وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المعهد العالي للقضاء
قسم الفقه المقارن
التطبيقات الفقهية لقاعدة
اليسير مغتفر في البيوع
بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير بقسم الفقه المقارن
إعداد الطالب :
هاكيا بن محمد كانوريتش
الإشراف العلمي :
فضيلة الشيخ الدكتور / يوسف بن عبد الله الشبيلي
العام الدراسي
1428- 1429 هـ(1/1)
وصف البحث
عنوان البحث: التطبيقات الفقهية لقاعدة اليسير مغتفر في البيوع.
نوعه: بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير.
الجهة العلمية: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, المعهد العالي للقضاء, قسم الفقه المقارن.
إعداد: هاكيا بن محمد كانوريتش.
الإشراف العلمي: فضيلة الشيخ الدكتور: يوسف بن عبد الله الشبيلي.
العام الدراسي: 1428/1429هـ.
عدد الصفحات: 168.
محتوى البحث:
يتكون هذا البحث من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة وفهارس:
وتحتوي المقدمة بيان أهمية الموضوع, وأسباب اختياره, والدراسات السابقة, ومنهج البحث, وخطته.
ويشتمل التمهيد على التعريف بالقاعدة الفقهية، وبيان أهميتها والفرق بين القاعدة الفقهية والأصولية, والتعريف بقاعدة اليسير مغتفر, وبيان أصلها, والقواعد الأخرى التي لها صلة بقاعدة اليسير مغتفر, والتعريف بالبيوع.
وخُصِّص الفصل الأول لبيان تطبيقات القاعدة في باب شروط البيع من خلال المسائل التالية: الفصل اليسير بين الإيجاب والقبول, واشتراط أن يكون البيع بالتعاطي في الأشياء اليسيرة, وتأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد لزمن يسير, وتصرف الصبي المميز بالبيع والشراء في الأشياء اليسيرة, والكلفة اليسيرة في التسليم, والجهالة في المبيع أو ثمنه, والتغير اليسير في المبيع بعد رؤيته.
وخُصَّص الفصل الثاني لبيان تطبيقات القاعدة في باب الخيار من خلال المسائل التالية: المفارقة اليسيرة وأثرها في خيار المجلس, والجائحة اليسيرة وأثرها في ثبوت الخيار, والغبن اليسير وأثره في ثبوت الخيار, والاستعمال اليسير للمبيع وأثره في سقوط خيار العيب.(2/1)
وأما الفصل الثالث ففيه بيان تطبيقات القاعدة في باب الربا, وذلك من خلال المسائل التالية: بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه, وبيع المال الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير من غير جنسه, والتفاضل اليسير في مبادلة المال الربوي بجنسه, والمفارقة اليسيرة في صرف النقود, والمنفعة اليسيرة في ربا القرض.
وفي الفصل الرابع بيان للتطبيقات المعاصرة للقاعدة, من خلال المسائل التالية: الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير, والأسهم المشتملة على محرم يسير, والمسابقات التجارية المشتملة على غرر يسير, وعقود التأمين المشتملة على غرر يسير, والضمان التجاري المشتمل على غرر يسير, وعقود الصيانة المشتملة على غرر يسير, وبطاقات التخفيض المشتملة على غرر يسير.
وخُتم البحث ببيان أهم النتائج التي توصل إليها الباحث.
وأتبع البحث بالفهارس الآتية: فهرس الآيات القرآنية, وفهرس الأحاديث والآثار, وفهرس الأعلام, وفهرس المصادر و المراجع, وفهرس الموضوعات.(2/2)
مقدمة
إن الحمدَ لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضللْ فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه, وبعد.
فإن علماء الأمة الإسلامية خلّفوا علماً غفيراً وتراثاً عظيماً أُخذ من ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي علّمنا أمور الدين كلها كبيرها وصغيرها, لذا قال رجل من المشركين لسلمان الفارسي(1) - رضي الله عنه -: «علّمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة!(2)»(3), ولكثرة مؤلفات الفقهاء وكثرة تفريعات المسائل كان لا بد من تيسير الوصول إلى فهمها فهماً صحيحاً, ومن أفضل ما يفيد في جمع شتات المسائل وضبط العلم: القواعد الفقهية التي حُررت تحريراً علمياً دقيقاً في العصور المتأخرة, إلا أن كثيراً منها لم يلقِ عناية
__________
(1) هو سلمان ابن الإسلام, أبو عبد الله الفارسي, سابق الفرس إلى الإسلام, صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخدمه وحدث عنه. كان لبيبا حازما, من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم. له في مسند بقي بن مخلد ستون حديثا. مات سنة: 33هـ بالمدائن وقيل غير ذلك, واختلف في عمره اختلافا كثيرا ورجح الذهبي أنه عاش بضعا وسبعين سنة. ينظر: سير أعلام النبلاء, الذهبي, (1/505-557), والإصابة في تمييز الصحابة, أحمد بن علي بن حجر العسقلاني, (3/141).
(2) الخراءة بالكسر والمد: التخلي والقعود للحاجة. قال الخطابي: وأكثر الرواة يفتحون الخاء. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر, ابن الأثير, (2/17).
(3) وتمامه: "أجل, لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم". أخرجه مسلم, ص (129) كتاب الطهارة, باب الاستطابة, رقم الحديث: (262) عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -.(3/1)
بإبراز تطبيقاتها لدى الفقهاء المتقدمين أو في المسائل والنوازل المعاصرة, وهذا البحث إسهام في بيان تطبيقات قاعدة اليسير مغتفر في البيوع.
والمقصود باليسير هنا: القليل الذي يشق التحرز منه(1), سواء أكان حسياً, كالنجس اليسير, أم معنوياً, كالجهالة اليسيرة, أم جزءاً من الزمن, كالمفارقة اليسيرة, ويأتي تفصيل ذلك في ثنايا البحث, وأسأل الله عز وجل الإخلاص والتوفيق.
أهمية الموضوع:
لهذا الموضوع أهمية بالغة وفيما يلي ما يبرز أهميته:
القواعد الفقهية تضبط المسائل والفروع الفقهية.
كثرة المسائل والفروع التي تتصل بقاعدة اليسير مغتفر, وهذه القاعدة معمول بها في المذاهب الأربعة, وهذا البحث يجمع شتاتها وينظمها في الفصول والمباحث حتى يعود على الباحث والقارئ بالفائدة.
بيان يسر الشريعة الإسلامية حيث يتسامح فيما يشق الاحتراز منه.
أسباب اختياره:
إتمام البحث في تطبيقات هذه القاعدة حيث سبقت دراستها فيما يتعلق بالعبادات.
التشجيع الذي لقيته من كثير من المشايخ الفضلاء الذين طرحت عليهم الموضوع.
رجاء الاستفادة من علم المتقدمين في تطبيق هذه القاعدة, وهذا ينمي القدرة على تطبيقها في المسائل المعاصرة.
الدراسات السابقة :
__________
(1) ينظر: لسان العرب، (5/295)، مادة (ي س ر), ومختار الصحاح، زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي, ص (636), والقاموس المحيط، الفيروز آبادي، (1/643).(3/2)
ورد ذكر هذه القاعدة في بعض الكتب التي عنيت بالقواعد الفقهية عموماً, وذُكر فيها أصل هذه القاعدة, ومعناها, والقواعد الأخرى التي لها صلة بها, وبعض التفريعات عليها من غير تحليل فقهي ومن غير المقارنة بين المذاهب, وقد راجعت قاعدة بيانات عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام, والمكتبة المركزية بجامعة الإمام, ومكتبة "الملك فيصل", ومكتبة "الملك فهد الوطنية" ولم أقف على بحث تناول هذه القاعدة بدراسة فقهية عدا بحثين بالمعهد العالي للقضاء في تطبيقات قاعدة "اليسير مغتفر", إلا أن أحد البحثين اقتصر على تطبيقاتها في الطهارة والصلاة والجنائز, والآخر في الزكاة والصوم والحج فأكملا العبادات, وهذا البحث امتداد للبحثين السابقين حيث تناول المسائل من كتاب البيوع التي تجمعها هذه القاعدة.
أما البحثان المذكوران فهما:
التطبيقات الفقهية لقاعدة اليسير مغتفر في كتاب الزكاة والصوم والحج؛ لعبد الله بن سليمان العبيد, وهو بحث مقدم للمعهد العالي للقضاء – قسم الفقه المقارن – لنيل الدرجة الماجستير, عام 1416 ه.
التطبيقات الفقهية لقاعدة اليسير مغتفر في الطهارة والصلاة والجنائز؛ لعبد الرحمن بن أحمد الجاسر, وهو بحث مقدم للمعهد العالي للقضاء – قسم الفقه المقارن – لنيل الدرجة الماجستير, عام 1417 ه.
منهج البحث :
سوف أنهج بإذن الله في بحثي المنهج الآتي :
أجمع المسائل التي لها صلة بالقاعدة.
أصور المسألة المراد بحثها تصويرا دقيقا قبل بيان حكمها؛ ليتضح المقصود من دراستها.
إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق فأذكر حكمها بدليله مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة.
إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف فأتبع الآتي:
أ ـ تحرير محل الخلاف إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف وبعضها محل اتفاق.
ب ـ ذكر الأقوال في المسألة، وبيان من قال بها من أهل العلم، ويكون عرض الخلاف حسب الاتجاهات الفقهية.(3/3)
ج ـ الاقتصار على المذاهب الفقهية المعتبرة، مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف الصالح، وإذا لم أقف على المسألة في مذهب ما فأسلك فيها مسلك التخريج.
د ـ توثيق الأقوال من مصادرها الأصلية.
هـ استقصاء أدلة الأقوال مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات، و ما يجاب به عنها إن كانت, وأذكر ذلك بعد الدليل مباشرة.
و ـ الترجيح مع بيان سببه, وذكر ثمرة الخلاف إن وجدت.
4 . الاعتماد على أمهات المصادر والمراجع الأصلية في التحرير والتوثيق والجمع والتخريج .
5 . التركيز على موضوع البحث وتجنب الاستطراد.
6. العناية بضرب الأمثلة، خاصة الواقعية.
7. تجنب ذكر الأقوال الشاذة.
8. العناية بدراسة ما جدّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث.
9. ترقيم الآيات وبيان سورها مضبوطة بالشكل.
10. تخريج الأحاديث من مصادرها الأصلية وإثبات الكتاب والباب والجزء والصفحة ، وبيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها – إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما – فإن كانت كذلك فأكتفي حينئذ بتخريجها منهما.
11. تخريج الآثار من مصادرها الأصلية, والحكم عليها.
12. التعريف بالمصطلحات من كتب الفن الذي يتبعه المصطلح, أو من كتب المصطلحات المعتمدة.
13. توثيق المعاني من معاجم اللغة المعتمدة وتكون الإحالة عليها بالمادة والجزء والصفحة.
14. العناية بقواعد اللغة العربية والإملاء وعلامات الترقيم، ومنها علامات التنصيص للآيات الكريمة وللأحاديث الشريفة وللآثار ولأقوال العلماء وأميز العلامات أو الأقواس ليكون لكل منها علامته الخاصة.
15. تكون الخاتمة متضمنة أهم النتائج والتوصيات.
16. أترجم للأعلام غير المشهورين بإيجاز بذكر الاسم والنسب وتاريخ الوفاة والمذهب العقدي والفقهي والعلم الذي اشتهر به, وأهم مؤلفاته ومصادر ترجمته.(3/4)
17. إذا ورد في البحث ذكر أماكن أو قبائل أو فرق أو أشعار أو غير ذلك أعرف بها مع وضع فهارس لها خاصة إن كان لها من العدد ما يستدعي ذلك.
18. أتبع البحث بالفهارس الفنية المتعارف عليها, وهي:
فهرس الآيات القرآنية.
فهرس الأحاديث و الآثار.
فهرس الأعلام.
فهرس المصادر و المراجع.
فهرس الموضوعات.
خطة البحث:
أما خطة البحث فتتكون من مقدمة, وتمهيد, وأربعة فصول, وخاتمة، وهي كالآتي:
المقدمة
وتحتوي على بيان أهمية الموضوع, وأسباب اختياره, والدراسات السابقة, ومنهج البحث, وخطة البحث.
التمهيد : التعريف بمفردات العنوان
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالقاعدة الفقهية, وأهميتها.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى القاعدة لغة واصطلاحا.
المطلب الثاني: أهمية القواعد الفقهية.
المطلب الثالث: الفرق بين القاعدة الفقهية والأصولية.
المبحث الثاني: التعريف بقاعدة اليسير مغتفر.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى القاعدة.
المطلب الثاني: أصلها.
المطلب الثالث: القواعد الأخرى التي لها صلة بقاعدة اليسير مغتفر.
المبحث الثالث: التعريف بالبيوع.
الفصل الأول : تطبيقات القاعدة في باب شروط البيع
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الصيغة ومجلس العقد.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الفصل اليسير بين الإيجاب والقبول.
المطلب الثاني: اشتراط أن يكون البيع بالتعاطي في الأشياء اليسيرة.
المطلب الثالث: تأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد لزمن يسير.
المبحث الثاني: العاقدان.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء في الأشياء اليسيرة.
المطلب الثاني: الكلفة اليسيرة في التسليم.
المبحث الثالث: المبيع.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الجهالة في المبيع أو ثمنه.
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: بيع ما يكمن في الأرض.
الفرع الثاني: بيع الجزاف.
الفرع الثالث: البيع بسعر السوق.(3/5)
المطلب الثاني: التغير اليسير في المبيع بعد رؤيته.
الفصل الثاني: تطبيقات القاعدة في باب الخيار
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: المفارقة اليسيرة وأثرها في خيار المجلس.
المبحث الثاني: الجائحة اليسيرة وأثرها في ثبوت الخيار.
المبحث الثالث: الغبن اليسير وأثره في ثبوت الخيار.
المبحث الرابع: الاستعمال اليسير للمبيع وأثره في سقوط خيار العيب.
الفصل الثالث: تطبيقات القاعدة في باب الربا
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه.
المبحث الثاني: بيع المال الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير من غير جنسه.
المبحث الثالث: التفاضل اليسير في مبادلة المال الربوي بجنسه.
المبحث الرابع: المفارقة اليسيرة في صرف النقود.
المبحث الخامس: المنفعة اليسيرة في ربا القرض.
الفصل الرابع: التطبيقات المعاصرة للقاعدة
وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول: الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير.
المبحث الثاني: الأسهم المشتملة على محرم يسير.
المبحث الثالث: المسابقات التجارية المشتملة على غرر يسير.
المبحث الرابع: عقود التأمين المشتملة على غرر يسير.
المبحث الخامس: الضمان التجاري المشتمل على غرر يسير.
المبحث السادس: عقود الصيانة المشتملة على غرر يسير.
المبحث السابع: بطاقات التخفيض المشتملة على غرر يسير.
الخاتمة
وفيها: أهم نتائج البحث والتوصيات.
الفهارس
فهرس الآيات القرآنية.
فهرس الأحاديث والآثار.
فهرس الأعلام.
فهرس المصادر و المراجع.
فهرس الموضوعات.(3/6)
التمهيد : التعريف بمفردات العنوان
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالقاعدة الفقهية، وأهميتها.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى القاعدة لغة واصطلاحا.
المطلب الثاني: أهمية القواعد الفقهية.
المطلب الثالث: الفرق بين القاعدة الفقهية والأصولية.
المبحث الثاني: التعريف بقاعدة اليسير مغتفر.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى القاعدة.
المطلب الثاني: أصلها.
المطلب الثالث: القواعد الأخرى التي لها صلة بقاعدة اليسير مغتفر.
المبحث الثالث: التعريف بالبيوع.
المبحث الأول: التعريف بالقاعدة الفقهية، وأهميتها.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى القاعدة لغة واصطلاحا.
أولا: معناها في اللغة:
أصل القاعدة ومادتها اللغوية (ق، ع، د)، يقال: قعد الرجل يقعد قعودا، قال ابن فارس(1): "القاف والعين والدال أصل مطرد منقاس لا يخلف، وهو يضاهي الجلوس وإن كان يتكلم في مواضع لا يتكلم فيها بالجلوس"(2).
ومن معاني هذه المادة ما يلي:
-خلاف القيام بمعنى الجلوس, والعرب تدعو على الرجل فتقول حلبت قاعدا ومعناه: ذهبت إبلك فصرت تحلب الغنم لأن حالب الغنم لا يكون إلا قاعدا.
-حبس, يقال ما تقعدني عن ذلك الأمر إلا شغل, أي ما حبسني.
-طفق وجعل، يقال قعد فلان يشتمني بمعنى طفق وجعل.
-صار، يقال حدد شفرته حتى قعدت كأنها حربة, أي صارت.
__________
(1) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني، المعروف بالرازي، كان إماماً في علوم شتى، وخصوصاً اللغة فإنه أتقنها، وكان مقيماً بهمذان ثم انتقل إلى الري فنسب إليها، توفي سنة (309 هـ.)، وقيل غير ذلك. من مؤلفاته: معجم مقاييس اللغة, المجمل في اللغة, حلية الفقهاء, وغيرها. ينظر: وفيات الأعيان, أبو بكر بن خلكان, (1/118), وسير أعلام النبلاء, (17/103).
(2) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، (5/108), مادة (ق ع د).(4/1)
-ويأتي القعيد بمعنى مصاحب وحفيظ، قال الله تعالى: { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) } (1).
-والقاعدة أساس، وكل أساس لشيء فهو قاعدة له، قال الله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } (2), أي أسسها، وقواعد الهودج خشبات أربع معترضة في أسفله تركب عيدان الهودج فيها، وقواعد السحاب أصولها المعترضة في آفاق السماء شبهت بقواعد البناء(3).
وأرجع بعض العلماء هذه المعاني إلى معنى واحد هو الاستقرار والثبات. وأقرب هذه المعاني المذكورة إلى المراد هو أن القاعدة تعني الأساس نظرا لابتناء الأحكام عليها، كابتناء الجدران على الأساس(4).
ثانيا: معناها في الاصطلاح:
تعريف القاعدة في الاصطلاح العام:
سأورد أولا جملة من التعريفات التي ذكرها العلماء مع مراعاة التنوع من غير استقصاء، إذ الغرض فهم المراد، ثم أشير إلى بعض ما يلاحظ عليها.
__________
(1) سورة ق, الآية (17).
(2) سورة البقرة, الآية (127).
(3) ذُكرت هذه المعاني في: تهذيب اللغة, الأزهري، (1/137), باب (ع ق د), ولسان العرب, ابن منظور، (3/357), مادة (ق ع د).
(4) ينظر: القواعد الفقهية، فضيلة الشيخ الدكتور يعقوب الباحسين، حفظه الله, ص (15).(4/2)
1.قال صدر الشريعة(1): "القواعد: القضايا الكلية"(2).
2.قال التفتازاني(3): "القاعدة حكم كلي ينطبق على جزئياته ليتعرف أحكامها منه"(4).
__________
(1) هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد بن عبيد الله البخاري، المحبوبي، الحنفي، صدر الشريعة الأصغر. من أئمة الحنفية, فقيه، أصولي، جدلي، محدث، مفسر، نحوي، لغوي، أديب، بياني، متكلم، منطقي. كان حيا 747هـ. من تصانيفه: شرح وقاية الرواية في مسائل الهداية, والوشاح في المعاني والبيان، وتعديل العلوم في الكلام، والتوضيح في حل غوامض التنقيح في أصول الفقه. ينظر: معجم المؤلفين-تراجم مصنفي الكتب العربية, عمر رضا كحالة, (6/246), والأعلام, خير الدين بن محمود الزركلي الدمشقي, (4/197).
(2) شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، التفتازاني، (1/35).
(3) هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني الملقب بسعد الدين, عالم مشارك في النحو والتصريف والمعاني والبيان والفقه والأصول والمنطق وغير ذلك. ولد بتفتازان، وتوفي بسمرقند, سنة: 791هـ. من تصانيفه الكثيرة: شرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان، وحاشية على الكشاف للزمخشري في التفسير، والتهذيب في المنطق، والمقاصد في علم الكلام. ينظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة, ابن حجر, (6/112), ومعجم المؤلفين, ( 12/228), والأعلام للزركلي, (1/270).
(4) التلويح، (1/20).(4/3)
3.وعرفها الجرجاني(1) بقوله: "قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها"(2).
4.وقال جلال الدين المحلي(3): "القاعدة قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئياتها"(4).
5.وقال ابن النجار(5): "صور كلية تنطبق كل واحدة منها على جزئياتها التي تحتها"(6).
__________
(1) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني، الحسيني، الحنفي، ويعرف بالسيد الشريف عالم، حكيم، مشارك في أنواع من العلوم. ولد بجرجان، وتوفي بشيراز سنة: 816 هـ. وقيل غير ذلك. من تصانيفه الكثيرة: حاشية على شرح التنقيح للتفتازاني في الأصول، شرح التذكرة النصيرية في الهيئة، حاشية على تفسير البيضاوي، وزادت مصنفاته على خمسين مصنفا. ينظر: شذرات الذهب, ابن العماد عبد الحي العكري, (5/298), ومعجم المؤلفين, (7/216), والأعلام للزركلي, (2/115).
(2) التعريفات، الجرجاني، باب القاف، (1/219).
(3) هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي، المصري، الشافعي الملقب بجلال الدين, مفسر، فقيه، متكلم، أصولي، نحوي، منطقي، وتوفي مستهل سنة 864 هـ. من تصانيفه: مختصر التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي، وشرح جمع الجوامع للسبكي في أصول الفقه، وتفسير القرآن بالاشتراك مع جلال الدين السيوطي. ينظر: شذرات الذهب, (9/447), والأعلام للزركلي, (5/333), ومعجم المؤلفين, (3/40).
(4) شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع بحاشية العطار، (1/32).
(5) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، تقي الدين أبو البقاء، الشهير بابن النجار, فقيه حنبلي مصري, كان من القضاة. توفي سنة: 972 هـ. من مؤلفاته: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات. ينظر: شذرات الذهب, (10/571), والأعلام للزركلي, (6/6), ومعجم المؤلفين, (8/276).
(6) شرح الكوكب المنير، ابن النجار الفتوحي, ص (13)، وللتوسع ينظر: القواعد الفقهية لفضيلة الشيخ الدكتور يعقوب الباحسين، ص (19-31).(4/4)
يظهر من هذه التعريفات التنوع في التعبير عن جنس المعرف، فإنهم عبروا عنه بالحكم، والقضية، والصورة. والتعبير بالقضية أولى؛ لتناولها جميع أركان المعرف على وجه الحقيقة(1).
ويلحظ في التعريفات السابقة أن القاعدة توصف بالكلية ويقصد بذلك أنها محكوم فيها على كافة أفرادها، ويؤكد ذلك كثير من العلماء بقولهم: "تنطبق على جميع جزئياتها لتعرف أحكامها منها"، وهذه الزيادة من ثمرات القاعدة وهي عملية التخريج التي يقوم بها المجتهد، وثمرة الشيء ليس جزءا من حقيقته إلا أن في ذكرها زيادة البيان والإيضاح.
وهذه التعريفات متقاربة في المعنى وإن اختلفت عباراتها حيث تفيد جميعها أن القاعدة قضية كلية يفهم منها أحكام الجزئيات المندرجة تحت موضوعها. وهذه التعريفات عامة في جميع العلوم، فإن لكل علم قواعد، فهناك قواعد أصولية ونحوية وقانونية وغيرها، فالقاعدة عند الجميع هي أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته، كقول النحاة: "الفاعل مرفوع"، وقول الأصوليين: "الأمر للوجوب"(2).
تعريف القاعدة الفقهية:
سبق بيان معنى القاعدة في اللغة والاصطلاح العام ولتوضيح معناها في اصطلاح الفقهاء أشير أولاً إلى معاني كلمة الفقه في اللغة والاصطلاح:
تعريف الفقه:
يرد الفقه في اللغة بمعان مختلفة، ومنها:
- الفهم، يقال أوتي فلان فقهاً في الدين أي فهماً فيه، قال الله عز وجل: { لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } (3).
- العلم، يقال فقيه العرب, أي عالم العرب.
- الفطنة، يقال: شهدت عليك بالفقه, أي الفطنة.
وغلب إطلاق الفقه على علم الدين لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلم(4).
__________
(1) ينظر: القواعد الفقهية، الباحسين، ص (33).
(2) ينظر المرجع السابق, ص (33-37), والقواعد الفقهية, الندوي ص (41).
(3) سورة التوبة, الآية (122).
(4) لسان العرب, (13/522), مادة (ف ق ?).(4/5)
والفقه في الاصطلاح: "العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية"(1).
تعريف القاعدة في اصطلاح الفقهاء:
تنوعت تعريفات القاعدة عند الفقهاء ويلي ذكر بعض تلك التعريفات مع بيان ما يرد عليها بالإيجاز:
1.تعريف أبي عبد الله المقري المالكي(2): "كل كلي أخص من الأصول وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من العقود وجملة الضوابط الفقهية الخاصة"(3).
ويرد على هذا التعريف:
- فيه إبهام وتعميم لا يحسن أن يكون في الحدود.
- لا يعرف القاعدة الفقهية بمعناها الواسع الذي يشمل القواعد بأقسامها ومراتبها.
- هذا القدر المتوسط الذي وصف به المقري القاعدة الفقهية لا يمكن قياسه بمقياس محدد متفق عليه حتى تستقل به القاعدة الفقهية عن الأصول العامة والضوابط الخاصة(4).
__________
(1) ينظر: التوضيح شرح التنقيح، (1/18)، وغيره من كتب الأصول، فهذا أشهر تعريفات الفقه.
(2) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر، القرشي التلمساني، الشهير بالمقري, باحث، من الفقهاء الأدباء المتصوفين, من علماء المالكية, وفاته سنة 758?. من مصنفاته: القواعد, والحقائق والرقائق والتحف والطرف, وغيرها. ينظر: مقدمة المحقق لكتاب القواعد للمقري, والأعلام للزركلي, (7/37). ومعجم المؤلفين, (11/181).
(3) القواعد، (1/212).
(4) ينظر: القواعد الفقهية، الباحسين، ص (40-44)، ومحاضرات في القواعد الفقهي, صالح بن حميد، ص (17).(4/6)
2.تعريف الحموي(1): "حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها"(2).
ويرد على هذا التعريف:
- أنه وصف القاعدة بأنها حكم وكان أولى أن توصف بأنها قضية كما مر.
- ذكر في التعريف ما يعد ثمرة للقاعدة الفقهية وهو تعرف أحكام الجزئيات منها، وهذا ليس جزءا من حقيقة القاعدة فلا ينبغي ذكره في التعريف(3).
3.عرف الدكتور مصطفى الزرقا(4) القواعد بأنها "أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها"(5).
ويرد على هذا التعريف:
- فيه الألفاظ والمصطلحات التي لا تفيد في التعريف تحديدا وضبطا كقوله: "نصوص دستورية".
- قوله: "موجزة" في وصف النصوص الدستورية، فالقواعد وإن كانت موجزة في صياغتها لكن لا يذكر هذا اللفظ في التعريف لأنه ليس ركنا ولا شرطا(6).
__________
(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي المعروف بشهاب الدين، من علماء الحنفية, وتولى الإفتاء, توفي سنة: 1098 ?. من كتبه: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم، ونفحات القرب والاتصال, والدر النفيس, وغيرها كثير. ينظر: الأعلام للزركلي, (1/239), ومعجم المؤلفين, (2/93).
(2) غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر، (1/51).
(3) أورد هذا الاعتراض الشيخ الدكتور يعقوب الباحسين في كتابه القواعد الفقهية، ص (44-47).
(4) هو مصطفى أحمد الزرقا, عالم في الشريعة والقانون, وُلد بحلب عام 1322?، توفي عام 1420?. من أهم مؤلفاته: أحكام المرأة في الفقه الإسلامي، فقه المعاوضات، أحكام الوقف في الفقه الإسلامي، بحوث وفتاوى فقهية معاصرة، المدخل الفقهي العام، الاستصلاح. ينظر: مقدمة فتاوى مصطفى الزرقا, ص (21-36), ومنتديات التراث.
(5) المدخل الفقهي، مصطفى الزرقا, (2/947)، فقرة: (556).
(6) ينظر: القواعد الفقهية, الباحسين، ص (48-49)، ومحاضرات في القواعد الفقهية, صالح بن حميد، ص (20).(4/7)
4. عرف فضيلة الشيخ الدكتور يعقوب الباحسين, حفظه الله, القاعدة الفقهية بأنها: "قضية كلية شرعية عملية جزئياتها قضايا كلية شرعية عملية", أو "قضية كلية فقهية جزئياتها قضايا كلية فقهية." وأراد بقوله "جزئياتها قضايا كلية فقهية (شرعية عملية)" احتراز من القواعد القانونية والأحكام الفقهية الجزئية.(1)
ويرد على التعريفين:
- عدم إخراج الضابط الفقهي.
- يلزم عليه الدور لورود كلمة "فقهية" في الطرفين المعرف والمعرف به(2).
وهناك تعريفات أخرى لبعض المعاصرين لا تخلو عن المناقشة، وقل أن تجد تعريفا سلم من اعتراضات، لكن المقصود تقريب المعنى المراد إلى الأذهان.
ونلحظ في تعريفات أهل العلم للقاعدة الفقهية أن بعضهم وصفها بالكلية وبعضهم وصفها بالأغلبية أو الأكثرية، فمن نظر إلى ما يرد على القواعد من المستثنيات وصفها بالأكثرية ومن رأى أن القاعدة يجب أن تكون جامعة لكل فروعها التزم وصف الكلية، وما يذكر أنه مستثنى من القواعد اعتبره مما لم ينطبق عليه شرط القاعدة أو وجد مانع يمنع من دخوله تحت القاعدة فلا يعد من المستثنيات لعدم دخوله في القاعدة أصلا، وقالوا: "لو سلمنا بأن هناك مستثنيات فلا نسلم أنه يقدح في كلية القاعدة لأن تخلف بعض جزئيات من مقتضى الأمر الكلي لا يخرجه عن كونه كلياً إلاّ في الكليات العقلية"(3).
والمسلم عند الجميع أن القاعدة الفقهية لا تكون كلية إلاّ إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وقد جرت العادة ألاّ تذكر الشروط والموانع في نص القاعدة، فمن نظر إلى القاعدة مجردة عن الشروط والموانع جزم بكونها أغلبية، ومن راعى تلك الشروط والموانع وإن لم تذكر في نص القاعدة اعتبرها كلية.
__________
(1) القواعد الفقهية، الباحسين، ص (54).
(2) ينظر: محاضرات في القواعد الفقهية, صالح بن حميد، ص (22-23).
(3) ينظر: القواعد الفقهية، الباحسين، ص (46-47)، ومحاضرات في القواعد الفقهية، صالح بن حميد، ص (12-14).(4/8)
المطلب الثاني: أهمية القواعد الفقهية
نبه العلماء على أهمية القواعد الفقهية وحاجة الفقيه إليها، ومن ذلك ما يلي:
قال القرافي(1): "وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب"(2).
__________
(1) هو أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصهاجي الأصل، البهنسي، المشهور بالقرافي الملقب بشهاب الدين، فقيه، أصولي، مفسر، ومشارك في علوم أخرى. توفي سنة: 684?, ودفن بالقرافة. من تصانيفه: الذخيرة في الفقه، وشرح التهذيب، وشرح محصول فخر الدين الرازي، والتنقيح في أصول الفقه، وأنوار البروق في أنواع الفروع في أصول الفقه. ينظر: الديباج المذهب, ابن فرحون, (1/62), ومعجم المؤلفين, (1/158), والأعلام للزركلي, (1/95).
(2) الفروق, شهاب الدين القرافي, (1/2-3).(4/9)
وقال السيوطي(1). "اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر"(2).
وقال ابن رجب الحنبلي(3): "فهذه قواعد مهمة وفوائد جمة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب. وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد وتقرب عليه كل متباعد"(4).
وتحقق دراسة القواعد الفقهية جملة من الفوائد التي تبرز أهمية هذا العلم، ويمكن إجمالها فيما يلي:
-تضبط الفروع الفقهية وتجمع شتاتها تحت أصل واحد، وهذا يسهل إدراك الفروع وفهمها وحفظها وينسق بين الأحكام المتشابهة ويمنع التناقض الذي يقع فيه من لا يحسن إلا الجزئيات.
__________
(1) هو أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين, إمام حافظ مؤرخ أديب, له نحو 600 مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة. توفي سنة: 911?. من كتبه: الإتقان في علوم القرآن, الأشباه والنظائر, والاقتراح, وغيرها كثير. ينظر: شذرات الذهب, (10/75), والأعلام للزركلي, (3/301), ومعجم المؤلفين, (5/128).
(2) الأشباه والنظائر، ص (7).
(3) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد ابن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن رجب ولد سنة 706?, وتوفي سنة: 795?. من تصانيفه: الاستخراج لأحكام الخراج, وجامع العلوم والحكم, والذيل على طبقات الحنبلية لأبي يعلى, وشرح جامع الصحيح للترمذي, وفتح الباري في شرح الجامع الصحيح للبخاري, والقواعد الكبرى في الفروع, و غيرها. ينظر: شذرات الذهب, (8/396), والأعلام للزركلي, (3/295), ومعجم المؤلفين, (5/118).
(4) القواعد في الفقه الإسلامي، الحافظ ابن رجب, ص (2).(4/10)
-دراسة القواعد الفقهية تكون لدى الباحث ملكة فقهية مما يؤهله للنظر في المستجدات والنوازل.
-معرفة القواعد الفقهية تعين على فهم مقاصد الشريعة وأسرارها وأهدافها العامة.
-دراسة القواعد الفقهية تسهل على غير المتخصصين في علوم الشريعة اطلاع على الفقه بروحه ومضمونه بأيسر طريق.
-فهم القواعد والاشتغال بها يفيد في المقارنة بين المذاهب الفقهية وتوضح وجوه الاختلاف، وتفيد في تخريج الفروع على الأصول.
-دراسة القواعد الفقهية تظهر مدى استيعاب الفقه الإسلامي للأحكام، ومراعاته للحقوق والواجبات، وتكشف عن محاسن هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان(1).
المطلب الثالث: الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية.
تشبه القاعدة الفقهية القاعدة الأصولية لكون كل منهما قضية كلية متعلقة بالأحكام الشرعية، فالقاعدة الفقهية تفيد في معرفة أحكام أفعال المكلفين والقاعدة الأصولية تفيد في استنبات الأحكام من أدلتها، ويرتبط الفقه بالأصول ارتباطا وثيقا فلا يستغني الأصولي عن الفقه ولا الفقيه عن الأصول, ومع ذلك هما علمان مختلفان من حيث الموضوع والاستمداد والثمرة والغاية من دراسته, وكذلك تختلف قواعد هذين العلمين, ولعل الأول من فرق بينما الإمام القرافي في مقدمة كتابه "الفروق" حيث قال: "أما بعد, فإن الشريعة المعظمة المحمدية, زاد الله تعالى منارها شرفاً وعلواً, اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:
__________
(1) ينظر: القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي، محمد الزحيلي، ص (24-27)، مقدمة التحقيق لكتاب القواعد, المقري، تحقيق ابن حميد، (1/112-115)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، البورنو، ص (24-25)، الممتع في القواعد الفقهية، الدوسري، ص (61-63)، ومحاضرات في القواعد الفقهية، صالح بن حميد، ص (55-61).(4/11)
أحدهما المسمى بأصول الفقه, وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين.
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل، وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع.."(1).
وأبرز ما يميز بين النوعين ما يلي:
1.موضوع القاعدة الأصولية الأدلة الشرعية وأما القاعدة الفقهية فموضوعها فعل المكلف، وهذا أهم ما يفرق بين القاعدة الأصولية والفقهية وبقية الفروق متفرعة عنه في الجملة.
2.تستمد القاعدة الأصولية، في الغالب، من الألفاظ العربية، ولها العلاقة بدلالات الألفاظ، بينما تستمد القاعدة الفقهية من الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية المتشابهة، وتتعلق بالأحكام ذاتها.
3.القاعدة الأصولية سابقة في الوجود الذهني والواقعي على القاعدة الفقهية، لأن موضوع القاعدة الأصولية، وهو دليل من حيث استنباط الحكم منه، مقدم في الوجود على أحكام الفروع الفقهية التي تجمعها القاعدة الفقهية، والقاعدة الأصولية تستعمل ليتعرف بها المجتهد على الأحكام الفقهية بينما القاعدة الفقهية تضبط تلك الأحكام التي توصل إليها المجتهد باستعمال القاعدة الأصولية.
__________
(1) الفروق, شهاب الدين القرافي, (1/2-3).(4/12)
4.تستخرج أحكام الجزئيات الفقهية من القواعد الفقهية مباشرة، بينما القواعد الأصولية تستخرج منها أحكام الفروع بواسطة الدليل الشرعي، فمثلا: قاعدة الأمر يقتضي الوجوب لا تدل على وجوب الصلاة مباشرة وإنما بواسطة الدليل الشرعي كقول الله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } (1).
5.القواعد الأصولية إذا اتفق على مضمونها لا يستثنى منها شيء وهي قواعد كلية مطردة، بلا خلاف، بينما القواعد الفقهية وقع الخلاف في كونها كلية ولذلك صرح كثير من الفقهاء بأنها أغلبية أكثرية لا كلية مطردة(2).
المبحث الثاني: التعريف بقاعدة اليسير مغتفر.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى قاعدة اليسير مغتفر.
هذه القاعدة مكونة من لفظتين هما (اليسير) و(مغتفر) وفيما يلي بيان المعنى الإفرادي لهما ثم بيان المعنى الإجمالي للقاعدة وبم يعرف كون الشيء يسيرا وأشير إلى مواضع تطبيق القاعدة.
المعنى الإفرادي للقاعدة:
اليسير مشتق من اليسر، يطلق على انفتاح شيء وخفته وعلى عضو من الأعضاء(3). واليسر ضد العسر، وهو اللين والانقياد، وفي الحديث: "إن هذا الدين يسر"(4)، وأراد أنه سهل سمح قليل التشديد(5). واليسير: القليل والهين(6).
__________
(1) سورة البقرة، الآية (43).
(2) ينظر: القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي، محمد الزحيلي، ص (24-27)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، البورنو، ص (24-25)، الممتع في القواعد الفقهية، الدوسري، ص (61-63)، ومحاضرات في القواعد الفقهية، صالح بن حميد، ص (55-61).
(3) معجم مقاييس اللغة، (6/155), مادة (ي س ر).
(4) صحيح البخاري، ص (31), كتاب الإيمان، باب الدين يسر، رقم: (39).
(5) لسان العرب، (5/295)، مادة (ي س ر), وفيه بدل "سمح" لفظة "سمع".
(6) ينظر: لسان العرب، (5/295)، مادة (ي س ر), ومختار الصحاح، زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي, ص (636), والقاموس المحيط، الفيروز آبادي، (1/643).(4/13)
مغتفر: اسم مفعول من اغتفر بمعنى مغفور(1), أي مستور لأن أصل الغفر التغطية والستر، يقال: "غفر الله ذنوبه", أي سترها، وكل شيء سترته فقد غفرته. وتقول العرب: "اصبغ ثوبك بالسواد فهو أغفر لوسخه", أي أحمل له وأغطى له. والغفر والمغفرة: التغطية على الذنوب والعفو عنها(2).
المعنى الإجمالي للقاعدة:
إذا كان الشيء يسيراً حقيراً مما يتغابن الناس بمثله ولا يسلمون منه غالباً فإنه مغفور ومعفو عنه ولا يلتفت إليه وإنما يتجاوز عنه ويتسامح فيه ولا يعامل معاملة الكثير والعبرة بالأغلب واليسير في حكم المعدوم, "والحكم إذا تعلق بمتعدد ووجد أكثر هذا المتعدد فإن الحكم ينطبق على الكل"(3).
وهذا المعنى فهمه الفقهاء، ومن أمثلة على ذلك قولهم في السلم في الحيوان:
"والتفاوت بعد ذلك يسير وهو مغتفر بالإجماع وإلا لم يصح سلم أصلا، فإن الغائب لو بلغ في تعريفه النهاية لا بد من تفاوت بينه وبين المرئي، فإن بين جيد وجيد من الحنطة تفاوتا لا يخفى وإن صدق اسم الجودة على كل منهما، وكذا بين ثوب ديباج أحمر وثوب ديباج أحمر فعلم أن التفاوت اليسير مغتفر شرعا فصار الحيوان كالثياب والمكيل..(4).
مرادفات قاعدة اليسير مغتفر:
أفصح الفقهاء عن هذا المفهوم بعبارات مختلفة، ومن ذلك ما يلي:
-"العمل اليسير معفو عنه"(5).
__________
(1) جاء في تاج العروس: " اغتفر ذنبه: مثل غفر", (13/254).
(2) ينظر: لسان العرب، (5/25)، مادة (غ ف ر), ومختار الصحاح, ص (417), وتاج العروس, (13/254 وما بعدها).
(3) موسوعة القواعد الفقهية, محمد صدقي البورنو, (2/254), ذكر هذا المعنى عند شرح قاعدة "الأكثر يقوم مقام الكل" وقواعد أخرى تفيد هذا المعنى.
(4) فتح القدير, ابن همام، (7/76).
(5) ينظر أحكام القرآن للجصاص، (3/246), قال ذلك عند بيان حكم العمل اليسير في الصلاة أخذا من قول الله تعالى: "وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم".(4/14)
-"اليسير تجري المسامحة فيه"(1).
-"الشيء اليسير الذي لا ينضبط، لا يلتفت إليه"(2).
-"اليسير معفو عنه في كثير من الأحكام"(3).
-"اليسير معفو عنه"(4).
-وجاء في مجلة الأحكام: "كما يصح للوكيل بشراء شيء بدون بيان قيمته أن يشتري ذلك الشيء بقيمة مثله كذلك يصح له أن يشتريه بغبن يسير.."(5).
بم يعرف كون الشيء يسيرا؟
اليسير في كل شيء بحسبه، والمرجع في ذلك إلى العرف، فما عده العرف يسيرًا فهو يسير وما عده فاحشاً فهو فاحش، لأن ما لم يرد الشرع بتحديده فإنه يحدد بالعرف كما قال العلماء: "إن العادة تحكم فيما لا ضبط له شرعاً"(6)، وجاء في الإنصاف: "قدر اليسير ما عُدّ يسيراً عرفاً، على الصحيح من المذهب"(7). وهذا ضابط إجمالي ويأتي بيان تفصيلي لليسير الذي يغتفر في كل مسألة على الحدة, إن دعت الحاجة إلى ذلك.
__________
(1) المغني، ابن قدامة, (13/133).
(2) المبدع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق, (4/171).
(3) المعيار للونشريسي (5/137)، نقلا من"جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية"، الندوي، (1/496).
(4) تأسيس النظر, الدبوسي، ص (62).…
(5) درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر، (3/609)، المادة (1482)، وذُكرت جملة من هذه العبارات في "جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية، الندوي، (1/496), وموسوعة القواعد الفقهية, محمد صدقي البورنو, (2/254).
(6) المنثور في القواعد، الزركشي, (2/356).
(7) الإنصاف, المرداوي, (1/456).(4/15)
ولتمام فهم القاعدة ومعرفة اليسير الذي يغتفر لا بد من إشارة إلى مواضع إعمال القاعدة؛ لأن هناك أدلةً تدل على اعتبار اليسير وعدم التسامح فيه، كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"(1), فلا يجوز لأحد أن يعمد إلى شيء يسير من الخمر ليشربه من غير الضرورة، ولا يقال هذا يسير مغتفر، فأفاد ذلك أن اليسير لا يغتفر على الإطلاق وإنما يعفى عنه في حالات معينة، وفيما يلي بيان لتلك الحالات:
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو بن عاص، ص (470), رقم: (6558), وأبو داود، ص (407), كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، رقم: (3681)، والترمذي، ص (316), كتاب الأشربة، باب: ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام، رقم: (1865)، وأخرجه النسائي، ص (567), كتاب الأشربة, باب: تحريم كل شراب أسكر كثيره، رقم: (5607)، وابن ماجة، ص (368), كتاب الأشربة، باب: ما أسكر كثيره فقليله حرام، رقم: (3393). وقال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من حديث جابر، وقال ابن حجر: "رجاله ثقاة", وذكر له شواهد كثيرة. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير, كتاب حد شارب الخمر, (4/73).(4/16)
أولا: اليسير الذي يشق التحرز منه، كالعفو عن يسير النجاسة بعد الاستجمار لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه"(1). وجاء في عون المعبود: "فالحاصل أن الاستطابة بالأحجار تكفي عن الماء وإن بقي أثر النجاسة بعدما زالت عين النجاسة، وذلك رخصة"(2). وإلى غير ذلك مما يعفى عنه دفعاً للحرج والمشقة كيسير الغرر ويسير الغبن ونحوه.
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه، ص (29), كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة، رقم: (40)، والدارمي في سننه، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، رقم: 668. من حديث عائشة رضي الله عنها, وذكر ابن حجر تصحيح الدارقطني لهذا الحديث في العلل. التلخيص الحبير, كتاب الطهارة, باب الاستنجاء, (1/109).
(2) عون المعبود, (1/41).(4/17)
ثانيا: ما لا أثر له لكونه مستهلكاً في غيره؛ كإنفحة(1) الميتة التي يصنع بها الجبن، وقد أكل الصحابة من جبن فارس وأباح النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ روى ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة رأى جبنة فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا طعام يصنع بأرض العجم! قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم الله وكلوا!"(2). ولا ينعقد الجبن إلا بإنفحة, ومعلوم أن ذبائح المجوس ميتة وقد أباح عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أكله مع العلم أنه من صنع
__________
(1) الإنفحة هي الكرش ولا تكون الإنفحة إلا لكل ذي كرش, وهو شيء يستخرج من بطنه, أصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن, ولا يسمى إنفحة إلا وهو رضيع فإذا رعى قيل استكرش أي صارت إنفحته كرشا. ينظر: تهذيب اللغة, (5/73), أبواب (الحاء والنون), ولسان العرب, (2/624), مادة (ن ف ح), وقيل في تعريف الإنفحة: "مادة بيضاء صفراوية في وعاء جلدي، يستخرج من بطن الجدي أو الحمل الرضيع، يوضع منها قليل في اللبن الحليب فينعقد ويتكاثف ويصير جبنا، يسميها الناس في بعض البلدان مجبنة". الموسوعة الفقهية, (5/155).
(2) سنن البيهقي الكبرى (10/6)، باب أكل الجبن رقم: (19469)، وله الشاهد من حديث ابن عمر, رضي الله عنهما, عند أبي داود, ص (420), كتاب الأطعمة, باب أكل الجبن, رقم: (3819), ونصه: "حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا إبراهيم بن عيينة عن عمرو بن منصور عن الشعبي عن ابن عمر قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع". وقال المنذري: "قال أبو حاتم الرازي: الشعبي لم يسمع من ابن عمر, وذكر غير واحد أنه سمع من ابن عمر رضي الله عنهما". عون المعبود, (8/333), وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعليقاً على رواية أبي داود: "حسن الإسناد", ينظر: صحيح سنن أبي داود, محمد ناصر الدين الألباني, (2/451).(4/18)
أهل فارس وكانوا إذ ذاك مجوساً.
ثالثا: ما دلت النصوص على إباحته للحاجة؛ ومثاله ما سبقت الإشارة إليه من أن قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلةً من فضة(1), وهو دليل على جواز تضبيب الآنية بالفضة للحاجة, ويشترط ألاّ يباشر الشارب موضع الفضة(2).
المطلب الثاني: أصل قاعدة اليسير مغتفر.
هذه القاعدة تدخل في جملة القواعد التابعة لقاعدة كبرى: "المشقة تجلب التيسير" لأن اعتبار اليسير وعدم التسامح فيه يؤدي إلى المشقة ووقوع الناس في ضيق وحرج، لذا يعلّل الفقهاء الاغتفار في الأشياء اليسيرة بالمشقة والحرج وحاجة الناس إلى ذلك، كتعليلهم إباحة تملك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شيء يسير من القرآن وكذلك الدور التي كتب على سقفها شيء من القرآن، ومن ذلك ما جاء في نهاية المهتاج: "(ولا يصح شراء) يعني تملك (الكافر) ولو مرتداً لنفسه أو لمثله بنفسه أو بوكيله ولو مسلماً (المصحف) يعني ما فيه قرآن وإن قلّ ولو كان في ضمن نحو تفسير أو علم فيما يظهر. نعم يتسامح بتملك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شيء من القرآن للحاجة إلى ذلك، ويلحق بها فيما يظهر ما عمت به البلوى أيضا من شراء أهل الذمة الدور وقد كتب في سقفها شيء من القرآن فيكون مغتفرا للمسامحة به غالبا إذ لا يقصد به القرآنية كما وسموا نعم الجزية بذكر الله مع أنها تتمرغ في النجاسة"(3).
ولدخول قاعدة اليسير مغتفر تحت قاعدة المشقة تجلب التيسير سأذكر أولاً أدلة القاعدة الكبرى ثم أورد الأدلة الخاصة بقاعدة اليسير مغتفر.
أدلة قاعدة المشقة تجلب التيسير:
من الكتاب الكريم:
__________
(1) سبق تخريجه, ص (26).
(2) ينظر: فتح الباري, ابن حجر العسقلاني, (10/104).
(3) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج, شهاب الدين الرملي، (3/388).(4/19)
-قول الله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (1).
- { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } (2).
- { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ ltچym مِنْ } (3).
- { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (4).
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن الله تعالى لم يكلف عباده بما لا يطيقون ولم يلزمهم بشيء يشق عليهم مشقة غير معتادة، قال ابن كثير(5) في تفسير هذه الآية الأخيرة: "أي, لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة"(6).
من السنة الشريفة:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا"(7).
__________
(1) سورة البقرة, الآية (185).
(2) سورة البقرة, الآية (286).
(3) سورة الحج، الآية (78).
(4) سورة المائدة، الآية (6).
(5) هو أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي ثم الدمشقي، عماد الدين, حافظ مؤرخ فقيه, ورحل في طلب العلم, وتوفي بدمشق, سنة: 774?. من كتبه: البداية والنهاية, وشرح صحيح البخاري ولم يكمله، وطبقات الفقهاء الشافعية, وتفسير القرآن العظيم, وغيرها. ينظر: الدرر الكامنة, (1/445), والأعلام للزركلي, (1/320), ومعجم المؤلفين, (2/283).
(6) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير, (2/42).
(7) أخرجه البخاري, في صحيحه, ص (39) ، كتاب العلم، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم، رقم: (69),
-ومسلم في صحيحه, ص (721), كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، رقم: (1732).(4/20)
-ما روى أبو هريرة(1) - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الدين يسر ولن يشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة(2) وشيء من الدلجة(3)"(4). قال ابن حجر(5) عند شرحه لهذا الحديث: "وقد
__________
(1) صحابي جليل, عبد الرحمن بن صخر الدوسي, هو مشهور بكنيته وهذا أشهر ما قيل في اسمه واسم أبيه إذ قال النووي: إنه أصح, وقد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً, وذكر أبو محمد بن حزم أن مسند بقي بن مخلد احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف وثلاثمائة حديث وكسر. توفي أبو هريرة - رضي الله عنه - سنة: 57هـ, وقيل غير ذلك. الإصابة في تمييز الصحابة, أحمد بن علي بن حجر, (7/425), وسير أعلام النبلاء, (2/578).
(2) الغدوة بالفتح سير أول النهار، والروحة بالفتح السير بعد الزوال. ينظر: فتح الباري، ابن حجر, (1/118).
(3) الدلجة بضم أوله وفتحه وإسكان اللام سير آخر الليل وقيل سير الليل كله، ينظر المرجع السابق, (1/118). أخرجه البخاري, في صحيحه, ص (31)، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، رقم: (39), واللفظ له, ومسلم في صحيحه, ص (721), كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، رقم: (1732).
(4) أخرجه البخاري, في صحيحه, ص (31) ، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، رقم: (39).
(5) هو أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد الكناني، العسقلاني، المصري المولد، والمنشأ والدار، والوفاة، الشافعي، ويعرف بابن حجر, محدث، مؤرخ، أديب، شاعر. زادت تصانيفه التي معظمها في الحديث، والتاريخ، والأدب، والفقه، على مائة وخمسين مصنفاً. وتوفي عام: 852?. من مؤلفاته: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الإصابة في تمييز الصحابة، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ولسان الميزان وغيرها. ينظر: شذرات الذهب, (9/395), ومعجم المؤلفين, (2/20), والأعلام للزركلي, (1/178).(4/21)
يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر(1).
-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"(2). وفيه بيان ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرفق بأمته(3).
__________
(1) فتح الباري، ابن حجر, (1/117).
(2) أخرجه البخاري, في صحيحه، ص (178), كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، رقم: (887)، ومسلم في صحيحه, ص (127), كتاب الطهارة، باب السواك، رقم: (252).
(3) ينظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/136).(4/22)
-ثبت عن معاذ بن جبل(1) - رضي الله عنه - أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة فقرأ بهم البقرة, قال فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذا فقال: "إنه منافق"، فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا(2) وإن معاذا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوزت فزعم أني منافق, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا معاذ أفتان أنت؟ - ثلاثا - اقرأ والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها"(3).
وهناك أحاديث كثيرة تبين أن هذه الشريعة السمحة جاءت برفع الحرج والمشقة عن هذه الأمة(4)، ومشروعية الرخص تدل دلالة واضحة على إرادة التيسير وهذا أمر لا ينازع فيه، والأدلة على سماحة الشريعة أكثر من أن تحصر؛ لأن أحكام الشريعة كلها مبنية على التيسير ومصالح العباد.
__________
(1) هو أبو عبد الرحمن بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي الأنصاري الخزرجي, صحابي جليل والإمام المقدم في علم الحلال والحرام وشهد المشاهد كلها, وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - اليمن, وروى أحاديث كثيرة, وعده أنس بن مالك فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت وفاته بالطاعون في الشام سنة سبع عشرة أو التي بعدها وهو قول الأكثر. وعاش أربعاً وثلاثين سنة. وقيل غير ذلك. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة, (6/136), وسير أعلام النبلاء, (1/443).
(2) نواضح: هي الإبل التي يستقى عليها, جمع ناضح، وأراد إنه من أصحاب عمل وتعب فلا يستطيع تطويل الصلاة. ينظر شرح النووي على صحيح مسلم, (4/405).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، ص (1178), كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا، رقم: (6106)، ومسلم في صحيحه, ص (196), كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، رقم: (465).
(4) ينظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية, صالح بن عبد الله بن حميد، (63-112).(4/23)
أدلة قاعدة اليسير مغتفر:
هي جملة من الأدلة التي يفهم منها تجاوز عن شيء يسير وإن كان من جنس ما يحرم كثيره، ومن ذلك ما يلي:
-قول الله تعالى: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ uژبµ¯"6x. الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا zNuH©>9$ } (1), واللمم هي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه(2)، وقد وعد الله بالتجاوز عنها حيث قال: { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } (3), وهي يسيرة بالنسبة إلى الكبائر فكانت مغتفرة ما لم يصر عليها صاحبها فتصبح من الكبائر لإصراره عليها.
-قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } (4), المراد بالصلاة التي نهى الله الجنبَ عن قربانها هو مواضع الصلاة وحذف المضاف كما في قول الله تعالى: { ôMtBدd‰çl; صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ } (5), فسمى مواضع الصلاة صلاة، ويدل على هذا التأويل قول الله تعالى: { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } (6), وهذا يقتضي جواز العبور للجنب في المسجد لا الصلاة فيه(7). وأبيح للجنب أن يمر بالمسجد مع النهي عن المكث فيه، وقد يفيد هذا اغتفار شيء يسير، والله أعلم(8).
__________
(1) سورة, النجم، الآية (32).
(2) ينظر: تفسير القرطبي، الجامع لأحكام القرآن, (17/106).
(3) سورة, النجم، الآية (32).
(4) سورة النساء، الآية (43).
(5) سورة الحج، الآية (40).
(6) سورة النساء، الآية (43).
(7) تفسير القرطبي، (5/202), وقيل في تفسير عابر سبيل: مسافر.
(8) ينظر: التطبيقات الفقهية لقاعدة اليسير مغتفر في الطهارة والصلاة، عبد الرحمن بن أحمد الجاسر.(4/24)
-عن أنس بن مالك(1) - رضي الله عنهم - "أن قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة"(2). وجه الدلالة: استعمال آنية الذهب والفضة للأكل أو الشرب حرام، كما دل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث متفق عليه: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"(3), فهذا المنع يقتضي تحريم استعمال آنية الذهب والفضة، ولما كان مكان الشعب شيئاً يسيراً اغتفر فيه وجاز ملؤه بالفضة فلا يقال لهذا القدح الذي أُصلح بشيء يسير من الفضة إنّه آنية من الفضة لأن اليسير لا عبرة به.
__________
(1) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام أبو حمزة الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد المكثرين من الرواية عنه ودعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت إقامته بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ثم شهد الفتوح ثم قطن البصرة ومات بها سنة إحدى وتسعين وقيل غير ذلك, وكان آخر الصحابة موتاً بالبصرة. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة, (1/126), وسير أعلام النبلاء, (3/395).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه، ص (594), كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم: (3109).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، ص (1107), كتاب الأشربة، باب آنية الفضة، رقم: (5633)، ومسلم في صحيحه, (857), كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال، رقم: (2067).(4/25)
-خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالجابية فقال: "نهى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع"(1). وعن ابن عباس(2) رضي الله عنهما قال: "إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت(3) من الحرير فأما العلم من الحرير وسدى(4) الثوب فلا بأس به"(5)
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، ص (1139), كتاب اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز، رقم: (5828)، ولفظه: "حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا قتادة قال سمعت أبا عثمان النهدي أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا وأشار بإصبعيه اللتين تليان الإبهام قال فيما علمنا أنه يعني الأعلام." ومسلم في صحيحه, (860), كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال، رقم: (2069).
(2) هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو العباس ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, دعا له رسول الله بالفقه في الدين فعرف بوفرة علمه وفقهه, توفي بالطائف بعد أن كف بصره سنة: 68?. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة, (4/141), وسير أعلام النبلاء, (3/331-359).
(3) الثوب المصمت هو الذي جميعه حرير لا يخالطه قطن ولا غيره، ينظر: عون المعبود, محمد شمس الحق العظيم آبادي, (11/70).
(4) سدى الثوب خلاف اللحمة وهي التي تنسج من العرض وذاك من الطول، ينظر المرجع السابق: (11/70).
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسنده, من مسند بني هاشم, مسند عبد الله بن العباس، ص (239), رقم: (2857), وأبو داود في سننه، ص (444), كتاب اللباس، باب الرخصة في العلم وخيط الحرير، رقم: (4055)، واللفظ له. قال المنذري: "في إسناده خصيف بن عبد الرحمن وقد ضعفه غير واحد". عون المعبود, محمد شمس الحق العظيم آبادي, (11/70), وقال الألباني, رحمه الله: "وخصيف ضعيف لسوء حفظه, لكنه لم يتفرد به ففال الإمام أحمد: ثنا محمد بن بكر ثنا ابن جريج: أخبرني عكرمة بن خالد عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: "إنما نهى رسول الله عن الثوب المصمت حريرا", وهذا سند صحيح على شرط الشيخين". إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل, محمد ناصر الدين الألباني, (1/310).(4/26)
. لبس الحرير حرام على الذكور ولكن يتسامح في شيء يسير كقدر أربعة أصابع أو العلم أو السدى كما أفادت هذه الأحاديث.
-عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن خولة بنت يسار(1), رضي الله عنها, أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "يا رسول الله إنه ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره"(2). والمراد بالأثر ما تعسر إزالته من الدم(3), وهو يسير فاغتفر.
-قال ابن حزم(4) في مراتب الإجماع: "واتفقوا أن بيع كل ما له قشر واحد يفسد إذا فارق، جائز في قشره، كالبيض وغيره"(5). وبيع هذه الأشياء في قشرها مشتمل على غرر إلا أن هذا الغرر يسير فاغتفر.
المطلب الثالث: القواعد الأخرى التي لها صلة بقاعدة اليسير مغتفر.
هناك جملة من القواعد لها علاقة وثيقة بقاعدة اليسير مغتفر ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
__________
(1) لها ذكر في هذا الحديث وفي حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وقيل هي خولة بنت اليمان لأن إسناد حديثهما واحد, ورد ابن حجر هذا الاحتمال. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة, (7/627).
(2) أخرجه أحمد، باقي مسند المكثرين، ص (618), رقم: (8752)، وأبو داود في سننه، ص (64), كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها، رقم: (365). وقال ابن حجر: "في إسناده ضعف وله شاهد مرسل ذكره البيهقي." فتح الباري, (1/399).
(3) عون المعبود, (2/20).
(4) هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، مولى يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي. توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. من مؤلفاته: الإحكام لأصول الأحكام, والفصل في الملل في الأهواء والنِّحل, والمحلى, وغيرها كثير. ينظر: وفيات الأعيان, (3/328), وسير أعلام النبلاء, (18/184).
(5) مراتب الإجماع, ابن حزم، ص (153).(4/27)
القسم الأول: قواعد أعم من قاعدة اليسير مغتفر كقاعدة "المشقة تجلب التيسير".
وقد سبقت الإشارة إلى أن قاعدة "اليسير مغتفر" مندرجة تحت هذه القاعدة وذلك لأن اعتبار اليسير وعدم التسامح فيه يؤدي إلى المشقة حيث يصعب التحرز منه في أغلب الأمور.
القسم الثاني: قواعد أخص من قاعدة اليسير مغتفر لكونها تنصّ على جنس معين مما لا يتسامح في كثيره وإن كان يسيره مغتفراً، ومنها:
-"الغرر الكثير يفسد العقود دون يسيره"(1).
والمراد بالغرر ما يكون مستورة العاقبة(2), وهذه القاعدة أخص من قاعدة اليسير مغتفر لأنها خاصة بالغرر بينما قاعدة اليسير مغتفر تشمل الغرر وغيره مما يتسامح فيه لكونه يسيرا.
-"العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفواً"(3).
هذه قاعدة صيغتها ناطقة بمدلولها، وهي أخص من قاعدة اليسير مغتفر لاختصاصها بالعيب.
-"الزيادة اليسيرة على ثمن المثل لا أثر لها"(4).
وهي أخص من قاعدة اليسير مغتفر لأنها خاصة بالزيادة اليسيرة على ثمن المثل فهي ناطقة بالعفو عن الغبن اليسير، بينما قاعدة اليسير مغتفر تشمل الغبن وغيره مما لا يتسامح فيه لو كان كثيراً.
القسم الثالث: قواعد قريبة المعنى من قاعدة اليسير مغتفر، ومنها:
__________
(1) المنتقى شرح موطأ الإمام مالك, الإمام الباجي، (4/204).
(2) ينظر: المبسوط, شمس الأئمة السرخسي، (12/194)، والغرر في العقود وآثاره في التطبيقات المعاصرة, الدكتور محمد الأمين الضرير، ص (34).
(3) الهداية، ابن همام, (4/73), والمغني، ابن قدامة, (14/117)، وعبارة ابن قدامة: "فإن العيب لا يمكن التحرز منه". وينظر: جمهرة القواعد، ص (497).
(4) المنثور في القواعد الفقهية، (2/184).(4/28)
-قاعدة "معظم الشيء يقوم مقام كله"(1), وما في معناها كقاعدة "للأكثر حكم الكل"(2)، وقاعدة "الأكثر يقوم مقام الكل"(3), ذلك لأن مقتضى اغتفار اليسير وإهداره أن تكون العبرة للمعظم أو الأكثر.
-قاعدة "ما لا يمكن الاحتراز عنه فهو عفو"(4)، واليسير لا يمكن التحرز عنه ولا يستطاع الامتناع منه في أغلب الأحيان فكان عفوا.
المبحث الثالث: التعريف بالبيوع.
البيع في اللغة:
البيوع جمع البيع، يقال: باع الشيء يبيعه بيعاً ومبيعاً؛ شراه وهو شاذ وقياسه مباعاً وباعه أيضا اشتراه فهو من الأضداد(5). وجاء في الحديث: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يبيع على بيع أخيه"(6), أي لا يشترِ على شراء أخيه فإنما وقع النهي على المشتري لا على البائع(7). ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع ولكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة. والبيع: مبادلة مال بمال(8), أو: مقابلة شيء بشيء مالا كان أو لا، بدليل قول الله تعالى: { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } (9).
__________
(1) المنثور في القواعد، (3/183).
(2) المبسوط, السرخسي, (2/54, 3/39), وجمهرة القواعد، ص (463).
(3) المبسوط, السرخسي, (1/63, و1/107, و4/45)
(4) المرجع السابق, (2/139).
(5) ينظر: لسان العرب, (8/23), مادة (ب ي ع), ومختار الصحاح, ص (75).
(6) أخرجه البخاري، ص (402), كتاب البيوع، باب: لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه، رقم: (2140)، ومسلم، ص (615), كتاب البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سوم أخيه، رقم: (1515).
(7) ينظر: لسان العرب, (8/23), مادة (ب ي ع), ومختار الصحاح, ص (75).
(8) ينظر: المصباح المنير, (1/69), مادة (ب ي ع).
(9) سورة يوسف، الآية (20)، وينظر: الدر المختار للحصكفي, شرح تنوير الأبصار, للتمرتاشي مع حاشية ابن عابدين, (4/502).(4/29)
واشتق البيع من الباع; لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للأخذ والإعطاء. ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه، أي يصافحه عند البيع; ولذلك سمي البيع صفقة(1).
البيع في الاصطلاح:
أورد الفقهاء عدة تعريفات للبيع, سأذكر تعريفاً واحداً من كل مذهب:
المذهب الحنفي: "مبادلة المال بالمال بالتراضي بطريق الاكتساب"(2).
والبيع في اللغة مبادلة المال بالمال فزيد القيد "بالتراضي" لثبوته شرعا في قوله تعالى: { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } (3), ويرى بعض الحنفية أن التراضي لا بد من زيادته حتى في التعريف اللغوي لأن الأخذ غصبا وإعطاء شيء آخر من غير تراض لا يقول فيه أهل اللغة باعه(4). وقيل لا ينبغ أن يزاد هذا القيد ليتناول بيع المكره فإنه منعقد وإن لم يلزم(5), وقد يصح البيع من غير الرضا كبيع القاضي على المفلس. وزيد القيد: "بطريق الاكتساب" لإخراج مبادلة رجلين مالهما بطريق الهبة بشرط العوض فإنه ليس ببيع ابتداء وإن كان في حكمه بقاء(6).
المذهب المالكي: "عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة"(7).
__________
(1) المغني, ابن قدامة, (6/5).
(2) شرح العناية على الهداية للبابرتي مع شرك فتح القدير على الهداية, ابن همام, (6/246).
(3) سورة النساء، الآية (29).
(4) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/2).
(5) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر, (3/4).
(6) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر, (3/4).
(7) ينظر: شرح حدود ابن عرفة, محمد بن قاسم الرصاع, (1/326).(4/30)
قوله "المعاوضة" أخرج الهبة والوصية، وقوله "على غير منافع" أخرج الإجارة، وقوله "ولا متعة لذة" أخرج النكاح لأنه عقد معاوضة على متعة لذة. وهذا تعريف للبيع بالمعنى الأعم؛ أي الشامل للسلم والصرف والمراطلة وهبة الثواب. وفي تعريفه بالمعنى الأخص يزاد على ما تقدم: "ذو مكايسة أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير العين فيه". فيخرج بقيد "ذو مكايسة" هبة الثواب والتولية والشركة والإقالة والأخذ بالشفعة؛ لأن معنى المكايسة: المغالبة، وهذه لا مغالبة فيها. وبقيد: "أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة" خرج الصرف والمراطلة. وبقيد: "معين غير العين فيه" خرج السلم؛ لأن غير العين في السلم هو المسلم فيه ومن شرطه كونه ديناً في الذمة(1).
المذهب الشافعي: "مقابلة مال بمال على وجه مخصوص"(2).
ويرد على هذا التعريف القرض والإجارة فإن الحد صادق عليهما وليسا ببيع، ولهذا زاد في المجموع تمليكاً، وقال: "مقابلة المال بمال أو نحوه تمليكاً"(3).
المذهب الحنبلي: "مبادلة عين أو منفعة مباحة مطلقا بأحدهما على التأبيد فيهما، بغير ربا ولا قرض"(4).
قوله "على التأبيد" متعلق بمبادلة، وخرج به الإجارة والإعارة في نظير الإعارة وإن لم تقيد بزمن؛ لأن العواري مردودة فلذلك لم يقل: للملك، وقوله "غير ربا وقرض" إخراج لهما فإن الربا محرم، والقرض وإن قصد فيه المبادلة، لكن المقصود الأعظم فيه: الإرفاق(5).
الخلاصة:
بعد إيراد تعريفات البيع في كل من المذاهب الأربعة يلحظ ما يلي:
__________
(1) حاشية الصاوي على الشرح الصغير, (3/12-13).
(2) مغني المحتاج, الشربيني, (2/2).
(3) المجموع شرح المهذب للشيرازي, الإمام النووي, (9/174).
(4) الإنصاف ،(4/260), وهذا التعريف هو اختيار المرداوي، وذكر أنه سلم من الاعتراضات.
(5) كشاف القناع, (3/146).(4/31)
-من الفقهاء من عرف البيع بمعناه العام الذي يشمل مبادلة مال بمال على أي وجه كان، وشمل البيع الصحيح والفاسد، ومنهم من قصد بتعريفه البيع الصحيح مميزاً له عن غيره من وجوه المبادلة كالإجارة والنكاح وهبة الثواب ونحو ذلك.
-ذكر بعض الفقهاء في تعريفهم للبيع بعض شروط البيع وهي تختلف من مذهب إلى آخر.
-المقصود بالبيع ظاهر ولكن احتاج الفقهاء إلى تعريفه تمييزاً له من غيره من وجوه المبادلة, كالإجارة والنكاح وهبة الثواب ونحو ذلك.(4/32)
الفصل الأول : تطبيقات القاعدة في باب شروط البيع
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الصيغة ومجلس العقد.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الفصل اليسير بين الإيجاب والقبول.
المطلب الثاني: اشتراط أن يكون البيع بالتعاطي في الأشياء اليسيرة.
المطلب الثالث: تأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد لزمن يسير.
المبحث الثاني: العاقدان.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء في الأشياء اليسيرة.
المطلب الثاني: الكلفة اليسيرة في التسليم.
المبحث الثالث: المبيع.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الجهالة في المبيع أو ثمنه.
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: بيع ما يكمن في الأرض.
الفرع الثاني: بيع الجزاف.
الفرع الثالث: البيع بسعر السوق.
المطلب الثاني: التغير اليسير في المبيع بعد رؤيته.
المبحث الأول: الصيغة ومجلس العقد.
وفيه ثلاثة مطالب:
توطئة:
اختلف الفقهاء في تحديد أركان البيع وغيره من العقود, هل هي الصيغة (الإيجاب والقبول) أو مجموع الصيغة والعاقدين (البائع والمشتري) والمعقود عليه (المبيع والثمن). فالجمهور يرون أن هذه كلها أركان البيع, لأن الركن عندهم: ما توقف عليه وجود الشيء وتصوره عقلا, سواء أكان جزءاً من حقيقته أم لم يكن, ويرى الحنفية أن الركن في عقد البيع وغيره: هو الصيغة فقط. أما العاقدان والمحل فمما يستلزمه وجود الصيغة لا من الأركان, لأن ما عدا الصيغة ليس جزءاً من حقيقة البيع, وإن كان يتوقف عليه وجوده(1).
ولكل من الصيغة والعاقدين والمعقود عليه شروط لا يتحقق الوجود الشرعي لأي منها إلا بتوافرها, لذا قسمت هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث كل منها يتعلق بركن من أركان البيع, وفق رؤية الجمهور, وسأشير إلى شروط كل ركن في أول المبحث.
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع, (5/133), وحاشية الصاوي على الشرح الصغير, (3/14), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/191), وشرح منتهى الإرادات, البهوتي, (2/5).(5/1)
وقبل عرض مسائل هذا المبحث أشير, بالإيجاز, إلى تعريف الصيغة ومجلس العقد.
تعريف الصيغة:
الصيغة في اللغة من الصوغ, يقال: صاغ الشيء يصوغه صوغاً وصياغةً, والجمع: صيغ، وفلان حسن الصيغة, أي حسن الخلقة, وصاغه الله صياغة حسنة, أي خلقه. وصيغة الأمر كذا وكذا, أي هيئته التي بني عليها(1).
ويمكن تعريف الصيغة اصطلاحاً بأنها: "الألفاظ والعبارات التي تعرب عن إرادة المتكلم ونوع تصرفه"(2).
تعريف مجلس العقد:
مجلس العقد مركب إضافي من لفظين هما: مجلس والعقد. والمجلس في اللغة: هو موضع الجلوس(3), وهو في الاصطلاح أوسع حيث لا يشترط أن يكن هناك جلوس.
أما العقد في اللغة فله معان كثيرة: منها الشد, والتوثيق والإحكام, والجمع بين أطراف الشيء وربطها, والعقد نقيض الحل(4). والعقد في الاصطلاح هو: "تعلق كل من الإيجاب والقبول بالآخر على وجه مشروع يظهر أثره في متعلقهما"(5).
ومجلس العقد في الاصطلاح هو "الاجتماع للعقد"(6).
المطلب الأول: الفصل اليسير بين الإيجاب والقبول.
تعريف الإيجاب والقبول:
الإيجاب لغة مصدر أوجب, بمعنى ألزم, ووجب البيع يجب وجوباً, أي: لزم وثبت(7).
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (8/ 442-443), مادة (ص و غ), ومختار الصحاح, ص (331), والمعجم الوسيط, إبراهيم مصطفى, أحمد حسن الزيات, حامد عبد القادر, محمد علي النجار, ص (528).
(2) الموسوعة الفقهية, (28/153).
(3) ينظر: لسان العرب, (6/39), مادة (ج ل س), ومختار الصحاح, ص (106), والمعجم الوسيط, ص (130).
(4) ينظر: لسان العرب, (3/296), مادة (ع ق د), والمصباح المنير, (2/421), والقاموس المحيط, الفيروز آبادي, (1/315),
(5) مجلة الأحكام العدلية, (1/361), مادة (103), و(104).
(6) الموسوعة الفقهية, (36/144).
(7) لسان العرب, (1/793), مادة (و ج ب), ومختار الصحاح, ص (608), والمعجم الوسيط, ص (1012).(5/2)
والقبول في اللغة من قبل الشيء قبولا, إذا رضيه, وقبول الشيء محبته والرضا به وميل النفس إليه(1).
وفي الاصطلاح عرف الإيجاب بأنه: "ما صدر أولاً من أحد العاقدين بصيغة صالحة لإفادة العقد", والقبول: "ما صدر ثانياً من أي جانب كان", وهذا عند الحنفية(2), والإيجاب عند الجمهور: "ما صدر ممن يكون منه التمليك", كالبائع والمؤجر والزوجة أو وليها, سواء صدر أولاً أو آخراً, والقبول: "ما صدر ممن يصير له الملك", وإن صدر أولاً, فالمعتبر عندهم هو أن المملِّك هو الموجب والمتملك هو القابل, ولا اعتبار لما صدر أولاً أو آخراً(3).
شروط الصيغة:
الإيجاب والقبول يكونان الصيغة, ولتكون الصيغة صحيحة لا بد من توفر الشروط التالية:
-كون الصيغة بالماضي, أو بما يفيد إنشاء العقد في الحال(4).
-توافق الإيجاب والقبول, فلو خالف القبول الإيجاب لم ينعقد البيع(5).
-اتحاد المجلس, فلو تراخى القبول عن الإيجاب أو عكسه صح المتقدم منهما, ولم يلغَ ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا(6).
-عدم الهزل في الإيجاب أو القبول(7).
-يشترط لبقاء الإيجاب صالحاً: عدم رجوع الموجب, وعدم وفاته قبل القبول, وعدم هلاك المعقود عليه. ويشترط ألا يطرأ قبل القبول تغيير على المعقود عليه بحيث يصير مسمى آخر غير المتعاقد عليه, كتحول العصير خلا(8).
صورة المسألة ومحل النزاع:
__________
(1) لسان العرب, (11/534), مادة (ق ب ل), والمعجم الوسيط, ص (712).
(2) ينظر: حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, الزيلعي, (4/3).
(3) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج, (3/376), والموسوعة الفقهية, (7/203 و30/202).
(4) بدائع الصنائع, (5/133).
(5) المرجع السابق, (5/133), وكشاف القناع, (3/146).
(6) فتح القدير, ابن همام, (6/254), وينظر: مواهب الجليل, (4/228), والإنصاف, (4/264).
(7) بدائع الصنائع, (7/184).
(8) بدائع الصنائع, (5/133), والموسوعة الفقهية, (9/11).(5/3)
يشترط لصحة الصيغة: اتحاد المجلس؛ بمعنى أن يكون القبول متصلاً بالإيجاب بحيث يصدران في مجلس واحد قبل تفرق العاقدين بأبدانهما, وألا يشتغل أحدهما بعمل غير ما عقد له المجلس, أو بما هو دليل الإعراض عن العقد, فإذا أجاب المشتري في المجلس بما يقتضي الإمضاء والقبول من غير فاصل لزمه البيع اتفاقاً, وإن تراخى القبول عن الإيجاب حتى ينقضي المجلس لم يلزمه البيع اتفاقاً, وكذا لو حصل فاصل يقتضي الإعراض عما كانا فيه حتى لا يكون كلامه جواباً للكلام السابق في العرف لم ينعقد البيع(1).
فهل يصح العقد إذا تراخى القبول عن الإيجاب مع اتحاد المجلس؟
أقوال العلماء:
القول الأول: لا يضر الفصل بين الإيجاب والقبول مع اتحاد المجلس ما لم يشعر بإعراض عن الإيجاب.
وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية(2), والمالكية(3), والحنابلة(4).
جاء في فتح القدير: "وله أن يقبل ما دام المجلس قائماً فإن لم يقبل حتى اختلف المجلس لا ينعقد, واختلافه بما يدل على الإعراض من الاشتغال بعمل آخر ونحوه"(5).
__________
(1) مواهب الجليل, (4/240).
(2) ينظر: بدائع الصنائع, الكاساني, (5/133), وشرح فتح القدير, ابن همام, (6/254), والبحر الرائق شرح كنز الدقائق, ابن نجيم, (5/326).
(3) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, الباجي, (5/55), ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل, الحطاب, (4/228), وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير, (3/5).
(4) ينظر: الإنصاف, المرداوي, (4/264), وكشاف القناع عن متن الإقناع, البهوتي, (3/147-148), وشرح منتهى الإرادات, البهوتي, (2/6).
(5) فتح القدير, ابن همام, (6/254), وينظر: مواهب الجليل, (4/228).(5/4)
وفي حاشية الدسوقي(1): "لا يضر في البيع الفصل بين الإيجاب والقبول إلا أن يخرجا عن البيع لغيره عرفا"(2).
وفي الإنصاف: "وإن تراخى القبول عن الإيجاب: صح, ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه"(3).
القول الثاني: يُشترط ألا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول فلو طال الفصل لم ينعقد البيع وإن كان المجلس قائماً, وهذا مذهب الشافعية(4).
جاء في المجموع: "قال أصحابنا: يشترط لصحة البيع ونحوه أن لا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول, وأن لا يتخللهما أجنبي عن العقد, فإن طال أو تخلل لم ينعقد, سواء تفرقا من المجلس أو لا"(5). واستثنى الشافعية الفصل اليسير فلا يضر ولا يمنع من انعقاد البيع إلا من عالم عامد قصد به القطع(6).
أدلة القولين:
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي, عالم مشارك في الفقه والكلام والنحو والبلاغة والمنطق والهيئة والهندسة والتوقيت. توفي بالقاهرة سنة 1230هـ, له كتب، منها: "الحدود الفقهية" في فقه الإمام مالك، و"حاشية على مغني اللبيب", و"حاشية على السعد التفتازاني", وحاشية على الشرح الكبير على مختصر خليل". ينظر: الأعلام للزركلي, (6/17), ومعجم المؤلفين, (8/292).
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, (3/5).
(3) الإنصاف, (4/264).
(4) ينظر: حاشيتا قيلوبي وعميرة, (2/193), ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, (2/329), وتحفة المحتاج بشرح المنهاج, الهيتمي, (4/224), والمجموع شرح المهذب, (9/200).
(5) المجموع شرح المهذب, (9/200).
(6) المرجع السابق, (9/200), وينظر: حاشيتا قيلوبي وعميرة, (2/193).(5/5)
استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بأن العاقد يحتاج إلى التروي والفكر والتأمل فجعل ساعات المجلس كساعة واحدة إذ هو جامع للمتفرقات وبه يندفع الحرج, قال الله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (1).
واستدل الشافعية بأن الفصل الطويل مما يشعر بإعراض كما في الفاتحة؛ حيث تجب الموالاة فيها, فإن سكت طويلاً عمداً بحيث يزيد على سكتة الاستراحة استأنف القراءة لإشعار الطول بالإعراض عنها(2), وكذلك العقد؛ لا ينعقد إذا طال الفصل بين الإيجاب والقبول لإشعار الطول بالإعراض(3).
الترجيح:
الاختلاف في هذه المسألة راجع إلى اختلاف وجهات النظر في اعتبار الفصل الطويل مشعراً بإعراض عن العقد, ويظهر أن الفصل الطويل لا يدل دائماً على الإعراض حيث يحتاج العاقد إلى الفكر والتأمل, وبهذا يترجح قول الجمهور, والله أعلم.
وجه كون هذه المسألة تطبيقا للقاعدة:
لا فرق بين الفصل اليسير والطويل بين الإيجاب والقبول مع اتحاد المجلس عند الجمهور فلا تكون هذه المسألة من تطبيقات القاعدة على قولهم, بينما هي من تطبيقاتها على قول الشافعية لأنهم فرّقوا بين الفصل الطويل واليسير وصحّحوا العقد مع الفصل اليسير دون طويله؛ لأن اليسير مغتفر.
ضابط اليسير في هذه المسألة:
الفصل اليسير هو الذي لا يشعر بإعراض العاقد عن القبول(4).
المطلب الثاني: اشتراط أن يكون البيع بالتعاطي في الأشياء اليسيرة.
تعريف التعاطي:
__________
(1) سورة البقرة, الآية (185), وينظر: البحر الرائق (5/326).
(2) أسنى المطالب شرح روض الطالب, زكريا بن محمد الأنصاري, (1/151-152).
(3) ينظر: حاشيتا قيلوبي وعميرة, (2/193), ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, (2/5), وتحفة المحتاج بشرح المنهاج, الهيتمي, (4/224), والمجموع شرح المهذب, (9/200).
(4) حاشيتا قيلوبي وعميرة, (2/193).(5/6)
التعاطي لغة: مصدر تعاطى, من العطو, وهو بمعنى التناول, يقال: عطا بيده إلى الإناء تناوله, والمعاطاة بمعنى المناولة(1).
واصطلاحاً: المبادلة بالفعل, أي: أن يأخذ المشتري المبيع ويدفع للبائع الثمن, أو يدفع البائع المبيع فيدفع له الآخر الثمن, من غير تكلم ولا إشارة(2).
انعقاد البيع بالتعاطي:
لا خلاف بين العلماء في صحة البيع وانعقاده بالصيغة القولية, ولكن وقع الخلاف في انعقاد البيع بالتعاطي, وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز البيع بالتعاطي في الحقير والنفيس, وهو مذهب الحنفية(3), والمالكية(4) والحنابلة(5), وقول عند الشافعية(6).
القول الثاني: عدم جواز البيع بالتعاطي, وهذا مذهب الشافعية(7), وقول عند الحنابلة(8).
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (15/68), مادة (عطا), ومختار الصحاح, ص (387), والمعجم الوسيط, ص (609).
(2) ينظر: بدائع الصنائع, (5/134), والموسوعة الفقهية, (12/199).
(3) ينظر: بدائع الصنائع, (5/134), وتبيين الحقائق, الزيلعي, (4/4), والعناية, البابرتي, (6/252).
(4) ينظر: التاج والإكليل لمختصر خليل, محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري, (4/228), وحاشية الدسوقي, (3/3), ومنح الجليل شرح مختصر خليل, عليش, (4/434).
(5) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/7), والإنصاف, (4/266), وشرح غاية المنتهى, الرحيباني, (2/8).
(6) ينظر: المجموع شرح المهذب, (9/190), وأسنى المطالب, زكريا بن محمد الأنصاري, (2/3).
(7) ينظر: المجموع شرح المهذب, (9/190), وأسنى المطالب شرح روض الطالب, (2/3), ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج, الرملي, (3/376), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/192), والإنصاف, (4/266).
(8) ينظر: الإنصاف, (4/266).(5/7)
القول الثالث: جواز البيع بالتعاطي في المحقرات دون الأشياء النفيسة, وهو قول عند الحنفية(1), وقول ثالث عند الشافعية(2), وقول عند الحنابلة(3).
أدلة الأقوال:
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع, (5/134), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/4), والعناية, البابرتي, (6/252).
(2) ينظر: المجموع شرح المهذب, (9/190), ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج, الرملي, (3/375).
(3) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/7), وشرح غاية المنتهى, الرحيباني, (2/8).(5/8)
أدلة القول الأول: استدل لهم ابن قدامة(1) في المغني قائلا: "إن الله أحل البيع, ولم يبين كيفيته, فوجب الرجوع فيه إلى العرف, كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق. والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك. ولأن البيع كان موجوداً بينهم معلوماً عندهم, وإنما علّق الشرع عليه أحكاماً, وأبقاه على ما كان, فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم, ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه - مع كثرة وقوع البيع بينهم - استعمال الإيجاب والقبول, ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا. ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله, ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله; ولأن البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه - صلى الله عليه وسلم - بيانا عاما, ولم يخف حكمه; لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل, ولم ينقل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه. ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر. ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا, فكان ذلك إجماعا..ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي, فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما; لعدم التعبد فيه"(2).
__________
(1) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي أبو محمد موفق الدين, من أكبر الحنابلة وفقهائهم, وكان من بحور العلم وأذكياء العالم. توفي سنة: 620? في دمشق. له مؤلفات كثيرة, منها: المغني شرح مختصر الخرقي, وروضة الناظر في أصول الفقه، والبرهان في مسائل القرآن, وغير ذلك. ينظر: سير أعلام النبلاء, (22/165), وشذرات الذهب, (7/155), والأعلام للزركلي, (4/67).
(2) المغني, ابن قدامة, (6/8-9).(5/9)
أدلة القول الثاني: قالوا: إن المعاطاة لا ينعقد بها البيع, لأن اسم البيع لا يقع عليها, وقياساً على النكاح؛ فإنه لا ينعقد إلا باللفظ, وقياساً على العقار والنفائس(1).
أدلة القول الثالث: ينعقد البيع بالمعاطاة في شيء خسيس لجريان العادة ولا ينعقد في النفيس لعدمها(2).
الترجيح:
الأقرب من هذه الأقوال, والله أعلم, هو القول الأول; لما سبق من أدلته ولأن جواز البيع باعتبار الرضا لا بصورة اللفظ وقد وجد التراضي من الجانبين فوجب أن يجوز(3).
تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
تكون هذه المسألة من تطبيقات القاعدة عند من يرى عدم صحة البيع بالتعاطي في النفائس ويرى صحته في المحقرات؛ لأن الشيء الحقير مما يتسامح فيه ويغتفر, وليست من تطبيقات القاعدة على قول من يجيز البيع بالتعاطي في النفيس والحقير, وعلى قول من يمنعه فيهما إذ لا فرق عندهم بين الحقير والنفيس.
ضابط اليسير في هذه المسألة:
النفيس نصاب السرقة فصاعداً والخسيس ما دونه(4).
المطلب الثالث: تأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد لزمن يسير.
تعريف السلم:
السلم في اللغة بمعنى السلف, أسلم في الشيء سلّم وأسلف بمعنى واحد والاسم السَلَمُ, يقال أسلم وسَلَّم إذا أسلف وهو أن تعطي ذهباً وفضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلَّمته إليه(5). وسمي سلماً لتسليم رأس المال في المجلس, وسلفاً لتقديم رأس المال(6).
__________
(1) ينظر: المجموع شرح المهذب, (9/190), وما بعدها.
(2) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/4).
(3) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, الزيلعي, (4/3).
(4) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, الزيلعي, (4/3).
(5) ينظر: لسان العرب, (12/289), مادة (س ل م), ومختار الصحاح, ص (279), والمعجم الوسيط, ص (446).
(6) مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, (2/102).(5/10)
وأما السلم في الاصطلاح فقد اختلف الفقهاء في تعريفه تبعاً لاختلافهم في الشروط المعتبرة فيه, فهو عند الحنفية: "شراء آجل بعاجل"(1), ومن تعريفات المالكية: "عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين"(2), وهو عند الشافعية: "بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلف أو السلم"(3), وعرفه الحنابلة بأنه: "عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد"(4).
وهذه التعريفات متقاربة, وإذا أهملت الشروط المختلف فيها بين المذاهب يمكن القول بأن السلم عبارة عن بيع موصوف في الذمة ببدل عاجل.
تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد:
اختلف العلماء في اشتراط تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد على قولين:
القول الأول: من شروط صحة السلم تسليم رأس ماله في مجلس العقد, فلو تفرق العاقدان قبله بطل العقد, وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية(5), والشافعية(6), والحنابلة(7).
__________
(1) ينظر: رد المحتار على الدر المختار, (5/209), والبحر الرائق شرح كنز الدقائق, (6/168).
(2) شرح حدود ابن عرفة, محمد بن قاسم الرصاع, (2/395).
(3) نهاية المحتاج, (4/182), وتحفة المحتاج بشرح المنهاج, الهيتمي, (5/2).
(4) كشاف القناع عن متن الإقناع, (3/289).
(5) ينظر: المبسوط, السرخسي, (12/127), وبدائع الصنائع, (5/202), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/117).
(6) ينظر: الأم, الشافعي, (2/46), وتحفة المحتاج في شرح المنهاج, (5/4), نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج, (4/183).
(7) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/409), والإنصاف, (5/104), وكشاف القناع, (3/304).(5/11)
القول الثاني: لا يشترط تعجيل رأس مال السلم في مجلس العقد, ويجوز تأخيره اليومين والثلاثة بشرط وبغير شرط, وهذا مذهب المالكية في المشهور عندهم(1).
أدلة القولين:
أدلة القول الأول:
1.قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"(2), أي: فليعطِ: لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارق من أسلفه, والسلف ينبئ عن التقدم فيقتضي لزوم تسليم رأس المال ويُقدَّم قبضه على قبض المسلم فيه(3).
2.حذراً من أن يصير بيع دين بدين فيدخل تحت النهي؛ لأن المسلم فيه دين فلا بد أن يكون مقبوضاً في مجلس السلم, والافتراق لا عن قبض رأس المال يكون افتراقاً عن دين بدين(4), وقال ابن المنذر(5): "وأجمعوا على أن بيع الدين بالدين لا يجوز"(6).
__________
(1) ينظر: المدونة, الإمام مالك, (3/59), حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, محمد عرفه الدسوقي، (3/195), ومنح الجليل شرح مختصر خليل, الشيخ عليش, (5/332).
(2) أخرجه البخاري, ص (417), كتاب السلم, باب السلم في وزن معلوم, رقم: (2240), ومسلم, ص (655), كتاب المساقاة, باب السلم, رقم: (1604).
(3) ينظر: كشاف القناع, (3/304), وبدائع الصنائع, (5/202).
(4) ينظر: المرجع السابق, (5/202).
(5) هو محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر النيسابوري الشافعي الشهير بابن المنذر المتوفى سنة: 318?, وقيل: 319?. من تصانيفه: الاقتصاد في الإجماع والخلاف, والإقناع في الفروع, والإجماع والاختلاف, ينظر: وفيات الأعيان, (4/207), وسير أعلام النبلاء, (14/490), والأعلام للزركلي, (5/294).
(6) الإجماع, ابن المنذر, ص (132).(5/12)
أدلة القول الثاني: استدل المالكية على ما ذهبوا إليه بقاعدتهم: "ما قارب الشيء يعطى حكمه", واعتبروا هذا التأخير اليسير معفواً عنه فأشبه التأخير للتشاغل بالقبض, ولأنه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سلماً, فأشبه ما لو تأخر إلى آخر المجلس(1).
الترجيح:
قول المالكية يوافق الأصل في المعاملات وهو الإباحة, وفيه تيسير على الناس إلا أن قول الجمهور أحوط وأبعد عن المحذور وهو بيع الدين بالدين.
وأجاب الجمهور عمّا استدل به المالكية بأن السلم عقد معاوضة, لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق, فلا يجوز التفرق فيه قبل القبض, كالصرف ويفارق المجلس ما بعده, بدليل الصرف(2).
وجه كون هذه المسألة تطبيقا للقاعدة:
هذه المسألة تعتبر تطبيقاً للقاعدة؛ لأن العلماء المالكية ومن أخذ بقولهم أجازوا أن يؤخر رأس مال السلم إلى ثلاثة أيام عن مجلس العقد, مع أن الأصل عدم التأخير لنهي عن بيع الدين بالدين ولكن المالكية تسامحوا في ذلك واعتبروا هذه الفترة أمراً يسيراً مغتفراً.
ضابط اليسير في هذه المسألة:
اليسير في هذه المسألة ثلاثة أيام وما دونها قياسا على خيار الشرط(3).
المبحث الثاني: العاقدان.
وفيه مطلبان:
توطئة:
العاقدان ركن من أركان البيع عند الجمهور كما سبق, والمراد بالعاقدين: كل من يتولى العقد أصالة أو وكالة, والعاقدان في البيع هما المتبايعان, أي: البائع والمشتري. وكلمة عاقد أعم من بائع; لأنها تشمل كل عاقد لعقد سواء كان عقد بيع أو عقد إجارة أو هبة أو غير ذلك من العقود(4).
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, (3/195), والمغني, ابن قدامة, (6/409), والموسوعة الفقهية, (25/192).
(2) المغني, ابن قدامة, (6/409).
(3) ينظر: منح الجليل شرح مختصر خليل, (5/332).
(4) ينظر: درر الحكام في شرح مجلة الأحكام, (1/112), مادة (162), الشرح الكبير, الدردير أبو البركات, مع حاشية الدسوقي, (3/3), والموسوعة, (30/220).(5/13)
بيّن الفقهاء أنه يشترط في العاقد أن يكون بالغاً, عاقلاً, مختاراً, بصيراً, غير محجور عليه, ويشترط إسلام المشتري إن كان المبيع عبداً مسلماً, أو مصحفاً, وعصمته إن كان المبيع سلاحاً(1). وقد وقع الخلاف بين العلماء في اعتبار بعض هذه الشروط ولهم تفصيلات عديدة آثرت عدم ذكرها تجنباً للتطويل وإنما أشرت إلى ما له صلة بهذا المبحث.
المطلب الأول: تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء في الأشياء اليسيرة.
تعريف الصبي المميز:
الصبي المميز هو من بلغ سن التمييز, والتمييز لغة مصدر ميز, يقال: ماز الشيء إذا عزله وفرزه وفصله(2). والمراد بسن التمييز عند الفقهاء تلك السن التي إذا انتهى إليها الصغير عرف مضاره ومنافعه, وكأنه مأخوذ من ميزت الأشياء إذا فرقت بين خيرها وشرها بعد المعرفة بها. وهذه المرحلة تبدأ ببلوغ الصبي سبع سنين, وهو سن التمييز كما حدده جمهور الفقهاء, وتنتهي بالبلوغ(3).
تصرفات الصبي المميز:
يعتبر تصرف الصغير المميز إذا كان في حقه نفعاً محضاً وإن لم يأذن به الولي ولم يجزه, كقبول الهدية, ولا يعتبر تصرفه الذي هو في حقه ضرر محض وإن أذنه بذلك وليه وأجازه, كأن يهب لآخر شيئا,(4) أما العقود الدائرة بين النفع والضرر كالبيع والإجارة فللعلماء في اعتبار تصرفات الصبي المميز فيها أقوال:
__________
(1) المجموع شرح المهذب, (9/181).
(2) ينظر: لسان العرب, (5/412), مادة (م ي ز), ومختار الصحاح, ص (552), والمعجم الوسيط, ص (893).
(3) ينظر: المجموع شرح المهذب, (9/443), والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير, (2/587), مادة (م ي ز), والإنصاف, (9/431), والموسوعة, (7/159).
(4) العناية شرح الهداية, (9/34, 311), وما بعدها, ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام, (2/606), مادة (967).(5/14)
القول الأول: يصح تصرف المميز, ويقف على إجازة وليه, وهذا رأي جمهور الفقهاء من الحنفية(1), والمالكية(2), والحنابلة(3).
القول الثاني: لا يصح تصرف الصبي المميز سواء أذن له الولي أم لا, وهذا ما ذهب إليه الشافعية, والحنابلة في الرواية(4).
القول الثالث: يصح تصرف المميز في أشياء يسيرة ولو بدون إجازة الولي, وهذا ما ذهب إليه المالكية(5), والحنابلة في الرواية(6), ويرى بعض الحنابلة صحة التصرف في أشياء يسيرة حتى من غير مميز(7).
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
1.قول الله تعالى: { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } (8), والمقصود بالابتلاء: اختبارهم ليُعلم رشدهم, وإنما يتحقق ذلك بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء; ليعلم هل يُغبنوا أم لا(9).
2.المميز عاقل, محجور عليه, فصح تصرفه بإذن وليه, كالعبد(10).
أدلة القول الثاني:
__________
(1) ينظر: المبسوط, (25/25, و156), وبدائع الصنائع, (5/135), والعناية شرح الهداية, (9/311), وما بعدها.
(2) ينظر: المدونة, (2/126), ومواهب الجليل, (4/241), والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي, (4/2).
(3) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/347), والإنصاف, (4/267), وشرح منتهى الإرادات, (2/7).
(4) ينظر: المجموع, (9/185), وشرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة, (2/195), ومغني المحتاج, (2/7), والمغني, ابن قدامة, (6/347), والإنصاف, (4/267).
(5) ينظر: التاج والإكليل لمختصر خليل, محمد بن يوسف العبيدي المواق, (5/65), ومنح الجليل شرح مختصر خليل, (6/96).
(6) الإنصاف, (4/268).
(7) المغني, ابن قدامة, (6/347), وشرح منتهى الإرادات, (2/7).
(8) سورة النساء, الآية (6).
(9) المغني, ابن قدامة, (6/347).
(10) المرجع السابق, (6/347).(5/15)
1.قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ, وعن النائم حتى يستيقظ, وعن المجنون حتى يفيق"(1).
يمكن الإجابة عن هذا الاستدلال بأن الحديث يدل على رفع الإثم عن الصبي حتى يبلغ ولا يدل على بطلان تصرفه فيما يؤذن له.
2.المميز غير مكلف, أشبه غير المميز(2).
أجيب عن هذا الاستدلال بأن هناك فرقاً بين المميز وغير المميز, فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه; لعدم تمييزه ومعرفته, ولا حاجة إلى اختباره; لأنه قد علم حاله(3).
أدلة القول الثالث: الحكمة في الحجر خوف ضياع المال, وهو مفقود في اليسير(4).
الترجيح:
بالنظر إلى أدلة القول الأول والثاني يظهر رجحان القول الأول؛ لصراحة الآية وضعف أدلة القول الثاني, وسبقت الإجابة عنها, وأما القول الثالث فهو وجيه أيضا لما ذكر من الأدلة, ولا يعارض القولين الأولين لاختصاصه بالأشياء اليسيرة, والله أعلم.
تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد, ص (98), مسند علي بن أبي طالب, رقم: (940), وأبو داود, ص (481), كتاب الحدود, باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا, رقم: (4398), والترمذي, ص (250), كتاب الحدود, باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد, رقم: (1423), والنسائي, ص (362), كتاب الطلاق, باب من لا يقع طلاقه من الأزواج, رقم: (3432), وابن ماجة, ص (221), كتاب الطلاق, باب طلاق المعتوه والصغير والنائم, رقم: (2041). وذكر ابن حجر طرقا كثيرة لهذا الحديث, ثم قال: "وهذه طرق تقوى بعضها ببعض". فتح الباري, (12/124), وقال الألباني: "صحيح." إرواء الغليل, (2/4).
(2) المجموع, (9/185).
(3) المغني, ابن قدامة, (6/347).
(4) كشاف القناع, (3/151).(5/16)
لا يصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء إلا بإجازة الولي, ويستثنى من ذلك تصرفه في الأشياء اليسيرة, كالريال والريالين ونحو ذلك, فلا يقف على إجازة الولي لخفة هذه الأشياء وقلة ماليتها وعدم الغبن فيها والحاجة إلى التسامح فيها ولأن اليسير معفو عنه في الشريعة.
ضابط اليسير في هذه المسألة:
مثَّل الفقهاء لليسير في هذه المسألة برغيف وحزمة بقل ونحوهما, (1) وتحديد اليسير من المال يرجع إلى العرف وهو مختلف من بلد إلى آخر بحسب الغنى ووفرة المال وعدمه.
المطلب الثاني: الكلفة اليسيرة في التسليم.
لا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه باتفاق العلماء, كالطير في الهواء, أو السمك في الماء, والسيارة المسروقة, والمال المغصوب في يد الغاصب, ونحو ذلك(2), ويدل على عدم جواز البيع مع العجز عن تسليم المبيع ما يلي:
__________
(1) شرح منتهى الإرادات, (2/7).
(2) ينظر: المبسوط, (12/10), وبدائع الصنائع, (5/168), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/45), والتاج والإكليل لمختصر خليل, (4/268), وشرح مختصر خليل للخرشي, (5/16), وحاشية الدسوقي, (3/60), والأم, الشافعي, (7/110), والمهذب مع شرحه المجموع, (9/343), ومغني المحتاج, (2/12), والمغني, ابن قدامة, (6/291), والإنصاف, (4/294), وكشاف القناع عن متن الإقناع, (3/162).(5/17)
1.ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر"(1), وهذا غرر, ولهذا قال ابن مسعود(2) - رضي الله عنه -: "لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر"(3).
2. ولأن القصد بالبيع تمليك التصرف, وذلك لا يمكن فيما لا يقدر على تسليمه(4).
__________
(1) أخرجه مسلم, ص (614), كتاب البيوع, باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر, رقم: (1513).
(2) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم الهذلي، حليف بني زهرة, الإمام الحبر، فقيه الأمة، كان من السابقين الأولين، ومن النجباء العالمين، شهد بدرا، وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النفل، ومناقبه غزيرة، روى علما كثيرا, ولازم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان صاحب نعليه وسواكه. كان سادس من أسلم, وهو أول من جهر بالقرآن بمكة. مات بالمدينة سنة: 23?, رضي الله عنه وأرضاه. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة, (4/233), وسير أعلام النبلاء, (1/461) وما بعدها.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة, مسند عبد الله بن مسعود, ص (293), رقم: (3676). وقال ابن حجر: "موقوف، رواه أحمد مرفوعا وموقوفا من طريق يزيد بن أبي زياد، عن المسيب بن رافع عنه، قال البيهقي: فيه إرسال بين المسيب وعبد الله، والصحيح وقفه، وقال الدارقطني في العلل: اختلف فيه والموقوف أصح، وكذا قال الخطيب وابن الجوزي". التلخيص الحبير, كتاب البيوع, (3/7).
(4) ينظر: المهذب, مع شرحه المجموع, (9/343).(5/18)
ولكن إذا كانت كلفة التسليم يسيرة بحيث لا يلحق البائع ضرر ويقدر على التسليم من غير مشقة كبيرة, جاز البيع وصح لعدم الغرر, كالبحث عن قطع الغيار في مستودع صغير, وأخذ الطير من برج صغير مغلق عليه, أو السمك في بركة يشاهد فيه ويمكن اصطياده من غير المشقة(1).
وذكر ابن قدامة, رحمه الله, ثلاثة شروط لصحة بيع السمك في الماء, وقال: "والمعنى لا يجوز بيعه في الماء إلا أن يجتمع ثلاثة شروط: أحدها, أن يكون مملوكاً. الثاني, أن يكون الماء رقيقاً, لا يمنع مشاهدته ومعرفته. الثالث, أن يمكن اصطياده وإمساكه. فإن اجتمعت هذه الشروط, جاز بيعه; لأنه مملوك, معلوم, مقدور على تسليمه; فجاز بيعه, كالموضوع في الطست. وإن اختل شرط مما ذكرنا, لم يجز بيعه.."(2).
أما إذا أمكن تسليم المبيع لكنه يتطلب كلفة ومشقة, كالبحث عن قطع الغيار في مستودع كبير غير مرتب, واصطياد الطائر في برج كبير, فللعلماء في جواز البيع في هذه الحال قولان:
القول الأول: لا يجوز هذا البيع, وهو مذهب الحنفية(3), والشافعية(4).
جاء في تبيين الحقائق: "فإن كانت الحظيرة كبيرة بحيث لا يمكن أخذه إلا بحيلة لا يجوز"(5).
وفي المهذب: "وإن كان في برج عظيم أو بركة عظيمة لا يقدر على أخذه إلا بتعب, لم يجز بيعه"(6).
__________
(1) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق مع حاشية الشلبي, (4/45), وشرح مختصر خليل للخرشي, (5/16), والأم, (7/110), والمغني, ابن قدامة, (6/291), وكشاف القناع عن متن الإقناع (3/162).
(2) المغني, ابن قدامة, (6/291).
(3) ينظر: المبسوط, (13/12), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/45).
(4) ينظر: المهذب للشيرازي, مع شرحه المجموع, (9/343), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/199).
(5) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/45).
(6) المهذب للشيرازي, مع شرحه المجموع, (9/343).(5/19)
القول الثاني: يصح بيع ما أمكن تحصيله ولو بمشقة وتعب, وهذا صحيح من مذهب الحنابلة(1).
جاء في الإنصاف: "وإن طالت المدة ويمكن تسليمه, لكن لا يحصل إلا بتعب ومشقة. فالصحيح من المذهب: جواز بيعه"(2).
أدلة القولين:
دليل القول الأول: البائع في حكم العاجز عن التسليم؛ لأنه لا يقدر على التسليم في الحال(3).
دليل القول الثاني: قالوا هذا البيع صحيح لعدم الغرر فيه(4).
الترجيح:
الذي يظهر, والله أعلم, هو رجحان قول الحنابلة؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والصحة, وأقصى ما في هذا البيع تأخير التسليم حتى يتمكن البائع منه وهذا لا يمنع من صحة البيع إلا إذا كانت المشقة كثيرةً جداً, وتتطاول المدة فيها, فحينئذ لم يجز البيع; للعجز عن التسليم, والجهل لوقت إمكانه(5).
وجه كون هذه المسألة تطبيقا للقاعدة:
لا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه لما فيه من الغرر وعدم تحقيق المقصود من البيع وهو التصرف في المبيع, وقد يكون التسليم ممكناً لكنه يتطلب مشقة وكلفة فيجوز البيع على المختار من قولي أهل العلم, وقد تكون كلفة التسليم يسيرة, كالبحث عن قطع الغيار في مستودع صغير, وأخذ الطائر من برج صغير أو السمكة من بركة صغيرة, فيجوز البيع باتفاق؛ لأن هذه المشقة مما يغتفر ولا تمنع من صحة البيع.
ضابط اليسير في هذه المسألة:
__________
(1) ينظر: الإنصاف, (4/294), وكشاف القناع عن متن الإقناع, (3/162), حيث قال: "(صح) البيع لعدم الغرر (ولو طالت مدة تحصيلهما) أي: الطير والسمك." وإذا طالت مدة التحصيل لزم أن يكون فيه مشقة غير يسيرة.
(2) الإنصاف, (4/294).
(3) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/45), والمهذب مع شرحه المجموع, (9/343).
(4) كشاف القناع عن متن الإقناع, (3/162).
(5) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/291).(5/20)
إذا كان البائع قادرا على أخذ المبيع وتسليمه من غير حيلة فهي كلفة يسيرة وإن لم يقدر على أخذ المبيع إلا بحيلة فهو في حكم العاجز عن التسليم. (1)
المبحث الثالث: المبيع.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الجهالة في المبيع أو ثمنه.
توطئة:
يسمى المبيع والثمن بالمعقود عليه وبمحل العقد, وهو ركن من أركان البيع, وفق نظرة الجمهور, ويشترط فيه جملة من الشروط, منها أن يكون معلوماً(2), والجهالة تنافي هذا الشرط, إلاّ أن الجهالة درجات, فمنها ما هو مفسد للعقد باتفاق العلماء, وهي جهالة فاحشة, ومنها ما لا يفسد العقد بالاتفاق, وهي جهالة يسيرة, وهناك صور من البيع فيها قدر من الجهالة ولكن وقع الخلاف بين العلماء في اعتبارها فاحشةً مفسدةً للعقد أو يسيرة مغتفرة غير مؤثرة في صحة العقد, ومن تلك الصور:
الفرع الأول: بيع ما يكمن في الأرض.
المراد مما يكمن في الأرض هو ما كان المقصود منه في باطن الأرض, كالبصل, والجزر, والثوم, ونحو ذلك, وقد اختلف العلماء في بيع هذه الأشياء على قولين:
القول الأول: يجوز بيع ما يكمن في الأرض, وهو مذهب الحنفية(3), والمالكية(4), وقول عند الحنابلة(5), واشترط الحنفية أن يكون المبيع قد نبت نباتاً معلوماً يعلم وجوده تحت الأرض, وللمشتري خيار الرؤية عند القلع على التفصيل عندهم(6), واشترط المالكية ثلاثة شروط:
__________
(1) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/45).
(2) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/4), والمجموع, (9/174).
(3) ينظر: بدائع الصنائع, (5/164), تبيين الحقائق, (4/27), والبحر الرائق شرح كنز الدقائق, (5/326).
(4) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, (4/318), التاج والإكليل, العبدري, (4/294), والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي, (3/186).
(5) ينظر: الفتاوى الكبرى, ابن تيمية, (5/387), والإنصاف, (4/304).
(6) بدائع الصنائع, (5/164), والبحر الرائق شرح كنز الدقائق, (5/326).(5/21)
أ - أن يرى المشتري ظاهره.
بـ - أن يُقلع منه شيء ويرى.
ج - أن يُخرص إجمالاً, ولا يجوز بيعه من غير خرص بالقيراط أو الفدان(1).
القول الثاني: لا يجوز بيع ما في داخل الأرض ويجوز بيع ما كان خارجاً ظاهراً, كالورق, مقطعاً مكانه, وهذا مذهب الشافعية(2), والحنابلة(3).
أدلة القولين:
استدل أصحاب القول الأول: بأن الحاجة داعية إلى الجواز, فأشبه بيع ما لم يبد صلاحه تبعاً لما بدا, ولأن الغرر يندفع باجتهاد أهل الخبرة والدراية به(4).
واستدل أصحاب القول الثاني: بأن المبيع مجهول, لم يره المشتري, ولم يوصف له, فأشبه بيع الحمل. والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر(5), وهذا غرر(6).
الترجيح:
الراجح, والله أعلم, هو القول بالجواز مع مراعاة الشروط التي ذكرها المالكية, وإذا تحققت هذه الشروط لا يكون المبيع مجهولاً; لأن هذه طريق معرفته(7).
الفرع الثاني: بيع الجزاف.
تعريف بيع الجزاف:
الجزاف في اللغة من الجزف, أي الأخذ بكثرة, وجزف في الكيل جزفاً: أكثر منه. والجِزاف والجُزافة والجِزافة بيع الشيء بلا وزن ولا كيل, وهو دخيل, تقول بعته بالجُزاف والجُزافة, والقياس جِزاف(8).
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, (3/186).
(2) ينظر: الأم, (3/67), والمنهاج مع شرحه نهاية المحتاج, (3/423), ومغني المحتاج, (2/22).
(3) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/161), والإنصاف, (4/304), وشرح منتهى إرادات, (2/14), وكشاف القناع, (3/166).
(4) المغني, ابن قدامة, (6/161), والإنصاف, (4/304).
(5) سبق تخيجه, ص (54).
(6) المغني, ابن قدامة, (6/161).
(7) الموسوعة, (16/172).
(8) ينظر: لسان العرب, (9/27), مادة (ج ز ف), والمعجم الوسيط, ص (121).(5/22)
وبيع الجزاف اصطلاحاً: "بيع ما يكال, أو يوزن, أو يعد, جملة بلا كيل ولا وزن, ولا عد"(1).
والأصل في بيع الجزاف المنع للجهالة, لكن أجازه الشارع للضرورة والمشقة تسهيلاً في التعامل(2). ودليل الجواز حديث ابن عمر(3), رضي الله عنهما, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه", قال: "وكنّا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه" (4). وهذا يدل على أنهم كانوا يتعاملون ببيع الجزاف, وأنه كان معروفاً لديهم. ولهذا اتفق الفقهاء على جواز بيع الجزاف, من حيث الجملة, وإن وقع الخلاف في بعض صوره وبعض شروطه(5)
__________
(1) ينظر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام, (1/104), مادة (141) وشرح حدود ابن عرفة, (1/335), والشرح الصغير, مع حاشية الصاوي, (3/35), والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير, (1/99), مادة (ج ز ف).
(2) الشرح الصغير, مع حاشية الصاوي, (3/36).
(3) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، القرشي العدوي؛ أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وعرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فرده لصغر سنه، فعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه، وكان من أهل الورع والعلم، كثير الاتباع لآثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وتوفي بمكة سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة. ينظر: وفيات الأعيان, (3/28-31), والإصابة في تمييز الصحابة, (4/181).
(4) أخرجه البخاري, ص (400), كتاب البيوع, باب ما ذكر في الأسواق, رقم: (2123), ومسلم, ص (619), واللفظ له, كتاب البيوع, باب بطلان بيع المبيع قبل القبض, رقم: (1527).
(5) قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن بيع الصبرة من الطعام بالصبرة, لا يدرى كم كيل هذه, ولا كيل هذه, من صنف واحد, غير جائز, ولا بأس به من صنفين; استدلالا بقوله عليه السلام: "فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم." إجماع ابن المنذر, ص (133), والحديث يأتي تخريجه, وينظر: بدائع الصنائع, (5/157), وكنز الدقائق مع شرحه تبيين الحقائق, (4/5), ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر, شيخي زاده داماد, (2/10), والمدونة, (3/31), والتاج والإكليل, (4/290), ومواهب الجليل, (4/285), و( والأم, (3/55), والمجموع, (9/378), والمغني, ابن قدامة, (6/69), والإنصاف, (4/312).(5/23)
. وفصّل الفقهاء المالكية شروط بيع الجزاف وجعلوها سبعة:
1.أن يرى المبيع جزافاً حال العقد, أو قبله إذا استمر على حاله إلى وقت العقد دون تغيير, وهذا ما لم يلزم على الرؤية فساد المبيع, كقلال الخل المطينة يفسدها فتحها, فيكتفى برؤيتها في مجلس العقد.
2.ألاّ يكثر المبيع جداً, فإن كثر جداً بحيث يتعذر خرصه أو قلّ جداً بحيث يسهل عده لم يجز جزافاً, وأماّ ما قلّ جداً من مكيل وموزون فيجوز بيعه جزافاً.
3.أن يجهل المتبايعان معا قدر الكيل أو الوزن أو العدد, فإن كان أحدهما يعلم قدرها فلا يصح.
4. أن يحزر المتبايعان ويقدرا قدره عند إرادة العقد عليه.
5.أن تستوي الأرض التي يوضع عليها المبيع, فلا بد من علم أو ظن الاستواء وإلا فسد, ثم إن وجد الاستواء في الواقع لزم وإلا, فإن ظهر في الأرض علو فالخيار للمشتري, وإن ظهر انخفاض فالخيار للبائع.
6.أن يعد بمشقة, ونبه بلفظ العد على أن المكيل والموزون يباع كل جزافا ولو لم يكن مشقة. ولم تقصد أفراده, فإن قصدت أفراده بالثمن, كالعبيد والثياب والدواب, فلا بد من عده, إلا أن يقل ثمن أفراده فيجوز, كبيض وتفاح ورمان وبطيخ.
7.أن لا يشتريه مع مكيل(1).
__________
(1) ينظر: مواهب الجليل, (4/285), والشرح الكبير, مع حاشية الدسوقي, (3/21).(5/24)
ولا يجوز بيع المال الربوي بجنسه مجازفةً, بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلا بمثل, سواء بسواء, يدا بيد"(1). دلّ الحديث على أنه لا يُباع الربوي بجنسه إلا بتحقّق المماثلة بينهما, ولا يمكن أن تتحقق المماثلة في البيع الجزاف, لأنه قائم على التخمين والتقدير, فيبقى احتمال الربا قائماً, والقاعدة في الربويات: "الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل"(2). قال ابن قدامة, رحمه الله تعالى: "لا خلاف بين أهل العلم في وجوب المماثلة في بيع الأموال التي يحرم التفاضل فيها, وأن المساواة المرعية هي المساواة في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا, ومتى تحققت هذه المساواة, لم يضر اختلافهما فيما سواها"(3).
الفرع الثالث: البيع بسعر السوق.
تعريف البيع بسعر السوق:
السعر في اللغة: هو الذي يقوم عليه الثمن, وجمعه أسعار, وقد أسعروا وسعّروا, أي: اتفقوا على سعر, والتسعير تقدير السعر(4).
__________
(1) أخرجه مسلم, ص (647), كتاب المساقاة, باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا, رقم: (1587), من حديث عبادة بن صامت - رضي الله عنهم -.
(2) ينظر: الموسوعة الفقهية, (9/76).
(3) المغني, ابن قدامة, (6/69), وينظر: كنز الدقائق مع شرحه تبيين الحقائق, (4/5), ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر, شيخي زاده داماد, (2/10), والمدونة, (3/31), والتاج والإكليل, (4/290), ومواهب الجليل, (4/285), والأم, (3/55), والمجموع, (9/378).
(4) ينظر: لسان العرب, (4/365), مادة (س ع ر), ومختار الصحاح, ص (270), والمعجم الوسيط, ص (430).(5/25)
والمقصود بالبيع بسعر السوق أو بما ينقطع به السعر: ما يقف عليه من غير زيادة(1). ومن صوره: البيع ممن يعامله من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم, يأخذ منه كل يوم شيئاً معلوماً ثم يحاسبه عند رأس الشهر أو السنة على الجميع, ويعطيه ثمنه(2), أو أن يقول البائع: "بعتك بما يظهر من السعر بين الناس اليوم", أو بأن يقول البائع: "اشتر سلعتي كما تشتري من غيري", أو يقول المشتري: "بعني كما تبيع غيري"(3). وللعلماء في جواز هذا البيع قولان:
القول الأول: لا يجوز هذا البيع, وهذا مذهب الحنفية(4), والشافعية(5), والحنابلة(6).
__________
(1) كشاف القناع, (3/174).
(2) إعلام الموقعين عن رب العلمين, ابن قيم, (2/357).
(3) شرح مختصر خليل للخرشي, (5/152).
(4) ينظر: المبسوط, (13/7), والفتح القدير, (6/260), ورد المحتار على در المختار, (4/529), وما بعدها.
(5) ينظر: المهذب مع المجموع, (9/403), وأسنى المطالب, (2/15), ومغني المحتاج, (2/16).
(6) ينظر: الفتاوى الكبرى, (5/387), والإنصاف, (4/310), وشرح منتهى الإرادات, (2/18), وكشاف القناع, (3/174).(5/26)
القول الثاني: يجوز البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن, وهذا قول أكثر المالكية(1), وقول عند الحنفية فيما لا يتفاوت(2), ورواية عن الإمام أحمد, اختارها ابن تيمية(3), وابن القيم(4), رحمهما الله(5).
أدلة القولين:
استدل أصحاب القول الأول لما ذهبوا إليه بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن بيع الغرر(6), والبيع بسعر السوق فيه جهالة مفضية إلى الغرر(7).
__________
(1) ينظر: مواهب الجليل شرح مختصر خليل, (4/239), وشرح مختصر خليل, الخرشي, (5/152).
(2) فتح القدير, (6/260).
(3) هو أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام المعروف بابن تيمية، الحراني، ثم الدمشقي، الحنبلي، شيخ الإسلام, محدث، حافظ، مفسر، فقيه، مجتهد، مشارك في أنواع من العلوم, من أبرز علماء الحنابلة ومجتهديهم. توفي بدمشق سنة: 728?. من مؤلفاته: مجموعة فتاويه, ومنهاج السنة, واقتضاء الصراط المستقيم في رد على أهل الجحيم, ودرء تعارض العقل والنقل, والاستقامة وغيرها. ينظر: شذرات الذهب, (8/142), ومعجم المؤلفين, (1/261), والأعلام للزركلي, (1/144).
(4) هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي الشهير بابن القيم، أحد كبار العلماء, مولده ووفاته في دمشق, توفي سنة: 751?. ألف تصانيف كثيرة منها: إعلام الموقعين, والطرق الحكمية في السياسة الشرعية, وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر, والحكمة والتعليل, وزاد المعاد, وغيرها.ينظر: وشذرات الذهب, (8/287), والأعلام للزركلي, (6/56), ومعجم المؤلفين, (9/107).
(5) ينظر: الفتاوى الكبرى, (5/387), وإعلام الموقعين عن رب العلمين, ابن القيم, (2/357) والإنصاف, (4/310).
(6) سبق تخريجه, ص (54).
(7) ينظر: بدائع الصنائع, (5/156), وكشاف القناع, (3/174).(5/27)
وقال ابن القيم منتصراً لما ذهب إليه: "والقول الثاني - وهو الصواب المقطوع به, وهو عمل الناس في كل عصر ومصر - :جواز البيع بما ينقطع به السعر, وهو منصوص الإمام أحمد, واختاره شيخنا, وسمعته يقول: هو أطيب لقلب المشتري من المساومة, يقول: لي أسوة بالناس آخذ بما يأخذ به غيري, قال: والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه, بل هم واقعون فيه, وليس في كتاب الله, ولا سنة رسوله, ولا إجماع الأمة, ولا قول صاحب, ولا قياس صحيح ما يحرمه, وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل, وأكثرهم يجوزون عقد الإجارة بأجرة المثل كالنكاح والغسال, والخباز والملاح, وقيم الحمام والمكاري, والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمام; فغاية البيع بالسعر أن يكون بيعه بثمن المثل; فيجوز, كما تجوز المعاوضة بثمن المثل في هذه الصورة وغيرها; فهذا هو القياس الصحيح, ولا تقوم مصالح الناس إلا به"(1).
الترجيح:
الذي يظهر, والله أعلم, هو رجحان قول الحنفية؛ أي جواز البيع بسعر السوق فيما لا يتفاوت, كالخبز واللحم, لأن عدم التفاوت يمنع النزاع ويجعل السعر كالمعروف, وهذا هو القول الوسط الذي يوفق بين أدلة القول الأول والثاني.
تطبيق القاعدة على هذه المسائل:
البيع الذي يكون المبيع أو الثمن فيه مجهولاً بيع الغرر؛ لاحتمال أن يباع الشيء بأكثر من قيمته أو بأقل, وبيع الغرر منهي عنه, ولكن بيع ما يكمن في الأرض, والبيع جزافاً والبيع بسعر السوق من أنواع البيوع التي ضبطها العلماء بالشروط لتصبح الجهالة فيها يسيرة, فإذا أصبحت يسيرة كانت مغتفرة تيسيراً على الناس وتلبيةً لحاجاتهم.
ضابط اليسير في هذه المسائل:
الجهالة اليسيرة المغتفرة هي التي لا تفضي إلى المنازعة بين العاقدين(2), والتي لا يمكن التحرز منها, ولو لم تغتفر لوقع الناس في حرج ومشقة.
__________
(1) إعلام الموقعين عن رب العلمين, (2/357).
(2) بدائع الصنائع, (5/156).(5/28)
المطلب الثاني: التغير اليسير في المبيع بعد رؤيته.
بيع مبني على رؤية سابقة:
العلم بالمبيع من شروط صحة البيع, فلا يصح البيع مع الجهل بالمبيع, ومن الطرق التي يتم بها العلم بالمبيع الرؤية, وإذا رأى المتعاقدان المبيع قبل العقد ثم عقدا البيع بعد الرؤية بزمن لا يتغير المبيع فيه, ففي جواز هذا البيع المبني على الرؤية السابقة قولان لأهل العلم:
القول الأول: إذا رأى المتعاقدان المبيع, ثم عقدا البيع بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه جاز, وهو مذهب الحنفية(1), والمالكية(2), والشافعية(3), والحنابلة(4).
القول الثاني: لا يجوز حتى يريا المبيع حال العقد, وهو القول الجديد للشافعي ورواية عن أحمد(5).
أدلة القولين:
__________
(1) ينظر: المبسوط, (12/42, و13/164), والهداية, (3/32), وتبيين الحقائق, (4/25) وما بعدها, والبحر الرائق, (6/28), والحنفية يجيزون شراء ما لم يره المشتري أصلا ويثبتون له خيار الرؤية.
(2) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, الباجي, (5/23), والتاج والإكليل, (4/293), ومواهب الجليل, (4/294), وحاشية الدسوقي, (3/25).
(3) ينظر: المهذب مع شرحه المجموع, (9/349), وأسنى المطالب شرح روض الطالب, (2/18), ونهاية المحتاج, الرملي, (3/416), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/206). واشترط الشافعية أن يكون البائع والمشتري ذاكرين لصفات المبيع, وأن يكون مما لا يتغير غالبا, وإن احتمل التغير وعدمه على السواء فيجوز لأن الأصل بقاء المرئي بحاله.
(4) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/35), وشرح منتهى إرادات, (2/17), ومطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى, (3/147), وكشاف القناع, (3/164).
(5) ينظر: المهذب, مع شرحه المجموع, (9/348), ونهاية المحتاج, (3/416), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/206), والمغني, ابن قدامة, (6/35).(5/29)
أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بأن المبيع معلوم عند العاقدين, أشبه ما لو شاهداه حال العقد, والشرط إنما هو العلم, وإنما الرؤية طريق للعلم, ولهذا اكتفي بالصفة المحصلة للعلم, كما لو رأيا داراً, ووقفا في بيت منها, أو أرضا, ووقفا في طريقها, وتبايعاها, صح بلا خلاف مع عدم المشاهدة للكل في الحال. ولو كانت الرؤية المشروطة للبيع مشروطة حال العقد لاشترط رؤية جميعه(1).
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب هذا القول بأن الرؤية شرط في العقد, فاعتبر وجودها في حال العقد كالشهادة في النكاح(2).
أجيب عن هذا الاستدلال بأن الشهادة في النكاح تُراد لحل العقد والاستيثاق عليه, فلهذا اشترطت حال العقد(3).
الترجيح:
بعد عرض أدلة القولين والإجابة عن دليل القول الثاني تبين رجحان القول الأول القاضي بجواز البيع بالرؤية المتقدمة.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
البيع بالرؤية المتقدمة جائز عند جماهير العلماء, كما سبق بيانه, بشرط ألا يتغير المبيع, ومتى وجد المبيع بحاله لزم البيع, وإن كان ناقصاً ثبت الخيار للمشتري; لأن ذلك كحدوث العيب(4), وكما أن العيب اليسير مغتفر, لا يثبت به الخيار, فكذلك التغير في المبيع يغتفر ويعفى عنه إذا كان يسيراً.
ضابط اليسير في هذه المسألة:
اليسير في هذه المسألة هو التغير الذي لا يؤثر في قيمة المبيع, وضبطه بعض العلماء بأن تكون الغيبة بين الرؤية وانعقاد البيع يسيرة, ولكن لا حد للزمن الذي لا يتغير فيه المبيع تغيراً مؤثراً, إذ المبيع منه ما يسرع تغيره, وما يتباعد, وما يتوسط, فيعتبر كل بحسبه(5).
__________
(1) المغني, ابن قدامة, (6/35).
(2) المهذب, مع شرحه المجموع, (9/348).
(3) المغني, ابن قدامة, (6/35).
(4) المرجع السابق, (6/35).
(5) ينظر: المرجع السابق, (6/35), والموسوعة, (22/19).(5/30)
الفصل الثاني: تطبيقات القاعدة في باب الخيار
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: المفارقة اليسيرة وأثرها في خيار المجلس.
المبحث الثاني: الجائحة اليسيرة وأثرها في ثبوت الخيار.
المبحث الثالث: الغبن اليسير وأثره في ثبوت الخيار.
المبحث الرابع: الاستعمال اليسير للمبيع وأثره في سقوط خيار العيب.
المبحث الأول: المفارقة اليسيرة وأثرها في خيار المجلس.
تعريف خيار المجلس:
الخيار في اللغة اسم مصدر من الاختيار, بمعنى الاصطفاء, يقال: خيره بين الشيئين أي فوّض إليه الخيار(1).
والخيار في الاصطلاح: "طلب خير الأمرين من إمضاء عقد وفسخه"(2).
والمجلس في اللغة موضع الجلوس (3), والمراد به هنا مكان التبايع على أي حال كان المتبايعان(4), وحقيقة الجلوس ليست مقصودة في هذا الخيار المسمى بخيار المجلس, لأن المعتبر هو الفترة الزمنية التي تعقب عملية التعاقد دون طروء التفرق من مكان التعاقد. فالجلوس ذاته ليس معتبراً في ثبوته, ولا ترك المجلس معتبر في انقضائه, بل العبرة للحال التي يتلبس بها العاقدان, وهي الانهماك في التعاقد. فخيار المجلس هو: "حق العاقد في إمضاء العقد أو رده, منذ التعاقد إلى التفرق أو التخاير"(5).
حكم خيار المجلس:
اختلف الفقهاء في مشروعية خيار المجلس على قولين:
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (4/264), مادة (خ ي ر), ومختار الصحاح, ص (182).
(2) شرح منتهى الإرادات, (4/35), ولسان العرب, (4/264).
(3) ينظر: لسان العرب, (6/39), مادة (ج ل س), ومختار الصحاح, ص (106), والمعجم الوسيط, ص (130).
(4) كشاف القناع, (3/198).
(5) ينظر: الموسوعة, (20/170).(6/1)
القول الأول: يثبت خيار المجلس عند البيع, فلا يلزم العقد إلا بالتفرق عن المجلس أو التخاير واختيار إمضاء العقد, وهو مذهب الشافعية(1), والحنابلة(2).
القول الثاني: يعتبر العقد لازما من فور انعقاده بالإيجاب والقبول ولا خيار للمتبايعين وإن لم يفترقا, وهذا ما ذهب إليه الحنفية(3), والمالكية, قال الإمام مالك: "البيع كلام, فإذا أوجبا البيع بالكلام وجب البيع, ولم يكن لأحدهما أن يمتنع مما قد لزمه"(4).
أدلة القولين:
أدلة القول الأول:
1.قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا"(5). وفي الرواية: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار"(6), فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما(7). فإن قيل: المراد بالتفرق هاهنا التفرق بالأقوال, كقول الله تعالى: { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } (8), أي بالأقوال والاعتقادات.
__________
(1) ينظر: الأم, (3/6), والمجموع شرح المهذب, (9/169), ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, (2/43).
(2) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/11), والإنصاف, (4/363), وكشاف القناع, (3/198), وشرح منتهى الإرادات, (2/35).
(3) ينظر: الهداية, (3/21), وبدائع الصنائع, (5/228), تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/3).
(4) المدونة, (10/188), وينظر: المنتقى شرح الموطأ, (5/55), ومواهب الجليل, (4/409), وحاشية الدسوقي, (3/91).
(5) متفق عليه, وهذا لفظ البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما, البخاري, ص (397), كتاب البيوع, باب كم يجوز الخيار, رقم: (2107), ومسلم, ص (620), كتاب البيوع, باب, ثبوت خيار المجلس للمتبايعين, رقم: (1531).
(6) أخرجه البخاري, ص (398), كتاب البيوع, باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب, رقم: (2112).
(7) المغني, ابن قدامة, (6/11).
(8) سورة البينة, الآية (4).(6/2)
أجيب بأن هذا باطل لأن اللفظ لا يحتمله; إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ولا اعتقاد, إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع بعد الاختلاف فيه. ولأن هذا يبطل فائدة الحديث; إذ قد علم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه وإتمامه, أو تركه(1).
2.فعل راوي الحديث عبد الله بن عمر, رضي الله عنهما, وكان إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه(2).
3.حاجة الناس داعية إلى مشروعيته, لأن الإنسان قد يبيع شيئاً ويشتري ثم يبدو له فيندم فيحتاج إلى التدارك بالفسخ فكان ثبوت الخيار في المجلس من باب النظر للمتعاقدين(3).
أدلة القول الثاني:
1.قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } (4). وجه الدلالة: أباح الله, سبحانه وتعالى, الأكل بالتجارة عن تراض مطلقا عن قيد التفرق عن مكان العقد, وعنده إذا فسخ أحدهما العقد في المجلس لا يباح الأكل فكان ظاهر النص حجة عليه.
وأجيب بأن الآية مطلقة قيدت بالحديث(5).
2.العقد تم من الجانبين ودخل المبيع في ملك المشتري والفسخ بعده لا يكون إلا بالتراضي لما فيه من الإضرار بالآخر بإبطال حقه كسائر العقود(6). ويمكن الإجابة عن هذا الدليل بأنه استدلال بمحل النزاع لأن القائلين بثبوت خيار المجلس يرون أن المبيع لا يدخل في ملك المشتري إلا بعد التفرق الذي يكون البيع به لازماً.
الترجيح:
__________
(1) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/11).
(2) قال نافع: "وكان ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه". البخاري, ص (397), كتاب البيوع, باب كم يجوز الخيار, رقم: (2107) و اللفظ له, ومسلم, ص (620), كتاب البيوع, باب, ثبوت خيار المجلس للمتبايعين, رقم: (1531).
(3) بدائع الصنائع, (5/228).
(4) سورة النساء, الآية (29).
(5) سبل السلام, الصنعاني, (5/83).
(6) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/3).(6/3)
الحديث الذي استدل به أصحاب القول الأول نص في المسألة ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل, ولا دليل يقوى على صرفه عن الظاهر, ولذلك اشتدّ نكير بعض العلماء على الإمام مالك, رحمه الله, لأنه روى هذا الحديث ولم يعمل به(1).
انتهاء خيار المجلس:
ينتهي خيار المجلس بأحد أمرين: الأول: التخاير, وهو أن يقول أحد المتبايعين للآخر: اختر إمضاء البيع أو فسخه, فيقول الآخر: اخترت إمضاءه أو اخترت فسخه فينقطع الخيار(2). والثاني: التفرق, وهو سبب متفق عليه بين المثبتين لخيار المجلس, ويراعى فيه عرف المتعاقدين فيما يعدونه تفرقاً; لأن الشارع علّق عليه حكماً, ولم يبيِّنه, فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس, كالقبض, والإحراز(3). وقد مثّل الفقهاء للتفرق الذي يقطع الخيار بأن يمشيَ أحدهما مستدبراً لصاحبه خطوات إن كانا في فضاء واسع, وقيل: هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة. وإن كانا في دار كبيرة, ذات مجالس وبيوت, فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت, أو إلى مجلس, وإن كانا في دار صغيرة, فإذا صعد أحدهما السطح, أو خرج منها, فقد فارقه(4).
هل ينتهي خيار المجلس بمفارقة يسيرة؟
__________
(1) المغني, ابن قدامة, (6/11).
(2) المهذب, مع شرحه المجموع, (9/205).
(3) المغني, ابن قدامة, (6/12).
(4) المرجع السابق, (6/12).(6/4)
ثبت عن ابن عمر, رضي الله عنهما, أنه كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنية ثم رجع إليه(1), وفي رواية أخرى: "كان إذا اشترى شيئاً مشى أذرعاً ليجب البيع ثم يرجع"(2).
ويفهم من هاتين الروايتين أن الفرقة تقطع الخيار ولو كانت يسيرة؛ لأنه إذا مشى "هنية" أو "أذرعا" ثم رجع لم يفارق صاحبه إلا قليلاً, فلا يكون اليسير مغتفراً إلاّ فيما هو أقلّ من ذلك, كأن يُجعل بين البائع والمشتري حاجز من ستر أو غيره فلا يكون مسقطاً للخيار وذلك لا يسمى تفرقاً(3).
تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
هذه المسألة ليست من تطبيقات القاعدة بناءً على ما سبق تقريره من أن المفارقة اليسيرة تقطع خيار المجلس ولا تغتفر, اللهم إلا فيما هو أقل من مشي هنية كجعل حاجز من ستر ونحوه بين البائع والمشتري, أو كأن يمشي المتعاقدان فيفصل بينهما شجرة أو مار آخر ونحو ذلك, والله أعلم.
المبحث الثاني: الجائحة اليسيرة وأثرها في ثبوت الخيار.
تعريف الجائحة:
الجائحة في اللغة: الشدة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة, وهي مأخوذة من الجوح بمعنى: الاستئصال, يقال: جاحتهم الجائحة واجتاحتهم, وجاح الله ماله وأجاحه بمعنى, أي أهلكه بالجائحة. وتكون بالبرَد يقع من السماء إذا عظم حجمه فكثر ضرره, وتكون بالبرْد أو الحر المفرطين حتى يفسد الثمر(4).
__________
(1) أخرجه البخاري, ص (397), كتاب البيوع, باب كم يجوز الخيار, رقم: (2107), ومسلم, ص (620), كتاب البيوع, باب, ثبوت خيار المجلس للمتبايعين, رقم: (1531), واللفظ له.
(2) الأمالي في آثار الصحابة, عبد الرزاق الصنعاني, ص (40), رقم: (28), ولم أعثر على هذه الرواية في غيره من الكتب المسندة, وذكره الشيرازي في المهذب, ينظر: المهذب مع المجموع, (9/205).
(3) المغني, ابن قدامة, (6/12), والمهذب مع المجموع, (9/205).
(4) ينظر: لسان العرب, (2/431), مادة (ج و ح), ومختار الصحاح, ص (114), والمعجم الوسيط, ص (145).(6/5)
والجائحة في اصطلاح الفقهاء هي آفة لا صنع لآدمي فيها(1), أو ما لا يستطاع دفعه(2), فكل ما أصاب الثمرة من الجراد والريح والنار والغرق والبرد والمطر والطير الغالب والدود وعفن الثمرة في الشجر والسموم, فذلك كله جائحة والجيش يمر بالنخل فيأخذ ثمرته فذلك جائحة, واختُلف في السرقة هل تعد من الجوائح أم لا(3).
حكم وضع الجوائح:
صورة المسألة: إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها ويسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها, ثم تتلف قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية, هل تكون من ضمان البائع أم المشتري؟
للعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع, وبهذا قال المالكية(4), والشافعية في القديم(5), والحنابلة(6).
__________
(1) شرح منتهى الإرادات, (2/86), وينظر: المصباح المنير, ص (113), مادة (ج و ح), وعرف ابن عرفة الجائحة بأنها: "ما أتلف من معجوز عن نفعه عادة قهرا من ثمر أو نبات بعد بيعه", شرح حدود ابن عرفة, محمد ابن قاسم الرصاع, ص (289).
(2) التاج والإكليل لمختصر خليل, (4/507).
(3) المرجع السابق, (4/507).
(4) ينظر: المنتقى, (4/232), ومنح الجليل, (5/235), والشرح الكبير, (3/182) وما بعدها.
(5) ينظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج, (4/467-468), ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, (2/91), وحاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي, (2/293).
(6) ينظر: الإنصاف, (5/75), وكشاف القناع, (3/284), ومطالب أولي النهى, (3/204).(6/6)
القول الثاني: هو من ضمان المشتري, وبه قال الحنفية(1), والشافعية في الجديد(2).
أدلة الأقولين:
أدلة القول الأول:
__________
(1) ينظر: شرح معاني الآثار, أبو جعفر الطحاوي، (4/34), والمبسوط, (13/44), وبدائع الصنائع, (5/239), وصرح الحنفية بأن القبض يكون بالتخلية بين المشتري والمبيع برفع الحائل بينهما على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه, بدائع الصنائع, (5/244), وإذا قبض المبيع كان من ضمان المشتري.
(2) ينظر: الأم, (3/58), وتحفة المحتاج في شرح المنهاج, (4/467-468), ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, (2/91), وحاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي, (2/293).(6/7)
1.أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضع الجوائح,(1) وقوله: "لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟"(2). وأجيب عن هذا الاستدلال بأن معنى الجوائح المذكورة في الحديث الأول هي الجوائح التي يصاب الناس بها, ويجتاحهم في الأرضين الخراجية التي خراجها للمسلمين, فيوضع ذلك الخراج عنهم, لأن في ذلك صلاحاً للمسلمين, وتقوية لهم في عمارة أرضيهم وأما في الأشياء المبيعات, فلا. وأما الحديث الثاني, فمعناه غير هذا المعنى, وذلك أنه ذكر فيه البيع, ولم يذكر فيه القبض, فيحمل على البياعات التي تصاب في أيدي بائعيها, قبل قبض المشتري لها, فلا يحل للباعة أخذ أثمانها, لأنهم يأخذونها بغير حق. فأما ما قبضه المشترون, وصار في أيديهم, فذلك كسائر البياعات, التي يقبضها المشترون لها, فيحدث بها الآفات في أيديهم. فكما كان غير الثمار, يذهب من أموال المشترين لها, لا من أموال باعتها, فكذلك الثمار(3).
2.التخلية ليست بقبض تام, بدليل ما لو تلفت بعطش عند بعضهم, ولا يلزم من إباحة التصرف تمام القبض, بدليل المنافع في الإجارة يباح التصرف فيها, ولو تلفت كانت من ضمان المؤجر, كذلك الثمرة, فإنها في شجرها, كالمنافع قبل استيفائها, توجد حالاً فحالاً(4).
أدلة القول الثاني:
__________
(1) أخرجه مسلم, ص (636), كتاب المساقاة, باب وضع الجوائح, رقم: (1554), من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(2) أخرجه البخاري, كتاب البيوع, باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها, ص (410), رقم: (2198), ومسلم, ص (636), كتاب المساقاة, باب وضع الجوائح, رقم: (1555).
(3) شرح معاني الآثار, (4/34).
(4) المغني, ابن قدامة, (6/178).(6/8)
1.ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه: "تصدقوا عليه", فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغرمائه: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك"(1). فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل دين الغرماء, بذهاب الثمار, وفيهم باعتها, ولم يرده على الباعة بالثمن, إن كانوا قد قبضوا ذلك منه, ثبت أن الجوائح الحادثة في يد المشتري, لا تكون مطالبة عنه شيئاً من الثمن, الذي عليه للبائع(2). وأجيب بأنه يحتمل أنها تلفت بعد أوان الجذاذ وتفريط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر فإنها حينئذ تكون من ضمان المشتري, لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث: "ليس لكم إلا ذلك", ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الدين(3).
__________
(1) أخرجه مسلم, ص (636), كتاب المساقاة, باب استحباب الوضع من الدين, رقم: (1556).
(2) شرح معاني الآثار, (4/34).
(3) شرح النووي على صحيح مسلم, (10/461).(6/9)
2.ما روى الإمام أحمد, رحمه الله, من أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "بأبي وأمي, ابتعت أنا وابني من فلان ثمرة أرضه فأتيناه نستوضعه والله ما أصبنا من ثمره شيئاً إلا شيئاً أكلنا في بطوننا أو نطعمه مسكيناً رجاءً البركة فحلف ألاّ يفعل, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تألّى ألاّ يفعل خيراً, ثلاث مرات"(1). ولو كان واجباً لأجبره عليه; لأن التخلية يتعلق بها جواز التصرف, فتعلق بها الضمان, كالنقل والتحويل.
وأجيب بأن فعل الواجب خير, فإذا تألّى ألاّ يفعل الواجب, فقد تألى ألاّ يفعل خيراً(2).
الترجيح:
خصّ أصحاب القول الثاني وضع الجوائح المذكور في الحديث بالأرضين الخراجية وهذا تخصيص من غير مخصص, والأصل عموم, وسبقت الإجابة عن أدلتهم فتبين رجحان القول الأول وأن من اشترى الثمرة دون الأصل, فتلفت بجائحة من السماء, رجع بها على البائع.
قدر الجائحة التي توضع:
يرى المالكية أن الجائحة إن كانت دون الثلث فإنه لم يجب وضعها, وإن كانت الثلث فأكثر وجب وضعها وكانت من ضمان البائع, ولهم تفصيلات وخلافات في جنس الثمرة ونوع الجائحة, ووافق الحنابلة المالكية في رواية عندهم, ويرى بقية القائلين بوضع الجوائح أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها, إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله, كالشيء اليسير الذي لا ينضبط, فلا يلتفت إليه(3).
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده, باقي مسند الأنصار من حديث عائشة رضي الله عنها, ص (1839), رقم: (25249). وذكره ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود عند الحديث: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك", ثم قال: "وعلله الشافعي بالإرسال, وقد أسنده يحيى بن سعيد عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة، وأسنده حارثة بن أبي الرجال عن أبيه". عون المعبود, (7/463).
(2) المغني, ابن قدامة, (6/178).
(3) التاج والإكليل لمختصر خليل, (4/507), والإنصاف, (5/75), والمغني, ابن قدامة, (6/179).(6/10)
واستدل من اشترط الثلث بأن الثمار لا تسلم من يسير العفن وأكل الطير, والمبتاع قد دخل على إصابة اليسير, واليسير المحقق ما دون الثلث لأن الثلث في حد الكثرة, وما دونه في حد القلة, بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوصية: "الثلث, والثلث كثير"(1), فدل على أنه آخر حد الكثرة, ولذا قدر به(2).
واستدل من لم يشترط الثلث بعموم الأحاديث, قال ابن قدامة: "فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح, وما دون الثلث داخل فيه, فيجب وضعه. ولأن هذه الثمرة لم يتم قبضها, فكان ما تلف منها من مال البائع, وإن كان قليلاً, كالتي على وجه الأرض, وما أكله الطير أو سقط لا يؤثر في العادة, ولا يسمى جائحة, فلا يدخل في الخبر, ولا يمكن التحرز منه, فهو معلوم الوجود بحكم العادة, فكأنه مشروط.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
ما تلف من الثمار مما جرت العادة بتلف مثله وما لا يمكن التحرز منه, كالهواء لا بد أن يرمي بعض الثمرة, والطير لا بد أن يأكل منه, لا يعتبر جائحة يشرع وضعها ولا يكون من ضمان البائع باتفاق العلماء؛ لأن اليسير مغتفر ولا يلتفت إليه.
المبحث الثالث: الغبن اليسير وأثره في ثبوت الخيار.
تعريف الغبن:
__________
(1) أخرجه البخاري, ص (527), كتاب الوصايا, باب أن يترك ورثته أغنيا خير من أن يتكففوا, رقم: (2742), ومسلم, ص (667), كتاب الوصية, باب الوصية بالثلث, رقم: (1628).
(2) المنتقى شرح الموطأ, (4/236), حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني, (2/198), والمغني, ابن قدامة, (6/179).(6/11)
الغبْن بالتسكين في البيع والغبَن بالتحريك في الرأي وغبنت رأيك أي نسيته وضيَّعته, غبن الشيء وغبن فيه غبناً: نسيه وأغفله وجهله, وغبِن رأيه بالكسر إذا نقصه, والغبن في البيع والشراء الوكس, وغبنه بمعنى خدعه ونقصه وغلبه, وقد غبن فهو مغبون(1).
والغبن عند الفقهاء: "زيادة على الثمن المعتاد بالنسبة للمشتري ونقص عنه بالنسبة للبائع"(2).
الغبن الذي يثبت به الخيار:
لا يثبت الخيار بغبن يسير(3) وإنما تكلم الفقهاء في ثبوت الخيار بغبن فاحش, وللعلماء في معرفة الغبن الفاحش طرق:
يرى الحنفية أن الغبن الفاحش ما لا يدخل تحت تقويم المقومين, وذلك كما لو وقع البيع بعشرة مثلا, ثم إن بعض المقومين يقول: إنه يساوي خمسة, وبعضهم: ستة, وبعضهم: سبعة, فهذا غبن فاحش; لأنه لم يدخل تحت تقويم أحد, بخلاف ما إذا قال بعضهم: ثمانية, وبعضهم: تسعة, وبعضهم: عشرة, فهذا غبن يسير(4).
وحدّد المالكية وبعض الحنابلة الغبن الفاحش بالثلث(5)؛ لأنه كثير كما ورد في الحديث: "والثلث كثير"(6).
ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد, والغبن الفاحش ما لا يتغابن الناس به في العادة; لأن ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف(7).
ثبوت الخيار بالغبن:
__________
(1) لسان العرب, (13/309), مادة (غ ب ن), ومختار الصحاح, ص (410), والمعجم الوسيط, ص (643).
(2) منح الجليل شرح مختصر خليل, (5/216), وينظر: المصباح المنير, ص (442), مادة (غ ب ن), والبحر الرائق, (6/125).
(3) ينظر: رد المحتار على الدر المختار, (5/143-144), ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام, (1/131), ومنح الجليل شرح مختصر خليل, (5/216), والمغني, ابن قدامة, (6/36-37).
(4) رد المحتار على الدر المختار, (5/143-144).
(5) ينظر: منح الجليل شرح مختصر خليل, (5/216), والمغني, ابن قدامة, (6/36-37), والإنصاف, (4/394).
(6) سبق تخريجه, ص (75).
(7) المغني, ابن قدامة, (6/36-37), والإنصاف, (4/394).(6/12)
ظاهر كلام الفقهاء, عدا الحنابلة, يوحي بعدم ثبوت الخيار بالغبن, ولكن عند تدقيق النظر يُلحظ أنهم متفقون على ثبوته إذا غَبن أحد المتعاقدين الآخر غبناً فاحشاً وكان ذلك على وجه التغرير, ويتبين ذلك جلياً من النقولات التالية:
جاء في رد المحتار: "أن أصحابنا يقولون في المغبون: إنه لا يرد لكن هذا في مغبون لم يغرّ, أما في مغبون غُرّ يكون له حق الرد.. ويفتى بالرد"(1).
وقال ابن رشد(2): "إن وقع البيع أو الشراء على وجه الاسترسال والاستنامة(3) فالقيام بالغبن واجب, وإن وقع على وجه المكايسة فلا قيام بالغبن اتفاقا"(4).
__________
(1) رد المحتار على الدر المختار, (5/143-144), وينظر: البحر الرائق, (6/125), ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر, شيخي زاده, (2/24).
(2) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي، الفيلسوف, الشهير بالحفيد, من أهل قرطبة. أسهم في علوم كثيرة, وعني بكلام أرسطو وترجمه إلى العربية، وزاد عليه زيادات كثيرة, واتهمه خصومه بالزندقة والإلحاد, توفي سنة: 595 ?. من مؤلفاته: فلسفة ابن رشد, والتحصيل, وتهافت التهافت, وبداية المجتهد ونهاية المقتصد, وغيرها. ينظر: سير أعلام النبلاء, (21/307), والأعلام للزركلي, (5/318).
(3) كأن يقول: بعني كما تبيع الناس, أو اشتر مني كما تشتري من الناس فإني لم أعلم الثمن فيغبنه بالزيادة في البيع والنقص في الشراء فله الرد به. منح الجليل شرح مختصر خليل, (5/216).
(4) منح الجليل شرح مختصر خليل, (5/216), وينظر: مواهب الجليل, (4/467), وشرح مختص خليل للخرشي, (5/152), وحاشية الدسوقي, (3/140).(6/13)
وجاء في المهذب: "وإن اشترى شيئاً فتبين أنه غبن في ثمنه لم يثبت له الرد; لما روي أن حبان بن منقذ(1) كان يخدع في البيع, فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا بعت فقل: لا خلابة, ولك الخيار ثلاثا"(2), ولم يثبت له خيار الغبن; ولأن المبيع سليم ولم يوجد من جهة البائع تدليس, وإنما فرط المشتري في ترك الاستظهار فلم يجز له الرد"(3). ويثبت الشافعية الرد بالغبن في مسألة تلفي الركبان(4)(5).
__________
(1) هو حبان ابن منقذ بن عمرو بن عطية بن خنساء الأنصاري الخزرجي. واختلف في القصة هل وقعت لحبان بن منقذ أو لأبيه منقذ بن عمرو؟ قيل مات حبان في خلافة عثمان. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة, (2/11).
(2) أخرجه البخاري, ص (399), كتاب البيوع, باب ما يكره من الخداع في البيع, رقم: (2117), من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يخدع في البيوع فقال: "إذا بايعت فقل لا خلابة", ومسلم, ص (621), كتاب البيوع, باب من يخدع في البيع, رقم: (1534).
(3) المهذب, مع المجموع, (11/571), وينظر: حاشيتا قليوبي وعميرة, (2/245).
(4) تلقي الركبان هو: "أن يتلقى طائفة يحملون متاعاً إلى البلد فيشتريه منهم قبل قدومهم ومعرفتهم بالسعر", شرح المحلي على منهاج الطالبين مع حاشيتي قليوبي وعميرة, (2/227).
(5) ينظر: شرح المحلي على منهاج الطالبين مع حاشيتي قليوبي وعميرة, (2/227), وأسنى المطالب, (2/39), ومغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج, (2/36), ونهاية المحتج, (3/467).(6/14)
وقال ابن قدامة: "ويثبت الخيار في البيع للغبن في مواضع: أحدها, تلقي الركبان, إذا تلقاهم فاشترى منهم وباعهم وغبنهم, الثاني: بيع النجش(1), ويذكران في مواضعهما, الثالث: المسترسل(2), إذا غبن غبناً يخرج عن العادة, فله الخيار بين الفسخ والإمضاء(3).
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
الغبن الذي يوجب الخيار هو الغبن الفاحش دون يسيره, ولو ثبت الخيار بالغبن اليسير لأدّى ذلك إلى حرج ومشقة ولما استقام أحوال الناس في بيعهم وشرائهم؛ إذ لا يمكن الاحتراز منه, فالغبن في شيء يسير مما يتغابن الناس بمثله ومما لا غنى عنه مغتفر ولا يثبت به الخيار.
قال ابن العربي(4): "إنما أذن الله سبحانه في الأموال بالأكل بالحق, والتعامل بالصدق, وطلب التجارة بذلك, فمتى خرج عن يد أحد شيء من ماله بعلمه لأخيه فقد أكل كل واحد منهما ما يرضي الله ويرتضيه; وإن خرج شيء من ماله عن يده بغير علمه فلا يخلو أن يكون مما يتغابن الناس بمثله مما لا غنى عنه في ارتفاع الأسواق وانخفاضها عنه فإنه حلال جائز بغير خلاف; إذ لا يمكن الاحتراز منه.."(5).
__________
(1) بيع النجش: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها, ليقتدي به المستام, فيظن أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا وهي تساويه, فيغتر بذلك. الإنصاف, (4/394).
(2) المسترسل: هو الجاهل بقيمة السلعة الذي لا يحسن المبايعة ولا يحسن أن يماكس أو لا يماكس. المغني, ابن قدامة, (6/36).
(3) المغني, ابن قدامة, (6/36), وينظر: الإنصاف, (4/394), وكشاف القناع, (3/211).
(4) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد، المعروف بابن العربي المعافري الأندلسي الإشبيلي الحافظ. توفي سنة 543?. من مصنفاته: عارضة الأحوذي في شرح الترمذي, أحكام القرآن, والناسخ والمنسوخ, وغيرها. ينظر: وفيات الأعيان, (4/296), سير أعلام النبلاء, (20/198), والأعلام للزركلي, (6/230).
(5) أحكام القران, ابن العربي, (2/319).(6/15)
المبحث الرابع: الاستعمال اليسير للمبيع وأثره في سقوط خيار العيب.
تعريف العيب:
العيب في اللغة مصدر الفعل "عاب", يقال: عاب الشيء عيباً, وعاباً, أي: صار ذا عيب, وجمعه عيوب وأعياب(1).
والعيب في الاصطلاح: "ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة"(2), كما عرفه الفقهاء الحنفية وتعريفات المذاهب الأخرى قريبة من هذا المعنى(3).
مشروعية الرد بالعيب:
لا خلاف بين أهل العلم في الرد بالعيب في الجملة(4), وقد دل على ذلك عموم قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } (5), والوجه في الاستدلال أن السلامة مرغوبة المشتري, ولم يحصل, فقد اختل رضاه, وهذا يوجب الخيار(6).
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (1/633), مادة (ع ي ب), ومختار الصحاح, ص (406), والمعجم الوسيط, ص (638).
(2) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/31).
(3) ينظر: التاج والإكليل لمختصر خليل, (4/428), ومغني المحتاج, (2/50), والإنصاف, (4/406).
(4) ينظر: بدائع الصنائع, (5/273), وتبيين الحقائق, (4/31), ورد المحتار, (5/5), والمدونة, (3/187), والتاج والإكليل, (4/428), وحاشية الدسوقي, (3/91), ومنح الجليل, (5/135), والمجموع, (9/169), أسنى المطالب, (2/62), ومغني المحتاج, (2/50), والإنصاف, (4/405), وشرح منتهى الإرادات, (2/44), ومطالب أولي النهى, (3107).
(5) سورة النساء, الآية (29).
(6) بدائع الصنائع, (5/274).(6/16)
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاع تمر"(1). وهذا الحديث أصل في مشروعية الرد بالعيب.
والغالب في الأعيان السلامة, فبدل المال يكون في مقابلة السليم, فإذا بان العيب وجب التمكن من التدارك بالرد(2).
وإذا علم المشتري بالعيب حين العقد لا خيار له لدخوله على البصيرة, وكذلك إذا علم بالعيب بعد لزوم العقد ورضي به لأن الحق له.
ورضا المشتري يكون بأحد أمرين:
الأول: عبارة صريحة, كلفظ: رضيت بالعيب, أسقطت خيار العيب, ونحو ذلك من العبارات المفيدة للرضا.
الثاني: دلالة الأفعال أو التصرفات, بأن يوجد من المشتري بعد العلم بالعيب تصرف في المبيع يدل على الرضا بالعيب, نحو ما إذا كان ثوباً فصبغه أو قطعه, أو كان أرضاً فبنى عليها أو لحماً فشواه, أو تصرف تصرفاً أخرجه عن ملكه; لأن الإقدام على هذه التصرفات مع العلم بالعيب دليل الرضا بالعيب, وذلك يبطل حق الرد. قال الكاساني(3): "كل تصرف يوجد من المشتري في المشترى بعد العلم بالعيب يدل على الرضا بالعيب يسقط الخيار ويلزم البيع"(4).
آراء الفقهاء في سقوط حق الخيار باستخدام يسير للمبيع بعد العلم بالعيب:
للعلماء في هذه المسألة قولان:
__________
(1) أخرجه البخاري, ص (403), كتاب البيوع, باب النهي للبائع ألا يحفل الإبل والبقر, رقم: (2148), واللفظ له, ومسلم, ص (617), كتاب البيوع, حكم بيع المصراة, رقم: (1524).
(2) مغني المحتاج, (2/50).
(3) هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الملقب بعلاء الدين الشاشي الحنفي, والكاساني نسبة إلى كاسان مدينة في أول بلاد تركستان, فقيه، أصولي, نزيل حلب توفي بها سنة 587?. آثاره: السلطان المبين في أصول الدين، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. ينظر: معجم المؤلفين, (3\76), والأعلام, للزركلي, (2\70).
(4) بدائع الصنائع, (5/282).(6/17)
القول الأول ودليله: الاستخدام اليسير للمبيع بعد العلم بالعيب يبطل الخيار لأنه دليل الرضا, ويستثنى من ذلك الاستخدام لصالح المبيع, كسقي الدابة وعلفها, وما كان في سبيل رد المبيع إلى البائع, كركوب السيارة للوصول إلى البائع. وهذا مذهب الحنفية استحساناً(1), والمالكية(2), والشافعية(3), إلا أن الشافعية ضيقوا الأمر فيرون الاستخدام للرد مسقطاً للخيار ما عدا الاستخدام الذي لا بد منه, كركوب جموح يعسر سوقها للحاجة, أو ركوب سيارة لردها إلى البائع.
قال الكاساني: "ولو كان المشترى دابة فركبها بعد العلم بالعيب فإن ركبها لحاجة نفسه يسقط خياره, وإن ركبها ليسقيها أو ليردها على البائع أو ليشتري لها علفاً ففيه قياس واستحسان, كما في الاستخدام, وقد ذكرنا ذلك في خيار الشرط, ولو ركبها لينظر إلى سيرها بعد العلم بالعيب يكون رضا يسقط خياره"(4).
وجاء في التاج والإكليل: "قال ابن القاسم(5) في الحاضر يركب الدابة ركوب احتباس لها بعد أن علم بالعيب: فإنها تلزمه وذلك رضا, وإن ركبها ليردها وشبه ذلك فلا شيء عليه"(6).
__________
(1) ينظر: المبسوط, (13/99), وبدائع الصنائع, (5/270, و282), وتبيين الحقائق, (4/42).
(2) ينظر: التاج والإكليل لمختصر خليل, (4/441), وشرح مختصر خليل للخرشي, (5/116, و136), وحاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني, (2/153).
(3) ينظر: المجموع, (11/349), وأسنى المطالب, (2/68), ومغني المحتاج, (2/58).
(4) بدائع الصنائع, (5/270).
(5) هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي بالولاء، الفقيه المالكي؛ جمع بين الزهد والعلم وتفقه بالإمام مالك، وهو صاحب " المدونة " في مذهبهم، وهي من أجل كتبهم. وتوفي سنة 191 هـ. ينظر: وفيات الأعيان, (3/129), والديباج المذهب, (1/146).
(6) التاج والإكليل لمختصر خليل, (4/441).(6/18)
وفي مغني المحتاج: "ويشترط في الرد ترك الاستعمال, فلو استخدم العبد, ولو بشيء خفيف كقوله: اسقني ولو لم يسقه.. بطل حقه من الرد لإشعار ذلك بالرضا"(1).
القول الثاني ودليله: الاستخدام اليسير للمبيع بعد العلم بالعيب لا يبطل الخيار مطلقاً, سواء كان لحاجة المبيع أو لغرض الاختبار, كأن يركب السيارة لينظر سيرها, أو ليردها على بائعها, أو استخدم الآلة الكهربائية ليختبرها, أو لبس القميص ليعرف قدره; لأن ذلك ليس برضا بالمبيع, ولا يختص بالملك, ولهذا لا يسقط به خيار الشرط. وإن استخدمها لغير ذلك استخداماً كثيراً, بطل رده, وهذا مذهب الحنابلة(2), وقول عند الشافعية(3).
الترجيح:
الذي يظهر, والله أعلم, هو رجحان القول الثاني القاضي بأن الاستخدام اليسير للمبيع ولو لم يكن لصالح المبيع أو في سبيل الرد لا يسقط الخيار لأنه لا يدل على الرضا ولا يختص بالملك, ولأن المشتري بحاجة إلى ذلك ليتأكد من العيب ومدى ضرره.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
الاستخدام اليسير للمبيع بعد العلم بالعيب لصالح المبيع, كسقي الدابة ونحوه, معفو عنه باتفاق العلماء, وكذلك الاستخدام الذي لا بد منه للرد, كركوب السيارة لردها إلى البائع, وهذا الاستخدام لا يدل على الرضا بالمبيع ليسره والحاجة إليه فكان مغتفراً.
وعلى القول المختار, كما سبق الترجيح, يعفى عن الاستخدام اليسير ولو كان لحاجة المشتري فلا يبطل الخيار؛ لأنه لا يدل على الرضا.
ضابط اليسير في هذه المسألة:
__________
(1) مغني المحتاج, (2/58).
(2) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/248-249), والإنصاف, (4/388), وكشاف القناع, (3/208).
(3) ينظر: تحفة المحتاج, (4/373), مغني المحتاج, (2/58).(6/19)
الاستخدام الذي لا يختص بالملك ولا يشعر بالرضا يعتبر يسيراً, وقد اتفق العلماء على هذا الضابط وإن اختلفوا في تطبيقه(1).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع, (5/270), التاج والإكليل لمختصر خليل, (4/441), مغني المحتاج, (2/58), والمغني, ابن قدامة, (6/248-249).(6/20)
الفصل الثالث: تطبيقات القاعدة في باب الربا
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه.
المبحث الثاني: بيع المال الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير من غير جنسه.
المبحث الثالث: التفاضل اليسير في مبادلة المال الربوي بجنسه.
المبحث الرابع: المفارقة اليسيرة في صرف النقود.
المبحث الخامس: المنفعة اليسيرة في ربا القرض.
توطئة:
هذا الفصل يتناول مسائل متعلقة بالربا لذا كان من المناسب في البداية أن نعرف الربا كي يتميز عن غيره فلا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج عنه ما هو منه.
تعريف الربا:
الربا في اللغة من ربا الشيء يربو ربواً ورباءً: زاد ونما, وأربيته: نمّيته, والرابية ما ارتفع من الأرض, فالربا: النمو والزيادة والعلو(1).
أما الربا في الاصطلاح فقد اختلف العلماء في تعريفه تبعاً لاختلافهم في مفهوم الربا, فهو عند الحنفية: "الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع"(2), وعند الشافعية: "عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما"(3), وعرّفه الحنابلة بأنه: "الزيادة في أشياء مخصوصة"(4).
حكم الربا:
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (14/304), مادة (رب ا), ومختار الصحاح, ص (213), والمعجم الوسيط, ص (326).
(2) المبسوط, (12/109), وينظر: تبيين الحقائق, (4/85).
(3) أسنى المطالب, زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري, (2/21), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/208).
(4) المغني, ابن قدامة, (6/51), وينظر: كشاف القناع, (3/251).(7/1)
الربا حرام بالكتاب, والسنة, والإجماع; أما الكتاب, فقول الله سبحانه وتعالى: { وَحَرَّمَ الرِّبَا } (1), وأما السنة, فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلا بمثل, سواء بسواء, يدا بيد"(2). وثبت أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه لعن آكل الربا, وموكله, وشاهديه, وكاتبه, وقال: هم سواء"(3). وأجمعت الأمة على أن الربا محرم(4).
أنواع الربا:
من الربا ما هو بيع, ومنه ما ليس ببيع وهو ربا أهل الجاهلية وهو القرض المشروط فيه الأجل وزيادة مال على المستقرض(5). والربا في البيع هو الذي يكون في الأعيان الربوية وقد اختلف الفقهاء في عدد أنواعه: فذهب الحنفية, والمالكية, والحنابلة إلى أنه نوعان: الأول: ربا الفضل, وعرفه الحنفية بأنه: "زيادة عين مال شرطت في عقد البيع على المعيار الشرعي", والثاني: ربا النسيئة, وهو: "فضل الحلول على الأجل, وفضل العين على الدين في المكيلين أو الموزونين عند اختلاف الجنس, أو في غير المكيلين أو الموزونين عند اتحاد الجنس(6).
__________
(1) سورة البقرة, الآية (275).
(2) سبق تخريجه, ص (60).
(3) أخرجه مسلم, ص (651), كتاب المساقاة, باب لعن آكل الربا وموكله, رقم: (1598), من حديث جابر- رضي الله عنهم -.
(4) المغني, ابن قدامة, (6/51-52), وينظر: الإجماع, ابن المنذر, ص (133).
(5) ينظر: أحكام القرآن للجصاص, (2/189), وبدائع الصنائع, (7/395), أسنى المطالب, (2/21).
(6) بدائع الصنائع, (5/183), وينظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي, (3/28), والمغني, ابن قدامة, (6/52), وكشاف القناع, (3/251).(7/2)
وذهب الشافعية إلى أن ربا البيع ثلاثة أنواع: الأول: ربا الفضل, وهو: "البيع بزيادة أحد العوضين في متحد الجنس", والثاني: ربا اليد, وهو: "تأخير قبض العوضين أو أحدهما مطلقاً, من غير ذكر أجل", والثالث: ربا النساء, وهو: "ذكر الأجل في العقد ولو قصيراً(1).
المبحث الأول: بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه.
صورة المسألة:
لا يجري ربا الفضل إلا في الجنس الواحد, فيجوز بيع المال الربوي بغير جنسه متفاضلا فإن اتحدا في علة الربا, كالذهب والفضة, اشترط التقابض في مجلس العقد, وإن لم يتحدا في علة الربا, كبيع الذهب بالبر, جاز النساء. قال ابن قدامة: "ولا خلاف في إباحة التفاضل في الذهب بالفضة, مع تقارب منافعهما. فأما النساء; فكل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة, كالمكيل بالمكيل, والموزون بالموزون, والمطعوم بالمطعوم, عند من يعلل به, فإنه يحرم بيع أحدهما بالأخر نساءً, بغير خلاف نعلمه"(2).
حكم بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه:
تناول الفقهاء هذه المسألة في عدة صور, منها: مسألة مد عجوة ودرهم(3), وبيع بيت سقفه مموه بالذهب بالدنانير, وبيع السيف المحلى بالذهب أو الفضة بما حلي به, وبيع العبد له مال, وصرف الدراهم المغشوشة, وبيع شاة باللبن وفيها اللبن على القول بجريان الربا في اللبن, وغير ذلك من الصور, وبالنظر إلى هذه المسائل يلحظ الباحث أن بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون اليسير مقصوداً, كحلية السيف, وبيع المحلى بجنس حليته عموماً, ففي جواز هذا البيع قولان لأهل العلم:
__________
(1) ينظر: المجموع, (10/69), ومغني المحتاج, (2/21), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/209).
(2) المغني, (6/61-62).
(3) مسألة مد عجوة ودرهم هي بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض ومع أحدها أو معهما من غير جنسهما. الإنصاف, (5/34).(7/3)
القول الأول: يجوز بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه, وهذا مذهب الحنفية(1), والمالكية(2), ورواية عند الحنابلة(3), ولكن يشترط الحنفية والحنابلة أن يكون المنفرد أكثر من الذي معه غيره, ويشترط المالكية لجواز شراء مصحف أو سيف أو خاتم وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بجنس ما حلي به أربعة شروط:
1.أن يكون ذلك النوع من الحلي مباحاً في الشرع استعماله واتخاذه, كالسيف, والمصحف, وخاتم الرجل يكون فيه حلية الفضة, وحلي النساء يكون فيه الذهب والفضة.
2.أن يكون ما فيه من الذهب أو الفضة تبعاً لقيمة المحلى, والثلث وما دونه في حكم التبع وما زاد على ذلك فليس بتبع.
3.أن يكون الحلي مرتبطاً بالمحلى ارتباطاً في إزالته مضرة فلا يقدر على إزالته من المبيع وتمييزه إلاّ بمضرة لاحقة.
4.تعجيل المعقود عليه من ثمن ومثمن فلو أجل مُنع بالنقد.
فإذا كُملت هذه الشروط الأربعة جاز أن يباع المحلى فيه بجنس ما فيه من الحلي فإن كان محلى بفضة جاز بيعه بالفضة وإن كان محلى بذهب جاز بيعه به, وإن انخرم شرط من ذلك لم يجز(4).
القول الثاني: لا يجوز هذا البيع, وهذا مذهب الشافعية(5), والحنابلة(6).
أدلة القولين:
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع, (5/218), والعناية شرح الهداية, (7/151), ورد المحتار, (4/552).
(2) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, (4/269), والتاج والإكليل, (4/330), والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي, (3/39).
(3) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/93), والفروع لابن المفلح, (6/305-306), والإنصاف, (5/34).
(4) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, (4/269), والتاج والإكليل, (4/330), والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي, (3/39).
(5) ينظر: الأم, (3/34), والمجموع, (10/240), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/215).
(6) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/96), والإنصاف, (5/34).(7/4)
دليل القول الأول: أمور المسلمين محمولة على الصحة والسداد ما أمكن; لأنه لو اشترى لحماً من قصاب, جاز مع احتمال كونه ميتة, ولكن وجب حمله على أنه مذكّى, تصحيحاً للعقد, وقد أمكن التصحيح هاهنا, بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس, أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل(1).
وأجاب المخالفون بأن قولهم: "يجب تصحيح العقد" ليس مسلماً به, بل يحمل العقد على ما يقتضيه من صحة وفساد. ولذلك لو باع بثمن وأطلق, وفي البلاد نقود بطل, ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه, أما إذا باع لحماً فالظاهر أنه مذكّى; لأن المسلم, في الظاهر, لا يبيع الميتة(2).
أدلة القول الثاني:
1.ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنه أُتي بقلادة فيها خرز وذهب وهي من المغانم تباع فأمر بالذهب الذي في القلادة فنُزع وحده ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب وزنا بوزن"(3).
وجه الدليل من الخبر: أنه أمر بنزع الخرز وإفراد الذهب ليمكن بيعه ولو جاز بيعه مع الخرز لما احتاج إلى وزنه, ثم قال: "الذهب بالذهب وزنا بوزن", فنبه بذلك على أن علة إفراده بالبيع أن يتحقق فيه الوزن بالوزن(4).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع, (5/218), والمغني, ابن قدامة, (6/92-95).
(2) المغني, ابن قدامة, (6/92-95).
(3) أخرجه مسلم, ص (648), كتاب المساقاة, باب بيع القلادة فيها خرز وذهب, رقم: (1591), من حديث فضالة بن عبيد الأنصاري - رضي الله عنه -.
(4) المنتقى شرح الموطأ, (4/277).(7/5)
2.إذا جمع العقد عوضين مختلفي الجنس, وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر, على قدر قيمة الآخر في نفسه, فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض, فبيع الدينار مع سلعة بالدينارين بيع مع التفاضل بين الذهبين; لأن السلعة التي مع الدينار مقسطة مع دينارها على الدينارين فيصيب كل دينار نصف دينار ونصف السلعة, وربما كانت السلعة أكثر قيمة من الدينار أو أقل قيمة فيقابل أكثر الدينارين أو أقلهما, ويقابل الباقي من الذهب التي مع السلعة أقل من وزنها أو أكثر(1).
3.هذا العقد ممنوع للذريعة إلى الحرام(2).
الترجيح:
الذي يظهر, والله أعلم, هو رجحان القول الثاني, القاضي بالمنع وعدم الجواز, لقوة أدلة القائلين به وسلامتها من المناقشة, وسداً لذريعة الربا, ولضعف أدلة القول الآخر وعدم سلامتها من المناقشة. أما إذا توفرت الشروط التي ذكرها المالكية فحينئذ يتوجه القول بالجواز حيث لا يبقى محذور شرعي, والأصل في المعاملات الحل والإباحة وفيه تيسير على الناس, والله أعلم.
الحالة الثانية: أن يكون اليسير غير مقصود, كدار مموه سقفها بالذهب إذا بيعت بالذهب, فيجوز باتفاق, قال ابن قدامة: "وإن باع ما فيه الربا بغير جنسه, ومعه من جنس ما بيع به, إلا أنه غير مقصود, كدار مموه سقفها بالذهب, جاز, لا أعلم فيه خلافاً"(3).
__________
(1) المرجع السابق, (4/277), والمغني, ابن قدامة, (6/94).
(2) المنتقى شرح الموطأ, (4/277).
(3) المغني, ابن قدامة, (6/96).(7/6)
واشترط الشافعية أن يكون التمويه بحيث لو نحت لا يخرج منه شيء, أو ألا يكون المال الربوي المباع مع غيره ظاهراً حين العقد؛ لأنه حينئذ يقصد لذاته(1). ولا يسلم لهم ذلك بدليل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع"(2). فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز بيع العبد الذي له مال مع ماله إذا اشترطه المبتاع, مع احتمال أن يكون ثمنه ربويا من جنس مال العبد, فدل ذلك على جواز بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه من جنس المال الربوي, إذا كان تابعاً(3), ومعلوم أن مال العبد ظاهر حين العقد وإلاّ لما استطاع المبتاع أن يشترطه.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
هذه المسألة من تطبيقات القاعدة؛ لأن اليسير مغتفر باتفاق العلماء, إلا أنهم اختلفوا في قدر اليسير الذي يغتفر ولا يمنع من جواز البيع, وأوسع المذاهب في هذه المسألة مذهب الأحناف حيث يكفي عندهم أن يكون المال الربوي المنفرد أكثر من الذي معه غيره, وأضيق المذاهب في هذه المسألة مذهب الشافعية حيث اشترطوا أن يكون المال الربوي التابع يسيراً جداً بحيث لو أفرد لما بقيت له قيمة.
المبحث الثاني: بيع المال الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير من غير جنسه.
صورة المسألة:
من صور هذه المسألة بيع خاتم الفضة مع فص من غيرها بفضة خالصة, وبيع درهم مغشوش بفضة خالصة.
__________
(1) ينظر: المجموع, (10/270), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/215).
(2) أخرجه البخاري, ص (446), كتاب المساقاة, باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط, الرقم: (2379), ومسلم, ص (625), كتاب البيوع, باب من باع نخلا عليها ثمر, رقم: (1543).
(3) ينظر: مجموع الفتاوى, ابن تيمية, (29/465).(7/7)
والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها أن المال الربوي في المسألة الأولى كان تابعاً لغيره فكان من باب بيع الربوي بغير جنسه وفي هذه المسألة يباع الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير تابع من غير جنسه.
حكم بيع المال الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير من غير جنسه:
يشترط لجواز بيع المال الربوي بجنسه التقابض في مجلس العقد والتماثل بينهما ولا يجوز بيعه متفاضلا, لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثلا بمثل, سواء بسواء, يدا بيد"(1), ولغيره من الأدلة(2). قال ابن قدامة, رحمه الله: "والربا على ضربين: ربا الفضل, وربا النسيئة, وأجمع أهل العلم على تحريمهما"(3).
ويتصور في بيع المال الربوي بجنسه ومعه يسير من غير جنسه حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون اليسير مما لا قيمة له ولا تأثير في كيل أو وزن, ويكون تابعاً لغيره, غيرَ مقصود لذاته, كتراب في حنطة أو حبات شعير فيها, فهذا مغتفر باتفاق أهل العلم(4).
جاء في المجموع: "إذا باع حنطة بحنطة في المكيالين, أو أحدهما شعير أو تراب فهو ممنوع إن أثر في التماثل, جائز إن لم يؤثر"(5).
__________
(1) سبق تخريجه, ص (60).
(2) ينظر: المجموع, (10/39-40), والمغني, ابن قدامة, (6/51) وما بعدها, وقال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن الستة الأصناف متفاضلا, يدا بيد ونسيئة لا يجوز أحدهما وهو حرام". الإجماع, ص (133).
(3) ينظر: المغني, (6/52).
(4) ينظر: المبسوط, (12/185), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/96), والمدونة الكبرى, (14/500), والمجموع, (10/273), والغرر البهية في شرح البهجة الوردية, زكريا الأنصاري, (2/423), والفتاوى الفقهية الكبرى, الهيتمي, (2/238), والمغني, ابن قدامة, (6/97), وشرح منتهى الإرادات, (2/69), ومطالب أولي النهى, (3/159).
(5) المجموع, (10/273).(7/8)
وفي المغني: "وإن باع جنساً فيه الربا بجنسه, ومع كل واحد من غير جنسه غير مقصود, فذلك ينقسم أقساماً; أحدها: أن يكون غير المقصود يسيراً, لا يؤثر في كيل ولا وزن, كالملح فيما يعمل فيه, وحبات الشعير في الحنطة, فلا يمنع; لأنه يسير لا يخل بالتماثل, وكذلك لو وجد في أحدهما دون الآخر, لم يمنع لذلك, ولو باع ذلك بجنس غير المقصود الذي معه, مثل أن يبيع الخبز بالملح, جاز; لأن وجود ذلك كعدمه"(1).
الحالة الثانية: أن يكون اليسير له قيمة وله تأثير في وزن أو كيل, كنحاس في درهم, ففي بيعه بفضة خالصة للعلماء ثلاثة أقوال:
القول الأول ودليله: لا يجوز هذا البيع للعلم بالتفاضل ولأنه كبيع التمر بالرطب وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه(2), وهذا مذهب الشافعية(3), والحنابلة(4), وقول عند المالكية(5).
جاء في حاشية عميرة: "لو باع فضة مغشوشة بمثلها أو بخالصة إن كان الغش قدراً يظهر في الوزن امتنع وإلا جاز"(6).
__________
(1) المغني, ابن قدامة, (6/97).
(2) أخرجه البخاري, ص (409), كتاب البيوع, باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة, رقم: (2191), ومسلم, ص (623), كتاب البيوع, باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا العرايا, رقم: (1539).
(3) ينظر: المجموع, (10/237), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/218).
(4) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/97), والإنصاف, (5/26), وكشاف القناع, (3/261).
(5) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, (4/279), والتاج والإكليل, (4/334), ومواهب الجليل, (4/335).
(6) حاشيتا قليوبي وعميرة, (2/218), والمجموع, (10/237), والغرر البهية, (2/417).(7/9)
وفي كشاف القناع: "(وإن كان غير المقصود كثيراً وليس من مصلحته), أي مصلحة ما أضيف إليه (كاللبن المشوب بالماء) إذا بيع (بمثله, والأثمان المغشوشة) إذا بيعت (بغيرها), أي بأثمان خالصة من جنسها (لم يجز) للعلم بالتفاضل(1).
وقال ابن رشد: "أما مراطلة الذهب الخالصة بالذهب التي ليست بخالصة كالمراطلة بالعبادية, فمن الشيوخ من أجازه قياساً على قول أشهب(2) في إجازة مبادلة الدرهم الستوق بالدرهم الجياد وزناً بوزن, ومنهم من كان لا يجيز ذلك لما فيه من التفاضل بين الذهبين, ويقول: معنى قول أشهب: اليسير من الدراهم, قياساً على ما أجازوا من بدل النقاص بالوازن على وجه المعروف وهو الصحيح من الأقوال"(3).
القول الثاني ودليله: يجوز بيع درهم مغشوش بخالص إذا كانت الفضة غالبة؛ لأن اعتبار الغالب وإلحاق المغلوب بالعدم هو الأصل في أحكام الشرع, ولأن الدراهم الجياد لا تخلو عن قليل غش; لأن الفضة لا تنطبع بدونه, وهذا مذهب الحنفية(4).
__________
(1) كشاف القناع, (3/261), والإنصاف, (5/26), المغني, ابن قدامة, (6/97).
(2) هو أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي ثم الجعدي الفقيه المالكي المصري؛ تفقه على الإمام مالك، قال الإمام الشافعي، رحمه الله: "ما رأيت أفقه من أشهب لولا طيش فيه"، ويقال: إن اسمه مسكين، وأشهب لقب عليه. توفي سنة 204?. ينظر: سير أعلام النبلاء, (9/500), وفيات الأعيان, (1/239).
(3) التاج والإكليل, (4/334).
(4) ينظر: بدائع الصنائع, (5/196), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/139), والعناية شرح الهداية, (7/152).(7/10)
قال الكاساني: "فإن كانت الفضة فيها هي الغالبة بأن كان ثلثاها فضةً وثلثها صفراً, أو كانت ثلاثة أرباعها فضة وربعها صفراً, ونحو ذلك - فحكمها حكم الفضة الخالصة, لا يجوز بيعها بالفضة الخالصة إلا سواء بسواء, وكذا بيع بعضها ببعض لا يجوز إلا مثلا بمثل; لأن اعتبار الغالب وإلحاق المغلوب بالعدم هو الأصل في أحكام الشرع, ولأن الدراهم الجياد لا تخلو عن قليل غش; لأن الفضة لا تنطبع بدونه على ما قيل, فكان قليل الغش مما لا يمكن التحرز عنه, فكانت العبرة للغلبة"(1).
القول الثالث ودليله: يجوز بيع دراهم مغشوشة بطيبة بشرطين: بأن تكون معدودة, أي ستة وما دونه, وأن يكون البيع على وجه المعروف, لأن الحاجة داعية إلى ذلك, وهذا صحيح من الأقوال عند المالكية(2).
الترجيح:
يحرم بيع المال الربوي بجنسه متفاضلا, وقد تضافرت الأدلة على ذلك وهي عامة تشمل مفاضلة ولو كانت يسيرة, وهذا يؤيد القول الأول القاضي بتحريم بيع درهم مغشوش بخالص, كما أنه يمكن بيعه بغير الفضة, كالذهب والعروض, فلا حاجة إلى الترخيص, والله أعلم.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
إذا كان اليسير لا يؤثر في وزن أو كيل, كتراب في حنطة, فوجوده كعدمه ولا يقدح في المماثلة المطلوبة عند بيع الربوي بجنسه, وهو مغتفر باتفاق العلماء كما سبق البيان, وإن كان اليسر مؤثراً في وزن أو كيل فلا يغتفر عند الشافعية والحنابلة ويغتفر عند الحنفية والمالكية عند توفر الشروط المذكورة.
المبحث الثالث: التفاضل اليسير في مبادلة المال الربوي بجنسه.
صورة المسألة:
__________
(1) بدائع الصنائع, (5/196).
(2) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, (4/279), والتاج والإكليل, (4/334), ومواهب الجليل, (4/335), والفواكه الدواني, (2/73).(7/11)
من صور هذه المسألة بيع الحديث بالعتيق من الأجناس الربوية, كالتمر بالتمر, فإن العتيق أشد جفاءً, وبيع ما لا يدخل في المعيار الشرعي لعدم إمكانية كيله أو وزنه لقلته إذا بيع بجنسه, كبيع تمرة بتمرة.
حكم التفاضل اليسير في مبادلة المال الربوي بجنسه:
يحرم التفاضل في مبادلة المال الربوي بجنسه وهذا يشمل التفاضل الكثير والقليل لعموم الأدلة التي توجب المماثلة, ولكن التفاضل اليسير الذي لا يؤثر في معيار شرعي ولا يمكن ضبطه ولا التحرز عنه مغتفر لأن في اعتباره سداً لباب البيع, وهذا مما اتفق عليه أهل العلم(1).
قال السرخسي(2) في شرحه لمسألة بيع التمر بالرطب ما نصه: "ثم الحديث إذا عتق لا يظهر فيه التفاوت إلا شيء يسير لا يمكن التحرز عنه وذلك عفوا كالتراب في الحنطة"(3).
وجاء في الفواكه الدواني: "ظاهر كلام المصنف والحديث حرمة المفاضلة في بيع العين بمثلها ولو قلت الزيادة وليس كذلك, إذ قد أجازوا الزيادة اليسيرة في ثلاث مسائل.."(4).
__________
(1) المبسوط, (12/186), والعناية شرح الهداية, (7/8), والفواكه الدواني, (2/73), والمجموع, (10/274), وتحفة المحتاج, (4/283), ونهاية المحتاج, (3/438), والمغني, ابن قدامة, (6/69).
(2) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الإمام شمس الأئمة الفقيه الحنفي أصولي، مجتهد، متكلم، مناظر. المتوفى سنة 483 ?, وقيل 490 ?. من مؤلفاته: المبسوط في الفروع, وشرح أدب القاضي لأبي يوسف, وشرح الجامع الصغير والجامع الكبير للشيباني, وغيرها، ينظر: معجم المؤلفين, (8/267), والأعلام للزركلي, (5/315).
(3) المبسوط, (12/186).
(4) الفواكه الدواني, (2/73).(7/12)
وفي المجموع: "وضابطه أن ما كان بحيث لا يؤثر في المكيال فلا اعتبار به في منع المماثلة, وما كان بحيث يؤثر في المكيال, فإن كان مقصودا فيمنع عند اختلاف الجنس واتحاده, وإن كان غير مقصود فيمنع عند اتحاد الجنس لفوات المماثلة, ولا يمنع عند اختلاف الجنس لعدم اشتراطها"(1).
وقال ابن قدامة, رحمه الله: "ولا بأس ببيع الحديث بالعتيق; لأن التفاوت في ذلك يسير, ولا يمكن ضبطه, فعفي عنه"(2).
بيع ما لا يدخل في المعيار الشرعي لقلته:
من المسائل المتعلقة بهذا المبحث بيع ما لا يدخل في معيار شرعي لعدم إمكانية كيله أو وزنه لقلته إذا بيع بجنسه, كبيع تمرة بتمرة, وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز بيع ما لا يدخل في المعيار الشرعي لقلته, وهو ما دون نصف الصاع, من الأموال الربوية بجنسه متفاضلا, كتمر بتمرتين, إذا كان بعينه وليس كلاهما ولا أحدهما ديناً, وهذا مذهب الحنفية(3), وأجاز المالكية في رواية عندهم التحري فيما يحرم فيه التفاضل إذا كان يسيرا(4).
جاء في تبيين الحقائق: "وعلى هذا لو باع ما لا يدخل تحت الوزن كالذرة من ذهب أو فضة بما لا يدخل تحته جاز لعدم التقدير شرعاً إذ لا يدخل تحت الوزن"(5).
__________
(1) المجموع, (10/274).
(2) المغني, ابن قدامة, (6/69).
(3) ينظر: فتح القدير, (7/9), والمبسوط, (12/117), والبحر الرائق, (6/142), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/89), قال فيه: "وصح بيع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين والبيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين والتمرة بالتمرتين." وقال في الشرح: "وعلى هذا لو باع ما لا يدخل تحت الوزن كالذرة من ذهب أو فضة بما لا يدخل تحته جاز لعدم التقدير شرعا إذ لا يدخل تحت الوزن."
(4) ينظر: المنتقى شرح الموطأ, (4/245, و5/9), والتاج والإكليل, (4/360).
(5) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/89).(7/13)
وفي المنتقى شرح الموطأ: "فإذا قلنا إن التحري فيما يحرم فيه التفاضل جائز فإنه يجوز في يسيره دون كثيره; لأن كثيره يتعذر فيه التحري ويخاف فيه الخطأ وقلة الإصابة"(1).
القول الثاني: لا يجوز بيع المال الربوي بجنسه متفاضلاً ولو كان يسيراً لا يتأتى كيله, كتمرة بتمرتين, ولا وزنه, كما دون الأرزة من الذهب والفضة, وهذا مذهب المالكية(2), والشافعية(3), والحنابلة(4), ومحمد بن الحسن(5) من الحنفية, وهو اختيار متأخريهم(6).
أدلة القولين:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بأن هذه الأشياء ليست بمكيل ولا موزون فلم تدخل تحت المعيار فانعدمت العلة بانعدام أحد شطريها وهو القدر ولهذا يضمن بالقيمة عند الإتلاف(7).
__________
(1) المنتقى شرح الموطأ, (4/245).
(2) المرجع السابق, (4/245), والتاج والإكليل, (4/360).
(3) ينظر: الأم, (8/663), والمجموع, (10/199).
(4) ينظر: المغني, (6/58), وكشاف القناع عن متن الإقناع, (3/252) ومطالب أولي النهى, (3/158).
(5) هو أبو عبد الله محمد بن فرقد، الشيباني بالولاء, الفقيه الحنفي، أصله من قرية على باب دمشق. حضر مجلس أبي حنيفة سنتين ثم تفقه على أبي يوسف صاحب أبي حنيفة. وفاته سنة 189 ?. ينظر: وفيات الأعيان, (4/184), والأعلام للزركلي, (6/80), ومعجم المؤلفين, (9/207).
(6) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/89), وفتح القدير, (7/9), ورد المحتار على الدر المختار, (5/176).
(7) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/89).(7/14)
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب هذا القول بأنه لا يعلم تساويهما في الكيل وكل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام, وهناك مكاييل أصغر من نصف الصاع كربع القدح وثمن القدح المصري, وكون الشرع لم يقدر بعض المقدرات الشرعية في الواجبات المالية, كالكفارات وصدقة الفطر, بأقلّ منه لا يستلزم إهدار التفاوت المتيقن, بل لا يحل بعد تيقن التفاضل مع تيقن تحريم إهداره(1).
الترجيح:
التفاضل في بيع المال الربوي بجنسه حرام, بل الجهل بالمماثلة يُنزَّل منزلة العلم بالتفاضل, والتفاضل في بيع تمرة بتمرتين ونحو ذلك متيقن, فلا شك في تحريمه, خاصة مع إمكانية الكيل والوزن بواسطة الآلات الدقيقة التي ظهرت في عصرنا, والله أعلم.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
التفاضل اليسير الذي لا يؤثر في المعيار الشرعي معفو عنه ولا يلتفت إليه باتفاق.
وأما التفاضل عند بيع القليل من المال الربوي بجنسه فلا يغتفر على القول المختار ويغتفر على القول بجواز بيع ما لا يدخل في المعيار الشرعي لقلته من الأموال الربوية بجنسه متفاضلاً, كبيع تمرة بتمرتين, وعلى قول من أباح بيع القليل من المال الربوي بجنسه تحرياً؛ لأن التحري لا يخلو عن التفاضل, فدل ذلك على اغتفار التفاضل اليسير.
المبحث الرابع: المفارقة اليسيرة في صرف النقود.
تعريف الصرف:
__________
(1) ينظر: رد المحتار على الدر المختار, (5/176), وكشاف القناع عن متن الإقناع, (3/252).(7/15)
يطلق الصرف على عدة المعاني, منها: التوبة, يقال: لا يقبل منه صرف ولا عدل, والحيلة, يقال: إنه ليتصرف في الأمور, ومنها بحت, يقال: شراب صرف؛ أي بحت غير ممزوج, وصريف البكرة صوتها عند الاستقاء, ومن معانيه الفضل والزيادة, يقال بين الدرهمين صرف أي فضل لجودة فضة أحدهما, ومنها رد الشيء عن وجهه, يقال: صرفت الرجل عني فانصرف, ومنها: الإنفاق, كقولك: صرفت المال, أي: أنفقته, ومنها البيع, كما تقول: صرفت الذهب بالدراهم, أي: بعته(1).
والصرف في اصطلاح الجمهور: "اسم لبيع الأثمان المطلقة بعضها ببعض وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة وأحد الجنسين بالآخر"(2).
وعرفه المالكية بأنه بيع النقد بنقد مغاير لنوعه, كبيع الذهب بالفضة, أما بيع النقد بنقد مثله, فإن كان البيع بالوزن فهو المراطلة, وإن كان بالعدد فهو المبادلة(3).
وسمي بالصرف للحاجة إلى النقل في بدليه من يد إلى يد, أو لأنه لا يطلب منه إلاّ الزيادة, إذ لا ينتفع بعينه, والصرف هو الزيادة(4).
صورة المسألة:
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (9/189), مادة (ص ر ف), ومختار الصحاح, ص (321).
(2) هذا تعريف الكاساني وهو عند الشافعية والحنابلة قريب من هذا المعنى, ينظر: بدائع الصنائع, (5/215), والمجموع, (10/97), والمغني, ابن قدامة, (6/112).
(3) المنتقى شرح الموطأ, (4/260).
(4) العناية شرح الهداية, (7/133).(7/16)
اتفق الفقهاء على أنه يشترط تقابض البدلين من المتصارفين في مجلس العقد قبل افتراقهما(1). والأصل في ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلاً بمثل, سواءً بسواء, يداً بيد"(2), وغيره من الأدلة.
والافتراق الذي يفسد الصرف هو افتراق المتصارفين بأبدانهما عن مجلس العقد, كأن يذهب أحدهما إلى جهة وآخر إلى أخرى, أو يذهب أحدهما ويبقى آخر(3), وأما إذا فارق أحدهما صاحبه مفارقة يسيرة, كأن يدخل في الحانوت ليأتي له بالدراهم منه, فللعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: ما يعد في العرف مفارقة, ولو كان يسيراً, يمنع من صحة الصرف, وهذا مذهب الحنفية(4), ومشهور من المذهب المالكي(5), ولازم مذهب الشافعية(6), والحنابلة(7)؛ فهم يشترطون لصحة الصرف التقابض قبل التفرق, ويذكرون أن التفرق مرجعه إلى عرف الناس وعادتهم فيما يعدونه تفرقاً; لأن الشارع علق عليه حكماً, ولم يبينه, فدل على أنه أراد ما يعرفه الناس, كالقبض(8).
__________
(1) نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك, الإجماع, ص (133), وينظر: المبسوط, (14/5), وبدائع الصنائع, (5/215), والمدونة, (3/18), والتاج والإكليل, (4/302), والأم, (3/14), والمجموع, (9/505), والمغني, ابن قدامة, (6/96), والإنصاف, (5/41).
(2) سبق تخريجه, ص (60).
(3) ينظر: بدائع الصنائع, (5/215).
(4) ينظر: المبسوط, (14/5), وبدائع الصنائع, (5/215), وتبيين الحقائق, (4/135).
(5) ينظر: المدونة, (3/4), والمنتقى, (4/263), الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي, (3/29).
(6) ينظر: الأم, (3/36), والمجموع, (9/505).
(7) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/96), والإنصاف, (5/41), وكشاف القناع, (3/264).
(8) المغني, (6/12), وقال ابن قدامة: "سئل أحمد عن تفرقة الأبدان؟ فقال: إذا أخذ هذا كذا, وهذا كذا, فقد تفرقاً..".(7/17)
القول الثاني: لا تمنع المفارقة اليسيرة من صحة الصرف, وهذا قول عند المالكية(1).
جاء في مواهب الجليل: "سُئل مالك عن الرجل يصرف من الصراف دنانير بدراهم, ويقول له: اذهب بها فزنها عند هذا الصراف, وأره وجوهها, وهو قريب منه فقال: أما الشيء القريب فأرجو ألاّ يكون به بأس, وهو يشبه عندي ما لو قاما إليه جميعاً فأرجو أن لا يكون به بأس"(2).
أدلة القولين:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بما أخرج الإمام مالك, رحمه الله, في الموطأ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالذهب أحدهما غائب والآخر ناجز, وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء, والرماء هو الربا"(3). قوله: "وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره" يفيد المنع من التفرق قبل التناجز بالتقابض وإن قرب(4).
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب هذا القول بأن الحاجة داعية إلى التسامح في هذا المقدار من المفارقة في الصرف كي لا يقع الناس في حرج شديد, والله تعالى يقول: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } (5).
الترجيح:
__________
(1) ينظر: مواهب الجليل, (4/303).
(2) المرجع السابق, (4/303).
(3) رواه الإمام مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر, رضي الله عن الجميع, الموطأ, كتاب البيوع, باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا, (2/169), رقم: (1364).
(4) المنتقى شرح الموطأ, (4/264).
(5) سورة المائدة, الآية (6), وينظر: مواهب الجليل, (4/303).(7/18)
سبقت الإشارة إلى اتفاق الفقهاء على اشتراط تقابض البدلين من المتصارفين في مجلس العقد قبل افتراقهما, ولذا يظهر, والله أعلم, أن ما يعدّ في العرف مفارقة, ولو كان يسيراً, يمنع من صحة الصرف, ويدل على ذلك أثر عن عمر - رضي الله عنه - وهو صريح في المسألة حيث منع من المفارقة لمدة ولوج البيت, وهي مدة يسيرة, وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتمسك بسنته, فكان الأخذ بقوله أولى من الاعتماد على عموم الآية, وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا بايع فأراد ألا يقيله مشى هنيّة ثم رجع(1), ومشي هنية فرقة يسيرة, وقد لزم بها البيع وانقطع خيار المجلس.
تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
على قول من يرى أن المفارقة اليسيرة بين المتصارفين, كمن يدخل الدكان ليحول خمسمائة ريال إلى مائات, لا تمنع من صحة الصرف تكون هذه المسألة من تطبيقات القاعدة لصحة الصرف مع هذه المفارقة وعدم اعتبارها, أما على القول المختار القاضي بأن المفارقة اليسيرة تمنع من صحة الصرف ولا تغتفر, فليست هذه المسألة من تطبيقات القاعدة.
المبحث الخامس: المنفعة اليسيرة في ربا القرض.
تعريف ربا القرض:
القرض في اللغة مصدر قرض الشيء يقرضه, أي قطعه, والقرض: ما تعطيه من المال لتقضاه, وتقول العرب: لك عندي قرض حسن وقرض سيء, وأصل القرض ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازى عليه(2).
والقرض في الاصطلاح: "تمليك الشيء على أن يرد بدله", وسمي بذلك لأن المقرض يقطع للمقترض قطعة من ماله, ويسميه أهل الحجاز سلفا(3).
__________
(1) سبق تخريجه, ص (70) , وهذا لفظ مسلم, وأصله في البخاري.
(2) ينظر: لسان العرب, (7/216), مادة (ق ر ض), ومختار الصحاح, ص (460), والمعجم الوسيط, ص (726).
(3) أسنى المطالب, (2/141), وتعريفات أخرى متقاربة, ينظر: الدر المختار مع حاشية ابن عابدين, (5/161), وشرح الخرشي, (5/229), وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير, (3/222), والإنصاف, (5/123).(7/19)
أما ربا القرض فهو: "كل قرض مشروط فيه جر نفع"(1).
حكم ربا القرض:
قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية, فأسلف على ذلك, أن أخذ الزيادة على ذلك ربا"(2).
وروي عن جمع من الصحابة, رضي الله عنهم, أنهم نهوا عن قرض جرّ منفعة, ومن ذلك قول ابن مسعود - رضي الله عنه - فيمن أقرض رجلاً خمسمائة درهم واشترط عليه ظهر فرسه, قال: "ما أصاب من ظهر فرسه فهو ربا"(3).
__________
(1) ينظر: أحكام القرآن للجصاص, (2/189), وبدائع الصنائع, (7/395), وأسنى المطالب, (2/21).
(2) الإجماع, ابن المنذر, ص (136), وينظر: والمبسوط, (14/35), وبدائع الصنائع, (7/395), ورد المحتار على الدر المختار, (5/166), والمنتقى شرح الموطأ, (5/98), وشرح مختصر خليل للخرشي, (5/94), وحاشية الدسوقي, (3/224), والمجموع, (10/495), وأسنى المطالب, (2/141), وحاشيتا قليوبي وعميرة, (2/323), والمغني, ابن قدامة, (6/436), والإنصاف, (5/131), وشرح منتهى الإرادات, (2/102).
(3) مصنف ابن أبي شيبة, (4/327), كتاب البيوع والأقضية, باب في الرجل يكون له على الرجل الدين فيهدي له، أيحسبه من دينه؟ رقم: (20680).(7/20)
ولا يجوز قبول المنفعة من غير شرط قبل الوفاء, إلاّ أن يكافئه, أو يحسبه من دينه, إلا أن يكون شيئاًَ جرت العادة به بينهما قبل القرض. قال ابن قدامة, رحمه الله: "ولو استضاف غريمه, ولم تكن العادة جرت بينهما بذلك, حسب له ما أكله"(1). واستدل لذلك بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أقرض أحدكم قرضاً, فأهدي إليه, أو حمله على الدابة, فلا يركبها, ولا يقبله, إلاّ أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك"(2). وروي عن بعض الصحابة أنه كان يكره أن يأكل الرجل من بيت الرجل وله عليه دين إلا أن يحسبه من دينه(3). وعن ابن عباس, رضي الله عنهما, أنه قال: "إذا أقرضت قرضاً فلا تهدين هدية كراعا ولا ركوب دابة"(4).
فإن أقرضه مطلقاً من غير شرط, فقضاه خيراً منه في القدر, أو الصفة جاز(5)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسلف بكراً, فرد خيرًا منه, وقال: "خيركم أحسنكم قضاء"(6).
__________
(1) المغني, ابن قدامة, (6/438).
(2) أخرجه ابن ماجة, ص (262), كتاب الصدقات, باب القرض, رقه: (2432), من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -, وضعفه الألباني, السلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة, محمد ناصر الدين الألباني, (3/303), رقم: (11629).
(3) مصنف ابن أبي شيبة, (4/326), كتاب البيوع والأقضية, باب في الرجل يكون له على الرجل الدين فيهدي له، أيحسبه من دينه؟ رقم: (20677).
(4) مصنف ابن أبي شيبة, (4/326), كتاب البيوع والأقضية, باب من كره كل قرض جر منفعة, رقم: (20670).
(5) ينظر: المبسوط, (14/35), ورد المحتار على الدر المختار, (5/166), وأسنى المطالب, (2/141), والمغني, ابن قدامة, (6/438).
(6) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -, البخاري, ص (432), كتاب الوكالة, باب وكالة الشاهد والغائب جائزة, رقم: (2305), ومسلم, ص (653), كتاب المساقاة, باب من استسلف شيئا فقضى خيرا منه, رقم: (1600).(7/21)
حكم اشتراط المنفعة اليسيرة في عقد القرض:
لا يجوز اشتراط المنفعة في القرض ولو كانت يسيرة(1), ويدل على ذلك عموم أدلة تحريم الربا, وما روي عن الصحابة - رضي الله عنهم - وما نُقل إلينا من أقوال العلماء, ومن ذلك:
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "من أسلف سلفاً فلا يشترط أفضل منه, وإن كانت قبضة من علف فهو ربا"(2), قوله: "وإن كانت قبضة من علف" يريد قليل ذلك وكثيره, وشرط زيادة وإن كانت يسيرة ربا(3).
وفي التمهيد: "وقد أجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن اشتراط زيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف أو حبة, كما قال ابن مسعود - رضي الله عنهم -: أو حبة واحدة"(4).
وروي عن جمع من الصحابة قولهم: "كل قرض جر منفعة فهو ربا"(5).
__________
(1) سبقت الإشارة إلى إجماع العلماء على تحريم اشتراط المنفعة في القرض, ويلي ذكر ما يدل على تحريمها ولو كانت يسيرة.
(2) موطأ الإمام مالك, كتاب البيوع, باب ما لا يجوز من السلف, قال الإمام مالك رحمه الله: "بلغني عن ابن مسعود - رضي الله عنه -." ينظر: الموطأ مع المنتقى, (5/98).
(3) المنتقى شرح الموطأ, (5/98).
(4) التمهيد, ابن عبد البر, (4/68).
(5) المرجع السابق, (4/327), كتاب البيوع والأقضية, باب في الرجل يكون له على الرجل الدين فيهدي له، أيحسبه من دينه؟ رقم: (20680). قال ابن حجر تعليقا على هذا الأثر: "قال عمر بن بدر في المغني: لم يصح فيه شيء وأما إمام الحرمين فقال: إنه صح، وتبعه الغزالي، وقد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث علي باللفظ الأول، وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك، ورواه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا: "كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا". ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن سلام، وابن عباس، موقوفا عليهم". التلخيص الحبير, كتاب البيوع باب القرض, (3/34).(7/22)
وهذا يدل على تحريم اشتراط منفعة في عقد القرض ولو كانت يسيرة, ومع أن هذا الحكم واضح وجلي إلا أنه وُجد في هذا العصر من يشكِّك فيه ويقلِّل من أهميته ويبيح بعض صور الربا ومنها الفائدة البسيطة في القرض(1).
وحجة هؤلاء مبنية على أن الزيادة الأولى في الدين المؤجل لا تدخل في الربا الجاهلي الذي جاء القرآن بتحريمه, وإنما جاء تحريمها بالسنة, سداً لذريعة ارتكاب الربا الجاهلي, فهي محرمة تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد ومن ثم يكون الأصل فيها التحريم وتجوز استثناءً إذا دعت الحاجة إليها أو المصلحة الراجحة, وهذا يتفق ودلالة قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } (2).
وأجيب عن هذا الاستدلال بعدم التسليم بأن الربا الجاهلي كان مقصوراً على الزيادة في الدين الثابت في الذمة, فقد عرفت الجاهلية الزيادة المشروطة في ابتداء العقد(3). وأما الآية فليس المقصود أن يبلغ فعلاً كل ربا هذا المبلغ, بل المقصود أن من شأن الربا عامة أن يصبح كذلك مع تعاقب السنين, فالقيد في الآية أغلبي(4).
تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
__________
(1) منهم: رشيد رضا: تفسير المنار, (4/128), وعبد الرزاق السنهوري, مصادر الحق في الفقه الإسلامي, (3/244), نقلا من: الخدمات الاستثمارية في المصارف, فضيلة الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي, حفظه الله, (1/337).
(2) سورة آل عمران, الآية: (130), وينظر: الخدمات الاستثمارية, (1/603-604).
(3) أحكام القرآن, الجصاص, (1/635).
(4) الربا والمعاملات المصرفية, د. عمر الترك, ص (158), نقلا من الخدمات الاستثمارية, (1/605), وفيه جواب مفصل عن شبه هذا القول.(7/23)
هذه المسألة ليست من تطبيقات القاعدة؛ لأن المنفعة في القرض إما أن تكون مشروطة أم غير مشروطة: فإن كانت مشروطة فهي محرمة كانت يسيرة أم كبيرة؛ لأن اليسير هنا محرم مثل الكثير؛ إذ لا حاجة لاغتفاره لسهولة التحرز منه بترك الاقتراض ممن يشترط المنفعة, وإنما أشرت إلى هذه المسألة لوجود من يدعي خلاف ذلك.
وإن كانت المنفعة غير مشروطة فهي جائزة كانت يسيرة أم كبيرة, وفق الضوابط التي سبقت الإشارة إليها, والله أعلم.(7/24)
الفصل الرابع: التطبيقات المعاصرة للقاعدة
وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول: الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير.
المبحث الثاني: الأسهم المشتملة على محرم يسير.
المبحث الثالث: المسابقات التجارية المشتملة على غرر يسير.
المبحث الرابع: عقود التأمين المشتملة على غرر يسير.
المبحث الخامس: الضمان التجاري المشتمل على غرر يسير.
المبحث السادس: عقود الصيانة المشتملة على غرر يسير.
المبحث السابع: بطاقات التخفيض المشتملة على غرر يسير.
المبحث الأول: الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير.
توطئة:(8/1)
إن الله عزّ وجلّ سخر هذا الكون لعباده, وأصبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة, وتفضل عليهم بأنواع كثيرة من الأغذية والأدوية, وفي الوقت نفسه حرّم بعضها لحكمة يعلمها البارئ. وحاجة الناس إلى المنتجات الغذائية والأدوية في تزايد مستمر, وانتشرت صناعاتها في العالم برمته, وأكثرها تصنع في البلاد التي لا تهتم بالحلال والحرام, ولذا أدخلت فيها مواد محرمة شرعاً, كدهن الخنزير, والدم المسفوح, والميتة, والخمر, وفي كثير من الأحيان تصنع الأغذية والأدوية من مواد مباحة ولكن يضاف إليها شيء يسير من مواد محرمة, وفي هذا المبحث بيان لحكم هذه الأغذية والأدوية المشتملة على مواد محرمة من حيث جواز استخدامها وانتفاع بها ومن ثم بيعها وشرائها؛ لأن من شروط صحة البيع أن يكون المبيع مباحاً, طاهراً, منتفعاً به(1), ويدل على ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يُطلى بها السفن ويُدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا, هو حرام. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا الميتة"(2).
اختلاط المحرم بالمباح:
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع, (5/141), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/4), وشرح الخرشي, (5/15), وحاشية الدسوقي, (3/10), والأم, (3/12), والمجموع, (9/174), والإنصاف, (4/270), وكشاف القناع, (3/152).
(2) متفق عليه, وهذا لفظ البخاري من حديث جابر - رضي الله عنهم -, البخاري, ص (416), كتاب البيوع, باب بيع الميتة والأصنام, رقم: (2236), ومسلم, ص (645), كتاب المساقاة, باب, تحريم بيع الخمر والخنزير والأصنام, رقم: (1581).(8/2)
اختلاط العين المحرمة بغيرها من الأعيان المباحة على وجه يفوت صفاتها وخصائصها بحيث لا يبقى لها طعم أو لون أو ريح يسمى عند الفقهاء بالاستهلاك, كسقوط القليل من الخمر أو الدم في ماء كثير غالب, فإن ما سقط فيه لا وجود لصفته من طعم أو لون أو رائحة؛ لأنه استهلك في الغالب وصار إلى الهلاك(1).
وقد تكلم الفقهاء عن اختلاط الأعيان المباحة بالمحرمة, كحديثهم عن اختلاط الماء بالنجاسة, وأجمعوا على أن الماء الكثير والقليل إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت الماء طعماً, أو لوناً, أو ريحاً, أنه نجس ما دام كذلك. وأجمعوا على أن الماء الكثير من النيل, والبحر, ونحو ذلك, إذا وقعت فيه نجاسة فلم يغير له لوناً, ولا طعماً, ولا ريحاً, أنه بحاله ويتطهر به(2).
وقد اختلف العلماء في المحرم الذي يغتفر إذا خالط المباح, ومن ذلك اختلافهم في الماء إذا خالطته النجاسة, وما هو الماء الذي لا يضره مخالطة النجاسة ما لم يتغير بها, ويمكن إجمال آرائهم في قولين:
__________
(1) ينظر: الانتفاع بالأعيان المحرمة, جمانة محمد عبد الرزاق أبو زيد, ص (239).
(2) الإجماع, ابن المنذر, ص (33).(8/3)
القول الأول: التفريق بين الماء القليل والكثير, فإن كان الماء قليلاً وخالطته النجاسة فهو نجس تغير أو لم يتغير, وإن كان كثيراً فهو طاهر ما لم يتغير أحد صفاته بالنجاسة, وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية, والشافعية والحنابلة(1), إلاّ أنهم اختلفوا في حد الكثير, فهو عند الحنفية الماء الذي لا يخلص بعضه إلى بعض, ثم اختلفوا في تفسير الخلوص, فقيل: يعتبر الخلوص بالتحريك, وهو أنه إن كان بحال لو حرك طرف منه يتحرك الطرف الآخر فهو مما يخلص, وإن كان لا يتحرك فهو مما لا يخلص, وقيل: إن كان عشر أذرع في عشر أذرع فهو مما لا يخلص, وإن كان دونه فهو مما يخلص(2).
وحد الكثير عند الشافعية, والحنابلة(3) ما بلغ القلتين(4).
__________
(1) ينظر: المبسوط, (1/70), وبدائع الصنائع, (1/72), وتبيين الحقائق, (1/21), وفتح القدير, (1/74), والأم, (1/17), والمجموع شرح المهذب, (1/163), ومغني المحتاج, (1/21), والمغني, ابن قدامة, (1/36), والإنصاف, (1/55), وكشاف القناع, (1/38).
(2) ينظر: المبسوط, (1/70), وبدائع الصنائع, (1/72), وتبيين الحقائق, (1/21).
(3) ينظر: الأم, (1/17), والمجموع شرح المهذب, (1/163), ومغني المحتاج, (1/21), والمغني, ابن قدامة, (1/36), والإنصاف, (1/55), وكشاف القناع, (1/38).
(4) القلة: هي الجرة, سميت قلة لأنها تقل بالأيدي, أي تحمل, والمراد بها هاهنا قلتان من قلال هجر, وهما خمس قرب, كل قربة مائة رطل بالعراقي, فتكون القلتان خمسمائة رطل بالعراقي. المغني, ابن قدامة, (1/36).(8/4)
القول الثاني: عدم التفريق بين الكثير والقليل, فالماء, قلّ أو كثر, لا تفسده النجاسة إلا أن تغير وصفاً من أوصافه, وهذا مذهب المالكية(1), والرواية عند الحنابلة(2), اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية(3).
أدلة القولين:
__________
(1) المنتقى, (1/63), ومواهب الجليل, (1/24), وشرح الخرشي, (1/76), والفواكه الدواني, النفراوي, (1/124).
(2) ينظر: الإنصاف, (1/55), مجموع فتاوى ابن تيمية, (20/518), المغني, ابن قدامة, (1/39).
(3) مجموع فتاوى ابن تيمية, (20/518), والإنصاف, (1/55).(8/5)
أدلة القول الأول ومناقشتها: استدل أصحاب هذا القول على التفريق بين الماء الكثير والقليل بحديث بئر بضاعة حيث سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها, وهي بئر يلقى فيها الحيض, ولحوم الكلاب, والنتن, فقال: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء"(1). وهذا الخبر محمول على الماء الكثير, بدليل أن ما تغير بنجاسة نجس كان قليلا أو كثيراً(2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً, فإنه لا يدري أين باتت يده"(3). محمول على الماء القليل ويفيد منعاً وإلاّ لم يكن للنهي والاحتياط, لوهم النجاسة, معنى, وكذا الأخبار المستفيضة بالأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب(4) مع أنه لا يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه(5).
__________
(1) رواه أحمد في باقي مسند المكثرين, مسند أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -, ص (813), رقم: (11815), وأبو داود, ص (32), كتاب الطهارة, باب ما جاء في بئر بضاعة, رقم: (67), والترمذي, ص (30), كتاب الطهارة, باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء, رقم: (66), والنسائي, ص (51), كتاب المياه, باب ذكر بئر بضاعة, رقم: (326), وقال أبو عيسى: حديث حسن, وقال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح, ينظر: المغني, (1/40).
(2) المغني, ابن قدامة, (1/41).
(3) أخرجه البخاري, ص (56), كتان الوضوء, باب الاستجمار وترا, رقم: (162), ومسلم, ص (134), كتان الطهارة, باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك, رقم: (278).
(4) أخرجه البخاري, ص (58), كتان الوضوء, باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم, رقم: (172), ومسلم, ص (135), كتاب الطهارة, باب حكم ولوغ الكلب, رقم: (279).
(5) بدائع الصنائع, (1/72), والمغني, ابن قدامة, (1/40-41).(8/6)
وأجيب على هذا الاستدلال بأن حديث الاستيقاظ لا يقتضي تنجس الماء بالاتفاق, بل قد يكون لأنه يؤثر في الماء أثراً, أو أنه قد يفضي إلى التأثير, وأما الأمر بإراقة الإناء إذا ولغ فيه الكلب فذلك لأن "الكلب يلغ بلسانه شيئاً بعد شيء, فلا بد أن يبقى في الماء من ريقه ولعابه ما يبقى وهو لزج, فلا يحيله الماء القليل, بل يبقى, فيكون ذلك الخبث محمولاً, والماء يسير, فيراق ذلك الماء لأجل كون الخبث محمولاً فيه, ويغسل الإناء الذي لاقاه ذلك الخبث, وهذا بخلاف الخبث المستهلك المستحيل"(1).
أدلة القول الثاني: من أبرز ما استدل به أصحاب هذا القول هو عموم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء"(2), وهذا عام في الماء القليل والكثير, ويشمل جميع النجاسات(3), وإذا لم يظهر على الماء القليل إحدى صفات النجاسة, لم ينجس بها كالكثير(4).
الترجيح:
الذي يظهر, والله أعلم, هو رجحان القول الثاني؛ لما سبق من الأدلة والإجابة على أدلة القول الأول, ويؤيِّد هذا القول اضطراب أصحاب القول الأول في حد الماء الكثير وهل هو الماء الذي لا يخلص بعضه إلى بعض أم هو القلتان, واختلافهم في تفسير الماء الذي لا يخلص بعضه إلى بعض, واختلافهم في تفسير القلتين.
غير الماء من المائعات:
__________
(1) الفتاوى الكبرى, لابن تيمية, (2/414).
(2) سبق تخريجه, ص (107).
(3) الفتاوى الكبرى, لابن تيمية, (2/414).
(4) المغني, ابن قدامة, (1/40).(8/7)
هل هناك فرق في الحكم بين الماء وغيره من المائعات إذا خالطته النجاسة؟ ذكر ابن قدامة, رحمه الله, ثلاث روايات: إحداهن, أنه ينجس بالنجاسة وإن كثر, والثانية أنها كالماء, لا ينجس منها ما بلغ القلتين إلا بالتغير, والثالثة ما أصله الماء, كالخل التمري, يدفع النجاسة(1), ونفى شيخ الإسلام ابن تيمية الفرق بين الماء وغيره من المائعات إذا استحالت النجاسة فيها ولم يبقَ لها أثر(2).
حكم الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير:
بعد عرض أقوال العلماء وأدلتهم في مسألة محرم يسير إذا خالط المباح واستهلك فيه وبيان الراجح منها, يمكن إلحاق الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير بهذه المسألة في الحكم, والقول بطهارة الغذاء والدواء, ومن ثم جوازهما ما لم يشتملا على محذور آخر, وأفتى المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة بجواز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها, بشرط أن يصفها طبيب عدل(3). وتوصل الكثير من الباحثين إلى الحكم بطهارة المواد الغذائية والأدوية المشتملة على نسب يسيرة مستهلكة من الأعيان المحرمة(4).
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
__________
(1) المرجع السابق, (1/44-45).
(2) مجموع فتاوى, ابن تيمية, (20/518).
(3) القرار السادس بشأن الأدوية المشتملة على الكحول والمخدرات, شوال 1422 ?, ينظر: فقه النوازل, الجيزاني, (4/178-179).
(4) ينظر: المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء, الدكتور نزيه حماد, ص (26-34), والانتفاع بالأعيان المحرمة, جمانة أبو زيد, ص (250-255), وأثر المستجدات الطبية في باب الطهارة, زائد نواف عواد الدويري, ص (251-260).(8/8)
يلحظ الباحث من خلال عرض أقوال العلماء السابقة أن هناك نسبةً من المحرم أو النجس في المباح تغتفر باتفاق الفقهاء وهي نسبة قليلة جداً, كنجاسة ملقاة في النيل. وقد ورد في كتب المذاهب الأربعة ما يدل على اغتفار المحرم اليسير إذا استُهلك في المباح, وأضيق المذاهب في هذه المسألة هو مذهب الحنفية, ومع ذلك نجد في كتبهم ما يدل على اغتفار المحرم اليسير إذا استهُلك في المباح, كقولهم في بعرة الفأرة وقعت في وقر الحنطة فطحنت والبعرة فيها, أو وقعت في وقر دهن: "لم يفسد الدقيق والدهن ما لم يتغير طعمهما"(1). ومن أقوال العلماء الدالة على اغتفار اليسير المستهلك قول الشافعية في مسألة التداوي بالخمر حيث جاء في نهاية المحتاج: "أما مستهلكة مع دواء آخر فيجوز التداوي بها كصرف بقية النجاسات إن عرف, أو أخبره طبيب عدل بنفعها وتعيينها بأن لا يغني عنها طاهر"(2).
المبحث الثاني: الأسهم المشتملة على محرم يسير.
تعريف الأسهم:
الأسهم جمع السهم, وهو في اللغة القدح الذي يقارع به أو يلعب به في الميسر, ويطلق على الحظ والنصيب, وما يفوز به الظافر في الميسر(3).
والسهم في الاصطلاح هو: "صك قابل للتداول يصدر عن شركة مساهمة, ويعطى للمساهم ليمثل حصته في رأس مال الشركة"(4).
خصائص الأسهم:
وتتمتع أسهم الشركات المساهمة بالخصائص, من أهمها:
1.المساواة في القيمة, فلا توجد لبعض الأسهم قيمة أعلى من قيمة البعض الآخر.
2.عدم قبول السهم للتجزئة في مواجهة الشركة, فإن اشترك في السهم الواحد أكثر من شخص جاز, ولكن يمثلهم أمام الشركة شخص واحد.
3.الأسهم تقبل التداول والتصرف فيها بالبيع والشراء ونحو ذلك.
__________
(1) الفتاوى الهندية, للجنة العلماء برئاسة نظام الدين البلخي, (1/46).
(2) نهاية المحتاج, (8/14).
(3) ينظر: مختار الصحاح, ص (286), مادة (س ? م), والمعجم الوسيط, ص (459).
(4) الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/222).(8/9)
4.المسؤولية المحدودة للمساهم, فلا تتجاوز قيمة السهم(1).
حكم تداول الأسهم:
تتنوع الأسهم باعتبارات مختلفة إلى أنواع كثيرة وكل نوع له حكم يخصه, والذي يعنينا في هذا البحث هو حكم تداول الأسهم بحسب نوع نشاط الشركة المساهمة.
ويمكن تقسيم الشركات المساهم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أنواع:(2)
النوع الأول: الشركات المحرمة, وهي الشركات التي يكون نشاطها الرئيس في أمور محرمة, كالشركات التي تتاجر في الخمور والمصارف الربوية. فأسهم هذا النوع من الشركات محرمة ولا يجوز تداولها؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون المبيع مباحاً, وهذه الأسهم محرمة, وشراؤها من باب المشاركة في الإثم والعدوان.
النوع الثاني: الشركات النقية, وهي التي يكون جميع عملياتها مباحاً شرعاً, بأن يكون رأس مالها حلالاً وموضوع نشاطها حلالاً. فأسهم هذا النوع من الشركات حلال؛ لأن الأصل في التصرفات الإباحة ولا يوجد في هذه الأسهم ما يعارض المبادئ الإسلامية.
النوع الثالث: الشركات المختلطة, وهي التي يكون أصل نشاطها حلالاً ولكنها أحيانا تتعامل بالمحرمات, كالربا ونحوه. فقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم تداول أسهم هذا النوع من الشركات إلى قولين:
__________
(1) المرجع السابق, (2/223-224), والمعاملات المالية المعاصرة, الدكتور محمد عثمان شبير, ص (202).
(2) ينظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/235-238), والمعاملات المالية المعاصرة, ص (210).(8/10)
القول الأول: جواز المساهمة في هذه الشركات, بشرط ألاّ ينص نظامها الأساسي على التعامل بالربا, ويكون المحرم فيها يسيراً, وأن يتحرى المساهم ما دخل على عائدات أسهمه من الإيرادات المحرمة ليتخلص منها بصرفها في أوجه البر فيما لا ينتفع به(1). واشترط بعض أصحاب هذا القول كون الشركة من الشركات الحيوية التي تؤدي خدمات عامة مثل الكهرباء والمواصلات(2). وممن ذهب إلى هذا القول الهيئة الشرعية لشركة الراجحي, والهيئة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني, وعدد من العلماء المعاصرين(3).
القول الثاني: تحريم المساهمة في هذه الشركات مطلقاً, وذهب إلى هذا القول اللجنة الدائمة للبحوث الفقهية والإفتاء بالمملكة(4), وعدد من الهيئات الفقهية والعلماء المعاصرين(5).
أدلة القولين ومناقشتها:
أدلة القول الأول: من أبرز ما استدل به أصحاب هذا القول ما يلي:
1.قاعدة: "يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً", ونسبة الحرام في هذا النوع من الشركات يسيرة تابعة, وليست أصلاً مقصوداً بالتملك والتصرف, فكان بيع أسهم الشركات المختلطة من جزئيات هذه القاعدة(6).
__________
(1) ينظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/238-239), والأسهم المختلطة, صالح بن مقبل العصيمي التميمي, ص (60).
(2) منهم مصطفى أحمد الزرقا, ينظر: المعاملات المالية المعاصرة, الدكتور شبير, ص (209).
(3) منهم فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين, رحمه الله, والدكتور عبد الستار أبو غدة, والشيخ محمد تقي العثماني, ينظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/239-240), وقرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي, ص (127).
(4) فتاوى اللجنة, (13/407).
(5) منهم الشيخ الصديق الضرير, ود. صالح المرزوقي, ينظر: قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي, ص (127), والخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/256).
(6) المرجع السابق, (2/240-241), والأسهم المختلطة, ص (68-71).(8/11)
ونوقش هذا الاستدلال بأن القواعد الفقيه ليست من الأدلة الشرعية التي نصّ عليها علماء الفقه والأصول, فلا يصح الاحتجاج بها(1), كما أن "المساهم حين يشتري سهماً يشترك في كل أعمال الشركة, ومنها الربا, والربا لا يباح مطلقا.. فهل يقال: يجوز لأحد أن يرابي إذا كان الربا قليلاً؟"(2).
2.قاعدة: "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة", وحاجة الناس داعية إلى الإسهام في هذه الشركات لاستثمار مدخراتهم, خاصة من لا يجد بديلا استثمارياً بسبب صغر مدخراتهم وعجزهم عن القيام بأنفسهم بالاستثمار, كما أن الدولة بحاجة إلى توجيه الثروة الشعبية إلى استخدامها فيما يحقق المصالح العامة(3).
وأجيب بعدم التسليم بوجود حاجة عامة للاستثمار في هذه الشركات لوجود طرق أخرى للكسب الحلال, فهي حاجة غير متعين وليست عامة لجميع الأمة, ولم تتوفر فيها شروط الحاجة التي توجب الاستثناء من الأحكام العامة, وفتح باب العمل بهذه القاعدة دون قيود وضوابط يقتضي التهاون بما حرم الله بذريعة الضرورة والتيسير على الناس(4).
3.جواز التصرف في المال المختلط, عند أكثر العلماء, إذا كان الجزء الحرام هو القليل والمباح هو الكثير, ووجود نسبة ضئيلة من الحرام في المال الحلال لا يجعله حراما وإنما يجب نبذ المحرم فقط, وتخرج مسألة تداول الأسهم على ذلك لأن الحرام فيها جزء يسير والباقي مباح(5).
__________
(1) الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/240-241), والأسهم المختلطة, صالح بن مقبل العصيمي التميمي, ص (68-71).
(2) الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/240-241).
(3) الأسهم والسندات وأحكامها, للدكتور أحمد بن محمد الخليل, ص (147).
(4) الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/244-248), والأسهم المختلطة, ص (63-68).
(5) بحوث في الاقتصاد الإسلامي, الشيخ عبد الله بن منيع, ص (232), نقلا من: الأسهم والسندات وأحكامها, ص (153), والأسهم المختلطة, ص (72).(8/12)
وأجيب بأن هناك فرقاً بين من أراد أن يخرج الحرام من ماله ليطيب له, توبة عن الكسب الحرام ومن يريد الاستمرار في معاملات مخالفة للشرع, فالفقهاء إنما يريدون جواز معاملة المسلم لغيره ممن اختلط الحلال بالحرام في ماله إذا كان الأمر ينتهي بانتهاء المعاملة(1).
4.تداول هذه الأسهم يحقق المصالح للمسلمين وذلك بمشاركتهم في الحياة الاقتصاد حتى لا ينفرد بها غير المسلمين أو فساق المسلمين فيديرونها دون مراعاة لأحكام الشريعة, ودفعاً للضرر عن المؤسسات المالية الإسلامية الذي يلحق بها عند عدم التعامل مع هذه الشركات لقلة الفرص الاستثمارية(2). وأجيب بأنها مصلحة ملغاة لمصادمتها للنص, وبأن هذه المصلحة غير محقق والمفسدة المترتبة على المساهمة محققة فكانت مقدمة في الاعتبار على المصلحة المظنونة(3).
أدلة القول الثاني:
1.قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (4), وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (5).
ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا, وموكله, وشاهديه, وكاتبه وقال: "هم سواء"(6). والشركة مبناها على الوكالة وأعمال الشركة يعتبر القائم بها جميع الشركاء أصالةً أو وكالةً, فإذا كانت الشركة ترابي فكل شريك فيها معهم في أعمالهم الربوية(7).
__________
(1) ينظر: الأسهم والسندات وأحكامها, ص (154), والأسهم المختلطة, ص (73-74).
(2) ينظر: الأسهم والسندات وأحكامها, ص (156).
(3) ينظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/254).
(4) سورة البقرة, الآية (278).
(5) سورة آل عمران, (130).
(6) سبق تخريجه, ص (84).
(7) ينظر: الأسهم والسندات وأحكامها, ص (141-143).(8/13)
2.قول الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (1), والإثم الذي في هذه الشركات من أعظم الإثم, لتعاطي القائمين عليها بالربا, والمساهم فيها يعينهم على الإثم والعدوان وأكل الحرام وإن لم يأكله هو(2).
3.قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه, وإذا أمرتكم بأمر فأتمروا ما استطعتم"(3). وكل شيء نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - فالواجب اجتنابه وتركه بالكلية, لاسيما الربا, وهو موجود في الشركات المختلطة فتحرم المشاركة فيها(4).
4.القول بالمنع يحقق المصالح, وذلك بالتخلص من مفاسد الربا, وفيه تشجيع المؤسسات والبنوك المالية على نبذ الربا والبحث عن الطرق المشروعة(5).
الترجيح:
__________
(1) سورة المائدة, الآية (2).
(2) ينظر: الأسهم والسندات وأحكامها, ص (143), والأسهم المختلطة, ص (53).
(3) أخرجه البخاري, ص (1389), كتاب الاعتصام, باب الاقتداء بسنن النبي - صلى الله عليه وسلم -, رقم: (7288), ومسلم, ص (959), في الفضائل, باب توقيره - صلى الله عليه وسلم -, رقم: (1337), والنسائي, ص (283), كتاب مناسك الحج, باب وجوب الحج, رقم: (2619), وغيرهم.
(4) الأسهم والسندات وأحكامها, ص (143).
(5) المرجع السابق, ص (144).(8/14)
يرى القائلون بالجواز أن مجلس الإدارة آثم لتعامله بالربا, وكل عضو يعطي صوته في مجلس الإدارة لأخذ أو إعطاء الربا فهو آكل للربا, والعضو الذي لم يعطِ صوته بالإيجاب وإنما مانع يكون مغلوباً على أمره لكون الأكثرية تؤيد أخذ الربا, فإن استمر مع أرباب المعاصي خالف قول الله تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } (1), ولذلك ولما سبق من الأدلة يترجح القول بالتحريم(2), وإن كان للقول بالجواز قوة إلاّ أن اتقاء الشبهات أولى وأبرأ للدين, والله أعلم.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
تدخل هذه المسألة في تطبيقات القاعدة على قول من أجاز تداول أسهم الشركات التي تكون أعمالها في الأصل حلالاً لكنها أحياناً تتعامل بالحرام؛ لأنهم شرطوا أن تكون نسبة الحرام في مقابلة الحلال يسيرة وإن اختلفوا في تحديد هذه النسبة(3), وحيث قالوا بالجواز اعتبروا الجزء المحرم مغتفراً لكونه يسيراً مغموراً في الحلال الكثير. أما على القول بتحريم هذه الأسهم فالمسألة ليست من تطبيقات القاعدة؛ لعدم اغتفار الجزء المحرم منها وإن كان يسيراً.
المبحث الثالث: المسابقات التجارية المشتملة على غرر يسير.
تعريف المسابقات التجارية:
__________
(1) سورة النساء, الآية (140).
(2) الأسهم والسندات وأحكامها, ص (162).
(3) ينظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف, (2/271).(8/15)
المسابقة في اللغة مصدر لفعل رباعي: سابق, من باب ضرب(1), على وزن مفاعلة من السبق بمعنى التقدم في كل شيء, ومنه قول الله تعالى: { وَاسْتَبَقَا الْبَابَ } (2), أي: ابتدرا الباب يجتهد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه(3), والمسابقة هي التقدم في الشيء, والغلبة فيه(4).
والمسابقة في اصطلاح الفقهاء: "أن يسابق الرجل صاحبه في الخيل أو الإبل ونحو ذلك"(5), ولم يخرج هذا المعنى عن المعنى اللغوي.
وأما المسابقة التجارية فالمقصود بها المغالبات التي يقيمها أصحاب السلع والخدمات لجذب المشترين إلى أسواق ومتاجر معينة, أو الترويج لسلع أو خدمات معينة, أو تنشيط المبيعات(6).
أنواع المسابقات التجارية:
المسابقات التجارية أنواع وأشكال, وقسّمها العلماء تقسيمات مختلفة, والذي يظهر أنه يمكن إرجاعها إلى نوعين رئيسين هما:(7)
النوع الأول: المسابقات التي لا يشترط فيها الشراء, وذلك بأن تمنح الجهة المنظمة للمسابقة حق المشاركة لكل راغب دون تعليق ذلك بالشراء.
التخريج الفقهي لهذا النوع وحكمه:
__________
(1) مختار الصحاح, ص (257), مادة (س ب ق).
(2) سورة يوسف, الآية (25).
(3) لسان العرب, (10/151), مادة (س ب ق).
(4) المعجم الوسيط, (415).
(5) ينظر: بدائع الصنائع, (6/206), وقيل في تعريف المسابقة: "بلوغ الغاية قبل غيره" شرح منتهى الإرادات, (2/277).
(6) ينظر: إدارة التسويق للدكتور بازرعة, (2/498-499), نقلا من الحوافز التجارية التسويقية, الدكتور خالد بن عبد الله المصلح, ص (123).
(7) الحوافز التجارية التسويقية, الدكتور خالد بن عبد الله المصلح, ص (123- 126), بالتصرف.(8/16)
أقرب ما يخرج عليه هذا النوع من المسابقات أنه هبة لمن تعينه القرعة, وهو جائز إذ لا محذور فيه؛ لأن الأصل في المعاملات الإباحة, وليس في هذه المعاملة ظلم, ولا ربا, ولا غرر محرم, ولا تغرير وخداع, فلا مسوغ لتحريمها, والله أعلم(1).
النوع الثاني: المسابقات التي يشترط فيها الشراء, وذلك بأن يضع التاجر جائزة على مسابقة لا يشترك فيها إلا من يشتري سلعة يبيعها التاجر ومن عداه لا يدخل في المسابقة.
وهذا النوع له حالان:
الحالة الأولى: أن تكون الجائزة مؤثرة في السعر, بحيث إن التاجر رفع السعر مقابل الجائزة.
حكمها: محرمة ولا تجوز وهي من الميسر؛ لأن المشارك يبذل الثمن الزائد لأجل الاشتراك في المسابقة وقد يحصل على الجائزة وقد لا يحصل على الجائزة، فهو إما غانم أو غارم(2).
الحالة الثانية: ألاّ يكون للجائزة أثر في السعر ولا يزاد في ثمن السلعة على سعر المثل لأجل المسابقة, فهذه الحال موضع خلاف بين العلماء:
__________
(1) ينظر: المرجع السابق, ص (150).
(2) ينظر: المرجع السابق, ص (139), والمعاملات المالية المعاصرة, خالد بن علي المشيقح, ص (39).(8/17)
القول الأول: وهو القول بالتفصيل: فإن كان قصد المستهلك السلعة لحاجته إليها فهذا جائز، وإن كان قصده الجائزة ولا يحتاج إلى السلعة وإنما يشتريها ليتمكن من المشاركة في المسابقة فهذا لا يجوز؛ لأنه لا يخلو عن القمار فهو إما غانم أو غارم, وهذا القول بالتفصيل اختاره بعض العلماء المعاصرين ومنهم الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين(1), رحمه الله(2).
__________
(1) هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين الوهيبي التميمي, ولد في مدينة عنيزة 1347 ?. درس في كليتي الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, وكان أحد أعضاء هيئة كبار العلماء. من مؤلفاته: شرح لمعة الاعتقاد, والقواعد المثلى, وأصول التفسير, وغيرها, توفي في 15/10/1421?, رحمه الله. ينظر: جهود الشيخ ابن عثيمين, د. أحمد البديدي, ص (27-33), وفقه وفتاوى البيوع, مجموعة العلماء, ص (9).
(2) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, ص (140-142), والمعاملات المالية المعاصرة, المشيقح, ص (39).(8/18)
القول الثاني: هذا النوع من المسابقات محرم, لا يجوز استعماله ولا المشاركة فيه, وهذا اختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(1), رحمه الله(2).
أدلة القولين:
أدلة القول الأول: إذا كان الإنسان يريد هذه السلعة وينتفع بها فقد انتفى المحذور، وليس هناك شائبة قمار أو ميسر فالسلعة بثمنها والمستهلك أو العميل يحتاج إليها والأصل في المعاملات الحل(3).
أدلة القول الثاني:
__________
(1) هو عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز, ولد بالرياض 1330?. تولى أعمالا عديدة ومناصب بارزة آخرها مفتي المملكة العربية السعودية, وله عضوية في كثير من المجالس العلمية. من مؤلفاته: الفوائد الجلية في المباحث الفرضية, والتحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة, ونقد القومية العربية, وغيرها, توفي في 27/1/1420?, رحمه الله رحمة واسعة. ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة والإفتاء, (1/30-36), ومنهج الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في القضايا الفقهية المستجدة, شافي بن مذكر القرشي السبيعي, (30-41).
(2) ينظر: فتاوى إسلامية, ابن باز, وابن عثيمين, وعبد الرحمن بن الجبرين, واللجنة الدائمة وقرارات المجمع الفقهي, جمع وترتيب: محمد بن عبد العزيز المسند.
(3) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, (140-144), والمعاملات المالية المعاصرة, المشيقح, ص (40).(8/19)
1.قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبَقَ إلا في خف, أو نصل, أو حافر"(1), وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بذل العوض في المسابقات إلا في الثلاثة المنصوص عليها في الحديث, والمسابقات التجارية ليست منها لا نصاً ولا معنى فلا يجوز بذل العوض فيها(2).
2.أنها من القمار والميسر المحرم فهي داخلة في عموم النهي عن القمار والميسر كقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) } (3).
3.اشتراط عدم الزيادة في السعر مما يصعب ضبطه, وقصد العميل للسلعة أمر خفي يصعب التحقق منه لأن العميل قد يأخذ في اعتباره الجائزة, فإذا قصد الجائزة دخل في مسألة القمار.
4.مثل هذه المعاملات مدعاة لأن يشتري الإنسان ما لا يحتاجه وهذا فيه شيء من الإسراف(4).
سبب الخلاف:
__________
(1) رواه أحمد في المسند, مسند أبي هريرة, ص (700), رقم: (10138), وأبو داود, ص (292), كتاب الجهاد, باب في السبق, رقم: (2574), والترمذي, ص (293), كتاب الجهاد, باب ما جاء في الرهان والسبق, رقم: (1700), وقال عنه: هذا حديث حسن, و النسائي, ص (380), كتاب الخيل, باب السبق, رقم: (3585), وابن ماجه, كتاب الجهاد, باب السبق والرهان, ص (313), رقم: (2878). قال ابن حجر: "وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد، وأعل الدارقطني بعضها بالوقف، ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث ابن عباس". التلخيص الحبير, كتاب السبق والرمي, (4/161), وصححه الألباني, إرواء الغليل, (5/333).
(2) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, ص (143).
(3) سورة المائدة, الآية, (90), وينظر: المرجع السابق, ص (143).
(4) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, (140-144), المعاملات المالية المعاصرة, المشيقح, ص (40).(8/20)
اختلاف في هذه المسألة تابع لاختلاف في تكييفها الفقهي, فمن خرجها على أنها مسابقة على عوض من غير المتسابقين فيما ليس بمنصوص عليه ولا في معناه, قال بالتحريم, ومن قال بالجواز قال: هذا نوع من الحوافز من باب بذل مال للتشجيع, كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل قتيلا له عليه بينة, فله سلبه"(1).
الترجيح :
الأقرب, والله أعلم, هو القول الأول؛ لما ذكر من الأدلة ولأن ما استدل به أصحاب القول الثاني من الآية غير مسلم؛ لأن المشتري إما غانم وإما سالم ولا يكون غارما في حال من الأحوال فلا يتحقق فيه معنى القمار.
واستدلالهم بالحديث مبني على تخريج هذه المسألة على أنها مسابقة على عوض من غير المتسابقين فيما ليس بمنصوص عليه ولا في معناه, وهذا تخريج, فيما يظهر, بعيد؛ لأن تسمية هذا النوع من الحوافز التجارية بالمسابقة ضرب من التجوز؛ لأن المسابقة يبرز فيها شخصية المتسابق وقوته ومهارته الجسمية أو العقلية أو هما معا, وفي المسابقات التجارية لا نلمس هذا المعنى, وإن كلف المتسابق بشيء فهو أمر يسير, كالإجابة عن سؤال بديهي, وقد يعلن المنظم للمسابقة أن إجابة أسئلة المسابقة توجد في أحد منتجاته, إذ الغرض تنشيط البيع وترويج السلع لا اختبار القدرات والمهارات كما هو شأن المسابقة.
وأما العلل التي ذكروها فإنها تنتفي بما ذكره أصحاب القول الأول من الضوابط والشروط، وذلك: بأن تكون السلع بسعر المثل فلا يزاد فيه من أجل المسابقة, وأن يشتري العميل ما يحتاجه, وعند توفر هذه الشروط لا يبقى للقول بالمنع ما يستند إليه, والله أعلم.
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
__________
(1) رواه البخاري, ص (602), كتاب فرض الخمس, باب من لم يخمس الأسلاب, رقم: (3142), ومسلم, ص (726), كتاب الجهاد والسير, باب استحقاق القاتل سلب القتيل, رقم: (1751), من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -.(8/21)
إذا قلنا بتحريم المسابقات التجارية فلا تطبق القاعدة على هذه المسألة حيث لم يغتفر ما فيها من الغرر, بينما تكون هذه المسألة من تطبيقات القاعدة بناء على القول المختار القاضي بجواز هذه المسابقات عند توفر الشروط التي تقلل الغرر وتصيره يسيرا مغتفرا.
المبحث الرابع: عقود التأمين المشتملة على غرر يسير.
تعريف التأمين:
التأمين في اللغة مأخوذ من أمن, يقال: أمنت الرجل أمناً وأمنةً وأماناً, والأمن ضد الخوف, ومنه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وتقع الأمنة في الأرض"(1), أي: يريد أن الأرض تمتلئ بالأمن فلا يخاف أحد من الناس والحيوان(2).
وعقد التأمين هو: "عقد يلتزم فيه المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث, أو تحقق الخطر المبين بالعقد, وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية يؤديها المؤمن له للمؤمن, ويتحمل بمقتضاه المؤمن تبعة مجموعة من المخاطر بإجراء المقاصة بينها وفقاً لقوانين الإحصاء"(3).
أنواع التأمين:
ينقسم التأمين من حيث شكله إلى قسمين:
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده, مسند أبي هريرة - رضي الله عنه -, ص (671), رقم: (9632). وقال الحافظ: "وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مثله مرفوعا, وفي هذا الحديث: "ينزل عيسى.." وذكر الحديث, فتح الباري, (6/369).
(2) ينظر: لسان العرب, (13/21), مادة (أ م ن), ومختار الصحاح, ص (37), والمعجم الوسيط, ص (28).
(3) عقود التأمين من الناحيتين التأمينية والقانونية, لجمال الحكيم, (1/33), نقلا من المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, الدكتور محمد عثمان شبير, ص (107).(8/22)
القسم الأول: التأمين التعاوني، أو التبادلي, ومفهومه: "أن يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة، ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز، وأعضاء شركة التأمين التعاوني لا يسعون إلى تحقيق ربح، ولكنهم يسعون إلى تخفيف الخسائر التي تلحق بعض الأعضاء، فهم يتعاقدون ليتعاونوا على تحمل مصيبة قد تحل ببعضهم"(1).
حكمه: هذا القسم من التأمين جائز شرعاً؛ لأنه ينسجم مع مقاصد الشريعة التي تدعو إلى التكافل الاجتماعي على أساس من التبرع, ولا يقصد من هذا التأمين تحقيق الأرباح, وإنما يقصد ترميم المصائب(2). وقد أفتى بجوازه هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية, وغيرها من المجامع الفقهية التي تناولت موضوع التأمين بالدراسة(3).
القسم الثاني: التأمين التجاري أو التأمين بقسط ثابت, وهو النوع السائد الآن الذي تنصرف إليه كلمة التأمين عند إطلاقها, وفي هذا التأمين يلتزم المؤمن له بدفع قسط محدد إلى المؤمن, وهو الشركة التي يتكون أفرادها من مساهمين آخرين غير المؤمن لهم, وهؤلاء المساهمون هم المستفيدون بأرباح الشركة(4).
حكمه: اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم هذا التأمين على قولين:
__________
(1) الغرر في العقود وآثاره في التطبيقات المعاصرة, الدكتور الضرير، ص (641).
(2) المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, الدكتور محمد عثمان شبير, ص (103).
(3) ينظر: فتاوى اللجنة, (15/287), وما بعدها, قرار رقم: 51, وتاريخ 4/4/1397 ?, وفقه النوازل, محمد ابن حسين الجيزاني, (3/266-287).
(4) التأمين, بحث لفضيلة الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي, حفظه الله, ص (2).(8/23)
القول الأول: تحريم التأمين التجاري, وهو قول جمهور الفقهاء المعاصرين، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة(1).
القول الثاني: جواز التأمين التجاري، وهذا قول بعض المعاصرين وانتصر له الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا, رحمه الله(2).
أدلة القولين:
أبرز أدلة القول الأول:
1.عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ, فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن, وقد لا تقع الكارثة أصلاً فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً, وكذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده, وقد ورد في الحديث الصحيح النهي عن بيع الغرر(3).
2.هذا العقد ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية, واستحكمت فيه الجهالة فدخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) } (4).
__________
(1) قرار هيئة كبار العلماء, رقم: 55, وتاريخ: 4/4/1397?. وقرار مجمع الفقه الإسلامي الصادر في شعبان 1398?, ينظر: فقه النوازل, محمد بن حسين الجيزاني, (3/268-285), وفتاوى اللجنة, (15/275) وما بعدها.
(2) نظام التأمين, الزرقاء, ص (27), نقلا من: المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, الدكتور محمد عثمان شبير, ص (122), وينظر: فقه النوازل, الجيزاني, ص (283-285).
(3) سبق تخريجه, ص (54), وينظر: فتاوى اللجنة, (15/278).
(4) سورة المائدة, الآية (90), وينظر: المرجع السابق, (15/278).(8/24)
3.هذا العقد يشتمل على ربا الفضل والنساء, فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل, والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة من العقد فيكون ربا نساء, وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط, وكلاهما محرم بالنص والإجماع(1).
أبرز أدلة القول الثاني ومناقشتها:
1.التأمين عقد جديد لم يتناوله نص شرعي ولا يوجد في أصول الشريعة ما يمنع جوازه, فيبقى على الأصل وهو الحل(2). ويجاب عن هذا الدليل بأن الإباحة الأصلية لا تصلح دليلا هنا؛ لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها للكتاب والسنة, والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم الناقل عنها, وقد وجد فبطل الاستدلال بها(3).
2.القياس على مسألة "ضمان خطر الطريق" التي نص الحنفية على جوازها(4), وصورتها أن يقول رجل لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن, فإن أصابك فيه شيء فأنا ضامن, فسلكه فأخذ ماله, ضمن القائل. وهذه المسألة تشبه التأمين من حيث التزام الضمان(5).
ويجاب عن هذا الدليل بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض بخلاف التأمين الذي يقصد منه الكسب المادي, وإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه, والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع(6).
__________
(1) ينظر: فتاوى اللجنة, (15/279), والمعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, الدكتور محمد عثمان شبير, ص (117-122).
(2) ينظر: فتاوى اللجنة, (15/281), والتأمين, الشبيلي, حفظه الله, ص (4).
(3) ينظر: فتاوى اللجنة, (15/281).
(4) حاشية ابن عابدين, (4/170).
(5) المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, الدكتور محمد عثمان شبير, ص (126), وفتاوى اللجنة, (15/284).
(6) ينظر: فتاوى اللجنة, (15/283), وفقه النوازل, الجيزاني, (3/272).(8/25)
3.قياس عقد التأمين على نظام التقاعد والضمان الاجتماعي, ووجه الشبه من حيث العوضان, فأقساط التأمين التي يدفعها المستأمن تشبه المبلغ الذي يقطع من راتب الموظف في كل شهر, ومبلغ التأمين الذي تدفعه الشركة يشبه مجموع الرواتب التي تدفع للموظف عند بلوغه سناً معينةً من قبل الدولة أو صندوق الضمان الاجتماعي(1).
وأجيب بأنه قياس مع الفارق أيضا؛ لأن ما يعطى من التقاعد التزم به ولي الأمر باعتباره مسؤولاً عن رعيته, وفيهم مظنة الحاجة فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها, فلا شبه بين هذا وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التي يقصد منها الكسب(2).
الترجيح:
يترجح للباحث حرمة التأمين التجاري، لقوة أدلة المحرمين ووضوحها مع ضعف أدلة المجيزين, وقد سبقت الإجابة عنها.
تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
هذه المسألة من تطبيقات القاعدة على القول المرجوح القاضي بجواز التأمين التجاري, خاصةً مع اعتبار ما يدفع المستأمن لشركة التأمين أنه في مقابلة الأمان والاطمئنان الذي يحصل عليه بهذا العقد, فيكون ما فيه من الغرر يسيراً مغتفراً, والله أعلم.
أما على القول الراجح القاضي بتحريم التأمين التجاري فليست هذه المسألة من تطبيقات القاعدة؛ لأن الغرر الذي يشتمل عليه التأمين التجاري ليس يسيراً, بل هو فاحش, فلا يغتفر.
وأما الغرر الذي يشتمل عليه التأمين التعاوني فهو مغتفر لا لكونه يسيراً, ولكن لكون هذا النوع من التأمين من عقود التبرعات التي يعفى عن الغرر فيها, وفق قاعدة الغرر(3).
المبحث الخامس: الضمان التجاري المشتمل على غرر يسير.
__________
(1) ينظر: المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, الدكتور محمد عثمان شبير, ص (126).
(2) ينظر: فتاوى اللجنة, (15/284), وفقه النوازل, الجيزاني, (3/272).
(3) ينظر: الغرر في العقود وآثاره في التطبيقات المعاصرة, الدكتور الضرير, ص (581-612).(8/26)
تعريف الضمان التجاري:
الضمان في اللغة: مصدر ضمن, يقال ضمن الشيء, أي كفل به, وضمن الرجل ونحوه ضماناً: كفله والتزم أن يؤدي عنه ما قد يقصر في أدائه, وكل شيء جعلته في وعاء فقد ضمنته إياه, ومن معانيه: التغريم, فضمنته الشيء غرمته, والاشتمال, يقال: فهمت ما تضمنه كتابك, أي ما اشتمل عليه(1).
وأطلق الفقهاء الضمان على معان كثيرة, منها ضمان الدرك, وهو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع(2).
أما الضمان التجاري فهو "تعهد يلتزم فيه المنتج أو وكيله بسلامة المبيع من العيوب المصنعية والفنية, ويلتزم بصلاحيته للعمل خلال مدة متفق عليها"(3).
ويقصد من هذا الضمان حماية المستهلك في حال ظهور العيوب في المبيع نتيجة أخطاء صناعية والفنية.
التخريج الفقهي للضمان التجاري:
يخرج الضمان التجاري على أحد التخريجين(4):
التخريج الأول: يخرج الضمان التجاري على ضمان العيب الحادث عند المشتري المستند إلى سبب سابق على القبض.
إذا كان المشتري عالما بالسبب فليس له الرد ولا الأرش لدخوله في العقد على بصيرة(5), وإن لم يعلم به فقد اختلف الفقهاء في العيب الحادث عند المشتري إذا كان مستنداً إلى سبب سابق على القبض, هل هو من ضمان البائع أم من ضمان المشتري على قولين:
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (13/257), مادة (ض م ن), ومختار الصحاح, ص (340), والمعجم الوسيط, ص (544).
(2) بدائع الصنائع, (6/9), ومغني المحتاج, (2/201).
(3) ينظر: إدارة التسويق, الدكتور بازرعة, (2/175), ضمان عيوب المبيع الخفية, الدكتور دياب, ص (317), والضمان في عقد البيع, الدكتور عيد, ص (229), نقلا من الحوافز التجارية التسويقية, الدكتور المصلح, ص (254).
(4) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, الدكتور المصلح, ص (263-266).
(5) ينظر: المجموع, (11/314), والمغني, ابن قدامة, (6/255).(8/27)
القول الأول: هو من ضمان البائع, وهذا مذهب الحنفية إذا كان السبب متحداً, فلو تغير الحال فالضمان على المشتري(1), وأصح عند الشافعية(2), ورواية عند الحنابلة(3).
جاء في بداية المبتدئ : "ومن اشترى عبدا قد سرق ولم يعلم به فقُطع عند المشتري له أن يرده ويأخذ الثمن عند أبي حنيفة, رحمه الله. وقالا: يرجع بما بين قيمته سارقاً إلى غير سارق"(4).
وفي تبيين الحقائق: "لو وجد شيء منها عند البائع قبل البلوغ ثم وجد عند المشتري بعد البلوغ ليس له أن يرده لزوال الأول بالبلوغ ولو وجد عند البائع قبل البلوغ ووجد عند المشتري أيضا قبل البلوغ يرده به ما لم يبلغ لاتحاد السبب"(5).
وفي المهذب: "وإن استند إلى ما قبل القبض بأن كان عبدا فسرق أو قطع يدا قبل القبض, فقطعت يده بعد القبض, ففيه وجهان: أحدهما أنه يرد.. والثاني أنه لا يرد"(6).
وقال ابن قدامة: "ولو كانت الجناية موجبة لقطع يده, فقطعت عند المشتري, فقد تعيب في يده; لأن استحقاق القطع دون حقيقته, فهل يمنع ذلك رده بعيبه؟ على روايتين"(7).
__________
(1) ينظر: الهداية, (3/41), وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/32), وفتح القدير, (6/392).
(2) ينظر: المجموع شرح المهذب, (11/314), وشرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة, (2/245).
(3) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/256), والإنصاف, (4/418).
(4) الهداية, (3/41).
(5) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (4/32).
(6) المهذب مع المجموع, (11/314).
(7) المغني, ابن قدامة, (6/256).(8/28)
القول الثاني: هو من ضمان المشتري ما لم يدلس البائع, وهذا مذهب المالكية(1), والحنابلة(2), وقول عند الشافعية(3).
جاء في مواهب الجليل: "المسألة الثالثة أن يحصل بسبب العيب هلاك, أو عطب كما إذا كان العبد سارقاً فسرق فقطعت يده ونحوه, فمع التدليس يكون الضمان من البائع, وإلا فمن المشتري انتهى"(4).
سبب الخلاف: الخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في اعتبار سبب العيب عيباً, كما قال ابن قدامة, رحمه الله: "لأن استحقاق القطع دون حقيقته"(5). فمن اعتبره عيباً جعل الضمان على البائع, ومن لم يعتبره عيباً جعل الضمان على المشتري.
مناقشة التخريج الأول:
يناقش هذا التخريج بأن البائع في الضمان التجاري يلتزم للمشتري ويتعهد بسلامة المبيع وصلاحيته للعمل, مدة متفقا عليها, بينما ضمان العيب الحادث عند المشتري المستند إلى سبب سابق على القبض ليس كذلك.
ويجاب عن هذا الإيراد بأن التزام البائع وتعهده من باب التأكيد لمقتضى العقد, على القول بأن البائع ضامن, وأما على القول بتضمين المشتري فإن البائع يكون قد وعد بضمان العيب المستند إلى سبب عنده(6).
التخريج الثاني: يخرج الضمان التجاري على ضمان العيب الذي لا يعلم إلا بالتجربة والاستعلام والاختبار, مثل ما كان مأكوله في جوفه, وللعلماء في هذه المسألة قولان:
__________
(1) ينظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل, (4/451), والشرح الصغير مع حاشية الصاوي, (3/177), وحاشية الدسوقي, (3/128).
(2) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/256), وكشاف القناع, (3/228).
(3) ينظر: المجموع شرح المهذب, (11/314), وشرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة, (2/245).
(4) مواهب الجليلفي شرح مختصر خليل, (4/451).
(5) المغني, ابن قدامة, (6/256).
(6) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, ص (263-264).(8/29)
القول الأول: هو من ضمان البائع, وهذا مذهب الحنفية(1), والشافعية(2), والحنابلة(3), وقول عند المالكية(4).
القول الثاني: هو من ضمان المشتري, وهذا مذهب المالكية(5), ورواية عند الحنابلة(6).
أدلة القولين:
أدلة القول الأول:
1.يقتضي عقد البيع السلامة من عيب لم يطلع عليه المشتري, فإذا بان معيباً, ثبت له الخيار(7).
2. يستحق البائع ثمن المعيب, دون الصحيح; لأنه لم يملكه صحيحاً, فلا معنى لإيجاب الثمن كله(8).
3. المشتري معذور في تعاطيه لاستكشاف العيب, كاختبار المصراة بحلبها(9).
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بأن البائع لم يدلس ولم يفرط; لعدم معرفته بالعيب, ولا يمكن الوقوف عليه إلا بكسر المبيع, فجرى مجرى البراءة من العيوب(10).
وأجيب بأن كون البائع لم يفرط لا يقتضي أن يجب له ثمن ما لم يسلمه; بدليل العيب الذي لم يعلمه في العبد(11).
الترجيح:
والراجح من القولين, والله أعلم, هو القول الأول لما سبق من الأدلة وسلامتها من المناقشة, والإجابة على دليل القول الثاني.
الترجيح بين التخريجين:
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع, (5/171), والعناية, (6/372), وفتح القدير, (6/372).
(2) ينظر: شرح المحلي على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة, (2/255), وتحفة المحتاج, (4/381), ومغني المحتاج, (2/201).
(3) ينظر: المغني, ابن قدامة, (6/254-256), والإنصاف, (4/425).
(4) ينظر: التاج والإكليل, (4/434), ومواهب الجليل, (4/434).
(5) ينظر: التاج والإكليل, (4/434), ومواهب الجليل, (4/434).
(6) المغني, ابن قدامة, (6/254-256), والإنصاف, (4/425).
(7) المغني, ابن قدامة, (6/254-256).
(8) المرجع السابق, (6/252-253).
(9) مغني المحتاج, (2/60).
(10) المغني, ابن قدامة, (6/252-253).
(11) المرجع السابق, (6/252-253).(8/30)
يقبل الضمان التجاري كلا التخريجين, فما كان منه متعلقا بسلامة المبيع من العيوب المصنعية والفنية فإنه يخرج على ضمان العيب الذي لا يعلم إلا بالتجربة والاستعلام, وما كان منه متعلقا بصلاحية المبيع, وقيامه بالعمل, فإنه يخرج على ضمان العيب الحادث عند المشتري المستند إلى سبب سابق؛ لأن عدم صلاحيته ناشئ عن عدم إتقان الصنعة(1).
حكم الضمان التجاري:
الضمان التجاري فيما يظهر, والله أعلم, جائز شرعاً ولا محذور فيه, وذلك لما يلي:
أولا: الأصل في المعاملات الإباحة حتى يرد دليل المنع, ولا دليل يمنع من جواز الضمان التجاري.
ثانيا: الضمان التجاري فيه معنى التوثيق لطمأنة المشتري بأن البائع مسؤول عن جودة سلعته, وإتقانها وقيامها بما اشتريت من أجله.
ثالثا: الحاجة داعية إليه خاصة مع هذا التنوع في المنتجات والسلع, فالمستهلك بحاجة إلى التعرف على خصائص السلع والتأكد من عدم العيب فيها وهذا متعذر وقت الشراء لعدم الإمكانات الفنية اللازمة للقيام بذلك, وكثير من عيوب السلع دقيقة التركيب لا تظهر إلا عند الاستعمال الفعلي للسلعة.
رابعا: هذا الضمان يحمل الشركات والمؤسسات المنتجة على إتقان عملها ورفع جودة منتجاتها, وبالتالي يحقق مصلحة عامة للمجتمع(2).
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
ضمان البائع لسلعه بعد انتقالها إلى أيدي المشترين مشتمل على الغرر؛ وذلك لأن العيب قد يظهر في مدة الضمان فيرد المشتري السلع وقد لا يظهر فلا يردها, إلا أن هذا الغرر يسير؛ لأن البائع, أو الصانع, لا يضمن السلع إلا خلال المدة التي يغلب على الظن سلامتها فيها وعدم ظهور العيب فيها, فيكون هذا الغرر يسيراً مغتفراً, لاسيما مع الحاجة الداعية إلى هذا النوع من الضمان والمصالح التي يحققها, والله أعلم وأحكم.
المبحث السادس: عقود الصيانة المشتملة على غرر يسير.
__________
(1) الحوافز التجارية التسويقية, ص (266).
(2) ينظر: المرجع السابق, ص (266-267).(8/31)
تعريف الصيانة:
الصيانة لغة مصدر صان, يصون, صوناً, وصيانةً, بمعنى الحفظ والوقاية. يقال: صان الفرسُ, أي: قام على طرف حافره, واتقى المشي من حفا أو وجع في حافره. وصان الشيءَ إذا حفظه في مكان أمين, وصان عرضه إذا وقاه مما يعيبه(1).
أما الصيانة في الاصطلاح فهي: "مجموعة الأعمال اللازمة لبقاء عين على الحالة التي تصلح فيها لأداء الأعمال المرادة منها"(2). وسمى الفقهاء الإصلاحات التي تجري لبعض الأعيان بالمرمة(3), والعمارة(4), ولم يستعملوا مصطلح الصيانة.
أنواع الصيانة:
النوع الأول: صيانة وقائية أو دورية, بمعنى أن الصائن يكشف على الشيء المصون بشكل دوري؛ لتحقق من سلامته وتأكد من أنه يعمل بصورة صحيحة, واكتشاف ما يمكن أن يؤدي إلى خلل وضبطه بما يقلل وقوعه, مثل تزويد الآلات بالوقود والزيوت, وتغيير بعض الأجزاء التي تستهلك سريعا(5).
النوع الثاني: صيانة طارئة, بمعنى أن الصائن يقوم بإصلاح عطل فني غير متوقع, وقد يضاف إليه إبدال القطع التالفة(6).
التكييف الفقهي لعقد الصيانة:
الصيانة بنوعيها إما أن تكون عقداً مستقلاً, أو تابعاً لعقد آخر, فإن كانت الصيانة تابعةً لعقد آخر, كما لو اشترى سيارة والتزم البائع بصيانتها, فهي شرط في العقد وليست جمعا بين عقدين لأنها بدون عوض والعوض المبذول للعين المبيعة لا يشملها, بدليل ما لو تنازل المشتري عنها لم يحسمها البائع من قيمة العين(7).
__________
(1) ينظر: لسان العرب, (13/308), مادة (ص و ن), ومختار الصحاح, ص (332), والمعجم الوسيط, ص (530).
(2) معجم لغة الفقاء, ص (279), نقلا من عقد المقاولة لعبد الرحمن العايد, ص (331).
(3) ينظر: المبسوط, (16/34), والمدونة, (11/509).
(4) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, (5/122), وأسنى المطالب, (2/404).
(5) ينظر: عقد المقاولة لعبد الرحمن العايد, ص (332).
(6) ينظر: المرجع السابق, ص (332).
(7) ينظر: المرجع السابق, ص (333).(8/32)
أما إذا كانت الصيانة عقداً مستقلاً فإنه يُكيَّف على أنه إجارة واردة على عمل الإنسان؛ فإن تعاقدا على أن رب العمل يملك منفعة الصائن طول مدة العقد, فالصيانة حينئذ إجارة الأجير الخاص, وإن تعاقدا على أنه لا يملك ذلك فهي إجارة الأجير المشترك(1).
حكم عقد الصيانة:
يختلف حكم عقد الصيانة باختلاف صوره, ويتصور وقوع هذا العقد على الصور التالية:
الصورة الأولى: أن تكون الصيانة تابعةً لعقد آخر, فهي حينئذ شبيهة بالضمان من البائع, وإن وجد بينهما بعض الفرق, وقد سبق بيان جواز الضمان في المبحث السابق, والصيانة التابعة جائزة كذلك سواء كانت دورية أو طارئة؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والإباحة, ولأن الحاجة داعية إليها(2), ولأنه يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في الأصول.
الصورة الثانية: التفقد الدوري بعقد مستقل, بحيث يتفق على مواعيد الصيانة وماذا تشمل من الأعمال, كتنظيف الأجهزة, وإعلام رب العمل بعد كل التفقد بما لاحظ, ونحو ذلك, فهذا العقد جائز؛ لأن العمل هنا معلوم لا جهالة فيه فيصح الاتفاق على أجرته مقدما.
أما إن اشتمل العقد على إبدال المتلفات فله حالتان:
الحالة الأولى: أن يعلم وقت إبدالها سلفاً, فيصح العقد لعدم الجهالة.
الحالة الثانية: ألا يعلم وقت إبدالها سلفاً ولا يمكن التنبؤ به, فلا يصح العقد حينئذ لجهالة المعقود عليه. ولا بد لتصحيح العقد من أن يقوم ربّ العمل بشراء الأدوات أو توكيل الصانع بشرائها وتكون قيمتها مستقلة عن الأجرة(3).
الصورة الثالثة: الصيانة الطارئة بعقد مستقل, بحيث يتفق على أن يبادر الصائن إلى إصلاح خلل أو عطل كلّما حدث, وهذه الصورة لها حالتان:
__________
(1) ينظر: المرجع السابق, ص (337).
(2) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, ص (275-276).
(3) ينظر: عقد المقاولة لعبد الرحمن العايد, ص (343).(8/33)
الحالة الأولى: أن يتفقا على أن يقوم الصائن بعمل الإصلاحات ثم يحسب ساعات العمل ثم تكون الأجرة على حسب الساعات, ويكون المعقود عليه مجرد العمل أما ما يحتاج إليه من قطع غيار فيقدمه ربُّ العمل, فهذا العقد صحيح لاشتماله على عمل معلوم لا جهالة فيه.
الحالة الثانية: أن يتفقا على أن يقوم الصائن بعمل الإصلاحات كلما حدث عطل مقابل مبلغ مقطوع لمدة معينة, كسنة ونحوها, فهذا العقد لا يصح؛ لجهالة العمل المعقود عليه(1).
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
تبين مما سبق أن عقد الصيانة إذا كان تابعاً لعقد آخر غيرَ مقصودٍ بذاته فإنه يصح, وما فيه من الجهالة مغتفر لكونه تابعاً. أما إذا كان عقد الصيانة مستقلاً فيشترط لصحته أن يكون ما يبذله الصائن من عمل وقطع غيار, إن كانت عليه, معلوماً خالياً من الجهالة الفاحشة المفسدة للعقود. فصور عقود الصيانة الجائزة سابقة الذكر من تطبيقات القاعدة؛ لأن ما فيها من الغرر يسير ومغتفر.
المبحث السابع: بطاقات التخفيض المشتملة على غرر يسير.
تعريف بطاقات التخفيض:
بطاقات: جمع بطاقة, وهي الرقعة الصغيرة من الورق أو غيره, يُكتب عليها بيان ما تعلق عليه(2).
والتخفيض مصدر خفَّض, من الخفْض ضد الرفع بمعنى الحط, وخفض الصوت غضه. (3) والمقصود به هنا: حسم, يعطيه البائع للمشتري من سعر السلع والخدمات السائد في السوق, أو من أسعار البيع التي يعيِّنها المصنع لتشجيع الناس على الشراء منه, أو إدامة التعامل معه(4).
__________
(1) ينظر: المرجع السابق, ص (339) وما بعدها.
(2) ينظر: لسان العرب, (10/21), مادة (ب ط ق), ومختار الصحاح, ص (62), والمعجم الوسيط, ص (61).
(3) ينظر: لسان العرب, (10/145), مادة (خ ف ض), ومختار الصحاح, ص (171), والمعجم الوسيط, ص (264).
(4) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال, ص (429), نقلا من الحوافز التجارية التسويقية, ص (153).(8/34)
وبطاقات التخفيض هي: "تلك البطاقات التي يمنح صاحبها حسماً من أسعار سلع وخدمات مؤسسات وشركات محددة مدة صلاحية البطاقة"(1).
أنواع بطاقات التخفيض:
تشهد الأسواق المالية والتجارية تطوراً كبيراً, وقد أفرز هذا التطور الابتكارات الحديثة في طرق التسويق, ومن ذلك بطاقات التخفيض بأنواعها الكثيرة, فمنها بطاقات تخفيض مستقلة, وبطاقات تخفيض تابعة, ولكل من هذين النوعين أقسام(2), ولكن, يمكن تقسيم بطاقات التخفيض من حيث طريقة الحصول عليها إلى نوعين, هما:
النوع الأول: بطاقة لها ثمن, وذلك بأن يكون إصدار هذه البطاقة مقابل رسم يدفعه من يرغب في الاشتراك.
حكم هذا النوع: بطاقات التخفيض التي يشترط في الحصول عليها دفع رسم محرمة, وهذا ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية(3)؛ لاشتمال هذا النوع من البطاقات على عدة محاذير شرعية, ومنها:
1.فيها جهالة وغرر كبير, إذ لا يعلم حصول المقصود من العقد, ولا تعرف حقيقته ومقداره, وحاملها بين الغنم والغرم الناشئين عن المخاطرة والغرر المحض, فهي داخلة في الميسر المحرم المذكور في قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) } (4), وهي داخلة أيضاً في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر(5).
__________
(1) الحوافز التجارية التسويقية, ص (155).
(2) المرجع السابق, ص (155-159).
(3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, (14/6-18).
(4) سورة المائدة, الآية (90).
(5) سبق تخريجه, ص (54).(8/35)
2.في هذه المعاملة أكل للمال بالباطل لما فيها من تغرير وخداع, فالتخفيضات التي يوعد بها المستهلك غالباً ما تكون وهميةً غير حقيقية, والله تعالى قد نهى عن أكل أموال الناس بالباطل, وقال: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) } (1).
3.هذه المعاملات كثيراً ما تكون سبباً للنزاعات بين أطرافها, وما كان سبباً للنزاع والبغضاء يجب منعه, كما قال تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } (2).
النوع الثاني: بطاقة مجانية, وذلك بأن يكون إصدار هذه البطاقة مجاناً, كالبطاقات التي تمنح لمن بلغ قدراً معينا من ثمن المشتريات خلال فترة زمنية معينة, وبطاقات التخفيض التي تكون تابعةً لإصدار إحدى البطاقات التجارية من باب المرغبات والمزايا في البطاقة الأصلية.
حكم هذا النوع: هذه البطاقات التخفيضية جائزة؛ إذ لا محذور فيها, والأصل في المعاملات الحل والإباحة ما لم يقم دليل المنع, وليس هناك ما يمنع من هذه البطاقات, وقد ذهبت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية إلى إباحة هذا النوع من البطاقات التخفيضية(3).
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة:
__________
(1) سورة البقرة, الآية (188).
(2) سورة المائدة, الآية (91), وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, (14/6-18), والحوافز التجارية التسويقية, ص (177-180).
(3) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية, ص (183-184).(8/36)
الذي يظهر, والله أعلم, أن هذه المسألة ليست من تطبيقات القاعدة, وذلك لأن النوع الأول من البطاقات التخفيضية, أي ما يشترط في تحصيله دفع رسم, محرم شرعاً والغرر فيه فاحش فلا يغتفر ولا يعفى عنه. وأما النوع الثاني, أي البطاقات التي تعطى مجاناً, فهو جائز؛ لا لكون الغرر فيه يسيراً مغتفراً وإنما لكون هذه البطاقة هبةً من البائع, فهي من عقود التبرعات التي يعفى عن الغرر فيها ولو لم يكن يسيراً على المختار من أقوال أهل العلم(1).
ويتصور كون هذه المسألة من تطبيقات القاعدة ما لو كان رسم الاشتراك شيئاً يسيراً بحيث تباع بسعر رمزي فيكون الغرر حينئذ, إذا قلنا بجوازها, يسيراً ومغتفراً, والله أعلم.
__________
(1) وهو مذهب المالكية, واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله, وينظر: بداية المجتهد, (2/329), والتاج والإكليل, (6/51), ومواهب الجليل, (6/51), ومجموع الفتاوى, ابن تيمية, (31/270-271), وإعلام الموقعين, (1/382), والإنصاف, (7/133).(8/37)
الخاتمة
أحمد الله سبحانه وتعالى على ما أتمّ به عليَّ من النعم وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
ففي ختام هذه الدراسة المتواضعة أشير إلى أهم نتائج البحث:
القاعدة الفقهية ليست كلية, باتفاق العلماء, إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وقد جرت العادة ألاّ تذكر الشروط والموانع في نص القاعدة، فمن نظر إلى القاعدة مجردة عن الشروط والموانع جزم بكونها أغلبية، ومن راعى تلك الشروط والموانع وإن لم تذكر في نص القاعدة اعتبرها كلية.
القواعد الفقهية ذات أهمية بالغة لا يستغني عنها فقيه.
تشبه القاعدة الفقهية القاعدة الأصولية لكون كل منهما قضية كلية متعلقة بالأحكام الشرعية، فالقاعدة الفقهية تفيد في معرفة أحكام أفعال المكلفين والقاعدة الأصولية تفيد في استنبات الأحكام من أدلتها، وأهم ما يفرق بين القاعدة الأصولية والفقهية هو موضوع, فموضوع القاعدة الأصولية الأدلة الشرعية وموضوع القاعدة الفقهية فعل المكلف.
المعنى الإجمالي لقاعدة اليسير مغتفر: إذا كان الشيء يسيراً حقيراً مما يتغابن الناس بمثله ولا يسلمون منه غالبا فإنه مغفور ومعفو عنه ولا يلتفت إليه وإنما يتجاوز عنه ويتسامح فيه ولا يعامل معاملة الكثير وإنما العبرة بالأغلب, واليسير في حكم المعدوم.
اليسير في كل شيء بحسبه، والمرجع في ذلك إلى العرف، فما عده العرف يسيراً فهو يسير وما عده فاحشا فهو فاحش، لأن ما لم يرد الشرع بتحديده فإنه يحدد بالعرف.
اليسير لا يغتفر على الإطلاق وإنما يغتفر في حالات معينة، كاليسير الذي يشق التحرز منه، والذي لا أثر له لكونه مستهلكا في غيره؛ واليسير الذي دلت النصوص على اغتفاره للحاجة.
قاعدة اليسير مغتفر تدخل في جملة القواعد التابعة لقاعدة كبرى: "المشقة تجلب التيسير"؛ لأن اعتبار اليسير وعدم التسامح فيه يؤدي إلى المشقة ووقوع الناس في ضيق وحرج.(9/1)
من الفقهاء من عرف البيع بمعناه العام الذي يشمل مبادلة مال بمال على أي وجه كان، وشمل البيع الصحيح والفاسد، ومنهم من قصد بتعريفه البيع الصحيح مميزا له عن غيره من وجوه المبادلة كالإجارة والنكاح وهبة الثواب ونحو ذلك.
الفصل اليسير بين الإيجاب والقبول, الذي لا يشعر بإعراض العاقد عن القبول, مغتفر باتفاق الفقهاء.
البيع بالتعاطي من تطبيقات قاعدة اليسير مغتفر عند من يرى عدم صحة البيع بالتعاطي في النفائس ويرى صحته في المحقرات؛ لأن الشيء الحقير مما يتسامح فيه ويغتفر, وليست من تطبيقات القاعدة على قول من يجيز البيع بالتعاطي في النفيس والحقير, وعلى قول من يمنعه فيهما إذ لا فرق عندهم بين الحقير والنفيس.
تأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد لزمن يسير من تطبيقات القاعدة لأن العلماء المالكية ومن أخذ بقولهم أجازوا أن يؤخر رأس مال السلم إلى ثلاثة أيام عن مجلس العقد, مع أن الأصل عدم التأخير لنهي عن بيع الدين بالدين ولكن المالكية تسامحوا في ذلك واعتبروا هذه الفترة أمرا يسيرا مغتفراً.
لا يصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء إلا بإجازة الولي, ويستثنى من ذلك تصرفه في الأشياء اليسيرة, فلا يقف على إجازة الولي لخفة هذه الأشياء وقلة ماليتها وعدم الغبن فيها والحاجة إلى التسامح فيها, ولأن اليسير معفو عنه في الشريعة.
لا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه؛ لما فيه من الغرر وعدم تحقيق المقصود من البيع وهو التصرف في المبيع, وقد يتطلب التسليم مشقة وكلفة فلا يجوز البيع عند الجمهور, وقد تكون كلفة التسليم يسيرة, كما لو كان الطائر في برج صغير, فيجوز البيع لأن هذه المشقة مما يغتفر ولا تمنع من صحة البيع.(9/2)
البيع الذي يكون المبيع أو الثمن فيه مجهولاً, بيع الغرر؛ لاحتمال أن يباع الشيء بأكثر من قيمته أو بأقل, وبيع الغرر منهي عنه, ولكن بيع ما يكمن في الأرض, وبيع الجزاف والبيع بسعر السوق من أنواع البيوع التي ضبطها العلماء بالشروط لتصبح الجهالة فيها يسيرة, فإذا أصبحت يسيرة كانت مغتفرة تيسيراً على الناس وتلبية لحاجاتهم.
البيع بالرؤية المتقدمة جائز عند جماهير العلماء بشرط ألاّ يتغير المبيع, ومتى وجد المبيع بحاله لزم البيع, وإن كان ناقصا ثبت الخيار للمشتري; لأن ذلك كحدوث العيب, وكما أن العيب اليسير مغتفر, لا يثبت به الخيار, فكذلك التغير في المبيع يغتفر ويعفى عنه إذا كان يسيراً.
الفرقة بين المتعاقدين تقطع الخيار ولو كانت يسيرة كمشي هنية, بدليل فعل ابن عمر رضي الله عنهما, ويغتفر ما هو أقلّ من ذلك كجعل حاجز من ستر ونحوه بين البائع والمشتري.
ما تلف من الثمار مما جرت العادة بتلف مثله وما لا يمكن التحرز منه, كالهواء لا بد أن يرمي بعض الثمرة, لا يعتبر جائحة يشرع وضعها ولا يكون من ضمان البائع باتفاق العلماء؛ لأن اليسير مغتفر ولا يلتفت إليه.
الغبن الذي يوجب الخيار هو الغبن الفاحش دون يسيره, ولو ثبت الخيار بالغبن اليسير لأدّى ذلك إلى حرج ومشقة ولما استقام أحوال الناس في بيعهم وشرائهم إذ لا يمكن الاحتراز منه, فالغبن في شيء يسير مما يتغابن الناس بمثله ومما لا غنى عنه مغتفر ولا يثبت به الخيار.
الاستخدام اليسير للمبيع بعد العلم بالعيب لصالح المبيع, كسقي الدابة ونحوه, معفو عنه باتفاق العلماء, وكذلك الاستخدام الذي لا بد منه للرد, كركوب السيارة, وعلى القول المختار, يعفى عن الاستخدام اليسير ولو كان لحاجة المشتري فلا يبطل الخيار؛ لأنه لا يدل على الرضا.(9/3)
بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه من جنسه شيء يسير غير مقصود جائز, إلاّ أن الخلاف واقع بين العلماء في قدر اليسير الذي يغتفر ولا يمنع من جواز البيع, وأوسع المذاهب في هذه المسألة مذهب الأحناف حيث يكفي عندهم أن يكون المال الربوي المنفرد أكثر من الذي معه غيره, وأضيق المذاهب في هذه المسألة مذهب الشافعية حيث اشترطوا أن يكون المال الربوي التابع يسيراً جداً بحيث لو أفرد لما بقيت له قيمة.
اليسير الذي لا يؤثر في وزن أو كيل, كتراب في حنطة, لا يقدح في المماثلة المطلوبة عند بيع الربوي بجنسه, وهو مغتفر باتفاق العلماء, وإن كان اليسر مؤثراً في وزن أو كيل فلا يغتفر عند الشافعية والحنابلة ويغتفر عند الحنفية والمالكية عند توفر الشروط.
التفاضل اليسير الذي لا يؤثر في معيار شرعي معفو عنه ولا يلتفت إليه باتفاق. والتفاضل عند بيع القليل من المال الربوي بجنسه مغتفر عند الحنفية, وعند المالكية, على الرواية, إذا كان يسيراً.
المفارقة اليسيرة تمنع من صحة الصرف ولا تغتفر.
لا يجوز اشتراط المنفعة في القرض ولو كانت يسيرة.
المواد الغذائية والأدوية المشتملة على نسب يسيرة مستهلكة من الأعيان المحرمة طاهرة, وما فيها من المحرم مغتفر.
لا يجوز تداول أسهم الشركات المختلطة على الأرجح من قولي أهل العلم.
المسابقات التجارية جائزة عند توفر الشروط التي تقلل الغرر وتصيره يسيرا مغتفراً.
الغرر الذي يشتمل عليه التأمين ليس يسيراً ولكنه مغتفر في التأمين التعاوني لأنه من عقود التبرعات التي يعفى عن الغرر فيها. أما التأمين التجاري فليس من عقود التبرعات فلا يعفى عن الغرر فيه, إلا أن يكون تابعا غير مقصود أصالة, أو مما تدعو إليه الحاجة, وفق قاعدة الغرر.
الضمان التجاري جائز شرعاً ولا محذور فيه, وما اشتمل عليه من الغرر يسير ومغتفر؛ لأن البائع, أو الصانع, لا يضمن السلع إلا خلال المدة التي يغلب على الظن سلامتها فيها.(9/4)
إن كان عقد الصيانة تابعاً لعقد آخر فإنه يصح وما فيه من الجهالة مغتفر لكونه تابعا, وإن كان عقد الصيانة مستقلا فيشترط لصحته أن يكون ما يبذله الصائن من عمل وقطع غيار, إن كانت عليه, معلوما خاليا من الجهالة الفاحشة المفسدة للعقود, وهذه الشروط تجعل الغرر يسيرا فيغتفر.
البطاقات التخفيضية التي يشترط في تحصيلها دفع رسم محرمة شرعاً والغرر فيها فاحش فلا يغتفر. وأما البطاقات التي تعطى مجانا, فهي جائزة شرعاً؛ لا لكون الغرر فيها يسيراً مغتفراً وإنما لكون هذه البطاقات هبةً من البائع, فهي من عقود التبرعات التي يعفى عن الغرر فيها ولو كان فاحشاً.
هذا ما تيسر كتابته, أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به وأن يغفر لي خطيئتي, وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(9/5)
الفهارس
فهرس الآيات القرآنية
فهرس الأحاديث والآثار
فهرس الأعلام
فهرس المصادر و المراجع
فهرس الموضوعات
فهرس الآيات القرآنية
رقم الآيةڑالآيةڑالصفحةٹڑ
ڑڑسورة البقرةڑٹڑ
ڑ43ڑ { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } ڑ22ٹڑ
ڑ127ڑ { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ } ڑ13ٹڑ
ڑ185ڑ { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } ڑ27ٹڑ
ڑ188ڑ { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } ڑ134ٹڑ
ڑ275ڑ { وَحَرَّمَ الرِّبَا } ڑ84ٹڑ
ڑ278ڑ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا } ڑ115ٹڑ
ڑ286ڑ { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } ڑ
27ٹڑ
ڑڑآل عمرانڑٹڑ
ڑ130ڑ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا } ڑ114ٹڑ
ڑڑالنساءڑٹڑ
ڑ6ڑ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } ڑ52ٹڑ
ڑ29ڑ { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } ڑ46ٹڑ
ڑ43ڑ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا } ڑ31ٹڑ
ڑ140ڑ { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ } ڑ115ٹڑ
ڑڑالمائدةڑٹڑ
ڑ2ڑ { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ } 3 "uqّ)G9$#urڑ114ٹڑ
ڑ6ڑ { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } ڑ28ٹڑ
ڑ 90 ڑ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } ڑ 119 ٹڑ
ڑ 91 ڑ { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ } ڑ 136 ٹڑ
ڑڑالتوبةڑٹڑ
ڑ122ڑ { لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } ڑ15ٹڑ
ڑڑيوسفڑٹڑ
ڑ20ڑ { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ڑ35ٹڑ
ڑ25ڑ { وَاسْتَبَقَا الْبَابَ } ڑ116ٹڑ
ڑڑالحجڑٹڑ
ڑ40ڑ { ôMtBدd‰çl; صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ } ڑ31ٹڑ
ڑ78ڑ { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ ltچym مِنْ } ڑ28ٹڑ
ڑڑقڑٹڑ
ڑ17ڑ { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ } ڑ12ٹڑ
ڑڑالنجمڑٹڑ(10/1)
ڑ32ڑ { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ } ڑ30ٹڑ
ڑڑالبينةڑٹڑ
ڑ4ڑ { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } ڑ
68
فهرس الأحاديث والآثار
الأحاديث والآثارڑالصفحةٹڑ
ڑ"إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس.."
"إذا أقرض أحدكم قرضا, فأهدى إليه.."
"إذا أقرضت قرضا فلا تهدين هدية.."
"إذا بعت فقل: لا خلابة, ولك الخيار ثلاثا"
"إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار.."
"إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب.."
"إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه"
"إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.."
"الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب"
"الثلث, والثلث كثير"
"الذهب بالذهب, والفضة بالفضة.."
"أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضع الجوائح"
"إن الدين يسر ولن يشاد الدين.."
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة رأى جبنة.."
"إن الله ورسوله حرما بيع الخمر.."
"إن الماء طهور لا ينجسه شيء"
"إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا.."
"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر"
"أن قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - انكسر فاتخذ.."
"أن يأكل الرجل من بيت الرجل وله عليه دين.."
"إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت.."
"أنه أتي بقلادة فيها خرز وذهب.."
"تألى أن لا يفعل خيرا"
"خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك"
"خيركم أحسنكم قضاء.."
"رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ.."
"علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة.."
"كان ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه"
"كان إذا اشترى شيئا مشى أذرعا.."
"كان إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله.."
"كل قرض جر منفعة فهو ربا"
"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل.."
"لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر"
"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة.."
"لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد.."
"لا سبق إلا في خف, أو نصل, أو حافر"
"لا يخطب الرجل على خطبة أخيه.."(10/2)
"لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا, وموكله.."
"لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة.."
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك.."
"ما أسكر كثيره فقليله حرام"
"ما أصاب من ظهر فرسه فهو ربا"
"من أسلف سلفا فلا يشترط أفضل منه.."
"من أسلف فليسلف في كيل معلوم.."
"من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه.."
"من قتل قتيلا له عليه بينة, فله سلبه"
"نهى نبي الله, - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير إلا.."
"وتقع الأمنة في الأرض.."
"ومن ابتاع عبدا وله مال.."
"يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا.."
"يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"ڑ107
100
100
77
68
25
33
114
107
75
60
72
28
26
105
107
68
54
26
100
32
87
74
73
101
52
3
68
70
70
101
98
54
31
79
118
35
84
72
29
25
100
101
48
59
119
32
120
89
30
28
فهرس الأعلام
الأعلام المترجم لهمڑالصفحةٹڑ
ڑابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله (ت 543 ?)
ابن القاسم المالكي: عبد الرحمن العتقي (ت 191 ?)
ابن المنذر: محمد بن إبراهيم (ت 318 ?)
ابن النجار: أبو بكر محمد بن أحمد الفتوحي, (ت 972 ?)
ابن باز: عبد العزيز بن عبد الله, (ت 1420 ?)
ابن تيمية: أبو العباس تقي الدين, (ت 728 ?)
ابن حجر: أبو الفضل شهاب الدين العسقلاني، (ت 852 ?)
ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد الظاهري, (ت 456 ?)
ابن رجب: أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين (ت 795 ?)
ابن رشد: أبو الوليد محمد بن أحمد, (ت 595 ?)
ابن عباس: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب, (ت 68 ?)
ابن عثيمين: أبو عبد الله محمد بن صالح, (ت 1421 ?)
ابن عمر: عبد الله بن عمر بن الخطاب, (ت 73 ?)
ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس القزويني، (ت 309 ?)
ابن قدامة: موفق الدين عبد الله بن قدامة, (ت 620 ?)
ابن القيم: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر, (ت 751 ?)
ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت 774 ?)(10/3)
ابن مسعود: أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود, (ت 23 ?)
أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر الدوسي, (ت 57 ?)
أشهب: عمرو بن عبد العزيز بن داود, (ت 204 ?)
أنس بن مالك: أبو حمزة بن النضر الخزرجي, (ت 91 ?)
التفتازاني: مسعود بن عمر بن عبد الله سعد الدين, (ت 791 ?)
الجرجاني: أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحسيني، (ت 816 ?)
حبان بن منقذ: بن عمرو بن عطية الخزرجي, (الصحابي)
الحموي: بشهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد (ت 1098 ?)
الزرقا: مصطفى أحمد, (ت 1420 ?)
السرخسي: أبو بكر محمد بن أحمد, (ت 483 ?)
سلمان الفارسي: أبو عبد الله ابن الإسلام, (ت 33 ?)
السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ?)
صدر الشريعة: عبيد الله بن مسعود البخاري, (ت 747 ?)
القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس, (ت 684 ?)
الكاساني: أبو بكر بن مسعود علاء الدين, (ت 587 ?)
المحلي: جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد, (ت 864 ?)
محمد بن الحسن: أبو عبد الله الشيباني, (ت 189 ?)
معاذ بن جبل: أبو عبد الرحمن بن عمرو الخزرجي, (ت 17 ?)
المقري: أبو عبد الله محمد بن محمد التلمساني، (ت 758 ?)ڑ78
81
100
14
118
62
29
33
20
77
32
117
59
12
45
62
28
54
28
91
31
13
14
77
16
17
94
2
19
13
19
80
14
95
29
16
فهرس المراجع والمصادر
1.أثر المستجدات الطبية في باب الطهارة, زائد نواف عواد الدويري, دار النفائس, الأردن, الطبعة الأولى, 1427 ?.
2.الإجماع لأبي بكر بن المنذر النيسابوري, (ت 318 ?), تحقيق: د. أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف, دار عالم الكتب, الرياض, الطبعة الثانية, 1424 ?.
3.أحكام القرآن أحمد بن علي الرازي الجصاص أبو بكر، (ت 370 ?), تحقيق: محمد الصادق قمحاوي, دار إحياء التراث العربي, بيروت, 1405 ?.
4.أحكام القرآن، أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي، (ت 543 ?), تحقيق: محمد عبد القادر عطا, دار الفكر للطباعة والنشر, لبنان.(10/4)
5.إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل, محمد ناصر الدين الألباني, المكتب الإسلامي, بيروت-دمشق, الطبعة الثانية, 1405 ?.
6.الأسهم المختلطة, صالح بن مقبل العصيمي التميمي, مكتبة ملك فهد, الرياض, الطبعة الأولى, 1427 ?.
7.الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي, الدكتور أحمد بن محمد الخليل, دار ابن الجوزي الطبعة الثانية, 1427 ?, المملكة العربية السعودية.
8.الأسهم والسندات وأحكامها, للدكتور أحمد بن محمد الخليل, دار ابن الجوزية, المملكة العربية السعودية, الطبعة الثانية, 1427 ?.
9.الأشباه والنظائر، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، (ت 911 ?), دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى, 1403 ?.
10.الإصابة في تمييز الصحابة, أحمد بن علي بن حجر العسقلاني, (ت 852 ?), تحقيق: علي محمد البجاوي, دار الجيل, بيروت, الطبعة الأولى, 1412 ?.
11.إعلام الموقعين, شمس الدين أبو عبد الله محمد بن القيم الجوزية, (ت 751 ?), تحقيق: بشير محمد عيون, مكتبة دار البيان, دمشق, الطبعة الأولى, 1421 ?.
12.الأعلام, خير الدين بن محمود الزركلي الدمشقي, (ت 1396 ?), دار العلم للملايين, بيروت, الطبعة الخامسة, 1980 م.
13.الأم, محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله، (ت 204 ?), دار المعرفة, بيروت, الطبعة: الثانية, 1393?.
14.الأمالي في آثار الصحابة للحافظ الصنعاني، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، (ت 220 ?), تحقيق: مجدي السيد إبراهيم, مكتبة القرآن, القاهرة.
15.الانتفاع بالأعيان المحرمة من الأطعمة والأشربة والألبسة, جمانة محمد عبد الرزاق أبو زيد, دار النفائس, الأردن, الطبعة الأولى, 1425 ?.
16.الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، علي بن سليمان المرداوي أبو الحسن، (ت 885 ?), تحقيق: محمد حامد الفقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت.(10/5)
17.البحر الرائق شرح كنز الدقائق، تأليف: زين الدين ابن نجيم الحنفي، (ت 970 ?), دار النشر: دار المعرفة, بيروت، الطبعة: الثانية.
18.بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، (ت 587 ?), دار الكتاب العربي, بيروت, الطبعة: الثانية, 1982م.
19.بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي أبو الوليد، (ت 595 ?), دار النشر: دار المعرفة, بيروت-لبنان, الطبعة السابعة, 1405 ?.
20.تاج العروس من جواهر القاموس، تأليف: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، (ت 1205 ?), تحقيق: مجموعة من المحققين, دار الهداية.
21.التاج والإكليل لمختصر خليل، محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله، (ت 897 ?), دار الفكر, بيروت, الطبعة: الثانية, 1398 ?.
22.تأسيس النظر, لعبيد الله بن عمر الدبوسي، (ت 430 ?), الناشر: زكريا علي يوسف, مطبعة الإمام, القاهرة.
23.تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق, فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي, (ت 743 ?), وبهامشه حاشية شهاب الدين الشلبي, دار الكتاب الإسلامي, الطبعة الأولى, 1413 ?.
24.تحفة المحتاج بشرح المنهاج, شهاب الدين أحم بن محمد بن حجر الهيتمي, (ت 974 ?), دار إحياء التراث العربي.
25.التطبيقات الفقهية لقاعدة اليسير مغتفر في الطهارة والصلاة، لعبد الرحمن بن أحمد الجاسر, البحث التكميلي لنيل درجة الماجستير, المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعد الإسلامية.
26.التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، (ت 816 ?), دار الكتاب العربي, تحقيق: إبراهيم الأبياري, بيروت, الطبعة الأولى, 1405 ?.
27.تفسير القرآن العظيم، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن كثير, (ت 774 ?), مكتبة دار الفيحاء, دمشق, ودار السلام, الرياض, الطبعة الثانية, 1418 ?.(10/6)
28.تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني, (ت 852 ?), تحقيق: عبد الله هاشم اليماني المدني, المدينة المنورة, 1384 ?.
29.التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي , محمد عبد الكبير البكري, وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب, 1387 ?.
30.تهذيب اللغة, أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، (ت 370 ?), تحقيق: محمد عوض مرعب, دار إحياء التراث العربي, بيروت, الطبعة: الأولى، 2001م.
31.جامع الترمذي, لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي, (ت 279 ?), المتوفى 279 ?, اعتنى به: فريق بيت الأفكار الدولية, بيت الأفكار الدولية, الطبعة الأولى, الرياض, سنة: 1419 ?.
32.الجامع لأحكام القرآن، تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، (ت 671 ?), دار النشر: دار الشعب, القاهرة.
33.جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية، لعلي أحمد الندوي, شركة الراجحي المصرفية للاستثمار, المجموعة الشرعية.
34.جهود الشيخ ابن عثيمين, الدكتور أحمد بن محمد بن إبراهيم البديدي, مكتبة الرشد, الرياض, الطبعة الثانية, 1428 ?.
35.حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي،(ت 1230 ?), تحقيق: محمد عليش دار النشر: دار الفكر, بيروت.
36.حاشية الصاوي على الشرح الصغير, أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي, (ت 1241 ?), دار النشر: دار المعارف.
37.حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، علي الصعيدي العدوي المالكي، (ت 1189 ?), تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي, دار الفكر, بيروت, 1412 هـ.
38.حاشية العطار على جمع الجوامع، حسن العطار، (ت 1250 ?), دار الكتب العلمية, لبنان/ بيروت, الطبعة: الأولى, 1420هـ.(10/7)
39.حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبو حنيفة، محمد أمين بن عمر الشهير بابن عابدين، (ت 1252 ?), دار الفكر للطباعة والنشر, بيروت, 1421هـ.
40.حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين، شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي, (ت 1070 ?), وأحمد البرلسي عميرة، (ت 957 ?),تحقيق: مكتب البحوث والدراسات, دار الفكر, لبنان-بيروت, الطبعة الأولى، 1419هـ.
41.الحوافز التجارية التسويقية, الدكتور خالد بن عبد الله بن محمد المصلح, دار ابن الجوزي, الطبعة الثانية, 1426 ?.
42.الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي, الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي, دار ابن الجوزي, الطبعة الأولى, 1425 ?.
43.الخرشي, (ت 1101 ?), على مختصر خليل وبهامشه حاشية الشيخ علي العدوي, دار الصادر, بيروت.
44.درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر، (ت 1352 ?), دار الكتب العلمية, تحقيق: تعريب: المحامي فهمي الحسيني, لبنان-بيروت.
45.الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان, مجلس دائرة المعارف العثمانية, صيدر آباد-الهند, الطبعة: الثانية، 1392هـ.
46.الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، دار الكتب العلمية, بيروت.
47.رفع الحرج في الشريعة الإسلامية, صالح بن عبد الله بن حميد، مكتبة العبيكان, الرياض, الطبعة الأولى, 1424 ?.
48.سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام, محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني, تحقيق: محمد صبحي حلاق, دار ابن الجوزي, الطبعة الثالثة, 1423 ?.
49.سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة, محمد ناصر الدين الألباني, مكتبة المعارف, الرياض, الطبعة الثانية, 1420 ?.(10/8)
50.سنن ابن ماجة, لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني, (ت 279 ?), اعتنى به: فريق بيت الأفكار الدولية, بيت الأفكار الدولية, الطبعة الأولى, الرياض, سنة: 1420?.
51.سنن أبي داود, لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني, (ت 275 ?), اعتنى به: فريق بيت الأفكار الدولية, بيت الأفكار الدولية, الطبعة الأولى, الرياض, سنة: 1419 ?.
52.سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، (ت 458 ?), تحقيق: محمد عبد القادر عطا, مكتبة دار الباز, مكة المكرمة, 1414 ?.
53.سنن النسائي, لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي, (ت 303 ?), اعتنى به: فريق بيت الأفكار الدولية, بيت الأفكار الدولية, الطبعة الأولى, الرياض, سنة: 1420 ?.
54.سير أعلام النبلاء, شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي, (ت 748 ?), تحقيق: شعيب الأرنؤوط, وحسين الأسد, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان, الطبعة الحادية عشرة, 1422?.
55.شذرات الذهب في أخبار من ذهب, ابن العماد عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي، تحقيق: محمود الأرناؤوط, دار بن كثير, دمشق-بيروت, الطبعة الأولى, 1406هـ.
56.شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، مسعود بن عمر التفتازاني, (ت 792 ?), تحقيق: زكريا عميرات, دار الكتب العلمية, بيروت, 1416هـ.
57.شرح الكوكب المنير، محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المعروف بابن النجار, (ت 972 هـ), دار النشر: مطبعة السنة المحمدية,
58.شرح حدود ابن عرفة الموسوم الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية, محمد بن قاسم الرصاع (ت 894 ?), تحقيق: محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري, دار الغرب الإسلامي, بيروت-لبنان, الطبعة الأولى, 1993م.
59.شرح روض الطالب من أسنى المطالب, أبو يحيى, زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري, (ت 926 ?), المكتبة الإسلامية لصاحبها الحج رياض الشيخ.(10/9)
60.شرح فتح القدير على الهداية, ابن همام, (ت 861 ?), مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر, الطبعة الأولى, 1389 ?.
61.شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة أبو جعفر الطحاوي، (ت 321 ?), تحقيق: محمد زهري النجار, دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة: الأولى, 1399 هـ.
62.شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، (ت 1051 ?), عالم الكتب, بيروت, الطبعة: الثانية, 1996م.
63.صحيح البخاري, للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, (ت 256 ?), اعتنى به: أبو صهيب الكرمي, بيت الأفكار الدولية, الرياض, الطبعة الأولى, سنة: 1419?.
64.صحيح مسلم بشرح الإمام محي الدين النووي, (ت 676 هـ), المسمى المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج, دار المعرفة, بيروت-لبنان, الطبعة العاشرة, 1425 هـ.
65.صحيح مسلم, للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري, (ت 261 ?), اعتنى به: أبو صهيب الكرمي, بيت الأفكار الدولية, الرياض, الطبعة الأولى, سنة: 1419?.
66.صحيح أبي داود, (ت 275 هـ), ناصر الدين الألباني, مكتبة المعارف للنشر والتوزيع, الرياض, الطبعة الثانية, 1421 هـ.
67.عقد المقاولة, عبد الرحمن بن عايد بن خالد العايد, منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, الرياض, الطبعة الأولى, 1425 ?.
68.العناية شرح الهداية, محمد بن محمد البابرتي, (ت 786 هـ), دار الفكر.
69.عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي،(ت 1329 ?), دار النشر: دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة: الثانية, 1995م.
70.الغرر البهية في شرح البهجة الوردية, أبو يحيى زكريا الأنصاري, (ت 926 ?), المطبعة اليمنية.
71.الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي, الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، الدار السودانية للكتب, دار الجيل, بيروت, الطبعة الثانية 1310 ?.(10/10)
72.غمز عيون البصائر, أحمد بن محمد الحموي الحنفي, (ت 626 ?), شرح كتاب الأشباه والنظائر, زين الدين بن إبراهيم ابن النجيم الحنفي، دار الكتب العلمية, لبنان-بيروت, الطبعة: الأولى، 1405هـ.
73.فتاوى إسلامية لأصحاب فضيلة العلماء: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز, فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين, فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن الجبرين, إضافة إلى اللجنة الدائمة وقرارات المجمع الفقهي, جمع وترتيب: محمد بن عبد العزيز المسند, دار الوطن, الرياض, الطبعة الأولى, 1413 ?.
74.الفتاوى الفقهية الكبرى, شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي, (ت 974 ?), المكتبة الإسلامية.
75.الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني،(ت 728 ?), تقديم: حسين محمد مخلوف, دار المعرفة, بيروت.
76.فتاوى اللجنة الدائمة والإفتاء, ترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش, رئاسة إدارة البحوث, الرياض, الطبعة الثالثة, 1419 ?.
77.الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، الشيخ نظام الدين البلخي, (ت 1036 ?), وجماعة من علماء الهند، دار النشر: دار الفكر, 1411هـ.
78.فتاوى مصطفى الزرقا, اعتنى بها: محمد أحمد مكي, دار القلم, دمشق, الطبعة الثالثة, 1425 هـ.
79.فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسكلاني, (ت 852 ?), تحقيق: عبد القادر شيبة الحمد, طبع على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود, الطبعة الأولى, 1421 ?.
80.الفروق, شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي, (ت 684 ?), وبهامش الكتابين: تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية, عالم الكتب, بيروت.
81.الفقه الإسلامي في ثوب جديد, المدخل الفقهي العام, مصطفى أحمد الزرقاء, (ت 1420 ?), دار الفكر, بيروت-لبنان, الطبعة العاشرة.(10/11)
82.فقه النوازل, محمد بن حسين الجيزاني, دار ابن الجوزي, الطبعة الثانية, 1427 ?.
83.فقه وفتاوى البيوع, لعبد العزيز بن باز, ومحمد بن صالح العثيمين, وعبد الرحمن بن الجبرين, وصالح بن فوزان الفوزان, واللجنة الدائمة للإفتاء, دار ابن الهيثم, القاهرة, الطبعة الأولى, 1423 ?.
84.الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، تأليف: أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي المالكي، (ت 1125 ?), دار النشر: دار الفكر, بيروت, 1415 هـ.
85.القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، (ت 817 ?), دار النشر: مؤسسة الرسالة, بيروت.
86.قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي, جمع عبد الستار أبو غدة, جدة, الطبعة السادس, 1422 ?.
87.القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي، لمحمد الزحيلي، مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
88.القواعد الفقهية, علي أحمد الندوي, تقديم: مصطفى الزرقا, دار القلم, دمشق.
89.القواعد الفقهية، للدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، مكتبة الرشد, الرياض, الطبعة الأولى, 1418 ?.
90.القواعد في الفقه الإسلامي، الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن ابن رجب (ت 795 ?), تعليق: طه عبد الرءوف سعد, مكتبة الكليات الأزهرية, الطبعة الأولى, 1392 ?.
91.القواعد لأبي عبد الله محمد بن محمد المقري، (ت 758 ?), تحقيق: أحمد بن عبد الله ابن حميد, المملكة العربية السعودية, جامعة أم القرى, مركز إحياء التراث الإسلامي, مكة المكرمة.
92.كتاب الفروع, شمس الدين محمد بن مفلح (ت 763 ?), ومعه تصحيح الفروع للمرداوي (ت 885 ?), تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان, الطبعة الأولى, 1424 ?.
93.الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، (ت 235 ?), كمال يوسف الحوت, مكتبة الرشد, الرياض, الطبعة: الأولى، 1409 هـ.(10/12)
94.كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، (ت 1051 ?), تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال, دار الفكر, بيروت, 1402 هـ.
95.لسان العرب, محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري, (ت 711 ?), دار صادر, بيروت, الطبعة الأولى.
96.الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك, الدردير, (ت 1201 ?), وبالهامش حاشية الصاوي, (ت 1241 ?), تحقيق: الدكتور مصطفى كمال وصفي, دار المعارف, مصر, 1393 ?.
97.المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، (ت 884 ?), دار النشر: المكتب الإسلامي, بيروت, 1400 هـ.
98.المبسوط، شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد أبو سهل السرخسي، (ت 483 ?) دار النشر: دار المعرفة, بيروت.
99.مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي المدعو بشيخي زاده، (ت 1078 ?), خرح آياته وأحاديثه خليل عمران المنصور, دار الكتب العلمية, لبنان-بيروت, الطبعة: الأولى، 1419هـ.
100.مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية, (ت 728 ?), جمع: عبد الرحمن بن قاسم, دار عالم الكتب, الرياض, 1412 ?.
101.المجموع، شرح المهذب للشيرازي, (ت 476 ?), أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، (ت 677 ?), تحقيق: محمد نجيب المطيعي, دار إحياء التراث العربي, 1415 ?.
102.محاضرات في القواعد الفقهية، صالح بن حميد, حفظه الله.
103.مختار الصحاح، زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي, (ت بعد 666 ?), مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان, الطبعة الحادية عشر, 1426 ?.
104.المدونة الكبرى، مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، (ت 179 ?), دار النشر: دار صادر, بيروت.
105.مراتب الإجماع, ابن حزم الظاهري، (ت 456 ?), بعناية: حسن أحمد إسبر, دار ابن حزم, بيروت-لبنان, الطبعة الأولى, 1419 ?.(10/13)
106.مسند الإمام أحمد بن حنبل, (ت 241 ?), اعتنى به: أبو صهيب الكرمي, بيت الأفكار الدولية, الطبعة الأولى, الرياض, سنة: 1422 ?.
107.المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، (ت 770 ?), دار النشر: المكتبة العلمية, بيروت.
108.مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى, مصطفى السيوطي الرحيبانب, (ت 1243 هـ), المكتب الإسلامي.
109.المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, الدكتور محمد عثمان شبير, دار النفائس, الأردن, الطبعة الرابعة, 1422 ?.
110.المعاملات المالية المعاصرة, خالد بن علي المشيقح, بحث منشور في شبكة المعلومات الإنترنت.
111.معجم المؤلفين-تراجم مصنفي الكتب العربية, عمر رضا كحالة (ت 1408 ?), المكتبة العربية, دمشق, 1376 ?.
112.المعجم الوسيط, إبراهيم مصطفى, أحمد حسن الزيات, حامد عبد القادر,محمد علي النجار, المكتبة الإسلامية, استانبول.
113.معجم مقاييس اللغة، لأب الحسين أحمد بن فارس، (ت 309 ?), تحقيق: عبد السلام محمد هارون, دار الجيل, بيروت.
114.مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني, (ت 977 ?), دار الفكر, بيروت.
115.المغني, ابن قدامة, (ت 620 ?), تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي, ود. عبد الفتاح محمد الحلو, دار عالم الكتب, الرياض, الطبعة الرابعة, 1419?.
116.الممتع في القواعد الفقهية، مسلم بن ماجد الدوسري, دار إمام الدعوة, الطبعة الأولى, 1425?.
117.المنتقى شرح موطأ الإمام مالك, الإمام الباجي (ت 494 ?)، دار الكتاب العربي, بيروت-لبنان, الطبعة الأولى, 1331 ?.
118.المنثور في القواعد، محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، (ت 794 ?), تحقيق: د. تيسير فائق أحمد محمود, وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية, الكويت, الطبعة: الثانية، 1405 هـ.(10/14)
119.منح الجليل شرح على مختصر خليل, أبو عبد الله محمد بن أحمد المعروف بالشيخ عليش, (ت 1299 ?), دار الفكر, بيروت, 1409هـ.
120.منهج الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في القضايا الفقهية المستجدة, شافي بن مذكر القرشي السبيعي, دار ابن الجوزي, الطبعة الأولى, 1426 ?.
121.المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء, الدكتور نزيه حماد, دار القلم, دمشق, الطبعة الأولى, 1425 ?.
122.مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي أبو عبد الله الحطاب، (ت 954 ?), دار الفكر, بيروت, الطبعة: الثانية, 1398هـ.
123.الموسوعة الفقهية, وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية, الكويت, الطبعة الرابعة, 1425?.
124.موسوعة القواعد الفقهية, محمد صدقي البورنو, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان, الطبعة الأولى, 1424 ?.
125.الموطأ, الإمام مالك بن أنس, (ت 179 ?), دار المعرفة, تحقيق: خليل مأمون شيحا, بيروت-لبنان, الطبعة الأولى, 1418 ?.
126.نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. ، تأليف: شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير, (ت 1004 ?), دار الفكر للطباعة, بيروت, 1404هـ.
127.النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير، (ت 606 ?), تحقيق: طاهر أحمد الزاوى-محمود محمد الطناحي, دار النشر: المكتبة العلمية, بيروت, 1399هـ .
128.الهداية، شرح بداية المبتدي، تأليف: أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغيناني، (ت 593 ?), دار النشر: المكتبة الإسلامية
129.الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو, مؤسسة الرسالة, الطبعة الخامسة, 1419?.(10/15)
130.وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان, أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان, (ت 681 ?), تحقيق: إحسان عباس, دار صادر, بيروت, الطبعة الأولى, 1994م.
فهرس الموضوعات
الموضوعڑالصفحةٹڑ
ڑالمقدمة
أهمية الموضوع
أسباب اختياره
الدراسات السابقة
منهج البحث
خطة البحث
التمهيد : التعريف بمفردات العنوان
المبحث الأول: التعريف بالقاعدة الفقهية, وأهميتها
المطلب الأول: معنى القاعدة لغة واصطلاحا
تعريف القاعدة الفقهية
تعريف القاعدة في اصطلاح الفقهاء
المطلب الثاني: أهمية القواعد الفقهية
المطلب الثالث: الفرق بين القاعدة الفقهية والأصولية
المبحث الثاني: التعريف بقاعدة اليسير مغتفر
المطلب الأول: معنى قاعدة اليسير مغتفر
مرادفات قاعدة اليسير مغتفر
بم يعرف كون الشيء يسير
المطلب الثاني: أصل قاعدة اليسير مغتفر
أدلة قاعدة المشقة تجلب التيسير
أدلة قاعدة اليسير مغتفر
المطلب الثالث: القواعد الأخرى التي لها صلة بقاعدة اليسير مغتفر
المبحث الثالث: التعريف بالبيوع
الفصل الأول : تطبيقات القاعدة في باب شروط البيع
المبحث الأول: الصيغة ومجلس العقد
توطئة
المطلب الأول: الفصل اليسير بين الإيجاب والقبول
تعريف الإيجاب والقبول
شروط الصيغة
صورة المسألة ومحل النزاع
أقوال العلماء
وجه كون هذه المسألة تطبيقا للقاعدة
ضابط اليسير في هذه المسألة
المطلب الثاني: اشتراط أن يكون البيع بالتعاطي في الأشياء اليسيرة
تعريف التعاطي
انعقاد البيع بالتعاطي
تطبيق القاعدة على هذه المسألة
ضابط اليسير في هذه المسألة
المطلب الثالث: تأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد لزمن يسير
تعريف السلم
تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد
وجه كون هذه المسألة تطبيقا للقاعدة
ضابط اليسير في هذه المسألة
المبحث الثاني: العاقدان
توطئة
المطلب الأول: تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء في الأشياء اليسيرة
تعريف الصبي المميز
تصرفات الصبي المميز(10/16)
تطبيق القاعدة على هذه المسألة
ضابط اليسير في هذه المسألة
المطلب الثالث: الكلفة اليسيرة في التسليم
وجه كون هذه المسألة تطبيقا للقاعدة
ضابط اليسير في هذه المسألة
المبحث الثالث: المبيع
المطلب الأول: الجهالة في المبيع أو ثمنه
توطئة
الفرع الأول: بيع ما يكمن في الأرض.
الفرع الثاني: بيع الجزاف
الفرع الثالث: البيع بسعر السوق
تطبيق القاعدة على هذه المسائل
ضابط اليسير في هذه المسائل
المطلب الثاني: التغير اليسير في المبيع بعد رؤيته
بيع مبني على رؤية سابقة
وجه كون هذه المسألة تطبيقا للقاعدة
ضابط اليسير في هذه المسألة
الفصل الثاني: تطبيقات القاعدة في باب الخيار
المبحث الأول: المفارقة اليسيرة وأثرها في خيار المجلس
تعريف خيار المجلس
حكم خيار المجلس
انتهاء خيار المجلسه
هل ينتهي خيار المجلس بمفارقة يسيرة
تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الثاني: الجائحة اليسيرة وأثرها في ثبوت الخيار
تعريف الجائحة
حكم وضع الجوائح
قدر الجائحة التي توضع
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الثالث: الغبن اليسير وأثره في ثبوت الخيار
تعريف الغبن
الغبن الذي يثبت به الخيار
ثبوت الخيار بالغبن:
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الرابع: الاستعمال اليسير للمبيع وأثره في سقوط خيار العيب
تعريف العيب
مشروعية الرد بالعيب
آراء الفقهاء في سقوط حق الخيار باستخدام يسير للمبيع بعد العلم بالعيب
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
ضابط اليسير في هذه المسألة
…الفصل الثالث: تطبيقات القاعدة في باب الربا…
توطئة
تعريف الربا
حكم الربا
أنواع الربا
المبحث الأول: بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه
صورة المسألة
حكم بيع المال الربوي بغير جنسه ومعه يسير من جنسه
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الثاني: بيع المال الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير من غير جنسه
صورة المسألة(10/17)
حكم بيع المال الربوي بجنسه ومع أحدهما يسير من غير جنسه
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الثالث: التفاضل اليسير في مبادلة المال الربوي بجنسه
صورة المسألة
حكم التفاضل اليسير في مبادلة المال الربوي بجنسه
بيع ما لا يدخل في المعيار الشرعي لقلته
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الرابع: المفارقة اليسيرة في صرف النقود
تعريف الصرف
صورة المسألة
تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الخامس: المنفعة اليسيرة في ربا القرض
تعريف ربا القرض
حكم ربا القرض
حكم اشتراط المنفعة اليسيرة في عقد القرض
تطبيق القاعدة على هذه المسألة
الفصل الرابع: التطبيقات المعاصرة للقاعدة
المبحث الأول: الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير
توطئة
اختلاط المحرم بالمباح
غير الماء من المائعات
حكم الغذاء والدواء المشتمل على محرم يسير
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الثاني: الأسهم المشتملة على محرم يسير
تعريف الأسهم
خصائص الأسهم
حكم تداول الأسهم
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الثالث: المسابقات التجارية المشتملة على غرر يسير
تعريف المسابقات التجارية
أنواع المسابقات التجارية وحكم كل نوع
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الرابع: عقود التأمين المشتملة على غرر يسير
تعريف التأمين
أنواع التأمين وحكم كل نوع
تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث الخامس: الضمان التجاري المشتمل على غرر يسير
تعريف الضمان التجاري
التخريج الفقهي للضمان التجاري
حكم الضمان التجاري
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث السادس: عقود الصيانة المشتملة على غرر يسير
تعريف الصيانة
أنواع الصيانة
التكييف الفقهي لعقد الصيانة
حكم عقد الصيانة
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
المبحث السابع: بطاقات التخفيض المشتملة على غرر يسير
تعريف بطاقات التخفيض
أنواع بطاقات التخفيض وحكم كل نوع
وجه تطبيق القاعدة على هذه المسألة
الخاتمة(10/18)
أهم نتائج البحث والتوصيات
الفهارس
فهرس الآيات القرآنية
فهرس الأحاديث والآثار
فهرس الأعلام
فهرس المصادر و المراجع
فهرس الموضوعاتڑ3-10
4
4
4
5
7
11-37
12
12
15
16
19
21
23
23
24
25
27
27
30
33
35
38-65
39
39
40
40
41
41
42
44
44
44
44
44
46
46
47
47
47
49
49
50
50
50
50
51
53
53
53
56
56
57
57
57
57
59
61
63
63
64
64
65
65
66-82
67
67
67
70
70
71
71
71
72
74
75
75
75
76
76
78
79
79
79
80
82
82
83-103
84
84
84
85
85
85
86
89
89
89
90
92
93
93
93
94
96
96
96
97
99
99
99
99
101
102
104-135
105
105
105
108
109
109
110
110
110
110
115
116
116
116
120
120
120
121
124
125
125
125
129
129
130
130
130
131
131
132
133
133
133
135
136-140
136
141-168
142
144
147
149
162(10/19)