الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
عقد البناء والتشغيل والإعادة ( B.O.T )
وتطبيقه في تعمير الأوقاف والمرافق العامة
إعداد
د.عبد الستار أبو غدة
عضو المجمع
رئيس الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة البركة المصرفية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تمهيد
إن عقد البناء والتشغيل والإعادة أو نقل الملكية حسب الترجمة لاسم هذا العقد والذي يرمز له بحروف ( B.O.T ) وبعض الباحثين يسميه ( عقد البوت ) شهد انتشاراً في كثير من الدول ، وأصبحت تطبيقاته بديلاً عن التمويل عن طريق الموازنة العامة ،أو من خلال القروض الخارجية والمعونات أو التمويل المجمع عن طريق البنوك وذلك لدوره الحيوي في إيجاد مشروعات البنية الأساسية والتنمية .
وقد أمكن من خلال هذا العقد التغلب على العقبات التي تواجه الدول في توفير البنية الأساسية عن طريق إسهام القطاع الخاص وما يتطلبه ذلك من ضمانات وضوابط .
إن تطبيق هذا العقد ينسجم مع مبدأين اقتصاديين أساسيين :
1. إبراز مسئولية الدولة عن توافر الخدمات الجماعية لمسئوليتها الكاملة عنها وتجدر الإشارة إلى أن تقديم الخدمات العامة من قبل الدولة ينطلق من منظور فكري اقتصادي يرجع إلى فكر الاقتصاديين في القرنيين السادس عشر والسابع عشر وهو الفكر الكلاسيكي الذي أرسى دعائمه ادم سميث في القرن الثامن عشر ث والفكر التعاوني والاشتراكي اللذين ظهرا في القرن التاسع عشر .
2. تعزيز دور القطاع الخاص بما فيه البنوك لجهود الدولة في هذا المجال لتدارك أوجه النقص في الموارد المالية العامة بحيث تستكمل عن طريق التوجه لاقتصاد السوق ، والتوجه نحو التحرر من القيود التي تعوق الاستثمار وبروز ظاهرة العولمة .(1/1)
وليس من المهم البحث عن التطور التاريخي لنظام ( B.O.T ) ولا التعرض للخصخصة وامتياز التشغيل وإدارة المرافق العامة وامتياز الإنشاءات العامة إلا بالقدر الذي يتطلبه توضيح هذا العقد . إنما ينبغي استحضار تاريخ تطبيق هذا العقد وهو عام 1782م في فرنسا ، للحاجة إلى ذلك عند المقارنة بمعطيات الفقه الإسلامي في هذا المجال كما سيأتي مع مراعاة أن تطبيقه في ذلك التاريخ كان متداخلاً مع نظام الامتياز المطبق في إنشاء السكك الحديدية ومشاريع الماء والغاز والكهرباء والاتصالات ، لكن ما لبث أن توقف تطبيقه ثم تجدد العمل به عام 1830م .
ولأهمية هذا العقد أوصى مجمع الفقه الإسلامي الدولي بدراسته وذلك في قراراه رقم 129 ( 3/14 ) بشأن عقد المقاولة ونص التوصية (1) :
يوصي المجمع بدراسة بعض صيغ عقود المقاولات من مثل ما يسمى ( B.O.T ) أي بناء وتملك وإدارة ونقل ملكية .
المقصود بالبنية الأساسية بالمفهوم الواسع :
أ- بنية أساسية اقتصادية وهي مجموع الخدمات التي تتولى الحكومة تقديمها والمنشات التي تتولى تشييدها وتشغيلها ، إضافة إلى الخدمات التي تعتمد على العمالة الكثيفة كجمع النفايات وتقديم خدمات النقل العامة . وتتشكل البنية الأساسية من الطرق والجسور والسدود والمطارات والموانئ والسكك الحديدية ومحطات مياه الشرب وشبكاتها ، ومحطات توليد الكهرباء وشبكاتها ، وشبكات الغاز الطبيعي والصرف الصحي والاتصالات ومرافقها . (2)
ب- بنية أساسية اجتماعية تضم خدمات التعليم والصحة والإسكان
__________
(1) ... قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي صفحة 442
(2) ... البنك الدولي : تقرير التنمية في العالم . البنية الأساسية من اجل التنمية عام 1994م مؤسسة الأهرام ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، عام 1994 ص 24 .
د. ... محمد غازي الجلالي : نحو بناء نظام متكامل لاستخدام نظام عقود البناء والتشغيل والنقل ، رسالة دكتوراه كلية الهندسة جامعة عين شمس القاهرة 2000 ص 8 ، 9(1/2)
وقد سبقت الإشارة إلى أن تامين هذه البنية الأساسية بنوعين يمكن أن تقوم به الدولة (القطاع العام ) عن طريق :
? الموازنة العامة للدولة
? القروض العامة الخارجية
? المنح والمعونات الخارجية
? سندات صكوك الاستثمار الحكومية
? التمويل الجزئي من المستخدمين من خلا ل الرسوم ، أو من خلال برنامج مشترك مع القطاع الخاص .
كما يمكن أن تمول خدمات البنية الأساسية عن طريق القطاع الخاص بطريقة أخرى عبر عقد الـ ( B.O.T ) مثل :
? إنشاء المرافق بجهود ذاتية وتسليمها للدولة لإدارتها
? إنشاء المرافق بجهود ذاتية وإدارتها أيضاً من القطاع الخاص
? التمويل عن طريق البنوك وبخاصة البنوك الإسلامية بصيغ مشروعة مثل المشاركة الثابتة والمشاركة المتناقصة وصكوك الاستثمار وصناديق الاستثمار (1)
التعريف بعقد البناء والتشغيل والإعارة ( B.O.T ) البوت :
لا بد من الإشارة في إطار التعريف بعقد البناء والتشغيل والإعارة إلى أن هناك صوراً عديدة لهذا العقد تشكل ( عائلة B.O.T ) وعماد هذه الصور هي الصورة الأساسية ( B.O.T ) أما الصور الأخرى فسيأتي التنويه بها لاحقاً لاستكمال التصور من خلال المقارنة بين الصور الأساسية وبقية الصور.
ومصطلح ( B.O.T ) يتكون من ثلاث كلمات يرمز إليها بهذه الحروف وهي :
? البناء أو الإنشاء Build ورمزها B
? التشغيل أو الإدارة Operate ورمزها O
__________
(1) ... رشدي صالح عبدالفتاح ، التمويل المصرفي لمشروعات البنية التحتية بنظام B.O.T 97 نشر اتحاد المصارف العربية 2006م الصور المختلفة لمشاركة القطاع الخاص في تقديم خدمات البنية الأساسية ومن مراجعه هاني سري ومحمد عبدالحليم عمر ، الجوانب الشرعية لنظام B.O.T(1/3)
? الإعادة أو التسليم Transfer ورمزها T (1)
وقد تعددت التعاريف لهذا العقد ، حتى بلغت في بعض الأبحاث خمسة عشر تعريفاً (2) ونقتصر منها على تعريفين .
تعريف منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ( اليونيدو UNIDO ) :
هو نظام تعاقدي / بمقتضاه يقوم القطاع الخاص بتنفيذ الإنشاء ( شاملا التصميم والتمويل ) لمشروع بنية أساسية وإدارته والاحتفاظ به ، وفي خلال فترة الإدارة المحددة يحق له الحصول على مقابل الخدمات التي يقدمها من عوائد ورسوم وحقوق ملكية ، بحيث لا تزيد عن المتفق عليه والمحدد في العقد ليتمكن القطاع الخاص من استرداد استثماراته ومقابل تكاليف الإدارة والصيانة للمشروع ، بالإضافة إلى عائد مناسب . وفي نهاية المدة يقوم القطاع الخاص بنقل الملكية إلى الجهة الحكومية أو جهة خاصة أخرى جديدة من خلال مناقصة عامة (3)
__________
(1) ... هناك ملاحظة لا بد من التبكير بعرضها ، وهي أن T هي رمز للإعادة والتسليم ليس لنقل الملكية إلى الدولة مانحة امتياز المشروع فهو ينشأ على ملكها ويثبت في ذمة المتعاقد على التنفيذ وفي النهاية ( بعد إتمام المشروع وإدارته لاسترداد المقابل ) يسلم أو يعاد للدولة وليس هذا تمليكاً لها وهذا ينسجم مع مقتضى عقد الاستصناع حيث انه بعد التنفيذ لا يحتاج لتمليك المصنوع بل التسليم
(2) ... تنظر تلك التعريفات في ( التمويل المصرفي لمشروعات ( B.O.T ) د. رشدي صالح عبدالفتاح ص 123-129 ( مرجع سابق )
(3) ... التمويل المصرفي لمشروعات البنية التحتية ( مرجع سابق ) ومصادره هي :
د. ... محمد الجلالي : نجو بناء نظام متكامل . مرجع سابق ص 22
د. ... محسن الخضيري : مشروعات الامتياز مقابل حق الانتفاع المركز الدولي للدراسات – الاسكندرية - 2000 Walker and others prevaitized infra strcture p 191-195(1/4)
وقد استخلص احد الباحثين تعريفاً مختاراً لمفهوم ( البوت ) في ضوء التعريف والمفاهيم المتنوعة المعطاه لهذا العقد وهو : B.O.T امتياز تمنحه الدولة أو احدى هيئاتها لمستثمر فرد أو شركة وطنية أو أجنبية يتم بمقتضاه تدبير التمويل اللازم لإنشاء أو تطوير وإدارة وتقديم خدمات احد مرافق البنية الأساسية للمنتفعين مقابل الحصول على عوائد لمدة محددة تنتهي بتسليمه لها في حالة صالحة لاستمراره أو تجديد العقد مرة أخرى .
الصور الآخرة من عائلة ( B.O.T )
وفيما يلي سرد موجز لبقية صور عقد ( B.O.T ) لمجرد المقارنة ، علماً بأن هناك مشروعات في بلاد متعددة طبقت فيها إحدى تلك الصور ، بحسب ما يتم الاتفاق عليه بين الدولة وبين منفذ المشروع وقد اختلفت الحروف المرموز إليها لكل صورة تبعاً لخصائصها والتسمية التي تطلق عليها :
البناء - التشغيل – نقل الملكية ... – Operate – Transfer ... B.O.T
وهو موضوع البحث
البناء – التملك – التشغيل – نقل الملكية ... – Own -Operate –Transfer ... B.O.O.T
يتميز عن النوع الأساسي بان فيه نقل ملكية المشروع مؤقتاً للجهة المنفذة
التصميم – البناء – التمويل – التشغيل ... – Build – Finance – Operate ... D.B.F.O
وفيه يتولى منفذ المشروع تصميمه ويتولى تمويله وتشغيله بمبادرة منه بعد الاتفاق
البناء 0 التأجير – نقل الملكية ... – Lease _ Transfer ... .L.T
وفيه تظل الملكية القانونية للدولة ويقوم منفذ المشروع باستئجاره منها وإعادته إليها بعد انتهاء مدة الإجارة
التأجير – التجديد – التشغيل – نقل الملكية ... – Renovate – Operate – Transfer ... L.R.O.T
وفيه تستأجر الجهة المنفذة للمشروع قائماً وتتولى تجديده وتشغيله وتحصيل عوائده ثم تعيده للدولة في نهاية مدة الإجارة .
البناء – نقل الملكية – التشغيل ... – Transfer – Operate ... B.T.O
وهو أيضاً يتعلق بمشروع تقوم بإنشائه الدولة وتسلمه للقطاع الخص لتشغيله وإدارته مع تحصيل عوائد(1/5)
البناء – الملكية – التشغيل ... – Own – Operate ... B.O.O
وفيه يتولى القطاع الخاص التصميم والإنشاء والإدارة بموافقة الدولة ويظل المشروع مملوكا للجهة المنفذة وهو ملائم لمشروعات مؤقتة تصبح بعد فترة عديمة القيمة وهو من قبيل الخصخصة أو الملكية دون الإعادة
التحديث – التملك – التشغيل – نقل الملكية ... – Own – Operate – Transfer ... M.O.O.T
تستخدم هذه الصورة في مشروع قائم يراد تحديثه وتطويره بتقنية ليست متاحة لدى الدولة ويتملكه منفذ المشروع مع اقتسام العوائد بينه وبين الدولة إلى حين إعادتها .
إعادة التأهيل والتشغيل ونقل الملكية ... - Own – Transfer ... R.O.T
تستخدم هذه الصورة في مشروعات متعثرة حيث يتولى القطاع الخاص إعادة هيكلتها وهي تشبه الصورة الثانية
إعادة التأهيل والملكية والتشغيل ... 0 Own Operate ... R.O.O
تشبه الصورة السابقة لكن المشروع لا يعود للدولة مرة أخرى وهو من قبيل الخصخصة
البناء التشغيل وتجديد الامتياز ... – Operate – Renewal of concession ... B.O.R
في هذه الصورة يتم تجديد الامتياز للمشروع الذي إقامة القطاع الخاص وإدارة وهي تتضمن وعداً بالتجديد بنفس الشروط أو بشروط أخرى محددة في الوعد
البناء – نقل الملكية – التأجير ... – Transfer - Lease ... B.T.L
يتولى القطاع الخاص إنشاء المشروع الذي تكون ملكيته للدولة ويستأجره منها
التصميم – التشغيل – التمويل – نقل الملكية ... – Build operate – Transfer ... D.B.O.T
وهي تشبه الصورة الأساسية إلا إن المنفذ يتولى التصميم
البناء – نقل الملكية – التشغيل ... – Lease – Transfer ... B.L.T
وفيها يقوم المستثمر بإنشاء المشروع لحساب الدولة ثم يستأجره لمدة معينة يعيده بعدها إليها
البناء التملك – التأجير –التحويل ... – own – Lease – Transfer ... B.O.L.T
تقوم الجهة المستثمرة ببناء المشروع وتملكه لفترة استئجاره فترة ثانية ( ؟! ) ثم تعيده للدولة في نهاية المدة(1/6)
التصميم – الترويج – البناء – التأجير – التحويل ... – Promotion – Build – Lease - Transfer ... D.P.B.L.T
تقوم الجهة المستثمرة بتصميم المشروع والترويج له وإنشائه واستئجاره من الدولة لفترة ثم تعيده لها بعدها
الشراء – البناء – التشغيل ... – Build – Operate ... .B.O
تقوم الجهة بشراء مشروع أنشئ بمعرفة الدولة ثم تشغله ولا يعود للدولة وهو يشبه الخصخصة
ولا يخفى ما بين هذه الصور من تداخل وتشابه ، لكنها تم اعتمادها والعمل بها ، ولا مشاحّة في الاصطلاح .
بيان خصائص عقد البوت ( B.O.T )
1. عقد الـ ( B.O.T ) ليس كالعقود الأخرى التي تتم بين طرفين لهما مطلق الحرية في تحديد الالتزامات والحقوق لهما بل هو عقد يعتمد على النظم الصادرة بشان الامتيازات والمتعلقة بالمرافق العامة والإدارة العامة وقواعد تقديم الخدمات العامة .
2. للمرافق العامة قواعد قانونية أخرى لتحقيق مصالح الجمهور بعيداً عن الاحتكار وتلك القواعد تندرج في عقود الإذعان لعدم إمكانية التغيير لها .
3. هناك تطورات مستجدة في عقود التزامات المرافق العامة وخصوصاً في مجال المعلومات والاتصالات وهذه تتطلب التغيير المستمر في القواعد القانونية والتشريعية المنظمة للقطاعات العامة .
الأطراف ذات الصلة بعقد الـ ( B.O.T ) والعلاقات بينهما : (1)
هناك عدة أطراف يشملها عقد الـ ( B.O.T ) وفيما يلي إجمالا وهي : الدولة ، والشركة المنفذة والمستخدمون للمشروع .
أولا : حقوق وواجبات الدولة ( أو الجهة مانحة الامتياز ) لعقد الـ (( B.O.T
التزام الإدارة بتنفيذ العقد وفقاً لما تم الاتفاق عليه مع صاحب حق الامتياز مع توافر مبدأ حسن النية واحترام شروط العقد بقيامها بتنفيذ التزاماتها وتسهيل قيامه بإنشاء وإدارة المشروع بمجرد إبرام العقد ، ومنها إصدار التراخيص والموافقات اللازمة واحترام المدد المقررة والمتفق عليها في العقد .
__________
(1) ... التمويل المصرفي لمشروعات ( B.O.T ) ( مرجع سابق )(1/7)
? حق الجهة مانحة الامتياز في الرقابة على أداء المشروع لخدماته وفق ما تم الاتفاق عليه :
? حق جهة الإدارة في استرداد المشروع قبل انتهاء مدة العقد إذا اخل الملتزم بواجباته التي تم الاتفاق عليها وحقها في تعديل العقد أو توقيع جزاءات نظير هذا الإخلال .
ثانيا : حقوق وواجبات منفذ عقد الـ ( B.O.T ) " شركة المشروع " :
هناك حقوق وواجبات لمنفذ عقد الـ ( B.O.T ) بموجب مقتضى العقد بينه وبين الجهة المانحة بالإضافة إلى القواعد القانونية العامة المنظمة لذلك وتتمثل هذه الحقوق والواجبات فيما يلي :
? الحصول على المقابل المالي للعقد مقابل تنفيذ المشروع وإدارته وتقديم خدماته .
? يراعى في ( B.O.T ) ضمان التوازن المالي للعقد ، المادة 147 من القانون المدني المصري فإذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي ، وان لم يصبح مستحيلاً ، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة ، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف ذلك
? عدم جواز التنازل عن العقد إلا بموافقة الجهة مانحة الالتزام .
? الالتزام بتشغيل المشروع وتنفيذه وفق المواصفات المتفق عليها
? الالتزام بإجراء الصيانة اللازمة للمشروع ، وأيضاً نقل التكنولوجيا وتدريب العاملين عليها .
? مراعاة القواعد الأساسية في تشغيل وإدارة المشروع ومنها مبدأ المساواة أمام المنتفعين بخدماته .
حقوق وواجبات المستخدمين للمشروع (1) :
? سداد المقابل المادي للانتفاع بالخدمة
__________
(1) ... المستخدمون ليسوا طرفاً في العقد ولكن يحق لهم اللجوء الى الجهة مانحة الامتياز او القضاء في حالة اخلال الملتزم بواجباته(1/8)
? عدم المغالاة في أسعار الخدمات التي يؤديها المرفق تحت إدارة الملتزم ، وقضية التسعير يتم الاتفاق عليها مع الجهة مانحة الالتزام من البداية وتحد مدى حرية الملتزم وحدوده في التسعير .
? أن يؤدي المشروع خدماته إلى المنتفعين حسب ما تنص عليه شروط العقد المبرم بينه وبين الجهة مانحة الالتزام ، وطبيعة العمل المنوط به تنفيذه وما ينظمه من قوانين مع ضمان مبدأ المساواة بين المنتفعين ..
ملاءمة عقد البوت ( B.O.T )
في استئجار أراضي الأوقاف لاتفاقه مع طبيعتها
إن عقد ( B.O.T ) ملائم للتطبيق في استثمار وتطوير الأراضي الوقفية بسبب الطبيعة الخاصة بها وهي منع التملك والتمليك لها بعد جعلها وقفاً لا يباع ولا يشترى ولا يجوز التصرف إلا في منافعه أما أصله فهو محبوس على ملك الله تعالى .
وإذا روعي أن التخريج الفقهي الواضح لهذا العقد بأنه استصناع فإن المستصنع يملك المصنوع وهو في ذمة الصانع ، والمستصنع هنا جهة الوقف – على سبيل الحيازة والتصرف الملائم للوقف فيتم البناء هكذا .
ويحصل التشغيل بإدارة الوقف وهو الشأن فيمن يتولى النظارة ثم عليه تقع الإعادة إلى جهة الوقف .
ملاءمة ( البوت ) لإنشاء المرافق
أما بالنسبة للمرافق العامة فهو ملائم لإبعاد الصفة التجارية عنها وحمايتها من التحكم والاحتكار أو عدم المساواة في الحصول على خدماتها ومنافعها .
في حين أن تطبيق عقد ( B.O.T ) في استثمارها وتطويرها أو إنشائها يبقى على صفة العمومية لها ويساعد على تنميتها دون تحميل الدولة تكاليف مالية .
تقييم عقد البوت ( B.O.T ) الايجابيات والسلبيات
الايجابيات
إن عقد الـ ( B.O.T ) كغيره من الصيغ له ايجابيات وسلبيات والمهم ما هو الغالب منهما .
فمن ايجابيات هذا العقد :
1. توفير البنية الأساسية بموارد من القطاع الخاص بما له من مزايا تفوق ظروف القطاع العام وإجراءاته وبذلك تتحقق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية .(1/9)
2. الانسجام مع الاتجاه العالمي الحالي من حيث التوسع في مشاركة القطاع الخاص في تقديم خدمات البنية الأساسية .
3. إيجاد وسيلة للحد من تزايد المديونية الخارجية وما تجره من مشكلات اقتصادية وأحياناً سياسية بما تفرضه الجهات الدائنة من متطلبات تكون أحياناً في غير صالح الدولة .
4. وسيلة متاحة لمعالجة عجز الموازنة العامة ، وما يستتبع من تضخم وآثار سلبية في صورة العجز الكلي على الاقتصاد القومي .
5. المساعدة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتعلقة بالمشروعات وغير المباشرة المنشطة للسوق المالية الحالية ويعتبر ( B.O.T ) مرغوباً للمستثمر الأجنبي لتوليه الإدارة والملكية أحياناً .
6. تحقيق مكاسب لكل من مقدمي الخدمات والمستفيدين منها بما يحقق كفاءة التشغيل وتحسين الخدمة ورفع مستوى المعيشة والإسراع في التنمية (1) .
السلبيات :
أما سلبيات ( B.O.T ) فهي كثيرة في تعدادها ، لكنها مرهونة بحداثة التطبيق لهذا العقد ، وعدم مواكبة التنظيم الحكومي له ، وهي قابلة لإيجاد الحلول لها وقد شرعت بعض الدول فعلاً بمعالجة تلك السلبيات للاستفادة المثلى من تطبيق ( B.O.T ) .
وقد يحصل الغرض من سرد أهم تلك السلبيات الغنية عن الشرح ، والاكتفاء بتوضيح المراد من بعض العبارات الدالة عليها :
1. قضية الأمن القومي بسبب سيطرة القطاع الخاص أو المستثمر الأجنبي على بعض المشروعات الإستراتيجية كالمطارات والطرق .
2. الفترة المحددة لمنح الالتزام حيث أنها أطول من اللازم حينما تحدد بـ 99 عاماً كما هو الغالب وهو أمر قابل للتعديل
3. إعداد العقود وهي حزمة من العفو ولمدة طويلة ولالتزامات متعددة ، وتقوم على منع المنافسة بما يشبه الاحتكار .
4. التكنولوجيا وهي متطورة ولا يمكن مواكبتها للعمر الطويل لمشروعات ( B.O.T ) وتعالج بشروط تطويرها دائماً .
__________
(1) ... التمويل المصرفي للمشروعات ( B.O.T ) ( مرجع سابق ) 205-226 ومراجعه الواردة في ص 267(1/10)
5. التنمية البشرية والكوادر والخبرات الوطنية غالباً تحرم من الإدارة والخبرة إذا كان المنفذ جهة أجنبية حيث تفضل عمالتها الخارجية .
6. التنفيذ والإعداد والرقابة أيضاً غالباً تكون باستشارات وخبرات أجنبية .
7. قضية التسعير حيث تحرص الجهة المنفذة على الربحية العالية وتتم معالجة ذلك بتجديد أسعار الخدمة .
8. صيانة الأصول الرأسمالية للمشروعات بمستوى ملائم مهما زادت المدة .
9. التكاليف غير المباشرة كثيراً ما تقع المبالغة فيها بسبب صلتها بالخبرات الدقيقة غير القابلة للتقييم السليم .
10. النواحي القضائية المتعلقة بطبيعة العقد الذي يشترط الجهات المنفذة الأجنبية ربطها بجهات قضائية دولية .
11. قضية المكون المحلي يتم إهمالها في حالة المستثمر الأجنبي وهذا يعوق التنمية البشرية المحلية .
12. تعدد جهات الاختصاص تبعاً لطبيعة المشروع حيث تتعدد الموافقات المطلوبة والتراخيص من جهات عديدة .
وعوداً على بدء فإن هذه السلبيات لا تتصل بجوهر عقد ( B.O.T ) وإنما بالممارسات المحلية ولاسيما في البلاد النامية التي تعتمد في التنفيذ على خبرات أجنبية .
التخريج الفقهي لعقد ( B.O.T ) وتمييزه عما يشبهه
تخريجه في فقه السلف والمذهب المالكي
من الجدير بالتنويه إن عقد ( B.O.T ) قد سبق التطرق لتخريجه الفقهي منذ العقود الأولى ( عهد التابعين ) وذلك ما جاء في مصنف ابن أبي الشيبة (1) :
حدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عون : كان محمد يكره أن يستأجر العرصة ، فيبني فيها من أجرها .
وجاء عند المالكية في البيان والتحصيل لابن رشد : قال ابن القصار في رجل قال لرجل : أعطني عرصتك هذه أبنيها بعشرة دنانير أو بما دخل فيها ، على إن اسكنها في كل سنة بدينار ، حتى أو في ما غرمت فيها وأصلحت . قال: إن سمي عدة ما يبنيها به ، وما يكون عليه في كل سنة فذلك جائز وان لم يسم فلا خير فيه .
__________
(1) ... المصنف لابن أبي شيبة 7/278 باب الرجل يستأجر الدار وغيرها .(1/11)
وواضح أن هذه الصورة مطابقة لعقد ( B.O.T ) ففيها استصناع بثمن يستوفى من الانتفاع بالمصنوع مدة تكفي لاسترداد ما دفعه الصانع .
تخريجه في ندوات البركة :
وقد عرض موضوع ( B.O.T ) في ندوة البركة الثالثة والعشرين تحت عنوان ( استصناع المشروعات مقابل استثمارها قبل التسليم ( B.O.T ) وصدرت بشأن ذلك الفتوى التالية :
أ- التأكيد على الأهمية البالغة لصيغة استصناع المشروعات مقابل استثمارها قبل التسليم ( B.O.T ) بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية ، ولصلتها بقطاع الخدمات وليس في هذه الطريقة جهالة أو غرر إذا طبقت فيها العقود المقترحة ،لأن ثمن الاستصناع معلوم بالمبلغ المحدد ، أو بالمنفعة المعلومة مهما كان إيراد استثمارها
ب- يمكن أن تطبق طريقة الإنشاء للمشروعات نظير استثمارها قبل التسليم من خلال احد العقود الشرعية التالية :
- عقد استصناع تكون فيه منفعة استثمار المشروع مدة معينة هي ثمن الاستصناع وذلك بعد تمكين المستصنع من تسليمها ودخولها في ضمانه بالقبض الحكمي ، والمنفعة تصلح ان تكون ثمنا او عوضاً في عقود المعاوضات ..
- عقد استصناع بثمن معين مؤجل ، مع إبرام المستصنع عقد تأجير مع الصانع إجارة موصوفة بالذمة لمشروع يتم وصفه بصورة مطابقة للمشروع المصنوع ويتم دفع الأجرة من خلال استثمار الصانع ( المستأجر ) للمشروع بموجب عقد الإجارة ويمكن أن تجري المقاصة بين ثمن المشروع المصنوع وبين الأجرة المستحقة للمستصنع ( المؤجر ) على الصانع ( المستأجر ) .
- عقد استصناع يحدد فيه الثمن بما يغطي تكاليف المشروع والعائد المستهدف للصانع ، مع توكيل المستصنع للصانع بإدارة المشروع وتشغليه حتى يستوفى الثمن المحدد في عقد الاستصناع وذلك بعد تمكين المستصنع من تسلمه ودخوله في ضمانه (1) .
__________
(1) قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي ص 298 - 299(1/12)
وكانت الندوة الثالثة عشرة للبركة قد تعرضت لهذا العقد بمناسبة البحث في ( عقد الامتياز والتكييف الشرعي ) وجاء في الفتوى بشأنه ما يلي :
يختلف التكييف الشرعي لعقود الامتياز تبعا لمحل العقد (وهو المشروع الذي يبرم العقد لإنجازه ) .
أ- فإذا كان محل عقد الامتياز إقامة مشروع فيه مبان ومعدات تتطلب أموالاً تزيد كثيراً عن قيمة الأرض ، وذلك كبناء جسر أو إنشاء محطة كهرباء أو مياه أو تعبيد طريق فإن العلاقة بين الدولة مانحة الامتياز وصاحبة الامتياز يمكن أن تكون علاقة استصناع والثمن فيه هو الانتفاع بالمشروع مدة معلومة . ولا بد أن تكون رسوم الانتفاع عادلة وغير مجحفة بمستخدمي المشروع .
ورأى بعض الفقهاء المشاركين أن الأولى تحديد ثمن الاستصناع بمبلغ معين يغطي تكاليف المشروع وربح صاحب الامتياز ، مع تمكينه من استغلاله المدة التي يحصل بها على ذلك المبلغ . أما تمييز هذا العقد عما يشبه فهو مختلف عن عقد الامتياز بأن هذا الأخير يختلف مجال تطبيقه بين إقامة المشروعات والتنقيب عن المعادن أو المياه .... الخ وقد تعرضت له ندوة البركة الثالثة عشرة أيضاً في بقية القرار السابق بيانه وجاء فيه ما نصه .
ج- وإذا كان محل عقد الامتياز التنقيب عن المعادن فإن التكييف الشرعي المناسب هو أن يكون العقد من قبيل إجارة الأرض بجزء مما يخرج منها ، وذلك قياسا على المزارعة ببعض الزرع .
د- يمكن تكييف بعض عقود الامتياز على أساس المشاركة المتناقصة بين الدولة وصاحب الامتياز ، بحيث يتم التنفيذ بمساهمة من الطرفين ، ثم تشتري الدولة حصة صاحب الامتياز تدريجياً باتفاق آني عند شراء كل حصة .
ملاحظة : هذه التخريجات إنما هي في الإطار العام ولابد من النظر في كل عقد على حدة والتدقيق في محتوى بنوده ولتحديد التكييف الصحيح له.
تخريجه في المعايير الشرعية للمجلس الشرعي :(1/13)
وقد صدر عن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ،القرار رقم (1) بشأن الاستصناع والاستصناع الموازي ، عند الكلام عن ثمن الاستصناع الفقرة التالية التي تنظم عقد ( B.O.T ) ونصها:
" يشترط أن يكون ثمن الاستصناع معلوماً عند إبرام العقد ، ويجب أن يكون نقوداً ، أو عيناً أو منفعة لمدة معينة ، سواء كانت منفعة عين أخرى أم منفعة المصنوع نفسه . وهذه الصورة الأخيرة تصلح للتطبيق في حال منح الجهات الرسمية عقود امتياز نظير الاستصناع بالمشروع لمدة معينة ( Build Operate Transfer ) .
تخريجان لبعض الباحثين :
وقد نحا بعض الباحثين منحيين آخرين في التخريج الفقهي لعقد ( B.O.T )
أحدهما : المصلحة المرسلة
( والآخر ) انه عقد مستحدث أو عقد مركب يندرج في مشروعية أي عقد تتحقق فيه الضوابط الشرعية
( والمنحى الأولى هو ما يراه د.محمد عبدالحليم عمر انطلاقاً من مقصود الشريعة والتي يمكن تلخصيها فيما عبر الماوردي بقوله " الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا " ومن سياسة الدنيا توفير الخدمات للمواطنين من خلال إنشاء المرافق والمشروعات العامة وتشغيلها لمصلحتهم ، ويجوز أن تعهد الحكومة إلى احدى الجهات بإنشاء واستغلال مرفق عام ذا دخل بمقابل يدفعه للملتزم يتناسب مع مصلحة المواطنين (2) .
__________
(1) ... المعايير الشرعية ص 176
(2) ... د. محمد عبدالحلم عمر الجوانب الشرعية الاقتصادية لنظام ( B.O.T ) الحلقة النقاشية 17 مركز صالح كامل القاهرة 2000 ص13(1/14)
والمنحى الثاني هو ما رآه الدكتور حسن يوسف داود ، وهو أن ( B.O.T ) جائز شرعا ، إما باعتباره عقداً مستحدثاً تتوافر فيه ضوابط العقود الشرعية ، أو باعتباره عقداً مركباً من عدة عقود لا يوجد في أي منها مانع شرعي وتعد مشروعات البنية الأساسية من الأولويات لأنها تهدف إلى توفير المرافق العامة الضرورية للمسلمين بالإضافة إلى إمكانية اشتراك أكثر من مصرف واحد في تمويلها وتهدف إلى استثمار موارد المصارف وصالح الدولة ويمكن أن يقدم التمويل في صورة متعددة (1) .
تكييف شرعي آخر لعملية ( B.O.T ) على أساس الجعالة
بالإضافة إلى التكييف الشرعي السابق لعملية ( B.O.T ) على أساس الاستصناع ، كما انتهت له ندوة البركة ، والمعايير الشرعية فيبدو لي أنه من الممكن تكييفه شرعا على أساس الجعالة .
وقبل شرح هذا التكييف أورد بيانات موجزة عما جاء عن الجعالة في المذهب المالكي ، وهو أكثر المذاهب اهتماما بها .
__________
(1) ... د. حسن يوسف داود المصارف الإسلامية والتنمية الصناعية دار الفكر العربي 1998 ص 29(1/15)
(قال ابن رشد ( الجد ) (1) ( الجعل أصل في نفسه كالقراض والمساقاة لا يقاس على الإجارة ولا تقاس الإجارة عليه وإن أخذ شبهاً منها والأصل في جوازه قول الله عز وجل ( ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ) (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ( من قتل قتيلاً فله سلبه ) (3) وقوله يوم بدر من فعل كذا و كذا ومن فعل كذا وكذا فله كذا وكذا " وإن كان مالك قد كره ذلك فإنما كرهه لئلا تفسد نيات الناس في الجهاد لا أنه عنده حرام ، وقوله صلى الله عليه وسلم للنفر من أصحابه الذين رقى أحدهم سيد حي من أحياء العرب مروا بهم ،من لدغة لدغ بها ، على قطيع من الغنم، فرقاه ، فكأنما نشط من عقال ، فسألوه عن ذلك : قد أصبتم ، اقتسموا واضربوا لي معكم بسهم .
ولجوازه أربعة شروط متفق عليها ، وهي
1. أن يكون الجعل معلوماً
2. وأن لا يُنقد
3. وان لا يضرب له أجل
4. وأن لا يكون للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه
5. وشرط خامس مختلف فيه وهو أن يكون للجاعل فيه منفعة إذا تم
وهذه الشرائط كلها موجودة في المقارنة على الجعل ، فموجب أن يجوز ثم قال ابن رشد ردا على من أورد على الجعالة إستمالتها على الغرر (( وأما الجعل فقد جوزته السنة ، وأجازته الشريعة على ما فيه من الغرر على الشروط التي ذكرناها وليس من شروط صحته ما ذكره من أنه لا يجوز إلا في اليسير وإن كان قد قاله عبد الوهاب وغيره ،بل يجوز في اليسير والكثير إذا لم يكن للجاعل فيه منفعة إلا بتمامه .
أما التخريج الشرعي لعملية ( B.O.T ) على الجعالة فهو أن الجهة المانحة لامتياز المشروع هي الجاعل ، وأن المنفذ له هو العامل ، وهذان الطرفان في عقد الجعالة لا يحتاجان لمزيد من البيان .
__________
(1) ... البيان والتحصيل 401-402
(2) ... يوسف 73
(3) ... رواه ابو داوود عن انس كما في منتقى الاخبار ورجال اسناده رجال الصحيح ونصه : فقتل ابو طلحة عشرين رجلاً واخذ اسلابهم(1/16)
أما محل الجعالة فهما انجاز البناء ، والجعل إما انجاز البناء فهو حتى يبلغ الغاية المستهدفة منه وهو تحقيق الغرض من المشروع : إن كان مرفقا فإنه يصلح للاستخدام أو طريقا فإنه يصلح للاستطراق ، أو جسرا فإنه يصلح للعبور ........... الخ .
فأما الجعل فهو هنا ليس نقوداً ، ولا أعيانا إنما هو منفعة ، والمنفعة تصلح أجرة أو جعلاً وهي هنا منفعة المشروع نفسه حيث توضع تحت تصرف العامل – وهو الجهة المنفذة للمشروع - ليحصل من منافع محل الجعالة على ما يقابل جهده .
وقد صرح صاحب المغني بأن "" الأجرة يصح أن يكون عينا أو منفعة "" والجعل كالأجرة في هذا كما لا يخفى .
وبما أن الجعل يشترط معلوميته بخلاف العمل إذ تغتفر جهالته مع تحديد الغرض منه فإن هذه المعلومية تتحقق بتجديد مدة الانتفاع.
على أنه يمكن هنا – كما سبق في التكييف بالاستصناع أن يحدد الجعل بمبلغ مع تمكين الجهة المنفذة من تشغيل المشروع إلى أن تحصل على ذلك المبلغ ، وفي هذه الحالة المعلومية بالمبلغ ، وفي تلك الحالة المعلومية بمدة الاستصناع .
تمييز عقد ( B.O.T ) عما يشبهه
تبين مما سبق أن عقد ( B.O.T ) هو عقد عمل مع تأمين مواد ، لإنشاء المشروعات وإقامة المرافق ، أو لإدارتها وهو في هذا يشبه عقود الامتياز ، وعقود الإدارة .
مقارنته بعقود الامتياز :
وعقود الامتياز أنواع :
? فهناك امتياز استغلال المعادن وما في معناها وصلة ( B.O.T ) بهذا النوع غير قائمة لأن موضوعه استخراج المعادن وحصول صاحب الامتياز على حصة منه ، أو على مقابل مستقل ، وليس فيه العناصر الأساسية من البناء والتشغيل والإعادة .
? وهناك امتياز إنشاء المشروعات وهو شديد الصلة بعقد ( B.O.T ) بل هناك تلازم بينهما
وفيما يلي جاء عن هذا الامتياز في المعايير الشرعية ما فيه الكفاية (1)
__________
(1) ... المعايير الشرعية رقم 22 بشان عقود الامتياز الفقرة 6(1/17)
" عقد امتياز الإنشاء هو عقد بين الدولة وطرف آخر لإقامة مشروع يتعلق غالباً بالمرافق العامة يتم إنشاؤه بمواصفات معينة .
صور امتياز الإنشاء :
? أن ينشئ الحاصل على الامتياز مشروعا بمواصفات معينة على أرض للدولة يكون مملوكاً لها ، وتكون منافعه مملوكة لصاحب الامتياز مدة معينة تعود بعدها للدولة .
? أن ينشئ الحاصل على الامتياز مشروعاً بمواصفات معينة يكون ملكاً له ولكن على ارض للدولة وينتفع به مدة معينة ثم يمّلك إنشاءات المشروع إلى الدولة .
? أن ينشئ الحاصل على الامتياز مشروعاً بمواصفات معينة على ارض للدولة وتكون إنشاءات المشروع أيضاً ملكاً لها ، ويشتركان في إيرادات المشروع حسب الاتفاق ، وذلك طوال مدة محددة يتم بعدها تمليك المشروع إلى الحاصل على الامتياز .
وفي الحالات الثلاث يترتب على الامتياز منح الحاصل عليه الحق في تحصيل الرسوم أو الأجور عن تقديم خدمات المشروع للجمهور .
التكييف الشرعي لعقود الامتياز
يختلف التكييف الشرعي لعقود امتياز الإنشاء بحسب ما يأتي :
? إذا كان التزام الحاصل على امتياز الإنشاء شاملاً للعمل الإنشائي وتقديم المواد ، فالعقد استصناع ، وهذه الصورة الغالبة وثمنه انتفاع صاحب الامتياز بالمشروع لمدة محددة قبل تسليمه للدولة ، أي هو عقد ( B.O.T )
? إذا كان المشروع منشأ على ارض مستأجرة من الدولة والأجرة تسليم المشروع إليها بعد مدة معينة فإنها إجارة للأرض والأجرة هي المشروع نفسه المسلم في الأجل المتفق عليه .
التكييف الشرعي للمقابل من عملية الإنشاء :
? في الحالة يتم فيها تحديد ثمن إقامة المشروع باستغلاله فالعقد من قبيل الاستصناع بثمن يتمثل في الانتفاع بالمصنوع مدة معلومة قبل تسلمه إلى المستصنع .(1/18)
? في الحالة التي يتم فيها تحديد ثمن إقامة المشروع بمبلغ مالي محدد ، يترك المشروع في حيازة صاحب الامتياز مدة محددة على سبيل التوثق لحقه في الحصول على الثمن من عوض منافع المشروع ، مع حقه في المقاصة بين الثمن وعوض المنافع ، فإذا حصل على الثمن قبل نهاية المدة رد المشروع لمالكه وان لم يحصل على الثمن في هذه المدة بقي حق التوثق حتى يستوفى الثمن .
تطبيق المؤسسات عقود الامتياز للإنشاء :
يمكن للمؤسسات تطبيق عقود الامتياز للإنشاء بعلاقة مباشرة مع الدولة ، أو بدخولها طرفاً بين الدولة والطرف الحاصل على الامتياز ، وذلك باستخدام احدى الصيغ الآتية :
" وذكر المعيار كيفية تطبيق كل من الاجارة أو الاستصناع أو المشاركة " .
مقارنته بعقود الإدارة :
أما صلة ( B.O.T ) بعقود الإدارة فهي واضحة لاشتمال ( B.O.T ) على التشغيل وهو الإدارة ، وفيما يلي ما ورد بشأن عقد امتياز الإدارة في المعيار الشرعي (1) .
عقود امتياز الإدارة
تعريف امتياز الإدارة
هي عقود بين الدولة وأشخاص آخرين يتم بموجبها منح حق إدارة مرافق أو منشآت عامة بمقابل محدد لغرض تقديم خدماتها للجمهور بما يحقق المصلحة العامة .
التكييف الشرعي لعقود امتياز الإدارة
? إذا حدد المقابل عن منح امتياز الإدارة بمبلغ مقطوع أو بنسبة من إجمالي الإيراد فان العقد بين الدولة وصاحب الامتياز عقد إجارة وفي هذه الحالة يحق للجهة المانحة لامتياز الإدارة تحصيل رسوم عن منح الامتياز وتكون من قبيل الأجرة المقدمة ، بالإضافة إلى المقابل المستحق عن مدة الامتياز .
? وإذا حدد المقابل بنسبة من الأرباح ( صافي الإيراد بعد المصروفات والمخصصات ) فإن العقد بين الدولة وصاحب الامتياز عقد المضاربة ورأس مالها هو أصل المرفق أو المشروع .
__________
(1) المعيار الشرعي رقم 22 بشان عقود الامتياز الفقرة 15(1/19)
وفي كلتا الحالتين المذكورتين فان العقد بين صاحب الامتياز والمستفيدين من المرفق والمشروع هو عقد إجارة أو عقد بيع حسب طبيعة النشاط .
إنهاء مدة عقد امتياز الإدارة
امتياز الإدارة عقد مؤقت بالمدة المحددة في منحه ، وهو قابل للفسخ من قبل الدولة بمخالفة صاحب الامتياز للشروط ، أو إخلاله بالالتزامات المحددة في العقد ، ويحق لصاحب الامتياز التخلي عنه بشرط اتخاذ الإجراءات التي يتحقق بها عدم الإخلال بأداء الخدمات للجمهور .
تحديد أسعار الخدمات
يحق للجهة المانحة لامتياز الإدارة تحديد أسعار الحصول على الخدمات محل الامتياز ، وتعديل الأسعار على نحو يحقق العدالة والمصلحة المشتركة لصاحب الامتياز والمستفيدين من خدمات المرافق أو المنشات .
مراعاة الاشتراطات
يحق للجهات المانحة لامتياز الإدارة أو من تنيبه : قيام بالمراقبة والتفتيش للتثبت من مراعاة الاشتراطات والمواصفات المبينة في عقد الامتياز مع توقيع الجزاءات الرادعة عن الإخلال بها والمحددة في العقد .
بيان الحكم الشرعي في هذا العقد
سبقت الإشارة إلى أن إنشاء خدمات البنية الأساسية التي هي المجال لتطبيق هذا العقد تتطلب أعمالا إنشائية ومواد تستخدم في الإنشاء . وهذا شأن عقد الاستصناع في الفقة الإسلامي ( أو عقد المقاولة مع قيام المقاول بالعمل وتأمين المواد ) .
والحكم الشرعي لعقد الاستصناع أو عقد المقاولة هو انه مشروع شريطة معلومية الثمن سواء عجل أو تم تأجيله أو تقسيطه . وقد صدر بشان عقد الاستصناع قرار (1) من المجمع برقم65 ( 3/7 ) نصه بعد الديباجة :
" أولا إن عقد الاستصناع وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة – ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط
ثانياً يشترط في عقد الاستتصناع ما يلي :
أ . بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة
ب . أن يحدد فيه الأجل
__________
(1) ... قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي ص 6(1/20)
ثالثاً : يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله ، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة .
رابعاً : يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقد ما لم تكن هناك ظروف قاهرة .
وقد سبق بيان إن عقد ( B.O.T ) هو احد صور عقد الاستصناع أو المقاولة ، وقد استوفى شروطهما ، مع قبول المبدأ الشرعي الذي سبق تقريره في تكييف هذا العقد ، وهو أن يكون الثمن استخدام المصنوع أو محل المقاولة قبل تسميه إلى المستصنع ، وعليه فإن الحكم الشرعي لهذا العقد هو أنه مشروع .
وقد أشار قرار المجمع رقم 129 ( 3/14 ) بشان عقد المقاولة والتعمير ، حقيقة تكييف صوره إلى ( B.O.T ) مع توصية بآخر القرار ، نصها :
" يوصي المجمع بدراسة بعض صيغ عقود المقاولات ، من مثل ما يسمى (B.O.T ) أي بناء وتملك وإدارة ونقل ملكية "
المراجع
? المصنف ، لابن أبي شيبة
? البيان والتحصيل ، لابن رشد ( الجد )
? قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي
? المعايير الشرعية للمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية .
? قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي
? التمويل المصرفي لمشروعات البنية التحتية بنظام ( B.O.T ) رشدي صالح عبد الفتاح نشر اتحاد المصارف العربية 2006م
? نحو بناء نظام متكامل لاستخدام عقود البناء والتشغيل والنقل د. محمد غازي الجلالي نشر جامعة عين شمس 2000م .
? الصور المختلفة لمشاركة القطاع الخاص في تقديم خدمات البنية الأساسية ، هاني سري الدين .
? الجوانب الشرعية لعقود الـ ( B.O.T ) د. محمد عبد الحليم عمر .
? مشروعات الامتياز مقابل حق الانتفاع د.عبد المحسن الخضيري .
? الإرشادات أو الضوابط بشان ( B.O.T ) منظمة اليونيدو 1993
? تقرير التنمية في العالم البنية الأساسية من اجل التنمية مؤسسة الأهرام 1994م
? المصارف الإسلامية والتنمية الصناعية د. حسن يوسف داود ، دار الفكر العربي 1998م(1/21)