الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
التورق
حقيقته وأنواعه
إعداد
أ.د. علي أحمد السالوس
أستاذ الفقه والأصول وأستاذ فخري في الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية المعاصرة من جامعة قطر
النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
عضو مجمع الرابطة ومجمع المنظمة
مقدمة
الحمد لله ما ينبغي لجلال وجهه وعز سلطانه، والصلاة والسلام على خير الرسل، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد: شاع في عصرنا أن العينة هي الشراء بثمن مؤجل، ويقوم المشتري ببيع ما اشتراه للبائع نفسه بثمن أقل نقدًا. فإن باع لغير البائع فليس من العينة وإنما هو تورق.
وعلمت منذ عدة سنوات أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رحمة واسعة أفتى بحل التورق، فشددت الرحال إليه، وتحدثت معه في هذا الموضوع، ومما ذكرته لفضيلته ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في تحريم التورق، إلى جانب أقوال جمهور الأئمة الأعلام.
ثم فوجئت بعد ذلك بقرار لمجمع الرابطة الموقر بأن التورق جائز شرعًا، وبه قال جمهور العلماء. فتحدثت مع سعادة الأمين العام بضرورة إعادة النظر في هذا القرار، وبحث الموضوع من جديد؛ فيبدو أن الأبحاث التي قدمت للمجمع آنذاك لم تكن دقيقة، ولم يحضر تلك الدورة إلا تسعة فقط من أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع. ومنهم من عارض كفضيلة الشيخ القرضاوي. وما ثبت عن الإمامين مالك وأحمد وغيرهما من جمهور العلماء هو عدم جواز التورق وليس الجواز.
والتورق بهذا المعنى هو العينة عند الأئمة الأربعة، ومن جاء بعدهم ببضعة قرون، ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية هو أول من ذكر هذا التورق، ثم جاء في أقوال الحنابلة من بعده.(1/1)
ولقد سعدت عندما تلقيت الدعوة الكريمة من فضيلة أمين عام مجمع الرابطة لبحث موضوع التورق، فرأيت أن يكون العنوان هو العينة والتورق، والتورق المصرفي. وعرض الموضوع ونوقش مع غيره من الأبحاث، وانتهى المجمع إلى أن التورق المصرفي من الربا المحرم.
ثم ظهر ما يعرف بالتورق العكسي، أو المنتج البديل للوديعة لأجل، ورأى مجمع الرابطة النظر في الموضوع في دورته التاسعة عشرة، وأرسل سعادة الأمين العام طلبا لكتابة بحث، وتم كتابة البحث تحت عنوان "المنتج البديل للوديعة لأجل.... عرض ومناقشة"، ونوقش مع باقي الأبحاث، واتخذ المجمع قراره بعدم جواز هذا المنتج.
وأخيرا رأى مجمع المنظمة بحث التورق، والتورق العكسي من جميع الجوانب، وأرسل إلى سعادة الأمين العام مشكورا دعوة للكتابة في الموضوع.
وفي ضوء المناقشات التي دارت من قبل، والأبحاث التي قدمت لمجمع الرابطة، رأيت بحث التورق من جديد، ومناقشة الأبحاث التي أجازته، وعلى الأخص أن منها ما أجاز قلب الدين، مما يعني تحليل أشد أنواع الربا تحريما، تطبيقا للقاعدة الجاهلية: « إما أن تقضي وإما أن تربي ».
أما التورق العكسي فسأجعل ما كتبته عنه ملحقا ببحث التورق مع قرارين لمجمع الرابطة: أحدهما عن التورق المصرفي، والآخر عن المنتج البديل عن الوديعة لأجل.
وبحث التورق قسمته إلى ثمانية مباحث:
المبحث الأول: التورق في اللغة.
المبحث الثاني: التورق عند الحنفية.
المبحث الثالث: التورق عند المالكية.
المبحث الرابع: التورق عند الشافعية.
المبحث الخامس: التورق عند الحنابلة.
المبحث السادس: التورق المصرفي المنظم.
المبحث السابع: المناقشة والترجيح.
المبحث الثامن: التورق العكسي.وبعد ذلك جاءت الخاتمة ونتائج البحث، ثم الملاحق.
نسأل الله عز وجل أن يرينا الحلال حلالًا ويرزقنا اتباعه، والحرام حرامًا ويرزقنا اجتنابه.(1/2)
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ - وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الصافات: 180].
المبحث الأول
التورق في اللغة
جاء في لسان العرب في مادة ((عين)): اعتان الرجل: إذا اشترى بنسيئة، وعين التاجر: أخذ بالعينة أو أعطى بها.
والعينة: الربا، والسلف، وإذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم، ثم اشتراها منه بأقل من الثمن الذي باعها به.
وسميت عينة لحصول النقد لطالب العينة، وذلك أن العينة اشتقاقها من العين، وهو النقد الحاضر ويحصل له من فوره، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة.
ومثل هذا جاء في القاموس المحيط.
وفي أساس البلاغة: تعين الرجل واعتان عينة: أي استسلف سلفًا.
وباعه بعينة: أي بنسيئة؛ لأنها زيادة. وعن ابن دريد: لأنها بيع العين بالدين.
وفي مختار الصحاح: العينة: السلف، واعتان الرجل: اشترى بنسيئة.
وجاء تحت مادة: ((زرنق)): الزرنقة: العينة، وبه فسر بعضهم قول علي رضوان الله عليه: لا أدع الحج ولو تزرنقت؛ أي ولو أخذت الزاد بالعينة.
والعينة: أن يشتري الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجلثم يبيعه منه أو من غيره بأقل مما اشتراه، كأنه معرب زَرنَة: أي ليس الذهب معي.
وتحت مادة ((زرنق)) أيضًا قال ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر (2/301: 302).
((زرنق)) في حديث علي رضي الله عنه لا أدع الحج ولو تزرنقت.
وفي رواية: ولو أن أتزرنق؛ أي ولو استقيت على الزرنوق بالأجرة، وهي آلة معروفة من الآلات التي يستقي بها من الآبار.
وقيل أراد من الزرنقة، وهي العينة، وذلك بأن يشتري الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجلثم يبيعه منه أو من غيره بأقل مما اشتراه، كأنه معرب زَرنه: أي ليس الذهب معي.
ومنه الحديث: كانت عائشة تأخذ الزرنقة؛ أي العينة.
ومنه حديث ابن المبارك: لا بأس بالزرنقة.(1/3)
وفي المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، جاءت تحت مادة ((زرنق)) ما يأتي: في حديث عن ابن المبارك قال: لا بأس بالزرنقة.
الزرنقة: العينة، وهو أن يشتري الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجل.
وجاء في لسان العرب تحت مادة ورق: والورَق: من أوراق الشجر والكتاب، والواحدة ورقة.
وقد ورَقت الشجرة توريقًا وأورقت إيراقا: أخرجت ورقها.
والرَّقة: أول خروج الصَّليان والنصِيَّ والطريفة رطبا.
والرَقَة أيضًا: رِقة الكلأ: إذا خرج له ورق.
وتورقت الناقة: إذا رعت الرقة.
والوَرق والوِرْق والوَرْق والرَقَة: الدراهم.
وفي الصَحاح: الورِق: الدراهم المضروبة، وكذلك الرَقَة.
وفي الحديث في الزكاة: في الرَقَة ربع العشر.
وفي حديث آخر: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة؛ يريد الفضة والدراهم المضروبة منها.
والمستورق: الذي يطلب الورِق.
ومثل هذا جاء في القاموس المحيط، وأساس البلاغة.
ومثل هذا أيضًا في مختار الصحاح عن: الورَق، والورِق والرقة.
هذا ما وجدناه في كتب اللغة.
ولكن شاع في عصرنا أن العينة هي أن يشتري بثمن مؤجل، ثم يبيع المشتري ما اشتراه للبائع نفسه بأقل منه نقدًا.
وأن المشتري إذا باع ما اشتراه نسيئة بثمن أقل نقدًا لغير البائع الذي اشترى منه فهو تورق.
فمن أين جاءت هذه التسمية وهذه التفرقة؟
ما نقلته آنفًا من كتب اللغة، وما قرأته لغيري من نقول من كتب اللغة، لم يرد فيه التورق بهذا المعنى!
وإنما هذا المعنى يدخل ضمن العينة أو الزرنقة، وهذا واضح كما جاء في اللسان وفي النهاية: ثم يبيعه منه أو من غيره.
ومن معاني العينة أو الزرنقة الشراء بنسيئة، أو الشراء بنسيئة مع زيادة الثمن، وذلك دون بيع ما اشتراه.
ويحمل على هذا المعنى ما نسب لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه: لا أدع الحج ولو تزرنقت؛ أي ولو أخذت الزاد بالعينة، أي بالأجل فهو يشتري الزاد ليحج وليس ليبيعه.(1/4)
وكذلك ما نسب لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأخذ الزرنقة، وقول ابن المبارك: لا بأس بالزرنقة، أي الشراء بالأجل كما جاء في المجموع المغيث؛ حيث جاء تفسير الزرنقة بعد ذكر قول ابن المبارك، ومما ذكر من معاني العينة أيضًا: الربا والسلف.
إذن التورق في اللغة يدخل ضمن معاني العينة، ولا ينفصل عنها.
غير أن الذين أباحوا التورق في عصرنا يرون التفرقة بين التورق والعينة في اللغة وفي الاصطلاح.
قال الدكتور محمد القري: الورق في اللغة - بكسر الراء والإسكان - هي الدراهم من الفضة.
والتورق: طلب الورق أي الدراهم.
وفي الاصطلاح الفقهي: التورق هو شراء سلعة ليبيعها إلى آخر غير بائعها الأول للحصول على النقد. (ص: 3 من بحثه).
وقال الشيخ عبد الله المنيع: التورق: طلب الورق، ومثله في الطلب التفقه والتعلم والترقق، والورق هو النقد من الفضة.
قال في تاج العروس: الورق الدراهم المضروبة كما في الصحاح.
وقال أبو عبيدة: الورق الفضة كانت مضروبة كالدراهم أو لا؛ ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: { فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ } [الكهف: 19] أي بدراهمكم.
ثم قال: فأصل التورق طلب النقود من الفضة؛ ثم تحول المفهوم إلى طلب النقد، سواء أكان فضة أم كان ذهبًا أم كان عملة ورقية، فبقي أصل اللفظ، وصار التوسع في مدلوله تبعًا للتوسع في مفهوم النقد.
أما المفهوم الاصطلاحي: فهو تصرف المحتاج للنقد تصرفًا يبعده من الصيغ الربوية، ويمكنه من تغطية حاجته النقدية وذلك بأن يشتري سلعة قيمتها مقاربة لمقدار حاجته النقدية مع زيادة في ثمنها لقاء تأجيل دفع قيمتها، ثم يقوم ببيعها بثمن حال ليغطي بذلك الثمن حاجته القائمة، وبشرط ألا يبيعها على من اشتراها منه. (ص: 5 من بحثه).(1/5)
وجاء تحت كلمة تورق في الموسوعة الفقهية الكويتية: التورق في الاصطلاح: أن يشتري سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدًا –لغير البائع- بأقل مما اشتراها به، ليحصل بذلك على النقد.
ولم ترد التسمية بهذا المصطلح إلا عند فقهاء الحنابلة، أما غيرهم فقد تكلموا عنها في مسائل (بيع العينة).
وفي الألفاظ ذات الصلة جاء بعد ما سبق: العينة لغة: السلف.
واصطلاحًا: أن يبيع سلعة نسيئة، ثم يشتريها البائع نفسه بثمن حال أقل منه.
ولا صلة بين التورق وبين العينة إلا في تحصيل النقد الحال فيهما، وفيما وراءه متباينان؛ لأن العينة لابد فيها من رجوع السلعة إلى البائع الأول بخلاف التورق، فإنه ليس فيه رجوع العين إلى البائع، إنما هو تصرف المشتري فيما ملكه كيف شاء.اهـ.
وجاء في الموضوع نفسه من الموسوعة الكويتية عن حكم التورق: جمهور العلماء على إباحته، سواء من سماه تورقًا وهم الحنابلة، أو من لم يسمه بهذا الاسم وهم من عدا الحنابلة.
وجاء في الحاشية: نقل الفيومي الاتفاق على جوازه.اهـ.
وما جاء في الموسوعة اعتمد عليه الكثير ممن أجاز التورق وكتب عنه.
ونقل الدكتور محمد الشريف قول الأزهري: الزرنقة: هو أن يشتري الرجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد. وهذا جائز عند جميع الفقهاء.
وذكر الدكتور أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تأخذ الزرنقة، وقال: أي العينة.
ونقل قول ابن المبارك رحمه الله: لا بأس بالزرنقة. (ص: 3).
وقال الدكتور القري: قد روي أن عائشة رضي الله عنها تورقت؛ فقد أورد الأزهري في كتابه الزاهر أنها رضي الله عنها كانت تأخذ من معاوية عطاءها عشرة آلاف درهم، وتأخذ الزرنقة مع ذلك، وهي العينة الجائزة (ص: 4).(1/6)
وقال الدكتور علي القره داغي: ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة التورق، لكن الحنابلة سموا هذا النوع بهذا الاسم، أما بقية المذاهب الأربعة لم يرد فيها هذا الاسم، لكنه بالرجوع إلى مصادرهم لا نرى فيها الإشارة إلى حرمة هذا النوع من البيوع، بل يظهر بوضوح أنهم يبيحونها (ص:2).
وقال الشيخ محمد تقي العثماني: المختار في جميع هذه المذاهب جواز التورق، غير أنه يوجد عند الحنابلة والحنفية قول بالكراهة.
فالكراهة رواية عن الإمام أحمد، واختارها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله تعالى، وكذلك ذكر الكراهة بعض المتأخرين من الحنفية مثل الحصكفي، صاحب الدر المختار، وحمل عليه قول الإمام محمد رحمه الله تعالى.
أما المالكية فلم أجد عندهم ذكر التورق صراحة، ولكنهم اشترطوا لكراهة العينة أن تباع السلعة إلى البائع الأول، فخرج منها التورق (ص:13-14).
حكم التورق
ما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية من جواز التورق عند جمهور الفقهاء، وما نقل من جوازه عندهم جميعًا، تبع الموسوعة في هذا الباحثون الذين رأوا جوازه.
والموسوعة على استحياء أشارت في الحاشية فقط إلى القول بالجواز المجمع عليه حيث قالت: نقل الفيومي الاتفاق على جوازه، وذكرت المرجع وهو المصباح.
ولعل الموسوعة اكتفت بهذه الإشارة السريعة، دون التركيز على هذا القول، وذكره في صلب البحث، لأنها تدرك أن هذا يتنافى مع المنهج العلمي الصحيح، فكتب اللغة ليست مرجعًا لبيان الأحكام، ونقل المذاهب الفقهية وآراء أئمة الفقه الأعلام.
غير أن الدكتور الشريف ذكر مثل هذا في صلب البحث، فنقل عن الأزهري قوله: الزرنقة: هو أن يشتري الرجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد، وهذا جائز عند جميع الفقهاء.
ومرجعه: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي؛ فالكتاب إذن في اللغة، وأبو منصور الأزهري من أئمة اللغة، وليس من أئمة الفقه، ولعله يقصد جميع فقهاء الشافعية.(1/7)
وقال الأزهري في الفقرة نفسها: وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأخذ من معاوية عطاءها عشرة آلاف درهم، وتأخذ الزرنقة مع ذلك، وهي العينة الجائزة (ص: 216- فقرة: 446).
وقال الدكتور الشريف: حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأخذ الزرنقة؛ أي العينة.
وبالمقارنة بين القولين، نجد أن الأزهري يقول روي، والشريف يقول حديث عائشة، وكأنه ثابت صحيح، مع أنه ليس له إسناد.
والأزهري يقول العينة الجائزة، وهذا يعني معنى التورق في عصرنا، أو الشراء بالأجل كما بينت من قبل، والشريف يفسر الزرنقة بالعينة، والعينة في عصرنا لها معنى معروف لا تتعداه خلافًا لما كان معروفًا في اللغة من قبل.
وسيأتي بيان موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من العينة، والتغليظ في تحريمها بخبر له إسناده صحيح.
ونلاحظ أن ما ذكره الإخوة عن التورق في اللغة لا يتفق مع ما نقلته من كتب اللغة.
فقول الدكتور القري: التورق: طلب الورق؛ أي الدراهم، هذا القول لم يشر فيه إلى أي مرجع، وكذلك قول الشيخ المنيع: فأصل التورق طلب النقود من الفضة....إلخ، ولم ينقل لنا معنى التورق من تاج العروس الذي رجع إليه.
ولم يذكر أي باحث من الباحثين التورق بهذا المعنى من أي كتاب من كتب اللغة، وإنما ما ذكروه هو: تورق الحيوان أي أكل الورق.
أما حكم التورق الذي تحدثوا عنه فنتناوله في المباحث التالية.
المبحث الثاني
التورق عند الحنفية
قال شمس الدين السرخسي: ذكر عن الشعبي أنه كان يكره أن يقول الرجل للرجل: أقرضني فيقول: لا حتى أبيعك، وإنما أراد بهذا إثبات كراهة العينة، وهو أن يبيعه ما يساوي عشرة بخمسة عشر ليبيعه المستقرض بعشرة، فيحصل للمقرض زيادة، وهذا في معنى قرض جر منفعة. (المبسوط: 14/36).
وقال ابن عابدين: اختلف المشايخ في تفسير العينة التي ورد النهي عنها .(1/8)
قال بعضهم: تفسيرها أن يأتي الرجل المحتاج إلى آخر ويستقرضه عشرة دراهم ولا يرغب المقرض في الإقراض طمعا في فضل لا يناله بالقرض فيقول لا أقرضك، ولكن أبيعك هذا الثوب إن شئت باثني عشر درهما وقيمته في السوق عشرة ليبيعه في السوق بعشرة، فيرضى به المستقرض فيبيعه كذلك، فيحصل لرب الثوب درهما وللمشتري قرض عشرة .
وقال بعضهم: هي أن يدخلا بينهما ثالثا....
وعن أبي يوسف: العينة جائزة مأجور من عمل بها. (رد المحتار على الدر المختار: 7/541-542).
وفي الكفالة قال الحصكفي: أمر الأصيل كفيله ببيع العينة؛ أي بيع العين بالربح نسيئة ليبيعها المستقرض بأقل ليقضي دينه. اخترعه أكلة الربا، وهو مكروه مذموم شرعًا لما فيه من الإعراض عن مبرة الإقراض. (الدر المختار مع حاشية ابن عابدين: 7/613-614).(1/9)
وفي شرح قول الحصكفي قال ابن عابدين: مطلب: بيع العينة. قوله: (أمر كفيله ببيع العينة) بكسر العين المهملة وهي السلف، يقال: باعه بعينة: أي نسيئة. مغرب. وفي المصباح: وقيل لهذا البيع عينة، لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينًا: أي نقدًا حاضرًا. (ا.هـ.) أي قال الأصيل للكفيل: اشتر من الناس نوعًا من الأقمشة ثم بعه، فما ربحه البائع منك وخسرته أنت فعلي، فيأتي إلى تاجر فيطلب منه القرض ويطلب التاجر منه الربح ويخاف من الربا فيبيعه التاجر ثوبًا يساوي عشرة مثلًا بخمسة عشر نسيئة فيبيعه هو في السوق بعشرة فيحل له العشرة ويجب عليه للبائع خمسة عشر إلى أجل، أو يقرضه خمسة عشر درهما ثم يبيعه المقرض ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشر فيأخذ الدراهم التي أقرضه على أنها ثمن الثوب فيبقى عليه الخمسة عشر قرضا. ومن صورها: أن يعود الثوب إليه كما إذا اشتراه التاجر في الصورة الأولى من المشتري الثاني ودفع الثمن إليه ليدفعه إلى المشتري الأول، وإنما لم يشتره من المشتري الأول تحرزًا عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن. قوله: (أي بيع العين بالربح) أي بثمن زائد نسيئة: أي إلى أجل، وهذا تفسير للمراد من بيع العينة في العرف بالنظر إلى جانب البائع، فالمعنى أمر كفيله بأن يباشر عقد هذا البيع مع البائع بأن يشتري منه العين على هذا الوجه، لأن الكفيل مأمور بشراء العينة لا ببيعها، وأما بيعه بعد ذلك لما اشتراه فليس على وجه العينة لأنه يبيعها حالة بدون ربح. قوله: (وهو مكروه) أي عند محمد، وبه جزم في الهداية.(1/10)
قال في الفتح: وقال أبو يوسف: لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك ولم يعدوه من الربا، حتى لو باع كاغدة بألف يجوز ولا يكره، وقال محمد: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا، وقد ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم)) أي اشتغلتم بالحرث عن الجهاد. وفي رواية: ((سلط عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لكم)) وقيل: إياك والعينة فإنها العينة.
ثم قال في الفتح ما حاصله: إن الذي يقع في قلبي أنه إن فعلت صورة يعود فيها إلى البائع جميع ما أخرجه أو بعضه كعود الثوب إليه في الصورة المارة وكعود الخمسة في صورة إقراض الخمسة عشر فيكره: يعني تحريمًا، فإن لم يعد كما إذا باعه المديون في السوق فلا كراهة فيه، بل خلاف الأولى، فإن الأجل قابله قسط من الثمن والقرض غير واجب عليه دائمًا بل هو مندوب، وما لم ترجع إليه العين التي خرجت منه لا يسمى بيع العينة لأنه من العين المسترجعة لا العين مطلقًا، وإلا فكل بيع بيع العينة.اهـ.
وأقره في البحر والنهر والشرنبلالية وهو ظاهر، وجعله السيد أبو السعود محمل قول أبي يوسف، وحمل قول محمد والحديث على صورة العود. (حاشية ابن عابدين رد المحتار: 7/613-614).
تعقيب:
لم ترد كلمة تورق عند الحنفية، وإن وجدنا معناها يدخل تحت العينة كما رأينا من قبل في اللغة، وفي بعض الكتب هنا.
ونجد الحديث عن العينة بالبيع إلى البائع نفسه دون إشارة إلى معنى التورق في أكثر من كتاب، كما نجد الحديث عن العينة، ومنها معنى التورق في أكثر من كتاب أيضًا، وهذا ما وقفنا عنده لأنه موضوع البحث.(1/11)
ومن المعلوم أن كتاب المبسوط في شرح كتب ظاهر الرواية، صنفها محمد الشيباني، حرر فيها المذهب النعماني - كما جاء شعرًا - واعتبر التورق في معنى قرض جر منفعة؛ وكتاب الهداية مصدر رئيس في بيان المذهب الحنفي، وفيه الجزم بعدم جواز العينة بمعنى التورق.
وبيَّن ابن عابدين اختلاف المشايخ؛ أي مشايخ الحنفية –في تفسير العينة التي ورد النهي عنها، وأول معنى ذكره هو معنى التورق.
أما قول أبي يوسف في بيع العين بالربح: لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة، وحمدوا على ذلك ولم يعدوه من الربا، حتى لو باع كاغدة بألف يجوز ولا يكره، وقوله: العينة جائزة مأجور من عمل بها، هذان القولان يدلان على أنه قصد بالعينة البيع الآجل وليس التورق؛ فهذا هو ما تعامل به الصحابة الكرام، وتعامل الصحابة مع عبارته مأجور من عمل بها لا تدل على البيع الآجل فقط؛ بل على البيع الآجل مع سماحة البائع، والتيسير على المشتري.
وقول محمد: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال، ذميم اخترعه أكلة الربا، ذكر هذا القول لا يدل على بيان مجرد المنع، وإنما التغليظ فيه.
والجزم بالمنع في المبسوط والهداية، وقول الحصكفي في شرح قول التمرتاشي: بيع العينة؛ أي بيع العين بالربح نسيئة ليبيعها المستقرض بأقل ليقضي دينه، اخترعه أكلة الربا، وهو مكروه مذموم شرعًا لما فيه من الإعراض عن مبرة القرض، هذا كله دون ذكر أن الإمام أبا حنيفة أجازه لعله يرجح أن المنع هو رأي الإمام.
وما ذكره في الفتح: إذا باعه المديون في السوق فلا كراهة فيه، بل خلاف الأولى يدل على أنه رأي شخصي له لقوله في بداية حديثه: إن الذي يقع في قلبي... ثم إنه يعارض قول من ذكرنا من السابقين من أئمة المذهب خلال سبعة قرون أو أكثر. وفي الفتح لم يذكر أيضًا أن الإمام أبا حنيفة أجازه، أو جعله خلاف الأولى، وهذا يزيد من ترجيح أن الإمام يرى المنع، دون أن يرد عنه تغليظ فيه كما ورد عن صاحبه محمد.(1/12)
ويوضح خطأ ابن الهمام ومن جاء بعده من المتأخرين، وغيرهم من المتأخرين كما سنرى في المذهب الحنبلي، يوضح خطأ هؤلاء جميعًا ما بينه ابن القيم، حيث قال:
وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك –أي إطلاق لفظ الكراهة على المحرم- حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جدا في تصرفاتهم؛ فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة.
وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول هو حرام، ومذهبه تحريمه...إلخ (أعلام الموقعين: 1/41).
وقال أيضًا: وقد نص محمد بن الحسن أن كل مكروه فهو حرام، إلا أنه لما لم يجد فيه نصا قاطعا لم يطلق عليه لفظ الحرام؛ وروى محمد أيضا عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إلى الحرام أقرب؛ وقد قال في الجامع الكبير: يكره الشرب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، ومراده التحريم.
إلى أن قال: وهذا كثير في كلامهم جدًا. (أعلام الموقعين: 1/43).
وقال أيضًا: وقد قال مالك في كثير من أجوبته: أكره كذا، وهو حرام (أعلام الموقعين: 1/449).
ثم قال: المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث، فغلظ في ذلك.(أعلام الموقعين: 1/45).
المبحث الثالث
التورق عند المالكية
جاء في الخرشي على مختصر خليل: قال ابن حبيب: إذا اشترى طعاما أو غيره على أن ينقد بعض ثمنه، ويؤخر بعضه لأجل فإن كان اشتراه ليبيعه كله لحاجته بثمنه فلا خير فيه... وهو قول مالك.(1/13)
وجاء بعد ذلك: وكره أن يقول الرجل لمن سأله سلف ثمانين بمائة: لا يحل لي أن أعطيك ثمانين في مائة، ولكن هذه سلعة قيمتها ثمانون خذ مني بمائة ما أي سلعة إذا قومت كانت بثمانين. (الخرشي على مختصر خليل: 5/106).
وما قاله ابن حبيب ذكر ابن شاس من بياعات أهل العينة مثلها أكثر توضيحًا فقال: ومنها أن يشتري أحدهم سلعة بعشرة نقدًا وبعشرة إلى أجل، فيمنع متهم خاصة، ويقدر كأنه اشتراها ليبيع منها بعشرة يدفعها نقدًا، ويبقي له باقي السلعة يبيعه لينتفع بثمنه معجلًا، ثم يدفع عنه عشرة مؤجلة، والغالب أن السلعة لا تساوي العشرين، فيؤول إلى ذهب في أكثر منها. (عقد الجواهر الثمينة: 2/453).
ولمزيد من التوضيح أقول: إذا اشترى السلعة بالأجل بعشرين، دفع منها نقدًا عشرة، والعشرة الأخرى مؤجلة، فيبيع منها جزءا بعشرة يدفعها، والباقي يبيعه بستة مثلًا نقدًا، ويكون مدينًا بباقي الثمن وهو عشرة. فآل الأمر أنه بهذا التورق كأنه اقترض ستة يدفعها عشرة، وقد يبيع الباقي بأكثر من ستة فتقل نسبة الفوائد!
وقال ابن رشد (الجد) تحت كتاب بيوع الآجال: قال رضي الله عنه: أصل ما بني عليه هذا الكتاب الحكم بالذرائع، ومذهب مالك رحمه الله القضاء بها والمنع منها، وهي الأشياء التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور: ومن ذلك البيوع التي ظاهرها الصحة ويتوصل بها إلى استباحة الربا، وذلك مثل أن يبيع الرجل سلعة من رجل بمائة إلى أجل ثم يبتاعها بخمسين نقدًا فيكون قد توصلا بما أظهراه من البيع الصحيح إلى سلف خمسين دينارًا في مائة إلى أجل، وذلك حرام لا يحل ولا يجوز. (المقدمات الممهدات: 2/524).(1/14)
وقال أيضًا: وذلك أن يبيع رجل من أهل العينة طعامًا أو غيره بثمن إلى أجل، ثم يستروضه المبتاع من الثمن فيضع عنه. فإن مالكًا وغيره من أهل العلم كرهوا ذلك لأنه إنما يبيعه على المراوضة فإنما يضع عنه ويرده إلى ما كان راوضه عليه، فصار البيع الذي عقداه تحليلًا للربا الذي عقداه.
وتفسير هذا أن يأتي الرجل إلى الرجل من أهل العينة فيقول له: أسلفني ذهبًا في أكثر منها إلى أجل، فيقول له: أسلفك درهمًا في اثنين إلى أجل. فيقول: لا أعطيك في الدرهم إلا درهما وربعا، فيتراوضان ويتفقان على أن يربح منه في الدرهم نصف درهم.
ثم يقول له: هذا لا يحل ولكن عندي سلعة قيمتها مائة درهم أبيعها منك بمائة وخمسين إلى شهر فتبيعها أنت بمائة فيتم لك مرادك، فيرضى بذلك ويأخذ السلعة منه ويبيعها بثمانين، ثم يرجع إليه فيقول له: إني قد وضعت في السلعة وضيعة كثيرة فحط عني من المائة والخمسين ما يجب للعشرين التي وضعتها في السلعة، فيضع عنه ثلاثين تتميما للمراوضة التي عقدا بيعهما عليها، فيؤول أمرهما إلى أن أسلم إليه ثمانين في مائة وعشرين، فهذا وجه كراهية مالك رحمه الله للوضيعة في هذه المسألة. وبالله سبحانه وتعالى التوفيق. (المقدمات الممهدات: 2/526-527).
وفي البيان والتحصيل ذكر مسألة مشابهة لما ذكره هنا، ثم قال: فهذا مما يتهم فيه أهل العينة ويحملون عليه، لعلمهم بالربا، واستحلالهم له. (البيان والتحصيل: 7/86).
وتحدث ابن شاس عن أحكام بياعات عرفت بأهل العينة، فقال: منها أن يكون الإنسان متهما يشتري ليبيع لا ليأكل، فيبيع من إنسان طعامًا مثلًا بعشرة إلى أجل فيقول له المشتري: بعته بثمانية، فحط عني من الربح قدر الدينارين، فيمنع إذا كان المقصود البيع، وكانا أو أحدهما من أهل العينة.
قال: لأن أهل العينة يتراضون على ربح العشرة اثني عشر أو غيره، فإذا باعها فنقص ذلك عن تقديرهما حطه حتى يرجع إلى ما تراضوا عليه.(1/15)
وقد كرهه ابن هرمز: وبالجملة: فهؤلاء قوم علموا فساد سلف جر منفعة، وما ينخرط في سلكه من الغرور والربا، فتحيلوا على جوازه بأن جعلوا سلعًا حتى يظهر فيها صورة الحل، ومقاصدهم التوصل إلى الحرام، وقد قدمنا أن أصلنا حماية الذرائع وسحب أذيال التهم عن سائر المتعاملين متى بدت مخايلها، أو خفيت وأمكن القصد إليها من المتعاملين.
قال الأصحاب: إذا كانت البيعتان أو الأولى منهما إلى أجل، اتهم في ذلك جميع الناس، فإن خرج ذلك إلى شيء من المكروه فلا تجزه.
وإن كانتا نقدًا فلا يتهم في الثانية إلا أهل العينة فقط. وكذلك إذا كانت الثانية هي المؤجلة. (عقد الجواهر الثمينة: 2/453).
تعليق:
لم يأت في أقوال المالكية أي ذكر لجواز ما عرف بالتورق، بل جاء النص على المنع، ويتضح هذا جليًا فيما نقله الخرشي على مختصر خليل، ومن المقدمات الممهدات والبيان والتحصيل لابن رشد الجد، ومن عقد الجواهر الثمينة لابن شاس، ونلاحظ النص على الحكم على أهل العينة بأنهم يعلمون الربا ويستحلونه، والمراد المستحلين للعينة ومنها ما عرف بالتورق. فالتورق عند المالكية إذن من الربا المحرم بالنسبة لأهل العينة.
كما يتضح أن الإمام مالكًا والمالكية يفرقون بين أهل العينة وغيرهم، فيمكن أن يمنعوا أهل العينة مما يجيزونه لغيرهم.
المبحث الرابع
التورق عند الشافعية
قال الإمام الشافعي: إذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقد أقل أو أكثر مما اشتراها به، أو بدين كذلك، أو بعرض من العروض: ساوي العرض ما شاء أن يساوى، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل. (الأم: 3/69).(1/16)
وقال أيضًا: كل شئ لا نفسده إلا بعقده ولا نفسد البيوع بأن يقول هذه ذريعة وهذه نية سوء. ولو جاز أن نبطل من البيوع بأن يقال متى خالف أن تكون ذريعة إلى الذى لا يحل كان أن يكون اليقين من البيوع بعقد ما لا يحل أولى أن يرد به من الظن.
ألا ترى أن رجلا لو اشترى سيفا ونوى بشرائه أن يقتل به، كان الشراء حلالًا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها البيع، قال: وكذلك لو باع البائع سيفًا من رجل يراه أنه يقتل به رجلا كان هكذا. (الأم: 7/270).
من هذا نرى أن الشافعي يرى صحة العقد متى استوفى الأركان والشروط، فإن كانت نية المشتري الوصول إلى حرام، كشراء سيف للقتل الحرام، فإن العقد يكون صحيحًا، والتحريم يتعلق بالنية، ولا يتصور أن الشافعي يبيح شراء أو بيع سيف للقتل، أو اللجوء إلى حيلة يستحل بها الربا المحرم.
قال النووي بعد ذكر صحة بيع التلجئة: لأن الاعتبار عندنا بظاهر العقود، لا بما ينويه العاقدان، ولهذا يصح بيع العينة، ونكاح من قصد التحليل، ونظائره. (المجموع: 9/249).
وقال السبكي: (المهذب مع المجموع: 9/345). ويكره بيع العنب ممن يعصر الخمر، والتمر ممن يعمل النبيذ، وبيع السلاح ممن يعصي الله تعالى به، لأنه لا يأمن أن يكون ذلك معونة علي المعصية، فإن باع منه صح البيع لأنه قد لا يتخذ الخمر ولا يعصي الله تعالى بالسلاح. (المهذب مع المجموع: 9/345).
وقال النووي في الشرح: قال الشافعي رحمه الله في المختصر: أكره بيع العنب ممن يعصر الخمر، والسيف بمن يعصى الله تعالى به، ولا أنقض هذا البيع. هذا نصه.
قال أصحابنا: يكره بيع العصير لمن عرف باتخاذ الخمر، والتمر لمن عرف باتخاذ النبيذ، والسلاح لمن عرف بالعصيان بالسلاح، فإن تحقق اتخاذه لذلك خمرًا ونبيذًا وأنه يعصي بهذا السلاح ففى تحريمه وجهان:
أحدهما: نقله الروياني والمتولي عن أكثر الأصحاب: يكره كراهة شديدة، ولا يحرم.(1/17)
وأصحهما: يحرم، وبه قطع الشيخ أبو حامد الغزالي في الإحياء، وغيرهما من الأصحاب. فلو باعه صح على الوجهين وإن كان مرتكبًا للكراهة أو التحريم. قال الغزالي في الإحياء: وبيع الغلمان المرد الحسان لمن عرف بالفجور بالغلمان كبيع العنب للخمار، قال: وكذا كل تصرف يفضى إلى معصية. (المجموع شرح المهذب: 9/346).
وفي زاد المحتاج ذكر أن التحريم في كل تصرف يفضي إلى معصية تكون مع العلم أو الظن الغالب، وأن الكراهة عند الشك. (زاد المحتاج: 2/41).
قال الحافظ ابن حجر (الشافعي مذهبًا): نص الشافعي على كراهة تعاطي الحيل في تفويت الحقوق، فقال بعض أصحابه: هي كراهة تنزيه، وقال كثير من متحققيهم كالغزالي: هي كراهة تحريم ويأثم بقصده، ويدل عليه قوله: ((وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)).
فمن نوى بعقد البيع الربا وقع في الربا، ولا يخلصه من الإثم صورة البيع، ومن نوى بعقد النكاح التحليل كان محللًا ودخل في الوعيد على ذلك باللعن، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح، وكل شيء قصد به تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، كان إثمًا، ولا فرق في حصول الإثم في التحليل على الفعل المحرم بين الفعل الموضوع له، والفعل الموضوع لغيره إذا جعل ذريعة له. (فتح الباري: 12/328 - كتاب الحيل من صحيح البخاري: باب: ترك الحيل وأن لكل امرئ ما نوى).
وفي شرحه لكتاب الحيل أيضًا، ذكر تحت باب: ما ينهى من الخداع في البيوع قولًا لابن القيم، ثم قال: والتحقيق أنه لا يلزم من الإثم في العقد بطلانه في ظاهر الحكم، فالشافعية يجوزون العقود على ظاهرها، ويقولون مع ذلك إن من عمل الحيل بالمكر والخديعة يأثم في الباطن. (فتح الباري: 12/337).(1/18)
وأما قول ابن القيم فأنقله من كتابه: ((أعلام الموقعين: 3/350-352)): قال رحمه الله: والمتأخرون أحَدَثوا حيلًا لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إلى الأئمة، وهم مخطئون في نسبتها إليهم، ولهم مع الأئمة موقف بين يدي الله. ومن عرف سيرة الشافعي وفضله ومكانه من الإسلام علم أنه لم يكن معروفا بفعل الحيل، ولا بالدلالة عليها، ولا كان يشير على مسلم بها .
وأكثر الحيل التي ذكرها المتأخرون المنتسبون إلى مذهبه من تصرفاتهم، تلقوها عن المشرقيين، وأدخلوها في مذهبه، وإن كان رحمه الله تعالى يجري العقود على ظاهرها، ولا ينظر إلى قصد العاقد ونيته، كما تقدم حكاية كلامه، فحاشاه ثم حاشاه أن يأمر الناس بالكذب والخداع والمكر والاحتيال وما لا حقيقة له، بل ما يتيقن أن باطنه خلاف ظاهره، ولا يظن بمن دون الشافعي من أهل العلم والدين أنه يأمر أو يبيح ذلك؛ فالفرق [ظاهر] بين أن لا يعتبر القصد في العقد ويجريه على ظاهره وبين أن يسوغ عقدا قد علم بناؤه على المكر والخداع وقد علم أن باطنه خلاف ظاهره .
فوالله ما سوَّغ الشافعي ولا إمام من الأئمة هذا العقد قط، ومن نسب ذلك إليه فهم خصماؤه عند الله؛ فالذي سوغه الأئمة بمنزلة الحاكم يُجرِي الأحكام على ظاهر عدالة الشهود وإن كانوا في الباطن شهود زوركَذَبَة وأن ما شهدوا به لا حقيقة له ثم يحكم بظاهر عدالتهم. وهكذا في مسألة العينة: إنما جوز الشافعي أن يبيع السلعة ممن اشتراها منه جريا على ظاهر عقود المسلمين وسلامتها من المكر والخداع.
ولو قيل للشافعي: إن المتعاقدين قد تواطآ على ألف بألف ومائتين، وتراوضا على ذلك، وجعلا السلعة محللًا للربا لم يجوِّز ذلك، ولأنكره غاية الإنكار .
ولقد كان الأئمة من أصحاب الشافعي ينكرون على من يحكي عنه الإفتاء بالحيل.
المبحث الخامس
التورق عند الحنابلة(1/19)
قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الرجل يبيع المتاع فيجيئه الرجل يطلب المتاع بنسيئة فيقول: أبيعك بده شازده وده داوزده، قال: لا يعجبني أن يكون بيعه كله هذا في العينة.
قلت: يقال لها عينة وإن لم يرجع إليه؟
قال: نعم...وإن كان لا يريد بيع المتاع يشتري منك فهو أهون، وإن كان يريد بيعه فهو العينة. (مسائل الإمام أحمد لأبي داود - باب: في العينة، ص192).
وقد روي عن أحمد أنه قال: العينة أن يكون عند الرجل متاع، فلا يبيعه إلا بنسيئة.فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس –وقال: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة، لا يبيع بنقد.
وقال ابن عقيل: إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا، فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل.
ويجوز أن تكون العينة اسمًا لهذه المسألة وللبيع بنسيئة جميعًا، لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقًا، ولا يكره، إلا أن لا تكون له تجارة غيره (المغني لابن قدامه: 6/363).
وتحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحيل الربوية، ومما قاله: ومن ذرائع ذلك: مسألة العينة وهو أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يبتاعها منه بأقل من ذلك. فهذا مع التواطؤ يبطل البيعين؛ لأنها حيلة. وقد روى أحمد وأبو داود بإسنادين جيدين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله: أرسل الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)). وإن لم يتواطآ فإنهما يبطلان البيع الثاني سدا للذريعة. ولو كانت عكس مسألة العينة من غير تواطؤ: ففيه روايتان عن أحمد، وهو أن يبيعه حالًا ثم يبتاع منه بأكثر مؤجلًا. وأما مع التواطؤ فربا محتال عليه.(1/20)
ولو كان مقصود المشتري الدراهم وابتاع السلعة إلى أجل ليبيعها ويأخذ ثمنها. فهذا يسمى: التورق. ففي كراهته عن أحمد روايتان. والكراهة قول عمر بن عبد العزيز ومالك، بخلاف المشتري الذي غرضه التجارة أو غرضه الانتفاع أو القنية فهذا يجوز شراؤه إلى أجل بالاتفاق.
ففي الجملة: أهل المدينة وفقهاء الحديث مانعون من أنواع الربا منعًا محكمًا مراعين لمقصود الشريعة وأصولها. وقولهم في ذلك هو الذي يؤثر مثله عن الصحابة وتدل عليه معاني الكتاب والسنة .
وقد فصل تلميذه العلامة ابن القيم القول في العينة والتورق.
قال عن العينة: روى محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بمطين في كتاب البيوع له عن أنس أنه سئل عن العينة، فقال: إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله.
وروى أيضًا في كتابه عن ابن عباس قال: اتقوا هذه العينة، لا تبع دراهم بدراهم وبينهما حريرة.
ثم قال: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته: أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم، وامرأة أخرى، فقالت لها أم ولد زيد: إني بعت من زيد غلاما بثمان مائة نسيئة، واشتريته بست مائة نقدًا، فقالت: أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن يتوب، بئسما شريت، وبئسما اشتريت .
رواه الإمام أحمد وعمل به، وهذا حديث فيه شعبة، وإذا كان شعبة في حديث فاشدد يديك به، فمن جعل شعبة بينه وبين الله فقد استوثق لدينه .
وبعد أن فصل القول في صحة الخبر سندًا ومتنًا، ودفع جميع الاعتراضات، قال عن التورق: كان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق، وروجع فيها مرارًا وأنا حاضر، فلم يرخص فيها، وقال: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها؛ فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه.اهـ.(1/21)
وفي موضع آخر ذكر ابن القيم صورًا يخالف فيها الظاهر القصد، ويحكم فيها بالقصد لا بالظاهر، مثل: أن يحلف الرجل على شيء في الظاهر، وقصدُه ونيته خلاف ما حلف عليه، وهو غير مظلوم، فهذا لا ينفعه ظاهرُ لفظه، ويكون يمينه على ما يصدقه عليه صاحبه اعتبارًا بمقصده ونيته.
ومثل: إذا اشترى أو استأجر مكرَها لم يصح، وإن كان في الظاهر قد حصل صورة العقد لعدم قصده وإرادته.
ثم قال: فدل على أن القصد روح العقد ومصححه ومُبطِله، فاعتبار المقصود في العقود أولى من اعتبار الألفاظ؛ فإن الألفاظ مقصودة لغيرها، ومقاصد العقود هي التي تراد لأجلها، فإذا أُلغيت واعتبرت الألفاظ التي لا تراد لنفسها، كان هذا إلغاء لما يجب اعتباره، واعتبارًا لما قد يسوغ إلغاؤه.
ثم قال: وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عاصرها ومعتصرها، ومن المعلوم أن العاصر إنما عصر عنبًا، ولكن لما كانت نيته إنما هي تحصيل الخمر، لم ينفعه ظاهر عصره، ولم يعصمه من اللعنة لباطن قصده ومراده، فعلم أن الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها دون ظواهر ألفاظها وأفعالها .
ومن لم يراع القُصُودَ في العقود وجرى مع ظواهرها يلزمه أن لا يلعنَ العاصرَ، وأن يجوز له عصر العنب لكل أحد وإن ظهر له أن قصده الخمر، وأن يقضي له بالأجرة لعدم تأثير القصد في العقد عنده، ولقد صرحوا بذلك، وجوزوا له العصر، وقضوا له بالأجرة.
وختم حديثه بقوله: وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات؛ فالقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالًا أو حرامًا، وصحيحًا أو فاسدًا، وطاعةً أو معصيةً، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة أو صحيحة أو فاسدة .
ثم قال: ودلائل هذه القاعدة تفوق الحصر. (أعلام الموقعين: 3/123-125).(1/22)
وسئل شيخ الإسلام عن رجل احتاج إلى مائة درهم، فجاء إلى رجل فطلب منه دراهم، فقال الرجل: ما عندي إلا قماش، فهل يجوز له أن يبيعه قماش مائة درهم بمائة وخمسين إلى أجل؟
فأجاب رحمه الله: الحمد لله رب العالمين، متى قال له الطالب: أريد دراهم، فأي طريق سلكوه إلى أن تحصل له الدراهم، ويبقى في ذمته دراهم إلى أجل - فهي معاملة فاسدة، وذلك حقيقة الربا.
ثم قال: فإذا لم يكن قصده أن ينتفع بالمال، ولا أن يبيعه ليربح فيه، وإنما مقصوده أن يبيعه ويأخذ ثمنه، فهذا مقصوده الربا. ومتى واطأه الآخر على ذلك كان مربيًا. (جامع المسائل: 1/223: 224).
وأجاب عن سؤال آخر: إذا كان قصد الطالب أخذ دراهم بأكثر منها إلى أجل، والمعطي يقصد إعطاءه ذلك، فهذا ربا لا ريب في تحريمه وإن تحيلا على ذلك بأي طريق كان؛ فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فإن هذين قد قصدا الربا الذي أنزل الله في تحريمه القرآن.
ثم قال: وأهل الحيل يقصدون ما تقصده أهل الجاهلية؛ لكنهم يخادعون الله. (مجموع الفتاوى: 29/439-440).
تعليق:
ما سمعه الإمام أبو داود من الإمام أحمد يدل على أن ما عرف بعد ذلك بالتورق عده عينة، يشمله الحديث الشريف في النهي عن العينة، الذي رواه في المسند، وعمل به.
ومما اعتبر عينة عند الإمام أحمد عدم البيع إلا بنسيئة كما جاء في المغني، وفيه: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة، لا يبيع بنقد.
وكلمة تورق لم أجدها عند ابن قدامة، ولا عند من سبقه بل لم أجدها عند أحد قبل شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي ذكر التورق وأكد تحريمه، ومثله تلميذه ابن القيم باعتباره من الحيل الربوية.
ولم أجد أحدًا من الباحثين ذكر لفظ التورق بمعناه المعروف في عصرنا نقلًا عن أحد قبل ابن تيمية.
ولكن سبق قول الدكتور القري بأن أم المؤمنين عائشة تورقت، وذكر ابن تيمية وابن القيم أن عمر ابن عبد العزيز قال:(1/23)
التورق آخيّة الربا، وذكر أن إياس بن معاوية أجاز التورق.
وإذا كنا لم نجد كلمة التورق بهذا المعنى في أي كتاب من كتب اللغة، فكيف استخدمت الكلمة في القرن الأول ولم تصل إلى أئمة العرب؟
هذا أمر مستبعد.
فأما ما ذكره الدكتور القري فهو فهم فهمه وليس لفظًا نقله، فقوله: روي أن عائشة رضي الله عنه تورقت، فهذا قول عجيب، فمن الذي روى هذا الرواية؟
قال: أورد الأزهري أنها كانت تأخذ الزرنقة.
قلت: مر معنى كلمة الزرنقة، والتعليق على هذا الذي ليس له سند.
وقول عمر بن عبد العزيز لعل ابن تيمية ذكر بالمعنى لا باللفظ، وهو لم يشر إلى إسناده.
والخبر وجدته في مصنف ابن أبي شيبة ولفظه: انه من قبلك عن العينة فإنها أخت الربا، وذلك كتابه إلى عبد الحميد. (الكتاب المصنف: 6/48).
وما نسب لإياس موجود في المصنف أيضًا ولكن تحت باب من كره العينة، والأخبار كلها في معنى الباب ما عدا خبر إياس، ففيه أنه كان يرى الودق –بالدال- فالخبر فيه إشكال، وحمل الكلمة على التورق بعيد، حيث إن الكلمة غير مستعملة في ذلك العصر. (انظر: المصنف، 6/47).
والموسوعة الفقهية الكويتية - على غير عادتها - لم تكن دقيقة في نسبة التورق إلى المذهب الحنبلي، لا إلى ابن تيمية ومن جاء بعده.
ومراجعها كلها ليس منها أي مرجع قبل ابن تيمية، فأقدم مرجع عندها بعد ابن القيم هو كتاب الفروع لأبي عبد الله محمد بن مفلح، المتوفى سنة 763هـ؛ أي بعد ابن تيمية بخمس وثلاثين سنة. ولم يكن عند وفاة ابن تيمية قد بلغ عشرين سنة، وإن كان أحد تلامذته.
ومن مراجع الموسوعة المذكورة كشاف القناع، لمنصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتي، المتوفى سنة 1051هـ.
ومن كتب الحنابلة التي ذكرت لفظ التورق كتاب مطالب أولي النهي لمصطفى السيوطي الرحيباني، المتوفى سنة 1243هـ.
وهو في شرح غاية المنتهى لمرعي الكرمي، المتوفى سنة 1033هـ.(1/24)
وللأسف أن معظم الباحثين في التورق نقلوا عن هذه الموسوعة، ووقعوا فيما وقعت فيه من أخطاء. ويبدو أن من كتب للموسوعة عن التورق، ومن راجع، أرادوا أن يبيحوا التورق، ولذلك لم يذكروا ما نقلته عن رأي الإمام مالك، والإمام أحمد، وما جاء في كتب الحنفية من المنع، وإنما جاء في الموسوعة عن حكم التورق ما يأتي:
جمهور العلماء على إباحته –سواء من سماه تورقًا وهم الحنابلة، أو من لم يسمه بهذا الاسم وهم من عدا الحنابلة، لعموم قوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللّهُ } [البقرة: 275]، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعامله على خيبر: ((بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا)) ولأنه لم يظهر فيه قصد الربا ولا صورته.
وكرهه عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وقال ابن همام: هو خلاف الأولى.
اختار تحريمه ابن تيمية وابن القيم لأنه بيع المضطر، والمذهب عند الحنابلة إباحته.اهـ. (الموسوعة: كلمة ((تورق)): 14/147-148).
وبمراجعة ما نقلته من كتب المذاهب، والربط بين التورق والربا وليس المضطر فقط، كل هذه النقول تثبت أن ما جاء في الموسوعة الكويتية غير صحيح، بل إن ابن تيمية ذكر التورق في حديثه عن الحيل الربوية.
والنقول السابقة توضح رأيه بجلاء في تحريم التورق وليس العينة فقط، وحديث بع الجمع....سيأتي فيه قول الشاطبي وابن القيم، وبيان الفرق بينه وبين الحيل الربوية. وقد سبق بيان ابن القيم غلط المتأخرين على الأئمة.
المبحث السادس
التورق المصرفي المنظم
انتشرت عمليات التورق في عصرنا بشكل غير مسبوق، وكان للفتوى التي أصدرها مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي في إباحة التورق دور كبير في هذا الانتشار، وعلى الأخص أنه نسب الإباحة لجمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، وقرر أنه لم يظهر في هذا البيع ربا لا قصدًا ولا صورة.(1/25)
وبذلك وجدنا كثيرًا من المسلمين لا يتأثمون ولا يتحرجون عند التعامل بالتورق حتى في غير الحاجة فضلًا عن الضرورة.
والمؤتمر الذي أصدر القرار لم يحضره سوى تسعة فقط، ومنهم من عارض.
وفي المؤتمر الأخير، وهو السابع عشر، طلبت إعادة النظر في القرار، فجمهور العلماء يمنعون التورق ولا يجيزونه، وذكر فضيلة الشيخ القرضاوي أنه حضر ذلك المؤتمر وعارض القرار، ويبدو أن الأبحاث التي قدمت تأثرت بالموسوعة الكويتية.
ثم فوجئنا ببعض البنوك الإسلامية، التي هي فروع لبنوك ربوية، تستند أساسًا إلى هذه الفتوى، في تطبيق أداة تمويلية جديدة تعتمد على التورق، فما حقيقة هذا التمويل؟ وكيف يطبق؟
اطلعت على نشرة تعريفية أصدرها البنك الأهلي التجاري بالسعودية (الخدمات المصرفية الإسلامية)، ووصلني بحث عن تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي للدكتور موسى آدم عيسى الذي يعمل بالإدراة التي أصدرت النشرة. ووجدت في البحث ما يغني عن النشرة تمامًا، ولذلك رأيت الاكتفاء بهذا البحث، والذي يعنينا منه هو بيان التطبيقات العملية للتورق من خلال المصارف.
تحدث السيد الباحث عن ثلاثة نماذج يجري تطبيقها كليًا من خلال الجهاز المصرفي:
النموذج الأول: وهو التورق في مرابحات السلع الدولية مع المؤسسات المالية:
وهذا النموذج الذي ذكره السيد الباحث لا يدخل ضمن التورق، فالمصارف الإسلامية تشتري نقدًا، وتبيع بالأجل مع زيادة البيع الآجل عن البيع الحال.(1/26)
والمشتري من المصرف مؤسسة مالية تجارية، تريد من الشراء ربح التاجر لا خسارة المتورق، أو تريد السلعة إن كانت من مستهلكيها، وهذا بعيد عن التورق. ولذلك لا أتحدث عن هذا النموذج. ومن خبرتي مدة خمس عشرة سنة في أعمال المصارف الإسلامية، ومراجعتي لعمليا السلع والمعادن في أماكن تنفيذها في أوربا خلال تلك السنوات، اكتشفت أن كثيرًا من هذه العمليات تستوفي الشكل الظاهري فقط للضوابط الشرعية، وتكون في حقيقتها قروضًا ربوية وليست تورقًا، ولا بيعًا ولا شراءً.
ولقد نبهت لهذا، وألغيت بعض العمليات، وتقرر الخروج من هذه المنطقة الموبوءة تدريجيًا، والبحث عن مجالات أخرى للاستثمار تكون بديلًا مناسبًا.
فهل يتم هذا؟
ثم تحدث السيد الباحث عن النموذج الثاني، وهو استخدام التورق في التمويل الشخصي، فقال: طورت بعض المصارف التورق وقدمته بأسماء مختلفة؛ مثل تيسير الأهلي الذي يقدمه البنك الأهلي التجاري كصيغة يتم استخدامها في تمويل الأفراد الراغبين في الحصول على السيولة النقدية.
وتقوم صيغة التورق التي طورها البنك الأهلي على أساس قيام البنك بشراء سلعة وامتلاكها، ثم بيعها للعملاء بالتقسيط، مع توفير الإمكانية للعملاء لتوكيل البنك لإعادة بيع السلعة نيابة عنهم وقيد ثمنها في حساباتهم.
وفيما يلي تحليلًا للإجراءات التي تتم بها العملية:
أولاً: يوقع البنك اتفاقية مع شركة معينة تسمى اتفاقية شراء سلع،وهذه الاتفاقية تمثل الإطار العام الذي ينظم العلاقة بين البنك باعتباره مشتريًا وبين شركة معينة باعتبارها بائعا.(1/27)
وتتم عمليات الشراء عن طريق قيام البنك بطلب كمية معينة من سلعة محددة مثل الحديد أو الألمونيوم بمبلغ معين وذلك بالاتصال بالشركة وطلب الكمية المذكورة طبقًا لشروط الاتفاقية الموقعة بين الطرفين،ثم يتم تبادل الإيجاب والقبول بين الطرفين بالفاكسات،والفارق الوحيد هو أن البنك يشتري البضاعة لنفسه ولا يوكل مؤسسة خارجية لتتولى عمليات البيع نيابة عنه.
ولتحقيق مطلب القبض تصدر الشركة البائعة شهادة ملكية تفيد بقيد كميات المعدن المشترى من قبل البنك إلى حساب البنك وفقًا لتواريخ الشراء التي جرت.
وتتضمن هذه الشهادات إقرارًا من قبل الشركة البائعة بأن ملكية المعدن المشترى للبنك هي للبنك منذ يوم الشراء، وأن كمية المعدن المشترى سيتم تعيينها عن طريق رقم الصنف للمعدن الذي وقع عليه البيع وتحديد مكان وجوده. ويكون المعدن في حساب لصالح البنك إلى أن تتسلم الشركة تعليمات أخرى، ويكون البنك مسئولًا عن تسديد أجور التخزين والحراسة فيما إذا تأخر البنك عن التسليم في التاريخ المحدد.
ثانيًا: بعد امتلاك البنك للسلع كما ذكر يبدأ البنك عندئذ التصرف في البضاعة ببيعها لعملائه، فيقوم البنك في هذه الحالة بإدخال كمية السلعة المشتراة على نظام الحاسب الآلي بحيث تستطيع الفروع البيع منها للعملاء، ويتيح الحاسب الآلي بأن يتم إنقاص أي كمية يتم بيعها للعملاء من الرصيد الذي يمتلكه البنك من هذه السلعة.
أما عملية البيع فتتم وفقًا لإجراءات متسلسلة على النحو الآتي:(1/28)
يتقدم العميل بطلب لشراء سلعة بالتقسيط، وعند قبول الطلب يتم إفادة العميل من قبل الموظف المختص بأن على العميل توقيع عقد البيع، كما يفاد العميل بأنه بتوقيعه على عقد البيع يكون قد امتلك كمية معينة من المعدن طبقًا للمواصفات المحددة في العقد ومكان وجوده، كما يفاد العميل بأن له حرية التصرف فيما اشتراه، فإن شاء تسلم المعدن، وأما إذا رغب في توكيل جهة أخرى لبيع المعدن نيابة عنه فله ذلك الحق أيضًا، وله إن شاء أن يوكل البنك في إعادة بيع السلعة نيابة عنه وقيد ثمنها في حسابه، وذلك يتطلب منه أن يوقع على عقد وكالة يفوض البنك بموجبه القيام بذلك.
ثالثًا: بعد اكتمال عمليات البيع للعميل يتم رصد أسماء الأشخاص الذين اشتروا من البنك،كما يتم تحديد الكميات التي اشتراها كل واحد منهم. ويتولى البنك بيع تلك الكميات إلى طرف ثالث وذلك بموجب عقود الوكالة الموقعة من هؤلاء العملاء.
وتتم إجراءات البيع نيابة عن العملاء عن طريق توقيع اتفاقية شراء بين البنك وإحدى الشركات، وهذه الاتفاقية هي إطار عام ينظم العلاقة بين الطرفين، وتجري عملية البيع عن طريق تبادل الإيجاب والقبول عبر الفاكسات: حيث يتم تحديد الكميات المعروضة للبيع، والثمن، وشروط البيع.
وعند اكتمال تبادل الإيجاب والقبول وانعقاد البيع يتم تحويل الثمن إلى حساب البنك الذي يتولى فيما بعد قيده في حسابات العملاء لديه طبقًا لكميات وأسعار السلع التي تم بيعها نيابة عنهم، ويحيل البنك الشركة المشترية منه لقبض المعدن من الشركة التي اشترى منها.
وبعد هذا ذكر السيد الباحث أن الخطوات والإجراءات المتبعة تستوفي الجوانب الشرعية من وجهة نظره، ثم ذكر قرار الهيئة الشرعية للبنك الذي أجاز منتج تيسير الأهلي.
ثم تحدث عن النموذج الثالث: وهو استخدام التورق لتمكين العملاء من تسديد مديونياتهم لدى المصارف التقليدية.(1/29)
وقال: في حال كون تلك المديونيات هي للمصرف الذي يقدم التمويل للعميل (ينطبق على المصارف التي لديها نوافذ إسلامية) ففي هذه الحالة فإن المصرف سيقوم بقلب الدين الذي على العميل من قرض ربوي إلى دين آخر ينشأ عن طريق التورق.
وهذه الصورة هي التي يسميها الفقهاء بـ قلب الدين على المدين.
ثم ذكر قرار الهيئة الشرعية للبنك الأهلي الذي أجاز هذه المعاملة أيضًا!!
هذا ما جاء في بحث الدكتور موسى آدم.
ثم اطلعت على بحث الدكتور عبد الله السعيدي، ولا أريد أن أناقش بحثه، ولكن أريد أن أستفيد منه فيما ذكره نتيجة اطلاعه على عدة عقود للتمويل بالتورق، وهو ما لم يتيسر لي.
وما ذكره هو ما يأتي:
- ... ليس في العقد ما يعين السلعة بالرقم، وكل ما فيها هو تحديد النوع، والكم، والوصف.
- ... اشتراط تحميل العميل من 700 إلى 2000 ريال، تختلف باختلاف البنك والمعاملة.
- ... بعض البنوك تدفع رسمًا لمن يشتري منها في الخارج في حدود 100 دولار مقابل قيامه بشراء سلع المتورقين منها بسعر التكلفة.
- ... توكيل البنك للعميل في صورة من صور تورق الشركات بشراء السلعة نيابة عنه، ثم بيعها على نفسه.
- ... الربح مقارب لربح المرابحة.
البنوك تستثمر في التورق من 5 إلى 10 مليون دولار يوميًا.
هذا بعض ما جاء في بحث الدكتور السعيدي.
المبحث السابع
المناقشة والترجيح
إذا اشترى المسلم سلعة بنية التورق، دون الإعلان عن هذه النية، فإن البائع مادام لا يعلم لا يشاركه في الإثم.
أما إذا طلب قرضًا فعرض عليه بيع سلعة بالأجل، ليبيعها هو بسعر أقل نقدًا، فكلام الأئمة الأعلام الذي نقلناه من قبل يبين عدم الجواز، أي أن المتواطئين على التورق يشتركان في الإثم، فإن تواطآ على العينة كان الإثم أشد، أما إذا لم تكن هناك سلعة في الواقع العملي، وإنما مجرد ذكر لها في الأوراق فهذا استحلال للربا المحرم، سواء أكان عن طريق العينة أم التورق.(1/30)
ومن الواضح أن التورق المصرفي فيه اتفاق ومواطأة، وعقود بين البنك والمتعاملين بالتورق، بل وجدنا البنوك تعلن عن هذه الأداة التمويلية، وترغب الناس في التعامل بها حتى أصبح معظم تمويل هذه البنوك عن طريق التورق!!
فما حقيقة هذا التمويل حتى يمكن بيان حكمه؟
لو كان فيه سلعة يشتريها المتورق، ويملكها ويحوزها، ويتم قبضها الحقيقي أو الحكمي، ثم يقوم هو ببيعها، قلنا: هذا من التورق الذي تحدث عنه سادتنا الأئمة الأعلام، وبينوا أنه حيلة ربوية غير جائزة، غير أنه أخف من العينة، ومن الربا الصريح، وأجازه بعض المتأخرين الفقهاء من الحنفية والحنابلة وإن لم يجزه أئمة المذهبين. وقد سبق بيان غلط هؤلاء المتأخرين على أئمتهم.
أما إذا كان البنك هو الذي يقوم بالدور كاملًا دون وجود سلعة يتسلمها المتورق عن طريق القبض الفعلي أو الحكمي فإن هذا يعني أن الفرع المسمى بالإسلامي لا يختلف عن الأصل الربوي إلا في زيادة التكاليف والأعباء على كواهل المتورقين، وسبق قول ابن تيمية وابن القيم بأن مثل هذا أسوأ من الربا نفسه، لأنه استحلال للربا المحرم.
ولخبرتي الطويلة في مراقبة تعامل المصارف الإسلامية في السلع والمعادن، ومراجعتي لعملياتها، وزياراتي لبعض الأسواق العالمية ومخازن السلع والمعادن في أوربا، أجد الصورة واضحة أمامي كل الوضوح.
فما يتداول في البرص العالمية هو ما يعرف بإيصالات المخازن، ورأيت بنفسي كيف تتم هذه الإيصالات.
البضائع التي يراد بيعها عن طريق البُرصة ترسل أولًا إلى أحد المخازن<f>، وبعد التفريغ واتخاذ الإجراءات اللازمة تبدأ عملية الوزن لوحدات متساوية تقريبًا، وكل وحدة تزن خمسة وعشرين طنًا، أي خمسة وعشرين ألف كيلو جرام.
وبعد الوزن تكتب البيانات الكاملة المتصلة بهذه الوحدة، فيكتب الجنس، والصفات، والوزن الحقيقي، فقد يزيد قليلًا أو ينقص قليلًا عن الخمسة والعشرين طنا، ومكان التخزين الذي توضع فيه...إلخ.(1/31)
هذه الورقة المكتوبة هي إيصال المخازن، وهي التي تتداول في البُرصة، وتنتقل من يد إلى يد إلى أن تنتهي ليد مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه. والبيانات المكتوبة في الإيصال نرى مثلها في مكان التخزين، ومسجلة على الحاسب الآلي.
والمصارف الإسلامية منذ نشأتها لا أعلم أي مصرف منها تسلم سلعة من السلع، أو تسلم الإيصالات الأصلية واحتفظ بها ليبيع في الوقت المناسب، سواء هو أو وكيله. وحينما حاولت مع بعضهم أن يقوم بهذا كان الرد: إننا لا نستطيع أن نتحمل مخاطر تغير الأسعار، ولا قدرة لنا لمجاراة البنوك والشركات العملاقة.
ولذلك فإن المصارف الإسلامية يعرض عليها ثمن شرائها الحال، وبيعها الآجل في وقت واحد، وتبلغ الوكيل بالموافقة على الاثنين معًا، وتسلم وتسليم إيصالات المخازن باعتباره وكيلًا عنها.
هذا توضيح رأيت الحاجة إلى ذكره حتى يمكن الحكم على تيسير الأهلي وما شابهه من التورق المصرفي.
البنك الأهلي لا يشتري ويتسلم إيصالات المخازن التي تثبت الملكية، ثم يبيع ويسلم هذه الإيصالات للمشترين المتورقين، وإنما تم الاتفاق بينه وبين من يقوم بدور البائع، ومن يقوم بدور المشتري من الشركات العالمية، ولنرجع إلى ما جاء في بحث الدكتور موسى آدم عن الإجراءات المتبعة في النموذج الثاني، حيث بينت استبعاد النموذج الأول.
يعقد البنك الأهلي اتفاقيتين، إحداهما مع شركة باعتبارها بائعًا، والأخرى مع شركة باعتبارها مشتريًا، وكل اتفاقية تمثل الإطار العام الذي ينظم العلاقة بينهما.(1/32)
وما يثبت الملكية هو ورقة من الشركة التي تقوم بدور البائع، وليس إيصالات مخازن، وتسجيل الكمية على الحاسب الآلي، ليتم البيع منها للعملاء المتورقين الذين وكلوا البنك ليقوم هو ببيع ما اشتروه، ومن هنا يبدأ العمل بالاتفاقية مع الشركة التي تقوم بدور المشتري. وما يسجل بأن هذه الشركة اشترته من البنك تقوم الشركة الأولى بنقله من حساب البنك إلى حساب الشركة الثانية.
وما عرفناه من خلال زياراتنا المتكررة، وما اعترف به بعض البنوك والشركات العالمية، هو أن عدم وجود إيصالات مخازن أصلية يعني عدم وجود سلع، فالأمر هنا لا يعدو أن يكون قيودًا لا يقابلها شيء في الواقع العملي.
ونأتي إلى المتورق: فهل اشترى سلعة غير مقصودة، ولكنه تسلمها أو يمكنه أن يتسلمها ليبيعها، فيكون هذا التورق الذي لم يجزه الجمهور، وأجازه من أجازه، أو أنه اقترض بفائدة ربوية حيث لا توجد سلعة أصلًا إلا على الحاسب الآلي؟
البنك يقول: يمكنه أن يتسلم السلعة.
وأقول: هذا ليس متعذرًا بل هو من المستحيلات، وإليك البيان.
لا يتم تسلم السلع إلا بإيصالات المخازن الأصلية، وكل إيصال يقابله خمسة وعشرون طنًا، والإيصال لا يتجزأ.
ولا يستطيع أي أحد أن يأخذ الإيصالات ليتسلم السلع من المخازن إلا إذا كان من الممسوح لهم بالتعامل مع البُرصة.
فهل من يبيع له البنك الأهلي من المتورقين يشتري خمسة وعشرين طنا ومضاعفاتها؟
وهل هذا المتورق من أصحاب الملايين أو المليارات المسموح لهم بالتعامل مع البُرصة؟
وهل سيسافر من السعودية إلى أوربا ليتسلم ما اشتراه قبل أن يبيعه؟
ألم أقل إن التسلم المذكور من المستحيلات؟
والواقع العملي أن العميل طالب القرض إذا أراد تيسير الأهلي يذهب إلى البنك، وبعد دراسة حالته والضمانات التي يقبلها البنك، وتقدير المبلغ الذي يتفق مع هذه الدراسة،يقوم العميل بتوقيع عقدين.
الأول: عقد شراء بثمن مؤجل بالمبلغ الذي حدد.(1/33)
الثاني: وكالة للبنك لبيع ما اشتراه بثمن حال.
ويكتب الشيكات أو الكمبيالات المطلوبة، ثم يوضع المبلغ بعد ذلك في حسابه، يقابله دين مثقل بالفوائد التي يأخذها الأطراف الثلاثة المشتركون في الاتفاقات والعقود!!
فقول ابن عباس رضي الله عنهما في بيان التحريم: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة لا ينطبق على التورق المصرفي، فحتى هذه الحريرة غير موجودة، وإنما دراهم بدراهم ليس بينهما شيء إلا ورقة مكتوبة!!
هذا هو النموذج الثاني.
أما النموذج الثالث فحدث ولا حرج؛ فهو إعادة جدولة الديون مع زيادة الفوائد التي تقوم بها البنوك الربوية.
فإذا كان العميل مثلًا مدينًا بعشرة آلاف، وفوائدها بلغت خمسة آلاف، وهذا الدين للبنك الأهلي الرئيس، فإنه يذهب إلى تيسير الأهلي ليرفع هذا الدين الربوي، ويضع بدلًا منه عشرين ألفًا مثلًا في فرع البنك نفسه الذي أعلن أنه إسلامي!!
فالخمسة آلاف التي زادت على الدين الربوي مقابل التأجيل، ودخلت في إيرادات البنك الدائن عن طريق فرعه، بعد أن تضاعفت الفوائد، هل يمكن أن يكون حلالًا، ولا يلعن آكله ولا يأذن بحرب من الله ورسوله؟!
وبعد أن تم هذا إذا كان المدين معسرًا أو مماطلًا، وتأخر في أداء الدين وفوائده، يضيف الحاسب الآلي فوائد جديدة يمكن أن تتضاعف مرات، غير أن الفرع أعلن أنه إسلامي، ولذلك يتجنب ذكر الفوائد وإنما يسميها باسم آخر مثل غرامات التأخير.
فالعميل إذن خرج من البنك الربوي، وجاء إلى فرعه المسمى بالإسلامي، تخلص من دفع فوائد ربوية جديدة، ليقع تحت طائلة زيادة الدين بغرامات التأخير، وكأن هذا ليس من الربا المحرم.
قد يقال إن هيئة الرقابة الشرعية أجازت هذه المعاملات كلها فكيف يجوز أن نقول بأن هذا من الربا المحرم؟(1/34)
وأقول: إن في عصرنا من هم أكثر عددًا وعدة أحلوا فوائد البنوك غير المسماة بالإسلامية، بل قال قائلهم: إن هذه البنوك أقرب إلى الإسلام من البنوك المسماة بالإسلامية. كما أنني سأناقش هؤلاء الإخوة وأبين أن ما أجازوه من قلب الدين على المدين أشد تحريمًا من فوائد البنوك الربوية غير المركبة.
ولننظر بعد هذا إلى ما ذكره الدكتور عبد الله السعيدي.
قال: ليس في العقود ما يبين السلعة بالرقم، وكل ما فيها هو تحديد النوع، والكم، والوصف.
قلت: هذا يؤكد ما بينته من عدم وجود سلعة أصلًا، فلا يوجد إيصالات مخازن، وهي التي تثبت الملكية ووجود السلع في المخازن.
وتعيين السلعة بالرقم دون وجود إيصالات المخازن الأصلية لا يثبت وجود السلعة، فالعمليات التي أشرت من قبل أنني طلبت إلغاءها، حيث إنها تعتبر مجرد قروض، كان فيها صور لإيصالات المخازن وليس الرقم فقط، وعندما كنت أسافر إلى أوربا لمراجعة العمليات التي تمت، والاطلاع على مستنداتها الأصلية، وكذلك العمليات التي كنت أطلب إتمامها أثناء وجودي في أماكن تنفيذها، وأحاور القائمين على تنفيذها، كنت أكتشف أن بعض العمليات كانت مجرد ترتيب أوراق، ولا يوجد بيع ولا شراء.
وكارثة بنك الاعتماد والتجارة كشفت كثيرًا من هذا التضليل والخداع.
وقال الدكتور السعيدي: يشترط تحميل العميل من 700 إلى 2000 ريال، تختلف باختلاف البنك والمعاملة.
قلت: هذا يبين أن الفرع المسمى بالإسلامي يأخذ فوائد أكبر من البنك الرئيس الربوي! والدكتور ذكر أن عائد التورق مقارب لربح المرابحة، والمرابحة يشكو كثير من الناس من أنها أعلى من الفوائد، فإذا أضفنا مبالغ أخرى ظهر أن التورق تمويل بفائدة أعلى بكثير.
وقال: بعض البنوك تدفع رسمًا لمن يشتري منها في الخارج في حدود مائة دولار مقابل قيامه بشراء سلع المتورقين منها بسعر التكلفة.(1/35)
قلت: المشتري هو الذي يدفع للبائع، ومن لبس لباس المشتري هنا يأخذ من البائع مقابل قيامه بدور المشتري!! وهذا يؤكد أنه لبس لباس زور، وأن المائة دولار يأخذها مقابل ما يقوم به من ترتيب الأوراق وليس مقابل شراء حقيقي.
التورق المصرفي مع الأفراد البنك هو الذي يقوم بجميع الأدوار، من تمثيل البيع والشراء، والتسليم، والعميل لا يقوم بشيء غير التوقيع على الأوراق، ومنها توكيله البنك للقيام بالأعمال المطلوبة، وبعد التوقيع يصبح حسابه مدينا بمبلغ الشراء الآجل، وبعد يومين أو ثلاثة يودع في حسابه مبلغ البيع النقدي. والواقع العملي أن البنك أخذ شيكات بالمبلغ وفوائده، ثم أودع مبلغ التورق في حساب المستورق، فهو إذن قرض ربوي، ولو كانت سلعة لكان هذا من بيع العينة.
وبين الدكتور السعيدي أن عكس هذا قد يحدث مع المستورقين من الشركات لا الأفراد، حيث يوكل البنك الشركة بشراء السلعة نيابة عنه، ثم بيعها لنفسه.
ودور البنك هنا هو دفع المبلغ المطلوب، وأخذ شيكات آجلة بالمبلغ وفوائده، مع أوراق بسلعة من السلع لا تدخل في ملك البنك ولا المستورق، ولا وجود لها في مكان التورق، ولا وجود لإيصالات المخازن الأصلية، وبذلك لا يوجد قبض فعلي، ولا قبض حكمي.
أدلة المجيزين ومناقشتها
يستند المجيزون للتورق على مجموعة من الأدلة، أحاول هنا أن أذكرها، ثم أناقشها.
وأهم هذه الأدلة هي ما يأتي:
1) ... من القرآن الكريم: قوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللّهُ } [البقرة: 275]، والتورق بيع.(1/36)
2) ... من السنة المطهرة: حديث تمر خيبر؛ حيث استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم رجلًا، فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا)) (صحيح البخاري: كتاب البيوع، باب: إِذَا أَرَادَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ خَيْرٍ مِنْهُ).
قالوا: نتيجة العملية التي اقترحها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس نتيجة شراء الصاع بالصاعين، ولكن أجازه لكون هذه النتيجة حدثت بعقدين، مستقلين مشروعين لا علاقة لواحد منهما بالآخر، فتبين أن كون مجرد النتيجة النهائية مثل ما ينتج من عقد الربا لا يحرم العملية، ما دامت النتيجة حصلت بعقود حقيقية مشروعة.
وقال بعضهم: والظاهر أن مشتري الصاعين بالدراهم غير بائع الصاع من الجنيب.
وقال آخرون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين أن يشتري من المشتري أو من غيره؛ فالحديث يدل على جواز العينة وليس التورق فقط، وهو دليل صريح على الجواز.
3) ... من الأدلة العقلية: الأصل في المعاملات الإباحة.
الدليل الأول: لا شك أن الأصل في البيع الحل، والآية الكريمة منطوقها يشير إلى هذا، وليس هذا محل نزاع، ولكن أيستدل بالآية الكريمة على حل جميع البيوع؟ أيجوز بيع الخمر، والخنزير، وحبل الحبلة، وبيع وسلف، وغير ذلك من البيوع المنهي عنها لأسباب عقدية أو غير عقدية؟
فالكلام هنا عن بيع منهي عنه، لأنه حيلة ربوية كما بين الأئمة الأعلام، وكما جاء في الحديث الشريف الذي ذكر من قبل: ((إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ)).(1/37)
وحديث: ((إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ)) رواه أحمد في أكثر من موضع، وبيّن أحمد شاكر صحته، (راجع المسند بتحقيقه: 7/27- حديث 4825)، وقال صاحب الفتح الرباني في تخريج حديث المسند: سنده جيد، ورواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي بلفظ آخر، والمعنى واحد. ورواه أيضًا الإمام أحمد بلفظ آخر من طريق عطاء بن أبي رباح، وصححه ابن القطان.
وللحديث طرق وشواهد كثيرة تعضده. (الفتح الرباني: 15/44).
ورواه أبو داود في كتاب الإجارة: باب في النهي عن العينة، وبين الألباني صحته، كما بين صحته في سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم: 2956، 3462).
وذكر ابن أبي شيبة عدة آثار موقوفة تحت باب من كره العينة. (المصنف: 6/47-48، كتاب البيوع والأقضية).
وقال الزيلعي: في تحريم العينة أحاديث، وذكر هذا الحديث برواية أبي داود، ثم قال: ورواه أحمد، وأبو يعلى الموصلي، والبزار في مسانيدهم. وذكر عن ابن القطان قوله: رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد، وذكر الحديث بسنده، وذكر هذا الحديث بسنده، ثم قال: وهذا حديث صحيح، ورجاله ثقات. (نصب الراية (4/16: 17).
وذكره البيهقي وقال: روي من وجهين ضعيفين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر فتعقبه ابن التركماني بقوله: ذكره ابن القطان من وجه صحيح عن عطاء عن ابن عمر فقال: ....وذكر الحديث. ثم قال بعد ذكر الحديث: ثم صححه –أعني ابن القطان، وقال: هذا الإسناد كل رجاله ثقات. (السنن الكبرى ومعه الجوهر النقي: 5/316).
وقال العلامة المناوي بعد شرح الحديث الشريف: وهذا دليل قوي لمن حرم العينة، ولذلك اختاره بعض الشافعية، وقال: أوصانا الشافعي باتباع الدليل إذا صح بخلاف مذهبه. (فيض القدير: 1/314).
من هذا نرى أن الحديث الشريف صحيح، ولو بلغ الشافعي لما خالف الجمهور، غير أنه ترك لنا القاعدة الذهبية: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وهو ما أشار إليه المناوي.(1/38)
وبينا من قبل المراد بالعينة في اللغة وعند الأئمة الأعلام، فهي تشمل ما عرف في القرن الثامن الهجري باسم التورق في الاصطلاح الفقهي، ولم يكن معروفًا قبل ذاك القرن، فضلًا عن عصر التشريع ونزول الوحي.
وهذا يعني أن الجمع بين الآية الكريمة والحديث الشريف يخرج كل معاني العينة من البيع الحلال إلا ما دل الدليل على حله كالبيع الآجل بضوابطه الشرعية.
فالقول بحل التورق يتعارض مع الأصل الذي يؤخذ من الحديث الشريف، ويفتقر إلى دليل يخرجه عن هذا الأصل. إذن لا يجوز الاستدلال بالآية الكريمة على حل التورق.
الدليل الثاني: من المعلوم أن السلعة في التورق غير مقصودة ألبتة، وإنما دخلت لتحليل أخذ نقود عاجلة بنقود آجلة أكثر.
ولا يتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بالحيل، ويعلم أمته الحيل ببيع غير مقصود.
قال الشاطبي: قوله عليه الصلاة والسلام: ((بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا)) فالقصد ببيع الجمع بالدراهم، التوسل إلى حصول الجنيب بالجمع، لكن على وجه مباح، ولا فرق في القصد بين حصول ذلك مع عاقد واحد وعاقدين، إذ لم يفصل النبي عليه الصلاة والسلام.
وقول القائل إن هذا مبني على قاعدة القول بالذرائع غير مفيد هنا، فإن الذرائع على ثلاثة أقسام: منها ما يسد باتفاق؛ كسب الأصنام مع العلم بأنه مؤد إلى سب الله تعالى، وكسب أبوي الرجل إذا كان مؤديًا إلى سب أبوي الساب، فإنه عدُ في الحديث سبًا من الساب لأبوي نفسه، وحفر الآبار في طرق المسلمين مع العلم بوقوعهم فيها، وإلقاء السم في الأطعمة والأشربة التي يعلم تناول المسلمين لها.(1/39)
ومنها ما لا يُسدَ باتفاق؛ كما إذا أحب الإنسان أن يشتري بطعامه أفضل منه أو أدنى من جنسه، فيتحيل ببيع متاعه ليتوصل بالثمن إلى مقصوده، بل كسائر التجارات، فإن مقصودها الذي أبيحت له إنما يرجع إلى التحيل في بذل دراهم في السلعة ليأخذ أكثر منها. ومنها ما هو مختلف فيه. (الموافقات: 2/390).
وأفاض ابن القيم في الرد على هذه الشبهة في أكثر من عشر صفحات، وكلها في لب الموضوع، ولكن قيود البحث لا تسمح بهذا، فننقل هنا شيئًا قليلًا مما ذكره.
قال رحمه الله: الأمر المطلق بالبيع إنما يقتضي البيع الصحيح، ومن سلم لكم أن هذه الصورة التي تواطأ فيها البائع والمشتري على الربا، وجعل السلعة الدخيلة محللا له غير مقصودة البيع –بيع صحيح؟(1/40)
وفي بيان فساد حمل الحديث على صورة الحيلة: ومما يوضح فساد حمل الحديث على صورة الحيلة، وأن كلام الرسول ومنصبه العالي منزه عن ذلك، أن المقصود الذي شرع الله تعالى له البيع وأحله لأجله هو أن يحصل ملك الثمن للبائع ويحصل ملك المبيع للمشتري؛ فيكون كل منهما قد حصل له مقصوده بالبيع، هذا ينتفع بالثمن وهذا بالسلعة، وهذا إنما يكون إذا قصد المشتري نفس السلعة للانتفاع بها أو التجارة فيها وقصد البائع نفس الثمن، ولهذا يحتاط كل واحد منهما فيما يصير إليه من العوض؛ هذا في وزن الثمن ونقده ورواجه، وهذا في سلامة السلعة من العيب وأنها تساوي الثمن الذي بذله فيها، فإذا كان مقصود كل منهما ذلك فقد قصدا بالسبب ما شرعه الله له، وأتى بالسبب حقيقة وحكما، وسواء حصل مقصوده بعقد أو توقف على عقود مثل أن يكون بيده سلعة وهو يريد أن يبتاع سلعة أخرى لا تباع سلعته [بها] لمانع شرعي أو عرفي أو غيرهما فيبيع سلعته ليملك ثمنها، وهذا بيع مقصود وعوضه مقصود، ثم يبتاع بالثمن سلعة أخرى.(1/41)
وهذه قصة بلال في تمر خيبر سواء، فإنه إذا باع الجمع بالدراهم فقد أراد بالبيع ملك الثمن، وهذا مقصود مشروع، ثم إذا ابتاع بالدراهم جنيبا فقد عقد عقدا مقصودًا مشروعًا؛ فلما كان بائعا قصد تملك الثمن حقيقة، ولما كان مبتاعا قصد تملك السلعة حقيقة، فإن ابتاع بالثمن من غير المشتري منه فهذا لا محذور فيه؛ إذ كل من العقدين مقصود مشروع، ولهذا يستوفيان حكم العقد الأول من النقد والقبض وغيرهما, وأما إذا ابتاع بالثمن من مبتاعه من جنس ما باعه فهذا يخشى منه أن لا يكون العقد الأول مقصودا لهما، بل قصدهما بيع السلعة الأولى بالثانية فيكون ربا بعينه، ويظهر هذا القصد بأنهما يتفقان على صاع بصاعين أولا ثم يتوصلان إلى ذلك ببيع الصاع بدرهم ويشتري به صاعين، ولا يبالي البائع بنقد ذلك الثمن ولا بقبضه، ولا بعيب فيه، ولا بعدم رواجه، ولا يحتاط لنفسه فيه احتياط من قصده تملك الثمن؛ إذ قد علم هو والآخر أن الثمن بعينه خارج منه عائد إليه، فنقده وقبضه والاحتياط فيه يكون عبثا، وتأمل حال باعة الحلي عينة.كيف يخرج كل حلقة من غير جنسه أو قطعة ما ويبيعك إياها بذلك الثمن ثم يبتاعها منك؟ فكيف لا تسأل عن قيمتها ولا عن وزنها ولا مساواتها للثمن؟ بل قد تساوي أضعافه وقد تساوي بعضه؛ إذ ليست هي القصد، وإنما القصد أمر وراءها وجعلت هي محللًا لذلك المقصود، وإذا عرف هذا فهو إنما عقد معه العقد الأول ليعيد إليه الثمن بعينه ويأخذ العوض الآخر، وهذا تواطؤ منهما حين عقداه على فسخه، والعقد إذا قصد به فسخه لم يكن مقصودا، وإذا لم يكن مقصودا كان وجوده كعدمه، وكان توسطه عبثا. (أعلام الموقعين: 3/288-289).
ونلاحظ هنا ما يأتي:
- ... بيع الصاع بالصاعين مع القبض يعتبر من ربا الفضل، وهو محرم تحريم وسائل حتى لا يؤدي إلى ربا النسيئة المحرم تحريم مقاصد.
... ولذلك يجوز في ربا الفضل ما لا يجوز في ربا النسيئة، كما هو معلوم في بيع العرايا مثلًا.(1/42)
- ... الذي يبيع التمر غير الجيد يبيع ما يستغني عنه، وينظر إلى أكبر ثمن ممكن، فالمبيع مقصود، والثمن مقصود وليس لغوًا ولا محللًا.
ثم يبحث البائع عن أفضل تمر بأقل ثمن، لأن التمر سيؤكل، والثمن سيدفعه من ماله.
وهذا تصرف الغني المستغني، وليس المضطر المحتاج، أما المتورق فيأخذ مبلغًا نقدًا، ويثبت في ذمته مبلغ أكبر بلا مقابل سوى الزمن، وهذا هو ربا النسيئة في حقيقته ومقصده، غير أن السلعة غير المقصودة دخلت للتحليل دون الانتفاع، ولذلك لا يعنيه أي شيء يتصل بالسلعة، وإنما ينظر إلى المبلغ الذي يأخذه، ونسبة الفائدة التي يتحملها، ويضمن دفعها زيادة على رأس المال.
الدليل الثالث: الأصل في المعاملات الإباحة لا ينطبق على التورق، الذي يندرج تحت حديث النهي عن بيع العينة كما أشرت من قبل، وجمهور الفقهاء الذين منعوا التورق بينوا أنه حيلة ربوية، وسبق بيان هذا عند ذكر آرائهم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، فصلا القول في توضيح الجانب الربوي في التورق.
والقول بأن ابن القيم بين أن التورق مخرج مشروع قول عجيب، فالنقول السابقة من كلام ابن القيم وشيخه شيخ الإسلام تنص على أن التورق حيلة ربوية محرمة، فكيف يقول بأنها مخرج شرعي؟!
قال الدكتور القري تحت عنوان: ((التورق مخرج مشروع)): قد أفاض ابن القيم رحمه الله في الحديث عن الحيل المباحة والمخارج في أعلام الموقعين، حتى ضرب للمخارج مثلًا هو التورق.
ونسب لابن القيم أنه قال: وكذلك الرجل تشتد به الضرورة إلى نفقة ولا يجد من يقرضه، وأنه ذكر من الوسائل لهذا الرجل وسماه مخرجًا: التورق.
ويبدو أن الدكتور القري لم ينتبه إلى سياق الكلام.(1/43)
فابن القيم تحدث عن التحذير من استحلال محارم الله بالحيل، وأن الأعمال بالنيات، ضرب مثلًا بالعينة والتورق، وبين تحريمهما، وذكر في التورق قول شيخه: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها، والخسارة فيها؛ فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه. (انظر: أعلام الموقعين: 3/211 إلى 220).
وبعد الحديث عن التورق أفاض في ذكر الأدلة النقلية والعقلية على تحريم الحيل في أكثر من عشرين صفحة.
ثم انتقل للحديث عن أدلة المجوزين للحيل، وأقوال أرباب الحيل، والدكتور نقل ما ذكره ابن القيم من أقوالهم ونسبه له وليس لهم، فقولهم لا بأس بالحيل نقله الدكتور القري على أنه قول ابن القيم، مع أنه بدأ بكلمة قالوا. (انظر: ص249).
وحتى قول أرباب الحيل الذي نسبه لابن القيم فيه العينة والتورق، فاكتفى أخي بذكر التورق، فهل العينة أيضًا مخرج شرعي؟! لو جاز أن يكون التورق مخرجًا شرعيًا على قولهم لجاز أيضًا في العينة.
والمهم أيضًا أن ابن القيم بعد أن ذكر أقوال أرباب الحيل أتبعه بذكر جواب المبطلين للحيل عما سبق، أي من أقوال أرباب الحيل. (انظر: ص: 262، وما بعدها).
وقبيل أن ننتهي من هذا البحث نذكر شيئًا مما جاء في أبحاث المبيحين لهذا التورق، والمدافعين عنه، نتبعه بقرار لمجمع الرابطة وآخر لمجمع المنظمة.
قال فضيلة الشيخ عبد الله المنيع رئيس هيئة الرقابة الشرعية التي أباحت تيسير الأهلي: إذا كان الغرض من التورق إطفاء مديونية سابقة للبائع على المشتري، فهذا ما يسمى بقلب الدين على المدين، وقد أفتى مجموعة من أهل العلم بمنع ذلك لما يفضي إليه من نتيجة ما يفضي إليه المسلك الجاهلي من أخذهم بمقتضى أتربي أم تقضي؟ (ص: 17).(1/44)
وذكر بعض أقوال القائلين بالتحريم، ثم قال: ويمكن أن يخص هذا الحكم بقلب الدين على المدين المعسر. أما إذا كان الدين على مليء، إلا أنه في حاجة للاستزادة من التمويل لتوسيع نشاطه الاستثماري، فهذا الحال محل نظر واجتهاد.
وقد أجاز هذه الصورة مجموعة من الهيئات الرقابية الشرعية للمؤسسات المالية لانتفاء المحاذير الشرعية من الاضطرار واستغلال الضعف والحاجة، ولانتفاء صورة الربا وحقيقته (ص: 18).
وقال في موضع آخر: نظرًا إلى أن القصد هو التحول من التعامل مع البنوك الربوية إلى البنوك الإسلامية، وأن في الأخذ بالتورق طريقًا للتخلص من هذه البنوك الربوية ومديونياتها، فقد لا يظهر لي مانع من الأخذ بالتورق للتخلص من هذه الديون الربوية، والتمكن من الانتقال عنها إلى المؤسسات الإسلامية، وقد يكون من تبرير ذلك الأخذ بقاعدة: ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما. (ص:17-18).
وقال الدكتور محمد القري عضو هذه الهيئة: صفة قلب الدين الممنوعة إنما هي متعلقة بالمعسر الذي أمرنا بإنظاره إلى الميسرة. أما الموسر القادر على الوفاء فالدخول معه في معاملات جديدة يترتب عليها دين ليس من قلب الدين الممنوع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: وأما إذا حل الدين وكان الغريم معسرًا لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب، بل يجب إنظاره. (ص:17-18).
والدكتور محمد الشريف ليس عضوًا في الهيئة، غير أنه ممن أباح التمويل بالتورق كتيسير الأهلي وغيره، وقال: وهذه العملية لا أظن أحدًا من العلماء يخالف في مشروعيتها، ما عدا البعض الذين يشترطون عدم التواطؤ بين البائع والمشتري في أيلولة السلعة إلى المشتري عن طريق وسيط، وهو النوع الذي كرهه عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن الحسن، وحرمه ابن تيمية وابن القيم. (ص:17-18).
(حتى يستقيم القول نقول: أيلولة السلعة إلى البائع وليس إلى المشتري).
ونلاحظ هنا ما يأتي:(1/45)
- ... القول بأن الربا المحرم هو ما كان مرتبطًا بالحاجة والفقر والإعسار، أما التعامل بالربا مع غني فهو جائز، هذا القول هو المرتكز الرئيس الذي اعتمد عليه المبيحون لفوائد البنوك الربوية. وقد رد عليهم الكثيرون، وأبطلوا حججهم، فهي حجج داحضة. وفي أكثر من مقال وكتاب أثبت أن هؤلاء لا يعرفون ربا الجاهلية، ولا يفقهون النصوص، ولا أريد أن أكرر ما ذكرته خلال ربع قرن.
- ... إما أن تقضي وإما أن تربي، هذا أسوأ من ربا الجاهلية المحرم يقينًا بالكتاب والسنة والإجماع، والمعلوم من الدين بالضرورة ولا أعلم أحدًا من علماء الأمة في تاريخ الإسلام كله أحل هذا الربا، سواء أكان التعامل مع غني أم فقير.
ولا أدري كيف اجترأ بعض المعاصرين على تحليل هذا الحرام البين؟! قول الشيخ المنيع بأن قلب الدين؛ أي إما أن تقضي وإما أن تربي، إذا كان المدين في حاجة للاستزادة، من التمويل لتوسيع نشاطه الاستثماري، انتفت المحاذير الشرعية من الاضطرار واستغلال الضعف والحاجة، وانتفت صورة الربا وحقيقته، هذا القول أرجو فضيلته أن يعيد النظر فيه، فلو جاز هذا لجاز من باب أولى البدء بالاقتراض من البنوك الربوية للمشروعات الإنتاجية والاستثمارية، ولو انتفت صورة الربا وحقيقته في الفوائد المركبة؛ إما أن تقضي وإما أن تربي، لما أصبح له وجود في الفوائد البسيطة المتفق عليها بالتراضي منذ البداية؟!
قال الجصاص: « معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضًا مؤجلًا بزيادة مشروطة، على ما يتراضون به، فكانت الزيادة بدلًا من الأجل، فأبطله الله تعالى وحرمه »، وهذا القول إما أن نقول بأنه نسخ، نسخه هيئات الرقابة الشرعية التي أباحت تيسير الأهلي وغيره، أو نقول قد بدا لله تعالى فيه بداء فعاد ولم يبطله ويحرمه!! سبحانك ربي سبحانك.(1/46)
وقول فضيلته: وقد يكون من تبرير ذلك الأخذ بقاعدة: ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما، هذا القول إذا طبقناه في حالتنا لكان مفسدة ارتكاب الربا البسيط أدنى من مفسدة الربا المركب، أي أن الاقتراض من البنوك الربوية أدنى من قلب الدين الذي تقوم به الفروع المسماة بالإسلامية، والكل يأذن بحرب من الله ورسوله.
وقول فضيلته فيمن عارضه: وقد وجد من بعض فقهاء عصرنا هاجس، ويظهر لي أنه هاجس وسواس، وإن اعتقد أهله أنه هاجس تقوى وورع، هذا القول يعتبر تحولًا خطيرًا في حياة فضيلته بحسب علمي، فقد كان في بدء تشرفي بمعرفته منذ أكثر من عشرين عامًا فيما أظن، وكنا في البداية يتفق كل منا مع الآخر، ولا نخالف قرارات المجامع الفقهية، ثم تحول إلى تحليل ما تراه المجامع، من الحرام البين كغرامات التأخير، والتأمين التجاري غير الإسلامي، وأحكام الذهب وغير ذلك، ثم فوجئت بهذا التحول الأخير لأول مرة، فما كان يسيء إلى أي أحد مهما عارضه واختلف معه، وقوله من بعض... غير صحيح كما يتضح من قرارات المجامع، وأقوال وكتابات فقهاء العصر.
وإذا كان هؤلاء اتبعوا الكتاب والسنة والإجماع، وما نقلناه من أقوال الأئمة الأعلام، فمن أين جاءهم الهاجس الوسواس؟
أرجو فضيلته أن يعيد النظر في هذه العبارة الجارحة.
أما الدكتور القري الذي وافق فضيلة الشيخ المنيع في أن قلب الدين الممنوع هو ما كان مع المعسر فقط دون الموسر فقد استدل بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية!! ولا أدري كيف ينسب لشيخ الإسلام إباحة الربا مع الموسرين فضلًا عن قلب الدين؟(1/47)
وما نقلناه من قبل يبين أنه من أشد الناس تحريمًا للربا وحيله، ولكن لنرجع إلى ما رجع إليه الدكتور القري، وهو لم يذكر موضعه من الفتاوى، فبحثت ووجدت النقل من (ص: 419) في الجزء التاسع والعشرين، قال ابن تيمية: ((وأما إذا حل الدين وكان الغريم معسرًا؛ لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب، لا بمعاملة ولا غيرها، بل يجب إنظاره)).
ووقف الدكتور القري عند هذا النقل، وحذف(( لا بمعاملة ولا غيرها))، وهو ينطبق على التورق.
والاستدلال بهذا القول على جواز قلب الدين لغير المعسر غير صحيح؛ فهذا استدلال بمفهوم المخالفة، وهو غير جائز هنا كما هو معلوم في أصول الفقه.
ثم لماذا نلجأ إلى الاستدلال بالمفهوم، والأسطر التالية للمنقول فيها بيان لحالة اليسر؟
جاء بعد النقل السابق مباشرة ما يأتي:
وإن كان موسرًا كان عليه الوفاء، فلا حاجة إلى القلب، لا مع يساره، ولا مع إعساره، والواجب على ولاة الأمور بعد تعزير المتعاملين بالمعاملة الربوية: أن يأمروا المدين أن يؤدي رأس المال، ويسقطوا الزيادة الربوية، فإن كان معسرًا وله مغلات يوفي منها, وفي دينه منها بحسب الإمكان. والله أعلم.
فهل قول ابن تيمية يدل على أنه يجيز قلب الدين؟!
وإن تعجب فعجب ما جاء في بحث الدكتور الشريف!
فبعد أن اتهم الصحابة الكرام، والسلف الصالح ونسب إليهم التعامل بالحيل، كالعينة والتورق، كما أشرت في ثنايا البحث، وأثبت أنا تنزيههم عن هذه الحيل الربوية، جاء هنا لينسب لعلماء العصر خلاف ما يرونه، ولم ينس الإشارة إلى السلف الصالح، ليقول خلاف ما ثبت عنهم، فمن ذكرهم وغيرهم يرون عدم جواز التورق فضلًا عن العينة: فقوله في التمويل بالتورق مثل تيسير الأهلي وغيره بأن جميع العلماء يرون مشروعيته وإن أدى إلى تواطؤ على العينة ما عدا البعض الذين يشترطون عدم التواطؤ، هذا القول بعيد كل البعد عن الصواب، فقرارات المجامع بينت أن هذا من الربا المحرم.(1/48)
فمجمع المنظمة في دورته الأخيرة بمسقط في المحرم سنة 1425هـ دعا المؤسسات المالية الإسلامية أن تتجنب شبهات الربا، أو الذرائع التي تؤدي إليه، وضرب مثلًا لذلك بفسخ الدين بالدين.
ومجمع الرابطة بحث موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر في دورته السابعة عشرة سنة 1424هـ، وقرر عدم جواز هذا التورق، وأوصى المصارف الإسلامية بعدم اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلًا محضًا بزيادة ترجع إلى الممول.
المبحث الثامن
التورق العكسي
ظهر في الأيام الأخيرة ما عرف باسم المنتج البديل للوديعة لأجل، وهذا المنتج هو تورق عكسي؛ حيث إن طالب القرض هو البنك وليس العميل.
وبحث هذا المنتج المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأخيرة في شوال سنة 1428هـ، وطُلِبَ مني كتابة بحث في هذا الموضوع. فاستجبت لطلبه، وكتبت بحثا عرضت فيه ما يقوم به ستة من البنوك. وبعد العرض ناقشت مناقشة علمية تبين التكييف الشرعي لهذا المنتج البديل، وثبت من هذه المناقشة أن هذا المنتج لا يختلف عن الوديعة لأجل من حيث ضمان أصل المال مع ضمان الزيادة مقابل الزمن؛ فهو عقد قرض ربوي. وألحق بهذا البحث البحث الذي قدمته لمجمع الربطة، وقراره بعدم جواز هذه المعاملة.
الخاتمة والنتائج
في ختام هذا البحث، الذي أسأل الله تعالى أن يكون خالصًا لوجهه، وأن يجعله في ميزان الحسنات، في ختامه أحب أن اذكر بما يأتي:
1- ... التورق بمعناه الشائع في عصرنا لم أجده في كتب اللغة، ولا عند الأئمة الأربعة، ولا من جاء ببضعة قرون، وأول من وجدته مستخدما لهذا اللفظ هو شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم استخدم اللفظ بعد ذلك بعض فقهاء الحنابلة.
2- ... معنى العينة: الربا، والسلف، والبيع أو الشراء بنسيئة، وأن يشتري الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجل، ثم يبيعه منه أو من غيره بأقل مما اشتراه.
وهذا يعني أن التورق يدخل تحت معنى العينة.(1/49)
ومن الألفاظ التي استخدمت مرادفة للعينة كلمة: الزرنقة.
3- ... حديث النهي عن العينة توسعت في تخريجه، وظهر أنه صحيح، وحديث السيدة عائشة فيما وقع من زيد بن الأرقم في شراء ثم بيع العينة ذكرت تصحيحه سندًا ومتنًا، والرد على من قال بعدم صحة السند أو المتن.
4- ... كل معاني العينة يشملها حديث النهي إلا ما دل الدليل على غير ذلك؛ أي أن الأصل في المعاملات الإباحة لا ينطبق على هذه المعاني، ولا يجوز الاحتجاج به.
5- ... الإمام الشافعي أجاز العينة بجميع معانيها ماعدا الربا المحرم، ورد حديث السيدة عائشة، ولم يبلغه حديث النهي عن العينة، ولو بلغه صحيحًا فما كان ليعدل عنه؛ فقد ذكر ذات مرة حديثا وقال بصحته، فسأل سائل: أو تفتي به يا أبا عبد الله؟ فقال غاضبًا: يا هذا! أرأيتني خارجًا من كنيسة؟! أرأيت في وسطي زنارًا؟! أقول حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفتي به!
ولذلك وقفت طويلاً مع الشافعية، وذكرت من أقوالهم ما يبين أن العقد قد يكون صحيحًا عندهم، ويحكمون بالتحريم مع الصحة.
6- ... المذهب الحنفي يمنع العينة بلا خلاف إذا رجع المبيع للبائع الأول، أما العينة بمعنى التورق ففيها خلاف، ففي المبسوط والهداية والدر المختار المنع دون ذكر أن أحدًا من أئمة الحنفية أجازه، وجاء في حاشية ابن عابدين، القول بالتغليظ فيه عن محمد بن الحسن، وبينت ترجيح أن يكون المراد من إجازة أبي يوسف البيع الآجل دون التورق، بل البيع الآجل مع السماحة، وذكرت دلائل هذا الترجيح.
كما رجحت ألا يكون الإمام أبو حنيفة ممن أجاز التورق. أما ما جاء في الفتح من أنه خلاف الأولى فوضحت أنه رأي شخصي وليس بيانًا لمذهب، وهو من متأخري الحنفية، وذكرت بيان ابن القيم فيما غلط فيه المتأخرين على الأئمة الأعلام.
وبالنسبة للإمامين مالك وأحمد فقد نقلت ما يثبت أن هذا التورق يعتبر من العينة المنهي عنها.(1/50)
وبذلك يتضح أن من الخطأ ما جاء في موسوعة الفقه الكويتية وغيرها في بعض الأبحاث من أن جمهور الأئمة يجيزون التورق.
7- ... التورق المصرفي الذي يجعل وظيفة البنك الذي يطبقه هي وظيفة البنك الربوي وليس الإسلامي بينت أنه ربا صريح محرم لا ينطبق عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما: دراهم بدراهم متفاضلة بينهما حريرة، فحتى هذه الحريرة غير المقصودة، والتي جعلت حيلة للوصول إلى الربا، حتى هذه الحريرة غير موجودة!
وبينت هذا من خطوات التطبيق، ومن الواقع العملي من خلال خبرتي الطويلة في مجال عمل البنوك الإسلامية.
وقد أفتى مجمع فقه الرابطة بأن التورق المصرفي يعتبر من الربا المحرم، ودعا المصارف الإسلامية إلى عدم التعامل به.
فإذا كان التورق المصرفي هو البديل للقروض فبئس البديل، وبئس المبدل منه. ولا حاجة إذن لبنوك تسمى إسلامية.
8- ... قلب الدين يعني تطبيق القاعدة الجاهلية إما أن تقضي وإما أن تربي، وهي من أشد أنواع الربا تحريمًا، ومع ذلك وجد ثلاثة من الأخوة الذين ينتسبون إلى العلم يجيزون هذا الربا الواضح الجلي إذا كان المدين غير معسر!! وكأن الربا الذي جاء في الترهيب منه لم يأت في غيره قاصر على المدين المعسر.
ولو صح هذا فلا يجوز أن نقول بأن فوائد البنوك من الربا المحرم، فمنها ما هو أقل تحريمًا وبشاعة من قلب الدين.
9- ... التورق العكسي، أو المنتج البديل للودائع لأجل، مع التورق المصرفي، يجعل وظيفة البنك المسمى بالإسلامي هي التعامل في الائتمان عن طريق الاقتراض والإقراض، وهي وظيفة البنك الربوي.
فإذا كان التورق المصرفي هو البديل للقروض الربوية، والتورق العكسي هو البديل للودائع لأجل، فبئس البديل، وبئس المبدل منه! ولا حاجة لبنوك تسمى إسلامية!
فلعل الإخوة الذين أقدموا على مثل هذا العمل يراجعون أنفسهم، ويعودون بالبنوك الإسلامية إلى وظيفتها التي عقد عليها المسلمون آمالهم.(1/51)
والله عز وجل هو الهادي إلى سواء السبيل وهو سبحانه وتعالى المستعان، وله الحمد في الأولى والآخرة، وصلى الله وسلم على رسوله المصطفى.
الملاحق
الملحق الأول
المنتج البديل للوديعة لأجل
عرض ومناقشة
تقديم
الحمد لله تعالى حمدا طيبا طاهرا مباركا فيه، ونسأله عز وجل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل. ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد: فإن البنوك نشأت نشأة يهودية ربوية، ودخلت بلاد الإسلام كما هي دون تغيير.
وفرح المسلمون بقيام المصارف الإسلامية، وعقدوا عليها آمالا كبيرة، غير أن بعضها في السنوات الأخيرة، وعلى الأخص الفروع الإسلامية للبنوك الربوية، هذه البنوك والفروع بدأت تتخلى عن الأهداف التي من أجلها نشأت المصارف الإسلامية, واقتربت في بعض أعمالها من البنوك الربوية، وقد رأينا هذا في التورق المصرفي، وفي بعض المعاملات الأخرى.
والمنتج البديل للوديعة لأجل المطلوب دراسته، سأقوم أولاً بعرضه كما جاء عند ستة بنوك، وبعد العرض أقدم المناقشة والترجيح للوصول إلى حكم هذا المنتج.
وأسأل الله عز وجل العون والرشاد.
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ - وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الصافات: 180].
العرض
أعلن عدد من البنوك على مواقعهم على الإنترنت عن منتج بديل للوديعة لأجل في البنوك الربوية، وأمكن الوصول إلى خمسة من هذه البنوك، وفي زيارة لليمن وجدت هذا المنتج مطبقا على أحد البنوك هناك.
وأعرض هنا أولاً ما جاء عن هذا المنتج في البنوك الستة، وأتبع العرض بالمناقشة للتعرف على حقيقة هذا المنتج، وحكمه الشرعي، مستعينا بالله عز وجل.
1- البنك الأهلي السعودي:(1/52)
أعلن البنك عما أسماه "خيرات الأهلي" وقال: هو منتج استثماري آمن معتمد من قبل الهيئة الشرعية للبنك ومستوفي للشروط والضوابط ليكون بديلا شرعيا عن الودائع لأجل – التقليدية – يعتمد منتج الخيرات على صيغة المرابحة الشرعية حيث يتملك المستثمر عبر منتج الخيرات سلعا محددة المواصفات والنوع والكمية، وبعد ذلك يقوم المستثمر بعرضها للبيع على البنك بثمن مؤجل يتضمن هامش ربح محدد.
ثم قال: مميزات منتج الخيرات:
1- منتج متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية وتمت الموافقة عليه من قبل الهيئة الشرعية بالبنك.
2- درجة مخاطره منخفضة.
3- إمكانية الاستثمار عبر الخيرات بعملات ( ريال – دولار – يورو – جنيه إسترليني ).
4- التزام من قبل البنك الأهلي بشراء السلعة عند عرضها للبيع من قبل المستثمر.
5- عوائد منافسة تعادل أو تفوق عوائد الودائع الآجلة.
ثم بين المرونة في اختيار مدة الاستثمار فقال:
يستطيع المستثمر اختيار المدة المناسبة له للدخول في عملية استثمار من أسبوع، أسبوعين، شهر، 3 أشهر، سنة كاملة.
ثم شرح كيفية عمل منتج الخيرات فقال:
- يعرض البنك للمستثمر قائمة أسعار السلع محدد فيها: أنواع السلع، أسعارها، تاريخ صلاحية العرض....
- يقدم المستثمر طلب استثمار عبر منتج الخيرات ( نموذج طلب استثمار في منتج الخيرات).
- يوقع المستثمر على اتفاقية استثمار الخيرات.
- يقوم المستثمر بتعبئة نموذج وكالة شراء سلعة حيث يفوض البنك بشراء سلعة محددة لصالحه من المورد بثمن محدد وعملة محددة.
- يودع المستثمر إجمالي قيمة الشراء في حسابه الشخصي.
- يقدم البنك إشعارا للمستثمر بأنه قد أتم تنفيذ طلبه.
- يعرض المستثمر على البنك بيع السلعة التي امتلكها بثمن مؤجل يتضمن الربح وتاريخ الاستحقاق وذلك بتعبئة نموذج إيجاب المستثمر.
- يقبل البنك بقيد ثمن البيع في حساب المستثمر في تاريخ الاستحقاق.
2- بنك الجزيرة:(1/53)
طرح البنك برنامج "نقاء" للمتاجرة في السلع عن طريق المرابحة موفرا بديلا للودائع الآجلة.
ثم ذكر عددا من الأسئلة والأجوبة حول برنامج "نقاء".
ومن هذه الأسئلة ما يأتي:
س: هل يتوافق برنامج "نقاء" مع أحكام الشريعة الإسلامية؟
ج: نعم، إن برنامج "نقاء" قائم على بيع المرابحة المباح في الفقه الإسلامي، كما أن هناك موافقة صادرة من الهيئة الشرعية الخاصة بالبنك على هذا البرنامج.
س: هل رأس المال مضمون؟ وكيف يكون مضمونا ومتوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية؟
ج: نعم يكون رأس المال مضمونا رغم توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية حيث إن رأس المال هو بذمة البنك عكس ما هو عليه الحال بالنسبة إلى صناديق الاستثمار والتي تكون عرضة لتغيرات السوق حيث يكون هناك ربح وخسارة.
س: كيف يتم الدخول في عملية مرابحة جديدة عند حلول الأجل (تاريخ الاستحقاق)؟
ج: إذا رغب العميل بالدخول في عملية مرابحة جديدة عند تاريخ الاستحقاق يكون هناك طريقتان يمكن اتباع إحداهما:
فإما أن يقوم العميل بإجراءات مرابحة جديدة عند كل أجل.
أو عن طريق التجديد التلقائي من خلال توكيل أحد موظفي البنك المعروف لدى العميل مسبقا للدخول بمرابحة جديدة إلى فترات مماثلة ومتتالية إلى حين إخطار البنك خطيا من قبله بغير ذلك.
س: هل يمكن للعميل أن يطلب تعجيل السداد من البنك؟
ج: نعم يحق للعميل طلب تعجيل السداد.
س: هل يقوم البنك بخصم جزء أو كامل الربحية عند تعجيل السداد؟
ج: نعم سوف يكون هناك خصم جزء أو كل هامش الربحية مقابل السداد المبكر.
س: من هم العملاء الذين يمكنهم الاشتراك في برنامج "نقاء"؟
ج: أي عميل جديد أو عميل حالي يرغب في المشاركة في برنامج "نقاء" بمبلغ لا يقل 250.000 ريال سعودي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية من الدولار الأمريكي أو اليورو أو الجنيه الإسترليني.
س: هل يمكن للعميل أن يشترك في أكثر من مرابحة واحدة في برنامج "نقاء"؟(1/54)
ج: نعم يمكن للعميل الاشتراك لأكثر من مرابحة واحدة وبمبالغ مختلفة ولفترات استحقاق مختلفة أيضًا.
س: ما هي العوائد التي يقدمها برنامج "نقاء" للعملاء؟
ج: يقدم برنامج "نقاء" لعملائه عوائد ربحية تفوق العوائد التي تقدمها الودائع التقليدية خصوصا في المرحلة الأولى.
س: هل تملك العميل للسلعة عن طريق المستندات فقط شرعيا؟
ج: نعم لقد اتفق بعض علماء الشرع على سلامة تملك العميل للسلع عن طريق المستندات فقط دون الحاجة إلى أن يمتلكها عينيا.
3- بنك الإمارات:
أعلن البنك عن منتج أسماه "حساب الجود الاستثماري" وتحدث عن مزايا المنتج فقال:
1- أداة لتنمية الأموال.
2- معدوم المخاطر.
3- مجاز من الهيئة الشرعية للبنك.
4- سهولة الاشتراك بالاستثمار.
5- التعامل بالمواد المجازة من الهيئة الشرعية مثل البترول واليوريا.
4- البنك السعودي البريطاني:
أعلن البنك عن منتج جديد اسمه "نهر" وقال في بيانه:طرحت الأمانة للخدمات المصرفية الإسلامية بالبنك السعودي البريطاني منتجها الإسلامي الجديد (نهر) الذي يمثل صيغة استثمارية إسلامية قصيرة إلى متوسطة المدى مبنية على أساس مفهوم الاستثمار بالمرابحة والذي يتطابق مع أحكام الشريعة الإسلامية ويعد بديلا لمنتج الودائع الثابتة التقليدية. وبموجب حساب "نهر" والذي أجازته الهيئة الشرعية بالبنك يقوم العميل بتعيين قسم السلع بالأمانة وكيلا له لشراء سلع من الأسواق الدولية (المعادن بشكل أساسي) ثم يقوم العميل بعد ذلك ببيع السلع المشتراة إلى البنك (من خلال طرف ثالث) بربح، وبعد ذلك يسدد البنك القيمة (البيع) على العميل بالأجل بتاريخ يتفق عليه فيما بينهما.
5- بنك الرياض:
أعلن بنك الرياض عن منتج بديل للودائع لأجل فقال: إن كنت ترغب في تنمية أموالك بطريقة شرعية والحصول على عائد محدد ولمدة زمنية محددة فإن حساب العائد الإسلامي يلبي رغبتك.(1/55)
وتحدث عن حساب العائد الإسلامي فقال: أداة لتنمية الأموال بدون مخاطر وتعتبر البديل الإسلامي للودائع التقليدية، يقوم على أساس المتاجرة في السلع الجائز تداولها حسب أحكام الشريعة الإسلامية بموافقة ومراجعة الهيئة الشرعية للمصرفية الإسلامية في بنك الرياض، حيث يقوم البنك بشراء السلع لصالح العميل بناء على التوكيل الصادر منه، وبعد تملك العميل للسلع يقوم البنك بشراء السلع منه مرابحة مع الاتفاق على تاريخ الدفع الآجل وهامش الربح.
وقال عن مزايا حساب العائد الإسلامي:
1- معتمدة من الهيئة الشرعية المصرفية الإسلامية في البنك.
2- بدون مخاطر.
3- عوائد مجزية ومحددة.
وبين الإجراءات المعتمدة من الهيئة الشرعية لحساب العائد الإسلامي، وهي ما يأتي:
- يتقدم العميل إلى المصرفية الإسلامية في بنك الرياض بإبداء رغبته في استثمار رصيد حسابه أو جزء منه عن طريق تنفيذ مرابحة مع البنك.
- في حال قبول المصرفية الإسلامية هذه الرغبة من العميل فإن المصرفية الإسلامية تطلب من العميل وكالة عنه في شراء سلع يحدد ثمنها وجنسها وأوصافها المعتبرة من خلال التنصيص عليها في القائمة المعروضة عليه من قبل المصرفية الإسلامية ببنك الرياض.
- في حال قبول العميل توكيله البنك في شراء السلع المذكورة يوقع على نموذج الوكالة المعد لذلك والذي يتضمن تفويض خصم الثمن من حساب العميل لدى البنك.
- تقوم المصرفية الإسلامية بتنفيذ مقتضى الوكالة وبذلك تصبح السلع المشتراة من قبل المصرفية الإسلامية ملكا للعميل.
- تبلغ المصرفية الإسلامية العميل بشرائها السلع لصالح العميل وتبدي المصرفية الإسلامية رغبتها في شرائها منه مرابحة على سبيل التأجيل.
- يجرى بعد ذلك عقد بيع من العميل للسلع المذكورة على البنك وبالثمن الذي جرى عليه الاتفاق بينهما قدرا وأجلا وبذلك تكون السلع المذكورة ملكا للمصرفية الإسلامية ببنك الرياض.(1/56)
- بعد حلول الأجل تقوم المصرفية الإسلامية بإيداع الثمن في حساب العميل.
- في حال رغبة العميل تكرار العملية فتتبع الإجراءات السابقة.
6- بنك التسليف الزراعي اليمني:
وديعة البركة: بديل إسلامي للودائع لأجل في البنوك الربوية.
الطريقة:
- يقوم العميل بإيداع مبلغ في البنك لمدة خمس سنوات بدون فائدة.
- يقوم البنك في الحال بإعطائه مبلغا هدية عوضا عن فوائد المبلغ في الودائع في البنوك الربوية.
المناقشة
البنك هو المنشأة التي تتاجر في الديون عن طريق الاقتراض والإقراض؛ فهي تقترض لتقرض. ودخلها أساسا من فوائد القروض الربوية كما يبدو من دراسة الميزانية لأي بنك ربوي.
وعندما نشأت المصارف الإسلامية فرح المسلمون بها حيث لا تتعامل بالربا، وأخرجت العقود التي أقرها الشرع من باطن الكتب إلى التطبيق العملي كالمضاربة والبيوع والإجارة وغيرها.
وللأسف الشديد وجدنا بعض البنوك الإسلامية، وعلى الأخص فروع البنوك الربوية، تحن إلى الأصل، وتقوم بمعاملات لا تتفق مع وظيفة البنك الإسلامي، ومثال ذلك ما رأيناه في التمويل بالتورق.
والمنتج الجديد البديل للودائع الآجلة هو عكس التمويل بالتورق؛ حيث من يريد الحصول على النقود هنا هو البنك وليس العميل، والبنك إنما يقترض ليقرض فهذه وظيفته الرئيسية.
ومن قبل كتبت بحثا موسعا عن التمويل بالتورق وقدمته لهذا المجمع الموقر، وبعد مناقشة الأبحاث انتهى المجمع إلى عدم الجواز. ولا أريد أن أعيد ما كتبته من قبل، فهو ينطبق على هذا المنتج، ولكن سأكتفي بمناقشة ما عرضته هذه البنوك الستة مناقشة تبين حقيقة هذا المنتج، وحكمه الشرعي.(1/57)
هذه البنوك تريد ودائع آجلة تبقى عندها مدة من الزمن حتى تستخدمها في نشاطها. ولما كانت الودائع الآجلة في البنوك الربوية استقر الأمر على أن فوائدها من الربا المحرم كما أجمعت كل المجامع الفقهية، رأت هذه البنوك أن تأتي بمنتج جديد يشترك مع الودائع الآجلة في الهدف والقصد، مع بعض التعديلات التي تقرها هيئات الرقابة الشرعية لتخرج من دائرة الحرام، فهل وفقت هذه البنوك؟
أحد هذه البنوك الستة جعلها وديعة لمدة خمس سنوات كالبنوك الربوية تماما، لكنه بدلا من أن يعطي الفائدة الربوية في نهاية المدة أعطاها في بداية الإيداع، وجعلها من باب الهبة!! فهل تغير الحكم الشرعي؟ وهل تقديم الفوائد يجعلها حلالا طيبا؟
أخشى أن يكون التحريم أشد من فوائد الودائع الآجلة؛ لأن استحلال الحرام أشد تحريما من التعامل مع الإقرار بالتحريم.
باقي البنوك رأت إدخال سلعة للتحليل، بحيث يشتريها البنك نقدا باسم العميل، ثم يشتريها بالأجل من العميل.
ونلاحظ أن السلعة الوسيطة ليست من السلع المحلية؛ حيث يمكن رؤيتها وتسلمها، وتسليمها، وإنما جعلت من الأسواق العالمية (البرص).
وأوضح هنا كيفية التعامل في هذه الأسواق لنعرف أتوجد سلعة فعلا أم لا.
لخبرتي الطويلة في مراقبة تعامل المصارف الإسلامية في السلع والمعادن، ومراجعتي لعملياتها، وزياراتي لبعض الأسواق العالمية ومخازن السلع والمعادن في أوربا، أجد الصورة واضحة أمامي كل الوضوح.
فما يتداول في البرص العالمية هو ما يعرف بإيصالات المخازن، ورأيت بنفسي كيف تتم هذه الإيصالات.
البضائع التي يراد بيعها عن طريق البرصة ترسل أولاً إلى أحد المخازن، وبعد التفريغ واتخاذ الإجراءات اللازمة تبدأ عملية الوزن لوحدات متساوية تقريبا، وكل وحدة تزن خمسة وعشرين طنا، أي خمسة وعشرين ألف كيلو جرام.(1/58)
وبعد الوزن تكتب البيانات الكاملة المتصلة بهذه الوحدة، فيكتب الجنس، والصفات، والوزن الحقيقي، فقد يزيد قليلا أو ينقص قليلا عن الخمسة والعشرين طنا، ومكان التخزين الذي يوضع فيه.... إلخ.
هذه الورقة المكتوبة هي إيصال المخازن، وهي التي تتداول في البرصة وتنتقل من يد إلى يد إلى أن تنتهي ليد مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه. والبيانات المكتوبة في الإيصال نرى مثلها في مكان التخزين، ومسجلة على الحاسب الآلي.
والمصارف الإسلامية منذ نشأتها لا أعلم أي مصرف تسلم سلعة من السلع، أو تسلم الإيصالات الأصلية واحتفظ بها ليبيع في الوقت المناسب، سواء هو أو وكيله.
وحينما حاولت مع بعضهم أن يقوم بهذا كان الرد: إننا لا نستطيع أن نتحمل مخاطر تغير الأسعار، ولا قدرة لنا لمجاراة البنوك والشركات العملاقة.
ولذلك فإن المصارف الإسلامية يعرض عليها ثمن شرائها في الحال، وبيعها الآجل في وقت واحد، وتبلغ الوكيل بالموافقة على الاثنين معا، وتسلم وتسليم إيصالات المخازن باعتباره وكيلا عنها.
وما عرفناه من خلال زياراتنا المتكررة، وما اعترف به بعض البنوك والشركات العالمية، هو أن عدم وجود إيصالات مخازن أصلية يعني عدم وجود سلع.
والبنوك الخمسة التي أدخلت السلعة في هذا المنتج هل تحصل على هذه الإيصالات عند الشراء باسم العميل، ثم تحتفظ بها عند الشراء بالأجل من العميل؟!
وهل الشراء يكون لخمسة وعشرين طنا ومضاعفاتها؛ حيث إن إيصالات المخازن لا تتجزأ؟
إن هذه الإيصالات لا توجد إلا في الأماكن التي فيها البرص العالمية، ولا وجود لها في بلاد هذا المنتج، وتداولها لا يكون إلا بين أصحاب مئات الملايين أو المليارات. أما المتعاملون بمبالغ قليلة قد لا تصل إلى ثمن إيصال واحد فلا مكان لهم بين الكبار. فالتعامل هنا في أوراق فقط، ولا مجال للسلع ولا لإيصالات المخازن.(1/59)
من هذا نرى أن السلعة التي ذكرت للتحليل لا وجود لها، ولا يعلم المشتري عنها شيئًا، ولا يمكن أن يتم تسليمها أو تسلمها، وإنما التعامل في أوراق فقط، وأوراق المخازن الأصلية التي تثبت الملكية لا أحد يتسلمها أو يفكر في الحصول عليها، والذين يحصلون عليها للتسلم شركات عملاقة تشتري بمئات الملايين أو بالمليارات، ويمكن لها التعامل في البرصة، والتسلم من المخازن، أما المبالغ التي تودع في البنوك في هذا المنتج فهي ضئيلة لا تصلح لشراء الأطنان من المعادن.
ولذلك وجدنا من هذه البنوك من يلغي السلعة أصلا، ووجدنا كذلك من يصرح بأن العمليات تتم بالأوراق فقط، فالسلعة غير مقصودة.
التكييف الشرعي للوديعة الآجلة:
المال المودع مضمون من البنك، فهو عقد قرض، والزيادة على القرض تبعا للمبلغ والزمن، وهذه الزيادة مضمونة أيضًا من البنك، فهذه الوديعة عقد قرض ربوي.
التكييف الشرعي للمنتج البديل:
أصل المال مضمون من البنك أيضًا كالوديعة الآجلة، فهو عقد قرض. ويتعهد البنك برد الأصل مع الزيادة المتفق عليها، أي أن هذه الزيادة مضمونة من البنك أيضًا، والسلعة لا وجود لها؛ فالزيادة ليست نتيجة لشراء بالأجل، وإنما مرتبط بالمبلغ المضمون والزمن؛ أي أن هذا المنتج لا يختلف عن الوديعة الآجلة، فهو عقد قرض ربوي؛ فليس بديلا عن الوديعة الآجلة، فهو مثلها تماما. وتقديم الفائدة في وديعة البركة – لا بارك الله فيها – لا يغير الحكم، والقول بأنها هبة قول باطل، فالفائدة تتحدد تبعا للمبلغ والزمن. وإدخال ورقة عند البنوك الأخرى لا يغير أيضًا من الحكم الشرعي، فلا يوجد سلعة أصلا حتى يكون هناك بيع وشراء.
والقول بتوكيل البنك بالشراء للعميل، ثم الشراء الآجل من العميل قول غير صحيح؛ فالوكيل أمين وليس بضامن، والبنك هنا منذ البداية ضامن للمبلغ المودع عنده، وضامن للزيادة أيضًا، فكيف يكون وكيلا؟!(1/60)
وأخشى أن يكون التعامل بهذا المنتج الذي لا يختلف عن الوديعة الآجلة المحرمة، أخشى أن يكون استحلالا للربا المحرم، فيكون أسوأ من الوديعة الآجلة نفسها!
هل سنترحم على أيام المصارف الإسلامية؟!
عندما نشأت المصارف الإسلامية كان نشاطها بعيدا عن الربا وحيله، وعندما كنا نتحدث عنها في محاضرات أو لقاءات أو مقالات ونقارن بينها وبين البنوك الربوية، كان الفرق واضحا جليا.
ففي البيع مثلا كان القرار الذي التزمت به هذه المصارف هو أن المصرف الإسلامي يجوز له أن يبيع مرابحة بعد أن يشتري السلعة ويتملكها ويحوزها، ما دام يقع عليه تبعة الهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعد التسليم.
فلما ظهر التورق المصرفي لم يعد هناك فرق يذكر بين الاقتراض من البنوك الربوية والاقتراض من البنوك التي تطبق التورق المصرفي، فكما ظهر من الدراسة أن الفرق أوراق تكتب لسلع لا وجود لها في الواقع العملي، وبقي بعد هذا الإيداع للاستثمار الحلال في المصارف الإسلامية والإيداع بفائدة ربوية في البنوك الأخرى.
ثم جاء ما يلغي وظيفة المصرف الإسلامي تماما، ويجمع بينه وبين البنك الربوي في الإيداع أيضًا كما ظهر من دراسة المنتج البديل للودائع الآجلة، فما هو إلا إيداعا بفائدة ربوية مع كتابة أوراق لا وزن لها؛ فهي لسلع لا وجود لها في الواقع العملي.
وبذلك يمكن أن توضع كلمة إسلامي على أي بنك في العالم دون تغيير لوظيفته شرعا وقانونا وعرفا؛ فهو يقوم بوظيفته في الإقراض والاقتراض وإن أكل الربا باسم البيع كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهل سنترحم على أيام المصارف الإسلامية؟!
الملحق الثاني
قرار مجمع الرابطة بشأن موضوع:
التورق كما تجريه بعض المصارف
في الوقت الحاضر
بسم الله الرحمن الرحيم
القرار الثاني
بشأن موضوع: التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد:(1/61)
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19-23/10/1424 هـ الذي يوافقه: 13-17/12/2003 م، قد نظر في موضوع: « التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر ».
وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة "ليست من الذهب أو الفضة" من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف - إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة - بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.
وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:
1) ... أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعًا سواء أكان الالتزام مشروطًا صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2) ... أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3) ... أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل.
وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره.. وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة.(1/62)
فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضًا حقيقيًا وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانيًا: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى. كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضًا بزيادة ترجع إلى الممول.
الملحق الثالث
قرار مجمع الرابطة بشأن موضوع:
المنتج البديل عن الوديعة لأجل
القرار الرابع بشأن موضوع: المنتج البديل عن الوديعة لأجل
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22-26/ شوال/ 1428هـ الذي يوافقه 3-7/ نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: (المنتج البديل عن الوديعة لأجل)، والذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر تحت أسماء عديدة، منها: المرابحة العكسية، والتورق العكسي أو مقلوب التورق، والاستثمار المباشر، والاستثمار بالمرابحة، ونحوها من الأسماء المحدثة أو التي يمكن إحداثها.
والصورة الشائعة لهذا المنتج تقوم على ما يلي:
1- توكيل العميل (المودع) المصرف في شراء سلعة محددة، وتسليم العميل للمصرف الثمن حاضرا.
2- ثم شراء المصرف للسلعة من العميل بثمن مؤجل، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه.(1/63)
وبعد الاستماع إلى البحوث والمناقشات المستفيضة حول هذا الموضوع، قرر المجلس عدم جواز هذه المعاملة؛ لما يلي:
1- أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعا، من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصا أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.
2- أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم "التورق المنظم" وقد سبق للمجمع أن قرر تحريم التورق المنظم بقراره الثاني في دورته السابعة عشر، وما علل به منع التورق المصرفي من علل يوجد في هذه المعاملة.
3- أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي، القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي.
... والمجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في رفع بلوى الربا عن الأمة الإسلامية، ويؤكد على أهمية التطبيق الصحيح للمعاملات المشروعة والابتعاد عن المعاملات المشبوهة أو الصورية التي تؤدي إلى الربا المحرم فإنه يوصي بما يلي:
1- أن تحرص المصارف والمؤسسات المالية على تجنب الربا بكافة صوره وأشكاله؛ امتثالا لقوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278].
2- تأكيد دور المجامع الفقهية، والهيئات العلمية المستقلة، في ترشيد وتوجيه مسيرة المصارف الإسلامية؛ لتحقيق مقاصد وأهداف الاقتصاد الإسلامي.
3- إيجاد هيئة عليا في البنك المركزي في كل دولة إسلامية، مستقلة عن المصارف التجارية، تتكون من العلماء الشرعيين والخبراء الماليين؛ لتكون مرجعا للمصارف الإسلامية، والتأكد من أعمالها وفق الشريعة الإسلامية.
والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المراجع بعد القرآن الكريم
(1) ابن أبي بكر، محمد: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، مركز البحث العلمي بكلية الشريعة، مكة المكرمة.(1/64)
(2) ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، الدار السلفية، الهند.
(3) ابن الأثير، أبو السعادات مجد الدين المبارك محمد الجزري: النهاية في غريب الحديث والأثر، المكتبة الإسلامية، القاهرة.
(4) ابن تيمية، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم: مجموع الفتاوى، الدار العربية، بيروت.
(5) ابن تيمية، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم: جامع المسانيد، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة.
(6) ابن حجر، أحمد بن علي: فتح الباري، ومعه صحيح البخاري، المكتبة السلفية، القاهرة.
(7) ابن رشد (الجد)، أبو الوليد محمد بن أحمد: البيان والتحصيل، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
(8) ابن رشد (الجد)، أبو الوليد محمد بن أحمد: المقدمات الممهدات، دار صادر، بيروت.
(9) ابن شاس، جلال الدين عبد الله بن نجم: عقد الجواهر ا لثمينة، مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي.
(10) ابن عابدين، محمد أمين: رد المحتار ومعه الدر المختار للحصكفي، وتنوير الأبصار للتمرتاشي، دار الكتب العلمية، بيروت.
(11) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد: المغني، هجر للطباعة، القاهرة.
(12) ابن قيم الجوزية: أعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
(13) ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن علي: لسان العرب: دار صادر، بيروت.
(14) أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، مسائل الإمام أحمد.
(15) الأزهري، أبو منصور: الزاهر، وزارة الأوقاف، الكويت.
(16) الألباني، محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت.
(17) البنا، أحمد عبد الرحمن، الفتح الرباني، دار الشهاب، القاهرة.
(18) البيهقي، أبو بكر أحمد بن حسين: السنن الكبرى ومعه الجوهر النقي لابن التركماني، دار الفكر، القاهرة.
(19) الخرشي، محمد: الخرشي على مختصر خليل، دار صادر، بيروت.(1/65)
(20) الرزاي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، دار الفكر، بيروت.
(21) الزمخشري، أبو القاسم جار الله بن محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي، أساس البلاغة، دار الكتب المصرية، القاهرة.
(22) الزيلعي، عبد الله بن يوسف، نصب الراية، المكتب الإسلامي، بيروت.
(23) السرخسي، شمس الدين، المبسوط، دار المعرفة، بيروت.
(24) السعيدي، عبد الله بن محمد: التورق كما تجريه المصارف، بحث قدم لمجمع الرابطة سنة 1424هـ.
(25) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات، دار المعرفة، بيروت.
(26) الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، كتاب الشعب، القاهرة.
(27) الشريف، محمد عبد الغفار، التطبيقات المصرفية للتورق، بحث قدم لندوة البركة، سنة 1423هـ.
(28) العثماني، محمد تقي: أحكام التورق وتطبيقاته المصرفية، بحث قدم لمجمع الرابطة سنة 1424هـ.
(29) الفيروز آبادي، أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الشيرازي: القاموس المحيط، دار السعادة، القاهرة.
(30) القرة داغي، علي محي الدين: حكم التورق في الفقه الإسلامي، بحث قدم لمجمع الرابطة سنة 1419هـ.
(31) القري، محمد علي: التورق كما تجريه المصارف، بحث قدم لمجمع الرابطة سنة 1424هـ.
(32) الكوهجي، عبد الله بن الشيخ: زاد المحتاج، الشؤون الدينية بدولة قطر.
(33) المناوي: فيض القدير.
(34) المنيع، عبد الله بن سليمان، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، بحث قدم لمجمع الرابطة 1424هـ.
(35) الموسوعة الفقهية: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت.
(36) النووي، محيي الدين بن شرف: كتاب المجموع ومعه المهذب للشيرازي، مكتبة الإرشاد، جدة.
(37) النووي، محيي الدين بن شرف: شرح صحيح مسلم، دار أبي حيان، القاهرة.
(38) شاكر، أحمد محمد: المسند للإمام أحمد، دار المعارف، القاهرة.
فهرس الموضوعات
مقدمة
المبحث الأول: التورق في اللغة 4
حكم التورق 10
المبحث الثاني:التورق عند الحنفية 12(1/66)
المبحث الثالث: التورق عند المالكية 17
المبحث الرابع:التورق عند الشافعية 20
المبحث الخامس:التورق عند الحنابلة 24
المبحث السادس: التورق المصرفي المنظم 30
المبحث السابع: المناقشة و الترجيح 35
أدلة المجيزين 42
المبحث الثامن: التورق العكسي 53
الخاتمة و المنتائج 54
الملاحق:
الملحق الأول: المنتج البديل للوديعة لأجل 58
الملحق الثاني: قرار مجمع الرابطة بشأن موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف
في الوقت الحاضر 71
الملحق الثالث: قرار مجمع الرابطة بشأن موضوع المنتج البديل عن الوديعة لأجل 74
المراجع 77
الفهارس 80(1/67)