الفتوحات الإلهيّة
في
تحريم العمليات الانتحاريّة
تأليف
فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
ijk
ربِّ زدني علماً وفهماً وحفظاً
ذكر الدليل على تحريم العمليات الانتحارية الثورية البدعية
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل لهُ ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [سورة آل عمران:102].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } [سورة النساء:1].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [الأحزاب:70-71].
أمَّا بَعْد،،
فَإنَّ أصْدَقَ الحَدِيثِ كتَابُ اللهِ وَخَيْرُ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٍ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّار .
فما يسمى بـ(العمليات الاستشهاديه) المعاصرة، وهي من جنس العمل الفدائي من الوقائع التي جدّت في هذا الزمان، وقد أفردت بمؤلفات خاصة وكتب فيها عدة بحوث ومقالات، ونشرت فيها عدة فتاوى.
وحيث إن هذه المسأله لها تعلق بالبحث، لأنها من اعتقادات الفرقة الثورية.(1/1)
فإنني سأدلي بدلوي مع الدلاء، وأذكر حكم الإسلام فيها بأدلة الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
الحكم على ما يسمى بـ(العمل الفدائي) بأنه من العمليات الاستشهادية، وهو من قبيل الاستشهاد المبرور، يعني أن القائم به من الشهداء الذين تنطبق عليهم أحكام شهداء المعركة هذا من الافتراء على كتاب الله تعالى وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدم وجود الدليل على ما يسمى بـ(العمليات الاستشهادية)(1)، بل هذه من العمليات الانتحارية.
فالحكم عليها من قبيل الانتحار المحظور، وقتل النفس المحرم، ويعني أن صاحبه قاتل لنفسه، فيكون كسائر الموتى... المنتحرين فيغسل ويكفن، على خلافٍ في جواز الصلاة عليه(2)، أما أن يكون حكمه حكم الشهيد فلا.(3)
فمثل هذه العمليات تفضي إلى تلف الأرواح والأجساد، وقد حرم الله ذلك، كما حرّم الأسباب المفضية إليه.
والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1) قوله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) } .(4)
فدلت الآية على حرمة قتل الإنسان نفسه ، ويدخل في ذلك من يفجر
نفسه، أو يسقط بطائرته،... لأنها أسباب مفضية إلى قتل النفس والعياذ بالله.
2) وقوله تعالى: { ںںwur تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } .(5)
فالله سبحانه حرّم على الإنسان أن يتعاطى ما يوجب هلاكه.(6)
__________
(1) ولم يفتي بها إلا دعاة السياسة، فهؤلاء لا يعتد بقولهم في الشريعة.
(2) انظر "المغني" لابن قدامة (ج3 ص503).
(3) لأن المقتول بـ(العمليات الانتحارية) يباشر قتل نفسه بيده، وهذا محرم بإجماع العلماء.
(4) سورة النساء آية (29).
(5) سورة البقرة آية (195).
(6) انظر تفسير ابن كثير (ج1 ص406).(1/2)
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره (ج1 ص236): (قوله: { ںںwur تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } ...فعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح(1)... من ذلك تغرير الإنسان بنفسه ف مقاتلة(2)، أو سفر مخوف، أو محل مسبعة أو حيات، أو يصعد شجراً، أو بنياناً خطراً، أو يدخل تحت شئ فيه خطر ونحو ذلك، فهذا ونحوه، ممن ألقى بيده إلى التهلكة). اهـ
3) وعن جُندب بن عبدالله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كانَ فيمَنْ كانَ قبَلكُم رَجُلٌ بهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ - أي لم يصبر على الألم - فَأَخَذَ سكيناً فَحزَّ - أي قطع - بها يَدهُ، فَمَا رَقَأَ - أي لم ينقطع - الدّمُ حتَّى ماتَ، قالَ اللهُ تعالى: بادَرَنِي عبدِي بنفسِهِ، حَرَّمْتُ عليهِ الجنّة).
أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء (3463).
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (ج6 ص500): (وفيه - يعني الحديث - تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى قتل النفس). اهـ
قلت: ومن الأسباب المفضية إلى قتل النفس ما يسمى بـ(العمليات الانتحارية).
4) وعن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن رجلاً من كان قبَلكُم خَرَجت به قُرْحة فلما آذَتْهُ انَتَزَعَ سهماً من كِنَانتهِ فلم يَرْقَأِ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حَرَّمتُ عليه الجنّة).
أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان (113).
__________
(1) في العمليات الانتحارية وغيرها.
(2) كـ(العمليات الانتحارية).(1/3)
5) وعن سهل بن سعد الساعدي في حديث: الذي جُرِحَ جُرحاً شديداً في إحدى غزواته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعجل الموتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سيفهِ بالأرضِ وَذُُبَابَهُ بين ثَدْيَيْهِ ثم تَحَامَلَ عليه فقتلَ نَفْسَهُ(1)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أما إنّه من أهلِ النَّار).
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب القدر (6606) ومسلم في صحيحه في كتاب الإيمان (112).
ولهذه الأدلة يتبين بأن القتل المتحقق من الشخص يعتبر انتحاراً ومن قتل النفس بغير حق.
6) إجماع أهل العلم على تحريم قتل النفس.
فقد نقل ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع (ص157) فقال: (واتفقوا أنه لا يحلّ لأحدٍ أن يقتل نفسه، ولا أن يقطع عضواً من أعضائه، ولا أن يؤلم نفسه في غير التداوي بقطع العضو الألم خاصة). اهـ
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل له مملوك هرب ثم رجع فلما رجع أخفى سكينته وقتل نفسه فقال رحمه الله في الفتاوى (ج31 ص384): (لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه بل كان عليه إذا لم يمكنه دفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرج الله(2)، فإن كان سيده ظلمه حتى فعل ذلك مثل أن يقتر عليه في النفقة أو يعتدى عليه في الاستعمال أو يضربه بغير حق أو يريد به فاحشة ونحو ذلك فإن على سيده من الوزر بقدر ما نسب إليه من المعصية...). اهـ
__________
(1) والناس اغتروا به ابتداء حتى علموا حاله بعد ذلك، كما يغتر جهلة الناس في هذا العصر من أصحاب العمليات الانتحارية!!!.
(2) ولذلك على الناس أن يصبروا ويتقوا إلى أن يفرج الله كربتهم في فلسطين وغيرها.(1/4)
وأما استدلال الخوارج في هذا العصر ببعض الأحاديث(1) في فعل بعض الصحابة - رضي الله عنهم - في دخوله في جيش العدو، فينغمس وحده في الكفار حال القتال، فيقاتل وحده العدد الكثير من العدو.
فهذا يغلب على ظنه بأنه لا يموت أو يموت، فيقاتل وحده ويقتل الكثير من العدو ويحتمل أن يقتل أو لا يقتل، فالموت غير محقق والجهاد مظنة القتل، وفعل بعض الصحابة ذلك في بعض الغزوات.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الجهاد مظنة القتل، بل لا بد منه في العادة من القتل). اهـ(2)
وأما صاحب العمليات الانتحارية في دخوله بين جيش العدو فأن موته متحقق كما هو مشاهد.(3)
إذاً مسألة الانغماس يغلب على ظنّه القتل، أمّا في العمليات الانتحارية، فإنّ الموتَ مُحقّقٌ لا محالة، ففيهما اختلاف واضح.
قلت: ففي بعض عمليات الانغماس ينجو صاحبها ولا يقتل.
كما روى ابن سيرين رحمه الله: أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين، فجلس البراء بن مالك - رضي الله عنه - فقال: (ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فرفعوه برماحهم فألقوه من وراء الحائط فإدركوه - يعني لم يقتل - وقد قتل منهم عشرة).(4)
__________
(1) انظر سنن أبي داود كتاب الجهاد (2512) حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - ، وصحيح مسلم كتاب الجهاد (1889) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، والسنن الكبرى للبيهقي حديث البراء بن مالك - رضي الله عنه - وغير ذلك من الأحاديث.
(2) انظر قاعدة في الانغماس في العدو (ص39).
(3) وما اجازه بعض العلماء في مسألة الانغماس، يختلف حكمه في العمليات الانتحارية، لأنه في مسألة الانغماس يتسبب في قتل نفسه، ويكون قتله بيد الكفار، أما في العمليات الانتحارية فأنه يباشر قتل نفسه بيده والله المستعان.
(4) أثر صحيح.
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج9 ص44) وإسناده صحيح.
وأخرجه بقيّ بن مخلد في المسند (ج1 ص143- الإصابة) من طريق أبي إسحاق به في حرب اليمامة مع عدو الله مسيلمة، وقتل فيها. وإسناده صحيح.(1/5)
ثم لم توجد مصلحة متحققة للمسلمين بالعمليات الانتحارية، ولا ضعف الكفار بها، ولا وجود نكاية لهم!!!.
بل تسلط الكفار على المسلمين بسبب عمليات الخوارج الانتحارية في العالم كما هو مشاهد.
وتترتب عليها مفسدة عظيمة من تعنت الكفار وفتكهم بالمسلمين، وتفننوا في تعذيبهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذاً فالعمليات الانتحارية ليس فيها مصلحة للمسلمين، وإعزاز الدين، وقهر الكافرين من اليهود وغيرهم.
والآن مضت سنوات كثيرة في تنفيذ العمليات الانتحارية في فلسطين مع اليهود ولم يحصل نكاية بهم، ولم يحرر المسجد الأقصى، ولم يخرجوا من فلسطين... ولم تحصل أي مصلحة للمسلمين، لأنه يقتل نفسه من غير فائدة البتة، فيكون عليه إثم قاتل نفسه....
قال الهيتمي رحمه الله في الفتاوى الكبرى (ج4 ص222): والذي وضّح فيه متى يجوز الانغماس في العدوّ(1): (... يشترط أن يعلم مريد القتال أنه يبلغ نوع نكاية فيهم، أما لو علم أنّه بمجرّد أن يبرز للقتال بادروه بالقتل من غير أدنى نكاية فيهم فلا يجوز له قتالهم حينئذٍ، لأنه يقتل نفسه من غير فائدة البتة(2)، فيكون عليه إثم قاتل نفسه، والله سبحانه وتعالى أعلم). اهـ
وقال الهيتمي رحمه الله في الفتاوى الكبرى (ج2 ص25): (التوصل إلى قتل الحربي جائز، بل محبوب بأي طريقٍ كان هذا، كلّه إن ظنّ سلامته، أو قتله بعد إنكالهم، أمّا لو غلب على ظنه أن مجرد حضوره يؤدي إلى قتله أو نحوه، من غير أن يلحقهم منه نكاية بوجه، فحضوره حينئذٍ في غاية الذم والتقصير، فليمسك عنه...) اهـ
__________
(1) وليس ذلك عن طريق العمليات الانتحارية فتنبه.
(2) وأين الفائدة من وراء العمليات الانتحارية للمسلمين في فلسطين وغيرها، بل ضرر المسلمين واضح بسبب العمليات الانتحارية والله المستعان.(1/6)
وقال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله: (فأما إذا كان يعلم أنّه لا ينكي فيهم، فإنّه لا يحلّ له أن يحمل عليهم).(1) اهـ
قال السرخسي رحمه الله مُعلِّقاً: (لأنّه لا يحصل بحملته شيء ممّا يرجع إلى إعزاز الدين، ولكنه يقتل فقط، وقد قال الله تعالى: { ںںwur تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
دps3è=ِkJ9$# } (2).(3)
علماً بأنه لابد أن يقدر مصلحة المسلمين العلماء الثقات الذين لهم خبرة في دين الله تعالى من العلم النافع والعمل الصالح.(4)
وهذا الذي تفعله الفرقة الحماسية وغيرها لا يجوز لأنه تصرّف شخصي صادر من قيادة انفرادية حزبية ليس صادراً عن أمير له قيادة شرعية وجيش وبلد قد شاور الأمة الإسلامية في هذا الأمر من علماء وغيرهم لنجاح هذا الجهاد.
قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله: (أما أن يأتي واحدٌ من الجنود كما يفعلون اليوم، أو من غير الجنود(5) وينتحر في سبيل قتل (2، 3، 4) من الكفَّار فهذا لا يجوز، لأنه تصرّف شخصي ليس صادراً عن أمير الجيش).(6) اهـ
وأما استدلالهم بقصة الغلام المؤمن الذي أمر بقتل نفسه(7)، فهذا الأمر الذي أمر به الغلام لما علم أن ذلك فيه مصلحة متحققة للناس، وظهور الإيمان في الناس، وهذا حصل في قصة أصحاب الأخدود.
__________
(1) انظر "شرح كتاب السير الكبير" للسرخسي (ج1 ص164).
(2) سورة البقرة آية (195).
(3) انظر "المصدر السابق".
(4) أما الفرقة الحماسية وغيرها فلا تستطيع أن تقدر مصلحة المسلمين وذلك لجهلهم بالعلم الشرعي، فلا يعتد بأقوالهم في السياسة الشرعية اللهم غفراً.
(5) انظر "العمليات الاستشادية في الميزان الفقهي" (ص106 و107).
(6) كـ(المجاهدين) المبتدعة، فهذه أفعالهم الجهادية بزعمهم لا تجوز لأنه تصرف شخصي فردي، لا له علاقة بالجهاد الشرعي القائم على أمير يعرف كيف يسيس الجهاد.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزهد (3005).(1/7)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما الغلام فإنه أمر بقتل نفسه لما
علم أن ذلك يوجب ظهور الإيمان في الناس، والذي يَصْيِر يُقْتَل أو يَحْمِل حتى يقتل، لأن في ذلك ظهور الإيمان من هذا الباب).(1) اهـ
واعلم أخي المسلم بأن قتل الإنسان نفسه أعظم من قتل الغير كما في الفتاوى لابن تيمية رجمه الله (ج28 ص540).
ومن تأمل النصوص الشرعية بعلم في مَعْرض قتل الإنسان نفسه(2)، فهي مانعة إذ الشرع جاء بالثناء على من يعرض نفسه للقتل إذا كان فيه مصلحة للمسلمين كما فعل الغلام المؤمن وبعض الصحابة - رضي الله عنهم - .
وأما انه لم تحصل به منفعة للمسلمين، فهذا يعتبر انتحاراً، فينبغي للمؤمن الحق أن يفرق بين ما نهي الله تعالى عنه من قصد الإنسان قتل نفسه أو تسببه في ذلك(3)، وبين ما شرعه الله تعالى من بيع المؤمن نفسه لله تعالى، والله ولي التوفيق.
__________
(1) انظر قاعدة الانغماس في العدو (ص77)، وانظر العجاب في بيان الأسباب لابن حجر (ص294).
(2) ثم الذين افتوا بالعمليات الانتحارية هم من دعاة السياسة الذين لا يعتد بخلافهم في الشريعة المطهرة.
(3) والذين يفتون بالعمليات الانتحارية - يتحملون دماء الناس يوم القيامة - وعليهم أثم ذلك.(1/8)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج25 ص281): (فينبغي للمؤمن أن يفرق بين ما نهى الله عنه من قصد الإنسان قتل نفسه أو تسببه في ذلك، وبين ما شرعه الله في بيع المؤمنين أنفسهم وأموالهم له كما قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } (1)...والاعتبار في ذلك بما جاء به الكتاب والسنة لا بما يستحسنه(2) المرء أو يجده أو يراه من الأمور المخالفة للكتاب والسنة... ومما ينبغي أن يعرف إن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق.. لا!، ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله فأي العملين كان أحسن وصاحبه أطوع واتبع كان أفضل فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل... فالله سبحانه إنما حرم علينا الخبائث لما فيها من المضرة والفساد(3) وأمرنا بالأعمال الصالحة لما فيها من المنفعة والصلاح لنا...). اهـ
وفي هذا العمل المحرم من إفساد النسل، والاعتداء على الناس، وعلى الأعراض، وإفساد الأموال وإتلافها، وإتلاف النفوس مما شهد به الواقع ونطقت به وسائل الإعلام ولم يعد خافياً.
فبعد تبيين ما سبق تعلم أخي المسلم مخالفة الجماعة الحماسية الثورية وغيرها للكتاب والسنة وأقوال أهل العلم في حكم العمليات الانتحارية والاغتيالات في فلسطين وغيرها.(4)
__________
(1) سورة التوبة آية (111).
(2) فاستحسن خوارج العصر هذه العمليات الانتحارية والاغتيالات فأفسدوا البلدان اللهم سلم سلم.
(3) حتى أن ضرر العمليات الانتحارية جاءت إلى بلاد المسلمين، فهذه عمليات خبيثة مفسدة لأنها مخالفة للشرع.
(4) واعلم أخي المسلم بأن الخلاف في هذا الأمر هو بين أهل العلم وبين رؤوس الخوارج الثوريين في هذا العصر، ولا يعتبر ولا يعتد بخلافهم، فافهم هذا ترشد.(1/9)
إذاً فلا تنصر الأمة الإسلامية - في فلسطين ولا في غيرها - بما خالف الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم وجماعة المسلمين. بل هذا فيه خذلان للأمة عن النصرة الواجبة الصحيحة التي فيها العزة والتمكين.
وكما أن العمليات الانتحارية هي من الأعمال الفردية التي نشهدها في هذا الزمن ما يفعله بعض الخوارج الثوريين من عمليات تؤدي بحياتهم، قاصدين إلحاق الضرر بأنفسهم وبغيرهم من الناس.
وقد ظهر أثر ضرر هذه العمليات والاغتيالات والثورات في الأمة الإسلامية والله المستعان.
وقد أطلق العلماء المعتد بهم في الفتوى الشرعية على هذه العمليات بـ(عمليات انتحارية) من جهة ما فيها من قتل النفس، والضرر بالغير وجلب المفاسد.(1)
فالانتحار قتل النفس، يقال: انتحر الرجل إذا قتل نفسه بوسيلة ما.(2)
وعليه فالانتحار: تعمد الإنسان أن يفعل بنفسه ما يؤدي لموته.
قال الجُرجاني رحمه الله في التعريفات (ص179): (هو كل ما يحصل به زهوق الروح، أو خروجها عن الجسد). اهـ
فالانتحار نوع من القتل فيحصل بكل ما تحصل به الإماته، فأساليبه متعددة بالتفجيرات وغيرها(3)، وليس هذا من الجهاد والمشروع كما بينه العلماء.
وإليك أقوالهم:
فتوى العلامة
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عن حكم من يُلَغّم نفسه لِيَقْتُلَ بذلك مجموعة من اليهود؟
__________
(1) والجماعة الثوريةلم تفقه قاعدة (مراعاة المصالح والمفاسد)، والشرع جاء ليحصل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، أنها شريعة رب حكيم عليم بمصالح خلقه ومفاسده، ولا يعرف ذلك إلا أهل العلم.
(2) انظر المعجم الوسيط (ج2 ص906).
(3) وكذلك فعل بعض الخوارج في السجون من الامتناع عن الطعام والشراب حتى مات فهو قاتل لنفسه مؤاخذ عند عامة أهل العلم.
وانظر أحكام القرآن للجصاص (ج1 ص148).(1/10)
فأجاب بقوله: (قد نبهنا غير مرة: أن هذا لا يصح، لأنه قتل للنفس، والله يقول: { ¨ںwur تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } (1)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة).
يسعي في حماية نفسه، وإذا شرع الجهاد جاهد مع المسلمين،فإن قُتل فالحمد لله، أما أنه يقتل نفسه يضع اللغم في نفسه حتى يُقتل معهم غلط لا يجوز، أو يطعن نفسه معهم، ولكن يجاهد إذا شُرع الجهاد(2) مع المسلمين، أما عمل أبناء فلسطين فهذا غلط، لا يصلح(3)، إنما الواجب عليهم الدعوة(4) إلى الله والتعليم والإرشاد والنصيحة من دون العمل).(5) اهـ
فتوى العلامة
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
قال الشيخ الألباني رحمه الله: (نحن نقول: العمليات الانتحارية كلها غير مشروعة، وكلها محرمة، وقد تكون من النوع الذي يخلد صاحبه في النار، وقد تكون من النوع الذي لا يخلد صاحبه.
أما أن تكون عملية الانتحار قربة يتقرب بها إلى الله، إنسان يقاتل في سبيل أرضه، في سبيل وطنه، هذه العمليات ليست إسلامية إطلاقاً(6)، بل أنا أقول اليوم ما يمثل الحقيقة الإسلامية، وليس الحقيقة التي يريدها بعض المسلمين المتحمسين.(7)
__________
(1) سورة النساء آية: 29.
(2) وهذا يدل بأن الشيخ ابن باز رحمه الله لا يرى الجهاد في فلسطين الآن بهذه الطريقة البدعية فتنبه.
(3) أي العمليات الانتحارية وهذا رد على الثوريين الذي يجوزون العمليات الانتحارية في فلسطين.
(4) هذا هو النصح الرباني لأهل فلسطين، لأنه هو العمل الناجح الآن لإعادة فلسطين وتحرير القدس والأقصى بإذن الله تعالى.
(5) انظر فتاوى الأئمة (ص179) وشريط مسجل بعنوان (أقوال العلماء في الجهاد) تسجيلات منهاج السنة النبوية، الرياض.
(6) في فلسطين وغير فلسطين فافهم هذا ترشد.
(7) كـ(فرقة حماس الإخوانية) في فلسطين.(1/11)
أقول: اليوم لا جهاد في الأرض الإسلامية إطلاقاً(1)، هناك قتال في كثير من البلاد، أما جهاد يقوم تحت راية إسلامية(2)، ويقوم على أساس أحكام إسلامية...).(3) اهـ
فتوى العلامة
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إن ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلّد في نار جهنم أبد الآبدين - كما جاء في الحديث(4)-
لأن هذا قتل نفسه لا لمصلحة الإسلام، لأنه إذا قتل نفسه، وقتل معه عشرة أو مائة أو مائتين لم ينفع الإسلام بذلك، لم يُسْلم الناس، بخلاف قصّة الغلام فإن فيها إسلام الكثير.
أما أن يموت عشرة أو عشرين أو مائة أو مائتين من العدو فهذا لا يقتضي إسلام الناس، بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يَفتِك بالمسلمين أشد فتك، كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين.(5)
فإنه إذا مات أحد منهم من هذه المتفجرات، وقتل ستّة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفراً أو أكثر فلم يحصل بذلك نفع للمسلمين، ولا انتفاع بذلك للذين فُجرت هذه المفجرات في صفوفهم.
__________
(1) لأن الحروب القائمة الآن هي من الحروب السياسية وحروب أحزاب سياسية لا تنتمي إلى الجهاد الشرعي الصحيح.
(2) بل يقوم جهاد الأحزاب تحت راية حزبية عمية والعياذ بالله.
(3) من شريط مسجل بصوته تسجيلات منهاج السنة النبوية، الرياض بعنوان (فتاوى العلماء في الاغتيالات والتفجيرات والمظاهرات والمسيرات والقنوت).
(4) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : (...ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) أخرجه البخاري في صحيحه (5778) ومسلم في صحيحه (109) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(5) وهذا في رد على الثوريين، فأين موافقتهم للعلماء الربانيين.(1/12)
والذي نرى: ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله، وأن صاحبه ليس بشهيد(1)....).(2)اهـ
فتوى العلامة
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
سئل الشيخ الفوزان حفظه الله: (هل تجوز العمليات الانتحارية، وهل هناك شروط لصحة هذا العمل؟.
فأجاب فضيلته:(...قال تعالى: { ¨ںںwur تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } (3)، فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه، بل يحافظ على نفسه غاية المحافظة، ولا يمنع ذلك أن يقاتل في سبيل الله، ويجاهد في سبيل الله، ولو تعرّض للقتل والاستشهاد فهذا طيّب.
أما أن يعرّض نفسه للقتل فهذا لا يجوز، وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان احد الشجعان يقاتل مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم إنه قُتِلَ فقال الصحابة: ما أبلى منا أحد ما أبلى فلان.
فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (هو في النار) وذلك قبل أن يموت، وهو جُرح فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (هو في النار) فصعب ذَلك على الصحابة.
فتبعه رجل بعد ما جُرِحَ ثم وجده وضع السيف على الأرض، ورفع ذؤابته إلى أعلى فتحامل عليه فمات الرجل، دخل في صدره... فقال الرجل: صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وعرفوا أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى.
__________
(1) إذاً لا يقال: فلان شهيد.
وانظر رسالة لطيفة بعنوان "الرأي السديد في: هل يقال: فلان شهيد) للشمري.
(2) انظر شرح رياض الصالحين (ج1 ص165) وشريط مسجل بصوته تسجيلات منهاج السنة النبوية، الرياض بعنوان (فتاوى العلماء في الاغتيالات والتفجيرات والمظاهرات والمسيرات والقنوت).
(3) سورة النساء آية:29 و30.(1/13)
لماذا دخل النار مع هذا العمل؟ لأنه قتل نفسه ولم يصبر، فلا يجوز لرجل أن يقتل نفسه).(1) اهـ
الخاتمة الأثرية
فالله تعالى قد أكرمنا بهذا الدين العظيم، وأكرمنا بالجهاد الشرعي، فإن أراد الناس النصر على عدونا، فعليهم أن يهبوا مدافعين عنه بالغالي والرخيص على الطريقة الشرعية الصحيحة، وأن يزينوه ويظهروا محاسنه، وأن يدعوا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجاهدوا في سبيل الله تعالى بأموالهم وأنفسهم بالطريقة الشرعية الصحيحة.
لكن إن أقمنا هذا الدين على الطريقة الهمجية وكذلك الجهاد على الطريقة الغوغائية من المظاهرات والمسيرات الفوضوية وغير ذلك، فإن النصر يرتفع وليس لنا إلا الشقاء بارتكاب الجرائم الشنيعة من قتل الرجال والنساء والأطفال... فعرضوا الرجال والنساء والأطفال والأمة الإسلامية للأذى والتشريد والإهانة.
أيها الثوريُّون كفوا شركم، وشر سفهائكم عن أذية المسلمين المستضعفين الذين أصبحوا يفتنون بما جنت الأيادي الإخوانية الحزبية في الساحة الإسلامية، وأوقعت الأمة في أضرار جسيمة التي يعلمها أكثر الناس من سفك الدماء وترويع الآمنين والجرائم الآثمة المخزية للمسلمين التي تقترفها الحزبية ويخطط لها ويمولها الجماعة الإخوانية أعداء السنة الشريفة.(2)
__________
(1) من شريط مسجل بصوته تسجيلات منهاج السنة النبوية، الرياض بعنوان (فتاوى العلماء في الاغتيالات والتفجيرات والمظاهرات والمسيرات والقنوت).
(2) وانظرو إلى أعمال الحزبية وأحصوا الإصابات في المسلمين، كم قتلوا في الجزائر وفي السودان وفي فلسطين وفي العراق وفي مصر وفي أفغانستان وفي جزيرة العرب وغير ذلك كل ذلك باسم الجهاد، هذا جهاد لقتل المسلمين، وتمكين العدو اللعين الذي لا يريد السلام، ويحرك الأحداث دائماً ساعياً لإقامة دولته من النيل إلى الفرات.(1/14)
فهؤلاء في قلوبهم مرض لإفسادهم في الأرض، وقد دخلوا في قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) } . (1)
فدّعى هؤلاء لأنفسهم الصلاح والإصلاح وهذه دعوة لا دليل عليها، وقد حكم العزيز الحكيم على هؤلاء وغيرهم من المفسدين بأمور:
الأول: تكذيبهم في دعواهم بإنهم من المصلحين.
الثاني: الإخبار بأنهم مفسدون.(2)
الثالث:حصر الفساد فيهم بقوله (هم المفسدون).
الرابع: حصر السفه فيهم بقوله (هم السفهاء).
الخامس: نفى العلم عنهم بقوله (ولكن لا يعلمون).
السادس: وصفهم بغاية الجهل، وهو أنه لا شعور لهم البتة بكونهم مفسدين.
وتأمل كيف نفى الشعور عنهم في هذا الموضع، ثم نفى عنهم العلم بقوله (ولكن لا يعلمون).
فنفى علمهم بسفههم وشعورهم، وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل أن يكون الرجل مفسداً ولا شعور له بفساده البته، مع أن أثر فساده مشهور في الخارج، مرئي لعباد الله وهو لا يشعر به، وهذا يدل على استحكام الفساد في مداركه وطرق علمه.
__________
(1) سورة البقرة آية: (8-13).
(2) كـ(حال الفرق الثورية) بجميع أنواعها.(1/15)
وكذلك كونه سفيهاً، والسفه غاية الجهل وهو مركب من عدم العلم بما يصلح معاشه ومعاده وإرادته بخلافه فإذا كان بهذه المنزله وهو لا يعلم بحاله كان من أشقى النوع الإنساني، فنفى العلم عنه بالسفه الذي هو فيه متضمن لإثبات جهله ونفي الشعور عنه بالفساد الواقع منه متضمن لفساد آلات إدراكه فتضمنت الآيتان الإسجال عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك بحيث يعتقدون الفساد صلاحاً والشر خيراً.(1)
قلت: وبما ذكرته لكم يتبين أنه ليس للإنسان أن يخرج عن الشريعة في شيء من أمورها، فمن خرج عنها ضل ضلالاً بعيداً.
قال تعالى: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } يونس:32.
وقال تعالى: { ¨`tBur يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } الأحزاب:36.
وقال تعالى: { ¨ك‰ƒجچمƒur الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) } النساء:60.
__________
(1) انظر بدائع الفوائد لابن القيم (ج4 ص130و 131).(1/16)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج19 ص308): (والتحقيق: أن الشريعة التي بعث الله بها محمداً - صلى الله عليه وسلم - جامعة لمصالح الدنيا والآخرة، وهذه الأشياء ما خالف الشريعة منها فهو باطل، وما وافقها منها فهو حق... فالشريعة جامعة لكل ولاية، وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام والولايات والعطيات... وحقيقة الشريعة: اتباع الرسل والدخول تحت طاعتهم، كما أن الخروج عنها خروج عن طاعة الرسل، وطاعة الرسل هي دين الله الذي أمر بالقتال عليه فقال تعالى: { ¨كِNèdqè=دG"s%ur حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ } البقرة:193 فإنه قد قال تعالى: { ¨ك`¨B يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } النساء:80، والطاعة له دين له، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من اطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصا الله ومن عصى أميري فقد عصاني)(1)، والأمراء والعلماء لهم مواضع تجب طاعتهم فيها، وعليهم هم أيضاً أن يطيعوا الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يأمرون، فعلى كل من الرعاة والرعية والرؤوس والمرؤوسين أن يطيع كل منهم الله ورسوله في حاله، ويلتزم شريعة الله التي شرعها له.
وهذه جملة تفصيلها يطول، غلط فيها صنفان من الناس:
1) صنف سوغوا لنفوسهم الخروج عن شريعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لظنهم قصور الشريعة عن تمام مصالحهم جهلاً منهم أو جهلاً وهوى أو هوى محضاً.
2) وصنف قصروا في معرفة قدر الشريعة فضيقوها حتى توهموا هم والناس أنه لا يمكن العمل بها.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2957) ومسلم في صحيحه (1835) ووكيع بن الجراح في حديثه (ق/5/ط) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/17)
وأصل ذلك الجهل بمسمى الشريعة ومعرفة قدرها وسعتها). اهـ
اللهم إنا نبرأ من أفعالهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم أقتلهم وشرد بهم إله الحق، وأرحم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وسعت رحمتك كل شيء
فهرس الموضوعات
الرقم ... الموضوع ... الصفحه
1 ... خطبة الحاجة ......................................... ... 2
2 ... تحريم العمليات الانتحارية.............................. ... 3
3 ... العمليات الانتحارية تفضي إلى تلف الأرواح والأجساد... ... 3
4 ... ذكر الدليل من الكتاب على تحريم العمليات الانتحارية.... ... 3
5 ... ذكر الدليل من السنة على تحريم العمليات الانتحارية...... ... 4
6 ... ذكر الدليل من الإجماع على تحريم العمليات الانتحارية... ... 5
7 ... ذكر أقوال العلماء على تحريم قتل النفس................. ... 5
8 ... ذكر الفرق بين الانغماس في العدو، وبين العمليات الانتحارية............................................. ... 6
9 ... لابد أن يقدر مصلحة المسلمين العلماء الثقات........... ... 7
10 ... بطلان استدلال الثوريين ببعض الأحاديث والآثار على (العمليات الانتحارية).................................. ... 7
11 ... العمليات الانتحارية هي من الأعمال الفردية التي لا تنتمي إلى الإسلام........................................... ... 11
12 ... ذكر فتاوى العلماء الثقات الذين يعتمد عليهم في دين الله تعالى................................................. ... 12
13 ... فتوى العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله في تحريم العمليات الانتحارية............................ ... 13
الرقم ... الموضوع ... الصفحه
14 ... فتوى العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في تحريم العمليات الانتحارية.............................. ... 14
15 ... فتوى العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تحريم العمليات الانتحارية.............................. ... 15
16 ... فتوى العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله... ... 16(1/18)
17 ... الخاتمة الأثرية.......................................... ... 17(1/19)