إذا قدم فلان فأنت طالق فجاؤوا به ميتاً يحنث، واحتج أبو بكر في ذلك بأنه جعل القدوم صفة في الطلاق، وبالموت قد تعذر وجود الصفة من جهته فيجب أن يحنث كما قال أحمد، في رواية صالح إذا قال: أنت طالق إن لم تشربي من هذا الماء فصب أو طعاماً فأكله الكلب حنث لفوات الصفة كذلك هاهنا، ويبين صحة هذا أن الحج يبطل بالفوات كذلك هاهنا.
---
وعندي أن هذه المسألة لا تشبه ما ذكره لأنه إذا قال: إن قدم زيد فأنت طالق فقد جعل قدومه في وقوع الطلاق ولم يوجد ذلك من جهته، فالصفة لم توجد فلم يقع الطلاق كما لو لم يمت ولم يقدم وليس كذلك إذا قال: إن لم تأكلي من هذا الخبز أو تشربي من هذا الماء فأنت طالق لأنه علق وقوع الطلاق بعدم الأكل من جهتها وعدم الشرب. فإذا أكله الكلب وانقلب الماء فقد عدم ذلك من جهتها والصفة قد وجدت، فلهذا حنث فبان الفرق بينهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 152
فعل المحلوف على تركه نسياناً أو إكراهاً:
90 ـ مسألة: إذا حلف بالطلاق والعتاق والظهار واليمين بالله ألا يفعل شيئاً ثم فعله ناسياً فهل يحنث في يمينه أم لا؟
فنقل محمد بن الحسن بن هارون إذا حلف بالله أو بالطلاق والعتاق لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً: لم يحنث فظاهر هذا أنه لا يحنث في شيء من ذلك.
ونقل أبو طالب في رجل حلف بالطلاق ثلاثاً لا يدخل فحمل كرهاً: ليس عليه شيء فإن دخلها ناسياً لزمه لأن الناسي تلزمه الكفارة في كل شيء فظاهر هذا أنه يحنث في الطلاق لأنه قد نص عليه ويحنث في اليمين بالله عزّ وجلّ لأنه قال: الكفارة تلزمه في كل شيء.(1/387)
ونقل حرب وأحمد بن هشام: إذا حلف بالطلاق ألا يدخل هذه الدار فدخلها ناسياً وجب لعيه الطلاق وإن كان الحلف بالله فدخل ناسياً فلا كفارة عليه فقد نص على الفرق بين الطلاق والعتاق وبين اليمين بالله ـ عزّ وجلّ ـ فإن قلنا: يحنث في جميع ذلك فوجهه أنه خالف بين فعله وقوله في يمين مقصوده فيجب أن يحنث، دليله العامد.
ولأن الكفارات في الأصول تجب بسببين:
---
قول وهو اليمين وفعل وهو القتل والوطء والإتلاف في الإحرام، ثم ثبت أن الكفارة التي يوجبها الفعل يستوي فيها العمد والسهو وكذلك التي يوجبها القول فجاز أن يستوي فيها العمد والسهو، وإذا قلنا: لا يحنث في جميع ذلك فوجهه أن من حلف لا يدخل الدار فقد منع نفسه من ذلك وإنما يمكنه منع نفسه من ذلك على جهة العمد وأما حالة النسيان فلا يمكنه فحصلت تلك الحال مستثناة فلم تدخل تحت اليمين، ولأنه منع نفسه من ذلك بلفظ فهو كما لو منع نفسه بالشرع، والمنع بالشرع مختلف حكمه بالعمد والسهو وكذلك هاهنا، ويفارق هذا سائر الكفارات لأن تلك طريقها الإتلاف والإفساد فجاز أن يستوي فيها حال العمد والنسيان كإتلاف أموال الآدميين، فإذا قلنا: يحنث في الطلاق والعتاق ولا يحنث في اليمين بالله ـ عزّ وجلّ ـ ولا في يمين الظهار ـ وهو الصحيح ـ في المذهب، وبه قال الخرقي ـ رحمه الله ـ وأبو بكر الخلال وصاحبه فوجهه أن العتاق والطلاق يتعلق بهما حق الآدمي فاستوى فيه العمد والسهو كإتلاف أموال الآدميين وليس كذلك اليمين بالله ـ عزّ وجلّ ـ لأنه لا تعلق لآدمي بها وإنما هي لله خالصة فجاز أن يفرق بين عمدها وسهوها كالأكل في الصيام.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 153
تكليم من حلف على عدم تكليمه في حال لا يعقل فيها الكلام:
91 ـ مسألة: إذا حلف لا كلمت فلاناً فكلمة ميتاً أو نائماً أو مغلوباً عقله مجنون أو إغماء فهل يحنث أم لا؟
---(1/388)
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: يحنث وحكي عن أحمد في رواية أحمد بن سعيد أنه يحنث لأنه لا اعتبار بسماع المحلوف عليه ولا يفهمه ألا ترى أنه لو كلمه وهو سكران لا يعقل أو أطرش لا يسمع ما يقول فإنه يحنث كذلك هاهنا. وعندي أنه لا يحنث في ذلك لأن الاعتبار في الإيمان بالأسباب ومعلوم أن من حلف لا يكلم فلاناً فإنما قصد كلاماً يقع به الفهم وهذا لا يقع به الفهم ولا يسمى كلاماً فلم يحنث، ويفارق هذا إذا كلمه يحنث يسمع الكلام ولأنه لا يسمع لأنه يقال كلمته ولم يسمع فالاسم يقع عليه، وأما السكران فهو كالصاحي في أحكامه فلهذا حنث بكلامه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 154
فعل المحلوف على تركه إكراهاً:
92 ـ مسألة: إذا حلف لا يفعل شيئاً فأكره على فعله هل يحنث؟
فنقل أبو الحارث في الرجل يحلف لا يدخل هذه الدار فحمل وأدخل الدار وهو عاقل لا يريد الدخول أخاف أن يكون قد حنث، فظاهر هذا أنه يحنث بالإكراه على الفعل لأنه أكثر ما فيه أنه فعل محمول عليه بغير حق وهذا لا يمنع التزام حكمه كالمكره على قتل غيره وعلى الزنا وعلى إتلاف مال الغير، ونقل أبو طالب عنه فيمن حلف بطلاق امرأته ثلاثاً ألا يدخل داراً فحمل كرهاً ليس عليه شيء فإن دخلها ناسياً لزمه وهذه الرواية أصح، وهي اختيار الخرقي لأن المكره لا يضاف الفعل إليه واليمين على فعل نفسه، وإذا لم يضف الفعل إليه فالصفة لم توجد فيجب ألا يحنث ويفارق هذا الإكراه على القتل لأن الضرورة لا تبيحه فلهذا لم يؤثر الإكراه فيه كذلك الزنا مع أن الزنا لا يتصور الإكراه فيه لأنه لا يطأ إلا عن شهوة، وكذلك شرب الخمر لا تبيحه الضرورة فالإكراه لا يؤثر فيه على إحدى الروايتين وكذلك إتلاف مال الغير لا تبيح الضرورة إتلافه من غير ضمان كذلك في الإكراه لا يسقط عنه الضمان.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 155
حد الإكراه الذي يرفع حكم اليمين:
---(1/389)
93 ـ مسألة: في صفة الإكراه الذي يمنع إيقاع الطلاق والعتاق وغيره. نقل الجماعة منهم الأثرم والمروذي وصالح وغيرهم: أن التوعد ليس بإكراه، وقال: حد الإكراه أن يضرب أو يفعل به كما فعل بأصحاب ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو اختيار الخرقي، ونقل ابن منصور : حد المكره إذا خاف القتل أو ضرباً شديداً، ووجدت بخط أبي إسحاق بن شاقلا قال: أخبرني أبو بكر محمد بن الحسن العمري مولى أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري إجازة حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله بهراة من ولد شامة بن لؤي قال: حضرت أبا عبد الله أحمد بن بن حنبل ـ رحمه الله ـ وسئل عن هذه المسائل وأنا أسمع، وذكر من جملتها، وقد سئل عن طلاق المكره فقال: إذا خشي القتل أو الضرب فلا يجوز.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن التوعد غير متحقق لأنه يجوز أن يوقع به الوعيد ويجوز ألا يوقع وليس كذلك الضرب لأنه متحقق. وإذا ثبت أن غير متحقق فالطلاق الواقع منه متحقق، لم يزل حكمه غير متحقق، ألا ترى أن من تيقن الطهارة وغلب عليه ظنه الحدث. أو تيقن النكاح وغلب على ظنه أنه طلق فإنه يرجع في جميع ذلك إلى اليقين المتحقق، ويطرح غالب الظن كذلك هاهنا، ولأنه متوعد على المكروه فلم يكن إكراهاً، دليله إذا لم يكن المتوعد له قاهراً مقتدراً، يبين صحة هذا أن الفعل لما كان إكراهاً لم تفترق الحال بين كونه قاهراً مقتدراً كالسلطان واللصوص أو كونه رجلاً من عرض الناس.
---(1/390)
ووجه الثانية: أنه إذا كان التوعد من قاهر مقتدر وغلب على ظن المكره أنه امتنع من المراد منه وقع به ما هو متوعد به فالظاهر وجوده، وما غلب على الظن جرى مجرى الوجود بدليل أنه إذا غلب على ظنه أن قاطع الطريق يقتله ويأخذ ماله جاز أن يقتله، وكذلك لو غلب على ظنه في صول الفحل أنه يقتله جاز له قتله، فإن كان التوعد بالقتل وكان ذلك من قاهر مقتدر فجيب أن يقال أنه إكراه، رواية واحدة لأن الفعل إذا وقع لم يمكن رفعه، وليس كذلك إذا كان التوعد بضرب وحبس لأن الفعل إذا وقع يمكن رفعه، ومن نصر الأولى يقول: إذا كان التوعد بالقتل فإنه متى وقع الفعل لم يمكن رفعه لجاز أن يكون إكراهاً لامتناع رفعه، وليس كذلك الحبس والضرب وأخذ المال فإنه يمكن رفعه ابتداء الفعل به.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 155
طلاق السكران:
94 ـ مسألة: اختلفت الرواية في طلاق السكران هل يقع؟
فنقل صالح وابن بدينا : ليس بمرفوع عنه القلم وهذا يقتضي إيقاع الطلاق.
وكذلك نقل أبو طالب فقال: إذا شتم إنساناً يقام عليه الحد وإن قتلَ قُتِلْ ونقل الميموني وحنبل وابن إبراهيم: لا يقع طلاقه فقال في رواية الميموني: أكثر ما فيه عندي ألا يلزمه الطلاق.
فقيل له: أليس كنت مرة تخاف أن يلزمه؟ فقال: بلى ولكن أكثر ما عندي ألا يلزمه.
نقل حنبل وابن إبراهيم : لا يلزمه الطلاق.
---(1/391)
نقل ابن منصور في السكران إذا طلق أو قتل أو سرق أو زنى أو اشترى أو باع فأجبن عنه ولا يصح من أمره شيء فإن قلنا: يقع طلاقه ـ وهو الصحيح ـ عندي فوجهه أن السكران مكلف مخاطب بدليل قوله تعالى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنب فكلفهم في حال سكرهم أن يمتنعوا من الصلاة، فلولا أن التكليف قائم عليهم ما نهاهم عن الصلاة حال سكرهم. وروي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: أرى الناس قد تتابعوا في شرب الخمر واستحقوا حدها فما ترون؟ فقال علي: إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذى افترى فحدوه حد المفتري. فالصحابة زادت في حده فبلغت به ثمانين، فافترائه حال سكره فثبت أنه مكلف والطلاق إذا حصل من مكلف صادف ملكه يقع كالصاحي ولأنه نطق بالطلاق وليس معه ما يدل على فقد قصده بوجه معذور فيه فوجب أن يقع الطلاق كالصاحي ولأن رفع القلم عنه حال جنونه رخصة وتخفيف وتسهيل عليه وهو قد ارتكب المعصية بالصفة التي هو عليها فلا يكون سبباً للتخفيف عليه لأن المعصية لا تجلب الرخصة.
---(1/392)
وإذا قلنا: لا يقع طلاقه وهو اختيار أبي بكر فوجهه: أنه زائل العقل فأشبه المجنون ولأنه لا قصد له فهو كالصبي، قال أبو بكر: وافتراقهما من ناحية أن المجنون غير عاص بالمعنى الذي أزال والسكران عاص لا يوجب الفرق بينهما، ألا ترى أن من عجز عن القيام في الصلاة لمرض سقط عنه وأجزأه، ولو كسر ساق نفسه حتى يعجز عن القيام صلى جالساً وأجزأه، فقد اتفقا على صحة الصلاة وإسقاطها وإن اختلفا في المأثم، وكذلك لو طلق حال الطهر صح، ولو طلق حال الحيض صح، وإن اختلفا في المأثم، قال أبو بكر: ويكون مطلقاً في أن الصلاة تجب عليه والمجنون لا تجب عليه لا يوجب الفرق أيضاً، بدليل أن النائم لا يقع طلاقه وإن كانت الصلاة واجبة عليه والمجنون لا يقع طلاقه ولا تجب عليه الصلاة، كذلك وجوب الصلاة عليه لا يدل على إيقاع طلاقه، ومن قال: طلاقه لا يقع يقول: هو كالمجنون فلا حكم لما له ولا حكم لما عليه فلا يصح إسلامه، ولا رجعته، ولا عقوده، ولا طلاقه، ولا ظهاره، ولا يجب عليه الحد، ولا القود، ومن قال: يقع طلاقه فيقول: هو كالصاحي فيما له وفيما عليه، أما ماله فالرجعة والإسلام وأما ما عليه فالقصاص والحدود، وما له وعليه كالنكاح، والبيوع وعقود المعاوضات فهو في جميعها كالصاحي.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 156
وقال شيخنا أبو عبد الله : حكمه حكم الصاحي فيما له وفيما عليه، فأما ما له وعليه كالبيع وعقود المعاوضات والنكاح فهو كالمجنون لا يصح، وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية البرزاطي وقد سأله عن طلاق السكران فقال: لا أقول في طلاقه شيئاً. قيل له: فبيعه وشراؤه، قال: أما بيعه وشراؤه فغير جائز، فقد توقف في الطلاق هل يقع، ولم يتوقف في البيع، وخرج أنه لا يصح منه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 156
طلاق الصبي:
95 ـ مسألة: في طلاق الصبي إذا كان يعقل الطلاق فطلق هل يقع طلاقه؟
---
نقل أبو الحارث وصالح : يقع طلاقه وهو اختيار الخرقي.(1/393)
ونقل أبو طالب : قال: سألت أحمد ـ رحمه الله ـ عن طلاق السكران فقال أحمد: يجوز طلاق الصبي فقال أبو طالب: لا. فقال له أحمد: لم؟ قال أبو طالب: لأنه لا يعقل. قال أحمد: فالسكران لا يعقل، والنائم والمبرسم والهاذي هذا كله لا يعقل، والصبي يعقل ولكن لا يجوز طلاقه حتى يحتلم، فقد نص على أن طلاقه لا يقع، وجه الأولى وهي الصحيحة ما روى وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عمن سمع علياً يقول: اكتموا الصبيان النكاح ولا فائدة في كتمانهم النكاح إلا خوفاً من طلاقهم لأن من صحت وصيته وتدبيره وإسلامه وتخييره لأحد أبويه وإذنه في الدخول إلى دار غيره صح طلاقه كالبالغ، ولأنه يعقل الطلاق أشبه البالغ.
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، ولأنه غير مكلف فهو كالمجنون ولأنه لم يبلغ فهو كالطفل الذي لا يميز. وإذا قلنا إن طلاقه يقع فالكلام في السن الذي يصح أن يعقل الطلاق فيه.
فقال في رواية أبي الحارث : من عشر سنين إلى اثنتي عشرة، قال أبو بكر: قد ترادفت الرواية عنه في الصبي إذا كان يعقل الطلاق جاز طلاقه فقيل له إذا كان له اثنتا عشرة سنة وقيل إذا كان عشر سنين قال: والذي أتقلده ما روي عنه من العشر فما فوقها لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وعندي أن ذلك غير محدود وإنما هو معتبر بتمييزه وعقله وهذا حكم طلاقه في حقه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 158
توكيل الصبي في الطلاق ووكالته فيه:
وأما إن وكل في الطلاق له تصح وكالته أم لا؟
---(1/394)
فقال في رواية صالح في رجل قال لصبي طلق امرأتي فقال: قد طلقتها ثلاثاً فلا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق، أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه وهو لا يعقل؟ قيل له: فإن كانت له زوجة هي صبية فقالت له: صير أمري إليَّ، فقال لها: أمرك بيدك فقالت له: قد اخترت نفسي، قال: ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل الطلاق، فظاهر هذا أن وكالته في الطلاق لزوجته ووكالته لغيره صحيحة إذا كان يعقل الطلاق.
وقال أبو بكر : وقد روي عنه إذا وكل في طلاق امرأته أنه لا يقع الطلاق حتى يبلغ، واختار أبو بكر ذلك، والصحيح أنه تصح وكالته، نص عليه في رواية صالح لأن ما صح أن يليه بنفسه صح أن يوكل ويكون وكيلاً فيه كالبالغ فهذا حكم طلاقه فأما تدبيره ووصيته فإنهما جائزان رواية واحدة. نص عليه في رواية أبي الحارث وأما إقراره فقال أبو بكر: اجمعوا في الرواية أنه لا يجوز إقراره في ماله حتى يبلغ، فقد نص أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية مهنا على صحة إقراره في قدر ما أذن له فيه الوصي من التجارة.
وأما عقوده فقال أبو بكر يجوز نكاحه واختلفت في بيعه فأجاز بيع الصبي الصغير فيما يبيع ويشتري مثله من الشيء الضعيف، وأجاز بيع مثله إذا كان فيما حددناه من الثمن، والغالب من قوله: لا يجوز حتى يبلغ قال أبو بكر: ولا يختلف قوله: أنه يحد قاذفه إذا كان ابن عشر سنين، واثنتي عشرة سنة، ولا يحد هو في قذف، ولا قصاص ولا يقاد منه وتكون الدية عليه في ماله في أحد الروايتين، والأخرى على عاقلته، قال: وبالأول أقول، وجملة المذهب عندي في عقوده، من بيع ونكاح وشراء ووكالة وإجارة وغير ذلك على روايتين:
إحداهما: ينفذ لأنه يعقل البيع والشراء فهو كالبائع.
والثانية: لا ينفذ لأنه غير بالغ فهو كالطفل.
---(1/395)
وأما تصرفه فيما يقتضي زوال ملكه فإن كان مما يمكن الرجوع فيه إذا بلغ وهو الوصية والتدبير فإنها تنفذ رواية واحدة وإن كان فيما لا يمكن الرجوع فيه مثل الطلاق والعتاق والإقرار فعلى روايتين:
إحداهما: لا ينفذ على رواية أبي طالب.
والثانية: ينفذ على رواية مهنا في الإقرار. وأبو بكر يقول: ينفذ طلاقه وعتقه رواية واحدة، ولا ينفذ إقراره رواية واحدة، والمذهب على ما حكيت.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 160
تعليق الطلاق على مشيئة الله:
96 ـ مسألة: إذا قال أنت طالق إن فعلت كذا وكذا إن شاء الله. وفعل ذلك لشيء هل يقع الطلاق؟
فنقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث : يقع.
ونقل أبو بكر بن محمد عن أبيه: لا يقع الطلاق وإن وجد الشرط. وهو اختيار أبي بكر.
وجه الأولى: وهي أصح: إن الاستثناء لما لم يؤثر في الإيقاع فأولى ألا يؤثر في الشرط ولأن قوله: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله تقديره إن شاء الله دخولي وقد علمنا مشيئته بوجود الدخول فيجب أن يقع.
ووجه الثانية: أن قوله: أنت طالق إن فعلت كذا، يمين. وقد روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: من حلف، فقال: إن شاء الله لم يحنث وليس كذلك قوله: أنت طالق لأنه إيقاع في الحال وليس يمين فلم تعلم المشيئة فيه ولأن المشيئة إنما تصح فيما يكون في المستقبل دون ما هو فاعل في الحال كقوله: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله فإذا ذكر المشيئة فيما فعل في الحال لم يصح وليس كذلك إذا قال أنت طالق إن فعلت كذا لأن ذلك ليس بإيقاع في الحال وإنما هو إيقاع في المستقبل وتعليق الطلاق بمشيئة الله تبركاً بها وتأدباً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 161
الاستثناء من عدد الطلاق:
97 ـ مسألة: إذا قال أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة فقال أبو بكر في كتاب التنبيه: لا يصح الاستثناء في الطلاق وتقع الثلاث.
وقال غيره من أصحابنا: يصح، وهو الصحيح عندي.
---(1/396)
ووجه قول أبي بكر إنه استثنى بعض العدد في الطلاق فيجب أن لا يصح. دليله إذا استثنى طلقتين فإنه لا يصح، كذلك هاهنا.
ووجه الثاني: أنه رفع لأقل ما ألزمه نفسه فصح، كما لو أقر بثلاثة دراهم واستثنى درهماً منها فإنه يصح، ولأنه لو قال أنت طالق إن شئت أو شاء زيد فإن الطلاق لا يقع ويصح الاستثناء كذلك هاهنا، بل هذا أولى لأن الاستثناء يرفع الإيقاع جملة. وهاهنا يرفع بعضه، وقد نص أحمد على ذلك في رواية أبي الحارث إذا قال: أنت طالق إن شاء الله لم يصح، ولو قال إن شاء زيد صح، وقال: مشيئة العباد تدرك.
وقال أيضاً في رواية أبي منصور: إذا قال: أنت طالق إذا شئت وكلما شئت فقال: لها ذلك ما لم يغشها، فإذا غشيها فلا أذن لها.
ونقل أيضاً: إذا قال: أنت طالق إن شئت فقال: قد شئت إن شاء أبي فليس بشيء، قد ردت الأمر إليه، فقد نص على صحة الاستثناء في ذلك ولعل أبا بكر يفرق بين هذا وبين الاستثناء لبعض العدد ـ فيقول: إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة فقد أتى بلفظ الإيقاع ويريد أن يرفع بعضه، وهاهنا علق أصل الطلاق بمشيئة زيد فلم يوجد منه محض الإيقاع ويقال له: لا فرق بينهما، لأن الكلام متعلق بآخره فهو إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة تبينا باللفظ الآخر أنه لم يوقع إلا طلقتين كما تبين هاهنا، لأنه لم يوقع الطلاق جملة وإما إذا استثنى طلقتين فإنما لم يصح لأنه استثنى الأكثر، وليس إذا لم يصح استثناء الأكثر لم يصح الأقل كالاستثناء في الإقرار بالمال يصح الأقل ولا يصح الأكثر كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 162
ما يبقى من عدد الطلاق لمن نكح مبانته دون الثلاث بعد زوج آخر:
98 ـ مسألة: إذا أبانها بدون الثلاث فنكحت غيره ودخل بها ثم نكحها الأول فهل تعود معه على ما بقي من الطلاق الأول، أم على طلاق ثلاث؟
---
نقل أبو الحارث : تعود على ما بقي من طلاقها، ونقل حنبل: إن أصابها الثاني هدمت ما أوقعه من الطلاق ويعود على طلاق ثلاث.(1/397)
وجه الأولى: وهو اختيار الخرقي وهي الصحيحة أنها إصابة ليست بشرط في الإباحة فوجب أن لا يقدح في العدد، أصله الإصابة في النكاح الفاسد ووطء السيد وهو إذا طلق زوجته الأمة ثم وطئها سيدها فإنه لما لم يكن شرطاً في الإباحة لم يؤثر في العدد.
ووجه الثانية: أنها إصابة من زوج ثانٍ فوجب أن تهدم ما وقع من الطلاق كما لو كان الطلاق ثلاثاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 163
ما يقع من عدد الطلاق بلفظ: أنت طالق، لا بل أنت طالق:
99 ـ مسألة: إذا قال: أنت طالق لا بل أنت طالق، فهل تكون طلقة أم طلقتين؟ فنقل ابن منصور عن أحمد أنها طلقة واحدة وترجع إليه في الثانية. وبه قال أبو بكر.
ووجهه أن قوله: بل أنت طالق يحتمل العطف كما لو قال: وطالق، ويحتمل الإفهام والتأكيد كما قلنا فيه إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنه يرجع إليه في الثانية هل أراد بها الإفهام لها كذلك هاهنا ولأنه لو قال: أنت طالق واحدة لا بل اثنتين وقعت به طلقتان. نص عليه أحمد في رواية ابن شاقلا، ولم يوقع عليه الثلاث بل حكمنا ببقاء الأولة وزدنا عليها طلقة أخرى لأنه قد زاد باللفظ الثاني كذلك هاهنا.
---
يجب أن تبقى اللفظة الأولى ولا يكون قوله الثاني نفياً لها وإنما يكون إفهامها. وعندي يلزمه طلقتان لأن بل من حروف العطف فهو كما لو قال طالق وطالق ويفارق هذا إذا قال لها: أنت طالق طلقة بل طلقتين أنه يلزمه طلقتان لأن قوله: بل طلقتان لم ينف الأولى وإنما نفى الاقتصار عليها لأن الطلقة التي لم يقتصر عليها داخلة فيما استدركه فثبت أنه أراد الزيادة على ما أقر به ولم يرد نفيه ولا الرجوع عنه، وهذا المعنى معدوم في قوله: بل طالق، لأنه لما لم يذكر زيادة عدد علم أنه قصد نفي الأولى وإيقاع ثانية، والأولى لا تنتفي، فلهذا وقع به طلقتان، قال أبو بكر فإن قال: أنت طالق بل أنت طالق ونوى بالثانية طلقة أخرى فعلى قولين.
أحدهما: تقع اثنتان لأنه يحتمل العطف فقد نوى ما يحتمله اللفظة.(1/398)
والثاني: لا يقع إلا طلقة لأن اللفظ موضوع للواحدة فلا يقع به زيادة فيكون إيقاعاً بالنية. ونظير هذه المسألة إذا قال: درهم بل درهم قال أبو بكر فيه قولان: أحدهما: يلزمه درهمان لأن بل من حروف العطف فهو كما لو قال: درهم ودرهم أو درهم ثم درهم.
والثاني: يلزمه درهم واحد ونرجع في قوله بل درهم إليه لأنه يحتمل العطف كالواو ويحتمل التفضيل يعني بل درهم خير منه ويحتمل الصفة يعني بل درهم لازم لي فرجع إليه في ذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 163
توجيه الطلاق إلى إحدى الزوجات على أنها الزوجة الأخرى:
100 ـ مسألة: في رجل له امرأتان زينب وعمره فقال: يا زينب فقالت عمرة لبيك فقال: أنت طالق وقال: ما علمت أنها عمرة ولكني ظننتها زينب فطلقت هذه التي أجابتني ظناً مني أنها زينب ففيه روايتان:
---
إحداهما: يقع الطلاق بهما جميعاً أومأ إليه في رواية أحمد بن الحسين بن حسان فقد سئل عن رجل قال لخدم له رجال ونساء قيام: أنتم أحرار وكان معهم أم ولد، فلما رآها قال: كأنك كنت هاهنا؟ كأنه لم يعلم، فقال: اختلفوا في شبه هذا في الطلاق إذا طلق امرأة فأجابت أخرى تطلق هذه بالإجابة وهذه بالتسمية أو قالوا بالإشارة قال: وهذا عندي أنها تعتق أم ولده فظاهره هذا أنه أوقع العتق والطلاق على الجميع.
والثانية: يقع طلاقه بالتي نواها لا غير نص عليه في رواية مهنا في رجل له امرأتان فقال: فلانة طالق والتفت فإذا هي غير التي حلف عليها. قال إبراهيم: يطلقان جميعاً.
وقال الحسن تطلق التي نوى وأنا أقول: تطلق امرأته التي نوى.
وجه الأولى: أن التي أجابته زوجة واجهها بالطلاق فوقع عليها كما لو واجهها مع العلم بأنها عمرة ونوى بالطلاق زينب فإن الطلاق يقع عليهما بلا خلاف التي واجهها بالمواجهة والأخرى بالنية.(1/399)
ووجه الثانية: وهو اختيار شيخنا أبي عبد الله أنا ما قصد طلاق من أجابته وإنما كانت المواجهة ظناً منه لغيرها فهو كما لو قال لأجنبية: أنت طالق يعتقدها زوجته فإن الطلاق يقع على من نواها وهي الزوجة كذلك هاهنا فإن نظر إلى أجنبية يعتقدها زوجته أو أمته فقال: أنت طالق أو أنت حرة طلقت زوجته وعتقت أمته، لأنه إذا عدمت الإشارة تعلق الكلام بالنية. وقد نص أحمد على هذا في رواية مهنا في رجل نظر إلى امرأة فقال لها أنت طالق ظناً منه أنها امرأته فقالت: ما أنا لك بامرأة تطلق امرأته التي نواها ونقل أيضاً في رجل نظر إلى عبد ظن أنه عبده فقال: يا غلام أنت حر فقال الغلام: ما أنا لك بعبد عتق عبده الذي نواه.
---
ونقل المروذي في رجل لقي امرأة في الطريق فقال لها: تنحي يا حرة فإذا هي أمته عتقت عليه. قال أبو بكر : قد أطلق القول في رواية المروذي بالعتق من غير نية، وقد نص على اعتبار النية في رواية مهنا، وعليه العمل، قال لأنه لا خلاف أنه إذا أراد أن يقول لزوجته أو لأمته: اسقيني ماء، فسبق لسانه فقال: أنت طالق أو أنت حرة لم يقع الطلاق والعتاق وكذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 164
تحليف الزوج إذا أنكر الطلاق:
101 ـ مسألة: إذا ادعت عليه الطلاق فأنكره أيحلف أم لا؟
فنقل أبو طالب: إذا طلق امرأته وجحدها وليس لها بينة تستحلفه.
ونقل ابن القاسم وغيره لا يستحلف في الطلاق والنكاح.
ووجهة هذه الرواية: أن الطلاق من حقوق النكاح التي ليست بمال، فيجب أن لا يستحلف فيها كما لو ادعى الزوج الفيئة في الإيلاء والعنة. وكما لو ادعى زوجيتها وأنكرته، فإنه لا تستحلف في ذلك كذلك الطلاق، ولأنه لو نكل عن اليمين لم يقض عليه بالنكول فلا معنى لليمين.(1/400)
ووجه ما نقله أبو طالب: أن الطلاق يصح بذلك فيجب إذا أنكره أن يستحلف كالمهر، ويفارق هذا النكاح والفيئة في الإيلاء والعنة، لأن تلك الأشياء لا يصح بذلها، فلم يستحلف فيها، كالحدود، وقال أبو بكر : وعلى الروايتين جميعاً لا يقضى في ذلك بالنكول، وإنما يكون معنى اليمين الردع والزجر عن الجحود، فإن ادعت المطلقة انقضاء العدة (في زمن يمكن) وكذبها الزوج وقال: العدة باقية على الرجعة فالقول قولها، وهل يحلف مع ذلك؟
---
قال الخرقي فلو قال: ارتجعتك، فقالت: انقضت عدتي قبل رجعتك، فالقول قولها مع يمينها إذا ادعت من ذلك ممكناً، فقد أوجب اليمين عليها وظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ أن القول قولها بغير يمين، لأنه قال في رواية مهنا في رجل زوج أمته فدخل بها الزوج وطلقها واحدة ثم قال: ارتجعتك فأنكرت، فالقول قول الأمة، وكذلك نقل ابن منصور فيمن طلق امرأته طلقه فانقضت عدتها فادعى مراجعتها فالبينة وإلا فهي أملك بنفسها فقد جعل القول قولها، ولم يذكر يميناً.
ووجه قول الخرقي : أنها لو ادعت الطلاق وأنكره استحلف الزوج، كذلك إذا ادعت انقضاء العدة وأنكر الزوج أن يستحلف لأنها في هذه الحال تدعي برفع النكاح كما تدعي عليه الطلاق. وهو رفع النكاح.
ووجه الثاني: وأنها لا تستحلف في ذلك وهو المذب: أن الرجعة لا يصح بذلها، وما لا يصح بذله لا يستحلف فيه، كالحدود والفيئة والعنة والإيلاء ودعوى النكاح.
فإن ادعت انقضاء مدة الإيلاء وأنكر الزوج، فالقول قول الزوج، لأن الأصل أنها ما انقضت، وهل يحلف مع ذلك؟ قال الخرقي ـ رحمه الله ـ: يحلف، وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا يحلف.
ووجه قول الخرقي: أنها في هذه الحال تدعي برفع النكاح. كما تدعي عليه الطلاق، وذلك يوجب اليمين، كذلك هاهنا ولأنهما لو اختلفا في المهر كان القول قولها مع يمينها كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 166(1/401)
ووجه ما قاله أبو بكر ـ وهو أصح ـ أن اختلافهما في بقاء المدة هو اختلاف في بقاء النكاح وزواله وبذل النكاح لا يصح، فيجب أن لا يستحلف فيه، فهو كما لو ادعت نكاحه وأنكرها، أو أدعي نكاحها وأنكرت فإنه لا يمين في ذلك كله.
---
فإن اختلفا في الإصابة وهي ثيب أو في مدة العنة فقال الخرقي : القول قول الزوج مع يمينه والوجه فيه ما تقدم إذا كان الاختلاف في انقضاء المدة وانقضاء العدة وقياس المذهب أن القول قوله بغير يمين لأن الوطء لا يصح بذله لا يستحلف فيه بدليل الاختلاف في أصل النكاح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 166
الرجعة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 167
نكاح الرجعية إذا روجعت في العدة ولم تعلم فتزوجت بعد انقضائها:
107 ـ مسألة: إذا ارتجعها في العدة وهي لا تعلم برجعته فلما قضت العدة نكحت من أصابها فهل يبطل نكاح الثاني؟
نقل الخرقي روايتين: إحداهما: يبطل نكاح الثاني وترد إلى الأول/ والثانية: يبطل نكاح الأول ويصح نكاح الثاني وبالأول قال علي وبالثانية قال عمر ـ رضي الله عنهما ـ ووجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أنه إذا ثبت أنه راجعها حكمنا بأنها زوجته بدليل أن الثاني لو لم يدخل بها ردت إلى الأول، فإذا كان كذلك وجب أن يكون الثاني باطلاً، ولأن الثاني إذا نكحها بعد رجعة الأول كان النكاح فاسداً وكان الثاني محرماً، والوطء الحرم لا يصح به النكاح الفاسد، ولا يبطل به النكاح الصحيح يبين صحة هذا إذا زوج الوليان ودخل بها الثاني فإنه لا يبطل بدخوله نكاح الأول، وكذلك هاهنا.
ووجه الثانية: ـ مع ضعفها ـ أن العقدين قد تساويا، لأن كل واحد منهما عقده وهو ممن يجوز له العقد في الظاهر، لأن الزوج عقد وله العقدة والمرأة عقدت بعد الرجعة وهي تظن أن لها العقد لعدم العدة ومع الثاني مزية وهو الدخول الذي يتعلق به وجوب المهر والعدة ولحوق النسب فقدم لأجل هذه المزية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 167
الإشهاد على الرجعة:(1/402)
103 ـ مسألة: الإشهاد في الرجعة هل هو شرط أم لا؟
نقل مهنا إذا راجع يشهد على الرجعة: قيل: فإن لم يشهد يضره؟ قال: نعم.
---
ونقل ابن منصور : إذا راجع ولم يشهد حتى انقضت العدة فهي رجعة.
وجه الأولى: أنه استباحة بضع مقصود في عينه فوجب أن يكون من شرطه الشهادة كالنكاح.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة ـ وهي اختيار أبي بكر: أنه عقد ليس من شرطه الولي فلم يكن من شرطه الشهادة كالبيع ولأن الوطء رجعة رواية واحدة فلو كان الإشهاد شرطاً لم يثبت حكم الرجعة بغير ذلك.
فإن قلنا: إن الإشهاد شرط فاشهد وتواصوا بكتمان الرجعة فهل تصح الرجعة أم لا؟
فنقل أبو طالب إذا طلق زوجته وراجعها واستكتم الشهود حتى انقضت العدة فرق بينهما ولا رجعة له عليها فقد نص على إبطال الرجعة وقال في النكاح إذا تواصوا بكتمانه: يصح فالمسألة على روايتين في الرجعة والنكاح جميعاً وقد ذكرت الوجه لكل رواية في مسائل النكاح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 168
إباحة الرجعية في العدة:
104 ـ مسألة: الرجعية هل هي مباحة أم محرمة؟
فقال في رواية أبي الحارث: تتشوف له ما كانت في العدة.
وفي رواية أبي طالب: لا تحتجب عنه، وظاهر هذا أنها مباحة.
وقال في رواية أبي رواية أبي داود: أكره أن يرى شعرها. فظاهر هذا أنها محرمة.
وكان شيخنا أبو عبد الله يحكي في ذلك روايتين. فإن قلنا: إنها مباحة وهو المذهب فوجهه أن العدة من الطلاق الرجعي مدة تتعلق بقول الزوج يمكنه رفع حكمها بغير عقد جديد فوجب أن لا يحرم الوطء فيها بذلك القول وهو الإيلاء وفيه احتراز من البائن ومن إسلام الحربي والحربية.
ووجه الثانية: أنها مطلقة فوجب أن تكون محرمة كالمختلعة، والجواب أن تلك لا يمكنه دفع المدة إلا بعقد جديد وهذه يمكنه دفعها بغير عقد جديد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 169
حل المبتوتة لزوجها الأول بنكاح الخصي:
105 ـ مسألة: في المبتوتة إذا تزوجت بخصي هل يحلها لزوجها الأول أم لا؟
---(1/403)
فنقل مهنا عنه في خصي غير مجبوب تزوج امرأة ثم طلقها فإنها تحل لزوجها الأول إذا كان ينزل والخصي ينزل إذا كان غير مجبوب.
ونقل عنه أبو طالب في المرأة تتزوج بالخصي تستحل به قال: لا حتى تذوق العسيلة.
قال أبو بكر : الذي أقول به ما نقله مهنا لأنه يجامع جماع الفحل وأشد ألا أنه لا ينزل فيضعف ولا يفتر، ويمكن أن تحمل مسألة أبي طالب على أنه كان مجبوباً فإنه لا يحلها لعدم الوطء من جهته.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 169
متاع المولى من الفيئة والطلاق بعد مضي المدة:
106 ـ مسألة: إذا آلى من زوجته ولم يفِ حتى مضت المدة وامتنع من الفيئة بعد ذلك ومن الطلاق فهل يطلق عليه الحكم؟
على روايتين:
نقل الأثرم وأبو طالب وحبيش وصالح تطلق عليه.
ونقل صالح في موضع آخر وإسحاق بن إبراهيم: لا تطلق عليه ولكن يضيق عليه ويلزم أن يطلق هو فأما الحاكم فلا يطلق عليه.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أنه حق تدخله النيابة لمستحق معين فإذ امتنع من هو عليه من الإيفاء كان للسلطان الاستيفاء كالدين.
ولا يلزم عليه إذا أسلم وتحته عشر نسوة فلم يختر أن الحاكم لا يملك الاختيار لأن الحق غير متعين ولأنها مدة يرفعها الوطء تتعلق بها الفرقة فكان للحاكم أن يوقع تلك الفرقة أصله مدة العنة.
ووجه الثانية: قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم .
فأخبر إن عزم الطلاق إليه، ولأن الزوج مخير بين الفيئة وبين الطلاق، وما كان مخيراً فيه لم يكن معيناً والحق إذا لم يكن معيناً لم يكن للحاكم أن يستوفيه كما لو أسلم وتحته عشر نسوة كان مخيراً بين إمساك أربع ومفارقه البواقي فلو امتنع لم يجبره الحاكم على ذلك كذلك هاهنا.
---(1/404)
فإذا قلنا: أن الحاكم يطلق عليه فهو مخير بين أن يفسخ النكاح وبين أن يطلق فإن فسخ فهل يجوزله مراجعتها بعقد مبتدأ أم تحرم على التأبيد؟ فقال في رواية أبي طالب: إذا فرق بينهما لم يكن طلاقاً وإنما هو فسخ فإن أراد مراجعتها فإنها تكون على ثلاث بمنزلة الأمة إذا خيرت وبمنزلة العتيق إذا أرادت المرأة أن تراجعه وإذا كانت الفرقة من اللعان لم يتراجعا أبداً فقد نص على أن له الرجعة بنكاح وأنها تكون معه على طلاق ثلاث ففرق بينه وبين اللعان في الرجوع.
وقال أبو بكر في فرقة الحاكم قولان: أحدهما: أنها تحل له لا فرق بينه وبين اللعان والرجوع. والثاني: لا تحل له لعاناً كان أو غيره واختار ذلك. وقال شيخنا أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ: المذهب على الروايتين في فرقة اللعان فإنما في فرقة المولى والعنين وخيار المعتقة والمطلقة في العدة فإنه قد نص في رواية أبي طالب على جواز العقد عليها وفرق بين ذلك وبين اللعان. والفرق بينهما أن فرقة اللعان آكد من فرقة العتيق والمولى ألا ترى أنه وجد سبب الفرقة وهو اللعان منع من المقام على العقد ولو وجد سبب فرقة العنين والمولى وهو ثبوت المطالبة بالطلاق من جهة الحاكم بعد الأجل لم يمتنع ذلك من البقاء على النكاح إذا اتفقا عليه؟ فجاز إذا وجدت الفرقة من جهة الحاكم في اللعان أن تقع مؤبدة وإذا وجدت الفرقة هاهنا أن لا تقع مؤبدة، فهذا الحكم فيه إذا فسخ فأما إن طلق فله أن يطلق ثلاثاً وله أن يطلق واحدة فإن طلق ثلاثاً لم تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره وإن طلق واحدة فهل تكون بائناً أم رجعية فقال في رواية حبيش بن شندي: إن أبي أن يطلق طلق الحاكم عليه ولا تكون له رجعة. وقال أبو بكر : إن كان الطلاق من الحاكم أو الزوج فهو طلاق يملك الرجعة. قال: ولأبي عبد الله قول آخر أن الطلاق إذا وقع بحضرة الحاكم لم يملك الرجعة إلا باستئناف نكاح لأنه طلاق بائن. قال: وبالأول أقول.
---(1/405)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 170
وجه من قال: أنه رجعي أنه طلاق مجرد صادف عدة من غير استيفاء العدد، فكان رجعياً دليله لو كان الزوج هو المطلق.
ووجه من قال: إنها بائن أنها فرقة من جهة الحاكم فكانت بائناً دليله فرقة العنين والاعسار بالنفقة وعكسه الزوج لما لم يكن من جهته لم يكن بائناً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 170
أمد المولى من أكثر من زوجة أو من زوجة واحدة في أكثر من موقف:
107 ـ مسألة: إذا كان له أربع نسوة فقال: والله لا أقرب واحدة منكن فإنه مولى عنهن كلهن، فإن طالب جميعهن بالأجل في وقت واحد وقف لهن إجل واحد، وإن تأخرت مطالبة بعضهن عن بعض، فطالبت إحداهن بالوقف عقب اليمين وطالبت الأخرى بالوقف بعد شهر فهل يوقف لهن وقفة واحدة وهو من وقت مطالبة الأولى أو لكل واحدة منهن وقفاً من وقت مطالبتها؟
قال أبو بكر في كتاب الشافي: فيها روايتان:
إحداهما: يوقف وقفاً واحداً: وهو ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية ابن القاسم لأنه قال إذا آلى من جماعة نسائه أو من امرأة واحدة في مقاعد شتى فإنما يوقف للنسوة جميعاً فقوله: يوقف للنسوة جميعاً ظاهره يقتضي وقفاً واحداً لأنه جعل حكم الإيلاء من الجماعة حكمه لو آلى من امرأة واحدة دفعات شتى.
وقال أبو بكر : وقد روى عنه أنه يوقف لكل واحدة منهن عند مطالبتها بالوقف إذا اختلفت مطالبتهن.
ووجه الأولى: أنه إيلاء تلفظ به واحد فكان فيه أجل واحد، دليله لو آلى من امرأة واحدة لأنه لو قذف جماعة بكلمة واحدة كان عليه حد واحد ولعان واحد كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: وهو اختيار أبي بكر أنه آلى من جماعة نسائه فوجب أن يكون ابتداء الوقف من وقت المطالبة من كل واحدة منهن دليله لو أفرد كل واحدة منهن بالإيلاء ولأن هذا يجري مجرى الظهار من جماعة والقذف لجماعة فما ذكرنا في ذلك الموضع فهو أصل هاهنا.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 171
الإيلاء
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 172
مدة الإيلاء للعبد:(1/406)
108 ـ مسألة: إذا آلى العبد من زوجته فهل تضرب له مدة الحر؟
نقل الأثرم وابن منصور : أنه كالحر يتربص أربعة أشهر. ونقل مهنا الاعتبار بالرجل إن كان عبداً فالمدة شهران وإن كان حراً فالمدة أربعة أشهر، فوجه هذه الرواية أن الإيلاء كان طلاقاً في الجاهلية ـ فنقل في شرعنا إلى الإيلاء ثم ثبت أن المنقول عنه يختلف بالرق والحرية كذلك المنقول إليه.
وجه الأولى: أنها مدة يرفعها الوطء فوجب أن يستوي فيها الحرة والأمة كمدة العنة ولأن مدة الإيلاء إنما ضربت للمولى لأنه قصد الإضرار بها في الامتناع من وطئها بعقدين، وقد حكي عن عمر أنه استخبر عن قدر صبر النساء عن الرجال فقلن أربعة أشهر وإذا كان التحديد بالأربعة لهذا المعنى فالحرة والأمة فيه سواء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 172
الإيلاء
إحداهما: يجتمعان ـ وهو الصحيح ـ.
والثانية: لا يجتمعان ـ وهو قول علي ـ ووجهه أن الظهار يوقع تحريماً في الزوجية فمنع من صحة الإيلاء بعده كالطلاق ولأن الإيلاء كان طلاقاً في الجاهلية فنقل في شرعنا إلى الإيلاء ثم ثبت أن المنقول عنه يمنع صحة الظهار بعده كذلك المنقول إليه يجب أن يمنع وإذا قلنا: يجتمعان وهو الصحيح فوجهه أنه إن ظاهر ثم آلى فقد صادف الإيلاء زوجته تامة فصح كما لو لم يكن ظاهر منها وإن كان قد آلى ثم ظاهر صح لأن الظهار صادف زوجية تامة فهو كما لو لم يكن مولياً منها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 173
سقوط حكم الإيلاء بالوطء المحرم:
112 ـ مسألة: هل يخرج بالوطء المحرم من حكم الإيلاء مثل الوطء في الحيض والنفاس والإحرام والصيام؟
قال أبو بكر ـ في كتاب الخلاف ـ: قياس المذهب أنه لا يخرج به من حكم الإيلاء لأنه وطء مستحق.
---
فإذا وقع على وجه محظور لم يؤثر، دليله الإباحة للزوج الأول والإحصان.(1/407)
قال: ويحتمل أن يخرج به من حكم الإيلاء وفرق بين هذا وبين الوطء في الإباحة فإن الإباحة حق الله تعالى ولا يقع إلا على وجه مباح وهاهنا الحق فيه للزوجة فجاز أن يقع على وجه غير مباح.
قال: والأول أجود فإن وطئها في حال جنونه خرج به من حكم الإيلاء ذكره أبو بكر لأن القصد لا يمنع الخروج به من حكم الإيلاء. ألا ترى أنه لو كان له زوجتان فآلى من إحداهما بعينها ثم وجدها على فراشة يعتقدها غير التي آلى منها خرج من حكم الإيلاء لوجود الإصابة وإن كان القصد مفقوداً، وهل يحنث بهذا الوطء في حال جنونه؟
قال أبو بكر : يحنث ويجب عليه الكفارة لأنه لما خرج من حكم الإيلاء وجب أن يحنث وتجب عليه الكفارة.
وقال شيخنا أبو عبد الله : لا يحنث، لأن الحنث يفتقر إلى قصد أو إلى من هو من أهل القصد، لأنه يتعلق به حق الله تعالى فاعتبر فيه القصد، ويفارق هذا الخروج من الإيلاء لأنه لا يفقتر إلى القصد لما بيننا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 175
الظهار
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 176
سقوط حكم الظهار بشراء المظاهر منها:
113 ـ مسألة: إذا ظاهر من زوجته الأمة ولم يكفر حتى ملكها فهل تعود يمين الظهار في حقه؟
قال الخرقي : تعود ولا يطأها حتى يكفر كفارة الظهار.
---(1/408)
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: تسقط يمين الظهار ويفسخ النكاح فإن وطئها كان عليه كفارة يمين. فعلى قوله يجوز له وطؤها قبل الكفارة، ولعله يحتج فيه بأن الكفارة تجب بالعود والعود وهو العزم على الوطء في زوجته وهاهنا قد عاد في غير زوجته فلهذا لم يجب عليه كفارة الظهار. والصحيح ما قاله الخرقي وأن اليمين تعود ولا يجوز له الوطء حتى يكفر كفارة الظهار. لأنه لا خلاف عن أحمد أنه لو طلقها قبل أن يعود ثم تزوجها عادت اليمين ولم يجز لو وطؤها حتى يكفر، فنص عليه في رواية مهنا، وابن القاسم، فإذا كان ذلك في الطلاق فكذلك هاهنا ولأنه لو طلقها ثلاثاً وهي زوجة أمة ثم ملكها فانفسخ النكاح لم يبح له وطؤها حتى تنكح زوجاً غيره. نص عليه في رواية الميموني، فأجرى حكم الوطء بملك اليمين حكم الوطء يعقد النكاح، ولأن على قول أبي بكر تنقلب يمين الظهار إلى حكم اليمين بالله عزّ وجلّ لأنه يوجب عليه كفارة يمين ولا نجد في الأصول إن بمين الظهار ينقلب حكمها إلى حكم اليمين بالله عزّ وجلّ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 176
إلزام المظاهر بالفيئة أو الطلاق إذا مضت مدة الإيلاء ولم يطأ:
114 ـ مسألة: إذا ظاهر من زوجته فأخر العود حتى مضت أكثر من أربعة أشهر هل يكون مولياً؟
---(1/409)
فنقل أبو طالب عنه في رجل قال: إن قربت امرأتي فهي عليَّ كظهر أمي، فلا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار. قيل له فلا يدخل عليه إيلاء إن تركها؟ قال: لا، إنما يدخل الإيلاء على من حلف بالله فقد نص على أنه لا يكون مولياً، ونقل ابن منصور إذا قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي إن وطئتك سنة فجاءت تطالب لم يكن له أن يعضلها بعد مضي الأربعة، فأما أن يفيء فيطأ ويكون عليه كفارة الظهار أو يطلق وإن أبى وأرادت فراقه طلق عليه الحاكم فظاهر هذا أنه أوقفه بعد المدة ليفيء أو يطلق، وهذا الكلام لم يرجع إلى أن يكون مولياً لأن الإيلاء على أصله لا يكون بغير اليمين بالله عزّ وجلّ فإنما ذلك راجع إلى أصل آخر وهو أن الزوج إذا امتنع من وطء زوجته بقصد الإضرار بها تضرب له المدة كما تضرب للمولى فأما أن يطأ أو يطلق والدلالة على أنه لا يصير مولياً أنه لفظ يوقع تحريماً في الزوجية فوجب أن لا يكون إيلاء كالطلاق ولأن المولى من لا يمكنه الفيئة بعد التربص إلا بضرر ولا ضرر عليه في الفيئة هاهنا، لا في المدة ولا بعدها، لأن الكفارة لا تجب بالفيئة وإنما وجبت بالعود فإذا لم يكن عليه ضرر في جماعها لم يكن مولياً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 176
الظهار من الأمة وما يجب فيه:
115 ـ مسألة: إذا ظاهر من أمته لم يصح الظهار منها رواية واحدة.
وهل تجب كفارة الظهار أم كفارة اليمين؟
على روايتين: نقل حنبل والأثرم وأبو داود : لا يصح الظهار وفيه كفارة يمين وهو المذهب الصحيح.
---(1/410)
ونقل أبو طالب : إذا ظاهر من أم ولده لم يكن في الأمة ظهار ولكن حرام ويكون عليه الكفارة، قيل له: كفارة الظهار. قال: نعم. قال أبو بكر : كل من روي عنه في الأمة ليس عليه فيها كفارة الظهار وإنما هو كفارة يمين، إلا ما روى أبو طالب عنه أن عليه كفارة الظهار ولا يتوجه على مذهبه لأنه لو كانت عليه كفارة الظهار لكان مظاهراً والظهار من الأمة تحريم، فالوجه في أنه لا يصح الظهار منها أن الظهار تحريم والتحريم لو كان في ابتداء الملك لم يمنع صحة الملك بدليل أنه يملك أخته من الرضاع لذلك إذا طرأ عليه لم يؤثر فيه ويفارق هذا الزوجة لأن التحريم لما منع صحة النكاح إذا قارنه فإذا طرأ عليه صح أن يؤثر فيه التحريم فإذا لم يصح الظهار منها وهو من أهل الظهار لم يجب كفارة الظهار ولا يلزم عليه المرأة إذا قالت لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي أنه يلزمها كفارة الظهار وإن لم يصح منها الظهار لأنها ليست من أهل الظهار والسيد هاهنا من أهله بدليل أنه لو ظاهر من زوجته صح ووجبت كفارة يمين لأنه لفظ يوقع تحريماً فهو كما لو قال أنت عليَّ حرام أو حرم ماله فإنه يجب عليه كفارة يمين كذلك هاهنا.
ووجه من قال: تجب كفارة الظهار يقول: هذا اللفظ يوجب كفارة فاستوى في تلك الكفارة الحرير والإماء كقوله: أنت عليَّ حرام، أو والله لا وطئتك، ولأن أكثر ما فيه أنه لم يصح الظهار منها وهذا لا يمنع إيجاب كفارة الظهار بدليل أن المرأة إذا قالت لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي وجب عليها كفارة الظهار وإن لم تكن مظاهرة كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 177
ثبوت حكم الظهار على من شبه زوجته بظهر أبيه أو ظهر رجل:
116 ـ مسألة: إذا قال: أنت عليَّ كظهر أبي أو ابني أو أخي. فهل يكون مظاهراً؟
نقل الميموني وحنبل: إذا قال: أنت عليَّ كظهر أبي أو ظاهر من رجل فقال: ظهر الرجل حرام. عليه كفارة الظهار.
---(1/411)
ونقل ابن القاسم: إذا قال: أنت عليَّ كظهر أبي فهو بعيد لا أراه ظهاراً ولا شيء عليه، قال أبو بكر : المسألة على قولين: أحدهما: لا يكون الظهار إلا من النساء من ذوات المحارم وأما الرجال فلا. قال: ـ وهو الصحيح ـ.
والثانية: يكون مظاهراً بذلك.
ووجه الأولى: أن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فغير وما كانت تطلق وحدهن الأباء ولأنه شبهها بجنس لا يتعلق به تحريم ولا إباحة فلم يكن صريحاً ولا كناية.
ووجه الثانية: أنه شبهها بمن ظهره محرم عليه فيجب أن يكون ظاهراً دليله لو شبهها بظهر أمه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 178
ثبوت حكم الظهار لمن شبه زوجته بأجنبية أو بائن:
فإن شبهها بظهر امرأة أجنبية أو مطلقة بائن، فهل يكون مظاهراً فنقل صالح عنه في الرجل يقول لامرأته؟ أنت عليَّ كظهر أجنبي، أو كظهر امرأة أجنبية، فقال: إن ظاهر بذات محرم فهو ظهار. وكذلك نقل الميموني: إنما كره ظهار الأم لأنها حرام فظاهر هذا أنه لا يكون مظاهراً من الأجنبية.
قال أبو بكر في كتاب التنبيه: يكون مظاهراً قال: وقد نقل عنه في أحد أقاويله الظهار من النساء اللاتي لا تحل له بحال وقال الخرقي: يكون مظاهراً.
ووجه الأولى: في أنه لا يكون مظاهراً وهو اختيار شيخنا ابن عبد الله ـ رحمه الله ـ إن الله تعالى خص الأمهات به ولأنها غير محرمة عليه على التأبيد وإنما هي حرام لعارض ثم يزول العارض، وتحريم الظهار على التأييد.
---
ووجه من قال: يصح الظهار قال: أمرض الكلام إذا شبهها بظهر مطلقة ثلاثاً فأقول: قد شبهها بمن لا يستبيح النظر إلى ظهرها فأشبه لو شبهها بظهر أمه. . ولأنه إذا شبهها بالأجنبية فقد قصد تشبيهها بالحالة التي هي محرمة عليه فلا فرق بين أن يستديم ذلك التحريم أو يزول ألا ترى أن الظهار المؤقت يصح وهو أن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي اليوم فيصح في ذلك اليوم ثم يزول كذلك هاهنا أكثر ما فيه أنه شبهها بمن لا يستديم تحريمها فلا يمنع ذلك من صحة الظهار.(1/412)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 179
الظهار بلفظ التحريم:
117 ـ مسألة: إذا قال أنت عليَّ حرام هل هو صريح في الظهار؟
أم كناية فيه وفي غيره من الظهار واليمين؟
فنقل عبد الله: إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام ونوى بهذا الطلاق. فقال: نوى أم لم ينوِ كفّر كفارة الظهار، وكذلك في رواية أبي عبد الله النيسابوري: إذا قال: أنت عليَّ حرام أريد به الطلاق، فقال قد كنت أقول: أنها طلاق يكفر كفارة الظهار فظاهر هذا أنه قد رجع عنه وكذلك نقل صالح إذا قال: أنت عليَّ حرام يجب عليه كفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً والناس مختلفون فيه فظاهر هذا أنه صريح في الظهار.
---
ونقل الميموني عنه إذا ظاهر من أكل حرام كالميتة، والدم، وما حرم عليه، فعليه كفارة يمين، فظاهر هذا أنه لم يجعله ظهاراً وواجب فيه كفارة يمين وقال أيضاً في رواية البغوي ومحمد بن عبد الرحمن الشامي من ولد شامة بن لؤي: إذا قال لها أمرك بيدك فقالت: أنا عليك حرام فقد حرمت عليه فظاهر هذا أنه جعل كناية في الطلاق لأنه أبانها منه بهذا القول. ونقل أبو طالب وحرب عنه: إذا قال: ما أحل الله عليَّ حرام والحل عليَّ حرام أعني به الطلاق فهو طلاق ثالث وإن قال: أعني به طلاقاً فهو واحدة. فظاهر هذا أنها كناية في الطلاق لأن قوله أعني به الطلاق أخبار عما في نيته حكم بنيته وجعله ثلاثاً إذا قال أعنى به الطلاق لدخول الألف واللام عليه وإذا قال أعني به طلاقاً جعله واحدة إذا لم يدخل الألف واللام فعلى هذه الرواية إن نوى به طلاقاً أو ظهاراً كان ما نواه، وإن نوى تحريم عينها لم تحرم ويكون عليه كفارة يمين وإن أطلق وجب كفارة يمين وليس يميناً.(1/413)
ووجه الأولى: وهي اختيار الخرقي أنه لفظ موضوع للتحريم يقصد به تحريم الزوجة فكان مظاهراً كما لو شبهها بظهر أمه ولا يلزم عليه الطلاق لأنه لا يقصد به التحريم وإنما يقصد به زوال الملك ثم يتعقبه التحريم ويبين صحة هذا أن الرجعية مباحة وإن كان الطلاق قد وجد فيها وإذا قال لأمته: أنت عليَّ حرام لزمه كفارة لأجل لفظه الحرام ولأنه يوقع تحريماً في الزوجة فلم يقف على لفظه كطلاق ولأن أكثر ما فيه أنه لم يثبت له عرف الشرع وهذا لا يمنع كما لو شبهها بيد أمه أو برجلها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 179
---(1/414)
ووجه الثانية: أن الله تعالى خص الأمهات به بقوله: الذين يظاهرون منكم من نسائكم ما هن أمهاتهم ولأن هذه اللفظة قد تستعمل في عين الزوجة ويكون موجبها كفارة يمين وهو إذا حرم أمته لم يكن صريحاً في الظهار كاليمين بالله تعالى ولأن قوله: أنت حرام تحتمل حراماً بالطلاق لأن الطلاق يوجب تحريماً ويحتمل حراماً بالظهار ويحتمل حراماً بفسخ النكاح وإذا احتمل التحريم بالظهار وغيره لم يكن صريحاً فيه ويفارق هذا في قوله: أنت عليَّ كظهر أمي، لأن تلك اللفظة قد ثبت لها عرف الشرع فهذا حكمه إذا أطلقه فأما إن عدل به عن ظاهره إلى الطلاق بقرينة متصلة فقال: أنت عليَّ حرام أعني به الطلاق كان طلاقاً نص عليه في رواية أبي طالب وحرب: ولو كان القرينة غير متصلة فقال: أنت عليَّ حرام وسكت ثم قال: عنيت به الطلاق فهل يكون طلاقاً فهو على ما مضى من الروايتين: وليس يمتنع مثل هذا ألا ترى أنه لو قال لزوجته: والله لا وطئتك والله لا جامعتك فإن ظاهره وإطلاقه يقتضي اليمين فيكون مولياً ولو عدل به عن ظاهره إلى غير اليمين؟ فإن كان ذلك بقرينة متصلة فقال: والله لا وطئتك برجلي والله لا جامعتك بجسمي في بيت لم يكن مولياً ولو أطلق القول ثم قال: عنيت به لأوطئتك برجلي ولا جامعتك بجسمي في البيت لم يقبل منه كذلك هاهنا إن وصل القرينة قبل منه وإن فصلها لم يقبل منه وكان ظهاراً فإن قال: أنت عليَّ كظهر أمي ووصله بقرينة فقال: أعني به الطلاق لم يكن طلاقاً نص عليه في رواية أبي جعفر محمد بن يحيى المتطبب فيمن قال: أنت عليَّ كظهر أمي أعني به الطلاق لا يكون طلاقاً إلا أن يقول: أنت عليَّ حرام أعني به الطلاق فقد فرق بين قوله: أنت عليَّ كظهر أمي وبين قوله، أنت عليَّ حرام.
---(1/415)
لأن قوله: أنت عليَّ كظهر أمي قد ثبت له عرف الشرع في كونه صريحاً في الظهار، فلهذا لم يستعمل في غيره وليس كذلك لفظة الحرام لأنها لم يثبت لها عرف الشرع فهي أضعف فلهذا جاز أن يستعمل في غيره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 179
كفارة الظهار
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 181
تعدد كفارة الظهار بتعدد المظاهر منهن:
118 ـ مسألة: إذا تظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة فقال: أنتن عليَّ كظهر أمي ثم عاد من كلهن فعليه كفارة واحدة رواية واحدة لأن الظهار يمين بدليل قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لأوس: وكفر عن يمينك، وإذا ثبت أنه يمين فلو حلف: لا وطئتهن لم تجب إلا كفارة واحدة كذلك هاهنا ولأن الظهار يوقع تحريماً في الزوجية للزوج دفعة واحدة كالطلاق ثم ثبت أنه لو وطلقهن كلهن دفعة واحدة وقع التحريم دفعة واحدة كذلك هاهنا، وأما أن ظاهر من كل واحدة بكلمة منفردة حرمن كلهن وهل يجب عليه كفارة كاملة عن كل واحدة منهن أم تجزى كفارة واحدة عن جميعهن؟
نقل الأثرم والفضل بن زياد وحنبل: إذا ظاهر من أربع نسوة فإن كان في كلمة واحدة فكفارة واحدة وإن كان في كلمات متفرقات فكفارات. وفي لفظ آخر: فإن كان في مجالس شتى فكفارات. وقال أبو بكر في كتاب الشافي: فيها روايتان/ إحداهما: ما رواه الأثرم والفضل وحنبل: أنه تجب كفارات والثانية: عليه كفارة واحدة. قال وعليه العمل عندي قال: لأن الجماعة رووا عنه ذلك فنقل ابن منصور: إذا ظاهر من أربع نسوة فكفارة واحدة. ووجه هذه الرواية أن كفارة الظهار حق الله تعالى بدليل أنه ليس فيه مطالبة للزوجة ولا اعتراض فلم يتكرر عليه بتكرار الواحد في عين واحدة وأعيان دليله الحد في الزنا.
---
وذلك أنه لو زنى من جماعة نسوة ولم يحد فحد واحد كذلك هاهنا إذا ظاهر من جماعة نسوة ولم يكفر عن الأول يجب أن يكون كفارة واحدة ولا يلزم عليه الطلاق واللعان لأن ذلك حق للمرأة بدليل أنه قد يثبت بمطالبتها.(1/416)
ووجه الرواية الأولى: وهي الصحيحة أنه أفرد كل واحدة منهن بظهار حصها به فوجب عليه كفارة كاملة في حقها، دليله لو عاد في الأولى وكفر ثم ظاهر من الثانية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 181
تعدد الكفارة بتعدد مرات الظهار من زوجة واحدة:
119 ـ مسألة: فإن ظاهر من امرأة واحدة مراراً ونوى الثاني والثالث الاستئناف، فهل يكون مظاهراً بكل مرة؟
فنقل ابن منصور وأبو الحارث إذا ظاهر من امرأة واحدة مراراً في مجالس متفرقة تجزيه كفارة واحدة ما لم يكفر. فظاهر هذا أنه ظهار واحد نوى أو لم ينوِ وهو اختيار أبي بكر والخرقي وشيخنا. ونقل حرب عنه في الرجل يحلف على شيء واحد إيماناً كثيرة فإن أراد تأكيد اليمين فكفارة واحدة. فظاهر هذا أنه إن لم يقصد التأكيد وقصد الاستئناف فكفارات ووجهه أنه لفظ يوقع تحريماً في الزوجية للزوج رفعه فإذا تكرر على الاستئناف كان لكل مرة حكم نفسه كالطلاق.
ووجه الرواية الأولى: أنه يجزي كفارة واحدة وهي الصحيحة أنه حرمها بالأول فإذا أعاد الثانية لم يفد تحريمها غير الذي أفاد الأول فوجب أن لا ينفرد بحكم. واحتج أبو بكر بأن الكفارة تجري مجرى الحدود في الزنا والقطع والسرقة قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ الحدود كفارات لأهلها. ثم ثبت أنه لو ردد الزنا في امرأة أو نساء جماعة ولم يجد فحد واحد كذلك إذا كرر الظهار في امرأة واحدة ما لم يكفر فكفارة واحدة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 183
الاستمتاع بالمظاهر منها قبل التكفير:
130 ـ مسألة: الوطء محرم قبل الكفارة رواية واحدة فأما دواعيه من الاستمتاع كالقبلة والتلذذ والوطء دون الفرج ففيه روايتان:
---
قال أبو بكر: نقلهما أبو طالب وما من رواية إلا وافقه عليها جماعة من أصحاب أحمد إحداهما: لا يحرم عليه ذلك.
والثانية: يحرم وهو اختيلر ابي بكر(1/417)
وجه الأولى: أنه تحريم حصل في النكاح لمعنى عارض فلم يخرج معه اللمس دليله التحريم الحاصل بالحيض والنفاس ولأن الله تعالى قال: من قبل أن يتماسا وحقيقة المس اللمس باليد وأجمعوا على أن الوطء مراد بالآية وأن اللمس كناية عنه وإذا ثبت أن الكفارة مراده ثبت أن الحقيقة مراده.
ووجه الثانية: أنه لفظ يوقع تحريماً في الزوجية للزوج دفعة واحدة فوجب أن يحرم عليه منها ما حرم عليه من أمه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 183
وطء المظاهر منها في ليالي الصيام:
121 ـ مسألة: إذا وطىء المظاهر في ليالي الصوم هل يبطل تتابعه؟
نقل ابن منصور يبطل.
ونقل الأثرم في المظاهر إذا جامع قبل أن يتم: فليتم وإن أصاب قبل أن يكفر فكفارة واحدة قال الشيخ أبو عبد الله: قوله فليتم لا يحتمل إلا أن يكون الوطء ليلاً لأنه لو كان نهاراً لم يتم رواية واحدة، إذا كان محمولاً على الليل خرج في المسألة روايتان:
إحداهما: لا يبطل التتابع لأنه وطء لم يصادف محل الصوم فلم يقطع حكم تتابعه كالوطء في ليالي صوم القتل وصوم الواطىء في رمضان.
والثانية: يبطل وهي المذهب لأنه تحريم وطء لا يختص الصوم فاستوى فيه الليل والنهار كتحريم الوطء في الاعتكاف، وكل عبادة حرم فيها الوطء بالليل والنهار كان حكمه إذا اتصل بالليل حكمه إذا اتصل بالنهار في المنع من الاعتداد بما مضى دليله الحج ولأنه وطء قبل الفراغ من صوم الظهار فهو كالوطء نهاراً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 184
اشتراط الإيمان في كفارة الظهار:
122 ـ مسألة: الإيمان هل هو شرط في كفارة الظهار، والجماع، والرقبة المنذورة؟ على روايتين نص عليهما في كفارة الظهار.
نقل ابن منصور : الإيمان ليس بشرط فيها.
---
ونقل حنبل وأبو طالب : هو شرط ولا تختلف الرواية أنه شرط في كفارة القتل.
ووجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر: أنها رقبة تامة الملك سليمة الخلق لم يحصل عن شيء منها عوض فجاز عتقها في الظهار كالمسلمة.(1/418)
ووجه الثانية: وهو أصح أنه تكفير بعتق فكان من شرطه الإيمان دليله كفارة القتل وكل رقبة لا تجزى في كفارة الظهار كالمعيبة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 185
عتق الصغير في كفارة الظهار:
123 ـ مسألة: هل يجزي عتق الصغير الذي لم يبلغ في الكفارة؟
فنقل الميموني : يجوز عتق الصغير الذي لم يدرك في الكفارات إلا قتل الخطأ فلا يجوز فيه إلا مؤمنة وأراد التي صلت.
ونقل الأثرم أيضاً وقد سئل عن عتق الصغير في الكفارة فقال: أعجب إليَّ أن يكون يصلي لأن الإيمان قول وعمل ونقل حنبل: أحب إليَّ أن يكون كبيراً لأنه تكون مؤمنة.
واختلف أصحابنا. فقال أبو بكر في كتاب المقنع: يجوز عتق الصغير في الجملة وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم وحنبل لأنه قال: أعجب إليَّ وأحب إليّ ـ الكبير. وقال الخرقي: وتكون رقبة قد صلت وصامت وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني لأنه فرق بين كفارة القتل وبين غيرها.
ووجه هذا القائل أنه لا يصح منه العبارات لفقد التكليف فلم يجز عتقه، دليله المجنون ولا يلزم عليه ابن سبع سنين لأنه يصح منه فعل العبادات.
ووجه من قال يجزى في الجملة أن عدم البلوغ لا يمنع العتق دليله ابن سبع سنين فصاعداً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 185
عتق المكاتب في الكفارة:
124 ـ مسألة: هل يجزى عتق المكاتب في الكفارة أم لا؟
فنقل ابن منصور يجوز عتقه إذا لم يؤدِ من نجومه شيئاً ولا يجوز بعد الآداء فظاهر هذا يجوز عتقه إذا لم يؤدِ ولا يجوز إذا أدى.
---
ونقل أحمد بن الحسين الترمذي لا يجزىء المكاتب في كفارة الظهار لأنه ليس برقبة تامة ليس له أن يرجع فيه فظاهر هذا أنه لا يجزي وإن لم يجد شيئاً ونقل الميموني عنه أنه سئل هل يعتق في الكفارة؟
فقال: هذا الآن قد أدى ودخله شيء.
ومن ذهب إلى أنه عبد ما بقي عليه درهم أعتقه، قيل له أليس تقول بعتقه؟ قال: بلى، فظاهر هذا أنه يجوز عتقه وإن أدى.(1/419)
ووجه الأولى: وهي الصحيحة وهي اختيار الخرقي بأنه إذا أدى من كتابته شيئاً فقد حصل العوض عن بعضها فلم يجزه كما لو أعتق بعض رقبة وليس كذلك إذا لم يؤدِ من كتابته شيئاً لأنها قبة تامة الملك مسلمة سليمة الخلق لم يحصل عن شيء منها عوض فأجزأت، دليله المدبرة.
ووجه الثالثة: أن بينهما عقداً يمنع من رجوع أرش الجناية إليه فوجب أن يمنع الأجزاء في الكفارة كما لو أدى بعض نجومه.
ووجه الثانية: ـ وهو اختيار أبي بكر ـ أنه مكاتب سليم لم يوفِ مال كتابته فأجزأ عتقه في الكفارة، دليله إذا لم يكن قد أدى شيئاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 186
التفكير بالمعتق بعضه سراية:
125 ـ مسألة: فيمن أعتق شركاً له في عبد عن كفارته وهو موسر فسرى إلى حصة شريكه ونوى به الكفارة هل يجزيه عن كفارته؟
قال أبو بكر : لا يجزيه وذكر كلام أحمد في رواية علي بن سعيد إذا أعتق شركاً له في عبد لم يجزه وإن عتق في ماله وقال غيره من أصحابنا يجزيه وهو الصحيح عندي.
وجه الأول: إن عتق نصيب شريكه مستحق بسبب متقدم وهو السراية فلم يجزه عن كفارته دليله ذو الرحم إذا اشتراه بشرط العتق.
ووجه الثاني: أنه وإن كان نصفه لغيره فإن الشرع قد جعله في حكم عبد كله له ولو أعتق عبداً خالصاً أجزأه كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 186
إعتاق نصفي عبدين في الكفارة:
---
126 ـ مسألة: فإن كان له نصف عبدين وعليه واحدة فقال أعتقت ما أملكه منكما عن كفارتي عتق النصف منهما وهل يجزيه عن كفارته أم لا؟
فقال أبو بكر لا تجزيه وهو قول شيخنا.
وقال الخرقي : يجزيه.
وجه الأولى: أنه لو جاز عتق عبد من عبدين عن كفارته جاز أن يصوم أربعة أشهر كل شهرين عن كفارتين وأن يطعم مائة وعشرين مسكيناً كل ستين عن كفارتين فلما يجز هذا كذلك نصف عبد من عبدين.(1/420)
ووجه الثانية: أن النصف من العبدين بمنزلة العبد الخاص المفرد بدليل أن عليه فطره نصف عبدين صاعاً كاملاً كما لو كان له عبد مفرد، وعليه زكاة نصف ثمانين شاة كما لو كان له أربعون شاة مفردة، فإذا كانت الانصاف في هذا كالأصل الكامل كذلك في العتق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 187
وطء المظاهر منها في ليالي الصيام:
127 ـ مسألة: إذا وطىء المظاهر امرأته في خلال الشهرين ليلاً فهل يستقبل الصيام أم يبني عليه؟
وعلى روايتين: نقل ابن منصور : يستقبل وهو المعروف من قول أصحابنا لأنه وطء من خلال صومه عن ظهارها فهو كما لو وطئها نهاراً عامداً ونقلت من مسائل الأثرم وقد سئل عن المظاهر إذا صام بعض صيام ثم جامع قبل أن يتم كيف يصنع. قال: يتم صومه، لأن وطء لم يصادف محل الصيام، فهو كما لو وطىء غير التي ظاهر منها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 187
عتق الأعور في الكفارة:
128 ـ مسألة: هل يجزى عتق الأعور في الكفارة؟
نقل يوسف بن موسى: يجزيه.
قال أبو بكر : وفيها قول آخر لا يجزيه.
وجه الأول: أنه نقص لا يضر بالعمل الضرر الكثير فإنه يعمل كل ما يعمله ذو العينين وإنما فقد الجمال بذهاب إحدى العينين فهو كما لو كان وحش الوجه.
ووجه الثانية: أن ذهاب العينين جميعاً يمنع. فذهاب إحداهما يمنع كما قلنا في ذهاب اليدين يمنع وذهاب إحداهما يمنع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 188
---
الحال المعتبرة في نوع الكفارة:
129 ـ مسألة: في الوقت الذي يعتبر فيه الكفارة. وفيه روايتان:(1/421)
إحداهما: يعتبر بحالة الوجوب فإن كان فقيراً ثم أيسر أجزأه الصيام وإن كان غنياً لم يجزه الصيام نص عليه في رواية المروذي وابن القاسم في المتمتع إذا لم يجد الهدي ثم قدم بلده ووجد أنه يصوم. والثانية: الاعتبار فيها بأغلظ الأحوال فيراعي أمره ما بين الوجوب والفعل فأي وقت كان موسراً تعينت عليه كفارة الموسرين نص عليه في رواية أبي طالب فمن حلف فحنث فلم يكن عنده ما يكفر ثم أيسر بعد فلم يكفر كفر (لأنه) قد أيسر فإن حنث وهو موسر فلم يكفر حتى افتقر فعليه الكفارة (لأنها) قد وجبت عليه وهو موسر.
وجه الأولى: أنه حق وقع به التكفير فكان الاعتبار فيه بحالة الوجوب، كالحدود، أو نقول: طهرة عن ارتكاب محظور فوجب أن يكون الاعتبار بوقت الوجوب كالحدود.
يبين صحة هذا قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: الحدود كفارات لأهلها.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة، أنه حق يجب في الذمة بوجوب مال، فوجب أن يكون الاعتبار فيه بأغلظ الأحوال كالحج فإن الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين يبلغ حتى يموت كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 188
إخراج الخبز في الكفارة:
130 ـ مسألة: هل يجزىء إخراج الخبز في الكفارة على وجه المنصوص عليه؟
على روايتين نقلهما الأثرم قال في موضع وقد سئل إذا أخذ ثلاثة عشر رطلاً وثلثاً دقيقاً فخبزه وقسم الخبز على عشرة مساكين: فأعجب إليّ ما جاء به الخبز ـ مدبر. وهذا أرجو أن يجزئه فظاهر هذا الجوز. وقال في موضع، وقد سئل إن أطعمهم خبزاً وتمراً، فقال: الخبز لا، ولكن التمر أو الدقيق، فظاهر هذا المنع.
وقال أيضاً في رواية إسحاق بن إبراهيم الذي روى عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في كفارة اليمين تمراً أو دقيقاً أو حنطة قيل له فنجمعهم على خبز وآدم قال أكره ذلك بل يعطيهم تمراً أو حنطة أو شعيراً.
---(1/422)
وجه الأولى: وهي اختيار الخرقي عموم قوله تعالى: فإطعام ستين مسكيناً ولأنه بالخبز لم يخرج عن حد الاقتيات فأجزأ كما لو غسل الحنطة وقلاها فإنه يجزيه ويفارق هذا لو طحنها وصنع منها كبولة ونحو ذلك في أنه لا يجزيه لأنه يخرج بها في تلك الحال عن الإقتيات.
ووجه الثانية: لا يجزىء إخراجه في صدقه الفطر فلا يجزىء في الكفارة كالقيمة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 189
دفع الكفارة إلى من ظاهره الفقر وهو غني:
131 ـ مسألة: فإن دفع الكفارة إلى من ظاهره الفقر ثم بان غنياً.
فقال أبو بكر : فيها قولان: نقل مهنى: يجزئه، ونقل غيره: لا يجزيه واختار ذلك، وأصل هذا إذا دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر فبان غنياً هل يجزيه؟ على روايتين، وذكرنا الوجه لكل رواية في مسائل الزكاة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 190
وطء المظاهر منها قبل التكفير إذا كان بالإطعام:
132 ـ مسألة: إذا كان المظاهر من أهل الإطعام فهل يجوز له المسيس قبل التكفير بالإطعام أم لا؟
ذكر أبو بكر في كتاب الخلاف كلاماً يقتضي جواز ذلك وتعلق بكلام أحمد في رواية ابن منصور: إذا ظاهر وأخذ في الصوم يجامع بالليل يستقبل فإن أطعم فوطىء يبني ليس هذا من نحو هذا. وقال غيره من أصحابنا: لا يجوز له الوطء قبل الإطعام كما لا يجوز في الصيام. وقول أحمد: ليس هذا مثل الصيام يعني أن الصيام يبطل التتابع فيه ولا يعتد بما مضى وفي الإطعام يعتد بما مضى ولم يقصد ذلك الفرق بينهما في جواز الوطء.
وجه الأولى: أن الله تعالى بدأ في الكفارة بالعتق والصيام قبل المسيس وأطلقها قبل المسيس في التكفير بالإطعام فحملنا الآية على ما ورد به القرآن.
ووجه الثانية: وهو الصحيح أنه تكفير عن ظهار فلم يجز له المسيس قبله كالعتق ولأنه منع من المسيس قبل التكفير إذا كان من أهل العتق والصيام تغليظاً عليه لما ارتكبه من قول المنكر والزور.
---
وهذا المعنى موجود فيه إذا كان من أهل الإطعام.(1/423)
(فيجب أن يمنع من المسيس حتى يكفر).
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 190
إخراج مدين دفعة واحدة لكل مسكين عن كفارتين:
133 ـ مسألة: إذا كان عليه كفارتان: كفارة عن ظهار وكفارة عن جماع فأطعم كل مسكين مدين من الكفارة فهل يجزيه أم لا؟
نقل مهنا عنه في رجل عليه أن يطعم عشرين ومائة مسكين عن ظهاره فأطعم ستين مسكيناً عن ظهار في يوم لكل مسكين نصف صاع جميعاً: لا يجزيه إلا أن يكون لا يجد مساكين فأما من يجد فلا، فظاهر هذا أنه لا يجزيه.
ونقل أبو الحارث لا يجوز إعطاء خمسة مساكين لكل مسكين مدين فإن أعطى من جنسين أو ثلاثة أجزأه فظاهر هذا يقتضي جواز ذلك، وقد أومأ إليه في رواية صالح أيضاً في رجل عليه كفارات قال: إذا كان يجد مساكين فأحب أن يطعم ولا يكرر عليهم فإذا ضاق فلا بأس أن يجمع عشرة فيطعمهم فظاهره أنه منع من ذلك على طريق الاختيار.
قال الشيخ أبو عبد الله : المسألة على روايتين إحداهما:
لا يجزيه، لأنه مسكين استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجز دفع الكفارة إليه ثانياً في يومه. دليله إذا دفع إليه من كفارة واحدة مرتين، ويلزم على هذا أن لا يجوز لغير الدافع أن يدفع إليه عن كفارته في يومه لوجود هذه العلة.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة، أن الله تعالى أمر بدفع كفارة الظهار إلى ستين مسكيناً وقد وجد ذلك، ولأنا نعتبر قدر المدفوع وعدد المدفوع إليه فإذا دفع إليه مدين منهما فقد وجد الشرط في المدفوع وفي المدفوع إليه فوجب أن يجزيه فيهما ويفارق هذا إذا كان من كفارة واحدة لأنه يحمل بالعدد فلهذا لم يجزئه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 191
إخراج القيمة في الكفارة:
134 ـ مسألة: إذا دفع القيمة في الكفارة هل يجزيه؟
نقل الأثرم والميموني : أخاف أن لا يجزى.
---(1/424)
وقال في موضع آخر في مسائل الأثرم وقد سأله أنه أعطى لكل مسكين خمسة دوانيق فقال: لو استشرتني قبل أن تعطي لم أشر عليك، ولكن أعط ما بقي عليك من الإيمان على ما قلت لك، وسكت عن الذي مضى، فظاهر هذا أنه حكم بالأجزاء وإنما حكم بالأجزاء في حقه على مذهب غيره لا إنه مذهب له لأنه قد صرح بذلك في الكفارات والزكاة أنه لا يجزي إخراج القيمة لأنه لا يخلو إما أن يكون الاعتبار بالمنصوص عليه أو به وبما قام مقامه، فبطل أن يكون الاعتبار بما قام مقامه لأنه لو أعطاهم أربعين مداً يساوي من ناحية الجودة ستين مداً من قدر الواجب عليه لم يجزه وإن كان مثله في القيمة والانتفاع وأكثر ثبت أن الاعتبار بالمنصوص عليه لا غيره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 192
لزوم كفارة الظهار للمرأة بلفظ الظهار:
135 ـ مسألة: في المرأة إذا قالت لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي فإنها لا تكون مظاهرة رواية واحدة ولكن هل يلزمها كفارة الظهار أم لا؟
نقل الأثرم، وصالح، وأبو طالب إذا قالت المرأة لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي أو أخي لزمها عتق رقبة: أو صيام شهرين متتابعين مثل حديث عائشة بنت طلحة هذا أنه قد لزمها كفارة الظهار.
ونقل ابن القاسم في المرأة تظاهر من الرجل، فقال: هذا بعيد جداً، القرآن إنما حكم على الذين يظاهرون ولم يبنِ في ذلك أمر النساء فظاهر هذا أنه لا يلزمها الكفارة.
قال أبو بكر: نقل الجماعة عنه: أن المرأة إذا ظاهرت عليها كفارة الظهار إلا ما رواه ابن القاسم وهو رجل يحفظ ما يقول.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أن الله تعالى بين عن العلة التي لأجلها وجبت الكفارة على الرجل وهو قول المنكر والزور فقال: وإنهم ليقولون منكراً نم القول وزوراً .
---(1/425)
وهذا المعنى قد وجد من المرأة ولأن الظهار يمين بدليل قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لأوس بن الصامت: وكفر عن يمينك، وإذا كان يميناً فنقول: كل يمين وجبت بها كفارة على الرجل جاز أن يجب بها تلك الكفارة على المرأة كاليمين بالله عزّ وجلّ ولأنها أحد الزوجين فتعلقت به كفارة الظهار كالرجل ولأنها عقوبة وجبت لقول المنكر والزور فاستوى فيها الرجل والمرأة كحد القذف.
ووجه الثانية: قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ، فأوجب الكفارة بالعود وهو العزم على الوطء، هذا لا يوجد منها.
ولأن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية، فغير حكمه إلى الكفارة ثم ثبت أن الأصل المنقول يختص به الرجال دون النساء فوجب أن يكون الفرع المنقول إليه مثله.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 192
اللعان
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 193
الزوجان اللذان يصح اللعان منهما:
136 ـ مسألة: في صفة الزوجين اللذان يصح اللعان منهما
فنقل أبو طالب ، والميموني ، وابن منصور ، وابن القاسم ، بين كل زوجين لعان، حرين كانا أو مملوكين، أو ذميين، أو حر ومملكة، أو عبد وحرة، أو مسلم وذمية، فظاهر هذا أنهما إذا كانا مكلفين جرى بينهما اللعان مسلمين كانا أو كافرين، أو أحدهما مسلم، والآخر كافر، أو حرين أو عبدين أو أحدهما حر، والآخر عبد، فعلى هذه الرواية اللعان يمين وليس بشهادة.
ونقل حرب عنه في يهودي قذف يهودية فليس لهذا وجه لأنه ليس بعدل، واللعان إنما هو شهادة كأنه لم ير بينهما لعاناً.
ونقل حنبل، ويعقوب بن بختان، في العبد إذا قذف زوجته: يحد ولا يلاعن فظاهر هذا أنهما لم يكونا من أهل الشهادة أو أحدهما لم يجز اللعان بينهما.
---(1/426)
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أنه معنى يخرج به القاذف من قذفه إذا كان من أهل الشهادة فوجب أن يخرج منه وإن كان من غير أهلها كالبينة، ولأنه محتاج إلى القذف محتاج إلى تحقيقه باللعان فكان له اللعان كما لو كان من أهل الشهادة، ولأن اللعان لو كان شهادة لما صح منه لأن أحد لا يشهد لنفسه ولما صح من الفاسق ولما افتقر إلى تكرار اللفظ ولم يكن للنساء مدخل فيه، ولما ثبت هذا دل على أنه ليس بشهادة.
ووجه الثانية: ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لا لعان بين اليهودي والنصراني وعبد مملوك تحته حرة وحر تحته مملوكة) ولأن الحد لا يجب بقذف الكافر فلم يجب اللعان في حقها، كالصغيرة لأن الله تعالى سماه شهادة بقوله تعالى: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ، ولأنه لو لم تكن شهادة لم تفتقر إلى لفظ الشهادة فلما افتقر إلى لفظ الشهادة، دل على أنه شهادة، وهؤلاء لا تصح شهادتهم فلا يصح لعانهم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 193
إجبار الزوجة على اللعان:
137 ـ مسألة: إذا التعن الزوج ولم تلتعن الزوجة لم يجب عليها حد الزنا، رواية واحدة، وهل تحبس حتى تلاعن أو تقر؟
على روايتين، نقل ابن القاسم عنه أرأيت إن لم تلتعن أجبرتها؟. ومعنى الجبر هاهنا الحبس حتى تلتعن، قال أبو بكر : روى ابن القاسم أنها تجبر على اللعان، ووافقه غيره وروى الكوسج أنه يقال لها: اذهبي والولد لهما. قال: وهو المعمول عليه عندي.
وجه الأولى: وهي الصحيحة عندي، قوله تعالى: ويدرأوا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله لمن الكاذبين .
فأثبت إن عليها عذاباً يسقط باللعان وقد اتفقا على أن الحد لا يجب فلم يبق عذاب يجب غير الحبس.
ووجه الثانية: أن الحبس عذاب فلم يلزمها بلعان الزوج، دليله حد الزنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 194
اللعان ينفي الولد:
---
138 ـ مسألة: في اللعان على الحمل هل يصح؟(1/427)
نقل أبو طالب ، والميموني وغيره: لا يلاعن بالحمل، لعله من علة ثم ينفش. ونقل ابن منصور إذا تزوج العبد الحرة، أو الأمة، أو الحرة اليهودية، والنصرانية، يلاعن إنما هو نفي الولد وإذا كان قاذفاً وكانت حاملاً أو لم تكن حاملاً يلاعنها. قال أبو بكر الخلال : روى الجماعة: حنبل، وأبو طالب ، وغيره: لا يلاعن بالحمل، وقول إسحاق قول أول، وعندي أن ما نقله إسحاق لا يدل على اللعان على الحمل لأن قوله: إذا كان قاذفاً وكانت حاملاً، أو لم تكن حاملاً لاعنها معناه يلاعن لإسقاط الحد لا لنفي النسب لأن اللعان وجوبه يتعلق بوجود الحمل والحمل غير متيقن لأنه يجوز أن يكون في جوفها ريح أو علة فيتوهم أنه حمل فلم يجز إيجاب اللعان بالشك.
ولأنه إذا لم يكن الحمل متيقناً صار القذف معلقاً بشرط، وهو أن يقول: أن ولدت ولداً فهو من الزنا وليس مني، ونفي الولد لا يتعلق بالشرط ألا ترى أنه لو نفاه بعد الوضع وعلقه بشرط مثل أن يقول: إن دخلت الدار فهذا الولد ليس مني لم يكن هذا نفياً؟
ومن ذهب إلى رواية إسحاق فوجهه ما روي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لاعن بين هلال بن أمية وبين امرأته وفرق بينهما وكانت حاملاً والحق الولد بالأم وأمر بأن لا يدعي لأب ولأن كل حالة لو أقربه فيها لزمه فإنه إذا نفاه جاز أن ينفيه باللعان، دليله بعد الوضع والقائل الأول لا يسلم هذا الوصف لأنه لو أقر بالحمل لم يلزمه النسب نص عليه في رواية ابن القاسم فقال: إذا أقر بحمل ثم رجع بعد الولادة أو قبل لاعن بعد أن تضع، فأما إن ولدته فأقر به لم أقبل رجوعه أبداً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 195
ثبوت الفرقة بين المتلاعنين بمجرد اللعان:
139 ـ مسألة: فرقة اللعان هل يفتقر إلى حكم الحاكم أم تحصل بلعان من الزوج؟
---
نقل إسماعيل بن سعيد : لا يحتاج إلى فرقة الحاكم في اللعان، فظاهر هذا أنها تقع بلعانهما معاً ولا يفتقر إلى حكم الحاكم فإن حكم الحاكم تنفيذ لا إيقاع.(1/428)
ونقل ابن القاسم: ينبغي للحاكم أن يقول: قد فرقت بينكما، فظاهر هذا أنه يتعلق بلعانهما وحكم الحاكم بعد ذلك فأما قبل الحكم فهما على الزوجية، ولكن الحاكم يحكم بالفرقة من غير مطالبة ويكون حكمه إيقاعاً لا تنفيذاً، وهو اختيار الخرقي وأبي بكر ولا يختلف الرواية أن الفرقة لا تقع بلعان الزوج وحده.
ووجه الأولى: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا فقد منع من اجتماعهما باللعان وهما بعد الفراغ من اللعان متلاعنان فمن قال: هما مجتمعان ما لم يحكم الحاكم فقد ترك الخبر، ولأنه لما لم يصح البقاء على النكاح بعد التلاعن دل على أن الفرقة قد وقعت بينهما، ألا ترى أنه لما لم يصح البقاء عليه بعد الرضاع ووطء المرأة دل على وقوع الفرقة بينهما؟
ووجه الثانية: ما روي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لاعن بين العجلاني وامرأته قال: إن أمسكتها فقد كذبت عليها فطلقها ثلاثاً فأقره ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ على هذا ولم ينكر عليه، فلو كانت الفرقة وقعت كان الطلاق محالاً فلما أقره على الطلاق ثبت أن الزوجية كانت باقية، ولأن سبب هذه الفرقة تفتقر إلى الحاكم، فالفرقة المتعلقة به لا تقع إلا بحكم الحاكم كفرقة العتيق، ولأنه سبب يفتقر إلى لفظ الشهادة فوجب أن لا يكون له حكم ينضم إليه حكم الحاكم. دليله الشهادة على سائر الحقوق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 196
ذكر الولد المنفي بالقذف في اللعان:
140 ـ مسألة: إذا قذفها ونفي الولد فهل عليه أن يذكر في اللعان؟ قال الخرقي : يذكره. وقال أبو بكر ـ في كتاب الخلاف ـ ليس عليه ذلك.
ووجه ما قاله الخرقي ـ وهو الصحيح ـ: أن كل من سقط حقه باللعان كان ذكره شرطاً فيه كالزوجة.
---
ووجه قول أبي بكر : أن نفي الولد إنما يكون تبعاً لزوال الفراش والفراش يزول بلعانهما جميعاً ونفى النسب تبعاً له فلم يكن عليه ذكره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 197(1/429)
عدد الشهود الذين يثبت بهم الإقرار بالزنا:
141 ـ مسألة: في الإقرار بالزنا بماذا يثبت؟
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: على قولين: أحدهما: لا يثبت إلا بأربعة لأنه إقرار بفعل فلا يثبت إلا بما يثبت به ذلك الفعل، كالقتل.
والثاني: يثبت بشاهدين، لأنه يثبت بإقرار فوجب أن يثبت بشاهدين كسائر الإقرارات، ويفارق القتل لأنه فعل وفعل الشيء أقوى من الإقرار به، ألا ترى أنه لو قذفه كان عليه الحد، ولو أقر أنه زنا لم يكن قاذفاً؟
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 198
إباحة الملاعنة للملاعن إذا كذب نفسه:
142 ـ مسألة: إذا كذب الزوج نفسه بعد لعانه لزمه ما عليه من وجوب الحد ولحوق النسب لأنه إذا لحق وجبت النفقة، وهل يثبت ماله وهو رجوع الفراش بماله وزوال تحريم العقد؟
على روايتين: نقل حنبل، والميموني: أنه تحريم على التأييد ولا يزول ذلك التحريم، ونقل حنبل في موضع آخر متى أكذب نفسه زال تحريم الفراش، وعادت مباحة كما كانت بالعقد الأول.
قال أبو بكر : جميع من روى عنه، أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً أكذب نفسه أو لم يكذبها، وما رواه حنبل فهو قول آخر.
والعمل على ما روى الجماعة.
وجه الأولى: وهي الصحيحة ـ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: المتلاعنان لا يجتمعان أبداً . ولأنه تحريم عقد لا يرتفع بغير تكذيب فوجب أن لا يرتفع به كتحريم المصاهرة، والرضاعة، ولا يلزم عليه الطلاق لأنه لا يرتفع كتحريم بتكذيب، وإنما يترفع بالعقد والإصابة.
ووجه الثانية: أنه تحريم يختص بالزوجية فوجب أن لا يكون مؤيداً كالطلاق ولا يدخل عليه الرضاع لأنه لا يختص بالزوجية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 198
---
اللعان لنفي الولد:
143 ـ مسألة: إذا قال لها: أكرهت علي نفسك وغضبت عليها وهذا الولد منه وما زنيت أنت فهل له اللعان على نفي النسب أم لا؟(1/430)
على روايتين: إحداهما: ليس له أن يلاعن أومأ إليه في رواية ابن القاسم، وأبي طالب، فقال في رواية ابن القاسم: ولا يزول الولد إلا في الموضع الذي أزالته الشبهة وهو بالتعانهما جميعاً، والفراش قائم حتى تلتعن هي أيضاً والولد للفراش ونقل أبو طالب: إذا قال: ليس هذا الحمل مني إنما هي كاذبة فإذا قذفها لعنها.
والرواية الثانية: له اللعان نص عليه في رواية ابن منصور إذا قال: لا أقذف امرأتي وليس مني فإذا كان الفراش له، وولدت في ملكه يلاعن وقال في موضع آخر إذا قال ليس مني لحق به لا ينتفي إلا باللعان.
وجه الأولى: وهي اختيار الخرقي أن الرجل إذا لاعن يحتاج أن يقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا.
وإذا لم يقذفها لم يمكنه اللعان فثبت أنه لا يلاعن حتى يقذف ولأنه من رمى أحد الواطئين لم يكن له أن يلاعن كما لو قذف الزوجة دو الواطىء فقال: وطئتك فلان بشبهة وكنت علمت بأنه أجنبي.
ووجه الثانية: وهي اختيار أبي بكر وشيخنا أبي عبد الله وهو أصح أنه قذف بزنا لو أتت منه بولد لحقه، فكان له نفيه باللعان كما لو قذفها معاً، ولأنه إذا قال لها: هذا الولد ليس مني، ولم أصبك وما زنيت. لا يخلو إما أن يستلحق الولد فيكون ولده أو يقذفهما وينفيه، أو يقذف الواطىء ويلاعن، ولا يجوز أن يستلحقه ولأنه لا يحل له وبطل أن يقذفهما معاً، لأنه لا يمكنه لأن الزاني هو الواطىء دونها فلم يبق إلا أن يقذف الواطىء وحده يلاعن على نفي النسب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 199
القذف
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 200
قذف الأنثى بلفظ الذكر:
144 ـ مسألة: إذا قال لزوجته: يا زان هل يكون قذفاً؟
---
قتل أبو بكر : يكون قذفاً كقوله يا زانية. قال الشيخ أبو عبد الله: لا يكون قاذفاً.(1/431)
وجه قول أبي بكر ـ وهو الصحيح ـ أن الكلام إذا فهم معناه تعلق حكمه بقائله وإن كان لحناً كما لو قال لرجل: زنيت بكسر التاء وللمرأة: زنيت بفتح التاء أو قال له على مائة درهماً بفتح الهاء ونصب الدرهم ولأن الحد إنما يجب بإدخال المعرة على المقذوف بأي عبارة كانت بدليل أنه لو قذفه بالفارسية كان قذفاً كذلك هاهنا قد أدخل فيجب أن يكون قذفاً ولأن الهاء إنما تدخل للفرق بين المذكر، والمؤنث، والإشارة إليهما بحرف التاء أبلغ من الهاء في الفرق بين المذكر والمؤنث ولأنه قد يحذف آخر الكلمة على سبيل الترخيم فيقال: لمالك: يا مال، ولحارث: يا حار كذلك هاهنا.
ووجه قول شيخنا أبي عبد الله أن الهاء تدخل في زانية للفرق بين المذكر والمؤنث، لأنه يقال للمرأة زانية وللرجل زانٍ كما يقال: صادق وصادقه فكانت الهاء علامة المؤنث فيجب إذا أضاف الزنا إليه بلفظ المؤنث أن لا تصح الإضافة كما إذا أضافت الصدق إليه باللفظ المؤنث، أن لا تصح الإضافة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 200
قذف الذكر بلفظ المؤنث:
145 ـ مسألة: فإن قالت لزوجها: يا زانية أو قال له: أجنبي.
فقال أبو بكر هو قذف، وزيادة الحرف كنقصانه.
وقال الشيخ أبو عبد الله لا يكون قذفاً.
ووجه قول أبي بكر وهو الصحيح، تقدم في المسألة التي قبلها وهو أن الكلمة إذا فهم معناها يتعلق حكمها بقائلها وإن كانت لحناً كقوله لرجل: زنيت بالكسر وللمرأة: زنيت بالفتح ولأن الحد يجب على القاذف بإدخال المعرة على المقذوف وهاهنا قد أدخل المعرة بهذه الإضافة والمواجهة، ولأن فعل الرجل إذا تقدم ذكره جاز أن يؤنث كقوله: رجل ضحكة، ولعنة،وهزأة.
---(1/432)
وجه قول شيخنا بأن الهاء إنما تزاد في الكلمة للمبالغة في العلم، لتدل على التكرار منه، كما يقال: علاقة، وحسابه، ونسابه، ليدل على كثرة العلم بذلك وإذا كانت لغة في علم الشيء وجب أن لا تكون قاذفة له كما لو قالت له أنت عالم بالزنا ولأن قوله زانية اسم وضع للتي تمكن من نفسها للوطء والزنا بها، وما كان موضوعاً لها لا يتصف الرجل به فوجب أن لا تكون قاذفة له.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 200
القذف باللفظ المحتمل للزنا وغيره:
146 ـ مسألة: إذا قال لرجل زنأت في الجبل.
فقال أبو بكر : هو صريح في القذف فإن ذكر أنه لم يرد به القذف لم يقبل منه. وقال شيخنا أبو عبد الله : إن كان من أهل اللسان بالعربية عالماً باللفظة لم يكن صريحاً في القذف وكان على ما أراد، وإن لم يكن له معرفة باللسان وكان صريحاً في القذف وهوأصح لأن العامة لا تفرق في العادة بين قوله زنأت وزنيت وتعقل من ها ما تعقله من هذا، فصارت كلغة قائمة فيما بينهم اصطلحوا عليها، فتعلق بها الحد مثل: أن يقذفه بالفارسية.
وليس كذلك إذا كان من أهل اللغة ويعرف الفرق بين زنأت وزنيت أن يصدق لأنه يفرق بينهما والعامي لا يفرق.
ووجه قول أبي بكر أنه لما كان صريحاً في القذف في حق العامي، كان صريحاً في حق من هو من أصل اللغة كقوله: زنيت.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 201
قذف المحصن بما قبل الإحصان:
147 ـ مسألة: إذا قال: زنيت وأنت نصرانية أو أمة فقالت: قد كنت نصرانية غير أني ما زنيت، فهو قاذف وهل يجب عليه الحد؟. على روايتين:
نقل الميموني في رجل قذف امرأة فقال: زنيت وأنت نصرانية أو أنت مملوكة، هل يجلد الحد إن لم يأت بالبينة؟
فقال: ويعلم أنها كانت نصرانية هذا أهون. قيل له: فإن لم يعلم؟ فقال: دعها ولم يجب عنها، فظاهر هذا أنه لم يوجب عليه حد القذف.
---(1/433)
ونقل ابن منصور في رجل رمى امرأته بما فعلت في الجاهلية، فقال: عليه الحد فظاهر هذا أنه أوجب الحد ولا تختلف الرواية أنها إذا لم تصدقه أنها كانت نصرانية أو أمة أن عليه الحد.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أنه قاذف لنصرانية أو أمة، فلم يجب عليه حد القذف، دليله إذا كانت نصرانية أو أمة حال القذف.
ووجه الثانية: أنه أضاف الزنا إلى حالة الرق فلم يسقط حد القذف كما لو لم تصدقه أنها كانت نصرانية أو أمة ومن قال بالأول أجاب عن هذا بأنها إذا لم تصدقه فهو قذف لمسلمة لأن المغلب في دار الإسلام حكم الإسلام بدليل أنه لو وجد لقيط في دار الإسلام حكمنا بأنه مسلم واذا حكمنا بإسلامها كان الحد على قاذفها والقائل الثاني يجيب عن هذا فيقول: الدار تجمع المسلمين والمشركين والأصل براءة ذمته عن الحد فكان يجب أن لا يلزمه الحد مع إنكارها حتى يعلم ذلك ولما أوجب عليها الحد مع هذا الاحتمال كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 201
تكرار الحد بتكرار القذف بعد الحد للقذف الأول:
148 ـ مسألة: إذا قذف أجنبياً أو أجنبية فحد ثم قذفها ثانياً بغير القذف الأول فقال: زنيت ثانياً فهل يجب عليه حد ثاني؟
نقل الأثرم وأحمد بن منصور : لا حد عليه وهو اختيار أبي بكر الخلال.
ونقل حنبل: يحد وهو اختيار أبي بكر، ولا تختلف الرواية أنه إذا قذفها بالقذف الأول أنه لا حد عليه لأن القذف ما احتمل الصدق والكذب، وهذا قد تحقق كذبه فلا حد عليه ولكن يعزر.
وجه الأولى: أنه قد حكم بكذبه في قذفها فلا يحد لها كما لو أعاد الأول ولأن المعرة لا تلحق بهذا القذف بحصول كذبه.
ووجه الثانية: أنه إذا استأنف قذفاً احتمل الصدق والكذب، فالمعرة تلحق فلهذا كان قذفاً، ويفارق هذا إذا أعاد الأول لأنه قد تحقق كذبه به فيه فلهذا لم تحد.
---(1/434)
ولأنه لو زنى فحد أو سرق فقطع ثم زنى وسرق ثانياً أقيم عليه الحد كذلك هاهنا، إذا قذف يحد ثم قذف ثانياً أن يحد فإن قذف زوجته بزنا ولم يحقق بالبينة فحد، ثم قذفها ثانياً فحكمه حكم قذفه لأجنبية إن كان القذف الثاني الزنا الأول فلا حد عليه.
وإن كان بزنا ثاني فعلى روايتين:
فإن قذفها وهي أجنبية فقبل أن يحد تزوج بها ثم قذفها بقذف ثاني في الزوجية، فإن طالبت بالأول فحد لها، فهل لها المطالبة بالثاني؟ على روايتين: كما قلنا في قذف الأجنبية إذا حد لها ثم قذفها ثانياً، وإن طالبت بالثاني أو لأن أقام البينة عليها بالزنا فحدت لم يحد الزوج للأول ولا للثاني لأنه قد سقطت حصانتها، فإن لم تقم البينة لكن لاعنها سقط عنها الحد الأول بلعانها. نص عليه في رواية ابن منصور لأنه معنى أسقط القذف فكان مسقطاً للقذف الأول كالبينة وإن لم يلتعن ولم تقم البينة فقد تكرر منه قذفها قبل الزوجية وبعد الزوجية فيجب حد واحد. نص عليه في رواية ابن منصور لأنهما حدان من جنس واحد فوجب إذا ترادفا أن يتداخلا كحد الزنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 201
قذف كل من الزوجين لصاحبه:
149 ـ مسألة: إذا قال لزوجته: يا زانية فقالت: بل أنت زان فكل واحد منهما قاذف لصاحبه.
قال أبو بكر : على الزوج الحد إلا أن يقيم البينة أو يلتعن وعليها الحد إلا أن تقيم البينة.
ونقل حنبل عن أحمد ـ رحمه الله ـ: أنه لا لعان بينهما وعليها الحد فأسقط عن الزوج الحد واللعان، وأوجب على الزوجة حد القذف، وعندي أن هذه الرواية سهو في النقل لأن أكثر ما فيه أنه محدود في قذف والمحدود في القذف يلاعن. نص عليه في رواية ابن منصور، والصحيح: ما قاله أبو بكر لأنهما قاذفان لو انفرد كل واحد منهما بالقذف كان له حكم قذفه فإذا قذف كل واحد منهما وجب أن يكون له حكم قذفه كالأجنبيين إذا قذف كل واحد منهما صاحبه.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 203
قذف الجماعة بكلمة واحدة:(1/435)
150 ـ مسألة: إذا قذف جماعة نسوة أو جماعة رجال قذفاً واحداً بكلمة واحدة، فهل يجب عليه حد واحد أم حدود؟
نقل أبو الحارث ، والفضل ، وأبو طالب ، ويعقوب بن بختان ، ومهنا ، وعبد الله : عليه حد واحد وإن تفرقوا لأنها كلمة واحدة، وإن قذفهم متفرقين حد لكل واحد حداً فقد نص على أن عليه حداً واحداً سواء طالبوا بالحد متفرقين أو مجتمعين.
ونقل أبو الصقر عنه فيمن قال: يا ناكح أمه، يحد للرجل حداً ولأمة حداً فقد أوجب حدين بكلمة واحدة سواء طالبوا جميعاً أو متفرقين.
---
ونقل أبو الحارث، وحنبل، وابن منصور: إذا قذف جماعة فإن قدموه إلى الحاكم، واحداً واحداً حد لكل واحد منهم حداً وإن قدموه جميعاً مرة واحدة ضرب لهم حداً واحداً، ولا تختلف الرواية أنه إذا قذفهم بكلمات وأفراد كل واحد أن عليه لكل واحد حداً كاملاً وقد حكينا في الظهار عكس هذا وهو أنه إذا ظاهر منهن بكلمة واحدة ثم عاد من كلهن فعليه كفارة واحدة رواية واحدة، وإن ظاهر من كل واحدة بكلمة مفردة ثم عاد منهن فعلى روايتين فهاهنا إذا أفرد كل واحدة بكلمة واحدة فعليه لكل واحدة حد وإن جمعهن بكلمة واحدة فعلى الروايات، وكان الفرق بينهما أن الكفارة حق الله تعالى بدليل أنه لا مطالبة للزوجة فيها فجاز أن يبني أمره على التداخل بالكلمة والكلمات كحد الزنا، والسرقة، وليس كذلك حد القذف لأنه حق لآدمي بدليل أنه لا يستوفي إلا بمطالبة المقذوف فكان أبعد في التداخل ألا ترى أنه لو جرح ثم جرح لم يتداخل أو أتلف مالاً ثم أتلف مالاً ثانياً لم يتداخل وكان يلزم على هذا أن لا يتداخل وإن كان بكلمة واحدة لكن وجدنا في الأصول فرقاً بين الكلمة الواحدة والكلمات. ألا ترى أنه لو حلف يميناً واحدة على جماعة نساء أن لا يكلمهن فكلمهن فكفارة واحدة ولو أفرد كل واحدة بيمين وحنث في جميعهن لزمه لكل يمين كفارة كذلك هاهنا.(1/436)
وجه الرواية الأولى: وأنه يتداخل إذا كان بكلمة واحدة وهي الرواية الصحيحة، أنها حدود ترادفت من جنس واحد فجاز أن يتداخل كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر ولا يلزم على هذا إذا أفرد كل واحدة بقذف لأن التعليل لجواز التداخل في الجملة، فلا يلزم عليه التفضيل، ولأنه قذف بكلمة واحدة، فكان فيه حد واحد كما لو قذف واحداً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 204
ووجه الثانية: أنه يجب لكل واحدة حد أنها حقوق مقصودة لآدميين فإذا أمكن استيفاؤها لم يتداخل كما لو جرح ثم جرح أو خرق ثوباً ثم خرق ثوباً.
---
ووجه الثالثة: وأنه إذا جاؤوا متفرقين فحدود وإن جاؤوا مجتمعين فحد واحد أن حد القذف جعل للتشفي لما دخل عليه من المعرة فإذا جاؤوا جميعاً يطالبون بذلك فأقيم الحد، فالظاهر أن التشفي قد حصل لجميعهم لأن الحد أقيم في مقابلة المطالبة من جهة جميعهم. وليس كذلك إذا جاؤوا متفرقين فأقيم الحد لأحدهم ثم جاء الآخر يطالب فإن التشفي لا يحصل للثاني بالحد الأول ولأنه لم يقم له ولا عن مطالبته والتشفي لا يحصل له. فإن كان المقذوف زوجاته وأراد اللعان أفرد كل واحدة منهن بلعان لأن لكل واحدة منهن حقاً في الرمي، واللعان يمين، واليمين الواحدة لا يسقط بها حق لاثنين كما لو ادعى عليه رجلان حقين فأنكر فإنه يحلف لكل واحد يميناً ولا يحلف لهما يميناً واحدة كذلك هاهنا.
ولأن اللعان موضوع على التغليظ، ولهذا كرر اللفظ وجيء باللعن فيه ومن التغليظ أن يفرد كل واحدة بلعان.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 204
قذف الزوجة وأجنبية بكلمة واحدة:
151 ـ مسألة: فإن قذف زوجته وأجنبية بكلمة فقال: زنيتما ولم يقم البينة، ولم يلتعن فهل يحد لهما حداً واحداً أم حدين؟(1/437)
يخرج على ما مضى من الروايات وهو إذا قذف أجنبيتين بكلمة واحدة واختار أبو بكر هاهنا أن عليه حداً واحداً وعندي أن الصحيح هاهنا أن يجب لكل واحدة حل كامل وهو المنصوص على أحمد ـ رضي الله عنه ـ في رواية مهنا: إذا رمى زوجته، وأجنبية بالزنا، فإنه يلاعن عن زوجته، ويحد للأجنبية وذلك لأن حد الزوجة يخرج منه بأحد أمرين: إما بالبينة أو باللعان، وحد الأجنبية لا يسقط إلا بالبينة فقط فلما اختلفا في المسقط لهما كانا كالمختلفين، ودخلا في جملة حدين من جنسين فلهذا كان الأظهر هذا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 205
ما يوجب قذف الزوجة برجل بعينه:
---
152 ـ مسألة: فإن قذف زوجته برجل بعينه فقال: زنا بك فلان، ولم يلاعن فإنه يحد لهما حداً واحداً رواية واحدة، لأنه قال: إذا لاعنها لم يحد للأجنبي إذا طالب. وهذا يدل على أنه لم يجب إلا حد واحد لأن هذا قذف بزنا واحد، ويفارق هذا إذا قذف الجماعة بكلمة واحدة لأن هذا قذف بعدد من الزنا فلهذا تكرر الحد فيه على إحدى الروايتين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 206
التعريض بالقذف:
153 ـ مسألة: إذا عرض بالقذف مثل أن يقول حال الغضب والخصومة: يا حلال ابن الحلال خلقت من نطقه حلال ما أنا زاني، ولا أمي زانية فهل يكون ذلك قذفاً يجب به حد القذف؟
نقل الأثرم ، والمروذي ، وأبو الحارث ، وابن منصور : في التعريض بالزنا. الحد ونقل حنبل: في التعريض التعزير، ولا يبلغ الحد إلا في القذف.(1/438)
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أن دلالة الحال تنقل حكم الكلام إلى ضد ما أوجب لفظه في حقيقة اللغة، نحو قوله: اعملوا ما شئتم ظاهره الأمر والمراد به النهاية في الزجر وكذلك قوله: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقوله: واستفزز من استطعت منهم بصوتك . ونحو ذلك فلو ورد هذا اللفظ مبتدأ عارياً من دلالة الحال لكان ظاهره يقتضي إباحة جميع الأفعال، وهو في هذه الحال وعيد، وزجر، بخلاف ما يقتضيه اللفظ المعلق العاري من دلالة الحال ومن نظائر ذلك قول النجاشي:
إذا الله عادى أهل لؤم وقلة
فعاد بني العجلان رهط ابن مقبل
قبيلة لا يغدرون بذمة
ولا يظلمون الناس حبة خردل
---
ومعلوم أن الناس يتمدحون بدفع الظلم والغدر عن أنفسهم وهو في هذا الموضع ذم وهجاء لخروج اللفظ مخرج الهجاء فكان معناه أنهم أقل من أن يوثق بهم بذمة يغدرون بها وأعجز من أن يظلموا أحداً فكانت دلالة الحال ناقلة لحكم اللفظ إلى ضد مقتضاه وموجبه لو كان ورد مطلقاً وقد اعتبر قوم في هذا المعنى مسائل في الفقه فيمن قامت امرأته لتخرج فقال لها: إن خرجت فأنت طالق أنها إن قعدت ثم خرجت بعد ذلك لم يحنث وكذلك لو قال لرجل تغد عندي اليوم فقال إن تغديت فعبدي حر، إن هذا على ذلك الغداء بعينه. فإن تغدى عنده بعد ذلك لم يحنث فصارت اليمين على الفور لدلالة الحال عليها وكذلك لو خالعها بغير عوض ونوى به الطلاق كان طلاقاً ولو خالعها بعوض ونوى به الطلاق لم يكن طلاقاً. لدلالة الحال وهو بذل العوض كذلك هاهنا يجب أن يكون قوله في حال الغضب والخصومة: يا حلال بن الحلال خلقت من نطفة حلال أن يكون قذفاً لدلالة الحال ولأن أكثر ما في التعريض أنه كناية عن القذف وقد أجمعنا على أن قذف الأخرس ولعانه يصح وإشارة الأخرس بالقذف إنما هي كناية عن القذف وقد صحت كذلك في الناطق.(1/439)
ووجه الثانية: أن كلما كان كناية في حال الرضا كان كناية في حال الغضب فلو قال ما أنا بزانٍ ولا أمي زانية لم يكن اعتراضاً فوجب أن لا يكون لغيره قذفاً ولأن الله تعالى أباح التعريض بخطبة النساء في العدة فقال: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء وحرم التصريح به فلو كان التصريح كالتعريض لما أباحه وحرم التصريح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 206
نسبة الزنا إلى إحدى الجوارح:
---
154 ـ مسألة: فإن قال: زنى فرجك أو قال: زنى يدك أو رجلك فقال شيخنا أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ في قوله زنى فرجك: صريح في القذف لأنه محل الفعل فيه يضاف الزنا إليه فلهذا كان قذفاً وإما قوله زنى يدك أو رجلك فليس بصريح لأنه يحتمل صريح الزنا الذي هو الفاحشة والفجور ويحتمل زنا اليد والرجل وهو النظر واللمس والسعي قال : العينان تزينان واليدان تزنيان ويكذب ذلك ويصدقه الفرج .
قال أبو بكر في قوله: زنى فرجك ويدك ورجلك واحد وفيهما قولان بناء على التعريض هل يوجب الحد أم لا؟ فيها روايتان والمذهب على ما حكاه الشيخ وليس هذا من التعريض في شيء لأن التعريض إنما كان قذفاً لدلالة الحال وهذا المعنى معدوم هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 208
العدة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 208
معنى الأقراء:
155 ـ مسألة: اختلفت الرواية في الإقراء هل هي الحيض أم الإطهار؟
نقل صالح عنه أنه قال من الناس من يقول: القرء هو الطهر وهو قول زيد وابن عمر وعائشة. ومنهم من يقول: هو الحيض وهو قول عمر وعبد الله بن مسعود قيل له إلى أي شيء تذهب؟ قال: فيه اختلاف وكأنه ذهب إلى أنه الإطهار.(1/440)
ونقل ابن القاسم عنه في المطلقة تطهر من الحيضة الثالثة قد كنت أقول بقول زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر فهبته فظاهر هذا أنه رجع عن قوله بالإطهار وأن القرء هو الحيض وقد صرح في رواية عبد الله النيسابوري فقال: قد كنت أقول به إلا أني أذهب اليوم إلى أن الإقراء الحيض إلا أن أصحابنا قالوا: إن المسألة على روايتين:
إحداهما: أنها الإطهار:
والثانية: أنها الحيض وهي الصحيحة وإليه ذهب أصحابنا.
وجه الأولى: حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لعمر: مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها فتلك العدة التي أمر الله عزّ وجلّ أن تطلق لها النساء.
---
فوجه الدلالة أنه أمره بمراجعتها وإمساكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم بعد ذلك يطلق أو يمسك وكان قوله تلك العدة التي أمر الله عزّ وجلّ أن يطلق لها النساء راجعاً إلى الطهر فثبت أن الاعتبار به ولأنه إذا طلقها وهي طاهر فذلك الطهر عدة وجبت عقيب طلاق مباح مجرد فوجب أن تعتد بها، أصله عدة الآيسة والصغيرة التي لم تحص والحامل ولا يدخل عليه الطلاق في حال الحيض لأنه ليس بمباح بل هو محرم فلذلك لم يعتد به. وقولنا: مجرداً احتراز من الخلع فإنه مباح في الحيض ولا يعتد به لأنه ليس بمجرد وإنما هو طلاق بعوض، ولأنه دم يحرم الجماع فوجب أن لا يعتد بزمانه أصله بقية الحيضة التي طلقها فيها.
ووجه الثانية: أن القرء يقع على الطهر والحيض جميعاً إلا أنه حقيقة من الحيض بدليل أن التي لا تحيض لا تسمى من ذوات الإقراء وإن كان الطهر موجوداً فيها، وتسمى التي تحيض من ذوات الإقراء لوجود الحيض فيها وأسماء الحقائق لا تنتفي عن مسمياتها ولأنه أشبه بلغة ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ.
قال : (دعي الصلاة أيام إقرائك) ومعناه أيام حيضك، وقوله عليه السلام: (دعي الصلاة من القرء إلى القرء).(1/441)
وروت عائشة رضي الله عنها أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان، ولأنها عدة تتعلق بخروج يخرج من الرحم فوجب أن يتعلق بالظهور، دليله عدة الحامل. فإذا قلنا: الإقراء الحيض فإذا حاضت ثلاثاً ولم تغتسل فهل تحل للأزواج أم لا حتى تغتسل قال في رواية ابن القاسم: عمر وعلي وابن مسعود يقولون قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة، قيل لأبي عبد الله فإن أخرت الغسل متعمدة فينبغي إن كان الغسل من إقرائها أن لا تبين وإن أخرته، قال هكذا كان يقول شريك، فظاهر هذا أنه أخذ بقول عمر وعلي وابن مسعود، أنها لا تحل للأزواج ما لم تغتسل لأن الضحاك روى عن عمر وابن مسعود أنهما قالا: زوجها أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 208
قال أبو بكر : وقد روي عن أبي عبد الله إذا وجبت عليها الصلاة ولم يخرج الوقت يخرج الوقت يعني بذلك أنها لا تباح ما لم تجب عليها الصلاة فإذا وجبت أبيحت.
وحكى شيخنا في المسألة روايتين: إحداهما: تباح بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة وإن لم تغتسل.
والثانية: لا تباح حتى تغتسل وعلى هذا يملك الرجعة عليها ما لم تغتسل، وهو ظاهر كلام الخرقي ـ رحمه الله ـ لأنه قال فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج وقد نص عليه أحمد في رواية حنبل فقال: هو أحق بها ما لم تغتسل.
وجه الأولى: وأنها لا تباح حتى تغتسل ما ذكره أحمد عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى الأشعري، فإن الحسن روي عنه أنه قال: هو أحق بها ما لم تغتسل ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض فلم تبح للأزواج قياساً على زمان الحيض ولأنها ممنوعة من الأزواج لأجل الحيض فوجب أن لا يرتفع ذلك التحريم إلا بالغسل كوطء الزوج الزوجة بعد الحيض.(1/442)
ووجه الثانية: وأن الغسل ليس بشرط في الإباحة عموم قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء والقرء عبارة عن الحيض وكذلك قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان . فمن أوجب الغسل اعتبر معناه زائداً على ذلك ولأنها أكملت ثلاثة أقراء فأشبه لو اغتسلت ولأنها إذا وجبت عليها الصلاة حصلت في حكم الطاهرات وقبل أن يجب عليها فهي في حكم الحيض، فلهذا لم يبح.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 208
عدة من لم تحض:
156 ـ مسألة: إذا أتى على الجارية زمان الحيض فلم تحض تعتد بثلاثة أشهر أم تعتد بسنة؟
---
نقل أبو طالب في البكر التي لم تحض: تعتد سنة، قال أبو بكر: قد خالف أبو طالب أصحابه في الرواية لأنهم قالوا عنه: البكر تعتد بثلاثة أشهر قال: وهو الذي اعتمد عليه في رواية حنبل عدة المطلقة ثلاث حيض فإن كانت ممن لا تحيض أو ارتفع حيضها أو صغيرة فعدتها ثلاثة أشهر.
وجه الأولى: وأن عدتها سنة: إذا أتى عليها زمان الحيض فلم تحض حصلت مرتابة لجواز أن يكون بها حمل منع من ظهور الحيض لأن المسألة يتصور فيها إذا كانت مدخولاً بها لأن غير المدخول بها لا عدة عليها وإذا كانت مرتابة من هذا الوجه وجب أن يعلم براءة رحمها بغالب مدة الحمل.
ووجه الثانية: وهي اختيار أبي بكر وظاهر كلام الخرقي، لأنه قال وإن كانت من الآيسات أو ممن لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لمن يحضن كالآيسة باعتبار الثلاثة أشهر، ولأن كلما كان الاعتداد به إذا كان على العادة كان الاعتداد به، وإن خالف الأمر المعتاد كالإقراء والحمل فإن عادة التي لم تيأس من المحيض والإقراء فلو عاودها الدم بعد الإياس اعتدت به وإن كان خلاف العادة وجب أن يكون عدة هذه بالشهور وإن كانت خلاف العادة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 212
انقضاء العدة بوضع ما تشهد القوابل أنه مبتدأ خلق إنسان:(1/443)
157 ـ مسألة: إذا ألقت جنيناً ولما يتبين فيه خلق الإنسان ولا تخطيط بل شهدت القوابل أن هذا مبتدأ خلق آدمي وأنه لو بقي لصار منه آدمي حي فهل تنقضي العدة وتصير به أم ولد أم لا؟
فنقل أبو طالب: أن عدتها لا تنقضي به ولا تصير به أم ولد
ونقل حنبل: تصير به أم ولد، فالمسألة على روايتين:
إحداهما: تنقضي به العدة وتصير به أم ولد على ما نقله حنبل.
والثانية: لا تنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد ولا يتعلق به شيء من الأحكام على ما نقل أبو طالب والأثرم وهي اختيار أبي بكر وهو أصح.
---
وجه الأولى: في أن العدة تنقضي به، أنها تنقضي بالدم الجاري فإن تنقضي بهذا الجسم المنعقد أولى، ولأن العدة بالوضع تراد لبراءة الرحم وقد علمنا براءة رحمها بوضعه فلذلك انقضت العدة.
ويدل على أنها تصير أم ولد أنه قد تحكم بالشيء من جهة الظاهر فإن كان في الباطن بخلافه، ألا ترى أن زوجة الرجل إذا أتت بولد لستة أشهر من حين العقد ألحقناه به، بحكم الظاهر وإن جاز أن يكون في الباطن بخلاف ذلك كذلك هاهنا نحكم بأنها أم ولد من جهة الظاهر وإن كان في الباطن بخلافه.
ووجه الثانية: أنها لا تصير أم ولد أن الحرية تسري من الولد إلى الأم لأنه ينعقد حراً فيصير الأم أم ولد فأما هاهنا فما انعقد الولد حراً فلا حرية هناك فلم تصر أم ولد ولأن أم الولد تضاف إلى الولد فيقال: أم ولد فإذا لم يوجد هناك ولد حقيقة لم تصح الإضافة فلم يثبت الحرية.
ويدل على أنه لا تنقضي به العدة أن العدة إنما تنقضي بوضع الحمل أو بالإقراء ولم يوجد هاهنا حمل ولا إقراء فلم تنقض العدة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 213
أكثر مدة يلحق الولد فيها بالزوج المطلق:
158 ـ مسألة: اختلفت الرواية في أكثر مدة يلحق الولد فيها بالزوج المطلق.
فنقل صالح وحرب وقد سئل في كم يلحق الولد؟ فقال: إلى أربع سنين.
ونقل ابن مشيش وقد سئل: كم مدة الحمل؟ فقال: الذي نعرف سنتين، وأهل المدينة يقولون: أربع.(1/444)
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ ما روي أن عمر ضرب لامرأة المفقود أجلاً أربع سنين ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل وروي ذلك عن عثمان وعلي ولأن ذلك لا حد له في اللغة، ولا في الشريعة فوجب الرجوع فيه إلى العادة وقد وجد ذلك معتاداً لأنه كان مستفيضاً بالمدينة أن نساء الماجشون كن يلدن لأربع سنين.
---
وروي أنه قيل لمالك: إن عائشة قالت أكثر الحمل سنتان، فقال: من يروي هذا عن عائشة؟ هذه امرأة ابن عجلان جارتنا ولدت بطوناً بقي كل حمل في بطنها أربع سنين. وروى الشافعي عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد القرشي أن سعيد بن المسيب أراه رجالاً، فقال: إن أبا هذا غاب عن أمه أربع سنين ثم قدم فوضعت هذا وله ثنايا.
ووجه الثانية: ما روي عن عائشة أنها قالت: لا يبقى الولد في بطن الأم أكثر من سنتين مقدار فركة مغزل، وهذا لا يقال إلا توقيفاً ولا مدخل للاجتهاد فيه فصار كأنه قالت سمعت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ يقول ذلك ولأن هذه المقادير لا سبيل إلى إثباتها إلا من طريق التوقيف أو الاتفاق وقد حصل الاتفاق على سنتين وما زاد فهو مختلف فيه وليس فيه توقيف ولا اتفاق فلا نثبته.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 213
تخيير الولد في الانتساب إلى من يشاء ممن أشكل الحاقه بواحد منهما:
159 ـ مسألة: إذا نكحت في العدة وأتت بولد لستة أشهر فصاعداً من حين دخل بها الثاني ولأربع سنين فما دون من طلاق الأول فالولد يمكن أن يكون منهما فنريه القافه فإن ألحقته بالأول ألحق به وانقضت عدتها من الأول واستأنفت عدتها من الثاني وإن لم تلحقه القافه بواحد منهما بل أشكل أمره أو لم يكن قافه فقد اختلف أصحابنا. فقال أبو بكر يضيع نسبه ولا يقف حتى يبلغ فينتسب إلى من يشاء منهما قال: لأنه متهم في ذلك وهو أنه قد ينتسب إلى أشرفهما وأيسرهما.(1/445)
وقال شيخنا أبو عبد الله يترك حتى يبلغ فينتسب إلى أيهما مال طبعه إليه لأنه أعرف بنفسه فيرجع إليه كما رجع إلى المرأة في انقضاء عدتها فإذا انتسب لحق به دون الثاني ولكن بعد أن وضعته تستأنف ثلاثة أقراء لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 215
ابتداء عدة المفارقة في الغيبة:
---
160 ـ مسألة: إذا طلقها أو مات عنها وهو غائب عنها فهل تحسب عدتها من يوم الفرقة أم من حين العلم؟
فنقل صالح: عدتها من حين الفرقة.
ونقل إسحاق بن إبراهيم: في عدتها روايتان:
إحداهما:مثل الذي روى صالح.
والثانية: إن كان بلغها بالبينة فالعدة من حين الفرقة موتاً كان أو طلاقاً وإن كان بثبوتها بالخبر فالعدة من حين بلغها، قال أبو بكر : لا خلاف عن أبي عبد الله أن العدة تجب من حين الموت أو الطلاق إلا ما رواه إسحاق وهو إذا لم تعلم البينة، فإن قامت البينة فمن يوم يموت أو يطلق.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، وبها قال عبد الله بن الزبير وابن مسعود وعبد الله بن محمد وعبد اللهعباس لأنه زمان عقيب طلاق مباح مجرد فوجب أن تعتد به كما لو كان حاضراً، وقولنا: مباح احتراز من الطلاق حال الحيض، وقولنا: مجرداً احتراز من الخلع في الحيض، ولأن الفرقة إذا وقعت ومضى زمان العدة ولم تعلم به لم يفقد إلا القصد، وفقد القصد لا يؤثر في صحتها ألا ترى أنها لو كانت مجنونة أو صغيرة انقضت عدتها ولا قصد لها كذلك هاهنا لم يفقد إلا القصد فوجب أن تنقضي العدة.
ووجه الثانية: أن العدة لترك الطيب ولبس الزينة ونحوه وما فعلت هذا فوجب أن لا تنقضي عدتها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 215
عدة الأمة ذات الشهور في فرقة الطلاق:
161 ـ مسألة: في عدة الأمة المطلقة إذا كانت حائلاً من ذوات الشهور مثل أن كانت صغيرة لم تحض أو كبيرة يئست من المحيض، روايات:
نقل صالح : عدتها شهران.
ونقل الميموني : عدتها شهر ونصف.(1/446)
ونقل حرب وأبو داود وابن القاسم وابن إبراهيم في استبراء الأمة أذا كانت آيسة تستبرأ بثرثة أشهر فيجب أن ينقل كلامه في الإستبراء إلى العدة لاتفاقهما في المعنى، فيخرج فيها رواية ثالثة أنها تعتد بثلاثة أشهر.
---
وجه ووجه الثانية: أنه أمر بني على المفاضلة فالقياس يقتضي أن تكون الأمة فيه على النصف من الحرة كالحدود إنها إذا كانت من ذوات الإقراء أن تعتد بقرء ونصف فلم يمكن تبعيضه فكملناه قرءين فلما أمكن تبعيض الشهور وجب أن تعتد بشهر ونصف والأصول على هذا وهو أن كل أمر بني على المفاضلة فإن كان مما لا يتبعض سقط العدد فيه رأساً كالرجم، والميراث، وإن كان مما يتبعض كان على النصف من الحر كالحدود فلما كان هذا مما يتبعض وجب أن يكون على النصف.
ووجه الثالثة: أن العدة تراد لبراءة الرحم وأقل ما يعرف به براءة الرحم بالشهور ثلاثة أشهر لأن الولد يكون في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقة، ثم يخلق بعد ذلك، ويكبر الجوف وتظهر الإشارات على الحمل، فإذا لم يظهر شيء من هذا دل على براءة الرحم فإذا لم يدل على براءة الرحم أقل من هذا ساوت فيه الحرة كالحمل سواء، فهذا حكم الأمة المطلقة إذا كانت ممن لا تحيض وهكذا الحكم في استبراء الأمة إذاً فتخرج على ثلاث روايات:
إحداها: تستبرأ بشهر، نقلها الميموني، والثانية: بثلاثة أشهر نقلها الجماعة، حرب وابن القاسم وإبراهيم، ويتخرج الثالثة شهر ونصف كالمطلقة والمشهور عنه في الاستبراء ثلاثة أشهر، والمشتهر في المطلقة شهران.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 216
بناء الرجعية على عدة الطلاق الأول إذا روجعت ثم طلقت قبل الدخول:
162 ـ مسألة: إذا طلق زوجته رجعية ثم راجعها وطلقها بعد الرجعة وقبل الدخول بها فهل تستأنف العدة أم تبنى على ما مضى من العدة الأولى؟
وعلى روايتين: نقل الميموني : أنها تبنى وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ.
ونقل ابن منصور : تستأنف وهو اختيار أبي بكر.
---(1/447)
وجه الأولى: أنه إذا طلقها لم يخل إما أن يكون العدة من الطلاق الثاني أو الأول فبطل أن يكون من الثاني لأنه لو كانت منه اقتضى أن لا عدة عليها لأنه طلاق قبل الدخول وإذا أفضى إلى هذا ثبت أن العدة عن الأول وإذا كانت عنه فليس غير البناء. ولأنه لو خالعها ثم نكحها ثم طلقها قبل الدخول بها بنت على العدة رواية واحدة كذلك إذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها.
ووجه الثانية: أنه إذا طلقها رجعية فقد شعث النكاح بثلمة أوقعها فيه بدليل أنها ما بانت به منه فإذا راجعها رم الشعث وسد الثلمة وعاد النكاح إلى ما كان عليه قبل الطلاق فكأنه نكاح واحد لم يقع فيه طلاق فإذا طلقها بعده كان عليها أن تستأنف العدة كأنه أول طلاق وقع بها بعد الدخول لأنه صار كأنه نكاح موصول بالدخول مثل هذا ما قلناه إذا ارتدت زوجته فإنها تجري إلى الفسخ فإذا رجعت إلى الإسلام زال ما حدث في النكاح وعاد بمعناه الأول فلو طلقها بعد ذلك استأنفت العدة، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 217
نفقة المتوفى عنها وسكناها:
163 ـ مسألة: في الحامل المتوفى عن زوجها. هل لها السكنى والنفقة أم لا؟.
فنقل المروذي ، وأبو طالب ، وحنبل: نفقتها من نصيبها. ونقل مهنا ينفق عليها من جميع المال.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أنها معتدة من وفاة فلا نفقة لها كالحائل ولأنه لا يخلو إما أن تكون النفقة لها أو للحمل فبطل أن يكون للحمل لأن نفقة الأقارب تسقط بالوفاة وبطل أن يكون لها لأنه لو كان لها لكانت لها وإن كانت حائلاً [فإذا] لم تجب لواحد منها بطل وجوبها.
ووجه الثانية: قوله تعالى: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن .
---(1/448)
ولأنها معتدة بالحمل عن نكاح فكان لها النفقة كالمطلقة الحامل ومن قال بالأول أجاب عن هذا بأن المطلقة الحامل لما وجب لها أجرة الرضاع والحضانة بعد الوضع وجبت لهاالنفقة والسكنى حال الحمل وليس كذلك في مسألتنا لأنها لما لم تجب لها أجرة الحصانة بعد الوضع كذلك النفقة حال الحمل ولأن النفقة تجب لأجل الحمل وإذا كانت مطلقة فالزوج هو المنفق وإذا كانت متوفى عنها فقد مات الزوج ونفقة الأقارب تسقط بالموت فلهذا فرق بينهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 218
سكنى المبتوتة الحائل:
164 ـ مسألة: في المبتوتة الحائل لا نفقة لها رواية واحدة وهل لها السكنى؟
على روايتين: نقل المروذي وأبو طالب وأبو الحارث والفضل بن زياد : لا سكنى ولا نفقة.
ونقل ابن منصور عنه: السكنى للمطلقة ثلاثاً أوكد من النفقة لقوله: أسكنوهن من حيث سكنتم .
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ ما روت فاطمة ابنة قيس أن زوجها طلقها ثلاثاً وأن أخاه أخرجها فقال لها ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعة .
فإذا لم يكن له عليها الرجعة فلا نفقة لها ولا سكنى. وروى أبو بكر بإسناده عن فاطمة بنت قيس عن رسول الله قال: للمطلقة ثلاثاً لا سكنى لها ولا نفقة وقال أبو بكر في حديث مجالد: إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة ولأن السكنى حق يجب على الزوج يوماً فبطل بالبينونة كالنفقة لأنها لما لم تستحق النفقة لم تستحق السكنى دليله الحائل المتوفى عنها.
---(1/449)
ووجه الثانية: أن السكنى حق لله ـ عزّ وجلّ ـ يدل عليه قوله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم والمراد بها المعتدات، والدليل عليه ما قبل الآية وبعدها ما قبلها فقال: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ثم قال: أسكنوهن من حيث سكنتم . قال: ظاهر هذا أنها كناية عادت على مذكور تقدم، وإنما تقدم ذكر المعتدات لا غير ثبت أنه أراد المعتدات وأما بعدها فقال: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فشرط في الإنفاق الحمل وإنما أراد به البائن بالطلاق لأن الزوجة والمطلقة الرجعية لها النفقة حائلاً كانت أو حاملاً، وإذا ثبت بهذا أنها حق الله تعالى لم تسقط بالطلاق ويفارق النفقة لأنها حق للزوجة في مقابلة التمكين من المنفعة وقد عدم ذلك بالبينونة، فلهذا سقطت، ويفارق هذا الحائل المتوفى عنها زوجها أنها لا سكنى لها لأن المغلب في عدة الوفاة التعبد لا الاستبراء بدليل أنها تجب على الصغيرة وعلى غير المدخول بها وإذا كان المغلب هذا والسكنى تراد الاستبراء والمغلب غيره سقط وعدة الطلاق المغلب فيها الاستبراء لأنها لا تجب على غير المدخول بها فلهذا وجب ولأن ملكه زال بوفاته إلى وراثه فكيف تستحق السكنى على غير زوجها؟
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 219
إحداد البائن المفارقة في الحياة:
165 ـ مسألة: من بانت بطلاق أو خلع أو فسخ هل عليها إحداد أم لا؟
على روايتين: نقل صالح: المتوفى عنها والمطلقة ثلاثاً والمحرمة يجتنبن الطيب، فظاهر هذا أن عليها الإحداد ـ وهو اختيار الخرقي.
والثانية: لا إحداد عليها، أومأ إليه في رواية أبي الحارث، فقال: كل ما روي في الإحداد إنما هو في المتوفى عنها ولم يرد في المطلقة شيء.
---(1/450)
ونقل الأثرم عنه وقيل له: المتوفى عنها والمطلقة ثلاثاً تدعان الزينة والطيب؟ قال: نعم. قيل له: هما في التوكيد سواء، قال: لا لعمري لأن الأحاديث في الوفاة فظاهر هذا أنه لا إحداد عليها وهو اختيار أبي بكر في كتاب الخلاف.
وجه الأولى: أنها معتدة عن نكاح فوجب أن يكون عليها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها، ولأن عدة المبتوتة أضيق من عدة المتوفى عنها زوجها، بدليل أنها ممنوعة من الخروج في حوائجها والمتوفى عنها زوجها (غير ممنوعة) فكانت المبتوتة أولى.
ووجه الثانية: أنها معتدة عن طلاق فوجب أن لا يكون عليها إحداد كالرجعية. ولأن الإحداد إظهار الحزن والأسف على فراقه والفائت بوفاته والوفاة تقتضي هذا فإنه لا صنع له بفراقها والمطلقة لا أسف لها عليه ولا حزن لأنه هو الذي طلقها فلا معنى لتكليفها الحزن عليه وهي من أبغض الناس له.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 220
تحريم المرأة على من نكحها في العدة تحريماً مؤبداً:
166 ـ مسألة: إذا عقد على امرأته في عدتها ودخل بها فهل تحرم عليه على التأبيد أم لا؟
نقل حرب : أنها لا تحرم وأن للثاني أن يتزوج بها بعد انقضاء العدتين وهو اختيار الخرقي، وحكى شيخنا فيها رواية أخرى: أنها تحرم عليه وقد أومأ إليه أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية أبي الحارث، وقد سأله إذا نكحها في العدة ثم أراد أن يجدد النكاح فقال: فيه اختلاف وقد صرح به في رواية حنبل فقال: إذا تزوجت المرأة في عدتها فرق بينهما وكان لها المهر بما استحل من فرجها ولا يجتمعان أبداً ومن ذهب إلى هذا احتج بأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته كالميراث إذا قتل الرجل مورثه فإنه لا يرث لأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته ولأنه يفسد النسب فوجب أن يوقع التحريم على التأبيد كاللعان.
والوجه في أنها لا تحرم أنه وطء لو كان مباحاً لم تحرم به على التأبيد فإذا كان حراماً لم تحرم به على التأبيد كالذي لا يفسد النسب.
---(1/451)
ولأنه وطء فلم يحرم الموطوءة على التأبيد كالموطوءة بشبهة، بل هذا أولى، لأن الوطء إنما يحرم الموطوءة على غير الواطىء، فأما عليه فلا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 221
تربص زوجة المفقود وعدتها:
167 ـ مسألة: في المفقود وهو إذا غاب عن زوجته وكان الظاهر من حاله الهلاك مثل أن يفقد من بين أهله ليلاً ويكون في البحر فيكسر بهم البحر ويغرق قوم ويسلم قوم ولا يعرف خبره أو يكون بين الصفين في حرب فيفقد أو يكون في طريق مكة فيلحقهم شدة ويهلك قوم ويسلم قوم ولا يعرف خبره.
فنقل الجماعة منهم ابن منصور وحنبل : أن زوجته تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل وأربعة أشهر وعشراً مدة عدة الوفاء وتحل للأزواج بعد ذلك.
ونقل أبو الحارث عنه وقد سئل عن امرأة المفقودة، إذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشراً ثم تزوجت فجاء الزوج الأول وكيف تصنع؟ فقال: قد كنت أقول: إذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشراً تزوجت وقد ارتبت فيها اليوم وهبت الجواب فيها لما قد اختلف الناس فيها فكأني أحب السلامة. ونقل مهنا عنه: اختلف الناس في امرأة المفقود فظاهر هذا التوقف عن إباحتها للأزواج وأنها تكون زوجته حتى تستبين أمره وفقده أو تمضي مدة الغالب في مثلها أن لا يعيش.
وقد قال في رواية المزني: تبقى إلى أن يمضي عليها تسعون سنة.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، إجماع الصحابة روي عن ستة من الصحابة: عمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير ، فروى سعيد بن المسيب أن عمر وعلياً قالا في امرأة المفقود: تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج من بدا لها فإن قدم زوجها خير بين امرأته وبين الصداق، فإن اختار امرأته عزلت عن زوجها الأخير ثم ترد إلى زوجها الأول وإن اختار الصداق كانت عند زوجها الأخير وأعطي الزوج الأول صداقه.
---(1/452)
وبإسناده عن عمر وعثمان قضيا في امرأة المفقود: تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشراً بعد ذلك ثم تتزوج فإن جاء زوجها الأول خير بين الصداق وبين امرأته، وروى جابر بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس قالا في امرأة المفقود: تنتظر أربع سنين، وروى ابن القاسم قال قضى فينا ابن الزبير في مولاة لهم غاب زوجها عنها فتزوجت فجاء الأول: أنه مخير بين المرأة إن شاء وبين صداقها، ولأن المعسر بالنفقة والمولى والعنين تملك امرأته فسخ النكاح لما عليها من الضرر بمنع النفقة وعدم الوطء فأولى أن تملك هاهنا الفسخ وقد عدمت الاستمتاع والإيواء والسكنى والنفقة أيضاً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 222
ووجه الثانية: ما روى المغيرة بن شعبة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها زوجها ولأنه إذا جهل موته وقع الملك في زوال الزوجية والشك إذا وقع في زوال الزوجية بنى الأمر فيها على اليقين كما شك هل طلق أم لا؟ وهل طلق ثلاثاً أم واحدة؟ فإنه يبنى على اليقين كذلك هاهنا.
فإن قلنا إنها تتربص وتتزوج فهل يجب عليها أن تصير إلى الحاكم حتى يحكم بفرقتها بوفاته ثم تعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشراً أم لا؟
نقل ابن منصور إذا فقدت تربصت أربع سنين وأربعة أشهر ثم تزوجت قيل له وإن لم تأتِ السلطان. قال: أحب إليَّ أن تأتي السلطان، فظاهر هذا أن فرقة الحاكم ليست بشرط في ذلك.
ونقل الأثرم وقد سئل هل تتربص من يوم فقدت زوجها أم من يوم ترفع أمرها إلى السلطان؟. فقال: أما حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى قال: فارتفعت إلى عمر فقال: فقدت فقالت: من أربع سنين. فأجلها عمر أربع سنين أخرى. وهذا بين جداً. وليس هو في حديث آخر غيره البتة فظاهر هذا أنه أخذ به فتكون المسألة على روايتين:
---(1/453)
وجه الأولى: في أن ضرب الحاكم المدة ليس بشرط أن المفقود ضربنا له المدة وحملنا أمره على حكم الموت بمنزلة شاهدين شهدا بوفاته ثم ثبت أن الموت لا يفقتر في ضرب المدة فيه إلى حكم حاكم فبان لا يفتقر الفرع المبنى عليه أولى.
ووجه الثانية: أن في ذلك شرطاً وأن فقد الزوج يفتقر إلى استبحاث واجتهاد وما كان هذا طريقه لم تنفرد الزوجة به كفرقة العنة والإعسار بالنفقة.
فأما ولي الزوج فهل طلاقه معتبر بعد مدة التربص أم لا؟
نقل حنبل لفظين: أحدهما: قال: تتربص أربع سنين، وأربعة أشهر وعشرة أيام ثم يقال للولي: طلق بعد ذلك.
وجه الأولى: ماتقدم من الأخبار وليس فيها ذكر طلاق الولي ولأن حكم الحاكم بتفريقهما يكفي.
ووجه الثانية: ما روى جلاس أن علياً قال في امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم يطلقها ولى زوجها ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً.
وروى جابر بن زيد قال: تذاكر ابن عمر وابن عباس امرأة المفقود فقال: تتربص أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ثم تعتد أربعة أشهر والأول اختيار أبي بكر وشيخنا.
وقد اختلفت الرواية عن أحمد في هذه الرواية المروية في طلاق الولي هل هي صحيحة أم لا؟
فنقل ابن منصور عنه في حديث عبد الله بن عمر: تتربص أربعة أشهر وعشراً ثم يدعى ولي الزوج فيطلقها ثم تعتد عدة المطلقة ثم تزوج . هذا أكثر ما فيه وهو حديث ضعيف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 222
ونقل الأثرم عنه: حديث عبيد الله بن عمير أحسنها وفيه الطلاق. فإن عاد الزوج الأول وقد تزوجت ودخل بها الثاني فإن الأول مخير بين فسخ نكاح الثاني وإمساكها بالعقد الأول، وبين تركها على نكاح الثاني، وأخذ الصداق وإن عاد قبل الدخول بها فعلى روايتين:
نقل أبو الحارث : إذا تزوجت امرأته فجاء، خير بين الصداق وبين امرأته، فظاهر هذا أنه يخير قبل الدخول وبعده.
---(1/454)
ونقل الأثرم : إذا قدم الأول فإن كان قبل الدخول فهي امرأته ولا تخيير وإن كان بعد الدخول خير بين الزوجة والصداق. فظاهر هذا أن النكاح الثاني يتبين أنه كان باطلاً وهي زوجة الأول.
وجه الأولى: ما روي عن عمر وعثمان أنهما قضيا بالتخيير بين أن يمسكها ويرد المهر أو يردها ويأخذ المهر ولم يفرقا بين قبل الدخول وبعده، ولأن الرجوع الأول لا يمنع الثاني التخيير كما لو كان الثاني قد دخل بها فعلى هذه الرواية يجب أن يقال: إن نكاح الثاني مراعى. فإن فسخه تبين أنه كان فاسداً وإن عقد الأول كان باقياً وإن أمضاه تبينا أنه كان صحيحاً. وأن نكاح الأول قد انفسخ وليس يمتنع أن نقول: إن نكاح الثاني مراعى ويستبيح الوطء كما لو وجد كل واحد من الزوجين بصاحبه عيباً فإنه يستبيح الوطء وإن كان هذا النكاح مراعى بمعنى أنه يملك فسخه.
ووجه الثانية: وهي أصح عندي، إنا نتبين أن الفرقة كانت باطلة في الباطن وإن عقده كان باقياً لأنه صادف امرأة ذات زوج فلهذا كان للأول إمساكها بالعقد الأول دون الثاني ويفارق هذا إذا جاء وقد دخل بها، لأن الصحابة قضوا بذلك ولأن العقدين قد تساويا لأن كل واحد منهما عقده وهو ممن يجوز له عقدة في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول الذي يتعلق به وجوب المهر والعدة ولحوق النسب فقدم لأجل هذه المزية، ولا هكذا إذا لم يكن دخول لأن المزية للأول فلهذا لم يصح نكاح الثاني. فإذا قلنا: إن الأول مخير بعد الدخول بين إمساكها وبين تركها وأخذ الصداق فكم قدر الصداق؟
فنقل أبو الحارث : إذا جاء زوجها وقد تزوجت خير بين الصداق وبين امرأته: إما أن يأخذ الصداق الذي ساقه إليها وإلا فهي امرأته. فظاهر هذا أنه يأخذ الصداق الأول دون الثاني.
ونقل إسحاق بن إبراهيم : إذا كان الأول أمهرها ألفين فأمهرها الثاني ألفاً فإنه يؤخذ بالمهر الأخير.
---(1/455)
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر ـ وهو أصح ـ ما روى مكحول أن عمر قضى إن جاء زوجها خير بين امرأته وبين صداقها الذي أصدقها، وروى السائب عن عثمان بن عفان قال: إن جاء زوجها خير بين الصداق الأول وبين زوجته. ولأن خروج البضع من ملك الزوج إذا كان من جهة المرأة، فإن الرجوع عليها بالمسمى الذي دفعه إليها. والدليل عليه إذا خرجت زوجة الحربي مسلمة مهاجرة وكان عقد الأمان على أن ترد نساؤهم المسلمات فإنهم لا يردون ويرد الصداق الذي وقع عليه العقد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 222
ووجه الثانية: أنها إذا تزوجت فقد حصل إتلاف البضع من جهتها وكان يجب أن يرجع عليها بقيمته إلا أن البضع لا يتقوم إلا على زوج أو من هو جار مجراه وليست بزوج ولا جارية مجراه يعني أن مهر المثل هو قيمة البضع وإذا لم يمكن الرجوع يمهر المثل فيجب أن يرجع عليها بالمسمى الثاني دون الأول لأن الفساد والإتلاف بالعقد الثاني حصل.
فإن تزوجت امرأته بعد أربع سنين وزمان العدة ثم أتت بولد فهو للثاني دون الأول لأنا قد حكمنا بانقضاء هذه المدة أن الولد لا يلحق به وإن تزوجت في دون أربع سنين وجاءت بولد قال أبو بكر: فيها قولان:
أحدهما: هو للثاني. قال: وهو أصح. والثاني: يحتمل أن يكون للأول والثاني إذا كان للثاني ستة أشهر منذ عقد عليها فيدعى لهما القافة فإن الحقوه بالأول كان عليها أن تعتد للوطء وترجع إلى زوجها الأول، وإن ألحقوه بالثاني كان الوضع خروجاً من العدة وترجع إلى الأول وكان على الثاني رضاع ولده لأن حجرها لغيره إلا أن يسمح الزوج الأول وعندي أنه لا يجوز إلا هذا.
الوجه الثاني: أنها إذا تزوجت قبل أربع سنين حكمنا ببطلان النكاح لأن النكاح حصل وهي في العدة من الأول فالولد يمكن أن يكون منهما فيدعى له القافة ولا يجوز أن يحكم للثاني دون الأول.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 222
فأما مال المفقود:
---(1/456)
فلا يجوز قسمته قبل الأربع سنين. وهل يجوز بعد أربع سنين وقبل زمان العدة؟
على روايتين: نقل إسماعيل بن سعيد إذا مضت أربع سنين قسم ماله.
ونقل الأثرم : إذا أمرت امرأته أن تتزوج قسم ماله بين ورثته.
وجه الأولى: إنا حكمنا بالعقد بمضي أربع سنين وإنما جعلت الشهور عدة من الوفاة وقسمة المال لا تقف على انقضاء عدة الوفاة كما لو علمنا موته يقيناً.
ووجه الثانية: أنها حالة لا يجوز للزوجة فيها التزويج فلا يجوز قسم المال فيها دليله قبل مضي مدة أربع سنين.
فإن قدم وقد قسم ماله فما كان موجوداً وجب رده عليه وما كان تالفاً بالقسمة فهل على متلفه ضمان أم لا؟
المنصوص عنه في رواية ابن منصور: لا ضمان عليه لأنه إتلاف بحق فلم يضمنه وذلك أن من حصل في يده فقد حكم له بملكه في الظاهر فلم يضمن ما أتلفه. وقال أبو بكر: فيها روايتان: إحداهما: يضمن لأنه قد تبين أنه أتلف مال غيره وأنه لم يكن مالكاً لذلك ولأنه لو قدم وقد تزوجت امرأته وقد دخل بها يخير الأول بين تركها عليه وأخذ الصداق لأجل خروجها عن ملكه كذلك هاهنا يجب أن يضمن القيمة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 222
عدة الوفاة على أم الولد:
168 ـ مسألة: في أم الولد إذا مات عنها سيدها ففيها روايتان: إحداهما: تعتد أربعة أشهر وعشراً نقلها محمد بن العباس وأومأ إلى ذلك في رواية أحمد بن القاسم فقال: كنت أقول: حيضة ثم دخلني منه شك.
والثانية: عدتها بعد موته بمنزلة بعد العتق حيضة ويكون ذلك استبراء لا عدة ونقل ذلك صالح والمروذي وأبو الحارث.
---
وجه الأولى: ما روى قبيصة بن ذويب عن عمرو بن العاص أنه قال لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا: يعني أم الولد ولأنها عدة عن وفاة في حال حرية مستقرة قبل الوفاة فوجب أن يكون أربعة أشهر وعشراً دليله الزوجة الحرة ولا يلزم عليه إذا أعتقها لقولنا: عن وفاة لا يلزم عليه المدبرة لأن تلك لم تستقر الحرية في حال الحياة.(1/457)
ووجه الثانية: وهي أصح، واختارها الخرقي فوجهه أن عدة الوفاة إنما يجب عن نكاح له حرمة بدليل أن الموطوءة بشبهة لا تجب عليها عدة الوفاة وليس بينه وبين أم ولده نكاح فوجب ألا يجب عليها عدة للوفاة بموته.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 228
الاستبراء:
169 ـ مسألة: إذا أعتق أم ولده أو مدبرته فإن استبراءهن بقرء وكذلك الأمة المشتراة والحرة المسلمة فإن لم يكن ذوات الإقراء وكن من ذوات الشهور لكبر أو صغر ففيهما روايتان/ إحداهما: تستبرأ بشهر ذكره أبو بكر في كتاب الخلاف عن أحمد في رواية الميموني/ والثانية: تستبرأ بثلاثة أشهر نص عليه في رواية حرب وأبي داود وابن القاسم وابن ابراهيم.
وجه الأولى: أن القرء في مقابلة الشهر بدليل أن من كانت من ذوات الإقراء اعتدت بثلاثة أقراء فإذا كانت من ذوات الشهور اعتدت بثلاثة أشهر فإذا كان الشهر في مقابلة القرء وقد ثبت أنها لو كانت من ذوات الإقراء تستبرأ بقرء واحد وجب إذا كانت من ذوات الشهور أن تستبرأ بشهر واحد.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة، وهي اختيار الخرقي وأبي بكر: أن الاستبراء يراد لبراءة الرحم وأقل ما يعرف به براءة الرحم بالشهور ثلاثة أشهر لأن الولد يكون في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم أربعين علقه ثم يخلق بعد ذلك وتكبر الجوف ويظهر أمارات الحمل فإذا لم يظهر شيء من هذا دل على براءة الرحم فإذا لم يدل على براءة الرحم أقل من هذا ساوت الحرة الأمة فيه كالحمل سواء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 229
---
استبراء الأمة إذا كان لا يوطأ مثلها:
170 ـ مسألة: إذا ابتاع أمة مثلها لا يوطأ هل يجب عليها الاستبراء؟
نقل الفضل بن عبد الصمد: تستبرأ وإن كانت صغيرة في المهد ونقل ابن القاسم: تستبرأ بثلاثة أشهر إن كانت في حد يوطأ مثلها قيل له: فإن كانت صغيرة قال: كيف هذا؟ تستبرأ في المهد، فظاهر هذا أنه لا استبراء عليها إذا كان مثلها لا يوطأ.(1/458)
ووجهه: أن الاستبراء إنما يراد لمعرفة براءة رحمها والصغيرة قد عرفت براءة رحمها فلا معنى للاستبراء.
ووجه الأولى: أنه استباحة استمتاع جارية بملك يمين بعد أن كانت محرمة عليه فوجب أن يستبرئها، أصله من يوطأ مثلها وقولنا: بملك يمين احتراز منه إذا تزوج بها وقولنا: بعد أن كانت محرمة احتراز من التي كانت زوجته فاشتراها فلا استبراء عليها لأنها كانت مباحة ولأن اعتبار من يجامع مثله ولا يجامع يشق لأن الفصل بينهما لا يمكن فإنها قد تكون صغيرة السن قوية يمكن جماعها وقد تكون كبيرة السن جماعها لضعفها فلما تعذر الفصل بينما حسمنا الباب في الكل فأوجبنا الاستبراء على الكل ألا ترى أن الله تعالى حرم الخمر لعلة وهو أنها تصد عن الصلاة وذكر الله، ووجدنا أن النقطة لا تسكر والكثير يسكر وتعذر الفرق بينهما لأن ذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان والأبدان والشراب، فالزمان إن كان شدة حر يسارع السكر فيه وإن كان شدة برد تبطأ، والمكان إن كان من البلدان الحارة سارع، وإن كان من البلدان الباردة تباطأ والأبدان إن محروراً يسارع وإن كان مرطوباً تباطأ، والشراب إن كان قوياً كالشيرازي منه يسارع السكر، وإن كان ضعيفاً كالعكبري ونحوه تباطأ، فلما تعذر الفرق بينهما حسمنا الباب فحرمنا الكل، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 229
استبراء البائع للأمة إذا رجعت إليه قبل القبض:
171 ـ مسألة: إذا باع أمته ثم أقاله المشتري فيها وعادت إليه فهل على البائع استبراء؟
---
على روايتين: نقل ابن القاسم ويعقوب بن بختان: عليه الاستبراء قبل القبض وبعده.
ونقل ابن سافري وعبيد الله بن محمد الفقيه: إذا كانت الإقالة بعد القبض والتفرق فعليه الاستبراء فإن كانت قبل ذلك فلا استبراء ولفظ كلامه: إذا باع من رجل جارية وقبضها منه ولما يفترقا حتى تقايلا لم يجب عليه أن يستبرئها فإن غابت عنه ثم تقايلا كان عليه الاستبراء.(1/459)
ووجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أنه استباحة استمتاع جارية يملك اليمين بعد أن كانت محرمة عليه فكان عليه أن يستبرئها كما لو كانت الإقامة بعد القبض والتفرق.
ووجه الثانية: أنه لا معنى للاستبراء مع العلم لم يكن المشتري واطئاً لها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 230
استبراء الأمة المسبية:
172 ـ مسألة: في الأمة المسبية هل تباح قبلتها ووطؤها دون الفرج مدة الاستبراء أم لا؟
نقل الفضل بن زياد عنه في الحائل توجد في السبي، هل توطأ؟
قال: لم يعجبنا. قيل له: فتقبل. قال: لا يعجبنا ولا يأتيها دون الفرج فظاهر هذا المنع.
ونقل ابن القاسم في الرجل يشتري الجارية: لا يجامعها دون الفرج قبل أن يستبرئها، لأنه لا يأمن أن تكون أم ولد لرجل. قيل له: فالمسبية عندك حالها هذا، قال: نعم وهذا أيسر حالاً وأمر تلك أشد.
فظاهر هذا أنه فرق بينهما وسهل أمر المسبية.
ووجه الأولى: أن من وجب استبراؤها بحق الملك لم يجز قبلتها دليله المشتراه
ووجه الثانية: دون الفرج يأمن معه اختلاط مائه بماء غيره، ويأمن أن يستمتع بأم ولد غيره، لأنه لو كانت حاملاً لم يزل ملكه عنها ولم يثبت لذلك الاستيلاء حكم، ويفارق هذا الأمة المشتراة، لأنه لا يأمن أن يستمتع بأم ولد غيره، لأنه متى استبان حملها فسخ البيع، فلهذا فرقنا بينهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 231
لحوق النسب بوطء الشبهة:
---
173 ـ مسألة: إذا وطىء امرأة بشبهة يظنها زوجته فبان أنها أجنبية ثم أتت بولد فهل يلحق به إذا لم يكن لها زوج؟(1/460)
فقال أبو بكر فيما وجدته بخطه: قال: لا يلحق به، قال: وإنما يلحق فيما كان من نكاح صحيح أو فاسد، قال: لأن أحمد قال في رواية مهنا في مجنون وقع على امرأة فوطئها وجاءت بولد: لا يلزمه. فقيل له: لم درأت الحد عنه لم لا يلزمه الولد. قال: الولد للفراش وليس للمجنون فراش، قال أبو بكر: ومن أصحابنا من يلحق به الولد، قال: لأن أحمد قال في رواية ابن منصور فيمن تزوج بخامسة وهو لا يعلم: يلحق به الولد. فكل من درأت عنه الحد ألحقت به الولد، واحتج أبو بكر بأن هذا وطء لا يستند إلى عقد صحيح ولا فاسد فلم يلحق الولد، دليله وطء الزنا قال: ولا يشبه هذا ما قاله أحمد في نكاح الخامسة، لأن الوطء في نكاح فاسد.
ووجه من قال يلحق به ـ وهو الصحيح ـ لأنه وطء يصادف فراش غيره فإذا اعتقد أنه فراش له يجب أن يلحق به النسب، دليله الوطء في النكاح الفاسد.
ولا فرق بينهما، لأن النكاح الفاسد يستند إلى شبهة الملك وهاهنا أيضاً يستند إلى ذلك المعنى، لأنه يعتقد أنه يطأ في ملك نكاح، ولا يشبه هذا ما قاله أحمد في وطء المجنون لأمة لأنه ليس له اعتقاد صحيح والنسب إنما يلحق بالاعتقاد للفراش.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 232
الرضاع
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 232
قدر الرضاع المحرم:
174 ـ مسألة: اختلفت الرواية في قدر الرضاع الذي يتعلق به التحريم.
فنقل أبو الحارث : لا يتعلق بأقل من خمس رضعات متفرقات، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح.
ونقل حنبل عنه: تحريم الرضاع يتعلق بالرضعة الواحدة فقال: كلما كان قبل الحولين قليلاً أو كثيراً يحرم، واحتج بأن السوداء قالت: قد أرضعتكما ولم تحد.
---
ونقل محمد بن العباس : التحريم يتعلق بثلاث رضعات ولا يتعلق بأقل من ذلك، واحتج بقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان فأرى أن الثالثة تحرم.(1/461)
وجه الأولى: ما روته عمرة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان فيما أنزل الله تعالى عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس يحرمن فمات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وهو مما يتلى من القرآن فأخبرت أن التحريم نقل من العشر إلى الخمس وعلق بها فمن علق ذلك على ما دون الخمس كان نسخاً لتعلقه بالخمس، لأن الرضعة تصادف محلاً محرماً فلا يتعلق بها تحريم، وهذا كما قلنا في قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعاً إحداهن بالتراب فعلق طهارته بالسبع، فإذا علق على ما دونها كان نسخاً لتعلقه بها، لأن السابعة تصادف محلاً طاهراً فلا يتعلق بها التطهير وروى الزهري عن عمرة عن عائشة أن سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة أتت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله إنا كنا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل عليَّ، ولنا فضل وما لنا إلا بيت واحد وقد كان ما علمت فما ترى في شأنه؟ فقال: أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن. وكان السبب في هذا أن التبني كان مباحاً في صدر الإسلام وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة فكان يدعى: زيد بن محمد فلما أراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زوجة زيد بعدما طلقها حرم الله التبني ونسخه حتى لا يكون النبي ـ عليه السلام ـ قد تزوج زوجة ابنه فنزل قوله تعالى: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله الآية فكان زيد بعد ذلك يدعى زيد ابن حارثة، وكان أبو حذيفة زوج سهلة قد تبنى سالماً وكان يدخل على زوجته وعليه لأنه كان ولداً لهما فلما نسخ التبني وحرم كان يدخل عليهما فيرى الكراهية في وجه أبي حذيفة لأنه صار أجنبياً فجاءت سهلة إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكرت له ذلك فقال لها ما قال.
---
فوجه الدلالة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ علق التحريم بالخمس فلا يجوز تعليقه على ما دونها لأنه كان نسخاً لتعلقه بها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 232(1/462)
ووجه الثانية: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ـ والولادة لا يعتبر فيها العدد كذلك الرضاع المشبه بها، ولأنه فعل يتعلق به تحريم مؤبد فلم يشترط فيه العدد كتحريم أمهات النساء وحلائل الأبناء يتعلق بالوطء والعقد من غير أن يعتبر فيه العدد ولا يلزم عليه اللعان أنه يتعلق به تحريم مؤبد ويعتبر فيه التكرار لأنه قول والرضاع فعل، ولا يلزم عليه الطلاق لأنه قول ولأنه لا يتعلق به تحريم مؤبد.
ووجه الثالثة: ما روى عبد الله بن الزبير أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصتان .
وروت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا تحرم المصة ولا المصتان. فلما نص على الاثنتين دل على أن الثلاث تحرم، ولأنه سبب يوقع تحريماً لا يختص وجوده من الزوجين فوقف على الثلاث كالطلاق ولا يلزم عليه التحريم بالوطء واللعان لأنه يختص وجوده من الزوجين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 232
انتشار حرمة الرضاع بالسعوط والوجور:
175 ـ مسألة: في الوجور والسعوط هل يتعلق به التحريم؟
فنقل محمد بن الحكم لا يتعلق به التحريم وإنما يتعلق بالإرتضاع من الثدي وهو اختيار أبي بكر. وقال الخرقي: والوجور كالرضاع، وكذلك السعوط.
وجه الأولى: أن اللبن حصل في جوفه من غير ارتضاع فلا يتعلق به التحريم دليله لو وصل من جرح في بدنه وما لداه صحيحاً.
---
ووجه الثانية: وهو أصح قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم وهذا موجود في الوجور، ولأنه عدد مخصوص من لبن مخصوص حصل في الجوف في وقت مخصوص على وجه يغذي به التحريم كما لو أرضعته، وقولنا: لبن مخصوص نريد به أنه لبن آدمية، وقولنا: عدد مخصوص يريد أنه خمس رضعات وحصل في الجوف احتراز منه إذا لم ينزل إلى الجوف، في وقت مخصوص نريد أنه حصل في الحولين، وقولنا: على وجه يغذي احتراز من ألحقته به.(1/463)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 236
انتشار حرمة الرضاع بلبن الميتة:
176 ـ مسألة: لبن الميتة هل ينشر الحرمة أم لا؟
نقل إبراهيم الحربي : أنه ينشر قال في امرأة ماتت فحلب من ثديها لبن فسقى به صغير فقال: إذا سقى مرات يبلغ حد الرضاع فقد صار الصبي ابناً للميتة. وهو اختيار الخرقي وأبي بكر، وقال أبو بكر الخلال : لا ينشر الحرمة. وقد أومأ إليه أحمد في رواية مهنا وقد سئل عن صبي رضع من ثدي امرأة ميتة هل يكون رضاعاً فتوقف وقال: ألا أن عمر قال: اللبن لا يموت. فما أجاب عنه من أنه حكى قول عمر عليه السلام.
وجه الأولى: أنه لو شربه مهنا في حياتها لنشر الحرمة فإذا شربه بعد موتها يجب أن ينشر الحرمة دليله لو حلب منها في حياتها وشربه بعد موتها ولأن أكثر ما فيه أنه لبن نجس وهذا لا يمنع التحريم كما لو طرح فيه نجاسة في حال حياتها ولأنه لا يعتبر في الرضاع قصد المرضعة. ألا ترى أن الصبي لو دب فشرب من ثديها وهي نائمة نشر الحرمة وإذا لم تعتبر المرضعة لم يؤثر موتها في ذلك، ويفارق الوطء لأنه تعتبر فيه الموطوءة، لأنه لا يثبت حكمه إلا في موطوءة، فلهذا لم يثبت حكمه بعد موتها.
ووجه قول أبي بكر أنه معنى يتعلق به تحريم النكاح فإذا ابتدىء به بعد الموت لم يتعلق به التحريم كالوطء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 237
انفساخ نكاح الزوجة الصغيرة برضاعها من ضرتها:
---
177 ـ مسألة: إذا كان له امرأتان صغيرة لها دون الحولين وكبيرة لها لبن من غيره، فأرضعت الكبيرة الصغيرة خمس رضعات قبل الدخول بالأم انفسخ نكاح الأم وحرمت عليه وأما البنت فهل يصح نكاحها أم لا؟
على روايتين: نقل أبو طالب وصالح أن نكاحها باقي وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ لأن الجمع إذا طرأ على نكاح الأم والبنت لم يوجب فسخه، دليله إذا أسلم وتحته أم وبنت فإنه يثبت نكاح البنت.
ونقل ابن منصور : أن نكاحهما جميعاً ينفسخ لأنه قد صار جامعاً بين أم وبنت من الرضاعة وذلك غير جائز.(1/464)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 237
انتشار حرمة الرضاع باللبن الثابت بوطء زنا:
178 ـ مسألة: إذا زنا بامرأة وأتت بولد وأرضعت مولوداً بذلك اللبن فإن المرضع يكون ابنها يجري بينه وبينها تحريم المصاهرة وأما الزاني فهل يجري بينه وبينه تحريم المصاهرة فيحرم عليه إن كانت أنثى أن يتزوج بها وإن كان غلاماً أن يزوجه ابنته أم لا؟
---
اختلف أصحابنا فقال أبو بكر ـ رحمه الله ـ في كتاب المقنع: يحرم عليه، ووجهه أنه لو كان عن وطء مباح حرم عليه فإذا كان على وجه محظور حرم أيضاً قياساً على الوطء بشبهة والوطء في حال الحيض ولأن بنته من الزنا تحرم عليه وإن لم تكن شبهة ولأن اللبن ثابت يوطء فوجب أن ينشر الحرمة مباحاً كان أو محظوراً وكذلك ابنته من الزنا تحرم عليه وإن لم يثبت نسبه منهما كما يحرم عليه البنت الثابتة النسب وكل لبن نشر الحرمة بين المرضع والمرضعة جاز أن ينشرها بينه وبين من ثاب اللبن بوطئه، دليله الوطء المباح ولأن اللبن ثاب بوطئه فإذا شرب منه صبي نشر الحرمة بينه وبينه دليله لو ثاب بوطء مباح وقال شيخنا أبو عبد الله: يحرم وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه قال: وإذا حيلت ممن يلحق نسب ولدها به فثاب لها لبن فأرضعت به خمس رضعات حرمت عليه وبناتها من هذا الحمل ومن غيره فشرط في التحريم أن يكون لبناً يلحق نسب الولد من ذلك الوطء الذي ثاب اللبن به.
ووجهه أن التحريم بينهما فرع لحرمة الأبوة فلما لم يثبت هاهنا حرمة الأبوة لم يثبت ما هو فرع لها ويفارق هذا وطء الحلال أنه يثبت به حرمة الأبوة ويفارق هذا تحريم المصاهرة بوطء الزنا أنه يثبت وإن لم يثبت الأبوة لأن ذلك التحريم لا يقف على ثبوت النسب، ألا ترى أن الربيبة وأم الزوجة وزوجة الابن يحرمن وإن لم يكن من نسب وتحريم الرضاع مبني على التحريم بالنسب بقوله: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب . وذلك الوطء لا يثبت نسباً فكذلك اللبن الذي يقوم مقامه يجب أن لا يثبت تحريماً.(1/465)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 238
النفقات
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 239
نفقة الزوجة لما يمضي من الزمان:
179 ـ مسألة: في نفقة الزوجة هل تملك مطالبة زوجها بنفقتها لما يمضي من الزمان أم لا؟
---
فنقل صالح عنه في الرجل يغيب عن أهله سنين ثم يقدم أو يموت هل تفرض عليه نفقتها لما مضى من السنين أو كانت حاضرة لما تطالبه ثم طالبت بعد، أو طلقها قبل أن يضرب لها في ماله فقال: إن كان حبسه عنها من غير عصيان يضرب لها في ماله بقدر نفقة مثلها فظاهر هذا أنه يقضي لها بالنفقة فيما مضى وإن لم يحكم بها حاكم.
ونقل إبراهيم الحربي في رجل ماتت زوجته ولم يعطها نفقة هل لورثتها أن يطالبوه بالنفقة؟
فقال: ليس لهم أن ووجه الثانية: أنها نفقة تجب يوماً فيوماً حالاً فحالاً فلم يصر ديناً عليه بغير قضاء القاضي دليله نفقة الأقارب ولأن هذه النفقة ليست بدلاً عن شيء وإنما هي جارية مجرى الصلة بدليل أن الزوج يملك بضعها بعقد النكاح وبدل البضع المهر والاستمتاع بعد ذلك تصرف فيما ملكه وتصرف الإنسان في ملك نفسه لا يوجب عليه البدل كاستخدام العبد والأمة وإذا كان تجري مجرى الصلة أشبهت نفقة الأقارب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 239
نفقة المطلقة الحامل:
180 ـ مسألة: في المطلقة الحامل إذا كانت بائناً لها النفقة وهل يجب لها أم للحمل؟
إحداهما: النفقة للحمل، أومأ إليه في رواية أحمد بن سعيد، فقال: النفقة للحمل، وهو اختيار أبي بكر، ذكره في كتاب الخلاف، واختاره الخرقي أيضاً لأنه قال: والناشز لا نفقة لها فإن كانت حاملاً أعطاها نفقة حملها.
والثانية: النفقة لها لأجل الحمل أومأ إليه في رواية ابن منصور في رجل طلق ثلاثاً وهي مملوكة حامل قال: هو ولده عليه النفقة.
---(1/466)
وهذا من فوائد الروايتين، فإن النفقة لو كانت للحمل لم تلزمه النفقة لأن ولده من زوجته الأمة ملك لسيدها فتكون النفقة على سيدها، وقال أيضاً في رواية أبي جعفر بن محمد بن يحيى المتطبب في الرجل يموت فيخلف أم ولد حامل: من أين ينفق عليها قال: من مال ما في بطنها يؤخذ بالحصص وهذا يدل على أنها لها بسبب الحمل لأنه أوجب لها النفقة من مال الحمل، ولهذا الاختلاف فوائد: إحداهما: إذا تزوج حر بأمة فأبانها وهي حامل فإن قلنا: النفقة للحمل لم تجب على والده بل وجبت ـ على سيده وهو سيد الأمة. وإن قلنا: لها كانت على زوجها وهو الذي نقله ـ ابن منصور ومنه: عبد تزوج بأمة فأبانها وهي حامل فإن قيل: النفقة للحمل كانت على سيد الولد دون والده لأنه مملوك الغير ولأنه لا يجب على العبد نفقة أقاربه. وإذا قلنا: لها لأجله فالنفقة عليه يؤديها السيد عنه. ومنها: عبد تزوج بحرة فأبانها وكانت حاملاً فإن قلنا: للحمل فالنفقة على الزوجة لأنه ولد حرة من مملوك وإن قلنا: لها لأجله يكون على سيده. ومنها: إذا كان النكاح فاسداً والزوج حراً فإن قلنا لها فلا نفقة لأن النفقة لمن كانت معتدة عن نكاح له حرمة ولا حرمة له. وإذا قلنا للحمل فعليه النفقة لأنها نفقة ولده. فإن قلنا: النفقة للحمل فوجهه أنها لو كانت حاملاً فلا نفقة فإذا كانت حاملاً وجبت النفقة فلما وجبت لوجوده وسقطت لعدمه ثبت أن النفقة له، ولأنه لما كانت النفقة له إذا كان منفصلاً كذلك إذا كان متصلاً. وإذا قلنا: النفقة لها لأجله فوجهه أنها محبوسة عن الأزواج لحقه مشغولة كالزوجة حال الزوجية ثم ثبت أن نفقة الزوجة عليه لها كذلك هاهنا ولأنها لو كانت للحمل لوجب أن يجب على الجد بفقد الأب أو بإعماره كما لو كان منفصلاً، ولوجب أن يسقط بيسار الولد وهو إذا ورث أو وصى له بشيء فقبله أبوه ولما لم يجب على الجد ولم يسقط بيساره وإعساره دل على أنها ليست نفقة الولد.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 240(1/467)
نفقة الأقارب مع اختلاف الدين:
181 ـ مسألة: نفقة الأقارب هل تجب مع اختلاف الدين أم لا؟
فذكر أبو بكر الخلال في أحكام أهل الملل عن محمد بن علي عنه: إذا كانت مسلمة وأبوها نصراني وهي محتاجة هل يجبر أبوها على النفقة. فقال: لم أسمع في هذا شيئاً ولكن يعجبني أن ينفق عليها يعني أباها النصراني. قيل له: يجبر قال: يعجبني ولم يقل: يجبر. فظاهر هذا أنه لم يوجبها على الأب النصراني لاختلاف الدين لكن استحبها.
ونقل حرب وابن مشيش في نصرانية تسلم قبل زوجها ولها أولاد صغار قال: ولدها معها ويجبر الأب على النفقة عليهم فظاهر هذا أنه أوجب نفقتهم عليه مع اختلاف الدين فقد نص على روايتين في الأب الكافر هل يلزمه نفقة أولاده الصغار مع اختلاف الدين؟
إحداهما: أن يلزم الأب الكافر أن ينفق على ولده المسلم وكذلك يلزم المسلم أن ينفق على ولده الكافر وعلى أمه الكافرة لقوله تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً وفي إلزامه النفقة عليهم مع اختلاف الدين من المصاحبة بالمعروف وإذا ثبت وجوبها للأب على الابن مع اختلاف الدين ثبت وجوبها للابن على الأب لوجود الولادة فيما بينهما.
والثانية: لا يلزم لأنها نفقة تجب بالقرابة فلم تجب مع اختلاف الدين، دليله نفقة الأقارب من الأخ والأخت فإنها لا تجب مع اختلاف الدين. رواية واحدة لأن النفقة معتبرة بالإرث واختلاف الدين يمنع الإرث.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 241
نفقة الولد المعسر إذا كان رشيداً:
182 ـ مسألة: إذا كان الولد كامل الأحكام بمعنى أنه بالغ عاقل صحيح إلا أنه معسر، هل يلزم الأب نفقته؟
على روايتين: نقل الأثرم عنه: يجبر على نفقة ولده إذا كان محتاجاً. فظاهر هذا أنه يلزمه لأنه اعتبر الحاجة.
---(1/468)
ونقل أبو داود : على العصبة أن ينفقوا على الكبير إذا كان زمناً، فظاهر هذا أنه إذا لم يكن زمناً لم يلزمه ولا تختلف الرواية في الأب إذا كان معسراً يلزم الابن نفقته وإن لم يكن زمناً.
وجه الأولى: أنه محتاج فأشبه الزمن وأشبه الأب.
ووجه الثانية: أنه مكلف كامل الأحكام ليس له إيلاد فلم يلزمه نفقته كالموسر ويفارق الأب لأن حرمة الأب أقوى من غيره بدليل أنه يقاد بوالده ولا يقاد بولده لأن له أن يأخذ من مال ولده وزيادة على قدر نفقته وليس للابن مثل ذلك. فأما نفقة الأقارب هل يلزم نفقاتهم بمجرد الإعسار كالأخ إذا كان معسراً ولم يكن زمناً هل يلزم أخاه نفقته وكذلك العم وغيره من العصبات فيخرج على روايتين كما قلنا في الابن هل يلزم الأب نفقته إذا كان معسراً ولم يكن زمناً. على روايتين كذلك نفقة الأقارب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 242
الحضانة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 243
حضانة الأم لولدها بعد أن تتزوج:
183 ـ مسألة: إذا تزوجت الأم سقطت حضانتها من الغلام. رواية واحدة، وهل يسقط حقها من حضانة الجارية؟
على روايتين: إحداهما: تسقط أيضاً نص عليه في رواية حنبل فقال: الأم أحق بها ما لم تتزوج فإذا تزوجت فالأب أحق بولده جارية كانت أو غلاماً فإن مات الأب والأخ والعم فابن العم أولى به.
والرواية الثانية: لا يسقط حقها من الحضانة نص عليه في رواية مهنا وقد سئل: إذا تزوجت الأم وابنها صغير أخذ منها صغيراً كان أو كبيراً قيل له: فالجارية مثل الصبي، قال: لا. الجارية إذا تزوجت أمها تكون معها إلى سبع سنين وقال بعضهم: تكون معها إلى أن تحيض.
---(1/469)
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ ما روى أبو هريرة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: الأم أحق بحضانة ابنها ما لم تتزوج . وهذا وإن كان وارداً في الابن ففيه تنبيه على الجارية لأن المعنى فيهما واحد وهو أن القصد من الحضانة أنه طلب الحظ للولد والنظر له وما عاد بحفظه وصلاحه وكانت أمه أحظ ما دامت خالية فإذا تزوجت شغلها عنه حق زوجها الحظ له في نقله عنها وهذا المعنى يشترك فيه الغلام والجارية.
ووجه الثانية: ما روي عن علي بن أبي طالب قال: خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة فقال جعفر: أنا آخذها أنا أحق بها بنت عمي وعندي خالتها وإنما الخالة أم فقال علي: أنا أحق بها بنت عمي وعندي بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فهي أحق بها فقال زيد أنا أحق بها أنا خرجت إليها وسافرت إليها وقدمت بها. فخرج ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكر حديثاً قال: وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها فإنما الخالة أم وـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قضى بها للخالة وللخالة زوج فثبت أن حق الحضانة لا يزول بالتزويج ولأنه حق من حقوقها فلا يسقط بالتزويج كالدين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 243
تنازع نساء القرابة في حضانة الولد:
184 ـ مسألة: إذا احتج نساء القرابة فتنازعن الولد ولم يكن معهن أم ولا رجل.
ففيه روايتان:
إحداهما: أم الأم وأمهاتها وإن علون أحق بحضانته ثم أم الأب أولى من غيرها من النساء، نص عليه في رواية أحمد بن هشام في أم الأب وأم الأم فأم الأم أحق بالولد.
والثانية: أم الأب أولى نص عليه في رواية مهنا فقال: أم الأب أحق من أم الأم.
وجه الأولى: وهي ـ أصح ـ أنها كالأم تقوم مقامها ثم كانت الأم أولى، كذلك أمهاتها.
---(1/470)
ووجه الثانية: أن كل واحدة منهما لها إيلاد وانفردت أم الأب بأنها تدلي بعصبة فيجب أن تكون مقدمة كما قلنا في الأخت للأب والأخت للأم قد تساويا للأخوة وانفردت التي من قبل الأب لأنها تدلي بعصبة وكذلك الخالة من قبل الأب تقدم على الخالة التي من قبل الأم كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 244
كتاب الجراح
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 245
وما يتعلق به من الحدود
(توبة القاتل عمداً):
ـ مسألة في قاتل العمد هل تقبل توبته أم لا...؟
ذكر ابن إسحاق فيها روايتين إحداهما: تقبل توبته أومأ إليه في رواية المروذي وقد سأله عن رجل كان مع السلطان وقد تاب وكان قد بلى بدم قال: قل له يأتي الثغر فهو خير له وظاهر هذا أنه قبل توبته.
والثانية: لا يقبل أومأ إليها في رواية أبي الصقر وقد سأله: هل تعرف شيئاً من الذنوب ليس له توبة قال: أتخوف أن يكون القتل.
ونقل صالح أيضاً أنه قال لأبيه: قتل النفس التي حرم الله متعمداً له توبة أم كفارة. قال: قال ابن عباس فيمن قتل مؤمناً متعمداً: هي من آخر ما نزل ليس له كفارة ولا توبة.
---(1/471)
وجه الأولى: ـ وهي أصح ـ قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . وقوله: إلا من تاب وقوله: كتب عليكم القصاص . وأيضاً ما روى أبو اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن أنس بن مالك عن أم حبيبة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم دم بعض وكان ذلك سابقاً من الله تعالى فسألت أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل ، ومن كانت هذه حالة لا تقبل توبتهم فإن قيل فقد قال أبو زرعة الدمشقي سألت أبا عبد الله عن حديث أبي اليمان يعني هذا الحديث فقال ليس له عن الزهري أصل بتة وأخبرني أنه من حديث شعيب عن ابن أبي حسين وبلغني أن أبا اليمان حدثهم به وليس له أصل كأنه ذهب إلى أنه اختلط بكتاب الزهري قيل: فلم يطعن على الحديث جملة وإنما منع من أن يكون من حديث الزهري. قال أبو إسحاق: ويدل عليه ما أخبرنا محمد يعني الدقاش قال محمد يعني ابن مطر قال البخاري قال محمد بن بشار: قال محمد بن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين ثم خرج يسأل فأتى راهباً فسأله فقال له توبة قال: لا فقتله. وجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت فنأى بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحي الله تعالى إلى هذه أن تقربي وإلى هذه أن تباعدي، قال: فقيس ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له قيل: معناه أنه كان إلى القرية التي يطلب بها التوبة أقرب فغفر له. قال أبو إسحاق: أخبرنا محمد يعني النقاش قال محمد يعني ابن مطر قال البخاري قال به ابن أبي اليمان: قال به شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو إدريس الخولاني أنه سمع عبادة بن الصامت وكان شهد بدراً وهو أحد النقباء ليلة العقبة يقول: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وحوله عصابه من أصحابه: بايعوني(1/472)
---
على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفا منكم فأجره على الله ومن أصاب منكم من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله تعالى إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه فبايعناه على ذلك وهذا يدل على أن القتل له كفارة ولأن الشرك أعظم مأثماً من القتل ثم التوبة تسقطه فأولى أن يسقط مأثم القتل فهو أضعف منه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 245
---(1/473)
ووجه الرواية الثانية: قوله تعالى: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها ، فروى أبو إسحاق بإسناده عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم الآية وقوله: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . الآيات إلا من تاب قال: لما نزلت هذه الآية قال أهل مكة قد عدلنا بالله وقتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش فما يغني عنا الإسلام فأنزل الله تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات فأما من دخل في الإسلام وعرفه ثم قتل فلا توبة له. قال أبو إسحاق: وأخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال صفوان بن عيسى: قال ثور بن يزيد عن أبي عون عن إدريس قال سمعت معاوية رضي الله عنه وكان قليل الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله تعالى أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً . وأيضاً ما روى مروان الفزاري عن زيد بن أبي زياد الشامي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : من أعان على قتل مؤمن بكلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله . وقد نقل مهنا عن أحمد أنه سئل عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح وضعف أمر زيد بن أبي زياد ولأن حقوق الله ضربان منهما ما يصح التوبة منها ومنها ما لا يصح وهو الزندقة كذلك يجب أن تكون حقوق الآدميين كذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 245
القصاص
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 250
القصاص بين العبيد:
2 ـ مسألة: اختلفت الرواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ في القصاص هل يجري من العبيد إذا ختلفت قيمهم؟
---
فنقل ابن منصور عنه في عبد قيمته ألف دينار قتل عبداً قيمته ألف درهم: يقاد به.(1/474)
ونقل أبو طالب والأثرم وإبراهيم بن الحارث : إن كان ثمن هذا العبد ألف درهم وهذا ألف درهم اقتص منهما سواء. وإن كان ثمن هذا عشرين وثمن هذا ألفاً لا يستوي القصاص ولكن يؤخذ قيمة جرح المجروح على هذا ثمنه ولم يكن بينهما قصاص، القصاص بينهم إذا استوت قيمهم.
وجه الأولى: وهي الصحيحة ـ في أن القصاص يجري بينهم مع اختلاف القيم عموم قوله تعالى: العبد بالعبد ولم يفضل ولأن القود إنما يجب بقتل نفس مكافئة له حال الجناية فإذا كانا كاملين قتل كل واحد بصاحبه وإن كانا ناقصين في الدية بدليل الرجل يقتل بالمرأة والكتابي يقتل بالمجوسي وإن اختلفت دياناتهم.
ووجه الثانية: في إسقاط القصاص مع اختلاف القيم أن العبيد أموال: فلو قلنا: إن القصاص يجري بينهم مع اختلاف القيمة أتلفنا مال أحدهما من غير أن يكون في مقابلته بدل وهذا لا طريق إليه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 250
انتقال ملكية العبد الجاني عمداً إلى أولياء المجني عليه:
3 ـ مسألة: في العبد إذا جنى جناية توجب القود هل يوجب ذلك؟
نقل الملك إلى ولي المجني عليه أم لا؟
نقل يعقوب بن بختان في عبد قتل حراً فاستحيوه: يرجع إلى مولاه؟ قال: لا. فظاهر هذا أن ملك السيد زال عنه لأنه لم يحكم برده عليه عند العفو. وكذلك نقل مهنا عنه في أمة قتلت ابناً لرجل عمداً فدفعها إليه ليقتلها فوقع عليها فحملت بولد هل يكون عليه عقرها، فقال: لا شيء عليه هي له. وهذا أيضاً يدل على الملك، ونقل الميموني في المملوك يجرح الحر فإن شاء مولاه دفعه إليهم يقتص منه وإن شاء أعطى قيمة الجرح فظاهر هذا أنهم لم يملكوه وهو اختيار أبي.
وجه الأولى: (أنه) مملوك ملك إتلافه بغير إذن أحد فملكه دليله عبد أبيه إذا قتل ابنه.
---
ووجه الثانية: أن ثبوت القصاص تعلق برقبته كتعلق الحق بالعبد المرهون وذلك لا يوجب زوال ملك الرهن كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 251
فداء العبد إذا تعلقت الجناية برقبته:(1/475)
4 ـ مسألة: إذا جنى العبد جناية تعلق إرشها برقبته فأراد السيد أن يفديه فبكم بفدية؟
على روايتين:
إحداهما: بأقل الأمرين من قيمته وإرش جنايته نص عليه في رواية ابن القاسم ومحمد بن الكحال فقال: : لا يجبر سيده على أكثر من قيمته ويقال لسيده: أد عن عبدك بقدر قيمته أو سلمه وهو اختيار الخرقي.
والثاني: هو بالخيار أن يفديه بإرش الجناية بالغاً ما بلغ أو يسلمه للبيع نص عليه في رواية حنبل وعبد الله وابن منصور في حرة وعبد قتلا عبداً عمداً فأما الحر فلا يقتل ويكون عليه نصف قيمة العبد في ماله، والعبد إن شاء مولاه أسلمه بجنايته وإلا فداه بنصف قيمة المقتول فأوجب عليه نصف قيمة المقتول ولم يعتبر ذلك بقيمة العبد القاتل وهذه الرواية اختيار أبي بكر.
وجه الأولى: ـ وهي أصح ـ أن الحق تعلق برقبة العبد بدليل أنه لو سلمه لم يلزمه زيادة على قيمته فإذا منع التسليم لم يلزمه زيادة على القيمة كما لو غصب عبداً فأتلفه فإنه لا يلزمه زيادة على قيمته.
ووجه الثانية: أنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بذلك القدر أو أكثر فإذا حبسه على نفسه فقد فوت (على) المجني عليه ذلك القدر ولهذا لزمه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 252
تعلق إرش جناية العبد بذمة سيده إذا أعتقه:
---
5 ـ مسألة: إذا جنى العبد جناية تعلقت برقبته فأعتقه سيده نفذ عتقه، لأن أكثر ما فيه أنه قد تعلق به حق الغير وهذا لا يمنع العتق كالعبد المرهون إذا أعتقه سيده وكالعبد المبيع في يد البائع إذا أعتقه المشتري. وإذا نفذ عتقه تعلق إرش الجناية بذمة السيد لأنه بالعتق قد منع تسليمه فهو كما لو قتله أو منع من ذلك باستيلاد وهل يلزمه إرش جميع الجناية أم يلزمه قيمة العبد؟(1/476)
على روايتين: فنقل حرب في عبد قتل حراً فأعتقه مولاه: فعليه قيمته. وظاهر هذا أنه لا يلزم أكثر من قيمته سواء علم بالجناية أو لم يعلم. ونقل ابن منصور في عبد قتل حراً فأعتقه سيده: فإن كان عالماً بجناية عبده فأعتقه فالدية عليه وإن لم يعلم فعليه قيمة عبده وقد صار العبد حراً. فظاهر هذا أنه إن علم بالجناية ثم أعتقه فعليه الدية وإن زادت على قدر القيمة وإن لم يعلم لم يلزمه أكثر من قدر القيمة.
وجه الأولى: أنه منع من التسليم بالعتق تلزمه قدر القيمة دليله أم الولد إذا جنت فإنه لا يلزم السيد أكثر من قيمتها رواية واحدة كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: أن وقت الجناية كان يمكن تسليمه للبيع فربما رغب فيه راغب فزاد بقدر إرش الجناية، فإذا منع لزمه ذلك كما لو اختار أن يفديه وقد ذكرنا في ذلك روايتين في قدر ما يلزمه. ويفارق أم الولد لأن القدر الذي منع من تسليمه هو قدر قيمتها لا زيادة عليه لأن المجني عليه ما كان يتمكن من بيعها وقت الجناية والعبد القن قد يمكن بيعه بزيادة فأما قوله في رواية منصور إن لم يكن عالماً بجنايته فعليه قيمته لأن في ضمان حقوق الآدميين ما يعتبر فيه القصد بدليل مهر المغرورة يرجع به المغرور، على الغار، ولو كان عالماً لم يرجع به، وكذلك لو قتل رجلاً في دار الحرب وكان مسلماً فإن لم يكن عالماً بإسلامه فلا دية ولو كان عالماً فعليه الدية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 252
القصاص من الوالدة للولد:
---
6 ـ مسألة: هل تقاد الأم بابنها؟
نقل حرب أنه سئل عن امرأة قتلت ولدها فقال: أما الرجل إذا قتل ابنه فقد بلغنا أنه لا يقتل ولم يبلغنا في المرأة شيء فظاهر هذا التوقف.(1/477)
ونقل حنبل لا يقتل والد بولده ولا الوالدة بولدها فنص على إسقاط القصاص قال أبو بكر المسألة على قولين أحدهما: تقتل بابنها على ظاهر رواية حرب، لأن الأم قرابة لا يملك بها الولاية في النكاح، فلا يمنع من جريان القصاص دليله الخالة والعمة ولا يلزمه عليه قرابة الأب لأنه يملك بها الولاية في النكاح ولأنها فارقت الأب في الولاية في النكاح والرجوع في الهبة والأخذ من مال الابن.
والثاني: لا يقتل وهو اختيار الخرقي وأبي بكر الخلال، وهو المذهب لأن لها إيلاداً ولأنه بضعة منها فهي كالأب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 253
القصاص من الولد لوالده:
7 ـ مسألة: في الابن هل يقتل بأبيه؟
نقل حنبل عنه: لا أقيد والداً بولد ولا ولداً بوالده عمداً ولا خطأ.
ونقل مهنا : إذا جرح الابن أباه والأب ابنه أرجو أن لا يكون بينهما قصاص، فظاهر هذا إسقاط القصاص.
ونقل عبد الله في الابن يقتل أباه فقال: أما الابن يقتل به إذا شاء ورثته فظاهر هذا أن يقتل به.
وجه الأولى: ما روى شيخنا أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ بإسناده عن سراقة بن مالك عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يقاد الأب من ابنه ولا يقاد الابن من أبيه . ولأن الابن لا تقبل شهادته لأبيه بحق القرابة وكل من لا تقبل شهادته له لأجل القرابة لم يقتل (به) دليله الأب لما لم تقبل شهادته لابنه بحق القرابة لم يقتل به كذلك الابن.
ووجه الثانية: ـ وهي الصحيحة ـ ما روى سراقة بن مالك من طريق آخر عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ شأنه كان يقيد الأب من ابنه ولا يقيد الابن من أبيه وهذا نص .
---
ولأن الابن يحد بقذف الأب فيجب أن يقتل به لأن القذف وجب لهتك العرض والقصاص لقتل النفس ولأن القصاص وضع في الأصل ردعاً وزجراً وكفاً عن القتل وليس مع الابن من الحنو والشفقة ما يردعه عن قتله، (فيجب أن يقتل بخلاف الأب فإن عنده من الحنو والشفقة ما يمنعه من القتل) ولهذا لم يقتل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 254(1/478)
قتل الجماعة بالواحد:
8 ـ مسألة: في الجماعة إذا قتلوا واحداً هل يقتلون به؟
يخرج على روايتين: نقل الجماعة منهم أبو طالب وحرب وابن منصور: يقتلون.
ونقل حنبل : لا تقتل الجماعة بالواحد فذكر له حديث عمر أنه أقاد سبعة بواحد فقال: ذلك في أول الإسلام.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة . ومعناه أنه إذا علم القاتل أنه إذا قتل قتل لم يقتل فتبقى الحياة ولو كانت الشركة تسقط القصاص بطل حفظ الدم بالقصاص لأن أحداً لا شاء أن يقتل غيره إلا وشارك غيره في قتله فلا يجب القصاص فإذا أفضى إلى هذا سقط في نفسه. ولأنها عقوبة على البدن يجب للواحد على الواحد فجاز أن يجب للواحد على الجماعة دليله حد القذف فإن جماعة لو قذفوا واحداً كان له أن يحد كل واحد منهم حداً كاملاً يتبين صحة هذا أن حد القذف لهتك حرمة العرض والقود لهتك حرمة النفس ثم ثبت أن حد القذف يجب على الجماعة للواحد إذا اشتركوا في هتك عرضه كذلك القود على الجماعة.
ووجه الثانية: ما روى جويبر عن الضحاك أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يقتل اثنان بواحد ولأنها نفس خرجت عن فعل مشترك فوجب أن لا يجب بها القود كما لو اشتركوا في قتله عامد ومخطىء.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 255
دخول القصاص في الطرف في القصاص في النفس:
9 ـ مسألة: إذا قطع يد رجل ثم عاد فقتله قبل الاندمال دخل إرش الطرف في دية النفس، رواية واحدة وهل يدخل قود الطرف في قود النفس.
---
على روايتين: نقلهما الخرقي: إحداهما: يدخل وقد نص عليه في رواية الميموني في الرجل يخرج أو يقطع عنه عضواً ثم يموت لا تقطع يده والقتل يأتي على ذلك لأن القصاص أحد بدلي الطرف فدخل في جملة النفس دليله الدية ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل الكل وإتلاف الجملة وفي قطعه ثم قتله تعذيب له فلا معنى للتعذيب مع إمكان الاستيفاء بغير تعذيب ولهذا لو قتله بسيف كال فإنه لا يقتل بمثله.(1/479)
والثانية: لا يدخل ويجب القصاص في ذلك، نص عليه في رواية لأن موضع القصاص على المماثلة ولهذا سمي قصاصاً والقطع بالقطع أقرب إلى القطع من القتل بالقطع ولأن القطع إذا كان عمداً محضاً لم يدخل في قود النفس دليله لو كان القتل بعد الاندمال تبين صحة هذا أنه في حكم المستقر بدليل أنه لو قتله قاتل خطأ بعد قطع الأول لم يدخل في حكم الطرف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 256
حدوث صفة المكافأة في المجنى عليه بعد إرسال السهم وقبل الإصابة:
10 ـ مسألة: إذا أرسل سهمه إلى نصراني فأسلم ثم وقع السهم فيه أو على عبد فعتق ثم وقع السهم فيه، فهل عليه القصاص؟
قال الخرقي : لا قصاص وهو قول شيخنا وقال أبو بكر عليه القصاص، ولا يختلفون إذا رمى مرتداً فأسلم ثم وقع السهم أنه لا قصاص.
وجه الأولى: أن القصاص إنما يجب بالقصد إلى تناول نفس مكافئة له حين الجناية وحين الجناية وهو الإرسال والتكافؤ غير موجود حينئذ فلا قصاص كما لو كان مرتداً.
---
واحتج أبو بكر بأنها رمية محظورة أوجبت دية حر مسلم فأوجبت القصاص كما لو كان في وقت الرمية مسلماً قال: ويفارق هذا إذا رمى مرتداً فأسلم ثم وقعت لأن تلك الرمية لم تكن محظورة. قال: ولأن أحمد قال في رواية الحسن بن محمد بن الحارث في رجل أرسل سهماً على زيد فأصاب عمراً قال: هو عمد عليه القود فاعتبر ابتداء الرمية أن تكون محظورة، والأول أصح. وقوله: إن رمي المرتد مباح غير صحيح لأن رميه إلى الأمام دون آحاد الناس.(1/480)
وما ذكره أحمد في رواية الحسن بن محمد لا تشبه مسألتنا لأن تلك الرمية وجد القصد فيها وهي مما توجب القود لأن الإصابة لو حصلت في زيد لأوجبت القود فلهذا إذا أصابت عمراً تعلق بها القود اعتباراً بحال الرمية كما لو أرسل كلبه على صيد فأصاب غيره حل أكله لأن هذا الإرسال في الجملة مما تتعلق به الإباحة ولم يعتبر التعين في رمي الآدمي، وتبين صحة هذا أن الإرسال في القصد معتبر كما هو معتبر في الرمية بدليل أنه لو استرسل كلبه فصاد وقتل لم يبح لعدم القصد وإذا كان كذلك فالقصاص وجب هاهنا لأن الرمية مما توجب القود وليس كذلك في رمي المسلم للذمي لأن هذه الرمية لا توجب قوداً على المسلم بحال فلهذا فرقنا بينهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 256
ثبوت القتل بالإقرار مرة واحدة:
11 ـ مسألة: إذا أقر بالقتل هل يثبت بمرة واحدة أم لا؟
---
نقل أبو طالب : يثبت بمرة واحدة وفي الزنا بأربع وهو اختيار أبي بكر لأنه يثبت بشاهدين فيثبت بإقرار مرة كالردة وشرب الخمر. ونقل حنبل : إذا أقر بالقتل والزنا ردده السلطان أو سأل عن أمره لعل به جنوناً كما ردد ماعزاً. فظاهر ذلك أنه شبه ذلك الحد بحد الزنا وذلك لا يثبت إلا بإقرار أربع مرات كذلك القتل لأن الحقوق على ضربين: منها حق الله ـ عزّ وجلّ ـ وذلك الحق ينقسم منه ما لا يعتبر فيه التكرار ومنه ما يعتبر التكرار وهو حد الزنا كذلك حقوق الآدميين ينبغي أن يكون منها ما يعتبر فيه التكرار وليس إلا القتل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 257
اشتراك الممسك والقاتل في حكم الجناية:
12 ـ مسألة: إذا أمسك رجلاً فجاء آخر فقتله فهل على الممسك القود؟
على روايتين: نقل أبو طالب وأحمد بن سعيد : يقتل القاتل ويحبس الماسك حتى يموت. ونقل ابن منصور : يقتلان جميعاً.(1/481)
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ ما روى الأثرم قال حدثنا وكيع بن سفيان بن إسماعيل بن أمية قال: قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم في رجل أمسك رجلاً وقتله الآخر أن يقتل القاتل ويحبس الماسك حتى يموت، ولأن المباشرة متى انضمت إلى سبب غير ملجىء تعلق الضمان بها دون السبب كالحافر والدافع والناصب السكين والدافع عليها فإنه لو حفر بئراً فوقع فيها إنسان كان الضمان على الحافر ولو دفعه غيره فيها كان الضمان على الدافع دون الحافر كذلك هاهنا ولأنه لو كان الممسك مشاركاً للقاتل في القتل لوجب إذا أمسك مجوسي شاة فذبحها مسلم أن لا تؤكل كما لو اشترك في ذبحها فلما ثبت أنها تؤكل بطل أن يكون الممسك مشاركاً للذابح.
ووجه الثانية: أنهما تعاونا على قتله فوجب أن يكونا في وجوب القود سواء كما لو اشتركا في ذبحه، ولأنه لا يمتنع أن يجب الضمان على الممسك وإن كان غيره باشر القتل كالمحرم يمسك الصيد فيقتله آخر فإن على الممسك الضمان كذلك هاهنا.
---
ولأنه إذا أمسك حتى قتله كان هو السبب في قتله ولا يمنع وجوب القود بالسبب كوجوبه بالمباشرة ألا ترى أن شاهدين لو شهدا عند الحاكم على رجل بالقتل فقتله ثم رجعا وقالا: ما كان قتله كان عليهما القود وإن كان الذي حصل منهما تسبب دون المباشرة كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 258
القصاص في الطرف إذا كانت الجناية بآلة لا يقطع مثلها:
13 ـ مسألة: إذا قطع طرفاً بآية مثلها لا يتلف هل يجب القود؟(1/482)
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: يجب وحكى قول أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية حنبل: إذا ضربه فذهب ببعض أعضائه بشيء لا يقتل مثله فعليه القود في ذلك، وعندي أنه لا قود في ذلك حتى تكون آلة مثلها يتلف العضو لأن الطرف يجري في هذا الجنس مجرى النفس بدليل أنه يقطع الجماعة بالواحد كما يقتل الجماعة بالواحد ثم ثبت أنه لو قتله بآلة مثلها لا يقتل غالباً لم يقتل كذلك الأطراف وما ذكره عن أحمد ـ رحمه الله ـ لا يدل على ما قال لأنه قد يقطع الطرف ما لا يتلف النفس.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 259
الواجب بقتل العمد:
14 ـ مسألة: الواجب بقتل العمد ما هو؟
---
على روايتين: إحداهما: أنه أوجب أحد شيئين القود أو الدية كل واحد منهما أصل في نفسه فإن اختار أحدهما ثبت وسقط الآخر وإن عفوا عن أحدهما ثبت وسقط الآخر، أومأ إلى هذا في رواية الميموني فقال: أصل قولنا أن لهم أن يقتلوا أو يأخذوا الدية فإن عفوا أخذوا الدية فلما دخله شيء من العفو رجعوا إلى الدية فقد نص على أنه إذا عفى عن القصاص مطلقاً من غير ذكر مال ثبت له المال وهذا فائدة قولنا أن الواجب أحد شيئين والرواية الأخرى القتل أوجب فقط والولي بالخيار بين أن يقتل أو العفو فإن قتل فلا كلام وإن عفى على مال سقط القود وثبتت الدية بدلاً عن القود فتكون الدية على هذا بدلاً عن بدل وقد أومأ إلى هذا في رواية صالح فقال: إذا عفى بعض الأولياء عن القود لم يكن للباقين القود وكان لهم الدية وليس للعافي من الدية شيء فقد نص على أنه إذا عفى عن القود مطلقاً عن ذكر مال لم يثبت له مال وهذا فائدة قولنا أوجب القود بحسب وهو اختيار الشيخ أبي عبد الله.(1/483)
وجه الأولى: ـ وهي أصح ـ قوله تعالى: فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف . فأوجب الاتباع بمجرد العفو وحديث أبي شريح الكعبي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: وأنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية . وحقيقة التخيير بين شيئين: إن كل واحد منهما أصل في نفسه لا بدل عن صاحبه كالتخيير في كفارة الإيمان بين الإطعام والكسوة والعتق ولأنه لو كان الواجب بالقتل القود فقط لما جاز العدول عنه إلى غير جنسه بغير تراضي كسائر إبدال المتلفات فلما ثبت في مسألتنا جواز العدول إلى غير جنسه بغير رضاه ثبت أنه لم يجب معنا.
---
ووجه الثانية: قوله تعالى: النفس بالنفس وقال تعالى: كتب عليكم القصاص في القتلى . فظاهر هذا أن الواجب القصاص فقط فمن قال: القصاص أو الدية ترك الظاهر ولأنه بدل عن متلف فكان معيناً كسائر المتلفات، ولأنه قتل آدمي فكان بدله معيناً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 259
استيفاء الوكيل في القصاص بغيبة الموكل:
15 ـ مسألة: هل يجوز للوكيل استيفاء القصاص بغيبة من الموكل؟
فنقل ابن منصور عنه: للرجل أن يوكل بطلب الدم وله أن يقتل لأنه يقوم مقام موكله فظاهر هذا أن له ذلك بغيبة منه. ونقل حرب أيضاً: الوكالة جائزة في الحدود وله أن يقيمه وإن لم يحضر الذي وكله فقد نص على جواز الاستيفاء بالغيبة.
وقال أبو بكر: ومن أصحابنا من يقول لا يجوز استيفاء ذلك بغيبة من الموكل وقد أومأ إليه أحمد في رواية مهنا في رجل قذف رجلاً فقدمه إلى السلطان فأقر عنده فكتب السلطان إقراره وقال: عودوا حتى أقيم الحد فعاد القاذف فلا يقام عليه الحد حتى يحضر المقذوف لعله أن يكون قد عفى وهذا المعنى الذي اعتبره موجود في الوكيل.(1/484)
ووجه الأولى: وهوالمذهب أن كل حق صحت النيابة فيه بحضرة الموكل كذلك بغيبة منه كسائر الحقوق وعكسه الصلاة والصيام والاستمتاع لما لم يجز بمشهد منه لم يجز بغيبة منه.
ووجه من قال: لا يجوز. قال: لو جاز هذا أفضى إلى هدر الدماء لأنه قد يعفوا فيقتل الوكيل قبل العلم به ولأن الإنسان قد يحرص على الشيء يطلبه حتى إذا ظفر به تركه فلهذا لم يجز إلا بمشهد منه لأنه قد يعفو عنه إذا شاهده عند التمكين من قتله.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 260
اشتراك العامد والمخطىء في القتل:
16 ـ مسألة: العامد إذا شارك المخطىء في القتل هل يقتل العامد؟
على روايتين: نقل الجماعة منهم صالح وعبد الله والمروذي وأبو داود: لا قود على واحد منهما.
ونقل ابن منصور : على العامد القود.
---
وجه الأولى: وهي اختيار الخرقي وهي أصح أنها روح خرجت عن عمد وخطأ فوجب أن لا يجب القود كما لو جرح رجلاً خطأ ثم عاد وجرحه عمداً ثم سرت الجراحتان إلى نفسه، ولأنه إذا اجتمع في القصاص موجب ومسقط غلب الإسقاط كما لو قتل حر من نصفه حر ونصفه عبد فإنه لا قصاص، كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: وهي اختيار أبي بكر: إن كل من انفرد بقتله قتلناه فإذا شاركه غيره فيه قتلناه كالأجنبي إذا شارك والداً في قتل ولده ولأن هذا العامد بمنزلة المنفرد بقتله في باب الدية والمأثم فوجب أن يكون كالمنفرد في باب القصاص. ومن قال: بالرواية الأولى أجاب عن مشاركة الأجنبي للأب في أن القصاص يجب على الأجنبي بأنه شارك من زال عنه القود لا لمعنى في فعله فلم يكن ذلك مسقطاً للقود عن شريكه كما لو قتلا رجلاً عمداً فعفى الولي عن أحدهما فإنه لا قود عليه وعلى شريكه القود ويفارق هذا إذا شارك المخطىء لأنه شارك من سقط عنه القصاص لمعنى في فعله فيسقط عن شريكه فهو كما لو جرحه جرحاً خطأ وجرحاً عمداً وسرت الجرحتان إلى النفس فإن القصاص يسقط لأنه شاركه بما يسقط القصاص لمعنى في الفعل كذلك هاهنا.(1/485)
وإذا قلنا: يسقط القصاص عن العامد فهل يكون نصف الدية في ماله أم على عاقلته. فنقل صالح وعبد الله وأحمد بن سعيد في رجل وصبي قتلا عمداً فعلى الرجل نصف الدية في ماله وعلى عاقلة الصبي نصف الدية.
قال أبو بكر : فيها روايتان: أحدهما: هذا وهو أصح.
والثانية: على عاقلته لأن القود سقط عنه لمعنى في الفعل فكانت الدية على عاقلته كالمخطىء.
ووجه الأول: أن فعله عمد يختص بسقوط القود عنه فلا يوجب تحمل الدية على الغاقلة كالأب إذا قتل ولده فإن القود يسقط والدية في ماله، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 261
استيفاء القصاص بغير السيف:
---
17 ـ مسألة: إذا قتله بآلة يجب بها القود وكانت بغير السيف مثل إن حرقه بالنار، أو غرقه، أو خنقه، أو منعه الطعام والشراب، فهل يقتل بمثل ما قتله به أم بالسيف؟
على روايتين: نقل ابن منصور : إذا قتل رجلاً بعصاً أو خنقة أو شدخ رأسه بحجر يقتل بمثل الذي قتل به.
ونقل حرب : إذا قتله بخشبة يقتل بالسيف.
ونقل أبو طالب عنه: إذا خنقه قتل بالسيف.
ونقل جنبل: لا أرى أن يقتل بالنار أحد ففي الجملة أن القصاص يجب بالمثقل وإنما الروايتان في استيفاء القصاص هل يكون بالسيف أم بمثله ما قتل؟
ونقل ابن منصور أنه يكون بمثل ما قتل، ونقل غيره: لا يكون إلا بالسيف وهو أصح.(1/486)
وجه الأولى: قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . وهو ظاهر جيد لأنه اعتبر المماثلة: وروى البراء بن عازب عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه . وروى هشام عن قتادة عن أنس أن يهودياً رضخ رأس جارية أنصارية بين حجرين فأدركت وبها رمق فقيل أقتلك فلان أقتلك حتى ذكر لها اليهودي فأومأت برأسها أن نعم، فسئل اليهودي فاعترف فأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أن يرضخ رأسه بين حجرين. وكل آلة حل قتال أهل البغي بها جاز القصاص بها كالسيف أو نقول بآلة يقصد بها القتل غالباً فجاز استيفاء القصاص به كالسيف.
ووجه الثانية: وهي ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ وهو اختيار أبي بكر ما روى عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا قود إلا بحديدة . معناه لا يستقاد إلا بحديدة لاتفاقنا على أن القود يجب بغير جديد.
وروي أن علياً حرق بالنار قوماً ادعوه الهاً فقال ابن عباس لو كنت أنا لم أقتلهم إلا بالسيف فإني
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 262
رجوع أولياء القاتل بنصف ديته في مال المقتولة إذا أقيد بها:
18 ـ مسألة: إذا أقيد الرجل بالمرأة فهل يؤخذ من مالها نصف دية الرجل يكون لورثته؟
---
فنقل أبو إسحاق إبراهيم بن هاني النيسابوري في رجل قتل امرأة: يقتل ويعطي نصف الدية فقد نص على الرجوع بنصف الدية.
ونقل ابن منصور عنه: يقتل الرجلان والثلاثة بالمرأة فأوجب القصاص ولم يوجب الرجوع بالنصف. وكذلك أبو الصقر: يقتل النصراني بالمجوسي، قيل له: كيف تقتله وديتهما مختلفة فقال: أذهب إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قتل رجلاً بامرأة. يعني وديتهما مختلفة، فظاهر هذا أنه لم يوجب الرجوع بالنصف.(1/487)
ووجه الأولى: ما روى عطاء والشعبي والحسن أن علياً قال: إن شاؤوا قتلوه ودفعوا نصف الدية. وإن شاؤوا أخذوا نصف دية الرجل، ولأن القصاص يدل عن النفس كما أن الدية بدل عن النفس لم ثبت أن نصف الدية للرجل في مقابلة نفسها أن يكون نصف نفسه في مقابلة نفسها إلا أنه لا يمكن استيفاء بعض النفس فلما جاز استيفاء جميع النفس بالإجماع فقد استوفى الأولياء نصف النفس في غير ملك فيجب أن يرجع عليهم بنصف الدية.
ووجه الثانية: حديث عمرو بن حزم: يقتل الرجل بالمرأة، ولم يذكر رجوعاً بنصف الدية وكذلك قوله عليه السلام فمن قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية . ولم يوجب مع القتل شيئاً آخر ولأن القصاص إذا وجب في النفس لم يجب معه غرم بدليل الكتابي إذا قتل بالمجوسي والجماعة إذا قتلوا بالواحد ولأنهما تساويا في الحرمة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 265
اجتماع القصاص والدية في الأطراف إذا اختلفت في الكمال والنقص:
19 ـ مسألة: إذا قطع يداً كاملة الأصابع ويده ناقصة اصبعاً فهل يقتص من القاطع ويغرم دية أصبع؟
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا قصاص عليه ويجب عليه دية اليد، قال لأنا لو أوجبنا القصاص عليه أوجبنا له دية الإصبع المفقودة، فيؤدي إلى اجتماع قصاص ودية وذلك لا يجب على أصلنا كما لو أن القاطع أشل والمقطوعة كاملة فإنه لا يجتمع قصاص ودية بل يكون له أحدهما كذلك هاهنا.
---(1/488)
فعلى قول أبي بكر يكون حكم هذه الناقصة حكم الشلاء وهو مخير بين القصاص ولا دية للأصبع وبين ترك القصاص والدية. وقال الشيخ أبو عبد الله: المجني عليه بالخيار بين العفو على مال وله دية اليد خمسون من الإبل وبين أن يقتص فيأخذ يداً ناقصة أصبعاً قصاصاً ويأخذ دية الأصبع وهو الصحيح عندي، وقد نص أحمد على نظير هذا في الأعور إذا فقئت عينه فهو بالخيار بين أن يقتص بمثل عينه ويطالب نصف الدية وبين أن يعفو ويأخذ دية كاملة فقد خير في اجتماع القصاص والدية وإنما كان له القصاص لأنه يأخذ ناقصاً بكامل وهذا لا يمنع القصاص كما يقتل العبد بالحر والكافر بالمسلم وإنما كان له دية الأصبع لأنه أخذ دون حقه عدداً فإن قطع من رجل أنملة لها طرفان كان للقاطع مثلها من تلك اليد كان للمجني عليه القصاص فيها لأنهما قد تساويا فيهما وإن لم يكن له مثلها أخذ القصاص في الموجود وحكومة في المفقود وإن كانت أنملة القاطع لها طرفان والمقطوعة لها طرف واحد فلا قصاص على الجاني لأنا لا نأخذ زائدة بناقصة وله دية أنملة ثلث دية أصبع ثلاث وثلث من الإبل. وقال أبو بكر في الثانية كما قلنا في الأولى بخلافه فقال: إذا لم يكن له مثلها سقط القصاص وأخذ دية حكومة لأنه لا يجتمع قصاص ودية وإن كانت أنملة القاطع لها طرفان والمقطوعة لها طرف واحد فلا قصاص وحكم الدية على ما ذكرنا والمذهب على ما ذكرنا من اجتماع القصاص والدية كما قلنا في عين الأعور.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 266
القصاص بقطع العضو إذا أعيد مكانه فثبت:
20 ـ مسألة: إذا قطع أذن رجل فأبانها ثم ألصقها المجني عليه في الحال فالتصقت فهل على الجاني القصاص أم لا؟
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا قصاص على الجاني وعليه حكومة الجراحة فإن سقطت بعد ذلك بقرب الوقت أو بعده كان القصاص واجباً لأن سقوطها من غير جناية عليها من جناية الأول وعليه أن يعيد الصلاة.
---(1/489)
واحتج بأنها لو بانت لم تلتحم فلما ردها والتحمت كانت الحياة فيها موجودة فلهذا سقط القصاص وعندي أن على الجاني القصاص لأن القصاص يجب بالإبانة وقد أبانها ولأن هذا الإلصاق مختلف في إقراره عليه فلا فائدة له فيه فلهذا أجزنا القصاص فإذا قطعنا بها إذن الجاني ثم ألصقها الجاني فإن قال المجني عليه ألصق أذنه بعد أن أثبتها أزيلوها عنه قلنا بقولك لا نزيلها لأن القصاص وجب بالإبانة وقد وجد ذلك ولكن هل يقلع ذلك الإمام على طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة أنه الصق بنفسه ميتة فهذا مبني على أصل تقدم في مسائل الجنائز وهو أن ما بان من أعضاء الآدمي هل هو ميتة أم لا؟
ففيه روايتان: فإن قلنا هو ميتة أزيل وإن قلنا ليس بميتة لم يزل عنه وهو إختيار أبي بكر وقد نقل اسحاق بن إبراهيم عنه: إذا قطع أذنه فالصقها فالتحمت فلا قصاص على الجاني وليست ميتة ونقل المروذي عنه في الأذن إذا قطعت من قصاص فردت فثبتت فإنها تقطع ثانياً فقد نص على روايتين في قطعها ثانياً وذلك مبني على الأصل الذي تقدم هل ذلك طاهر أم لا؟ وهكذا الحكم في المارن من الأنف (إذا) أبانه فأعاده المجني عليه والدم جار فالصق والتحم هل على الجاني كمال الدية؟ المذهب أن عليه كمال الدية لأنها وجبت بالإبانة وقد بانت، وقال أبو بكر لادية في ذلك وعليه حكومة لما يدخل من النقص وهذا مبني على ما تقدم ذكره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 267
اختلاف الجاني والمجني عليه في سلامة العضو المقطوع وشلله:
21 ـ مسألة: إذا قطع طرف الرجل ثم اختلفا فقال الجاني: كان أشلاً فلا فود ولا دية وإنما على حكومة. وقال المجني عليه: كان صحيحاً سليماً فعليك القود فإذا عفوت في الدية فهل يكون القول قول المجني عليه أم قول الجاني؟.
---(1/490)
قال أبو بكر : القول قول المجني عليه وقال شيخنا أبو عبد الله القول قول الجاني ولا فرق بين أن تكون الجناية على أعضاء ظاهرة كاليدين والرجلين أو على أعضاء باطنة كالذكر والخصيتين ونحو ذلك مما لا يطهر. ويمكن أن يقال: أصل اختلافهم في المتبايعين إذا اختلفا في العيب الحادث فقال البائع: حدث بعد العقد وقال المشتري: حدث قبل العقد ففيه روايتان: أحداهما: القول قول المشتري.
والثانية: القول قول البائع.
ولكن توجه المسألة إذا كان ذلك الاختلاف في الأعضاء الظاهرة فمن قال: القول قول الجاني فوجهه أن الأصل براءة الذمة وكان القول قوله وإن كان يدعي عليها بتعذر إقامة البينة عليه ألا ترى أنه لو ادعت امرأة على رجل أنه وطئها بشبهة فأنكر كان القول قوله وإن كان مما يتعذر إقامة البينة، كذلك هاهنا ولأن الجاني غارم والقول في الأصول قول الغارم. ومن قال قول المجني عليه فوجهه أن الأعضاء تخلق سليمة في الأصل في غالب العرف والعادة والنادر ما لم يكن سليماً فكان القول قول من يدعى السلامة ولأن الأصول موضوعة على أن في جنبه أقوى المتداعين سبباً بدليل أنهما لو تداعيا داراً لإحداهما عليها يد القول قول من الدار في يديه لأن جنبته أقوى كذلك هاهنا جنبة المجني عليه لأن الأصل السلامة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 268
المقتص يقطع عضواً غير المماثل:
---(1/491)
22 ـ مسألة: إذا وجب القصاص في يمين رجل فقال المجني عليه: اخرج يمينك اقتصها فأخرج يساره فقطعها المجني عليه وكان الجاني قد أخرجها وقد سمع من المجني عليه قوله: أخرج يمينك فأخرج يساره مع العلم بأنها يساره وإن القود لا يسقط عن يمينه فلا ضمان على المجني عليه بقطع هذه اليد لا في قصاص ولا في دية لأنه بذل له يده للقطع عمداً بغير عوض فهو كما لو بذلها ابتداء ولكن هل القود باق في يمينه أم قد سقط؟ قال أبو بكر : يسقط لأن الألم في اليدين في القطع واحد واليد والمماثلة قائمة في الديات فكذلك في القصاص ولأنه لو وجب قطع يمينه بالسرقة فأخرج يساره فقطعت سقط بها عن يمينه كذلك هاهنا.
وقال شيخنا أبو عبد الله ـ رضي الله عنه ـ: القود باق في يمينه لأنه وجب عليه حق فبدل غيره لا على سبيل العوض فلم يسقط الحق عنه كما لو وجب عليه قطع يمينه فأهدى إلى المجني عليه مالاً وثياباً لا على سبيل العوض عن اليمين فقبل ذلك المجني عليه لم يسقط القصاص عن اليمين كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 269
الديات
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 270
صفة الدية المغلظة:
23 ـ مسألة: في صفة الدية المغلظة الواجبة عن عمد محص أو عن عمد الخطأ.
فنقل الجماعة: أبو الحارث وبكر بن محمد وحرب وابن منصور : أنها أرباع خمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة.
ونقل حنبل عنه: الذي أذهب إليه في شبه العمد أثلاثاً وهؤلاء يقولون أرباعاً خلافاً للحديث، فظاهر هذا أنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
---
ووجه هذه الرواية ما احتج به أحمد ـ رحمه الله ـ وروى عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أيوب قال: سمعت القاسم بن ربيعة يحدث عن عبد الله بن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: في الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلفه في بطونها أولادها .(1/492)
ووجه الرواية الأولى: وهي اختيار الخرقي وأبي بكر، أنه بدل عن النفس فوجب أن لا يجب فيه حوامل كقتل الخطأ ولأن الخلفة سن لا يجب في الزكاة فلم يجب في الدية كما فوق الثنايا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 270
دية عمد الخطأ أو شبه العمد:
24 ـ مسألة: في دية عمد الخطأ هل تكون في مال القاتل أم على عاقلته؟.
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: هي في مال القاتل، لأنها دية مغلظة، فكانت في ماله كالعمد المحض. وقال الخرقي : هي على عاقلته مؤجلة لما احتج به أحمد ـ رحمه الله ـ من حديث المغيرة بن شعبة أن جاريتين اقتتلا فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بدية المقتولة على عاقلة القاتلة وهذا عمد الخطأ، ولأنه قتل لا يجب فيه قود بحال فكانت الدية فيه مؤجلة على العاقلة، دليله الخطأ المحض.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 271
إقامة القصاص في الحرم:
25 ـ مسألة: إذا قطع طرفاً أو أتى حداً مما لا يوجب القتل خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فهل يستقاد منه أم لا؟
على روايتين: نقل أبو طالب والمروذي : لا يستوفى منه حتى يخرج ولكن يهجر فلا يكلم ولا يبايع ولا يشاري حتى تضيق عليه المكان فيخرج إلى الحل فيقام عليه الحد.
---
ونقل حنبل : يستوفى منه في الحرم: وقال أبو بكر انفرد بها حنبل فقال: تقام الحدود كلها إلا القتل فجعل في القتل رواية واحدة: لا يقام عليه حتى يخرج وفيما دونه روايتان فإن قلنا لا يقام عليه فوجهه أنه أحد نوعي القصاص فمنع الحرم من استيفائه كالقصاص في النفس ولأنه حد من الحدود فمنع الحرم استيفاءه كالزاني المحصن والمرتد، إذا قلنا: يقتص منه فوجهه أنه ما دون النفس يجري مجرى استيفاء الأموال ولهذا لا يتعلق كفارة والحرم لا يمنع من استيفاء حقوق الأموال كذلك الأطراف التي هي جارية مجراه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 271
دخول الحلل في أصول الدية:
26 ـ مسألة: في الحلل هل هي أصل في الدية؟(1/493)
فنقل حنبل : أنها أصل في الدية وأنها مئتا حلة على أهل الحلل.
ونقل صالح: أنها ليست بأصل.
وجه الأولى: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الإبل على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم مائة درهم فلم يزل كذلك حتى استخلف عمر فصعد فخطب فقال: ألا إن الإبل قد غلت ففرضها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مئتي بقرة وعلى أهل الغنم ألفي شاة وعلى أهل الحلل مئتي حلة والظاهر من هذا أنه انتشر في الصحابة فلم ينقل خلافه فحصل إجماع من الصحابة، وقد روى هذا الحديث مسنداً فروى أبو داود في سننه بإسناده عن عطاء بن أبي رباح أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مئتي بقرة وعلى أهل الشياه ألفي شاة وعلى أهل الحلل مئتي حلة.
ووجه الثانية: أن الحلل جنس لا يجب فيه الزكاة فلا يجب في الديات كالحمير والبغال.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 272
دية الشجاج:
27 ـ مسألة: في الشجاج التي هي دون الموضحة كالحارصة والبازلة والباضعة والمتلاحمة والسمحاق هل فيها مقدر أم لا؟
---
فنقل أبو طالب عنه: قد حكم زيد في الدامية يعني البازلة ببعير وفي الباضعة ببعيرين وفي المتلاحمة بثلاثة وفي السمحاق بأربعة. وأذهب إليه، وهذا حكم أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم كما حكموا في الصيد. فظاهر هذا أن فيها مقداراً وهو ما حكاه عن زيد ونقل ابن منصور عنه ما دون الموضحة باجتهاد.
وجه الأولى: ما احتج به أحمد ـ رحمه الله ـ من قول زيد وقول الصحابي حجة إذا لم يخالفه غيره ولأنها شجاج في الرأس والوجه فكان فيها مقدر دليله الموضحة والهاشمة والمتنقلة والسمحاق.(1/494)
ووجه الثانية: ـ وهي الصحيحة ـ واختارها الخرقي وأنها لا مقدر فيها وإنما هو اجتهاد الحاكم ما روى مكحول أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قضى في الموضحة بخمس من الإبل ولم يقضِ فيما دونها ولأنه لم يثبت فيه مقدر بتوقيف ولا فيه قياس صحيح ولأن هذه الجراح دون الموضحة فلم يكن فيها مقدر، دليله إذا كانت على البدن غير الوجه والرأس.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 272
دية الموضحة في الوجه:
28 ـ مسألة: إذا كانت الموضحة في الوجه هل فيها خمس أم عشر؟
على روايتين: نقل حنبل: أن فيها عشراً من الإبل.
ونقل صالح أن فيها خمساً من الإبل ولا تختلف الرواية أنها إذا كانت في الرأس أن فيها خمساً من الإبل.
وجه الأولى: أن الشين بها في الوجه أكثر منه في الرأس فلهذا كان الأرش أكثر.
ووجه الثانية: وهو اختيار الخرقي ـ عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ـ في حديث عبد الله بن عمر قال: في المواضحة خمس .
وكذلك في حديث عمرو بن حزم عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: في الموضحة خمس من الإبل وهذا عام ولأنها موضحة فيها مقدر فكان خمساً من الإبل كالتي في الرأس.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 274
دية الشفتين:
29 ـ مسألة: في الشفة السفلى هل فيها نصف الدية أم ثلثاها؟
---
على روايتين: نقل الميموني فيها نصف الدية وهو قول أبي بكر وعلي وابن مسعود.
ونقل حنبل أن فيها ثلثي الدية وفي العليا الثلث وبه قال زيد بن ثابت.
ووجه هذه الرواية أن المنفعة بالسفلى لأنها هي التي تدور العليا ساكنة لا تتحرك فكان فيها أكثر من العليا.
وجه الأولى: في أنهما سواء ما روى عمرو بن حزم أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: في الشفتين الدية . والظاهر أن في كل واحدة منهما نصف الدية وكلما جعلت الدية في شيئين كان في كل منهما نصفها كالأذنين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 274
بدل اسوداد السن بالجناية عليها:
30 ـ مسألة: إذا ضرب سن رجل فاسودت هل يجب عليه جميع ديتها أم ثلث ديتها؟(1/495)
فنقل ابن منصور : السن إذا اسودت ثم عقلها فإن طرحت بعد ذلك فله الثلث.
ونقل أبو الحارث عنه في السن إذا اسودت: فيها ثلث الدية.
وقال أبو بكر المسألة على روايتين: إحداهما: تجتمع الدية والثانية تجب ثلث الدية.
وعندي أن المسألة ليست على ظاهرها فالذي نقله أبو الحارث في السن السوداء ثلث الدية يعني به إذا أتلفت بعد أن اسودت فيها ثلث الدية كما في اليد الشلاء إذا قطعت وهذا فضل يأتي ولم يرد به أنها إذا ضربت واسودت فيها ثلث الدية. وقوله في رواية ابن منصور: ثم عقلها محمول عليه إذا اسودت وذهبت كل منافعها حتى لا يقدر أن بعض بها شيئاً فيكون فيها جميع ديتها كما لو ضرب يده فأشلها فإنه يجب فيها جميع ديتها لأنه عطل جميع منافعها وأما إذا اسودت مع بقاء منافعها ففيها حكومة لأجل الشين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 275
دية يد الأقطع:
31 ـ مسألة: إذا قطع يداً قطع فهل يجب عليه دية اليدين كما يجب عليه في عين الأعور إذا فقئت دية العينين أم لا؟.
---
فنقل أبو النضر عنه حديث عمر: لو أن رجلاً فقأ عين أعور كان عليه الدية كاملة قيل له فإن قطع يداً قطع قال: وهكذا يكون في قياسه. قال جابر ابن زيد: إن أخذ ليده المقطوعة دية ثم قطع هذا يده الأخرى فلا يأخذ وإن لم يأخذ أخذ الدية كاملة، فظاهر هذا أنه إن كان الأقطع أخذ ليده المقطوعة أولاً بدلاً وهو أن يكون قطعها رجل متعدياً وغرمه ديتها أو قطعت قصاصاً عوضاً عن جناية حصلت من جهته لم تستحق اليد الثانية أكثر من ديتها وإن قطعت في سبيل الله بمعنى قطعها أهل دار الحرب أو قطعت في السرقة أو قطاع الطريق وجب له على القاطع دية اليدين.(1/496)
ونقل ابن منصور عليه إذا قطعت يده في سبيل الله أو في حد ثم قطع رجل يده الأخرى فليس إلا النصف، ولا يكون إلا في العين، وكذلك نقل أبو طالب لا يكون اليد والرجل مثل العين أقول: لا يقتص من العين وحدها، وما كان سوى ذلك اقتص منه، فقد نص على أن فيها نصف دية يد وفرق بين ذلك وبين عين الأعور وأثبت القصاص فيها لمن له يدان.
وجه الأولى: أنه إذا قطع الباقية فقد عطل منفعة البطش بهذا العضو فيجب أن يجب له كمال الدية كما لو فقأ عين الأعور ولأنا قد قلنا في اللص إذا سرق في الدفعة الثانية: لا يقطع يده اليسرى لئلا يؤدي إلى تعطيل المنفعة كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: ـ وهي الصحيحة ـ أنه قطع أحد اليدين فلم يلزمه أكثر من قيمتها دليله لو كان قد أخذ لها بدلاً وبهذا فارق عين الأعور أن فيها دية كاملة أخذ للذاهبة بدلاً أم لم يأخذ.
---
ولما صار أحمد هاهنا إلى الفرق بين أن يأخذ لها بدلاً أو لا يأخذ، إلى ما حكاه عن جابر بن زيد أنه اعتبر هذا الاعتبار ولأن الأعور يدرك بإحدى عينيه ما يدركه بالأخرى بدليل أنه يدرك من المدى ما يدرك ذو العينين ويتأمل نقط المصاحف ونحو ذلك فإذا قلع عينه أتلف عليه ضوء فهو كما لو قلع العينين وليس كذلك صاحب اليد الواحدة لأنه لا يدرك باليد الواحدة ما يدركه باليدين فليس في قطعها تعطيل منفعة اليدين ولهذا فرقنا بينهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 276
عقل الجناية على المرأة إذا زاد عن ثلث دية الرجل:
32 ـ مسألة: إذا جنى على المرأة جناية يزيد أرشها على ثلث دية الرجل فهل يكون على النصف من ديته أم يرد إلى ثلث ديته؟
على روايتين: نقل الجماعة: صالح وعبد الله وأبو الحارث أنه يكون على النصف من ديته، وهو اختيار الخرقي.(1/497)
ونقل ابن منصور : إذا قطعت يد المرأة عمداً أو رجلها ففيه ثلث دية الرجل يعني دية النفس فقلت: هذا اللفظ من أصل مسائل ابن منصور فقد نص على أن دية يدها تضمن بثلثه دية الرجل لأنها قد زادت على ثلث ديته ولم يرد ذلك إلى نصف ديتها ويفيد الخلاف أنه إذا قطع يدها وجب فيها على الرواية الأولى نصف ديتها وهو ربع دية الرجل وعلى ما نقل ابن منصور يكون فيها ثلث دية الرجل وعلى هذا الحساب.
وجه الأولى: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: عقل المرأة كعقل الرجل إلى ثلث الدية وهي المأمومة وما زد بعد ذلك فعلى النصف. وهذا نص فإنه رد الزيادة إلى النصف ولم يردها إلى ثلث دية الرجل.
وروي أن ربيعة سأل سعيد بن المسيب عن اصبعها، فقال: فيها عشر من الإبل، فقال له: فاصبعان؟ فقال: عشرون قال: فثلاث أصابع، قال: ثلاثون، قال: فكم في أربع أصابعها؟ فقال: عشرون، قال له ربيعة: لما اشتد جرحها وعظمت مصيبتها قل عقلها فقال له سعيد أعراقي أنت؟ إنما هي السنة بابن أخي.
---
والتابعي إذا قال هي السنة إنما يريد سنة النبي عليه السلام ولأن هذه الجناية يزيد أرشها على ثلث دية الرجل فيجب أن يكون على النصف من ديته دليله الجناية على جملتها بأن يقتلها.
ووجه الثانية: أن الجناية إذا لم تزد على الثلث فإنها تساوي الرجل فيها لأن الثلث في حد القلة وهذا المعنى موجود فيجب أن ترد إليه ولا تنقص عنه ولأنه إذا جاز أن تساويه في الثلث إذا لم يزد أرشها على الثلث فأولى أن تساويه في الثلث إذا زاد أرشها على الثلث، ألا ترى أن الأخوين من الأم لهما الثلث فإذا كانوا ثلاثة فصاعداً لم يزادوا على الثلث ولم ينقصوا عنه؟ كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 277
دية المثانة إذا فتقت فلم يستمسك البول:
33 ـ مسألة: إذا وطىء أجنبية مكرهة فأفضاها واسترسل البول.
فنقل أبو طالب عنه: وفي المثانة إذا فتقت فلم يستمسك البول الدية كاملة.(1/498)
ونقل ابن منصور : في الفتق الثلث والفتق أن لا يستسمك البول روي فيه الثلث.
قال أبو بكر : المذهب على ما روى أبو طالب وأن المثانة: إذا لم يستمسك البول فيها كمال الدية وقوله في رواية ابن منصور : الثلث ليس بمذهب له وإنما حكاه عن غيره.
وجه ما نقله أبو طالب أنه استرسل البول فقد أذهب العضو ومنفعته جميعاً وبذهاب المنفعة تجب كمال دية العضو كما لو ضرب يده فأشلها فإنه يلزم دية اليد لذهاب منفعتها كذلك هاهنا.
ووجه ما نقله ابن منصور أن الجناية عليها بالإفضاء فلم يلزمه زيادة على ثلث الدية كما لو كان البول محتسباً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 278
دية ذكر العنين:
34 ـ مسألة: اختلفت الرواية في ذكر العنين هل فيه دية كاملة أم حكومة؟
فنقل أبو الحارث: فيه دية كاملة.
ونقل حنبل : فيه حكومة ولا تختلف الرواية في ذكر الخصي أن فيه حكومة نص عليه في رواية ابن منصور.
---
وجه من قال: إن فيه حكومة إن منفعة الذكر قد بطلت منه وهو الإنزال والإحبال فلم تجب فيه دية كاملة كذكر الخصي.
ومن قال: فيه دية كاملة قال: إنا أجمعنا على أن ذكر الصبي فيه دية كاملة وإن كنا لا نتحقق سلامته حال الجناية لأنه يجوز أن يبلغ عنيناً ويجوز أن يبلغ صحيحاً وقد أوجبنا فيه دية كاملة كذلك في ذكر العنين. وهذا القائل يجيب عن ذكر الخصي بأن العجز هناك متحقق فليس كذلك هاهنا لأن نقصه غير متحقق لأن هذا النوع من المرض وإن كان مما يجوز بقاؤه فقد يجوز أن يزول فهو كذكر الصبي يجوز أن يكون عنيناً ويجوز أن يكون صحيحاً والخصي يتحقق عجزه على صفة لا يزول.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 279
دية العضو الزائد أو الأصلي الذي تعطلت منفعته:(1/499)
35 ـ مسألة: إذا جنى على عضو صورته صورة الصحيح في الخلقة إلا أنه لا منفعة فيه كالعين القائمة وهي التي في صورة البصير غير أنه لا يبصر بها واليد الشلاء والرجل الشلاء وهي في صورة الصحيحة غير أنه لا يبطش بها ولسان الأخرى وهو في صورة لسان الناطق غير أنه لا ينطق به والذكر الأشل وذكر الخصي والأصبع الزائدة ونحو ذلك هل فيه مقدر أم لا؟
على روايتين: نقل عبد الله وأبو داود في العين القائمة واليد الشلاء والسن السوداء إذا قلعت: ثلث ديتها وكذلك نقل أبو طالب في الأصبع الزائدة، فظاهر هذا أن فيها مقدراً وهو ثلث دية ذلك العضو.
ونقل ابن منصور عنه في ذكر الخصي حكومة قيل له: ثلث الدية قال: فيه حكم وكذلك نقل مهنا عنه: في الأصبع حكم وكذلك نقل أبو الحارث عنه قال: بعض الناس في اليد الشلاء والعين القائمة والسن السوداء إذا أصيبت يأخذ لها حكماً، فظاهر هذا أن الواجب في ذلك حكومة غير مقدرة. والوجه فيه أنه ليس فيه جمال كامل ولا منفعة فلم يجب فيه مقدر كالشارب والحارصة.
---
ووجه من قال: فيه مقدر، وهو اختيار الخرقي، ما روى أبو داود قال: حدثنا أبو مخنف محبوب بن خالد السلمي: قال مروان بن محمد قال الهيثم بن جميل: قال العلاء بن الحارث قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية . وروى قتادة عن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن يحيى بن يعمرة عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قضى في العين القائمة إذا خسفت واليد الشلاء إذا قطعت والسن السوداء إذا كسرت بثلث دية كل واحد ولا يعرف له مخالف فإن قطع كفا لا أصابع له أو ذكراً لا حشفة له فهل يجب في ذلك ثلث الدية أم حكومة غير مقدرة؟(1/500)
فنقل أبو طالب عنه في بقية الذكر وبقية الكف وفي شحمة الأذن ثلث الدية فمن ذهب من أصحابنا إلى ظاهر هذا قال: لأن معظم الجمال بالأذن إذا كانت بشحمتها والكف يحصل به من الجمال قريب مما يحصل باليد الشلاء وكذلك بقية الذكر يحبس البول وهو يجري مجرى ذكر الأشل ويتوجه عندي أن يكون في ذلك رواية واحدة وأنه يكون فيه حكومة غير مقدرة لأن المقدر وجب في اليد الشلاء ونحوها لما ورد فيه من الأثر ولأنه عضو كامل الخلقة وهذا بعض عضو فلا يحصل من الجمال بجميع العضو فلهذا فرقت بينهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 279
دية العظام:
36 ـ مسألة: في الضلع والساق والفخذ والترقوة والزندين والذراع والساعد هل في ذلك مقدر أم فيه حكومة غير مقدرة؟
---
فنقل أبو طالب عنه: في الضلع بعير وفي الترقوة بعير، وكسر الساق بعيران وكسر الفخذين بعيران. فالضلع والترقوة على النصف من الساق والفخذ لأن الساق والفخذ فيهما مخ فقد نص على على أن في الضلع بعير، وفي الترقوة بعير يعني في كل واحد منهما وفيهما بعيران لأن الترقوة وهو العظم الممتد من عند نقرة النحر إلى المنكب ولكل واحد ترقوتان ففي كل واحد بعير، وقد حال الخرقي. في الترقوة بعيران يعني فيهما جميعاً وفي كل واحد من الساقين والفخذين بعيران وكذلك في كل واحد من الزندين بعيران نص على ذلك في رواية صالح وأبي الحارث فقال في الزند إذا انكسر بعيران وفيهما جميعاً أربعة من الإبل وكذلك في الذراع والساعد بعيران وفي كل واحد منهما كالساق والفخذ.
ونقل ابن منصور كلاماً يدل على أنه لا مقدر في ذلك فقيل له: إذا كسرت الذراع والساق فقال: يروى عن عمر في كل واحد قلوصان ولا نكتبه فظاهر هذا أنه لم يأخذ به.(2/1)
وجه الأولى: وهي اختيار الخرقي ما روي عن عمر بألفاظ وروى أحمد قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا همام: حدثنا قتادة عن سليمان بن يسار أن عمر قضى في الذراع والعضد والفخذ والساق والورك إذا كسر واحد منهما فجبر فلم يكن فيه دحور جرح ببعير وإن كان فيهما دحور فحساب ذلك.
وروى أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن سليمان عن يسار عن عمر أنه قضى في الذراع والعضد والساق والورك إذا جبرت قلوصين. وروى سعيد عن مطر عن قتادة عن سليمان عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم عن عمر: في الضلع جمل وفي الترقوة جمل.
وروى عمرو بن شعيب أن عمر قضى في أحد الزندين ببعيرين وفيهما جميعاً بأربعة أبعرة. ولأن أكثر ما في ذلك أنه كسر عظم وذلك لا يمنع التقدير كالسن إذا كسرت والهاشمة.
ووجه الرواية الثانية: أنه عظم باطن فكان فيه حكومة كما لو كسر العصعص وخرزة الصلب.
---
ويفارق هذا الأسنان لأن ذلك ظاهر وأما الهاشمة فإن أوضح ثم هشم فهو ظاهر وإن هشم ولم يوضح ففيه نظر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 281
دية الكتابي:
37 ـ مسألة: في دية اليهودي والنصراني إذا قتل خطأ كم قدرها؟
فنقل الأثرم وأبو طالب وأبو الحارث : أنها نصف دية السلم.
ونقل حنبل: أنها على الثلث من دية المسلم، فظاهر هذا أن المسألة على روايتين.
قال أبو بكر في كتاب الشافي المسألة رواية واحدة بأنها على النصف من دية المسلم لأنه قال في رواية أبي الحارث: كنت أذهب إلى حديث ابن عمر أن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ثم نزلت عن حديثه لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جد ، فظاهر هذا الرجوع ولا تختلف الرواية أنه إذا قتل عمداً أن ديته دية المسلم.(2/2)
ووجه الأولى: ما روى المروذي حدثنا أبو عبد الله: حدثنا هاشم بن القاسم وعبد الصمد قال: حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قضى أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين وفي لفظ آخر قال دية الكافر نصف دية المسلم ولأن النقص المؤثر في الدية ضربان: كفر وأنوثية ثم ثبت أن الأنوثية أثرت في إسقاط نصف الدية كذلك نقص الكفر.
ووجه الثانية: ما روي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: دية الكافر ثلث دية المسلم ولأنه ناقص بالكفر فلم تبلغ ديته نصف دية المسلم دليله المجوسي.
---
وأما قتل العمد فالدلالة على أن ديته مثل دية المسلم أن الأخبار مختلفة في ديته، فروي نصف دية المسلم، وروي: ثلث دية المسلم، وروي جميع ذلك في حديث عمرو بن شعيب فيجب أن نحمل كل لفظ على وجه لا تعارض بينهما فيسقط فيحمل قوله مثل دية المسلم على العمد، ونصف دية المسلم على الخطأ وثلث ديته على الوقت التي كانت الإبل رخاصاً فكانت قيمة مائة من الإبل ثمانية آلاف فكانت هي دية المسلم فأوجب فيها النصف أربعة آلاف وهي ثلث دية المسلم في وقتنا لأنها اثناعشر ألفاً ولأنه كتابي خرجت روحه عن عمد محض مضمون فكملت ديته دليله المسلم وفيه احتراز من المرأة والمجوسي والحربي وقتل الخطأ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 282
دية أعضاء العبد:
38 ـ مسألة: اختلفت الرواية في الجناية على العبد هل يجب بها مقدر؟
فنقل ابن القاسم وأحمد بن موسى الترمذي: أن كل جناية لها على الحر أرش مقدر من ديته لها من العبد مقدر من قيمته ففي أنف الحر ولسانه وذكره ديته ففي كل واحد منهما في العبد قيمته وفي يد الحر نصف ديته وفي يد العبد نصف قيمته وفي أصبع الحر عشر ديته وفي أصبع العبد عشر قيمته وفي موضحة الحر نصف عشر ديته في العبد نصف عشر قيمته.(2/3)
ونقل الميموني ومحمد بن الحكم أن فيه ما نقص سواء كانت الجناية مما ليس بعد الاندمال نقص وهي الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة أو كان مما له نقص كقطع أحد أطرافه، ووجه هذه الرواية وهي اختيار أبي بكر الخلال أنه حيوان مضمون بالقيمة فوجب أن يضمن بالجناية عليه بالقيمة كالبهيمة ولأن العبد باليد تارة وبالجناية تارة ثم ثبت أنه لو ضمن باليد كان فيه ما نقص كذلك إذا ضمن بالجناية.
---
وجه الرواية الأولى: وهي اختيار الخرقي وأبي بكر عبد العزيز وهي قول عمر وعلى أنه حيوان يجب بقتله كفارة فوجب أن يكون لأعضائه أرش مقدر كالحر ولأنكم اعتبرتموه بالبهائم واعتبرناه بالحر فكان اعتبارنا أولى لأنه مخاطب مكلف مثاب معاقب وفيه الكفارة والقسامة والقصاص وهذا كله معدوم في البهيمة فكان اعتبارنا أولى.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 284
عمد الصبي والمجنون:
39 ـ مسألة: في عمد الصبي والمجنون هل هو حكم العمد أم في حكم الخطأ وهو أن الصبي المراهق إذا قتل القتل بالسيف أو باللت أو قصد المجنون قتل غيره والمنصوص في رواية أبي داود والمروذي وصالح وأحمد بن سعيد: أن حكمه حكم الخطأ.
ونقل أبو بكر في كتاب الخلاف عن ابن منصور: أنه في حكم العمد لأنه نقل في رجل وصبي قتلاً رجلاً عمداً أن على الرجل القود وعلى الصبي نصف الدية في ماله وأومأ إلى أن المسألة على روايتين والذي ذكر في كتاب الشافي وزاد المسافر في رواية ابن منصور أنه في حكم الخطأ وأن الدية على العاقلة فإن كان ما نقله في الخلاف صحيحاً فالمسألة على روايتين: إحداهما: أن عمده في حكم العمد فتكون الدية في ماله وجهها أن كل من وجب أرش الإتلاف في ماله جاز أن تجب الدية في ماله كالبالغ.(2/4)
والثانية: أن عمده في حكم الخطأ فتكون الدية على العاقلة ـ وهو الصحيح ـ لما يروى عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق ولأنه لا يجب به قود بحال فوجب أن لا يكون في حكم العمد كالخطأ.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 285
تكرر تحمل السيد لجناية أم ولده:
40 ـ مسألة: إذا جنت أم الولد فغرم السيد القيمة ثم جنت بعدها ثانياً فهل عليه ضمان ثان.
قال أبو بكر في كتاب الخلاف فيها روايتان: إحدهما: عليه الضمان كلما جنت ولو ألف مرة نقلها ابن منصور وهو اختيار الخرقي وأبي بكر.
---
والثانية: لا يجب على السيد أكثر من قيمتها نقلها حنبل ـ رحمه الله ـ فقال ليس على سيدها شيء حتى تعتق فتؤخذ بجنايتها.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أنه لو كان له عبد قن فجنى واختار أن يفديه فداه وإن جنى ثانياً واختار ذلك فداه لأن الذي غرم به أولاً وجد ثانياً كذلك أم الولد المعنى فيه أنه مانع من بيعها عن جنايتها فكان عليه أرش ذلك كما لو اختار أن يفدي العبد القن ولأنه إذا ضمن قيمتها الأول فرغت الرقبة من الجناية وإن قتلت الثاني ثبتت الجناية الثانية في رقبتها واستحقت بها وقد صار المولى مانعاً لها بالاستيلاد المتقدم فيضمن قيمته أخرى للثاني كأنها لم تقتل غيره.
ووجه الثانية: أنه عطل محل أرش الجناية دفعه بسبب واحد فلم يكن عليه أكثر من قيمة ما عطله كما لو جنى عبده مراراً فتعلق له أرش برقبته ثم قتله لم يجب عليه إلا قيمة ما أتلفه كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 286
العاقلة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 286
ما تحمله العاقلة من الدية:(2/5)
41 ـ مسألة: إذا رمى أربعة فصاعداً بالمنجنيق فرجع الحجر على واحد منهم على غيرهم فقتله، فالكفارة في مال كل واحد منهم وأما الدية، فقال أبو بكر: فيهما روايتان: أحداهما: يلزم كل واحد في ماله بقدر حصته، نقل ذلك المروذي وإسحاق بن إبراهيم وهو اختيار الخرقي: ونقل يعقوب بن بختان في قوم رموا بالمنجنيق فرجع فقتل رجلاً من المسلمين: فالدية على عواقلهم والكفارة في أموالهم فقد أطلق القول أنها على العاقلة وهذا محتمل أن يكونوا ثلاثة فما دون فيلزم كل واحد بقسط جنايته الثلث فصاعداً فتحمله العاقلة ويحتمل أن يكونوا أكثر من ذلك فجعل الدية على العاقلة.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أنهم إذا كانوا أربعة فصاعداً لزم بجناية كل واحد أقل من الثلث والعاقلة لا تحمل ما دون الثلث رواية واحدة فيجب أن يكون في أموالهم.
---
ووجه الثانية: أن هذه جناية لو انفرد بها الواحد حملتها العاقلة فإذا اشترك فيها جماعة حملته العاقلة دليله لو كانوا ثلاثة ولا يلزم عليه الاشتراك في الموضحة والهاشمة لأن تلك انفرد بها الواحد لم تحملها العاقلة جملة كذلك الاشتراك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 286
دخول الأب والابن في العاقلة:
42 ـ مسألة: في الأب والابن هل يدخلان في جملة العاقلة في تحمل الدية؟
على روايتين: نقل حرب: العاقلة ما عدا الوالدين والمولودين وهو اختيار الخرقي.
ونقل أبو طالب والفضل بن عبد الصمد: يدخلان في التحمل وهو اختيار أبي بكر وهو ظاهر كلامه.(2/6)
وجه الأولى: ما روى أحمد بإسناده عن أبي رمثة قال: أتيت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ مع أبي فقال هذا ابنك فقلت: نعم فداك أبي وأمي قال: لا يجني عليك ولا تجني عليه ولم يرد به نفس الجناية لأن من المحال أن يقول: لا تجرحه ولا يجرحك ثبت أنه أراد الأرش وأنه لا يتحمل عنك ولا تتحمل عنه. وروى ابن مسعود عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ولا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه ولا الابن بجريرة أبيه . ولأنها قرابة لا يستحق بها النفقة مع اختلاف الدين فوجب أن لا يتحمل العقل بها كأبي الأم.
ووجه الثانية: أن العاقلة تحمل العقل نصرة للعاقل والأب أحق بنصرته من غيره ولأنها عصبة فوجب أن تحمل الدية كالأخوة ثم هذا أولى لأن تعصيب الأب أقوى من تعصيب الأخوة لأنه يسقطهم في الميراث ثم ثبت أن الأخ يعقل فإن يعقل الأب أولى ولأن تحمل العقل على سبيل المواساة والأب في مواساة ابنه أولى وأحرى.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 287
تحمل العاقلة لديه الجاني على نفسه خطأ:
43 ـ مسألة: إذا جنى على نفسه جناية خطأ مثل أن ضرب رجلاً بسيف فرجع السيف عليه أو رمى طائراً فعاد السهم عليه فهل هذا يكون هدراً أم تكون فيه الدية على العاقلة؟
---
على روايتين: أحدهما: على عاقلته إن كان حياً وهو أن يقطع يد نفسه ولورثته إن كان ميتاً.
نقل ذلك أبو طالب وابن منصور وهو أصح.
والثانية: أنها هدراً أومأ إليه في رواية حرب وقيل له: من قتل نفسه هل يؤدي من بيت المال فقال لا. وكيف يؤدي إذا قتل نفسه؟
ووجه هذه الرواية أنها جناية على نفسه فوجب أن يكون هدراً كما لو كان عمداً وكل جناية ولو كانت عمداً كانت هدراً فإذا كانت خطأ وجب أن تكون هدراً كالجناية على المرتد.(2/7)
وجه الأولى: ما روي أن رجلاً كان راكباً على دابة ومعه خشبة فضربها فطارت شظية منها ففقأت عينه فذكر ذلك لعمر فقال: يده يد واحد من المسلمين وجعل ديته على قومه وفي بعضها: فقضى عمر بدية عينه على عاقلته وقال: يد من أيدي المسلمين فإن كان هذا منتشراً في الصحابة فهو إجماع وإن لم يكن منتشراً فهو مخالف للقياس والصحابي إذا قال قولاً يخالف القياس فإنه يقوله توفيقاً عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فكأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قضى بذلك ولأن الدية مال يجب بجناية الغير عليه فجاز أن يجب بجنايته على نفسه كالكفارة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 288
القتل بالسبب:
44 ـ مسألة: إذا حفر بئراً في طريق المسلمين بغير إذن الإمام طلباً للثواب ومنفعة المسلمين فوقع فيها إنسان فهل يضمن أم لا؟
على روايتين: إحداهما: لا ضمان عليه نص عليه في رواية ابراهيم بن هاني ويعقوب بن بختان فقال: إلا أن تكون بئراً أحدثها لمصلحة المسلمين كماء المطر فأرجو أن لا يكون عليه الضمان.
والثانية: يضمن أومأ إليه في رواية الحسن بن ثواب فيمن حفر بئراً فإن كان مما أخذه السلطان لم يضمن فظاهر هذا أنه إن لم يأخذه به السلطان فعليه الضمان.
وجه الأولى: أنه قصد منفعة المسلمين بحفره على وجه لا يضربهم فلم يكن عليه الضمان كما لو كان بإذن الإمام.
---
ووجه الثانية: أنه افتيات على الإمام بحفرها فكان كما لو كان حفرها لنفسه وكذلك الحكم فيمن بنى مسجداً في طريق المسلمين: إن كان ضيقاً ضمن وإن كان واسعاً بإذن الإمام فلا ضمان وإن كان بغير إذنه فهل يضمن؟ على روايتين، وكذلك الحكم فيمن فرش البواري في المسجد وبنى فيه حائطاً أو سقف فيه سقفاً أو علق فيه قنديلاً فوقع على إنسان فمات أو تعثر بالبارية فوقع فمات فإن كان بإذن الإمام فلا ضمان وإن كان بغير إذنه يخرج على الروايتين، ويمكن أن يقال في بواري المسجد: لا ضمان وجهاً واحداً لأنه من تمام مصلحته.(2/8)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 289
تغيّر الضمان بتغيير صفة المجني عليه فيما بين الجناية واستقرار الضمان:
45 ـ مسألة: إذا ضرب بطن نصرانية ثم أسلمت ثم ألقت جنيناً ميتاً فكان الضرب وهي نصرانية والإسقاط وهي وجنينها مسلمان أو ضرب بطن أمة ثم أعتقت ثم ألقت الجنين فكان الضرب وهو مملوك والإسقاط وهو حر فأيش الواجب؟
اختلف أصحابنا
فقال أبو بكر في كتاب الخلاف فيه عشر قيمة أمه قال: لأن الجناية وقعت به وهو عبد ولا ينتقل الحكم إلى غير ذلك مثل لو قطع يدي عبد ثم أعتق ثم اندمل حال الحرية فإن فيه قيمته اعتباراً بحال الجناية كذلك هاهنا ولأنه لو ضرب بطن حربية ثم أسلمت ثم أسقطت سقط الضمان ولم يعتبر الاستقرار كذلك هاهنا.
---
وقال شيخنا أبو عبد الله : الواجب فيه غرة عبد أو أمه قيمته خمسون ديناراً إلا أن الحنابلة إذا وقعت مضمونة ثم سرت إلى النفس كان اعتبار الدية بحال الاستقرار كما لو قطع يدي عبد ثم أعتق ثم سرى إلى نفسه ففيه دية حر كذلك لو قطع يدي ذمي ثم أسلم ثم سرى إلى نفسه ففيه دية مسلم اعتباراً بحال الاستقرار كذلك هاهنا فقد أومأ أحمد إلى ما قاله الشيخ أبو عبد الله في رواية حرب وقيل له: رجل أعتق ما في بطن أمه فأعتقت فأسقطت جنيناً قال: فيه دية مملوك قال أحمد: لا يجب العتق إلا بالولادة وهو عبد حتى يعلم أنه حي أو ميت. قيل له: إذا ضربها فأسقطت حياً ثم مات قال هذا حر عليه دية حر كاملة. فقد نص على أن العتق ينفذ في الولد وأنها وضعته حياً ثم مات من الجناية ففيه دية حر اعتباراً بالجناية حال الاستقرار وهذا موجود فيه إذا جنى عليه ثم أعتقت ثم أسقت يجب أن يكون فيه غرة اعتباراً بحال الاستقرار لأنه لو كان الاعتبار بحال الجناية كما قال أبو بكر لم يحكم فيه بدية حر لأن وقت الجناية عليه كان عبداً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 290
ضمان جنين الأمة إذا سقط من الجناية عليها ميتاً:(2/9)
46 ـ مسألة: في جنين الأمة إذا أسقط من الضربة ميتاً هل يضمن بعشر قيمة أمه أو بنصف العشر؟
فنقل صالح وابن منصور أنه يضمن بعشر قيمتها.
ونقل حرب يضمن بنصف عشر قيمة أمه.
---
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أنه جنين ميت بالجناية فوجب فيه عشر بدل أمه دليله جنين الحرة ولا يختلف المذهب في أن الواجب فيه عشر دية أمه وهو خمس من الإبل لأن ديتها خمسون نصف دية الرجل أو ستمائة درهم عشر ستة آلاف كذلك في جنين الأمة يجب أن يعتبر قيمة أمه يبين صحة هذا أنه إنما قدرت دية الجنين لأنها دية نفس ولم يجز إيجابها دية كاملة لأنا نجهل حياته حين الضرب فاعتبرنا أدنى مقدر ورد الشرع في الجنايات وهو أرش الموضحة خمس من الإبل نصف عشر دية الرجل وعشر دية المرأة وهذا المعنى موجود في جنين الأمة فيجب أن يتساويا في المقدار.
ووجه الثانية: أن الحر والمملوك إذا اشتركا فيما هو مقدر كان المملوك على النصف من الحر يدل على ذلك أن المملوك تعتد شهرين وخمس ليال من الوفاة وبشهر ونصف من الطلاق وبقرء ونصف إذا كانت من ذوات الإقراء ولكن القرء الواحد لا يتبعض فكمل وكذلك عدد الطلاق وهو على النصف وكذلك عدد المنكوحات كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 291
ضمان جنين البهيمة إذا سقط ميتاً بالجناية على أمه:
47 ـ مسألة: في جنين البهيمة إذا سقط بالضربة ميتاً هل يضمن بعشر قيمة أمه أو بما نقصت الأم؟
فالمنصوص عن أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية ابن منصور: أنه يجب فيه نقص يعني ما نقصت أمه بالإسقاط لأنها جناية على بهيمة وكان فيها ما نقصر كما لو جرحها.
وقال أبو بكر: فيه عشر قيمة أمه لأنه جنين مضمون بالقيمة فضمن بعشر قيمة أمه دليله جنين الأمة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 292
إذا مات العبد القاتل عمداً أو قتل بغير إذن ولي الدم:(2/10)
48 ـ مسألة: في عبد قتل صبياً أو رجلاً عمداً فقام رجل فاقتص من العبد بغير إذن ولي الدم فهل يملك ولي المقتول المطالبة لسيد العبد بالقيمة أم قد سقط ذلك بقتله؟
على روايتين: نقل مهنا: قد سقط ذلك بقتل العبد.
ونقل حرب لم يسقط حقه وهو اختيار أبي بكر.
---
وجه الأولى: أن محل الجناية هو ربة العبد ففات المحل بقتله فسقط الضمان كما لو مات حتف أنفه.
ووجه الثانية: أن لبدل هذه الجناية محل هو قيمة هذا العبد المقتول لأن السيد يرجع على قالته بقيمته وإذا كان لبدل الجناية محلاً، وقد فات بغير اختيار من له الحق وجب أن يرجع إلى البدل كالحر إذا قتل عمداً ومات وخلف تركة فإن الحق لا يسقط بموته لأن لبدل الجناية محلاً هو التركة. ويفارق هذا لو مات العبد لأنه ليس لبدل الجناية محل يرجع إليه فهو كالحر المعسر إذا قتل ثم مات فإنه لا يرجع على ورثته كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 292
القسامة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 293
دخول أيمان غير المسلم في القسامة إذا كان حال الجناية مسلماً:
49 ـ مسألة: إذا قتل ولد الرجل وهناك لوث فارتد والده قبل أن يقسم ثم أراد أن يقسم في حال الردة منعه الإمام من ذلك لأن من أقدم على الردة أقدم على اليمين الكاذبة، فلو خالف وأقسم فهل تقع القسامة موقعها؟
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا يقسم ويكون موقوفاً لأنه ليس من أهل القسامة لإقدامه على اليمين الكاذبة.
وعندي أنها تقع موقعها لأن القسامة من أنواع الاكتساب والمرتد لا يمنع من اكتساب المال في مهلة الاستتابة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 293
حلف أولياء الدم في القسامة إذا كان أحدهم صغيراً أو غائباً:
50 ـ مسألة: إذا قتل رجل وهناك لوث وخلف ابنين كبيراً وصغيراً أو كبيرين أحدهما غائب فللكبير أن يحلف قبل بلوغ الصغير وللحاضر أن يحلف قبل قدوم الغائب ويثبت له الحق من الدية وهل يثبت له الحق بأقل من خمسين يميناً؟(2/11)
ذكر أبو بكر في كتاب الخلاف كلاماً يدل على أنه لا يثبت بأقل من خمسين يميناً.
---
وجهه أن الخمسين في القسامة كاليمين الواحدة في الأموال ثم ثبت لو أنه ادعى مالاً أقسم يميناً واحدة وجب أن يقسم هاهنا خمسين يميناً.
وقال الشيخ أبو عبد الله : يحلف الكبير والحاضر بقدر قسطه من القسامة وهو خمس وعشرون يميناً إذا كان يستحق نصف الدية ولا يجب عليه جميع القسامة لأن أيمان القسامة تجري مجرى البينة في إثبات الحق وقد أثبت أنهما لو كانا حاضرين وثبت لهما حق بشاهد واحد كان لهما أن يحلفا جميعاً مع الشاهد فيحلف كل واحد يمنياً ولو كان أحدهما غائباً فأقام الحاضر شاهداً كان له أن يحلف معه يميناً واحدة ويستحق بقدر حصته ولا يلزمه أن يحلف عن نفسه وعن أخيه كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 293
القسامة من غير دية بين المدعى عليهم وأولياء الدم:
51 ـ مسألة: إذا ادعى قتيل على أهل محلة من محال البلاد الكبار التي يطرقها غير أهلها مثل الكرخ والقطيعة ونهر الدجداج وباب الشعير، وباب الهجرة وباب الشام وما جرى هذا المجرى فهل يكون لوثاً ويثبت القسامة؟.
فنقل مهنا كلاماً يدل على أنه لا يكون لوثاً ولا قسامة ويكون القول قول المدعى عليهم فقال: إذا وجد قتيلاً في الطواف أو في الزحام أو في مسجد الجامع فقال: من كان بينه وبينه عداوة وأخذ به أو ادعوا على رجل بعينه فإن لم يعرف له قاتل فدمه هدر.
ونقل عبد الله كلاماً يدل على القسامة فقال: يروى عن علي أن الدية على الجماعة الذين وجد فيهم المقتول وإليه أذهب.
فقال أبو بكر : القياس فيما روى مهنا والرواية الأخرى يحتمل القول على أنه لم يكن له مخالف في الصحابة فإن كان له مخالف فالقول ما قاله مهنا ولا معنى للقسامة.
---(2/12)
وقد نقل ابن منصور كلاماً يدل على ما نقله عبد الله: إذا وجد قتيل بين قريتين فهو قسامة ومن ذهب إلى ظاهر ما نقله عبد الله وابن منصور فوجهه أن رجلاً جاء إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال إن أخي قتل بين قريتين فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : يحلف منهم خمسون رجلاً ولك مائة من الإبل. وروى الشعبي قال: وجد قتيل بين وادعة وحيوان حيين من أحياء همدان فبعث عمر بن الخطاب بمن قاس ما بينهما فضمن أقربهما فاستحلف منهم خمسين بالله ما قتلناه وما علمنا قاتلاً ثم ضمنهم الدية. ولأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قضى بالقسامة على أهل خيبر وهي بلد من البلاد كذلك في غيرها من المحال والبلاد.
ووجه ما نقله مهنا ـ وهو الصحيح ـ أن المحال التي يخلطها غير أهلها ويطرقها المجتاز يجوز أن يكون القاتل من أهل المحلة ويجوز أن يكون غيره فلم يجز الحكم بأمر مجوز ولا يشهد له الظاهر ويفارق هذا خيبر لأن خيبر دار يهود محضة لا يخالطهم غيرهم فكان بين الأنصار وبين اليهود عداوة ظاهرة وهذا معدوم في مسألتنا، وأما الخبر المروي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فلا يصح الاحتجاج به على المذهب لأن فيه أنه حلفهم وغرمهم ولا يختلف المذهب أنه لا يجتمع اليمين والغرامة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 294
تحمل بيت المال دية من لا عاقلة له إذا قتل في زحام:
52 ـ مسألة: فيمن قتل ولا عاقلة له هل يكون دية المقتول في بيت المال...؟
فنقل أبو طالب : لا يكون في بيت المال ويكون دمه هدراً.
ونقل حنبل عنه فيمن وجد قتيلاً في زحام الناس في دخول البيت أو في يوم الجمعة أو في الطواف: أن ديته في بيت المال.
ونقل مهنا عنه: التفرقة إن مات في زحام البيت فدمه هدر وإن مات في زحام الجمعة فهي في بيت المال.
---(2/13)
وجه الأولى: في أنها تسقط أن القياس يمنع من تحمل الدية لأنها جناية منه لكن تركنا القياس في العاقلة للإجماع وبقي ما عداه على موجب القياس ولأنه لا نسب بينهم ولا ولاء فلم يتحمل ديته كآحاد المسلمين.
ووجه الثانية: ـ وهي اختيار الخرقي ـ ما روي في حديث الأسود بن يزيد أنه قتل في زحام البيت فسأل عمر علياً فأشار أن تجعل ديته من بيت المال وفي حديث سهل بن مذكور: أن الناس ازدحموا يوم الجمعة فتفرقوا عن قتيل: فجعل علي ـ رضي الله عنه ـ ديته من بيت المال ولأن ماله يتنقل إلى بيت المال بعد موته فجاز أن يعلقوا عنه.
ووجه ما نقله مهنا من الفرق بين زحام البيت وزحام الجمعة أن الزحام في الحج إنما يحصل بالحركات الموجودة في حالة الطواف والسعي وتلك المناسك مأمور بها على هذا الوجه فعلى هذا لم يضمن ما حصل منها لأنه مأمور به وليس كذلك الصلاة لأن الزحام إنما يحصل بالسعي إليها وذلك غير مأمور به وإنما المأمور به الصلاة والزحام لا يحصل بأفعالها فما يحصل منها من الإتلاف يجب أن يكون مضموناً عليه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 295
كفارة القتل
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 297
وجوب الدية على من قتل مسلماً في دار الحرب يظنه كافراً:
53 ـ مسألة: إذا قتل المسلم في دار الحرب يظنه كافراً فبان مسلماً فهل يجب بقتله الدية أم لا..؟
على روايتين:
نقل ابن ابراهيم عنه في رجل أسلم وكتم إيمانه ففيه دية وكفارة قيل له فإن كان من أهل العهد فقتله رجل خطأ قال: دية مسلمة إلى أهله وعتق رقبة فظاهر هذا أنه أوجب الدية.
---(2/14)
ونقل المروذي وأبو طالب : إذا أصاب مسلماً في دار الحرب وهو لا يعرفه كان عليه الرقبة ولا دية عليه وذكر الآية فظاهر هذا أنه لا دية في ذلك ولا فرق بين أن يكون من أهل الدار كان هو أسلم فيها ولم يخرج منها إلينا أو خرج ولكن عاد بتجارة أو سبب أو لم يكن من أهل الدار ولكن كان متنقلاً إليها بتجارة أو بسبب آخر وسواء كان أسيراً أو مطلقاً واقفاً في الصف أو غير واقف، فالحكم في جميع ذلك واحد وفيه الروايتان فإن قلنا فيه الدية فوجهه عموم قوله تعالى: ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله .
وهذا عام ولأنه مسلم قتل خطأ فكان فيه الدية كما لو كان في دار الإسلام أو نقول: إنها إحدى الدارين أشبه دار الإسلام وإذا قلنا: لا دية وهي اختيار الخرقي ـ وهو أصح ـ فوجهه قوله تعالى: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة .
فأوجب في المقتول في دار الحرب تحرير رقبة: فالظاهر أن جميع الموجب بقتله تلك الرقبة يبين صحة هذا أن الله تعالى غاير بين المسلم يقتل في دار الإسلام وبين المسلم يقتل في دار الحرب فلو كان الحكم سواء لما كان تغاير بينهما ولأن الرمي إلى دار الحرب مباح من غير اتقاء ولهذا المعنى يجوز بيات العدو ورميهم بالمنجنيق وإذا كانت الرمية مباحة من غير اتقاء لم تكن مضمونة كرمي المرتد والحربي ويفارق هذا الرمي في دار الإسلام لأنه مباح بشرط الاتقاء فلهذا كان مضموناً ولأنه لو وجبت عليه الدية بقتل المسلم أدى ذلك إلى ترك الرمي جملة وتعطيل الجهاد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 297
تعدد الكفارة بتعدد القاتلين:
45 ـ مسألة: إذا اشترك الجماعة في القتل هل يلزم كل واحد منهم كفارة أم تجب كفارة واحدة بينهم...؟ على روايتين:
---(2/15)
نقل مهنا على كل واحد كفارة وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لأن كفارة القتل لا تتبعض فهي كالقتل وقد ثبت أن الجماعة إذا اشتركوا في القتل استوفى من كل واحد قصاص كامل كذلك الكفارة ومعنى وقولنا: لا يتبعض أنه لا يجب بعض كفارة لأنه متى لم يجد إلا نصف رقبة لم يلزمه إخراجها.
ونقل حنبل والميموني : عليهم كفارة لأنه مال يجب بالقتل فإذا اشترك الجماعة فيه وجب على جماعتهم شيء واحد دليله الدية ولأنها كفارة تتعلق بالقتل فإذا اشترك الجماعة فيها فتسقط عليهم دليله جزاء الصيد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 298
الكفارة بقتل العمد:
55 ـ مسألة: قتل العمد هل تجب به الكفارة..؟
نقل صالح عنه فيمن قتل عمداً هل عليه الكفارة فقال: يروى عن ابن عباس: ليس له كفارة ولا توبة. فظاهر هذا أنه لا كفارة فيه.
ونقل ابن منصور عنه في المرأة إذا تعمدت إسقاط ولدها: فيه الكفارة.
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر وشيخنا أنه فعل يوجب القتل فلم تجب به الكفارة ودليله الزاني المحصن ولا يلزم عليه إذا زنى في شهر رمضان وهو محصن لأن الموجب للكفارة هتك حرمة الشهر بدون الفعل الموجب للقتل ولأن الكفارة حق مال فوجب أن لا تجب مع القود كالدية.
ووجه الثانية: وهو اختيار الخرقي ما روي عن عمر أنه قال: يا رسول الله إني وأدت في الجاهلية، فقال: أعتق عن كل موؤودة رقبة ، وهذا قتل عمد، ولأنه أتلف نفساً مضمونة فوجب أن تلزم الكفارة قياساً على الخطأ ولأنه دخل في قتله خطأ وجبت فيه كفارة فإذا قتله عمداً وجبت به كفارة قياساً على قتل الصيد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 298
الإطعام في كفارة القتل:
56 ـ مسألة: هل للإطعام مدخل في كفارة القتل..؟
---
قال الشيخ أبو عبد الله : فيها روايتان: إحداهما: له مدخل وقد أومأ إليه في رواية الميموني وقد سأله: هل يطعم في كفارة اليمين والظهار وقتل النفس خطأ ووطء أهله في رمضان غير أهل الإسلام..؟(2/16)
فقال: لا يطعم في هذه غير أهل الإسلام ولا في شيء من الواجبات. فظاهر هذا أن كفارة القتل فيها إطعام، وظاهر كلام الخرقي أنه لا إطعام في ذلك لأنه ذكر العتق والصيام ولم يذكر الإطعام وهو اختيار شيخنا.
وجه من قال فيها إطعام أنه صوم مقدر بشهرين فوجب أن يكون بدله الإطعام، كصوم الظهار، والجماع.
ووجه من قال: لا إطعام قوله تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله فأوجب الرقبة ونقل إلى الصيام عند العجز ولم يذكر شيئاً آخر فثبت أن جميع ما يجب هذان ولأنها كفارة تجب لأجل إتلاف نفس فوجب أن يكون آخره الصيام دليله قتل الصيد ولا يلزم عليه كفارة الظهار والوطء لأنه ليس بإتلاف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 299
شهادة النساء على إثبات القتل الموجب للمال:
57 ـ مسألة: في الجناية إذا كانت موجبة للمال كعمد الخطأ والمأمومة والجائفة، وقتل الصبي، والمعتوه، وقتل المسلم الكافر، وقتل الحر العبد، والوالد للولد، وقتل الخطأ المحض، هل يثبت هذه بشهادة رجل وامرأتين..؟
اختلف أصحابنا فقال الخرقي : يثبت وقال أبو بكر : لا يثبت إلا برجلين.
وجه ما نقله الخرقي ـ وهو أصح الوجهين ـ إنها شهادة على مال أشبه سائر الأموال.
ووجه قول أبي بكر : أنه إثبات قبل وخرج بشهادته النساء فلم يصح كالعمد المحض.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 299
اختلاف الجاني وولي الدم في حياة المجني عليه حال الجناية:
58 ـ مسألة: إذا ضرب رجلاً ملفوفاً في كساء فقده نصفين ثم اختلف الجاني وولي المجني عليه فقال الجاني كان ميتاً حال ما ضربته وقال الولي: كان حياً فقتله.
---
فقال أبو بكر في كتاب الخلاف: القول قول المجني عليه لأن الحياة متحققة والجاني يدعي ما هو مشكوك وهو زوال الحياة والشك إذا طرأ على اليقين قدم عليه كما تقول فيمن تظهر ثم شك هل أحدث أملا..؟ فإنه يبنى على طهارته ويقينه كذلك هاهنا.(2/17)
ومن أصحابنا من قال القول قول الجاني لأن أحمد ـ رحمه الله ـ قال: لا يجزىء عتق الآبق في كفارة فلم تعتبر أصل الحياة لأن ما يدعى الجاني ممكن وما يدعى الولي أيضاً ممكن فإذا أمكن قول كل واحد منهما فالأصل براءة ذمة الجاني كرجل جنى عليه رجل ومضت عليه مدة يمكن أن يكون قد اندمل ثم مات، فإن القول قول الجاني، وإن كان لم يدع كل واحد منهما ممكناً لأن الأصل براءة ذمته وكذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 300
كتاب الحدود
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 301
أثر التوبة في إسقاط الحد
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 303
توبة الساحر:
1 ـ مسألة في الساحر هل تقبل توبته أم لا؟
نقل حنبل: أنه كالمرتد يستتاب، ونقل يعقوب بن بختان عنه: الزنديق والساحر كيف تقبل توبتهما؟
قال أبو بكر : فالمسألة على روايتين: إحداهما: لا يستتاب لما روى ابن عباس عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: حد الساحر ضربة بالسيف .
وروي أنه قال: اقتلوا الساحر والساحرة ولم يفرق بين التوبة قبلها وبعدها ولأنه ساع في الأرض بالفساد ويد الإمام ثابتة عليه فهو كقطاع الطريق إذا قدر عليهم الإمام ثم تابوا أن التوبة لا تسقط عنهم القتل.
والثانية: يستتاب ـ وهو اختيار الخلال ـ لعموم قوله تعالى: ألم تعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده . وقوله: ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا . ولأن قتله هاهنا واجب بحق الله ـ عزّ وجلّ ـ فإذا تاب جاز أن يقبل توبته دليله المرتد.
---
قال أبو بكر ولأن في توبته منفعة للمسلمين لأنه بعد التوبة هو عالم بالسحر يمكنه يحله فكان في ذلك منفعة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 303
سقوط حد الزنا بالتوبة:
2 ـ مسألة: حد الزنا هل يسقط بالتوبة وكذلك حد السرقة وشرب الخمر أم لا؟
فالمنصوص عنه في رواية أبي الحارث: في السارق إذا تاب قبل القدرة عليه سقط القطع قال أبو بكر: وكذلك الزاني إذا تاب قبل القدرة عليه سقط الحد.(2/18)
قال شيخنا أبو عبد الله : فيه رواية أخرى: لا يسقط الحد لأن أحمد ـ رحمه الله ـ قال في رواية ابن منصور فيمن سرق وزنى ثم ارتد ثم تاب: قال سفيان: أهدر الإسلام ما كان قبله، قال أحمد: يقام عليه الحد ولا يسقط الردة وذلك.
وجه من قال: يسقط ـ وهو أصح ـ أنه حد وجب على غير وجه السعي في الأرض بالفساد، وهو حق الله ـ عزّ وجلّ ـ فسقط بالتوبة كالردة وفيه احتراز من الساحر والقاطع إذا قدر عليه.
ولأنه قتل هو حق لله ـ عزّ وجلّ ـ فسقط بالتوبة كالمرتد وقاطع الطريق قبل القدرة عليه ولا يلزم عليه حد القذف، لأنه حق لآدمي ولا يلزم عليه الساحر على إحدى الروايتين.
ووجه الثانية: أنه حد وجب على غير وجه المحاربة وتبديل الدين فالتوبة لا تسقطه دليله حد القذف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 304
توبة الزنديق:
3 ـ مسألة: في الزنديق هل تصح توبته أم لا؟
نقل أبو الحارث والميموني وابن منصور : الزنديق إذا ظهر عليه فأقر بالزندقة يقتل ولا يستتاب والمرتد يستتاب.
ونقل أبو طالب وعبد الله وابن إبراهيم عن أحمد: الزنديق يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وجه الأولى: أن من عادة الزنديق أن يظهر الإسلام ويستبطن الكفر ويدعو إليه في السر ويسعى في الأرض فساداً فإذا كان هذا معلوماً من حاله لم يقبل قوله: إنه تاب وليس هو كالمرتد إذا تاب لأنا لا نعلم أنه يبطن الكفر فيحمل أمره على الصحة ويقبل قوله.
---
ووجه الثانية: وهي اختيار أبي بكر الخلال ـ رحمه الله ـ أن المنافقين كانوا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يظهرون الإسلام ويسرون الكفر قال الله تعالى: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا أنا معكم . وقال: يحلفون بالله أنهم لمنكم وما هم منكم . وقال: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر .
وقال تعالى: إذا جاء المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون .(2/19)
ومع هذا ـ فالنبي صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يقتلهم كذلك الزنديق إذا أظهر الإسلام، يجب أن لا يقتل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 305
حد الردة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 305
الباغي إذا لم يكن له منعة:
4 ـ مسألة: في الباغي إذا لم يكن له فئة ممتنعة فهل يجري عليه أحكام البغاة؟
قال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا فرق بين من كثر عدده أو قل لأن الإمام العادل لو قلت أوامره وجموعه لم يكن مسقطاً لإمامته كذلك أهل البغي لا فرق بين أن يقل جماعتهم أو يكثروا إذا نصبوا راية أو أظهروا دعوة الإمام... وعندي أنه متى لم يجتمعوا بحيث يحصل لهم شوكة وعسكر ومنعة فلا حكم له، وإنما حكمه كحكم سائر (الجناة) إن قتل قُتل قوداً وإن أتلف المال ألزم بدلاً، وذلك لأن ابن ملجم لعنه الله قتل علياً ـ رضي الله عنه ـ فقتل ابن ملجم قوداً لأنه تأول تأويلاً غير سائغ، ولم يسقط عنه التبعة بل أمر بقتله قوداً وأنه أقيد به لأنه لم يكن في منعه وإنما كان وحده وأجاب أبو بكر عن هذا بأن ابن ملجم لم ينضم إلى إمام منصوب، ودعوة قائمة وإنما كان محله محل اللصوص وقطاع الطريق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 305
ضمان ما يتلفه أهل البغي على أهل العدل:
5 ـ مسألة: إذا أتلف أهل البغي مالاً على أهل العدل أو قتلوا منهم في حال الالتحام هل هو مضمون عليهم أم لا؟
---
فنقل الأثرم، وأحمد بن أبي عبده، أنه أخذ بحديث الزهري: أنه لا يقاد ولا يؤخذ ما أتلف على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه. فظاهر هذا أنه مالم يؤخذ بعينه فلا ضمان عليه من نفس ولا مال.
ونقل ابن منصور في الحرورية: إذا قاتلوا وأخذوا فقال: كلما أصابوا من شيء فهو عليهم. فظاهر هذا أنه ضمنهم ما أصابوه في حال قتالهم.
وجه الأولى: ـ وهي أصح ـ ما روى هشام بن مسلم عبد الملك أنه كتب إلى الزهري يسأله عن امرأة من أهل العدل هربت إلى أهل البغي وكفرت زوجها وتزوجت فيهم ثم ثابت ورجعت هل عليها الحد أم لا؟(2/20)
فكتب إليه الزهري فقال: كانت الفتنة العظمى وفي بعض الأحاديث: كانت الفتنة الأولى بين الناس، وفيهم البدريون، وفي بعضها أنه قال: فلقيت جماعة منهم فاجتمعوا على أن لا حد على من ارتكب فرجاً محرماً بتأويل القرآن وأن لا يقتل من سفك دماً محرماً بتأويل القرآن وأن لا يغرم ما لا أتلف بتأويل القرآن.
وقول الزهري: كانت الفتنة العظمى ليس بمرسل، لأنه تابعي لقي عشرة من الصحابة ونقل عنهم وروي عنه أنه قال: فلقيت جماعة منهم، فهذا إجماع منهم مقطوع به ولأنه إتلاف على وجه التدين من جماعة ممتنعة فلم يتعلق بها ضمان وشهادتهم تقبل وإذا أخذوا الزكاة أو الجزية أجزأ ذلك ثم لا يجب على أهل العدل الضمان بإتلاف أموال البغاة كذلك لا يجب على البغاة الضمان بإتلاف مال أهل العدل.
ووجه الثانية: كل مسلم قتل مسلماً بغير حق لزمه الضمان كغير الباغي وكل طائفتين من المسلمين اقتتلنا: إحداهما محقه والأخرى مبطلة لزم الضمان المبطلة كقطاع الطريق وإذا قاتلوا أهل الرفقة وأتلفوا عليهم مالاً وقتلوا منهم وكذلك الحكم في المرتدين إذا كانوا في منعة فأتلفوا مالاً هل يضمنون مالاً أم لا؟ على روايتين:
---
إحداهما: لا يضمنون أومأ إليه في رواية مهنا في مرتد لحق بدار الحرب فقتل بها رجلاً مسلماً ثم رجع، وقد أسلم فأخذه وليه ما يكون عليه في ذلك فقال: قد زال عنه الحكم: إنما قتله وهو مشرك وكذلك إن سرق، وهو مشرك فقيل يذهب دم هذا الرجل قال: لا أقول في هذا شيئاً فظاهر هذا أن لم يضمنه لأنها فئة متنعة أتلفت مالاً على وجه التدين فلم يلزمهم الضمان كأهل الحرب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 306(2/21)
والثانية: عليهم الضمان، وهو اختيار أبي بكر لأنه ملتزم حكم الإسلام أتلف مال من له حرمة بغير حق فلزمهم الضمان كقطاع الطريق، وقد أومأ أحمد في رواية مهنا في مرتد قطع الطريق ولحق بدار الحرب، فأخذه المسلمون: يقام عليه الحدود، ويقتص منه، وكذلك نقل ابن منصور في المرتد يدخل دار الحرب فيقتل ويزنى، ويسرق، فقال: أما أنا فلا يعجبني أن لا يقام عليه ما أصاب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 306
انتقاض أمان أهل الذمة بمساعدة أهل البغي:
6 ـ مسألة: إذا استعان أهل البغي بأهل الذمة، فقاتلوا معهم لأهل العدل، ولم يكونوا مكرهين ولا أتوا بشبهة تكون عذراً لهم في ذلك مثل أن قالوا: ما عرفنا أنهم يستعينون بنا على مقاتلة المسلمين، أو قالوا: كنا نعتقد أنه من المسلمين، تجوز متابعتهم فهل ينقض أمانهم أم لا؟
ذكر أبو بكر عبد العزيز، في كتاب الخلاف، ما يدل على وجهين/ إحداهما: ينتقض أمانهم لأنهم لو انفردوا بمقاتلة المسلمين انتقض عهدهم، كذلك إذا قاتلوا مع أهل البغي وجب أن ينتقض عهدهم.
والثاني: لا ينتقض لأن أهل الذمة وإن قاتلوا فإنما قاتلوا تبعاً للمسلمين والحكم للمتبوع لا للتبع فلهذا حكمنا بذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 308
الدفاع عن مال الغير على وجه يؤول إلى القتل:
---
7 ـ مسألة: إذا اعترض إنسان لرجل من المسلمين يطلب ماله، فهل لغيره معاونته في قتال ذلك الطالب، ودفعه عنه، على وجه يغلب على ظنه أنه يؤول إلى قتل الطالب أم لا؟(2/22)
فقد توقف عن الجواب في رواية حرب، ومحمد بن يحيى الكحال فقال: لو كان ماله لم يكن في قلبي منه شيء وأما غيره فلا أدري وقد صرح بالمنع في رواية أحمد بن الحسن الترمذي، والمروذي، فقال: لا يقاتل بالسيف إلا عن ماله لم يبح لك قتله عن مال غيرك، أما توقفه فيحتمل أن يقتضي الجواز لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً . ولأنه دافع عن غيره جوراً فصار كما لو دفع عن نفسه ولأنه لما جاز له أن يدفع عن مال نفسه كما يدفع عن نفسه كذلك في حق الغير لما جاز أن يدفع عن نفس غيره جاز أن يدفع عن ماله أيضاً. ويحتمل أن يقضي توقفه المنع وقد صرح به. في رواية المروذي وغيره والوجه فيه ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس . ولأنه لو أتلف مال غيره لم يبح ذلك قتله في مقابلتها كذلك إذا هم بأخذه وإتلافه لم يبح ذلك قتله ويفارق هذا النفس لأنه لو أتلف نفس غيره أبيح قتله في مقابلتها وكذلك إذا هم بإتلافها أبيح قتله ولا يلزم على هذا مال نفسه إذا طلبه غيره أنه مباح للمالك أن يقاتل عنه، وإن لم يكن إتلاف ماله موجباً لقتل المتلف، لأن القياس يقتضي المنع أيضاً لكن تركنا القياس، كما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من قتل دون ماله فهو شهيد فأباح القتال دون ماله، فتركنا القياس لذلك ولم يرد في مال الغير خبر، فترك له القياس، ولأن القتال عن مال نفسه، هو لمعنى في نفسه، والقتال عن مال غيره هو لمعنى في غيره، وفرق بينهما ألا ترى أنها لو أفطرت لمرض قضت، ولا فدية عليها، ولو أفطرت الحامل والمرضع (خوفاً على ولديهما)، كان عليهما القضاء
---
والكفارة لأن فطرها لمرض لمعنى في نفسها، فكانت معذورة فخفف عنها وقطرها لأجل الولد لمعنى في غيرها، فغلظ عليها فوجبت الفدية.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 308(2/23)
استرقاق أولاد المرتد الذين يولدون حال ردته:
8 ـ مسألة: هل يسترق ولد المرتد الذي ولد في حال الردة أم لا؟
نقل الفضل بن زياد، في رجل ارتد في أرض الشرك وتزوج فيهم، وولد له، ما يصنع بولده قال: يردون إلى الإسلام إلا أنهم يكونون عبيداً للمسلمين، وهذا يدل على استرقاقهم لأنه قال: هم عبيد للمسلمين وهو اختيار أبي بكر ذكره في كتاب الخلاف.
قال شيخنا أبو عبد الله : في استرقاقهم روايتان، وأختار أنه لا يجوز استرقاقهم لأنهم يتبعون الأب في الدين والإسلام، وقد كان ثبت لأبيهم حرمة الإسلام فمنع ذلك من استرقاقهم فيجب أن يمنع تلك الحرمة من استرقاقهم، والدلالة على أنه يجوز استرقاقهم، وهو المذهب، أنه ولد من بين كافرين، فأشبه إذا ولد من بين كافرين أصليين ولأن الحرمة تثبت للأب وتلك الحرمة منعت من استرقاقه في نفسه، ولم يثبت للأولاد فلم يمنع من استرقاقهم.
فإذا قلنا: يسترقون، فقال أبو بكر : لا يفرون ببذل الجزية ويجبرون على الإسلام، وهو ظاهر كلام أحمد ـ رحمه الله ـ يردون إلى الإسلام لأنهم عبيد للمسلمين وعندي أنه يجب أن ينظر فيما يختارون من الأديان، فإن كانوا يختارون دين أهل الكتاب أقروا على دينهم، وجاز استرقاقهم وإن كان ديناً لا يقرون عليه كعبدة الأوثان لم يجز استرقاقهم، وقد نص على أن استرقاق عبدة الأوثان لا يجوز.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 310
الحكم بإسلام الكافر الأصلي إذا شهد أن محمداً رسول الله:
9 ـ مسألة: الكافر الأصلي إذا شهد أن محمداً رسول الله ولم يلفظ بالشهادة بالله، هل يحكم بإسلامه أم لا؟
---
نقل مهنا عنه فيمن قال أشهد أن محمداً رسول الله: فقد دخل في الإسلام قيل له: يهودي أو نصراني أو مجوسي قال أشهد أن محمداً رسول الله وقال: لم أرد الإسلام يجبر على الإسلام. فظاهر هذا أنه يحكم بإسلامه في جميع أهل الأديان.(2/24)
ونقل صالح في اليهودي، والنصراني، إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: لم أرد الإسلام هل يجبر؟
فقال: أما اليهودي فيجبر لأنه يوحد وأما النصراني والمجوسي فلا لأنهم لا يوحدون فظاهر هذا أنه فرق بين أهل الأديان فجعل وذلك إسلاماً في حكم اليهودي، ولم يجعله إسلاماً في حق النصراني، والمجوسي.
وجه الأولى: أنه إذا شهد ـ بالنبي صلى الله عليه وسلم ـ فقد اعترف بالتوحيد، لأنه قد حصل مصدقاً بما جاء به ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ والذي جاء به نفي الولد والتوحيد.
ووجه الثانية: أن شهادتهم بالنبي ليس بصريح في إسلامهم لجواز أن يعتقد أن المرسل له الابن أو روح القدس، قال أبو بكر : لأن التوحيد لا يصح من النسطور، والروم، ويصح من اليعاقبة لأنهم لا يقولون: عيسى هو الله، تعالى الله علواً كبيراً.
والوجه الصحيح في ذلك: أن شهادته بالله تعالى قبل الشهادة ـ بالنبي صلى الله عليه وسلم ـ لا حكم لها، لأنه إنما يصح وشهادتهم بالله إذا كان مصدقاً لرسوله ممتثلاً لأمره وهذا المعنى لا يصح منه في تلك الحال.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 311
الإتيان بالشهادتين دون قصدالإسلام:
10 ـ مسألة: إذا أتى بالشهادتين وقال: لم أعتقد الإسلام هل يقبل قوله؟
فنقل الجماعة: أبو داود، ومهنا، وحرب: لا يقبل منه، ومتى رجع ضربت عنقه.
---
قال أبو بكر : وقد روي عنه إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو يريد الإسلام فهو مسلم، وإذا قال وهو لا يريد الإسلام لم أجبره على الإسلام، وروى ذلك عنه فوران، ومحمد بن الحكم، والمشكاتي قال: والعمل على ما رواه الجماعة: أنه لا يقبل منه لأن المكلف إذا أتى باللفظ الذي يتعلق به الحكم، فالظاهر أنه يصده وأعتقده، وقوله بعد ذلك: لم أفصده، لم يصدق لأنه خالف الظاهر ألا ترى أنه لو أقر وقال: كذبت في إقراري أو سهوت لم يقبل منه وكذلك لو تلفظ بالطلاق الصريح، وقال: لم أقصد الطلاق لم يقبل منه.(2/25)
ووجه الثانية: وهي اختيار أبي بكر هو أن في قبوله قوله احتياط للدم، والدماء يحتاط لها في الموضع المحتمل والشبهة وهاهنا شبهة لأنه يحتمل صدقه في ذلك ويمكن أن يحتمل ما نقله فوران، والمشكاتي على وجه وهو أن يكون أتى بالشهادتين على وجه يشهد له الظاهر، أنه لم يقصد به الإسلام مثل أن يأتي بألفاظ الآذان على وجه الحكاية، والأخبار عن صفة لا على وجه التأذين، أو يذكر أن فيها توحيداً على وجه الحكاية، كما يقول في باب الطلاق إذا أتى بصريحه على وجه الحكاية لم يقع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 312
قبول توبة المرتد إذا تكررت ردته:
11 ـ مسألة: إذاتكررت توبته وردته هل تصح توبته؟
نقل ابن منصور : تصح.
ونقل الميموني، والمشكاتي: لا تصح وهو اختيار أبي بكر، لأنه متى تكررت ردته فالظاهر أنه زنديق، فلا تقبل توبته وإذا قلنا تقبل ـ وهو أصح ـ فوجهه ما روى عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: إن الله تعالى لا يرد توبة التائبين أبداً وإن ترادف منهم الكفر والكبائر.
ولأنا قبلنا توبته أولاً لأجل أنه قد تعرض له شبهة، وهذا المعنى موجود هاهنا في الدفعة الخامسة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 312
حد الزنا
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 313
---
الجمع بين الجلد والرجم للزاني المحصن:
مسألة: هل يجتمع الجلد والرجم في حق الزاني المحصن؟
على روايتين: نقل الأثرم وأبو النضر وابن منصور وصالح: يرجم ولا جلد.
ونقل عبد الله وإسحاق بن إبراهيم: يجلد ويرجم.
ووجه الأولى: وهي اختيار شيخنا أبي عبد الله ما روى أبو هريرة وعبد لله بن عباس وجابر بن سمرة، وجابر بن زيد الأنصاري: أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ رجم ماعزاً ولم يجلده فلو كان الجلد واجباً لكان يوجبه .(2/26)
وروى ابن مسعود عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أن زيداً بن خالد الجهمي وأبا هريرة أخبره أن رجلين اختصما إلى رسول الله فقال أحدهما: اقض بيننا يا رسول الله بكتاب الله ـ فقال له الآخر اقض بيننا يا رسول الله بكتاب الله وائذن لي. فقال تكلم فقال له يا رسول الله إن ابني كان عسيفاً على هذا، وقد زنا بامرأته وقالوا: إن على ابن الرجم ففديته بمائة شاة وجارية لي، ولقد أخبرني رجال من أهل العلم إنما على ابني الجلد وإنما الرجم على امرأة هذا. فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما شاتك وخادمك فهو رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وغربة عام . ثم قال لأنيس الأسلمي: اذهب إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. فذهب فاعترفت فرجمها . فلو كان الجلد واجباً عليها لقال له: اجلدها وارجمها ولأنه سبب يجب به القتل فلم يجب معه الجلد أصله قتل المرتد.
ووجه الثانية: وهي اختيار أبي بكر ـ قوله تعالى: الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فأوجب على الزانية والزاني جلد مائة ولم يفرق بين البكر والثيب فروى عبادة بن الصامت: أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة جلدة وتغريب عام .
---
والثيب بالثيب جلد مائة والرجم وروي أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ جلد شراحة الهمذانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، فقيل له: جلدتها حدين فقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله، ولأنه زنا يوجب الجلد فأوجب عقوبتين دليله البكر يجب مع الجلد النفي وكذلك هاهنا يجب أن يجب مع الرجم معنى آخر وهو الجلد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 313
تغريب الزانية بلا محرم:(2/27)
13 ـ مسألة: إذا زنت المرأة البكر فإنها تنفى فإن تطوع محرمها وخرج معها فإنها تنفى إلى ما تقصر فيه الصلاة وإن لم يخرج معها محرمها ففيه روايتان: إحداهما تنفى إلى موضع لا يقصر في مثله الصلاة، نص عليه في رواية المروذي فقال: إذا زنت ولم يكن لها محرم تنفى إلى مثل المدائن سفراً لا تقصر في مثله الصلاة. أومأ إليه في موضع آخر في مسائل المروذي فقال: تنفى من عمله إلى عمل غيره قيل له: بغير محرم قال: نعم. فقد أطلق القول بالنفي من غير محرم ولم يقدر المدة.
ونقل الأثرم عنه في المرأة تنفى بغير محرم فقال: نعم قيل له: قد قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وأما السفر ليس من هذا هذا أمر لزمها، ليس هذا بمنزلة السفر، يسافر بها وهم يقولون: إن امرأة وجب عليها حق والقاضي منهم على أيام رفعت إلى القاضي ولو أنها أصابت حداً في البادية جيء بها إلى المصر حتى يقام عليها الحد بغير محرم قالوا هذا برأيهم.
ونقل ابن القاسم عنه: لا تحج المرأة إلا مع ذي محرم فقيل له: فإن وجب عليها (الحد) وليس ثم حاكم، يخرج بها إلى المحاكم فقال ليس هذا يشبه الحج.
وجه الأولى: أنه سفر صحيح في دار الإسلام، فلم يجب بغير محرم دليله الحج والتجارة.
ووجه الثانية: أنه نفي وجب لأجل الزنا، فاعتبر في مدته ما تقصر فيه الصلاة، دليله نفي الرجل، ولأنه سفر واجب لغير عبادة فلم يعتبر فيه المحرم دليله الهجرة.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 315
حد اللواطي:
14 ـ مسألة: اختلفت الرواية في حد اللوطي. فنقل أبو طالب، وإسحق إن إبراهيم: أنه يرجم محصناً كان أو غير محصن.
ونقل المروذي، وحنبل، وأبو الحارث، ويعقوب بن بختان: إن كان بكراً جلد وإن كان محصناً رجم.(2/28)
وجه الأولى: حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به ولأنه إجماع الصحابة روى صفوان بن مسلمة عن خالد ابن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلاً ينكح كما تنكح المرأة فكتب إلى أبي بكر الصديق في ذلك فاستشار أبو بكر الصحابة في ذلك فكان أشد الناس في ذلك علي بن أبي طالب فقال: إن هذا ما عمله إلا أمة واحدة وقد رأيتم ما فعل الله بهم، وأرى أن يحرق. فكتب أبو بكر إلى خالد أن يحرقه وأخذ بذلك عبد الله بن الزبير في خلافته، ولأن اللواط أعظم من الزنا فإن الفرج يستباح بحال وهو عقد النكاح، ولهذا يقول في وطء ذوات المحارم أنه يقتل بكل حال.
ووجه الثانية: أن اسم الزنا يقع على ذلك، قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان وإذا وقع عليه اسم الزنا فقد قال الله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولأنه فرج يجب بالإيلاج فيه الحد فوجب أن يختلف حكم البكر والثيب فيه كفرج المرأة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 316
عقوبة إتيان البهيمة:
15 ـ مسألة: في إتيان البهائم هل يوجب الحد؟
نقل ابن منصور عنه: يدرأ عنه الحد ويعزر.
ونقل حنبل: حده كحد الزاني.
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر والخرقي ـ أن الحد إنما يراد للزجر والردع والإنسان يرتدع وتعاف نفسه إتيان البهائم فلهذا لم يلزمه الحد.
ولأن الحد يجب بالإيلاج في فرج له حرمة كفرج الآدمي وهذا لا حرمة له. ألا ترى أنه لو مسه إنسان لم ينتقض طهره ولو مس فرج آدمي انتقض طهره.
---
ووجه الثانية: أنه فرج يجب بالإيلاج فيه الغسل فجاز أن يحد بالإيلاج فيه كفرج المرأة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 317
عقوبة واطىء ذات الرحم:
16 ـ مسألة: إذا وطىء ذات رحم منه مع العلم بالتحريم ففيه روايتان.
نقل حنبل وصالح وعبد الله وأبو طالب وابن منصور : حده القتل بكل حال.
ونقل الفضل بن زياد : حده حد الزاني.(2/29)
قال أبو بكر : فيه روايتان: إحداهما يقتل بكراً كان أو ثيباً، والثانية: حكمه حكم الزاني.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ وهي اختيار أبي بكر ما روى ابن عباس عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من أتى ذات رحم محرم فاقتلوه.
وروى البراء بن عازب قال خرجت في طلب إبل لي قد ضلت فلقيت فرساناً ومعهم راية قد خلوا منزل رجل فأخرجوه وضربوا عنقه وقالوا هذا عرس بامرأة أبيه. ولأن وطء ذات رحم محرم أعظم من الزنا لأنه لا يستبيحه.
قال: وقد نبه الله تعالى عليه فقال: يا نساء النبي من يأتي منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين لأن مأثمهم أعظم من مأثم غيرهم.
ووجه الثانية: أنه فرج من جنس ما يستباح بالوطء فإذا وجب الحد على الواطىء فيه وجب أن يكون حده حد الزاني دليله الأجانب شهادة بعضهم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 318
ثبوت حد القذف على شهود الزنا إذا لم يكمل النصاب أو ردت شهادة بعضهم:
17 ـ مسألة: إذا (لم) يكمل عدد الشهود مثل أن يشهد واحد أو اثنان أو ثلاثة بالزنا لم يجب لحد على المشهود عليه، وأما الشهود فهم قذفة وعليهم حد القذف رواية واحدة.
نص عليه في رواية الأثرم وغيره وإن كمل عددهم لكن رد الحاكم شهادة الجميع أو بعضهم، إما لمعنى ظاهر مثل أن يكون فيهم عبد أو فاسق ظاهر الفسق أو كانوا عمياناً أو كان لمعنى خفي مثل أن اشتبه على الحاكم فسق واحد منهم ففيه روايتان: إحداهما: لا حد عليه نص عليه في مواضه.
---
فنقل حنبل في أربعة عميان شهدواعلى رجل بالزنا: لا يضربون قد جاؤوا أربعة.
ونقل مهنا: إن كان أحدهما فاسقاً أو أعمى أو محدوداً لم أقم عليه الحد عليهم قد أحرزوا ظهورهم.
ونقل بكر بن محمد والأثرم : إذا كانوا غير عدول أو بعضهم غير عدل لم يضربوا.(2/30)
والرواية الأخرى: عليهم الحد نص عليه في رواية ابن منصور في أربعة عميان شهدوا على امرأة بالزنا قال يضربون أومأ إليه أيضاً في رواية أبي النضر العجلي في المجنون إذا شهد عليه أربعة أنه زنى فإنهم قذفه، وقال أيضاً: إذا شهد الزوج معهم مع ثلاثة فإنهم يحدون.
ووجه هذه الرواية هي أقيس أنهم أدخلوا المعرة عليه بإضافة الزنا بسبب لم يسقط حصانته فوجب عليهم الحد كما لو نقص عددهم من أربعة يبين صحة هذا أنه إنما وجب الحد عليهم لنقصان العدد كي لا يكون ذلك ذريعة إلى التعريض لأن كل من أراد أن يقذف إنساناً يجمع معه فيجيء إلى الحاكم فيشهد عليه بالزنا ولا يجب عليه الحد وهذا المعنى موجود مع كمال العدد.
ووجه الرواية الأولى: أن القياس يمنع من إيجاب الحد عليهم لأنهم أضافوا الزنا إليه بلفظ الشهادة فهو كما لو كانوا أربعة على صفة الشهود.
ولكن تركنا القياس في نقصان العدد لإجماع الصحابة وهو ما روي أن أبا بكرة ونافعاً وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا وامتنع زياد فحد عمر الثلاثة وكان ذلك بمحضر من الصحابة وتوافر منهم فلم يظهر من أحد منهم نكير عليهم ولا مخالفة فتركنا القياس في نقصان العدد للإجماع وبقي ما عداه على موجب القياس ولأن العدد موجود وقد جاؤوا مجيء الشهود وهم من أهل الشهادة في الجملة فلم يجب عليهم الحد كما (لو كانوا مبصرين) وذلك أن العميان من أهل الشهادة عندنا في الأموال وكذلك العبيد والفساق من أهل الشهادة في الجملة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 319
إقامة حد القذف على من يرجع من الشهود على الزنا:
---
18 ـ مسألة: إذا شهد أربعة بالزنا فرجع أحدهم قبل حكم الحاكم بالحد على المشهود عليه فهل يحد الراجع أم لا؟
نقل أبو الحارث ويعقوب بن بختان إذا رجع أحدهم قبل أن يقام الحد يحد الثلاثة فظاهر هذا أنه أوجب الحد على الثلاثة ولم يوجبه على الراجع وهو اختيار أبي بكر وشيخنا.(2/31)
ونقل حنبل: إذا شهد أربعة بالزنا فرجع أحدهم قبل قيام الحد حدوا كلهم فظاهر هذا أنه أوجب الحد على الرجع أيضاً.
وجه الأولى: أن الراجع قد فعل المأمور به من الستر على المشهود عليه فلهذا لم يلزمه الحد لفعله ما أمر به وليس كذلك من أقام على الشهادة لأنه لم يفعل المأمور به من الستر ولا زالت حصانة المشهود عليه بقولهم فلهذا لزمهم الحد ويفارق هذا إذا لم يرجع أحد منهم عن الشهادة أنه لا حد عليهم وإن لم يفعلوا المأمور به من الستر فإنه قد زالت حصانة المشهود عليه بقولهم ويفارق هذا إذا قذفه بغير لفظه الشهادة ثم رجع وأكذب نفسه أنه يلزمه الحد لأنه بالقذف وجب عليه الحد، فالبرجوع يسقط ما قد وجب عليه فلهذا لم يقتل، وهاهنا ما وجب عليه الحد بشهادتهم فالبرجوع لا يسقط حقاً فلهذا لم يحد.
---
ووجه الثانية: وهي الصحيحة عندي أن شهادة الشهود لا تتم قبل حكم الحاكم بدلالة أن شاهدين لو شهدا بمال ثم رجع أحدهما قبل حكم الحاكم لم يثبت بشهادة الآخر فلو كانت شهادتهما قد تمت لوجب أن يثبت نصف المال كما لو رجع أحدهما بعد حكم الحاكم فإنه يغرم نصف المال المشهود عليه وإذا كان كذلك وجب إذا رجع أحدهما في مسألتنا أن لا يكون لشهادة الباقين حكم، وإذا بطل حكمها صارت قذفاً. لأن الراجع بإيجاب الحد عليه أشبه من الثلاثة لأن الباقين مقيمون على شهادتهم فكان يجب أن لا يصدق عليهم ولو أنه رجع بعد حكم الحاكم وقال تعمدت وتعمدوا معي فإنه يجب عليه القود دونهم وإن قال: أخطأت وجب عليه ربع الدية دونهم لا يختلف المذهب في ذلك فإذا لم يكن الراجع أولى بإيجاب الحد من غيره فلا أقل من أن يساويهم في إيجاب الحد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 320
ما يلزم شهود الإحصان عندما يرجعون مع الشهود على الزنا عن الشهادة:(2/32)
19 ـ مسألة: إذا شهد شاهدان بالحصانة وأربعة بالزنا فرجم، ثم رجعوا أجمعين وقالوا: أخطأنا. فقال أبو بكر وغيره من أصحابنا: عليهم الضمان لأن الرجم المستوفى بقولهم أجمعين وكان الضمان على جماعتهم ويفارق هذا إذا بان فسق الشهود أن المزكين لا يلزمهم الضمان لأن فيه نظراً مع أن التزكية لا تختص بالرجم ولا بالإحصان وهذه الشهادة تختص بالإحصان فلهذا تعلق بها الضمان فإذا ثبت وإن عليهم الضمان فقال أبو بكر في كيفيته قولان: أحدهما: يضمن شهود الإحصان نصف الدية، قال وهو الأقيس على مذهبه لأن الرجم ثبت بنوعين من الجناية فكان عليهم الضمان نصفين.
والثاني: الضمان عليهم بالسوية لأن الرجم ثبت بشهادتهم أجمعين بدليل أنه لو انفرد كل فريق لم يرجم بشهادته فلما اجتمعوا رجم ثبت أنهم بالسوية كما لو شهد الستة بالزنا ثم رجعوا أجمعين فعلى هذا يلزم شهود الحصانة ثلث الدية ويلزم شهود الزنا الثلثان.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 322
إقامة السيد الحد على مماليكه:
30 ـ مسألة: هل يملك السيد إقامة حد السرقة على عبده؟
فنقل ابن منصور عن سفيان أنه قال في الآبق: لا يقطعه مولاه قد عيب على ابن عمر، قال أحمد قريب مما قال، وأما إذا زنت أو زنا ملك يمينه فيجلده وذكر الخبر. فظاهر هذا أنه أخذ بقول سفيان وفرق بين القطع وبين الجلد وأمأ في مسائل مهنا إلى الآخذ بما روي عن ابن عمر في جواز القطع.
وجه هذه الرواية عموم قوله ـ عليه السلام ـ: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ولأن عائشة قطعت أمة لها سرقت وابن عمر قطع يد عبده في السرقة. ولأنه حد الله تعالى فجاز أن يملك السيد إقامته كحد الزنا .
وجه الأولى: إن السيد لا يملك شيئاً من جنس القطع فلم يكن له القطع ويملك من جنس حد الزنا وهو التعزير ولأنه متهم في ذلك بأن يقصد إلى إتلافه بالقطع ليسري إلى نفسه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 322
اختلاف الشهود في الحال التي وقعت عليها الجناية:(2/33)
21 ـ مسألة: إذا شهد شاهدان أنه زنى بها في ثوب أحمر وشاهدان له زنى بها في ثوب أبيض.
فقال أبو بكر : ليس هذا اختلاف في الشهادة وقال: إذا شهد أحدهما أنه قتله غدوة آخر أنه قتله عشية أو شهد أحدهما أنه ضربه بالسيف وآخر أنه ضربه بخشبة أنها شهادة مسموعة. وقال: لو شهد اثنان أنه زنى بها وهي سوداء وشهد آخران أنه زنى بها وهي بيضاء فهم قذفه يجب عليهم الحد.
ونقل عن أحمد في كتاب الخلاف أنه قال في رواية مهنا: إذا شهد نفسان أنه زنى بها في هذا البيت وآخران أنه زنى بها في بيت آخر وجب الحد بقولهم، وأخذ بظاهر هذه الرواية والمذهب عندي في جميع هذه المسائل أنها شهادة باطلة غير مسموعة.
---
وقد ذكر الخرقي : إذا شهد نفسان على رجل أنه زنى بها في هذا البيت وشهد الآخران على رجل أنه زنى بها في هذا البيت فالأربعة قذفة وعليهم الحد وهذا يدل على ما ذكرنا وأن الشهادة باطلة لأنها شهادة لم تجتمع على فعل واحد لأن فعلاً واحداً لا يمكن وجوده في بيتين ولا في قميصين ولا في غدوة وعشية ولا بخشبة وسيف. فيجب أن لا تصح الشهادة كما لو شهد اثنان أنه زنى بها وهي بيضاء وآخران أنه زنى بها وهي سوداء إن الشهادة باطلة ويفارق هذا إذا شهد اثنان أنه زنى بها في الزاوية وآخران أنه زنى بها في الزاوية والأخرى أن الشهادة صحيحة إذا كان البيت صغيراً والزوايا متقاربة لأنه يمكن أن يكون على فعل واحد بأن يقربه شاهدان في هذه الزاوية وآخران من الزاوية الأخرى والفعل واحد ولا يمكن هذا في البيتين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 323
إقامة الحدود على الكفار:
22 ـ مسألة: هل يجب الرجم على الكفار إذا أحصنوا وزنوا؟
نقل الجماعة منهم الميموني: يجب ويصح الإحصان في حقهم.(2/34)
ونقل المروذي لفظين: أحدهما قال الذمية تحصن المسلم والثاني: قال لا تحصن اليهودية والنصرانية المسلم. قال أبو بكر قد ورى المروذي هذه المسألة في ثلاثة مواضع أثبت إحصانهم في موضعين ونفاه في موضع آخر. قال ويغلب على ظني أن أبا بكر الخلال أغلط أبا بكر المروذي فيها إلا أن من نفى الرجم عنهم وبقي الإحصان احتج بأنه احصان شرط فيه الحرية فوجب أن يكون الإسلام شرطاً فيه دليله الاحصان الموجب للحد على القاذف ولأنه لا يحد قاذفه بحال فوجب إذا زنى أن لا يرجم كالعبد.
---
وأما من أوجب الرجم وهو الصحيح فوجهه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ رجم يهوديين زنيا والرجم لا يجب إلا بعد ثبوت الإحصان ولأن اليهود والنصارى أهل ملة فجاز أن يجب عليهم الرجم بالزنا كالمسلمين ولأنه قتل بسبب متقدم فاستوى فيه المشرك والمسلم كالقتل في القصاص يلزم عليه القتل يترك الصلاة لأنه وجب بسبب حادث لا متقدم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 324
عقوبة واطىء الميتة:
23 ـ مسألة: في وطء الميتة: نقل عبد الله عنه في الذي يأتي الميتة أن بعض الناس يقول عليه حدان: حد الموت وحد الزنى فظننه يعني عن نفسه.
فقال أبو بكر : لم يبلغنا في هذه المسألة غير ما رواه عبد الله وقد أخبر عن نفسه أنه ظن ذلك عن أبيه ويحتمل أن يكون عليه الحد لأنها حالة يجب الغسل بوطئها فوجب الحد كحالة الحياة ويحتمل التعزير قال فيه أقول لأن الحد يحب في العادة ردعاً وزجراً والإنسان في العادة يزجر نفسه عن وطء الميتة لأنها لا تشتهي غالباً.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 325
عقوبة وطء أمة الزوجة:(2/35)
24 ـ مسألة: إذا أذنت له زوجته في وطء أمتها لم يحل له الوطء لأن الوطء لا يستباح بالإباحة وإنما يستباح بملك اليمين أو عقد نكاح وليس هاهنا واحد منهما فإن وطئها لم يجب عليه الرجم ولكن يعزر بمائة جلدة وكان القياس الرجم لوجود شرائط الرجم لكن ترك القياس هاهنا لحديث النعمان بن بشير عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في الرجل يأتي جارية امرأته قال: إن كان أحلتها له جلد مائة وإن لم يكن أحلتها له رجم. فأسقط الرجم عنه بالأذن في الوطء فإن أتت بولد فهل يثبت نسبه منه أم لا؟
نقل ابن منصور عنه: قال سفيان : إذا أحلت فرجها فوقع عليها فهي مملوكة لسيدها الأول والولد مملوك.
قال أحمد هذا وطء شبهة والولد ولده والأمة ترجع إلى سيدها. فظاهر هذا أنه ألحق به الولد.
---
وقال أبو بكر ما رواه ابن منصور قول أول، والعمل ما رواه الميموني والمروذي أنه لا بلحق الولد لأن الحد يلزحه وليس فيما حكاه عن الميموني بيان أن الوطء كان بعد إباحتها له بل يحتمل أن يكون ذلك على أن الوطء كان قبل الإباحة فلا يلحق لأن الرجم يلزمه ومن لزمه الرجم لم يلحق به الولد.
وما نقله ابن منصور فيه صريح إذا كان الوطء بعد الإذن أنه يلحق به لأن الحد لا يلزمه في هذه الحال، وإنما يجب عليه التعزير وثبوت التعزير لا ينفي النسب كما لو وطىء أمه بينه وبين شريكه، فإن التعزير يجب والنسب يلحق به كذلك هاهنا. فتكون الإباحة هاهنا شبهة في لحوق النسب كما كان ملك بعضها شبهة في لحق النسب.(2/36)
وقد نقل المروذي وأحمد بن واصل المقري: إذا وطىء جارية امرأته في حياتها ثم ماتت وادعى أنها له لم نلحق نسبه لأنه وطىء ما لا يملك وإن كان ولدت بعد موت امرأته لحق نسبه لأن له فيها حصة. ويؤدي باقي ثمنها، أما قوله: إذا وطىء في حال حياتها وماتت لم يلحق نسبه، محمول على أنه وطىء من غير إباحة منها، لأن الحد يجب عليه، وقوله: إن ولدت بعد موتها لحق نسبه، لأن له منها حصة، محمول على أن الوطء كان بعد موتها، لأن وطأه صادف أمة مشتركة بينه وبين الورثة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 325
حد القذف
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 327
قذف الميت:
25 ـ مسألة: إذا قذف امرأة ميتة فهل لولدها الحي المطالبة بحد القذف إذا كان حراً مسلماً أم لا؟
قال الخرقي في مختصره: له المطالبة سواء كانت الأم مسلمة حرة أو كافرة أمه.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: ليس له المطالبة قال: لأنه قذف لميتة فلا يملك الوارث المطالبة به كما لو كان المقذوف حياً ثم مات فإن وارثه لا يرث حق المطالبة في أصلنا كذلك هاهنا.
---
ووجه ما قاله الخرقي ـ رحمه الله ـ وهو أصح أن هذا القذف حصل قدحاً في نسب الحي فيجب أن يملك المطالبة به لما عليه من المعرة ولهذا المعنى ملك المطالبة مسلمة كانت أو كافرة إذا كان الابن مسلماً لأن القدح داخل لا يقدح في نسبه ولهذا المعنى لو قذف ابوه الميت لم يملك المطالبة بحد القذف لأن ذلك لا يقدح في نسبه نفلهذا لم يملك المطالبة ولا يلزم على هذا إذا كانت الأم في الحياة أنه لا يملك المطالبة بذلك وإن كان فيه قدح في نسبه لأن هناك من هو أحق بالمطالبة وهي الأم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 328
حد قاذف الكتابي:
26 ـ مسألة: فإن قذف يهودية أو نصرانية ولها ولد مسلم أو زوج مسلم هل يجب على القاذف حد القذف؟
نقل حنبل : لا يجب.
ونقل أبو بكر : ما رواه حنبل هو المعمول عليه لأنه قذف لكافر فلم يلزمه الحد، دليله إذا لم يكن له زوج مسلم ولا ولد مسلم.(2/37)
ووجه ما نقله ابن منصور : أن في قذفها قدحاً في نسب الولد لمسلم فالمعرة تلحقه بذلك ولهذا المعنى حد قاذف أم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ، لما فيه من القدح من نسبه ـ عليه السلام ـ كذلك إذا كان الزوج مسلماً ففي قذفها قدح في فراشها ونسب ولده.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 328
تعزيز قاذف الكافر:
27 ـ مسألة: فإن قذف كافراً له ولد مسلم هل يعزر قاذفه أم لا؟
نقل الحسين بن محمد بن الحارث فيمن قذف اليهودي والنصراني: يؤدب.
وكذلك نقل اسحاق ـ قال أبو بكر الخلال: روى هذه المسألة أرجع من عشرة أنفس ليس عليه حد يؤدب
وروى محمد بن موسى : ليس عليه شيء ولم يتابعه على هذا اللفظ أحد.
وجه الأولى: في أنه يعزر قاذفه أن في قذفه الذمي أذية له بذلك وقال ـ لنبي ـ: من آذى ذمياً كنت خصمه ولأن على الإمام أن يحمي أهل الذمة ويذب عنهم فيجب أن يعزر قاذفه لأن فيه ذباً عنهم.
---
ووجه الثانية: عموم قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ولأنه ناقص بالكفر فلم يجب على قاذفه تعزير، دليله الحربي، ولأن التعزير عقوبة تجب لأجل القذف فلا يجب على المسلم بقذف الذمي دليله الحد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 328
مسائل في القطع في السرقة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 331
اعتبار الذهب أصلاً في نصاب السرقة:
28 ـ مسألة في الذهب هل هو أصل في نصاب القطع في السرقة؟
على روايتين: أحدهما: أنه أصل ومقداره ربع دينار فصاعداً نص عليه في رواية صالح والمروذي فقال: إذا سرق من الذهب أقل من ربع دينار وهو يساوي ثلاثة دراهم فأكثر فليس عليه قطع حتى يسرق من الذهب ربع دينار، فظاهر هذا أنه أصل.
والثانية: ليس بأصل وهو مقوم بالدراهم نص عليه في رواية الميموني: إذا سرق من الذهب رددته إلى قيمته بالدراهم، فإذا بقدر ما يقطع فيه قطعته.(2/38)
وجه الأولى: وهي أصح ما روي في حديث عائشة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: القطع في ربع دينار فصاعداً ولأن الذهب أحد جنسي الأثمان فكان أصلاً في القطع كالفضة، ولأنه حكم يعتبر فيه نصاب في الورق فاعتبر فيه نصاب من الذهب كالزكاة.
ووجه الثانية: ما روى ابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم فقوم المجن بالدراهم فدل على أنها هي الأصل.
وروى في خبر آخر: لا قطع في ثمر ولا كثر حتى يؤويه الجرين فإذا آواه الجرين فالقطع فيما بلغ قيمته المجن. ولأن الذهب لو كان أصلاً لكان الأشياء المسروقة مقومة به كما كانت مقومة بالدراهم ولا يختلف المذهب أن العروض لا تقوم بالذهب وإنما تقوم بالدراهم دل على أنها ليست بأصل ألا ترى أنها لما كانت أصلاً في قيم المتلفات قوم به؟
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 331
اختلاف الحرز باختلاف المحروز:
---
29 ـ مسألة: هل يختلف الحرز باختلاف المحروز؟
فذكر أبو بكر في كتاب الخلاف ما يدل على أن الموضع إذا كان حرزاً لشيء فهو حرز لسائر الأشياء ولا يكون الموضع حرزاً لشيء لأن ما كان حرزاً لنوع من الأموال كان حرزاً لغيره من الأموال دليله وراء الإقفال والإغلاق. وقال شيخنا: الإحراز يختلف باختلاف المحروز في النقل والخضروات، في دكاكين البقالين من وراء شريحة تغلق وحرز الذهب والجوهر والفضة والثياب الأماكن الحريزة في الدور وتحت الإغلاق الوثيقة فمن جعل الجوهر في دكان البقل تحت شريحة فقد ضيع وهو أصح لأن الحرز ورد مطلقاً ولا حد له في اللغة ولا في الشرع فيجب أن يرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم كالتفرق والقبض وأقل الحيض وأكثره وأقل الحمل وأكثره وفي العادة أن الإحراز يختلف باختلاف المحرز.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 333
القطع في السرقة من الحمام والخان والحوانيت المأذون في دخولها إذا كان عليها حافظ:(2/39)
30 ـ مسألة: إذا سرق من الحمام أو الخان أو الحوانيت المأذون في دخولها وهناك حافظ فهل يقطع أم لا؟
فقال في رواية ابن منصور: لا يقطع سارق الحمام إلا أن يكون على المتاع آخر قاعد مثلما صنع بصفوان فقد نص على القطع.
وقال في رواية حنبل: ليس على سارق الحمام قطع وكذلك نقل الميموني، فقال: إذا كان الشيء مشتركاً يدخل فيه مثل الحمام والخيمة فلا قطع فقد أطلق القول بأن لا قطع.
وجه الأولى: أنه لو كان المتاع في المسجد أو في صحراء أو عليه حافظ فإنه يقطع سارقه بلا خلاف كذلك الحمام والخان.
---
ووجه الثانية: أن الإذن قد وجد من المالك في الدخول فخرج الشيء عن أن يكون محرزاً من المأذون له ألا ترى من أن أذن لرجل في دخول داره لا قطع عليه لأجل الإذن ولهذا قال أحمد في رواية جعفر بن محمد في الرجل يدخل الضيف بيته فيسرق: لا قطع عليه، كذلك هاهنا، ويفارق هذا المسجد والصحراء لأنه لم يحصل الإذن في ذلك من جهة آدمي فلهذا وجب القطع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 333
القطع بسرقة الكلأ المحوز:
31 ـ مسألة: هل يقطع بسرقة الكلأ المحاز؟
قال أبو بكر : لا يقطع.
وقال أبو إسحاق : يقطع وهو أصح.
وجه قول أبي بكر أن الكلأ مما ورد الشرع باشتراك الناس فيه فهو كالماء.
ووجه قول أبي إسحاق أنه يتمول في العادة فهو كالخشب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 334
قطع السارق بعد الثانية:
32 ـ مسألة: إذا سرق في الدفعة الثالثة هل يقطع أم لا؟
نقلأبو الحارث والمرودي لا يقطع وهو اختيار الخرقي وأبي بكر
ونقل الميموني : قطع عمر ـ رضي الله عنه ـ بعد يد ورجل وإليه أذهب.(2/40)
وجه الأولى: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فأضاف اليد إليهما بلفظ الجمع فدل على أن المراد به يد واحدة كما قال الله تعالى: إن تتوبا إلى الله فقط صغت قلوبكما . فأضاف القلب إلى الاثنين بلفظ الجمع ثم كان لكل واحد منهما قلب واحد وكذلك قول العرب: قطعت رؤوسهما وبعجت بطونهما وضربت ظهورهما فيضيف الشيء الواحد إلى الإثنين بلفظ الجمع ولأن في قطع اليدين إبطال منفعة البطش في حق الله فوجب أن لا يجوز قياساً على الدفعة الثانية ولهذا أشار علي كرَّم الله وجهه بقوله: إني لأستحي من الله أن لا أدع له يداً يبطش بها. وكل عضو لا يقطع في المرة الثانية لا يقطع في المرة الثالثة كالأنف والأذن.
---
ووجه الثانية: ما روى أبو هريرة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال في السارق: اقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله . ولأن كل يد قطعت قصاصاً قطعت بالسرقة كاليمنى وكل عضو في أطرافه مقدر قطع بالسرقة كالرجل اليسرى.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 334
تكرر السرقة قبل القطع:
33 ـ مسألة: إذا تكررت منه السرقة ولم يقطع فهل يقطع لكل مرة؟
نقل مهنا عنه إذا سرق مرة ثم سرق مرة أخرى ولم يقطع ثم أتى به الإمام: يقطع يداً واحدة. فظاهر هذا أنه يقطع مرة واحدة.
ونقل صالح عنه فيمن سرق من جماعة شيئاً: فإن جاؤوا متفرقين قطع لكل واحد منهم وإذا جاؤوا جميعاً قطع لهم قطع.
وجه الأولى: ـ وهي أصح ـ واختاره أبو بكر أنها حدود الله تعالى ترادفت فتداخلت كحد الزنا والشرب.
قال أبو بكر: ولأنه وطىء في شهر رمضان مراراً في يوم واحد أو أيام متفرقة عليه كفارة واحدة، فإن كفر عاد من يومه أو من الغد فوطىء عليه كفارة أخرى كذلك هاهنا.(2/41)
ووجه الثانية: أنه حد يتعلق بحق آدمي فإذا تعلق بجماعة اعتبر اجتماعهم وانفرادهم في المطالبة دليله حد القذف وقد اختلفت الرواية في حد القذف إذا ثبت لجماعة على روايتين: إحداهما حد واحد والثانية: إن جاؤوا بحد واحد وإن جاؤوا متفرقين فحدود كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 335
قطع العضو الأشل في السرقة:
34 ـ مسألة: في أشل سرق هل تقطع يده الشلاء أم رجله اليسرى؟
نقل ابن منصور: تقطع يده الشلاء إذا كانت قائمة.
ونقل إبراهيم الحربي وأبو النصر: تقطع رجله اليسرى.
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر، أن محل القطع موجود فيجب أن يقطع كما لو كانت سالمة.
ووجه الثانية: أنه لا منفعة فيها ولا جمال ولا أرش فيها مقدر فلم يقطع كما لو كانت معدومة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 335
---
سرقة أحد الزوجين من مال الآخر:
35 ـ مسألة: إذا سرق كل واحد من الزوجين من مال صاحبه هل عليه القطع أم لا؟
نقل صالح : لا قطع وهو اختيار الخرقي وأبي بكر.
ونقل حنبل : يقطع وهكذا الخلاف إذا سرق عبد كل واحد منهما من مال مولى الآخر.
وجه الأولى: ما روي أن رجلاً جاء إلى عمر بعبده وقد سرق مرآة زوجته فقال: أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم. ولأن بينهما سبباً لا يسقط الميراث بوجه فوجب أن لا يقطع بسرقته كالولد والوالد ولأن كل واحد منهما له شبهة في مال صاحبه أما هي فإنها تستحق زيادة في النفقة وأما هو فيزيد في قيمة بضعها الذي هو ملكه.
ووجه الثانية: أنه استباح أحد المنفعتين بعقد فوجب أن لا يسقط به حكم القطع كما لو استأجر امرأة فسرقت من متاعه فعليها القطع.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 336
اعتبار الجيب حرزاً لما فيه:
36 ـ مسألة: في جيب الإنسان وكمه هل هو حرز لما فيه؟
فنقل حنبل عنه في الذي يأخذ من كم الإنسان وجيبه ويطر: لا يقطع، هو بمنزلة المختلس. فظاهر هذا أنه لا قطع في ذلك.(2/42)
ونقل ابن منصور عنه في الطراز: إذا كان يطر سراً يقطع وإن اختلس لم يقطع. فظاهر هذا أنه أوجب القطع في ذلك لأن الطرار هو الذي يأخذ من الجيب والكم.
ووجه الأولى: أن العادة جرت أن من أراد أن يحرز ما في كمه قبض على كمه بيده وزر جيبه ولم يرسله فإذا خالف العادة في ذلك لم يكن حرزاً فعلى هذا يكون الجيب والكم حرزاً إذا قبض على كمه وزر جيبه وإن أرسله لم يكن حرزاً.
ووجه الثانية: أن جيب الإنسان حرز لما يوضع فيه في العادة، ألا ترى أن من فعل هذا لا يقال: ضيع ماله ولا فرط فيه بل يقال: حفظ واحتاط فيه وكذلك إذا جعل في كمه فيجب أن يكون حرزاً.
---
ووجه ما قاله أبو بكر أن القطع حق الله تعالى فلا يفتقر في إقامته إلى مطالبة آدمي كالزنا وشرب الخمر وعكسه حد القذف لما كان حقاً لآدمي افتقر إلى مطالبة ولأن أحمد قال في العبد: إذا أقر على نفسه بالسرقة بمال في يده لزيد فأنكر السيد ذلك فادعى أن المال الذي في يده ملك له أنه يقطع ويكون المال للسيد فلو كان إقامة الحد يفتقر إلى مطالبة بالعين المسروقة وجب أن لا يقام عليه الحد هاهنا لأنه لا مطالب بالسرقة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 336
القتل والصلب بالقتل وأخذ المال:
38 ـ مسألة: إذا قتل وأخذ المال هل يقطع يده مع القتل أم يقتل ويصلب؟
نقل عبد الله : يقتل ويصلب ولا تقطع يده.
ونقل حرب : تقطع ويقتل.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ قوله تعالى: أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف .
قال ابن عباس : أن يصلبوا إن قتلوا وأخذوا المال فقد فسر الآية بذلك فمن زاد على هذا فقد ترك الآية.
ولأن الله تعالى أوجب الصلب ولا يخلو إما أن يجب الصلب بالقتل أو بأخذ المال أو بهما فبطل أن يكون وجوبه بالقتل لأنه خلاف الإجماع وبطل أيضاً أن يكون وجوبه بأخذ المال لأنه خلاف الإجماع أيضاً، ثبت أن يكون الصلب بالقتل وأخذ المال معاً وإذا ثبت وجوبه لم يجز تركه إلى القطع.(2/43)
ووجه الثانية: أنه لو انفرد بأخذ المال قطع ولو انفرد بالقتل قتل فإذا جمع بينهما وجب أن يستوفى منه كما لو زنا وسرق فإنه يستوفى منه الحدان معاً كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 338
حد الشرب
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 339
الأواني التي يكره الانتباذ بها:
39 ـ مسألة: هل يكره الانتباذ في الأوعية غير الأدم.
---
فنقل بكر بن محمد وصالح وابن منصور : يكره في الظروف المزفتة والنقير والحنتم والدبا فهذه نهى عنها ونهي أن ينتبذ في المزاد المجبوبة والسقاء المقطوع العتق حتى يكون عنقه منه، ظاهر هذا كراهية ذلك.
ونقل حنبل: قد أذن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن ينتبذ في الظروف بعد ما كان نهى ولا بأس أن ينتبذ في الأوعية كلها إذا لم يكن مسكراً والسقاء أحب إليَّ لأنه لا اختلاف فيه ولم يجىء فيه نهي، فظاهر هذا أن ذلك غير مكروه.
وجه الأولى: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى عن الدبا والحنتم والنقير والمزفت وقال: انتبذوا في الأدم فإنها توكا وتغلق فنهى عن هذه الأوعية.
فالدبا من القرع متى قطع رأسها بقيت كالجود ينتبذ فيها، والحنتم الجرة الصغيرة والنقير خشبة تنقر وتخرط كالبرنية والمزفت ما قير بالزقت كل هذا نهى عنه لأجل الظروف وأنها يكون في الأرض فتسارع إليه الشدة كما كره أن ينتبذ الخليطين لأنه يسارع إليه الشدة.
ووجه الثانية: أن النهي عن ذلك ورد ثم نسخه ما روى محارب بن دثار عن يزيد عن أبيه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن زيارتها تذكركم الآخرة ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في الظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا ، فالنبي ـ عليه السلام ـ نهى عن التنبيذ في هذه الأوعية ثم أذن فيه فدل على جوازه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 339
حد شرب الخمر:(2/44)
40 ـ مسألة: اختلفت الرواية في حد شرب الخمر على روايتين: نقلهما حنبل:
إحداهما: أنه ثمانون وهي اختيار الخرقي.
والثانية: أنه أربعون وهي اختيار أبي بكر.
وجه الأولى: ما روى بقية بن وهب عن محمد بن علي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ جلد شارب الخمر جريدتين نحو أربعين.
---
وإذا كان أربعين بجريدتين ضعفين ثبت أنه ثمانون ولأن الأربعين حد العبد وهو حد القذف فلم يكن حد الحر، كالخمسين، لما كان حد العبد في حد الزنا لم يكن حدا للحر.
ووجه الثانية: ما روى حصين بن المنذر أبوساسان الرقاشي قال شهدت عثمان بن عفان وقد أتى بالوليد بن عقبة فشهد عليه حمران ورجل آخر شهد أحدهما أنه شربها وشهد الآخر أن تقيأها.
فقال عثمان : ما تقيأها حتى شربها، فقال لعلي: أقم عليه الحد، فقال علي للحسن: أقم عليه الحد، فقال الحسن: يتولى حارها من يتولى قارها. فقال علي لعبد الله بن جعفر أقك عليه الحد، فجلده عبد الله بن جعفر وعلي يعد، فلما بلغ أربعين قال: حسبك، جلد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكلاهما سنة، وهذا أحب إليّ، يعني الأربعين، فقد أخبر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ اقتصر على الأربعين.
ولأن الحدود يترتب باختلاف الإجرام فحد الزنا يغلظ لأنه هتك بالزنا حرمتين حرمته وحرمتها، وربما أفسد النسب، وحد القذف أدون لأنه هتك به حرمة آدمي فكان ثمانين وحد الخمر هتك حرمة واحدة في حق الله تعالى وحد فكان أخف من غيره فكان أربعين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 340
ضمان من مات بسبب الزيادة على الحد:
41 ـ مسألة: إذا جلد الإمام زيادة على الحد إما في حد الشرب أو غيره من الحدود فمات فهو مضمون وهل يجب كمال الدية أم نصفها؟(2/45)
قال أبو بكر في كتاب الخلاف على قولين أحدهما يجب كمال الدية فهو قياس المذهب فإن أحمد قد نص في الإجارات إذا جاوز بالدابة الموضع المستأجر إليه أو زاد على حملها فتلفت فعليه كمال القيمة.
والثاني: عليه نصف الدية لأنه مات ممن فعل مضمون وغير مضمون لم تجب فيه كمال الدية كما لو جرح نفسه وجرح غيره أو جرح وهو مرتد فأسلم ثم جرح وهو مسلم فإنه لا تجب كمال الدية، كذلك هاهنا.
---
وإذا قلنا: تجب كمال الدية لأن الفعل المحظور إذا انضاف إلى فعل مباح تعلق الضمان بالمحظور ولم يقابل المباح شيء من ذلك كما قلنا في رجل ألقى حجراً في سفينة فيها متاع كثير فغرقت السفينة بإلقائه الحجر ومثله لا يغرق السفينة به فإنه لا خلاف أن الضمان يجب على ملقي الحجر ولا يقال: إن الضمان يتقسط فسقط بقدر ما قابل المتاع. كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 341
خطأ الإمام:
42 ـ مسألة: في خطأ الإمام هل يكون في بيت المال أم على عاقلته؟ مثل أن يكون الجلد ثمانين فيخطىء فيجلد أحدا وثمانين فيموت المحدود أو تكون الزانية حاملا فيجلدها أو يرجمها فيموت ما في بطنها وهو لا يعلم أو يذكر امرأة عنده بسوء فينفذ إليها فتسقط ذا بطنها فزعاً منه فتخرج الجنين ميتاً أو يحكم في القتل بشهادة فاسقين أو كافرين أو عبدين أو يحكم باجتهاده ثم تبين أنه خالف النص.
(نص) عليه في رواية ابن منصور: إذا أخطأ الإمام في قتل أو جرح فعلى بيت المال، واحتج بحديث علي ـ رضي الله عنه ـ في حد الخمر.
ونقل أبو النصر فيمن شهد عليه أنه زنا فلم يسأل القاضي عن إحصانه حتى رجمه فالدية في بيت المال.
والرواية الثانية: يكون على عاقلته، نقلها ابن منصور في موضع آخر. واحتج بقصة عمر ـ رضي الله عنه ـ التي أنفذ إليها فأجهضت ذا بطنها ونقلها أبوطالب: إذا أنفذ الإمام إلى امرأة فأسقطت فالدية على عاقلته وقد ذكر حديث عمر.
---(2/46)
وجه الأولى: وهو اختيار الخرقي ـ رحمه الله ـ أن الإمام وكيل المسلمين وما كان من خطأ الوكيل كان في حق موكله، ولأنه إذا كان عمداً فالضمان في مال القاتل، وإن كان قد أخطأ تحولت الدية عنه إلى عاقلته حفظاً للمال واحتياطاً للدماء لأنا لو أوجبناها في ماله ذهب ماله فمتى أخطأ سقطت الدية فإذا كانت على العاقلة لم يذهب أموالهم ولم تهدر الدماء، فإذا كان لهذا المعنى في غير الإمام وجب أن يكون في حق الإمام في بيت المال لأن خطأه يكثر فإنه يقيم الحدود ويضرب في التعزير، فلو أوجبناها على عاقلته أفضى إلى الإجحاف بأموالهم وهدر الدماء، فلهذا كان في بيت المال.
ووجه الثانية: ما احتج به أحمد ـ رحمه الله ـ من إجماع الصحابة روي أن امرأة ذكرت عند عمر بسوء فأرسل إليها فأجهضت ذا بطنها فاستشار الناس في ذلك فقال له عبد الرحمن بن عوف لا شيء عليك فقال لعلي: ما تقول. فقال: إن اجتهدوا فقد أخطأوا، وإن علموا فقد غشوك، عليك الدية. فقال له عمر: عزمت عليك لا تقوم حتى تقسمها على قومك يعني على قومي فأضافهم إليه تألفاً. ثبت أن خطأ الإمام على عاقلته وروي عن علي خلاف هذا.
روي أن علياً قال له في حد الخمر: إذا تلف المحدود منه كان في بيت المال ولأنها دية خطأ ثبت بالبينة فوجب أن تكون على عاقلته، أصله غير الإمام، وفيه احتراز من العمد والاعتراف.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 342
التعزير
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 344
مقدار التعزير:
43 ـ مسألة: في مقدار التعزير.
فنقل عبد الله وأبو الحارث أبو طالب وابن منصور فيمن وجد مع امرأته رجلاً فقال علي ـ كرم الله وجهه ـ يجلد مائة.
قال أحمد وعلي : مذهبنا لا يجلد مائة إلا في الحد وعليه التعزير عشر جلدات حديث أبي بردة.
فظاهر هذا أن قدر التعزير عشر جلدات في سائر الأشياء فيما كان موجبه معصية بفرج وبغير فرج.
---(2/47)
ونقل أبو طالب وأبو الحارث والميموني في رجل يطأ جارية بينه وبين شريكه: يجلد مائة، إلا سوطاً كذا قال سعيد بن المسيب وذهب إلى حديث عمر. فظاهر هذا أنه كان موجب التعزير معصيته بالفرج أنه يزيد على عشر جلدات ما لم يبلغ به الحد في ذلك الجنس.
وقال في رواية الأثرم: إذا وطىء وجارية امرأة وقد أحتلها له جلد مائة، فظاهر هذا أنه يبلغ به أعلى الحدود في ذلك الجنس.
وقال الخرقي ولا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود فظاهر هذا أنه يزيد على عشر جلدات ما لم يبلغ أدنى الحدود وهو أربعون.
وقد أومأ إليه أحمد في رواية صالح فقال حدثني أبي: حدثنا وكيع: حدثنا سفيان عن عطاء بن أبي مروان أن علياً ضرب النجاشي ثمانين ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين وقال: هذا لتجرئك على الله وإفطارك في رمضان. قال أبي: اذهب إليه فقد أخذ أحمد بحديث علي ـ عليه السلام ـ في التعزير.
وجه الأولى: في أنه يتقدر أكثره بعشر جلدات لا يزال عليها وما روى أبو بردة بن نيار أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ـ عزّ وجلّ ـ وهذا نص.
وروي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من بلغ بحد في غير حد فهو من المعتدين . ولأن العقوبات في الأصول تختلف باختلاف الإجرام ووجدنا أن جرم الواطىء دون الفرج أقل من جرم الواطىء في الفرج كذلك جرم المفتري في السب أقل من جرم المفتري بالقذف فيجب أن لا يبلغ عقوبة الأخف عقوبة الأغلظ.
ووجه الثانية: ما روى النعمان بن بشير عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في الذي يأتي جارية امرأته قال: إن كان أحلتها له جلد مائة جلدة وإن لم يكن أحتلها رجم فأسقط الحد عنه وأوجب التعزير مائة .
وروى أن معن بن زائدة زوّر على عمر كتاباً فجلده مائة فشفع إليه في أمره فجلده مائتين.
وقد روى عنه خلاف هذا روي أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: لا تبلغ بالتعزير أدنى الحد.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 344(2/48)
وروى هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب جاء إلى عمر بأمة كانت لحاطب وقد أصابت فاحشة وقد أحصنت فدعاها فسألها فقالت: نعم مرعوش بنت همين فقال عمر لعلي وعثمان وعبد الرحمن وهم جلوس عنده: اشيروا علي فقال علي وعبد الرحمن: ترجم فقال لعثمان أشر فقال: قد أشارا عليك فقال له: عزمت عليك فقال عثمان: إني لا أرى الحد إلا على من علم وأراها تستهل به كأنها لا ترى به بأساً فقال عمر: صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علم فضربها مائة وغربها عاماً.
وروى ابن أبي ليلى قال: وجد رجل مع امرأة في لحافها على فراشها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فضربه أربعين.
وروى عطاء بن أبي مروان أن علياً أتى بالنجاشي وقد شرب الخمر فجلده ثمانين عشرين لإفطاره في رمضان فقال النجاشي:
إذا سقا اللَّه قوماً صوب غلائه
فلا سقا اللَّه أهل الكوفة المطرا
ضربوني ثم قالوا قدر
قدر اللَّه لهم شر القدر
وروي عن علي أنه أصاب رجلاً مع امرأة في لحاف واحد فضربهما مائة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 344
القصاص على قاتل من وجد يزني بامرأته:
44 ـ مسألة: إذا وجد مع امرأته رجلاً ينال منها ما يوجب الحد على الزاني وكان الزاني ثيباً، فقتله وادعى ذلك لم يقبل قوله في إسقاط القود في الظاهر وهو ساقط عنه فيما بينه وبين الله تعالى لما روى أبو هريرة أن سعداً قال: يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: نعم فثبت أنه إن لم يأت بأربعة شهداء فعليه الضمان فإن أقام البينة فهل يجزىء في ذلك شاهدان أم أربعة؟
نقل ابن منصور عنه في رجل وجد مع امرأته رجلاً فقتله فقال: إذا جاء بشهود أنه وجد مع امرأته في بيته هدر دمه وإن كان شاهدين فظاهر هذا أنه يجزىء في ذلك شاهدان.
---(2/49)
ونقل أبو طالب فيمن وجد مع امرأته رجلاً فقتله: يقيم البينة أربعة لأنه قذفها فإن شهد أربعة رجمت وإن شهد اثنان جلدوا فظاهر هذا أنه لا يجزىء في ذلك أقل من أربعة يثبتون الزنا، فإن شهد اثنان لم يسقط القود عنه لأنه مدعي أنه قتله بسبب يستحق القتل وهو الزنا فيجب أن يثبت السبب الذي يسقط به القود عنه وذلك لا يثبت بأقل من أربعة.
ووجه من قال: يجوز في ذلك شاهدان فوجهه أنه لا يمتنع أن يقصد تثبيت الزنا بمعنى يرجع إلى حقه وإن كان ذلك الشيء مما لا يثبت به الزنا، ألا ترى أن الزوج إذا قذف زوجته ولاعنها فإنه يقصد باللعان اثبات الزنا عليها والزنا لا يثبت بذلك عليها على أصلنا ولكن يسقط عنه حد القذف، لأنه معنى يرجع إلى حقه كذلك هاهنا لا يمتنع أن يثبت الزنا بشاهدين المعنى يرجع إلى إسقاط القود وإن لم يثبت به الزنا لأن القتل لماجاز أن يثبت بشاهدين جاز أن يسقط بشاهدين ولأن الشهادة تضمنت حقاً لآدمي فقط وهو إسقاط القود عنه وذلك أنه إن ثبت زناها سقط القود عنه وهو حق كان استيفاؤه للورثة ولو ثبت القود فهو حق لهم وحقوق الآدميين ثبت بشاهدين ولأنه لما قال: فقتله لأنه زنا فقد وصل الإقرار بمعنى لا يؤدي إلى التناقض فكان يجب أن لا يلزمه إقامة البينة على ذلك لأنه وصل الإقرار بما يسقطه وهو أنه قتله بحق فهو كما لو قال: كان له فقضيتها لا يلزمه شيء لكان كلفناه البينة هاهنا احتياطاً للدماء فيجب أن يجزى في ذلك شاهدان.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 374
جنايات البهائم ونحوها
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 349
ضمان سائق الدابة لجناية يدها أو رجلها:
45 ـ مسألة إذا جنت الدابة برجلها أو بيدها وصاحبها يسوقها فهل يضمن بتلك الجناية أم لا؟
فالمنصوص عنه في رواية أبي طالب: الضمان لأنه قال: والذي يسوقها فما أصابت برجها أو بيدها فهو ضامن لما أصابت.
---(2/50)
وقال الخرقي : وما جنت الدابة بيدها ضمن راكبها وإن جنت برجلها لم يضمن وكذلك إذا ساقها أو قادها فجعل حكم الراكب والقائد في نفس الضمان (كحكم السائق).
ووجه قوله: أنها جناية برجلها فلم يضمنها دليله لو كان راكباً أو قائداً ووجه ما نقله أبو طلب وهو أصح أنه إذا كان سائقاً أمكنها لحفظ منها لأنه يشاهد ذلك فهو الكراكب يضمن جناية يدها لأنه يمكنه التحفظ منها ويفارق هذا الراكب والقائد أنه لا يضمن جناية الرجل لأنه لا يمكنه التحفظ منها لعدم المشاهدة فلهذا لم يضمنها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 349
ضمان جناية الدابة الموقوفة في الطريق:
46 ـ مسألة: إذا وقف في طريق المسلمين فنفخت بيدها أو برجلها أو كدمت بفمها هل يضمن صاحبها إذا لم يكن يده عليها؟
فنقل أحمد بن سعيد: إذا وقف على نحو ما يقف الناس أو في موضع يجوز أن يقف في مثله فنفخت بيدها أو برجلها فلا شيء عليه فإذا كانت مشدودة في قطار فيه عدة أبعرة فضربت إحداها برجلها وليس عليها إنسان فلا شيء عليه إنما ذلك إذا كان راكباً عليها. فظاهر هذا أنه لا ضمان عليه إذا كان واقفاً لحاجة وكان الطريق واسعاً.
ونقل أبو الحارث : إذا أقام دابته في الطريق فهو ضامن لما جنت ليس له في الطريق حق.
وكذلك نقل أبو طالب : إذا شد فرسه في الطريق فعض رجلاً يضمن. فظاهر هذا أن عليه الضمان.
وجه الأولى: أن وقوفه في الطريق الواسع يجري مجرى جلوسه في الطريق الواسع ثم ثبت أنه لو جلس في الطريق الواسع فعثر به إنسان فمات العاثر فلا ضمان على الجالس كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: أن الدابة من طبعها أنها ترفس برجلها من قرب منها وتجني عليه فإذا أوقفها في الطريق حصل متعدياً بذلك فكان عليه الضمان كما لو شد سبعاً في الطريق فافترس إنساناً فعليه الضمان كذلك هاهنا.
ويفارق هذا جلوسه في الطريق أنه ليس من طبعه الجناية على من قرب منه فلهذا لم يضمن.
---(2/51)
فإن ألقى في الطريق حجراً أو نصب سكيناً فعثر به إنسان فمات ضمن سواء كان الطريق واسعاً أو ضيقاً لأن الحجر والسكين قل ما عثر به إنسان إلا عقره وجرحه فحصل متعدياً بذلك.
ويفارق الدابة على رواية أحمد بن سعيد أنه لا يضمن لأنها قد يجني فخرج من هذا أنه إذا جلس في طريق واسع فعثر به إنسان فمات العاثر لا يضمن رواية واحدة، فإن ألقى حجراً أو سكيناً فعثر بها إنسان ضمن، رواية واحدة، فإن شد دابة فجنت، فعلى روايتين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 349
كتاب السير
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 351
الغزو بغير إذن الإمام:
1 ـ مسألة ويكره لطائفة قليلة أن تغزو بغير إذن الإمام لأنه أعرف بالطرقات وأوقات الحرب، ومكان الحرب، وخلاف غيره لاهتمامه بذلك فإن كان بإذنه أرشدهم وهداهم إلى ما هو أصوب فإذا تركوا الأصوب كره لهم ولأنه إذا كان بإذنه كان ردءاً لهم وعلى خبرتهم حتى إذا احتاجوا إلى مدد بادر به إليهم وإذا لم يكن بإذنه لم يعلم بهم فربما نالهم ما لا طاقة لهم به فهلكوا فإن خالفوا وخرجوا فهل يحرم عليهم تلك الغنيمة أم لا؟.
نقل محمد بن يحيى الكحال : من غزا بغير إذن الإمام لم يكن له في الغنيمة حق. فظاهر هذا أحرمه الغنيمة.
ونقل يعقوب بن بختان في رجل غزا وحده وغنم: يؤخذ منه الخمس وما بقي فهو له.
ونقل مهنا فيمن دخل أرض العدو وحده غنم غنيمة قال: ليس عليه فيها خمس فظاهر هذا أنه لا يحرم عليه.
إلا أن يعقوب نقل أنه يخمس ومهنا نقل أن جميعه له.
وجه الأولى: أنا قد ذكرنا ما في ذلك من الغرر بهم والخطر فجاز أن يحرموا هذه الغنيمة ليكون منعاً لهم عن مثل ذلك كما حرم القاتل الميراث.
---(2/52)
ووجه الثانية: أن أكثر ما فيه التغرير بالنفس فيما فيه لقاء العدو، وهذا لا يحرم، بدليل ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن رجلاً قال: يا رسول الله، أرأيت، لو انغمست في المشركين فقتلت صابراً محتسباً فلي الجنة قال نعم فانغمس وبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ورجلاً آخر إلى مكة ليقتلا أبا سفيان فغدر بهما فانصرفا وبعث عبد الله بن أنيس إلى رجل فقتله وقال: من لكعب بن الأشرف فقد أذى الله ورسوله قال محمد بن مسلمة: أنا، فمضى فقتله.
وبعث جماعة إلى أبي الحقيق اليهودي إلى خيبر فقتلوه. وكل هذا تعزير وقد أجازه.
فإذا قلنا: إنهم لا يحرمون تلك الغنيمة فهل تكون مخموسة أم يكون جميعها لمن غنمها؟ على روايتين:
نقل يعقوب بن بختان فيمن غزا وحده: بخمس وله ما بقي.
ونقل مهنا : ليس عليه فيها خمس.
وجه الأولى: وهو عموم قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ولذي القربى ..
وهذه غنيمة ولأنه مال استحق بالقهر فوجب أن يخمس دليله لو كان بإذن الإمام وطائفة لها منعه ولا يدخل عليه السلب لأنه استحق بالقتل لا بالقهر بدليل أنه لو سلبه قهراً ولم يقتله لم يستحق السلب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 353
ووجه الثانية: أن ما أخذ من دار الحرب على طريق التلصص ولم يقصد به اعزاز الدين وغلبه المشركين فهو له كما لو أخذ بهبة أو شرب ويفارق هذا إذا كان بإذن الإمام فطائفة لها منعة إن ذلك يقصد به اعزاز الدين وغلبه المشركين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 353
الغنيمة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 355
رد الطعام إلى المغنم:
2 ـ مسألة: إذا دخل جيش المسلمين إلى دار الحرب فأصابوا طعاماً كان لهم أكله فإن خرج إلى دار الإسلام ومعه بقية من ذلك الطعام فهل عليه رده إلى المغنم إذا كان يسيراً أم لا؟
---
على روايتين: نقل ابن إبراهيم يحل له أكله ما لم يبلغ المأمن فإذا بلغ المأمن طرحه في المقسم: فظاهر هذا أن عليه رده.(2/53)
ونقل أبو طالب في الطبخة والطبختين من اللحم والعليق والعليقتين من الشعير يدخله طرسوس: لا بأس به إذا كان قليلاً. فظاهر هذا أنه لا يلزمه رده ولا يختلف الرواية أنه إذا كان كثيراً لزمه رده.
وجه الأولى: وهو اختيار أبي بكر الخلال أنه إنما كان أحق به في دار الحرب لموضع الحاجة الداعية إليه والضرورة الموجبة لذلك وقد زال هذا بدخوله دار الإسلام فوجب أن يرد في المغانم.
ووجه الثانية: أنه كل مال كان به في دار الحرب كذلك في دار الإسلام دليله السلب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 355
استعمال السلاح أو الفرس من الغنيمة في القتال:
3 ـ مسألة: إذا كان به حاجة إلى القتال بشيء من سلاح الغنيمة جاز له أن يأخذ ويقاتل فإذا رده إلى المقسم وهل يجوز له أن يجاهد على فرس من خيل الفيء عند الحاجة إليها؟
ففيه روايتان: نقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث في الرجل يأخذ الفرس في الغزو فيقاتل عليها العدو فقال: إذا كان عند الضرورة ويخاف على نفسه فلا بأس ولا يركبه في غير ذلك. فظاهر هذا جواز ذلك.
ونقل المروذي عنه: لا يأخذ الدابة من المغنم ليقاتل عليها إذا نفق فرسه ولكن إن أخذ السيف فلا بأس وكذلك كل شيء من السلاح.
ووجه الأولى: أن الفرس جنة للقتال كما أن السلاح جنة للقتال ثم قد جاز له أخذ السلاح كذلك الفرس.
ووجه الثانية: أن الفرس في الغالب أنه يعطب بالقتال عليه ففي أخذه تغرير به.
ويفارق هذا السلاح لأن الغالب منه السلامة وليس في أخذه تغرير به فلهذا فرق بينهما.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 356
استرقاق العرب من أهل الكتاب:
4 ـ مسألة: هل يجوز استرقاق مشركي العرب من أهل الكتاب أم لا؟
---
نقل بكر بن محمد عن أبيه عنه وقد سئل عن قول عمر: ليس على عربي ملك، قال: لا أذهب إلى هذا قد سبى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ العرب في غير حديث، وأبو بكر سبى بني ناجية حين ارتدوا، فظاهر هذا جواز استرقاقهم.(2/54)
ونقل ابن منصور أنه سئل عن قول عمر في العربي يتزوج الأمة فولدت لا يسترقون يفديهم. قال: لا أقول في العرب شيئاً فقد اختلفوا فيه. فقد توقف عن ذلك فيحتمل الجواز.
قال شيخنا أبو عبد الله : في ذلك روايتان:
إحداهما: جواز استرقاقهم لأنه مقيم على الكفر الأصلي فإذا كان من أهل الكتاب جاز استرقاقهم كالعجمي.
ووجه الثانية: ما روي عن عمر أنه قال: لا يجري على عربي ملك. فأما من لا كتاب له من العرب والعجم جميعاً ممن يعبد الأصنام والشمس والقمر ونحو ذلك فهل يجوز استرقاقهم أم لا؟
فقال أبو القاسم والخرقي في مختصره. إنما يكون له استرقاقهم إذا كانوا من أهل الكتاب أو مجوساً فأما ما سوى هؤلاء من العدو فلا يقبل من بالغي رجالهم إلا الإسلام أو السيف أو الفداء. فقد صرح أنه لا يجوز استرقاقهم وقد أطلق القول في رواية بكر بن محمد فقال: قد سبى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ العرب وأبو بكر سبى بني ناجية، فالوجه في أنهم لا يسترقون أنه نوع كفر لا يقر عليه بالجزية فلم يجز استرقاقه كالردة. ولأنه ضرب من الصفار يقتضي البقاء على الكفر فلم يثبت في حق من لا كتاب له ولا شبهة كتاب كالجزية.
ووجه من أجاز، قال: كافر مقيم الكفر الأصلي فجاز استرقاقه كأهل الكتاب وكل من جاز استرقاق نسائه جاز استرقاق رجاله دليله أهل الكتاب.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 356
الأمان
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 358
أمان الصبي المميز:
5 ـ مسألة: في الصبي إذا كان يعقل ويميز هل يصح أمانة أم لا؟
نقل الميموني عنه: أمان الصبي جائز، فظاهر هذا جوازه.
---
ونقل حنبل وابن منصور عنه: الصبي لا يعقل. فظاهر هذا أنه لا يصح أمانة.
قال شيخنا أبو عبد الله : المسألة على روايتين:(2/55)
وقال أبو بكر الخلال : إن كان ابن سبع سنين وعقل التخيير بين أبويه فأمانه جائز، وإن كان دون ذلك فليس له أمان. فكأنه حمل المسألة على اختلاف حالين فالموضع الذي قال: لا يصح أمانه إذا لم يكن مميزاً والموضع الذي قال: يصح أمانه إذا كان مميزاً.
وجه الأولى: أنه يعقل الأمان فجاز أمانه كالبالغ ولأنها حالة فيها إسلامه فصح أمانه دليله حال البلوغ.
ووجه الثانية: قوله ـ عليه السلام ـ رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ولأنه غير مكلف فلم يصح أمانه كالمجنون والطفل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 358
التباس من أعطى الأمان بغيره:
6 ـ مسألة: إذا نزل الإمام بحصن فأعطى رجلاً الحصن أماناً ليفتح الحصن فلما فتحه ادعى كل واحد منهم أن الأمان له وأشكل عليه عينه لم يجز قتل واحد منهم لأن هذه شبهة لأن كل واحد منهم يحتمل أن يكون ما يدعيه حقاً.
وكذا يجري في رجل أبيح دمه بالردة أو غيرها فاختلط برجال ولم يعرف عينه فإن القتل يسقط عن جميعهم، فإذا لم يقتل واحد فهل يخرج واحد منهم بالقرعة ويسترق بقيتهم.
قال أبو بكر : من أصحابها من قال: يقرع بينهم فيميز الحر منهم وهو صاحب الأمان من غيره ويسترق من لم يقع عليه القرعة كما لو أعتق عبداً من عبيده لا يعينه فإنه من جماعتهم بالقرعة كذلك هاهنا.
قال: وظاهر كلام أحمد أنه لا يسترق واحد منهم، لأنه قال في رواية أبي طالب وأبي داود وإسحاق بن إبراهيم في قوم في حصن: استأمن عشرة وترك عشرة. فيقولون لنا الأمان: فيؤمنون كلهم ولا يقتل واحد منهم بل هم على أصل الجزية، فلا معنى لاستعمال القرعة في ذلك.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 358
ادعاء الأسير للأمان:
---
7 ـ مسألة: في رجل من المسلمين جاء معه بأسير من الكفار وادعى الكافر أنه أمنه وأنكر المسلم هل يكون القول قول الأسير أم قول المسلم؟
على ثلاث روايات:(2/56)
نقل المروذي عنه في رجل جاء بأسير فقال: استرقوه فقال العلج: أعطاني الأمان: فله الأمان، فظاهر هذا القول قول الأسير لأنه يحتمل صدقه ويحتمل كذبه فكان شبهة في ذلك فلهذا قبل قوله.
ونقل محمد بن يحيى الكحال ويعقوب بن بختان في الأسير يخرج من بلاد الروم ومعه علج فقال العلج: إنما خرجت به، وقال الأسير: إنما خرجت به ففي رواية الكحال الأولى أن يقبل قول المسلم، وفي رواية يعقوب إذا كان الرجل صالحاً لم يقبل قول العلج، فظاهر هذا القول المسلم، لأنه وإن كان يحتمل ما قاله الأسير فالأصل الإباحة لدمه ورقه فلا يسقط بالشك.
ونقل بكر بن محمد عن أبيه عنه إذا لم يكن ثم دلالة تدل على ما قال الرومي فالقول قول المسلم، فظاهر هذا إن كان ظاهر الحال يدل عل صدق الأسير وهو أن يكون به قوة ومعه سلاح وبه جلد فالقول قوله لأن الظاهر يحتمل ما قاله. وإلا لم يقدر عليه ويطاوعه إلى الأسر إلا بأمان، وإن كان بخلاف ذلك بأن يكون بلا سلاح فالقول قول المسلم لأن الظاهر أنه أخذه قهراً. قال أبو بكر : وبما روى المروذي أقول، لأنه شرف للمسلمين ويمنع من رجوعه إلى دار الحرب إذا كان يخشى منه لشدة بأسه، قال ولو قال قائل: ويفدي نفسه لكان جائزاً على مذهبه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 359
الغلول
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 360
عقوبة الغال من الغنيمة:
8 ـ مسألة: إذا غل من الغنيمة فهل يحرم السهم أم لا؟
نقل الأثرم وإبراهيم بن الحارث: قد قالوا: يحرم سهمه من الغنيمة ويضرب. فظاهر هذا أنه لم ينكر ذلك.
ونقل ابن منصور عنه: يحرق رحله قيل له فيحرم نصيبه من المغنم؟ فلم يعرفه، فظاهر هذا أنه لم يأخذ ذلك.
---(2/57)
وجه الأولى: أنه سرق من مال له فيه شبهة فلم يحرم حقه منه دليله لو سرق من مال من له عليه دين وكأحد الورثة إذا سرق من التركة وأحد الشريكين إذا سرق من مال الشركة ولأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال يحرق رحله. ولم يقل يحرم سهمه فدل على أن جملة ما يعاقب به تحريق الرحل.
ووجه الثانية: أنه تعجل حقه قبل وقته فيجب أن يحرمه دليله القاتل يحرم الميراث لهذه العلة. قال أبو بكر : وقد روي في بعض الحديث: ويحرم سهمه. وإن صح الحديث فالحكم له وإلا فلا يحرم سهمه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 360
أموال المسلمين التي يستولي عليها الكفار ثم تسترد منهم:
9 ـ مسألة: إذا ظهر أهل الحرب على المسلمين وسبوا أموالهم وحازوها إلى دار الحرب ملكوها بالقهر والإحازة فإن ظهر عليها المسلمون بعد ذلك فمن وجد عين ماله قبل القسمة فهو له ومن وجده بعد القسمة فهل يكون أحق به بالقيمة أم لا حق له فيه؟.
على روايتين: نقل أبو طالب وأحمد بن القاسم وسندي: ما أحرزه العدو من المسلمين وأخذه المسلمون فأدركه صاحب المال قيل أن يقسم فهو أحق به وإذا قسموا فلا شيء له، فظاهر هذا أنه لا حق له فيه بحال لا بالقيمة ولا بعيرها.
ونقل إسحاق بن إبراهيم في العبد يأبق والفرس يشرد فيصير في بلاد الروم فيؤخذ: فإنه يصير إلى المولى ما لم يقسم فإذا قسم فهو أحق به بالثمن. فظاهر هذا أن الرجوع فيه بالقيمة.
وقد نقل الخرقي الروايتين.
وجه الأولى: ما روى سالم بن عبد الله بن أن عمر عن أبيه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ماله قبل أن يقسم فهو أحق به وإن أدركه بعد قسم فليس له شيء.
وهذا يمنع الرجوع بالقيمة وغيرها ولأنه ما زال ملكه عنه فلم يكن أحق به بالثمن كما لو أسلم الكافر وهو معه وفي يده وكما لو زال ملكه عنه بيع أو هبة فإنه لا يكون أحق بالثمن.
---(2/58)
ووجه الثانية: ما روى ابن عباس قال: جاء رجل إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله إني وجدت بعيراً لي في المغنم فقال: اذهب فإن وجدته فخذه وإن وجدته وقد قسم أنت أحق به بالثمن إذا أردت. وهذا نص.
وأنه لا يمتنع أن يكون مملوكاً لغيره ويكون أحق به، ألا ترى أن الوالد يرجع فيما وهب لولده وإن كان الموهب له قد ملكه وكذلك الشفيع يأخذ الشقص المبيع ولا يمنع ذلك من حصول الملك للمشتري.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 361
رد أم الولد إلى سيدها إذا أصابها المسلمون بعد أن استولى عليها الكفار:
10 ـ مسألة: فإن قهروا أم الولد فهل يملكونها بالقهر؟
نقل بكر بن محمد عن أبيه عنه في أم الولد إذا كانت لرجل سباها العدو ثم أصابها المسلمون فقسمت ثم عرفها سيدها: فعلى السيد أن يفديها بالثمن الذي اشتراها به فظاهر هذا أنها قد ملكت عليه لأنه ألزمه القيمة لمن حصلت في يده.
ونقل المروذي وعبد الكريم بن الهيثم في أم الولد يظهر عليها العدو ثم يظهر عليها المسلمون ترد إلى مولاها قسمت أو لم تقسم فظاهر هذا أنها لا تملك لأنه حكم بردها ولم يعتبر القيمة.
وجه الأولى: أنها تضمن بالقيمة فملكت بالقهر دليله الدبر وعكسه رقبة المسلم لما لم تضمن بالقيمة لم تملك بالقهر.
ووجه الثانية: أنها لا تملك بالبيع فلا تملك بالقهر دليله رقاب المسلمين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 362
رد العبد إلى سيده إذا أبق إلى بلاد الكفار ثم ظفر به المسلمون:
11 ـ مسألة: فإن أبق العبد ودخل في دار الحرب وأخذه المشركون فهل يملكونه أم لا؟.
على روايتين: نقل إسحاق بن إبراهيم في العبد يأبق والفرس يشرد فيصير في بلاد الروم فيؤخذان فقال أحمد: كل هذا يصير إلى المولى ما لم يقسم فإذا قسم فهو أحق به بالثمن فظاهر هذا أنهم ملكوا ذلك.
---
ونقل الفضل بن زياد في عبد أبق فلحق بالعدو: ويرد إلى مولاه، وهو ملك لسيده. فظاهر هذا أنهم لم يملكوه، لأنه حكم به لسيده ولم يعتبر قيمة.(2/59)
وجه الأولى: أنه مضمون بالقيمة حصل في يد أهل الحرب في دار الحرب فملكه دليله لو حصل في أيديهم بالقهر والغلبة.
ووجه الثانية: أنه إذا أبق وحصل في دار الحرب حصل في يد نفسه بدليل أنه لا يجوز بيعه وإذا لم يجز بيعه لم يملكوه على المسلمين كأم الولد وكرقاب المسلمين.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 362
فتح مكة عنوة:
12 ـ مسألة: اختلفت الرواية في مكة هل فتحت صلحاً أم عنوة؟
فنقل حنبل والميموني : أنه كره أجارة بيوت مكة لأنها فتحت عنوة دخلها ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ بالسيف وعمر يقول: لا تمنعوا نازلاً بليل أو نهار. فلم يجعل لهم ملكاً دون الناس. فظاهر هذا أنها فتحت عنوة. وقال أبو إسحاق بن شاقلا ومحمد بن إسحاق المقري: قال أحمد بن محمد بن مسلم وسعيد بن محمد الرفا قال: سألت أبا عبد الله عن فتح مكة قال دخلت صلحاً قلت: وأي شيء في ذلك حديث الزهري وهل ترك لنا عقيل من ربع.
وقال أبو بكر عبد العزيز : حدثنا أحمد بن محمد بن هارون قال: حدثني حرب قال: سمعت أحمد يقول: أرض العشر هو الرجل يسلم بنفسه من غير قتال وفي يده الأرض فهو عشر مثل المدينة ومكة.
قال أبو إسحاق : والمسألة على روايتين:
إحداهما: أنها فتحها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلحاً ومعناه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عقد لهم أماناً بشرط في غداة يوم الفتح فوجد الشرط فصاروا به آمنين على دمائهم وأموالهم .
والرواية الثانية: فتحها عنوة بالسيف ثم أمنهم بعد حصول الفتح.
---(2/60)
وجه الأولى: وأنها فتحت عنوة وهي أصح ما روى الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب قال: لما كان يوم أحد قتل من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ومثل بهم. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لئن كان لنا مثل هذا لنربين عليهم. فلما كان يوم فتح مكة دخلها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنوة فقال رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الأسود والأبيض آمن إلا مقيس بن صبابة وابن خطل وقينتين فأنزل الله تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين . فقال النبي ـ عليه السلام ـ: نصبر ولا نعاقب . فمن الخبر أدلة: أحدها قوله: دخلها رسول الله عنوة.
والثاني: قول القائل: لا قريش بعد اليوم، والثالث قوله: الأسود والأبيض آمن إلا فلان وفلان، فلو كان صلحاً لدخل مقيس ومن ذكر معه في الصلح، ولم يجز قتلهم، والرابع: قوله: نصبر ولا نعاقب.
وروى ابن عباس أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال أصحابه يوم الفتح: أترون أوباش قريش احصدوهم حصداً وأمر إحدى يديه على الأخرى حتى ظنوا أن السيف لا يرفع عنهم وأنه بعث خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى والزبير على اليسرى وأن خالداً قتل من أسفل مكة سبع عشرة نفساً حتى انهزموا فقال قائلهم:
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 363
إنك لو شهدت يوم الخندمة
إذ فر صفوان وفر عكرمة
فلو كان هناك صلح كيف كان يخفى على خالد بن الوليد وعلى صفوان وعكرمة ورؤساء قريش.
---
وروي أنه لما دخل مكة صعد إلى باب الكعبة وأخذ بعضادتي الباب وقال: الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ثم التفت إلى قريش وهم حواليه، فقال لهم: ما تقولون؟ فقالوا: نقول: أخ كريم وابن أخ كريم قد ملكت فاصنع ما شئت. قال ـ عليه السلام ـ: أقول ما قال أخي يوسف ـ عليه السلام ـ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين أنتم الطلقاء .(2/61)
فلو كان بينهم صلح لم يقولوا: ملكت فاصنع ما شئت ولم يكن النبي يقول: أنتم الطلقاء لأنهم طلقاء قبل وجود هذا القول فلا يصيرون طلقاء بقوله. ألا ترى أنه لما دخل مكة في عمرة القضاء عن صلح لم يكن أهل مكة طلقاء ولم يقل لهم ذلك وهذا خبر مستفيض لأن الصحابة كانت تسمي الذين أطلقهم رسول الله ذلك اليوم الطلقاء مثل سهيل بن عمرو ومعاوية وكانوا يسمون أولادهم الطلقاء ولهذا قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: إن هذا الأمر يعني الخلافة لا يصلح للطلقاء ولا لأنباء الطلقاء.
ووجه الثانية: ما روى ابن عباس: قال: لما نزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الظهران قال العباس: قلت: والله لئن دخول رسول الله مكة عنوة قبل أن يستأمنوه أنه لهلاك قريش فجلست على بغلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت لعليّ: أجد ذا حاجة فيأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخرجوا إليه فيستأمنوه فإني لأسير إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء فقلت: يا أبا حنظلة فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت: نعم، قال: مالك فداك أبي وأمي، قلت: هذا رسول الله في الناس قال: فما الحيلة فرك
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 363
إلحاق الطفل المسبى مع أحد أبويه لأحدهما في الدين:
14 ـ مسألة: إذا سبى الطفل أبويه مع أبيه أو أمه هل يتبع السابي أم لا؟.
نقل الجماعة منهم صالح والميموني وابن إبراهيم: إذا سبى مع أحد أبويه فهو مسلم. فظاهر هذا أنه تابع للسابي في الدين.
---
ونقل ابن منصور عنه: إذا لم يكن مع أبويه فهو مسلم قيل له: فلا يجبر على الإسلام إذا كان مع أبويه أو أحدهما قال: نعم. فظاهر هذا أنه تابع لأحد أبويه في الدين ولا يتبع السابي.
قال أبو بكر : ما رواه الكوسج قول أول والعمل على ما رواه الجماعة أنه مسلم.(2/62)
وجه الأولى: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فجعله في الدين تبعاً لهم جميعاً دليله أنه لا يكون تابعاً لأحدهما ولأنه لم يسب مع أبويه فكان على دين سابيه دليله لو سبى منفرداً عنهما .
ووجه ما نقله ابن منصور أن السابي يجري مجرى دار الإسلام ثم إن لقيطاً لو وجد في دار الإسلام وعرف أحد أبويه كان على دين أبيه ولم نحكم بإسلامه كما لو وجد معهما كذلك السابي إذا كان معه أحد أبويه يجب أن يكون على دين من سبى من أبويه.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 368
الحاق المسبى وحده في الدين لسابيه:
15 ـ مسألة: فإن سبى وحده فهل يكون على دين السابي؟
نقل المروذي وابن إبراهيم ويعقوب بن بختان وأبو داود : أنه تابع للسابي في الدين.
ونقل علي بن سعيد في السرية في أرض العدو يأخذون صبياناً صغاراً قال: قد نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن قتل الولدان وإن كان معهم غنم يسبونه وإن لم يكن معهم غنم فلا أعلم له وجهاً إلا أن يدفع إلى بعض الحصون من الروم. فظاهر هذا أنه لم يحكم بإسلامه لأنه لو حكم بإسلامه لم يجز إلحاقه بدار الحرب.
قال أبو بكر : العمل على ما رواه الجماعة لا يدفع إليهم لأنه مسلم وقد صرح به في رواية المروذي في الرضيع وليس معهم من يرضعه قال: لا يترك يطعم ويسقى فإن مات مات.
وجه ما نقله علي بن سعيد أن سبى من دار الحرب فلم يتبع السابي في الدين دليله لو سبى مع أبويه.
---
ووجه ما نقله الجماعة أن الطفل يعتبر في الدين بغيره لا بنفسه فلما لم يكن هناك من يعتبر دينه به غير السابي اعتبرناه به كما قلنا فيمن وجد لقيطاً في دار الإسلام وأنه في الدين تابع للدار كذلك السابي والسابي يجري مجرى الدار في هذا الحكم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 369
الحكم بإسلام أولاد الذمي إذا مات عنهم صغاراً:
16 ـ مسألة: إذا مات الذمي عن صغار هل نحكم بإسلامهم أم لا؟(2/63)
إذا مات الأبوان أو أحدهما هل يحكم بإسلام الطفل أم لا؟
فقال أبو بكر في كتاب الشافي: روى سبعة عن أبي عبد الله منهم حنبل: إذا مات أحد أبويه هو مسلم ما لم يبلغ، وخالفهم إسحاق بن منصور فقال: إذا مات أحد أبوبه فهو على دين الآخر قال: وبالأول أقول وبه قال أبو بكر الخلال والخرقي ووجهه أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: يهودانه وينصرانه ويمجسانه فجعله في الدين تبعاً لهما دليلنا أنه بعد موتهما لا يتبعهما في الدين ولأن انفرد أحد الأبوين بالكفر يوجب الحكم بإسلام الطفل دليله إسلام أحدهما أو نقل: عدم كفر الأبوين يوجب إسلام الطفل دليله لو أسلما.
ووجه الثانية: أنه لم يحكم بإسلامه بنفسه ولا بمن هو تابع له فلم يحكم بإسلامه كما لو لم يموتا ولأن الموت معنى يسقط التكليف فلم يوجب الحكم بالإسلام كالمجنون.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 370
توريث أولاد الذمي منه إذا مات عنهم صغاراً فحكم بإسلامهم بموته:
17 ـ فصل: وإذا حكمنا بإسلامه بموت أحدهما فهل يرث من حكمنا بإسلامه بموته؟
---
نقل أبو طالب في يهودي مات أبواه وهو صغير: فهو مسلم ويرثهما ونقل محمد بن يحيى الكحال جعفر بن محمد في يهودي مات وله زوجة حامل فأسلمت بعده: فما في بطنها مسلم ولا يرث أباه، فظاهر هذا أنه لا يرث لأن الموت يوجب أن يرث مسلم من كافر وهذا لا يجوز، ومن قال: يرث وهو اختيار الخرقي فوجهه أن الإسلام إذا طرأ بعد الموت لم يمنع الإرث كما إذا كان بالغاً وأسلم عقيب موت أبيه الكافر فإنه يرث ولأن الإسلام المتعلق بموت مورثه يجب أن لا يمنع من الإرث فيكون بمنزلة الحادث بعده يفصل كما أن الحرية المتعلقة بموت مورثه لا يوجب الإرث ويكون بمنزلة الحرية الحادثة بعده بفصل وهو إذا قال لعبده: إذا مات أبوك فأنت حر فمات أبوه عتق ولا يرثه كما إذا مات ثم أعتقه عقيبه كذلك في الإسلام المتعلق بالموت يجب أن يكون بمثابة الحادث بعده في أنه لا يمنع.(2/64)
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 370
الأرضي المغنومة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 371
بيع أرض الخراج وإجارتها:
17 ـ مسألة: لا يجوز بيع أرض الخراج وهي كل أرض فتحت عنوة ووقفها الفاتح على جماعة المسلمين وهل يجوز إجارتها لمن هي في يده.
على روايتين: نقل الأثرم وأبو داود : إذا استأجر من أرض السواد شيئا ممن هي في يديه فجائز يكون فيها مثلهم فظاهر هذا جواز ذلك ونقل اسحاق بن ابراهيم في الرجل يستأجر أرضا من السواد قال: يزارع رجلاً أحب إليَّ من أن يستأجرها، فظاهر هذا المنع. قال أبو بكر : وبهذا أقول.
وجه الأولى: ـ وهي الصحيحة ـ أن الخراج المأخوذ ممن هي في يديه على وجه الأجرة عوضاً عن كونها في يديه ومن استأجر شيئاً فله أن يؤجره بمثل ما استأجره وزيادة ونقصان كذلك هاهنا.
---
ووجه الثانية: أنها أرض فتحت عنوة فلم يجز إجارتها دليله رباع مكة لا يجوز إجارتها رواية واحدة نص عليه في رواية حنبل وأبي طالب وأكد القول في ذلك في رواية أبي طالب فقال: لا تكرى بيوتها ومن كان له فضل لا يمنعن.
وقد دل على ذلك الأصل قوله تعالى: سواء العكف فيه والباد . فذكر المسجد الحرام والمراد به الحرم وجعل الناس فيه سواء فلو جازت إجارته لكان بعض الناس أخص به من بعض.
وروى مجاهد عن ابن عمر عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها .
وروى سعيد بن المسيب قال كانت رباع مكة تدعى بالسوائب من احتاج إليها سكن ومن استغنى اسكن.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 371
وقف الإمام للأرض المفتوحة عنوة بغير إذن الغانمين:
19 ـ مسألة: هل يجوز للإمام أن يقف الأرض المفتوحة عنوة ويسقط حق الغانمين فيها بغير إذنهم أم لا؟
نقل عبد الله عنه أنه قال: كل أرض تؤخذ عنوة فهي لمن قاتل عليها بمنزلة الأموال، فظاهر هذا أنه لا يجوز له ذلك، لأنه جعلها بمنزلة الأموال.(2/65)
ونقل عبد الله في موضع آخر: إن وقفها من فتحها على المسلمين كما وقف عمر السواد فهي على ما فعل الفاتح لها، إذا كان من أئمة الهدى، فظاهر هذا أن له القسمة وله الوقف بغير إذنهم وهو الصحيح في المذهب.
وجه الأولى: أنه مال مغنوم فلم يجز صرفه إلى غير الغانمين دليله ما ينقل.
---
ووجه الثانية: ما روى أن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما فتح السواد استشار الصحابة في أمرها فأشار علي وعبد الرحمن بأن لا يقسمها وطلب الزبير وعمار وبلال القسمة فحاجهم عمر وقال: وجدت آية تفصل بيني وبينكم قال الله تعالى: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ... إلى قوله تعالى: كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم... ثم قال: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ثم قال: والذين تبوأوا الدار والإيمان يعني الأنصار ثم قال: والذين جاؤوا من بعدهم فأثبت فيها حقاً لهؤلاء فلو قسمتها بينكم صارت دولة بين الأغنياء وبينكم وجاء آخر الناس ولا شيء لهم فيجب أن يثبت فيها حق يستوي فيه أول الأمة وآخرها. فرأى أن يقفها ويضرب الخراج على من تكون في يده ولأن ما جاز للإمام أن يثبت فيه إذا صاروا ذمة جاز أن يترك قسمته بين الغانمين إذا ظهر عليه دليله رقاب الأسارى.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 372
بيع البنيان المتصل بأرض الخراج:
30 ـ مسألة: بيع البنيان المتصل بأرض الخراج من السقوف والحيطان الحادث فيها هل يجوز أفراده بالبيع دون الأرض؟
فنقل بكر بن محمد عن أبيه: أكره أن تباع الدار من أرض السوداء إلا أن يباع البناء.
ونقل يعقوب بن بختان في الرجل يقول أبيعك النقض ولا أبيعك رقبة الأرض فإن هذا خداع.
وجه الأولى: وهي أصح أن هذا البنيان مملوك لصاحبه أحدثه في أرض الخراج فيجب أن لا يمنع من بيعه كما لو غرس فيها غراساً أو وقف أرضاً وبنى فيها بناء أن له بيع ذلك.(2/66)
ووجه الثانية: أن المسألة محمولة على أن البناء وجد في أرض الخراج ولم يعلم هل كان موجوداً قبل الوقف أم حدث فيمنع من بيعه لأنه لا يتحقق ملكه فأما إن كان معلوماً فإنه يجوز بيعه رواية واحدة.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 373
وجوب الخراج في الأرض العامرة وإن لم تزرع:
---
21 ـ مسألة: ويجب الخراج في الأرض العامرة التي ينالها الماء، وإن لم يزرعها لأنه ترك الانتفاع بها باختياره، وأما الأرض العامرة التي لا ينالها الماء فهل يجب الخراج عنها. على روايتين:
قال في رواية أبي الحارث: يجب على أرض السواد على العامر إذا ناله الماء. فظاهر هذا إنه إذا لم ينله الماء فلا يجب عليها.
ونقل الميموني وإبراهيم بن هاني: يمسح العامرة والجبال وإن لم ينله الماء ماء السماء يناله.
ووجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر أنها إذا لم ينلها الماء فلا منفعة فيها فيجب أن يسقط الخراج عنها كالمساكن والدور وحريم القرية ولأن عمر ـ رضي الله عنه ـ إنما أوجب الخراج في الخارج لأنه أوجب في جريب الجنطة قفيزاً ودرهمين وفي جريب الشعير قفيزاً ودرهماً وجريب الكرم عشرة دراهم.
فدل على أن الحق يتعلق بالخارج ولأن هذه الأرض في أيدي أهلها على طريق الأجرة فالمستأجر يلزمه التمكين من الانتفاع بها ولا منفعة هناك فيجب أن لا تلزمه الأجرة.
ووجه الثانية: ما روى أبو عون الثقفي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جعل على كل جريب عامر وغامر درهماً وقفيزاً.(2/67)
وروى الشعبي قال: بعث عمر ـ رضي الله عنه ـ عثمان بن حنيف فقسم كل جريب يبلغه الماء عمله صاحبه أو لم يعمله درهماً ومختوماً بالحجازي ولأنه إنما وجب الخراج بتسليم الأرض إليهم وثبوت أيديهم عليها وقد ثبت أيديهم على هذا الغامر. بدليل أنه ليس لأحد الانتفاع به دون من لم يثبت يده عليه فيجب أن يلزمهم الخراج ولأنه قد حصل لهم الانتفاع بها بماء الأمطار والسيول، وإن لم يحصل الانتفاع بماء الآبار، والعيون، فعلى هذه الرواية يجب أن يقال: إن الخراج أقل ما يجب وهو قفيز ودرهم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 374
وفاء الأسير المسلم بما بشرطه الكفار من الفداء أو الرجوع إليهم:
---
22 ـ مسألة: إذا أخلى الأسير منا وشرطوا عليه الفداء أو الرجوع إليهم فهل يلزمه الوفاء بهذا الشرط أم لا؟
فنقل أبو داود وأحمد بن الحسين الترمذي في الأسير في أيدي العدو في أرضهم: يحلف ويعاهد أن يخرج إلى المسلمين ثم يعود إليهم.
قال: يفي لهم ويرجع إليهم لحديث حذيفة. فظاهره هذا أنه يلزمه الوفاء بذلك الشرط.
قال الخرقي : وإذا أخلى الأسير منا وحلف أن يبعث إليهم بشيء بعينه أو يعود إليهم فلم يقدر عليه لم يرجع إليهم. فظاهر هذا أنه إن لم يقدر على الشرط لم يلزمه الوفاء به ولا الرجوع إليهم لأن دار الحرب دار هجرة وقد أنقذه الله منها فلا ينبغي له أن يعود إليها كما لو خرجت امرأة وشرطت الرجوع إليهم فإنه لا يلزمها هذا الشرط ولا يجوز لها الرجوع كذلك في حق الرجل.
ووجه ما نقله أبو داود وأحمد بن الحسين ما روي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ صالح أهل الحديبية على أن يرد من جاءه منهم بعد الصلح مسلماً فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وجاءه أبو بصير فرده وذلك لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ كان قد شرط على نفسه ذلك لهم ـ ولأن في رد الفداء مصلحة للأسرى وفي منعه مفسدة عليهم لأنه لا يطلق بعده غيره.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 375(2/68)
بطلان البيع باستيلاء الكفار على المبيع:
23 ـ مسألة: إذا تبايع نفسان في دار الحرب وتقابضا ثم غلب المشركون على المبيع فأخذوه هل يكون من مال البائع أم المبتاع؟
فنقل عبد الله ويعقوب بن بختان، وأبو الحارث، والحسن بن البزار: إذا اشترى السبي أو الحربي في بلاد الروم، وصار في ملكه ثم غلبه عليه العدو وجب عليه في ماله فإن مات المشتري بعد ما غلب عليه العدو يرجع عليه بالثمن في ماله. فظاهر هذا أنه يتلف من مال المبتاع.
---
ونقل أبو طالب عنه: إذا اشترى الغنيمة في أرض العدو ثم غلبوا عليها لا يؤخذ منهم الثمن لأنه لم يسلم لهم ما اشتروه. فظاهر هذا أنه من ضمان البائع وهو اختيار الخرقي.
وجه الأولى: وهي أصح أن القبض قد حصل فما طرأ بعد ذلك من التلف يجب أن يكون من ضمان المبتاع كدار الإسلام تبين صحة هذا أنه يملك التصرف فيه بالبيع والشركة والهبة ونحو ذلك لوجود القبض.
ووجه الثانية: أنه إذا كان الحال حالة الخوف فالقبض غير حاصل ألا ترى أنه لو ابتاع من رجل متاعاً في دار الإسلام وسلمه إليه في موضع فيه الغيارون وقطاع الطريق لم يكن ذلك قبضاً صحيحاً ويتلف من مال البائع كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 376
التفضيل من الغنيمة لبعض الغانمين:
24 ـ مسألة: هل يجوز للأمير أن يفضل بعض الغانمين من الغنيمة إذا رأى فيه شجاعة ونكاية في العدو.
فنقل أبو طالب في أمير الجيش إذا أمر لرجل من الركاضة أو طليعة أو ردءا برأس من السبي، هل لهم أن يرجعوا فيما أمر له به إذا لم تطب أنفسهم؟
قال: لا بأس بذلك، يعني يدفعه إليه إذا كان أنفع لهم وكان فيه تحريض يعني على القتال. فظاهر هذا الجواز.
ونقل إبراهيم بن الحارث، وقد سئل هل يعطي الأمير من المغنم لقوم دون فوم في بلاد الروم؟(2/69)
فقال ينبغي أن يسوي بينهم ولا يخص قوماً. فظاهر هذا المنع. وكذلك نقل أبو داود عنه في رجل أخذ عشرة رؤوس فنادى الإمام: من جاء بعشرة فله شيء فجاء بهم فليس (له) من هذا النفل شيء.
---
وجه الأولى: أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أعطى من غنائم حنين صناديد العرب عطايا نحو الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر عطايا لا تتسع سهمه من الغنيمة وخمس الخمس لها لأنه أعطى كل واحد منهم كثيراً ولم يكن يعطيهم ذلك من الخمس لأن ذلك للفقراء وكان هؤلاء أغنياء علم أنه أعطاهم من مال الغنيمة ولأن في هذا مصلحة للمسلمين ونكاية في العدو وهو أنه يحرضه بذلك على القتال ولهذا المعنى خصصنا الفارس بزيادة في السهم لأجل تأثيره في العدو كذلك خصصنا القاتل بالسلب لأجل تأثيره، وكذلك هاهنا.
ووجه الثانية: ما روى ابن المبارك قال خالد الحذا، عن عبد الله بن سفيان، عن رجل من بلعنبر ذكر قصة قال: قلنا يا رسول الله ما تقول في هذا المال؟ قال: خمسه لله تعالى وأربعة أخماسه للجيش.
قال: قلت: هل أحد أحق به من أحد؟
قال: لو انتزعت سهماً من جنبك، لم تكن أحق به من أخيك المسلم ولأن حقوقهم متساوية فيها، فلم يجز أن يخص بعضهم منها.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 377
القصر والفطر للقتال:
25 ـ مسألة: إذا حاصر العدو أهل بلد وعزموا على قتاله أو قصدوا عدواً على مسافة لا يقصر فيها الصلاة هل يباح لهم القصر والفطر في رمضان أم لا؟
نقل الأثرم في القوم يخرجون إلى النفير ومسافة سفرهم أقل من يوم فلقوا العدو في رمضان هل يفطرون ليتقووا على عدوهم؟
قال: لا يفطرون، ولا يقصرون: قيل له: يضعفون عن قتال العدو.
قال: كيف يفطرون في الخصر؟ فظاهر هذا المنع.
ونقل حنبل : إذا جاءهم العدو في منازلهم في رمضان فإن أجهدوا أفطروا، فظاهر هذا الجواز.
وجه الأولى: أن الله تعالى علق جواز القصر والفطر بشرطين: المرض. والسفر وليس هاهنا واحد منهما.
---(2/70)
ووجه الثانية: أن السفر إنما أباح الفطر لما يلحق فيه من المشقة وهذا المعنى موجود في مسألتنا ولأن الخوف لما أثر في الصلاة في الحضر وهو يصلي بهم صلاة خائف جاز أن يؤثر في الصوم وفي القصر كالسفر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 378
الفرار من الحرق إلى الغرق:
26 ـ مسألة: إذا كان الجهاد في البحر والتقى الزحفان فرمى المشركون مراكب المسلمين بالنار، فأحرقتها، هل يصبر من فيها على الهلاك أم يجوز له أن يلقي نفسه في البحر، وإن كان فيه الهلاك؟
فنقل أبو داود في الغزو في البحر إذا رمى الروم مركباً من مراكب المسلمين بالنار واشتعلت فيها هل يرمي نفسه في الماء؟
فقال: كيف شاء صنع. فظاهر هذا الجواز.
ونقل مهنا عنه في الرجل في البحر فترمى سفينته بالنفط والنار، فيطرح نفسه فيه البحر فيموت، قال: أكرهه، فظاهر هذا المنع.
(وجه الجواز) ما روى عبد الله بن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال:
من فر من حرق إلى غرق فهو شهيد... رواه الحسن بن دوما ولأن هلاكه بالماء أيسر منه بالنار وهو مضطر في هذه الحال فله أن يختار أيسر الميتتين عليه: ألا ترى أنه لو أكره فقيل له لنعذبنك بالنار أو لتقتلن نفسك بالماء، كان في سعة من إلقاء نفسه في الماء؟
قال أبو بكر ينظر إلى الأغلب في السلامة فيستعمله على طريق الاجتهاد ومعناه أن كان الأغلب أن يلقي نفسه في البحر فيسلم فعل وإن كان الأغلب في نفسه أن يصبر صبر فأما أن اعتدلا وكان في كل واحد منهما الهلاك، فظاهر كلام أحمد يقتضي روايتين: إحداهما: يجوز له أن يلقي نفسه في الهلاك.
الثانية: لا يجوز له ذلك لأنه لا يتحقق هلاكه بالمشركين، لجواز أن يحصل الظفر بهم فيؤدي إلى أن يحصل قاتل نفسه فلهذا لم يجز.
وقال أيضاً في رواية بكر بن محمد وأبي طالب: إذا حصل أسيراً في المشركين، فقدموه يضربوا عنقه، فهل يعطيهم سيفه لأنه أمضى؟
---
قال: لا. قيل له فإنه يعذبه قال: يعلم الله أن يخلصه أو يعيش من ذلك الضرب.(2/71)
ووجه الأولى: وأنه يجوز أن الظاهر والغالب قد أجرى في الأصول مجرى المتحقق كالزكاة، والطهارة ونحو ذلك، وذلك أنه لو وجد شاة مذبوحة كان له الأكل اعتباراً بالظاهر، وأنها مذكاة، وإن لم يتحقق ذلك، وكذلك لو وجد جاز له أن يتطهر منه على الظاهر وإن لم يتحقق ذلك، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 378
الجزية
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 380
فيمن تؤخذ منهم الجزية:
27 ـ مسألة: فيمن يجوز أخذ الجزية منه.
فنقل الحسن بن ثواب من سبى من أهل الأديان من العرب والعجم فالعرب أن أسلموا وإلا فالسيف وأولئك أن أسلموا وإلا فالجزية، فظاهر هذا أن الجزية تؤخذ من الكل إلا من عبدة الأوثان من العرب فقط.
وقال الخرقي : ولا نقبل الجزية إلا من يهودي أو نصراني، أو مجوسي وكانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه ومن سواهم بالإسلام أو السيف، فظاهر هذا أن من له كتاب أو شبهة كتاب تؤخذ منه الجزية سواء كان من العرب أو العجم وسواء كان من قريش أو من غيرها، ولا تؤخذ من غيرهم.
وجه الأولى: ما روى الزهري أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ صالح أهل الأديان على الجزية إلا من كان منهم من العرب ولأنه أعجمي مقيم على دين لم يعتقد سواه، فجاز إقراره ببذل الجزية، دليله إذا كان من أهل الكتاب ولأن الجزية لو كانت متعلقة بالكتاب لما جاز أخذها من المجوسي لأنه لا كتاب لهم.
ووجه الثانية: وهو الصحيح أنها طائفة من المشركين ليس لها كتاب ولا شبهة كتاب فلم يجز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية دليله عبدة الأوثان من العرب ولأن أخذ الجزية حكم يتعلق بالكفر فاستوى فيه حكم العرب والعجم كالقتل وتحريم المناكحة والاسترقاق وأن هذه الأحكام يستوي فيها العرب والعجم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 380
قدر الجزية:
---
28 ـ مسألة: في قدر الجزية ثلاث روايات:(2/72)
نقل صالح وابن منصور وإبراهيم بن هانىء وأبو الحارث : أكثر ما يؤخذ من أهل الذمة ثمانية وأربعون والوسط أربعة وعشرون، والفقير اثنا عشر، فظاهر هذا أنها مقدرة الأقل والأكثر فيجب على الموسر ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط أربعة وعشرون وعلى المتجمل اثنا عشر درهماً.
ونقل الأثرم : الجزية على ما يطيقون يزاد وينقص على قدر طاقتهم، وما يرى الإمام، فظاهر هذا أنها غير مقدرة الأقل والأكثر وهو إلى اجتهاد الإمام.
ونقل يعقوب بن بختان : لا يجوز للإمام أن ينقص من ذلك وله أن يزيد. فظاهر هذا أنها مقدرة الأقل وغير مقدرة الأكثر فيجوز للإمام أن يزيد على ما قدره عمر ـ رضي الله عنه ـ ولا يجوز أن ينقص منه، وهذا اختيار أبي بكر. وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا: هي مقدرة الأقل والأكثر فمتى بذلها أهل الذمة لزم الإمام قبوله، وحرم عليه قتالهم، وإذا قلنا: ليست مقدرة أو مقدرة الأول لم يحرم عليه القتال.
وجه الأولى: وهي الصحيحة وهي اختيار الخرقي وأنها مقدرة الأل والأكثر ما روى أن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما مضى إلى الشام ضرب الجزية على أهل الكتاب، على الغني ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهماً وعلى المتجمل اثنا عشر درهماً ولأنه حق مال يجب بوجود المال في كل حول مرة فيجب أن يختلف بقلة المال وكثرته كالزكاة، ولا يلزم عليه زكاة الفطر لأنها لا تجب بوجود المال، لأنها تجب عندنا على من يملك قوت يومه وليلته.
ووجه الثانية: في أنها غير مقدرة الأول والأكثر أن المال المأخوذ من المشرك على الأمان ضربان: هدنة وجزية فلما كان المأخوذ هدنة إلى اجتهاد الحكم كذلك المأخوذ جزية.
ووجه الثالثة: في أنها محدودة الأقل أن في النقصان من ذلك أضراراً ببيت المال وفي الزيادة حظاً للمسلمين إذا كان فيه رأي وصلاح ويبين صحة هذا أن الخراج جزية وقد زاد عمر ـ رضي الله عنه ـ على ما كان قدره عليهم.
---(2/73)
روي أن عثمان بن حنيف دخل عليه يسأله في الزيادة فقال له: الله لئن زدت لا يشق ذلك عليهم قال: نعم. قال: فافعل.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 382
تحمل السيد الكافر جزية عبدة:
29 ـ مسألة: هل يجب على السيد إذا كان كافراً تحمل الجزية عن عبده الكافر؟
فقال في رواية عبد الله: العبد ليس عليه جزية، والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فظاهر هذا أنه لا يتحملها عنه.
وقال حنبل : والذمي يؤدي عنه، وعن مملوكه خراج جماجمهم إذا كانوا عبيداً أخذ منهم جميعاً الجزية.
وكذلك نقل ابن منصور وقد سأله ما معنى قول عمر: لا تشتروا رفيق أهل الذمة.
قال: لأنهم خراج يؤدي بعضهم عن بعض فإذا صاروا إلى المسلمين انقطع عنهم ذلك، فظاهر هذا أنه يتحمل.
وجه الأولى: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: لا جزية على العبيد ولأنه مال فهو كالبهيمة، ولأنه محقون الدم بمعنى لو وقع في الأسر لم يكن الإمام مخيراً فيه بين القتل والمن ولأنه خلص بالرق فلم يجب عليه الجزية كما لو كان سيده مسلماً.
ووجه الثانية: وهي اختيار الخرقي، ما احتج به أحمد من قول عمر: (لا تشتروا رقيق أهل الذمة فإنهم أهل خراج يبيع بعضهم بعضاً) وفسره بأن معناه يؤدي بعضهم عن بعض، ولأن الجزية حق في مال يجب أداؤه عن الرقية، فجاز أن يدخله التحمل، دليله صدقة الفطر، ولأنه ذكر مكلف فجاز أن تتعلق الجزية بجنسه، دليله الحر.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 382
الجزية على العبد بعد عتقه:
30 ـ مسألة: إذا أعتق العبد الكافر وصار حراً فهل تجب عليه الجزية إذا كان من أهل الجزية بعد حلول الحلول إذا أراد المقام في دار الإسلام أم لا؟
نقل بكر بن محمد عن أبيه في النصراني إذا أعتق: ليس عليه جزية لأن ذمته ذمة مولاه.
---
ونقل ابن منصور وأبو طالب: عليه الجزية إلا أن في رواية ابن منصور إذا كان سيده نصرانياً فعليه الجزية وفي رواية أبي طالب إذا كان سيده مسلماً فعليه الجزية.(2/74)
وجه الأولى: وفيها ضعف أنه بعد العتق على حكم الرق في استحقاق الولاء عليه فجاز أن يسقط عنه الجزية كالعبد القن.
ووجه الثانية: وهو اختيار الخرقي وأبي بكر أنه حر محقون الدم على التابيد فلا يقر في دارنا بغير جزية دليله الحر الأصلي وفيه احتراز من المرأة والصبي والشيخ الفاني.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 383
سقوط الجزية بالموت:
31 ـ مسألة: لا يختلف المذهب أن الإسلام يسقط الجزية الواجبة وأما الموت فهل يسقطها أم لا؟
فقال شيخنا أبو عبد الله لا يسقطها لأنه دين وجب في حال الحياة فلا يسقط بالموت كالدين.
وعندي أنها تسقط كالإسلام، وهو قياس المذهب، لأنا نقول: إن إسلام أحد الأبوين يوجب إسلام الطفل، وموت أحد الأبوين يوجب إسلام الطفل أيضاً، والمعنى فيه أن الموت يقطع الصغار فأسقط الجزية كالإسلام، ولأنه معنى يوجب إسلام الطفل، فأسقط الجزية كالإسلام.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 384
تجديد معابد أهل الكتاب:
32 ـ مسألة: في الكنائس: إذا انهدم جميع بنيان البيعة، فهل لهم تجديدها على ما كانت عليه؟
نقل عبد الله ما انهدم فلهم أن يبنوها فظاهر هذا جواز عمارتها، وتجديدها سواء انهدم جميعها أو بعضها.
ونقل حنبل وأبو طالب ، وكل ما فتحه المسلمون عنوة فليس لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة ولا بيعة، وإن كان لهم في المدينة شيء فأرادوا رميه رموه، فإن انهدمت الكنيسة والبيعة بأسرها لم يبدلوها غيرها. فظاهره هذا جواز رم ما تشعث منها ولا يجوز تجديدها إذا رخبت جميعها.
---
ومن أصحابنا من يمنع رم ما تشعث منها بكل حال قال: لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ كان في كتابه إلى أهل الشام أن لا تجددوا ما خرب منها وقد نص عليه في رواية عبد الله فقال: ما انهدم فليس لهم أن يبنوها.(2/75)
فوجه من قال: يجوز تجديدها بعد خرابها وهذا خلاف ما حدثنا، أنا نقرهم فيها فلو منعوا من تجديد ما خرب ورم ما تشعث بطلت رأساً لأن البناء لا يبقى على الدوام فإذا كان فيه إبطال ما بذل لهم سقط.
ووجه من قال: لا يجوز تجديد جميعها أنه إذا خرب جميعها تعطلت منفعتها فلو قلنا: يجددونها، كان في حكم ابتدائها وإنشائها، وليس كذلك رم ما تشعث منها فإن المنفعة بها قائمة فلهذا جاز، وحدثني أبو بكر بن أحمد بن علي ثابت الخطيب بإسناده عن عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها .
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 384
أحكام أهل الذمة
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 385
انتقاض عهد الذمي المخالفة الشروط:
33 ـ مسألة: إذا ترك أهل الذمة شيئاً من الشروط المأخوذة عليهم مما يجب عليهم تركه ولا يعود فعله بضرر المسلمين بل فيه إظهار منكر في دار الإسلام كأحداث البيع والكنائس ورفع الأصوات بقراءة كتبهم وضرب النواقيس وإطالة البنيان وإظهار الخمر والخنزير وما كان في معناه من ترك التشبه بالمسلمين في لبسهم وركوبهم وكناهم وشعورهم فهل ترك هذه الأشياء يوجب نقص عهد الذمة أم لا؟
---(2/76)
قال الخرقي : ومن نقص العهد بمخالفة ما صولحوا عليه حل ذمة وماله. فظاهر هذا أن ترك ذلك يوجب نقض العهد على ظاهر حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ وإن ذلك في شروطه وشرط عليهم أن من خالف شيئاً من ذلك حل ماله ودمه، ولأنه ترك ما شرط عليهم في عقد الذمة، فنقض العهد كما لو فعل ما يعود بضرر المسلمين، كالاجتماع على قتل المسلمين، والزنا بمسلمة، أو إصابتها باسم النكاح، أو يفتن مسلماً عن دينه، أو قطع عليه الطريق أو آوى للمشركين عيناً أو أعان على المسلمين بدلالة أو قتل مسلماً أو ذكر الله تعالى ورسوله وكتابه بسوء فإن هذه تنقض العهد، وعندي أن ما لا ضرر على المسلمين بتركه لا ينقض العهد به شرطاً أو لم يشرط، لأنه لا ضرر على المسلمين في مال، ولا فيه منافاة الأمان، ولأنه أظهر ما يعتقد، ديناً ومذهباً ويفارق هذا غيره لأن على المسلمين فيه ضرراً وفيه ما ينافي الأمان فلهذا نقض العهد.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 385
منع الذمي من دخول المساجد:
34 ـ مسألة: لا يجوز لأهل الذمة دخول المسجد الحرام. رواية واحدة.
ونقل ذلك ابن منصور لقوله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا فأما غيره من المساجد هل يجوز لهم دخولها أم لا؟
نقل أبو طالب في اليهودي والنصراني والمجوسي: لا يدخلون المسجد لا ينبعي لهم أن يدخلوها، فظاهر هذا المنع.
ونقل الأثرم عنه وقد سئل: هل يترك أهل الذمة يدخلون المسجد؟
قال: ينبغي أن يتوقى ذلك قيل له: فإن رأى رجل منا ذمياً أيخرجه؟
قال: قد روي في هذا حديث وفد ثقيق أتوا ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فأنزلهم المسجد وعمر كرهه فظاهر هذا جواز ذلك لأنه احتج بالحديث.
ووجه من منع احتج بأنه بيت الله تعالى فمنعوا منه كالمسجد الحرام.
ووجه من أجاز ذلك احتج بأن وفد ثقيف قدموا على ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فأنزلهم المسجد فدل على جوازه.
---
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 386
سقوط العشر عن جارية الذمي بدعوى حريتها:(2/77)
35 ـ مسألة: إذا مر الذمي بعشار المسلمين ومعه جارية فادعى أنها ذات رحم منه وأنها ليست بملك له فهل يقبل قوله في ذلك ويسقط عنه العشر على روايتين:
نقل يعقوب بن بختان: لا يقبل منه لأنه متهم في ذلك لأن ذلك شيء ممكن إقامة البينة عليه فهو كما لو ادعى أن عليه ديناً فإنه لا يقبل منه، نص عليه أحمد كذلك هاهنا.
ونقل أبو الحارث: يقبل ذلك منه لأنه يحتمل ما قاله والأصل في الناس الحرية حتى يقوم دليل الرق.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 386
أكل ذبائح نصارى بني تغلب ونكاح نسائهم:
36 ـ مسألة: في نصارى بني تغلب هل تنكح نساؤهم أو تؤكل ذبائحهم أم لا؟ نقل ابن منصور وإبراهيم بن الحارث والأثرم: إباحة ذبائحهم ومناكحتهم. وذكر الخرقي في مختصره روايتين: أحدهما: مثل هذا والثانية: لا يباح.
وجه الإباحة: أنهم دخلوا في دين أهل الكتاب يقرون عليه بالجزية فكانت ذبائحهم ومناكحتهم مباحة فهو كما لو دخلوا في دينهم قبل النسخ وقبل التبديل، وقد روي عن ابن عباس أنه رخص في ذبائحهم.
ووجه المنع: أنهم كانوا عبدة الأوثان، فانتقلوا إلى دين أهل الكتاب، ولم يعلم هل انتقلوا إلى دين المبدلين أو غيرهم، والأصل الحظر فغلب الحظر، على هذه الرواية، حكمهم حكم المجوس.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 387
تحول الكتابي إلى ملة أخرى غير الإسلام:
37 ـ مسألة: إذا تنقل من يهودية إلى نصرانية أو من نصرانية إلى يهودية فهل يقر على ذلك أم لا؟
نقل عنه حنبل في يهودي تنصر أو نصراني تهود: لا يقبل.
وكذلك نقل مهنا في نصراني أو يهودي ارتد عن دينه هل يقتل؟
---
قال: هؤلاء يعطون الخراج، لا يقال لهم شيء. فظاهر هذا أنه يقر على ذلك ولا يكلف الإسلام ولا الدين الذي كان عليه لأن الدين الثاني في معنى الدين الذي صالحناه عليه ولأنه من أهل الكتاب يقر عليه.(2/78)
قال أبو بكر : فيه وجه آخر لا يقبل منه إلا دين حق وهو الإسلام أو القتل لأن الدين الذي انتقل إليه باطل، قد كان مقراً ببطلانه والدين الذي كان عليه قد أقر الآن بطلانه فلم يبق دين باطل إلا وقد أقر ببطلانه، فوجب أن لا يقبل منه إلا دين حق وهو الإسلام. فإن انتقل من يهودية أو نصرانية إلى مجوسية لم يقر عليه وقبل منه دينه الذي كان عليه ـ نص عليه أحمد ـ رضي الله عنه ـ في رواية إسماعيل بن سعيد، في نصراني أو يهودي، تمجس: يردون إلى دينهم لأنه نقص في الإسلام لأن لنا أن نأكل ذبائحهم وننكح نساءهم، لأنه انتقل إلى دين لا يباح أكل ذبيحته ونكاح نسائه، قلا يقر عليه كما لو انتقل إلى عبدة الأوثان والشمس والقمر.
فإن انتقل من مجوسية إلى نصرانية أو يهودية فإنه يقر عليه. نص في رواية مهنا في مجوسي تنصر: فلا قتل عليه لأنه انتقل إلى دين هو أكمل من دينه أشبه إذا انتقل إلى الإسلام، ومعنى الكمال أن له كتاب ولا كتاب للمجوسي.
قال أبو بكر : وفيه وجه آخر لا يقر على ذلك لأنه انتقل إلى دين باطل فهو كما لو انتقل إلى عبدة الأوثان.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 387
حكم ثمن المبيع المحرم إذا أسلم الذمي قبل قبضه:
38 ـ مسألة: إذا تبايع أهل الذمة الخمر ثم أسلموا قبل قبض الثمن فهل يقضي للبائع بالثمن أم لا؟
نقل ابن منصور في مجوسي باع مجوسياً خمراً ثم أسلما يأخذ بالثمن قد وجب له الثمن يوم باعه وأما الخنزير فلا يأخذ الثمن.
---
وكذلك نقل أبو داود عنه في اليهودي والنصراني إذا احتكموا إلى إمام المسلمين في الخسر والخنازير: ما يعجبني أن يحكم عليهم فإن اختصموا في أثمانها حكم بينهم فإن مات ذمي له ودين ثمن خمر فأسلم ابنه يأخذ الدين، وظاهر هذا أنها مال ويقضي بالثمن.
ونقل ابن منصور أيضاً وأبو طالب في نصراني أو يهودي أسلف في خمر ثم أسلم الذي أسلفه وأما الآخر فلم يسلم: فلا شيء له، ولا يأخذ للخمر ثمناً.
وظاهر هذا المنع.(2/79)
وجه الأولى: حديث عمر: ولوهم بيعها، وخذوا العشر من أثمانها. وهذا يقضتي أنها مال لهم يصح بيعها ونقد ثمنها.
ووجه الثانية: وهي أصح أنها ليست مالاً في حقنا ولا يصح بيعها في حقنا فلم تكن مالاً لهم ولم يصح بيعهم لها، كالخنزير، فإن أحمد قد نص عليه كالميتة والدم.
رقم الجزء: 2 رقم الصفحة: 388
كتاب الصيد والذبائح والأطعمة والضحايا
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 5
صيد الكلاب الإصطياد بكلب المجوسي:
1 ـ مسألة هل يكره الإصطياد بكلب علمه مجوسي أم لا...؟ على روايتين:
نقل بكر بن محمد وحنبل والمشكاتي كراهية ذلك.
ونقل صالح وابن منصور لا بأس بذلك إذا كان المسلم هو المرسل له.
قال أبو بكر الخلال نقل حنبل والمشكاتي كراهية الأكل من صيد كلب المجوسي، ونقل عبد الله والكوسج لا بأس به، وقد رجع أبو عبد الله عن الأول إلى أنه لا بأس به.
وجه الكراهية: ما احتج به أحمد ـ رضي الله عنه ـ من قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم}. فأباح الأكل من الجوارح التي علمناها فاقتضى الظاهر أنه لا يباح أكل ما علمه غيرنا.
---
ووجه الإباحة: عموم قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لثعلبة الخشني وقد سأله عن كلاب له مكلبة فقال له: كل ما أمسك عليك كلبك ولم يفرق. وروي عن ابن عباس قال لا بأس أن يستعير كلب مجوسي يصيد به ولأن الكلب كالآلة التي يذبح بها وقد ثبت أن الآلة لو كانت لمجوسي أبيح الذبح بها كذلك الكلب مثله، ولأن مجوسياً لو علم كلباً ثم أسلم حل أكل صيده بلا خلاف ولأن الاعتبار بالمرسل ولا بالمرسل، بدليل أن مجوسياً لو أرسل كلباً علمه مسلم لم يبح أكله، إعتباراَّ بالمرسل وهاهنا المرسل مسلم فيجب أن يباح أكل صيده.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 7
حكم صيد الكلب إذا أكل منه:
2 ـ مسألة: في الفهد، والكلب، إذا قتل الصيد وأكل منه، هل يباح أكل ما أكل منه أم لا...؟(2/80)
قال الشيخ أبو عبد الله : في ذلك روايتان قال في رواية أبي الحارث وأحمد بن القاسم ومحمد بن موسى قد رخص في الكلب بأكل من صيده أربعة من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أبو هريرة وسلمان وابن عمر وإنما حديث عدي في الكراهية فظاهر هذا إباحة أكله لأنه لم ينكر قولهم.
ونقل الأثرم ، وأبو طالب ، والميموني ، أنه لا يحل أكله وهو المذهب.
وجه الأولى: عموم قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم وهذا مما أمسك ولم يفصل وحديث أبي ثعلبة الخشني في صيد الكلب إذا أرسلت كلبك وذكرت إسم الله فكل وإن كان أكل منه وكل ما رد عليه قوسك ولأن كل ظفر كان ذكاة إذا لم يتعقبه أكل كان ذكاة وإن تعقبه الأكل دليله الصقر وكما إذا قتله، وتركه، ثم عاد فأكل منه.
---(2/81)
وجه الثانية: وهي الصحيحة قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم وإذا أكل منه فقد أمسك على نفسه لأن صيده لا يتبعض لأنه إما أن يمسك على نفسه أو على صاحبه فإذا أكل فقد علم أنه أمسك على نفسه وأيضاً ما روى الشعبي عن عدي بن حاتم قال: سألت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قلت: أرسل كلبي فقال: إذا سميت فكل، وإلا فلا تأكل، فإن أكل منه فلا تأكل، لأنه أمسكه على نفسه، ولأنه إذا أكل من الصيد يحتمل أنه أكله لعدم التعليم فلا يباح أكل صيده، واحتمل أن يكون أكل لفرط جوع به، أو نسي أن صاحبه أرسله فلا يؤثر ذلك في الإباحة، وإذ احتمل ما يبيح وما يحرم ولم يتقدم منا الحكم بإباحة الأكل لم يجز أكله، لأن الأصل الحظر، ويفارق هذا ما قبله من الصمود إن أكله من صيد آخر لا يؤثر في إباحتها لأنا قد حكمنا بإباحته فلم نبطله بأمر محتمل كشاهدين شهدا عند الحاكم وعرف عدالتهما، وحكم بشهادتهما ثم فسقا بعد الحكم، فإنه لا يؤثر ذلك في الحكم السابق، وإن كان الفسق يحتمل أن يكون موجوداً قبل الحكم، ولو ظهر فسقهما قبل الحكم بشهادتهما لم يحكم، لأنه يحتمل أن يكون الفسق حدث ويحتمل أن يكون متقدماً، ولكن لم يسبق منه حكم بقولهما، لم يحكم بشهادتهما كذلك هاهنا. ويفارق هذا إذا قتله وتركه ثم عاد وأكل منه أنه يباح لأنه أكل بعد أن حكمنا بذكاته وإباحته فلهذا لم يؤثر فيه أكله، وفي مسألتنا اتصل أكله بقتله فلم يبح، ويفارق هذا البازي والصقر، إذا أكل من الصيد، لأن جارح الطير يعلم على الأكل، وهو أن يأكل ما يصطاده، فلهذا لم يحرم أكل ما أكل منه، وسباع البهائم تعلم على ترك الأكل.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 8
الذبيحة التي لم يسم عليها:
3 ـ مسألة: إذا ترك التسمية على الذبيحة عامداً هل يباح أكلها أم لا؟ على روايتين:
---(2/82)
نقل حنبل : لا بأس أن يأكل وإن لم يسمِ، وينبغي أن يسمي الله، وكذلك نقل احمد بن هاشم وبكر بن محمد ، إذا ذبح ولم يسمِ تؤكل ذبيحته إنما قال الله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه يعني في المدينة فظاهر هذا إباحة الأكل، وهو اختيار أبي بكر.
ونقل إسحاق بن إبراهيم ، والميموني ، وصالح ، إذا لم يسمِ على الذبيحة عامداً لا يؤكل، وإن نسي يؤكل فظاهر هذا أنه لا يباح، وهو اختيار الخرقي وهو أصح.
وجه الأولى: ما روى البراء بن عازب أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: (المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسمِ)، وروي عن أبي هريرة أنه قال: سأل رجل ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله تعالى؟ فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: اسم الله على كل مسلم. وروي أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت يا رسول الله إن قوماً قريبي عهد بالإسلام يأتوننا بلحمان لا ندري أسموا عليها أم لا، فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: كلوا وسموا، ولأنه ذكر لو تركه ناسياً لم يمنع صحة الذكاة، فإن تركه عامداً يجب أن لا يمنع كالصلاة على ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ.
يبين صحة هذا أن ما كان شرطاً في صحة الذكاة لا يختلف فيها العمد والسهو، كقطع الحلقوم والمريء، وما ليس بشرط لا يختلف كاستقبال القبلة وتحديد الشفرة.
---(2/83)
ووجه الثانية: قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ولأنها ذكاة فافتقرت إباحتها إلى التسمية دليله الصيد لا يختلف المذهب أنها شرط في إباحته، كذلك الذبيحة، وقد دل على ذلك الأصل ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال لعدي بن حاتم: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل وإن شاركه كلب آخر فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك، فجعل التسمية شرطاً كما جعل كون الكلب معلماً شرطاً. وفي حديث آخر: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل، فإن لم تسمِ فلا تأكل وهذا نص في إيجاب التسمية على الصيد فكانت الذبيحة مقيسة عليها، وإذا ترك التسمية على الذبيحة ناسياً أبيحت رواية واحدة، لأنه يمتنع أن يكون الشيء واجبا ويسقط بالسهو. كما نقول في ترك التسبيح في الركوع والسجود والتسمية على الظهارة ونحو ذلك، وأما التسمية على الصيد فإن التسمية فيه واجبة في العمد والسهو، وإن تركها لم يبح أكله. رواية واحدة، نص على ذلك في رواية جماعة منهم بكر بن محمد فقال: إذا بعث كلبه أو بازه، ولم يسم فلا يأكل، لقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: فإن لم تسم فلا تأكل. وقد نقل جعفر بن محمد بن يحيى المتطبب في الرجل يرمي سهمه ولا يسمي: فحائر، قيل له: يذبح ولا يسمي قال: جائز إذا لم يتعمد، فقيل له: يرسل كلبه فلا يسمي؟ فقال: لا، فظاهر هذا أنه فرق بين أن يكون الصيد بالسهم فيباح بغير تسمية وبين أن يكون بجارح فيشترط فيه التسمية.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 10
وجه الأولى: أن السهم آلة للاصطياد، فكانت التسمية شرطاً في إباحة صيده، دليله الجوارح.
---(2/84)
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل، فلما شرط التسمية في إرسال الكلب دل على أنها غير شرط في السهم ولأن الصيد بالسهم ذكاة بآلة يعتبر فيها العقر وإنهار الدم فلم تكن التسمية فيها شرطا دليله الذبح وقد ذكرنا في الذبيحة روايتين كذلك هاهنا ولا يلزم عليه الصيد بالجوارح لأن تلك ذكاة لا يعتبر فيها العقر وإنها الدم فإنه لو خنق الصيد أبيح أكله وهاهنا لو أصابه السهم بعرضه فقتله لم يبح، فأما ذبيحة الذمي وصيده هل يعتبر في إباحتها التسمية كالمسلم أم لا؟
فنقل ابن منصور عنه في نصراني ذبح ولم يسم قال: لا بأس، فقد أطلق القول بالإباحة ويجب أن يكون هذا محمولاً على الرواية التي تقول: إنها ليست بشرط في حق المسلم، فلا يكون شرطاً في حقه. فأما إذا قلنا: إنها شرط في حق المسلم فهي شرط في حق الكتابي لأن كلما كان شرطا في ذكاة المسلم فهو شرط في ذكاة الكتابي بدليل قطع الحلقوم والمريء والودجين ونحو ذلك .
الصيد يغيب فيجده الصائد وبه السهم أو عليه الكلب :
4ـ مسألة: إذا أرسل سهمه أو كلبه على صيد فعقره قبل أن يغيب عنه تحامل وغاب عنه فوجده ميتاً أو لم يعقره بل غاب السهم فالكلب والصيد قبل عقره ثم وجد الصيد ميتاً والكلب عليه، والسهم فيه، فهل يباح أكله أم لا؟
فيه ثلاث روايات:
إحداهما: الإباحة على الإطلاق في رواية حنبل والأثرم في رجل رمى صيداً فغاب عنه ثم وجده بعد ميتاً فعرف سهمه فيه أيأكله؟ قال: نعم. فظاهر هذا الإباحة على الاطلاق وهو اختيار الخرقي.
والثانية: إن أدركه من يومه أبيح أكله وإن أدركه من الغد لم يبح. قال في رواية ابن منصور : إذا غاب الصيد فلا يأكله إذا كان ليلاً وأما إذا كان ليلا وأما إذا كان نهاراً ولم ير به أثراً غيره يأكله ومعنى قوله إذا كان ليلاً يعني إذا حال بينه وبينه الليل ووجده من الغد لم يبح.
---(2/85)
والثالثة: إن كان قد عقره عقراً صيره في حكم المذبوح قبل أن يغيب عن عينه أبيح، وإن لم يصيره في حكم المذبوح لم يبح قال في رواية جعفر بن محمد في الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه فيجد به سهمه وقد مات، فقال: إن كان قد رماه رمياً يرى أنه يموت منه، وإن خشي أن يكون شاركه شيء فلا.
وجه الأولى: وهي أصح، ما روى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن عدي بن حاتم، قال قلت: يا رسول الله إنا أهل صيد، يرمي أحدنا الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين ثم نتبع أثره بعدما نصبح يجد سهمه فيه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 10
قال: إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد به أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل. فقد أباح أكله مع الغيبة، ولم يعتبر أن تكون الرمية موجبة، وأجازه بعد الليلة والليلتين، ولأنه لم يكن هناك سبب كان منه موته في الظاهر إلا سهمه فوجب أن يجوز أكله، دليله إذا كان لم يتوارَ أو إذا وجده من يومه، أوإذا كانت الرمية موحبة.
ووجه الثانية: أن الغيبة توجب المنع بدليل ما روي عن ابن عباس أنه قال: كل ما أصميت يعني قتلت ودع ما أنميت يعني ـ غاب عنك ـ وقيل ما خرجت روحه بعد زمان، ولأنه إذا غاب عن عينه لم يأمن أن يكون قد مات من غير السهم فيجب أن لا يؤكل إذا الأصل الحظر فلا يستباح بالشك، إلا أنه إذا أدركه من يومه فهو قريب من الرمية، وما قارب الشيء فهو في حكمه، وإذا وجده من الغد فهو بعيد منه، فيجب أن يكون على حكم الحظر.
ووجه الثالثة: أن الغيبة توجب الحظر من الوجه الذي ذكرنا.
فإذا كانت الرمية موحية تحققنا ذكاته من تلك الرمية، فإذا غاب لم تؤثر الغيبة فيه، ويفارق هذا إذا لم تكن موحية لأنه يحتمل أن يكون موته من غير السهم، والأصل الحظر فلم يبح بالشك.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 10
الذكاة
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 15
قتل الكلب للصيد ذكاة له:
---(2/86)
5 ـ مسألة: إذا أدرك وقد جرحه وبه عقر لم يصيره في حكم المذبوح، وفيه حياة مستقره وخاف عليه الموت وليس معه ما يذكيه، به، فأضرى الكلب عليه حتى قتله هل يباح أكله أم لا؟
نقل الميموني : لا يكون ذلك ذكاة له، وهو اختيار أبي بكر، لأنه مقدور عليه، وذكاة المقدور عليه في الحلق واللبة.
ونقل أبو طالب وحنبل أن ذلك ذكاة له وهو اختيار الخرقي، لأن هذه الحال يتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة في الغالب، فجاز أن يكون ذكاته على حسب الإمكان، في الغالب، دليله إذا تردى في بئر أو ند بعيره، ولا يلزم على هذا إذا كان عنده صيد في بيته وخاف عليه الموت ولم يجد ما يذكيه أنه لا يعفي عن محل الذكاة في تلك الحال لأن تلك الحال لا يتعذر فيها الآلة التي يذكى بها في الحلق واللبة في غالب الحال، لأن الإنسان لا يخلو من آلة في منزله وفي رحله، وليس كذلك هاهنا، لأنه قد يتعذر في الغالب أن يكون معه في موضع الصيد آلة الذكاة في الحلق واللبة، فلهذا عفى عنها كما عفى عن المحل في المتردي.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 15
صيد الكلب إذا استرسل بنفسه:
6 ـ مسألة: إذا استرسل الكلب بنفسه من غير إرسال صاحبه فصاح به صاحبه وأضراه وأغراه على الصيد وسمى فازداد عدوه وحقق قصده وصار عدوه أسرع من الأول، فهل يحل أكل صيده أم لا؟
نقل حرب عنه: إذا أصاب الكلب من غير أن يرسل فلا يعجبني، لأن حديث عدي بن حاتم: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله وهذا لم يذكر اسم الله، فظاهر هذا أنه اعتبر وجود الإرسال في الابتداء، فإذا لم يوجد ذلك ابتداء لم يبح، وهو الصحيح عندي.
فقال أبو بكر وشيخنا أبو عبد الله : يباح.
---(2/87)
وجه الأولى: أن انفلات الكلب وذهابه تعلق به تحريم أكل الصيد، فوجب أن لا يرتفع ذلك الحكم بزجره، كما لو أرسله مجوسي فزجره مسلم أنه لا يتعلق الحكم بالزجر، كذلك هاهنا، ولأن زجر صاحبه له لم يقطع ما كان منه لأنه لم يرجع عن الاسترسال بل قوى فيه واشتد فلم يكن فيه قطعاً لاختياره، كما لو أن رجلاً كان يمضي في حاجة فقال له رجل: بادر فيها، فأسرع وقوي في ذلك فإنه لا يكون قطعاً لما كان منه بل هو تقوية، فإذا صاد صيداً فقد صادره لا عن إرسال فلم يجز أكله.
ووجه الثانية: أن الزجر لم يتقدمه إرسال، فوجب أن يتعلق الحكم بالزحر كما لو كان في يده فزجره، ويبين صحة هذا أن الزجر إذا لم يتقدمه إرسال تعلق الحكم به، ألا ترى أن الكلب لو انفلت على دابة إنسان فزجره صاحبه فعقر دابة الإنسان ضمن، فلو لم يزجره لم يضمن، ولأنه قد حصل سببان أحدهما بغير فعل الآدمي، وهو انفلات الكلب من غير إرسال صاحبه وذهابه، والآخر بفعل الآدمي، فيجب أن يتعلق الحكم بفعل الآدمي.
ألا ترى أن رجلاً لو حفر بئراً في طريق المسلمين، أو وضع فيها حجراً فعثر إنسان يدركه ووقع في البئر، أو على الحجر، تعلق الضمان على الحافر، وواضع الحجر، ولأنه لو صاح به فوقف ثم صاح به فاسترسل وقتل أبيح الأكل كذلك إذا لم يقف.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 15
أكل صيد المجوسي من البحر:
7 ـ مسألة: هل يباح أكل صيد المجوسي من البحر أم لا؟
فنقل حنبل عنه: لا يعجبني أن يؤكل من صيد المجوسي في بر ولا بحر، فظاهر هذا المنع.
ونقل ابن منصور في المجوسي يصيد السمك في البحر والجراد: لا بأس به.
وجه الأولى: أنه صيد مجوسي فلا يباح، دليله صيد البر.
ووجه الثانية: أن هذه الأشياء لا تفتقر في إباحتها إلى الذكاة.
والمجوسي فيها كالآلة ولو كانت الآلة التي يذبح بها السمك أو الجراد يقتل بها المجوسي لم يمنع.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 16
---
إباحة الطريدة:(2/88)
8 ـ مسألة: إذا رمى صيداً فأبان بعضه وفيه حياة غير مستقرة فذكاة أو تركه حتى مات أبيح أكله كله، وأما أكل ما بان منه ففيه روايتان:
إحداهما: يحل أكله أيضاً. قال في رواية الميموني في المناجل إذا قطعت بعض الصيد: إنه مباح، وكذلك نقل أحمد بن الحسين المروذي إذا رمى صيداً فأبان منه فإنه يأكل ما بان منه، فظاهر هذا الإباحة، وهو اختيار أبي بكر.
والثانية: لا يباح أكل ما بان منه قال في رواية حنبل: لا يأكل البائن وكذلك نقل الأثرم.
وقد نقل الخرقي الروايتين جميعاً، وذلك محمول على أنه إذا لم يكن فيه حياة مستقرة بعد الإبانة، فأما إذا كان فيه حياة مستقرة لم يبح أكل ما بان منه رواية واحدة.
وجه الأولى: أن كل عقر كان ذكاة لما بقي كان ذكاة لما بان منه، أصله إذا كان قد قطعه نصفين ولأن العقر في الممتنع يحل محل الذبح في غير الممتنع، ثم ثبت أن الذبح في غير المتنع يبيح سواء حصل بذلك إبانة الرأس أو لم يحصل كذلك في العقر في الممتنع.
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ما أبين من حي فهو ميت، وهذا بان من حي، ولأنه أبان منه ما لا يمنع بقاء الحياة فيما بقي فوجب أن لا يحل أكل ما بان منه، كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة فذبحه أو لم يذبحه حتى مات إنه لا يباح.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 17
اجتماع المبيح والحاظر في الذكاة:
9 ـ مسألة: إذا ذبح الشاة أو غيرها من الحيوان فأتى على المقاتل فحمل نفسه فوقع في ماء أو كان على رأس جبل فتردى فهل يباح أكله أم لا؟ على روايتين:
قال في رواية الأثرم : في الرجل يذبح الذبيحة فتقع بعد ذبحه فقال: (لا تؤكل)، لحديث عاصم، إذا وقعت رميتك في ماء فلا تأكل، وكذلك نقل حنبل فظاهر هذا المنع، وهو اختيار الخرقي.
---(2/89)
ونقل أبو الحارث في الصيد إذا تردى ولحقه وبه رمق: يذكيه ويأكله، إلا أن يكون قد خرجت أمعاؤه ويكون مثله لا يعيش، وهكذا الحكم في الصيد إذا رماه رمية موحية لا يعيش بعدها فتردى من جبل أو سقط في ماء هل يباح أكله؟ على روايتين:
وجه الأولى: وهي اختيار الخرقي ، ما روى عدي بن حاتم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له: إذا وقعت رميتك في ماء فغرقت فلا تأكل ، وفي حديث آخر: إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قتل فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء لأنك لا تدري الماء قتله أو سهمك ولأنه مذبوح وقع في ماء قبل خروج روحه فلم يبح كما لو تستوفِ الذبح.
ووجه الثانية: وهي أقيس، أنه قد صار مذبوحاً فلا يؤثر فيه ما وراء ذلك كما قلنا فيمن ذبح رجلاً فقطع المريء والودجين ثم جاء آخر فأجاز عليه أو شق بطنه فقطع حشوته ثم جاء آخر فضرب عنقه فالقاتل هو الأول كذلك هاهنا يبين صحة هذا أن سبعاً لو جرح حيواناً جرحاً يموت منه لا محالة، فذكاها صاحبها بعد ذلك لم يبح، نص عليه في رواية الأثرم فقال لا يحل إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع وإن ذكاها، وكذلك نقل مهنا، فاعتبر أن يكون العقر موحياً فلا تثبت الذكاة حكماً فيما بعد، كذلك هاهنا إذا كانت الذكاة موحية لم يثبت حكم بعد ذلك.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 18
تذكية غير السمك من صيد البحر:
10 ـ مسألة: ما يباح أكله من البحر من غير السمك، هل تقف إباحته على ذكاته أم لا؟ وذلك مثل خنزير الماء والسرطان والسلحفاة ونحو ذلك.
فنقل عبد الله : لا بأس بأكل السرطان، قيل له: يذبح؟ قال: لا. فظاهر هذا أنه يباح من غير ذكاة.
ونقل أبو الحارث وعبد الله ، في كلب الماء والسلحفاة: لا بأس به إذا ذبح فقيل له: فإن رمي به في النار من غير أن يذبح؟ قال: لا إلا أن يذبح فظاهر هذا أن الذكاة شرط.
وجه الأولى: أنه لا يعيش إلا في الماء فكان موته ذكاته كالسمك.
---(2/90)
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: أحل لنا ميتتان ودمان: السمك الجراد والكبد الطحال.
ومن قال: يحل ميتة غير هذا، فقد ترك الخبر، ولأنها دابة لها مثل في البر فإذا كانت تأوي (إلى) البحر لم تبح بغير ذكاة، دليله ما يعيش في البر والبحر جميعاً مثل البط والوز وطير الماء، ولأن اعتبار الذكاة في هذه الأشياء تمكن لأنه لا يؤدي إلى تحريمه مع عدم الذكاة، لأن له نفساً يطول ويبقى بعد خروجه من الماء ويفارق السمك لأن اعتبار الذكاة فيه يؤدي إلى تحريمه لأنه نفسه تضيق ولا تمتد بعد خروجه من الماء فيموت قبل ذكاته فلو كانت معتبرة فيه أدى ذلك إلى تحريم أكثره، ولأن اعتبار محل الذكاة فيه لا يمكن ويتعذر في السمك ذلك غالباً لا سيما في صغاره.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 20
ما يوجد من السمك ميتاً في بطن سمكة أخرى:
11 ـ مسألة: إذا شق جوف سمكة فوجد فيه سمكة أخرى ميتة، هل تباح السمكة التي وجدها في جوفها أو لا؟
على روايتين:
نقل أبو الصقر عنه في رجل اشترى سمكة فوجد في بطنها سمكة أخرى هل تؤكل السمكة التي في بطنها؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس، الصافي أشد من هذا.
ونقل مهنا عنه فيمن اشترى سمكة فشق بطنها فوجد في بطنها سمكة أخرى، فقال: كل شيء أكل مرة فلا يؤكل ثانية، فظاهر هذا أنه لا يباح.
وجه الأولى: وهي اختيار أبي بكر، أن أكثر ما فيه أنها ماتت بغير فعل آدمي فهو كما لو ماتت حتف أنفها فهو كالسمك الطافي ولأن أكثر ما فيها أنها روى حيوان يؤكل لحمه وذلك طاهر.
ووجه الثانية: أنها محمولة على كراهة تنزيه لأن من الفقهاء من منع أكل السمك الطافي وهذا في معناه فلهذا كره أكلها
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 20
الجراد الميت حتف أنفه:
12 ـ مسألة: في الجراد إذا مات حتف أنفه هل يباح أكله أم لا؟
---
نقل المروذي عنه في الرجل يجد جراداً ميتاً: فلم يكره، فظاهر هذا الإباحة، وهو اختيار أبي بكر.(2/91)
ونقل إسحاق بن إبراهيم وأبو طالب في الجراد يوجد في الصحراء قال: كله إلا أن تعلم أن البرد أو الحر، يعني الريح، قتله فلا تأكله. فظاهر المنع.
وجه الأولى: حديث ابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال وكل حيوان لو مات بسبب حل أكله فإذا مات حتف أنفه أبيح كالسمك ولأنه لو اعتبر السبب اعتبر صفة المذكى كالنعم فلما لم يعتبر صفة المذكى ثبت أنه لا يعتبر السبب.
ووجه الثانية: قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة ولأنه حيوان يعيش في البر فإذا مات حتف أنفه لم يبح، دليله الشاة الميتة وغيرها.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 21
طرح السمك أو الجراد في النار حياً:
13 ـ مسألة: هل يكره طرح السمك في النار وهو حي أو ماء حار أم لا؟
نقل عبد الله في الجراد يطبخ وهو حي بالماء والملح حتى يموت، فقال: هذا ذكاته وكذلك إن ألقي في النار وهو حي يشوى فلا بأس. وكذلك صالح وأبو الحارث وابن القاسم في حيتان شويت وهن أحياء أتؤكل؟ قال: نعم.
وكذلك الجراد فظاهر هذا أنه غير مكروه.
ونقل أبو داود عنه في السمكة تلقى في النار وهي حية، قال: لا، فظاهر هذا المنع.
وجه الأولى: أن إلقاءه في النار ليس بأكثر من إمساكنا له حتى يموت بل طرحه في النار أسرع لخروج روحه وأسهل عليه وذلك الفعل مما يحصل به الذكاة فيجب أن لا يكره ذلك.
ووجه الثانية: أن في ذلك تعذيباً للحيوان وقد نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن تعذيب الحيوان وعن إيلامه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 22
تنجس ما سوى الماء من المائعات بوقوع النجاسة:
14 ـ مسألة: إذا وقعت النجاسة في مائع غير الماء كالخل والزيت واللبن وغير ذلك من المائعات وكان كثيراً هل ينجس أم لا؟
---(2/92)
فنقل يعقوب بن بختان، وقد سئل عن الزيت يقوم مقام الماء في النجاسات فقال: لا، كل ما تحول عنه اسم الماء فلا، فظاهر هذا أن جميع المائعات تنجس الخل وغيره، وكذلك قال في رواية أبي الحارث، وقد سئل عن الفأرة تقع في الزيت، وهو أكثر من خمس قرب، فقال: الزيت لا يقوم مقام الماء، إنما جاء الخبر في الماء، والماء طهور لكل شيء.
ووجه هذا ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في الفأرة تقع في السمن: إن كان جامداً فخذوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تأكلوه ولا تقربوه. ولم يعتبر مقداراً ولأن هذه الأشياء لا تدفع النجاسة عن غيرها فلا تدفعها عن نفسها ولأنه يمكن حفظها في العادة عن النجاسة، والماء بخلاف ذلك.
ونقل حرب عنه في كلب ولغ في سمن أو زيت، فإن كان في إناء كبير مثل أو نحو ذلك: رجوت أن لا يكون به بأس يؤكل، وإن كان في إناء صغير فلا يعجبني أن يؤكل، فظاهر هذا أنه إذا كان كثيراً لا ينجس في جميع المائعات.
ووجهه أن كل مائع ينجس قليله لم ينجس كثيره، دليله الماء.
ونقل المروذي عنه في النجاسة تقع في خل أو دبس فقال: أما الخل فأصله ماء يعود إلى أن يكون ماء إذا حمل عليه، ونقل أيضاً في خل أكثر من قلتين وقع فيه كلب فخرج منه حي، فقال: هذا أسهل منه لو مات.
ونقل الحسن بن محمد بن الحارث عنه، وقد سئل عن الزيت والسمن والخل مثل الماء إذا كان كثيراً لم ينجس قال: لا أقول هذا لا يطهر، فقيل له: فالخل؟ فقال: كان الخل أقرب، ثم كأنه جعله مثل الزيت.
قال: أبو بكر الخلال : قول الحسن بن محمد: جعله مثل الزيت وهم منه والذي يعرف من مذهب أبي عبد الله التسهيل في الخل على ما حكى المروذي.
قال: وبه أقول. فظاهر هذا أنه فرق بين الخل وبين غيره من المائعات، لأن الأصل في هذا الماء وإنما تغيرت صفاته، ويفارق هذا الزيت لأنه ليس أصله الماء.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 22
---
الانتفاع بالزيت المتنجس ونحوه فيما سوى الأكل:(2/93)
15 ـ مسألة: في الزيت النجس هل يجوز أن يستصبح به؟
فنقل عبد الله الحارث وأبو طالب وابن منصور عنه: يستصبح به ويطلي به سفينته ولا يبيعه.
ونقل العباس بن محمد بن موسى الخلال عنه، وقد سئل عن السمن أو الزيت إذا مات فيه شيء من الحيوان هل يستصبح به؟
قال: وسمعته يقول في الاستصباح: ومن يسلم من هذا؟ فظاهر هذا المنع.
وجه الأولى: وهي اختيار أصحابنا، ما روي عن صفية بنت أبي عبيد أن جرة لعبد الله بن عمر وقعت فيها فأرة فماتت فأمرهم ابن عمر يصطبحوا به ويدهنوا به الأدم ولأن الاستصباح به إتلاف له.
ووجه الثانية: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في السمن تقع فيه الفأرة فإن كان جامداً فألقوها وما حولها وإن كان مائعاً فلا تقربوه ولأنه نوع استعمال فأشبه لو أراد أن يدهن الجلود به.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 24
الأضاحي
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 24
وقت ذبح الأضحية:
16 ـ مسألة: في وقت ذبح الأضحية.
نقل حنبل وحرب : لا يضحى حتى يصلي الإمام في المصر، وينحر لوقت صلاة العيد إذا كانوا في قرية لا يعيد فيها ولا يجزي الذبح قبل الصلاة.
ظاهر هذا أن وقت الذبح يدخل بفعل صلاة العيد في الموضع الذي يقام فيه الصلاة، أو يمضي وقت صلاة العيد في الموضع الذي لا يقام فيه الصلاة.
وقال الخرقي : وإذا مضى من نهار يوم الأضحى مقدار صلاة الإمام للعيد وخطبته فقد حل الذبح. فظاهر هذا أن وقت الذبح يدخل بدخول وقت الصلاة لا يفعل الصلاة.
وجه ما نقله حنبل وحرب وهو المذهب ما روي في حديث البراء بن عازب أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: إن أو نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح فمن ذبح قبل الصلاة فليعد أضحيته فإنما هي شاة لحم عجلها لأهله وفي بعضها: ومن كان ذبح قبل أن يصلي فليعد الأخرى مكانها ومن لم يكن قد ذبح فليذبح .
---(2/94)
ووجه ما قاله الخرقي أنها قرية تختص بيوم العيد فلا تتعلق بصلاة الإمام قياساً على زكاة الفطر، ولأنه أحد طرفي وقت الذبح فوجب أن يكون متعلقاً بالوقت لا بالفعل كالطرف الأخير.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 24
عيون الأضحية:
17 ـ مسألة: لا تجوز الأضحية بعضباء الأذن، والقرن، واختلفت الرواية في صفة ذلك.
فنقل حنبل العضب ما كان أكثر من النصف من الأذن أو القرن فإذا انقطع أكثر من نصف الأذن والقرن لم يضح به، فظاهر هذا أن العضب المانع ذهاب أكثر من النصف فأما النصف فما دون فلا يمنع، وهو اختيار الخرقي.
ونقل المروذي عنه: لا يضحي بالمكسورة القرن إذا كان فيما بينها وبين الثلث. فظاهر هذا أن المانع ذهاب أكثر من الثلث وهو اختيار أبي بكر. ووجه هذه الرواية أن الثلث في حد القلة، وما زاد عليه في حد الكثرة ولهذا المعنى جاز للمريض التصرف في الثلث، ولم يجزالزيادة عليه وتعاقل المرأة الرجل في الثلث فما دون وما زاد عليه على النصف لأنه يحصل في حد الكثرة والجد يقاسم الأخو ما لم ينقصه من الثلث، فإذا أنقصه فرض له الثلث لأن ما نقص في حد القلة.
ووجه من اعتبر الزيادة على النصف ما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: العضب ذهاب النصف فما فوق ولا يقول مثل هذا إلا توقيفاً ولأن أطراف الأذن غير مستطاب وإنما يستطاب أصولها وإذا قطع الأقل لم يؤثر فإذا قطع زيادة على النصف فقد ذهب بجزء مما هو مستطاب فجاز أن يؤثر ولأن الأكثر قد جعل في الأصول قائماً مقام الكل فجاز أن يقوم الأكثر هاهنا مقام ذهاب جميع الأذن وذهاب الجميع يمنع ولم يقم الأقل مقام الكل فجاز أن لا يمنع كاليسير.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 25
القدر المجزىء في الذكاة:
18 ـ مسألة: في قدر الإجزاء في الذكاة.
---(2/95)
فنقل حنبل والفضل بن زياد في الذكاة في الحلق واللبة: ينبغي أن يقطع الحلق واللبة، فظاهر هذا أنه يجزىء في ذلك قطع الحلقوم والمريء، وهو اختيار الخرقي لأنه قال: وذكاة المقدور عليه من الأنعام في الحلق واللبة.
ونقل عبد الله : لا تؤكل حتى يذبحها على الحلقوم والأوداج وكذلك نقل ابن إبراهيم: إذا فرى الأوداج فلا بأس، فظاهر هذا أن الإجزاء يحصل بقطع أربع: الحلقوم والمريء والودجين والحلقوم، مجرى النفس والمريء تحت الحلقوم: وهو مجرى الطعام والشراب، والودجان عرقان يحيطان بالحلقوم.
وجه الأولى: أنه ذبح يوصل به إلى خروج الروح من غير تعذيب، فوجب أن يقع به الأجزاء كالقطع للأربعة يبين هذا أن القصد إخراج الروح من غير تعذيب، وهذا موجود بقطع الحلقوم والمريء لأنه لا يعيش بعده ويموت في الحال بلا تعذيب فهو كما لو قطع الودجين.
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: ما أنهر الدم، وفرى الأوداج، فكل . وقال: أفر الأوداج وكل فعلق الإباحة بفري الأوداج ولأنهم لا يختلفون أن قطع هذه الأربعة جائز له فلولا أن قطعها مشروط لم يجز قطعها لأن فيه زيادة تعذيب ليس هو شرط ولأنه لم يفر الأودج أشبه ما ذكرنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 26
ذبح الكتابي لأضحية المسلم:
19 ـ مسألة: إذا ذبح الأضحية كتابي، فهل تقع الأضحية موقعها أم لا؟
نقل حنبل عنه: لا بأس أن يذبح اليهودي والنصراني نسك المسلم والمسلم أحب إليَّ. فظاهر هذا أنها واقعة موقعها.
ونقل ابن منصور هل يذبح أهل الكتاب للمسلمين؟
أما النسك فلا، فظاهر هذا أنها لا تقع موقعها.
وجه الأولى: أنه من أهل الذكاة فصح أن يذبح الأضحية كالمسلم، ولأن المقصود حصول الذكاة وإن لم يقع على وجه القربة، بدليل أنه لو أوجب أضحية فذبحها مالكها يعتقدها شاة لحم وقعت الأضحية موقعها، فإذا لم يراع أن يقع على وجه القربة صح من الذمي.
---(2/96)
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا يذبح ضحاياكم إلا طاهر ، ولأنه كافر أشبه المجوسي ولأن ما لا يتقرب به الكافر عن نفسه لا ينوب عن المسلم فيه كالحج.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 28
أكل الثعلب:
30 ـ مسألة: في الثعلب هل يباح أكله أم لا؟
نقل حنبل عنه: كل ما يودي إذا أصابه المحرم يؤكل، فظاهر هذا أن كل ما ضمن المحرم بالجزاء يباح أكله، وقد نص في رواية أبي الحارث في الثعلب شاة فهذا يدل على إباحته.
ونقل عبد الله عنه: لا يعجبني أكل الثعلب، نهى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ عن أكل كل ذي ناب من السباع.
وجه الأولى: وهي أصح قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير .
فدل على أن ما عدا ذلك غير محرم، ولأنه حيوان لم يمتزج بغير جنسه يجب بقتله الجزاء فكان مأكولاً كالغزال، والضبع، والضب، فإن المذهب لا يختلف في إباحتها ولا يلزم عليه السمع لأنه يمتزج بغير جنسه لأنه متولد من الذئب والضبع، أو نقول: هو ذو ناب ضعف غير مستكره، فحل أكله كالضبع.
ووجه الثانية: نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير ، رواه عاصم بن ضمرة.
وروى أبو هريرة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام، ولأنه سبع لا يستطاب في العادة فهو كالذئب ولأنه يعتاد أكل الجيف فهو كالذئب، والكلب، والخنزير، ويفارق الضبع والضب فإنه يستطاب، ولا يأكل الجيفة، فأما السنور البري فهل يباح أكله أم لا؟
فنقل عبد الله، وقد سئل عن السنور، فقال: لا يعجبني أكله، يشبه السبع فظاهر هذا المنع على الإطلاق.
وقال في رواية حنبل: ما يودي إذا أصابه المحرم يؤكل.
وقد قال في رواية الكوسج: في السنور الأهلي وغير الأهلي حكومة. فظاهر هذا إباحتها.
---(2/97)
وجه الأولى: وهي أصح ما روى جابر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن أكل السنور وعن أكل ثمنها ولأنها تأكل حشرات الأرض فهي مستخبثة ووجه الثانية: أن ما كان إنسياً ووحشياً فإذا لم يؤكل الإنسي منه أكل الوحشي كالحمير.
أما الذباب والبق، فهل يحرم أكله أم لا؟
نقل ابن ابراهيم وابن منصور في الذباب: ما أراه حراماً فظاهر هذا إباحته.
ونقل الميموني عنه وقد سئل عن الذباب والبق فقال: إذا وقع الذباب في الطعام فانقلوه فإن أحد جناحيه فيه سم يعني فاغمسوه، فظاهر هذا يقتضي تحريمه لأنه قد منع من أكل الحية والعقرب لأن فيها سماً.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 28
وهذا المعنى موجود في الذباب.
وجه من قال في في إباحته عموم قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس وهذا خارج من ذلك.
ووجه الثانية: وهي أشبه قوله تعالى: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث والعرب تستخبث هذه الأشياء ولا تأكلها فيجب أن يحرم أكلها ولأنه في معنى البراغيث والقمل والنمل، وذلك غير مستطاب/
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 28
أنفحة الميتة:
21 ـ مسألة: في أنفحة الميتة ولبنها هل هي طاهرة أم نجسة؟
نقل حنبل عنه: أنفحة الميتة طاهرة لأن اللبن لا يموت، فظاهر طهارتها وهو قول أبي حنيفة والوجه فيه عموم: نسقيكم مما في بطونه وذلك في حال الحياة وبعد الموت.
وروى ابن عباس قال: أتى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في غزاة الطائف بجبنة فقال: أين يصنع هذا؟ قالوا: بأرض فارس قال: اذكروا اسم الله عليه وكلوا .
ومعلوم أن ذبائح المجوس ميتة وقد أباح أكلها مع العلم أنها من صنعتهم. وقد روي عن عمر وسلمان وعائشة وطلحة إباحة كل الجبن الذي فيه أنفحة الميتة.
---(2/98)
ونقل الميموني في الدجاجة إذا ماتت وأُخذ منها البيض: جائز، وقال: ليس البيض بمنزلة اللبن هذا سائل يختلط والبيض جامد، فظاهر هذا نجاسته وهو قول مالك والشافعي، ولأن موضع الحلقة لا ينجس ما جاوره مما حدث فيه خلقة بدليل جواز أكل اللحم بما فيه من العروق مع العلم بمجاورة الدم له وأحلها من غير تطهير ولا غسل، ويبين صحة هذا قوله تعالى: نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً . ولم يوجب نجاسته لأنه موضع الحلقة.
ووجه الثانية: أنه مائع جاور محلاً نجساً فنجسه دليله لو حصل اللبن في طرف نجس.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 31
القدر المباح من الميتة لمن اضطر إلى أكلها:
22 ـ مسألة: اختلفت الرواية في جواز الشبع من الميتة.
فنقل أبو طالب وحنبل ، إنما تحل الميتة إذا خاف على نفسه الموت، فيأكل منها بقدر ما يقيمه عن الموت فإذا أقامه عن الموت أمسك عنها ولا يتزود.
فظاهر هذا أنه لا يجوز له الشبع منها، وهو اختيار الخرقي.
ونقل ابن منصور والفضل : يأكل بقدر ما يستغني فإن خاف أن يحتاج إليه تزود منه، فظاهر هذا جواز الشبع منها، وهو اختيار أبي بكر.
وجه الأولى: وهي الصحيحة أن الإباحة معلقة بشرط الضرورة، بدليل قوله تعالى: إلا ما اضطررتم إليه فإذا أكل منها ما يمسك رمقه زالت الضرورة فوجب أن تزول الإباحة لعدم الشرط ولأن خوف التلف على نفسه معدوم في هذه الحال فلا يجوز أن يأكل منها أصله لو عدم الخوف حال الابتداء ولأنه لو عدمت الضرورة إليها في الابتداء لم يجز تناولها، فإذا عدمت في الثاني يجب أن لا يجوز كما لو وجد طعاماً مباحاً بعد ما تناول منها لقمة أو لقمتين.
ووجه الثانية: ما روي عن ـ النبي
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 32
الأكل من ثمر البستان لمن مر به:
---
22 ـ مسألة: إذا مر الإنسان ببستان غيره وفيه ثمرة معلقة وهو في الحضر ولا ضرورة به وليس عليه حائط فهل يجوز له أن يأكل من تلك الثمرة من غير إذن ولا ضمان أم لا؟(2/99)
نقل صالح عنه أنه قال: أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان مسافراً إنما الرخصة للمسافر، فظاهر هذا أنه ممنوع منه في الحضر.
كذلك نقل أبو طالب وحنبل ، وقد سئل: إذا لم يكن تحت الثمرة شيء يصعد فقال: لم أسمع يصعد، فإن اضطر أرجو أن لا يكون به بأس. فظاهر هذا أنه مباح عند الضرورة.
ونقل حرب : إذا كان عليه حائط فلا يأكل، وإن لم يكن عليه حائط وكان في فضاء من الأرض فلا بأس أن يأكل، وهذا يقتضي الإباحة على الإطلاق.
وكذلك نقل الأثرم وقيل له: يأكل على الضرورة أو غير ضرورة؟ فقال: ليس في الأحاديث ضرورة قد اعتبر ظاهر الخبر وليس فيه حضر ولا سفر، ولا ضرورة.
وجه الأولى: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: من أصاب منه بقية من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج منه بشيء فعليه غرامة مثله والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ قيمة المجن فعليه القطع.
فوجه الدلالة أنه قال من أصاب بغية من في الحاجة فلا شيء عليه فأباح ذلك عند الحاجة وذلك إنما يوجد غالبا في السفر فدل على أنه لا يباح عند عدم ذلك
ووجه الثلانية أنه قال: ما روى نافع عن ابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: إذا مرَّ أحدكم بحائط غيره فليدخل فيأكل، ولا يتخذ خبنة وفي بعضها فليناد ثلاثاً فإن أجابوه وإلا فليدخل ولا يتخذ خبنة.
يعني: لا يحمل معه، فظاهر هذا الإباحة على الإطلاق من غير حاجة ولا سفر. وكذلك روى أبو سعيد الخدري عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: إذا أتيت على بستان فناد صاحب البستان ثلاثا فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد. وهذا أيضاً إباحة على الإطلاق.
---
فإن اجتاز ببستان غيره وفيه زرع فهل يباح له الأكل من ذلك كما يباح له الأكل من الثمار أم لا؟
نقل أبو طالب عنه فإن كان زرع حنطة فلا يأكل إنما رخص في الثمار ليس في الزرع. فظاهر هذا المنع.(2/100)
ونقل بكر بن محمد عن أبيه عنه فإذا كان ثمراً في نخل أو بستان أو إبل في صحراء على حديث أبي سعيد أو سنبل قائم أكل منه، وإن كان ثمراً قد أُخزن في البيوت أو حنطة قد أحرزت في بيت أو إبل أو غنم قد أويت إلى المراح فلا يأكل منه، ويأكل الميتة، فظاهر هذا الإباحة وهو اختيار أبي بكر.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 33
وجه الأولى: أن القياس يقتضي المنع لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، من غير ضرورة إلا أنا أطرحنا القياس في الثمار للخبر، والخبر وارد في الثمار، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن الثمر المعلق فقال: من أصاب بغية من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه فأباح الثمرة والزروع لا يقع عليها اسم الثمار على الإطلاق فيجب أن يبقى ما عداه على موجب القياس.
ووجه الثانية: أن في حديث ابن عمر وأبي سعيد إذا أتيت على حائط إنسان أو مر أحدكم بحائط غيره فليأكل وهذا عام في الثمار وغيرها إلا ما خصه الدليل كل بستان أبيح له أكل الثمار منه أبيح له أكل الزرع منه دليله ملك نفسه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 33
الشرب من ألبان الماشية لمن مر بها:
24 ـ مسألة: فإن مر على ماشية غيره فهل له أن يحلب ويشرب من لبنها أم لا؟ على روايتين:
نقلها بكر بن محمد عن أبيه فسئل عن الرجل يمر بالغنم والإبل يشرب من ألبانها من غير أمر صاحبها؟
---
قال: لا، أذهب إلى حديث ابن عمر، هو أجود إسناداً قيل: فيمر البساتين، قال: يأكل هذا فعله غير واحد من أصحاب ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فظاهر هذا أنه منع من شرب اللبن ففرق بينه وبين الثمار، وقال في موضع آخر وإذا مررت بإبل أو غنم فناد ثلاثاً، فإن أجابك وإلا فاشرب، فإنه لا بأس. فظاهر هذا الإباحة.
وجه الأولى: ما روى ابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا تحتلب مواشي القوم إلا بإذنهم وهذا نهي فاقتضى التحريم.(2/101)
ووجه الثانية: ما روى الحريري عن أبي نضرة، عن أبي سعيد عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: إذا أتيت على راع فناده ثلاثاً فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط إنسان فناد صاحب البستان ثلاثاً فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد .
ولأن المنع من اللبن ليس بآكد من الثمار وقد جاز الأكل منه من غير إذن ولا ضمان كذلك اللبن.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 35
شحوم ذبائح أهل الكتاب:
25 ـ مسألة: في الشحوم المحرمة على أهل الكتاب إذا تولى ذكاتها هل هي محرمة على المسلمين أم لا؟
اختلف أصحابنا في ذلك فكان أبو الحسن التميمي يقول: هي محرمة إذا كان الذابح كتابياً، وأفرد لهذه المسألة جزءاً وتكلم فيها على من خالفه من أصحابه وقد أومأ إليه أحمد ـ رحمه الله ـ في رواية صالح قال: كان أبي يكره شحوم ذبائح اليهود. فظاهر هذا المنع.
وقال شيخنا أبو عبد الله: هي مباحة وقال: كان الخرقي يقول: هي مباحة وجعلها مسألة منفردة ونصرها بالإباحة، وقد أومأ أحمد إلى ذلك في رواية مهنا وقيل له الزبيري عن ملك في اليهودي يذبح الشاة لا يأكل من شحمها. قال أحمد: مذهب دقيق، فظاهر هذا أنه يعجب من قوله ولم يأخذ به. ولا يختلف أصحابنا أنه إذا كان الذابح مسلماً أن تلك الشحوم مباحة في حقه، وكذلك لا يختلفون أن تحريم ذلك باقٍ في حق أهل الكتاب لم ينسخ نص عليه في رواية عبد الله.
---
وجه من حرمها أنها شحوم محرمة على ذابحها فكان محرماً على غيره دليله لو كان المذبوحة خنزيراً وذكاه مجوسي أو محرم وذلك أن هذا الشحم محرم على ذابحه وهو الكتابي، بدليل قوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما .
ولم يثبت نسخه، ولأنه علل فقال: ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون وهذا المعنى موجود في وقتنا فيجب أن يكون محرماً على غير الذابح كما قلنا في ذكاة المجوس والمحرم.(2/102)
ووجه من قال بالإباحة احتج بأن ما كان مباحاً إذا تولى ذبحه المسلم كان مباحاً إذا تولى ذبحه اليهودي دليله اللحم، وكل شاة أبيح للمسلم أكل لحمها أبيح له أكل شحمها دليله التي ذبحها المسلم، ومن قال بالأول أجاب عن هذا وقال: إذا تولى المسلم ذبحها فقد قصد إلى ذكاة الشحم وإذا تولى الكتابي فهو غير قاصد إلى ذكاة الشحم والقصد معتبر في الذكاة لأنه لو لم يكن معتبراً لم يختلف باختلاف المذكين كما أن النجاسة لما يعتبر القصد في إزالتها لم يعتبر فيها المزيل وهاهنا قد اعتبر فيها المذكي أن يكون من أهل الكتاب فإن كان مجوسياً أو وثنياً، لم يصح ذكاته فدل على أن القصد معتبر في ذلك.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 37
إطعام الميتة والطعام النجس لما لا يؤكل من البهائم:
26 ـ مسألة: هل يكره أن تطعم البهائم التي لا تؤكل الميتة والطعام النجس أم لا؟
---
نقل مهنا عنه في الرجل يموت عنده الطير يطعمه طيراً آخر فكرهه. ونقل حنبل في الرجل يطعم كلبه المعلم الميتة: فلا حرج على صاحبه أم كراهية ذلك في الطير لأنه يؤدي إلى تنجيسه وتحريم أكله فلهذا إكراه له ذلك، وأما جواز ذلك في كلبه فلأن الكلب نجس العين فلا يؤثر فيه إطعامه النجاسة وقد نص في مواضع منها (ما نقله) بكر بن محمد ومحمد بن الحسن في الخبز إذا عجن بما نجس يطعمه البهائم التي لا تؤكل لحمها، واحتج أحمد في ذلك بما روى نافع عن ابن عمر أن قوماً اختبروا من آبار الذين مسخوا فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: أعلفوه النواضح واحتج أيضاً بقول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في كسب الحجام: أعلفه ناضحك.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 38
كتاب الأيمان والنذور والكفارات
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 41
الأيمان المكفوة وغير المكفوة
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 43
الكفارة بالحنث على من قال: هو كافر أو فاسق إن فعل كذا أو ترك كذا:(2/103)
1 ـ مسألة إذا قال: هو يهودي إن فعل كذا أو كافر أو بريء من الإسلام أو من الرسول إن فعل كذا، ففعل فحنث فهل يجب عليه الكفارة أم لا؟
نقل صالح وأبو طالب : عليه كفارة يمين.
ونقل حنبل عن مالك: أنه يقول في الرجل يقول: اكفر بالله أو أشرك بالله ثم يحنث: عليه كفارة ويستغفر الله.
قال أحمد: أحب إليَّ أن يكفر ويستغفر الله، فظاهر هذا أنه استحب الكفارة ولم يرها واجبة.
---
وجه الأولى: وهي المذهب ما روى أبو بكر بإسناده عن الزهري عن خارجه بن زيد عن زيد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يقول: هو يهودي، وهو نصراني، أو هو مجوسي، أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف عليها فيحنث في هذه الأشياء، قال: عليه كفارة يمين لأن البراءة من الله أو الرسول توجب الكفر فجاز أن يصير به حالفاً وتجب الكفارة إذا حنثت دليله اسم الله تعالى ثم جاز أن يكون حالفاً باسم من أسمائه كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: أنه وصف نفسه بالمعصية بفعله فلم يلزمه كفارة يمين كما لو قال: إن فعلت كذا فأنا زان، أو شارب خمر وفعله.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 43
الكفارة باليمين الغموس:
2 ـ مسألة: يمين الغموس هل يجب فيها الكفارة أم لا؟
نقل حرب وابن منصور وأبو طالب : لا كفارة فيها وهو أعظم من أن يكون فيه كفارة.
ونقل أبو العباس أحمد بن سعيد اللحياني عنه: إنما الكفارة فيمن يتعمد الحلف على الكذب أنه قال يكفرها.
قال: ولا أعلمه إلا وقد سمعته يقول أيضاً وقد روى في الذي يتعمد الحلف على الكذب أنه قال: يكفرها فظاهر هذا الكفارة فيها.
---(2/104)
وجه الأولى: وهي المذنب أن يمين الغموس غير معقودة لأن الحنث يقارنها فمنع انعقادها وتقع مفحلة وإنما المعقودة هي التي يترقب فيها البراء والحنث ألا ترى أن قول الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، وقوله لعبده: إن كلمت زيداً أنت حر ليس بيمين معقودة لأن الحنث غير مترقب بل هو واقع في الحال، ويبين صحة هذا أن ما يطرأ على العقد لما يحله إذا قارنه منع انعقاده كالرضاع والردة في النكاح، وهلاك المبيع، وإذا لم تكن منعقدة لم تجب الكفارة لقوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين . الآية فأوجب الكفارة في يمن منعقدة. ولأنها يمين على الماضي فلم تتعلق بها كفارة دليله يمين اللغو وهو إذا قال: والله إن هذا زيد فبان له أنه عدو كان يظن أنه زيد فإنه لا كفارة عليه كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: أنه خالف بين قوله وفعله في يمين مقصودة أشبه اليمين غير الغموس وكل معنى إذا طرأ على عقد صحيح أوجب الكفارة فإنه إذا قارنه أوجب الكفارة قياساً على الوطء في الحج ولأن أكثر ما فيه أنه معصية وهذا لا يمنع الكفارة كالظهار.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 44
لغو اليمين:
3 ـ مسألة: في صفة يمين اللغو التي لا كفارة فيها.
نقل عبد الله: اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى أنها كذلك فلا كفارة والرجل يحلف ولا يعقد قلبه على شيء فلا كفارة، فظاهر هذا أن لها صفتين إحداهما أن يقصد باليمين فعلاً ماضياً فبان بخلافه مثل أن يرى رجلاً يظنه زيداً فقال: والله إن هذا زيد فبان أنه عمرو أو رأى كوكباً فظنها لهلال فقال: والله لقد أهل الهلال فإذا هو كوكب فلا كفارة فيه.
والثاني: أن يسبق على لسانه ولا يعتقدها بقلبه كأنه أراد أن يقول بلى والله فسبق على لسانه: لا والله، أو أراد أن يقول: لا والله فسبق على لسانه بلى والله نحو ذلك، فهذا لغو اليمين ولا كفارة فيها.
---(2/105)
ونقل حنبل أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال: هو الرجل يحلف على الشيء فيقول: لا والله وبلى والله لا يريد عقد اليمين في كلام أو مراجعة كلام.
فإذا عقد على اليمين لزمته الكفارة، فظاهر هذا أنه إذا قصد على شيء ماضٍ باليمين يظن أنه كما حلف فبان بخلافه أنها يمين مكفرة وإنما اللغو ما لا يقصد اليمين فيه.
وجه الأولى: وهو اختيار الخرقي أنها يمين على ماض فأشبه قوله: والله، وبلى والله.
ووجه الثانية: أنه خالف بين قوله وفعله في يمين مقصودة فوجب أن لا تكون لغواً وتجب الكفارة، دليله اليمين المعقودة على المستقبل.
وروى عطاء قال دخلت أنا وعبيد الله بن عمير على عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهي معتكفة فسألناها عن لغو اليمين قالت: قول الرجل لا والله، وبلى والله، ولا يقصد بقلبه ولأن اللغو في اللغة ما يلغى من الكلام ويكون حشواً غير مقصود وإذا قصد اليمين على الماضي فهي يمين مقصودة، فلم تكن لغواً ومن نصر الأولى أجاب عن قول عائشة بما روى أبو صالح عن ابن عباس قال: اللغو في اليمين: قول القائل هذا والله فلان وليس بفلان وقوله يعارض قولها وقوله: إن اللغو ما يلغي ويكون حشواً ليس كذلك لأنه قد يكون عبارة عما لا يعتد به من الكلام ولا يتعلق به حكم قال الله تعالى: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقال تعالى: لا يسمعون فيها لغواً ومعناه: لا يسمعون كلاماً هزلاً لا يعتد به.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 45
تداخل الكفارات:
---
4 ـ مسألة: إذا كرر اليمين على فعل شيء واحد وحنث فيه أو على أشياء مختلفة وحنث في جميعها، هل يجب كفارة واحدة أم لكل يمين كفارة؟ نقل ابن منصور فيمن قال: والله لا آكل هذا الطعام ولا ألبس هذا الثوب ولا أدخل هذه الدار، فكفارة واحدة في كل هذا، ونقل في الرجل أيضاً يحلف على أمور شتى مراراً في مجلس أو مجالس ما لم يكفر كفارة واحدة، فظاهر هذا أنه إن حنث في بعضها ثم كفر ثم حنث في الثاني فكفارة ثانية.(2/106)
ونقل المروذي في امرأة قالت لزوجها: بوجه الله لا أعطيه كذا، ثم حلفت بوجه الله إن هي تركتك تدخل الدار وهي تريد إعطاءه قال أحمد تكفر كفارتين.
فظاهر هذا أن عليه في كل يمين كفارة سواء كفر عن بعضها أو لم يكفر. وكذلك نقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يقول: ما لي في المساكين وعلى المشي قال: إذا عقد بها اليمين فعليه كفارتان، يروي فيه عن ابن عمر وزينب وحفصة. قال أبو بكر : ما نقل المروذي قول أول لأحمد، والقول في ذلك أن كل حالف لو حلف بالله أو بحقه من صفاته أو باسم من أسمائه أو بوجهه، أو بعمله، أو قدرته، وعزمه، وكلامه، وأسمائه الحسنى فعليه كفارة يمين إذا حنث فيها.
وقال الخرقي : اليمين المكفرة أن يحلف بالله أو باسم من أسمائه أو بآية من القرآن أو بصدقة ماله أو بالحج أو بالعهد أو بالخروج عن الإسلام، وذكر القصد بطوله ثم قال بعد ذلك: ولو حلف بهذه الأيمان كلها على شيء واحد فحنث لزمه كفارة واحدة. فظاهر هذا أنه إذا حلف بها على أشياء مختلفة أن في كل واحد منها كفارة ولا يتداخل.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أن الكفارات تجري مجرى الحدود قال: ـ صلى الله عليه وسلم الحدود كفارات لأهلها ثم ثبت أنه لو زنى أو سرق ثم سرق ولم يحد فحد واحد كذلك في باب الكفارات يجب أن تتداخل.
---
ووجه الثانية: أنها أيمان حنث فيها فلم تتداخل كفاراتها، دليله إذا اختلفت كفاراتها مثل أن يحلف بالله بالظهار وينحر ولده، ويعتق عبده، فإنها لا تتداخل، وكذلك هاهنا، ولأنه حق في مال وحقوق الأموال لا تتداخل، والذي يدل على أنها أيمان أن الحنث يتكرر فيها فيجب أن تتكرر الكفارة.(2/107)
ووجه ما قاله الخرقي : إذا كانت على شيء واحد فهي يمين واحدة وإنما عطف بعضها على بعض تأكيداً بدليل أن موجبها حنث واحد فهو كقوله: والله، الطالب الغالب والضار النافع، فإن في ذلك كفارة واحدة، ويفارق هذا إذا كانت على أشياء لأنها أيمان بدليل أن الحنث يتكرر فيها فلهذا أوجب لكل يمين كفارة.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 46
الألفاظ التي ينعقد بها اليمين:
5 ـ مسألة: إذا قال: أقسمت، أو قال: أقسم لا فعلت كذا وكذا، ونوى به اليمين، كان يميناً، وإن لم ينوِ به اليمين، فعلى روايتين.
نقل أبو طالب : القسم يمين، فإذا قال: أقسمت عليك فهو يمين إذا حنث وإن لم يقل بالله. فظاهر هذا أنها يمين، فإن لم ينوِ بها اليمين، وهو اختيار الخرقي وأبي بكر.
ونقل حنبل : إذا قال: أقسم، ونيته اليمين، فكفارة يمين. وإن قال: أقسم، ولم يكن له نية، فلا شيء عليه. فظاهر هذا أنه إن نوى به اليمين كان يميناً، وإن لم ينوِ به اليمين فلم يكن يميناً.
ونقل المروذي : في القسم يمين، وفرق بين قوله: قسمت عليك، وبين: أقسمت عليك. فظاهر هذا أنه فرق بين قوله: قسمت عليك، وبين: أقسمت، أو لم يصرح بالحكم في ذلك، يجب أن يكون قوله: قسمت ليس بيمين، وأقسمت يميناً. ولا تختلف الرواية إذا قال: أقسم بالله، أو أقسمت بالله، فهو يمين نوى اليمين أو لم ينوِ به اليمين.
---
وجه الأولى: في أنه يمين وإن لم ينوِ به اليمين ما روى أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عبر رؤيا فقال له ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاً، فقال أبو بكر: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ لا تقسم يا أبا بكر.(2/108)
فوجه الدلالة أنه قال: أقسمت ولم يقل: أقسمت بالله وجعله النبي يميناً ونهاه عنه، وكذلك روى أن صفوان بن عبد الرحمن جاء بأبيه إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح فقال: يا رسول الله بايعه على الإسلام والهجرة، فقال ـ النبي عليه السلام ـ: لا هجرة، فقال العباس: أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعنه، فبايعه ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ وقال: بررت عمي ولا هجرة. فجعل قوله: أقسمت عليك يميناً وأخيراً أنه برَّ فيه فدل على أنه بمجرد يمين. ولأن القسم لا يقع بغير الله وقوله أقسم كقوله: أقسم بالله، كالحج لما لم يقع لغير الله كان قوله: عليَّ حجة كقوله لله عليَّ حجة ولأن قوله: أقسمت، يقتضي مقسماً به وهو منهي عن القسم بغير الله وإن أطلق، فالظاهر أنه أراد به القسم بالله، فصار كما لو قال: أقسمت بالله.
ووجه الثانية: أنه لفظ عري عن ذكر الله واسمه وصفاته فلم يكن يميناً يكفر، كما لو قال: وحق أبي وحق الكعبة، ولأن الأيمان تتعلق بصريح اللفظة ولا تتعلق بالكتابة، وألا ترى أن الرجل إذا قال: والله لا كلمت زيداً، فقال الآخر: يميني في يمينك، لم ينعقد يمين الثاني لأنه كناية؟ كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 48
---
ووجه ما نقله المروذي أنه قال: أقسمت فقد أتى بحرف القسم وهو الألف قال الله تعالى: إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين ، يعني حلفوا، وليس كذلك إذا قال: قسمت لأنه لم يأتِ بحرف القسم. وقال تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا... ... يعني قسمه المال دون اليمين، وفارق هذا أقسمت فإن قال: أشهد لا فعلت كذا ولم ينوِ به اليمين فهل يكون يميناً؟
فنقل أبو طالب إذا قال: أشهد هو يمين ولعمري ليس بشيء، فظاهر هذا أنها يمين نوى بها اليمين أو لم ينوِ بها ويجب أن تخرج على روايتين مثل قوله أقسم لا فعلت كذا هل يكون يميناً بغير نية؟(2/109)
على روايتين. ولا تختلف الرواية أنه إذا قال: أشهد بالله أنه يمين نوى اليمين أو لم ينوِ.
فوجه من قال: أشهد يميناً وإن لم ينوِ به اليمين أنه قد ثبت له عرف الشرع يدل عليه قوله تعالى: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة .... فأخبر أنهم اتخذوا أقوالهم تشهد إنك لرسول الله جنة، وسماه يميناً، ولأنه من ألفاظ اليمين، ألا ترى أنه لو قال: أشهد، وأراد به اليمين، كان يميناً، فإذا أدرجه مخرج التأكيد للخبر كان يميناً، كقوله: أشهد بالله .
ووجه من قال: لا يكون يميناً: أن اللعان يمين، وقد ثبت أن ذكر الله شرط فيه حتى إذا تركه لم يحتسب به كذلك هاهنا ولأن قوله أشهد يحتمل أشهد بأمر الله، ويحتمل الوعد، ويحتمل غيره فلا يكون يميناً.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 48
الحلف بالأمانة والعهد والميثاق:
6 ـ مسألة: فإن قال: والعهد والميثاق والأمانة لا فعلت كذا، ولم ينوِ به اليمين فهل يكون يميناً؟
---
فنقل حرب عنه: إذا حلف بالأمانة فإن أراد أن يعقد اليمين فهو يمين، فإن قال: لا وأمانة الله فهو يمين قيل له: وإن لم يرد في الثاني فكأنه ذهب إلى أنه يمين إذا سمى الله تعالى، فظاهر هذا أنه إذا قال: وأمانة الله فهو يمين، نوى اليمين أو لم ينوه، وهذا لا يختلف المذهب فيه كما لو قال: أقسم بالله وأشهد بالله أنه يمين وإن لم ينوِ اليمين، وكذلك قوله وعهد الله، وميثاق الله، أنه يمين نوى اليمين أو لم ينوِه.
قال في رواية أبي طالب إذا قال: على عهد الله إن فعلت كذا وكذا، فقال: العهد شديد في عشر مواضع من كتاب الله بتقرب إلى الله بكل ما استطاع عائشة ـ عليها السلام ـ أعتقت أربعين رقبة، فظاهر هذا أنها يمين مغلظة، وإن لم ينوِ بها اليمين وكذلك قوله: ميثاق الله.(2/110)
فأما إن قال: والعهد والميثاق والأمانة، فقد نص في الأمانة إن نوى بها اليمين كانت يميناً كذلك في العهد والميثاق ويخرج أن يكون يميناً وإن لم ينوِ بها كما قلنا في: أقسم وأشهد هل يكون يميناً وإن لم ينوِ اليمين؟ على روايتين، كذلك هاهنا.
فالدلالة على أنه إذا وصله بذكر الله وإن لم ينوِ اليمين أن العهد قد ثبت له عرف الشرع والاستعمال فروي أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حلفت بالعهد أن لا تكلم ابن الزبير فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة، وكانت تقول بعد ذلك واعهداه ولأنه لفظ موضوع لليمين بدليل أنه إذا نوى به اليمين كان يميناً وإذا أخرجه مخرج التأكيد للخبر وجب أن يكون يميناً كقوله: والله ولأن الأمانة إذا أضيفت إلى الله صارت من صفات ذاته ألا ترى أنه لا يصح أن يوصف بضدها فيجب أن يكون يميناً كقوله: وقدرة الله، وجلاله، وعظمته.
---
وأما إذا أطلقت الأمانة والعهد والميثاق، فإن قلنا يكون يميناً فوجهه أنه يحتمل اليمين بدليل أنه إذا نوى به اليمين كان يميناً، فإذا أخرجه مخرج التأكيد للخبر كان يميناً كما لو قال والله لأفعلن كذا وكذا، وإذا قلنا لا يكون يميناً فوجهه أن الأمانة، والعهد، والميثاق، هي الفرائض فيحتمل قوله على العهد بمعنى على فرائضه، وكذلك قوله: والأمانة لا فعلت يحتمل وحقوقه عليَّ لا فعلت هذا ويبين صحة هذا قوله: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال.... .
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 50
وأراد الإيمان والشرائع وكذلك قال سعيد بن المسيب : الأمانة في هذا الموضع الفرائض وإذا كانت تحتمل لم يحكم بصحة اليمين بأمر محتمل.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 50
من قال أعزم بالله وايم الله ولم ينوِ يميناً:(2/111)
7 ـ مسألة: فإن قال: لعمري أو أعزم لم يكن يميناً نوى اليمين أو لم ينوه رواية واحدة، لأن هذا اللفظ لم يثبت له عرف الشرع، ولا عرف استعمال فإن قال: أعزم بالله ولعمر والله، وايم الله، ونوى به اليمين كان يميناً وإن لم ينوِ به اليمين فهل يكون يميناً أم لا؟
نقل حرب فيمن قال: لعمر والله، فإن أراد اليمين فعليه الكفارة، فظاهر هذا أنه إذا لم يرد اليمين لم يكن يميناً، وبه قال أبو بكر . وقال شيخنا أبو عبد الله : يكون يميناً، كما لو قال: أشهد بالله، وأقسم بالله أنه يميناً، وإن لم ينوِ اليمين، وهو قول الخرقي، لأنه قال: ولو قال: أعزم بالله فهو يمين، ولم تعتبر النية.
وجه من قال لا يكون يميناً لعدم النية قال لم يثبت له عرف الشرع فلم يكن بمطلقه يميناً كقوله لعمري وأعزم وقد قال أحمد ـ رضي الله عنه ـ في رواية أبي طالب أشهد يمين ولعمري ليس بشيء ولأن قوله لعمر والله يحتمل بقاء الله ويحتمل حق الله وعبادة الله.
---
ووجه من قال: يكون يميناً بعدم النية، قال: قد ثبت لذلك عرف الشرع واللغة، قال تعالى: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون قيل: إنه أقسم الله به.
وقال الشاعر:
لعمري وما عمر عليَّ بهيّن
عمرك اللَّه كيف يلتقيان؟
وقال آخر:
لعمري ما يدري الفتى كيف يقضي
نوائب هذا الدهر أم كيف يحذر
ولأن العمر هو البقاء قال الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلاً
عمرك اللَّه كيف يلتقيان؟
وقال رجل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم : من أنت عمرك الله؟ قال: امرؤ من قريش.
وإذا كان معناه البقاء فكأنه قال: وبقاء الله، ولو قال ذلك كان يميناً، كذلك إذا قال: لعمرو الله، ولأن قوله: أعزم بالله، يحتمل اليمين، فإذا أخرجه مخرج التأكيد للخير كان يميناً كقوله: والله، يبين صحة هذا قول عمر لعلي ـ عليهما السلام ـ في الدية: عزمت عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 51
سقوط الكفارة بالدين:(2/112)
8 ـ مسألة: إذا كان في يده قدر الكفارة وعليه دين بقدر ذلك فهل ينتقل إلى الصيام أم لا؟
ونقل عبد الله فيمن حلف بصدقه ما يملك وعليه دين أكثر مما يملك أعليه كفارة قال نعم يكفر عن يمينه إذا كان في يديه ما يفضل عن عياله يومه، فظاهر هذا أن الدين لا يسقطها.
ونقل الحسن بن محمد بن الحارث فيمن له مائة درهم وعليه مائة درهم دين يكفر قال: أحب إليَّ أن يكفر، فظاهر هذا أن ذلك مستحب وليس بواجب.
وجه الأولى: أن الكفارة لا يعتبر فيها قدر من المال فلم تسقط بالدين دليله صدقة الفطر، وقد نص على أن صدقة الفطر لا تسقط بالدين لأنه لا يعتبر فيها قدر من المال كذلك الكفارة.
ووجه الثانية: أن صدقة المال تسقط بالدين فيجب أيضاً أن تسقط الكفارة بالدين لأن كل واحد منهما حق الله تعالى.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 53
تكفير العبد عن يمينه بإذن سيده:
---
9 ـ مسألة: إذا حنث العبد في يمينه فأذن له سيده في أن يكفر بالمال فهل يجزيه ذلك أم لا؟
فذلك مبني على الروايتين في العبد: هل يملك إذا ملك؟ فإن قلنا: يملك، صح ذلك وأجزأ عنه، وإن قلنا لا يملك لم يصح ذلك ولم يجز عنه، وكان فرضه الصوم، فإن أذن له سيده أن يعتق عن كفارته رقبة، فإن قلنا لا يملك إذا ملك لم يصح عتقه، وإن قلنا: يملك فهل يجزيه أن يعتق؟
على روايتين:
نقل أبو طالب : ليس له أن يعتق وإن أن سيده لأنه ملك لمولاه. ونقل حنبل : يعتق إذا أذن له سيده في العتق وهو اختيار أبي بكر.
وجه الأولى: أن العتق يقتضي الولاء والولاء يقتضي الولاية والإرث، وليس العبد من أهل الولاية ولا من أهل الإرث فبطل أن يصح له العتق.(2/113)
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ الولاء لحمة كلحمة النسب وأجراهما مجرى واحداً ثم ثبت أن العبد يثبت له النسب وإن كان لا ولاية به ولا إرث، كذلك في الولاء مثله ولأنه تكفير بمال بإذنه فأجزأ عنه دليله التكفير والإطعام والكسوة، ولأن من جاز له أن يكفر عنه بالإطعام جاز أن يكفر عنه بالعتق، كالحر، ولأن العتق قد يصح منه وإن لم يثبت له به ولاية كالسائبة وكما قالوا في الكافر: يعتق عبداً مسلماً والمسلم يعتق عبداً كافراً يصح وإن لم يكن ولاية ولا إرث.
فإذا قلنا: يصح أن يعتق بإذن السيد فأذن له سيده بالعتق عن كفارته فأعتق نفسه هل يجزي عتق العبد لنفسه عن كفارته؟
فقال أبو بكر : يتخرج على قولين أحدهما: يجزيه لأن الإذن مطلق فهو عام فيه وفي غيره.
والثاني: لا يجزيه لأن المأمور لا يدخل تحت الأمر.
---
ألا ترى أنه لو أذن لعبده في بيع عبيده لم يدخل هو تحت هذا الإذن فلا يجوز بيع نفسه، وكذلك الوكيل مأذون في البيع من غيره ولا يدخل هو تحت هذا الإذن فلا يجوز أن يبتاع لنفسه. فإن حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق. فقال الخرقي فرضه الصوم لا يجزيه غيره فإن كفر بغير الصوم بالعتق أو بالإطعام لم يجزه ولم أجد هذه اللفظة عن أحمد أنه لا يجزيه وإنما المنصوص عنه أنه يصوم لأنه هو الواجب عليه، ومعناه أنه لا يلزمه التكفير بالمال اعتباراً بحالة الوجوب، ولم يقل: إنه إن أطعم لم يجزه ويجب أن يعتبر فيه ما يعتبر في الحر الأصلي فإن قلنا: الاعتبار في الكفارة بحالة الوجوب وحالة الوجوب كان فقيراً فيجزيه الصيام، وإن كفر بالعتاق، والإطعام أجزأه كالحر الفقير، إذا حنث ثم أيسر فكفر بالإطعام يجزيه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 53
وإن قلنا: يعتبر بأغلظ الأحوال اعتبر من حين العتق إلى حين الأداء فيلزمه الأغلظ فيه، ولا يعتبر من حين الوجوب إلى حين العتق، لأنه قبل العتق لا يملك، ولا يقال فيه بأغلظ الأحوال وأخفها(2/114)
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 53
الحنث في اليمين
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 55
فعل بعض المحلوف على تركه أو كله داخلاً في غيره:
10 ـ مسألة: إذا حلف لا لبست ثوباً من غزل امرأتي فلبس ثوباً فيه من غزلها ومن غزل غيرها فهل يحنث أم لا؟
نقل مهنا : إذا قال لامرأته: أنت طالق إن لبست ثوباً من غزلك فلبس ثوباً فيه من غزلها أقل من الثلث، أخشى أن يكون قد حنث.
فظاهر هذا أنه يحنث.
ونقل أبو الحارث فيمن حلف لا يلبس من غزل امرأته فنسج ثوباً من غزلها وفيه من غزل غيرها لم يحنث فظاهر هذا أنه لا يحنث.
وكذلك الخلاف إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه، أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه هل يحنث؟
---
على روايتين: واختار الخرقي الحنث لأنه قال: ولو حلف لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه حنث إلا أن يكون أراد أن لا يشربه كله وكذلك الخلاف فيه إذا حلف لا يدخل الدار فأدخل يده أو رجله أو رأسه فهل يحنث أم لا؟
على روايتين:
نقل أبو طالب إذا حلف لا يدخل الدار أو البيت فأدخل يده أو رجله أو رأسه فقد دخل، فظاهر هذا أنه يحنث وهو اختيار الخرقي.
ونقل حنبل وصالح فيمن حلف على امرأته لا تدخل بيت أخيها لم تطلق حتى تدخل كلها، الكل لا يكون بعضاً والبعض لا يكون كلا، فظاهر هذا أنه لا يحنث.
وجه من قال لا يحنث قال: لأن الأصول موضوعة على أن الحنث يتعلق بما به البر وقد ثبت أنه لو حلف ليدخل هذه الدار وليأكلن هذا الرغيف وليشربن هذا الماء فأدخل بعضه أو أكل أو شرب بعضه لم يبر.
كذلك في الحنث يجب أن لا يحنث إلا بوجود جميع ذلك ولأنه منع نفسه من شيء بيمينه فيجب أن لا يحنث ما لم يفعله وإذا فعل بعضه فما فعله(2/115)
ووجه من قال يحنث أن اليمين إذا كانت على النفي فهي على حظر ومنع وإذا كانت على إثبات فهي إباحة والإباحة تفتقر إلى شرطين كما لو طلقها ثلاثاً لم تحل له إلا بعد زوج والدخول بها، والحظر يتعلق بفعل واحد وهو تحريم أمهات النساء يتعلق بعقد النكاح، كذلك هاهنا وجب أن تتعلق الإباحة بأمرين والحظر بأحدهما ولأن اليمين إذا كانت على النفي فهي على الحظر والمنع، والحظر والمنع يتناول العين وكل جزء من أجزائها فإذا قال: لا دخلت هذه الدار فقد منع نفسه وكل جزء منه من الدخول، وكذلك إذا قال: لا أكلت هذا الرغيف فقد منع نفسه منه ومن كل جزء منه، فإذا تناول البعض فقد تناول ما توجهت اليمين إليه فيجب أن يحنث والذي يبين صحة هذا قوله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا... . وقوله: لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم... . وقوله: لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم... وقوله: ولا جنبا إلا عابري سبيل... .
---
هذه الألفاظ كلها اقتضت المنع للجملة البعض كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 55
اقتضاء اليمين استمرار الترك للمحلوف على تركه:
11 ـ مسألة: إذا حلف بالطلاق ليخرجن من بغداد فخرج ثم عاد فهل تسقط يمينه أم لا؟
فنقل إسماعيل بن سعيد لا شيء عليه، فظاهر هذا أنها سقطت بالخروج الأول ونقل مثنى بن جامع في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن لم نرحل عن الدار ولم ينوِ شيئاً هل يجوز له أن يرحل عنها ويعود بعد ذلك بيوم أو شهر فلم ير أن يرجع.
فظاهر هذا أنه لم تسقط اليمين بخروجه مرة ويمكن أن يحمل هذا على أنه حلف أن يرحل عنها أبداً لسبب يصبح يمينه وكان ذلك السبب موجوداً فإن يمينه لا تسقط لوجود السبب فأما إن لم يكن هناك سبب فإن يمينه تسقط لأنه غلق اليمين بشرط وهو الخروج وقد وجد الشرط فلم يعتبر فيه التكرار والدوام كما لو قال: إن خرجت من الدار فلك درهم أو إن كلمتك غداً فلك درهم، فإنه لا يقتضي التكرار وكذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 56(2/116)
الوقوع في الممنوع باليمين بلا اختيار:
12 ـ مسألة: إذا قال لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك فهرب منه الذي عليه الحق، فهل يحنث أم لا؟
نقل جعفر بن محمد بن شاكر في رجل حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي منه ماله فهو منه. خلته يحنث فقد نص على أنه يحنث.
---
وقال الخرقي ولو قال والله لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك فهرب لم يحنث، ولو قال: لا افترقنا فهرب منه حنث، فظاهر كلام الخرقي أنه لا يحنث، ولو قال: لا افترقتنا فهرب منه حنث، فظاهر كلام الخرقي أنه لا يحنث، وقد أومأ إليه أحمد في رواية مهنا في رجل قال لامرأته: إن تركت هذا الصبي يخرج من باب البيت فأنت عليَّ كظهر أمي فانفلت الصبي فخرج أو قامت تصلي فخرج فإن كان نوى أن لا يخرج الباب فخرج حنث وإن نوى أن لا تدعه فهي لم تدعه فلا يحنث. ولا يختلف المذهب أنه إذا قال: والله لا افترقنا فهرب منه يحنث فعلى رواية جعفر بن محمد: اليمين تعلقت بفعل الحالف والمحلوف عليه وعلى قول الخرقي اليمين تعلقت بفعل الحالف وحده، فإذا فر المحلوف عليه لم يحنث لأن اليمين لم تتوجه عليه.
وجه ما نقله جعفر بن محمد أن معنى اليمين لا حصل بيننا فرقه أو أستوفي حقي، وقد وجد ذلك، فهو كما لو قال: لا افترقنا، فإنه إذا هرب منه حنث. كذلك إذا قال: لا فارقتك.
ووجه ما نقله الخرقي أن اليمين تعلقت بفعل الحالف وحده، والحالف ما فارقه وإنما فارقه المحلوف عليه فلم يحنث، لأن الصفة ما وجدت، ويفارق هذا إذا قال لا افترقنا، لأن اليمين تعلقت بفعلهما جميعاً، فلهذا حنث.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 57
فعل الممنوع باليمين على صفة غير الممنوعة:
13 ـ مسألة: إذا حلف لا يأكل سويقاً بعينه فشربه أو لا يشربه فأكله فهل يحنث أم لا؟
نقل مهنا فيمن حلف: لا يشرب هذا النبيذ، فثرد فيه وأكله: لا يحنث فظاهر هذا أنه لا يحنث إذا أكل موضع الشرب أو شرب موضع الأكل.(2/117)
وقال الخرقي إذا حلف لا يأكل سويقاً فشربه أو لا يشربه فأكله حنث إلا أن يكون له نية. فظاهر هذا أنه يحنث وإن حالف الفعل اللفظ.
ولا يختلف المذهب أنه لو حلف لا يشرب سويقاً لا يعينه فأكل سويقاً أو حلف لا يأكل سويقاً فشربه: إنه لا يحنث.
---
وقد قال أحمد في رواية إبراهيم الحربي فيمن حلف: لا شرب شيئاً فمص قصب سكر ليس عليه شيء، وكذلك لو حلف: لا يأكل شيئا فمص قصب سكر لم يكن عليه شيء على ما يتعارف الناس أن الرجل لا يقول: أكلت قصب السكر.
وجه ما نقله مهنا في أنه لا يحنث أن الأفعال أجناس وأنواع كالأعيان يقال أكل وشرب وقعد وقام وذهب كل واحد من هذا نوع غير الآخر، وكذلك الأعيان تمر وطعام وأنواع معقلي وبرني، ثم ثبت أن الأعيان إذا تعلقت الأيمان بجنس أو بنوع لا يتعلق غيره كذلك في الأفعال مثله.
ووجدنا أن الأكل جنس والشرب جنس، فإذا تعلقت بجنس لم تتعلق بغيره.
ويبين صحة هذا لو كانت اليمين مطلقة لا على شيء بعينه، فقال: لا شربت سويقاً فأكل سويقاً لا يحنث لعدم الجنس المحلوف عليه كذلك إذا كانت معينة.
ووجه ما نقله الخرقي أن اليمين إذا تناولت شيئاً على صفة بعينها لم يعتبر وجود الصفة فيها حال تناولها. ألا ترى أنه لو حلف: أكلت هذا التمر فعمل منه خلاً أو دبساً فإنه يحنث بأكله وإن لم يكن على الصفة المحلوف عليها؟ فكان المعنى في ذلك أنه يتناول العين المحلوف عليها فهو كما لو تناولها على صفتها ويبين صحة هذا أنه لو حلف لا أكلت هذا الحمل فصار كبشاً أو لأكملت هذا الصبي فصار شيخاً ثم كلمه أو أكل ذلك الكبش فإنه يحنث كذلك هاهنا.
ويفارق هذا إذا كانت اليمين لا على شيء بعينه أنه لا يحنث بمخالفة الصفة ألا ترى أنه لو حلف لأكملت صبياً فكلم شيخاً، أو لا أكلت لحم حمل فأكل لحم كبش فإنه لا يحنث لعدم التعيين، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 58
السلام على جماعة فيهم المحلوف على ترك تكليمه:(2/118)
14 ـ مسألة: إذا حلف لا كلمت فلاناً فسلم على جماعة وفلان فيهم ولم يقصده بالكلام ولا عزله بنيته عن غيره بل أطلق السلام من غير نية فهل يحنث أم لا؟
على روايتين:
---
نقل أبو طالب وابن منصور فيمن حلف لا يكلم رجلاً فمر به في جماعة فسلم عليهم فنواه بالسلام حنث وإن لم ينوه لم يحنث، فظاهر هذا أنه لم يحنث إذا لم يقصده بالنية ولا اشتثنا بالنية.
ونقل مهنا في رجل حلف أن لا يكلم فلاناً فدخل المسجد وفيه جماعة فقال سلام عليكم فأخرج رأسه في باب المسجد كان قد استتر به فقال وعليكم السلام حنث الحالف، فظاهر هذا أنه حنثه وإن لم يقصده بالنية لأن الظاهر أنه إذا لم يشاهد مع الجماعة فلم يقصده بالسلام.
وجه الأولى: أنه يحتمل دخوله في القوم ويحتمل غيره فلا يحنث بالشك.
ووجه الثانية: أنه يحتمل إذا أطلق السلام على الجماعة فقد سلم عليهم وعلى كل واحد منهم فحنث ولا يختلف المذهب أنه إذا قصده حنث لأنه قد كلم كل واحد منهم وهو أحدهم ولا يختلف أيضاً أنه إذا عزله بالنية ونوى غيره لم يحنث لأن النية معنى والقياس معنى فكما صح تخصيص العموم بالقياس صح تخصيصه بالنية.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 59
إيقاع الضربات الواجبة باليمين مرة واحدة بآلة متعددة الأجزاء:
15 ـ مسألة: إذا حلف ليضربن عبده عشرة فأخذ ضغثاً فيه عشرة شماريخ فضربه بها دفعة واحدة فهل يبرأ أم لا؟
وقال شيخنا أبو عبد الله يبرأ لأن أحمد قال في المريض إذا وجب عليه حد فضربه به بعثكال المنخل سقط الحد عنه. وجه ما ذكره الخرقي أنه لو حلف ليضربه مائة أو مائة ضربة لم يبر، فكذلك إذا قال مائة سوط يجب ألا يبر، ولأن القصد تكرر الألم وهذا لا يحصل إذا ضربه دفعة واحدة فلا يوجد المقصود.(2/119)
ووجه ما ذكره شيخنا قوله تعالى: وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث... وهذه قصة أيوب ـ عليه السلام ـ كان قد حلف أن يضرب زوجته مائة فعلمه الله تعالى كيف البر فيه فقال: اضربها بالضغث ولأنه إنما حلف أن يوصل إلى بدنه ضرباً هو مائة وقد أوصل ما حلف عليه، فيجب أن يبر.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 60
---
ثبوت حكم اليمين على من قال حلفت ولم يكن قد حلف:
16 ـ مسألة: إذا قال قد حلفت بالله يميناً وحنثت فيها ولم يكن قد حلف لم يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى شيء وهل يلزمه في الحكم إخراج الكفارة؟
على روايتين:
نقل الميموني فيمن حلف قال حلفت يميناً ولم يكن حلف عليه كفارة يمين وإن قال حلفت بالطلاق ولميكن حلف يلزمه. فظاهر هذا أنه ألزمه الكفارة في الحكم.
ونقل بكر بن محمد عن أبيه عنه في الرجل يقول حلفت ولم يكن حلف ليس عليه يمين وهي كذبة، فظاهر هذا أنه لا يلزمه شيء.
قال أبو بكر إذا قال حلفت بالله ولم يكن حلف لا يلزمه حكم اليمين ولو قال حلفت بالطلاق طلقت.
وجه الأولى: أن اليمين بالله يتعلق بها حق الآدمي وهم الفقراء فيجب أن لا يصدق في الحكم كما لو قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف لم يصدق في الحكم لتعلقه بحق آدمي.
ووجه الأولى: أن يتصدق لأن الكفارة ليست لإنسان بعينه وإنما هي حق لله فيجب أن يدين فيها. والطلاق يتعلق بحق آدمي معين فلم يصدق عليه في الحكم، ومحصول المذهب في الطلاق إذا قال حلفت ولم يكن حلف أنه يلزمه حكم الطلاق في ظاهر الحكم، لأنه مقر بذلك ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، كما يفعل إذا نوى خلاف الظاهر، فإنه لا يصدق في الحكم ويدين، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 60
الفصل بين اليمين والاستثناء منه:
17 ـ مسألة: إذا فصل بين الاستثناء وبين اليمين بالله تعالى هل يصح الاستثناء أم لا؟(2/120)
نقل أبو طالب عنه: إذا حلف يميناً تكفر ثم استثنى بعد فهو جائز، قيل له: وإذا قال والله، وسكت قليلاً، ثم قال: إن شاء الله، فله استثناؤه، لا يكفر. فظاهر هذا جواز الفصل بزمان يسير.
وكذلك نقل المروذي عنه: إذا كان بالقرب ولم يختلط كلامه بغيره. ونقل أبو النضر وأبو طالب أيضاً ما يدل على أنه لا يصح إذا انفصل، وهو اختيار الخرقي، لأنه قال: إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء فصل.
---
وجه الأولى: ما روى ابن عمر عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً، ثم سكت ساعة، ثم قال: إن شاء الله فلولا صحة الاستثناء لم يذكره، ولأنه يرفع اليمين، فجاز أن يقع منفصلاً كالكفارة.
ووجه الثانية: أن الاستثناء إذا لم يتصل بالكلام سقط كقوله عشرة ثم قال بعد ساعة إلا خمسة أو قال أنت طالق ثم قال بعد ساعة إن دخلت الدار أو قال لا إله ثم قال بعد ساعة إلا الله فإنه يتصل بالأولى.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 61
الفصل بين اليمين والاستثناء منه:
17 ـ مسألة: إذا فصل بين الاستثناء وبين اليمين بالله تعالى هل يصح الاستثناء أم لا؟
نقل أبو طالب عنه: إذا حلف يميناً تكفر ثم استثنى بعد فهو جائز، قيل له: وإذا قال والله، وسكت قليلاً، ثم قال: إن شاء الله، فله استثناؤه، لا يكفر. فظاهر هذا جواز الفصل بزمان يسير.
وكذلك نقل المروذي عنه: إذا كان بالقرب ولم يختلط كلامه بغيره. ونقل أبو النضر وأبو طالب أيضاً ما يدل على أنه لا يصح إذا انفصل، وهو اختيار الخرقي، لأنه قال: إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء فصل.
وجه الأولى: ما روى ابن عمر عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً، ثم سكت ساعة، ثم قال: إن شاء الله فلولا صحة الاستثناء لم يذكره، ولأنه يرفع اليمين، فجاز أن يقع منفصلاً كالكفارة.(2/121)
ووجه الثانية: أن الاستثناء إذا لم يتصل بالكلام سقط كقوله عشرة ثم قال بعد ساعة إلا خمسة أو قال أنت طالق ثم قال بعد ساعة إن دخلت الدار أو قال لا إله ثم قال بعد ساعة إلا الله فإنه يتصل بالأولى.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 61
النذور
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 62
ما يجب على من نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فركب مع القدرة:
---
18 ـ مسألة: إذا أنذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فركب مع القدرة على المشي، فقد أساء، وعليه الكفارة، وفي مقدارها روايتان
نقل المروذي : عليه كفارة يمين واحتج بحديث أخت عقبة.
ونقل الأثرم فيمن نذر أن يمشي إلى أن يصيبه ما أصاب أخت عقبة فيركب ويهدي فظاهر هذا أنه عليه دماً.
وجه الأولى: وهي أصح ما روى عقبة بن عامر الجهني قال قلت يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة قال مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام وفي حديث آخر ولتكفر عن يمينها وروى عتبة بن عامر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال كفارة النذر كفارة يمين ولأنه خالف نذره فكان عليه كفارة يمين دليله لو نذر أن يصوم يوماً بعينه فلم يصمه.
ووجه الثانية: ما روى في حديث أخت عقبة أنه أمرها أن تركب وتهدي هدياً ولأنه إذا ترك فقد ترفه ومن ترفه فعليه الفدية كاللباس والطيب.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 62
التتابع في صوم النذر المطلق:
19 ـ مسألة: إذا نذر صيام شهر وأطلق فهل يجب عليه صومه متتابعاً أما لا؟ على روايتين نقل مهنا في رجل نذر أن يصوم شهرا ولم يقل متتابعا ولا متفرقاً فالمتتابع أعجب إليَّ فظاهر هذا أنه مستحب فيه التتابع ولا يجب وهو اختيار أبي بكر.
ونقل محمد بن الحكم في رجل قال لله على أن أصوم عشرة أيام يصومها متتابعة وإذا قال شهراً فهو متتابع وإذا قال ثلاثين يوماً فله أن يفرق إذا قال ثلاثين يوماً فظاهر هذا أنه أوجب التتابع إذا نذر شهراً أو أياماً دون الشهر.
وإن كان ذكر ثلاثين لم يجب التتابع.(2/122)
وجه الأولى: أن إطلاق العقد يفيد إيجاد العدد على أي وجه كان لأنه يقال لمن صام شهراً متتابعاً وشهراً متفرقاً قد صام شهراً، فإذا كان الاسم ينطلق عليه يجب أن يجزيه.
---
ووجه الثانية: أنه لزمه صيام شهر بالنذر فإذا لم يشترط فيه التفريق وجب فيه التتابع كما لو نذر شهراً بعينه ولأن النذر محمول على الفرض وصوم رمضان وكفارة القتل والظهار والوطء يجب متتابعاً كذلك هاهنا.
فأما قوله إذا نذر صوم ثلاثين يوماً لم يجب التتابع ففيه نظر فإنه لا فرق بين (أن) ينذر ثلاثين يوماً وبين أن ينذر عشرة أيام، وقد نص في صيام العشرة أن تكون متتابعة. كذلك في صيام الثلاثين وعلى أنه قد قيل إن إطلاق الشهر يقتضي ما بين الهلالين وليس كذلك الأيام، لأن إطلاقها لا يقتضي الموالاة. ألا ترى أنه لو قال جئتك أسبوعاً لم يعقل منه إلا التتابع، ولو قال: جئتك سبعة أيام لم يعقل منه التتابع؟ كذلك في الشهر مثله، وهذا التعليل يقتضي إسقاط التتابع في الأيام في الثلاثين وفيما دونها.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 63
الإفطار أثناء صيام الشهر المنذور:
20 ـ مسألة: فإن نذر صيام شهر بعينه فأفطر بغير عذر، فهل يبني أم يبتدىء شهراً؟ فنقل صالح فيمن نذر صوم شهر بعينه فأفطر عامداً: أتم الشهر وقضى الذي أفطر وكفر كفارة يمين. فظاهر هذا أنه يبني.
ونقل محمد بن يحيى المتطبب فيمن نذر أن يصوم رجب فصام بعضه ثم أفطر يكفر ويأتي بشهر غيره، وظاهر هذا أنه يبتدىء، وهو اختيار الخرقي.
وجه الأولى: أن متابعة العبادة إذا كان من ناحية الوقت لم يجب الاستئناف بالإفساد كصيام رمضان.
ووجه الثانية: أنه صوم يجب بشرط التتابع، فإذا تركه بغير عذر بطل، دليله إذا كانت المتابعة من ناحية الشرط، فقال: لله عليَّ أن أصوم شهراً متتابعاً، فإنه يبطل بالفطر فيه، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 64
النذر المعلق
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 64
انعقاد النذر المعلق على قدوم شخص:(2/123)
21 ـ مسألة: إذا نذر أن يصوم يوم يقدم فلان انعقد نذره.
---
ذكر أبو بكر في كتاب الاعتكاف من كتاب الخلاف، وحكى صحته عن أحمد ـ رضي الله عنه ـ في مواضع، لأن علق النذر فيه صوم التطوع فانعقد نذره فيه كما لو أصبح صائماً متطوعاً، ثم قال: إن قدم عليَّ فلان اليوم فلله عليَّ أن أصوم بقية يومي فإنه يلزمه كذلك هاهنا.
فإن قدم أول من رمضان فهل عليه القضاء أم لا...؟
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 64
موافقة نذر الصوم المعلق بشرط لصوم واجب:
نقل جعفر بن محمد في النذر إذا وافق رمضان: يصوم رمضان ثم يقضي النذر، فظاهر هذا أنه عليه القضاء، وهو اختيار أبي بكر.
وقال الخرقي : إذا نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان فقدم أول يوم من شهر رمضان: أجزأه صيامه لرمضان ونذره، فظاهر هذا أنه لا يلزمه القضاء وما وجدنا ما قاله عن أحمد وفيه ضعف، فوجهه مع ضعفه أنه وافق نذره زماناً يستحق صومه فلم يلزمه القضاء. دليله لو نذر أن يصوم شهر رمضان أو نذر أن يصوم يوم يقدم فلان أبداً فقدم يوم اثنين فإن الأثانين التي توافق شهر رمضان لا تدخل تحت نذره.
رواية واحدة ـ نص عليه أحمد ـ رضي الله عنه ـ في رواية المروذي فقال إذا نذر أن يصوم كل اثنين وخميس فوافق رمضان يجزيه لصومه ونذره كذلك هاهنا.
وجه الأولى: وأنه يلزمه القضاء أن رمضان يتكرر على مر السنين فلا يكاد يتفق رمضان يوم قدومه فإذا كان مما يمكنه الوفاء به غالباً أنه قد نذره. ويفارق هذا إذا نذر أن يصوم يوم يقدم فلان أبداً فقدم يوم الاثنين، أن نذره لا ينعقد في أثانين شهر رمضان لأن رمضان لا ينفك عن الأثانين فيه فلهذا لم ينعقد نذره فيه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 65
موافقة نذر الصوم ليوم لا يصح صومه:
فإن قدم يوم فطر أو أضحى انعقد نذره وعليه القضاء في قول الخرقي وغيره من أصحابنا.
---(2/124)
قال الخرقي : فإن قدم يوم فطر أوأضحى لم يصمه وصام يوماً مكانه وكفر كفارة يمين ويلزمه على هذا القول إذا وافق رمضان أن ينعقد نذره ويلزمه القضاء أيضاً.
وقد أومأ أحمد إلى هذا أيضاً في رواية أحمد بن سعيد فيمن نذر أن يصوم شهراً فوافق يوم عيد منه، قال: يفطر ويكفر كفارة يمين، فقيل له: فنذر أن يصوم أياماً مسماة فوافق يوم عيد، فقال: يكفر ويعيد صيامه. فقد حكم بصحة النذر، وأوجب عليه القضاء لموافقة يوم العيد، ومعنى قوله: نذر أن يصوم شهراً فوافق يوم عيد وأن ينذر أن يصوم شهراً عند قدومه زيد أو عند قدوم ماله أو عند شفاء مريضه فوافق ذلك الشهر يوماً من أيام العيد، وكذلك قوله إذا نذر صيام أيام مسماة، فوافق يوم عيد. معنى قوله: مسماة، يعني مسماة العدد، وكان قد علق نذره بشرط واحد في أيام فيها يوم عيد فإنه ينعقد ويكون عليه القضاء.
والوجه فيه ما ذكرنا أن يوم العيد يتكرر على مر السنين، فلا يكاد يتفق يوم العيد يوم قدومه، فإذا كان مما يمكنه الوفاء به غالباً انعقد نذره.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 65
وجود شرط صوم النذر أثناء النهار:
فإن قدم فلان في يوم قد أكل فيه فهل يلزمه القضاء أم لا؟
على روايتين:
إحداهما: لا يلزمه، نص عليه في رواية محمد بن يحيى المتطبب فيمن نذر أن قدم فلان أن يصوم ذلك اليوم لقدم فلان وقد أكل: ليس عليه شيء، لأنه اليوم معدوم.
الثانية: عليه القضاء، نص عليها فيه إذا قدم في يوم فطر أو أضحى أنه يقضي.
وجه الأولى: أن الناذر عند وجود الشرط يصير كالمتكلم بالجواب عند وجود الشرط، ألا ترى أنه لو قال: إن ملكت هذا الثوب فلله على أن أتصدق به فملكه صار عند وجود الملك كأنه قال: لله عليَّ أن أصوم هذا اليوم وقد كان أكل فيه فلا يلزمه.
---
ووجه الثانية: أنه لو علق الإيجاب بوقت بعينه، فقال: لله عليَّ أن أصوم يوم الخميس فأفطر في ذلك اليوم لزمه القضاء، كذلك إذا علقه بشرط، لأن كل واحد منهما متعلق بزمان مستقبل.(2/125)
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 66
الكفارة على من صادف صيام نذره صياماً واجباً أو محرماً:
فإذا ثبت أن نذره ينعقد في رمضان وفي يوم العيد وأنه يلزمه القضاء فهل يلزمه مع القضاء كفارة يمين؟ فالحكم فيه وفيمن نذر أن يصوم كل اثنين وخميس فوافق ذلك اليوم فطراً أو أضحى فإن النذر ينعقد ويلزمه القضاء لأن يوم العيد يتكرر على مر السنين فلا يكاد يتفق يوم الاثنين والخميس وهل عليه الكفارة مع القضاء.
على روايتين:
نقل حنبل قال: حدثنا أبو عبد الله عن روح قال: حدثنا أشعث عن الحسن في رجل جعل على نفسه صوم الاثنين والخميس، فوافق ذلك يوم الفطر أو يوم أضحى، قال: يفطر ويصوم يوماً مكانه، ولا شيء عليه. قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: أذهب إلى قول الحسن يفطر يوم العيدين ولا يصومهما، ويقض مكانه ولا شيء عليه، فظاهر هذا لا كفارة عليه.
قال أبو حفص بن المسلم في هذا روايتان:
إحداهما: ما روى حنبل لا يصوم يوم العيد ويصوم يوماً مكانه ولا كفارة عليه.
وروى أبو طالب والأثرم وصالح والمروذي: القضاء والكفارة، وهو اختيار الخرقي، لأنه قال فإن وافق قدومه يوم أفطر أو أضحى لم يصمه وصام يوماً مكانه وكفر كفارة يمين وكذلك قال في رواية أحمد بن سعيد إذا نذر صيام شهر أو صيام أيام معلومة فوافق يوم العيد يصوم يكفر.
وجه الأولى: في إسقاط الكفارة أنه إذا صام في غير اليوم الذي عينه فقد أخر الصوم عن وقت أدائه، وهذا لا يوجب الكفارة، دليله صوم رمضان إذا أخره عن وقت أدائه فإنه لا كفارة عليه.
---
ويفارق هذا إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر أنه يجب الكفارة لأن الكفارة هناك وجبت لتأخير القضاء لأن وقته مخصوص بزمان وهو ما بين رمضانين، وقضاء النذر وقته غير محصور بوقت فلم يجب بتأخره كفارة.(2/126)
ووجه الثانية: في إيجاب الكفارة ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: النذر حلف وكفارته كفارة يمين وقوله كفارة النذر كفارة يمين فقد شبهه باليمين وحكم اليمين في مسألتنا الكفارة. وروى عقبة بن عامر قال يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة.
قال: مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام
وروي: ولتكفر عن يمينها، ولأنه صوم واجب فجاز أن يجب بجنسه القضاء والكفارة، دليله صوم رمضان يجب فيه القضاء والكفارة إذا أخره حتى دخل رمضان آخر كذلك النذر.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 67
وهكذا الحكم فيه إذا نذر صيام شهر متتابع بعينه فأفطر فيه لغير عذر فإنه يقضي، وهل يكفر أم لا؟
يتخرج على الروايتين
وكذلك لو نذر صيام شهر متتابع ولم يسمه فمرض في بعضه فإذا عوفي أتمه.
وهل يكفر؟ يتخرج على الروايتين:
واختار الخرقي في ذلك: القضاء والكفارة، والوجه ما تقدم.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 67
صوم يوم العيد بالنذر:
22 ـ مسألة: إذا نذر أن يصوم يوم العيد هل ينعقد نذره أم لا؟
نقل حنبل عنه فيمن نذر أن يصوم يوم النحر: لا يصوم ويكفر عن يمينه فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة النذر وجعل موجبه كفارة.
ونقل أبو طالب فيمن نذر أن يصوم شوال فصام إلا يوم الفطر: يصوم يوماً مكان يوم الفطر ويكفر كفارة يمين، فظاهر هذا أنه حكم بصحة النذر لأنه ألزمه القضاء.
وجه الأولى: وهي أصح، أنه زمان يتحق الفطر، فلم ينعقد فيه النذر كزمان الليل أو زمان الحيض.
ووجه الثانية: أنه يوم من جنس الأيام فلا ينافي صحة النذر كسائر الأيام، ولا يلزم عليه الليل، لقولنا جنس الأيام، ولا الحيض لأن فيه فطراً.
---
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 68
من نذر أن يحج ولم يكن حج الفرض:
23 ـ مسألة: فإننذر أن يحج في هذا العام وعليه حجة الفرض في ذمته، ووجدت فيه شرائط الوجوب، فهل ينعقد نذره أم لا؟(2/127)
نقل ابن منصور فيمن نذر أن يحج ولم يحج حجة الفرض: يبدأ بفرض الله ثم يقضي ما أوجب على نفسه، فظاهر هذا أنه انعقد نذره وألزمه الحجة المنذورة بعد المفروضة.
ونقل أبو طالب : إذا نذر أن يحج ولم يكن حج حجة الإسلام فيحج ويجزيه عنها، فظاهر هذا أنه لم ينعقد نذره لأنه لم يلزمه القضاء.
وجه الأولى: أن العبادتين إذا اجتمعتا بسببين مختلفين لم تسقط إحداهما بالأخرى كما لو نذر أن يصلي وعليه صلاة مفروضة، ولأنه لو نذر أن يحج حجتين فإن ذلك لا يوجب إسقاط إحداهما للأخرى، كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: أنه إذا قال: لله عليَّ أن أحج وعليه حجة الفرض، فإنه يحتمل أن يكون قصد الإخبار بأن عليه حجة مفروضة، فيجب أن يحمل على ذلك كما لو مات وعليه حجة الفرض ووصى أن يخرج من ماله حجة فإنه تحمل وصيته على الحجة المفروضة.
وهذا التعليل إنما يختص إذا قال: لله عليَّ أن أحج، ولم يصرح بذكر النذر فأما إن قال: لله عليَّ نذر لم يجىء هذا التعليل ولكن يكون وجهه أن هذا زمان مستحق متعين لحجة الفرض فوجب أن يمنع من صحة النذر بحجة أخرى كما لو نذر صوم رمضان فإنه لا يصح لاستحقاقه، ولأن الحجة المفروضة قد تمنع من حجة أخرى وجبت بنسب آخر.
ألا ترى أن الصبي والعبد إذا أحرما بالحج وأفسدا قبل الوقوف ثم أعتق العبد وبلغ الصبي فإنهما يمضيان في حجهما الفاسد وعليهما الحج المفروض ولا قضاء عليها للحجة التي أفسداها، ولو لم يبلغ الصبي ولم يعتق العبد كان عليهما القضاء، ولأنه لم يتوجه عليهما فرض الحج، فلما توجه الفرض سقط القضاء كذلك هاهنا لما توجه الفرض جاز أن يمنع وجوب الفرض.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 69
---
القدر المجزىء في نذر الصلاة المطلق:
24 ـ مسألة: إذا نذر أن يصلي فهل يجزيه ركعة؟
نقل إسماعيل بن سعيد: يجزيه ركعة، واحتج بأن الوتر ركعة؟
وقال الخرقي: ومن نذر أن يصلي فأقل الصلاة ركعتان.
وجه الأولى: أن الركعة شرعية، وهي الوتر، فجاز أن يحمل النذر عليه.(2/128)
ووجه الثانية: أن النذور محمولة على أصولها، ولم يفرض في الفرض صلاة أقل من ركعتين، ولأنها عبادة تلزم بالنذر فوجب أن يلزم بالإيجاب حسب ما ثبت في الفرض كالحج، ويفارق هذا الوتر لأنها نافلة والنذر واجب فكان حمله على أصله في الفرض أولى.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 70
كفارة نذر قتل المعصوم:
25 ـ مسألة: إذا نذر ذبح ولده أو ذبح نفسه أي شيء يجب في ذلك؟
نقل أبو منصور فيمن نذر أن ينحر نفسه: يفدي بنفسه إذا حنث بذبح شاة.
ونقل حنبل : إذا نذر ذبح أولاده وله ثلاثة يذبح عن كل واحد منهم كبشاً، فظاهر هذا أنه يلزمه بموجب النذر ذبح كبش، وكذلك إذا نذر ذبح أجنبي فإنه موجبة ذبح كبش.
قال أبو طالب : قرأت على أحمد: حدثنا ابن نمير عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس في الذي يقول: أنا أنحر فلاناً، فقال: عليه كبش، ذبح إبراهيم كبشاً.
فظاهر هذا أنه أخذ بالحديث فتخرج من هذا أنه إذا نذر ذبح آدمي أن موجبة كبش.
وينقل المروذي كلاماً يقتضي أن موجبه كفارة يمين، فقال في امرأة حلفت بنحر ولدها: اختلفوا فيها، فقال قوم: تهريق دماً، فقيل له: ليس شيء أكثر من هذا، تطعم عشرة مساكين، فإن لم تقدر تطعم صامت ثلاثة أيام متتابعة يجزى عنها. فظاهر هذا أنه جعل موجبه كفارة يمين، وقد ذكر الخرقي في ذلك روايتين:
---
وجه الأولى: في أن موجبه كبش، وهي أصح، أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ لزمه ذبح ولده ثم كان موجباً كبشاً وشرائع من قبل نبينا هو لنا ما لم يثبت نسخها. وقد ذكر صاحب التاريخ وغيره أنه نذر أن ينحر أول ولد يولد له، فأمره الله تعالى بأن يعزم على الوفاء بنذره ثم فداه بذبح عظيم. والفداء ما قام مقام الشيء. وعن ابن عباس أن من نذر أن ينحر ولده فعليه شاة. والصحابي إذا قال قولاً مخالفاً للقياس فإنه يحمل على أنه قال توفيقاً، وكل ما كان موجبه في شريعة من كان قبل نبينا شاة كان موجبه في شريعة نبينا، دليله إذا قال: لله أن أذبح شاة.(2/129)
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين، فجعل موجب نذر المعصية كفارة يمين، ومن قال: موجبه كبش فلم يجعل موجبه كفارة يمين، ولأنه نذر معصية فكان كفارته كفارة يمين، دليله لو قال: لله عليَّ أن أشرب الخمر أو أقتل النفس، فإن موجب ذلك كفارة يمين لا يختلف المذهب فيه كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 70
نذر الصوم لمن لا يقدر عليه:
2 ـ مسألة: فإن نذر أن يصوم وهو شيخ كبير لا يطيق الصيام أي شيء يلزمه؟
نقل الفضل بن زياد : يطعم ويكفر، فظاهر هذا أنه يجتمع عليه الإطعام عن كل يوم مد وكفارة يمين.
ونقل المروذي في الشيخ الكبير إذا لم يطق صوم النذر: يكفر ويعود إلى نذره، فظاهر هذا أنه لم يوجب الإطعام.
قال أبو بكر : قوله: يعود إلى نذره، يعني إذا أطلق.
وجه الأولى: وهي أصح، أنه صوم واجب عجز عنه لكبر، فكان عليه من كل يوم إطعام مسكين دليله صوم رمضان إذا عجز عنه لكبر، والدلالة على وجوب الكفارة ما تقدم من حديث أخت عقبة وقوله ـ عليه السلام ـ كفارة النذر كفارة يمين .
ووجه الثانية: وأنه يجزى فيه الكفارة أن الكفارة إنما وجبت لتركه الفعل، فلو قلنا: يجب المد عن كل يوم مع الكفارة أوجبنا في ذلك كفارتين، وهذا لا يجوز.
---
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 72
صيام الأشهر المنذورة متتابعة:
1 ـ مسألة: إذا نذر أو حلف أن يصوم ثلاثة أشهر متتابعة، فتلبس بالصوم مع رؤية الهلال، فإنه يصوم ذلك بالأهلة، فإن تلبس به في بعض الشهر فإنه يكمل الشهر الأول بالعدد وما بعده من الشهور، على روايتين:
إحداهما: يصومها بالأهلة.
والأخرى: يصومها بالعدد أيضاً، أومأ إليه في رواية صالح: إذا قال: لله أن أصوم شهرين متتابعين، فإن اعترض الأيام صام ستين يوماً، وإن ابتدأ الشهر فصام شهرين متتابعين فكان تسعة وخمسين أجزأه.
فقد نص على أنه إذا ابتدأ في أثناء الشهر أكمل الشهرين بالعدد ولم يعتبر الثاني بالهلال.(2/130)
الرواية الثانية: يعتبر ما بعد الأول بالهلال، قال في رواية أبي طالب فيمن كان عليه صيام سنة أو أقل: فإن كان صام في النصف من الشهر صام بقية الشهر والشهر الذي بعده على التمام والنقصان وتم أيامه الأولى ثلاثين يوماً، فقد نص عليه أنه يعمل على الأهلة فيما بعده، وكذلك الحكم في مدة العدد والأجل في الإيلاء والإجارات.
وجه الرواية الأولى: في اعتبار سائر الشهور بالأيام إذا كان الدخول في الصيام في بعض الشهر، أنه لما لم يكن ابتداء المدة بالهلال وجب استيفاء الشهر الأول بالأيام ثلاثين يوماً، فيكون انقضاؤه في بعض الشهر الذي يليه ثم كذلك حكم سائر الشهور، ولا يجوز أن يجبر هذا الشهر من آخر الشهور ويجعل ما بينهما من الشهور بالأهلة، لأن الشهور سبيلها أن تكون أيامها متصلة متوالية فوجب استيفاء شهر كامل ثلاثين يوماً من أول المدة أياماً متوالية متصلة.
---
ووجه الرواية الثانية: في اعتبار ما بعد الشهر الأول بالأهلة وهو الصحيح وهو قول مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة قوله ـ صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته... فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين. فأمر بالاعتبار بالهلال في الصوم مع وجوده، ونقلنا إلى الأيام عند عدمه فدل على أن الاعتبار بالهلال ولأنه قد استقبل الشهر الذي يليه بالهلال فوجب أن يكون انتهاؤه بالهلال كما لو ابتدأ العدة بالهلال. ولأن الله تعالى قال: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر... واتفق أهل النقل أنها كانت عشراً من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرين من شهر ربيع الآخر فاعتبر الهلال فيما يأتي من الشهور دون العدد، فوجب مثله في نظائره.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 73
نذر الصدقة فيما لا يملك:
28 ـ مسألة: إذا نذر أن يتصدق بمال غيره هل ينعقد نذره أم لا؟(2/131)
نقل عبد الله ومحمد بن الحكم لا نذر فيما لا يملك ابن آدم، على حديث أبي المهلب عن عمران بن حصين قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا نذر فيما لا يملك ابن آم فظاهر هذا أنه نذر غير منعقد.
ونقل حنبل فيمن قال: علام فلان حر، ومال فلان في المساكين: عليه كفارة يمين. قال أبو بكر : مسألة تخرج على اليمين.
وجه الأولى: وهي أصح، ما احتج به أحمد ـ رحمه الله ـ من حديث عمران قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ـ فنفى صحة النذر على الإطلاق ولأنه عقد في ملك الغير إذن فلم يصح، كما لو باع ملك غيره بغير إذنه.
ووجه الثانية: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: كفارة النذر كفارة يمين، ولو حلف أن يتصدق بمال غيره منع منه وكان عليه الكفارة، كذلك إذا نذر أن يتصدق به ولأن أكثر ما فيه أنه معصية لا يمكنه الوفاء بما نذر وهذا لا يمنع من انعقاده وإيجاب الكفارة كما لو نذر فعل معصية.
---
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 74
كتاب أدب القضاء
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 77
والشهادات والدعاوي والبينات
بحث الحاكم عن عدالة الشهود
1 ـ مسألة إذا عرف الحاكم إسلام الشهود ولم يعلم عدالتهما ولا فسقهما فهل يبحث عن عدالتهما في الباطن أم لا؟
فنقل عبد الله وحنبل عن أحمد يروي عن إبراهيم: العدل ممن لم تظهر منه ريبة، وما يعجبني هذا حتى يستخبر فظاهر هذا أنه لا يحكم بشهادتهما حتى يبحث عن عدالتهما، سواء كان ذلك في حد أو قصاص أو غير ذلك من الحقوق.
ونقل ابن منصور : وجدت العدل في المسلمين من لم تظهر منه ريبة في المسلمين. فظاهر هذا أن البحث ليس بشرط في قبول الشهادة سواء كان ذلك في حد أو قصاص أو مال، وهو اختيار أبي بكر والخرقي.
قال الخرقي : والعدل من لم تظهر منه ريبة.(2/132)
وجه الأولى: وهي أصح، ما روي أن رجلاً ادعى عند عمر بن الخطاب على رجل حقاً، فأنكر المدعى عليه، فأتى بشاهدين، فقال لهما عمر: لست أعرفكما ولا يضركما أن لم أعرفكما، جيئاني بمن يعرفكما، فأتياه برجل، فقال له عمر: تعرفهما؟ فقال: نعم. قال عمر: صحبتهما في السفر الذي يبين فيه جواهر الناس.
قال: لا.
قال: هل كنت جارهما؟ تعرف صباحهما ومساهما؟
قال: لا.
قال: عاملتهما بالدنانير والدراهم الذي يقطع بها الرحم؟
قال: لا.
قال عمر: يا ابن أخي لا تعرفهما جيئاني بمن يعرفكما فلم يقبل عمر ـ رضي الله عنه ـ عدالتهما في الظاهر حتى بحث عنهما، ولم ينكر أحد عليه ذلك.
ولأن العدالة شرط في الشهادة الحكم فيها فلم يجب الاقتصار في معرفته على الظاهر قياساً على الإسلام، ولأنه لم يعرف عدالتهما في الباطن فلم يجز الحكم بشهادتهما كما لو جرحهما الخصم.
ووجه الثانية: ما روي أن أعرابياً جاء إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: إني رأيت الهلال قال له: أتشهد أن لا إله إلا الله؟
قال: نعم.
قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟
---
قال: نعم.
قال: يا بلال، أذن في الناس أن صوموا.
فقبل شهادته ولم يسأل عن عدالته.
ولأن الأصل في الإنسان العدالة، والفسق طارىء على الأصل، فيجب أن يحكم بالأصل.
يدل عليه قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس... .
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 81
وقوله وسطاً، يعني عدولاً.
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف.
وكتب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى أبي موسى الأشعري أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً أو محدوداً.
وكل ما جاز أن يقبل فيه قول النساء لم تجب المسألة عن عدالة من يوجد منه القول ما لم يطعن فيه، دليله أخبار الديانات.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 81
رد الشهادة بالصغيرة:(2/133)
2 ـ مسألة: هل ترد شهادته بفعل صغيرة من الصغائر وإن لم يتكرر منه مثل أن يكذب كذبة واحدة ونحو ذلك أم لا؟
فنقل أحمد بن أبي عبدة في الرجل يكذب، فقال: إن كثر كذبه لم يصل خلفه. وكذلك نقل أبو الصقر عنه في الصلاة خلف آكل الربا، فقال: إن كان أكثر طعامه الربا لم يصل خلفه.
فظاهر هذا أنه لا تزول عدالته بفعل صغيرة، بل يعتبر غالب أمره، فإن كان غالب أمره الطاعات والمروءة قبلت شهادته وإن زل في صغيرة، وإن كان الغالب من أمره ارتكاب الصغائر وترك المروءة رُدت شهادته.
ونقل علي بن سعيد في الرجل يكذب بكذبه واحدة: لا يكون في موضع العدالة، الكذب شديد، وكذلك نقل ابن منصور أنه قال لأبي عبد الله: متى تترك الحديث؟ فقال: إذا كان الغالب عليه الخطأ.
قلت: الكذب من قليل أو كثير؟
قال: نعم.
فظاهر هذا أنه ترد شهادته بفعل صغيرة، وإن لم تتكرر منه، وهو اختيار الخرقي، لأنه قال: والعدل من لم تظهر منه ريبة.
---
وجه الأولى: وهي أصح، أن أحداً لا يمحص الطاعات، حتى لا يشوبها المعصية.
يدل عليه قوله تعالى: وعصى آدم ربه فغوى... ولم يرد بقوله: غوى من الغيّ، وإنما أراد وضع الشيء في غير موضعه، وقال في قصة داود: إنما فتناه فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب... فأخطأ وتاب الله عليه.
قال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: ما أحد إلا عصى أو هم بمعصية إلا يحيى بن زكريا فثبت أن ما سلمت الأنبياء من الخطأ أو المعاصي. وإذا ثبت أن أحداً لا يتمخض له الطاعات ولا يسلم من الصغائر، فلو قلنا: لا يقبل إلا بشهادة من بمحض الطاعات ويترك المعصية أفضى أن لا تقبل شهادة أحد، فلهذا اعتبر في أمره الغالب.
ووجه الثانية: ما روى أبو بكر بن جعفر بإسناده عن يونس بن شيبة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ رد شهادة رجل في كذبة، ولأنه لما ردت شهادته بفعل كبيرة وإن لم يتكرر منه كذلك الصغائر وكلما لو تكرر منه أوجب رد شهادته أوجب أن تكون رد شهادته بفعل مرة، دليله الكبائر.(2/134)
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 81
إحضار الحاكم المدعى عليه بمجرد الدعوى:
3 ـ مسألة: إذا استعدى رجل عند الحاكم على رجل لا يعلم بينهما معاملة فهل يحضره أم لا؟
نقل الأثرم عنه: أهل المدينة يقولون: لا يحلف إلا أن يعلم أنه كان بينهما معاملة، فقيل لأحمد: ظاهر الحديث أنه يحضره، وهو اختيار أبي بكر.
ونقل عبد الله في الرجل يجيء إلى القاضي فيقول: أعد عليَّ فلان.
فقال: إن استعدى على رجل يبيع ويشتري، مثله يعديه عليه، وإن كان رجلاً لا يبايع الناس فلا يعدى عليه.
وجه الأولى: قول ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
ولم يفصل، ولأنه لم يثبت كذبه فيما يدعيه فوجب أن يعدي عليه، كما لو كان بينهما معاملة، ولأنه لو لم يحضره إلا بعد أن يعلم بينهما معاملة أفضى إلى إسقاط أكثر الحقوق، فإن أكثرها تجب بغير بينة، كالغصوب والجنايات، والسرقة والودائع.
---
ووجه الثانية: ما روي عن جماعة من السلف فروى حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ كان إذا جاءه الخصمان نظر، فإن كان بينهما مخالطة أو ملابسة استحلف المدعى عليه.
وإن لم يكن بينهما خلطة ولا ملابسة لم يستحلف.
وروي مالك عن حميد بن عبد الرحمن المؤذن، عن عمر بن عبد العزيز وهو قول السبعة الفقهاء من أهل المدينة، ولأن من ادعى على خليفة أو قاضي من قضاة المسلمين أنه يشتري منه بنفسه باقة نقل أو جبناً بدانق ونحوه، وحمله بيده بحضرة الناس، فإن العرف والظاهر يمنع من صحة دعواه، لأن فيها إضافة لسقوط المروءة إليه، وذلك مما يقدح في العدالة، وإذا كان ذلك وجب أن يعتبر بالعرف في ذلك، لأنه أصل يرجع إليه في الإحراز، والقبوض، والأثمان ونحو ذلك ما روي عن علي عليه السلام أنه قال: لا يعدى الحاكم على خصم إلا أن يعلم بينهما معاملة.(2/135)
ولأن فيه استبذالاً لأهل المروءات والصيانات، ولأنه لا يشاء شاء أن يبتذل ذا صيانة إلا استعدى عليه وأحضر وإذا أفضى إلى هذا سقط في نفسه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 83
القضاء على الغائب:
4 ـ مسألة: هل يجوز القضاء على الغائب، أم لا؟
نقل أبو طالب ، وابن منصور : جواز ذلك، وهو اختيار الخرقي.
ونقل مهنا في رجل بيده عبد ذكر أنه وديعة عنده استودعه رجل، وأقام على ذلك البينة، فجاء رجل فزعم عبده أبق منه، وأقام البينة، فقال أحمد: اختلفوا في هذا، أهل المدينة يقولون: ينظر ولا يقضي على الغائب.
وشريح يقول: يقضي على الغائب، فقيل له: ما تقول أنت؟
قال: ينتظر به.
فظاهر هذا أنه لا يقضي على الغائب حتى يحضر، قال أبو بكر الخلال : قول أبي عبد الله ينتظر به، أحسبه قولاً أولاً.
قال: والذي أذهب إليه جواز القضاء على الغائب.
---
ووجه الأولى: ما روى أبو موسى الأشعري قال: كان إذا حضر عند رسول الله خصمان، فتواعدا الموعد فوفى أحدهما، ولم يفِ الآخر. قضى للذي وفى، على الذي لم يفِ ومعلوم أنه لم يكن يقضي عليه بدعواه، فثبت أنه قضى ببينة وأيضاً حديث هند امرأة أبي سفيان، أتت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقالت يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما آخذ منه أفيجوز لي ذلك؟
قال: خذي ما يكفي وروي أن عمر ـ عليه السلام ـ صعد المنبر فقال: ألا إن الأسفيع أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته أن يقال: سائق الحجاج أو سابق الحاج وأدان معرضاً، فأصبح وقد دين به، فمن كان له عليه دين فليأت غداً فليقسم ماله بينهم بالحصص.
فظاهر أنه قضى بذلك عليه وقسم عليه ماله بين غرمائه، وهو غائب، لأنه كان معرضاً ولم يخالف أحد من الصحابة. ولأن تعذر الوصول إلى إقرار الخصم سبب في جواز إقامة البينة عليه لفصل القضاء. قياساً عليه إذا حضر مجلس الحكم، فادعى عليه الحق وسكت المدعى عليه فلم يجب.(2/136)
ووجه الثانية: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال لعلي عليه السلام ـ حين وجهه إلى اليمن: لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، ولأنه قضاء بالبينة قبل سؤال الخصم عن الدعوى فلم يجر، دليله إذا كان الخصم حاضراً في البلد، ولأن البينة حجة من جهة أحد الخصمين فوجب أنلا يقضي بها الحاكم مع غيبة خصمه، كاليمين لا تسمع من المدعى عليه مع غيبة المدعي.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 85
الشهادة
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 87
الحقوق التي تثبت بشاهد وامرأتين أو يمين:
5 ـ مسألة: فيما يثبت بشاهد وامرأتين وشاهد ويمين، روايتان:
---
إحداهما: كل ما لم يسقط بالشبهة، فعلى هذا النكاح ينعقد بشاهد وامرأتين، وما يتعلق به يثبت بشاهد وامرأتين، كالطلاق، والرجعة والعنة والفيئة وكذلك الرق وما يتعلق به من العتق، والولاء، وكذلك التوكيل، والوصية إليه، وقد نص على هذا في مواضع فقال في رواية حرب: إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز، فإن كان معهن رجل فهو أهون. فظاهر هذا أنه ينعقد.
قال في رواية مهنا في عبد شهد له رجل واحد أن مولاه أعتقه: يعتق العبد بشاهد واحد، ويستحلف العبد أن مولاه أعتقه، فقد ثبت العتق بشاهد ويمين.
ونقل البرزاطي : الرجل يوكل وكيلاً على نفسه يشهد لا رجلاً وامرأتين، فقال: إن كانت الوكالة مطالبة بدين، فأما غير ذلك فلا.
فقد حكم بثبوت عقد الوكالة بشاهد وامرأتين، ونقل بكر بن محمد عنه في الوصية: لا تثبت حتى يشهد الوصي رجلين أو رجلاً، فظاهر هذا أنه أثبتها بشاهد واحد.
ونقل أحمد بن إبراهيم السكوني ، عنه في الرجل يوصي بوصايا ولا يحضره إلا النساء: تجوز شهادة النساء، فظاهر هذا أنه أثبتها بشهادة النساء على الانفراد.(2/137)
ووجه والرواية الثانية: أن الذي يثبت بشاهد وامرأتين وشاهد ويمين ما كان مالاً كالقرض، والغصب، أو كان المقصود منه المال كالبيع والصرف، والسلم والصلح، والإجارة، والرهن، والجناية التي توجب المال، فعلى هذا ما لم يكن مالاً ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال فلا يثبت بشاهد وامرأتين، وشاهد ويمين كالنكاح والطلاق، والخلع، والرجعة، والتوكيل، والوصية، والعتق والنسب، والكتابة.
نص عليه في مواضع فقال في رواية حنبل: وقيل له: قال مالك : وإنما يكون اليمين في الأموال خاصة لا يقع في شيء من الحدود والنكاح، والطلاق، والعتاق.
قال: وأنا أرى ذلك.
ونقل المروذي وصالح : لا تجوز شهادة رجل ويمين الطالب في نكاح ولا طلاق ولا حد إنما ذلك في الحقوق.
ونقل حنبل : لا تجوز شهادة النساء في الطلاق والحدود، ولا تجوز شهادتين إلا فيما لا يراه الرجال.
---
ونقل حنبل أيضاً إذا تزوج بشهادة النساء استأنف النكاح.
وجه الأولى: في أنه ثبت النكاح وحقوقه والملك وحقوقه وعقد الوكالة، والوصية، بشهادة رجل وامرأتين، وشاهد ويمين، أن هذه الأشياء لا تسقط بالشبهة فتثبت بالشاهد والمرأتين والشاهد واليمين كالأموال، وما يقصد منه المال.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 87
ووجه الثانية: وهي اختيار الخرقي وأبي بكر، وهي أصح، أن هذه الأشياء ليست بمال ولا يقصد منها المال، ويطلع عليها الرجال فلم يثبت بشاهد وامرأتين وشاهد ويمين، دليله الحدود والقصاص.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 87
ما يثبت بشهادة امرأة واحدة:
6 ـ مسألة: ما يثبت بشهادة النساء على الانفراد كالرضاع والولادة. والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والرص ونحو ذلك وفي الاستهلال لأجل الإرث وفي زوال البكارة في المغيبة، إذا ادعى الزوج وطأها، وفي العدة إذا ادعت انقضاءها لأقل الإمكان، هل يثبت بامرأة واحدة أم لا؟
قال أبو بكر : على روايتين:(2/138)
إحداهما: لا يقبل في ذلك إلا امرأتان فصاعداً، قال في رواية مهنا وقد سُئل عن شهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي، فقال: لا يجوز شهادتها وحدها.
ونقل كذلك حرب فقال: لا يجوز شهادة القابلة وحدها، إلا أن تكون امرأتين وكذلك ما لا يطلع عليه الرجال.
ونقل أبو طالب ، وابن منصور ، وإسماعيل بن سعيد : تثبت بشهادة واحدة في جميع ما تقبل فيه النسا بانفرادهن، وهو اختيار الخرقي وأبي بكر، وهو الصحيح.
---
وجه الأولى: أن هذه شهادة وكان من شرطها العدد كسائر الشهادات، وهذا تدخل عليه الشهادة على رؤية الهلال، ولأنه تثبت ولادة بشهادة فوجب أن يشترط فيه العدد كإثبات ولادة المطلقة البائن، إذا ادعت الولادة، ويجب أن يقال: إن شهادتها في إثبات الولادة مقبولة، وإنما تبطل في نسب الولد من الرجل لأن الأنساب لاتثبت بشهادة النساء وحدهن، وإذا كانت الشهادة بالولادة مع بقاء النكاح فالنسب لم يثبت بشهادتها، وإنما يثبت بالفراش.
ووجه الرواية الثانية: ما أسنده أبو بكر في كتاب الشافي عن ابن عمر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : يجزي في الرضاعة شهادة امرأة واحدة.
وروى عن عقبة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أجاز شهادة القابلة، ولأن المرأة بها ضرورة إلى امرأة واحدة لقبول الولد، وليس بها ضرورة إلى ما زاد عليها، كما لا ضرورة بها إلى الرجل، فكما لم تكن شهادة الرجل شرطاً في ثبوت الولادة، وكذلك شهادة الثانية، والثالثة والرابعة، ولأن الولادة معنى تثبت بقول النساء وحدهن، فجاز أن يثبت بقول امرأة واحدة كإخبار الديانات.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 88
شهادة المميز:
7 ـ مسألة: في الصبي إذا كان مميزاً تقبل شهادته أم لا؟
نقل حرب والميموني وابن منصور : لا تجوز شهادته حتى يحتلم أو يتم له خمس عشرة سنة، أو ينبت. فظاهر هذا أنه منع على الإطلاق.(2/139)
ونقل ابن ابراهيم : تجوز شهادة الصبي إذا كان ابن عشر سنين أو اثنتي عشرة سنة ـ فظاهر هذا جوازها على الإطلاق.
ونقل حنبل يجوز شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح، فإذا كان في المال يستأنى بهم إذا عقلوا.
فظاهرهذا إنَّما شهادتهم في الجراح إذا كانوا مجتمعين ولا يقبل في المال، وظاهر كلامه أنها تقبل سواء كانوا مجتمعين على الحالة التي كانوا تجارحوا عليها أو جاءوا بعد ما تفرقوا.
وجه الأولى: وهي صحيحة، قوله تعالى: واستشهدوا شهيدين من رجالكم والصبيان ليسوا برجال.
---
وقال تعالى: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه فتوعد على كتمانها، والصبي لا يلحقه التوعد، ولأنها شهادة من غير مكلف فلا يصح كالمجنون.
ووجه الثانية: ما روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة الصبيان.
وروى الشعبي قال: كان صبيان يتعاومون السباحة في الفرات إذ غرق واحد منهم، فادعي أولياؤه على الأحياء من الصبيان، واختصموا إلى علي ـ عليه السلام ـ وهو أمير المؤمنين إذ ذاك، فشهد اثنان من الخمسة على الثلاثة منهم أنهم أغرقوه، وشهد اثنان من الخمسة على الاثنين أنهما أغرقاه، فحكم علي في ذلك بالدية أخماساً على الثلاثة ثلاثة أخماس الدية، وعلى الاثنين خمسا الدية.
ولأنه ممن يقبل خبره فقبلت شهادته كالبائع، أو لأنه يعقل الشهادة فهو كالبالغ.
ووجه الثانية: أن حفظ الدماء مندوب إليه، والصبيان يخلون في الأهواء فيخرج بعضهم بعضاً، فلو لم يقبل شهادة بعضهم على بعض لأهدرنا دماءهم، فدعت الحاجة إلى قبول ذلك، كما دعت الحاجة إلى قبول شهادة النساء، منفردات في الولادة لأنهن يخلون بها.
ويبين صحة هذا الاعتبار ما نقل بكر بن محمد عن أبيه عن أحمد ـ رضي الله عنه ـ في امرأة تشهد على ما لا يحضره الرجال من إثبات إهلال الصبي، وفي الحمام يدخله النساء فيكون بينهن جراحات، فقد قبل شهادة بعضهن على بعض في الجراحات في الحمام، لأنه موضع لا يحضره الرجال.(2/140)
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 90
شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض:
8 ـ مسألة: هل يجوز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض أم لا؟
نقل الميموني ، وأبو داود ، والمروذي وحرب : لا يقبل.
ونقل حنبل : يقبل.
وقال أبو بكر الخلال وصاحبه: غلط حنبل فيما نقل، والمذهب أنها لا تقبل.
وقال شيخنا أبو عبد الله المسألة على روايتين:
---
وحكي عن أبي حفص البرمكي ، أنه قال: يجوز شهادة بعضهم على بعض في الصبي إذا سبى المسلمون رجلين فادعيا أن كل واحد منهما أخ للآخر، فإن شهد لهما نفسان ممن يخرج معهما تقبل، وإن كانا ذميين.
ووجه الأولى: وهي الصحيحة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة .
فأمر بالتبين في إنباء الفاسق، والكافر من أفسق الفساق فوجب التوقف فيه.
وروى معاذ بن جبل قال: سمعت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ يقول: لا يقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم ولأنها شهادة من كافر فلا يقبل، دليله إذا شهد على المسلمين في غير الوصية.
ووجه الثانية: أن اليهود أتت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ومعهم رجل وامرأة، فقالوا: إنهما زنيا فرجمهما النبي رواه ابن عمر.
وفي خبر آخر فقال لهما ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ: إن شهد أربعة منكم رجمتهما.
وروى جابر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ولأنه عدل عند أهل دينه فثبتت شهادته كالمسلمين.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 92
الاستحلاف على ما ليس بمال ولا يقصد منه المال من الحقوق:
9 ـ مسألة: هل يستحلف في دعوى ما ليس بمال، ولا المقصود منه المال كالنكاح، وما يتعلق به من الطلاق والخلع، والرجعة، والفيئة والإيلاء، ودعوى الرق وما يتعلق به من الاستيلاء، والولاء، والنسب، والعتق، والكتابة، والجناية الموجبة للقود، حد القذف أم لا.
على روايتين:
---(2/141)
إحداهما: لا يستحلف في شيء من ذلك، قال في رواية ابن القاسم: لا أرى اليمين في النكاح، والطلاق، والحدود لازمة، لأنه إن نكل عن اليمين لم أقتله ولم أجده ولم أدفع المرأة إذا نكلت إلى الرجل، ولم أسمع عن مضي جواز الأيمان إلا في الأموال خاصة. وكذلك نقل أبو طالب في رجل قيل له.: احلف أنك ما قتلت. قال: لا أحلف، وجب عليه. ونحو ذلك نقل الأثرم، وصالح، والمروذي، فظاهر هذا أنه لا يستحلف في شيء من ذلك.
ووجه الثانية: يحلف في جميع ذلك، قال في رواية أبي طالب في الرجل يسر بطلاق امرأته وينكر في العلانية، استحلفه؟ قال: نعم.
وكذلك نقل ابن منصور إذا ادعى عليه جرحاً حلف، وذكر حديث ابن عباس في امرأتين كانتا تخززان، فطعنت إحداهما الأخرى بالإشفا، فاستحلف ابن عباس المدعي عليها.
ونقل ابن منصور في رجل ادعى قبل رجل أنه قذفه، ولم يكن له بينة، أيحلف؟
قال: أي والله، لم لا يحلف؟ أليس ابن عباس قال في الحد: استحلفوها؟ حديث ابن أبي ملكية في امرأتين كانتا في بيت فإن نكل أقيم عليه الحد إلا القتل، فظاهر هذا أنه يستحلف في جميع ذلك.
قال أبو بكر : وعلى الروايتين جميعاً: لو نكل عن اليمين في هذه الأشياء لم يقضِ بالنكول ولا رددنا اليمين، وإنما يقصد باليمين على إحدى الروايتين الردع، والزجر، عساه يخاف منها فيقر. قال أبو بكر وقوله: في رواية ابن منصور يقام عليه الحد إذا نكل، قول قديم، لأن ابن منصور سماعه قديم عن أحمد.
وجه الأولى: في أنه لا يستحلف في ذلك أن بذل هذه الأشياء لا يصح فلم يجب فيها اليمين قياساً على الحدود.
أو نقول ما ليس بمال ولا المقصود منه المال لا يجب فيه اليمين كالحدود ولا يلزم عليه القرض والغصب، لأنه مال ولا البيع والصرف والسلم والصلح، والإجارات، والجنايات التي توجب المال، والرهن لأن المقصود من ذلك المال.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 93
---(2/142)
ووجه الثانية: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: اليمين على من أنكر .
وهذا عام، وكل حق ادعى عليه لزم المدعى عليه الإجابة فيه، فإذا لم يكن مع المدعي بينة لزم المدعى عليه اليمين كالأموال.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 93
شهادة الوالد لولده والولد لوالده:
10 ـ مسألة: اختلفت الرواية عن أحمد ـ رضي الله عنه ـ في شهادة الوالد لولده والولد لوالده.
فنقل المروذي ، ومهنا ، وحنبل : لا تقبل شهادة الوالد لولده، وإن سفل، وكذلك الوالدة، ولا الولد لوالده، وإن علا كالجد، ولا لوالدته وإن علت كالجدة.
وروى عنه بكر بن محمد : تجوز شهادة الابن لأبيه ولا تجوز شهادة الأب لابنه، لأن مال الابن لأبيه، ومال الأب فإنه لا يضاف إلى ابنه.
ونقل بكر بن محمد أيضاً: يجوز شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا يجز نفعاً إليه في الغالب، مثل أن يشهد له، بعقد نكاح، فإن الشاهد لا يستفيد بهذا نفعاً إلى نفسه أو يشهد له بحق، ومثله في الظاهر لا يحتاج أن يأخذ من ماله شيئاً بأن يكون كل واحد منهما غني عن صاحبه، فإذا شهد له علمنا أنه لا يأخذ منه شيئاً فيسلم منه.
وجه الأولى: ما روي عن الزهري عن عروة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا شهادة الوالد لولده، ذكره الساجي.
وروى أبو الوليد في التخريج: حدثنا عن الزهري عن عروة عن عائشة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: لا تقبل شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ظنين، في ولاية ولا في قرابة، ولأن ولده جزء منه.
قال تعالى: خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب الترائب .
وقال: وجعلوا له من عباده جزءاً يعني ولداً.
وقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في فاطمة ـ عليها السلام ـ: فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها.
---(2/143)
وإذا كان بمنزلة نفسه لم تقبل شهادته له، كما لا تقبل شهادته لنفسه ومن أجاز شهادة الابن لأبيه قال: هذا المعنى معدوم في الابن، لأن الأب ليس ببعض من الابن، ولأن ماله لم يجعل كمال نفسه، وفي الأب ليس كذلك، لأن الولد بعضه وماله ينضاف إليه لقوله: ـ صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك.
فلهذا فرقنا بينهما، ومن أجاز شهادته فيما لا يجر نفعاً، قال: لأن التهمة منتفية في ذلك، فلهذا قبلت.
فأما شهادة كل واحد منهما على صاحبه هل تقبل أم لا؟
نقل بكر بن محمد : يجوز.
ونقل مهنا: لا يجوز.
وجه الأولى: وهو أصح أنه إنما لم تقبل شهادته لما يلحقه من التهمة في ذلك وهذا معدوم في الشهادة عليه، وهذا كما قلنا في شهادة العدو لعدوه: تقبل ولا تقبل شهادته عليه، لهذا المعنى.
ووجه الثانية: أن من يجر شهادته عليه، دليله الفاسق إذا شهد على غيره ولغيره.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 95
تحريم الغناء:
11 ـ مسألة: اختلف أصحابنا في الغناء.
فذهب أبو بكر الخلال ، وأبو بكر صاحبه إلى أنه مباح، قال أبو بكر عبد العزيز : الغناء والنوح واحد ما لم يكن معه منكر، ولا فيه طعن، فهو مباح.
قال: وكان أبو بكر الخلال يحمل كراهة أحمد ـ رحمه الله ـ على الأفعال المذمومة لا على القول بعينه لأن صالح بن أحمد ـ رحمه الله ـ قال: اقتصدت ودعوت جماعة من أصحابنا ودعوت قوماً يقولون، فلما صلى أبي العتمة دخل ليعرف خبري، وكان معه درهم فدفعه إليَّ وخرج، فوقف بين الباب الذي بين الدارين وقال من كان عندي، فخرجت فإذا به، فقال من عندك؟ فقلت: فلان وفلان فقال: ارجع.
فقلت: أليس كنت تكره هذا؟ فقال: يا بني إنما قيل لي: إنهم يستعملون المنكر فكرهت ذلك فأما هذا فما أكرهه.
وذهب جماعة من أصحابنا إلى كراهية ذلك، وقد نص عليه في رواية عبد الله ، فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، فلا يعجبني.
---(2/144)
وجه قول أبي بكر، وصاحبه ما روى الزهري عن عروة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان عندي جاريتان تُغنيان فدخل أبو بكر فقال أمزمور في بيت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ؟! فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ دعهما فإنها أيام عيد وقال عمر ـ عليه السلام ـ الغناء زاد الراكب.
وكان لعثمان بن عفان جاريتان تغنيان من الليل، فإذا كان وقت السحر قال أمسكا، فهذا وقت الاستغفار، ولأنه صوت بغير آلة فوجب أن يكون مباحاً كالحداء وتشيد الأعراب، وقد قال أحمد ـ رضي الله عنه ـ في رواية جعفر بن محمد، وقد سئل عن حديث عائشة ـ عليها السلام ـ: إن جواري يغنين، أيش هذا الغناء، قال: غناء الراكب، أتيناكم أتيناكم.
ووجه من قال: إنه مكروه، وهو أصح، قوله تعالى: فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور... .
قال محمد بن الحنيفة: قول الزور: الغناء.
قال تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث .
وقال ابن مسعود: لهو الحديث الغناء.
وقال ابن عباس: الغناء وشر المغنيات.
فذم الله تعالى في الآيتين ذلك ثبت أنه ممنوع منه.
وروى القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن بيع المغنيات وشرائهن والتجارة فيهن وأكل أثمانهن وثمنهن حرام وروى ابن مسعود عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، ولأنه صوت يلذ ويطرب فكان ممنوعاً منه كالأوتار والزمر.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 97
شهادة المختبىء:
12 ـ مسألة: اختلف الرواة في شهادة المختبىء، وهو أن يكون له على رجل حق يقر له به سراً ويجحده جهراً، وليس له به شاهد فيخبىء له شاهدين بحيث يشاهدانه ويسمعان إقراره وهو لا يشاهدهما، ثم يجاريه الحديث ويسوق الكلام حتى يقر له به سراً على عادته، ويسمع الشاهدان منه.
فنقل ابن منصور : يجوز شهادة المختبىء إذا كان عدلاً.
ونقل محمد بن الحكم : لا يجوز شهادة المختبىء.
---(2/145)
واختار أبو بكر أنها لا تجوز، واختار الخرقي الجواز، وهكذا الخلاف فيه إذا شاهد رجلاً يقر بدين فسمعاه يقول لزيد عليَّ ألف درهم أو هذه الدار لزيد أو قتلت فلاناً أو أتلفت ثوباً فهل يصير شاهدين عليه بذلك وإن لم يقل لهما أشهد علي بذلك؟
فنقل أحمد بن سعيد في القوم يجتمعون بين يدي رجل، فيقر بعضهم لبعض بمعاملة كانت بينهم، ويقول بعضهم لبعض: قد دفعت إليك، ودار بينهم كلام وسمعه الرجل وسأل صاحبه الشهادة، فهل يجب عليه أن يشهد؟ قال: ما أراه واجباً عليه أن يشهد.
فظاهره ذا أنه لم يجعله شاهداً لأنه لو جعله أوجب عليه الشهادة.
ونقل أبو طالب : تجوز شهادة السمع إذا قال إذا سمعه قال لفلان عليَّ كذا وكذا فقد أقر عنده، فيقول: أقر عندي أن لفلان عليَّ جملة، وإذا قال: استقرضت من فلان، فلا يشهد، قد يكون استقرض ويقضيه، فإن قال: لفلان عليَّ وقد قضيته فلا تشهد لم يقر بشيء فظاهر هذا أنه جعله شاهداً لأنه قال: إذا سمعه يقول: لفلان عليَّ كذا، فقد أقر، يشهد بذلك، ولم تجز الشهادة إذا سمعه يقول اقترضت من فلان.
وفي هذا نظر لأنه لا فرق بين قوله لفلان عليَّ، وبين قوله اقترضت من فلان في أن كل واحد منهما إخبار عما في الذمة، وأما قوله: له عليَّ وقضيته، فهذا لا يشهد به، لأنه ليس بإقرار صحيح، لأنه قرن به ما أسقط حكم الإقرار وهو القضاء، فهو كما لو سمعه يقول: له عليَّ مائة إلا خمسين فإنه لا يشهد، لأنه وصل به ما دفع بعض ذلك.
والوجه لمن منع شهادة المختبىء من الشهادة على من سمعه، يقر ولم يشهد على نفسه، ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من حدث بحديث ثم التفت فهي أمانة.
قيل معناها أنها أمانة أن تذكر عنه الإلتفاتة حذر من قوله بها، ولأن شاهدي الفرع لو سمعا شاهدي الأصل يقولان: أشهدنا فلان على فلان بكذا، لم يصح لشاهدي الفرغ أن يشهدا بذلك حتى يقول لهما شاهدا الأصل: أشهد على شهادتنا أن فلاناً أشهدنا، كذلك هاهنا.
---(2/146)
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 100
ووجه من قال: تجوز الشهادة احتج بما روي عن عمرو بن حريث أنه أجاز شهادة المختبىء، وقال: كذلك يفعل بالخائن أو الفاجر، ولأن الشاهد إنما يصير متحملاً للشهادة بأن يقع له العلم بما يشهد به وقد وقع فإنه شاهد المقر وسمع إقراره، وكذلك العقود والأفعال وكل هذا قد حصل له فيجب المقر وسمع إقراره، وكذلك العقود والأفعال وكل هذا قد حصل له فيجب أن تجوز شهادته، ومن قال بهذا فرق بين هذا وبين الشهادة على الشهادة بأن قول شاهد الأصل أشهد أن لفلان على فلان كذا تنقسم إلى حقيقة الشهادة على علم منه بذلك من غير شهادة، فلهذا لم يصر متحملاً من غير أن يقول: أشهد على شهادتي وليس كذلك أصل الحق، لأن من عليه الحق متى قال لفلان كذا وكذا فهو اختار عن واجب لأن على من حروف الوجوب فلا يحتمل غير الواجب، فلهذا صار شاهداً عليه به.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 100
ما لا يثبت بالشهادة على الشهادة:
13 ـ مسألة: هل يثبت النكاح وما يتعلق به من الرجعة والفيئة في الإيلاء والطلاق والخلع ودعوى الرق وما يتعلق به من الاستيلاء والولاء، والنسب والعتق والكتابة والقصاص بالشهادة على الشهادة أم لا؟
فنقل ابن منصور ، وقيل له: قال سفيان: شهادة رجل مكان رجل في الطلاق جائز، قال أحمد: ما أحسن ما قال.
فظاهر هذا أنه يثبت بذلك وكذلك نقل المروذي قال: لا تجوز الشهادة على الشهادة في الحدود وتجوز في الحقوق فظاهر هذا جوازها في غير الحدود.
وقال أبو بكر : رواية ابن منصور نظر في الشهادة على الشهادة في الطلاق وظاهر هذا من قوله لا يجوز.
وقال شيخنا أبو عبد الله : لا يجوز في النكاح، فعلى قولهما ما لا يثبت بشاهد وامرأتين وشاهد ويمين لا تثبت بالشهادة على الشهادة.
---(2/147)
وقد نص أحمد في رواية حرب فقال تجوز شهادة رجل على شهادة في الحقوق فأما في الدماء والحدود فلا، فقدمنع منها القصاص. وظاهر كلام أحمد ـ رضي الله عنه ـ ما لا يسقط بالشبهة وهو الحدود والجنايات الموجبة للقصاص تثبت بالشهادة على الشهادة، دليله الحدود والقصاص.
ووجه قول أحمد: أن ما لا يسقط بالشبه يثبت بالشهادة على الشهادة دليله الأموال.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 102
تعارض الينتين والعين بيد أحد الخصمين:
1 ـ مسألة: هل يقدم صاحب اليد في النتاج أم لا؟
نقل أبو داود: تقدم بنية المدعي وإن كان المدعى عليه يدعي النتاج.
وكذلك نقل محمد بن الحكم عنه أنه ذكر مذهب أبي حنيفة في النتاج ولم يأخذ به.
فظاهر هذا أنه لم يقدم صاحب النتاج في ذلك، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح.
ونقل الحسن بن ثواب في رجل أقام البينة أن هذه الدار له، وأقام الآخر البينة أنها قطيعة وهي في يده، فهي للذي أقام البينة أنها قطيعة، هذا بمنزلة الناتج إذا أقام البينة أنه نتجها، وأقام هذا البينة أنه نتجها فالذي هو في يده هو أحق بها. فظاهر هذا أنه يقدم صاحب النتاج في ذلك. وهذا الحكم فيه إذا أضاف الدعوى إلى سبب لا يتكرر مثل أن يدعي أن هذهالدار له ورثها عن أبيه أو يدعي أن هذ الثوب له نسجه في ملكه، وكان ذلك لا يتكرر نسجه، كالقطن فإن القطن لا يتكرر نسجه، وإنما يتكرر نسج الخز والصوف ونحوه، فهل تقدم دعواه بهذا أم لا؟
على روايتين:
إحداهما: لا يقدم في النتاج، وقد نص على ذلك في رواية ابن مشيش في رجل في يده دار أقام البينة أنها له ورثها من أبيه، وأقام آخر البينة أنها له بالبينة بينة المدعي وليس بينة التي في يده الدار بشيء.
فظاهر هذا أنه لم يرجع بينته بهذا السبب.
والثانية: أنه يقدم دعواه بذلك كما قال في النتاج على رواية الحسن بن ثواب.
---
ولأنه ذكر فيها إذا أقام البينة أنها له قطيعة وهي في يده حكم له بها فقد قدم بينته بهذا السبب.(2/148)
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أنها بينة تضاف إليها يد فلم تعارض بينة الخارج دليله إذا لم يدع النتاج، ولأن رجلين لو تداعيا طعاماً في يد أحدهما فأقام كل واحد منهما أنه له زرعة في ملكه، فإن بينة الداخل لا تسمع في هذا الموضع.
وإن كان الزرع لا يتكرر وكذلك لو كانت بيد أحدهما سلعة أقام البينة أنها له صنع فيها صنعة لا تتكرر فلا يقدم بها، كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: ما روى جابر أن رجلين اختصما إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في دابة أو بعير، فأقام كل واحد منهما البينة أنها له نتجها، فقضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بها للذي هي في يديه.
ولأن الخارج إنما قدم على صاحب اليد لأن صاحب البينة يقيم البينة على معنى يشهد له الظاهر، وهذا معدوم في النتاج، لأن الظاهر لا يشهد لمن في يده الدابة أنها نتجت عنده، فالبينة تشهد على معنى زائد. ولأن بينة صاحب اليد لا تفيد أكثر مما تفيده يده، وصاحب اليد في النتاج تفيد بينته أكثر من ذلك، لأنها تفيد وجود النتاج في يده ولا تفيد هذا المعنى فقبلت بينته، ومن قال بالأول أجاب عن الحديث بأن أحمد ـ رضي الله عنه ـ قال في رواية محمد بن الحكم: أصحاب أبي حنيفة يروون في النتاج حديثاً ضعيفاً، وإذا كان الحديث ضعيفاً لم يجب الأخذ به.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 102
تعارض البينتين والعين بيد الخصمين:
15 ـ مسألة: إذا تعارضت البينتان وليس لأحدهما يد أولهما جميعاً يد مثل أن يشهد شاهدان أنه باع العبد من زيد بألف مع الزوال وشهد آخران أنه باعه من عمرو بألف في ذلك الوقت أو شهد شاهدان أن هذا العبد لزيد وشهد آخران أنه لعمرو فهل يسقطان أم يقرع بينهما.
---
نقل صالح إذا تداعيا كيساً في يد غيرهما وأقاما البينة أسقطت البينتان جميعاً لأن كل واحدة منهما أكذبت صاحبتهما ويستهمان على اليمين.(2/149)
فظاهر هذا أنهما يسقطان، وإذا أسقطتا كان الحكم فيه كما لو تداعيا شيئاً ولا بينة لواحد منهما، فإن كان في أيديهما فهوبينهما نصفين وإن كان في يد أحدهما فهو له، وإن كان في يد غيرهما فادعاه لنفسه لم يحكم له ببينته لأنه داخل وبينه الخارج مقدمة إن اعترف به لأحدهما لم يحكم له أيضاً، لأنه قد اجتمع له يد بينة، وإن قال هو لأحدهما لا أعرفه عيناً سقطت البينتان وقرعنا بينهما، فمن خرجت عليه القرعة حلف أنها له وأعطي، وإنا عترف بها ثالث غائب كان الحكم في الغائب كالحكم منه لو كان حاضراً.
نقل الميموني أنه قيل له حديث سعيد بن المسيب: اختصم رجلان إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ في أمر، فجاء كل واحد منهما بشاهدين، قال: فأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بينهما. فقال أبو عبد الله في هذا: يسهم بينهما إذا كان الشهداء عدولاً، قيل له: إن جاء أحدهما بشاهدي عدل والآخر بأكثر يقرع بينهما؟
قال نعم ـ لأن الشاهدين يقطع بهما.
فظهر هذا لم تسقط البينتان وأقرع بينهما فمن وقعت عليه القرعة حكم له ببينته.
وكذلك نقل عبد الله إذا تداعيا ألفاً في يد رجل وأقاما البينة أرى أن يقرع بينهما، أيهما أصابته القرعة فهي له.
فظاهر هذا الحكم بالقرعة بين البينتين، فعلى هذا إن كان في أيديهما أو في يد غيرهما فإنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة حكم له ببينته.
وجه الأولى: وهي أصح في المذهب أن هذه بينة لم تعين المشهود له بالملك فيجب أن يبطل كما لو شهد شاهدان أن هذه الدار لأحد هذين الرجلين لأنه لم يتعين بها المشهود له.
ولأن البينة حجة في الشرع، والبينتان إذا تعارضتا ولم يكن لأحدهما مزية على الآخر كان حظهما السقوط، كالنصين والقياسين إذا تعارضا.
---(2/150)
ووجه الثانية: ما روى سعيد بن المسيب أن رجلين اختصما إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم في أمر، وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال: اللهم أنت تقضي بينهما.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 104
ولأن الحقوق إذا تساوت ولم يكن بعضها أولى من بعض قدمنا القرعة، كما لو أعتق عبيده في مرضه ولا مال له غيرهم، أو عدّل القاسم السهام بين الشريكين، فإنه يقرع بينهما. وإذا حضر سفر فأراد السفر ببعض نسائه أقرع بينهن وغير ذلك من المواضع. ومن قال بالأول أجاب عن الحديث بأنا لمنقول أنهما اختصما في أمر، وهذا يحتمل أن يكون ذلك الأمر قسمة عقار أو قرعة بين العبيد، وأجاب أيضاً عن الإقراع بين العبيد والقسمة والنساء بأنه ما وجب الحق لواحد بعينه، بل يبين بالقرعة من هو أحق، وإذا بان كان الحق له ظاهراً وباطناً فلا يقضي إلى أن يعدل بالحق إلى غير مستحقه، وهاهنا الحق واجب لأحدهما لا بعينه، وقد جهلنا عينه، فلو قرعنا فربما أفضى إلى أن يتحول الحق إلى غير مستحقه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 104
كتاب العتق والمدبر والمكاتب وأم الولد
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 107
العتق
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 109
سراية العتق في مرض الموت بقدر الثلث:
1 ـ مسألة إذا أعتق شقصاً من عبيد في مرض موته، وكان الشقص أقل من الثلث، فهل يقوم عليه تمام الثلث أم لا؟
على روايتين نقلهما الخرقي في مختصره: إحداهما: لا يقوم عليه، وقد نص على ذلك في رواية ابن منصور وبكر بن محمد.
والثانية:يقوم عليه تمام الثلث.
---(2/151)
ووجه هذه الرواية أن تصرف المريض في ثلث ماله كتصرف الصحيح في كل ماله، بدليل أنه ينفذ عتقه وعطاياه وهباته من جميع الثلث، ثم الصحيح يقوم عليه نصيب شريكه، فإن كان يستغرق كل ماله كذلك المريض، ويجب أن يقوم عليه نصيب شريكه وإن كان يستغرق كل ثلثه، لأن العتق بالسراية كالعتق بالمباشرة، بدليل أنه لو أعتق بعض عبد عتق كله كما لو أعتق كل عبده، وإذا كان كذلك ثم ثبت أنه لو باشر العتق استوفى الثلث كذلك بالسراية.
وجه الأولى: أن العطية في المرض تجري مجرى الوصية بدليل أنها معتبرة من الثلث، وقد ثبت على إحدى الروايتين أنه لو دبر شقصاً له في عبد وكان الشقص عن الثلث لم يقوم عليه، كذلك هاهنا.
فإن وصى بعتق شقص له من عبد أو دبر شقصاً له من عبد ومات فهل يقوم عليه تمام الثلث أم لا؟
نقل الخرقي في ذلك روايتين.
إحداهما: يقوم عليه كما لو كان العتق منجزاً في المرض للمعنى الذي ذكرنا، وهو أن ثلثه بعد موته أجرى مجرى جميع مال حال حياته، ثم ثبت أنه لو أعتق في الصحة قوم عليه كذلك بعد الموت.
والثانية: لا يقوم عليه كما لم يقوم عليه إذا كان العتق في المرض وجب أن يكون الصحيح من الروايتين أنه إذا أعتق في مرضه قوم، وإذا وصى لم يقوم لأنه إذا مات زال ملكه عن ماله إلا القدر الذي استثناه هذا الشقص بالوصية والقدر الذي استثناه هذا الشقص، فكأنه أعتقه قبل وفاته ولا ملك له سواه، ولأن ما يستثنيه بالوصية بمنزلة كل ثلثه في مرضه، ثم ثبت أن قدر الثلث ينفذ عتقه فيه في مرضه ولا يزيد عليه كذلك فيما لو استثناه بالوصية ولا يزيد عليه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 109
سراية العتق إلى ذي الرحم بإرث جزء منه:
2 ـ مسألة: إذا ملك سهماً بالميراث ممن يعتق عليه، فهل يقوم عليه إذا كان موسراً أم لا؟
---(2/152)
نقل المروذي في رجل تزوج أمة فأولدها وله بنين من غيرها، ثم اشتراها بعد ومات عنها: عتقت في حصة أولادها، وأعطوا أولئك نصيبهم منها، فإن لم يدع شيئاً إلا هذه الأمة لزم هؤلاء سهمهم ويوفون أولئك، فظاهر هذا أنه يقوم عليه، لأنه قال: إذا ترك شيئاً غيرها عتق جميعها على أولادها ولزمهم قيمة حصة شركائهم، فإنما قال ذلك لأنه قد كمل عتقها على أولادها، وإن لم يكن له مال غيرها، ومعناه لم يكن لأولاده منها مال فإنها تباع ويوفون بقية الأولاد، ومعناه يباع منها قدر حصصهم، لأنه قد عتق منها قدر حصص أولادها.
وقال الخرقي : لا يقوم عليه ذلك.
وجه ما نقله المروذي أن الميراث أحد جهات الملك فيجب أن تقوم عليه به كما لو ملكه باختياره بالشراء والهبة.
ووجه ما قاله الخرقي : أن القدر الذي عتق عليه لم يقصد به إدخال الضرر على شريكه، ومتى عتق بعضه بغير قصد مالكه إلى الضرر لم يقوم عليه، كما لو أوصى بعتق بعض عبد فإنما يعتق بعضه بعد وفاته ولا يقوم على الوارث ما بقي منه من الرق لأنه لا صنع له في عتق قد عتق منه كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 110
قول السيد لعبده: لا سبيل لي عليك:
3 ـ مسألة: إذا قال لعبده لا سبيل لي عليك فهل ذلك كتابة في العتق يعتبر نيته فيه أم هو صريح ؟ نقل مهنا عنه في رجل قال لعبده: لا ملك لي عليك، أو قال: لا رق لي عليك، أخاف أن يكون قد عتق، ولا يسأل عن نيته هذا قد تكلم، فإن قال: لا سبيل عليك فهو أهون.
فظاهر هذا أنه لم يجعل ذلك صريحاً، لأنه فرق بينه وبين قوله: لا ملك ولا رق.
ونقل أبو طالب في رجل كتب في وصيته فلانة خادمتي لا سبيل لكم عليها وليس لي فيها شيء، فقال: إذا ألم يكن له عليها سبيل فهي حرة وليس لهم عليها شيء.
فظاهر هذا أنه جعله صريحاً، وهكذا الحكم فيه إذا قال: لا سلطان لي عليك.
---(2/153)
وجه الأولى: أن نفي السبيل والسلطان يتضمن خروجه عن ملكه، لأن بقاء الملك يثبت السبيل والسلطان، وإذا لم يوجد من جهته سبب يزيل الملك غير هذا اللفظ يجب أن يكون صريحاً، كما لو قال: لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك فإنه صريح، رواية واحدة، لأن نفي الملك والرق يتضمن خروجه عن ملكه ورقه ولم يوجد من جهته سبب يزيل الملك غير هذا اللفظ فكان صريحاً كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: أن قوله: لا سبيل لي عليك، معناه: لا طاعة لي عليك، وأنت تعصيني وتخالفني فيما يجب لي عليك، فلم يكن صريحاً، كما قلنا في الطلاق: إذا قال لها لا سبيل لي عليك ولا سلطان، فإنه كناية وليس بصريح، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 111
تأخير الشرط والصفة المعلق عليه الطلاق أو العتق:
4 ـ مسألة: إذا قدم لفظ الطلاق والعتاق على الشرط والصفة وقال: أنت حر، أو أنت طالق إن دخلت الدار، أو كلمت زيداً، أو أكلت خبزاً ونحو ذلك. لم يعتق حتى توجد الصفة، في أصح الروايتين.
نقلهما ابن منصور : من قال: أنت حر إلى أن يقدم فلان أو حتى يقدم فلان أو يجيء فلان، وإلى سنة وإلى رأس الشهر واحد، إنما يريد إذا جاء رأس الشهر وجاءت السنة. وإذا قال: أنت طالق إذا جاء الهلال إنما يطلق إذا جاء رأس الهلال. وفيه رواية أخرى: يقع العتق والطلاق، ولو قدم الصفة لم يقع إلا بوجودها. نقل إسحاق بن إبراهيم في مسائل العتق، إذا قال: إن برئت من مرضي هذا فغلامي حر، فإذا برىء فغلامه حر، وإذا قال: غلامي حر إن برئت من مرضي هذا، فالغلام حر برأ أو لم يبرأ.
وجه الأولى: أنه عتق وطلاق حصل معه شرط فلم يقع قبل وجود شرطه كما لو أخره، ولأن الكلام متعلق بآخره يدل عليه الاستثناء، فإنه لو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، أو قال له: عليَّ عشرة إلا درهم، فإنه يصح الاستثناء ولا يلزمه جميع ما يلفظ به لتعلق الكلام بما بعده، كذلك هاهنا.
---(2/154)
ووجه الثانية: أن لفظ الطلاق يقضي الإيقاع إذا انفرد، وإذا عقبه بما يمنع الإيقاع لم يصح، كما لو عقبه باستثناء جملته بأن قال: أنت حر ولست بحر، أو أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً ومعلوم أنه لو أفرد اللفظ وقع، فإذا أعقبه بالشرط منع الإيقاع في الحال في الحال لينظر ما يكون في الثاني من إيقاع أو عدمه، وهذا القائل يلزمه على هذا إذا قال: أنت حر إن شئت أو شاء فلان، أنه يعتق، وإنما لا يقع إذا قدم المشيئة، ولأنه لا يمتنع أن لا يقع إذا تقدم الشرط ويقع إذا تأخر عنه، كما لو قال: له عليَّ ألف من ثمن مبيع فأنكر المقر له البيع لزمته الألف، ولو قال ابتعت منه هذا الثوب بألف فأنكر المقر له لم تلزم الألف، والمذهب هو الأول، ويفارق هذا الاستثناء إذا رفع الجملة لأنه يؤدي إلى إزالة اللفظ والرجوع فيه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 112
تعليق العتق على عوض ورفض العبد لذلك:
5 ـ مسألة: فإن قال أنت حر على ألف فلم يقبل العبد ذلك، لم يقع العتق في إحدى الروايتين.
وهذا ظاهر ما نقله ابن منصور عنه إذا قال لعبده: أنت حر على أن تخدمني كذا وكذا فهو جائز، وللعبد أن يشتري خدمته من سيده بالدراهم، وفيه رواية أخرى: يقع العتق قبل العبد أو لم يقبل، نص عليه في رواية مهنا وحنبل إذا قال لعبده: قد أعتقتك على ألف، فقال العبد: لا أرضى، يعتق العبد ولا يكون عليه شيء، لأنه قد وجب عليه حين قال: قد أعتقتك، ولا تختلف الرواية إذا قال أنت حر وعليك ألف أنه يعتق ولا شيء عليه.
وجه الأولى: أن عليَّ للشرط، فإذا لم يوجد الشرط يجب أن لا يقع كما لو قال: إن أعطيتني ألفاً فأنت حر فإنه لا يعتق ما لم يعطه، نص عليه في رواية حنبل، كذلك هاهنا.
ويفارق هذا قوله: وعليك ألف، لأن هذا كلام مستأنف عطفه عليه، فهو كقوله: أنت حر وأنت قائم.
---(2/155)
ووجه الثانية: ما تقدم، وأن هذا لفظ إيقاع، فإذا وصله بما يرفعه يجب أن لا يصح، كما لو عقبه باستثناء يرفع جملته، وهذا القائل يلزم على هذا الخلع، وهو إذا قال لها: خلعتك على ألف إنها تطلق وإن لم تقبل، وإنما يلزم العوض إذا تقدم منه بذل العرض كما إذا تقدمت الصفة على العتق أن يقول لها: إذا جئتيني بألف فأنت طالق، فيكون طلاقاً بعوض، والصحيح هو الأول.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 113
دخول الشقص من العبيد بلفظ عبيدي أو مماليكي أحرار:
6 ـ مسألة: فإن قال: رقيقي أو مماليكي أحرار وله أشقاص في عبيد، مثل إن كان له نصف عشرة أعبد مشاعاً فهل يعتقون أم لا؟
نقل مهنا في رجل قال: كل مملوك لي حر، وله مماليك بينه وبين رجل فقال: إن كان نوى الذي بينه وبين الرجل، وإلا فلا. فظاهر هذا أنهم لا يعتقون بمطلق اللفظ.
وجه ما نقله مهنا أن الإطلاق ينصرف إلى رقبة كاملة، بدليل أنه لو قال والله لأعتقن مملوكاً، أو قال: لله عليَّ نذر أن أعتق مملوكاً، فأعتق شقصاً له في عبد لم يجزه ولم يبر حتى يعتق رقبة كاملة فيجب أن يحمل الإطلاق من مسألتنا على ذلك.
وعلى ظاهر ما نقل مهنا لا فرق بين أن يكون الأشقاص بمجموعها تكون رقبة أو أقل من رقبة أنه لا يعتق عليه، لما ذكره من أن إطلاق الاسم ينصرف إلى رقبة كاملة، ويفارق هذا إذا أعتق نصفي عبدين في كفارته أنه يجزيه، لأن ذلك حق ثابت في الذمة، وهذا يتعلق بالاسم.
وجه ما قاله الخرقي أن من كان له نصف عشرة أعبد فله خمسة في التحقيق فيجب أن يعتقوا كما لو كانوا خمسة أعبد كملاً.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 113
المدبر
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 114
عتق المدبر من الثلث:
7 ـ مسألة: هل يعتق المدبر بموت السيد من صلب المال أم من الثلث؟
نقل المروذي وصالح وحرب : من الثلث.
ونقل حنبل : يعتق من جميع المال ولا يورث ولا يباع.
---(2/156)
وقال أبو بكر : ما رواه حنبل قول أول، ووجهها مع ضعفها أنه استحق العتاق بموت المولى فلم يجز بيعه كأم الولد.
ووجه الثانية: ما روى ابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: المدبر من الثلث ولأنها عطية تتنجز بالموت فوجب أن يكون من الثلث كالوصية.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 114
بيع المدبر:
8 ـ مسألة: هل يجوز بيع المدبر على الإطلاق أم يجوز عند الحاجة إليه وهو إذا كان دين؟
فنقل الميموني قال: قلت له: من باعه من غير حاجة إليه على التأويل، فما رأيت أبا عبد الله ينكر ذلك ولا يدفعه. فظاهر هذا جواز بيعه على الإطلاق.
وكذلك نقل أبو طالب : التدبير أصله الوصية، والوصية منا لثث، فله أن يغير الوصية ما كان حياً فظاهر هذا جواز التصرف على الإطلاق.
ونقل عبد الله وحنبل : أرى بيع المدبر في الدين إذا كان فقيراً لا يملك شيئاً، لأن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ باع المدبر حين علم أن صاحبه لا يملك شيئاً غيره. فظاهر هذا أنه لا يجوز بيعه مع عدم الحاجة.
وجه الأولى: وهي أصح، أنها عطية تتنجز بالموت معتبرة من الثلث، فكان له الرجوع مع الحاجة وغيرها كالوصية، ولأنه عتق بصفة صدر عن قول فلم يمنع البيع مع الحاجة وغيرها، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر.
---(2/157)
ووجه الثانية: وهي ظاهر كلام الخرقي، أن القياس يمنع جواز بيع المدبر لأنه استحق العتاق بموت المولى فمنع من بيعه كأم الولد، ولكن تركنا القياس فيه عند الحاجة لما روى جابر بن عبد الله أن رجلاً من الأنصار يقال له: أبو مذكور، أعتق غلاماً له يقال له يعقوب عن دبر ولم يكن له مال غيره، فدعا به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه، وقال: إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، فإن كان فيها فضل فعلى عياله، فإن كان فيها فضل فعلى ذي قرابته أو قال ذي رحمه، فإن كان فضلاً فههنا وههنا. فأجاز ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ بيعه في المدبر، فتركنا القياس في ذلك الموضع للخبر، وبقي ما عداه على موجب القياس.
فأما المدبرة فهل يجوز بيعها في الموضع الذي يجوز بيع المدبر أم لا؟
نقل أبو الحارث وعبد الله : ما اجترىء على بيع المدبرة، لأنه فرج يوطأ فظاهر هذا المنع.
ونقل أبو طالب : المدبرة في كل حال أمة أفترى يطأها بلا ملك وقد باع ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ مدبراً، وباعت عائشة ـ رضي الله عنها ـ خادمتها حين سحرتها.
فظاهر هذا جواز بيعها، وقد صرح بهذا في رواية ابن منصور فقال: يبيع المدبرة من حاجة وغيرها.
وجه الأولى: أن بيعها يتضمن إباحة فرجها، وقد اختلف الفقهاء في جواز بيع المدبرة، فلو أجزنا بيعها أبحنا فرجها بأمر مختلف فيه، فدخلته شبهة، فكان الاحتياط منع البيع، ولهذا المعنى قال أحمد ـ رحمه الله ـ يقع الطلاق في النكاح الفاسد لاختلاف الفقهاء في صحة العقد، فغلب الخطر فيه، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 115
ويفارق هذا المدبر، لأنه لا يتضمن إباحة الفرج.
---(2/158)
ووجه الثانية: وهي أصح ما روي أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ باعت مدبرة لها سحرتها فدل على جواز ذلك، ولأن عتقها مستحق بالتدبير فلم يمنع البيع دليله المدبر وكما لم يمنع بيع الذكر منه لم يمنع بيع الأنثى منه، دليله بيع المعتق نصفه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 115
الرجوع في التدبير:
9 ـ مسألة: فإن أراد الرجوع في التدبير يقول: لا يزيل الملك، مثل أن يقول: رجعت في التدبير أو رفعته أو أزلته أو أبطلته، فهل له ذلك أم لا؟ على روايتين:
نقلهما الخرقي ، أجودهما: ليس له ذلك فعلى هذا يكون التدبير عتقاً بصفة.
والثانية: له ذلك، فعلى هذا يكون وصية، وقد أومأ إليه في رواية ابن منصور.
وجه الأولى: أنه عتق يقع بوجود صفة أن لا يكون له الرجوع فيه قولاً كقوله إذا دخلت الدار فأنت جر.
ووجه الثانية: أنها عطية تتنجز بالموت، فكان له الرجوع فيها قولاً كالوصية ولأنه لو كان عتقاً بصفة لوجب أن يبطل بالموت، كقوله لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر، فلما لم يبطل علم أنه ليس بعتق بصفة.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 117
تعليق العتق بمدة الموت:
10 ـ مسألة: إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي بشهر، لم يكن مدبراً لأن التدبير أن يعلق عتق عبده بوفاته، وهاهنا علق عتق العبد بصفة زائدة بعد الوفاة، فإذا لم يكن مدبراً فهل يعتق بالموت ومضي المدة أم لا؟.
نقل مهنا : إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي بشهر، لا يكون مدبراً، وهو عبد للورثة.
فظاهر هذا أنه حكم ببطلان الصفة، وهو ختيار أبي بكر.
ونقل ابن منصور إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي بشهر يكون من الثلث.
فظاهر هذا أنه لم يبطل الصفة، ويكون عتقه معلقاً بصفتين: الموت، ومضي المدة.
---
وجه الأولى: وهو اختيار أبي بكر، أنه علق عتقه بالموت وبصفة توجه بعده فلم يصح، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي، ومات السيد قبل دخولها ثم دخلها بعد موته فإنه لا يعتق ولا حكم لوجود الصفة، كذلك هاهنا.(2/159)
ووجه الثانية: أن الصفة عقدت بعد الموت بشرط ذكره في حال حياته فوجب أن يصح، كما لو قال: إذا مت وزادت قيمتك على مؤونة دفني فأنت حر فإنه يصح، كذلك هاهنا، ويفارق هذا إذا قال: إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي لأن الصفة عقدت في حال الحياة، فإذا مات العاقد لها بطلت الصفة فلم يقع العتق.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 117
ولد المدبرة من غير سيدها بعد التدبير:
11 ـ مسألة: إذا دبر أمته وهي حامل فأنت بولد من زوج أو زنا فهو مملوك وهل يكون بمنزلتها يعتق بالموت أم لا؟ نقل حرب والميموني : أنه بمنزلتها، فقال في رواية الميموني : ما كان من ولد المدبرة قبل أن يدبرها لم يتبعها إنما يتبعها ما كان بعد ما دبرت، أو كانت حاملاً فوضعت يتبعها.
فظاهر هذا أنه يتبعها ويعتق بالموت.
ونقل حنبل : ولد المدبرة إذا لم يشرط يكون للمولى عبداً. فظاهر هذا أنه لا يتبعها ولا يعتق بالموت.
وجه الأولى: وهو المذهب ما روي عن عثمان وابن عمر وجابر أن ولدها بمنزلتها يعتق بعتقها ولأن الأم تعتق بموت سيدها فوجب أن يتبعها ولدها في حكمها كأم الولد.
ووجه الثانية: أن عتقها معلق بصفة، فوجب أن لا يعتق ولدها بعتقها دليله إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت حرة، فدخلتها أنها تعتق، ولا يعتق ولدها ولأنها عطية معتبرة من الثلث فلم يتبع الولد الأم كالوصية.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 118
عدم بطلان التدبير بقتل السيد:
12 ـ مسألة: المدبر إذا قتل سيده هل يبطل التدبير؟
فيه روايتيان:
---
نقل صالح قال: سئل الأوزاعي عن المدبر يكون مع سيده في السرية، يقتل سيده أو يموت، يعتق ويعطى سهمه. قال: إذا شهد الوقعة بعد موت سيده، وللسيد من المال بقدر ما يخرج من ثلثه فهو حر ويسهم له، وظاهر هذا أنه لا يبطل التدبير.
ونقل عنه أنه يبطل ولا يعتق، وهو اختيار الخرقي، وأصل الروايتين في الوصية للقاتل هل تصح؟
على روايتين:
كذلك التدبير، لأنه وصية.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 119
المكاتب(2/160)
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 120
تزوج المكاتب دون إذن سيده:
13 ـ مسألة: نقل أبو الحارث ويعقوب بن بختان ومهنا: لا يتزوج المكاتب إلا بإذن سيده فطاهر هذا المنع ونقل ابراهيم الحربي لا بأس أن يتزوج إذا اشترى نفسه بل المكاتبة لا تتزوج لأنه لا يؤمن أن ترجع الى الرق وهي مشغولة الفرج . فظاهر هذا جواز ذلك للمكاتب لأنه علل في ذلك بأنه قد اشترى نفسه ومنع منه في الأمة ونظير ذلك اختلاف الرواية عنه في بيع المدبر أجاز ذلك في المدبر ومنع ذلك في المدبرة.
---
وإذا قلنا: لا يجوز ذلك في حق المكاتب والمكاتبة، فوجهه ما روى عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: أيما عبد نكح بغير إذن مولاه فهو عاهر والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولأن على السيد فيه ضرراً لأنه يصرف كسبه إلى نفقة زوجته، وإن عجز ورق عاد إليه قنا وله زوجة فتقل قيمته، والأمة ترجع إليه مشغولة الرحم فلا يمكنه وطؤها. وإذا قلنا بالرواية الثانية، وإنه يجوز ذلك للمكاتب، فوجهه أنه عقد معاوضة فملكه المكاتب، دليله البيع والإجارة، وإلا يلزم عليه الهبة لأنه ليس بمعاوضة، وإنما هو تبرع وهذا القائل يجيب عن الخبر بأنه محمول على العبد القن ويجيب عن قوله على السيد ضرر، لأنه يصرف كسبه في نفقة زوجته فلا يصح، لأن العبد القن إذا طلب الزوجية أجبر سيده على تزويجه أو بيعه، وإن كان عليه فيه ضرر كذلك في المكاتب، وكذلك تزويجه يؤثر في قيمته، وقد أجبرنا السيد عليه، فأما الأمة فإنما منعت من ذلك لأن هذا العقد مختلف فيه فمنع منه احتياطاً، لأنه يتضمن إباحة فرجها.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 120
ضمان الحر لمال الكتابة:
14 ـ مسألة: هل يصح ضمان الحر مال الكتابة أم لا؟
فنقل حرب : أنه يصح.
ونقل مهنا وابن منصور : لا يصح.
وجه الأولى: أنه عوض في عقد معاوضة فصح ضمانه دليله الثمن في البيع.
---(2/161)
ووجه الثانية: وهي أصح، أنه مال ليس بلازم ولا يفضي إلى اللزوم فلم يصح، كما لو قال لزوجته: إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق فسدده عنها رجل لم يصح ولا يلزم عليه الدين المستتر وأرش الجنايات لأن ذلك لازم ولا يلزم عليه إذا ضمن الثمن في مدة الخيار لأنه يفضي إلى اللزوم، ولأن الضامن فرع للمضمون بدليل أن المضمون عنه إذا برىء عن الدين برىء هو الضامن ولو أبرىء الضامن وحده برئت ذمته وحده. فإذا لم يكن مال الأصل : لازماً فبأن لا يكون لازماً للضامن أولى، فإن ضمن مكاتب آخر مال الكتابة فالمنصوص عنه أنه باطل ويجب أن يكون في المكاتب، رواية واحدة، أنه يبطل ضمانه، وفي الحر روايتان لأن الحر أوسع تصرفاً وأنفذ أمراً من المكاتب، فجاز أن يضمن والمكاتب لا يتصرف في المال بالصدقة والقرض إلا بإذن، فلم يصح ضمانه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 121
عتق المكاتب بملك مال الكتابة:
15 ـ مسألة: إذا حصل في يد المكاتب وفاء بمال الكتابة فهل يعتق بملك الوفاء أم لا؟
نقل الخرقي في ذلك روايتين: إحداهما: لا يعتق، وقد نص عليه أحمد في رواية الميموني فقال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، قيل: وإن كان موسراً قال وإن كان موسراً/ والثانية: يعتق.
وجه الأولى: وهي الصحيحة ما روى عمرو بن شعيب عن أبي عن جده أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولأنه عتق بأداء مال فوجب أن لا يعتق بملك ذلك المال حتى يؤديه، دليله لو قال: إن أعطيتني ألفاً فأنت حر، فملك ألفاً فإنه لا يعتق، كذلك هناهنا.
ووجه الثانية: حديث أم سلمة أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال لها: إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء فلتحتجب منه وفي لفظ آخر فالقين الحجاب.
فلولا أنه قد عتق بذلك لم يأمرهن بضرب الحجاب، ولأنه مالك لوفاء مال الكتابة فوجب أن يعتق قياساً عليه إذا أرى.
---(2/162)
فإذا قلنا: إنه لا يعتق بملك الوفاء حتى يؤدي فمات المكاتب وفي يده وفاء. فهل تبطل الكتابة أم لا؟
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 121
بطلان عقد الكتابة بموت العبد قبل الوفاء ولو كان يملك وفاء:
نقل الخرقي روايتين: إحداهما: تبطل، نص عليه في رواية أبي الحارث وبكر ابن محمد، وابن منصور فقال: إذا مات المكاتب وترك الوفاء بمال الكتابة وله ورثة أحرار فماله لسيده، لأنه مات وهو عبد وماله لسيده. فعلى هذه الرواية يكون جميع المال لسيده.
والثانية: لا يبطل، فعلى هذه الرواية يؤدي عنه بعد وفاته، ويعتق بآخر جزء من آخر حياته، وما فضل فهو لورثة المكاتب، فإن لم يكن مناسباً كان لسيده بالولاء.
ولا تختلف الرواية أنه لم يخلف وفاء أن الكتابة تبطل ويكون المال للسيد، وكذلك لا تختلف أنه إذا مات السيد لم تبطل الكتابة، ويكون العبد على كتابته.
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أنه عتق معلق بشرط مطلق، فوجب أن ينقطع بالموت كقوله: إذا أديت إليَّ ألفاً فأنت حر، وإن دخلت الدار فأنت حر، وقولنا: مطلق احتراز منه إذا قال: إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر، ولأنه مات قبل أن يؤدي مال الكتابة فوجب أن ينفسخ بموته، كما لو لم يخلف وفاء، ولأن البدل في الكتابة في مقابلة رقبة المكاتب، بدليل أنه لو أعتق في كتابة فاسدة كان عليه قيمة الرقبة، فإذا كان البدل في مقابلة الرقبة كانت رقبته في يديه بمنزلة المبيع في يد البائع، والبيع يبطل بتلف المبيع في يد البائع كذلك هاهنا.
ووجه الثانية: أنها معاوضة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين وهو السيد فلم ينفسخ بموت الآخر كالبيع، ولأن مال الكتابة معلق بذمته فوجب أن يتعلق بتركته كدين الحر، ولأنه موت أحد المكاتبين فلا تبطل الكتابة كما لو مات السيد.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 123
تقديم سداد الدين في ترك المكاتب على دين الكتابة:
---(2/163)
فإن قلنا: إن الكتابة تبطل بموت المكاتب فإذا مات وعليه ديون وضاق المال عن مال الكتابة وقضاء الدين، فهل يقدم الدين أو يأخذ السيد بالحصة؟
على روايتين:
نقل أحمد بن القاسم وحنبل والمروذي والأثرم : أن الدين مقدم.
ونقل أبو الحارث : أن السيد كأحد الغرماء يأخذ بالحصص.
وجه الأولى: أنه مكاتب ضاق ماله عن الكتابة والدين، فوجب أن يقدم الدين، دليله حال الحياة، فإنه يقدم في حال الحياة، رواية واحدة، كذلك بعد الموت، ولأن مال الكتابة جائز، بدليل أنه لا يجبر على أدائه، ولا يصح ضمانه والدين ثابت مستقر في ذمته، بدليل أنه يجبر على أدائه، ويصح ضمانه، وإذا كان الدين أثبت وآكد قدمنا القوي على الضعيف.
ووجه الثانية: أن السيد غريم بمال الكتابة، فيجب أن يحاص الغرماء في ديونهم قياساً على غيره من الغرماء، ومن قال بهذا فرق بين حالة الحياة وحال الموت، فقال: في تقديم الدين في حال الحياة حفظ للدين ولحق السيد فأما إذا قدمنا الدين وفضل شيء كان للسيد، وإن لم يفضل رجع السيد عن مال الكتابة إلى رقبة العبد، وليس كذلك إذا مات المكاتب، لأن السيد، لا يرجع إلى مال الكتابة، ولا إلى رقبة العبد، فلهذا ضرب معهم بالحصص، فإن اجتمع عليه أرش الجناية ومال الكتابة، فهل يقدم صاحب الأرش أو يكون السيد بالحصص؟
قال أبو بكر: على قولين، ويجب أن يكون الحكم في الأرض كالحكم في الدين على ما ذكرنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 124
تعجيل مال الكتابة قبل محله:
16 ـ مسألة: إذا عجل المكاتب مال الكتابة قبل محله، وكان مما لا يخشى فساده ولا موته في حفظه كالرصاص والحديد والنحاس والأثمان، وكان البلد مأموناً حين التعجل، فهل عليه قبوله أم لا؟
---
فنقل حرب وابن منصور والأثرم : قد زاده خيراً، وفيه حديث عثمان وضعها في بيت المال وخلى سبيله بأخذه ويعتق، فظاهر هذا أن عليه قبوله، فإن فعل وإلا قبضه الإمام وجعله في بيت المال ويحكم بعتق العبد.(2/164)
قال أبو بكر : وفيه رواية أخرى: لا يلزمه قبوله ذلك إلا عند نجومه، نقلها بكر بن محمد وحنبل، قال أبو بكر : لأنه قد يعجز فيرد رقيقاً، ولأنه عجل مال الكتابة قبل محله فلا يلزمه قبوله، دليله لو كان مما يخاف عليه الفساد.
ووجه الأولى: وهي أصح، ما روى سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أن امرأة اشترته من سوق ذي المجاز، وقدمت به مكة، وكاتبته على أربعين ألفاً فأدى عامة المال، ثم أتاها فقالت: لا والله حتى يؤديه سنة بعد سنة وشهراً بعد شهر، فخرج به ـ يعني بالمال ـ إلى عثمان ـ رضي الله عنه ـ فأخبره بذلك، فقال له: ضعه في بيت المال، وقال لها: قد عتق أبو سعيد، فإن اخترت أخذه شهراً بعد شهراً أو سنة بعد سنة فافعلي، وإن شئت أخذت المال.
ولأن الأجل حق لمن عليه الدين على من له الدين، فإذا قدمه من غير ضرر يلحق من له الدين فقد رضي بإسقاط حقه من غير ضرر على غيره، فكان ذلك له.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 124
بيع المكاتب:
17 ـ مسألة: هل يجوز بيع رقبة المكاتب؟
نقل أبو داود والأثرم وإبراهيم بن الحارث وحنبل والميموني وابن مشيش جواز ذلك، ويكون عند المشتري مكاتباً، وإذا أدى إليه عتق.
وقال في رواية أبي طالب وقد سئل هل يطأ مكاتبته؟
فقال: لا يطأها، لأنها ما اكتسبت كان لها، ولأنه لا يقدر أن يبيعها، ولا يهبها، فظاهر هذا أنه لا يصح بيعها ولا هبتها.
---(2/165)
وجه الأولى: وهي الصحيحة، ما روى أبو داود بإسناده أن بريرة جاءت عائشة ـ رضي الله عنها ـ تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت. فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا. فذكرت ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : (ابتاعي واعتقي)، فإنما الولاء لمن أعتق، ثم قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، فمن شرط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة شرط، شرط الله أحق . فقد أجاز ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ بيع المكاتب. وفي الخبر ما يدل (على) أن عقد الكتابة كان باقياً، وأنها لم تعجز، لأنه روي أنها جاءت تستعين بها في كتابتها، ولو كان عقد الكتابة قد انفسخ لم يكن للاستعانة فائدة، ولأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت لها: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي، فأثبت أن الكتابة باقية، وأنها تقضي عنها مال الكتابة ولأنه عتق بصفة صدر عن قول، فلم يمنع البيع كالتدبير، وكما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر، وإن أعطيتني ألفاً فأنت حر. ولأن أكثر ما في البيع أنه نقل الملك إلى مالك (آخر)، وهذا جائز في حق المكاتب، كالموت ينقل الملك في رقبة المكاتب عن السيد إلى ورثته، كذلك البيع.
ووجه الثانية: أن الكتابة عقد يمنع من رجوع أرش الجناية عليه إليه، فمنع من البيع كعقد البيع، ولأن ملكه ناقص، بدليل أنه لا يملك التصرف في منفعته بالاستخدام والإجارة ونحو ذلك، والبيع إنما يصح ممن ملكه تام.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 125
تعجيز المكاتب:
18 ـ مسألة: هل يملك السيد تعجيز المكاتب بالعجز عن أول نجم أم لا؟
---(2/166)
فنقل أبو طالب : إذا عجز عن نجم أو نجمين، وقال: عجزت، فهو عبد، فظاهر هذا أنه بالعجز عن نجم واحد يعجز.
ونقل ابن منصور : من الناس من يقول:
إذا جاء نجم فلم يؤد فهو عاجز، ومنهم من يقول: نجمان، ونجمان أحب إليَّ، فظاهر هذا أنه لم يعجزه بنجم واحد، وهو اختيار أبي بكر والخرقي.
وجه الأولى: ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولأنه عاجز عن شيء من مال الكتابة عند محله فملك السيد تعجيزه، كما لو عجز عن نجمين.
ووجه الثانية: ما روى الشعبي عن الحارث عن علي ـ عليه السلام ـ أنه قال: إذا تتابع على المكاتب نجمان، فدخل في السنة الثانية، فلم يؤد نجومه رد في الرق وروى قتادة عن جلاس بن عمر أن علي بن أبي طالب قال: إذا عجز المكاتب يستسعى سنتين ولأنه يتحقق عجزه بأول نجم، لأنه يجوز أن يكون له مال غائب، أو دين في ذمة إنسان، فيتأخر القضاء في هذا النجم ويقضي في الثاني، فإذا عجز في الثاني تحقق ذلك، فملك الفسخ، ولم يملك في الأول لأنه غير متحقق، ولأنه متى لم يحل النجم الثاني فهو وقت لأداء النجم الأول، بدليل أنه لم يحل الثاني فهو وقت النجم الأول فلا أن يعجز ووقت الأداء باق، فإذا جاء محل النجم الثاني فلم يؤد تحققنا عجزه بانقضاء وقت النجم الأول.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 127
ملك السيد لمال الزكاة الذي بيد المكاتب إذا عجز عن الأداء:
19 ـ مسألة: إذا عجز المكاتب عن وفاء مال الكتابة وفي يده مال من الزكاة فهل يكون للسيد أخذه أم يصرف في الرقاب؟
ونقل المروذي وابن منصور : هو للسيد.
ونقل حنبل : يجعل في المكاتبين.
وقال أبو بكر : يرد على من تصدق به.
وجه الأولى: أنه حال أخذه كان له أخذه، فإذا عجز عن الوفاء يجب أن يكون لسيده، دليله لو أخذه على وجه الهبة وصدقة التطوع.
---(2/167)
ووجه الثانية: أنه إنما دفع إليه ليقع له به العتق وما وقع، فهو كما لو دفع إلى الغارم ليقضي دينه، والغازي ليغزو فلم يفعلا ذلك، فإنه يلزمهما الرد، كذلك هاهنا، ويمكن أن يحمل ما نقله المروذي وابن منصور على أنه لم يوجد الزكاة بعينها وإنما وجد بدلها وربحها فحكم بها للسيد.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 128
مسائل العدة:
انقضاء العدة بإلقاء ما فيه خلق إنسان:
20 ـ مسألة: إذا ألقت جسداً ليس فيه تخطيط ولا تصوير بحال، غير أن أهل الخبرة من القوابل ذكروا أنه مبتدأ خلقه بشر، فإنه لو بقي تخطيط وتصوير، فهل تصير به أم ولد، وتنقضي به العدة، ويضمن بالغرة والكفارة أم لا؟
نقل يوسف بن موسى عنه في الأمة إذا ألقت مضغة أو علقة: تعتق وإن لم يتم أربعة أشهر بعد أن يرى خلقه ويعلم أنه ولد، فظاهر هذا أنه يحكم فيه بهذه الأحكام إذا علم ولد، وإن لم يتم له أربعة أشهر، وكذلك نقل مهنا : إذا ألقت مضغة أو علقة أعجب إليَّ أن تكون حرة لا يكون في النفس منه شيء، ظاهرهذا الحكم بذلك.
نقل حنبل : إذا أسقطت أم الولد فإن كان خلقه تاماً عتقت وانقضت به العدة إذا دخل في الخلق الرابع ينفخ فيه الروح، فظاهر هذا أنه لم يحكم فيه بهذه الأحكام وكذلك نقل الميموني بعتق الأمة إذا تبين وجهه أو يده أو شيء من خلقه، فظاهر هذا أنه اعتبر ما تبين فيه الخلق وقد تبين ذلك لأقل من أربعة أشهر.
ونقل إبراهيم بن الحارث في الأمة إذا ألقت ما تمسه القوابل فيعلمون أنه لحم ولا يتبين خلقه، فأما في العدة فتحتاط بأخرى وتحتاط بالعتق، فظاهر هذا أنه يحكم بكونها أم ولد بذلك ولا يحكم بانقضاء العدة.
وجه الأولى: في أنه يتعلق به هذه الأحكام، أنه إذا كان مبتدأ خلقة بشر كان كالذي ظهر فيه تصوير وتخطيط.
ووجه الثانية: في أنه لا يتعلق به شيء من هذه الأحكام، أنه إنما يثبت أم الولد حرمة بالولد، والولد ما ثبت له حرمة، فكيف تصير أم ولد؟
---(2/168)
ووجه الثالثة: في أنها تعتبر لأم ولد ولا تنقضي العدة، أن في ذلك احتياطاً لأن فيه تغليباً للحرية، واحتياطاً في بقاء العدة، وقد روي عنه أنه لا تثبت هذه الأحكام حتى تمضي أربعة أشهر، فقال في رواية أبي طالب: إذا تم خلقه في الشهر الرابع تعتق الأمة وتنقضي العدة، وكذلك (نقل) حنبل وأبو الحارث: يغسل السقط ويصلى عليه بعد أربعة أشهر، وتنقضي العدة، وتعتق الأمة إذا دخل في الخلق الرابع، والوجه فيه أن ما دون الأربعة لا يغسل ولا يصلى عليه، فلم تعتق ولا تعتد، دليله إذا تبين خلقه.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 128
نفقة أم ولد النصراني إذا أسلمت:
21 ـ مسألة: إذا أسلمت أم ولد النصراني فإن نفقتها في كسبها، فإن فضل كان لسيدها، وإن عجز عن نفقتها فهل على السيد إتمامها أم لا؟
قال أبو بكر : على روايتين:
إحداهما: التمام على سيدها، وهو ظاهر ما نقله ابن منصور ، فقال: إذا أسلمت أم ولد النصراني منع من غشيانها ونفقتها عليه، وهو اختيار أبي بكر.
والثاني: لا يلزم السيد تمام نفقتها في هذه الحال بها إذا مات عنها وفي تلك الحال نفقتها في كسبها على نفسها.
وجه الأولى: وهي أصح، أن منع الوطء، منها بسبب هي طائعة فيه، فلا يسقط النفقة كالحيض والمرض.
ووجه الثانية: أنه ممنوع من استمتاعها بسبب من جهتها، فهو كالزوجة إذا نشزت، ولأن زوجة الوثني لو أسلمت قبل الدخول لم يكن لها شيء من الصداق لأن الفرقة جاءت من جهتها، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 128
استسعاء أم ولد الذمي ءذا أسلمت:
22 ـ مسألة: إذا أسلمت أم ولد النصراني، هل تستسعى في قيمتها حتى تؤدي وتعتق أم لا؟
نقل ابن منصور والميموني : لا تستسعى.
نقل مهنا : تستسعى. قيل له: من يستسعيها؟
قال: سيدها. قال أبو بكر : أظن أن أبا عبد الله أطلق ذلك لمهنا على وجه المناظرة للوقت لا غيره.
---(2/169)
وجه الأولى: وهي الصحيحة، أن الاستسعاء عتق بعوض، فلم يجبر العبد عليه، دليله الكتابة، ولأن حق السيد هاهنا متعجل، فلا تجبر على تأخيره، ولأن الاستسعاء إزالة ملك بعوض مؤجل، ففيه ضرر به.
ووجه الثانية: أنها مسلمة، فلا يجوز أن تقر في ملك ذمي، كالأمة التي ليست أم ولد إذا أسلمت، فإنها تباع عليه، كذلك هاهنا.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 130
حد قاذف أم الولد:
23 ـ مسألة: هل يجب الحد على قاذف أم الولد أم تعزير؟
فنقل أبو طالب . على قاذفها الحد، واحتج بحديث ابن عمر أنه قال: عليه الحد.
ونقل الميموني : أن ابن عمر يقول: عليه الحد، وأنا أجترىء على ذلك إنما هي أمة وأحكامها أحكام الإماء.
وجه الأولى: ما روي عن ابن عمر أنه قال: عليه الحد، ولأن في قذفها قدحاً في نسب ولدها، ولأن سبب الحرية مستقر فيها، ولهذا لا يجوز العقد على رقبتها، فهي كالحرة.
ووجه الثانية: وهي الصحيحة، أنها ناقصة بالرق، ولهذا لا يجوز شهادتها ويملك السيد إكتابها واستخدامها وإجبارها على النكاح، فلم يحد قاذفها كالمدبرة.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 131
مسائل متفرقة
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 133
حلق الرأس لغير حج ولا عمرة:
1 ـ مسألة اختلفت الرواية في حلق الرأس بغير رحج ولا عمرة، هل يكره أم لا؟ نقل المروذي والفضل بن زياد : كراهية ذلك. ونقل حنبل : جوازه.
---(2/170)
وجه الأولى: ما روي في حديث أبي موسى وابن عمر أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: ليس منا من حلق، ولأن ـ النبي ـ عليه السلام ـ ذكر قوماً دمهم فقال: سيماهم التحليق وعن عمر ـ عليه السلام ـ قال لضبيع: لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك، وعن ابن عباس قال: الذي يحلق في المصر حليق الشيطان، وعن معمر أنه كان يكره الحلق من غير الحج والعمرة، وإنما فرقا بين الحج والعمرة وبين المحل، لما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: اللهم اغفر للحالقين ثلاثاً، وقال في الرابعة: والمقصرين ولأنا كرهناه في غير الإحرام لأنه تشبه بالأعاجم، وحلقه عند التحليل من إحرامه ليس فيه تشبه به .
ووجه الثانية: أنالناس عصراً بعد عصر يحلقون ولم يظهر عليهم نكير. ولأن في ترك الحلق مشقة.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 133
التداوي بالكي وقطع العروق:
2 ـ مسألة: واختلفت الرواية في التداوي بالكي وقطع العروق.
فنقل حنبل عنه، وقد سأله عن الكي، قال: الأعراب تفعله قد كوي ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ، وقد فعله أصحاب ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ.
فظاهر هذا جواز ذلك، وقد احتج فيه بفعل ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ، وكذلك نقل الأثرم عنه قال: قطع عمران بن حصين عرق النساء.
ونقل الأثرم وجعفر بن محمد : كراهية الكي. قال أبو بكر الخلال : روى هذه المسألة عن أبي عبد الله ستة أو أربعة ذكروا عنه التوقف والميل إلى الكراهية وحنبل ويعقوب قالا عنه السهولة فيه، وأرجو أن لا يكون به بأس.
وجه الجواز ما احتج به أحمد ـ رضي الله عنه ـ أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ كوى سعداً، وروى جرير قال: عزم على عمر ـ عليه السلام ـ لأكتوين ولأن هذا ضرب من التداوي يؤمن معه التلف فهو الفصد وبط الجراح ونحو.
---(2/171)
ووجه الكراهة ما روي عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال وقد ذكر قوماً من أمته يدخلون الجنة بغير حساب، فسئل عنهم، فقال: هم الذين لا يكترون ولا يسرقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون.
فوصفهم بذلك، فلولا أن تركه أولى من فعله ما مدحهم. ولأنه قدر ربما يخالف منه التلف، فكره ذلك.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 134
التكني بكنية ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ:
3 ـ مسألة: هل يكره أن يكتنى بكنية النبي ـ عليه السلام ـ: أم لا نقل علي بن سعيد وقد سأله عن حديث النبي تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، هو أن يجمع بين اسمه وكنيته أو ينفرد بأحدهما فقال أكثر الحديث: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، فظاهر هذا جواز الاسم ومنع الكنية، وكذلك نقل حنبل وصالح الكراهية للكنية.
ونقل ابن منصور ، وقد سأله: أيكره أن يسمى الرجل بأبي القاسم أو بأبي عيسى؟ قال عمر: يكره أبا عيسى، فإذا لم يك اسمه محمداً فهو أهون، فظاهر هذا أنه كره الجمع بين اسم النبي وكنيته، ولا يكره أن يفرد أحدهما عن الآخر.
وجه الأولى: ما روى جابر وأبو هريرة عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بالبقيع، فنادى رجل رجلاً: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، فقال: إني لمأعنك، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي.
ووجه الثانية: ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: جاءت امرأة إلى ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله، إني ولدت غلاماً فسميته محمداً وكنيته بأبي القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال: ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي، أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي؟ وروى محمد بن الحنفية قال علي: يا رسول الله، إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم.
رقم الجزء: 3 رقم الصفحة: 136
---
لبس الحرير والذهب لمن ل يبلغ من الذكور:(2/172)