التبيان في أحكام الأذان
إعداد / أحمد رجب آل حسان
مقدمة
إنَّ الحمدَ و نحمدُهُ، ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفسنا، وسَيِّئَاتِ أعمالنا، مَنْ يهده اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ؛ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صَلَّى' اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ؛ والذين اتَّبعوهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أمَّا بعدُ:فهذا بحث في أحكام الأذان والإقامة تناولت فيه مجمل أحكامهما مع مسائل فيهما تكثرالحاجة إليها مستعينن فيذلك يكتبأئمة العلماءمن المتقدمين والمتأخرين فيمسائل قل أن تجدها فيمصنفعلى حدى
و أسال الله أن ينفع به كاتبه وقأرئه أنه وليذلك والقادرعليه
وصلى الله على محمداً وإله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
سوف نتناول هذا الموضوع كالتالي
... كاتبه
أحمد بن رجب آل حسان
الإسكندرية في 4 / 04/ 1428 هـ
22 /04 /2007 م
أولاً : أمور تتعلق بالأذان
تعريف الأذان
الأذان في اللُّغة: الإعلامُ ، ومنه
قوله تعالى: ) فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (البقرة: من الآية279)
وقوله: )وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَر) (التوبة: من الآية3)
وفي الشَّرع: إعلامٌ خاصٌ يأتي ذكره، وهذا الغالب في التَّعريفات الشَّرعيَّة أنها تكون أخصَّ من المعاني اللُّغويَّة، وقد يكون بالعكس. فالإيمان في اللُّغة: التَّصديق وفي الشَّرع أعمُّ منه ولكن الغالب الأول(1/1)
أما تعريف الأذان شرعاً: فهو التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص؛ بعد دخول وقت الصَّلاة؛ للإعلام به وهذا أولى من قولنا: الإعلامُ بدخول وقتِ الصَّلاة؛ لأنَّ الأذان عبادة فينبغي التنويه عنها في التَّعريف، ولأنَّ الأذان لا يتقيَّد بأوَّل الوقت؛ ولهذا إذا شُرع الإبراد في صلاة الظُّهر شُرِعَ تأخير الأذان أيضاً؛ كما وَرَدَ ذلك في الصحيح والأذان عبادة واجبة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ به، ولأنَّ الله أشار إليه في القرآن في قوله: )وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِبا) (المائدة: من لآية58) وهذا عام، وقوله: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) (الجمعة: من الآية9) وهذا خاص (1)
فضل الأذان
1 . عن أَبو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:« إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ، أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ، أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ:اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى. رواه البخاري في هذا الحديث عظم فضل الأذان، وأن الشيطان ينافره ما لا ينافر سائر الذكر ألا ترى أنه يقبل عند قراءة القرآن ويدبر عند الأذان فاختلف العلماء في معنى هروبه عند الأذان ولا يهرب من الصلاة وفيها قراءة القرآن
__________
(1) الشرح الممتع(1/2)
فقال المهلب: إنما يهرب، والله أعلم، من اتفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد وإقامة الشريعة كما يفعل يوم عرفة لما يرى من اتفاق الكل على شهادة التوحيد لله تعالى، وتنزل الرحمة عليهم، وييئس أن يردهم عما أعلنوا به من ذلك، وأيقن بالخيبة بما تفضل الله عليهم من ثواب ذلك، ويذكر معصية الله ومضادته أمره فلم يملك الحديث لما استولى عليه من الخوف .
وقال غيره: إنما ينفر عن التأذين لئلا يشهد لابن آدم بشهادة التوحيد لقوله عليه السلام « لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة » ، وليس قول من قال: إنما ينفر من الأذان لأنه دعا إلى الصلاة التي فيها السجود الذي أباهُ بشيء؛ لأنه قد أخبر عليه السلام، أنه إذا قضى التثويب أقبل يُذَكِّرُه ما لم يَذْكُرْ، يخلط عليه صلاته، وكان فراره من الصلاة التي فيها السجود أولى لو كان كما زعموا (1)
__________
(1) شرح ابن بطال - (ج 3 / ص 294)(1/3)
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي هَرَب الشَّيْطَان عِنْد سَمَاع الْأَذَان وَالْإِقَامَة دُوشن سَمَاع الْقُرْآن وَالذِّكْر فِي الصَّلَاة أُجِيبَ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا : أَنَّهُ يَهْرُب حَتَّى لَا يَسْمَع الْمُؤَذِّن فَيَشْهَد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّهُ لَا يَسْمَع صَوْت الْمُؤَذِّن جِنّ ، وَلَا إِنْس إِلَّا شَهِدَ لَهُ وَقِيلَ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيع عَلَى الْإِعْلَان بِشَهَادَةِ الْحَقّ ، وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ عَلَى الْأَذَان هَيْبَة يَشْتَدّ اِنْزِعَاج الشَّيْطَان بِسَبَبِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَاد يَقَع فِي الْأَذَان رِيَاء وَلَا غَفْلَة عِنْد النُّطْق بِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاة فَإِنَّ النَّفْس تَحْضُر فِيهَا فَيَفْتَح لَهَا الشَّيْطَان أَبْوَاب الْوَسْوَسَة ، وَقَالَ اِبْن بَطَّال : يُشْبِه أَنْ يَكُون الزَّجْر عَنْ خُرُوج الْمُؤْمِن مِنْ الْمَسْجِد بَعْد أَنْ يُؤَذِّن الْمُؤَذِّن مِنْ هَذَا الْمَعْنَى لِئَلَّا يَكُون مُتَشَبِّهًا بِالشَّيْطَانِ الَّذِي يَفِرّ عِنْد سَمَاع الْأَذَان (1)
2 . عن أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
{ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ } أَخْرَجَه الْبُخَارِيُّ
__________
(1) شرح سنن النسائي - (ج 1 / ص 465)(1/4)
قَوْلُهُ : لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا يُرِيدُ صلى الله عليه وسلم تَعْظِيمَ أَمْرِ الثَّوَابِ عَلَى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ يَعْلَمُونَ مِقْدَارَ ذَلِكَ لَتَبَادَرُوا ثَوَابَهُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ تَشَاحًّا فِيهِ وَرَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ السَّابِقُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ مَقْصُورَةٌ يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهَا بَعْضُ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَقْصُورَةَ (1)
ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا أي يقترعوا وقيل المراد يتراموا بالسهام وإنه خرج مخرج المبالغة ويؤيده حديث لتجلدوا عليه بالسيوف عليه أي على ما ذكر من الأمرين وقال ابن عبد البر الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء وهو وجه الكلام لان الضمير يعود لأقرب مذكور ونازعه (2)
3 . وَعن أَبُي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : { إذَا كُنْتَ فِي غَنَمِك ، أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ ، فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْرَجَه الْبُخَارِيُّ .
__________
(1) المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 157)
(2) تنوير الحوالك - (ج 1 / ص 86)(1/5)
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَقِيلَ : إِنَّمَا يَشْهَد لَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس ، فَأَمَّا الْكَافِر فَلَا شَهَادَة لَهُ . قَالَ : وَلَا يُقْبَل هَذَا مِنْ قَائِله لِمَا جَاءَ فِي الْآثَار مِنْ خِلَافه قَالَ : وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا فِيمَنْ يَصِحّ مِنْهُ الشَّهَادَة مِمَّنْ يَسْمَع ، وَقِيلَ : بَلْ هُوَ عَامّ فِي الْحَيَوَان وَالْجَمَاد وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَخْلُق لَهَا وَلِمَا لَا يَعْقِل مِنْ الْحَيَوَان إِدْرَاكًا لِلْأَذَانِ وَعَقْلًا وَمَعْرِفَة .(1)
4 . وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
__________
(1) 5 شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 113)(1/6)
قال النووي : فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَل النَّاس أَعْنَاقًا ) هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَة أَعْنَاقًا جَمْع عُنُق ، وَاخْتَلَفَ السَّلَف وَالْخَلَف فِي مَعْنَاهُ ، فَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَكْثَر النَّاس تَشَوُّفًا إِلَى رَحْمَة اللَّه تَعَالَى ، لِأَنَّ الْمُتَشَوِّف يُطِيل عُنُقه إِلَى مَا يَتَطَلَّع إِلَيْهِ . فَمَعْنَاهُ كَثْرَة مَا يَرَوْنَهُ مِنْ الثَّوَاب . وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ : إِذَا أَلْجَمَ النَّاسَ الْعَرَقُ يَوْم الْقِيَامَة طَالَتْ أَعْنَاقهمْ لِئَلَّا يَنَالهُمْ ذَلِكَ الْكَرْب وَالْعَرَق وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَادَة وَرُؤَسَاء ، وَالْعَرَب نِصْف السَّادَة بِطُولِ الْعُنُق . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَكْثَر أَتْبَاعًا . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ مَعْنَاهُ أَكْثَر النَّاس أَعْمَالًا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره : وَرَوَاهُ بَعْضهمْ ( إِعْنَاقًا ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة أَيْ إِسْرَاعًا إِلَى الْجَنَّة ، وَهُوَ مِنْ سَيْر الْعُنُق (1)
5 . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ أُرَاهُ قَالَ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَغْبِطُهُمْ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ ، رَجُلٌ نَادَى بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَرَجُلٌ يَؤُمُّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ ، وَعَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ } .أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
و الأحاديث في فضائل الأذان كثيرة .
م 1 : واختلف العلماء أيُّها أفضل، الأذان، أم الإقامة، أم الإمامة ؟
قال النووى في المجموع
__________
(1) شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 113)(1/7)
أما حكم المسألة فهل الاذان افضل من الامامة أم هي أفضل منه فيه أربعة أوجه أصحها عند العراقيين والسرخسي والبغوى الاذان أفضل وهو نصه في الام وبه قال أكثر الاصحاب قال المحاملى هو مذهب الشافعي قال وبه قال عامة أصحابنا وغلط من قال غيره وكذا قال الشيخ أبو حامد أنه مذهب الشافعي وعامة اصحابنا والثاني الامامة أفضل وهو الاصح عند الخراسانيين ونقلوه عن نص الشافعي وصححه القاضي أبو الطيب وقطع به الدارمي والثالث هما سواء حكاه صاحب البيان والرافعي وغيرهما والرابع ان علم من نفسه القيام بحقوق الامامة وجميع خصالها فهي أفضل والا فالاذان حكاه الشيخ أبو حامد وصاحب البيان وغيرهما ونقله الرافعي عن ابى علي الطبري والقاضى ابي القاسم بن كج والمسعودي والقاضى حسين والمذهب ترجيح الاذان .
قال في المغني - (ج 2 / ص 202)
فَصْلٌ : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ ، هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ ، أَوْ لَا ؟ فَرُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ ، وَلَمْ يَتَوَلَّوْا الْأَذَانَ ، وَلَا يَخْتَارُونَ إلَّا الْأَفْضَلَ ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ يُخْتَارُ لَهَا مَنْ هُوَ أَكْمَلُ حَالًا وَأَفْضَلُ ، وَاعْتِبَارُ فَضِيلَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ مَنْزِلَتِهِ .
وَالثَّانِيَةُ : الْأَذَانُ أَفْضَلُ(1/8)
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي فَضِيلَتِهِ ، وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْإِمَامُ ضَامِنٌ ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ } .أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ ، وَلَمْ يَتَوَلَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خُلَفَاؤُهُ ؛ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ عَنْهُ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْتُ " .وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا .وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قال ابن عثيمين
والصَّحيح: أنَّ الأفضل الأذان ؛ لورود الأحاديثِ الدَّالة على فضله ولكن إذا قال قائل: الإمامة رُبطتْ بأوصاف شرعيَّة مثل: «يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله» ومعلومٌ أن الأقرأ أفضل؛ فَقَرْنُها به يدلُّ على أفضليتها؟ فنجيب عليه: بأننا لا نقول لا أفضليَّة في الإمامة، بل الإمامة ولاية شرعيَّة ذات فضل، ولكننا نقول: إنَّ الأذان أفضل من الإمامة لِمَا فيه من إعلان ذكرِ الله وتنبيه النَّاس على سبيل العموم، فالمؤذِّن إمام لكلِّ من سمعه، حيث يُقتدى به في دخول وقت الصَّلاة؛ وإمساك الصَّائم وإفطاره، ولأنَّ الأذان أشقُّ من الإمامة غالباً، وإنَّما لم يؤذِّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الرَّاشدون؛ لأنَّهم اشتغلوا بالأهمِّ عن المهم؛ لأنَّ الإمام يتعلَّق به جميع النَّاس، فلو تفرَّغ لمراقبة الوقت لانشغل عن مهمَّات المسلمين، ولا سيَّما في الزَّمن السَّابق حيثُ لا ساعات ولا أدلَّة سهلة(1)
م 2 : وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها
__________
(1) لمرجع السابق(1/9)
والصَّواب: وجوبهما للصَّلوات الخمس المؤدَّاة والمقضيَّة، ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «لمَّا نام عن صلاة الفجر في سفره، ولم يستيقظ إلا بعد طُلوع الشَّمس؛ أمر بلالاً أن يُؤذِّنَ وأن يُقيمَ» وهذا يَدلُّ على وجوبهما. ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم» فإنه يشمل حضورَها بعد الوقت وفي الوقت، ولكن إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعةٌ في غرفة في البلد؛ ولم يستيقظُوا إلا بعد طلوع الشَّمس؛ فلا يجب عليهم الأذان اكتفاءً بالأذان العام في البلد، لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ، لكن عليهم الإقامة وقوله: «للصلوات الخمس» هذا ما لم تُجمع الصَّلاة، فإنه يكفي للصَّلاتين أذان واحد، ولكن لا بُدَّ من الإقامة لكلِّ واحدة منهما.(1)
قال الشافعي في الأم : قال الله تبارك وتعالى ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ) وقال ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) فذكر الله عز وجل الأذان للصلاة وذكر يوم الجمعة فكان بينا والله تعالي أعلم أنه أراد المكتوبة بالأيتين معا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان للمكتوبات ولم يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة بل حفظ الزهري عنه أنه كان يأمر في العيدين المؤذن فيقول الصلاة جامعة ولا أذان إلا لمكتوبة وكذلك لا إقامة فأما الأعياد والخسوف وقيام شهر رمضان فأحب إلي أن يقال فيه الصلاة جامعة وإن لم يقل ذلك فلا شيء على من تركه إلا ترك الأفضل والصلاة على الجنائز وكل نافلة غير الأعياد والخسوف بلا أذان فيها ولا قول الصلاة جامعة (2)
م 3 حكم الأذان
__________
(1) الشرح الممتع
(2) لأم (ج 1 / 104 ) . 2.(1/10)
قال النووي : (فرع) في مذاهب العلماء في الأذان والإقامة: مذهبنا المشهور أنهما سنة لكل الصلوات في الحضر والسفر للجماعة والمنفرد لا يجبان بحال فان تركهما صحت صلاة المنفرد والجماعة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه واسحق بن راهويه ونقله السرخسى عن جمهور العلماء .وقال ابن المنذر: هما فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر قال وقال مالك تجب في مسجد الجماعة وقال عطاء والاوزاعي إن نسي الإقامة أعاد الصلاة وعن والاوزاعي رواية أنه يعيد مادام الوقت باقيا قال العبدرى هما سنة عند مالك وفرضا كفاية عند احمد وقال داود هما فرض لصلاة الجماعة وليسا بشرط لصحتها وقال مجاهد إن نسي الإقامة في السفر أعاد وقال المحاملي قال أهل الظاهر هما واجبان لكل صلاة واختلفوا في اشتراطهما لصحتها . (1)
__________
(1) لمجموع ( ج3 / 81؛ 82 ).3(1/11)
قال شيخ الإسلام : الصحيح أن الأذان فرض على الكفاية، فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوا الأذان والإقامة، وهذا هو المشهورمن مذهب أحمد وغيره . وقد أطلق طوائف من العلماء أنه سنة . ثم من هؤلاء من يقول : إنه إذا اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا، والنزاع مع هؤلاء قريب من النزاع اللفظي . فإن كثيرًا من العلماء يطلق القول بالسنة على ما يذم تاركه شرعًا، ويعاقب تاركه شرعًا، فالنزاع بين هذا وبين من يقول : إنه واجب، نزاع لفظي، ولهذا نظائر متعددة . وأما من زعم أنه سنة لا إثم على تاركيه ولا عقوبة فهذا القول خطأ . فإن الأذان هو شعار دار الإسلام، الذي ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلق استحلال أهل الدار بتركه، فكان يصلى الصبح، ثم ينظر فإن سمع مؤذنًا لم يغر وإلا أغار . وفى السنن لأبي داود والنسائي عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن، ولا تقام فيهم الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإن الذئب يأكل الشاة القاصية ] . وقد قال تعالى : { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ المجادلة : 19 ] . (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى (1 / 67 - 68 و 4 / 20 )(1/12)
قال الشوكاني : أقول هذه العبادة من أعظم شعائر الإسلام وأشهر معالم الدين فإنها وقعت المواظبة عليها منذ شرعها الله سبحانه إلى أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليل ونهار وسفر وحضر ولم يسمع أنه وقع الإخلال بها أو الترخيص في تركها وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر أمراء الأجناد في الغزو أنهم إذا سمعوا الأذان كفوا وإن لم يسمعوه قاتلوا وناهيك بهذا الحديث يجعله صلى الله عليه وسلم علامة للإسلام ودلالة على التمسك به والدخول فيه ومع هذه الملازمة العظيمة الدائمة المستمرة فقد أمر به صلى الله عليه وسلم غير مرة
ومن ذلك حديث مالك بن حويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وهو في الصحيحين وغيرهما وفي لفظ البخاري فأذنا وأقيما ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا عند أحمد وأهل السنن وهو حديث صحيح ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لبلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وهو في الصحيحين وغيرهما ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد إنها لرؤيا حق إن شاء الله ثم أمر بالتأذين وهو حديث صحيح صححه الترمذي وغيره ومنها حديث أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وقال صحيح الإسناد . والحاصل أنه ما ينبغي في مثل هذه العبادة العظيمة أن يتردد متردد في وجوبها فإنها أشهر من نار على علم وأدلتها هي الشمس المنيرة ، ثم هذا الشعار لا يختص بصلاة الجماعة بل لكل مصل عليه أن يؤذن ويقيم لكن من كان في جماعة كفاه أذان المؤذن لها وإقامته . (1)
قال الالباني
__________
(1) 2.السيل الجرار ج 1 / 196 ، 197(1/13)
إن القول بأن الأذان مندوب لا نشك مطلقا في بطلانه ، كيف وهو من أكبر الشعائر الإسلامية التي كان عليه الصلاة والسلام إذا لم يسمعه في أرض قوم أتاهم ليغزوهم وأغار عليهم ، فإن سمعه فيهم كف عنهم كما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما ، وقد ثبت الأمر به في غير ما حديث صحيح ، والوجوب يثبت بأقل من هذا ، فالحق أن الأذان فرض على الكفاية ، وهو الذي صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " (1)
م 5 . صفة الأذان
قال الشوكاني في السيل الجرار
حاصل ما ورد في الأذان والإقامة وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الكل سنة وأيها فعله المؤذن والمقيم فقد فعل ما هو حق وسنة قال أبو عمر بن عبد البر ذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير الطبري إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير قالوا كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به اصحابه فمن شاء قال الله أكبر في أول الأذان أربعا ومن شاء ثنى ومن شاء ثنى الأقامة ومن شاء أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرتان على كل حال انتهى
وهذا الذي قالوه صواب كما قيل في التشهدات والتوجهات ولكن ذلك لا ينافي أن يختار الإنسان لنفسه أصح ما ورد أو يأخذ بالزائد فالزائد قال ابن القيم في الهدي ذاهبا إلى ما ذهب إليه أولئك الأئمة ومشيرا إلى ما اشرنا إليه ما لفظه أنه سن التأذين بترجيع وغير ترجيع وشرع الإقامة مثنى وفرادى لكن صح عنه تثنيه كلمة الإقامة قد قامت الصلاة ولم يصح عنه إفرادها ألبتة وكذلك صح عنه تكرر لفظ التكبير في أول الأذان ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين
وأما حديث أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة فلا ينافي الشفع بأربع وقد صح التربيع صريحا في حديث عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب وأبي محذورة
__________
(1) تمام المنة.3(1/14)
وأما إفراد الإقامة فقد صح عن ابن عمر استثناء كلمة الإقامة فقال إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
وفي البخاري عن أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وصح في حديث عبد الله بن زيد وعمر في الإقامة قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
وصح في حديث أبي محذورة تثنية كلمة الإقامة مع سائر كلمات الأذان
وكل هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة فيها وإن كان بعضها أفضل من بعض انتهى وبما أوضحناه لك في هذا البحث ترتفع عنك الإشكالات في هذه المسألة فقد طالت ذيولها وتشعبت طرائقها
وقال شيخ الإسلام
وأما الأذان الذي هو شعار الإسلام، فقد استعمل فقهاء الحديث ـ كأحمد ـ فيه جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استحسن أذان بلال وإقامته، وأذان أبي مَحْذُورة، وإقامته . وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان مرجعًا وفى الإقامة مشفوعة .
وثبت في الصحيحين : أن بلالاً أمر أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة . وفى السنن أنه لم يكن يرجع، فرجح أحمد أذان بلال؛ لأنه الذي كان يفعل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا، قبل أذان أبي مَحْذُورة، وبعده إلى أن مات . واستحسن أذان أبي مَحْذُورة ولم يكرهه .
وهذا أصل مستمر له في جميع صفات العبادات أقوالها وأفعالها، يستحسن كلما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة لشيء منه مع علمه بذلك، واختياره للبعض، أو تسويته بين الجميع . كما يجوز القراءة بكل قراءة ثابتة، وإن كان قد اختار بعض القراءة : مثل أنواع الأذان والإقامة، وأنواع التشهدات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن مسعود، وأبى موسى، وابن عباس، وغيرهم
وقال شيخ الإسلام(1/15)
فالصواب مذهب أهل الحديث، ومن وافقهم، وهو تسويغ كل ما ثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يكرهون شيئًا من ذلك؛ إذ تنوع صفة الأذان والإقامة، كتنوع صفة القراءات والتشهدات، ونحو ذلك . وليس لأحد أن يكره ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته .
وأما من بلغ به الحال إلى الاختلاف والتفرق حتى يوالي ويعادي ويقاتل على مثل هذا ونحوه مما سوغه الله تعالى، كما يفعله بعض أهل المشرق، فهؤلاء من الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا . وكذلك ما يقوله بعض الأئمة ـ ولا أحب تسميته ـ من كراهة بعضهم للترجيع، وظنهم أن أبا مَحْذُورة غلط في نقله، وأنه كرره ليحفظه ومن كراهة من خالفهم لشفع الإقامة، مع أنهم يختارون أذان أبي محذورة . هؤلاء يختارون إقامته، ويكرهون أذانه، وهؤلاء يختارون أذانه، ويكرهون إقامته . فكلاهما قولان متقابلان . والوسط أنه لا يكره لا هذا ولا هذا .
وإن كان أحمد وغيره من أئمة الحديث يختارون أذان بلال وإقامته؛ لمداومته على ذلك بحضرته، فهذا كما يختار بعض القراءات والتشهدات ونحو ذلك .
ومن تمام السنة في مثل هذا : أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وهذا في مكان، وهذا في مكان؛ لأن هجر ما وردت به السنة، وملازمة غيره، قد يفضى إلى أن يجعل السنة بدعة، والمستحب واجبًا ويفضي ذلك إلى التفرق والاختلاف، إذا فعل آخرون الوجه الآخر . فيجب على المسلم أن يراعي القواعد الكلية، التي فيها الاعتصام بالسنة والجماعة، لاسيما في مثل صلاة الجماعة . وأصح الناس طريقة في ذلك هم علماء الحديث، الذين عرفوا السنة واتبعوها؛ إذ من أئمة الفقه من اعتمد في ذلك على أحاديث ضعيفة، ومنهم من كان عمدته العمل الذي وجده ببلده وجعل ذلك السنة دون ما خالفه، مع العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وسع في ذلك، وكل سنة
قال ابن عثيمين(1/16)
ونقول: كلُّ ما جاءت به السُّنَّة من صفات الأذان فإنه جائز، بل الذي ينبغي: أنْ يؤذِّنَ بهذا تارة، وبهذا تارة إن لم يحصُل تشويش وفتنةٌ فعند مالك سبعَ عَشْرةَ جملة، بالتكبير مرتين في أوَّله مع الترجيع وهو أن يقول الشهادتين سِرًّا في نفسه ثم يقولها جهراً وعند الشافعي تسعَ عَشْرَة جملة، بالتكبير في أوَّله أربعاً مع الترجيع وكلُّ هذا مما جاءت به السُّنَّة، فإذا أذَّنت بهذا مرَّة وبهذا مرَّة كان أولى. والقاعدة: «أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة، ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه»، وتنويعها فيه فوائد:
أولاً: حفظ السُّنَّة، ونشر أنواعها بين النَّاس.
ثانياً: التيسير على المكلَّف، فإن بعضها قد يكون أخفَّ من بعض فيحتاج للعمل.
ثالثاً: حضور القلب، وعدم مَلَله وسآمته.
رابعاً: العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها
ما أضيف من الأذان وليس منه
الصلاة على النبي عليه السلام بعده للمؤذن
قال الألباني في " تمام المنة "
و هذا الحديث " كان بلال إذا أراد أن يقيم الصلاة قالا : السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته ، يرحمك الله " (1) كأنه الأصل لتلك البدعة الفاشية التي رأيناها في حلب وغيرها من بلاد الشمال ، و هي الصلاة و السلام على النبي صلى الله تعالى عليه و آله وسلم جهرا قبيل الإقامة . و هي كالبدعة الأخرى و هي الجهر بهاعقب الأذان كما بينه العلماء المحققون - و ذكرناه في الرسالة الأولى من " تسديد الإصابة " على أن الظاهر من الحديث - لو صح - أن بلالا كان يدخل على النبي صلى الله تعالى عليه و آله وسلم و هو في حجرته ليخبره بأنه يريد أن يقيم حتى يخرج عليه الصلاة و السلام فيقيم بلال ، أو لعله لا يسمع الإقامة فيخبر بها
__________
(1) قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 293 ) موضوع رواه الطبراني في الأوسط "(1/17)
( تنبيه ) : إن العلماء إذا أنكروا مثل هذه البدعة ، فلا يتبادرن إلى ذهن أحد أنهم ينكرون أصل مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ! بل إنما ينكرون وضعها في مكان لم يضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، أو أن تقترن بصفات و هيئات لم يشرعها الله على لسان نبيه ، كما صح عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا عطس فقال : الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ابن عمر : و أنا أقول : الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،! قل : الحمد لله رب العالمين أو قال : على كل حال . فانظر كيف أنكر ابن عمررضي الله عنه وضع الصلاة بجانب الحمد بحجة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصنع ذلك، مع تصريحه بأنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم دفعا لما عسى أن يرد على خاطر أحد أنه أنكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم جملة ! كما يتوهم البعض الجهلة حينما يرون أنصار السنة ينكرون هذه البدعة و أمثالها ، فيرمونهم بأنهم ينكرون الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه و آله وسلم ، هداهم الله تعالى إلى اتباع السنة .(1/18)
قوله : " الجهر بالصلاة والسلام على الرسول " صلى الله عليه وآله " . . . محدث مكروه " . قلت : مفهومه أن الإسرار بها سنة ، فأين الدليل على ذلك ؟ فإن قيل هو قوله ( عليه السلام ) : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي " وقد مضى في الكتاب في فقرة ( الذكر عند الأذان ) ، فالجواب : ان الخطاب فيه للسامعين المأمورين بإجابة المؤذن ، ولا يدخل فيه المؤذن نفسه وإلا لزم القول بأنه يجيب أيضا نفسه بنفسه ، وهذا لا قائل به ، والقول به بدعة في الدين . فإن قيل : فهل يمنع المؤذن من الصلاة عليه " صلى الله عليه وآله " سرا ؟ قلت : لا يمنع مطلقا ، وإنما يمنع من أن يلتزمها عقب الأذان ، خشية الزيادة فيه ، وأن يلحق به ما ليس منه ، وساوى بين من نص عليه ( عليه السلام ) - وهو السامع - ومن لم ينص عليه - وهو المؤذن - وكل ذلك لا يجوز القول به . فليتأمل .
أصل هذه البدعة
الوارد فى التاريخ أن بلالا كان إذا فرغ من الأذان يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : السلام عليك يا رسول الله وربما قال : السلام عليك بأبى أنت وأمى يا رسول اللّه ، حى على الصلاة ، حى على الصلاة السلام عليك يا رسول اللّه . قاله الأستاذ الكتانى فى كتابه "التراتيب الإدارية" ج 1 ص 75 فلما ولى أبو بكر رضى الله عنه كان المؤذن سعد القرظى يقف على بابه فيقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة اللّه وبركاته ، حى على الصلاة، حى على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول اللّه ، فلما استخلف عمر رضى الله عنه كان سعد يقف على بابه ويقول مثل ما يقول لأبى بكر. فلما قال عمر للناس : أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فدُعى أمير المؤمنين ، صار المؤذن إذا أذن يقول بعد الأذان : السلام عليك يا أمير المؤمنين... فلما ولى عثمان بن عفان رضى الله عنه كان العمل على هذا .(1/19)
وما برح المؤذنون إذا أذنوا سلَّموا على الخلفاء ، ثم يقيمون الصلاة بعد السلام ، فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلى بالناس ، هكذا كان العمل مدة أيام بنى أمية وبنى العباس فى مصر والشام والحجاز وسائر الأمصار وفى مصر ، عندما ملك الفاطميون أمر جوهر الصقلى أن يكون الأذان على عمل آل البيت ، فزيد فيه "حى على خير العمل " وأصله فى مسند ابن أبى شيبة ، فكان المؤذن بعد الأذان يقف على باب القصر ويقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين وربما قال بعد ذلك : الصلاة والسلام عليك يا أمير المؤمنين وعلى آبائك الطاهرين . فلما زالت دولة الفاطميين وجاءت الدولة الأيوبية نبذ صلاح الدين كل ما كان لهم من شعار، فبدَّل السلام على الخليفة بالسلام على رسول الله ، فكان المؤذن بعد الأذان يقول : السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة الله وبركاته وربما قال : الصلاة والسلام كان هذا العمل قاصرا على قصر الإمارة فقط ، يعنى فى المسجد السلطانى ونحوه فلما كان أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوك الأيوبيين أمر جميع المؤذنين فى مصر والقاهرة أن يقولوا على المنابر عقب الأذان الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، وأن يقتصر فى ذلك بعد أذان العشاء الأخيرة، فظل العمل على هذا إلى زمن المنصور حاجى بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون ، فأمر أن يقال ذلك بعد أذان الفجر وبعد كل أذان ما عدا المغرب ، فما برح المؤذنون على ذلك إلى وقتنا هذا "مجلة الإسلام المجلد الثانى ، العدد الحادى والأربعون ، بقلم حسن محمد قاسم" .
فتاوى الأزهر - (ج 9 / ص 136) المفتي عطية صقر .مايو 1997
الفتوى رقم (1814)
س: ما حكم قول المؤذن بعد الأذان الشرعي هذه العبارة
(الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله وخاتم رسله) ؟.(1/20)
جـ: لا نعلم دليلاً من الكتاب ولا من السنة يدل على مشروعية هذا الدعاء بعد الأذان. والخير كله في اتباع هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، والشر كله في مخالفة هديه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ولكن يشرع بعد الأذان للمؤذن وغيره أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» رواه مسلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته - حلت له شفاعتي يوم القيامة» رواه البخاري في صحيحه، وزاد البيهقي في آخره بإسناد صحيح: «إنك لا تخلف الميعاد». لكن يقولها المؤذن وغيره بصوت هادئ، ولا يرفع صوته بذلك، لعدم نقل الجهر به كما تقدم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
قول حى على خير العمل
قال الشوكاني في " السيل الجرار " قوله ومنهما حي على خير العمل(1/21)
أقول هذا اللفظ قد صار من المراكز العظيمة عند غالب الشيعة ولكن الحكم بين المختلفين من العباد هو كتاب الله وسنة رسول فما جاءنا فيهما فسمعا وطاعة وما لم يكن فيهما فإن وضح فيه وجه قياس بمسلك من المسالك المقبولة التي لا ترفع ولا تنقض كالنص على العلة أو دلالة الدليل على ثبوت الحكم في المسكوت عنه بفحوى الخطاب كان للمتمسك بذلك أن يقول به على ما فيه من خلاف وهكذا إذا صح الإجماع على حكم ولكن دون تصحيح الإجماع مفاوز متلوية وطرائق متشعبة وعقاب شامخة كما أوضحنا ذلك في إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول وإذا كان اختلاف المختلفين في حكم ثابت من السنة فالمرجع دواوينها التي وضعها علماء الرواية وهي الأمهات وما يلتحق بها من المسانيد ونحوها ولم يثبت رفع هذا اللفظ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من كتب الحديث على اختلاف أنواعها وغاية ما يروى في ذلك ما أخرجه الطبراني والبيهقي عن بلال أنه كان يؤذن للصبح فيقول حي على خير العمل فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حي على خير العمل وفي إسناده عبد الرحمن بن عمار بن سعد وهو ضعيف وقد قال البيهقي بعد إخراجه هذا اللفظ لم يثبت فيما علم النبي صلى الله عليه وسلم بلالا
وأبا محذورة ونحن نكره الزيادة فيه . انتهى
ومع هذا ففي هذا التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يترك ذلك
فلو قدرنا ثبوته لكان منسوخا
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (220)
س: ما حكم قول المؤذن في أذانه حي على خير العمل ؟(1/22)
ج: الأذان عبادة من العبادات والأصل في العبادات التوقيف وأنه لا يقال: إن هذا العمل مشروع، إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع، والقول بأن هذه العبادة مشروعة بغير دليل شرعي قول على الله بغير علم، وقد قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ }{ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ، وقال تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » وفي رواية « من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد » إذا علم ذلك فالأذان الشرعي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خمس عشرة جملة هي:- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. هذا هو الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يؤذن به كما ذكر ذلك أهل السنن والمسانيد. إلا في أذان الصبح فإنه ثبت أن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزيد فيه بعد الحيعلة (الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم) واتفق الأئمة الأربعة على مشروعية ذلك، لأن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الكلمة من بلال يدل على مشروعية الإتيان بها، وأما قول المؤذن في أذان الصبح، حي على خير العمل فليس بثابت، ولا عمل عليه عند أهل السنة ، وهذا من مبتدعات الرافضة ، فمن فعله ينكر عليه بقدر ما يكفي للامتناع عن الإتيان بهذه الزيادة في الأذان . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (ج 8 / ص 78)
قال شيخ الاسلام(1/23)
وفي دولة المستنصر كانت فتنة البساسري في المائة الخامسة سنة خمسين وأربعمائة لما جاهد البساسري خارجا عن طاعة الخليفة القائم بأمر الله العباسي واتفق مع المستنصر العبيدي وذهب يحشر إلى العراق وأظهروا في بلاد الشام والعراق شعار الرافضة كما كانوا قد أظهروها بأرض مصر وقتلوا طوائف من علماء المسلمين وشيوخهم كما كان سلفهم قتلوا قبل ذلك بالمغرب طوائف وأذنوا على المنابر : " حي على خير العمل " حتى جاء الترك " السلاجقة " الذين كانوا ملوك المسلمين فهزموهم وطردوهم إلى مصر وكان من أواخرهم " الشهيد نور الدين محمود " الذي فتح أكثر الشام واستنقذه من أيدي النصارى ؛ ثم بعث عسكره إلى مصر لما استنجدوه على الإفرنج وتكرر دخول العسكر إليها مع صلاح الدين الذي فتح مصر ؛ فأزال عنها دعوة العبيديين من القرامطة الباطنية وأظهر فيها شرائع الإسلام حتى سكنها من حينئذ من أظهر بها دين الإسلام . مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 216)
قال الشوكاني في كلامه على حديث عبدالله بن زيد في الأذان
والحديث ليس فيه ذكر حي على خير العمل ، وقد ذهبت العترة إلى إثباته ، وأنه بعد قول المؤذن : حي على الفلاح ، قالوا : يقول مرتين : حي على خير العمل ، ونسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي وهو خلاف ما في كتب الشافعية فإنا لم نجد في شيء منها هذه المقالة بل خلاف ما في كتب أهل البيت قال في الانتصار : إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك يعني في أن حي على خير العمل ليس من ألفاظ الأذان ، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عز الدين في شرح البحر وغيره ممن له اطلاع على كتب الشافعية .(1/24)
احتج القائلون بذلك بما في كتب أهل البيت كأمالي أحمد بن عيسى والتجريد والأحكام وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأحكام : وقد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بها ولم تطرح إلا في زمن عمر ، وهكذا قال الحسن بن يحيى روي ذلك عنه في جامع آل محمد وبما أخرج البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر أنه كان يؤذن بحي على خير العمل أحيانا وروى فيها عن علي بن الحسين أنه قال هو الأذان الأول وروى المحب الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك ، قال المحب الطبري : رواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة بن سهل البدري ، ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعا .
وقول بعضهم : وقد صحح ابن حزم والبيهقي والمحب الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن علي بن الحسين وابن عمر وأبي أمامة بن سهل موقوفا ومرفوعا ليس بصحيح اللهم إلا أن يريد بقوله مرفوعا قول علي بن الحسين هو الأذان الأول ، ولم يثبت عن ابن عمر وأبي أمامة الرفع في شيء من كتب الحديث وأجاب الجمهور عن أدلة إثباته بأن الأحاديث الواردة بذكر ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث ليس في شيء منها ما يدل على ثبوت ذلك ، قالوا : وإذا صح ما روي من أنه الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره فيها. وقد أورد البيهقي حديثا في نسخ ذلك ، ولكنه من طريق لا يثبت النسخ بمثلها
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 410)
وضع اسم علي رضى الله عنه في الأذان
السؤال الخامس من الفتوى رقم (8941)
س: كيف يضع بعض المسلمين أسم على بن أبي طالب رضي الله عنه في الأذان والإقامة وهل فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟(1/25)
جـ: الأذان من العبادات، والعبادات كلها توقيفية، ولم يكن فيه ولا في الإقامة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا على عهد خلفائه الراشدين ذكر اسم علي رضي الله عنه، ولم يشرع ذلك وإنما ابتدعه الرافضة كما هو شأنهم في الابتداع، وأهل السنة لا يرون ذلك، بل ينكرونه على فاعليه، صيانة للتشريع الإسلامي عن البدع، وحفظاً له منها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
التعوذ والبسملة قبل الأذان
السؤال الرابع من الفتوى رقم (6321)
س: التعوذ والبسملة قبل الأذان ؟
جـ: لا نعلم أصلاً يدل على مشروعية التعوذ والبسملة قبل الأذان، لا بالنسبة للمؤذن ولا من يسمعه. وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»
وفي رواية «من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد»
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الترتيب
لا يصحُّ الأذان إلا مرتَّباً، لأن المقصود منه يختل بعدم الترتيب وهو الإعلام , فإنه إذا لم يكن مرتبا لم يعلم أنه أذان ولأنه شرع في الأصل مرتبا , وعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا محذورة مرتبا والترتيب أن يبدأ بالتكبير، ثم التَّشهُّد، ثم الحيعلة، ثم التَّكبير، ثم التَّوحيد، فلو نَكَّسَ لم يجزئ(1/26)
والدَّليل: أنَّ الأذان عبادة وردت على هذه الصِّفة؛ فيجب أنْ تُفعَلَ كما وردت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» ولذلك لا يصحُّ إلا بهذا اللفظ، فلو قال: «الله أجلُّ» أو «الله أعظمُ» لم يصحَّ؛ لأنَّ هذا تغيير لماهيَّة الأذان، فإذا كان وصفه - وهو التَّرتيب - لا بُدَّ منه، فكذلك ماهيَّته لا بُدَّ منها، فعُلِمَ من ذلك أنه لو لم يأتِ به على الوجه الوارد مثل أن يقول «الله الأكبر» فإنه لا يصحُّ، ولو قال: «أُقِرُّ أنْ لا إله إلا الله» لا يصحُّ، وكذلك لو قال: «أَقبِلُوا إلى الصَّلاة» بدل «حَيَّ على الصَّلاة» فإنه لا يصحُّ (1)
ولو ترك من الأذان شيئا عاد إلى ما ترك ثم بنى من حيث ترك لا يجزيه غيره وكذلك كل ما قدم منه أو أخر فعليه أن يأتي به في موضعه فلو قال في أول الأذان الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم أكمل الأذان أعاد فقال الله أكبر الله أكبر التي ترك ثم قال أشهد أن لا أله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حتى يكمل الأذان ثم يجهر بشيء من الأذان ويخافت بشيء منه لم تكن عليه إعادة ما وصفت به لأنه قد جاء بلفظ الأذان كاملا فلا إعادة عليه كما لا يكون عليه إعادة ما خافت من القرآن فيما يجهر بالقرآن فيه
ولو كبر ثم قال حي على الصلاة عاد فتشهد ثم أعاد حي على الصلاة حتى يأتى على الأذان كله فيضع كل شيء منه موضعه وما وضعه في غير موضعه أعاده في موضعه
سئل الشيخ ابن عثيمين : عن حكم من قدم ( حي على الفلاح ) على ( حي على الصلاة )
في الأذان مع الدليل ؟
فأجاب قائلاً : يجب عليه إذا قدم ( حي على الفلاح ) على ( حي على الصلاة ) أن يعيد
__________
(1) الشرح الممتع بتصرف(1/27)
( حي على الفلاح ) بعد ( حي على الصلاة ) لأنه يشترط في الأذان الترتيب ، فإن الأذان ورد على هذه الصفة مرتباً فإذا نكسه الإنسان فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
الموالاة
الموالاة شرط في الأذان والإقامة حيث إن كلَّ واحد منهما عبادة، فاشترطت الموالاة بين أجزائها كالوُضُوء، فلو كبَّر أربع تكبيرات ثم انصرف وتوضَّأ ثم أتى فأتمَّ الأذان، فإن هذا الأذان لا يصحُّ، بل يجب أن يَبْتَدِئَهُ من جديد
الموالاة : يعني: بحيث لا يَفْصِلُ بعضَه عن بعض، فإن فَصَلَ بعضَه عن بعض بزمن طويل لم يجزئ، فلا بُدَّ أن يكون متوالياً؛ لأنَّه عبادة واحدة، فلا يصحُّ أن تتفرَّق أجزاؤها فإن حَصَل له عُذر مثل إن أصابه عُطاس أو سُعَال فإنه يبني على ما سبق؛ لأنه انفصل بدون اختياره وليس للرجل أن يبنى على أذان غيره لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين , كالصلاة
ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الأذان وكرهه طائفة من أهل العلم , قال الأوزاعي : لم نعلم أحدا يقتدى به فعل ذلك ورخص فيه الحسن وعطاء وقتادة , وسليمان بن صرد فإن تكلم بكلام يسير جاز وإن طال الكلام بطل الأذان لأنه يقطع الموالاة المشروطة في الأذان فلا يعلم أنه أذان وكذلك لو سكت سكوتا طويلا أو نام نوما طويلا , أو أغمى عليه أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه وإن كان الكلام يسيرا محرما كالسب ونحوه , فقال بعض أصحابنا : فيه وجهان أحدهما لا يقطعه لأنه لا يخل بالمقصود , فأشبه المباح والثاني يقطعه لأنه محرم فيه وأما الإقامة فلا ينبغي أن يتكلم فيها لأنها يستحب حدرها وأن لا يفرق بينهما قال أبو داود : قلت لأحمد : الرجل يتكلم في أذانه ؟ فقال : نعم فقلت له : يتكلم في الإقامة ؟ فقال : لا(1/28)
قال الشافعي رحمه الله تعالى وأحب للمؤذن أن لا يتكلم حتى يفرغ من أذانه فإن تكلم بين ظهراني أذانه فلا يعيد ما أذن به قبل الكلام كان ذلك الكلام ما شاء كرهت له من الكلام في الأذان كنت له في الإقامة أكره وإن تكلم في الإقامة لم يعد الإقامة ولو كان بين كلامه في كل واحدة منهما سكات طويل أحببت له أن يستأنف وإن لم يفعل فليس ذلك عليه وكذلك لو سكت في كل واحدة منهما سكاتا طويلا أحببت له استئنافه ولم أوجب عليه الاستئناف ولو أذن بعض الأذان ثم نام أو غلب على عقله ثم انتبه أو رجع إليه عقله أحببت أن يستأنف تطاول ذلك أو قصر وإن لم يفعل بنى على أذانه وكذلك لو أذن في بعض الأذان فذهب عقله ثم رجع أحببت أن يستأنف وإن بنى على أذانه كان له ذلك وإن كان الذي يؤذن غيره في شيء من هذه الحالات استأنف ولم يبن على أذانه قرب ذلك أو بعد فإن بنى على أذانه لم يجزه البناء عليه ولا يشبه هذا الصلاة يبنى الإمام فيها على صلاة إمام قبله لأنه يقوم في الصلاة فيتم ما عليه وهذا لا يعود فيتم الأذان بعد فراغه ولأن ما ابتدأ من الصلاة كان أول صلاته ولا يكون بأول الأذان شيء غير التكبير ثم التشهد ولو أذن بعض الأذان أو كله ثم ارتد أحببت أن لا يترك يعود لأذان ولا يصلى بأذانه ويؤم غيره فيه فيؤذن أذانا مستأنفا (1)
إذا لم يستطع المؤذن إكمال الأذان هل يكمله غيره
السؤال الثاني عشر من الفتوى رقم (6914)
س: ماذا يفعل المؤذن إن لم يستطع إكمال الأذان لعذر شرعي كمرض أو وفاة أو غيبوبة وما شابه ذلك، فهل يكمل غيره من حيث توقف المؤذن أم يعيد الأذان من أوله ؟
جـ: يكمل غيره الأذان، وإن بدأه من أوله فلا حرج عليه
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
ترك بعض جمل الأذان
السؤال الثالث من الفتوى رقم (3986)
__________
(1) الأم (ج 1 / 108)(1/29)
س: إذا غلط المؤذن بالأذان كالنقص مثل التكبير أو (حي على الصلاة) وعلم المؤذن بذلك بعد نهاية الأذان من المصلين فهل يعيد الأذان أم ماذا ؟
جـ: نعم يعيد الأذان، لأن الأذان الذي وقع منه مخالف للمشروع من جهة نقصه لكن إذا انتبه للنقص أو نبه عليه في الحال قبل طول المدة أتى بما ترك وما بعده.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
التلحين
أن يجتنب التلحين في الأذان أي: يؤذِّنُ على سبيل التطريب به كأنما يجرُّ ألفاظ أغنية فإنه يجزئ لكنه يُكره فإن من العلماء من قال: لا يصحُّ الأذان الملحَّن؛ لأنَّ الأذان عبادة، والتَّلحين يخرجه عن ذلك، ويميل به إلى الطَّرب والأغاني ومن ذلك التمطيط والتطويل
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : عن الأذان إذا كان مُلَحناً أو مَلْحُوناً ؟
فأجاب بقوله : الأذان الملحن أي المطرب به يجزيء لكنه مكروه . وأما الملحون فإن كان اللحن يتغير به المعنى فإن الأذان لا يصح كما لو قال المؤذن " الله أكبار " فهذا لا يصح ، أنه يحيل المعنى فإن أكبار جمع كبر وهو الطبل .
وأما إذا كان اللحن لا يتغير به المعنى فإن الأذان يصح مع الكراهة .
التطويل في الأذان
السؤال الثاني من الفتوى رقم (4160)
س: ما حكم التطويل في الأذان ؟
جـ: التطويل في الأذان لا نعلم له أصلاً، بل السنة أن يؤذن الأذان الشرعي بحيث يكون معتدلاً
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
اللحن
قال في الشرح الممتع
اللَّحن، أي: مخالفة القواعد العربية , ولكن اللَّحن ينقسم إلى قسمين
1 - قسم لا يصحُّ معه الأذان، وهو الذي يتغيَّر به المعنى(1/30)
2 - وقسم يصحُّ به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغيَّر به المعنى، فلو قال المؤذَّن: «الله أكبار» فهذا لا يصحُّ، لأنه يُحيل المعنى، فإن «أكبار» جمع «كَبَر» كأسباب جمع «سبب» وهو الطَّبل ولو قال: «الله وكبر» فإنَّه يجوز في اللغة العربية إذا وقعت الهمزة مفتوحة بعد ضَمٍّ أن تَقلب واواً، وعلى هذا فالذين يقولون " الله وكبر"أذانهم صحيح على أن الأولى أن يقولوا " الله أكبر " بتحقيق الهمزة , ولو قال: «أشهد أن محمداً رسولَ الله» بنصب «رسول» فهو لا شكَّ أنَّه لَحْنٌ يُحيل المعنى على اللُّغة المشهورة؛ لأنه لم يأتِ بالخبر، لكن هناك لغة أن خبر «أن» يكون منصوباً فيُقبل هذا. قال عمر بن أبي ربيعة وهو من العرب العرباء
إذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيلِ فَلْتَأْتِ ولْتَكُنْ ... ... ... ... خُطَاكَ خِفَافاً، إنَّ حُرَّاسنا أُسْدَا
وعلى هذه اللُّغة لا يضرُّ نصب «رسول» إذا اعتقد القائل أنها خبر «إن»، والمؤذِّنون يعتقدون أن «رسول الله» هو الخبر ولو قال: «حيَّا على الصَّلاة» فعلى اللُّغة المشهورة - وهي أنَّ اسم الفعل لا تلحقه العلامات - فهذا لا يتغيَّر به المعنى فيما يظهر، وحينئذ يكون الأذان صحيحاً؛ لأنَّ غايته أنه أشبع الفتحة حتى جعلها ألفاً .
ولو قال : " أشهد أنِ لا إله إلا الله " قلنا الصواب أن تقول " أنْ لا إله إلا الله " بسكون النون مدغمة ، ف ( أنْ ) هنا مخففة من الثقيلة ، وإذا خففت وهي ساكنة ووليتها اللام فإنها تدغم في اللام فيقال أشهد ألاإله إلا الله
زيادة حرف العطف في الأذان
السؤال الثاني من الفتوى رقم (3050)(1/31)
س: إن أحد المؤذنين يزيد في الأذان في آخره بعد (الله أكبر الله أكبر) قوله (ولا إله إلا الله) يزيد حرف الواو، وهو كبير في السن وابنه - وهو إمام ذلك المسجد الذي يؤذن فيه - أخبرني بأنه نصحه من زمن طويل أن يترك هذا الفعل فيرفض ويمتنع حتى عن الأكل معه قد نصحناه جميعا وهو مصر على فعله، فطلب منا ابنه أن نطلب خلعه من هذا العمل فأجبناه إننا نخشى أن توقع بينك وبين أبيك عداوة وبغضاء، فقال لا عليكم، فأفيدونا بارك الله فيكم هل يحق لنا أن نطلب خلعه من هذا العمل، وكيف ننصحه ونخبره بالحق؟
جـ: إذا كان الواقع كما ذكر فيبين له أن الواجب تركها، لأنها لم ترد في صفة الأذان الشرعي، ولكن لا تبطل الأذان لكونها لا تغير المعنى. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
قال الشوكاني في السيل الجرار
أقول الأذان عبادة شرعية فينبغي أن يكون على الصفة الواردة عن الشارع ومعلوم أنه كان يؤدى معربا على ما تقتضيه لغة العرب فمن جاء به على غير تلك الصفة فهو لم يفعل ما أمر به كسائر الأذكار الواردة عن الشارع
قال في المغني - (ج 2 / ص 257)
فصل : ويكره اللحن في الأذان فإنه ربما غير المعنى فإن من قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ونصب لام " رسول " ، أخرجه عن كونه خبرا , ولا يمد لفظة " أكبر " لأنه يجعل فيها ألفا ، فيصير جمع كبر ، وهو الطبل , ولا تسقط الهاء من اسم الله تعالى واسم الصلاة ولا الحاء من الفلاح ؛ لما روى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يؤذن لكم من يدغم الهاء قلنا : وكيف يقول ؟ قال : يقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله } . أخرجه الدارقطني في الأفراد (1)
__________
(1) الموضوعات - (ج 2 / ص 87)قال أبو بكر بن أبى داود: هذا حديث منكر، وإنما مر الاعمش برجل يؤذن ويدغم الهاء قال المصنف قلت: والمتهم بهذا الحديث على بن جميل.(1/32)
فأما إن كان ألثغ لثغة لا تتفاحش ، جاز أذانه ، فقد روي أن بلالا كان يقول " أسهد " يجعل الشين سينا . وإن سلم من ذلك كان أكمل وأحسن .
دخول الوقت
ولا يُجزِئُ قبل الوقت إلا الفجر » ، لدليل، وتعليل.
فأمَّا الدَّليل: فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت الصَّلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم...»)، فقال: «إذا حضرت الصَّلاةُ»، والصَّلاة لا تحضر إلا بدخول الوقت، وقد يُستفاد من قوله: «إذا حضرت» أن المراد دخول وقتها وإرادة فعلها ولهذا لما أراد بلال أن يؤذِّن وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في شدَّة الحَرِّ؛ فزالت الشَّمس؛ فقام ليؤذِّن قال «أبرد»، ثم انتظر، فقام ليؤذِّن فقال: «أبرد» حتى رأوا فيءَ التُلُول، بل حتى سَاوى التَّلُ فيئَهُ أي: قريب العصر، ثم أمره بالأذان، فهذا يدلُّ على أنه ينبغي في الأذان أن يكون عند إرادة فعل الصَّلاة، وينبني على ذلك ما لو كانوا جماعة في سَفر أو في نُزهة؛ وأرادوا صلاة العشاء، وأحبُّوا أن يؤخِّروها إلى الوقت الأفضل وهو آخر الوقت، فيؤذِّنون عندما يريدون فعل الصَّلاة، لا عند دخول وقت العشاء
وأمَّا التَّعليل: فلأن الأذان إعلام بدخول وقت الصَّلاة؛ والإعلام بدخول الشيء لا يكون إلا بعد دخوله، وعلى هذا؛ فلو أذَّن قبل الوقت جاهلاً قلنا له: إذا دخل الوقت فأعد الأذان، وهذا يقع أحياناً فيما إذا غَرَّت الإنسانَ ساعتُهُ، ويُثَاب على أذانه السَّابق للوقت ثواب الذِّكْرِ المطلق.
أما الفجر لانه قد بيَّن في الحديث الذي أخرجه الجماعة: «أن بلالاً يؤذِّن بليلٍ؛ ليوقظ النَّائمَ ويرجع القائمَ» فليس أذانه لصلاة الصُّبح، بل ليوقظ النَّائم ويرجع القائم من أجل السُّحُور، ولهذا قال: «فكُلُوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم»(1/33)
قال الشوكاني : اقول الأذان هو دعاء إلى الصلاة ولهذا اشتمل على ألفاظ الدعاء التي منها حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يفعل في غير الوقت بل ذلك بدعة ظاهر وأما أذان بلال في ذلك الوقت الخاص فقد وضحت فيه العلة بقوله صلى الله عليه وسلم ليوقظ نائمكم ويراجع قائمكم كما ثبت في الصحيح فلم يبق ما يستدل به على جواز الأذان لنفس الصلاة قبل دخول وقتها وليس هنا ما يقتضي التعارض والترجيح
س: ما حكم من أذن قبل دخول الوقت بعشر دقائق، وهل عليه الإعادة،أرجو الجواب؟ جزاكم الله خير الجزاء.
جـ: لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت، ومن أذن وتبين له أن أذانه وقع قبل دخول وقت الصلاة التي أذن لها وجب عليه أن يعيد الأذان بعد دخول الوقت، إلا صلاة الفجر فإنه يؤذن لها الأذان الأول قبل دخول الوقت، ثم يؤذن لها بعد دخول الوقت.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
ثانياً: أما ما يتعلق بالمؤذن
فينبغي أن يكون المؤذن 1– ذكراً 2 – مسلماً 3 - عاقلاً 4 – مميِّزاً
5 - أميناً 6 – عدلاً 7 - صَيِّتا 8- عالماً بالأوقات 9 – متطهرأً 10 – قائماً
11 - على موضع عال 12 - مستقبل القبلة 13 – ولا يؤخذ عليه أجراً
قال ابن عثيمين
كلمة « يكون » تحتمل الوجوب؛ وتحتمل الاستحباب، فيحتمل أنَّ المعنى يُستحب ويحتمل أن المعنى يجب. ويمكن أن ننظر ما تقتضيه الأدلَّةُ من هذه الصِّفَات، فما دلَّت على وجوبه قلنا بوجوبه، وما دَلَّت على استحبابه قلنا باستحبابه وحاصل هذه المسألة ذكر صفات المؤذن ومنها
قوله " ذكراً " فلا يصح الأذان إلا من الرجال وقد اختلف العلماءفي ذلك وإليك أقوالهم(1/34)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع : أمَّا النِّساء: فعلى المذهب لا يجب عليهنَّ أذان؛ سواء كُنَّ منفردات عن الرِّجال أو كُنَّ معهم، وإذا لم نقل بالوجوب عليهنَّ فما الحكم حينئذ؟ فيه روايات عن الإمام أحمد رواية أنَّهما يُكرهان، ورواية أنَّهما يُبَاحان، ورواية أنَّهما يُستحبَّان، ورواية أنَّ الإقامة مستحبَّة دون الأذان. وكلُّ هذا مشروطٌ بما إذا لم يرفعنَ الصَّوت على وجهٍ يُسمَعْنَ، أما إذا رفعن الصَّوت فإما أن نقول بالتَّحريم أو الكراهة. والمذهب الكراهة مطلقاً؛ لأنهنَّ لَسْنَ من أهل الإعلان فلا يُشرع لهنَّ ذلك، ولو قال قائل بالقول الأخير - وهو سُنِّيَّةُ الإقامة دون الأذان لأجل اجتماعهن على الصَّلاة - لكان له وجه
قال الشافعي في الام ج 1 / 106
وأحب إلي في هذا كله أن يكون المؤذنون خيار الناس ولا تؤذن امرأة ولو أذنت لرجال لم يجز عنهم أذانها وليس على النساء أذان وإن جمعن الصلاة وإن أذن فأقمن فلا بأس ولا تجهر المرأة بصوتها تؤذن في نفسها وتسمع صواحبتها إذا أذنت وكذلك تقيم إذا أقامت وكذلك إن تركت الإقامة لم أكره لها من تركها ما أكره للرجال وإن كنت أحب أن تقيم .
قال شيخ الاسلام
فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب، دون التبرج والظهور؛ ولهذا لم يشرع لها رفع الصوت في الأذان ولا التلبية، ولا الصعود إلى الصفا والمروة، ولا التجرد في الإحرام، كما يتجرد الرجل
قال ابن قدامة(1/35)
وليس على النساء أذان ولا إقامة , وكذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب , والحسن وابن سيرين والنخعي , والثوري ومالك وأبو ثور , وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا وهل يسن لهن ذلك ؟ فقد روى عن أحمد قال : إن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز وقال القاضي : هل يستحب لها الإقامة ؟ على روايتين وعن جابر : أنها تقيم وبه قال عطاء ومجاهد , والأوزاعي وقال الشافعي إن أذن وأقمن فلا بأس وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وبه قال إسحاق وقد روي عن أم ورقة ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أذن لها أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساء أهل دارها ) وقيل : إن هذا الحديث يرويه الوليد بن جميع , وهو ضعيف وروى النجاد بإسناده عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : ( ليس على النساء أذان ولا إقامة ) (1) ولأن الأذان في الأصل للإعلام , ولا يشرع لها ذلك والأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها رفع الصوت , ومن لا يشرع في حقه الأذان لا يشرع في حقه الإقامة كغير المصلى وكمن أدرك بعض الجماعة
قال الشوكاني في السيل الجرار
أقول الأذان إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة فلا يكون إلا برفع الصوت والمرأة مأمورة بالستر ولم يسمع في أيام النبوة ولا في الصحابة ولا فيمن بعدهم من التابعين وتابعيهم أنه وقع التأذين المشروع الذي هو إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة من امرأة قط ، وأما أذان المرأة لنفسها أو لمن يحضر عندها من النساء مع عدم رفع الصوت رفعا بالغا فلا مانع من ذلك بل الظاهر أن النساء ممن يدخل في الخطاب بالأذان كما قدمنا ذلك .
قال الألباني في تمام المنة
__________
(1) لا يصح عنه هذا من قول ابن عمر كما ستعرف(1/36)
في " قول ابن عمر: ليس على النساء أذان ولا إقامة. ذلك من رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، وعبد الله بن عمر هو العمري المكبر ، وهو ضعيف كما كنت بينت في " الضعيفة " ( 2 / 270 ) ، وخرجته من طريق " مصنف عبد الرزاق " أيضا من هذا الوجه. ثم هو بظاهره مخالف لما رواه ابن أبى شيبة في " المصنف " (1 / 223 ) بسند جيد عن وهب بن كيسان قال : سئل ابن عمر هل على النساء أذان ؟ فغضب ، وقال : أنا أنهى عن ذكر الله ؟ ! واحتج به الإمام أحمد كما ذكرت هناك. " وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم ، وتؤم النساء ، وتقف وسطهن . رواه البيهقي " وبالجملة ، فهذه الآثار صالحة للعمل بها ، ولا سيما وهي مويدة بعموم قوله عليه السلام : " إنما النساء شقائق الرجال "
أذان المرأة
السؤال الأول من الفتوى رقم (4522)
س: هل يجوز للمرأة أن تؤذن، وهل يعتبر صوتها عورة أو لا؟
جـ: أولاً: ليس على المرأة أن تؤذن على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن ذلك لم يعهد إسناده إليها ولا توليها إياه زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
ثانياً: ليس صوت المرأة عورة بإطلاق، فإن النساء كن يشتكين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسألنه عن شئون الإسلام، ويفعلن ذلك مع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وولاة الأمور بعدهم، ويسلمن على الأجانب ويردون السلام، ولم ينكر ذلك عليهن أحد من أئمة الإسلام، ولكن لا يجوز لها أن تتكسر في الكلام ولا تخضع في القول؛ لقوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا}([46])؛ لأن ذلك يغري بها الرجال ويكون فتنة لهم كما دلت عليه الآية المذكورة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
قوله " مسلماً " لأنه يصح من كافر لأنه ليس عدلاً(1/37)
قوله " عاقلاً " فلايصح من مجنون لأنه ليس من أهل التكليف لقوله عليه السلام " رفع عن القلم عن ثلاث عن المجنون حتى يفيق ..... " الحديث
قوله " مميزاً "
والمميِّز: من بلغ سبعاً إلى البلوغ، وسُمِّيَ مميِّزاً لأنه يميِّز فيفهم الخطاب ويردُّ الجواب. وقال بعضُ العلماء: إن المميِّز لا يتقيَّد بسنٍّ، وإنما يتقيَّد بوصف فالذين قالوا: إنه يتقيد بسنٍّ؛ استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أبناءَكم بالصَّلاة لسبعِ، واضربُوهم عليها لعشرٍ» فجعل أوَّلَ سِنٍ يُؤمر به الصبيُّ سبعَ سنين، وهذا يدلُّ على أنه قبل ذلك لا يصحُّ توجيه الأمر إليه، فقد يُقال: لأنه لا يفهم الأمر، وقد يُقال: لأنه لا يحتمل الأمر، فإن قلنا بالعِلَّة الأُولى صارت سبعَ السنين هي الحَدُّ للتَّمييز، وإن قلنا بالثَّانية لم يكن ذلك حَدًّا للتَّمييز.
والذين قالوا: إنه يتقيَّد بالوصف قالوا: لأن كلمة «مميِّز» اسم فاعل مشتق من التَّمييز، وإذا كان مشتقاً من ذلك، فإذا وُجِدَ هذا المعنى في طفل ثَبَتَ له الوصف، فالمُميِّز هو الذي يفهم الخطاب ويردُّ الجواب. لكن سبع السَّنوات غالباً هي الحدُّ، والمراد: الذي يفهم المعنى بأن تطلب منه شيئاً - كماء - فيذهب ويحضره لك
واختلف العلماء في ذلك إلى ثلاث أقوال
فذهب بعضهم إلى أن الأذان لايصح إلا من مكلف
قال الشوكاني : اقول هذا هو الظاهر لأن الأذان عبادة شرعية لا تجزىء إلا من مكلف بها وقد استدل الجلال في شرحه لهذا الكتاب على جواز أذان الصبي بأذان أبي محذورة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال وهو صبي ولا شيء في الروايات أنه كان صبيا بل الذي في الروايات أنه كان صيتا أو قوي الصوت فلعله تصحف على الجلال الصيت بالصبي فجزم بأنه كان صبيا وقد وقع في بعض روايات هذا الحديث أنه كان غلاما ولفظ الغلام يطلق على الكبير والصغير قالت ليلى الأخيلية في مدح الحجاج(1/38)
شفاها من الذى العضال الذب بها غلام إذا هز القناة سقاها
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أنا الغلام القرشي المؤتمن أبو حسين فاعلمن والحسن
وقال الأزهري سمعت العرب يقولون للمولود غلام وسمعتهم يقولون للكهل غلام
ومما يدل على أنه كان رجلا ما وقع في رواية النسائي قال أبو محذورة خرجت عاشر عشرة من مكة فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن نستهزىء بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا فأذنا رجلا رجلا وكنت آخرهم الحديث . فقوله رجلا يدل على أنه كان رجلا وقال السهيلي إنه كان أبو محذورة في أول أذانه في ست عشرة سنة
وقال بعض العلماء: لا يجزئ أذان المُميِّزلأنه لا يُوثق بقوله ولا يُعتمد عليه، فقد لا يعرف متى تزول الشَّمس، ومتى يكون ظلُّ كلِّ شيء مثله وغير ذلك
وذهب بعضهم إلى إنَّه يصحُّ ، فلو لم يوجد في البلد إلا هذا الصبيُّ المميِّز وأذَّن فإنه يُكتفى به ووجه الإجزاء: أنَّ هذا ذِكْر، والذِّكْر لا يُشترط فيه البلوغ، فإن الصبيَّ يُكْتَبُ له ولا يُكْتَبُ عليه، فإذا ذَكَرَ اللَّهَ، كتبَ اللَّهُ له الأجرَ وصحَّ منه الذِّكْرُ، فإذا أذَّن المُميِّز فإنه يُكتفى بأذانه والقول الثالث التفصيل ففَصَّلَ بعض العلماء فقال: إنْ أذَّنَ معه غيرهُ فلا بأس، وإن لم يكن معه غيرُه فإِنَّه لا يُعتمد عليه، إلا إذا كان عنده بالغ عاقل عارف بالوقت ينبِّهه عليه وهذا هو اختاره الشيخ ابن عثيمين(1/39)
قال ابن عثيمين : وقوله: «أميناً»، الظَّاهر من المذهب: أن كونه أميناً سُنَّة والصَّحيح أنَّه واجب؛ لأنَّ الأمانة أحد الرُّكنين المقصودين في كلِّ شيء، والثاني القوَّة كما قال تعالى:) إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)(القصص: من الآية26) وقال العِفْريت الذي أراد أن يأتي بعرش «بلقيس» إلى سليمان: ) وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) (النمل: من الآية39) وعدم السَّداد في العمل يأتي من اختلال أحد الوصفين:القوَّة والأمانة. وإذا وُجِدَ ضعيفٌ أمينٌ؛ وقويٌّ غيرُ أمين؛ أيُّهما يقدم؟ فالجواب: أنَّ الصَّحيح حسب ما يقتضيه العمل، فبعض الأعمال تكون مراعاة الأمانة فيه أَولى،وبعضها تكون مراعاة القوَّة أولى، فمثلاً القوَّة في الإمارة قد تكون أولى بالمراعاة، والأمانة في القضاء قد تكون أولى بالمراعاة وقوله:«أميناً»،أي:على الوقت، وعلى عورات النَّاس خصوصاً فيما سبق؛ حيث كان النَّاس يؤذِّنون فوق المنارة .
قوله " عدلاً " هذه الكلمة صفة لموصوف محذوف، والتقدير: «من رَجُلٍ واحد عدل» فلا يصحُّ من امرأة، ولا من اثنين فأكثر، ولا يُكمِلُ الأذان إذا حصَل له عُذر بل يستأنف
واستفدنا من قوله: «عدل» أنه لا بُدَّ أن يكون مسلماً، فلو أذَّنَ الكافر لم يصحَّ؛ لأن الأذان عبادة فاشتُرطَ فيه الإسلام، ولو أذَّن المعلنُ بفسقه كحالق اللحية ومن يشرب الدُّخان جهراً فإنه لا يَصِحُّ أذانه .
والرواية الثانية عن الإمام أحمد صحَّة أذان الفاسق؛ لأن الأذان ذِكْرٌ؛ والذِّكْرُ مقبولٌ من الفاسق؛ لكن لا ينبغي أن يتولَّى الأذان والإقامة إلا من كان عدلاً.(1/40)
وكذلك الأذان بالمُسجِّل غير صحيح؛ لأنَّه حكاية لأذان سابق، ولأنَّ الأذان عبادة، وسَبَقَ أنه أفضل من الإمامة ، فكما أنَّه لا يصحُّ أن نسجِّل صلاة إمام ثم نقول للناس ائتمُّوا بهذا «المسجِّل»، فكذلك لا يصح الاعتماد على «المسجِّل» في الأذان ، فمن اقتصر عليه لم يكن قائماً بفرض الكفاية.
وأفاد قوله: «عدل» على اشتراط العقل؛ لأن العدالة تستلزم العقل ، والمجنون رُفِعَ عنه القلم فلا يُوصفُ بعدالة ولا فسق
فكلمة «عدل» تضمَّنت أن يكون مسلماً عاقلاً ذَكَراً واحداً عدلاً
العدالة في المؤذن
السؤال الرابع من الفتوى رقم (9117)
س: إن والدي مؤذن وقد مرض وأدخل المستشفى، وإنه قال لي: أذن بدلي، وأنا أشاهد التلفزيون بعض الأيام هل يجوز ذلك؟
جـ: إذا كنت تحسن الأذان فأطعه، وأذن بدلاً منه، ولكن لا يجوز لك مشاهدة ما يكون في التلفاز من المحرمات كالأغاني وسائر الملاهي.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : هل يجوز أذان حالق اللحية إذا كان حسن الصوت ؟
فأجاب قائلاً : نقول في هذا : إن أذان حالق اللحية صحيح ؛ لأنه أداه على الوجه الذي جاء به الشرع ، فإذا كان يؤدي الأذان أداءً صحيحاً سليماً فلا بأس .(1/41)
قال الشوكاني : أقول قد عرفت أن الأذان إعلام بدخول الوقت للصلاة ودعاء إليها ومن كان غير عدل ولا يؤمن على الأوقات ولا يقبل إذا أخبر بدخولها فيفوت المقصود من جعله مؤذنا ويؤيد هذا ما اخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليؤذن لكم خياركم " وفي إسناده الحسين بن عيسى الحنفي الكوفي وفيه مقال لا يوجب عدم الاحتجاج بحديثه وأخرج أحمد وابو داود وابن حبان وابن خزيمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين " وروى أيضا من حديث عائشة قال ابو زرعة حديث ابي هريرة أصح من حديث عائشة وصحح الحديثين جميعا ابن حبان وقد أطلت الكلام على الحديثين في شرحي للمنتقي فليرجع إليه , ووصفه صلى الله عليه وسلم للمؤذن بأنه مؤتمن يدل على أنه لا بد أن يكون عدلا لأن من ليس بعدل ليس بمؤتمن
فقوله: «صَيِّتاً» هذا مستحبٌ، وليس واجباً، فالواجب أن يُسْمِعَ من يُؤَذِّنُ لهم فقط ، وما زاد على ذلك فغير واجب
وقوله: «صَيِّتاً» يحتمل أن يكون المعنى قويَّ الصَّوتِ، ويحتمل أن يكون حسنَ الصَّوت ويحتمل أن يكون حسنَ الأداء، ولكن الاحتمال الأخير ليس واضحاً من العبارة
فهنا ثلاثةُ أوصاف تعود على التلفُّظ بالأذان:
1 - قوَّة الصَّوت 2 - حُسْن الصَّوتِ 3 - حُسْن الأدَاءِ(1/42)
فهذا كُلُّه مطلوب ونستنبط من قوله: «صَيِّتاً» أن مكبِّرات الصَّوت من نعمةالله؛ لأنَّها تزيد صوت المؤذِّن قوَّة وحُسناً، ولا محذور فيها شرعاً، فإذا كان كذلك وكانت وسيلة لأمر مطلوب شرعي، فللوسائل أحكام المقاصد. ولهذا أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم العبَّاس بن عبد المطلب أن ينادي يوم حنين: «أين أصحابُ السَّمُرَة ، لقوَّةِ صَوته فدلَّ على أنَّ ما يُطلبُ فيه قوَّةُ الصَّوت ينبغي أن يُختار فيه ما يكون أبلغ في تأديَة الصَّوت. ولكن ما يُتَّخذُ من تفخيم الصوت بما يسمُّونه «الصَّدَى» فليس بمشروع ، بل قد يكون منهيًّا عنه إذا لزم منه تكرار الحرف الأخير لما فيه من الزِّيادة
قال الشافعي في الأم (ج 1 / 111 )
فأحب رفع الصوت للمؤذن وأحب إذا اتخذ المؤذن أن يتخذ صيتا وأن يتحرى أن يكون حسن الصوت فإنه أحرى أن يسمع من لا يسمعه ضعيف الصوت وحسن الصوت أرق لسامعه والترغيب في رفع الصوت يدل على ترتيل الأذان لأنه لا يقدر أحد على أن يبلغ غاية من صوته في كلام متتابع إلا مترسلا وذلك أنه إذا حذف ورفع انقطع فأحب ترتيل الأذان وتبيينه بغير تمطيط ولا تغن في الكلام ولا عجلة وأحب في الإقامة أن تدرج إدراجا ويبينها مع الإدراج قال وكيفما جاء بالأذان والإقامة أجزئا غير أن الاحتياط ما وصفت .(1/43)
وقوله: «عالماً بالأوقات » هذا ليس بشرط إن أراد أن يكون عالماً به بنفسه؛ لأن ابنَ أمِّ مكتوم كان رجلاً أعمى لا يؤذِّن حتى يُقال له: «أصبحتَ أصبحتَ ، لكن الأفضل أن يكون عالماً بالوقت بنفسه؛ لأنه قد يتعذَّر عليه من يُخبره بالوقت وقد يقال: المراد أن يكون عالماً بالوقت بنفسه أو بتقليد ثقة والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات ولكن هذه التقاويم تختلف؛ فأحياناً يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق، وهذه ليست هيِّنة ولا سيَّما في أذان الفجر وأذان المغرب؛ لأنَّهما يتعلَّق بهما الصِّيام، مع أن كلَّ الأوقات يجب فيها التَّحري، فإذا اختلف تقويمان وكلٌّ منهما صادرٌ عن عارف بعلامات الوقت، فإننا نُقدِّم المتأخِر في كلِّ الأوقات؛ لأنَّ الأصل عدم دخول الوقت، مع أن كلًّا من التَّقويمين صادر عن أهلٍ، وقد نصَّ الفقهاء رحمهم الله على مثل هذا فقالوا: لو قال لرَجُلين ارْقُبَا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجرُ، وقال الثاني: لم يطلع؛ فيأخذ بقول الثَّاني، فله أن يأكلَ ويشرب حتى يتَّفقا بأن يقول الثَّاني: طلع الفجر ، أما إذا كان أحد التقويمين صادراً عن أعلم أو أوثق فإنَّه يقدَّم
قوله" قائماً، متطهراً، على موضع عال "
قوله " قائماً " قال العلامة الألباني إرواء الغليل - (ج 1 / ص 242)
ويكفى في هذا الباب جريان العمل على ذلك خلفا عن سلف وقد قال ابن المنذر(1/44)
" أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن السنة أن يؤذن المؤذن قائما " واستدل بعض العلماء على ذلك بما جاء في حديث الأذان الطويل وهوحديث عبدالله بن زيد بن عبد ربه وفيه " يا بلال قم فناد بالصلاة . وفي رواية : فأذن بالصلاة أخرجه البخاري ( 1 / 160 ) ومسلم ( 2 / 2 ) قال العلامة الألباني : ( تنبيه ) استدل بهذا الحديث - تبعا لغيره - على سنية الاذان قائما وفي الاستدلال به نظر - كما في " التلخيص " ( ص 75 ) لأن معناه : إذهب إلى موضع بارز فناد فيه ثم ذكر هذه الأثار روى البيهقي ( 1 / 392 عن الحسن بن محمد قال : دخلت على ابي زيد الأنصاري فأذن وأقام وهو جالس . قال : وتقدم رجل فصلى بنا - وكان أعرج أصيب رجله في سبيل الله تعالى . قلت : وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى
قال ابن المنذر : " ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير فينزل فيقيم " ) حسن وقول ابن المنذر هذا ذكزه الحافظ في " التلخيص " ( ص 76 ) وأقره وقد أخرج البيهقي ( 1 / 392 ) من طريق عبد الله العمري عن نافع قالي : " ان ابن عمر ربما أذن على راحلته الصبح ثم يقيم على الأرض " . والعمري هذا ضعيف من قبل حفظه فيشهد له ما بعده . ثم روى عن ابي طعمة أن ابن عمر كان يؤذن على راحلته . وإسناده حسن وأبو طعمة اسمه نسير بن ذعلوق . أ هـ
قال الشوكاني ( السيل الجرار )
قوله ولو قاضيا أو قاعدا أو غير مستقبل أقول لا شك أن الأذان من المذكورين يجزىء
ولكنه في القاعد وغير المستقبل مخالف للهيئة المشروعة الثابتة .
قوله " متطهرأً " أي: من الحَدَث الأكبر والأصغر وهو سُنَّة، ولكن قال الفقهاء رحمهم الله: إنه يُكره أذان الجُنب دون أذان المُحْدِث حَدَثاً أصغر، هذا إذا لم تكن المنارةُ في المسجد، فإن كانت في المسجد فإنَّه لا يجوز أن يمكُثَ في المسجد إلا بوُضُوء، فالمراتب ثلاث
1 - أن يكون متطهِّراً من الحدثين، وهذا هو الأفضل
2 - أن يكون محدثاً حدثاً أصغر، وهذا مباح(1/45)
3 - أن يكون محدثاً حدثاً أكبر، وهذا مكروه
قال الشافعي وأحب أن يكون المؤذن على طهارة الصلاة فإن أذن جنبا أو على غير وضوء كرهته له ولم يعد وكذلك آمره في الإقامة باستقبال القبلة وأن يكون طاهرا فإن كان في الحالين كلاهما غير طاهر كرهته له وهو في الإقامة أشد لأنه يقيم فيصلى الناس وينصرف عنهم فيكون أقل ما صنع أن عرض نفسه للتهمة بالاستخفاف وأكره أذانه جنبا لأنه يدخل المسجد ولم يؤذن له في دخوله إلا عابر سبيل والمؤذن غير عابر سبيل مجتار ولو ابتدأ بالأذان طاهرا ثم انتقضت طهارته بنى على أذانه ولم يقطعه ثم تطهر إذا فرغ منه وسواء ما انتقضت به طهارته في أن يبنى جنابة أو غيرها فإن قطعه ثم تطهر ثم رجع بنى على أذانه ولو استأنف كان أحب إلي
قال الشوكاني
اقول لم يأت ما تقوم به الحجة لا في كون المؤذن طاهرا من الحدث الأكبر ولا من الحدث الأصغر لأن ما هو مرفوع في ذلك لم يصح وما هو موقوف على صحابي أو تابعي لا تقوم به الحجة وإن كان التطهر للمؤذن من الحدثين هو الأولى والأحسن فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد السلام وهو محدث حدثا اصغر حتى توضأ كما في رواية وتيمم كما في أخرى والأذان أولى بذلك من مجرد رد السلام . وأما كون المقيم متطهرا فلم يرد ما يدل على أن ذلك حتم وغايته ان تكون الإقامة مثل الأذان وقد تقدم الكلام فيه
وقوله: « على موضع عال »، أي: ينبغي أن يكون الأذان على شيء عالٍ؛ لأنَّ ذلك أبعد للصَّوت، وأوصل إلى النَّاس، ومن هنا نأخذ أن الأذان بالمكبِّر مطلوبٌ؛ لأنَّه أبعد للصَّوت وأوصل إلى النَّاس
قوله " مستقبل القبلة " أي: يُسَنُّ أن يكون مستقبل القِبلة حال الأذان؛ لأن هذا هو الذي وَرَد ولأنَّ الأذان عبادة ، والأفضل في العبادة أن يكون الإنسان فيها مستقبل القِبْلَة ما لم يَرِدْ خلافه(1/46)
قال الشافعي : ولا أحب أن يكون المؤذن في شيء من أذانه إلا مستقبل القبلة لا تزول قدماه ولا وجهه عنها لأنه إيدان بالصلاة وقد وجه الناس بالصلاة إلى القبلة فإن زال عن القبلة ببدنه كله أو صرف وجهه في الأذان كله أو بعضه كرهته له ولم ولا إعادة عليه .
" فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً " الحيعلة: أي: قول «حَيَّ على الصَّلاة» فقال بعضهم: إنه يلتفت يميناً لـ«حيَّ على الصَّلاة» في المرَّتين جميعاً، وشمالاً لـ«حيَّ على الفلاح» في المَرَّتين جميعاً
وقال بعضهم: إنه يلتفت يميناً لـ«حيَّ على الصَّلاة» في المَرَّة الأولى، وشمالاً للمرَّة الثانية و«حيَّ على الفلاح» يميناً للمرَّة الأولى، وشمالاً للمرَّة الثانية ليُعطي كلَّ جهة حَظَّها من «حَيَّ على الصَّلاة» و«حَيَّ على الفلاح»
ولكن المشهور وهو ظاهر السُّنَّة: أنه يلتفت يميناً لـ«حيَّ على الصَّلاة» في المرَّتين جميعاً وشمالاً لـ«حيَّ على الفلاح» في المَرَّتين جميعاً ولكن يلتفت في كُلِّ الجملة وما يفعله بعض المؤذِّنين أنَّه يقول: «حيَّ على» مستقبل القبلة ثم يلتفت، لا أصل له ومثلها التَّسليم، فإن بعض الأئمة يقول: السَّلام عليكم قبل أن يلتفت، ثم يقول: ورحمة الله حين يلتفت ولا أصل لهذا ولا لهذا
تنبيه: الحكمة من الالتفات يميناً وشمالاً إبلاغ المدعوين من على اليمين وعلى الشمال، وبناءً على ذلك: لا يلتفت من أذَّن بمكبر الصَّوت؛ لأنَّ الإسماع يكون من «السَّمَّاعات» التي في المنارة؛ ولو التفت لَضَعُف الصَّوت؛ لأنه ينحرف عن «الآخذة»
قوله " ولايزيل قدميه " أي: لا يستدير
قال في تمام المنة(1/47)
فإن النووي قال في " المجموع " ( 3 / 104 ) بعد حديث الشيخين عن أبي جحيفة الذي ذكره المؤلف ، وفيه قال أبو جحيفة . . : " فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا ، يمينا وشمالا " . وفي رواية أبي داود : " فلما بلغ ( جي على الصلاة حي على الفلاح ) لوى عنقه يمينا وشمالا ، ولم يستدر " ، وإسناده صحيح ثم قال ( 3 / 106 - 107 ) : " والسنة أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يستدير ، كما ذكره المصنف " . ثم قال : " قال أصحابنا : والمراد بالالتفات : أن يلوي رأسه وعنقه ، ولا يحول صدره عن القبلة ولا يزيل قدمه عن مكانها ، وهذا معنى قول المصنف : " ولا يستدير " . وهذا هو الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي ، وقطع به الجمهور وقد ثبتت الاستدارة من رواية جمع ، لكن المراد بها الالتفات يمينا و يسارا كما شرحته هناك ، فأغنى عن الإعادة . ومما يحسن التنبيه عليه أيضا أنه ليس في رواية البخاري قوله : " يمينا وشمالا " ، وإنما هو عند مسلم فقط ، كما كنت ذكرت ذلك في تخريج الحديث في " إرواء الغليل "
قوله " ولا يؤخذ عليه أجراً "
لايجوز عقد إجارة، بأن يستأجرَ شخصاً يؤذِّن أو يُقيم؛ لأنهما قُربة من القُرَب وعبادةٌ من العبادات، والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها؛ لقوله تعالى: )مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (هود:15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:16)
ولأنه إذا أراد بأذانه أو إقامته الدُّنيا بطل عملُه، فلم يكن أذانه ولا إقامته صحيحة، قال (صلى الله عليه وسلم): «من عَمِل عَمَلاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»(1/48)
أما الجُعَالة؛ بأن يقول: من أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا دُونَ عقدٍ وإلزام فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة لمن أذَّن، ولا بأس بالمكافأة لمن أذَّن، وكذلك الإقامة.
وسئل ـ شيخ الإسلام عن رجل ما عنده ما يكفيه، وهو يصلي بالأجرة، فهل يجوز ذلك أم لا ؟
فأجاب : الاستئجار على الإمامة لا يجوز في المشهور من مذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد . وقيل : يجوز، وهو مذهب الشافعي، ورواية عن أحمد، وقول في مذهب مالك . والخلاف في الأذان ـ أيضاً .
لكن المشهور من مذهب مالك : أن الاستئجار يجوز على الأذان، وعلي الإمامة معه ومنفردة، وفي الاستئجار على هذا ونحوه، كالتعليم على قول ثالث في مذهب أحمد، وغيره : أنه يجوز مع الحاجة ولا يجوز
بدون حاجة واللّه أعلم
فإن العلماء إنما تنازعوا في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والأذان، والإمامة، والحج عن الغير؛ لأن المستأجر يستوفي المنفعة . فقيل : يصح لذلك، كما هو المشهور من مذهب مالك، والشافعي . وقيل : لا يجوز؛ لأن هذه الأعمال يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فإنها إنما تصح من المسلم دون الكافر، فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله ـ تعالى ـ وإذا فعلت بعروض، لم يكن فيها أجر بالاتفاق؛ لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه، لا ما فعل لأجل عروض الدنيا . وقيل : يجوز أخذ الأجرة عليها للفقير، دون الغني . وهو القول الثالث في مذهب أحمد، كما أذن الله لولي اليتيم أن يأكل مع الفقر ويستغنى مع الغني . وهذا القول أقوي من غيره على هذا . فإذا فعلها الفقير لله ـ وإنما أخذ الأجرة لحاجته إلى ذلك، وليستعين بذلك على طاعة الله ـ فالله يأجره على نيته، فيكون قد أكل طيباً، وعمل صالحاً . وأما إذا كان لا يقرأ القرآن إلا لأجل العروض، فلا ثواب لهم على ذلك .(1/49)
ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع : أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القرآن، والحديث، والفقه، والإمامة، والأذان؛ لا يجوز أن يفعله كافر، ولا يفعله إلا مسلم،بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر؛ كالبناء، والخياط، والنسج، ونحو ذلك . وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله، فإنه يبقي مستحقا بالعوض، معمولا لأجله . والعمل إذا عمل للعوض لم يبق عبادة؛ كالصناعات التي تعمل بالأجرة .
فمن قال : لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال، قال : إنه لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله، كما لا يجوز إيقاع الصلاة والصوم والقراءة على غير وجه العبادة لله، والاستئجار يخرجها عن ذلك . ومن جوز ذلك قال : إنه نفع يصل إلى المستأجر، فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر المنافع . قال : وإذا كانت العبادة في هذه الحال، لا تقع على وجه العبادة، فيجوز إيقاعها على وجه العبادة، وغير وجه العبادة؛ لما فيها من النفع , ومن فرق بين المحتاج وغيره ـ وهو أقرب ـ قال : المحتاج إذا اكتسب بها أمكنه أن ينوي عملها لله، ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة؛ فإن الكسب على العيال واجب أيضا، فيؤدي الواجبات بهذا؛ بخلاف الغني لأنه لا يحتاج إلى الكسب، فلا حاجة تدعوه أن يعملها لغير الله؛ بل إذا كان الله قد أغناه، وهذا فرض على الكفاية، كان هو مخاطبا به، وإذا لم يقم إلا به كان ذلك واجبا عليه عينا . والله أعلم
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : عن حكم أخذ الأجرة على الأذان ؟(1/50)
فأجاب قائلاً : لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان لأنه قربة من القرب وعبادة من العبادات والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها لقوله تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ولأنه إذا أراد بالأذان الدنيا بطل عمله ، فلم يكن أذانه صحيحاً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
إلا الرزق فلا يحرم أن يعطى المؤذن والمقيم عطاء من بيت المال وهو ما يعرف في وقتنا الحاضر بالراتب ؛ لأن بيت المال إنما وضع لمصالح المسلمين ، والأذان والإقامة من مصالح المسلمين .
ثالثاً: مسائل متفرقة تكثر الحاجة إليها
القاء السلام على المؤذن
قال الألباني : السلسلة الصحيحة - (ج 1 / ص 184)
و من ذلك أيضا السلام على المؤذن و قارىء القرآن ، فإنه مشروع ، و الحجة ما
تقدم فإنه إذا ما ثبت استحباب السلام على المصلي ، فالسلام على المؤذن و القارىء أولى
وأحرى . و أذكر أنني كنت قرأت في المسند حديثا فيه سلام النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة يتلون القرآن ، و كنت أود أن أذكره بهذه المناسبة و أتكلم على إسناده و لكنه لم يتيسر لي الآن .و هل يردان السلام باللفظ أم بالإشارة ؟ الظاهر الأول .
قال النووي : " و أما المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد لأن ذلك يسير ، لا يبطل الأذان و لا يخل به " و من ذلك تكرار السلام بعد حصول المفارقة و لو بعد مدة يسيرة لقوله صلى الله عليه وسلم :" إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه ، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه أيضا
استحباب الأذان لمن صلى وحده
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 65 في قوله عليه السلام(1/51)
" يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة و يصلي فيقول الله
عزوجل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن و يقيم الصلاة يخاف مني ، فقد غفرت لعبدي و أدخلته الجنة " رواه أبو داود في " صلاة السفر " رقم ( 1203 ) ، و النسائي في " الأذان " ( 1 / 108 ) و ابن حبان ( 260 ) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .قلت : و هذا إسناد مصري صحيح ، رجاله كلهم ثقات
و أبو عشانة اسمه حي بن يؤمن و هو ثقة .
( الشظية ) : قطعة من رأس الجبل مرتفعة .
و في الحديث من الفقه استحباب الأذان لمن يصلي وحده ، و بذلك ترجم له النسائي و قد جاء الأمر به و بالإقامة أيضا في بعض طرق حديث المسيء صلاته ، فلا ينبغي التساهل بهما
ما يقوله من يسمع الإقامة
قال الألباني في تمام المنة(1/52)
قوله : لا يستحب لمن يسمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول المقيم إلا عند قوله : " قد قامت الصلاة " ، فإنه يستحب أن يقول : أقامها الله وأدامها . فعن بعض أصحاب النبي ( عليه السلام ) أن بلالا أخذ في الإقامة فلما قال : قد قامت الصلاة ، قال النبي ( عليه السلام ) أقامها الله وأدامها " . قلت : بل المستحب أن يقول كما يقول المقيم : " قد قامت الصلاة " لعموم قوله ( عليه السلام ) : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول " وتخصيصه بمثل هذا الحديث لا يجوز ، لأنه حديث واه ، وقد ضعفه النووي والعسقلاني وغيرهم ، ولا يغتر بقول صاحب " التاج الجامع للأصول " : " سنده صالح " ، لأنه اغتر بسكوت أبي داود عليه ، وقد بينا قيمة سكوت أبي داود على الحديث في " المقدمة " فراجعها ، وقد بينت ما في سنده من العلل في " ضعيف أبي داود " ( 83 ) ، ثم في " الإرواء " ( 241 ) . وبهذه المناسبة أقول إن كتاب " التاج " هذا ملئ جدا بالأخطاء العلمية ، وقد كنت نقدت الجز الأول منه منذ أكثر من عشر سنين من تأليف هذا الكتاب ومسودته موجودة عندي ، ولو تسنى لنا نشره لفعلنا نصحا للأمة .
إجابة المؤذن
قال الألباني وقد روى يزيد بن عبد الله عن ثعلبة بن [ أبي ] مالك القرظي قال : " أدركت عمر وعثمان ، فكان الإمام إذا خرج يوم الجمعة تركنا الصلاة ، فإذا تكلم تركنا الكلام " وهذا إسناد صحيح ، ويزيد هذا هو ابن الهاد الليثي المدني . ( فائدة ) : في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن ، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان وسكوت عمر عليه ، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب ؟ فأجبت بهذا . والله أعلم .
وسئل شيخ الاسلام عمن أحرم ودخل في الصلاة وكانت نافلة، ثم سمع المؤذن فهل يقطع الصلاة ويقول مثل ما قال المؤذن ؟ أو يتم صلاته ويقول مثل ما يقول المؤذن ؟(1/53)
فأجاب : إذا سمع المؤذن يؤذن وهو في صلاة فإنه يتمها، ولا يقول مثل ما يقول عند جمهور العلماء، وأما إذا كان خارج الصلاة في قراءة أو ذكر أو دعاء، فإنه يقطع ذلك، ويقول مثل ما يقول المؤذن؛ لأن موافقة المؤذن عبادة مؤقتة يفوت وقتها، وهذه الأذكار لا تفوت .
وإذا قطع الموالاة فيها لسبب شرعي كان جائزًا، مثل ما يقطع الموالاة فيها بكلام لما يحتاج إليه من خطاب آدمي، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وكذلك لو قطع الموالاة بسجود تلاوة، ونحو ذلك، بخلاف الصلاة، فإنه لا يقطع موالاتها بسبب آخر، كما لو سمع غيره يقرأ سجدة التلاوة لم يسجد في الصلاة عند جمهور العلماء، ومع هذا، ففى هذا نزاع معروف . والله أعلم .
الكلام في الأذان
عن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات ريح يقول ألا صلوا في رحالكم .
قال الشافعي: وأحب للامام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه وإن قاله في أذانه فلا بأس عليه وإذا تكلم بما يشبه هذا خلف الأذان من منافع الناس فلا بأس ولا أحب الكلام في الأذان بما ليست فيه للناس منفعة وإن تكلم لم يعد أذانا وكذلك إذا تكلم في الإقامة كرهته ولم يكن عليه إعادة إقامة
قال الشافعي في الأم (ج 1 / 108)
وأحب للمؤذن أن لا يتكلم حتى يفرغ من أذانه فإن تكلم بين ظهراني أذانه فلا يعيد ما أذن به قبل الكلام كان ذلك الكلام ما شاء كرهت له من الكلام في الأذان كنت له في الإقامة أكره وإن تكلم في الإقامة لم يعد الإقامة ولو كان بين كلامه في كل واحدة منهما سكات طويل أحببت له أن يستأنف وإن لم يفعل فليس ذلك عليه وكذلك لو سكت في كل واحدة منهما سكاتا طويلا أحببت له استئنافه ولم أوجب عليه الاستئناف(1/54)
ولو أذن بعض الأذان ثم نام أو غلب على عقله ثم انتبه أو رجع إليه عقله أحببت أن يستأنف - أى إعاد تطاول ذلك أو قصر وإن لم يفعل بنى على أذانه وكذلك لو أذن في بعض الأذان فذهب عقله ثم رجع أحببت أن يستأنف وإن بنى على أذانه كان له ذلك
هل يكمل أذن غيره
وإن كان الذي يؤذن غيره في شيء من هذه الحالات استأنف ولم يبن على أذانه قرب ذلك أو بعد فإن بنى على أذانه لم يجزه البناء عليه ولا يشبه هذا الصلاة يبنى الإمام فيها على صلاة إمام قبله لأنه يقوم في الصلاة فيتم ما عليه وهذا لا يعود فيتم الأذان بعد فراغه ولأن ما ابتدأ من الصلاة كان أول صلاته ولا يكون بأول الأذان شيء غير التكبير ثم التشهد ولو أذن بعض الأذان أو كله ثم ارتد أحببت أن لا يترك يعود لأذان ولا يصلى بأذانه ويؤم غيره فيه فيؤذن أذانا مستأنفا .
أين يكون قول الصلاة خير من النوم ؟
جاءت السنة بهذا القول في إذان الصبح ، قال أبو محذورة : " يا رسول الله علمني سنة الأذان فعلمه ، وقال : فان كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم . . . " . رواه أحمد وأبو دارد "ولكن اختلفوا هل في الأول أم الثاني على قولين هما كالتالى
قال العلامة الألباني في تمام المنة
انما يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح ، الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريبا ، لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : " كان في الأذان الأول بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين " . رواه البيهقي ( 1 / 423 ) ، وكذا الطحاوي في " شرح المعاني "
( 1 / 82 ) ، وإسناده حسن كما قال الحافظ . وحديث أبي مخذورة مطلق ، وهو يشمل الأذانين ، لكن الأذان الثاني غير مراد ، لأنه جاء مقيدا في رواية أخرى بلفظ : " وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل : الصلاة خير من النوم . الصلاة خير من النوم " . أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وغيرهم ، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 510 - 516 )(1/55)
فاتفق حديثه مع حديث ابن عمر
ولهذا قال الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 167 - 168 ) عقب لفظ النسائي
" وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات . قال ابن رسلان : وصحح هذه الرواية ابن خزيمة . قال : فشرعية التثويب إنما هي في الأذان الأول للفجر ، لأنه لإيقاظ النائم ، وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ، ودعاء إلى الصلاة . اه من " تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي "
ومثل ذلك في " سنن البيهقي الكبرى " عن أبي محذورة : أنه كان يثوب في الأذان الأول من الصبح بأمره ( عليه السلام ) قلت : وعلى هذا ليس " الصلاة خير من النوم " من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها ، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم ، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضا عن الأذان الأول " . قلت : وإنما أطلت الكلام في هذه المسالة لجريان العمل من أكثر المؤذنين في البلاد الإسلامية على خلاف السنة فيها أولا ، ولقلة من صرح بها من المؤلفين ثانيا ، فان جمهورهم - ومن ورائهم السيد سابق - يقتصرون على إجمال القول فيها ، ولا يبينون أنه في الأذان الأول من الفجر كما جاء ذلك صراحة في الأحاديث الصحيحة ، خلافا للبيان المتقدم من ابن رسلان والصنعاني جزاهما الله خيرا .
ومما سبق يتبين أن جعل التثويب في الأذان الثاني بدعة مخالفة للسنة ، وتزداد المخالفة حين يعرضون عن الأذان الأول بالكلية ، ويصرون على التثويب في الثاني ، فما أحراهم بقوله تعالى ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) ( لو كانوا يعلمون ) .
( فائدة ) : قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وابن عمر المتقدمين الصريحين في التثوب في الأذان الأول : " وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى "
قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع(1/56)
وقد توهَّمَ بعض النَّاس في هذا العصر أن المُرَاد بالأذان الذي يُقال فيه هاتان الكلمتان هو الأذان الذي قبل الفجر، وشُبهتُهم في ذلك: أنه قد وَرَدَ في بعض ألفاظ الحديث: «إذا أذَّنت الأوَّلَ لصلاة الصُّبْحِ فقل: الصلاة خيرٌ من النَّوم»(1)
__________
(1) رواه عبد الرزاق رقم (1821)، وأحمد (3/408)، وأبو داود، كتاب الصلاة: باب كيف الأذان، رقم (501)، والنسائي، كتاب الأذان: باب الأذان في السفر، (2/7) رقم (632)، عن أبي محذورة.
قال النووي: "حديث حسن"، "الخلاصة" رقم (810).(1/57)
1) فزعموا: أن التثويب إنما يكون في الأذان الذي يكون في آخر الليل؛ لأنهم يُسمُّونه «الأوَّل»، وقالوا: إن التثويب في الأذان الذي يكون بعد الفجر بدعة , فنقول: إنَّ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: «إذا أذَّنت الأوَّلَ لصلاة الصُّبح»، فقال: «لصلاة الصُّبح»، ومعلوم أن الأذان الذي في آخر الليل ليس لصلاة الصُّبْح، وإنما هو كما قال النبيُّ عليه الصلاة والسَّلام: «ليوقظ النَّائمَ ويرجع القائمَ»(1)2 ) أما صلاة الصُّبح فلا يُؤذَّن لها؛ إلا بعد طلوع الصُّبح، فإن أذَّنَ لها قبل طُلوع الصُّبْح فليس أذاناً لها؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكُم...»(2)3 ) ومعلومٌ أنَّ الصَّلاة لا تحضُر إلا بعد دخول الوقت، فيبقى الإشكال في قوله: «إذا أذَّنت الأوَّل» فنقول لا إشكال، لأنَّ الأذان هو الإعلام في اللُّغة، والإقامةُ إعلامٌ كذلك، فيكون الأذان لصلاة الصُّبحِ بعد دخول وقتها أذاناً أوَّل وقد جاء ذلك صريحاً فيما رواه مسلم عن عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قالت: «كان ينام أوَّل الليل ويُحيي آخره، ثم إن كان له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأوَّلِ (قالت) وَثَبَ (ولا والله: ما قالت قام) فأفاض عليه الماءَ (ولا والله: ما قالت اغتسل) وإن لم يكن جُنباً توضَّأ وُضُوءَ الرَّجل للصَّلاة، ثم صلَّى الرَّكعتين» والمراد بقولها: «عند النداء الأوَّل» أذان الفجر بلا شَكٍّ، وسُمِّي أولاً بالنسبة للإقامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كُلِّ أذانين صلاة»(3)
__________
(1) رواه البخاري، كتاب الأذان: باب الأذان قبل الفجر، رقم (621)، ومسلم، كتاب الصيام: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، رقم (1093) من حديث ابن مسعود.
(2) تقدم تخريجه ص(43).
(3) رواه البخاري، كتاب الأذان: باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء، رقم (627)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين باب بين كل أذانين صلاة، رقم (838)، من حديث عبد الله بن بريدة.(1/58)
4) والمراد بالأذانين: الأذان والإقامة. وفي «صحيح البخاري» قال: «زاد عثمان الأذان الثالث في صلاة الجمعة»(1)1 ) ومعلوم أنَّ الجمعة فيها أذانان وإقامة؛ وسَمَّاه أذاناً ثالثاً، وبهذا يزول الإشكال فيكون التثويب في أذان صلاة الصُّبْحِ
وقالوا أيضاً: إنه قال: «الصَّلاة خيرٌ من النَّوم»، فدلَّ هذا على أنَّ المراد في الأذان الأوَّل هو ما قبل الصُّبحِ لقوله: «الصَّلاةُ خيرٌ من النَّوم»، أي: صلاة التهجُّد وليس صلاة الفريضة، إذ لا مفاضلة بين صلاة الفريضة وبين النوم، والخيرية إنما تُقال في باب الترغيب. فقالوا: هذا أيضاً يرجِّحُ أنَّ المراد بالأذان الأذان في آخر الليل.
فنقول لهم: هذا أيضاً يُضاف إلى الخطأ الأوَّل؛ لأن الخيريَّة قد تُقال في أوجب الواجبات كما قال تعالى؛ (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:11) فذكر اللَّهُ الإيمانَ والجهادَ بأنه خير؛ أي: خيرٌ لكم مما يُلهيكم من تجارتكم، والخيريَّة هنا بين واجب وغيره.
وقال تعالى في صلاة الجمعة: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة:9)، أي: خير لكم من البيع ومعلومٌ أن الحضور إلى صلاة الجُمعة واجب ومع ذلك قال: { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ } ففاضل بين واجبٍ وغيره. وعلى هذا؛ لو ثَوَّبَ في الأذان الذي قبل الصُّبْحِ لقلنا: هذا غير مشروع.
أين تكون الاقامة
قال ابن قدامة في " المغني " ( 1 / 427 )
__________
(1) رواه البخاري، كتاب الجمعة: باب المؤذن الواحد يوم الجمعة، رقم (913) عن السائب بن يزيد.(1/59)
" ويستحب أن يقيم في موضع أذانه , قال أحمد أحب إلي أن يقيم في مكانه ، ولم يبلغني فيه شئ إلا حديث بلال : لا تسبقني بآمين " ، يعني : لو كان يقيم في موضع صلاته لما خاف أن يسبقه بالتأمين ، لأن النبي (عليه السلام) إنما كان يكبر بعد فراغه من الإقامة ، ولأن الإقامة شرعت للإعلام ، فشرعت في موضعه ليكون أبلغ في الإعلام . وقد دل على هذا حديث عبد الله بن عمر قال : كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة "
قال الألباني : فأقول : أما حديث ابن عمر فلا دلالة فيه لما ذكره مطلقا ، لأنه من الممكن سماعه للإقامة لقربه من المسجد ، وذلك لا يستلزم أن تكون الإقامة في موضع الأذان كما هو ظاهر . واسناده حسن كما هو مبين في " صحيح أبي داود ( 527 ) ، بخلاف حديث بلال فإنه منقطع بين أبي عثمان وبلال ، ولذلك أوردته في " ضعيف أبي داود " ( برقم 167 ) على أنه لو صح فلا دلالة فيه أيضا على الدعوى . وما نقله عن الإمام أحمد ، ففيه نظر ،لأنه لا يعني بقوله : " مكانه " الأذان ، وإنما المقيم ! يعني أنه يقيم حيث هو ، ولا يمشي . قال عبد الله بن أحمد في " مسائله " ( 61 / 220 ) : " قلت لأبي : الرجل يمشي في الإقامة ؟ قال : أحب إلي أن يقيم مكانه . . . " إلخ . وقد وجدت بعض الآثار تشهد لحديث عبد الله بن زيد ، فروى ابن أبي شيبة ( 1 / 224 ) عن عبد الله بن شقيق قال : من السنة الأذان في المنارة ، والإقامة في المسجد ، وكان عبد الله يفعله . وسنده صحيح . وروى عبد الرزاق ( 1 / 506 ) أن عمر بن عبد العزيز بعث إلى المسجد رجالا : إذا أقيمت الصلاة فقوموا إليها . وسنده صحيح أيضا . وهو ظاهر في أن الإقامة كانت في المسجد .
( فائدة ) : قوله في هذا الحديث ( أى حديث عبدالله بن زيد ) بعد أن ساق الأذان
" ثم استأخر غير بعيد ثم قال : تقول إذا أقمت الصلاة . . " إلخ . قلت : في هذا دليل واضح على أن السنة في الإقامة في موضع غير موضع الأذان .(1/60)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــ
وهذا آخر المقصود والحمد الله الذى بنعمته تتم الصالحات(1/61)