كتاب
التضخم النقدي في الفقه الإسلامي
تأليف د. خالد بن عبدالله المصلح
عضو هيئة التدريس في قسم الفقه جامعة القصيم
www. almosleh. com
المقدمة
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, وكفى بالله شهيداً, أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, فهدى بنوره من الضلالة, وبصر به من العمى, وأرشد به من الغي, وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:(1/1)
فإن من المشكلات الاقتصادية الكبرى التي تواجه دول العالم على اختلافها التضخم النقدي الذي يتهدد اقتصاديات كثير من الدول ويزعزع استقرارها ويعيق نموها أو يربكه. والذي رشح التضخم النقدي لهذا التأثير الواسع ما يترتب عليه من آثار كثيرة تطال جوانب عديدة من حياة الناس، سواء الدينية والدنيوية: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولما كان التضخم النقدي بهذه المنزلة فقد تنادى الاقتصاديون وخبراء المال والمختصون في مراكز البحوث والدراسات الاقتصادية في العالم لدراسة التضخم النقدي: حقيقته وأسبابه وآثاره ووسائل معالجته. ولم تكن الدراسات الفقهية والبحوث الشرعية في منأى عن دراسة أحكام التضخم النقدي وبحث المسائل الشرعية المترتبة عليه، فقد تناول جماعة من الباحثين الشرعيين بعض المسائل المترتبة على التضخم النقدي بالدراسة والبحث. بل إن مجمع الفقه الإسلامي بجدة، وهو مجمع علمي فقهي(1)،كرر النظر والبحث في بعض مسائل التضخم النقدي عدة مرات في عدة دورات: في دورة المجمع الثالثة، والدورة الخامسة، والدورة الثامنة، والدورة التاسعة، وكذلك في دورته الأخيرة الدورة الثانية عشرة المنعقدة في الرياض عام 1421هـ، وهذا مما يبرز أهمية هذا الموضوع، وعناية الباحثين الشرعيين به.
__________
(1) مجمع الفقه الإسلامي: هو مجمع علمي، أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وعلمية وثقافية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي لدراسة= =مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها ،وهو منبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
… [ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي(1/18)].(1/2)
وهذه الدراسة التي نحن في أول منازلها بعنوان التضخم النقدي في الفقه الإسلامي إسهام في بيان الأحكام الفقهية المترتبة على التضخم النقدي وتجليتها، وهي أيضاً إسهام في تقويم الحلول المقترحة لمعالجته وفق النصوص الشرعية وفي ضوء القواعد الفقهية المرعيَّة، فالله أسأل أن يعين ويسهل.
أسباب اختيار الموضوع وأهدافه:
أولاً: مسيس الحاجة إلى بحث المسائل الشرعية المترتبة على التضخم النقدي حتى يكون المسلم على بيِّنة من الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الموضوع، لا سيما وأن التضخم النقدي مشكلة اقتصادية يعاني منها كثير من المجتمعات الإسلامية.
ثانياً: ضرورة دراسة الحلول المقترحة لمعالجة التضخم النقدي من وجهة شرعية؛ لتقويمها وتصحيح مسارها.
ثالثاً: حاجة الموضوع إلى مزيد بحث ودراسة، لا سيما وأن معاملات الناس بشتى صورها تجري بالأوراق النقدية، وهي أكثر أنواع النقود عرضة للتغيرات التضخمية.
رابعاً: استفادة الباحث من بحث هذه المسائل التي هي في عداد النوازل، والاطلاع على كلام أهل العلم فيها.
خامساً: إثراء البحوث العلمية الشرعية بمواضيع حيّة معاصرة تعالج قضايا نازلة ومسائل حادثة.
سادساً: إظهار كمال الشريعة واستيعابها لأحوال الناس على اختلاف العصور وإصلاحها لمعاش الناس وحياتهم.
سابعاً: بيان ما يتصف به الفقه الإسلامي من القوة والسعة والاستيعاب لمعطيات العصر وتقديمه الحلول التي تتحقق بها المصالح وتندفع بها المضار.
الدراسات والبحوث السابقة:
لما كان هذا الموضوع بهذه المنزلة والأهمية فقد تتبعت ما كتب حول التضخم النقدي من بحوث ودراسات شرعية، وهذا عرض موجز لأبرز ما وقفت عليه من ذلك:
أولاً: بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي.
وهي على النحو التالي:
الأول: أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة.(1/3)
وذلك في الدورة الثالثة عام 1408هـ. وعدد البحوث المقدمة تسعة بحوث(1). والموضوع الذي تناولته هذه البحوث: هو تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي، فذكرت تغيرات النقود الذهبية والفضية، وكذا النقود الاصطلاحية. وتطرقت لتطور النقود، وبعض المسائل العلمية المتعلقة بالأوراق النقدية كتخريجها الفقهي، وهل تجب فيها الزكاة؟ وما أشبه ذلك.
الثاني: تغير قيمة العملة.
وذلك في الدورة الخامسة عام 1409هـ. وعدد البحوث المقدمة اثنا عشر بحثاً(2)1). والموضوع الذي تناولته هذه البحوث: هو تقلبات قيمة العملة الورقية، وكذلك بحثت أثر تغير قيمة العملة في كلام الفقهاء المتقدمين، وتناولت أيضاً حكم الربط القياسي بمستوى الأسعار، وتميز أحدها بجمع ما ورد في السنة مما يتصل باضطراب العملة، وما نقل عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ذلك.
الثالث: الندوة الفقهية الاقتصادية.
وذلك في الدورة الثامنة عام 1415هـ. وعدد البحوث المقدمة ستة عشر بحثاً(3)2). والموضوع الذي تناولته هذه البحوث: هو حكم ربط الديون والأجور والمستحقات بتغير المستوى العام للأسعار، وكذلك بحث أثر الربط القياسي في التضخم،و أنواع الربط.
الرابع: كساد النقود الورقية.
وذلك في الدورة التاسعة عام 1417هـ. وعدد البحوث المقدمة ثمانية بحوث(4)3). والموضوع الذي تناولته هذه البحوث: هو أنواع التغيرات الطارئة على النقود،و أثر التضخم في الديون السابقة وبيان أنواعه، ومتى يكون التضخم كساداً ؟و ما هي صلة التضخم بالكساد؟ كما تناول بعضها حكم ربط الحقوق والالتزامات بالمستوى العام للأسعار.
الخامس: البيان الختامي لحلقات الندوة الفقهية الاقتصادية.
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (3/3/1653- 1865).
(2) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/609- 2208).
(3) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/ 477- 775).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/3/351 - 759).(1/4)
وذلك في الدورة الثانية عشرة عام 1421هـ.
ثانياً: بحوث ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار.
وذلك في الندوة التي عقدها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة(1). وقد طبعت هذه البحوث في كتاب باسم ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار. وهو من مطبوعات البنك الإسلامي للتنمية.
وهذه البحوث تناولت شرحاً لمعنى الربط وبياناً لبعض أنواعه، ومزايا الربط ومساوئه، أي عيوبه، وحكمه الشريعي، كما تضمنت مناقشات المجتمعين، وتوصياتهم.
ثالثاً: بحوث متفرقة.
…أثر التضخم الاقتصادي على الزكاة.
وهو للباحث الأستاذ قاسم الحموري، وهو منشور في مجلة أبحاث اليرموك المجلد 11، العدد 1995م، ص (147-169). وفيه تناول الباحث الآثار الاقتصادية للزكاة، ونصاب الزكاة،و أعطى نبذة عن التضخم الاقتصادي، وأثره على الأموال الزكوية، وأثر الزكاة في الحد منه.
رابعاً: كتب ودراسات مستقلة.
الأول: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية والوسائل المشروعة للحماية.
وهو من تأليف الأستاذ الدكتور رفيق المصري. طبع عام 1421هـ. وعدد صفحاته (94) صفحة. وأصل هذا الكتاب مجموعة البحوث التي قدمها المؤلف لمجمع الفقه الإسلامي. وقد تناول فيه الباحث نبذة عن التضخم النقدي وآثاره، وأثره على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية، ووسائل الحماية منه.
الثاني: أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض.
__________
(1) البنك الإسلامي للتنمية: مؤسسة مالية دولية تأسست عام 1395هـ، وهدفه هو دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية مجتمعة ومنفردة، وفقاً للشريعة الإسلامية ويقع المقر الرئيسي للبنك في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
…[ ينظر: التقرير السنوي للبنك الإسلامي للتنمية عام(1415هـ)] .(1/5)
وهو من تأليف مضر نزار العاني. وقد طبع عام 1421هـ. وأصل هذا الكتاب بحث تكميلي؛ لنيل درجة الماجستير في قسم الفقه وأصوله من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وعدد صفحاته (160)صفحة. وقد تناول فيه الباحث أثر تغير قيمة العملة النقدية على تسديد القرض، وهو نوع من أنواع الديون قصر الباحث دراسته عليه.
الثالث: تغير قيمة النقود وأثره في المعاملات.
وهو رسالة علمية تقدمت بها الباحثة: شادية عبد الفتاح؛ لنيل درجة الماجستير من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، عام 1996م، عدد صفحاتها (253) صفحة.
وهي في بابين:
…الباب الأول: النقود في الفقه الإسلامي. وفيه أربعة فصول ص (18-114).
الفصل الأول: لمحة تأريخية عن النقود. وقد جعلته الباحثة في محورين:
المحور الأول: لمحة عن النقود في الدولة الإسلامية عرضت فيه نشأة النقود وتأريخها في الدولة الإسلامية.
المحور الثاني: لمحة تأريخية عن النقود في غير البلاد الإسلامية.
الفصل الثاني: آراء الفقهاء في طبيعة الأوراق النقدية. وقد جعلته في خمسة مباحث. عرضت في أربعة مباحث بعض تخريجات الفقهاء المعاصرين للأوراق النقدية.
المبحث الأول: القول إنها سندات دين، ما يترتب على هذا القول ونقده.
المبحث الثاني: القول إنها عروض تجارة، ما يترتب على هذا القول ونقده.
المبحث الثالث: إلحاق الأوراق النقدية بالفلوس، ما يترتب على هذه النظرية ونقدها.
المبحث الرابع: الأوراق النقدية بدل النقدين، مستلزمات هذه النظرية ومناقشتها.
وما ذكرته في هذا الفصل يلاحظ عليه عدم استيعاب التخريجات الفقهية، والتي أوصلها بعض الباحثين إلى سبعة تخريجات(1).
المبحث الخامس: الربا في الأوراق النقدية.
__________
(1) ينظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية، للدكتور ستر الجعيد ص (171).(1/6)
الفصل الثالث: الصرف. وقد عرفت في هذا الفصل الصرف، وما يشترط فيه، وذكرت بعض القواعد في استبدال النقود في الفقه.ولم يتبين لي وجه دخول هذا الفصل في موضوع البحث.
الفصل الرابع: الأحكام المتعلقة بالنقود في حالة الرخص، والغلاء، والكساد، والانقطاع. وقد جعلته في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الكساد والانقطاع وآراء الفقهاء فيهما.
المبحث الثاني: الرخص والغلاء وآراء الفقهاء فيهما. وقد نقلت الباحثة في هذين المبحثين كلام الفقهاء في هذه الأحوال وكلامهم ـ رحمهم الله ـ في انقطاع الدنانير والدراهم والفلوس وكسادها ورخصها وغلائها. ولم تتناول الباحثة الصور المعاصرة لهذه الأحوال إلا بكلام يسير مقتضب بالغ الاختصار في ثلاث صفحات في المبحث الثالث.
المبحث الثالث: التضخم والانكماش.
الباب الثاني: التغير وما يتعلق به. وقد جعلته في ثلاثة فصول.
الفصل الأول: تعريف التغير والقيمة وأنواعها، تناولت في هذا الفصل تعريف كل من هذين المصطلحين وأشارت إلى أنواع القيمة وبينت مخاطر تدهور القيمة الحقيقية للنقود وأهمية استقرار القيمة بوجه عام.
الفصل الثاني: الحلول المطروحة لعلاج التغير، ذكرت في هذا الفصل ثلاث وسائل لعلاج تغير القيمة على وجه العموم سواء كان التغير كساداً أو انقطاعاً أو غلاء أو رخصاً تضخماً أو انكماشاً. وذلك في خمسة مباحث.
المبحث الأول: سياسة تثبيت قيمة النقود، وقد ذكرت في هذا المبحث طرفاً من السياسات الاقتصادية العامة، والتي تساعد في تثبيت قيمة النقود. والكلام في هذا المبحث كلام عام. الجانب الفقهي فيه غير واضح توصيفاً وحكماً.
المبحث الثاني: وسائل تثبيت قيمة الدين، أشارت الباحثة إلى بعض الوسائل المعمول بها لتثبيت قيمة الدين، والجانب الفقهي في عرض هذه الوسائل ليس بالقوي مع أن هذه الوسيلة لمعالجة التغير في القيمة أكثر الوسائل طرحاً وبحثاً في الدراسات والندوات التي تبحث موضوع تغير قيمة النقود.(1/7)
المبحث الثالث: الربط القياسي ومبرراته بينت في هذا المبحث معنى الربط القياسي عند الاقتصاديين ووجه كونه من الحلول لمعالجة تغير قيمة النقود، لكنها لم تستوعب ذكر أنواع الربط القياسي. بل اقتصرت على نوع واحد منها، وهو الربط بمستوى الأسعار، ولم تذكر الربط بالذهب، ولا الربط بعملة مستمرة أو الربط بسلة عملات.
المبحث الرابع: المبررات العامة لربط المعاملات بمستوى الأسعار، وقد ذكرت في هذا المبحث المبررات الفقهية للربط وكذا المبررات الاقتصادية.
المبحث الخامس: الحجج المعارضة لربط المعاملات بمستوى الأسعار، ذكرت الباحثة الحجج التي تراها مانعة من العمل بهذه الوسيلة الفقهية والاقتصادية، ومالت إلى عدم جواز الربط، وبغض النظر عن النتيجة إلا أن الجانب الفقهي يحتاج إلى تدقيق وتحرير لبيان الجوانب المؤثرة في النتيجة والحكم. وما ذكرته الباحثة في هذا الفصل من حلول لمعالجة تغير قيمة النقود مع كونه لم يختص بمشكلة التضخم النقدي فإنه لم يستوعب الحلول المقترحة المطروحة اقتصادياً وفقهياً. فمن الوسائل التي لم تذكرها الباحثة التحكم في سعر الفائدة، والتسوية القضائية، وتفعيل نظرية الظروف الطارئة. وهذه وسائل مقترحة، وهي بحاجة إلى نظر فقهي وبحث شرعي.(1/8)
الفصل الثالث: المعاملات التي تتغير فيها قيمة النقود.في هذا الفصل ذكرت الباحثة شيئاً من المعاملات المالية، والتي تتغير فيها قيمة النقود، وذلك في ثمانية مباحث، وهي على الترتيب التالي: القرض، السلم، البيع بأجل، الرهن، الغصب، تقدير الدية، الزكاة، المهر والنفقة. ويلاحظ أن في هذه المباحث ما لا يصح إدراجه في المعاملات لا في الاصطلاح العام ولا الخاص كالزكاة، وتقدير الدية. كما أنها لم تحصر جميع المعاملات التي تتغير فيها قيمة النقود. ويلاحظ أيضاً أن الباحثة لم تفصل في أثر أنواع التغيرات على هذه المعاملات. كما أنها لم تبحث أثر التضخم النقدي، بل اقتصرت على ذكر المعاملات التي تتغير فيها قيمة النقود وبيان التغير على وجه العموم. ومن هذا المنطلق فإن الباحثة لم تذكر شيئاً عن التكييف الفقهي للتضخم النقدي، وغير خافٍ أن التكييف الفقهي له أهمية كبرى في بناء الأحكام ومعرفة الآثار. ولذلك لم تتناول الباحثة أحكام ظاهرة التضخم النقدي وآثارها.
ولبيان بعض أوجه الفرق بين ما في هذه المباحث، وبين ما سأتناوله في هذه الدراسة أذكر النقاط التالية:
المبحث الأول: القرض. تناولت فيه الباحثة التغيرات في قيمة النقود في عقد القرض من خلال ما ذكره الفقهاء المتقدمون. أما ما سأتناوله فهو تأثير التضخم النقدي على جميع أنواع الديون سواء كانت قرضاً أو ثمن مبيع أو رأس مال شركة أو صداقاً مؤخراً أو غيرها، وذلك من خلال المسائل التالية:
الواجب رده للدائن، هل هو الثابت في الذمة قبل طروء التضخم النقدي أو قيمته أو يختلف ذلك باختلاف درجة التضخم النقدي؟
على القول بأن الواجب القيمة، فهل المعتبر القيمة يوم العقد أو غير ذلك؟
هل يفرق بين الدين السابق للتضخم النقدي وغير السابق؟ وهل يفرق بين توقع التضخم النقدي وعدم توقعه؟
أثر المماطلة بالدين إلى حصول التضخم؟(1/9)
المبحث الثاني: السلم. تناولت فيه الباحثة التغير في قيمة النقود في عقد السلم من خلال ما ذكره الفقهاء المتقدمون. أما ما سأتناوله في هذا الإطار فهو أثر التضخم النقدي في العقود الآجلة على وجه العموم. وهي العقود التي لم يسلم فيها أحد المعقود عليه أي: أحد العوضين. وذلك كالسلم وبيوع التقسيط والإجارات الطويلة الأمد وعقود التعهدات كالتوريد والمقاولة. وذلك من خلال المسائل التالية:
هل تبقى هذه العلاقات التعاقدية لازمة على حالها أو تعالج بما يناسب حال التضخم النقدي من إثبات خيار للمتضرر أو تعديل القيمة بما يلغي أثر التضخم النقدي؟
هل يفرق بين إبرام هذه العقود في ظل التضخم النقدي أو لا؟
ما الذي يثبت في حال عدم التمكن من الوفاء بالالتزامات التعاقدية؟
المبحث الثالث: البيع بأجل. وقد تناولت فيه الباحثة تغير قيمة النقود في البيع بأجل، وهو فيما سأتناوله داخل في أثر التضخم النقدي في العقود الآجلة، وقد ذكرت شيئاً من أوجه الفرق قريباً.
المبحثان الرابع والخامس: الرهن، والغصب. وقد تناولت فيهما الباحثة بيان تغير قيمة النقود في كل من عقد الرهن والغصب. أما ما سأتناوله فهو أثر التضخم النقدي في الحقوق كالنفقات والرهن أو بدل الغصب وعوض الخلع وما أشبه ذلك. وذلك من خلال بيان ما الذي يثبت لأصحابها في حال التضخم النقدي إذا كانت ثابتة قبله وكذلك ما كان ثابتاً في ظله وزادت نسبته؟ وهل تزاد النفقة ويزاد في الرهن لأجل التضخم النقدي أو لا؟
هـ ـ المبحثان السادس والسابع: تقدير الدية والزكاة. وقد تناولت الباحثة فيهما أثر تغير قيمة النقود على مقدار الدية، وكذلك تغيرها في الزكاة. أما ما سأتناوله مما له صلة بهذين المبحثين فهو أثر التضخم النقدي في المقادير الشرعية كالأموال الزكوية والديات، ونصاب السرقة، وذلك من خلال المسائل التالية:(1/10)
أثر التضخم النقدي في انقطاع الحول؟ وهل يفرّق في ذلك بين التضخم النقدي الجامح وبين التضخم النقدي الطفيف؟
أثر التضخّم النقدي فيما إذا أخّر الإنسان إخراج زكاة ماله عن وقتها لسنة أو أكثر ثم طرأ التضخّم النقدي، فما هو المعتبر هل هو ما ثبت وقت الوجوب أو وقت الأداء؟
حكم إخراج زكاة غير الأوراق النقديّة ورقاً نقديّاً في حال التضخّم النقدي؟
هل يقال بمنع ذلك مراعاة لحظ أهل الزكاة ؟
أثر التضخم النقدي في زكاة الدين.
أثر التضخم النقدي في تعيين نوع الدية.
أثر التضخم النقدي فيما إذا كانت الدية مؤجّلة، وهل المعتبر فيها وقت الوجوب أو وقت الإخراج؟
أثر التضخّم النقدي في تعيين الوقت المعتبر للنصاب في السرقة، هل هو وقتها أو وقت الحكم أو تنفيذه؟
و ـ المبحث الثامن: المهر والنفقة. وهذا المبحث كالمباحث السابقة تناولت فيه الباحثة تغير قيمة النقود في كل من المهر والنفقة بوجه عام. أما ما سأتناوله مما يتعلق بهذين الأمرين فقد تقدمت الإشارة إليه في أثر التضخم النقدي في الدين، وكذلك أثر التضخم النقدي في الحقوق فلا حاجة إلى إعادته هنا.
وبهذا يتبين أن هذا البحث لم يتناول التضخم النقدي بدراسة خاصة تناسب أهمية الموضوع والحاجة إلى معرفة الأحكام والآثار المترتبة عليه، وأساليب معالجة هذه المشكلة التي تهدد أكثر المجتمعات فما زالت الحاجة قائمة لمزيد بحث ودراسة تخصصية.
الرابع: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية.
وهو من تأليف الدكتور: هايل عبد الحفيظ داود. وقد طبعه المعهد العالمي للفكر الإسلامي عام 1418هـ. وهو في تمهيد وأربعة أبواب:
التمهيد: عرف فيه النقود، وذكر وظائف النقود، وأهميتها، وخصائصها، وجهود العلماء في بيان أحكامها.
الباب الأول: تطور النقود، وهو في فصلين ص (19-84).
الفصل الأول: تناول فيه مراحل تطور النقود ابتداء بالمقايضة ثم النقود السلعية ثم المعدنية ثم الورقية ثم المصرفية.(1/11)
الفصل الثاني: تناول فيه النقود في العصر الإسلامي من حيث التطور والأنواع المتداولة.
الباب الثاني: مفهوم النقدية في الإسلام، وهو في أربعة فصول ص (85-175).
الفصل الأول: تناول فيه النقود في الكتاب والسنة.
الفصل الثاني: تناول فيه علة الربا في النقود وأقسامه.
الفصل الثالث: تناول فيه هل النقود عرفية اصطلاحية أو أنها محصورة في النقدين.
الفصل الرابع: بحث فيه ثمنية النقود الورقية والمصرفية.
وهذان البابان وما ذكره في التمهيد ليس داخلاً في صلب موضوع التضخم النقدي. ولذا فإنني سأتناول ما له صلة بالموضوع مما يتعلق بالنقود في الباب التمهيدي في الفصل الأول منه تحت حقيقة النقود وتكييفها الفقهي.
الباب الثالث: السياسة الاقتصادية الإسلامية وتغير قيمة النقود، وهو في فصلين ص (177-241).
الفصل الأول: تناول فيه مفهوم قيمة النقود وأسباب وآثار تغير قيمتها.
الفصل الثاني: تناول فيه السياسات الاقتصادية الإسلامية وأثرها في ثبات قيمة النقود، وعرض فيها السياسة النقدية والسعرية والإنتاجية والاستهلاكية.
وهذا الباب عبارة عن عرض لبعض الأساليب الاقتصادية العامة والمستخدمة في تثبيت قيمة النقود وهي سياسات تعنى بها الحكومات ممثلة في مؤسساتها المالية.
أما ما سأتناوله فيركز على معالجة آثار التضخم النقدي على المستوى الخاص والذي يحتاجه عموم الناس على مستوى الأفراد والشركات والمؤسسات، وكثير مما ذكره يندرج في الفصل الذي أسميته تنظيم عرض النقود، ومما سأضيفه في هذا الجانب بيان التكييف الفقهي لهذه الأساليب والذي ينبني عليه التوصل إلى الحكم الفقهي فيها. كما أنني لم أقتصر على هذا الجانب من المعالجة بل تناولت جوانب أخرى في المعالجة لم يذكرها الباحث كالتسوية القضائية وتأخير الزكاة ونظرية الظروف الخاصة.
الباب الرابع: أحكام تغير القيمة الشرائية، وهو في ثلاثة فصول ص (243-353).(1/12)
الفصل الأول: تناول فيه تغير قيمة النقد بين المثل والقيمة، فذكر كلام الفقهاء في أنواع تغير النقود الذهبية والفضية والمعدنية. أما تغير الورق النقدي فبنى بحثه فيه على كلام الفقهاء في تغير النقود المعدنية. والإضافة على ما ذكره الباحث في هذا الجانب هي بحث التكييف الفقهي للتضخم النقدي ومناقشة ما ذكره المعاصرون من تخريجات فقهية تنبني عليها كثير من الأحكام الفقهية.
الفصل الثاني: تناول فيه تثبيت قيمة الدين مفهومه وحكمه الشرعي ووسائله، وذكر خلاف العلماء في ذلك ثم عرض لوسائل التثبيت. وأبرز إضافة في هذا: التكييف الفقهي لهذا الأسلوب والذي يترتب عليه الحكم. ومن جانب آخر توسيع تفعيل هذا الأسلوب في غير الديون من العلاقات التي تتأثر بالتضخم النقدي.
الفصل الثالث: تناول فيه تطبيقات على تغير القيمة الشرائية للنقود. وذكر في ذلك ثلاثة أمور: أثر تغير قيمة النقود في المرتبات والأجور والنفقات، وفي العقود الممتدة، وفي الأنصبة والمقادير الشرعية. والملاحظ في هذا الفصل الاقتضاب في البحث حيث إن بحث ذلك كله لم يتجاوز ثنتي عشرة صفحة.
والإضافة في هذا البحث تتضح بأمرين:
الأمر الأول: أن هذه الدراسة ستتناول جميع الأوجه التي تتأثر بالتضخم النقدي فيما يظهر للباحث وليست مقتصرة على الجوانب التي ذكرت في بحث الأستاذ هايل فقط. من ذلك مثلاً أنني سأتناول أثر التضخم النقدي في الحقوق عدا ما ذكره من النفقات كبدل الغصب، وعوض الخلع على القول بعدم جواز زيادته على المهر، وما أشبه ذلك من الحقوق. ومن ذلك أيضاً أنني سأتناول أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات والتبرعات بأنواعها كالرهن والضمان، وكالهبة والوصية.
الأمر الثاني: أن هذه الدراسة ستضيف مسائل كثيرة في الجوانب التي أشار إليها كتاب تغير القيمة الشرائية للنقود، ولم يتناولها بالبحث. وهذا عرض موجز للإضافات في كل جانب. ولن أكرر ما يندرج تحت الأمر الأول:(1/13)
أثر تغير قيمة النقود في المرتبات والأجور والنفقات، وفي العقود الممتدة ذكر مؤلف كتاب تغير القيمة الشرائية للنقود نبذاً في هذه الأمور كل موضوع منها في صفحة. أما النفقات فقد سبق الكلام عنها، وأما المرتبات والأجور والعقود الممتدة فسأتناولها ضمن أثر التضخم النقدي في الديون، وذلك أن هذه الأمور في حقيقتها الفقهية من صور الدين وأنواعه سواء كانت أجوراً أو عقوداً ممتدة، ومن الإضافات في هذه الدراسة ما يلي:
سأبحث أثر التضخّم في الديون المستقرّة كالصداق المؤجّل والودائع البنكيّة وما أشبه ذلك.
بيان ما الواجب ردّه للدائن هل هو الثابت في الذمّة قبل التضخّم أو قيمته، وهل يختلف ذلك باختلاف درجة التضخّم؟ وعلى القول بالقيمة هل المعتبر القيمة يوم العقد أو غير ذلك؟ وهل يفرّق بين الدين السابق للتضخم النقدي وغير السابق؟ وهل يفرق بين الدين الذي يكون التضخم النقدي فيه متوقعاً وبين الدين الذي لا يكون التضخم النقدي فيه متوقعاً؟
سأبحث حكم اتفاق المتعاقدين على مراعاة التضخّم النقدي عند إنشاء الدين؟ وقد ذكر في كتاب تغير القيمة الشرائية للنقود شيئاً له صلة بهذا عند بحث تثبيت الدين وما هاهنا أوسع من التثبيت؛ لأن مراعاة حال التضخم تكون بتثبيت قيمة الدين وبغيرها من الوسائل.
سأذكر ما الذي يترتّب على التضخّم النقدي بالنسبة للعلاقات التعاقدية والالتزامات؟ وهل تبقى على ما كانت عليه وقت التعاقد أم تعالج بما يناسب حال التضخم؟
أثر تغير قيمة النقود في الأنصبة والمقادير الشرعية والإضافة في هذا ما يلي:
1 - سأبين أثر التضخم النقدي في انقطاع الحول؟ وهل يفرّق بين التضخّم الجامح والطفيف؟
2 - سأتناول أيضاً أثر التضخّم النقدي فيما إذا أخّر الإنسان إخراج زكاة ماله عن وقتها ثم طرأ التضخّم، فما هو المعتبر هل هو ما ثبت وقت الوجوب أو وقت الأداء؟ وهل يعتبر التضخّم في هذا أولا؟(1/14)
3 - سأتناول حكم إخراج زكاة غير الأوراق النقديّة ورقاً نقديّاً في حال التضخّم، وهل يقال بمنع ذلك مراعاة لحظ أهل الزكاة؟
4 - سأتناول أثر التضخم النقدي في زكاة الديون وهل المعتبر فيها وقت وجوبها أو وقت إخراجها.
5 - سأبين أثر التضخم في لزوم قبول المجني عليه أو ورثته الدية من الورق النقدي، وهل لهم الامتناع من القبول بسبب التضخّم؟
6 - سأبين أثر التضخم فيما إذا كانت الدية مؤجّلة، وهل المعتبر فيها وقت الوجوب أو وقت الإخراج؟
7 - سأتناول أثر التضخّم النقدي في تعيين الوقت المعتبر للنصاب في السرقة، هل هو وقتها أو وقت الحكم أو تنفيذه؟
الخامس: آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي. وهو رسالة تقدم بها الباحث موسى آدم عيسى لنيل درجة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، عام 1405هـ.وقد طبعتها مجموعة دلة البركة، وعدد صفحاتها (445)صفحة، والرسالة في تمهيد وثلاثة أبواب:
التمهيد: تناول فيه حقيقة النقود الورقية الإلزامية، وماهية التغيرات في قيمتها وكيفية قياسها.
الباب الأول: تناول فيه أسباب التغيرات في قيمة النقود.
الباب الثاني: آثار التغيرات في قيمة النقود.
الباب الثالث: منهج معالجة أسباب وآثار التغيرات في قيمة النقود. وهذا البحث دراسة اقتصادية في طابعها العام. والجانب الفقهي فيها ثمان وثمانون صفحة تقريباً. وهو ما يمثل أقل من خمس الرسالة من حيث الحجم، أما من حيث المسائل الفقهية التي تناولها الباحث بالدراسة فقد ذكرها في التمهيد والباب الأخير، ويمكن إجمالها فيما يلي:
أحكام النقود المغشوشة ومدى انطباقها على النقود الورقية المعاصرة ص (30-40).
أحكام الفلوس ومدى انطباقها على النقود الورقية الإلزامية ص (42-54).(1/15)
الإشارة إلى اشتراط الفقهاء أن يكون رأس مال شركة المضاربة من النقدين، وإلى اشتراط العلم بالأجرة في عقد الإجارة، وأن هذين الشرطين لا يمكن تحقيقهما في ظل تغير قيمة النقود ص (304-306).
في إطار الحلول لظاهرة تغير قيمة النقود اقترح المؤلف تعجيل الزكاة أو تأخيرها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة وذكر بعض آراء الفقهاء في ذلك ص (325-329).
في إطار الحلول أيضاً ذكر فرض الضرائب،وتكلم عن مشروعيته ص (332-336).
من الحلول التي ذكرها سياسة الدين العام، وذكر بعض النقولات في جواز اقتراض الدولة لتثبيت قيمة النقد ص (340-341).
ذكر بعض النقولات في أن من لم يكفه دخله فإنه يعطى من الزكاة ص (346-347).
بيان أن وقت الأجير مستحق كله لرب العمل إلا أوقات الصلاة، وأنه لا يستحق الأجر إذا فشل أو قصر في أداء العمل ص (351-353).
حكى كلام أهل العلم في مسألتي كساد الذهب والفضة وكساد الفلوس ص (361-402).
السادس: الاقتصاد الإسلامي وتغير قيمة النقود.
وهو رسالة علمية تقدم بها الباحث عبد المجيد سنكي لنيل درجة الماجستير من جامعة محمد الخامس في الرباط، عام 1995م، عدد صفحاتها (179) صفحة، وهي في تمهيد وثلاثة أبواب.
التمهيد: عرف فيه التغير والقيمة وبعض المصطلحات.
الباب الأول: الاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات المالية، وهو في فصلين:
الفصل الأول: الاقتصاد الإسلامي، وقد جعله في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تناول فيه نشأته.
المبحث الثاني: طبيعته.
المبحث الثالث: مراحله في عهد النبوة وفي عهد الخلافة الراشدة.
الفصل الثاني: الاقتصاد الإسلامي عند فقهاء الإسلام، وجعله في مبحثين:
المبحث الأول: تناول فيه الباحث كتب الأموال وعلم الفقه بيّن فيه صلة الكتب المؤلفة في الأموال بعلم الفقه.(1/16)
المبحث الثاني: كتب الأموال وعلم الاقتصاد في سبعة مطالب جعل كل مطلب لعالم من العلماء الذين لهم إسهامات في علم الاقتصاد، كشيخ الإسلام ابن تيمية(1)، المقريزي(2)، السيوطي(3)، ابن عابدين(4).
الباب الثاني: دراسة نظرية للنقود في الاقتصاد الإسلامي، وقد جعله في فصلين:
الفصل الأول: نشأة النقود ووظائفها، وهو في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عن نشأة النقود.
المبحث الثاني: عن نشأتها في الاقتصاد الإسلامي.
__________
(1) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، تقي الدين، أبو العباس، فقيه حنبلي، له في كل علم باع كبير، وله مصنفات جليلة كثيرة عظيمة النفع، منها: منهاج السنة النبوية، درء تعارض العقل والنقل، القواعد النورانية، وله فتاوى كثيرة بالغة النفع، توفي سنة (728هـ).
…[ ينظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/387)، المقصد الأرشد (1/132)، البدر الطالع (1/63)].
(2) أحمد بن علي المقريزي، تقي الدين، مؤرخ مشهور، من علماء الشافعية، تولى القضاء، وله مؤلفات عديدة نافعة، منها: المواعظ والاعتبار وذكر الخطط والآثار، السلوك لمعرفة الملوك. توفي عام(845هـ).
…[ ينظر: شذرات الذهب (7/255)، إنباء الغمر بأبناء العمر (9/170)].
(3) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي، برع في عدة علوم في التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، له مؤلفات كثيرة منها: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، والأشباه والنظائر في الفقه، توفي عام (911هـ).
…[ ينظر: شذرات الذهب (8/51)، الفتح المبين في طبقات الأصوليين (3/65)].
(4) محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين, فقيه حنفي, انتهت إليه الرئاسة في الفقه الحنفي في بلاد الشام, وله عدة مؤلفات من أشهرها: كتاب رد المحتار على الدر المختار، المشهور بحاشية ابن عابدين, توفي سنة (1252هـ). =
= [ ينظر: الأعلام للزر كلي (6/267), ومقدمة قرة عيون الأخبار (7/4-13)].(1/17)
المبحث الثالث: عن وظائفها في الاقتصاد الإسلامي.
الفصل الثاني: المعاملات المالية في العهد النبوي وبعده، وهو في مبحثين:
المبحث الأول: المعاملات المالية خلال العهد النبوي، عرض فيه صوراً من المعاملات الواردة في السنة من البيع والسلم والإجارة والشركة وغير ذلك.
المبحث الثاني: المعاملات المالية بعد العهد النبوي، وجعله في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تطور نظر الفقهاء إلى فقه النقود، وأشار إلى بحث الفقهاء للفلوس وإلحاقها بالنقود بإيجاز شديد.
المطلب الثاني: تناول مسألة تغير قيمة النقود في الفقه الإسلامي، وهو عرض موجز لبعض كلام الفقهاء في هذه المسألة.
المطلب الثالث: تغير قيمة النقود خلال العهد النبوي، وفيه الإشارة إلى أن التغير قليل، وأنه كان في الدراهم والدنانير.
الباب الثالث: موقف الفقهاء من ظاهرة تغير قيمة النقود في المعاملات المالية، وهو في فصلين:
الفصل الأول: قيمة النقود بين الثبات والتغير، وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: تغير قيمة النقود، وفيه بين معنى تغير قيمة النقود، وفيه نوع تكرار مع ما تقدم.
المبحث الثاني: العوامل المؤثرة في الأسعار، تناول الأسباب المؤثرة في الأسعار وأثر تغير قيمة النقود عليها.
المبحث الثالث: تغير قيمة النقود في الاقتصاد الإسلامي، تناول فيه أسباب تغير قيمة النقود في الاقتصاد الإسلامي.
المبحث الرابع: أدوات الحفاظ على استقرار قيمة النقود.وهو في مطلبين:
المطلب الأول: على مستوى النقود، وذكر فيه بعض الوسائل التي تؤدي إلى استقرار النقود بوجه عام.
المطلب الثاني: على مستوى المعاملات، وذكر أن مما يحفظ به النقد من التغير تحريم الاكتناز، وتحريم الربا.
الفصل الثاني: موقف الفقهاء من تغير قيمة النقود في المعاملات المالية، وقد جعله في مبحثين:
المبحث الأول: فتاوى الفقهاء في حالة التغير بالغلاء والرخص والكساد، وجعله في مطلبين:(1/18)
المطلب الأول: فتاوى الفقهاء في حالة التغير بالغلاء والرخص.
المطلب الثاني: فتاوى الفقهاء في حالة الكساد.وقد ذكر الباحث في هذين المطلبين بعض فتاوى أهل العلم في هذه التغيرات.
المبحث الثاني: مقارنة بين فتاوى الفقهاء في حالات التغير، وقد جعل هذا المبحث محلاً للترجيح في مسألتي المبحث السابق.
فهذه الدراسة ليست دراسة فقهية إلا في هذين المبحثين الأخيرين، ويفتقر عرضهما والمناقشات فيهما إلى نظر فقهي متخصص.
السابع: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم وعلاجها في اقتصاد إسلامي.
وهي رسالة علمية تقدم بها الباحث محمد الزهراني لنيل درجة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي من جامعة أم القرى بمكة عام 1410هـ. وهي بحث اقتصادي لظاهرة التضخم جعله الباحث في تمهيد وبابين:
التمهيد: جعله في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: ماهية التضخم.
المبحث الثاني: أنواع التضخم.
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية للتضخم.
الباب الأول: أسباب التضخم التحليل والتقويم الإسلامي، وهو في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: دور الدولة والمصارف التجارية.
الفصل الثاني: دور المؤسسات الإنتاجية والنقابات العمالية والقطاع العائلي.
الفصل الثالث: دور العوامل الخارجية والمراد بها أسعار الصادرات والمستوردات وأسعار الصرف.
الباب الثاني: السياسات الاقتصادية الشرعية لمكافحة التضخم، وهو في أربعة فصول:
الفصل الأول: السياسات المالية والنقدية، وهو في مبحثين:
المبحث الأول: السياسات المالية، وهو في أربعة مطالب:
الأول: تنظيم جباية الزكاة وتوزيعها. الثاني: سياسة القروض العامة المراد ما تقترضه الدولة. الثالث: سياسة التوظيف. الرابع: سياسة الإنفاق العام.
المبحث الثاني: السياسات النقدية، وفيه ثلاثة مطالب:
الأول: تنظيم نمو الرصيد النقدي. الثاني: تنظيم الائتمان المصرفي. الثالث: فعالية السياسة النقدية.
الفصل الثاني: السياسات الإنتاجية والأجرية، وهو في مبحثين:(1/19)
المبحث الأول:الإنتاجية، وأشار فيه إلى منع الاحتكار.
المبحث الثاني: الأجرية.
الفصل الثالث: السياسات الخارجية،وهو في مبحثين:
المبحث الأول: السياسات التجارية.
المبحث الثاني: سياسة التكامل الاقتصادي.
الفصل الرابع: سياسات التعزيز السلبي والإيجابي للسلوك التضخمي والسلوك غير التضخمي، وكل منها جعله الباحث في مبحث مستقل.
وبهذا يتضح أن غالب هذه الرسالة اقتصادي الروح والمضمون لم يخصصه الباحث لدراسة الأحكام الفقهية المتعلقة بهذه الظاهرة.
هذا أبرز ما وقفت عليه من البحوث والدراسات الشرعية حول موضوع التضخم النقدي. وأود أن أنبه إلى أن هناك دراسات اقتصادية تناولت الموضوع من وجهة نظر اقتصادية ولم تتناول الجانب الفقهي، فلم أذكر شيئاً منها؛ لأنها خارجة عن موضوع الدراسة.
خطة البحث
انتظم عقد هذا البحث في مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة. وبيانها فيما يتبع.
المقدمة.
تشتمل على بيان موضوع البحث، وأهمية دراسته، وأسباب اختيار الموضوع، والدراسات السابقة، وخطة البحث، ومنهجه.
الباب التمهيدي: حقيقة النقود والتضخم النقدي.
وفيه فصلان:
الفصل الأول: حقيقة النقود وتكييفها الفقهي.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف النقود وأنواعها.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف النقود.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريفها لغة.
المسألة الثانية: تعريفها اصطلاحاً.
المطلب الثاني: أنواع النقود.
المبحث الثاني: أنواع التغيرات الطارئة على النقود.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الكساد.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريفه لغة.
المسألة الثانية: تعريفه اصطلاحاً.
المطلب الثاني: الانقطاع.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريفه لغة.
المسألة الثانية: تعريفه اصطلاحاً.
المطلب الثالث: الغلاء والرخص.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريفهما لغة.
المسألة الثانية: تعريفهما اصطلاحاً.
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للنقود المعاصرة.(1/20)
التكييف الأول: أن الأوراق النقدية كالفلوس.
التكييف الثاني: أن الأوراق النقدية نقد خاص.
التكييف الثالث: أن الأوراق النقدية نقد قائم بذاته كالذهب والفضة.
التكييف الرابع: أن الأوراق النقدية بدل عن الذهب والفضة.
التكييف الخامس: أن الأوراق النقدية من عروض التجارة.
التكييف السادس: أن الأوراق النقدية سند بدين.
التكييف السابع: أن الأوراق النقدية سند بدين خاص.
التكييف الثامن: أن الأوراق النقدية مستند ودائع.
الفصل الثاني: حقيقة التضخم النقدي وطرق قياسه وآثاره.
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: تعريف التضخم النقدي.
المبحث الثاني: نشأة التضخم النقدي وتأريخه.
المبحث الثالث: أنواع التضخم النقدي.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تصنيف التضخم النقدي باعتبار سرعة ارتفاع الأسعار.
النوع الأول: التضخم الزاحف.
النوع الثاني: التضخم المتسارع.
النوع الثالث: التضخم المفرط.
المطلب الثاني: تصنيف التضخم النقدي باعتبار توقع حدوثه.
النوع الأول: التضخم النقدي المتوقع.
النوع الثاني: التضخم النقدي غير المتوقع.
المطلب الثالث: تصنيف التضخم النقدي باعتبار مصادره وأسبابه.
النوع الأول: التضخم النقدي الناشىء عن جذب الطلب.
النوع الثاني: التضخم النقدي الناشىء عن دفع التكاليف.
المبحث الرابع: طرق قياس التضخم النقدي.
المبحث الخامس: آثار التضخم النقدي.
أولاً: إعادة توزيع الدخل.
ثانياً: تقليص حجم الادخار والاستثمار.
ثالثاً: اختلال العلاقات التعاقدية.
الباب الأول: التكييف الفقهي للتضخم النقدي وأثره في الأحكام الشرعية.
وفيه فصلان:
الفصل الأول: التكييف الفقهي للتضخم النقدي.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تغيرات قيمة النقود عند الفقهاء المتقدمين.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التغيرات في النقود الخلقية.
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تغير النقود الخلقية بالكساد.
المسألة الثانية: تغير النقود الخلقية بالانقطاع.(1/21)
المسألة الثالثة: تغير النقود الخلقية بالغلاء والرخص.
المطلب الثاني: التغيرات في النقود الاصطلاحية.
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تغير النقود الاصطلاحية بالكساد.
المسألة الثانية: تغير النقود الاصطلاحية بالانقطاع.
المسألة الثالثة: تغير النقود الاصطلاحية بالغلاء والرخص.
المبحث الثاني: التخريجات الفقهية للتضخم النقدي.
التخريج الأول: أن التضخم النقدي نوع من رخص النقود الاصطلاحية.
التخريج الثاني: أن التضخم النقدي المفرط نوع من كساد النقود.
التخريج الثالث: أن التضخم النقدي جائحة من جوائح الأموال.
التخريج الرابع: أن التضخم النقدي منه ما هو ضريبة غير مباشرة.
التخريج الخامس: أن التضخم النقدي حادثة جديدة.
الفصل الثاني: أثر التضخم النقدي في الأحكام الشرعية.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أثر التضخم النقدي في المقادير الشرعية.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في زكاة الأموال.
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في انقطاع الحول.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في الزكاة المؤخرة.
وفيها فرعان:
الفرع الأول: وجوب الزكاة على الفور.
الفرع الثاني: ما يترتب على تأخير الزكاة في ظل التضخم النقدي.
المسألة الثالثة: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة غير الأوراق النقدية.
وفيها فرعان:
الفرع الأول: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة.
وفيه أمران:
الأمر الأول: إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة.
الأمر الثاني: إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة في ظل التضخم النقدي.
الفرع الثاني: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة.
وفيه أمران:
الأمر الأول: إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة.
الأمر الثاني: إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة في ظل التضخم النقدي.
المسألة الرابعة: أثر التضخم النقدي في زكاة الدين.(1/22)
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في الديات.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في نوع الدية.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي إذا كانت الدية مؤجلة.
المطلب الثالث: أثر التضخم النقدي في وقت اعتبار النصاب في السرقة.
المبحث الثاني: أثر التضخم النقدي في الديون والحقوق.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في الديون.
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الديون وأنواعها وأسبابها.
وفيها فرعان:
الفرع الأول: تعريف الديون.
الفرع الثاني: أنواع الديون وأسبابها.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في وفاء الديون.
المسألة الثالثة: اتفاق المتعاقدين على مراعاة التضخم النقدي عند إنشاء الدين.
المسألة الرابعة: أثر المماطلة في وفاء الدين إذا طرأ التضخم النقدي.
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في الحقوق.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد بالحقوق وصورها.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في أداء الحقوق.
وفيه أربعة فروع.
الفرع الأول: أثره في تقدير النفقات.
وفيه أمران:
الأمر الأول: أثر تغير الأسعار في النفقات.
الأمر الثاني: تقدير النفقات في ظل التضخم النقدي.
الفرع الثاني: أثر التضخم النقدي في رد المغصوب.
الفرع الثالث: أثر التضخم النقدي في الأخذ بالشفعة.
الفرع الرابع: أثر التضخم النقدي في عوض الخلع.
المبحث الثالث: أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات والتبرعات.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أثره في عقد الرهن.
المسألة الثانية: أثره في عقد الضمان.
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في عقود التبرعات.
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في التعديل بين الأولاد في الهبة.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في حساب الثلث في عطية من مرضه مخوف.
المسألة الثالثة: أثر التضخم النقدي في نوع الصدقة.(1/23)
المسألة الرابعة: أثر التضخم النقدي في الوصية.
الباب الثالث: الحكم الشرعي في أساليب معالجة آثار التضخم النقدي.
وفيه تمهيد وستة فصول:
الفصل الأول: الربط القياسي.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حقيقة الربط القياسي.
وفيه تمهيد ومطلبان:
المطلب الأول: تعريف الربط القياسي.
المطلب الثاني: طرق الربط القياسي.
المبحث الثاني: أنواع الربط القياسي.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الربط بمستوى الأسعار.
المطلب الثاني: الربط بالذهب.
المطلب الثالث: الربط بعملة أو سلة عملات.
المطلب الرابع: الربط بسعر الفائدة.
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للربط القياسي وبيان حكمه.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: التكييف الفقهي للربط القياسي بمستوى الأسعار وحكمه.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للربط القياسي بالذهب وحكمه.
المطلب الثالث: لتكييف الفقهي للربط القياسي بعملة أو سلة عملات وحكمه.
المطلب الرابع: التكييف الفقهي للربط القياسي بسعر الفائدة وحكمه.
الفصل الثاني: تفعيل نظرية الظروف الطارئة.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة نظرية الظروف الطارئة.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معنى الظروف الطارئة.
المطلب الثاني: بيان نظرية الظروف الطارئة.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل نظرية الظروف الطارئة وحكمه.
الفصل الثالث: التسوية القضائية.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة التسوية القضائية.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للتسوية القضائية وبيان حكمها.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التكييف الفقهي للتسوية القضائية بالصلح.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للتسوية القضائية بقضاء الحاكم.
الفصل الرابع: التسعير.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة التسعير.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف التسعير.
المطلب الثاني: التسعير والتضخم النقدي.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للعمل بالتسعير في معالجة آثار التضخم النقدي.
وفيه ثلاثة مطالب:(1/24)
المطلب الأول: الأصل في التسعير.
المطلب الثاني: التسعير للمصلحة.
المطلب الثالث: التسعير والتضخم النقدي.
الفصل الخامس: تفعيل إخراج الزكاة.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة تفعيل إخراج الزكاة.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل إخراج الزكاة وبيان حكمه.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تفعيل تأخير إخراج الزكاة في معالجة التضخم النقدي.
المطلب الثاني: حكم تخصيص صرف الزكاة ببعض الأصناف.
الفصل السادس: تنظيم عرض النقود.
وفيه تمهيد وأربعة مباحث:
المبحث الأول: التحكم في سعر الفائدة (معدل الربا).
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حقيقة التحكم في سعر الفائدة.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للتحكم في سعر الفائدة وحكمه.
المبحث الثاني: تنظيم إصدار النقود.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حقيقة تنظيم إصدار النقود.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لتنظيم إصدار النقود.
المبحث الثالث: تنظيم توليد النقود.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حقيقة تنظيم توليد النقود.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لتنظيم توليد النقود.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم توليد النقود.
المسألة الثانية: حكم تنظيم توليد النقود.
المبحث الرابع: التوظيف والإنفاق العام.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التوظيف.
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حقيقة التوظيف.
وفيها ثلاثة فروع:
الفرع الأول: تعريفه في اللغة.
الفرع الثاني: تعريفه في الاصطلاح.
الفرع الثالث: أثر التوظيف في معالجة التضخم النقدي.
المسألة الثانية: التكييف الفقهي للتوظيف.
المسألة الثالثة: حكم تفعيل التوظيف في معالجة التضخم النقدي.
المطلب الثاني: الإنفاق العام.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حقيقة الإنفاق العام.
وفيها فرعان:
الفرع الأول: تعريفه.
الفرع الثاني: أثر الإنفاق العام في معالجة التضخم النقدي.
المسألة الثانية: التكييف الفقهي للإنفاق العام.
الخاتمة.(1/25)
فيها سأبين ما أتوصل إليه من نتائج وتوصيات أو اقتراحات.
الفهارس.
تشتمل على فهرس للآيات، والأحاديث، والآثار، والأعلام، والمصطلحات، والمحتويات.
منهج البحث
سلكت في دراسة وكتابة هذا البحث المنهج التالي. وقد اجتهدت في الالتزام به.
صورت المسائل التي سأبحثها تصويراً دقيقاً قبل بيان حكمها.
إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق فقد بينت ذلك مع التوثيق. أما إن كانت من مسائل الخلاف فقد حررت محل النزاع قبل حكاية الأقوال فيما يحتاج إلى تحرير.
اقتصرت في مسائل البحث على ذكر أقوال المذاهب المشهورة ومذهب الظاهرية. وقد أذكر قول بعض السلف، أو أن هذا القول اختيار أحد أهل العلم من أهل التحقيق.
عند ذكر القول في المسألة ذكرت أقوال المذاهب الأربعة مرتبة حسب تأريخها الزمني، فبدأت بمذهب الحنفية ثم المالكية ثم الشافعية ثم الحنابلة. فإن كان هذا القول لبعض أتباع هذه المذاهب، فإنني سأذكره بعد ذكر المذاهب.
وثقت كل مذهب من المذاهب بالإحالة إلى كتبه الأصيلة دون نقل كلامهم، إلا إن دعت إلى ذلك حاجة.
راعيت في عرض الأقوال تقديم الراجح، وهكذا أفعل في ذكر الأدلة.
عند ذكر الأدلة ذكرت وجه الدلالة إلا إن كان جلياً.
بعد ذكر الأقوال، والأدلة، والمناقشات، والإجابات عليها بينت ما ترجح لي ذاكراً وجه الترجيح.
عزوت الآيات القرآنية بذكر السورة ورقم الآية.
خرجت الأحاديث والآثار الواردة في البحث، فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما لم أذكر غيرهما. وإن كانت في الكتب الخمسة فسأخرّجها منها أو ممن أخرجه منها، وسأبين ما قاله أهل العلم فيها. فإن لم تكن في شيء مما تقدم فسأخرجها من كتب السنة حسب الطاقة مع بيان درجتها.
ترجمت للأعلام الوارد ذكرهم في صلب البحث مع عزوها إلى مصادرها، غير أني لم أترجم للأحياء.
شرحت الألفاظ الغريبة، والمصطلحات الخفية.(1/26)
ذيلت البحث بفهارس تُسهّل الوصول إلى المعلومة وتعين على الاستفادة كفهارس الآيات، والأحاديث، والآثار، والأعلام، والمصطلحات والكلمات الغريبة، والمصادر والمراجع، والمحتويات.
كلمة شكر
هذا وفي ختام هذه المقدمة أتقدم بجزيل الشكر لكل من أعان أو أشار في إعداد هذه الدراسة، فإنه(( لا يشكر الله من لا يشكر الناس))(1).
وأخص بالشكر أستاذيَّ الكريمين فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ صالح ابن محمد الحسن، وسعادة الأستاذ المشارك الدكتور محمد بن سعود العصيمي؛ اللذين تفضلا بقبول الإشراف على هذه الرسالة، ولقد كانا نعم المشرفان؛ متابعة للدراسة، وتوجيهاً للبحث منذ الشروع فيها إلى أن تكامل عِقْدُها، فجزاهما الله خيراً، فقد وجدت منهما التشجيع والحث الدائم على الاجتهاد والجد، بارك الله فيهما وجعل ذلك في ميزان حسناتهما.
كما أشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على ما تقدمه من عون وجهد في سبيل نشر العلم النافع بين الناس، وأخص بالشكر كلية الشريعة فيها على ما تبذله من خدمات جليلة وأعمال شريفة في سبيل تأصيل الدراسات الشرعية، والبحوث الفقهية والأصولية.
__________
(1) رواه أحمد رقم (7495)، ورواه أبو داود في كتاب الأدب، باب شكر المعروف، رقم (4811)، والترمذي في باب البر والصلة، ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، رقم (1877). من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
…وقال عنه الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح))، وقد صححه ابن حبان كما في الإحسان (8/199)، وقال عنه في مجمع الزوائد (8/108): ((رجال أحمد ثقات)). وكذا قال العجلوني في كشف الخفاء (2/508).(1/27)
ثم بعد هذا كله أحمد الله - عز وجل - أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً على نعمه العظيمة وخيراته الكثيرة، وأساله ـ عزَّ جنابه ـ أن يمن علينا جميعاً بالفقه في الدين، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
الباب التمهيدي
حقيقة النقود والتضخم النقدي
وفيه فصلان:
الفصل الأول: حقيقة النقود وتكييفها الفقهي.
الفصل الثاني: حقيقة التضخم النقدي وطرق قياسه وآثاره.
الفصل الأول
حقيقة النقود وتكييفها الفقهي
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف النقود وأنواعها.
المبحث الثاني: أنواع التغيرات الطارئة على النقود.
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للنقود المعاصرة.
المبحث الأول: تعريف النقود وأنواعها
المطلب الأول: تعريف النقود
المسألة الأولى: تعريفها لغة
النقود: جمع نقد(1)، وهذه المادة: ((النون، والقاف، والدال أصل صحيح يدل على إبراز شيء وبروزه))(2).
والنقد يطلق في اللغة على معان عديدة منها ما يأتي:
الأول: ((خلاف النسيئة ))(3)، فنقد الثمن إعطاؤه نقداً معجلاً(4). ومنه قول جابر(5)
__________
(1) ينظر: المعجم الوسيط، مادة (نقد)، ص (944).
…فائدة: وجه ذلك أن نَقْد اسم ثلاثي مفتوح الفاء ساكن العين ومثل هذا يطرد جمعه على فُعُول، قال ابن مالك في الألفية:
…و بفُعُولٍ فَعِلٌ نحو كَبِد…يخص غالباً كذاك يطرد
…في فَعْلٍ. . . .
(2) معجم المقاييس في اللغة، مادة (نقد)، ص (1043-1044).
(3) لسان العرب، مادة (نقد) (3/425).
(4) ينظر: لسان العرب، مادة (نقد) (3/425)، القاموس المحيط، مادة (نقد)، ص (412).
(5) جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري، صحابي جليل، وهو أحد المكثرين من الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان من آخر الصحابة موتاً بالمدينة، توفي سنة (78هـ).
…[ ينظر: أسد الغابة (1/307)، الإصابة في تمييز الصحابة (1/222)].(1/28)
- رضي الله عنه - في قصة بيعه الجمل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فنقدني ثمنه))(1).
الثاني: ((تمييز الدراهم(2)، وإخراج الزيف(3)منها))(4). فالنقد ((أن يكشف عن حاله في جودته أو غير ذلك))(5). ومن هذا قولهم: ((درهم نقد: وزان جيد، كأنه قد كشف عن حاله فعلم))(6).
الثالث: ((العملة من الذهب أو الفضة وغيرهما مما يتعامل به))(7). وهذا هو المعنى المراد بالنقد والنقود في هذه الدراسة.
هذه بعض معاني النقد عند أهل اللغة، مما له اتصال بموضوع الدراسة.
المسألة الثانية: تعريفها اصطلاحاً
للفقهاء عدة اتجاهات في إطلاق كلمة النقد واستعمالها، وهي كما يأتي:
الأول: إطلاق النقود على المضروب من الذهب والفضة فقط(8).
الثاني: إطلاق النقود على الذهب والفضة سواء كانا مضروبين أو غير مضروبين(9).
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، رقم (2718)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، رقم (109،715).
(2) الدراهم: جمع درهم.
…وهو وحدة من وحدات السكة الإسلامية الفضية. ووزنه بالغرامات 2.97 غرام.
…[ ينظر: الموسوعة العربية الميسرة (1/791)، أبحاث وأعمال الندوة التاسعة لقضايا الزكاة ص (128)].
(3) الزيف: من وصف الدراهم، يقال: زافت عليه دراهمه، أي: صارت مردودة لغش فيها.
…[ ينظر: لسان العرب، مادة (زاف) (9/142-143)].
(4) لسان العرب، مادة (نقد) (3/425).
(5) معجم المقاييس في اللغة، مادة (نقد)، ص (1044).
(6) معجم المقاييس في اللغة، مادة (نقد)، ص (1044).
(7) المعجم الوسيط، مادة (نقد)، ص (944).
(8) ينظر: حاشية رد المحتار (3/124)، حاشية الدسوقي (3/28)، فتح العزيز (5/188)، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص (114).
(9) ينظر: تبيين الحقائق (1/288)، منح الجليل (4/493)، نهاية المحتاج (3/83)، الفتاوى الفقهية الكبرى (2/142)، معونة أولي النهى (2/684).(1/29)
الثالث: إطلاق النقود على الذهب والفضة، وعلى كل ما يقوم مقامهما في معاملات الناس ومبادلاتهم من أي نوع كان(1). قال الإمام مالك(2) ~: ((لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة(3) وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة))(4). وقال أيضاً: ((لا يجوز فلس بفلسين, ولا تجوز الفلوس بالذهب والفضة ولا بالدنانير نظرة))(5). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: ((وما سماه الناس درهماً وتعاملوا به تكون أحكامه أحكام الدرهم من وجوب الزكاة فيما يبلغ مائتين منه والقطع بسرقة ثلاثة دراهم منه إلى غير ذلك من الأحكام, قل ما فيه من الفضة أو كثر))(6).
وبالنظر إلى هذه الاتجاهات يتبين أن الاتجاه الأخير هو الذي يسير عليه الفقهاء المتأخرون في دراساتهم واستعمالاتهم لكلمة النقد والنقود(7).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (6/59)، تهذيب الفروق (3/253)، البرهان للجويني (2/700)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (19/250-251،29/468)، المحلى (8/477).
(2) مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، إمام دار الهجرة، أحد الأئمة الأربعة، محدِّث، فقيه، له عدة مؤلفات أشهرها: الموطأ، توفي سنة (179هـ).
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (8/48)، الديباج المذهب ص (17-29)].
(3) السكة: هي حديدة منقوش عليها كتابات أو رسوم, ويضرب عليها الدراهم والدنانير, ثم نقل هذا الاسم إلى أثرها فتسمى الدراهم والدنانير المضروبة سكة.
…[ ينظر: المخصص لابن سيده (12/28)، مقدمة ابن خلدون ص (2/701)].
(4) المدونة الكبرى (3/396).
(5) المدونة الكبرى (3/396).
(6) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/372).
(7) ينظر: الورق النقدي لابن منيع ص (13)، النقود واستبدال العملات ص (21)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (1/284)، النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (102)، الاقتصاد الإسلامي مصادره وأسسه للشاذلي ص (224).(1/30)
فالنقد هو ((كل ما نال ثقة الناس في التعامل به، وأصبح ثمناً ومعياراً للأموال))(1). وبعبارة أخرى هو ((كل شيء يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل مهما كان ذلك الشيء وعلى أي حال يكون))(2).
وبهذا التعريف للنقد يلتقي اصطلاح الفقهاء مع اصطلاح الاقتصاديين(3)الذين يعرفون النقود بأنها ((أية وسيلة أو واسطة متداولة للتبادل مقبولة على نطاق واسع كمعيار أو مقياس لقيمة الأشياء))(4).
المطلب الثاني: أنواع النقود
تعدُّ النقود منذ أزمنة بعيدة هي الوسيلة الرئيسة للتبادل بين الناس في معاملاتهم وتحصيل حوائجهم. وقد تنوعت أشكال النقود وصورها وأنماطها نتيجة تطور الاقتصاد وتوسع الاحتياجات الإنسانية وتزايد التبادلات وتسارعها، وكذلك نتيجة لاختلاف الأعراف والأموال المستخدمة. ولذلك فالنظام النقدي منذ نشأته في تطور مستمر، وهو لا يزال كذلك، بل هو مرشح لمزيد من التطور.
وهناك اعتبارات عديدة يمكن تقسيم أنواع النقود وفقها إلا أن أشهرها وأكثرها انتشاراً تقسيمها باعتبار تطورها التأريخي(5).
النوع الأول: النقود السلعية
__________
(1) قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (147).
…وينظر: قراءات في الاقتصاد الإسلامي ص (218-222)، النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (102).
(2) الورق النقدي لابن منيع ص (13).
(3) ينظر: النقود والمصارف في النظام الإسلامي ص (3)، قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (147)، توضيح وجه اختلاف الأقوال ص (97)، الإسلام والنقود ص (95).
(4) معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (360).
…وينظر: ص (89)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (573)، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (21)، اقتصاديات النقود والبنوك ص (5).
(5) ينظر: النقود والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (23)، النقود والمصارف للدكتور الشمري ص (40).(1/31)
وهي عبارة عن سلع معينة يتعارف عليها الناس تستعمل وسيطاً بينهم في مبادلاتهم ومعاملاتهم(1).
ومن أمثلة هذا النوع من أنواع النقود: الماشية بأنواعها، والقمح، والملح، والتمر. ومنه أيضاً المعادن النفيسة: كالذهب، والفضة.
ومن أهم الخواص التي يتصف بها هذا النوع من النقود أنه يكون نافعاً بذاته، كما أنه سهل النقل والتقسيم(2).
ومما يجدر ذكره هنا أن هذا النوع من النقود هو أول أنواع النقود ظهوراً واستعمالاً. وذلك أن التبادل في المجتمعات الأولى كان يجري بواسطة السلع، وهو ما يُعرف بنظام المقايضة(3). فلما كثرت التبادلات وتطورت الاحتياجات وتوسعت المعاملات صارت المقايضة لا تفي بحوائج الناس ومعاملاتهم، فانتقلوا إلى النقود السلعية وصارت وسيطاً للتبادل بينهم(4). وصار قبول بعض أنواع السلع ليس الغرض منه عينها، بل لمبادلتها فيما بعد بسلع استهلاكية(5)
__________
(1) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (154)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (34)، مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (16-17).
(2) ينظر: رسائل في النقود للبلاذري والمقريزي والذهبي ص (68)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (4-5)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (171).
(3) المقايضة: هي مبادلة السلع بسلع أخرى مباشرة أو مبادلة سلع بخدمات.
…[ ينظر: بدائع الصنائع (5/134)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (50)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (82)].
(4) ينظر: النقود والمصارف للدكتور الشمري ص (30-32)، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (13-16)، مبادئ الاقتصاد الكلي للحبيب ص (313).
(5) السلعة الاستهلاكية: هي السلعة التي تشبع حاجات الإنسان بطريقة مباشرة مثل: الطعام والملبس وغير ذلك.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (151،169)].(1/32)
مقصودة(1).
النوع الثاني: النقود المعدنية
وهي عبارة عن قطع معدنية تستعمل وسيطاً للتبادل إما وزناً، وإما عدَّاً(2).
ولما كان الذهب والفضة تميزا عن غيرهما من النقود السلعية بالقبول الواسع؛ لما يتمتعان به من الخصائص فإنهما قد صيغا بأشكال معينة؛ ليسهل التعامل بهما ولتتساوى كميتهما في جميع النقد المضروب. فسُكّت النقود من معدني الذهب والفضة، واستعملا في التبادلات والمعاملات بالعدِّ(3).
لكن نظراً لتوسع المعاملات وتزايد الحاجة إلى النقود والندرة النسبية التي يتميز بها هذان المعدنان وصعوبة نقلهما وحفظهما نشأت الحاجة إلى نوع من النقود يلبي الحاجات الاجتماعية والاقتصادية المستجدة(4).
__________
(1) ينظر: النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (4)، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (23-24).
(2) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (110)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (25).
(3) ينظر: مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (18-20)، مبادئ الاقتصاد للدكتور العاني ص (117)، مبادئ الاقتصاد الكلي للحبيب ص (314).
(4) ينظر: مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (17)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (64-65)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (6).(1/33)
فقام بعض التجار بإيداع نقودهم المعدنية عند الصيارفة مقابل الحصول على صكوك ورقية بهذه الإيداعات، تتضمن تعهداً بدفع المبلغ المحرر في الصك لصاحبه لدى الطلب، ومع تزايد الثقة بجهات إصدار هذه الصكوك الورقية اكتفى بها التجار في معاملاتهم، فاستعملوها وسيطاً في التبادلات التجارية، فكانت هذه الفكرة هي الخطوة الأولى لنشأة الأوراق النقدية المعاصرة(1).
النوع الثالث: النقود الورقية
وهي عبارة عن أوراق تطرح للتداول وتستخدم في تبادل السلع والخدمات وسائر المعاملات(2).
وقد مرَّ هذا النوع من أنواع النقود بعدَّة مراحل يمكن إجمالها في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: النقود الورقية النائبة.
كان استعمال الأوراق النقدية في أول الأمر مستنداً إلى الذهب أو الفضة، فكانت هذه العملات الورقية كاملة الغطاء، أي إنها مغطاة مائة في المائة من الذهب أو الفضة. فكل ورقة نقدية تمثّل كمية من الذهب أو الفضة لدى جهة الإصدار تتعهد هذه الجهة بدفع قيمة هذه الأوراق النقدية عند الطلب ذهباً أو فضة. ولذلك أطلق الاقتصاديون على هذا النوع من النقود: النقود الورقية النائبة، وأُطلق عليها أيضاً النقود الورقية الكاملة التمثيل.
ومن الملاحظ في هذه المرحلة أن النقود الورقية لم تُحدث تغيراً في النظام النقدي حيث بقي مستنداً إلى قاعدة المعدن، إذ إن النقود الورقية لم تعدُ كونها سنداً بما يملكه حامل هذه النقود الورقية من الذهب أو الفضة تلتزم به جهة إصدارها.
المرحلة الثانية: النقود الورقية الإلزامية.
__________
(1) ينظر: مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (18-20)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (6)، تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية ص (58).
(2) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (223)، وموسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (328-329).(1/34)
شاع قبول النقود الورقية النائبة وانتشر استخدامها في التبادلات وزاد الطلب عليها، فأغرى ذلك الجهات المصدرة لهذه الأوراق، فتوسعت في إصدار النقود الورقية دون أن تكون مغطاة تغطية كاملة، فصارت هذه النقود الورقية نقوداً بذاتها لا سيما وأنه قلَّ أن يلجأ حاملو هذه النقود الورقية إلى استبدال قيمتها بها.
فأدى هذا التطور والتحول النوعي في إصدار النقود الورقية إلى تدخل الحكومات في إصدار النقود الورقية؛ لضبط ذلك وجني المكاسب الناتجة من إصدارها. ومن هنا أصبح إصدار هذه الأوراق النقدية من أعمال المصرف المركزي(1) في الدول. بل إن ذلك يُعدُّ من أهم وظائف البنوك المركزية وأعمالها(2).
وبهذا صارت الأوراق النقدية تستمد قوتها وقبولها من القانون(3) والإلزام الحكومي بها، ولهذا أُطلق عليها النقود الإلزامية أو القانونية(4).
المرحلة الثالثة: النقود الورقية الائتمانية(5)
__________
(1) المصرف المركزي: هو مصرف يتمتع بمكانة عالية مهمة في جهاز الدولة الاقتصادي: المالي والنقدي، وله صلاحية إصدار العملة، ويعمل نيابة عن الحكومة المركزية، ويشرف على المصارف العاملة في البلد.
…[ ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (95)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (125)].
(2) ينظر: النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (129-130)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (245).
(3) المراد بالقانون: مجموعة القواعد التي تنظم الروابط الاجتماعية التي يُلزم بها بواسطة السلطة العامة.
…[ ينظر: الموسوعة العربية ص (1363), المبادئ العامة في القانون ص (9)].
(4) ينظر: دروس في الاقتصاد النقدي (1/30)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص(329).
(5) الائتمان على وزن افتعال، مشتق من أمِن. ومعنى الكلمة دائر على الثقة والطمأنينة.
… أما النقود الائتمانية: فهي عبارة عن مستند بدفع مبلغ من النقود لحاملها تتكفل به جهة الإصدار.
…[ ينظر:المعجم الوسيط، مادة (أمن)، ص (28)، النقود الائتمانية للعمرو ص (31-32)].…(1/35)
استمرت البنوك المركزية في إصدار النقود الإلزامية القانونية مع تواصل الانخفاض في غطائها من الذهب شيئاً فشيئاً. فلما حدثت الحروب والأزمات وطالب الناس بما تمثله هذه الأوراق النقدية لم تفِِِِِِِِ جهات الإصدار بدفع ذلك، ولم يمنع عدم دفع البنوك المركزية لغطاء الأوراق النقدية من الذهب الناس من استمرار التعامل بالأوراق النقدية وقبولها وسيطاً في التبادل.
وتبين بذلك أن هذه النقود لا تستمد قيمتها من مجرد غطاء الذهب أو الفضة، بل إنها تكتسب ذلك من ثقة الناس بها وقبولهم لها وسيطاً في التبادلات والتعاملات. ومع اتساع دائرة التعامل بهذه الأوراق النقدية وحصول ثقة الناس بها أدى ذلك تدريجياً إلى فك الارتباط بين الغطاء المعدني وبين إصدار النقود الورقية. ولقد كان آخر ذلك وقف الحكومة الأمريكية لالتزام تحويل الدولار إلى ذهب عام 1391هـ، الموافق 1971م.
فصارت النقود بعد ذلك إنما تستمد قوتها من الثقة في قبولها وسيطاً في التبادلات، ومن الثقة في اقتصاد الحكومة المصدرة لها وقوته واستقراره، ومن الشروط والقيود التنظيمية التي تضعها الدول لإصدار النقود الورقية(1).
__________
(1) ينظر: النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (34-37)، الأسس الاقتصادية لسليفرمان ص (44)، مجلة البيان، الربا والأدوات النقدية المعاصرة، لمحمد الشباني، العدد (100)، ص (42).(1/36)
ولذلك يطلق على هذا النوع من النقود الورقية: النقود الائتمانية؛ لكون هذه النقود مبناها على الأمانة والثقة بين الأطراف المتعاملة بها(1). ويظهر عنصر الائتمان في هذه الأوراق النقدية في أن قيمتها القانونية تقل عن قيمتها السلعية وقوتها الشرائية(2)، إذ إنها لا تمثل بذاتها قيمة مقصودة كالنقود السلعية(3).
النوع الرابع: النقود المصرفية
وهي الودائع المصرفية القابلة للسحب بالطرق المختلفة(4). ويعرف هذا النوع من النقود باسم الودائع تحت الطلب، وسبب هذه التسمية أن هذه الودائع يمكن لصاحبها سحبها من المصرف أو سحب جزء منها دون إشعار مسبق للمصرف(5).
__________
(1) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (147-223)، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (29)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (22).
(2) القوة الشرائية: هي الكمية النسبية من البضائع والخدمات التي تستطيع النقود تحصيلها وشراءها.
…[ ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (446)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (705)].
(3) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للحبيب ص (315)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (7)، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (27، 29).
(4) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (70)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (28).
(5) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (222)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (165).(1/37)
وحقيقة هذا النوع من النقود أنها قيد كتابي في دفاتر المصرف، وهذا القيد يعبر عن قدر الأوراق النقدية التي أودعت في المصرف وأسماء أصحابها. ولذلك يسمى هذا النوع من النقود بالنقود الكتابية، ويتم تداولها بواسطة الشيكات(1)، وأوامر الصرف الأخرى(2).
ومن هذا يتبين أن النقود المصرفية ليس لها وجود خارجي إلا عندما تتحول إلى أوراق نقدية عند طلب سحب الودائع بالشيكات وشبهها(3).
وهذا النوع من النقود يكثر استعماله في البلدان ذات النشاط الاقتصادي القوي. وذلك لما فيه من تسهيل التبادلات التجارية وسرعة الدفع، ومع هذا فإن هذه النقود المصرفية لا تُعدُّ نوعاً مستقلاً عن الأوراق النقدية، بل هي في الحقيقة نمط جديد من أنماط التعامل بها دون إلغائها أو تغييرها(4).
وبعد هذا العرض لأنواع النقود يمكن القول إن هذه الأنواع من النقود ترجع إلى صنفين:
الصنف الأول: النقود الخَلقية
__________
(1) الشيكات جمع شيك: وهو ورقة يسحب بها الآمر بكتابتها من حسابه على مصرف، وتستحق هذه الورقة الدفع عند الطلب.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (129)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (100)].
(2) ينظر: النقود والتوازن الاقتصادي ص (82-83)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (28)، تطور النقود للدكتور الحسني ص (65).
(3) ينظر: النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (8)، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (28)، مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (45-47)، تطور النقود للدكتور الحسني ص (55-59).
(4) ينظر: مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (181)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (316)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (55-57).(1/38)
وهي النقود التي لها قيمة ذاتية(1)، كالنقود السلعية: البر والشعير والملح وغير ذلك، إلا أن أبرز هذه الأنواع معدنا: الذهب والفضة، فهما الأشهر بين النقود السلعية، والأكثر رواجاً في الاستخدام كالنقود(2).
وهذا يفسر ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن الذهب والفضة خلقا؛ ليكونا أثماناً للأشياء(3). بل قصر جماعة من أهل العلم النقود الخلقية على الذهب والفضة فقط دون غيرهما من أنواع النقود السلعية(4).
__________
(1) ينظر: آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (361)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/645) (9/2/547،607،679) (3/3/1659).
(2) ينظر: النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (34-35)، الإسلام والنقود للدكتور المصري ص (18)، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون، عبد الجبار السبهاني، العدد (10)، ص (20).
(3) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (122-123).
(4) ينظر: إغاثة الأمة بكشف الغمة ص (47)، رسائل في النقود للبلاذري والمقريزي والذهبي ص (66)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية (128-129)، الإسلام والنقود ص (94-95).(1/39)
وهذا القول فيه نظر ظاهر، حيث إن الدراسات التأريخية لتطور النقود ترده، فإن استعمال الناس للذهب والفضة في التبادل جاء نتيجة التطور في النظام النقدي والانتقال من نظام المقايضة إلى النقود السلعية(1)، كما أنه لا دليل من الكتاب ولا من السنة على هذا القصر(2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: ((وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح; وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به; بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به. والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها، بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثماناً; بخلاف سائر الأموال فإن المقصود الانتفاع بها نفسها; فلهذا كانت مقدرة بالأمور الطبعية أو الشرعية. والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت))(3).
ومما يؤيد أن النقود ليست مقصورة على الذهب والفضة فقط ما نُقل عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب(4)
__________
(1) ينظر: النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (4-5).
(2) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (142-146).
(3) ينظر: مجموع الفتاوى (19/251-252).
(4) عمر بن الخطاب العدوي القرشي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثاني الخلفاء الراشدين، فتح في عهده الأمصار، قتل - رضي الله عنه - سنة (23هـ).
…[ينظر: الاستيعاب (2/458)، الإصابة في تمييز الصحابة (1/71)].(1/40)
- رضي الله عنه - أنه قال: هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل. فقيل له: إذاً لا بعير، فأمسك(1). فهذا يدل على أن عمر - رضي الله عنه - لم يكن يرى قصر النقد في الذهب والفضة فقط. ولعل هذا هو عمدة الإمام مالك ~ فيما ذهب إليه من توسيع مفهوم النقد ليشمل كل ما قبله الناس وسيطاً للتعامل، ولو لم يكن ذهباً ولا فضة، حيث قال ~: ((ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين(2) لكرهتها أن تباع بالذهب والورق(3) نظرة(4)))(5)، فأعطى الجلود حكم بيع الذهب بالفضة في عدم جواز تأخير وتأجيل القبض مما يفيد أنه أجرى عليها حكم النقود من الذهب والفضة.
الصنف الثاني: النقود الاصطلاحية
وهي ما تعارف الناس على استخدامه وسيطاً للتبادل، وليس لقيمتها العينية أو الذاتية أثر في ذلك غالباً.
وقد كان الفقهاء يمثلون للنقود الاصطلاحية بالفلوس؛ لأنها المستعملة في زمانهم لا يعرف غيرها(6).
ومما يدخل في النقود الاصطلاحية أيضاً النقود الائتمانية بأنواعها كالنقود الورقية؛ لأنه ليس لها قيمة استعمالية ذاتية.
__________
(1) ينظر: فتوح البلدان ص (456).
(2) العين: تطلق على النقد وعلى الدينار.
…[ ينظر: لسان العرب، مادة (عين) (13/305)].
(3) الورق: بكسر الواو، وهي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.
…[ ينظر: القاموس المحيط، مادة (ورق)، ص (1198)، لسان العرب، مادة (ورق) (10/375)، المعجم الوسيط، مادة (ورق)، ص (1026)].
(4) نَظِرة: أي مؤخرة.
…[ ينظر: لسان العرب مادة (نظر) (5/219)].
(5) المدونة الكبرى (3/90).
(6) ينظر: المبسوط (12/137، 184)، البحر الرائق (6/142)، المغني (5/110)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/392).(1/41)
فالورق النقدي مثلاً ليس له قيمة في ذاته تكسبه القبول، ولو قُدِّر أن له قيمة فهو شيء لا يذكر إزاء قيمته التبادلية الشرائية(1).
المبحث الثاني: أنواع التغيرات الطارئة على النقود
تتعرض النقود لعدة أنواع من التغيرات تطرأ عليها تؤثر في قوتها الشرائية التبادلية. وهذه التغيرات هي:
النوع الأول: الكساد.
النوع الثاني: الانقطاع.
النوع الثالث: الغلاء والرخص.
هذا ما تكلم عنه الفقهاء المتقدمون من أنواع التغيرات التي تعتري النقود.
أما التضخم النقدي فلم يتكلموا عنه بهذا اللفظ، وسأتناوله في الفصل الثاني من هذا الباب.
المطلب الأول: الكساد
المسألة الأولى: تعريفه لغة
الكساد مصدر ((كسد: الكاف، والسين، والدال أصل صحيح يدل على الشيء الدون لا يُرغب فيه))(2).
فالكساد ((خلاف النَّفَاق ونقيضه))(3).
ومنه قول الله - عز وجل -:{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ} (4)، فإن المراد بالكساد في الآية الكريمة ((نقصان القيمة))(5).
المسألة الثانية: تعريفه اصطلاحاً
الكساد عند الفقهاء: هو أن يبطل التداول بنوع من العملة، ويسقط رواجها في جميع البلدان(6)
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/645) (9/2/679-681)، النقود والإسلام ص(95).
(2) معجم المقاييس في اللغة، مادة (كسد)، ص (926).
(3) لسان العرب، مادة (كسد)، ص (380). وينظر:مختار الصحاح، مادة (كسد)، ص (75).
(4) سورة التوبة، من الآية: (24).
(5) أحكام القرآن لابن العربي (2/908).
(6) درر الحكام، المادة رقم (153) (1/125).
…وينظر: مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/57،60)، تبيين الحقائق (3/143)، مواهب الجليل (4/134)، روضة الطالبين (4/37)، رسالة قطع المجادلة ضمن الحاوي للفتاوي (1/129)، كشاف القناع (3/315)، منح الشفا الشافيات ص (168-171).
…تنبيه:
… الكساد في اصطلاح الاقتصاديين: هو حالة تصيب النشاط الاقتصادي ينخفض فيها الطلب الاستهلاكي الكلي، فتتدهور الأسعار وتنخفض أرباح المشروعات وتنحسر فرص الاستثمار وترتفع نسبة البطالة مدة طويلة.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (235)، أسس السياسة المالية ص (57)].(1/42)
.
وقد ذهب بعض فقهاء الحنفية إلى أن ما ترك التعامل به من النقود في بلد من البلدان يطلق عليه بأنه الكساد ولو كان رائجاً في غيره(1).
والذي يظهر أن معنى الكساد: هو ترك التعامل بالنقود في جميع البلاد؛ لأن بطلان النقود وترك التعامل بها في بلد دون غيره لا يسقط عنها وصف الثمنية.
والذي يظهر أيضاً أنه لا فرق في ثبوت وصف الكساد للنقود بين أن يكون ترك التعامل بها أو بطلانه لأجل منع السلطان التعامل بها أو غير ذلك من الأسباب لارتفاع وصف الثمنية عنها بذلك(2).
المطلب الثاني: الانقطاع
المسألة الأولى: تعريفه لغة
الانقطاع مصدر الفعل انقطع، على وزن انفعل، وهو ((أصل صحيح واحد، يدل على صرم وإبانة شيء من شيء))(3). ((وانقطع الشيء ذهب وقته))(4).
المسألة الثانية: تعريفه اصطلاحاً
انقطاع النقد عند الفقهاء هو ((أن يُفقد من أيدي الناس، ولا يتوفر في السوق لمن يريده، ولو كان موجوداً في البيوت أو في أيدي الصيارفة))(5).
المطلب الثالث: الغلاء والرخص
المسألة الأولى: تعريفهما لغة
الغلاء: مصدر الفعل غلا، وهو ((ضد الرخص))(6). وهو ((أصل صحيح في الأمر يدل على ارتفاع ومجاوزة قدر))(7).
__________
(1) ينظر: مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/60)، تبيين الحقائق (3/143).
(2) ينظر: تبيين الحقائق (3/143)، مواهب الجليل (4/134)، روضة الطالبين (4/37)، حاشية قليوبي وعميرة (2/259)، كشاف القناع (3/315).
(3) معجم المقاييس في اللغة، مادة (قطع)، ص (893).
(4) لسان العرب، مادة (قطع) (8/279).
(5) معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (87).
…ينظر: درر الحكام، المادة (153) (1/125)، منحة الخالق على البحر الرائق (6/219)، مجمع الأنهر (2/121), حاشية رد المحتار (4/224)، الخرشي على مختصر خليل (5/55).
(6) لسان العرب، مادة (غلا) (15/131).
(7) معجم المقاييس في اللغة، مادة (غلو)، ص (812).(1/43)
وأما الرخص: فهو مصدر الفعل رخص، وهو ((ضد الغلاء))(1).
المسألة الثانية: تعريفهما اصطلاحاً
غلاء النقود عند الفقهاء: هو أن تزيد قيمة النقود وترتفع بالنسبة للدراهم والدنانير.
أما رخص النقود عند الفقهاء: فهو أن تنزل قيمة النقود وتنقص بالنسبة للدراهم والدنانير (2).
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للنقود المعاصرة
تدرجت النقود منذ استعمالها وسيطاً للتبادل في أطوار عدة وأشكال متنوعة حتى انتهت إلى الأوراق النقدية التي هي أبرز أنواع النقود في وقتنا الحاضر، وقد عم استعمالها جميع العالم.
ولما كان هذا النمط من النقود حديث الظهور فقد بحث الفقهاء التكييف الفقهي للأوراق النقدية؛ لمعرفة أحكامها وما يثبت لها.
وقد اختلف أهل العلم في التكييف الفقهي للأوراق النقدية على أقوال هي:
الأول: أن الأوراق النقدية كالفلوس(3).
الثاني: أن الأوراق النقدية نقد خاص.
الثالث: أن الأوراق النقدية نقد قائم بذاته كالذهب والفضة.
الرابع: أن الأوراق النقدية بدل عن الذهب والفضة.
الخامس: أن الأوراق النقدية من عروض التجارة(4).
السادس: أن الأوراق النقدية سند بدين.
السابع: أن الأوراق النقدية سند بدين خاص.
الثامن: أن الأوراق النقدية مستند ودائع.
__________
(1) لسان العرب، مادة (رخص) (7/40).
(2) ينظر: درر الحكام، المادة (153) (1/125).
(3) الفلوس: جمع كثرة للفَلْس الذي يتعامل به. وهو عملة يتعامل بها مضروبة من غير الذهب والفضة.
…[ ينظر: المصباح المنير، مادة (فلس)، ص (249)، المعجم الوسيط، مادة (فلس)، ص (700)، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، مادة (فلس)، ص (270)].
(4) عروض التجارة: عروض جمع عرْض. وهي كل ما يعد لبيع وشراء لأجل الربح ولو من نقد.
…[ ينظر: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (241-242)].(1/44)
هذا غاية ما وقفت عليه مما قيل في تكييف الأوراق النقدية. وقد أفاض الباحثون في بيان مسوغات هذه التكييفات، وما يترتب عليها من أحكام، وما يرد عليها من مناقشات وانتقادات(1).
التكييف الأول: أن الأوراق النقدية كالفلوس(2)
ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الأوراق النقدية كالفلوس فتأخذ حكمها.
ووجه هذا التكييف: أن الأوراق النقدية عملة رائجة بها تُقوّم الأشياء، وليست ذهباً ولا فضة، وأقرب الأشياء شبهاً بها الفلوس، فكلاهما نقد اصطلاحي.
نوقش هذا التكييف: بأن الأوراق النقدية تفارق الفلوس في أمر مهم، وهو أن الفلوس لا يتعامل بها إلا في شراء المحقرات دون النفيس من الأموال(3).
يجاب على هذا بما يأتي:
الأول: أن هذا الفرق غير مؤثر ولا مانع من إلحاق الأوراق النقدية بالفلوس؛ لاتفاقهما في كونهما ثمناً للأشياء ثبت بالاصطلاح، فموجِب إلحاق الأوراق النقدية بالفلوس هو الاشتراك في صفة الثمنية الاصطلاحية، وكون هذه الصفة متفاوتة في القوة لا يمنع من الإلحاق.
__________
(1) ينظر: أبحاث هيئة كبار العلماء (1/35-55)، الورق النقدي لابن منيع ص (49-168)، الربا والمعاملات المعاصرة ص (320-342)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (1/278-287)، قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (183-205)، النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (325-376).
(2) ينظر: الربا والمعاملات المصرفية ص (328)، أبحاث هيئة كبار العلماء (1/41)، شرح القواعد الفقهية للزرقا ص (174).
(3) ينظر: المبسوط (12/137،184،22/21)، المدونة الكبرى (4/52)، الذخيرة للقرافي للقرافي للقرافي للقرافي (8/157)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (5/62)، مغني المحتاج (3/98)، المغني (6/537)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/392).(1/45)
الثاني: أن القول بأن الفلوس لا يتعامل بها إلا ثمناً للمحقرات من الأشياء فقط فهذا غير مسلَّم، فإن هذا ليس وصفاً ملازماً للفلوس، بل هو وصف لبعض مراحل استخدامها، فذلك يصدق عليها في أول وقت ظهورها، لكن مع مضي الوقت وقبول الناس للتعامل بها؛ صارت الفلوس في بعض الجهات قائمة مقام الذهب والفضة من كل وجه، فهي ثمن في المبيعات كلها شريفها وحقيرها.
ويشهد لهذا ما ذكره المقريزي ~، وهو من أكثر المؤرخين عناية بالنقود وتأريخها وما مرت به من أطوار وأحوال، حيث قال ~: ((الذي استقر أمر الجمهور بإقليم مصر عليه في النقد الفلوس خاصة، يجعلونها عوضاً عن المبيعات كلها من أصناف المأكولات وأنواع المشروبات وسائر المبيعات، ويأخذونها في خراج الأرضين(1)، وعشور أموال التجارة(2)
__________
(1) خراج الأرضين: ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها.
…[ ينظر: أنيس الفقهاء ص (184)، التعريفات ص (98)، الأحكام السلطانية للماوردي ص (262)، الدر النقي (2/338)].
(2) العشور: جمع عُشر، وهو واحد من عشرة، وهي الوظائف التي تفرض على أموال أهل الذمة المعدة للتجارة, إذا انتقلوا بها من بلد إلى بلد داخل دار الإسلام.
…[ ينظر: أنيس الفقهاء ص (133)، المطلع على أبواب المقنع ص (219)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/134)].(1/46)
، وعامة مجابي السلطان، ويصيرونها قيماً عن الأعمال جليلها وحقيرها، لا نقد لهم سواها، ولا مال إلا إياها))(1). وقد بين في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك تسلسل ذلك فقال ~: ((وكانت الفلوس أولاً إنما هي برسم شراء المحقرات التي تبلغ قيمتها درهماً))، ثم ذكر كيف تغيرت حالها فقال ~: ((حتى صارت هي النقد الرائج بديار مصر وقلّت الدراهم...، وكادت الدراهم الفضة المعاملة التي تقدم ذكرها أن تعدم، وصارت تباع كما تباع البضائع، فبلغت كل مائة درهم منها إلى ثلاثمائة وستين درهماً من الفلوس...)). ومضى في وصف تغير الحال فقال ~: ((وصارت تباع قيم الأعمال، وثمن المبيعات كلها جليلها وحقيرها، وأجرة البيوت والبساتين وسجلات الأراضي كلها، ومهور النساء وسائر إنعامات السلطان إنما هي بالفلوس. وصار النقدان اللذان هما الذهب والفضة ينسبان إلى هذه الفلوس، فيقال: كل دينار بكذا وكذا من الفلوس، وكل درهم من الفضة، إن وجد ولا يكاد يوجد، بكذا من الفلوس. فلم يبق للناس بديار مصر نقد سوى الفلوس...)). ومثل هذا ما ذكره بعض فقهاء الحنفية من وصف بعض أنواع الفلوس بأنها أعز النقود في جهتهم وأنها بمنزلة الدنانير والفضة(2). وهذا الوصف منطبق تماماً على حال النقود الورقية المعاصرة. وهذا يوضح أن الفلوس قد استعملت كما تستعمل الأوراق النقدية في هذا العصر أي: بقوة إبرائية نهائية من الديون والحقوق والالتزامات(3). وأنها قد بلغت في الثمنية والرواج والقبول مبلغ الأوراق النقدية في ذلك، وبهذا يبطل ما احتج به من منع تخريج الأوراق النقدية على الفلوس؛ لضعف وصف الثمنية في الفلوس، كما هو قول جماعة من الفقهاء والباحثين(4)
__________
(1) إغاثة الأمة بكشف الغمة ص (125).
(2) ينظر: المبسوط (2/194، 22/21)، بدائع الصنائع (2/17)، البحر الرائق (2/245).
(3) ينظر: الجامع في أصول الربا ص (243).
(4) ينظر: الورق النقدي لابن منيع ص (84-85)، الربا والمعاملات المعاصرة ص (334).(1/47)
.
الثالث: أن الفلوس المستعملة في زمن الفقهاء لم تكن على درجة واحدة في الثمنية بل كانت متفاوتة(1)، ولم يمنع ذلك من إثبات نفس الحكم لها جميعاً.
التكييف الثاني: أن الأوراق النقدية نقد خاص(2)
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأوراق النقدية نقد خاص من نوع جديد لا تأخذ أحكام الذهب والفضة ولا أحكام الفلوس، بل لها أحكام تخصها تناسب طبيعتها ووظائفها وخصائصها.
ووجه هذا التكييف: أن الأوراق النقدية لها شبه بالذهب والفضة من حيث الثمنية(3). لكنها تفارقهما من وجوه عديدة كما تقدم، ولهذا يمتنع إلحاق الورق النقدي بالذهب والفضة من كل وجه.
وأما الفلوس فإن للأوراق النقدية شبهاً بها، بل شبهها بها أقرب من حيث إنه ليس للأوراق النقدية قيمة ذاتية مقصودة(4)، إلا أن الأوراق النقدية تفارق الفلوس في أن الورق النقدي يقوم مقام الذهب والفضة في المبادلات والتعاملات؛ أما الفلوس فإنه لا يتعامل بها إلا في المحقرات فقط(5)، وهذا في الحقيقة يمنع من إلحاق الأوراق النقدية بالفلوس من كل وجه.
__________
(1) ينظر: المبسوط (11/160، 12/182).
(2) ينظر: قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (187، 202).
(3) ينظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي ص (223-232)، النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (375)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (159-169).
…الثمنية: هي المعيار الذي تعتبر به جميع السلع، وتقوم به الأموال.
…[ ينظر: إعلام الموقعين (2/137)، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور شبير ص (187)].
(4) ينظر: الربا والمعاملات المصرفية (328)، أبحاث هيئة كبار العلماء (1/41).
(5) ينظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (207).(1/48)
ولأجل تنازع الأشباه بين الورق النقدي وبين الذهب والفضة من جهة، وبينها وبين الفلوس من جهة أخرى فإنه يثبت للأوراق النقدية أحكام ملفَّقة من أحكام الذهب والفضة ومن أحكام الفلوس، والمرجع في ذلك هو قوة الشبه.
يناقش هذا التكييف: بأن الأوراق النقدية وإن كانت تفارق الذهب والفضة من عدة أوجه، وكذلك تفارق الفلوس من عدة أوجه إلا أن الواجب إلحاق الأوراق النقدية بأقرب الأشياء شبهاً من حيث الجملة. ولا يلزم من هذا أن يثبت لها جميع أحكام ما ألحقت به.
التكييف الثالث: أن الأوراق النقدية نقد قائم بذاته(1)
ذهب أكثر أهل العلم المعاصرين إلى أن الأوراق النقدية نقد مستقل بذاته يجري عليه ما يجري على الذهب والفضة، ويعتبر كل نوع منها جنساً مستقلاً، فتتعدد الأجناس بتعدد جهات الإصدار.
وهذا هو الذي أفتت به هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية(2)، وصدر به قرار مجلس المجمع الفقهي بمكة المكرمة(3)
__________
(1) ينظر: النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (375)، الربا والمعاملات المصرفية ص (336)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (223)، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور شبير ص (190-191).
(2) ينظر: البحوث الإسلامية، من قرارات هيئة كبار العلماء، العدد (31)، ص (376-380).
…هيئة كبار العلماء: وهي مجمع علمي أعضاؤه من الفقهاء والعلماء من المملكة العربية السعودية، صدر الأمر بإنشائها عام 1391هـ.
…[ ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء للدويش (1/2)].
(3) ينظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد (8)، ص (334).
…المجمع الفقهي الإسلامي: هو مجمع علمي، يضم مجموعة من العلماء والفقهاء والمحققين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي؛ لدراسة الشؤون الإسلامية الطارئة، وحل المشكلات التي يواجهها المسلمون في أمور حياتهم، وهو منبثق عن الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي.
…[ ينظر: قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص (8-9)].(1/49)
، وكذلك قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة(1).
ووجه هذا التكييف: أن الأوراق النقدية تؤدي وظائف النقدين الذهب والفضة في كونها أثماناً للأشياء، وأن النقدية في الذهب والفضة ليست مقصورة عليهما، بل هي ثابتة لكل شيء يتخذه الناس مما يؤدي وظائف النقود.
نوقش هذا التكييف: بأن الأوراق النقدية وإن كانت تؤدي وظيفة النقدين: الذهب والفضة لكنها تفارقهما في أمور عديدة(2).
ومن أبرز ما تفارق الأوراق النقدية فيه الذهب والفضة الأمور التالية:
أولاً: أن قيمة الأوراق النقدية اصطلاحية، أما الذهب والفضة فقيمتهما ذاتية.
ثانياً: أن الأوراق النقدية أكثر تغيراً غلاء ورخصاً من النقود الخلقية من الذهب والفضة، كما أن تغيرها أعظم أثراً حيث إنه قد يفضي إلى إلغائها بالكلية بخلاف النقود من الذهب والفضة فثمنيتها باقية مهما اعتراها من تغيرات.
ثالثاً: أن الأوراق النقدية قاصرة في الرواج والقبول زماناً ومكاناً؛فقد تروج في زمان دون زمان باختلاف العوامل المؤثرة في قبولها، وكذلك قد تروج في مكان دون مكان باختلاف البلدان وجهات الإصدار، أما النقود من الذهب والفضة فرواجها وقبولها لا يختلف كثيراً زماناً ومكاناً.
التكييف الرابع: أن الأوراق النقدية بدل عن الذهب والفضة(3)
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأوراق النقدية قامت مقام الذهب والفضة، وحلت محلهما فهي بدل عنهما.
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (3/3/1650).
(2) ينظر: الربا والمعاملات المصرفية ص (337)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (226-227)، قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (187-195)، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة للزرقا ص (153)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (1/288).
(3) ينظر: الورق النقدي لابن منيع ص (96)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (214).(1/50)
ووجه هذا التكييف: أن الأوراق النقدية تكتسب قيمتها مما استندت إليه من غطاء الذهب أو الفضة، فهذه الأوراق قائمة مقام الذهب أو الفضة، نائبة منابها.
نوقش هذا التكييف: بأن الغطاء من الذهب أو الفضة ألغي منذ زمن بعيد، ولم يعد إصدار الأوراق النقدية وقبولها مستنداً إليه. وإنما تستمد قوتها من قوة اقتصاد الدولة المصدرة لها وملكيتها لمختلف وسائل الإنتاج وتنوع ثروتها.
التكييف الخامس: أنها من عروض التجارة(1)
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأوراق النقدية أعيان مالية مقومة كسائر ما يعرض للبيع والشراء، فحكمها حكم عروض التجارة لا ربا في بيع بعضها ببعض، ولا في بيعها بالذهب أو الفضة.
ووجه هذا التكييف: أن الأوراق النقدية ليست ذهباً ولا فضة، وليست بمكيلة ولا موزونة، إنما هي أعيان معتبرة القيمة ليس لها جنس تلحق به، فلا يجري فيها الربا.
نوقش هذا التكييف بما يأتي:
أولاً: أن الأوراق النقدية ليس لها قيمة ذاتية، بل قيمتها اصطلاحية، وهذا يلحقها بالذهب والفضة بجامع الثمنية في كل منهما.
ثانياً: أن عروض التجارة هي ما أعد للبيع والشراء من أجل الربح، والأوراق النقدية لا تعد لذلك.
التكييف السادس: أن الأوراق النقدية سند بدين
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأوراق النقدية سند بدين يمثله الرقم المكتوب عليها، تتعهد الجهة المصدرة لها بدفع قيمتها من الذهب أو الفضة حسب نوع غطاء هذه الأوراق.
ووجه هذا التكييف: أن الأوراق النقدية نائبة عن قيمتها من الذهب والفضة التي تعهدت جهة الإصدار بدفعهما عند الطلب. فالمنظور إليه في هذه الأوراق هو ما تحمله من قيمة غطائها لا إلى ذاتها.
__________
(1) ينظر: الفتاوى السعدية ص (315)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (188)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (1/280).(1/51)
نوقش هذا التكييف: بأن الأوراق النقدية في أول ظهورها كان لابد لإصدارها من غطاء كامل قيمتها بالذهب لدى جهة الإصدار ثم إنه تقلص هذا الغطاء تدريجياً حتى ألغي تماماً. ولم يعد إصدارها مرتبطاً بغطائها، ولا يستحق حاملها على جهة إصدارها شيئاً من الذهب أو الفضة. وصار ما يكتب على النقود الورقية من تعهد الجهة المصدرة بدفع قيمتها لحاملها عند طلبه تعهداً صورياً لا واقع له. وبهذا يتبين أن هذا التكييف للأوراق النقدية غير مسلم.
التكييف السابع: أن الأوراق النقدية سند بدين خاص(1)
هذا التكييف لا يختلف عن التكييف السابق من حيث وجهه، وما نوقش به. لكنه يفارقه في أنه لا يلحق الأوراق النقدية بالدين من كل وجه، بل هو ((نوع آخر مستحدث لا ينطبق عليه حقيقة الدين وشروطه المعروفة عند الفقهاء))(2)، وذلك أن الدين المعروف عند الفقهاء لا ينمو مادام في ذمة المدين ولا ينتفع به ربه، أما هذه الأوراق النقدية فإنها نامية ينتفع بها ربها انتفاعه بالأموال الحاضرة.
التكييف الثامن: أن الأوراق النقدية مستند ودائع(3)
هذا التكييف ذكره بعض الباحثين بناء على أن غطاء هذه الأوراق النقدية من الذهب أو الفضة وديعة لدى الجهة المصدرة.
ونوقش هذا بما يأتي:
أولاً: أن غطاء الأوراق النقدية من الذهب أو الفضة قد ألغي، وليس له وجود منذ زمن ليس بالقريب كما تقدم.
ثانياً: أن جهة إصدار هذه الأوراق النقدية تتصرف في غطائها تصرف المالك مما ينفي عنها وصف الوديعة(4).
الترجيح
وبالنظر إلى هذه التكييفات الفقهية للأوراق النقدية يمكن تصنيفها في مجموعتين من حيث القوة:
__________
(1) ينظر: فقه الزكاة للقرضاوي (1/274)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (219).
(2) فقه الزكاة للقرضاوي (1/274).
(3) ينظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (222).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/1/931)، مجلة البحوث الإسلامية، العدد (8)، ص (64).(1/52)
المجموعة الأولى: وهي التكييفات الفقهية التي زال موجِِب القول بها بعد تطور هذه الأوراق النقدية.
ويندرج تحت هذه المجموعة التكييفات الفقهية التالية:
أولاً: تكييف الأوراق النقدية بأنها سند بدين.
ثانياً: تكييف الأوراق النقدية بأنها سند بدين خاص.
ثالثاً: تكييف الأوراق النقدية بأنها مستند ودائع.
رابعاً: تكييف الأوراق النقدية بأنها عروض تجارة.
خامساً: تكييف الأوراق النقدية بأنها بدل عن الذهب والفضة.
المجموعة الثانية: وهي التكييفات الفقهية التي يمكن تخريج الأوراق النقدية عليها بعد ما جرى عليها من تطور.
ويندرج تحت هذه المجموعة التكييفات الفقهية التالية:
أولاً: تكييف الأوراق النقدية بأنها كالفلوس.
ثانياً: تكييف الأوراق النقدية بأنها نقد خاص.
ثالثاً: تكييف الأوراق النقدية بأنها نقد قائم بذاته كالذهب والفضة.
والذي يترجح للباحث من هذه التكييفات الفقهية أن الأوراق النقدية حكمها حكم الفلوس.
الفصل الثاني
حقيقة التضخم النقدي وطرق قياسه وآثاره
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: تعريف التضخم النقدي.
المبحث الثاني: نشأة التضخم النقدي وتأريخه.
المبحث الثالث: أنواع التضخم النقدي.
المبحث الرابع: طرق قياس التضخم النقدي.
المبحث الخامس: آثار التضخم النقدي.
المبحث الأول: تعريف التضخم النقدي
التضخم مصدر للفعل تَضَخّم، وأصله الثلاثي ضخم يدل على العظم في الشيء، فالضخم ((العظيم من كل شيء أو العظيم الجرم ))(1).
أما تعريف التضخم النقدي عند الفقهاء فلم أقف لهم على تعريف لهذا المصطلح؛ لأنه حديث الاستعمال فيما يدل عليه من معنى, أما ما يدل عليه التضخم النقدي من معنى فسأبينه عند البحث في التكييف الفقهي للتضخم النقدي.
__________
(1) القاموس المحيط، مادة (ضخم)، ص (1020). وينظر: لسان العرب، مادة (ضخم) (12/353).(1/53)
أما تعريف التضخم النقدي عند علماء الاقتصاد فله عدة تعريفات تمثِّل في الحقيقة تنوع الاتجاهات الاقتصادية في تفسير التضخم ووصفه.
وهذه التعريفات هي:
أولاً: التضخم النقدي ((هو ارتفاع مطرد في المستوى العام للأسعار(1)))(2).
وهذا الاتجاه في تعريف التضخم النقدي هو الأكثر انتشاراً وشيوعاً بين الاقتصاديين، بل قد لا يذكر غيره في كثير من كتب الاقتصاد(3)، والمعاجم اللغوية الإنجليزية(4).
وهذا التعريف يفيد أن التضخم النقدي إنما يكون بالارتفاع العام لأسعار السلع(5)
__________
(1) المستوى العام للأسعار: هو عبارة عن متوسط أسعار السلع والخدمات، وعندما يزيد فإن ذلك يشير إلى أن قيمة العملة تتناقص والعكس صحيح.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (673)، مقدمة في النقود والبنوك ص (77)، معجم المصطلحات المحاسبية والمالية ص (64)].
(2) التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/5). وينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (286)، نظرية التضخم ص (17-18)، النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (584).
(3) ينظر: التضخم المالي للدكتور عناية ص (10، 22)، التضخم لكروين ص (21)، مذكرات النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (197)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (286)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (425).
Economics, Boyes, Melvin. P. 195. The Economics Today Schiller. P.122.
(4) ينظر:
The Oxford Illustrated Dictionary, p.431.Webster Comprehensive Dictionary p.649.
(5) السلع: هي أي مادة مصنوعة أو سلع متبادلة في التجارة. وبعبارة أخرى هي البضائع العينية.
…[ ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (255)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (151)].(1/54)
والخدمات(1) على اختلافها، فارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات لا يُعدُّ تضخماً حتى يكون ارتفاعاً عاماً في جميع أسعار السلع والخدمات(2). ويفيد أيضاً أنه لا بد أن يكون الارتفاع في الأسعار مستمراً، فالارتفاع الطارىء ولو كان عاماً لا يُعدُّ تضخماً حتى يكون مستمراً(3).
ثانياً: التضخم النقدي(( هو الزيادة الملموسة في كمية النقود))(4).
وهذا التعريف مبني على أن المتغير الأساسي والمحدد لمستوى الأسعار هو كمية النقود، فالزيادة في كمية النقود هي أساس التضخم، وهذا التفسير للتضخم النقدي هو ما يعرف في علم الاقتصاد بالنظرية الكمية للنقود(5)
__________
(1) الخدمات: هي المنافع الحاصلة أو الناتجة عن عمل، وتستعمل في مقابل السلع والبضائع العينية، وتشمل المنافع العامة لخدمات الهاتف والنقل، وبعض الأعمال المهنية كأعمال الصيانة والإصلاح والتنظيف وما شابه ذلك.
…[ ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (469)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (774)].
…Webster Comprehensive Dictionary, p. 1149.
(2) ينظر: التضخم المالي للدكتور عناية ص (24)، التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي ص (5-6)، مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (197).
(3) ينظر: النقود والبنوك للدكتور قريصة ص(231)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص(285).
(4) نظرية التضخم ص (12). وينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/1).
(5) ينظر: التضخم لكروين ص (82-83)، النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (582-583)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (230-231).
…نظرية كمية النقود: هي النظرية التي تبين العلاقة بين كمية النقود في اقتصاد ما والمستوى العام للأسعار. وهذه النظرية تعتبر أولى النظريات التي حاولت أن تفسر كيف يتحدد المستوى العام للأسعار والتقلبات التي تحدث له.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (710-711)، مشكلة التضخم في الاقتصاد العربي ص (11)].(1/55)
.
ثالثاً: التضخم النقدي ((حركة صعودية للأسعار تتصف بالاستمرار الذاتي تنتج عن فائض الطلب الزائد عن قدرة العرض))(1).
وهذا التعريف للتضخم النقدي يجمع ما في التعريفين السابقين(2)، ويتميز عنهما بما يأتي:
الأول: أن الارتفاع في الأسعار الذي يوصف به التضخم النقدي ارتفاع متواصل الصعود؛ لأن ((طابع التضخم أنه ارتفاع تراكمي في الأسعار))(3).
الثاني: بيان السبب الذي ينتج عنه التضخم النقدي، وهو الزيادة في الطلب على استهلاك السلع والخدمات أو على الاستثمار فيها زيادة تفوق وتتجاوز قدرة العرض الكلي لها، ولهذا تبدأ الأسعار في الارتفاع، فيحدث التضخم في الاقتصاد(4).
فهذا التعريف يعبر ((عن الفجوة ما بين الزيادة في كمية النقد المتداول وبين كمية المنتجات والسلع الموجودة في الأسواق، ومن ثم فإن التضخم هو نتيجة هذه الفجوة، وارتفاع الأسعار هو المؤشر لها))(5).
ويقابل التضخم النقدي في علم الاقتصاد ما يعرف بالانكماش و ((هو هبوط مفاجىء في الأسعار أو زيادة مفاجئة في قيمة العملة))(6). وهذه الحال تؤدي إلى انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي(7) الذي يقترن به عادة زيادة مستوى البطالة(8)
__________
(1) نظرية التضخم ص (19).
(2) ينظر: التضخم المالي للدكتور عناية ص (25).
(3) نظرية التضخم ص (20).
(4) ينظر: نظرية التضخم ص (20)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (239)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (225).
(5) التضخم المالي للدكتور عناية ص (25).
(6) معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (163).
(7) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (217).
(8) البطالة: هي حال التعطل عن العمل المناسب عندما يكون هناك من يرغب فيه ولا يجده.
…[ ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (556)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (850)].(1/56)
، وتدني مستوى الإنتاج، وضعف الرغبة في الشراء والاستهلاك(1).
المبحث الثاني: نشأة التضخم النقدي وتأريخه
لا يُعدُّ ارتفاع المستوى العام للأسعار المطرد، وهو ما يعرف في علم الاقتصاد بالتضخم النقدي، أمراً طارئاً على الأوراق النقدية، بل إن الدراسات في الأدب الاقتصادي وتأريخ النقود تبين أن التضخم النقدي قديم قدم النقد(2).
فأقدم ما وقفت عليه من حوادث التضخم النقدي ما حدث بين عامي 866-868 قبل الهجرة، الموافق 218- 220 قبل الميلاد بسبب الحرب بين روما وقرطاجنة حيث احتاج الرومان إلى عدد كبير من العملة لسدِّ تكاليف الحرب، فعمدوا إلى تخفيض نقاء عملتهم المعدنية ووزنها فأفضى ذلك إلى التضخم(3). وقد تكرر حدوث التضخم النقدي في اقتصاديات الدول على مر العصور في التأريخ القديم والحديث وغالب ذلك في النقود المعدنية(4).
__________
(1) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (169)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (235).
(2) ينظر: إغاثة الأمة بكشف الغمة ص (7)، نظرية التضخم ص (3)، قصة الحضارة لديوارنت (4/250).
History of money, by G. Davies, p 88.
(3) ينظر: قصة الحضارة لديوارنت (9/98).
History of money, by G. Davies, p. 88-89.
(4) ينظر: قصة الحضارة لديوارنت (10/235)، تحفة النظار لابن بطوطة ص (618).
History of money, by G. Davies, p. 96-100,105-107,18.(1/57)
أما الأوراق النقدية فقد طرأ عليها التضخم منذ أول استعمال لها. فإن أول استعمال لها كان في بلاد الصين في أوائل القرن الثاني الهجري والتاسع الميلادي ثم شاع استعمالها في القرن الثالث الهجري والعاشر الميلادي. ومع تزايد إصدار الأوراق النقدية نشأ التضخم في ذلك القرن(1)، وتوالت حالات التضخم النقدي في القرن الرابع الهجري والحادي عشر الميلادي وكذا الخامس الهجري والثاني عشر الميلادي، واستمر الاقتصاد الصيني يعاني من هذه الحالات التضخمية المفرطة إلى أن ألغت الحكومة التعامل بالأوراق النقدية. وقامت بجمعها من الناس في إطار الإصلاحات الاقتصادية في أوائل القرن التاسع الهجري ومنتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وبهذا طويت أول صفحات تأريخ استعمال الأوراق نقوداً(2). لكن هذا الإلغاء لم يقضِ على التضخم، بل طرأ التضخم في القرن العاشر الهجري والسادس عشر الميلادي في أوربا على النقود المعدنية بسبب الاستعمار الأسباني لأجزاء من القارة الأمريكية ولزيادة أعداد الناس. وكذلك حدث تضخم النقود المعدنية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجري الموافقين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي في العديد من الدول(3).
__________
(1) ينظر: قصة الحضارة لديوارنت (4/250).
(2) ينظر:
Origins of Money and of Banking, by R. Davies.
…www. ex.ac.uk/~rdavies/arian/orgins. html
History of money ,by G. Davies, p. 183.
(3) ينظر:
…History of money, by G. Davies, p. 223, 293-303, 461-485.(1/58)
أما الأوراق النقدية فإنها قد عادت إلى الظهور مجدداً منتصف القرن السابع عشر الميلادي في أوربا، وشاع استعمالها حتى أصبح الورق النقدي أكثر أنواع النقود استعمالاً(1). وقد حدث التضخم فيها كغيرها من أنواع النقود، إلا أن أشد ذلك التضخم المفرط الذي عانت منه ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى عام 1341هـ، الموافق 1923م. وكذلك ما تعرض له الاقتصاد في بعض بلدان أوربا الشرقية ما بين عامي 1364- 1365هـ، الموافق 1944- 1946م(2). ومن ذلك أيضاً التضخم النقدي الذي حدث في يوغسلافيا عام 1410هـ، الموافق 1990م بعد انهيار الشيوعية(3)في أوربا(4).
__________
(1) ينظر: النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية للدكتور عجمية ص (35)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (25).
(2) ينظر: مصادر التضخم النقدي في العراق ص (21-22)، نظرية التضخم ص (31)، التضخم المالي للدكتور عناية ص (28).
Origins of Money and of Banking, by R. Davies.
www. ex.ac.uk/~rdavies/arian/orgins. html
…History of Money ,by G. Davies, p.572,574.
(3) الشيوعية: هو مذهب إلحادي مادي يقوم على أن المادة هي أساس كل شيء وأنه لا إله والكون مادة. كان أول ظهور له في ألمانيا على يد ماركس وإنجاز.
…[ ينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص (309)].
(4) ينظر:
The World’s Worst inflation, by Joel Anderson,
…www.joelseoins.com/inflat.htm(1/59)
ومما تجدر الإشارة إليه في تأريخ التضخم النقدي أن غلاء الأسعار تكرر وقوعه في تأريخ الأمة الإسلامية على مر العصور كما ذكر ذلك المؤرخون(1). لكن لما لم يكن كل ارتفاع للأسعار يوصف بأنه تضخم فإنه لا يمكن ضم كل ذلك في تأريخ التضخم النقدي، لا سيما وأن من تلك الارتفاعات في الأسعار ما كان مرتبطاً بأسباب وقتية من قحط أو نقص طارىء في المحاصيل أو ما أشبه ذلك من العوامل المؤقتة التي يخرج بها ارتفاع المستوى العام للأسعار عن كونه تضخماً نقدياً. ومن ذلك غلاء السعر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنة الثامنة من الهجرة(2)، فإن سببه أن المطر قَحَطَ وانحبس، فقد روى أنس بن مالك(3)
__________
(1) ينظر: إغاثة الأمة بكشف الغمة ص (30 وما بعدها )، تأريخ الأمم والملوك (5/274، 525، 593)، أخبار مكة للفاكهي (3/242)، تأريخ بغداد (13/196)، التدوين في أخبار قزوين (1/295)، الكامل لابن الأثير (7/22)، البداية والنهاية (10/239)، عجائب الآثار للجبرتي (1/43).
(2) ينظر: شذرات الذهب (1/12).
(3) أنس بن مالك بن النضر النجاري الأنصاري، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خدمه إلى أن قبض ثم رحل إلى دمشق ثم البصرة، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة، توفي سنة (90هـ)، وقيل: سنة (93هـ).
…[ ينظر: أسد الغابة (3/164)، الإصابة في تمييز الصحابة (1/71)].(1/60)
- رضي الله عنه -((أن المطر قَحَطَ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة حتى غلا السعر، وخشوا الهلاك على الأموال، وخشينا الهلاك على أنفسنا. فقلنا: ادع ربك أن يسقينا. فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه إلى السماء، ولا والله ما نرى في السماء بيضاء، ولا والله ما قبض يده حتى رأيت السماء تشقق من هاهنا وهاهنا، حتى رأيت ركاماً، فصب سبع ليال وأيامهن من الجمعة إلى الجمعة الأخرى، والسماء تسكب))(1). ومثل هذا الارتفاع في الأسعار لا يوصف بأنه ارتفاع تضخمي في اصطلاح الاقتصاديين؛ لأنه إنما يوصف الارتفاع في الأسعار بأنه ارتفاع تضخمي إذا كان ارتفاعاً تصاعدياً مستمراً لا يرتبط بأسباب وقتية، كما تقدم في تعريف التضخم النقدي.
ومما يمكن نظمه في تأريخ التضخم النقدي ما جرى في سنة 794هـ والسنوات التالية لها حيث زاد ضرب الفلوس المملوكية(2)
__________
(1) أخرجه في المعجم الأوسط، رقم (596) (1/352).
…وأصل قصة الاستسقاء في الصحيحين من حديث أنس أيضاً رواها البخاري في كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد، رقم (1013)، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، رقم (897).
(2) نسبة إلى المماليك الذين كونوا دولة إسلامية حكمت بلاد مصر والشام من منتصف القرن السابع الهجري إلى أوائل القرن العاشر.
…[ ينظر: التأريخ الإسلامي لمحمود شاكر (7/5)].(1/61)
مما أدى إلى انخفاض قوتها التبادلية الشرائية للنقود. واستمر ذلك إلى آخر عصر المماليك في القرن العاشر(1). وكذلك ما جرى في عام 1215هـ في البلاد المصرية حيث ((غلت أسعار جميع الأصناف، وانتهى سعر كل شيء إلى عشرة أمثاله وزيادة على ذلك))(2). واستمر ذلك وكثر ضرب الريالات المغشوشة، فاضطربت معاملات الناس وأسعار الأشياء(3). وهاتان حادثتان يمكن وصفهما بأنهما من حالات التضخم النقدي(4).
ومما تقدم يتبين بجلاء أن التضخم النقدي ليس أمراً حديثاً لم تعرفه الاقتصاديات القديمة، بل له جذوره التأريخية القديمة التي اتضحت من خلال تأريخ تطور الوقائع الاقتصادية غير أن تصاعد الاهتمام بقضية التضخم النقدي ((بدأ يتجلى بشكل ملحوظ على صعيد الفكر الاقتصادي، وكذا على ساحة الدراسات الاقتصادية التطبيقية منذ الحرب العالمية))(5).
__________
(1) ينظر: النقود العربية ماضيها وحاضرها للدكتور عبد الرحمن محمد ص (108-109).
(2) عجائب الآثار للجبرتي(2/439).
(3) ينظر: النقود العربية ماضيها وحاضرها للدكتور عبد الرحمن محمد ص (122-123).
(4) ولمزيد من الحوادث التي يمكن إدراجها في تأريخ التضخم في الأمة الإسلامية ينظر: المنتظم لابن الجوزي (6/331)، البداية والنهاية (4/86)، رسائل في النقود للبلاذري والمقريزي والذهبي ص (59)، كتاب السلوك للمقريزي (11/1059، 1133–1153، 12/1173-1181)، عجائب الآثار للجبرتي (1/220، 2/558).
(5) الجوانب النقدية والهيكلية للتضخم الاقتصادي ص (7).(1/62)
(( والواقع أن تزايد الاهتمام بقضية التضخم لم يأت كنتيجة للتطور التلقائي للعلوم الاقتصادية. ولكنه يرجع إلى تغيرات أساسية حدثت على صعيد الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي منذ الثلاثينات من القرن الحالي))(1)، هي في جملتها من تأثيرات التضخم النقدي وانعكاساته. ومن أبرز ذلك التطور الذي شهده النظام النقدي وشيوع النقود الائتمانية التي هي أكثر أنواع النقود عرضة للتقلبات والتغيرات.
المبحث الثالث: أنواع التضخم النقدي
هناك عدة اعتبارات يمكن تصنيف التضخم النقدي على أساسها.
ومن ذلك تصنيف التضخم النقدي باعتبار السرعة التي ترتفع بها الأسعار، ومنها تصنيف التضخم النقدي باعتبار توقع نسبته، وغير ذلك من الاعتبارات(2).
سأذكر أشهر هذه الاعتبارات، وألصقها بموضوع البحث في المطالب التالية.
المطلب الأول: تصنيف التضخم النقدي باعتبار سرعة ارتفاع الأسعار
ينقسم التضخم النقدي باعتبار سرعة ارتفاع الأسعار إلى ثلاثة أنواع رئيسة(3):
النوع الأول: التضخم الزاحف
وهو ارتفاع متواصل للمستوى العام للأسعار بمعدلات صغيرة(4). وهذا هو وجه تسميته بالزاحف فإن نسبة ارتفاع الأسعار في هذا النوع تتزايد ببطء متواصل. ويعرف هذا النوع في بعض الدراسات بالتضخم الدائم.
__________
(1) الجوانب النقدية والهيكلية للتضخم الاقتصادي ص (8).
(2) ينظر: نظرية التضخم ص (29)، التضخم المالي للدكتور عناية ص (56)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (257)، النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (624)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (693-705).
(3) ينظر:
Inflation, stabilization, and currency boards
http: //web.mit.edu/rigobon/www/Pdfs/stabilization.pdf
(4) ينظر: مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (189)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (232).(1/63)
والتضخم الزاحف من أخف أنواع التضخم النقدي(1)، فإن نسبة ارتفاع مستوى الأسعار فيه تتراوح بين واحد في المائة إلى خمسة في المائة سنوياً(2).
وقد انقسم الاقتصاديون في ضرر هذا التضخم وخطورته على اقتصاديات الدول إلى فريقين:
الأول: فريق يهون من خطورة هذا النوع، ويرى أنه لا يشكل خطراً على الاقتصاد، بل يراه نافعاً حيث يكون دافعاً للنمو الاقتصادي.
الثاني: فريق يرى خطورة هذا النوع؛لأنه قد يخرج عن التحكم فتتسارع نسبة الارتفاع في مستوى الأسعار، أو أن الاستمرار في معدل ارتفاع الأسعار لمدة طويلة يخرجه عن كونه تضخماً زاحفاً.
النوع الثاني: التضخم المتسارع
وهو ارتفاع مستمر ومتضاعف في المستوى العام للأسعار في فترة زمنية قصيرة. وهو من الأنواع الخطرة التي تهدد الاقتصاد(3)، تزيد فيه نسبة ارتفاع مستوى الأسعار على عشرة في المائة سنوياً، ويعرف في بعض الدراسات الاقتصادية بالتضخم السريع(4). وهو من أصعب أنواع التضخم النقدي معالجة.
النوع الثالث: التضخم المفرط
__________
(1) ينظر: النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (621)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (406).
(2) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (256)، مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (197).
Economics, Lipsey, p. 592-593.
(3) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (696)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (358).
IMF staff papers, Warning: Inflation may be harmful to your Growth. by Ghosh, Philips. v. 45.year: 1998.
(4) ينظر: النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (621).
Free Daily Journal, A little Bit of inflation never hurt anyone right? Jan,1997. By R. M. Ebeling.
www.free.org/freedom/01976. asp(1/64)
وهو ارتفاع سريع حاد في المستوى العام للأسعار(1). ويسمى هذا النوع من التضخم النقدي في كثير من الدراسات الاقتصادية العربية بالتضخم الجامح(2). ويعدُّ هذا النوع أشد أنواع التضخم النقدي خطورة على اقتصاديات الدول حيث تزيد نسبة ارتفاع المستوى العام للأسعار فيه على خمسين في المائة شهرياً، وقد تصل إلى مائة في المائة، بل قد تتضاعف إلى أن تصل الزيادة في المعدل العام للأسعار إلى أربع منازل عشرية في المائة كما حدث في البرازيل، حيث وصل التضخم النقدي فيها عام 1415هـ، الموافق 1995م إلى ألفين ومائة وثمانية وأربعين في المائة(3).
وغالباً ما يفضي هذا النوع من التضخم النقدي إلى تدمير الاقتصاد وإلغاء العملة. ومن أشهر أمثلة هذا النوع ما جرى في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى(4)
__________
(1) ينظر: مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (200)، نظرية التضخم ص (29).
…Economics: Principles, Problems, and Policies, by Mc Connell and Brue, chap8.
(2) ينظر: نظرية التضخم ص(29)، مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (200)، النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (622)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (232).
(3) ينظر: النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (622)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزاني ص (257).
Principles of Economics, N. Mankiw, p. 633.
Glossary Definitions of economic terms.
http: //www.agecon.purdue.edu/academic/agec217/deboer/glossary.htm
(4) وهي الصراع الذي عصف بالعالم بدءاً من العام1914م، وانتهاء بالعام1918م، بين الدول الأوربية وروسيا وتركيا.
…]ينظر: موسوعة السياسة للدكتور الكيالي (2/198)].(1/65)
في عام 1341هـ الموفق 1923م، حيث بلغت نسبة التضخم النقدي ألفين وخمسمائة في المائة في الشهر(1). وكذلك ما جرى في المجر عامي 1364-1365هـ، الموافق 1945- 1946م حيث بلغ معدل التضخم الشهري تسعة عشر ألف وثمانمائة في المائة، ولذلك سمي بأم التضخمات المفرطة(2).
المطلب الثاني: تصنيف التضخم النقدي باعتبار توقع حدوثه
ينقسم التضخم النقدي باعتبار توقع حدوثه إلى نوعين:
النوع الأول: التضخم النقدي المتوقع
وهو تغير في المستوى العام للأسعار بنسبة لا تزيد على ما كان متوقعاً على نطاق واسع(3).
وبيان ذلك أن المؤسسات الاقتصادية في الدول تسعى من خلال معطيات الوضع الاقتصادي الحالي إلى التنبؤ بنسب التضخم في المستقبل، ولهذه التوقعات دور مهم في معالجة التضخم والإصلاح الاقتصادي والتقليل من الأضرار الناتجة عنه. فإذا وافقت نسبة التضخم ما كان متوقعاً أو كانت دونه فإنه يصنف ضمن التضخم النقدي المتوقع. وهذا في الواقع قليل لأن التضخم المتوقع يأتي في الغالب بغتة ولا يمكن التنبؤ به بدقة(4).
النوع الثاني: التضخم النقدي غير المتوقع
__________
(1) ينظر: مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (201)، نظرية التضخم ص (31)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (232).
Freedom daily Journal, A little bit of inflation, Jan 1997. By Richard Ebeling.
(2) ينظر: الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة للدكتور نصر ص (660-661).
Glossary of Political and Economy Term
http: //www.auburn.edu/~johnspm/gloss/index.Html
http: //www.auburn.edu/~johnspm/gloss/hyperinflation.html
(3) ينظر:
Economies: Principles, problems, and policies by McConnell and Brue,Chap 8.
www.mhhe.com/economics/mcconnell/low_main.mhtml
(4) نظريات الاقتصاد الكلي للدكتور خليل (2/1527، 1533-1534).(1/66)
وهو الزيادة في المستوى العام للأسعار زيادة مفاجئة أعلى من النسبة المتوقعة عند أكثر الناس(1).
وغالب ما يحدث من حالات التضخم النقدي يندرج تحت هذا النوع، وذلك لأن استشراف نسبة التضخم والتنبؤ بذلك أمر يكتنفه كثير من المخاطر وهو في غاية الصعوبة؛ لكثرة العوامل المؤثرة في معدل التضخم ونسبته، ولصعوبة التحكم بها والسيطرة عليها(2).
ويتبين ذلك بمعرفة أن توقع نسبة التضخم النقدي؛ إما أن يكون بناء على الوضع الاقتصادي الماضي أو بالنظر إلى المستقبل، وفي كلا الأمرين إشكال.
أما النظر في توقع نسبة التضخم إلى الماضي فمعلوم أن المعطيات والعوامل التي في الماضي قد لا تدوم فيختلف الأمر وتتبدل الحال.
وأما النظر إلى المستقبل فهو ضرب من التخمين الذي لا يبنى على مقدمات صحيحة؛لكونها قد تتغير أو يطرأ ما لم يكن في الحسبان، ولهذا يفضل كثير من الاقتصاديين قصر التوقعات على مدد غير طويلة تجنباً للخطأ(3).
المطلب الثالث: تصنيف التضخم النقدي باعتبار مصادره وأسبابه
__________
(1) ينظر:
Economies: Principles, problems, and policies by Mc Connell and Brue,Chap 8.
www.mhhe.com/economics/mcconnell/low_main.mhtml
(2) ينظر: نظريات الاقتصاد الكلي الحديثة للدكتور خليل (2/537)، الاقتصاد الكلي النظرية= =المتوسطة للدكتور نصر ص(647، 680)، التضخم المالي للدكتور عناية ص (122-115).
Economies and contemporary Issues, chap. 3.
www.gsu.edu/~ecomaa/lecture4.html
The macro economy,chap7.
www.tachx.rutgers.edu/gag/notes/macnotesg.html
(3) ينظر: الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة للدكتور نصر ص (630-632).
The Cato Journal, the cost's of inflation and disinflation, by Kevin Dowd,v.4,2,1994.
www.cato.org/pubs/journal(1/67)
وهذا الاعتبار هو أشهر الاعتبارات التي يصنف على ضوئها التضخم النقدي في كتب الاقتصاد(1).
ينقسم التضخم النقدي بهذا الاعتبار إلى نوعين:
النوع الأول: التضخم النقدي الناشىء عن جذب الطلب
وهو زيادة الطلب الكلي(2) للسلع والخدمات على نسبة المعروض منها، وبسبب هذه الزيادة يختل التوازن في الأسواق، فتبدأ الأسعار بالارتفاع نتيجة لتخلف العرض الكلي للسلع والخدمات عن الطلب الكلي عليها(3).
أما سبب زيادة الطلب الكلي فهو زيادة كمية النقود، فيحدث ما يعبر عنه الاقتصاديون في وصف التضخم النقدي أو تعريفه بقولهم: ((نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة))(4).
النوع الثاني: التضخم النقدي الناشىء عن دفع التكاليف
وهو زيادة تكاليف إنتاج السلع والخدمات، بسبب ضغوط العمال لرفع أجورهم(5).
__________
(1) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/9-14)، مبادئ الاقتصادي الكلي للدكتور الحبيب ص (407-410)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (258-259)، نظريات الاقتصاد الكلي الحديثة للدكتور خليل (2/1516-1519)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (693).
(2) الطلب الكلي: هو مجموع طلب جميع فئات المجتمع على السلع والخدمات.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (19)].
(3) ينظر: التضخم المالي للدكتور عناية ص (66)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (407)، نظرية التضخم ص (33).
(4) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (258)، نظرية التضخم ص (13).
(5) ينظر: التضخم المالي للدكتور عناية ص (69)، نظرية التضخم النقدي ص (35)، التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي ص (14).(1/68)
وبيان ذلك أنه بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة فإن العمال يطالبون بأجور أعلى لمقابلة هذا الارتفاع، وهذه المطالبة برفع الأجور ستؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج، والاستجابة لهذه المطالب تفضي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج فيقوم أرباب العمل برفع أسعار منتجاتهم لمواجهة هذا الارتفاع، فيولد هذا التلاحق في ارتفاع الأسعار حالات تضخمية خطيرة(1).
المبحث الرابع: طرق قياس التضخم النقدي
يستعمل الاقتصاديون لقياس نسبة التضخم النقدي الأرقام القياسية للأسعار. ووظيفة هذه الأرقام أنها ((تقيس متوسط التغير في الأسعار))(2)عن طريق قياس التغيرات التي تحدث في فترات زمنية معينة، وذلك بمقارنة الأسعار في السنوات المختلفة بالأسعار في سنة محددة تسمى بفترة أو سنة الأساس(3). ((ويعبر عن هذا الدليل أو المؤشر عادة بنسبة مئوية على اعتبار أن مستوى فترة الأساس هو الرقم100))(4).
ومما تقدم ((يمكن تعريف الأرقام القياسية للأسعار بأنها عبارة عن ملخص التغير النسبي في أسعار مجموعة من السلع في وقت معلوم بالنسبة إلى مستواها في وقت آخر يتخذ أساساً للقياس أو أساساً للمقارنة))(5).
__________
(1) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (409)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (698)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (185).
(2) موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (411).
(3) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (283)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (411)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (293).
(4) معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (283)، وينظر: نظرية التضخم ص (21).
(5) ينظر: مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (72)، النقود في النشاط الاقتصادي ص (131).(1/69)
وهناك أنواع متعددة من الأرقام القياسية لقياس الأسعار مثل: الرقم القياسي لأسعار الجملة، والرقم القياسي لأسعار التجزئة، والرقم القياسي لأسعار الأسهم، والرقم القياسي لأسعار المستهلكين(1)، وغير ذلك من الأرقام القياسية(2). كل هذه الأرقام تستخدم لقياس متوسط التغير في الأسعار إلا أن الاقتصاديين يكادون يجمعون على أن أفضل هذه الأرقام القياسية، والذي يعتبر مؤشراً ومقياساً أثناء فترات التضخم هو الرقم القياسي لأسعار المستهلكين(3).
والرقم القياسي لأسعار المستهلكين هو معدل أو متوسط أسعار شراء السلع والخدمات التي يستهلكها أفراد المجتمع من أصحاب الدخول المحدودة خلال فترة زمنية معينة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو غير ذلك(4).
__________
(1) المستهلكين: جمع مستهلك، وهو في اللغة: من أجهد نفسه في الشيء، يقال: استهلك المال، إذا أنفقه وأهلكه.
…أما في علم الاقتصاد فهو الشخص الذي يستعمل السلعة والخدمة لمنفعته وفائدته الخاصة.
…[ ينظر: لسان العرب، مادة (هلك) (10/507)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (130)].
(2) ينظر: مشكلة التضخم في الاقتصاد العربي ص (17)، نظرية التضخم ص (22)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (411)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (81-82).
(3) ينظر: مشكلة التضخم في الاقتصاد العربي ص (17)، نظرية التضخم ص (22)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (411)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (81-82).
(4) ينظر: علم الاقتصاد ترجمة الدكتور حمزة ص (55)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (100)، نظرية التضخم ص (22)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (82).(1/70)
ويعتمد حساب هذا الرقم على اختيار مجموعة من السلع تسمى سلة السوق. هذه السلة تمثل السلع الأساسية التي يستهلكها فرد نموذجي تستغرق جميع دخله. ولذلك فإن هذا الرقم القياسي يمثل الرقم القياسي لتكاليف المعيشة أو نفقاتها(1).
وهذه الأرقام القياسية بأنواعها لاسيما الرقم القياسي لتكاليف المعيشة يستدل بها على معرفة نسبة التغير الطارىء على القوة الشرائية للنقود، وبذلك تعرف نسبة التضخم في فترة معينة(2)، فيساعد هذا في حماية الالتزامات والعلاقات التعاقدية من الاضطرابات الناتجة عن التضخم النقدي.
لكن هذه الأرقام القياسية لا تعدو كونها مؤشرات تقريبية، وليست دقيقة، وذلك لما يكتنف التوصل إلى هذه الأرقام من المشكلات والصعوبات التي تؤثر في دقة هذه الأرقام القياسية.
ومن أبرز هذه الإشكالات ما يأتي(3):
__________
(1) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (131، 142)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (293-294).
(2) ينظر: مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (82).
Indexation, Inflationary Inertia, And The Sacrifice Coefficient
http: //www.bcentral.cl/books/serie.htm
(3) ينظر: الجوانب النقدية والهيكلية للتضخم الاقتصادي ص (7)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (300، 302)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (414-415)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (112-113)، المصرفية الإسلامية السياسة النقدية للدكتور يوسف كمال ص (125-127)، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، مجلد (4)، عدد(2)، ص (19-23).
The Basics: Measuring Inflation.
www. vangvuard. com/cgi-bin/NewesPrint(1/71)
أولاً: صعوبة تحديد وتعيين السلع والخدمات التي تعتبر أسعارها في معرفة متوسط تكاليف المعيشة، وذلك لكثرتها وتنوعها وتجددها واختلاف جودتها. فالطعام مثلاً يعد من الأساسيات المعيشية، فما هو الطعام المعتبر حساب تكاليفه في متوسط تكاليف المعيشة؟ هل هو ما يعد في المنازل أو ما تقدمه المطاعم؟ فإذا كان مما يعد في المنازل فالمواد التي تستعمل في إعداده يدخلها اختلاف وتنوع كبير في البلد الواحد، وذلك بالنظر إلى اختلاف المناطق واختلاف العادات واختلاف الأحوال من يسار وإعسار. وقل مثل ذلك في المساكن وغيرها من الأساسيات المعيشية المكونة لما يسمى سلة السوق.
ثانياً: أن ارتفاع معدل تكاليف المعيشة لا يلزم منه ارتفاع تكاليف المعيشة لجميع الناس في المجتمع؛ لأن الارتفاع قد يكون في منطقة دون غيرها من المناطق، وقد يكون المتأثر بالارتفاع فئة من الناس دون بقية فئات المجتمع. فقد يؤدي ارتفاع تكاليف السكن في العاصمة مثلاً إلى ارتفاع معدل تكاليف المعيشة في عموم البلد مع أن بقية المدن لم ترتفع فيها تكاليف المعيشة. كما أن من يملك مسكناً أو أنه قد ارتبط بعقد لم تنته مدته بعد لا يتأثر بهذا الارتفاع.
ثالثاً: صعوبة اختيار سنة الأساس التي تقاس بها التغيرات في الأسعار. ومن ذلك اختلاف نسبة ومكانة السلع والخدمات المكونة لسلة السوق. ففي حين أن سلعة من السلع المكونة لسلة السوق تمثل ثلث ما ينفقه المستهلك النموذجي في سنة الأساس مثلاً قد تتقلص أهمية هذه السلعة لسبب من الأسباب فتنخفض هذه النسبة في السنوات اللاحقة ولا يلاحظ هذا التغير عند حساب معدل تكلفة المعيشة فيها فيؤدي إلى إظهار معدل الانخفاض في القوة التبادلية للنقود بأكبر مما هي عليه في الحقيقة. كما أنه قد يستجد من السلع والخدمات، التي تستهلك جزءاً من نفقات المعيشة في السنوات اللاحقة، سلعة أو خدمة لم تكن موجودة في سنة الأساس ولم تدرج ضمن سلة السوق.(1/72)
رابعاً: هناك جوانب عديدة سياسية واجتماعية واقتصادية لها تأثير في معدل تكاليف المعيشة لا يمكن إدخالها في الحساب، ولذلك قد تكون هذه الأرقام مضللة في بعض الأحيان.
خامساً: أن إعداد هذه الأرقام القياسية يستغرق زمناً طويلاً جمعاً وإحصاءً وتدقيقاً ومراجعةً ثم يعلن عنها بعد ذلك كله فلا تعكس هذه الأرقام في الحقيقة معدل التغير في قيمة النقود للزمن الذي أعلنت فيه بل هي لأشهر مضت، وهي المدة ما بين جمع المعلومات إلى إعلان الأرقام القياسية.
ومهما يكن من أمر فإن هذه الأرقام القياسية تعطي دلالة تقريبية لمستوى التضخم الحقيقي لاسيما مع التقدم الكبير الذي تشهده الدراسات الإحصائية، ولهذا يعتمدها الاقتصاديون في تقويم الاقتصاد، وفي المعالجة والتخطيط والدراسة(1).
المبحث الخامس: آثار التضخم النقدي
التضخم النقدي من الظواهر الاقتصادية التي لها تأثير على جوانب عديدة من حياة الناس، فانخفاض قيمة النقود أو قوتها الشرائية بسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار له آثار اقتصادية وسلوكية واجتماعية وسياسية.
وتختلف هذه الآثار باختلاف نسبة التضخم النقدي ودرجته، فكلما ازدادت نسبة التضخم النقدي تفاقمت تلك الآثار وتعقدت تلك الإشكالات الناجمة عن التضخم النقدي.
ولا ريب أن الجانب الاقتصادي ومدى إصابته وتأثره من جراء التضخم النقدي هو الأساس الذي ينبني عليه غيره من أنواع التأثيرات، ولذلك أولاه الباحثون الاقتصاديون أهمية كبرى بالدراسة والبيان.
وفيما يلي إشارة إلى أبرز وأهم آثار التضخم النقدي الاقتصادية.
__________
(1) ينظر: نظرية التضخم ص (23-24)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (85)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (105، 109)، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، مجلد (4)، عدد(2)، ص (19-23).(1/73)
أولاً: إعادة توزيع الدخل(1)
أبرز الآثار الاقتصادية للتضخم النقدي هو ما يفضي إليه من تأثير على مقدار دخل الأفراد. ففي زمن التضخم تتأثر دخول فئات المجتمع، إلا أن أشد الفئات تضرراً بالتضخم هم أصحاب الدخول الثابتة، وذلك لكون دخولهم لا تواكب التغير الطارىء على مستوى الأسعار. وقريب من هؤلاء في التأثر أصحاب الدخول البطيئة التغير. وهاتان الفئتان تمثلان غالب المجتمع.
أما أصحاب الدخول السريعة التغير فإنهم يفيدون من التضخم زيادة في دخولهم النقدية لما تتميز به دخولهم من القدرة على التكيف مع الارتفاع في مستوى الأسعار والإفادة من ذلك في زيادة دخولهم(2).
ثانياً: تقليص حجم الادخار(3) والاستثمار(4)
يؤدي التضخم النقدي إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود، فتضعف بذلك إحدى أهم وظائف النقود، وهي كون النقود مستودعاً للقيمة أو مخزناً لها(5).
__________
(1) الدخل: هو التدفق النقدي الذي يتحقق لفرد أو مؤسسة أو مجموعة أفراد خلال فترة من الزمن محددة.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (401)].
(2) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/40)، نظرية التضخم ص (341)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (404)، النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (630).
(3) الادخار: هو عدم الإنفاق على الاستهلاك.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (760)].
(4) الاستثمار: هو الإنفاق على الأصول الإنتاجية؛ كشراء المعدات والآلات ووسائل النقل اللازمة للمشروعات الإنتاجية التي يطلق عليها الأصول الرأسمالية.
…[ ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (279)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (301)].
(5) ينظر: مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (21)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (13)، النقود والمصارف للدكتور الشمري ص (37-39).(1/74)
وهذا التناقص في القوة الشرائية للنقود يحمل الناس على الزهد في الاحتفاظ بالأوراق النقدية؛لأنه يفضي إلى انخفاض القيمة الحقيقية لهذه المدخرات. ولذلك يزداد ميل الناس إلى الاستهلاك رغبة منهم في تقليل الخسائر الناتجة بسبب التضخم النقدي؛ لأن ما يحصله اليوم من السلع والخدمات بما معه من النقود أكثر مما سيحصله غداً(1).
ومع التوجه إلى تقليص حجم المدخرات، وازدياد نسبة الإنفاق الاستهلاكي، تتوجه كثير من الأموال الاستثمارية إلى قطاعات استهلاكية وكمالية غير منتجة ولا تفيد في النمو الاقتصادي(2) للدول. بل تكون في كثير من الأحيان سبباً لزيادة معدلات التضخم.
ومما تتوجه إليه الاستثمارات أيضاً في فترات التضخم الاستثمار فيما تحفظ به الثروة كشراء العقارات من الأراضي والمباني، وشراء المعادن الثمينة كالذهب والفضة وما أشبه ذلك من الاستثمارات غير المنتجة والتي لا تعدو في الحقيقة كونها بحثاً عن مستودع آمن للثروة(3).
ثالثاً: اختلال العلاقات التعاقدية
من آثار التضخم النقدي أنه يفضي إلى الإضرار بالعلاقات التعاقدية السابقة له لاسيما إذا كان التضخم النقدي غير متوقعٍ أو كان معدله مرتفعاً.
فعقود المداينات(4)
__________
(1) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/40)، نظرية التضخم ص (337-338).
(2) النمو الاقتصادي: هو النمو المتواصل في الطاقة الإنتاجية للمجتمع التي تؤدي إلى نمو القيمة المالية الصافية لجميع البضائع والخدمات المنتجة في البلاد خلال السنة، وهو ما يسمى بالدخل القومي.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (273)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (367)].
(3) ينظر: نظرية التضخم ص (338-341)، التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي ص (40-41)، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (242-246).
(4) المداينات لغة: جمع مداينة.
…اصطلاحاً: هي كل عقد واقع على دين سواء كان بدله مالاً أو بضعاً أو منافع أو دم عمد أو غير ذلك.
…[ ينظر: المصباح المنير ص (108)، أحكام القرآن للجصاص (1/502)، المبسوط (20/51)، أحكام القرآن لابن العربي (1/247)، الموسوعة الفقهية الكويتية (3/263)].(1/75)
مثلاً تختل بسبب التضخم النقدي الذي يؤدي إلى انخفاض القيمة الحقيقية(1) للديون المستحقة فيخسر بذلك الدائنون حيث إن الذي يرده المدينون أقل مما أخذوه قيمة، وإن ساواه في العدد، فينشأ بذلك إشكالات كثيرة ومنازعات بين المتعاقدين.
ونظير ذلك أيضاً ما يطرأ من اختلال على العقود المستمرة الممتدة(2) كالإجارة الطويلة(3)، وعقود المقاولات(4)، والتوريد(5)
__________
(1) القيمة الحقيقية: هي عبارة عن مقدار السلع والخدمات التي يمكن أن تتبادل بها وحدة النقد في السوق الداخلية. ويقابله ما يسمى بالقيمة الاسمية، وهو القيمة المكتوبة على العملة.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (609)، آثار التغيرات في قيمة النقود ص (66)].
(2) العقود المستمرة: هي العقود التي يستغرق تنفيذها مدة ممتدة من الزمن بحيث يكون الزمن عنصراً أساسياً في تنفيذها.
…[ ينظر: المدخل الفقهي العام (1/584)]. ……………
(3) الإجارة الطويلة: عقد يقتضي تمليك منفعة مقصودة معلومة بعوض معلوم مدة طويلة عرفاً.
…[ ينظر: الإجارة الطويلة والمنتهية بالتمليك في الفقه الإسلامي ص (46)، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (31)].
(4) عقد المقاولة: عقد بين طرفين يتعهد فيه أحدهما بأن يصنع شيئاً لآخر أو يقدم له عملاً مقابل مبلغ معلوم.
[ ينظر: الوسيط في شرح القانون المدني (7/1/5)، مناقصات العقود الإدارية ص (25)].
(5) عقد التوريد: عقد بين منشأة عامة ومنشأة خاصة أو عامة تتعهد بمقتضاه المنشأة الخاصة بأن تورد للمنشأة العامة منقولات محددة الأوصاف في تواريخ معينة لقاء ثمن معين يدفع على نجوم.
[ ينظر: المدخل الفقهي العام (1/584)،الجامع في أصول الربا ص (374)].(1/76)
، وما أشبه ذلك بسبب ارتفاع الأسعار(1).
هذه أبرز الآثار الاقتصادية للتضخم النقدي، وكما سبق فإن لهذه الآثار الاقتصادية انعكاسات في جوانب أخرى من حياة الناس: اجتماعية، وسلوكية، وسياسية(2).
أُجمل أبرز ذلك في النقاط التالية:
أولاً: توسيع دائرة الفقر في المجتمع ؛نظراً لكون المتضررين بالتضخم هم غالب فئات المجتمع.
ثانياً: تعميق الفجوة بين الأغنياء، وهم الذين يفيدون من التضخم زيادة في دخولهم، وبين الفقراء، وهم المتضررون بالتضخم، وبُعد البون بين الفريقين سبب لكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية.
ثالثاً: انهماك الناس بالدنيا سعياً لرفع دخولهم لتغطية حوائجهم في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار السلع والخدمات، مما قد يحمل ضعاف النفوس على طلب الكسب من جهات محرمة كالرشوة(3)، وغيرها من المكاسب المحرمة. كما أنه يشغلهم عن الواجبات الشرعية، ويصرفهم عن الغاية الأصلية من الوجود، وهي عبادة الله تعالى.
رابعاً: إثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات السياسية في البلاد بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية.
الباب الأول
التكييف الفقهي للتضخم النقدي
وأثره في الأحكام الشرعية
وفيه فصلان:
الفصل الأول: التكييف الفقهي للتضخم النقدي.
الفصل الثاني: أثر التضخم النقدي في الأحكام الشرعية
الفصل الأول
__________
(1) ينظر: النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (631)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (404)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (200-201).
(2) ينظر: النظريات والسياسات النقدية والمالية ص (633-634)، الجوانب النقدية والهيكلية للتضخم الاقتصادي ص (5-7)، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (250)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (202-204).
(3) الرشوة: هي ما يعطى لإبطال حق، أو إحقاق باطل، أو لغرض عمل واجب متعين.
…[ ينظر: لغة الفقهاء للنووي ص (333)، التعريفات للجرجاني ص (111)].(1/77)
التكييف الفقهي للتضخم النقدي
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تغيرات قيمة النقود عند الفقهاء المتقدمين.
المبحث الثاني: التخريجات الفقهية للتضخم النقدي.
المبحث الأول: تغيرات قيمة النقود عند الفقهاء المتقدمين
تمهيد
مصطلح قيمة النقود مركب تركيباً إضافياً، فالتعريف به يحتاج إلى التعريف بمفرداته كلّ على حدة. وقد تقدم البحث في تعريف النقود(1).
أما كلمة القيمة فهي في اللغة من ((قوّمت الشيء تقويماً...، وأصله أنك تُقيم هذا مكان ذاك))(2). فالقيمة ((ثمن الشيء بالتقويم, يقال: كم قامت ناقتك, أي: كم بلغت قيمتها))(3).
أما القيمة عند الفقهاء فهي (( ما يقدّر به الشيء حسب سعره في السوق))(4). وبعبارة أخرى ((هي الثمن الحقيقي للشيء))(5) ، أو ((الثمن الذي يقدره المقومون للسلعة أو الشيء))(6).
أما عند الاقتصاديين فكلمة القيمة تعني ((إمكانية تقييم(7) البضاعة أو السلعة أو الخدمة ببضائع أو سلع أو خدمات أخرى, أو تحديد مبلغ من المال يعادلها أو يساويها))(8).
وتعرف أيضاً بأنها ((عبارة عن مقدار السلع والخدمات التي تستطيع أن تحصل عليها وحدة النقد في زمن معين))(9).
__________
(1) ص (42-43).
(2) معجم المقاييس في اللغة, مادة (قوم)، ص (869).
(3) لسان العرب، مادة (قوم) (15/402)، وينظر: القاموس المحيط، مادة (قوم)، ص (1487).
(4) قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (18).
(5) معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (280).
(6) معجم لغة الفقهاء للقلعه جي ص (374).
(7) الصواب: تقويم.
(8) معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (561).
(9) مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (657).(1/78)
وهي ما يُعبَّر عنه بالقوة الشرائية للنقود أو القيمة التبادلية(1). فإذا زادت قدرة وحدة النقود في الحصول على السلع والخدمات فإن ذلك يعني أن القوة الشرائية للنقود أو قيمة النقود قد زادت؛ والعكس بالعكس(2).
وبهذا يتبين وجه ارتباط قيمة النقود أو قوتها الشرائية بالتضخم النقدي, فالعلاقة بينهما عكسية كلما ارتفع معدل التضخم انخفضت قيمة النقود وقوتها الشرائية, والعكس بالعكس(3).
والتغير في قيمة النقود التبادلية وقوتها الشرائية ليس خاصاً بنوع منها، بل يطرأ على جميع أنواع النقود. فالذهب والفضة مع أن لهما قيمة ذاتية إلا أن التغير يعتري قيمتهما. وكذلك الفلوس، بل التغير فيها أكثر وأشد؛ لكونها تستمد قيمتها من قبول الناس لها وليست قيمتها ذاتية إذ هي من النقود الاصطلاحية.
وقد تكلم أهل العلم من الفقهاء ـ رحمهم الله ـ عما يترتب على هذه التغيرات من الأحكام سواء في النقود الذاتية القيمة أو النقود الاصطلاحية. وسأبين ذلك في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: التغيرات في النقود الخلقية
يطلق الفقهاء النقود الخلقية على النقود من الذهب أو الفضة الخالصة وكذلك على النقود المغلوبة الغش(4).
أما أنواع التغيرات التي تطرأ على النقود الخلقية التي تكلم عنها الفقهاء فهي ثلاثة أنواع:
أولاً: تغير النقود الخلقية بالكساد.
ثانياً: تغير النقود الخلقية بالانقطاع.
ثالثاً: تغير النقود الخلقية بالغلاء والرخص.
__________
(1) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (860).
(2) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (860), مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (658).
(3) ينظر: النقود في النشاط الاقتصادي ص (129-141،131), نظرية التضخم ص (13), موضوعات اقتصادية معاصرة ص (65).
(4) ينظر: شرح فتح القدير (7/155), حاشية رد المحتار (5/162), العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (1/280), إعلاء السنن (14/302).(1/79)
وسأتناولها في المسائل التالية:
المسألة الأولى: تغير النقود الخلقية بالكساد
الكساد عند الفقهاء يكون بترك التعامل بالنقود في جميع البلاد كما تقدم(1).
وقد اختلف الفقهاء فيما يترتب على كساد النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه إذا كسدت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها فالواجب رد قيمتها.
وهذا قول أبي يوسف(2)، ومحمد بن الحسن(3) من الحنفية(4)، وهو قول عند المالكية(5)، والمذهب عند الحنابلة(6).
القول الثاني: أنه إذا كسدت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها فالواجب رد ما ثبت في الذمة في جميع العقود.
__________
(1) ص (57).
(2) يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، قاضي القضاة، الشهير بأبي يوسف، أكبر أصحاب أبي حنيفة، وهو أول من وضع الكتب على مذهب أبي حنيفة، له تصانيف منها: الخراج، توفي سنة (182هـ).
…[ ينظر: الجواهر المضيئة (3/611)، الفوائد البهية ص (325)].
(3) محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله، حضر مجلس أبي حنيفة سنين، وهو ثاني أصحابه بعد أبي يوسف، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة لكثرة مصنفاته، منها: الجامع الكبير، والسير الكبير، والأصل. توفي سنة (189هـ).
…[ ينظر: الجواهر المضيئة (2/42)، الفوائد البهية ص (163)].
(4) ينظر: الدر النقي (2/121)، الدر المختار (4/533)، مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/56).
(5) ينظر: التفريع (2/158)، المعيار المعرب (6/164، 445)، مواهب الجليل (4/340).
(6) ينظر: الفروع (4/202)، شرح منتهى الإرادات (3/325)، كشاف القناع (3/314-315).(1/80)
وهذا هو المشهور عند المالكية(1)، والمذهب عند الشافعية(2).
القول الثالث: التفصيل، فإذا كسدت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل وقبل قبضها فهي إما أن تكون ثمناً في بيع أو أجرة في إجارة فيفسدان، ويرجع البائع بالمبيع في عقد البيع، ويجب على المستأجر أجرة المثل في عقد الإجارة؛ وإما أن تكون مهراً لم يقبض أو قرضاً فالواجب رد المثل فيهما ، وكذلك في رد الثمن إذا تقايلا بعد كساده والأجرة إذا فسخ العقد بعد كساده.
وهذا قول أبي حنيفة(3).
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: أن كساد النقود الخلقية الذهب أو الفضة يمنع نفاقها ورواجها ويبطل ماليتها ومعنى الثمنية فيها؛ وهذا بلا ريب؛ لأن نقص المالية ينقص قيمتها، وهذا الوصف مقصود، فيجب ضمانه لمن فات عليه. والأصل في ضمان النقود الخلقية المثل لأنها مثلية(4)
__________
(1) ينظر: المعونة للقاضي عبدالوهاب (2/1024)، الخرشي على مختصر خليل (5/55)، بلغة السالك (2/386)، حاشية الرهوني (5/118).
(2) ينظر: روضة الطالبين (3/365، 4/37)، تحفة المحتاج (4/258)، الحاوي للفتاوي (1/129)، حاشية الجمل على شرح المنهج (3/38).
…تنبيه: قال النووي ~ في روضة الطالبين (3/365): ((وفيه وجه شاذ ضعيف أنه مخير إن شاء أجاز العقد بذلك النقد، أي: الذي كسد، وإن شاء فسخه كما لو تعين قبل القبض)). وهذا الوجه ذكروه فقط في البيع دون غيره، وقد ذكره في المجموع شرح المهذب (9/282).
(3) ينظر: البحر الرائق (6/114)، الدر النقي (2/121)، مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/56)، فتاوى قاضيخان (2/253).
(4) المثلي: للفقهاء في ضابطه أقوال متعددة أقربها للصواب: أنه ما تتساوى أجزاؤه في المنفعة والقيمة. وقيل: هو كل ما كان له شبه بآخر بحيث يكون الرد به أو اعتباره يحقق العدالة.
…[ ينظر: قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (10-15)].(1/81)
، لكن لما كانت المثلية التامة متعذرة لفوات وصف المالية وجب المثل القاصر ضرورة وهو القيمة؛ لأن قيمة الشيء بمنزلته عند تعذره(1).
ثانياً: أن العقود مبنية على التراضي(2)، والدائن إنما رضي نقوداً رائجة, وبكسادها يفوت عليه هذا الوصف المدخول عليه بالعقد، فإلزامه بالنقود الخلقية الكاسدة إلزام بما لم يرضه، وهو خسارة عليه وظلم له، فيثبت له قيمتها(3).
ثالثاً: قياس كساد النقود الخلقية من الذهب والفضة على هلاك العوض في العقد إذا كان ثياباً حيث تجب قيمتها، وكذلك النقود الخلقية الكاسدة كسادها هلاك لماليتها، فتجب قيمتها(4).
يناقش هذا: بأن قياس كساد النقود الخلقية على هلاك العوض إذا كان ثياباً مثلاً قياس مع الفارق؛ لأن هلاك مالية النقود الخلقية بالكساد لا يذهب بعينها بخلاف المقيس عليه، بل إنها تكون عروضاً بعد كسادها(5).
أدلة القول الثاني:
استدل هؤلاء بما يأتي:
أولاً: أن الكساد لا يلغي ثمنية النقود الخلقية من الذهب والفضة؛ لأنها أثمان خلقة فلا تبطل بالكساد، والأثمان(6)
__________
(1) ينظر: المبسوط (11/50)، حاشية رد المحتار (5/162)، المعيار المعرب (5/192،6/445)، المغني (6/441)، كشاف القناع (3/314).
(2) ينظر: مبدأ الرضا في العقود (2/1017).
(3) ينظر: المبسوط (14/30)، البديع شرح التفريع (2/158)، المعيار المعرب (6/168، 461).
(4) ينظر: فتاوى قاضيخان (2/253).
(5) ينظر: تبيين الحقائق (3/317)، حاشية رد المحتار (4/534)، البديع شرح التفريع (2/158)، نهاية المحتاج (3/413، 4/428).
(6) الأثمان جمع ثمن: وهو عبارة عما تقدر به مالية الأعيان كالنقود من الذهب، والفضة، والفلوس.
…[ ينظر: بدائع الصنائع (5/185)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (2/256)، المطلع على أبواب المقنع ص (134)، الإنصاف (3/132)، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (1/332)].(1/82)
من ذوات الأمثال فيجب مثلها ولا يصار إلى قيمتها؛ لأن المثل أقرب إلى حقه(1).
نوقش هذا الدليل من طريقين:
الأول: أن الكساد يلغي ثمنية النقود، وذلك لأن الثمنية تختص بضرب مخصوص لا مصرف بعده إلى غير الثمن غالباً، فإذا لم يجر التعامل بها فحكمها حكم العروض(2).
الثاني: أنه حتى على التسليم بأن الثمنية باقية وأن الكساد لا يلغيها فلا ريب أنه بعد كسادها يفوت رواجها نقوداً، وبهذا تنتفي المثلية؛لأن المثلية إنما تكون بالمثل من حيث الصورة والمعنى أو بالمثل من حيث المعنى أي القيمة(3). وبالكساد لا يبقى من المثلية إلا المثلية في الصورة والهيئة، فإذا تعذرت المثلية وجبت القيمة(4). وقد ذكر الفقهاء أمثلة لعدم اعتبار المثلية إذا كانت تفوت معنى مقصوداً ، فالماء على سبيل المثال مثلي فإذا غصب في غلاء أو صحراء فلا يكفي رد مثله في حال السعة والرخاء؛ لكون رد المثل يهدر القيمة فيجب اعتبار الزمان والمكان والمال في الرد(5).
__________
(1) ينظر: البحر الرائق (6/114)، رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/56)، فتاوى قاضيخان (2/253).
(2) ينظر: المبسوط (22/21، 34)، بدائع الصنائع (6/58، 82)، تبيين الحقائق (3/317، 5/202)، الخرشي على مختصر خليل (5/55)، حاشية البجيرمي (3/21)، تصحيح الفروع (4/152)، الإنصاف (5/91، 411).
(3) ينظر: المبسوط (14/16)، بدائع الصنائع (5/26-27، 6/160، 7/149)، المجموع شرح المهذب (10/107)، المغني (7/480).
(4) ينظر: المبسوط (14/30)، المنثور في القواعد (2/337)، كشاف القناع (3/314).
(5) ينظر: الفروق للقرافي (1/214)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/180-181)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (518)، مطالب أولي النهى (4/53).(1/83)
ثانياً: أن الواجب بالعقد هو النقود التي طرأ عليها الكساد، والأصل بقاء ما كان على ما كان(1)، فلا يجب غير ما ثبت بالعقد(2).
يناقش هذا: بأن الذي ثبت بالعقد نقود رائجة، وقد زال رواجها بالكساد ففات الوصف المقصود فلا يلزم مستحق النقود قبولها.
ثالثاً: أن كساد النقود الخلقية من الذهب والفضة لا يؤثر في وجوبها بالعقد قياساً على ما لو أبدل السلطان المكيال والميزان بأصغر أو أكبر وعلى ما لو أسلم في حنطة فرخصت فإنه يلزمه ما تم العقد عليه قبل التبديل والرخص(3).
يناقش هذا بأنه قياس مع الفارق من وجهين:
الأول: أن تبديل المكيال والميزان يفضي إلى تغيير كمية المعقود عليه بزيادة أو نقص، أما تغير النقود بالكساد فهو زوال صفة الرواج التي هي سبب قبولها في العقد. فإن الرواج وصف مدخول عليه في أصل العقد(4).
الثاني: أن قياسه على وجوب المسلم فيه من الحنطة، ولو رخص، قياس مع الفارق أيضاً؛ لأن المسلم لا يفوت مقصوده بذلك ثم إنه ليس المنظور إليه في الحنطة ثمنيتها أو ماليتها بخلاف النقود.
رابعاً: إيجاب القيمة إلغاء لما تم عليه العقد وتغيير لما لزمه به، وهذا ظلم لمن وجبت عليه النقود، وأكل للمال بالباطل(5).
__________
(1) ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (57)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (118)، قاعدة اليقين لا يزول بالشك للدكتور الباحسين ص (104).
(2) ينظر: حاشية رد المحتار (4/534)، التفريع (2/158).
(3) ينظر: المعيار المعرب (6/106)، مغني المحتاج (2/17).
(4) ينظر: المعيار المعرب (6/445)، الحاوي الكبير (5/149-150)، الفتاوى الفقهية الكبرى (2/227).
(5) ينظر: المعيار المعرب (6/450، 462)، فتاوى الرملي (2/169-170).(1/84)
نوقش هذا: بأن إيجاب القيمة ليس من أكل المال بالباطل، بل هو منع من وقوع الظلم على من له النقود بسبب الكساد، وفي إيجاب القيمة تحقيق للعدل؛ لأن قيمة الشيء بمنزلته عند تعذره، فكان ذلك هو العدل الممكن(1).
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول بأن كساد النقود الخلقية إذا كانت ثمناً أو أجرة يزيل ماليتها التي جرى عليها العقد، وهذا يفضي إلى جهالة الثمن والأجرة فيفسد بذلك العقد؛ لكونها جهالة تفضي إلى المنازعة(2). أما في القرض فالواجب رد مثله؛ لأنه إعارة توجب رد العين معنى، وهو مضمون بمثله، ورد القيمة يفضي إلى الربا(3). وأما المهر فهو مبذول في ((عقد لا يقتضي المغابنة والمكاسبة، وإنما يقتضي المواصلة والمكارمة))(4)، فلا يجب إلا ما تم عليه العقد، ومثله الإقالة فإنها إحسان وبر.
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن الأصل لزوم العقد وصحته وعدم إبطاله فلا ينتقل عنه إلا بدليل(5)، ولا دليل على بطلانه وعدم لزومه في عقدي البيع والإجارة.
__________
(1) ينظر: المعيار المعرب (6/445)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (29/409).
(2) ينظر: شرح فتح القدير (6/264-267)، تبيين الحقائق (4/142-144).
(3) ينظر: المبسوط (14/30)، شرح فتح القدير (7/157)، حاشية الشلبي (2/138)، مجمع الأنهر (2/122)، حاشية رد المحتار (5/162)، الفتاوى الهندية (1/309-310).
(4) المنتقى شرح الموطأ للباجي (3/234).
(5) ينظر: المبسوط (13/40-41)، حاشية رد المحتار (4/565)، الفروق للقرافي (4/13)،= =مواهب الجليل (4/409)، فتح العزيز شرح الوجيز (4/160)، مغني المحتاج (2/43)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (29/466)، معونة أولي النهى (4/115)، الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي ص (223-225).(1/85)
الثاني: أن ما ذكر من الجهالة في الثمن والأجرة بسبب الكساد غير مسلم؛ لأن إيجاب رد القيمة يرفع الجهالة إذ الواجب لما عجز عن الأصل بصفته رد مثل ما التزم فيلزمه قيمته.
الثالث: أن إيجاب رد المثل في القرض ، وما ألحق به من العقود لوجوب المثل قد تقدم الجواب عليه في مناقشة أدلة القول الثاني(1).
الرابع: أن قولهم بأن إيجاب القيمة فيها يفضي إلى ربا النسيئة غير مسلم؛ لما روى ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله! إني أبيع الإبل بالبقيع(2)، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذا من هذه. وأعطي هذه من هذا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء))(3)
__________
(1) ص (107).
(2) البقيع: اسم يقال للموضع الذي فيه شجر. وهو موضع بمدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ذا شجر وزال وبقي الاسم وفيه المقبرة.
…[ ينظر: معجم ما استعجم من أسماء البلدان (1/265)، معجم البلدان (1/473)].
(3) أخرجه أحمد، رقم (4883) (2/33)، وأبو داود في كتاب البيوع، باب في اقتضاء الذهب من الورق، رقم (3354، 3355)، ص (521)، والنسائي في كتاب البيوع، باب أخذ الورق من الذهب، رقم (4593)، ص (632)، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في الصرف، رقم (1242)، ص (303)، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب، رقم (2262)، ص (244).
…وقال الترمذي: ((هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر)). وقد صححه الحاكم في المستدرك (2/44)، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان كما في الإحسان رقم (4920) (11/287)، وابن عبدالبر في التمهيد (6/292)،= =والنووي في المجموع شرح المهذب (9/273)، وحسنه السبكي في تكملة المجموع شرح المهذب (10/110-111)، وقد ضعفه ابن حزم في المحلى (8/504).(1/86)
. وهذا يدل على جواز أن يقضي عن الذهب الفضة وعن الفضة الذهب(1) بشرط ألا يفارقه حتى يقبض ماله منعاً للنسيئة(2). وعلى هذا فإن اقتضاء الذهب عن الفضة الكاسدة أو الفضة عن الذهب الكاسد لا يحصل به ربا النسيئة إذا تفرقا وليس بينهما شيء.
الخامس: أن قولهم في المهر بأنه مبني على المواصلة والمكارمة لا ينافي إيجاب القيمة؛ لأن رد المهر بالعيب ثابت(3)، والكساد في النقود عيب يوجب الرد ويثبت للمرأة القيمة لتعذر المثل، وكذلك الإقالة.
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح من هذه الأقوال هو القول الأول، وأنه إذا كسدت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها فالواجب رد قيمتها؛ وذلك لقوة تعليلاته، وضعف حجج القولين الآخرين، وعدم سلامتها من المناقشات. وقد احتاط القائلون بوجوب القيمة في حالة كساد النقود الخلقية من الوقوع في الربا، وذلك بتقدير قيمتها من غير جنس النقد الكاسد، فإذا كانت النقود الكاسدة من الذهب أخذ قيمتها من الفضة، والعكس بالعكس(4).
المسألة الثانية: تغير النقود الخلقية بالانقطاع
الانقطاع عند الفقهاء يكون بفقد النقد من أيدي الناس، وألا يوجد في الأسواق كما تقدم(5).
__________
(1) ينظر: التمهيد لابن عبدالبر (16/8-10)، سبل السلام (3/34).
(2) ينظر: المبسوط (20/161)، شرح فتح القدير (6/519)، المدونة الكبرى (4/137)، التلقين للقاضي عبدالوهاب (2/378)، المجموع شرح المهذب (9/275)، مغني المحتاج (2/70)، الفروع (4/166)، قواعد ابن رجب ص (81)، مطالب أولي النهى (3/185)، الفتاوى السعدية ص (351).
(3) المنتقى شرح الموطأ للباجي (3/234).
(4) ينظر: نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليها (3/413)، الإنصاف (5/128)، منح الشفا= =الشافيات ص (169)، الدرر السنية (5/108).
(5) ص (58).(1/87)
وقد اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ فيما يترتب على انقطاع النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها نظير اختلافهم في كسادها؛ فالأقوال فيها ثلاثة:
القول الأول: أنه إذا انقطعت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها، فالواجب رد قيمتها.
وهذا هو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية(1)، وهو المشهور عند المالكية(2)، والمذهب عند الشافعية(3)، والحنابلة(4).
القول الثاني: أنه إذا انقطعت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها، فالواجب رد مثل ما ثبت في الذمة في جميع العقود.
وهذا قول بعض الحنفية(5)، وهو قول عند المالكية(6).
القول الثالث: التفصيل؛ فإذا انقطعت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها، فهي كالكساد في الثمن والأجرة، أما القرض فالواجب رد مثل ما اقترض، ويجبر المقرض على التأخير حتى يصل إلى حقه.
وهذا هو قول أبي حنيفة(7).
أما الأدلة لهذه الأقوال فهي نفس ما استدلوا به في مسألة الكساد، ولئلا أقع في التكرار، فسأقتصر على ذكر الزائد من الأدلة على ما تقدم فقط:
__________
(1) ينظر: تبيين الحقائق (4/142)، حاشية رد المحتار (5/163)، الفتاوى الهندية (3/225).
(2) ينظر: حاشية الدسوقي (3/45)، الخرشي على مختصر خليل (5/55)، المعيار المعرب (5/46).
(3) ينظر: تحفة المحتاج (4/258)، الحاوي للفتاوي (1/129)، حاشية قليوبي و عميرة (2/162)، فتاوى الرملي (3/64).
…تنبيه: إنما تجب القيمة في الانقطاع عند الشافعية إذا لم يكن للنقد المنقطع مثل له قيمة.
(4) ينظر: الفروع (2/121)، المبدع (4/208)، التوضيح للشويكي (2/654).
(5) ينظر: حاشية رد المحتار (4/534)، مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/58).
(6) ينظر: مواهب الجليل (4/340)، منح الجليل (4/531)، المعيار المعرب (5/46).
(7) ينظر: تبيين الحقائق (4/142)، الفتاوى الهندية (3/225).(1/88)
أولاً: استدل المالكية في المشهور والشافعية على وجوب القيمة عند الانقطاع بأن الانقطاع فَقْد لما تم عليه العقد مما لا يمكن تحصيله ولا تحصيل مثله فتعين الأخذ بقيمته(1).
ثانياً: استدل أبو حنيفة(2) على وجوب المثل في حال الانقطاع بأن الانقطاع بمنزلة الهلاك للعين المستحقة، ((ومن مذهبه أن الحق لا ينقطع عن العين بالهلاك))(3).
الترجيح
الراجح من هذه الأقوال هو القول الأول؛ وأن الواجب رد قيمة النقود؛ لقوة ما استندوا إليه من تعليلات لم تقم لها حجج الأقوال الأخرى.
المسألة الثالثة: تغير النقود الخلقية بالغلاء والرخص
غلاء النقود الخلقية من الذهب والفضة عند الفقهاء هو ارتفاع قيمتها, وأما رخصها فهو نقصانها كما تقدم(4).
وقد اتفقت المذاهب الأربعة الحنفية(5)
__________
(1) ينظر: المبسوط (11/50)، مواهب الجليل (4/341)، الحاوي الكبير (5/150)، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء (5/214)، الممتع في شرح المقنع (3/213).
(2) أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، الإمام، الفقيه، عالم العراق، وإمام أصحاب الرأي، أحد أئمة المذاهب الأربعة المتبوعة، صاحب حجة ونظر، توفي عام (150هـ).
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (6/390)، الجواهر المضيئة (1/26)].
(3) حاشية رد المحتار (5/163-164).
(4) ص (59).
(5) ينظر: بدائع الصنائع (5/242)، حاشية رد المحتار (4/534)، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (1/280).
…تنبيه: أجرى بعض الحنفية خلاف أبي يوسف في غلاء الفلوس ورخصها على غلاء النقود من الذهب والفضة ورخصها، وذلك غير صحيح. قال ابن عابدين ~ بعد الإشارة إلى ذلك في تنبيه الرقود (2/62) نقلاً عن شيخه: ((وإياك أن تفهم أن خلاف أبي يوسف جار حتى في الذهب والفضة…, فإنه لا يلزم لمن وجب له نوع منها سواه بالإجماع، فإن ذلك الفهم خطأ صريح ناشىء عن عدم التفرقة بين الفلوس والنقود)). وممن نفى الخلاف في ذلك الكاساني في بدائع الصنائع.(1/89)
، والمالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3) على أنه لا يجب في حال غلاء النقود الخلقية من الذهب والفضة أو رخصها إلا ما ثبت في الذمة منها، وقد حكي الإجماع على ذلك(4).
وقد استدلوا لذلك بما يأتي:
أولاً: أن النقود الخلقية من الذهب والفضة من المثليات ، فالواجب فيها المثل غلت أو رخصت(5).
ثانياً: أن النقود الخلقية من الذهب والفضة أثمان بالخلقة لا بالاصطلاح، فغلاؤها ورخصها لا تنعدم به ثمنيتها، ولكن تتغير بتغير رغائب الناس، وذلك غير معتبر، فلا يجب غيرها(6).
ثالثاً: أن النقود الخلقية من الذهب والفضة إذا ثبتت بالذمة لم يجب بدلها؛ لنقصان قيمتها قياساً على ما لو وجب بر أو شعير أو غيره فإنه لا يجب غيره(7).
المطلب الثاني: التغيرات في النقود الاصطلاحية
__________
(1) ينظر: البيان والتحصيل (6/487)، الكافي لابن عبدالبر ص (309)، البهجة في شرح التحفة (2/223)، بلغة السالك (2/386).
(2) ينظر: الأم للشافعي (3/33)، الحاوي للفتاوي (1/129)، مغني المحتاج (2/17)، تحفة المحتاج (4/258).
(3) ينظر: الفروع (4/203)، شرح منتهى الإرادات (3/325)، كشاف القناع (3/314-315)، غاية المنتهى (2/83).
(4) ينظر: بدائع الصنائع (5/242)، رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/62)، حاشية رد المحتار (4/534).
(5) ينظر: حاشية رد المحتار (4/534)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (2/158)، نهاية المحتاج (3/413)، المغني (6/441-442).
(6) ينظر: المبسوط (14/30)، بدائع الصنائع (5/242)، التفريع (2/158).
(7) ينظر: المعيار المعرب (6/106)، الحاوي الكبير (5/149)، الشرح الكبير لابن أبي عمر (12/336)، المبدع (4/207).(1/90)
يطلق الفقهاء النقود الاصطلاحية على ما اصطلح الناس على قبوله ثمناً من غير الذهب والفضة كالفلوس والنقود الذهبية والفضية الغالبة الغش(1).
أما التغيرات التي تطرأ على النقود الاصطلاحية فهي كالتغيرات التي تعتري النقود الخلقية: تغيرها بالكساد، وتغيرها بالانقطاع، وتغيرها بالغلاء والرخص غير أن التغيرات في النقود الاصطلاحية تختلف عن التغيرات في النقود الخلقية من جهتين:
أولاً: أن التغير في النقود الخلقية لا يلغي قيمتها بالكلية؛ لأن ثمنيتها بأصل الخلقة. أما النقود الاصطلاحية فإن التغير فيها قد يلغي قيمتها؛ لأن ماليتها بالاصطلاح فإذا انتفى الاصطلاح انتفت الثمنية(2).
ثانياً: أن التغير في النقود الخلقية أقل بكثير من حيث وقوعه وصفته من التغير في النقود الاصطلاحية فإن ثمنيتها وقيمتها سريعة التبدل، بل ((تتبدل ساعة فساعة))(3).
المسألة الأولى: تغير النقود الاصطلاحية بالكساد
__________
(1) ينظر: المبسوط (12/137، 184)، شرح فتح القدير (7/155)، مجمع الأنهر (2/120)، المغني (5/110)، الإنصاف (5/411-412). =
…=النقود الغالبة الغش: هي أن تكون كمية الذهب أو الفضة في النقود أقل من الكمية المعدنية الممزوجة معها كأن يكون الثلث فضة أو ذهباً والثلثان نحاساً أو غيره من المعادن الأخرى.
…[ ينظر: درر الحكام (1/124)].
(2) ينظر: بدائع الصنائع (7/395)، البحر الرائق (6/142)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (4/135)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/392)، شرح منتهى الإرادات (3/260).
(3) شرح فتح القدير (6/170)، وينظر: المبسوط (12/137، 183-184)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (5/156).(1/91)
اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ فيما يترتب على كساد النقود الاصطلاحية كاختلافهم في كساد النقود الخلقية. فالأقوال في المسألتين متفقة، وكذلك قائلوها(1).
بيد أن بعض متأخري أصحاب أبي حنيفة حمل قوله بأن البيع يبطل على أنه يخرج من أن يكون لازماً، فيكون للبائع الخيار بين نقض العقد وبين إمضائه(2). وهذا وجه عند الشافعية كما تقدمت الإشارة إليه في كساد النقود الخلقية(3)، وقد قال عنه النووي(4)~: ((وفيه وجه شاذ ضعيف أنه مخير))(5).
أما أدلة هذه الأقوال فهي قريبة من أدلة الأقوال في مسألة كساد النقود الخلقية من حيث المعنى، ولهذا فإنني سأذكر ما اختصت به هذه المسألة من أدلة، ولم يسبق له ذكر في مسألة كساد النقود الخلقية.
أدلة القول الأول:
__________
(1) ينظر: ص (113-114)، بدائع الصنائع (5/242، 7/395)، مجمع الضمانات ص (117،= =447)، المدونة الكبرى (3/444، 5/321)، مواهب الجليل (4/339)، الأم للشافعي (3/33)، نهاية المحتاج (3/413)، الفروع (4/202-203)، كشاف القناع (3/315).
(2) ينظر: المبسوط (14/28)، البحر الرائق (6/143).
(3) ص (103).
(4) يحيى بن شرف بن مري الخزامي النووي، أبو زكريا، من كبار فقهاء الشافعية، له تصانيف كثيرة نافعة، منها: المجموع شرح المهذب، روضة الطالبين وعمدة المفتين، شرح صحيح مسلم، رياض الصالحين، توفي سنة (676هـ).
…[ ينظر: طبقات الشافعية الكبرى (5/165)، شذرات الذهب (5/354)، فوات الوفيات (3/334)].
(5) روضة الطالبين (3/365)، ينظر: المجموع شرح المهذب (9/282)، وتكملته للسبكي (10/142).(1/92)
استدل أصحاب هذا القول بأن الوصف المقصود في النقود الاصطلاحية هو ثمنيتها، وقد زال هذا الوصف بكسادها فصارت بذلك كالنقود التالفة؛ ((لأن المقصود منها الرواج فهو لها كالحياة))(1)، فيتعذر بذلك ردها للدائن بعد فوات هذا الوصف ووجب له قيمتها(2).
وهذا الدليل هو أول أدلة القول الأول في مسألة كساد النقود الخلقية. والفارق بين المسألتين أن الكساد في النقود الاصطلاحية قد يلغي قيمتها بالكلية فتكون بمنزلة النقود التالفة بخلاف الكساد في النقود الخلقية فإنه لا يلغي قيمتها بالكلية كما تقدم(3). وعلى هذا فإن بذل هذه النقود الكاسدة التي لا نفع فيها ظلم لمستحقها؛ لأنه إنما قصد بالمعاملة عوضاً منتفعاً به لا ما لا نفع فيه(4).
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: أن الفلوس مثلية فيجب فيها رد المثل كسائر المثليات(5)، والكساد لا يلغي هذا الوصف عنها(6).
__________
(1) البحر الرائق (6/143).
(2) ينظر: مجمع الأنهر (2/121)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/20)، حاشية رد المحتار (5/162، 268).
(3) ص (103).
(4) ينظر: عقد الجواهر الثمينة (2/387)، حاشية الرهوني (5/120)، حاشية المدني (5/118).
(5) ينظر: قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (54).
(6) ينظر: المبسوط (14/30)، بدائع الصنائع (5/242)، البناية شرح الهداية (7/530)، المدونة الكبرى (4/113، 5/321)، الأم (3/33)، الحاوي للفتاوي (1/129).(1/93)
يناقش هذا: بأن المقصود من الفلوس هو ماليتها لا عينها وذاتها، والكساد يذهب بهذه الصفة ويلغيها، ولا يبقى إلا العين التي تتعلق بها المثلية، وهي غير مقصودة للمتعاقدين(1). فلا يسوغ إهمال مقصود العقد والتمسك بما لم يقصده المتعاقدان؛ لما في ذلك من الظلم، والخروج بالعقود عن مقاصدها. ووجه الظلم في ذلك أنه بكساد الفلوس تغير موجب العقد الذي هو ملك فلوس هي ثمن بعد الكساد لم يبق في الذمة فلوس بهذه الصفة فتجب قيمتها(2)؛ لأن المثلية بعد الكساد متعذرة فلم يبق إلا التماثل من حيث القيمة(3).
ثانياً: أن كساد النقود الاصطلاحية الفلوس كجائحة(4) نزلت بمال المستحق، فليس له إلا ما تم عليه العقد(5).
يناقش هذا: بأن مقتضى القول بأن كساد النقود الاصطلاحية الفلوس جائحة من جوائح الأموال أن يدفع الضرر عمن فات غرضه ولحقه الضرر بدخول النقص عليه، وذلك بفعل ما يدفع ضرره أو يخففه. وقد ذكر بعض الفقهاء أن نقصان سعر المبيع جائحة توجب الوضع عن المتضرر(6)، فكيف بالكساد الذي هو هلاك القيمة بالكلية؟
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول بأن إيجاب القيمة في كساد النقود الاصطلاحية فيما إذا كان الدين قرضاً يفضي إلى ربا النسيئة(7).
__________
(1) ينظر: المبسوط (14/22، 16/34)، نهاية المحتاج (4/90-91).
(2) ينظر: المبسوط (13/198)، بدائع الصنائع (7/395)، الفتاوى الهندية (3/225).
(3) ينظر: المغني (6/108)، شرح منتهى الإرادات (3/274)، الدرر السنية (5/112).
(4) الجائحة: ما لا يستطاع دفعه ولا تضمينه إذا أتلف العوض أو نقصه قبل قبضه.
…[ ينظر: الجوائح وأحكامها ص (28)].
(5) ينظر: مواهب الجليل (4/340)، حاشية الرهوني (5/120).
(6) ينظر: المحلى (8/385).
(7) ينظر: المبسوط (14/30).(1/94)
وقد تقدم الجواب على هذا في مسألة كساد النقود الخلقية، وأنه إذا اعتاض عنه من غير جنسه، وتفرقا وليس بينهما شيء فقد سلم من الربا(1). وكذلك النقود الاصطلاحية إذا كسدت فإنه يعتاض عنها قيمتها من الذهب أو الفضة(2). بل لو اعتاض عنها من الفلوس الجديدة لم يكن في ذلك ربا؛ لأن جمهور أهل العلم على أن الفلوس ليست من الأموال الربوية(3)، أما من يقول بأنه يجري فيها الربا فإنما يقول ذلك في حال رواجها فإذا كسدت فإنما هي سلعة يجب رد قيمتها(4).
الترجيح
الذي يترجح من هذه الأقوال هو القول الأول، وأن كساد النقود الاصطلاحية بعد التعامل بها وقبل قبضها يوجب رد قيمتها؛ وذلك لقوة تعليلاته وسلامتها من المناقشات، والله أعلم بالصواب.
المسألة الثانية: تغير النقود الاصطلاحية بالانقطاع
اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ فيما يترتب على انقطاع النقود الاصطلاحية نظير اختلافهم في انقطاع النقود الخلقية: أقوالاً، وقائلين، واستدلالاً وترجيحاً(5).
المسألة الثالثة: تغير النقود الاصطلاحية بالغلاء والرخص
اختلف الفقهاء فيما يترتب على غلاء النقود الاصطلاحية الفلوس ورخصها(6) بعد التعامل بها وقبل قبضها على قولين في الجملة:
القول الأول: أنه إذا غلت النقود الاصطلاحية الفلوس أو رخصت بعد التعامل بها وقبل قبضها فالواجب رد قيمتها.
__________
(1) ص (111).
(2) ينظر: المبسوط (14/30)، شرح فتح القدير (7/157)، حاشية رد المحتار (5/162)، مواهب الجليل (4/340).
(3) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (26/370-372).
(4) ينظر: بدائع الصنائع (5/242).
(5) ص (112).
(6) لم يذكر الفقهاء فيما عدا الرهوني فيما وقفت عليه من كلامهم حداً للرخص الذي يجري فيه هذا الخلاف، و سأتناول ذلك في الترجيح.(1/95)
وهذا ما ذهب إليه أبو يوسف، وعليه الفتوى عند الحنفية(1)، وقول عند الحنابلة(2) اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقل عنه(3)، والرهوني(4) المالكي فيما إذا كان التغير كثيراً(5).
__________
(1) ينظر: المبسوط (22/34)، البحر الرائق (6/219)، مجموع رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود ص (58)، حاشية رد المحتار (4/534).
(2) ينظر: الفروع (4/203)، الإنصاف (5/127)، المبدع (4/207).
(3) ينظر: منح الشفا الشافيات ص (170)، الدرر السنية (5/110-111).
(4) محمد بن أحمد بن محمد الرهوني، فقيه مالكي، آلت إليه الفتوى في المغرب، له تآليف مفيدة، منها: حاشيته على شرح الزرقاني، توفي سنة (1230هـ).
…[ ينظر: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص (378)، معجم المؤلفين (3/109)].
(5) ينظر: حاشية الرهوني (5/121)، حاشية المدني (5/118).
…تنبيهان:
…أولاً: عدَّ بعض الباحثين قول الرهوني قولاً مستقلاً، والذي يظهر لي أن في هذا نظراً؛ لأن قول الرهوني موافق للقائلين بالقيمة أو قريب منه؛ لأن الرخص الذي يثبت للدائن القيمة هو ما كان عيباً كما سيتبين، وقد وقفت على كلام للدكتور رفيق المصري متفق مع هذا حيث قال عن قول الرهوني: ((ولعل هذا القول الثالث تفسير القول الثاني فيكمله. ولا يُعدُّ قولاً ثالثاً)).
…ثانياً: حاول بعض الفقهاء المعاصرين حمل كلام الرهوني على حال انقطاع الفلوس لا على رخصها، ولكن هذه المحاولة غايتها نفي القول عن الرهوني لكنها لا تلغي هذا القول،=
…=والذي يظهر لي أن كلام الرهوني في رخص الفلوس لا انقطاعها حيث قال: ((وأما إذا تغيرت بزيادة أو نقص فلا. وممن صرح بذلك أبو سعيد بن لب. قلت: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر ذلك جداً حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه لوجود العلة التي علل بها المخالف، والله أعلم)).
…[ ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ص (168-169)، الجامع في أصول الربا ص (237)].(1/96)
القول الثاني: أنه إذا غلت النقود الاصطلاحية الفلوس أو رخصت بعد التعامل بها وقبل قبضها فالواجب بذل ما تم التعاقد عليه ولا نظر إلى هذه التغيرات.
هذا ما ذهب إليه أبو حنيفة ~، وقال به أبو يوسف أولاً(1)، وهو مشهور مذهب المالكية(2)، ومذهب الشافعية(3)، والحنابلة(4).
أدلة القول الأول
أولاً: أن نقصان قيمة النقود الاصطلاحية الفلوس بالرخص بعد التعامل وقبل القبض عيب فيها فلا يلزم الدائن قبولها(5)؛ لأن من أهم أوصاف الفلوس رغبة الناس فيها وقبولها وسيطاً للتبادل وذلك مرتبط بقوتها الشرائية، وبرخصها يفوت هذا الوصف. فإلزام الدائن بها بعد تعيبها ظلم ومخالفة لمقتضى العدل.
يناقش هذا: بأن التغير بالرخص لا يوجب ثبوت القيمة كما لو رخصت النقود الخلقية من الذهب والفضة(6).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (5/242)، شرح فتح القدير (7/156)، البحر الرائق (6/219-220)، حاشية رد المحتار (4/534، 5/162، 269).
(2) ينظر: المدونة الكبرى (3/116)، المعونة للقاضي عبد الوهاب (2/1024)، مواهب الجليل (4/341)، البهجة في شرح التحفة (2/23).
(3) ينظر: تحفة المحتاج (4/258)، حاشية الجمل على شرح المنهاج (3/38)، الحاوي للفتاوي (1/129)، فتاوى الرملي (3/192).
(4) ينظر: منتهى الإرادات (1/398)، الإقناع للحجاوي (2/304-305)، الممتع شرح المقنع (3/208).
(5) ينظر: مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود ص (62)، حاشية الرهوني (5/120)، مطالب أولي النهى (3/242).
(6) ينظر: ص (114).(1/97)
يجاب على هذا: بأنه قياس مع الفارق ، فإن تغير القيمة في النقود الاصطلاحية الفلوس كثير جداً بخلاف النقود الخلقية، كما أن قدر التغير في قيمتها قد يكون كبيراً فيلحقها بما لا فائدة فيه(1). وعليه فإنه يمتنع القياس مع هذه المخالفة؛ لأن من شروط صحة القياس استواء الأصل والفرع في علة واحدة من غير فارق بينهما(2).
ثانياً: أن رد قيمة النقود الاصطلاحية الفلوس إذا غلت أو رخصت بعد التعامل بها وقبل قبضها جارٍ على سنن العدل الواجب في جميع المعاملات(3). وذلك ((أن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل))(4), فردها بعد نقص قيمتها لا يتحقق به المثلية ؛لأن المثلية إنما تكون بالمثل من حيث الصورة والمعنى أو بالمثل من حيث المعنى أي القيمة(5). وبالرخص تتعذر المثلية الكاملة فتجب القيمة؛ لما فيه من الضرر على الدائن بنقص القيمة(6).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (5/242).
(2) ينظر: التحبير شرح التحرير (7/3116-3125).
(3) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/97)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (28/385)، الموافقات للشاطبي (3/47).
(4) الدرر السنية (5/112)، ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (29/414).
(5) ينظر: المبسوط (14/16)، بدائع الصنائع (5/26- 27، 6/160، 7/149)، المجموع شرح المهذب (10/107)، المغني (7/480).
(6) ينظر: المبسوط (14/30)، المنثور في القواعد (2/337)، كشاف القناع (3/314)، شرح القواعد الفقهية للزرقا ص (174).(1/98)
وقد ذكر الفقهاء أمثلة لعدم اعتبار المثلية إذا كانت تفوت معنى مقصوداً ، فالماء على سبيل المثال مثلي فإذا غصب في غلاء أو صحراء فلا يكفي رد مثله في حال السعة والرخاء؛ لكون رد المثل يهدر القيمة والمالية فيجب اعتبار الزمان والمكان والحال في الرد(1). وقد ذكر فقهاء الحنابلة أيضاً أن من أقرض حنطة ثم ابتلت أو عفنت فإنه لا يلزم الدائن قبولها إذا ردت عليه؛ لأن عليه في ذلك ضرراً(2)، و ((لأنه لم يدفع ذلك على صفة حقه))(3). وفي كلام الإمام مالك ~ ما يشعر بعدم اعتبار المثلية الصورية في الفلوس حيث لم يرَ جواز أن يكون رأس مال المضاربة(4) من الفلوس وعلل ذلك، فقال ~: ((لا أراه جائزاً؛ لأنها تحول إلى الكساد والفساد فلا تنفق))(5).
ثالثاً: أن الدائن دفع شيئاً منتفعاً به ليأخذ شيئاً منتفعاً به فلا يظلم بإعطائه مالا نفع فيه(6).
يناقش هذا: بأن الرخص في النقود الاصطلاحية الفلوس لا يصيّرها كذلك إذ إنه لا يلغي قيمتها بالكلية.
__________
(1) ينظر: الفروق للقرافي (1/214)، قواعد الأحكام (1/180-181)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (518)، مغني المحتاج (2/282)، مطالب أولي النهى (4/53).
(2) ينظر: كشاف القناع (3/314).
(3) الممتع شرح المقنع (3/208).
(4) المضاربة: هي نوع من أنواع الشركة في الربح يكون فيها رأس المال من طرف، والعمل والسعي من الطرف الآخر.
…[ ينظر: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (312)، القاموس الفقهي ص (222)].
(5) المدونة الكبرى (5/86).
(6) ينظر: حاشية الرهوني (5/120).(1/99)
يجاب: بأن رخص النقود الاصطلاحية الفلوس إذا كان شديداً أو كثيراً فإنه يفسدها ويفقد الثقة بها، فيسارع الناس إلى التخلص منها لفساد المعاملة بها وعدم صلاحيتها ثمناً تقوّم به الأشياء. وهذا هو المراد بقول المستدل: فلا يظلم بإعطائه ما لا نفع فيه. أما إذا كان رخص النقود الاصطلاحية غير شديد بأن يكون يسيراً لا يعد غبناً في العادة فهذا غير معتبر؛ لأنه لا يفوت به غرض صاحب الحق ولا يلحقه به ضرر. ويتبين هذا بمعرفة أن من أخص صفات الثمن وأهمها كونه ((المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض))(1) ارتفاعاً وانخفاضاً يفقده هذه الصفة الرئيسة من صفات النقود.
رابعاً: قياس رخص النقود الاصطلاحية الفلوس على كسادها بجامع أنهما نقصان في القيمة. وذلك عيب يثبت القيمة في الكساد فكذلك في الرخص(2).
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن الكساد يلغي القيمة بالكلية فهو نقصان إبطال بخلاف الرخص فالعيب به لا يلغي القيمة بالكلية.
يجاب: بأن وجه القياس هو إثبات القيمة لأجل العيب بالنقص سواء أفضى إلى الكساد والإبطال أو إلى الرخص فقط.
الثاني: أنه قياس على أمر مختلف فيه فإن العلماء قد اختلفوا فيما يترتب على كساد الفلوس كما تقدم(3)، فلا يصح القياس؛ لأن من شرطه أن يكون الأصل متفقاً عليه(4).
أدلة القول الثاني
أولاً: أن رخص النقود الاصطلاحية الفلوس وغلاءها لا يبطل ثمنيتها فلا يجب غيرها(5).
يناقش هذا: بما تقدم في أدلة القول الأول من أن رخص النقود الاصطلاحية وإن لم يلغ ثمنيتها فإنه ينقصها وقد يفقد الثقة بها ويزهد في قبولها. وهذا عيب يثبت للدائن وجوب رد القيمة.
__________
(1) إعلام الموقعين (2/137).
(2) ينظر: منح الشفا الشافيات ص (170).
(3) ص (116).
(4) ينظر: أصول الفقه لابن مفلح (3/723)، التحبير شرح التحرير (7/3165).
(5) ينظر: المبسوط (14/30)، بدائع الصنائع (5/242).(1/100)
ثانياً: أن رخص النقود الاصطلاحية الفلوس وغلاءها لا يسقط عنها وصف المثلية فيجب فيها المثل للدائن(1).
يناقش هذا: بما تقدم(2) من أن المقصود من الفلوس ماليتها وثمنيتها لا عينها وذاتها، وفي حال الرخص تضعف المثلية المعنوية، وإن بقيت المثلية الصورية. ولهذا لا يمكن الجزم بأن رد مثل الفلوس للدائن بعد رخصها رد للمثل التام الكامل؛ لفوات المثلية المعنوية. ومما يجب اعتباره في المثل ((اعتبار ما فيه من المعاني التي تزيد بها القيمة، فيرد ما يجمع تلك كلها حتى لا يفوت عليه شيء))(3). فإذا تعذر ذلك فالمقدم هو المثلية المعنوية, فتجب القيمة ضرورة؛ لفوات المثلية المعنوية. ولأن المثلي يضمن بالقيمة إذا تعذر(4).
ثالثاً: أن إيجاب القيمة لرخص النقود الاصطلاحية الفلوس يفضي إلى فتح باب الربا(5)؛ لأنه اعتياض عن الدين بأكثر منه.
يناقش هذا بما يأتي:
__________
(1) ينظر: المبسوط (14/30)، مجموع رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود ص (5/321)، منح الجليل (4/531)، المجموع شرح المذهب (9/341)، الحاوي للفتاوي (1/129)، الشرح الكبير لابن أبي عمر (12/336)، شرح منتهى الإرادات (3/326).
(2) ص (117).
(3) تحفة المحتاج (5/24).
(4) ينظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/120).
(5) ينظر: تكملة شرح فتح القدير (9/328)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (560)، النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (497).(1/101)
الأول: أن علة منع الربا في الأموال الربوية هي ما فيه من الظلم وأكل المال بالباطل، فإن الزيادة التي يأخذها رب الدين يأخذها على غير عوض(1). وإيجاب رد القيمة لرخص النقود الاصطلاحية الفلوس ليس من ذلك؛ أما على قول الجمهور فانتفاء الربا في رد القيمة واضح؛ لأن الفلوس ليست من أموال الربا كما تقدم. وأما على القول بأنها ربوية فإن تقديرها يكون من غير جنسها، وعند ذلك ينتفي محذور الربا.
الثاني: أن الزيادة في مثل هذا لا تعدُّ من الربا المحرم إذ هي في الحقيقة تعويض لنقص القيمة التبادلية للفلوس فلا ظلم فيها، وإنما الظلم في الزيادة إذا كانت دون مقابل(2).
رابعاً: أن رخص النقود الاصطلاحية الفلوس وغلاءها لا يغير ما ثبت في الذمة كما لو رخصت الحنطة الواجبة في الذمة أو غلت(3).
نوقش هذا: بأنه قياس مع الفارق فإن الفلوس ثمن يعرف بها تقويم الأموال، وليست مقصودة لذاتها، أما الحنطة فهي قوت مقصود لذاته، والغلاء والرخص لا يؤثر على هذا المعنى بخلافه في الفلوس فرخصها عيب يؤثر فيها تأثيراً بالغاً(4).
الترجيح
الذي يظهر بالنظر إلى ما استدل به كل فريق أن أقرب القولين إلى الصواب القول الأول، وأنه إذا غلت النقود الاصطلاحية الفلوس أو رخصت بعد التعامل بها وقبل قبضها فالواجب رد قيمتها؛ لقوة ما استدلوا به.
__________
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (20/341،250، 29/419)، إعلام الموقعين (1/387)، الموافقات (4/40).
(2) ينظر: قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (231).
(3) ينظر: المبسوط (24/29)، الفتاوى الفقهية الكبرى (2/227-228)، المغني (6/442).
(4) ينظر: قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (194).(1/102)
والذي يظهر للباحث أيضاً أن ما صرح به الرهوني من اشتراط أن يكون التغير في قيمة الفلوس كبيراً للانتقال عن وجوب المثل إلى القيمة حيث قال ~: ((وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكثر ذلك جداً حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه))(1)، لا يختلف كثيراً عن قول غيره من القائلين بوجوب رد القيمة عند رخص الفلوس أو غلائها كما هو ظاهر من تعليلاتهم حيث عللوا وجوب القيمة إذا رخصت الفلوس أو غلت بأنه عيب، كما تقدم في أدلتهم. ويؤيد ذلك أيضاً ما ذكره الفقهاء في أوصاف العيب الذي يثبت الخيار، وأنه ما نقص القيمة أو العين نقصاً يفوت به غرض صحيح مما لا يتغابن الناس بمثله عادة ويغلب السلامة منه(2). وباستصحاب هذا يتبين أن التغير المؤثر هو الذي يفوت به غرض الدائن مما لا يتغابن الناس بمثله عادة ويلحقه به مضرة، وهذا ظاهر لمن تأمل كلامهم(3)، والله أعلم.
المبحث الثاني: التخريجات الفقهية للتضخم النقدي
التضخم النقدي هو أحد أنواع التغيرات التي تطرأ على النقود الورقية كما تقدم. وهو أمر حادث لم يتناوله الفقهاء المتقدمون. فمصطلح التضخم النقدي لم يرد له ذكر في كلامهم كما أن النقود الورقية التي هي محل التضخم النقدي لم تكن نقداً مستعملاً في وقتهم؛ لهذا وذاك فقد حاول الفقهاء المعاصرون تلمُّس تخريجٍ فقهيٍّ للتضخم النقدي، وقد سلكوا في ذلك عدة مسالك:
التخريج الأول: أن التضخم النقدي نوع من رخص النقود الاصطلاحية
__________
(1) حاشية الرهوني (5/121).
(2) ينظر: البحر الرائق (6/42)، حاشية رد المحتار (5/4)، بداية المجتهد (2/173)، الخرشي على مختصر خليل (5/35)، المنثور في القواعد (2/425)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (704)، مطالب أولي النهى (3/106)، الخيار وأثره في العقود ص (365).
(3) ينظر: المبسوط (14/30)، منح الشفا الشافيات ص (171)، الدرر السنية (5/112).(1/103)
ذهب جماعة من الفقهاء والباحثين إلى أن التضخم الذي يعتري النقود الورقية هو من قبيل رخص النقود الاصطلاحية الفلوس الذي تكلم عنه الفقهاء المتقدمون(1).
ووجه هذا أن الأوراق النقدية نقود اصطلاحية، والتضخم النقدي الذي يعتريها انخفاض في قيمتها الشرائية التبادلية، وهذا هو الذي عبّر عنه الفقهاء المتقدمون برخص النقود.
نوقش هذا التخريج بأمور:
أولاً: أن مصطلح التضخم النقدي لم يكن معروفاً من قبل، ولم يرد له ذكر في كلام الفقهاء المتقدمين.
يجاب على هذا: بأن حداثة المصطلح وجدّته لا يلزم منهما حداثة المعنى. فالتضخم النقدي مصطلح حديث لأمر قديم يعتري النقود منذ زمن بعيد لاسيما النقود الاصطلاحية بأنواعها المعدنية والورقية، كما تقدم بيانه في مبحث نشأة التضخم النقدي وتأريخه(2).
__________
(1) ينظر: شرح القواعد الفقهية للزرقا ص (174)، قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (203)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (1/290)، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (400)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (275)، أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض ص (111)، مجلة المسلم المعاصر، تقلبات القوة الشرائية، للدكتور شوقي دنيا، العدد (41)، ص (66)، آثار التضخم على العلاقات التعاقدية للدكتور رفيق المصري ص (17)، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة المدين، للشيخ بن بيه، العدد (30)، ص (9، 33)، مجلة البحوث الإسلامية، قيمة النقود وأحكام تغيراتها في الفقه الإسلامي، محمد علي بن حسين الحريري، العدد (40)، ص (343).
(2) ص (77).(1/104)
ثانياً: أن رخص الفلوس وغلاءها الذي تكلم عنه الفقهاء ليس هو ما يُعرف بالتضخم النقدي اليوم. وذلك لأن ما تكلم عنه الفقهاء من رخص الفلوس وغلائها ينحصر في علاقتها بالذهب والفضة فقط، وهذا يخالف المعيار الذي يعرف به التضخم النقدي، وهو انخفاض القوة التبادلية للنقود، وهي قيمة النقود إزاء مجموعة سلع وخدمات(1).
يجاب على هذا: بأن نسبة رخص الفلوس إلى الذهب والفضة لا يمنع من تخريج التضخم النقدي عليه؛ لأن هذه النسبة لا تعدو كونها معياراً ومؤشراً لمعدل الرخص ومقداره، فإن الذهب والفضة لم يكونا مجرد سلعة، بل كانا نقوداً تقوُّم بها الأشياء(2)، ولذلك نُسِبَ رخص الفلوس وغلاؤها إليهما، ولا يلزم من هذه النسبة انحصار ذلك في الذهب والفضة، بل يمتد ذلك وينعكس على سائر السلع(3)، فهذا الفرق غير مؤثر ولا مانع من تخريج التضخم النقدي الذي يصيب الأوراق النقدية على رخص الفلوس.
ثالثاً: أن الفلوس نقود مساعدة بخلاف الأوراق النقدية فإنها نقود أساسية، ولذلك لا يسوغ إلحاق التضخم النقدي الطارئ على الأوراق النقدية برخص الفلوس(4).
يجاب على هذا بما يأتي:
الأول: أن الفلوس استعملت نقوداً أساسية رئيسة يقوُّم بها كل شيء حتى الذهب والفضة كما تقدم بيانه(5).
الثاني: أنه على فرض التسليم بأن الفلوس نقود مساعدة فإن ذلك لا يمنع إلحاق الأوراق النقدية بها بجامع أنهما نقود اصطلاحية، وإن اختلفا في صفة الاستعمال.
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/579) (9/2/423، 688).
(2) ينظر: عدة البروق ص (687).
(3) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/577).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/579) (9/2/423).
(5) ص (62).(1/105)
الثالث: أن وظيفة النقود الأساسية على اختلاف أنواعها؛ الخلقية: الذهب والفضة، والاصطلاحية: المعدنية والورقية، أنها معيار لتقويم السلع والخدمات، فلا بد أن يعتريها نقص أو زيادة. فلا فرق بين الفلوس ولا غيرها من النقود الاصطلاحية، بل حتى النقود الخلقية:الذهب والفضة.
التخريج الثاني: أن التضخم النقدي المفرط نوع من كساد النقود
ذهب بعض الفقهاء والباحثين إلى أن التضخم النقدي المفرط الذي تنخفض فيه قيمة العملة انخفاضاً فاحشاً شديداً يلحق بكساد النقود وتجري عليه أحكامه.
ووجه هذا أن التضخم المفرط يخفض قيمة النقود حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه(1).
نوقش هذا التخريج بأمرين:
أولاً: أن كساد النقود عند الفقهاء هو ترك المعاملة بالنقود كما تقدم(2)، فمهما انخفضت قيمة النقود ورخصت فإن ذلك لا يعد كساداً ما دامت النقود يجري بها التعامل بين الناس كما هو ظاهر من كلام الفقهاء(3).
ثانياً: أنه ليس هناك حد محكم متفق عليه لنسبة التضخم النقدي التي يلحق فيها رخص النقود بالكساد، وهذا يفضي إلى الاضطراب والتنازع ففي حين أن بعض القائلين بهذا التخريج يرى أن هبوط قيمة العملة الورقية إلى ما دون النصف ملحق بحكم كسادها(4)، يرى آخرون أنها لا تلحق بالكساد إلا عندما تصبح النقود عديمة القيمة وبين هذين الرأيين بون شاسع(5).
التخريج الثالث: أن التضخم النقدي جائحة من جوائح الأموال
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/420، 423، 446، 614).
(2) ص (57).
(3) ينظر: ص (129).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/620).
(5) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/423).(1/106)
ذهب بعض الفقهاء إلى أن التضخم النقدي الطارئ على الأوراق النقدية يعتبر جائحة من الجوائح التي تصيب الأموال(1).
واختار هذا التخريج المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عام 1402هـ، ولكنه قيده بما إذا كان التضخم النقدي غير متوقع، ويترتب عليه خسائر جسيمة غير معتادة في العقود الطويلة الأجل(2).
واحتج القائلون بهذا التخريج بعدة أوجه:
أولاً: عموم قول جابر - رضي الله عنه -: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح(3). فإن الجوائح لا تختص الثمار فقط، بل تشمل أيضاً النقص في سائر عقود المعاوضات(4).
ثانياً: أن التضخم النقدي يشارك الجائحة في أن أحد طرفي العقد قد حصّل مقصوده، والآخر متضرر بالنقص الحاصل من جراء التضخم النقدي(5).
ثالثاً: أن التضخم النقدي يشارك الجائحة في كون الضرر الحاصل والنقص الداخل على أحد طرفي العقد لا يمكن دفعه، ولا يَدَ له في حصوله(6).
ويناقش هذا التخريج بأمرين:
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/446، 625)، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة المدين، للشيخ عبد الله بن بيه، العدد (30)، ص (39).
(2) ينظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (6/8/341).
(3) رواه مسلم، كتاب المساقاة ، باب وضع الجوائح، رقم (1554).
(4) ينظر: مجموع الفتاوى (30/266).
(5) ينظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، ، حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة المدين، للشيخ عبد الله بن بيه، العدد (30)، ص (40).
(6) ينظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، ، حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة المدين، للشيخ عبد الله بن بيه، العدد (30)، ص (40).(1/107)
أولاً: أن هناك فرقاً بين الجوائح في الأموال وبين التضخم النقدي الذي يصيب الأوراق النقدية، حتى على القول بأن الجوائح لا تختص الثمار. وهو أن النقص في الجوائح داخل على عين المعقود عليه مباشرة أو على ما يؤثر فيها. ثم إن غاية ما في وضع الجوائح رجوع كل طرف بالذي له. أما التضخم النقدي ففيه تضرر أحد طرفي العقد بأمر خارج، وهو رخص النقود الثابتة في الذمة، فلا يعد ذلك جائحة؛ لأن انحطاط سعر العين بعد العقد عليها لا يثبت به شيء لمن انتقلت إليه بالعقد(1).
ثانياً: أن وضع الجوائح لا يتضمن الإضرار بأحد المتعاقدين لأجل حفظ مصلحة الآخر، بل الذي يقصد منه هو عدم أخذ المال بغير حق. ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث وضع الجوائح: ((بمَ تأخذ مال أخيك بغير حق))(2). أما اعتبار التضخم النقدي الطارئ على الأوراق النقدية جائحة فيتضمن إلحاق الضرر بأحد طرفي العقد لتخفيفه عن الآخر، ومن القواعد الفقهية المشهورة أن الضرر لا يزال بضرر(3)، فليست مراعاة حق أحد العاقدين أولى من الآخر(4).
وقد اختلف القائلون بهذا التخريج في نسبة التضخم النقدي التي يُعدُّ بها من الجوائح على أربعة أقوال(5):
__________
(1) ينظر: إعلام الموقعين (2/339).
(2) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، رقم (1554)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(3) ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (96)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (176).
(4) ينظر: حاشية الرهوني (5/121).
(5) تنبيه: أصل هذا الخلاف مبني على الخلاف في مقدار الجائحة التي يثبت لها حكم الوضع،
…وقد اختلفوا في ذلك على قولين: =
= …الأول: يوضع قليل الجائحة و كثيرها.
…الثاني: لا توضع الجائحة إلا إذا بلغت الثلث.
…[ينظر: الجوائح وأحكامها ص (212-213)].(1/108)
القول الأول: أن نسبة التضخم النقدي التي يعامل فيها معاملة الجوائح يرجع في تحديدها إلى العرف(1).
القول الثاني: أن نسبة التضخم النقدي التي يعامل فيها معاملة الجوائح هي التي تفقد فيها النقود ثلث قيمتها فما فوق(2).
القول الثالث: أن نسبة التضخم النقدي التي يعامل فيها معاملة الجوائح هي التي تفقد فيها النقود أكثر من نصف قيمتها(3).
القول الرابع: أن نسبة التضخم النقدي التي يعامل فيها معاملة الجوائح هي التي تفقد فيها النقود ثلثي قيمتها(4).
وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب على هذا التخريج هو القول الأول، وهو الرد إلى العرف؛ لأن كل ما لم يُحدّ في الشرع فالمرجع في تحديده إلى العادة والعرف(5).
التخريج الرابع: أن التضخم النقدي منه ما هو ضريبة غير مباشرة(6)
__________
(1) ينظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة المدين، للشيخ عبد الله بن بيه، العدد (30)، ص (50).
(2) ينظر: أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض ص (130)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/446).
(3) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/631).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/364).
(5) ينظر: نثر الورود على مراقي السعود (2/580)، العرف وأثره في الشريعة والقانون ص(109).
(6) الضريبة: هي أي مبلغ نقدي تفرضه سلطة حكومية مختصة على الأشخاص أو الممتلكات وتحصله بهدف جمع المال لتغطية النفقات الحكومية. وبعبارة أخصر هي ما يلزم الشخص بدفعه إلى الدولة لقيامها بالوظائف العامة.
…وهذه الضريبة نوعان:
…الأول: ضريبة مباشرة: وهي التي تؤخذ من الأفراد والمؤسسات وشبهها.
الثاني: ضريبة غير مباشرة: وهي التي تفرض على السلع والخدمات.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (104، 216)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (323)، ، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الزكاة والضرائب، للدكتور محمد عبد البر، العدد (3)، ص (103)].(1/109)
يذكر بعض الباحثين الاقتصاديين أن من التضخم النقدي ما هو ضريبة غير مباشرة تفرض على السلع والخدمات التي يستهلكها الأفراد، وتكون هذه الضريبة جزءاً من سعر السلعة والخدمة، فيرتفع بذلك المستوى العام للأسعار، وتضعف القوة الشرائية التبادلية. وهذه الزيادة في الأسعار تتحول في نهاية الأمر إلى الجهة التي فرضتها، فتكون هذه الضريبة التضخمية أحد مصادر تمويل الحكومات، وسد عجز الموازنات(1) فيها(2).
والذي يظهر للباحث أن هذا الرأي لا يصلح أن يكون تخريجاً فقهياً تترتب عليه الأحكام؛ إذ هو في الحقيقة بيان لسبب من أسباب التضخم، وتشخيص لأحد عوامله. وهذا لا يميزه عن سائر الأسباب والعوامل، فحقيقة التضخم النقدي لا تختلف باختلاف أسبابه وعوامله.
التخريج الخامس: أن التضخم النقدي حادثة جديدة
ذهب بعض الباحثين إلى أن التضخم النقدي حادثة جديدة لم يسبق أن تناولها الفقهاء، فلا تندرج فيما تكلموا عنه من رخص النقود الاصطلاحية الفلوس(3).
وقد تقدم بيان ضعف هذا التخريج في جواب ما نوقش به تخريج التضخم النقدي الطارئ على الأوراق النقدية على أنه من رخص النقود الاصطلاحية(4).
الترجيح
__________
(1) الموازنات جمع موازنة: وهي تقدير للإيرادات والمصروفات لمدة مستقبلية غالباً ما تكون سنوية، وهي أداة هامة في تخطيط وتوجيه الشؤون المالية للدول.
…أما عجز الموازنة فهو زيادة معدل النفقات والمصروفات على الإيرادات.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (104، 216)].
(2) ينظر: الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (189)، الاقتصاد الكلي للدكتور نصر ص (653-657)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (323، 329)، أسس السياسة المالية ص (300-303).
(3) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية للدكتور المصري ص (17)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/577).
(4) ص (131).(1/110)
الذي يظهر للباحث أن أقرب هذه التوصيفات والتخريجات الفقهية للتضخم النقدي، هو التخريج الأول، وهو أن التضخم النقدي الطارئ على الأوراق النقدية نوع من رخص النقود الاصطلاحية.
ويترتب على هذا أن يثبت لانخفاض القيمة التبادلية للنقود الورقية ما تكلم عنه الفقهاء في رخص الفلوس. وقد رجح هذا التخريج أكثر الباحثين والفقهاء كما تقدم، والله أعلم.
الفصل الثاني
أثر التضخم النقدي في الأحكام الشرعية
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أثر التضخم النقدي في المقادير الشرعية.
المبحث الثاني: أثر التضخم النقدي في الديون والحقوق.
المبحث الثالث: أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات والتبرعات.
المبحث الأول: أثر التضخم النقدي في المقادير الشرعية
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في زكاة الأموال
تمهيد(1/111)
اختلف الفقهاء رحمهم الله في وجوب زكاة الأوراق النقدية في أول ظهورها. وذلك بناء على اختلاف أقوالهم في تكييف الأوراق النقدية(1)، إلا أن هذا الاختلاف لم يدم طويلاً مع شيوع التعامل بهذه الأوراق النقدية، وقيامها بوظائف النقود، فهي وسيط التبادل في المعاملات والمعاوضات، وفي إبراء الذمم ووفاء الديون، وفي ضمان المتلفات وفي استباحة الفروج، وهي معيار القيم فبها تقوَّم الأشياء، وهي مستودع الثروة وأداة اختزان القيم. فبعد هذا التطور في استعمال هذه الأوراق النقدية انحسر القول بعدم وجوب الزكاة فيها حتى لا يكاد يعرف قائل به بين علماء المسلمين(2)، بل حكى بعض الباحثين في أحكام الأوراق النقدية الاتفاق على وجوب الزكاة في الورق النقدي(3).
__________
(1) ينظر: العقود الياقوتية لابن بدران ص (231-235)، فقه الزكاة للقرضاوي (1/272-274)، الفقه الإسلامي وأدلته (2/772-773)، مجلة البحوث الإسلامية، أوراق النقود ونصاب الورق النقدي، العدد (39)، ص (311-324).
(2) ينظر: فقه الزكاة للقرضاوي (1/275)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/101)، فتاوى الزكاة إعداد بيت الزكاة ص (53-55)، الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي ص (279)، الموسوعة الفقهية الكويتية (23/267)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (3/3/1771).
(3) ينظر: أحكام الأوراق النقدية للعثماني ص (16)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص(515).(1/112)
أما بالنسبة لما يجب إخراجه في الأوراق النقدية فهو من عين المال الذي وجبت فيه الزكاة، وهو الأوراق النقدية. لا خلاف في ذلك بين القائلين بوجوب الزكاة فيها؛ لأن الأصل في الزكاة كونها من عين المال الذي وجبت فيه؛ يدل لذلك أدلة كثيرة منها: قول الله - عز وجل -:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (1), وقول الله - عز وجل -:{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ? لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ?} (2), وغير ذلك من الأدلة التي تفيد أن الزكاة تجب في عين المال(3). ولا أثر للتضخم النقدي في ذلك مهما بلغت درجته، فيما يظهر، والله أعلم.
أما نصاب(4) الأوراق النقدية فلا طمع في الوقوف على نص خاص في تقديره؛ لأنه لم يجر بها استعمال وقت نزول الوحي. لكن لما كان المقصود من هذه الأوراق النقدية ماليتها، أي: قيمتها التبادلية لا أعيانها، فإن المعتبر في نصابها قيمتها(5). وإنما تعرف المالية في الزكاة بتقويمها بالنقدين: الذهب أو الفضة(6)
__________
(1) سورة التوبة، من آية: (103).
(2) سورة المعارج، آية: (24-25).
(3) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/215)، بدائع الصنائع (2/22)، عدة البروق ص (140)، المحلى (7/527).
(4) النصاب: بكسر النون، وهو القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة. …
…[ ينظر: القاموس الفقهي ص (353)، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص (102)].
(5) ينظر: المبسوط (2/191، 3/16)، بدائع الصنائع (2/21).
(6) ذهب بعض الباحثين إلى أن معيار تقدير نصاب الأوراق النقدية هو قيمة نصاب بهيمة الأنعام: خمس من الإبل أو أربعين من الغنم؛و ذلك لما يتميز به من الثبات النسبي بخلاف قيمة نصاب الذهب والفضة. فإن التغير الذي يعتري قيمة نصاب بهيمة الأنعام يسير.
…والذي يظهر للباحث أن في هذا القول نظراً ظاهراً؛ لأن المعتبر في إلحاق الورق النقدي بنوع من الأموال الزكوية هو الموافقة في المعنى لا مقدار ما يعتري النصاب من تغير. ومما لا ريب فيه أن أقرب الأموال الزكوية شبهاً بالنقود الورقية: الذهب والفضة.
…[ ينظر: فقه الزكاة للقرضاوي (1/267-269)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي ص (520-523)].(1/113)
. ولذلك ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المعيار في تقدير نصاب الأوراق النقدية هو أن تبلغ أدنى النصابين من الذهب أو الفضة(1).
ونصاب الذهب من الجرامات خمسة وثمانون جراماً، ونصاب الفضة من الجرامات خمسمائة وخمسة وتسعون جراماً(2).
ومن هذا يتبين أن التضخم النقدي ليس له أثر في قدر أنصبة الأموال الزكوية التي جاء النص بتحديدها وبيان قدرها في السنة، فقد حدّد النبي - صلى الله عليه وسلم - نصاباً للنقدين: الذهب والفضة، وآخر لبهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، وآخر للزروع والثمار. فإذا بلغ المال الزكوي النصاب المحدد وجبت فيه الزكاة على كل حال.
وأما تأثير التضخم النقدي على قدر النصاب في الأوراق النقدية فذلك؛ لأن قيمتها التبادلية وقوتها الشرائية تنقص وتقلّ في حالات التضخم النقدي، فيتغير بذلك مقدار النصاب فيها؛ لتغير قيمة النصاب الذي تعتبر به، وهو نصاب الذهب والفضة. فالتضخم النقدي يرفع مقدار نصاب الأوراق النقدية، فيكون هذا القدر من الأوراق النقدية مما تجب فيه الزكاة قبل حدوث التضخم النقدي؛ لكونه نصاباً، لكنه بعد حدوث التضخم النقدي وانخفاض القيمة التبادلية للأوراق النقدية يصير ذلك القدر دون النصاب، فلا تجب فيه الزكاة(3).
__________
(1) ينظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي ص (518)، مجلة البحوث الإسلامية، أوراق النقود ونصاب الورق النقدي، العدد (39)، ص (325)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (3/3/1771)، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/335).
(2) ينظر: فقه الزكاة للقرضاوي (1/259-261)، تنظيم ومحاسبة الزكاة ص (71-72).
(3) ينظر: مجلة أبحاث اليرموك، أثر التضخم الاقتصادي على الزكاة، قاسم الحموري، المجلد(11)، العدد (3)، ص (147).(1/114)
ومثال ذلك أن يكون لدى الإنسان ألف ريال، وقيمة أدنى النصاب من الذهب أو الفضة ستمائة ريال، فيكون هذا القدر قد بلغ النصاب فتجب فيه الزكاة، فإذا طرأ تضخم نقدي وانخفضت به القيمة التبادلية للنقود الورقية، وصارت أدنى قيمة نصابي الذهب أو الفضة ألفاً وثلاثمائة ريال، فإن من ماله ألف ريال فقط لا تجب عليه فيها زكاة؛ لكونه لم يبلغ نصاباً، وبهذا يخرج هذا القدر من المال عن دائرة من تجب في أموالهم الزكاة.
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في انقطاع الحول(1)
أجمع العلماء من حيث الجملة على اشتراط الحول لوجوب زكاة النقدين: الذهب والفضة، وما يقدّر نصابه بهما كعروض التجارة(2). ومما لا خلاف فيه بين القائلين بوجوب الزكاة في الأوراق النقدية أنه يشترط لوجوب الزكاة فيها مضي الحول(3).
تقدم أن التضخم النقدي يرفع قدر نصاب الأوراق النقدية، وتختلف درجة هذا الارتفاع في النصاب باختلاف نسبة التضخم النقدي. ففي التضخم النقدي الجامح يكون الارتفاع عالياً، وفي التضخم النقدي السريع يكون الارتفاع متوسطاً، وفي التضخم النقدي الزاحف يكون الارتفاع طفيفاً. فهل نقص النصاب بهذه الارتفاعات يقطع الحول أو لا؟
الذي يظهر للباحث أن هذه المسألة تخرّج على ما ذكره أهل العلم في نقص نصاب عروض التجارة؛ لأن نصاب عروض التجارة يعتبر فيه أن تبلغ قيمتها قيمة نصاب الذهب أو الفضة، وهذه هي الحال في تقدير نصاب الأوراق النقدية. فتتخرج مسألة نقص نصاب الأوراق النقدية على نقص نصاب عروض التجارة.
وقد اختلف الفقهاء في نقص النصاب الذي ينقطع به حول عروض التجارة على ثلاثة أقوال:
__________
(1) الحول: هو سنة قمرية بأسرها.
…[ ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (3/74)، الدر النقي (2/330)].
(2) ينظر: بداية المجتهد (1/261)، شرح النووي على صحيح مسلم (4/325)، المغني (4/75).
(3) ينظر: فقه الزكاة للقرضاوي (1/278).(1/115)
القول الأول: أن نقص النصاب أثناء الحول يقطعه. وهذا قول عند الشافعية(1)، وهو المذهب عند الحنابلة(2)، إلا إنه يعفى عندهم عن نقصه نصف يوم(3).
القول الثاني: أن نقص النصاب أثناء الحول لا يقطعه إذا كان النصاب تاماً في طرفي الحول، وهذا هو المذهب عند الحنفية(4)، وهو قول عند الشافعية(5).
القول الثالث: أن المعتبر في النصاب وجوده في آخر الحول فقط، ولا يؤثر نقصه قبل ذلك بعد وجود أصله، وهذا هو المذهب عند المالكية(6)، والأظهر عند الشافعية(7).
وعلى هذا يمكن القول بأن انقطاع الحول بنقص نصاب الأوراق النقدية بسبب التضخم النقدي فيه الأقوال الثلاثة المتقدمة مهما كانت درجة هذا التضخم النقدي سواء كان مفرطاً أو سريعاً أو زاحفاً ما دام أنه ينقص النصاب، إلا أن قول الحنابلة يعفى عن نقص نصف يوم لا يتناسب مع طبيعة التضخم النقدي؛ وذلك لأن انخفاض القيمة التبادلية للنقود في حالات التضخم النقدي مستمر لمدد طويلة، فلا يتأتى هذا القول في التضخم النقدي.
__________
(1) ينظر: المجموع شرح المهذب (6/54)، حاشية قليوبي وعميرة (2/27).
(2) ينظر: كشاف القناع (2/177)، شرح منتهى الإرادات (2/186-187).
(3) هذا هو المذهب في قدر ما يعفى عنه من النقص، وهو أحد الوجوه، وفي وجه يعفى عن ساعتين، وهناك أوجه أخرى. وفي وجه أنه لا يعفى عن النقص مطلقاً.
…[ ينظر: الفروع (3/339)، الإنصاف (3/29)].
(4) ينظر: المبسوط (2/172)، بدائع الصنائع (2/15-16).
(5) ينظر: نهاية المحتاج (3/101)، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/301).
(6) ينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (2/98، 122)، مواهب الجليل (2/304).
(7) ينظر: الحاوي الكبير للماوردي (2/115، 175)، روضة الطالبين (2/267).(1/116)
وللوصول إلى الراجح من هذه الأقوال نستعرض ما يمكن أن يستدل به من الأدلة في مسألة انقطاع الحول بنقص النصاب في عروض التجارة(1). مما يتناسب مع الانقطاع الحادث بسبب التضخم النقدي.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بما رواه علي(2) - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول))(3).
وجه الدلالة:
أن قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: ((في مال)) نكرة في سياق النفي، فيفيد العموم في جميع ما تجب فيه الزكاة من الأموال، ولا يخرج عن هذا شيء من الأموال إلا ما دلّ الدليل على عدم اعتبار الحول لزكاته. وذلك لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم(4).
__________
(1) ينظر: تبيين الحقائق (1/280)، حاشية الدسوقي (1/461)، المجموع شرح المهذب (6/54)، المغني (4/78، 252).
(2) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أول من أسلم من الصغار، وزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها، ورابع الخلفاء الراشدين، قتل - رضي الله عنه - سنة (40هـ).
…[ ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة (2/507)، أسد الغابة (3/588)].
(3) أخرجه أبو داود، في كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، رقم (1573)، ص (246)، والبيهقي في سننه، باب لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (4/95).
…وقال عنه الحافظ ابن حجر ~ في البلوغ رقم (627): ((وهو حسن، وقد اختلف في رفعه))، وقال في التلخيص الحبير رقم (821) (2/156):((حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده، فيصلح للحجة))، وقال عنه الزيلعي ~ في نصب الراية (2/328): ((فالحديث حسن، قال النووي ~ في الخلاصة: وهو حديث صحيح، أو حسن)).
(4) ينظر: تيسير التحرير (1/329) ، المستصفى (2/90) ، شرح الكوكب المنير (3/136).(1/117)
ومما لا ريب فيه أن الأوراق النقدية مال يشترط لوجوب الزكاة فيه النصاب والحول، فوجب اعتبار كمال نصابه في جميع الحول. فإذا نقص المال عن النصاب فإنه لم يحل عليه الحول، فلا تجب فيه زكاة حينئذٍ.
نوقش هذا الاستدلال بأمرين:
الأول: أن الحديث ضعيف(1)، فلا يحتج به.
يجاب على هذا: بالمنع، وأن الحديث صحيح، وقد جاء من طرق متعددة عن غير واحد من الصحابة(2) رضي الله عنهم. ويعضده آثار صحيحة عن كثيرين من الصحابة بل أجمع التابعون والفقهاء عليه(3).
الثاني: أن اعتبار ذلك شاق؛ لكثرة اضطراب القيم، ولكونه يحوج إلى ملازمة السوق ومراقبتة دائمة(4).
يجاب على هذا: بأن نقص النصاب بسبب اضطراب القيم لا يخلو: إما أن يكون ظاهراً فهذا لا حاجة فيه إلى تقويم لظهوره، وإما أن يكون محتملاً فعلى صاحب المال أن يقوّم ما عنده من الأوراق النقدية إن سهل، و إلا فليعمل بالأصل، وهو بقاء الوجوب؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان(5)، وفي هذا عمل بالأحوط(6).
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
__________
(1) ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (4/95)، المجموع شرح المهذب (5/360)، خلاصة البدر المنير (1/291)، مصباح الزجاجة (1/50).
(2) ينظر: نصب الراية (2/328-330)، إعلاء السنن (9/3)، إرواء الغليل (3/254-258).
(3) ينظر: بداية المجتهد (1/270)، المجموع شرح المهذب (5/360)، تحفة المحتاج (3/233).
(4) ينظر: الجوهرة النيرة (1/124-125)، نهاية المحتاج (3/101)، أسنى المطالب (1/352).
(5) ينظر: التمهيد تخريج الفروع على الأصول ص (489)، قاعدة اليقين لا يزول بالشك للدكتور الباحسين ص (104).
(6) ينظر: المغني (4/252).(1/118)
أولاً: ((أن كمال النصاب شرط لوجوب الزكاة، فيعتبر وجوده في أول الحول وآخره لا غير؛ لأن أول الحول وقت انعقاد السبب، وآخره وقت ثبوت الحكم، فأما وسط الحول فليس بوقت انعقاد السبب ولا وقت ثبوت الحكم فلا معنى لاعتبار كمال النصاب فيه، إلا أنه لا بد من بقاء شيء من النصاب الذي انعقد عليه الحول؛ ليضم المستفاد إليه. فإذا هلك كله لم يتصور الضم، فيستأنف له الحول))(1).
نوقش هذا: بأن نقصانه أثناء الحول ينقض الانعقاد المتقدم. ولذلك لو تم الحول على ما نقص نصابه لم يجب فيه شيء. فدل هذا على أن انتقاض السبب بعد وجوده ينتقض به الحكم.
ثانياً: أن اعتبار كمال النصاب في جميع الحول فيه مشقة على أهل الأموال لا سيما مع كثرة اضطراب قيمة الأوراق النقدية التبادلية.
نوقش: بما تقدم من أن نقص النصاب لا يخلو: إما أن يكون ظاهراً فهذا لا حاجة فيه إلى تقويم لظهوره، وإما أن يكون محتملاً فعلى صاحب المال أن يقوّم ما عنده من الأوراق النقدية إن سهل، و إلا فليعمل بالأصل، وهو بقاء الوجوب؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وفي هذا عمل بالأحوط.
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: أن كمال نصاب الأوراق النقدية في أول الحول ليس شرطاً لوجوب الزكاة قياساً على عروض التجارة(2) بجامع أن المرجع في تقدير نصابهما إلى الذهب والفضة.
نوقش من وجهين:
الأول: أن في المقيس عليه خلافاً كما تقدم، ومن المعلوم أن من شروط صحة القياس أن يكون الأصل المقيس عليه متفقاً على حكمه(3).
__________
(1) بدائع الصنائع (2/16).
(2) وقد قاسوا عروض التجارة في ذلك على نسل الغنم، وفي الأصل المقيس عليه خلاف أيضاً.
…[ينظر: كتاب تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك (2/385)، بداية المجتهد (1/271)، الذخيرة للقرافي للقرافي للقرافي للقرافي (3/33)].
(3) ينظر: كشف الأسرار (3/333)، شرح الكوكب المنير (4/27).(1/119)
الثاني: أنه قياس في مقابلة النص، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول))(1)، فلا عبرة به؛ إذ الإجماع منعقد على أنه لا يجوز مقابلة النص بالقياس(2).
ثانياً: أن المعتبر هو وقت الوجوب، وهو آخر الحول، فلا يعتبر غيره؛ لكثرة اضطراب القيم(3)؛ إذ (( القيمة تزيد وتنقص في كل ساعة؛ لتغير السعر ولكثرة رغبة الناس وقلتها وعزة السلعة وكثرتها فيشق تقويم المال كل يوم))(4).
نوقش هذا: بما تقدم في أدلة القول الأول من أن كمال النصاب معتبر في جميع الحول؛ لعموم الحديث. وأما مشقة التقويم فقد تقدم الجواب عليها.
الترجيح
الراجح فيما يظهر أنه إذا نقص نصاب الأوراق النقدية بسبب التضخم النقدي أثناء الحول بأي نسبة كانت فإن الحول ينقطع بذلك. فإذا كمل نصاب الأوراق النقدية بعد ذلك استأنف به حولاً جديداً. هذا هو الراجح من هذه الأقوال؛ لقوة أدلته، وسلامتها من المناقشات، والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في الزكاة المؤخرة
الفرع الأول: وجوب الزكاة على الفور
اختلف أهل العلم رحمهم الله في وجوب الزكاة إذا تمت شروطها، هل وجوبها على الفور أو على التراخي؟ على قولين:
القول الأول: أنه على الفور، فلا يجوز تأخير إخراج الزكاة عن وقت وجوبها.
__________
(1) تقدم تخريجه ص (145).
(2) ينظر: الفصول في الأصول للجصاص (2/319)، كشف الأسرار (4/40)، الإبهاج في شرح المنهاج (3/70).
(3) ينظر: مغني المحتاج (1/397)، حاشية قليوبي وعميرة (2/27). …
(4) بدائع الصنائع (1/16).(1/120)
وهذا هو المفتى به عند الحنفية(1)، وهو مذهب المالكية(2)، والشافعية(3)، والحنابلة(4).
القول الثاني: أنه على التراخي، ففي أي وقت أخرج الزكاة يكون مؤدياً لها.
وهذا قول عامة الحنفية(5).
أدلة القول الأول
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: قول الله - عز وجل -: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } (6).
وجه الدلالة:
أن الله - عز وجل - أمر في هذه الآية الكريمة بإيتاء حق الزرع يوم حصاده، وحقه زكاته، فدل ذلك على أن يوم الحصاد هو وقت وجوب إخراج الزكاة(7)، فكان إخراج زكاة الزروع واجباً على الفور, فيلحق بها ما عداها من أموال الزكاة(8).
ثانياً: قول الله - عز وجل -: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (9).
وجه الدلالة:
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (2/3)، شرح فتح القدير (2/155-156).
(2) ينظر: الكافي لابن عبدالبر ص (99)، القوانين الفقهية ص (68).
(3) ينظر: العزيز شرح الوجيز (3/3)، المهذب (1/459).
(4) ينظر: المحرر في الفقه (1/224)، الإقناع للحجاوي (1/455).
(5) ينظر: بدائع الصنائع (2/3)، حاشية رد المحتار (2/272).
(6) سورة الأنعام، من الآية: (141).
(7) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/17)، أحكام القرآن لابن العربي (2/284).
(8) كشاف القناع (2/255).
(9) سورة البقرة، من الآية: (148).(1/121)
أن الله - عز وجل - أمر في هذه الآية الكريمة بالمبادرة ((والمسارعة إلى الطاعات. وهذا يحتج به في أن تعجيل الطاعات أفضل من تأخيرها ما لم تقم الدلالة على فضيلة التأخير, نحو: تعجيل الصلوات في أول أوقاتها وتعجيل الزكاة والحج وسائر الفروض بعد حضور وقتها ووجود سببها. ويحتج به بأن الأمر على الفور, وأن جواز التأخير يحتاج إلى دلالة, وذلك أن الأمر إذا كان غير مؤقت فلا محالة عند الجميع أن فعله على الفور من الخيرات، فوجب بمضمون قوله - عز وجل -: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } (1)إيجاب تعجيله; لأنه أمر يقتضي الوجوب))(2).
ثالثاً: أن الأمر بالزكاة مطلق(3). والأمر المطلق يقتضي الفورية(4).
رابعاً: أن الزكاة ((إنما وجبت على الفور؛ لأن الغرض منها سد الخلات ودفع الحاجات والضرورات، وهي محققة على الفور. وفي تأخيرها إضرار بالمستحقين مع أن الفقراء تتعلق أطماعهم بها ويتشوفون إليها، فهم طالبون لها بلسان الحال دون لسان المقال))(5). فإذا كانت حاجة أهل الزكاة ((ناجزة، فيجب أن يكون الوجوب ناجزاً))(6).
خامساً: أن الزكاة ((عبادة تتكرر, فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها, كالصلاة والصوم))(7).
أدلة القول الثاني
استدلوا بأن الأمر بالزكاة مطلق، فلا يتعين الزمن الأول لأدائها دون غيره(8).
نوقش من وجهين:
__________
(1) سورة البقرة، من الآية: (148).
(2) أحكام القرآن للجصاص (1/92).
(3) ينظر: المجموع شرح المهذب (5/335)، المغني (4/146). …
(4) ينظر: المعتمد في أصول الفقه (1/135)، إرشاد الفحول (1/178). …
(5) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/250).
(6) المغني (4/146)، ينظر: شرح فتح القدير (2/155)، فتاوى السبكي (1/201).
(7) المغني (4/146).
(8) ينظر: بدائع الصنائع (2/3)، البناية شرح الهداية (3/348).(1/122)
الأول: أن الأدلة قد دلت على أن الأمر المطلق يقتضي الفور(1).
الثاني: أنه قد اقترن بالأمر ما يقتضي الفورية على التسليم بأن الأمر لا يقتضي الفورية، وذلك أن(( الأمر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور، وهي أنه لدفع حاجته، وهي معجلة، فمتى لم تجب على الفور لم يحصل المقصود من الإيجاب على وجه التمام))(2).
الترجيح
الراجح من هذين القولين هو القول الأول، وهو وجوب إخراج الزكاة على الفور؛ لقوة ما احتجوا به وسلامته من المناقشات، والله تعالى أعلم.
الفرع الثاني: ما يترتب على تأخير الزكاة في ظل التضخم النقدي
ذهب جمهور العلماء إلى أن الزكاة تجب على الفور كما تقدم.
وذهبوا أيضاً إلى تضمين من أخّر إخراج الزكاة بعد وجوبها وتمكنه من أدائها فيما إذا هلكت(3). وذلك؛ لأن الزكاة ((حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه، فلم يبرأ منه بذلك كدين الآدمي))(4).
وبناء على ما تقدم، فإن من أخّر زكاة الأوراق النقدية بعد وجوبها وإمكان أدائها فتلفت فإن عليه ضمانها، ولا تبرأ ذمته إلا بإخراجها.
وهذا جارٍ على ما ذكره الفقهاء ـ رحمهم الله ـ من الضمان بتأخير الزكاة بعد وجوبها وإمكان أدائها.
لكن لما كانت الأوراق النقدية عرضة للتضخم النقدي الذي يفضي إلى نقصان قيمتها التبادلية الشرائية استلزم ذلك النظر في ضمان هذا النقص.
__________
(1) ينظر: التمهيد لأبي الخطابي (1/215)، البحر المحيط (2/396).
(2) حاشية رد المحتار (2/272).
(3) ينظر: الذخيرة للقرافي للقرافي للقرافي للقرافي (3/139)، الخرشي على مختصر خليل (2/225)، رحمة الأمة ص (163)، حاشية قليوبي وعميرة (2/46-47)، الشرح الكبير لابن أبي عمر (6/377-380)، الفروع (2/347).
(4) المغني (1/148)، ينظر: المعونة للقاضي (1/367)، العزيز شرح الوجيز (3/35)، الحاوي الكبير للماوردي (3/91، 104).(1/123)
فمثلاً إذا أخّر شخص إخراج الزكاة بعد تمكنه من أدائها ثم طرأ التضخم النقدي أو ازدادت نسبته عن يوم وجوب الزكاة بمعدل لا يتسامح الناس بمثله عادة، فهل يضمن رب المال هذا النقص في القيمة التبادلية بسبب التضخم النقدي؟
الذي يظهر للباحث أنه يتخرَّج في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أن مؤخِّر إخراج الأوراق النقدية لا يضمن ما طرأ من نقص قيمة النقود التبادلية.
القول الثاني: أن مؤخِّر إخراج الأوراق النقدية يضمن ما طرأ من نقص قيمة النقود التبادلية.
أدلة القول الأول:
أولاً: أن الثابت في الذمة هو قدر الزكاة يوم وجوبها، فلا يلزمه غير ذلك.
ثانياً: أن الضمان الذي ذكره الفقهاء في تأخير الزكاة بعد وجوبها وإمكان أدائها إنما هو فيما إذا تلف المال الذي تجب زكاته أو نقصت عينه. أما نقص قيمته فإنه غير مضمون، ولذلك فإن من كان عنده أربعون شاة فالواجب فيها شاة سواء أخرجها في وقتها أو أخرها مع إمكان الأداء. وكذلك سائر الأموال الزكوية التي تجب الزكاة في عينها. ومن ذلك زكاة الأوراق النقدية، فإنها إنما تعتبر القيمة فيها ضرورة لتقدير النصاب.
ثالثاً: أن القول بالضمان فيما إذا نقصت القيمة التبادلية للأوراق النقدية يفضي إلى اضطراب وتناقض؛ وذلك أن القدر المعين من الأوراق النقدية يكون مما تجب فيه الزكاة؛ لبلوغ قيمتها أدنى نصابي الذهب أو الفضة يوم وجوب الزكاة، ثم إنه بسبب التضخم النقدي يصير المال الذي أخَّر إخراج زكاته مما لا تجب فيه الزكاة؛ لأن قيمته لا تبلغ نصاباً يوم إخراج الزكاة.(1/124)
فمثلاً إذا كانت قيمة نصاب الأوراق النقدية يوم وجوب الزكاة في المال ألف ريال، وفي يوم إخراجها مؤخرة انخفضت القيمة التبادلية للنقود فصارت قيمة نصاب الأوراق النقدية ألفي ريال. فعلى هذا إذا كان قدر المال الذي حال عليه الحول وأخَّر إخراج زكاته ألفاً وستمائة ريال، فإن قدر الزكاة يوم الوجوب أربعون ريالاً، أما بعد تأخير إخراج زكاتها وحدوث التضخم النقدي الذي ترتب عليه ارتفاع نصاب الأوراق النقدية إلى ألفي ريال، فإن الألف والستمائة الريال تصير مما لا تجب فيه الزكاة؛ لأنها دون النصاب.
ولذلك فإن القول المطرد السالم من الاضطراب أن تعتبر قيمة النقود الورقية نصاباً وإخراجاً؛ إما في يوم وجوب الزكاة، وإما في يوم إخراجها.
وهذا ما جرى عليه الحنفية(1)، والمالكية(2)، والشافعية(3)، والحنابلة(4)في زكاة عروض التجارة إذا أخرت؛ حيث اعتبر أبو حنيفة والحنابلة القيمة يوم الوجوب نصاباً وإخراجاً، وأما الصاحبان: أبو يوسف ومحمد بن الحسن فاعتبرا في ذلك يوم الأداء.
وقد ذكر الكاساني(5)~ صورة المسألة فقال: ((من كانت له مائتا قفيز(6)
__________
(1) ينظر: شرح فتح القدير (2/219)، حاشية رد المحتار (2/22).
(2) ينظر: حاشية العدوي (1/484)، حاشية الدسوقي (1/484).
(3) ينظر: تحفة المحتاج (3/ 300)، أسنى المطالب (1/ 383).
(4) ينظر: الفروع (2/504-505)، كشاف القناع (2/241).
(5) أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، فقيه من أئمة الحنفية، كان يلقب بملك العلماء، له عدة مصنفات جليلة منها: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، توفي عام (587هـ).
…[ ينظر: الجواهر المضيئة (4/25)، الفوائد البهية ص (53)].
(6) القفيز: أصله مكيال كان يكال به قديماً يسع اثني عشر صاعاً.
…ويساوي 29.400 كيلو غرام، وقيل: 26.1كيلو غرام.
…[ ينظر: المجموع شرح المهذب (9/346)، القاموس الفقهي ص (307)، أبحاث وأعمال الندوة التاسعة لقضايا الزكاة ص (161)].(1/125)
حنطة فحال عليها الحول فلم يؤد زكاتها حتى تغير سعرها إلى النقصان حتى صارت قيمتها مائة درهم أو إلى الزيادة حتى صارت قيمتها أربعمائة درهم، أن على قول أبي حنيفة إن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة في الزيادة والنقصان جميعاً؛ لأنه تبين أنه الواجب من الأصل، فإن أدى القيمة يؤدي خمسة دراهم في الزيادة والنقصان جميعاً; لأنه تبين أنها هي الواجبة يوم الحول. وعند أبي يوسف ومحمد إن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة في الزيادة والنقصان جميعاً، كما قال أبو حنيفة، وإن أدى من القيمة يؤدي في النقصان درهمين ونصفاً، وفي الزيادة عشرة دراهم؛ لأن الواجب الأصلي عندهما هو ربع عشر العين، وإنما له ولاية النقل إلى القيمة يوم الأداء))(1).
وكذلك قال السيوطي ~ في أسنى المطالب: ((فلو ابتاع مائتي قفيز حنطة بمائتي درهم أو بمائة وساوت آخر الحول مائتين لزمه خمسة دراهم. فلو أخَّر فنقصت قيمتها فعادت إلى مائة فإن كان قبل التمكن لزمه درهمان ونصف أو بعده، أو زادت قبله فصارت أربعمائة أو أتلفها بعد الوجوب وقيمتها مائتان فصارت أربعمائة لزمه خمسة دراهم؛ لأنها القيمة وقت التمكن أو الإتلاف))(2).
أدلة القول الثاني:
أولاً: أن من أخَّر إخراج الزكاة عن وقت الاستحقاق فقد تعدى بذلك، فعليه ضمان نقص القيمة كما يضمن تلف العين ونقصها(3).
نوقش هذا: بأن الضمان الذي ذكره الفقهاء إنما هو ضمان تلف العين أو نقصها، أما القيمة فإنها غير مضمونة؛ لأن الزكاة في الأوراق النقدية زكاة عين لا زكاة قيمة(4)
__________
(1) ينظر: بدائع الصناع (2/21-22).
(2) 1/ 383).
(3) ينظر: فتاوى السبكي (1/201)، كشاف القناع (4/90).
(4) الزكاة عند الفقهاء على ضربين:
…زكاة عين: وهي زكاة الماشية والثمار والنقدين: الذهب والفضة.
…زكاة قيمة: وهي زكاة عروض التجارة.
…[ ينظر: بدائع الصنائع (2/14)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (2/121)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (689)، المغني (4/250)، الموسوعة الكويتية (23/298)].(1/126)
.
ثانياً: أن القول بالضمان فيه جبر حق أهل الزكاة بإلزام رب المال ما فوَّت عليهم بتأخير إخراج الزكاة عن وقت وجوب إخراجها.
نوقش: بأن التضمين يفضي إلى الزيادة في قدر الزكاة الواجبة. ومثل هذا لا يثبت إلا بالدليل، ولا دليل في ذلك، لاسيما وأن الجانب المراعى في الزكاة ابتداء هو التعبد لله تعالى، وأهل الزكاة مصرف لهذا الحق(1).
ثالثاً: القياس على قول المالكية في اعتبار يوم الإخراج فيما إذا أخرج الذهب عن الفضة أو العكس في الزكاة، فقالوا: يجوز إخراج ذهب عن فضة, وعكسه بصرف وقته مطلقاً(2).
نوقش هذا: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن اعتبار يوم الإخراج في إخراج ذهب عن فضة في الزكاة وعكسه ليس لتضمين صاحب الزكاة ما ترتب على تأخيره من نقص؛ بل إن ذلك لحديث ابن عمر - رضي الله عنه - في استيفاء الدرهم عن الدنانير والعكس قال - رضي الله عنه -: قلت: يا رسول الله، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذا من هذه، وأعطي هذه من هذا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء))(3).
ولهذا تجب مراعاة القيمة يوم إخراج الزكاة في إخراج الذهب عن الفضة وكذلك العكس سواء تأخر إخراج الزكاة أو لا.
الترجيح
__________
(1) ينظر: شرح السير الكبير (5/3295)، أحكام القرآن للجصاص (1/388)، أحكام القرآن لابن العربي (1/583)، الذخيرة للقرافي للقرافي للقرافي للقرافي (3/6-7)، المنثور في القواعد (2/65)، قواعد الأحكام (1/176)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (6/17)، قواعد ابن رجب ص (372).
(2) ينظر: منح الجليل (2/93)، بلغة السالك (1/665).
(3) تقدم تخريجه ص (110).(1/127)
الذي يظهر للباحث أن الراجح هو القول الأول، وهو عدم ضمان نقص القيمة التبادلية للأوراق النقدية فيما إذا أخّر من عليه الزكاة إخراجها حتى نقصت بسبب حدوث التضخم النقدي أو زيادة نسبته، ولا فرق في ذلك بين أنواع التضخم النقدي سواء كان جامحاً أو متسارعاً أو زاحفاً، وسواء كان متوقعاً أو غير متوقع؛ لقوة ما استند إليه هذا القول من أوجه.
وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1) في المملكة العربية السعودية ففي جواب السائل عن مقدار نصاب الدولار، قالت اللجنة: ((مقدار نصاب الزكاة في الدولار وغيره من العملات الورقية هو ما يعادل قيمته عشرين مثقالاً(2)من الذهب أو مائة وأربعين مثقالاً من الفضة في الوقت الذي وجبت عليك فيه الزكاة في الدولارات ونحوها من العملات. ويكون ذلك بالأحظ للفقراء من أحد النصابين. وذلك نظراً إلى اختلاف سعرها باختلاف الأوقات والبلاد))(3).
__________
(1) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: هي لجنة دائمة متفرعة عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية يختار أعضاؤها من بين أعضاء الهيئة، مهمتها إعداد البحوث وتهيئتها للمناقشة من قبل الهيئة وإصدار الفتاوى في الشؤون الفردية.
…[ ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع: عبدالرزاق الدويش (1/2)].
(2) المثقال: اسم لما له ثقل كبير أو صغير إلا أن عرفه غلب على الصغير.
…وفي عرف الفقهاء والعلماء يطلق على الدينار، وهو وزنٌ مقداره درهم وثلاثة أسباع درهم، ويساوي بالغرامات 4.25 غرام.
…[ ينظر: تخريج الدلالات السمعية ص (608)، أبحاث وأعمال الندوة التاسعة لقضايا الزكاة ص (128)].
(3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتوى رقم (1728)(9/257).(1/128)
هذا هو الراجح فيما إذا أخّر شخص إخراج الزكاة بعد تمكنه من أدائها ثم طرأ التضخم النقدي أو ازدادت نسبته عن يوم وجوب الزكاة بمعدل لا يتسامح الناس بمثله عادة. أما إذا كان التأخير في إخراج الزكاة لسبب يعذر به المؤخر فإنه لا ضمان عليه، والله أعلم.
ومما يناسب أن ينبه إليه هنا أنه إذا عجل أحد إخراج زكاته ثم طرأ تضخم نقدي مهما كانت نسبته فإن ذمة صاحب المال بريئة لا يثبت فيها شيء بسبب ما طرأ من تضخم نقدي؛ إذ لا تخلو الأمر من إحدى حالين:
الأولى: أن لا ينقص المال عن نصاب الزكاة بسبب ما طرأ من تضخم نقدي فيكون ما عجله مجزئاً.
الثانية: أن ينقص المال عن النصاب بسبب ما طرأ من تضخم نقدي فيكون ما أخرجه من مال صدقة من الصدقات، والله أعلم.
المسألة الثالثة: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة غير الأوراق النقدية
الأصل في زكاة الأموال إخراج زكاة كل مال من جنسه: فزكاة بهيمة الأنعام تكون منها، وزكاة الحبوب والثمار تجب فيها، وزكاة الأثمان كذلك. وقد استثنى العلماء من ذلك زكاة عروض التجارة فقالوا: تجب الزكاة في قيمتها(1).
الفرع الأول: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة
الأمر الأول: إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة
اختلف العلماء في إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة إلا للمصلحة أو الحاجة.
وهذا قول في مذهب(2)
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (2/14)، مواهب الجليل (2/307)، روضة الطالبين (2/150)، المغني (4/250).
(2) أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أمام أهل السنة، محدث، فقيه، أحد أئمة المذاهب الأربعة، امتحن فصبر وثبت الله به الملة، له عدة مصنفات من أشهرها: المسند، كتاب الزهد، توفي سنة (241هـ).
…[ ينظر: طبقات الحنابلة (1/4)، المنهج الأحمد (1/51)].(1/129)
الإمام أحمد(1)، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(2).
القول الثاني: لا يجوز إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة.
وهذا مذهب المالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5).
القول الثالث: يجوز إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة.
وهذا مذهب الحنفية(6)، ووجه في مذهب الشافعي(7)، ورواية في مذهب أحمد(8).
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: أن معاذ بن جبل(9) - رضي الله عنه - قال لأهل اليمن حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم: ((ائتوني بعرض ثياب خميس(10)
__________
(1) ينظر: الفروع (2/563)، الإنصاف (3/65).
(2) ينظر: مجموع الفتاوى (25/46، 79، 82).
(3) ينظر: التفريع (1/289)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (2/93).
(4) ينظر: المجموع شرح المهذب (5/428)، مغني المحتاج (1/419).
(5) ينظر: المقنع في شرح مختصر الخرقي (2/549)، شرح منتهى الإرادات (2/211).
(6) ينظر: المبسوط (2/156)، حاشية رد المحتار (2/366).
(7) ينظر: المجموع شرح المهذب (5/428).
…محمد بن إدريس بن العباس الشافعي، إمام، فقيه، أحد أئمة المذاهب الأربعة، أول من ألف في علم الأصول، أخذ عن الإمام مالك، وأخذ عنه الإمام أحمد، له مؤلفات نافعة منها: الرسالة، الأم، أحكام القرآن، توفي سنة (204هـ).
…[ ينظر: وفيات الأعيان (3/305)، تأريخ بغداد (2/56)].
(8) ينظر: الإنصاف (3/65).
(9) معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن، صحابي، شهد العقبة وبدراً، خلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد الفتح يعلم أهلها ويفقههم، وبعثه إلى اليمن، توفي سنة (18هـ).
…[ ينظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/120)، أسد الغابة (4/418)].
(10) خميس: ثوب طوله خمسة أذرع.
…[ ينظر:الفائق، مادة (خمس) (1/397)، غريب الحديث لأبي عبيد (4/136)، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/618)].(1/130)
، أو لبيس(1) في الصدقة مكان الشعير، والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة))(2).
وجه الدلالة: أن معاذاً - رضي الله عنه - رأى جواز إخراج العرض عن الشعير والذرة، فإجازة إخراج القيمة في الزكاة من باب أولى.
يناقش هذا من وجهين:
الأول: أن الأثر منقطع فلا يثبت به حكم(3).
يجاب على هذا: بأن طاوساً(4)، وهو الراوي عن معاذ - رضي الله عنه -، ((عالم بأمر معاذ، وإن كان لم يلقه))(5)؛ لكثرة من لقي ممن أدرك معاذاً من أهل اليمن، وهذا يرجح ثبوت هذا الأثر عن معاذ - رضي الله عنه -.
الثاني: قول معاذ بن جبل - رضي الله عنه - لأهل اليمن حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم: ((ائتوني بعرض ثياب خميس، أو لبيس)) إنما هو في الجزية(6)
__________
(1) لبيس: ثوب ملبوس، فلبيس فعيل بمعنى مفعول.
…[ ينظر:النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (لبس) ص (824)، تفسير غريب الحديث لابن حجر ص (214)].
(2) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في كتاب الزكاة، باب العرض في الزكاة، ص (287)، والبيهقي في سننه (3/113)، والدارقطني في سننه (2/100).
…قال الحافظ ابن حجر ~ في تغليق التعليق (3/13): ((وطاوس عالم بأمر معاذ، لكنه لم يسمع من معاذ، فهو منقطع)). وبهذا قال ابن حزم ~ في المحلى (6/25).
(3) ينظر: المحلى (6/25)، تغليق التعليق (3/13).
(4) هو طاوس بن كيسان، الخولاني، أبو عبدالرحمن، أصله فارسي، من علماء اليمن، وهو من كبار التابعين، له فقه ورواية، توفي زمن هشام بن عبدالملك.
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (5/39)، تهذيب التهذيب (5/18)].
(5) الأم (2/9).
(6) الجزية: هي الوظيفة المأخوذة من الكافر لإقامته بدار الإسلام في كل عام. وقيل: هي اسم لما يؤخذ من أهل الذمة.
…[ ينظر: البحر الرائق (5/119)، شرح حدود ابن عرفة (1/227)، حاشية قليوبي وعميرة (4/229)، المغني (13/203)].(1/131)
لا في الزكاة(1). ويشهد لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له لما بعثه إلى اليمن: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم))(2).
يجاب على هذا من وجهين:
الأول: أن هذا الاحتمال فيه نظر يضعفه ما جاءت به الرواية، فإنها صرحت أن ذلك في الصدقة، حيث قال معاذ - رضي الله عنه -: ((ائتوني بعرض ثياب خميس، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير...)).
الثاني: أن استشهادهم لكون ما قاله معاذ - رضي الله عنه - في هذا الأثر إنما هو في الجزية بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه -: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) ليس فيه شاهد؛ لأمرين:
أحدهما: أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا القول فيما يظهر بيان أصل الفريضة لا تفاصيلها، إذ المقام لا يحتمل أكثر من ذلك، ولذلك لم يذكر من أهل الزكاة المستحقين لها إلا صنفاً واحداً فقط، ولم يدل ذلك أنها لا تصرف في غيرهم.
ثانيهما: أن من العلماء من قال: إن الضمير في قوله: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) يرجع إلى جميع المسلمين، لا أهل اليمن فقط(3).
__________
(1) ينظر: المغني (4/296)، مجموع الفتاوى (25/83).
(2) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم (1308)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (27)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.
(3) ينظر: حاشية رد المحتار (2/342)، شرح النووي على صحيح مسلم (1/197)، المحلى (5/202).(1/132)
ثانياً: أن إيجاب الزكاة في عين المال هو الأصل، ويُخرج عن هذا الأصل إذا عارض مصلحة وجوب الزكاة في العين مصلحة أرجح في إخراج القيمة، أو كان في وجوبها في العين مشقة(1)؛ إذ المشقة منتفية في هذه الشريعة(2).
أدلة القول الثاني(3)
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: النصوص التي فرض فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة من جنس المال الذي وجبت فيه(4)، وذلك في أحاديث كثيرة، منها:
الأول: أن أبا بكر(5) - رضي الله عنه - كتب لأنس بن مالك - رضي الله عنه - كتاباً لما وجهه إلى البحرين، وفيه قال في زكاة الإبل: ((إذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(6) أنثى...))(7).
__________
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (25/46).
(2) ينظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية للدكتور أباحسين ص (61-99)، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية للدكتور ابن حميد ص (59-93).
(3) ينظر: بداية المجتهد (1/268-269)، المجموع شرح المهذب (5/429-431)، المغني (4/250)، مجموع الفتاوى(25/46، 72)، إخراج القيمة في الزكاة للزهراني ص(18-24).
(4) رؤوس المسائل ص (210).
(5) عبد الله بن أبي قحافة، واسمه عثمان بن عامر التيمي القرشي، صحابي، أول من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الرجال، أفضل الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -، بويع بالخلافة بعده، توفي سنة (13هـ).
…[ ينظر: الاستيعاب (2/243)، الإصابة في تمييز الصحابة (2/341)].
(6) بنت المخاض: المخاض اسم للنُّوق الحوامل، وبنت المخاض هي ما تم له سنة ودخل في السنة الثانية.
…[ ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد (3/94)، النهاية في غريب الحديث، مادة (مخض) ص (860)].
(7) رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، رقم (1454). من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.(1/133)
الثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما بعثه إلى اليمن: (( خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر))(1).
ثانياً: ما جاء في حديث فرائض الصدقة: ((ومن بلغت صدقته بنت مخاض، وليست عنده، وعنده بنت لبون(2)، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق(3) عشرين درهماً أو شاتين))(4).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدَّر الجبران بعشرين درهماً أو شاتين، ولم يعدل إلى القيمة، ((ولو كانت القيمة مجزئة لم يقدِّره بل أوجب التفاوت بحسب القيمة))(5).
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع، رقم (1599)، وابن ماجه في كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال، رقم (1814). وهو من رواية عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.
…قال الحافظ ابن حجر ~ في التلخيص الحبير (2/170): ((وصححه الحاكم على شرطهما إن صح سماع عطاء عن معاذ. قلت: لم يصح؛ لأنه ولد بعد موته أو في سنة موته أو بعد موته. وقال البزار: لا نعلم أن عطاء سمع من معاذ)).
(2) بنت لبون: هي بنت الناقة إذا كمل لها سنتان وطعنت في الثالثة, سميت بذلك؛ لأن أمها تكون قد ولدت غيرها فصار لها لبن.
…[ ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد (3/94)، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/108)].
(3) المُصَدّق: بتخفيف الصاد وكسر الدال، هو العامل الذي يبعثه الإمام في قبض الصدقات.
…[ ينظر: غريب الحديث للخطابي (3/236)، النهاية في غريب الحديث، مادة (صدق) ص (511)].
(4) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب العرض في الزكاة، رقم (1448).
(5) المجموع شرح المهذب (5/403).(1/134)
يناقش: بأن ما يعطيه المصدق إنما هو قيمة ما بين السنين، وذلك غير مقدر عندنا بحسب الغلاء والرخص، وما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث من إعطاء المصدق عشرين درهماً أو شاتين، فذلك؛ ((لأن تفاوت ما بين السنين في زمانه كان ذلك القدر لا أنه تقدير شرعي))(1).
يجاب: بأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث فرائض الصدقة: ((ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين)) لم يخرج مخرج التقويم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل فيمن بلغت صدقته بنت مخاض، وليست عنده، وعنده بنت لبون: إنها تؤخذ منه إذا عرفت قيمتها، بل عدل عن القيمة إلى التقدير والتحديد بتعين الشاتين أو العشرين درهماً، فدل على أنه خرج مخرج العبادة؛ لأنه مقدر من قبل الشارع. ولو كان تقويماً لاختلف باختلاف الزمان والمكان وليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - ما يشعر بذلك أو يدل عليه مع الحاجة إلى بيانه فدل على عدم اعتباره(2).
ثالثاً: أن تجويز إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة قد يفضي إلى أن يعدل إلى أنواع رديئة فيخرجها، كما أنه قد يترتب على التقويم ضرر.
رابعاً: أن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه.
لا نقاش في دلالة هذه الأدلة على أن الأصل في إخراج الزكاة أن يكون من جنس المال الذي وجبت فيه. لكن المناقشة في الاستدلال بذلك على عدم جواز إخراج القيمة إذا كانت مصلحة ذلك رابية على مصلحة إخراج الزكاة من جنس العين التي وجبت فيها، أو كان في ذلك دفع للمشقة عن المكلف مع حصول المقصود، فإنه ليس فيما ذكر من الأدلة ما يدل على عدم جواز ذلك.
أدلة القول الثالث(3)
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
__________
(1) ينظر: المبسوط (2/154).
(2) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/958)، سبل السلام (2/250).
(3) ينظر: المبسوط (2/157)، بدائع الصنائع (2/73)، شرح فتح القدير (2/192)، إخراج القيمة في الزكاة للزهراني ص (26-36).(1/135)
أولاً: قول معاذ بن جبل - رضي الله عنه - لأهل اليمن حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم: ((ائتوني بعرض ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير، والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة))(1).
يناقش هذا بأمرين:
الأول: أن الأثر منقطع فلا يثبت به حكم.
يجاب على هذه المناقشة: بما تقدم في أدلة القول الأول.
الثاني: أنه ليس في الأثر ما يشهد للتفريق بين عروض التجارة وغيرها، فإن معاذاً - رضي الله عنه - علل قوله لأهل اليمن: ((ائتوني بعرض ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير، والذرة)) بأن ذلك أهون عليهم وخير لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة. وهذا التعليل يصدق على كثير من أنواع عروض التجارة.
ثانياً: أن المقصود بأداء الزكاة إغناء الفقير، والإغناء يحصل بدفع القيمة، بل قد يكون إخراج القيمة أبلغ في تحقيق ذلك.
الترجيح
الراجح هو القول الأول، وهو جواز إخراج القيمة في الزكاة عند الحاجة أو المصلحة؛ لما فيه من الجمع بين الأدلة وتحقيق المصلحة ودفع المشقة، والله أعلم.
الأمر الثاني: إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة في ظل التضخم النقدي
ليس للتضخم النقدي أثر في زكاة الأموال التي تجب الزكاة فيها من عين المال على قول الجمهور الذين يمنعون إخراج القيمة عوضاً عن الزكاة الواجبة في عين المال.
__________
(1) تقدم تخريجه ص (161).(1/136)
أما على القول بجواز إخراج القيمة في زكاة الأعيان للمصلحة والحاجة. فإن ذلك مقيد بما إذا كانت المصلحة في إخراج القيمة أرجح من إخراجها من عين المال، أو دعت إلى ذلك حاجة. مثل أن يبيع ثمر بستان أو زرعه بأوراق نقدية، فهنا إخراج عشر الثمن من الأوراق النقدية يجزئ، ولا يجب أن يشتري ثمراً أو حنطة ليخرجها؛ لأنه قد ساوى الفقراء بنفسه. وكذلك لو وجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فيكفي إخراج القيمة. ومثل ذلك أيضاً أن يطلب أهل الزكاة إعطاء القيمة بدل العين؛ لكونها أنفع من الصدقات العينية لاسيما وأن متطلبات الناس اليوم المعيشية منها والاجتماعية تجاوزت حاجة الطعام والغذاء إلى أشياء أخرى لا سبيل للحصول عليها إلا بتوافر النقد في أيديهم. ففي هذه الحال يجوز إخراج الزكاة من الأوراق النقدية بدلاً عن العين حتى في ظل التضخم النقدي.
ومما يدخل في ذلك أيضاً إخراج القيمة في زكاة الذهب والفضة لاسيما وأن الآخذ لهما لا ينتفع من أعيانهما إلا ببيعهما بالنقود الورقية ليسد حوائجه. وقد ذهب فقهاء المالكية(1) إلى جواز إخراج الفلوس عن أحد النقدين في الزكاة، ومن منع ذلك كما في أحد الوجهين عند الحنابلة فإنما منعه لكون الفلوس ليست في المعاملة كالدراهم(2). ومعلوم أنه لا وجود للدراهم في معاملات الناس اليوم، فالأوراق النقدية قد استأثرت بالقبول في التبادلات والمعاملات بلا منازع، فلا وجه للمنع حينئذٍ لبطلان التعامل بالنقود من الذهب والفضة فعلة المنع منتفية.
__________
(1) ينظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (2/221)، حاشية الدسوقي (1/499).
(2) ينظر: الإنصاف (3/136)، مطالب أولي النهى (2/88).(1/137)
والظاهر أنه لا فرق في جواز إخراج القيمة في زكاة الأعيان بين معدلات التضخم ما دام إخراج القيمة في الزكاة يحقق المعاني المتقدمة. فإن لم يحقق مصلحة أو يدفع حاجة، بل تضمن إخراج أدنى من جنس المال الذي وجبت فيه الزكاة كحالات التضخم المفرط التي لا يثق الناس فيها بالنقود، بل يسعى الناس فيها إلى التخلص من النقود لسرعة انخفاض قيمتها ففي هذه الحال يتوجه القول بعدم جواز إخراج القيمة في زكاة الأعيان؛ لأنها تكون في هذه الحال من رديء المال، وقد قال الله- عز وجل - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (1).
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منع إخراج الفلوس عن النقدين في الزكاة ما يشهد لهذا قال ~: ((أما الفلوس فلا يجزئ إخراجها عن النقدين على الصحيح؛ لأنها ولو كانت نافقة، فليست في المعاملة كالدراهم في العادة؛ لأنها قد تكسد ويحرم المعاملة بها، ولأنها أنقص سعراً))(2).
__________
(1) سورة البقرة، آية: (267).
(2) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/372).(1/138)
أما على القول بجواز إخراج القيمة في زكاة الأعيان مطلقاً، فالذي يظهر للباحث أن التضخم النقدي في مستوياته الدنيا والمتوسطة ليس له تأثير على القول بالجواز؛ لأن المعتبر في تجويز إخراج القيمة في زكاة الأعيان كونها أكثر نفعاً وأدفع لحاجة الفقير(1). وهذان المعنيان لا يزولان إلا في حال التضخم المفرط فعلى هذا لا يمنع التضخم النقدي الزاحف والمتوسط من القول بجواز إخراج القيمة. أما في حالات التضخم المفرط فإن إخراج النقود لا نفع فيه للمستحقين بل فيه ضرر عليهم في الغالب؛ لأن التوجه العام في حالات التضخم هو التخلص من الأوراق النقدية فراراً من ضعفها وخوفاً من زيادة تدهورها وطلباً لما هو أكثر أمناً في حفظ الثروة. فإخراج القيمة في مثل هذه الحال هو من باب إخراج الرديء عن الطيب، وهو مما نهى الله عنه كما تقدم.
الفرع الثاني: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة
الأمر الأول: إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة
اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيما يجب في زكاة عروض التجارة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تجب الزكاة في قيمة العروض دون عينها.
وهذا مذهب المالكية(2)، والصحيح عند الشافعية(3)، والمذهب عند الحنابلة(4).
القول الثاني: صاحب المال مخير بين إخراج الزكاة من عين العروض وبين إخراجها من القيمة.
وهذا مذهب الحنفية(5)، وقول عند الشافعية(6).
القول الثالث: تجب الزكاة في عين العروض دون قيمتها.
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (2/73)، مجمع الأنهر (1/229)، الجوهرة النيرة (1/134).
(2) ينظر: المعونة للقاضي عبدالوهاب (1/371)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (2/121).
(3) ينظر: الحاوي الكبير (3/289)، المجموع شرح المهذب (6/68).
(4) ينظر: كشاف القناع (2/178)، مطالب أولي النهى (2/22).
(5) ينظر: المبسوط (2/192-193)، شرح فتح القدير (2/218).
(6) ينظر: الحاوي الكبير (3/288)، المجموع شرح المهذب (6/69).(1/139)
وهذا قول عند الشافعية(1).
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: أن عمر - رضي الله عنه - مرّ بحماس(2)، وكان يبيع الأدم(3)
والجعاب(4)، فقال له عمر: يا حماس أدِّ زكاة مالك. فقال: والله مالي مال، إنما أبيع الأدم والجعاب، فقال: ((قومه، وأدِّ زكاته))(5).
نوقش: بأن هذا الأثر ضعيف.
أجيب: بأن الأثر مشهور، وقد صححه جماعة من أهل العلم.
ثانياً: أن النصاب في زكاة العروض معتبر بقيمتها، فتجب الزكاة منها؛ لأنها محل الوجوب(6).
أدلة القول الثاني:
__________
(1) ينظر: العزيز شرح الوجيز (3/115)، المجموع شرح المهذب (6/69).
(2) حماس بن عمرو الليثي المدني التابعي، سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
…[ ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (1/17)، التأريخ الكبير (2/1/130)، الطبقات الكبرى لابن سعد (5/62)].
(3) الأدم: جمع الأديم، وهو الجلد.
…[ ينظر: النهاية في غريب الحديث، مادة (أدم) ص (30)، لسان العرب، مادة (أدم) (12/10)].
(4) الجعاب: جمع جعبة، وهي كنانة النُّشّاب أي: وعاء السهام والنبال.
…[ ينظر: النهاية في غريب الحديث، مادة (جعب) ص (154)، لسان العرب، مادة (جعب) (1/297)، المعجم الوسيط، مادة (جَعَبَ) ص (124)].
(5) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/183)، عبدالرزاق في مصنفه (4/96)، الدارقطني في سننه (2/125)، البيهقي في معرفة السنن والآثار (6/148).
…وقد ضعفه ابن حزم في المحلى (5/235)، فقال ~: ((وأما حديث عمر فلا يصح. لأنه عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه، وهما مجهولان)). واحتج به شيخ الإسلام ابن تيمية (25/65)، فقال ~: ((واشتهرت القصة بلا منكر، فهي إجماع)). وكذلك غير واحد من أهل العلم كابن عبدالبر في التمهيد (17/132). وقال عنه ابن الملقن ~ في خلاصة البدر المنير (1/309): ((رواه البيهقي بإسناد صحيح لا أعلم به بأساً)).
(6) ينظر: الحاوي الكبير (3/289)، المغني (4/250).(1/140)
أن عروض التجارة مال تجب فيه الزكاة فيجوز إخراجها من عينها كسائر الأموال.
نوقش: بأن الزكاة لم تجب في عين المال، وإنما وجبت في قيمته(1).
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
أولاً: حديث سمرة(2) - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بإخراج الصدقة من الذي يُعَدُّ للبيع(3).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراج زكاة عروض التجارة من المال نفسه، فوجب إخراجها من عروض التجارة، ولم يجز العدول عنه لغيره(4).
نوقش: بأن الزكاة في عروض التجارة إنما وجبت في قيمتها لا في عينها، ولذلك فإنه لا يجب إخراجها من العين؛ لأن المعتبر في وجوبها القيمة.
ثانياً: أن عروض التجارة مال مزكى، فتجب زكاته منه كسائر الأموال الزكوية(5).
نوقش هذا: بأنه قياس مع الفارق من وجهين:
__________
(1) ينظر: الحاوي الكبير (3/289)، المغني (4/250).
(2) سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، صحابي، من المكثرين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سكن البصرة ووليها لعلي - رضي الله عنه -، توفي سنة (59هـ).
…[ ينظر: الاستيعاب (2/214)، أسد الغابة (2/454)].
(3) رواه أبو داود في كتاب الزكاة، باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها من زكاة رقم (1562).
…وقد حسنه ابن عبدالبر في الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (6/115)، وضعفه ابن حزم في المحلى (5/234) ، وقال عنه النووي ~ في المجموع شرح المهذب (6/4): ((وفي إسناده جماعة لا أعرف حالهم, ولكن لم يضعفه أبو داود))، وقال عنه الحافظ ابن حجر ~ في التلخيص الحبير (2/346): ((في إسناده جهالة))، وقال في البلوغ ص (208): ((في إسناده لين))، وقد نقل الزيلعي في نصب الراية كلاماً لابن القطان استظهر منه تصحيحه للحديث (2/376).
(4) ينظر: البيان للعمراني (3/324-325)، الحاوي الكبير (3/288).
(5) ينظر: الحاوي الكبير (3/288).(1/141)
الأول: أن المقصود في سائر الأموال أعيانها، والنص قد ورد بوجوب الزكاة فيها. أما عروض التجارة فالمقصود ماليتها لا عينها، وقد صح الأثر باعتبار ماليتها.
الثاني: أن عروض التجارة تتغير وتتنوع مرات كثيرة في العام الواحد، فما الذي تجب فيه الزكاة من هذه الأعيان المتنوعة المتغيرة فدل أن المعتبر في زكاتها قيمتها.
الترجيح
الذي يترجح للباحث هو القول الأول، وأن زكاة عروض التجارة تجب في قيمتها لا في عينها؛ لقوة ما استدلوا به ولوضوحه.
ويمكن أن يقال بأن هذا هو الأصل، فإذا كان في إخراج الزكاة من العروض نفعٌ لأهل الزكاة، أو أن رب المال لم يجد نقوداً يخرجها، وكانت عروض التجارة مما يمكن لآخذها من أهل الزكاة أن ينتفع بها ففي هذه الحال يجوز إخراج الزكاة من العروض.
الأمر الثاني: إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة في ظل التضخم النقدي
لا يظهر أن للتضخم النقدي أثراً في زكاة عروض التجارة على القول بوجوب إخراج الزكاة من قيمة العروض إلا من جهة زيادة مقدار ما يجب من الزكاة؛ لأن التضخم النقدي يزيد في القيمة الاسمية لعروض التجارة حيث ترتفع أسعارها، لكن ذلك الأثر مقيد بما إذا لم يؤدِ التضخم النقدي إلى ارتفاع قدر النصاب ارتفاعاً يخرج به قيمة عروض التجارة عن وجوب الزكاة فيها لعدم بلوغها النصاب.
مثال ذلك: أن يكون قيمة ما لدى الإنسان من عروض التجارة ألف ريال، ونصاب الأوراق النقدية سبعمائة ريال، فزكاة العروض حينئذٍ خمسة وعشرون ريالاً. فإذا طرأ التضخم النقدي وارتفعت قيمة العروض، فصار قيمة ما لدى الإنسان ألفي ريال، وصار نصاب الأوراق النقدية ألفاً وخمسمائة ريال، فإن الزكاة ستكون خمسين ريالاً، فيكون مقدار الزكاة قد زاد بمقدار ما طرأ من التضخم النقدي.(1/142)
وبهذا المثال يتبين أن التضخم النقدي يؤثر في زيادة قدر الزكاة الواجبة في عروض التجارة. وهذه الزيادة تفضي إلى الزيادة في كمية النقود المتداولة، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي قد يكون من أسباب زيادة التضخم النقدي لاسيما وأن من أهم موارد الزكاة في الزمن الحاضر زكاة عروض التجارة.
أما على القول بأن الواجب إخراج زكاة العروض من عين ما وجبت فيه الزكاة فأثر التضخم النقدي هو وجوب مراعاة العرض المُخرج، وذلك ((أنه في أوقات التضخم لا ترتفع أسعار السلع بنسبة واحدة، بل هناك بعض البضائع قد تعاني من انخفاض أسعارها، وفي هذه الحال إذا أخرج المزكي زكاته من هذه البضائع فإنه يحقق لنفسه منفعة في حين أنه قد يحصل للقابض ضرر من ذلك))(1). ولذلك فإن الواجب عند إخراج زكاة عروض التجارة من عين المال أن تكون العين المُخرجة من أوسط عروض التجارة؛ لقول الله - عز وجل -: { وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (2).
أما على القول بأن رب المال مخير بين إخراج زكاة العروض من قيمتها أو من عين المال فلا يخرج أثر التضخم عما تقدم.
المسألة الرابعة: أثر التضخم النقدي في زكاة الدين
اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في وجوب الزكاة في الدين على أقوال، ولهم في ذلك تفريع وتفصيل(3). والذي يتصل بموضوع الدراسة هو وقت وجوب زكاة الدين على القول بأن فيه زكاة.
__________
(1) التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (2/299).
(2) سورة البقرة، من آية: (267).
(3) ينظر: حاشية رد المحتار (2/305-308)، الخرشي شرح مختصر خليل (2/189)، معرفة السنن والآثار (6/154-156)، كشاف القناع (2/172)، المحلى (6/103)، الموسوعة الفقهية الكويتية (23/238-234).(1/143)
وبالنظر إلى ما قاله الفقهاء في ذلك يتبين أن في الوقت الذي تجب فيه زكاة الدين قولين لأهل العلم في الجملة:
القول الأول: أن زكاة الدين تجب على صاحب الدين عن كل عام(1).
القول الثاني: أن زكاة الدين تجب على صاحب الدين عند قبضه لعام واحد، أو للأعوام التي قبل قبضه بناء على اختلاف العلماء في ذلك(2).
أما أثر التضخم النقدي في زكاة الدين، فإن المعتبر في قدر زكاة الدين هو وقت وجوب الزكاة فيه على القول الأول. وبناء على هذا فزكاة كل عام تأخذ حكماً مستقلاً من حيث أثر التضخم النقدي على قدر النصاب، فقد تختلف الأعوام من حيث وجوب الزكاة في الدين. وذلك بالنظر إلى اختلاف نسبة التضخم النقدي في تلك الأعوام. ولا فرق في ذلك بين قول من أوجب إخراج زكاة الدين على الفور في نهاية كل عام، وبين قول من رخص في تأخير إخراج زكاة الدين إلى قبضه؛ لأن الوقت المعتبر في نصاب الزكاة وقت وجوبها لا وقت إخراجها.
مثال ذلك: إذا كان قدر الدين ألف ريال، والدين مؤجل ثلاث سنوات. فإذا كان قدر النصاب خمسمائة ريال في السنة الأولى، فطرأ تضخم نقدي نقصت به قيمة النقود، فصار النصاب في السنة الثانية ثمانمائة ريال، وفي السنة الثالثة زادت نسبة التضخم النقدي، ونقصت قيمة النقود حتى صار النصاب ألفاً ومائة ريال.
ففي هذا المثال يجب على صاحب الدين زكاة العام الأول والثاني؛ لكون الدين يبلغ نصاباً، أما العام الثالث فلا يجب عليه في الدين شيء؛ لأنه دون النصاب.
__________
(1) انقسم أصحاب هذا القول في وقت الإخراج إلى قسمين:
…الأول: أنه لا يجب إخراج زكاة الدين ما لم يقبضه، هذا مذهب الحنفية والحنابلة.
…الثاني: أنه يجب إخراج زكاة الدين في نهاية كل حول، هذا مذهب الشافعية.
…[ ينظر: بدائع الصنائع (2/10)، المجموع شرح المهذب (6/22)، الشرح الكبير لابن أبي عمر (6/323)].
(2) ينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (2/115)، مواهب الجليل (2/358)، التاج والإكليل (3/169).(1/144)
أما على القول الثاني، وأنه لا تجب الزكاة في الدين إلا عند القبض، فالمعتبر في بلوغ النصاب هو وقت قبض الدين؛ لأنه وقت الوجوب. ولهذا قد يكون الدين في أول مدة الدين مالاً تجب فيه الزكاة؛ لبلوغه النصاب فيحدث التضخم النقدي فيرتفع نصاب الأوراق النقدية فيأتي يوم القبض والدين دون النصاب فلا تجب فيه الزكاة كما هو في المثال السابق.
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في الديات(1)
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في نوع الدية
اتفق أهل العلم على أن الدية تكون من الإبل(2).
واختلفوا هل تكون من غير ذلك؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن أصل الدية الإبل فقط.
وهذا مذهب الشافعية(3)، ورواية في مذهب أحمد(4).
__________
(1) الديات في اللغة جمع دية، مشتقة من الودي: وهو دفع الدية.
…أما في الاصطلاح فهناك اتجاهان في تعريف الدية:
…الأول: أن الدية اسم للمال الذي هو بدل النفس، وهذا مذهب الحنفية.
…الثاني: أن الدية هي المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
…[ ينظر: مختار الصحاح ص (715)، المصباح المنير ص (337)، أنيس الفقهاء ص (293)، شرح حدود ابن عرفة (2/621)، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص (303)، الدر النقي (3/721)].
(2) ينظر: الإقناع لابن المنذر (1/258)، التمهيد لابن عبد البر (17/341-342)، المحلى (10/389)، مراتب الإجماع ص (162).
(3) ينظر: المهذب (5/98)، البيان للعمراني (11/491)، روضة الطالبين (9/255).
(4) ينظر: الفروع (6/16)، الإنصاف (10/58).(1/145)
وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم(1) مفتي البلاد السعودية في زمانه، فقال ~: ((لا يعلم خلاف بين أهل العلم في أن الإبل أصل في الدية، وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل. وهل هي الأصل لا غير وما سواها من باب القيمة، أو معها غيرها؟ الراجح عند أئمة الدعوة(2) أنها هي الأصل لا غير، وما سواها من باب القيمة...))(3).
وعلى هذا القول يكون إخراج ما عدا الإبل في الدية إنما هو من باب التقويم لا أنها أصول.
القول الثاني: أن أصول الدية خمسة: الإبل، والبقر، والغنم، والدراهم، والدنانير.
وهذا هو المشهور من مذهب أحمد(4).
القول الثالث: أن أصول الدية ثلاثة: الإبل، والدنانير،والدراهم.
وهذا مذهب الحنفية(5)، والمالكية(6).
أما أثر التضخم النقدي في نوع الدية بناء على هذه الأقوال فبيانه كما يلي:
__________
(1) محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ، مفتي البلاد السعودية، ورئيس قضاتها، له نفع كبير، وأثر بالغ في زمانه تولى كثيراً من الأعمال، له طلبة كثيرون من أبرزهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ جمعت فتاواه في سفر كبير وهي تدل على فقه ودقة نظر، توفي سنة (1389هـ).
…[ ينظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون (1/242)، روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد (2/335)].
(2) أئمة الدعوة: هذا الوصف يطلق على علماء الدعوة الإصلاحية التي قام بها الشيخ المجدد محمد ابن عبدالوهاب، سواء الذين تتلمذوا عليه وأخذوا عنه، أو من جاء بعدهم ممن سار على دعوتهم ومنهجهم.
(3) فتاوى ورسائل الشيخ ابن إبراهيم (11/329-330).
(4) ينظر: الفروع (6/16)، الإنصاف (10/58).
(5) ينظر: المبسوط (26/77)، تبيين الحقائق (6/126-127).
(6) ينظر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (25/10-19)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (7/68)، حاشية الدسوقي (4/266-267).(1/146)
أولاً: أثر التضخم النقدي بناء على القول الأول، وهو أن الأصل في الدية الإبل فقط.
لا يلزم مستحق الدية على هذا القول قبول غير الإبل في الديات إلا إذا أعوزت(1). فإن أعوزت الدية فللمستحق قيمتها وقت وجوب تسليمها بالغة ما بلغت؛ لأنها بدل متلف، فيرجع إلى قيمته عند إعواز أصله. هذا هو الجديد من قولي الشافعي. وأما على قوله القديم فإن الواجب ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم. وهذا كله فيما إذا لم يمهل مستحق الدية من وجبت عليه، فإن قال مستحق الدية: أصبر حتى توجد الإبل فإنه يلزم الدافع بذل الإبل بعد زوال الإعواز؛ لأنها الأصل(2).
ومن هذا يتبين أنه ليس للتضخم النقدي أثر على أصل الدية على هذا القول ؛لأن الأصل الذي يلزم الدافع هو الإبل، لكن قد يكون للتضخم النقدي أثر فيما إذا أعوزت الإبل فإن للمستحق الخيار بين أخذ قيمتها، وبين الإمهال حتى يزول الإعواز. ومن المعلوم أن مستحق الدية سيختار الأصلح له.
ومما قد يؤثر في الاختيار بين أخذ القيمة وبين الإمهال نسبة التضخم النقدي، لا سيما إذا كان التضخم النقدي مرتفعاً، وكان اقتناء الإبل ذا قيمة ونفع، كما في البلاد الزراعية والرعوية.
__________
(1) أعوز لغة: مأخوذ من عَوِز الشيء إذا عزّ فلم يوجد.
…أما عند الفقهاء فالإعواز: تعذر الشيء إما لعدم، أو بُعد، أو غلاء.
…[ ينظر: المصباح المنير ص (226)، الأشباه والنظائر ص (344)، مطالب أولي النهى (4/53) ].
(2) ينظر: معرفة السنن والآثار (12/106-107)، الحاوي الكبير للماوردي (12/226-228)، مغني المحتاج (4/56).(1/147)
ومما يظهر فيه أثر التضخم النقدي على الدية بناء على هذا القول أيضاً اختيار مستحق الدية أخذ الدية من الأوراق النقدية فيما إذا أعوزت الإبل. وذلك أن إخراج الأوراق النقدية في الدية عن الإبل إنما هو من باب التقويم. وعلى هذا فلا بد في تقويم الإبل بالورق النقدي من مراعاة قيمة الوسط، وكذلك لا بد من مراعاة تغير قيمة الإبل بسبب تغير الأسعار ارتفاعاً وانخفاضاً. وقد جاء ما يدل على مراعاة ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوِّم دية الخطأ على أثمان الإبل، فإذا غلت رفع في قيمتها، وإذا هاجت رخصاً نقص من قيمتها(1). وقد نبَّه إلى وجوب مراعاة ذلك الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، فقال في تقويم الإبل بالأوراق النقدية: ((وهذا التقويم باعتبار دون الوسط، ويستمر العمل على هذا ما لم تتغير قيمتها الحالية بزيادة كثيرة أو نقص كثير، فإن تغيرت وجب تجديد التقويم))(2)؛ لتغير الأسعار.
وتتأكد مراجعة التقويم في زمن التضخم النقدي وتذبذب قيمة النقود؛ لأنه يرتفع فيه المستوى العام للأسعار، وقد يكون من جملة ذلك أسعار الإبل. وقد عُمل بهذا التنبيه فجرت عدة مراجعات لقدر الدية من الأوراق النقدية بسبب التضخم النقدي، كان آخرها ما ذكره الشيخ عبد الله البسام(3)
__________
(1) رواه أبو داود، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء، رقم (4564)، والنسائي، كتاب القسامة والقود والديات، كم دية شبه العمد، رقم (4805)، وابن ماجه، كتاب الديات، باب دية الخطأ، رقم (2630).
(2) فتاوى ورسائل الشيخ ابن إبراهيم (11/329-330).
(3) عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح البسام، فقيه، حنبلي، ولي القضاء، له مؤلفات وبحوث عديدة نافعة منها: توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام، نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب، وكنت قد قرأت عليه شيئاً في الفقه أجزل الله مثوبته، توفي سنة (1423هـ).
…[ ينظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون (1/45)].(1/148)
في استعراضه لتلك المراجعات حيث قال ~: ((ثم إن قيم الإبل زادت زيادة ظاهرة جداً، وتوفر النقد بأيدي الناس، فأعيد تقويم دية النفس من قِبل مجلس كبار العلماء أيضاً. فأصدر قراراً بأن تكون دية العمد(1) وشبهه مائة وعشرة آلاف ريال، ودية الخطأ مائة ألف ريال...، ولا تزال حتى تحرير هذه الأسطر في عام 1412هـ))(2).
وعلى كل حال فإن لمستحق الدية أن يحمي نفسه من آثار التضخم النقدي في قدر الدية بأن لا يقبل في الدية إلا الأصل ، وهي الإبل، ويُلزم الدافع بذلك ما لم يتعذر دفع الدية من الإبل.
ثانياً: أثر التضخم النقدي بناء على القولين: الثاني والثالث، وأن أصول الدية متعددة ثلاثة أصناف، أو خمسة.
يلزم مستحق الدية على هذين القولين قبول أي صنف من أصناف الدية إذا جاء به من وجبت عليه. وهذا مذهب الحنفية(3)، والحنابلة(4).
أما المالكية فإنه لا يلزم مستحق الدية قبول ما يبذل له من أصناف الدية إلا غالب أموال الناس في البلاد من إبل أو ذهب أو فضة(5).
__________
(1) اختلف الفقهاء في تقسيم أنواع الجناية على النفس وما دونها على أقوال، أشهرها تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
…الأول: العمد: وهي الضرب بسلاح، أو ما جرى مجراه في تفريق الأجزاء.
…الثاني: شبه العمد: وهي الضرب بغير سلاح، وما جرى مجراه.
…الثالث: الخطأ: أن يقصد بالفعل غير المحل الذي تقصد به الجناية.
…[ ينظر: أحكام الجناية على النفس وما دونها للشيخ بكر أبو زيد ص (38-39)،القاموس الفقهي ص (117)].
(2) نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب (4/529-530).
(3) ينظر: تكملة شرح فتح القدير (10/276)، در المتقي (2/639)، إعلاء السنن (18/153، 159). وقيل: تعيين الصنف إنما يكون بالرضا أو القضاء، وعليه عمل قضاة الحنفية.
(4) ينظر: الشرح الكبير لابن أبي عمر (25/367-368)، كشاف القناع (6/19).
(5) ينظر: التفريع (2/212-213)، مواهب الجليل (6/256-257).(1/149)
ومن هذا يتبين أنه ليس للتضخم النقدي على هذين القولين أثر في الدية إلا عند اتفاق مستحق الدية وباذلها على أخذ قيمة الدية من الأوراق النقدية، وحينئذٍ يكون للتضخم النقدي الأثر الذي تقدم ذكره فيما يترتب على القول الأول، والله أعلم.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي إذا كانت الدية مؤجلة
أجمع أهل العلم على أن دية الخطأ مؤجلة على العاقلة(1) في ثلاث سنين(2). وقد حكي إجماع الصحابة أيضاً على تأجيل دية شبه العمد كدية الخطأ(3).
أما دية العمد فهي مؤجلة كدية الخطأ عند الحنفية(4) خلافاً للجمهور(5).
وذلك كله في دية النفس وما دونها من الجراحات إذا جاوزت ثلث الدية(6). وهذا التأجيل للدية علته التخفيف والتيسير على من وجبت عليه(7).
أما أثر التضخم النقدي في الديات المؤجلة فبيانه على النحو التالي:
__________
(1) العاقلة: جمع عاقل، وهو دافع الدية.
…وهم جميع العصبات من النسب بعدوا أو قربوا، والمولى وعصبته، ومولى المولى وعصبته.
…وكل من عدا العصبات كالإخوة لأم، وسائر ذوي الأرحام، والزوج ليسوا من العاقلة بلا خلاف بين أهل العلم.
…[ ينظر: المصباح المنير ص (219)، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (2/735) ].
(2) ينظر: بداية المجتهد (2/413)، المغني (12/21).
(3) ينظر: جامع الترمذي ص (336)، نيل الأوطار (7/314).
(4) ينظر: المبسوط (26/91)، تبيين الحقائق (6/177-178).
(5) ينظر: بداية المجتهد (2/413)، حاشية الدسوقي (4/285)، الحاوي الكبير للماوردي (12/317)، مغني المحتاج (4/53)، الفروع (2/571)، الإنصاف (10/127).
(6) ينظر: الإقناع لابن المنذر (1/367)، بداية المجتهد (2/412)، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (25/183).
(7) ينظر: البحر الرائق (8/388)، المعونة للقاضي عبدالوهاب (3/1326)، الحاوي الكبير للماوردي (12/344)، المغني (12/22).(1/150)
أولاً: إذا كانت الدية المؤجلة ستدفع من غير الأوراق النقدية سواء من أحد الأصول على القول بتعددها، أو من الإبل على القول بأنها الأصل في الدية، فلا يظهر أن للتضخم النقدي أثراً في الدية المؤجلة.
ثانياً: إذا كانت الدية المؤجلة ستدفع من الأوراق النقدية فأثر التضخم النقدي يظهر في أن القوة التبادلية لقيمة الدية من الأوراق النقدية ستنقص عنها في يوم التقويم، بسبب التضخم النقدي الذي طرأ أو زاد خلال مدة تأجيل الدية، وتختلف نسبة هذا النقص باختلاف معدل التضخم النقدي. ويمكن إجمال ذلك في حالين:
الحال الأولى: أن يكون التضخم النقدي جامحاً أو متسارعاً.
مثال ذلك أن تكون قيمة المائة من الإبل يوم تقويم الدية مائة وعشرين ألف ريال، فإن مستحق الدية سيأخذ ثلثها عند التقويم، وهو أربعون ألفاً. وأما الثلثان الآخران فسيأخذ ثلث الدية الثاني في آخر السنة الثانية، وثلث الدية الثالث في آخر السنة الثالثة. فإذا كان التضخم النقدي قد طرأ بعد التقويم، وبلغ في آخر السنة الثانية نسبة خمسة وعشرين في المائة، وفي آخر السنة الثالثة صارت نسبة التضخم النقدي خمسين في المائة، فإن ذلك يعني أن الأوراق النقدية قد فقدت ربع قوتها التبادلية الشرائية في آخر السنة الثانية بالنسبة لقوتها يوم التقويم، وعلى هذا فإن الأربعين ألفاً، التي هي القسط الثاني من الدية، لن يُحصِّل بها مستحقها إلا ما يُحصِّله بثلاثين ألفاً يوم التقويم ، وذلك بسبب نقص القيمة التبادلية للنقود. أما السنة الثالثة فإن الأوراق النقدية ستكون قد فقدت نصف قيمتها التبادلية الشرائية بالنسبة ليوم التقويم، فالأربعون ألفاً، التي هي آخر الأقساط، ستكون قيمتها عشرين ألفاً مقارنة بقيمة النقود التبادلية يوم التقويم. ونسبة التضخم النقدي في هذا المثال تدخل في حيز التضخم النقدي المتسارع، وهو مما لم تجر العادة بالتسامح في مثله؛ لارتفاع نسبته، وما يترتب عليه من ضرر.(1/151)
ولذلك فالذي يظهر للباحث أنه في حال كون التضخم النقدي جامحاً أو متسارعاً فإنه لا يلزم مستحق الدية قبول قيمتها من الورق النقدي، بل له أن يطالب بأحد أمرين:
الأول: إعادة تقويم قسط الدية عند حلوله في آخر السنة الثانية، وكذلك في آخر السنة الثالثة؛ ليتلافى نقص القيمة.
الثاني: أن تدفع له الدية من الأصل، أي من الإبل، لا من قيمتها أو من بقية الأصول على القول بتعددها؛ لأن في دفع القيمة ضرراً عليه، فله الرجوع إلى الأصل.
وهذا الرأي مستفاد من قول الشافعية الذين لا يرون جواز دفع القيمة في الدية، إلا إذا أعوزت الإبل على أن لا يقوَّم ما وجب من الدية إلا بعد حلول وقت أدائها.
قال الشافعي ~: ((وعام في أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض الدية مائة من الإبل، ثم قوَّمها عمر - رضي الله عنه - على أهل الذهب والورق. فالعلم محيط إن شاء الله تعالى أن عمر لا يقوِّمها إلا قيمة يومها، ولعله قوَّم الدية الحالة كلها في العمد، وإذا قوَّمها عمر قيمة يومها فاتباعه أن تقوَّم كلما وجبت على إنسان قيمة يومها))(1).
وقال أيضاً: ((فإن أعوز ما لزمه من الصنف أخذت قيمته يوم يلزم صاحبه))(2).
وقال العمراني(3)~ في شرح قول الشافعي: ولا يقوَّم نجم(4)
__________
(1) الأم (6/114).
(2) الأم (6/115).
(3) يحيى بن سالم بن أسعد بن عمران العمراني، فقيه ، شافعي، أصولي، له مصنفات عديدة منها: البيان، الزوائد، توفي سنة (558هـ).
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (20/377)، طبقات الشافعية الكبرى (7/336)].
(4) النجم: هو الكوكب، والجمع أنجم ونجوم. وهو الوقت الذي يحل فيه الأداء. فإن العرب كانت تؤقت بطلوع النجوم؛ لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب، وإنما يحفظون أوقات السنة بالأنواء.
…[ ينظر: المصباح المنير، مادة (نجم) ص (306)].(1/152)
إلا بعد حلوله: ((وجملة ذلك أن الدية إذا وجبت على العاقلة، فإن كانت الإبل موجودة معهم أو في بلدهم بثمن مثلها عند الحلول، وجب عليهم أن يجمعوا ما وجب...)). ((وإن كانت معدومة، أو موجودة بأكثر من ثمن مثلها، انتقلوا إلى بدلها...))، ((فإذا قلنا: تجب قيمتها، فإنها تقوَّم عند حلول الحول...))(1).
الحال الثانية: أن يكون التضخم النقدي تضخماً زاحفاً.
فالذي يظهر للباحث أنه لا حاجة في هذه الحال إلى إعادة تقويم الإبل عند حلول أدائها، على القول بجواز إخراج القيمة في الدية، وذلك أن النقص الحاصل بسببه مما يتغابن الناس في مثله عادة.
أما على القول بأنه لا تجوز الدية من غير الإبل إلا إذا أعوزت فلا يظهر أن للتضخم النقدي الزاحف أثراً أيضاً؛ لأنه يجب تقويم ما وجب من الدية عند حلول الأجل، كما تقدم، والله أعلم.
المطلب الثالث: أثر التضخم النقدي في وقت اعتبار النصاب في السرقة
ذهب جمهور العلماء من الحنفية(2)، والمالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5) إلى أن من شروط إقامة الحد في السرقة أن يبلغ المال المسروق نصاباً.
وخالف في ذلك ابن حزم(6) من الظاهرية(7)، فلم يعتبر في ذلك نصاباً.
__________
(1) البيان (11/608). وينظر: تحفة المحتاج (9/32).
(2) ينظر: المبسوط (9/136)، بدائع الصنائع (7/77).
(3) ينظر: بداية المجتهد (2/447)، الشرح الصغير للدردير (3/473).
(4) ينظر: الإقناع لابن المنذر (2/331)، معرفة السنن والآثار (12/392).
(5) ينظر: التوضيح للشويكي (3/1222)، المنتهى (2/482).
(6) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، أبو محمد، عالم، فقيه، من أئمة الظاهرية، له مصنفات كثيرة منها: المحلى، ومراتب الإجماع، توفي سنة (456هـ).
…[ينظر: وفيات الأعيان (3/13)، شذرات الذهب (3/299)].
(7) ينظر: المحلى (11/350).(1/153)
وقد اختلف الجمهور في عدة مسائل تتعلق بالنصاب(1). والذي يتصل بموضوع الدراسة من تلك المسائل؛ أن أهل العلم اختلفوا في الوقت الذي يعتبر فيه نصاب السرقة على قولين:
القول الأول: أن المعتبر بلوغ المسروق قيمة نصاب السرقة وقت إخراجه من الحرز(2).
وهذا أحد قولي الحنفية(3)، وهو المذهب عند المالكية(4)، والشافعية(5)، والحنابلة(6).
القول الثاني: أن المعتبر بلوغ المسروق قيمة نصاب السرقة من وقت إخراجه من الحرز إلى وقت القطع والاستيفاء.
وهذا هو المذهب عند الحنفية(7).
أما تقويم نصاب السرقة فإنه يكون بالذهب أو الفضة(8)
__________
(1) ينظر: طرح التثريب (8/25-29)، الفقه الإسلامي وأدلته (6/104-107)، الموسوعة الفقهية الكويتية (24/313-318).
(2) الحرز لغة: الموضع الحصين.
…واصطلاحاً: ما يحفظ فيه المال عادة، وهو في الحقيقة كل ما لا يعد صاحب المال في العادة مضيعاً لماله بوضعه فيه، هذا باتفاق الفقهاء، إلا أنهم اختلفوا في أوصاف الحرز، وشروطه.
…[ينظر: الصحاح (3/873)، شرح حدود ابن عرفة (2/651)، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (ص207)، الدر النقي (3/539)].
(3) ينظر: شرح فتح القدير (5/407)، تبيين الحقائق (3/229).
(4) ينظر: المعونة للقاضي عبد الوهاب (3/1419)، الشرح الكبير للدردير (4/333).
(5) ينظر: روضة الطالبين (10/113)، مغني المحتاج (4/158).
(6) ينظر: المغني (12/453)، كشاف القناع (6/132).
(7) ينظر: مختصر الطحاوي ص (273)، المبسوط (9/163).
(8) اختلف الفقهاء في تقويم نصاب السرقة على أقوال:
…الأول: أن تقويم نصاب السرقة بالدراهم وبالدنانير، وإلى هذا ذهب المالكية، والحنابلة.
…الثاني: أن تقويم نصاب السرقة بالدراهم وإلى هذا ذهب الحنفية، وهو رواية عن أحمد.
…الثالث: أن تقويم نصاب السرقة بالدنانير، وإلى هذا ذهب الشافعية.
…[ ينظر: المبسوط (9/137)، التاج والإكليل (8/414)، تحفة المحتاج (9/124)، مطالب أولي النهى (6/231)].(1/154)
؛ لأن النصوص وردت بتقدير النصاب بهما.
فتقديره بالذهب جاء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً))(1).
أما تقديره بالفضة فقد جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقاً في مجن(2) قيمته ثلاثة دراهم(3).
وهذان التقديران لنصاب السرقة لا أثر للتضخم النقدي فيهما؛ لأن التقدير منصوص عليه فوجب اعتباره، ((فإن زاد سعر أو نقص لم ينظر في ذلك))(4).
أما قيمة النصاب من الورق النقدي فإن للتضخم النقدي أثراً فيها، وذلك أن أسعار الذهب والفضة تتأثر بالتضخم النقدي ارتفاعاً وانخفاضاً فإذا ارتفع معدل التضخم ارتفعت غالباً أسعار الذهب والفضة فترتفع بذلك قيمة النصاب من الأوراق النقدية. فإذا كانت قيمة النصاب من الذهب أو الفضة مائة ريال مثلاً فإنه يجب القطع بسرقة هذا المبلغ. فإذا طرأ التضخم أو زادت نسبته حتى صارت قيمة النصاب ثلاثمائة ريال فلا يجب القطع فيما دون ذلك. وهذا يوجب دوام الملاحظة لقيمة النصاب لا سيما في أوقات التضخم النقدي لمعرفة ما يجب فيه القطع مما لا يجب.
__________
(1) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا...) وفي كم يقطع؟ رقم (6789)، ورواه مسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة، رقم (1684).
(2) المجن: بكسر الميم، وفتح الجيم، وتشديد النون، وهو الترس , مِفْعَل من معنى الاجتنان، وهو الاستتار والاختفاء.
…[ ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (مجن) ص (858)، تفسير غريب الحديث لابن حجر ص (222)، طرح التثريب (8/27)].
(3) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: (والسارق والسارقة...) وفي كم يقطع؟ رقم (6795)، ورواه مسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة، رقم (1686).
(4) الحجة على أهل المدينة (4/263).(1/155)
ومما يظهر فيه أثر التضخم النقدي أنه إذا سُرق ما قيمته نصاب من الأوراق النقدية ثم طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته، فصار المبلغ المسروق دون قيمة النصاب بعد حدوث التضخم أو زيادته ولم يستوف الحد بعد، فعلى قول الجمهور ليس لذلك أثر في ثبوت القطع؛ لأن المعتبر قيمة النصاب يوم إخراجه من الحرز، فلا يرتفع الحد بعد ثبوته. أما على قول الحنفية الذين يعتبرون قيمة النصاب من وقت إخراجه من الحرز إلى وقت القطع فإنه لا قطع عندهم بعد نقصان قيمة المسروق عن قدر النصاب درءاً للحد بالشبهة(1)؛ لأن ((نقصان السعر يورث شبهة نقصان في المسروق وقت السرقة... فيجعل النقصان الطارىء كالموجود عند السرقة))(2).
والذي يظهر للباحث أنه لا أثر للنقص الطارىء بعد الإخراج من الحرز في رفع الحد، ولا يُعدُّ ذلك شبهة يدرأ بها؛ لأن الشبهة التي تُدرأ بها الحدود هي الشبهة القائمة الموجودة زمن وقوع موجب الحد لا الطارئة بعده. و إلا فإن اعتبار الشبهة الطارئة بعد موجبات الحدود يفضي إلى تعطيل الحدود، والله أعلم.
المبحث الثاني: أثر التضخم النقدي في الديون والحقوق
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في الديون
المسألة الأولى: تعريف الديون وأنواعها وأسبابها
الفرع الأول: تعريف الديون
الديون في اللغة: جمع دين. وللفظ الدين في اللغة عدة استعمالات:
منها أن الدين يطلق على كل شيء غير حاضر. ومنها أنه يطلق أيضاً على الإعطاء بأجل، ويطلق أيضاً على القرض، وعلى ثمن المبيع(3).
أما الدين في اصطلاح الفقهاء فله استعمالان:
__________
(1) ينظر: أثر الشبهات في درء الحدود ص (297-298).
(2) بدائع الصنائع (7/79).
(3) ينظر: لسان العرب، مادة (دين) (13/167)، القاموس المحيط، مادة (دين)، ص (1546)، مختار الصحاح، مادة (دين)، ص (217).(1/156)
الأول: استعمال الدين بمعناه العام، وهو ما يثبت في الذمة(1).
فيشمل الدين بهذا المعنى كل ما يشغل ذمة الإنسان من الحقوق المالية، والحقوق غير المالية؛ من حقوق الله - عز وجل -، ومن حقوق الخلق. فكل ما يثبت في الذمة ويطالب الإنسان بوفائه من مال ومنفعة وعمل عبادي كالصلاة، أو عمل عادي كإحضار شخص إلى مجلس الحكم مثلاً، فهو نوع من الدين على هذا الاستعمال(2).
الثاني: استعمال الدين بمعناه الخاص، وهو ما يثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته(3).
فيقتصر الدين بهذا المعنى على جميع الحقوق المالية فقط، سواء ثبتت بمعاوضة أو إتلاف أو قرض، أو ثبتت حقاً لله تعالى كالزكاة(4).
الفرع الثاني: أنواع الديون وأسبابها
للديون أنواع متعددة تختلف باختلاف الاعتبارات التي يجري تصنيف الديون على ضوئها.
ومن أمثلة تلك الاعتبارات التي يجري تصنيف الديون وفقها:
أولاً: تقسيم الدين باعتبار وقت أداء الدين.
__________
(1) ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (354)، مجمع الأنهر (2/315)، الفروق للقرافي (2/134)، حاشية الدسوقي (3/334)، المنثور في القواعد (2/250، 3/316)، مغني المحتاج (2/130)، القواعد لابن رجب ص (194)، الإنصاف (3/38).
(2) ينظر: دراسات في أصول المداينات ص (13)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (2/839-840)، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، التصرف في الديون، للدكتور الصديق الضرير، المجلد (7)،العدد (2)، ص (72-73).
(3) ينظر: شرح فتح القدير (7/221)، غمز عيون البصائر (4/5)، حاشية الدسوقي (1/480)، التاج والإكليل (3/168)، المنثور في القواعد (2/250، 3/316)، نهاية المحتاج (6/167)، الدر النقي (1/348،493).
(4) ينظر: دراسات في أصول المداينات ص (13)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (2/839-840)، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، التصرف في الديون، للدكتور الصديق الضرير، المجلد (7)،العدد (2)، ص (72-73).(1/157)
وينقسم الدين بهذا الاعتبار إلى نوعين: دين حال، ودين مؤجل.
ثانياً: تقسيم الدين باعتبار صاحب الدين ومستحقه.
وينقسم الدين بهذا الاعتبار إلى نوعين: دين الله، ودين العبد(1).
أما أسباب الديون التي تشتغل بها الذمة فعديدة متنوعة(2)، يمكن تصنيفها في مجموعتين:
المجموعة الأولى: الديون الناشئة عن الالتزامات التعاقدية.
وهي الديون التي تنشأ عن تعاقد بين طرفين أو أكثر: كثمن المبيع، ودين السلم، والقرض، والإجارة، والصداق، والخلع، وما أشبه ذلك.
المجموعة الثانية: الديون الناشئة عن غير تعاقد.
وهي الديون التي تثبت في ذمة الإنسان من غير تعاقد، بل لوجود موجبها: كضمان الإتلافات، والجنايات، والنفقات، وما أشبه ذلك.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في وفاء الديون
تُعدُّ مسألة الواجب في وفاء الديون على اختلاف أنواعها وأسبابها بعد حدوث التضخم النقدي أو زيادته من أبرز المسائل الفقهية المتعلقة بقضية التضخم النقدي، التي تناولها كثير من الباحثين في المجامع الفقهية والدراسات العلمية. وذلك لما يترتب على التضخم النقدي من نقص في قيمة الديون على اختلافها وتنوعها: كالقروض، والصداق المؤجّل، وعقود المداينات: كالبيوع الآجلة، وكذلك العقود المستمرة الممتدة: كالإجارة الطويلة، وعقود المقاولات والتعهدات والتوريد وغيرها.
فمثلاً: إذا أقرض إنسان آخر مبلغاً من النقود الورقية، فطرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته فإن المدين سيوفي الدائن أقل مما أخذ منه بالنظر إلى القيمة الشرائية للنقود.
__________
(1) ينظر: غمز عيون البصائر (3/471)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (356)، الموسوعة الفقهية الكويتية (21/115-120)، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (164).
(2) ينظر: مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية، سامي حمود، المجلد (7)،العدد (2)، ص (126)، الموسوعة الفقهية الكويتية (21/110-113).(1/158)
فإذا كان مقدار القرض ألف ريال سعودي، وكانت نسبة التضخم النقدي الحادث ثلاثين في المائة، فإنه إذا رد المدين القرض بعد عام، فسيكون الدين قد فقد ثلاثين في المائة من قيمته بسبب التضخم النقدي، فتصير القيمة الشرائية للألف الريال عند ردها سبعمائة ريال فقط، وإن كانت من حيث العدد والقيمة الاسمية للنقود لم تتغير.
أما مثال زيادة نسبة التضخم النقدي فلو تمَّ الاتفاق بين طرفين على إنشاء مجمع سكني، وكانت مدة تنفيذ العقد أربع سنوات، وتكلفة المتر الواحد عملاً ومواد ألف ريال زمن التعاقد في حين كانت نسبة التضخم النقدي عشرين في المائة، وفي أثناء المدة زادت نسبة التضخم النقدي زيادة حادة بنسبة خمسين في المائة، فإن هذا سيفضي إلى ارتفاع تكلفة المتر بنسبة خمسين في المائة. فتكون تكلفة المتر بعد هذه الزيادة ألفاً وخمسمائة ريال. وهذا ارتفاع كبير يجعل تنفيذ العقد مرهقاً ضاراً بالنسبة للملتزم المتعهد بالإنشاء.
وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في وفاء هذه الديون والالتزامات، هل يكون بما جرى عليه التعاقد قبل انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود، أو يكون بغير ذلك؟
وقد تحصّل من النظر في كلام العلماء المعاصرين في هذه المسألة ستة أقوال:
القول الأول: أن الواجب للدائن قيمة ما ثبت في ذمة المدين من الأوراق النقدية.
وهذا اختيار الشيخ أحمد الزرقا(1)، وابنه الشيخ مصطفى(2)
__________
(1) ينظر: شرح القواعد الفقهية ص (174).
…أحمد بن محمد بن عثمان الزرقاء، فقيه، حنفي من بلاد الشام، له عناية بعلوم اللغة العربية والأدب، توفي سنة (1357هـ).
…[ينظر: شرح القواعد الفقهية ص (17-26)].
(2) ينظر: فتاوى مصطفى الزرقا ص (630).
…مصطفى بن أحمد الزرقا، فقيه، أصولي، من أبرز فقهاء الحنفية في هذا العصر، له بحوث نافعة، ومؤلفات عديدة من أبرزها: المدخل الفقهي العام، توفي سنة (1420هـ).
…[ينظر: فتاوى مصطفى الزرقا ص (21-36)].(1/159)
، والدكتور القره داغي(1)، وغيرهم(2).
القول الثاني: أن الواجب للدائن مثل ما ثبت في ذمة المدين من الأوراق النقدية،ولا اعتبار لانخفاض القيمة التبادلية للنقود.
وهذا ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة(3)، وذهب إليه كثير من الفقهاء المعاصرين(4).
القول الثالث: أن الواجب للدائن مثل ما ثبت من الأوراق النقدية في ذمة المدين، إلا إذا كان التضخم النقدي مفرطاً يلحق ضرراً كثيراً بالدائن، وحدُّ الكثير نقص ثلث القيمة التبادلية للنقود، فالواجب رد القيمة إلا في الودائع المصرفية.
وهذا ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية عشرة، وقد ذكروا وسيلة تحقيق ذلك(5).
القول الرابع: أن الواجب للدائن مثل ما ثبت في ذمة المدين من الأوراق النقدية، إلا إذا ماطل المدين في وفاء ما وجب عليه، فطرأ التضخم النقدي أو زادت نسبته أثناء مدة المماطلة، فهنا يجب أداء القيمة.
وهذا قول الشيخ عبد الله بن منيع(6)، والشيخ محمد الحاج الناصر(7).
__________
(1) قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص(235).
(2) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (287-288)، الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي ص (357)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي ص (563).
(3) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/2261).
(4) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (281-283)، التضخم النقدي من الوجهة الشرعية ص (25)، أحكام صرف النقود والعملات ص (191-192).
(5) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص (2، 4).
(6) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1848).
(7) ينظر: المصدر السابق (5/3/2185).(1/160)
القول الخامس: أنه إذا كان التضخم النقدي مفاجئاً مفرطاً، تغيرت به تكاليف وأسعار العقود الممتدة المتراخية التنفيذ تغيراً كبيراً، يحصل به ضرر كبير على الملتزم بالتنفيذ دون أن يكون منه إهمال أو تقصير، فإن للقاضي في هذه الحال تعديل الالتزامات العقدية، بحيث تتوزع الخسارة على طرفي العقد. كما يجوز للمتضرر أن يفسخ العقد فيما إذا لم يتم تنفيذه، إن رأى الملتزم في الفسخ مصلحة له، ويعطى الملتزم له تعويضاً عن الضرر الحاصل بالفسخ.
وهذا ما انتهى إليه المجمع الفقهي الإسلامي بمكة في دورته الخامسة(1).
القول السادس: عدم ترجيح قول معين في مسألة وفاء الدين على اختلاف أنواعه، بل تعالج كل مشكلة تنشأ عن التضخم النقدي على حدة، ويتحرى القاضي العدالة في حلها.
وهذا قول الدكتور محمد شبير(2).
أدلة القول الأول
استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة أبرزها ما يأتي(3):
أولاً: أن انخفاض القوة الشرائية التبادلية للنقود الورقية يُعدُّ عيباً فيها؛ إذ القوة الشرائية التبادلية للنقود بمثابة الروح للبدن، منها تستمد النقود الورقية قدرتها على أداء جميع وظائفها. فنقصانها عيب مؤثر يحول دون إلزام الدائن بها؛ لكونها بعد نقص قيمتها الشرائية دون حقه الذي رضي به في العقد.
ثانياً: أن الواجب في الديون بذل مثل ما ثبت في الذمة، وانخفاض القيمة التبادلية للنقود الورقية يفوت ذلك؛ لأن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتاهما، فمع انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود لا تتحقق المماثلة في الواقع؛ لنقص مالية الأوراق النقدية، فتجب القيمة للدائن.
__________
(1) ينظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/341).
(2) ينظر: المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي ص (198).
(3) غالب أدلة هذا القول هي أدلة القائلين بوجوب رد قيمة الفلوس عند رخصها، ينظر: ص (122-124).(1/161)
ثالثاً: أن الدائن بذل شيئاً منتفعاً به؛ ليأخذ شيئاً منتفعاً به. وفي إعطائه ما انخفضت قيمته الشرائية التبادلية من النقود الورقية تفويت لأهم ما يقصد بالعقد، ولو وافق ما للدائن في العدد والصورة.
رابعاً: أن انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود الورقية بعد التعامل بها وقبل قبضها عيب حدث، وهي في يد المدين، فيكون من ضمانه، وإيجاب القيمة للدائن وسيلة تحقيق هذا الضمان(1).
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن نقصان القيمة الشرائية التبادلية، وإن كان عيباً، إلا أنه غير مضمون على المدين، قياساً على عدم ضمان الغاصب نقصان سعر المغصوب مع أن يده عادية؛ لأنه فوات معنى لا عين(2)، فعدم التضمين في الديون بنقص القيمة من باب أولى(3).
يجاب على هذا القياس من جهتين:
الأولى: أنه قياس على أصل مختلف فيه، فإن من الفقهاء من يرى تضمين الغاصب ما نقص من سعر المغصوب(4)، فلا يصح القياس حينئذٍ؛ لأن من شرطه أن يكون الأصل متفقاً عليه.
الثانية: أنه قياس مع الفارق؛ لأن العين المغصوبة مقصودة لذاتها، أما النقود الورقية فإنها لا قصد في عينها، بل ولا نفع. وإنما المقصود قيمتها الشرائية التبادلية، فنقصان القيمة فيها كنقصان عين المغصوب.
__________
(1) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (298)، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (397-398).
(2) ينظر: تبيين الحقائق (6/91)، المغني (7/385).
(3) ينظر: المختارات الجلية للسعدي ص (125)، الموسوعة الفقهية الكويتية (25/10).
(4) ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/180)، روضة الطالبين (5/31)، الإنصاف (6/155).(1/162)
الثاني: أن المدين لم يفعل ما يوجب الضمان؛ لأنه لم يتسبب فيما طرأ من نقص في القيمة الشرائية التبادلية للنقود. كما أنه لا يمنع نقص قيمة النقود بسبب التضخم النقدي كونها في يد الدائن، بل سيطرأ عليها من النقص نظير ما ينالها، وهي في يد المدين(1).
يجاب: بأن هذه المناقشة متوجهة في الجملة؛ لأن المدين لم يكن منه ما يوجب الضمان من تعدٍ أو تفريط، لكن يمكن القول بأن ((بقاء المال عند المدين أضاع على الدائن فرصة استثماره، ولو إلى الحد الذي يحفظ له قيمة أصوله، مثلما أضاع من اشترى نسيئة على البائع فرصة تنمية ماله، فاستحق زيادة الثمن الآجل على الحال))(2)، ومن أجل هذا يضمن المدين ما حصل من نقص في القيمة الشرائية التبادلية للنقود.
خامساً: أن رد مثل ما تم التعاقد عليه إلى الدائن بعد انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود الورقية يفوّت رضاه الذي هو شرط لصحة جميع عقود المعاوضات، كما قال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (3). والدائن لم يرض هذا العوض ولم يتعاقد عليه.
أدلة القول الثاني
استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة أبرزها ما يأتي(4):
أولاً: أن انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود الورقية لا يبطل ثمنيتها، فلا يجب على المدين غيرها.
__________
(1) ينظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامي ص (565).
(2) مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (27).
(3) سورة النساء، من آية: (29).
(4) أدلة هذا القول هي في الجملة أدلة القائلين بعدم جواز رد القيمة فيما إذا رخصت الفلوس، وانظر: ص(126).(1/163)
يناقش هذا: بأن إيجاب القيمة للدائن ليس لبطلان ثمنية النقود الورقية، بل لنقصان قيمتها الشرائية التبادلية. وهو عيب يؤثر على جميع وظائفها. وهذا كافٍ في إيجاب القيمة للدائن؛ دفعاً للضرر عنه.
ثانياً: أن الأوراق النقدية مثلية فالواجب رد المثل للدائن، وذلك برد قدر ما ثبت في ذمته، ولو انخفضت قيمة النقود الشرائية التبادلية؛ لأنه لا يزول عنها بذلك وصف المثلية.
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن الأوراق النقدية يصدق عليها أنها مثلية في الوقت الواحد أو المتقارب، حيث إن قيمتها الشرائية التبادلية لا تختلف اختلافاً بيناً، لكن بالنظر إليها في أزمنة مختلفة، لا سيما في ظل التضخم النقدي فإنه لا يصدق عليها أنها مثلية؛ للتفاوت بين قيمتها في الزمانين، ولا عبرة بالمثلية الصورية الشكلية في مثل هذه الحال؛ لأن ((من لازم اعتبار المثل الصوري اعتبار ما فيه من المعاني التي تزيد بها القيمة))(1), فالواجب رد ((ما يجمع تلك الصفات كلها، حتى لا يفوت عليه شيء))(2).
__________
(1) تحفة المحتاج (5/44).
(2) تحفة المحتاج (4/228).(1/164)
الثاني: أن الأوراق النقدية نقود ائتمانية ليس لها قيمة استعمالية ذاتية، ((وبالتالي فما يقال عن مثلية القمح والشعير أو الذهب لا ينطبق عليها؛ لأن تلك الأعيان لها قيمة سلعية، وقد تقترن هذه القيمة السلعية بقيمة أخرى هي الثمنية كما في الذهب، لكن قيمة النقود الورقية تنحصر في قوتها الشرائية))(1). ويترتب على إدراك هذا الوصف للورق النقدي أن لا يعتبر في المثلية المثلية الصورية، بل إذا اختلفت القيمة الشرائية التبادلية للورق النقدي فيجب انتفاء المثلية، ويجب رد القيمة. وقد ذكر الفقهاء لهذا نظائر منها رد الماء الذي أخذ في فلاة ومفازة، فإنه يضمن بقيمته في ذلك المكان مع أنه مثلي كما تقدم(2).
ثالثاً: أن رد مثل الديون، ولو كانت قد نقصت قيمتها أقرب للعدل من رد القيمة؛ لأن مثل الدين ((مماثل له من طريق الصورة والمشاهدة))(3)، أما القيمة فهي ((مماثلة له من طريق الظن والاجتهاد والأول مقدم))(4).
__________
(1) مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (21).
(2) ص (
(3) المبدع (5/181).
(4) المبدع (5/181).(1/165)
يناقش هذا: بأن رد القيمة في الديون إذا طرأ تضخم نقدي جارٍ على سنن العدل الواجب في جميع المعاملات. وذلك ((أن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتاهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل))(1). فردها بعد نقص قيمتها لا يتحقق به المثلية ؛لأن المثلية إنما تكون بالمثل من حيث الصورة والمعنى أو بالمثل من حيث المعنى أي القيمة(2). وبالرخص تتعذر المثلية الكاملة فتجب القيمة؛ لما فيه من الضرر على الدائن بنقص القيمة(3).
رابعاً: أن إيجاب رد القيمة في الديون يفضي إلى فتح باب الربا؛ لأنه اعتياض عن الدين بأكثر منه.
يناقش هذا من وجهين:
الأول: أن إيجاب رد القيمة ليس من باب الربا، بل هو من باب ضمان النقص الطارىء على الدين وتعويضه. فإن انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للأوراق النقدية يعد نقصاً وعيباً حال كونها في يد المدين، فتكون من ضمانه.
الثاني: أن الزيادة هنا في مقابل ما طرأ من نقص القيمة الشرائية التبادلية، وهذا بخلاف الزيادة الربوية، فهي زيادة دون مقابل.
خامساً: أن إيجاب القيمة في وفاء الديون هو تعديل في العقود الممتدة يفضي إلى اضطراب المعاملات والعقود(4).
يناقش هذا: بأن الاضطراب في المعاملات والعقود سببه حدوث التضخم النقدي في الأوراق النقدية، لا إيجاب القيمة أو تعديل ثمن العقود، وإنما قيل بذلك تخفيفاً للاضطراب الناتج عن انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود.
أدلة القول الثالث
__________
(1) الدرر السنية (5/112)، ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (29/414).
(2) ينظر: المبسوط (14/16)، بدائع الصنائع (5/26-27، 6/160، 7/149)، المجموع شرح المهذب (10/107)، المغني (7/480).
(3) ينظر: المبسوط (14/30)، المنثور في القواعد (2/337)، كشاف القناع (3/314)، شرح القواعد الفقهية للزرقا ص (174).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1814، 2229).(1/166)
أولاً: أن من أهم مقاصد الشريعة في باب المعاملات والتجارات إقامة العدل ومنع الظلم، كما دلت عليه نصوص الكتاب، والسنة(1)، وإجماع أهل العلم(2). وفي إيجاب رد مثل ما ترتب في ذمته من الدين، وإيجاب المضي في الالتزامات التعاقدية، دون اعتبار لما طرأ من نقص في القيمة الشرائية التبادلية للنقود إغفال لهذا الأصل الذي لا تستقيم معاملات الناس إلا به؛ لأن رد المثل في الديون بعد التضخم النقدي الكثير لا يتحقق به العدل الواجب؛ إذ المثلية منتفية في الحقيقة، وإن تحققت في الصورة. كما أن تغير القيمة عن وقت التعاقد تغيراً كبيراً يؤدي إلى ظلم أحد طرفي العقد بما لم تجر العادة بمثله، مما يستوجب تعديل الالتزام بما يحقق العدل وتحصل به مصلحة الطرفين(3).
يناقش هذا: بأن في رد القيمة وتعديل ثمن العقود الممتدة عند انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود انخفاضاً كبيراً ظلماً للمدين والملتزم له؛ أما المدين فيُلزم برد أكثر مما أخذ، وأما الملتزم له فإنه يلزم بثمن زائد على ما تم عليه التعاقد لم يكن قد رضيه، وفي هذا ظلم له(4)، وفيه تفويت للرضا الذي جعله الله شرطاً لإباحة التجارات على اختلاف أنواعه كما في قول الله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } (5).
__________
(1) ينظر: الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي ص (27-30).
(2) ينظر: مراتب الإجماع ص (67).
(3) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص (4)، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/341).
(4) ينظر: الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي ص (363).
(5) سورة النساء، من آية: (29).(1/167)
يجاب: بأنه ليس في إيجاب القيمة إلزامٌ للمدين برد أكثر مما أخذ في الحقيقة، وإن كان زيادة من حيث العدد، وإنما فيه ضمان ما نقص من القيمة الشرائية التبادلية للنقود حال كونها في يد المدين(1)، ويده يد ضمان(2)فلا ظلم عليه. أما تعديل ثمن العقد في العقود المستمرة فليس فيه ظلم، بل فيه رفع الظلم عن الملتزم بالعقد؛ لأنه إنما رضي به قبل انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود، أما بعد هذا الانخفاض الكبير فإنه لا يرضى به. ومنعاً من حصول الظلم في الصورتين السابقتين فقد اقترح مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية عشرة(3) اللجوء أولاً إلى الصلح(4)، وذلك باتفاق الطرفين عند سداد الدين الآجل على توزيع الفرق الناشئ عن التضخم النقدي بينهما بأي نسبة يتراضيان عليها، فإن تعذر الصلح، فيصيران إلى التحكيم(5)
__________
(1) ينظر: فتاوى الرملي(2/160).
(2) يد الضمان: هي يد الحائز الذي حاز الشيء بقصد تملكه أو لمصلحة نفسه، كيد المشتري والقابض على وجه السوم والمرتهن والمقترض.
…[ ينظر: نظرية الضمان للزحيلي ص (175)، الموسوعة الفقهية الكويتية (28/258)].
(3) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص (2-3).
(4) الصلح: عقد يتوصل به إلى الإصلاح بين المختلفين، وإنهاء الخصومة.
…[ ينظر: القاموس الفقهي ص (215)، الموسوعة الفقهية الكويتية (27/324)].
(5) التحكيم: هو تولية الخصمين حاكماً لفصل خصومة بين مختلفين. وهذه التولية قد تكون من القاضي, وقد تكون من قبل الخصمين. ويختلف التحكيم عن الصلح من وجهين:
…أحدهما: أن التحكيم ينتج عنه حكم قضائي , بخلاف الصلح فإنه ينتج عنه عقد يتراضى عليه الطرفان المتنازعان. وفرق بين الحكم القضائي والعقد الرضائي.
…والثاني: أن الصلح يتنازل فيه أحد الطرفين أو كلاهما عن حق , بخلاف التحكيم فليس فيه نزول عن حق.
…[ ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (27/324)، القاموس الفقهي ص (96)].(1/168)
، أو إلى القضاء.
ثانياً: أن انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود إذا كان كبيراً يُعدُّ عيباً، فيكون هذا النقص مضموناً للدائن يجب تعويضه عنه(1). وطريق ذلك إيجاب القيمة في وفاء الديون، وتعديل ثمن العقد في العقود الممتدة بما يحصل به دفع هذا العيب عن الثمن. وقد ذكر الفقهاء نظائر لهذا الضمان يجمعها أنه إذا كان للأصل قيمة حين الأخذ وكان مثل الأصل لا قيمة له عند الرد أو نقصت قيمته فالواجب قيمته حين الأخذ(2).
يناقش هذا: بأن تضمين المدين نقص القيمة تحميل له ما لا تسبب له فيه، وهذا ظلم له(3).
يجاب: بأن يد المدين يد ضمان، فلا فرق بين النقص الذي هو سبب فيه والذي لا تسبب له فيه(4).
ثالثاً: أن انخفاض القيمة الشرائية التبادلية إذا كان انخفاضاً كبيراً فسيترتب عليه لحوق ضرر كبير بالدائن يجب رفعه عنه إعمالاً لقاعدة الضرر يزال(5).
يناقش هذا: بأن من قيود العمل بهذه القاعدة أن الضرر لا يزال بضرر(6)، وإزالة الضرر الحاصل بالتضخم النقدي عن الدائن يترتب عليه إلحاق الضرر بالمدين.
يجاب على هذا من وجهين:
__________
(1) ينظر: دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي ص (226)، البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص (2، 4).
(2) ينظر: البحر الرائق (3/154)، قواعد الأحكام (1/180)، المنثور في القواعد (2/337).
(3) ينظر: النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (496)، الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي ص (363)، أحكام الأوراق النقدية والتجارية ص (580).
(4) ينظر: قواعد الأحكام (1/182)، المنثور في القواعد (2/323).
(5) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص (4،2).
(6) ينظر: غمز عيون البصائر (1/283)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (87)، المنثور في القواعد (2/321).(1/169)
الأول: أن الممنوع من إزالة الضرر بالضرر، هو إزالة الضرر بضرر مثله أو أشد. أما إزالته بضرر أخف منه فإنه غير ممنوع بل مطلوب؛ لأن من القواعد المتفرعة على هذه القاعدة أن الضرر الأشد يزال بالأخف(1). ولا ريب أن في إيجاب القيمة في الديون والعقود الممتدة تخفيفاً للضرر؛ لأنه يتوزع على الطرفين، ولا يستقل بحمله أحدهما.
الثاني: أن تحميل المدين الضرر الناتج عن نقص القيمة له سبب، وهو أن يده يد ضمان، فيلزمه ضمان نقص قيمة الدين.
رابعاً: إن مما يستأنس به في القول بهذا القول مسألة وضع الجوائح(2).
يناقش هذا: بما تقدم ذكره في تكييف التضخم النقدي من الفرق بين الجوائح والتضخم النقدي(3).
خامساً: أن التضخم النقدي نقص يصيب الأموال لا يتمكن الناس من توقي آثاره مع تفاوتهم فيما يدخل عليهم من النقص بسببه، فمما يحصل به العدل توزيعه عليهم. وهو نظير ما ذكره فقهاء الحنابلة مما يعرف بالمظالم المشتركة: ((وهي النوائب التي تنزل بواحد ممن يجمعهم وصف مشترك فيتم تحميلها بالعدل على المشتركين))(4)، وقد ذكروا لذلك صوراً عديدة(5).
__________
(1) ينظر: غمز عيون البصائر (1/283)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (87)، المنثور في القواعد (2/321).
(2) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والاقتراحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص(4).
(3) ص(133).
(4) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص(4).
(5) ينظر: الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (5/370)، الفروع (2/399)، مطالب أولي النهى (2/54، 569).(1/170)
أما حد التغير الكثير بنقص ثلث القيمة الشرائية التبادلية للنقود فلكون الثلث معتبراً في مسائل عديدة منها: مسألة الجوائح في الثمار(1)، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الثلث كثير))(2).
يناقش هذا: بأن الكثرة والقلة أمر نسبي في ذاته. وهو أيضاً مختلف في محله فما يكون كثيراً عند قوم لا يكون كذلك عند غيرهم، وما يكون قليلاً في التبرعات قد يكون كثيراً في المعاوضات. ولذلك يترك تقدير ذلك إلى العرف(3)، فإن اختلف ولم ينضبط فالمرجع إلى القضاء في تقدير نسبة التغير الذي يستوجب تعديل الديون الآجلة.
أما وجه إخراج الودائع المصرفية من إيجاب رد القيمة في الديون، فلأنها تحت الطلب، فتركها عند المدين بكامل اختيار الدائن، ويمكنه سحبها وردها متى شاء(4).
أدلة القول الرابع
أولاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مطل الغني ظلم))(5).
وجه الدلالة:
أن الغني إذا أخَّر وفاء الدين فإنه يكون ظالماً بذلك، والظالم لا محالة مستحق للعقوبة،فيكون ضامناً لما ترتب على ظلمه من انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود(6).
__________
(1) ينظر: توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من المعاملات ص (186-187)، أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض ص (130).
(2) رواه البخاري في كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس (1295)، مسلم كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (1628).
(3) ينظر: توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من المعاملات ص (188).
(4) ينظر: المصدر السابق ص (196).
(5) رواه البخاري في كتاب الحوالات، باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟ (2287)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني (1564).
(6) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1712، 1846، 2185).(1/171)
يناقش هذا: بأن كون المطل ظلماً لا يحل أن يلزم برد أكثر مما وجب في ذمته؛ لأنه ظلم له. والذي يفيده تسمية المطل ظلماً ((إلزام المماطل بدفع الدين، والتوصل إلى ذلك بكل طريق: من إكراهه على الإعطاء، وأخذه منه قهرا،ً وحبسه، وملازمته. فإن الأخذ على يد الظالم واجب))(1).
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لَيّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته))(2).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الليّ، وهو المطل في وفاء الدين(3)، إذا كان المدين واجداً مما يحل عرضه وعقوبته، ومن عقوبته تحميله ما ترتب على ليّه من خسارة الدائن بانخفاض القيمة التبادلية للنقود(4).
يناقش هذا: بأن المماطل مستحق للعقوبة، وهي الحبس أو الضرب. أما إلزامه بأكثر مما وجب عليه فلا يدخل في الحديث؛ لاتفاق أهل العلم على أنه لم يرد في عقوبة المماطل غير الحبس، فإن أصرّ عوقب بالضرب حتى يؤدي الواجب(5).
__________
(1) طرح التثريب (6/163).
(2) رواه أبو داود في كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره (3628)، والنسائي في كتاب البيوع، باب مطل الغني (4693)، وابن ماجه في كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة (2427). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي مستدرك الحاكم (4/102)، وقد رواه البخاري معلقاً بصيغة التمريض في كتاب الاستقراض، باب لصاحب الحق مقال ص (474)، وقد حسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/62)، وموافقة الخُبر الخبر (2/216-218).
(3) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (لوا) ص (847).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1847).
(5) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (1/474)، التمهيد (18/289)، تبصرة الحكام (2/315)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/199)، السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (51).(1/172)
ثالثاً: القياس على ضمان العارية والوديعة فيما إذا تعدى من هي في يده، وكذلك ضمان المغصوب حيث يلزمهم في جميع ذلك ضمان ما طرأ من نقص العين(1). والقياس أيضاً على ضمان الغاصب منافع المغصوب مدة الغصب كما هو قول الجمهور(2).
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن القياس على ضمان العارية والوديعة والمغصوب قياس مع الفارق، فإن اليد في العارية والوديعة بعد تعدي من هي في يده يرتفع عنها وصف الأمانة فتصير اليد ضامنة بكل حال، وكذلك المغصوب مضمون على كل حال(3). أما مطل الديون فلا ينفي عن اليد وصف الأمانة.
يجاب على هذا: بأن المطل في الديون ظلم واعتداء على أهلها بمنعهم حقوقهم، فيصير المماطل ضامناً بالمنع , خارجاً عن حال الأمانة(4).
الثاني: أن القياس على ضمان الغاصب منافع المغصوب قياس مع الفارق، فإنه يشترط في المال المغصوب الذي تضمن منافعه أن يكون مما تجوز إجارته والنقود لا تصح إجارتها(5).
أدلة القول الخامس
أولاً: النظائر الفقهية في فقه المذاهب، والتي جرى فيها تعديل الالتزامات التعاقدية نتيجة تغيرات وأمور طارئة في عقود الإجارة، والمساقاة(6)، والمزارعة(7).
__________
(1) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص(304-305).
(2) ينظر: حاشية الدسوقي (3/443)، المنثور في القواعد (2/120)، كشاف القناع (2/112).
(3) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (28/259).
(4) ينظر: المنثور في القواعد (1/104)، المغني (7/222).
(5) ينظر: المهذب (3/416)، مغني المحتاج (2/283، 286)، مطالب أولي النهى (4/60)، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، التعويض عن الضرر في المماطلة، للدكتورين محمد الزرقا، محمد القري، العدد (3)، ص (33-34).
(6) المساقاة: معاقدة دفع الشجر والكروم إلى من يصلحها بجزء معلوم من الثمرة.
…[ ينظر: القاموس الفقهي ص (176)].
(7) المزارعة: عقد على الزرع ببعض الخارج منه .
…[ ينظر: القاموس الفقهي ص (158)].(1/173)
ومن تلك النظائر:
الأول: فسخ عقد الإجارة إذا تعذر استيفاء المنفعة بسبب الطوارىء العامة:كالحرب، والخوف العام، وما أشبه ذلك(1). بل ذهب الحنفية إلى جواز الفسخ بالأعذار الخاصة كعجز أحد العاقدين عن المضي في موجب عقد الإجارة إلا بتحمل ضرر زائد(2). كما ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ~ إلى أنه إذا نقصت المنفعة المعقود عليها فإنه ينقص من الأجرة بقدر ما نقصت المنفعة(3).
الثاني: تعديل العقود على الثمار بسبب الجوائح التي جاء الأمر بوضعها، وذلك بإسقاط ما يقابل الهالك من الثمار من ثمن العقد(4).
ثانياً: أن انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود إذا كان كبيراً مفاجئاً فإنه سيلحق ضرراً كبيراً بأحد طرفي العقد. ومن القواعد الفقهية أن الضرر يزال، وطريق إزالته هنا هو بتعديل العقد بما يتناسب مع التغير في قيمة النقود، ويوزع الخسارة على الطرفين(5).
أدلة القول السادس
حجة هذا القول تعارض أدلة القول بوجوب رد المثل مع أدلة القول بوجوب رد القيمة. ((فالقول برد المثل يؤدي إلى تضييع أموال الناس وإلحاق الظلم بهم، والقول برد القيمة يؤدي إلى تحطيم النقود الإلزامية،وحل الربا الذي تتعامل به البنوك الربوية، وغير ذلك))(6).
الترجيح
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (4/196)، الفواكه الدواني (2/115)، نهاية المحتاج (4/248، 5/323)، كشاف القناع (3/413، 4/14)، المحلى (8/187).
(2) ينظر: المبسوط (15/159)، البحر الرائق (8/40).
(3) ينظر: مجموع الفتاوى (30/153، 289)، الاختيارات للبعلي ص (262).
(4) ينظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/338).
(5) ينظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/339-340).
(6) المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور شبير ص (198).(1/174)
بعد هذا العرض لأقوال أهل العلم في هذه المسألة، فالذي يترجح للباحث: أنه إذا كان التضخم النقدي غير متوقع، يلحق الدائن به ضرر زائد على الحد المعتاد الذي يتغابن الناس بمثله(1)، فإنه يجب على المدين رد قيمة ما ثبت في ذمته للدائن، في كل الديون التي لا يتمكن من أخذها، تداركاً لانخفاض القيمة التبادلية. أما ما يمكنه تداركه بأخذه قبل تدهور قيمته والمدين باذل كالنقود المصرفية فإن الواجب رد المثل.
أما ما يتعلق بتعديل العقود والالتزامات الآجلة الممتدة فكذلك يجب تعديلها بما يدفع الضرر عن الملتزم ولا يجحف بالملتزم له، ولكل واحد منهما الفسخ إذا لم يرض بالتعديل. وفي هذه الحال لابد من الصلح، فإن تعذر فالمرجع إلى التحكيم أو القضاء لحل هذا الإشكال.
أما تقدير ما يتغابن به الناس فالمرجع فيه إلى العرف، فإن اختلف وتفاوت فالمرجع في تقديره وحدّه إلى أهل الخبرة من أهل الاقتصاد والمال.
أما وقت اعتبار القيمة في الديون والعقود الممتدة فقيمتها يوم العقد، وذلك لعدة وجوه:
أولاً: أن يوم العقد هو اليوم الذي اشتغلت به ذمة المدين.
ثانياً: أن يوم العقد هو الوقت الذي تراضى فيه الطرفان على قدر الدين.
ثالثاً: أن يوم العقد هو يوم دخول القرض والصداق المؤجل(2)، وما أشبه ذلك في ضمان المدين.
رابعاً: قياساً على قول من يقول باعتبار القيمة في رخص النقود الاصطلاحية الفلوس حيث اعتبروا القيمة يوم العقد(3).
__________
(1) ما يتغابن الناس بمثله: هو ما يجري بين الناس من الزيادة والنقصان ولا يتحرزون عنه.
…وما لا يتغابن فيه: هو ما يتحرزون عنه من التفاوت في المعاملات.
…[ ينظر: طلبة الطلبة ص (64)، الفروع (2/431)].
(2) ينظر: الفتاوى الهندية (1/314)، تحفة المحتاج (4/480)، كشاف القناع (5/142).
(3) ينظر: مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/56)، مواهب الجليل (4/340)، كشاف القناع (3/314).(1/175)
المسألة الثالثة: اتفاق المتعاقدين على مراعاة التضخم النقدي عند إنشاء الدين
تُعدُّ الأوراق النقدية من أكثر أنواع النقود التي تعامل بها الناس تعرضاً لتقلب قيمتها وتغيرها، حتى صار التضخم النقدي بمعدلاته المتفاوتة المختلفة وصفاً ملازماً للأوراق النقدية قلّ أن تسلم منه. ولا ريب أن هذا يؤثر على التعاملات الجارية بهذه العملات.
ويظهر أثر التضخم النقدي جلياً في المدفوعات المؤجلة بأنواعها: من الديون، والقروض، والبيوع الآجلة، والعقود الممتدة، وغير ذلك، حيث تختلف القيمة الشرائية التبادلية للنقود لهذه المدفوعات، فتنقص قيمتها في يوم الوفاء عنها في يوم عقدها والالتزام بها. ولذلك فقد اقترح الاقتصاديون وسائل متعددة لتخفيف آثار التضخم النقدي على المدفوعات المؤجلة.
ومن تلك الوسائل التي يقصد من ورائها تخفيف آثار التضخم النقدي على المدفوعات المؤجلة: اتفاق المتعاقدين على مراعاة التضخم النقدي عند إنشاء الدين، بحيث تحفظ القيمة الشرائية التبادلية للنقود للمدفوعات المؤجلة من النقص.
وطريقة ذلك أن يتضمن العقد شرطاً يضمن به المدين أو من عليه الحق ما يطرأ من نقص في القيمة التبادلية للنقود الورقية التي جرى عليها التعاقد. وهذه الطريقة تعرف في علم الاقتصاد بالربط القياسي. وسأتناولها في الباب الثالث بالبيان والتفصيل، سواء كان التضخم النقدي متوقعاً أو غير متوقع(1).
ومما ينبه إليه في مسألة اتفاق طرفي العقد على مراعاة التضخم النقدي عند إنشاء الدين: بيان الفرق بينها وبين ما سبق بحثه في مسألة إيجاب القيمة في الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة، إذا طرأ التضخم النقدي.
__________
(1) ص (261).(1/176)
وهذه الفروق تتلخص في النقاط التالية(1):
أولاً: أن مسألة اتفاق طرفي العقد مبنية على أساس الاشتراط في العقد، أما مسألة إيجاب القيمة فلا اشتراط فيها، بل هي معالجة واقع حال قائمة لم تضبط بشروط عقدية.
ثانياً: أن مسألة اتفاق طرفي العقد يعوَّض فيها الدائن مهما كانت نسبة انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود، أما مسألة إيجاب القيمة فلا يعوض نقص القيمة التبادلية إلا إذا كان يلحق الدائن والمستحق به ضرر بيّن.
ثالثاً: أن مسألة اتفاق طرفي العقد يُدفع فيها ضرر التضخم النقدي بالاشتراط، أما مسألة إيجاب القيمة فيدفع فيها ضرر التضخم النقدي من طريق التحكيم والقضاء.
المسألة الرابعة: أثر المماطلة في وفاء الدين إذا طرأ التضخم النقدي
تقدم في بحث مسألة أثر التضخم النقدي في وفاء الديون أن من الفقهاء من ذهب إلى أن المماطلة في وفاء الدين توجب على المماطل رد قيمة الدين، فيما إذا طرأ التضخم النقدي أو زادت نسبته(2).
واستدلوا لذلك بثلاثة أدلة:
أولاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مطل الغني ظلم)).
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لَيّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)).
ثالثاً: القياس على ضمان الوديعة فيما إذا تعدى القابض لها، وكذا القياس على ضمان الغاصب منافع المغصوب.
وقد تقدم بيان هذه الأدلة وما ورد عليها من مناقشات(3).
وتبين مما تقدم أن القائلين بوجوب أداء قيمة ما ثبت في الذمة إذا طرأ التضخم النقدي لم يعتبروا المماطلة شرطاً لذلك، وأن القائلين بوجوب أداء المثل مطلقاً لم يعتبروا للمماطلة أثراً.
__________
(1) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ، ص (231)، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (45).
(2) ص (194-195).
(3) ص(198).(1/177)
والذي يظهر للباحث أن القول بأن للمماطلة أثراً في وفاء الدين إذا طرأ التضخم النقدي ليس قولاً خاصاً بمعالجة آثار التضخم النقدي، بل هو في الحقيقة توظيف للقول بجواز إلزام المدين الموسر بتعويض الدائن عن ضرر المماطلة، عقوبة له على ظلمه وعدوانه(1).
وقد ذهب أكثر أهل العلم المعاصرين إلى أنه لا يجوز إلزام المدين الموسر بتعويض الدائن عن ضرر المماطلة. وإلى هذا انتهى قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة عام1410هـ(2).
والذي يترجح للباحث أنه لا أثر للمماطلة في وفاء الدين إذا طرأ التضخم النقدي، بل الواجب رد قيمة ما ثبت في ذمة المدين سواء ماطل أو لم يماطل، وقد تقدم ذكر أدلة هذا القول، ووجه ترجيحه(3)، والله أعلم.
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في الحقوق
المسألة الأولى: المراد بالحقوق وصورها
الحقوق جمع حق. والحق في اللغة له استعمالات متعددة تدور على معنى ((إحكام الشيء وصحته))(4)، وثبوته ووجوبه(5).
فالحق مصدر حقّ الشيء يحق إذا ثبت ووجب واستقر(6).
__________
(1) ينظر: مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، التعويض عن ضرر المماطلة في الدين، للدكتورين محمد الزرقا، محمد القري، العدد (3)، ص (25-57)، تعليق على بحث الضرير في إلزام الموسر بتعويض ضرر المماطلة، لمحمد زكي عبد البر، العدد(5)، ص (63-77)، دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي ص (286-296)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1848، 2185).
(2) ينظر: المصادر السابقة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/1/262-264، 334-335، 448).
(3) ص (207).
(4) ينظر: معجم المقاييس في اللغة، مادة (حق)، ص (244).
(5) ينظر: لسان العرب، مادة (حق) (10/52)، القاموس المحيط، مادة (حق)، ص (1129).
(6) ينظر: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (1/503).(1/178)
أما الحق عند الفقهاء فهو مستعمل في معان عديدة كلها ترجع إلى المعنى اللغوي للحق(1). ولذلك لم يهتم أكثر الفقهاء المتقدمين بتعريف كلمة الحق، مع كثرة استخدامهم لها في كتاباتهم.
وقد عرّف بعض الفقهاء الحق، فقال: ((اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفاً))(2).
وهذا التعريف يبين أن الحق يفيد من اختص به أحد أمرين: إما سلطة، وإما تكليفاً؛ وذلك أن الحق تارة يتضمن سلطة كحق الملكية، وتارة يتضمن تكليفًا كوفاء الدين.
كما أن هذا التعريف يشمل بعمومه جميع أنواع الحقوق: المالية، وغير المالية: كحق الله تعالى، وحق الوالدين، وغير ذلك؛ لأن كل ذلك وأشباهه؛ إما سلطة يختص بها من أثبتها له الشارع، وإما تكليفٌ له بأمر شرعي.
وأما الحقوق التي سأبحث عن أثر التضخم النقدي فيها فهي نوع من الحقوق المالية التي يثبت فيها لشخص على آخر مبلغ من الأوراق النقدية من غير معاوضة ولا مداينة. ومن صور هذا النوع من الحقوق التي سأبحث أثر التضخم النقدي فيها: أثره في تقدير النفقة، وأثره في رد المغصوب إذا كان أوراقاً نقدية، وأثره في عوض الخلع.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في أداء الحقوق
الفرع الأول: أثره في تقدير النفقات(3)
__________
(1) ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته (4/8)، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (145)، الموسوعة الفقهية الكويتية (18/11).
(2) المدخل إلى نظرية الالتزام العامة ص (19). وينظر: مجلة البحوث الإسلامية، قيمة النقود وأحكام تغيراتها في الفقه الإسلامي، محمد علي بن حسين الحريري، العدد (40)، ص (357-360).
(3) النفقات: جمع نفقة. وهي في اللغة: اسم لما ينفق، وتدل على ذهاب الشيء وهلاكه.
…أما عند الفقهاء فهي كفاية من يمونه خبزاً، وأدماً، وكسوة، ومسكناً، وتوابعها.
…وقيل: الإدرار على الشيء بما به يقوم بقاؤه.
…[ ينظر: معجم المقاييس في اللغة ص (1038)، مفردات القرآن الكريم ص (819)، شرح فتح القدير (4/378)، كشاف القناع (5/459)].(1/179)
الأمر الأول: أثر تغير الأسعار في النفقات
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المعتبر فيما يجب من النفقات هو حصول الكفاية للمُنْفَق عليه من زوجة وولد وغيرهما في مأكل، ومشرب، وكسوة، ومسكن(1).
ولقد استدلوا لذلك بأدلة عديدة منها ما يأتي:
أولاً: قول الله - عز وجل -: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } (2).
ثانياً: قول الله - عز وجل -: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } (3).
ثالثاً: حديث عائشة(4)
__________
(1) ينظر: المبسوط (5/181)، بدائع الصنائع (4/23، 38)، شرح الخرشي على مختصر خليل (4/185)، حاشية الدسوقي (2/509)، المغني (11/348، 388)، الفروع (5/577)،= =طرح التثريب (7/172-173).
…تنبيه: خالف الشافعية في المشهور ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة، فجعلوا نفقة الزوجة مقدرة.
…[ ينظر: البيان للعمراني (11/203)، تحفة المحتاج (8/302)، أسنى المطالب (3/426)].
(2) سورة البقرة، من آية: (233).
(3) سورة الطلاق، من آية: (7).
(4) عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أسلمت صغيرة، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة، وبنى بها بعدها، وهي من أكثر الصحابة رواية، لها فضائل كثيرة، توفيت سنة(57هـ).
…[ ينظر: أسد الغابة (7/188)، الإصابة في تمييز الصحابة (8/139)].(1/180)
رضي الله عنها قالت: جاءت هند بنت عتبة(1) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان(2) رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك، ويكفي بنيك))(3).
رابعاً: أن المقصود الأعظم من النفقات على اختلافها سدُّ الخلَّة ودفع الحاجة، ولا يحصل هذا إلا بالكفاية(4).
__________
(1) هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أم معاوية. أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان بن حرب، روت بعض الأحاديث، توفيت رضي الله عنها في خلافة عثمان - رضي الله عنه -.
…[ينظر: الاستيعاب (4/1922)، الإصابة في تمييز الصحابة (8/156)].
(2) أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق، لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم وحسن إسلامه، شهد حنيناً وقتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك، توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وقيل غير ذلك،وله نحو التسعين - رضي الله عنه -.
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (2/105-107)، الإصابة في تمييز الصحابة (3/412)].
(3) رواه البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه، رقم (5364)، مسلم، كتاب الأقضية، باب قضية هند، رقم (1714).
(4) ينظر: قواعد الأحكام (1/71-72)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (546).(1/181)
ومن المعلوم أن الكفاية تتنوع بتنوع المُنْفَق عليه، وحال المُنْفِق من اليسار والإعسار، ووقت النفقة صيفاً وشتاءً، ومكانها عادة وعرفاً(1). والأصل في تقدير ذلك واستيفائه أن يكون ذلك بتراضي المُنْفِق والمُنْفَق عليه، وبذل المُنْفِق، وهذا بالاتفاق(2). فإن امتنع من وجبت عليه أو اختلفا فالمرجع إلى القضاء، وعلى القاضي أن يفرض النفقة بما تحصل به كفاية المُنْفَق عليه، ويجتهد في تقدير ذلك(3). وله عند جمهور العلماء أن يفرض ذلك من الأثمان عوضاً عن الأعيان(4).
وقد ذكر الفقهاء: أنه يراعى في النفقة وتقديرها غلاء الأسعار ورخصها.
قال الكاساني ~ في تقدير نفقة الزوجة: ((ولا تقدر نفقتها بالدراهم والدنانير على أي سعر كانت; لأن فيه إضراراً بأحد الزوجين ; إذ السعر قد يغلو وقد يرخص بل تقدر لها على حسب اختلاف الأسعار غلاء ورخصاً رعاية للجانبين))(5).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (4/25)، البحر الرائق (4/190)، الفروق للقرافي (1/45)، الموافقات للشاطبي (5/14)، تحفة المحتاج (8/310)، نهاية المحتاج (7/194)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (34/86)، الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص (192).
(2) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (8/45)، المفصل في أحكام المرأة (7/206، 10/210).
(3) ينظر: الفتاوى الهندية (4/236)، حاشية الدسوقي (2/514)، فتاوى الرملي (4/403)، الإنصاف (9/371).
(4) ينظر: حاشية رد المحتار (3/583)، التاج والإكليل (4/187)، تحفة المحتاج(8/306،324)،= =الإنصاف (9/371).
…تنبيه: ذهب الحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أن الحاكم لا يملك فرض النفقة من غير الواجب كالنقود والفلوس إلا باتفاق الزوجين. وفي قول يجوز.
(5) بدائع الصنائع (4/23). وينظر: المبسوط (5/183)، مجمع الأنهر (1/486).(1/182)
وقال الحطاب(1) ~: ((المعتبر في النفقة حال الزوجين وحال بلدهما وزمنها وسعرها))(2).
وقال ابن حجر الهيتمي(3)~ فيما يجب من نفقة الزوجة: ((ويختلف ذلك بالرخص والغلاء))(4).
وقد ذكر فقهاء الحنفية، والحنابلة أنه إذا فرض القاضي النفقة فتغير السعر فإنه يغير تقديره؛ مراعاة لهذا التغير.
قال ابن نجيم(5)~: ((القاضي إذا فرض النفقة للمرأة، فغلا الطعام أو رخُص فإن القاضي يغير ذلك الحكم)).
وقال أيضاً: ((لو أن القاضي فرض لها النفقة والسعر غال ثم رخص تسقط الزيادة))(6). وذلك ((لأن الواجب كفاية الوقت وذلك يختلف باختلاف السعر))(7).
__________
(1) محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني، المشهور بالحطاب. فقيه مالكي، له عدة مؤلفات منها: مواهب الجليل شرح مختصر خليل، شرح نظم رسالة القيرواني، توفي عام(954هـ).
…[ ينظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص (337)، الأعلام للزركلي (7/286)].
(2) 4/183). وينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (4/128)، منح الجليل (4/387).
(3) أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي. فقيه شافعي، متبحر له إسهامات في عدة علوم، له مؤلفات عديدة من أبرزها: تحفة المحتاج شرح المنهاج، الزواجر عن اقتراف الكبائر، توفي عام (973هـ).
…[ ينظر: شذرات الذهب (8/370)، البدر الطالع (1/109)].
(4) البحر الرائق (8/204). وينظر: نهاية المحتاج (6/139).
(5) عمر بن إبراهيم بن محمد، الشهير بابن نجيم المصري، فقيه حنفي، أصولي، له مؤلفات عديدة منها: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، الأشباه والنظائر الفقهية على مذهب الحنفية، توفي سنة(970هـ).
…[ ينظر: شذرات الذهب (1/358)، الفتح المبين في طبقات الأصوليين (3/78)].
(6) البحر الرائق (4/202).
(7) بدائع الصنائع (4/25). وينظر: (4/23).(1/183)
وقال البهوتي(1)~: ((فلا يغيره أي: التقدير لنحو نفقة وأجرة حاكم آخر; لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد(2) ما لم يتغير السبب كيسرة وعسرة في نفقة وكسوة، وغلاء ورخص في أجرة المثل فإن تغيَّر غيَّره; لأنه عمل بالاجتهاد الثاني، وليس نقضاً للأول))(3).
كما لاحظ ذلك بعض فقهاء المالكية، فقالوا في علة فساد اشتراط تعيين نفقة للزوجة كل شهر: ((لعل وجه ذلك؛ لأنه يحتمل أن يطرأ ما يقتضي أن لا تكفي تلك النفقة المرأة المذكورة، والظاهر أنه يدخل في ذلك ما لو جعل لها دراهم معينة في كل سنة؛ لاحتمال ارتفاع السعر))(4).
ومما تقدم يتضح جلياً أن الفقهاء قد اعتبروا تغير الأسعار مؤثراً في تقدير النفقات وفرضها.
الأمر الثاني: تقدير النفقات في ظل التضخم النقدي
غير خافٍ أن من لوازم التضخم النقدي، الذي هو نقص القيمة التبادلية الشرائية للنقود، ارتفاع المستوى العام للأسعار. ومن هذا يتبين أن للتضخم النقدي تأثيراً في تقدير النفقات.
ويظهر تأثير التضخم النقدي في حالين:
الحال الأولى: إذا فرضت النفقة من الأوراق النقدية، ثم طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته، فللمُنْفَق عليه المطالبة بإعادة التقدير وزيادة الفرض، تبعاً للغلاء وزيادة السعر.
وقد نص جماعة من الفقهاء على ذلك:
__________
(1) منصور بن يونس البهوتي، فقيه حنبلي، محرر المذهب، كان شيخ الحنابلة في وقته، له مؤلفات نافعة معتمدة في بيان المذهب من أبرزها: كشاف القناع شرح الإقناع، شرح منتهى الإرادات، توفي سنة (1051هـ).
…[ ينظر: النعت الأكمل ص (210)، مختصر طبقات الحنابلة ص (114)].
(2) ينظر: التقرير والتحبير (3/447)، الذخيرة للقرافي للقرافي للقرافي (1/147)، المستصفى (1/367)، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص (92).
(3) شرح منتهى الإرادات (5/274-275)، وينظر: مطالب أولي النهى (5/219).
(4) شرح الخرشي على مختصر خليل (3/195).(1/184)
فقال الكاساني ~: ((لو فرض لها فريضة للوقت والسعر رخيص، ثم غلا فلم يكفها ما فرض لها، فإنه يزيدها في الفرض؛ لأن الواجب كفاية الوقت، وذلك يختلف باختلاف السعر))(1).
وقال الصاوي(2) ~: ((ويلزم الزوج أن يزيدها إن غلا سعر الأعيان، أي: من نفقة وكسوة بعد أن قبضت ثمنها))(3).
قال البهوتي ~: ((لو قدر القاضي نفقة أو كسوة أو نحوهما ثم مات أو عزل لم يبطل فرضه في المستقبل بموته ولا بعزله ولا يجوز لأحد تغييره ما لم يتغير السبب))(4).
وهذا الذي ذكروه متوجِّه فيما إذا كانت الزيادة في الأسعار مما لا يتغابن الناس في مثلها عادة، أما إن كانت زيادة يسيرة يتغابن الناس في مثلها عادة فإن مثل هذا لا يستوجب إعادة التقدير(5).
وبناء على ما تقدم فإن التضخم النقدي الزاحف، وهو أخف أنواع التضخم النقدي، لا يستوجب إعادة تقدير النفقة؛ لأن زيادة الأسعار فيه زيادة يسيرة يتغابن الناس بمثلها عادة، إذ قلّ أن يسلم منه نظام اقتصادي.
أما إذا تحول التضخم النقدي إلى تضخم متسارع أو جامح فلا بد من إعادة فرض النفقة وتقديرها؛ لأن زيادة الأسعار فيهما مما لا يتغابن الناس بمثله، فيلحق المُنْفَق عليه ضرر بعدم إعادة تقدير النفقة.
الحال الثانية: إذا كان فرض النفقة من الأوراق النقدية في ظرف اقتصادي تضخمي، فهل يجوز استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار؟
__________
(1) بدائع الصنائع (4/25). وينظر: حاشية رد المحتار (3/594).
(2) أحمد بن محمد الخلوتي، المشهور بالصاوي. فقيه مالكي، مفسر، لغوي، له مؤلفات نافعة منها: بلغة السالك لأقرب المسالك، حاشية على تفسير الجلالين، توفي عام (1241هـ). =
…=[ ينظر: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص (364)، الأعلام للزركلي (1/233)].
(3) بلغة السالك (2/319). وينظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (4/190).
(4) كشاف القناع (6/293).
(5) ينظر: البحر الرائق (4/202)، حاشية رد المحتار (3/593).(1/185)
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: جواز استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في تقدير النفقات(1).
القول الثاني: لا يجوز استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في تقدير النفقات.
وهذا ما أوصت به الحلقة العلمية المنعقدة لدراسة موضوع ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار(2).
أدلة القول الأول
أولاً: أن الأصل في المعاملات الإباحة(3). وليس في استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في تقدير النفقات وفرضها ما يوجب المنع والتحريم، فيبقى على أصل الإباحة.
ثانياً: أن تقدير النفقات وفرضها يراعى فيه اختلاف الأسعار كما تقدم. بل قد منع بعض الفقهاء من تقدير النفقة دون مراعاة لاختلاف الأسعار؛ لأن في ذلك إضراراً بالمُنْفِق أو المُنْفَق عليه؛ إذ السعر قد يغلو وقد يرخص.
قال الكاساني ~ في كلامه على تقدير النفقة: ((ولا تقدر نفقتها بالدراهم والدنانير على أي سعر كانت ; لأن فيه إضراراً بأحد الزوجين; إذ السعر قد يغلو وقد يرخص، بل تقدر لها على حسب اختلاف الأسعار غلاء ورخصاً؛ رعاية للجانبين))(4).
وأفضل وسيلة لتحقيق مراعاة اختلاف الأسعار استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار؛ لكونه المعيار الذي يبين معدل التغير في المستوى العام للأسعار.
__________
(1) ينظر: أصول المداينات في الفقه الإسلامي ص (229)، النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (482).
(2) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ، ص (274).
(3) ينظر: فواتح الرحموت (1/49)، نشر البنود شرح مراقي السعود ص (20)، المحصول في علم الأصول (6/97)، شرح الكوكب المنير (1/325).
(4) بدائع الصنائع (4/23). وينظر: المبسوط (5/182).(1/186)
ثالثاً: أن استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في تقدير النفقات وفرضها يتحقق به العدل؛ لأنه أقرب المؤشرات التي تعكس التغير في سعر الجوانب التي تتكون منها النفقة أسعار: الطعام، والكسوة، والمسكن(1).
رابعاً: أن استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في تقدير النفقات وفرضها يوفر الجهد على المحاكم وعلى المُنْفِق والمُنْفَق عليهم؛ إذ إنه لا حاجة إلى تكرار التقدير في فترات متقاربة، فالأرقام القياسية توضح قدر الزيادة في النفقة أو النقص منها(2).
أدلة القول الثاني
لم يذكر أصحاب هذا الرأي دليلاً سوى أن قالوا: إن ((الأصل في النفقات الواجبة شرعاً أن تقدر عيناً، ويحكم القضاء بقيمة الأعيان نقداً على حسب مستوى الأسعار عند صدور الحكم بها. ومن ثم فلا مكان للقول بربطها بمستوى الأسعار))(3).
يناقش هذا من وجهين:
الأول: أن الربط بالمستوى العام للأسعار لا مدخل له في تقدير النفقة وقت صدور الحكم؛ لأن الحكم سيكون وفق مستوى أسعار ذلك الوقت. وإنما تظهر فائدة الربط بالمستوى العام للأسعار عند تغير المستوى العام للأسعار حيث تدعو الحاجة إلى تقدير جديد، فيكون الربط بمستوى الأسعار حينئذٍ مفيداً مغنياً عن تكرار التقدير؛ لأنه يعكس نسبة التغير في مكونات النفقة، وهي: الطعام، والكسوة، والمسكن.
__________
(1) ينظر: النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (482).
(2) ينظر: النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ص (482).
(3) …ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة 1407هـ، ص (274).
…ينظر: الذخيرة للقرافي للقرافي للقرافي للقرافي (4/465-466)، تحفة المحتاج (8/305)، كشاف القناع (5/460)، السيل الجرار (2/446).(1/187)
الثاني: أنه وإن كان الأصل في فرض النفقة أن يكون من الأعيان في الطعام والكسوة، إلا أنه يجوز عند الحاجة فرض النفقة من النقود، وكذلك إذا تراضى على ذلك المُنْفِق والمُنْفَق عليه(1). فيكون استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في هذه الأحوال من الوسائل المفيدة لتحقيق العدل في النفقة، كما أنه يغني عن تكرار التقدير فيما إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته.
الترجيح
الراجح من هذين القولين القول الأول، وهو جواز استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في تقدير النفقات وفرضها؛ لقوة أدلته وظهورها، والله أعلم.
الفرع الثاني: أثر التضخم النقدي في رد المغصوب(2)
أجمع أهل العلم على أن من غصب شيئاً وجب عليه رده إلى مالكه، إن كانت عينه باقية، ولم تتغير صفاته، ولا تغيرت سوقه(3).
كما أجمع الفقهاء أيضاً على أنه إذا تعذر رد عين المغصوب، لفواته، أو استهلاكه، أو تغير أوصافه، فعلى الغاصب ضمان المغصوب بمثله إن كان مثلياً، فإن لم يكن المغصوب مثلياً، أو كان مثلياً تعذر وجود مثله، فعلى الغاصب ضمان المغصوب بقيمته(4).
وبناء على هذا فإن الواجب على من غصب أوراقاً نقدية أن يردها إن كانت عينها باقية، و إلا فيجب عليه رد المثل. لكن إن طرأ تضخم نقدي نقصت به القيمة الشرائية للأوراق النقدية، وهي في يد الغاصب، فيمكن تخريج صفة ضمان الغاصب على قولين:
القول الأول: أن الغاصب يضمن الأوراق النقدية بقيمتها يوم غصبها.
__________
(1) ينظر: حاشية رد المحتار (3/580)، التاج والإكليل (5/550)، مغني المحتاج (3/427)، الإنصاف (9/371).
(2) الغصب: الاستيلاء على مال الغير ظلماً قهراً.
…[ ينظر: أنيس الفقهاء ص (269)، شرح حدود ابن عرفة (2/466)، تحرير ألفاظ التنبيه النووي ص (210)، الدر النقي (3/523)].
(3) ينظر: بداية المجتهد (2/317)، مراتب الإجماع ص (59)، المغني (7/361).
(4) … ينظر: بداية المجتهد (2/317)، مراتب الإجماع ص (59).(1/188)
القول الثاني: أن الغاصب يضمن الأوراق النقدية بمثلها.
أدلة القول الأول:
كل ما تقدم من أدلة وجوب وفاء الديون بقيمتها يصلح أن يستدل به لهذا القول(1)؛ لأنه إذا تعذر على الغاصب رد عين المغصوب فإنه يصير بذلك ديناً عليه(2).
ومما لا يخفى أن القول بوجوب رد قيمة النقود الاصطلاحية سواء كانت فلوساً، أو أوراقاً إذا غصبت ونقصت قيمتها أولى من القول به في رد قيمة الديون؛ لأن الغاصب معتدٍ بغصبه، فهو أولى بأن يضمن كل نقص يطرأ على العين المغصوبة؛ لظلمه وعدوانه.
وقد ذكر بعض فقهاء الحنابلة أن الفلوس، وهي نقود اصطلاحية، إذا غصبت فرخصت قيمتها أو غلت، وهي في يد الغاصب فعليه رد القيمة، قياساً على رد القيمة في القرض(3).
أدلة القول الثاني:
كل ما استدل به القائلون بوجوب رد الديون بأمثالها يصلح دليلاً لوجوب ضمان الغاصب الأوراق النقدية بمثلها، وقد تقدم ذكر الأدلة ومناقشتها وما يرد عليها(4).
الترجيح
الذي يترجح للباحث هو القول الأول، وهو أن الغاصب يضمن الأوراق النقدية بقيمتها إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته، إذا كان تضخماً يلحق الأوراق النقدية فيه نقص لا يتسامح الناس بالتغابن في مثله عادة: كالتضخم النقدي المتسارع، والجامح، وكذلك التضخم الزاحف المتراكم، والله أعلم.
الفرع الثالث: أثر التضخم النقدي في الأخذ بالشفعة(5)
__________
(1) ينظر: ص (197-199).
(2) … ينظر: المبسوط (7/151، 11/49)، كشف الأسرار (1/171)، التاج والإكليل (3/168)، فتاوى السبكي (2/352)، المنثور في القواعد (1/369)، الإنصاف (5/128)، منح الشفا الشافيات ص (170).
(3) ينظر: كشاف القناع (3/315)، مطالب أولي النهى (3/242).
(4) ص (199-202).
(5) الشفعة في اصطلاح الفقهاء: هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض.
…[ ينظر: أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي ص (48-54)].(1/189)
اتفق أهل العلم على أن للشفيع أن يأخذ المبيع بالثمن الذي استقر عليه العقد(1)؛ لما روى جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان بينه وبين أخيه مزرعة فأراد أن يبيعها فليعرض على صاحبه، فهو أحق بها بالثمن))(2).
فإذا كان الثمن من الأوراق النقدية مثلاً، ولم يأخذ الشفيع بالشفعة إلا بعد أن طرأ تضخم نقدي نقصت به قيمة النقود فهل يأخذ الشفيع المبيع بالثمن الذي تم عليه العقد أو يراعى هذا النقص، فيأخذ الشفيع المبيع بقيمة الثمن؟
الذي يظهر للباحث أنه يتخرَّج في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أن للمشتري أن يمتنع من بذل المبيع للشفيع حتى يُعدل الثمن بحيث يعوضه عن نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود الذي طرأ بسبب التضخم النقدي.
القول الثاني: أن للشفيع أخذ المبيع بالثمن الذي استقر عليه العقد دون اعتبار لنقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود.
هذا هو مذهب المالكية فيما يظهر حيث لم يوجبوا قيمة النقود في الشفعة إلا ((إذا وجبت الشفعة بسكة قديمة ولم توجد))(3).
أوجه القول الأول:
أولاً: أن المعتبر في المثلية هو المثلية المعنوية، وليس المثلية الصورية فقط، فيراعى نقص قيمة الثمن بإلزام الشفيع أن يبذل مثل قيمة ما استقر عليه العقد يوم الأخذ بالشفعة.
ثانياً: أن ضرر الشفيع الذي سوّغ له الأخذ بالشفعة لا يزال بضرر المشتري بأخذ المبيع منه بثمن أنقص مما بذله فيه من حيث الحقيقة؛ لأن الضرر لا يزال بمثله(4).
أوجه القول الثاني:
__________
(1) ينظر: بداية المجتهد (2/259)، شرح السنة للبغوي (8/241)، المحلى (9/95).
(2) رواه أحمد، رقم (15095). وقال عنه محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط (23/318): ((حديث صحيح)).
(3) مواهب الجليل (4/341).
(4) ينظر في بيان هذه القاعدة: غمز عيون البصائر (1/278)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (176)، قواعد ابن رجب ص (73).(1/190)
أولاً: العموم في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفيع: ((فهو أحق بها بالثمن))، فإنه يدخل في هذا ما لو نقصت قيمة الثمن، فالشفيع أحق بالمبيع بالثمن الذي بذله المشتري واستقر عليه العقد، سواء نقصت قيمة الثمن بعد ذلك أو زادت، إذ الواجب مثل الثمن الذي بذل في العقد.
يناقش هذا: بأن الألف واللام التي في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بالثمن)) للعهد، أي: الثمن الذي تمَّ عليه العقد. وذلك الثمن قد تغيّر، ولم يبق على حاله بما طرأ عليه من نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود. فيكون في إلزام المشتري بهذا الثمن المتغيّر ظلم له؛ لأن الشفيع لم يعطِ المشتري مثل ما بذل من الثمن حقيقة، وإن كان قد أعطاه مثل ذلك صورة.
ثانياً: القياس على عدم تأثير تغير سعر المبيع على استحقاق الشفيع انتزاعه بثمنه الذي استقر عليه العقد، فإن المبيع لو ارتفع سعره أو انخفض لم يكن للشفيع انتزاعه ممن انتقل إليه إلا بثمنه الذي استقر عليه العقد.
الترجيح
الذي يترجح من هذين القولين هو القول الأول؛ وأن للمشتري أن يمتنع من بذل المبيع للشفيع حتى يعوضه الشفيع عن نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود الذي طرأ بسبب التضخم النقدي؛ ووجه هذا الترجيح قوة حجة القول الأول، ولأنه أقرب إلى تحقيق العدل.
وعلى هذا فلو أن ثمن المبيع كان مائة ألف ريال فطرأ بعد العقد تضخم نقدي نسبته أربعون في المائة، وأراد مستحق الشفعة أن يشفع، فللمشتري أن يمتنع عن إعطائه المبيع إلا بمائة وأربعين ألفاً؛ ليتحقق له المثلية المعنوية وهي مثلية القيمة، والله أعلم.
الفرع الرابع: أثر التضخم النقدي في عوض الخلع(1)
__________
(1) الخلع: مفارقة الزوجة على عوض.
…[ ينظر: أنيس الفقهاء ص (161)، شرح حدود ابن عرفة (1/271)، تهذيب الأسماء (3/96)، المطلع على أبواب المقنع ص (331)].(1/191)
ذهب أكثر الفقهاء إلى أن للرجل أن يخالع امرأته على أكثر مما بذل في مهرها، هذا هو مذهب الحنفية(1)، والمالكية(2)، والشافعية(3)، والحنابلة(4).
وقال جماعة من العلماء: إنه لا يجوز للزوج أن يخالع زوجه على أكثر من المهر الذي كان قد بذله لها(5).
فإذا كان المهر الذي بذله الرجل للمرأة ورقاً نقدياً فللرجل أن يخالعها بما شاء من الأوراق النقدية أو غيرها سواء كانت أكثر من المهر الذي بذله أو أقل على قول الجمهور. وعلي هذا فإنه لا يظهر أن للتضخم النقدي أثراً في عوض الخلع؛ لأنه لا حد له قدراً ولا جنساً، فله أن يخالعها بما شاء من الأوراق النقدية، وله أن يخالعها بغير الأوراق النقدية.
أما على القول بأنه لا يجوز أن يخالعها على أكثر من المهر الذي بذله لها فإن للتضخم النقدي أثراً. وهو هل المعتبر في عوض الخلع قدر ما بذل في المهر من الأوراق النقدية، ولو نقصت قيمتها الشرائية التبادلية بسبب التضخم النقدي أو المعتبر قيمتها؟
لم أقف على كلام لأهل العلم في هذه المسألة، والذي يظهر أنه يتخرَّج فيها قولان:
القول الأول: أن المعتبر في قدر عوض الخلع فيما إذا نقصت القيمة التبادلية للنقود هو قيمة ما بذله الزوج في المهر، فلا يجوز الزيادة عليه.
القول الثاني: أن المعتبر في قدر عوض الخلع هو ما بذله الزوج في المهر، فلا يجوز الزيادة عليه سواء نقصت القيمة التبادلية للنقود أو لا.
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (3/150)، ملتقى الأبحر (1/280)، تبيين الحقائق (2/269).
(2) ينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (4/63)، بلغة السالك (2/517-518).
(3) ينظر: الأم (5/219)، الإقناع لابن المنذر (1/318)، مغني المحتاج (4/435).
(4) ينظر: الإنصاف (8/398)، كشاف القناع (5/220).
(5) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (1/535)، أحكام القرآن لابن العربي (1/265)، شرح السنة للبغوي (9/195-196)، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (6/78)، المغني (10/269).(1/192)
أدلة القول الأول
ما تقدم غير مرة أن المعتبر في تحقيق المثلية هو المثلية المعنوية، فمما يجب اعتباره في المثل ما فيه من المعاني التي تزيد بها القيمة فللزوج المطالبة بقيمة ما بذله من الأوراق النقدية فيما إذا طرأ تضخم نقدي إذ إن رد قدر ما بذل يمثل في الحقيقة دون المهر لما طرأ على النقود من نقص القيمة التبادلية.
أدلة القول الثاني
ما رواه ابن عباس(1)- رضي الله عنه - في مخالعة امرأة ثابت بن قيس(2)- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يأخذ منها حديقته التي بذلها في مهرها ولا يزداد(3).
وجه الدلالة:
عموم النهي في قوله: ((ولا يزداد)) يشمل الزيادة على قدر المهر فيما إذا نقصت القيمة التبادلية للنقود وذلك أن الفعل في سياق النفي أو النهي يفيد العموم(4)، فقوله: يزداد فعل جاء في سياق النهي فيعم النهي عن أخذ كل زيادة على المهر.
__________
(1) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، حبر الأمة وترجمان القرآن، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، توفي سنة (68هـ).
…[ ينظر: أسد الغابة (3/290)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/90)].
(2) ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري. خطيب الأنصار، وممن شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة. أما زوجته التي خالعته فقيل: إنها جميلة بنت أبي بن سلول، وقيل: إنها حبيبة بنت سهل الأنصارية، وقيل: كلتاهما خالعته - رضي الله عنه -.
…[ ينظر: الاستيعاب (4/1803)، الكاشف (1/282)، الإصابة في تمييز الصحابة (1/395)].
(3) رواه ابن ماجه في كتاب الطلاق، باب ما يقع به الطلاق من الكلام، رقم (2056). وقد صححه الحافظ ابن حجر في كتابه الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/75)، وقد ذكر الروايات التي فيها النهي عن الزيادة في فتح الباري (9/402).
(4) ينظر في هذه القاعدة: إرشاد الفحول (1/262)، دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي ص (34).(1/193)
يناقش هذا: بأن الزيادة على قدر ما بذله الزوج في المهر لا تخالف ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من ازدياد الزوج في المخالعة؛ لأن الزيادة لتعويض نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود لا تُعدُّ زيادة في حقيقة الأمر، بل هي وسيلة لتحقيق رد ما أعطاه المرأة في المهر، والله أعلم.
الترجيح
الذي يترجح للباحث أن المعتبر في عوض الخلع على القول بعدم جواز الزيادة على قدر المهر فيما إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته هو رد قيمة النقود التي بذلها في المهر لا قدرها؛ لقوة ما علل به الحكم.
وبناء على هذا الترجيح فإنه إذا خالع رجل زوجته، وقيل بعدم جواز الزيادة على ما بذله في مهرها، وكان الذي بذله عشرة آلاف ريال، وقد طرأ تضخم نقدي بنسبة ثلاثين في المائة فالمسألة فيها قولان بالنظر إلى المعتبر في المثلية هل هي المثلية الصورية أو المعنوية:
أولاً: على القول بأن المعتبر في المثل هو المثلية الصورية، ولو نقصت القيمة، فليس للزوج أن يخالعها بأكثر من عشرة آلاف ريال ولو نقصت القيمة الشرائية التبادلية للنقود، وكان ما يحصله بالعشرة الآلاف يوم الخلع ينقص ثلاثين في المائة عما كان يحصله بها يوم عقد النكاح.
ثانياً: على القول بأن المعتبر في المثل المثلية الصورية والمعنوية، فليس للزوج أن يخالع بأكثر من قيمة ما بذله مهراً بعد نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود نقصاً لا يتغابن الناس بمثله كما هي الحال في التضخم النقدي المتسارع والجامح. ففي المثال السابق لا تجوز المخالعة بأكثر من ثلاثة عشر ألف ريال، وهو ما يمثّل قيمة المهر بعد نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود.
المبحث الثالث: أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات والتبرعات
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات(1/194)
المراد بعقود التوثيقات العقود التي شرعت لتوثيق الديون والاحتياط لها وحفظها لأهلها، وتأمينها لهم(1).
وهذه العقود أنواع: فمنها ما هو وثيقة بمال كالرهن(2)، ومنها ما هو وثيقة بذمة كالضمان(3). ولما كان هذان العقدان يتأثران بالتضخم النقدي فسأبين في هذا المطلب أثره فيهما.
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في عقد الرهن
لما كان المقصود بعقد الرهن حفظ حق صاحب الدين وطمأنته على دينه، وأنه إن تعذر الوفاء من الغريم فإنه يستوفي حقه من الرهن، فقد جرت العادة بأن يكون المرهون أو قيمته تساوي الدين أو أكثر غالباً(4).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (5/203)، مجموع الفوائد للسعدي ص (186)، الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور الزحيلي (4/242)، الموسوعة الفقهية الكويتية (14/138).
(2) الرهن: المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه.
…[ ينظر: شرح حدود ابن عرفة (2/409)، مطالب أولي النهى (3/248)، القاموس الفقهي
ص (154)].
(3) الضمان: التزام حق ثابت في ذمة الغير. ويطلق عليه الكفالة عند بعض الفقهاء.
…[ ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص (285)، المطلع على أبواب المقنع ص (248)، الموسوعة الفقهية الكويتية (13/36)].
(4) ينظر: شرح العناية على الهداية (10/157)، بلغة السالك (3/599)، تبصرة الحكام (2/125)، الطرق الحكمية ص (180).(1/195)
فإذا كان الرهن أوراقاً نقدية تساوي الدين أو أكثر منه، ثم طرأ بعد عقد الرهن تضخم نقدي نقصت به القيمة الشرائية التبادلية للنقود، وارتفع به المستوى العام للأسعار، فليس للدائن المطالبة بزيادة الرهن؛ ليعوض ما فات من نقص القيمة الشرائية التبادلية للأوراق النقدية المرهونة، فإن جمهور العلماء من المالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3)، وغيرهم(4)يرون أنه لا ضمان على المرتهن(5) إلا إذا تعدى أو فرط، وأنه لا يلزم الراهن تعويض هذا النقص بشيء.
وقد وافقهم الحنفية في نقص سعر الرهن، فقال السرخسي(6)
__________
(1) ينظر: المدونة الكبرى (5/323)، بداية المجتهد (2/273)، حاشية الدسوقي (3/253).
(2) ينظر: الأم (3/179)، الحاوي الكبير للماوردي (6/121)، مغني المحتاج (2/136).
(3) ينظر: المغني (6/522)، كشاف القناع (3/328).
(4) ينظر: المحلى (8/93).
(5) المُرْتهِن: هو الشخص الذي يأخذ الرهن، أي: الدائن. ويقابله الراهن: وهو دافع الرهن. أي: المدين.
…[ ينظر: درر الحكام (2/710)، شرح الخرشي على مختصر خليل (5/236)، القاموس الفقهي ص (154)].
(6) محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، المعروف بشمس الأئمة، فقيه، أصولي، من أئمة الحنفية، له مؤلفات كثيرة منها: المبسوط، شرح مختصر الطحاوي، توفي سنة (483هـ)، وقيل: سنة (490هـ).
…[ ينظر: الجواهر المضيئة (2/28)، الفوائد البهية ص (158)].(1/196)
~: ((ونقصان السعر وزيادته لا يُغيّر حكم الرهن والاعتبار بقيمته يوم رُهِن؛ لأن تغير السعر لا يؤثر في العين، إنما هو منوط برغائب الناس فيه. وذلك يختلف باختلاف الأوقات والأمكنة، فلا يكون مضموناً على المرتهن))(1). ومن ذلك نقص قيمة النقود ففي الفتاوى الهندية: ((لو رهن فلوساً فكسدت فقد هلكت بالدين، ولو رخص سعره لم يعتبر))(2).
وعلى هذا فإنه إذا نقصت القيمة الشرائية التبادلية للنقود تبقى الأوراق النقدية رهناً، ولو كان التضخم النقدي متسارعاً أو جامحاً؛ ((لأنه لا خلاف أنه جائز أن يرهن بالقليل الكثير، وبالكثير القليل))(3).
وكذلك إذا كان الدين أوراقاً نقدية فجعل رهنها عيناً، ثم طرأ تضخم نقدي رخصت به القيمة الشرائية التبادلية للنقود وارتفع به سعر الرهن، فإن العين تبقى رهناً بجميع الدين؛ لأن المرهون محبوس بجميع الدين الذي رُهِن به سواء كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أو أقل(4). وهذا نظير ما لو قضى الراهن بعض الدين فإن للمرتهن أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي كل ما تبقى من الدين، سواء قلّ الباقي أو كثر. فالإجماع منعقد على أنه ليس لمن رهن شيئاً بمال فأدى بعض المال أن يخرج بعض الرهن حتى يوفيه آخر حقه أو يبرئه من ذلك(5)؛ لأن الرهن وثيقة بحق، فلا يزول إلا بزوال جميعه.
ومن هذا تبين أن التضخم النقدي ليس له تأثير في عقد الرهن،والله أعلم.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في عقد الضمان
__________
(1) المبسوط (21/105). ينظر: (21/121)،البحر الرائق (8/283).
(2) المبسوط (5/476). ينظر: بدائع الصنائع (6/172)، مجمع الضمانات ص (108).
(3) أحكام القرآن للجصاص (1/534). وينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (5/259)، الأم (3/197)، الإنصاف (5/291).
(4) ينظر: بدائع الصنائع (6/152)، التاج والإكليل (6/581)، تحفة المحتاج (5/101)، المغني (6/481).
(5) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص (124).(1/197)
الضمان عقد يقصد به توثق صاحب الدين من حقه. فهو وثيقة بالدين يتبرع فيها الضامن بالتزام ما على المدين من حق للدائن(1).
أما أثر التضخم النقدي في عقد الضمان إذا كان الدين المضمون أوراقاً نقدية فيمكن بناؤه على مسألة أثر التضخم النقدي في الدين نفسه؛ لأن الضمان التزام بالدين(2).
فعلى القول بأن الواجب في ذمة المدين لا يتأثر بما يطرأ من تضخم نقدي، بل يجب عليه مثل ما ثبت في ذمته من الأوراق النقدية، فليس للتضخم النقدي أثر في عقد الضمان؛ لأنه عقد يقتضي ثبوت الدين المضمون في ذمة الضامن كثبوته في ذمة المضمون عنه، إذ إن حقيقة الضمان ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزامه بالدين(3).
أما على القول بأن الواجب في ذمة المدين يتأثر بما يطرأ من تضخم نقدي، فيجب عليه قيمة ما ثبت في ذمته من الأوراق النقدية.
فالذي يظهر للباحث أنه يتخرَّج في أثر التضخم النقدي في عقد الضمان قولان:
القول الأول: أنه يلزم الضامن قيمة ما ثبت في ذمة المدين المضمون عنه.
القول الثاني: أنه لا يلزم الضامن إلا مثل ما ثبت في ذمة المدين المضمون عنه.
أدلة القول الأول
أولاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(( الزعيم غارم))(4)
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (6/5)، التاج والإكليل (7/31)، تحفة المحتاج (5/241)، الفروع (4/236).
(2) ينظر: تبيين الحقائق (4/155)، حاشية الدسوقي (3/346)، حاشية البجيرمي (3/26)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/165).
(3) ينظر: البحر الرائق (6/221)، الفروق للقرافي (3/34)، الفتاوى الفقهية الكبرى (4/274)، المغني (7/74).
(4) رواه أحمد، رقم (21263)، وأبو داود في كتاب البيوع، باب تضمين العور، رقم (3094)، الترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء أن العارية مؤداة، رقم (1186)، ابن ماجه في كتاب الأحكام، باب الكفالة، رقم (2396). من حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -.
…قال عنه الترمذي : ((حديث حسن غريب)). وقد ضعفه ابن حزم في المحلى (9/172)، فقال: ((إسماعيل بن عياش ضعيف)). وقد خطَّأه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/47)، وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/90). وقال الشوكاني في السيل الجرار (4/234): ((ولا وجه لتضعيف الحديث بإسماعيل بن عياش، فهو إنما يضعَّف في روايته عن الحجازيين، وهو في روايته عن الشاميين قوي، وقد روى هنا عن شامي، وهو شرحبيل بن مسلم)). وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/323): ((إسناده قوي)).(1/198)
.
وجه الدلالة:
هذا الحديث يبين أن الأصل في الزعيم، وهو الضامن(1)، أنه غارم لما التزمه من مال(2)، فإذا دار الأمر بين أن يكون ضامناً أو لا فالأصل الضمان. وعلى هذا يكون يلزم الضامن ضمان ما يترتب على نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود بناء على الأصل.
ثانياً: أن الضامن التزم مثل ما ثبت في ذمة المضمون عنه صورة ومعنى، فيلزمه ضمان ما يترتب على نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود؛ لأن نقصها يفوت به المقصود الأعظم من الأوراق النقدية، فلا تكفي المثلية الصورية.
ثالثاً: أن الضامن في دين فرع للمضمون عنه(3). فيلزمه في الدين الذي ضمنه نظير ما يلزم المدين المضمون عنه، وعلى هذا يلزم الضامن ما يترتب على حدوث التضخم النقدي من زيادة في قدر الأوراق النقدية؛ لتعويض نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود.
يناقش هذا: بأن كون الضامن فرعاً للمضمون عنه وتابعاً له لا يلزم منه إلزامه بما لم يتبرع بضمانه، بل لا يلزمه إلا ما التزمه، وهو لم يلتزم ما يترتب على التضخم النقدي، بل التزم بالدين يوم ضمانه على وجه التبرع والإحسان، فلا يلزمه إلا ما ثبت في ذمة المدين قبل حدوث التضخم النقدي.
يجاب عن هذا: بأن رد الضامن مثل ما على المضمون عنه من دين دون مراعاة ما ترتب على التضخم النقدي من زيادة لا يتحقق به مقتضى عقد الضمان الذي هو ضمُّ ذمة الضامن إلى ذمة المدين(4).
أدلة القول الثاني
__________
(1) ينظر: الفائق، مادة (ذمة) (2/16)، النهاية في غريب الحديث، مادة (ذمم) ص (330).
(2) ينظر: المبسوط (20/28)، منح الجليل (6/219)،
(3) ينظر: تبيين الحقائق (4/156)، مواهب الجليل (5/114)، المجموع شرح المهذب (6/195)، كشاف القناع (3/374).
(4) ينظر: تحفة الفقهاء (3/237)، نهاية المحتاج (4/458)، المبدع (4/248).(1/199)
أولاً: أن الضامن متبرع بالتزام ما في ذمة المدين المضمون عنه من دين، فإلزامه بما ترتب على التضخم النقدي من زيادة بسبب نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود إلزام له بما لم يلتزم. وقد قال الله ـ تبارك وتعالى ـ: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (1)، فالآية الكريمة تدل على أن كل من كان محسناً في شيء فإنه لا سبيل عليه فيه؛ لأن المحسن من أتى بالحسن فيندرج في الآية كل محسن(2). والضامن متبرع بالضمان فهو من المحسنين(3)، وإلزامه بضمان أكثر مما التزم عليه فيه سبيل.
يناقش هذا: بأن هذا السبيل إنما ثبت عليه بالتزامه، فالضامن تبرع بالتزام ما على المضمون عنه من دين، فيلزمه ما تبرع به.
ثانياً: أن من شروط صحة الضمان رضا الضامن، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم(4). وهو إنما رضي بالتزام ما ثبت في ذمة المدين قبل حدوث التضخم النقدي، وما عدا ذلك لا يكون لازماً له إلا برضاه؛ لأن الالتزام لا يكون إلا برضاه(5).
يناقش هذا: بأن الضامن قد حصل منه الرضا بأصل الالتزام حيث رضي بالتزام ما ثبت في ذمة المدين، وما حصل من زيادة بسبب التضخم النقدي لا يلغي رضا الضامن؛ لأن ما زاد بسببه إنما هو زيادة صورية.
الترجيح
الذي يظهر للباحث أن الأقرب من هذين القولين هو القول الأول، وأنه يلزم الضامن قيمة ما ثبت في ذمة المدين المضمون عنه، وذلك لقوة ما احتجوا به، والله أعلم.
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في عقود التبرعات
__________
(1) سورة التوبة، جزء من آية: (91).
(2) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/145)، تبيين الحقائق (5/41)، التمهيد (1/62)، أسنى المطالب (2/243).
(3) ينظر: المبسوط (20/84)، المدونة الكبرى (5/259)، الأم (7/124)، المغني (6/445).
(4) ينظر: المغني (7/72).
(5) ينظر: المبسوط (20/32).(1/200)
عقود التبرعات: هي ما كان التمليك فيها من غير مقابل، بل يبذلها صاحبها إحساناً ومعروفاً وتقرباً إلى الله - عز وجل -(1).
ومن أمثلة عقود التبرعات: الهبة(2)، والوصية(3)، والوقف(4).
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في التعديل بين الأولاد في الهبة
ذهب أكثر أهل العلم من الحنفية(5)، والمالكية(6)، والشافعية(7) إلى أن التعديل بين الأولاد في الهبة مستحب، وأن التفضيل بينهم في ذلك مكروه.
وذهب الحنابلة(8) إلى أن التعديل بين الأولاد في الهبة واجب إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل: كحاجة، أو كثرة عائلة أو غير ذلك. وعلى هذا القول فإن الواجب على الوالد إذا فضل أحد أولاده من غير موجب؛ إما رد ما حصل به التفضيل، وإما إعطاء ما يحصل به التعديل.
فإذا كان الوالد قد خصَّ أحد أولاده بهبة عينية أو أوراق نقدية، ثم أراد أن يعدل بينهم بعد أن حدث تضخم نقدي فله طريقان.
__________
(1) ينظر: مجموع الفوائد للسعدي ص (187)، المدخل الفقهي العام (1/579)، مبدأ الرضا في العقود (1/151).
(2) الهبة: تمليك المال تبرعاً بلا عوض في الحياة.
…[ ينظر: أنيس الفقهاء ص (255)، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص (240)، المطلع على أبواب المقنع ص (291)، القاموس الفقهي ص (390)].
(3) الوصية: التبرع بالمال بعد الموت.
…[ ينظر: أنيس الفقهاء ص (297)، شرح حدود ابن عرفة (2/681)، المغني (8/389)، القاموس الفقهي ص (381)].
(4) الوقف: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
…[ ينظر: أنيس الفقهاء ص (197)، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص (237)، المطلع على أبواب المقنع ص (285)، القاموس الفقهي ص (386)].
(5) ينظر: البحر الرائق (7/288)، حاشية رد المحتار (4/444).
(6) ينظر: الخرشي على مختصر خليل (7/82)، الفواكه الدواني (2/159).
(7) ينظر: تحفة المحتاج (6/307)، نهاية المحتاج (5/415).
(8) ينظر: شرح منتهى الإرادات (4/405)، كشاف القناع (4/309).(1/201)
الطريق الأولى: التعديل بالرجوع في الهبة
ذهب جمهور العلماء من المالكية(1)، والشافعية(2)، والحنابلة(3) إلى أن للوالد الرجوع فيما وهبه لولده(4).
أما أثر التضخم النقدي في التعديل بين الأولاد في الهبة بالرجوع، فليس له أثر في ذلك سواء،كانت الهبة أوراقاً نقدية أو غيرها. فليس للواهب الرجوع على الموهوب له إلا في عين الهبة، سواء غلت أو رخصت؛ لأن عقد الهبة عقد تبرع، فلا يكون عقد ضمان، إذ هو عقد خالٍ في الأصل عن مقابلة عوض أو مبادلة(5).
وقد نصَّ الفقهاء على عدم ضمان الموهوب له نقص الموهوب، سواء كان النقص في عينه أو قيمته.
قال الكاساني ~: ((ولا يضمن الموهوب له النقصان؛ لأن قبض الهبة ليس بقبض مضمون))(6).
وقال الإمام مالك ~ في علة عدم تضمين الموهوب له، إذا تبين أن الهبة مستحقة يجب ردها: ((لأن الموهوب له هذه الأشياء لم يتعد))(7).
وقال الهيتمي ~ في عدم ضمان نقص الزكاة المعجلة إذا استردها صاحبها:(( كأب رجع في هبته، فرأى الموهوب ناقصاً))(8) أي: فلا ضمان على الموهوب له.
__________
(1) ينظر: التاج والإكليل (8/24-26)، حاشية الدسوقي (4/109)، الخرشي شرح مختصر خليل (7/114).
…تنبيه: استثنوا من جواز الرجوع ما وهبه لولده إذا قصد بالهبة صلة الرحم أو ثواب الآخرة.
(2) ينظر: مغني المحتاج (3/568)، أسنى المطالب (2/473).
(3) ينظر: شرح منتهى الإرادات (4/405)، مطالب أولي النهى (4/400).
(4) ذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز رجوع الوالد في هبته لولده، ولو فضل أحدهم.
…[ ينظر: المبسوط (12/49، 54-55)، شرح فتح القدير (9/39)].
(5) ينظر: المبسوط (21/135)، شرح العناية على الهداية (8/257)، المدونة الكبرى (5/381)، الفروق (2/79)، المجموع شرح المهذب (2/257)، نهاية المحتاج (4/254)، الفروع (5/276)، القواعد لابن رجب ص (175).
(6) بدائع الصنائع (6/129).
(7) المدونة الكبرى (5/380).
(8) تحفة المحتاج (3/362).(1/202)
وقال أيضاً في عدم ضمان المبيع إذا تعيّب قبل البيع بآفة: ((وكالأب إذا رجع في الموهوب لولده إذا نقص))(1).
وقال ابن قدامة(2)~: ((قال أحمد: إذا تغيرت العين الموهوبة بزيادة أو نقصان، ولم يثبه منها، فلا أرى عليه نقصان ما نقص عنده إذا رده إلى صاحبه، إلا أن يكون ثوباً لبسه، أو غلاماً استعمله، أو جارية استخدمها. فأما غير ذلك إذا نقص فلا شيء عليه))(3).
وقال البهوتي ~ في مسألة رجوع الوالد في هبة ولده: ((ولا ضمان على الابن فيما تلف منها، ولو كان التلف بفعله؛ لأنه في ملكه))(4).
الطريق الثاني: التعديل بالتسوية بين الأولاد
لا خلاف بين العلماء في مشروعية التعديل بين الأولاد إذا فضل أحدهم بإعطاء من لم يُعطَ ما تحصل به التسوية بينهم(5). ومعيار ما تحصل به التسوية أن يعطي المُفَضَّل عليه مثل ما أعطى المُفَضَّل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لبشير(6) والد النعمان(7)
__________
(1) تحفة المحتاج (5/149).
(2) عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي. أبو محمد، أحد كبار علماء الحنابلة، فقيه متبحر، له مصنفات عديدة عظيمة النفع منها: المغني، الكافي، المقنع، توفي عام (620هـ).
…[ ينظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/133)، شذرات الذهب (5/88)].
(3) المغني (8/281). وينظر: (8/268).
(4) كشاف القناع (4/316).
(5) التمهيد لابن عبد البر (7/234).
(6) بشير بن سعد الخزرجي، بدري، له رواية، استشهد بعين التمر مع خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة اثنتي عشرة، ويقال: إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار- رضي الله عنه -.
…[ ينظر: الكاشف (1/270)، الإصابة في تمييز الصحابة (1/311)].
(7) النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي. مولود في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة بأربعة عشر شهراً، صحابي ابن صحابي، وله رواية، توفي سنة (65هـ).
…[ ينظر: الكاشف (2/322)، الإصابة في تمييز الصحابة (6/440)].(1/203)
رضي الله عنهما لما أتاه ليشهده على ما وهبه للنعمان: ((أَكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟))(1). وهذا يفيد أن التسوية بين الأولاد تحصل بأن يهب لكل واحد منهم مثل ما وهب للآخر(2).
وبناء على هذا فإن العدل بين الأولاد بالتسوية يكون بأن يعطي المُفَضَّل عليه مثل ما أعطى المُفَضَّل، سواء كانت الهبة أوراقاً نقدية أو غير ذلك.
أما أثر التضخم النقدي في التعديل في الهبة بين الأولاد بالتسوية فإنما يظهر فيما إذا تأخر التعديل إلى أن حدث تضخم نقدي أو زادت نسبته زيادة لا يتغابن الناس بمثلها. وذلك أن القيمة الشرائية التبادلية للنقود ستنقص، وسيرتفع المستوى العام للأسعار. وحينئذٍ يبرز سؤال هل العدل الواجب بين الأولاد يحصل ويتحقق عن طريق التسوية بين الأولاد بإعطاء المُفَضَّل عليه مثل ما أعطى المُفَضَّل من الأوراق النقدية؟
ويتخرَّج في الجواب على هذه المسألة قولان:
القول الأول: أن التسوية بين الأولاد لا تحصل إلا بإعطاء المُفَضَّل عليه مثل قيمة الأوراق النقدية قبل حدوث التضخم النقدي.
القول الثاني: أن التسوية بين الأولاد تحصل بإعطاء المُفَضَّل عليه مثل قدر الأوراق النقدية التي حصل بها التفضيل، ولا اعتبار للتضخم النقدي.
أدلة القول الأول:
__________
(1) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للولد، رقم (2586)، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة، رقم (1623).
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (11/66)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (5/214)، المفهم على صحيح مسلم للقرطبي (4/587).(1/204)
أولاً: أن إعطاء المُفَضَّل عليه من الأولاد مثل الأوراق النقدية بعد نقصان قيمتها الشرائية التبادلية لا يحصل به العدل المأمور به في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم))(1)، فإنه لو أعطى المُفَضَّل عليه مثل الأوراق النقدية التي أعطاها المُفَضَّل دون اعتبار لنقص قيمتها الشرائية التبادلية لم يسوِّ بينهم؛ لأن المُفَضَّل عليه سيُحصِّل بهذه الأوراق النقدية أقل مما حصَّله المُفَضَّل؛ وذلك لضعف قيمة النقود الشرائية التبادلية الحادث بسبب التضخم النقدي.
ثانياً: أن التسوية بين الأولاد لا تكون إلا بإعطاء المثل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة بشير - رضي الله عنه -: ((أكل ولدك نحلته مثل هذا))(2). وإعطاء المُفَضَّل عليه قدر الأوراق النقدية التي أعطيت للمُفَضَّل بعد نقصان قيمتها التبادلية الشرائية لا يتحقق به المثلية التامة التي وجه إليها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها مثلية صورية تخلفت فيها المثلية المعنوية تخلفاً تختل به التسوية.
أدلة القول الثاني:
أولاً: أن إعطاء المُفَضَّل عليه مثل ما أعطى المُفَضَّل من الأوراق النقدية يحصل به التسوية بين الأولاد والعدل بينهم لتحقق المثلية.
يناقش: بأن المثلية في الأوراق النقدية في حال نقص قيمتها الشرائية التبادلية لا يكفي فيها المثلية الصورية، بل لا بد من المثلية المعنوية كما تقدم غير مرة.
ثانياً: أن الهبة عقد تبرع، فلا يستقصى فيها كما يستقصى في عقود المعاوضات(3).
__________
(1) …رواه البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للولد، رقم (2586)، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة، رقم (1623).
(2) …سبق تخريجه ص (246).
(3) …ينظر: بدائع الصنائع (6/129)، الذخيرة للقرافي (6/271)، مغني المحتاج (3/561).(1/205)
يناقش هذا: بأن الاستقصاء في تحقيق المماثلة هنا إنما هو لأجل تحقيق العدل المأمور به في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم))(1). ووجوب العدل هنا حق للآدمي يتضرر بفواته. وحقوق الآدميين مبنية على الضيق والمشاحة(2).
الترجيح
الذي يظهر للباحث أن القول الأول أقرب القولين للصواب، فلابد من مراعاة نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود في التعديل بين الأولاد والتسوية بينهم، دفعاً للتباغض والشحناء عنهم.
وعلى هذا فإذا وهب الوالد أحد أولاده ألف ريال مثلاً، ثم أراد أن يسوِّي بينهم بعد حدوث تضخم نقدي نسبته ثلاثون في المائة، فإن التسوية بينهم تتحقق بأن يعطي المُفَضَّل عليهم ألفاً وثلاثمائة ريال، والله أعلم.
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في حساب الثلث في عطية من مرضه مخوف(3)
اتفق أهل العلم على أن عطية المريض مرضاً مخوفاً صحيحة، وتعتبر من ثلث ماله إذا كانت العطية لغير وارث(4). وذلك لما روى سعد بن أبي وقاص(5)
__________
(1) …سبق تخريجه ص (247).
(2) …ينظر: التقرير والتحبير (3/231)، الإحكام للآمدي (2/290)، الإبهاج شرح المنهاج (3/241)، الإنصاف (8/427).
(3) …المرض المخوف: هو ما يكثر حصول الموت منه.
…وقيل: ما كان سبباً صالحاً للموت، فيضاف إليه ويجوز حدوثه عنده.
…[ ينظر: تبيين الحقائق (6/196)، التاج والإكليل (6/663-664)، نهاية المحتاج (6/60)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/440)].
(4) …ينظر: بداية المجتهد (2/46)، الإجماع لابن المنذر ص (137)، مراتب الإجماع ص (96).
(5) سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف الزهري القرشي، فارس الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم سابع سبعة ومناقبه جمة، شهد المشاهد كلها، توفي عام خمسة وخمسين- رضي الله عنه -.
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (1/92)، الإصابة في تمييز الصحابة (3/83)].(1/206)
- رضي الله عنه - قال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع من وجع أشفيت(1) منه على الموت، فقلت: يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: (( لا))، قال: قلت: أفأتصدق بالشطر؟ قال: ((لا، الثلث، والثلث كثير...))(2). وهذا الحكم لا يختص الصدقة فقط، بل هو ثابت في سائر أنواع التبرعات: كالهبات، والعتق، والوصية(3).
أما حساب ثلث المال في عطية المريض مرضاً مخوفاً فقد اتفق الفقهاء على أن الهبة في مرض الموت بمنزلة الوصية(4). وأن الاعتبار في قيمة المُوصَى به وخروجها من الثلث أو عدم خروجها بحالة الموت؛ لأنها حال لزوم الوصية، فتعتبر قيمة المال فيها(5).
وعلى هذا فإن المعتبر في حساب ثلث المال في خروج العطية منه أو لا هو يوم موت المعطي المتبرع(6).
أما أثر التضخم النقدي في ذلك: فلا تخلو العطية من أن تكون مالاً عينياً أو تكون أوراقاً نقدية.
__________
(1) من أشفى على الشيء، أي: أشرف عليه.
…[ ينظر: الفائق (2/40)، لسان العرب، مادة (شفى) (9/185)].
(2) …رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، رقم (2744)، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية، رقم (1628).
(3) ينظر: المبسوط (20/127)، الفواكه الدواني (2/155)، مغني المحتاج (4/78)، مطالب أولي النهى (4/428).
(4) …ينظر: بداية المجتهد (2/46)، المغني (8/271).
(5) …ينظر: المغني (8/272).
(6) ينظر: شرح منتهى الإرادات (4/493).(1/207)
فإن كانت عطية المريض مرضاً مخوفاً مالاً عينيا،ً فالتضخم النقدي يفضي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، فإذا طرأ التضخم النقدي بعد العطية وقبل الموت فقد تكون العطية العينية من جملة ما ارتفع سعره من الأعيان، فتزيد على ثلث المال، فيوقف ما زاد على الثلث من العطية بسبب ارتفاع الأسعار على إجازة الورثة(1). فإن أجاز الورثة أخذ العطية كلها، و إلا فلا ينفذ إلا الثلث، وما زاد عليه فللورثة.
مثال ذلك: وهب رجل في مرض موته المخوف أرضاً قيمتها مائة ألف ريال، ثم مات بعد أن طرأ تضخم نقدي ارتفعت به الأسعار، فصارت قيمة الأرض يوم موت المتبرع مائة وخمسين ألف ريال، وكان جميع ما تركه بما في ذلك الأرض ثلاثمائة ألف ريال. فعند قسمة التركة يكون للمعطى الثلث، وهو ما يقابل ثلثي الأرض المتبرع بها في مرض الموت، وما زاد على ذلك موقوف على إجازة الورثة.
أما إن كانت العطية في مرض الموت المخوف أوراقاً نقدية، فإن العطية قد تكون أكثر من الثلث يوم العطاء، فتصير يوم موت المعطي ضمن الثلث إذا كان في التركة ما ارتفع سعره بسبب التضخم النقدي، فلا يتوقف أخذ العطية عندئذ على إجازة الورثة.
مثال ذلك: وهب رجل آخر في مرض موته المخوف مائة ألف ريال، وكان قيمة ما عنده مائتين وخمسين ألف ريال، فطرأ تضخم نقدي ارتفعت به الأسعار، فكان قيمة ما تركه يوم الوفاة ثلاثمائة وعشرين ألف ريال، فللمعطى حينئذٍ ما أعطاه المتبرع؛ لأنه دون الثلث، والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: أثر التضخم النقدي في نوع الصدقة
__________
(1) …ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (11/77).(1/208)
التضخم النقدي يسبب نقص القيمة التبادلية الشرائية للنقود، فتضعف بذلك إحدى أهم وظائف النقود، وهي كونها وسيلة لحفظ الثروة وخزنها، وتوالي هذا التناقص في القيمة الشرائية التبادلية للنقود أو كبر حجمه يفضي غالباً إلى زهد الناس في الاحتفاظ بالأوراق النقدية. ولذلك فإنه لا ينبغي قصد إخراجها في الصدقة، إلا إذا كانت هي ما بحضرته، أو كان ماله من جنسها. ويدل لذلك الأوجه التالية:
أولاً: أن الأوراق النقدية في أوقات التضخم النقدي ليست من أطيب الكسب، بل إنها في أحوال النسب المرتفعة للتضخم النقدي كالتضخم النقدي الجامح من رديء المال الذي ينبغي عدم قصد إخراجه، سواء في الصدقة الواجبة أو المتطوع بها؛ لقول الله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (1)؛ فإن الله - عز وجل - نهى في هذه الآية الكريمة ((عن قصد إخراج الرديء للفقير. ونهيه سبحانه عن قصد ذلك وتيممه فيه ما يشبه العذر لمن فعل ذلك لا عن قصد وتيمم، بل عن اتفاق إذا كان هو الحاضر إذ ذاك، أو كان ماله من جنسه، فإن هذا لم يتيمم الخبيث، بل تيمم إخراج بعض ما من الله به عليه(2). وغير خافٍ أنه في حالات ارتفاع نسبة التضخم النقدي كحالات التضخم المفرط لا يثق الناس فيها بالنقود، بل يسعى الناس فيها إلى التخلص من النقود لسرعة انخفاض قيمتها؛ لما يترتب على الاحتفاظ بها من الخسارة.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: (267).
(2) …طريق الهجرتين ص (613).(1/209)
ثانياً: القياس على ما ذكره فقهاء الحنفية من تفضيل إخراج الدراهم في الصدقة على إخراجها من النقود الاصطلاحية الفلوس(1)، ولو كان إخراجها من الفلوس يؤدي إلى توسيع عدد المنتفعين بالصدقة. وذلك أن الفلوس نقد اصطلاحي فليس له قيمة ذاتية بخلاف الدراهم فهي ذاتية معتبرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~ في تعليله منع إخراج الفلوس عن النقدين: الدراهم والدنانير: ((أما الفلوس فلا يجزئ إخراجها عن النقدين على الصحيح؛ لأنها ولو كانت نافقة، فليست في المعاملة كالدراهم في العادة؛ لأنها قد تكسد ويحرم المعاملة بها، ولأنها أنقص سعراً))(2). ولهذا قال فقهاء الحنفية: ((من أراد أن يتصدق بدرهم: اشترى به فلوساً ففرقها. فقد قصَّر في أمر الصدقة))(3)؛ لأن المندوب في أمر الصدقات الصدقة من نفائس المال وأحبه للمنفق، كما قال ـ تعالى ـ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } (4). فإن من مقاصد الشرع في الصدقات التقرب إلى الله تعالى بأغلى المال وأكرمه(5). ولذلك لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الرقاب في العتق، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها))(6).
__________
(1) …ينظر: البحر الرائق (2/269)، شرح العناية على الهداية (2/279).
(2) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/372).
(3) مجمع الأنهر (1/225).
(4) …سورة آل عمران، الآية: (92).
(5) …ينظر: إعلام الموقعين (1/227).
(6) …رواه البخاري، في كتاب العتق، باب: أي الرقاب أفضل؟ رقم (2518)، ومسلم ، في كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله أفضل الأعمال، رقم (84).(1/210)
ثالثاً: أن الأفضل في الصدقة ما كان أنفع للفقير(1). ولذا ينبغي للمتصدق أن يراعي ذلك فيتصدق بما يكون أكثر نفعاً، لأن به يتحقق المقصود من الصدقة. ويمكن أن يستدل له بما جاء عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال لأهل اليمن حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة))(2). والتصدق بالأوراق النقدية في أزمنة التضخم النقدي ليس هو الأنفع للفقير غالباً؛ لأن الفقير سيسارع إلى استهلاك هذه الأوراق النقدية فراراً من تناقص قوتها الشرائية التبادلية.
المسألة الرابعة: أثر التضخم النقدي في الوصية
أجمع أهل العلم على أن للإنسان أن يوصي بثلث ماله سواء كان ذلك في صحته أو مرضه(3).
واتفقوا أيضاً على أن المعتبر في خروج الموصى به من الثلث هو حين موت الموصي؛ لأنه وقت لزوم الوصية(4). وعلى هذا فإنه إذا كان الموصى به وقت موت الموصي ثلث التركة أو دونه، أخذه موصى له كله، ولو زادت قيمته بعد ذلك على الثلث. أما إذا زادت قيمته على ثلث المال حين الموت فللموصى له منه قدر ثلث المال فقط.
أما أثر التضخم النقدي في الوصية فلا يخلو الموصى به من إحدى حالين:
الحال الأولى: أن يكون الموصى به عيناً.
__________
(1) …ينظر: المبسوط (4/194، 30/259)، التاج والإكليل (3/93).
(2) …تقدم تخريجه ص (161).
(3) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص(89)، التمهيد لابن عبد البر (14/297)، مراتب الإجماع لابن حزم ص (111).
(4) ينظر: المغني (8/572).
… تنبيه:
…وقد نص على هذا فقهاء المذاهب الأربعة: المبسوط(27/163)، شرح الخرشي على مختصر خليل (8/175)، أسنى المطالب (3/36-37)، كشاف القناع (4/378).(1/211)
التضخم النقدي سبب لارتفاع المستوى العام للأسعار، وهذا يفضي غالباً إلى ارتفاع سعر العين الموصى بها، فإذا حدث التضخم النقدي بعد الوصية وقبل موت الموصي فأثر التضخم النقدي في الوصية في هذه الحال أنه إذا زادت قيمة العين الموصى بها على ثلث المال، فإن ما زاد على الثلث من الوصية موقوف على إجازة الورثة، فإذا أجاز الورثة فللموصى له أن يأخذ كل العين الموصى بها. وقد نص فقهاء الحنفية على انه إذا كسدت النقود أو انقلبت قيمتها انصرفت الوصية إلى الأقل(1).
ومثال ذلك: أوصى زيد لعمرو ببيت قيمته يوم الإيصاء مائة ألف ريال، وبعد أن طرأ التضخم النقدي صارت قيمته مائتي ألف ريال يوم لزوم الوصية، وكان مجموع ما تركه الموصي ثلاثمائة ألف ريال بما في ذلك البيت الموصى به، وبهذا تكون العين الموصى بها أكثر من ثلث المال فليس للموصى له إلا قدر الثلث ويشاركه الورثة فيما زاد على ثلث المال من البيت الموصى به.
الحال الثانية: أن يكون الموصى به قدراً محدداً من الأوراق النقدية.
يتبين أثر التضخم النقدي في هذه الحال فيما إذا كان القدر الموصى به من الأوراق النقدية أكثر من الثلث يوم الإيصاء، ثم طرأ تضخم نقدي بعد ذلك وقبل لزوم الوصية بموت الموصي، وكان في التركة ما ارتفع سعره بسبب ذلك حتى صار قدر الموصى به من الورق النقدي ضمن الثلث، فعندئذ لا يتوقف نفاذ الوصية على إجازة الورثة؛ لأنها ضمن الثلث.
ومثال ذلك: أوصى رجل لآخر بخمسين ألف ريال، وكان جميع ما يملكه من المال يقدّر بمائة وعشرين في يوم الإيصاء، فطرأ تضخم نقدي ارتفعت به الأسعار حتى صارت قيمة ما تركه يوم موته مائة وستين ألف ريال، فتكون الوصية حينئذٍ نافذة من غير إجازة الورثة؛ لأنها دون ثلث المال، والله أعلم.
الباب الثالث
الحكم الشرعي في أساليب معالجة آثار التضخم النقدي
وفيه ستة فصول:
الفصل الأول: الربط القياسي.
__________
(1) ينظر: الفوائد الزينية في مذهب الحنفية ص(128).(1/212)
الفصل الثاني: تفعيل نظرية الظروف الطارئة.
الفصل الثالث: التسوية القضائية.
الفصل الرابع: التسعير.
الفصل الخامس: تفعيل إخراج الزكاة.
الفصل السادس: تنظيم عرض النقود.
تمهيد
يُعدُّ التضخم النقدي واحداً من أبرز القضايا الاقتصادية التي عُني بها الاقتصاديون دراسة وبحثاً، تشخيصاً ومعالجة. وذلك لما له من تأثير بالغ على الأنشطة الاقتصادية المختلفة الخاصة والعامة. ولا غرو في ذلك، فإن التضخم النقدي يؤدي إلى اضطراب النقود التي هي عماد الاقتصاد وقوامه، فالنقود هي المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال، فاضطرابها ارتفاعاً وانخفاضاً سبب لفساد كبير في معاملات الناس، ولحوق الضرر بهم اقتصادياً، ودينياً, واجتماعياً(1). ولذلك سعى علماء الشرع والاقتصاد إلى معالجة التضخم النقدي وآثاره.
ولما كانت العوامل التي تؤدي إلى نشوء التضخم النقدي متعددة، فقد تعددت الوسائل المقترحة لمعالجته وتنوعت، وهي في الجملة ترجع إلى قسمين:
القسم الأول: الوسائل العامة
وهي المعالجات التي ترمي إلى التخلص من التضخم النقدي والسيطرة على نسبته والحد منه، وذلك من خلال السياسات الاقتصادية العامة: السياسة المالية(2)، والسياسة النقدية(3)
__________
(1) ينظر: ص (94).
(2) السياسة المالية: هي مجموع الإجراءات التي تتخذها الدولة فيما يتعلق بالإيرادات والنفقات بهدف تحقيق المصلحة.
…[ ينظر: أسس السياسة المالية ص (15)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (439)].
(3) السياسة النقدية: هي مجموع الإجراءات التي تتخذها الدولة فيما يتعلق بإدارة وتنظيم عرض النقود من أجل تحقيق أهداف معينة مثل: السيطرة على التضخم.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (573)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (638) ].(1/213)
، كسياسة الدين العام(1)، وتنظيم عرض النقود، وغير ذلك من الأدوات الاقتصادية.
وهذا القسم من المعالجات تتولاه في الغالب المؤسسات المالية والاقتصادية في الدول تخطيطاً وتنفيذاً.
القسم الثاني: الوسائل الخاصة
وهي المعالجات التي ترمي إلى تخفيف آثار التضخم النقدي، والحد من أضراره في الديون والحقوق الخاصة والعلاقات التعاقدية الممتدة: كالإجارات الطويلة، وعقود المقاولات والتوريد.
وهذا القسم من المعالجات يتولاه غالباً أطراف التعاقد في الديون والحقوق والعقود من الأفراد والمؤسسات، وقد يتبنى هذه الوسائل جهات حكومية تشرف على تنظيمها وتنفيذها.
وفي هذا الباب سأتناول بعض الوسائل المقترحة لعلاج التضخم النقدي، لا سيما المعالجات التي تعنى بحل المشكلات الناجمة عن التضخم النقدي التي تؤثر على معاملات الناس المالية والاقتصادية، وتحتاج إلى معالجات آنية، لتسير عجلة التعاملات في ظل الظروف التضخمية. وهي ما يعرف بوسائل التعايش مع التضخم النقدي.
والوسائل التي سأتناولها في هذا الباب هي الوسائل التالية:
أولاً: الربط القياسي.
ثانياً: تفعيل نظرية الظروف الطارئة.
ثالثاً: التسوية القضائية.
رابعاً: التسعير.
خامساً: تفعيل إخراج الزكاة.
سادساً: تنظيم عرض النقود.
الفصل الأول
الربط القياسي
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حقيقة الربط القياسي.
المبحث الثاني: أنواع الربط القياسي.
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للربط القياسي وبيان
حكمه.
المبحث الأول: حقيقة الربط القياسي
تمهيد
__________
(1) سياسة الدين العام: هي مجموع الإجراءات التي تتخذها الدولة لتنظيم اقتراضها من الأفراد= =والمؤسسات من أجل تحقيق الاستقرار النقدي.
…[ ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (323)، أسس السياسة المالية ص (322)].(1/214)
يُعدُّ الربط القياسي وتطبيقاته أمراً شائع الاستعمال في العديد من اقتصاديات الدول المتقدمة اقتصادياً، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص. وهو من أهم الوسائل المستخدمة في توقي الاضطرابات الناشئة عن التضخم النقدي. فإن علماء الاقتصاد ـ لما رأوا ما يترتب على التضخم النقدي من اختلال كبير في معاملات الناس وعقودهم والتزاماتهم، لا سيما في التضخم النقدي المفرط والمتسارع، وكذلك التضخم النقدي الزاحف إذا امتد لفترة طويلة ـ سعوا في البحث عن الوسائل التي يقاس بها التضخم النقدي؛ ليعرف قدر النقص الحاصل من جراء انخفاض قيمة النقود الشرائية التبادلية الذي تسبب في رفع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. فوجدوا في الأرقام القياسية أداة علمية ملائمة لقياس معدل التضخم النقدي، وتغيرات قيمة النقود الشرائية التبادلية(1).
وقد سبق في هذه الدراسة الكلام على الأرقام القياسية وأنواعها، وأن أفضل أنواع الأرقام القياسية المستخدمة لقياس التضخم النقدي هو الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وهو رقم يمثل متوسط أسعار شراء السلع والخدمات التي يستهلكها أفراد المجتمع من أصحاب الدخول المحدودة، خلال فترة زمنية معينة(2).
ومع تطور هذه الأرقام واستخداماتها توصل الاقتصاديون إلى أداة تمكنهم من تثبيت الديون والالتزامات التعاقدية الممتدة، وتوقي آثار التضخم النقدي عليها، والمحافظة على الالتزامات من التغيرات التي تلحق الضرر بأصحابها. وذلك من خلال ما يعرف في الدراسات الاقتصادية بالتقييس أو الربط القياسي.
__________
(1) ينظر:
INDEXATION, INFLATION AND MONETARY POLICY:ANOVERVIEW P.1
www.bcentral.cl/books/serie.htm
(2) ينظر: ص (89).(1/215)
استعمال الربط القياسي في الاقتصاد لا يُعدُّ أمراً جديداً، بل يعود إلى عام 1237هـ، الموافق 1822م، حيث اقترح أحد الاقتصاديين استعمال الربط القياسي في عقود الإجارة الطويلة والسندات الطويلة الأجل، ثم شاع استعماله بعد ذلك(1).
المطلب الأول: تعريف الربط القياسي
تعريف الربط القياسي عند الاقتصاديين: هناك عدة تعريفات:
الأول: الربط القياسي: هو ((تثبيت القوة الشرائية للدخول والديون))(2).…وهذا التعريف اعتنى ببيان نتيجة عملية الربط القياسي وما يحصل به، ولم يبين حقيقتها.
الثاني: الربط القياسي: هو عملية تصحيح نقدي، بغية الحفاظ على مستوى ثابت لقيمة المدفوعات المؤجلة(3).
وهذا التعريف كالتعريف الأول اعتنى ببيان نتيجة عملية الربط القياسي وما يحصل به دون بيان حقيقتها.
الثالث: الربط القياسي: هو عملية ربط الديون وتكاليف العقود بالأرقام القياسية؛ لتعديلها في حالات التضخم النقدي(4).
وهذا التعريف أجود من سابقيه؛ لأنه يبين بأي شيء يتم الربط القياسي وفي أي حال، لكن يؤخذ عليه أنه لم يستوعب ذكر المجالات التي يمكن استعمال الربط القياسي فيها، بل اقتصر على ذكر الديون وتكاليف العقود، في حين أن استعمالات الربط القياسي وتطبيقاته أوسع من ذلك.
__________
(1) ينظر: المصرفية الإسلامية السياسة النقدية للدكتور يوسف كمال ص (122)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/497).
(2) نحو نظام نقدي عادل للدكتور شابرا ص (56).
(3) ينظر: ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ص (114).
(4) ينظر:
http://caba.shs4.edu//micprin/ecoGloss Eco Glossary,
http://www.hyperdictionary.com/dictionary/inflation Hyper Dictionary,(1/216)
الرابع: الربط القياسي: هو جعل دين أو التزام مالي آخر يتغير مبلغه عند الاستحقاق بتغير مقياس أو مؤشر لا يكون مستواه معروفاً عند التعاقد، بل يعرف عند الاستحقاق(1).
وهذا التعريف تضمن بيان حقيقة الربط القياسي، غير أن في عبارته شيئاً من التشويش و القلق.
الخامس: الربط القياسي: هو عملية ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وذلك بأن يحدد مقدار ما يسدد وفاء للالتزام المؤجل، طبقاً للتغير بالمؤشر المناسب للقوة الشرائية للنقود(2).
وهذا التعريف أجود التعريفات بياناً لحقيقة التضخم النقدي، لكن قد يؤخذ عليه أنه لم يستوعب ذكر المجالات التي يمكن استعمال الربط القياسي فيها.
والذي يمكن أن يتلخص من مجموع هذه التعريفات أن الربط القياسي عبارة عن ((نظام لربط القيمة الاسمية لأي مدفوعات مؤجلة بمؤشر مناسب للقوة الشرائية للنقود))(3).
__________
(1) ينظر: مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، مجلد (4)، عدد(2)، ص (17).
(2) ينظر: ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ص (16).
(3) ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ص (73).(1/217)
أما تعريفه عند الفقهاء فإن هذا المصطلح غير معروف لديهم إلا من جهة الاقتصاديين، ولذلك فإن الربط القياسي الذي يتكلم عنه الفقهاء لا يخرج عما هو معروف لدى الاقتصاديين. فمما تجدر الإشارة إليه في بيان حقيقة الربط القياسي بيان أن أول من اقترحه طريقاً للتصحيح النقدي للديون والالتزامات الآجلة بما في ذلك القروض الباحث محمد أفضل عام 1397هـ، الموافق 1977م في بحثه معالم الاقتصاد الإسلامي، حيث قال: (( إن ربط أصل القرض بتغير الأسعار في الحدود التي تتناسب مع التضخم والانكماش يبدو افتراضاً منطقياً))(1)، لكن هذا الطرح لم يلق صدى. ثم أثير الموضوع مرة ثانية عام 1398هـ، الموافق 1978م في ندوة مكة حول النقود والمصارف في الاقتصاد الإسلامي من قبل الدكتور عمر شابرا، والدكتور سلطان أبو علي، ثم توالت بعد ذلك الدراسات والبحوث حول قضية الربط القياسي من قبل الفقهاء والباحثين الشرعيين(2).
أما طريقة استعمال الربط القياسي في الحفاظ على القيمة الحقيقية للمتغيرات الاقتصادية(3)
__________
(1) ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ص (36).
(2) ينظر: نحو نظام نقدي عادل للدكتور شابرا ص (56)، ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ص (36-37).
(3) المتغير الاقتصادي: مصطلح يطلق على أي كمية قابلة للتغير بالزيادة أو النقصان: كالادخار، والاستثمار، ومستوى الأسعار وغير ذلك.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (283) ].(1/218)
التي تقاس عادة بالوحدات النقدية، فذلك عن طريق ربط تلك المتغيرات بأرقام قياسية يمكنها تحويل هذه المتغيرات إلى مقادير حقيقية يعرف بها ما طرأ من نقص في القوة الشرائية التبادلية، ويعوض ذلك النقص. وقد استعمل الاقتصاديون هذه الأداة في المحافظة على مستوى ثابت لقيمة الأجور، والرواتب التقاعدية(1)، والضرائب، والإعانات الحكومية(2)، والقروض، والعقود وغير ذلك مما يتأثر بالتضخم النقدي.
ومثال ذلك: إذا اتفق عامل في عقد عمل مدته سنتان على أن أجرته للشهر ألف ريال، فطرأ تضخم بعد سنة من العقد نسبته ثلاثون في المائة فإن هذا يعني أن قيمة الأجرة بعد سنة قد نقصت ثلاثين في المائة، فأجر العامل لم ينقص من حيث العدد، لكنه نقص من حيث القيمة، فما كان يحصله بألف ريال لا يمكنه تحصيله بعد حدوث التضخم إلا بألف وثلاثمائة ريال. فاستعمال التقييس والربط القياسي يفيد تعديل الأجر بزيادة قدرها ثلاثون في المائة، بحيث يصير الأجر بعد حدوث التضخم النقدي ألفاً وثلاثمائة ريال. وهكذا يتم تعديل النقص بزيادة الأجر بمقدار ما حصل من نقص قيمة النقود الشرائية التبادلية بصفة تلقائية. وبهذا تظل قيمة الأجور الحقيقية ثابتة على ما جرى عليه التعاقد. وكذلك هي الحال في الرواتب التقاعدية، وسائر ما يتأثر بالتضخم النقدي من الالتزامات(3)
__________
(1) الرواتب التقاعدية: هي المبالغ التي يدفعها صاحب العمل أو الحكومة إلى الشخص المتقاعد عن خدماته السابقة حال حياته، أو إلى أفراد عائلته المستحقين في حال وفاته.
…[ ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (410) ].
(2) الإعانة الحكومية: هي مبلغ تمنحه الحكومة لنشاط ما لمنع تدهوره أو لسد حوائجه.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (813) ].
(3) ينظر: نحو نظام نقدي عادل ص (56-57).
INDEXATION, INFLATION AND MONETARY POLICY.AN OVERVIEW. P.(1-3)
Pacific Rim Glossary.
http://www.csubak.edu/PacificRim/pacificrimglossary.html#BacktoTop(1/219)
.
المطلب الثاني: طرق الربط القياسي
إن عملية الربط القياسي للأجور والرواتب تتم عادة من أحد طريقين:
الطريق الأول: الربط الذي يتم عن طريق الاتفاقات الجماعية بواسطة الجهات المنظمة لشؤون العمال، حيث تتفق هذه الجهات مع أرباب العمل على تعديل الأجور تلقائياً، تبعاً لمؤشر قياسي متفق عليه بين الأطراف ذات العلاقة، ويمكن أن يكون التعديل في كل سنة، أو تبعاً لارتفاع الأسعار. ويطلق على البند المنظم لهذا في العقد بند التصاعد الأجري، أو بند غلاء المعيشة(1).
الطريق الثاني: الربط الذي يتم عن طريق القرارات الحكومية لتنظيم الأجور والرواتب والمعاشات التقاعدية، لحماية هذه الدخول من نقص القيمة الذي ينتجه التضخم النقدي(2).
أما ربط ما عدا الرواتب والأجور فإنه لا يخرج عن هذين الطريقين أيضاً:
فإما أن يكون باتفاق الأطراف ذات العلاقة دون تدخل جهات خارجية، ويسمى هذا النوع من الربط الربط التعاقدي، حيث إنه إجراء يتبناه طرفا عقد برضاهما يتفقان فيه على أن الالتزام المالي المترتب على العقد سيكون مربوطاً بمؤشر معين للأسعار.
وإما أن يكون الربط القياسي قانونياً فيصدر بذلك تنظيم عام يلزم جميع الناس بالربط القياسي في معاملاتهم، فتزاد الالتزامات والاستحقاقات المالية بنسبة الرقم القياسي المعتمد في الربط. فإذا كان الربط بمؤشر تكاليف المعيشة على سبيل المثال، فإنه إذا ظهر أن المستوى العام للأسعار قد زاد بنسبة عشرين في المائة، فيلزم المدين بناء على ذلك زيادة على قدر الدين بهذه النسبة عند دفع الالتزامات للدائن في الديون والعقود(3).
__________
(1) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (200).
(2) ينظر: ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ص (226-227).
(3) ينظر: مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، المجلد (4)، العدد (2)، ص (19).(1/220)
المبحث الثاني: أنواع الربط القياسي
يُعدُّ الربط القياسي نظاماً لربط القيمة الاسمية لأي مدفوعات مؤجلة بمؤشر مناسب للقوة الشرائية للنقود. وقد استعمل الاقتصاديون عدة مؤشرات ومعايير لتثبيت المدفوعات المؤجلة: كالديون، والالتزامات التعاقدية الممتدة. وأبرز هذه المؤشرات:
أولاً: الربط بمستوى الأسعار.
ثانياً: الربط بالذهب.
ثالثاً: الربط بعملة أو سلة عملات.
رابعاً: الربط بسعر الفائدة.
وسأتناول كلاً من هذه المؤشرات بالبيان في المطالب التالية.
المطلب الأول: الربط بمستوى الأسعار
هذا النوع من أنواع الربط القياسي يُعدُّ أشهرها وأكثرها انتشاراً واستعمالاً. وهذا النوع من الربط يعتمد الأرقام القياسية للأسعار التي تقيس متوسط التغير في الأسعار.
وقد تقدم أن هذه الأرقام متعددة: فمنها ما يقيس أسعار الجملة، ومنها ما يقيس أسعار التجزئة، ومنها ما يقيس أسعار الأسهم. غير أن أشهرها الربط بالرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وهو ما يعرف بالرقم القياسي لتكاليف المعيشة(1). وعلى كل حال فإن فكرة الربط القياسي بمستوى الأسعار لا تختلف باختلاف هذه الأرقام، وإن كانت نتائج هذه الأرقام والمؤشرات القياسية قد تختلف. ومهما يكن من أمر، فإن فكرة الربط القياسي بمستوى الأسعار تتلخص في أن المدفوعات المؤجلة تزيد بقدر ما يحصل من ارتفاع في مستوى الأسعار(2).
ومثال ذلك: أن يكون قدر المدفوعات المؤجلة من دين أو غيره ألف ريال، فتربط بمستوى الأسعار، فإذا ارتفع الرقم القياسي لمستوى الأسعار ثلاثين في المائة عند السداد أو حلول أجل الدفع فسيكون قدر ما يجب دفعه ألفاً وثلاثمائة ريال.
__________
(1) ينظر: ص (90).
(2) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/739).(1/221)
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الأرقام القياسية للأسعار على اختلافها تعدُّ مؤشرات تقريبية، وذلك للمصاعب الفنية الاقتصادية والمشكلات الكثيرة التي تحف تكوين هذه الأرقام القياسية، وقد تقدم بيان أبرزها. ومما يتعلق بالربط القياسي من المؤاخذات ما يلي(1):
أولاً: أن الأرقام القياسية للأسعار لم تصمم في الأصل لربط الديون والالتزامات التعاقدية وما أشبه ذلك بها، بل هي أداة من أدوات السياسات الاقتصادية العامة، أي: تلك التي تتولى الدول تنفيذها. فالمقصود بهذه الأرقام القياسية أن تقدم مؤشراً عاماً لارتفاع مستوى الأسعار، ومن ثم بيان أثر ذلك على مستوى المعيشة هذا غرضها والمقصود منها.
ثانياً: أن سياسة الربط بمستوى الأسعار وسيلة ثبت فشلها في معالجة التضخم النقدي، بل على العكس من ذلك، فقد ثبت أن الربط القياسي بمستوى الأسعار يؤدي إلى زيادة التضخم النقدي وتسارعه. فالزيادة في مستوى الأسعار ستؤدي إلى ارتفاع كل الديون والالتزامات والحقوق التي ربطت به مما يزيد من تكاليف الإنتاج، الأمر الذي سينعكس على زيادة في معدلات الأسعار،وهكذا دواليك في زيادات متلاحقة. ولكن مما يقلل أثر هذا المأخذ أن سياسة الربط بمستوى الأسعار لا ينتظر منها اقتلاع التضخم النقدي من جذوره وإزالته بالكلية، إنما يقصد بها تخفيف آثاره في النشاط الاقتصادي.
المطلب الثاني: الربط بالذهب
__________
(1) ينظر: الشروط النقدية لاقتصاد السوق ص (43-46)، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (43-44)، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، مجلد (4)، عدد(2)، ص (19)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/693).(1/222)
لا يخفى أن الأوراق النقدية كانت في أول ظهورها مغطاة بنسبة مائة في المائة من الذهب. فكل ورقة نقدية تعادل قيمة وزن معين من الذهب لدى جهة إصدار هذه الأوراق. ثم إن هذا الغطاء والارتباط تناقص شيئاً فشيئاً، ابتداء من عام 1334هـ، الموافق 1914م، وكان آخر ذلك إلغاء الولايات المتحدة الأمريكية لصرف الدولار بالذهب عام 1391هـ، الموافق 1971م، وذلك عندما أوقفت الحكومة الأمريكية تحويل الدولار إلى ذهب(1).
وفكرة ربط الديون والالتزامات التعاقدية وغير ذلك بالذهب انبثقت في الأصل من ذلك الاستناد، وأيضاً لما يتمتع به الذهب من ثبات نسبي في القيمة الحقيقية مقارنة بغيره من السلع.
أما طريقة الربط بالذهب فيكون ذلك بالاعتماد عليه عند إبرام العقود، وذلك بالنظر إلى القوة الشرائية للنقود مقيسة بالذهب.
مثال ذلك: إذا كانت تكلفة العقد يوم التعاقد مائة ألف ريال، فلربط قيمة العقد بالذهب فإننا ننظر كم يحصّل هذا المبلغ من الذهب يوم إبرام العقد، فإذا قدر أنه يشترى بهذا المبلغ مائة غرام من الذهب. فالذي يجب على المدين عند وفاء الدين بذل ما يحصّل هذا القدر ذهباً من الأوراق النقدية(2).
ومن الإشكالات الواردة على هذا النوع من الربط هو أن أسعار الذهب وإن كانت ذات ثبات نسبي مقارنة بالتذبذب الحاصل في الأوراق النقدية إلا أنها عرضة للاضطرابات أيضاً تبعاً للتقلبات الاقتصادية والحروب وغيرها.
المطلب الثالث: الربط بعملة أو سلة عملات
__________
(1) ينظر: ص (51).
(2) ينظر: آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (405-406)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/2/578).(1/223)
تقدم أن الأوراق النقدية تختلف من حيث قوتها وقبولها باختلاف جهات إصدارها: فمنها ما يتميز بالثبات النسبي والقبول العالمي(1). ومن هنا نشأت فكرة ربط الديون والالتزامات التعاقدية والمدفوعات المؤجلة بعملة منتقاة تتميز بالثبات النسبي والقبول، بحيث تربط بها هذه المدفوعات المؤجلة عند إبرامها وإنشائها، فإذا طرأ تضخم نقدي فسيراعى في الوفاء قيمة الديون وسائر المدفوعات المؤجلة من تلك العملة المتفق على الربط بها.
مثال ذلك: إذا كان قدر الدين ألف ريال، وتم الاتفاق على ربطه بالدولار الأمريكي، وكانت قيمة الدين يوم إنشائه من الدولار أربعمائة دولار. فإنه إذا طرأ تضخم نقدي على الريال وبلغ معدل التضخم النقدي عشرين في المائة، واستمر إلى زمن الوفاء، فإنه بمقتضى الربط بالدولار يلزم المدين وفاء ما يعادل أربعمائة دولار من الريالات في يوم الوفاء(2).
أما الربط بسلة العملات فلا يختلف عن الربط بالعملة في شيء، إلا أن الربط بسلة العملات يكون الربط فيه بمجموعة عملات دولية بأوزان نسبية معينة.
فسلة العملات عبارة عن ((نقود اعتبارية حسابية ليس لها وجود مادي ملموس))(3). ومن أمثلة هذه النقود الاعتبارية التي تمثل مجموعة من العملات: الدينار الإسلامي الخاص بالبنك الإسلامي للتنمية(4)، وهو يساوي وحدة واحدة من حقوق السحب الخاصة(5)
__________
(1) ينظر: ص (51).
(2) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية ص (36).
(3) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية ص (27).
(4) ينظر: الإسلام والنقود للدكتور المصري ص (86)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/648).
(5) ينظر: سلسلة محاضرات العلماء البارزين رقم (16).
…حقوق السحب الخاصة: عملة نقدية دولية أو وحدة حسابية مستقلة تمثل كل وحدة سعراً محدداً من الذهب، وقد وزعت حقوق السحب هذه على الدول وفق حصصها في صندوق النقد الدولي، وهذه الوحدات الحسابية تخول صاحبها الحق في الحصول على قرض نقدي من الدول الأعضاء في الصندوق.
…[ ينظر: صندوق النقد الدولي (2/240، 247)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (69)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (792)].(1/224)
.
المطلب الرابع: الربط بسعر الفائدة
لنتمكن من معرفة المراد بسعر الفائدة والربط بها فإنه لا بد من الوقوف على معنى الفائدة. وقد اتفق الاقتصاديون على أن الفائدة هي الزيادة في القرض مقابل الانتفاع به، وهي أيضاً الزيادة في الدين مقابل الزيادة في الأجل والتأخير في التسديد(1).
وأما سعر الفائدة فهو تعبير عن قدر الفائدة المفروضة على القروض والديون المؤخرة بنسبة مئوية خلال فترة زمنية معينة، يتم تحديدها استناداً إلى قوى العرض والطلب في أسواق النقود وإلى متغيرات اقتصادية أخرى(2). كما أن سعر الفائدة يمثل العوائد التي يجنيها أصحاب الأموال من جراء الادخار في البنوك(3).
والذي يتولى تحديد سعر الفائدة وفرضه في العادة البنك المركزي الذي يتولى الإشراف على المصارف والبنوك في البلاد(4).
__________
(1) ينظر: معجم المصطلحات المحاسبية والمالية ص (71)، مقدمة في النقود والبنوك ص (133).
Real Estate Terms Glossary,
http://www.usarealestatelicense.com/glosse-m.asp#I
Foreclosure and Related Definitions,
http://www.foreclosures.ca/realtors/foreclosure_proceedings/glossary.lasso
(2) ينظر: مذكرات في النقود والبنوك ص (180)، قراءات في الاقتصاد الإسلامي ص (303)،
http://www.offshore-manual.com/cp10il.html#I
Macroeconomics Glossary,
http://www.j-bradford-delong.net/macro_online/display_glossary.html
(3) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (167).
(4) ينظر: النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (272)، إلغاء الفائدة من الاقتصاد ص (83).(1/225)
أما طريقة الربط بسعر الفائدة فتتلخص في أن المدين ومن عليه الحق يلتزم وفاء الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة مضافاً إليها سعر الفائدة المعلن في وقت الوفاء، وذلك فيما إذا طرأ تضخم نقدي أو زاد معدل التضخم النقدي عنه في يوم التعاقد وإبرام الدين(1).
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للربط القياسي وبيان
حكمه
المطلب الأول: التكييف الفقهي للربط القياسي بمستوى الأسعار
وحكمه
الربط القياسي بمستوى الأسعار نمط جديد من أنماط تعديل المدفوعات المؤجلة عرف في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، فلا طمع في الوقوف على كلام للفقهاء المتقدمين في تكييفه وحكمه. وقد ذكر بعض الباحثين أن أول بحث منشور في هذا الموضوع لا يعود إلى أكثر من خمس عشرة سنة(2).
أما الفقهاء المعاصرون فقد تناولوه في عدة بحوث، وقد اختلفت أقوالهم فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز ربط المدفوعات المؤجلة بمستوى الأسعار، سواء كان سببها ديناً أو عقداً.
هذا ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء والباحثين(3).
القول الثاني: عدم جواز ربط المدفوعات المؤجلة بمستوى الأسعار سواء كان سببها ديناً أو عقداً(4).
__________
(1) ينظر: المصرفية الإسلامية السياسة النقدية للدكتور يوسف كمال ص (123-124).
Nominal And Real Yields, Don Roper, P.3.
http://csf.colorado.edu/authors/Roper.Don/nominal-.pdf
(2) ينظر: مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، مجلد (4)، عدد(2)، ص (23).
(3) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (63-64)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (327)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1664، 1689-1690).
(4) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (62)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (330).(1/226)
وهذا ما أوصت به الحلقة العلمية التي نظمت في البنك الإسلامي للتنمية والمنعقدة لدراسة موضوع ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار عام 1407هـ(1).
القول الثالث: التفصيل فيجوز الربط القياسي بمستوى الأسعار في الأجور والرواتب دون القروض والديون(2).
وهذا ما انتهى إليه مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409هـ(3)، ودورته الثامنة عام 1414هـ(4).
أدلة القول الأول
استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة:
أولاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر(5)رضي الله عنهما لما سأله عن أخذ الدراهم عن الدنانير والعكس: (( لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تتفرقا وبينكما شيء))(6).
وجه الدلالة:
__________
(1) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (273-275).
(2) ينظر: نحو نظام نقدي للدكتور شابرا ص (61)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (331)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1867).
(3) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/2261).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/787).
(5) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي، أسلم مع أبيه وهو صغير، كان من علماء الصحابة، شديد الاتباع للآثار، وهو من المكثرين من رواية الحديث، توفي بمكة سنة (73هـ).
…[ ينظر: أسد الغابة (3/340)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/107)].
(6) تقدم تخريجه ص(110).(1/227)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط لصحة وفاء الدراهم عن الدنانير أو الدنانير عن الدراهم أن يكون ذلك بسعر يوم القضاء، وهذا هو القصد من الربط القياسي بمستوى الأسعار. ومما قيل في علة هذا الشرط: إن أخذ الدراهم عن الدنانير أو الدنانير عن الدراهم(1) جارٍ مجرى القضاء، فيقيد بالمثل كما لو قضاه من الجنس. ((والتماثل هاهنا من حيث القيمة؛ لتعذر التماثل من حيث الصورة))(2).
فجعل من شروط صحة أخذ الدراهم عن الدنانير أن يكون بسعر يوم القضاء، تحقيقاً للتماثل في القيمة لما تعذرت المثلية في الصورة.
يناقش هذا: بأن مثلية الصورة في الربط بمستوى الأسعار غير متعذرة؛ لأن الوفاء بالعملة التي جرى بها التعامل، بخلاف ما في الحديث، فإن الوفاء كان من جنس آخر.
يجاب على هذا بما يأتي:
الأول: أن المثلية الصورية في الأوراق النقدية ليس لها معنى ولا يتعلق بها غرض ولا قصد. بل المنظور إليه فيها هو ماليتها وقيمتها التبادلية؛ لأنها هي المقصودة والمنظور إليها(3).
الثاني: أن موضع الدلالة في الحديث هو اعتبار النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيمة الدراهم والدنانير يوم قضاء الدين ووفائه، لا يوم ثبوت الدين، حيث اشترط في وفاء الدين أن يكون بسعر يوم القضاء.
__________
(1) كان صرف الدينار زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدراهم عشرة دراهم للدينار الواحد، هذا هو غالب سعر الصرف في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن هذا ثابتاً على وجه الدوام بل كان سعر الصرف يتغير فيصل إلى اثني عشر درهماً. وهذا ما أفاده حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ولقد كانت العلاقة بين الدينار والدرهم الوزن، وذلك لاختلافها صغراً وكبراً.
…[ ينظر: إغاثة الأمة بكشف الغمة ص (48-51)، النقود العربية للكرملي ص (23-26)، النقود ودور الضرب في القرنين الأوليين ص (76-77)].
(2) المغني (6/108).
(3) ينظر: قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (174-183).(1/228)
ثانياً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوّم(1) الإبل في الدية على أهل القرى(2) فإذا غلت رفع في قيمتها، وإذا رخصت نقص في قيمتها(3).
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأصل في الدية الإبل، وأن الدنانير والدراهم مأخوذان عنها على أنهما قيمة لها، وهذا يدل ((على أهمية اعتبار السلع الأساسية، وجعلها معياراً يرجع إليه عند التقويم))(4).
يناقش هذا بما يأتي:
__________
(1) التقويم: يقدِّر قيمتها.
…[ ينظر: مغني المحتاج (4/419)، المطلع على أبواب المقنع ص (403)، التقويم في الفقه الإسلامي ص (33-35)].
(2) القرى جمع قرية، وهي المدن والأمصار وسميت بذلك الاسم لأنها الموضع الذي يجتمع فيه الناس. وأهل القرى يقابلهم أهل البادية.
…[ ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد (3/348)، مفردات القرآن ص (669)].
(3) رواه أبو داود، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء، رقم (4564)، والنسائي في كتاب القسامة، رقم (4805). كلاهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولفظه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوِّم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق يقوِّمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هاجت رخصاً نقص من قيمتها.
…وقال عنه ابن الملقن ~ في تحفة المحتاج (2/455): رواه أبو داود ولم يضعفه، وقال عنه في خلاصة البدر المنير (2/271): ((رواه الشافعي وأبوداود وابن ماجه والبيهقي بإسناد فيه مقال)). وقد ذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير، ولم يتكلم عليه بشيء (4/54).
(4) قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (221). ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (294).(1/229)
الأول: أن جمهور العلماء من الحنفية(1)، والمالكية(2)، والحنابلة في المشهور(3)، يرون أن الذهب والفضة أصلان في الدية، وليسا بدلاً عن الإبل.
يجاب على هذا: بعدم التسليم، وأن الأصل في الدية هو الإبل فقط، وما عداها من الذهب والفضة وغيرهما أبدال. كما هو مذهب الشافعية(4)، ورواية عن أحمد(5)، وقول ابن حزم من الظاهرية(6).
الثاني: أن الحديث لا يدل على جعل السلع الأساسية معياراً يرجع إليه عند التقويم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأصل في الدية الإبل، فإذا أعوزت فلا بد من تقويمها لئلا يضيع حق المجني عليه أو ورثته. ويمكن أن يقال: إن جعل الإبل هي الأصل في الدية؛ لأنها أكثر أموال العرب وأشرفها.
ثالثاً: أن العدل أصل واجب في جميع المعاملات؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم للناس معاملاتهم إلا به، ولذلك فإن جميع ما جاء النهي عنه من المعاملات في الكتاب والسنة يعود في الحقيقة إلى إقامة العدل(7). وربط المدفوعات المؤجلة بمستوى الأسعار وسيلة وأداة لتحقيق ذلك، ومن القواعد: أن الوسائل لها أحكام المقاصد(8).
يناقش هذا: بأن الربط القياسي بمستوى الأسعار لا يحقق العدل، بل على العكس من ذلك، ويتبين هذا بوجهين:
__________
(1) ينظر: المبسوط (26/77)، تبيين الحقائق (6/126-127).
(2) ينظر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (25/10-19)، حاشية الدسوقي (4/266-267).
(3) ينظر: الفروع (6/16)، الإنصاف (10/58).
(4) ينظر: البيان للعمراني (11/491)، روضة الطالبين (9/255).
(5) ينظر: الفروع (6/16)، الإنصاف (10/58).
(6) ينظر: المحلى (10/286).
(7) ينظر: بداية المجتهد (2/126، 215)، مجموع الفتاوى (28/385، 29/283).
(8) ينظر في قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/53)، الفروق للقرافي (3/111).(1/230)
الأول: أن الربط بمستوى الأسعار لا يمكن أن يحقق العدل في جميع المعاملات، وذلك لاستحالة أن يكون الربط القياسي علاجاً من مرض التضخم، فإن ربط جميع العقود والمدفوعات المؤجلة أمر مستحيل من الناحية العملية، وتطبيقه على نطاق واسع صعب التنفيذ؛ لتناقضه مع إحدى أهم مميزات النقود، وهي القدرة على إتمام المعاملات بتكاليف متدنية، وذلك أن الربط القياسي على نطاق واسع يلغي هذه الميزة(1).
يجاب: بأن استحالة كون الربط عاماً شاملاً في جميع المعاملات لا يمنع من العمل به في بعضها دفعاً لما يمكن دفعه من الضرر الحاصل بالتضخم، فما لا يدرك كله لا يترك كله. ثم إن المقصود الأساسي من الربط هو التخفيف من الأضرار الناجمة عن التضخم النقدي ولم يزعم مؤيدوه أنه يخفف من نسبة التضخم، أو يوقف ارتفاع معدله(2).
الثاني: أن الربط بمستوى الأسعار يحصل به التظالم الذي نهى عنه الله تعالى في آيات الربا في قوله تعالى: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (3)؛ لأن المدين يرد بالربط أكثر من رأس ماله(4).
يجاب: بأن هذه الزيادة ليس فيها ظلم للمدين؛ لأنها لا تلزمه بأكثر مما أخذ حقيقة من حيث القيمة، كما أنها تدفع عن الدائن ما قد يقع عليه من الظلم بسبب نقص قيمة النقود، فالدائن لم يأخذ إلا رأس ماله قيمة، وإن كان قد يزيد صورة وعدداً.
__________
(1) ينظر: مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، مجلد (4)، عدد(2)، ص (23)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1750)، إلغاء الفائدة من الاقتصاد ص (26-27).
(2) ينظر: مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، ، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (32).
(3) سورة البقرة، من آية: (279).
(4) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (330)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1836).(1/231)
رابعاً: أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة(1)، فلا ((يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه))(2)، ولا دليل على تحريم الربط القياسي بمستوى الأسعار، فيبقى على الأصل(3)، كما أن الحاجة داعية إليه، وذلك لما تتسم به النقود الورقية من كثرة التذبذب والتقلب وحدّتها وكثرة المداينات(4).
يناقش هذا: بما يأتي من أدلة القائلين الدالة على عدم جواز ربط المدفوعات المؤجلة بمستوى الأسعار.
يجاب على هذا: بما سأذكره في مناقشة أدلة القائلين بعدم جواز ربط المدفوعات المؤجلة بمستوى الأسعار.
خامساً: أن عدم الأخذ بالربط يفضي إلى امتناع الناس عن المداينات وكذا القروض(5)؛ لأن عدم الربط في حال التضخم يسبب نقص القيمة التبادلية للنقود لا سيما في الديون والقروض الطويلة الأجل.
يناقش هذا: بأن القرض عقد إرفاق وقربة وإحسان، ليس مقصوده المعاوضة والربح(6)، ولذلك لا ينظر إلى هذا النقص في قيمة النقود.
يجاب عن هذا: بأن القول بالربط لا يخرج القرض عن هذا الوصف؛ لأنه ليس الغاية منه الربح والتكسب، بل غاية الربط ومقصوده رد مثل ما اقترض حقيقة لا صورة.
__________
(1) ينظر: الفصول في الأصول للجصاص (3/252-254)، نشر البنود شرح مراقي السعود ص (20)، غياث الأمم في التياث الظلم ص (492)، شرح مختصر الروضة (1/399).
(2) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (28/386).
(3) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (329)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/787).
(4) ينظر: الجامع في أصول الرباص (246).
(5) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (190).
(6) ينظر: أسنى المطالب (2/142)، المنثور في القواعد (3/155)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (6/60).(1/232)
سادساً: إن عدم الربط بمستوى الأسعار مع وجود الاضطراب في قيمة النقود الشرائية التبادلية سيفضي إلى تعميق الخلاف بين أرباب الأعمال من جهة وبين الأجراء والعمال من جهة أخرى، وهذا سيؤدي إلى نشوء احتقان في سوق العمل يظهر في مطالبة العمال والجهات الراعية لهم بزيادة الأجور مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة، وسيواجه ذلك من أصحاب الأعمال بمحاولة الامتناع من ذلك من خلال عدة طرق إما بالبحث عن أيدٍ عاملة تقبل بأجور منخفضة أو بتسريح العمالة للتخفيف من ضغط الأجور والمطالبة بالزيادة أو غير ذلك من الطرق(1). فإن لم يمكن أصحاب الأعمال التخلص من الضغوط العمالية المطالبة بزيادة الأجور فسيضطرون إلى تعديل العقود، فإذا كان التضخم النقدي متصاعداً، فسيحتاج أرباب الأعمال إلى تعديل متكرر مما يجعل بذور الاختلاف قائمة بينهم وبين العمال. ولذلك فإن الحل بالربط يهون على الطرفين كثيراً من تلك الإشكالات، ويغني عن تكرار تعديلات العقود.
أدلة القول الثاني
استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة:
أولاً: مثلية الأوراق النقدية، وهذا يقتضي وجوب رد المثل في وفاء الديون والقروض. والربط القياسي بمستوى الأسعار يفضي إلى الزيادة على ما ثبت في الذمة من الديون والقروض فيما إذا ارتفع معدل مستوى الأسعار. فتكون هذه الزيادة في الدين مقابل الأجل، وهذا هو ربا الجاهلية الذي ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع(2). أما الربط عند تقديم القروض فهذه الزيادة مشروطة في العقد، وهذا مما وقع الإجماع على تحريمه(3).
يناقش هذا بما يأتي:
__________
(1) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/188-190).
(2) ينظر: بداية المجتهد (1/128)، المغني (6/436)، الربا والمعاملات المعاصرة ص (152-160).
(3) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (161)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1837)، الجامع في أصول الرباص (252).(1/233)
الأول: أن الأوراق النقدية لا يسوغ ولا يصح اعتبارها مثلية مطلقاً مع امتداد الوقت واختلاف الأحوال، وذلك لأن القوة التبادلية للنقود تختلف مع امتداد الوقت، وهذا يخرجها في الحقيقة عن كونها مثلية كما تقدم.
الثاني: أن الزيادة في الديون والقروض ليست مقابل الأجل، بل هي مقابل ما يطرأ على النقود من نقص القيمة، ولذلك لا أثر لمدة الدين أو القرض في هذه الزيادة، بل المؤثر في ذلك هو تغير مستوى الأسعار.
الثالث: أن هذه الزيادة ليست مؤكدة الحصول عند التعاقد، بل هي معلقة بارتفاع المستوى العام للأسعار، وقد تفضي إلى رد أقل من قدر الدين أو القرض في حال الانكماش، وإن كان هذا نادراً جداً، بل قد لا يحدث.
الرابع: أن هذه الزيادة زيادة صورية لا حقيقية؛ إذ إن قيمة الأوراق النقدية لا تزيد بالزيادة الحاصلة بالربط بمستوى الأسعار فإذا كان قدر الدين أو القرض ألف ريال مثلاً وارتفع مؤشر مستوى الأسعار عند الوفاء عشرة في المائة، فالواجب رده ألف ومائة ريال. فالمائة الريال لا تعدو كونها زيادة صورية. أما الزيادة الحقيقية فلا وجود لها، فإنه لا يحصل من الألف والمائة الريال أكثر مما كان يحصله بالألف قبل ارتفاع معدل الأسعار(1).
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر رضي الله عنهما- لما سأله عن أخذ الدراهم عن الدنانير، والدنانير عن الدراهم-: (( لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تتفرقا وبينكما شيء))(2).
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتبر القيمة يوم الدين، بل فرضها يوم القضاء حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: (( بسعر يومها))، ((وهذا صريح في عدم اعتبار تغير الأسعار))(3).
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/649).
(2) تقدم تخريجه ص (110).
(3) ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (173). ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1856) (8/3/586).(1/234)
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن ما جاء في الحديث من كون بيع الدراهم بالدنانير يشترط فيه أن يكون بسعر يوم الصرف والقضاء هو من أحكام بيع الدين حيث باع ابن عمر - رضي الله عنه - الدنانير التي في ذمة المدين بالدراهم والعكس، فلا يصح الاحتجاج بهذا الحديث على عدم جواز الربط القياسي بمستوى الأسعار؛ لأن الربط القياسي بمستوى الأسعار لا يتضمن بيعاً للدين أو القرض فالوفاء يتم بنفس العملة التي ثبتت في ذمة المدين. وأما الزيادة التي قد تحصل بسبب الربط بمستوى الأسعار فهي ليست معاوضة عن الدين بل إنما هي لتحقيق المماثلة المعنوية بتعويض ما حصل من نقص في قيمة الشرائية التبادلية للنقود.
الثاني: أن علة كون بيع الدراهم بالدنانير يشترط فيه أن يكون بسعر يوم القضاء ليس عدم اعتبار تغير الأسعار، بل علة ذلك لئلا يربح فيما لم يدخل في ضمانه، حيث إنه لم يقبض الثمن فهو مضمون على المشتري، فإذا باعه البائع بربح قبل قبضه يكون قد ربح فيما لم يضمن(1).
الثالث: أن في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( لا بأس أن تأخذها بسعر يومها)) ما يدل على اعتبار تغير الأسعار، على عكس ما ذكرتم، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترط لصحة وفاء الدين الدراهم عن الدنانير أو الدنانير عن الدراهم أن يكون بسعر يوم الوفاء، والقضاء فاعتبر القيمة والسعر يوم وفاء الدين، وهذا هو المقصود من الربط القياسي بمستوى الأسعار. ولذلك استدل بهذا الحديث بعض من يرى جواز الربط بمستوى الأسعار عليه(2).
__________
(1) ينظر: القواعد لابن رجب ص (80).
(2) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (327).(1/235)
ثالثاً: أن الربط القياسي بمستوى الأسعار من المعايير يفضي إلى الغرر والجهالة في أثمان العقود المؤجلة الدفع، وذلك لأن كلاً من البائع والمشتري لا يدري مقدار ما يجب دفعه عند حلول الأجل، فيدخل ذلك فيما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيع الغرر(1). وعملية الربط القياسي بمستوى الأسعار شبيهة بالبيع بسعر السوق في وقت مستقبل، وهو ممنوع عند جميع الفقهاء(2).
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أنه لا غرر في الثمن، بل هو معلوم لطرفي العقد، والعمل بالربط القياسي بمستوى الأسعار ما هو إلا وسيلة وأداة لتثبيت القيمة الحقيقية للثمن.
الثاني: أنه على التسليم بأن الربط القياسي يفضي إلى نوع غرر في أثمان العقود المؤجلة الدفع فليس كل غرر يوجب التحريم، إذ لا تكاد تخلو معاملة من شيء من الغرر، ولذلك ذكر العلماء أوصافاً للغرر الذي يتسامح فيه ولا يؤثر منعاً. فمن ذلك أن تدعو حاجة الناس إلى معاملة فيها غرر لو تركها الناس لتضرروا في الحال أو المآل(3)، فهنا يغتفر ما في المعاملة من غرر إزاء ما يندفع به عن الناس من ضرر بسبب اضطراب قيمة الأوراق النقدية وتذبذبها(4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، رقم (1513)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر)).
(2) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (173)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (330)، البيان الختامي للدورة الثانية عشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، التوصيات والمقترحات، ص (3)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/510، 633).
(3) ينظر: بداية المجتهد (2/175)، المجموع شرح المهذب (9/258)، مجموع الفتاوى (29/227).
(4) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/635-636).(1/236)
الثالث: تنظير الربط القياسي بمستوى الأسعار بالبيع بسعر السوق في وقت مستقبل غير متوجه؛ لأن الثمن في حال الربط معلوم بما يتفق عليه المتعاقدان، وغاية ما في الأمر إضافة نسبة الربط في حال التضخم النقدي، وهذه النسبة وظيفتها المحافظة على القيمة الحقيقية للثمن، وليست ثمناً جديداً. ثم إن ثمن الشيء المعقود عليه قد يزيد على الثمن المعدل بالربط عند الوفاء أو ينقص عنه. على أن القول بأن البيع بسعر السوق في وقت مستقبل ممنوع عند جميع الفقهاء يحتاج إلى تحرير، إذ إن في كلام الفقهاء من الصور ما علق فيه البيع بثمن مستقبل وحكوا فيه الخلاف(1).
رابعاً: ربط المدفوعات المؤجلة بتغير مستوى الأسعار فيه قلب للأوضاع السليمة؛ إذ الأصل أن النقود على اختلاف أنواعها هي ((المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال))(2)، السلع وغيرها. والربط يقلب ذلك فيجعل معيار التقويم للسلع لا للأثمان والنقود(3).
يناقش هذا: بأن الربط القياسي بمستوى الأسعار إحدى الوسائل المستعملة في تثبيت قيمة الديون والقروض، وتكاليف العقود الممتدة وغيرها، ولا يتضمن إلغاء حقيقة أن النقود هي معيار التقويم. ولو سُلم ذلك فإنه يكون خروجاً عن الأصل لحاجة تصحيح ما حصل من اضطراب بسبب التضخم النقدي، وهذا لا يعد نقضاً للأصل ولا إلغاء له.
__________
(1) ينظر: الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/387)، الفروع (4/30)، النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر (1/298-300).
(2) إعلام الموقعين (2/137).
(3) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (173)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/2245).(1/237)
خامساً: ربط القروض بتغير مستوى الأسعار قد يؤدي إلى أن يأخذ المقترض أكثر مما يربحه أصحاب الاستثمارات التجارية، إذ قد يزيد معدل التضخم على نسبة ربح الاستثمارات، فيشجع ذلك أصحاب الأموال على الإقراض، بدلاً من استثمارها عن طريق التجارة(1).
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن إفضاء ربط القروض بتغير مستوى الأسعار إلى أن يحصل المقترض أكثر مما يربحه أصحاب الاستثمارات احتمال وارد، ولكنه في الحقيقة نادر إذ إن الغالب أن معدل الاستثمار يراعى فيه حساب معدل التضخم النقدي.
الثاني: أنه لا يسلَّم كون ربط القروض بتغير مستوى الأسعار يشجع على الإقراض بدلاً من الاستثمارات التجارية، إذ إن القروض يكتنفها إمكانية عدم قدرة المقترض على رد القرض، وهذا الذي يمنع أكثر الناس من الإقراض.
الثالث: أن هذا المحذور يمكن تلافيه بأن يجعل من ضوابط العمل بربط القروض بتغير مستوى الأسعار أن يكون معدله أدنى من معدل الربح(2).
الرابع: أن هذا الإيراد مقابل بنظيره في قول المجيزين للربط، وهو أن القول بعدم جواز الربط يفضي إلى إحجام الناس عن الإقراض(3)؛ لما يترتب عليه من نقصان القيمة التبادلية للنقود لا سيما في أوقات التضخم النقدي، وكذلك إذا طالت مدة القرض.
سادساً: (( اتفاق المتقدمين من الفقهاء على عدم جواز ربط القروض بتغير الأسعار))(4)، ويتضح هذا من خلال كلام الفقهاء رحمهم الله في مسألة غلاء الفلوس ورخصها.
يناقش هذا بما يأتي:
__________
(1) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (172).
(2) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية ص (73).
(3) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية ص (70).
(4) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام 1407هـ ص (163).(1/238)
الأول: أن الربط القياسي لم يكن معروفاً لدى الفقهاء المتقدمين، فلا وجه لحكاية الاتفاق على ما لم يتكلموا عنه، لا سيما وأن مسألة غلاء الفلوس ورخصها وما ذكره الفقهاء فيها لا ينطبق على الربط القياسي.
الثاني: أن المسألة التي بني عليها حكاية الاتفاق على عدم جواز الربط بتغير الأسعار، وهي مسألة غلاء الفلوس ورخصها ليست مما اتفق فيه أهل العلم على قول واحد، بل فيها خلاف بينهم، وقد تقدم بيان ذلك في مبحث تغيرات قيمة النقود عند الفقهاء المتقدمين(1).
سابعاً: أن الربط القياسي بمستوى الأسعار يعتمد على الأرقام القياسية في التوصل إلى نسبة التضخم النقدي، وقد تقدم أن هذه الأرقام مؤشرات تقريبية وليست دقيقة، لما يكتنفها من مشكلات وصعوبات تؤثر في دقة هذه الأرقام(2). فيكون الربط القياسي بمستوى الأسعار قائماً على الخرص والتخمين والمجازفة(3).
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن هذه الأرقام القياسية رغم ما يكتنفها من صعوبات وإشكالات تفيد دلالة تقريبية في معرفة نسبة التضخم النقدي. وهذا لا يلغي اعتبارها؛ لأن دلالتها ظنية، فقد دلت الأدلة الشرعية على اعتبار الظن الغالب، والعمل به عند تعذر اليقين(4).
الثاني: أن هذا النقد يتوجه لطريقة الربط المعمول بها، لا إلى أصل الربط، وفي هذه الحال يمكن أن يتوجه النقاش إلى طريقة الربط، ويُبحث عن أقرب المقاييس دقة وجودة(5).
أدلة القول الثالث
__________
(1) ص (121-122).
(2) ينظر: ص (91).
(3) ينظر: أحكام الأوراق النقدية للعثماني ص (36-40).
(4) ينظر في هذه القاعدة في المصادر التالية: الإحكام للآمدي (3/317)، المستصفى ص (281)، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص (4).
(5) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية للدكتور المصري ص (47).(1/239)
أخذ أصحاب هذا القول بأدلة القائلين بعدم جواز الربط مطلقاً في منع جواز ربط القروض وما شابهها من الديون بمستوى الأسعار، وأخذوا بأدلة القائلين بجواز الربط مطلقاً في القول بجواز ربط الرواتب والأجورات والحقوق بمستوى الأسعار(1).
الترجيح
الذي يترجح للباحث من هذه الأقوال جواز ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بمستوى الأسعار من حيث الأصل؛ لقوة أدلته في الجملة، وشدة الحاجة إلى وسيلة تخفف من الأضرار الناتجة عن التضخم النقدي.
ولكن مع هذا لا بد من ملاحظة بعض القيود والضوابط لإحكام العمل بالربط القياسي بمستوى الأسعار، والسلامة من المحاذير الشرعية التي ذكرها القائلون بالمنع وعدم الجواز.
ويمكن إجمال أبرز هذه القيود والضوابط في النقاط التالية(2):
…أولاً: أنه لا يجوز الاتفاق على الربط القياسي بمستوى الأسعار عند التعاقد، إلا إذا كان التضخم النقدي واقعاً أو متوقعاً.
ثانياً: أنه لا يعمل بالربط القياسي بمستوى الأسعار في كل تغير، بل في التضخم النقدي الذي يلحق الدائن به ضرر زائد على العادة، مما لا يتغابن الناس بمثله.
ثالثاً: أنه لا يعمل بالربط القياسي بمستوى الأسعار فيما يمكن الدائن أو المستحق أخذ ماله متى شاء، كالأرصدة النقدية في البنوك والمصارف.
رابعاً: ألا يقتصر على هذه الوسيلة في مواجهة التضخم النقدي، بل لا بد من اتخاذ التدابير والسياسات التي تعالج هذه المشكلة.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للربط القياسي بالذهب وحكمه
__________
(1) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (331)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/3/1867) (8/3/787).
(2) ينظر: الشروط النقدية لاقتصاد السوق ص (32)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/608).(1/240)
ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بسعر الذهب لتثبيت قيمتها لا تتناوله الدراسات الاقتصادية، لقلة العمل به اكتفاء بالأرقام القياسية لمستوى الأسعار. ولما كان العمل بهذا النوع قليلاً في معاملات الناس لم يتناوله الباحثون الشرعيون بدراسة مستقلة، وإنما ذكره بعض الباحثين بديلاً عن الربط القياسي بمستوى الأسعار(1).
والذي يظهر للباحث أن الربط القياسي بالذهب لا يختلف عن الربط القياسي بمستوى الأسعار خلافاً وترجيحاً.
وقد أشار قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة عام 1414هـ إلى أنه لا يجوز الاتفاق على تسجيل الدين في ذمة المدين بما يعادل قيمة النقود الورقية من الذهب(2).
ومن الجدير بالذكر أن بعض من لا يرى جواز الربط بالمستوى العام للأسعار قال بجواز الربط القياسي بسعر الذهب في تثبيت قيمة الديون والقروض، وتكاليف العقود الممتدة وغيرها، وذلك للأوجه التالية:
أولاً: أن ربط النقود الاصطلاحية بالذهب معمول به في عدة مسائل لم يختلف الفقهاء في قبولها. من ذلك: ربط نصاب زكاة النقود الاصطلاحية بأدنى نصابي الذهب والفضة، وكذلك نصاب القطع في السرقة، وهذا نوع من الربط القياسي(3).
يناقش هذا الوجه: بأن هذه الأمثلة تفيد في اعتبار قيمة النقود الورقية بما يمكن أن تحصله من الذهب في بعض المسائل. لكن هذا لا يكفي في القول بجواز الربط بسعر الذهب؛ لأنه زائد على مجرد اعتبار القيمة في نصاب الزكاة والسرقة. بل إن ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بسعر الذهب يختلف في الطريقة والغاية عن هذه المسائل.
__________
(1) ينظر: تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (333-335)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/3/700).
(2) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/788).
(3) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/3/702).(1/241)
أما المخالفة في الطريقة فطريقة الربط القياسي بالذهب تتلخص في أن الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة تربط بسعر الذهب عند إنشائها. فتقاس قيمة هذه الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة وقوتها الشرائية بما تحصله من الذهب يوم التعاقد، فيكون الثابت في ذمة المدين ومن عليه الحق في هذه العقود والمعاملات من الأوراق النقدية هو ما يحصّل به ذلك القدر من الذهب يوم الدفع والوفاء. أما ربط النقود الاصطلاحية بالذهب المعمول به في المسائل المذكورة فهو مجرد نظر في القدر الذي تحصله النقود الاصطلاحية من الذهب لمعرفة ما يترتب على ذلك من الأحكام.
أما المخالفة في الغاية فمقصود الربط القياسي بالذهب تثبيت قيمة الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة. أما الغاية من ربط النقود الاصطلاحية بالذهب المعمول به في المسائل المذكورة فهو إلحاقها بها فيما يثبت لها من الأحكام.
ومع هذا الاختلاف فإنه لا يسوغ اعتبار هذه المسألة بتلك المسائل.
ثانياً: أن الربط بالذهب عود بالنقود الاصطلاحية إلى الأصل الذي كانت عليه إلى عهد قريب، بل حتى بعد أن ألغي غطاء النقود الورقية من الذهب فلا تزال أكثر العملات رواجاً في العالم تستمد قيمتها وقبولها منه. فأقوى العملات في العالم اليوم هي تلك التي حافظت على علاقة مستقرة مع الذهب(1)، ومهما يكن من أمر فإن لهذه العلاقة نوع أثر في ذلك الاستقرار.
ثالثاً: أن الربط بالذهب أقرب إلى تحقيق العدل من الربط بمستوى الأسعار، وذلك لما يأتي(2):
الأول: أن سعر الذهب يُعدُّ أفضل المؤشرات الدالة على اتجاه الأسعار؛ لسلامته من صعوبات وإشكالات الأرقام القياسية لمستوى الأسعار.
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/3/694-695).
(2) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/3/696-697).(1/242)
الثاني: أن الربط بالذهب يُعدُّ أفضل الوسائل لاستقرار قيمة الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة، وذلك لما يمتاز به سعر الذهب من الثبات النسبي لا سيما في المدد الطويلة(1) .
الثالث: أن سعر الذهب يتميز بالاستقلالية وضعف تأثير القوى المؤثرة في الأسعار من دول وبنوك وشركات وأفراد على سعره.
ولا ريب أن هذه المزايا للربط بالذهب ترجحه عند الاختيار على الربط بالمستوى العام للأسعار، إلا أن ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بسعر الذهب تمنعه النظم المالية في كثير من البلدان، ويُعدُّ العمل به مخالفاً للنظام العام؛ لأن ذلك يُفقد الثقة بنظام نقد البلد، ويفضي إلى عدم استقرار قيمة العملة فيها(2).
ومهما يكن من أمر فالذي يظهر للباحث أن فقد الربط بالمستوى العام للأسعار المعمول به في أكثر دول العالم لهذه المزايا، لا يسوّغ القول بمنعه وعدم جوازه؛ لأن محور الاختلاف بين هذين النوعين من أنواع الربط القياسي إنما هو في مستوى الدقة والجودة في تحقيق المقصود من الربط، وهو تثبيت قيمة الديون والقروض، والمدفوعات المؤجلة، وهذا الاختلاف لا يرقى إلى منع العمل بالربط القياسي بمستوى الأسعار إذا تعذر الربط بسعر الذهب؛ لكون أكثر النظم الماليةفي بلدان العالم تمنعه؛ فما لا يدرك كله لا يترك كله.
المطلب الثالث: التكييف الفقهي للربط القياسي بعملة أو سلة عملات وحكمه
ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بعملة أو بسلة عملات فيه للفقهاء المعاصرين قولان:
القول الأول: جواز ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بعملة أو بسلة عملات.
وقد اختار هذا بعض الباحثين(3).
__________
(1) التضخم في العالم العربي للدكتور رمزي زكي ص (26-29).
(2) ينظر: الوسيط في شرح القانون المدني (1/390-396).
(3) ينظر: قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (231-232)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (335-336)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/650).(1/243)
القول الثاني: عدم جواز ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بعملة أو بسلة عملات.
وهذا ما أوصت به الحلقة العلمية التي نظمت في البنك الإسلامي للتنمية المنعقدة لدراسة موضوع ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار عام 1407هـ(1)، وهو ما تضمنه قرار مجلس مجمع الفقه الإسلام في دورته الثامنة عام 1414هـ(2)، وأكدته توصيات البيان الختامي لنفس المجلس في دورته الثانية عشرة عام 1421هـ(3).
ولم أقف على من قال بالتفصيل بين القروض والديون وبين غيرها من المدفوعات المؤجلة، وهو قول محتمل، والله أعلم.
وقد حاول بعض الباحثين الاقتصاديين أن يتلمس لهذا النوع من الربط القياسي أصلاً في كلام الفقهاء المتقدمين. من ذلك ما ذكره بعض فقهاء المالكية من أنه ((إذا باع بنصف دينار من صرف عشرين بدينار فليس له إلا عشرة دراهم، وإن غلا الدينار , وإذا باع بعشرة دراهم من صرف عشرين بدينار فليس له إلا نصف عشرين بدينار، أي: فليس له إلا نصف دينار، وإن رخص))(4)، فقد جعله بعض الباحثين أصلاً للربط القياسي بعملة أخرى. فقال بعد أن نقل ما ذكر ابن رشد(5)
__________
(1) ينظر: ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع ندوة عام1407هـ ص (274).
(2) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/788).
(3) ينظر: البيان الختامي لدورة مجمع الفقه الإسلامي الثانية عشرة، التوصيات والمقترحات، ص(3).
(4) ينظر: التاج والإكليل (6/183).
(5) محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، الشهير بالجد، فقيه، مالكي، أصولي، له مصنفات عديدة منها: المقدمات والممهدات، والبيان والتحصيل، توفي سنة (520هـ).
…[ ينظر: الديباج المذهب ص (279)، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص (129)].(1/244)
~ في البيان والتحصيل في هذه المسألة: ((والشاهد هنا ظهور مسألة الربط، حيث عند التعاقد شرط أو حدد البائع أن يكون الثمن هو عدداً معيناً من عملة ما منظوراً إليه في ضوء سعر صرفه بعملة أخرى...، وهذا ربط بعملة مغايرة، ...والأهم أنه يبين أن الذي له هو العملة المربوط بها، وهي الدينار وليس العملة المبيع بها ظاهرياً، وهي الدراهم، وأوضح أن له ما ربط به مهما تحول أو تغيّر سعر الصرف))(1).
وهذا الاستنتاج لا يخلو من نظر؛ لأن المسألة المذكورة إنما هي فيما إذا تعددت أنواع الدراهم باعتبار مقدار صرفها من الدنانير، فللبائع تحديد الثمن من الدراهم بالنظر إلى مقدار صرفها من الدنانير يوم العقد، فيكون الثمن هو ذلك القدر من الدراهم سواء كان البيع مؤجلاً أو حالاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: (( قوله: بعتك بألف درهم صرف عشرين بدينار، فإن الدينار المعبر عنه بالدراهم ليس هو المقصود ثمناً، وإنما المقصود الدراهم المسماة غير أنه قدَّرها بما ليس مقصوداً بالعقد))(2).
أما أدلة أقوال هذه المسألة فقد استدلوا بما استدل به أصحاب الأقوال في مسألة الربط القياسي بمستوى الأسعار.
والذي يظهر للباحث جواز هذا النوع من الربط سواء كان ربطاً بعملة واحدة أو بسلة عملات؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، وليس هناك ما يوجب التحريم، والله أعلم.
المطلب الرابع: التكييف الفقهي للربط القياسي بسعر الفائدة وحكمه
ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بسعر الفائدة لتثبيت قيمة الديون والقروض، وتكاليف العقود الممتدة وغيرها غير جائز.
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/608).
(2) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/228).(1/245)
هذا ما أوصى به مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية عشرة عام 1421هـ(1). حيث عدوا الربط القياسي بسعر الفائدة عند إبرام العقد فيما لا يجوز استعماله من وسائل تثبيت قيمة المدفوعات الآجلة.
أما دليل عدم جواز الربط القياسي بسعر الفائدة في تثبيت قيمة المدفوعات المؤجلة فهو أن الربط القياسي بسعر الفائدة يستند ويقوم على ما يعرف بالفائدة؛ وهي ما يدفعه المقترض أو المدين مقابل الانتفاع بالقرض أو الدين، أو مقابل التأخير في التسديد.
وقد اتفقت قرارات المجامع الفقهية والمجالس العلمية واللجان والهيئات الشرعية على أن الفائدة بجميع أنواعها وأشكالها من الربا(2)، الذي جاء تحريمه بالكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة(3)، وتحريمه معلوم من الدين بالضرورة(4)، ويعدُّ تحريمه أصلاً من أصول الشريعة في باب المعاملات.
__________
(1) ينظر: البيان الختامي لدورة مجمع الفقه الإسلامي الثانية عشرة، التوصيات والمقترحات، ص (3).
(2) ينظر: بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية للدكتور أبو غدة ص (182-189)، إلغاء الفائدة من الاقتصاد ص (23)، نحو نظام نقدي عادل للدكتور شابرا ص (77)، الاقتصاد وأنظمته وقواعده وأسسه في ضوء الإسلام لعدنان حسين ص (198-199).
(3) ينظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص (103)، الحاوي الكبير للماوردي (5/74)، المجموع شرح المهذب (9/391).
(4) ينظر: المقدمات الممهدات (2/8).(1/246)
فبناء على هذا يكون استعمال الربط القياسي بسعر الفائدة في تثبيت قيمة الديون والقروض، وتكاليف العقود الممتدة وغيرها محرماً غير جائز؛ لأنه يتضمن اعتبار ما ألغاه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وحرماه، وهذا لا يسوغ ولا يجوز. وقد لاحظ مجلس مجمع الفقه الإسلامي هذا المأخذ فكان من جملة ما أوصى به في دورته الثامنة عام 1414هـ عند بحثه مشكلات البنوك الإسلامية العمل على إيجاد مؤشر لتحديد هامش الربح في المعاملات والاستثمارات، يكون بديلاً عن معدل أو سعر الفائدة الربوية الذي تعتمده البنوك التجارية(1).
الفصل الثاني
تفعيل نظرية(2) الظروف الطارئة
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة نظرية الظروف الطارئة.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل نظرية الظروف
الطارئة وحكمه.
المبحث الأول: حقيقة نظرية الظروف الطارئة.
المطلب الأول: معنى الظروف الطارئة.
الظروف في اللغة: جمع ظرف، ومعناه دائر على وعاء الشيء(3)، ومن ذلك إطلاق الظرف على الحال(4). فالظروف: الأحوال.
أما كلمة الطارئة: فهي مؤنث الطارئ؛ اسم فاعل من طرأ. ومعناها ((الداهية التي لا يعرف من أين أتت))(5).
__________
(1) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/793).
(2) النظرية لفظ لم يستعمله الفقهاء المتقدمون، وله عدة تعريفات أشهرها مما يتصل بالدراسات الشرعية والقانونية تعريف الدكتور مصطفى الزرقا حيث قال ~: (( نريد بالنظريات الفقهية الأساسية: تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى التي يُؤلف كل منها على حدة نظاماً حقوقياً موضوعياً منصباً في الفقه الإسلامي)).
…[ ينظر: القواعد الفقهية للدكتور الباحسين ص (145)، المدخل الفقهي العام ص (235)].
(3) معجم المقاييس في اللغة , مادة (ظرف), ص (644).
(4) ينظر: المعجم الوسيط، مادة (ظرف)، ص (555).
(5) المعجم الوسيط , مادة (طرأ) , ص (552). وينظر: القاموس المحيط , مادة (طرأ), ص (58).(1/247)
فالظروف الطارئة في اللغة هي الأحوال النازلة العظيمة التي لا يعرف من أين أتت ولا كيف حصلت.
أما الفقهاء فلم يستعملوا هذا المصطلح في مؤلفاتهم وكتبهم فيما وقفت عليه. وقد جرى استعمال هذا المصطلح عند علماء القانون.
فالظروف الطارئة في علم القانون: هي الحوادث الاستثنائية العامة التي ليس في الوسع توقعها عند إبرام العقد، ويترتب على حدوثها أن يصير تنفيذ الالتزام مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة كبيرة(1).
المطلب الثاني: بيان نظرية الظروف الطارئة
نظرية الظروف الطارئة: هي إحدى النظريات التي تُعنى بمعالجة وتعديل العقود المتراخية التنفيذ في الأحوال المفاجئة والحوادث غير المتوقعة(2).
فيمكن من خلال هذه النظرية تعديل العقود المتراخية التنفيذ عند حصول حوادث طارئة غير متوقعة وخير وسيلة لعرض هذه النظرية أن نضرب لها مثلاً من الواقع لإظهار العناصر التي تتألف منها وتتميز بها.
فلو تعهد تاجر بتوريد سلعة ثم طرأ حادث مفاجئ جعل تنفيذ العقد مستحيلاً، كان هذا الحادث الطارئ قوة قاهرة(3) ينتقض بسببه الالتزام.
ولو طرأ هذا الحادث، وكان من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام ممكناً، ولكن يعود بخسارة على التاجر لا تخرج عن الحد المألوف، فلا يؤثر ذلك في العقد، ويبقى المدين ملزماً بتنفيذه إلزاماً كاملاً.
__________
(1) ينظر: القواعد القانونية العربية والدولية للقوة القاهرة, والظروف الطارئة ص (86), الوسيط في شرح القانون المدني (1/852).
(2) ينظر: القواعد القانونية العربية والدولية للقوة القاهرة, والظروف الطارئة ص (86), الوسيط في شرح القانون المدني (1/852).
(3) القوة القاهرة: مصطلح عند أهل القانون يراد به الحوادث الطارئة التي تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً استحالة كلية في ذاته لا بالنسبة للمرئي فحسب.
…[ انظر: الوسيط في شرح القانون المدني (1/384)].(1/248)
ولكن النظرية تقوم على افتراض آخر لا يكون فيه تنفيذ الالتزام مستحيلاً بل ممكناً، وإنما يؤدي إلى إرهاق المدين وتهديده بخسارة فادحة تخرج عن حد المألوف، كارتفاع أسعار السلعة التي تعهد التاجر بتوريدها ارتفاعاً فاحشاً(1). وفي هذه الحال ((تقول نظرية الحوادث الطارئة: لا ينقضي التزام المدين؛ لأن الحادث الطارئ ليس قوة قاهرة، ولا يبقى التزامه كما هو لأنه مرهق، ولكن يرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول حتى يطيق المدين تنفيذه))(2)، ولو كان المدين لا يطيقه إلا بمشقة، لكن من غير إرهاق.
((فالفكرة الأساسية في نظرية الظروف الطارئة أنها وسيلة قانونية لإعادة التوازن بين التزامات طرفي العقد بعد أن اختل ذلك التوازن اختلالاً شديداً بينهما بحيث أصبح التزام المدين لا يتناسب مطلقاً مع التزام الدائن، ويحقق خسائر شديدة للمدين إذا نفذ الالتزام كما نص عليه في العقد))(3).
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل نظرية الظروف الطارئة وحكمه
نظرية الظروف الطارئة: هي إحدى النظريات القانونية المشهورة التي تناولها الباحثون في القانون بالشرح والبيان، ولم يتطرق لها الفقهاء بالدراسة والبحث بهذا الاسم فيما اطلعت عليه.
__________
(1) نظرية الظروف الطارئة ص (1-2).
(2) الوسيط في شرح القانون المدني (1/853-854).
(3) القواعد القانونية العربية والدولية للقوة القاهرة والظروف الطارئة ص (96).(1/249)
والذي يظهر للباحث أن أول من حاول تلمس أصول لنظرية الظروف الطارئة في الفقه الإسلامي هو الدكتور عبد السلام الترمانيني(1) في كتابه نظرية الظروف الطارئة حيث عقد فصلاً للمقارنة بين نظرية الضرورة في الشريعة الإسلامية وبين نظرية الظروف الطارئة في القانون المدني انتهى فيه إلى أنه يمكن القول ((بأن هذه النظرية الأخيرة نظرية الظروف الطارئة تُعدُّ من جملة تطبيقات نظرية الضرورة))(2).
وقد تقدم الدكتور مصطفى الزرقا إلى المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة باقتراح تضمن الاستفادة من نظرية الظروف الطارئة في حلِّ ما يترتب على التضخم النقدي من اختلال العلاقات التعاقدية. فقام المجمع بدراسة هذه النظرية في دورته الخامسة عام 1402هـ وانتهى إلى اعتبار الظروف الطارئة في تعديل الالتزامات والحقوق في العقود المتراخية التنفيذ كعقد التوريد مثلاً(3).
أما أدلة صحة اعتبار نظرية الظروف الطارئة في حلِّ ما يترتب على التضخم النقدي من اختلال العلاقات التعاقدية فهي على النحو التالي:
أولاً: أن نظرية الظروف الطارئة وسيلة من وسائل إقامة العدل الذي هو من أهم مقاصد الشريعة في باب المعاملات، والله - عز وجل - لم يحصر طرق العدل وأدلته وعلاماته في شيء من الطرق دون غيرها، بل ((إذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ))(4). ((فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين))(5)؛ لأن ((الطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها))(6).
__________
(1) عبد السلام الترمانيني هو نقيب سابق للمحامين في سوريا، وكان عميداً لكلية الحقوق بجامعة حلب، وهو رئيس قسم القانون الخاص وأستاذ القانون المدني في كلية الحقوق بجامعة دمشق.
(2) نظرية الظروف الطارئة ص (87).
(3) ينظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/336-342).
(4) الطرق الحكمية ص (13).
(5) بدائع الفوائد (3/132).
(6) إعلام الموقعين (4/373).(1/250)
ويتبين وجه تحقيق العدل في تفعيل نظرية الظروف الطارئة في حلِّ ما يترتب على التضخم النقدي من اختلال العلاقات التعاقدية بأنه بمقتضى هذه النظرية يعاد التوازن بين التزامات طرفي العقد بما يحقق العدل وتحصل به مصلحة الطرفين. إذ إن في إيجاب رد مثل ما ترتب في ذمة المدين في هذه العقود، دون اعتبار لما طرأ من نقص في القيمة التبادلية للنقود إغفالاً للعدل الذي لا تستقيم معاملات الناس إلا به؛ لأن تغير القيمة عن وقت التعاقد تغيراً كبيراً يؤدي إلى ظلم أحد طرفي العقد بما لم تجر العادة بمثله، مما يستوجب تعديل الالتزام بما يحقق العدل وتحصل به مصلحة الطرفين.
ثانياً: أن نظرية الظروف الطارئة وسيلة من وسائل تحقيق الرضا الذي جعله الله شرطاً لإباحة التجارات كما في قول الله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } (1). وذلك أن العوض في العقود والالتزامات الآجلة ليس هو العوض الذي رضي به مستحقه قبل انخفاض القيمة التبادلية للنقود الورقية، فإلزامه به بعد ما طرأ من نقص في قيمته إلزام له بما لم يرض، وفي هذا تفويت للرضا الذي هو شرط إباحة التجارات.
ثالثاً: قول النبي - عليه السلام -: (( لا ضرر، ولا ضرار))(2)
__________
(1) سورة النساء، من آية: (29).
(2) رواه أحمد رقم (23159)، وابن ماجه في كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، رقم (2340-2341)، كلاهما عن عبادة بن الصامت، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ.
…فأما حديث عبادة فضعفه ابن حجر في الدراية (2/282)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (2/221) بالانقطاع.
…وأما حديث ابن عباس فقد ضعفه ابن عبدالبر في التمهيد (20/175)، والبوصيري في مصباح الزجاجة (2/222).
…والحديث له طرق كثيرة قد استوعبها الزيلعي ~ في نصب الراية (4/384-386)، والألباني في إرواء الغليل (3/408، 413)، ومع تعدد هذه الطرق إلا أن ابن حزم ~ قال عنه في المحلى (8/241): ((هذا خبر لم يصح قط)). هذا من حيث السند.
…أما من حيث المعنى فقد قال بعد تضعيفه: ((إلا أن معناه صحيح)). وكذلك قال عنه ابن عبدالبر ~ في التمهيد (20/175) بعد الكلام على بعض طرقه: ((وأما معنى الحديث فصحيح في الأصول)). وقد حسنه النووي ~ في المجموع شرح المهذب (8/238)، وكذلك في الأربعين النووية، وابن رجب ~ في جامع العلوم والحكم (2/209)، ونقل عن أحمد وأبي داود وابن الصلاح قبوله. وقال عنه المناوي ~ في فيض القدير (2/210): ((وله طرق يقوي بعضها بعضاً)). وقال العلائي ~: ((للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة والحسن المحتج به)).(1/251)
.
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث يقرر واحداً من مقاصد الشريعة في الأحكام، وهو دفع المفاسد أو تخفيفها(1). ومما يدخل في هذا أنه إذا ترتب على الالتزام بالعقد ضرر خارج عن العادة لم يتسبب فيه المتعاقدان فإن ذلك يوجب تدبيراً استثنائياً يدفع به ما زاد على العادة من الضرر(2).
رابعاً: النظائر الفقهية في فقه المذاهب التي أجاز فيها الفقهاء تعديل الالتزامات التعاقدية نتيجة تغيرات وأمور طارئة في عدة عقود لم تكن قائمة وقت التعاقد، ومن تلك النظائر:
الأول: فسخ عقد الإجارة إذا تعذر استيفاء المنفعة بسبب الطوارىء العامة والخاصة وقد ذكر الفقهاء لذلك صوراً كثيرة عند كلامهم على الأسباب التي ينفسخ بها عقد الإجارة.
وأقتصر هنا على بعض الشواهد من كلام الفقهاء:
قال الكاساني ~ عند ذكر ما يحصل به فسخ الإجارة: (( فإن حدث بأحدهما أو بالمستأجر عذر لا يبقى العقد لازماً، وله أن يفسخ)). ثم قال في التعليل لذلك: (( بأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر; لأنه لو لزم العقد عند تحقق العذر; للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد...، فكان الفسخ في الحقيقة امتناعاً من التزام الضرر))(3).
وقال الزيلعي(4) ~ عند ذكر ما تنفسخ به الإجارة: ((وتنفسخ بالعذر: وهو عجز العاقد عن المضي في موجبه، أي: موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به، أي: بالعقد. كمن استأجر رجلاً ليقلع ضرسه فسكن الوجع، أو ليطبخ له طعام الوليمة فاختلعت منه، أو حانوتاً(5)
__________
(1) ينظر: شرح الكوكب المنير (4/442).
(2) ينظر: نظرية الظروف الطارئة ص (87)، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/339-341).
(3) بدائع الصنائع (4/196).
(4) عثمان بن علي بن محجن الزيلعي، فقيه، حنفي، نحوي، محدِّث، له عدة مصنفات من أشهرها: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، توفي سنة (743هـ).
…[ ينظر: الدرر الكامنة (2/246)، معجم المؤلفين (6/263)].
(5) الحانوت: محل التجارة، ويسمى الدكان.
…[ ينظر: المعجم الوسيط، مادة (حانوت)، ص (201)].(1/252)
ليتجر فأفلس...))(1).
وقال الشيخ محمد عليش(2) ~ عند ذكر ما يحصل به فسخ الإجارة: ((وفسخ كراء الحوانيت بسبب أمر السلطان بإغلاق الحوانيت لعدم إمكان مخالفة أمره. وكذلك الحوانيت يأمر السلطان بغلقها. وكذلك الجائحة في المكتري للسكنى من أمر غالب لا يستطيع دفعه من سلطان أو غاصب، فهي بمنزلة ما لو منعه أمر من الله تعالى، كانهدام الدار وامتناع ماء السماء حتى منعه حرث الأرض فلا كراء عليه في ذلك كله؛ لأنه لم يصل إلى ما اكترى))(3).
ثم قال نقلاً عن بعض فقهاء المالكية: ((من اكترى رحا(4) سنة فأصاب أهل ذلك المكان فتنة جلوا بها من منازلهم وجلا معهم المكتري، أو بقي آمناً إلا أنه لا يأتيه الطعام لجلاء الناس فهو كبطلان الرحا من نقص الماء أو كثرته(5)، ويوضع عنه قدر المدة التي جلوا فيها))(6).
__________
(1) تبيين الحقائق (5/145).
(2) محمد بن أحمد بن محمد عليش، فقيه مالكي، نحوي، بياني، له مصنفات عدة، منها: منح الجليل شرح مختصر خليل، هداية السالك إلى أقرب المسالك، توفي سنة (1299هـ).
…[ ينظر: شجرة النور الزكية ص (385)، معجم المؤلفين (9/12)].
(3) منح الجليل شرح مختصر خليل (7/ 521).
(4) الرحا: هي الأداة التي يطحن بها، وهي حجران مستديران يوضع أحدهما على الآخر ويدار الأعلى على قطب.
…[ ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص (288)، المطلع على أبواب المقنع ص (236)، المعجم الوسيط، مادة (رحا)، ص (335)].
(5) وجه بطلان الرحا بنقصان الماء، أن الماء هو الذي يدير الرحا بتدفقه عليه واندفاعه إلى جهته، فإذا نقص الماء توقفت الرحا عن العمل.
…[ ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص (288)، الخرشي على مختصر خليل (9/17)، تكملة السبكي للمجموع (11/285)، كشاف القناع (3/563)].
(6) منح الجليل شرح مختصر خليل (7/ 521)، مع تصرف يسير جداً.(1/253)
وقال الهيتمي ~ عند ذكر ما تنفسخ به الإجارة: ((والأصح أنها تنفسخ بانهدام الدار كلها، ولو بفعل المستأجر؛ لزوال الاسم، وفوات المنفعة قبل الاستيفاء)).
وقال أيضاً: ((تعطل الرحا بانقطاع مائها والحمام لنحو خلل أبنيتها أو نقص ماء بئرها يفسخها)).
ثم ذكر الهيتمي نظائر لهذا في فقه الشافعية فقال: (( منها: قولهم: لو عرض أثناء المدة ما ينقص المنفعة كخلل يحتاج لعمارة وحدوث ثلج بسطح حدث من تركه عيب ولم يبادر المؤجر لإصلاحه تخير المستأجر، وقولهم: لو اكترى أرضاً فغرقت وتوقع انحسار الماء في المدة تخير وغير ذلك))(1).
وقال في بيان ما تنفسخ به الإجارة: ((وحدوث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المؤجرة أو حصر البلد; فامتنع خروج المستأجر إلى الأرض المؤجرة للزرع;كغصب فللمستأجر الخيار)).
وقال أيضاً: (( ولو اكترى دابة ليركبها أو ليحمل عليها إلى موضع معين, فانقطعت الطريق إلى جهة ذلك الموضع لخوف حادث, أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق ملك كل من المؤجر والمستأجر فسخ الإجارة))(2).
الثاني: تعديل العقود على الثمار إذا أصابتها جائحة؛ لقول جابر - رضي الله عنه -: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضع الجوائح(3)، ويحصل ذلك بإسقاط ما يقابل الهالك من الثمار من ثمن العقد.
وبهذه الأدلة يتبين صحة اعتبار نظرية الظروف الطارئة في معالجة ما يترتب على التضخم النقدي من اختلال العلاقات التعاقدية، وتعديل الالتزامات والحقوق الآجلة. لكن ينبغي أن يقيد ذلك بالتضخم النقدي غير المتوقع الذي يحصل به اختلال في الالتزام يتضرر به أحد طرفي العقد، وذلك في حال كون التضخم النقدي جامحاً أو متسارعاً.
__________
(1) تحفة المحتاج شرح المنهاج (6/191-192).
(2) مطالب أولي النهى (3/664).
(3) تقدم تخريجه ص (135).(1/254)
وفيما يلي نص ما انتهى إليه مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الخامسة عام 1404هـ: ((ففي ضوء هذه القواعد والنصوص المعروضة التي تنير طريق الحل الفقهي السديد في هذه القضية المستجدة الأهمية يقرر الفقه الإسلامي ما يلي:
في العقود المتراخية التنفيذ (كعقود التوريد، والتعهدات، والمقاولات) إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلاًً غير الأوضاع والتكاليف والأسعار تغييراً كبيراً بأسباب طارئة عامة لم تكن متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، ولم يكن ذلك نتيجة تقصير وإهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحالة عند التنازع وبناء على الطلب تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد فيما لم يتم تنفيذه منه إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه، وذلك مع تعويض عادل للملتزم له صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانباً معقولاً من الخسارة التي تلحقه من فسخ العقد بحيث يتحقق عدل بينهما دون إرهاق للملتزم ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعاً رأي أهل الخبرة الثقات.
ويحق للقاضي أيضاً أن يمهل الملتزم إذا وجد أن السبب الطارئ قابل للزوال في وقت قصير، ولا يتضرر الملتزم له كثيراً بهذا الإمهال.
هذا وإن مجلس المجمع الفقهي يرى في هذا الحل المستمد من أصول الشريعة تحقيقاً للعدل الواجب بين طرفي العقد، ومنعاً للضرر المرهق لأحد العاقدين بسبب لا يد له فيه، وأن هذا الحل أشبه بالفقه الشرعي الحكيم، وأقرب إلى قواعد الشريعة ومقاصدها العامة وعدلها، والله ولي التوفيق))(1).
__________
(1) مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/341-342).(1/255)
ويلاحظ فيما انتهى إليه مجلس المجمع الفقهي الإسلامي من قرار بشأن تفعيل نظرية الظروف الطارئة في معالجة ما يترتب على التضخم النقدي من اختلال العلاقات التعاقدية أمران:
الأمر الأول: أن إعمال هذه النظرية وتفعيلها من اختصاص القضاء، وقد نص على ذلك قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة حيث جاء فيه: (( ولا يخفى أن طريق التدخل في مثل تلك الأحوال المعروضة آنفاً في العقود المتراخية التنفيذ لأجل إيجاد الحل العادل الذي يزيل الجور إنما هو من اختصاص القضاء))(1). وذلك واضح أيضاً في شرح القرار لطريقة إعمال هذه النظرية.
الأمر الثاني: ظاهر قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة قصر إعمال نظرية الظروف الطارئة فيما يتعلق بمعالجة أثر تغير قيمة النقود في العقود المتراخية التنفيذ فقط حيث لم يتضمن القرار ذكر غيرها. وهذا متفق مع ما يجري عليه العمل عند أهل القانون حيث لم يعتبروا نظرية الظروف الطارئة فيما يتعلق بتغير قيمة النقود(2).
والذي يظهر للباحث أنه لا مانع في ضوء ما سبق تقريره من توسيع دائرة إعمال نظرية الظروف الطارئة وتفعيلها حتى فيما يتعلق بوفاء الديون، والله أعلم.
الفصل الثالث
التسوية القضائية
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة التسوية القضائية.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للتسوية القضائية وبيان
…حكمها.
المبحث الأول: حقيقة التسوية القضائية
__________
(1) مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/341).
(2) ينظر: مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، ، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (46).(1/256)
من أبرز الآثار التي تنتج بسبب التضخم النقدي اختلال العلاقات التعاقدية سواء عقود المداينات أو العقود المستمرة كالإجارات الطويلة, وعقود المقاولات والتوريد, وما أشبهها. وذلك أن التضخم النقدي سبب لانخفاض قيمة النقود التبادلية التي تم التعاقد عليها مما يؤدي إلى تضرر أحد طرفي العقد, فينشأ عن ذلك منازعات بين المتعاقدين.
فيحتاج الناس في حسم تلك المنازعات وقطع ما ينشأ من خصومات إلى القضاء؛ لفصل ما وقع من ذلك وقطعه.
فحقيقة التسوية القضائية: هي تقويم المال بفصل الخصومة وحسم المنازعة. وذلك بأن ينظر القاضي فيما شجر بين المتعاقدين من نزاع واختلاف بسبب انخفاض قيمة النقود الشرائية التبادلية.
وللقاضي في فصل تلك الخصومات طريقان:
الطريق الأول: دعاء المتخاصمين إلى الصلح. وذلك بأن يدعوهما القاضي إلى المصالحة والتراضي بما يقطع النزاع بينهما, فيتحمل كل طرف جزءاً من الضرر المترتب على تغير قيمة النقود, فيوزع الفرق الناشئ عن التضخم النقدي بين المدين والدائن بحيث لا يستقل أحدهما بالضرر(1).
الطريق الثاني: قطع الحكم بينهما وإبرام القضاء. وذلك بأن يصدر القاضي حكماً لازماً للمتخاصمين يتحرى فيه العدل والصواب بحيث يوزع الضرر الناتج عن التضخم النقدي بين المدين والدائن(2).
__________
(1) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص(2).
(2) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص(3)، مختارات من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ص (2).(1/257)
ومما يجدر التنبه له أنه لا يسوغ اللجوء إلى التسوية القضائية لحلِّّ الاختلال في العلاقات التعاقدية الناتجة عن التضخم النقدي إلا على القول بأن الواجب للدائن فيما إذا طرأ تضخم نقدي قيمة ما ثبت من الأوراق النقدية في ذمة المدين، و إلا فلا تجوز التسوية القضائية لا بالصلح ولا بالقضاء. وذلك لأن التسوية القضائية بالصلح على أكثر من الدين يدخل في الصلح الذي يحل حراماً؛ لعدم جواز الزيادة في الدين. وأما التسوية القضائية بالقضاء والحكم فلا تجوز أيضاً؛ لأنه قضاء بمحرم إذ إنه سيتضمن الإلزام برد أكثر مما أخذ(1).
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للتسوية القضائية وبيان
حكمها
المطلب الأول: التكييف الفقهي للتسوية القضائية بالصلح
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية(2)، والمالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5) إلى أن للقاضي أن يأمر المختصمين بالصلح ويدعوهما إليه في عدة أحوال منها(6):
الأولى: مواضع الاشتباه كتقارب حجج الخصوم وتعارض الأدلة.
الثانية: أن يخشى بفصل القضاء بينهم تفاقم الأمر واتساع النزاع وحصول الفتنة.
الثالثة: أن يطول الخصام ويكثر التشعيب فيه.
قال السرخسي: ((القاضي مندوب إليه أن يدعو الخصم إلى الصلح خصوصا في موضع اشتباه الأمر))(7).
قال الخرشي(8)
__________
(1) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (26).
(2) ينظر: بدائع الصنائع (6/40, 7/13) .
(3) ينظر: حاشية الدسوقي (4/152).
(4) ينظر: تحفة المحتاج (10/153).
(5) ينظر: مطالب أولي النهى (6/508).
(6) ينظر: تبيين الحقائق (5/30)، معين الحكام ص (20)، القوانين الفقهية ص (221)، تبصرة الحكام (1/43)، البهجة في شرح التحفة (1/412)، المبدع (10/60)، كشاف القناع (6/335)، القضاء في عهد عمر - رضي الله عنه - (2/653).
(7) المبسوط (16/66).
(8) محمد بن عبد الله الخرشي، فقيه، مالكي، انتهت إليه رئاسة المالكية بمصر، توفي عام (1101هـ).
… [ ينظر: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص (317)، الأعلام للزركلي (6/240)].(1/258)
: ((وأمر بالصلح ذوي الفضل والرحم كأن خشي تفاقم الأمر))(1).
قال ابن قدامة فيما يجب على القاضي: ((وإن كان فيها لبس أمرهما بالصلح))(2).
وقد استدلوا لذلك بما يأتي:
أولاً: قول الله - عز وجل -: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } (3).
وجه الدلالة: أن الله وصف في هذه الآية ((جنس الصلح بالخيرية. ومعلوم أن الباطل لا يوصف بالخيرية, فكان كل صلح مشروعاً بظاهر هذا النص إلا ما خص بدليل))(4). ووجه العموم فيها دخول الألف واللام على لفظ الصلح، وهما يفيدان الاستغراق(5).
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً))(6).
__________
(1) الخرشي على مختصر خليل (7/168).
(2) المغني (14/29).
(3) سورة النساء, من آية: (128).
(4) بدائع الصنائع (6/40، 52).
(5) ينظر: تبيين الحقائق (5/29).
(6) رواه أبو داود في كتاب الأقضية, باب في الصلح رقم (3594) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ورواه الترمذي في كتاب الأحكام, باب ما ذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلح بين الناس رقم (1352) من حديث عمر بن عوف - رضي الله عنه -.
…وقال الترمذي ~ بعد روايته: ((هذا حديث حسن صحيح)). وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية ~ بمجموع طرقه، فقال في مجموع الفتاوى (29/147) بعد ذكره بعض أسانيد الحديث: ((هذه الأسانيد, وإن كان الواحد منها ضعيفاً فاجتماعها طرق يشد بعضها بعضاً)).=
… =وبهذا قال الحافظ ابن حجر ~ في بلوغ المرام عند ذكر الحديث رقم (291). وقد قال ابن العربي المالكي ~ في عارضة الأحوذي معلقاً على كلام الترمذي (6/103) : ((قد روي من طرق عديدة ومقتضى القرآن وإجماع الأمة على لفظه ومعناه)). وقال السخاوي ~ في المقاصد الحسنة ص (386) عند ذكره الحديث: ((فهو صحيح على ما تقرر في علوم الحديث)).(1/259)
ثالثاً: قول عمر - رضي الله عنه -: ((ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن))(1).
وقد حمل أهل العلم قول عمر هذا على ما إذا كان يترتب على فصل القضاء مفسدة، أو اشتبه الأمر على القاضي. ففي هذه الحال يصار إلى الصلح قطعاً للمنازعة والمشاجرة ودفعاً لسبب الفساد وإطفاء لثائرة الفتن(2).
أما ما يتعلق بتسوية ما ترتب على التضخم النقدي من اختلال العلاقات التعاقدية والنزاعات عن طريق الصلح فقد قال به بعض الفقهاء.
قال الشيخ عبدالله أبا بطين(3) ~ بعد حكاية قول شيخ الإسلام ابن تيمية في وجوب رد القيمة عند تغير قيمة النقود: ((فكلام الشيخ صريح في أنه يوجب رد القيمة أيضاً, وهو أقوى. فإذا رفع إلينا مثل ذلك وسَّطنا بالصلح بحسب الإمكان هيبة الجزم بذلك))(4).
وقد ذكر ابن عابدين ~ الأخذ بالصلح في مسألة قريبة من مسألة تغير القيمة. وهي فيما إذا تمَّ العقد على نقد لم يبين نوعه، وفي البلد عدة أنواع من النقود رائجة مختلفة القيمة، فإنه لا سبيل إلى تعيين أحدها إلا بالصلح. قال ابن عابدين في رسالته تنبيه الرقود على مسائل النقود: ((فينبغي وقوع الصلح على الأوسط))(5).
__________
(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/66), وابن أبي شيبة في مصنفه رقم (22896) (4/534), وعبد الرزاق في مصنفه رقم (15304) (8/303).
…وقد قال عنه ابن حزم ~ في المحلى (8/164): ((هذا لا يصح عن عمر)).
(2) ينظر: معين الحكام ص (122).
(3) عبدالله بن عبدالرحمن بن عبد العزيز أبا بطين، فقيه، حنبلي، مفتي الديار النجدية في زمانه، ولي القضاء في جهات عديدة، له رسائل وفتاوى وتحريرات جيدة وحواشٍ مفيدة، منها: حاشيته على الروض المربع، توفي سنة (1282هـ).
…[ ينظر: السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة (2/626)، علماء الحنابلة ص(432)].
(4) الدرر السنية (5/110).
(5) 2/65). وينظر: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (1/281).(1/260)
وقد ذكر جماعة من الباحثين الصلح وسيلة من وسائل معالجة التضخم النقدي(1), فتضمنته توصيات ومقترحات البيان الختامي للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة في الرياض عام 1420هـ لدراسة قضايا التضخم النقدي(2).
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للتسوية القضائية بقضاء الحاكم
المصير إلى القضاء لحل النزاعات المترتبة على تغير قيمة النقود مسلك ذكره بعض متأخري فقهاء الحنفية(3).
وقد تضمن قرار مجلة المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الخامسة عام 1402هـ الإشارة إلى هذا الطريق حيث جاء فيه: ((فإنه يحق للقاضي في هذه الحال عند التنازع وبناء على الطلب تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين, كما يجوز له أن يفسخ العقد فيما لم يتم تنفيذه فيه إذا رأى أن فسخه أصلح في القضية المعروضة عليه. وذلك مع تعويض عادل للملتزم له صاحب الحق في التنفيذ, يجبر له جانباً معقولاً من الخسارة التي تلحقه من فسخ العقد بحيث يتحقق عدل بينهما دون إرهاق للملتزم. ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعاً رأي أهل الخبرة الثقات)). وجاء في القرار أيضاً: ((ويحق للقاضي أن يمهل الملتزم إذا وجد أن السبب الطارئ قابل للزوال في وقت قصير, ولا يتضرر الملتزم له كثيراً بهذا الإمهال))(4).
__________
(1) ينظر: التأصيل الشرعي للحلول المقترحة لعلاج آثار التضخم النقدي ص (7)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (307)، آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (28)، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (9/2/634، 828).
(2) ص (2).
(3) ينظر: مجموعة رسائل ابن عابدين، تنبيه الرقود (2/64-65).
(4) مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (8/341).(1/261)
وقد أوصى به أيضاً البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم النقدي في الدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي(1)، وقد ذكره جماعة من الباحثين(2).
واللجوء إلى القضاء لحل المشكلات المترتبة على التضخم النقدي قد يكون ضرورة. وذلك فيما إذا تعذر الصلح بين طرفي العقد. فإن القضاء إنما شرع لفصل الخصومات ورفع المنازعات على وجه الإلزام للمتخاصمين بما ينتهي إليه القاضي(3). ومع توفر هذه الميزة في الرجوع إلى القضاء, وهي حسم الخصومة وقطعها على وجه الإلزام إلا أن من الباحثين من لم يره طريقاً عملياً ناجعاً لحل المشكلات المترتبة على التضخم النقدي؛ للوجهين التاليين:
أولاً: أن تعديل قيمة الديون والمدفوعات الآجلة فيما إذا نقصت القيمة التبادلية للنقود الورقية التي جرى بها التعاقد مخالف لما ذهب إليه جمهور الفقهاء من وجوب رد المثل في الديون والمدفوعات المؤجلة(4).
يناقش هذا: بأن القضاء وسيلة لفضِّ النزاع بين الناس سواء ذهب القاضي إلى القول برد القيمة أو القول برد المثل. فالرد إلى القضاء خير من بقاء المنازعات وقيام الخصومات.
ثانياً: أن الرد إلى القضاء لا يصلح وسيلة لحل ما يترتب على التضخم النقدي من مشكلات ومنازعات, وذلك للأمور التالية:
__________
(1) ص (3).
(2) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (26)، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي (9/2/740)، مجلة جامعة عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (45).
(3) ينظر: شرح فتح القدير (8/88)، الخرشي على مختصر خليل (7/151، 230).
(4) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (28).(1/262)
الأول: أن إعادة النظر في الالتزامات عند تغير قيمة النقود أمر يصاحبه كثير من الصعوبات الفنية والعملية. وذلك أن العقود الآجلة والممتدة لا تتوافق من حيث تواريخ إنشائها وسدادها وربما يكون بعضها منجم التسديد على أقساط هذا من جهة. ومن جهة أخرى أن أكثر العقود انتشاراً في تعاملات الناس اليوم على مستوى الأفراد والشركات هي العقود الآجلة الدفع(1).
الثاني: أن غالب الجهات القضائية في العالم الإسلامي لا تعتبر التغير في قيمة النقود الورقية مؤثراً في الالتزامات المالية(2).
الثالث: البطء الشديد الذي يتسم به سير القضاء في كثير من الجهات القضائية مما يؤدي إلى تفاقم الإشكالات وزيادة المنازعات لا سيما مع استمرار انخفاض القيمة التبادلية للنقود.
يناقش هذا: بأن هذه الأمور تعوق هذه الوسيلة من وسائل معالجة آثار التضخم النقدي، لكنها لا تحول دون استعمالها. ويمكن تفادي هذه العوائق بما ذكره بعض الباحثين في اللجوء إلى التحكيم(3).
__________
(1) ينظر: مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (46).
(2) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (28)، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، ، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (46).
(3) ينظر: البيان الختامي، التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي ص(3)، التأصيل الشرعي للحلول المقترحة لعلاج آثار التضخم النقدي ص (18).(1/263)
وذلك بأن يتفق الطرفان المتنازعان على تولية حاكم يحكم بينهما لفصل الخصومة(1). وهذا جائز باتفاق الفقهاء(2)، فالتحكيم فرع من القضاء وشعبة منه(3), وبه يحصل حسم المنازعة وفصل الخصومة مع المرونة والسهولة والسرعة(4).
الفصل الرابع
التسعير
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة التسعير.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للعمل بالتسعير في معالجة آثار التضخم النقدي.
المبحث الأول: حقيقة التسعير
المطلب الأول: تعريف التسعير
التسعير في اللغة: مأخوذ من أَسْعَرَ، وهو مصدر من سَعَّر. ومعناه تقدير السِّعْرِ وتحديده. فتسعير الشيء أن يجعل له سعراً معلوماً ينتهي إليه(5).
أما التسعير في الاصطلاح الفقهي فقد عرَّفه الفقهاء بتعريفات متعددة، وأبرز ما وقفت عليه من ذلك التعريفات التالية:
عرَّفه بعض فقهاء المالكية فقال في تعريفه: ((تحديد حاكم السوق لبائع المأكول فيه قدراً للمبيع بدرهم معلوم))(6).
وعرَّفه بعض فقهاء الشافعية فقال في تعريفه: ((أن يأمر الوالي السوقة أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا))(7).
وعرَّفه بعض فقهاء الحنابلة فقال: ((التسعير تقدير السلطان أو نائبه للناس سعراً, ويجبرهم على التبايع به))(8).
__________
(1) ينظر: درر الحكام (4/578), تبصرة الحكام (1/62).
(2) ينظر: معين الحكام ص (5), بغية التمام (1/244).
(3) ينظر: البحر الرائق (7/24), تبصرة الحكام (1/19).
(4) ينظر: التأصيل الشرعي للحلول المقترحة لعلاج آثار التضخم النقدي ص (21).
(5) ينظر: القاموس المحيط، مادة (سعر)، ص (522)، المصباح المنير، مادة (سعر)، ص (145)، المعجم الوسيط، مادة (سعر)، ص (430).
(6) شرح حدود ابن عرفة (1/356). وقوله في التعريف: ((لبائع المأكول)) أخرج به غير المأكول؛ لأنه لا يُسَعَّر عندهم إلا الطعام فقط.
(7) أسنى المطالب (2/38).
(8) مطالب أولي النهى (3/62).(1/264)
وهذه التعريفات تجتمع في أن التسعير: إجراء من قبل الجهات ذات الاختصاص بتقدير الأسعار وإلزام أهل الأسواق بأن لا يبيعوا إلا بالسعر المحدد، فيمنعون من الزيادة عليه تحقيقاً لمصلحة عامة(1).
المطلب الثاني: التسعير والتضخم النقدي
تحديد أسعار السلع والخدمات يرجع إلى ما يعرف في علم الاقتصاد بقانون العرض والطلب. وخلاصة هذا القانون أن سعر أي سلعة أو خدمة يتوقف على مستوى طلبها من المشترين ومستوى عرضها من البائعين. وكل من هذين المستويين تحكمه عوامل معينة تؤثر فيه (2).
فمستوى الطلب يؤثر فيه عدة عوامل أبرزها:
الأول: عدد الراغبين في شراء هذه السلع والخدمات وقدرتهم على الشراء.
الثاني: أسعار السلع والخدمات البديلة التي يمكن أن تلبي رغبة المشترين.
أما مستوى العرض فيتأثر بعدة عوامل أبرزها:
الأول: الكمية الموجودة لدى البائعين والمنتجين.
الثاني: تكلفة إنتاج هذه السلع والخدمات.
الثالث: عدد المنتجين.
__________
(1) ينظر: الحسبة لابن تيمية ص (23)، الطرق الحكمية ص (206)، نيل الأوطار (5/260).
(2) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (490)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (27-27،30،36).(1/265)
ولما كان الارتفاع العام في أسعار السلع والخدمات هو معيار قياس التضخم النقدي حيث إن التضخم النقدي حركة صعودية للأسعار تتصف بالاستمرار الذاتي تنتج عن كثرة الطلب الزائد على قدرة العرض، فإن من الوسائل المقترحة والأدوات الاقتصادية المستعملة في معالجة آثار التضخم النقدي تسعير السلع والخدمات، وذلك بتثبيت الأسعار وتحديدها. وقد قامت عدة دول بتفعيل سياسة التسعير للحد من الضغوط التضخمية والارتفاعات المتلاحقة لأسعار السلع والخدمات. ومن أشهر تلك الدول البرازيل والأرجنتين. ومن الملاحظ على تلك التجارب أن تأثيرها لم يدم طويلاً، بل إن التضخم النقدي عاود جموحه بعد فترة قصيرة من النجاح، وذلك بسبب الاقتصار على هذه السياسة دون دعمها بالإجراءات المالية والنقدية الأخرى(1).
واستعمال التسعير في معالجة آثار التضخم النقدي يحقق فائدتين:
الأولى: كبح ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي لم يزد الطلب عليها، أو التي لم ترتفع تكاليف إنتاجها حماية للمشترين من مسايرة أصحاب السلع والخدمات للاتجاه التصاعدي للأسعار(2).
__________
(1) ينظر: الاقتصاد الكلي للدكتور نصر ص (673).
(2) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (2/386)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (679).(1/266)
الثانية: تشجيع الناس على الادخار ونقص الاستهلاك، فإنه في الظروف التضخمية وتصاعد الأسعار يزيد الطلب على السلع والخدمات تلافياً للشراء بأسعار أكثر ارتفاعاً في المستقبل. وهذا المسلك لا يزيد الأمر إلا شدة والتضخم النقدي إلا زيادة(1). فالتسعير يعطي المستهلك طمأنينة في أن ما يحتاجه غداً سيحصله بنفس سعر اليوم فلا داعي إلى شرائه قبل وقت حاجته، فيتقلص بذلك أثر توقعات معدل التضخم النقدي في قرار الشراء الاستباقي أي السابق على الحاجة الفعلية(2).
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للعمل بالتسعير في معالجة آثار التضخم النقدي
المطلب الأول: الأصل في التسعير
ذهب جمهور العلماء من الحنفية(3)، والمالكية(4)، والشافعية(5)، والحنابلة(6)إلى أن الأصل عدم جواز التسعير لما يأتي من الأدلة:
أولاً: قول الله - عز وجل -: { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } (7).
وجه الدلالة:
أن الله تعالى جعل التراضي شرطاً لإباحة التجارات، والتسعير يفوت ذلك، إذ إنه يتضمن إلزام أصحاب السلع والخدمات أن يبيعوا بما لا يرضون(8).
__________
(1) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (221، 341).
(2) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (2/386).
(3) ينظر: شرح فتح القدير (10/59)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (6/28).
(4) ينظر: التاج والإكليل (6/246)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (5/20).
(5) ينظر: مغني المحتاج (2/392)، حاشية قليوبي وعميرة (2/231).
(6) ينظر: الفروع (4/51)، الإنصاف (4/338).
(7) سورة النساء، من الآية: (29).
(8) ينظر: المحلى (9/40)، نيل الأوطار (5/260).(1/267)
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما البيع عن تراض))(1).
ثالثاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه))(2).
وجه الدلالة:
أن التسعير يتضمن أخذ الأموال من غير طيب نفس من أصحابها فتدخل في عموم ما نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -(3).
رابعاً: ما جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: غلا السعر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله سعِّر لنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله هو المُسَعِّر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال))(4)
__________
(1) رواه ابن ماجه، كتاب التجارات، باب بيع الخيار، رقم (2185). من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. قال في مصباح الزجاجة (2/168): ((هذا إسناد صحيح رجاله ثقات)).
(2) رواه أحمد رقم (15569) (3/422)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/97). من حديث عمرو ابن يثربي - رضي الله عنه -.
…وقد صححه ابن حزم ~ في المحلى (10/365)، وقال عنه الهيثمي ~ في مجمع الزوائد (4/172): ((رجال أحمد ثقات)). وقد جاء هذا الحديث من عدة طرق ذكرها الحافظ في التلخيص الحبير (3/45).
(3) ينظر: بدائع الصنائع (5/129).
(4) أخرجه أبوداود في كتاب البيوع والإجارات، باب في التسعير، رقم (3451)، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في التسعير، رقم (1314)، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب من كره التسعير، رقم (2191).…
…وقال عنه الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)). وقال ابن عبدالبر ~ في الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (20/78): ((روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يمنع من التسعير من وجوه صحيحة لا بأس بها)). وقال عنه الحافظ ابن حجر ~ في التلخيص الحبير (3/14): ((وإسناده على شرط مسلم، وقد صححه ابن حبان)). وكذلك العجلوني ~ في كشف الخفاء (2/474).(1/268)
.
خامساً: ما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً جاء، فقال: يا رسول الله سعِّر، فقال: ((بل أدعو))، ثم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله سعِّر، فقال: ((بل الله يخفض ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة))(1).
وجه الدلالة في الحديثين:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنع من التسعير وجعله مظلمة يرجو ألا يلقى الله بها. ووجه الظلم في التسعير أن الناس مسلطون على أموالهم، والتسعير حجر عليهم، وإجبار لهم على ما لا يرضون وهذا ظلم لهم(2).كما أن ((الإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين، وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن))(3)، فمراعاة أحدهما ظلم للآخر.
__________
(1) أخرجه أبوداود في كتاب البيوع والإجارات، باب ما جاء في التسعير، رقم (3450).
…وقد صححه ابن عبد البر في الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (20/78)، وقال عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/14): ((إسناده حسن)). وكذلك قال عنه العجلوني في كشف الخفاء (2/474).
(2) ينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (5/19)، الحاوي الكبير للماوردي (5/409)، الطرق الحكمية ص (216).
(3) عون المعبود (9/230). وقوله: ((بتوفير الثمن))، أي: تكثيره.(1/269)
سادساً: أن التسعير قد يفضي إلى اختلال قانون العرض والطلب فيحصل بذلك خلل في الأنشطة الاقتصادية. ومن أبرز ذلك غلاء الأسعار وارتفاعها؛ لأن كثرة القيود على التجارة والاستثمار يؤدي غالباً إلى صرف التجار والمستثمرين إلى أسواق أقل قيوداً، فيطلبون لسلعهم أسواقاً لا يكرهون فيها على البيع بغير ما يريدون، وهذا يؤدي إلى قلة العرض فيرتفع السعر. وكذلك قد يحمل التسعير أصحاب السلع والخدمات إلى أن يمتنعوا من بيعها, بل يكتمونها فيطلبها المستهلكون فلا يجدونها إلا قليلاً, فيرفعون في ثمنها؛ ليصلوا إليها, فتغلو بذلك الأسعار. ويحصل الإضرار بالجانبين: جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم, وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه(1).
المطلب الثاني: التسعير للمصلحة
اختلف أهل العلم في حكم التسعير وإلزام أهل التجارات وأرباب السلع والخدمات البيع بثمن معين إذا اقتضى ذلك مصلحة على قولين:
القول الأول: يجوز لولي الأمر والجهات ذات الاختصاص التسعير وتحديد أسعار السلع والخدمات إذا اقتضى ذلك مصلحة العامة.
وهذا هو مذهب الحنفية(2)، والمالكية(3)، ووجه عند الحنابلة(4)، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(5).
القول الثاني: لا يجوز لولي الأمر والجهات ذات الاختصاص التسعير وتحديد أسعار السلع والخدمات، ولو اقتضى ذلك مصلحة العامة.
وهذا هو مذهب الشافعية(6)، والحنابلة(7)، وابن حزم من الظاهرية(8).
أدلة القول الأول
__________
(1) المغني (6/312).
(2) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (6/28)، البناية شرح الهداية (11/245-246).
(3) ينظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (5/18)، التاج والإكليل (4/380).
(4) ينظر: الفروع (4/51)، الإنصاف (4/338).
(5) ينظر: مجموع الفتاوى (28/205).
(6) ينظر: مختصر المزني ص (92)، مغني المحتاج (2/38).
(7) ينظر: الإنصاف (3/338)، كشاف القناع (3/187).
(8) ينظر: المحلى (9/40).(1/270)
أولاً: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أعتق شِرْكاً له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوِّم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد))(1).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث يُعدُّ ((أصلاً في جواز إخراج الشيء من ملك صاحبه قهراً بثمنه , للمصلحة الراجحة, كما في الشفعة. والمقصود: أنه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه بعوض المثل؛ لمصلحة تكميل العتق, ولم يمكن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة, فكيف إذا كانت الحاجة بالناس إلى التملك أعظم, وهم إليها أضر؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره. وهذا الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من تقويم الجميع قيمة المثل: هو حقيقة التسعير))(2).
ثانياً: قصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع حاطب بن أبي بلتعة(3)- رضي الله عنه - حيث وجده يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطب؟ فقال: مدين بدرهم. فقال: ((تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا وتقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم! بع صاعاً، و إلا فلا تبع في سوقنا))(4).
وجه الدلالة:
__________
(1) رواه البخاري في كتاب العتق، باب إذا أعتق عبداً بين اثنين أو أمة بين شركاء، رقم (2522)، ومسلم في كتاب الأيمان، باب من أعتق شركاً له في عبد، رقم (1501).
(2) الطرق الحكمية ص (216)، وهو في كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/97).
(3) حاطب بن أبي بلتعة عمرو بن عمير، صحابي، من مشاهير المهاجرين شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسله إلى المقوقس صاحب مصر سنة ست من الهجرة، توفي سنة (30هـ).
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (2/42)، الإصابة في تمييز الصحابة (1/222)].
(4) رواه عبدالرزاق في مصنفه في كتاب البيوع، باب هل يسعَّر؟ رقم (14906) (8/207).
…واحتج به ابن حزم في المحلى (9/40).(1/271)
أن أمر عمر - رضي الله عنه - لحاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - بأن يبيع الصاع بدرهم نوع من التسعير، وعمر - رضي الله عنه - له سنة متبعة(1)، فهو داخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ))(2).
ثالثاً: أن التسعير من الوسائل المهمة التي يستفيد منها ولاة أمور المسلمين في تحقيق العدل وتحصيل المصالح العامة(3)؛ ذلك أن إطلاق حرية التجارة دون تحديد للأسعار قد يفضي إلى الاحتكار(4)طلباً لارتفاع أكبر للأسعار(5). قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: ((وإذا تضمن، أي: التسعير، العدل بين الناس مثل: إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل، فهو جائز; بل واجب))(6). وإذا كان كذلك فإن الوسائل لها أحكام المقاصد(7).
أدلة القول الثاني
__________
(1) ينظر: إجمال الإصابة في أقوال الصحابة ص (47-55).
(2) رواه أبوداود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4607)، والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، رقم (2676)، وابن ماجه في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، رقم (42)، من حديث العرباض ابن سارية - رضي الله عنه -.
…وقال عنه الترمذي ~: ((هذا حديث حسن صحيح)).
(3) ينظر: ضوابط تنظيم الاقتصاد في السوق الإسلامي ص (67-69).
(4) الاحتكار افتعال من حكر: أي حبس. والمراد به: إمساك ما اشتراه في الغلاء ليبيعه بأغلى منه عند الحاجة.
…[ ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص (120)، شرح حدود ابن عرفة (1/144)، تحفة المحتاج (4/317)].
(5) ينظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد (22)، ص (10).
(6) مجموع الفتاوى (28/76). وينظر: البيان والتحصيل (9/314).
(7) ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/53-54)، الفروق للقرافي (2/30).(1/272)
استدل المانعون من جواز التسعير بالأدلة التي تقدم ذكرها في أن الأصل عدم جواز التسعير.
وقد نوقشت تلك الأدلة بالمناقشات التالية:
أولاً: استدلالهم على عدم جواز التسعير بأن التسعير يفوّت التراضي الذي جعله الله مبيحاً للتجارة، وأنه أخذ للأموال من غير طيب نفس من أصحابها.
يناقش: بأن الأصل في عقود المعاوضات أنها لا تجوز إلا بالتراضي كما دلت النصوص، إلا في مواضع استثناها الشارع، الجامع فيها أنه إكراه بحق.
ومن ذلك أنه ((يجوز الإكراه على البيع بحق في مواضع مثل: بيع المال لقضاء الدين الواجب والنفقة الواجبة. والإكراه على ألا يبيع إلا بثمن المثل لا يجوز إلا بحق ويجوز في مواضع; مثل: المضطر إلى طعام الغير ومثل: الغراس والبناء الذي في ملك الغير ; فإن لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل لا بأكثر. ونظائره كثيرة))(1).
ومما يدل على ذلك أيضاً ما تقدم في أدلة المجوزين من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ~: ((من أعتق شِرْكاً له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوِّم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد)). وكذلك قصة عمر مع حاطب ـ رضي الله عنهما ـ.
((ولعل من استقرأ الشريعة تبين له أن المعاوضة إذا احتاج المسلمون إليها بلا ضرر يزيد على حاجة المسلمين وجبت، فأما عند عدم الحاجة ومع حاجة رب المال المكافية لحاجة المعتاض فرب المال أولى; فإن الضرر لا يزال بالضرر، والرجل أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين))(2).
ثانياً: استدلالهم على عدم جواز التسعير بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنع من التسعير وجعله مظلمة.
__________
(1) مجموع الفتاوى (28/77).
(2) مجموع الفتاوى (29/189).(1/273)
يناقش هذا: بأنه لا يصح الاستدلال بهذا على منع التسعير, وذلك أن ((هذه قضية معينة ليست لفظاً عاماً))(1)، ومعلوم أن قضايا الأعيان(2) لا عموم لها ولا حجة فيها إلا في مثلها. وعليه فلا يصح الاستدلال بامتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من التسعير في هذه الحادثة على منعه مطلقاً، إذ يجوز أن يكون امتناعه من التسعير؛ لسبب اقتضاه أو لاستحسان رآه، فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنع من التسعير وجعله مظلمة لما طلب منه؛ لأنه لم يمتنع أحد من بيع يجب عليه أو أنه لم يطلب أحد في بيع يجب عليه أكثر من عوض المثل. فالأحاديث ((ليس فيها أن أحداً امتنع من بيع يجب عليه أو عمل يجب عليه; أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل. ومعلوم أن الشيء إذا رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا كان صاحبه قد بذله كما جرت به العادة، ولكن الناس تزايدوا فيه، فهنا لا يسعَّر عليهم، والمدينة كما ذكرنا إنما كان الطعام الذي يباع فيها غالباً من الجلب(3)
__________
(1) مجموع الفتاوى (28/95).
(2) قضية العين: هي الأحاديث النبوية التي ترد في وقائع وأحوال مجملة متشابهة تتطرق إليها الاحتمالات وليس فيها لفظ عام، فتخرج بذلك عن إفادة العموم.
…[ ينظر: المستصفى (1/29)، إعلام الموقعين (2/360)، إجابة السائل شرح بغية الآمل (1/122)].
(3) الجَلَبُ: الذين يَجْلِبُون الإِبل والغنم للبيع. ويطلق على ما جُلِبَ من خيل وإبل ومتاع. فهو الذي يُجْلَبُ من بلد إلى غيره.
…[ينظر: لسان العرب، مادة (جلب) (1/268)].(1/274)
; وقد يباع فيها شيء يزرع فيها; وإنما كان يزرع فيها الشعير; فلم يكن البائعون ولا المشترون ناساً معينين; ولم يكن هناك أحد يحتاج الناس إلى عينه أو إلى ماله; ليجبر على عمل أو على بيع...، وكان إكراه البائعين على أن لا يبيعوا سلعهم إلا بثمن معين إكراهاً بغير حق، وإذا لم يكن يجوز إكراههم على أصل البيع، فإكراههم على تقدير الثمن كذلك لا يجوز))(1). فترك النبي - صلى الله عليه وسلم - التسعير لعدم الحاجة إليه، فما ((قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - حق وما فعله حكم، لكن على قوم صح ثباتهم، واستسلموا إلى ربهم. وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق، فباب الله أوسع وحكمه أمضى))(2)، والتسعير في تلك الحال من الحق.
ثالثاً: استدلالهم على عدم جواز التسعير بأن التسعير قد يفضي إلى غلاء الأسعار وارتفاعها بسبب اختلال قانون العرض والطلب.
يناقش هذا: بأن الغاية من التسعير إقامة العدل ورفع الضرر عن البلاد والعباد، فإذا كان يترتب عليه مفاسد وظلم فإنه لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: ((السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز. فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم فهو حرام. وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب))(3).
فكون التسعير قد يترتب عليه شيء من الظلم لا يسوّغ ذلك منعه بالكلية، بل الواجب تحري العدل في استعماله؛ لتحصيل المصالح المترتبة عليه. ولذلك ذكر العلماء أنه يجب في التسعير أن يكون عن علم بأحوال الأسواق، وأن يراعى في ذلك مصلحة جميع أصحاب السلع والخدمات والمستهلكين.
__________
(1) مجموع الفتاوى (28/95-96).
(2) عارضة الأحوذي (6/54).
(3) مجموع الفتاوى (28/76).(1/275)
قال ابن العربي(1)~ بعد ذكر اختلاف العلماء في حكم التسعير: ((والحق: التسعير، وضبط الأمر على قانون لا تكون فيه مظلمة على أحد من الطائفتين. وذلك قانون لا يعرف إلا بالضبط للأوقات ومقادير الأموال))(2).
وقال ابن القيم(3)~: ((وجماع الأمر: أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير سعَّر عليهم تسعير عدل, لا وكس ولا شطط, وإذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه لم يفعل))(4).
الترجيح
الذي يترجح للباحث أن التسعير جائز إذا كان يتحقق به العدل بين الناس وتحصَّل به مصالحهم.
ومن ذلك استعمال التسعير في معالجة آثار التضخم النقدي، والسيطرة عليه, وتحقيق العدالة الاجتماعية بإنصاف الفئات الأكثر تضرراً من الاختلال الناتج عن التضخم النقدي.
فالتسعير يمنع ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية التي يقوم عليها معاش الناس. كما أن التسعير يعمل على طمأنة المستهلك من توالي ارتفاع المستوى العام للأسعار، فيحدُّ ذلك من الشراء الذي يستبق به الناس ارتفاع الأسعار مع عدم حاجتهم لتلك المشتريات.
__________
(1) محمد بن عبدالله بن محمد المعافري المعروف بأبي بكر ابن العربي، مفسر، محدث، فقيه، مالكي، له مصنفات عديدة منها: أحكام القرآن، عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي، توفي سنة (534هـ).
…[ ينظر: الديباج المذهب (2/252)، الفوائد البهية ص (180)].
(2) عارضة الأحوذي (6/54). وينظر: القبس في شرح الموطأ (2/838).
(3) محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، أبو عبدالله بن قيم الجوزية، فقيه، حنبلي، برع في علوم كثيرة، من أشهر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، له مؤلفات كثيرة منها:زاد المعاد، إعلام الموقعين، توفي سنة (751هـ).
…[ ينظر: شذرات الذهب (6/168)، ذيل طبقات الحنابلة (2/447)].
(4) الطرق الحكمية ص (384).(1/276)
ومما يجب ملاحظته في استعمال التسعير أن بناءه على تحصيل مصلحة الناس، فيجب اتخاذ التدابير الكافية في تحقيق ذلك. كما يجب إجراء مراجعة العوامل المؤثرة في الأسعار؛ لئلا يجحف بأصحاب السلع والخدمات.
الفصل الخامس
تفعيل إخراج الزكاة
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حقيقة تفعيل إخراج الزكاة.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل إخراج الزكاة وبيان حكمه.
المبحث الأول: حقيقة تفعيل إخراج الزكاة
الزكاة عبادة ذات طابع مالي(1). فرضها الله - عز وجل - على أهل الإسلام، فقال مخاطباً رسوله - صلى الله عليه وسلم -: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (2). ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً - رضي الله عنه - إلى اليمن قال له في بيان ما يدعوهم إليه: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم))(3). ومن رحمة الله بعباده أنه فرض الزكاة في الأموال النامية سواء ما ينمو بنفسه كالماشية والحرث، أو ما ينمو بالتصرف فيه كالذهب والفضة وما يقوم مقامهما من النقود(4).
__________
(1) ينظر: بدائع الصنائع (7/371)، مواهب الجليل (2/357)، مغني المحتاج (5/40)، كشاف القناع (2/262).
(2) سورة التوبة: من الآية: (103).
(3) رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم (1395)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (29).
(4) ينظر: المبسوط (3/20)، أحكام القرآن لابن العربي (3/139)، المجموع شرح المهذب (5/482)، المغني (4/165).(1/277)
وقد بيَّن الله ـ تعالى ـ في كتابه الحكيم الجهات التي تصرف هذه الزكاة لها وفيها، فقال - عز وجل -: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (1).
وقد فصلت السنة النبوية الشريفة القدر الواجب من الزكاة في كل نوع من أموال الزكاة على وجه تتحقق به المصالح والغايات المقصودة من هذه الفريضة العظيمة دون إجحاف بأصحاب الأموال.
__________
(1) سورة التوبة، الآية: (60) .(1/278)
ومما تقدم يتبين أن الزكاة لها أثر فاعل في اقتصاديات الأمة الإسلامية. وأنها وسيلة يمكن أن يحقق من خلالها العديد من الأهداف الاقتصادية والتنموية في المجتمع المسلم، مثل: مكافحة الفقر والإقلال منه، وإعادة توزيع الدخول، وتحريك الدورة الإنتاجية نحو النمو والازدهار، وتنشيط الاستثمار، وغير ذلك من الجوانب الاقتصادية المتنوعة. يقول الدكتور منذر قحف أحد الباحثين في الاقتصاد الإسلامي: ((لم يعرف العالم بأسره نظاماً اقتصادياً مثل النظام الإسلامي في حله لمشكلة تراكم الثروة المعطلة دون أن تستثمر في تحسين الأحوال المعاشية للمجتمع، والزكاة تعمل على سرعة دوران رأس المال إذ إنها تشجع صاحب المال بطريق غير مباشر على استثمار أمواله حتى يتحقق فائض يؤدي منه الزكاة، ومن ثمَّ فقد استفاد صاحب المال من استثماره بالربح، وأفاد المجتمع بأداء حق المستحقين بالزكاة.وهذا ما يؤدي إلى دوران رأس المال وتحريكه، فالزكاة دافع للأموال نحو الاستثمار))(1). وقد كُتب في ذلك العديد من البحوث والدراسات والمقالات النافعة(2).
__________
(1) الاقتصاد الإسلامي للدكتور منذر قحف ص (119).
(2) ينظر: الزكاة وأثرها في التنمية الاقتصادية للباحث: عادل سباعي، حول الدور الإنمائي والتوزيعي للزكاة للباحث: نعمت عبد اللطيف مشهور. وهما ضمن أبحاث، وأعمال المؤتمر العالمي الرابع للزكاة، أثر الزكاة على النشاط الاقتصادي ص (173-250)، مجلة الوعي الإسلامي، رقم العدد (445)، دور الزكاة في علاج الركود الاقتصادي، بقلم: مجدي عبد الفتاح سليمان.(1/279)
والذي يهم إبرازه في هذه الدراسة هو ما يتعلق بأثر الزكاة في معالجة آثار التضخم النقدي. ويمكن أن يتبين أثر إخراج الزكاة فيما يتعلق بالتضخم النقدي من خلال إدراك أن الدفع بأموال الزكاة لا سيما الأموال النقدية إلى مستحقيها من أهل الزكاة كالفقراء والمساكين وغيرهم سيزيد من قدرتهم الشرائية الاستهلاكية لا سيما إذا كان إخراج أكثر الناس زكاة أموالهم من النقود في فترة محددة كشهر رمضان. وهذا سيؤدي بدوره دون شك إلى الزيادة في الطلب على السلع الاستهلاكية والخدمات، و سينتج عن هذا ارتفاع في المستوى العام للأسعار مما يعني ازدياد معدل التضخم النقدي. ولمعالجة هذا اقترح بعض الباحثين الاقتصاديين وسيلتين(1):
الأولى: التأخر في إخراج الزكاة؛ وذلك لضبط زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي يفضي إلى ارتفاع معدل التضخم النقدي.
الثانية: صرف الزكاة في الأصناف التي لا يتسبب صرف الزكاة إليها في زيادة الإنفاق الاستهلاكي كمصرف: الغارمين، وفي سبيل الله.
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل إخراج الزكاة وبيان حكمه
المطلب الأول: تفعيل تأخير إخراج الزكاة في معالجة التضخم النقدي
ذهب جمهور أهل العلم من المالكية(2)، والشافعية(3)، والحنابلة(4)إلى أن إخراج الزكاة إلى مستحقيها من أهل الزكاة واجب على الفور إذا تمت شروط وجوبها.
ومع أن هذا هو الأصل الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء إلا أنهم قالوا بجواز تأخير إخراج الزكاة إذا اقتضى ذلك حاجة أو مصلحة راجحة، ويستوي في ذلك الزكاة التي قبضها ولي الأمر لصرفها، أو التي ما زالت في أيدي أصحاب الأموال.
__________
(1) ينظر: آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (328)، السياسة النقدية في الاقتصاد الإسلامي ص (278).
(2) ينظر: الكافي لابن عبدالبر ص (99)، القوانين الفقهية ص (68).
(3) ينظر: العزيز شرح الوجيز (3/3)، المهذب (1/459).
(4) ينظر: المحرر في الفقه (1/224)، الإقناع للحجاوي (1/455).(1/280)
قال المازري(1) ~: ((وللإمام تأخير إخراج الزكاة إذا أداه اجتهاده إليه))(2). وقد نص فقهاء المالكية على جواز طول تأخير الإمام صرف الزكاة إذا كان لمصلحة(3).
وقال الهيتمي ~ في تحفة المحتاج: ((إن أخَّر لانتظار قريب أو جار أو أحوج أو أصلح أو لطلب الأفضل من تفرقته بنفسه أو تفرقة الإمام أو للتروي عند الشك في استحقاق الحاضر ولم يشتد ضرر الحاضرين لم يأثم ))(4).
وقال البهوتي ~ في شرح منتهى الإرادات في بيان مسوغات تأخير إخراج الزكاة عن وقت وجوبها: ((وله تأخيرها أي: الزكاة؛ لشدة حاجة، أي: ليدفعها لمن حاجته أشد ممن هو حاضر نصّاً, وقيده جماعة بزمن يسير. وله تأخيرها؛ ليدفعها لقريب وجار؛ لأنها على القريب صدقة وصلة, والجار في معناه. وله تأخيرها لحاجته، أي: المالك إليها إلى ميسرته))(5).وقال في الإنصاف: ((يجوز للإمام والساعي تأخير الزكاة عند ربها لمصلحة,كقحط ونحوه جزم به الأصحاب))(6).
وقد استدلوا للجواز بما يأتي:
أولاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: إن بعض أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ ومنهم عمه العباس(7)
__________
(1) محمد بن علي بن عمر التميمي، المشهور بالمازري، فقيه، مالكي، محدِّث، له عدة مؤلفات منها: المعلم بفوائد مسلم، شرح كتاب التلقين، توفي سنة (536هـ).
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (20/104)، الديباج المذهب (2/250)].
(2) المعلم بفوائد صحيح مسلم (2/10). ينظر: مواهب الجليل (2/363-364).
(3) ينظر: التاج والإكليل (7/604)، منح الجليل (8/82).
(4) 3/343). ينظر: أسنى المطالب (1/365).
(5) 2/291-292).
(6) 3/188).
(7) العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عمّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانت له سقاية الحاج في الجاهلية وأقرت في الإسلام، هاجر متأخراً، توفي بالمدينة عام (32هـ).
…[ ينظر:أسد الغابة (3/164)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/30)].(1/281)
- رضي الله عنه - قد منعوا الزكاة فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((وأما العباس فهي عليه صدقة ومثلها معها))(1).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخَّر الزكاة عن العباس - رضي الله عنه - ثم جعلها ديناً عليه يأخذه منه(2).
يناقش هذا: بأن هذا الوجه هو أحد الأقوال في بيان معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فهي عليه صدقة ومثلها معها)). وقد قيل فيه غير ذلك.
فقيل(3):إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل العباس مصرفاً لزكاته، وهذا قبل تحريمها على بني هاشم(4).
وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم العباس - رضي الله عنه - ((بتضعيف صدقته ليكون أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه، فالمعنى فهي صدقة ثابتة عليه سيصّدّق بها ويضيف إليها مثلها كرماً))(5).
وقيل(6): إن الضمير في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فهي عليه )) يرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكون موافقاً لرواية: ((فهي علي ومثلها معها))(7)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله: (وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ)، رقم (1468). من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) كتاب الأموال لأبي عبيد ص (586). ينظر: الفائق (2/389).
(3) تهذيب السنن لابن القيم (5/19).
(4) بنو هاشم: هم ولد عبد المطلب بن هاشم منهم عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو طالب وحمزة والعباس رضي الله عنهما.
…[ ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص (378)، كشاف القناع (2/290-291)].
(5) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (3/333).
(6) السنن الكبرى (4/111).
(7) رواه مسلم في الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها، رقم (983) بهذا اللفظ. من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
…وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/334) روايات عديدة فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد تعجل العباس ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فهي علي ومثلها))، وهي روايات لا تخلو من ضعف= =لكن قال ابن حجر: ((وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق والله أعلم)).(1/282)
.
وقيل: غير ذلك(1).
ومع هذا الاختلاف في بيان سبب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فهي عليه صدقة ومثلها معها))، وقيام هذه الاحتمالات فإنه لا يستقيم الاستدلال به على جواز تأخير الزكاة للمصلحة أو الحاجة؛ لأن ورود الاحتمال في الدليل يسقط الاستدلال به(2).
ثانياً: أن عمر - رضي الله عنه - أخَّر الزكاة عام الرمادة(3)حتى إذا أحيا(4)الناس في العام المقبل، وأسمن الناس، بعث إليهم من يأخذ منهم زكاة عامين(5).
وجه الدلالة:
__________
(1) ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/424).
(2) ينظر: غمز عيون البصائر (3/291)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (263)، الفروق للقرافي (2/87)، إرشاد الفحول (1/187).
(3) وهو في سنة ثمان عشرة من الهجرة النبوية، في زمن خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أصابت الناس بالحجاز مجاعة شديدة وجدب وقحط وغلاء شديد.
…[ ينظر:تأريخ الأمم والملوك (2/507)، مآثر الإنافة في معالم الخلافة (1/91)].
…وقال ابن كثير في البداية والنهاية (7/90): ((وسميت عام الرمادة؛ لأن الأرض اسودت من قلة المطر حتى عاد لونها شبيهاً بالرماد. وقيل: لأنها تسفي الريح تراباً كالرماد، ويمكن أن تكون سميت لكل منهما، والله أعلم)).…
(4) أَحيا القوم حسنت حال مواشيهم، وأَحيا القوم، أَي: صاروا في الحيا، وهو الخِصْب.
…[ ينظر: لسان العرب (14/223)].
(5) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال، باب فرض صدقة الإبل وما فيها من السنن، رقم (981)، وابن زنجويه في كتاب الأموال، رقم (1435)، (2/829).
… وقد ضعَّف محققا الكتابين هذا الأثر لكونه من رواية محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد عنعن. وفي هذا نظر فقد رواه ابن سعد في الطبقات (3/323) من غير طريق ابن إسحاق، كما أن الإمام أحمد احتج به كما ذكره في الفروع (2/542)، ومطالب أولي النهى (2/116)، وغيرهما.(1/283)
أن الخليفة الراشد عمر - رضي الله عنه - أخَّر أخذ الزكاة في القحط وشدة الغلاء مراعاة لمصلحة أو حاجة(1)، ويمكن القول: إن هذا التأخير في أخذ الزكاة سببه التضخم الناتج عن انقطاع السلع.
ثالثاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضرر ولا ضرار))(2).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى في هذا الحديث الضرر، فإذا كان إخراج الزكاة في وقتها يترتب عليه ضرر عام أو خاص فيجوز تأخيرها إلى وقت انتفائه دفعاً للضرر وتحصيلاً للمصلحة(3). ((فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان))(4).
ومن هذا كله يتبين أنه يجوز تأخير إخراج الزكاة عن وقتها إذا اقتضى ذلك حاجة أو مصلحة حتى على القول بوجوب إخراج الزكاة على الفور.
لكن على القول بجواز تأخير إخراج الزكاة في معالجة آثار التضخم النقدي يبقى النظر في أمرين:
الأمر الأول: كون تأخير إخراج الزكاة نافعاً في معالجة آثار التضخم النقدي، مؤثراً في الحد من معدل التضخم النقدي.
وهذا أمر تكتنفه عدة إشكالات من عدة جهات:
الأولى: أن نسبة الزكاة أقل من أن تؤثِّر تأثيراً كبيراً في معدل التضخم النقدي فربع العشر، وهو اثنان ونصف في المائة من النقود أو عروض التجارة، لا يتوقع أن يؤثِّر في مستوى الاستهلاك إلى حدٍّ يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم النقدي.
الثانية: أن استهلاك أهل الزكاة لما حصَّلوه من أموال نقدية لن يكون جميعه في وقت واحد غالباً، بل سيكون موزعاً في مدد تختلف باختلاف حاجاتهم. وهذا من شأنه أن يخفف من تأثير ذلك في معدل التضخم النقدي.
__________
(1) ينظر: المجموع شرح المهذب (6/149)، كشاف القناع (2/256).
(2) تقدم تخريجه ص (307 ).
(3) ينظر: المغني (4/147)، مطالب أولي النهى (2/116).
(4) منهاج السنة النبوية (6/118).(1/284)
الثالثة: أن تأخير إخراج الزكاة وإبقاءها في أيدي أصحاب الأموال لن يحل إشكالية ارتفاع معدل الاستهلاك؛ لأن زيادة كمية النقود في أيدي أصحاب الأموال قد يشجعهم على زيادة الإنفاق الاستهلاكي(1). ولذلك فإن الحلَّ قد يكون في تعجيل إخراج الزكاة للحد من قدرة أرباب الأموال على الإنفاق الاستهلاكي.
الرابعة: أنه يمكن تلافي ما قد ينجم عن إخراج الزكاة في وقتها من زيادة معدل التضخم النقدي بسبب زيادة الاستهلاك، وذلك بأن يخرج أصحاب الأموال زكاة أموالهم النقدية في وقتها إلى الإمام أو ما ينوب عنه من أجهزة الدولة، وهي تتولى صرفها إلى مستحقيها تدريجاً، فتبرأ بذلك ذمة صاحب المال؛ لأن الإمام أو نائبه يقومان مقام أهل الزكاة في قبضها(2)، وهذا يصلح لحلِّ الإشكالية السابقة أيضاً.
الأمر الثاني: الموازنة بين المصالح الحاصلة بتأخير إخراج الزكاة في معالجة آثار التضخم النقدي وبين المفاسد المترتبة على التأخير، لا سيما وأنه في الظروف التضخمية ترتفع الأسعار فيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، فتتسع شريحة الفقراء والمساكين في المجتمع مما قد يستدعي ضرورة المبادرة إلى إخراج زكاة الأموال لسدِّ تلك الحاجات المترتبة على التضخم النقدي.
ومما ينبغي ملاحظته فيما إذا ثبت جدوى تأخير إخراج الزكاة في معالجة آثار التضخم النقدي ما يأتي:
أولاً: أن لا تطول مدة تأخير إخراج الزكاة؛ لئلا يفضي طول التأخير إلى منع المستحقين لها، أو شُحِّ أصحاب الأموال بها؛ لكثرة الزكاة نتيجة تراكمها بسبب التأخر في إخراجها.
ثانياً: أن يكون تأخير إخراج الزكاة بترتيب من ولاة الأمر وجهات حكومية تقريراً وتنفيذاً، فإن ذلك مما يتحقق به ضبط الأمر وإنجاح عملية معالجة التضخم النقدي.
__________
(1) السياسات المالية دورها وضوابطها في الاقتصاد الإسلامي للدكتور منذر قحف ص (35).
(2) المبسوط (3/9)، الذخيرة للقرافي للقرافي للقرافي (3/57)، المهذب (1/551)، الفروع (2/431).(1/285)
المطلب الثاني: تخصيص صرف الزكاة ببعض الأصناف لمعالجة التضخم النقدي
من الوسائل المقترحة في معالجة التضخم النقدي عن طريق الزكاة توجيه أصحاب أموال الزكاة إلى إخراج زكاة أموالهم في الأصناف التي لا يفضي دفع الأموال لها أو فيها إلى زيادة معدل الإنفاق الاستهلاكي كالغارمين أو في سبيل الله.
لهذا فإن الحاجة داعية إلى معرفة أقوال أهل العلم في حكم صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية دون بقية الأصناف التي ذكرها الله في آية قسم الصدقات في قوله - عز وجل -:{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (1). وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف التي ذكرها الله في الآية، ولا يجب تعميم جميع الأصناف المذكورة فيها.
وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية(2)، والمالكية(3)، والحنابلة(4)، وغيرهم.
القول الثاني: يجب تعميم الأصناف إن وجدت في البلد الذي فيه المال, وإعطاء كل صنف من الأصناف التي ذكرها الله في الآية الثمن من الزكاة المتجمعة.
وهذا مذهب الشافعية(5)، ورواية عند الحنابلة(6)، وهو قول ابن حزم من الظاهرية في الجملة(7)
__________
(1) سورة التوبة، آية: (60).
(2) ينظر: مختصر اختلاف العلماء (11/482)، الهداية (1/112)، بدائع الصنائع (2/46).
(3) ينظر: التفريع (1/289)، تهذيب المسالك (2/461).
(4) ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/448)، غاية المنتهى (1/336).
(5) ينظر: المهذب (1/572)، روضة الطالبين (2/329)، حواشي الشرواني وابن قاسم على تحفة المحتاج (7/172).
(6) ينظر: المقنع (1/354)، الإنصاف (3/248).
(7) ينظر: المحلى (4/267).
…تنبيه: يفرق ابن حزم بين ما إذا فرق الزكاة بنفسه فيجب أن يسقط نصيبا: العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم، وبين ما إذا فرقها الإمام فيجب استيعاب الثمانية.(1/286)
.
أدلة القول الأول
أولاً: الآيات التي جاء فيها ذكر دفع الصدقات أو استحقاق دفعها لبعض الأصناف دون أن تستوعب جميع أهل الزكاة المذكورين في آية قسم الصدقات كقول الله - عز وجل -: { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } (1)، وقول الله - عز وجل -: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ? لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ?} (2).
وجه الدلالة:
أن الله - عز وجل - ذكر في هاتين الآيتين الكريمتين صرف الصدقة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية، وهم الفقراء، فدلت الآية على أنه يجوز صرف الزكاة إلى بعض الأصناف التي ذكرها الله في آية قسم الصدقات، ولا يجب تعميم جميع الأصناف(3).
يناقش: بأن هاتين الآيتين لم يقصد بهما بيان مصارف الزكاة، وإنما قصد ذلك في قوله - عز وجل -: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (4)، فيجب أن يقضى بهذه الآية على غيرها، أو يقال: إن هاتين الآيتين في صدقة التطوع(5).
__________
(1) سورة البقرة، آية: (271).
(2) سورة المعارج، آية: (24-25).
(3) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/203)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/168)، معالم التنزيل للبغوي (2/305)، فتح القدير للشوكاني (2/372).
(4) سورة التوبة، آية: (60).
(5) ينظر: الحاوي الكبير (8/479).(1/287)
يجاب:بأنه ليس في قول الله - عز وجل -: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1)ما يقضي على ما دلت عليه الآيتان من جواز صرف الزكاة إلى بعض الأصناف التي ذكرها الله في آية قسم الصدقات، وعدم وجوب تعميمها في جميع الأصناف. وأما تخصيصهما بصدقة التطوع فهو تخصيص بلا مخصص.
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما بعثه إلى اليمن: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم))(2).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر لمعاذ - رضي الله عنه - لما بعثه إلى اليمن إلا مصرفاً واحداً من مصارف الزكاة الثمانية، وهم الفقراء، ولم يذكر سواهم فدل ذلك على جواز الاقتصار على صنف واحد من أهل الزكاة(3).
ثالثاً: النصوص التي ظاهرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرف الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة، وهي كثيرة، منها:
الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقبيصة بن مخارق الهلالي(4)
__________
(1) سورة التوبة، آية: (60).
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم (1395)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (19). من حديث عبدالله ابن عباس- رضي الله عنه -.
(3) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/204)، الفروق للقرافي (3/15)، المغني (4/128)، تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق (2/1502).
(4) قبيصة بن مخارق بن عبد الله الهلالي البصري، صحابي، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عنه، ووالده مخارق ذكر أن له صحبة.
…[ ينظر: تهذيب الأسماء (2/368)، الإصابة في تمييز الصحابة (5/410)].(1/288)
- رضي الله عنه - لما سأل أن يعينه فيما تحمل من حمالة(1): ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها))(2).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعد قبيصة - رضي الله عنه - أن يأمر له بالزكاة إذا أتته؛ لأجل غرمه، فدل ذلك على جواز دفع الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة(3).
الثاني: أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعث، وهو باليمن، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة(4) فقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة من أشراف العرب(5).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسَّم جميع ما بعث به علي - رضي الله عنه - من الزكاة في أربعة من المؤلفة قلوبهم، وهم صنف واحد(6)، فدل ذلك على جواز دفع الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة(7).
__________
(1) الحَمَالة: بالفتح، هي ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة؛ ليدفع حرباً بين فريقين تسفك فيها الدماء.
…[ ينظر: النهاية في غريب الحديث، مادة (حمل) ص (233)، مرقاة المفاتيح شرح المشكاة (4/346)].
(2) رواه مسلم في كتاب الزكاة، باب من تحل له الزكاة، رقم (1044). من حديث قبيصة- رضي الله عنه - .
(3) ينظر: شرح فتح القدير (2/266)، المغني (9/333).
(4) ذهيبة: تصغير ذهبة، أي قطعة من الذهب.
…[ ينظر: عون المعبود (13/77)].
(5) رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله - عز وجل -: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)، رقم (7432)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، ورواه مسلم في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، رقم (1062). من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(6) وهم من يعطى من رؤساء قومهم ممن يرجى إسلامه أو كف شره , ومسلم يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو نصحه في الجهاد أو ذبه عن الدين.
…[ ينظر: الفروع (2/611)، التسهيل لعلوم التنزيل ص (256)].
(7) ينظر: المغني (9/333).(1/289)
الثالث: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لسلمة بن صخر الأنصاري(1): ((اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق(2)، فقل له: فليدفعها إليك ))(3).
وجه الدلالة:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر لسلمة - رضي الله عنه - بصدقة قومه بني زريق؛ لفقره، وهو شخص واحد، فدل ذلك على جواز دفع الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة(4).
__________
(1) سلمة بن صخر بن سلمان الخزرجي، كان يقال له البياضي، ويقال: اسمه سلمان وسلمة أصح، صحابي، وهو الذي ظاهر من امرأته، قال البغوي: لا أعلم له حديثاً مسنداً إلا حديث الظهار، هاجر سلمة بعد الخندق إلى المدينة، وشهد غزوة مؤتة، خرج إلى الشام مجاهداً حين بعث أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - الجيوش إلى الشام فقتل بمرج الصفر سنة أربع عشرة في أول خلافة عمر، وقيل: قتل بأجنادين في جمادى الأولى قبل وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بأربع وعشرين ليلة.
…[ ينظر: تهذيب الأسماء (1/222)، الإصابة في تمييز الصحابة (3/150)].
(2) بنو زريق حي من الأنصار، بطن من بطون الخزرج، وهو زريق بن عبد بن حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج.
…[ ينظر: تهذيب الأسماء (2/563)، معجم البلدان (5/405)].
(3) رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب من سورة المجادلة، رقم (3299)، وأبوداود في كتاب الطلاق، باب الظهار، رقم (2123)، وابن ماجه في كتاب الطلاق، باب الظهار، رقم (2062). من طريق سلمة بن صخر الأنصاري - رضي الله عنه -.
…وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن، وقد صححه الحاكم في المستدرك (2/221)، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة في صحيحه (4/74،78).
(4) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/204)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/490).(1/290)
قال ابن قدامة ~ بعد ذكر الأحاديث السابقة: ((والآثار في هذا كثيرة, تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة دفعها إلى جميع الأصناف,ولا تعميمهم بها, بل كان يدفعها إلى من تيسر من أهلها))(1).
رابعاً: أن الشريعة بناؤها في أحكامها على اليسر ورفع الحرج(2). كما دل على ذلك قول الله - عز وجل -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3)، وقوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (4)، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (5). وفي القول بوجوب استيعاب الأصناف الثمانية في إخراج الزكاة عسر ومشقة؛ لتعذر وجود جميع الأصناف من أهل الزكاة الذين ذكرهم الله في آية قسم الصدقات في بلد واحد حتى إن ابن قدامة ~ قال: ((وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه, ولا يقدر على فعله, وما بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا في صدقة من الصدقات, ولا أحداً من خلفائه, ولا من صحابته, ولا غيرهم, ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما أغفلوه, ولو فعلوه مع مشقته لنقل وما أهمل, إذ لا يجوز على أهل التواتر إهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله, سيما مع كثرة من تجب عليه الزكاة, ووجود ذلك في كل زمان, وفي كل مصر وبلد, وهذا أمر ظاهر))(6).
__________
(1) المغني (9/333).
(2) ينظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية للدكتور الباحسين ص (61-99)، مقاصد الشريعة الإسلامية للدكتور اليوبي ص (400-407).
(3) سورة الحج، من الآية: (78).
(4) سورة المائدة، من الآية: (6).
(5) سورة البقرة، من الآية: (185).
(6) المغني (9/333-334). ينظر: كشاف القناع (2/278).(1/291)
خامساً: أن المقصود من الزكاة سدُّ الخلَّة التي لا يمكن أن يعمَّ بها جميع الأصناف، كما أن في إيجاب استيعاب جميع الأصناف تفويتاً لهذا المقصد(1).
أدلة القول الثاني
أولاً: قول الله - عز وجل -: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2).
وجه الدلالة:
أن الله - عز وجل - ذكر في هذه الآية أهل الزكاة، فجعل الصدقة لجميعهم, وشرَّك بينهم فيها بالواو التي تفيد التشريك, فلا يجوز الاقتصار على بعضهم، بل يجب استيعابهم(3).
يناقش هذا بأمرين:
الأول: أن المراد بذكر الأصناف في الآية الكريمة إنما هو بيان أسباب استحقاق الزكاة وأوجه صرفها ومحلها،لا قسمتها على جميع الأصناف,ولا تعميمهم بها وبيان الحصص(4).
الثاني: أن الآية الكريمة بين الله فيها قسم الصدقات كلها, فنقسم الصدقات كلها على ما ذكر في الآية، أما الصدقة الواحدة فليس في الآية بيان حكمها(5) .
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل سأله من الزكاة: ((إن الله ـ تعالى ـ لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك))(6)
__________
(1) ينظر: بداية المجتهد (1/275)، الفروق للقرافي (3/16).
(2) سورة التوبة، آية: (60).
(3) ينظر: الحاوي الكبير (8/479)، المستصفى ص (199)، حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب (1/389).
(4) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/204)، بداية المجتهد (1/275)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/424).
(5) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/205).
(6) رواه أبو داود في كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى، رقم (1630). من حديث زياد بن الحارث الصدائي - رضي الله عنه -.
…قال عنه المنذري ~ في مختصر سنن أبي داود (2/231): ((في إسناده عبد الرحمن ابن أنعم الأفريقي، وقد تكلم فيه غير واحد))، وكذا قال الهيثمي ~ في مجمع الزوائد (5/204)، وقد أعله بذلك ابن كثير في تفسيره ص (606)، وكذلك الشوكاني في نيل الأوطار (4/279).(1/292)
.
وجه الدلالة:
أن الله - عز وجل - جزَّأ الزكاة ثمانية أجزاء فدل ذلك على أنه لا يجوز دفع الصدقة في صنف واحد وأن الواجب تفريقها على جميع الأصناف بحصصهم. ويدل على صحة ذلك أيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للسائل: ((أعطيتك حقك))، حيث بيَّن أن لأهل كل جزء على حدته حقاً(1).
يناقش هذا بما يأتي:
الأول: أن الحديث متكلم فيه؛ لضعف بعض رواته كما بينته في تخريجه.
الثاني: أن الحديث ليس فيه إلا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفعله - صلى الله عليه وسلم - إنما يدل على السُّنِّية والاستحباب إلا إذا اقترن به ما يدل على الوجوب(2). فهذا الحديث يدل على استحباب استيعاب جميع الأصناف .
الثالث: هذا الحديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد حكم قسم الصدقات لما سئل عنها إلى حكم الله الذي تضمنته آية: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (3)، فلا يدل على وجوب استيعاب جميع الأصناف في الزكاة(4).
الرابع: أن الأحاديث التي تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم -لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة دفعها إلى جميع الأصناف, ولا تعميمهم بها, بل كان يدفعها إلى من تيسر من أهلها كثيرة. وهي أصح وأقوى في الدلالة على جواز تخصيص بعض أصناف أهل الزكاة بالصدقة(5).
الترجيح
__________
(1) معالم السنن (2/230).
(2) ينظر: أفعال الرسول ودلالتها على الأحكام (1/315-332).
(3) سورة التوبة، آية: (60).
(4) شرح معاني الآثار (2/17).
(5) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/205)، المغني (9/333).(1/293)
الذي يترجح للباحث من هذين القولين، هو القول الأول، وهو جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف التي ذكرها الله في آية قسم الصدقات؛ لقوة ما استدلوا به، والله أعلم.
وبناء على هذه النتيجة فيما يتعلق بجواز صرف الزكاة إلى صنف واحد من أصناف أهل الزكاة، فإنه لا مانع من توجيه أموال الزكاة سواء التي تتولى الدولة جمعها وصرفها، أو التي يخرجها أهلها إلى الأصناف التي لا يتسبب صرف الزكاة إليها في زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي يفضي إلى ارتفاع معدل التضخم النقدي كمصرف: وفي سبيل الله، والغارمين وذلك بإيفاء الديون التي في ذمم الغارمين.
والذي يظهر للباحث أن هذا المسلك أسلم من تأخير إخراج الزكاة للأوجه التالية:
الأول: أنه أسرع في إبراء ذمة أصحاب الأموال.
الثاني: أنه وسيلة لتحقيق مقصود الزكاة من سد الخلة مع السلامة من ارتفاع معدل التضخم النقدي لكون أموال الزكاة توجه إلى مصارف لا تتسبب في زيادة الإنفاق الاستهلاكي.
الثالث: أن الغالب في معالجة التضخم النقدي أن يمتد فترة زمنية ليست بالقصيرة، وتأخير إخراج الزكاة يفضي إلى تراكم الزكاة عند أصحابها، فإذا أخرجت الزكاة بعد ذلك ترتفع كمية النقود التي تضخ في أيدي الناس مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي يفضي إلى ارتفاع معدل التضخم النقدي.
الفصل السادس
تنظيم عرض النقود
وفيه تمهيد وأربعة مباحث:
المبحث الأول: التحكم في سعر الفائدة (معدل الربا).
المبحث الثاني: تنظيم إصدار النقود.
المبحث الثالث: تنظيم توليد النقود.
المبحث الرابع: التوظيف والإنفاق العام.
تمهيد:(1/294)
حاول كثير من الاقتصاديين البحث عن تفسير للتضخم النقدي وأسباب حدوثه. وقد تمخضت هذه المحاولات عن عدة توجهات ونظريات. وهذه النظريات على اختلافها تجعل لكمية النقود أثراً في حدوث التضخم وزيادة نسبته. ولهذا فإن الدراسات الاقتصادية على اختلافها تؤكد أن من أقوى العوامل والأسباب التي ينتج عنها التضخم النقدي الزيادة في عرض النقود(1). أي الزيادة في كمية النقود المتداولة في أيدي الناس، وكذلك كمية النقود المصرفية القابلة للسحب، كالودائع النقدية في الحسابات الجارية(2) في البنوك(3).
ولذلك فإن الدول عبر بنوكها المركزية تعتني بعرض النقود وحجم الأموال المتداولة والمستخدمة في الاقتصاد عناية فائقة تنظيماً وضبطاً، وذلك من خلال عدة أدوات ووسائل: منها التحكم في سعر الفائدة، ومنها التحكم في حجم الكتلة النقدية سواء النقود الورقية، وهي العملة المتداولة في أيدي الناس أو النقود المصرفية، وهي الودائع التي لدى البنوك؛ ومنها التوظيف المالي والتحكم في الإنفاق وغيرها؛ لتحقيق الاستقرار النقدي من خلال تفعيل أدوات السياسة النقدية والمالية.
وفي هذا الفصل سأتناول هذه الأدوات والوسائل في المباحث التالية:
أولاً: التحكم في سعر الفائدة (معدل الربا).
ثانياً: تنظيم إصدار النقود.
ثالثاً: تنظيم توليد النقود.
رابعاً: التوظيف والإنفاق العام.
المبحث الأول: التحكم في سعر الفائدة (معدل الربا).
المطلب الأول: حقيقة التحكم في سعر الفائدة
__________
(1) التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/44-45).
(2) وهي الودائع البنكية التي تكون تحت الطلب، ولا تحصل على فائدة (أي: ربا).
…[ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (200-201)].
(3) ينظر: الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة للدكتور نصر ص (270)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (361)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (284-285).(1/295)
تقدم أن سعر الفائدة هو العائد المفروض على القروض والديون المؤخرة بنسبة مئوية، يتم تحديدها استناداً إلى قوى العرض والطلب في أسواق النقود وإلى متغيرات اقتصادية أخرى(1).
ويعدُّ سعر الفائدة عاملاً بالغ التأثير في النشاط الاقتصادي المعاصر. ولذلك أوصى جماعة من الاقتصاديين باستخدام سعر الفائدة في معالجة التضخم النقدي، وذلك من خلال رفع سعر الفائدة.
وبيان ذلك أن ارتفاع سعر الفائدة ينتج عنه أمران كلاهما يحقق قدراً أكبر من الاستقرار في القوة الشرائية ويقلل من حجم النقد في الاقتصاد، فتخف بذلك الضغوط التضخمية على الاقتصاد.
أولاً: أن ارتفاع سعر الفائدة يحفِّز ويشجع على الادخار، فيتقلص بذلك الإنفاق الاستهلاكي على السلع والخدمات(2).
ثانياً: أن ارتفاع سعر الفائدة ينخفض به الميل إلى الاقتراض فيقل بذلك الطلب على النقود(3).
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للتحكم في سعر الفائدة وحكمه
__________
(1) ص (274 ).
(2) ينظر: نظرية التضخم ص (522)، الاقتصاد الكلي للدكتور نصر ص (345)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (134).
(3) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (307).(1/296)
اتفقت قرارات المجامع الفقهية والمجالس العلمية واللجان والهيئات الشرعية على أن الفائدة بجميع أنواعها وأشكالها من الربا(1) الذي جاء تحريمه بالكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة(2)، والذي يُعدُّ تحريمه أصلاً من أصول الشريعة في باب المعاملات. وبناء على ذلك فإن الواجب السعي في إلغاء الفائدة الربوية من جميع الأنشطة الاقتصادية، وتطهير المعاملات منها؛ لكونها من الربا، ولما لها من الآثار المدمرة على الاقتصاد التي هي تأويل قول الله - عز وجل -:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} (3).
ومما يجدر ذكره أن عدة دراسات اقتصادية انتهت إلى أن رفع سعر الفائدة ـ أي زيادة معدل الربا ـ لا يصلح في معالجة التضخم النقدي لعدة أوجه:
أولاً: أنه ليس من المؤكد أن يفيد رفع سعر الفائدة في التشجيع على الادخار وتقليص الإنفاق الاستهلاكي، وذلك لما يأتي:
الأول: أن الأفراد لا يغيرون نمط استهلاكهم بمجرد تغير سعر الفائدة(4).
الثاني: أن رفع سعر الفائدة سيؤدي إلى رفع مستوى الدخل في المستقبل لدى المدخرين بالنسبة للدخل الحالي، فهذا الارتفاع المرتقب في الدخل قد يشجع على زيادة الإنفاق الاستهلاكي في الوقت الحاضر. فإن لم يحصل ذلك فغاية ما يفيده سعر الفائدة تأجيل الاستهلاك بعض الوقت(5).
__________
(1) ينظر: بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية للدكتور أبو غدة ص (182-189)، إلغاء الفائدة من الاقتصاد ص (23)، نحو نظام نقدي عادل للدكتور شابرا ص (77)، الاقتصاد وأنظمته وقواعده وأسسه في ضوء الإسلام لعدنان حسين ص (198-199).
(2) ينظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص (103)، الحاوي الكبير للماوردي (5/74)، المجموع شرح المهذب (9/391).
(3) سورة البقرة، من الآية: (276).
(4) ينظر: نظرية التضخم ص (522).
(5) ينظر: نظريات الاقتصاد الكلي الحديثة للدكتور خليل (2/1118-1120).(1/297)
الثالث: ثبت عند بعض الاقتصاديين أن الفائدة ذات أثر مهدر في الادخار(1)، فإن الادخار موجود وله حوافز وأسباب عديدة، ولو لم توجد الفائدة.
ثانياً: أن رفع سعر الفائدة لا يفيد على المدى البعيد في تقليل حجم عرض النقود، بل غايته أن ينقل النقود السائلة إلى نقود مصرفية سواء ما كان منها تحت الطلب وما كان منها في حسابات آجلة(2)، فرفع سعر الفائدة يُعدُّ من أسباب التضخم النقدي لا من وسائل علاجه(3).
ثالثاً: أن رفع سعر الفائدة قد يأتي بنتيجة عكسية فيكون سبباً لزيادة كمية النقود في الاقتصاد، فيزيد بذلك معدل التضخم النقدي، وذلك أن رفع سعر الفائدة يشجع على الإيداع في المصارف، فتتنامى قدرة المصارف على الإقراض وغيره من الأنشطة الائتمانية(4)، فيزيد بذلك حجم النقود المعروضة(5)، لا سيما إذا كانت هذه القروض موجهة إلى غير الأنشطة الاقتصادية الإنمائية.
رابعاً: أن رفع سعر الفائدة يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاستثمار، وهذا يثبط أصحاب الأعمال عن الإنفاق في المشروعات الاستثمارية، فتزيد بذلك ميول الإنفاق الاستهلاكي فيزيد بذلك معدل التضخم النقدي(6).
__________
(1) ينظر: الجامع في أصول الربا ص (417).
(2) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (337-339).
(3) مجلة النور، فوائد البنوك، للدكتور وهبة الزحيلي، العدد (101)، ص (42-43).
(4) الأنشطة الائتمانية: المراد بها الائتمان المصرفي الذي يتمثل في القروض التي تمنحها المصارف لعملائها لاستخدامها خلال مدة معينة بشروط معينة وتجني من ورائها الفوائد الربوية.
…[ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص(192)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور شافعي ص (36)].
(5) ينظر: نظرية التضخم ص (522)، الاقتصاد الكلي للدكتور نصر ص (274)، الشروط النقدية لاقتصاد الأسواق ص (19).
(6) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (419).(1/298)
خامساً: أن رفع سعر الفائدة يؤدي إلى عدم الاستقرار النقدي المنشود؛ لأن سعر الفائدة المرتفع يزيد من قدر المديونية المربوطة بسعر الفائدة السائد، مما يؤدي إلى ارتفاع عدد العاجزين عن السداد فتزداد حالات الإفلاس، وهذا يؤدي إلى تدمير قيمة النقود على المدى البعيد(1).
المبحث الثاني: تنظيم إصدار النقود
المطلب الأول: حقيقة تنظيم إصدار النقود
يعدُّ إصدار النقود من أبرز وأهم وظائف وأعمال البنوك المركزية أو ما يقوم مقامها من المؤسسات المالية في دول العالم الحديث. فالبنك المركزي ينفرد عن سائر المؤسسات المالية في الدولة بحق إصدار النقود الورقية(2).
وهذا الإصدار للنقود يجري وفق قواعد متينة ومقاييس دقيقة ومعايير صارمة تنظم عملية الإصدار وتسعى إلى ضبطه بما يحقق المقاصد التالية(3):
أولاً: حفظ القيمة الشرائية للنقود؛ لئلا تفقد وظائفها المقصودة بها.
ثانياً: الموازنة بين عرض النقود وطلبها، لتلبية حاجات السوق من النقود السائلة ومنع اختلال سوق النقود.
ثالثاً: الحيلولة دون التوسع في إصدار النقود الذي له آثار مدمرة على العملة، بل على النشاط الاقتصادي عموماً.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لتنظيم إصدار النقود
__________
(1) ينظر: مجلة الاقتصاد الإسلامي، كارثة الفائدة، بقلم جوهان فيليب، العدد (194)، ص (54-56).
(2) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (370)، نظرية الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (634).
(3) ينظر: النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية ص (34-37)، الأسس الاقتصادية لسليفرمان ص (44)، الاقتصاد الكلي للدكتور نصر ص (345-353)، مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (102).(1/299)
يعدُّ إصدار النقود وتنظيمه والإشراف عليه ومراقبته من أهم وأبرز الوظائف الاقتصادية لولاة أمور المسلمين في الدولة الإسلامية منذ أوائل عهد الخلافة الإسلامية في زمن الخلفاء الراشدين. ففي خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كانت أولى محاولات ضرب الدراهم كما ذكر مؤرخو النقود. وتتابع على ذلك الخلفاء بعده فضربوا الدراهم على نقشها وأشكالها التي كانت دون تغير يذكر(1). واستمر الأمر على هذا إلى أن تولى الخلافة عبد الملك ابن مروان(2) فضرب الدراهم والدنانير على السكة الإسلامية عام خمسة وسبعين من الهجرة النبوية، فكان أول من ضربها ونقش عليها نقشاً خاصاً بالمسلمين من الخلفاء(3).
ومنذ ذلك العهد أصبح إصدار النقود محصورًا بالدولة، بل هو أحد أبرز وأهم واجباتها الاقتصادية ووظائفها السلطانية المالية(4).
__________
(1) ينظر: شذور العقود في ذكر النقود ص (110-111)، النقود ودور الضرب في الإسلام في القرنين الأولين ص (31-32).
(2) عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، بويع بالخلافة بعد أبيه مروان، فقيه تابعي، ولد سنة ست وعشرين، وسمع عدداً من الصحابة منهم: عثمان وأبو هريرة وأبو سعيد وأم سلمة ومعاوية وابن عمر وبريرة وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ، اجتمع الناس عليه، وتوطدت في زمانه خلافة بني أمية، توفي سنة ست وثمانين.
…[ ينظر: سير أعلام النبلاء (4/246)، تأريخ بغداد (10/388)].
(3) ينظر: تأريخ الأمم والملوك (3/576)، المنتظم في تأريخ الأمم والملوك (6/148)، معالم القربة في أحكام الحسبة ص (82).
(4) ينظر: زيف النقود الإسلامية ص (89-94)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (70).(1/300)
ولما في قصر إصدار النقود على ولاة أمور المسلمين من تحصيل مصالح الأمة وصيانة نقودها وحفظ معاملات الناس من الغش والفساد فقد تواردت أقوال الفقهاء وأهل العلم ـ رحمهم الله ـ على أن إصدار النقود من وظائف ولاة أمور المسلمين، وأن الواجب عليهم حفظها من الغش وصيانتها عن الإفساد(1).
ومن ذلك ما ذكره بعض الفقهاء من أن على ولاة الأمر تأديب من كسر الدراهم والدنانير(2)؛ لأن كسرها يؤدي ((إلى إدخال الغش في الذهب والورق; لأنه إذا قطعت صغاراً أدخل بينها المغشوش وتسامح الناس بإنفاق اليسير منه في الجملة، وخفي على كثير من الناس تمييزه من غيره))(3).
وقد قال الإمام أحمد ~ في بيان ما يجب على ولاة الأمور ونوابهم في شأن النقود والقيام عليها: ((لا يصلح ضرب الدراهم إلا في دار الضرب بإذن السلطان; لأن الناس إن رخص لهم ركبوا العظائم))(4).
وقال الماوردي(5)~: ((ومما يتعلق بالمعاملات غش المبيعات وتدليس الأثمان فينكره ويمنع منه ويؤدب عليه بحسب الحال فيه))(6).
__________
(1) ينظر: المصرفية الإسلامية السياسة النقدية للدكتور يوسف كمال ص (89-99)، الإسلام والنقود ص (16-19)، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (184).
(2) ينظر: ما ذكره العلماء من العقوبات الرادعة لمن يفسد النقود بالغش والتزييف في كتاب زيف النقود الإسلامية ص (89-94).
(3) المنتقى شرح الموطأ للباجي (4/264). وينظر: مواهب الجليل (4/342).…
(4) الفروع (2/457).
(5) علي بن محمد بن حبيب الماوردي، من فقهاء الشافعية وأعيانهم، له مصنفات منها: الحاوي الكبير، والأحكام السلطانية، وآداب الدنيا والدين، توفي عام (450 هـ).
…[ينظر: طبقات الشافعية الكبرى (3/303)، شذرات الذهب (3/285)].
(6) الأحكام السلطانية للماوردي ص (316)، وينظر: معالم القربة في أحكام الحسبة ص (70-71).(1/301)
وقال النووي ~ فيما يتعلق بتنظيم إصدار النقود: ((قال الشافعي والأصحاب: يكره للإمام ضرب الدراهم المغشوشة))(1).
وقال أيضاً: ((قال أصحابنا: ويكره أيضاً لغير الإمام ضرب الدراهم والدنانير إن كانت خالصة; لأنه من شأن الإمام، ولأنه لا يؤمن فيه الغش والإفساد))(2).
وقال ابن القيم ~: (( ويمنع من إفساد نقد الناس وتغييره, ويمنع من جعل النقود متجراً, فإنه بذلك يدخل على الناس من الفساد ما لا يعلمه إلا الله. بل الواجب أن تكون النقود رؤوس أموال, يتجر بها, ولا يتجر فيها. وإذا حرم السلطان سكة أو نقداً منع من الاختلاط بما أذن في المعاملة به.
معظم ولايته وقاعدتها: الإنكار على هؤلاء الزغلية(3), وأرباب الغش في المطاعم والمشارب والملابس وغيرها, فإن هؤلاء يفسدون مصالح الأمة, والضرر بهم عام لا يمكن الاحتراز منه, فعليه ألا يهمل أمرهم, وأن ينكل بهم وأمثالهم, ولا يرفع عنهم عقوبته, فإن البلية بهم عظيمة, والمضرة بهم شاملة ولا سيما هؤلاء الكيماويين(4) الذين يغشون النقود))(5).
__________
(1) المجموع شرح المهذب (5/494).
(2) المجموع شرح المهذب (5/495).
(3) الزغلية: مأخوذ من الزغل، وهو بمعنى الزيف، وهو من الألفاظ المعربة.
…[ ينظر: قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل (2/89)].
(4) نسبة إلى الكيمياء، والمقصود بها هنا غش, وهي تشبيه المصنوع من ذهب أو فضة أو غيره بالمخلوق. فالكيماويون هم من يشتغل بذلك.
…[ ينظر: الفروع (4/168-169)].
(5) الطرق الحكمية ص (350).(1/302)
وقال أيضاً في ضرورة الأمة إلى استقرار قيمة النقود: ((والثمن ـ أي: النقود ـ هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال, فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض; إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات, بل الجميع سلع. وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة, وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة, وذلك لا يكون إلا بثمن تقوّم به الأشياء, ويستمر على حالة واحدة, ولا يقوّم هو بغيره ; إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض, فتفسد معاملات الناس, ويقع الخلف, ويشتد الضرر, كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تُعدُّ للربح فعمَّ الضرر وحصل الظلم, ولو جعلت ثمناً واحداً لا يزداد ولا ينقص بل تقوّم به الأشياء ولا تقوّم هي بغيرها لصلح أمر الناس )) (1).
وقال البهوتي ~: ((ينبغي للسلطان أن يضرب لهم أي: الرعايا فلوساً تكون بقيمة العدل في معاملاتهم من غير ظلم لهم؛ تسهيلاً عليهم, وتيسيراً لمعاشهم، ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس, بأن يشتري نحاساً فيضربه فيتجر فيه؛ لأنه تضييق))(2).
__________
(1) إعلام الموقعين (2/137).
(2) كشاف القناع (2/233).(1/303)
وقد نبّه شيخ الإسلام ابن تيمية ~ في كلام له عما يجب مراعاته في ضرب الفلوس إلى أن إصدار النقود يجب أن يكون استجابة لحاجة الأمة ومصلحتها، لا لجني الأرباح من إصدارها أو الاتجار بها فقال : ((فإن الفلوس النافقة يغلب عليها حكم الأثمان وتجعل معيار أموال الناس. ولهذا ينبغي للسلطان أن يضرب لهم فلوساً تكون بقيمة العدل في معاملاتهم ; من غير ظلم لهم. ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس أصلاً; بأن يشتري نحاساً فيضربه فيتجر فيه ولا بأن يحرم عليهم الفلوس التي بأيديهم ويضرب لهم غيرها; بل يضرب ما يضرب بقيمته من غير ربح فيه; للمصلحة العامة ويعطي أجرة الصناع من بيت المال. فإن التجارة فيها باب عظيم من أبواب ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل; فإنه إذا حرم المعاملة بها حتى صارت عرضاً وضرب لهم فلوساً أخرى أفسد ما عندهم من الأموال بنقص أسعارها فيظلمهم فيها وظلمهم فيها بصرفها بأغلى من سعرها. وأيضاً فإذا اختلفت مقادير الفلوس صارت ذريعة إلى أن الظلمة يأخذون صغاراً فيصرفونها وينقلونها إلى بلد آخر ويخرجون صغارها فتفسد أموال الناس ))(1).
ومن خلال ما سبق من كلام الفقهاء ـ رحمهم الله ـ فيما يتعلق بتنظيم الإصدار النقدي وضبطه يمكن استخلاص النقاط التالية التي تمثِّل الخطوط الرئيسة لعملية إصدار النقود عند الفقهاء أو الأصول التي تبنى عليها هذه العملية وتنظم وتضبط بواسطتها عندهم:
أولاً: وجوب العناية بالنقود والعمل على صيانتها من كل ما يضعف قيمتها أو يعطل وظائفها، فالتزام ذلك يحقق الاستقرار في النظام النقدي ويسلم من تقلبات النقود التي تعصف بقوتها الشرائية.
ثانياً: أن إصدار النقود من وظائف ولاة الأمر وواجباتهم أو من ينيبونه، ويجب عليهم فيها تحري المصلحة العامة والحاجة إلى النقد.
__________
(1) مجموع الفتاوى (4/469).(1/304)
ثالثاً: أن لولي الأمر الحق في عقوبة كل من يعمل على إصدار النقود أو إفسادها ونقص قيمتها بما يراه رادعاً؛ لما في ذلك من المفاسد والمضار.
رابعاً: أن على ولاة الأمر بذل الجهود في مراقبة النقود من خلال الأجهزة ذات الكفاءة والأمانة، ومن خلال المقاييس الدقيقة التي تبين التغيرات في كمية النقود؛ للتحكم في العرض الكلي للنقود من أجل تحقيق الاستقرار النقدي المنشود.
خامساً: لا يجوز أن يتخذ الإصدار النقدي مصدراً من مصادر التمويل وتحصيل الأرباح والعوائد؛ لما في ذلك من إفساد للنظام النقدي؛ بل الواجب أن يرتبط إصدار النقود بحاجة الناس ومصلحتهم. وقد تقدم النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية فيما يجب على ولاة الأمر مراعاته في إصدار النقود وأنه لا يجوز أن يتجر ذو السلطان في الفلوس؛ بل الواجب أن يراعى في الضرب المصلحة العامة. وذلك لإن التجارة فيها باب عظيم من أبواب ظلم الناس، وأكل أموالهم بالباطل. وما قاله يتأكد مراعاته في النقود المعاصرة لسهولة إصدارها، وكبير ربحها مما يغري الجهات المصدرة بالتوسع في إصدارها(1).
ومما يدل على صحة هذه الأصول في الإصدار النقدي وجوب مراعاتها ما يأتي:
أولاً: أن التوسع في إصدار النقود دون تنظيم وضبط من التطفيف الذي نهى الله - عز وجل - عنه وتوعد أهله في مثل قوله- عز وجل -: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (2)، إذ التطفيف هو نقص الشيء وتقليله، وهو ضد التوفية(3)، فلا يقتصر ذلك على نقص الكيل والوزن، فلكل شيء وفاء وتطفيف(4).
__________
(1) ينظر: آثار التضخم على العلاقات التعاقدية ص (15).
(2) سورة المطففين، آية:(1).
(3) ينظر: معجم المقاييس في اللغة، مادة (طف)، ص (616)، الدر المصون للسمين الحلبي (10/715).
(4) قال الإمام مالك ~: ويقال: لكل شيء وفاء وتطفيف. ذكره في الموطأ (1/12).(1/305)
أما وجه كون التوسع في الإصدار النقدي وعدم تنظيمه تطفيفاً فذلك أن إصدار وحدات جديدة من النقود دون أن يصاحبها زيادة في إنتاج السلع والخدمات يفضي إلى نقص قيمة النقود التبادلية ويضعف قوتها الشرائية؛ حيث تزيد كمية عرض النقود، وهذا تطفيف لقيمة ما بأيدي الناس من وحدات النقد(1).
ثانياً: أن التوسع في إصدار النقود دون تنظيم وضبط بخس لأموال الناس وإفساد له(2)، فيكون داخلاً فيما نهى الله عنه في قول الله - عز وجل -:{وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (3). إذ عدم ضبط الإصدار النقدي سيؤدي إلى نقص ما بأيدي الناس من نقود(4).
ثالثاً: أن من أعظم مقاصد الشريعة في الأموال وغيرها إقامة العدل ومنع الظلم وأن يقوم الناس بالقسط في جميع شؤونهم(5). وتنظيم إصدار النقود وضبطه من أهم الوسائل التي يتحقق بها إقامة العدل في أموال الناس ومنع الظلم فيها(6).
__________
(1) ينظر: الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة للدكتور نصر ص (621-630)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (242-245).
(2) ينظر: نحو نظام نقدي عادل للدكتور شابرا ص (51-52).
(3) سورة الشعراء، آية: (183).
(4) ينظر: المصرفية الإسلامية السياسة النقدية للدكتور يوسف كمال ص (100)، إلغاء الفائدة من الاقتصاد ص (94)، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون، عبد الجبار السبهاني، العدد (10)، ص (20).
(5) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/97)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (28/385)، الموافقات للشاطبي (3/47).
(6) ينظر: تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية ص (46-47)، التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/63)، النقود الائتمانية للعمر ص (249).(1/306)
رابعاً: أن موضوع الولاية والإمامة ومقصودها حراسة الدين وسياسة الدنيا وتدبيرها(1). ومن آكد ما تحصَّل به سياسة أمر الدنيا تحصيل مصالح العباد في أموالهم وصيانتها من الإفساد، ولذلك أناط الفقهاء سلطة إصدار النقود والقيام على حفظها بالولاة منذ زمن بعيد وجرى على ذلك عمل المسلمين. فالأصل الذي تجب مراعاته فيما يتعلق بعملية الإصدار النقدي هو تحصيل المصلحة العامة وتوقي الأخطار المترتبة على التوسع في إصدار النقود(2).
ومما لا ريب فيه أن الحاجة إلى تنظيم إصدار الأوراق النقدية في هذا الوقت أمسُّ وآكد منها في النقود التي تحدث عنها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ بل يعدُّ تنظيم إصدار النقود والعمل على ضبطه من الضرورات التي لا يصلح معاش الناس ومعاملاتهم إلا بها، ويتبين ذلك بالأوجه التالية:
أولاً: أنه لا سبيل إلى تحقيق الاستقرار النقدي في أي اقتصاد دون تنظيم عملية الإصدار النقدي، إذ إن الدراسات الاقتصادية تؤكد أن التوسع في إصدار النقود وعرضها من أقوى العوامل التي تحدث التضخم النقدي وتغذيه(3).
ثانياً: أن إصدار النقود المعاصرة أسهل بكثير من إصدار النقود الذهبية والفضية والنقود المعدنية من غير الذهب والفضة، وأقل كلفة حيث تقترب تكلفة إصدار النقود المعاصرة من الصفر مما يغري بالتوسع في إصدارها(4).
__________
(1) ينظر: غياث الأمم في التياث الظلم ص (181، 200)، الأحكام السلطانية للماوردي ص (5).
(2) ينظر: النقود الائتمانية للعمر ص (248، 252)، نحو نظام نقدي عادل للدكتور شابرا ص (51-52)، النقود والمصارف في النظام الإسلامي ص (155).
(3) ينظر: النقود والتوازن الاقتصادي ص (107)، التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/45).
(4) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/63)، الشروط النقدية لاقتصاد الأسواق ص (40).(1/307)
ثالثاً: أن الإصدار النقدي من الوسائل الهامة في الحصول على قوة شرائية بالنسبة للدول والحكومات، ولذلك تلجأ كثير من الدول إلى إصدار مزيد من النقود الورقية لسدِّ العجز الذي قد يحصل في الميزانية الحكومية(1) أو لغير ذلك من المعالجات الاقتصادية(2). ولذلك كان من الضروري العمل على ضبط الإصدار النقدي بضوابط صارمة لمقاومة إغراء اللجوء إلى الإصدار النقدي لتجاوز الاختناقات الاقتصادية في ميزانيات الدول.
المبحث الثالث: تنظيم توليد النقود
المطلب الأول: حقيقة تنظيم توليد النقود
__________
(1) الميزانية العامة: هي بيان تفصيلي يتضمن تقديراً متوقعاً للإيرادات العامة للدولة ومصروفاتها ونفقاتها خلال مدة زمنية الغالب أنها سنة.
…وهذا التقدير لا يخلو من إحدى ثلاث أحوال:
…أن تغطي الإيرادات العامة المتوقعة جميع النفقات المتوقعة، وتسمى هذه الحال باسم توازن الميزانية.
…أن تزيد الإيرادات العامة المتوقعة على جميع النفقات المتوقعة، وتعرف هذه الحال باسم الفائض في الموازنة.
…أن تنقص الإيرادات العامة المتوقعة عن مجموع النفقات المتوقعة، وتعرف هذه الحال باسم العجز في الموازنة.
…[ ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (217، 802)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (76) ].
(2) ينظر: الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة للدكتور نصر ص (650-652)، النقود والتوازن الاقتصادي ص (73).(1/308)
من آكد وأهم ما يندرج في إطار عملية تنظيم عرض النقود وضبطها تنظيم عرض النقود المصرفية أو نقود الودائع وضبط توليدها؛ إذ إنها تمثل النسبة العظمى من كمية النقود المعروضة وحجمها فقد تبلغ في بعض البلدان تسعين في المائة من كمية النقود المعروضة أو أكثر من ذلك(1).
وتتلخص فكرة توليد النقود في أن المصارف لاحظت أن أصحاب الودائع لا يقومون عادة بسحبها جميعاً مرة واحدة، كما أنهم لا يتقدمون لسحبها جميعاً دفعة واحدة، هذا من جانب. ومن جانب آخر أن هذه السحوبات يقابلها إيداعات جديدة مما يجعل مستوى ما لدى المصرف من الودائع يكاد يكون ثابتاً تقريباً لا سيما مع تطور الأدوات المالية في النظام المصرفي التي تغني عن حمل النقود الورقية كالشيكات والبطاقات المصرفية(2)
__________
(1) ينظر: الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة للدكتور نصر ص (272)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (284-285)، النقود والبنوك والأسواق المالية للدكتور الزامل ص (107-108)، النظرية الاقتصادية للدكتور جامع (2/63).
(2) البطاقات المصرفية: هي عبارة عن رقع بلاستيكية غالباً تصدرها البنوك والمؤسسات المالية لعملائها؛ لإجراء وتسهيل التبادلات والمعاملات المالية كتسديد الفواتير أو الاقتراض أو السحب من الرصيد أو البيع والشراء ونحو ذلك.
…[ ينظر: البطاقات البنكية لأعبد الوهاب أبو سليمان ص (23-25)، بطاقات الائتمان والأحكام المتعلقة بها للشيخ يوسف الشبيلي ص (34- 42)].(1/309)
. فلما كان الأمر على ما وصف شجع ذلك المصارف على الاستفادة من هذه الأرصدة النقدية واستثمارها، بعد إبقاء نسبة معينة من الودائع لدى المصرف نفسه نقداً ورقياً لتغطية سحوبات العملاء المتوقعة والظروف الطارئة(1)، ونسبة أخرى رصيداً نقدياً لدى المصرف المركزي. وتسمى هذه النسب النقدية التي يحتفظ بها المصرف المركزي لمواجهة تلك السحوبات الاحتياطي القانوني أو النقدي(2).
وبالنظر إلى أنواع استثمارات المصارف في هذه الودائع يتبين أن أبرزها وأهمها هو إقراضها بزيادة ربوية، وهو ما يعرف بمنح القروض. والذي يروج هذا النوع من الاستثمار ويشجع عليه هو أن الإقراض من أنواع الاستثمار الآمنة، بل هو أشدها إغراء وربحاً. وبهذه العملية، وهي قبول الودائع من العملاء ثم إقراضها بفائدة، أصبح في مقدور المصارف أن تولد نقوداً جديدة مشتقة من نقود الودائع. إلا أن المصارف تختلف قدرتها في توليد النقود ومنح الائتمان استناداً إلى عدة عوامل من أهمها: نسبة الاحتياطي النقدي التي يفرضها المصرف المركزي لينظم عمل المصارف، والأساس النقدي الذي تملكه هذه المصارف، أي حجم الودائع التي تقبلها المصرف من أصحاب الأموال(3).
ولمعرفة الكيفية التي ينتج عنها توليد النقود ومنح الائتمان أذكر مثالاً توضيحياً تتبين به هذه العملية:
__________
(1) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (601)، النقود في النشاط الاقتصادي ص (41)، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية للدكتور عجمية ص (74-75).
(2) ينظر: الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة للدكتور نصر ص (277)، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (76، 386)، معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (322).
(3) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (447-448)، النقود والتوازن الاقتصادي ص (304،308-309)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (604-606)، النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (124).(1/310)
فإذا قُدِّر أن نسبة الاحتياط النقدي التي حددها البنك المركزي هي عشرون في المائة، فإن إيداع زيد مائة ألف ريال لدى المصرف رقم (1)، يعني أن زيداً قد أقرض المصرف قرضاً قدره مائة ألف ريال، وهذا المبلغ سينقسم لدى المصرف إلى قسمين:
القسم الأول: يضم إلى الاحتياطي النقدي القانوني، وقدره في هذا المثال عشرون ألف ريال.
القسم الثاني: وهو ما يمثل بقية القرض ثمانون ألف ريال، فسيعمل المصرف على استثماره بمنح الائتمان، فإذا أقرض المصرف رقم (1) الثمانين الألف لبكر، فقام بكر بإيداعه في المصرف رقم (2)، فالمصرف سيصنف هذا المبلغ إلى القسمين السابقين:
الأول: ستة عشر ألفاً يضم إلى الاحتياطي النقدي القانوني.
الثاني: أربعة وستين ألفاً سيعمل المصرف على استثماره بالإقراض بفائدة لبدر، وهكذا دواليك إلى أن تستنفد إمكانات توليد النقود من قبل النظام المصرفي(1). علماً أن هذا التوليد للنقود قد لا يترتب عليه زيادة في حجم النقود الورقية، فالزيادة هنا هي في كمية النقود المصرفية المسجلة في دفاتر المصارف(2).
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لتنظيم توليد النقود
المسألة الأولى: حكم توليد النقود
__________
(1) ينظر: مقدمة في النقود والبنوك للدكتور القري ص (173-177)، مذكرات في النقود والبنوك للدكتور هاشم ص (49-55).
…تنبيه: للاقتصاديين عدة طرق لحساب كمية النقود المولَّدة منها هذه المعادلة الحسابية:
…كمية النقود المولدة= الوديعة الأصلية [(1- نسبة الاحتياطي القانوني) نسبة الاحتياطي القانوني].
(2) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور خليل ص (602).(1/311)
يتضح من البيان السابق لعملية توليد النقود أن حقيقتها الشرعية أنها إقراض، فإن كان ذلك بفائدة، وهو الغالب في عمل المصارف، فقد تقدم أن قرارات المجامع الفقهية والمجالس العلمية واللجان والهيئات الشرعية متفقة على أن الفائدة بجميع أنواعها وأشكالها من الربا(1)، وبناء على هذا فإن ما تقوم به المصارف الربوية من توليد النقود غير جائز؛ لاشتماله على الربا.
أما حكم توليد النقود من قبل المصارف التي لا تتعامل بالربا فهذا لم أقف فيه لأهل العلم من الفقهاء على كلام إلا أن بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي تناولوا هذه المسألة بالبحث، وقد انقسموا في حكم توليد النقود عن طريق الاستثمارات غير الربوية إلى قسمين(2):
القسم الأول: قالوا بجواز قيام المصارف بتوليد النقود بالقدر الذي تقتضيه المصلحة الاقتصادية.
…القسم الثاني: قالوا بعدم جواز قيام المصارف بتوليد النقود مطلقاً.
وهذا الاختلاف في الحقيقة امتداد لاختلاف الآراء الاقتصادية في توليد النقود حيث إن للاقتصاديين رأيين في مسألة توليد النقود بناء على الآثار المترتبة عليه في الوضع الاقتصادي، وقد حاول كل فريق أن يتلمس من الأدلة ما يعضد رأيه.
فاحتج القائلون بجواز قيام المصارف بتوليد النقود بما يأتي:
أولاً: أن الأصل في المعاملات الإباحة والحل.
ثانياً: المصالح الاقتصادية العامة التي يحققها توليد النقود.
أما القائلون بعدم جواز قيام المصارف بتوليد النقود فقد احتجوا بما يأتي:
__________
(1) ص (374).
(2) ينظر: النقود الائتمانية للعمر ص (126-133)، التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (1/91-110)، تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية ص (237-246)، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون، عبد الجبار السبهاني، العدد (10)، ص (21).(1/312)
أولاً: أن في منح المصارف إمكانية توليد النقود تعدياً على حق ولاة الأمور في الانفراد بسلطة الإصدار النقدي.
يجاب على هذا: بأن عملية توليد المصارف للنقود؛ إذناً، وتنظيماً، وإدارة، ومراقبة إنما يتولاها المصرف المركزي الذي يمثل ولي الأمر في هذا الجانب، وعلى هذا فليس في عملية توليد النقود تعدٍّ على سلطة ولي الأمر ولا افتأتٌ عليه.
ثانياً: أن عملية توليد المصارف للنقود تعتمد على أموال المودعين، فمنح المصارف هذه النقود يُعدُّ تصرفاً فيما لم يملك.
يجاب على هذا: بأن حقيقة أموال المودعين في يد المصارف إنما هي قروض لهم على المصارف، فيد المصارف عليها يد ملك، فلهم أن يتصرفوا بها تصرف الملاك.
ثالثاً: أن قيام المصارف بتوليد النقود المصرفية ينتج عنه مفاسد عديدة توجب القول بمنعه وعدم جوازه، ومن ذلك:
الأول: أن التوسع في توليد النقود يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار.
الثاني: أن قيام المصارف بتوليد النقود يؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة من المجتمع، وهم أصحاب المصارف والمساهمون فيها.
الثالث: أن قيام المصارف بتوليد النقود يضعف من قدرة المصرف المركزي على تحقيق التوازن النقدي.
…يجاب على هذا: بأن القول بجواز توليد المصارف النقود المصرفية مقيد بالقدر الذي تتطلبه المصلحة الاقتصادية فإذا كان توليد النقود يفضي إلى مفاسد تربو على المصالح المنشودة منه فإنه لا ريب في توجه القول بمنعه وعدم جوازه.
والذي يترجح من هذين القولين هو القول بجواز توليد النقود؛ لقوة ما احتج به القائلون بالجواز، ولأن عملية توليد النقود ما هي إلا نوع من القرض، ولذا فإن حكم توليد النقود هو حكم القرض. وقد أجمع العلماء على أن القرض جائز، وأنه من أعمال الخير(1)، فلا وجه للقول بأن توليد النقود لا يجوز من حيث الأصل، والله أعلم.
__________
(1) ينظر: مراتب الإجماع ص (108)، المغني (6/429)، جامع المسائل لشيخ الإسلام (2/177).(1/313)
المسألة الثانية: حكم تنظيم توليد النقود
من خلال بيان حقيقة تنظيم توليد النقود فيما سبق يمكن استخلاص نقاط رئيسة حول عملية توليد النقود تمثِّل مرتكزاً يمكن أن يبنى عليه التكييف الفقهي لتنظيم عملية توليد النقود، وهي كما يأتي:
أولاً: أن توليد النقود عملية لا يختص بها المصرف المركزي كما هو الشأن في إصدار النقود الورقية، بل يشرك فيها المصارف التي تعمل في الجهاز المصرفي وغيرها.
ثانياً: أن للمصارف التجارية قدرة كبيرة على توليد النقود دون عناء يذكر حتى في ظل الأدوات التي تحد من قدرة المصارف على توليد النقود.
ثالثاً: أن عملية توليد النقود تشكل نسبة كبيرة من دخل المصارف دون أن يترتب عليها تكاليف ذات بال بالنسبة للمصرف، في حين أن تكلفة ذلك يتحملها كل من يحمل الورقة النقدية.
رابعاً: أن عملية توليد النقود عن طريق المصارف لا تقل خطراً عن عملية الإصدار النقدي التي ينفرد بها المصرف المركزي، فتوليد النقود لا يختلف عن الإصدار النقدي إلا من حيث طريقة الإصدار.
كل هذه النقاط تؤكد أن تنظيم توليد النقود ضرورة اقتصادية لحفظ اقتصاد الأمة من الاختلال والتقلب بسبب التوسع في توليد النقود الذي إذا لم ينظَّم ويضبط فإنه سيفضي إلى تدهور قيمة النقود كما أنه سيهوي بالاستقرار النقدي.
وإدراكاً لخطورة هذا الأمر فإن الدول على اختلاف أنظمتها وسياساتها جعلت مراقبة الائتمان المصرفي كماً ونوعاً وتوجيهه بما يحقق المصلحة الاقتصادية العامة من المهام الرئيسة للبنك أو المصرف المركزي فيها(1).
__________
(1) ينظر: النقود والبنوك للدكتور قريصة ص (144).(1/314)
وما كان في مثل هذه المنزلة من الأهمية والخطورة فلا ريب أن الشريعة المطهرة التي وضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً(1) تأمر به، فإن الله تعالى أوجب على العباد فعل المصلحة بحسب الإمكان، وكلما كانت المصلحة أعظم كان الأمر بها أوكد(2). كما أن ما تقدم من الأدلة على وجوب تنظيم الإصدار النقدي يدل على وجوب تنظيم توليد النقود، بل إن تنظيم توليد النقود وضبطه آكد وأهم من تنظيم الإصدار النقدي، وذلك لأن المعاني التي بُني عليها القول بوجوب تنظيم الإصدار النقدي وجودها في عملية توليد النقود أقوى. فالتطفيف في أموال الناس وإفسادها بنقص قيمتها ووقوع الظلم بينهم وفساد معاملاتهم واقتصادهم الحاصل بسبب التوسع في توليد النقود وعدم تنظيمه أكبر بكثير منه في التوسع في الإصدار النقدي. ومن القواعد أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وقوةً وضعفاً(3).
المبحث الرابع: الإنفاق العام والتوظيف
المطلب الأول: الإنفاق العام
المسألة الأولى: حقيقة الإنفاق العام
الفرع الأول: تعريفه
__________
(1) ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/8)، إعلام الموقعين (3/14، 192)، الموافقات للشاطبي (2/37).
(2) ينظر: منهاج السنة النبوية (6/148) ، الفروق للقرافي (3/94)، إعلام الموقعين (3/195).
(3) ينظر: كشف الأسرار (3/404،4/83)، حاشية العطار (2/276)، القواعد والأصول الجامعة للسعدي ص (86-87).(1/315)
الإنفاق العام مصطلح مستعمل في الدراسات الاقتصادية، ولم يستعمله الفقهاء فيما وقفت عليه، ويطلق عند الاقتصاديين على الأموال التي تصرفها الدولة على السلع والخدمات، أو لإعانة فئة من فئات المجتمع، أو لإقامة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية المختلفة وغير ذلك من المنافع العامة(1).
ومما تقدم يمكن القول بأن مصطلح الإنفاق العام يصدق عند الفقهاء على ما يصرفه ولي أمر المسلمين من بيت المال في المصالح العامة(2). فيشمل ((ذلك جميع النفقات العامة للحكومة وأجهزتها وهيئاتها، سواء أكانت نفقات عادية أم إنمائية(3)))(4).
الإنفاق العام في الدولة الإسلامية هو الوسيلة التي من خلالها تحقق الدولة مقاصدها وتقوم بوظائفها ومهامها من حراسة الدين وسياسة الدنيا.
أما الأهداف الرئيسة للإنفاق العام في الدولة الإسلامية فيمكن إجماله في ثلاثة أهداف(5):
الأول: توفير الحد الأدنى من المعيشة لجميع أفراد الأمة.
__________
(1) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (702)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (324)، الاقتصاد وأنظمته للدكتور حسين ص (73)، النظرية الاقتصادية الإسلامية ص (110-111).
(2) ينظر: المبسوط (23/175)، تبصرة الحكام (1/18)، الأحكام السلطانية للماوردي ص (74، 355)، مطالب أولي النهى (1/290).
(3) النفقات الإنمائية: هي ما تنفقه الدولة في شراء ما تحتاجه من الآلات والمعدات، وكذا ما تنفقه على الاستثمارات التجارية.
…[ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (114)].
(4) السياسات المالية دورها وضوابطها في الاقتصاد الإسلامي للدكتور منذر قحف ص (7).
(5) مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، مفهوم الإنفاق العام في دولة إسلامية حديثة، للدكتور محمد نجاة صديقي، العدد (5)، ص (3-5).(1/316)
الثاني: تقليل أوجه التفاوت بين أفراد الأمة بالتوزيع العادل للأموال كما قال تعالى: { كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } (1).
الثالث: تنمية الأمة بمفهومها الشامل الذي يشمل حفظ مصالحها الدينية والدنيوية والقيام بها.
وبقدر ما تحقق الدولة من إنجاز في هذه المحاور الرئيسة من محاور الإنفاق العام بقدر ما يحصل من العدل الاجتماعي والنمو الاقتصادي والاستقرار النقدي.
الفرع الثاني: أثر الإنفاق العام في معالجة التضخم النقدي
لما كان التوسع في الإنفاق عموماً هو أحد أبرز عوامل التضخم النقدي وأسبابه، فمن الطبيعي أن يكون للإنفاق العام للحكومات والدول أثر بالغ في معالجة التضخم النقدي، إذ من المعلوم أن الإنفاق الحكومي يعد المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي في كثير من بلدان العالم؛ لانتشاره وتنوع أسبابه. ولذلك فإن من أهم الوسائل الاقتصادية والتدابير المتبعة في معالجة التضخم النقدي العمل على تخفيض الإنفاق العام؛ لأن ذلك سيؤدي إلى خفض مستوى الاستهلاك فينقص بذلك الطلب على السلع والخدمات، مما سيساعد في وقف ارتفاع المستوى العام للأسعار والحد من تدهور قيمة النقود(2).
المسألة الثانية: التكييف الفقهي للإنفاق العام
__________
(1) سورة الحشر، جزء من آية: (7).
(2) ينظر: مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (414)، النقود في النشاط الاقتصادي ص (216)، التضخم المالي للدكتور عناية ص (171)، التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (2/339-340).(1/317)
قيام الدولة بتخفيض الإنفاق العام من أجل معالجة التضخم النقدي، ووقف ارتفاع المستوى العام للأسعار والحد من تدهور قيمة النقود يندرج في تصرف ولي الأمر في المال العام بالأصلح للأمة، وهذا هو الواجب عليه؛ لأن الولاية والإمامة ((موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا))(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~ في بيان ما يجب على ولاة أمور المسلمين في الأموال العامة: ((وليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم, كما يقسم المالك ملكه, فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء, ليسوا ملاكاً, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني، والله، لا أعطي ولا أمنع أحداً, وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت(2)))(3). ثم قال: ((فهذا رسول رب العالمين, قد أخبر أنه ليس المنع والعطاء بإرادته واختياره, كما يفعل ذلك المالك الذي أبيح له التصرف في ماله))(4).
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص (29). ينظر: بدائع الصنائع (7/57)، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص (34).
(2) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب قول الله تعالى: { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } ، رقم (2885)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(3) السياسة الشرعية ص (39).
(4) السياسة الشرعية ص (39-40).(1/318)
ويجب على ولي الأمر أو من ينيبه من الجهات المسؤولة عن اتخاذ قرار تخفيض الإنفاق العام للدولة أن يستعين بأهل القوة في العلم والخبرة، وأهل الأمانة في العمل والأداء من ذوي الاختصاص في جدوى اتخاذ مثل هذا القرار وفي تحديد قدر التخفيض ونوعه والمجالات التي يشملها. وذلك أن الإنفاق الحكومي ليس على درجة واحدة من الأهمية، بل هو متفاوت باعتبار مراتب جهات الإنفاق وما يحققه من المصالح العامة فمنها ما هو ضروري ومنها ما هو حاجي ومنها ما هو تحسيني. فمن ((المهم جداً النظر إلى أنواع النفقات العامة التي يتم تخفيضها عند استخدام سياسة الإنفاق العام في محاربة التضخم))(1) النقدي.
فما لا يمكن الاستغناء عنه من النفقات الضرورية العامة في جميع المجالات: الشرعية والتعليمية والدفاعية والأمنية والصحية والاجتماعية وغير ذلك، فإنه لا يجوز المساس بها؛ لعظم الضرر الحاصل بتعطيلها أو اختلالها. ومثل ذلك المجالات التي تسهم في تنشيط اقتصاد الأمة وتحفيز نموه. أما ما عدا ذلك من النفقات فتخفض بالقدر الذي لا يحصل به اختلال مصالح الأمة. ومما ينبغي أن يراعى في جميع تلك الجهات تقديم الأهم فالأهم، والأصلح فالأصلح(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~ في بيان ما يجب مراعاته في إنفاق الأموال العامة: (( وأما المصارف فالواجب أن يبتدئ في القسمة بالأهم فالأهم من مصالح المسلمين العامة))(3). كما ينبغي أن يراعى في ذلك المصلحة العامة، ولو ترتب عليه فوات المصلحة الخاصة؛ ((لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة))(4).
المطلب الثاني: التوظيف
__________
(1) السياسات المالية دورها وضوابطها في الاقتصاد الإسلامي للدكتور منذر قحف ص (58).
(2) ينظر: الفروق للقرافي (3/4)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/82).
(3) السياسة الشرعية ص (58).
(4) الموافقات (2/367). ينظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/191)، المنثور في القواعد (1/389).(1/319)
المسألة الأولى: حقيقة التوظيف
الفرع الأول: تعريفه في اللغة
التوظيف مصدر الفعل وظَّف. ومادة الواو، والظاء، والفاء (وظف) لها في اللغة استعمالات عديدة ألصقها بموضوع الدراسة معنى: التقدير والإلزام؛ فيقال: ((وظَّفت له، إذا قدرت له كل حين شيئاً من رزق أو طعام))(1)، ويقال أيضاً: ((وَظَف الشيءَ على نفسه، وووَظَّفَه توظِيفاً: أَلزمها إياه ))(2).
فالتوظيف: هو تعيين قدر والإلزام به. ويسمى ذلك وظيفة أيضاً(3).
الفرع الثاني: تعريفه في الاصطلاح
لم أقف في كلام الفقهاء ـ رحمهم الله ـ على تعريف عام للتوظيف، لكن المعنى الذي ينتظم ما ذكره الفقهاء من صور التوظيف المختلفة عند كلامهم على الجزية، والخراج(4)، وما يفرضه الإمام على الأغنياء من المسلمين في وقت الحاجة(5) أن التوظيف: قدر من المال يفرضه ولي الأمر لسبب ما على بعض الناس(6).
__________
(1) معجم المقاييس في اللغة، مادة (وظف)، ص (1096).
(2) لسان العرب، مادة (وظف), (9/358).
(3) القاموس المحيط، مادة (الوظيف)، ص (1111).
(4) الخراج: اسم لما خرج من الشيء من عين ومنفعة، ومنه ما يخرج من نماء الأرض، وسمي به ما يأخذه السلطان من وظيفة الأرض أو غيرها.
…[ينظر: شرح فتح القدير (6/31)، المنثور في القواعد (2/119)، الدر النقي (2/338)].
(5) ينظر: بدائع الصنائع (7/108)، أنوار البروق (1/141)، تحفة المحتاج (3/242)، الفروع (2/436).
(6) ينظر: المبسوط (3/8،10/79)، شرح فتح القدير (6/45)، الخرشي شرح مختصر خليل (7/94)، حاشية الدسوقي (4/89)، تحفة المحتاج (6/86)، نهاية المحتاج (3/71)، المغني (13/202)، الإنصاف (4/223).(1/320)
أما معنى التوظيف المراد في هذه الدراسة فهو لا يخرج عن هذا المعنى العام، وقد خصَّه الشيخ صلاح الدين سلطان بتعريف خاص، فقال في تعريفه للوظائف المالية: ((قدر من المال يفرضه ولي الأمر على الموسرين؛ لسد حاجة عامة شرعية بشروط خاصة))(1).
ومما يلاحظ على هذا التعريف التكرار، فإن من شروط التوظيف أن يكون لسدِّ حاجة عامة شرعية.
وقد عرفه الدكتور رفيق المصري فقال: ((فرض تكاليف إضافية في أموال الأغنياء بما يكفي حاجة الجند والفقراء وغيرهم))(2).
والمقصود بقوله: إضافية أي زيادة على ما يجب فيها من الزكاة. ومما يلاحظ على هذا التعريف عدم الشمول حيث خص الحاجة بحاجة الجند والفقراء، ثم قال: وغيرهم، وهذا فيه توسيع للحاجة إلا أن فيه نوع إبهام.
والذي يظهر للباحث أن الأمثل في تعريف التوظيف أن يقال: قدر من المال يفرضه ولي الأمر على الموسرين؛ لسدِّ حاجة عامة.
وقد أطلق الشافعي وجماعة من أهل العلم على هذا النوع من التوظيف، والوظائف المالية التي يفرضها ولاة الأمر، اسم الضريبة(3).
وبهذا يتبين أن ما يسميه الاقتصاديون بالضريبة، وهي أي مبلغ نقدي تفرضه سلطة حكومية مختصة على الأشخاص أو الممتلكات وتحصله بهدف جمع المال، لتغطية النفقات الحكومية(4)، يدخل في معنى التوظيف الذي تكلم عنه الفقهاء.
الفرع الثالث: أثر التوظيف في معالجة التضخم النقدي
__________
(1) سلطة ولي الأمر في فرض وظائف مالية ص (176).
(2) أصول الاقتصاد الإسلامي ص (235).
(3) ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص (281)، البحر الرائق (8/60)، المنتقى شرح الموطأ للباجي (2/174)، الأم (4/212).
(4) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ص (104، 216)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الوزني ص (323).(1/321)
إن من الوسائل الاقتصادية المهمة المستعملة في معالجة التضخم النقدي الناتج عن الزيادة في الطلب الكلي للسلع والخدمات فرض الضرائب، أي: التوظيف، وذلك لما له من أثر فعّال في كبح جماح التضخم النقدي وضبطه.
وبيان ذلك أن التضخم النقدي الناشىء عن الزيادة في طلب السلع والخدمات من أهم أسبابه ارتفاع القدرة الشرائية لدى الناس مما يزيد رغبتهم في الاستهلاك، فيتطلب علاج ذلك سعياً إلى خفض القدرة الشرائية؛ لتقييد الاستهلاك. ومن أبرز الوسائل الاقتصادية المستعملة لتحقيق ذلك الغرض التوظيف، أي: فرض الضرائب، أو زيادتها. فإن هذا الإجراء من شأنه إضعاف القدرة الشرائية بسحب جزء منها من أيدي الناس، فينعكس ذلك على مستوى الطلب حيث ينخفض معدل طلب السلع والخدمات، فيحد ذلك من الرغبة في الاستهلاك(1).
المسألة الثانية: التكييف الفقهي للتوظيف
جاءت نصوص الوحيين: الكتاب، والسنة ناهية عن أكل المال بالباطل وبيان حرمة الأموال:
فمن الآيات:
الأولى: قول الله - عز وجل -: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2).
الثانية: قول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} (3).
الثالثة: قول الله - عز وجل -: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } (4).
__________
(1) ينظر: نظرية التضخم ص (443-444)، الاقتصاد الكلي للدكتور نصر ص (482-485، 656-658)، مبادئ الاقتصاد الكلي للدكتور الحبيب ص (414)، التضخم المالي للدكتور عناية ص (163-165).
(2) سورة البقرة، آية: (188).
(3) سورة النساء، جزء من آية: (29).
(4) سورة الشعراء، آية: (183).(1/322)
الرابعة: قول الله - عز وجل -: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } (1). والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما الأحاديث التي فيها بيان حرمة الأموال وتحريم أكلها بالباطل، فكثيرة أيضاً؛ منها:
الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) (2).
الثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بمَ يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق))(3).
الثالث: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه))(4).
الرابع: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل الجنة صاحب مكس(5)
__________
(1) سورة ص، جزء من آية: (24).
(2) رواه البخاري في كتاب العلم، باب قول النبي: ((رب مبلغ أوعى من سامع))، رقم (67)، ومسلم في كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، رقم (1679)، من حديث أبي بكرة.
(3) رواه مسلم في كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، رقم (1554)، من حديث جابر- رضي الله عنه -.
(4) رواه مسلم في كتاب البر، والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره...، رقم (2564)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(5) المكس: هو الضريبةُ التي تؤخذُ من التجار على السلع التي تدخل البلد، وكذا ما يؤخذ في الأسواق عند بيع السلع وشرائها. وجمعها مكوس. فصاحب المكس: هو الذي يأخذ الضريبة من الناس.…
…[ينظر: لسان العرب، مادة (مكس) (6/220)، النهاية في غريب الحديث، مادة (مكس) ص (878)، فيض القدير للمناوي (6/449)، القاموس الفقهي ص (338)].(1/323)
))(1).
وقد أجمع أهل العلم على تحريم أخذ أموال الناس ظلماً وعَدْواً(2). ولا فرق في ذلك بين أن يكون آخذ المال السلطان أو غيره.
فاستباحة أموال الناس بالضرائب والمكوس لا (( يبيحها شرع ولا يسوغها اجتهاد، ولا هي من سياسات العدل وقلما تكون إلا في البلاد الجائرة))(3). وقد نقل ابن حزم اتفاق أهل العلم على تحريم أن يفرض ولاة أمور المسلمين وظائف مالية على السلع والتجار والمارة من المسلمين، فقال في مراتب الإجماع: ((واتفقوا أن المراصد(4) الموضوعة للمغارم(5) على الطرق وعند أبواب المدن وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة والتجار ظلم عظيم وحرام وفسق))(6).
__________
(1) رواه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب السعاية في الصدقة، رقم (2548)، وأحمد رقم (16566)، من حديث عقبة بن عامر- رضي الله عنه -.
…وقد صححه ابن خزيمة في صحيحه (4/51)، وقال الحاكم في لمستدرك على الصحيحين (1/562): ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)).
(2) ينظر: مراتب الإجماع ص (67).
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص (246).
(4) المراصد: جمع مرصد، وهو موضع الرصد، أي: موضع مهيأ لرقابة شيء على مسلكه. والمراد بها هنا المواضع يجلس فيها من يسمى الرصدي نسبة إلى الرصد، وهو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئاً من أموالهم ظلماً وعدواناً.
…[ينظر: معجم المقاييس في اللغة، مادة (رصد)، ص (406)، لسان العرب، مادة (رصد) (3/178)، المصباح المنير، مادة (رصد)، ص (228)، مواهب الجليل (2/494)، أسنى المطالب (1/448)].
(5) المغارم: جمع مغرم، مأخوذ من الغُرم: وهو ما يلزم أداؤه تكلفاً لا في مقابلة عوض.
…[ينظر: المصباح المنير، مادة (غرم)، ص (231)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/307)، القاموس الفقهي ص (273)].
(6) ص (141).(1/324)
وقال فيها شيخ الإسلام ابن تيمية ~: ((ثم هذه الوظائف السلطانية التي ليس لها أصل في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنة خلفائه الراشدين، ولا ذكرها أحد من أهل العلم المصنفون في الشريعة، ولا لها أصل في كتب الفقه من الحديث والرأي، هي حرام عند المسلمين، حتى عند من يأخذها، ويعرف حكم الله، وقد ذكر ابن حزم إجماع المسلمين على ذلك))(1).
وقد ذكر شيخ الإسلام أن التوظيف إنما وضعه من وضعه ((بتأويل واجتهاد علمي ديني، واتفق على ذلك الفتوى والرأي من بعض علماء ذلك الوقت ووزرائه))(2).
والذي يظهر للباحث أن هذه المسألة إنما احتيج إليها في القرنين الرابع والخامس الهجريين، فإن أول من وقفت له على كلام فيها أحمد بن نصر الداودي(3) من فقهاء المالكية من علماء ذلك القرن حيث سئل ((هل ترى لمن قدر أن يتخلص من غرم هذا الذي يسمى بالخراج إلى السلطان أن يفعل؟ قال: نعم ولا يحل له إلا ذلك))(4). وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~ في تأريخ القول بالجواز في جواب سؤال عن الوظائف: ((أما الفقهاء الأئمة الذين يفتى بقولهم, فلم يذكر أحد منهم جواز ذلك, ولكن في أوائل الدولة السلجوقية(5)
__________
(1) قاعدة في الأموال السلطانية ص (37).
(2) قاعدة في الأموال السلطانية ص (37).
(3) أحمد بن نصر الداودي، أبو جعفر، من أئمة المالكية في المغرب، فقيه، له عناية بالحديث، من مصنفاته: النامي في شرح الموطأ، والواعي في الفقه، توفي سنة (402 هـ).
…[ ينظر: الديباج المذهب (1/165-166)، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص (82)].
(4) الموافقات (2/351).
(5) الدولة السلجوقية: وهي نسبة إلى سلجوق بن تفاق أحد رؤساء الأتراك، أول ملوكهم طغرلبك، وكان ظهوره عام (429هـ)، واستمرت دولتهم إلى عام (552هـ). وقد اكتسبت هذه الدولة أهمية في تأريخ الإسلامي كونها تزامنت مع الحروب الصلبية وأسهمت في تجديد قوة المسلمين.
…[ ينظر: البداية والنهاية (12/48)، تأريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم (4/1، 58)].(1/325)
أفتى طائفة من الحنفية والشافعية بجواز ذلك))(1)، والدولة السلجوقية كان أول ملكها في أول القرن الخامس الهجري(2).
أما أول من كتب في جواز وضع الوظائف فيما وقفت عليه فأبو المعالي الجويني(3) في كتابه غياث الأمم في التياث الظلم، فإنه قال في بحثه لهذه المسألة: ((لست أحاذر إثبات حكم لم يدونه الفقهاء ولم يتعرض له العلماء فإن معظم مضمون هذا الكتاب لا يلفى مدوناً في كتاب ولا مضمناً في لباب...))(4). ثم قال: ((فليكن الكلام في الأموال، وقد صَفِرَ(5) بيت المال واقعة لا يعهد فيها للماضين مذهباً، ولا يحصل لهم مطلباً، ولنجر فيه على ما جرى عليه الأولون إذ دفعوا إلى وقائع لم يكونوا يألفوها، ولم ينقل لهم مذاهب، ولم يعرفوها، وإذا استد النظر استوى الأول والآخر))(6). وهذا يتضح منه بجلاء أن الجويني لم يقف في ذلك على كلام لمن تقدمه من أهل العلم.
وقد وافق الغزالي(7)
__________
(1) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/368).
(2) ينظر: مآثر الإنافة (1/348)، المنتظم في تأريخ الملوك والأمم (8/234)، العبر في خبر من غبر (3/237).
(3) عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، يلقب بإمام الحرمين، من كبار أئمة الشافعية، فقيه، أصولي، متبحر، له مصنفات عديدة منها: البرهان في أصول الفقه، توفي سنة (478هـ).
…[ينظر: طبقات الشافعية الكبرى (5/165)، وفيات الأعيان (2/341)].
(4) ص (266).
(5) صَفِرَ من باب طرب، فهو صَفِرٌ، وأَصْفَر الرجل فهو مُصْفَرٌّ، أي: افتقر.
…[ ينظر: مختار الصحاح (1/153)].
(6) ص (267).
(7) محمد بن محمد الغزالي، أبوحامد، من كبار فقهاء الشافعية، أصولي، متفنن، له مصنفات عديدة منها: المنخول، الوسيط، إحياء علوم الدين، توفي سنة (505 هـ).
…[ينظر: طبقات الشافعية الكبرى (5/165)، طبقات فقهاء الشافعية (1/249)].(1/326)
الجويني في جواز وضع الوظائف إذا اضطر بيت المال إلى ذلك فقال ~: ((أما إذا خلت الأيدي من الأموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر، ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب لخيف دخول الكفار بلاد الإسلام أو خيف ثوران الفتنة من أهل العرامة(1) في بلاد الإسلام, فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند...; لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين. وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام عن ذي شوكة يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور))(2).
وقد تبع الشاطبي(3) الغزالي في ذلك، فقال ~: ((إنا إذا قررنا إماماً مطاعاً مفتقراً إلى تكثير الجنود؛ لسد الثغور وحماية الملك المتسع الأقطار، وخلا بيت المال، وارتفعت حاجات الجند إلى ما لا يكفيهم، فللإمام إذا كان عدلاً أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في الحال إلى أن يظهر مال بيت المال))(4). وقد قرر الشاطبي ذلك على نحو ما ذكر الغزالي، ثم قال: ((وهذه المسألة نص عليها الغزالي في مواضع من كتبه))(5). وقد اشتهرت الفتوى بذلك عن جماعة من فقهاء المالكية(6).
__________
(1) العرامة: هي الجهل والفتن والشراسة.
…[ ينظر: لسان العرب (12/395)، تهذيب الأسماء واللغات (3/2/17)].
(2) المستصفى (1/303-304). ينظر: شفاء الغليل للغزالي ص (234).
(3) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، أبو إسحاق، الشهير بالشاطبي، فقيه، أصولي، له مصنفات جليلة منها: الموافقات، توفي سنة (790 هـ).
…[ينظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج ص (46)، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص (231)].
(4) الاعتصام (2/619).
(5) الاعتصام (2/620).
(6) ينظر: المعيار المعرب (11/132-133)، كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى (3/7-9).(1/327)
أما فقهاء الحنفية فقد ذكر بعض متأخريهم(1)، جواز التوظيف؛ لتجهيز الجيش، وفداء الأسرى(2)، بل والقيام بالمصالح العامة إذا لم يكن في بيت المال ما تحصل به الكفاية.
قال ابن عابدين: ((وما وظف للإمام ليجهز به الجيوش وفداء الأسارى بأن احتاج إلى ذلك ولم يكن في بيت المال شيء فوظف على الناس ذلك والكفالة به جائزة اتفاقاً))(3). وقال أيضاً: (( ما يضر به السلطان على الرعية مصلحة لهم يصير ديناً واجباً وحقاً مستحقاً كالخراج, وقال مشايخنا: وكل ما يضربه الإمام عليهم لمصلحة لهم فالجواب هكذا حتى أجرة الحراسين لحفظ الطريق واللصوص، فعلى هذا ما يؤخذ من العامة لإصلاح المصالح العامة دين واجب لا يجوز الامتناع عنه))(4).
وبالنظر إلى ما ذكره القائلون بالجواز يظهر أنهم إنما قالوا بذلك في حال الاضطرار وحصول الضرورة إلى أخذ المال وفرضه، وذلك بفراغ بيت مال المسلمين من المال الذي تصان به البلاد من أعدائها ويأمن به المسلمون على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ويخاف بعدمه ضياع دولة الإسلام ووهنها.
ولذلك فإن الجويني ~، وهو أول من وقفت له على قول بالجواز، قد أكَّد على وجوب التأني في وضع الوظائف والاحتياط فيه، بل عدَّ الاضطرار إلى ذلك من البلاء، فقال: ((فإن بلي الإمام بذلك، فليتئد، ولينعم النظر هنالك، فقد دفع إلى خطبين عظيمين:
أحدهما: تعريض الخطة(5)
__________
(1) ينظر: شرح العناية على الهداية (7/221-222).
(2) الأسرى: جمع أسير، فعيل بمعنى مفعول، وهو المأخوذ في الحرب.
…[ينظر: أنيس الفقهاء ص (188)، الدر النقي (1/364)، القاموس الفقهي ص (20)].
(3) حاشية رد المحتار (2/336). وينظر: العناية شرح الهدية (7/221-222).
(4) حاشية رد المحتار (2/336) مع تصرف يسير.
(5) الخطة: الأرض، والدار، والبلد.
…[ينظر: لسان العرب، مادة (خطط)، (7/288)، المصباح المنير، مادة (خطط)، ص (173)].(1/328)
للضياع. والثاني: أخذ أموال من غير سناد استحقاقه إلى مستند معروف مألوف))(1).
وقد جعل المجيزون عمدتهم فيما ذهبوا إليه من جواز التوظيف في الحال التي رسموا ما يأتي:
أولاً: ضرورة إقامة دولة الإسلام وما قد يترتب على ترك ذلك من المفاسد الكبار، قال الجويني ~: ((ولو لم يتدارك الإمام ما استرم(2) من سور الممالك؛ لأشفى الخلائق على ورطات المهالك، ولخيفت خصلة لو تمت ـ لا كانت ولا ألمت ـ لكان أهون فائت فيها أموال الأغنياء، وقد يتعداها إلى إراقة الدماء، وهتك الستور، وعظائم الأمور))(3).
ثانياً: تحصيل المصلحة المترتبة على وضع الوظائف في هذه الحال، وتتبين مصلحة ذلك بالموازنة بين ضرر أخذ شيء من أموالهم وبين ضرر ضعف دولة الإسلام وظهور الكفار، قال الغزالي في تقرير ذلك: ((لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين، وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام عن ذي شوكة يحفظ نظام الأمور ويقطع مادة الشرور))(4). وقال الشاطبي ~: ((فإذا عورض هذا الضرر العظيم بالضرر اللاحق لهم بأخذ البعض من أموالهم فلا يتمارى في ترجيح الثاني عن الأول))(5).
__________
(1) غياث الأمم في التياث الظلم ص (257).
(2) أي: حان وقت ترميمه وإصلاحه.
…[ينظر: لسان العرب، مادة (رمم)، (2/252)].
(3) غياث الأمم في التياث الظلم ص (270). ينظر: ص (285).
(4) المستصفى (1/304).
(5) الاعتصام (2/619).(1/329)
ثالثاً: أنه إذا كان للإمام عند الحاجة في الجهاد أن يستنفر من تحصل بهم الكفاية واندفاع الحاجة، وهذا نوع حكم في دمائهم؛ لما قد يترتب على ترك استنفارهم من فوات الأنفس والتعرض للمهالك، فإلزامهم أن يبذلوا شيئاً من أموالهم لإقامة الجهاد وحفظ بلاد الإسلام، لو مست إليها الحاجة، كان ذلك من أسهل الأمور، فأموال ((الدنيا لو قوبلت بقطرة دم، لم تعدلها، ولم توازنها))(1)، وذلك أن ((الأموال في هذا المقام من المستحقرات))(2).
رابعاً: القياس على عدة أصول ونظائر جاءت في السنة والآثار، ومسائل ذكرها بعضها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ تشهد بمجموعها لجواز وضع الوظائف ويستأنس بها، من ذلك ما يأتي:
الأول: ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك(3)لما أصاب الناس مجاعة حيث دعاهم بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه بالبركة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا في أوعيتكم))(4).
الثاني: ما فعله أبو عبيدة(5)
__________
(1) غياث الأمم في التياث الظلم ص (259). ينظر: الفروق للقرفي (1/141).
(2) غياث الأمم في التياث الظلم ص (259).
(3) وقعت غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة في شهر رجب، وقد خرج فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتال الروم، وهي آخر غزواته - صلى الله عليه وسلم - ، وفيها جهز عثمان بن عفان - رضي الله عنه - جيش العسرة.
…[ ينظر: البداية والنهاية (5/2، 4، 10)].
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، رقم (27)، من حديث أبي هريرة، أو أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ شك الأعمش.
(5) عامر بن عبد الله بن الجراح، أمين هذه الأمة وأحد العشرة المبشرين بالجنة، من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وسابقيهم، شهد بدراً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشاهد كلها.
…[ ينظر: الاستيعاب (4/1710)، الإصابة في تمييز الصحابة (7/269)].(1/330)
- رضي الله عنه - لما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أميراً على سرية من ثلاث مائة رجل، ففني زادهم فجمع أبو عبيدة زادهم، فكان يقوتهم قليلاً قليلاً حتى كان يصيب الواحد كل يوم تمرة(1).
الثالث: وضع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الخراج على أراضي العراق(2). قال الجويني ~ في بيان ذلك: ((لما انتشرت الرعية، وكثرت المؤن المعينة تسبب أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - إلى توظيف الخرج والأرفاق(3) على أراضي العراق، وهو قار بإطباق واتفاق))(4).
الرابع: أن أهل العلم متفقون ((على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها، قال مالك: يجب على الناس فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجماع))(5).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعرس...، رقم (2483)، مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة ميتات البحر، رقم (1935). من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(2) رواه البيهقي في سننه الكبرى، باب لا تباع جيفة، (9/134).
(3) الأرفاق: هو أرفاق الناس بمقاعد الأسواق وأفنية الشوارع وحريم الأمصار ومنازل الأسفار، وأخذ ولي الأمر الأجرة عليها.
…والذي يظهر للباحث أن المؤلف لم يرد ذلك؛ لأنه لم ينقل عن عمر - رضي الله عنه -، وإنما أراد به الخراج نفسه، والله أعلم.
…[ ينظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص (320)، قواعد ابن رجب ص (197)].
(4) غياث الأمم في التياث الظلم ص (284).
(5) الجامع لأحكام القرآن (2/242).(1/331)
الخامس: ما ذكره الفقهاء من جواز تصرف الأب في مال طفله، والوصي في مال يتيمه، ومن ذلك ما ذكره الشاطبي من ((أن الأب في طفله، أو الوصي في يتيمه، أو الكافل فيمن يكفله مأمور برعاية الأصلح له، وهو يصرف ماله إلى وجوه من النفقات، أو المؤن المحتاج إليها، وكل ما يراه سبباً لزيادة ماله، أو حراسته من التلف جاز له بذل المال في تحصيله. ومصلحة الإسلام عامة لا تتقاصر عن مصلحة طفل، ولا نظر إمام المسلمين يتقاعد عن نظر واحد من الآحاد في حق محجوره))(1).
والذي يظهر للباحث أن هذا القول الذي ذكره الجويني ومن تبعه من أهل العلم لا يخالف ما تقدم من الإجماع الذي نقله ابن حزم وابن تيمية من تحريم فرض وظائف مالية، فإن ذلك محمول على استقامة الحال وعدم الاضطرار إلى ذلك بأن تكون واردات بيت المال كافية؛ لسدِّ حاجات المسلمين في إقامة الجهاد وحفظ البلاد و إقامة مصالح العباد. ومما يؤكد هذا أن ابن حزم، وهو الذي نقل الإجماع على تحريم التوظيف، يرى جوازه إذا دعت إليه الضرورة قال: ((وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات ولا فيء(2) سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة))(3).
المسألة الثالثة: حكم تفعيل التوظيف في معالجة التضخم النقدي
__________
(1) الاعتصام (2/620). ينظر: غياث الأمم في التياث الظلم ص (264-265).
(2) الفيء: هو ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد.…
…[ ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (فيأ) ص (722)، أنيس الفقهاء ص (183)].
(3) المحلى (6/156).(1/332)
بناء على ما تقدم من أن الإجماع منعقد على تحريم التوظيف إلا في حال الضرورة على ما وصف في المسألة السابقة. فلنتمكن من التوصل إلى حكم تفعيل التوظيف في معالجة التضخم النقدي نحتاج إلى النظر؛ هل هناك ضرورة إلى تفعيل التوظيف لمعالجة التضخم النقدي، أم أن الضرورة التي جعلها أهل العلم شرطاً لجواز وضع الوظائف غير متحققة في التوظيف من أجل معالجة التضخم النقدي؟ وذلك أن الضرورة التي يستباح بها المحرم لابد أن يتحقق فيها شرطان التاليان(1):
الشرط الأول: أن لا يمكن دفع الضرورة إلا من هذا الطريق المحرم.
الشرط الثاني: أن يُتيقن اندفاع الضرورة بهذا المحرم.
وبالنظر إلى مسألة تفعيل التوظيف في معالجة التضخم النقدي يتبين أن هذين الشرطين غير متحققين، وذلك لما يأتي:
أولاً: أن هناك عدة وسائل وطرق يمكن من خلالها معالجة التضخم النقدي كالوسائل المباحة التي تناولها هذا الباب كتفعيل إخراج الزكاة وتنظيم عرض النقود وتدبير الإنفاق، فلا يتعين التوظيف لمعالجة التضخم النقدي، وبهذا يفوت شرط أن لا يمكن دفع الضرورة إلا من هذا الطريق المحرم.
__________
(1) ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص (173-175)، المنثور في القواعد (2/317-318)، التحبير شرح التحرير (8/3847)، مجموع الفتاوى (24/268-269)، نظرية الضرورة الشرعية ص (289-335).(1/333)
ثانياً: أن معالجة التضخم النقدي عن طريق تفعيل التوظيف ووضع الضرائب لا يتيقن اندفاع الضرورة بها، وذلك لأن هناك العديد من الصعوبات الإدارية والفنية والتنفيذية التي تحول دون تحقيق المقصود(1). بل على العكس من ذلك فإن تفعيل التوظيف ووضع الضرائب محفوف بالمخاطر إذ قد يأتي بنتائج عكسية، فيكون باعثاً على زيادة حدة التضخم النقدي، حيث إن ارتفاع نفقات المعيشة بسبب التوظيف والضرائب سيفضي إلى المطالبة برفع الأجور ودخل عموم الناس تمشياً مع هذا الارتفاع الناتج عن التوظيف ووضع الضرائب(2).
فتبين مما تقدم أنه لا يجوز استعمال التوظيف ووضع الضرائب في معالجة التضخم النقدي؛ لعدم انطباق الشروط التي يستباح بها المحرم لدفع الضرورة، والله تعالى أعلم.
الخاتمة
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،
فقد تناولت هذه الرسالة موضوع التضخم النقدي في الفقه الإسلامي بالدراسة والبحث، وقد استفدت منها فوائد جمة، وتوصلت إلى نتائج عدة. من أبرز النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث ما يأتي:
الأول: أن النقود كل ما نال ثقة الناس في التعامل به، وأصبح ثمناً ومعياراً للأموال.
الثاني: أن أشهر الاعتبارات التي يمكن تقسيم أنواع النقود وفقها وأكثرها انتشاراً تقسيمها باعتبار تطورها التأريخي.
وهي تنقسم بهذا الاعتبار إلى أربعة أنواع:
النوع الأول: النقود السلعية: وهي عبارة عن سلع معينة يتعارف عليها الناس تستعمل وسيطاً بينهم في مبادلاتهم ومعاملاتهم.
__________
(1) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (2/331-335)، نظرية التضخم ص (444)، آثار التغيرات في قيمة النقود ص (338-339).
(2) ينظر: التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم النقدي (2/329-330)، نظرية التضخم ص (444)، آثار التغيرات في قيمة النقود ص (338-339).(1/334)
النوع الثاني: النقود المعدنية: وهي عبارة عن قطع معدنية تستعمل وسيطاً للتبادل إما وزناً، وإما عدَّاً.
النوع الثالث: النقود الورقية: وهي عبارة عن أوراق تطرح للتداول وتستخدم في تبادل السلع والخدمات وسائر المعاملات.
وقد مر هذا النوع بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وفي هذه المرحلة كانت الأوراق النقدية كاملة الغطاء، أي إنها مغطاة مائة في المائة من الذهب أو الفضة، وتعرف هذه المرحلة بمرحلة النقود الورقية النائبة.
المرحلة الثانية: وفي هذه المرحلة كانت الأوراق النقدية تستمد قوتها وقبولها من القانون والإلزام الحكومي بها، وتعرف هذه المرحلة بمرحلة النقود الورقية الإلزامية.
المرحلة الثالثة: وفي هذه المرحلة صارت الأوراق النقدية بعد ذلك إنما تستمد قوتها من الثقة في قبولها وسيطاً في التبادلات، ومن الثقة في اقتصاد الحكومة المصدرة لها وقوته واستقراره، وتعرف هذه المرحلة بمرحلة النقود الورقية الائتمانية.
النوع الرابع: النقود المصرفية: وحقيقة هذا النوع من النقود أنها قيد كتابي في دفاتر المصرف، وهذا القيد يعبر عن قدر الأوراق النقدية التي أودعت في المصرف وأسماء أصحابها.
وقد رجع بعض العلماء هذه الأنواع من النقود إلى صنفين:
الصنف الأول: النقود الخَلقية: وهي النقود التي لها قيمة ذاتية، وأبرز هذه الأنواع معدنا: الذهب والفضة.
الصنف الثاني: النقود الاصطلاحية: وهي ما تعارف الناس على استخدامه وسيطاً للتبادل، وليس لقيمتها العينية أو الذاتية أثر في ذلك غالباً، كالنقود الائتمانية.
الثالث: أن أنواع التغيرات الطارئة على النقود التي تكلم عنها الفقهاء ثلاثة:
النوع الأول: الكساد: وهو أن يبطل التداول بنوع من العملة، ويسقط رواجها في جميع البلدان.
النوع الثاني: الانقطاع: وهو أن يُفقد من أيدي الناس، ولا يتوفر في السوق لمن يريده، ولو كان موجوداً في البيوت أو في أيدي الصيارفة.
النوع الثالث: الرخص والغلاء:(1/335)
أما رخص النقود: فهو أن تنزل قيمة النقود وتنقص بالنسبة للدراهم والدنانير. وأما غلاء النقود: فهو أن تزيد قيمة النقود وترتفع بالنسبة للدراهم والدنانير.
الرابع: أن أهل العلم اختلفوا في التكييف الفقهي للأوراق النقدية على أقوال، أقربها للصواب أن الأوراق النقدية حكمها حكم الفلوس.
الخامس: التضخم النقدي نوع من التغيرات التي تطرأ على النقود وهو عبارة عن حركة صعودية للأسعار تتصف بالاستمرار الذاتي تنتج عن فائض الطلب الزائد على قدرة العرض.
السادس: أن الدراسات في الأدب الاقتصادي وتأريخ النقود تبين أن التضخم النقدي قديم قدم النقد، فليس هو أمراً طارئاً على الورق النقدي.
السابع: أن هناك اعتبارات عدة يمكن تصنيف التضخم النقدي على أساسها. أشهر هذه الاعتبارات، وألصقها بموضوع البحث ما يلي:
الاعتبار الأول: تصنيف التضخم النقدي باعتبار سرعة ارتفاع الأسعار. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسة:
النوع الأول: التضخم الزاحف: وهو ارتفاع متواصل للمستوى العام للأسعار بمعدلات صغيرة. وهو من أخف أنواع التضخم النقدي.
النوع الثاني: التضخم المتسارع: وهو ارتفاع مستمر ومتضاعف في المستوى العام للأسعار في فترة زمنية قصيرة. وهو من الأنواع الخطرة التي تهدد الاقتصاد.
النوع الثالث: التضخم المفرط: وهو ارتفاع سريع حاد في المستوى العام للأسعار. ويسمى هذا النوع في كثير من الدراسات الاقتصادية العربية بالتضخم الجامح. ويعدُّ هذا النوع أشد أنواع التضخم النقدي خطورة على اقتصاديات الدول.
الاعتبار الثاني: تصنيف التضخم النقدي باعتبار توقع حدوثه. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: التضخم النقدي المتوقع: وهو تغير في المستوى العام للأسعار بنسبة لا تزيد على ما كان متوقعاً على نطاق واسع.(1/336)
النوع الثاني: التضخم النقدي غير المتوقع: وهو الزيادة في المستوى العام للأسعار زيادة مفاجئة أعلى من النسبة المتوقعة عند أكثر الناس.
الاعتبار الثالث: تصنيف التضخم النقدي باعتبار مصادره وأسبابه. وهذا الاعتبار هو أشهر الاعتبارات التي يصنف على ضوئها التضخم النقدي في كتب الاقتصاد. وينقسم التضخم النقدي بهذا الاعتبار إلى نوعين:
النوع الأول: التضخم النقدي الناشىء عن جذب الطلب: وهو زيادة الطلب الكلي للسلع والخدمات على نسبة المعروض منها، وبسبب هذه الزيادة يختل التوازن في الأسواق، فتبدأ الأسعار بالارتفاع نتيجة لتخلف العرض الكلي للسلع والخدمات عن الطلب الكلي عليها.
النوع الثاني: التضخم النقدي الناشىء عن دفع التكاليف: وهو زيادة تكاليف إنتاج السلع والخدمات، بسبب ضغوط العمال لرفع أجورهم.
الثامن: يستعمل الاقتصاديون لقياس نسبة التضخم النقدي الأرقام القياسية للأسعار. وهذه الأرقام عبارة عن ملخص التغير النسبي في أسعار مجموعة من السلع في وقت معلوم بالنسبة إلى مستواها في وقت آخر يتخذ أساساً للقياس أو أساساً للمقارنة. وهناك أنواع متعددة من الأرقام القياسية لقياس الأسعار، إلا أن أفضل هذه الأرقام القياسية، هو الرقم القياسي لأسعار المستهلكين: وهو عبارة عن معدل أو متوسط أسعار شراء السلع والخدمات التي يستهلكها أفراد المجتمع من أصحاب الدخول المحدودة خلال فترة زمنية معينة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو غير ذلك. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأرقام القياسية لا تعدو كونها مؤشرات تقريبية.(1/337)
التاسع: التضخم النقدي له تأثير على جوانب عديدة من حياة الناس، فانخفاض قيمة النقود أو قوتها الشرائية بسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار له آثار اقتصادية وسلوكية واجتماعية وسياسية. وتختلف هذه الآثار باختلاف نسبة التضخم النقدي ودرجته، فكلما ازدادت نسبة التضخم النقدي تفاقمت تلك الآثار وتعقدت تلك الإشكالات الناجمة عن التضخم النقدي. وأبرز آثار التضخم النقدي الاقتصادية:إعادة توزيع الدخل، تقليص حجم الادخار والاستثمار، اختلال العلاقات التعاقدية. ولهذه الآثار الاقتصادية انعكاسات في جوانب أخرى من حياة الناس: اجتماعية، وسلوكية، وسياسية.
العاشر: القوة الشرائية للنقود أو القيمة التبادلية هي عبارة عن مقدار السلع والخدمات التي تستطيع أن تحصل عليها وحدة النقد في زمن معين.
الحادي عشر: أن التغير في قيمة النقود التبادلية وقوتها الشرائية ليس خاصاً بنوع منها، بل يطرأ على جميع أنواع النقود: النقود الخلقية وغيرها.
الثاني عشر: اختلف أهل العلم فيما إذا كسدت النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها ما الواجب رده على أقوال ثلاثة، والراجح منها أن الواجب رد قيمة النقود.
الثالث عشر: وقد اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ فيما يترتب على انقطاع النقود الخلقية من الذهب والفضة بعد التعامل بها وقبل قبضها نظير اختلافهم في كسادها، والراجح منها أن الواجب رد قيمة النقود.
الرابع عشر: اتفقت المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة على أنه لا يجب في حال غلاء النقود الخلقية من الذهب والفضة أو رخصها إلا ما ثبت في الذمة منها، وقد حكي الإجماع على ذلك.
الخامس عشر: اختلف الفقهاء فيما يترتب على كساد النقود الاصطلاحية كاختلافهم في كساد النقود الخلقية، والذي يترجح فيها أن كسادها بعد التعامل بها وقبل قبضها يوجب رد قيمتها.(1/338)
السادس عشر: اختلف الفقهاء فيما يترتب على انقطاع النقود الاصطلاحية نظير اختلافهم في انقطاع النقود الخلقية: أقوالاً، وقائلين، واستدلالاً وترجيحاً.
السابع عشر: اختلف الفقهاء فيما يترتب على غلاء النقود الاصطلاحية الفلوس ورخصها بعد التعامل بها وقبل قبضها على قولين في الجملة أرجحهما أن الواجب رد قيمتها في ذلك كله.
الثامن عشر: أقرب التوصيفات والتخريجات الفقهية للتضخم النقدي، هو أن التضخم النقدي الطارئ على الأوراق النقدية نوع من رخص النقود الاصطلاحية. ويترتب على هذا أن يثبت لانخفاض القيمة التبادلية للنقود الورقية ما تكلم عنه الفقهاء في رخص الفلوس.
التاسع عشر: ليس للتضخم النقدي أثر في قدر أنصبة الأموال الزكوية التي جاء النص بتحديدها وبيان قدرها في السنة، فقد حدّد النبي - صلى الله عليه وسلم - نصاباً للنقدين: الذهب والفضة، وآخر لبهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، وآخر للزروع والثمار. أما نصاب زكاة الأوراق النقدية فيتأثر بالتضخم النقدي. وذلك أن التضخم النقدي يرفع مقدار نصاب الأوراق النقدية، وتختلف درجة هذا الارتفاع في النصاب باختلاف نسبة التضخم النقدي. ففي التضخم النقدي الجامح يكون الارتفاع عالياً، وفي التضخم النقدي السريع يكون الارتفاع متوسطاً، وفي التضخم النقدي الزاحف يكون الارتفاع طفيفاً. ومهما يكن من أمر فإنه إذا نقص نصاب الأوراق النقدية بسبب التضخم النقدي أثناء الحول بأي نسبة كانت فإن الحول ينقطع بذلك. فإذا كمل نصاب الأوراق النقدية بعد ذلك استأنف به حولاً جديداً.
العشرون: عدم ضمان نقص القيمة التبادلية للأوراق النقدية فيما إذا أخّر من عليه الزكاة إخراجها حتى نقصت بسبب حدوث التضخم النقدي أو زيادة نسبته، ولا فرق في ذلك بين أنواع التضخم النقدي سواء كان جامحاً أو متسارعاً أو زاحفاً، وسواء كان متوقعاً أو غير متوقع.(1/339)
الحادي والعشرون: ليس للتضخم النقدي أثر في زكاة الأموال التي تجب الزكاة فيها من عين المال على قول الجمهور الذين يمنعون إخراج القيمة عوضاً عن الزكاة الواجبة في عين المال. أما على القول بجواز إخراج القيمة في زكاة الأعيان للمصلحة والحاجة. فإنه يجوز إخراج الزكاة من الأوراق النقدية بدلاً عن العين حتى في ظل التضخم النقدي إذا كانت المصلحة في إخراج القيمة أرجح من إخراجها من عين المال، أو دعت إلى ذلك حاجة. أما على القول بجواز إخراج القيمة في زكاة الأعيان مطلقاً، فإن التضخم النقدي في مستوياته الدنيا والمتوسطة ليس له تأثير على القول بالجواز إلا في حال التضخم المفرط لأنه لا نفع فيه للمستحقين بل فيه ضرر عليهم غالباً.
الثاني والعشرون: لا يظهر أن للتضخم النقدي أثراً في زكاة عروض التجارة على القول بوجوب إخراج الزكاة من قيمة العروض إلا من جهة زيادة مقدار ما يجب من الزكاة، لكن ذلك الأثر مقيد بما إذا لم يؤدِ التضخم النقدي إلى ارتفاع قدر النصاب ارتفاعاً يخرج به قيمة عروض التجارة عن وجوب الزكاة فيها لعدم بلوغها النصاب. أما على القول بأن الواجب إخراج زكاة العروض من عين ما وجبت فيه الزكاة فأثر التضخم النقدي هو وجوب مراعاة العرض المُخرج، وذلك بأن تكون العين المُخرجة من أوسط عروض التجارة.
الثالث والعشرون: المعتبر في قدر زكاة الدين هو وقت وجوب الزكاة فيه على القول الأول. وبناء على هذا فزكاة كل عام تأخذ حكماً مستقلاً من حيث أثر التضخم النقدي على قدر النصاب، فقد تختلف الأعوام من حيث وجوب الزكاة في الدين. وذلك بالنظر إلى اختلاف نسبة التضخم النقدي في تلك الأعوام. ولا فرق في ذلك بين قول من أوجب إخراج زكاة الدين على الفور في نهاية كل عام، وبين قول من رخص في تأخير إخراج زكاة الدين إلى قبضه؛ لأن الوقت المعتبر في نصاب الزكاة وقت وجوبها لا وقت إخراجها.(1/340)
الرابع والعشرون: ليس للتضخم النقدي أثر في الدية على هذا القول بأن الأصل فيها الإبل، لكن قد يكون للتضخم النقدي أثر فيما إذا أعوزت الإبل فإن للمستحق الخيار بين أخذ قيمتها، وبين الإمهال حتى يزول الإعواز. ومن المعلوم أن مستحق الدية سيختار الأصلح له. فإذا اختار القيمة من الأوراق النقدية فلا بد في تقويم الإبل بالورق النقدي من مراعاة قيمة الوسط. أما على القول بأن الأصل في الدية ثلاثة أصناف أو خمسة فإنه ليس للتضخم النقدي أثر في الدية إلا عند اتفاق مستحق الدية وباذلها على أخذ قيمة الدية من الأوراق النقدية، وحينئذٍ يكون للتضخم النقدي الأثر الذي تقدم ذكره.
الخامس والعشرون: التضخم النقدي يؤثر في الديات المؤجلة إذا كانت الدية المؤجلة ستدفع من الأوراق النقدية، وذلك أن القوة التبادلية لقيمة الدية من الأوراق النقدية ستنقص عنها في يوم التقويم، بسبب التضخم النقدي الذي طرأ أو زاد خلال مدة تأجيل الدية، وتختلف نسبة هذا النقص باختلاف معدل التضخم النقدي. ففي حال كون التضخم النقدي جامحاً أو متسارعاً فإنه لا يلزم مستحق الدية قبول قيمتها من الورق النقدي لما طرأ من نقص في قيمتها، وله أن يطالب إما بإعادة تقويم قسط الدية عند حلوله؛ ليتلافى نقص القيمة، وإما أن تدفع له الدية من الأصل، أي من الإبل، لا من قيمتها أو من بقية الأصول على القول بتعددها؛ لأن في دفع القيمة ضرراً عليه، فله الرجوع إلى الأصل. أما إن كان التضخم النقدي زاحفاً فإنه لا حاجة في هذه الحال إلى إعادة تقويم الإبل عند حلول أدائها، على القول بجواز إخراج القيمة في الدية، وذلك أن النقص الحاصل بسببه مما يتغابن الناس في مثله عادة. أما على القول بأنه لا تجوز الدية من غير الإبل إلا إذا أعوزت فلا يظهر أن للتضخم النقدي الزاحف أثراً أيضاً؛ لأنه يجب تقويم ما وجب من الدية عند حلول الأجل.(1/341)
السادس والعشرون: لا أثر للتضخم النقدي في نصاب السرقة سواء قدر بالذهب أو بالفضة؛ لأن التقدير منصوص عليه. أما قيمة النصاب من الورق النقدي فإن للتضخم النقدي أثراً فيها، وذلك أن أسعار الذهب والفضة تتأثر بالتضخم النقدي ارتفاعاً وانخفاضاً فإذا ارتفع معدل التضخم ارتفعت غالباً أسعار الذهب والفضة فترتفع بذلك قيمة النصاب من الأوراق النقدية. والذي يظهر للباحث أنه لا أثر للنقص الطارىء بعد الإخراج من الحرز في رفع الحد، ولا يُعدُّ ذلك شبهة يدرأ بها.
السابع والعشرون: إذا كان التضخم النقدي غير متوقع، يلحق الدائن به ضرر زائد على الحد المعتاد الذي يتغابن الناس بمثله، فإنه يجب على المدين رد قيمة ما ثبت في ذمته للدائن، في كل الديون التي لا يتمكن من أخذها، تداركاً لانخفاض القيمة التبادلية. أما ما يمكنه تداركه بأخذه قبل تدهور قيمته والمدين باذل كالنقود المصرفية فإن الواجب رد المثل.
الثامن والعشرون: إذا كان التضخم النقدي غير متوقع، يلحق الملتزم في العقود والالتزامات الآجلة الممتدة ضرر زائد على الحد المعتاد الذي يتغابن الناس بمثله،فإن الواجب تعديلها بما يدفع الضرر عن الملتزم ولا يجحف بالملتزم له، ولكل واحد منهما الفسخ إذا لم يرض بالتعديل. وفي هذه الحال لابد من الصلح، فإن تعذر فالمرجع إلى التحكيم أو القضاء لحل هذا الإشكال.
التاسع والعشرون: لا أثر للمماطلة في وفاء الدين إذا طرأ التضخم النقدي، بل الواجب رد قيمة ما ثبت في ذمة المدين سواء ماطل أو لم يماطل.
الثلاثون: إذا فرضت النفقة من الأوراق النقدية، ثم طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته، فصار تضخماً نقدياً جامحاً أو متسارعاً فللمُنْفَق عليه المطالبة بإعادة التقدير وزيادة الفرض، تبعاً للغلاء وزيادة السعر. أما إن كان تضخماً نقدياً زاحفاً فإنه لا يستوجب إعادة تقدير النفقة.(1/342)
الحادي والثلاثون: إذا كان فرض النفقة من الأوراق النقدية في ظرف اقتصادي تضخمي، فإنه يجوز استعمال الربط القياسي بالمستوى العام للأسعار في تقدير النفقات وفرضها.
الثاني والثلاثون: إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته فإن الغاصب يضمن الأوراق النقدية بقيمتها، إذا كان تضخماً نقدياً يلحق الأوراق النقدية فيه نقص لا يتسامح الناس بالتغابن في مثله عادة: كالتضخم النقدي المتسارع، والجامح، وكذلك التضخم الزاحف المتراكم.
الثالث والثلاثون: إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته فإن للمشتري أن يمتنع من بذل المبيع للشفيع حتى يعوضه الشفيع عن نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود.
الرابع والثلاثون: إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته فالمعتبر في عوض الخلع على القول بعدم جواز الزيادة على قدر المهر هو رد قيمة النقود التي بذلها في المهر لا قدرها.
الخامس والثلاثون: إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته فليس له تأثير في عقد الرهن، فإذا نقصت القيمة الشرائية التبادلية للأوراق النقدية فإنها تبقى رهناً، ولو كان التضخم النقدي متسارعاً أو جامحاً. كما أنه إذا كان الدين أوراقاً نقدية فجعل رهنها عيناً، ثم طرأ تضخم نقدي رخصت به القيمة الشرائية التبادلية للنقود وارتفع به سعر الرهن، فإن العين تبقى رهناً بجميع الدين.
السادس والثلاثون: أثر التضخم النقدي في عقد الضمان إذا كان الدين المضمون أوراقاً نقدية فإنه يمكن بناؤه على مسألة أثر التضخم النقدي في الدين، فيلزم الضامن قيمة ما ثبت في ذمة المدين المضمون عنه.
السابع والثلاثون: ليس للتضخم النقدي أثر في التعديل بين الأولاد في الهبة إذا كان التعديل بينهم بالرجوع سواء كانت الهبة أوراقاً نقدية أو غيرها. أما إن كان التعديل بين الأولاد بالتسوية بينهم فلابد من مراعاة نقص القيمة الشرائية التبادلية للنقود دفعاً للتباغض والشحناء عنهم.(1/343)
الثامن والثلاثون: لا تخلو عطية المريض مرضاً مخوفاً من أن تكون مالاً عينياً أو تكون أوراقاً نقدية. فإن كانت عطية المريض مرضاً مخوفاً مالاً عينياً، فالتضخم النقدي يفضي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، فإذا طرأ التضخم النقدي بعد العطية وقبل الموت فقد تكون العطية العينية من جملة ما ارتفع سعره من الأعيان، فتزيد على ثلث المال، فيوقف ما زاد على الثلث من العطية على إجازة الورثة. أما إن كانت العطية في مرض الموت المخوف أوراقاً نقدية، فقد تكون أكثر من الثلث يوم العطاء، فتصير يوم موت المعطي ضمن الثلث إذا كان في التركة ما ارتفع سعره بسبب التضخم النقدي، فلا يتوقف أخذ العطية عندئذ على إجازة الورثة.
التاسع والثلاثون: إذا طرأ تضخم نقدي أو زادت نسبته فإنه لا ينبغي قصد إخراج الأوراق النقدية في الصدقة، إلا إذا كانت هي ما بحضرته، أو كان ماله من جنسها، وذلك أن التضخم النقدي يسبب نقص القيمة التبادلية الشرائية للنقود، فتضعف بذلك إحدى أهم وظائف النقود، وهي كونها وسيلة لحفظ الثروة وخزنها، وتوالي هذا التناقص في القيمة الشرائية التبادلية للنقود أو كبر حجمه يفضي غالباً إلى زهد الناس في الاحتفاظ بالأوراق النقدية.
الأربعون: إذا حدث التضخم النقدي بعد الوصية وقبل موت الموصي فأثر التضخم النقدي فيما إذا كان الموصى به عيناً أنه إذا زادت قيمتها على ثلث المال، فإن ما زاد على الثلث من الوصية موقوف على إجازة الورثة. أما إذا كان القدر الموصى به أوراقاً نقدية، وكان أكثر من الثلث يوم الإيصاء، ثم طرأ تضخم نقدي بعد ذلك وقبل لزوم الوصية بموت الموصي، وكان في التركة ما ارتفع سعره بسبب ذلك حتى صار قدر الموصى به من الورق النقدي ضمن الثلث، فعندئذ لا يتوقف نفاذ الوصية على إجازة الورثة؛ لأنها ضمن الثلث.
الحادي والأربعون: هناك وسائل عديدة لمعالجة التضخم النقدي، وهي قسمان في الجملة:(1/344)
القسم الأول: الوسائل العامة: وهي المعالجات التي ترمي إلى التخلص من التضخم النقدي والسيطرة على نسبته والحد منه.
القسم الثاني: الوسائل الخاصة: وهي المعالجات التي ترمي إلى تخفيف آثار التضخم النقدي، والحد من أضراره في الديون والحقوق الخاصة والعلاقات التعاقدية الممتدة.
الثاني والأربعون: الربط القياسي من أهم الوسائل المستخدمة في توقي الاضطرابات الناشئة عن التضخم النقدي. وهو عبارة عن نظام لربط القيمة الاسمية لأي مدفوعات مؤجلة بمؤشر مناسب للقوة الشرائية للنقود. أما طريقة استعمال الربط القياسي فذلك عن طريق ربط المتغيرات الاقتصادية التي تقاس عادة بالوحدات النقدية بأرقام قياسية يمكنها تحويل هذه المتغيرات إلى مقادير حقيقية يعرف بها ما طرأ من نقص في القوة الشرائية التبادلية. وقد استعمل الاقتصاديون هذه الأداة في المحافظة على مستوى ثابت لقيمة الأجور، والرواتب التقاعدية، والقروض، وغير ذلك مما يتأثر بالتضخم النقدي.
الثالث والأربعون: استعمل الاقتصاديون عدة مؤشرات ومعايير لتثبيت المدفوعات المؤجلة، وأبرز هذه المؤشرات: الربط بمستوى الأسعار، والربط بالذهب، والربط بعملة أو سلة عملات، والربط بسعر الفائدة.
الرابع والأربعون: يعدُّ الربط القياسي بمستوى الأسعار من أشهر أنواع الربط القياسي وأكثرها انتشاراً واستعمالاً. وتتلخص فكرة الربط القياسي بمستوى الأسعار في أن المدفوعات المؤجلة تزيد بقدر ما يحصل من ارتفاع في مستوى الأسعار. وهذا النوع من الربط يعتمد الأرقام القياسية للأسعار التي تقيس متوسط التغير في الأسعار. و هذه الأرقام القياسية للأسعار على اختلافها تعدُّ مؤشرات تقريبية، وذلك للمصاعب الفنية الاقتصادية والمشكلات الكثيرة التي تحف تكوين هذه الأرقام القياسية.(1/345)
الخامس والأربعون: من أنواع الربط القياسي الربط بالذهب، وقد انبثقت فكرة ربط الديون والالتزامات التعاقدية وغير ذلك بالذهب في الأصل من أن الأوراق النقدية كانت في أول ظهورها مغطاة بنسبة مائة في المائة من الذهب. فكل ورقة نقدية تعادل قيمة وزن معين من الذهب لدى جهة إصدار هذه الأوراق، وأيضاً لما يتمتع به الذهب من ثبات نسبي في القيمة الحقيقية مقارنة بغيره من السلع. أما طريقة الربط بالذهب فيكون ذلك بالاعتماد عليه عند إبرام العقود، وذلك بالنظر إلى القوة الشرائية للنقود مقيسة بالذهب.
السادس والأربعون: من أنواع الربط القياسي الربط بعملة أو سلة عملات، وهي عبارة عن ربط الديون والالتزامات التعاقدية والمدفوعات المؤجلة بعملة منتقاة تتميز بالثبات النسبي والقبول أو بمجموعة عملات، بحيث تربط بها هذه المدفوعات المؤجلة عند إبرامها وإنشائها، فإذا طرأ تضخم نقدي فسيراعى في الوفاء قيمة الديون وسائر المدفوعات المؤجلة من تلك العملة المتفق على الربط بها.
السابع والأربعون: من أنواع الربط القياسي الربط بسعر الفائدة، ويتلخص في أن المدين ومن عليه الحق يلتزم وفاء الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة مضافاً إليها سعر الفائدة المعلن في وقت الوفاء، وذلك فيما إذا طرأ تضخم نقدي أو زاد معدل التضخم النقدي عنه في يوم التعاقد وإبرام الدين.
الثامن والأربعون: يجوز ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بمستوى الأسعار من حيث الأصل. ولكن مع هذا لا بد من ملاحظة بعض القيود والضوابط لإحكام العمل بالربط القياسي بمستوى الأسعار، والسلامة من المحاذير الشرعية التي ذكرها القائلون بالمنع وعدم الجواز.
التاسع والأربعون: الربط القياسي بالذهب لا يختلف عن الربط القياسي بمستوى الأسعار خلافاً وترجيحاً.(1/346)
الخمسون: الربط القياسي بعملة أو بسلة عملات فيه للفقهاء المعاصرين قولان أرجحهما جواز ربط الديون والقروض والمدفوعات المؤجلة بعملة أو بسلة عملات.
الحادي والخمسون: الربط القياسي بسعر الفائدة لتثبيت قيمة الديون والقروض، وتكاليف العقود الممتدة وغيرها غير جائز.
الثاني والخمسون: نظرية الظروف الطارئة: هي إحدى النظريات التي تُعنى بمعالجة وتعديل العقود المتراخية التنفيذ في الأحوال المفاجئة والحوادث غير المتوقعة. فالفكرة الأساسية في نظرية الظروف الطارئة أنها وسيلة قانونية لإعادة التوازن بين التزامات طرفي العقد بعد أن اختل ذلك التوازن اختلالاً شديداً بينهما بحيث أصبح التزام المدين لا يتناسب مطلقاً مع التزام الدائن، ويحقق خسائر شديدة للمدين إذا نفذ الالتزام كما نص عليه في العقد.
الثالث والخمسون: أول من حاول تلمس أصول لنظرية الظروف الطارئة في الفقه الإسلامي هو الدكتور عبد السلام الترمانيني في كتابه نظرية الظروف الطارئة. وقد قام مجمع الفقه الإسلامي بدراسة هذه النظرية في دورته الخامسة وانتهى إلى اعتبار الظروف الطارئة في تعديل الالتزامات والحقوق في العقود المتراخية التنفيذ كعقد التوريد. والذي يظهر أنه لا مانع من توسيع دائرة إعمال نظرية الظروف الطارئة وتفعيلها حتى فيما يتعلق بوفاء الديون.
الرابع والخمسون: التسوية القضائية هي تقويم المال بفصل الخصومة وحسم المنازعة. وذلك بأن ينظر القاضي فيما شجر بين المتعاقدين من نزاع واختلاف بسبب انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود. إلا أنه لا يسوغ اللجوء إلى التسوية القضائية لحلِّ الاختلال في العلاقات التعاقدية الناتجة عن التضخم النقدي إلا على القول بأن الواجب للدائن فيما إذا طرأ تضخم نقدي قيمة ما ثبت من الأوراق النقدية في ذمة المدين.(1/347)
الخامس والخمسون: اللجوء إلى القضاء لحل المشكلات المترتبة على التضخم النقدي قد يكون ضرورة. وذلك فيما إذا تعذر الصلح بين طرفي العقد. فإن القضاء إنما شرع لفصل الخصومات ورفع المنازعات على وجه الإلزام للمتخاصمين بما ينتهي إليه القاضي.
السادس والخمسون: التسعير إجراء من قبل الجهات ذات الاختصاص بتقدير الأسعار وإلزام أهل الأسواق بأن لا يبيعوا إلا بالسعر المحدد، فيمنعون من الزيادة عليه تحقيقاً لمصلحة عامة. ويراعى في ذلك ما يعرف في علم الاقتصاد بقانون العرض والطلب.
السابع والخمسون: يجوز استعمال التسعير في معالجة آثار التضخم النقدي، والسيطرة عليه, وتحقيق العدالة الاجتماعية بإنصاف الفئات الأكثر تضرراً من الاختلال الناتج عن التضخم النقدي. وذلك لكون التسعير يمنع ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية التي يقوم عليها معاش الناس. كما أنه يعمل على طمأنة المستهلك من توالي ارتفاع المستوى العام للأسعار.
الثامن والخمسون: يجوز تأخير إخراج الزكاة عن وقتها إذا اقتضى ذلك حاجة أو مصلحة حتى على القول بوجوب إخراج الزكاة على الفور. ومن ذلك تأخير إخراج الزكاة لمعالجة آثار التضخم النقدي، لكن يجب ملاحظة أمرين: الأول: أن لا تطول مدة تأخير إخراج الزكاة. الثاني: أن يكون تأخير إخراج الزكاة بترتيب من ولاة الأمر وجهات حكومية تقريراً وتنفيذاً.
التاسع والخمسون: يجوز توجيه أموال الزكاة سواء التي تتولى الدولة جمعها وصرفها، أو التي يخرجها أهلها إلى الأصناف التي لا يتسبب صرف الزكاة إليها في زيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي يفضي إلى ارتفاع معدل التضخم النقدي كمصرف: الغارمين، وفي سبيل الله.(1/348)
الستون: تؤكد الدراسات الاقتصادية على اختلافها أن من أقوى العوامل والأسباب التي ينتج عنها التضخم النقدي الزيادة في عرض النقود. أي: الزيادة في كمية النقود المتداولة في أيدي الناس، وكذلك كمية النقود المصرفية القابلة للسحب، كالودائع النقدية في الحسابات الجارية في البنوك. ولذلك فإن الدول تعتني بعرض النقود عناية فائقة تنظيماً وضبطاً من خلال عدة وسائل: من أهمها: التحكم في سعر الفائدة، والتحكم في حجم الكتلة، والتوظيف المالي، والتحكم في الإنفاق؛ لتحقيق الاستقرار النقدي.
الحادي والستون: لا يجوز استعمال سعر الفائدة في ضبط عرض النقود، بل الواجب السعي في إلغاء الفائدة الربوية من جميع الأنشطة الاقتصادية، وتطهير المعاملات منها؛ لكونها من الربا، ولما لها من الآثار المدمرة على الاقتصاد. كما أن عدة دراسات اقتصادية انتهت إلى أن رفع سعر الفائدة ـ أي زيادة معدل الربا ـ لا يصلح في معالجة التضخم النقدي.
الثاني والستون: يعدُّ إصدار النقود من أبرز وأهم وظائف وأعمال البنوك المركزية أو ما يقوم مقامها من المؤسسات المالية في دول العالم الحديث. وهذا الإصدار للنقود يجري وفق قواعد متينة ومقاييس دقيقة ومعايير صارمة تنظم عملية الإصدار وتسعى إلى ضبطه.
الثالث والستون: يمكن إجمال الخطوط الرئيسة لعملية إصدار النقود عند الفقهاء والأصول التي تبنى عليها وتنظم وتضبط بواسطتها في النقاط التالية:
أولاً: وجوب العناية بالنقود والعمل على صيانتها من كل ما يضعف قيمتها أو يعطل وظائفها.
ثانياً: أن إصدار النقود من وظائف ولاة الأمر، وعليهم تحري المصلحة العامة فيها.
ثالثاً: أن لولي الأمر الحق في عقوبة كل من يعمل على إصدار النقود أو إفسادها ونقص قيمتها بما يراه رادعاً.
رابعاً: أن على ولاة الأمر بذل الجهود في مراقبة النقود للتحكم في العرض الكلي للنقود من أجل تحقيق الاستقرار النقدي المنشود.(1/349)
خامساً: لا يجوز أن يتخذ الإصدار النقدي مصدراً من مصادر التمويل، بل الواجب أن يرتبط إصدار النقود بحاجة الناس ومصلحتهم.
الرابع والستون: من أهم ما يندرج في عملية تنظيم عرض النقود وضبطها تنظيم عرض النقود المصرفية أو نقود الودائع وضبط توليدها. وحقيقة عملية توليد النقود أنها إقراض، فإن كان ذلك بفائدة، وهو الغالب في عمل المصارف،فإنها لا تجوز. أما إن كانت خالية من الفائدة الربوية فهي جائزة.
الخامس والستون: تنظيم توليد النقود ضرورة اقتصادية لحفظ اقتصاد الأمة من الاختلال والتقلب بسبب التوسع في توليد النقود الذي إذا لم ينظَّم ويضبط فإنه سيفضي إلى تدهور قيمة النقود كما أنه سيهوي بالاستقرار النقدي. فتنظيم توليد النقود وضبطه آكد وأهم من تنظيم الإصدار النقدي، وذلك لأن المعاني التي بُني عليها القول بوجوب تنظيم الإصدار النقدي وجودها في عملية توليد النقود أقوى.
السادس والستون: الإنفاق العام يصدق عند الفقهاء على ما يصرفه ولي أمر المسلمين من بيت المال في المصالح العامة، فيشمل جميع النفقات العامة للحكومة وأجهزتها وهيئاتها، سواء أكانت نفقات عادية أم إنمائية. ويعدُّ الإنفاق العام المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي في كثير من بلدان العالم؛ لانتشاره وتنوع أسبابه. فقيام الدولة بتخفيض الإنفاق العام من أجل معالجة التضخم النقدي، ووقف ارتفاع المستوى العام للأسعار والحد من تدهور قيمة النقود يندرج في تصرف ولي الأمر في المال العام بالأصلح للأمة، وهذا هو الواجب عليه.(1/350)
السابع والستون: التوظيف قدر من المال يفرضه ولي الأمر على الموسرين؛ لسدِّ حاجة عامة. والإجماع منعقد على تحريم التوظيف إلا في حال الضرورة. وبالنظر إلى مسألة تفعيل التوظيف في معالجة التضخم النقدي يتبين أنه لا يجوز؛ لأنه لا يتعين التوظيف لمعالجة التضخم النقدي،فإنه يمكن دفع الضرورة من غير هذا الطريق المحرم. كما أن تفعيل التوظيف ووضع الضرائب لا يتيقن اندفاع الضرورة به.
ثم بعد هذا أحمد الله الحميد المجيد على نعمه الظاهرة والباطنة، فله الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
* * *
الفهارس العامة
- فهرس الآيات القرآنية
- فهرس أطراف الأحاديث والآثار
- فهرس الأعلام
- فهرس المصطلحات
- فهرس المصادر والمراجع
- فهرس المحتويات
أولاً: فهرس الآيات القرآنية
فهرس الآيات القرآنية
السورة ... رقمها ... الآية ... رقمها ... الصفحة
البقرة ... 2 ... {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ... 148 ... 154
البقرة ... 2 ... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } ... 267 ... 169، 175، 252
البقرة ... 2 ... {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } ... 233 ... 218(1/351)
البقرة ... 2 ... {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} ... 279 ... 351
البقرة ... 2 ... {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } ... 271 ... 355
البقرة ... 2 ... {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} ... 276 ... 364
البقرة ... 2 ... {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ... 188 ... 392
آل عمران ... 3 ... {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } ... 92 ... 253
النساء ... 4 ... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ... 29 ... 199، 203، 392
النساء ... 4 ... {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } ... 128 ... 318
النساء ... 4 ... { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ... 29 ... 328
المائدة ... 5 ... {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} ... 6 ... 355
الأنعام ... 6 ... {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ... 141 ... 150
التوبة ... 9 ... {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ} ... 24 ... 56
التوبة ... 9 ... {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ... 103 ... 141، 340
التوبة ... 9 ... { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ... 91 ... 241
التوبة ... 9 ... {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ... 103 ... 340(1/352)
التوبة ... 9 ... {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ... 60 ... 340، 350، 351، 352، 356، 358
الحج ... 22 ... {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ... 78 ... 355
الشعراء ... 26 ... {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ... 183 ... 374، 392
ص ... 38 ... {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } ... 183 ... 392
الحشر ... 59 ... { كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } ... 7 ... 386
الطلاق ... 65 ... { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } ... 7 ... 218
المعارج ... 70 ... { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ? لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ?} ... 24، 25 ... 141، 351
المطففين ... 83 ... {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ... 1 ... 373
* * *
ثانياً: فهرس أطراف الأحاديث والآثار
فهرس أطراف الأحاديث والآثار
الحديث أو الأثر ... الصفحة
ائتوني بعرض ثياب خميس أو لبس... ... 161، 162
اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ... 247، 248
إذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ... 162،163، 340، 352
اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق... ... 354
أعطيتك حقك ... 357
أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها ... 253(1/353)
أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ... 353
أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ ... 246، 248
إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو... ... 357
أن المطر قحط على عهد رسول الله × بالمدينة... ... 79، 80
أن النبي × أمر بوضع الجوائح ... 134، 311
أن النبي × أمره أن يأخذ منها حديقته... ... 234
أن النبي × قدّر الجبران بعشرين درهمًا ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين ... 165
أن النبي × قطع سارقًا في مجن قيمته ثلاثة دراهم ... 188
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام... ... 393
أن رجلاً جاء فقال: يا رسول الله سعِّر فقال: بل أدعو... ... 329
أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعث وهو باليمن إلى رسول الله... ... 353
إنما البيع عن تراضٍ ... 328
إني والله لا أعطي ولا أمنع أحدًا، وإنما أنا قاسم... ... 387
بم تأخذ مال أخيك بغير حق ... 135
بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ... 393
الثلث كثير ... 207، 250
خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل... ... 164
خذوا في أوعيتكم ... 401
خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك... ... 219
ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن ... 319
الزعيم غارم ... 240
الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالاً أو أحل حراماً ... 318
عادني رسول الله × في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت ... 249
فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم... ... 161،162،
166،167، 254
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ... 333
فنقدني ثمنه ... 42
فهو أحق بها بالثمن ... 229، 230
كان النبي × يأمرنا بإخراج الصدقة من الذي يعد للبيع ... 172
كان النبي × يقوّم دية الخطأ على أثمان الإبل... ... 180
كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه ... 393(1/354)
كيف تبيع يا حاطب؟ فقال: مدين بدرهم فقال: تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا... ... 332
لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء ... 110، 157، 277،285، 286
لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا ... 188
لا ضرر ولا ضرار ... 307، 347
لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه ... 328
لا يدخل الجنة صاحب مكس ... 393
لا يشكر الله من لا يشكر الناس ... 39
ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ... 435
ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ... 145، 148
مطل الغني ظلم ... 207، 215
من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد... ... 332، 334
من كان بينه وبين أخيه مزرعة فأراد أن يبيعها فليعرض على صاحبه... ... 229
نهى النبي × عن بيع الغرر ... 287
هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل... ... 54
وأما العباس فهي عليه صدقة ومثلها معها ... 334،345، 346
وضع عمر الخراج على أراضي العراق ... 401
ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده بنت لبون ... 165
يا حماس أدِّ زكاة مالك... ... 171
* * *
ثالثاً: فهرس الأعلام
فهرس الأعلام
العلم ... الصفحات
ابن العربي ... 337
ابن القيم ... 337، 370
ابن تيمية ... 20، 44، 54، 121، 160، 169، 210، 253، 298، 210، 253، 298، 319، 331، 333، 336، 371، 373، 387، 388، 394، 395، 402
ابن حزم ... 187، 280، 331، 350، 394، 395، 402
ابن رشد ... 297
ابن عابدين ... 20، 320، 398
ابن عباس ... 233، 307، 352
ابن عمر ... 110، 157، 277، 278، 285، 286، 334، 368
ابن قدامة ... 245، 318، 355
ابن نجيم ... 221
أبوبكر ... 164
أبوحنيفة ... 105، 113، 117، 122، 155
أبوسفيان ... 218
أبوعبيدة ... 401
أبويوسف ... 104، 112، 114، 121، 122، 155
أحمد الزرقا ... 195
أحمد بن حنبل ... 160، 239، 346، 369
أحمد بن نصر الداودي ... 395
أنس بن مالك ... 44، 80، 164، 329
بشير بن النعمان ... 246(1/355)
البهوتي ... 211، 223، 246، 344، 371
ثابت بن قيس ... 233
جابر ... 42، 134، 135، 229، 311، 393، 401
الجويني ... 396، 399، 401، 402
حاطب بن أبي بلتعة ... 332، 333
الحطاب ... 220
حماس ... 171
الخرشي ... 58، 104، 107، 129، 152، 168، 175، 217، 222، 223، 237، 243، 244، 254، 310، 317، 318، 321، 390
رفيق المصري ... 6، 121، 130، 390
الرهوني ... 104، 118، 119، 121، 122، 125، 128، 135
الزيلعي ... 145، 172، 307، 308
السرخسي ... 237، 317
سعد بن أبي وقاص ... 249
سلمة بن صخر الأنصاري ... 354
سمرة ... 172
السيوطي ... 20، 156
شادية عبدالفتاح ... 6
الشاطبي ... 397، 400، 402
الشافعي ... 160، 185، 279، 369، 391
صالح بن محمد الحسن ... 39
الصاوي ... 222
صلاح الدين سلطان ... 390
طاوس ... 161، 162
عائشة ... 218
العباس ... 20، 160، 344، 345، 346
عبدالله أبا بطين ... 319
عبدالله البسام ... 181
عبدالله بن منيع ... 44، 45، 61، 64، 67، 196
عبدالمجيد سنكي ... 19
عبدالملك بن مروان ... 368
علي ... 353
عمر بن الخطاب ... 54، 171، 332، 346، 367، 401
العمراني ... 186
الغزالي ... 396، 397، 399
قاسم الحموري ... 5، 142
قبيصة بن مخارق الهلالي ... 353
القره داغي ... 195
الكاساني ... 114، 155، 220، 222، 224، 245، 308
المازري ... 343
مالك ... 44، 54، 148، 160، 245، 373
الماوردي ... 369
محمد الحاج الناصر ... 196
محمد الزهراني ... 23
محمد بن إبراهيم ... 178، 180
محمد بن الحسن ... 104، 112، 155
محمد بن سعود العصيمي ... 39
محمد شبير ... 196
محمد عليش ... 309
مصطفى الزرقا ... 195، 301، 305
مضر نزار العان ... 6
معاذ بن جبل ... 161، 162، 163، 164، 166، 167، 254، 340، 352
المقريزي ... 20، 62، 46، 53، 81
موسى آدم عيسى ... 18
النووي ... 104، 111، 117، 143، 145، 163، 172، 227، 246، 251، 307، 39
هايل عبدالحفيظ داود ... 13، 15(1/356)
هند بنت عتبة ... 218
الهيتمي ... 220، 245، 310، 343
* * *
رابعاً: فهرس المصطلحات
فهرس المصطلحات
المصطلح ... الصفحة
الإجارة ... 18، 21، 97، 105، 109، 193، 210، 236، 308، 309، 310، 311
الإجارة الطويلة ... 97، 193، 263
الادخار ... 27، 95، 266، 274، 327، 363، 364، 365، 410
الاستثمار ... 27، 57، 76، 95، 96، 266، 289، 300، 330، 341، 366، 378، 380، 385، 41076، 95، 327، 348، 365، 386، 391، 392
الاستهلاك ... 76، 95، 327 348، 365، 386، 391، 392
الإعواز ... 179، 180، 413
الانقطاع ... 8، 26، 28، 56، 58، 103، 112، 113، 116، 120، 145، 307، 407
الأوراق النقدية
الأوراق النقدية ... 2، 3، 7، 12، 17، 26، 29، 48، 49، 50، 51، 52، 60، 61، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 77، 78، 95، 127، 130، 132، 133، 135، 138، 140، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 147، 148، 149، 153، 154، 156، 168، 174، 177، 180، 181، 182، 184، 189، 194، 195، 196، 197، 198، 200، 202، 203، 205، 209، 213، 217، 222، 223، 227، 228، 229، 232، 233، 238، 239، 240، 241، 247، 248، 252، 254، 255، 271، 272، 278، 284، 285، 287، 294، 316، 406، 407، 408، 411، 412، 413، 414، 415، 416، 417، 419، 421
البطالة ... 57، 76
البيع بأجل ... 9، 11
التسوية القضائية ... 9، 14، 34، 257، 260، 314، 315، 316، 421
التضخم النقدي(1/357)
التضخم النقدي ... 1، 2، 3، 6، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17، 24، 25، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 34، 35، 36، 37، 40، 56، 72، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 79، 80، 81، 82، 83، 84، 85، 86، 87، 88، 89، 91، 94، 95، 96، 99، 102، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 142، 143، 145، 149، 153، 154، 158، 159، 167، 168، 169، 170، 174، 175، 176، 177، 179، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 187، 189، 191، 193، 194، 195، 196، 198، 200، 202، 204، 205، 206، 211، 213، 214، 215، 216، 217، 222، 223، 227، 229، 231، 232، 233، 235، 236، 238، 239، 241، 242، 243، 244، 247، 249، 250، 251، 252، 254، 255، 257، 258، 259، 262، 263، 264، 266، 267، 271، 273، 275، 281، 283، 284، 288، 289، 290، 291، 292، 305، 306، 311، 312، 315، 316، 320، 321، 322، 323، 324، 326، 327، 338، 341، 342، 343، 347، 348، 349، 359، 361، 363، 364، 365، 366، 374، 375، 376، 380، 386، 387، 391، 403، 404، 406، 408، 409، 410، 411، 412، 413، 418، 420، 424
التوريد ... 11، 97، 193، 259، 305، 311، 315، 421
الخدمات
الخدمات ... 48، 51، 73، 74، 76، 88، 90، 91، 92، 95، 96، 97، 98، 101، 102، 132، 137، 262، 326، 327، 328، 330، 331، 337، 338، 342، 363، 374، 385، 386، 391، 406، 409، 410، 422
الخراج ... 104، 389، 393، 395، 398، 401
خراج الأرضين ... 62
الخطة ... 399
الدخل ... 27، 94، 96، 365، 410
الدراهم ... 8، 21، 43، 44، 54، 63، 110، 157، 68، 69، 178، 179، 188، 220، 224، 253، 277، 278، 279، 285، 286، 298، 367، 368، 369، 370
الدنانير ... 8، 21، 44، 54، 59، 63، 110، 157، 178، 179، 188، 220، 224، 253، 277، 278، 279، 285، 286، 289، 368، 369، 370، 408(1/358)
الدية ... 9، 10، 12، 17، 30، 177، 178، 179، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 279، 280، 413، 414
الديون
الديون ... 4، 6، 10، 15، 16، 17، 30، 31، 63، 139، 140، 191، 192، 193، 194، 197، 198، 201، 202، 204، 205، 207، 209، 211، 212، 213، 214، 227، 228، 236، 259، 263، 264، 268، 269، 270، 271، 272، 273، 274، 275، 277، 283، 284، 275، 288، 291، 292، 293، 294، 295، 296، 297، 299، 300، 313، 321، 322، 359، 363، 415، 418، 419، 420، 421
الذهب ... 9، 19، 20، 26، 33، 43، 44، 46، 47، 48، 49، 50، 53، 54، 55، 60، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 79، 96، 102، 103، 104، 105، 106، 108، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 120، 131، 132، 141، 142، 143، 144، 148، 154، 156، 157، 158، 168، 185، 187، 188، 189، 200، 220، 221، 245، 269، 271، 272، 273، 280، 293، 294، 295، 296، 337، 340، 353، 369، 375، 406، 407، 410، 411، 414، 418، 419، 420
الربا ... 7، 13، 22، 35، 51، 61، 63، 64، 65، 66، 68، 97، 109، 111، 120، 122، 127، 201، 211، 282، 284، 299، 360، 362، 363، 364، 365، 380، 422، 423
الرخص
الرخص ... 8، 22، 26، 28، 56، 58، 103، 108، 114، 116، 121، 122، 123، 125، 125، 126، 128، 131، 165، 201، 220، 408
الرشوة ... 98
الرهن ... 9، 11، 16، 32، 236، 237، 238، 416
الزكاة ... 3، 5، 9، 10، 12، 14، 17، 19، 24، 29، 35،43، 44، 69، 140، 141، 142، 143، 145، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 177، 192، 245، 257، 260، 294، 329، 340، 341، 342، 343، 344، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 355، 356، 357، 358، 359، 390، 402، 403، 412، 413، 422
الزيف ... 43، 370(1/359)
السلم ... 9، 11، 21، 193
الصداق المؤجل ... 16، 193، 212
الضرائب ... 19، 137، 266، 391، 394، 404، 424
الطلب
الطلب ... 27، 48، 49، 52، 57، 68، 75، 76، 88، 207، 211، 274، 312، 320، 326، 327، 330، 336، 342، 361، 363، 365، 386، 391، 408، 409، 421
العرف ... 136، 207، 212
عشور أموال التجارة ... 62
العقود المستمرة ... 97، 193، 203، 315
عقود المقاولات ... 97، 193، 259، 315
الغصب ... 9، 11، 15، 209، 227
الغلاء ... 8، 22، 26، 28، 56، 58، 103، 114، 116، 121، 128، 165، 220، 333، 347، 408
الفائدة ... 9، 33، 35، 269، 274، 275، 281، 299، 300، 360، 361، 362، 363، 364، 365، 366، 374، 380، 418، 419، 420، 422، 423، 424
الفضة ... 19، 26، 43، 44، 46، 47، 48، 49، 50، 53، 54، 55، 60، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 96، 102، 103، 104، 105، 106، 108، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 120، 123، 131، 132، 141، 142، 143، 144، 148، 154، 156، 157، 158، 168، 188، 189، 280، 293، 340، 375، 406، 407، 410، 411، 414
الفلوس
الفلوس ... 7، 8، 18، 19، 26، 44، 55، 60، 61، 62، 63، 64، 65، 71، 80، 102، 106، 114، 115، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 138، 168، 169، 197، 199، 212، 220، 228، 253، 290، 371، 372، 408، 411
القرض ... 6، 9، 10، 109، 110، 113، 130، 136، 191، 193، 194، 206، 212، 228، 265، 274، 283، 285، 286، 289، 290، 299، 379، 382
قياس مع الفارق ... 106، 108، 123، 128، 157، 173، 198، 209
القيمة الحقيقية ... 8، 95، 97، 265، 272، 287، 288، 419
الكساد ... 4، 8، 22، 25، 28، 56، 57، 103، 106، 107، 108، 109، 110، 111، 113، 116، 118، 119، 124، 125، 126، 133، 407
المثلية ... 105، 107، 118، 119، 123، 124، 126، 127، 200، 201، 202، 230، 231، 233، 234، 235، 240، 248، 278(1/360)
المداينات ... 96، 191، 192، 193، 204، 215، 224، 282، 283، 315
المستهلكين ... 89، 90، 262، 269، 337، 410
المقايضة ... 13، 46، 54
مكس ... 393
المهر ... 9، 12، 15، 109، 111، 232، 233، 234، 235، 416
الموازنات ... 137، 312، 321
النسيئة ... 42، 110، 111، 119
نصاب السرقة ... 12، 187، 188، 189، 414
النفقات ... 11، 15، 16، 31، 137، 193، 217، 219، 222، 224، 225، 226، 258، 376، 385، 388، 391، 402، 415، 424
النفقة ... 9، 11، 12، 217، 219، 220، 221، 222، 223، 224، 225، 226، 334، 415
النقود
النقود ... 2، 3، 4، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 21، 22، 25، 28، 29، 35، 36، 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 59، 60، 61، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 69، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 80، 81، 82، 83، 84، 85، 88، 89، 90، 91، 93، 94، 95، 96، 97، 98، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 125، 126، 127، 128، 130، 131، 132، 133، 135، 136، 138، 140، 141، 142، 153، 154، 168، 169، 174، 176، 181، 184، 193، 195، 197، 198، 199، 200، 205، 209، 211، 212، 213، 214، 216، 220، 224، 225، 226، 228، 229، 230، 233، 234، 237، 247، 252، 253، 255، 257، 258، 259، 260، 262، 265، 266، 270، 272، 273، 274، 278، 281، 282، 283، 285، 288، 290، 293، 294، 313، 315، 319، 320، 321، 322، 340، 342، 348، 359، 360، 361، 362، 363، 365، 366، 367، 368، 369، 370، 371، 372، 373، 374، 375، 376، 377، 378، 379، 380، 381، 382، 383، 384، 387، 404، 406، 407، 408، 410، 411، 415، 416، 417، 422، 423، 424
النقود الاصطلاحية(1/361)
النقود الاصطلاحية ... 3، 28، 55، 102، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 125، 126، 127، 128، 130، 131، 132، 138، 212، 228، 253، 293،294، 407، 411
النقود الخلقية ... 28، 53، 67، 103، 104، 105، 106، 108، 109، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 120، 123، 132، 407، 410، 411
النقود السلعية ... 13، 46، 47، 51، 53، 54، 406
النقود المصرفية ... 51، 52، 211، 361، 377، 379، 381، 382، 407، 415، 422، 423
النقود المعدنية ... 15، 47، 77، 78، 375، 406
النقود الورقية الائتمانية ... 50، 407، 454
النقود الورقية الإلزامية ... 18، 49، 407
النقود الورقية النائبة ... 48، 49، 406
النمو الاقتصادي ... 96، 386
الهبة ... 16، 32، 243، 244، 245، 246، 247، 248، 250، 416،
الودائع البنكية ... 16، 361،
الوديعة ... 70، 209، 215، 379
الورق ... 15، 17، 44، 45، 55، 61، 64، 65، 67، 78، 110، 130، 140، 141، 142، 180، 185، 189، 256، 279، 369، 408، 413، 414، 417
الوصية
الوصية ... 16، 32، 207، 243، 250، 254، 255، 256، 417، 418، 454
خامسًا: فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع
أبحاث وأعمال الندوة التاسعة لقضايا الزكاة.
الإبهاج في شرح المنهاج. لعلي بن عبد الكافي السبكي، مطبعة التوفيق الأدبية، القاهرة.
آثار التضخم على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية والوسائل المشروعة للحماية. للدكتور: رفيق المصري، دار المكتبي، الطبعة الأولى، عام (1420هـ).
آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي. تأليف الدكتور: موسى آدم عيسى، مجموعة دلة البركة، الطبعة الأولى، عام (1414هـ).
أثر الشبهات في درء الحدود. للدكتور سعيد بن مسفر الوادعي، مكتبة التوبة، الطبعة الأولى، عام (1418هـ).(1/362)
إجابة السائل شرح بغية الآمل. لمحمد الصنعاني، تحقيق حسين السباعي وحسن الأهدل، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
الإجارة الطويلة والمنتهية بالتمليك في الفقه الإسلامي. تأليف سليمان ابن صالح الخميس، بحث قدم لنيل درجة الماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كلية الشريعة في قسم الفقه.
الإجماع. لابي بكر محمد بن المنذر، تحقيق صغير حنيف، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، عام (1402هـ).
إجمال الإصابة في أقوال الصحابة. للحافظ: العلائي، تحقيق: محمد سليمان الأشقر، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الصفاة، الكويت، الطبعة الأولى، عام (1407هـ).
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان. للإمام علاء الدين الفارسي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1412هـ).
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام. لابن دقيق العيد، دار الكتب العلمية، بيروت.
أحكام الأوراق النقدية التجارية في الفقه الإسلامي. تأليف: ستر بن ثواب الجعيد، مكتبة الصديق، الطائف، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).
أحكام الجناية على النفس وما دونها عند ابن القيم دراسة وموازنة. للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، عام (1416هـ).
الأحكام السلطانية والولايات الدينية.لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، خرجه: خالد العلمي، دار الكتاب العربي.
الأحكام السلطانية. للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء، صححه: محمد الفقي، دار الوطن.
أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي. للدكتور عبد الله الدرعان، مكتبة التوبة، الطبعة الأولى، عام (1415هـ).
أحكام القرآن. تأليف: محمد بن عبدالله المعروف بابن العربي، تحقيق: على محمد البحاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، عام (1407هـ).
أحكام القرآن. للإمام: أبي بكر أحمد الرازي الجصاص، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان.(1/363)
أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض. لمضر نزار العاني، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى، عام (1421هـ).
أحكام صرف النقود والعملات. تأليف الدكتور عباس الباز، دار النفائس، الطبعة الأولى، عام (1419هـ).
الإحكام في أصول الأحكام. لعلي الآمدي، تحقيق: سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، عام (1405هـ).
أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه. للفاكهي، تحقيق عبدالملك بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، الطبعة الأولى، عام (1407هـ).
الاختيارات الفقهية. للشيخ أبي الحسن البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية (1369هـ).
إخراج القيمة في الزكاة. تأليف عدنان الزهراني، شركة المدينة للطباعة والنشر، جدة، عام (1422هـ).
الأربعين النووية. تأليف: يحيى بن شرف الدين النووي، مكتبة دار الفتح، دمشق، الطبعة الرابعة (1404هـ).
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. تأليف محمد بن علي ابن محمد الشوكاني، دار الفكر، لبنان.
إرشاد الفقيه. للإمام: ابن كثير الدمشقي، تحقيق: بهجة يوسف حمد أبو الطيب، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى (1416هـ).
الإرشاد إلى معرفة الأحكام. للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي، مكتبة المعارف، الرياض (1400هـ).
إرواء الغليل. للشيخ: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى (1399هـ).
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ في معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، تصنيف الإمام: أبي عمر يوسف بن عبدالبر، تحقيق الدكتور: عبد المعطي أمين قلعجي ، دار الوعي، حلب، القاهرة، الطبعة الأولى (1414هـ).
الاستيعاب في معرفة الأصحاب. لأبي عمر يوسف بن عبد البر، مطبوع بهامش، الإصابة لابن حجر، دار صادر، بيروت.(1/364)
أسد الغابة في معرفة الصحابة. لعز الدين بن الأثير أبي الحسن بن محمد الجزري، تحقيق: محمد ألبنا، محمد عاشور، دار الشعب.
الأسس الاقتصادية، تأليف: سليفرمان، تعريب: محمد راسم، الطبعة الأولى.
أسس السياسة المالية. للدكتور عبد العزيز السوداني، الناشر كلية التجارة في جامعة الاسكندرية، عام (1996م).
الإسلام والنقود. للدكتور رفيق المصري، مركز النشر العلمي في جامعة الملك عبد العزيز، الطبعة الثانية، عام (1410هـ).
أسنى المطالب شرح روض الطالب. لزكريا الأنصاري، المطبعة الميمنية.
الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية. تأليف عبدالرحمن السيوطي، تحقيق محمد البغدادي، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
الأشباه والنظائر. للشيخ زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الإصابة في تمييز الصحابة. لابن حجر العسقلاني، إعداد: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
أصول الاقتصاد الإسلامي. للدكتور رفيق المصري، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1409هـ).
أصول الفقه. لمحمد بن مفلح، تحقيق الدكتور فهد السدحان، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، عام (1422هـ).
الاعتصام. تأليف إبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، دار ابن عفان، الخبر، الطبعة الأولى، عام(1412هـ).
إعلاء السنن. للشيخ: ظفر أحمد العثماني، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، باكستان.
إعلام الموقعين عن ربّ العالمين. تأليف: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.
الأعلام. لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين ، بيروت، الطبعة السابعة (1986م).
إغاثة الأمة بكشف الغمة. لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي، قام على نشره: الدكتور محمد زيادة و جمال الدين الشيال، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، الطبعة الثالثة، عام(1422هـ).(1/365)
أفعال الرسول ودلالتها على الأحكام. للدكتور محمد بن سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة (1416هـ).
الاقتصاد الإسلامي مصادره وأسسه. للدكتور: حسن على الشاذلي، دار الاتحاد العربي للطباعة عام (1399هـ).
الاقتصاد الإسلامي. بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، الطبعة الأولى (1400هـ).
الاقتصاد الإسلامي. للدكتور منذر قحف، دار القلم، الكويت، الطبعة الأولى، عام (1399).
الاقتصاد الكلي النظرية المتوسطة، تأليف الدكتور: عبد المحمود محمد نصر، دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض.
الاقتصاد وأنظمته وقواعده وأسسه في ضوء الإسلام. لعدنان حسين، مطابع المجموعة الإعلامية، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).
اقتصاديات النقود والبنوك، تأليف الدكتور: محمد الرزاز، الناشر: دار الثقافة العربية، سنة (1995م).
الإقناع. لأبي بكر محمد بن المنذر، تحقيق عبد الله الجبرين، الطبعة الأولى، عام (1408هـ).
الإقناع. للعلامة أبي النجا الحجاوي، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السّبكي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
إلغاء الفائدة من الاقتصاد. تقرير مجلس الفكر الإسلامي في الباكستان، مراجعة رفيق المصري، مطابع جامعة الملك عبد العزيز بجدة، الطبعة الثانية، عام (1404هـ).
الأم. للإمام: محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية (1393هـ).
إنباء الغمر بأبناء العمر. تأليف أحمد بن حجر، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، عام (1387هـ).
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل. تأليف: علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، تحقيق الشيخ: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية، الطبعة الأولى (1375هـ).(1/366)
أنيس الفقهاء. الشيخ: قاسم القونوي، تحقيق الدكتور: أحمد بن عبدالرزاق الكبيسي، دار الوفاء، السعودية، جدة، الطبعة الأولى (1406هـ).
الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي قيمتها وأحكامها. تأليف: أحمد حسن، دار الفكر، الطبعة الأولى، عام (1420هـ).
البحر الرائق شرح كنز الدقائق. لزين الدين إبراهيم بن محمد بن نجيم، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية.
البحر المحيط في أصول الفقه. تأليف: محمد بن بهادر بن عبدالله الشافي، قام بتحريره الدكتور: عبد الستار أبو غدة، الطبعة الثانية (1413هـ).
بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة. لمجموعة من الباحثين: د. محمد الأشقر، د. أبو رخية، د. شبير، د. عمر الأشقر، دار النفائس، الطبعة الأولى، عام (1418هـ).
بحوث فقيه في قضايا اقتصادية معاصرة. الدكتور: محمد سليمان الأشقر، الأستاذ الدكتور: ماجد أبو رخية، الدكتور محمد عثمان شبير، الدكتور: عمر سليمان الأشقر.
بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية. للدكتور عبد الستار أبو غدة، بيت التمويل الكويتي، عام (1413).
بدائع الفوائد. لمحمد ابن قيم الجوزية، تحقيق مجموعة منهم معروف زريق، دار الخير، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1403هـ).
بدائع كتاب الصنائع في ترتيب الشرائع. أبي بكر بن مسعود الكسائي الحنفي. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية (1406هـ).
بداية المجتهد ونهاية المقتصد. للإمام محمد بن رشد القرطبي. دار المعرفة، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1416هـ).
البداية والنهاية. لعماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، الناشر: مكتبة المعارف، الطبعة السادسة، عام (1405هـ).
البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع. لمحمد بن علي الشوكاني، مطبعة السعادة بالقاهرة، الناشر: دار المعرفة، بيروت ، الطبعة الأولى (1348هـ).
البديع شرح التفريع. منقول في حاشية التفريع، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1408هـ).(1/367)
بطاقات الائتمان والأحكام المتعلقة بها. للشيخ يوسف الشبيلي، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد. للدكتور عبدالوهاب أبو سليمان، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1419هـ).
بغية التمام في تحقيق ودراسة مسعفة الحكام على الأحكام. تأليفك الدكتور صالح بن عبد الكريم الزيد، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى (1416هـ).
بلغة السالك لأقرب المسالك. للشيخ أحمد بن محمد الصاوي، دار البخاري، السعودية، بريدة.
بلوغ المرام من أدلة الأحكام. للحافظ ابن حجر العسقلاني، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).
البناية في شرح الهداية. لأبي محمد محمود بن أحمد العيني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية (1411هـ).
البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق. للدكتور: عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار، إصدار نادي القصيم الأدبي، بريدة (1408هـ).
البهجة في شرح التحفة. لأبي الحسن التسولي، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء (1412هـ).
البيان الختامي. التوصيات والمقترحات، للدورة الثانية عشرة لمجمع الفقه الإسلامي.
البيان في مذهب الإمام الشافعي. لأبي الحسين يحي العمراني، اعتنى به: قاسم النوري، دار المنهاج.
البيان والتحصيل. لأبي الوليد ابن رشد القرطبي، تحقيق الأستاذ: سعيد أعراب، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية (1408هـ).
التاج والإكليل لمختصر خليل. لأبي عبدالله محمد بن يوسف المواق، دار الفكر، الطبعة الثالثة ( 1412هـ).
تأريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والآجتماعي. تاليف الدكتور حسن إبراهيم حسن، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، عام (1967م).
التأريخ الإسلامي. تأليف محمود شاكر، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، عام (1405هـ) .(1/368)
تأريخ الأمم والملوك. لمحمد بن جرير الطبري، دار الفكر العربي، بيروت .
تأريخ بغداد. للحافظ أحمد بن علي الخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت.
تأريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار. لعبد الرحمن الجبرتي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، عام (1978م) .
التأصيل الشرعي للحلول المقترحة لعلاج آثار التضخم النقدي. بحث غير منشور زودني به الدكتور محمد العصيمي أثابه الله.
تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام. للشيخ أبي عبدالله محمد بن فرحون اليعمري، مكتبة الكليات الأزهرية، الأزهر، القاهرة، الطبعة الأولى (1406هـ).
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية، الطبعة الأولى (1314هـ).
التحبير شرح التحرير في أصول الفقه. للعلامة علي بن سليمان المرداوي، تحقيق: عوض بن محمد القرني، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، عام (1421هـ).
تحرير ألفاظ التنبيه. تأليف: يحي بن شرف الدين النووي، دار القلم، حققه: عبد الغي الدقر، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1408هـ).
تحفة الأحوذي. للإمام عبد الرحمن المباركفوري، تحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان، دار الفكر، الطبعة الثالثة (1399هـ).
تحفة الفقهاء. علاء الدين محمد السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، توزيع دار الباز، مكة، الطبعة الأولى، عام (1405هـ).
تحفة المحتاج بشرح المنهاج. تأليف: أحمد بن حجر الهيتمي، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان.
تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. لمحمد بن بطوطة، تحقيق الدكتور منتصر، بيروت، عام (1395هـ).
تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية. تأليف علي بن محمد الخزاعي، تحقيق الدكتور: محمد أديب صالح، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة (1404هـ).(1/369)
التدوين في أخبار قزوين. للمؤرخ عبدا لكريم بن محمد الرافعي القزويني، تحقيق: الشيخ عزيزا لله العطاردي، المطبعة العزيزية بالهند.
التسهيل لعلوم التنزيل. لمحمد بن أحمد بن جزي، دار الكتاب العربي، عام (1403هـ).
تصحيح الفروع. لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، مطبوع مع كتاب الفروع، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
التضخم المالي. الدكتور غازي حسين عناية، الناشر: مؤسسة شباب الجامعة ، عام (1405هـ).
التضخم النقدي من الوجهة الشرعية. تأليف محمد وهبة الزحيلي،
التضخم في العالم العربي. للدكتور رمزي زكي وآخرون، دار الشباب، الكويت، الطبعة الأولى، عام (1986م).
التضخم. تأليف كروين، ترجمة الدكتور: محمد عزيز، جامعة قاريونس، عام (1981م).
تطور النقود في ضوء الشريعة الإسلامية. تأليف الدكتور أحمد حسن الحسني، دار المدني للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، عام(1410هـ).
التعريفات. لعلي الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، عام (1405هـ).
تغليق التعليق. للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: سعيد عبدالرحمن موسى القزفي، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى (1405هـ).
تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية. تأليف: هايل عبد الحفيظ يوسف داود، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، عام (1999م).
التفريع. لأبي القاسم عبيد الله بن الجلاّب البصري، تحقيق الدكتور: الدكتور: حسين بن سالم الدهماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان الطبعة الأولى (1408هـ).
تفسير القرآن العظيم. للشيخ إسماعيل بن كثير، مؤسسة الرسالة،الطبعة الأولى، عام (1421هـ).
تفسير غريب الحديث. للحافظ ابن حجر، توزيع دار الباز، مكة المكرمة.
التقرير والتحبير. لابن حجر العسقلاني، عني بتصحيحه السيد: عبدالله هاشم اليماني، دار المعرفة، بيروت.
تكملة المجموع شرح المهذب. لعلي السبكي، دار الفكر.(1/370)
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. لأحمد بن حجر، تحقيق عبدالله اليماني، عام (1384).
التمهيد في أصول الفقه. لأبي الخطابي محفوظ بن أحمد الكلوذاني، تحقيق الدكتور: مفيد محمد أبو عمشة، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. تأليف الإمام: أبي عمر يوسف بن عبدالبر، تحقيق: محمد الفلاح.
تنبيه الرقود. ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
تنظيم ومحاسبة الزكاة في التطبيق المعاصر. الدكتور: شوقي إسماعيل سعاته، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الثانية، عام (1408هـ).
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق. تأليف: محمد بن أحمد بد عبد الهادي، تحقيق: الدكتور عامر صبري، المكتبة الحديثة، الإمارات العربية، الطبعة الأولى (1409هـ).
تهذيب الأسماء واللغات. لأبي زكريا النووي، دار الكتب العلمية، بيروت.
تهذيب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر، دار صادر، بيروت.
تهذيب السنن. لابن قيم الجوزية، مطبوع مع مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
تهذيب الفروق. للشيخ محمد على بن المرحوم، وهو مطبوع مع كتاب الفروق للقرافي دار المعرفة، لبنان.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال. لأبي الحجاج المزي، تحقيق الدكتور: بشار عوّاد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1405هـ).
تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك. لأبي الحجاج يوسف بن دوناس الفندولاوي، تحقيق: أحمد البو شيخي، مطبعة فضالة، المغرب، عام ( 1419).
توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من المعاملات. تأليف عبد الله بن بيه، المكتبة المكية، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، عام (1418هـ).
التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح، تأليف: أحمد بن محمد الشويكي، دراسة وتحقيق: ناصر بن عبدالله الميمان، المكتبة المكيّة، الطبعة الأولى (1418هـ).(1/371)
تيسير التحرير شرح كتاب التحرير. لمحمد أمين الحنفي، مطبعةمصطفى البابي الحلبي.
جامع الترمذي. لمحمد بن عيسى بن سورة، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى (1420هـ).
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم. للحافظ ابن رجب البغدادي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، إبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1411هـ).
جامع المسائل. لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عام (1422هـ).
الجامع في أصول الربا. للدكتور: رفيق يونس المصري، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، الطبعة الأولى (1412هـ).
الجامع لأحكام القرآن. لأبي عبدالله محمد القرطبي، حققه: أبو إسحاق إبراهيم اطفيش، دار إحياء التراث العربي، لبنان (1405هـ).
الجوائح وأحكامها. للدكتور: سليمان بن إبراهيم الثنيان، دار عالم الكتب، الرياض، الطبعة الأولى (1413هـ).
الجوانب الهيكلية للتضخم الاقتصادي، إعداد : دكتور محمد عثمان مصطفى، دار المختار للنشر والتوزيع.
الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية. لعبد القادر بن محمد القرشي، تحقيق عبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي، دار العلوم الرياض.
الجوهرة النيرة. لمحمد الحدادي الحنفي، المطبعة الخيرية.
حاشية أحمد الشبلي على تبيين الحقائق. لشهاب الدين أحمد الشبلي، مطبوع مع تبيين الحقائق. المطبعة الكبرى الأميرية، ببولاق مصر المغرية، الطبعة الأولى (1313هـ).
حاشية البجيرمي على الخطيب المسماة (تحفة الحبيب على شرح الخصيب)، للشيخ: سليمان البجيرمي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الأخيرة (1370هـ).
حاشية الجمل على شرح المنهج. للشيخ زكرياء الأنصاري، دار الفكر.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، للشيخ محمد عرفة الدسوقي، دار الفكر.(1/372)
حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل، وبهامشه المدني على كنون، دار الفكر، بيروت، عام (1978م).
حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب لشرح تحرير تنقيح اللباب. للشيخ عبدالله الشرقاوي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق. مطبوع مع تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي الحنفي، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية، الطبعة الأولى، عام (1314هـ).
حاشية الشيخ علي العدوي. لعلي العدوي، دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي، القاهرة، مصر.
حاشية العطار على شرح الجلال المحلي. لحسن بن محمد العطار، دار الكتب العلمية، لبنان.
حاشية المدني. تأليف علي كنون المدني، مطبوع بهامش حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل، دار الفكر، بيروت، عام (1978م).
حاشية رد المحتار على الدر المختار: شرح تنوير الأبصار. لمحمد أمين الشهير بابن عابدين، دار الفكر، الطبعة الثانية (1386هـ).
حاشية علي الشبراملسي على نهاية المحتاج. بهامش نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، الطبعة الأخيرة (1386هـ).
حاشية قليوبي وعميرة على شرح المحلي للمنهاج. للشيخ: شهاب الدين القليوبي، والشيخ عميرة، دار إحياء الكتب العربية، مصر.
الحاوي الكبير. لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق الشيخ: على محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1414هـ).
الحاوي للفتاوي. للشيخ عبدالرحمن السيوطي، دار الكتاب العربي، بيروت.
الحجة على أهل المدينة. للإمام: أبي عبدالله الشيباني، تحقيق السيد: مهدي حسن الكيلاني، عالم الكتب، لبنان.
الحسبة. تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية، دار الكتاب العربي.(1/373)
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء. لمحمد الشاشي، حققه أحمد درادكه، مكتبة الرسالة الحديثة، دار الباز، مكة، ، الطبعة الأولى، عام (1998م).
حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج. للشيخ: عبد الحميد الشرواني، والشيخ: أحمد بن قاسم العبادي، دار إحياء التراث.
الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي. لخالد بن عبد الله المصلح، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، عام (1419هـ).
حول الدور الإنمائي والتوزيعي للزكاة. للباحث: نعمت عبد اللطيف مشهور. ضمن أبحاث، وأعمال المؤتمر العالمي الرابع للزكاة ((أثر الزكاة على النشاط الاقتصادي))، بيت الزكاة، الكويت، عام (1410هـ).
الخرشي على مختصر سيدي الخليل. للشيخ أبي عبدالله محمد بن عبدالله الخرشي، دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي، القاهرة، مصر.
خلاصة البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير للرافعي. للحافظ سراج الدين عمر ابن علي بن الملقن، حققه: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى (1410هـ).
الخيار وأثره في العقود. تأليف الدكتور عبد الستار أبو غدة، مطبعة مقهاوي، الكويت، الطبعة الثانية، عام (1405هـ).
الدر المختار. مطبوع مع حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، دار الفكر، الطبعة الثانية (1386هـ).
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون. تأليف أحمد بن يوسف الحلبي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي. تأليف يوسف بن حسن بن عبد الهادي، إعداد: رضوان غريبة، دار المجتمع، جدة، الطبعة الأولى، عام (1411هـ).
دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي. تأليف الدكتور نزيه حماد، دار الفاروق، الطائف، الطبعة الأولى، عام (1411هـ).
الدراية في تخريج أحاديث الهداية. للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.(1/374)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام. لعلي حيدر، تعريب: المحامي فهمي الحسيني، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى (1410هـ).
الدرر السنية في الأجوبة النجدية. جمع عبدالرحمن بن قاسم، الطبعة الثالثة، عام (1398هـ).
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. تأليف: أحمد بن على بن حجر، دار الجيل، بيروت.
دروس في الاقتصاد النقدي والتطور الاقتصادي، تأليف: محمد دويدار، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية.
دفع إيهام الاضطراب. تأليف محمد الأمين الشنقيطي، اعتنى بها عمر السلامي، مؤسسة التأريخ العربي، الطبعة الأولى، عام (1420هـ).
الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب. للعلامة: برهان الدين بن علي بن فرحون المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت.
الذخيرة. لأحمد بن إدريس القرافي، تحقي الأستاذ: محمد بو خبزة، دار الغرب الإسلامي، لبنان، الطبعة الأولى (1994م).
ذيل طبقات الحنابلة. لأبي الفرج عبدالرحمن بن رجب، دار المعرفة، بيروت.
الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية. للشيخ: عمر بن عبد العزيز المترك، دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى (1414هـ).
ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار، وقائع الندوة المعقودة في مقر المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة، تحرير الدكتور منذر قحف، الطبعة الثانية (1421هـ).
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة. تأليف أبي عبدالله محمد بن عبدالرحمن الدمشقي، تحقيق: علي الشربجي وقاسم النوري، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى عام (1414هـ).
رسائل في النقود للبلاذري والمقريزي والذهبي، نشرها: افتاس ماري الكرملي، الناشر: محمد أمين دمج، لبنان، بيروت.
رفع الحرج في الشريعة الإسلامية. للدكتور صالح ابن حميد، دار الاستقامة، الطبعة الثانية، عام (1412هـ).
رفع الحرج في الشريعة الإسلامية. للدكتور يعقوب أباحسين، دار النشر الدولي، الطبعة الثانية، عام (1416هـ).(1/375)
روضة الطالبين وعمدة المفتين. للإمام شرف الدين يحيي بن زكريا النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الثانية (1405هـ).
روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد. لمحمد بن عثمان القاضي، مطبعة الحلبي، الطبعة الثانية، عام (1403هـ).
الزكاة وأثرها في التنمية الاقتصادية. للباحث: عادل سباعي، ضمن أبحاث، وأعمال المؤتمر العالمي الرابع للزكاة ((أثر الزكاة على النشاط الاقتصادي))، بيت الزكاة، الكويت، عام (1410هـ).
الزواجر عن اقتراف الكبائر. لأحمد بن حجر الهيتمي، دار الوليد، جدة، الطبعة الأولى، عام (1414هـ).
زيف النقود الإسلامية. تأليف الدكتور ضيف الله الزهرني، مطابع الصفا، مكة، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة. محمد بن عبدالله بن حميد النجدي، تحقيق: بكر بن عبدالله أبو زيد، عبدالرحمن بن سليمان العثيمين، مؤسسة الرسالة، بيروت ، الطبعة الأولى (1416هـ).
سلسلة محاضرات العلماء البارزين. رقم (1)، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة.
سلطة ولي الأمر في فرض وظائف مالية. إعداد صلاح الدين عبد الحليم سلطان، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، عام (1409هـ).
سنن ابن ماجه. لمحمد بن يزيد القزويني، بيت الأفكار الدولية، الرياض.
سنن أبي داود. لسليمان بن الأشعث السجستاني، دار ابن حزم، لبنان، الطبعة الأولى (1419هـ).
السنن الصغرى. للإمام البيهقي، تحقيق الدكتور: عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى (1410هـ).
السنن الكبرى. لأبي بكر بن الحسين بن علي البيهقي، إعداد الدكتور: يوسف عبدالرحمن المرعشلي، دار المعرفة، لبنان.
سنن النسائي. لأبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى (1420هـ).
السياسات المالية دورها وضوابطها في الاقتصاد الإسلامي. للدكتور منذر قحف، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1419هـ).(1/376)
السياسة الشرعية. تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: بشير عيون، مكتبة المؤيد، الطبعة الثانية، عام (1413هـ).
السياسة النقدية في الاقتصاد الإسلامي. أحمد مجذوب، دار اللواء، الرياض، عام (1409).
سير أعلام النبلاء. تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ، وآخرون. مؤسسة الرسالة، بيروت.
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار. تأليف محمد بن علي الشوكاني، تحقيق محمود زايد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1405هـ).
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية. لمحمد بن مخلوف، المطبعة السلفية، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة مصورة عن الطبعة الأولى (1349هـ).
شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
شذور العقود في ذكر النقود. تأليف أحمد بن علي المقريزي، تحقيق محمد عبد الستار عثمان، مطبعة الأمانة، الطبعة الأولى، عام(1410هـ).
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك. لمحمد الزرقاني، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي. للشيخ: شمس الدين الزركشي، تحقيق: عبدالله بن عبدالرحمن الحبرين، الطبعة الأولى (1410هـ).
شرح السنة. لأبي محمد الحسين البغوي، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤط، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، عام (1403هـ).
شرح السير الكبير. تأليف محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق محمد صلاح المنجد.
الشرح الصغير. لأحمد الدردير، مطبوع في ذيل بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي، دار البخاري، السعودية، بريدة.
شرح العناية على الهداية. لمحمد البابرتي، مطبوع مع شرح فتح القدير لابن الهمام الحنفي، دار الفكر، الطبعة الثانية.
شرح القواعد الفقهية. للشيخ أحمد الزرقا، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، عام (1403هـ).(1/377)
الشرح الكبير. لابن أبي عمر ابن قدامة المقدسي، تحقيق الدكتور: عبدالله بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى (1415هـ).
الشرح الكبير. لأبي البركات أحمد الدردير، مطبوع مع حاشية الدسوقي، للشيخ محمد عرفة الدسوقي، دار الفكر.
شرح الكوكب المنير. لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي، تحقيق الدكتور: محمد الزحيلي، والدكتور: نزيه حماد، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى (1408هـ).
الشرح الممتع على زاد المستقنع. شرح الشيخ محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، عام (1422هـ).
شرح النووي على صحيح مسلم. لمسلم بنلحجاج بن مسلم القشيري، دار الفكر (1401هـ).
شرح حدود ابن عرفة. لأبي عبدالله محمد الأنصاري الرصاع، تحقيق: محمد أبو الأجفان الطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، عام (1993م).
شرح فتح القدير. للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، دار الفكر، الطبعة الثانية.
شرح مختصر الروضة. لنجم الدين سليمان الطوفي، تحقيق: الدكتور عبد الله التركي، الطبعة الثانية، عام (1419هـ).
شرح معاني الآثار. للإمام أبي جعفر الطحاوي، تحقيق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، عام (1399هـ).
شرح منتهى الإرادات. للشيخ: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة.
الشروط النقدية لاقتصاد الأسواق من دروس الأمس إلى إصلاحات الغد، ترجمة الدكتور رفيق المصري، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).
الشروط النقدية لاقتصاد السوق. تأليف موريس آليه، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب تابع للبنك الإسلامي للتنمية، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).(1/378)
شفاء الغليل في بيان الشبه و المخايل ومسالك التعليل. تأليف: محمد بن محمد بن حامد الغزالي، تحقيق الدكتور: حمد الكبيسي، مطبعة بغداد، سنة (1970هـ).
الصحاح. لإسماعيل بن حماد الجوهري، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، عام (1399هـ).
صحيح البخاري. لأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، عام (1417هـ).
صحيح مسلم. للإمام: أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النسيابوري، بيت الأفكار الدولية، الرياض.
صندوق النقد الدولي. للدكتور إبراهيم العيسى، مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية.
ضوابط تنظيم الاقتصاد في السوق الإسلامي. للدكتور:غازي عناية، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1412هـ).
طبقات الحنابلة. لأبي الحسين محمد بن أبي يعلي، دار المعرفة، بيروت.
طبقات الشافعية الكبرى. لعبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق: عبد العليم خان، عالم الكتب، الطبعة الأولى (1407هـ).
الطبقات الكبرى. لابن سعد، دار صادر، بيروت.
طبقات فقهاء الشافعية. لعبد الرحيم الأسنوي، تعليق كمال الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، عام(1982م).
طرح التثريب في شرح التقريب. لزين الدين أبي الفضل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. لابن القيم الجوزية، تحقيق: بشير محمد عيون. مكتبة المؤيد، الطائف، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى ( 1410هـ).
طريق الهجرتين وباب السعادتين. لابن القيم الجوزية، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى (1409هـ).
طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية. نجم الدين النسفي، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي. لأبي بكر بن العربي، دار ابن تيمية.(1/379)
العبر في خبر من غبر. محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق صلاح المنجد، دائرة المطبوعات، الكويت، عام (1960).
عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق. لأبي العباس أحمد بن يحي الونشريسي، تحقيق: حمزة أبو فارس، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، عام (1410هـ).
العرف وأثره في الشريعة والقانون. للدكتور أحمد المباركي، الطبعة الأولى، عام (1412هـ).
العزيز شرح الوجيز. لأبي القاسم عبد الكريم القز ويني، تحقيق الشيخ: علي محمد معوّض، الشيخ: عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الأولى (1417هـ).
عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة. لعبدالله بن نجم بن شاس، تحقيق الدكتور: محمد أبو الأجفان، عبدالحفيظ منصور، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى (1415هـ).
العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية. تأليف محمد أمين بن عابدين، دار المعرفة.
العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية. تأليف عبد القادر بن بدران، تحقيق عبد الستار أبو غدة، مكتبة السداوي، القاهرة، الطبعة الثانية، عام (1413هـ).
علم الاقتصاد. ترجمة الدكتور حمزة
علماء الحنابلة. تأليف بكر أبو زيد، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، عام (1422هـ).
علماء نجد خلال ثمانية قرون. تأليف: عبدالله بن عبدالرحمن البسام، دار العاصمة، الطبعة الثانية، عام (1419هـ) .
عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ. تأليف أحمد بن يوسف الحلبي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
عون المعبود شرح سنن أبي داود. لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان، دار الفكر، لبنان بيروت، الطبعة الثالثة (1399هـ).
غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى. تأليف: مرعي بن يوسف الكرمي، المؤسسة السعيدية، الطبعة الثانية.
غريب الحديث. لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق عبد الكريم الغرباوي، دار الفكر، عام (1402هـ).(1/380)
غريب الحديث. لأبي عبيد القاسم بن سلام، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر. لأحمد بن محمد الحنفي الحموي، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الأولى (1405هـ).
غياث الأمم في التياث الظلم. لعبد الملك بن عبدالله الجويني، تحقيق الدكتور: عبد العظيم الديب، مطبعة نهضة مصر، الطبعة الثانية (1401هـ).
الفائق في غريب الحديث. للعلامة جار الله الزمخشري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البحاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الثانية
فتاوى الزكاة. إعداد بيت الزكاة للعثماني
فتاوى السبكي. لأبي الحسن علي السبكي، تحقيق حسام الدين القدسي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1412هـ).
الفتاوى السعدية. تأليف الشيخ: عبدالرحمن السعدي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، عام (1402هـ).
الفتاوى الفقهية الكبرى. لابن حجر الهيتمي، دار صادر، بيروت.
الفتاوى الكبرى الفقهية. لابن حجر الهيتمي، دار صادر، بيروت.
الفتاوي الكبرى. لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الأولى (1408هـ).
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. جمع أحمد الدويش، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، عام (1419هـ).
الفتاوي الهندية. للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند الأعلام، دار إحياء التراث العربي، لبنان، الطبعة الثالثة (1400هـ).
فتاوى قاضيخان. بهامش الفتاوي الهندية، دار إحياء التراث العربي، لبنان، الطبعة الثالثة، عام (1400هـ).
فتاوى محمد بن أحمد الرملي. بهامش الفتاوى الكبرى الفقهية. لابن حجر الهيتمي، دار صادر، بيروت.
فتاوى مصطفى الزرقا. اعتنى بها مجد مكي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1420هـ).(1/381)
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. جمع وتحقيق: محمد عبدالرحمن بن قاسم، مطبوعات الحكومة بمكة المكرمة (1399هـ).
فتح الباري بشرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، عبد العزيز بن عبدالله بن باز، محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة الرياض الحديثة.
فتح القدير. تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار الفكر، لبنان.
الفتح المبين في طبقات الأصوليين. تأليف عبدالله المراغي، نشر محمد أمين دمج، بيروت، الطبعة الثانية، عام(1394هـ).
فتوح البلدان. لأحمد بن يحي البلاذري، اعتنى به صلاح المنجد، مكتبة النهضة، القاهرة.
الفروع. لأبي عبدالله محمد بن مفلح، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
الفروق. لأبي العباس الصنهاجي المشهور بالقرافي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
الفصول في الأصول. لأحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق الدكتور: عجيل ابن جاسم النشمي، الطبعة الأولى (1405هـ).
الفقه الإسلامي وأدلته. تأليف الدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر.
فقه الزكاة. للدكتور يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة العشرون، عام (1412هـ).
الفوائد البهية في تراجم الحنفية. لمحمد بن النديم، مكتبة خياط، بيروت.
الفوائد الزينية في مذهب الحنفية. للعلامة زين الدين بن إبراهيم ابن نجيم، اعتنى به أبو عبيدة مشهور بن حسن السلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، عام(1414هـ).
فوات الوفيات. تأليف محمد الكتبي، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
فواتح الرحموت. عبد العلي بن نظام الدين الأنصاري، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الثانية.
الفواكه الدواني. للشيخ: أحمد بن غنيم النفراوي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثالثة (1374هـ).
فيض القدير شرح الجامع الصغير. للعلامة المناوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية (1319هـ).(1/382)
قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي. للدكتور علي القرة داغي، الناشرون العرب، ، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).
قاعدة اليقين لا يزول بالشك. تأليف الدكتور يعقوب الباحسين، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، طبعة عام (1417هـ).
قاعدة في الأموال السلطانية وتسمى (قاعدة في الأموال المشتركة). تأليف: شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن إبراهيم الأمير، أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى، عام (1422هـ).
قاعدة في الأموال السلطانية. تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن الأمير، أضواء السلف، الطبعة الأولى، عام (1422هـ).
القاموس الفقهي. تأليف: سعد أبو حبيب، دار الفكر، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى (1402هـ).
القاموس المحيط. للفيروز آبادي، تحقيق: مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية (1407هـ).
القبس في شرح الموطأ. تأليف: أبي بكر بن العربي، تحقيق الدكتور محمد عبدالله ولد كريم، دار الغرب، الطبعة الأولى، عام (1992م).
قراءات في الاقتصاد الإسلامي، إعداد مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، مركز النشر العلمي، جامعة الملك عبد العزيز، عام (1407هـ).
القرآن العظيم.
قصة الحضارة. تأليف لديوارنت، ترجمة: محمد بدران، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية.
قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل. للعلامة محمد الأمين بن فضل الله المحبي، تحقيق الدكتور عثمان الصيني، مكتبة التوبة،الرياض، الطبعة الأولى، عام (1415هـ).
القضاء في عهد عمر. للدكتور ناصر الطريقي، دار المدني، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
قواعد الأحكام في مصالح الأنام. للإمام عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، مكتبة ابن تيمية.
القواعد الفقهية. للدكتور يعقوب أبا حسين، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، عام (1421هـ).(1/383)
القواعد القانونية العربية والدولية للقوة القاهرة والظروف الطارئة. للمستشار: أحمد منير فهمي، طباعة مجلس الغرف التجارية الصناعية، عام (1415هـ).
القواعد والأصول الجامعة. تأليف الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، اعتنى به: الدكتور خالد المشيقح، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، عام(1421هـ).
القواعد والفوائد الأصولية. تأليف أبي الحسن علاء الدين ابن اللحام، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية.
القواعد. لأبي الفرج عبد الرحمن بن رجب، دار المعرفة، بيروت.
القوانين الفقهية. لابن جُزَيّ، دار الكتب العلمية، لبنان.
الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة. لمحمد بن أحمد الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1403هـ).
الكافي في فقه الإمام أحمد. تأليف: موفق الدين ابن قدامة، تحقيق: مجموعة، المكتبة التجارية مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة.
الكافي في فقه أهل المدينة. لأبي عمر بن عبد البر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1407هـ).
الكامل في التأريخ. تأليف علي بن أبي الكرم ابن الأثير، دار صادر، عام (1402هـ).
كتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى. لأحمد السلاوي، تعليق عثمان الكعاك، مطبعة العرب، تونس، عام (1355هـ).
كتاب الأموال. تأليف حميد بن زنجويه، تحقيق: شاكر فياض، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
كتاب الأموال. للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
كتاب التلقين. لعبد الوهاب البغدادي المالكي، تحقيق: محمد ثالث سعيد الغاني، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، الطبعة الأولى (1410هـ).
كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك. لأحمد بن علي المقريزي، عناية: محمد مصطفى زيادة.
كشاف القناع عن متن الإقناع. لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي، عالم الكتب، بيروت.(1/384)
كشف الأستار عن ووائد البزار. للحافظ نور الدين الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية (1404هـ).
كشف الأسرار شرح أصول البزدوي. تأليف عبد العزيز بن أحمد البخاري، دار الكتاب الإسلامي.
كشف الخفاء ومزيل الإلباس. للمحدث إسماعيل العجلوني، بإشراف أحمد القلاس، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة، عام (1405هـ).
لسان العرب. للإمام أبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري. دار صادر، بيروت.
مآثر الإنافة في معالم الخلافة.
مبادئ الاقتصاد الكلي بين النظرية والتطبيق، الدكتور: خالد الوزني، الدكتور أحمد الرفاعي، دار وائل للنشر، الطبعة الثالثة، عام (1999م).
مبادئ الاقتصاد الكلي، تأليف الدكتور: سامي خليل، مؤسسة الصباح (1980).
مبادئ الاقتصاد الكلي، للدكتور: فايز الحبيب، مطابع الفرزدق التجارية، الطبعة الرابعة، عام (1421هـ).
مبادئ الاقتصاد. تأليف: عبدالملك العاني، مطبعة السعدي، بغداد، عام (1970م).
المبادئ العامة في القانون. للدكتور عبد المنعم فرج الصدة، معهد الدراسات الإسلامية، عام (1987).
مبدأ الرضا في العقود. للدكتور علي القرة داغي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
المبدع في شرح المقنع. لإبراهيم بن مفلح، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى.
المبسوط. لشمس الدين السرخسي، دار المعرفة بيروت (1406هـ).
مجلة الاقتصاد الإسلامي. كارثة الفائدة، بقلم جوهان فيليب، العدد (194)، ص (54-56).
مجلة البحوث الإسلامية. العدد (8)، ص (64)، أوراق النقود ونصاب الورق النقدي، العدد (39)، ص (311-324)، قيمة النقود وأحكام تغيراتها في الفقه الإسلامي، محمد علي بن حسين الحريري، العدد (40)، ص (357-360)، ص (343).(1/385)
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة. حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة المدين، للشيخ بن بيه، العدد (30)، ص (9، 33)، ص (39)، العدد (22)، ص (10)، الزكاة والضرائب، للدكتور محمد عبد البر، العدد (3)، ص (103).
مجلة البيان. الربا والأدوات النقدية المعاصرة، لمحمد الشباني، العدد (100)، ص (42).
مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد (8)، ص (334).
مجلة المسلم المعاصر. تقلبات القوة الشرائية، للدكتور شوقي دنيا، العدد (41)، ص (66).
مجلة النور. فوائد البنوك، للدكتور وهبة الزحيلي، العدد (101)، ص (42-43).
مجلة الوعي الإسلامي. دور الزكاة في علاج الركود الاقتصادي، بقلم:مجدي عبد الفتاح سليمان، رقم العدد (45).
مجلة جامعة الملك عبد العزيز. الاقتصاد الإسلامي، وجهة نظر في تغير قيمة النقود، عبد الجبار السبهاني، العدد (11)، ص (43-44)، النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون، عبد الجبار السبهاني، العدد (10)، ص (20)، مفهوم الإنفاق العام في دولة إسلامية حديثة، للدكتور محمد نجاة صديقي، العدد (5)، ص (3-5) ، التعويض عن الضرر في المماطلة، للدكتورين محمد الزرقا، محمد القري، العدد (3)، ص (33-34).
مجلة دراسات اقتصادية إسلامية. بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعية، سامي حمود، المجلد (7)،العدد (2)، ص (126)، التصرف في الديون، للدكتور الصديق الضرير، المجلد (7)،العدد (2)، ص (72-73)، الربط القياسي ضوابطه وآراء الاقتصاديين الإسلاميين فيه، الدكتور محمد القري، مجلد (4)، عدد(2)، ص (19-23).
مجلة مجمع الفقه الإسلامي. الأعداد (3، 5، 8، 9).
مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر. للفقيه عبدالله بن محمد بن سليمان المعروف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. لعلي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة (1402هـ).
مجمع الضمانات. لغانم البغدادي، المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى.(1/386)
مجموع الفتاوى. لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، دار عالم الكتب، الرياض.
مجموع الفوائد. للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث. للحافظ محمد المدني الأصفهاني، تحقيق عبد الكريم الغرباوي، دار المدني، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
المجموع شرح المهذب. لمحيي الدين بن شرف النووي، دار الفكر.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. لابن عطية الأندلسي، تحقيق: المجلس العلمي بفأس (1413هـ).
المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. للشيخ: مجد الدين أبي البركات، مطبعة السنة المحمدية (1413هـ).
المحصول في علم الأصول. لفخر الدين محمد الرازي، تحقيق جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، عام (1412هـ).
المحلّى. لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم، تحقيق: أحمد بن شاكر، دار التراث، القاهرة.
مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، دار مكتبة الهلال، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (1983م).
المختارات الجلية. للشيخ: عبدالرحمن الناصر السعدي، المؤسسة السعدية، الرياض.
مختصر اختلاف العلماء. لأبي جعفر الجصاص، تحقيق الدكتور عبد الله نذير، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، عام (1416هـ).
مختصر اختلاف العلماء. لأبي جعفر الطحاوي، تحقيق: عبدالله نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، لبنان، الطبعة الأولى، عام (1416هـ).
مختصر الطحاوي. تأليف أحمد بن محمد الطحاوي، تحقيق أبو الوفاء الأفغاني، دار إحياء العلوم، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).
مختصر المزني. مع كتاب الأم للإمام: محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، عام (1393هـ).
مختصر سنن أبي داود. للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
مختصر طبقات الحنابلة. تأليف: محمد جميل البغدادي، الطبعة الأولى، عام (1406هـ).(1/387)
المخصص. لأبي الحسن على بن إسماعيل المعروف بابن سيده، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.
المدخل الفقهي العام. مصطفى أحمد الزرقا. دار الفكر، الطبعة التاسعة، عام (1967م).
المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي. للشيخ مصطفى الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1420هـ).
المدونة الكبرى. للإمام مالك بن أنس، دار صادر، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى، عام (1323هـ).
مذكرات في النقود والبنوك. للدكتور: إسماعيل محمد هاشم، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1996م).
مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والمعتقدات. لابن حزم، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية (1400هـ).
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح. للعلامة الملا علي القاري، المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة.
المستدرك. للحافظ أبي عبدالله الحاكم النسيابوري، بإشراف الدكتور: يوسف عبدالرحمن المرعشلي، دار المعرفة، لبنان.
المستصفى. للإمام أبي حامد الغزالي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية.
المسند. تحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف المصرية.
المسند. للإمام أحمد بن حنبل، بيت الأفكار الدولية، الرياض.
مشكلة التضخم في الاقتصاد العربي. للدكتور محمد عبد الفضيل، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، عام (1982م).
مصادر التضخم النقدي في العراق. الدكتور: طاهر فاضل حسون، دار الطليعة، بيروت.
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه. لأحمد بن أبي بكر البوصيري، تحقيق: موسى محمد علي، والدكتور: عزت علي عطية، دار الكتب الحديثة.
المصباح المنير. أحمد بن محمد على الفيومي المقريء، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى (1417هـ).
المصرفية الإسلامية السياسة النقدية. للدكتور يوسف كمال، دار الوفاء، الطبعة الثانية، عام (1416هـ).(1/388)
المصنف. لأبي بكر عبد الرازق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية (1403هـ).
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى. لمصطفى السيوطي الرحيباني، الطبعة الثانية (1415هـ).
المطلع على أبواب المقنع. لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، (1401هـ).
معالم التنزيل. للحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: محمد عبدالله النمر، عثمان جمعة ضميرية ، سليمان مسلم الحرس، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية (1414هـ).
معالم السنن. لأبي سليمان الخطابي، تحقيق: أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي، وهو مطبوع مع مختصر سنن أبي داود للمنذري، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
معالم القربة في أحكام الحسبة. تأليف محمد بن محمد بن أحمد القرشي، اعتنى به: روبن ليوي، مكتبة المتنبي، القاهرة.
المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي. تأليف الدكتور: محمد عثمان شبير، دار النفائس، الطبعة الثالثة، عام (1419هـ).
المعتمد في أصول الفقه. لأبي الحسين البصري، تحقيق محمد حميد الله، طبعة المعهد العلمي الفرنسي بدمشق، عام (1384هـ).
المعجم الأوسط. للحافظ الطبراني، تحقيق الدكتور: محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى (1407هـ).
معجم البلدان. لياقوت الحموي، تحقيق فريد الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1410هـ).
المعجم الكبير للطبراني لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية (1405هـ).
معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية. تأليف عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء. للدكتور: نزيه حماد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الثالثة (1415هـ).
معجم المصطلحات المحاسبية والمالية. لعدنان عابدين، مكتبة لبنان، بيروت.(1/389)
معجم المقاييس في اللغة. لأحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1415هـ).
المعجم الوسيط. قام بإخراجه: إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر، محمد علي النجّار، دار الدعوة، استانبول، تركيا، الطبعة الثانية.
معجم لغة الفقهاء. للدكتور محمد رواس قلعه جي و حامد قنيبي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1405هـ).
معجم ما استعجم من أسماء البلدان والمواضع. لعبد الله البكري، تحقيق مصطفى الزرقا، عالم الكتب، بيروت.
معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال. إعداد المحامي نبيه غطاس، مكتبة لبنان، الطبعة الأولى، عام (1980م).
معرفة السنن والآثار. لأبي بكر البيهقي، تحقيق الدكتور: عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوعي، الطبعة الأولى (1411هـ).
المعلم بفوائد صحيح مسلم. للإمام أبي عبدالله محمد المازري، تحقيق فضيلة الشيخ: محمد الشاذلي النيف. الدار التونسية للنشر، الطبعة الثانية.
معونة أولي النهى شرح المنتهى. لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار، تحقيق الدكتور: عبدالملك بن عبدالله بن دهيش، دار خضر، لبنان، الطبعة الأولى (1415هـ).
المعونة. للقاضي عبدالوهاب البغدادي، تحقيق الدكتور: حميش عبد الحق، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، الطبعة الأولى (1415هـ).
المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب. لأحمد بن يحي الونشريسي، إشراف الدكتور محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
معين الحكم. لعلاء الدين علي الطرابلسي، دار الفكر.
المغرب في ترتيب المعرب. تأليف: ناصر المطرزي، دار الكتاب العربي.
مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج. لمحمد الخطيب، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر (1377هـ).(1/390)
المغني.لابن قدامة، تحقيق الدكتور: عبدالله بن عبد المحسن التركي، والدكتور: عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى (1408هـ).
مفردات ألفاظ القرآن. للأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم بدمشق، الدار الشامية، بيروت.
المفصل في أحكام المرأة. للدكتور عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، عام (1413هـ).
المفهم على صحيح مسلم. لأبي العباس أحمد القرطبي، تحقيق جماعة، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، عام (1417هـ).
المقاصد الحسنة. لأبي الخير محمد بن عبدالرحمن السخاوي، تحقيق عبدالله بن محمد الصديق، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الأولى (1399هـ).
مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية. تأليف الدكتور محمد سعد بن أحمد اليوبي، دار الهجرة للنشر التوزيع، الطبعة الأولى، عام(1418هـ).
المقدمات الممهدات. لابن رشد الجد، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1988م).
مقدمة في النقود والبنوك. تأليف الدكتور: محمد بن علي القري، مكتبة دار جدة، الطبعة الأولى، عام (1417هـ).
مقدمة في النقود والبنوك. تأليف الدكتور: محمد زكي شافعي، دار النهضة للطباعة والنشر، الطبعة السابعة.
المقدمة. لقارن ابن خلدون، تحقيق علي عبد الواحد، دار نهضة مصر، القاهرة، الطبعة الثالثة.
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد. لبرهان الدين بن محمد ب مفلح، تحقيق الدكتور: عبدالرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى (1410هـ).
المقنع في فقه الإمام أحمد. لموفق الدين ابن قدامة المقدسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
ملتقى الأبحر. تأليف: إبراهيم بن محمد الحلبي، تحقيق: وهبي الألباني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1409هـ).
الممتع شرح المقنع. لزين الدين المنجي التنوخي، تحقيق الدكتور: عبدالملك بن عبدالله دهيش. دار خضر، لبنان، الطبعة الأولى (1418هـ).(1/391)
مناقصات العقود الإدارية. الدكتور رفيق المصري، دار المكتبي، دمشق، الطبعة الأولى، عام (1420هـ).
المنتظم في تأريخ الملك والأمم. لأبي الفرج ابن الجوزي، دار المعارف العثمانية بالهند، الطبعة الأولى، عام (1357هـ).
المنتقى شرح الموطأ. لأبي الوليد سليمان الباجي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1332هـ).
المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. لعبد السلام بن تيمية الحراني، وقف على تصحيحه: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، لبنان، الطبعة الثانية (1398هـ).
منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح و زيادات. لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، عالم الكتب.
المنثور في القواعد. تأليف محمد الزركشي، تحقيق: الدكتور تيسير محمود، مراجعة عبد الستار أبو غذة، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت، الطبعة الأولى، عام (1402هـ).
منح الجليل شرح مختصر خليل. للشيخ: محمد عليش، دار الفكر، لبنان (1409هـ).
منح الشفا الشافيات في شرح المفردات. لمنصور البهوتي، المطبعة السلفية، القاهرة، عام (1342هـ).
منحة الخالق على البحر الرائق. مطبوع بحاشية البحر الرائق شرح كنز الدقائق. لابن نجيم، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية.
منهاج السنة النبوية. لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد. لعبد الرحمن بن محمد العليمي.
المهذب في فقه الإمام الشافعي. لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق الدكتور: محمد الزحيلي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، الطبعة الأولى (1417هـ).
الموافقات في أصول الشريعة. لإبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، دار المعرفة، لبنان.
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. لمحمد بن محمد المغربي. دار الفكر، الطبعة الثالثة، عام (1412هـ).(1/392)
موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي. لسعدي أبوجيب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثانية، عام (1404هـ).
موسوعة السياسة. أسسها الدكتور عبد الوهاب الكيالي وحررها مجموعة من الباحثين، الموسوعة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1990م).
الموسوعة العربية الميسرة. إعداد مؤسسة فرانكلين، بإشراف محمد شفيق غربال، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
موسوعة الفقه الإسلامي. يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. وزارة الأوقاف، جمهورية مصر العربية (1410هـ).
الموسوعة الفقهية الكويتية. إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، طباعة ذات السلاسل، الطبعة الثانية، عام (1409هـ).
موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية. للدكتور عبد العزيز هيكل، دار النهضة العربية، لبنان، الطبعة الثانية، عام (1406هـ).
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة. إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الطبعة الأولى (1409هـ).
موضوعات اقتصادية معاصرة. تأليف الدكتور: على بن طلال الجهني، تهامة، الطبعة الأولى، عام (1400هـ).
الموطّأ. لإمام الأئمة وعالم الأمة مالك بن أنس، صححه، وخرّج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
نثر الورود على مراقي السعود. تأليف محمد الأمين الشنقيطي، تحقيق الدكتور محمد ولد سيدي حبيب، دار المنارة، جدة، الطبعة الأولى، عام (1415هـ).
نحو نظام نقدي عادل. الدكتور محمد عمر شابر، الطبعة الثانية، عام (1410هـ).
نشر البنود شرح مراقي السعود. تأليف عبد الله الشنقيطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام (1409هـ).
نصب الراية. لأبي محمد عبدالله بن يوسف الحنفي الزيلعي، دار نشر الكتب الإسلامية، الطبعة الأولى (1357هـ).
نظريات الاقتصاد الكلي الحديثة. للدكتور: سامي خليل، مطبعة الأهرام، القاهرة.(1/393)
النظريات والسياسات النقدية والمالية. للدكتور: سامي خليل، الناشر شركة كاظمة، الكويت، الطبعة الأولى، عام (1982م) .
النظرية الاقتصادية الإسلامية. تأليف الدكتور يوسف الزامل، والدكتور بوعلام بن جيلالي، دار عالم الكتب، الطبعة الأولى، عام (1417هـ).
النظرية الاقتصادية. للدكتور أحمد جامع، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثالثة، عام (1976م).
نظرية التضخم. للدكتور نبيل الروبي، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، الطبعة الثانية.
نظرية الضرورة الشرعية حدودها وضوابطها. تأليف جميل محمد بن مبارك، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، عام (1408هـ).
نظرية الضمان. للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، عام (1402هـ).
نظرية الظروف الطارئة. للدكتور عبد السلام الترمانيني، دار الفكر.
النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل. لمحمد كمال الدين بن محمد الغزي، تحقيق: محمد الحافظ، نزار أباظه، دار الفكر (1402هـ).
النقود الائتمانية دورها وآثارها في اقتصاد إسلامي. لإبراهيم العمر، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، عام (1414هـ).
النقود العربية ماضيها وحاضرها. الدكتور: عبدالرحمن فهمي محمد، دار القلم.
النقود في النشاط الاقتصادي. تأليف الدكتور: يوسف عبدالوهاب نعمة الله، مؤسسة ومكتبة خدمة العلم، عام (1391هـ).
النقود واستبدال العملات. للدكتور علي السالوس، مكتبة الفلاح، الكويت، الطبعة الأولى، عام (1405هـ).
النقود والبنوك والأسواق المالية. تأليف الدكتور: عبدالرحمن الحميدي، والدكتور: عبدالرحمن الخلف، دار الخريجي للنشر والتوزيع، (1417هـ).
النقود والبنوك والأسواق المالية. تأليف: الدكتور يوسف الزامل ومجموعة، إصدار الجمعية السعودية للمحاسبة، الطبعة الأولى (1421هـ).
النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية. تأليف الدكتور: صبحي قريصة، والدكتور: مدحت العقاد، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، عام (1981 م).(1/394)
النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية. تأليف الدكتورين محمد عجيمة ومدحت العقاد، دار النهضة العربية، بيروت، عام (1980).
النقود والبنوك. تأليف لدكتور: صبحي قريصة، دار النهضة العربية، بيروت، عام (1404هـ).
النقود والتوازن الاقتصادي. للدكتورة سهير حسن، الناشر مؤسسة شباب الجامعة، عام (1985م).
النقود والمصارف في النظام الإسلامي. للدكتور عوف الكفراوي، دار الجامعات المصرية، الاسكندرية.
النقود والمصارف. تأليف الدكتور: ناظم الشمري، وزارة التعليم العالي، جامعة الموصل، سنة(1408هـ).
النقود ودور الضرب في الإسلام في القرنين الأوليين. تأليف الدكتور إبراهيم رحاحلة، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، عام (1999م).
النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية. لعلاء الدين محمود زعتري، الطبعة الأولى، عام (1417هـ).
النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر. تأليف ابن مفلح، مطبوع مع المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، مطبعة السنة المحمدية (1413هـ).
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. لمحمد بن أحمد بن حمزة الرملي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، الطبعة الأخيرة (1386هـ).
النهاية في غريب الحديث والأثر. لابن الأثير المبارك محمد بن الجزري، تحقيق: علي حسن عبد الحميد، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، عام (1421هـ).
نيل الابتهاج بتطريز الديباج. لأحمد بابا التنبكتي، إشراف عبد الحميد عبدالله الهرامة، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، الطبعة الأولى، عام (1398هـ).
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار. لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، ومصطفى محمد الهواري، مكتبة المعارف بالرياض.
نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب. للشيخ عبد الله البسام، الطبعة الثانية، بعناية مكتبة النهضة الحديثة، مكة.(1/395)
الوافي بالوفيات. لصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي، طبعة، فرانز شتايز، ألمانيا، عام (1381هـ).
الورق النقدي حقيقته وتأريخه وقيمته وحكمه. للشيخ عبد الله بن منيع، مطابع الرياض، الطبعة الأولى، عام (1391هـ).
الوسيط في شرح القانون المدني. لعبد الرازق أحمد السنهوري، دار إحياء التراث العربي، لبنان.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. لأبي العباس بن أحمد بن خلكان، تحقيق الدكتور: إحسان عباس، دار صابر للكتب العلمية، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
المراجع الأجنبية
Economics. By william boyes, michael melvin. Publisher: houghton mifflin college; (december 1990) (4th).
ِ
Economics. Lipsey, Richard, Chrystal, Alec (Sir John Cass Business School, London). Publisher: Oxford Higher Education.
Principles of Economics. By N. Gregory Mankiw. Publisher: South-Western College Pub; 3rd edition (March 2003).
The economy today. By Bradley R. Schiller. Publisher: Random House, Business Div.; 4th ed. edition (1989).
The Oxford Illustrated Dictionary. By Jessie Coulson, Oxford University Press (Editor), C. T. Carr (Editor), Dorothy Eagle (Editor). Publisher: Clarendon Pr; 2nd Revision edition (April 1992).
Webster Comprehensive Dictionary. (June 2000).
A History of Money: From Ancient Times to the Present Day. By Glyn Davies. Publisher: University of Wales Press; (November 2002).
Origins of Money and of Banking, by R. Davies.
http://www.ex.ac.uk/~RDavies/arian/origins.html
History of money ,by G. Davies, p. 183.
The World’s Worst inflation, by Joel Anderson.
http://www.joelscoins.com/inflat.htm
Inflation, stabilization, and currency boards.
http://web.mit.edu/rigobon/www/Pdfs/stabilization.pdf(1/396)
IMF staff papers, Warning: Inflation may be harmful to your Growth. by Ghosh, Philips. v. 45.year: 1998.
Free Daily Journal, A little Bit of inflation never hurt anyone right? Jan,1997. By R. M. Ebeling.
http://www.fff.org/freedom/0197b.asp
Glossary Definitions of economic terms.
http://www.agecon.purdue.edu/academic/agec217/deboer/glossary.htm
Glossary of Political and Economy Term
http://www.auburn.edu/~johnspm/gloss/index.html? http://www.auburn.edu/~johnspm/gloss/hyperinflation.html
Economies: Principles, problems, and policies by McConnell and Brue, Chap 8.
www.mhhe.com/economics/mcconnell/low_main.mhtml
Economies and contemporary Issues, chap. 3.
www.gsu.edu/~ecomaa/lecture4.html
The macro economy, chap7.
www.tachx.rutgers.edu/gag/notes/macnotesg.html
The Cato Journal, the cost's of inflation and disinflation, by Kevin Dowd, v.4,2,1994.
www.cato.org/pubs/journal
Indexation, Inflationary Inertia, And The Sacrifice Coefficient.
http://www.bcentral.cl/esp/estpub/estudios/bancacentral/pdf/183_206Herrera.pdf
The Basics: Measuring Inflation.
http://www.vanguard.com/cgi-bin/NewesPrint
Eco Glossary.
http://coba.shsu.edu/micprin/ecoGloss/
Hyper Dictionary.
http://www.hyperdictionary.com/dictionary/inflation
Pacific Rim Glossary.
http://www.csubak.edu/PacificRim/pacificrimglossary.html#BacktoTop
Real Estate Terms Glossary.
http://www.usarealestatelicense.com/glosse-m.asp#I
Foreclosure and Related Definitions.
http://www.foreclosures.ca/realtors/foreclosure_proceedings/glossary.lasso
Macroeconomics Glossary.
http://www.offshore-manual.com/cp10il.html#I(1/397)
http://www.j-bradford delong.net/macro_online/display_glossary.html
Nominal And Real Yields, Don Roper.
http://csf.colorado.edu/authors/Roper.Don/nominal-.pdf
* * *
سادسًا: فهرس المحتويات
فهرس المحتويات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 1
أسباب اختيار الموضوع ... 2
الدراسات والبحوث السابقة ... 3
أولاً: بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي ... 3
أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة ... 3
تغير قيمة العملة ... 4
الندوة الفقهية الاقتصادية ... 4
كساد النقود الورقية ... 4
البيان الختامي لحلقات الندوة الفقهية الاقتصادية ... 5
ثانياً: بحوث ندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار ... 5
ثالثاً: بحوث متفرقة ... 5
أثر التضخم الاقتصادي على الزكاة ... 5
رابعاً: كتب ودراسات مستقلة ... 6
آثار التضخم على العلاقات التعاقدية في المصارف الإسلامية والوسائل المشروعة للحماية ... 6
أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض ... 6
تغير قيمة النقود وأثره في المعاملات ... 6
تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ... 13
آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي ... 18
الاقتصاد الإسلامي وتغير قيمة النقود ... 19
التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم وعلاجها في اقتصاد إسلامي ... 23
خطة البحث ... 25
منهج البحث ... 37
كلمة شكر ... 39
الباب التمهيدي ... 40
الفصل الأول: حقيقة النقود وتكييفها الفقهي ... 41
المبحث الأول: تعريف النقود وأنواعها ... 42
المطلب الأول: تعريف النقود
المسألة الأولى: تعريفها لغة ... 42
المسألة الثانية: تعريفها اصطلاحاً ... 43
المطلب الثاني: أنواع النقود ... 45
النوع الأول: النقود السلعية ... 46
النوع الثاني: النقود المعدنية ... 47
النوع الثالث: النقود الورقية ... 48
المرحلة الأولى: النقود الورقية النائبة ... 48
المرحلة الثانية: النقود الورقية الإلزامية ... 49(1/398)
المرحلة الثالثة: النقود الورقية الائتمانية ... 50
النوع الرابع: النقود المصرفية ... 51
الصنف الأول: النقود الخلقية ... 53
الصنف الثاني: النقود الاصطلاحية ... 55
المبحث الثاني: أنواع التغيرات الطارئة على النقود ... 56
المطلب الأول: الكساد ... 56
المسألة الأولى: تعريفه لغة ... 56
المسألة الثانية: تعريفه اصطلاحاً ... 57
المطلب الثاني: الانقطاع ... 58
المسألة الأولى: تعريفه لغة ... 58
المسألة الثانية: تعريفه اصطلاحاً ... 58
المطلب الثالث: الغلاء والرخص ... 58
المسألة الأولى: تعريفهما لغة ... 58
المسألة الثانية: تعريفهما اصطلاحاً ... 59
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للنقود المعاصرة ... 60
التكييف الأول: أن الأوراق النقدية كالفلوس ... 61
التكييف الثاني: أن الأوراق النقدية نقد خاص ... 64
التكييف الثالث: أن الأوراق النقدية نقد قائم بذاته ... 65
التكييف الرابع: أن الأوراق النقدية بدل عن الذهب والفضة ... 67
التكييف الخامس: أنها من عروض التجارة ... 68
التكييف السادس: أن الأوراق النقدية سند بدين ... 68
التكييف السابع: أن الأوراق النقدية سند بدين خاص ... 69
التكييف الثامن: أن الأوراق النقدية مستند ودائع ... 69
الفصل الثاني: حقيقة التضخم النقدي وطرق قياسه وآثاره ... 72
المبحث الأول: تعريف التضخم النقدي ... 73
المبحث الثاني: نشأة التضخم النقدي وتأريخه ... 77
المبحث الثالث: أنواع التضخم النقدي ... 81
المطلب الأول: تصنيف التضخم النقدي باعتبار سرعة ارتفاع الأسعار ... 81
النوع الأول: التضخم الزاحف ... 81
النوع الثاني: التضخم المتسارع ... 83
النوع الثالث: التضخم المفرط ... 84
المطلب الثاني: تصنيف التضخم النقدي باعتبار توقع حدوثه ... 85
النوع الأول: التضخم النقدي المتوقع ... 85
النوع الثاني: التضخم النقدي غير المتوقع ... 86
المطلب الثالث: تصنيف التضخم النقدي باعتبار مصادره وأسبابه ... 87(1/399)
النوع الأول: التضخم النقدي الناشئ عن جذب الطلب ... 88
النوع الثاني: التضخم النقدي الناشئ عن دفع التكاليف ... 88
المبحث الرابع: طرق قياس التضخم النقدي ... 89
المبحث الخامس: آثار التضخم النقدي ... 94
إعادة توزيع الدخل ... 94
تقليص حجم الادخار والاستثمار ... 95
اختلال العلاقات التعاقدية ... 96
الباب الأول: التكييف الفقهي للتضخم النقدي وأثره في الأحكام الشرعية ... 99
الفصل الأول: التكييف الفقهي للتضخم النقدي ... 100
المبحث الأول: تغيرات قيمة النقود عند الفقهاء المتقدمين ... 101
المطلب الأول: التغيرات في النقود الخلقية ... 103
المسألة الأولى: تغير النقود الخلقية بالكساد ... 103
المسألة الثانية: تغير النقود الخلقية بالانقطاع ... 112
المسألة الثالثة: تغير النقود الخلقية بالغلاء والرخص ... 114
المطلب الثاني: التغيرات في النقود الاصطلاحية ... 115
المسألة الأولى: تغير النقود الاصطلاحية بالكساد ... 116
المسألة الثانية: تغير النقود الاصطلاحية بالانقطاع ... 120
المسألة الثالثة: تغير النقود الاصطلاحية بالغلاء والرخص ... 121
المبحث الثاني: التخريجات الفقهية للتضخم النقدي ... 130
التخريج الأول: أن التضخم النقدي نوع من رخص النقود الاصطلاحية ... 130
التخريج الثاني: أن التضخم النقدي المفرط نوع من كساد النقود ... 132
التخريج الثالث: أن التضخم النقدي جائحة من جوائح الأموال ... 133
التخريج الرابع: أن التضخم النقدي منه ما هو ضريبة غير مباشرة ... 137
التخريج الخامس: أن التضخم النقدي حادثة جديدة ... 138
الفصل الثاني: أثر التضخم النقدي في الأحكام الشرعية ... 139
المبحث الأول: أثر التضخم النقدي في المقادير الشرعية ... 140
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في زكاة الأموال ... 140
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في انقطاع الحول ... 143
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في الزكاة المؤخرة ... 149(1/400)
الفرع الأول: وجوب الزكاة على الفور ... 149
الفرع الثاني: ما يترتب على تأخير الزكاة في ظل التضخم النقدي ... 152
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة غير الأوراق النقدية ... 159
الفرع الأول: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة ... 159
الأمر الأول: إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة ... 159
الأمر الثاني: إخراج القيمة في زكاة ما عدا عروض التجارة في ظل التضخم النقدي ... 167
الفرع الثاني: أثر التضخم النقدي في إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة ... 170
الأمر الأول: إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة ... 170
الأمر الثاني: إخراج القيمة في زكاة عروض التجارة في ظل التضخم النقدي ... 174
المسألة الرابعة: أثر التضخم النقدي في زكاة الدين ... 175
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في الديات ... 177
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في نوع الدية ... 177
أثر التضخم النقدي في نوع الدية ... 179
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في الديات المؤجلة ... 183
أثر التضخم النقدي في الديات المؤجلة ... 184
المطلب الثالث: أثر التضخم النقدي في وقت اعتبار النصاب في السرقة ... 187
المبحث الثاني: أثر التضخم النقدي في الديون والحقوق ... 191
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في الديون ... 191
المسألة الأولى: تعريف الديون وأنواعها وأسبابها ... 191
الفرع الأول: تعريف الديون ... 191
الفرع الثاني: أنواع الديون وأسبابها ... 192
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في وفاء الديون ... 193
المسألة الثالثة: اتفاق المتعاقدين على مراعاة التضخم النقدي عند إنشاء الدين ... 213
المسألة الرابعة: أثر المماطلة في وفاء الدين إذا طرأ التضخم النقدي ... 214
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في الحقوق ... 216
المسألة الأولى: المراد بالحقوق وصورها ... 216(1/401)
المسالة الثانية: أثر التضخم النقدي في أداء الحقوق ... 217
الفرع الأول: أثره في تقدير النفقات ... 217
الأمر الأول: أثر تغير الأسعار في النفقات ... 217
الأمر الثاني: تقدير النفقات في ظل التضخم النقدي ... 222
الفرع الثاني: أثر التضخم النقدي في رد المغصوب ... 227
الفرع الثالث: أثر التضخم النقدي في الأخذ بالشفعة ... 229
الفرع الرابع: أثر التضخم النقدي في عوض الخلع ... 232
المبحث الثالث: أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات والتبرعات ... 236
المطلب الأول: أثر التضخم النقدي في عقود التوثيقات ... 236
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في عوض الرهن ... 236
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في عقد الضمان ... 239
المطلب الثاني: أثر التضخم النقدي في عقود التبرعات ... 243
المسألة الأولى: أثر التضخم النقدي في التعديل بين الأولاد في الهبة ... 243
المسألة الثانية: أثر التضخم النقدي في حساب الثلث في عطية من مرضه مخوف ... 249
المسألة الثالثة: أثر التضخم النقدي في نوع الصدقة ... 252
المسألة الربعة: أثر التضخم النقدي في الوصية ... 254
الباب الثالث: الحكم الشرعي في أساليب معالجة آثار التضخم النقدي ... 257
تمهيد ... 258
القسم الأول: الوسائل العامة ... 258
القسم الثاني: الوسائل الخاصة ... 259
الفصل الأول: الربط القياسي ... 261
المبحث الأول: حقيقة الربط القياسي ... 262
تمهيد ... 262
المطلب الأول: تعريف الربط القياسي ... 263
المطلب الثاني: طرق الربط القياسي ... 267
المبحث الثاني: أنواع الربط القياسي ... 269
المطلب الأول: الربط بمستوى الأسعار ... 269
المطلب الثاني: الربط بالذهب ... 271
المطلب الثالث: الربط بعملة أو سلة عملات ... 272
المطلب الرابع: الربط بسعر الفائدة ... 274
المبحث الثالث: التكييف الفقهي للربط القياسي وبيان حكمه ... 276(1/402)
المطلب الأول: التكييف الفقهي للربط القياسي بمستوى الأسعار وحكمه ... 267
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للربط القياسي بالذهب وحكمه ... 293
المطلب الثالث: التكييف الفقهي للربط القياسي بعملة أو سلة عملات وحكمه ... 296
المطلب الرابع: التكييف الفقهي للربط القياسي بسعر الفائدة وحكمه ... 299
الفصل الثاني: تفعيل نظرية الظروف الطارئة ... 301
المبحث الأول: حقيقة نظرية الظروف الطارئة ... 301
المطلب الأول: معنى الظروف الطارئة ... 301
المطلب الثاني: بيان نظرية الظروف الطارئة ... 303
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل نظرية الظروف الطارئة وحكمه ... 305
الفصل الثالث: التسوية القضائية ... 314
المبحث الأول: حقيقة التسوية القضائية ... 315
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للتسوية القضائية وبيان حكمها ... 317
المطلب الأول: التكييف الفقهي للتسوية القضائية بالصلح ... 317
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للتسوية القضائية بقضاء الحاكم ... 320
الفصل الرابع: التسعير ... 324
المبحث الأول: حقيقة التسعير ... 325
المطلب الأول: تعريف التسعير ... 325
المطلب الثاني: التسعير والتضخم النقدي ... 326
المبحث الثاني: التكييف الفقهي للعمل بالتسعير في معالجة آثار التضخم النقدي ... 328
المطلب الأول: الأصل في التسعير ... 328
المطلب الثاني: التسعير للمصلحة ... 331
الفصل الخامس: تفعيل إخراج الزكاة ... 339
المبحث الأول: حقيقة تفعيل إخراج الزكاة ... 340
المبحث الثاني: التكييف الفقهي لتفعيل إخراج الزكاة وبيان حكمه ... 343
المطلب الأول: تفعيل تأخير إخراج الزكاة في معالجة التضخم النقدي ... 343
المطلب الثاني: تخصيص صرف الزكاة ببعض الأصناف لمعالجة التضخم النقدي ... 349
الفصل السادس: تنظيم عرض النقود ... 360
تمهيد ... 361
المبحث الأول: التحكم في سعر الفائدة (معدل الربا) ... 363
المطلب الأول: حقيقة التحكم في سعر الفائدة ... 363(1/403)
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للتحكم في سعر الفائدة وحكمه ... 364
المبحث الثاني: تنظيم إصدار النقود ... 367
المطلب الأول: حقيقة تنظيم إصدار النقود ... 367
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لتنظيم إصدار النقود ... 367
المبحث الثالث: تنظيم توليد النقود ... 377
المطلب الأول: حقيقة تنظيم توليد النقود ... 377
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لتنظيم توليد النقود ... 380
المسألة الأولى: حكم توليد النقود ... 380
المسألة الثانية: حكم تنظيم توليد النقود ... 383
المبحث الرابع: الإنفاق العام والتوظيف ... 385
المطلب الأول: الإنفاق العام ... 385
المسألة الأولى: حقيقة الإنفاق العام ... 385
الفرع الأول: تعريفه ... 385
الفرع الثاني: أثر الإنفاق العام في معالجة التضخم النقدي ... 386
المسألة الثانية: التكييف الفقهي للإنفاق العام ... 387
المطلب الثاني: التوظيف ... 389
المسألة الأولى: حقيقة التوظيف ... 389
الفرع الأول: تعريفه في اللغة ... 389
الفرع الثاني: تعريفه في الاصطلاح ... 389
الفرع الثالث: أثر التوظيف في معالجة التضخم النقدي ... 391
المسألة الثانية: التكييف الفقهي للتوظيف ... 392
المسألة الثالثة: حكم تفعيل التوظيف في معالجة التضخم النقدي ... 403
الخاتمة ... 405
الفهارس العامة ... 426
فهرس الآيات القرآنية ... 427
فهرس أطراف الأحاديث والآثار ... 433
فهرس الأعلام ... 438
فهرس المصطلحات ... 446
فهرس المصادر والمراجع ... 459
فهرس المحتويات ... 512
* * *(1/404)