الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
الصكوك الإسلامية
" التوريق "
وتطبيقاتها المعاصرة
ـ دراسة فقهية اقتصادية تطبيقية ـ
بقلم
أ . د . علي محيى الدين القره داغي
أستاذ بجامعة قطر ، ورئيس جامعة التنمية البشرية
والخبير بالمجامع الفقهية الدولية ، وعضو المجلس الأوربي للافتاء والبحوث
وعضو مجلس الأمناء ، والمكتب التنفيذي ، ورئيس لجنة القضايا والاقليات
الإسلامية بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
... الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وخاتم الرسل والنبيين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين . وبعد
... إن الهدف الأسمى والغاية القصوى للفكر الرأسمالي هو تعظيم الربح ومضاعفة رأس المال بكل الوسائل المتاحة ، ولذلك كان توجهه الأكبر نحو تنويع المنتجات والمشتقات ، والتجارة في الديون والحقوق والعملات ، التي لا تحقق في حقيقتها أي نمو اقتصادي في الانتاج ، ولذلك بلغ حجم العقود والاتفاقيات في العالم إلى ما يقرب من 600 ترليون دولار في العام ، ولكن نسبة العقود الواردة على السلع والخدمات الحقيقية والإنتاج في حدود 5% أي أن 95% تقريباً تدور حول الاختيارات والمشتقات ، والعقود الشكلية ، والصورية ، والعقود المركبة التي تدور حول نفسها دون تنمية ولا إنتاج ، ولذلك لما جاءت الأزمة المالية كانت مدمرة لم يوقفها شيء ، فانهارت أو اهتزت المؤسسات الكبرى واحدة تلو الأخرى ، حيث لم يكن هناك أصول حقيقية من الأعيان والمنافع ... .
... وفي ظل هذا الفكر نشأت أنواع كثيرة من السندات ، كان من أهمها ( التوريق ) الذي شاع وانتشر منذ الثمانينات حتى وصف بأنه جنون الثمانيات ـ كما سيأتي ـ .(1/1)
ولذلك كان طلب الأمانة الموقرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي ، بدراسة هذه العملية في وقته ومحله ، وقد سعدت بالاستجابة لذلك حسب الخطة المقترحة من الأمانة ، التي تتضمن المحاور الآتية :
? مفهوم التوريق
? دوافع عملية التوريق
? أنواع التوريق
? كيف تتم عملية التوريق ( مراحل التوريق وأساليبه )
? التكييف الفقهي للتوريق
? أركان عملية التوريق
? الأصول المحرمة شرعاً دخولها في التوريق
? ضوابط هيكلية لعملية التوريق
? الفرق بين عملية التوريق في المؤسسات المالية التقليدية وفي المؤسسات المالية الاسلامية من حيث الخطوات والمنافع ، ومن حيث طبيعة الأصول التي يمكن توريقها .
... والله أسأل أن يجعل التوفيق حليفي ، وأن يلبس عملي ثوب الإخلاص ، ويعصمني من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .
كتبه الفقير إلى الله
علي بن محي الدين القره داغي
التعريف بالعنوان :
أ- الصكوك :
... هي أوراق مالية متساوية القيمة تمثل أعياناً ، ومنافع ، وخدمات معاً ـ أو إحداهما، مبنية على مشروع استثماري يدر دخلاً (1) .
ب- التصكيك :
... فقد عرف قرار رقم (137(3/15) التصكيك بأنه : ( يقصد به إصدار أوراق مالية قابلة للتداول ، مبنية على مشروع استثماري يدر دخلاً ) .
... وبهذا التعريف تخرج السندات التقليدية التي تمثل ديوناً وفوائد ، والتي صدر بحرمتها قرار رقم (62(11/6) من مجمع الفقه الدولي (2) .
ج-التوريق لغة واصطلاحاً:
__________
(1) ... يراجع للجانب اللغوي : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط ، مادة ( صك ) ، ويراجع : للجناب الاصطلاحي : مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، العدد 15 الجزء 2 ص 309 والبحوث المنشورة حول الموضوع ص 13 – 308
(2) ... يراجع : مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي العدد ( 15 / 2 / 309 )(1/2)
... لغة : مصدر : ورّق الشجر : أخرج ورقه ، وَرّقَ فلان أي : هيّأ ورق الكتابة وكتب فيه ، والوَرَق ـ بفتح الراء ـ من الشجر : معروف ، والدنيا ، وجمال الدنيا وبهجتها ، وورق الشباب نَضْرَتُهُ ، وجلود رقاق يكتب فيها ، والوَرَق هو الكاغد ، جمعه أوراق ، ووحدته ورقة ، والوِرق ـ بكسر الراء ـ الفضة : مضروبة كانت أو غير مضروبة (1) .
التوريق Securitization في الاصطلاح ونشأته :
... والتوريق في الاصطلاح الاقتصادي ، مختلف تماماً عن معانيه اللغوية ، حيث يقصد به: أداة قانونية اقتصادية تمويلية حديثة لتنمية الأسواق المالية في الاقتصاد الوضعي .
... وقد ظهرت فكرة التوريق كإحدى الآليات في الثمانينات من القرن الماضي في أمريكا لتفعيل قانون الرهن العقاري ، وذلك لتحويل أصول مالية مرهونة غير سائلة إلى أصول مالية سائلة أو قابلة للتسييل في البورصات .
... وقد تطورت الأسواق المالية وبخاصة أسواق السندات منذ السبعينات من القرن الماضي ، ولكن بداية الثمانينات منه شهدت ازمة المديونية الخارجية لمعظم الدول النامية ، حيث بدأ تعثرها في سداد ديونها في مواعيدها ، فظهرت الحاجة إلى جدولة ديونها بطرق مباشرة أو غير مباشرة عن طريق التوريق والتجديد ونحوهما .
__________
(1) ... يراجع : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط مادة ( ورق )(1/3)
... غير أن سقوط الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات وظهور ما سمي : النظام العالمي الجديد المندفع نحو العولمة ، وزوال الحواجز الجغرافية بين البنوك والأسواق المالية على مستوى العالم ، وتحرير أسعار الصرف ، وإزالة معظم القيود على تدفقات رؤوس الأموال وما صاحبه من تأثير منظمة التجارة العالمية ( جات في وقتها ) في عولمة الأسواق ... ، كل ذلك دفع إلى زيادة القروض والديون ، والاندفاع نحو المشتقات وبالتالي التوجه الملفت لتحويل هذه القروض إلى أوراق مالية تستخدم مرة أخرى كأداة مصرفية تؤمن السيولة من خلال توريق الديون سواء كانت الديون للدول والمشاريع أم للبنوك الدائنة ، فعلى سيبل المثال قرر وزير الخزانة الأمريكي السابق ( نيكولاي برادي) الذي قرر فيها ضرورة تحويل 20% من الديون الخارجية القديمة لـ39 دولة مصنعة (ذات مديونية عالمية) إلى سندات ذات قيمة سامية ... (1) أي توريق الديون .
... وقد انتشرت ظاهرة التوريق منذ الثمانينات في أمريكا وأوروبا حتى أطلق عليها وصف (جنون الثمانينات The Frenzy of the 1980's ) لشدة تكالب البنوك عليها ، حيث تشير الاحصائيات إلى أن سوق التوريق في أوروبا وحدها تزداد بمعدل 200 بليون دولار سنوياً (2) وكانت النتيجة ما رأيناه من انهيار الاقتصاد العالمي بسبب التوريق ونحوه ، بل تأسست أعداد هائلة من أنواع المؤسسات الخاصة بإصدار السندات والتوريق .
__________
(1) ... النشرة الاقتصادية للبنك الأهلي المصري ، العدد3 المجلد 42 عام 1989 ص 199-201
(2) ... د. حسين فتحي عثمان : التوريق المصرفي للديون ، الممارسة والإطار القانوني ص4 ، بحث منشور في الدليل الالكتروني للقانون العربي www.arablawinof.com ، والدكتور عدنان الهندي : التوريق كأداة مالية حديثة ص22 بحث منشور في مؤلف اتحاد المصارف العربية لعام 1995(1/4)
... وكذلك نظمها القانون المصري رقم 95 لعام 1992 ، الذي يتمتع بمرونة تسمح بإضافة ما قد يستجد في الأسواق المالية بقرار من الوزير المختص ، أو من مجلس إدارة الهيئة العامة لسوق المال حسب الأحوال دون الحاجة إلى إجراء تعديل في ذات القانون وإجراءاته التشريعية ، وبناء على ذلك تم استحداث أنشطة لم تكن واردة في القانون 95 ولائحته التنفيذية ، منها نشاط توريق الحقوق المالية ، وذلك بموجب قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 697 لسنة 2001م حيث أضيف هذا النشاط إلى أنشطة الشركات العاملة في نطاق الأوراق المالية (1) .
... وكذلك أجاز القانون رقم 148 لعام 2001 بشأن التمويل العقاري في المادة 11 منه للموصل أن يحيل حقوقه الناشئة عن اتفاق التمويل إلى إحدى الجهات التي تباشر التوريق ، وحينئذ تلتزم هذه الجهة بالوفاء بالحقوق الناشئة عن الأوراق المالية التي تصدرها في تواريخ استحقاقها من حصيلة الحقوق المحالة ، كما يضمن الممول الوفاء بالحقوق الناشئة عن الأوراق المالية .. (2) .
__________
(1) ... يراجع : الوقائع المصرية العدد 215 الصادر 20/9/2001م ، ويراجع : لورا أي كودريس Laura E. Jodres : أسواق العملات الأجنبية : الهيكل والمخاطر .. ، بحث مترجم إلى العربية ، ومنشور في مجلة التمويل والتنمية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير ، المجلد 33 العدد4 عام 1996 ص22-25 ، والدكتور سعيد عبدالخالق : توريق الحقوق المالية ، كتاب منشور خلاصته في موقع البوابة القانونية ، وناصر اللاحم : مقالته المنشورة في جريدة الشرق الأوسط في 21 ربيع الثاني 1428هـ ، وموقع العربية ، ود. حسين فتحي عثمان : التوريق المصرفي للديون ، الممارسة والإطار القانوني ، بحث منشور في الدليل الالكتروني للقانون العربي www.arablawinof.com
(2) ... د. سعيد عبدالخالق ، المرجع السابق(1/5)
... والخلاصة أن التوريق : أداة مالية جديدة لتمويل الديون إلى أوراق مالية من خلال قيام مؤسسة مالية بحشد مجموعة من الديون المتجانسة ، والمضمونة كأصول ، ووضعها في صورة دين واحد معزز ائتمانياً ، وموزع على شكل أوراق مالية متساوية القيمة ، قابلة للتداول تقليلاً للمخاطر ، وضماناً للتدفق المستمر للسيولة النقدية للبنك (1) ، وبعبارة موجزة: تحويل الديون المضمونة من المقرض الأساسي إلى مقرضين آخرين .
... ويمكن أن نوجز هذا التعريف فنقول : التوريق : هو القيام بتحويل مجموعة من الديون المتجانسة من حيث الآجال والفوائد إلى أوراق مالية ( أي إلى سندات دين ) تعرض للاكتتاب فيها .
... إذن فالتوريق يقوم على ضمان أصول مالية ثابتة ، أو متحصلات آجلة ، وعلى أن تكون الديون ( محل التوريق ) متوافقة مع قيمة السندات ، وآجالاها ، وفوائدها ، بحيث تستعمل حصيلة الاكتتاب فيها لشراء تلك الديون ، وبالتالي فينبغي مراعاة تواريخ استحقاق السندات ، وعوائدها مع تواريخ استحقاق الديون وفوائدها ، وأن تكفي لسدادها عند حلول أقساطها .
... فالتوريق يحتاج إلى المقترض ( الشخص الطبيعي أو الاعتباري ، والديون المضمونة ، والجهة التي تقوم بعملية التوريق ، إضافة إلى العقود ، والاتفاقيات التي تنظمه ، وإدارة الأصول ) .
... وفيما هو جدير بالتنبيه عليه في هذا المقام هو أن تمويل ديون التوريق يمكن أن يتم من خلال القروض ، وذلك من خلال توفير التمويل اللازم لشراء الأصول ( الديون ) مع مراعاة تزامن القروض مع جدول السداد الخاص بالديون محل التوريق (2) .
الخطوات العملية للتوريق :
... للوصول إلى التوريق تحتاج المؤسسة المالية إلى الخطوات الآتية (3) :
__________
(1) ... المراجع السابقة
(2) ... المراجع السابقة
(3) ... يراجع : د. سعيد عبدالخالق : المرجع السابق ، ولاحم الناصر : مقالته عن التوريق المنشورة في جريدة الشرق الأوسط وموقع العربية في 21 ربيع الثاني 1428هـ ، وموقع العربية(1/6)
1- أن تقوم المؤسسة المالية ( التي لها ديون مضمونة بالرهون ، ونحوها ) ببيع (ديونها) (1) ـ بسعر مخفض ـ أو بعضها إلى بنك ، أو مؤسسة ، أو شركة أخرى ذات غرض خاص (S.P.V) أي لأجل شراء هذه الأصول ، ونقلها من الذمة المالية للمؤسسة البائعة إلى ذمة (S.P.V) حتى تكون هذه الأصول بمنأى عن المطالبات الأخرى ، وعن إفلاس المؤسسة البائعة .
? ويمكن نقل هذه الأصول (الديون) بطرق أخرى غير البيع ، ولكن البيع هو الأشهر حتى يكون بمنأى عن الصورية أو العقود الأخرى التي يمكن التشكيك فيها ، وهذه المؤسسة أو الشركة هي التي تقوم بعملية الإصدار ، وهي يمكن أن تكون مملوكة بالكامل للمؤسسة البائعة ، أو لا تكون كذلك .
? إن الفصل بين البنك البادئ للتوريق (The Originator) وبين هذه السندات يمكنه بسرعة قبل حلول تأريخ استحقاق مديونياته لدى المدينيين الأصليين : زيادة قدرته التحويلية بكلفة منخفضة عن طريق ما تصدره (S.P.V) من الأوراق المالية أكثر مما لو كان البنك نفسه هو الذي أصدرها .
2- ثم تتم الإجراءات القانونية لنقل الديون ورهونها وبقية ضماناتها أيضاً إلى الشركة ذات الغرض الخاص للقيام بإجراءات الإصدار .
3- ثم تقوم الشركة (S.P.V) بإصدار سندات بعلاوة إصدار ، وبقيمة تعادل قيمة الديون محل التوريق للحصول على السيولة من خلال بيعها للمستثمرين ، وتكون فوائد هذه السندات متوافقة مع فوائد الديون نفسها ، وغالباً ما تلجأ إلى القروض المصرفية البسيطة لتمويل شراء السندات مع مراعاة التوافق في نسبة الفوائد والآجال للأمرين معاً .
4- ثم تقوم الشركة (S.P.V) بدفع ثمن الديون المشتراة من حصيلة بيع هذه السندات إلى الشركة أو المؤسسة المالية ( البنك ) البائعة .
__________
(1) ... في عرف القانون والاقتصاد الوضعي تسمى الديون : أصولاً(1/7)
5- يتعين على البنك البادئ للتوريق والمؤسسة المصدرة (S.P.V) ضرورة الاتفاق على التوفيق بين تواريخ استحقاق المتحصلات من المدينيين وتواريخ استحقاق المستثمرين لفوائد ديونهم ، وبين قيم الفوائد المقررة على الديون الأصلية ، وقيم فوائد السندات المتوافرة بحوزة المشترين (1) .
دوافع عملية التوريق :
... إن المؤسسات المالية التقليدية تقومب عمليات التوريق لتحقيق عدة دوافع وأهداف ، من أهمها :
أولاً ـ بالنسبة للمؤسسة المالية البائعة :
1) زيادة الأموال للاستثمار ، أو التمويل ، أو الاقراض من جديد ، وتحقيق السيولة النقدية للمؤسسة المالية الدائنة ـ وبخاصة المؤسسات المالية الممولة للعقارات ـ أو زيادتها بحيث يمكنها الدخول في عمليات تمويل جديدة ، أو للتوسع في أنشطتها ، وذلك لأن الشركة قد تلجأ لتحقيق هذا الغرض إلى زيادة رأس المال ، غير أن المساهمين قد لا يرغبون في مشاركة غيرهم في أرباح شركتهم ، كما أنهم لا يرغبون في الاقتراض بفائدة من البنوك بسبب قصر الأجل أو نحوه ، لذلك يتجهون نحو التوريق .
2) مساعدة الشركات ذات العجز المالي ، أو المعرضة له في تحسين هيكلها التمويلي عن طريق تحويل الالتزامات قصيرة الأجل إلى إلتزامات متوسطة ، أو طويلة الأجل .
3) تحسين قوائمها المالية ، وذلك بالتحرر من قيود الميزانية العمومية ، حيث تقضي القواعد المحاسبية مراعاة مبدأ كفاية رأس المال ، وتدبير مخصصات الديون المشكوك فيها ، وبالتالي فتكون صورة المؤسسة أقوى ، وأكثر جاذبية للتعامل معها ، وإقراضها ، حيث إن كثرة الديون على المؤسسة المالية حتى ولو كانت مضمونة التحصيل تثقل كاهل رأس مال الشركة ، وتدفع المتعامل معها إلى مزيد من الحذر والحيطة ، والخوف من قسمة الغرماء ، وبالتالي فهي تعرقل ، أو تبطئ دورة رأس المال ، وتقلل تبعاً من ربحية البنك ( فوائده ) .
__________
(1) ... المصادر السابقة(1/8)
4) رفع كفاءة الدورة المالية والانتاجية ، ومعدل دورانها من خلال تحويل الأصول المالية غير السائلة ( الديون ) إلى أصول سائلة يعاد توظيفها مرة أخرى ، أو مرات .
5) تسهيل تدفق التمويل لعمليات الائتمان بضمان الرهون العقارية ، وبشروط ، واسعار ، وفترات سداد أحسن.
6) توزيع المخاطر الائتمانية على قاعدة عريضة من خلال اكتتاب عدد كبير لشراء السندات ، ويترتب على ذلك تقليل مخاطر الائتمان للأصول .
ثانياً ـ المنافع والدوافع بالنسبة للشركة ذات الغرض الخاص (S.P.V) :
... فتكمن في رسوم الإصدار ، والتحصيل ، والأمانة ، المحصلة من الشركة البائعة، ومن المكتتبين في السندات ، إضافة إلى الفروق بين قيمة شراء الديون ، وقيمة توريقها .
... فإن كانت هذه الشركة مملوكة بالكامل فتكون هذه الفوائد مضافة إلى الأهداف والدوافع الأربعة السابقة ، وإلاّ فتكون لملاكها الآخرين
ثالثاً ـ بالنسبة للمؤسسات المالية والستثمرين :
... إن عملية التوريق تشجع المؤسسات المالية على الدخول في عمليات التمويل طويلة الأجل ، وبالتالي فإنها تستفيد منها في هذا المجال ، وهكذا الأمر بالنسبة للمستثمرين الراغبين فيه ، إضافة إلى الاستفادة من سرعة تسييلها من خلال بيعها ، وبالتالي توفير السيولة في أي وقت مطلوب ، وبذلك تتمكن المؤسسات المالية والمستثمرون من إعادة توظيفها بمنح قروض جديدة أو استثمارات أخرى !! .
رابعاً ـ بالنسبة للأسواق المالية :
... إن التوريق هو أداة مالية حديثة ظهرت في الثمانينات من القرن الماضي في أمريكا ، ثم توسعت دائرته ، ولذلك فإن توسيع دائرة التوريق يساعد البورصات العالمية والمحلية إلى تنشيط حركتها من خلال توسيع الأوراق المالية وتنشيطها عبر الموارد المالية وتنوع الأدوات الاستثمارية المتوفرة للمضاربة فيها ، أو التعامل فيها (1) .
__________
(1) ... المراجع السابقة ، و لاحم الناصر : المرجع السابق(1/9)
... إضافة إلى ذلك فإن توسيع دائرة التوريق يؤدي إلى وجود سوق ثانوية للرهن العقاري التي ترغب في شرائها صناديق التأمينات ، والمعاشات والمؤسسات المالية وشركات التأمين التجاري وغيرها ( كما حدث في السندات القائمة على الرهون العقارية في أمريكا) حيث أقبلت المؤسسات المالية عليها كانت النتيجة ما رأيناه .
... هذه هي الدوافع ، أو المنافع الظاهرة وراء التوريق .
شروط التوريق :
... اشترطت القوانين الوضعية مجموعة من الشروط والضوابط لصحة التوريق واعتمادها ، من أهمها ما يأتي :
1) أن تكون الديون ( محل التوريق ) ديوناً متجانسة مضمونة بالرهون العقارية أو نحوها .
2) أن تكون سنداتها التي صدرت بها مضمونة بتلك الأصول المضمونة .
3) أن تكون هذه الديون ذات تدفقات نقدية مستمرة وبعبارة أخرى أن تكون لها فوائد ذات عائد دوري ثابت .
4) أن تكون السندات الصادرة على هذه الديون سدنات ذات فوائد ثابتة دورية .
5) أن تتوافق تواريخ استحقاق السندات وفوائدها مع تواريخ استحقاق أقساط الديون وفوائدها .
... وبعبارة أخرى لا بدّ أن تكون السندات متجانسة ومتوافقة مع الديون ( محل التوريق ) من حيث المقدار ، والآجال ، والفوائد والضمانات (1) .
6) أن تُعمل جداول للفوائد وربطها بالأقساط المستحقة على القروض .
مخاطر التوريق والحدّ من آثارها :
... إن السندات القائمة على التوريق وإن كانت مضمونة من حيث العقود والالتزامات من قبل الجهة المصدرة ونحوها ، ولكن هناك مخاطر غير مباشرة كما حدث ذلك للسندات القائمة على الرهون العقارية الأمريكية التي أدت إلى انهيار معظم المؤسسات الكبرى ، وإلى أزمة في الاقتصاد الأمريكي ، والأوروبي وغيرهما .
__________
(1) ... المراجع السابقة(1/10)
... إن التوريق يعتمد على الأصول ( الديون ) التي تمثل مصدر إعادة الوفاء ، أو مرد الوفاء الذي يعد العمود الفقري لصفقة التوريق بكاملها ، ولذلك فإن أي خطر يهدد هذه الديون قبل الوفاء بها يمثل تهديداً للشركة المصدرة (S.P.V) وللمستثمرين ، بل إن سندات التوريق كما تتأثر بأي خطر يهدد المدينيين ، كذلك تتأثر بأي خطر يهدد البنك الدائن الأول الضامن ، حيث إن اضطراب مركزه المالي يمثل خطراً مهدداً بإفلاسه ، وهذا بالضرورة ينعكس على أصوله ، وبالتالي على أدائه ووفائه (1) .
ومن أهم مخاطر التوريق ما يأتي :
1) مخاطر الضمانات ، حيث إن سندات التوريق تعتمد في الغالب على ضمانات ديونها المتمثلة في الرهون العقارية ، حيث إنها معرضة لتقلبات خطيرة في أسعارها ناهيك عن التقديرات المُبالغ فيها لقيمتها بسبب المضاربات فيها ، وما الأزمة المالية الناتجة عن الرهون العقارية وسنداتها عنا ببعيد .
2) مخاطر إفلاس المؤسسات المالية الضامنة ، والمؤسسات العاملة في التوريق ـ كما نرى اليوم ـ وعلى الرغم من أن البنك قد يمنح حق امتياز لديون التوريق ، او اختصاص أو رهن على بعض ممتلكاته ، ولكن كل ذلك لا يحول دون تعرض السندات لخطر العجز عن الوفاء ، أو التأخير في دفع قيمتها .
3) مخاطر تقلب أسعار العملات ، والتضخم .
4) مخاطر تقلب أسعار الفائدة .
5) مخاطر التسويق والسوق .
... فهذه هي أهم المخاطر التي تتعلق بالتوريق يمكن تلخيصها في خطرين اثنين نذكرهما مع كيفية الحدّ من آثارهما ، وهما :
- خطر التأخير عن الأداء .
- وخطر العجز عن الوفاء بأصل الدين وفوائده .
__________
(1) ... د. حسين فتحي عثمان : المرجع السابق ص 20 والمراجع السابقة(1/11)
... وهما خطران كبيران يرجعان إلى طبيعة السندات القائمة على الائتمان والديون دون الأصول العينية الحقيقية ، وبالتالي فإن أية هزة تهزّ مركز المدينيين والضامنين أو أحدهما ستنعكس آثارها على السندات نفسها ، ومن جهة أخرى فإن ربط السندات بقدرة العملاء على الأداء والوفاء يعرضها لحالة كل واحد منهم من حيث القدرة والعجز ، والوفاة والاعسار والافلاس إضافة إلى ما يتعرض له البنك الدائن البادئ للتوريق .
... فمثلاً إن قانون الافلاس الأمريكي لعام 1978 في مادته 365 نص على أنه في حالة افلاس البنك البادئ للتوريق فسيكون له ، أو للأمين ( السنديك ) الحق في رفض اتفاق منح الامتياز ، أو التسليم به ، باعتباره من العقود الآجلة التنفيذ ، ولذلك سيكون للبنك البادئ للتوريق في حالة تعرضه للافلاس أن ينهي العقد من جانبه لو كان لديه مبررات تجارية.
... نعم إن للطرف الآخر الحق في مطالبة ذلك البنك في حالة إنهاء العقد بالتعويض ، غير أن مبلغ التعويض ليس له أولوية في القانون الأمريكي وبعض القوانين الأخرى ، بل يصنف ضمن التعويضات العامة غير المضمونة بالنسبة للبنك البادئ للتوريق (1) .
... والخلاصة أن هناك مخاطر كبيرة في سندات التوريق في حالة الافلاس ، ومع ذلك أقبلت عليها المؤسسات التقليدية بشكل كبير بدافع تضخم رأس المال والفوائد ، ولذلك فالصيغة التي تحقق نوعاً من الحيطة والحذر هي فصل الأصول عن البنك البادئ للتوريق من خلال بيعها للمصدر (S.P.V) إضافة إلى دراسة حالة البنك ، والمدينيين ، وكل ما يتعلق بالموضوع حتى تقل المخاطر .
طرق التوريق وأساليبها القانونية ، ووصفها الشرعي :
... بما أن للتوريق ثلاث طرق متنوعة ، يوجد بينها اختلافات لا بدّ أن نعرض كل واحدة منها ونذكر معها الحكم الشرعي ، والتكييف الفقهي ، والبديل المتاح لها :
الطريقة الأولى : عن طريق حوالة الحق :
__________
(1) ... المراجع السابقة(1/12)
... إن حوالة الحق أو الدين لم تكن معروفة في القوانين القديمة ( مثل القانون الروماني ) غير أن القانون الفرنسي اعترف بحوالة الحق ، فأجاز للدائن أن يحول حقه على دائن آخر دون حاجة إلى رضاء المدين بالحوالة على غرار التوكيل بالقبض (1) ، في حين أن الفقه الإسلامي يعترف بحوالة الدين بالاتفاق (2) ، وبحوالة الحق عند بعض الفقهاء ، كما سيأتي .
التكييف الفقهي ، والحكم الشرعي لها :
... هذا النوع من التوريق ينطبق عليه ما يأتي :
أولاً ـ ... سندات الدين المحرمة التي صدر بشأنها قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، قرار رقم : 60 (11/6) (3) حيث نص على أنه : ( وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً،
قرر ما يلي:
أولاً: إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة. ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً.
__________
(1) ... يراجع الدكتور السنهوري : الوسيط في القانون المدني ط. دار إحياء التراث العربي 1958 (3/417 )
(2) ... يراجع للتفصيل : فتح القدير مع شرح العناية على الهداية (5/443) وحاشية ابن عابدين (4/289) وجامع الفصولين (1/169) والفتاوى الهندية (3/304) وشرح الخرشي (4/232) ونهاية المحتاج (4/408) ومغني المحتاج (2/193) والمغني لابن قدامة (5/58)
(3) ... يراجع : مجلة المجمع (العدد السادس، ج2 ص1273 والعدد السابع ج1 ص73) ، ويراجع القرار رقم 30 (5/4).(1/13)
ثانياً: ... تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها حسماً لهذه السندات.
ثالثاً: ... كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.
رابعاً: ... من البدائل للسندات المحرمة – إصداراً أو شراءً أو تداولاً – السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلاّ إذا تحقق فعلاً. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم 30(5/4) لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة. والله أعلم ؛؛ ) انتهى قرار المجمع .
... فهذه السندات القائمة على التوريق ينطبق عليها ما ذكره قرار المجمع الموقر ، حيث إنها أوراق مالية متساوية القيمة " يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق ، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند ) .
... وبالتالي فلا شبهة ولا شك في دخولها فيما ذكره المجمع الموقر حول السندات .
ثانياً ـ ... أن التوريق بالمعنى الشائع لدى الاقتصاديين يتضمن بيع الدين بأقل من قيمته ، حيث إن المصدر لهذه الصكوك الخاصة بالتوريق يصدرها بأقل من أصل الدين بنسبة الفوائد العالمية (ليبور) بل تصدر بأقل منها بكثير حتى يكون ذلك دافعاً لتشجيع الناس على شرائها وتداولها ، وحينئذ تضاف إلى مشكلة بيع الدين مشكلة حسم الدين لأجل الزمن ، وهي محرمة بالاتفاق ، وصدرت بها قرارات من المجامع الفقهية منها قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 64 (2/7) الذي نص على أن ( حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً ، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم ) .(1/14)
... ولذلك تنبه إليه المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في قراره الأول في دورته السادسة عشرة بمكة المكرمة في 21ـ 26 / 10 1422هـ حيث نص على أنه لا يجوز توريق (تصكيك) الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية ، لأنه في معنى حسم الأوراق التجارية ، ونص كذلك على أنه : ( لا يجوز حسم الأوراق التجارية " الشيكات ، السندات الإذنية ، الكمبيالات " لما فيه من بيع الدين لغير المدين على وجه يشتمل على الربا) (1) .
... ومن جانب آخر فإن الفقهاء مجمعون على أن بيع الدين النسيئ بالدين النسيئ محرم (2) .
مدى إمكانية البدائل الشرعية :
... لا شك أنه لا يوجد بديل شرعي بالمواصفات التي تتوافر في سندات التوريق ، لأنها تتضمن الأمرين المحرمين السابقين .
... غير أن عملية التوريق إذا كانت ديونها مشروعة يمكن أن نجد لها بدائل للمؤسسات المالية الإسلامية من خلال طريقتين مشروعتين بضوابطهما ، وهما :
إحداهما عن طريق الحوالة على غير المدين عند من يجيزها :
... وذلك بأن تكون لمؤسسة مالية ديون مشروعة على العملاء ، وأرادت بالتوافق مع الدائنين تحويلها إلى مؤسسة أخرى أو حتى بدون موافقتهم عند بعض الفقهاء ، فلا مانع من ذلك على رأي بعض الفقهاء ـ كما سيأتي ـ .
... وقد يثور التساؤل حول جدوى هذا البديل حيث إن المحال عليه لا يستفيد شيئاً من الأرباح ( أو الفوائد كما هو الحال في التوريق) .
__________
(1) ... يراجع لمزيد من التفصيل : د. نزيه حماد : بيع الدين ، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ع11 ج 1 ص 186 ود .محمد علي القري : بيع الدين وسندات القرض ، منشور في نفس المجلة السابقة ص 238 ، وأحكام التصرف في الديون ـ دراسة فقهية مقارنة ـ للدكتور علي محي الدين القره داغي ، المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي ، العدد (11) ، ج 1 (ص94 ـ 107 )
(2) ... المراجع السابقة مع مصاردها الفقهية المعتمدة(1/15)
... وللجواب عن ذلك نقول : صحيح إن المؤسسة المالية المحال عليها لا تستفيد شيئاً ، لكن ذلك بديل يمكن اللجوء إليه من باب التعاون المتبادل المطلوب بين المؤسسات المالية .
... إن الإشكالية هنا في الفوائد الخاصة بهذه الديون ، وعملية ما يسمى بالبيع ، ولذلك فإن الحل الإسلامي هذا للديون التي ليست لها فائدة ، أو لأصل الديون هو : الحوالة الفقهية مع توسع في دائرتها لتشمل الحوالة على من ليس عليه دين ، ولذلك نرى من الضروري ذكر آراء الفقهاء حول الحوالة بنوعيها في الفقه الإسلامي بالقدر الذي يتعلق بموضوعنا .
الحوالة وبعض أحكامها المناسبة هنا :
... الحوالة لغة : النقل من موضع إلى موضع آخر (1) .
... وفي الاصطلاح : فقد اختلف في تعريفها الفقهاء ، ويمكن أن نعرفها تعريفاً عاماً ، وهو: نقل دين من ذمة إلى ذمة أخرى (2) .
... والحوالة تقتضي وجود ثلاثة أطراف وهم :
1) المحيل الذي عليه دين ، ويحول دينه إلى شخص آخر ، فهو دائن ومدين .
2) المحال هو الشخص الذي له دين على المحيل الذي يحوله بدينه على شخص آخر (المحال عليه) .
3) المحال عليه وهو المدين الذي يحول عليه الدين من قبل المحيل .
4) المحال به وهو الدين المحول من قبل المحيل .
5) الصيغة الدالة على الحوالة من إيجاب وقبول ، سواء كانت بالأفاظ ، أم الكتابة ، أو نحوهما ، وسواء كانت بالرسائل التقليدية أم بالرسائل الحديثة للاتصالات .
... وقد اختلف الفقهاء في مدى اشتراط رضا الأطراف الثلاثة في تحقيق العقد وصحته، كالآتي :
__________
(1) ... يراجع : القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط مادة ( حول )
(2) ... يراجع للتفصيل : فتح القدير مع شرح العناية على الهداية (5/443) وحاشية ابن عابدين (4/289) وجامع الفصولين (1/169) والفتاوى الهندية (3/304) وشرح الخرشي (4/232) ونهاية المحتاج (4/408) ومغني المحتاج (2/193) والمغني لابن قدامة (5/58)(1/16)
أ ) ... اشترط المالكية والشافعية والحنابلة ، والحنفية في إحدى الروايتين في صحة عقد الحوالة : رضا المحيل ، لأنه هو الموجب الناقل ، في حين لم يشترط ذلك الحنفية في رواية الزيادات المشهورة ، لأن التزام الدين من المحال عليه تصرف في حق نفسه ، والمحيل لا يلحقه ضرر به ، بل فيه نفعه عاجلاً وآجلاً ، فلم يبق معنى لاشتراط رضاه (1) . والذي ينفعنا هنا هو رأي الحنفية ، وهو رأي وجيه لما ذكرناه .
ب ) ... واشترط المالكية والشافعية والحنفية ، رضا الدائن المحال ، لأن الدين من حقه ، وقد ثبت في ذمة المحيل فلا ينتقل إلاّ برضاه ، إذ الذمم تتفاوت يساراً وإعساراً ، وسماحة ومماطلة ، وبذلاً وعطاءً (2) .
... ولكن الحنابلة على الرواية الصحيحة المشهورة لا يشترطون رضا المحال للحديث الصحيح المتفق عليه : ( مطل الغني ظلم ، فإذا أحيل أحدكم على مليئ فليتبع ) (3) وفي رواية صحيحة أخرى رواها أحمد وابن أبي شيبة بلفظ : ( ومن أحيل على مليئ فليحتل) (4) أي فليقبل الحوالة ، وهذا الحديث ظاهر في وجوب قبول المحال ، لأن الأمر حقيقة في الوجوب ، وليست هناك قرينة تصرفه عن الوجوب إلى غيره .
... وقد أجاب الجمهور عن ذلك بأن الأمر ليس للوجوب هنا ، وإن سلمنا أنه هنا للوجوب فإن هذا لا يقتضي صحة العقد دون رضا المحال ، لأن ذلك يدخل في خطاب الوضع، وهو غير خطاب التكليف ، ولا يلزم من وجوب الشيء صحته دون رضا صاحب الشأن.
__________
(1) ... فتح القدير (5/44) وحاشية ابن عابدين (4/289)
(2) ... المصادر الفقهية السابقة
(3) ... صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (4/464) ومسلم (3/1197)
(4) ... رواه أحمد (2/463) وابن أبي شيبة (7/79) ط. الدار السلفية / بمبي ، وإسناده صحيح(1/17)
ج ) ... وأما رضا المحال عليه فلم يشترطه جمهور الفقهاء ( المالكية في المشهور عندهم ، والشافعية في الأصح ، والحنابلة ، وبعض الحنفية ) وذلك لأن الحق للمحيل فله الحق في أن يستوفيه بنفسه ، أو بغيره ، كما لو وكل غيره بالاستيفاء ، خلافاً لجمهور الحنفية الذين اشترطوا رضاه ، لأنه طرف في العقد (1) .
... والذي نرى رجحانه هو : إن كان المحال عليه مديناً بدين ثابت يعترف به فلا يشترط رضاه لما ذكره الجمهور ، ولكن إن لم يكن كذلك وأجزنا الإحالة عليه ـ كما هو رأى بعض الفقهاء كما سيأتي ـ فلا بدّ من اشتراط رضاه إما بالموافقة السابقة ، أو الإجازة اللاحقة ، حيث يكون له الرد بالاتفاق في هذه الحالة ، لأنه لا يجوز إلزام أحد بعقد أو إلتزام إلاّ بناء على التزامه ، أو أن يكون أثراً من آثار تصرفاته .
مدى جواز الإحالة على من ليس مديناً :
... اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، فذهب جمهور الفقهاء ـ ما عدا الحنفية ـ إلى اشتراط كون المحال عليه مديناً بدين (2) .
__________
(1) ... المصادر الفقهية السابقة
(2) ... المصادر الفقهية السابقة(1/18)
... وأما الحنفية والمرجوح لدى المالكية والشافعية ، فقد أجازوا الحوالة المطلقة التي لا يشترط فيها وجود دين أو حق في ذمة المحال عليه ، وحينئذ يكون المحال عليه متبرعاً بقبولها ، بل يقوم المحيل بإرسال الحوالة إلى المحال عليه ، فيقبلها ، وحينئذ صحت الحوالة عندهم ، وقد ذكر الحنفية أمثلة كثيرة للحوالة المطلقة ، منها : أن للمرتهن حق منع الراهن عن بيع الرهن ، ولحل هذه المشكلة ، فإن الراهن يحيل المرتهن إلى مليئ يرضى به المرتهن ليقبل بهذه الحوالة ولو لم يكن مديناً ، وحينئذ فك رهنه ، وجاز للراهن بيع العين المرهونة (1) ، إضافة إلى أن الحوالة بهذا المعنى الواسع تسع كل أنواع الحوالة المعاصرة بين البنوك .
... غير أن جمهور الفقهاء (2) لم يبطلوا هذه المعاملة لو تمت ، وإنما سموها : الضمان والكفالة بناءً على أن العبرة في العقود ليست بالألفاظ والمباني ، وإنما بالمقاصد والمعاني ، فلوا أن أحداً أحال دائنه على زيد ( مثلاً ) وهو ليس مديناً له ، فقال : وافقت ، صح العقد حوالة عند الحنفية ومن معهم ، وصحت ضماناً وكفالة عند الجمهور ، وهذا الخلاف يظهر أثره في اختلاف آثار عقد الحوالة عن آثار عقد الكفالة .
__________
(1) ... مجمع الأنهر (2/578) والمنتقى على الموطأ (5/68) حيث ذكر رأي ابن ماجشون بجواز الحوالة على غير المدين برضاه ، ومغني المحتاج (2/194)
(2) ... شرح الخرشي (4/233) والمنتقى على الموطأ (5/69) ومغين المحتاج (2/194) والمغني لابن قدامة (5/57) ويراجع لمزيد من التفصيل مصطلح ( الحوالة ) في الموسوعة الفقهية الكويتية .(1/19)
... غير أن التحقيق هو أن هناك فرقاً جوهرياً بين الحوالة والكفالة من حيث المقتضى، حيث إن مقتضى عقد الكفالة هو : ضم ذمة الكفيل إلى المكفول عنه دون تبرأة المكفول من آثار التزامه ، أما مقتضى الحوالة فهو أن المحيل قد برات ذمته بالحوالة مطلقاً أو لحالات نادرة مثل التوى ، ولوجود هذاالفرق الجوهري لا نستسيغ تحميل لفظ الحوالة مقتضى الكفالة فقط ، لوجود أحكام جديدة وآثار مؤثرة في القصد والرضا .
البديل الثاني للمؤسسات المالية الإسلامية هو : بيع الديون بالأعيان ، أو الحقوق المالية ، أو المنافع :
... إن التوريق من حيث هو بالصورة التي ذكرها الاقتصاد الغربي ، والقوانين الوضعية غير جائز ، إذ يتضمن الفوائد المحرمة ـ كما سبق ـ .
... ولكن يمكن نقدم للمؤسسات المالية الإسلامية بديلاً آخر عن طريق بيع الديون بالأعيان ، وهذا البديل يمكن أن تتفرع منه عدة صور مشروعة ، وهي :
... الصورة الأولى : أن تبيع المؤسسة الدائنة ديونها بيعاً عادياً نهائياً لمن عليه الديون أو لغيره بالأعيان كلها ، أو نسبة منها ( شركة ملك ) سواء كانت عقارات ، أو مصانع او نحوها ، أو بالحقوق المالية المعتبرة ، أو التنازل عنها في مقابل منافع أو خدمات .
... وبذلك تستفيد المؤسسة البائعة من آثار ديونها ، وكذلك استفادت المؤسسة المشترية من الأعيان ، أو المنافع ، أو الخدمات أو الحقوق التي حصلت عليها .
... وهذه الصورة جائزة فقهاً ، ولا حرج فيها في نظري كما سيأتي .
... الصورة الثانية : بيع هذه الديون بالأعيان ، أو المنافع ، أو الحقوق المالية لمؤسسة مالية أخرى تقوم بتأجيرها على المؤسسة البائعة عن طريق الإجارة التشغيلية ، أو الإجارة المنتهية بالتمليك .(1/20)
... الصورة الثالثة : قيام المؤسسة المشترية لهذه الديون بالأعيان أو الحقوق المالية بتصكيكها بصكوك ، وعرضها للاكتتاب فيها من قبل الجمهور ، ويمكن حينئذ أن تؤجر الأعيان إجارة تشغيلية ثم تباع ، أو عن طريق الإجارة المنتهية بالتمليك ، أما الحقوق فيمكن تداولها عن طريق البيع .
... الصورة الرابعة : إنشاء شركة ذات غرض خاص (S.P.V) تقوم بشراء هذه الديون بالأعيان أو الحقوق المالية لصالح الدائنين ، ثم تؤجر الأعيان إجارة تشغيلية ، ثم تصفى بالبيع ، أو عن طريق الإجارة المنتهية بالتمليك .
... ولعلاقة هذه البدائل بمسألة التصرف في الديون نذكر صورها الجائزة وغير الجائزة بإيجاز ، وهي :
1) بيع الدين المؤجل لمن عليه الدين بثمن مؤجل وصورته أن يكون لزيد دين على عمرو بمبلغ عشرة آلاف ريال فيجعله عليه في دين آخر مخالف له في الصفة أو القدر مثل عشرين طناً من القمح ( غير السلم ) إلى زمن مؤجل كشهر مثلاً (1) أو كما قال ابن عابدين : ( رجل له على آخر حنطة غير السلم فباعها بثمن معلوم إلى شهر لا يجوز، لأن هذا بيع الكالئ بالكالئ ، وقد نهينا عنه ) (2) .
... فهذا غير جائز عند جماهير الفقهاء حتى ادعى فيه الاجماع على فساده وعدم جوازه (3) ، ومع ذلك فقد ذهب ابن تيمية ، وابن القيم إلى جوازه (4) لكن الراجح هو رأي الجمهور لقوة أدلتهم .
2) بيع الدين الحال للمدين بثمن مؤجل ، وهذا حكمه حكم النوع الأول تماماً .
__________
(1) يراجع : د . نزيه حماد ، بحثه في المجلة المشار إليها سابقاً ( 1/163 ) ، وبحث د.علي محي الدين القره داغي السابق ص1/109
(2) ... منحة الخالق ( 5 / 281 )
(3) ... يراجع البحثان السابقان ومصادرهما المعتمدة
(4) ... إعلام الموقعين ط . الأزهرية ( 2/8 )(1/21)
3) بيع الدين الحال بثمن حال ، وهذا جائز عند جمهور الفقهاء ما دام الدين مستقراً ، أما الدين غير المستقر كالمسلم فيه ( دين السلم ) فهو غير جائز عند جمهور الفقهاء ما عدا المالكية وأحمد في رواية حيث أجازوا ذلك ورجحه ابن تيمية وابن القيم (1) وهو الراجح والله أعلم .
4) بيع الدين المؤجل للمدين بثمن حال دون زيادة ، وهذا حكمه حكم الصورة السابقة، وقد صدر بجوازه قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة ؛ لأن شرط التسليم متحقق ، حيث إن ما في ذمته مقبوض حكماً ، فانتفى المانع من بيع الدين الذي هو عدم القدرة على التسليم .
... ولكن تضاف إليه مسألة : " ضع وتعجل " حيث تجوز عند جماعة من الفقهاء ، وصدر بها قرار رقم 64 (2/7 ) الذي ينص على أن : ( الحطيطه من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن ، أو المدين ( ضع وتعجل ) جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناءً على اتفاق مسبق ، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية ، فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز ، لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية .
... وفي هذه الحالات الأربع نطبق أحكامها على السندات التي تكون محتوياتها كما سبق ، فعلى ضوء ذلك فإصدار سندات للتداول بين الدائن والمدين نفسه في الحالة الأولى والثانية غير جائز شرعاً ، في حين أن اصدار السندات في الحالتين الأخيرتين ممكن ولكن يقتصر دورها في التداول بين الدائن والمدين ، وفي هذه الحالة تكاد جدوى هذه السندات معدومة ، إذ الغرض الأساس من إصدار السندات هو التداول المطلق ، وليس مجرد تداول بين الدائن والمدين .
5) بيع الدين المؤجل لغير المدين بثمن مؤجل وهذا أيضاً غير جائز بإجماع الفقهاء .
6) بيع الدين الحال لغير المدين بثمن مؤجل ، وهذا غير جائز عند جماهير الفقهاء ما عدا ابن تيمية ، وابن القيم .
__________
(1) ... المصادر السابقة(1/22)
... ويمكن إصدار سندات دين حال لشركة ما لغير المدين بثمن مؤجل على رأي ابن تيمية وابن القيم تتداول بين الدائن وغير المدين ، ولكن بمجرد أن تتم الصفقة الأولى أصبح الدين في ذمة المشتري مؤجلاً فتطبق عليه قواعد بيع الدين المؤجل ، ولذلك لا تبقى فائدة من إصدار سندات فيها ، إضافة إلى عدم جواز أخذ الزيادة ، أو النقصان في حالة ما إذا دخل بينهما طرف ثالث .
7) بيع الدين الحال لغير المدين بثمن حال ، وهذا مختلف فيه بين فقهاء المذاهب وغيرهم ، ولكن لا ينفعنا فيه إصدار السندات ، لأن الدين ما دام حالاً ، وكذلك الثمن فأين فائدة إصدار السندات فيه ؟
8) بيع الدين المؤجل لغير المدين بثمن حال ، حيث منعه جمهور الفقهاء وأجازه المالكية في دين السلم من غير الطعام على تفصيل (1) .
... وقد صدر قرار من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي هذا نصه :
... والخلاصة أن تصكيك الديون وتوريقها وسند ردها لأجل المداولة غير جائز شرعاً ، ومن هنا فلا يجوز تصكيك ديون المرابحة ، أو الاستصناع أو نحوهما ، ولا يمكن الاستفادة في هذا المجال مما ذهب إليه بعض الفقهاء ( مثل ابن تيمية وابن القيم ) حيث انهما يشترطان أيضاً( مثل الجمهور ) في أن التصرف في الديون إنما يجوز إذا لم يترتب عليه ربا الفضل ، أو ربا النسيئة ، ولكن يمكن الاستفادة من مذهب مالك في جواز إصدار سندات بيع دين السلم (من غير الطعام) .
... كما يمكن إصدار سندات للديون بالأعيان ، أي بيع الدين بالعين . وقصدي من ذلك أنه لا يجوز أن يكون غرضنا هو الاتباع لما عليه المؤسسات التقليدية في كل ما لديهم، حيث إن هناك بعض الآليات ليس لها شبيه في الفقه الإسلامي الذي له خصائصه ومقوماته فعلى ضوء ما سبق يمكن :
__________
(1) ... يراجع بحث د . نزيه حماد ، وبحث د. علي محي الدين القره داغي في أحكام الديون ، المشار إليهما سابقاً في مجلة مجمع الفقه الدولي ع11 ج1(1/23)
1) إصدار سندات للديون ويتم تداولها بالأعيان والسلع ، وهذا وإن لم يحقق كل أغراض السندات ، ولكن يحقق نسبة جيدة منها ، فيمكن أن يتم تداول هذه السندات في أسواق السلع والمعادن والأعيان .
2) إصدار سندات في دين السلم في غير الطعام على ضوء المذهب المالكي وأحمد في رواية رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية ،.ويمكن للبنوك الإسلامية أن تطور هذين النوعين من السندات فيما بينها .
3) إصدار صكوك المقارضة ، والإجارة ونحوهما من البدائل الإسلامية بضوابطها الشرعية .
الطريقة الثانية : نقل الأصول ( الديون ) عن طريق التجديد :
... وهي تحويل الديون الأصلية كلها ، أو بعضها ( محل التوريق ) بكل حقوقها إلى ديون أخرى جديدة من خلال إصدار سندات الدين بنفس الآجال والفوائد من خلال استعانته بجهة متخصصة للإصدار تقوم بهذه العملية مقابل رسوم تأخذها من الدائن ، أو المدين أو من كليهما حسب الاتفاق ـ كما سبق ـ .
... وهذه الطريقة تحتاج إلى موافقة جميع الأطراف ذات الصلة بالقرض.
... وقد نظمت القوانين الوضعية عملية التجديد ، وشروطه والآثار التي تترتب على التجديد ، فقد نصت المادة 353 من القانون المدني المصري ، والمادة 351 من القانون المدين السوري ، والمادة 340 من القانون المدني الليبي والمادة 322 من القانون اللبناني على شروط التجديد المتمثلة في تعاقب التزامين صحيحين ( قديم حل محله جديد) واختلاف ما بين الالتزامين ، ونية التجديد (1) .
... ونصت المادة 352 على أنه : ( يتجدد الالتزام :
أولاً ـ ... بتغيير الدين ....
ثانياً ـ ... بتغيير المدين ....
ثالثاً ـ ... بتغيير الدائن إذا اتفق الدائن والمدين ، وأجنبي على أن يكون هذا الأجنبي هو الدائن الجديد ) .
__________
(1) ... د. السنهوري : الوسيط ط. دار احياء الثراث العربي 1958 (3/815) وقد ذكر مجموعة من أحكام القضاء حول هذه الشروط(1/24)
... وقد نصت على مثلها المادة 350 من القانون المدني السوري ، والمادة 339 من القانون المدني الليبي ، والمادتان 401 ، 402 من القانون المدني العراقي ، والمادة 323 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني .
... والذي يتعلق بموضوعنا هنا هو ما ذكره في البند " ثالثا " حول تغيير الدائن .
... فعلى ضوء ذلك فإن الدائن الجديد يكون الشخص الثالث إضافة إلى الدائن والمدين ، وبالتالي فيجب إذن اتفاق الأطراف الثلاثة ، لأنه ينشأ منه التزام جديد ، حيث يتفق المدين مع الدائن القديم على انقضاء الالتزام السابق ، ويتفق مع الدائن الجديد على إنشاء الالتزام الجديد الذي يحل محل الالتزام السابق من حيث إن الدائن قد تغير (1) .
... إذن فإن التجديد هذا يختلف عن حوالة الحق ، والحلول الاتفاقي من حيث إن التجديد لا يتم إلاّ بالاتفاق بين المدين والدائن القديم والدائن الجديد ، وأما حوالة الحق فإنها تتم باتفاق بين الدائن القديم والدائن الجديد دون حاجة إلى رضاء المدين ، بل يكفي إعلانه بالحوالة لا لانعقادها بل لتنفذ في حقه ، لأن الحق الذي انتقل إلى الدائن الجديد في حوالة الحق هو نفس الحق الذي في ذمة المدين ، فليس هناك حق جديد يلتزمه المدين حتى يحتاج إلى رضائه به ، وأن كل ما حدث هو أن دائنه قد تغير ، وهذا ليس من الخطر حتى يستلزم رضاءه ، وأما التجديد بتغيير الدائن فهو يقتضي انقضاء دين قديم ، وأن يحل محله دين جديد شغل ذمة المدين فلا بدّ لانعقاد هذا الدين الجديد من موافقة الأطراف الثلاثة .
__________
(1) ... السنهوري : الوسيط ( 3/ 826 ) ومصادره(1/25)
... وفي الحلول الاتفاقي نرى أن دائناً جديداً يحل محل دائن قديم في نفس الدين فالحلول من هذه الناحية يتفق مع حوالة الحق ، ويختلف عن التجديد ، لكن الحلول يتضمن وفاء الدين من جهة وانتقاله إلى دائن جديد من جهة أخرى ، وبالتالي فلا يقتضي إلاّ اتفاقاً بين طرفين اثنين لا بين الأطراف الثلاثة ، فأما أن يتفق الدائن الجديد مع الدائن القديم على أن يوفيه الدين ويحل محله فيه ، أو يتفق مع المدين على الوفاء بالدين للدائن القديم وعلى قبول المدين إياه دائناً جديداً محل الدائن القديم ، فأحد الطرفين في الحلول إذن هو الدائن الجديد ، والطرف الثاني إما أن يكون الدائن القديم ، أو أن يكون المدين (1) .
... فالعنصر الجوهري في الفرق بين التجديد والحلول ، وحوالة الحق هو نشوء التزام جديد في التجديد ، وعدم نشوئه في الأخيرين ، ومن حانب آخر فإن الحق في حوالة الحق ، والحلول لا ينقضي بل ينتقل بمقوماته وصفاته ودفوعه ، وتأميناته من دائن قديم إلى دائن جديد ، في حين أن الحق الأصلي في التجديد لا ينتقل بل ينقضي بمقوماته وصفاته ، ودفوعه وتأميناته ، ويحل محله حق جديد بمقومات وصفات ودفوع وتأمينات أخرى .
... لذلك فالتجديد لا يقابل لا بالحوالة ، ولا بالحلول ، وإنما يقابل بالوفاء بمقابل ، يقول الأستاذ السنهوري : ( إن الفرق بين النظامين هو أن الوفاء بمقابل يقتضي أن تنتقل الملكية فوراً إلى الدائن حتى يتم الوفاء ، وأما في التجديد بتغيير الدين فالوفاء يكون عن طريق إنشاء التزام جديد لا يكون واجب التنفيذ فوراً ) (2) .
__________
(1) ... المصدر السابق ( 3/844)
(2) ... المصدر السابق (3/488 – 845 )(1/26)
... ومن هنا فإن موافقة جميعا لأطراف في التوريق عن طريق التجديد تعتبر في القانون الانجليزي عقبة في حالة حشد ديون قروض مجمعة حيث يتطلب تراضي عدد كبير من المدينيين مع الدائن القديم ( البنك البادئ للتوريق ) والدائن الجديد (S.P.V) أو حشد عدة بنوك بادئة للتوريق تشتترك معاً لاقراض مدين واحد على أن تتم صفقة القرض على عقد واحد ، وهذا يتطلب موافقة البنوك المشتركة في القرض مع المدين والمصدر على تجديد دين القرض ، و( هذا هو ما أثار صعوبات بالغة أمام انسجام الممارسة المصرفية مع النظام القانوني للتجديد ) (1) .
... ولكن هذه الصعوبات لم تحل دون ازدهار الممارسات المصرفية في استخدام التجديد باعتبارخ آلية لنقل الحق في ملكية الأصول للمصدر حينما تكون سندات الديون مرتبطة بمسؤولية محتملة كمسؤولية البنك البادئ للتوريق عن تبعات التسهيلات المشروطة لتمويل القروض ، او تسهيلات الائتمانات المتجددة طويلة الأجل وعندئذ يكون الخيار الأفضل هو أن تتضمن عقود هذه التسهيلات صياغة تتيج نقل أصول ديون القروض من خلال تجديد هذه الديون (2) .
... وقد نظم قرار المجموعة الاقتصادية الأوربية (EEC) رقم 3180 في 18 ديسمبر1978 بشأن وحدة النقد الأوربية اتفاق القرض النموذجي تضمن في الشروط (25/2) نموذجاً للصياغة التي يجب استعمالها في التجديد للتخلص من ديون القروض فيما بين البنوك الأوروبية إذا كانت مجمعة وفي صورة تسهيلات معززة للقروض (3) .
__________
(1) ... د. حسين فتحي عثمان : التوريق المصرفي للديون ، الممارسة والإطار القانوني ، بحث منشور في الدليل الالكتروني للقانون العربي www.arablawinof.com
(2) ... يراجع للتفصيل : بين ، وشيا ، وأروا المشار إليه في : د. حسين فتحي عثمان : المرجع السابق
(3) ... د. حسين فتحي عثمان : المرجع السابق ص 15 ، 16 ومصادره المعتمدة(1/27)
... فعلى ضوء ذلك لو أراد أي بنك نقل ملكية كل أو أي جزء من حقوقه ، أو فوائد ديونه والتزاماته لدائن جديد (S.P.V) وفقاً لاتفاق بالنقل فإنه يكون ساري المفعول بتسلم بنك معتمد شهادة كاملة مستوفاة بياناتها على النحو الموضح بالنموذج بحيث تتضمن ما يلي :
1) ان المقترض ، والبنك ( البادئ للتوريق ) تنقضي حقوق والتزامات كل واحد منهما قبل الآخر ، حيث يطلق عليهما فيما بعد : ( الالتزامات والحقوق الملغاة ).
2) سيناط بالمقترض والدائن الجديد (S.P.V) حقوق والتزامات جديدة متقابلة تختلف عن تلك التي كانت موجودة بين المقترض والبنك .
3) على البنك المعتمد أن يقوم بسرعة بتسليم نسخة من شهادة النقل للمقترض (المدين) وإشعار الغير ذي الصلة كدائن البنك البادئ للتوريق ، بتسلمه لهذه الشهادة المتضمنة تجديد الدين (1) .
ملاحظات قانونية على التجديد :
... ومن أهم هذه الملاحظات ان نجاح التجديد كان يعتمد على أن يكون الدين قرضاً مصرفياً مضموناً بضمانه ، ولكن أثبتت الممارسات العملية أن معظم صفقات التوريق تتضمن محافظ استثمارية ضخمة ومتنوعة للأصول المدينة غير القروض المصرفية ، وهذا التجاوز أدى إلى هذا التوسع الكبير في توريق الديون ، وزيادة سندات الديون التي يشار إليها باصبع الاتهام باعتبارها أحد أسباب الأزمة الحالية .
__________
(1) ... يراجع : د. عدنان الهندي : المرجع السابق ص 22 ، ولورا اي كودريس Laura E. Jodres : أسواق العملات الأجنبية ... بحث منشور في مجلة التمويل والتنمية ، مقالة مترجم للعربية ، المجلد 33 العدد4 سنة 1996 ص25 وما بعدها(1/28)
... ومن جانب آخر فإن التجديد وإن كان قد أثبت أنه الطريق الوحيد للتمويل الحقيقي لجميع الحقوق والالتزامات لاستبدالها بأخرى جديدة ، ونجاحه كآلية مستخدمة حتى الآن في بيع الذمم المدينة الناتجة عن البطاقات الائتمانية المخصصة لتجارة التجزأة فإن لقوانين حماية المستهلك أثراً كبيراً على قدرة المقرض الأصلي ( البنك البادئ للتوريق ) والدائن الجديد (S.P.V) على تنفيذ العقد ضد المقترض ( المستهلك المدين ) حيث إن بعض القوانين تتطلب الترخيص المسبق ، وتفرض نوعاً من الرقابة على التجارة في حالات بحيث إذا لم يتم الوفاء بمتطلبات الترخيص فلا يستطيع الدائن تنفيذ دينه وبالتالي فلا يبقى للتجديد قيمة تذكر في مثل هذه الحالات (1) .
الوصف الشرعي ( التكييف الفقهي ) مع حكمه الشرعي :
... إن عملية التجديد التي ذكرناها تدخل في نظري في بيع الدين ، وقد ذكرنا الحكم الفقهي لبيع الديون ، ولكن التجديد يتضمن أمرين :
... الأمر الأول : أن الدين نفسه هو دين ربوي حرام ، لا يجوز شراؤه لا بالأعيان ولا بالديون .
... الأمر الثاني : أن الطريقة التي يتم بها نقل الدين من خلال التجديد تتضمن فوائد مستمرة ، وبالتالي فالطريقة نفسها أيضاً حرام فلا يجوز التعامل بها .
... فإذا فرضنا كون الديون مشروعة ليس فيها ربا ، كما هو الحال في المؤسسات المالية الإسلامية ، فهل يمكن تصكيك مشروع ، ولا أقول : توريق مشروع لأن التوريق هو خاص في الاصطلاح بما ذكرناه فلا يجوز الباسه عمة حتى يكون مشروعاً .
للجواب عن ذلك نقول :
... الحل الوحيد هو أن تبيع المؤسسة المشروعة ديونها إلى مؤسسة أخرى بالأعيان أو الحقوق المالية أو المنافع عند من أجازها ، على ضوء الخطوات الآتية :
__________
(1) د. حسين فتحي عثمان : المرجع السابق ص 16 ، 17 ود. أمين عبدالله ، المرجع السابق ص 44(1/29)
أ) موافقة الأطراف الثلاثة ، وهي : المؤسسة الدائنة ، والعملاء المدينون ، والمؤسسة التي تشتري ، سواء كانت (S.P.V) أو غيرها .
ب) قيام المؤسسة المشترية (S.P.V) بتصكيك هذه الأعيان التي هي ملك للمؤسسة المالية الدائنة .
ج) وفي هذه الحالة لا يبقى البنك الدائن ضامناً لديون العملاء المدينيين ، ولكنهم يبقون ملتزمين بالدين مع فوائده ، لأن الدائن قد نقل ديونهم إلى بالبيع .
... مدى بقاء الدائن ( البنك ) ضامناً بعد الصفقة ، وهل يجوز ـ في حالة فرض صحة بيع الدين بالعين شرعاً ـ أن يبقى البنك الدائن ضامناً لديون مدينة في حالة ما إذا تم بيع ديونهم إلى مؤسسة أخرى ؟
للجواب عن ذلك نقول :
... إن الدائن بعد ما تم بيع دينه لجهة أخرى بموافقته وموافقة المدينيين لم يعد ضامناً من حيث الأصل والمبدأ لهذا الدين ، لأنه لم يعد أساساًَ دائناً ، ولكن يمكن تضمينه من خلال ما يأتي :
1) أن يضمن سداد المشتري للثمن بعقد جديد دون ربطه ببيع الدين، لأن هذا الضمان خارج عن عملية دينه ، والضمان جائز ، إلاّ ممن له عقد أمانة مع المضمون له مثل الوكالة بالاستثمار والمضاربة ، والمشاركة ، حيث لا يجوز في هذه الحالة أن يضمن الوكيل ، أو المضارب أو الشريك او نحوهم الأموال التي أمن عليها إلاّ لحالات التعدي أو التقصير ، وبما أن الدائن هنا ليس من هؤلاء فيجوز أن يضمن المشتري سداد ثمن الدين .
2) أن يرتب العقد على أساس الحوالة ، وأن تكيف الحوالة على أساس البيع ـ كما قال بذلك بعض الفقهاء (1) ـ وعلى أساس أن الحوالة بالأعيان جائزة ـ وهذا رأي جماعة من الفقهاء (2) ـ وعلى أساس أنها أيضاً تنقل الحق مقيداً بقدرة المحال عليه على الأداء ، وبالتالي فإذا لم يستطع أداء الدين لأي سبب كان فإن المحال يرجع على المحيل بقيمة دينه وهذا رأي جماعة من الفقهاء .
__________
(1) ... سبق ذكرهم مع مصادرهم
(2) ... سبق ذكرهم مع مصادرهم(1/30)
... والتحقيق أن الحل الأخير ضعيف مبني على التلفيق ، ولكن يمكن اللجوء إليه لحالات الضرورة ، أو الحاجة العامة .
الطريقة الثالثة : المشاركة الفرعية (Sub-Partipation) :
... وهذا الأسلوب يستخدم بكثرة في أمريكا وبريطانيا لترتيب تمويلي يتم بين البنك البادئ للتوريق ، وبنك آخر (S.P.V) يطلق عليه البنك المشارك ، أو البنك القائد ، يتم بمقتضاه قيامه بالتوريق من خلال تقديم مبلغ من المال للبنك الأول مقابل سندات مديونية على أن يسترده مع فوائده في زمن الاستحقاق أي تصفية السندات بالقيمة الاسمية والفوائد المتفق عليها (1) .
... فهذا الأسلوب لا يسمح للبنك المشارك (S.P.V) أن يرجع على البنك الأول ، حيث يكون المسؤول عن المبلغ المتفق عليه هو المدين ( أو المدينون ) وليس البنك .
... وعلى الرغم من شهرة هذه الطريقة إلاّ أنها انتقدت بما يأتي :
أولاً ـ ... أن هذا الأسلوب ينطلق من فرضية عدم علاقة تعاقدية بين البنك المشارك والمدين على عكس الحال في حوالة الحق أو التجديد ، مع أن المدين هو المسؤول عن سداد الدين للبنك المشارك (S.P.V) ، ويترتب على ذلك ما يأتي :
1) أن البنك المشارك (S.P.V) لا يتمتع بحق انتفاع على الدين ، فإذا كان الدين قرضاً فلا يتمتع بأي حق من حقوق البنك الأول بموجب اتفاق تسهيلات القروض
2) أن البنك المشارك لا يستطيع رفع دعوى لمطالبة المدين بالوفاء بالمبلغ الذي دفعه للبنك الأول وفوائده في حالة التأخير عن الوفاء ، بل عليه أن يرجع إلى البنك الأول وفوائده في حالة التأخير عن الوفاء ، بل عليه أن يرجع إلى البنك الأول لرفع الدعوى والمطالبة حسب الاتفاق المبرم بينه وبين المدين .
__________
(1) ... د. حسين فتحي عثمان : المرجع السابق ص 17(1/31)
3) تعرض البنك المشارك لخطر ائتماني مزدوج في حالة افلاس البنك الأول ، أو تعرض المدين لاعسار أو إفلاس (1) .
ثانياً ـ ... عدم وجود قيود جوهرية في أمريكا وبريطانيا على هذه الطريقة مما دفع بعض الاقتصاديين الأمريكان إلى المطالبة بضرورة التدخل للحدّ من مثالب هذا الأسلوب .
... وقد استجابت (O.C.C) في أمريكا إلى إصدار منشور موجه إلى البنوك المشاركة جزئياً ، يلقي عليها مسؤولية ضرورة التأكد من الحصول على جميع الوثائق اللازمة ، و إجراءات التحليلات الائتمانية ، والاحتفاظ بحق إدارة الديون خلال فترة المشاركة ، كما حمل المنشور البنوك البادئة بالتوريق : التزاماً بضرورة تزويد البنوك المشاركة بالمعلومات الكافية ، وتعزيز ائتمانها بالتأمينات ، والكفالات التي تمكنهم من تنفيذ مسؤولياتهم (2) .
... وكانت سياسة معظم الدول الغربية ( أمريكا وبريطانيا ) تقوم على عدم تدخل البنوك المركزية بفرض قيود على أسواق بيع الديون مع التوجه نحو دعم البنوك المشترية (S.P.V.S) لضبط ميزانيتها وعدم تعريضها للمخاطر الائتمانية في حالة نقل الأصول بطريقة المشاركة الفرعية ، ولا سيما في حالة وجود التزامات أو مسؤوليات محتملة عليها، غير أن المعهد الأمريكي للمحاسبين العموميين المرخص لهم : شكك في المخاطر الائتمانية، وطالب بالتشدد في تصديق التأخر بالوفاء ، أو عدم الملاءة إلاّ في حالة وجود المدين في ضائقة مالية بسبب تغيير مناقض بشكل جوهري لممارسته السابقة (3) .
الحكم الشرعي لهذه الطريقة :
__________
(1) ... يراجع لانتقاد ذلك في القانون الانجليزي Wait Hill Holding V.Marshall 1983 (133 N.L.J 745 ) ود. حسين فتحي عثمان : المرجع السابق ص 18
(2) ... د. خالد أمين عبدالله : المرجع السابق ص 45 ، 47 ود. حسن قتحي عثمان : المرجع السابق ص 19
(3) ... المصادر السابقة(1/32)
... إن الحكم الشرعي لهذه الطريقة واضح من حيث انها لا تختلف عن سابقتيها من كون الديون ربوية ، وبقاء الفوائد في جميع مراحلها ، ولذلك فهي تدخل ضمن السندات التي صدرت بشأنها قرارات المجامع الفقهية السابقة التي قضت بحرمتها ـ كما سبق ـ .
هل هناك بديل شرعي لهذه الطريقة :
... إن عملية التوريق ـ كما سبق ـ محرمة في جميع حالاتها ، وبالتالي فلا يجوز التعامل معها لا بالسندات ، ولا بتصكيكها .
... ولكن هل يمكن أن يكون في الفقه الإسلامي بديل مماثل للمشاركة الفرعية في حالة كون الديون مشروعة ؟
... للجواب عن ذلك هو أن البديل في هذه الحالة يكمن في شركة الملك ، بأن يبيع الدائن جزءاً من ديونها ، أو كلها لشخص طبيعي أو اعتباري (S.P.V) بنسبة من عقار أو عقارات ، أو من شركة ، أو مصنع ، أو نحو ذلك ، ثم يقوم الشخص ( الطبيعي ، او الاعتباري مثل (S.P.V) بتصكيك هذه الأعيان بطريقة مشروعة تتوافر فيها الشروط والضوابط المطلوبة من قبل مجمع الفقه الإسلامي في قراره [رقم 30(3/1) ] (1) ، ومعيار صكوك الاستثمار رقم (17) الصادر من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية (2) .
الفرق بين عملية التوريق في المؤسسات المالية التقليدية ، وفي المؤسسات المالية الاسلامية من حيث الخطوات والمنافع ، ومن حيث طبيعة الأصول التي يمكن توريقها :
... إن عملية التوريق التي تحدثنا عنها بطرقها الثلاث كانت تقوم على أسس غير مشروعة في الشريعة الإسلامية ، لذلك فالبديل الشرعي هو : التصكيك للأعيان والمنافع والحقوق المالية ، فالأولى والأفضل أن لا نستعمل مصطلح ( التوريق ) الذي له معناه ومدلوله الخاص به ، بل نستعمل مصطلح ( التصكيك ) وذلك للفروق الجوهرية الآتية بينهما ، نذكر أهمها بإيجاز وهي :
__________
(1) ... يراجع : مجلة المجمع : ع4 ج 3 ص1809
(2) ... يراجع : المعايير الشرعية ص 285 – 305(1/33)
1) ان التوريق يقوم على ديون ذات فوائد ربوية ، في حين أن التصكيك لا يقوم على الديون ناهيك عن الفوائد المحرمة شرعاً ، وإنما يقوم على الأعيان والمنافع .
2) ان التوريق يؤدي إلى إصدار سندات دين من خلال شركة ذات غرض خاص تقوم هذه السندات على الفوائد المحرمة ، وعلى بيع الدين الآجل النسيئ بالدين النسيئ وهو محرم أيضاً بالاجماع .
أما التصكيك فليس فيه بيع الدين النسيئ بالدين النسيئ ، كما أنه ليست فيه فوائد محرمة .
3) أن التصكيك يجب أن يلتزم بالضوابط والشروط والمبادئ التي ذكرها مجمع الفقه الإسلامي الدولي [ قرار رقم 30 (3/1) ] ومعيار صكوك الاستثمار رقم (17) الصادر من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
مشروع قرار أمام المجمع الموقر حول التوريق Securitization
قرر ما يلي :
أولاً - ... إن التوريق Securitization وهو أداة مالية لتحويل ديون متجانسة مضمونة مع فوائدها إلى أوراق مالية قابلة للتداول من خلال مؤسسة ذات غرض خاص (S.P.V) يدخل ضمن سندات الدين المحرمة التي صدر بشأنها قرار رقم 60(11/6) (1) سواء تم نقل الديون إلى المؤسسة ذات الغرض الخاص (S.P.V) عن طريق حوالة الحق ، أم عن طريق تجديد الديون أم المشاركة الفرعية .
__________
(1) ... يراجع : مجلة المجمع : ع 6 ج 2 ص 1273 ، ع 7 ج 1 ص 73(1/34)
ثانياً - ... أن البديل الشرعي للتوريق هو التصكيك الذي ورد في قرار المجمع رقم 13(3/15) من خلال الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع ، أو نشاط استثماري معين أو على أساس عقد المشاركة ، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة ، أو نفع مقطوع ، وإنما تكون لهم نسبة من الربح المحقق من هذا المشروع حسب الضوابط التي ذكرها قرار المجمع [ قرار رقم 30 (5/4) ] الصادر بشأن سندات المقارضة ، أو على أساس عقد الإجارة أو نحوه من العقود الشرعية التي يمكن التصكيك على أساسها بضوابطه الخاصة بالاصدار والتداول .
والله أعلم .(1/35)