الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
الصكوك الإسلامية
(التوريق)
وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها
ملخص دراسة أعدها
الدكتور فؤاد محمد أحمد محيسن
بإشراف
الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي
والأستاذ الدكتور خالد أمين عبد الله
للحصول على درجة الدكتوراه من الأكاديمة العربية للعلوم المصرفية
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
هذه الدارسة هي حصيلة جهد تم في الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية كان قد أعدها الدكتور فؤاد محمد أحمد محيسن بإشراف الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بعنوان ( نحو نموذج تطبيقي إسلامي لتوريق الموجودات )، بلغ عدد صفحاتها 188 صفحة وعدد مصادرها ومراجعها العربية والإنجليزية 122 ، حصل بها الطالب على شهادة الدكتوراه من الأكاديمية بتقدير امتياز.
وقد أُنجز هذا العمل بجهد متميز موصول من الطالبة هناء محمد الحنيطي ، تابعه الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بالتوجيه والإثراء والاعتماد العلمي ، وهو فكرة ومشروع علمي حتى وصل إلى دراسة سدت حاجة ملحة في المكتبة الاقتصادية الإسلامية . وقد شارك في الإشراف على الرسالة الأستاذ الدكتور خالد أمين عبد الله على الجانب المالي والمصرفي في الرسالة . حيث نوقشت الرسالة بتاريخ 30/7/2006 .
وإننا إذ نضع خلاصة هذه الدراسة بين يدي مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، بعد أن تقرر إدراج هذا الموضوع المهم على جدول أعمال دورته التاسعة عشرة التي ستعقد بالشارقة، نتطلع إلى صدور قرار مجمعي يعالج أبعاد هذا الموضوع الهام ، نظراً لأهمية صدور هذا القرار على هذا المستوى العلمي العالي في توجيه البنوك والمؤسسات الإسلامية وتقديم خدمة متميزة لمسيرة الاقتصاد الإسلامي .
أمانة المجمع
تمهيد(1/1)
... الحمد لله رب العالمين الذي أنزل القرآن هدىً للناس، لينظم علاقات البشرية، وشرع لنا فيه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الأحكام الكفيلة بتحقيق الخير للإنسان في العقيدة والعبادة والأخلاق والعلاقات والمعاملات الأسرية والمعاملات المالية من بيع وتجارة وصناعة وفي مجال الحكم والقضاء والعلاقات الدولية زمن السلم و الحرب .
... والمعاملات المالية من الميادين التي نظمها الإسلام وأقامها على جلب المنافع ودرء المفاسد، وحل مشكلات البشرية حلاً يرفع عنهم الحرج والمشقة، ومتجاوباً مع مصالح الناس في تشريعه وإباحته ما كان محققاً لحاجاتهم ومصالحهم المشروعة، وتحريمه لكل ما يؤذيهم ويضَّر بمصالحهم الحقيقية، ومظهر هذا التجاوب واضح في التطبيق الفعلي وواقع الاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها في الكتاب والسنة .
... لقد كان موضوع إيجاد بديل عملي للنظام المالي والاقتصادي التقليدي وفق نظام اقتصادي إسلامي بعيداً عن الرَّبا المحرم شرعاً، من الموضوعات التي شغلت علماء المسلمين ومفكريهم، حيث سعوا إلى إ قامة نظام مصرفي تطبق فيه أحكام الشريعة الإسلامية، وتلتزم فيه المصارف بقاعدة التبني للحلال واجتناب الحرام ولا تمارس من الأعمال إلا ما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.(1/2)
... وبالرغم من نجاح المصارف الإسلامية الكبير في حشد المدخرات و في اجتذاب الودائع إلا أنها لم تستطع حتى الآن استثمار الأموال في الأجل القصير استثمارا مجديا مع الإيفاء بمتطلبات السيولة عن طريق الأسواق الثانوية ممَّا يعني ايجاد تحد كبير لها أجبرها على الاحتفاظ بمستوى عالٍ من موجوداتها بشكل نقد (1) لا يدر دخلاَ ، بالرغم من نجاحها مؤخراً في إصدار بعض الأدوات التمويلية القائمة على فكرة سندات المقارضة (2)
__________
(1) ... حسان، حسين حامد، الأدوات التمويلية الإسلامية / مجمع الفقه الاسلامي / الدورة السادسة عشر /العدد السادس، ص.ص. 1410-1442
(2) ... سندات المقارضة كما عرفها مجمع الفقه الإسلامي الدولي (أحد المؤسسات التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي) بأنها أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض ، بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ، ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأسمال المضاربة وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه . وقد عقد مجمع الفقه الإسلامي ندوة فقهية متخصصة في دورته الرابعة بجدة لبحث سندات المقارضة، وأصدر المجمع قراره رقم (5) 45//8/88 بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة في نفس الموضوع لعدد من الباحثين اذكر منهم المرحوم الدكتور سامي حمود والأستاذ الدكتور عبدالسلام العبادي والأستاذ الدكتور منذر قحف والأستاذ الدكتور حسين حامد حسان والشيخ مختار السلامي والأستاذ الدكتور الصديق الضرير والدكتور رفيق المصري والقاضي محمد تقي العثماني والشيخ عبدالله بن منيع والأستاذ الدكتور علي السالوس والدكتور حسن الأمين.// مجلة مجمع الفقه الاسلامي: الدورة الثانية لمؤتمر مجمع الفقه ، العدد الثاني، جدة: مجمع الفقه الاسلامي, 1986 ،وهناك آخرون .
... وفي بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة فقد اوضح الدكتور عبد السلام العبادي ان سندات المقارضة اداة من ادوات التمويل الكبير وفق قواعد الاقتصاد الإسلامي كان للملكة الاردنية الهاشمية السبق والمبادرة في تأصيل قواعدها واخراجها بصورة مبدعة متميزة على اساس من اجتهاد فقهي معاصر،تبلور في قانون سندات المقارضة رقم (10)لسنة 1981 والذي اخذ حظه من الدراسة في اللجان العلمية المتخصصة التي شكلتها وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية لهذه الغاية. انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، العدد الرابع : 3/1961 .:
... وكان الدكتور سامي حمود قد أشار في بحثه بعنوان " الأدوات المالية الإسلامية " المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة العدد السادس ص . ص 1389 – 1412 أن المملكة الأردنية الهاشمية تعد أول من قدم مفهوم سندات المقارضة كأحد الأدوات المالية الإسلامية البديلة لسندات القرض الربوية من خلال تعريفها في مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني المؤقت رقم (3) لسنة 1978 ، وبعدها اعتمدت وزارة الأوقاف الأردنية سندات المقارضة أسلوباً مناسباً وشرعياً لإعمار الممتلكات الوقفية وتحديثها من خلال إصدار القانون المؤقت رقم (10) لسنة 1981 ، وبذلك تعد المملكة الأردنية الهاشمية أول من أصل لمفهوم سندات المقارضة .(1/3)
كالصكوك الإسلامية في بعض المناطق من العالم الإسلامي (1) .
... هناك عدد من النظريات حول أسباب نشوء الابتكار المالي ووجوده (2) ، لكن يمكن إجمالها في أنها استجابة لقيود معينة تحد من تحقيق الأهداف الاقتصادية، كالربح والسيولة وتقليل المخاطرة.
... هذه القيود قد تكون تشريعية مثل منع عقود أو تعاملات معينة قانوناً، أو قيود إدارية أو اجتماعية أو غياب البنية التحتية، وبكلمة وجيزة "الحاجة أم الاختراع " فالحاجة لتجاوز هذه القيود لتحقيق الأهداف الاقتصادية هي التي تدفع المتعاملين للابتكار والاختراع، كما هو شأن النشاط البشري في كل أوجه الحياة الإنسانية.
... إن الحاجة لتجاوز القيود لتحقيق الأهداف الاقتصادية هي التي تدفع المتعاملين للابتكار والاختراع او ما يعرف بالهندسة المالية (3)
__________
(1) ... سيأتي الحديث عن بعض إصدارات الصكوك الإسلامية في الفصل الثالث – انظر ص 95 .
(2) Silber, W.L. (1983) “The process of Financial Innovation,” American Economic Review, vol.73, pp.89-95; Kane,E.J. (1984)”Technological and Regulatory Forces in the Developing Fusion of Financial-services Competition, “Journal of Finance, vol.39, no.3, pp.759-772; Van Horne, J.C. (1985) “Of Financial Innovations And Excesses,” American Economic Review, vol.40, pp.621-631; Miller, M.H. )1986): Financial Innovation: The Last Twenty Years and the Next,” Journal of Financial and Quantitative Analysis, vol.21,pp.459-471; Ross, S.A. (1989) “Institutional Markets, Financial Marketing, and Financial Innovation,” Journal of Finance, vol.44,pp541-556
(3) ... الهندسة المالية (Financial Engineering): تعرف بأنها مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لأدوات وآليات مالية مبتكرة، وتكوين مجموعة حلول إبداعية لمشاكل التمويل في الشركات(انظر،
Finnerty, J.D (1988) Financial Engineering in Corporate Finance: An overview, Financial Management, vol.17 no.4 pp.1433.(1/4)
أو الابتكار المالي الذي ينشأ رغبةً في التخلص من القيود التي تحول دون تحقيق الأهداف الاقتصادية كالربحية والسيولة وتقليل المخاطرة.
... فالمصارف الإسلامية اليوم أكثر حاجة للهندسة المالية منها في المصارف التقليدية. فمن الظواهر التي صاحبت نشأة البنوك الإسلامية ، ضعف التوازن بين مواردها واستخداماتها في كثير من الحالات (1) ، ولأن المصارف الإسلامية تتعامل بالعديد من العقود الدقيقة في إجراءاتها، وتتعامل أيضاً في ظل نظام مصرفي غير ملائم لطبيعتها وهو ما يجعلها أشد حاجة للهندسة المالية التي تمكنها من إدارة سيولتها (2) بصورة مربحة.
__________
(1) ... انظر حسين حامد حسان، الأدوات المالية الإسلامية – مجمع الفقه الإسلامي / الدورة السادسة / العدد السادس ص ص 1415 – 1442).
(2) ... السيولة في معناها العام هي القدرة على التسديد السريع للالتزامات المالية. ثمَّ توسع هذا المفهوم وأصبح يطلق على الأموال المتوفرة حالاً والتي تمكن من التسديد السريع، لذلك جرت العادة على التمييز في الموجودات بين القيم المتوفرة والقيم التي ستتوفر بعد أجل قصير، وسيولة المنشأة هي الأموال الموجودة في حساباتها المصرفية أو الخزينة العامة أو في صندوقها الخاص، ويظهر هذا المفهوم جلياً عند العمليات المصرفية، حيث يواجه المصرف كل لحظة إمكانية سحب المودعين أموالهم، ولذلك يعمل دائماً على التوفيق بين البحث عن الربح الذي يتطلب استثمار الأموال أو توظيفها في مشاريع متوسطة أو طويلة المدى، وبين الاحتفاظ بكمية كافية من الأموال. د.عليه؛القاموس الاقتصادي 242، معجم المصطلحات الاقتصادية بدوي 174، معجم المصطلحات القانونية 278 .(1/5)
... وربما كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لبلال المازني رضي الله عنه، حين أراد أن يبادل التمر الجيد بالتمر الرديء ، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تفعل ، بِعْ الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً" (1) إشارةً إلى أهمية البحث عن حلول تلبي الحاجات الاقتصادية دون إخلال بالأحكام الشرعية.
... والناظر في الفقه الإسلامي يجد أن الشريعة الإسلامية لم تحجر دائرة الابتكار، وإنما على العكس حجرت دائرة الممنوع وأبقت دائرة المشروع متاحة للجهد البشري في الابتكار والتجديد، وقديماً قال سفيان الثوري وسفيان بن عيينة رضي الله عنهما: "إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد" (2) .
__________
(1) البخاري كتاب البيوع ج1 ص 2200-2202.
... الجمع : التمر المختلط من الجيد والرديء ليس مرغوب فيه،والجنيب: نوع جيد من التمر( وهو اجود تمور خيبر) انظر المعجم الوسيط، ص 135_139.مجمع اللغة العربي ،جمهورية مصر العربية،مؤسسة دار الدعوة 1972 ص 135_139.
(2) ) ) ... بن عبدالبر، يوسف بن عبدالله ، جامع بيان العلم وفضله (12/784-785) ، دار ابن الجوزي ط2، 1416 هـ ، 1996م.(1/6)
... من هذا التصور ستناول جانباً مهماً من المعاملات المعاصرة، بحثاً عن أصلها في أعماق المراجع الفقهية،مستعرضين التطبيقات التي تمارسها المؤسسات المالية الإسلامية ، ثمَّ عرض ذلك كله على القواعد الشرعية محاولة في الوقت نفسه توضيح معالم المنهج الإسلامي في التطوير والابتكار استنارة ً بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال في الحديث الشريف : "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص من أوزارهم شيئاً" (1) .
مفهوم التوريق
... يعني مصطلح أو لفظ التوريق الحصول على الأموال استناداً إلى الديون المصرفية القائمة على طريق ابتكار أصول مالية جديدة، وبعبارة أخرى فإن مصطلح التوريق يعني تحويل الموجودات المالية المرتبطة بالقرض الأصلي إلى الآخرين والذي يتم غالباً من خلال الشركات المالية أو الشركات ذات الأغراض الخاصة (2)
__________
(1) ... رواه مسلم وأحمد الترمذي والنسائي وابن ماجه، صحيح الجامع، 6305 . البخاري. ابو عبد الله محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، دمشق: دار ابن كثير; اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع, 1993
(2) ... مفهوم التخصص هنا يعني أن يكون غرض هذه المنشأة فقط هو شراء الموجودات من البنك الراغب في توريق ديونه ، راجع في ذلك:
Diane Audion, The Rating Agency Approach to Credit Risk, Euro money Publication plc 1996, P14(1/7)
(Special Purpose Viecle "SPV") (1) "Special Purpose Vehicle" أو من خلال مصارف متمرسة في هذا المجال (2) .
... وعليه فإن "التوريق التقليدي للديون "يستلزم تجميع الموجودات كالديون بضمان الرهونات على اختلاف أنواعها ثمَّ بيعها للشركة ذات الأغراض الخاصة (SPV) وهذه الشركات تقوم بدورها بإصدار أوراق مالية مدعومة بتلك الموجودات وطرحها في الأسواق للجمهور.فالمكون الأساسي لعملية التوريق هو الديون المولدة أو المدرة للدخل والذي يتيح للمستثمر الحصول على عائد مناسب لاستثماره، لذلك فإن الديون التي يراد توريقها يجب أن تتمتع بدرجة من الجاذبية بالنسبة للمستثمرين، من حيث نوعيتها ودرجة تصنيفها الائتماني وتمتعها بسجل تاريخي جيد يشهد الانتظام في السداد، وبالتالي تحقيق دخل مستمر ومنتظم بالإضافة إلى تمتعها بدرجة مقبولة من المخاطر.
وهكذا تقضي عملية "التوريق" إلى تحويل القروض من أصول غير سائلة إلى أصول نقدية سائلة تستخدم عادةً لتمويل عمليات مصرفية جديدة وتوظيفات أخرى (3) .
التطور التاريخي للتوريق
__________
(1) ... ويلاحظ استخدام اصطلاح (SPV) في اسياق للتعبير عن هذه الوسيلة ذات الغرض الخاص بشكل مختصر
(2) ... عبدالله؛ خالد أمين، الخلفية العلمية والعملية للتوريق – مرجع سابق، وانظر أيضاً القاضي الدكتور أحمد سفر، التوريق وأسواق المال مع الإشارة للتجربة اللبنانية، و محمود محي الدين ؛ الأبعاد الاقتصادية والمالية للتوريق ، موسوعة التوريق، اتحاد المصارف العربية 2002
(3) Paul W. Feeney, Securitization, Redefining the Bank, Pub. Saint Martin’s Press, January 1995, PP11-17(1/8)
... لعلَّ عملية التوريق تجد جذورها الأولى في السوق الأمريكية ، حيث كان أول ظهور للسندات المدعمة بالموجودات العقارية (Mortgage Backed Securities “MBS”) كأول عمليات للتوريق بتشجيع ودعم من الحكومة الأمريكية لايجاد سوق ثانوية للرهن العقاري ومساعدة المصارف الامريكية على التخلص من قروض الاسكان غير السائلة الامر الذي يمكنها من منح تمويلات جديدة لغايات الإسكان، ثمَّ سرعان ما طالت عمليات التوريق الذمم الناتجة عن استخدام البطاقات الائتمانية والحسابات المدينة، وبدأت هذه الظاهرة (1) بالانتشار في أوروبا وأسواق دول أخرى مثل كندا والسويد واستراليا ونيوزلندا كوسيلة حيوية لدعم التمويل المصرفي لأغراض السكن وأداة فاعلة لإدارة الميزانية بشكل أفضل وتحرير رأس المال المجمد في أصول غير سائلة من خلال إنشاء أوراق مالية مدعومة بهذه الموجودات يتم تداولها بيعاً وشراءً في السوق المالية (2) .
__________
(1) ... ( )بدأ بروز التوريق كظاهرة بشكل خاص في نهاية الثمانينات بالولايات المتحدة الى درجةان تم إطلاق وصف " جنون الثمانينات"The Frenzy of the 1980’s لإظهار تكالب البنوك على توريق ديونها
... يراجع في ذلك :
Kane-Carl, Fundamentals of Commercial Securitization, Mortgage Banking, July 1992, vol.52 No. 10 P.19
(2) Securitization Encyclopedia Page 25 History of Securitization(1/9)
... ومع تفجر أزمة المديونية الخارجية العالمية عام 1982 في معظم دول العالم الثالث ، وتداعي دول العالم الثالث إلى تدارس الحلول الملائمة لمشكلة المديونية هذه، جاءت "خطة برادي" (1)
__________
(1) ... مع بداية الثمانينات ، ظهرت أزمة المديونية الخارجية لمعظم الدول النامية حيث بدأ تعثر هذه الدول في دفع ديونها وأعباء هذه الديون في مواعيد استحقاقها وبدأت محاولات اللجوء لجدولة الديون وهو ما واكبه انحسار سريع في مد الإقراض المباشر من المصارف التقليدية لمشروعات التنمية على مستوى العالم ، حيث استشعرت كثير من هذه المصارف الخطر المحدق الذي يهددها بالإفلاس، وعلى الرغم من ذلك ، فقد ظهرت في ذلك الوقت توجهات أمريكية جديدة تمثلت في دعوة وزير الخزانة الأمريكي السابق "جيمس بيكر" كلاً من البنك الدولي والبنك الأمريكي الدولي للتنمية بزيادة القروض المقدمة لـ15 دولة مدينة بنسبة 50% خلال ثلاثة سنوات تبدأ من عام 1985 ، علاوةً على تقديم البنوك التجارية قروضاً تجارية لتلك الدول في حدود 20 مليار دولار خلال نفس الفترة شريطة أن تقوم هذه الدول باتباع خطة للإصلاح الاقتصادي الشامل وقد تلا ذلك مبادرة وزير الخزانة الأمريكي التالي " نيكولاي برادي " التي قرر فيها ضرورة تخفيض الديون الخارجية لـ29 دولة مصنفة " ذات مديونية مرتفعة " (Highly Indebted Countries " بنحو 20% من إجمالي المستحق عليها على أن تستخدم موارد صندوق النقد والبنك الدوليين في تقديم تمويل يتراوح بين 20 – 25 مليار دولار لدعم عملية التخفيض هذه ولضمان سداد أقساط الديون والفوائد سواء عن طريق مبادلة الديون القديمة بسندات ذات قيمة اسمية أعلى أو بسندات بقيمتها الاسمية ولكن بأسعار فائدة منخفضة..يراجع في ذلك: النشرة الاقتصادية للبنك الأهلي المصري ، العدد 3 ، المجلد 42 ، سنة 1989 ، ص 199 – 201(1/10)
التي اقترحت تحويل الديون الخارجية إلى سندات "Debt Securitization" والتي أدت إلى قيام المكسيك بمبادلة القسم الأكبر من ديونها بسندات ضمنتها الخزانة الأمريكية مقابل التزام المكسيك بتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي متفق عليه.
... ومع بداية عقد التسعينات ظهرت طفرة حقيقية في عمليات المصارف التجارية والتي كانت وليدة عوامل كثيرة متضافرة وفرت لها الطمأنينة في استمرار دورها الخاص بمنح الائتمان قصير ومتوسط الأجل دون مخاطر حقيقية من فقدان السيولة النقدية، وتمثلت هذه العوامل – بشكل مجمل– في انحسار المد الشيوعي وما ترتب على ذلك من ظهور التوجه نحو خصخصة وحدات القطاع العام، وزوال الحواجز الجغرافية بين المصارف والبورصات على مستوى العالم وإلغاء الرقابة على النقد الأجنبي، وتحرير أسعار الفائدة المصرفية وخفض الضرائب على الخدمات والعمليات المصرفية بشكل عام، وتحرير أسعار الصرف، وإزالة معظم القيود على تدفقات رؤوس الأموال من المصارف المالكة للفوائض إلى المشروعات المتطلعة إليها Deregulation وهو ما أطلق عليه مصطلح عولمة الأسواق Globalization of Market (1) .
__________
(1) ي ... ستخدم رجال المال والأعمال في بريطانيا اعتباراً من عام 1986 اصطلاح النشاط الكبير " Big Bang " والذي بدأ في الانتشار خارج بريطانيا للتعبير عن كافة القواعد الجديدة التي تبنتها السلطات المصرفية والبورصات للسماح بتدفقات رؤوس الأموال وبالذات عمليات البنوك في أسواق رأس المال وتحرير أسعار الفائدة والسماح بأنظمة التجارة الإلكترونية .
... يراجع في ذلك :
Reuters Glossary, International Economic and Financial Terms, Longman, Great Britain, November 1988, PP 69, 104.
... وانظر أيضاً د. رياض أسعد : ندوة أسس تكوين وإدارة محافظ الإستثمار ، الاقصر ، جمهورية مصر العربية من 20 – 23 ديسمبر 1997 ص 23 .(1/11)
... كما وجدت ظاهرة التوريق جذورها أيضاً في التبدل الجذري في أسلوب التمويل الدولي ، إذ بدأ التحول وبشكل متسارع من صيغة القرض المصرفي إلى صيغة الأوراق المالية لا سيَّما السندات منها، وهكذا أصبح القرض المصرفي مجرد " تمويل تجسيري" مؤقت Finance Bridging لحين تأمين الاحتياجات التمويلية المناسبة عبر إصدارات الأوراق المالية (1) .
الأهمية الاقتصادية لصناعة التوريق(الدوافع والاهداف )
... إن الهدف الأساسي لعملية توريق الموجودات هو ايجاد أدوات مالية جديدة مرتبطة بموجودات ما يمكن التداول بها في الأسواق المالية ، ممَّا يؤدي إلى زيادة نسبة السيولة في هذه الأسواق كما يؤدي إلى خلق تدفقات مالية جديدة؛ هذا ويمكن توضيح الأهمية المتعاظمة التي تضفيها صناعة التوريق على حركة الاقتصاد من خلال عرض لدوافع واهداف عملية التوريق:
دوافع واهداف عملية التوريق:
1. يوفر التوريق للمقترضين بديلاً عن الإقراض التقليدي خارج الميزانية العمومية (Traditional Off Balance Sheet Lending)، إذ يسمح للمقترضين بتحويل الموجودات غير السائلة إلى السيولة النقدية، ثمَّ إعادة توجيه هذه النقدية للاستثمار في الذمم المدينة، وتوسيع حجم الأعمال، دون الحاجة إلى زيادة حقوق الملكية.
__________
(1) ... مجلة المصارف العربية ، شباط / 2004 ، اتحاد المصارف العربية (بدون مؤلف) .
... انظر أيضاً التقرير السنوي للبنك العربي ش م ع إذ يرى سعادة السيد عبدالحميد شومان في كلمته الافتتاحية للتقرير : أن المؤسسات المالية كانت في الوقت الراهن تواجه تطورات وتحديات جمة ناشئة عن مجموعة كبيرة من المتغيرات التي تشكل الإطار العام للأسواق المالية ، وذكر في البند الأول من هذه العوامل قوله (التغير في سلوك العملاء والمتمثل في العزوف عن التعامل في السوق المالية والتحول إلى سوق رأس المال) .(1/12)
2. تؤدي عملية التوريق إلى توسعة العمليات خارج الميزانية للمؤسسات والشركات المالية ممَّا يعمل على تحقيق ربحية أعلى من تلك التي تحققها الأنشطة العادية، فضلاً عن أنها لا تحتاج عملياً إلى زيادة في مصادر التمويل (1) .
1. تمكين المؤسسات المالية التي تحتاج إلى رؤوس أموال عاملة أو مقابلة شروط كفاية (ملاءة) رأس المال (Capital Adequacy)، (التي تقرضها المصارف المركزية وفقاً لمعايير بازل) من تحقيق ذلك بتوريق ديونها بنلقها ونقل درجة مخاطرها إلى مستويات أقل، مع توفير السيولة (2) .
__________
(1) ... سفر؛ أحمد، "التوريق وأسواق المال مع الإشارة إلى التجربة اللبنانية" بحث في مؤلف اتحاد المصارف العربية– مرجع سابق ص101
(2) ... معايير بازل هي المعايير المنبثقة عن لجنة بازل للرقابة المصرفية والتي شكلت من قبل السلطات الرقابية في مجموعة الدول الصناعية العشر عام 1975 ، وتعمل هذه اللجنة على وضع المعايير الرقابية المصرفية للدول الأعضاء غير أن معاييرها غير ملزمة ، وبالرغم من أن هذه المعايير تأخذ شكل التوصيات إلا أنها أخذت الصبغة العالمية لأهميتها واعتمادها من قبل أكثر من مائة دولة ، خاصة المتعلقة منها بالملاءة.
... ومن أهم هذه المعايير هو معيار كفاية رأس المال Capital Adequacy أو (Basel I) الهادف إلى تعزيز متانة (احتمالية إعسار البنك) الجهاز المصرفي وحددت نسبة 8% كحد أدنى لنسبة رأس المال / الموجودات المرجحة بالمخاطر، ومن أبرز عيوب Basel I هو إخضاع جميع تسهيلات وقروض القطاع الخاص لنفس متطلبات رأس المال (8%) ، حيث وجدت بعض البنوك وخاصة الكبيرة منها أن هناك حافزاً لتقوم بنقل بعض الموجودات إلى خارج الميزانية من خلال توريق القروض الجيدة أو ما يسمى أحياناً Capital Arbitrageالأمر الذي أدى إلى تدني نوعية الموجودات في هذه البنوك .
... يراجع في ذلك : Credit Risk Management; PP243,244 and 549-574 Brian J .Ranson , .(1/13)
كما أن "التوريق" يتيح للمصارف إمكانية منح القروض ثمَّ تحريكها واستبعادها من ميزانياتها العمومية، خلال فترة قصيرة، وبالتالي فإنه يغنيها عن تكوين مخصصات للديون المشكوك في تحصيلها (1) .
2. تفكيك دور الوساطة التقليدية (2) وتقليص دورها بالنسبة للمقترضين كمصدر للتمويل، وذلك بعد انتقالها من أيدي مؤسسات مالية كبيرة إلى تلك التي تستثمر الأموال مباشرة لمصلحة الجمهور وحسابه، مثل صناديق الاستثمار المشترك Mutual Funds إلى جانب توجه المقترضين بإصداراتهم مباشرة إلى السوق دون اللجوء إلى الوساطة المالية التقليدية من خلال المصارف التجارية ومصارف الأعمال وغيرها.
ولذلك يلاحظ أن عملية التوريق هنا تعمل على تحقيق منافع اقتصادية من خلال مزج السوق النقدي (سوق الإقراض Financial Market) بسوق رأس المال (Capital Market) (3) .
__________
(1) ... عبدالله ؛ خالد أمين، مرجع سابق
(2) ... يقصد بالوساطة المالية التقليدية التوسط بين طرفين: ذوي الفائض وذوي العجز، فالوسيط المالي يتولى توجيه الفائض من الثروة لدى الفئة الأولى إلى الأكثر حاجة لها من أفراد الفئة الثانية، ثمَّ هو يربح من خلال هذا التوجيه فمقصود الوسيط المالي هو إدارة أموال ذوي الفائض وليس تملكها. انظر سامي إبراهيم السويلم؛ "الوساطة المالية في الاقتصاد الإسلامي"، مركز دراسات شركة الراجحي المصرفية- الرياض
(3) ... يراجع: Securitization Encyclopedia, Benefits of Securitization PP23-24(1/14)
3. مقابلة توجه دول كثيرة بخصخصة Privatization معظم قطاعاتها العامة، بهدف توفير مصادر تمويل جديدة لمشروعاتها التنموية، وذلك من خلال سماح حكوماتها لمؤسساتها التي تعاني عجزاً مالياً مزمناً، بتحويل تلك القروض إلى سندات دين يكتتب فيها الأفراد والمؤسسات، الأمر الذي يؤدي بفعل تسارع عمليات الخصخصة إلى توسيع أسلوب التوريق كمصدر هام لتمويل المؤسسات والشركات (1) .
4. تعالج صناعة التوريق حالات بطء دورة رأس المال العامل أو دورة الأعمال في المؤسسات الإنتاجية بسبب انخفاض التمويل، وبالتالي تستطيع الشركات الإنتاجية الكبيرة عند استخدام هذه الآلية الاستفادة من وفورات الحجم الكبير، وبالتالي تخفيض متوسط تكلفة الوحدة المنتجة (2) .
5. مجاراة أساليب التمويل الحديثة في أسواق المال الدولي في ظل التحول الملحوظ من صيغة القروض المصرفية إلى صيغة الأوراق المالية ولا سيَّما السندات الخاصة بعدما أصبحت القروض المصرفية مجرد تمويلات تجسيرية Bridging Finance مؤقتة إلى حين تسمح ظروف السوق للمقترض من تأمين احتياجاته التمويلية بواسطة السندات Debt Securitization (3) .
__________
(1) ... فر ؛ أحمد ، مرجع سابق ، عبدالله ؛ خالد أمين ، مرجع سابق
(2) ... تح الرحمن علي محمد صالح ، صناعة التوريق في سوق التمويل السوداني " ، بحوث في التوريق وادارة الموجودات والمطلوبات والرهونات العقارية ( سلسلة التوريق،2)، بيروت: اتحاد المصارف العربية, 2002، ص.ص 137-148
(3) ... سفر ؛ أحمد ، مرجع سابق ، عبدالله ؛ خالد أمين ، مرجع سابق(1/15)
6. تعزيز النسب المالية: لقد أشرنا أن التوريق يعمل على تخفيض أو حتى إزالة متطلبات رأس المال التي يشترطها معيار بازل I من خلال إعادة هيكلة المحافظة الاستثمارية خارج الميزانية (Off-Balance Sheet Structures)، بما يضمن توافر أصول ذات السيولة العالمية ودرجات المخاطر المنخفضة، وعلى افتراض أن ربحية الموجودات لم تنخفض بسبب عملية التوريق فإن نسبة العائد على حقوق المساهمين ستظهر زيادة ملحوظة بعد عملية التوريق، وبالتالي تعتبر عملية التوريق أداة قوية جداً للمؤسسات التي تعتمد معيار العائد من حقوق العائد من حقوق الملكية أساساً لنجاحها (1) .
7. تحقيق ربحية أعلى من تلك التي تحققها الأنشطة العادية، من خلال توسعة العمليات خارج الميزانية دون الحصول على تمويل اضافي او زيادة رأس المال .
القواعد والأحكام الفقهية لعمليات التوريق المعاصرة في المصارف الإسلامية
تمهيد
... السوق (2) هو مكان التقاء الناس بالمفهوم العام أو مكان التقاء العرض بالطلب بالمفهوم الخاص، وقد كانت أسواق السلع والبضائع معروفة وموجودة قبل الإسلام. أما أسواق المال فلم تكن معروفة بالمفهوم الشائع في هذه الأيام.
__________
(1) ... الشماع؛ خليل ، مرجع سابق.
(2) ... جاء في الموسوعة العربية الميسرة 15/1034 :
... سوق : قبل أن تنتشر وسائل النقل ، ويتطور تسويق البضائع لم تكن فرص التعامل في الأسواق مواتية إلا في الأعياد والاجتماعات الدينية ، حين يجتمع الناس من مختلف البلدان والأقطار ، وقد عرف منه العرب سوق عكاظ ، كما كانت الأسواق معروفة عند اليونان والرومان ، وفي أوروبا أبان القرون الوسطى ، ولا سيَّما القرنين 13 ، 14 ثم تقلصت هذه الأسواق وما زالت مع سهولة المواصلات وانتشار المتاجر ، ولم يبقَ منها إلا القليل .(1/16)
... وتمثل الأسواق المالية باباً من أهم الأبواب التي يقع على عاتق الاقتصاديين وعلماء الفقه أن يتصدوا لها بالفهم والعمل، فليس المال بالنسبة للأمة مجرد متاع دنيوي زائل كما هو بالنسبة للأفراد وإنما هو ثروة تحمي الكيان وتبني القوة وتصنع التقدم.
... لذلك كان حفظ المال بالمنظور الشرعي أمراً يرقى إلى درجة المنع من تصرف المالك فيما يملكه إذا كان ذلك التصرف يؤدي إلى إتلاف هذا المال الذي هو مال المجتمع وإن كان مملوكاً لفرد أو أفراد، وقد أمرنا الله في مواطن كثيرة من كتابه العزيز بحفظ الأموال.
... فقال الله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً}النساء 5 ، وقال الله عز وجل: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}الإسراء 26 ، وقال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}الفرقان67
... والأسواق المالية بشكل عام وأسواق الأوراق المالية بشكل خاص أحد الأركان الأساسية في الإقتصاد الوطني، بالنظر لما تؤديه من دور ، يتمثل في حشد المدخرات وتجميعها من الأفراد والمؤسسات واستثمارها، والقيام بدور حلقة الوصل بين أصحاب المدخرات من جهة، والمؤسسات والشركات والدول ... المقبلة على مشاريع متنوعة، والمحتاجة إلى تمويل هذه المشاريع من جهة أخرى.
مفهوم الأسواق المالية
... يمكن تعريف الأسواق المالية بأنها مكان أو إطار تنظيمي، تلتقي فيه السيولة الفائضة مع إطار تشغيلي لهذه الأموال في استثمارات متنوعة.ولقد شاع إطلاق كلمة "البورصة" (1)
__________
(1) ... اشتقت كلمة بورصة من:
أ ) ... ... فندق في مدينة (بروج Bruge) ببلجيكا ، كانت تزين واجهته شعار عملة عليها ثلاثة أكياس، كان يجتمع فيه عملاء مصرفيون ووسطاء ماليون لتصريف أعمالهم .انظر هشام البساط، الاسولق المالية الدولية، دون "اتحاد المصارف العربية – بيروت ، أبوظبي ص 5".
ب ) ... أو من أحد صيارفة مدينة بروج اسمه – فان دييربورسيه ، كان تجار المدينة يجتمعون في قصره، وكان شعار أسرته ثلاثة أكياس من الذهب. انظر (مراد كاظم – البورصة وأفضل الطرق في الاستثمارات المالية) الطبعة الثانية، المطبعة التجارية،بيروت، ص7 ، وانظر أيضاً (مقبل جميعي – الأسواق والبورصات – " مدينة النشر والطباعة الإسكندرية) ص 115.(1/17)
على الأسواق المالية وأسواق السلع وأسواق الصرف الأجنبي.
وتقسم الأسواق المالية إلى قسمين:
? أسواق النقد: وتتميز أدواتها بسيولة عالية واحتمالية المخاطرة فيها قليلة ، وبالتالي فإن العائد المتولد عنها منخفضً نسبياً.
? أسواق رأس المال: وأدواتها الإستثمارية من النوع طويل الأجل، احتمالية المخاطرة فيها أكبر، وبالتالي عوائدها أعلى. ومع تطور الزمن، تنوعت أسواق رأس المال حتى أصبح لكل سلعة تقريباً سوق خاصةً بها، مثالها أسواق السلع بأنواعها ، سوق العملات والمعادن ... الأوراق المالية.
ولسوق رأس المال شكلان (1) :
? أسواق حاضرة (فورية): تتعامل بأوراق مالية طويلة الأجل ، وفيها تنتقل الأوراق لمشتريها فور إتمام الصفقة ، بعد دفع القيمة.
? أسواق مؤجلة (مستقبلية): تتعامل كذلك بأوراق طويلة الأجل، لكن تنفيذ الإتفاقات والعقود يتم بتاريخ آجل على تاريخ إبرام العقد.
والأسواق الحاضرة تنقسم إلى ما يلي:
? السوق الأولية (سوق الإصدارات):وهي السوق غير الظاهرة للعيان، لكن يتم فيها إصدار الأوراق المالية الجديدة (لأول مرة) الناشئة عن تقديم المدخرين تمويلهم المباشر للمشروعات العاجزة عن التمويل الذاتي. وتكمن أهمية هذه السوق من الناحية الإقتصادية في أنها توفر استحداث رأس مال جديد ينشأ عنه استثمار جديد، فهي تقوم بتجميع مدخرات المكتتبين الذين يقدمون مدخرات فائضة عن حاجاتهم الإستهلاكية ... إلى مؤسسات استثمارية تكون في حالة عجز مالي لتمويل استثماراتها، فهي بالتالي حلقة الوصل بين المدخر والمستثمر.
__________
(1) جودة ، بورصة الأوراق المالية ص22 .(1/18)
? السوق الثانوية (سوق التداول): وهي تلك السوق التي يتم فيه تداول ما يتم إصداره من أوراق مالية في السوق الأولية بيعاً وشراءً. وتكمن أهمية هذه السوق الإقتصادية في تحديد سعر الإصدارات الجديدة ، ذلك أن حالة أدوات المؤسسة الإقتصادية في هذه السوق – من عرض وطلب – هي التي تحدد سعر الإصدارات الجديدة لهذه المؤسسة.
? السوق الإحتكاري: وتتمثل في وزارة المالية (الخزانة) أو البنك المركزي في بعض الدول، حيث يحتكر التعامل فيها بأنواع معينة من الأوراق المالية التي تصدرها الحكومة مثل السندات الإدخارية.
الأدوات المتداولة في الأسواق المالية
... تنقسم الأدوات المتداولة في الأسواق المالية إلى أدوات ملكية، وتتمثل في الأسهم، وإلى أدوات مديونية تتمثل في السندات.
أولاً: الأسهم
... والسهم في الإصطلاح (1) يقصد به أمران: أولهما الصك المثبت للحق، والآخر الحصة او النصيب التي يقدمها الشريك في رأسمال الشركة.
... ويختلف حكم التعامل بالأسهم باختلاف نوعها ومحل نشاطها، على أن هناك نوعا من الأسهم محرم مثل أسهم شركات الخمور والخنزير والمخدرات ...، كما أن هناك أنواعاً من الأسهم محلها شركات تعمل في دائرة الحلال ويخلو نظامها وعقودها من الحرام ... ولا يوجد أي اعتراضات شرعية عليها.
ثانياً: أدوات مديونية (السندات)
__________
(1) ... هارون ، أحكام الأسواق المالية ص29 – 30 // هارون. محمد صبري، احكام الاسواق المالية: الاسهم والسندات ضوابط الانتفاع والتصرف بها في الفقه الاسلامي، عمان : دار النفائس للنشر و التوزيع, 1999(1/19)
... والسند هو أحد الأوراق المالية ويقابل السهم، ويعرف بأنه ورقة مالية قابلة للتداول، ذات فائدة ثابتة أو متغيرة، تصدرها الدول أو المؤسسات المالية أو الشركات مقابل قروض طويلة الأجل يقدمها صاحب الورقة (الدائن) عن طريق الإكتتاب العام (1) . وحيث أنّ السندات المشار إليها أعلاه هي ديون مضمونة الوفاء من المدين فيها بربحها أو برأسمالها، فلا يجوز التعامل بها شرعاً بجميع أشكالها.وتتعدد السندات وتتمايز بأشكالها، وتختلف تبعاً لتلك الحقوق والإمتيازات. وأياً كانت هذه الأشكال إلا أن عائدها يرتبط بالفائدة الربوية المحرمة شرعاً.
تقييم الأدوات المالية المعاصرة في ضوء المعايير الشرعية
... يقوم المنهج الإسلامي للإستثمار في عقد المعاملات على منهج الحلال والحرام فيما يجيزه الشرع أو يمنعه من تصرفات، وهذا المنهج يفرق بين مفهوم الملك و مفهوم القرض.
... فكل حصة امتلاك تأخذ عائداً ناتجاً عن نماء المال تكون مقبولة شرعاً مع مراعاة توافر الغنم والغرم (2) . وبناءً على ذلك فإن السهم في الشركة (3)
__________
(1) ... جودة، بورصة الأوراق المالية ص180 .
(2) ... يقصد بها أن الحق في الحصول على النفع أو الكسب (العائد أو الربح) يكون بقدر تحمل المشقة أو التكاليف (المصروفات أو الخسائر أو المخاطر) ، وبعبارة أخرى فإن الحق في الربح يكون بقدر الاستعداد لتحمل الخسارة .
... لمزيد من المعلومات : انظر محيسن ، فؤاد ؛ اسس العمل المصرفي الإسلامي ،معهد الدراسات المصرفية –عمان2003 .
(3) ... من الآراء التي يمكن أن نستأنس بها ونحن نقر شرعية التعامل بالأسهم بيعاً وشراءً والكسب من ذلك ما يلي :
- ... ... يقول الدكتور يوسف القرضاوي : (إصدار الأسهم و ملكيتها و بيعها و شراءها و التعامل بها حلال لا حرج فيه ) انظر فقه الزكاة للقرضاوي الجزء الأول ص 528 .
- ... ... و جاء في مجلة المؤتمر الثاني لمجمع البحوث العلمية الإسلامية بالأزهر ص 183 : (إن اتخذت الأسهم للتجارة تجب عليها الزكاة بنسبة 2.5% من قيمتها وهي نسبة الزكاة في المال المدخر) نقلاً عن محمد عبدالمنعم خفاجي – الإسلام ونظريته الاقتصادية ، الطبعة الأولى ، دار الكتاب اللبناني – بيروت ، ص 528 .
- ... ... يقول غريب الجمال : (إصدار الأسهم وملكيتها وبيعها وشراؤها والتعامل بها حلال لا حرج فيه ، ما لم يكن عمل الشركة التي تكونت من مجموعة الأسهم معتمداً على محظور كصناعة الخمور وبيعها والتجارة فيها ، أو كانت تتعامل بالفوائد الربوية إقراضاً وافتراضاً ، غريب الجمال – انظر النشاط الاقتصادي في ضوء الشريعة الإسلامية ، دار صادر – بيروت .
- ... ... ويقول الدكتور علي عبدالرسول : أسهم الشركات التي تمارس الكسب الحرام كإنتاج الخمور وبيعها أو الاحتكار أو الربا محرمة شرعاً ، انظر علي عبدالرسول – المبادئ الاقتصادية في الإسلام – دار الفكر العربي ، ص 188 .(1/20)
المساهمة أو حصة المشاركة القابلة للتداول تعتبر من الأدوات المالية التي لا تتعارض مع الشرع إلا إذا كان هناك شرط مخالف مثل شرط الفائدة للسهم الممتاز إذا قلت الأرباح عن نسبة معينة أو شرط الاختصاص والتفرد بالأرباح لصنف معين من الأسهم التي تنال نصيب الأسد دون غيره من الأسهم أو كان عمل الشركة يقع على معاملات غير مشروعة مثل البنوك التقليدية ومصانع الخمور والملاهي.
... وقد تلخصت آراء العلماء حول امتلاك أسهم الشركات والتعامل فيها ضمن المحاور التالية:
? أولاً: لا خلاف يذكر بين الفقهاء حول جواز امتلاك أسهم الشركات التي تعمل في المباح ولا يخالط أنشطتها شيء من الحرام، باعتبار أن الأسهم عبارة عن حصة مشاعة في موجودات الشركة.فمبدأ المشاركة في اسهم شركات صناعية وتجارية وزراعية بعيدة عن المعاملات غير المشروعة،مبدأ مسلم به لأنه خاضع للربح والخسارة،ويحفظ مصالح الأفراد المستثمرين المسلمين (1) .
? ثانياً: لا خلاف بين الفقهاء أيضاً حول حرمة امتلاك أسهم الشركات التي أُنشِئَت أصلاً للتعامل في الأشياء المحرمة كالمعاملات الربوية والمتاجرة في الخمر والخنزير وغير ذلك من المحرمات.
__________
(1) ... حسن،د.احمد محي الدين ؛عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية،ط1،1986، حسن. احمد محي الدين احمد، عمل شركات الاستثمار الاسلامية في السوق العالمية، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع, 1986(1/21)
? ثالثاً: الشركات التي يكون مجال نشاطها مباحاً ولكن قد يخالط أنشطتها في بعض الأحيان شيء من الحرام، مثل الفائدة المصرفية، فقد ذهب فريق من الفقهاء المعاصرين منهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع والشيخ محمد تقي عثماني والشيخ مصطفى أحمد الزرقا والشيخ الدكتور نزيه كمال حماد إلى جواز امتلاك أسهم تلك الشركات والتعامل فيها بيعاً وشراء، على أن ذلك الجواز مشروط بأن يجتهد مالك السهم في حساب ما دخل على عائدات أسهمه من العنصر الحرام، فيفرزه ويوزعه على أوجه الخير دون أن يحقق منه أية منفعة (1) .
__________
(1) ... انظر ملحق رقم (1) المتضمن نصوص من فتاوى وآراء هؤلاء العلماء .(1/22)
... أما فيما يتعلق بالسندات، فإن فكرة السندات مبنية على القرض غير الحسن أي الاقتراض بمقابل، وبذلك يكون ربا الديون متحققاً (1) فهو ليس بمساهمة في شركة ويستوفى عند التصفية قبل الأسهم، ويشترك مالكه عند إفلاس الشركة مع بقية دائنيها ، ولا يتعرض لربح الشركة أو خسارتها وإنما يتقاضى فائدة محددة ثابتة (2) ،
__________
(1) ... يقول الشيخ محمد أبو زهرة مبيناً أقسام الربا : " القسم الأول منه هو ربا الديون ، بأن يقرض ديناً ويزيد في الدين كلما زاد الأجل ، فالزيادة نظير الأجل ، وهذه الزيادة هي الربا ، وهو الذي نزلت الآيات القرآنية بتحريمه ، والقسم الثاني هو ربا البيوع (وهو البيع في الأصناف الربوية الستة مع زيادة أحد العوضين عن الآخر،الشربيني ،مغني المحتاج،ج 2،ص 21) // الشربيني. شمس الدين محمد بن الخطيب، مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج، بيروت: دار المعرفة, 1997 // ،وهذا النوع من الربا لم يكن معروفا في الجاهلية بل جاءت السنة بتحريمه. وهو ربا لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سمَّاه ربا انظر: محمد أبو زهرة، خاتم النبيين، الجزء الثالث، دار الفكر العربي ، بيروت ، ص 66،وانظر أيضا ،الامين،حسن عبد الله، حكم التعامل المصرفي بالفوائد،مجلة مجمع الفقه الإسلامي،ع 2،ج 2،ص 802.
(2) ... الخياط؛ د.عبدالعزيز عزت ؛ الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون – جزء 2 ، ص27 // الخياط..عبد العزيز، الشركات في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، ج2، عمان: المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية, 1995(1/23)
لذلك فإن وضوح المسألة يعفينا من الشرح الزائد منذ بداية الطريق ونقول أن أنواع السندات كلها تعتبر محرمة شرعاً ما دامت بفائدة معينة ثابتة، ولا تخرج السندات الحكومية وشبه الحكومية عن هذا الحكم، فهي غير جائزة ولا يصح إصدارها ولا تداولها والاستثمار فيها عن طريق البيع والشراء، وفي هذا الصدد فقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي قراره بشأن السندات رقم (62/11/6) في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1423 هجري الموافق 14-20/آذار (مارس) 1990 (1) .
__________
(1) ... قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم (62/11/6) بشأن السندات :
... إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شبعان 1410 هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990 م ، بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة " الأسواق المالية " المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1409 هجري الموافق 20-24/10/1989 م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية ، وباستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية .
... وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أو مبلغاً مقطوعاً أم خصماً قرر:
1. ... ... أن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوك استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً .
2. ... ... تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات .
3. ... ... كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين ، أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار .
4. ... ... من البدائل للسندات المحرمة – إصداراً أو شراءً أو تداولاً – السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين ، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع ، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً ، ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تمَّ اعتمادها بالقرار رقم (5) للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة .(1/24)
... وخلاصة القول: أن أسواق المال لم تكن معروفه بالمفهوم الذي تعرفه المجتمعات في هذه الأيام. وأن أسواق المال العالمية القائمة في المراكز الدولية ولدت وتطورت خارج نطاق الضوابط الشرعية ،فكانت أوراقها خليطاً من الأدوات الجائزة والأدوات الممنوعة بحسب المعايير الإسلامية في التمييز بين الحلال و الحرام.
... والأدوات المالية المعاصرة تنقسم إلى صورتين:
? صورة حصة المشاركة القابلة للتداول و المعروفة بأنها الأسهم التي تمثل حقاً من حقوق الملكية والمشاركة.
? صورة حصة القرض القابلة أيضاً للتداول والمعروفة بأنها من سندات الدين سواء كانت ديناً عاماً أم خاصاً. ولما كان العالم الإسلامي يعيش في واقعه المعاصر على هامش التبعية للدول الصناعية المتقدمة،فإن الامر المؤسف أن يكون العالم الإسلامي – على اتساع نطاقه-خاليا من أي تنظيم لقيام سوق لرأس المال الإسلامي (1) .
__________
(1) ... جاء في القرار رقم 61/10/6 لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة 14-20/3/1990م بشأن الاسواق المالية،الفقرة ثانيا ما يلي:"ان هذه الاسواق المالية – مع الحاجة لاصل فكرتها هي في حالتها الراهنة ليست النموذج المحقق لأهداف تنمية المال واستثماره وفق الوجهة الإسلامية. وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية مشتركة من الفقهاء والاقتصاديين لمراجعة ما تقوم به عليه من أنظمة، وما تعتمده من آليات وأدوات، وتعديل ما ينبغي تعديله في ضوء مقررات الشريعة الإسلامية.(1/25)
وقد استتبع ذلك الأمر قصوراً في عملية إيجاد الأدوات المالية الإسلامية التي تشكل أساس قيام هذه السوق، بالرغم من قيام العديد من المصارف الإسلامية بالتعاون مع جهات مختلفة لتوريق بعض الموجودات وإصدار صكوك إسلامية تم تداولها في نطاق ضيق ومحدود. فما المقصود بالتوريق الإسلامي؟ وهل يختلف عن التوريق التقليدي الذي تم بحثه سابقا؟ وما ضوابط هذه المعاملة المستحدثة؟ وما خصائص الصكوك الناتجة عن تطبيق مفهوم التوريق الإسلامي الجديد؟ وهل تصلح جميع الصيغ الشرعية المعروفة لقيام عمليات التوريق؟ وهل يمكن اقتراح نموذج إسلامي شامل لعمليات التوريق يكون أكثر تطوراً وقبولاً؟ هذا ما سنتاوله بالبحث المفصل في المبحث الثاني.
مفهوم التوريق في الاقتصاد الإسلامي
... التوريق في اللغة: مصدر ورَّق. ورَّق الشجر: أخرج ورقه، وَرَقَ الشجر: أخذ ورقه. وأورق الشجر: خرج ورقه، وأورق الشخص: كثر ورقه ـ أي ماله. ويقال أورق الرجل إذا صار ذا ورق، (1) .
التوريق في الإصطلاح التقليدي
... إن كلمة "التوريق" هي تعريب لمصطلح اقتصادي حديث نسبيا وهو "Securitization" ويعني الحصول على الأموال استنادا إلى الديون المصرفية القائمة عن طريق ابتكار أصول مالية جديدة، وبعبارة أخرى هو تحويل للموجودات المالية من القرض الأصلي إلى الآخرين في معظم صوره.
... وقد عرفه بعض الباحثين بأنه خلق أوراق مالية قابلة للتدوال، مبنية على حافظة استثمارية ذات سيولة متدنية (2) .
التوريق عند علماء الاقتصاد الإسلامي
__________
(1) ... انظر المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربي جمهورية مصر العربية، اخراج ابراهيم مصطفى واخرون
(2) ... القري، محمد؛ الأسواق المالية، ص. 116(1/26)
... يلاحظ الدارس تبايناً في تعريف التوريق عند فقهاء وعلماء الاقتصاد الإسلامي ، فقد عرفه صالح ملائكة بأنه جمع الموجودات غير السائلة لدى مؤسسة ما وتحويل ملكيتها إلى صندوق أو مؤسسة أخرى تقوم بإصدار صكوك تساندها تلك الموجودات، ثم تقوم بإتاحتها للتداول في الأسواق المالية بعدما يتم تصنيفها ائتمانيا (1) .
... وقد عرفه الدكتور منذر قحف بأنه: "وضع موجودات دارّة للدخل، كضمان، أو أساس، مقابل إصدار صكوك، تعتبر هي ذاتها أصولا مالية" (2) .
... وقد عرفت المعايير الشرعية (3) صكوك الاستثمار الإسلامي المتولدة من عمليات التوريق بأنها "وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أُصدرت من أجله" .
... وعملية التحويل إلى سندات هي عملية عامة لا تتحدد بصيغة معينة دون الأخرى، فأية مجموعة من الموجودات يمكن وضعها أساسا لإصدار صكوك مالية، ويمكن لهذه الموجودات أن تكون أصولا عينية، كمصنع يصدر مالكه صكوكا أو أسهما، أو سندات بقيمته. أو تكون مجموعة من الموجودات العينية التقليدية، والتقليدية، والديون في الذمة، والمنافع تجمع بعضها مع بعض وتصدر بها صكوكا تمثل ملكيتها ضمن الضوابط الشرعية.
التعريف المختار
__________
(1) ... ملائكة، صالح؛ التوريق وبقية أدوات السيولة للسوق الإسلامية، مرجع سابق
(2) ... قحف، منذر؛ سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، المعهد العربي الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، ص.34
(3) ... المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية"هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية،1424هج/2003مالمنامة –البحرين ص :310(1/27)
... ويلاحظ ان التعريفات السابقة لم تفرق بين الصكوك المتولدة من عمليات التوريق والتي تصدر بالاستناد الى جميع صيغ التمويل الإسلامية، وبين الاسهم التي تصدر وفق صيغة المشاركة فقط؛ لذا لا بد من إعادة تعريف التوريق على النحو التالي:
... "هو عملية إصدار سندات (صكوك) (1)
__________
(1) ... الصكوك: مفردها صك، وقد اصطلح على الكتاب الذي يكتب فيه المعاملات، والأقارير ووقائع الدعوى. (يراجع في ذلك، المصباح المنير، كشاف القناع 6/367، نهاية المحتاج 8/258، الفتاوى الهندية 6/160 وما بعده) // الشيخ نظام، الفتاوى الهندية، المعروفة بالفتاوى العالمكيرية في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان، بيروت: دار الكتب العلمية, 2000
... وقد سبق الفقه الإسلامي الاقتصاد التقليدي إلى الصكوك كوثيقة لإثبات حق، حيث ورد عن الإمام النووي المتوفي سنة 676هـ، الموافق 1277م، ما نصه: "الصكاك جمع صك وهو الورقة المكتوبة بدين ويجمع أيضا على صكوك والمراد هنا الورقة التي تخرج من ولي الأمر بالرزق لمستحقه بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره فيبيع صاحبها ذلك لإنسان قبل أن يقبضه. وفي جواز البيع قبل القبض قضية خلافية. (أنظر النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف، شرح النووي على صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت: لبنان، ط2، ج1، ص.171). ويفهم من كلام النووي أن الصكوك تطلق على أحد نوعين من الوثائق:
... الأول: الوثائق التي تثبت الدين، ويستخدم لضبط الدين، ولا علاقة بين صك الدين في كلام النووي وصك التوريق. فالنووي يقصد صك إثبات الدين لا بيعه، لأن هذا مما هو محرم شرعا لمكان الربا الصريح فيه.
... الثاني: تلك الوثائق التي تثبت حقا في طعام أو غيره، وهو الأشبه بالصكوك خصوصا عند إيراده خلاف الفقهاء في جواز بيعه وهو التداول.
... ومن امثلة هذه الصكوك والمعاملات ما ورد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه كان يستخدم هذه الصكوك في تجارته الخارجية، فقد كان لا يقبل الودائع، ولكنه يطلب إلى المودع أن يجعلها قرضا عنده، ويكتب له بذلك صكا، فكان حامل الصك يعود إليه بعد فترة ليأخذ نقوده أو يسلم الصك عامل الزبير في المدينة التي سيسافر إليها ويأخذ نقوده (أنظر في ذلك العمر، إبراهيم بن صالح؛ النقود الائتمانية دورها وأثارها في اقتصاد إسلامي، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1414هـ، ص. 73).
... كما شاع استخدام الصكوك للأغراض التجارية واستخدامها لتأدية المدفوعات بدلا من الدفع النقدي، ومن أمثلة ذلك ما ورد عن سيف الدولة الحمداني جاء بغداد زائرا متخفيا فخدمه بعض الناس من غير أن يعرفوه، فلما هم بالانصراف كتب لهم صكا إلى أحد الصيارفة ببغداد بألف درهم، فلما أعطوا الصيرفي الرقعة، أعطاهم ما فيها في الحال (أنظر الذهبي. شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان، سير اعلام النبلاء، 748 هـ (ج 1 – ج 25)، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع, 1998، حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرناؤوط، 16/187، مؤسسة الرسالة، 1994م).
... وروى ابن حوقل (هو محمد بن علي بن حوقل البغدادي، مؤرخ معروف، ورحالة جغرافي، سافر إلى الأندلس وتوفي فيها، ومن كتبه المسالك والممالك) أنه رأى صكاً بإثنين وأربعين ألف دينار لتاجر، (أنظر، حاجي خليفة، مصطفى عبد الله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ج6، ص. 43، دار الفكر، 1982).
... كما شاع استعمال الصكوك للأغراض التجارية في مدينة البصرة، وصار لها قواعد وأصول معروفة من حيث طريقة الختم والشهود، وأصبح وجود الصراف ليس عنه غنى في سوق البصرة في حوالي عام 400هـ/ 1010م (أنظر، حمود. سامي حسن احمد، تطوير الاعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الاسلامية، عمان: المؤلف, 1982، ص. 148، ويراجع أيضا الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، آدم متز، استاذ اللغات الشرقية بجامعة بال سويسرا، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، المعهد الخليفي للأبحاث العربية، بيت المغرب، 2/3123)
... ويلاحظ بعد هذا الاستعراض، أن استخدام الصكوك تنصب في قالب واحد من حيث أن الصك وثيقة إثبات حق مالي، والصكوك الاستثمارية الإسلامية ما هي في حقيقتها إلا وثيقة تثبت حقا ماليا، والفارق بين المفهومين هو أن الصكوك الحديثة تصدر وتتداول لأغراض الاستثمار بخلاف الصكوك المعروفة في كتب الفقه التي تصدر لإثبات حق وحسب، وقد يطرأ عليها بيع وشراء.
... وقد ذكر أحد المستشرقين بعد أن أطلع على هذه الممارسات في العالم الإسلامي أنه من الثابت انتشار أنواع بالغة التعقيد من الائتمان والصيرفة في العالم الإسلامي قبل حدوث التطور الائتماني الأوروبي نحو ثلاثة قرون على الأقل (يراجع في ذلك داود، هايل عبد الحفيظ يوسف؛ تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية، ص. 84، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1999، نقلا عن بودفتش، أبراهام؛ مؤسسات الائتمان والأعمال المصرفية، مجلة المسلم المعاصر، ع 34، ص.ص. 141-155)(1/28)
ذات قيمة مالية متساوية، تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خليط من الأعيان والمنافع والديون في الذمة والتي تصدر وفق عقد شرعي استنادا لصيغ التمويل الإسلامية ويطلق على هذه العملية ايضا "التصكيك" و"التسنيد" و"السنددة" لتدل على نفس المعنى. وهو تعريف يحتوي على مضامين التعريفات السابقة ويعالج ما يعتريها من قصور.
انواع التوريق:
... استنادا إلى التعريف المختار فقد اقتضى الامر التفريق بين نوعين للتوريق :
? مديونية النقود
... فاذا كان الدين (توريق الدين النقدي) ثابتا في الذمة مؤجل السداد او نقودا ,ذهب الفقهاء على عدم جواز توريقه وبالتالي امتناع تداوله في سوق ثانوية (1) سواء بيع بنقد معجل من جنسه –حيث ينطوي على ربا الفضل والنساء معا او بيع بنقد معجل من غير جنسه (2) لاشتماله على ربا النساء وذلك لتطبيق احكام الصرف عليه شرعا وبالتالي لا يجوز توريق الديون المصرفية المؤجلة,وتداولها من المؤسسات المالية الاسلامية او الافراد في الاسواق المالية او شرائها مباشرة بنقد معجل اقل منه كما يجري في عمليات توريق الديون المتداولة في الاسواق الدولية حيث انها من قبيل الربا المحرم باجماع اهل العلم.
? مديونية السلع (عروض التجارة )
... حيث يعمل المصرف الإسلامي على حصر مجموعة من الموجودات المدرّة للدخل، وبيع سندات في السوق مقابل هذه الموجودات، بمعنى أن العملية تقوم على تحويل الموجودات غير السائلة إلى سندات متداولة بالاستناد إلى هذه الموجودات، مع مراعاة الضوابط الشرعية، والتي سنتناولها بشيء من التفصيل.
__________
(1) ... نزيه حماد,بيع الدين –احكامه-تطبيقاته المعاصرة-ص 22-23 وما بعدها
(2) ... د وهبة الزحيلي-بيع الدين في الشريعة الاسلامية (جدة –مركز بحوث الاقتصاد الاسلامي-جامعة الملك عبد العزيز-1998(1/29)
... فالصك وفقا لذلك لا يمثل مبلغا معينا من المال (النقود)، ولا هو دين على جهة معينة، سواء أكانت شخصا طبيعيا أم اعتباريا، وإنما هو سند أو ورقة مالية تمثل ملكية جزء شائع من ألف جزء – مثلا – في عمارة سكنية أو باخرة أو طائرة أو مجموعة من الأعيان.
... وهو يمتاز عن مستند السجل العقاري (وثيقة ملكية تلك الموجودات الثابتة)، في أن العين التي يمثل الصك حصة فيها مرتبطة بعقد شرعي وفق احدى صيغ التمويل الإسلامي يجعل للصك عائدا وهو حصته من عائد ذلك العقد.
... ثم إن الصكوك يمكن أن تكون إسمية، بمعنى أنها تحمل إسم الشخص المالك، ويتم انتقال ملكيتها بالقيد في سجل معين، أو بكتابة إسم المالك الجديد عليها كلما تغيرت ملكيتها، كما أن من الممكن أن تكون سندات لحاملها، بحيث تنتقل الملكية فيها بالتسليم كما هو الحال في اسهم الشركات المساهمة.
المعايير والضوابط الشرعية للتوريق
... تقع على عاتق الفقهاء والاقتصاديين المعاصرين مسؤولية كبيرة في ابتكار وتطوير أدوات العمل المصرفي الإسلامي بما يتناسب مع حجم التطور الهائل لدى الغرب الذي توصل إلى استنباط أساليب وطرق وآليات عمل لتسهيل انسياب الأموال من أصحابها إلى مراكز الاستثمار الأمثل لتكون بديلا عن أدوات المصارف التقليدية التي لاتتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
... وفي هذا المجال طرح علماء الشريعة والاقتصاد الإسلامي بديلاً عن سندات القرض، من ذلك سندات المقارضة التي سبق وتم التطرق إليها،وقدموا جهودا في مجال سندات الاستثمار وعمليات التوريق وإصدار الصكوك الإسلامية.
... والناظر في عمليات التوريق التقليدي يرى عمليات محظورة وأخرى توافق القواعد المالية الإسلامية، لذا فلا بد من إعادة صياغة مفهوم التوريق وفق المنظور الشرعي.
... والتوريق وفق القواعد المالية الإسلامية لا يختلف كثيرا عن المفهوم التقليدي من الناحية الفنية، ولكنه يخضع لمجموعة معايير وضوابط شرعية لا بد أن يتم في إطارها.(1/30)
... والنظر الفقهي هنا يقتضي التعرف على ماهية التوريق "التصكيك" الإسلامي والخصائص العامة للصكوك الإسلامية التي تميزها عن الأسهم والسندات المتداولة في البنوك والمؤسسات التقليدية ، قبل الحديث عن المعايير والضوابط الشرعية لهذه العملية.
... ومع التماثل أحيانا،والتقارب أحيانا أخرى في العملية التنظيمية لإصدار الصكوك والأسهم والسندات؛ رأينا أن نعقد مقارنة بين الصكوك الإسلامية من جهة ،والأسهم والسندات من جهة أخرى بهدف التفريق بينها وابراز الصك الإسلامي كأداة تمويلية اسلامية مستحدثة.
صك الاستثمار الإسلامي والسهم
... بمقارنة خصائص الصكوك الاستثمارية الإسلامية بالأسهم نجد أن صكوك الاستثمار الإسلامية تشترك مع السهم في الشركات المساهمة في الامور التالية:
1. يمثل كل من السهم وصك الاستثمار حصة شائعة في صافي موجودات الشركة أو المشروع، وهذه الموجودات تشتمل غالبا على الأعيان والمنافع والحقوق، ثم فيما تؤول إليه هذه الموجودات من نقود أو ديون.والشرط في صحة تداول كل من الصك والسهم ألا تكون النقود وحدها، أو الديون وحدها، أو هما معا يمثلان غالب أصول المشروع أو الشركة، فإن كانت كذلك ،خضع تداول السهم والصك لاحكام التصرف في الديون والنقود،في الشريعة الإسلامية،وهو ما سنفصله عند عرض أحكام تداول الصكوك بالتفصيل.
2. يستحق مالك السهم والصك حصة في صافي ربح الشركة او المشروع ،تتناسب مع قيمة الاسهم التي يملكها في الشركة، او الصك الذي يملكه في المشروع،الى رأس مال الشركة او المشروع.
3. يقوم كل من السهم والصك مقام الحصة الشائعة، في صافي أصول الشركة او المشروع في التسلسم والقبض والحيازة وهي امور تلزم لصحة التصرف.
وتختلف الصكوك عن الأسهم فيما يلي:(1/31)
1. أن مالكي الأسهم يشتركون في إدارة الشركة عن طريق انتخاب مجلس الإدارة من بينهم، أما مالكو الصكوك فإنهم لا يشاركون في إدارة المشاريع بطريق مباشر، فهم لا ينتخبون مجلس إدارة للمشروع ، وليس لهم هيئة عامة تشترك في إدارة المشروع، بل إن الإدارة توكل للمضارب وحده، والمضارب ملتزم في إدارته للمشروع بأحكام عقد المضاربة وشروطها الشرعية، ولملاك الصكوك من حقهم أن يكونوا من بينهم أو غيرهم مجلس مراقبة يرعى مصالحهم، ويحمي حقوقهم، في مواجهة المضارب.
والشريعة الإسلامية ترى أن هذه الصورة من صور الاستثمار تعتمد على أن رب المال لا يشارك في اتخاذ القرار الاستثماري، ولا يتدخل في إدارة المشروع، وله فقط أن يختار المدير الذي يجمع بين الأمانة والخبرة.
ويضمن عقد المضاربة ما يراه من الشروط والقيود التي تتعلق بمجالات الاستثمار، ومكانه وطرقه التي يراها محققة لمصالحه، تاركا المضارب وحده يتخذ القرار الاستثماري على مسؤوليته، وهو ان تعدى أو قصر، أو خالف شرطا من شروط المضاربة في إدارته، كان مسؤولا عن كل ضرر يلحق بالمضاربة، ويضر بحقوق أرباب المال، ولذا على رب المال أن يختار لهذا النوع من الاستثمار الكفء الأمين، وأن يُضَمِّن عقد المضاربة كل ما يرى من شروط وتعليمات.
2. كما تختلف الصكوك عن الأسهم أيضا في أن الأسهم مشاركة دائمة في الشركة، تبقى مدى حياة الشركة، وإن انتقلت ملكيتها من شخص لآخر: لأنها تمثل رأسمال الشركة المصدر، فهي إذن غير قابلة للرد من قبل الشركة، في حين أن صكوك الاستثمار ليست بالضرورة مشاركة دائمة في المشروع، فقد يكون إصدار صكوك الاستثمار لتمويل مشروع بطريق المشاركة المتناقصة أو الإجارة المنتهية بالتمليك، بحيث تؤول ملكية المشروع إلى الطرف الآخر على مراحل زمنية معينة (1) .
__________
(1) ... حسان ،حسين حامد؛الادوات المالية الإسلامية، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورةالسادسة، العدد السادس ص1425(1/32)
صك الاستثمار الإسلامي والسند
1. لقد ذكرنا أن صك الاستثمار الإسلامي كالسهم يمثل حصة في ملكية موجودات مشروع أو نشاط اسثتماري خاص، فحق صاحب الصك أو السهم هو حق عيني يتعلق بموجودات المشروع أو الشركة، في حين أن السند يمثل دينا في ذمة الشركة التي تصدره ولا يتعلق بموجودات عينية.
2. حامل السند لا يتأثر بنتيجة أعمال الشركة، ولا بمركزها المالي بطريق مباشر، لأن مالكه يستحق القيمة الإسمية لسنده في مواعيد الاستحقاق المدونة فيه، مضافا إليها الفوائد المحددة سلفا، بخلاف صك الاستثمار الذي يتأثر بنتيجة أعمال المشروع، ويشارك في تحمل المخاطر، فله الغنم الذي يحققه المشروع، وعليه الغرم الذي يتعرض له، فالصك يشارك في الأرباح المتحققة، ويتحمل الخسارة التي قد يتعرض لها المشروع.
وقد ظهر نوع من السندات لا يستحق حامله فائدة محددة مسبقا، بل يشارك في أرباح الشركة التي أصدرته، وتسمى سندات مشاركة في الأرباح، وهذه قد تتحول إلى أسهم في أوقات لاحقة. على أن هذا النوع من السندات يبقى مساهمة مؤقتة في الشركة، لأن الشركة تدفع قيمة هذه السندات في مواعيد استحقاقها، ما لم تتحول إلى أسهم، كما قلنا. فهي تمثل مشاركة متناقصة، غير أن الشركات المصدرة لهذا النوع من السندات لا تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في استثماراتها (1) .
الخصائص العامة لصكوك الاستثمار الإسلامية
__________
(1) ... حسان، حسين حامد؛ "الأدوات المالية الإسلامية"، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ـ الدورة السادسة ـ العدد السادس، ص. 1426(1/33)
يؤخذ من تعريف التوريق الإسلامي وإصدار الصكوك الاستثمارية الإسلامية السابق،ومن الفرق بينها وبين كل من السهم والسند،أي الأوراق المالية التقليدية،أن للأوراق المالية الإسلامية (الصكوك)خصائص لا بد من توافرها ،حتى يكون إصدارها وتداولها،والأرباح المحققة منها موافقا لأحكام الشريعة الإسلامية من جهة،ومحققا للغرض من إصدارها من جهة أخرى ،وهذه الخصائص تمتاز بها عن الأدوات المالية الأخرى، وهي:
1. تمثل الصكوك حصص ملكية شائعة في الموجودات
تمثل الصكوك حصصا شائعة في ملكية موجودات لها عائد ولا تمثل دينا في ذمة مصدرها. وقد تكون هذه الموجودات أعيانا أو منافع أعيان أو خليط من الاعيان والمنافع والديون، وبذلك فإن ملكية حامل الصك تتعلق بحصة في الموجودات وليس في العائد فقط، وهو شريك على الشيوع لبقية ملاك الصكوك في المال الذي تمثله هذه الصكوك.ولا تقتصر على حصته في الأرباح فذلك هو شأن المضارب (الذي يدير عمليات الاستثمار ولا يشارك بماله) أما رب المال في المضاربة أو الشريك المساهم أو حامل الصك فهو مالك لحصة الموجودات ولا يتنافى ذلك مع تقييد تصرفه فيما يملك بحيث لا يمكنه بيع جزء من تلك الموجودات بما يتناسب مع ملكيته وذلك لتعلق حق الغير وحفظ حقوق جميع المستثمرين في وعاء موحد مشترك. وهذا ما يجعل ربح الصك الاستثماري مشروعا، وعلى أساس تحمل حامل الصك المخاطر التي قد تلحق بهذه الموجودات.
2. ولا يكفي اعتبار حامل الصك مالكا لحق مالي في العائد أو في ارتفاع قيمة الصك فقط وهو ما يطلق عليه ملكية حقوق الورقة المالية فقط دون استحقاق ثابت في أصل الموجودات.(1/34)
... فإنه بهذا الاعتبار-الخاطيء- يقتصر حامل الصك على تحصيل الربح المحدد فيه دون تحمل تبعات الهلاك، وهذا التخريج غير مقبول في المنظور الشرعي الذي يقرر بأن استحقاق الربح يكون بمقدار الاستعداد لتحمل المخاطرة على أساس القاعدة الشرعية الغنم بالغرم. (1)
3. الصك الاستثماري الإسلامي يعطي حامله حصة من الربح
... ان الصك المالي يعطي حامله حصة من الربح ،وليس نسبة محددة مسبقا من قيمته الاسمية.وحصة مالك الصك من أرباح المشروع تحدد بالنسبة وقت التعاقد ،أي في نشرة الاصدار التي تسبق الاكتتاب أو في الصك المالي نفسه،بحيث تتضمن هذه النشرة أو الصك حصة المضارب وحصة أرباب المال من الربح الذي يتحقق في نهاية المشروع أو في فترات دورية معينة.
... فإذا كان الصك يعطي حامله مبلغا محددا ،أونسبة معينة من قيمته الاسمية ،أو يعطيه حصة من الربح غير محددة في نشرة الإصدار،أو في الصك نفسه،أو يحددها المضارب في نهاية المشروع، أو في فترات دورية لاحقة،لم يكن صكا ماليا إسلاميا،فلا يجوز إصداره ،ولا تداوله، ولا يحل العائد منه،ذلك أن العلم بمحل التعاقد شرط عند التعاقد، لا بعده، ومحل عقد المضاربة هو رأس المال والربح وحصة المضارب وحصةرب المال من الربح.
... وقد ورد في فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك الاستثمار الأول: يستند استحقاق المستثمرين في أجرة المعدات على الملكية الفعلية لهم الناتجة عن شراء تلك الموجودات من الشركة، وبذلك يستحقون الغنم (الريع) ويتحملون الغرم (الضمان) (2) .
__________
(1) ... أبو غدة، عبد الستار؛ مخاطر الصكوك الإسلامية، بحث في مؤتمر المخاطر في المصارف الإسلامية ـ الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، 10-12 شعبان 1425هـ. وانظر أيضا: حسان، حسين حامد؛ "صكوك الاستثمار"، ص. 6، بتصرف
(2) ... بشأن صكوك إجارة مع شركة (تي تي إس تي)، نقلا عن أبو غدة، عبد الستار؛ "صناديق الاستثمار"، دورة تدريبية لموظفي البنك الإسلامي الأردني.(1/35)
4. الصك الاستثماري الإسلامي يلزم صاحبه بتحمل مخاطر الاستثمار كاملة
يقوم مبدأ إصدار وتداول الصكوك الاستثمارية الإسلامية على نفس الأسس التي تقوم عليها المشاركات في القواعد المالية الإسلامية، من حيث العلاقة بين المشتركين فيها بالاشتراك في تحمل الخسارة مقابل استحقاق الربح، وهو مبدأ الغنم بالغرم، وذلك في حدود مساهمة حامل الصك في المشروع،فهو يتحمل بحصته في أية خسارة يتعرض لها المشروع بسبب لا يد للمضارب فيه، لأن حملة الصكوك (أرباب المال)يملكون المشروع ملكية مشتركة، وتلف المال، وهلاكه وخسارته على مالكه،وفقا لقواعد الشريعة.
5. الصك الاستثماري الإسلامي يخصص حصيلة الاكتتاب فيه للاستثمار في مشاريع أو انشطة تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية
فإذا كانت حصيلة الاكتتاب تستثمر في أنشطة محرمة، كصناعة الخمور، والإقراض بفائدة، فإن الصك الاستثماري لا يعد إسلامياً ولا يجوز إصداره، ولا تداوله، ولا يحل الربح العائد منه، لأن إصدار هذه الصكوك، وتداولها يعد مساهمة في نشاط محرم، والربح العائد منه هو ربح في نشاط لا تجيزه الشريعة الإسلامية.
6. الصكوك تصدر بفئات متساوية
تصدر الصكوك بفئات متساوية القيمة لأنها تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك لتيسير شراء وتداول هذه الصكوك، وبذلك يشبه الصك الاستثماري الإسلامي السهم الذي يصدر بفئات متساوية ويمثل حصة شائعة في صافي أصول الشركة المساهمة، كما أنه يلتقي في ذلك مع السندات التقليدية والتي تصدر بفئات متساوية (1) .
7. تحمل أعباء الملكية
__________
(1) ... حسان، حسين حامد؛ مرجع سابق.(1/36)
يتحمل حامل الصك الأعباء والتبعات المترتبة على ملكية الموجودات الممثلة في الصك سواء كانت الأعباء مصاريف استثمارية أو الهبوط في القيمة (1) ، فإن هذه المصاريف تكون على حامل الصك وليس على المستفيد من منفعة الموجودات إلا إذا كانت هذه المصاريف تشغيلية أو دورية منضبطة فإنه يمكن اشتراطها على المستفيد من تلك الموجودات ويظل حامل الصك ملتزما بالأعباء المتعلقة بالصيانة الأساسية لأنه مسؤول عن ضمان استمرار تولد المنفعة لهذه الموجودات، ولأنه يتحمل تبعة هلاكها.
8. التداول محكوم بضوابط شرعية
كون الصك ورقة مالية فالأصل أن تكون قابلة للتداول، أي للبيع والهبة والرهن وغيرها من التصرفات الشرعية، باعتبار أنها تمثل حصة شائعة في مال، فيكون حكمها حكم المال الذي تمثل حصة شائعة فيه. فتداول الصكوك الإستثمارية الإسلامية يخضع للشروط الشرعية المتعلقة بطبيعة الموجودات التي تمثلها عند التداول، فإن كانت أعيانا أو منافع فإنها تتداول حسب الاتفاق من حيث السعر أو التأجيل، أما لو كانت الموجودات الممثلة للصكوك لا تزال مقابل ديون فقط كصكوك المرابحة والسلم عند تمحضها أن تتكون مقابل ديون فلا تتداول هذه الصكوك إلا بشروط الديون. أو كانت نقودا فقط فلا تتداول إلا بشروط الصرف (2) . وقابلية الصك الاستثماري الإسلامي للتداول تعد من أهم خصائص الأوراق المالية، وذلك لتحقيق الأغراض التي ابتكرت من أجلها هذه الأوراق.
9. استناد الصك على عقد شرعي
__________
(1) ... أبو غدة، عبد الستار؛ مرجع سابق.
(2) ... وسيأتي تفصيل هذا عند الحديث عن إصدار وتداول الصكوك الإسلامية.(1/37)
استناد الصكوك الاستثمارية الإسلامية على عقد شرعي من صيغ التمويل الإسلامية. تصدر الصكوك الإسلامية على أساس عقود شرعية بضوابط تنظم إصدارها، فالصكوك الإسلامية تصدر بصيغ التمويل الإسلامية كافة كالمضاربة والإجارة والمزارعة والسلم، وعندئذ يسمى الصك بالصيغة التي يصدر بها، وتختلف أحكام الصك تبعا لاختلاف العقد أو الصيغ الاستثمارية التي صدر الصك على أساسها.
فصكوك المضاربة تحكمها أحكام وضوابط المضاربة، وصكوك الإجارة تخضع لأحكام وضوابط عقد الإجارة الشرعية، ويقاس على ذلك ما سواهما من صكوك استثمارية إسلامية (1) .فاذا تضمنت نشرة الاصدار،او الصك الذي يصدر بناءعليها،حكما يخالف هذه الاحكام لم يكن الصك اسلاميا،ولا يجوز اصداره،ولا تداوله ،ولا يحل العائد منه.
10. إنتفاء ضمان المدير (المضارب أو الوكيل أو الشريك)
يتنافى الضمان مع كل من المضاربة أو الوكالة أو الشركة، وهي الصيغ التي تدار بها السندات غالبا. فلا يتحمل المصدر الخسارة ولا يضمن رأس المال لحامل الصك لأن ذلك يحول العملية إلى شكل من أشكال الربا المحرم، إذ يحصل حامل الصك عندئذ على ربح لما لا يكون ضامنا له، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن. وكذلك الحال في بقية المشاركين (حملة الصكوك)، فلا يضمن أحد غيره. فاذا تضمنت نشرة الاصدار او الصك المالي شرط ضمان مخاطر الاستثمار في المشروع،على المضارب، لم يكن صكاً جائزاً شرعاً.
الضوابط الشرعية لعمليات التوريق الإسلامي
__________
(1) ... حسان، حسين حامد؛ "صكوك الاستثمار"، مرجع سابق، بتصرف(1/38)
إن الصكوك الاستثمارية الإسلامية القائمة على اساس عملية التوريق تصدر بالاستناد لعقد شرعي على أساس صيغة من صيغ التمويل الإسلامية، وتترتب على هذا العقد أحكام وآثار هذه الصيغة (1) ، ويوجه الإيجاب إلى المكتتبين عن طريق نشرة الإصدار التي تتضمن جميع أركان وشروط العقد الشرعي الذي تصدر الصكوك الاستثمارية على أساسه، ويعتبر شرائهم لهذه الصكوك قبولا.
وإصدار الأوراق المالية الإسلامية محكوم بضوابط شرعية عامة تنطبق على جميع عمليات التوريق الإسلامية وضوابط شرعية خاصة وفقاً للصيغة التي تمت عملية التوريق على أساسها نبينها فيما يلي:
الضوابط الشرعية العامة التي تحكم عمليات التوريق الإسلامي
? الضابط الأول: يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وملكية حامل الصك ملكية شائعة، وليست مفرزة، وتستمر هذه الملكية مدة وجود المشروع من بدايته إلى نهايته، ويترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها من التصرفات المشروعة، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل موجودات المشروع - العينية والنقدية - وديونها.
? الضابط الثاني: يقوم العقد في الصكوك على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار) وأن (الإيجاب) يعبر عنه الاكتتاب في هذه الصكوك، وأن (القبول) يعبر عنه موافقة الجهة المصدرة. إلا إذا صرح في نشرة الإصدار أنها إيجاب فتكون حينئذ إيجابا ويكون الاكتتاب قبولا (2) .
__________
(1) ... هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعايير الشرعية، ص. 313
(2) ... هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعايير الشرعية، ص.316. وانظر أيضا: الشريف، محمد عبد الغفار؛ الضوابط الشرعية للتوريق والتداول للأسهم والحصص والصكوك، بحث مقدم إلى ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي، 2002، المنامة – مملكة البحرين، ص. 7(1/39)
وقد يقال إن المضارب في هذا النوع من التمويل يستقل بإعداد نشرة الإصدار، وما تتضمنه من دراسة الجدوى للمشروع، وشروط الاستثمار، ولا يملك المكتتبون (أرباب المال) إلا قبول هذه النشرة والاكتتاب فيها، أو عدم قبولها، فكيف يتسنى لهم وضع الشروط التي يرونها محققة لمصالحهم؟ ويمكن القول أن مبدأ العرض والطلب على رأس المال يحمل المضاربين مصدري الصكوك، تضمين نشرات الإصدار الشروط التي تحقق مصالح أرباب المال، وتجذبهم إلى الاكتتاب لتمويل مشروعاتهم فتحقق الغرض، ويكون قبول المكتتب دليلا على رضاه بما جاء في نشرة الإصدار، فكأنه شريك في إعدادها، إذ العقد يتكون من الإيجاب والقبول.
? الضابط الثالث: أن تكون الصكوك قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه من الشركاء مع مراعاة الضوابط التالية:
1. إذا كان رأس المال المتجمع بعد الاكتتاب ما يزال نقودا - كما هو الحال عند بدء الاكتتاب وحتى ابتداء التصرف بها – فإن تداول هذه الصكوك يعتبر مبادلة نقد بنقد، ويخضع لأحكام الصرف (1) من تقابض البدلين في مجلس الصرف قبل التفرق، والخلو عن الخيار، والتماثل؛ إذا بيع أحد النقدين بجنسه، أي أن القيمة الإسمية المدفوعة هي الأساس، حيث يباع فيها الصك دون زيادة أو نقصان.
__________
(1) ... أنظر: المغني لابن قدامة 4/41، بدائع الصنائع 5/215،// الكاساني. علاء الدين ابي بكر بن مسعود الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (ت 587)، بيروت: دار احياء التراث العربي; مؤسسة التاريخ العربي, 1998 // الموسوعة الفقهية26/350-354-355)(1/40)
2. أما إذا انقلبت الموجودات لتصبح ديونا، كما هو الحال في حالة بيع المرابحة مثلا حيث يصبح الثمن دينا في ذمة المشترين، فيطبق على تداول الصكوك أحكام الديون (1) ، وقد اتفق الفقهاء على عدم جواز توريق الدين الثابت في الذمة المؤجل السداد، سواء بيع بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه (2) ، بغض النظر عن سبب وجود الدين، وبالتالي عدم جواز تداوله في سوق ثانوية لاشتماله على ربا النساء، وذلك لتطبيق أحكام الصرف عليه شرعا وهذا يعني: عدم جواز توريق الديون البنكية المؤجلة، وتداولها في المؤسسات المالية الإسلامية، أو شرائها مباشرة بنقد معجل أقل منه، كما يجري في عمليات توريق الديون الخاصة والدولية المختلفة، لأن ذلك من قبيل الربا المحرم.
3. إذا أصبح رأس المال موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداول الصكوك وفقا للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع (3) .
__________
(1) ... أنظر: (المبدع 4/199، حاشية ابن عابدين 4/166، الشريف، عبد الغفار؛ أحكام السوق، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، عدد 18، ص.220)، ابن عابدين. محمد امين بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي، رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين، بيروت: دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع, 1998 // ابن مفلح. ابي اسحق برهان الدين ابراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد، المبدع في شرح المقنع، بيروت; دمشق: المكتب الاسلامي, 1980
(2) ... الزحيلي، وهبة؛ بيع الدين في الشريعة الإسلامية، (جدة – مركز بحوث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، 1988م).
(3) ... أنظر:الشريف، عبد الغفار؛ أحكام السوق المالية – مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، عدد 18، ص. 221)(1/41)
4. يكون التداول وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة المتعاقدين (1) ، ولا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصك الصادر بناء عليها على نص يلزم أحد الشركاء ببيع حصته (2) ، ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل، وإنما يجوز أن يتضمن الصك وعدا بالبيع، وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضى الطرفين.
? الضابط الرابع: يجب مراعاة الشروط التالية(في حدها الادنى ) في نشرة الإصدار
1. أن تتضمن النشرة تحديد مجال الاستثمار وتحديد صيغة التمويل الإسلامي الذي تصدر الصكوك على أساسها، كالإجارة، أو المضاربة، أو المشاركة، أو المرابحة، أو السلم، أو المزارعة ..
2. أن تكون الصيغة التي أصدر الصك على أساسها مستوفية لأركانها، وشروطها، وألا تتضمن شروطا تنافي مقتضاها أو يخالف أحكامها
3. أن ينص في النشرة على الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وعلى وجود هيئة رقابة شرعية تعتمد آلية الإصدار وتراقب تنفيذه طوال الوقت.
4. أن ينص في النشرة على مشاركة مالك كل صك في الغنم وأن يتحمل من الغرم بنسبة ما تمثله صكوكه من حقوق مالية.
5. أن تتضمن النشرة شروط التعاقد والبيانات الكافية عن المشاركين في الإصدار وصفاتهم الشرعية وحقوقهم وواجباتهم، وذلك مثل وكيل الإصدار، ووكيل الدفع، وغيرهم، كما تتضمن شروط تعيينهم وعزلهم.
__________
(1) ... أنظر: الخياط. عبد العزيز، نظرية العقد والخيارات في الفقة الاسلامي، عمان: المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية, 1994، ص15.
(2) ( ... من اركان العقد الأساسية :الإيجاب والقبول .ويعبر عنه ب"التراضي". والتراضي من الرضا.قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}النساء29 // انظر الخياط، المرجع السابق ص 15 ومابعدها(1/42)
6. لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح، فإن وقع كان الشرط باطلا، ويصح العقد، وتوزع الأرباح بحسب رؤوس الأموال، إن لم يكن قد تم الاتفاق على نسب التوزيع (1) . ويترتب على ذلك:
أ. عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك، أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار والصكوك الصادرة بناء عليها.
ب. أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال، وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض أو التقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك، وفقا لشروط العقد.
ج. يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع، وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك.
7. ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب، ووضعها في حساب احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال. على اعتبار أن هذا الشرط يكون بالتراضي، والمسلمون عند شروطهم، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا.
__________
(1) ... أنظر، (الشركات للخفيف، 10/51) الخفيف. علي، الشركات في الفقه الاسلامي: بحوث مقارنة، القاهرة: معهد الدراسات العربية العالمية, 1962(1/43)
8. لا يجوز أن تشمل نشرة الإصدار أي نص ـ صراحة أو ضمنا ـ يضمن به مصدر الصك لمالكه قيمته الإسمية في غير حالات التعدي والتقصير، إلا أنه ليس هناك ما يمنع شرعا من النص على وعد من الغير (طرف ثالث) منفصل في شخصيته، وذمته المالية، عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بدفع مبلغ مخصص لجبران الخسران في مشروع معين، وعلى أن يكون التزاما مستقلا عن العقد؛ بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك الدفع ببطلان العقد، أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد (1) . وسيتم بحث موضوع ضمان الصكوك في موضع آخر من هذه الدراسة.
الضوابط الخاصة التي تحكم عمليات التوريق الإسلامي
صكوك المضاربة
(1) المصدر لتلك الصكوك هو المضارب ، والمكتتبون فيها هم أرباب المال ، وحصيلة الاكتتاب هي رأسمال المضاربة ، ويملك حملة الصكوك موجودات المضاربة والحصة المتفق عليها من الربح لأرباب المال، ويتحملون الخسارة إن وقعت (2) .
__________
(1) ... يراجع في ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بخصوص سندات المقارضة رقم 30(5/4) المتخذ في دورة مؤتمره الرابع بجده في المملكة العربية السعودية، من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق 6-11/شباط (فبراير) 1988.
(2) المعايير الشرعية ، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، المنامة – البحرين ص 315 .(1/44)
(2) تمثل صكوك المضاربة حصة شائعة من صافي الوعاء الاستثماري ، وهذه الصكوك تتكون من نقود وأعيان ومنافع وديون بنسبة قليلة من قيمة الوعاء ، فيجوز تداولها بعد قفل باب الاكتتاب وتوظيف حصيلة الصكوك وحتى تاريخ إعلان التصفية على هذا الأساس ، طالما كان مع الديون والنقود أعيان ومنافع ؛ لأن وجود الديون والنقود طارئ متغير اقتضته طبيعة الاستثمار في بعض مراحله (1) .
سندات الإجارة والأعيان المؤجرة
تقوم فكرة سندات الإجارة على تحويل التمويل بالإجارة إلى شكل سندات تمويلية أو ما يسمى Securitization of Lease، ويمكن تمييز اثنين من أنواع السندات في هذه الصيغة.
سندات الأعيان المؤجرة: وهي سندات ملكية عادية تعبر عن ملك العين المؤجرة ، قد تكون أرضاً أو عقاراً ، أو آلة أو مصنعاً ، أو طائرة ، أو مجموعة من ذلك كله ، ولكنها تختلف عن سندات الملكية العادية في أن العين المملوكة مؤجرة فهي تدر عائداً محدداً بعقد الإجارة وبالتالي هي ليست سند دين .
(1) المصدر لهذه السندات بائع عين مؤجرة أو عين موعود باستئجارها، والمكتتبون فيها مشترون لها، وحصيلة الاكتتاب هو ثمن الشراء ، ويملك حملة السندات تلك ، الموجودات على الشيوع بغنمها وغرمها، وذلك على أساس المشاركة فيما بينهم (2) .
(2) يجب أن يتحدد في نشرة الإصدار لهذه السندات مدة الإجارة ومقدار الأجرة وطريقة الدفع ، ونوع الإجارة (تشغيلية أو تمويلية) ، وعادةً ما تصدر سندات الأعيان المؤجرة من نوع الإجارة التشغيلية لآجال تناسب العمر الاقتصادي ، فإذا انتهى عقد الإجارة ، فإن مدير الإصدار يقوم بتأجيره مرة ثانية ، ثم يباع الأصل في نهاية الأجل المحدد ويوزع على حملة السندات .
__________
(1) ... حسان ؛ د. حسين حامد ، صكوك الاستثمار ، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، المنامة – البحرين .
(2) ... المعايير الشرعية ، ص 313 .(1/45)
أما سندات الأعيان المؤجرة من نوع الإجارة التمويلية المنتهية بالتمليك فتنتهي الإجارة بتمليك الأصل للمستأجر على دفعات في نهاية مدة الإجارة ، وتوزع الأجرة على حملة السندات في تاريخ استحقاقها في نهاية المشروع أو حسبما تحدده النشرة (1) .
(3) حيث أن سندات الأعيان المؤجرة تمثل حصة شائعة في ملكية الأعيان المؤجرة، فيجوز تداولها منذ لحظة إصدارها وحتى نهاية مدتها ، كما أنه يجوز استردادها من مصدرها قبل حلول أجلها .
سندات ملكية المنافع (2)
1. المصدر لهذه السندات هو البائع لمنفعة الأصل الموجود ، والمكتتبون فيها مشترون لها، وحصيلة الاكتتاب هي ثمن تلك المنفعة ، ويملك حملة السندات تلك المنافع على الشيوع بغنمها وغرمها .
2. يتحدد أجل السندات بمدة الإجارة الأصلية ؛ ذلك أن الأصل المؤجر لا يجوز إعادة تأجيره لمدة تزيد عن مدة الإجارة الأولى .
سندات الخدمات
1. وهي سندات متساوية القيمة تمثل عدداً من وحدات خدمة موصوفة تقدم من ملتزمها لحامل السند في وقت مستقبلي محدد (3) .
__________
(1) ... يراجع قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي الخاص بسندات الإجارة رقم (6) تاريخ 5/9/1988 الصادر في دورة المجمع الخامسة المنعقدة في الكويت 10-15 ديسمبر 1988 .
(2) ... المعايير الشرعية ، ص 314 .
(3) ... قحف ؛ منذر ، سندات الإجارة والأعيان المؤجرة ؛ المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة 1995م ، ص 52 .(1/46)
2. إن المال الذي يمثله السند قابل للبيع والتداول بسعر سوقي لأنه مال مملوك لحامل السند، وهو متقوم (1) في السوق بحسب عوامل العرض والطلب ، فإذا ارتفعت القيمة السوقية لهذه الخدمات ترتفع قيمة السندات وتهبط قيمتها إذا انخفضت القيمة السوقية للأصول والمنافع التي تمثلها (2) .
3. لا نرى مانعاً من بيع (إعادة تأجير) خدمات الإنسان التي ملكها البائع (المؤجر) بعقد إجارة خدمات أعلى ، ولا فرق في ذلك بين منافع الأعيان ومنافع الإنسان ، ولا بين الإجارة الواردة على الأعيان والإجارة الواردة على عمل الإنسان .
4. يستحق حملة السندات الأجر في الإجارة الثانية ويتمثل ربح حملة السندات في الفرق بين الأجرتين (3) .
5. تتحدد مدة إعادة الإجارة في كل أنواع سندات الإجارة السابقة بحسب مدة الإجارة الأولى.
__________
(1) ... المال المتقوم (في اصطلاح الجمهور) " ما كان له قيمة مادية بين الناس، وجاز،شرعا، الانتفاع به في حال السعة والاختيار "، والمراد بان له قيمة مادية بين الناس:قيد لاخراج الاعيان والمنافع التي لاقيمة لها بين الناس،لتفاهتها؛كحبة قمح،او قطرة ماء،وكمنفغةشم تفاحة....وجاز الانتفاع به شرعا :قيد لاخراج الاعيان والمنافع التي لها قيمة مادية بين الناس،ولكن الشريعة اهدرت قيمتها،ومنعت الانتفاع بها،كالخمر والخنزير ولحم الميتة،ومنفعة الات اللهو المحرمة والمراد بحال السعة والاختيار : قيد جيء لبيان المراد بالانتفاع المشروع في حال السعة والاختيار،دون حال الضرورة،فجواز الانتفاع بلحم الميتة،او الخمر، او غيرها من الاعيان المحرمة لا يجعلها مالاُ في نظر الشريعة ،فيقتصر الامر على الانتفاع،فلا تصبح هذه الاعيان اموالاُ، لان الضرورة تقدر بقدورها، انظر العبادي ؛ عبدالسلام ، الملكية في الشريعة الاسلامية،ج1 ص200-211، مؤسسة الرسالة/دار البشير 1421هج-2000 م.
(2) ... قحف ؛ منذر ، مرجع سابق ، ص 63 .
(3) ... حسان ؛ د. حسين حامد ، صكوك الاستثمار ، ص 46 .(1/47)
صكوك المشاركة
لا تكاد تختلف سندات المشاركة عن سندات المقارضة إلا في تنظيم العلاقة بين جهة الإصدار الراعية للسندات وبين حملة السندات ، فهي في سندات المقارضة علاقة مضارب بأرباب المال ، بمعنى أنه ليس ملزماً بأن يساهم بماله بشراء بعض السندات ، وأنه ينفرد بقرار الاستثمار فليس ملزماً بالرجوع إلى حملة السندات أو تشكيل لجنة منهم ، في حين أن سندات المشاركة تكون جهة الإصدار واحداً من المشاركين (حملة السندات) وتشكل تلك الجهة المنوط بها الإدارة لجنة للمشاركين ، يرجع إليهم في اتخاذ القرارات الاستثمارية، وعليه فإن هذه السندات محكومة بما يلي :
1. المصدر لهذه السندات (الصكوك) هو طالب المشاركة معه في مشروع معين أو نشاط معين والمكتتبون هم الشركاء في عقد المشاركة ، وحصيلة الاكتتاب هي حصة المكتتبين في رأسمال المشاركة ، ويملك حملة الصكوك موجودات الشركة بغنمها وغرمها (1) .
2. تتحدد آجال صكوك المشاركة بالمدة المحددة للمشروع أو النشاط محل عقد المشاركة ، ويستحق حملة صكوك المشاركة حصة من أرباحها بنسبة ما يملكون من صكوك ، وتوزع الخسارة عليهم بنسبة مساهمتهم (2) .
صكوك السلم
__________
(1) ... المعايير الشرعية ، ص 315 .
(2) ... حسان ؛ د. حسين حامد ، صكوك الاستثمار ، ص 53 .(1/48)
تقوم فكرة صكوك السلم أساسا على عقد السلم ، والسلم كما هو معروف بيع شيء موصوف في الذمة إلى اجل معلوم بثمن معجل ، أو أنه عقد على موصوف في الذمة ، ويجوز أن يكون الثمن نقوداً أو غيرها ، ويشترط فيه تعجيل الثمن في مجلس العقد عند الجهور ، وعدم تأخيره اكثر من ثلاثة أيام عند المالكية (1) ،
__________
(1) ... يراجع تفصيله: فتح القدير، ط مصطفى، بالقاهرة (7/69) // الشوكاني. محمد بن علي بن محمد (بديل )، فتح القدير: الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، [د.م]:[د.ن], [--19] //، حاشية ابن عابدين : ط دار احياء التراث العربي، بيروت (4/203) والمدونة، ط السعادة، مصر 1323 هج (4/2) والمقدمات الممهدات ، ط دار الغرب الإسلامي (2/19) والام ، ط دار المعرفة – بيروت (3/89) // لشافعي. ابو عبد الله محمد بن ادريس، الام، بيروت: دار الكتب العلمية, 1993 // والغاية القصوى، ط دار الاعتصام (1/493) البيضاوي. عبد الله بن عمر، الغاية القصوى في دراية الفتوى - الجزء الاول، الدمام: دار الاصلاح للطبع والنشر والتوزيع, [د.ت] والروضة ط المكتب الإسلامي (4/3) // الطوفي. نجم الدين ابي الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم ابن سعيد، شرح مختصر الروضة ( بديل عن الروضة )، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع, 1998 // والمحلي لابن حزم (10/45) والمغني (2/3-4) . ابن الهمام الحنفي. كمال الدين محمد بين عبدالواجد السيواسي، شرح فتح القدير، بيروت: دار الفكر, [--19] ، ابن حزم. ابو محمد علي بن احمد بن سعيد، المحلى، بيروت: دار الجيل; دار الآفاق الجديدة, [ -- 19 ] // ابن مالك..ابو عبد الله مالك بن انس، المدونة الكبرى، بيروت: دار الكتب العلمية, 1994(1/49)
وان يكون الأجل معلوماً إما تحديداً ، أو حسب العرف كالحصاد والجذاذ والمقدار محدداً وزناً أو كيلاً، أو عدداً أو ذرعاً، وان يكون المسلم فيه مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها ، وان يكون مقدور التسليم عند الحلول.
... والسلم يمكن أن يكون في جميع المعادن والسلع ، وحتى المنافع عند جماعة من الفقهاء، كما انه يمكن تجزئة تسليم المسلم فيه على أوقات متفرقة معلومة ، وأيضاً يمكن أن يكون سلما حالاً أو مؤجلاً ، وكذلك يمكن أن يكون راس مال السلم نقداً ، أو سلعة أو طعاماً أو حيواناً، أو نحو ذلك (1) .
(1) المصدر لصكوك السلم هو البائع لسلعة السلم ، والمكتتبون فيها هم المشترون للسلعة ، وحصيلة الاكتتاب هو ثمن سلعة الشراء (رأس مال السلم) ، ويملك حملة الصكوك سلعة السلم ويستحقون ثمن بيعها ، أو ثمن بيع سلعة السلم في السلم الموازي – إن وجدت - (2) .
... وفي السلم الموازي يعقد المسلم اليه عقد سلم موازي للعقد الاول ومستقلا عنه مع طرف ثالث للحصول على سلعة مواصفاتها مطابقة للسلعة المتعاقد على تسليمها في السلم الاول ليتمكن من الوفاء بالتزامه فيه،وفي هذه الحالة يكون البائع في السلم الاول مشتريا في السلم الثاني.
__________
(1) ... المصادر السابقة، ويراجع الغاية القصوى (1/494) والمغني (4/304) .
(2) ... المعايير الشرعية ، ص 314 .(1/50)
(2) يلاحظ أن صكوك السلم لا يمكن تداولها بيعاً وشراءً في السوق الثانوية ، وفي ذلك ترجح الدراسة تخريجا على رأي جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية) في عدم جواز تداول دين السلم (الصكوك هنا) كما يؤيد مجمع الفقه الإسلامي في قراره ذي الرقم (64/1/7) في دورته السابعة في ما نصه " لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها " (1) وبذلك يقتصر استخدام صكوك السلم في السوق الأولية (اي عند الاصدار فقط).ويرى الجمهور أنه لا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه مطلقاً (2) واستدل الجمهور بأدلة من المنقول والمعقول ، أما من النقل ، فحديث حكيم بن حزام ، قال: " قلت : يا رسول الله إني رجل ابتاع هذه البيوع وأبيعها ، فما يحل لي منها وما يحرم ؟ قال : (يا ابن أخي لا تبيعن شيئاً حتى تقبضه" (3) أما المعقول: فإن المسلم فيه ثابت في ذمة المسلم إليه (البائع) وداخل في ضمانه ، ولا يدخل في ضمان المسلم إلا بعد استيفائه ، فلا يجوز له بيعه قبل الاستيفاء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن (4) .
__________
(1) ... مجلة مجمع الفقه الإسلامي، د:8 ، ع: 8 ، ج: 2 ، ص: 497 .
(2) ... القضاة ، زكريا محمد الفالح ، السلم والمضاربة من عوامل التيسير في الشريعة الإسلامية ، دار الفكر للنشر والتوزيع ، عمان – الأردن ، ط(1) ، 1984م ، ص 132 .
(3) ... المزي ، يوسف بن الزكي عبد الرحمن ابو الحجاج، تهذيب الكمال، تحقيق : بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1400 هـ، 1980 ، ج: 15 ، ص 310 .
(4) ... القضاة ، مرجع سابق ص 133 .(1/51)
... ... ولتفادي تغير الظروف إذا ما لزم انتظار القبض ، كأن تهبط أسعار المادة المسلم فيها، فان الحل هو أخذ وعد ملزم من الجهة التي يراد البيع إليها ، كما هو الحال في الوعد في المرابحة للأمر بالشراء (1) .
صكوك المرابحة (2)
الهدف من إصدار صكوك المرابحة هو تمويل عقد بيع بضاعة مرابحة ، كالمعدات والأجهزة ، فتقوم المؤسسة المالية بتوقيعه مع المشتري مرابحة – بصفتها مدير إصدار – نيابةً عن حملة الصكوك ، وتستخدم المؤسسة المالية حصيلة الصكوك في تملك بضاعة المرابحة وقبضها قبل بيعها مرابحة ، وتصدر هذه الصكوك لشراء سفن وطائرات وإنشاء محطات توليد طاقة مما لا ترغب المؤسسة المالية في تمويله من مواردها العادية .
__________
(1) ... يراجع في ذلك الفتاوى الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية لبنك المؤسسة العربية المصرفية الإسلامي للسنوات 1986-2000 (هـ1/99) ص 54 .
(2) ... طرح هذه الفكرة الدكتور سامي حمود رحمه الله في ندوة البركة الثانية وقال :
... " وقد كان بيع المرابحة من أبرز الأمثلة المختارة لبيع الحصص الاستثمارية ، باعتبار أن بيع المرابحة بعد أن يتم يمكن فيه تماماً معرفة الربح ، وموعد تحققه ، ونسبة ما يستحق من الزمن، وما يتبقى لما هو باقٍ من الأيام ، وإذا كانت الديون بحد ذاتها لا تباع إلا مثلاً بمثل فإن هذه الديون إذا كانت جزءاً من موجودات مختلطة مع النقود والأعيان فإنها تصبح قابلة للبيع ؛ وقد جاز في المخارجة " يراجع حمود، سامي، تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط في سوق رأس المال الاسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة في البحرين كنموذج عملي: بحث مقدم الى ندوة خطة استراتيجية الاستثمار في البنوك الاسلامية: الجوانب التطبيقية والقضايا والمشكلات, المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية (مؤسسة آل البيت) من 21-18/1987م، بالتعاون مع المعهد الاسلامي للبحوث والتدريب والبنك الاسلامي للتنمية.(1/52)
مع مراعاة خصوصية وأحكام بيع المرابحة للآمر بالشراء فإن صكوك المرابحة تكون محكومة بالضوابط الخاصة التالية :
1. المصدر لصكوك المرابحة هو البائع لبضاعة المرابحة ، والمكتتبون فيها هم المشترون لهذه البضاعة، وحصيلة الاكتتاب هي تكلفة شراء البضاعة ، ويملك حملة الصكوك سلعة المرابحة بمجرد شراء شركة الصكوك لهذه السلعة مرابحة ، وهم بذلك يستحقون ثمن بيعها (1) .
2. تكون بضاعة المرابحة في ملك وحيازة مدير الإصدار ، بصفته وكيلاً عن حملة الصكوك من تاريخ شرائها وقبضها من بائعها الأول وحتى تاريخ تسليمها لمشتريها مرابحة ، فيمثل الصك في هذه المرحلة حصة في هذه البضاعة ، ثمَّ يمثل حصة في ثمنها ، وهو دين نقدي في ذمة المشتري مرابحة بعد قبض المشتري للبضاعة وحتى تاريخ سداده للثمن وتصفية المعاملة وتوزيع عائداتها على حملة الصكوك الممولة له ، ويجوز توزيع حصة من الربح على مالكي الصكوك عند قبض كل قسط منها .
3. يكون ربح حملة الصكوك هو الفرق بين ثمن شراء بضاعة المرابحة ودفع مصروفاتها نقداً وثمن بيعها للمشتري مرابحةً على أقساط مؤجلة .
4. يجوز تداول صكوك المرابحة بعد قفل باب الاكتتاب وشراء البضاعة وحتى تاريخ تسليمها للمشتري مقابل ثمن مؤجل أو يدفع على أقساط ويخضع لقيود التصرف في الديون بعد تسليم البضاعة للمشتري وحتى قبض الثمن المؤجل وتصفية العملية .
5. تراعى ضوابط عقد الصرف قبل توظيف حصيلة بيع الصكوك ، وضوابط التصرف في الديون بعد التصفية التي يتخلف عنها ديون في ذمة الغير .
6. لا يجوز تداول صكوك المرابحة بعد تسليم بضاعة المرابحة للمشتري لأنها تمثل ديناً عندئذ (2) .
صكوك الاستصناع
__________
(1) ... المعايير الشرعية ، ص 314 – 315 .
(2) ... المعايير الشرعية ، ص 65 .(1/53)
الاستصناع نوع من البيع، المبيع فيه أو الشيء المطلوب صنعه غير موجود فهو في الذمة، وقد اختلف الفقهاء هل هو بيع ام وعد؟ وهل هو عقد على بيع أو على مبيع؟ ، فمن قال بأنه عقد على بيع جعله أحد بيوع الأجل كالسلم ، ومن جعله عقد على مبيع دون اشتراط كان سلماً لا استصناعاً واشتراط العمل جعله استصناعاً ، وهذا ما رجحته حين عرفت الاستصناع بأنه عقد على مبيع في الذمة مشروط بعمل على وجه مخصوص (1) .
وفي المصارف الإسلامية يقوم المصرف بتمويل مشروع معين تمويلاً كاملاً عن طريق التعاقد مع المستصنع (العميل صاحب المشروع) على تسليمه المشروع كاملاً ، بمبلغ محدد ومواصفات محددة وتاريخ محدد ، ومن ثمَّ يقوم المصرف بالتعاقد مع صانع أو مقاول أو أكثر لتنفيذ المشروع حسب المواصفات المحددة ، ويمثل الفرق بين ما يدفعه المصرف للمقاول وبين ما يلتزم العميل المستصنع بدفعه الربح الذي يؤول إلى المصرف ، ويمكن استخدام إمكانيات هذا العقد في إنشاء صكوك أو أوراق مالية ترتبط بعقد الاستصناع وفقاً للضوابط التالية :
__________
(1) ... محيسن ؛ فؤاد ، " التأصيل الشرعي لعقدي الاستصناع والمقاولة وتطبيقات الاستصناع والمقاولة في المصارف الإسلامية " ، ط 1 ، 2002 عمان ، ص 17 ، وانظر أيضاً بدائع الصنائع 6/2637 .(1/54)
(1) المصدر لصكوك الاستصناع هو الصانع (البائع) والمكتتبون فيها هم المشترون للعين المراد صنعها ، وحصيلة الاكتتاب هي تكلفة المشروع ، ويملك حملة الصكوك العين المصنوعة ، ويستحقون ثمن بيعها أو ثمن بيع العين المصنوعة في الاستصناع الموازي (1) إن وجد (2) .
(2) تتحدد آجال صكوك الاستصناع بالمدة اللازمة لتصنيع العين المبيعة استصناعاً وقبض الثمن وتوزيعه على حملة الصكوك.
(3) يستحق حملة الصكوك ثمن العين المصنعة ، ويتمثل الربح بالنسبة لهم في الفرق بين تكلفة تصنيع العين أو ثمن الاستصناع الموازي ، وثمن الاستصناع (3) .
(4) يجوز تداول أو استرداد صكوك الاستصناع إذا تحولت النقود إلى أعيان مملوكة لحملة الصكوك في مدة الاستصناع وحتى يستلم الأصل أو المشروع المصنع إلى المستصنع على أساس أن هذه الصكوك تمثل موجودات مملوكة لحملة الصكوك أثناء فترة تصنيع الأصل ، أما بعد تسليم الأصل أو المشروع المصنع إلى المستصنع في مقابل ثمن مؤجل أو يدفع على أقساط ، فإن تداول هذه الصكوك يخضع لضوابط التصرف في الديون (4) .
التقويم أو التنضيض الحكمي
__________
(1) ... الاستصناع الموازي : هو عقد استصناع يبرم بين البنك بصفته مستصنعاً وبين المقاول بصفته الصانع الفعلي ، ويبرم البنك هذا العقد على ضوء إبرام عقد آخر هو عقد الاستصناع الأصلي بين العميل المستصنع والبنك بصفته صانعاً ويشترط في الحاتلين عدم الربط بين العقدين فتكون هناك علاقة تعاقدية مستقلة بين البنك والعميل وعلاقة عقدية أخرى مستقلة بين البنك والمقاول أو الصانع الفعلي .
(2) ... المعايير الشرعية ، ص 314 .
(3) ... محيسن ؛ فؤاد " التأصيل الشرعي لعقدي الاستصناع والمقاولة... ، مرجع سابق ص 150 ، وانظر أيضاً حامد ، حسين حامد ؛ صكوك الاستثمار ، مرجع سابق ص 44 .
(4) ... المعايير الشرعية ، ص 320 .(1/55)
... نظراً للطبيعة الخاصة للاستثمارات التي تصدر الصكوك بالاستناد اليها والتي يستمر النشاط فيها عادةً لفترات ودورات زمنية متعددة (متوسطة وطويلة الأجل) ، فإن جهات الإصدار تقوم في أكثر الأحيان بتوزيع ارباح دورية ، وتتخذ هذه التوزيعات إحدى الطريقتين:
... الطريقة الأولى: توزيع دفعات على الحساب إلى أن تتم التصفية النهائية للأصل الذي تمَّ إصدار الصكوك بالاستناد إليه، فتعدل التوزيعات حينئذ وفقاً للنتائج الفعلية المتحققة، وهذه الطريقة تعني قسمة الربح قبل المفاصلة أي مع استمرار المضاربة.
... الطريقة الثانية: توزيع الربح بشكل نهائي في فترات دورية محددة بحيث تعتبر نتائج كل دورة من دورات الأرباح مستقلة عن نتائج الدورات اللاحقة فيكون لكل دورة حساباتها وأوضاعها المالية الخاصة، وتوزع نتائجها في كل مرة دون اللجوء إلى التصفية الفعلية والنهائية للصندوق نفسه.
الوصف والتخريج الفقهي
... بالنسبة للطريقة الأولى التي يتم فيها توزيع دفعات على الحساب إلى أن تتم التصفية النهائية للاستثمارات ، فقد أجازها الشافعية والحنابلة طالما أن الربح لا يستقر بالقسمة بحيث تجبر أي خسارة لاحقة بالربح الأول الموزع لأن الربح كما ذكروا يجب أن يكون وقاية لرأس المال (1) .
... وقد عرضت في إحدى ندوات البركة مسألة التزام المضارب بدفع نسبة ثابتة من رأس المال للبنك (بصفته رب المال) على حساب الأرباح على أن تتم التسوية والسداد لاحقاً وصدرت الفتوى التالية :
... " لا مانع شرعاً من التزام المضارب أن يدفع للبنك نسبة ثابتة من رأسمال المضاربة على حساب الأرباح على أن تتم التسوية لاحقاً مع التزام البنك بتحمل الخسارة إذا وقعت " (2) .
__________
(1) )) ... أبو غدة ؛ د.عبدالستار ، صناديق الاستثمار، مرجع سابق .
(2) )) ... ندوة البركة السادسة ، الفتوى (9) – الجزائر 1410هـ ، 1990 م .(1/56)
... وفي نفس هذا الموضوع فقد بحثت الحلقة العلمية الأولى للبركة مسألة توزيع الدخل التشغيلي بنسبة تحت الحساب إلى حين التنضيض وأصدرت الفتوى التالية :
... " إذا كان موضوع المضاربة أصولاً تدر دخلاً جاز الاتفاق على توزيع هذا الدخل بين المضارب ورب المال بنسبة معينة تحت الحساب ، وعلى توزيع ما ينتج من ربح عند بيعها بنسبة أخرى وإذا بيع الأصل بأقل من ثمن شرائه فإن هذا النقصان يجبر من الدخل التشغيلي " (1) .
... ولقد تمَّ إقرار هذا المبدأ في الفتوى الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي بيَّن المسألة بوضوح تام كالآتي :
... " يستحق الربح بالظهور ، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة ، وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيراداً أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته ، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب " (2) .
... أما بخصوص الطريقة الثانية والتي يوزع فيها الربح بشكل نهائي في فترات دورية محددة ، بحيث تكون كل دورة مستقلة عن الأخرى دون اللجوء إلى التصفية الفعلية للأصول والاستثمارات التي تمَّ توزيعها ، فإننا نواجه بعض العقبات والإشكاليات الشرعية، حيث يشترط في الفقه الإسلامي توفر شرطين لكي يستقر ملك الطرفين في حصتهما من الربح ، وهما :
(1) شرط تنضيض المال (تصفية الاستثمار)
(2) شرط قبض رب المال لأصل ماله (استعادة رأس المال)
... وحيث أن مدة الاستثمارات في الموجودات المورقة غالباً ما تكون متوسطة وطويلة الأجل ، ويتعذر القيام بالتصفية الكلية لهذه الاستثمارات كما يتعذر إعادة رأس المال للمستثمرين فكيف اذن تعالج هذه المسألة ؟
__________
(1) )) ... الحلقة العلمية الأولى للبركة ، رمضان 1412هـ ، 1992 م.
(2) )) ... مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، قرار رقم (5) 4/08/88 بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار ، الدورة الرابعة – جدة – المملكة العربية السعودية .(1/57)
... بالنسبة لشرط التنضيض الفعلي لكامل المشاريع والاستثمارات فقد عالج الفقهاء المعاصرون هذه المسألة باعتبار التنضيض الحكمي أو التقديري أو ما يسمى كذلك بالتقويم بديلاً عن التنضيض الفعلي أو الحقيقي .
... وبذلك فإنه يمكن تعويض مبدأ التنضيض الفعلي – الذي يستوجب تصفية كامل المشروع وتحويله إلى نقود – بمبدأ التنضيض الحكمي الذي يتمثل في التقويم الدقيق لكامل المشروع أو الموجودات التي تمَّ توزيعها وبحيث يؤدي هذا التقويم الى معرفة الربح حقيقة كما لو تمَّ تصفية الاستثمارات أو الموجودات وقد صدر في هذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي الذي ينص على :
... " أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي ، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة ، ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد ، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة ، وفقاً لشروط العقد " (1) .
... هذا وقد كانت الفتوى الصادرة عن الحلقة العلمية الثانية للبركة في غاية الدقة والوضوح بخصوص التنضيض الحكمي أو التقديري حيث نصت على أن :
... " للتنضيض الحكمي بطريق التقويم في الفترات الدورية خلال مدة عقد المضاربة حكم التنضيض الفعلي لمال المضاربة ، شريطة أن يتم التقويم وفقاً للمعايير المحاسبية المتاحة ، ويجوز شرعاً توزيع الأرباح التي يظهرها هذا التقويم ، كما يجوز تجديد أسعار تداول الوحدات بناءً على هذا التقويم " ة (2) .
... كما عرضت هذه المسألة على المستشار الشرعي لمجموعة البركة وكانت إجابته كما يلي :
__________
(1) )) ... الدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي ، القرار رقم (5) ، مرجع سابق .
(2) )) ... الحلقة العلمية الثانية للبركة ، رمضان 1413هـ ، 1993 م.(1/58)
... " المراد بالتنضيض تحويل البضائع إلى نقود (سيولة) والتنضيض هو الأصل الشرعي لإمكانية حساب ربح المشاركة والمضاربة لأنه يتوقف عليه استرجاع القدر الفعلي لرأس مال المشاركة من النقود واحتساب ما زاد عليه ربحاً إجمالياً يتحول بعد اخراج المصاريف إلى ربح صافٍ قابل للتوزيع .
... وبما أن المشاركات في المصارف والمؤسسات الإسلامية أصبحت مرتبطة بدورات زمنية محددة ومستقرة نظراً للطابع الجماعي في المستثمرين والمخارجة بينهم ، فقد تعين اعتبار بديل للتنضيض الفعلي في هذه الحالات وهو التنضيض التقديري (التقويم) ؛ حيث أن الرجوع للقيمة يعتبر مبدأً شرعياً في كثير من التطبيقات الفقهية كما في الغصب ، وتعذر الالتزام بالمثل فيصار للقيمة ، وكذلك في جزاء محظورات الحج والصيد ، وغيرها " (1) .
... أما بخصوص شرط القبض فإن فيما ذكره الإمام أحمد بن حنبل من المحاسبة التي اعتبرها كالقبض ، في ذلك مخرجاً للمسألة المطروحة (2) ، ونورد هنا بعض ما جاء في كتاب المغنى ، قال ابن المنذر : إذا اقتسما الربح ولم يقبض رب المال رأس ماله فأكثر أهل العلم يقولون برد العامل الربح حتى يستوفى رب المال ماله" (3) .
... ثم يؤيد ابن قدامة ترجيح قوله حيث يقول :"ولنا على جواز القسمة أن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه لشريكين أو نقول أنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاصلة كشريكي العنان .
__________
(1) )) ... كتاب الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية – ج2 للدكتور عبدالستار أبوغدة
(2) )) ... خوجة ، د. عزالدين ، كتاب المضاربة الشرعية – مجموعة البركة
(3) ... المغني لابن قدامة ج 5 ص 176(1/59)
... قال أبو طالب قيل لأحمد : رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع ، فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له اذهب فاعمل بها فربح ؟ قال يقاسمه ما فوق الألف يعني أن الألف ناضة حاضرة إن شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها إليه " (1) .
... ويتضح لنا بعد هذا الاستعراض أنه لا يشترط إعادة كل رأس المال في نهاية كل دورة من دورات توزيع الأرباح ،بل يجوز الاكتفاء بمحاسبة دقيقة لجميع الاستثمارات والموجودات تمكن من تحديد نصيب مختلف الأطراف من الأرباح ، فيقوم هذا الحساب مقام القبض خاصةً وأن أرباب المال يكون لهم الخيار بين سحب أموالهم من خلال بيع الصكوك في الأسواق المالية أو الاحتفاظ بالصكوك للحصول على عوائد الاستثمار .
نماذج تطبيقية معاصرة لعمليات التوريق الإسلامي
__________
(1) )) ... ابن قدامة ، المغنى – ج5 ، ص 176(1/60)
... وفق هذا التصور وتلك الخصائص كان للمؤسسات المالية الاسلامية بعض التجارب في اصدار الصكوك الاسلامية ,ونشير هنا بصفة خاصة للتجربة الأردنية حيث تعد المملكة الأردنية الهاشمية أول من قدم مفهوم سندات المقارضة التي نبتت فكرتها أثناء وضع مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني بهدف أن تكون من الأدوات التي يمكن اعتمادها من البنك للحصول على تمويل طويل الأجل لمشاريعه الكبرى (1) .، وقد تم تعريفها في مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني المؤقت رقم (3) لسنة 1978م، وقد كان فضل المتابعة لهذه الفكرة وإخراجها إلى حيز الوجود للأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي من خلال دراستها في اللجان العلمية المتخصصة في وزارة الأوقاف الأردنية ، حيث أثمرت هذه الجهود أن كان للمملكة الأردنية الهاشمية السبق في تأصيل قواعد سندات المقارضة وإخراجها بصورة مبدعة متميزة على أساس من اجتهاد فقهي معاصر ، تبلور في قانون سندات المقارضة المؤقت رقم (10) لسنة 1981وقد عرضت هذه السندات في حينها على مجمع الفقه الاسلامي الذي اجازها من الناحية الفقهية . (2)
__________
(1) ... انظر المذكرة الإيضاحية لقانون البنك الإسلامي الأردني
(2) ... وفي بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة فقد اوضح الدكتور عبد السلام العبادي ان سندات المقارضة اداة من ادوات التمويل الكبير وفق قواعد الاقتصاد الإسلامي كان للملكة الاردنية الهاشمية السبق والمبادرة في تأصيل قواعدها واخراجها بصورة مبدعة متميزة على اساس من اجتهاد فقهي معاصر،تبلور في قانون سندات المقارضة رقم (10)لسنة 1981 والذي اخذ حظه من الدراسة في اللجان العلمية المتخصصة التي شكلتها وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية لهذه الغاية.(1/61)
... وبعد صدور قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (5) و4/08/88 الخاص بسندات المقارضة أصدر البنك الإسلامي للتنمية شهادات استثمار تمثل ملكية المستثمرين .كما تمكن المصرف المركزي السوداني في عام 1999م، من إصدار شهادات مشاركة المصرف المركزي (شمم) وشهادات المشاركة الحكومية (شهامة)، كأدوات مالية إسلامية تؤدي وظيفة السوق المفتوح على نحو شرعي، وهي أدوات تقوم على أسس شرعية أهمها مبدأ "الغنم بالغرم" (1) ، وتتميز بدرجة من المرونة تساعد البنك المركزي على إدارة السيولة عموما، وإدارتها في الجهاز المصرفي على وجه الخصوص، بهدف الحد من التضخم.
تجربة البحرين
... أصدرت مؤسسة نقد البحرين بتاريخ 4/9/2001 صكوك تأجير إسلامية نيابة عن حكومة البحرين بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي لمدة خمس سنوات تنتهي في 4/9/2006 ذات عائد تأجيري سنوي ثابت قدره 5.25% من القيمة الأصلية الممثلة لتلك الموجودات، يدفع كل ستة أشهر، وقد أشارت نشرة الإصدار أن شرعية هذه الصكوك تؤكدها الفتوى الشرعية الصادرة بتاريخ 19 شوال 1419 الموافق 5/2/1999 عن هيئة الرقابة الشرعية (2) التي أجازت هذا الإصدار وعدم تعارضه مع أصول الشريعة الإسلامية.
... وقد استدل الفقهاءالقائلون بجواز هذه المعاملة بأدلة من الكتاب والسنة وقواعد الشريعة العامة ووضعوا لها الضوابط الشرعية التي تضمن سلامة هذه المعاملة، وهي:
__________
(1) ... المرغيناني، علي بن أبي بكر؛ "الهداية شرح بداية المبتدي"، الطبعة الأولى، 1316هـ، بولاق، مصر، الناشر: دار صادر، بيروت، مع فتح القدير 3/271، وحاشية ابن عابدين 4/274، والمبسوط للسرخسي 8/81
(2) ... هيئة الرقابة الشرعية هنا:
... المكونة من اصحاب الفضيلة عبد الله المنيع وعبد الحسين العصفور وعبد الستار ابو غدة ومحمد تقي العثماني .(1/62)
... الدليل الأول: قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) (1) ووجه الاستدلال : أن الله تعالى احل جميع صور البيع إلا ما دل دليل على تحريمه حيث جاءت الآية الكريمة بلفظ العموم في كلمة البيع – واحل الله البيع – والعموم مستفاد من ذلك في الألف واللام الدالة على أساس استغراق جميع أنواعه وصيغه ، إلا ما دل الدليل على تخصيصه من العموم بتحريم ، وهذا ما قرره الأصوليون (2) ويؤيد ذلك ما ذكره اهل التفسير، قال القرطبي في قوله تعالى : (واحل الله البيع وحرم الربا) هذا من عموم القرآن ، والألف واللام للجنس لا للعهد ، إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه ، وإذا ثبت أن البيع عام فهذا مخصص بما ذكرناه من الربا ، وغير ذلك مما نص عليه ومنع العقد عليه ، كالخمور وغير ذلك مما هو ثابت بالسنة وإجماع الأمة المنهي عنه. (3)
__________
(1) ... سورة البقرة أية (275) .
(2) ... انظر تفصيل المسألة في أصول الفقه ، زكي الدين شعبان، أصول الفقه الإسلامي ، مؤسسة على الصباح للنشر والتوزيع، الكويت ط 1988 ص 405 وما بعدها .
(3) ... القرطبي محمد بن احمد الأنصاري ، الجامع لأحكام القرآن ، المجلد الثاني ص 356 ، دار إحياء التراث العربي (بتصرف)// القرطبي. ابي عبد الله محمد بن احمد الانصاري، الجامع لاحكام القرآن، بيروت: دار احياء التراث, 2002(1/63)
... الدليل الثاني: ويستدل على جواز صكوك الإجارة بما أخذ به أهل العلم من أن الأصل في المعاملات الحل (1) ، وأن الأصل في العقد والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على حرمته (وهي قاعدة فقهية تشتمل على كل ما لم يرد بشأنه نص محدد من أي دليل خاص به لأن ما جاء به دليل شرعي خاص به لا تظهر حاجة بالرجوع إلى هذه القاعدة لمعرفة حكمه، ويتخرج على هذه القاعدة حل وإباحة كثير من الأطعمة والأشربة من النباتات والفواكه التي ترد الينا من مختلف الأقطار ، ولا نعرف أسماءها ولا يوجد منها ما يحرم شرعاً، ولم يثبت ضررها وفيها نفع من تناولها، وكذلك يتخرج على هذه القاعدة العقود والتصرفات التي لم يرد نص صريح بجوازها ولا بتحريمها (2) ، قال ابن حزم عند قوله تعالى : (وقد فصّل لكم ما حرم عليكم) (3)
__________
(1) ... انظر تفصيل هذه القاعدة في: ابن تيمية مجموع الفتاوى ، ح 28 ، ص 387 وما بعدها، أبن القيم، إعلام الموقعين ج1 ص 329 ، 301 والشاطبي، الاعتصام ح 2 ص 132، 133// الشاطبي. ابي اسحق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الاعتصام، ( 2 – 1)، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع, 1997 //والموافقات ، ج2 ص 513 ، 520 ، وما بعدها و ج1 ص 440 . ابن تيمية. تقي الدين احمد الحراني، مجموعة الفتاوى، المنصورة; الرياض: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع; مكتب لعبيكان, 1998 // ابن قيم الجوزية. شمس الدين محمد بن ابي بكر، اعلام الموقعين عن رب العالمين، القاهرة: دار الحديث: طبع نشر توزيع, 1997
(2) ... زيدان عبد الكريم ، الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية ص 178 // زيدان. عبد الكريم، الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الاسلامية، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر, 2001
(3) ... سورة الأنعام 119 .(1/64)
... فكل ما لم يرد ما يحرمه فهو حلال بنص القرآن الكريم ، إذا ليس في الدين إلا فرض أو حرام أو حلال، فالفرض مأمور به في القرآن والسنة والحرام مفصل باسمه في القرآن والسنة، وما عدا هذين فليس فرضاً ولا حراماً ، فهو بالضرورة حلال إذ ليس هناك قسم رابع (1) والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه.كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما ورد في الكتاب والسنة شرعه، إن الفرض فرضه الله والحرام ما حرمه الله .
... الدليل الثالث: قاعدة:" الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة".
... ومعنى القاعدة: أن الحاجة تنزل فيما يحظره ظاهر الشرع، منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، والحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيراً أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود ، وما يجوز للحاجة إنما يجوز لأربعة أمور:
1) أن يرد فيه نص يجوزه.
2) أن يرد فيه تعامل.
3) أن لا يرد فيه نص يجوزه أو تعامل ، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به .
4) أن لا يرد فيه نص أو تعامل ولم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، ولم يكن له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به ، ولكن فيه نفع ومصلحة (2) .
__________
(1) ... ابن حزم على ، المحلي ، دار الاتحاد العربي ، 1388 هجري –1968 ميلادي ج 9 ص 584 .
(2) ... الزرقا ،احمد، شرح القواعد الفقهية، دار القلم، الطبعة الخامسة 1419 هجري –1998 ميلادي، ص 219 وما بعدها بتصرف // الزرقا. احمد بن محمد، شرح القواعد الفقهية، دمشق; بيروت: دار القلم; الدار الشامية, 1996(1/65)
... والنوع الرابع هو الذي تندرج تحته هذه المعاملة(صكوك الإجارة) وذلك أن معنى النفع والمصلحة متحقق فيه وهو مسيس الحاجة إلى استثمار فوائض السيولة في المصارف الإسلامية حتى لا تبقى في الخزائن أو في البنوك الخارجية التي تستثمرها بالفوائد الربوية وتأخذ ربحها ، كما أن الدولة قد تكون بمسيس الحاجة إلى النقد ولا ترغب بالاقتراض بالفائدة الربوية ،وليس كل من اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا،فان ما جبلت عليه الطباع من الشح والضنة وحب المال يمنعهم من اخراجه بغير عوض فاحتاجوا الى المعاوضة فوجب ان يشرع دفعا للحاجة.
3.2.1.8 القائلون بالمنع
... من الفقهاء الذين لم يجيزوا هذه المعاملة الدكتور نزيه كمال حماد (1) الذي يرى أن في صكوك الإجارة المنتهية بالتمليك الصادرة في البحرين إشكالا شرعياً، مرده إلى أن صكوك ملكية الموجودات العينية في الإجارة المنتهية بالتمليك إنما تكون سائغة الإصدار والتداول شرعاً إذا كان عقد الإجارة الذي بنيت عليه صحيحاً مشروعاً في النظر الشرعي، أما إذا كان محظوراً فاسداً فان صكوكه تكون كذلك باطلة مردودة.
... ويرى أن اتفاقية إصدار هذا المنتج المالي (صكوك الإجارة المنتهية بالتمليك)، تتألف من صفقة (منظومة عقدية) ينطوي تحتها عقود ووعود مترابطة الإجزاء، متتابعة المراحل، صممت على نسق معين – وفقاً لشروط تحكمها كمعاملة واحدة لا تقبل التفكيك والانفصال – تهدف إلى تحقيق وظيفة تمويلية محددة، وبلوغ غرض معين، اتجهت إرادة العاقدين إلى تحقيقه.
__________
(1) ... الدكتور نزيه كمال حماد، (استاذ الدراسات الإسلامية ، فانكوفر –كندا )صكوك الإجارة بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الخامسة عشر مسقط -عمان6-11/3/2004 .(1/66)
... وبناء عليه فالراجح في نظره أن هذا المنتج فاسد محظور شرعاً، وأن إصدار وتداول صكوك تأجير العقار، الذي هو محور الحيلة الربوية، والعقد المحلل للقرض الربوي المقصود فيه محظور مردود شرعاُ، وليس دخول العقار في هذه المعاملة إلا كدخول الحريرة في العينة، التي اشار إليها ابن عباس رضي الله عنه في قوله عن العينة: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة (1) .
... وقد استدل على رأيه بأن هذا البيع نوع من "بيع الرجاء" الذي عرفه كثير من الفقهاء السابقين وأدركوا حقيقته، والباعث عليه وافتوا بفساده وحظره ، حيث إن البائع يرجو عود المبيع اليه.
مناقشة الرأي القائل بالمنع
__________
(1) ... إعلام الموقعين لابن القيم 3/178.(1/67)
... ويجاب عن هذا الرأي بان هذه الصيغة التمويلية تتم عبر منظومة عقدية مؤلفة من عدة عقود مترابطة ، ومتوالية المراحل يتواطأ طرفاها على قيام المالك بتأجير أصل عيني (أو أية عين استعمالية) للآخر بأجرة محددة إلى أجل معلوم ، بشرط متقدم (مواطأة) يتضمن وعداً (1)
__________
(1) ... الوعد هو التعهد، قال تعالى: {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} طه87، انظر لسان العرب (6/4872) مادة وعد، ابن منظور. ابي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الافريقي المصري، لسان العرب، بيروت: دار صادر, 1994 وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عناية كبرى بالوعد وأهميته ، وضرورة الحفاظ عليه، وحرمة إخلافه، حتى تكرر (وعد) ومشتقاته في القرآن الكريم أكثر من 150 مرة، تدل على العناية، وعلى إلزامية الوعد بالنسبة للواعد، ولذلك فهم الأنبياء الكرام من الوعد الالتزام، فقد بينَّ موسى عليه السلام لقومه أن مخالفة الوعد يترتب عليها العقوبات الرادعة فقال تعالى على لسانه: {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي} طه86, غير أن الفقهاء على الرغم من اتفاقهم على أن خلف الوعد منهي عنه اختلفوا اختلافاً كبيراً في الزاميته أمام القضاء، فذهب الجمهور إلى عدم لزومه، وذهب ابن شبرمه إلى أن الوعد كله لازم ويقضى به على الواعد ويجبر على تنفيذه (انظر المحلى لابن حزم (8/377)، وقد بحثت مسألة الوعد وإلزاميته في مجمع الفقه الإسلامي الذي أخذ بالرأي القائل بإلزامية الوعد إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة، حيث نص في قراره بالدورة الخامسة التي عقدت بالكويت من 1 – 6 جمادى الأولى 1409 هـ قرار رقم 322 على ما يلي:
... " ثانياً: الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر ، أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر ، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد).
... ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة أما بتنفيذ الوعد ، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر "، ولمزيد من التفصيل يراجع القرة داغي. علي محي الدين علي ، مبدأ الرضا في العقود: دراسة مقارنة في الفقه الاسلامي والقانون الروماني والفرنسي والانجليزي والمصري والعراقي، بيروت: دار البشائر الاسلامية, 2002، والقرضاوي ، بيع المرابحة للآمر بالشراء// القرضاوي. يوسف، بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الاسلامية: دراسة في ضوء النصوص والقواعد الشرعية، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع, 1998(1/68)
ملزماً بتمليك العين بعقد بيع تالٍ لعقد الإجارة، مضاف إلى المستقبل (وقت انتهاء الإجارة) وذلك بعد انتهاء مدة الإجارة وسداد كامل أقساطها مباشرة .
... ويلاحظ هنا ان الباعث على سلوك صيغة المواطأة قبل التعاقد هو حرص المتعاملين على التخطيط المبكر لاحتياجاتهم ، مع ملاحظة الضوابط الشرعية للاعتداد بالمواطأة والعمل بمقتضاها فيما اذا حصلت المواطأة لاجراء عقود متعددة في صفقة واحدة ومن هذه الضوابط عدم الاخلال بالمبدأ الشرعي في النهي عن صفقتين في صفقة واحدة . ويسترشد هنا بما ورد في شأنه في فتاوى الندوات الفقهية لبيت التمويل الكويت التي انتهت في الندوة الثالثة الى ما يلي:
1. لا مانع شرعا من الجمع بين عقدين في صفقة واحدة ،سواء كانا من عقود المعاوضات ام من عقود التبرعات،لعموم الادلة الدالة على الامر بالوفاء بالشروط والعقود.
ويستثنى من ذلك ما يأتي:
أ . اجتماع عقدين على نحو يؤدي الى الربا او شبهته،مثل اجتماع عقد القرض مع اي عقد، لورود النهي عن بيع وسلف،ولانه يؤدي الى الربا.
ب . واجتماع بيع مؤجل مع بيع معجل في صفقة واحدة(بيع العينة)
2. الشروط الصحيحة مهما كثرت مقبولة شرعا
3. اذا وجد شرط فاسد مع شروط صحيحة،فان فساده لا يؤثر على صحة العقد بل ينحصر الفساد فيه،غير انه اذا اجتمع شرطان فاسدان في عقد واحد فان العقد يصبح فاسدا. (1)
... و قد نصت الندوة الفقهية الخامسة بخصوص اجتماع العقود المتعددة في عقد واحد على ما يلي:
__________
(1) ... فتاوى الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي،الفتوى السادسة.(1/69)
... يجوز اجتماع العقود المتعددة في عقد واحد سواء كانت هذه العقود متفقة الاحكام ام مختلفة الاحكام اذا استوفى كل عقد منها اركانه وشرائطه الشرعية،وسواء أكانت هذه العقود من العقود الجائزة ام من العقود اللازمة.ام منهما معا،وذلك بشرط ان لا يكون الشرع قد نهى عنه هذا الاجتماع والا يترتب على اجتماعها توسل الى ما هو محرم شرعا. (1)
كما ان مجمع الفقه الاسلامي الدولي المنعقد في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الاردنية الهاشمية) اصدر قراره رقم 157/(6/17) بشأن المواعدة والمواطأة خلال الفترة من 24-28 حزيران 2006 الذ ينص في البند ثانيا : المواعدة من الطرفين على عقد تحايلا على الربا ،مثل المواطأة على العينة او المواعدة على بيع وسلف ممنوعة شرعا.
... ومن خلال استعراض الفتاوى اعلاه والخاصة باجتماع العقود تتضح علاقة ذلك بالمواطأة التي تشتمل على الرغبة المشتركة من الطرفين في ابرام اكثر من عقد فليس هذا في حيز النهي عن بيعتين في بيعة لان المواطأة نفسها ليست عقدا،فاذا اشتملت على عقدين او اكثر فليس ذلك جمعا بين العقود.
... وفي التأجير المنتهي بالتمليك تشتمل المواطأة على وعد بالبيع الى حكومة البحرين عند انتهاء الإجارة وسداد جميع اقساط التأجير وهي معاملة ليست تحايلاً على الربا ولا تشبه بيع العينة او التورق المصرفي.
__________
(1) ... فتاوى الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي،الفتوى الاولى.(1/70)
... وعليه، يظهر لنا أن هذه معاملة مستحدثة؛ المقصود منها تقديم بديل مشروع للتمويل القائم على اساس الفائدة الربوية، وهي بحسب نظامها حيلة (مخرج) لتمليك العين بثمن مؤجل، يسدد على اقساط معلومة، مع حماية البائع قصداً من خطر ضياع الأقساط المؤجلة وعجزه عن تحصيلها في حالة إفلاس الطرف الثاني أو عدم قدرته على الوفاء لأي سبب من الأسباب، بإبقاء العين المؤجرة تحت ملكه حتى يستوفي كامل الثمن المؤجل، فإذا تحقق ذلك في نهاية مدة الإجارة فيتم إبرام عقد جديد هو بيع جديد تنتقل بموجبه العين إلى المستأجر.
... وقد ورد في الصحيحين عن أبى سعيد الخدري وأبى هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً (1) من خيبر ، فجاءه بتمر جنيب (2) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكل تمر خيبر هكذا ؟ قال: لا والله يا رسول الله أنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين وبالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل، بع الجمع (3) بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً) (4) وقد أورد أهل العلم هذا الحديث في الاحتيال في الخلاص من الربا (5)
__________
(1) ... هو بلال المازني .
(2) ... نوع من التمر وهو أجود تمور خيبر .
(3) ... الجمع : التمر المختلط من الجيد والرديء .
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب : اذا اراد بيع تمر بتمر خير منه ، ج1 2200، 2202 وكتاب الوكالة ، باب: والوكالة في الدقة والميزان، ج2 2302، 2303، ومسلم ، كتاب المساقاه، باب بيع الطعام مثلاً بمثل ، ح 1593، بعد 95 .
(5) ... بهاء الدين الحلبي الشافعي المقري ، دلائل الاحكام من احاديث الرسول عليه السلام ، دار قتيبة ، بيروت ط1 1413 هجري ، 1993 ميلادي ، ج3 ص 306 .(1/71)
ويستدل بهذا الحديث هنا بإجازة هذا المخرج للابتعاد بواسطته عن حقيقة الربا وصورته، من خلال العمل بهذا المنتج المالي وفق صيغة ليس فيها قصد الربا ولا صورته وهي عقد بيع صحيح مشتمل على تحقيق شروط البيع وأركانه ، منتفية عنه موانع بطلانه أو فساده، ولم يكن قصد الحصول على التمر الجنيب والأخذ بالمخرج إلى ذلك مانعاً من اعتبار الإجراء الذي وجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز البيوع التي يتوصل بها إلى تحقيق المطالب والغايات من البيوع إذا كانت بصيغة شرعية معتبرة بعيدة عن صيغ الربا وصوره، ولو كان الغرض منها الحصول على السيولة للحاجة إليه، أي أن الأصل في العقود تحقيق صورتها الشرعية، وان الاحتمالات الواردة لنية العاقد لا أثر لها ، وأن الشيء قد يكون حراماً لعدم تحقيق صورته كما في هذه المسألة ، وأنه يتحول إلى الحلال إذا غيرت صورته المحرمة مع أن العقد واحد، فالشخص لديه تمر رديء يريد الحصول على تمر جيد فما الذي فعل ؟ فاذا باع صاعا بنصف صاع فالعقد محرم وباطل ولكن اذا باعه بدرهم ثم ابتاع بالدرهم نفسه نصف صاع فهذا جائز، وهذا الحديث يدل على الابتكار وأهمية البحث عن حلول تلبي الحاجات الاقتصادية دون إخلال بالأحكام الشرعية، فالشريعة الإسلامية لم تحجر على دائرة الابتكار، وإنما على العكس حجرت دائرة الممنوع وأبقت دائرة المشروع متاحة للجهد البشري في الابتكار والتجديد.
... أما قوله بان هذا البيع نوع من "بيع الرجاء" الذي أفتى بفساده وحظره الفقهاء السابقون، فنقول: أن بيع الرجاء كما يسميه الزيدية أو بيع الوفاء كما اشتهر بهذا الإسم في الفقه الحنفي، لم يجمع الفقهاء السابقون أو المعاصرون على فساده وحظره، كما يرى الدكتور نزيه حماد وإنما كان هذا البيع محل اجتهاد العلماء المسلمين منهم من منعه ومنهم من أجازه.
... فما بيع الوفاء:(1/72)
... بيع الوفاء هو "أن يبيع شخص عينا لشخص آخر بثمن معين أو بالدين الذي عليه له على أنه متى رد البائع الثمن أو أدى دينه يرد إليه المبيع (وفاء)" (1) ويسميه الشافعية الرهن المعاد، وسماه أهل مصر بيع "الأمانة" بناء على أنه رهن كالأمانة (2) وسماه أهل الشام (بيع الإطاعة) أو الطاعة لأن المشتري يطيع البائع في رد المشترى (أو المبيع) ويسمى بيع المعاملة، ووجهه أن المعاملة ربح الدين، وهذا يشتريه الدائن لينتفع به، بمقابلة دينه، كما يسميه البعض "البيع الجائز" لأنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ للمشتري أكل ريعه، وقد قال بجواز هذا البيع إمام علم من أئمة آل البيت هو الإمام جعفر الصادق في القرن الثاني الهجري، والعلماء المتأخرون من الحنفية في القرن السابع الهجري، وكذلك المتأخرون من علماء الشافعية، وحكموا بجوازه فرارا من الربا (3) ، وفقهاء الحنفية يذكرون هذا البيع في موضع من ثلاثة، فمنهم من ذكره في البيع الفاسد كالبزازي، ومنهم من ذكره عند الكلام على خيار النقد من كتاب البيوع (4) كإبن نجيم وقاضي خان، ومنهم من ذكره في كتاب الإكراه كالزيلعي صاحب تبيين الحقائق، والمرغيناني صاحب الهداية وأصحاب شروح الهداية.
__________
(1) ... ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، 4/271
(2) ... ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، 4/274
(3) ... وأذكر هنا بعض المجوزين لهذا البيع دون أن أدخل في أدلة كل منهم لأن هذا يؤدي إلى الإطالة في البحث ليس هنا موضعه.
(4) ... هو الحق في إمضاء العقد أو فسخه ما إذا اتفق العاقدان على أن يؤدي المشتري الثمن في وقت كذا وإذا لم يؤده فلا عقد بينهما صح العقد، وجاز فسخ العقد إذا لم يؤد الثمن.(1/73)
... ومجمل رأي الحنفية في جواز بيع الوفاء، وخاصة ما قاله معرب شرح مجلة الأحكام العدلية (1) الأستاذ علي حيدر "والحاصل أن بيع الوفاء، وإن وجد فيه سعة أقوال، فأرجحها ما تبعته المجلة في قولها بيع الوفاء في حكم البيع جائز بالنفع إلى انتفاع المشتري (2) .
__________
(1) ... مجلة الأحكام العدلية: صدرت مجلة الأحكام العدلية بالإراده السلطانية وأصبحت قانونا مدنيا شرعيا عاما في الدولة العثمانية، ثم في البلاد العربية التي انفصلت عن الدولة العثمانية نتيجة للحرب العالمية الأولى، إلى أن وضعت قوانين مدنية حديثة، وعلى سبيل المثال فقد أورد القانون المصري فصلا خاصا به هو الفصل السادس في باب البيع وذكر فيه تعريفه وأقسامه ومدته وحقوق المشتري وفاء ورد المبيع وما يترتب على هذا الرد.
(2) ... علي حيدر، شرح المجلة، 2/431 // حيدر. علي، درر الحكام شرح مجلة الاحكام، بيروت: دار الكتب العلمية, [--19](1/74)
... كما ذهب المتأخرون من علماء الشافعية وفقهائهم إلى جواز بيع الوفاء وقالوا "إن بيع الوفاء جائز مفيد لبعض أحكامه، وهو انتفاع المشتري بالمبيع وهو البيع من الآخر"، ورأوا أن هذا البيع بهذا الشرط تعارفه الناس وتعاملوا به لحاجتهم إليه فرارا من الربا فيكون صحيحا لا يفسد البيع باشتراطه فيه. وقالوا "إنه وإن كان مخالفا للقواعد التي ترى فساد اشتراط استرداد المبيع إذا رد الثمن، وقاعدة (امتناع بيع المعدوم) لأن القواعد تترك بالتعامل المجاز شرعا كما في الاستصناع" (1) فالاصل انه لا يجوز لانه بيع معدوم الا انه أجيز استحسانا لما للناس فيه حاجة من تعامل. ومن العلماء المحدثين من رأى جواز هذا البيع منهم الشيخ الزرقا ومحمد عبد اللطيف صالح فرفور والأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط الذي يرى أنها معاملة جائزة فيها نفع للبائع والمشتري وأن المؤسسات الإسلامية اليوم بحاجة إلى التعامل بمثل هذه المعاملة ويرى أنه لا يوجد ما يمنع من الأخذ برأي فقهي اجتهد فيه علماء وأعلام من الحنفية والشافعية وسبقهم إلى الاجتهاد فيه إمام علم هو الإمام جعفر الصادق (2) .
__________
(1) ... الشربيني، محمد الخطيب، مغني المحتاج، 2/31، الرملي، محمد بن أحمد؛ نهاية المحتاج 3/433.// شهاب الدين. شمس الدين محمد بن ابي العباس احمد بن حمزة الرملي المنوفي المصري الانصاري، نهاية المحتاج الى شرح المنهاج في الفقه، على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه، بيروت: دار احياء التراث العربي; مؤسسة التاريخ العربي, 1992 //
(2) ... الخياط،؛عبد العزيز ؛فقه المعاملات وصيغ الإستثمار،ط1،المتقدمة للنشر والتوزيع عمان2004 ص 100(1/75)
... وبعد هذه المطالعة المختصرة لآراء بعض المجوزين لبيع الوفاء، وبعد أن اطلعنا على الآراء المختلفة للذين منعوا هذا البيع، نرى بأن بيع الوفاء يأخذ أحكام البيع الصحيح المقترن بشرط الخيار، فيصبح المشتري مالكا ملكا تاما للمبيع بعد انتهاء مدة الخيار، وله استغلاله أثناء مدة خيار الشراء كما أن له استعماله، دون أن يتصرف ببيع أو رهن إلا بإذن البائع، ونرى أنه لا بد من تحديد مدة ينتهي إليها الخيار ضمانا لاستقرار المعاملات.
اكتتاب البنك العربي الاسلامي الدولي في صكوك البحرين
... من خلال موقعه الوظيفي السابق في البنك العربي الإسلامي الدولي شارك الباحث في دراسة فرصة المساهمة في الاكتتاب بهذه الصكوك ،ولكون هذه المعاملة جديدة على البنك فقد كان الأمر يستوجب عرض المسألة على لجنة الرقابة الشرعية لإبداء الرأي الشرعي بخصوص مدى شرعية التعامل بهذه الصكوك.
... وقد عقدت لجنة الرقابة الشرعية- (كانت اللجنة في ذلك الوقت من :المرحوم سماحة الشيخ عز الدين التميمي ،والأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي والاستاذ الدكتور محمود سرطاوي ) عدة اجتماعات متوالية لمناقشة هذه المسألة وقررت ما يلي :-
... استكمالا لدراسة موضوع السؤال الموجه حول شرعية الاكتتاب في سندات (صكوك) التأجير الإسلامية لحكومة دولة البحرين والتي جرت في جلسة يوم الثلاثاء الموافق الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة لسنة 1423 هـ الموافق 20/8/2002 والتي تم الطلب فيها تزويد اللجنة بنص الفتوى الشرعية الصادرة بهذا الخصوص وكذلك بيان فيما إذا كانت نسبة العائد ثابتة أم متوقعة والأسس التي تم اعتمادها لتحديد هذا العائد.
... لقد عقدت اللجنة اجتماعها رقم (5/2002) يوم الأربعاء الموافق الثاني عشر من شهر جمادى الآخرة لسنة 1423 هـ الموافق 21/8/2002 واطلعت على الفتوى الشرعية التي قام البنك بتقديمها للجنة وبعد دراستها لاحظت اللجنة ، ما يلي :-(1/76)
1. أشارت الفتوى إلى أنها وضعت الترتيب الواجب اتباعه في إجراء التصرفات المطلوبة لتحقيق الضوابط الشرعية العامة في الصكوك وبخاصة ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن صكوك المقارضة مع مراعاة الأحكام الشرعية للإجارة المنتهية بالتمليك.
2. إن هذا النص يتطلب الإطلاع على هذا الترتيب تفصيلا وعلى الضوابط الشرعية المراد مراعاتها كما يتطلب الاطلاع على قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن صكوك المقارضة وكذلك استحضار الأحكام الشرعية للإجارة المنتهية بالتمليك.
3. طلبت الفتوى في فقرتها الثانية إجراءات لتنفيذ هذه الصكوك لم يظهر في نشرة الإصدار ما يدل على الالتزام بها.
4. ذكرت الفتوى أن الأمر سينتهي إلى أجرة معلومة تمثل عائد الصكوك وأن هذه الأجرة ثابتة (عائد ثابت) كما ورد في نشرة الإًصدار علما أنها معلنة قبل بدء موعد عملية الاكتتاب.
5. ذكرت الفتوى في الفقرة الرابعة أن ضمان الجهة المصدرة استرداد حامل الصك لقيمته الأصلية جائز ، لأنه ناشيء عن الوعد الملتزم به منها لشراء العين المؤجرة بتلك القيمة ، وهو من قبيل ضمان الطرف الثالث وليس ضمانا من أحد المشاركين أو من مدير الاستثمار .
ولم يوضح في الفتوى من هو الطرف الثالث.
6. ذكرت الفتوى أن تحديد العائد المتوقع للصك ناشيء من معلومية الأجرة والمراعى في تقديرها تغطية المصاريف الواجبة على المؤجر كالصيانة الأساسية والتأمين.
... مما يتطلب دراسة هذا الفهم على ضوء أحكام الإجارة المنتهية بالتمليك كما أقرها مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
كل هذا يتطلب من لجنة الرقابة الشرعية في البنك دراسة مستفيضة لهذه الأبعاد والجوانب والحصول على توضيحات في بعض الأمور من الجهة المصدرة وهيئة الرقابة الشرعية فيها مما يتطلب وقتا وجهدا لا يتسع له الوقت المحدد لعملية الاكتتاب والذي بدأ بتاريخ 20/8/2002 وينتهي بتاريخ 28/8/2002 .(1/77)
في ضوء ذلك ترى اللجنة أنه يمكن للبنك الاعتماد على فتوى هيئة الرقابة الشرعية المشار إليها في نشرة الإصدار وذلك بالمشاركة في هذا الاكتتاب وبالمبلغ الذي يراه البنك مناسبا حتى تتمكن اللجنة من دراسة الموضوع بكل أبعاده وإصدار فتوى خاصة بها بهذا النوع من العمليات مستقبلا.
واستنادا إلى هذه الفتوى وخاصة إمكانية اعتماد البنك على فتوى هيئة الرقابة الشرعية للجهة المصدرة للصكوك ، ساهم البنك بالاكتتاب في هذه الصكوك بمبلغ عشرة ملايين دولار أمريكي .
وحرصا منه على سلامة هذه المعاملة المستحدثة والتحري عنها وكونه عضوا في لجنة الرقابة الشرعية للبنك العربي الاسلامي الدولي بدقة فقد تابع الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي تطورات هذه المعاملة وتطبيقاتها ، وبحثها بشكل مفصل مع الاستاذ الدكتور عبد الستار ابو غدة رئيس هيئة الرقابة الشرعية للجهة المصدرة لهذه الصكوك في اجتماع عقد في عمان بترتيب من الباحث اقترح خلاله الأستاذ المشرف إجراء بعض التعديلات على العقود ونماذج الإصدار ،وقد أخذ بها في الإصدار التالي من الصكوك.
وبناء على توجيهات لجنة الرقابة الشرعية ، فقد تابع البنك الإصدارات اللاحقة من الصكوك وخاصة صكوك الإجارة ذات العائد المتغير اعتمادا على مؤشر مستقبلي معلوم للطرفين مثل الليبور واطلع بشكل مفصل على ترتيبات الإصدار وكذا الفتوى الشرعية التفصيلية التي ضمنت مشروعية إصدار صكوك الإجارة في أصول حكومية خدمية شريطة مراعاة ما يلي:-
1) تبيع الحكومة مجموعة من الأصول الخدمية المملوكة لها كالمدارس أو المباني الحكومية إلى البنوك من خلال تكوين محفظة صكوك تطرح إلى المستثمرين.
2) تستأجر الحكومة تلك الأًصول من المحفظة لمدة محدودة (5) سنوات مثلا.
3) تقدم الحكومة وعدا للمستثمرين بشراء تلك الأصول بعد تلك المدة بالسعر الذي تم البيع به.(1/78)
4) يتم تحديد الأجرة للسنوات اللاحقة بسعر الليبور زائدا هامش ربح محدد ، وتدفع الحكومة الأجرة كل ستة أشهر مقدما ويتم تحديد أجرة الأشهر الستة الأولى بمبلغ مقطوع ويوضع في العقد نص بأن تحديد أجرة الفترات اللاحقة يتم بالرجوع إلى الليبور في بداية كل منها مع إضافة هامش ربح يتم تحديده في العقد ، كما يوضع لليبور حد أعلى وحد أدنى لتخفيف الجهالة وعدم الحاق الضرر بأحد الطرفين . وتمثل الأجرة العائد المستهدف دون شمولها لجزء من تكلفة الأصل إذا أن الأجرة تمثل ربح الصكوك.
5) عند تملك الحكومة للأعيان المؤجرة تشتريها من المحفظة بالسعر الذي تم بيعها به وبذلك يسترد حملة الصكوك أصل مساهماتهم ويتم إطفاء الصكوك.
6) هذه الصكوك قابلة للتداول الحر في السوق الثانوية لإنها تمثل أصولا عينية ومنافع مع الاستعانة بالتقويم لأصول الصكوك من جهة خبرة محايدة أو من إدارة المحفظة من خلال ضوابط فنية معلنة ويمكن أن تكون المحفظة متعهدة بالشراء (الاسترداد) حسب التقويم (صافي قيمة الأصول NAV ) كما يمكن صدور التعهد بالشراء من جهة أخرى بالقيمة الإسمية (ضمان الطرف الثالث).
7) يقتطع من عائد التأجير قبل توزيعه مصاريف الصيانة الأساسية (وهي كل ما يحافظ على الانتفاع بالعين المؤجرة) والتأمين مع مراعاة ذلك في تكوين الأجرة ، ويمكن إبرام عقد مع جهات صيانة وشركات تأمين لتثبيت التكاليف المتعلقة بها.
8) بما أن إيراد الصكوك يحصل من الأجرة المحددة مسبقا فإن الربح المتوقع للصكوك يكون قريبا من الربح الفعلي.
9) تحتاج هذه العملية إلى عقود ونماذج ونشرة اكتتاب ونموذج صك يتم إعدادها في وقتها.
ويتميز تطبيق هذا المنتج بما يأتي:-(1/79)
(1) إن الأصول الحكومية الخدمية لا تثور فيها مشكلات شرعية من حيث طبيعة الموجودات، إذ ليس هناك قروض تخص تلك المباني ، ولا يتصور فيها مشكلة إيداع السيولة بفائدة في البنوك التقليدية لمراعاة النسب المحددة في بعض الفتاوى الشرعية لكل من القروض والفوائد لإمكانية الإسهام من المستثمرين الملتزمين بأحكام الشريعة . كما لا تثور هنا مشكلة الديون على الغير التي إذا زادت نسبتها على الأعيان والمنافع امتنع تداول الصكوك شرعا إلا بمراعاة أحكام الديون بأن يكون بيع الدين بمثله ، وهذا يحول دون التداول الحر في السوق الثانوية.
(2) إن تمثيل الصكوك للمباني الحكومية الخدمية من خلال تأجيرها للمحفظة والوعد بشرائها فيه طمأنينة لحامل الصك بأنه سيسترد قيمة الصك لأن الحكومة لا غنى لها عن إعادة التملك ، بخلاف تطبيق الصكوك على مصانع أو شركات من القطاع المختلط (العام والخاص) إذ قد يتخلف التملك بالنكول عن الوعد إذا كان استمرار قيام المصانع والشركات غير مجد فيلجأ بقية الملاك (غير الحكومة) إلى التصفية مما يلحق ضررا بحملة الصكوك إذا لم تبق موجودات تفي بالقيمة الأصلية للصكوك.
(3) إن تطبيق الصكوك التأجيرية على المصانع أو الشركات المنتجة يستلزم بيع أصولها إلى المحفظة وهذا يضعف قوتها المالية لخروج هذه الأصول من قوائمها المالية وبالتالي يؤثر على قدرتها على الحصول على تمويلات حيث يتوقف ذلك على وجود أصول في حيازة الشركة أو المصنع لحفظ حقوق الممولين كما يحول دون رغبة المصانع أو الشركات في التوسع .
... ... هذا وإن آلية تطبيق صكوك الإجارة تشمل أيضا الأصول المنتجة (ذات الدخل) ولو ترتب على ذلك فقدان المزايا المشار إليها أعلاه أو بعضها .والله أعلم.(1/80)
... ... هذا وبعد قراءة ودراسة نصوص الفتوى فقد وافقت لجنة الرقابة الشرعية في البنك العربي الاسلامي الدولي على مبدأ شراء صكوك إسلامية وفقا للفتوى أعلاه ، إذ لاحظت مراعاة هذه الفتوى للناحية الشرعية.
ما انتهي إليه رأينا في هذه المعاملة
... اطلع الباحث على نشرة إصدار صكوك التأجير المنتهي بالتمليك الصادرة في البحرين لعدة إصدارات وطالعا رأي هيئات الرقابة الشرعية التي أجازت هذه المعاملة، واطلعا على رأي مختلف يمنع هذه المعاملة، وتم مناقشة هذا الرأي المختلف وانتهى الباحث إلى الأخذ بها والعمل بها على أنها معاملة جائزة فيها نفع لجميع الأطراف ذات العلاقة بعملية التوريق مؤكدين على ما يلي:
(1) أن العملية مستمدة من فكرة سندات المقارضة المجازة شرعاً ، والمقرة من قبل مجمع الفقه الإسلامي .
(2) أن الإطار العام لعملية الإصدار يقع ضمن الإجارة المنتهية بالتمليك ، والذي يوجب انتقال الأصل للمستأجر في نهاية الفترة المحددة .
(3) أشارت الفتوى الصادرة أنها وضعت الترتيب الواجب اتباعه في إجراء التصرفات المطلوبة لتحقيق الضوابط الشرعية العامة في الصكوك ، وبخاصة ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامية الدولي بشأن صكوك الإجارة مع مراعاة الأحكام الشرعية للإجارة المنتهية بالتمليك .
(4) ذكرت الفتوى الصادرة أن ضمان حكومة مملكة البحرين لاسترداد حامل الصك لقيمته الأصلية جائز عند نهاية مدة الإصدار ، لأنه ناشئ عن الوعد الملتزم به منها لشراء العين المؤجرة بتلك القيمة ، وهو من قبيل ضمان الغير وليس ضماناً من أحد المشاركين أو من مدير الاستثمار .
(5) إن تحديد العائد المتوقع للصك ناشئ من معلومية الأجرة التي يجب ان تحدد بالاستناد الى سعر اجرة المثل في السوق والتي تاخذ بعين الاعتبار عند تحديدها تغطية المصاريف الواجبة على المؤجر كالصيانة الأساسية والتأمين .(1/81)
(6) ان الصكوك يجب ان تستند الى اصول مدرة للدخل حتى يكون عائدها عائدا حقيقيا لا عائدا مبنيا على تعظيم الربح بمعزل عن اي ضوابط اقتصادية، وظاهرة البيوع الوهمية،وظاهرة توسع الحركة النقدية بمعزل عن الحركة السلعية الاقتصادية الحقيقية وغيرها .
(7) إن قيام مؤسسة نقد البحرين بإصدار هذه الصكوك التي تمثل أصولاً في أصول حكومية (المخازن الخارجية) الذي تؤول ملكيته جزئياً لحاملي الصكوك فإن دور مؤسسة النقد هناك في حالة بيع الصكوك هو دور المدير الذي يعمل بعمولة ، وبالطبع فإن حاملي هذه الشهادات تسري عليهم التزامات مؤسسة نقد البحرين تجاه الحكومة وأن هذا الالتزام ناتج عن الاتفاق.
(8) إذا ما دققنا في العملية فهي بدأت بشراء المخازن ثمَّ تأجيرها لحكومة البحرين، ورغم أن ملكية المنفعة قد آلت لحكومة البحرين إلا أن ملكية المخازن وهي ملكية رقبة بقيت في يد المالك الأصلي، وهم مالكو الصكوك في هذه الحالة ولا يحول تأجيرهم لمنفعة المخازن دون حقهم في التصرف فيها بمختلف أنواع التصرفات الشرعية الممكنة، ومنها بيعها لآخرين أو مشاركتهم فيها شريطة علمهم بمختلف التعاقدات التي تمت حولها وموافقتهم على ذلك واتفاقهم على كيفية وضعية حقوقهم اللاحقة في العين طوال فترة تأجيرهم.
(9) انطلاقاً من أن حاملي شهادات الإيجار هم شركاء في ملكية المخازن كلٌّ بحسب حصته فيها، فلا يوجد مانع شرعي من أن يتصرف كل حامل شهادة في حصته بالبيع لآخرين يحلون محله في ملكية حصته من المخازن، وبذلك يمكن تداول هذه الحصص بين المدخرين والمستثمرين في الأسواق المالية .(1/82)
... ترى الدراسة أن هذه العملية في صنع هذه الصكوك هو نوع من الابتكار والإبداع في ضوء اشتداد الحاجة لتنمية إضافية للصناعة المالية الإسلامية كنظام بديل قابل للتطبيق في ضوء المحددات المختلفة القائمة حاليا والناتجة عن آليات التمويل التقليدية المتوفرة في العديد من الدول الإسلامية، والحاجة لتقديم تسهيلات للمؤسسات المالية الإسلامية والتي اتخذت على عاتقها النهوض بالتمويل وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء.
مقارنة بين النموذج التقليدي والنموذج الإسلامي للتوريق
تمهيد
... شهدت السنوات الأخيرة قيام العديد من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بإصدار صكوك الاستثمار وسيلة من وسائل تعبئة المدخرات والموارد من السوق ، وتوجيه هذه الموارد لمجالات استثمارية تدر عائداً مجدياً .
... وتشير إحصائيات مركز إدارة السيولة المالية / البحرين كما هي في نيسان 2006 والمبينة في الملحق رقم (2) ان حجم الإصدارات التي تدار من قبل مركز إدارة السيولة / البحرين قد قارب على 14 مليار دولار أمريكي (1) ، الأمر الذي يبشر باهتمام المؤسسات الإسلامية بالتطورات التي تطال الصناعة المصرفية وأسواق المال العالمية وخاصةً في مجال سوق رأس المال وإصدار الأوراق المالية التقليدية (Traditional Securitization) أو التوريق المركب (Synthetic Securitization).
... لقد توصلت الدارسة إلى تحديد المعايير والضوابط الشرعية والتي تشكل الإطار الشرعي العام للنموذج الإسلامي للتوريق وتحقق صفة القبول الشرعي للاداة المالية المطورة (الصك).
... وستقوم الدراسة بعقد مقارنة بين أهم جوانب وأوجه الاختلاف بين النموذجين الإسلامي والتقليدي للتوريق ومن ثمَّ تحليل تكييف العلاقات بين الأطراف في كلا النموذجين بعد عرض الهيكل التنظيمي لكلا النموذجين:
شكل رقم (1)
النموذج التقليدي للتوريق (الصورة العامة)
شكل رقم (2)
__________
(1) http//wwwLMC.Bahrain.com . ))(1/83)
النموذج الإسلامي للتوريق (الصورة العامة)
الفروقات الرئيسة بين النموذج التقليدي والنموذج الإسلامي للتوريق:
1. من حيث نوعية الموجودات
تمثل الموجودات المورقة في النموذج التقليدي ديون وقروض يكون سعر الفائدة المصرفية أساساً فيها مثل قروض السيارات والبطاقات الائتمانية ، والرهونات السكنية والعقارات التجارية وعقود التأجير التمويلية بالإضافة إلى توريق التأمينات ضد المخاطر علاوةً على التوريق المركب Synthetic Securitization حيث تستخدم المصارف من خلاله المشتقات الاستثمارية لتمويل المخاطرة الائتمانية المرتبطة بمجمع(Pool) محدد للموجودات إلى أطراف ثالثة، في حين أن عملية التوريق في النموذج الإسلامي تستند إلى أعيان أو منافع أو خليط من الأعيان والمنافع والديون والتي يكون أساسها عقد شرعي استناداً لصيغ التمويل الإسلامية.
2. العلاقة بين المورق الأصلي (المنشئ) وبين الشركة ذات الغرض الخاص SPV
... في أغلب الأحيان تكون العلاقة شكلية بين المنشئ للتوريق وبين الشركة ذات الغرض الخاص أما في النموذج الإسلامي فهي علاقة بيع حقيقي، أو عملية مشاركة في الموجودات ويلاحظ أن هناك تكاليف مالية إضافية في بعض البلدان "كالأردن مثلاً" تتمثل في ضريبة تسجيل العقار باسم الشركة ذات الغرض الخاص إذا كانت الموجودات المورقة تمثل عقاراً.
3. عدد الأوراق المصدرة
... قد تصدر عدة أوراق مالية وبشرائح مختلفة Multiple Trenches في التوريق التقليدي بينما تصدر صكوك الاستثمار بمبالغ متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية الموجودات.
4. عائد ومخاطر الورقة المالية(1/84)
... يستند عائد الورقة المالية إلى سعر الفائدة المحرم شرعاً، ومخاطر هذه الأوراق متنوعة فبعضها خالي من المخاطر والبعض الآخر ذو مخاطر مرتفعة ، أما عائد الصك فهو ناتج عائد الاستثمار في هذه الموجودات والذي قد يكون متغيراً ،وللصك المالي نفس الحق من الغنم والغرم من حيث العائد والمخاطرة والتي تكون كثيرة ومتنوعة بسبب مخاطر الصيغ الإسلامية.
5. وجود هيئة رقابة شرعية ومراقبة الالتزام
... في النموذج الإسلامي فإن هيئة الرقابة الشرعية طرف أساسي في عملية التوريق تقوم بدراسة هيكل الإصدار ووضع المعايير الشرعية التي تضبط عملية التوريق وتجعلها في دائرة المباح وفي بعض الحالات يلزم وجود جهة تراقب التزام مدير الاستثمار بهذه المعايير ، في حين ان النموذج التقليدي لا يشترط ذلك.
6. استثمار فائض السيولة لدى الشركة ذات الغرض الخاص SPV
تستثمر السيولة الفائضة في سندات وأوجه استخدام قائمة على سعر الفائدة في حين أن السيولة الفائضة في النموذج الإسلامي تستثمر وفق الصيغ الجائزة شرعاً وعلى غير أساس الفائدة.
7. الشركة ذات الغرض الخاص SPV
يمكن للمورق الأصلي أن يساهم في الشركة ذات الغرض الخاص أو أن يمتلكها في حين يفضل أن لا يسمح للمورق الأصلي في النموذج الإسلامي أن يمتلك حصة حاكمة من الشركة لضمان عدم تعارض المصالح .
8. عجز السيولة المؤقت Temporary Cash Shortfalls (تمويل عجز السيولة Liquidity Facility)(1/85)
في النوذج التقليدي وفي اليوم الأول من المعاملة، تعمل الشركة ذات الغرض الخاص SPV على شراء الموجودات ذات الأداء الكامل فقط، إلا أنه وخلال فترة الاستثمار قد يتحول بعض هذه الموجودات إلى متأخرات (Arrears) بمعنى عدم القدرة على تسديد الفوائد الدورية في الوقت المحدد، وهذه أول مشكلة أساسية تواجهها المعاملة المورقة ، فالمستثمرون في التمويل المورق لا يرغبون في الحصول على الفوائد الدورية فقط عندما يكون المقترضون قادرون على السداد، أو عندما يشاء المقترضون ذلك، أي أن المستثمرين يريدون التوصل إلى حالة من التأكد من أنهم سوف يتسلمون دائماً الفوائد وأقساط أصل القرض وبالوقت المحدد (أي عند الاستحقاق)، وفي هذا المجال لا بدَّ أن تتوافر للمنشأة ذات الغرض الخاص SPV ما يطلق عليه تسهيل السيولة Liquidity Facility وهو يأخذ في الغالب، شكل تسهيل ائتمان دوار Revolving Credit Facility, (RCF) بحيث يقدم من قبل مصرف (طرف ثالث) ويعرف بتعزيز الائتمان Credit Enhancement ويشترط في هذا المصرف أن يتمتع بتصنيف ائتمان عالي لاعطاء الثقة لحملة السندات، بحيث يمكن أن تسحب منه الأموال الكافية لسد الفرق بين ما قام المقترضون بسداده فعلاً كفوائد، وأقساط أصل القرض (مع وجود متأخرات) وبين المستحق من الفوائد وأقساط المبلغ المقترض إلى المستثمرين أي لحملة السندات / الأوراق ،في حين ان تمويل عجز السيولة في النموذج الإسلامي وان حصل فيكون على غير اساس الفائدة الربوية وغالبا ما يقدم على شكل قرض حسن او دفعات عوائد استثمار تحت الحساب لحين تحصيل قيمة المتاخرات حيث تتم المحاسبة النهائية واحتساب العائد الحقيقي لحملة الصكوك.
9. الصيغة العامة لهيكل الإصدار
عادةً ما تصدر الصكوك بالاستناد إلى صيغة وحيدة وفق النموذج التقليدي ويغلب عليها صيغة القرض الربوي، بينما تصدر الصكوك الإسلامية وفقاً لصيغ التمويل الإسلامية.(1/86)
10. رد أصل المبالغ المستثمرة في نهاية المدة
وفقاً للنموذج التقليدي ، يتم رد أصل المبالغ المستثمرة من قبل المورق الأصلي وبالقيمة الأولى، في حين يعطي المورق الأصلي في النموذج الإسلامي أولوية " حق خيار الشراء" ، والأساس أن يتم الرد بسعر السوق إلا إذا كان هناك وعداً بالرد بالقيمة الأولى.
11. تغطية الاصدار
في الصكوك إذا لم تتم تغطية الإصدار أو المقدار الضروري منه لشراء الموجودات، فإنه لا يتم إصدار الصكوك وترد المبالغ للمكتتبين في حين أن الاكتتاب في السندات التقليدية ورغم وضع سقف له لا يرتبط بمشروع معين، ويمكن توفير المبالغ من قروض ربوية منفصلة ومن هنا تنشأ المخاطر الائتمانية المباشرة بين حملة السندات ومصدريها.
التداول: الحد الأدنى للتداول في الصكوك مختلف تماماً عنه في السندات فالتداول في الصكوك يبيع حامل الصك حصته الشائعة في الموجودات إلى حامل الصك الجديد، أما في السندات فهو خصم للدين المترتب لحامله في ذمة الجهة المصدرة.
12. الموجودات المورقة
في الصكوك يجب تقديم معلومات كافية عن الموجودات أو المشاريع تمثلها وفي السندات التقليدية قد تقدم بيانات لكن الغرض منها طمأنة حملتها على وجود التدفقات النقدية والكفيلة بدفع العوائد وإطفاء السندات.
13. تكييف العلاقات التعاقدية بين اطراف عملية التوريق
1. الاكتتاب من المستثمرين في الصكوك الإسلامية يحدث بينهم مشاركة تتم بصورة تراكمية، في حين أن الاكتتاب في السندات التقليدية لا تترتب عليه أي مشاركة بين حملة السندات، بل تكون دائنية متوازية لعدم ارتباط حملتها بالمشروع (وهو الوعاء المشترك الذي تمثله الصكوك) وقد ينتظم حملة السندات عند الحاجة لدى جهة معينة تمثل حقوق الدائنين على مصدري السندات.(1/87)
2. يواصل المورق الاصلي في النموذج التقليدي أداء دوره كمدير بما في ذلك تحصيل الفوائد وأصل المبالغ التي هي في ذمة المقترضين وسداد أصل المبالغ إلى الشركة ذات الغرض الخاص، ويحقق المورق الأصلي مقابل هذه الخدمة "رسوم الإدارة"، ويقوم المورق الأصلي في النموذج الإسلامي بنفس الدور إلا أنه غالبا ما يقوم بهذا الدور دون اجر اضافي.
والجدول التالي يلخص باختصار ابرز الفروقات الجوهرية بين نموذجي التوريق الإسلامي والتقليدي:
جدول رقم (1)
أوجه الاختلاف النموذج التقليدي النموذج الإسلامي
(1) نوعية الموجودات ... تمثل الموجودات المورقة ديون مثل قروض السيارات والبطاقات الائتمانية وذمم مدينة وقروض ربوية ... الموجودات المورقة ذات طابع ومنشأ شرعي فهي أعيان ومنافع اوالديون في الذمم والصادرة وفق عقد شرعي
(2) العلاقة بين المورق الأصلي Originator وبين الشركة ذات الغرض الخاص SPV ... علاقة شكلية في معظم الأحيان
(3) عدد الأوراق المصدرة ... في الغالب عدة أوراق مالية Multiple Trenches بفئات مختلفة ... ورقة واحدة ذات قيم وحقوق متساوية
(4) عائد ومخاطر الورقة المالية المصدرة ... العائد معلوم ومحدد مسبقاً بالاستناد إلى سعر الفائدة والمخاطر متنوعة ... الصك المالي له نفس الحق من الغنم والغرم
(5) وجود هيئة رقابة شرعية ... لا يشترط وجود هيئة رقابة شرعية ... وجود هيئة رقابة شرعية شرط رئيس لإصدار الصكوك
(6) استثمار فائض السيولة لدى SPV ... تستثمر الفوائض النقدية في سندات غير إسلامية ... تستثمر الفوائض النقدية في الاستثمار السلعي أو أي مجال متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية
(7) الشركة ذات الغرض الخاص SPV ... تكون شركة يمكن أن يساهم فيها المورق الأصلي Originator ... لا يسمح للمورق الأصلي أن يمتلك حصة حاكمة في الشركة لتعارض المصالح
(8) تمويل عجز السيولة لدى SPV ... اقتراض بفائدة لدفع قيمة الموجودات المراد توريقها لحين إصدار السندات ... تمويل بدون فائدة وفقاً لصيغ التمويل المختلفة(1/88)
(9) الصيغة العامة للهيكل ... عادةً صيغة وحيدة ويغلب عليها القرض ... صيغ متعددة بحسب صيغ التمويل الإسلامية
(10) رد أصل المبالغ المستثمرة بعد نهاية التوريق ... يتم الرد من قبل المورق الأصلي وبالقيمة الأولى للشراء ... يعطى المورق أولوية (خيار) الشراء ، ويتم البيع له بسعر السوق/أو حسب الوعد
(11) تغطية الاصدار ... يتم توفير المبالغ التي تقل عن الاكتتاب منى خلال قروض ربوية ... ترد المبالغ للمكتتبين اذا لم يتم تغطية الاصدار او في حال عدم وجود متعهد تغطية
(12) التداول ... عملية خصم ديون ... بيع حقيقي لحصة شائعة في ملكية موجودات
(13) الموجودات المورقة ... يمكن تقديم معلومات عن الموجوداتن الهدف منها طمانة الدائنين الى وجود تدفقات نقدية ... يجب تقديم معلومات كافية عن الموجودات المراد توريقها لانها تمثل المبيع في عقد البيع
(14) تكييف العلاقة ... علاقة دائنية متوازية بين حملة السندات ... علاقة مشاركة بين حملة الصكوك
مجالات تطبيق النموذج الإسلامي للتوريق
تمهيد: استخدام الصكوك في تمويل مشروعات حكومية(1/89)
... يمكن استخدام الصكوك الإسلامية في تعبئة الموارد اللازمة لتمويل الكثير من المشروعات الحكومية، وكيفية ذلك أن تختار المؤسسات الحكومية الموجودات الثابتة اللازمة لها، من خلال برامجها التنموية أو التحديثية وتحديد مواصفاتها بدقة، ويمكن أن تشمل هذه الموجودات قطاعاً واسعاً جداً من الحاجات الرأسمالية الضرورية كالمباني الحكومية، والجامعات الحكومية، والمدارس، والطرق والجسور والمطارات، ومحطات الأقمار الصناعية، والطائرات والبواخر وأساطيل النقل البري، وغيرها من الموجودات الرأسمالية الأخرى، ويمكن إنشاء هيئة حكومية مستقلة ضمن وزارة المالية أو التخطيط مثلاً تقوم بتلقي طلبات التمويل بالإجارة من المؤسسات الحكومية، وتمارس دور الوكيل عن أصحاب الصكوك في شراء الموجودات الرأسمالية وإجارتها للجهة الحكومية التي طلبتها، وتستمر هذه الهيئة في إدارة كل ما يتعلق بهذه الصكوك من حقوق والتزامات وإجراءات حسب شروط الإصدار.
... ومن أجل تطبيق هذه الصورة التطبيقية يوجه الباحث الدعوة لإصدار التشريعات اللازمة التي تنظم هكذا إصدارات وتداولها وأن يتم ملاحظة المسائل الإجرائية التي تعترض التطبيق، وأن يتم وضع الحلول المسبقة لها ومن ذلك أن يتم تعديل القوانين المتعلقة بتسجيل الأراضي والعقارات، إذ تشترط القوانين، عادةً، التسجيل في دائرة تسجيل الأراضي ودائرة السير بالنسبة للسيارات وسلطة الطيران المدني بالنسبة للطائرات، ....، وتعتبرالقوانين ان العقد الذي لم يسجل في هذه الدوائر يعتبر باطلاً، وعلاوةً على أن التسجيل يعرقل عملية تداول الصكوك، ويحد منها إلى القدر الكبير فإنه يفرض تكاليف مالية إضافية تتمثل في الرسوم الحكومية التي تتقاضاها هذه الدوائر والتي قد تقضي على عائد الصكوك في بعض الحالات.(1/90)
استخدام الصكوك في الخصخصة (1)
... بهدف إعادة توزيع الأدوار بين الحكومة والقطاع الخاص في امتلاك أو إدارة المؤسسات الإنتاجية والخدمية للاقتصاد الوطني لتحقيق أكبر قدر من المنفعة وأعلى قدر من النمو داخل المجتمع والتحول إلى الاقتصاد الحر، تستطيع الدولة استخدام الصكوك للحصول على الموارد المالية عن طريق بيع جزء من حصة القطاع العام في مشاريع حيوية لحملة الصكوك ، وفي هذا المجال يمكن للحكومة أن تستخدم أسلوب المشاركة الدائمة بأن يبقى حملة الصكوك مالكين للجزء الذي تمَّ تخصيصه أو أسلوب المشاركة المتناقصة بحيث تؤول الملكية مرة اخرى للحكومة بعد فترة معينة،بمعنى ان عملية الخصخصة تكون مؤقتة.
... ويمكن تصميم شروط الخصخصة بحيث تستمر الحكومة في سياسة الرعاية الاجتماعية التي تراها مناسبة وتحقيق سائر الأهداف الإنمائية، مع الاحتفاظ بسلطة رقابية من مستوى مناسب على المشروعات التي يتم خصخصتها ودون التفريط بوطنية هذه المشروعات ، بحيث ينحصر بيعها للمواطنين فقط.
... ويمتاز هذا الأسلوب بأنه يوفر الأموال التي تساعد في سد عجز موازنة الدولة دون ترتيب أي مديونية تضطر في المستقبل إلى سدادها، كما أنه يساعد في التخلص من الدعم السعري الذي تقدمه الحكومة، ومن جهة أخرى؛ فإن لهذا الأسلوب مزايا إضافية يساعد في زيادة كفاءة المشروعات، وتحسين إنتاجها، وبالتالي يزيد من قدرتها على النمو في المستقبل، فضلاً عن امتصاص فائض السيولة من السوق النقدية.
استخدام الصكوك في إعمار الممتلكات الوقفية
__________
(1) )) ... الخصخصة: بيع المؤسسات المملوكة من الحكومة إلى القطاع الخاص، والخصخصة جزء من عملية التخاصية وهي عملية تغيير اقتصادي شاملة لتحقيق الأهداف الاقتصادية
... انظر: علاء الدين/ فؤاد محمود، التخاصية تعريف ودراسة مقارنة، آرثر اندرسين ،ب ط ، ب ت ص7(1/91)
... وكيفية ذلك بأن يحكر (1) ناظر الوقف، أو المالك، الأرض الوقفية، إلى البنك الإسلامي، أو أي وسيط آخر ليقوم الوسيط بالبناءومن ثم استثمارها لمصلحته لفترة معينة يتم الاتفاق عليها مع ناظر الوقف .ويقوم البنك الاسلامي باصدار صكوك اجارة اعيان بملكية البناء وحده دون الأرض، يبيعها للأفراد المستثمرين ويشكل بدل الايجار العائد الذ يتم توزيعه على حملة الصكوك بعد اقتطاع المصاريف الادارية.
... وتمثل هذه الصكوك ملكية البناء المؤجر، وهي ملكية آيلة إلى الانتهاء عند أجل الحكر لانتقال البناء إلى الوقف بعقد الحكر، بصفته جزءاً من أجرة السنة الأخيرة. وتوفر هذه الصورة صكوك ذات عائد إيجاري لمدة محددة دون أن يكون للعين المؤجرة قيمة متبقية يملكها صاحب الصك ، وبذلك يمكن إعمار الأراضي الوقفية وتثميرها ممَّا يساعد ويمكن وزارة الأوقاف من الاضطلاع بدورها في المجال الاجتماعي والديني .
استخدام الصكوك في تمويل موارد البنوك الإسلامية
... يمكن لأي مصرف إسلامي إصدار الصكوك الاستثمارية المتنوعة بهدف تعبئة الموارد المالية التي تحتاج كمصدر إضافي من مصادر الأموال ، مقابل التمويل التأجيري المنتهي بالتمليك أو المشروعات الممولة بموجب عقد الاستصناع أو المشاركة والمضاربة، ويحقق المصرف الإسلامي من ذلك عائداً إضافياً يتمثل في عمولات الإصدار والإدارة علاوةً على تنويع المخاطر وتوزيعها واقتسامها مع حملة الصكوك والالتزام بتعليمات البنك المركزي من حيث التركزات الائتمانية والحدود الائتمانية المسموح بها بالإضافة إلى الالتزام بالمعايير الرقابية العالمية وأهمها معيار كفاية رأس المال.
__________
(1) )) ... الحكر : إجارة طويلة ، تنطبق على أراضي الأوقاف في الأغلب ، وقد تكون في الأملاك الخاصة أيضاً انظر الموسوعة الفقهية الكويتية ، ج 18 ، ص 54 .(1/92)
استخدام الصكوك كأحد أدوات السياسة النقدية (1)
... حيث أن بعض أنواع الصكوك مثل صكوك الإجارة يتمتع بالاستقرار إلى درجة قد تصل حد الثبات في صافي العوائد بالنظر إلى معلومية الأجرة مسبقاً ، وحيث أن صكوك الإجارة الحكومية تتمتع بدرجة عالية من الثقة والضمان من حيث الالتزام بدفع الأجرة في مواعيدها والالتزام بالوفاء وبالوعد بإعادة شراء الأصل المؤجر في نهاية مدة الإجارة ، فإن صكوك الإجارة هذه تصلح بديلاً قوياً لسندات الخزينة وشهادات الايداع ، في السياسة النقدية للبنك المركزي ، من خلال ما يسمى بعمليات السوق المفتوحة .
... إذ يستطيع البنك المركزي أن يشتري صكوك الإجارة الحكومية من السوق ، عندما يرغب في زيادة العرض النقدي ، ويبيعها ، عندما يرغب في تقليص كمية النقود .
وتدخل البنك المركزي في سوق الصكوك ، بائعاً أو مشترياً ، يؤثر على أسعار صكوك الإجارة على اعتبار استقرار العائد للصك .
... وهذا التأثير ينتقل إلى بقية عناصر السوق المالية ، في حالة دخول البنك المركزي مشترياً أو بائعاً الأمر الذي ينشأ عن تغيرات في الربحية المتوقعة للاستثمار وبالتالي يدعم الأثر المرغوب فيه لدخول البنك المركزي السوق ، وهذا التأثير يكون في اتجاهين معاً هما كمية النقود وسعر الفائدة في السوق التقليدية ، أو كمية النقود والعائد المتوقع في السوق الإسلامية .
النتائج
1. إنّ قواعد الشريعة الإسلامية الكلية قادرة على استيعاب المستجدات، فهي تتضمن حلاً لكل مايطرأ وحكماً لكل مايستجد.ومن هنا تبرز أهمية ابتكار ادوات تمويلية اسلامية تستوعب القدرات الاقتصادية الكبيرة القائمة في المجتمع وتتمتع هذه الادوات بما تتمتع به سندات الفائدة من سيولة وربحية وقابلية التداول وضمان في اطار ما هو ممكن وبما لا يتعارض مع قواعد الشريعة الاسلامية السمحاء.
__________
(1) )) ... يراجع في ذلك قحف ؛ منذر ، سندات الإجارة والأعيان المؤجرة ، مرجع سابق ص 103 .(1/93)
2. ان عملية التوريق يمكن تطبيقها والعمل بها وجهاً من أوجه الاستثمارات الإسلامية المعاصرة، ويمكن للمصارف الإسلامية العمل بها وإدخالها ضمن خططها وبرامجها الاستثمارية بعد ضبط هذه المعاملة بالضوابط التي تعطيها المصداقية الشرعيةوايجاد البنية التحتية الملاءمة التي تحقق الكفاءة الاقتصادية التي هي الأساس في قدرتها على تلبية الاحتياجات الاقتصادية ومنافسة الأدوات التقليدية. وان المعيار الاساس لتحقيق هذه الامكانية بشكل عملي وواقعي هو الاحكام والفتاوى الشرعية ؛حتى تظل الصيغ والمنتجات اصيلة مستقاة من الاحكام الاساسية ،وليس صورية وتابعة للصيغ التقليدية.
3. ان استمرار واستقرار الصناعة المالية الاسلامية يتطلب ان تكون الادوات والمنتجات التي تقدمها تجمع بين سلامة الصيغة وصحة الهدف والمال . وليس سلامة الصيغة فحسب،وفقا للقاعدة الشرعية "العبرة بالحقائق والمعاني لا بالالفاظ والمباني" وقاعدة "الامور بمقاصدها"
4. ان الصكوك يجب ان تستند الى اصول مدرة للدخل حتى يكون عائدها عائدا حقيقيا لا عائدا مبنيا على تعظيم الربح بمعزل عن اي ضوابط اقتصادية، وظاهرة البيوع الوهمية،وظاهرة توسع الحركة النقدية بمعزل عن الحركة السلعية الاقتصادية الحقيقية وغيرها .
5. يؤدي إخضاع العمليات المصرفية لمعايير الضوابط الشرعية إلى إضافة اعباء مالية جديدة لتكاليف العمليات التقليدية يتمثل في تكاليف الرقابة والتدقيق والتثقيف الشرعي لأطراف العملية المصرفية.
6. ويرى الباحث ان هذه التكاليف لا تقارن بحجم النفع الذي يعود على المجتمع من التبني لاليات العمل المصرفي والمالي الاسلامي.(1/94)
7. تعتبر البيئة التشريعية الملائمة إطاراً مؤسسياً لضبط عمليات التوريق وتنظيمها ، وتلعب دوراً محورياً في نجاح فرص وتسهيل وصول المؤسسات لموارد الجمهور بصورة تمكنها من تحقيق أهدافها، وكلما كانت النصوص القانونية المختلفة وذات العلاقة بعمليات التوريق واضحة وغير متعارضة ولا يؤدي تطبيقها إلى تكاليف ورسوم إضافية، زاد ذلك من سهولة عمليات التوريق ومرونتها، ويؤدي غياب القوانين ذات العلاقة أو ضعفها إلى وضع عراقيل جمة تصطدم بها عملية التوريق.كما تعتبر القوانين والقضايا الضريبة من العناصر المؤثرة فيما إذا كانت عملية التوريق مربحة أو خاسرة، وبالتالي تحديد مدى جدواها وكفاءتها من الناحية الاقتصادية.
8. يمكن استخدام الصكوك الاسلامية المطورة في مجالات متنوعة سواء كأداة فاعلة من أدوات السياسة النقدية او في تمويل موارد البنوك الإسلامية أو استثمار فائض سيولتها وفي إعمار الممتلكات الوقفية وتمويل المشروعات الحكومية ، وعلى وجه الخصوص إمكانية استخدام هذه الأداة في الخصخصة المؤقتة التي توفر إمكانية الاحتفاظ بسلطة رقابية من مستوى مناسب على المشروعات التي يتم خصخصتها مع الاحتفاظ بوطنية هذه المشروعات .
التوصيات
1. يوصي الباحث ادارات المصارف الاسلامية ضرورة البحث عن حلول تلبي الحاجات الاقتصادية مع الالتزام بالأحكام الشرعية
2. يوصي الباحث المؤسسات المالية الاسلامية بولوج سوق التوريق الهائل والاستفادة من مزاياه الكبيرة.
3. يوصي الباحث السلطات المالية والنقدية تبني سياسات اقتصادية وضوابط استقرارمالية ونقدية فاعلة تتمشى مع المرونة المتزايدة للمؤسسات المالية ومقدرتها على الحركة عبر النظام المالي الدولي.(1/95)
4. حيث ان الإطار القانوني لعملية التوريق يؤلف أحد المقومات الأساسية التي تلعب دوراً حيوياً في نجاح عمليات التوريق يوصي الباحث السلطات التشريعية بايجاد الإطار القانوني المناسب والبيئة القانونية الملائمة والحاكمة لعملية التوريق،من خلال اصدار قانون خاص يرعى عمليات التوريق بمختلف جوانبها يحقق الكفاءة الاقتصادية والمصداقية الشرعية بشكل عملي وفاعل
5. يوصي الباحث تطوير وضبط الاسواق المالية بما يتفق واحكام الشريعة السمحاء، وذلك بأن توضع لهذه السوق الضوابط اللازمة وأحكام التعامل.فاذا وجد مثل هذه السوق المنتظم لرأس المال الاسلامي فان المستثمرين سيقبلون على تداول الادوات التمويلية الاسلامية بيعاً وشراءً .
6. يوصي الباحث اجراء الدراسات الفقهية لبحث فكرة اعادة تمويل الرهن العقاري بما يتفق واحكام الشريعة الاسلامية وتأسيس شركة اسلامية او بنك اسلامي لهذا الغرض في ضوء ما تخلص اليه الدراسات الفقهية.
7. في ضوء النتائج التي تم التوصل اليها نوصي الباحثين والدارسين في مجال المصارف الإسلامية والاقتصاد الإسلامي بإجراء الدراسات المستقبلية التالية:
? بناء معايير الهندسة المالية الاسلامية وتحديد الضوابط الشرعية التي تحكمها.
? دراسة اثر الابتكار المالي والهندسة المالية على الاستقرار الاقتصادي.
? تطوير مشتقات مالية متوافقة مع الشريعة الاسلامية.
? استخدام مفاهيم الهندسة المالية الاسلامية لضمان سلامة رؤوس اموال الصناديق الاستثمارية الاسلامية وحمايتها.
المراجع باللغة العربية
1. ابن تيمية. تقي الدين احمد الحراني، مجموعة الفتاوى، المنصورة; الرياض: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع; مكتب لعبيكان, 1998
2. ابن حزم. ابو محمد علي بن احمد بن سعيد، المحلى، بيروت: دار الجيل; دار الآفاق الجديدة, [ -- 19 ](1/96)
3. ابن عابدين. محمد امين بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي، رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين، بيروت: دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع, 1998
4. ابن قدامة ، المغني .
5. ابن قيم الجوزية. شمس الدين محمد بن ابي بكر، اعلام الموقعين عن رب العالمين، القاهرة: دار الحديث: طبع نشر توزيع, 1997
6. ابن مالك. ابو عبد الله مالك بن انس، المدونة الكبرى، بيروت: دار الكتب العلمية, 1994
7. ابن مفلح. ابي اسحق برهان الدين ابراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد، المبدع في شرح المقنع، بيروت; دمشق: المكتب الاسلامي, 1980
8. ابن منظور. ابي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الافريقي المصري، لسان العرب، بيروت: دار صادر, 1994 .
9. ابو غدة. عبدالستار، مخاطر الصكوك الاسلامية ، بحث في مؤتمر المخاطر في المصارف الاسلامية – الاكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية 10-12 شعبان 1425 .
10. ابو غدة. عبدالستار، صناديق الاستثمار ، دورة تدريبية لموظفي البنك الاسلامي الاردني .
11. ابو غدة. عبدالستار، الاجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية ، ج2 .
12. الاسيوطي. مجدي نافذ ( مقترح)، معجم المصطلحات المصرفية والمالية: انجليزي - فرنسي – عربي، [القاهرة]: المؤلفين, 1988
13. بحوث في التوريق وادارة الموجودات والمطلوبات والرهونات العقارية ( سلسلة التوريق،2)، بيروت: اتحاد المصارف العربية, 2002 ، 2004 .
14. البخاري. ابو عبد الله محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، دمشق: دار ابن كثير; اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع, 1993
15. بدوي، معجم المصطلحات الاقتصادية 55
16. البساط. هشام، الاسواق المالية الدولية وبورصات الاوراق المالية وسياسات تكوين محفظة الاوراق المالية في المصارف، بيروت: اتحاد المصارف العربية, [--19]
17. بن عبدالبر . يوسف بن عبدالله ، جامع بيان العلم وفضله ، دار ابن الجوزي ط 2 ، 1416هـ - 1996م .(1/97)
18. بهاء الدين الحلبي الشافعي المقري ، دلائل الاحكام من احاديث الرسول عليه السلام ، دار قتيبة ، بيروت ط1، 1413هـ، 1993م، ج3، ص306 .
19. البيضاوي. عبد الله بن عمر، الغاية القصوى في دراية الفتوى - الجزء الاول، الدمام: دار الاصلاح للطبع والنشر والتوزيع, [د.ت]
20. جودة ، بورصة الاوراق المالية .
21. حاجي خليفة ، مصطفى عبدالله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، ج6 ، ص43 ، دار الفكر ،1982 .
22. حسان؛ حسين حامد، صكوك الاستثمار، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المنامة – البحرين
23. حسن. احمد محي الدين احمد، عمل شركات الاستثمار الاسلامية في السوق العالمية، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع, 1986
24. محمد أبو زهرة، خاتم النبيين، الجزء الثالث، دار الفكر العربي ، بيروت ، ص 66
25. العبادي.عبد السلام،"الملكية في الشريعة الاسلامية" ،مؤسسة الرسالة-بيروت\دار البشير-عمان 1421هج-2000 م
26. العبادي. عبد السلام،"سندات المقارضة"،بحث مقدم الى مجمع الفقه الاسلامي في دورته الرابعة 1408هج-1988م
27. حمود . سامي حسن، الادوات التمويلية الاسلامية للشركات المساهمة، جدة: البنك الاسلامي للتنمية, 1998
28. حمود. سامي حسن احمد، تطوير الاعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الاسلامية، عمان: المؤلف, 1982
29. حمود، سامي، تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط في سوق رأس المال الاسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة في البحرين كنموذج عملي: بحث مقدم الى ندوة خطة استراتيجية الاستثمار في البنوك الاسلامية: الجوانب التطبيقية والقضايا والمشكلات, التي عقدت اثناء المؤتمر السنوي السادس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية (مؤسسة آل البيت) من 21-18/1987م، بالتعاون مع المعهد الاسلامي للبحوث والتدريب والبنك الاسلامي للتنمية، عمان: البنك الاسلامي الاردني, [--19](1/98)
30. حيدر. علي، درر الحكام شرح مجلة الاحكام، بيروت: دار الكتب العلمية, [--19]
31. الخفيف. علي، الشركات في الفقه الاسلامي: بحوث مقارنة، القاهرة: معهد الدراسات العربية العالمية, 1962
32. خوجة. عز الدين، المضاربة الشرعية ، مجموعة البركة .
33. الخياط. عبد العزيز، الشركات في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، ج2، عمان: المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية, 1995
34. الخياط. عبد العزيز، نظرية العقد والخيارات في الفقة الاسلامي، عمان: المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية, 1994 .
35. الخياط. عبدالعزيز، فقه المعاملات ، المتقدمة للنشر والتوزيع .
36. داغي. علي محي الدين علي القرة، مبدأ الرضا في العقود: دراسة مقارنة في الفقه الاسلامي والقانون الروماني والفرنسي والانجليزي والمصري والعراقي، بيروت: دار البشائر الاسلامية, 2002
37. داود. هايل عبدالحفيظ يوسف ، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ، ص 84 النعهد العالمي للفكر الاسلامي ، القاهرة ، 1999 نقلا عن بودفتش، ابراهام؛ مؤسسات الائتمان والاعمال المصرفية ، مجلة المسلم المعاصر ، ع34 ص141-155 .
38. الذهبي. شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان، سير اعلام النبلاء، 748 هـ (ج 1 – ج 25)، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع, 1998
39. رياض أسعد ، ندوة أسس تكوين وإدارة محافظ الاستثمار ، الاقصر ، جمهورية مصر العربية ص 23 ، 1997 .
40. الزرقا. احمد بن محمد، شرح القواعد الفقهية، دمشق; بيروت: دار القلم; الدار الشامية, 1996
41. زكي الدين شعبان ، أصول الفقه الاسلامي ، مؤسسة علي الصباح للنشر والتوزيع، الكويت ط1988 ص405 وما بعدها .
42. زيدان. عبد الكريم، الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الاسلامية، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر, 2001(1/99)
43. السويلم، سامي إبراهيم ؛ " الوساطة المالية في الاقتصاد الإسلامي " ، مركز دراسات شركة الراجحي المصرفية- الرياض
44. السويلم، سامي إبراهيم؛صناعة الهندسة المالية نظرات في المنهج الاسلامي.
45. السرخسي. شمس الدين ابو بكر محمد بن ابي سهل، كتاب المبسوط، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع, 1993
46. الشاطبي. ابو اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الموافقات، الخبر: دار ابن عفان للنشر والتوزيع, 1997
47. الشاطبي. ابي اسحق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الاعتصام، ( 2 – 1)، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع, 1997
48. الشافعي. ابو عبد الله محمد بن ادريس، الام، بيروت: دار الكتب العلمية, 1993
49. الشربيني. شمس الدين محمد بن الخطيب، مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج، بيروت: دار المعرفة, 1997
50. الشريف، محمد عبد الغفار؛ الضوابط الشرعية للتوريق والتداول للاسهم والحصص والصكوك ، بحث مقدم الى ندوة البركة للاقتصاد الاسلامي 2002، المنامة – مملكة البحرين ، ص 7 .
51. الشريف. محمد عبدالغفار ، أحكام السوق المالية – مجلة الشريعة والدراسات الاسلامية ، عدد 18 ، ص 221 .
52. الشماع ؛ خليل ، " التوريق Securitization " معهد التدريب المالي المصرفي – الأكاديمية العربية للعلوم المالية المصرفية، القاهرة 13/3/2005 ( دورة تدريبية )
53. شهاب الدين. شمس الدين محمد بن ابي العباس احمد بن حمزة الرملي المنوفي المصري الانصاري، نهاية المحتاج الى شرح المنهاج في الفقه، على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه، بيروت: دار احياء التراث العربي; مؤسسة التاريخ العربي, 1992
54. الشوكاني. محمد بن علي بن محمد (بديل )، فتح القدير: الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، [د.م]:[د.ن], [--19](1/100)
55. الشيخ نظام، الفتاوى الهندية، المعروفة بالفتاوى العالمكيرية في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان، بيروت: دار الكتب العلمية, 2000
56. صحيح الجامع .
57. الطوفي. نجم الدين ابي الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم ابن سعيد، شرح مختصر الروضة ( بديل عن الروضة )، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع, 1998
58. عبدالرسول – المبادئ الاقتصادي في الإسلام – دار الفكر العربي ، ص 188
59. العمر. ابراهيم بن صالح ، النقود الائتمانية دورها وآثارها في اقتصاد اسلامي ، دار العاصمة للنشر والتوزيع ، الرياض ، ط1، 1414هـ ، ص 73 .
60. علاء الدين. فؤاد محمود، التخاصية تعريف ودراسة مقارنة، آرثر اندرسين، ب ط ، ب ت، ص7 .
61. الشيخ علي الخطيف ، مختصر أحكام المعاملات الشرعية ، طبع القاهرة .
62. غريب الجمال، النشاط الاقتصادي في ضوء الشريعة الإسلامية ، دار صادر – بيروت
63. فتاوى ندوات البركة 1981 – 1997، جدة: مجموعة دلة البركة, 1997
64. فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك المؤسسة العربية المصرفية الاسلامي للسنوات 1986-2000 (هـ1/99) ص 54 .
65. فتاوى الندوة الفقهية لبيت التمويل الكويتي .
66. القاموس الاقتصادي: علية 325
67. قحف. منذر ، سندات الاجارة والاعيان المؤجرة ، المعهد العربي الاسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الاسلامي للتنمية ، ص 34 .
68. القرضاوي. يوسف، بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الاسلامية: دراسة في ضوء النصوص والقواعد الشرعية، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع, 1998
69. القرضاوي. يوسف، فقه الزكاة ، الجزء الاول ، ص 528 .
70. القرطبي. ابي عبد الله محمد بن احمد الانصاري، الجامع لاحكام القرآن، بيروت: دار احياء التراث, 2002
71. القري. محمد، الاسواق المالية ، ص 116 .(1/101)
72. القضاة. زكريا محمد الفالح، السلم والمضاربة من عوامل التيسير في الشريعة الاسلامية ، دار الفكر للنشر والتوزيع ، عمان – الاردن ، ط1، 1984، ص 132.
73. الكاساني. علاء الدين ابي بكر بن مسعود الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (ت 587)، بيروت: دار احياء التراث العربي; مؤسسة التاريخ العربي, 1998
74. مجلة المؤتمر الثاني لمجمع البحوث العلمية الإسلامية بالأزهر ص 183
75. مجلة الاحكام العدلية .
76. مجلة مجمع الفقه الاسلامي: الدورة الثانية لمؤتمر مجمع الفقه، ( حسن عبد الله الأمين )، العدد الثاني، جدة: مجمع الفقه الاسلامي, 1986
77. مجلة مجمع الفقه الاسلامي: الدورة السادسة لمؤتمر مجمع الفقه، ( محمد فيصل الأخوة )، العدد السادس، جدة: مجمع الفقه الاسلامي, 1990
78. مجلة مجمع الفقه الاسلامي: وثائق قرارات المجلس التأسيسي والمؤتمر الاول للمجمع – العدد الاول (مقترح)، جدة: مجمع الفقه الاسلامي, 1986
79. مجمع الفقه الاسلامي: (قرارات وتوصيات ) الدورة الثانية الى الخامسة ( 1988 – 1985 ( مقترح)، [د.م] منظمة المؤتمر الاسلامي, [--19]
80. محيسن . فؤاد، اسس العمل المصرفي الاسلامي ، معهد الدراسات المصرفية – عمان 2003 .
81. محيسن. فؤاد، التأصيل الشرعي لعقدي الاستصناع والمقاولة في المصارق الاسلامية، ط1، 2002 عمان، ص17.
82. المصباح المنير .
83. المذكرة الايضاحية لقانون البنك الاسلامي الاردني .
84. المرغيناني. علي بن أبي بكر، الهداية شرح بداية المبتدي، ط1، 1314هـ، بولاق، مصر، الناشر: دار صادر، بيروت .
85. المزي. يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج ، تهذيب الكمال ، تحقيق: بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، ط1، 1400هـ، 1980م، ج:15، ص 310.
86. معجم المصطلحات القانونية 278 ( مقترح بديل )
87. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربي جمهورية مصر العربية،اخراج ابراهيم مصطفى واخرون(1/102)
88. مقبل جميعي "الأسواق والبورصات " مدينة النشر والطباعة – الإسكندرية
89. المقدمات الممهدات ، ط دار الغرب الإسلامي (2/19)
90. ملائكة، صالح جميل؛ " التوريق وأدوات السيولة للسوق الإسلامية " – 2002، ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي، 19-20 يونيو 2002م
91. الموسوعة العربية الميسرة 15/1034
92. الموسوعة الفقهية، ( 14/147)، الكويت: وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية, 1990
93. نزيه حماد ، بيع الدين – أحكامه وتطبيقاته المعاصرة – ص 22-23 وما بعدها .
94. النووي ، ابو زكريا يحيى بن شرف ، شرح النووي على صحيح مسلم ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت : لبنان ط 2، ج1، ص 171 .
95. هارون. محمد صبري، احكام الاسواق المالية : الاسهم والسندات ضوابط الانتفاع والتصرف بها في الفقه الاسلامي، عمان : دار النفائس للنشر و التوزيع, 1999
96. هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية، المنامة – البحرين، 5-1424هـ-4-2003م
97. د. وهبة الزحيلي ، بيع الدين في الشريعة الاسلامية ، جدة – مركز بحوث الاقتصاد الاسلامي – جامعة الملك عبدالعزيز ، 1998 .
المراجع باللغة الانجليزية
References:
1. Diane Audion, The Rating Agency Approach to Credit Risk, Euro money Publication plc 1996, P14
2. Finnerty, J.D (1988) Financial Engineering in Corporate Finance: An overview, Financial Management, vol.17 no.4 pp.1433
3. Kane, E.J. (1984)”Technological and Regulatory Forces in the Developing Fusion of Financial-services Competition", Journal of Finance, vol.39, no.3, pp.759-772
4. Kane-Carl, Fundamentals of Commercial Securitization, Mortgage Banking, July 1992, vol.52 No. 10 P.19(1/103)
5. Miller, M.H. )1986): Financial Innovation: The Last Twenty Years and the Next”, Journal of Financial and Quantitative Analysis, vol.21,pp.459-471
6. Paul W. Feeney, Securitization, Redefining the Bank, Pub. Saint Martin’s Press, January 1995, PP11-17
7. Ranson, Brian J., “Credit Risk Management”, November 2003
8. Reuters Glossary, International Economic and Financial Terms, Longman, Great Britain, November 1988, PP 69, 104
9. Ross, S.A. (1989) “Institutional Markets, Financial Marketing, and Financial Innovation”, Journal of Finance, vol.44,pp. 541-556
10. Securitization Encyclopedia, Benefits of Securitization PP23-24
11. Silber, W.L. (1983) “The process of Financial Innovation” , American Economic Review, vol.73, pp.89-95
12. Van Horne, J.C. (1985) “Of Financial Innovations And Excesses”, American Economic Review, vol.40, pp.621-631(1/104)