الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
الصكوك الإسلامية
(التوريق)
وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها
إعداد
د.عبد الباري مشعل
المدير العام – شركة رقابة للاستشارات، ليدز-بريطانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الصكوك الإسلامية (التوريق) وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أتقدم بالشكر الجزيل لأمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي معالي الأستاذ الدكتور عبدالسلام العبادي - حفظه الله - على دعوتي للكتابة في موضوع "الصكوك الإسلامية (التوريق) وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها".
وقد حُددت مشكلة البحث في هذا الموضوع في ورقة العمل المعدة من أمانة المجمع في "توريق الديون التي في الذمم"؛ استكمالاً لموضوع توريق الأعيان والمنافع الذي صدر بشأنه قرار المجمع رقم 30 ( 5/4) بسندات سندات المقارضة وقرار رقم 137 (3/15) بشأن صكوك الإجارة.
ولا شك أن توريق الدين (بيعه وتسييله) يحقق مصالح للدائنين تتمثل في تعجيل الحصول على أموالهم ومن ثم إعادة تدويرها في مجالات الإنتاج والاستثمار. غير أن ما يدعو للبحث هو أن صورا لبيع الدين النقدي من غير المدين به (الطرف الثالث) تحيط به الشبهات من الناحية الفقهية؛ لأنها تؤدي إلى ربا النسيئة، أو تنطوي على الغرر الناشئ من عدم القدرة على التسليم، أو عدم التقابض في بيع نقد بنقد، وهو ما يحد من القدرة على توريق الدين.
ويهدف هذا البحث إلى بيان الإطار الفني للتوريق من حيث مفهومه وعناصره ودوافعه وأنواعه وإجراءاته، ثم يتم بيان الإطار الفقهي للتوريق من حيث تكييفه، ومحدداته في الاجتهادات الفقهية المجمعية، والحلول الفقهية لعملية التوريق، وذلك من خلال مبحثين هما:
المبحث الأول: الإطار الفني للتوريق.
المبحث الثاني: الإطار الفقهي للتوريق(1/1)
المبحث الثالث: حلول وتطبيقات معاصرة للتوريق
المبحث الأول
الإطار الفني للتوريق
التوريق بين المعنى العام والخاص:
يعني مصطلح التوريق – وقد يقال التسنيد اشتقاقاً من السندات - Securitization، تقسيم الأصول عينية كانت أو نقدية أو ديوناً إلى وحدات أو حصص متساوية القيمة، وتوثيقها بأوراق مالية أو سندات قابلة للتداول في سوق ثانوية (مثل البورصة)؛ مما يُسَهِّل على المالكين أو حملة تلك الوثائق تسييلها أي تحويلها إلى وَرِق أو نقود من خلال بيعها في السوق. وفي الكتابات المعاصرة قد استخدم مصطلح التوريق بهذا المعنى العام الشامل لكل الأصول وقد يُخَصُّ بالديون فقط (1) .
وقد استخدم مصطلح التصكيك كمرادف للتوريق بهذا المعنى العام، في المعيار الشرعي رقم 17 الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في موضوع صكوك الاستثمار. وقد تناول المعيار آلية تصكيك جميع أنواع الأصول من نقود وديون وأعيان ومنافع، كما حدد الضوابط الشرعية لتداول الصكوك ونص على عدم جواز تداول الصكوك التي تكون أصولها ديوناً سلعية كالسلم والاستصناع أو ديوناً نقدية كالمرابحة المؤجلة.
ورغم استخدام مصطلح التوريق بالمعنى العام؛ بيد أن الاستخدام الدقيق لهذا المصطلح حسب ما يظهر من التعريفات القانونية ينحصر في توريق الديون الناشئة عن قروض أو ديون بصفة عامة كالديون الناشئة عن البيع والإجارة.
__________
(1) ... من المؤسسات المعاصرة التي استخدمت مصطلح التوريق بالمعنى العام "رساميل" وهي شركة كويتية متخصصة بالتوريق. ينظر القبس الكويتية، العدد 12343في 28 رمضان 1428هـ – 10 أكتوبر 2007م.(1/2)
ومراحل التوريق وإجراءاته بالمعنى العام أو المعنى الخاص متشابهة. وقد أوصت ورقة الاستكتاب المعدة من أمانة المجمع بأن يشتمل البحث على عدة محاور، بعضها فني وآخر شرعي. ويعرض البحث فيما يلي للمحاور الفنية (1) :
مفهوم توريق الدين:
__________
(1) ... يعرض البحث المحاور الفنية كما هي لدى أهل الفن، حتى تسهم في تصوير محل النزاع بشكل كاف للمناقشة الفقهية. وقد تمت الاستعانة بالدراسة القانونية الآتية: سعيد عبدالخالق، "توريق الحقوق المالية"، منشورة في موقع البوابة القانونية على الرابط الإلكتروني الآتي: www.tashreaat.com .(1/3)
التوريق المصرفيSecuritization هو أداة مالية مستحدثة (1) تفيد قيام مؤسسة مالية بحشد مجموعة من الديون المتجانسة والمضمونة كأصول، ووضعها في صورة دين واحد معزز ائتمانياً ثم عرضه على الجمهور من خلال منشأة متخصصة للاكتتاب في شكل أوراق مالية، تقليلا للمخاطر، وضمانا للتدفق المستمر للسيولة النقدية للبنك. لذلك يتمثل مصطلح التوريق (التسنيد) في تحويل القروض إلى أوراق مالية قابلة للتداول Marketable Securities أي تحويل الديون من المقرض الأساسي إلى مقرضين آخرين. وعلى ذلك، تبدو القروض المصرفية وكأنها قروض مؤقته معبر للقروضBridging أي تنتقل القروض عبرها من صيغة القرض المصرفي إلى صيغة الأوراق المالية، فبالاعتماد على الديون المصرفية القائمة، يمكن خلق أصول مالية جديدة، وتوفير تدفقات نقدية. وتقوم تكنولوجيا التوريق أساسا على الإبداعات المستمرة في هيكلة الموجودات، وتبويبها بما يساعد على تقييم أدائها من جهة، والتمويل اللاحق من جهة أخرى، بهدف تحقيق الدخل، واستبعاد مخاطر الافلاس.
يتضح مما تقدم، أن عملية التوريق تؤدي إلى تحويل القروض من أصول غير سائلة إلى أصول سائلة The conversion of illiquid Assets to Marketable securities .
العناصر الرئيسة للتوريق:
يقوم التوريق على العناصر الرئيسة الآتية:
__________
(1) ... انتشر التوريق في ثمانينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث سعت كثير من المصارف إلى توريق ديونها. ومنذ متنصف التسعينات توسع التوريق في الأسواق التقليدية تصاعديا واشتمل على القروض السكنية والتجارية وقروض السيارات وبطاقات الائتمان وعقود الإيجار وغيرها. وفي الوقت دخلت أصول جديدة لتحتل جزءاً متزايدة من الأسواق المالية. القبس الكويتية، مرجع سابق.(1/4)
1- المقترض (Borrower): سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً. وقد يكون الغرض من الاقتراض هو مواجهة التعثر المالي أو إعادة الهيكلة (Restructuring)، أو الاستعانة بالأموال المقترضة للوفاء بديون حل تاريخ استحقاقها، وإحلال دين القرض طويل الأجل محل هذه الديون.
2- الأصول موضوع التوريق: يتجسد الدين في صورة سندات مديونية، والأصول الضامنة للدين محل التوريق دائما ما تكون أصول ذات قيمة مرتفعة، لذلك غالبا ما تكون حقوق رهن رسمي للمؤسسة المالية على عقارات أو منقولات يملكها الراهن المدين للمؤسسة المالية.
3- الخطوات التمهيدية لعملية التوريق: تتمثل الخطوات التمهيدية في قيام المؤسسة المالية التي تنشد الحصول على سيولة نقدية سريعة لديونها بالآتي: (أ) التفاوض والاتفاق بين المؤسسة المالية والدائن الجديد على نقل ملكية الأصول مقابل تسلم المؤسسة لأصول سائلة. (ب) استطلاع رأي عملاء المؤسسة المدينين بشأن توريق ديونهم. (ج) في حال موافقة العملاء؛ تقوم المؤسسة المالية بتنظيم تفاصيل العلاقة الجديدة بين المدينين والدائن الجديد.
4- مهام أخرى: التقييم الواقعي لقيمة الأصول، وتحديد السعر الملائم للأوراق المالية المزمع طرحها للاكتتاب، والتخطيط لبرامج الترويج للاكتتاب، وإعداد الدراسات الخاصة بالتدفقات النقدية، ... إلخ.
5- إدارة الأصول : على الرغم من انتقال ملكية الأصول الضامنة للوفاء بقيمة الأوراق المالية المصدرة من الذمة المالية للمؤسسة المالية القائمة بالتوريق؛ إلى الدائنين الجدد، فإن الممارسة العملية أثبتت أنه في معظم الصفقات يناط بهذه المؤسسة مهام إدارة واستثمار محفظة هذه الأصول وضماناتها أثناء إنجاز أو تنفيذ عمليات التوريق.
دوافع عمليات التوريق(1/5)
ما يدفع المؤسسة المالية لتوريق ديونها هو الرغبة في زيادة قدرتها على منح التمويل، وزيادة سرعة دوران رأس المال، ومن ثم زيادة الربحية، في ظل قواعد محاسبية تحد من هذه القدرة كمراعاة مبدأ كفاية رأس المال (نسبة الديون إلى رأس مال المؤسسة)، والاحتفاظ بمخصصات لمقابلة الديون المشكوك فيها.
بالتوريق تتمكن المؤسسة من تدوير جزء من الأصول السائلة (Recycle Cash) الناجمة عن توريق أصولها غير السائلة الضامنة لديونها لدى الغير دون أن يحتم ذلك زيادة في مخصصات المخاطر في ميزانية المؤسسة.
وبالإضافة إلى ما سبق ثمة دوافع وأهداف أخرى للتوريق منها:
1- رفع كفاءة الدورة المالية والإنتاجية ومعدل دورانها، عن طريق تحويل الأصول غير السائلة إلى أصول سائلة لإعادة توظيفها مرة أخرى. مما يساعد على توسيع حجم الأعمال للمنشآت بدون الحاجة إلى زيادة حقوق الملكية .
2- تسهيل تدفق التمويل لعمليات الائتمان بضمان الرهون العقارية، وبشروط وأسعار أفضل وفترات سداد أطول .
3- تقليل مخاطر الائتمان للأصول، من خلال توزيع المخاطر المالية على قاعدة عريضة من القطاعات المختلفة.
4- انحسار احتمالات تعرض المستثمرين للأخطار المالية، وإنعاش سوق الديون الراكدة .
5- تخفيف وطأة المديونية، مما يساعد في تحقيق معدلات أعلى لكفاية رأس المال.
6- تنشيط السوق الأولية في بعض القطاعات الاقتصادية مثل العقارات والسيارات.
7- تنشيط سوق المال من خلال تعبئة مصادر تمويل جديدة، وتنويع المعروض فيها من منتجات مالية، وتنشيط سوق تداول السندات .
8- التوريق أداة تساعد على الشفافية، وتحسين بنية المعلومات في السوق، لأنه يتطلب العديد من الإجراءات، ودخول العديد من المؤسسات في عملية الإقراض، مما يوفر المزيد من المعلومات في السوق .(1/6)
9- توفير العملات الأجنبية في حال التوريق عبر الحدود، فيما لو أمكن التعامل مع إحدى المؤسسات المهتمة بتحويلات العاملين في الخارج، أو بطاقات الائتمان وغيرها.
أنواع وصور التوريق:
يمكن تصنيف التوريق إلى نوعين أساسيين هما :
1- تصنيف التوريق وفقا لنوع الضمان:
- التوريق بضمان أصول ثابتة.
- التوريق بضمان متحصلات آجلة.
2- تصنيف التوريق وفقا لطبيعته:
- انتقال الأصول من خلال بيع حقيقي مقابل شهادات لنقل الملكية لإعادة بيعها، وتوزيع التدفقات المالية وفقا لحصص محددة، وهنا تكون الأوراق المالية معبراً لتحقيق هذا الهدف.
- انتقال الأصول بكفاءة في صورة إدارة مديونية، وإصدار أوراق مالية (سندات) عديدة تختلف فيما بينها وفقا لدرجة التصنيف وسرعة الدفع، وإمكانية فصل مدفوعات الأصل عن الفائدة.
ويمكن تمويل صفقة التوريق بأحد بديلين:
أ ) القروض التجارية : يمكن توفير التمويل اللازم لشراء الأصول (الديون) التي يتم توريقها باللجوء إلى القروض التجارية، مع مراعاة تزامن جدول السداد الخاص بالديون محل التوريق مع التزامات الدفع للمقرضين .
ب ) إصدار سندات دين: تقوم المؤسسة – في هذه الحال – بإصدار سندات بقيمة تعادل قيمة الديون موضوع التوريق، استناداً إلى ما يتوفر لهذه الديون من ضمانات، بهدف استخدام حصيلة الاكتتاب في هذه السندات في شراء تلك الديون، ويراعى أن تتوافق تواريخ استحقاق السندات وعوائدها مع تواريخ استحقاق أقساط الديون وفوائدها، وأن تكفي لسدادها عند حلول آجال استحقاقها.
كيف تتم عملية التوريق؟ (مراحل التوريق وأساليبه):
الهدف من التوريق هو ربط الديون الأصلية بالأوراق المالية مباشرة من خلال الآتي:
1. تجميع الديون في شكل محفظة.
2. وحوالة المحفظة؛ أي فصلها عن الذمة المالية للمؤسسة وفي أغلب الحالات يتم ذلك من خلال إنشاء شركة ذات غرض خاص لتملك هذه المحفظة.(1/7)
3. ثم إصدار أوراق مالية مقابل تلك المحفظة مضمونة بضماناتها (الضمانات المتعلقة بالأصول).
وقد أوجب قانون التمويل العقاري (1) ضرورة وجود ضمان من البنوك على الأوراق المالية المصدرة في شكل السندات التي يتم إنشاؤها بديلا عن الديون . لذلك يستوجب توريق الحقوق المالية تجميع حزمة من القروض أو الديون المتماثلة أو المتشابهة ذات التدفقات النقدية المستمرة في المستقبل، والمضمونة بأصول محددة، وإصدار أوراق مالية مضمونة بتلك الأصول، بمعنى قيام المؤسسات المعنية بطرح أوراق مالية مقابل مجموعة من الديون المدرة للدخل التي لديها، كالديون بضمان رهونات (العقارات– الآلات - .. الخ ).
__________
(1) ... نظم القانون 95 لسنة 1992 سوق رأس المال في مصر، وفى ضوء المتغيرات التي واكبت تطور سوق رأس المال، وقد تم استحداث نشاط توريق الحقوق المالية بموجب قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم (697) لسنة 2001 ، حيث أضيف هذا النشاط إلى أنشطة الشركات العاملة في مجال الأوراق المالية المنصوص عليها في المادة (27) من قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة (1992 الوقائع المصرية ، العدد 215 الصادر بتاريخ 20/9/2001) . من جانب آخر ، فقد أجاز القانون رقم 148 لسنة 2001 بشأن التمويل العقاري في المادة (11) منه ما يأتي: للممول أن يحيل حقوقه الناشئة عن اتفاق التمويل إلى إحدى الجهات التي تباشر نشاط التوريق، وتلتزم الجهة المحال لها بالوفاء بالحقوق الناشئة عن الأوراق المالية التي تصدرها في تواريخ استحقاقها، من حصيلة الحقوق المحاله، ويضمن الممول الوفاء بالحقوق الناشئة عن الأوراق المالية، كما يجوز الاتفاق على ضمان الغير لتلك الحقوق، ويستمر الممول في تحصيل الحقوق المحاله لصالح أصحاب الأوراق المالية بصفته نائباً. ينظر سعيد عبدالخالق، مرجع سابق.(1/8)
وعند قيام المقترضين (أو المدنيين) بسداد هذه الديون مع فوائدها، فإن حاملي الأوراق المالية يستفيدون بهذه التدفقات النقدية .
وتلجأ بعض شركات الإقراض العقاري إلى بيع مجمع من قروض الرهونات العقارية لشركة توريق، والتي تقوم بمسك هذه القروض وتمويلها عن طريق إصدار سندات (Asset – Backed Securities) مطابقة لاستحقاقات القروض حيث تمكنها حصيلة السندات من شراء هذه القروض من المنشئ (Originator)، وهذه القروض تكون مضمونة بالرهونات العقارية .
وعلى ذلك، فإن التوريق أو التسنيد يعني تكوين مجمعات متجانسة (Pools) من القروض العقارية، ثم إعادة تحويلها إلى المستثمرين عن طريق إصدار أوراق مالية عادة ما تكون في شكل سندات ذات عائد دوري ثابت (سواء تم إصدار هذه الأوراق من المؤسسات المالية الدائنة باسلوب الشركة ذات الغرض الخاص أو من خلال شركة متخصصة بإدارة عمليات توريق تقوم بشراء الدين ثم توريقه). ويحصل المستثمر حامل السند على الفوائد الدورية بالإضافة إلى أصل مبلغ السند، ولهذا يجب مراعاة أن تتوافق تواريخ استحقاق السندات وعوائدها مع تواريخ استحقاق أقساط الديون وفوائدها، وهكذا يتم خلق ما يسمى بالسوق الثانوي للرهن العقاري أو سوق السندات، التي يمكن أن يمثل جانب الطلب فيه صناديق التأمينات والمعاشات، وصناديق الاستثمار، والمؤسسات المالية والاستثمارية، وشركات التأمين والأفراد المستثمرين في شراء السندات والذين يبحثون عن عوائد ثابتة .
وهكذا تتمكن البنوك أو شركات الإقراض العقاري من الاستفادة من الأموال الناتجة عن بيع الأوراق المالية بالبورصة، حيث يتم إعادة توظيفها بمنح قروض جديدة أو توظيفات أخرى مشابهة.
ولمزيد من إيضاح آلية التوريق فيما يلي ملخص لإجراءات التوريق (1) :
__________
(1) لاحم الناصر، التوريق، جريدة الشرق الأوسط اللندية، منشور على الرابط الآتي: www.alaswaq.net(1/9)
أولاً: ... تبيع المؤسسة المالية بعض أصولها المضمونة بسعر مخفض لمنشأة ذات غرض خاص يتم إنشاؤها لغرض شراء هذه الأصول التي ترغب المؤسسة في توريقها والتي اصطلح على تسميتها (Special Purpose Vehicle (SPV وذلك حتى تخرج هذه الأصول من الذمة المالية للمؤسسة بحيث تبتعد عن مخاطر إفلاس المؤسسة المالية البائعة.
ثانياً: ... يتم نقل الأصول بضماناتها والتي هي عبارة عن مديونية على مدينين للمؤسسة المالية مضمونة برهن أو ملكية لدى المؤسسة المالية إلى المنشأة ذات الغرض الخاص.
ثالثاً: ... تصدر المنشأة ذات الغرض الخاصة وتسمى (المُصْدِر) سندات بقيمة تعادل قيمة الديون محل التوريق للحصول على السيولة عن طريق بيعها على المستثمرين.
رابعاً: ... تستخدم المنشأة ذات الغرض الخاص السيولة المتحصلة من بيع السندات لسداد قيمة الأصول للمؤسسة المالية البائعة.
خامساً: تكون الفوائد على هذه السندات متوافقة مع فوائد الديون الأصلية.
ويتلخص مما سبق أن هناك أسلوبان للتوريق:
الأول: إصدار أوراق مالية توازي في قيمتها وتواريخ استحقاقها الدين الأصلي، ثم بيع هذه الأوراق بقيمة فورية لتحصيل السيولة وهي الهدف من التوريق.
الثاني: بيع الدين الأصلي لشركة إدارة توريق تقوم بدورها بإصدار أوراق مالية تستخدم حصيلة البيع في سداد قيمة الدين الأصلي...إلخ.
تكاليف ومخاطر التوريق:
أولاً: تكاليف التوريق:
- تكلفة تمويل الديون والقروض المصدرة.
- المصروفات الإدارية المصاحبة لإنشاء الدين.
- تكاليف تحسين الجدارة الائتمانية.
- أجور القائمين بعملية التوريق.
- تكاليف الاستشارات المحاسبية والقانونية.
- التكاليف الخاصة بمؤسسات التصنيف.
- تكلفة تغيير وتطوير الأنظمة حتى تتناسب مع نظام التوريق.
ثانياً: مخاطر التوريق:
- مخاطر الائتمان.
- مخاطر الضمان.
- حالات الإفلاس سواء للمصدر أو للحاصلين على القروض.
- مخاطر السوق.
- مخاطر مؤسسية للجهات العاملة في التوريق.(1/10)
- مخاطر تتعلق بإدارة وتشغيل عملية التوريق.
- مخاطر تقلب أسعار الفائدة .
المبحث الثاني
الإطار الفقهي للتوريق
التكييف الفقهي للتوريق:
لا تختلف عملية التوريق في المؤسسات المالية الإسلامية من حيث الخطوات والمنافع عن ما سبق ذكره في عمليات التوريق التقليدية، ولكن الاختلاف سيكون من حيث القيود الشرعية التي تحد وتضيق من المساحة المتاحة لتوريق الدين النقدي (1) .
أصبح واضحاً أن التوريق يتمثل في أن تقوم المؤسسة المالية بتجميع ديونها المتجانسة المغطاة بضمانات جيدة موجودة لدى المؤسسة المالية، وإصدار أوراق مالية جديدة مضمونة بتلك الديون الأصلية وما يسندها من ضمانات. وتتفق هذه الأوراق المالية الجديدة في قيمتها وآجال استحقاقها مع الدين الأصلي، ويتم بيعها نقداً من غير المدينين للمؤسسة المالية. ثم يستمر تداول هذه الأوراق من يد إلى يد في سوق الأوراق المالية. ومؤدى عملية التداول تغيير الدائنين مع كل عملية بيع مع ثبات المدينين في كل عمليات البيع.
وقد تتوسط في عملية التوريق مؤسسة تمويلية تشتري الدين أولاً ثم تقوم بتوريقه، وفق الآلية السابقة، وتستخدم حصيلة بيع الأوراق المالية في دفع قيمة الدين الأصلي.
والعناصر الأساسية لتوريق أو تسييل القروض والديون النقدية بهذه الطريقة تتمثل في الآتي:
1- دين مؤجل.
2- مشتر غير المدين (الطرف الثالث).
3- البيع بثمن نقدي حال.
4- انتقال حق المطالبة والاستيفاء من الدائن الأول إلى الدائنين الجدد.
5- استمرار التزامات المدينين بالوفاء بالدين للدائنين الجدد في تواريخ الاستحقاق وإبقاء الضمانات المقدمة لصالح الدائنين حتى سداد آخر قسط من الدين الذي عليهم.
__________
(1) ينظر : لاحم الناصر، مرجع سابق. والقبس الكويتية، مرجع سابق.(1/11)
وهذه الصورة للتوريق يمكن التعبير عنها في المسألة الفقهية الآتية: "بيع بيع الدين النقدي المؤجل بثمن حال من غير المدين به أو من طرف ثالث". والبيع قد يكون بثمن نقدي، وهو المقصود بالتوريق، وقد يكون بثمن حال غير نقدي كسلعة حاضرة أو منفعة عين حاضرة.
ويتحصل من المسألة الصور الآتية:
أ ) بيع الدين النقدي المؤجل بثمن نقدي حال، وله حالان:
- أن يكون الثمن نقداً من جنس الدين.
- أن يكون الثمن نقداً من غير جنس الدين.
ب ) بيع الدين النقدي المؤجل بثمن غير نقدي حال، ولها حالان:
- أن يكون الثمن سلعة حاضرة.
- أن يكون الثمن منفعة عين حاضرة.
وليس مما يدخل في التوريق بالمعنى المقدم في هذا البحث ما يأتي:
- "بيع الديون السلعية كبيع المسلم فيه والمستصنع قبل قبضهما"؛ فلهذا مظانه الخاصة به.
- ديون الإجارة، لأنه عولجت بقرار المجمع في صكوك الإجارة المشار إليه في مقدمة هذا البحث.
محددات التوريق في الاجتهادات الفقهية المجمعية:
يهدف هذا الجزء إلى تتبع المسألة محل البحث في قرارات المجمعين المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
فقد صدر عن مجمع الرابطة قراران في بيع الدين، وعن مجمع المنظمة قرار في موضوع حسم الكمبيالات وقراران في بيع الدين. وقد أسهمت القرارات في وضع إطار فقهي ملائم للتوريق المشروع، وذكرت صوراً لبيع الدين تصلح للاستناد إليها في هيكلة عمليات توريق مشروعة.
قرارات مجمع المنظمة
أولاً
قرار رقم : 64 ( 2/7)
بشأن البيع بالتقسيط (1)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 – 14 أيار (مايو) 1992م ،
__________
(1) مجلة المجمع (ع 6، ج1 ص 193 والعدد السابع ج 2 ص9)(1/12)
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط، واستكمالاً للقرار 51 (2/6) بشأنه، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي :
أولاً : البيع بالتقسيط جائز شرعاً، ولو زاد فيه الثمن المؤجل على المعجل .
ثانياً : الأوراق التجارية (الشيكات-السندات لأمر-سندات السحب) من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة .
ثالثاً : ... إن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم .
رابعاً : الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعاً، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية . فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذٍ حكم حسم الأوراق التجارية
خامساً : يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً .
سادساً : إذا اعتبر الدين حالاً لموت المدين أو إفلاسه أو مماطلته، فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي .
سابعاً : ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار : ألا يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الأصلية يفي بدينه نقداً أو عيناً .
والله أعلم.
ثانياً
قرار رقم: 101 (4/11)
بشأن بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية
في مجال القطاع العام والخاص (1)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في مملكة البحرين، من 25-30 رجب 1419هـ، الموافق 14- 19 تشرين الأول (نوفمبر) 1998م.
__________
(1) ... مجلة المجمع (ع 6، ج1 ص 193 والعدد السابع ج 2 ص9)(1/13)
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع "بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية في مجال القطاع العام والخاص"، وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع من المواضيع المهمة المطروحة في ساحة المعاملات المالية المعاصرة.
قرر ما يلي:
أولا: ... أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد مؤجل من جنسه أو غير جنسه لأنه من بيع الكالىء بالكالىء المنهي عنه شرعاً. ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئاً عن قرض أو بيع آجل.
ثانيا: ... التأكيد على قرار المجمع رقم 60(11/6) بشأن السندات في دورة مؤتمره السادس بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 17 – 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس)1990م. وعلى الفقرة (ثالثا) من قرار المجمع رقم 64/2/7 بشأن حسم (خصم) الأوراق التجارية، في دورة مؤتمره السابع بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 – 14 مايو 1992م.
ثالثا: ... استعرض المجمع صوراً أخرى لبيع الدين ورأى تأجيل البت فيها لمزيد من البحث، والطلب من الأمانة العامة تشكيل لجنة لدراسة هذه الصور واقتراح البدائل المشروعة لبيع الدين ليعرض الموضوع ثانية على المجمع في دورة لاحقة.
والله أعلم.
ثالثاً
قرار رقم 158 (7/17)
بشأن بيع الدين
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427هـ، الموافق 24 – 28 حزيران (يونيو) 2006م،(1/14)
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بيع الدين، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، واطلاعه على قرار المجمع رقم: 101(4/11) بشأن موضوع: بيع الدين وسندات المقارضة، والذي نص على أنه "لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه... الخ"،
وبعد الاطلاع أيضاً على قرار المجمع رقم: 139(5/15) بشأن موضوع بطاقات الائتمان، والذي ذكر "أن على المؤسسات المالية الإسلامية تجنب شبهات الربا أو الذرائع التي تؤدي إليه كفسخ الدين بالدين"،
قرر ما يلي:
أولاً: ... يعدّ من فسخ الدين بالدين الممنوع شرعاً كل ما يُفضي إلى زيادة الدين على المدين مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه، ومن ذلك فسخ الدين بالدين عن طريق معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية جديدة على المدين من أجل سداد المديونية الأولى كلها أو بعضها، سواء أكان المدين موسراً أم معسراً، وذلك كشراء المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم بيعها بثمن حال من أجل سداد الدين الأول كله أو بعضه.
ثانياً: ... من صور بيع الدين الجائزة:
(1) بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور التالية:
( أ) بيع الدين الذي في الذمة بعملة أخرى حالة، تختلف عن عملة الدين، بسعر يومها.
( ب) بيع الدين بسلعة معينة.
( ج) بيع الدين بمنفعة عين معينة.
(2) ... بيع الدين ضمن خلطة أغلبها أعيان ومنافع هي المقصودة من البيع.
كما يوصي بإعداد دراسات معمقة لاستكمال بقية المسائل المتعلقة بهذا الموضوع وتطبيقاته المعاصرة.
حكم التوريق في قرارات مجمع المنظمة:(1/15)
أولًا: إن الصورة (أ) من من صور بيع الدائن دينه لغير المدين في القرار 158 (7/17) ونصها: "بيع الدين الذي في الذمة بعملة أخرى حالة تختلف عن عملة الدين بسعر يومها"؛ تتناقض في ظاهرها مع الفقرة الأولى من القرار 101 (4/11) ونصها: "أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه لإفضائه إلى الربا" (1) . ومن الأفضل إيضاح الفرق بين الصورة الجائرة في القرار 158 والصورة الممنوعة في القرار 101 بغرض الآتي:
1- إزالة ما يظهر من تناقض بين الصورتين.
2- كشف ما يكتنف الصورة الجائزة في القرار 158 من تشابه مع حسم الكمبيالات الممنوع في القرار 64 (2/7)، أو على الأقل تقييدها بألا تكون حيلة لحسم الكمبيالات الممنوع.
3- توضيح حالة الدين الأول من حيث الأجل هل هو حال أم مؤجل، وهل من فرق بينهما؟
أما الصور المتبقية من القرار 158 وهي:
( ب) ... بيع الدين بسلعة معينة.
( ج) ... بيع الدين بمنفعة عين معينة.
(2) ... بيع الدين ضمن خلطة أغلبها أعيان ومنافع هي المقصودة من البيع؛
فهذه الصور الثلاثة تعد أساساً مشروعاً للتوريق بعد إعادة صياغتها للاقتصار منها على ما يخص المسألة محل البحث على النحو الآتي:
- بيع الدين النقدي المؤجل لغير المدين بسلعة معينة حاضرة.
- بيع الدين النقدي المؤجل لغير المدين بمنفعة عين حاضرة.
- بيع الدين النقدي المؤجل لغير المدين ضمن خلطة أغلبها أعيان ومنافع هي المقصودة في البيع بثمن نقدي حال. وتتأتى هذه الصورة في ضم أسهم المشاركة وصكوك الإجارة إلى خلطة المبيع.
__________
(1) ... استفسرت عن هذا التناقض من الشيخين، الدكتور عبدالستار أبو غدة، والدكتور محمدعلي القري، فأوضحاً أن المقصود أن تتم حوالة بالدين لمدين جديد ثم يقضيه بعملة أخرى حالة بسعر يومها. وفي ضوء هذا التفسير تكون الصورة نم قبيل بيع الدين للمدين بثمن حال. وهي الصورة الأولى في قرار مجمع الرابطة رقم 1 في الدورة 16 الذي سيأتي بيانه.(1/16)
وبهذا تكون قرارات مجمع المنظمة الصادرة في موضوع الدين قد فتحت مجالاً لحسم الكمبيالات المؤجلة وتداول سندات الدين المؤجلة إذا كانت بصورة من الصورة الثلاث السابقة دون أي حرج شرعي، وهذه الصور الثلاث تمثل إطار شرعياً ملائماً للتوريق بمفهومه المحدد في هذا البحث.
أما الصورة الأولى وهي بيع الدين لغير المدين بعملة أخرى غير عملة الدين حالة؛ فهي تصلح أساساً مباشرة لتوريق الديون بالمعنى المقصود في هذا البحث لولا ما أثير حولها من ملاحظات بشأن كونها تؤدي إلى الربا كما في نص القرار 101 أو تكون أداة لحسم الكمبيات كما في القرار 64. وبالتالي لا يمكن البناء عليها ما لم تحل هذه الإشكالات.
قرارات مجمع الرابطة
أولاً
رقم القرار: 1 رقم الدورة: 16
بشأن موضوع بيع الدين
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 16/10/1425- 29/11/2004
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:(1/17)
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21-26/10/1422هـ الذي يوافقه: 5-10/1/2002م، قد نظر في موضوع: (بيع الدين). وبعد استعراض البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، وما تقرر في فقه المعاملات من أن البيع في أصله حلال، لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)[البقرة: 275]. ولكن البيع له أركان وشروط لابد من تحقق وجودها، فإذا تحققت الأركان والشروط وانتفت الموانع كان البيع صحيحًا، وقد اتضح من البحوث المقدمة أن بيع الدين له صور عديدة؛ منها ما هو جائز، ومنها ما هو ممنوع، ويجمع الصور الممنوعة وجود أحد نوعي الربا: ربا الفضل، وربا النّساء، في صورة مّا، مثل بيع الدين الربوي بجنسه، أو وجود الغرر الذي يفسد البيع؛ كما إذا ترتب على بيع الدين عدم القدرة على التسليم ونحوه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ. وهناك تطبيقات معاصرة في مجال الديون تتعامل بها بعض المصارف والمؤسسات المالية، بعض منها لا يجوز التعامل به؛ لمخالفته للشروط والضوابط الشرعية الواجبة في البيوع.
وبناء على ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولاً: ... من صور بيع الدين الجائزة: بيع الدين للمدين نفسه بثمن حَالّ؛ لأن شرط التسليم متحقق؛ حيث إن ما في ذمته مقبوض حكمًا، فانتفي المانع من بيع الدين، الذي هو عدم القدرة على التسليم.
ثانيًا: ... من صور بيع الدين غير الجائزة:
أ- ... بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين؛ لأنه صورة من صور الربا، وهو ممنوع شرعًا، وهو ما يطلق عليه (جدولة الدين).
ب- ... بيع الدين لغير المدين بثمن مؤجل من جنسه، أو من غير جنسه؛ لأنها من صور بيع الكالئ بالكالئ ( أي الدين بالدين ) الممنوع شرعًا.
ثالثًا: ... بعض التطبيقات المعاصرة في التصرف في الديون:(1/18)
( أ) لا يجوز حسم الأوراق التجارية ( الشيكات، السندات الإذنية، الكمبيالات)؛ لما فيه من بيع الدين لغير المدين على وجه يشتمل على الربا.
( ب) لا يجوز التعامل بالسندات الربوية إصدارًا، أو تداولاً، أو بيعًا؛ لاشتمالها على الفوائد الربوية.
( ج) لا يجوز توريق (تصكيك) الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية؛ لأنه في معنى حسم الأوراق التجارية المشار لحكمه في الفقرة(أ).
رابعًا: ... يرى المجمع أن البديل الشرعي لحسم الأوراق التجارية، وبيع السندات، هو بيعها بالعروض (السلع) شريطة تسلم البائع إياها عند العقد، ولو كان ثمن السلعة أقل من قيمة الورقة التجارية؛ لأنه لا مانع شرعًا من شراء الشخص سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحالي.
خامسًا: يوصي المجمع بإعداد دراسة عن طبيعة موجودات المؤسسات المالية الإسلامية، من حيث نسبة الديون فيها، وما يترتب على ذلك من جواز التداول أو عدمه.
والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد.
القرار الثاني
فسخ الدين بالدين
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 10 - 14/3/1427هـ الذي يوافقه 8 - 12/4/2006م قد نظر في موضوع: (فسخ الدين في الدين).
وبعد الاطلاع على قرار المجمع بشأن موضوع بيع الدين في دورته السادسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة في المدة من 21 - 26/10/1422هـ الذي يوافقه 5 - 10/1/2002م والذي جاء فيه ما نصه [ثانيًا: من صور بيع الدين غير الجائزة:
بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين؛ لأنه صورة من صور الربا، وهو ممنوع شرعاً، وهو ما يطلق عليه (جدولة الدين).](1/19)
وبعد الاستماع إلى البحوث المقدمة، والمناقشات المستفيضة والتأمل والنظر في الصور التي ذكرت في البحوث والمناقشات في موضوع: (فسخ الدين في الدين) أو ما يسميه بعض أهل العلم (قلب الدين) قرّر المجمع ما يأتي:
يُعَدّ من فسخ الدين في الدين الممنوع شرعاً كل ما يفضي إلى زيادة الدين على المدين مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه ويدخل في ذلك الصور الآتية:
1- فسخ الدين في الدين عن طريق معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية جديدة على المدين من أجل سداد المديونية الأولى كلها أو بعضها، ومن أمثلتها: شراء المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم بيعها بثمن حال من أجل سداد الدين الأول كله أ و بعضه.
... ... فلا يجوز ذلك ما دامت المديونية الجديدة من أجل وفاء المديونية الأولى بشرط أو عرف أو مواطأة أو إجراء منظم؛ وسواء في ذلك أكان المدين موسراً أم معسراً، وسواء أكان الدين الأول حالاً أم مؤجلاً يراد تعجيل سداده من المديونية الجديدة، وسواء اتفق الدائن والمدين على ذلك في عقد المديونية الأول أم كان اتفاقاً بعد ذلك، وسواء أكان ذلك بطلب من الدائن أم بطلب من المدين.
ويدخل في المنع ما لو كان إجراء تلك المعاملة بين المدين وطرف آخر غير الدائن إذا كان بترتيب من الدائن نفسه أو ضمان منه للمدين من أجل وفاء مديونيته.
2- بيع المدين للدائن سلعة موصوفة في الذمة من غير جنس الدين إلى أجل مقابل الدين الذي عليه، فإن كانت السلعة من جنس الدين فالمنع من باب أولى.
3- بيع الدائن دينه الحال أو المؤجل بمنافع عين موصوفة في الذمة. أما إن كانت بمنافع عين معينة فيجوز.
4- بيع الدائن دين السلم عند حلول الأجل أو قبله للمدين بدين مؤجل سواءٌ أكان نقداً أم عرْضاً، فإن قبض البدل في مجلس العقد جاز. ويدخل في المنع جعل دين السلم رأس مال سلم جديد.(1/20)
5- أن يبيع الدائن في عقد السلم سلعة للمدين -المسلم إليه- مثل سلعته المسلم فيها مرابحة إلى أجل بثمن أكثر من ثمن السلعة المسلم فيها، مع شرط أن يعطيه السلعة التي باعها له سداداً لدين السلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حكم التوريق في قرارات مجمع الرابطة:
أكد قرار مجمع الرابطة بشأن بيع الدين في دورته السادسة عشرة التوريق عن طريق بيع الدين النقدي المؤجل بسلعة معينة شريطة تسلمها عند العقد، وهو ما نص عليه قرار مجمع المنظمة رقم 158، غير أن قرار مجمع الرابطة زاد الأمر إيضاحاً بالنص على الجواز ولو كان ثمن السلعة أقل من قيمة الورقة التجارية؛ لأنه لا مانع شرعًا من شراء الشخص سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحالي. وهذا المعنى مهم في التوريق بالمعنى المحدد في هذا البحث؛ لأنه يمثل الدافع الأساس لشراء الدائنين الجدد للدين المؤجل.
قرار المجلس الشرعية بهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلاية:
لم يخرج المعيار الشرعي للأوراق التجارية عما سبق في قرارات المجمعين؛ فقد نص البند 5/3 بشأن الكمبيالة على الآتي: "يجوز للمستفيد جعل الورقة التجارية المؤجلة ثمناً بسلعة معينة وليست موصوفة في الذمة بشرط قبض السلعة حقيقة أو حكماً".
ضوابط أخرى للتوريق:
إن جواز التوريق على أساس البيع بثمن بسلعة معينة أو منفعة سلعة حاضرة؛ يحتاج إلى ضوابط إضافية منها:
- أن يكون منشأ الدين في كل الكمبيالات أو السندات مشروعاً؛ فلا يجوز إذاً بيع السندات الربوية.
- ألا تكون الكمبيالة قد حسمت بالطريقة التقليدية المحرمة؛ لأن حسمها بهذه الطريقة يجعل المبلغ الثابت بها مبلغ قرض يشتمل على زيادة ربوية فيمتنع التعامل به شرعاً.(1/21)
- يكون الشراء بالسلعة من مصدر السند مباشرة، أي من السوق الأولية فإن اشتري السند من المصدر بأقل من قيمته أصبح قرضاً ربوياً، ولم يجز عندئذ شراؤه بسلعة أو جعله ثمناً لها (1) .
حكم بيع السندات الربوية ذات الفائدة:
وفقاً لما سبق لا يجوز ذلك، لأنه يكون شراءً أو تداولاً لقروض ربوية شرطت فيها الفائدة. وقد ذهبت بعض الهيئات الشرعية إلى أنه إذا أمكن فصل الفائدة عن السند من خلال ما يعرف بعملية (STIPPING) وينتج عن هذه العملية : السند بقيمته الاسمية ويعَّرف بـ (Principal Only-PO) أي الأصل فقط، والفائدة (أي الكوبون) وتعَّرف بـ (Interest Only-IO) أي الفائدة فقط، ويستقل كل واحد منهما عن الآخر، ويتم شراؤه تداوله باعتباره سنداً مستقلاً. وتعد هذه العملية وسيلة من وسائل تكوين السندات ذات الكوبون الصفري حيث يكون لحامل الأصل أن يسلم القيمة الاسمية للسند في تاريخ الاستحقاق دون الفائدة. فإذا تم الفصل، وأصبحت القيمة الاسمية للسند هي البلغ الأصلي له قرضاً غير مربوط بمعدل الفائدة، أي سنداً من نوع السندات ذات الكوبون الصفري، أمكن عندئذ اللجوء إلى التداول السلعين بالكيفية والشروط التي مرت للتداول السلعي للسندات ذات الكوبون الصفري. ونصت الهيئة الشرعية لمصرف أبو ظبي الإسلامي على ما يأتي: "جواز شراء السند بسلعة يقل ثمنها عن قيمته الاسمية بعد فصل الفائدة الربوية عنه، وقبل أي تداول له (بالطريقة التقليدية) (2) .
المبحث الثالث
حلول وتطبيقات معاصرة للتوريق
أولاً: صك الصكوك:
__________
(1) ... أسيد كيلاني، "البدائل الشرعية لتداول الديون"، أيوفي، المؤتمر الرابع للهيئات الشرعية، ص 23، 25.
(2) ... المرجع السابق، ص 25، 26(1/22)
يستند هذا المقترح إلى قرار المجمع رقم 158 بشأن جواز بيع الدين ضمن خلطة أغلبها أعيان ومنافع هي المقصود بالبيع. وفكرة المقترح تقوم على تسنيد الدين أولاً أي أي تقسيمه إلى وحدات متساوية القيمة ثم جعله في وعاء استثماري كشركة ذات غرض خاص أو صندوق استثماري ويجعل معه أيضاً صكوك إجارة ومضاربة ومشاركة مما يجوز تداوله بشروطه ثم يعمل تقويم جديد لكل ما في الوعاء الاستثماري من سندات دين وصكوك بأنواعها ويصد صك جديد يعبر عن قيمتها، ويكون حينئذ من الممكن تداوله بشروط تداول الخلطة من الديون والأعيان والمنافع أي إذا كانت الأعيان والمنافع هي الغالبة.
ثانياً: مركب التورق والحولة
تعرض هذه الفقرة لإحدى تطبيقات التوريق كما تمت في بعض المؤسسات المالية الإسلامية في الكويت على شكل دراسة حالة تطبيقية في التوريق على النحو الآتي:
التوريق مصطلح مبتكر على صعيد الصناعة المالية الإسلامية في الكويت، ويقوم على استخدام صيغة مركبة من الوكالة الاستثمارية والتورق والحوالة. وهو اسم لأول عملية توريق تمت بين شركة دار الاستثمار وشركة المنار للتمويل والإجارة (1) في عام 2003.
ويقوم التوريق على نقطتين رئيستين هما:
(1) نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمة طرف ثالث مدين للمدين محصلتها النهائية إبراء ذمة المدين، وإخراج حجم من الأصول (مدينين) خارج ميزانية الطرف المدين. وهو ما يتحقق من خلال حوالة الدين.
(2) توفير سيولة نقدية للمدين، وهو ما يتحقق للمدين من خلال التورق الذي هو جزء من العملية.
الصورة النهائية للعملية تبدو وكأن دار الاستثمار باعت ديونها المؤجلة على عملائها للمنار بسيولة حاضرة أقل، أو أن المنار اشترت ديوناً مؤجلة بمبلغ نقدي أقل.
__________
(1) ... الباحث عضو في هيئتها الشرعية.(1/23)
ولأن التوريق في هذه الحالة ارتكز بشكل أساس على مفهوم الحوالة من الناحية الفقهية، فإنه لا بد من تناول مفهوم الحوالة وأنواعها وأحكامها حتى نتمكن من تفهم طبيعة هذه العملية.
1- تعريف الحوالة وأنواعها:
الحوالة في اللغة النقل والتحويل، أما في الاصطلاح الفقهي فهي نوعان: حوالة دين، وحوالة حق.
أما حوالة الدين فهي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. وحوالة الحق حلول دائن محل دائن آخر. وتختلفان في أن حوالة الدين يتغير فيها المدين إلى مدين آخر، أما حوالة الحق فيتغير فيها الدائن إلى دائن آخر. (معيار الحوالة).
وسنركز فيما يأتي على حوالة الدين. والذي عرفت كما جاء لدى الشافعية بأنها: "عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة" (1) .
2- مشروعية حوالة الدين:
ما وراه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع"، وفي رواية البيهقي "من أحيل بحقه على مليء فليحتل".
3- أركان حوالة الدين:
1) ... محيل، وهو من عليه الدين.
2) ... ومحتال، وهو مستحق الدين على المحيل، وهو الدائن الذي يحال بدينه ليستوفيه من غير مدينه.
3) ... محال عليه، وهو من عليه دين المحيل، وهو الذي يلتزم بأداء دين المحيل للمحال.
4) ... ودينان، دين للمحال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه، ويعبر عنه بالمحال به (2) .
4- أنواع حوالة الدين:
__________
(1) ... حمد الحجار، فتح العلام، مرجع سابق، ج5، ص30.
(2) ... حمد الحجار، فتح العلام، مرجع سابق، ج5، ص30-31.(1/24)
وفرق الحنفية بين المقيدة وهي ما سبق، وبين المطلقة، وهي: "أن يحيل صاحب الدين على رجل، له مال عليه أو لم يكن، وقبل ذلك الرجل. فإن لم يكن عليه مال: يجب عليه أن يؤدي، وإن كان عليه مال، ولم يقيد الحوالة به، بأن لم يقل أحيله عليك بمالي عليك ... وقبل المحتال عليه، فعليه أداء الألفين: ألف إلى المحيل، وألف إلى المحتال له، وللمحيل أن يطالبه بذلك الألف، لأنه لم تتقيد الحوالة به" (1) . وللمرونة التي يتيحها تعريف الحنفية نكتفي بذكر حكمها لديهم في الفقرة التالية، وهو لا يخالف ما ورد لدى الحنابلة والشافعية في الجوهر (2) .
وقد اعتمد المعيار الشرعي للحوالة الأنواع التالية لحوالة الدين:
( أ) الحوالة المقيدة: وهي التي يقيد فيها المحال عليه بقضاء دين الحوالة من دين أو عين للمحيل لدى المحال عليه.
( ب) الحوالة المطلقة: وهي التي لا يكون فيها للمحيل دين أو عين لدى المحال عليه، حيث يلتزم بأداء دين المحيل من مال نفسه، ثم يرجع بعد ذلك بما دفعه على المحيل إذا كانت الحوالة بأمره.
( ج) الحوالة الحالة: وهي التي يجب فيها الدين حالاً على المحال عليه، سواء كان الدين حالاً فانتقل بالحوالة إلى المحال عليه كذلك حالاً أم كان مؤجلاً فاشترط فيه الحلول.
( د) الحوالة المؤجلة: وهي الحوالة التي يجب فيها الدين مؤجلاً على المحال عليه، سواء كان الدين مؤجلاً فانتقل بالحوالة إلى المحال عليه مؤجلاً أم كان حالاً فاشترط حوالته مؤجلاً فلا يطالب المحال عليه حينئذ إلا في الأجل.
5- شروط الحوالة:
__________
(1) ... لاء الدين السمرقندي، تحفة الفقهاء، مرجع سابق، ج3، ص415.
(2) ... نظر: شمس الدين (ابن قدامة)، الشرح الكبير، مرجع سابق، ج13، ص90-91. محمد الحجار، فتح العلام، مرجع سابق، ج5، ص31.(1/25)
ويشترط لها (المقيدة) كما ورد لدى الشافعية: رضا المحيل والمحال، لا المحال عليه، لأنه محل الحق، فلصاحبه أن يستوفيه بغير رضاه، وثبوت الدينين فلا تصح الحوالة على من لا دين عليه، واتفاق الدينين في الصفة والقدر والنوع والحلول والتأجيل (1) .
وقد اعتمد معيار الحوالة الشروط الآتية:
( أ) رضا الأطراف الثلاثة: المحيل والمحال (في المقيدة والمطلقة) والمحال عليه (في المطلقة فقط).
( ب) أن يكون المحيل مديناً للمحال فإن لم يكن كذلك فهي وكالة بالقبض.
( ج) أن يكون المحال عليه مديناً للمحيل في المقيدة لا في المطلقة.
( د) أن يكون كل من الدينين معلوماً صحيحاً قابلاً للنقل.
( ه) أن يكون الدين المحال به أو القدر المحال به منه متساوياً مع الدين المحال عليه جنساً ونوعاً وصفة وقدراً، على أنه تصح الإحالة بالدين الأقل على الدين الأكثر على ألا يستحق المحال إلا ما يماثل الدين المحال به.
6- أثر الحوالة:
__________
(1) ... محمد الحجار، فتح العلام، مرجع سابق، ج5، ص30-31.(1/26)
هل يرجع المحال على المحيل: جاء عند الحنفية: "الحوالة مبرئة عندنا حتى يبرأ المحيل من الدين الذي عليه، بالحوالة إلى المحتال عليه، وللمحتال له أن يطالب المحتال عليه لا غير. وقال زفر: لا يبرأ، وله أن يطالبهما، كما في الكفالة، ... ثم ليس للمحتال أن يرجع على المحيل إلا إذا توى ما على المحتال عليه، وذلك بطريقتين عند أبي حنيفة: بأن يموت المحتال عليه مفلسا، أو يجحد المحتال عليه الحوالة ويحلف. وعندهما: بهذين الطريقين، وبطريق ثالث، وهو أن يقضي القاضي بإفلاسه في حال الحياة، لأن القضاء بالإفلاس، صحيح عندهما في حال الحياة، وعند أبي حنيفة لا يصح. وعلى قول الشافعي: لا يعود الدين إلى المحيل أبدا، والمسألة معروفة" (1) . وجاء لدى الحنابلة: "إذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل، وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه، في قول عامة أهل العلم" (2) .
والخلاصة أن الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة، ويترتب عليها براءة ذمة المحيل من الدين، وانشغال ذمة المحال عليه فقط، وينحصر حق المحال في الرجوع على المحال عليه فقط، ولا يرجع على المحيل إلا في حال الحوالة مع حق الرجوع، أو وجود حالات معينة كإفلاس المحال عليه أو هلاكه أو جحوده للحوالة.
وقد اعتمد المعيار الشرعي للحوالة في هذه المسألة ما يأتي:
( أ) ليس للمحال الرجوع على المحيل إلا إذا اشتراط ملاءة المحال عليه فتبين أنه لم يكن مليئاً.
( ب) يحق للمحال الرجوع على المحيل إذا توى الدين بأن مات المحال عليه مفلساً أن تم تصفية المؤسسة مفلسة قبل أداء الدين أو جحد الحوالة وحلف على نفيها ولم تكن ثمة بينة أو حكم عليه بالإفلاس حال حياته أو صدر حكم بإفلاس المؤسسة.
( ج) ليس للمحيل بعد الحوالة مطالبة المحال عليه بقدر الدين المحال لتعلق حق المحال به.
__________
(1) ... علاء الدين السمرقندي، تحفة الفقهاء، مرجع سابق، ج3، ص414-415.
(2) ... مس الدين (ابن قدامة)، الشرح الكبير، مرجع سابق، ج13، ص90.(1/27)
( د) يثبت للمحال حق مطالبة المحال عليه بدين الحوالة، ويلزم المحال عليه بالأداء إلى المحال.
( ه) يحل المحال عليه محل المحيل في جميع الحقوق والدفوع والالتزامات. والمحال في المقيدة يحل محل المحيل في جميع الحقوق والدفوع والالتزامات تجاه المحال عليه.
7- لزوم الحوالة وانتهاؤها:
الحوالة عقد لازم ليس لطرف فسخها من جانب واحد، ولا تقبل التعليق أو التأقيت أو الإضافة للمستقبل. و تنتهي الحوالة بأداء الدين إلى المحال، أو بفسخها باتفاق المحيل والمحال، أو بإبراء المحال للمحال عليه. ولا تبطل بموت المحيل أو المحال عليه أو المحال. وإنما هي دين في تركة المحال عليه. وينتقل حق المطالبة به إلى ورثة المحال. و لا تبطل بتصفية المؤسسة المحال عليه ولا بتصفية المؤسسة المحيلة.
8- الإجراءات النمطية للتوريق بحوالة الدين:
يقوم التوريق على آلية الوكالات الاستثمارية مع حق التعاقد مع النفس ويضاف إلى تلك الآلية التورق، كما سبق بيانه في الوحدة التدريبية الثانية، والحوالة كما سبق بيانها في القسم الأول.
وتتمثل الإجراءات الكاملة للعملية النمطية مع استخدام الحالة العملية التي جرى تنفيذها:
( أ) توكل شركة المنار دار الاستثمار بشراء سلع ومعادن من السوق الدولية بمبلغ أربعة ملايين ونصف المليون دينار كويتي. وذلك بموجب عقد وكالة في الاستثمار.
( ب) تتقدم دار الاستثمار بوعد للمنار بشراء تلك السلع والمعادن بالأجل بمبلغ إجمالي قدره خمسة ملايين و300 ألف دينار كويتي.
( ج) تقوم دار الاستثمار بشراء تلك والمعادن من السوق الدولية لصالح شركة المنار وتبلغها بذلك بموجب نموذج خاص.
( د) تنفذ دار الاستثمار وعدها بشراء تلك السلع والمعادن بالأجل بالمبلغ المذكورة.
( ه) انشغلت ذمة دار الاستثمار بمبلغ الثمن الآجل المذكور لصالح شركة المنار بصفتها بائعاً بالأجل.
( و) بغرض إنجاز عملية التوريق تبقى خطوتان كما سيأتي.(1/28)
( ز) حيث إن لدار الاستثمار عملاء مدينين بمبالغ تفوق مبلغ المديونية آنف الذكر فإن بإمكانها أن تحيل شركة المنار (الدائن) على عملائها المدينين لها بمبلغ المديونية فقط، وبتحقق لها بالتالي براءة ذمتها من الدين. كما يتحقق لها تفريغ ميزانيتها من مبلغ المديونية على العملاء لأنهم أصبحوا مدينين لشركة المنار.
( ح) تقوم دار الاستثمار ببيع تلك السلع والمعادن في السوق نقداً وهي عملية التورق الهادفة إلى توفير السيولة.
وقد اختصرت العملية بعبارات القائمين على هيكلة العملية بالعبارة الآتية:
اشترت الدار أصلا من المنار تدفع قيمته بعد أجل محدد وتقبض المنار ثمن ذلك الأصل بموجب حوالة دين على مديني الدار بثمن معلوم وأجل محدد.
9- الضوابط النمطية للتوريق:
يظهر من خلال الإجراءات أن عملية التوريق أخذت شكل الحوالة المقيدة وهي عملية جائزة لدى جمهور المذاهب الأربعة، وقد سبق لنا بيان ضوابطها والتي يمكن اختصارها لغرض خصوصية حالة التوريق على النحو الآتي:
1) وجود أطرافها وهم: محيل ومحال ومحال به ومحال عليه.
2) تحقق رضا المحيل والمحال، والمحال عليه.
3) ثبوت الدينين.
4) تحقق تساوي الدينين من حيث عملته وأجله وقدره.
5) براءة ذمة المحيل.
6) اشتراط الرجوع بنسبة من مبلغ الدين، أو في حال تعثر المحال عليه.
7) إحالة جميع الحقوق التي للمحيل على المحال عليه إلى المحال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: د.عبدالباري مشعل
23/2/1430هـ - 18/2/2009م.(1/29)