الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
التورق الفقهي
وتطبيقاته المصرفية المعاصرة
في الفقه الإسلامي
إعداد
الأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير
رئيس قسم الفقه والأصول
كلية الشريعة-جامعة قطر
فهرس المحتويات
الموضوعات ... الصفحة
المقدمة. ... 3
المبحث الأول:حقيقة التورق الفقهي (الفردي) ... 4
المطلب الأول: معنى التورق الفقهي (الفردي) وصوره وخصائصه. ... 4
المطلب الثاني:الألفاظ ذات العلاقة بالتورق الفقهي (الفردي). ... 6
أولاً: الأسماء التي تطلق على التورق الفقهي (الفردي) ... 6
1-الزرنقة ... 7
2-الوعدة ... 7
3-الدينة ... 7
4-الكسر ... 8
ثانياً: الألفاظ ذات الصلة بالتورق الفقهي (الفردي) ... 8
1-الربا ... 8
2-العينة ... 9
3-المرابحة للآمر بالشراء ... 11
4-التوريق ... 12
المبحث الثاني:الحكم الشرعي للتورق الفقهي (الفردي) ... 13
المطلب الأول:التكييف الفقهي للتورق الفقهي (الفردي) ... 13
المطلب الثاني: حكم التورق الفقهي (الفردي) ... 14
المبحث الثالث: التورق المصرفي المنظم ... 24
المطلب الأول: حقيقة التورق المصرفي المنظم ... 24
أولاً: معنى التورق المصرفي المنظم وصورته ... 24
ثانياً: الغاية من التورق المصرفي المنظم ... 24
ثالثاً: واقع التورق المصرفي المنظم في المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية وإجراءاته ... 25
رابعاً: مقارنة بين التورق المصرفي المنظم والتورق الفقهي (الفردي ... 27
المطلب الثاني: الحكم الشرعي للتورق المصرفي المنظم ... 28
أولا: التكييف الفقهي للتورق المصرفي المنظم ... 28
ثانياً: حكم التورق المصرفي المنظم ... 29
المبحث الرابع: التورق العكسي ... 32
المطلب الأول: حقيقة التورق العكسي ... 32
أولاً: معنى التورق العكسي وصورته ... 32
ثانياً: الغاية من التورق العكسي ... 32
ثالثاً: واقع التورق العكسي في المؤسست المالية والمصارف الإسلامية وإجراءاته. ... 33
رابعاً:مقارنة بين التورق العكسي وبين كل من التورق الفردي والتورق المصرفي ... 34
المطلب الثاني:الحكم الشرعي للتورق العكسي ... 36(1/1)
أولا: التكييف الفقهي للتورق العكسي ... 36
ثانياً: حكم التورق المعكسي ... 38
الخاتمة ... 42
المراجع والمصادر ... 44
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد... فإن موضوع: "التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة" من الموضوعات المهمة في هذا العصر، إذ أنه أصبح اليوم يحتل حيزاً كبيراً في أدبيات المؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيقاتها المعاصرة. وهو يتعلق بجانب رئيس في الاقتصاد الإسلامي، وهو التمويل الذي يعتبر العمود الفقري للعمليات المصرفية الإسلامية. كما أنه أصبح وسيلة من وسائل تحقيق السيولة للمؤسسات المالية الإسلامية، فتستخدمه المصارف لاستقطاب مدخرات الناس. هذا بالإضافة إلى أن دراسة هذا الموضوع تأتي في إبان الأزمة المالية الدولية التي نزلت بالاقتصاد الرأسمالي في الغرب. ومما يزيد هذا الموضوع أهمية أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي قد طرَّحه ضمن محاور الدورة التاسعة عشرة التي ستعقد في الثلث الأول من السنة الهجرية والميلادية ( 1430هـ/ 2009 م). ومما ينبغي الإشارة إليه أن التورق قد مرَّ بثلاث مراحل: أولها: التورق الفردي، وهو ما كان خارجاً عن دائرة المؤسسات المصرفية، وهو الصيغة المعروفة لدى الفقهاء القدامي، وقد ظلت هذه الصيغة مستخدمة لدى عامة الناس حتى العصر الحاضر. وأما المرحلة الثانية: فتتمثل في ظهور ما يسمى: "التورق المصرفي المنظم" وهو الصيغة المطورة للتورق الفردي. وأما المرحلة الثالثة: فتتمثل في ظهور ما يسمى: "التورق العكسي" أو "مقلوب التورق" وهو تطور جديد لكل من التورق الفردي والتورق المصرفي. فما حقيقة التورق بصيغه الثلاث، وما الأحكام الفقهية التي تتعلق بها؟ هذا ما سأجيب عنه في هذا البحث إن شاء الله تعالى.(1/2)
ولما كان البعد الفقهي هو الغالب على هذا الموضوع فقد اعتمدت في بحثي هذا على عدد وافر من المراجع الفقهية في المذاهب الفقهية المشتهرة. وكتب التفسير، والحديث وشروحه، واللغة، والاقتصاد، والأبحاث الفقهية المعاصرة. هذا بالإضافة إلى قرارات المجامع الفقهية، وما نشر فيها من بحوث تتعلق بهذا الموضوع، وما وجد في المواقع الالكترونية، أوالشبكة العنكبوتية.
وقد قسمت هذا البحث إلى أربعة مباحث وخاتمة.
المبحث الأول:حقيقة التورق الفقهي (الفردي).
المبحث الثاني:الحكم الشرعي للتورق الفقهي (الفردي).
المبحث الثالث:التورق المصرفي المنظم.
المبحث الرابع:التورق العكسي.
والخاتمة: لخصت فيها أهم نتائج البحث، والتوصيات في مجاله.
والله أسأل أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع ، ويجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون
المبحث الأول
حقيقة التورق الفقهي (الفردي)
التورق الفقهي مصطلح قديم ذكره بعض الفقهاء القدامى بهذا الاسم، وذكره البعض الآخر بصورته دون تسميته بهذا الاسم، فما حقيقته؟ وما الألفاظ ذات العلاقة به؟ هذا ما سأجيب عنه في هذا المبحث - إن شاء الله تعالى- وسوف يشتمل على مطلبين.
المطلب الأول: معنى التورق الفقهي (الفردي) ، وصوره، وخصائصه.
لما كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، فلا بدَّ من بيان معنى التورق الفقهي (الفردي)، وصوره، وخصائصه. وفيما يلي بيان ذلك.
أولاً: معنى التورق الفقهي (الفردي).(1/3)
التورق في اللغة: مأخوذ من الورق، وهو يدل في الأصل على معنيين؛ أحدهما: الخير والمال. والآخر: لون من الألوان، وهذا اللون هو ما يشبه الرماد. فمن المعنى الأول: ورق الشجر؛ لأن الشجرة إذا تحاتَّ ورقُها انجردت كالرجل الفقير. وقد عُبِّر بالوَرَق عن المال الكثير تشبيهاً له في الكثرة بالورق، فيقال: مال كالورق: أي كثير. ويقال: تورق الحيوان: إذا أكل ورق الشجر، والتورق: يطلق على عشبة ورقها كورق الهندبا الصغار، خضراء مليئة، يأكلها الناس، وتحبها الغنم جداً. ومن المعنى الأول أيضاً: الوَرِق: الفضة المضروبة (الدراهم)، ومنه قوله تعالى: "فابعثوا أحدكم بورِقِكم هذه إلى المدينة." (الكهف:19) وقيل: يطلق الوَرِق على الفضة المضروبة وغير المضروبة. كما تطلق الرَّقَة على المال، والفضة والدراهم المضروبة منها. ويقال: أورق الرجل: إذا صار ذا ورِِق. واستورق الرجل: إذا طلب الورِق (الدراهم الفضية). ومن المعنى الثاني للورق (اللون): الوُرْقَة وهي السمرة التي تشبه الرماد، فيقال: بعير أورق؛ وناقة ورقاء، وحمامة ورقاء. ويقال: عام أورق؛ إذا كان جذباَ، فيصير لون الأرض لون الرماد. (1) فالمعنى اللغوي المقصود من التورق هنا: الحصول على الورِق (النقود).
__________
(1) ... انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس، ص 1049، والمفردات للأصفهاني، ص 472، والمصباح المنير للفيومي، 2/902، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ص 956، والمعجم الوسيط، 2/1026.(1/4)
والتورق في الاصطلاح هو: "أن يشتري الرجل السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها إلى آخر نقداً بثمن أقل مما اشتراها به." (1) وبعبارة أخرى: "أن يشتري الشخص سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقداً لغير البائع بأقل مما اشتراها به؛ ليحصل بذلك على النقد" (2) . وعرَّفه المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بأنه: "شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع؛ للحصول على النقد (الورِق)." (3) وعرفته لجنة المعايير الشرعية المنبثقة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية بأنه: " شراء سلعة بثمن آجل مساومة، أو مرابحة، ثم بيعها إلى غير من اشتريت منه للحصول على النقد بثمن حال." (4) وعرَّفه الرشيدي بأنه: " شراء سلعة بالأجل، وبيعها نقداً لغير البائع، بهدف الحصول على السيولة لسد حاجة من قضاء دين، أو زواج، أو حتى الاتجار." (5) وأول من ذكره بهذا الاسم ابن أبي شيبة(ت:235هـ)، حيث روى بسنده عن إياس بن معاوية (6) : "أنه كان يرى التورق، يعني: العينة." (7)
ثانياً: صور التورق الفقهي (الفردي):
__________
(1) ... معجم لغة الفقهاء، قلعه جي ، وقنيبي، ص 150.
(2) ... معجم المصطلحات الاقتصادية لنزيه حماد، ص 108، وانظر: معجم المصطلحات الاقتصادية والإسلامية، لعلي الجمعة، ص192، المعجم الاقتصادي، للدكتور جمال عبد الناصر، ص129.
(3) ... قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ص320.
(4) ... المعايير الشرعية، ص492.
(5) ... عمليات التورق، للرشيدي، ص21.
(6) ... هو أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة البصري المزني. كان مضرب المثل في الذكاء والفطنة والعقل. ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء البصرة؛ قضى في سبعين قضية وفصل فيها. وكانت له فراسة قوية؛ وله حكايات في ذلك عجيبة، توفي سنة: (122هـ) وعمره (76) عاماً. (وفيات الأعيان، 1/247، والوافي بالوفيات، 9/465)
(7) ... المصنف لابن أبي شيبة 10/526.(1/5)
يلاحظ على التعريفات السابقة للتورق الفقهي أنها متقاربة من حيث المعنى، ومما يوضح هذا الأمر ذكر بعض الصور له، وهي:
1- ... أن يحتاج رجل إلى دراهم (نقود)، فيشتري سلعة نسيئة إلى سنة مثلاً بثمن يزيد عن ثمنها نقداً، ثم يبيعها على غير البائع الأول؛ لأنه إذا باعها على الأول فهي بيع عينة. ومثاله: إنسان يريد أن يتزوج، وليس عنده أموال، فيشتري سيارة بمائة ألف ريال مؤجلة لمدة سنة، ثم يبيعها لغير البائع بتسعين ألف ريال ليدفع تكاليف الزواج. (1)
2- ... أن يشتري المدين سلعة نسيئة بطريق المرابحة للآمر بالشراء، وبثمن يزيد عن سعر يومها، ويبيعها بسعر أقل إلى الدائن مثل: أن يشتري المدين سيارة بالأقساط بمائة ألف ريال، ويبيعها إلى الدائن بما عليه من دين، وهو ثمانون ألفاً.
3- ... أن يشتري الرجل السلعة من تاجر بأكثر من سعر يومها، كألف دينار، على أن يدفع نصف ثمنها نقداً (معجل)، والنصف الآخر نسيئة (مؤجل) إلى سنة، فيأخذ المشتري السلعة، ثم يبيعها بالنقد بأقل من ثمنها الذي اشتراها به كثمانمائة دينار، ويسدد النصف المعجل، وهو خمسمائة دينار، وينتفع المشتري بالباقي وهو ثلاثمائة دينار، وبعد تمام السنة يسدد الثمن المؤجل، وهو خمسمائة دينار.
ثالثاً: خصائص التورق الفقهي (الفردي):
يظهر من خلال بيان التعريفات السابقة للتورق الفقهي (الفردي)، وصوره؛ أنه يختصُّ بالخصائص التالية:
1- للتورق الفقهي (الفردي) ثلاثة أطراف وهي: طالب التورق (المستورق)، أو المشتري الأول للسلعة، وبائع السلعة الأول، والمشتري الثاني للسلعة. وهو بذلك يختلف عن البيع المطلق الذي يتضمن طرفين، كما يختلف عن بيع العينة الذي يتضمن طرفين فقط، وهما البائع والمشتري.
__________
(1) شرح زاد المستقنع للعثيمين، 4/137.(1/6)
2- الغاية من التورق الفردي هي: حصول المستورق على النقود (السيولة) لا المتاجرة بالسلعة، أو الانتفاع بها؛ لأن حاجته إلى النقود لا تسد إلا بذلك، فلا تسد بالاقتراض الحسن. وهو لا يصرح للطرفين الآخرين بذلك. والتورق بذلك يختلف عن بيع العينة؛ لأن الغاية منه هي: حصول الزيادة لصاحب العينة بالبيع الذي يتضمن القرض، كما أن هذه الغاية تكون معلومة لجميع الأطراف.
3- في التورق الفقهي البائع الأول لا توجد له أية علاقة ببيع السلعة، فلا يعيد شراءها لنفسه؛ كما في بيع العينة، ولا يكون وكيلاً عن المستورق في بيع السلعة.
4- في التورق الفقهي تكون السلعة في حوزة البائع الأول وملكه. ويقوم المستورق بشرائها منه.
5- في التورق الفقهي يكون المشتري الثاني للسلعة غير البائع الأول، وهو بذلك يختلف عن بيع العينة الذي يكون المشتري الثاني فيه هو البائع الأول للسلعة.
6- في التورق الفقهي يتم قبض المستورق للسلعة التي اشتراها، وتدخل في ضمانه وبذلك يكون البيع مستقراً.
7- في التورق الفقهي يوجد فصل كامل بين التصرفات التعاقدية، حيث يقوم المستورق بشراء السلعة بعقد بيع آجل، مستوفي الأركان والشروط ، ثم تنتهي هذه العملية لتبدأ عملية أخرى منفصلة عنها تماماً، وهي إعادة بيع المستورق للسلعة للحصول على النقود. فلا يكون العقد المستقل ذريعة إلى عقد آخر مستقل عنه. وقد أشار إلى هذا الجويني في نهاية المطلب. (1) وهو بذلك يختلف عن بيع العينة الذي يتضمن عقدين مرتبطين مع بعضهما، فلا يبيع السلعة بالأجل إلا إذا تعهد المشتري أنه سوف يبيعها له، أو لوكيله بالنقد بسعر أقل؛ فيحصل التواطؤ على ذلك، وتتحقق الحيلة على الربا.
المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة بالتورق الفقهي (الفردي).
__________
(1) ... نهاية المطلب للجويني، 5/314.(1/7)
التورق مصطلح فقهي استعمله الفقهاء في كتبهم، والناس في معاملاتهم، ولتجلية هذا المصطلح لا بدَّ من بيان الألفاظ التي تطلق عليه، والألفاظ التي تشتبه به. وفيما يلي بيان ذلك:
أولاً: الأسماء التي تطلق على التورق الفقهي (الفردي).
أُطلق على التورق في العصور الماضية والحاضرة عدة ألفاظ وأسماء نذكر منها: الزرنقة، والوعدة، والدينة، والكسر. وفيما يلي بيان ذلك:
1-الزرنقة.
الزرنقة في اللغة: مأخوذة من زرنق، وهو يطلق على ثلاثة أمور: أحدها: الإخفاء، فيقال تزرنق في الثياب؛ إذا لبسها واستتر بها. والأمر الآخر:الاستقاء بالأجرة على الزرنوق: (آلة يستقى بها من البئر) والأمر الثالث: أعجمية معرب زرنة: أي ليس الذهب معي، فيطلب الذهب بالعينة. (1)
والزرنقة في الاصطلاح: تطلق على العينة والتورق؛ قال الزمخشري في بيان معناها: " أن يشتري الشخص الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجل، ثم يبيعه من البائع، أو من غيره بأقل مما اشتراه. (2) واطلقت الزرنقة على كل من العينة والتورق؛ باعتبار أن المتعامل بهما يخفي الحصول على النقود.وأطلقها الشافعية على التورق خاصة؛ فقال أبو منصور الأزهري (ت:370هـ) : " وأما الزرنقة: فهو أن يشتري الرجل سلعه بثمن إلى أجل، ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد." (3)
2-الوعدة.
الوعدة في اللغة: من الوعد، وهو الإخبار عن فعل المرء أمراً في المستقبل يتعلق بالغير، سواء أكان خيراً، أم شراً. (4)
__________
(1) ... انظر: الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، 2/108، ومختار الصحاح، مادة: زرنق.
(2) ... النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، ص 393، والفائق في غريب الحديث للزمخشري، 2/108
(3) ... الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، للأزهري، ص 216.
(4) ... المفردات للأصفهاني، ص526، والمصباح المنير للفيومي، 2/916.(1/8)
والوعدة في عرف بعض الناس في المملكة العربية السعودية تطلق على التورق، حيث كان الناس يشترون السلع: كالسكر من التجار بالأجل، ويعيدون بيعه نقداً إلى تجار آخرين في سبيل الحصول على النقود. وكانوا يستفتون العلماء فيها، فقد استُفتي الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله؛ فأجاب بجوازها في المشهور من المذهب. ويرجع سبب تسمية التورق بذلك الاسم إلى أن المدين يخبر الدائن أنه موعود بشراء سلعة إلى أجل، وسيبيعها ليحصل على النقود المحتاج إليها لسداد الدين، فيقول للدائن: سآخذ وعدة وسأبيعها على كل حال. (1)
3-الدينة.
الدينة في اللغة: مأخوذة من داينت فلاناً: إذا عاملته ديناً، فيقال: دان الرجل، يدين ديناً، إذا استقرض، أو اشترى سلعة لأجل. (2)
والدينة في عرف بعض الناس في المملكة العربية السعودية تطلق على التورق أيضاً، حيث كانوا يشترون السلع: كالأرز من التجار بالأجل، ويعيدون بيعه نقداً إلى تجار آخرين في سبيل الحصول على النقود. وقد استفتي فيها الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله؛ فأجاب: بجوازها في المشهور من المذهب. ويرجع سبب تسمية التورق بهذا الاسم إلى أن ثمن السلعة فيه يبقى ديناً في ذمة المشتري الأول. (3)
4-الكسر.
__________
(1) ... فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، ص: 11
(2) ... المصباح المنير، للفيومي،1/279.
(3) ... فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، ص: 1(1/9)
الكسر في اللغة: مصدر كسر، فيقال: كسر الشيء إذا هشمه وفرق بين أجزائه. (1) والكسر في عرف بعض الناس في السودان، يطلق على التورق،حيث كانوا يشترون القمح والشعير والصابون والسكر من التجار بالأجل، ويعيدون بيعها نقداً إلى تجار آخرين في سبيل الحصول على السيولة. (2) ويرجع سبب تسمية التورق بذلك إلى أن المتورق يخسر في معاملته ويُكسر.
ثانياً: الألفاظ ذات العلاقة بالتورق الفقهي (الفردي).
يشتبه بالتورق الفقهي عدة ألفاظ ومصطلحات تؤثر على مفهومه وحكمه الشرعي، حيث تجعل عليه غبشاً، فلا بدَّ من تبديد هذا الغبش الذي يلابس ذلك المصطلح، ولتحقيق ذلك ساتناول بعض هذه الألفاظ وهي: الربا، والعينة، والمرابحة للآمر بالشراء، والتوريق. وفيما يلي بيان ذلك:
1-الربا.
الربا في اللغة: الفضل والزيادة، فيقال: ربا الشيء يربو ربواً: إذا زاد. (3) والربا في الاصطلاح: الزيادة في أشياء مخصوصة. (4) فهو كل زيادة موجودة في مبادلة الأصناف الربوية، وخالية عن العوض المشروع، ومشروطة في العقد. سواء أكانت الأصناف التي تقع عليها المبادلة متجانسة، أم غير متجانسة، ففي حال ما إذا كانت الأصناف متجانسة مثل: أن يبادل مائة جرام ذهب بثمانين؛ كانت الزيادة ربا. وكذلك إذا بادل مائة جرام ذهب بمائة جرام ذهب نسيئة (إلى أجل) فهو ربا؛ لأن الزيادة هنا متحققة؛ لأن قيمة الحاضر أكثر من المؤجل. وأما في حال ما إذا كانت الأصناف غير متجانسة، لكن إذا كان أحد الصنفين في المبادلة مؤجلاً مثل: أن يبادل مائة جرام ذهب بألف جرام فضة نسيئة، فإن الزيادة الربوية في هذه المبادلة متحققة.
وبالرغم من حصول الزيادة في المال في كل من بيع التورق والربا، إلا أنه توجد عدة فوارق بينهما، نذكر منها:
__________
(1) ... المعجم الوسيط ، 2/787.
(2) ... بحث: تطبيقات التورق لموسى آدم عيسى، ضمن وقائع مؤتمر المؤسسات المصرفية، 2/ 462.
(3) ... المصباح المنير، للفيومي 1/295.
(4) ... المغني لابن قدامة،4/3.(1/10)
أ- ... المبادلة في بيع التورق تكون لصنف غير ربوي: كالعروض بالنقود، وهذا الاختلاف في البدلين جائز، لعدم ظهور الزيادة الربوية فيه. وأما المبادلة الربوية فتكون بين متماثلين: كذهب بذهب، أو بين صنفين مختلفين من الأصناف الربوية: كذهب بفضة نسيئة، فالزيادة الربوية هنا تظهر بمجرد التفاضل في البدلين، أو بعدم قبض أحدهما في مجلس العقد.
ب-الزيادة في بيع التورق مقابل الأجل جائزة عند جماهير الفقهاء؛ لأن الزمن في البيوع له قيمة اقتصادية، أما الزيادة في الديون لأجل الأجل فلا قيمة لها؛ فلا تجوز باتفاق الفقهاء.
2-العينة.
العينة في اللغة (بكسر العين وفتح النون): مأخوذة من العين، وهي من الألفاظ المشتركة التي تطلق على عدة معان منها: العين الباصرة، وعين الماء، وعين الشيء: ذاته، والعين: النقد، والعين: السلف يقال: تعين فلان من فلان عينة: أي تسلف منه. قال الخليل: اشتقت العينة من عين الميزان، وهي زيادته. قال ابن فارس: وهذا الذي ذكره الخليل صحيح؛ لأن العينة لا بدَّ أن تجرُّ زيادة. (1) فالعينة في اللغة تطلق على السلف، والبيع الآجل، والزيادة التي تحصل من البيع الصوري للسلعة للمحتاج إلى النقود.
__________
(1) ... معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 701، والمصباح المنير للفيومي، 2/602(1/11)
والعينة في الاصطلاح عرَّفها النسفي الحنفي بقوله: " قيل: هي شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن. وقيل وهو الصحيح: هي أن يشتري ثوباً مثلاً من إنسان بعشرة دراهم إلى شهر، وهو يساوي ثمانية، ثم يبيعه من إنسان نقداً بثمانية، فيحصل له ثمانية، ويحصل عليه عشرة دراهم دين." (1) وعرَّفها الجرجاني بأنها: " أن يأتي الرجل رجلاً ليستقرضه، فلا يرغب المقرض في الإقراض طمعاً في الفضل الذي لا ينال بالقرض. فيقول: أبيعك هذا الثوب باثني عشر درهماً إلى أجل، وقيمته عشرة." (2) وعرَّفها ابن الأثير بأنها:"أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ، ثم باعها طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراها إلى أجل مسمى، ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن، فهذه أصلاً عينة، وهي أهون من الأولى." (3) ويرجع سبب تسميتها بذلك إلى أن المقرض أعرض عن القرض إلى بيع العين. (4) وقال ابن الأثير: سميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة، لأن العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة. (5)
__________
(1) ... طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، للنسفي، ص 233.
(2) ... التعريفات للجرجاني، ص 206، والتعريفات الفقهية للمجددي، ص 48.
(3) ... النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، ص 645.
(4) ... التعريفات للجرجاني، ص 206، والتعريفات الفقهية للمجددي، ص 48.
(5) ... النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، ص 645.(1/12)
وأوصل الفقهاء، بمن فيهم المالكية صور العينة إلى أربع وعشرين صورة. نذكر منها: أن يحتاج رجل إلى نقود، فيشتري من تاجر سلعة بنسيئة إلى سنة أو أكثر، ثم يبيعها إلى البائع الأول بثمن أقل نقداً. ومنها: أن يكون عند الرجل المتاع (السلعة) فلا يبيعه إلا نسيئة بزيادة. نصَّ أحمد على كراهته وقال: العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة. (1) ومنها: أن يتواطأ المترابيان على الربا، ثم يعمدان إلى رجل عنده متاع، فيشتريه منه المحتاج، ثم يبيعه للمرابي بتمن حال، ويقبضه منه، ثم يبيعه إياه للمرابي ويقبضه منه، ثم يبيعه للمرابي بثمن مؤجل، وهو ما اتفقا عليه، ثم يعيد المتاع إلى ربه ويعطيه شيئاً؛ وهذه تسمى: "الثلاثية"؛ لأنها بين ثلاثة، وإذا كانت السلعة بينهما خاصة فهي الثنائية. وفي الثلاثية قد أدخلا بينهما محللاً يزعمان أنه يحلل لهما ما حرَّم الله من الربا، وهو كمحلل النكاح، فهذا محلل الربا، وذلك محلل الفروج، والله تعالى لا تخفى عليه خافية، بل يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور. وهذه الصورة أقبح صور العينة، وأشدها تحريماً. ومنها: بيع الحريرة: وهو أن يوكل شخص رجلاً أن يشتري له حريراً بثمن هو أكثر من من قيمته؛ لبيعه بأقل من ذلك الثمن لغير البائع، ثم يشتريه البائع من ذلك الغير بالأقل الذي اشتراه به، ويدفع ذلك الأقل إلى بائعه، فيدفعه بائعه إلى المشتري المديون ، فيسلم الثوب للبائع كما كان (2) . ويستفيد الزيادة على ذلك الأقل. رُوي عن ابن عباس أنه سئل عن رجل باع من رجل حريرة بمائة، ثم اشتراها بخمسين؟ فقال: "دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة." وروي عنه أنه قال: " اتقوا العينة، لا تبيعوا دراهم بدراهم بينهما حريرة.
__________
(1) ... شرح مختصر سنن أبي داود، لابن القيم، 5/109
(2) ... فتح القدير للكمال بن الهمام، 7/211.(1/13)
" (1) وفي رواية أنه سئل عن العينة – يعني الحريرة- فقال: إن الله لا يخدع. هذا مما حرَّم الله ورسوله." ومنها: ما جاء قي العناية للبابرتي أن يجعل المقرض والمستقرض بينهما ثالثاً في الصورة التي ذكرها صاحب الهداية، فيبيع صاحب الثوب الثوب باثني عشرة من المستقرض يبيعه من الثالث بعشرة، ويسلم الثوب إليه، ثم يبيع الثوب من المقرض بعشرة، ويأخذ منه عشرة، ويدفعه إلى المستقرض فتندفع حاجته. وإنما توسطا بثالث احترازاً عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن. (2) ومنها: رجل له على رجل عشرة دراهم، فأراد أن يجعلها ثلاثة عشر إلى أجل؛ قالوا: يشتري من المديون شيئاً بتلك العشرة، فيقبضه ثم يبيع من المديون بثلاثة عشر إلى سنة. (3) ومنها: أن يبيع شخص عيناً نقداً، ثم يشتريها من المشتري نسيئة بأكثر من ثمنها. ومثاله: رجل احتاج إلى دراهم، فقال لرجل: أبيعك هذه الدار بخمسين ألف دينار نقداً، على أن اشتريها منك بسبعين ألفاً نسيئة. فظاهر هذه الصورة الجواز؛ لكن الحقيقة منعها؛ لأنه لا فرق بينها وبين صورة العينة، فلا وجه للقول بجوازها. (4)
__________
(1) ... المصنف لابن أبي شيبة 10/527، وفي بعض الروايات "جرية" والصواب: "حريرة"
(2) ... حاشية ابن عابدين، 5/405، مجمع الأنهر لداماد، 2/139.
(3) ... انظر: المرجع السابق (مجمع الأنهر) 2/139.
(4) ... شرح زاد المستقنع، للحمد، ص 18(1/14)
والعلاقة بين العينة والتورق علاقة تباين عند بعض فقهاء المالكية والكمال بن الهمام من الحنفية، وبعض الحنابلة، حيث فرقوا بينهما من حيث: رجوع العين المباعة إلى البائع الأول، وعدم رجوعها إليه، فإذا عادت إليه بثمن أقل كانت عينة، أما إذا باعها إلى شخص آخر دون تواطؤ بينه وبين البائع الأول كانت تورقاً. قال البهوتي: "ولا صلة بين التورق والعينة إلا في تحصيل النقد فيهما. وفيما وراءه متباينان؛ لأن العينة لابد فيها من رجوع السلعة إلى البائع الأول بخلاف التورق، فإنه ليس فيه رجوع العين إلى البائع الأول، وإنما تصرف المشتري فيما ملكه كيف شاء." (1) في حين ذهب الشافعية والزيلعي وا بن عابدين من الحنفية وابن شاس من المالكية، والحنابلة في رواية أيدها ابن القيم؛ إلى أن العلاقة بين العينة والتورق هي علاقة توافق، فيعتبر التورق صورة من صور العينة. (2)
__________
(1) ... كشاف القناع للبهوتي،3/186، وانظر: فتح القدير للكمال بن الهمام، 7/211، وعقد الجواهر لابن شاس، 2/689، والأم للشافعي، 3/78.
(2) ... تبيين الحقائق للزيلعي، 4/163، وحاشية ابن عابدين، 5/273، وعقد الجواهر الثمينة، لابن شاس، 2/689.(1/15)
والأولى بالاعتبار التفريق بينهما؛ وذلك لأن المشتري الثاني للسلعة في التورق هو غير البائع الأول، وأما في العينة فيكون المشتري الثاني فيها هو البائع الأول للسلعة. وبذلك يكون للتورق ثلاثة أطراف وهي: طالب التورق، وبائع السلعة الأول، والمشتري الثاني للسلعة. وأما العينة فلها طرفان. ومنها: أن الغاية من التورق هي: حصول المستورق على النقد (السيولة)، وقد تكون هذه الغاية غير مصرح بها للطرف الآخر. وأما الغاية من العينة فهي: حصول الزيادة لصاحب العينة، وهي تكون معلومة للطرفين، ويتم البيع بالتواطأ على ذلك. وقد فرق كل من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ولجنة المعايير الشرعية بين العينة والتورق، فقالت الأخيرة بعد أن عرَّفت التورق:"أما العينة فهي شراء سلعة بثمن آجل، وبيعها إلى من اشتريت منه بثمن حال أقل." (1)
3-المرابحة للآمر بالشراء.
المرابحة في اللغة: مأخوذة من الربح، والنماء والزيادة الحاصلة في المبايعه. (2)
والمرابحة في الاصطلاح: البيع بزيادة على الثمن الأول. (3) فيقول البائع: اشتريتها بعشرة، وتربحني ديناراً أو دينارين، أو يقول: تربحني درهماً لكل دينار أو غير ذلك." (4)
__________
(1) ... قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، دورة (17)،المعايير الشرعية، ص492.
(2) ... المفردات للأصفهاني، ص 185.
(3) ... التوقيف على مهمات التعريف للمناوي، ص647.
(4) ... قوانين الأحكام الفقهية لابن جزي، ص289.(1/16)
والمرابحة للآمر بالشراء هي: "طلب الفرد أو المشتري من شخص آخر (أو المصرف) أن يشتري سلعة معينة بمواصفات محددة، وذلك على أساس وعد منه بشراء تلك السلعة اللازمة له مرابحة، وذلك بالنسبة أو الربح المتفق عليه، ويدفع الثمن على دفعات، أو على أقساط تبعاً لإمكانياته وقدرته المالية." (1) وهي جائزة شرعاً في الراجح من أقوال الفقهاء. (2)
والعلاقة بين التورق والمرابحة للآمر بالشراء: أن المرابحة قد تكون وسيلة من وسائل التورق، فيشتري المتورق السلعة بطريق المرابحة. لكنهما يختلفان من حيث: الغاية من كل منهما؛ فالمشتري في المرابحة يقصد تملك السلعة والانتفاع بها، في حين أن المتورق لا يقصد من المعاملة ذلك، وإنما يقصد منها الحصول على المال أو السيولة.
4-التوريق.
__________
(1) ... الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، أميرة مشهور، ص334.
(2) ... انظر تفصيل ذلك في كتاب المعاملات المالية المعاصرة للدكتور محمد شبير، ص308-319.(1/17)
التوريق في اللغة: مأخوذ من الوَرَق. (1) وهو في الاصطلاح: تقسيم ملكية الموجودات من الأعيان أو المنافع أوالديون إلى وحدات متساوية القيمة، وإصدار صكوك بقيمتها قابلة للتداول في سوق ثانوية. (2) أو تحوبل تلك الملكيات إلى صكوك قابلة للتداول، ويسمى ذلك بالتصكيك، أوالتسنيد (3) ويقصد من وراء هذه العملية الحصول على السيولة .
__________
(1) المعجم الوسيط 2/1026.
(2) ... بتصرف من المعجم الاقتصادي، للدكتور جمال عبد الناصر، ص 129.
(3) ... التوريق للأعيان والمنافع مقبول شرعاً بضوابط وإجراءات محددة، لكن توريق الديون أو تصكيكها منعه المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ، حيث جاء في قرارات الدورة السادسة عشرة له:"لا يجوز توريق (تصكيك) الديون، بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية؛ لأنه في معنى حسم الأوراق التجارية المشار لحكمه في الفقرة (أ)." وخصم الأوراق التجارية لا يجوز شرعاً؛ لأن حقيقته أن يدفع البنك قيمة الورقة التجارية من شيك أو كمبيالة قبل موعد استحقاقها، وبعد حسم مبلغ معين يمثل فائدة من القيمة المذكورة في الورقة عن المدة الواقعة بين تاريخ الخصم وموعد الاستحقاق وذلك بالإضافة إلى عمولة البنك ومصاريف التحصيل. والتكييف الفقهي لعملية الخصم (الحسم) أنها قرض ربوي، فالعميل اقترض من البنك مبلغاً من المال على أن يدفع أكثر منه، وهو قيمة الورقة التجارية مثل: أن يقترض تسعمائة دينار على أن يدفعها من قيمة الورقة ألف دينا. (قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ص327. المعاملات المالية المعاصرة، محمد شبير، ص246 -247)(1/18)
وبالرغم من أن التوريق والتورق يتقاطعان في توفير السيولة للمستفيد، إلا أن العلاقة بينهما علاقة تباين؛ فإذا كان التورق هو شراء سلعة بالأجل، وقيام المشتري بإعادة بيعها لغير البائع الأول؛ بقصد الحصول على النقود؛ فإن التوريق هو أن يقوم بنك أو مؤسسة مالية بتحويل بعض الملكيات إلى صكوك قابلة للتداول؛ بقصد الحصول على السيولة.
المبحث الثاني
الحكم الشرعي للتورق الفقهي (الفردي)
إذا كانت حقيقة التورق الفردي تختلف عن كل من الربا والعينة، فما حكم هذا التورق؟ لكن قبل الإجابة عن ذلك لا بدَّ من تكييفه تكييفاً فقهياً؛ ولذا سوف يشتمل هذا المبحث على مطلبين، وهما: التكييف الفقهي للتورق الفردي، والحكم الشرعي له، وهما:
المطلب الأول: التكييف الفقهي للتورق الفردي.
إذا كان الحكم على الأمر غير المنصوص عليه يعتمد اعتماداً أساسياً على تكييفه الفقهي، فلا بدَّ من بيان التكييف الفقهي للتورق الفردي، وهذا التكييف لم يكن محل اتفاق بين الفقهاء، وإنما اختلفوا فيه على قولين وهما:(1/19)
القول الأول: ذهب الشافعية والزيلعي وابن عابدين من الحنفية وابن شاس من المالكية، والحنابلة في رواية أيدها ابن القيم؛ إلى أن التورق الفردي يكيف على أنه بيع عينة، حيث اعتبر هؤلاء الفقهاء التورق صورة من صور بيع العينة. ففي تبيين الحقائق ذكر صورة التورق ضمن صور بيع العينة المنهي عنه شرعاً، حيث قال: " أن يأتي هو إلى تاجر، فيطلب منه القرض، ويطلب التاجر الربح، ويخاف من الربا، فيبيعه التاجر ثوباً يساوي عشرة مثلاً بخمسة عشر نسيئة؛ ليبيعه هو في السوق بعشرة، فيصل هو إلى العشرة، ويجب عليه للبائع خمسة عشر إلى أجل." (1) وقال ابن عابدين: "اختلف المشايخ في تفسير العينة التي ورد النهي عنها. قال بعضهم: تفسيرها أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر، ويستقرضه عشرة دراهم، ولا يرغب المقرض في الإقراض طمعاً في فضل لا يناله بالقرض؛ فيقول: لا أقرضك، ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهماً، وقيمته في السوق عشرة ليبيعه في السوق بعشرة، فيرضى به المستقرض، فيبيعه كذلك، فيحصل لرب الثوب درهمان، وللمشتري قرض عشرة. وقال بعضهم: هي أن يدخلا بينهما ثالثاً، فيبيع المقرض ثوبه من المستقرض باثني عشر درهماً، ويسلمه إليه، ثم يبيعه المستقرض من الثالث بعشرة، ويسلمه إليه، ثم يبيعه الثالث من صاحبه: وهو المقرض بعشرة، ويسلمه إليه، ويأخذ منه العشرة، ويدفعها للمستقرض، فيحصل للمستقرض عشرة، ولصاحب الثوب عليه اثنا عشر درهماً. " (2) وقال ابن شاس في بيان صور بيع العينة: "ومنها أن يكون الإنسان متهماً يشتري ليبيع، لا ليأكل، فيبيع منه إنسان طعاماً مثلاً بعشرة إلى أجل، فيقول المشتري: بعته بثمانية، فحط عني من الربح قدر الدينارين، فيمنع إذا كان المقصود البيع، وكانا أو أحدهما من أهل العينة.
__________
(1) ... تبيين الحقائق للزيلعي، 4/163، وانظر: عقد الجواهر لابن شاس، 2/689، والأم للشافعي، 3/78.
(2) ... حاشية ابن عابدين، 5/273.(1/20)
" (1)
القول الثاني: ذهب بعض العلماء منهم بعض فقهاء المالكية، والكمال بن الهمام من الحنفية، وبعض الحنابلة إلى أن التورق لا يعتبر من بيع العينة؛ وإنما يعتبر معاملة مستقلة؛ لأن العين المباعة في التورق لا ترجع إلى البائع الأول، ولا يعلم البائع الأول بنية المشتري بذلك، أما في بيع العينة؛ فإن العين ترجع إلى البائع الأول، وبتواطؤ بينهما. قال الكمال بن الهمام في التعليق على بيع جارية بألف درهم حالة أو نسيئة فقبضها، ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن الأول لا يجوز البيع الثاني: "وما لم ترجع إليه (البائع الأول) العين (السلعة) التي خرجت منه لا يسمى بيع العينة؛ لأنه من العين المسترجعة لا العين مطلقاً." (2) وقد أوردت نصَّ البهوتي في العلاقة بين العينة والتورق الذي نفى فيه وجود علاقة توافق بينهما (3)
والراجح هو القول الثاني من أن التورق معاملة مستقلة عن العينة، وذلك لأنه يختلف عن العينة من عدة وجوه ذكرتها في بيان العلاقة بينهما منها: أن المشتري الثاني للسلعة في التورق هو غير البائع الأول، وأما في العينة فيكون المشتري الثاني فيها هو البائع الأول للسلعة. ومنها: أن الغاية من التورق هي: حصول المستورق على النقد (السيولة)، وقد تكون هذه الغاية غير مصرح بها للطرف الآخر. وأما الغاية من العينة فهي: حصول الزيادة لصاحب العينة، وهي تكون معلومة للطرفين، ويتم البيع بالتواطؤ على ذلك.
المطلب الثاني: حكم التورق الفقهي الفردي.
__________
(1) ... عقد الجواهر الثمينة، لابن شاس، 2/689.
(2) ... فتح القدير للكمال بن الهمام،7/211.
(3) ... كشاف القناع للبهوتي، 3/186.(1/21)
بعد أن عرفنا حقيقة التورق الفقهي، وتكييفه الفقهي، وأنه يختلف عن بيع العينة المحرم شرعاً؛ ننتقل إلى بيان حكمه لدي الفقهاء، فأقول: اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال. ومحل هذا الاختلاف بينهم: أن يشتري الشخص السلعة بقصد الحصول على النقود (الدراهم)، وبيعها لغير البائع. أما إذا اشتراها بقصد الاتجار بها، وتحصيل الربح؛ فلا يدخل ذلك في هذا الاختلاف، وكذلك إذا اشتراها بقصد الانتفاع بعينها أو استهلاكها، ثم باعها لغير البائع لحاجة طارئة؛ لأن هذا مما اتفق الفقهاء على جوازه. وهذه الأقوال هي:
القول الأول: ذهب الشافعية وأبو يوسف من الحنفية والمالكية في قول ابن جزي، والحنابلة في رواية نصَّ عليها الإمام أحمد، وهي المعتمدة في المذهب الحنبلي إلى أن التورق جائز. قال الشافعي: "فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها، وكان الثمن إلى أجل؛ فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ، ومن غيره بنقد أقل، أو أكثر مما اشتراها به، أو بدين كذلك، أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوي." (1) وقال ابن جزي بعد بيان صورة بيوع الآجال، وهي التي تعود فيها السلعة إلى بائعها: " يجوز بيع السلعة من غير بائعها مطلقاً." (2) واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
__________
(1) ... الأم للشافعي، 3/78-79.
(2) ... القوانين الفقهية، لابن جزي، 179.(1/22)
1- ... قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا." (البقرة:275) فالآية تدل بعمومها على أن الله تعالى أحلَّ البيع بجميع أنواعه، ما عدا ما دلت النصوص الشرعية على تحريمه. وبيع التورق لم ترد فيه نصوص تمنعه، فيدخل في عموم ما دلت عليه الآية، وهو الحلُّ. قال القرطبي في تفسير هذه الآية:" هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس لا للعهد، إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه، وإذا ثبت أن البيع عام، فهذا مخصص بما ذكرناه من الربا وغير ذلك مما نصَّ عليه، ومنع العقد عليه كالخمور." (1)
2- ... وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ." (البقرة:282) فبيع التورق نوع من المداينات التي تدخل في عموم هذه الآية. فتدل على جوازه؛ لأنه يتضمن شراء السلعة بالأجل، وإذا انتقلت إلى ملك المشتري جاز له التصرف فيها بجميع أنواع التصرف من: انتفاع وبيع وإجارة وهبة. قال ابن جرير الطبري: "يعني: إذا تبايعتم بدين، أو اشتريتم به، أو تعاطيتم أو أخذتم به إلى أجل مسمى، يقول: إلى وقت معلوم وقتموه بينكم. وقد يدخل في ذلك القرض والسلم، وكل ما جاز فيه السلم مسمى أجل بيعه، يصير دينا على بائع ما أسلم إليه فيه. ويحتمل بيع الحاضر الجائز بيعه من الأملاك بالأثمان المؤجلة. كل ذلك من الديون المؤجلة إلى أجل مسمى، إذا كانت آجالها معلومة بحد موقوف عليه." (2) وقال السعدي: "تجوز جميع أنواع المداينات من سَلم وغيره؛ لأن الله أخبر عن المداينة التي عليها المؤمنون إخبار مقرر لها ذاكراً أحكامها، وذلك يدل على الجواز." (3)
__________
(1) ... الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 2/356.
(2) ... تفسير الطبري - (ج 6 / ص 43)
(3) ... تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 118.(1/23)
3- ... ورُوي عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَلَا تَفْعَلْ. بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا." (1) ووجه الاستدلال أن الحديث أجاز هذا المخرج للابتعاد بواسطته عن حقيقة الربا وصورته، وإلى صيغة ليس فيها قصد الربا، ولا صورته، وإنما هي عقد بيع صحيح مشتمل على تحقق شروط البيع وأركانه. فدل ذلك على جواز البيوع التي يتوصل بها إلى تحقيق المطالب والغايات من البيوع إذا كانت بصيغ شرعية معتبرة، بعيدة عن صيغ الربا وصوره، ولو كان الغرض منها الحصول على السيولة للحاجة إليها. (2)
4- ... ولأن الأصل في المعاملات من عقود وشروط الإباحة والحل، إلا ما دلَّ الدليل على حرمته، ومما يدخل في ذلك بيع التورق. قال الشيخ عبد الله المنيع: "وهذا يعني أن من يقول بجواز بيع التورق لا يطالب بالدليل؛ لأن الأصل معه ، وإنما المطالب بالدليل من يقول بحرمة بيع التورق؛ لأنه يقول بخلاف الأصل." (3)
5- ... ولأن السلعة في بيع التورق التي خرجت من البائع؛ لم ترجع إليه، فلا محذور فيه. (4)
__________
(1) ... صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر، (2201)، وصحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام بالطعام، (1593)
(2) ... بحث: التأصيل الفقهي للتورق، للمنيع، ضمن وقائع مؤتمر المؤسسات المصرفية، 2/ 446.
(3) المرجع السابق.
(4) ... حاشية ابن عابدين، 5/273.(1/24)
6- ... ولأن الحاجة إلى هذه المعاملة ماسة، فلا يستطيع كثير من الناس الذين اشتدت حاجتهم إلى النقود أن يجدوا من يقرضهم بدون ربا. فيلجأون إلى التورق، وقد قرر الفقهاء أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
القول الثاني: ذهب بعض فقهاء الحنفية والحنابلة في رواية نصَّ عليها الإمام أحمد واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أن التورق حرام. باعتبار أن التورق صورة من صور بيع العينة المنهي عنه كما بينت في التكييف الفقهي له. (1) قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: " لو احتاج إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين؛ فلا بأس نصَّ عليه، وهو المذهب، وعليه الأصحاب، وهي مسألة التورق. وعنه: يكره. وعنه: يحرم اختاره الشيخ تقي الدين." (2) وقال ابن تيمية: "من كان عليه دين، فإن كان موسراً وجب عليه أن يوفيه، وإن كان معسراً وجب إنظاره، ولا يجوز قلبه عليه بمعاملة أو غيرها، وأما البيع إلى أجل ابتداء، فإن كان قصد المشتري الانتفاع بالسلعة والتجارة فيها جاز؛ إذا كان على الوجه المباح. أما إن كان مقصوده الدراهم؛ فيشتري بمائة مؤجلة، ويبيعها في السوق بسبعين حالة؛ فهذا مذموم منهي عنه في أظهر قولي العلماء. وهذا يسمى التورق." (3)
__________
(1) ... تبيين الحقائق للزيلعي، 4/163، وحاشية ابن عابدين، 5/273، وعقد الجواهر الثمينة، لابن شاس، 2/689
(2) ... الإنصاف للمرداوي مع المقنع والشرح الكبير، 11/195-196، وكشاف القناع، للبهوتي، 3/186.
(3) ... مجموع الفتاوى لابن تيمية، 29/302-303، وانظر: القواعد النورانية الفقهية، لابن تيمية، ص121، والاختيارات الفقهية للبعلي، ص129، والفتاوى الكبرى لابن تيمية 4/21..(1/25)
وقال ابن القيم: "فإن عامَّة العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نفقة يضن عليه الموسر بالقرض حتى يربح عليه في المائة ما أحب، وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة، وإن باعها لغيره فهو التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا. والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون. وأخفها التورق، وقد كرهه عمر بن عبد العزيز، وقال: هو أخِيَّةُ الربا، وعن أحمد فيه روايتان، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر، وهذا من فقهه رضي الله عنه، قال: فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر. وكان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق، وروجع فيها مراراً وأنا حاضر، فلم يرخص فيها. وقال: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها؛ فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى، وتبيح ما هو أعلى منه." (1) واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
__________
(1) ... إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، 3/170.(1/26)
1- ... التورق صورة من صور العينة التي حرمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ." (1) وفي رواية أخرى عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ , وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَلَزِمُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ , وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَلاءً لَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى يُرَاجِعُوا." (2) قال ابن القيم: "هو كمسألة العينة سواء، ولأن هذا يتخذ وسيلة للربا." وقال الشوكاني في التعليق على عبارة صاحب حدائق الأزهار: (وبيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء، وبيعه بأقل مما اشتري به) : "إذا كان المقصود التحيل، فلا فرق بين بيعه من البائع أو غيره، وبين أن يكون بجنس الثمن أو بغير جنسه... ووجه المنع من ذلك ما فيه من التوصل إلى الربا؛ لأن الغالب في مثل هذا أن يريد الرجل أن يزيد له زيادة على ما أقرضه فيتوصل إلى تحليل ذلك بهذه الحيلة الباطلة، وهي أن يبيع عيناً بأكثر من قيمتها، ثم يشتريها منه بأقل من ذلك، فتبقى هذه الزيادة في ذمة المشتري، وهي في الحقيقة زيادة في قدر ما استقرضه، وهذا البيع هو بيع العينة الذي ورد الوعيد عليه.
__________
(1) ... سنن أبي داود، كتاب الإجارة، باب النهي عن العينة، (3462) وهو صحيح.
(2) ... المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 63)، ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي، 4/17. وقال:" رواه أحمد في كتاب الزهد. وهذا حديث صحيح، ورجاله ثقات."(1/27)
" ومن الأدلة أيضاً على تحريم العينة: ما رُوي عن أَبِى إِسْحَاقَ السَّبِيعِىِّ عَنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضى الله عنها، فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الأَنْصَارِىِّ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّى بِعْتُ غُلاَمًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً (الأجل المعلوم) وَإِنِّى ابْتَعْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: بِئْسَمَا اشْتَرَيْتِ، وَبِئْسَمَا شَرَيْتِ؛ إِنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ بَطَلَ إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ." (1) فالظاهر أن عائشة رضي الله عنها لا تقول مثل هذا القول إلا بتوقيف سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجرى ذلك مجرى روايتها عنه. ولأنه ذريعة إلى الربا، فإنه يدخل السلعة ليستبيح بيع خمسمائة بستمائة إلى أجل.
2- ... ومن الأدلة على منع التورق: ما رَوى ابن بطة عن الأوزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع. " (2) هذا - وإن كان مرسلا - فهو صالح للاعتضاد به ، ولا سيما وقد تقدم من المرفوع ما يؤكده .
__________
(1) ... سنن الدارقطني،3/52.
(2) ... عون المعبود (7/453)(1/28)
3- ... وما رُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المضطر، وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تدرك." (1) فبيع التورق يدخل في بيع المضطر، كما قال ابن تيمية: فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة، وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجراً من التجار. (2) والمتورق لم يشتر السلعة إلا وهو مضطر إلى ذلك، ويستغل البائع حاجته، فيبيعه بأكثر من ثمنها بكثير؛ فلا يجوز ذلك.
4- ... وما رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "إذا استقمت بنقد، فبعت بنقد؛ فلا بأس. وإذا استقمت بنقد، فبعت بنسيئة؛ فلا خير فيه: تلك ورِق بورق." (3) فمعنى "استقمت" قوَّمت، ومعنى الأثر: أنك إذا قوَّمت السلعة بنقد، ثم بعتها بنسيئة، وكان مقصود المشتري شراء دراهم معجلة بدراهم مؤجلة مع زيادة، فلا خير فيه؛ لأنه يؤول إلى الربا. وهذا بخلاف ما إذا قوَّم السلعة بنقد وباعها به؛ لأن المقصود من البيع السلعة.
5- ... ولأن القصد من التعامل بالتورق الحصول على النقد بزيادة، وهو الربا الذي حرَّمه الله تعالى. حيث أنه يؤول إلى شراء دراهم بدراهم زائدة، وأن السلعة لا تكون إلا واسطة غير مقصودة. ولأن الأمور بمقاصدها، فالمتورق لم يشتر السلعة قاصداً الانتفاع بها،. قال ابن تيمية رحمه الله: "إذا أتي الطالب وأعطاه الآخر؛ فهو ربا ولا شك في تحريمه بأي طريق كان؛ لأن الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمريء ما نوى" (4)
__________
(1) ... سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب بيع المضطر، (3382) وهو ضعيف.
(2) ... شرح مختصر سنن أبي داود، لابن القيم 5/109.
(3) ... مصنف عبد الرزاق، (15028)
(4) ... شرح زاد المستقنع، للحمد، ص18.(1/29)
القول الثالث: ذهب المالكية في رواية والحنابلة في رواية وهو قول أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أن التورق مكروه، أو خلاف الأولى. جاء في الشرح الصغير: " (كُره كخذ): أي كقول بائع لمشتر: خذ مني (بمائة ما) أي سلعة (بثمانين) قيمة، لما فيه من رائحة الربا، ولا سيما إذا قال له المشتري: سلفني ثمانين وأردُّ لك عنها مائة، فقال المأمور: هذا ربا، بل خذ مني بمائة.. " (1) وقال الغريابي في توضيح ذلك: "ومن بيوع العينة المكروهة، ولا تصل إلى حد التحريم: أن يأتي من يريد السلف، فيقول له الآخر: عندي سلعة تساوي ثمانين بالنقد الحاضر، أبيعها لك بمائة إلى أجل، وبعها الآن بالنقد الحاضر لتنتفع به الآن. وهذه الصورة تكون ممنوعة إذا باعها إلى بائعها الأول..أما إذا باعها المشتري لغير بائعها الأول فهي مكروهة، وليست حراماً لضعف التهمة." (2) واستدلوا لذلك بما يلي:
1 - الحديث السابق الذي رواه علي - رضي الله عنه - : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المضطر." فقد حمله بعض الفقهاء على بيع التورق الذي يقع من رجل مضطر إلى النقود؛ لأن الموسر يضن عليه بالقرض، فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة بنسيئة، ثم يبيعها بالنقد بأقل مما اشتراها به؛ ليحصل على النقود. (3) وهو بيع مكروه.
2- ولأن في بيع التورق الإعراض عن مبرة القرض التي حثَّ عليها الإسلام. (4)
3- ولأن هذا البيع فيه رائحة الربا، كما قال الدردير،وهي الزيادة في الثمن لأجل الأجل.أو لأنه يضارع الربا. كما قال ابن عقيل الحنبلي: إنما كره ذلك ، فإن البائع بزيادة، يقصد الزيادة غالباً. وإذا كان ذلك كذلك كان مكروهاً.
مناقشة الأدلة:
__________
(1) ... الشرح الصغير للدردير، 3/131، وانظر: حاشية الدسوقي، 3/89.
(2) ... المعاملات أحكام وأدلة للغريابي، ص185.
(3) ... بتصرف من: شرح مختصر سنن أبي داود، لابن القيم 5/108-109.
(4) ... حاشية ابن عابدين، 5/273,(1/30)
إن بيان الراجح من أقوال الفقهاء يقتضي مناقشة أدلة هذه الأقوال، وما يردُ عليها من ملاحظات، وفيما يلي بيان ذلك:
مناقشة أدلة القائلين بالجواز.
1- ... الاستدلال بعموم آية حل البيع على جواز بيع التورق غير مسلم؛ لأن الآية تناولت البيع مطلقاً، ولم تتناول بيع التورق الذي يتضمن عقدين وليس عقداً واحداً، وحكم العقد الواحد يختلف عن حكم الصيغة التي تجمع بين عدة عقود، ولذلك نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين في بيعة (1) ، وعن بيع وسلف. (2) وقد قررالفقهاء القاعدة الفقهية: "حكم الجمع يخالف حكم التفريق." (3) وقال الشاطبي: "الاستقراء من الشرع عرف أن للاجتماع تأثيراً في أحكام لا تكون في حالة الانفراد...فقد نهى عن بيع وسلف، وكل واحد منهما لو انفرد لجاز." (4)
__________
(1) ... صحيح البخاري، باب الصلاة بعد الفجر، (549)، وصحسح مسلم، إبطال بيع الملامسة، (2781).
(2) ... سنن الترمذي، كتاب البيوع، باب بيع ما ليس عندك، رقم (1234) وهو حسن صحيح.
(3) ... القواعد النورانية لابن تيمية، ص 211.
(4) ... الموافقات للشاطبي، 3/468.(1/31)
ويجاب عن ذلك: بأن الجمع بين العقود المنهي عنه ليس على إطلاقه، وإنما هو خاص باجتماع السلف وعقد المعاوضة: مثل القرض والبيع أو الإجارة، أو السمسرة؛ إذا ارتبطا مع بعضهما ارتباطاً وثيقاً؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل سلف وبيع." ولأن المعاوض يشترط على المقترض المعاوضة بسعر أعلى يزيد في الغالب عن عوض المثل ، بسبب القرض؛ وهذا يؤدي إلى قرض جرٌَ منفعة لمقرض، وهو ممنوع شرعاً. وبيع التورق ليس داخلاً في الجمع المنهي عنه لعدم وجود قرض فيه.هذا بالإضافة إلى أن الجمع بين العقدين في بيع التورق غير مرتبطين في صيغة واحدة، ولكنهما عقدان منفصلان فصلاً كاملاً عن بعضهما البعض، حيث يقوم المستورق بشراء للسلعة بعقد بيع إلى أجل مستوفي الأركان والشروط، ثم تنتهي هذه العملية لتبدأ عملية أخرى منفصلة عنها تماماً، وهي إعادة بيع المستورق للسلعة للحصول على النقود.
2- الاستدلال بآية المداينة على جواز بيع التورق غير مسلم؛ لأن هذه الآية جاءت في جواز بيع السلم كما قال ابن عباس، وتوثيق الدين بالكتابة والرهن، فلا تدل على جواز بيع التورق. قال عبد الجبار السبهاني: "والحق أنني عجزت عن فهم وجه الاستدلال بهذه الآية التي أمرت بتوثيق الدين بالكتابة والاستشهاد (الشهادة)، أوالرهان المقبوضة." (1)
ويجاب عن ذلك: بأن الآية جاءت في البيع الآجل الذي يدخل في بيع التورق، فالمشتري يشتري السلعة بنسيئة، ويبيعها بالنقد، من أجل الحصول على النقود.
3- الاستدلال بحديث التمر الجنيب غير مسلم؛ لأن الغرض من الحديث هو الخروج من الربا، في حين أن الغرض من بيع التورق هو الدخول في الربا. (2)
__________
(1) ... بحث التورق المصرفي المعاصر، للدكتور عبد الجبار السبهاني، مجلة كلية الشريعة، جامعة قطر، العدد (23)، ص 411-412.
(2) ... مقال: التورق في البنوك: هل هو مبارك أم مشؤوم؟ للدكتور رفيق المصري،ص4.(1/32)
ويجاب عن ذلك: بما ذكرنا في بيان العلاقة بين الربا وبيع التورق من أن المبادلة في بيع التورق تكون لصنف غير ربوي: كالعروض بالنقود، وهذا الاختلاف في البدلين جائز، لعدم ظهور الزيادة الربوية فيه. وأما المبادلة في الربا فتكون بين متماثلين: كذهب بذهب، أو بين صنفين من الأصناف الربوية: كذهب بفضة نسيئة، فالزيادة الربوية هنا تظهر بمجرد التفاضل في البدلين، أو بعدم قبض أحدهما في مجلس العقد. هذا بالإضافة إلى أن الزيادة في البيع مقابل الأجل جائزة عند جماهير الفقهاء، أما الزيادة في الديون لأجل الأجل فهي غير جائزة باتفاق الفقهاء.
4- الاستدلال بالأصل العام في العقود يقابله أصل آخر؛ وهو أن الأصل في الحيل التحريم، وهو أصل شهدت له نصوص متضافرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وهذه القاعدة أخص من قاعدة الحل في المعاملات؛ لأنها تتناول الحيل دون غيرها، ومن المعلوم أنه إذا تعارض عام وخاص قدم الخاص. والتورق يعد حيلة على الحصول على النقود بزيادة، وهو الربا. (1)
ويجاب عن ذلك: بأن بيع التورق الفردي لا يمكن أن يكون حيلة على الربا؛ لأن المتورق لا يقصد من وراء هذه المعاملة إلا الحصول على النقود بخسارة، وهذا أمر جائز وليس ممنوعاً، والحيلة الممنوعة شرعاً هي ما كان القصد منها التوصل إلى ما حرم الله تعالى، أما إذا كان القصد من المعاملة التوصل إلى ما هو جائز؛ فلا يعد حيلة ممنوعة شرعاً. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وأصل هذا الباب (الحيل) أن الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمريء ما نوى، فإن كان قد نوى ما أحله الله؛ فلا بأس، وإن نوى ما حرم الله، وتوصل إليه بحيلة؛ فإن له ما نوى." (2)
5- القول بأن السلعة في التورق لم ترجع إلى البائع يردُ عليه بأن العبرة بمآل العقد: وهو الحصول على النقود بزيادة، وهو الربا.
__________
(1) ... بحث التورق والتورق المصرفي، لسامي السويلم، ص 37-38.
(2) ... مجموع الفتاوى لابن تيمية، 29/477.(1/33)
ويجاب عن ذلك: بأن حقيقة بيع التورق هي الحصول على النقود بخسارة- كما ذكرت سابقاً- والبائع لا يستفيد من هذه الخسارة كما في بيع العينة.
6- الاستدلال بالحاجة الماسة للتورق، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة؛ يجاب عنه بأن الحاجة لا تكفي لاستباحة المحرم، ورفع الحرج أصل من أصول التشريع، بلا ريب، لكن رفع الحرج يستلزم سد أبواب الربا، لأن الربا من أعظم مصادر الحرج والمشقة والعنت. (1)
ويجاب عن ذلك: بأن ما يجوز للحاجة ليس على إطلاقه، وإنما هو مقيد بقيود. منها: أن لا يكون قد ورد فيه نص يمنعه بخصوصه، ولم يكن له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، ولكن كان فيه نفع ومصلحة، فأين استباحة المحرم والوقوع في الربا، والحال أنه لا يوجد نص يمنع عملية التورق. (2)
مناقشة أدلة المانعين.
1- ... القول بأن التورق كالعينة التي حرمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير مسلم؛ لوجود اختلاف بينهما كما بينت سابقاً.
2- ... الاستدلال بحديث: "يأتي على الناس زمان" غير مسلم؛ لأن شراح الحديث قالوا يراد به العينة، وقد بينت أن التورق ليس بعينة.
3- الاستدلال بحديث: "النهي عن بيع المضطر." غير مسلم من عدة وجوه:
الأول: أن الحديث الذي اعتمدوا عليه في منع بيع المضطر ضعيف، لا يحتج به. قال المناوي: " قال عبد الحق : حديث ضعيف. وقال ابن القطان : صالح بن عامر؛ لا يعرف، والتميمي لا يعرف. وفي الميزان : صالح بن عامر نكرة بل، لا وجود له. ذكر في حديث لعلي مرفوعا أنه نهى عن بيع المضطر والحديث منقطع" (3) وقال ابن حزم: "لو استند هذان الخبران لأخذنا بهما مسارعين، ولكنهما مرسلان، ولا يجوز القول في الدين بالمرسل." (4)
__________
(1) ... بحث التورق والتورق المصرفي، لسامي السويلم، ص38.
(2) ... انظر: عمليات التورق وتطبيقاتها الاقتصادية في المصارف الإسلامية، لأحمد الرشيدي، ص 75
(3) ... فيض القديرللمناوي، 6/430.
(4) ... المحلى لابن حزم، ص1314.(1/34)
الثاني: لو سلمنا بصحة الحديث، وقلنا بمنع بيع المضطر فإن المعنى الذي من أجله منع بيع المضطر لا يظهر في بيع التورق. قال ابن الأثير في بيان معناه: "بيع المضطر يكون على وجهين: أحدهما: أن يضطر إلى العقد عن طريق الإكراه عليه، فلا ينعقد العقد. والثاني: أن يضطر إلى البيع لدين أو مؤونة ترهقه، فيبيع ما في يده بالوكس من أجل الضرورة." (1) وقد فسَّره ابن عابدين بأن يضطر الرجل إلى طعام أو شراب أو لباس، ولا يبيعها البائع إلا بأكثر من ثمنها. (2) ومثَّل له ابن حزم بما يلي: " من جاع وخشي الموت، فباع ما يحيى به نفسه وأهله، وكمن لزمه فداء نفسه أو حميمه من دار الحرب، أو كمن أكرهه ظالم على غرم ماله بالضغط ولم يكرهه على البيع، لكن ألزمه المال فقط، فيباع في أداء ما أكره عليه بغير حق." (3) وهذا المعنى لا يقع في بيع التورق.
الثالث: أن منع بيع المضطر ليس محل اتفاق بين الفقهاء، فقد قال الحنفية: بيع المضطر وشراؤه فاسد ، وقال المالكية، إنه عقد لازم ويمضي، كرهه الحنابلة ،
الرابع: أن ابن تيمية الذي منع بيع التورق بحجة أنه بيع مضطر مستغرب؛ لأن الشيخ يرى صحة بيع المضطر من غير كراهة.
4- ... الاستدلال بأثر ابن عباس: "إذا استقمت بنقد.." غير مسلم؛ لأن الأثر لم يورده أهل الحديث في باب العينة والتورق، وإنما أوردوه في أبواب أخرى. حيث أورده الصنعاني في باب الرجل يقول: بع هذا بكذا فما زاد فلك، وكيف إن باعه بدين. هذا بالإضافة إلى أنه روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه أجاز بيع التورق بصورته المعروفة؛ فلو حُمل على التورق لمنعه ابن عباس.
__________
(1) ... النهاية في غريب الحديث والأثر، ص534.
(2) ... حاشية ابن عابدين، 5/273.
(3) ... المرجع السابق.(1/35)
5- ... القول بأن التورق ذريعة إلى الربا؛ لأن المتورق يقصد الحصول على النقود بزيادة غير مسلم؛ لأن كون المقصود منها هو النقد لا يوجب تحريم المعاملة ولا كراهتها؛ لأن مقصود التجار غالبا في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة فإن ذلك يتخذ حيلة على الربا. وصورة ذلك: أن يشتري شخص سلعة من آخر بثمن في الذمة ثم يبيعها عليه بثمن أقل ينقده إياه؛ فهذا ممنوع شرعا لما فيه من الحيلة على الربا وتسمى هذه المسألة مسألة العينة وقد ورد فيها من حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما ما يدل على منعها. (1)
مناقشة أدلة القائلين بالكراهة:
1- ... الاستدلال بحديث المضطر على الكراهة غير مسلم؛ لما بينت في مناقشة أدلة المانعين من أن الحديث ضعيف، وعلى فرض صحته فإن بيع التورق لا يدخل في معنى بيع المضطر. هذا بالإضافة أن بيع المضطر مما اختلف الفقهاء في صحته – كما بينت سابقاً-.
2- ... وأما الإعراض عن مبرة القرض، فلا يترتب عليه حكم شرعي من كراهة أو غيرها.
3- ... وأما مضارعة بيع التورق للربا فغير مسلم؛ لأن بيع التورق ليس فية أية دلالة على الربا. كما بينت سابقاً
القول الراجح:
__________
(1) ... بتصرف من بحث التورق المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ج 6 ،ص 41.(1/36)
والراجح هو القول الأول من أن التورق الفقهي أو الفردي جائز، وذلك لسلامة أدلة القائلين بالجواز، وعدم صمود أدلة المانعين والقائلين بالكراهة عند المناقشة، ولأن الفرق بين الثمنين: الآجل والحال لم يدخل في ملك البائع الأول، وإنما هو خسارة تحملها المستورق، وهو ليس زيادة حاصلة للبائع الأول باعتباره مقدماً للتمويل النقدي للمستورق. ومن المعلوم أن الخسارة بقصد الحصول على النقد أمر جائز شرعاً. فقد قرر الفقهاء: أن لصاحب السلعة جواز بيعها بخسارة، وهو ما يطلق عليه في الفقه الإسلامي اسم: "بيع الوضيعة" الذي يقابل بيع المرابحة. وقد قرر المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي جواز التورق الفردي، فبعد أن قام بتوصيفه قرر أن بيع التورق هذا جائز شرعاً، وبه قال جمهور العلماء؛ لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربا." (البقرة:275) ولم يظهر في هذا البيع ربا لا قصداً، ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما. ثم وضع المجمع ضابطاً للجواز: وهو أن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً. (1) وأفتت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بجواز التورق الفقهي، وصورته: أن يحتاج إنسان إلى نقود للاستهلاك أو التوسع بها في تجارته مثلاً، فيشتري سلعة إلى أجل بأكثر من سعر مثلها حالاً؛ ليبيعها بعد قبضها على غير من اشتراها منه؛ فهذه لا ربا فيها، ولا يصدق فيها أنها بيعتان في بيعة فهي جائزة. (2)
__________
(1) ... قررات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ص320.
(2) ... أبحاث هيئة كبار العلماء، قرار رقم(3/11) تاريخ (16/10/1397هـ) 4/427- 431..(1/37)
كما قررت لجنة المعايير الشرعية جواز التورق بضوابطه الشرعية، حيث جاء في المعيار الثلاثين: "يمكن أن يكون المتورق هو العميل، وذلك بشرائه السلعة (محل التورق) من المؤسسة، ثم يبيعها لغيرها لتحصيل السيولة " (1) وقد ركزت هذه القرارات على الضوابط الشرعية للتورق الفردي، ويمكن ذكر أهمها (2) :
1- ... أن يتم استيفاء المتطلبات الشرعية لعقد شراء السلعة بالثمن الآجل، مساومة أو مرابحة، ويراعى في بيع المرابحة للآمر بالشراء وجود السلعة، وتملك البائع لها قبل بيعها، وفي حال وجود وعد ملزم، فإنه يجب أن يكون من طرف واحد.
2- ... أن تكون السلعة المباعة من غير الذهب، أو الفضة، أو العملات الورقية المعاصرة.
3- ... أن تكون السلعة المباعة معينة تعييناً يميزها عن موجودات البائع الأخرى.
4- ... أن يكون الشراء حقيقياً، وليس صورياً، ويفضل أن تتم العملية بالسلع المحلية.
5- ... أن يتم قبض السلعة حقيقة أو حكماً بالتمكن فعلاً من القبض الحقيقي، وانتفاء أي قيد أو إجراء يحول دون قبضها من قبل المتورق.
6- ... أن يكون بيع السلعة (محل التورق) لغير البائع الذي اشتريت منه بالأجل، بأقل مما اشتراها به، لا مباشرة، ولا بالواسطة، وذلك لتجنب العينة المحرمة شرعاً.
7- ... أن لا يكون هناك ربط بين عقد شراء السلعة بالأجل، وعقد بيعها بثمن حال، بطريقة تسلب العميل حقه في قبض السلعة، سواء أكان الربط بالنص في المستندات، أم بالعرف، أم بتصميم الإجراءات.
المبحث الثالث
التورق المصرفي المنظم
__________
(1) ... المعايير الشرعية ص 492.
(2) ... انظر: قررات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ص320، وأبحاث هيئة كبار العلماء، قرار رقم(3/11) تاريخ (16/10/1397هـ) 4/427- 431، والمعايير الشرعية ص 492.(1/38)
بعد أن كان التورق يجري بين الناس بصورة فردية وشبه عفوية، حيث كان الأفراد يتعاملون به فيما بينهم، وفيما بينهم وبين المصارف الإسلامية دون تنظيم من قبل المصارف، أو علمها، حيث كان العميل يشتري السلعة بطريق المرابحة للآمر بالشراء، ويبيعها هو بمعرفته لمن شاء من الناس؛ أصبح هذا التورق يخضع لتنظيم المصارف، وترتيبها، فهي التي تغري الناس بعملية التورق. فما حقيقة هذه العملية؟ وما حكمها الشرعي؟ هذا ما سأبينه في هذا المبحث إن شاء الله تعالى، وسوف يتضمن مطلبين.
المطلب الأول: حقيقة التورق المصرفي المنظم.
لما كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، فلا بدَّ من بيان حقيقة التورق المصرفي المنظم، من حيث معناه، وواقعه وإجراءاته، والمقارنة بينه وبين التورق الفقهي (الفردي) وفيما يلي بيان ذلك:
أولاً: معني التورق المصرفي المنظم.
المراد بالتورق المصرفي المنظم: " أن يقوم المصرف الإسلامي بالاتفاق مع شخص ممن يحتاجون إلى النقد على أن يبيعه سلعة إلى أجل بثمن أعلى من سعر يومها، ثم يوكل المشتري المصرف الإسلامي ليبيع له السلعة بثمن نقدي أقل عادة من الثمن المؤجل الذي اشترى به السلعة ليحصل المتورق بذلك على الثمن النقدي، وتبقى ذمته مشغولة للمصرف بالثمن الأكثر لهذه المعاملة." (1) وصورة هذه المعاملة: أن يذهب العميل إلى المصرف الإسلامي، ويقول: أنا أريد نقوداً عن طريق التورق، فيشتري المصرف له سلعاً دولية، ثم يبيعها له بالأجل والتقسيط، ثم يطلب المصرف من العميل أن يوكله في بيع تلك السلع، وبعد ساعات يجد العميل ثمن تلك السلع في حسابه. ويثبت في ذمة العميل الثمن المؤجل لتلك السلع.
ثانياً:الغاية من التورق المصرفي المنظم.
__________
(1) ... بيع الوفاء والعينة والتورق، للشيخ عبد القادر العماري، ص22 ، وانظر: التورق والتورق المنظم للسويلم، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد(20)، ص252-253.(1/39)
لجأت المصارف والنوافذ الإسلامية إلى صيغة التورق المصرفي المنظم مستهدفة تحقيق الأهداف والغايات التالية:
1- ... تمويل الأفراد والشركات، وتوفير السيولة اللازمة لتمويل مشاريعهم الاقتصادية والاجتماعية . وقد اعتبرته المصارف بديلاً شرعياً عن القرض الربوي.
2- ... تمكين المدينين من سداد ديونهم لدى المصارف التجارية، حيث تستخدم المصارف الإسلامية التورق لتحويل المدين للبنوك التجارية للتعامل مع المصارف الإسلامية.
3- ... استثمار المصرف الإسلامي ما لديه من سيولة فائضة في السلع الدولية عن طريق المتاجرة بهذه السلع، حيث يقوم المصرف بشراء السلعة من شركة في السوق الدولية بوسائل الاتصال الحديثة، ومن ثم بيعها للمتورق بالأجل مساومة أو مرابحة، بأكثر من سعر يومها، ثم يبيعها المصرف نيابة عن المالك (العميل)، وقد يبيعها للشركة التي اشترى منها السلعة. ويستفيد المصرف من فرق السعرين.
ثالثاً: واقع التورق المصرفي المنظم في المؤسسات المالية الإسلامية وإجراءاته.
المتتبع لواقع التورق المصرفي المنظم في المؤسسات المالية الإسلامية والمصارف والنوافذ الإسلامية يجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:
الأول: مؤسسات مالية ومصارف إسلامية لا تمارس التورق المصرفي مثل: البنك الإسلامي الأردني، والبنك العربي الإسلامي الدولي الأردني.(1/40)
والقسم الثاني: مؤسسات مالية ومصارف ونوافذ إسلامية تمارس التورق المصرفي بجميع صوره؛ حيث بدأ العمل به كوسيلة من وسائل التمويل في دول الخليج العربي، فأول ما بدأ العمل به في المملكة العربية السعودية، حتى وصلت نسبة التمويل به إلى (80%). ومن أوائل المصارف التي مارست هذه الأداة البنك الأهلي السعودي، حيث مارسها قبل نهاية الألفية الثانية، وسماها: "تيسير". وفي اكتوبر(2000م) أطلق البنك السعودي البريطاني صيغة التمويل بالتورق المصرفي المنظم، وسماها: " التورق المبارك" و" مال ". وفي سنة (2002م) أطلق بنك الجزيرة السعودي صيغة التمويل بالتورق المصرفي المنظم، وسماها:" دينار ". وفي السنة نفسها أطلق البنك السعودي الأمريكي صيغة التمويل بالتورق المصرفي المنظم. وسماها: "تورق الخير" (1) ثم توالت المؤسسات المالية والمصارف والنوافذ الإسلامية في الإعلان عن هذه الصيغة في بقية دول الخليج، وطبقها مصرف الشامل البحريني، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، وشركة أصول للإجارة والتمويل الكويتية، وبيت التمويل الكويتي، وبنك الريان القطري. (2) وتتم عملية التورق المصرفي المنظم لدى هذه المصارف وفق الإجراءات التالية :
1-يتقدم العميل للمصرف الإسلامي بطلب تمويل بأسلوب التورق المصرفي المنظم.
2- ... يعرض المصرف قائمة بأسعار السلع؛ ليحدد العميل نوع السلعة والثمن والأجل.
3- ... يطلب المصرف من العميل وعداً بالشراء، وتوكيله ببيع السلعة المشتراة.
4- ... يقوم المصرف بشراء السلعة من السوق الدولية أو المحلية.
5- ... بموجب الوعد يقوم المصرف ببيع السلعة للعميل بأسلوب المرابحة، وتقسيط الثمن.
__________
(1) ... التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، لعبد الله السعيدي183-184. وانظر: التورق المصرفي المعاصر، للسبهاني، ص 399،
(2) انظر: عمليات التورق للرشيدي، ص 128-153.(1/41)
6- ... بموجب الوكالة يقوم المصرف ببيع السلعة بسعر الحال (النقد) لحساب العميل، ويودع ثمنها في حساب العميل لدى المصرف.
7- ... يستوفي المصرف أقساط بيع المرابحة من العميل حسب الاتفاق.
والقسم الثالث: مؤسسات ومصارف ونوافذ إسلامية تقتصر في تطبيقه على بعض صوره مثل: البنك الوطني الإسلامي بقطر، حيث يقتصر على التورق بغرض سداد الديون. واعتمد في ذلك على ما جاء في فتوي الهيئة الشرعية لهذا البنك المكونة من: الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي رئيساً، والأستاذ الدكتور علي القره داغي نائباً للرئيس، والدكتور سلطان الهاشمي عضواً، ونص الفتوى هو: "أجازت الهيئة الشرعية لبنك قطر الوطني الإسلامي التورق المنضبط الذي وضعت له ضوابط دقيقة من وجود محل العقد، وحيازته، وتملكه، ثم بيعه لطرف ثالث، ومع ذلك قيدته الهيئة: بأن يكون هذا خاصاً بأصحاب الديون الذين يريدون سداد ديونهم للخروج من الربا المحرم، والبدء بالتعامل المشروع البعيد عن كل ما هو حرام. ولذلك لا ترى الهيئة الشرعية لبنك قطر الوطني الإسلامي مانعاً شرعياً من طرح (التورق) بضوابطه السابقة على الجمهور، والتعامل معه؛ انطلاقاً من يسر شريعتنا الغراء وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ووجود كل البدائل المشروعة فيها لتتحقق لأتباعها السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل." وقد حدد الوطني الإسلامي إجراءات التورق المصرفي المنظم بغرض سداد الديون في الخطوات التالية:
1- ... أن يتم فتح حساب للبنك في سوق الأسهم الدولية، وإيداع الحد الأدني من التأمين النقدي ضمن مجموعة مؤشر: "داو جونز الإسلامي"
2- ... أن يتقدم العميل للبنك الإسلامي؛ بطلب سداد ديونه في بنكه الحالي مقابل تحويل راتبه إلى البنك الوطني الإسلامي.
3- ... يقوم البنك بدراسة الطلب، ومدى ملائمته لسياسة تمويل الأفراد في البنك الإسلامي.(1/42)
4- ... يقدم العميل للبنك الإسلامي خطاباً يفيد عدم ممانعة بنكه الحالي من تحويل راتبه الشهري لصالح البنك الإسلامي بمجرد سداد التزاماته القائمة.
5-يقوم العميل بالتوقيع على وعد بشراء الأسهم من البنك بعد تملكها ، كما يوقع على تفويض للبنك ببيع الأسهم المملوكة للعميل بعد شرائها من البنك، وإيداع المبلغ في حساب العميل بعد قبضه، ومن ثم استخدامه في سداد الدين المطلوب للبنك الآخر.
6- ... يقوم البنك بشراء الأسهم المطلوبة (في حدود المبلغ المحدد من العميل) وذلك من خلال الحساب المفتوح للبنك لدى سوق الأسهم الدولية.
7- ... بعد التأكد من إضافة الأسهم المشتراة لحساب البنك لدى سوق الأسهم الدولية، يبلغ العميل بذلك ويباع الأسهم المشتراة، حيث يتم توثيق عملية البيع من قبل البنك، وقبول ذلك من قبل العميل بواسطة التسجيل الصوتي المحفوظ لدى البنك.
8- ... بموجب تفويض العميل للبنك بالبيع، يقوم الأخير بإصدار تعليماته ببيع الأسهم في السوق الدولية لصالح العميل.
9- ... في اليوم الثاني يقوم العميل بتوقيع عقد بيع بالمساومة مع البنك الإسلامي لتغطية إجراءات البيع بواسطة الهاتف والتي تمت في اليوم السابق.
10- ... في اليوم الثالث من الشراء يتم تسوية حساب البنك الإسلامي النقدي مع السوق الدولية وقبض الثمن، ومن ثم استخدامه في سداد دين العميل تجاه البنك الآخر مقابل تحويل راتبه لحسابه لدى البنك الإسلامي حسب ما تمَّ الاتفاق عليه.
رابعاً: مقارنة بين التورق المصرفي المنظم والتورق الفردي:(1/43)
اختلف الباحثون المعاصرون في تحديد العلاقة بين التورق الفردي، والتورق المصرفي المنظم، فذهب بعضهم إلى أن العلاقة بينهما علاقة توافق، وأنه ليس هناك اختلاف بينهما، وإنما التورق المصرفي المنظم هو التورق المعروف لدى الفقهاء. (1) في حين ذهب غالبية الباحثين المعاصرين إلى أن العلاقة بينهما علاقة تباين واختلاف. (2)
والأولى بالاعتبار أن بينهما تبايناً واختلافاً، فبالرغم من أنهما يتفقان في الحصول على النقود عن طريق شراء سلعة بالأجل وبيعها بالثمن الحال ، إلا أنهما يختلفان من عدة وجوه وهي:
1- ... التورق الفقهي (الفردي) يجمع بين عقدين منفصلين عن بعضهما البعض، حيث يقوم العميل بشراء للسلعة مستوفية أركان البيع بالأجل، ثم تنتهي هذه العملية لتبدأ عملية أخرى منفصلة عنها تماماً، وهي بيع السلعة التي اشتراها بثمن حال. أما في التورق المصرفي فإن عملياته مرتبطة مع بعضها البعض، حيث يقوم المصرف باتفاقات سابقة على العملية، مع كل من الجهة التي يشتري منها، والجهة التي يبيع عليها، ليضمن استقرار السعر، وعدم تذبذبه. وهو تواطؤ يقترب من بيع العينة. (3) وبمجرد توقيع العميل على الأوراق تتم عملية البيع والشراء، ويدخل في ذمة العميل ديون، ويدخل في حسابه ثمن السلعة بالنقد. (4)
__________
(1) ... ذهب إلى هذا الرأي الشيخ عبد الله المنيع، والشيخ عبد القادر العماري، والباحث صالح محمد الخضيري في رسالة الدكتوراة بعنوان: "التورق وتطبيقاته المعاصرة في المصارف الإسلامية"والمقدمة إلى جامعة ملايا الماليزية، ص 48.
(2) ... ذهب إلى ذلك المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكثير من العلماء.
(3) ... التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، لعبد الله السعيدي ص190
(4) ... التطبيقات المصرفية لعقد التورق للدكتور أحمد محيي الدين ص 456.(1/44)
2- ... في التورق المصرفي المنظم يكون المصرف وكيلاً عن المشتري في بيع السلعة التي اشتراها منه، ولولا وكالة المصرف بالبيع نقداً لما أقدم العميل على هذه المعاملة، ولو انفصلت الوكالة عن البيع الآجل لانهار هذا التمويل من أساسه. (1) في حين أن البائع في التورق الفقهي لا علاقة له ببيع السلعة مطلقاً، ولا علاقة له بالمشتري الثاني. (2)
3- ... في التورق المصرفي المنظم لم يتم قبض السلعة؛ لا من قبل العميل، ولا من قبل المصرف، وهذا يؤدي إلى ربح ما لم يضمن المنهي عنه شرعاً.
4- ... في التورق المصرفي المنظم يعلم البائع (المصرف) بهدف العميل من التورق، وهو الحصول على النقود، في حين أن البائع في التورق الفقهي لا يعلم بهدف المشتري الأول من الشراء. وقد كانت المصارف الإسلامية في بداية نشأتها تمتنع عن إجراء بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا علمت أنه يريد بيع السلعة بقصد الحصول على النقود؛ بناء على فتوى شرعية بذلك.
__________
(1) ... التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، لعبد الله السعيدي ص190
(2) ... التورق والتورق المنظم لسامي السويلم، ص253.(1/45)
5- ... في التورق الفقهي تدور السلعة دورتها العادية من مالك أصلي إلى المتورق إلى مالك جديد، ثم منه إلى أطراف أخرى. أما في التورق المصرفي المنظم فالسلعة قد ترجع إلى الشركة التي باعتها إلى المصرف. وبهذا يكون التورق المصرفي صورة من صور العينة. (1) كما أن الغالب على البيع في التورق المصرفي أنه ليس حقيقياً؛ لأنه بيع لإيصالات المخازن، حيث أن البضائع التي يراد بيعها ترسل إلى المخازن، وبعد وصول تلك البضاعة إلى المخازن تصنف في وحدات متساوية تقريباً، تزن كل وحدة خمسة وعشرين طناً: أي خمسة وعشرين ألف كيلو جرام. وبعد ذلك تكتب البيانات الكاملة التي تتصل بهذه الوحدة من جنس وصفات ووزن حقيقي، ومكان التخزين الذي توضع فيه هذه السلعة، ويصدر فيها إيصال المخازن، وتوجد منه نسخة غير أصلية على جهاز الحاسوب. وهذا الإيصال هو الذي يتم تداوله في البورصة، وهو ينتقل من يد إلى يد إلى أن ينتهي إلى يد مستهلك يستطيع أن يتسلم به ما اشتراه. والمصارف الإسلامية لا تتسلم البضاعة، ولا الإيصالات الأصلية لها، ولا تستطيع الاحتفاظ بها. وحينما وجه سؤال لأحد العاملين في هذه المصارف: لماذا لم تتسلموا هذه البضاعة، أو الوصولات الأصلية؟ أجاب: إننا لا نستطيع أن نتحمل مخاطر تغير الأسعار، ولا قدرة لنا على مجاراة البنوك والشركات العملاقة. فالبيع والشراء يتم على الورق فقط. (2)
المطلب الثاني: الحكم الشرعي للتورق المصرفي المنظم.
__________
(1) ... التطبيقات المصرفية لعقد التورق للدكتور أحمد محيي الدين ص 456.
(2) ... بحث: العينة والتورق المصرفي، للدكتور علي السالوس(57-58)، التمويل بالتورق للسالوس، ص67- 69.(1/46)
إذا كان التورق المصرفي المنظم يختلف عن التورق الفقهي (الفردي) والذي أجازه بعض الفقهاء، فلا يمكن أن ننزل عليه ذلك الحكم، وبالتالي لا بدَّ من البحث في الحكم الشرعي له، لكن قبل ذلك لا بدَّ من تكييفه تكييفاً فقهياً؛ ولذا سوف يشتمل هذا المطلب على نقطتين أساسيتين وهما: التكييف الفقهي للتورق المصرفي، والحكم الشرعي له. وفيما يلي بيان ذلك:
أولاً: التكييف الفقهي للتورق المصرفي المنظم:
لما كان بيان الحكم الشرعي للواقعة المستجدة يتوقف على تكييفها الفقهي، فلا بد من البدء بتكييف التورق المصرفي المنظم. فبالرغم من وجود فوارق أساسية ومؤثرة بين التورق الفردي، والتورق المصرفي المنظم إلا أن العلماء المعاصرين اختلفوا في تكييفه الفقهي على قولين:
القول الأول: ذهب بعض العلماء المعاصرين منهم الشيخ عبد الله المنيع والشيخ عبد القادر العماري إلى أن التورق المصرفي المنظم يُكيَّف على أنه تورق فقهي؛ لوجود تشابه بينهما في عدد الأطراف والعقود والغاية منه، فالمصرف الإسلامي يشتري السلعة حقيقة، كما يفعل أي تاجر، ثم يبيعها للعميل الذي يقوم بتوكيل المصرف ببيع السلعة. (1)
القول الثاني: ذهب بعض العلماء المعاصرين منهم الدكتور حسين حامد حسان إلى أن التورق المصرفي المنظم لا يُكيَّف على أنه تورق فقهي لوجود فوارق بينهما، وهي التي أشرت إليها في بيان حقيقة التورق المصرفي، وإنما هو معاملة تجمع بين عدة عقود وتصرفات متداخلة، تجعله أشبه ما يكون ببيع العينة، هذا بالإضافة إلى اشتماله على بعض الإشكالات الشرعية.
__________
(1) ... انظر: التأصيل الفقهي للتورق، للمنيع،2/ 445-453، بيع الوفاء والتورق والعينة، للعماري، ص 33.(1/47)
والراجح هو القول الثاني من أن هذه المعاملة غير التورق الفقهي المعروف عند الفقهاء، وذلك لما بينهما من فروق عديدة، فصلت القول فيها في حقيقة التورق المصرفي، فالتورق الفقهي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضاً حقيقياً، وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، وقد يتمكن المتورق من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين: الآجل والحال لا يدخل في ملك البائع (المصرف) وهذا لا يتوافر في معاملة التورق المصرفي التي تجريها بعض المصارف الإسلامية. وإنما تكيف هذه المعاملة بأنها تجمع بين عدة عقود وتصرفات متداخلة ومرتبطة مع بعضها البعض، وهي: وعد من المتورق للمصرف بشراء السلعة، واتفاق مواعدة بين المصرف والبائع الأول على البيع والشراء، وعقد شراء السلعة بين المصرف والبائع الأول، وعقد مرابحة للآمر بالشراء بين المصرف والمتورق: بأن يشتري السلعة إلى أجل بثمن يزيد عن ثمنها الحال، وعقد وكالة بين المتورق والمصرف، وعقد وكالة بين المصرف والسمسار (الوسيط) إذا كانت السلعة في السوق الدولية، وفي هذه الحالة لا تتحرك السلعة المباعة من مكانها، ولا يتم قبضها من قيل المشتري أو وكيله، مما يجعل البيع والشراء صوريين،وعقد بيع السلعة من قبل المصرف للمشتري الأخير؛ فهذه العقود والتصرفات تجعل التورق المصرفي المنظم يختلف كل الاختلاف عن التورق الفردي.
ثانياً: حكم التورق المصرفي المنظم:
اختلف العلماء المعاصرون في الحكم الشرعي في التورق المصرفي المنظم تبعاً لاختلافهم في التكييف الفقهي له على قولين وهما:(1/48)
القول الأول: ذهب غالبية العلماء المعاصرين منهم الدكتور علي السالوس، والدكتور سامي السويلم، والدكتور عبد الجبار السبهاني والدكتور أحمد محيي الدين أحمد، والدكتور حسين حامد حسان، وقد صرح الأخير في مقابلة له في الشرق الأوسط: "بأن فقهاء هذا العصر قرروا بالإجماع قبل أيام عدم مشروعية التورق المصرفي المنظم، وكان ذلك في ندوة البركة الثامنة والعشرين، والتي ضمت ثلة من فقهاء الصناعة المصرفية." (1) وبه أخذ المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، حيث قرر عدم جواز هذا النوع من التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر، والذي وصفه بأنه: " قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب والفضة) من أسواق السلع العالمية أوغيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف- إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسلم ثمنها للمستورق." (2) واستدل أصحاب هذا القول بما يلي (3) :
1- ... أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر، أو ترتيب من يشتريها؛ يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة، أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2- ... أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3- ... أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه، والتي هي صورية في معظم أحوالها. هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل. وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء.
__________
(1) ... صحيفة الشرق الأوسط، في (21/رمضان/1428هـ- 2/10/2007م)
(2) ... قررات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورة السابعة عشرة في شوال/1424هـ- ديسمبر/2003م،ص 27 .
(3) ... المرجع السابق.(1/49)
4- ... إن ممارسة المصارف الإسلامية للتورق المصرفي المنظم سوف تترتب عليه العديد من السلبيات نذكر منها (1) : أنه سيؤدي إلى فقدان المصارف الإسلامية لأساس وجودها، وسند مشروعيتها، فهي وجدت لمحاربة الربا، ولرفع شعار:"وأحلَّ الله البيع وحرم الربا " وبدخولها في التورق المصرفي تقترب من العينة التي هي حيلة على الربا ومنها: أنه سوف يبعد هذه المصارف عن تحقيق التنمية الاقتصادية، لأن ممارسة المصارف للتورق المصرفي تجعلها تتاجر في سلع وهمية، وهي مجرد أسماء تنتقل في السجلات، وهي في حقيقتها ليست سلعاً رأسمالية تسهم في الانتاج، ولا هي سلعاً استهلاكية، وإن كانت؛ فهي لا تستخدم من أجل ذلك. ومنها: أنه سوف يؤدي إلى استغناء المصارف الإسلامية مستقبلاً عن كثير من صيغ العقود والأدوات الأخرى من المضاربة والاستصناع والسلم، وسوف تكون عملية التورق هي العملية السائدة. ومنها: أنه سيحول المصارف الإسلامية إلى مؤسسات تمويل شخصي تنظر إلى ملاءة الشخص فقط، دون النظر إلى استعمالات النقود المقدمة للعميل.
القول الثاني: ذهب بعض العلماء المعاصرين منهم الشيخ عبد الله المنيع، والشيخ عبد القادر العماري إلى جواز التورق المصرفي المنظم، بناء على جواز التورق الفقهي لدى جمهور الفقهاء واستدلا بأدلة جواز التورق الفقهي التي ذكرناها سابقاً من عموم قوله تعال: "وأحل الله البيع وحرم الربا." وأن الأصل في المعاملات الإباحة. هذا بالإضافة إلى أن التورق المصرفي المنظم يحقق عدة فوائد منها: أن التورق يعدُّ بديلاً شرعياً للاقتراض بفائدة ربوية محرمة، وهو وسيلة للحصول على السيولة والتسهيلات المالية لكل من المؤسسات المالية والأفراد.
__________
(1) ... انظر: بحث: التورق المصرفي في التطبيق المعاصر، لمنذر قحف، وعماد بركات،ص 20-25، وبحث: التورق صار التمويل مخدوماً بدل أن يكون خادماً، لعز الدين خوجة، ص7.(1/50)
وقد سبق أن ناقشت أدلة آراء العلماء في التورق الفقهي، لكن هذا التورق يختلف كل الاختلاف عن التورق الفقهي الفردي، فلا يأخذ حكمه بحال من الأحوال. وأما الفوائد والمنافع التي ذكرها أصحاب القول الثاني؛ فيجاب عنها: بأن الربا الذي حرَّمه الإسلام لا يخلو من فوائد ومنافع، ولكن نتيجة الموازنة الشرعية بين المنافع والمضار هي المعتبرة في تقرير الحكم. فإذا أجرينا تلك الموازنة بين المنافع والمضار في التورق المصرفي المنظم كانت النتيجة أن المضار أعظم من المنافع التي تترتب عليه، وأما المنافع فهي أقل بكثير من الأضرار، منها ما ذكرت من سلبيات.
... وبناء على ذلك فالراجح هو القول الأول من أن التورق المصرفي المنظم لا يجوز شرعاً، ويمكن الاستئناس لذلك بأقوال التابعين رضي الله عنهم في صور شبية، فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه منع صورة شبيهة لهذا التورق، حيث جاء في مصنف عبد الرزاق، قال:حدثنا سعد بن السائب بن يسار قال: أخبرني عبد الملك داود بن أبي عاصم أن أخته قالت له : إني أريد أن تشتري متاعا عينة، فاطلبه لي، قال : قلت : فإن عندي طعاما ، فبعتها طعاما بذهب إلى أجل، واستوفته، فقالت: انظر لي من يبتاعه مني، قلت: أنا أبيعه لك، قال: فبعته لها، فوقع في نفسي من ذلك شيء، فسألت سعيد بن المسيب، فقال: انظر أن لا تكون أنت صاحبه، قال: قلت: فإني صاحبه، قال : فذلك الربا محضا، فخذ رأس مالك، وأردد إليها الفضل. (1) وكذلك رُوي عن الحسن البصري أنه منع صورة شبيهة، حيث روى عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي عن أبي كعب قال: قلت للحسن: إني أبيع الحرير، فتبتاع مني المرأة والأعرابي، يقولون: بعه لنا فأنت أعلم بالسوق، فقال الحسن: لا تبعه، ولا تشتره، ولا ترشده ، إلا أن ترشده إلى السوق. (2)
المبحث الرابع
التورق العكسي (المرابحة العكسية)
__________
(1) ... مصنف عبد الرزاق ج 8 / 295، رقم: (15273)
(2) المرجع السابق، رقم: (15274)(1/51)
لم يقف طلب التورق المصرفي عند المتعاملين مع المصرف الإسلامي، وإنما انتقل إلى المصرف نفسه، فأصبح المصرف هو الذي يستورق لجذب ودائع العملاء، ويحقق للمودعين زيادة في ودائعهم المصرفية، فما حقيقة هذا التورق، وما صوره، وما حكمه الشرعي؟ هذا ما سنجيب عنه في هذا المبحث إن شاء الله تعالى.
المطلب الأول: حقيقة التورق العكسي.
... لما كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، فلا بدَّ من بيان حقيقة التورق العكسي من حيث معناه، والغاية منه، وواقعه المعاصر وإجراءاته، والمقارنة بينه وبين التورق الفقهي (الفردي) والتورق المصرفي. وفيما يلي بيان ذلك:
أولاً: معنى التورق العكسي، وصورته.
... التورق العكسي: هو أن العميل (المودع) يوكل المصرف الإسلامي في شراء سلعة معينة ، ويسلم العميل المصرف الثمن نقداً، ثم يقوم البنك بشراء هذه السلعة من العميل بثمن مؤجل، وبربح يتم الاتفاق عليه مع العميل. (1) وصورة هذه المعاملة: أن يقوم العميل بتسليم المصرف الإسلامي مبلغاً معيناً من المال كمائة ألف (100000) ريال، ويُوكل المصرف في شراء سلعة محددة بذلك المبلغ، فيشتريها المصرف من الأسواق الدولية، ومن ثم يقوم الوكيل (المصرف) ببيعها لنفسه بثمن مؤجل، وبهامش ربح يتم الاتفاق عليه بين المصرف والعميل، قد يصل إلى مائة وعشرة آلاف (110000) ريال
ثانياً: الغاية من التورق العكسي.
... اتخذت المؤسسات المالية والمصارف والنوافذ الإسلامية صيغة التورق العكسي لمنافسة البنوك التجارية، التي تتفن في جذب المودعين، وتغريهم بزيادة الفوائد تارة، وبوعد أصحاب الحظوظ بجوائز مغرية تارة أخرى، فلجأت المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية لهذه الطريقة مستهدفة تحقيق الأهداف والغايات التالية:
__________
(1) ... مقال حكم التورق العكسي أو المرابحة العكسية من موقع الإسلام سؤال وجواب.(1/52)
1- ... أن تحقق للمودعين أرباحاً على ودائعهم بطريقة التورق العكسي. وهذا مما يشجع المودعين على التعامل مع المصارف الإسلامية دون غيرها.
2- ... توفير السيولة اللازمة للمؤسسات المالية والمصارف الإسلامية عن طريق التورق العكسي، المنتج البديل للوديعة إلى أجل في البنوك التجارية؛ التي حرَّمتها الشريعة الإسلامية لتضمنها الربا.
3- ... تمكين المودعين من السحب من الودائع الاستثمارية وفق مسألة: "ضع وتعجل". بحيث يتنازل العميل عن جزء من ديونه على المصرف مقابل سحب الوديعة الاستثمارية.
4- ... تمكين المودع من زيادة وديعته الاستثمارية عن طريق التورق العكسي، بحيث تتعامل المصارف الإسلامية مع المبلغ الجديد المودع من قبل العميل مثلما تعاملت مع المبلغ الأول، عن طريق التورق العكسي.
5- ... استثمار المصرف الإسلامي ما لديه من سيولة في السلع الدولية عن طريق المتاجرة بهذه السلع، حيث يقوم المصرف بشراء السلعة من شركة في السوق الدولية بوسائل الاتصال الحديثة لحساب العميل، ومن ثم يبيعها لنفسه بالأجل مرابحة، بأكثر من سعر يومها. ثم يبيعها المصرف مرة ثانية إما لعميل من عملاء المصرف، أو للشركة التي اشترى منها السلعة. ويستفيد المصرف من فروق الأسعار.
ثالثاً: واقع التورق العكسي في المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية وإجراءاته.
المتتبع لواقع التورق العكسي في المؤسسات المالية والمصارف والنوافذ الإسلامية يجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:
القسم الأول: مصارف ونوافذ لا تمارس التورق المصرفي المنظم مثل المصارف الإسلامية في الأردن: البنك الإسلامي الأردني، والبنك العربي الإسلامي الدولي.(1/53)
والقسم الثاني: مصارف ونوافذ تطبقه على الصعيد الفردي والمؤسسات المصرفية للحصول على السيولة، ففي الكويت قام بنك بوبيان بتطوير منتج جديد، ومبتكر، وهو عبارة عن استثمار أموال المودعين عن طريق الوكالة في الاستثمار بدلاً من الاستثمار عن طريق المضاربة. وقد كان هذا المنتج مستعملاً بين المؤسسات المالية المختلفة. كما أنه طبق هذا المنتج في بنك الريان القطري، وسماه: "المراجحة" وأطلقت بعض المصارف على هذه المعاملة عدة أسماء منها: "المنتج البديل عن الوديعة لأجل" لدى البنوك التقليدية، و"المرابحة العكسية"، و"مقلوب التورق"، و"الاستثمار المباشر"، و"الاستثمار بالمرابحة". واتبعت المصارف والنوافذ الإسلامية لتنفيذ هذا المنتج الإجراءات التالية:
1- ... أن يقوم العميل بإيداع مبلغ من المال في حسابه لدي المصرف.
2- ... يتقدم المصرف للعميل بتوجيهه لشراء سلعة ثمنها قدر المبلغ الذي في حسابه؛ ليشتريها المصرف منه مرابحة، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه بينهما وفقا لوقت تأجيل الثمن. ويفضل المصرف أن تكون السلعة مما يتيسر له ببيعها في الحال وبأقل نقص.
3- ... يعرض المصرف على العميل صاحب الحساب أن يتوكل عنه في شراء السلعة، ولا يلزمه بذلك إن كان قادرًا على شراء السلعة التي يريدها البنك.
4- ... يتوكل المصرف بعد تملك العميل للسلعة ببيعها لنفسه بثمن مؤجل لمدة محدودة.
5- ... في حال عدول المصرف عن الشراء بعد شراء العميل السلعة؛ فإن العميل يعامل المصرف بمقتضى أحكام الوعد الملزم؛ لأن وعد العميل وعد ملزم بأن يشتري منه السلعة مرابحة بعد تملكه إياها.
6- ... في حال رغبة العميل في السداد المبكر لمديونيته على المصرف أو سحب المبلغ؛ فإن المصرف يتيح له تحقيق هذه الرغبة، لكن يدخل معه في مسألة: "ضع وتعجل".
7- ... في حال توفر مبلغ لدى العميل ويرغب في إضافته إلى حسابه، فيمكنه إجراء عملية المرابحة مع المصرف وفق الإجراءات المتخذة في أول عملية مرابحة مع البنك.(1/54)
القسم الثالث: مصارف إسلامية تقتصر في تطبيقه على المؤسسات المصرفية الإسلامية لتوفير السيولة، حيث أجيز للمصارف الإسلامية في قطر التعامل بهذه المعاملة فيما بينها وبين المصارف الإسلامية الأخرى؛ وذلك في حالات الضرورة: مثل توفير السيولة للمصرف الذي شحت لديه السيولة. وتتبع لتنفيذ هذا المنتج الإجراءات السابقة.
رابعاً: مقارنة بين التورق العكسي وبين كل من التورق الفقهي والتورق المصرفي.
يشتبه مصطلح: "التورق العكسي" الذي تجريه بعض المؤسسات المالية الإسلامية بلفظين يؤثران على مفهومه وحكمه الشرعي، حيث يجعلان عليه غبشاً، وهما التورق الفقهي، والتورق المصرفي المنظم؛ فلا بدَّ من تبديد هذا الغبش الذي يلابس ذلك المصطلح، ولتحقيق ذلك ساتناول علاقة التورق العكسي بكل من التورق الفقهي، والتورق المصرفي المنظم. وفيما يلي بيان ذلك:
1-التورق العكسي والتورق الفقهي.
اختلف الباحثون المعاصرون في تحديد العلاقة بين التورق الفردي، والتورق العكسي، فذهب بعضهم إلى أن العلاقة بينهما علاقة توافق، وأنه ليس هناك اختلاف بينهما، وإنما التورق العكسي هو التورق المعروف لدى الفقهاء. (1) في حين ذهب غالبية الباحثين المعاصرين إلى أن العلاقة بينهما علاقة تباين واختلاف. (2)
والأولى بالاعتبار أن بينهما تبايناً واختلافاً، فبالرغم من أنهما يتفقان في الحصول على النقود (السيولة) عن طريق شراء سلعة بالأجل وبيعها بالثمن الحال ، إلا أنهما يختلفان من عدة وجوه وهي:
__________
(1) ذهب إلى هذا الرأي الشيخ عبد الله المنيع، والباحث صالح محمد الخضيري في رسالة الدكتوراة بعنوان: "التورق وتطبيقاته المعاصرة في المصارف الإسلامية"والمقدمة إلى جامعة ملايا الماليزية، ص 48.
(2) ذهب إلى ذلك المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكثير من العلماء.(1/55)
أ- ... التورق الفقهي (الفردي) يجمع بين عقدين منفصلين عن بعضهما البعض، حيث يقوم العميل بشراء للسلعة مستوفية أركان البيع بالأجل، ثم تنتهي هذه العملية لتبدأ عملية أخرى منفصلة عنها تماماً، وهي بيع السلعة التي اشتراها بثمن حال. أما في التورق العكسي؛ فإن عملياته مرتبطة مع بعضها البعض، حيث يقوم المصرف بإعطاء وعد ملزم للعميل بشراء السلعة بهامش ربح متفق عليه إلى أجل معين، وهو تواطؤ يقترب من بيع العينة. وبمجرد توقيع العميل على الأوراق تتم عملية البيع والشراء، ويدخل في ذمة المصرف ديون للعميل.
ب- ... في التورق العكسي يكون المصرف وكيلاً عن العميل في شراء السلعة بالمبلغ الموجود في حسابه، ووكيلاً عنه في البيع لنفسه، ولولا وكالة المصرف بالشراء والبيع نسيئة لما أقدم العميل على هذه المعاملة، ولو انفصلت الوكالة عن الشراء والبيع الآجل لانهار هذا التمويل من أساسه. (1) في حين أن البائع في التورق الفقهي لا علاقة له ببيع السلعة مطلقاً.
ج- ... في التورق العكسي لم يتم قبض السلعة لا من قبل العميل ولا من قبل المصرف، وهذا يؤدي إلى ربح ما لم يضمن المنهي عنه شرعاً.
د- ... في التورق العكسي يوجه المصرف العميل إلى أن يتوكل في الشراء والبيع، في حين أن البائع في التورق الفقهي لا يعلم بهدف المشتري الأول من الشراء.
هـ- ... في التورق الفقهي تدور السلعة دورتها العادية من مالك أصلي إلى المتورق إلى مالك جديد، ثم منه إلى أطراف أخرى. أما في التورق العكسي فالسلعة قد ترجع إلى الشركة التي باعتها إلى العميل. وبهذا تكون صورة من صور العينة. (2) كما أن البيع يكون صورياً كما بينت سابقاً.
2-التورق العكسي والتورق المصرفي المنظم.
__________
(1) التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، لعبد الله السعيدي، ص190.
(2) ... التطبيقات المصرفية لعقد التورق للدكتور أحمد محيي الدين، ضمن وقائع مؤتمر دور المؤسسات المصرفية 2/ 456.(1/56)
اختلف الباحثون المعاصرون في تحديد العلاقة بين التورق الفردي، والتورق العكسي، فذهب بعضهم إلى أن العلاقة بينهما علاقة توافق، وأنه ليس هناك اختلاف بينهما، وإنما التورق العكسي والتورق المصرفي المنظم هما صورتان للتورق المعروف لدى الفقهاء. (1) في حين ذهب غالبية الباحثين المعاصرين إلى أن العلاقة بينهما علاقة تباين واختلاف. (2)
والأولى بالاعتبار أن بينهما تبايناً واختلافاً، فبالرغم من أنهما يتفقان في عدة أمور منها: أنهما يتضمنان عدة عقود مرتبطة مع بعضها البعض، وهذا يقربهما من بيع العينة. ومنها: أنهما ينقصهما قبض العميل للسلعة. ومنها: أنهما يتضمنان عقد الوكالة من قبل المصرف للعميل. ومنها: أنهما لا يعملان على دوران السلعة المشتراة دورتها الطبيعية، وإنما قد ترجع السلعة إلى الشركة التي باعتها. وهذا مما يقربهما من بيع العينة. إلا أنهما يختلفان من عدة وجوه نذكر منها:
أ- ... إذا كان التورق المصرفي المنظم هو مصدر السيولة للعميل، فإن التورق العكسي أصبح هو مصدر السيولة للمصرف نفسه.
ب- ... إذا كان المصرف في التورق المصرفي المنظم يشتري ويبيع نيابة عن العميل، فإن الوكيل (المصرف) في التورق العكسي يبيع لنفسه.
ج- ... العميل في التورق المصرفي هو المدين، ويلتزم بدفع الأقساط في موعدها، أما في التورق العكسي، فإن العميل هو الدائن، ويمكنه أن يطالب المصرف بتعجيل تسديد بعض الديون مع الحط منها، وفق مسألة: "ضع وتعجل"
__________
(1) ... ذهب إلى هذا الرأي الشيخ عبد الله المنيع، والباحث صالح محمد الخضيري في رسالة الدكتوراة بعنوان: "التورق وتطبيقاته المعاصرة في المصارف الإسلامية"والمقدمة إلى جامعة ملايا الماليزية، ص 48.
(2) ... ذهب إلى ذلك المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكثير من العلماء.(1/57)
د- ... المصرف في التورق المصرفي المنظم لا يضمن للعميل شيئاً، أما في التورق العكسي فإن المصرف يضمن للعميل كل من رأس المال والربح، وهذا مما يجعل التورق العكسي من قبيل قرض جرَّ نفعاً.
هـ- ... في التورق العكسي يتمكن العميل من استيفاء بعض الثمن المؤجل قبل انتهاء الأجل المحدد على أساس مبدأ : "ضع وتعجل" حيث يتنازل العميل عن هامش الربح المتعلق بذلك المبلغ. وهذا غير موجود في التورق المصرفي المنظم.
المطلب الثاني: الحكم الشرعي للتورق العكسي.
إذا كان التورق العكسي يختلف عن التورق الفقهي (الفردي) والذي أجازه بعض الفقهاء، وهو قريب من التورق المصرفي؛ فهل يمكن أن ننزل عليه حكم التورق المصرفي، أم لا ؟ لكن قبل الإجابة عن ذلك لا بد من تكييفه تكييفاً فقهياً؛ ولذا سوف يشتمل هذا المطلب على نقطتين أساسيتين وهما: التكييف الفقهي للتورق العكسي، والحكم الشرعي له. وفيما يلي بيان ذلك:
أولاً: التكييف الفقهي للتورق العكسي.
لما كان بيان الحكم الشرعي للواقعة المستجدة يتوقف على تكييفها الفقهي، فلا بدَّ من البدء بتكييف التورق العكسي. وفيما يلي بيان ذلك:
اختلف العلماء المعاصرون في التكييف الفقهي للتورق العكسي: (المنتج البديل عن الوديعة لأجل) على ثلاثة أقوال، وهي:
القول الأول: ذهب الدكتور علي القره داغي إلى أن معاملة التورق العكسي (المرابحة العكسية) تُكيف على أنها تجمع عدة عقود في صيغة واحدة، وهي: التورق المصرفي المنظم، والمتاجرة في السلع الدولية، ومسألة شراء الوكيل لنفسه، وإلزام الوكيل بالشراء والبيع لنفسه بهامش ربح معين، وتضمينه لرأس المال. (1)
__________
(1) ... بحث تطبيقات الوكالة والفضالة والمرابحة بصفة البنك مشترياً، للدكتور علي القره داغي، المقدم لندوة البركة الثامنة والعشرين للاقتصاد الإسلامي، بجدة في رمضان 1428هـ/سبتمبر2007م، ص38-39.(1/58)
القول الثاني: ذهب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية في بحث قدمه للمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة في موضوع التورق العكسي أو "المنتج البديل للوديعة لأجل" إلى إن هذه المعاملة تُكيًّف على أنها وديعة مصرفية إلى أجل، وهي في حقيقتها قرض بزيادة مشروطة. حيث قال: فقد عرفت البنوك التجارية هذه الوديعة منذ نشأتها ، وهي تعتبر مورداً رئيسياً لتمويل هذه البنوك؛ لهذا نجد أن البنوك تسعى بكل جهد لاستقطاب العملاء وتوسيع دائرتهم. وهي بعيدة كل البعد عن الوديعة في الشريعة الإسلامية؛ لأنها تتضمن أموراً أهمها: أن البنك وهو المودَع «بفتح الدال» ضامن للمال بكل حال. وأن البنك لا يتعين عليه رد عين المال، بل المعروف أنه يردُّ مثله. وأن البنك له الحق في التصرف بالمال. وأقرب ما تكون هذه الوديعة إلى أنها قرض، وأن تسميتها وديعة لا يخرجها عن كونها قرضاً، فإن العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني. (1)
__________
(1) ... البحث الذي قدمه الشيخ عبد العزيز الشيخ للمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، موجود في موقع على الانترنت.(1/59)
القول الثالث: ذهب الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع: "عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية" إلى أن معاملة التورق العكسي: (المنتج البديل للوديعة لأجل) تُكيَّف على أنها بيع وشراء بطريق التورق الفقهي، ويتضمن مسألة: "ضع وتعجل" وتفصيل ذلك: أن يقوم العميل بتحويل هذه المبالغ المودعة لدي المصرف من قروض في ذمة المصرف إلى ودائع استثمارية، يتولى مالكها مباشرة نشاط البيع والشراء بها، فيقوم المصرف بشراء سلعة معينة من السلع الدولية بقدر المبلغ الموجود في حساب العميل، ثم يقوم المصرف بشراء هذه السلعة بما قامت به على صاحبها؛ بالإضافة إلى هامش ربحي يجري الاتفاق عليه بين البنك وصاحب الحساب مالك السلعة. ولأجل سداد مديونية العميل على المصرف بسحب بعض المبالغ؛ يدخل مع البنك في مسألة: "ضع وتعجل"، وفي حال وجود مبلغ لدى صاحب الحساب يرغب ضمه إلى مبلغه الاستثماري؛ يقوم العميل بالإجراءات التي أجراها أول مرة، وهكذا يتيسر للعميل بهذا المنتج البديل المرونة في سحب ما يريده من مبلغ، وتوظيف ما يستجد لديه من مال بطريقة شرعية تضمن له العائد الربحي المباح، كما تضمن له سهولة السداد في أي وقت يريده. (1)
__________
(1) ... البحث الذي قدمه الشيخ المنيع للمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، موجود في موقع على الانترنت.(1/60)
والناظر في هذه التكييفات الفقهية للتورق العكسي يجد أن أقربها إلى الصواب هو التكييف الأول القاضي بأنه يجمع عدة عقود. فلا يمكن تكييف التورق العكسي بأنه تورق فقهي (فردي) لوجود اختلافات جوهرية بينهما ذكرتها في علاقة التورق العكسي بالتورق الفقهي (الفردي). وهو لا يمكن تكييفه بأنه وديعة إلى أجل؛ لأنه وإن كان يتضمنها إلا أنه جاء متضمناً لعدة عقود وتصرفات أخرى غير موجودة في الوديعة إلى أجل؛ منها: وكالة المصرف في البيع والشراء، وبيع الوكيل لنفسه، والمتاجرة في السلع الدولية ، والمربحة للآمر بالشراء، والوعد الملزم بالشراء، وضمان رأس المال والربح، ومسألة: "ضع وتعجل". فهذه العقود والتصرفات تجعل التورق العكسي أعم وأشمل من الوديعة لأجل التي تُكيَّف على أنها قرض بفائدة، وتقربه من كل من: التورق المصرفي المنظم، وبيع العينة، وقرض جرَّ نفعاً. وبناء على ذلك يمكن تكييف التورق العكسي بأنه يتضمن عدة صيغ وهي: التورق المصرفي المنظم الذي ينطوي على المتاجرة بالسلع الدولية، وعقد الوكالة بما فيها من بيع الوكيل لنفسه، والمرابحة للآمر بالشراء، والوعد الملزم للمصرف بالشراء، وضمانه لكل من رأس المال والربح المتفق عليه، ومسألة: "ضع وتعجل".
ثانياً: حكم التورق العكسي .
اختلف العلماء المعاصرون في الحكم الشرعي في التورق العكسي تبعاً لاختلافهم في التكييف الفقهي له على قولين وهما:(1/61)
القول الأول: ذهب الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والدكتور سامي السويلم. والدكتور على القره داغي إلى أن الأصل عدم جواز التورق العكسي، أو ما يعرف بالمرابحة العكسية، وبه أخذ المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، حيث جاء في قراره: قرر المجلس عدم جواز هذه المعاملة. لكن الدكتور على القره داغي وبعض أعضاء هيئة الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية في دولة قطر استثنوا من ذلك الأصل جواز هذه المعاملة فيما بين البنوك والمؤسسات الإسلامية، وبعضها البعض. حيث يجوز للمصرف الإسلامي قبول ودائع المؤسسات المالية الأخرى على أساس التورق العكسي، وذلك لأغراض توفير السيولة، وفي حالات الضرورة الأخرى التي تقدرها هيئة الرقابة الشرعية لكل بنك؛ على أن يكون ذلك وفقاً لسياسة مكتوبة، ومقرة من الهيئة الشرعية بالبنك. وقد أعلمت تلك الهيئة الشرعية مصرف قطر المركزي بهذا الستثناء، وأصدر بدوره تعميماً يحمل الرقم: (71/2008). واستدل القائلون لعدم جواز التورق العكسي بما يلي:
1- ... أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.
2- ... أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم التورق المصرفي المنظم، فما علل به منع التورق المصرفي المنظم من علل توجد في هذه المعاملة.
3- ... أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي." (1)
4- ... التورق العكسي يتضمن معاملة: "الوديعة لأجل" التي عُرفت في البنوك التجارية، وهي تدخل في مفهوم المبدأ الفقهي: "كل قرض جرّ نفعًا فهو ربا". فالفائدة المأخوذة عليه في الحقيقة هي ربا محرم شرعاً.
__________
(1) ... قرارات وتوصيات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة،(1428هـ/2007م)(1/62)
5- ... التورق العكسي يتضمن أن يبيع الوكيل لنفسه، وهو ممنوع شرعاً.
6- ... إن ممارسة التورق العكسي تترتب عليه سلبيات عديدة منها: أن هذه الممارسة زلة شنيعة قد تجر إلى صبغ بعض المعاملات الربوية بالصبغة الإسلامية، أو الشرعية. وفي هذا خطر عظيم على الأمة، فلما كانت المعاملة ربا صريحا كان الناس أبعد عنها، ومن قارفها يعلم خطأه وعصيانه لوضوحها. أما وقد أُلبست لباس الدين؛ فإنها ستنطلي على كثير من المسلمين عامتهم وخاصتهم، وقد وقع هذا في عدد من المنتجات المالية حتى أن بعضهم أباح بيع العينة. ومنها: أن هذه الممارسة ستعود على هذه النهضة الاقتصادية الإسلامية المباركة بنتائج سيئة، وقد تذوب في خضم البنوك التجارية من حيث لا تشعر تحت غطاء الأسلمة، خصوصًا وإنا نعلم جيدا قوة البنوك الربوية عالميا وتأثيرها وانتشارها وتبني معظم الدول لها في سياستها المالية. ومنها: أن هذا التوجه يجعل المؤسسات المالية الإسلامية تدور في فلك المنتجات التي تتعامل بها البنوك التجارية، حيث تنتظر المصارف الإسلامية ماذا يقدمون من منتجات، ثم تلبسها الرداء الإسلامي، وتعتبر هذا المنتج من ابتكارات البنوك الإسلامية. وهذا مما قد يحمل البعض على التساهل في تحليل ما حرَّم الله من المعاملات الربوية.
القول الثاني: ذهب الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، "عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة" إلى صحة هذه المعاملة. واستدل لذلك بأدلة جواز التورق الفقهي التي ذكرناها سابقاً من عموم قوله تعال: "وأحل الله البيع وحرم الربا." وأن الأصل في المعاملات الإباحة. هذا بالإضافة إلى أن التورق العكسي يحقق عدة فوائد منها: أن هذا المنتج يعطي العميل فرصة الاستفادة من المبالغ المودعة في حسابه لدى المصرف، كما يعطيه مرونة في السحب والإيداع. ومنها: أن مبالغ العميل المودعة في وضع استثماري مباح، فهو منتج مبني على البيع والشراء.(1/63)
والراجح هو القول الأول من أن التورق العكسي لا يجوز شرعاً؛ لأنه يتضمن التورق المصرفي المنظم، ويزيد عليه بعدة أمور ممنوعة شرعاً، ومن ذلك: أن يبيع الوكيل لنفسه، والدخول في مسألة: "ضع وتعجل"، وأنها قرض جرَّ نفعاً. وأما ما استدل به الشيخ المنيع فيجاب عنه: بأن التورق العكسي يختلف كل الاختلاف عن التورق الفردي كما بينا سابقاً. فلا يأخذ حكمه بحال من الأحوال. وأما الفوائد والمنافع التي ذكرها الشيخ المنيع فيجاب عنها: بأن الربا الذي حرَّمه الإسلام لا يخلو من فوائد ومنافع، ولكن نتيجة الموازنة الشرعية بين المنافع والمضار هي المعتبرة في تقرير الحكم في ذلك، فإذا أجرينا تلك الموازنة بين المنافع والمضار في التورق العكسي كانت النتيجة أن المضار أعظم من المنافع التي تترتب عليه، ومن هذه الأضرار ما ذكرته في أدلة القائلين بالمنع؛ ولذا فإن هذه المنافع لا تؤثر في الحكم بعدم الجواز. وأما ما ذهب إليه الدكتور القره داغي ومن معه في هيئة الرقابة الشرعية من جواز التورق العكسي بين المصارف الإسلامية، لضرورة توفير السيولة، فليس على الإطلاق؛ وإنما يكون ذلك في حالة العجز في السيولة لتلبية الحاجة، وتجنب خسارة عملائها؛ أما في غير هذه الحالة فتوجد بدائل أخرى لتوفير السيولة، نذكر منها: المرابحة الآمر بالشراء، والمضاربة، وغير ذلك. وقد نبهت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية إلى عدم اعتبار التورق العكسي وسيلة لتوفير السيولة لعملياتها بدلاً من بذل الجهد لتلقي الأموال عن طريق المضاربة أو الوكالة بالاستثمار، أو إصدار الصكوك الاستثمارية أو الصناديق الاستثمارية وغيرها. وينبغي حصر استخدامها له لتفادي العجز أو النقص في السيولة لتلبية الحاجة وتجنب خسارة عملائها وتعثر عملياتها. (1)
__________
(1) ... المعايير الشرعية، ص 493..(1/64)
كما أفتت ندوة البركة في فتواها رقم (28/3) بعدم جواز هذا النوع من التورق، ونصها: "الأصل في البنوك الإسلامية تطبيق المضاربة والمشاركة ونحوهما من العقود المؤصلة في الفقه الإسلامي، وأن الصورة المثلى أن تكون العلاقة بين البنك وعملائه هي المضاربة. وإن المتبع في المرابحة أن يكون البنك هو البائع، ولا يجوز قلب هذه العلاقة، بحيث يكون المشتري هو البائع في المرابحة (المرابحة العكسية) مع تضمين هذه العملية التزام البنك بأداء النسبة التي قُيدت بها المرابحة، والالتزام بالتوكيل في التورق وحق البيع للنفس." كما صدرت فتوى أخرى عن هيئة الرقابة الشرعية للبنك العربي الإسلامي الدولي في الأردن تتضمن عدم جواز التورق العكسي، حيث جاء فيها: " المرابحة المصرفية المنظمة، أو المرابحة المصرفية العادية، أو المعاكسة هي نوع من أنواع الحيل الربوية التي ترى الهيئة عدم اعتمادها أسلوباً من أساليب التمويل المصرفي الإسلامي، ولكن يمكن استخدام المرابحة المعاكسة في قبول الودائع بضوابط شرعية أهمها، الأول: أن تكون العملية حقيقية وليست وهمية. والثاني:أن لا يوكل العميل البنك بشراء البضاعة من السلع المحلية أو المستوردة بواسطة الاعتمادات المستندية. والثالث: أن لا يقوم البنك ببيع السلعة المشتراة من العميل ببيعها له أو ممن اشتراها العميل منه حتى لا يقع البنك في بيع العينة المنهي عنها. والرابع: في حال حاجة العميل لجزء من ثمن البضاعة تعامل من خلال مكافآت السداد المبكر غير المشروطة وفقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "ضعوا وتعجلوا." (1) ولا يعتبر العميل مودعاً، بل دائناً للبنك بثمن بضاعة المرابحة المعاكسة."
الخاتمة
__________
(1) سنن الدارقطني، 3/46. و فِى إِسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ ضَعِيفٌ.(1/65)
... بعد عرض الأحكام المتعلقة بالتورق الفقهي والتورق الذي تجريه بعض المؤسسات المالية الإسلامية؛ استطيع أن أضع بين يدي القاريء الكريم أهم ما انتهيت إليه، والتوصيات في هذا المجال:
1- ... التورق الفقهي (الفردي) هو: شراء الشخص سلعة بثمن آجل مساومة، أو مرابحة، ثم بيعها إلى غير من اشتريت منه للحصول على النقد (السيولة) بثمن حال. وهو بذلك يختلف عن بيع العينة.
2- التورق الفقهي (الفردي) الذي سبق توصيفه، والذي يلجأ إليه الأفراد لسد حاجتهم إلى السيولة النقدية جائز شرعاً؛ لأن الأصل في المعاملات الإباحة. ولأن الفرق بين الثمنين: الآجل والحال لم يدخل في ملك البائع الأول للسلعة، وإنما هو خسارة تحملها المتورق. وينبغي أن تراعى في جوازه الضوابط الشرعية التالية:
أ أن يتم استيفاء المتطلبات الشرعية لعقد شراء السلعة بالأجل، مساومة أو مرابحة، ويراعى في المرابحة للآمر بالشراء وجود السلعة، وتملك البائع لها قبل بيعها.
ب أن تكون السلعة المباعة من غير الذهب، أو الفضة، أو العملات المعاصرة.
ج أن تكون السلعة المباعة معينة تعييناً يميزها عن موجودات البائع الأخرى.
د أن يكون الشراء حقيقياً، وليس صورياً. ويفضل أن تتم العملية بالسلع المحلية.
هـ ... أن يتم قبض السلعة من قبل المتورق حقيقة أو حكماً بالتمكن فعلاً من القبض الحقيقي، وانتفاء أي قيد أو إجراء يحول دون قبضها.
و أن يكون بيع السلعة (محل التورق) لغير البائع الذي اشتريت منه بالأجل، بأقل مما اشتراها به، لا مباشرة، ولا بالواسطة، وذلك لتجنب العينة المحرمة شرعاً.
ز أن لا يكون هناك ربط بين عقد شراء السلعة بالأجل، وعقد بيعها بثمن حال، بطريقة تسلب العميل حقه في قبض السلعة، سواء أكان الربط بالنص في المستندات، أم بالعرف.(1/66)
3- التورق المصرفي المنظم هو: أن يقوم المصرف الإسلامي بالاتفاق مع شخص ممن يحتاجون إلى النقد (السيولة)على أن يبيعه سلعة إلى أجل بثمن أعلى من سعر يومها، ثم يوكل المشتري المصرف الإسلامي ليبيع له السلعة بثمن نقدي أقل عادة من الثمن المؤجل الذي اشترى به السلعة ليحصل المتورق بذلك على الثمن النقدي، وتبقى ذمته مشغولة للمصرف بالثمن الأكثر لهذه المعاملة.
4- بالرغم من أن بعض المؤسسات المالية الإسلامية لا تمارس التورق المنظم كما في البنك الإسلامي الأردني، والبنك العربي الإسلامي الدولي الأردني. إلا أنه يطبق في المؤسسات المالية الإسلامية على نطاق واسع، وبخاصة في أغلب دول الخليج العربي وماليزيا، ومن المؤسسات التي تمارسه: البنك الأهلي السعودي، والبنك السعودي البريطاني، والبنك السعودي الأمريكي، ومصرف الشامل البحريني، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، وشركة أصول للإجارة والتمويل الكويتية، وبيت التمويل الكويتي، وبنك الريان القطري. وقد وصلت نسبة التمويل بالتورق في السعودية إلى (80%). هذا بالإضافة إلى وجود بعض المؤسسات التي تقتصر في تطبيقه على بعض صوره مثل: البنك الوطني الإسلامي بقطر، حيث يقتصر في تطبيقه على التورق بغرض سداد الديون.
5- التورق المصرفي المنظم الذي تُجريه بعض المؤسسات المالية الإسلامية لا يجوز شرعاً؛ لأنه يقترب من صيغة بيع العينة الممنوع شرعاً، ولأن البيع فيه ليس حقيقياً، وإنما هو وهمي أو صوري، و لا يتم فيه قبض حقيقي للمبيع.
6- التورق العكسي أو"المرابحة العكسية" أو"المراجحة" أو"المنتج البديل عن الوديعة لأجل" أو"مقلوب التورق"هو: أن العميل (المودع) يوكل المصرف الإسلامي في شراء سلعة معينة ، ويسلم العميل المصرف الثمن نقداً، ثم يقوم البنك بشراء هذه السلعة من العميل بثمن مؤجل، وبربح يتم الاتفاق عليه مع العميل. وهو مطبق في المؤسسات المالية الإسلامية على نطاق ضيق.(1/67)
7- ... إن التورق العكسي الذي تجريه بعض المؤسسات المالية الإسلامية لا يجوزشرعاً، لأنه يتضمن التورق المصرفي المنظم الذي بينا حكمه سابقاً، ويزيد عليه بعدة أمور ممنوعة شرعاً، ومن ذلك: أنه يتضمن قرضاً جرَّ نفعاً، وبيع الوكيل لنفسه، والدخول في مسألة: "ضع وتعجل".
8- ... يوصي الباحث المؤسسات المالية الإسلامية والباحثين لديها أن يقوموا بتأصيل المعاملات المالية المستقلة. والتراث الإسلامي مليء بالمعاملات المالية المباحة، والتي لو طبقت في أرض الواقع لخلصت العالم من آثار الربا الوخيمة ولأسست نظاما قويا متكاملا متماسكا يستطيع النهوض بنفسه من غير تبعية للبنوك التجارية.
9- ... يوصي الباحث المؤسسات العلمية القيام على إصدار دليل بالمنتجات المالية الإسلامية والصكوك التي تطبقها المؤسسات المالية الإسلامية، حيث يتضمن الدليل التعريف بها، وإبراز خصائصها، وكيفية تطبيقها في مختلف المؤسسات المالية الإسلامية، والضوابط الشرعية التي تعمل على ترشيدها. كما يراعى في الدليل التفريق بين المنتجات المالية الإسلامية المتفق عليها، والمنتجات المختلف فيها والمبنية على تخريجات الفقهاء. وفي حالة ما إذا كانت المنتجات مختلفاً فيها؛ فيعمل على دراستها دراسة علمية من قبل لجان علمية متخصصة تجمع بين الفقه الإسلامي والاقتصاد والقانون، لاختيار الرأي الذي يتفق مع الأصول العلمية والمقاصد الشرعية.
المراجع والمصادر
1- الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية لعلي بن محمد البعلي , دار المعرفة, بيروت.
2- الأشباه والنظائر لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي, مطبعة عيسى البابي الحلبي, القاهرة.
3- الأشباه والنظائر لزين الدين ابن نجيم، مؤسسة الحلبي، القاهرة، 1387هـ - 1968م.
4- إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، دار الجيل، بيروت، 1973م.
5- الأم، محمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1393هـ -1973م.(1/68)
6- الإنصاف لعلي بن سليمان المرداوي، دار هجر، القاهرة، ط 1، 1415هـ -1995م، البحر الرائق لزين الدين بن نجيم, دار المعرفة, بيروت, ط2.
7- بدائع الصنائع، للكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت، مصور عن الطبعة الأولى،1328هـ- 1910م. بيع العينة والتورق: دراسة تطبيقية على المصارف الإسلامية، هناء محمد الحنيطي، رسالة دكتوراه مقدمة للأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، 1428هـ/2007م.
8- بيع الوفاء والعينة والتورق، للشيخ عبد القادر العماري، مطابع الدوحة الحديثة، الدوحة، نشره مصرف قطر الإسلامي، 2004م.
9- التأصيل الفقهي للتورق في ضوء الاحتياجات التمويلية المعاصرة، عبد الله المنيع، وقائع مؤتمر دور المؤسسات المالية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، جامعة الشارقة، 1423هـ/2002م، 2/445.
10- تبيين الحقائق لعثمان بن علي الزيلعي, دار المعرفة , بيروت, ط2.
11- تحفة الفقهاء، لعلاء الدين السمرقندي، دار الفكر، بيروت،ط1، 1424هـ - 2003م.
12- تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي،د. موسى آدم عيسى، وقائع مؤتمر دور المؤسسات المالية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، جامعة الشارقة، 1423هـ/2002م، 2/461.
13- التطبيقات المصرفية لعقد التورق وأثرها على سيرة العمل المصرفي الإسلامي، أحمد محيي الدين أحمد. وقائع مؤتمر دور المؤسسات المالية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، جامعة الشارقة، 1423هـ/2002م، 2/ 454.
14- التعريفات لمحمد بن علي الجرجاني, دار الكتاب العربي, بيروت, ط1, 1985م.
15- التعريفات الفقهية، محمد عميم الإحسان المجددي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1424هـ - 2003م.
16- تفسير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405هـ.
17- التمويل بالتورق، الدكتور علي السالوس، دار الثقافة بقطر، ومكتبة دار القرآن بمصر، ط1، 1426هـ/2005م.(1/69)
18- التورق وتطبيقاته المعاصرة في المصارف الإسلامية، مصرف الراجحي، والبلاد السعوديان نموذجاً، صالح محمد الخضيري، رسالة دكتوراة بعنوان: ومقدمة إلى جامعة ملايا الماليزية.
19- التورق والتورق المنظم ،سامي إبراهيم السويلم، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، العدد (20)1426هـ/2005م.
20- التورق في البنوك: هل هو مبارك أم مشؤوم؟ هل هو من باب التيسير والرخص أم من الحيل؟ هل هو مخرج شرعي أم وسيلة إلى الربا الفاحش؟ الدكتور/ رفيق يونس المصري.
21- التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر: (التورق المصرفي المنظم: دراسة تصويرية فقهية) للدكتور عبد الله محمد السعيدي، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، العدد الثامن عشر، السنة الخامسة عشرة، 1425هـ/2004م.
22- التورق المصرفي في التطبيق المعاصر، للدكتور منذر قحف، والدكتور عماد بركات، بحث مقدم لمؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية معالم الواقع وآفاق المستقبل، الذي أقامته جامعة الإمارات العربية المتحدة.
23- التورق المصرفي المعاصر، عبد الجبار حمد السبهاني، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، كلية الشريعة، جامعة قطر، العدد (23) 1426هـ/2005م.
24- التورق نافذة الربا في المعاملات المصرفية، للدكتور محمد عبد الله الشباني، بحث منشور مجلة البيان
25- حاشية الجمل على شرح منهج الطلاب للأنصاري، سليمان بن عمر:(الجمل)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
26- حاشية الخرشي، دار صادر بيروت.
27- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لمحمد عرفة الدسوقي, دار إحياء الكتب العربية, القاهرة.
28- حاشية الشلبي مع تبيين الحقائق للزيلعي, دار المعرفة , بيروت, ط2.
29- حاشية ابن عابدين ,مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة،ط2، 1386هـ - 1966م.
30- حاشية العدوي على حاشية الخرشي، دار صادر بيروت.(1/70)
31- حكم البيع إلى أجل وبيع التورق والعينة والقرض بالفائدة، للشيخ عبد العزيز بن باز، مجلة البحوث الإسلامية، العدد الأول، المجلد، (37)
32- حكم التورق في الفقه الإسلامي، د. علي القره داغي، وقائع مؤتمر دور المؤسسات المالية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، جامعة الشارقة، 1423هـ/2002م، 2/473. الخرشي على مختصر خليل، دار صادر، بيروت.
33- الدر المختار شرح تنوير الأبصار، للحصكفي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة،ط2، 1386هـ - 1966م.
34- الذخيرة، للقرافي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1994م.
35- رؤوس المسائل الخلافية، لأبي المواهب الحسين بن محمد العكبري، دار أشبيليا، الرياض، ط1، 1421هـ -2001م.
36- روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي، المكتب الإسلامي، بيروت.
37- الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، لأبي منصور الأزهري، المطبعة العصرية، الكويت، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، ط1، 1399هـ-1979م.
38- سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني، دار المحاسن للطباعة، القاهرة، 1386هـ- 1966م.
39- سنن أبي داود, بيت الأفكار الدولية، الأردن.
40- سبل السلام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني,بيت الأفكار الدولية، الأردن.
41- سنن ابن ماجه لمحمد بن يزيد (ابن ماجه) بيت الأفكار الدولية, الأردن.
42- شرح زاد المستقنع لحمد بن عبد الله الحمد.
43- الشرح الكبير، لعبد الرحمن بن محمد المقدسي، دار هجر، القاهرة، ط 1، 1415هـ -1995م،
44- شرح مختصر سنن أبي داود لابن القيم، مع معالم السنن، دار المعرفة، بيروت.
45- الشرح الممتع على زاد المستقنع في اختصار المقنع، محمد بن صالح العثيمين، الكتاب العالمي للنشر، بيروت، 1426هـ-2005م.
46- صار التمويل مخدوماً بدل أن يكون خادماً ومتبوعاً يدل أن يكون تابعاً، عز الدين خوجة.
47- صحيح البخاري لمحمد بن إسماعيل البخاري، بيت الأفكار الدولية، الأردن، 1998م.(1/71)
48- صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج ، بيت الأفكار الدولية، الأردن.
49- صور التحايل على الربا وحكمها في الشريعة الإسلامية، أحمد سعيد حوى، رسالة دكتوراه، مقدمة لكلية الشريعة بالجامعة الأردنية،1998م.
50- صورة من بيع التورق المنظم للدكتور عبد الله محمد الطيار، من الانترنت.
51- طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية،لنجم الدين بن حفص النسفي، دار القلم، بيروت، ط1، 1406هـ-1986م.
52- عقد الجواهر الثمينة لجلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1423هـ -2003م.
53- عمليات التورق وتطبيقاتها الاقتصادية في المصارف الإسلامية، أحمد فهد الرشيدي، دار النفائس، الأردن، ط1، 1425هـ - 2005م.
54- العينة والتورق: دراسة تطبيقية على المصارف الإسلامية، هناء محمد الحنيطي، رسالة دكتوراه، مقدمة لكلية العلوم المصرفية والمالية بالأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، الأردن، 2007م.
55- الفائق في غريب الحديث لجار الله مخمود بن عمر الزمخشري، دار المعرفة، بيروت.
56- الفتاوى الكبرى لابن تيمية، تحقيق: محمد ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1408هـ/ 1987م
57- الفتاوى الهندية، لمجموعة من علماء الهند، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط4.
58- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر, دار المعرفة, بيروت.
59- فتح القدير شرح الهداية، للكمال بن الهمام، المطبعة الكبرى الأميرية، القاهرة، 1916م
60- الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني، للنفراوي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط 3، 1374هـ - 1955م.
61- قرارات المجمع الفقهي الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي،القرارات(1- 95) 1398هـ- 1422هـ.
62- القواعد النورانية الفقهية، لابن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، ط1، 1370هـ-1951م.
63- قوانين الأحكام الشرعية لمحمد بن أحمد بن جزي, دار العلم للملايين, بيروت.(1/72)
64- الكافي لابن قدامة، المكتب الإسلامي, بيروت, ط5, 1988م.
65- كشاف القناع لمنصور بن يونس البهوتي, مكتبة النصر الحديثة, الرياض.
66- المبسوط لشمس الدين السرخسي، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ -1986م.
67- مجمع الأنهر لعبد الرحمن بن محمد(داماد) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
68- المجموع شرح المهذب، للنووي، دار العلوم للطباعة، القاهرة.
69- مجموع فتاوى ابن تيمية، دار عالم الكتب, الرياض.
70- المصباح المنير لأحمد بن محمد الفيومي , المطبعة الأميرية, القاهرة, ط6, 1926م.
71- المصنف لابن أبي شيبة، شركة دار القبلة، ومؤسسة علوم القرآن، ط1، 1427هـ/2006م.
72- المصنف لعبد الرزاق، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403هـ.
73- المعاملات المالية المعاصرة للدكتور محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط4، 2001م.
74- المعايير الشرعية، إعداد هيئة المحاسبة، والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، البحرين.
75- المعجم الاقتصادي، د. جمال عبد الناصر، دار أسامة، ودار المشرق الثقافي، الأردن، ط1، 2006م.
76- المعجم الكبير للطبراني، طبعة الموصل، العراق، ط2، 1404هـ.
77- معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعه جي وحامد قنيبي, دار النفائس, بيروت, ط1, 1405هـ- 1985م.
78- معجم المصطلحات الاقتصادية، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، لنزيه حماد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، ط 1، 1993م.
79- معجم المصطلحات الاقتصادية والإسلامية لعلي الجمعة، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1421هـ/2000م.
80- معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس, دار إحياء التراث العربي, بيروت, ط1, 2001م.
81- المعجم الوسيط،، إبراهيم مصطفى وآخرون، المكتبة العلمية، طهران.
82- المعجم الوسيط للطبراني، دار الحرمين، القاهرة، 1415هـ.(1/73)
83- معرفة السنن والآثار لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوفاء، القاهرة، سنة 1412هـ.
84- المغني لابن قدامة, مكتبة الرياض الحديثة , الرياض.
85- مغني المحتاج لمحمد الشربيني الخطيب, مطبعة مصطفى الحلبي, القاهرة, 1958م.
86- المفردات في غريب القرآن لحسين بن محمد الأصفهاني , مطبعة مصطفى الحلبي, القاهرة , 1961م.
87- المقدمات الممهدات لما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام لابن رشد الجد ، مطبعة دار السعادة، القاهرة.
88- المقنع لموفق الدين عبد الله بن قدامة، دار هجر، القاهرة، ط 1، 1415هـ -1995م.
89- المنتج البديل للوديعة إلى أجل(مقلوب التورق أو الاستثمار المباشر)، سامي إبراهيم السويلم، بحث مقدم للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في الدورة التاسعة عشرة شوال/1428هـ - نوفمبر/2007م.
90- منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، لابن النجار، عالم الكتب، بيروت
91- منح الجليل على مختصر خليل، لمحمد عليش، مكتبة النجاح، ليبيا.
92- المنهاج في شرح صحيح مسلم، النووي، بيت الأفكار الدولية، الأردن.
93- مواهب الجليل لمحمد بن محمد الحطاب, دار الفكر, بيروت, ط2, 1987م.
94- نصب الراية لأحاديث الهداية، لأبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي، دار الحديث، القاهرة.
95- نهاية المحتاج لأحمد بن حمزة الرملي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي, القاهرة.
96- نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين عبد الملك الجويني، تحقيق: الدكتور عبد العظيم الديب، دار المنهاج، جدة، ط1، 1428هـ/2007م.
97- نيل الأوطار لمحمد بن علي الشوكاني، دار ابن حزم, بيروت،ط 1, 2000م.
98- الهداية شرح بداية المبتدي، لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل، المكتبة الإسلامية.(1/74)