الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
التورق
حقيقته ، أنواعه
( الفقهي المعروف والمصرفي المنظم )
ملخص دراسة أعدتها
الدكتور هناء محمد هلال الحنيطي
بإشراف
الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي
الأستاذ الدكتور خالد أمين عبد الله
للحصول على درجة الدكتوراه من الأكاديمة العربية للعلوم المصرفية
مقدمة
لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
هذه الدارسة هي حصيلة جهد تم في الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية كانت قد أعدتها الدكتوره هناء محمد الحنيطي بإشراف الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بعنوان ( بيع العينة والتورق : دراسة تطبيقية على المصارف الإسلامية )، بلغ عدد صفحاتها 266 صفحة وعدد مصادرها ومراجعها 176 ، حصلت بها الطالبة على شهادة الدكتوراه من الأكاديمية بدرجة امتياز .
وقد أُنجز هذا العمل بجهد متميز موصول من الطالبة هناء محمد الحنيطي ، تابعه الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بالتوجيه والإثراء والاعتماد العلمي ، وهو فكرة ومشروع علمي حتى وصل إلى دراسة سدت حاجة ملحة في المكتبة الاقتصادية الإسلامية وقد شارك في الإشراف على الرسالة الأستاذ الدكتور خالد أمين عبد الله بخصوص الجانب المالي والمصرفي . وقد نوقشت الرسالة بتاريخ 22/5/2007 .
وإننا إذ نضع خلاصة هذه الدراسة بين يدي مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، بعد أن تقرر إدراج هذا الموضوع المهم على جدول أعمال دورته التاسعة عشرة التي ستعقد بالشارقة ، نتطلع إلى صدور قرار مجمعي يعالج أبعاد هذا الموضوع الهام ، نظراً لأهمية صدور هذا القرار على هذا المستوى العلمي العالي في توجيه البنوك والمؤسسات الإسلامية وتقديم خدمة متميزة لمسيرة الاقتصاد الإسلامي .
أمانة المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله عز وجل :(1/1)
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } صدق الله العظيم
( فاطر/28 (
فهرس المحتويات
? ... الملخص.................................................................................................................
الإطار العام للدراسة...............................................................................................
المبحث الأول: التورق لغة واصطلاحا........................................................................
·? ... المطلب الأول: التورق لغة ..........................................................................................
? ... المطلب الثاني: التورق اصطلاحاً..................................................................................
·? ... المبحث الثاني: حكم التورق عند الفقهاء .....................................................................
? ... المطلب الأول: حكم التورق عند الحنفية ..........................................................................
·? ... المطلب الثاني: حكم التورق عند المالكية .........................................................................
? ... المطلب الثالث: حكم التورق عند الشافعية.........................................................................
·? ... المطلب الرابع: حكم التورق عند الحنابلة .....................................................................
المبحث الثالث: التوريق..........................................................................................
·? ... المبحث الرابع: أنواع وضوابط التورق وطريقة اجرائه في المصارف الإسلامية...........
? ... المطلب الأول: أنواع التورق........................................................................................(1/2)
·? ... المطلب الثاني : عقود التورق كما تُمارس من قِبَل المصارف الإسلامية والتخريج الفقهي لها
? ... المبحث الخامس: موقف العلماء المعاصرين من التورق المصرفي المنظم .............................
·? ... المطلب الأول: ادلة القائلين بجوازالتورق المصرفي المنظم ............................................
المطلب الثاني: مزايا التورق من وجهة نظر من أجازه ......................................................
·? ... المطلب الثالث: ادلة القائلين بتحريم التورق المصرفي المنظم ...............................................
? ... المطلب الرابع: الرد على ادلة المانعين ...........................................................................
·? ... المطلب الخامس : الرد على ادلة المجيزين ..............................................................
المطلب السادس : المناقشة والترجيح ............................................................................
الخاتمة ( النتائج والتوصيات ) ...................................................................................
فهرس الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة مرتبة
المراجع
التورق:حقيقته، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم)
تتناول هذه الدراسة التورق:حقيقته، أنواعه وأثره على مسيرة ومستقبل المؤسسات والمصارف الإسلامية حيث يعتبر التورق المصرفي المنظم أداة تمويلية حديثة تم تطبيقها في المصارف الإسلامية والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية.(1/3)
عرضت الدراسة بيع التورق وبينت مفهومه وأنواعه والفرق بينها وأحكامه وتطبيقاته المعاصرة وتناولت الدراسة التورق المصرفي المنظم وتطبيقاته، وتوصلت الدراسة إلى أن التورق المصرفي المنظم بالإضافة لمخالفته لأحكام الشريعة يؤدي إلى تهجير أموال المسلمين وتراكم المديونية لدى العملاء، وأن الإقبال المتزايد من قبل العملاء على التورق المصرفي يعود إلى بحث العملاء عن البديل الإسلامي للمصارف التقليدية وإلى تدني نسبة المخاطرة وسرعة الإنجاز .
... وقد أوضحت الدراسة عدم جواز التورق المصرفي المنظم وان تطبيق التورق المصرفي المنظم يؤدي إلى ضعف الفارق بين العمل المصرفي الإسلامي وعمل المصارف التقليدية حيث أن التورق والإقتراض بالفائدة يتفقان في نتيجة الحصول على السيولة المطلوبة للعملاء. ونبهت الدراسة إلى عزوف كثير من المصارف الإسلامية عن الدخول في صيغ الاستثمار والتمويل التي تقوم على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة. والاكتفاء بصيغ التمويل التي تنتهي بعلاقة المديونية بين المصرف والعميل .
الإطار العام للدراسة
? أهمية الدراسة:
أصبح نجاح المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر يقاس بمدى إبتكارها وتطويرها لصيغ الاستثماروالتمويل وادواته،وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في هذه الأدوات حديثة العهد حيث يعتبر الالتزام بالاحكام الشرعية أساس عمل المصارف الإسلامية، وبخاصة إذا كنا نتحدث عن أدوات التمويل والمنتجات التي تعد الركن الأساسي والحيوي في هذه المصارف.(1/4)
... وقد بينت الدراسة كيف بدأت بعض المصارف الإسلامية بطرح صيغ مالية جديدة وتطويرها والتي كان من أبرزها التوّرق المصرفي المنظم، والذي أخذ الناس يتعاملون فيه دون قيود أو ضوابط شرعية. ومن هنا فقد اهتمت هذه الدراسة بالتعريف بكيفية تطبيق مفهوم التوّرق في بعض المصارف الإسلامية من منطلق الإيمان بأهمية دراسة مثل هذه الأدوات، وإدراكاً منها حاجة المصارف الإسلامية الى زيادة المعرفة حول حقيقة التمويل بأدوات التوّرق لتمكينها من تحقيق أهدافها في المنافسة والاستمرارية والنمو في ظل بيئة عالمية وإقليمية تتسم بالتعقيد والتغير، وذلك عن طريق التأكيد على إيجاد بدائل تمويلية قائمة على أسس وضوابط شرعية تحقق هذه الأهداف.
? أهداف الدراسة:
تنحصر أهم الأهداف التي تسعى هذه الدراسة إلى تحقيقها على النحو الآتي :
1) مفهوم بيع التورق.
1) بيان مدى وضوح المفهوم العلمي المعاصر لبيع التوّرق لدى المصارف الإسلامية.
2) تحليل المعاملات المالية المعاصرة للتوّرق المصرفي المنظم وحقيقة تطبيق آلية التوّرق المصرفي المنظم الذي يمارس من قبل البنوك والتوصل إلى نقاط الضعف والخلل أوالقوة في أدائها الحالي.
3) بيان موقف المجامع والندوات الفقهية من الاجتهادات المعاصرة في التوّرق المصرفي المنظم،والذي لم يكن موجوداً من قبل بصورته الحقيقية الحالية.
4) بيان إتجاهات المصارف الإسلامية في إتخاذ التوّرق أداة من أدوات التمويل الجديدة وأثره على مستقبل العمل المصرفي الإسلامي .
? مشكلة الدراسة وأسئلتها:(1/5)
تتمثل مشكلة هذه الدراسة في محاولة البحث في أحد المواضيع المهمة في المعاملات المالية المعاصرة ( بيع التوّرق ) من الناحية النظرية والتطبيقية، ودورعقود التوّرق في مسيرة العمل المصرفي الإسلامي وآثارها على النشاط الاقتصادي وبلورة جوانب هذا الدور والتعريف به وإدراكه، ومدى التزامه بأحكام الشريعة الإسلامية، وأيضاً إبراز وجود خصوصية المصارف الإسلامية مقارنة بالمصارف الأخرى.
... وبالتالي لن تحاول الدراسة البحث في القضايا التفصيلية ذات الصلة بالموضوع إذ يكفي الاقتصار على ما يفي بالغرض منها ، وهذا لا يعني الاستغناء عن بحث الجانب الفقهي لهذا الموضوع، بل لا بد من بحثه لكونه المصدر الرئيس الذي اعتمدت عليه الدراسة في الحكم على ضبط التطبيقات المعاصرة له وهو المحدد لمدى امكانية توسيع دائرة تطبيقه .
... لذلك تحاول الدراسة الأجابة على الأسئلة التالية:
1) ما مفهوم بيع التوّرق؟
2) ما الحكم الشرعي للتورق؟
3) ما هي الفروقات الرئيسة بين التورق الفقهي والتورق المصرفي المنظم ؟
4) ما درجة الوضوح في المفهوم العلمي المعاصرللتوّرق المصرفي المنظم في المصارف الإسلامية؟
5) هل التوّرق المعاصر يراد منه البيع والشراء أم التمويل؟
6) هل يحسِّن التوّرق المصرفي دور المصارف الإسلامية في مساعدة العملاء للحصول على السلع وتمويل الحرفيين في المصارف الإسلامية ؟
7) ما هي مزايا القوة والضعف في التورق المصرفي المنظم ؟
8) ما أثر التوسع في التوّرق على دور المصارف الإسلامية في المغالاة في معدل ربح التوّرق حتى يكون أعلى من سعر الفائدة ؟
9) هل في صيغة التورق المصرفي المنظم تواطؤ وتحايل على الربا ؟
10) هل ينطوي التوّرق المصرفي على استغلال ضعف المتوّرق أوحاجته لسيولة ؟
11) هل يحسِّن التوّرق المصرفي دور المصارف الإسلامية في تناقص مديونية الأفراد ؟
? الدراسات السابقة:(1/6)
إن موضوع بيع التورق يعتبر من الموضوعات الحديثة الهامة ، والذي يحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة المستفيضة والمتعمقة التي تجمع بين الجانب النظري والتحليلي، ومن خلال البحث والاستقصاء لا يوجد في الأدبيات المتاحة مَن تناول موضوع بيع التوّرق من الناحية التحليلية، فهناك من تطرق لمسألة التوّرق في مسائل ذات صلة به كالربا والحيل،لذلك اهتمت الدراسة بجمع كل ما يمكن أن يكون له صلة بموضوع البحث والذي كان من أبرزه :
? بحث بعنوان " تعقيبات على البحوث الخاصة بالتطبيقات المصرفية للتوّرق " الذي قدمه علي محمد القرة داغي في مؤتمر "دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية" في الشارقة المنعقدة من 26 – 28 صفر 1423هـ الموافق 7 – 9 /5/2002، والذي أجاز فيه التوّرق وفق شروط وضوابط لإشباع حاجة أو ضرورة.
? بحث بعنوان " التطبيقات المصرفية لعقد التوّرق وآثارها على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي " قدمه أحمد محي الدين أحمد في مؤتمر" دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية "من 26 – 28 صفر 1423هـ – الموافق 7 – 9 /5/2002 في الشارقة والذي توصل فيه إلى أن التورق إذا أصبح أتجاهاً مصرفياً عاماً فهو ضار في الأجل الطويل بالعمل المصرفي الإسلامي، حيث يعمل على إرباك النشاط الاقتصادي ويثقل كاهله بالديون المستخدمة لأغراض إستهلاكية.(1/7)
? بحث بعنوان "التأصيل الفقهي للتوّرق في ضوء الاحتياجات التمويلية المعاصرة " قدمه الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء في السعودية في مؤتمر "دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية" من 26- 28 صفر 1423هـ الموافق 7-9/5/200 ، وتوصل فيه إلى ان التوّرق يعتبر آلية ذات أثر فعٌال في سبيل تحقيق الفلسفة الاقتصادية لتوفير النقد وتحصيله وهو في الوقت نفسه صيغة شرعية موفرة القدرة على الانطلاق بالاستثمارات الإسلامية إلى ما فيه تحقيق مصالح الكسب والنماء للمدخرات النقدية من أفراد ومؤسسات.
? بحث " تطبيقات التوّرق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي " قدمه موسى آدم عيسى في مؤتمر" دور المؤسسات المصرفية الاسلامية في الاستثمار والتنمية" من 26- 28 – صفر 1423هـ الموافق 7-9/5/2002، والذي أكد فيه الباحث أنه بالرغم من مشروعية التوّرق إلا انه من الأفضل قصر استخدامه في مجال التمويل الشخصي للأفراد وفي الحالات التي لا يمكن تمويلها عن طريق الصيغ المصرفية الإسلامية الأخرى وكذلك لتمكين العملاء من سداد المديونيات الربوية التي في ذممهم بغية التحول إلى المصارف الإسلامية.
? بحث " تعليق على بحوث التورق " قدمه حسين حامد حسين في مؤتمر "دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية" من 26- 28 صفر 1423هـ – الموافق 7-9 /5/2002، والذي رأى فيه حرمة التوّرق الفردي والمؤسسي المنظم لمنافاته لمقاصد الشريعة العامة ومبادئها الكلية وأن ظهر جوازه من بعض الأدلة الجزئية، وقد قال بهذا المحققون من العلماء كشيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .(1/8)
? بحث " ملخص أبحاث في التورق " قدمه عز الدين محمد خوجه ، في ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الإسلامي – مملكة البحرين – من 8-9 ربيع الأخر 1423هـ الموافق 19-20 يونيو 2002 ، والتي دعا فيه الباحث المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية للتعاون بشكل وثيق مع الهيئات والمؤسسات الداعمة للصناعة المصرفية الإسلامية مثل المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية للتعريف بها وأبراز خصائصها وكيفية تطبيقها في مختلف المؤسسات المالية الإسلامية .
? بحث بعنوان "حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر" قدمه الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003 . وتوصل فيه إلى الأخذ ببيوع التورق وأنه بيع صحيح مستوف متطلبات جوازه وصحته من شروط وأركان .
? بحث بعنوان"أحكام التورق وتطبيقاته المصرفية" قدمه محمد تقي العثماني، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003 .والذي أكد فيه بصفة عامة على ضرورة الامتناع عن التوسُّع في استخدام التورق في الأعمال المصرفية وقصره على حاجات الأفراد الحقيقية ، ونص على منع بعض صوره .
? بحث بعنوان"حكم التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر" قدمه الصديق محمد الأمين الضرير، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003 . بين فيه أن عملية التورق المصرفي هي استحلال للربا باسم البيع.(1/9)
? بحث بعنوان"العينة والتورق، والتورق المصرفي" قدمه علي السالوس، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003.والذي بين فيه أن التورق المصرفي ربا صريح محرم،وإذا كان التورق المصرفي هو البديل للقروض الربوية فبئس البديل، وبئس المبدل منه، ولا حاجة إذن لمصارف تسمى إسلامية.
? بحث بعنوان"التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر" قدمه عبدالله بن محمد بن حسن السعيدي، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003. وتوصل به إلى أن التورق المصرفي في المصارف الإسلامية يمثل رجوع القهقري،إذ تراجعت من خلاله عن أهدافها وسياستها.
? بحث بعنوان "التورق ... والتورق المنظم" قدمه سامي بن إبراهيم السويلم، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003.والذي بين به أن أدوات العينة بصورها المختلفة تسهل المداينات دون أي أرتباط بالنشاط الاقتصادي الفعلي،وأن التورق المنظم أقرب إلى الربا وإن مسيرة التمويل الإسلامي بحاجة إلى مراجعة مخلصة وجادة.
? بحث بعنوان"التورق كما تجريه المصارف دراسة فقهية اقتصادية" قدمه محمد العلي القري،مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003.توصل به إلى أن التعامل بالتورق المصرفي يؤدي إلى تمكين الأفراد من الحصول على النقود بطريق البيع، وأنه يؤدي إلى مآلات اقتصادية نافعة على مستوى الاقتصاد.(1/10)
التورق: أحكامه وتطبيقاته (1)
تواجه المصارف والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية، بعض الصعوبات في السيولة الزائدة لديها، وكيفية تمويل العملاء من خلال عقود وأدوات إسلامية تحكمها ضوابط شرعية، وقد ظهرت في الفترة الأخيرة معاملة جديدة للحصول على التمويل عن طريق أداة التمويل (التورق المصرفي المنظم) وانتشرت على نطاق واسع وأخذت تمارسها الكثير من المصارف الإسلامية والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية على ما بينهما من فروق في هذا المجال . وقد اختلف الفقهاء والعلماء المعاصرون في حكم التورق وتطبيقاته .
لذلك ستبين الدراسة فيما يلي : معنى التورق والتورق المصرفي المنظم، والتمييز بينه وبين التوريق ، وأراء الفقهاء في مشروعيته وتطبيقاته المعاصرة، وذلك في خمسة مباحث .
المبحث الأول
التورق لغة واصطلاحاً
نبين أولاً معنى التورق لغة ثم نستعرض معناه الاصطلاحي في المذاهب الأربعة .
التورق لغة:
"التورق: (الوَرق) الدَّراهم المضروبة، وكذلك الرقةُ، والهاءَ من الواو. ورَجُلُ (وَرّاق) كثير الدّراهِمَ. و(الوَرَقُ) بفتح الراء المَالُ من دَرَاهِمَ وإبل. والمُسْتَورِقُ : الذي يطلب الوَرِقَ" (2) .
التورق اصطلاحاً في المذاهب الأربعة:
لم يذكر التورق في الاصطلاح الفقهي عند كثير من الفقهاء وإن ذكر يكون في صورة من صور بيع العينة،أو البيوع المنهي عنها أو الربا، والمقصود به في المذاهب الأربعة كما يلي :
أ- التورق عند الحنفية:
__________
(1) ... للاستزادة أنظر:الحنيطي ،هناء محمد، بيع العينة والتوّرق:دراسة تطبيقية على المصارف الإسلامية، رسالة دكتوراه ،قسم المصارف الإسلامية،الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية،2007.
(2) ... الرازي، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، بيروت،دط، لبنان : مكتبة بيروت، 1415هـ، ص 717 .(1/11)
ذكر الحنفية التورق على أنه صورة من صور بيع العينة يقول ابن الهمام: "ومن الناس من صوّر للعينة صورة أخرى وهو أن يجعل المقرض والمستقرض بينهما ثالث فيبيع صاحب الثوب الثوب باثنى عشر من المستقرض ثم إن المستقرض يبيعه من الثالث بعشرة ويسلم الثوب إليه ثم يبيع الثالث الثوب من المقرض بعشرة ويأخذ منه عشرة ويدفعه إلى المستقرض فتندفع حاجته، وإنما توسطا بثالث، احترازاً عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، وهو مذموم اخترعه أكلة الربا" (1) .
فالسلعة لا تعود إلى صاحبها الأول، وإن عادت صار من العينة التي ترجع فيها السلعة إلى بائعها الأول.
ب- التورق عند المالكية:
لم يذكر المالكية التورق بمسماه وأنما ذكروه ضمن بيوع الآجال . جاء في الشرح الصغير: (كخذ) أي كقول بائع لمشتر خذ مني (بمائة ما) أي سلعة (بثمانين) قيمة لما فيه من رائحة الربا،ولا سيما إذا قال له المشتري سلفني ثمانين وأرد لك عنها مائة، فقال المأمور هذا ربا، بل خذ مني بمائة . . . إلخ (2) . فالمالكية نصوا على الكراهة في صورة التورق،وذلك كونها رائحة الربا، فهي الزيادة في الثمن لأجل الأجل.
ج- التورق عند الشافعية:
__________
(1) ... ابن الهمام،الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي الحنفي،إمام من فقهاء الحنفية، مفسر حافظ متكلم، كان معظماً عند أرباب الدولة. أشتهر بكتابه القيم " فتح القدير " ومن مصنفاته: " التحرير في أصول الفقه " أنظر: الموسوعة الفقهية، ج 1/ ص 335 . فتح القدير، ط1، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية، 1415هـ، 1995،ج7/ ص 197-198.
(2) ... الصاوي، الشيخ أحمد، بلغة السالك لاقرب المسالك على الشرح الصغير للقطب سيدي أحمد الدَّردير، ط1، لبنان، بيروت: دار الكتب العلمية، 1415هـ،1995.(1/12)
أما الشافعية فقد ذكروا التورق في مسألة العينة والاستدلال على جوازها، حيث قاسوا بيع السلعة لبائعها الأول على بيعها لغيره، وبيع السلعة التي اشتراها لأجل إلى غير بائعها الأول هو التورق، ويسمى لديهم بالزرنقة (1) .
د- التورق عند الحنابلة:
شاع مصطلح التورق عند الحنابلة ولم يعرف بهذا الأسم إلا عندهم من الفقهاء.
يقول البهوتي: " . . . ومن احتاج لنقد فاشترى ما يساوى ألفاً بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس به نصاً. ويسمى التورق" (2) .
وبذا يتضح من خلال ما تقدم ذكره أن التورق الفقهي لم يكن معروفاً بهذا الأسم إلا عند الحنابلة ومعظم الفقهاء ذكروها ضمن بيوع العينة والمشترك في الصور التي ذكروها هو عدم رجوع السلعة إلى الأول وحاجة المستورق إلى النقد. فيشترط في التورق أن تباع السلعة لغير بائعها الأول، وإلا كان من العينة التي ترجع فيها السلعة إلى بائعها الأول.
__________
(1) ... أنظر: الشافعي،الإمام ابي عبد الله محمد بن ادريس،من بني المطلب من قريش، ولد سنة 150هـ، أحد أئمة المذاهب الأربعة، وإليه ينتسب الشافعية. جمع إلى علم الفقه القراءات وعلم الأصول والحديث واللغة والشعر. نشر مذهبه بالحجاز والعراق. توفى بمصر سنة 204هـ، ونشر بها مذهبه، من تصانيفه: " الأيام " في الفقه، و " الرسالة " في أصول الفقه وغيرها. أنظر: الاعلام، للزركلي، ج1/ ص 329 . الأم مع مختصر المزني، ط2، بيروت، لبنان: دار الفكر، كتاب البيوع ، 1403هـ، 1983، ج3/ ص 78 ، الزمخشري، محمد بن عمر، الفائق في غريب الحديث، ط3، بيروت، لبنان: دار الفكر، 1399هـ، 1979، المجلد الثاني، ص 108 .
(2) البهوتي،منصور بن أدريس، شرح منتهى الأرادات المسمى دقائق أولي النهي لشرح المنهى، د.ط، بيروت، لبنان: عالم الكتب، 1416هـ، 1996، ج2/ ص 26 .(1/13)
أما مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي فقد عرفه: "إن بيع التورق هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيع المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد "الورق"" (1) .
مما تقدم ذكره يظهر أن التورق هو: لجوء شخص بحاجة ماسة إلى نقد ولا يجد من يقرضه إلى شراء سلعة في حوزة البائع وملكها بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، بثمن أقل مما اشتراه، ودون أن يكون هناك تواطؤ بين الأطراف الثلاثة، فهو عمل يقوم به فرد لسد حاجته للنقوم بعقود حقيقية يجريها.
فالعناصر الاساسية للتورق الفردي هي:
1- حصول شخص على النقد.
2- شراء سلعة نسيئة.
3- بيع السلعة بأقل من ثمن الشراء.
4 - بيعها لغير بائعها.
المبحث الثاني
حكم التورق الفردي عند الفقهاء
التورق نوع من البيوع اختُلف في جوازه، فقد منعه بعض الفقهاء وكرهه بعضهم وأجازه بعضهم، وفيما يلي بيان لحكمه في المذاهب الأربعة :
أ- حكم التورق عند الحنفية:
أجاز بعض فقهاء الحنفية كأبي يوسف التورق جاء في حاشية ابن عابدين: "قال أبو يوسف: لا يكره هذا البيع لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك. ولم يعدوه من الربا" (2) .
ب- حكم التورق عند المالكية:
__________
(1) مجمع الفقه الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، القرار الخامس، الدورة الخامسة عشرة، 11 رجب 1419هـ .
(2) ... ابن عابدين، ابن عابدين ، محمد أمين بن عمر ، المعروف بابن عابدين ، دمشقي ، ولد بدمشق سنة 1198هـ ، فقيه الديار الشامّية ، إمام الحنفّية في عصره ، كان شافعّياً أوًل عمره ، من كتبه : ( رد المحتار على الدر المختار ) في الفقه الحنفي ، وعرف هذا الكتاب باسم حاشية ابن عابدين ، وله ( نسمات الأسحار ) في أصول الفقه ، توفي سنة 1252هـ بدمشق ، أنظر : الأعلام، للزركلي ج 6/ ص 42 ، حاشية ابن عابدين ، ط1،بيروت، لبنان: دار المعرفة، 1420هـ، 2000،ج7/ ص 655 .(1/14)
جاء في المدونة: "ولقد سألت مالكا عن الرجل يبيع السلعة بمئة دينار إلى أجل، فإذا وجب البيع بينهما، قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد، فإني لا أبصر البيع؟ قال: لا خير فيه ونهى عنه" (1) . فالتورق عندهم حكم الزيادة في الثمن لأجل الأجل لذلك نهوا عنه .
ج- حكم التورق عند الشافعية
جاء في الأم:"فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقد أقل أو أكثر مما اشتراها به أو بدين" (2) .
إن أصول المذهب الشافعي التي لا ترى اتهام المسلم المتعامل بمعاملة يمكن أن تكون تبطن الربا، ويبنيها على السلامة حتى يظهر القصد، فإنه تبعاً لذلك لا يرى في الورق بأساً ولو عادت السلعة إلى بائعها الأول (3) .
د- حكم التورق عند الحنابلة
أكثر ما ظهر التورق بمسماه عند الحنابلة. يقول المرداوي: "لو احتاج إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين فلا بأس، نص عليه. وهو المذهب وعليه الأصحاب. وهي مسألة التورق" (4) .
مما سبق بيانه يُلاحظ اختلاف الفقهاء في حكم التورق على ثلاثة أقوال:
__________
(1) ... مالك،مالك بن أنس، المدونة الكبرى ،بيروت، لبنان: دار الفكر، د. ط ، د. ت، ج4/ ص 125 .
(2) ... الشافعي،الأم، مرجع سابق، ج3/ ص 79.
(3) ... السلامي، محمد مختار، التورق والتورق المصرفي، الاقتصاد الإسلامي،مجلة محكمة، مجلد(24)، العدد(274)، محرم 1425هـ، مارس 2004، ص 22.
(4) ... المرداوي، الانصاف،مرجع سابق، ج4/ ص 243 .(1/15)
1) أنه حرام،وهو مذهب ابن تيمية، وابن القيم والإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - في إحدى الروايتين، ونسب تحريمه إلى الحنابلة في رواية (1) .
__________
(1) ... أنظر: المرداوي، الإنصاف،مرجع سابق، ج4/ ص 243، ابن مفلح،شمس الدين محمد، الفروع، ط1، بيروت، لبنان : مؤسسة الرسالة، 1424هـ، 2003،ج4/ ص316،أبي شيبة، عبدالله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان أبن أبي بكر، مُصَنّف ابن ابي شيبة ،ط1، بيروت، لبنان: دار الفكر، 1409هـ، 1989، ج4/ ص 375 .(1/16)
2) أنه مكروه فكرهه عمر بن عبد العزيز،والإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين وأشار إلى أنه مضطر ومحمد بن الحسن الشيباني. وقال عمر بن عبد العزيز:"التورق أخية (1) الربا أي: أصل الربا" (2) . فجمهور الفقهاء على كراهته، حيث كرهه الحنفية والمالكية، والحنابلة في رواية (3) .
__________
(1) ... الأخيّة: هو الحبل الذي يربط به الحيوان، واستعير هنا لمعنى أن التورق مرتبط بحكم الربا في التحريم، أنظر: ابن تيمية، كتاب بيان الدّليل على بطلان التحليل، ط1، بيروت، لبنان: المكتب الإسلامي، 1418هـ، 1998، ص 79 .
(2) ... ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، ط1،الرياض، المملكة السعودية: مكتبة العبيكان، 1418هـ، 1997،ج29/ ص 236 .
(3) ... أنظر: المنذري، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي، مختصر سنن ابي داوود، ط1، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية، 1421هـ، 2001،ج3/ ص56 ،المرداوي، الانصاف، مرجع سابق،ج4/ ص 243، الحطاب، أبي عبدالله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي، مواهب الجليل ، ط3، بيروت، لبنان: دار الفكر، 1412هـ، 1992،ج4/ ص 404، الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفه ، المالكي من علماء العربية ، من أهل دسوق تعلم وأقام وتوفى بالقاهرة وكان من المدرسين في الأزهر، له كتب منها ( الحدود الفقهية ) في فقه المالكية ، وحواش على مغنى اللبيب والسعد التفتازاني والشرح الكبير على مختصر خليل وشرح السنوس لمقدمة أم البراهين ، (أنظر : موسوعة الفقه الاسلامي المعروفة بموسوعة جمال عبد الناصر الفقهية ، يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ، مصر ، 1410هـ ، 1990، ج1/ ص 251 ) ، حاشية الدسوقي ، بيروت ، لبنان: دار الفكر، دط، دت،ج3/ ص 89، شرح الخرشدي، ج5/ ص 106 .(1/17)
3) أنه جائز، رخص فيه إياس بن معاوية (1) وبعض الحنفية كأبي يوسف جائز عنده، ومذهب الحنابلة في رواية هي المذهب والشافعية (2) . فمن أجاز العينة أجاز التورق.
والتورق الفقهي هو الذي قال بجوازه مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في قرارة الخامس في الدورة الخامسة عشرة والذي جاء نصه كما يلي:
القرار الخامس
بشأن حكم بيع التورُّق
... الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ، أما بعد :
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، برابطة العالم الإسلامي ، في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ، التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419هـ الموافق 31/10/1998م ، قد نظر في موضوع حكم بيع التورُّق .
وبعد لالتداول والمناقشة ، والرجوع إلى الأدلة ، والقواعد الشرعية ، وكلام العلماء في هذه المسألة ، قرر المجلس ما يأتي :
أولاً: ... أن بيع التورُّق: هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورق).
ثانياً: ... أن بيع التورق هذا جائز شرعاً، وبه قال جمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(البقرة: 275) ولم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما.
__________
(1) ... ابن القيم، تهذيب السنن، ط1، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية،1421هـ،2001،ج3/ ص 56.
(2) ... أنظر:الشافعي، الأم،مرجع سابق،ج3/ ص 78، ابن عابدين،رد المحتار، ج7/ ص 655، البهوتي، كشاف القناع، ج3/ ص 1416، ابن الهمام، شرح فتح القدير،مرجع سابق، ج7/ ص 199، المرداوي، الإنصاف،مرجع سابق،ج4/ ص 243.(1/18)
ثالثاً: ... جواز هذا البيع مشروط، بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً.
رابعاً: ... إن المجلس -وهو يقرر ذلك- يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم، طيبة به نفوسهم، ابتغاء مرضاة الله، لا يتبعه منّ ولا أذى وهو من أجل أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى، لما فيه من التعاون والتعاطف، والتراحم بين المسلمين، وتفريج كرباتهم، وسد حاجاتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون، والوقوع في المعاملات المحرمة، وأن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن، والحث عليه كثيرة لا تخفى كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء، وحسن القضاء وعدم المماطلة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه سلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين." (1)
المبحث الثالث
التوريق
يلاحظ أن هناك لبس بين مفهوم التورق والتوريق سواء من ناحية اللفظ أو المعنى عند البعض لذلك لا بد أن نبين معنى التوريق لبيان مفهوم كل منهما.
__________
(1) ... قرارات مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص (322- 323)(1/19)
بدأ التوريق كظاهرة بشكل خاص في نهاية الثمانينات بالولايات المتحدة إلى حد إطلاق وصف "جنون الثمانينات" The frenzy of the 1980's لإظهار تكالب البنوك على توريق ديونها (1) ، حيث يتم بموجبها تبديل أحدى أوجه استخدام الأموال المصرفية مثل القروض، بورقة مالية، أو تجارية (مثلا إصدار السندات) (2) .
هناك عدة تعاريف للتوريق أختارت الباحثة أهمها ما يلي :
يعني مصطلح أو لفظ التوريق أو التسنيد Securitization في أبسط صوره "الحصول على الأموال بالاستناد إلى الديون المصرفية القائمة وذلك عن طريق إيجاد أصول مالية جديدة". وبعبارة أخرى فإن مصطلح "التوريق" يعني تحويل الموجودات المالية من المقرض الأصلي إلى الآخرين، والذي يتم غالباً من خلال " الشركات المالية". أو "الشركات ذات الأغراض الخاصة" Special Purpose Companies (3) .
__________
(1) ... أنظر: عثمان ، حسين فتحي، التوريق المصرفي للديون ( الممارسة والإطار القانوني ) مؤتمر تشريعات عمليات البنوك بين النظرية والتطبيق ،عقد بتاريخ 22- 24 ، كانون أول 2002، نظمته جامعة اليرموك ، أربد ، الأردن ، الهامش ، ص 3 .
(2) ... الشماع ، خليل ، التوريق ، كتاب قيد التحديث والنشر، الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، ص 2 .
(3) ... عبدالله، خالد أمين، الخلفية العلمية والعملية للتوريق،( التوريق كأداة مالية حديثة )، إتحاد المصارف العربية،1995، ص39 .(1/20)
اما المفهوم الاصطلاحي لكلمة التوريق في المفهوم الإسلامي "التوريق هو مصطلح اقتصادي حديث نسبياً وتعني كلمة التوريق "جمع الأصول غير السائلة لدى مؤسسة ما وتحويل ملكيتها إلى صندوق أو مؤسسة أخرى تقوم بإصدار صكوك تساندها تلك الأصول يجوز تداولها بعد تمام تصنيفها ائتمانياً، أو هي (تحويل أموال منقولة أو غير منقولة محددة إلى أداة مالية محددة مفصولة الذمة ومحددة المدة ذات عائد معين ولها وصف محدد).وقد كان المسلمون يسمون هذا النوع ب(الموارقة) وهي استعمال الصكوك تقابل الدراهم الفضية" (1) . المصارف الإسلامية لا تلجأ إلى توريق الديون وإنما إلى توريق الأصول.
__________
(1) ... الخياط،عبد العزيز، فقه المعاملات وصيغ الاستثمار،ط1،عمان،الأردن: دار المتقدمة للنشر، 2004، ص 243،بالهامش.(1/21)
(فالتوريق غير التورق، التوريق جعل الديون مدونة في صكوك أو سندات، وجعلها قابلة للتداول بالطرق التجارية . أو هو جعل الدين المؤجل في ذمة الغير – في الفترة ما بين ثبوته في الذمة وحلول أجله – صكوكاً قابلة للتداول في سوق ثانوية . وقد تبين من البحث أن بيع الدين للمدين أو هبته جائز عند الجمهور غير الظاهرية، بشرط قبض الدائن العوض في المجلس إذا كان المال ربوياً كالنقود، ولا يجوز البيع الربوي مؤجلاً، حتى لا يقع العاقدان في ربا النِّساء . وحينئذ لا فائدة من تصكيك هذا الدين في التصرف به للمدين، إذ لا يجوز جعل الصك أو السند أداة قابلة للتداول، حتى لا يقع المتعاقدان في ربا النِّساء . وكذلك لا يجوز تصكيك الديون من باب أولى في بيع الدين لغير من عليه الدين، حتى عند المالكية، لذلك لا يجوز توريق دين المرابحة المؤجل وتداوله من قبل المصارف الإسلامية أو الأفراد، ولا يجوز بيع صكوك المضاربة لدى البنوك الإسلامية إذا كانت موجودات وعاء المضاربة ديون مرابحات مؤجلة فقط ، أو كانت موجودات وعاء المضاربة خليطاً من سلع عينية ومنافع وديون مرابحات، وقيمة الأعيان والمنافع أقل من مقدار دين المرابحة، فإن كانت أكثر أو كل الموجودات سلعاً عينية، جاز بيعها) (1) .
المبحث الرابع
أنواع وضوابط التورق وطريقة اجرائه في المصارف الإسلامية
المطلب الأول
أنواع التورق
__________
(1) ... الزحيلي،وهبة،المعاملات المالية المعاصرة ، ط1، دمشق،سوريا: دار الفكر،1423هـ ، 2002،ص231.(1/22)
... هناك ثلاثة أنواع من التورق يجب التفريق بينهما (1) :
1 ) التورق الفقهي (الفردي): هو الذي تحدث عنه الفقهاء قديماً، وقد تم بيانه وتعريفه ويسمى هذا النوع بالتورق الفقهي نسبة إلى كتب الفقه القديمة أو بالتورق الفردي نسبة إلى أن الذين يمارسونه هم الأفراد . فهو الحصول على النقد من خلال شراء سلعة بأجل ثم بيعها نقدا لطرف آخر غير البائع وهذه العملية تتميز بما يلي:
( أ) من حيث العلاقة التعاقدية: وجود ثلاثة أطراف مختلفة .
( ب) من حيث الضوابط الشرعية للتعاقد: وجود عقدين منفصلين دون تواطؤ بين الأطراف.
( ج) من حيث الغاية والقصد: الحصول على السيولة النقدية.
__________
(1) ... أنظر:خوجه،عزالدين محمد، ملخص أبحاث في التورق،مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ، الموافق 19- 20 يونيو 2002، المنيع، عبدالله بن سليمان، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003،ص2،السعيدي،عبدالله بن محمد بن حسن، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 19جمادي الثانية 1424هـ-13 اغسطس 2003.(1/23)
2 ) ... التورق المنظم: هو أن يتولى البائع ترتيب الحصول على النقد للمتورق (المشتري) ، بأن يبيعه سلعة بثمن آجل،ثم يبيعها (البائع) نيابة عن المتورق (المشتري) بثمن نقد لطرف آخر أقل من الثمن الأول، ويسلّم الثمن النقدي للمتورق. فيسمى منظماً لما تقوم عليه هذه المعاملة من تنظيم بين أطراف عدة، فقد يتفق البائع مع الطرف الآخر مسبقاً ليشتري السلعة نقداً بثمن أقل من السعر الفوري السائد (1) .
3 ) ... التورق المصرفي: سمي بالمصرفي لإنتساب هذه المعاملة إلى المصارف وكثيراً ما يستخدم هذا المصطلح ردفاً للتورق المنظم. ولكن يمكن التمييز بينهما بأن التورق المصرفي هو تورق منظم يسبقه مرابحة للآمر بالشراء، حيث الآمر بالشراء هو المتورق. والسبب أن المصارف لا تملك سلعا ابتداء.
صورته:
... أن يحتاج شخص لمبلغ معين مثلاً سبعين ألف (وحدة نقدية) فيشتري من المصرف سلعة( غالباً معدن) بثمانين ألف (وحدة نقدية) بالتقسيط ويوكل المصرف ببيعها في السوق بسبعين ألف (وحدة نقدية) نقداً، أو يوكل البائع الأول الذي باع السلعة إلى المصرف بأن يبيعها لصالح العميل ويقبض ثمنها ويسلمه إليه. فإذا رغب العميل في الحصول على النقد من خلال التورق المنظم عبر المصرف يقوم المصرف بما يلي:
أ - ... في مرحلة أولى يقوم المصرف بشراء السلعة أصالة عن نفسه من البائع الأصلي بناء على وعد العميل بالشراء منه أو شراء كميات من السلع دون وجود وعد مسبق بالشراء.
ب - ... يبيع المصرف تلك السلعة المشتراه أو كميات محددة منها للعميل بالأجل بثمن محدد (بالمساومة أو المرابحة) .
__________
(1) السويلم، سامي بن إبراهيم، التورق . . . والتورق المنظم دراسة تأصيلية،مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 19جمادي الثانية 1424هـ-13 اغسطس 2003، ص40، بتصرف .(1/24)
جـ - ... وفي مرحلة تالية يقوم المصرف ببيع تلك السلعة التي أصبحت مملوكة للعميل إلى من يرغب شراءها نقداً بناء على توكيل العميل له بذلك، وقد يكون المشتري النهائي للسلعة هو:
1 – ... البائع الأصلي الذي اشتريت منه السلعة فيتم التورق حينئذ عبر ثلاثة أطراف.
2 – ... أن يكون المشتري غير البائع الأصلي فيتم التورق عبر أربعة أطراف.
فالتورق المصرفي المنظم سمي بهذا الأسم لأنه ينظم التعامل المستقبلي مع البائع والمشتري من خلال الاتفاق على إجراءات، وأحكام معينة.
فهذه العملية تتميز بما يلي (1) :
1 ) ... أن المصرف يشتري السلعة سلفا،قبل طلب العميل، غير أن بعض البنوك لا تشتري إلا بعد طلب العميل، وهذا لا يخرجه عن كونه تورقاً عندهم لتميزه بالميزتين اللاحقتين.
2 ) ... أن المصرف يرتب تنظيما مع البائع والمشتري، وذلك قبل عقد البيع .
3 ) ... أن المصرف يقوم ببيع السلعة التي اشتراها منه عميله، نيابة عنه. وهذه أظهر ما يميز التورق المنظم.
الفروق الرئيسة بين التورق الفقهي (الفردي) والتورق المصرفي المنظم تتلخص فيما يلي (2)
1 ) في التورق الفردي تبدأ العملية وتنتهي بصورة شبه عفوية ومن دون ترتيبات مسبقة أو إجراءات مقننة، كما أنها تتم في خضم عمليات البيع والشراء التي تقع في الأسواق حتى لا تكاد تعرف بضاعة المتورق من باقي ما يقع من مبادلات في الأسواق.
__________
(1) ... السعيدي، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص 3، بتصرف.
(2) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم ،مرجع سابق، ص 3، الشبيلي، يوسف عبد الله، حكم التورق الذي تجريه البنوك، موقع الشبكة المعلوماتية www.Shubily.com بتصرف .(1/25)
... أما التورق المصرفي المنظم، فهو مؤسسي منظم إذ أن له إجراءات مقننة وموظفين متخصصين وصيغاً نمطية ومنظومات تعاقدية، وله إجراءاته ووثائقه التي تتكرر في عملياته بشكل يجعل التورق ذاته نشاطاً شبه مستقل عن الأنشطة التجارية المعتادة وله السلعة التي استوفت شرائط السيولة بوجود أسواق جاهزة للتبادل وباعة ومشترين متفرغين لهذا العمل .
2 ) ... في التورق الفردي البائع لا علاقة له ببيع السلعة مطلقاً، ولا علاقة له بالمشتري النهائي. أما التورق المصرفي المنظم فإن البائع يتوسط في بيع السلعة بنقد لمصلحة المستورق، ففي التورق الفردي يكون العميل بالخيار بين أن يحتفظ بالسلعة أو يبيعها بنفسه في السوق، لأنه قبضها قبضاً يتمكن به من التصرف فيها بما يشاء بينما في التورق المصرفي المنظم العميل لا يقبض السلعة ثم يبيعها بنفسه فليس أمامه إلا خيار واحد وهو أن يوكل المصرف ببيعها.
3 ) ... أن الثمن في التورق الفردي يقبضه المستورق من المشتري النهائي مباشرة دون أي تدخل من البائع . أما التورق المصرفي فيستلم المستورق النقد من البائع نفسه، الذي صار مديناً له بالثمن الآجل.
4 ) ... في التورق الفردي قد لا يعلم البائع أصلاً هدف المشتري. أما في التورق المصرفي فهناك تفاهم مسبق بين الطرفين على أن الشراء بأجل ابتداء إنما هدفه الوصول للنقد من خلال البيع الحال اللاحق.
5 ) ... في التورق المصرفي قد يتفق البائع مسبقاً مع المشتري النهائي لشراء السلعة، وهذا الاتفاق يحصل من خلال التزام المشتري النهائي بالشراء، لتجنب تذبذب الاسعار. أما التورق الفردي فلا يكون هناك اتفاق انما تتم العملية عفويه.(1/26)
6 ) ... في التورق الفردي عدد الأطراف ثلاثة البائع والمشتري (المستورق) والمشتري النهائي للسلعة ووجود عقدين منفصلين، أما في التورق المصرفي فإن عدد الأطراف أربعة المصرف والعميل طالب التورق والبائع الأول للسلعة والمشتري النهائي للسلعة. فالمصرف لا يملك السلعة ابتداء، وإنما يشتريها بناء على طلب العميل (المستورق)،ثم يبيعها له بثمن مؤجل، ثم ينوب عنه في بيعها مرة ثانية لطرف رابع بثمن نقدي أقل من ثمن الشراء. فهناك ثلاثة عقود منفصلة.
المطلب الثاني
عقود التورق كما تُمارس من قِبَل المصارف والتكييف الفقهي لها (1)
... لقد تم التوسع باستخدام أداة التمويل بالتورق من قبل العديد من المصارف، حيث يوفر لها وسيلة جذب للعملاء وتحقيق الربح وذلك من خلال القيام بتمويل الأفراد والمؤسسات والشركات أو جذب المدخرات من قبل الأفراد والمؤسسات ويتم ذلك بطريقين:
الأول: ... طريق تتبعه المصارف لتوفير المال للمحتاجين إليه من الأفراد والشركات والمؤسسات، فيكون البائع للسلعة هو المصرف،أي أن المصرف يقوم بتوفير السيولة النقدية من خلال أداة التورق تحت مسمى عقد بيع بالتقسيط وبيع المرابحة.
الثاني: ... (التورق العكسي) جذب المال للمصارف كبديل للودائع الآجلة التي تمنح عليها فوائد وفق ما يطلق عليه الصيغة الإسلامية للتعامل،وذلك بأن يكون البائع هوالمودع الذي يرغب في إيداع أمواله في المصرف وأخذ أرباح عليها، واستخدام صيغة التورق لأخذ الربح على المال المودع لأجل.
__________
(1) ... أنظر: الشباني،محمد بن عبد الله، التورق نافذة الربا في المعاملات المصرفية، موقع الشبكة المعلوماتية www.Saaid.net ، شحاته، حسين حسين، التورق المصرفي في نظر التحليل المحاسبي والتقويم، الاقتصاد الإسلامي،مجلة علمية محكمة، العدد (274)، مجلد (24)، محرم، 1425هـ، 2004، ص 24 .(1/27)
... في حالة الطريقة الأولى التي يقوم المصرف بها بتوفير السيولة من خلال بيع المرابحة ضمن أداة التمويل بالتورق فإن الإجراءات التي يتم اتباعها لتنفيذ هذه الأداة تتمثل في الآتي (1) :
1 ) ... يتقدم المستورق"طالب التمويل" إلى المصرف الإسلامي طالباً التمويل بأداة التمويل بالتورق ويحدد المبلغ الذي هو في حاجة إليه.وذلك بطلب شراء سلعة بالتقسيط من السلع التي تعرض في سوق السلع الدولية،أوالمحلية من خلال أنموذج يعده البنك سلفاً،ويستوفي البيانات المطلوبة.
2 ) ... يقوم المصرف الإسلامي بدراسة طلب المستورق والقيام بمجموعة من الإجراءات المصرفية المختلفة ومن أهمها: الحصول على معلومات عن طالب التمويل من حيث إماكنياته المالية، أي قدرته على السداد،والضمانات، وحدود السقف الائتماني ونحو ذلك، وتحديد نوع السلعة التي يتعامل المصرف فيها في سوق السلع الدولية والسوق المحلية.
3 ) ... يقوم المصرف الإسلامي بالاتصال بالبائع الذي سوف يشتري منه السلعة والمشتري الذي سوف يتعهد بشرائها وتحديد الأسعار والترتيبات اللازمة.(يتم تحديد الثمن الأول والثمن الثاني مسبقاً لتجنب الوقوع في المخاطر).
4 ) ... بعد دراسة الطلب من قبل المصرف يقوم المصرف بتحديد عدد وحدات السلعة المباعة عليه ومواصفاتها، وثمن بيعها، ويرتبط تحديد عدد الوحدات التي سوف تباع عليه بقدرته على السداد، تنتهي الدراسة إما بالقبول أو بالرفض، وفي حالة الموافقة يقوم المستورق بالتوقيع على عقد الوعد بالشراء، وتقديم الضمانات المطلوبة، وفق ما تطلق عليه المصارف (بيع المرابحة) .
5 ) ... يقوم المستورق بالتوقيع على توكيل المصرف ببيع السلعة التي اشتراها وفق نموذج وكالة، وقد يدفع مبلغاً يسمى ضمان الجدية.
6 ) ... يقوم المصرف بشراء السلعة نقداً من مصدرها ويتملكها ويحوزها في ضوء المبلغ المطلوب للمستورق.
__________
(1) ... أنظر: الشكل رقم (1) .(1/28)
7 ) ... ثم يقوم المصرف ببيع هذه السلعة المشتراه إلى المستورق بالأجل (بصيغة المرابحة لأجل).
8 ) ... بعد ذلك يقوم المصرف وبناء على الوكالة من قبل المستورق ببيع نفس السلعة نقداً لحسابه، وقد يكون ذلك إلى نفس المصدر(المورد بائع السلعة) أو إلى مصدر آخر حسب الترتيبات المنظمة سلفاً.
9 ) ... بعد إتمام عملية البيع يقوم المصرف بإيداع قيمة المبيع في الحساب الجاري للمستورق بعد أن تخصم منه المصاريف الفعلية والعمولات وربح المرابحة، ونحو ذلك من الأعباء التي تحمل عليه حسب الاتفاق.
10 ) ... يقوم المستورق بسداد أقساط المرابحة حسب الاتفاق، وتطبق عليه شروطها.
الشكل رقم (1) .
أما الطريقة الثانية(التورق العكسي) فهي معكوسة والإجراءات التي تتم كالآتي:
1 – ... يطلب عميل المصرف نموذج عرض بيع سلعة، وطلب شراء سلعة،ووكالة شراء السلعة، وتفويض المصرف ببيع السلعة . وفق أداة التورق المصرفي المنظم.
2 - ... يقدم المصرف عرض الأسعار مع تحديد نوع السلعة والعملة والأجل.
3 – ... يطلب العميل شراء السلعة بعد الموافقة على العرض مع تحديد المبلغ والعملة والأجل.
4 – ... يقوم المصرف نيابة عن العميل بإتمام عملية شراء السلعة من سوق السلع الدولية أو السوق المحلي لصالح العميل مع إصدار المصرف إيجاباً بشراء السلعة من العميل. بأسلوب (بيع المرابحة).
5 – ... يوافق العميل على بيع السلعة المملوكة له للمصرف، ويتم سداده عند الأجل المحدد (المبلغ مع ربحه) .
6 – ... في حالة التعجيل بسداد المبلغ، يتم ذلك من خلال نموذج عقد تعجيل سداد بعد أن يتم خصم جزء من أو كل هامش الربح مقابل السداد المبكر. أما التملك فهو يتم من خلال تملك المستندات . دون الحاجة إلى أن يتم تملكها عيناً، وهذا في عمليات البيع والشراء التي يتم التعامل بها على أداة التمويل بالتورق (1) .
__________
(1) ... المرجع السابق .(1/29)
من خلال ما تم بيانه من آلية التورق المصرفي نجد أن الاطراف المشتركة هي (1) :
1) المورد (التاجر):وهو البائع الأول للسلعة أي الجهة المالكة للسلعة موضوع التورق (السوق المحلي، سوق السلع الدولية) .
2) المشتري (الدائن):وهو الجهة التي تشتري السلعة نقداً بقصد بيعها بالأجل إلى العميل المتورق.
3) العميل المتورق (المدين): وهو الجهة التي تشتري السلعة بالأجل من المشتري الدائن بقصد بيعها إلى المشتري النهائي والحصول على ثمنها نقداً.
4) المشتري النهائي للسلعة: هو الجهة التي تشتري السلعة من العميل المتورق نقداً وقد يكون المشتري النهائي للسلعة هو المورد الأصلي الذي أشتريت منه السلعة وفي هذه الحالة يكون التورق قد تم عبر ثلاثة أطراف . وفي حالات أخرى يتم بيع السلعة على جهة غير موردها الأصلي وفي هذه الحالة تكون أطراف التورق أربعة.
التكييف الفقهي للتورق المصرفي المنظم (2) :
... من خلال ما تقدم ذكره من آلية التورق المصرفي المنظم نجد أنه عقد مركب يتكون من العقود التالية (3) :
أولاً: ... عقد بين المصرف والشركة التي تبيعه السلعة، وبالقطع فإن المصرف لم يكن ليشتري لولا أنه يقصد البيع لعملائه المتورقين.
__________
(1) ... عيسى،موسى آدم، تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي، مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ، الموافق 19- 20 يونيو 2002 ، ص 5، بتصرف .
(2) السعيدي،عبد الله بن حسن، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر،مرجع سابق، بتصرف.
(3) أنظر: حسان،حسين حامد، التورق وموقف الشريعة الإسلامية منه، الاقتصاد الإسلامي،مجلة محكمة،العدد( 267)، مجلد ( 23)، جمادي الأخر 1424هـ، أغسطس 2002، ص 11 .(1/30)
ثانياً: ... عقد بين المصرف والمستورق ومن المقطوع به أن المتورق لم يكن ليشتري السلعة لولا أن المصرف سيبيع هذه السلعة لحسابه لتوفير النقد المطلوب . فالعرف والقرائن وظروف الحال الذي يتكون لدى مستخدمي هذه العقود يقطع بارتباطها بعضُها مع بعض.
ثالثاً: ... عقد وكالة بين المصرف والعميل .
رابعاً: عقد بين المصرف بصفته وكيلاً عن المستورق وبين الشركة التي تشتري السلعة، وبالطبع فإن هناك اتفاقاً مسبقاً وترتيبات متفق عليها بين المصرف وهذه الشركة على الشراء بثمن معين ومحدداً أساسه في هذه الاتفاقية.
... يتصف التورق المصرفي المنظم بأن البائع يتوكل عن المشتري في بيع السلعة التي اشتراها منه، نيابة عنه، في السوق المحلي أو في السوق الدولية وهو ما عليه العمل وقد يكون بعده، وهذا مختلف باختلاف المصارف، وغالبها يكون التوكيل فيه قبل تمام عقد البيع . وقد يتولى المصرف البيع مباشرة في السوق الدولية، وقد يقيم وسيطا يقوم مقامه، وهو مختلف باختلاف المصارف.
تكييف التورق المصرفي المنظم:(1/31)
... العقد الأول: عقد بين المصرف والشركة التي تبيعه السلعة (السوق المحلي، سوق السلع الدولية)، بناء على وعد من العميل بالشراء،هذا العقد من حيث الشكل عقد بيع صحيح استوفى أركانه وشروطه . حيث يقوم المصرف بتوقيع اتفاقية مع شركة معينة "اتفاقية شراء سلع" وهذه الاتفاقية تمثل الإطار العام الذي ينظم العلاقة بين المصرف باعتباره مشترياً وبين شركة معينة باعتبارها بائعاً . وتتم عمليات الشراء عن طريق قيام المصرف بطلب كمية معينة من سلعة محددة مثل الحديد أو البلاديوم أو الألمنيوم بمبلغ معين وذلك بالاتصال بالشركة وطلب الكمية المذكورة طبقاً لشروط الاتفاقية الموقعة بين الطرفين. وتحرر الشركة للمصرف المشتري شهادة تخزين بمواصفات السلعة وكميتها ورقم تصنيفها . ويمكن أن يشتري المصرف البضاعة لنفسه ولا يوكل مؤسسة خارجية لتتولى عمليات البيع نيابة عنه (التمويل الشخصي)، أما في حالة مرابحة السلع الدولية فإن المصرف يوكل مؤسسة خارجية في سوق السلع الدولية لشراء البضاعة. ولتحقيق مطلب القبض تصدر الشركة البائعة للمصرف شهادة تسمى "شهادة تخزين"، مقيد فيها كميات المعدن المشتري من قبل المصرف وتواريخ الشراء. وان كمية المعدن المشترى سيتم تعيينها عن طريق رقم الصنف للمعدن الذي وقع عليه البيع وتحديد مكان تواجده . ويتحمل المصرف المخاطر التي يمكن أن تلحق بذلك المعدن كما يتحمل التكاليف المرتبطه به وبالتالي فإن عملية الشراء التي يتملك المصرف بموجبها المعدن تعد صحيحة ومستوفية للشروط الشرعية طبقاً للفتوى الشرعية الصادرة من مجمع الفقه الإسلامي الدولي التي تجيز إجراء العقود بوسائل الإتصال الحديثة (1) .
__________
(1) ... عيسى، تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي، مرجع سابق، ص 12 . أفتى مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السادس بجدة المنعقدة في شهر شعبان 1410هـ الموافق مارس 1990 بجواز إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة.(1/32)
... العقد الثاني: قيام المصرف ببيع السلعة للعميل "المستورق" مرابحة بناء على وعد العميل بالشراء وتقسيط الثمن، فالبيع مرابحة للأجل بالتقسيط جائز (1) .
__________
(1) ... أن الوفاء بالوعد واجب إذا كان الوعد مرتبطاً بسبب ودخل الموعود في السبب،و"إن الوفاء بالوعد لا يجب قضاءً إلا إذا أدخل الواعد الموعود في السبب بالفعل،وهذا هو الراحج في المذهب المالكي، وهو قول مالك."أنظر: الشرع : صلاح عبد الغني ، ماهية العقد في الفقه الاسلامي،مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، مجلة علمية محكمة ، العدد الثامن والخمسون – السنة الخامسة عشرة ، محرم – ربيع اول 1424هـ - حزيران 2003، ص 152- 153، جواز بيع المرابحة بالتقسيط قرار لجنة الفتوى الأردنية في الفترة الواقعة بين العشرين من رجب عام 1397هـ، والثامن والعشرين من رمضان عام 1397هـ، ( الموافقة للسادس من تموز عام 1977 والحادي عشر من ايلول عام 1977).(1/33)
... العقد الثالث: تعاقد المصرف وبموجب وكالة من العميل "المشتري" مع طرف آخر "مشتر" للسلعة،غيربائعها الأول، والفرض أنه عقد بيع صحيح، قد استوفى أركانه وشرائطه، حيث اجمع الفقهاء على صحة وقوع الوكالة في البيع والشراء والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى فيما أخبر عن أهل الكهف حيث بعثهم الله - عز وجل - من رقدتهم الطويلة: { وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } (1) . وجه الاستدلال من الآية الكريمة أن الله - تعالى – أقرهم على تصرفهم حيث أنابوا عنهم واحدا منهم لشراء ما يحتاجونه من طعام وأقرهم رسول الله سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله – فلم يرد ما ينسخ ذلك وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ (2) .
المبحث الخامس
موقف العلماء المعاصرين من التورق المصرفي المنظم
__________
(1) سورة الكهف، الآية 19 .
(2) مقبل، طالب قائد، الوكالة في الفقه الإسلامي، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية: دار اللواء، 1403هـ، 1983، ص 140.(1/34)
... انتشر التمويل في المصارف والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية من خلال ما يعرف بالتورق المصرفي المنظم، ووقع الخلاف والنزاع بين العلماء والباحثين المعاصرين حول مشروعية هذه الأداة من التمويل، فقدمت العديد من الدراسات والابحاث،بين مؤيد وداعم ومعارض فمنهم من قال : إنَّها جائزة، وذلك للحاجة الماسة إليها، حيث أن ليس كل من يحتاج إلى نقد يجد من يقرضه في الوقت المعاصر. ومنهم من قال : إنها غير جائزة، لأن القصد منها دراهم بدراهم بينهما حريرة. ومنهم من فرق بين التورق الفقهي (التورق الفردي) والتورق المنظم والتورق المصرفي المنظم، فأعطى لكل حكمه.
... ومما عمل على سوء الفهم لدى البعض وخلط الأمورهو صدورقرار المجمعُ الفقهي الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة 11- رجب – 1419هـ - الموافق 31/ 10/ 1988. بجواز التورق الفقهي ويلاحظ أن المجمع الفقهي أطلق العبارة في التورق الفقهي.
... ثم صدر القرارُ الجديد من المجمع الفقهي الإسلامي بعدم جواز "التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر" في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 19/10/1424هـ - الموافق 13/12/2003.لذلك ستحاول الباحثة بيان أراء كل منهم .
المطلب الأول
أدلة القائلين بجواز التورق المصرفي المنظم
... قال بجوازالتورق المصرفي المنظم من المعاصرين:
من الأفراد:
1) الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، بحث "التأصيل الفقهي في ضوء الاحتياطات التمويلية المعاصرة" مقدم إلى مؤتمر "دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية" جامعة الشارقة، صفر 1423هـ، مايو، 2002. وكذلك بحثه بعنوان "حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر" مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة ( أعمال وبحوث الدورة : ص313 ) .(1/35)
2) د. محمد عبد الغفار الشريف، بحث "التطبيقات المصرفية للتورق" مقدم إلى ندوة البركة الثالثة والعشرين، رمضان 1423هـ، نوفمبر 2002 .
3) د. موسى آدم عيسى، بحث " تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي" مقدم إلى مؤتمر "دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية " جامعة الشارقة، صفر،1423هـ، مايو، 2002.
4) د. علي القرة داغي، "حكم التورق في الفقه الإسلامي" " مقدم إلى "دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية " جامعة الشارقة، صفر،1423هـ، مايو، 2002.
5) د. محمد تقي العثماني، بحث "أحكام التورق وتطبيقاته المصرفية" مقدم إلى الدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي،شوال 1424هـ، كانون الأول 2003.
6) د. محمد علي القري بحث ( التورق كما تجريه المصارف : دراسة فقهية اقتصادية ) منشور في أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي : ص205 – 334 ) .
ومن الهيئات التي يُنسب إليها القول بالتورق المصرفي : هيئة كبار العلماء في السعودية، والمجمع الفقهي بمكة المكرمة (1) ، الموسوعة الفقهية الكويتية . والحقيقة أنها تقول بجواز التورق الفقهي .
أدلة المجيزين:
الدليل الأول: قوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } (2) .
وجه الدلالة:
__________
(1) ... القرار الخامس، الدورة الخامسة عشرة، 11 رجب 1419هـ، 31/10/1989، كان قراره بالجواز بخصوص التورق الفقهي، وله قرار بخصوص التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر بالمنع ،في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 19جمادي الثانية 1424هـ-13 اغسطس 2003.
(2) ... سورة البقرة، آية 275 .(1/36)
... ... إن قوله تعالى { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } لا يعني أن كل بيع حلال، ولا كل ربا حرام، فمعلوم من كتب السنة والفقه أن هناك بيوعاً ربوية محرمة، وبيوعاً أخرى محرمة لأسباب أخرى غير الربا، كالغرر والغش وغير ذلك، فالله سبحانه وتعالى أحل جميع صور البيع إلا ما دل دليل على تحريمه، فلفظ الربا يدل على العموم، فالألف واللام فيه للجنس، لذلك فجميع صور الربا التي ورد الشرع بها تدخل تحت حكم التحريم الذي دلت عليه الآية. ولفظ البيع يدل على العموم، فالألف واللام الدالة على استغراق جميع أنواعه وصيغه إلا ما دل دليل على تخصيصه من العموم بتحريم (1) .
... يقول المنيع: في قوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ووجه الاستدلال بذلك، أن الله تعالى احل جميع صور البيع إلا ما دل دليل على تحريمه، حيث جاءت الآية الكريمة بلفظ العموم في كلمةالبيع – وأحل الله البيع – والعموم في ذلك مستفاد من الألف واللام الدالة على استغراق جميع أنواع البيع وصيغة إلا ما دل الدليل على تخصيصه من العموم أو كراهة. والتورق من البيوع المشمولة بالعموم في الحل فيبقى على أصل الإباحة والحل وأنه نوع من البيوع المباحة بنص الآية الكريمة " (2) .
__________
(1) ... أنظر: الهيتي،عبد الرزاق رحيم جدي ، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ، ط1،عمان، الأردن: دار أسامة ، 1998، ص 99، شعبان، زكي الدين، أصول الفقه الإسلامي، ط1، الكويت: مؤسسة علي الصباح، 1988، ص 405، المصري، رفيق يونس، الجامع في اصول الربا، ط1، دمشق، سوريا: دار القلم، 1412هـ،1991، ص 47.
(2) ... المنيع،عبدالله، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر،مرجع سابق، ص 3-4.(1/37)
... فمن اشترى سلعة قرضاً، سواء قصد ذاتها أو ثمنها فالآية مقيدة بجواز هذا البيع ويتأكد هذا بالأصل في حكم العقود والمعاملات، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل (1) .
... فقوله تعالى "وأحل الله البيع" يدل على إباحة التورق، لأنه لا دليل هنا على حرمة التورق، فهذه المعاملة داخلة في عموم ما أحل الله من البيع (2) .
الدليل الثاني: قوله تعالى: { لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُم } (3) .
وجه الدلالة:
__________
(1) ... العلوان، سليمان بن ناصر،بحث" العينة محرمة، والتورق جائز بلا قيد أو شرط"،كتب هذا البحث جواباً على سؤال ورد لفضيلة الشيخ حول صورة التورق والعينة وحكمها.نشر على موقع الشبكة المعلوماتية www.Islamtoday.net/article
(2) ... المشيقح، خالد بن علي، التورق المصرفي عن طريق المعادن،مجلة البحوث الإسلامية،الرياض،المملكة العربية السعودية: مجلة دورية محكمة تصدر عن الرئاسة العامة لإدارت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،1425هـ،العدد الثالث والسبعون،ص 262.
(3) ... سورة النساء،الآية 29.(1/38)
... ينهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا . . . لكن المَتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال (1) . أن الذي يشتري ليبيع بعد ذلك لم يرتكب أمراً منهياً عنه، وكل صفقة تجارية من البائع هي أصلها دراهم تحولت إلى سلعة، ثم إن صاحبها يبيعها فتتحول إلى دراهم أكثر من الأولى . وهو ربح التجار الحلال، وهو التجارة بالنقود يشتري بالنقود سلعة، ثم يبيع بالنقود سلعة، أما المنهي عنه فهو أن يبيع النقود لتعود إليه النقود، والفرق بينهما كبير فالتعامل بالنقود يتحمل التاجر تبعة الرد بالعيب، وتبعة العود عند الاستحقاق والنقود لا تتعين بالتعيين (2) . إن مقصود التجارة غالباً في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل، والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة، فإن ذلك يتخذ حيلة على الربا (3) .
__________
(1) ... ابن كثير،تفسير القرآن العظيم، د.ط، د.ت، بيروت، لبنان: دار التراث العربي،ج1/ ص 479 .
(2) ... السلامي، محمد مختار، التورق والتورق المصرفي، الاقتصاد الاسلامي،مجلة محكمة، مجلد (24) العدد 274 ، محرم- 1425هـ،مارس- 2004، ص 21.
(3) ... مجلة البحوث الإسلامية، أنواع البيوع التي يستعملها كثير من الناس، إعداد: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية:مجلة دورية محكمة تصدر عن الرئاسة العامة لإدارت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1413هـ، العدد السابع والثلاثون، ص 55 .(1/39)
ولم يقل أحد إن التاجر إذا كان يقصد بتجارته الحصول على نقد أكثر إن هذه التجارة تكون مكروهة فكذلك التورق، فإن المقصود منه النقد، والمبيع هو الواسطة بينهما (1) . فظاهر النصوص يقتضي جواز كل بيع، إلا ما خص بدليل وقد خص البيع متفاضلاً على المعيار الشرعي فبقي البيع متساوياً على ظاهر العموم، فالتورق من البيوع الجائزة ولم يأت دليل يقضي بأن التورق غير جائز (2) .
الدليل الثالث: العموم المستفاد من قوله تعالى : { إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } (3) .
وجه الدلالة:
ذكر الزمخشري في الكشاف:"إذ بين لماذا قيل تداينتم بدين إلى أجل مسمى، ولم يحذف لفظ (الدين) فقال ليرجع الضمير إليه في قوله: (فاكتبوه)، إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال : فاكتبوا الدَّين، فلم يكن النظم بذلك الحُسْنِ، ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال" (4) .
__________
(1) ... المشيقح، التورق المصرفي عن طريق المعادن، مجلة البحوث الإسلامية، مرجع سابق، العدد الثالث والسبعون، ص 247.
(2) ... أنظر: الفوزان، صالح، الفرق بين البيع والربا في الشريعة الإسلامية، ص4، بتصرف. نشر على موقع الشبكة المعلوماتية www.Alfuzan.net/islam
(3) ... سورة البقرة، آية 282 .
(4) ... الزمخشري،أبي القاسم محمود بن عمر، الخوارزمي، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط1، بيروت، لبنان: دار إحياء التراث، 1417هـ، 1997، ج1/ ص 402.(1/40)
يقول السعدي: "جواز المعاملات في الديون سواء كانت ديون سلم أو شراء مؤجلا ثمنه فكله جائز، لأن الله أخبر به عن المؤمنين، وما أخبر به عن المؤمنين فإنه من مقتضيات الإيمان، وقد أقرهم عليه الملك الديان، فهذه الآية فيها إرشاد من الباري لعباده في معاملاتهم إلى حفظ حقوقهم بالطرق النافعة والاصلاحات التي لا يقترح العقلاء أعلى ولا أكمل منها" (1) .
فالتورق نوع من المداينة الجائزة الداخلة في عموم الآية (2) .
الدليل الرابع: قاعدة: "الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة" (3) .
معنى القاعدة: أن الحاجة تنزل فيما يحظره ظاهر الشرع منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. وتنزيلها منزلة الضرورة في كونها تثبت حكماً. فالضرورة هي الحالة الملجئة إلى ما لا بد منه، والحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيراً أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة من هذه الجهة، وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمراً، والثابت للضرورة موقتا. إن ما يجوز للحاجة فيما ورد فيه نص يجوزه. أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منها ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به وجعل ما ورد في نظيره وارداً فيه. أو ما لم يرد فيه نص يجوزه أو تعامل، ولم يرد فيه نص يمنعه، ولم يكن له نظير جائز في الشرع يمكن إلحاقه به، ولكن كان فيه نفع ومصلحة (4) .
__________
(1) ... السعدي،عبد الرحمن بن ناصر، تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، د.ط، بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة،1416هـ، 1996،ص 98.
(2) ... أنظر: المشيقح، التورق المصرفي عن طريق بيع المعادن، مجلة البحوث الإسلامية، مرجع سابق، ص 247، بتصرف .
(3) ... الزرقا، أحمد بن الشيخ محمد، شرح القواعد الفقهية، ط2،دمشق، سوريا: دار القلم، 1409هـ، 1989،ص155.
(4) ... الزّرقا، شرح القواعد الفقهية، مرجع سابق،ص 209- 210 .(1/41)
فالنفع والمصلحة متحقق في التورق، وهو مسيس الحاجة إلى النقود، فالمستورق ليس أمامه للحصول على السيولة سوى القرض الحسن، وقد يكون صعب المنال، أو القرض الربوي وهو حرام. فبذلك أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز بجواز التورق لمسيس الحاجة قائلاً : إذا كان مقصود المشتري لكيس السكرونحوه بيعه والانتفاع بثمنه وليس مقصوده الانتفاع بالسلعة نفسها فهذه المعاملة تسمى مسألة التورق ويسميها العامة "الوعدة" وقد اختلف العلماء في جوازها على قولين: الأول: أنها ممنوعة أو مكروهة، لأن المقصود منها شراء الدراهم بدراهم، وإنما السلعة المبيعة واسطة غير مقصودة .
القول الثاني للعلماء: جواز هذه المعاملة لمسيس الحاجة إليها، لأن ليس كل أحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا، ولدخولها في عموم قوله تعالى: "وأحل الله البيع" (1) وقوله تعالى: "يا آيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" (2) ولأن الأصل في الشرع حل جميع المعاملات إلا ما قام الدليل على منعه ولا نعلم حجة شرعية تمنع هذه المعاملة وأما تعليل منعها أو كرهه يكون المقصود منها هو النقد فليس ذلك موجباً لتحريمها ولا لكراهتها، لأن مقصود التجار غالباً في المعاملات هو تحصيل نقود اكثر بنقود أقل والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، إنما يمنع هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة فإن ذلك حيلة على الربا. أما التورق التي يسميها بعض الناس الوعدة فهي معاملة اخرى ليست من جنس مسألة العينة (3) .
__________
(1) ... سورة البقرة، آية 275.
(2) ... سورة البقرة، آية 282.
(3) ... ابن باز، عبد العزيز بن عبد الرحمن، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ط1،بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة،1421هـ،2000، كتاب البيوع،ج19/ ص 93 .(1/42)
الدليل الخامس: استدلوا على الإباحة والجواز بما في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من خيبر فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا؟ قال والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً (1) .
ووجه الاستدلال:
__________
(1) ... أخرجه البخاري ذكر الحديث في أربعة مواضع من " صحيحه " في " البيوع " – باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، ج1، ص 293 ، وفي " الوكالة " – باب الوكالة في الصرف والميزان، ج1 / ص 308، وفي " المغازي" – باب استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر، ج2/ ص 609، وفي الاعتصام – باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم، فأخطأ خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم – من غير علم، فحكمه مردود، ج2/ ص 1092. أنظر: الزيلعي، الإمام جمال الدين أبن محمد عبد الله بن يوسف الحنفي المتوفي سنة 762هـ ، نصب الراية لأحاديث الهداية، ط3، بيروت، لبنان: دار إحياء التراث العربي، 1407هـ ، 1987، الهامش، ج4/ ص 43. أخرجه الدارقطني بلفظ أخر في سننه، خديث رقم 54، ج3 / ص 17 . (أما الجنيب فبجيم مفتوحة ثم نون مكسورة ثم مثناة تحت ثم موحدة وهو نوع من التمر من أعلاه وأما الجمع فبفتح الجيم واسكان الميم وهو تمر رديء وهو الخلط من التمر ومعناه مجموع من أنواع مختلفة) أنظر : صحيح مسلم بشرح النووي، ط3، بيروت، لبنان، : دار إحياء التراث العربي، 1404هـ، 1984،ج11/ ص 21 .(1/43)
إن هذا الحديث إجازة هذا المخرج للابتعاد بواسطته عن حقيقة الربا وصورته إلى طريقة ليس فيها قصد الربا ولا صورته وإنما هي عقد بيع صحيح مشتمل على تحقق شروط البيع وأركانه وانتفاء أسباب بطلانه أو فساده ولم يكن قصد الحصول على التمر الجنيب والأخذ بالمخرج إلى ذلك مانعاً من اعتبار الإجراء الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على جواز البيوع إذا كانت بصيغ شرعية معتبرة بعيدة عن صيغ الربا وصوره ولو كان الغرض منها الحصول على السيولة للحاجة إليها (1) . فاستدلوا على أن الأصل في العقود هو تحقيق صورته الشرعية وعلى أن الشيء قد يكون حراماً لعدم تحقق صورته الشرعية كما ورد في هذا الحديث، وأنه يتحول إلى الحلال إذا غيرت صورته المحرمة مع أن القصد الأساسي واحد. ويتضح من ذلك أن الذي يعتد به هو صيغة العقود وصورتها، وليس النيات والقصود (2) .
الدليل السادس: أن الاصل في العقود والمعاملات الحل والاباحة حتى يقوم الدليل على تحريمها
وجه الاستدلال:
تشمل القاعدة كل ما لم يرد بشأنه شيء محدد أي دليل خاص بالرجوع إلى هذه القاعدة لمعرفة حكمه . . . ويتخرج من هذه القاعدة العقود والتصرفات التي لم يرد نص صريح بجوازها ولا بتحريمها، وليس فيه شبهة الربا والضرر، فإنها تعتبر مباحة عملاً بهذه القاعدة، الأصل في الأشياء الإباحة (3) .
__________
(1) ... المنيع،حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر،مرجع سابق،ص 4 .
(2) ... أنظر: خوجه، ملخص أبحاث في التورق، مرجع سابق.
(3) ... زيدان،عبد الكريم، الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية، ط1، بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة، 1422هـ،2001، ص 179- 180 .(1/44)
يقول ابن القيم: "الأصل في العبادات البطلان، حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة، حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم . . . فإن الحلال ما أحله الله والحرام ماحرمه، وما سكت عنه فهو عفو . فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها فإنه لا يجوز القول بتحريمها، فإنه سكت عنها رحمة منه من غير نسيان وإهمال، فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة فيما عدا ما حرمه" (1) .
__________
(1) ... الجوزية،ابن قيم، محمد بن ابي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي. شمس الدين من أهل دمشق . من أركان الإصلاح الإسلامي ، وأحد كبار الفقهاء تتلمذ على ابن تيمية وانتصر له ولم يخرج عن شيء من أقواله .من تصانيفه: " الطرق الحكمية "،" مفتاح دار السعادة "، و" مدراج السالكين "، أنظر: الموسوعة الفقهية ،ج1، ص 333 ،ابن القيم، إعلام الموقعين ، ط1، راجعه وقدم له ، وعلق عليه طه عبد الرءوف سعيد، بيروت، لبنان: دار الجيل، د.ت،ج1/ ص 384-385.(1/45)
وحقيقة هذه القاعدة أن من القواعد المقررة عند الفقهاء أن الأصل في الأشياء والأعيان الإباحة مالم يرد نص بالإلزام أو المنع وحقيقة هذه القاعدة:"ما لم يُعْلمْ فيهِ تحريمٌ يجري على حُكم الحلّ". وهذه القاعدة تعضدها النصوص القرآنية وتشهد لها،وتقررها أيَّما تقرير من هذه النصوص،قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } (1) . ووردت السنة بما لا يُحصى كثرة في إرساء هذه القاعدة وتقريرها وإبانة فضل الله على خلقه بتشريعها حيث إن لهم فيها الفسحة الواسطة والرخصة التي تبعد كل أسباب الضيق والحرج. روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أعظم المسلمين حُرْماً من سأل عن شيء لم يُحَرَّمْ على الناس فَحُرّمَ من أجل مَسْألته) (2) . فاستدلوا على جواز ذلك بما أخذ به جمهور أهل العلم من أن الأصل في المعاملات الحل، وأن الأصل في العقود والشروط الأباحة إلا ما دل دليل على حرمته، ومما يدخل في ذلك بيوع التورق وهذا يعني أن القائل بجواز التورق لا يطالب بدليل على قوله،لأن الأصل معه، وأنما المطالب بالدليل من يقول بحرمة التورق، حيث أنه يقول بخلاف الأصل، فعليه الدليل على تخصيص عموم الجواز بالتحريم وقد قال بجوازه مجموعة من أهل العلم (3) .
__________
(1) ... سورة اليقرة، الآية 29 .
(2) ... صحيح مسلم، كتاب الفضائل، حديث رقم 2358، ج4/ ص 1831 . ورواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يُكْرَهُ مِن كَثْرةِ السُّوَالِ وَتَكَلُّفِ مَالا يَعْنيهِ، حديث رقم 6859، ج6/ ص 2658. السّدلان، صالح بن غانم، القواعد الفقهية الكبرى وما تفَرَّعَ عنهَا، ط2، الرياض، المملكة العربية السعودية: دار بلنسية، 1420هـ، 1999، ص 126- 129 .
(3) ... المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص4 .(1/46)
وقد اثبت ابن تيمية ان الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على حرمته. ومن السنة على الأحاديث في البيع وهي في نفس المعنى.اما القياس فلان البيع توافرت فيه أركانه وشروطه وخلا من المفسدات كالغرر والجهالة والربا ونحو ذلك (1) . ولم يأت دليل يقضي بأن التورق ربا أو فيه شبهة ربا (2) . فالتورق لا يخرج من كونه بيعاً وشراء فلم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة (3) .
المطلب الثاني
مزايا التورق من وجهة نظر من أجازه (4)
من خلال ما تم ذكره سابقاً يتبين لنا أن المجيزون للتورق يرون له مزايا تميزه عن غيره من أدوات التمويل المتعارف عليها (مضاربة واستصناع . . . الخ) يمكن إيجازها بما يلي :
1- أن التورق منتج جديد من منتجات المصرفية الإسلامية يلبي حاجات العديد من العملاء في الحصول على ائتمان بدون فائدة ربوية،أي أنه بديل شرعي عن عقد القرض الربوي.
__________
(1) ... القري، محمد علي، التورق، معناه وحكمه، مقال على موقع الشبكة المعلوماتية www.Islamifn.com.
(2) ... العلوان، بحث " العينة محرمة، والتورق جائز بلا قيد أو شرط " ،مرجع سابق، ص 2 .
(3) ... عيسى،موسى آدم، بحث " تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي" مقدم إلى مؤتمر " دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية" جامعة الشارقة، صفر، 1423هـ، مايو2002،ص1 .
(4) ... أنظر : حسان، تعليق على بحوث التورق، مرجع سابق،عيسى،تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي، مرجع سابق، السعيد، عبدالله بن محمد بن حسن، التورق المصرفي المنظم، الاقتصاد الإسلامي،مجلة علمية محكمة، مجلد( 24) العدد(274) محرم 1425هـ/ مارس 2004، ص 49.(1/47)
2- يقلل من خسارة العديد من العملاء الذين كانوا يتحايلون على صيغة المرابحة لأجل كوسيلة للحصول على النقد، حيث كانوا يشترون السلع مرابحة لأجل بثمن عالٍ، ويبيعونها نقداً بثمن منخفض لأن مقصدهم الأساس هو الحصول على النقد وليس السلعة لاستخدامه في أغراض أخرى مثل سداد ديون مستحقة.
3- المساهمة في تمويل بعض الخدمات التي لا تصلح لها صيغة المرابحة مثل: سداد الأجور والمصروفات وسداد المديونيات ونحو ذلك.
4- يعتبر التورق أداة من أدوات التمويل قصير الأجل الذي يناسب المؤسسات المالية الإسلامية.
5- تخفيض نسبة الخسارة التي تحيق بالعميل عند إعادة بيع السلعة التي اشتراها من المصرف .
6- السرعة في إنجاز المعاملة مقارنة بالصيغ الأخرى.
7- إن التورق المصرفي يفتح مجالاً للمصارف الإسلامية لتمويل بعض المشاريع ذات الخطورة العالية التي لا ترغب المصارف بالدخول فيها.
8- إن التورق يمثل "صيغة نافعة" وقابلة للتطبيق تمكن من توفير وتكويل المخزون للشركات المنتجة.
المطلب الثالث
أدلة القائلين بتحريم التورق المصرفي المنظم
قال بتحريم مسألة التورق المصرفي المنظم من العلماء المعاصرين:
1- عبدالله بن محمد بن حسن السعيد (1) .
2- علي السالوس (2) .
3- حسين حامد (3) .
__________
(1) ... السعيد،عبد الله محمد بن حسن، التورق المصرفي المنظم، الاقتصاد الاسلامي،مجلة علمية محكمة، مجلد (24)، العدد( 274)، محرم- 1425هـ، مارس- 2004.
(2) ... السالوس،علي، العينة والتورق – والتورق المصرفي،مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003.
(3) ... حامد،حسين، تعليق على بحوث التورق، مؤتمر دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، من 26- 28 صفرهـ الموافق 7- 9 مايو 2002 .(1/48)
4- سامي بن إبراهيم السويلم (1) .
5- الصديق محمد الأمين الضرير (2) .
6- رفيق يونس المصري (3) .
7- المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة (4) ،وأعضاؤه الموقعون على القرار هم : (محمد رشيد راغب قباني، مصطفى سيربتش، نصر فريد محمد واصل، الصديق محمد الضرير، محمد سالم ابن عبد الودود، محمد ابن عبدالله السبيل،عبد الكريم زيدان، وهبة مصطفى الزحيلي، يوسف القرضاوي،عبد الستار فتح الله السعيد، صالح بن زابن المرزوقي، عبد الله بن عبد المحسن التركي) . وشارك في صياغة القرار الدكتور عبد السلام العبادي بصفته خبيراً قبل أن يصبح أميناً عاماً لمجمع الفقهي الإسلامي الدولي .
وسيرد نصّ هذا القرار الذي يميز بوضوح بين التورق الفقهي والتورق المصرفي المنظم في نهاية هذه الدراسة .
أدلة من قال بالتحريم:
... ... الدليل الأول: أن التورق من بيع المضطر
وجه الاستدلال:
__________
(1) ... السويلم، سامي بن إبراهيم، التورق . . . والتورق المنظم، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الاسلامي، مكة المكرمة، جمادي الثانية 1424هـ - اغسطس 2003 .
(2) ... الضرير،الصديق محمد الأمين، التورق والتورق المصرفي،مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ، الموافق 19- 20 يونيو 2002 .
(3) ... المصري، رفيق يونس، الجامع في أصول الربا، مرجع سابق، ص 17.
(4) ... الدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول ،200، القرار الثاني "التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر" ووقع القرار مع التحفظ سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للملكة العربية السعودية .(1/49)
يقول ابن القيم: " . . . وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة، وإن باعها لغيره فهو التورق، وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو مُحَلل الربا، والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون، وأخفها التورق، وقد كرهه عمر بن عبد العزيز،وقال: هو أخيَّة الربا،وعن أحمد فيه روايتان، وأشار في رواية الكراهَة إلى أنه مضطر،وهذا من فقهه رضي الله عنه، قال: فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر، وكان شيخنا يمنع من مسألة التورق وروجع فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه" (1) .
فمطالبوا التورق هم المضطرون إلى النقد ولا يجدون من يقرضهم فمقصودهم الثمن، فالمستورق يقصد الحصول على النقد الحاضر مقابل ثمن مؤجل في ذمته أكثر منه.
__________
(1) ... ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3/ص 182.(1/50)
جاء في تهذيب السنن:"فإن قيل فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث هل تسمون ذلك عينة ؟ قيل هذه مسألة التورق لأن المقصود منها الورق وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان،وعلل الكراهة في إحداهما بأنه بيع مضطر وقد روى أبو داود عن علي أن النبي نهى عن المضطر وفي المسند عن علي قال سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك، قال تعالى : { وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (1) ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر" (2) . فأحمد أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة، وإن باعها من غيره فهي (التورق) ومقصوده في الموضعين : الثمن فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل الثمن حال أنقص منه، ولا معنى للربا إلا هذا ولكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة، ولو لم يقصده كان ربا بسهولة (3) .
فالمتورق مضطر للاقتراض،لكنه لا يجد من يقرضه، لذلك يبيع السلعة التي اشتراها بثمن أقل مما حصل في ذمته. فالامام أحمد عندما أجاز التورق في أحدى روايتيه إنما أجازه مع الكراهة، يقول ابن القيم: " وعن أحمد فيه (التورق) روايتان الحرمة والكراهة" (4) ، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه (المتعامل في التورق) مضطر.
__________
(1) ... سورة البقرة، آية 237 .
(2) ... أنظر:ابن القيم،تهذيب السنن، ط1، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية، 1421هـ، 2001،ج3/ص301 .
(3) المنذري،زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي، مختصر سنن ابي داود ، ط1، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية،1421هـ،2001،ج5/ ص 108 – 109 .
(4) ... ابن القيم إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3/ ص 182 .(1/51)
وبالتالي فإن للاضطرار أحكامه، فليس كل من رغب في المال لشراء ما تشتهيه نفسه أو يتوسع في تجارته يعتبر مضطراً، فيتم التعامل بصيغة التورق ليصبح الأمر حلالاً صرفاً، كما يتم الإعلان عنه في الصحف من قبل المصارف التي تدعو الناس إلى الاقتراض بأسلوب صيغة التورق،مع عدم الالتزام بقواعد التعامل في التورق وفق ما تمت إجازته من قبل أعضاء مجلس مجمع الفقه الإسلامي، حيث اشترط التملك والحيازة لبائع السلعة لمشتريها من المصرف، فهذا الشرط مفقود في التعامل الذي تمارسه المصارف (1) .
... ... الدليل الثاني: أن التورق حيلة ووسيلة من وسائل الربا
وجه الدلالة:
يقول ابن تيمية: "فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في هذه الصورة، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى، وإنما الذي أباحه الله البيع والتجارة، وهو أن يكون المشتري غرضه أن يتجر فيها، فأما إذا كان مقصده مجرد الدراهم بدراهم أكثر منها فهذه لا خير فيه" (2) .
وتعليل ابن تيمية للتحريم واضح، لا غموض فيه. فهو يرى أن النتيجة التي يريد المتورق أن يصل إليها، هي عين النتيجة التي يصل إليها المقترض بربا، فهو يرى أن النية تؤثر في العقود وأن الأعمال بالنيات. والمتورق ينوي حصول النقد حاضراً مقابل دين في الذمة أكثر منه وهو عين ربا النسيئة المحرم، فمن نوى هذه النتيجة فله ما نوى. (3)
__________
(1) ... الشباني،محمد بن عبد الله، التورق نافذة الربا في المعاملات المصرفية، موقع الشبكة المعلوماتية www.Saaid.net ، ص 2 .
(2) ... ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، مرجع سابق، ج29/ ص 238 .
(3) ... أنظر: السويلم، التورق . . . والتورق المنظم دراسة نأصيلية ، مرجع سابق .(1/52)
فالأمور بمقاصدها، وأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وبموجب ذلك فإن العمل والتصرف الصحيح لا يقع إلا بالنية، والعامل ليس له إلا ما نواه، وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا، ولا يعصمه من حرمة الربا صورة البيع (1) .
إن جميع العقود المشروعة إنما شرعت لتحقيق مصالح لعاقديها، فإذا قصد العاقدان بها ما شرعت لأجله كانت صحيحة وإلا كانت باطلة (2) . فنية البيع والشراء غير موجودة في عملية التورق، فالسلعة محل العقد لا تهم العميل في أي شيء، وهو لا يريد شراؤها ولا بيعها، وإنما يريد من هذا التعاقد مجرد الحصول على مال نقدي الذي لا يتم إلا بمقابل وكلفة زائدة مؤجلة (3) . فالتواطؤ والتحايل على الربا واضح في صيغة التورق المصرفي، فالتورق المصرفي حيلة محرمة لأن المقصود بها تحليل حرام، وهو الحصول على النقد الحال في مقابل دفع أكبر منه مقابل الأجل، واتخذت سلسلة من البيوع والاتفاقيات شاركت فيها مجموعة من المؤسسات بخطة محكمة، وهذه العقود لا هدف ولا غاية للمتورقين فيها، بل إنها الرابطة التي تجمع عقوداً في عقد واحد وإن لم يصرح بذلك لكنه معلوم بالقطع من القرائن والأحوال وطبيعة المعاملة (4) .
__________
(1) ... خوجه،عز الدبن، ملخص أبحاث في التورق ،مرجع سابق، ص 3 .
(2) ... حسان،تعليق على بحوث التورق،مرجع سابق، ص 14 .
(3) ... أنظر: أحمد، محيي الدين، التطبيقات المصرفية لعقد التورق وأثارها على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي، مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ، الموافق 19- 20 يونيو 2002 .
(4) ... أنظر:حسان، تعليق على بحوث التورق، مرجع سابق .(1/53)
يقول محي الدين (1) : "هناك تواطؤ واتفاق بين المصرف والشركة التي سوف تعيد الشراء ... علما بأن التورق يستوجب ألا يكون هناك تواطؤ".
وأضاف:"في عملية التورق يوجد فصل كامل في التصرفات التعاقدية ولكن في عملية التورق المصرفي وفي جلسة واحدة وبمجرد التوقيع على الأوراق تتداخل كل التصرفات التعاقدية . . " (2) .
الدليل الثالث: ان بيع التورق المقصود منه شراء دراهم بدراهم والسلعة واسطة بينهما، حيث إن غرض طرفي التعامل الحصول على نقد بنقد مؤجل والسلعة واسطة بين النقدين وهو منطبق على قول بعض أهل العلم: درهم بدرهمين بينهما حريرة (3) .
وجه الدلالة:
__________
(1) ... محيي الدين، التطبيقات المصرفية لعقد التورق وأثارها على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي، مرجع سابق، ص 5. .
(2) المرجع السابق، نفس الصفحة .
(3) ... منيع، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص 17.(1/54)
يقول ابن تيمية:"ألا يكون مقصوده لا هذا ولا هذا ( اي المشتري) بل مقصوده دراهم لحاجته إليها، وقد تعذر عليه أن يستلف قرضاً، أو سلما فيشتري سلعة ليبيعها، ويأخذ ثمنها، فهذا هو "التورق" وهو مكروه في أظهر قولي العلماء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، كما قال عمر بن عبد العزيز: التورق أخية الربا . وقال ابن عباس: إذا استقمت بنقد، ثم بعت بنقد، فلا بأس به،وإذا استقمت بنقد، ثم بعت نسيئة، فتلك دراهم بدراهم . ومعنى: إذا استقمت: إذا قومت، يعني: إذا قومت، يعني: إذا قومت السلعة، وابتعتها إلى أجل، فإنما مقصودك دراهم بدراهم، هكذا "التورق" يقوم السلعة في الحال، ثم يشتريها إلى أجل بأكثر من ذلك" (1) . وقوله "استقمت بنقد" أي: حددت قيمة السلعة نقداً. ومعنى كلامه: أن البائع إذا حدد للمشتري قيمة السلعة نقداً، ثم باعها له بأجل بثمن أعلى منه، دل ذلك على أن مقصود المشتري هو بيع السلعة للحصول على الدراهم وليس الانتفاع بها، فتكون المعاملة دراهم حاضرة بدراهم مؤجلة (2) . فقصد الشارع من تشريع عقد البيع هو تلبية حاجات المشتري إلى السلعة، والبائع إلى الثمن، فإذا اشترى المتورق سلعة لا حاجة له فيها، ولا في استعمالها، ولا في الاتجار بها، وإنما يقصد الحصول على نقد حال، على أن يدفع أكثر منه بعد أجل معين فقد قصده الشارع في تشريع عقد البيع (3)
الدليل الرابع: يدخل التورق في بيع العينة الذي منعه جمهور الفقهاء
وجه الدلالة:
__________
(1) ... ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية: مكتبة العبيكان، 1418هـ، 1997، ج29/ ص 242 .
(2) ... السويلم، التورق والتورق المنظم ،مرجع سابق، ص 23 .
(3) ... حسان، تعليق على بحوث التورق،مرجع سابق، ص5 .(1/55)
التورق صورة من صور بيع العينة، حيث إن القصد من بيع التورق هو الحصول على النقد، فيتم شراء سلعة مؤجلة السداد ليبيعها بقصد الحصول على النقد . يدخل التورق المصرفي في بيع العينة وذلك لأن المصرف هو الذي يبيع السلعة للمتورق نسيئة بأكثر من ثمنها نقداً. وهو الذي يتولى بيعها لمن يشاء نقداً وبأقل من ثمنها الذي باعها هو به. فلا فرق بين هذا وما لو اشتراها المصرف لنفسه. فالمصرف يتولى كل شيء في التورق المصرفي، وليس على المستورق سوى بيان مبلغ التمويل (1) .
__________
(1) ... الضرير، الصديق محمد الأمين، الرأي الفقهي في التورق المصرفي، الاقتصاد الاسلامي،مجلة محكمة، مجلد( 24 )، العدد (274)، محرم/ 1425هـ، مارس/ 2004، ص 41 .(1/56)
جاء في اعلام الموقعين: "إن من أراد أن يبيع مائة بمائة وعشرين إلى أجل فأعطى سلعة بالثمن المؤجل ثم اشتراها بالثمن الحال، ولا غرض لواحد منهما في السلعة بوجه ما، وإنما هي كما قال فقيه الأمة: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة، فلا فرق بين ذلك وبين مائة بمائة وعشرين درهماً بلا حيلة البتة، لا في شرع ولا في عقل ولا في عرف، بل المفسدة التي لأجلها حُرّم الربا بعينها قائمة مع الاحتيال أو أزيد منها، فإنها تضاعفت بالاحتيال لم تذهب ولم تنقص، فمن المستحيل على شريعة أحكم الحاكمين أن يحرم ما فيه مفسدة ويلعن فاعله ويؤذنه بحرب منه ورسوله، ويوعده أشد الوعيد ثم يبيحُ التحيل على حصول ذلك بعينه، سواء مع قيام تلك المفسدة وزيادتها بتعب الاحتيال في معصية ومخادعة الله ورسوله، هذا لا يأتي به شرع . . . فأي فرق بين بيع مائة بمائة وعشرين درهماً صريحاً وبين إدخال سلعة لم تقصد أصلاً بل دخولها لخروجها. ولهذا لا يسأل العاقد عن جنسها ولا صفتها ولا قيمتها ولا عيب فيها ولا يبالي بذلك ألبته حتى لو كانت خرقة مقطعة أو أُذُنَ شاة أو عوداً من حطب أدخلوه محللاً للربا، ولما تفّطن المحتالون إلى أنَّ هذه السلعة لا اعتبار بها في نفس الأمر، وأنها ليست مقصودة بوجه، وأن دخولها كخروجها – تهاونوا بها – ولم يبالوا بكونها مملوكةٌ للبائع أو غير مملوكة، بل لم يُبال بعضُهم بكونها مما يُباعُ أو مما لا يباعُ . . . وكل هذا واقع من أرباب الحيل، وهذا لما علموا أنَّ المشتري لا غرضَ له في السلعة فقالوا: أي سلعة اتفق حضورها حصلَ بها التحليلُ" (1) .
__________
(1) ... ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3/ ص 142- 145 .(1/57)
"فجمهور الفقهاء يدرجون التورق ضمن معاني العينة التي ورد بها الحديث. وإذا كان الحديث ذكرها في معرض الذم والتحذير، دل على أن هذه المعاملة مذمومة شرعاً، وهذا يقتضي التحريم . فإن قيل : إن الفقهاء الذين ذكروا التورق ضمن صور العينة لم يحكموا بتحريمه، بل حكموا بالجواز. فلمَ يؤخذ ببعض قولهم دون بعض ؟
قيل: إدراج التورق ضمن العينة مبني أولاً على معنى العينة في اللغة، إذ هي الحصول على النقد من خلال البيع. وهذا المعنى مطابق لمفهوم التورق.(1/58)
ثم أنه ليس صحيحاً أن الفقهاء أطلقوا القول بجواز التورق، بل صرحوا بالكراهة، خاصة المتقدمون منهم. ومعلوم أن الكراهة عند المتقدمين تفيد التحريم غالباً، كما يقول ابن تيمية (1) . تورّعاً منهم عن إطلاق القول بالتحريم. وإنما صرح بالجواز المتأخرون، لأسباب سبقت الإشارة إلى بعضها . وقد نص الإمام أحمد في رواية على تحريم التورق. ومعلوم من أصول مذهب أحمد أنه يمنع الحيل كلها. قال الموفق ابن قدامة : "قد ثبت من مذهب أحمد أن الحيل كلها باطلة" (2) . والتورق حيلة بلا ريب، وإنما وقع الخلاف هل هو حيلة جائزة أو ممنوعة. فإذا اختلفت الروايات عنه رحمه الله فالرواية الموافقة للأصل أولى مما يخالفه، ويمكن حمل رواية الجواز على حالة الضرورة، وبذلك يزول الاختلاف بينهما، والجمع مقدم على الترجيح. أما ترجيح رواية الجواز فهو إهمال لرواية التحريم من جهة، ولأصل مذهب أحمد في الحيل، من جهة أخرى. فتفسير العينة بما يشمل التورق هو من باب الرواية التي تناقلها الفقهاء عن السلف، وأيدها كلام أهل اللغة. وأما الحكم بالجواز أو عدمه، فهو من باب الرأي والاجتهاد.
__________
(1) ... ابن تيمية،كتاب بيان الدّليل على بطلان التحليل، ط1، بيروت، لبنان: المكتب الإسلامي، 1418هـ، 1998،ص 422 .
(2) ... ابن قدامة،عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، من أهل جمّاعيل من قرى نابلس بفلسطين . خرج من بلده صغيرا مع عمه عندما ابتليت بالصليبين، واستقر بدمشق. رحل إلى بغداد أربع سنين ثم عاد إلى دمشق ، توفي سنة 620 هـ . من تصانيفه " المغني في الفقه شرح مختصر الخرقي " عشر مجلدات ، و" الكافي " ، و " المقنع " ، و " العمدة "، وله في الأصول " روضة الناظر " . أنظر: الموسوعة الفقهية ،ج 1 / ص 333 . المغني، بيروت، لبنان:دار الكتب العربي، 1403، 1983، طبعة جديدة بالأوفست،ج6/ ص 154.(1/59)
وإذا اختلفت رواية العالم ورأيه، فالعبرة بما روى لا بما رأى، كما هو مقرر في القواعد (1) " (2) . وكل صور العينة تتضمن البيع صورياً، لكنها لا تتضمن منفعة البيع الحقيقية التي لأجلها افترق البيع عن الربا. فالمتورق لا ينتفع بالسلعة ولا يربح منها، لأنه لا بد أن يتخلص منها بخسارة ليحصل على النقد، فتصبح بذلك عبئاً إضافياً عليه فوق الزيادة مقابل الأجل التي تحملها ابتداء. فبدلاً أن يكون البيع سبباً لجبران تكلفة التأجيل، صار سبباً لمزيد من التكاليف والأعباء والنفقات. فالمتورق من هذا الوجه أسوأ من الربا الصريح (3) .
فهناك تشابه بين العينة والتورق من وجوه أهمها (4) :
1 - أن قصد المشتري في الحالتين واحد هو الحصول على النقود حتى لو كان ذلك بكلفة وخسارة.
2 - ... أن البائع هو مصدر السيولة للمشتري في الحالتين. فالنقد يحصل عن طريقه وبواسطته.
3 - لا يوجد فرق بين المصرف وبين البائع في العينة، لأن الطرفين ضامنان لتصريف السلعة.
4 - العينة والتورق كلاهما فيه بيعتان.
5 - العينة والتورق كلاهما فيه بيعة مؤجلة وأخرى معجلة.
6 - العينة والتورق كلاهما فيه سلعة وسيطة لاغية غير مقصودة حقيقية، تقبض ثم تعاد، وربما لا يتم تقابضها بالمرة، وقد لا تتحرك من أرضها. وقد لا يكون لها وجود أصلاٍ (سلعة افتراضية).
7 – ... حاجة العميل في كل منهما إلى المال. باعتباره جهة عجز مالي.
الدليل الخامس: الآثار الوارده عن السلف تفيد تحريم التورق (5)
__________
(1) ... أنظر: ابن تيمية،الفتاوى،مرجع سابق، ج 33/ ص 90 ، ابن القيم،إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج4/ ص 394 .
(2) ... أنظر: السويلم، التورق. . . والتورق المنظم ، مرجع سابق، ص 19- 20 .
(3) ... المرجع السابق، ص 33 .
(4) ... أنظر:السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، المصري، رفيق يونس، التورق في البنوك، بحث غير منشور،بتصرف.
(5) ... السويلم، موقف السلف من التورق المنظم، موقع الشبكة المعلوماتية www.aldaawah.com(1/60)
إن هذا البيع كان معروف منذ القرن الأول للهجرة، وان فتاوى السلف بشأنها كانت صريحة وحاسمة في منعه منها:
? فتوى سعيد بن السيب (1) .
__________
(1) ... سعيد بن المُسيِّب بن حَزْن بن أبي وهْب بن عمْرو بن عائذ بن عمْران بن مخزُوم بن يَقَظة ( 13- 94هـ)، قرشي، مخزومي، عالم أهل المدينة، وسِّيدُ التابعين في زمانه. رأى عُمر، وسمع عثمان، وعليّاً، وزيد بن ثابت، وعائشة وأبا هُريرة وكان مِمَّن برَّز في العِلْم والعمل. وكان من أعبر الناس للرؤيا، من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع . كان لا يأخذ عطاءاَ. ويعيش من التجارة بالزيت. توفي بالمدينة، أنظر : الذهبي، أعلام النبلاء، ج 2/ ص 1828.(1/61)
حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن مهدي عن سعيد بن السائب عن داود بن أبي عاصم روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن داود بن أبي عاصم الثقفي أن أخته قالت له: إني أريد أن تشتري متاعاً عينة، فاطلبه لي. قال: فقلت فإن عندي طعاماً، قال : فبعتُها طعاما بذهب إلى أجل واستَوفَتْه. فقالت : انظر لي من يبتاعه مني . قلت : أنا أبيعه لك . قال : فبعتها لها . فوقع في نفسي من ذلك شيء . فساُلتُ سعيد بن المسيب فقال: (انظر ألا تكون أنت صاحبه ؟) قال: قلت فأنا صاحبه. قال: (فذلك الربا محضاً، فخذ رأس مالك، وأردد إليها الفضل) هذا لفظ عبد الرزاق (1) .
... وهذا الأثر يتضمن عدد من الدلالات المهمة (2) :
1- إن هذه المعاملة التي تمت بين داود وأخته كانت من التورق المنظم، لأن داود هو الذي باع السلعة بأجل ثم تولى بيعها نقدا نيابة عن أخته لطرف ثالث. ويدل على أن البيع النقدي كان لطرف ثالث أمور أهمها:
أ - التصريح بأنها ( أمَرتْه أن يبيعه )، وهذا صريح أنه نائب عنها في البيع، لا أنه هو المشتري .
__________
(1) ... أبي شيبة، الإمام الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ابن ابي بكر ، مُصَنّف ابن أبي شيبة، د. ط، كراتشي، باكستان: منشورات ادارة القرآن والعلوم الإسلامية ، 1406هـ، 1986، ج7 / ص275. وفظ بن أبي شيبة : عن دود بن أبي عاصم أنه باع من أخته بيعاُ إلى أجل، ثم أمرته أن يبيعه، فباعه .قال : فسألت سعيد بن المسيب فقال : ( أبصر ألا يكون هو أنت ؟ ) قلت : أنا هو . قال: ( ذلك الربا، فلا تأخذ منها إلا رأس مالك ) . الصّنعاني، الإمام الحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع،المصنف، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1421هـ، 2000، ج8 / ص 294- 295 .
(2) ... السويلم، موقف السلف من التورق المنظم ، مرجع سابق، ص2 .(1/62)
ب - قوله: (أنا أبيعه لك). وهذا معناه أنه يبيع نيابة عنها، لا أنه يشتري منها، وهذا معروف عند السلف، إذا قال: أبيعه لك، أي أبيعه لمصلحتك نيابة عنك (1) .
جـ - قولها: (أنظرلي من يبتاعه مني)، وهذا يدل على أنها طلبت البحث عن المشتري بعد شرائها من أخيها بأجل، ولو كان المقصود أن يشتريها هو نفسه لما كان هناك حاجة للبحث عن مشتر.
د- أن عبد الرزاق وأبن أبي شيبة ذكرا هذا الأثر في باب أخر خلاف أبواب العينة الثنائية فهذه المعاملة من باب التورق المنظم وليست من العينة الثنائية التي ترجع فيها السلعة للبائع (2) .
2- إن فتوى سعيد بن المسيب كانت بتحريم هذه المعاملة لأنها ربا، بل وصفها بأنها (الربا محضاً)، وأن داود ليس له من أخته إلا رأسماله الذي يعادل الثمن النقدي، وتبطل الزيادة فوق ذلك.
3- إن فتواه كانت حاسمة وواضحة، وهذا يشعر أن هذه المعاملة لم تكن جديدة على سعيد، بل وقف عليها وعلم حكمها قبل ذلك . وإذا كان سعيد بن المسيب لقي جمعاً كبيراً من الصحابة، وكان صهر أبي هريرة رضي الله عنه، وكان مقيماً بالمدينة النبوية وفيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أعلم الناس بأقضية النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فَيبعد والحال كذلك أن تكون هذه الفتوى، بهذا الجزم، محض اجتهاد منه، بل الأقرب أن له فيها سلفاً يتصل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) ... أنظر: الإمام مالك، المدونة، مرجع سابق، ج4/ ص 244- 248 .
(2) ... ذكر عبد الرزاق في المصنف العينة الثنائية في باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد اشتراءها بنقد ج8/ ص 141، بينما ذكر أثر سعيد في باب: الرجل يعيّن الرجل هل يشتريها منه أو يبيعها لنفسه ، أما أبن أبي شيبة فقد ذكر في مصنف ابن أبي شيبة العينة الثنائية في باب: الرجل يبيع السلعة بالنقد ثم يشتريها ج6/ ص593،بينما ذكر أثر سعيد في باب: في الرجل يبيع الدين إلى أجل ج5/ ص375 .(1/63)
4- أن أخت داود سمّت معاملتها عينة، لأنها قالت: أريد أن تشتري متاعاً عينة، مع أن مقصودها ليس العينة الثنائية وإنما التورق. فدل على أن التورق كان يسمى عينة. ويؤيد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن سليمان التيمي: (أن إياس بن معاوية كان يرى التورق يعني العينة) (1) . ففسر التورق بأنه عينة.
? الحسن بن يسار البصري (2) .
روى عبد الرزاق عن أبي كعب، عبد ربه بن عبيد الأزدي، أنه قال: قلت للحسن: إني أبيع الحرير، فتبتاع مني المرأه والأعرابي، يقولون: بعه لنا فأنت أعلم بالسوق. فقال الحسن:(لا تبعه، ولا تشتره، ولا ترشده، إلا أن ترشده إلى السوق). وروى أيضاَ عن رزيق بن أبي سلمى أنه قال: سألت الحسن عن بيع الحريرة، فقال:(بع واتق الله) . قال: يبيعه لنفسه. قال: (إذا بعته فلا تدل عليه أحداً، ولا تكون منه في شيء .ادفع إليه متاعه ودعه) (3) .
وهذا الأثر يتضمن عدد من الدلالات (4) :
__________
(1) ... أبن شيبة، مصنف أبن أبي شيبة، مرجع سابق، ج6/ ص 47 .
(2) ... الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد. ( 21- 110هـ). تابعي، كان أبوه يسار من سبي ميسان، ومولى زيد بن ثابت الأنصاري، ولد بالمدينة،رأى بعض الصحابة، وسمع من قليل منهم، كان سيد أهل زمانه عِلماً وعملاً. كان شجاعاً، فقيهاً، ثقة، فصيحاً،شهد له أنس بن مالك وغيره. وكان إمام أهل البصرة ، أنظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج1/ ص 1456.
(3) ... أنظر: عبد الرزاق، المصنف، مرجع سابق، ج8/ ص 295 .
(4) ... السويلم، موقف السلف من التورق المنظم، مرجع سابق، ص 3 .(1/64)
1- قوله: إني أبيع الحرير، كان الغالب آنذاك هو استعمال الحرير للحصول على النقد من خلال شرائه بأجل ثم يبيعه نقداً، ولهذا قال ابن عباس في العينة: دراهم بدراهم وبينهما حريرة، وتسمى العينة أحياناً: (بيع الحريرة) (1) . ويفهم أن أبا كعب ربما باع بأجل لمن يريدون العينة، ولهذا قال الحسن في الرواية الثانية: (بع واتق الله) أي لكثرة ما يلابس بيع الحرير من الوقوع في العينة بصورها المختلفة.
2- إن جواب الحسن صريح في منع البائع بأجل من أن يتدخل بأي صورة من الصور لتحصيل النقد للمشتري، ولهذا قال:(لا تكون منه فيه شيء ادفع إليه متاعه ودعه) . وهذا يقتضي منع توسط البائع بأجل لمن يريد النقد حتى لو كان بمجرد الدلالة على من يشتريه نقداً، وهذا صريح في منعه للتورق المنظم.
3- قول الحسن:(لا تبعه) أي لا تبع الحرير نيابة عمن اشتراه منك بأجل، وهذا منع للتورق المنظم . وقوله:(ولا تشتره) أي لا تشتره منه، وهذا منع للعينة الثنائية. وقوله: (ولا ترشده) أي لا تدله على من يشتريه منه نقداًَ. وقال في الرواية الأخرى: (إذا بعته فلا تدل عليه أحداً) يعني والله أعلم إذا بعت الحريرة وأشتراه منك المتورق فلا تدل عليه من يشتري منه بنقد . فمجموع الروايتين منعٌ للدلالة من الجهتين، وعلى كل تقدير فهو نهي عن التدخل في عملية التورق، ولهذا قال: (ادفع إليه متاعه ودعه).
4- إن هذا التدخل ممنوع وإن كان المشتري لا يحسن التعامل في السوق، لقوله: فتبتاع مني المرأة والأعرابي، يقولون: بعه لنا فأنت أعلم بالسوق، ومع ذلك نهاه الحسن عن التدخل، لعلمه أن مراد هؤلاء النقد. ولو كان هذا المراد حلالاً طيباً لكانت الإعانة عليه مشروعة مطلوبة. فلما كانت الإعانة على تحصيل النقد بهذا الطريق ممنوعة، علم أن هذا الغرض محل شبهة على أقل تقدير .
__________
(1) ... أنظر: المصنف لابن ابي شيبة،مرجع سابق، ج6/ص48، ابن تيمية، بيان الدليل على بطلان التحليل ، مرجع سابق، ص 74 .(1/65)
? الإمام مالك بن أنس .
قال ابن القاسم: سألتُ مالكاً عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار إلى أجل، فإذا وجَبَ البيع بينهما قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد فإني لا أبصر البيع . فقال مالك: لا خير فيه، ونهى عنه (1) .
... وهذا النص يتضمن عدد من الدلالات (2) :
1- أن المعاملة التي سَأل ابنُ القاسم عنها مالكاً هي عماد التورق المنظم، لأن المشتري بأجل يطلب من البائع أن يبيع السلعة نقداً نيابة عنه لرجل أخر، فقوله: فإذا وجَبَ البيع بينهما قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد، أي قال المشتري للبائع بعها لي، أي بعها نيابة عني. وقوله: (من رجل) أي غير البائع نفسه كما هو ظاهر.
2- إن الإمام مالكا منع هذا التعامل بقوله: (لا خير فيه) وبنهيه عنه أيضاَ، ونحوه ما جاء في النوادر والزيادات: (قال مالك : ولا يلي بيعها لمبتاعها منه يسأله ذلك . قال أشهب : لا خيرَ فيه، فإن فعل وكان بيعاً صحيحاً بعد قبض المبتاع لها، لم يفسخ، وإن كان قبل يقبضها فسخ، إلاّ أن يبيعَها بعشرة فأكثرَ نقداً، فلا يُفْسَخُ) (3) . وهذا يوافق فتوى سعيد بن المسيب في هذه المسألة. ولا غرابة في ذلك، فالإمام مالك وارث علم أهل المدينة قبله، ومن أبرزهم سعيد بن المسيب.
3 - قول المشتري: "إني لا أبصر البيع" هو نفس التعليل الذي سُئل عنه الحسن البصري. ومع ذلك فإن الإجابة كانت حاسمة بالمنع. وهذا يؤكد أنه لو كان مقصود المشتري من تحصيل النقد بهذا الأسلوب أمراً مشروعاً ومحموداً، لكانت إعانته عليه محمودة كذلك، فلما كانت الإعانة مذمومة،علم أن هذا الأسلوب غير محمود أصلاً.
__________
(1) ... مالك، المدونة، مرجع سابق، ج4/ ص 125 .
(2) ... السويلم، موقف السلف من التورق المنظم، مرجع سابق، ص 4 .
(3) ... القيرواني، ابي محمد عبد الله بن عبد الرحمن ابي زيد، النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، ط1، بيروت، لبنان: دار الغرب الاسلامي، 1999، ج6/ ص 94 .(1/66)
4 - قول الإمام مالك هذا يوافق ما ورد عنه من مسائل التورق التي ذكرها عنه أصحابه، وتتفق جميعها على أن أي تدخل للبائع لتسهيل التورق للمتورق يجعل المعاملة محرمة (1) .
? الإمام محمد بن الحسن الشيباني (2) .
الفقيه المجتهد المحدّث، صاحب أبي حنيفة ومن أئمة المذهب الحنفي.وقد جاء عنه أكثر من نص:
أ ) ... جاء في كتاب الأصل: "ولو باعه لرجل، لم يكن ينبغي له أن يشتريه بأقل من ذلك . قبل أن ينقد : فليس ينبغي له ذلك لا لنفسه ولا لغيره . ولا ينبغي للذي باعه أن يشتريه أيضاً بأقل من ذلك لنفسه ولا لغيره، لأنه هو البائع" (3) .
ولهذا النص دلالات هي:
1 ) ... ذكر محمد بن الحسن هذا النص بعد أن ذكر صورة العينة الثنائية، وهي أن يبيع الشخص السلعة بثمن مؤخر ثم يشتريها بثمن حاضر، ويسميها فقهاء الحنفية: (شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن)، وبيّن أن هذا الشراء مردود ثم بعد أن تعرض لبعض التفاصيل انتقل إلى مسألة التورق، وهي ما إذا كان الشراء أصالة أو وكالة.
__________
(1) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم دراسة تأصيلية، مرجع سابق، ص 10- 14 .
(2) ... محمد بن فرقد الشيباني ( 131- 189هـ)، نسبته إلى بني شيبان بالولاء. أصله من قرى دمشق، إمام في الفقه والأصول، ثاني أصحاب أبي حنيفة بعد أبي يوسف. من المجتهدين المنتسبين. من تصانيفه : "الجامع الكبير"، "الجامع الصغير"،"المبسوط"،أنظر: الزركلي، الأعلام، ج6/ ص 309.
(3) ... الشيباني، الإمام أبي عبد الله محمد بن الحسن، كتاب الأَصْل المعروف بالمبسوط، ط1، بيروت، لبنان : عالم الكتب، 1410هـ، 1990، ج5/ ص 192 .(1/67)
2 ) ... قوله: (ولو باعه لرجل)، سبق أن عبارة (باع له) تعني باع لمصلحته ونيابة عنه. فقوله: ولو باعه لرجل، أي باع المبيع لمصلحة رجل آخر، فالذي يباشر البيع هنا وكيل ونائب عن مالك المبيع . ثم قال: (لم يكن ينبغي له أن يشتريه بأقل من ذلك قبل أن ينقد.) أي لم يكن ينبغي للمالك الأصيل أن يشتري المبيع بأقل . فيكون معنى العبارة: لو وكل مالك السلعة من يبيعها بأقل قبل انتقاد ثمن الشراء. وقوله : (لنفسه ولا لغيره) أي لا ينبغي له أن يشتري سواء كان الشراء لنفسه أو لغيره. وواضح من ذلك أنه لا يلزم أن ترجع السلعة للمالك الأصلي، ومع ذلك حكم الإمام محمد بمنع هذا الشراء.
3 ) ... قال: (ولا ينبغي للذي باعه أن يشتريه أيضاً بأقل من ذلك لنفسه ولا لغيره، لأنه هو البائع.) وقوله (الذي باعه) يريد الوكيل الذي باشر البيع نيابة عن المالك الأصلي. فيكون معنى العبارة: لا يجوز للوكيل الذي باشر البيع أن يشتري المبيع بأقل من الثمن الذي باع به قبل أن ينقد المشتري الثمن. وقوله:( لنفسه ولا لغيره) أي لا يصح الشراء، سواء كان الشراء لمصلحة الوكيل نفسه أو لمصلحة غيره. وواضح مرة أخرى أن المنع لا يشترط فيه أن تكون السلعة قد عادت للمالك الأصلي، بل قد تباع لطرف ثالث، وبذلك تكون المعاملة من صور التورق وليس العينة الثنائية.(1/68)
4 ) ... إن هذا الحكم ليس رأياً خاصاً بالإمام محمد وحده، بل هو رأي أئمة المذهب: أبي حنيفة، بالإضافة لمحمد بن الحسن، ولهذا كان كتاب الأصل من كتب ظاهر الرواية، أي الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي. ولهذا السبب وجدنا هذا الحكم منصوصاً عليه في كتب الفقهاء ممن بعدهم . ففي تبيين الحقائق للزيلعي، بعد أن ذكر المنع من شراء ما باع بأقل مما باع قال: (ولو اشترى ما بيع له بأن باع وكيله لم يجز أيضاً لأنه لما باع باذنه صار كبيعه بنفسه ثم اشترى بالاقل وكذا لو وكل رجلا ببيع عبده بالف درهم، فباعه، ثم أراد الوكيل أن يشتري العبد بأقل مما باع لنفسه أو لغيره بأمره، قبل نقد الثمن لم يجز أما شراؤه لنفسه فلأن الوكيل بالبيع بائع لنفسه في حق الحقوق) (1) .
... ويزيد ابن عابدين في حاشيته هذا المعنى تأكيداً فيقول: (فأفاد أنه لو باع شيئاً أصالة بنفسه أو وكيله أو وكالة عن غيره، ليس له شراؤه بالأقل لا لنفسه ولا لغيره) (2) .
__________
(1) ... الزيلعي،فخر الدين عثمان بن علي، الحنفي، من أهل زيلع بالصومال، فقيه حنفي. قدم القاهرة سنة 705هـ. ودرس وأفتى وقرر ونشر الفقه. كان مشهوراً بمعرفة النحو والفقه والفرائض. وهو غير الزيلعي صاحب " نصب الراية "، أنظر: الزركلي، الاعلام، ج4/ ص 373. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ط2، القاهرة، مصر: دار الكتاب الاسلامي،د.ت، ج3/ ص 54 .
(2) ... ابن عابدين، رد المحتار، مرجع سابق، ج 4/ ص 114 .(1/69)
5 ) ... وهذه العبارات من فقهاء المذهب عبر القرون صريحة في منع هذا التعامل أصالة أو وكالة، في أي من العقدين: البيع أو الشراء، وتعليلهم لهذا المنع يعكس حرصهم على سد الباب من أصله. فيعلل الزيلعي المنع من شراء الوكيل لنفسه بقوله: (أما شراؤه لنفسه فلأن الوكيل بالبيع بائع لنفسه في حق الحقوق، فكان هذا شراء البائع من وجه، والثابت من وجه كالثابت من كل وجه في باب الحرمات، ثم يعلل المنع من الشراء لغيره بقوله: وأما لغيره فلأن شراء المأمور واقع له من حيث الحقوق، فكان هذا شراء ما باع لنفسه من وجه.) وذكر ابن عابدين تعليل الزيلعي وأقره .
6 ) ... إن هذه النصوص تؤكد أن من باع سلعة بثمن مؤخر، لم يجز له أن يشتري هذه السلعة لا لنفسه ولا لغيره، حتى لو كان في البيع الأول وكيلاً يعمل لمصلحة غيره، حتى لو لم ترجع السلعة لمالكها الأول . وهذا إغلاق محكم لكل أنواع الوساطة، حتى لو كانت المعاملة من باب التورق وليس العينة الثنائية.
الدليل السادس: إن مسألة التورق فيها كلفة وخسارة للمحتاج للنقد
وجه الدلالة: يقول ابن القيم: "قالوا بجواز مسألة التورق وهي شقيقة مسألة العينة، فأي فرق بين مصير السلعة إلى البائع وبين مصيرها إلى غيره ؟ بل قد يكون عَوْدْها إلى البائع أرْفَقَ بالمشتري وأقل كلفة عليه وأرفع لخسارته وتعينه. فكيف تُحرمون الضرر اليسير وتبيحون ما هو أعظم منه والحقيقة في الموضعين واحدة وهي عشرة . بخمسة عشر وبينهما حريرة رجعت في أحدى الصورتين إلى مالكها وفي الثانية إلى غيره" (1) . فالمستورق يبيع السلعة بسعر التكلفة أو أقل.
المطلب الرابع
الرد على أدلة المانعين
الدليل الأول: أن التورق من بيع المضطر
__________
(1) ... ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3/ ص 212- 213 .(1/70)
الجواب: يقول المنيع:"القول بأن التورق لا يأخذ به إلا مضطر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر. قول فيه نظر ولا تظهر وجاهة الاستدلال عليه بحديث النهي عن بيع المضطر، لأن الاستدلال به استدلال في غير محله، حيث إن حقيقة التورق ظهور الرغبة من صاحبها في الحصول على نقد يغطي به حاجته إليه سواء أكانت الحاجة مما تقتضيها مصلحته في الاكتساب أم مما تقتضيها حاجته أو غير ذلك وهذا لا يعد اضطراراً إلى الحصول على النقد . وإنما هي الرغبة في الحصول عليه لتغطية الحاجة به، والرغبة حاجة وليست ضرورة" (1) .
ليس للمعترض على التورق حجة فيما ذكره ابن تيمية لسببين (2) :
الأول: لضعف اسناد هذه الأحاديث فهي لا تنهض حجته للقول بالمنع. قال الخطابي في معالم السنن: "في استناده رجل مجهول لا ندري من هو" (3) .
الثاني: ان المعنى الذي من أجله منع بيع المضطر لا يظهر في التورق وبخاصة في تطبيقاته المصرفية. قال الخطابي في بيع المضطر:" بيع المضطر يكون من وجهين أحدهما ان يضطر إلى العقد عن طريق الإكراه عليه فهذا فاسد لا ينعقد والثاني ان يضطر إلى البيع لدين يركبه أو مؤنة ترهقه فيبيع ما في يده بالوكس من أجل الضرورة فهذا سبيله في حق الدين والمرؤة أن لا يباع على هذا الوجه وأن لا يفتات عليه بمثله ولكن يعان ويقرض ويستمهل له إلى الميسرة حتى يكون له في ذلك بلاغ فإن عقد البيع مع الضرورة على هذا الوجه جاز في الحكم ولم يفسخ. . . إلا أن عامة أهل العلم قد كرهوا البيع على هذا الوجه" (4) .
__________
(1) ... المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص 6 .
(2) ... القري، التورق . معناه وحكمه، مرجع سابق، ص 2.
(3) ... الخطابي، الإمام ابي سليمان حمد بن محمد،معالم السنن،ط1،حلب، سوريا: المطبعة العلمية، 1352هـ،1933،ج 3/ ص 87 .
(4) ... الخطابي، معالم السنن، مرجع سابق، ج3/ ص 87.(1/71)
ان هذا الدليل بني على أن المشتري مضطر للاقتراض، وأنه ما باع السلعة التي اشتراها إلا لأن البائع امتنع من قرضه.وهذه كلها فروض غير محققة.
أما أولاً فإنه لا دليل من الكتاب ولا من السنة أن من طلب من غيره قرضاً يجب عليه أن يسعفه له إن كان واجداً. إذ أن موجب هذا أن ينقلب المعروف لازماً.
ثانياً: إن الطالب للقرض لا ينقلب مضطراً إذا طلب من واحد ولم يسعفه حتى في غير الضروريات. بل هو لا ينقلب مضطراً إلا عندما تضيق به السبل. أي أن لا يقتصر على فرد واحد، ويكون الأمر الذي حمله على الاقتراض من الضروري كطعام الجائع. كما أن تفسير بيع المضطر بمن يتمكن من شراء شيء وبيعه بأقل منه خلاف الظاهر، بل إن هذه الصورة ترفع عنه الاضطرار.
ثالثاً: إن قصد البائع بالأجل الثمن المرتفع قصد مشروع لا كراهة فيه (1) .
ثم أن أكثر المتورقين إنما هم من ذوي اليسار في الحملة وليسوا مضطرين، والمصارف لا تتعامل مع الفقراء المعدمين، وإنما عملاؤها هم أصحاب الدخول الجيدة، لذلك ليس التورق اليوم من بيع المضطر . وحتى لو قلنا بمنع بيع المضطر فإن المعنى الذي من أجله منع بيع المضطر لا يظهر في التورق وبخاصة في تطبيقاته المصرفية الحديثة (2) .
الدليل الثاني: القول بأنه حيلة ووسيلة إلى الربا
__________
(1) ... أنظر: السلامي، محمد مختار، التورق والتورق المصرفي،مرجع سابق، ص 22 .
(2) ... القري، محمد علي، التورق كما تجريه المصارف . . . دراسة اقتصادية، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003 ، ص 5 .(1/72)
الجواب: قيل: ان الربا اسم لعقد بين طرفين، والتورق ليس عقداً بين طرفين، بل هو معاملة يجريها الشخص مع أكثر من طرف، كل منهما مستقل عن الآخر.فلا ينطبق عليه اسم الربا. ومن ثم لا يجري عليه حكمه (1) .
إن البيوع إذا كانت بصيغ شرعية معتبرة بعيدة عن صيغ الربا وصوره فأنها جائزة إذا كان يتوصل بها إلى تحقيق المطالب والغايات (2) . والقول أن حقيقة التورق أيلولته إلى الربا فيه نظر ولو أردنا أن نطبق حال من احتاج إلى نقد وسلك في سبيل تحصيله مسالك الحصول عليه من بيوع المرابحة أو المشاركة المتناقصة، أو بيوع السلم، أو غير ذلك من وسائل الحصول على الاستزادة من النقود مما هو جائز شرعاً لقلنا بمنع ذلك، لأن قصده الحصول على النقد بواسطة شراء السلع ثم بيعها. وهذا لا يقول به أحد، ثم إن تطبيق مسألة التورق على مسألة: درهم بدرهمين وبينهما حريرة تطبيق مع الفارق ذلك أن الحريرة لا تساوي قيمتها الدرهم الزائد وإنما جيء بها للتحليل، أما التورق فالراغب في النقد يشتري سلعة بثمن مؤجل هو مثل الذي تباع به على آخر بيعاً مؤجلاً، ثم أن مشتريها يبيعها في السوق بثمن مثلها حَالاًّ فظهر بهذا الفرق بين المسألتين (3) .
__________
(1) ... السويلم، التورق. . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 22.
(2) ... المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، مرجع سابق، ص 7، بتصرف .
(3) ... المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية، مرجع سابق، ص 8 .(1/73)
ان ابن تيمية يرى التورق حيلة على الربا ربما كان كذلك في زمن ابن تيمية ولكن الآن - ان كان حيلة – هو حيلة للهروب من الربا. يقول ابن تيمية في مسألة الحيلة:"وأصل هذا الباب ان الأعمال بالنيات وأنما لكل امرء ما نوى فإن كان قد نوى ما أحل الله فلا بأس وان نوى ما حرم الله وتوصل إليه بحيلة فان له ما نوى" (1) . فلا تكون حيلة إلا ان ينوي محرماً يتوصل إليه بالتحايل. والمتورق ليس نيته ارتكاب الحرام بل نيته اجتناب الحرام كيف لا والحرام مُشرعة ابوابه امامه وهو أقل كلفة ونفقة ثم يتركه ويأخذ بالتورق لاجتناب الحرام.
ويضيف في ابواب الحيل: "وكذلك اذا اتفقا على معاملة ربوية ثم اتيا صاحب حانوت . . . فهذا دليل على ان المحتال يقصد الحرام يلبس بلباس المباح " (2) . ويقول "هذه المعاملة وامثالها التي يقصد بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة" (3) .وجلي ان ليس هو مقصد همها (4) . فتعليل من منعها بكون المقصود منها التحايل على الربا، فليس فيه تحيل على الربا بوجه من الوجوه، مع مسيس الحاجة إليها، لأنه ليس كل واحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا،وما دعت إليه الحاجة، وليس فيه محذور شرعي، لم يجز تحريمه على العباد (5) .
الدليل الثالث: القول: أنها دراهم بدراهم بينهما حريرة
__________
(1) ... ابن تيمية، الفتاوى، مرجع سابق، ج29/ ص 447 .
(2) ... المرجع السابق، ج29/ ص 241.
(3) ... المرجع السابق، ج29/ ص 438.
(4) ... القري، التورق . معناه وحكمه. بحث منشور على موقع الشبكة الالكترونية www.islamifn.com
(5) ... العلوان، العينة محرمة والتورق جائز بلا قيد أو شرط ، مرجع سابق، ص 2 .(1/74)
الجواب: يقول المنيع (1) :"القول بتحريم التورق من أن قصد المشتري النقد دون السلعة . هذا القصد لا يعتبر سبباً في القول بالتحريم فقد وجه صلى الله عليه وسلم عامله لتحقيق قصد الحصول على الجنيب من التمر بأن يبيع الجمع ويشتري بثمنه جنيباً ولم يكن هذا القصد مانعاَ من صحة هذا التصرف والأخذ بهذا المخرج الصحيح للحصول على تحقيق الرغبة وقد وَجد من بعض فقهاء عصرنا هاجسُ حذَرٍ من التوسعَ في الأخذ بالتورق من قبل المصارف الإسلامية ويَظهر لي أنه هاجسُ وسواسٍ وإن اعتقد أهله أنه هاجس تقوى وورع".
يقول ابن باز: "ان تعليل من منعها أو كرهها بكون المقصود منه هو النقد، فليس ذلك موجباً لتحريمها ولا لكراهتها، لأن مقصود التجار غالباً في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة" (2) .
__________
(1) ... المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص 5. .
(2) ... اابن باز، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 19/ ص 50- 51 .(1/75)
رأي عمر بن عبد العزيز وصورته ان الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها، لما في ذلك من ضرر المحتاج ،وهذا الدليل يسري حتى على الصورة التي نص عليها البهوتي. والدليل صحيح ولكن لا ينطبق على الواقع : فإن المتمول باع سلعة إلى أجل قبضها منه المشتري. فليس فيها دراهم بدراهم أكثر منها، وإلا لحرمت التجارة إلى أجل، وللأجل حصة من الثمن، كما أن الحكم على الراغب في السيولة أنه محتاج تصميم الصورة محتملة على جميع الصور، ذلك أن الراغب في السيولة المالية قد يكون غرضه التوسع في النفقات على عرس أو سفر، أو تكملة لثمن عقار اشتراه من صاحبه نقداً ولم يجد في مدخراته ما يفي بالثمن أو غير ذلك من صور الحلال والحرام : فليس كل راغب في التحصيل على سيولة مالية محتاجاً . كما أن من يبيع إلى أجل ليس من أدب التعامل أن يسأل المشتري لماذا يشتري بالأجل. أو في أي مصرف سيصرف النقود التي يتحصل عليها لو باع ما اشتراه (1) .
__________
(1) ... السلامي، التورق والتورق المصرفي، مرجع سابق، ص 21 .(1/76)
ثم أن ذلك لا تأثير له على صحة المعاملة إذ أن التورق كسائر العقود الأخرى المطلوب فيه تحقق صورته الشرعية أما نية العاقد فلا أثر لها فالنوايا لا يعلمها إلا الله عز وجل. فيحرم البيع إذا لم تتحقق الصورة الشرعية ويجوز بتحققها. يشهد لذلك ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له: أكل تمر خيبر هكذا، قال يا رسول الله أنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال له عليه الصلاة والسلام "لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيباً" (1) . إذ أن مبادلة التمر بالتمر يشترط فيها التساوي لأن التمر من الأموال الربوية التي وردت في حديث الاصناف الستة. فانظر كبف ان تغير صورة العقد نقله من الحرمة إلى الحل مع ان الغرض والقصد في كلا الحاليين واحد (2) . فالشارع الحكيم شرع (3) البيع لتحقيق مصالح الخلق، ومن ضمنها الانتفاع بالسلع: باستعمالها، أو الاتجار بها، أو الانتفاع بثمنها، كما هو الشأن في التورق، وما استدل به على إخراج هذا الانتفاع من دليل،هو:"مناقضة قصد الشارع" لا يظهر للخاصة، فضلاً عن العامة، وما كان الله ليحرم شيئاً، وبخفي دليله إلا عن خاصة الناس، فهذه مشقة تتنزه عنها الشريعة.
الدليل الرابع: القول بأن التورق من بيع العينة المجمع على تحريمه
__________
(1) ... سبق تخريجه ص 20 من هذا البحث.
(2) ... القري، التورق. معناه وحكمه،مرجع سابق، ص 2 .
(3) ... أنظر:السعيدي، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مرجع سابق .(1/77)
الجواب: ان الفقهاء الذين ذكروا التورق ضمن صور العينة لم يحكموا بتحريمه، بل حكموا بالجواز. فلم يؤخذ ببعض قولهم دون بعض (1) .لا يدخل التورق في بيع العينة الذي أجازه الشافعي، لأن الشافعي يشترط ألا يكون هناك أرتباط بين البيعتين : البيعة التي بالأجل والبيعة التي بالنقد، ولا تظهر نية الحصول على النقد، وكلا الشرطين غير متحقق في التورق المصرفي، فالارتباط بين البيعتين منصوص عليه في العقد، فالمصرف هو الذي يبيع السلعة نسيئة بأكثر من ثمنها نقداً، ويشترط على المستورق أنه يوكله في بيعها نقداً بأقل مما باعها له به نسيئة ويسلمه الثمن، ويلتزم المصرف بهذا، ولولا التزام المصرف ببيع السلعة نقداً وتسليمه الثمن ما قبل المستورق شراء السلعة من المصرف بأكثر من ثمنها نقداً (2) .
__________
(1) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 20 .
(2) ... الضرير، الرأي الفقهي في التورق المصرفي، مرجع سابق، ص 41 .(1/78)
يقول المنيع:"لا يخفى أن جميع وسائل التجارة من بيع وشراء ومشاركة ومرابحة وغير ذلك من آليات الاستثمار الغرض من استخدامها ممارسة التجارة عن طريق الحصول على النقود والاستزادة منها وجميع هذه الأليات وسيلة ذلك، كما لا يخفى أن التورق يختلف عن العينة حيث إن العينة معناها رجوع السلعة إلى من باعها حيث إنه لم يبعها إلا باعتبار رجوعها إليه وحصوله على رغبته في أن تكون المائة مائة وعشرين مثلاً دون فوات سلعته عليه، فضلاً عن أن هاتين البيعتين- بيعة البائع على المشتري، وبيعة المشتري على البائع – بيعتان في بيعة واحدة وفسرها بعض المحققين من أهل العلم ومنهم ابن القيم بأنها العينة بخلاف التورق، فإن السلعة التي باعها البائع على الراغب في الشراء تورقاً لن ترجع للبائع حيث إن شرط بيع التورق ألا يبيع المشتري السلعة على من باعها عليه فإن باعها عليه فهي العينة المحرمة" (1) .
وفي فتوى لأابن باز (2) التفريق بين صور الربا ومن ذلك العينة ومسألة التورق قال:"وأما مسألة التورق فليست من هذا الباب وهي أخذ سلعة بدراهم إلى أجل ثم يبيعها هو بنقد في يومه أو غده أو بعد ذلك على غير من اشتراها منه. والصواب حلها لعموم الأدلة ولما فيها من التفريج ولتيسير وقضاء الحاجة الحاضرة. أما من باعها على من اشتراها منه فهذا لا يجوز بل هو من أعمال الربا وتسمى مسألة العينة وهي محرمة لأنها تحيّل على الربا".
__________
(1) ... المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص 8 .
(2) ... اابن باز، عبد العزيز، مجموع الفتاوى،مرجع سابق، ج19/ ص 245- 246.(1/79)
أما مسألة التورق التي يسميها بعض الناس الوعدة فهي معاملة أخرى، ليس من جنس مسألة العينة، لأن المشتري فيها اشترى السلعة من شخص إلى أجل وباعها من اخر نقداً من أجل حاجته للنقد وليس في ذلك حيلة على الربا، لأن المشتري غير البائع (1) .
يقول ابن باز (2) :"أما إذا كان المشتري اشترى السلعة إلى أجل ليبيعها بنقد بسبب حاجته إلى النقد في قضاء الدين أو لتعمير مسكن أو للتزويج ونحو ذلك، فهذه المعاملة إذا كانت من المشتري بهذا القصد ففي جوازها خلاف بين العلماء.وتسمى عند الفقهاء مسألة (التورق) ويسميها بعض العامة ( الوعدة ) والأرجح فيها الجواز".
الفرق بين بيع العينة والتورق (3) :
إن بيع العينة أن يشتري محتاج النقد سلعة من أحد الناس بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن حَالّ أقل من ثمنها المؤجل على من اشتراها منه، وسميت بالعينة لأن عين السلعة التي باعها رجعت إليه بعينها فهي محرمة،لأنه يغلب على الظن أنها اتخذت حيلة للتوصل بها إلى الربا فصارت بذلك محرمة لدى كثير من أهل العلم.
أما التورق فهي أن يشتري محتاج النقد سلعة من أحد الناس بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن حالِّ الغالب أنه أقل من ثمنها المؤجل وذلك على غير من اشتراها منه لينتفي بذلك غلبة الظن بالتحيُّل بهذا البيع إلى الربا فصار بذلك بيعاً صحيحاً جائزاً. حيث إن السلعة لم تَعُدْ إلى بائعها وإنما اشتراها طرف ثالث، فبيع العينة يتم مابين طرفين أما التورق فأنه يتم بين ثلاثة أطراف.
الدليل الخامس: أن مسألة التورق فيها كلفة وخسارة
__________
(1) ... أنظر: المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص 5-17.
(2) ... اابن باز، مجموع الفتاوى،مرجع سابق، ج19/ ص 99.
(3) ... أنظر: المنيع، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، مرجع سابق.(1/80)
الجواب: لا نسلم أن المتورق يخسر، أو أنه لا يحصل على مصلحة مقابل البيع برخص، بل يستفيد الحصول على النقد الحاضر، وهو مصلحة معتبرة شرعاً تجبر فرق الثمن، فلا يكون في الحقيقة خاسراً. فما المانع من أن يتحمل المرء زيادة في الثمن مقابل الحصول على السيولة (1) . أما بخصوص التكلفة فإن ما يحصل عليه المصرف من ربح في التورق المصرفي، فإنه مقارب لما يحصل عليه في المرابحة،- حسب إفادة المصارف – وهي نسبة 6% تقريباً . أما ما يخسره العميل عند بيع السلعة في السوق، حيث تباع بسعر التكلفة في التورق المصرفي، فإن العميل في المرابحة قد يبيع السلعة في السوق بخسارة 1- 2% وهو مبلغ يسير، أما فرق سرعة الإنجاز فهو يسير أيضاً، فإنه يختلف باختلاف المصارف، والأفراد أو الشركات، ويتراوح من يوم إلى ثلاثة أيام في مسألة التورق (2) .
المطلب الخامس
الرد على أدلة المجيزين
__________
(1) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 27.
(2) ... السعيدي، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مرجع سابق، ص 19 .(1/81)
الاستدلال الأول: استدلالهم بعموم قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" (1) . على جواز التورق حيث أن هذه المعاملة داخلة في عموم ما أحل الله من البيع . فقد استدل من قال بذلك باستناده إلى أنها لا تخرج من كونها بيعاً وشراء، وقد أحل الله البيع وحرم الربا وبناء على ذلك فأن تقويم هذه المعاملة من الناحية الاقتصادية يعتمد على الفروق الحقيقية بين البيع والربا فلم يكن عبثاً ان يثبت القرآن شبهة الذين قالوا "إنما البيع مثل الربا" (2) وليس مقصودهم بطبيعة الحال البيع الحاضر، وإنما البيع المؤجل، ففي البيع المؤجل يزيد الثمن الآجل عن الثمن الحال، فإذا كانت هذه الزيادة جائزة ومشروعة، فلماذا لا تجوز الزيادة في القرض ؟ فالزيادة في الحالتين هي مقابل الأجل، فما الذي يجعلها مشروعة في البيع وممنوعة في القرض ؟
أن الحكم الشرعي إنما جاء ليحقق مصالح الناس، وهذه المصالح أمور حقيقية، فاختلاف الحكم دليل على وجود اختلاف حقيقي بين الأمرين، فالشرع كما هو معلوم لا يمكن أن يفرق بين أمرين متماثلين في واقع الأمر، كما لا يمكن أن يسوي بين أمرين مختلفين، بل جاءت الشريعة الكاملة بالتفريق بين المختلفات والتسوية بين المتماثلات . وهذا يقتضي وجود فرق حقيقي بين البيع لأجل وبين الربا، وترتب على هذا الفرق اختلاف حكم كل منهما.
وهذا الفرق يتضح من جهتين:
1- أن البيع مبادلة لشيئين مختلفين، واختلاف البدلين هو الذي يسمح أن تكون المبادلة نافعة كلا الطرفين، وأن تحقق ما يسميه الاقتصاديون : منافع التبادل فكل طرف في المبادلة يبذل ما يستغني عنه ليأخذ ما يحتاج إليه، فتكون النتيجة إشباع حاجة كلا الطرفين .
__________
(1) ... سورة البقرة، آية 275.
(2) ... سورة البقرة، آية 275.(1/82)
أما القرض فهو مبادلة بين متماثلين، ومن الممتنع في هذه الحالة تحقيق ربح لأي من الطرفين، إذ أن أي زيادة لمصلحة أحدهما تمثل بالضرورة نقصاً في حق الآخر، لأن البدلين من جنس واحد، فإذا كان أحدهما رابحاً كان الآخر خاسراً ولا بد.
2- أن الزيادة مقابل الأجل التي توجد في البيع تجبرها منفعة التبادل، وذلك أن المبادلات الآجلة، كالبيع بأجل أو السلم، تتضمن أمرين: مبادلة وتمويل (1) ومنفعة المبادلة من شأنها أن تجبر الزيادة التي يتضمنها التمويل، وبذلك تصبح المبادلة الآجلة نافعة للطرفين، أما الزيادة في القرض فهي دين في الذمة دون منفعة اقتصادية تقابلها، ولذلك كانت ممنوعة.
فالبيع حقق منافع اقتصادية للطرفين: البائع والمشتري،وانتفاع المشتري بالمبيع هو الذي يجبر الزيادة لأجل الأجل، فتكون النتيجة انتفاع كلا الطرفين،البائع بربح الأجل،والمشتري بمنفعة المبيع. وهذا ما تبين من حكمة التشريع في التفريق بين الأمرين.
فحقيقة الربا. وهي دين في الذمة بلا مقابل، تستلزم نمو الدين تلقائياً، ومعنى النمو التلقائي عدم وجود تكلفة لنمو الدين تحدّ منه، بل يكفي في ذلك مجرد تراضي الطرفين،لا أكثر، فإذا اشترط لثبوت الدين وجود مقابل اقتصادي كان هذا بمثابة صمام أمان للاقتصاد بألا تنشأ مديونية إلا في وجود قيمة اقتصادية مضافة، وهذا المقابل هو الذي يجبر تكلفة الزمن على المدين، فالقيمة والمنفعة التي يحققها البيع تؤدي هذين الدورين معاً في نفس الوقت: كبح جماح المديونية، وجبر تكلفة التمويل، وهذا من حكمة الشريعة الإسلامية.
__________
(1) ... المصري، الجامع في أصول الربا، مرجع سابق، ص 315 .(1/83)
أما تقيّم التورق من خلال ذلك فنجد أن منفعة التبادل التي تجبر الزيادة للأجل منتفية، فالمتورق لا يريد السلعة، ومعنى ذلك أنه لا ينتفع بها بحال، لا بالاستهلاك ولا بالاستثمار، وإنما هي ذريعة لتحصيل النقد، فإذا انتفت منفعة السلعة بقيت الزيادة للأجل التي تحملَّها المتورق دون مقابل، ومن ثم انتفى الفرق بين البيع وبين الربا، بل إن التورق يصبح أسوأ من الربا لأنه يتضمن تكاليف البيع والشراء والقبض والحيازة، وهذه لا توجد في الربا، وهذا ما أدركه ابن تيمية حيث يقول: "المعنى الذي لأجله حَرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة والخسارة فيها بعينه فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه" (1) .
مما سبق ذكره يتبين أن ذلك ينطبق على الحيل الربوية التي تتخذ من البيع ستاراً وذريعة لتحصيل النقد مقابل زيادة في الذمة، فهذه الحيل تمنع من تحقيق منفعة التبادل الحقيقي، ومن ثم لا يوجد فيها ما يجبر الزيادة في الثمن مقابل الأجل، بل تكون نتيجتها ديناً في الذمة أكثر من النقد المقبوض، وهذه حقيقة الربا (2) .
__________
(1) ... ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3/ ص 182.
(2) ... أنظر: السويلم، التكافؤ الاقتصادي بين الربا والتورق، الاقتصاد الإسلامي،مجلة محكمة، العدد 274، محرم-1424ه،مارس – 2004، مجلد (24) ، ص 32- 34 .(1/84)
"لقد قررت الشريعة الإسلامية أن لا ينعقد البيع إلا إذا كان هناك نية للبيع ونية للشراء، والنية في البيع تعني أن يقصد الشخص بتعبيره معاوضة مال بمال ويقصد كذلك آثاره وهي التمليك والتملك يقول ابن القيم: " النية روح العمل ولبه وقوامه وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها" (1) . ونية البيع ونية الشراء يعبر عنهما بالإرادة فلا بد أن يكون التعبير صادر عن إرادة، تتجه لإنشاء التزام عقدي، وفي البيع تكون الإرادة عبارة عن نية التمليك والتملك وما يترتب على ذلك من تسليم للمبيع واستلام الثمن" (2) .
__________
(1) ... ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3 / ص 111 .
(2) ... السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، د.ط، القاهرة، مصر : مجموعة دار النشر للجامعات المصرية، 1960،ج1/ ص 179.(1/85)
ولما كانت النية أمراً باطناً فمن المقرر في أصول الفقه أنه إذا خفي الإستدلال على الباطن فالعبرة بالظاهر،لأن الظاهر دليل الباطن ويعول على القرائن الظاهرة لأنها تدل على الإرادة الباطنية، وعليه فإذا كانت هناك قرينة يستدل بها على نية البيع والشراء فالنية بالقرينة، وكذلك إذا كانت هناك قرينة يستدل بها على عدم نية البيع والشراء فإن عدم النية يثبت بهذه القرينة. وفي عمليات التورق نجد أن السلعة محل العقد لا تهم العميل في أي شيء فهو أصلاً لا يريد شراء سلعة ولا بيع سلعة ولكن يحتاج إلى تمويل ولن يحصل عليه إلا بكلفة زائدة ... فعقد البيع مجرد وسيلة للحصول على مال نقدي بمقابل أجل زائد، إذن فهذه قرينة تدل على عدم قصد البيع والشراء وعدم قصد آثار العقد والغاية إذا اتضحت إماراتها وشواهدها تفسد التصرف، والمقرر أن ما يؤدي إليه العقد إذا اتضحت إماراتها وشواهدها تفسد التصرف، والمقرر أن ما يؤدي إليه العقد إذا كان يخالف إرادة الشارع ومقاصده وجب منعه (1) . يقول الشاطبي :"إن المكلف إنما كلف بالأعمال من جهة قصد الشارع بها في الأمر والنهي، فإذا قصد بها غير ذلك كانت بغرض القاصد وسائلَ لما قصد لا مقاصد، إذ لم يقصد بها قصدَ الشارع فتكون مقصودة، بل قصد قصداً آخر جعل الفعل أو الترك وسيلة له، فصار ما هو عند الشارع مقصودٌ وسيلة عنده . وما كان شأنه هذا نقص لإبرام الشارع وهدمٌ لما بَناه" (2) .
__________
(1) ... محمود، جمال الدين، سبب الإلتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي،ط1، القاهرة،مصر: دار النهضة العربية، 1976، ص 276 .
(2) ... الشاطبي،ابو اسحق إبراهيم بن موسى اللمخي، الموافقات في أصول الشريعة ، د.ط، د..ت،بيروت ، لبنان :دار الكتب العلمية ،ج 2/ ص 334- 335 ، الهامش، فالنكاح مثلا طلبه الشارع للنسل ولغيره من لواحقه، فإذا قصد به تحليل الزوجة لغيره كان النكاح وسيلة لما قصد من التحليل، ولم يكن مقصوداً بقصد الشارع فما كان مقصوداً عند الشارع صار وسيلة عنده، وهذا مناقضة للشريعة .(1/86)
إذن طالما أن نية البيع والشراء لم تثبت في عقد التورق فإن العقود بمراميها ومعانيها لا بألفاظها ومبانيها. فالعملية مجرد أوراق للتحايل على فعل لم يبح فعله مباشرة دون هذه الأوراق وهو الحصول على النقد والتمويل بفائدة لصالح الدائن (1) .
يقول السويلم:"أن مضمون هذه الحجة أن التورق يتكون من عقدين كل منهما حلال، فالمجموع إذن حلال. وهذا خطأ، لأن حكم البيع المفرد يخالف البيع الذي انظم إليه عقد آخر. فالبيع مفرداً مشروع،والسلف أيضاً مشروع، لكن اجتماع البيع مع السلف ممنوع بنص الحديث. ولذلك قال العلماء: "حكم الجمع يخالف حكم التفريق" (2) . فقد نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع وسلف، وكل واحد منهما لو انفرد لجاز. ونهى الله تعالى عن الجمع بين الأختين في النكاح، مع جواز العقد على كل واحدة بانفرادها" (3) .
والتورق اسم لمعاملة تجمع بين عقدين: أحدهما الشراء بثمن مؤجل من طرف، والثاني البيع حالاً لطرف آخر بثمن أقل من المؤجل . وكون كل عقد على انفراده مشروعاً لا يعني أن المجموع مشروع . . . والآية إنما تناولت "البيع" مطلقاً، دون أن يفهم منه أي شروط أو عقود إضافية تخل بمقصوده. فلفظ البيع في الآية لا يتناول صورة التورق (4) .
الاستدلال الثاني:
الرد على من استدل بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ } (5) .
__________
(1) ... أحمد، محيي الدين، التطبيقات المصرفية لعقد التورق، وأثارها على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي، مرجع سابق، ص 5-7 .
(2) ... ابن تيمية، القواعد النورانية، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية : مكتبة الرشيد، 1422هـ، 2001، ص 211 .
(3) ... الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق،ج 3/ ص 192.
(4) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم ،مرجع سابق، ص 31-33.
(5) ... سورة النساء،الآية 29.(1/87)
أن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل، لما في ذلك من ضرر المحتاج، وأكله ماله بالباطل وهذا المعنى موجود في هذه الصورة،وإنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى (1) .
أسندوا من قال بذلك إلى أن هذه المعاملة من التجارة التي أباحها الله تعالى يقول ابن تيمية: "وإنما الذي أباحه الله البيع والتجارة، وهي أن يكون المشتري غرضه أن يتجر فيها، فأما إن كان قصده الدراهم بدراهم أكثر منها فهذا لا خير فيه" (2) .
فاستندوا إلى أن المتورق شأنه شأن التاجر فكما أن التاجر يشتري ويبيع لتحصيل النقد، فكذلك المتورق ولا فرق. وهذا الموقف يعكس الغفلة عن طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يهدف إليه كل من التاجر والمتورق، فالتاجر يقصد من الشراء والبيع الربح، أي أن يكون ثمن البيع أعلى من ثمن الشراء،وهذه حقيقة التجارة،لكن المتورق يقصد العكس بالضبط : فهو يشتري بثمن آجل مرتفع ليبيع بثمن نقدي أقل، أي أن المتورق هدفه الخسارة. فكيف يقارن بالتاجرالذي يهدف للربح ؟ والتاجر يبيع ليربح، سواء أكان الثمن حاضراً أم مؤجلاً، فلا يقال إن هدفه النقد، بل هدفه الربح، أما المتورق فهو يبيع ليحصل على النقد الحاضر، ولو عرض عليه ثمن مؤجل أعلى من الثمن الذي اشترى به السلعة لرفض بيعها به،لأنه يبحث عن السيولة وليس الربح، ولا يمكن الحصول على السيولة إلا بتكلفة تعادل خسارته في بيع السلعة (3) .
__________
(1) ... السلامي، التورق والتورق المصرفي، مرجع سابق، ص 21 .
(2) ... ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، مرجع ساق، ج9/ص 422- 434 .
(3) ... السويلم، التكافؤ الاقتصادي بين الربا والتورق، مرجع سابق، ص 24.(1/88)
يقول السويلم (1) : " ومن أبرز خصائص الحيل منافاتها لحكمة التشريع من العقد الذي يتذرع به المحتال . وهذا واضح في التورق : إذ يشتري المتورق السلعة ليبيعها بخسارة. فالبيع بخسارة ينافي مقتضى الشراء ابتداء، لأن الشراء شرع لتحقيق مصلحة المشتري، وهي إما الانتفاع بالسلعة، وإما التجارة فيها من خلال بيعها بربح. وفي كلتا الحالتين يحقق العقد مصلحة المشتري. أما المتورق فهو يشتري ليبيع بخسارة، فلا هو انتفع باستهلاك السلعة ولا هو ربح بالمتاجرة فيها. ولا ريب أن هذا ينافي حكمة تشريع البيع أصلاً. ولذلك يصبح الشراء عبثاً، وهذا شأن الحيل المذمومة عموماً (2) . بل يصبح مقصود المتورق مناقضاً لمقصود العقد الذي شرع لأجله. وقد قرر كل من ابن تيمية والشاطبي أن العقد لا يجوزأن يراد به نقيض مقصوده (3) . فإن قيل: لا يلزم أن يخسر المتورق في بيعته الثانية، بل قد يربح. وإذا كان كذلك لم يكن عليه تثريب في شرائه وبيعه، وإلا فالتجارة بيع وشراء وهي معرضة أيضاً للخسارة، فهل يقال بمنعها ؟ قيل : الكلام في مقصود المتورق، ومقصوده كما نعلم هو بيع السلعة بأقل مما اشتراها به، فالمتورق لا حاجة له في السلعة، بل قصده الوحيد هو الحصول على نقد حال ليدفع أكثر منه بعد أجل معين، وأن السلعة هي وسيلة ذلك، وبذلك يحكم على هذه المعاملة على أساس قصد المتورق،لاعلى أساس الاتفاقيات والعقود التي قدمت وسيلة للوصول إلى هذه الغاية، فالمقاصد في العقود معتبرة (4) .
__________
(1) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 25- 27،بتصرف.
(2) ... ابن تيمية، بيان الدليل، مرجع سابق، ص 279.
(3) ... ابن تيمية، بيان الدليل ،مرجع سابق، ص 170،المرداوي، الإنصاف، مرجع سابق، ج8/ ص 424، الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق، ج3/ ص 27، حامد، حسين، تعليق على بحوث التورق، مرجع سابق، ص 40.
(4) ... ابن تيمية،بيان الدليل، مرجع سابق، ص 127.(1/89)
فمن الأصول الكلية القطعية أن قصد المكلف في العمل يجب أن يتفق مع قصد الشارع في تشريع ذلك العمل، فإذا خالف قصد المكلف في العمل قصد الشارع في تشريع هذا العمل بطل قصد المكلف وصح قصد الشارع . فيبطل بذلك العمل المخالف ولا يترتب عليه أثر (1) . ثم أن احتمال الربح في البيعة الثانية نادر، والنادر لا حكم له، وإرادة العاقل لا تتوجه إلى الاحتمالات القليلة أو النادرة، كما يقول العز بن عبد السلام ، بل إلى الاحتمالات الغالبة (2) وإذا كان هو الغالب، والغالب هو الخسارة، كان الحكم مبنياً على ذلك. وإذا قيل : هناك فرق بين قصد الخسارة مع احتمال حصول الربح، وبين قصد الربح مع احتمال حصول الخسارة. فالتاجر يقصد الربح وقد تعرض له الخسارة دون قصد،أما المتورق فهو يقصد الخسارة وقد يعرض له الربح دون قصد. فكيف يقارن أحدهما بالآخر مع تناقض مقاصدهما ؟ ونظير ذلك النكاح بنية الطلاق. فالذين يجيزون هذا النكاح يقولون: إن كل نكاح قد يعرض له الطلاق، فليس هناك محذور في تبييت نية الطلاق ابتداء. والمانعون يقولون: إن النكاح يراد به الاتصال والدوام، ولا يراد به الانقطاع. وفرق بين الأمرين . مقصد الاستدامة مع احتمال طروء الدوام . "وفرق بين اتصال يقبل الانقطاع، واتصال يقصد به الانقطاع" (3) . فقياس أحد الأمرين على الأخر قياس للشيء على ضده،إن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل، لما في ذلك من ضرر المحتاج، وأكل ماله بالباطل وهذا المعنى موجود في هذه الصورة، وإنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى (4) .
__________
(1) ... حسان،تعليق على بحوث التورق، مرجع سابق، ص 4 .
(2) ... السدّلان،القواعد الكبرى،مرجع سابق، ج2/ ص 218-300.
(3) ... ابن تيمية،بيان الدليل، مرجع سابق، ص 408 .
(4) ... الاسلامي،التورق والتورق المصرفي، مرجع سابق، ص 21.(1/90)
الاستدلال الثالث: الاستدلال من قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } (1) . واسناده أن التورق من المداينة الجائزة.
الجواب: أن العملية ليست من المداينة بشيء، فالبائع هو مصدر السيولة للمشتري، فالنقد يحصل عن طريقه وبواسطته، ولولاه لما وجدت العملية، والمشتري إنما يقبل على التورق لعلمه بأن البائع سيدبر له السيولة والنقد الحاضر لاحقاً، ولو علم المشتري أن البائع لن يوفر له النقد لما رضي بالشراء ابتداء. فحاصل العملية إذن أن المصرف يقول للعميل : أوفر لك مائة نقداً مقابل أن تكون مديناً لي بمائة وعشرين مؤجلة، وهذا هو الربا، فالبائع وظيفته توفير النقد للمدين مقابل دين بزيادة في ذمته، فحقيقة العملية هي نقد حاضر بمؤجل أكثر منه. لذلك فهي ليست من المعاملة الداخلة في المداينة (2) .
فالمشتري لا يشتري السلعة إلا لأنه يعلم أنه يبيع ما اشتراه بثمن مؤجل بنقد حال أقل منه، والمشتري الثاني أو الأخير إذا لم يكن هو البائع الأول يشتري ليبيع هو أيضاً. فهذه العملية يجب الحكم عليها في مجموعها دون الحكم على كل عملية أو عقد منها على انفراد ثم ينظر إلى قصد أطراف المعاملة، وهو أنهم يتعاونون على الوصول إلى هدف واحد تتحد فيه إرادتهم، هو توفير مبالغ نقدية للمتعاملين حتى يدفعوا أكثر منها بعد أجل، ولا شك في أن غاية هذه العملية محرمة ونتيجتها ممنوعة شرعاً، ألا وهي حصول المتورقين على نقود حالة في مقابل الالتزام بنقود أكثر منها بعد أجل . وللمجموع في الشريعة حكم يختلف عن حكم كل فرد من أفراده، فالسلف جائز وحده، والبيع جائز وحده فإذا اجتمعا حرما معاً (3) .
الاستدلال الرابع: الحاجة تنزل منزلة الضرورة
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية 282.
(2) ... السويلم، التكافؤ الاقتصادي بين الربا والتورق، مرجع سابق، ص 36،بتصرف .
(3) ... حسان،تعليق على بحوث التورق، مرجع سابق، ص 7 .(1/91)
الجواب: أن الضرورة تقدر بقدرها . . . ولا تطلق هكذا دون ضوابط، فالضرورات التي كفلها الإسلام هي الضرورات الست: الدين، النفس، العقل، العرض، النسل، والمال، فأول هذه الضرورات : الدين، ولذلك لا يضحى بالدين في سبيل شيء . ولكن يضحى بكل شيء في سبيل الدين. وأخرها . . . المال . . . يضحى به في سبيل كل ما يسبقه، ولهذا نضحي بالنفس والمال في سبيل الدين، ونضحي بالعرض في سبيل النفس . . . إذاً لا بد من مراعاة هذه الضوابط الشرعية، ولذلك فإن مجمع البحوث الإسلامية عندما بحث موضوع المصارف عام 1385هـ، 1965، انتهى إلى أن فوائد البنوك حرام، وفي نفس المؤتمر بحث موضوع الإقراض والاقتراض، فالإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك ويرتفع إثمه عند الضرورة. وهي فتوى دقيقة . . . لأن الإنسان المقرض عنده فائض، فليس في ضرورة ولا حاجة، أما المقترض فقد يقترض بغير حاجة ولا ضرورة فيصبح كالمقرض. ولكنه قد يضطر إلى مال لمأكل أو لمشرب أو لملبس أو علاج أو غير ذلك من الحاجات الأساسية،ولا يجد مالاُ،ولا يجد من يعطيه بغير ربا، فهنا يرتفع عنه الإثم أيضاً . ونضرب كذلك مثلاً . . . معهد الفكر الإسلامي في واشنطن بالولايات المتحدة أرسل إلى مجمع الفقه الإسلامي يسأله عن حكم الاقتراض من البنوك الربوية لشراء أو بناء مسكن، فأفتى المجمع بأن هذا لا يجوز . . . لماذا؟ مع أن المسكن من الأساسيات للإنسان، فلو أن انساناً لا يجد ولا يستطيع أن يجد مسكناً إلا بالربا . . . جاز، ولكن المجمع الفقهي يعلم أن المسلم في هذه البلاد يمكنه أن يستأجر، ومن هنا كانت الفتوى . ولذلك نجد أن بعض الناس يتوسعون في مفهوم الضرورة، ولكن هذا لا يرفع الإثم عنهم (1) .
__________
(1) ... السالوس، علي، الضرورة التي كفلها الإسلام لها ضوابطها وشروطها، الاقتصاد الإسلامي، مجلة علمية محكمة،مجلد (24)، العدد(274)، محرم- 1425هـ ، مارس- 2004، ص 12 .(1/92)
إن مجرد الحاجة لا يكفي لاستباحة المحرم. ورفع الحرج من أصول التشريع بلا ريب، لكن رفع الحرج يستلزم سد أبواب الربا، لأن الربا من أعظم مصادر الحرج والمشقة والعنت (1) .ثم أن المضطر يباح له ما لا يباح لغيره. لكن هذه الإباحة تقدر بقدرها عند الضرورة، فالضرورة لا تحتاج إلى نص خاص لإباحتها، أما المحتاج فأنه لا يصل إلى مرتبة المضطر، لذلك يجب التفريق بين الضرورة والحاجة (2) . من حيث كون الحاجة لا تبيح الحرام .
__________
(1) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 38.
(2) ... أنظر:الحنيطي،هناء،بيع العينة والتورق، أن هنالك خلطاً بين الضرورة والحاجة مع الفارق الكبير بينهما: مراعاة الضرورة وتقدير الحاجة تعتبران من مقاصد الشريعة، ولكل منهما مرتبة خاصة به فالضروري مرتبته تقوم على حفظ الضرورات الخمس وهي: حفظ الدين،حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل (النسب)، حفظ المال، والضرورة تبيح المحرم بشروط مقيدة قال تعالى ( فَمَنِ اض?طُرَّ غَي?رَ بَاغٍ? وَلَا عَادٍ? فَلَا? إِث?مَ عَلَي?هِ ?)(سورة البقرة، آية 173) فالضرورة لا تحتاج إلى نص خاص لإباحتها، وذلك لأنه المضطر ليس أمامه طريق لإنقاذ حياته أو ماله أو عرضه سوى إباحة المحرم ولكن هذه الإباحة تقدر بمقدار الضرر، وتخص المضطر وحده. أما مرتبة الحاجات فأنها لا تصل إلى مرتبة الضروريات ولا تتوقف عليها حياة أحد، وفواتها لا يؤدي إلى فوات الضروريات الخمسة،وهي تقوم على دفع المشقة والحرج ورفع الضيق عن الناس، لذلك فهي تحتاج إلى نص لإباحتها حتى يصبح عاماً لكل الناس مثل: عقد السلم ، والقرض،وبيع العرايا، فإنهما وردا على خلاف القياس. لذلك يجب التفريق بين الضرورة والحاجة،وبين الضوابط التي تميز الضروري عن الحاجه،مرجع سابق،ص28 .(1/93)
يقول وهبة الزحيلي: "الضرورة:هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أوترك الواجب،أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع (1) .
__________
(1) ... حوار،علماء الشريعة يحددون الضرورات التي تبيح المحظورات، الاقتصاد الاسلامي،مجلة علمية محكمة، مجلد ( 23) ، العدد ( 267) ،جمادى الآخر- 1424هـ، اغسطس، 2003، ص 25.(1/94)
فالضرورة تقدر بقدرها، فلا يصبح المباح للضرورة أصلاً وقاعدة،بل هو استثناء مؤقت يزول بزوال الضرورة."فما أبيح للضرورة يتقدر بقدرها، أي أن الشيء الذي يجوز بناء على الضرورة يجوز إجراؤه بالقدر الكافي لازالة تلك الضرورة فقط، ولا يجوز استباحة أكثر مما تزول به الضرورة (1) . فالضرورة:هي الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعاً.أما الحاجة : فإنها وإن كانت حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة، ولا يتأتى معها الهلاك فلذا لا يستباح بها الممنوع شرعاً،مثال ذلك:الصائم المسافر بقاؤه صائماً يحمله جهداً ومشقة فيرخص له الإفطار لحاجته للقوةعلى السفر (2) . مما سبق ذكره يتبين أن التورق لا ينزل منزلة الضرورة فليس هناك ضرورة تصل بنا إلى الوقوع في المشتبهات أو الشبهات، فلا يوجد ضرورة معتبرة شرعاً تصل بنا إلى التعامل بالتورق وترك صيغ الاستثمار والتمويل الإسلامية،أوأن هناك حاجة يصبح معها التمويل الشرعي صعباً وفيه مشقة حتى نطمئن إلى تطبيق قول الله تعالى: { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } (3) أو تطبيق القاعدة الشرعية: "الضرورات تبيح المحظورات" (4) .
الاستدلال الخامس: استدلالهم بحديث ابي سعيد الخدري وأبي هريرة، وهو حديث الجنيب .
__________
(1) ... أنظر: حيدر،علي، درر الحكام شرح مجلة الأحكام ، د.ت، د.ط، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية .
(2) ... حوار علماء الشريعة يحددون الضرورات التي تبيح المحظورات،محمد رأفت، مرجع سابق،ص 27.
(3) ... البقرة، الآية 173.
(4) ... شحاته،حسين حسين،التورق المصرفي في نظر التحليل المحاسبي والتقويم الاقتصادي،الاقتصاد الاسلامي، مجلد( 24)، العدد ( 274)، محرم- 1425هـ، مارس- 2004، ص 25 .(1/95)
الجواب: ان هذا الحديث يُستدل به على جميع صور العينة، الثنائية والثلاثية والتورق. وجمهور المجيزين للتورق لا يجيزون بقية صور العينة. فما كان جواباً لهم عن هذا الحديث فهو جواب للمانعين منها مطلقاً. فإن قيل: العينة الثنائية تحصل بين طرفين، والحديث لا يدل على أن مبادلة التمر بين طرفين. قيل: ليس في الحديث النص على ذلك، بل هو مطلق. ثم أن العينة الثلاثية ليست بين طرفين . فإن قيل: العبرة بالتواطؤ، فإذا لم يوجد تواطؤ بين الأطراف، جاز، سواء كانوا إثنين أم ثلاثة أم أكثر، وهذا مقتضى الحديث. قيل : لا ريب أن التواطؤ معتبر شرعاً، ولكن التواطؤ يوجد في التورق أيضاً، حين يبيع سلعة تساوي قيمتها الحاضرة حاجة المتورق من النقد، وذلك بثمن مؤجل أعلى منه، فاعتبار التواطؤ في جانب دون آخر تحكّم . فإن قيل: العبرة بعودة السلعة إلى البائع، فإن عادت، بواسطة أو بغير واسطة، فهو ربا، وإلا فلا. قيل : أين في الحديث أن السلعة لا يجوز أن تعود للبائع ؟ ثم يقال: لا تعود السلعة للبائع إلا بعد أن تخرج من يد المتورق. فلم كانت عودتها محرمة ولم يكن خروجها محرماً، مع أن خروجها شرط بل سبب لعودتها ؟ ولا ريب أن عودة السلعة إلى البائع تكمّل أركان القرض الربوي، لأن المتورق يكون قد قبض نقداً مقابل زيادة في الذمة، والبائع قد سلّم نقداً مقابل زيادة له في ذمة المدين. فلم كان الربا محرماً أصلاً ؟ أليس بسبب الظلم الواقع على المدين ؟ فإذا وجد هذا الظلم بعينه، أليس ذلك موجباً للحكم نفسه؟ والشرع حرم الظلم مطلقاً، سواء أكان المرء لنفسه أم ظلمه لغيره. فإذا عادت السلعة للبائع صار البائع ظالماً، أما ظلم المتورق لنفسه فهو ثابت مسبقاً، ولولاه لما طمع فيه البائع. وخروج السلعة من يد المتورق إيجاب منه للظلم على نفسه، وعودتها للبائع قبول منه لدور الظالم (1) .
__________
(1) ... الزرقا، مصطفى، المدخل الفقهي العام، ط1، د.ت، بيروت، لبنان : دار الفكر، ج1/ ص 382.(1/96)
وكل منهما محرم، فإذا اجتمعا كان أشد تحريماً . ومعلوم أن العقد المحرم يحرم إيجابه ويحرم قبوله وليس المحرم هو اجتماع الإيجاب والقبول فقط، بل كل منهما محرم على انفراده. فالتورق يتضمن إيجاباً للربا بشغل ذمة المتورق دون مقابل، فهو أحد ركنيه، وهذا يستلزم تحريمه (1) . فلا يمكن الاحتجاج بهذا الحديث بالتورق، لأن الغرض من الحديث هو الخروج من الربا، والغرض من التورق هو الدخول في الربا. كما أن بائع الجمع ليس ملزماً بالشراء من بائع الجنيب، فالبيعتان في الحديث مستقلتان إحداهما عن الأخرى، وليس كذلك التورق المتفق عليه بين أطرافه الثلاثة (2) .
الدليل السادس: قالوا إن الأصل في المعاملات الحل والإباحة
الجواب: لا ريب أن الأصل في الاشياء الحل، لكن هذا الأصل يقابله أن الأصل في الحيل التحريم، وهو أصل شهدت له نصوص متضافرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة. وهذه القاعدة أخص من قاعدة الأصل في المعاملات الحل، لأنها تتناول الحيل دون غيرها. ومعلوم أنه إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص لأنه إعمال للدليلين معاً . ولا نزاع في أن التورق حيلة للحصول على النقد، وإنما النزاع هل هو حيلة جائزة أو ممنوعة. وإذا كان الأصل في الحيل التحريم، فالتورق محرم حتى يثبت الدليل على خلاف ذلك (3) . فالتورق له صلة بالربا والعينة والحيل الربوية، فصار الأصل فيه هو المنع (4) . وليس الإباحة.
المطلب السادس
المناقشة والترجيح
__________
(1) ... السويلم، التورق. . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 34- 36، بتصرف .
(2) ... المصري، التورق في البنوك، مرجع سابق، ص 3 .
(3) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 37- 38.
(4) ... المصري، التورق في البنوك، مرجع سابق، ص3.(1/97)
بعد هذا العرض لأدلة الفريقين، المانعين والمجيزين للتورق ( سواء التورق الفقهي، أو التورق المصرفي المنظم ) والرّد عليهم يتضح أن هناك دوافع وأدلة لكلا الطرفين ونلاحظ أن الأساس الذي بنيت عليه أدلة كل فريق هو هل العقود مبنية على ألفاظها ومبانيها أم على مقاصدها ومعانيها وهل الحيل جائزة كمخرج شرعي أم لا، فيجب التفريق في الحكم على مسألة التورق هل هو مبني على الفعل الظاهر أو على النيّة.
ان من منع التورق نظر إلى مآلات الأفعال والقصد من العقد،إن كل فعل يفعله الإنسان من تصرفات وعقود يتضمن أساساَ ناحية الباعث الدافع إلى الفعل، وناحية المآل الذي يؤدي إليه الفعل، لذلك من المهم أن ننظر إلى مسألة التورق من جانبين (1) :
1 ) ... النظر إلى الباعث وإلى نية المتعاقد التي ينطلق منها الشخص إلى الفعل (مرعاة مقاصد المكلفين).
2 ) ... النظر إلى وجود التواطؤ والتحايل على ارتكاب المحرم.
? النظر إلى الباعث ونية المتعاقد:
استدل المجيزون للتورق بأن الأصل في العقود هو تحقيق صورته الشرعية وأن الاحتمالات الواردة لنية العاقد لا أثر لها. وأن الذي يعتد به هو صيغة العقود وصورتها. وليس النيات والقصود . ويؤكد المجيزون أن الشيء قد يكون حراما لعدم تحقق صورته الشرعية. وأنه يتحول إلى الحلال إذا غيرت صورته المحرمة مع أن المقصد الأساسي واحد .
أما المانعون للتورق فإنهم يعتمدون على قاعدة الأمور بمقاصدها وأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وأن الأعمال بالنيات . فمن نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا، ولا يعصمه من حرمة الربا صورة البيع.
? النظر إلى وجود التواطؤ والتحايل على ارتكاب المحرم .
__________
(1) ... انظر: خوجه، عز الدين محمد، ملخص ابحاث في التورق، مرجع سابق.(1/98)
إن النية والقصد مقابل اللفظ والصيغة في العقود من المسائل التي اتجه الفقه الإسلامي فيها إلى اتجاهين، وأكثر المذاهب أخذا بالألفاظ والمباني مذهب الشافعي وقريب منه مذهب أبي حنيفة، في حين يتشدد مذهب ابن حنبل وكذلك الإمام مالك في رعاية النية والقصد دون اللفظ . ولكن ينحصر هذا الخلاف بين المذاهب فيما إذا لم يظهر بالدليل ان المتعاقدين قصدا بذلك التعاقد التوسل إلى الربا، اما إذا ظهر قصدهما ذلك بالدليل فلا خلاف بين الأئمة في أنه ممنوع لأنه لا يعقل أن يقول إمام من هؤلاء بجواز التحايل على ارتكاب المحرم . ومن هنا يمكن القول بأنه حتى أولئك الذين يأخذون بالألفاظ والمباني والصيغ دون المقاصد والمعاني، فإنهم يمنعون التعاقد في حالة ظهور التواطؤ والتحايل المكشوف مما يحول التورق وكذلك بيوع العينة إلى بيوع محرمة عندهم أيضاً . فالمانعون للتورق يرون أن التواطؤ والتحايل على الربا واضح في صيغة التورق المصرفي.
ثم أن من أجاز التورق أجازه مع شروط وضوابط لا بد من توفرها.وأهم هذه الشروط: (1)
1) أن يكون المستورق محتاجاً إلى النقود، فإن لم يكن محتاجاً لها فلا يجوز.
2) أن لا يستطيع المحتاج الحصول على المال بطرق أخرى مباحة غير هذه الطريقة – كالقرض، أو السلم مثلاً، فإن كان يمكنه الحصول على حاجته بدون التورق لم يجز له ذلك.
3) أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا كأن يقول له بعتك هذه السلعة العشرة أحد عشر، فهذا كأنه دراهم بدراهم لا يصح، أما الطريقة الصحيحة في ذلك أن يقول له بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة.
4) أن يمتلك البائع الأول (المصرف) السلعة وتكون بحوزته قبل أن يبيعها على المستورق (المشتري) لعدم جواز بيع ما ليس عندك.
__________
(1) ... الطيار، عبد الله بن محمد، صورة من بيع التورق المنظم، موقع الشبكة المعلوماتية
www. Olamaashareah.net(1/99)
5) أن لا يبيع المستورق (المشتري) السلعة المشتراه إلا بعد حيازتها وتملكها ملكاً حقيقياً ويقبضها من المصرف (البائع الأول) القبض المعتبر شرعاً. وذلك بأن تستوفي الشروط الشرعية لعقد البيع.
6) ألا يبيع المستورق (المشتري) السلعة على البائع الأول (المصرف) ولا على الشخص الذي باعها على البائع الأول (المصرف) أولاً، وألا يكون هناك تواطؤ أو عرف بذلك، لأن هذا من العينة المحرمة،الذي جاءت نصوص الشريعة بتحريمه.
مما سبق استعراضه تنتهي الدراسة إلى أن التورق من البيوع الممنوعة شرعاً وذلك للأسباب التالية:(1/100)
1- ان استخدام التورق كأداة للبيع والشراء في تحديد مقدار الربا الذي سوف يؤخذ على المال الذي سوف يتم إقراضه للأفراد والمؤسسات والشركات،أو أقتراضه من المودعين، إنما هو حيلة لأخذ الربا وإعطائه، وتجويز ذلك يتناقض مع ما ورد من النهي عن الحيل لاستحلال الحرام،وهذا التحايل الذي تمارسه المصارف فتح الطريق لأكل الربا وتوسيع نطاقه بين المسلمين، ومعلوم ان الحيل تتناقض مع القاعدة الشرعية، وهو ما يعرف بـ "سد الذرائع"، فالشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل وسيلة ممكنة، والمحتال يفتح الطريق بالحيل، واستخدام أداة التورق في التعامل مع المصارف من خلال البيع والشراء للسلع أدى إلى الوقوع في الحرام (1) . فقاعدة سد الذرائع، التي تواترت بها النصوص الشريعة، وتضافرت عليها عشرات الأدلة الشرعية، فسد الذرائع متفق عليه في الجملة بين الفقهاء وإن وقع الخلاف في جزئياته، والذرائع كما هو معلوم هي الوسائل التي يتبعها المكلف وتكون طريقاً سواء لمحرم أو محلل. فإن استعملت تلك الوسائل طريقاَ لمحرم فهي تكون محرمة ويجب سدها، وإن استعملت طريقاً للحلال فهي جائزة ومطلوب فتحها واتباعها (2) . هذه القاعدة تقتضي تحريم التورق حتى لو فرض جدلاً أنه غيرمحرم في ذاته. ولا يمكن فهم هذه القاعدة على حقيقتها إلا بفهم الواقع الذي تطبق فيه الأحكام الشرعية. فالفقه يتطلب أمرين كما يقول ابن القيم: فهم الواقع وحقيقته، وفهم الواجب الذي أوجبه الله في هذا الواقع (3) .
__________
(1) ... أنظر: الشباني، محمد بن عبد الله، التورق نافذة الربا في المعاملات المصرفية،مرجع سابق، ص 25- 26 .
(2) ... خوجه، ملخص أبحاث في التورق، مرجع سابق، ص 3 .
(3) ... ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج2/ ص 165.(1/101)
وفهم الواقع ضروري لمعرفة كيفية إفضاء الوسائل إلى غاياتها،والأسباب إلى مسبباتها، ولمعرفة أنواع الغايات التي تفضي إليها الأعمال المختلفة،وما لم توجد هذه المعرفة الدقيقة، فسيوجد من يمنع كل شيء سداً للذريعة، ومن يسمح بكل شيء نفياً للذريعة. . . ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدد من المعاملات المالية، لما تتضمنه وتفضي إليه من معاني الربا وحقيقته، وان بدت في الصورة على خلاف الربا. فحرم اجتماع السلف والبيع، وإن لم يقصد الطرفان الربا، لأن ذلك ذريعة إلى أن يجاري المقرض في البيع، فيزيده في الثمن إن كان مشترياً،أو ينقص له منه إن كان بائعاً، فتكون المحاباة لأجل القرض،وهذا هو الربا. ومن هذا الباب تحريمه صلى الله عليه وسلم مبادلة الدراهم بالدراهم أو التمر بالتمر متفاضلاً، حتى لو اختلفت الجودة في أحد الجانبين . وليس في هذا إهدار للجودة أو إنكار لقيمتها، ولكن سداً لذريعة الربا، فإذا بلغت دقة الشرع في سد أبواب الربا إلى هذه الدرجة، كان اتباعه في سد ما هو أقرب من ذلك، أوجب وآكد . . . والذرائع أو الوسائل التي تفضي إلى المحرم نوعان: نوع يفضي إلى المحرم غالباً، ويعلم بذلك بالتجربة والمشاهدة. كما في منع النبي صلى الله عليه وسلم لبيع التمر قبل بدو الصلاح، حين رأى ما يفضي إليه من النزاع والشقاق (1) . والنوع الثاني: قد لا يتحقق إفضاؤه إلى المحرم، لكن الحوافز الفطرية تقتضيه.
__________
(1) ... مسند الإمام أحمد،حديث رقم (937)، ج2/ ص 187، إسناده ضعيف، لجهالة الشيخ من بني تميم. أبو عامر المزني: هو صالح بن رستم الخزاز، ضعفه ابن معين، ووثقه أبو داود الطيالسي وأبو داود السجستاني وذكر ابن حبان في الثقات. والحديث رواه أبو داود في البيوع، باب في بيع المضطر، رقم 3382،ج5/ص 48، صححه الترمذي، الجامع الصحيح، أبواب البيوع (12)، باب ما جاء في كراهية بيع الغرر (17)، رقم الحديث( 1230)، ج3/ ص 532.(1/102)
ومن هذا الباب تحريم النبي صلى الله عليه وسلم - للدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين، خشية الوقوع في الربا. قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولاالدرهم بالدرهمين، ولا الصَّاع بالصَّاعين،فإني أخاف عليكم الرماء) والرماء: هو الربا (1) . فلم ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى حين تحقق إفضاء ذلك إلى الربا كي ينهي عنه،لعلمه أن الطباع تقتضيه. وأكثر الذرائع التي حرمها الشرع في المعاملات المالية هي من النوع الثاني، لأن النشاط الاقتصادي مبني على الحوافز بالدرجة الأولى. وإذا كان هذا هو منهج التشريع في الذرائع، فمن السهل أن ندرك موقفه من التورق حتى لو فرض جدلاً أنه غير محرم في ذاته. وذلك أن جميع التكاليف والأعباء المتصلة بالسلعة، كالقبض والحيازة والتسليم والمعاينة النافية للجهالة وكل ما يتصل بذلك من الاجراءات، ليس من مصلحة أي طرف الالتزام بها، لأنه لا غرض لأي منهما فيها. وفي هذه الحالة فإن الربا الصريح أجدى اقتصادياً من التورق وسائر صور العينة والحيل الربوية. فكل معاملة تؤدي إلى نفس نتيجة الربا، وهي ثمن حاضر بمؤجل أكثر منه، مع زيادة التكلفة، فإن الحوافز الفطرية تقتضي التخلص من هذه التكاليف لتحقيق مصلحة الطرفين، فيكون مآل ذلك إلى الربا. بخلاف البيوع الشرعية التي تتضمن من المصالح والمنافع ما يجبر تكاليف الشروط والإجراءات الشرعية، ومن ثم لا توجد حوافز كافية للتخلص من هذه التكاليف، فلا تفضي إلى الربا. إن الربا هو أيسر الطرق وأقلها كلفة للحصول على السيولة مقابل زيادة في الذمة. والحياة الاقتصادية قائمة على البحث عن الأقل كلفة والأكثر ربحاً.
__________
(1) ... رواه الإمام أحمد بن حنبل، مُسَند، ج10/ ص 125، إسناده ضعيف ، وأخرجه مالك في الموطأ، مرجع سابق، ج2/ ص634 .(1/103)
فكل معاملة تحقق نتيجة الربا مع زيادة التكلفة، فإن ضغط المنافسة وطلب الربحية سيؤدي تدريجياً إلى إزالة هذه التكاليف، عاجلاً أو آجلاً، ومن ثم الاقتراب أكثر فأكثر من الربا. وإذا كان كذلك فيجب منعه عملاً بقاعدة الشرع المحكمة في سد الذرائع (1) .
2- من القواعد التي يقوم عليها التشريع الإسلامي:"ان العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني" (2)
__________
(1) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 29- 31، بتصرف .
(2) ... شبير،محمد عثمان، القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، ط1،عمان، الأردن: دار الفرقان، 1420هـ،2000،
ص 121 .(1/104)
فالعبربالمقاصد والنيات، ولهذا لابد من النظر إلى المقصد والغاية من أداة التورق في تعامل هذه المصارف في حقيقة أمرها، وبموجب عقود تأسيسها، فإنها مبنية على أساس أن النقود هي مجال عملها، فهي تتاجر في النقود وليست تتاجر بالنقود، كما يمارس من قبل الأنشطة الاقتصادية الأخرى، ومن مجالات الأعمال التي تمارسها هذه المصارف والمبنية على أسس ربوية : المتاجرة بالاستثمارات المالية في الأسواق الدولية، ومن ضمنها المضاربة في سوق السلع المستقبلية ( بورصة البضائع )، حيث يتم احتساب أرباح المعاملات التي تمارسها وفق ما أطلق عليه المرابحة في سوق السلع المستقبلية وفق المعادلة الربوية في احتساب الأرباح، والمتمثلة في احتساب الربح على أساس القيمة، والمدة الزمنية للتمويل، ومعدل الربح (نسبة الفائدة). ومن هنا نلاحظ أن أداة التورق المعمول بها من قِبَل المصارف في توفير التمويل لمن يحتاج إليه، إنما هيَ وسيلة لإيجاد المخرج لاستحلال الربا تحت مسمى الشراء والبيع في السوق الدولية للسلع، فالقصد من بيع المرابحة للسلع التي يتم التعامل بها في سوق المعادن الدولي (البورصة)، ومن ثم بيعها لصالح المشتري من المصرف إنما قصد من ذلك استحلال الإقراض أو الأقتراض . . . "فقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبادات، كما هي معتبره في التقربات والعبادات، فالقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالاً أو حراماً، وصحيحاً أو فاسداً، وطاعة أو معصية، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة، أو صحيحة أو فاسدة" (1) . فواقع ممارسة المصارف لأداة التورق بالشراء والبيع، لا ينزع عنها صفة الربا.
__________
(1) ... ابن القيم، إعلام الموقعين، مرجع سابق، ج3/ ص 701- 801 .(1/105)
وأن ما يؤخذ من ربح هو ربا على المال المقرض، وكذا ما يعطى على المال المقترض، وإن تغيرت المسميات، وإن عمل عقود باسم بيوع التقسيط أو المرابحة أو شراء السلع وبيعها في سوق السلع المستقبلية (البورصة) لا يغير من طبيعة التعامل ومقصده وغايته (1) .
... إن من يجيز التورق ينظر للصورة في حين أن صاحب المعاملة نفسه لا ينظر للصورة بل للحقيقة، وهي الحصول على نقد حاضر بمؤجل أكثر منه. وهذا ما جعل كثيراً من الناس يظنون أن الشريعة لا تتعامل بالحقائق بل بالرسوم والمظاهر،ولذلك جنحوا إلى إنكار حكمة التشريع والمصالح التي جاء بها، لأن هذه المصالح والحكم لا تكون إلا باعتبار الحقائق والغايات. فبناء الحكم على الصورة دون الحقيقة يجعل الناس أقل إيماناً بالشريعة وتعظيماً لها، ومن ثم أقل التزاماً بأحكامها . . . أن مقصد الشرع من ربط التمويل بالبيوع هو أن يكون التمويل تابعاً للمبادلات،أما التورق وسائر صور العينة فهي على النقيض من ذلك، تجعل المبادلات تابعة للتمويل. وهذا مع مناقضته لحكمة التشريع، فهو مناقض للمنطق الاقتصادي.لأن تكلفة التمويل لا يمكن الوفاء بها إلا من خلال النشاط الاقتصادي خادماً للتمويل. فإذا انعكس الوضع وصار النشاط الاقتصادي خادماً للتمويل،انعكس الهدف من النشاط الاقتصادي أصلاً، فبدلاً من أن يكون سبباً لتحقيق الرفاه والرخاء،صار مسخّراً لسداد تكاليف التمويل وخدمة الديون. فيصبح التمويل نزيفاً في جسم الاقتصاد لمصلحة أصحاب المال، كما هوالحال في النظام الربوي (2) .
ثم ان المصارف أصبحت تستغل حاجة الناس للنقد فتركب لهم مجموعة من العقود لتمكنهم من الحصول على التمويل بالربا من خلال التورق، بغطاء مخروق بأكثر من جانب،وذلك بإضافة الجانب الشرعي على المعاملة.
__________
(1) ... الشباني، التورق نافذة الربا في المعاملات المصرفية، مرجع سابق، ص 27- 28، بتصرف .
(2) ... السويلم، التورق . . . والتورق المنظم، مرجع سابق، ص 23- 33، بتصرف .(1/106)
فالتورق المصرفي المنظم محرم للاسباب التالية (1) :
1- ان العقد حيلة على الربا، فالعميل لم يقبض من البنك إلا نقوداً وسيرد إليه تلك النقود بعد أجل بزيادة، فحقيقته قرض من المصرف للعميل بفائدة، والسلعة المسماة في العقد إنما جيء بها حيلة لإضفاء الشرعية على العقد، ولهذا فإن العميل لا يسأل عن السلعة ولا يماكس في ثمنها بل ولا يعلم حقيقتها، لأنها غير مقصودة أصلاً، وإنما المقصود من المعاملة هو النقود،ويقتصر دور العميل على التوقيع على أوراق يزعم فيها أنه ملك السلعة ثم بيعت لصالحه ثم أودع ثمنها في حسابه، وما اعترف به بعض المصارف والشركات العالمية،هو أن عدم وجود إيصالات مخازن أصلية يعني عدم وجود سلع، فالأمر لا يعدو ان يكون قيوداً لا يقابلها شيء في الواقع العملي. ثم إن التورق لا يمكن من توفير تمويل المخزون لأن ما عليه العمل يفوق حاجة تمويل المخزون، فبعض المصارف تشتري من السلع الدولية ما تجاوز قيمته خمسة ملاييين دولار يومياً. وتبيعها في نفس اليوم، وبعضها تشتري ما تجاوز قيمته عشرة ملايين دولار يومياً، وتبيعها في نفس اليوم. فهو مقصود لتمويل العملاء المتورقين .
__________
(1) ... للاستزادة، أنظر: الشباني، التورق نافذة الربا في البنوك، مرجع سابق، الشبيلي،حكم التورق الذي تجريه البنوك ، مرجع سابق، السعيدي، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مرجع سابق .(1/107)
2- ان الصورة المفترضة لهذا العقد هي أن النقد الذي يأخذه العميل هو ثمن السلعة التي بيعت له، وهذا الأمر يكذبه الواقع، فإن عقود التورق المنظم تجري على سلع موصوفة أي غير معينة، فهي ليست مملوكة لا للمصرف الذي باعها على العميل، ولا للعميل الذي وكل البنك في بيعها، بل ولا للمورد الذي يبيع على البنك، فهو يعقد صفقات مع المصرف بكميات أكبر مما عنده حقيقة من السلع . ومما يؤكد عدم ارتباط مبلغ التمويل بالسلعة وثمنها أن المصرف يلتزم بإيداع المبلغ المتفق عليه في حساب العميل خلال فترة وجيزة مع أن من المعلوم أن بيع أي سلعة مهما كانت لا يخلو من المخاطرة إما لتقلب الأسعار أو لعدم وفاء المشتري أو لظهور عيب في السلعة أو التأخر في البيع، أو لغير ذلك، ومع ذلك يتم إيداع المبلغ المتفق عليه دون تأخير أو نقصان.بلإضافة إن ما يقوم به المصرف من بيع وشراء في السوق الدولية قد تقدمه اتفاق وعدد الإجراءات والأحكام التي ينبغي أن يخضع لها عقد البيع عند وجوده.(1/108)
3- ان هذا العقد يؤدي إلى العينة الثلاثية، وهي محرمة ففي السلع المحلية – كالسيارات مثلاً يشتري المصرف السيارة من المعرض ببيعها ثم يبيعها المعرض على المصرف، ثم يبيعها المصرف على عميل آخر، وهكذا تدور أوراق السيارة مئات المرات بين المصرف والعميل والمعرض، والسيارة في مكانها لم تتحرك، مما يؤكد أن المعاملة ما هي إلا مبادلة مال بمال وأن السلعة إنما ادخلت حيلة، وهذا التدوير وإن لم يكن مشروطاً في العقد أو متفقاً عليه إلا أنه معروف، والقاعدة عند أهل العلم: "أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً" (1) . ولا يختلف الأمر في السلع الدولية عما هو عليه في السلع المحلية، فإن من المعتاد أن المصرف يشتري المعدن من أحد الموردين ثم يبيعه على العميل، ثم يتوكل عن العميل في بيعه فيبيعه على المورد الأول نفسه أو على موردٍ آخر يكون متواطئاً مع المورد الأول على نقل ملكية المعدن إليه - أي إلى الأول – فيتم تداول شهادة الحيازة الخاصة بالمعدن بين هذه الأطراف عشرات المرات، والمعدن في مكانه لم يتحرك. إن الذي ينظر إلى ما تسير عليه المصارف في معاملات التورق المصرفي المنظم يجد أن السلعة في بلد، والمصرف في بلد آخر لا يقبضها ولا يراها ولا يعلم عنها شيئاً وهذا أيضاً ينطبق على المشتري، وأفاد القرة داغي أنه زار مخزن بمدينة "ليفربول" ووجد أن البضاعة لا تصلح للاستخدام، وأفاد صالح كامل تحدث عن شركة "بي سي سي أي" وقال: تبين أنه ليس هناك بضاعة . . .
__________
(1) ... السيوطي، جلال الدين، الأشباه والنظائر، تحقيق المعتصم بالله البغدادي،ط1، بيروت، لبنان:دار الكتاب العربي،1407هـ،ص 96.(1/109)
إن توكيل المصرف إلى العميل ليس مشكلة، والذي طرفاه المصرف والمنتج، لكن ليس هناك قبض لا حقيقي ولا حكمي في البيع الثاني الذي طرفاه المشتري والعميل، فإن المصرف يشتري وحدة كاملة من المستودع يقول: إنها معينة بموجب رقم معين،لكن المصرف يقوم بتجزئتها وبيعها للعملاءفي شكل أجزاء،وكل جزء غيرمتميزوغير معين وغير محدد فليس هناك قبض (1) .
... حيث يتم التورق في سوق السلع الدولية، ويعتمد على القبض الحكمي في مرحلة البيع التي طرفاها المصرف والبائع الأجنبي، كما لا يوجد قبض ولا تعيين في مرحلة البيع التي طرفاها المصرف والمشتري "المستورق"،فالعملية يكتنفها شيء من الغموض.
__________
(1) ... السعيدي، مناقشات حول التورق المصرفي، الاقتصاد الإسلامي،مجلة علمية محكمة، مجلد(24)، العدد(274)، محرم 1425هـ،مارس 2004،ص 57.(1/110)
4- ان كلاً من المصرف والعميل يبيع السلعة قبل قبضها، وقبض صورة من شهادة الحيازة للمعدن،أو صورة من البطاقة الجمركية للسيارة لا يكفي في تحقيق القبض الشرعي (1) ، لأن الصورة لا تعد وثيقة بالتملك، بل المشاهد أن المعرض الذي يتعامل مع المصارف في التورق المنظم يبيع السيارة الواحدة في وقت واحد على مصارف مختلفة ويسلم كلاً منهم من شهادة الحيازة للمعدن الذي عنده. وتوكيل المصرف أو المورد الأول بالقبض لا يصح أيضاً، لأن كلاً منهما – أي المصرف والمورد – بائع، فالسلعة مقبوضة له أصلاً، فلو صح توكيله لم يكن لاشتراط القبض أي معنى. ولأجل هذه التجاوزات فإن اشتراط قبض السلع قبل بيعها وإن كان مختلفاً فيه إلا أنه في مثل هذه العقود التي يقصد منها التمويل لا ينبغي أن يكون من المسائل الخلافية، وذلك لتجنب الصورية في العقد، وللبعد عن مضارعة التمويل الربوي. يتم التورق في سوق السلع الدولية، ويعتمد على القبض الحكمي في مرحلة البيع التي طرفاها المصرف والبائع الأجنبي، كما لا يوجد قبض ولا تعيين في مرحلة البيع التي طرفاها المصرف والمشتري "المستورق"،فالعملية يكتنفها شيء من الغموض.
__________
(1) ... أنظر:قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410هـ الموافق 14- 20 آذار ( مارس ) 1990، بخصوص موضوع القبض.(1/111)
5- ان العميل يوكل المصرف في بيع السلعة قبل أن يتملكها، وفي حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه (لا تبع ما ليس عندك) (1) .
6- ان العميل لم يتحمل مخاطرة السلعة أو ضمانها، فهي لم تدخل في ضمانه، وفي حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما: (نهى عن ربح ما لم يضمن) (2) .
7- وبما سبق بيانه يتبين أن العقد ملفقٌ من جملة من رخص المذاهب التي قد يسوغ الخلاف في واحدة منها إذا انفردت أما مع اجتماعها فأحرى بالعقد أن يكون صورياً لا حقيقياً. والحكم على العقد يجب أن يكون عليه بمجموعه لا بأفراده . فقد يكون الشراء به بالأجل والبيع بالنقد، والسلعة غير معينة ولا مقبوضة، والبائع هو الممول والوكيل بالبيع والوكيل بالقبض والوكيل بتسلم الثمن، والمبلغ مضمون، والزيادة بسبب الأجل بقدر سعر الفائدة في السوق . فما الفرق بين عقد كهذا وبين التمويل الربوي ؟ ألا ما أحسن مقولة ابن عباس - رضي الله عنهما – في العينة: "هي دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة"، فالتورق المنظم نقود بنقود دخلت بينهما سلعة. فالعبرة في العقود بحقائقها لا بألفاظها.
__________
(1) ... أخرجه أحمد، المسند، ج2/ ص 174، وأبو داود، السنن، كتاب البيوع، باب : في الرجل يبيع ما ليس عنده، ج3/ ص 35، والترميذي، السنن، أبواب البيوع، باب : كراهية بيع ما ليس عندك، ج4/ ص 123، والنسائي، السنن، كتاب البيوع، باب: ما ليس عند البائع، ج7/ ص 461، وابن ماجه، السنن، كتاب الاتجار، باب: النهي عن بيع ما ليس عندك، ج7/ ص 218، وإسناده صحيح، صححه الحاكم، المستدرك، ج2/ ص 17، وقال الترميذي: حسن صحيح .
(2) ... أخرجه، أبي داود، كتاب البيوع والإجارات (17)، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده ( 70) رقم الحديث( 3505)، ج3/ ص 769، الترمذي، الجامع الصحيح، في كتاب البيوع ( 12) باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك(19)، رقم الحديث ( 1234)، ج3/ ص 535، وقال حديث حسن صحيح .(1/112)
... وبناء على ما تقدم ذكره يظهر بوضوح أن القول بعدم جوازالتورق المصرفي المنظم هوالصواب. وأنه لا يجوزإلا للحاجة القصوى. فالتورق عقد مركب من عدة عقود في عقد واحد، سواء كان تورق مصرفي أو منظم، فبدايته عقد بيع وفي مآله قرض بزيادة،فأصبح التورق بديل للقرض بفائدة .
... وفيما يلي نصّ القرار الذي اتخذه المجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي لأهميته :
القرار الثاني
بشأن موضوع : التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر
... الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
... فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة ، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الذي يوافقه: 13-17/12/2003م ، قد نظر في موضوع : ( التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر) .
... وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع ، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو : قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب أو الفضة ) من أسواق السلع العالمية أو غيرها ، على المستورق بثمن آجل ، على أن يلتزم المصرف – إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة – بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.
...
... وبعد النظر والدراسة ، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: ... عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية :
1) ... أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً ، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2) ... أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.(1/113)
3) ... أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها ، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل . وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء ، والذي سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره.. وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة. فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه ، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه ، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن ، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها ، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانياً: ... يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة
امتثالاً لأمر الله تعالى . كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا ، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول .
الخاتمة
النتائج والتوصيات
أولاً : أهم النتائج(1/114)
... إن الجدل الواسع الذي حظي به بيع التورق حول مشروعية التعامل به، لدى المصارف الإسلامية والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية أوجب القيام بدراسة شاملة لموضوع البحث سواء من ناحية فقهية أو ناحية تطبيقية (1) من أجل أن يساعد ذلك على تكوين صورة شاملة وأقرب إلى الواقع العملي الذي تطبقه من خلاله عملية بيع التورق.
... لقد خلصت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- التورق: لجوء شخص بحاجة ماسة إلى نقد ولا يجد من يقرضه إلى شراء سلعة في حوزة البائع وملكه بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، بثمن أقل مما اشتراه، ودون أن يكون هناك تواطؤ بين الأطراف الثلاثة.
2- ان اساس قيام المصارف الإسلامية ومبرر وجودها أنها تجمع مدخرات المسلمين وتوجهها للاستثمار بصيغ استثمار شرعية مساهمة في خطة التنمية الشاملة وليس تقديم التمويل ومنح الائتمان الذي يتمثل في توفير سيولة نقدية للمتعاملين معها فهناك مخاطرة في الاستثمار الإسلامي يتحملها كلا الطرفين الممول والمستثمر فلا فائدة من الاستثمار إلا من خلال إيجاد قيمة اقتصادية نافعة.
3- تعددت أراء الفقهاء والباحثين في بيع التورق وخصوصاً التورق المصرفي المنظم الذي أتخذ حيلة للحصول على النقد، وذلك عن طريق الشراء بالآجل والبيع بالعاجل، وقد رأى بعض الباحثين القول بصحته وأن الحاجة للسيولة أمر معتبر. أما المانعين لتورق فيرون أن التواطؤ والتحايل على الربا واضح في صيغة التورق. فحقيقة التورق هي نقد حاضر بمؤجل أكثر منه وهو تحايل على الربا والتحايل أسوأ من الربا الصريح لأنه استحلال للمحرم .
__________
(1) ) ... قامت الدراسة الأصلية بتخصيص نصّ كامل لدراسة تطبيقية لواقع تطبيق هذا العقد في عدد من البنوك التي تعتمد أسلوب التورق المصرفي المنظم على نطاق واسع في أعمالها .(1/115)
4- ان تطبيق التورق المصرفي المنظم يؤدي إلى ضعف الفارق بين العمل المصرفي الإسلامي وعمل المصارف التقليدية حيث ان التورق والاقتراض بالفائدة يتفقان في نتيجة الحصول على السيولة المطلوبة للعملاء، مما يؤدي إلى زيادة الديون الاستهلاكية. فنية الحصول على النقد مصرح بها في التورق المصرفي المنظم . وبالتالي فأن التورق المصرفي سيؤدي إلى فقدان المصارف الإسلامية مصداقيتها ومبرر وجودها. وهو جمع مدخرات العملاء وتوجهها للاستثمار بصيغ استثمار شرعية تشارك في التنمية الاقتصادية .
5- تزايد الإقبال على التعامل بالتورق المصرفي المنظم يعود إلى تدني نسبة المخاطرة وسرعة الانجاز وربحيةعالية بالنسبة للمصارف، بعكس عقود المشاركة والمضاربة القائمة على الربح والخسارة.
6- الإقبال المتزايد على التورق المصرفي يؤكد أن هناك مجموعة كبيرة من العملاء تبحث عن البديل الإسلامي للبنوك التقليدية، مما يؤكد وجود العاطفة الدينية لدى العملاء وأقبالهم على الأدوات المالية الإسلامية .
7- ان تطبيق التورق المصرفي المنظم يؤدي إلى زيادة تراكم المديونية لدى العملاء، وإلى تهجير أموال المسلمين إلى الخارج لأنها تتم من خلال سوق البورصة .
8- بدأ التورق المصرفي المنظم يحل تدريجياً محل عقود الاستثمار والتمويل الأخرى في المصارف الإسلامية والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية وسيستمر هذا الإحلال حتى يسيطر التورق المصرفي المنظم والعينة على صيغ الاستثمار الأخرى . فمعظم المصارف الإسلامية وجهت نشاطها التمويلي إلى التورق المصرفي المنظم وضيقت دائرة صيغ الاستثمار الأخرى من مشاركة ومضاربة مع أهميتها في مجال النشاط الاقتصادي . حيث أن أموال التورق لم تستخدم في مشروعات تحقق تدفقات نقدية.
التوصيات :
1- عدم أخذ بيع التورق وسيلة للتحايل على الربا، ووضع القواعد والضوابط التي تمنع مثل هذا التحايل والتلاعب.
2- منع التورق المصرفي المنظم .(1/116)
3- أن مسيرة المؤسسات والمصارف الإسلامية بحاجة إلى مراجعة مستمرة للاطمئنان على سلامة التزامها بأحكام الشريعة . وهذا دور مهم يجب على المجمع الفقهية التصدي له ، كما أن هذا يحمل جهات الرقابة الشرعية في هذه البنوك مسؤولية التأكد من التزامها المستمر بأحكام الشريعة ، قياماً منها بواجبها نحو هذه البنوك ونحو أبناء الأمة الذين يتطلعون إلى تعامل شرعي حلال .
4- العمل على ابتكار وتطوير منتجات مالية إسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. تخضع للاعتماد من المجامع الفقهية الإسلامية
5- الاهتمام بأن تقوم المصارف الإسلامية بالاستثمار في إنتاج السلع والخدمات ، وليس مجرد التمويل النقدي ، فتحل المشاركة والمضاربة محل القروض.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
فهرس الآيات القرآنية
(مرتبة حسب ما وردت بالقرآن الكريم)
السورة ... الآية ... الصفحة
البقرة ... 29 ... 21
البقرة ... 173 ... 40
البقرة ... 237 ... 23
البقرة ... 275 ... 18،20،35
البقرة ... 282 ... 19،20،38
النساء ... 19 ... 18
النساء ... 29 ... 37
الكهف ... 19 ... 17
فاطر ... 28 ... 1
فهرس الآحاديث الشريفة
(مرتبة حسب الأحرف الأبجدية)
الحديث ... الصفحة
أن أعظم المسلمين ... 21
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعمل رجلاً ... 20
لا تبع ما ليس عندك ... 46
لا تبيعوا الدينار بالدينارين ... 43
نهى عن ربح ما لا يضمن ... 46
المراجع
1. القرآن الكريم ، السنة النبوية.
2. ابن القيم،الجوزية، محمد بن ابي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي، إعلام الموقعين، ط1، راجحه وقدم له، وعلق عليه طه عبد الرءوف سعيد ، بيروت ، لبنان : دار الجيل، د.ت.
3. ابن القيم، تهذيب السنن، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1421هـ، 2001.
4. ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية : مكتبة الرُشد، 1422هـ، 2001.
5. ابن تيمية، كتاب بيان الدّليل على بطلان التحليل، ط1، بيروت، لبنان : المكتب الإسلامي، 1418هـ، 1998.(1/117)
6. ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية : مكتبة العبيكان، 1418هـ، 1997.
7. ابن تيميه ، الفتاوى الكبرى ، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1408هـ، 1987.
8. أبن حنبل، أبو عبدالله أحمد بن محمد الشيباني، المسند، ط1، بيروت، لبنان : دار الفكر، 1991 .
9. ابن عابدين ، محمد أمين بن عمر ، المعروف بابن عابدين ، حاشية ابن عابدين، ط1،بيروت، لبنان : دار المعرفة، 1420هـ، 2000.
10. ابن قدامة ، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة ، المغني ، بيروت، لبنان : دار الكتب العربي، 1403، 1983، طبعة جديدة بالأوفست.
11. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1414هـ، 1994.
12. ابن كثير ، محمد بن إسماعيل بن كثير ، ابو عبدالله ، البصروي ، تفسير ابن كثير، ط2، الرياض، السعودية : دار طيبة، 1420هـ، 1999 .
13. ابن مفلح،شمس الدين محمد، الفروع، ط1، بيروت، لبنان : مؤسسة الرسالة، 1424هـ، 2003.
14. ابن منظور ، محمد بن مكرم بن علي بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب ، ط1 ، بيروت ، لبنان : دار صادر بيروت ، دت.
15. أبي داود، سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، سنن أبي داود مع عون المعبود، د.ط، د.ت، بيروت، لبنان : دار الكتب العربي .
16. أبي داود، سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، سنن أبي داود،ط1، بيروت، لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، 1420هـ،1999.
17. أبي شيبة، الإمام الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ابن ابي بكر ، مُصَنّف ابن أبي شيبة، د. ط، كراتشي، باكستان : منشورات ادارة القرآن والعلوم الإسلامية ، 1406هـ، 1986.(1/118)
18. أحمد، محيي الدين، التطبيقات المصرفية لعقد التورق وأثارها على مسيرة العمل المصرفي الإسلامي، مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ، الموافق 19- 20 يونيو 2002 .
19. البخاري، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، صحيح البخاري، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1412هـ، 1992.
20. ابن باز، عبد العزيز بن عبد الرحمن، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ط1،بيروت، لبنان مؤسسة الرسالة،1421هـ،2000.
21. البهوتي : منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن أبن ادريس ، كشاف القناع ، ط 1، بيروت ، لبنان : دار الكتب العلمية ، حققه ابو عبدالله محمد حسن اسماعيل الشافعي ، 1418هـ ، 1997.
22. البهوتي، الروض المربع بشرح زاد المستقنع، د.ط، القاهرة، مصر : مكتبةالتراث الإسلامي، 1415هـ، 1994.
23. البهوتي، كشاف القناع عن متن الأقناع، د. ط، مكة، المملكة العربية السعودية : مطبعة الحكومة، 1394هـ.
24. البهوتي،منصور بن أدريس، شرح منتهى الأرادات المسمى دقائق أولي النهي لشرح المنهى، د.ط، بيروت، لبنان : عالم الكتب، 1416هـ، 1996
25. الترميذي، ابو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترميذي، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1408هـ، 1987.
26. حسان، حسين حامد ، تعليق على بحوث التورق، مؤتمر دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، من 26- 28 صفرهـ الموافق 7- 9 مايو 2002 .
27. الحّطاب، أبي عبدالله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي، مواهب الجليل، ط3، بيروت، لبنان : دار الفكر، 1412هـ، 1992.
28. الحنيطي، هناء محمد، بيع العينة والتورق: دراسة تطبيقية على المصارف الإسلامية،رسالة دكتوراه، الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، قسم المصارف الإسلامية،2007.(1/119)
29. الحموي ، أحمد بن محمد شهاب الدين المصري، غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر، ط1، بيروت ، لبنان : دار الكتب العلمية.
30. حوار، علماء الشريعة يحددون الضرورات التي تبيح المحظورات، الاقتصاد الاسلامي، مجلد ( 23) ، العدد( 267) ، جمادى الآخر- 1424هـ، اغسطس، 2003.
31. حيدر،علي، درر الحكام شرح مجلة الأحكام ، د.ت، د.ط، بيروت، لبنان : الكتب العلمية.
32. الخرشي، ابي عبدالله محمد، الخرشي على مختصر سيدي خليل ، د. ت، د. ط، بيروت، لبنان : دار صادر.
33. الخطابي، الإمام ابي سليمان حمد بن محمد،معالم السنن،ط1،حلب، سوريا : المطبعة العلمية، 1352هـ،1933.
34. خوجه، عز الدين محمد، ملخص أبحاث في التورق، مقدم إلى ندوة البركة
35. الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ، الموافق 19- 20 يونيو 2002 .
36. الخياط، عبد العزيز، العيادي، أحمد، فقه المعاملات وصيغ الاستثمار، ط1، عمان،الأردن : دار المتقدمة للنشر، 2004 .
37. داغي، علي القره، حكم التورق في الفقه الإسلامي، ، مؤتمر دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية، من 26- 28 صفرهـ الموافق 7- مايو 2002 .
38. الدسوقي ، محمد بن أحمد بن عرفه ، حاشية الدسوقي ، بيروت ، لبنان : دار الفكر، دط، دت.
39. الذهبي،الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، المتوفى 748هـ،1374، سير أعلام النبلاء، ط11،بيروت، لبنان : مؤسسة الرسالة،1417هـ، 1996 .
40. الرازي، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، بيروت،دط، لبنان : مكتبة بيروت، 1415هـ.
41. الرازي، محمد بن عمر بن حسن فخر الدين، التفسير الكبير،ط2، بيروت، لبنان : دار إحياء التراث العربي، دت.
42. الزحيلي ، وهبة، المعاملات المالية المعاصرة ، ط1 ، دمشق،سوريا : دار الفكر،1423هـ ، 2002.
43. الزرقا ، مصطفى أحمد ، المدخل الفقهي العام ، ط 1 ، دمشق ، سوريا : مطبعة طربين ، 1387هـ .(1/120)
44. الزّرقا، أحمد بن الشيخ محمد، شرح القواعد الفقهية، ط2، دمشق، سوريا : دارالقلم، 1409هـ، 1989.
45. الزركلي، خير الدين، الأعلام، ط1،بيروت، لبنان : دار العلم للملايين،1992.
46. الزمخشري، محمد بن عمر، الفائق في غريب الحديث، ط3، بيروت، لبنان : دار الفكر،1399هـ، 1979.
47. الزمخشري،محمود بن عمر بن محمد بن أحمد ، ابو القاسم، تفسير الكشاف، ط3،بيروت، لبنان : دار الكتاب العربي،1407هـ، 1987.
48. الزمخشري،أبي القاسم محمود بن عمر، الخوارزمي، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط1، بيروت، لبنان : دار إحياء التراث، 1417هـ، 1997.
49. زيدان، عبد الكريم، الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية ط1، بيروت، لبنان : مؤسسة الرسالة، 1422هـ، 2001.
50. الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي، الحنفي،. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ط2، القاهرة،مصر : دار الكتاب الاسلامي،د.ت.
51. الزيلعي، لإمام جمال الدين أبن محمد عبد الله بن يوسف الحنفي المتوفي سنة 762هـ ، نصب الراية لأحاديث الهداية، ط3، بيروت، لبنان: دار إحياء التراث العربي،1407 هـ ، 1987.
52. السالوس، علي، الضرورة التي كفلها الإسلام لها ضوابطها وشروطها، الاقتصاد ، الإسلامي،مجلد (24)، العدد(274)، محرم- 1425هـ ، مارس ؛ العينة والتورق – والتورق المصرفي، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003.
53. السّدلان، صالح بن غانم، القواعد الفقهية الكبرى وما تفَرَّعَ عنهَا، ط2، الرياض، المملكة العربية السعودية : دار بلنسية، 1420هـ، 1999.
54. السعدي، عبد الرحمن بن ناصر ، تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، د.ط، بيروت، لبنان : مؤسسة الرسالة، 1416هـ، 1996.(1/121)
55. السعيد، عبدالله بن محمد بن حسن، التورق المصرفي المنظم، الاقتصاد الإسلامي،مجلد( 24) العدد(274) محرم 1425هـ/ مارس 2004.
56. السعيدي، عبدالله بن محمد بن حسن، التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر، مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 19 جمادي الثانية 1424هـ-13 اغسطس 2003.؛ مناقشات حول التورق المصرفي، الاقتصاد الإسلامي، مجلد(24)، العدد(274)،محرم 1425هـ،مارس 2004.
57. السلامي، محمد مختار، التورق والتورق المصرفي، الاقتصاد الاسلامي، مجلد(24)،العدد( 274)، محرم- 1425هـ، مارس- 2004.؛ التورق والتورق المصرفي، الاقتصاد الاسلامي، مجلد (24) العدد 274 ، محرم- 1425هـ،مارس- 2004 .
58. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، د.ط، القاهرة، مصر: مجموعة دارالنشر للجامعات المصرية، 1960.
59. السويلم، سامي بن إبراهيم، التكافؤ الاقتصادي بين الربا والتورق، الاقتصاد الإسلامي، العدد 274 ، محرم-1424هـ،مارس – 2004، مجلد (24) .؛ التورق . . . والتورق المنظم دراسة تأصيلية" مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 19جمادي الثانية 1424هـ-13 اغسطس 2003 ؛ التورق . . . والتورق المنظم، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الاسلامي، مكة المكرمة، جمادي الثانية 1424هـ ، اغسطس 2003 .
60. السيوطي ، جلال الدين ، الأشباه والنظائر ، تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي، ط1، بيروت ، لبنان : دار الكتاب العربي ، 1407هـ .
61. السيوطي، الحافظ جلال الدين، سنن النسائي، د.ط، بيروت، لبنان: دار الفكر، 1398هـ، 1978 .
62. الشاطبي ، ابو اسحق إبراهيم بن موسى اللمخي ، الموافقات في أصول الشريعة، د.ط، د.ت، بيروت ، لبنان : دار الكتب العلمية .(1/122)
63. الشافعي، الإمام ابي عبد الله محمد بن ادريس،. الأم مع مختصر المزني، ط2، بيروت، لبنان: دار الفكر، كتاب البيوع ، 1403هـ، 1983 .
64. شبير، محمد عثمان، القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، ط1، عمان، الأردن : دار الفرقان، 1420هـ،2000.
65. شحاته، حسين حسين، التورق المصرفي في نظر التحليل المحاسبي والتقويم الاقتصادي، الاقتصاد الاسلامي، مجلد( 24)، العدد( 274)، محرم- 1425هـ، مارس- 2004.
66. الشرع : صلاح عبد الغني ، ماهية العقد في الفقه الاسلامي ، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، مجلة علمية محكمة متخصصة في الفقه الاسلامي ، العدد الثامن والخمسون – السنة الخامسة عشرة ، محرم – ربيع اول 1424هـ - حزيران 2003 .
67. شعبان، زكي الدين، أصول الفقه الإسلامي، ط1، الكويت: مؤسسة علي الصباح، 1988.
68. الشماع ، خليل ، التوريق ، كتاب قيد التحديث والنشر.
69. الشيباني، الإمام أبي عبد الله محمد بن الحسن، كتاب الأَصْل المعروف بالمبسوط، ط1،بيروت، لبنان : عالم الكتب، 1410هـ، 1990.
70. الصاوي ، أحمدبن محمد الخلوتي، بُلغَة السالك لأَقربَ المسَالك على الشرَّح الصَّغير للقطبُ سُيدي أحمد الدَّردير، ط1، 1415هـ ، 1995، بيروت ، لبنان ، دار الكتب العلمية .
71. الصّنعاني، الإمام الحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع،المصنف، ط1، بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1421هـ، 2000.
72. الضرير، الصديق محمد الأمين، التورق والتورق المصرفي، مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ، الموافق 19- 20 يونيو 2002 .؛ الرأي الفقهي في التورق المصرفي، الاقتصاد الاسلامي، مجلد( 24 )، العدد (274)، محرم/ 1425هـ، مارس/ 2004 .(1/123)
73. العبادي، عبد السلام داود،نظرة شمولية لطبيعة بيع المرابحة للآمر بالشراء، الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الثاني، 1409هـ،1988.
74. عبدالله ، خالد أمين ، الخلفية العلمية والعملية للتوريق ،( التوريق كأداة مالية حديثة)، إتحاد المصارف العربية ، 1995.
75. عثمان، حسين فتحي ، التوريق المصرفي للديون (الممارسة والإطار القانوني) مؤتمر تشريعات عمليات البنوك بين النظرية والتطبيق ، عقد بتاريخ 22- 24، كانون أول 2002 ، نظمته جامعة اليرموك ، أربد ، الأردن .
76. العثماني، محمد تقي، أحكام التورق وتطبيقاته المصرفية، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003.
77. عيسى، موسى آدم، تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي، مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرين للاقتصاد الاسلامي، من 8- 9 ربيع الآخر 1423هـ،الموافق 19- 20 يونيو 2002.
78. القري، محمد علي، التورق كما تجريه المصارف . . . دراسة اقتصادية، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ،الموافق 13- 17 كانون الأول 2003 .؛ مرابحات السلع الدولية،جدة، المملكة العربية السعودية : مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، غير منشور.
79. القيرواني، ابي محمد عبد الله بن عبد الرحمن ابي زيد، النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، ط1، بيروت، لبنان: دار الغرب الاسلامي، 1999.
80. مالك بن أنس ، المدونة الكبرى ، بيروت ، لبنان : دار الفكر ، د. ط ، د. ت .(1/124)
81. مجلة البحوث الإسلامية، أنواع البيوع التي يستعملها كثير من الناس، إعداد : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية : مجلة دورية محكمة تصدر عن الرئاسة العامة لإدارت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد السابع والثلاثون،1413هـ .
82. مجمع الفقه الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، القرار الخامس، الدورة الخامسة عشرة، 11 رجب 1419هـ .
83. مجمع اللغة العربية ، المعجم الوجيز ، ط2، القاهرة ، مصر : دار التحرير ، 1986.
84. محمود، جمال الدين، سبب الإلتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي، ط1، القاهرة، مصر: دار النهضة العربية، 1976.
85. المرداوي، علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ط1، بيروت، لبنان : دار إحياء التراث العربي، 1419هـ، 1998.
86. مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم بشرح النووي، د.ط، القاهرة، مصر: دار الفكر،1401هـ، 1981.
87. المشيقح، خالد بن علي، التورق المصرفي عن طريق المعادن، مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية : مجلة دورية محكمة تصدر عن الرئاسة العامة لإدارت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،1425هـ، العدد الثالث والسبعون.
88. المصري، رفيق يونس، التورق في البنوك، بحث غير منشور.؛ الجامع في اصول الربا، ط1، دمشق، سوريا : دار القلم، 1412 هـ،1991.
89. مفلح،شمس الدين محمد، الفروع، ط1، بيروت، لبنان : مؤسسة الرسالة، 1424هـ، 2003.
90. مقبل، طالب قائد، الوكالة في الفقه الإسلامي، ط1، الرياض، المملكة العربية السعودية: دار اللواء، 1403هـ، 1983.
91. المنذري، زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي، مختصر سنن ابي داوود، ط1،بيروت، لبنان : دار الكتب العلمية، 1421هـ ، 2001.(1/125)
92. المنيع، عبدالله بن سليمان، حكم التورق كما تجريه المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر، مقدم ضمن البحوث المعدة للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ، الموافق 13- 17 كانون الأول 2003 .
93. الموسوعة الفقهية ، يصدرها المجلس الاعلى للشئون الإسلامية ، ط 4 ، القاهرة مصر: مطابع دار الصفوة للطباعة والنشر والتوزيع ، 1414هـ ، 1993، حقوق الطبع محفوظة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت.
94. الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الاسلامية ،ط1، 1402هـ ، 1982.
95. موسوعة الفقه الاسلامي المعروفة بموسوعة جمال عبد الناصر الفقهية ، يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ، مصر ، 1410هـ ، 1990.
96. النسائي، أبو عبدالله الرحمن أحمد بن علي بن شعيب، سنن النسائي، د.ط، بيروت، لبنان دار ابن حزم 1420هـ، 1999.
97. الهمام من علماء مولانا الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند الأعلام الهامش في الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، تأليف العلامة ، ط4،
98. بيروت، لبنان: دار إحياء التراث العربي، 1406هـ، 1986.
99. الهيتي ، د . عبد الرزاق رحيم جدي ، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ،ط1،عمان ، الأردن : دار أسامة ، 1998
مواقع الشبكة المعلوماتية
www.Islamacademy.net /articles/show.
www.Islamtoday. net/articles/show .
www.Shubily.com .
www.islamifn.com .
www.almoslim.com.
www.alahli.com(1/126)