المال في الميزان
كتبه وجمعه أبو عبد الرحمن ... 9/2/16
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أخي القارئ الكريم :إذا أردنا أن نقيم المال ونصعة في الميزان فنقول إن المال أهميته بالنسبة للمجتمع الإسلامي اليوم هو في أمس الحاجة له، لتقام به حياة إسلامية كريمة، والمال عصبٌ لكثير من المشاريع الإسلامية النافعة، وكل مناحي العمل الإسلامي بحاجته، إذ هو أساسٌ في الجهاد، ونشر العلم، وهيئات الإغاثة، واللجان الخيرية وغيرها، وباختصار هو أساس لا غنى عنه، قال سعيد بن المسيب: (لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس ويصل به رحمه ويعطي منه حقه) (مختصر منهاج القاصدين ص 412 ). وقال ابن المنكدر: (نعم العون على تقوى الله الغنى) ( نزهة الفضلاء 1/160 -2/778 – 1/449 ). وقال سفيان الثوري: (المال في زماننا سلاح المؤمن) (مختصر منهاج القاصدين ص 214 ) .
التوازن في طلب المال
وجوب كون المال في اليد لا في القلب، فإن حب المال للمال إذا تمكن في القلب أهلك صاحبه، فقد قال هشام بن حسان: سمعت الحسن يقول: (ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله) (نزهة الفضلاء 1/160 ـ 2/778 ـ 1/ 449 ) .
عدم الإغراق في طلبه، وهذا أمر خطير، وقد يتحمس في جمع المال وينسى دعوته وعبادته، ويقسو قلبه.
المسارعة في إنفاقه لوجه الله تعالى، وقد يسول الشيطان لأصحاب الأموال جمعها وعدم الإنفاق منها بدعوى استعدادهم لمشاريع أخرى. وهذا الفعل يجر إلى كنز الأموال الذي نهينا عنه.(1/1)
وجوب التخصص في هذا الباب. ونعني بذلك أنه ليس لكل داعية أو مسلم ملتزم الخوض في جمع المال بفرض الإكثار منها للإنفاق في سبيل الله. إذ لابد من ضوابط، باب التجارة تحكمه وتوجه العاملين فيه، فلا يصح للتفرغ لهذا الأمر داعية قدوه ولا غر ضعيف لا يفقه حيل السوق، ولا يصلح لهذا الأمر طمع حريص إذا فتحت عليه أبواب الدنيا غرق فيها.. إلخ وهذا حتى لا يطغى جمع المال بدعوى الإنفاق منه في سبيل الله على غيره من الجوانب المهمة في حياة المسلم فيضيع في تلك الأودية. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (أعوذ بالله من تفرقة القلوب، قيل وما تفرقة القلوب؟ قال: أن يجعل لي في كل واد مال) (نزهة الفضلاء 1/160 ـ 2/778 ـ 1/ 449 ) .
فوائد المال وغوائله
اعلم أخي القارئ الكريم أن للمال غوائل وفوائد، والفوائد تنقسم إلى قسمين دنيوية، و دينية .
الدنيوية فالخلق كلهم يعرفونها، ولذلك تهالكوا عليها، والدينية فتنحصر في ثلاثة أنواع:
أحدها: أن ينفقه على نفسه، إما في عبادة كالحج والجهاد، وإما في الاستعانة على العبادة كالمطعم والملبس والمسكن وغيرها من ضرورات الحياة، فإن هذه الحاجات إذا لم تتيسر لم يتفرغ القلب للعبادة، وما لا يتوصل إلى العبادة إلا به فهو عبادة، فأخذ الكفاية في الدنيا للاستعانة على الدين من الفوائد الدينية.
* النوع الثاني: ما يصرفه على الناس وهو أربعة أقسام:
- القسم الأول: الصدقة، وفضائلها كثيرة ومشهورة.
- القسم الثاني: المروءة ونعني به اصرف المرء في ضيفانه، وهدية وإعانة ونحو ذلك، وهذا من الفوائد الدينية إذ به يكتسب العبد الإخوان والأصدقاء.
- القسم الثالث: وقاية العرض نحو بذل المال لدفع هجو الشعراء وثلب السفهاء وقطع ألسنتهم وكف شرهم.
- القسم الرابع: ما يعطيه أجراً على الاستخدام فإن بعض الأعمال لا يستطيع أن يتولاها بنفسه ولو تولاها بنفسه لضاعت أوقاته ومن لا مال له يفتقر إلى أن يتولى خدمة نفسه بنفسه.(1/2)
* النوع الثالث: ما لا يصرفه الإنسان على معين لكي يحصل به خيراً كثيراً، كبناء المساجد والوقوف المؤبدة، وبناء المستشفيات الإغاثية، وحفر الآبار لفقراء المسلمين مما يحصل به خيراً عاماً، فهذه جملة من فوائد المال، في الدين، سوى ما يتعلق بالخطوط العاجلة من الخلاص من ذل السؤال وحقارة الفقر والعز بين الخلق.
غوائل المال وآفاته
لقد بينا أن للمال فوائد دينية والآن نبين بعض الغوائل أو فتن المال:
الأولى/ أنه يجر إلى المعاصي غالباً، مثل منع الزكاة، ولذلك قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيتان يطوقه يوم القيامة بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول له: أنا مالك، أنا كنزك) رواه البخاري فتح ج3/268 ( الشجاع الأقرع : الحية الذكر وسمي بالأقرع لأن شعره يتمعط لجمعه السم فيه . فتح ج3/270) .
الثانية/ أنه يحرك إلى التنعم في المباحات حتى تصير له عادة وإلفاً فلا يصبر عنها، وربما لم يقدر على استدامتها، إلا يكسب فيه شبهة فيقتحم الشبهات، ويرتقي إلى آفات في المداهنة والنفاق، بل قد يرتقي إلى كسب الحرام، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بم أخذ من المال أمن حلال أم حرام ) رواه أحمد والبخاري صحيح الجامع ج5/80 .(1/3)
الثالثة/ وهي التي لا ينفك عنها أحد (إلا من رحم الله) وهو أن يلهيه ماله عن ذكر الله، وهذا هو الداء العضال، فإن اصل العبادات ذكر الله، والتفكر في جلاله وعظمته، وذلك يستدعي قلباً فارغاً من هموم الدنيا، والآيات كثيرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) ( المنافقون : 9 ) وقال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ( التغابن : 15 ) ، وقال (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا..) ( الفتح : 11 ) .
ما يتقى من فتنة المال (ذم الدنيا ص 19 ـ 30 مختصراً. سمير الزهيري )(1/4)
إن المال نعمة من نعم الله. فينبغي أن يأخذه المسلم بحقه ويصرفه في حقه فإنه " لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" ( جزء من حديث صحيح. رواه الترمذي صحيح الجامع 6/148 ) . وليعلم المرء أن المال لا يغني صاحبه من الله شيئاً. قال تعالى: (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى " ( سورة الليل : 11) أي إذا مات. ومع كل هذا فالإنسان شديد الحب المال كما قال تعالى: " وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ " ( العاديات : 8 ). بل هو حريص على جمعه وجعله عدة للدهر ومع هذا الجمع حريص عليه شحيح. بل أن كثير من الناس كخادم للمال بل كعبده. ولقد جاء الذم لمثل هذا الصنف من الناس من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "تعس عبد الدرهم والدينار" ( رواه البخاري صحيح الجامع 3/ 45 ) . وليعلم هؤلاء الذين يجمعون المال ولا ينفقونه في سبيل الله بأنهم هم المقلون. فقد جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيراً فنفح فيه بيمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل خيراً" ( رواه البخاري ج11/260 ) . قال ابن حجر المراد بالإكثار من المال والإقلال من ثواب الآخرة. وليعلم المرء كذلك أن ماله ما قدم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيكم مال واثه أحب إليه من ماله؟ قالوا يا رسول الله: ما منا أحد إلا ماله أحبُ غليه. قال: "فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر" ( رواه البخاري ج11/260 ) . ففي الحديث تحريض على تقديم المال وإنفاقه في وجوه القربة والبر لينتفع به في الآخرة. وأخيراً يجب أن تعلم أن المال لا يدخل مع صاحبه القبر وإنما الذي يدخل عمله. فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد فيرجع أهله وماله ويبقى عمله" ( رواه البخاري ج11/260 ) .(1/5)
هذا وبالله تعالى التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(1/6)