الأنكحة الفاسدة
( دراسة فقهية مقارنة )
تأليف
الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
للطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين ، القائل في محكم كتابه الكريم : { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}(1) والصلاة والسلام على أبي القاسم الأمين الذي وضع الفقهاء في طبقة الخيرين ، فقال : "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين(2) وعلى آله وصحبه الأخيار المهتدين ، ومن تبعهم بإحسان ، وترسم خطاهم إلى يوم المعاد .
وبعد / فإن من مهمات الدين ، ومن الشؤون التي يحتاج إلى معرفتها كافة المسلمين أحكام الشريعة الغراء ، في تنظيم العلاقات بين الزوجين ، وما يتعلق بها من صحة عقد النكاح ، إن استكمل شروط الصحة ، واستوفى أركانه المرعية ، أو فساده وبطلانه إن تعرى عن ذلك .
... ثم إن هذا الكتاب نحا منحى خاصاً في الموضوع ، إذ استقل بإيضاح الأنكحة الفاسدة ، وما يعرف العقد ويطرأ عليه من العوارض التي تجعله فاسداً لا تترتب عليه آثار النكاح الصحيح .
وحصر الموضوع في بيان الأنكحة الفاسدة ، جعل أبحاث الكتاب مشبعة بالنصوص شاملة لأطراف المسائل .
... إذا انتهج المؤلف ذكر المسألة ، وبيان آراء أئمة المذاهب فيها ، وأدلة كل ، ومناقشة الأدلة ، ثم الخروج بالرأي الذي بدا للمؤلف رجحانه ، هذه هي النظرة العجلى لعموم الكتاب ، ومن الجدير بالذكر أن المرأة في العهد الجاهلي ، منيت بالظلم والاحتقار
ــــــــــــ
1 _ التوبة : 122 .
2 _ متفق عليه .(1/1)
وسلبها المجتمع الجاهلي حقوقها ، واعتبرها رمز المذلة والهون { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ( 59 ) }(1 ).
... هكذا ذهبت النعرة الجاهلية ببعضهم ، إلى أن يدس المرأة في التراب ، ويدفنها في بطن الأرض ، خوفاً من العار ، وقطعاً للمسبة التي ربما تعلق به بسببها على زعمه ، فأبطل الله هذه العادات السيئة ، وأنزل في محكم كتابه { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ( 9 ) }(2) وأعاد للمرأة كرامتها وعزتها ، واعتبرها إنساناً كريماً له حقوق وعليه مثلها ، { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ولقد كانت في العصر الجاهلي ، أنكحة متعددة ، يعتورها الظلم ، ويتخللها الفساد ، وليست جديرة بأن تبنى عليها الدعائم الأسرية ، والروابط العائلية ، لما ترزح فيه من ظلم بين ، وتهتك مشين فأبطلها الإسلام كلها وهدمها إلا نكاح الناس اليوم .
... ومن هذه الأنكحة ما روته لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء (3) :
1 _ نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته ، فيصدقها ثم ينكحها .
2 _ ونكاح آخر ، كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها(4) : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها حتى يتبين حملها ، فإذا تبين أصابها إذا أحب .
وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، ويسمى هذا : نكاح الاستبضاع(5) .
ــــــــــــ
1 _ النحل : 58 ، 59 .
2 _ التكوير : 8 ، 9 .
3 _ أنواع .
4 _ طمثها : حيضها .
5 _ استبضعي منه : اطلبي المباضعة : أي الجماع .(1/2)
3 _ ونكاح آخر : يجتمع الرهط ما دون العشرة ، على المرأة فيدخلون كلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ، ومر عليها ليال ، أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم : قد عرفتم ما كان من أمركم ، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، تسمي من أحبت باسمه ، فيلحق به ولدها ، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل .
4 _ ونكاح رابع : يجتمع ناس كثير ، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا(1) ينصبن على أبوابهن الرايات تكون علماً فمن أرادهن ، دخل عليهن ، فإذا حملت إحداهن ووضعت ، جمعوا لها ودعوا لها القافة(2) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به(3) ودعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - بالحق ، هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم(4) )) .
5 _ ومن أنكحتهم أيضاً نكاح الخدن : كانوا يقولون : ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لؤم ، وقد أشار إليه القرآن الكريم في معرض النهي عنه فقال { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}(5) .
6 _ ونكاح البدل : وهو أن يقول الرجل للرجل "انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك"(6) .
ــــــــــــ
1 _ البغايا : الزواني .
2 _ القافة : جمع قائف وهو الذي يستدل بالآثار ، فيلحق الولد بالوالد .
3 _ التاط به : أي التصق .
4 _ أخرجه البخاري وأبو داود .
5 _ النساء : 25 .
6 _ رواه الدار قطني بسند واه .(1/3)
7 _ ونكاح المقت : وهو أن يتزوج الولد امرأة أبيه فيخلف عليها بعد موته : قال القرطبي(1) : "وقد كان في العرب قبائل قد اعتاد أن يخلف ابن الرجل امرأة أبيه ، وكانت هذه السيرة في الأنصار لازمة وكانت في قريش مباحة مع التراضي ، ألا ترى أن عمرو بن أمية خلف على امرأة أبيه بعد موته وولدت له مسافراً وأبا معيط وكان لها من أمية أبو العيص وغيره ، فكان بنو أمية إخوة مسافر وأبي معيط وأعمامهم ولقد نهى الله سبحانه وتعالى عن هذا النكاح ، وسماه مقتاً وفاحشة فقال : { وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (2) }.
ويقال لهذا النكاح : نكاح الضيزن ، قال أوس بن حجر :
والفارسية فيكم غير منكرة ... فكلكم لأبيه ضيزن سلف(3)
... ولم يبق الإسلام إلا على النكاح المعروف اليوم عند المسلمين .
وبعد فإن مؤسسة الخافقين ومكتبتها ، إذ تبنت نشر هذا الكتاب النافع إن شاء الله تعالى ، بنظمه في سلك مطبوعاتها قد قامت أيضاً بترجمة الرواة ، الذين تدعو الحاجة إلى معرفتهم كما قامت بالتعليق على بعض العبارات التي تحتاج إلى شرح وتبسيط ، وتخريج ما سها المؤلف عن تخرجه وإن هذه المؤسسة التي جعلت الهدف الأعلى لها نشر التراث الإسلامي والكتب القيمة النافعة لتبرز هذا السفر في طبعته الأولى ، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . الناشر محمد مفيد عزة الخيمي .
تنبيه / العلامة الفارقة بين تعليقنا وبين تعليق المؤلف أن تعليقه بالأرقام ( 1 ) ( 2 ) وتعليقنا بالأنجم ( * ) ( ** ) ثم إن تعليقنا يأتي بعد تعليقه .
ــــــــــــ
1 _ أحكام القرآن للقرطبي : ( 5 / 103 ) .
2 _ النساء : 22 .
3 _ في اللسان : الضيزن : الذي يزاحم أباه في امرأته : يقول : هم مثل المجوس يتزوج الرجل منهم امرأة أبيه وابنه .
مقدمة المؤلف :(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
... أحمدك اللهم كما علمتنا أن نحمدك ، وأشكرك فإن من شكرك استوجب المزيد آلائك ، وأستهديك فمن هديته سلك سبيل الصواب ، وتخطى الصعاب ، واجتاز المفاوز ، وأستمنحك التوفيق فمن وفقته هدي إلى الصراط المستقيم ، وعانق السعادة في الأولى ، وارتقى سلم الفوز في الأخرى .
... وأشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمداً عبدك ورسولك ، بلغ ما أنزل إليه وفصل ما احتجنا عليه ، فما لحق بالرفيق الأعلى حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا ينبذها إلا معاند عمي فكره ، فهو يتخبط في ليل الحيرة والضلالة .
... فصلوات الله تترى ، وسلامه يتوالى على من أنقذ البشرية من وهدة الجهل وهوة الضلال ، بالنور الإلهي الذي أرسل به .
... وعلى آله وصحابته أئمة الإسلام الأعلام ، أولئك الذين صقلتهم أخلاق الهادي الأمين ، وأنجبتهم مدرسة النبوة فأشرقت أفكارهم بنور التنزيل ، وأضاءت قلوبهم بأشعة الشرعة السمحة .
وعلى التابعين المحسنين ، ومن ترسم خطاهم إلى أن تطوى صفحة الدنيا ويرث الله الأرض ومن عليها .
وبعد / فإن نظام الأسرة في شريعة الإسلام يهم كل مسلم ، ويحتاج إليه كل فرد ، إذ هو يحدد العلاقات المشروعة وينبذ ما سواها حفاظاً على الأسرة وإحاطة لها بمقومات العفة والطهر
... ولقد قاست الأنثى الأمرين من استبداد المجتمع الجاهلي حتى غمر الكون الأرضي نور الشرع المطهر على يد الرحمة المهداة - صلى الله عليه وسلم - .
... فصان المرأة وحافظ على حقوقها وأعاد لها كرامتها ، ونظم العلاقات بين الرجل والمرأة تنظيماً من لدن حكيم خبير .
... ولما كان النظام الأسري له أهميته العظمى لعلاقته الوثيقة بحياة المسلم ، تناوله الباحثون قديماً وحديثاً ، وتعاقبت الأقلام على هذا الموضوع المتشعب ، فتمخض هذا التعاقب عن ثراء فكري بارز افتر له ثغر الإسلام ، ورحبت به المكتبة الإسلامية .(1/5)
... لذا اخترت الإسهام في هذا المجال المهم وهديت إلى البحث في جانب منه وهو الأنكحة الفاسدة .
حيث يمثل أهمية عظمى لأنه يتعلق بالأبضاع والعلاقات الزوجية وربما سئلت : لم اتجهت إلى موضوع تواردت عليه أقلام كثر ، وتضافرت عليه جهود الباحثين ، وتحصيل الحاصل ضرب من العبث ؟
... وواقع الأمر أن هذا التساؤل دار بخلدي ، وسيطر على فكري لكني أدركت أن اختيار الموضوع لا ينبغي أن يورد عليه هذا التساؤل لوجوه ، هي :
1 _ أن البحوث عادة تختلف من شخص لآخر باعتبار اتجاهاتها وتنوع مناحيها وتنظيم عرضها حتى قيل قديماً : ما أغنى كتاب عن كتاب .
... ثم إن من تناولها من الباحثين لم يقصد إلى جمع كل ما ورد فيها على النسق الذي تناولته في هذه الرسالة ، والبحث استقلالاً في موضع واحد أتم وأشمل .
2 _ أن تناول هذا الجانب الذي كتبت فيه يتطلب استيفاء الأدلة من مصادرها التشريعية ، ويدعو إلى استقصاء كل ما ورد في ذلك من منقول ومعقول ، حتى يكون الحكم بالفساد مستنداً إلى الأدلة المطمئنة لإصدار مثل هذا الحكم في مثل هذا الموضوع الخطير .
لذلك نقبت وحصلت ورتبت ونسقت ، وآمل أن يكون البحث وافياً وللقارئ البحاثة شافياً
وكان المنهج في البحث أن أعمد إلى المراجع الموثقة لكل مذهب من مذاهب الأئمة الأربعة : أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد(1) رحمهم الله تعالى .
... وقد أذكر بعض المذاهب الأخرى كمذهب الزيدية والظاهرية وغيرهما ، فأنقل عنها الآراء وأدلتها ، وأناقشها في حيدة علمية دون التأثر برأي مذهبي معين .
... والمراجع لهذا البحث أيضاً كتب التفسير والحديث ، إذ هي المرجع الأساسي لكل باحث في علوم الشرع .
... وبعد النظر في آراء الفقهاء وأدلتهم وما ورد عليها من اعتراضات أختار ما يبدو لي أنه أقوى دليلا ، مبيناً وجه ترجيحي للرأي الذي أختاره حسب ما يهدي إليه الدليل .
****************
ــــــــــــ(1/6)
1 _ ولد الإمام أبو حنيفة سنة 80 وتوفي سنة 150هـ .
ولد الإمام مالك سنة 90 وتوفي سنة 179هـ .
ولد الإمام الشافعي سنة 150 وتوفي سنة 204هـ .
ولد الإمام أحمد سنة 164 وتوفي سنة 241هـ .
وقد رتبت هذا الرسالة على مدخل وتمهيد ، وقسمين رئيسيين ، وخاتمه ، فالمدخل يشتمل على لمحة عن تاريخ الفقه الإسلامي ، والتمهيد يشتمل على :
... دراسة إجمالية تتناول النكاح وأركانه وشروطه وتحديد مفهوم النكاح الفاسد .
والقسمان الرئيسيان هما :
القسم الأول : ويتناول النكاح الفاسد لذاته ، وبيان أسباب فساده وفيه ثلاثة مباحث :
... _ المبحث الأول : المحرمات بالنسب .
... _ المبحث الثاني : المحرمات بالرضاع .
... _ المبحث الثالث :المحرمات بالمصاهرة .
القسم الثاني : ويتناول النكاح الفاسد لسبب مقترن بالعقد وينتظم عشرة مباحث :
... _ المبحث الأول : اشتراط التأقيت ، ويسمى : (( نكاح المتعة )) .
... _ المبحث الثاني : اشتراط جعل البضع صداقاً في مقابل الآخر ، ويسمى (( نكاح الشغار))
... _ المبحث الثالث : اشتراط الطلاق إذا دخل بها ويسمى (( نكاح المحلل )) .
... _ المبحث الرابع : نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي .
... _ المبحث الخامس : نكاح المعتدة من الغير .
... _ المبحث السادس : نكاح المسلم غير الكتابية .
... _ المبحث السابع : الجمع بين المرأة وإحدى محارمها .
... _ المبحث الثامن : نكاح وإنكاح المحرم .
... _ المبحث التاسع : عقد وليين بامرأة .
... _ المبحث العاشر : تزويج الأبعد مع وجود الولي الأقرب .
والخاتمة تتناول نتائج البحث ، وقد ذكرت القول الراجح في أول كل فقرة .
وكان من نعمة الله علي أن كلف الشيخ الكفء الدكتور / يوسف الشال بالإشراف على هذا البحث .(1/7)
... ومنذ اللحظات التي شرفتني بالاتصال به أيقنت أني محظوظ ، فابتدأت الكتابة على ضوء إرشاداته ، وتطبيقاً لتوجيهاته ، وهو لم يبخل علي بنفيس وقت ، ولم يختزن عني عظيم فائدة ، فجزاه الله خير ما يجزي الصالحين .
... واعترافاً بحق هذه المؤسسة الكبرى ، وعرفاناً بالجميل للقائمين عليها ، وانطلاقاً من قول نبينا الكريم ، عليه أفضل الصلاة والتسليم (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس(1) )) وفي رواية (( إن أشكر الناس لله عز و جل أشكرهم للناس(2) )) فإني أسجل هنا آيات الشكر وعظيم التقدير للمملكة العربية السعودية التي هيأت لي فرصة الدراسة في جامعتها ، كما أشكر كافة القائمين على جامعة أم القرى ، وأخص بالشكر القائمين على كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة .
والله ولي التوفيق ،،،
عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل
ــــــــــــ
1 _ أخرجه الإمام أحمد في المسند 5 / 212 ، والترمذي في سننه ، وقال هذا حديث صحيح .
2 _ أحمد في المسند 5/ 212 .
المدخل
ويشمل على :
لمحة عن تاريخ الفقه الإسلامي
[ لمحة عن تأريخ الفقه الإسلامي ]
حينما نقول : (( الفقه الإسلامي )) فإنما نعني به ذلك الكنز الضخم والتراث العظيم المستمد من مصادر التشريع : الكتاب والسنة أو الأحكام المستنبطة من معنى يعود إليهما .
... ولا شك أنه من أشرف العلوم قدراً ، وأعظمها نفعاً ، وأعمقها فائدة ، وأعلاها منزلة ، ويرحم الله تعالى الإمام الشافعي حين يقول :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة العلم ما كان فيه : قال ، حدثنا ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين وما سوى ذاك وسواس الشياطين(1)(1/8)
هذا ولقد قيض الله تعالى لهذا الفن ، عباقرة ألباء وأفذاذا موهوبين ، أنفقوا أنفس أوقاتهم في التنقيب عن جواهره ، وأفنوا العمر في ضبط أصوله وإرساء قواعده ، وتحرير فروعه ، حتى أثرى هذا الفن وآض كنزاً ضخماً باتساع أبوابه والتفريع على قواعده وضوابطه ، وبالرغم من تشعب المسائل وتكاثر الفروع إلا أنه لم يخرج عن ينبوعيه الصافيين .
... ولقد تمشى منذ بداية التشريع مع سنة التدرج ، ينمو كلما جد جديد بحسب النوازل ، مصاحباً للأحداث فهو على عصر التشريع نام متجدد .
... الفقه في عصر التشريع : ...
فمنذ انبثق فجر الإسلام ولاح هداه ، نشأ الفقه الإسلامي ، إلا أنه نما أكثر حين تكونت الدولة الإسلامية الأولى في طيبة الطيبة فتتابع الوحيان : القرآن ينزل ، وصاحب الوحي يبين ويفصل فكانت الوقائع والنوازل يتدخل في حلها وحي السماء ، ويسأل الرسول فيأتيه جبريل بالسؤال والجواب معاً .
...
ــــــــــــ
1 _ ديوان الشافعي ص 88 بتعليق محمد عفيف الزعبي .
لذلك كثيراً ما نجد في الفرقان صيغة (( يسألونك )) فمنها :
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ }(1)
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ }(2)
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ }(3)
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } (4)
... هذا إلى جانب فتاوى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يجيب على الأسئلة ، ويفتي في القضايا ، ويجتهد فيما لم يوح فيه إليه ولا يصل إلا إلى الصواب .
... ولقد اتسم الفقه في العصر النبوي بالمميزات التالية :
أولاً _ أنه سار متمشياً مع الوقائع والأحداث ، فالتشريع في عصره أحكام وقائع حدثت فعلاً ، فما هناك تشريعات بنيت على افتراضات وتخيل وقائع .
... وهذه السمة تظهر جلية في الأمثلة السابقة .(1/9)
... ثانياً _ أنه لم تدخله الاختلافات ، كما هو موجود في الفقه في القرون المتأخرة ، إذ لا مجال للاختلاف في الأحكام ، ولا وسائط هناك قد تكون سبباً من أسبابه .
... ولكنها مشافهة صاحب الوحي ، والإجابة الشافية منه عن طريق القرآن أو البيان الموكل إليه .
... ثالثاً : إن التشريعات لم تنزل دفعة واحدة ، ولكنها كانت تأتي على وفق الحوادث والقضايا والأسئلة .
... وكثيراً ما ينحو القرآن منحى التدرج في التشريع ، ليكون أقرب إلى القبول ، وأدعى للامتثال ، فمثلاً الخمر :
ــــــــــــ
1 _ سورة البقرة : من الآية 217 .
2 _ سورة الأنفال : من الآية 1 .
3 _ سورة المائدة : من الآية 4 .
4 _ سورة البقرة من الآية 219 .
... لقد كان من الأشربة المشهورة عند العرب في الجاهلية ، والمنتشر في مجتمعهم ولما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها نزل قوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }(1) .
... واستمر على شربها بعضهم ، فنزل قوله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }(2) .
... فشربها بعضهم في غير أوقات الصلاة ، فنزل قوله تقدست أسماؤه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(3) فحرمت إطلاقاً .
... ولحق - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى .
الفقه في عصر الصحابة
وجاء دور الصحابة رضوان الله عليهم ، واتسعت رقعة الإسلام بما أنعم الله به عليهم من فتح ونصر ، فجرت أحداث ووقائع كانت تدعو إلى بيان حكم الله فيها .(1/10)
... اتخذ الصحابة القرآن والسنة هاديين يبحثون عن أحكام تلك الوقائع في نصوصهما ويستنبطون أحكام تلك الحوادث منهما .
... وربما جمع الخليفة الصحابة للاستشارة في حكم القضية ، كما حدث (( أن جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها ، فقال : مالك في كتاب الله تعالى شيء ، وما علمت لك في سنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ، فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس ،
ــــــــــــ
1 _ سورة البقرة : من الآية 219 .
2 _ سورة النساء من الآية / 43 .
3 _ سورة المائدة آية 90 .
... فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس ، فقال أبو بكر : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة ، فانفذه لها أبو بكر رضي الله عنه" (1) .
... فإذا لم يجدوا الحكم في الأصلين ، اجتهدوا اعتماداً عليهما مدركين مقاصد الشريعة .
... هذا هو منهج الصحابة رضوان الله عليهم .
... واجتهادهم مرجح على اجتهاد التابعين ومن بعدهم لترجحهم بمشاهدة التنزيل ، ومعرفة التأويل ووقوفهم من أحوال النبي عليه السلام ومراده من كلامه على ما لا يقف عليه غيرهم .
... فهذا الإمام الشافعي يصف آراءهم التي نتجت عن اجتهاد ، فيقول (( وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا ، ولم نخرج عن أقاويلهم ، وإن قال أحدهم ، ولم يخالفه غيره ، أخذنا بقوله )) .
عصر التابعين(1/11)
... التابعون هم تلاميذ الصحابة وخريجو مدرستهم ، ومنشأ تسميتهم بالتابعين قوله تعالى { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(2) ومصادر الفقه عند هذه الطبقة ، الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، فإذا لم يجدوا في المسألة نصاً من الكتاب أو السنة ، ولم يطلعوا على قول صحابي فيها ، اتجهوا إلى الرأي والمقايسة والمصلحة ، مراعين أقرب الأحكام إلى الدين ، وألصقها بالشريعة وأقربها إلى العدل .
ــــــــــــ
1 _ أخرجه أبو داود 3/ 317 بتعليق عزت عبيد الدعاس ، والترمذي رقم 2101 وابن ماجه
2/910 حديث رقم 2724 وقال الترمذي ، حديث حسن صحيح .
2 _ سورة التوبة من الآية 100 .
الفقه في عصر الأئمة
... نشطت في هذا العصر حركة التدوين ، واتسعت دائرة الفقه اتساعاً كبيراً وظهرت مذاهب الفقه على اختلافها .
... وفي هذا الطور الحيوي دون الشافعي علم أصول الفقه لتجده الفقهاء منهجاً في تنسيق الأدلة وصون المستنبط عن الوقوع في الأخطاء .
... ومما ساعد في هذه النهضة المباركة تدوين السنة في هذا العصر حيث وجد الفقهاء المادة التي يستقون من معينها .
... هذا ولم تخرج الاختلافات المذهبية عن الاختلاف في فروع المسائل ، نتيجة لاختلافهم في فهم نصوص الشريعة .
... أما أصل الدين وجوهره فلم يعتوره هذا الاختلاف ، بل كلهم معظمون لكتاب الله ، مجلون لسنة سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه ، وسيرة الأئمة الأعلام تنم عن إيمان متغلغل في الأعماق وحب لنشر دين الله وإعلاء كلمته .
الفقه في عصرنا
حظي الفقه الإسلامي كبقية الفنون الشرعية في عصرنا الحاضر بالعناية .(1/12)
واتجهت الجهود إلى الدراسات المقارنة ، والبحث والتأليف وساعد على النشر توفر وسائله .
... وللجامعات الأثر الأكبر في هذا الشأن .
... ففي كليات الشريعة وغيرها تقوم الجامعات بالإشراف على البحوث الهامة التي يقدمها الطلاب في مختلف المسائل التي تمس حاجات المجتمع .
تمهيد
يشتمل هذا التمهيد على النقاط التالية :
1 _ تعريف النكاح وبيان آراء الفقهاء في المقصود به .
2 _ الدليل على مشروعيته .
3 _ حكمة مشروعيته .
4 _ حكمه .
5 _ أركانه وشروطه .
6 _ ولاية عقده .
7 _ الإشهاد عليه .
8 _ تحديد مفهوم النكاح الفاسد .
*********************
تعريف النكاح وبيان آراء الفقهاء في المقصود به
النكاح في اللغة : الضم والجمع والتداخل ، ومنه : تناكحت الأشجار : إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض(1) .
... ويقال : (( نكح المطر الأرض : اعتمد عليها )) ونكحت القمح في الأرض : إذا حرثتها ، وبذرته فيها ، ونكحت الحصاة أخفاف الإبل(2) .
و في المصباح : ((نكحه الدواء إذا خامره وغلبه(3) )) وسواء كان التداخل حسياً كما سبق أو معنوياً ، ففي القاموس (( نكح النعاس عينه غلبها والنكح بالفتح : البضع ، والمناكح : النساء(4) )) .
وأما اصطلاحاً : فأدق ما قيل فيه : إنه عقد وضعه الشارع ليفيد حل استمتاع كل من الزوج والزوجة بالآخر على الوجه المشروع(5) .
...
ـــــــــــ
1 ـ ومنه أيضاً قول الشاعر :
إن القبور تنكح الأيامى والنسوة الأرامل الأيتامى
أي : تضمهن .
2 _ الفيروز أبادي : القاموس المحيط 1/163 ، الزبيدي : تاج العروس 2/242، 243 الجوهري الصحاح 1/413 .
3 _ أحمد المقرى الفيومي : المصباح المنير /295 .
4 _ الفيروز أبادي : القاموس المحيط 1 / 163 .
5 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج 7/183 الشوكاني : نيل الأوطار 6 / 108 ، محمد أبو زهرة الأحوال الشخصية /18 بدران أبو العينين : الفقه المقارن للأحوال الشخصية 1/9 .(1/13)
لأن العرب تستعمل لفظ النكاح بمعنى العقد والوطء جميعاً ، لكنهم إذا قالوا : نكح فلان فلانة ، أو بنت فلان أو أخته ، أرادوا تزوج وعقد عليها ، وإذا قالوا : نكح زوجته أو امرأته لم يريدوا إلا المجامعة(1) .
ولهذا اختلف الفقهاء في أيهما يكون حقيقة وفي الآخر مجازاً ، أو أنه حقيقة فيهما على ثلاثة آراء :
الأول : أنه حقيقة في العقد والوطء معاً ، وهو رأي للحنفية(2) ووجه للشافعية(3) وبه قال القاضي من الحنابلة(4) وذلك لأن كلمة (( النكاح ورد استعمالها في كل من الوطء والعقد والأصل في الاستعمال الحقيقة فيهما على سبيل الاشتراك اللفظي .
... الثاني : أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وهو مذهب الحنفية(5) ووجه للشافعية(6) وذلك لأن الاستعمال اللغوي ورد بذلك ، قال - صلى الله عليه وسلم - (( تناكحوا تكثروا ، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة)(7) ولقوله (( ملعون من نكح يده ))(8) .
ـــــــــــ
1 ـ الشربيني الخطيب : مغنى المحتاج 3/123 ، الشوكاني : نيل الأوطار 6/108 ، ابن حجر : فتح الباري 9/103 .
2 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3 / 1416 .
3 _ الشربيني : الخطيب مغني المحتاج 3 / 123 .
4 _ ابن قدامه : المغني 7/3 .
5 _ المبسوط للسرخسي 4 / 192 ، بدائع الصنائع 3/1408 ،4/ 1991،1990 .
6 _ الشريبني الخطيب : مغني المحتاج 3/123 .
7 _ السيوطي : الجامع الصغير 3/169 مع شرح المناوي .
8 _ ابن حجر : التلخيص الحبير 3/188 وضعفه .
الثالث : أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء ، وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية(1) والشافعية(2) والحنابلة(3) وغيرهم ، وهو أصحها وأرجحها كما جاء به القرآن الكريم والأخبار قال تعالى { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ }(4) والوطء لا يجوز بالإذن ، ولا يرد على ذلك قوله تعالى {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }(5) لأن المراد العقد والوطء مستفاد من خبر الصحيحين .(1/14)
فعن عائشة(*) رضي الله عنها أن امرأة رفاعة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني ، وإن ما معه مثل هدبة الثوب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك )(6)
ـــــــــــ
1 ـ الخرشي على مختصر خليل 3/164 .
2 _ الشريبني الخطيب : مغني المحتاج 3/123.
3 _ ابن قدامة : المغني 7/3 ، منتهى الارادات 2/151 بتحقيق عبد الغني عبد الخالق .
4 _ سورة النساء آية 25.
5 – سورة البقرة آية 230 .
6 _ صحيح البخاري : 9/464 مع الفتح ، ومسلم 10/3 مع شرح النووي .
* _ هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ، كان فقهاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجعون إليها تفقه بها جماعة يروى عن أبي موسى قال ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما ، لها ترجمة في الإصابة 4/348 وتذكرة الحفاظ 1/27 وشذرات الذهب 1/61 وطبقات ابن سعد 8/39 وطبقات الشيرازي 47 والعبر 1/62 والنجوم الزاهرة 1/150 أ هـ انظر طبقات الحفاظ للسيوطي 8 بتحقيق عمر محمد عمر .
وما ذكره أصحاب الرأي الأول من أنه حقيقة فيهما على سبيل الاشتراك اللفظي مردود ، بأن الاشتراك اللفظي خلاف الأصل فلا يصار إليه(1) .
واستدلال أصحاب الرأي الثاني بالاستعمال اللغوي .
وإن ورد كلا الاستعمالين في اللغة إلا أنه قد كثر واشتهر استعمال كلمة النكاح لغة في العقد دون الوطء ، فيحمل ما استعمل كثيراً على الحقيقة وما استعمل قليلاً على المجاز
قال الزمخشري(*) وهو من علماء الحنفية : (( لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد ))(2) لأن كونه بمعنى الوطء من باب التصريح ومن أراد به الكناية عنه أتى بلفظ الملامسة والمماسة .(1/15)
وأورد عليه قوله تعالى : { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً }(3) بأن المراد الوطء وجاء في الكفاية (( واعلم أن النكاح جاء بمعنى العقد في قوله تعالى :{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم }(4) وبمعنى الوطء في قوله تعالى : { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً } وترجح هنا إرادة الوطء بورود السنة .
ـــــــــــ
1 ـ ابن قدامة : المغني 7/3.
2 _ الزمخشري : الكشاف 3 / 167 ، واستثنى ابن فارس قوله تعالى { وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } . قال : فإن المراد به الحلم / أ هـ معجم مقاييس اللغة 5 / 475 .
3 _ سورة النور : آية 3 .
4 _ سورة النساء آية 22 .
* _ هو الإمام ، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي ، الزمخشري صاحب التآليف الباهرة والتصانيف الزاهرة فهو إمام في التفسير ،والنحو واللغة والبيان ، وكان قد سافر إلى مكة وجاور بها زماناً فصار يقال له (( جار الله )) لذلك . توفي رحمه الله ليلة عرفة سنة 538 بجرجانية خوارزم .
وذكر حديث رفاعة(*) وفيه (( حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ))(1) .
... وهذا مردود من وجهين .
الأول : أن ربطه حديث رفاعة بقوله تعالى { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً } (2) في غير محله ، لأن حديث رفاعة فيه توضيح لمعنى الآية التي نزلت في قصته وهي قوله تعالى { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }(3) لا للآية المذكورة ، لأنها نزلت في امرأة من الكفار خاصة ، وهي بغي كانت بمكة يقال لها عناق (4).
والوطء مستفاد من الحديث ، وأما الآية فلا يستفاد منها ذلك .
الثاني : أنا لو قلنا المراد بالنكاح في الآية المذكورة وطؤه لخرج الكلام عن الفائدة ، لأن معناها حينئذ : أن الزاني لا يطأ إلا الزانية ، وهو مشكل ، لأنا نرى أن الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوجها .(1/16)
ولو قلنا المراد إن الزاني لا يطأ إلا الزانية ، حين يكون وطوء زنا ، فهذا الكلام لافائدة فيه )) (5) .
ـــــــــــ
1_ تقي الدين أبو بكر بن محمد الحصني : كفاية الأخيار 2/109.
2_ سورة النور آية /3 .
3_ سورة البقرة آية / 230 .
4_ الخطابي معالم السنن 2 / 541 بتعليق عزت عبيد الدعاس .
5_ الفخر الرازي : التفسير الكبير 23 / 151 .
* _ هو رفاعة بن رافع الزرقي ، أبو معاذ شهد بدراً وأبوه أول من أسلم من الأنصار ،وشهد هو
وابنه العقبة روى رفاعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي الصديق وعبادة بن الصامت ، وشهد مع علي
الجمل وصفين ، توفي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ابن حجر تهذيب التهذيب 3/281 .
قال الراغب من علماء الشافعية : (( يستحيل أن يكون النكاح حقيقة في الجماع ويكنى به عن العقد ، لأن الجماع يستقبح من ذكره كما يستقبح من فعله ، والعقد لا يستقبح(1) أي فلا يكنى بالأقبح عن غيره ، ولأنه يصح نفيه عن الوطء فيقال : هذا سفاح وليس بنكاح )) (2) .
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ولدت من نكاح لا من سفاح )) (3) ويقال في السرية (( ليست مزوجة ولا منكوحة ، وصحة النفي دليل المجاز )) (4) .
وبهذا يترجح مذهب الجمهور بأن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء ، ويكون المقصود به في الشرع حينئذ عند إطلاقه عقد التزويج ، فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه مالم يصرفه عنه دليل .
(( وفائدة الخلاف تظهر فيمن زنى بامرأة ، هل تحرم على ابنه وأبيه على أنه حقيقة في الوطء أم لا تحرم إذا قلنا : إن لفظ النكاح مجاز في الوطء حقيقة في العقد (5)(*)؟
ـــــــــــ
1_ ابن حجر : فتح الباري 9 / 103 ، الشربيني الخطيب : مغني المحتاج 3 / 123 .
2_ ابن قدامة : 7 / 3 .
3_ البيهقي : السنن الكبرى كما في التلخيص لابن حجر 3 / 176 .
4_ الشرواني على التحفة 7 / 183 ، ابن قدامة : المغني 7 / 3 .
5_ الخرشي على مختصر خليل 3/ 164 .(1/17)
* _ يرى الأحناف أن من زنى بامرأة أو لمسها أو قبلها أو نظر إلى فرجها بشهوة فإنه يحرم عليه أصولها وفروعها وتحرم هي على أصوله وفروعه ، إذ أن حرمة المصاهرة تثبت عندهم بالزنا ، ومثله مقدماته . ويرى جمهور العلماء أن الزنا لا تثبت به حرمة المصاهرة . انظر المسألة وأدلتها في فقه السنة 2/ 73 ، 74 .
وفيما لو علق الطلاق على النكاح (*) فهل يحمل على العقد على أنه حقيقة فيه ، أم على الوطء على أنه حقيقة فيه مجاز في العقد هذا مالم ينو أحدهما )) (1) (**)
الدليل على مشروعية النكاح
ثبتت مشروعية النكاح بالكتاب والسنة (2) والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }(3) وقوله جل شأنه : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ }(4)
ففي هاتين الآيتين الأمر بالنكاح .
وأما الأحاديث فكثيرة ، منها حديث ابن مسعود(***) المتفق على
ـــــــــــ
1_ الشربيي : مغني المحتاج 3 / 123 .
2 _ السنة ماجاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير وكان من باب التشريع ولها مدلولات أخرى والمراد هنا ما ذكرت أ هـ انظر المحلى 1/97 .
3 _ سورة النساء آية / 3 .
4 _ سورة النور آية / 32 .
* _ أي بأن قال لها مثلا : إن نكحت فلانة فأنت طالق ، فهل والحالة هذه تطلق إذا عقد عليها أو إذا جامعها . قولان مبنيان على الخلاف في معنى النكاح .
** _ أي أما إذا نوى حال تلفظه بالنكاح العقد أو الوطء تعين المصير إليه . فالخلاف إنما هو دائر في صورة حال الإطلاق فقط .(1/18)
*** _ هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل ، أبو عبد الرحمن الهذلي ، أسلم بمكة قديماً ، وهاجر الهجرتين وشهد بدراً والمشاهد كلها ، وكان صاحب نعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان من أوعية العلم وأئمة الهدى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك علام معلم ، وذلك في أول الإسلام ، توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ، وله نحو من ستين سنة .
انظر ترجمته في أسد الغابة 3/384 ، والإصابة 2/360 وتذكرة الحفاظ 1/31 وتهذيب التهذيب 6/27، 28 .
صحته : (( يامعشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة(1) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )(2) . ...
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( تناكحوا تكثروا))(3) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - (( النكاح من سنتي ، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني(4) وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ، ومن كان ذا طول(5) فلينكح ، ومن لم يجد فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء )) (6) .
ففي هذه الأحاديث الأمر بالنكاح والترغيب فيه لأنه من سنته - صلى الله عليه وسلم - ومن رغب عنه فقد ترك سنة نبيه وطريقته التي سلكها .
أما الإجماع فقد أجمع المسلمون على مشروعية النكاح من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا .
ـــــــــــ
1 _ الباءة هي الجماع . والمعنى : من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح فليتزوج . وقيل ، معناها مؤن النكاح .
2 _ أخرجه البخاري في صحيحه 9/112 مع الفتح ، والوجاء المراد به الحصن والرباط الذي يقيد الشهوة ويضعفها ، فلا تميل بصاحبها إلى الحرام ، لأن الصوم يقوي الناحية الروحية في الإنسان ، ويتغلب على الغريزة الجنسية فيؤمن شرها .
3 _ السيوطي : الجامع الصغير 3/229 مع شرح المناوي .
4 _ قوله : فليس مني ، أي : فليس على طريقتي التي سلكتها .
5 _ الطول : الغنى والسعة .
6 _ أخرجه ابن ماجه في سننه 1/592 .(1/19)
حكمة مشروعية النكاح
من أهم حكم النكاح وأعظمها حفظ التناسل الإنساني من الاختلاط ، [ ووضوح حدود المسئولية عن الصغار _ثمرة النكاح _ في التربية والرعاية ] ثم إنه سياج لحفظ الأعراض والابتعاد عن انتهاك حرماتها .
وقد ذكر الأطباء أن مقاصد النكاح ثلاثة : حفظ النسل ، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه ، ونيل اللذة(1) .
ومن ذلك أيضاً ارتياح النفس إلى أمنها ومستقرها ومسكنها ، إرضاء للعواطف ، وإشباعاً للرغبات النفسية . فيه يشعر كل من الزوجين بالسعادة وأنس المودة والاجتماع .
قال تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }(2) .
حكم النكاح
... الجمهور على أن النكاح سنة ، إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور ، فلا خلاف حينئذ في وجوبه ، ويأثم تاركه إذا كان قادراً على مؤن النكاح(3) .
ـــــــــــ
1 _ الشربيني الخطيب : مغني المحتاج 3/124 ، حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 2 / 213 .
2 _ سورة الروم آية / 21 .
3 _ المبسوط للسرخسي 4/193 بدائع الصنائع 3/1324 الخرشي على مختصر خليل 3/65
الشربيني الخطيب : مغني المحتاج 3/125 ، ابن قدامة : المغني 7/4 الروض النضير 4 /186 .
... وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه(1) وهو قول أبي بكر عبد العزيز من الحنابلة ، وحكاه عن أحمد(2) .
... وقد استدل الجمهور بأن الله تعالى حين أمر به علقه على الاستطابة ، في قوله تعالى { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }(3) .
... والواجب لا يتوقف على الاستطابة .
... وقال تعالى بعد ذلك : { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } ولا يجب ذلك اتفاقاً . فدل على أن المراد بالأمر الندب .
... وبقوله - صلى الله عليه وسلم - (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج , ومن لا فعليه بالصوم فإنه له وجاء(4) )) .(1/20)
... فإنه - صلى الله عليه وسلم - أقام الصوم مقام النكاح ، والصوم ليس بواجب ، فدل على أن النكاح ليس بواجب ، لأن غير الواجب لا يقوم مقام الواجب .
... واستدل أهل الظاهر بظواهر النصوص الواردة بصيغة الأمر ، كما في قوله تعالى { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } .
... وبظاهر حديث ابن مسعود (( يا معشر الشباب ألخ ))(*) وبما ورد في التبتل(5)
ـــــــــــ
1 _ ابن حزم : المحلى 11/3 .
2 _ ابن قدامة : المغني 7/4 .
3 _ سورة النساء آية / 3 .
4 _ صحيح البخاري 9/106 مع الفتح وأخرجه مسلم : في كتاب النكاح : باب استحباب النكاح 2/1018 عن عبد الله بن مسعود .
5 _ قال ابن حجر في الفتح 9/118 ( المراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة .
* _ سبق تخريجه ص 26 .
فقد روى البخاري(*) في صحيحه عن ابن المسيب يقول : سمعت سعد بن أبي وقاص(**) يقول : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ، ولو أذن له لاختصينا(1) .
... وعن سمرة(***) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( نهى عن التبتل(2) وعن أنس (****) رضي الله عنه قال : (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً ، ويقول تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة(3) )) .
ـــــــــــ
1 _ أخرجه البخاري 9/117 مع الفتح والاختصاء من خصيت الفحل إذا سللت خصيته .
2 _ الترمذي 3/384 رقم 1082 / وابن ماجه 1/593 رقم 1848 .
3 _ أخرجه أبو داود 2/542 ، والنسائي 6/66 وليس فيه ((يوم القيامة )) .
* _ وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب النكاح باب استحباب النكاح 2 / 1020 .
** _ هو الصحابي الجليل ، سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب أبو إسحاق أحد المبشرين بالجنة وأول من رمى بسهم في سبيل الله ومناقبة كثيرة مات بالعقيق سنة (55) وهو آخر العشرة وفاة أ هـ تقريب التهذيب (119) .(1/21)
*** _ هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري ، أبو سعيد الصحابي الجليل ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي عبيدة ، سكن البصرة ، وكان زياد يستخلفه عليها ، فلما مات زياد أقره معاوية عاما أو نحوه توفي بالبصرة سنة ثمان وخمسين سقط في قدر مملوءة ماءً حاراً فمات ، فكان ذلك تصديقاً لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ولأبي هريرة وثالث معهما : آخركم موتاً في النار . انظر ابن الأثير : أسد الغابة ابن عبد البر : الاستيعاب ، ابن حجر : تهذيب التهذيب 4/236 ، 237 .
**** _ هو الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر ، أبو حمزة الأنصاري المدني خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزيل البصرة أحد المكثرين من رواية الحديث وله صحبة طويلة دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
اللهم أكثر ماله وولده ، وأدخله الجنة . قال أنس : فقد رأيت اثنتين ، وأنا أرجو الثالثة ،
توفي سنة ثلاث وتسعين وعمره (103) سنة ، أنظر أسد الغابة 3/348 والإصابة 1/343
وتذكرة الحفاظ 1/41 وطبقات ابن سعد ج 4 ق 2 ص 8 وتهذيب التهذيب 1/379 .
... فالنهي في الأحاديث يدل على التحريم ، وذلك لترك الواجب .
... وقد رد الجمهور ذلك بأن الأمر في الآية محمول على الندب ، لأن الآية خيرت بين النكاح والتسري حيث قال تعالى { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }(1) والتسري ليس بواجب اتفاقاً ، فيكون النكاح غير واجب ، إذ لا يقع التخيير بين واجب ومندوب فدل على أن الأمر في الآية للندب حيث صرفه عن الوجوب صارف .
... وحديث ابن مسعود دليل للجمهور لا عليهم ، وقد سبق بيان وجه استدلالهم أو هو محمول على من يخشى على نفسه الوقوع في محظور بترك النكاح ، وعلى هذا حمل كلام أحمد وأبي بكر عبد العزيز(2) .
... وأما النهي عن التبتل الوارد في الأخبار فليس لترك الواجب ، وإنما هو لترك ما ندبهم إليه بقرينة ما تقدم .(1/22)
... ولأن بعض الصحابة لم يكن لهم زوجات ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم ذلك ، ولم ينكر على أحدهم فدل على عدم الوجوب ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يسكت على ترك واجب(3) . ...
... ولأنه لم يحتم فعل الزواج على كل واحد من الناس ، ولم يلزم به كل فرد الإلزام المعهود به في الصلاة والزكاة وغيرهما من الفرائض ، ولو كان فرضاً لذكر بينها ، ولكنه لم يذكر .
... والشريعة الإسلامية وصلت إلينا تامة ، قال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}(4) . ...
... ومن هذا يتبين لنا أن رأي الجمهور بأن الاستحباب هو الأصل في النكاح هو الراجح والله أعلم .
ـــــــــــ
1 _ سورة النساء آية 3 .
2 _ ابن قدامة : المغنى 7/4 .
3 _ السرخسي : المبسوط 4/193 .
4 _ سورة المائدة : آية 3 .
أركان النكاح وشروطه
الركن لغة : جانب الشيء الأقوى .
واصطلاحاً : ما كان جزءاً من الماهية ، ويتوقف وجود الماهية عليه(1) كالركوع والسجود من الصلاة ، والإيجاب والقبول من الزواج .
والشرط لغة : تعليق أمر مستقبل بمثله ، وإلزام الشيء والتزامه .
وقيل لغة : العلامة ، ومنه قوله تعالى : { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } أي علامات الساعة ومنه قول أبي الأسود الدؤلي :
لئن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا فقد جعلت أشراط أوله تبدو
واصطلاحاً : ما يلزم من عدمه العدم(2) ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم(3) كالطهارة للصلاة مثلاً ، فإنه يلزم من عدمها عدم الصلاة الشرعية ، ولا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة ولا عدمها ، لأن المتطهر قد يصلي وقد لا يصلي .
إذا عرفنا هذا فكل عقد من العقود له أركان وشروط فالأركان بها قوام الشيء ،ولا تتحقق ما هيته إلا بها لكونها جزءاً من حقيقته .(1/23)
والشروط يتوقف عليها وجود الشيء وتكون خارجة عن حقيقته ، وقد اتفق الجمهور على أن الإيجاب والقبول ركنان في النكاح(4) كقول الولي أو نائبه :
ـــــــــــ
1 _ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/220 مع تقريرات محمد عليش .
2 _ أي عدم الشرط .
3 _ غاية الوصول شرح لب الأصول لأبي زكريا الأنصاري / 13 مع حاشية الجوهري .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3 / 1327 ، الخرشي على مختصر خليل 3/172 ابن حجر الهيثمي التحفة على المنهاج 7/217 ، ابن قدامة : المغني 7/7 .
زوجتك ابنتي وقول الزوج : قبلت ... الخ ، أما الولاية والإشهاد فبعضهم عدها من جملة الأركان(1) وبعضهم من جملة الشروط(2) ولا طائل تحت هذا الخلاف وقد عرفنا أن الراجح أن كلا من الركن والشرط لا بد منه ، إذ أن كل واحد منهما يتوقف عليه صحة النكاح .
ولاية عقد النكاح
ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة إلى أن الولي شرط في صحة النكاح ، وبدونه يكون فاسداً(3) .
وذهب الحنفية إلى أن الولاية في حق المرأة البالغة مستحبة ، ومندوب إليها إذا كانت حرة عاقلة ، سواء كانت بكراً أم ثيباً ، وأن لها الحق في مباشرة النكاح أو التوكيل وفي حق الصغيرة أو المجنونة ولاية حتم وإيجاب(4) واشترط داود الظاهري الولاية في البكر دون الثيب(5) .
أدلة الجمهور
استدل الجمهور من الكتاب بقوله تعالى { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ }(6) .
وذلك لأن الخطاب بالإنكاح في الآية للأولياء على الأيامى وإذا ثبتت الولاية عليها فلا تكون والية .
ـــــــــــ
1 _ هم الشافعية : التحفة على المنهاج 7/217 .
2 _ هم الحنابلة : كشاف القناع 5/49، وعند المالكية الولي ركن في النكاح والشهادة شرط الخرشي على مختصر خليل 3/172 .
3 _ الخرشي على مختصر خليل 3/172 فتح الرحيم على فقه مالك بالأدلة 2/34 ، ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج 7/217 ، ابن قدامة المغني 7/7، الروض النضير 4/207 .(1/24)
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1352 .
5 _ ابن حزم : المحلى 11/30 ومذهب ابن حزم مع الجمهور على اشتراط الولاية في النكاح .
6 _ سورة النور آية 32 .
... وقوله تعالى :{ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }(1) فخاطب الرجال بالإنكاح دون النساء ، فكأنه سبحانه وتعالى قال : لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم من المشركين فدل ذلك على أن الولاية إليهم لا إلى النساء وقوله جل شأنه : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }(2)
... فالعضل في الآية معناه المنع فيكون سبحانه قد نهى أولياء المرأة من منعها من نكاح من ترضاه .
... وهذا دليل على أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح ، وإنما هو حق للولي ، إذ لوجاز لها تزويج نفسها ، لم يكن للعضل تأثير ، ولما وقع النهي عنه ، ولأن المنع إنما يتحقق ممن في يده الممنوع ، ومن كان أمره بيده لا يقال إن غيره منعه منه .
... قال الشافعي : (( هذه أبين آية في كتاب الله تعالى دلالة على أن ليس للمرأة أن تتزوج بغير ولي(3) )) يؤيد ذلك ما ورد في سبب نزول الآية .
... روى البخاري في صحيحه عن معقل بن يسار(*) أنها نزلت فيه ، قال :
... ((زوجت أختاً لي من رجل فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك ، وأكرمتك فطلقتها ، ثم جئت تخطبها ؟ لا والله لا تعود إليك أبداً وكان رجلاً لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :
ـــــــــــ
1 _ سورة البقرة آية / 221 .
2 _ سورة البقرة آية / 232 .
3 _ الشافعي : الأم 8/163 .
* _ معقل بن يسار بن عبد الله المزني ، أبو علي ويقال : أبو عبد الله البصري ، وكان ممن بايع تحت
الشجرة ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن النعمان بن مقرن المزني ، وروى عنه عمران بن حصين(1/25)
وعلقمة بن عبد الله قال العجلي يكنى أبا علي ، ولا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي غيره ،
مات بالبصرة في آخر خلافة معاوية . انظر تهذيب التهذيب 10 / 237 .
{ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } فقلت : الآن أفعل يا رسول الله ، فزوجها إياه(1) )) .
وهذا دليل صريح على اعتبار الولي ، وإلا لما كان للعضل معنى ، ولو كان لها أن تزوج نفسها لفعلت ، مع ما ذكر من رغبتها في زواجها منه ، ولما كانت بحاجة إلى أخيها
قال ابن خزيمة(*) وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن الله عز وجل جعل عقد النكاح إلى الأولياء دونهن ، وأنه ليس إلى النساء ، وإن كن ثيبات ، من العقد شيء(2) .
وقال الخطابي:(**) هذه أدل آية في كتاب الله على أن النكاح لا يصح إلا بعقد ولي ولو كان لها سبيل إلى أن تنكح نفسها لم يكن للعضل معنى ، ولا كان المنع يتحقق من جهة الولي ، ولو كان عقد المرأة على نفسها يصح إذا تزوجها كفء لم يتعذر عليها أن تفعل ذلك ، وقد كان الذي خطبها إنما هو ابن عمها ، المكافىء لها في النسب ، المتقدم لها في الصحبة ، فدل ما قلناه على صحة ما ذهبنا إليه(3) .
ـــــــــــ
1 _ البخاري : 9/183 مع الفتح .
2 _ الحاكم : المستدرك 2/174 .
3 _ الخطابي معالم السنن 2/570 بتعليق الدعاس .
* _ هو الحافظ الكبير الثبت شيخ الإسلام ، أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري حدث عنه الشيخان خارج "صحيحهما" ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتاباً ، قال الدار قطني : كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً معدوم النظير ، مات في ذي العقدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة عن نحو تسعين .
انظر البداية والنهاية11/149 وتذكرة الحفاظ 2/720 وطبقات الحفاظ للسيوطي 310 .(1/26)
** _ هو الإمام العلامة المحدث أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي ، كان ثقة متثبتاً ، وله مصنفات عديدة منها ، غريب الحديث ، ومعالم السنن ، وشرح الأسماء الحسنى أخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد ، والفقه عن القفال ، مات سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة .
انظر تذكرة الحفاظ 3/1018 ، وطبقات الشافعية 3/282 وطبقات الحفاظ 403 .
... وقد ورد عن جمع من الصحابة وغيرهم ، أن الذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ }(1) هو الولي(2) .
... واستدل الجمهور من السنة بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا نكاح إلا بولي ))(3) .
... وهو صريح في عدم صحة النكاح بدون ولي ، لأن المتبادر من نفي النكاح عند عدم الولي هو نفي الصحة الشرعية .
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له(4) ))
... فهذا النص صريح في بطلان النكاح بدون ولي .
... قال الخطابي : قوله : ((أيما امرأة )) كلمة استيفاء واستيعاب ، وفيه إثبات الولاية على النساء كلهن ، ويدخل فيه البكر والثيب ، وفيه بيان أن المرأة لا تكون ولية نفسها ، وفيه بيان أن العقد إذا وقع بلا إذن الأولياء كان باطلاً ، وإذا كان باطلاً لم يصححه إجازة الأولياء , وفي إبطاله هذا النكاح وتكراره القول ثلاثاً تأكيد لفسخه ورفعه من أصله(5) .
ـــــــــــ
1 _ سورة البقرة آية 237 .
2 _ ابن أبي شيبة : المصنف 4/283 ، القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 3/203 ، ورجح الشوكاني في فتح القدير 1/254 أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي .(1/27)
3 _ رواه أصحاب السنن الخمسة إلا النسائي عن أبي موسى ، وسيأتي الكلام عليه عند مناقشة الجمهور لأدلة الحنفية .
4 _ رواه الخمسة إلا النسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن 3/398 رقم 110 ، وقال ابن حجر في الفتح 9/191 حديث عائشة المرفوع : (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها )) الحديث صححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
5 _ خطابي معالم السنن 2/566 .
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تزوج المرأة المرأة ، ولا المرأة نفسها ، فإن الزانية التي تزوج نفسها(1) )) .
... وفي هذا الحديث النهي عن مباشرة المرأة العقد ، أصالة ونيابة ، والنهي يقتضي الفساد والبطلان ، فيكون دليلاً على عدم صحة نكاح المرأة إلا بولي .
أدلة الحنفية
... استدل الحنفية من الكتاب بقوله تعالى : { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }(2) .
... والنكاح في الآية الكريمة معناه العقد ، وقد أضاف المولى عز وجل النكاح إليها ، فيقتضى تصور النكاح منها دون الولي ، وهو دليل على أن المرأة لها أن تزوج نفسها(3) .
... وبقوله تعالى { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }(4) .
... وجه الاستدلال من الآية ، أن النكاح هنا معناه العقد ، وقد أضافه تعالى إليهن ، فيدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي .
... ولأنه تعالى نهى الأولياء عن المنع عن نكاحهن أنفسهن من أزواجهن إذا تراضى الزوجان ، والنهي يقتضي تصور المنهي عنه فيكون لها أن تزوج نفسها دون الولي .
... واستدلوا من السنة بقوله - صلى الله عليه وسلم - (( ليس للولي مع الثيب أمر(5) )) .
قالوا : وهذا قطع ولاية الولي عنها .
ـــــــــــ
1 _ أخرجه ابن ماجه في سننه 1/606 رقم 1882 بتحقيق محمد فؤاد _عبد الباقي _ والدار قطني في سننه 3/227 بتصحيح عبد الله هاشم اليماني .(1/28)
2 _ سورة البقرة آية / 230
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1367 .
4 _ سورة البقرة آية 232 .
5 _ أخرجه أبو داود في سننه 2/579 وتمام الحديث : واليتيمة تستأمر وصماتها قرارها .
... وبقوله - صلى الله عليه وسلم - (( الأيم أحق بنفسها من وليها(1) )) والأيم اسم لامرأة لا زوج لها .
... وأما دواد الظاهري فإنه فرق بين البكر والثيب في الولاية لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : (( الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها(2) )
... فالحديث يدل على أن حكم الثيب غير حكم البكر ، إذ أن الثيب أحق بنفسها من وليها ، فيصح أن تعقد على نفسها بخلاف البكر ، فلا يزوجها إلا الولي .
مناقشة الحنفية لأدلة الجمهور
... أولاً : استدلالهم بقوله تعالى { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ } لا يدل على المطلوب للجمهور ، ذلك أن الخطاب للأولياء للإنكاح لا يدل على أن الولي شرط جواز النكاح بل على الوفاق والعادة بين الناس ، فخرج الخطاب بالأمر بالإنكاح مخرج العرف والعادة على الندب والاستحباب .
... والدليل قوله تعالى عقب ذلك : { وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } والصلاح لم يكن شرط الجواز .
... أو تحمل الآية الكريمة على إنكاح الصغار ، عملاً بالأدلة كلها ، وعلى هذا يحمل الحديث : (( لا يزوج النساء إلا الأولياء )) أن ذلك مع الندب والاستحباب ، وكذلك حديث : (( لا نكاح إلا بولي )) .
... ما ما حكي من عدم صحته ، ولهذا لم يخرج في الصحيحين .
... وما احتجوا به من حديث : (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل )) فقد قيل : إن مداره على الزهري فعرض عليه فأنكره ، وهذا يوجب ضعفاً في الثبوت(3) .
ـــــــــــ
1 _ الترمذي 3/407 رقم 1108 وقال حديث حسن صحيح .
2 _ صحيح مسلم 9/204 مع النووي وقال النووي : الأيم هنا : الثيب كما فسرته الروايات الأخرى .(1/29)
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3 / 1368 .
مناقشة الجمهور لأدلة الحنفية
... تتلخص مناقشة الجمهور لأدلة الحنفية فيما يأتي :
... أولاً : استدلالهم بقوله تعالى { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } (1) .
... يرد عليه أن النكاح في الآية معناه الوطء ، بدليل ما ورد في المطلقة ثلاثاً من حديث : ((حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك(2) )) والعسيلة كما قال العلماء : كناية عن الوطء فعلى هذا لا دليل لهم في الآية .
... ثانياً : استدلالهم بقوله عز وجل { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } فالآية دليل للجمهور لا عليهم ، بدليل ما أخرجه البخاري في صحيحه في سبب نزول هذه الآية ، وأن الخطاب فيها للأولياء كما سبق ذكره .
... ثالثاً : قوله - صلى الله عليه وسلم - (( الأيم أحق بنفسها من وليها )) ليس فيه ما يدل على سلب الولاية بدليل أنه عليه الصلاة والسلام لم ينف عنه اسم الولاية وأبقاه حيث قال : (( الأيم أحق بنفسها من وليها )) .
... وغاية ما يدل عليه الحديث ، هو الفرق بين البكر والثيب وأنه يعتبر رضى الثيب حين يراد تزويجها ، وأنه لا بد من صريح الإذن بالنسبة لها ، ويكفي في البكر السكوت الذي يدل على الرضى ، وذلك لما جبلت عليه من الحياء ، كما في الحديث (( وإذنها صماتها )) وهو أيضاً رد على من أوجب الولاية على البكر دون الثيب(3) قال أبو عيسى(*)
ـــــــــــ
1 _ سورة البقرة آية / 230 .
2 _ سبق الحديث بطوله ص : .
3 _ هو داود الظاهري انظر ص / 32 من هذه الرسالة .
* _ المراد به الترمذي ، واسمه محمد بن عيسى صاحب السنن .(1/30)
وقد احتج بعض الناس في إجازة النكاح بغير ولي ، بحديث (( الأيم أحق بنفسها من وليها)) وليس في هذا الحديث ما احتجوا به ، لأنه قد ورد من غير وجه عن ابن عباس(*) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( لا نكاح إلا بولي )) وهكذا أفتى به ابن عباس ، بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ((لا نكاح إلا بولي )) وإنما معنى قول النبي عليه السلام (( الأيم أحق بنفسها من وليها )) عند أكثر أهل العلم أن الولي لا يزوجها إلا برضاها وأمرها(1) .
... رابعاً : ماذكروه من تضعيفهم حديث : (( لا نكاح إلا بولي )) غير مسلم ، لأن الحديث رواه أصحاب السنن الخمسة إلا النسائي ، وحسنه الترمذي(2) .
... وأخرجه الحاكم وابن حبان وصححاه ، وذكر له الحاكم طرقاً كثيرة ، وقال : قد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، ثم سرد تمام ثلاثين صحابياً(3) .
... والمقرر في مصطلح الحديث أن تعدد الطرق يقوي بعضها بعضاً ، وترفع الحديث إلى درجة الاحتجاج ، فكيف وقد رواه جمع من الصحابة رضوان الله عليهم .
... قال الترمذي:(( والعمل في هذا الباب على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا نكاح إلا بولي )) عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة وغيرهم وهكذا روي عن بعض التابعين أنهم قالوا : لا نكاح إلا بولي ، منهم سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وبهذا يقول سفيان الثوري
ـــــــــــ
1 _ الترمذي في سننه 3/407 ، 408 .
2 _ الترمذي : في سننه 3/401 ، 402 .
3 _ ابن حجر : تلخيص الحبير 3/156 ، الحاكم في المستدرك 2/172 .(1/31)
* _ هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، أبو العباس الهاشمي عالم العصر ، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل .
توفي بالطائف سنة ثمان وستين
أنظر الإصابة 1/322 وتذكرة الحفاظ 1/40 وتقريب التهذيب 1/425 .
والأوزاعي وعبد الله بن المبارك(1) وكذلك تضعيفهم لحديث (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها )) .... ألخ محتجين بأن مداره على الزهري وقد سأله عنه ابن جريح فأنكره مردود بأن الحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي ، وقال فيه الترمذي : حديث حسن(2) وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم(3) .
... ولأن رواية ابن جريج لم يذكرها إلا اسماعيل بن إبراهيم وقد ضعف يحي بن معين روايته عن ابن جريح(4) .
... ولو سلم أن الزهري أنكره فهذا الإنكار لا يوجب ضعفه . قال الحاكم ((فقد صح وثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض فلا تعلل هذه الروايات بحديث ابن علية وسؤاله ابن جريج ، وقوله : إني سألت الزهري عنه فلم يعرفه ، فقد ينسى الثقة الحافظ الحديث بعد أن حدث به ، وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث(5).
... وقد نسي أبو هريرة حديث (( لا عدوى )) ونسي الحسن حديث ((من قتل عبده))(6) إلى غير ذلك .
... قال ابن الصلاح (( وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها ، وكان أحدهم يقول : حدثني فلان عني عن فلان بكذا ، وصنف في ذلك الخطيب أخبار من حدث ونسي ، وكذلك الدار قطني(7) .
... وقال في التقريب : (( ومن روى حديثاً ثم نسيه ، جاز العمل به على الصحيح ،
ـــــــــــ
1 _ الترمذي : في سننه 3/401 ، 402 .
2 _ الترمذي في سننه 3/399 .
3 _ ابن حجر : فتح الباري 9/191 .
4 _ الترمذي في سننه 3/401 .
5 _ الحاكم : المستدرك 2/168.
6 _ ابن حزم : المحلى 11 .
7 _ السيوطي : تدريب الراوي 1/336 بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف .(1/32)
... وهو قول جمهور من الطوائف(1) )) .
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تزوج المرأة المرأة ، ولا المرأة نفسها ، فإن الزانية التي تزوج نفسها(2) )) .
... وفي هذا الحديث النهي عن مباشرة المرأة العقد أصالة ونيابة ، والنهي يقتضي الفساد والبطلان ، فيكون دليلاً على عدم صحة نكاح المرأة إلا بولي .
... ولأن المرأة ميالة بالطبع إلى الرجال ، أكثر من ميلها إلى أي شيء ، فاحتاط الشرع ، فلم يجعل لها التصرف في مباشرة العقد للمعنى المذكور ، بسبب ما يلحقها من العار في إلقاء نفسها في غير موضع كفاءة ، فيتطرق العار إلى أوليائها .
... ومن هنا يتضح أن مذهب الجمهور في اشتراط الولي في النكاح هو المؤيد بالأدلة والله أعلم .
***
الإشهاد على النكاح
... الجمهور على أن الاشهاد شرط في صحة النكاح ، وبدونه يكون فاسداً(3) وللمالكية تفصيل في المسألة حاصلة :
... أن أصل الإشهاد على النكاح واجب ، وأما وجوده عند العقد فمستحب ، فإن حصل الإشهاد عند العقد فقد وجد الأمران : الاستحباب والوجوب ، وإن فقد وقت العقد ووجد عند الدخول ، فقد حصل الواجب وفات الاستحباب ، وإن لم يوجد عند
ـــــــــــ
1 _ النووي : التقريب في مصطلح الحديث 1/335 مع تدريب الراوي للسيوطي شرح على التقريب .
2 _ أخرجه ابن ماجه 1/606 رقم 1882 بتحقيق فؤاد محمد عبد الباقي والدار قطني 3/227 وفي رواية للدار قطني هي البغي بدل قوله الزانية وفي رواية أخرى : وكنا نقول التي تزوج نفسها هي الفاجرة انظر الدار قطني 3/227 ، 228 .
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1376 ، ابن الهمام : فتح القدير 3/991 ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج 7/217 ، ابن قدامة : المغني 7/8 الروض النضير 4/212 .(1/33)
... واحد منهما فالنكاح فاسد(1) . وعليه فالمالكية يتفقون مع الجمهور ، على اشتراط الإشهاد في النكاح في الجملة ، إلا أن الجمهور يرون أن الشهادة شرط لصحة العقد ، بحيث يكون العقد فاسداً إذا لم يقع الإشهاد عند إجرائه .
... ويرى المالكية أنه شرط لتمام العقد لا لصحته ، بحيث يكون العقد فاسداً إذا لم يقع الإشهاد قبل الدخول .
... وذهب آخرون إلى عدم اشتراط الإشهاد في النكاح ، وأنه مستحب فقط وهي رواية عن أحمد ، وفعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا عبد الله بن عمر بن الخطاب وبه قال عبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وأبو ثور(2) .
أدلة الجمهور على اشتراط الإشهاد
... روى الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن حصين (*) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل))(3)
... فالحديث صريح في نفي صحة النكاح بدون ولي وشاهدي عدل . وروى الدار قطني عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ))(4) وعنها أيضاً قالت : قال
ـــــــــــ
1 _ حاشية الشيخ علي العدوي على الخرشي 3/167 .
2 _ إبراهيم الشيرازي : المهذب 2/40 ، ابن قدامة : المغني 7/8 ، ابن رشد بداية المجتهد 2/16 ، الشوكاني : نيل الأوطار 6/135 الحسين ابن أحمد السياغي : الروض النضير 4/212 .
3 _ الإمام أحمد في مسنده : وأشار إليه الترمذي 3/403 ورواه الدار قطني عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما 3/225 .
4 _ الدار قطني 3/226 .
* _ عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد ، كان ممن بعثهم عمر بن الخطاب إلى أهل البصرة ليفقههم ، وولي قضاء البصرة وكان الحسن يحلف بالله ما قدم البصرة أحد خير لهم من عمران بن حصين ، مات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة .(1/34)
أنظر أسد الغابة 4/281 ، تذكرة الحفاظ 1/27 ، طبقات ابن سعد 8/39 ، تقريب التهذيب 234.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل ، فنكاحها باطل ، وإن دخل بها فلها المهر ، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له))(1) وهو نص صريح في بطلان النكاح بدون شاهدي عدل ، ودليل أيضاً على اشتراطها في صلب النكاح ، وإلا لما وقع النكاح فاسداً بدونها .
... وروى عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة ))(2) .
... وجه الدلالة من الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - وصف المرأة في النكاح بدون بينة ، بأنها من البغايا وهن الزواني .
... فدل على أن النكاح بدون الإشهاد عليه فاسد .
... وصحح الترمذي ماروي عن ابن عباس ، (( لا نكاح إلا ببينة )) ثم قال : والعمل على هذا عند أهل العلم ، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين وغيرهم ، قالوا لا نكاح إلا بشهود ولم يخالف في ذلك من مضى منهم إلا قوم من المتأخرين من أهل العلم(3) .
***
ـــــــــــ
1 _ أخرجه : البيهقي في السنن الكبرى 7/125 .
2 _ أخرجه الترمذي في سننه 3/402 برقم 1103 وذكر أنه لم يرفعه غير عبد الأعلى وأنه قد وقفه مرة قال ابن تيمية في منتقى الأخبار 6/134 مع النيل : وهذا لا يقدح لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه .
وصحح الترمذي وقفه انظر سننه 3/402 ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4/135
عن ابن عباس .
3 _ الترمذي : 3 / 403 .
الدليل من المعقول
... عقد النكاح له شأن عظيم في الإسلام ، إذ يترتب عليه من الآثار ما يقتضي شهرته ، بين الناس حتى يأمن الزوجان جحود النكاح وإنكاره ، وفي هذا دفع لتهمة الزنا عنهما ، وغير ذلك ولا يشتهر ذلك إلا بالإشهاد .(1/35)
... ولما كان فقهاء المالكية يتفقون مع الجمهور ، على اشتراط أصل الشهادة في النكاح فأدلتهم هي نفس أدلة الجمهور إلا أن المالكية يخالفون الجمهور في زمن الإشهاد .
... ذلك أن الجمهور يرون أن الشهادة حكم شرعي ، ولهذا كانت شرطاً لصحة العقد .
... ويرى المالكية أن المقصود منها هو التوثيق لسد ذريعة الإنكار أو الاختلاف ، ولهذا كانت عندهم شرطاً لتمام صحة العقد .
... والناظر في الأدلة المفيدة لوجوب الإشهاد على النكاح يستنتج أنها شرط لصحة العقد وأن محلها وقت عقد النكاح ، وحديث : (( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل ...(*) الخ )) دليل على اشتراطها في النكاح ، وإلا لما وقع باطلا بدونها .
... والمالكية أنفسهم يقولون إن النكاح حقيقة في العقد ، فيلزمهم القول بالإشهاد عند إجرائه .
... وأما قولهم : الإشهاد في النكاح إنما هو للتوثيق دفعاً للتهمة فلا يحتاج إليها إلا عند البناء فغير مسلم لأن حكمة مشروعية الإشهاد ليست لما ذكروه فحسب ، بل لما يترتب على العقد من حين إبرامه من حقوق وآثار .
... فعقد النكاح ليس أثره حل كل للآخر فقط ، بل تترتب عله آثار أخرى كالتوارث، وحرمة المصاهرة ،ووجوب نصف المهر إن طلقت قبل الدخول ، وغير ذلك .
... ولهذا كان الإشهاد لازماً لصحة عقد النكاح حال إبرامه وهو رأي الجمهور.... .... والله أعلم .
ـــــــــــ
* _ سبق تخريخه ص / 43 .
أدلة القائلين بعدم اشتراط الإشهاد على النكاح
...
استدلالهم أولاً بالكتاب :
... قالوا إن الآيات التي وردت في القرآن بشأن النكاح . إما مطلقة لسيت مقيدة بشهود ، كقوله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }(1)(1/36)
وقوله تعالى :{ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ }(2) والمكلف مخير بين أن ينكح بشهود أو بغير شهود . وإما عامة كما في قوله تعالى { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }(3) فهي تتناول النساء غير المحرمات ، وليس منهن غير المشهود على نكاحها وهذه الآية يجب حملها على إطلاقها وعلى عمومها ، ولا يصح تقييدها ولا تخصيصها إلا إذا قام الدليل على التقييد أو التخصيص .
... وما ورد من الأحاديث التي تدل على اشتراط الشهادة في النكاح ، لا تصلح مقيدة لما في الكتاب ولا مخصصه له لأنها أحاديث آحاد(4) فهي لا تقوى على التقييد ولا على التخصيص(5) .
... فهي زائدة على ما ورد في الكتاب لا دليل عليها .
ـــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 3 .
2 _ سورة النور آية 32 .
3 _ سورة النساء آية 24 .
4 _ عرف الآمدي الآحاد بقوله . هو ما كان من الأخبار غير منته إلى حد التواتر .
انظر : الأحكام 1/21 .
5 _ محمد أديب صالح : لمحات في أصول الحديث / 96 .
واستدلوا من السنة : بما اتفق عليه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي،(*) وقد ورد فيه (( اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن ))(1) .
... وجه الدلالة من الحديث ، أنه قد ثبت نكاح الرجل المرأة على ما معه من القرآن وسياقه يدل على أنه كان بدون شهود على النكاح ، إذ ليس في الحديث ما يدل على وجودهم ، وهو دليل على عدم اشتراطها .
... ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (( تزوج صفية بنت حيي بعد أن أعتقها بدون شهود ، لأن المسلمين كانوا في حيرة من أمرها ، حتى قال الناس : ما ندري أتزوجها عليه الصلاة والسلام ، أم هي مما ملكت يمينه ؟ فلما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يرحل حجبها ، فعلموا أنه تزوجها(2) .(1/37)
... فالمسلمون لم يعلموا زواج الرسول منها إلا عن طريق الحجاب ، ولو كان الإشهاد شرطاً في النكاح لعلموا بزواجه منها ، عن طريق الشهود ، ولما وقعوا في حيرة من أمرها .
... وهذا دليل على عدم اشتراط الشهادة في النكاح ، عملا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الأصل في فعله التشريع العام .
*****
ـــــــــــ
1 _ صحيح البخاري 9/205 مع الفتح ومسلم 9/211، 212 وسيأتي الحديث بطوله ص :
2 _ صحيح البخاري 9/126 مع الفتح ومسلم 9/223، 224 مع شرح النووي .
* _ هو الصحابي الجليل سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري المخزومي الساعدي أبو العباس ويقال أبو يحي ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بن كعب ، وعاصم بن عدي وغيرهم ، وعنه ابنه العباس والزهري ، وأبو حازم بن دينار وغيرهم . وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة وكان اسمه حزناً فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلا .
أنظر تهذيب التهذيب 4/252/253 .
مناقشة أدلة النافين لا شتراط الشهادة
أولاً : استدلالهم بالكتاب :
... يرد عليه أن الآيات المتعلقة بالنكاح التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، وظاهرها يفيد الإطلاق ، قد قيدت بأدلة قطعية ، كأدلة تحريم النكاح على من عنده أربع نسوة .
... وكذلك الآيات التي ظاهرها العموم ، قد خصصت بأدلة قطعية كذلك ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }(1) .
... وكقوله تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }(2) إلى غير ذلك من الأدلة القطعية المخصصة للآيات ، وحيث ثبت التخصيص والتقييد لهذه الآيات أصبحت دلالتها ظنية ، وأمكن تخصيصها أو تقييدها بما ثبت من السنة المطهرة .(1/38)
... وأحاديث اشتراط الشهادة في عقد النكاح ، وإن كانت أحاديث آحاد ، فمع تعدد طرقها وتلقي الأمة لها بالقبول ، صالحة للاحتجاج بها ، هذا فضلاً عن أن تكون قد وصلت إلى درجة المشهور(3) وهو يفيد علم طمأنينة فهو أقوى من الظن وأقل من اليقين ، وبالتالي تكون هذه الأحاديث صالحة لتقييد مطلق الكتاب أو تخصيص عمومه ، في آيات النكاح التي تمسك بها النافون لاشتراط الشهادة ، وليست زيادة ولا نسخاً له .
... وأما استدلاهم بحديث سهل بن سعد الساعدي ، فليس فيه ما يدل على عدم اشتراط الشهادة في عقد النكاح ، و إنما فيه الدلالة على جواز نكاح الرجل بما معه من القرآن ، بل لقد ورد في بعض طرقه ما يدل على وقوع النكاح أمام الشهود .
ـــــــــــ
1 _ سورة البقرة آية / 221 .
2 _ سورة البقرة آية / 228 .
3 _ وحكمه كالمتواتر حيث قالوا أنه صالح لبيان القرآن الكريم فيفصل المجمل ويخصص العام ويقيد المطلق ، أنظر لمحات في أصول الحديث لمحمد أديب صالح /96 .
... فرواية البخاري (( إني لفي القوم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قامت امرأة )) الحديث(1)
... وفي رواية كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - جلوساً فجاءته امرأة(2) وفي رواية (( بينما نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أتت إليه امرأة ))(3) .
... فهذه الروايات تدل على أن القصة وقعت بمحضر من الناس ، وأن هذا يتنافى مع ما قيل من أن النكاح وقع بدون إشهاد على العقد ، على أن نص الحديث ليس فيه ما ينفي الشهادة أو يثبتها ، فهو محتمل ، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
... وأما قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم - من صفية ، وعدم علم أصحابه بهذا الزواج إلا عن طريق الحجاب ، فليس دليلاً على وقوع العقد بدون إشهاد ، لاحتمال أن الذين وقعوا في هذه الحيرة من أمرها من غير الشهود على هذا العقد ، ولهذا الاحتمال بطل الاستدلال بما ذكره .
ـــــــــــ(1/39)
1 _ تتمة الحديث (( فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك ، فرفيها رأيك ، فلم يجبها شيئاً ثم قامت فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فرفيها رأيك فلم يجبها شيئاً ، ثم قامت الثالثة فقالت إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك ، فقام رجل فقال يا رسول الله أنكحنيها قال : هل عندك من شيء ؟ قال : لا ، قال اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد ، فذهب وطلب ثم جاء فقال : ما وجدت شيئاً ، ولا خاتماً من حديد ، قال هل معك من القرآن شيء قال معي سورة كذا وسورة كذا ، قال اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن ( أ هـ صحيح البخاري 9 / 205 مع الفتح .
2 _ الدار قطني 3/247 وفي رواية للدار قطني من ينكح هذه .
3 _ ابن حجر : فتح الباري 9/205 .
ولو سلم أن جميع الصحابة وقعوا في هذه الحيرة من أمرها ، وأن النكاح وقع بدون شهود على العقد ، فتلك خصوصية من خصوصيات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وخصوصياته في أمور النكاح كثيرة مشهورة ، فلا يحمل هذا على التشريع العام ، إلا إذا قام الدليل على ذلك .
ولم يقم الدليل ، بل قام الدليل على اشتراط الشهادة في النكاح ، فلا يلحق به - صلى الله عليه وسلم - غيره في هذه الخصوصية .
ومن هنا يظهر لنا رجحان رأي الجمهور أن الإشهاد على النكاح شرط للاطمئنان إلى أدلتهم ، وقد مر بنا قول الترمذي : (( ان العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين وغيرهم ، ولم يخالف في ذلك من مضى منهم(1) والله سبحانه أعلم .
ـــــــــــ
1 _ أنظر من هذه الرسالة ص / 43 .
تحديد مفهوم النكاح الفاسد
... خلاصة ما سلف أن النكاح الباطل والفاسد(1) هو ما ورد الشرع بتحريمه ، أو اختل ركن من أركانه(2) .
... وبهذا نأتي على آخر ما أردناه في هذا التمهيد ، من دراسة إجمالية عن النكاح وأركانه وشروطه .
ونأخذ في بيان أنواعه .. والله الموفق .
ـــــــــــ(1/40)
1 _ الباطل والفاسد _ هما لفظان مترادفان مدلولهما واحد عند غير الحنفيه قال ابن رسلان :
والباطل الفاسد للصحيح ضد وهو الذي بعض شروطه فقد ، أما الحنفية فيفرقون بينهما
فالباطل عندهم ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه ، كبيع الخنزير بالدم (* انظر الشنقيطي : مذكرة
أصول الفقه :46 والفاسد عندهم : ما شرع بأصله ومنع بوصفه ، كبيع الدرهم بالدرهمين ،
فهو مشروع بأصله ، وهو بيع درهم بدرهم ، ممنوع بوصفه الذي هو الزيادة التي سببت الربا ،
ولذا لو حذف الدرهم الزائد عن أبي حنيفة صح البيع في الدرهم الباقي بالدرهم على أصل بيع
الدرهم بالدرهم يداً بيد (* الآمدي : الأحكام 1/122 ، الشنقيطي : مذكرة في أصول
الفقه/46 فالباطل عندهم لا يعتد به أصلاً ولا تترتب عليه ثمرة ، أما الفاسد فإنه تترتب عليه
آثار ولكن مع الإثم ، فمثلاً بيع الربوي بجنسه مع التفاضل يفيد الملك للزيادة ، ولكن مع الإثم
(محمد عبد العزيز البهنسي : مذكرة في أصول الفقه / 13 ، 14 بالالة الكاتبة ) وقد أشار
صاحب مراقي السعود إلى الفرق بينهما عند أبي حنيفة بقوله :
وقابل الصحة بالبطلان وهو الفساد عند أهل الشان
وخالف النعمان فالفساد ما نهيه بالوصف يستفاد
( * الشنقيطي : مذكرة أصول الفقه ./46 )
2 _ حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 2/233 .
القسم الأول
النكاح الفاسد لذاته وبيان أسباب فساده
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول
المحرمات بالنسب وينتظم البحث النقاط التالية :
_ مدخل إلى تحريم النسب
_ المحرمات من جهة النسب .
_ اختلاف العلماء في تحريم البنت من السفاح وأدلة كل .
1_ مدخل إلى تحريم النسب
... لما كان الإسلام حريصاً على صلة الأرحام ، وتقوية أواصر المودة بينها ، بالغ في توطيد تلك العلاقة الكريمة ، فتوخى في تشريعه تحريم الافتراش الجنسي بين أنواع من الأقارب ، حتى تظل العلاقة تنمو وتزداد على مر الزمن .(1/41)
... فلو أبيح مثلا للأم أن تقترن بزوج ابنتها ، وللبنت أن تنكح زوج أمها ، لأصبح كل من الأصل والفرع عدو الآخر . ومن هنا تتمزق الأواصر وتحل البغضاء والقطيعة محل الوفاق والود ، ومن الأهداف السامية التي شرع النكاح من أجلها تقوية الروابط وتوثيق الأواصر . فكان الأليق أن يحرم الإسلام زواج هؤلاء القريبات ، إذ في ذلك حسم لكل ما يدعو إلى الهجران والقطيعة ، ومحافظة على العلاقة بين الأسر ، التي عني الشارع بأن ينحي عنها أسباب النفرة والتباغض ، وشيء آخر نستطيع أن نستشفه من وراء هذا التحريم .
... ذلك أن الاختلاط السمح عادة ما يقع بين الذكور والإناث في نطاق القرابة فلو أبيح زواج الذكور من هؤلاء الإناث لفتح باب خطير لوقوع الفاحشة بينهما بحكم الحل والشهوة عارمة وبخاصة في بواكير الشباب ونضوجه فكان الأحوط فيما نتصور ، إقامة الجسور الدينية للحيلولة دون وقوع الفاحشة .
... ومن ناحية أخرى تنمية لدافع الحفاظ على العرض في نفس المسلم ، ولهذا فقد حرم الشارع من جهة النسب ما حرم ، تحقيقاً للأهداف التي أشرت إليها .
المحرمات من جهة النسب
... يقول المولى تقدست أسماؤه :
... { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ }(1) .
1 _ والمراد بالأمهات كل من انتهى نسبك إليها بالولادة ، سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة ، وهي التي كانت منها الولادة المباشرة ، أو مجازاً وهي التي كانت منها الولادة بواسطة وإن علت ، فيشمل هذا الحد أم الأب وأم الأم ، وجدتي الأب وجدتي الأم وإن علون وارثات كن أو غير وارثات ، كلهن محرمات .
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 23 .
2 _ والبنات ، وهن كل أنثى انتسبت إليك بالولادة كابنة الصلب وبنات البنين ، والبنات وإن نزلت درجتهن ، وارثات أو غير وارثات كلهن محرمات بالنص .(1/42)
واختلفوا في البنت من السفاح ، وسنذكر هذا الاختلاف في موضعه ومن المحرمات بالنص .
3 _ الأخوات من الجهات الثلاث ، من الأبوين ، أو من الأب أو من الأم .
4 _ والعمات أخوات الأب من الجهات الثلاث ، وأخوات الأجداد من قبل الأب ومن قبل الأم ، قريباً كان الجد أو بعيداً ، كلهن محرمات .
5 _ والخالات . أخوات الأم من الجهات الثلاث ، وأخوات الجدات وإن علون .
6 _ وبنات الأخ ، وهن كل امرأة انتسبت إلى أخ بولادة فهي بنت أخ محرمة من أي جهة كان الأخ .
7 _ وبنات الأخت ، وهن كل امرأة انتسبت إلى أخت بولادة فهي بنت أخت فهي محرمة من أي جهة كانت الأخت .
... ويجمع من يحرم نكاحهن بالنسب قول بعض الفقهاء : ( يحرم جميع نساء القرابة غير ولد الخؤولة والعمومة )(1) .
... وهو أخصر وأجمع ، فهؤلاء المحرمات بالنسب المذكورات في النص القرآني .
البنت من السفاح
... اختلف الفقهاء في البنت من السفاح ، أي : فيمن زنى ببكر ، وأمسكها حتى ولدت بنتاً .
... فذهب أبو حنيفة(2) وأحمد(3) والمشهور من مذهب مالك(4) أنها تحرم .
ــــــــــــ
1 _ حاشية الشرقاوي 2/225 .
2 _ السرخسي : المبسوط 4/206 ، بدائع الصنائع 3/1385 .
3 _ ابن قدامة : المغني 7/119 .
4 _ الخرشي على مختصر خليل 3/207، الدردير : الشرح الكبير 2/250 مع الدسوقي .
... ومذهب الشافعي عدم الحرمة(1) وهي رواية عن مالك في الموطأ(2) وقد خطأ صاحب التوضيح سحنوناً في قوله بالحرمة ، قال (( لأنها لو كانت بنته لورثته وورثها ، وجاز له الخلوة بها ، وإجبارها على النكاح ، وذلك كله منتف عندنا(3).
... استدل القائلون بحرمة البنت من الزنا بقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } قالوا : وهذه بنته ، فإنها أنثى مخلوقة من مائه ، هذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة .(1/43)
... واستدلوا من السنة بقوله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة هلال بن أمية حين قذفها هلال بشريك بن سحماء : (( انظروه _ يعني ولدها _ فإن جاءت به على صفة كذا ، فهو لشريك بن سحماء(4) )) يعني الزاني .
... قالوا ولأنها بضعة منه فلم تحل له كبنته من النكاح ، ولأنها مخلوقة من مائه فأشبهت المخلوقة من وطء الشبهة .
... واستدل القائلون بعدم الحرمة :
... بأن نسبها لا يثبت في دائرة الوارثين ، ولا في العائلة التي تجب عليه نفقتهم ، فليست داخلة في قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ }(5) ولا في قوله جل شأنه : { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ }(6) .
ــــــــــــ
1 _ النووي : المنهاج / 372 .
2 _ 2/533 ، 534 بتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي .
3 _ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/250 بتقرير الشيخ محمد عليش .
4 _ أخرجه الجماعة إلا النسائي .
5 _ سورة النساء آية /10 .
6 _ سورة البقرة آية / 233 .
... واستدلوا بما رواه الدار قطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة(*) رضي الله عنها قالت : (( سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل زنى بامرأة ، فأراد أن يتزوجها أو ابنتها ؟ فقال : لا يحرم الحلال الحرام ، إنما يحرم ما كان بنكاح(1) وهو نص صريح في الموضوع ، ولأنه تعالى بين المحرمات ثم قال : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }(2) .
... ولم يذكر المزني بها وأصولها وفروعها في المحرمات ، فيدخلن في عموم النص المحلل.
... ولأنه لما ارتفع الصداق في الزنى ووجوب العدة والميراث ولحوق الولد ، ارتفع أن يحكم له بحكم النكاح الجائز .
... قالوا والاستدلال بقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } ليس فيه دليل على حرمة البنت من الزنا ، إذ لا تسمى بنتاً شرعاً ، فلا تدخل في دائرة البنات المحرمات .(1/44)
... والاستدلال بحديث : (( فهو لشريك بن سحماء )) لا يعني هذا أن نسبه ملحق به ولكن المقصود أنه مائه ، وأن زوج المرأة صادق فيما رمى به زوجته .
... والمعاني التي ذكروها بأنها بضعة منه ... الخ ، فيقال إنه لما كان وضع الماء في الرحم بطريق غير مشروعة ، انتفى عنه الحكم الشرعي من الحرمة والإرث والنفقة وغير ذلك .
... والذي أطمئن إليه :
... هو القول بحرمة البنت من الزنى ، لأن ولد الزنى بعضه فتكون محرمة عليه لأن البعضية باعتبار الماء ، فالولد المخلوق من الماءين يكون بعض كل واحد منهما . ...
ــــــــــــ
1 _ أخرجه الدار قطني في سننه 3/268 بتحقيق عبد الله هاشم ، وروى ابن ماجه عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يحرم الحرام الحلال )) قال : وفي إسناده رجل ضعيف . سنن ابن ماجه 1/649 رقم 2015 .
2 _ سورة النساء آية / 24 .
* _ تقدمت ترجمتها ص 21 .
... وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة(*) رضي الله عنها : ( هي بضعة مني ) والبعضية صالحة لإثبات الحرمة ، لأن الإنسان كما لا يستمتع بنفسه لا يستمتع ببعضه .
... إلا أن النسب لا يثبت شرعاً ، لا لانعدام البعضية ، بل للاشتباه ، لأن الزانية يأتيها غير واحد ، ولو أثبتنا النسب بالزنا ، ربما يؤدي إلى نسبة ولد إلى غير أبيه وذلك حرام .
... والاستدلال بأن نسبها لا يثبت في دائرة الوارثين .. الخ لا يقوى دليلاً على الحلية لأن تخلف بعض الأحكام لا ينفي كونها بنته كما لو تخلف لرق أو اختلاف الدين .
... وحديث : (( لا يحرم الحلال الحرام ، إنما يحرم ما كان بنكاح )) ضعيف جداً لأن في سنده عثمان بن عبد الرحمن الزهري الوقاصي ، قال ابن حجر(**) متروك ، وكذبه ابن معين وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات(1) .(1/45)
... ولأن قطع النسب شرعاً لمعنى الزجر عن الزنا ، فإنه إذا علم أن ماءه يضيع بالزنا فانه يمتنع عن مباشرة الحرام ويتحرز عن فعله ، وأيضاً في ثبوت النسب من الزنا إشاعة للفاحشة ولهذا لم يثبت .
والله أعلم .،،،،
ــــــــــــ
1 _ ابن حجر : تقريب التهذيب / 235 ، أبو الحسن الكناني : : تنزيه الشريعة عن الأحاديث
الموضوعة 1/84 .
* _ هي فاطمة الزهراء ، بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم الحسنين ، سيدة نساء هذه الأمة ، تزوجها علي بن
أبي طالب رضي الله عنه ، في السنة الثانية من الهجرة ، وماتت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر ، وقد
جاوزت العشرين بقليل .
... أنظر ، تقريب التهذيب ( 471 ) .
** _ هو شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الكناني ، المعروف بابن حجر العسقلاني ، بلغت
تصانيفه مائة وخمسين ، وقل أن تجد فناً من الفنون إلا وله مؤلفات حافلة فيه ، ومن تلك
المؤلفات ، الإصابة في أسماء الصحابة وتهذيب التهذيب ، وتلخيص الحبير ، وبلوغ المرام ، ولو
لم يكن له إلا كتابه فتح الباري ، لكفى في الإشادة بذكره توفي رحمه الله سنة 852هـ .
... انظر مقدمة فتح الباري 1/8 ، ومقدمة سبل السلام 1/5 .
المبحث الثاني
المحرمات بالرضاع وينتظم البحث النقاط التالية
_ أدلة تحريم الرضاع .
_ القدر المحرم من اللبن واختلاف الفقهاء في ذلك .
_ سن الرضاع المحرم .
_ لبن الفحل .
***********************
أدلة تحريم الرضاع(1)
الأصل في تحريمه قوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ }(2)
... ذكر سبحانه وتعالى الأمهات والأخوات من الرضاعة في جملة المحرمات . والأمهات المرضعات هن اللاتي أرضعنك وأمهاتهن وجداتهن وإن علت درجتهن على حسب ما ذكرنا في النسب للآية الكريمة .(1/46)
... والأخوات من الرضاعة . هن كل امرأة أرضعتك أمها ، أو أرضعتها أمك أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة ، أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل واحد ، كرجل له امرأتان لهما منه لبن أرضعتك إحدهما ، وأرضعتها الأخرى ، فهي أختك محرمة عليك لقوله تعالى : { وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } .
... وكل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع .
... وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت على نحو ما ذكرنا في النسب لقوله - صلى الله عليه وسلم - (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(3) )) .
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - (( يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة))(4) وقوله - صلى الله عليه وسلم - في درة بنت أبي سلمة : (( لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة))(5) .
...
ــــــــــــ
1 _ الرضاع في اللغة : مص اللبن من الثدي ، شرعاً مص الرضيع اللبن من ثدي الآدمية في وقت مخصوص .
2 _ سورة النساء آية / 23 .
3 _ أخرجه ابن ماجه 1/623 حديث رقم /1937 .
4 _ أخرجه البخاري في صحيحه 9/140 مع الفتح ، ومسلم 10/20 مع النووي ، وأبو داود في سننه 2/545 حديث رقم 2055 ، ومالك في الموطأ 2/601 من كتاب الرضاع .
5 _ صحيح البخاري 9/140 مع الفتح .
... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - (( ألا تتزوج ابنة حمزة ؟(*) قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة ))(1) .
... ولا خلاف في تحريم من ذكر(2) وإنما الخلاف في القدر المحرم من اللبن ، وفي سن الرضاع ، وفي لبن الفحل .
... وقد استثنى العلماء من عموم قوله (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )) أربع نسوة يحرمن في النسب مطلقاً ، وفي الرضاع قد لا يحرمن .
... الأولى : أم الأخ في النسب حرام ، لأنها إما أم وإما زوج أب ، وفي الرضاع قد تكون أجنبية ، فترضع الأخ فلا تحرم على أخيه .(1/47)
... الثانية : أم الحفيد(3) حرام في النسب ، لأنها إما بنت أو زوج ابن ، وفي الرضاع قد تكون أجنبية ، فترضع الحفيد فلا تحرم على جده .
... الثالثة : جدة الولد في النسب حرام ، لأنها إما أم أو أم زوجة ، وفي الرضاع قد تكون أجنبية أرضعت الولد ، فيجوز لوالده أن يتزوجها .
... الرابعة : أخت الولد حرام في النسب ، لأنها بنت أو ربيبة وفي الرضاع قد تكون أجنبية ، فترضع الولد فلا تحرم على الوالد))(4) .
ــــــــــــ
1 _ صحيح البخاري 9/140 مع الفتح .
2 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1396 ، ابن قدامة : المغني 7/113 ، ابن رشد بداية المجتهد 2/28 ، الترمذي : الجامع الصحيح 2/307 .
3 _ الحفيد : ولد الولد .
4 _ ابن حجر فتح الباري 9/142 ، الحسين بن أحمد السياغي : الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير 4/311 .
* _ هي الصحابية ابنة حمزة بن عبد المطلب ، قيل اسمها أمة الله ، وقيل أم الفضل ، وقيل غير ذلك أ هـ تقريب (477) .
... وقد نظمها بعضهم بقوله :
أربع هن في الرضاع حلال جدة ابن وأخته ثم أم ... وإذا ما نسبتهن حرام لأخيه وحافد والسلام
******
القدر المحرم من اللبن واختلاف الفقهاء في ذلك
... مذهب أبي حنيفة(1) ومالك(2) عدم تحديد القدر المحرم ، وهي رواية عن أحمد(3) .
... فمتى أرضع منها مرة أو مرتين أو أكثر ثبتت الحرمة بدون تحديد لقدر الرضعات .
... وذهب الشافعي إلى تحديد القدر المحرم بخمس رضعات(4) ، وهو الصحيح من مذهب أحمد(5) وعليه فلو أرضعته مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، فلا تثبت الحرمة لأن للحرمة حداً قدره الشارع ، فمتى لم يوجد انتفى التحريم .
... وذهب (( ابو ثور وأبو عبيدة وداود ابن المنذر ، ويروى عن زيد بن علي ، إلى أن التحريم لا يثبت إلا بثلاث رضعات فأكثر(6) فلا تحرم الرضعة ولا الرضعتان عند هذه الطائفة وسيأتي دليل كل .
ــــــــــــ
1 _ الكاساني : بدائع الصنائع 5/2178 .(1/48)
2 _ المدونة الكبرى للامام مالك 2/405 ، بداية المجتهد لابن رشد 2/31 .
3 _ ابن قدامة : المغني 8/171 .
4 _ النووي : المنهاج / 460 .
5 _ ابن قدامة : المغني 8/171 .
6 _ ابن حزم : المحلي 11/184 ، ابن قدامة : المغني 8/172 ، النووي شرح مسلم 10/29، الخطابي : : معالم السنن 2/252 ، ابن حجر فتح الباري 9/147 ، الروض النضير 4/318.
دليل أبي حنيفة ومالك ومن وافقهما
... استدل أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما على عدم تقييد الرضاع بعدد محدد بما يلي:
1 _ بقوله تعالى { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ }(1) قالوا الآية دلت على تحريم الرضاع مطلقاً ، بدون أن يقيد بعدد الرضعات .
2 _ وقوله - صلى الله عليه وسلم - (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ))(2) فليس في هذا الحديث الرضعات المحرمة .
3 _ وبما روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم أنهم قالوا : (( قليل الرضاع وكثيره سواء))(3) .
4 _ وقال مالك في المدونة : (( أخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله ، والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطاوس وقبيصة بن ذؤيب ، وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وربيعة ، وابن شهاب وعطاء ابن أبي رباح ومكحول أن قليل الرضاعة وكثيره سواء يحرم في المهد(4) .
5 _ وروى عن ابن عمر(*) رضي الله عنهما أنه قال : ((الرضعة الواحدة تحرم )) (5).
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 23 .
2 _ صحيح مسلم 10/22 مع النووي .
3 _ الترمذي في سننه 3/447 ، الدار قطني 3/187 .
4 _ مالك : المدونة الكبرى 2/405 ، 406 .
5 _ الكاساني : بدائع الصنائع 5/2179 .(1/49)
* _ هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أبو عبد الرحمن ، العدوي المدني الفقيه ، أحد الأعلام في العلم والعمل ، شهد الخندق وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه ، ومناقبة لا تحصى أثنى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووصفه بالصلاح ، استصغر يوم أحد ، وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة ، وهو من أشد الناس اتباعاً للأثر ، مات سنة (73) انظر : تقريب التهذيب 183 ، والإصابة 1/338 .
... وروي أنه لما بلغه أن عبد الله بن الزبير(*) يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان فقال : قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير ، وتلا قوله تعالى { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ }(1) .
... وهذه النصوص صريحة في تعليق الحرمة بالرضاع ، دون تحديد فيستوي فيه القليل والكثير .
*****
دليل الشافعي وأحمد ومن وافقهما
... استدلوا بما روته عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات(2) يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن(3) .
ــــــــــــ
1 _ سنن الدار قطني : 3/179 .
2 _ قوله معلومات : فيه إشارة إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات ، وأنه لا يكفي الظن بل يرجع معه ومع الشك إلى الأصل وهو العدم أ هـ أنظر نيل الأوطار للشوكاني 6/330 .
3 _ أخرجه مسلم في صحيحه 10/29 مع النووي ، والترمذي في سننه وأبو داود 2/55 ، ومالك في الموطأ 2/608 كتاب الرضاع .(1/50)
* _ هو الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر ، ويقال : أبو خبيب ، وأمه أسماء بنت أبي بكر ، وكان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من قريش ، عن الربيع قال : قيل للشافعي هل سمع عبد الله بن الزبير من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم وحفظ عنه ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن تسع سنين قتله الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 73 رحمه الله تعالى ، انظر تهذيب التهذيب 5/213
... وبما روي أن سهلة بنت سهيل ، وهي امرأة أبي حذيفة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يارسول الله _ كنا نرى سالماً ولداً ، وكان يدخل علي وأنا فضل(1) ، وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه ؟ فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : (( أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ، وكانت تراه ابناً من الرضاعة(2) )) .
دليل من قال لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات
... استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تحرم المصة ولا المصتان )) وقوله : (( لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان )) رواهما مسلم في صحيحه(3) .
... وجه الدلالة أن المفهوم في قوله : (( لا تحرم المصة ولا المصتان )) يقتضي أن ما فوقهما يحرم ، ومثله الحديث الذي بعده .
... ومن خلال ما ذكر :
... نرى أن القائلين بعدم التحديد أخذوا بمطلق الآية وهي قوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ } وبمطلق الحديث : (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )) فالآية والحديث يدلان على عدم تحديد القدر المحرم ، فقليله وكثيره سواء لإطلاقهما .
... وإذا تأملنا الآية نجد أنها مطلقة قيدتها السنة وبينت الرضاعة المحرمة وصريح ما روي من تحديد القدر المحرم يخصص ما استدلوا به .
... وعلى هذا يحمل المطلق على المقيد فيرجح جانب التحديد .
... يؤيد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أم الفضل(*) أن رجلاً من بني
ــــــــــــ(1/51)
1 _ الفضل من الرجال والنساء الذي عليه ثوب واحد بغير إزار .
2 _ رواه مالك في الموطأ 2/605 .
3 _ 10/28 مع شرح النووي ، والإملاجة : الإرضاعة الواحدة مثل المصة وفي القاموس ملج الصبي إذا تناول ثديها بأدنى فمه وامتلج اللبن وأملجه أرضعه .
* _ هي لبابة بنت الحارث ابن حزن الهلالية ، أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب ، وأخت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن حبان ماتت بعد العباس في خلافة عثمان أ هـ تقريب (472).
عامر ابن صعصعة قال : يا نبي الله ، هل تحرم الرضعة الواحدة ؟ قال : لا))(1)
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تحرم الرضعة أو الرضعتان ، أو المصة أو المصتان))(2) .
... وقد جاء في اشتراط العدد أحاديث كثيرة مشهورة . هذا من حيث مبدأ التحديد وأما القدر المحرم ، فقد وردت أحاديث تربط التحريم بخمس رضعات ، وبعضها تربطه بثلاث رضعات ، إلا أن أحاديث الخمس رضعات أقوى من حيث الثبوت والحجة من أدلة ثلاث رضعات ، إذ أن حديث الخمس رواه مسلم في صحيحه ، وهو صريح في أن الخمس رضعات هي المحرمة ، كما هو نص حديث عائشة رضي الله عنها كما سبق(3) .
... لأن معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر نزوله جداً ، حتى أنه - صلى الله عليه وسلم - توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ، ويجعلها قرآنا متلواً لكونه لم يبلغه نسخ تلاوتها ، لقرب عهد النسخ ، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك ، وأجمعوا أن هذا لا يتلى فنسخت التلاوة دون الحكم وذلك أن النسخ كما قرره الأصوليون ثلاثة أنواع :
... الأول : ما نسخ حكمه وتلاوته ، كعشر رضعات . ولهذا اعتبروا القول بأنه لا يثبت التحريم إلا بعشر رضعات شذوذاً(4) .
... الثاني : ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته كقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم }(5) .(1/52)
... الثالث : ما نسخت تلاوته دون حكمه (( كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما)) والرجم ثابت بالسنة إجماعاً .
ــــــــــــ
1 _ أخرجه مسلم في صحيحه 10/22 مع شرح النووي .
2 _ صحيح مسلم 10/27 ، 28 .
3 _ انظر ص 62 .
4 _ النووي : شرح مسلم 10 / 30 ، الخطابي معالم السنن 2 / 522 .
5 _ سورة البقرة / 240 .
... هذا نظير دليلنا السابق حيث نسخت التلاوة دون الحكم .
... يقوي ذلك حديث سهلة في سالم إذ قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - (( أرضعيه خمس رضعات ))(1) .
... وهو صريح كسابقه في أن التحريم لا يثبت إلا بخمس رضعات وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تحرم المصة ولا المصتان )) فإن مفهومه أن ما فوق المصتين محرم ، ولكن خصص هذا المفهوم بصريح ما أوردناه ، لأنه يقتضي أن ما دون الخمس لا يحرم ، والصريح أقوى من المفهوم . والله أعلم ....
سن الرضاع
... ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة إلى أن شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين(2) .
... واستحسن مالك زيادة شهرين فقط(3) ، وقال أبو حنيفة : ثلاثون شهراً ولا يحرم بعد ذلك(4) .
... وروي عن عائشة رضي الله عنها أن رضاع الكبير يحرم(5) .
... احتج الجمهور بقوله تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }(6) .
ــــــــــــ
1 _ مالك : الموطأ 2 / 605 .
2 _ الدردير : الشرح الكبير 2/503 ، النووي المنهاج /460 ، البهوتي كشاف القناع 5/512 الروض النضير 4/313 .
3 _ مالك : المدونة الكبرى 3/907 .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 5/2175 .
5 _ ابن قدامة : المغني 8/177 ، سنن أبي دادود 2 / 549 .
6 _ سور البقرة آية 233 .
... وجه الدلالة أنه سبحانه وتعالى جعل الحولين الكاملين تمام مدة الرضاع ، وليس وراء التمام شيء .(1/53)
... وفي مسند زيد (( حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه(*) في قول الله جل اسمه : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } قال : سنتان ، فما كان من رضاع في الحولين حرم ، وما كان بعد الحولين فلا يحرم ، قال الله تعالى { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } والرضاع حولان كاملان(1) .
... وبقوله تعالى : { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }(2) الفصال معناه : الفطام ، وقد جعله تعالى في عامين ، فيكون ذلك دليلاً على أن مدة الرضاع المعتبرة في نظر الشرع سنتان(**)
... واستدلوا من السنة بقوله - صلى الله عليه وسلم - (( لا رضاع إلا ما كان في الحولين))(3) قال أبو الخطاب من الحنابلة : (( لو ارتضع بعد الحولين بساعة لم يحرم ))(4)
ــــــــــــ
1 _ مسند الإمام زيد 316 .
2 _ سورة لقمان آية / 14 .
3 _ أخرجه الدار قطني 4/174 مرفوعاً ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4/290 ، عن ابن مسعود موقوفاً عليه .
4 _ ابن قدامة : المغني 8/178 .
* _ هو الصحابي الجليل ، علي بن أبي طالب ، عبد مناف الهاشمي أمير المؤمنين كناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أبا تراب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم أسلمت وماتت في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل في قبرها ، عن ميمونة عن ابن عباس قال كان علي أول من آمن بالله من الناس بعد خديجة ، قال ابن عبد البر : وقد أجمعوا أنه أول من صلى القبلتين ، وهاجر وشهد بدراً وسائر المشاهد ، وزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة وقال لها زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ، توفي رضي الله عنه ليلة الجمعة سنة (40) انظر تهذيب التهذيب 7/334 ، 338 .(1/54)
** _ قال النسائي والبيهقي : الصحيح وقف على ابن عباس ، وكذلك رواه موقوفاً على ابن عباس عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة انظر التعليق المغني على الدار قطني ( 4 / 174 ) .
... وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : (( لا رضاع إلا ما كان في الحولين في الصغر))(*) .
... واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } (1) .
... أثبت سبحانه وتعالى الحرمة بالرضاع ، مطلقاً عن التعرض لزمان الإرضاع ، إلا أنه قام الدليل على أن الزمان ما بعد الثلاثين ليس بمراد ، فيعمل بإطلاقه فيما وراءه .
... وبقوله تعالى { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } (2)
... والاستدلال به من وجهين :
... أحدهما : أنه تعالى أثبت لهما إرادة الفصال بعد الحولين ، لأن الفاء للتعقيب فيقتضي بقاء الرضاع بعد الحولين ليحقق الفصال بعدها .
... الثاني : أنه أثبت لهما إرادة الفصال مطلقاً عن الوقت ، ولا يكون الفصال إلا عن الرضاع ،فدل على بقاء حكم الرضاع في مطلق الوقت ، إلى أن يقوم الدليل على التقييد.
... وبقوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ }(3) أثبت لهما إرادة الاسترضاع مطلقاً عن الوقت ، فمن ادعى التقييد بالحولين فعليه الدليل .
... قالوا : وأما تحديد المدة بسنتين في قوله تعالى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }(4) فهو لبيان المدة التي يجوز للأم المطلقة أن تأخذ فيها أجراً على الإرضاع ، وهذا لا يمنع ثبوت التحريم بالإرضاع الذي يوجد بعد سنتين لأن التحريم يحتاط له إذ هو ثابت بوجود الرضاع ، فلا يزول إلا بيقين .
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية 23 .
2 _ سورة البقرة آية / 233 .
3 _ سورة البقرة آية / 233 .
4 _ سورة البقرة آية / 233 .(1/55)
* _ أخرجه الدار قطني في سننه كتاب الرضاع ( 4 / 174 ) .
... وعائشة رضي الله عنها أخذت بما رواه أبو داود أن سهلة بنت سهيل(*) قالت : يا رسول الله إنا كنا نرى سالماً ولداً ، ولكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ، ويراني فضلا(1) وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما علمت ، فكيف ترى فيه ؟ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - (( أرضعيه )) فأرضعته خمس رضعات ، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة ، فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وإخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها ، وإن كان كبيراً خمس رضعات ، ثم يدخل عليها ، وأبت ذلك أم سلمة(2) وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع في المهد ، وقلن لعائشة : والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لسالم دون الناس (3) .
ــــــــــــ
1 _ يراني فضلاً : أي متبذلة في ثياب مهنتي ، يقال تفضلت المرأة : إذا تبذلت في ثياب مهنتها ، ومنه قول امرئ القيس :
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل
وقد سبق الحديث ص : 63
2 _ قال الخطابي : ذهب عامة أهل العلم في هذا إلى قول أم سلمة ، وحملوا الأمر على أحد وجهين إما على الخصوص وإما على النسخ ، ولم يروا العمل به / أ هـ ، معالم السنن 2/550 .
3 _ هكذا أخرجه أبو داود 2/550 حديث رقم 2059 ، وأخرجه ابن ماجه مختصراً 1/625 رقم 1943 وأخرجه مسلم في صحيحه بألفاظ مختلفة 10/31 مع شرح النووي.
* _ تقدمت ترجمتها .
مناقشة الأدلة
إن استدلال الحنفية بقوله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } وقولهم في الآية الكريمة : إن ذلك لبيان أقصى المدة التي تستحق فيها الأم أجراً على الرضاع لا يستقيم في نظري دليلاً على المسألة .(1/56)
وجه ذلك : أن التحديد بسنتين كما يفيد ذلك ، يفيد أيضاً أن أقصى مدة الرضاع الذي يثبت به التحريم سنتان .
وقول عائشة رضي الله عنها بأن رضاع الكبير يحرم معارض بما رواه أبو داود(*) وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل يوماً عليها ، فوجد عندها رجلاً فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من هذا الرجل ؟ فقالت عائشة : هذا عمي من الرضاعة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انظرن من أخوانكن من الرضاعة ، إنما الرضاعة من المجاعة )) (1) .
أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الرضاع في الصغر هو المحرم ، إذ هو الذي يدفع الجوع ، فأما جوع الكبير فلا يندفع بالرضاع ، وإنما يندفع بالخبز واللحم يؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء (2) .
ــــــــــــ
1 _ أخرجه أبو داود 2 / 548 رقم 2058 وابن ماجة مختصراً 1/626 رقم 1945 .
2 _ أخرجه ابن ماجة 1/626 رقم 1946 وقوله : فتق الأمعاء ، أي : وسعها لاغتذاء الصبي به وقت احتياجه إليه ، والفطام بمعنى الفصال ، وهو ينصرف إلى ما جرت به العادة ودلت عليه الآية ، وهو عند تمام الحولين جاء مبيناً في أثر ابن عباس وغيره .
* _ هو الإمام الحافظ ، أبو داود السجستاني ، سليمان بن الأشعث بن شداد الأزدي ، صاحب كتاب السنن والناسخ والمنسوخ والمراسيل وغير ذلك ، روى عن القعنبي ، ومسلم بن إبراهيم وابن المديني ، وخلق ، ويروي عنه الترمذي ، وأبو عوانة ، وزكريا الساجي وغيرهم ، مات في شوال سنة 75هـ ، انظر تذكرة الحفاظ 2/591 ، وتهذيب التهذيب 4/169 وطبقات الحفاظ 261 .
ورضاع الصغير هو الذي يفتق الأمعاء لا رضاع الكبير ، لأن أمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها إلا اللبن ، لكونه ألطف الأغذية ، كما وصفه الله تعالى بقوله : {لَبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ}(1) .(1/57)
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - ( لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم ) (2) ورضاع الكبير لا ينبت لحماً ولا عظماً .
... ولأن مباشرة الرجل المرأة الأجنبية ممنوع قطعاً .
... وحينئذ يتعين حمل خبر أبي حذيفة على أنه خاص له دون الناس كما قاله سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وللآية السابقة : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }(3) .
... إذ تدل على أنه لا حكم للرضعات بعد الحولين وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول : ( لا رضاع بعد حولين كاملين ) (4) .
... وعن ابن عمر : سمعت عمر يقول : ( لا رضاع إلا في الحولين في الصغر )(5) .
... وعن ابن مسعود قال : ( ما كان من رضاعة بعد الحولين فلا رضاع ) (6) اسناده صحيح .
ــــــــــــ
1 _ سورة النحل آية / 66 .
2 _ أخرجه الدار قطني في سننه 4/173 .
3 _ سورة البقرة آية 233 .
4 _ سنن الدار قطني 4/174 .
5 _ سنن الدار قطني 4/174 .
6 _ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي : التعليق المغني على الدار قطني 3/174 .
... وقد روى الترمذي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي ، وكان قبل الفطام )(1) .
... قال أبو عيسى : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم ، أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين ، وما كان بعد الحولين لا يحرم شيئاً(2) .
... وبهذا يترجح مذهب الجمهور ، على أن شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين والله أعلم .
***
لبن الفحل
... تعريف لبن الفحل : هو أن ترضع الأم طفلاً بلبن ثار منها بسبب حمل من رجل . وقد روي عن الإمام أحمد تفسير لبن الفحل بأن يكون للرجل امرأتان ، فترضع هذه صبية وهذه صبياً من غيره لا يزوج هذه من هذا (*) (3) .(1/58)
... وقد قرر جمهور العلماء ، ومنهم الأئمة الأربعة (4) أن المرأة إذا أرضعت طفلاً بلبن جاءها بسبب حمل من رجل ، حرم الطفل على الرجل وأقاربه(**) كما يحرم ولده من النسب .
ــــــــــــ
1 _ الترمذي في سننه 3/249 وقال حديث حسن صحيح .
2 _ الترمذي في سننه 3/250 .
3 _ ابن قدامة المغني 7/113 .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 5/68 ، أبي البركات أحمد الدرديري الشرح الكبير 2/503
النووي : المنهاج 461 ، ابن قدامة المغني 8/176 .
* _ أي لأنه أخوها من الأب ، إذ جمعهما لبن فحل واحد .
** _ أي أقاربه المحارم .
فكما أن المرأة تصير أماً للطفل ، فكذلك الرجل يصير أباه وأولاده إخوته ، سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها ، وإخوته أعمامه وأخواته عماته ، كما هو الحال في النسب .
وبهذا قال جمع من الصحابة والتابعين(1) .
وقالت طائفة : لا يحرم لبن الفحل . منهم سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار والنخعي ، ويروى ذلك عن ابن الزبير وجماعة من الصحابة(2) .
استدل الجمهور في إثبات التحريم بحديث عائشة رضي الله عنها أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها بعدما نزل الحجاب ، وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة قالت عائشة : فقلت والله لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني ، ولكن أرضعتني امرأته ، قالت عائشة : فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت يا رسول الله إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن علي ، فكرهت أن آذن له حتى أستأذنك قالت : فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ائذني له وفي رواية : فإنه عمك ، تربت يمينك ! .
ــــــــــــ(1/59)
1 _ ابن قدامة : المغني 7/114 ، قال النووي في شرح مسلم 10/19 : وأما الرجل المنسوب إليه ذلك اللبن لكونه زوج المرأة فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ، ويصير ولداً له ، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته وتكون إخوة الرجل أعمام الرضيع ، وأخواته عماته ، ويكون أولاد الرضيع أولاد الرجل . أ . هـ .
2 _ النووي شرح مسلم 10/19 ، ابن قدامة المغني 7/14 الخطابي معالم السنن 2/557
... قال عروة : فبذلك كانت عائشة تقول : ( حرموا من الرضاع ما تحرموا من النسب )(1) .
... واستدل القائلون بعدم الحرمة ، بأن الله سبحانه وتعالى عندما أثبت التحريم الموجب للرضاعة أثبت ما هو من قبل الأم دون الأب فقال تعالى { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ } (2) .
... فدل على أن الرجل الذي كان منه الحمل الذي أوجد اللبن لا صلة بينه وبن الولد إذ لم يتكون منه عظم ولحم ، بخلاف الأم المرضعة فقد أخذ جزءاً منها ، إذ تكون لحمه ودمه من لبنها .
... ولأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة ، فكيف تنشر الحرمة إلى الرجل .
... واستدلوا بما روي عن زينب بنت أبي سلمة(*) رضي الله عنها
ــــــــــــ
1 _ أخرجه مسلم في صحيحه 10/21 مع النووي والبخاري مختصراً 9/150 مع الفتح قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم كرهوا لبن الفحل ، والأصل في هذا حديث عائشة وقد رخص بعض أهل العلم في لبن الفحل ، والقول الأول أصح . أ . هـ . انظر سنن الترمذي 3/445 .
2 _ سورة النساء آية / 23 .(1/60)
* _ هي زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال المخزومي وأمها أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان اسمها بره ، فسماها الرسول - صلى الله عليه وسلم - زينب روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة وزينب بنت جحش وروى عنها ابنها أبو عبيدة بن عبد الله زمعة ومحمد بن عمرو بن عطاء وحميد بن نافع المدني . ماتت سنة 73 في ولاية طارق ، على المدينة وحضر جنازتها ابن عمر رضي الله عنهما ، تهذيب التهذيب 2/421 .
( أنها أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير ، قالت : وكان الزبير يدخل علي وأنا أمتشط ، فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول : ( أقبلي علي فحدثيني ) أراه والداً وما ولد فهم إخوتي ، ثم إن عبد الله بن الزبير أرسل يخطب إلي أم كلثوم ابنتي على أخيه حمزة ابن الزبير ، وكان حمزة للكلبية ، فقلت لرسوله : وهل تحل له ، وإنما هي ابنة أخيه ؟ فقال عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك ، أما ما ولدت أسماء فهم إخوتك ، وما كان من غير أسماء فليسوا بإخوة ، فأرسلي فسلي عن هذا ، فأرسلت وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون ، فقالوا لها : إن الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئاً ، فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك عنها (1) .
... ومن خلال ما ذكر نرى أن مذهب الجمهور في أن لبن الفحل يحرم هو الراجح .
... لأن حديث عائشة متفق على صحته ، وهو نص صريح في الموضوع حتى ( قال ابن قدامة عند الاستدلال به ) وهو نص قاطع في محل النزاع ، فلا يعول على ما خالفه(2) ... يؤيد ذلك ما رواه الترمذي ( عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سئل عن رجل له جاريتان ، أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاماً ، أيحل للغلام أن يتزوج بالجارية ؟ فقال : لا اللقاح واحد )(3) .
...
ــــــــــــ
1 _ انظر ابن حجر : تلخيص الحبير 4/5 .
2 _ ابن قدامة : المغني 7 / 114 .
3 _ الترمذي : في سننه 3/445 رقم 1149 ، الدار قطني في سننه 3/179 .(1/61)
... زاد الشافعي (*) في روايته : إنهما أخوان لأب(1) .
ولأن حديث ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(2) يدخل فيه الأب وكل ما يتصل به لأنه أثبت أن المحرمات من الرضاع هن المحرمات من النسب جملة وتفصيلاً(3) .
... وقولهم : إن اللبن لا ينفصل من الرجل ، وإنما ينفصل من المرأة قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه .
... وأيضاً : فإن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معاً ، فوجب أن يكون الرضاع منهما ، كالجد لما كان سبب الولد ، أوجب تحريم ولد الولد به ، لتعلقه بولده وإلى هذا أشار ابن عباس بقوله : ( اللقاح واحد ) .
... وبهذا يكون اللبن من الرجل كما هو من المرأة ، فيصير أباه كما هي أمه .
والله أعلم،،
ــــــــــــ
1 _ ابن حجر تلخيص الحبير 4/7 ، 8 .
2 _ صحيح مسلم 10/22 مع النووي .
3 _ قال الخطابي : وفي هذا الحديث بيان أن حرمة الرضاعة في المناكح كحرمة الأنساب وأن المرتضعين من الرجال والنساء باللبن الواحد كالمنتسبين منهم إلى النسب الواحد . أ هـ معالم السنن 2/545 .
* _ هو محمد بن إدريس بن العباس بن شافع ، كنيته أبو عبد الله ، يجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جده عبد مناف ولد بغزه ، وقيل بعسقلان سنة (150) وتوفي بمصر سنة (204) انظر طبقات الشافعية 1/11/14 والفتح المبين 1/127/135 .
المبحث الثالث
المحرمات بالمصاهرة (1) ويشتمل هذا البحث على النقاط التالية :
_ المحرمات بالمصاهرة وحكمة التحريم .
_ تحريم أم الزوجة بمجرد العقد على ابنتها .
_ تحريم الربيبة وإن لم تكن في حجر الرجل خلافاً لأهل الظاهر .
****
ــــــــــــ
1 _ المصاهرة علاقة بين أحد الزوجين وأقرباء الآخر .
المحرمات بالمصاهرة وحكمة التحريم
تنحصر المحرمات بالمصاهرة في أصناف أربعة :
الأول : زوجة الأب والجد وإن علا :(1/62)
سواء كان الجد من جهة الأب أو من جهة الأم . دخل الأب والجد بالزوجة أو لم يدخل ، فتحرم على الرجل امرأة أبيه قريباً كان أو بعيداً ، وارثاً أو غير وارث من نسب أو رضاع .
لقوله تعالى : {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً} (1) .
فنص الآية أفاد تحريم زوجة الأب ، ووجه دلالته على تحريم زوجة الجد أن اسم الأب يطلق في اللغة على الأصل المذكر ، سواء كان مباشراً أو غير مباشر ، فيدخل فيه الأب والجد وإن علا ، وقد انعقد الإجماع على تحريم زوجات الأجداد فكان ذلك التحريم ثابتا إجماعاً (2) .
والآية تفيد أن زوجة الأصل محرمة دخل بها أو لم يدخل ، لأن النكاح في الآية المراد به العقد فمتى وجد هذا العقد ثبت التحريم .
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 22 .
2 _ الكاساني بدائع الصنائع 3 / 1392 الدردير على الشرح الكبير 2 / 250 إبراهيم الشيرازي المهذب 2/42، 43 ، ابن قدامة : المغني 7/112 ، ابن حزم المحلى 11/151 .
والحكمة : في تحريم زوجة الأصل ( أنها بمنزلة الأم في الاحترام فتحرم كما حرمت الأم(1)
... ولأن زواج الفرع وتمتعه بها بعدما يتمتع بها الأصل ، يفضي إلى القطيعة والعداوة بين الأصل وفرعه .
... لأن الأب أو الجد إذا فارق زوجته ، قد يندم فيريد أن يعيدها ، فإذا تزوجها ابنه أو حفيده ، فقد جعل بينه وبين إرادته سداً وقطع السبيل دونه .
... لهذا وصف الله تعالى الزواج بزوجة الأب بأنه { فَاحِشَةً } أي مستقبح غاية القبح { وَمَقْتًا } وهو شدة البغض { وَسَاء سَبِيلاً } .
***
... الثاني : زوجة الابن ، وابن الابن ، وابن البنت ، وإن نزلوا :
... سواء دخل الفرع بزوجته أو لم يدخل .(1/63)
... فيحرم على الرجل أزواج أبنائه وأبناء بناته(*) من نسب أو رضاع قريباً كان أو بعيداً لقوله تعالى { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ }(2) والحلائل : جمع حليلة ، وهي الزوجة ، سميت حليلة لأنها تحل للابن من الحل أو هو مشتق من الحلول على معنى أنه تحل على فراشه ، وهو يحل في فراشها .
... واسم الأبناء يطلق على الفروع الذكور مباشرة أو بالواسطة ، فيشمل الأبناء وأبناء الأبناء ، ولا فرق بين أن يكون الأبناء من النسب أو الرضاع .
ــــــــــــ
1 _ بدران أبو العينين: الفقه المقارن للاحوال الشخصية 1/86 .
2 _ سورة النساء آية 23 .
* _ أي : وزوجات أبناء بناته .
لقوله - صلى الله عليه وسلم - يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة(1) وهو رأي جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة(2) .
... وخالف في ذلك ابن تيمية(*) وابن القيم(**) فأجازا للرجل أن يتزوج بحليلة ابنه من الرضاع(3) .
... قال ابن القيم في الزاد : ( والعلاقة بين الناس بالنسب والصهر وهما سبب التحريم والرضاع فرع على النسب ولا تعقل المصاهرة إلا بين الأنساب إلى أن قال : وإذا حرمت على الرجل أمه وبنته وأخته وعمته وخالته من الرضاعة ، لم يلزم أن تحرم عليه أم امرأته التي أرضعت امرأته ، فإنه لا نسب بينه وبينها ، ولا مصاهرة ولا رضاعة ، والرضاعة إذا جعلت كالنسب في حكم ، لا يلزم أن تكون مثله في كل حكم ، بل ما افترقا فيه من الأحكام أضعاف ما اجتمعا فيه منها ، ثم قال : فثبوت أحكام النسب من وجه لا يستلزم ثبوتها من وكل وجه ومما يدل على ذلك قوله تعالى في المحرمات : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } ومعلوم أن لفظ الابن إذا أطلق لم يدخل فيه ابن الرضاع ، فكيف إذا قيد بكونه ابن الصلب ؟ وقصد إخراج التبني بهذا لا يمنع
ــــــــــــ
1 _ صحيح مسلم 10/20 مع النووي .
2 _ السرخسي : المبسوط 4/200 مالك : المدونة الكبرى 2/409 .(1/64)
3 _ ابن القيم : زاد المعاد 4 / 206 .
* _ هو أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الدمشقي أبو العباس ، الإمام المحقق الحافظ المجتهد شيخ الإسلام ، صاحب التصانيف العديدة توفي رحمه الله بدمشق سنة 728هـ. انظر الفتح المبين 2/130 ، 133 .
** _ هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الدمشقي ، المعروف بابن قيم الجوزية الفقيه الأصولي الحنبلي . توفي رحمه الله بدمشق سنة 691هـ انظر الفتح المبين 2/161، 162 .
إخراج ابن الرضاع(1) )) .
... من هذا يتبين أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يميلان إلى أن المصاهرة بالرضاع لا توجب تحريماً ، وأن حليلة الابن من الرضاع لا تحرم على أبيه الرضاعي .
... قالا : لأنه لم يرد نص في تحريمهن من الرضاع ، ولأن النصوص الواردة في التحريم قاصرة على ما إذا كانت الصلات نسبية .
... ولأن المعنى الذي ترتب عليه التحريم إنما هو قطع الأرحام ، وذلك غير متحقق في الرضاع ، وبدليل أن الصلة الرضاعية لا توجب نفقة ولا ميراثاً ولا نص ولا قياس يجعل أقارب المرأة رضاعاً كأقاربها نسباً ، وإذا كان الشأن كذلك ، فالحل هو الثابت ، بعموم قوله تعالى { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } .
... والذي تميل إليه النفس هو رأي الجمهور بأن زوجة الابن من الرضاع تحرم على أبيه الرضاعي .
لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) وهو نص صريح في أن المصاهرة بالرضاع توجب التحريم .
ــــــــــــ(1/65)
1 _ ابن القيم زاد المعاد 4/206 ، 207 مختصراً قال محمد أبو زهرة ما نصه : (( يبدو لنا أن نظر ابن تيمية وتلميذه نظر له وجهة إذا تلونا قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } .
... فترى من هذا أن الله سبحانه وتعالى ساق المحرمات بالنسب ، ثم ساق المحرمات بالرضاعة رابطاً بينهم وبين النسبيات ثم المحرمات بالمصاهرة ، ولم يشر بعدها للرضاعة ، والمصاهرة لا تنصرف إلا إلى ما كان النسب سببها ، ولو كانت الرضاعة تثبت مصاهرة لعقب التحريم ، بالمصاهرة بها ، أو أشار النص إليها بعدها ، أ هـ / الأحوال الشخصية / 89 .
قال الخطابي : ( وفي هذا الحديث بيان حرمة الرضاع في المناكح كحرمة الأنساب ، وأن المرتضعين من الرجال والنساء باللبن الواحد كالمنتسبين منهم إلى النسب الواحد(1)) .
واستدلالهما بمفهوم قوله تعالى { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } يدفعه بأن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يعارضه منطوق . وقد عارضه هنا منطوق قوله - صلى الله عليه وسلم - ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )(*) وأما فائدة التقييد في الآية بكونهم من الأصلاب ، فهو لإخراج حليلة المتبني .
فلا تحرم على الرجل حليلة من تبناه ، إذ ليس من صلبه ولا من دمه ولا جزءاً منه .(1/66)
وقد كان هذا التبني شائعاً بين العرب في الجاهلية ، وفترة من الزمن في صدر الإسلام فكان الواحد منهم يتبنى ابن غيره ، المجهول النسب من أبيه فيلحق الابن بمن تبناه وينسب إليه ، دون أبيه من النسب .
ثم أبطل الإسلام هذا التبني ، قال تعالى { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ }(2) .
وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش ،(**)
ــــــــــــ
1 _ الخطابي : معالم السنن 2/245 ، وقال الامام مالك في المدونة 2/409 إن امرأة ابنه من الرضاعة أو امرأة والده من الرضاعة هما في التحريم بمنزلة امرأة الأب من النسب ، وامرأة الابن من النسب / أ هـ .
2 _ سورة الأحزاب آية 4 / 5 .
* _ سبق تخريجه مفصلاً ص 58 .
** _ هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رباب بن يعمر الأسدية وهي أول من مات من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة عشرين وأمها اميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
... انظر تهذيب التهذيب 12/ 420 .
مطلقة زيد بن حارثة(*) الذي تبناه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ابطال التبني(1) قال عز وجل { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (2) .
... وبهذا يتضح أن القول بتحريم حليلة الابن من الرضاع هو الراجح والله أعلم .
... والحكمة : في تحريم زوجة الفرع هو المحافظة على العلائق بين أفراد الأسرة ، ومنع كل ما يؤدي إلى القطيعة بينهم .(1/67)
... إذ لو أباح الشرع للرجل أن يتزوج حليلة ابنه بعد أن يطلقها ، لأدى ذلك إلى بذر الضغائن بين الفرع وأصله ، ولأدى ذلك إلى ضرب الحجب بينهما . وربما أن الابن يريد معاودة الحياة الزوجية مع مطلقته فإذا رأى أباه قد تزوجها أضغنه ذلك وأوحشه ، وهذا مغاير ما يهدف إليه شرعنا الحنيف .
... كما أن زوجة الابن كبنت الرجل ، وكثيراً ما تناديه بنداء البنت لأبيها ، فكيف يحل له الزواج بها ؟ ! .
ــــــــــــ
1 _ الشوكاني : فتح القدير 4/285 .
2 _ سورة الأحزاب آية / 37 .
* _ هو الصحابي الجليل زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أبو أسامة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد المشاهد كلها وكان من الرماة المذكورين ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم ، استشهد يوم مؤتة سنة ثمان من الهجرة ، ونعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في اليوم الذي قتل فيه وعيناه تذرفان .
تهذيب التهذيب 3 / 401 .
الثالث : أمهات النساء :
فمن تزوج امرأة حرم عليه أمها وجدتها ، سواء كانت من جهة الأب أو من جهة الأم من النسب أو رضاع ، لقوله تعالى { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }(1) عطفاً على قوله تعالى :{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } .
فقد أثبت قوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } حرمة الزواج بأم الزوجة ، وثبتت حرمة الزواج بجداتها ، بدلالة النص ، إذا قلنا إن الأم في الآية بمعنى الأصل .
وإلا فقد انعقد الإجماع على تحريم أصول الزوجة(2) .(1/68)
والحكمة : في تحريم الزواج بأم الزوجة وبإحدى جداتها ( أن الزواج يوجد رابطة بين الزوج وأصول زوجته كرابطة النسب ، فيختلط الزوج بهن ويجتمع معهن في منزل واحد ، فلو أبيح للرجل أن يتزوج بأم زوجته لا نفتح باب الطمع والتطلع إليهن ، وقد يؤدي ذلك إلى انحلال رابطة الزوجين بين الرجل وزوجته ، وإنشاء زوجية أخرى مع أم الزوجة وفي ذلك فساد كبير .(3)
الرابع : بنات الزوجة وبنات بناتها وبنات أبنائها مهما نزلن :
إذا عقد الرجل زواجه على امرأة ودخل بها حرم عليه فروعها .
وهن كل بنت للزوجة من نسب أو رضاع ، قريبة أو بعيدة ، وارثة أو غير وارثة على حسب ما ذكرنا في البنات(4) .
وإذا لم يدخل بها فلا تحرم عليه بمجرد العقد .
ــــــــــــ
1 _ النساء من الآية / 23 .
2 _ بدائع الصنائع 3/396 ، ابن رشد ، بداية المجتهد 2/30 إبراهيم الشيرازي .
المهذب 2/42 ، ابن قدامة المغني 3/111 .
3 _ بدران أبو العينين ، الفقه المقارن للأحوال الشخصية 1/89 ، 90 .
4 _ انظر ص : 53 من هذه الرسالة .
فلو طلقها قبل أن يدخل بها ، أو ماتت قبل أن يدخل بها ، فله أن يتزوج ببنتها ، وهذا معنى قول الفقهاء : ( الدخول بالأمهات يحرم البنات ) لقوله تعالى { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } (1) .
وهو معطوف على قوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } ودلالة الآية على تحريم الربائب واضحة .
أما دلالتها على بنات الربيبة وبنات الربيب ، فمن جهة أن اسم الربائب يشملهن فيكون تحريمهن ثابتاً بالنص ، وقد انعقد الإجماع على تحريمهن(2) .(1/69)
والحكمة : من تحريم الربائب : هي المحافظة على العلاقة الوثيقة بين الأصل والفرع إذ لو ساغ للرجل أن يتزوج ربيبته ، وللبنت أن تتزوج زوج أمها ، لتقطعت الأرحام ، وتمزقت أواصر المحبة ، ولأوجس الفرع خيفة من أصله ، وأوجس الأصل خيفة من فرعه ، وتهدمت الأسر . لذا حرم الشرع التزوج بالربائب حفاظاً على هذه العلاقة الكريمة بين الأصل وفرعه .
اختلافهم في تحريم أم الزوجة بمجرد العقد على ابنتها
الجمهور على أن أمهات الزوجة يحرم الزواج بهن بمجرد العقد على البنت(3) وهذا معنى قولهم : ( العقد على البنات يحرم الأمهات ) .
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 23 .
2 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1391 ، ابن رشد : بداية المجتهد 2/29 ، ابن قدامة المغني 7/111 .
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1387 ، الشيرازي المهذب 2/42 مغني المحتاج للشربيني 2/177 الدردير على الشرح الكبير 2/251 ابن رشد : بداية المجتهد 2/30 الروض النضير للسياغي 4/236 ، محمد بن عبد الرحمن الدمشقي : رحمة الأمة في اختلاف الأئمة / 207 .
... وذهب بعض الفقهاء إلى أنهم لا تحرم حتى يدخل بها(1) وهو مروي عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم . استدل الجمهور من الكتاب بقوله تعالى { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } فظاهر الآية تحريم أمهات الزوجة من غير قيد الدخول ، لأنه كلام تام بنفسه ، منفصل عن المذكور بعده ، لأنه مبتدأ وخبر ، إذ هو معطوف على ما تقدم ذكره وهو قوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } إلى قوله { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } .
... والمعطوف يشارك المعطوف عليه في خبره ، ويكون خبر الأول خبر الثاني ، فيكون معنى { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } : وحرمت عليكم أمهات نسائكم .
... واستدل الآخرون بأن قوله تعالى { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } .(1/70)
... ظاهر في تحريم أمهات الزوجة ، لأن الضمير في قوله تعالى { اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } يعود على الأمهات وهذا غير مسلم لأن القواعد العربية تقتضي أن الضمير يعود على أقرب مذكور وهن الربائب .
... يؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - ( أيما رجل نكح امرأة فدخل بها ، أو لم يدخل بها ، فلا يحل له نكاح أمها(2) ) .
... وهو صريح في تحريم أمهات الزوجة بمجرد العقد قال أبو عيسى : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، قالوا : إذا تزوج الرجل الابنة فطلقها قبل أن يدخل بها ، لم يحل له نكاح أمها ، لقوله تعالى { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }(3) .
... وأما بنت الزوجة فهم متفقون على أنها لا تحرم إلا بالدخول بأمها ، كما سيأتي والفرق بين أم الزوجة وبنتها :
... أن الرجل يبتلى بمكالمة الأم عقب العقد على البنت لترتيب أموره فحرمت بمجرد العقد ليسهل ذلك .
ــــــــــــ
1 _ بدائع الصنائع 3/1387 ،ابن قدامة : المغني 7/111 ، بداية المجتهد لابن رشد 2/3 .
2 _ أخرجه الترمذي وضعفه من قبل إسناده 3/416 .
3 _ سنن الترمذي 3/417 .
... ولأنه إذا طلق البنت قبل الدخول وتزوج بأمها ، فقد ألقى نيران العداوة في قلب البنت لشدة ميلها للزوج ، وضعف ودها لأمها ، بخلاف الأم ،فإنها أشد براً بابنتها من الابنة بها ، لذا لم يكن العقد كافياً في بغضها لابنتها إذا عقد عليها ، لضعف ميلها للزوج بمجرد العقد ، وعدم مخالطته ، فاشترط في التحريم إضافة الدخول .
تحريم الربيبة وإن لم تكن في حجر الرجل
... الجمهور على أن الرجل إذا دخل بالأم حرمت عليه الربيبة ، سواء كانت في حجره أو لم تكن في حجره(1) .
... وذهب أهل الظاهر إلى أن التحريم مقيد بأن تكون في حجر الرجل ، لقوله تعالى { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } .
... قالوا : فلم يحرم الله عز و جل بنت الزوجة ، إلا أن كانت في حجره فإن لم تكن في حجره فلا تحرم(2) .(1/71)
... قال ابن المنذر : ( وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول(3) ) أي أنهم أجمعوا على أن الربيبة تحرم ، سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن .
... وهذا هو الراجح ، لأن الوصف في الآية الكريمة ، كما قال المفسرون ، لم يخرج مخرج الشرط ، وإنما هو تعريف لها بغالب حالها ، لأن الغالب في الربيبة أن تكون في حجر زوج أمها ، فهو يقوم بأمرها ويرعى شؤونها ، وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه .
... ولأن التربية لا تأثير لها في التحريم ... والله أعلم .
****
ــــــــــــ
1 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1391 ، الدردير على الشرح الكبير 2/251 ، الشربيني : مغني المحتاج 3/177 ، ابن قدامة : المغني 7/111 ابن رشد : البداية 2/29 .
2 _ المحلى 11/155 .
3 _ ابن قدامة : المغني 7/111 .
القسم الثاني
النكاح الفاسد لسبب مقترن بالعقد
وينتظم عشرة مباحث
المبحث الأول
اشتراط التأقيت ويسمى : ( نكاح المتعة ) ......
... ويشتمل على النقاط التالية :
... _ تعريفه لغويا وفقهيا .
... _ حكمه .
... _ آراء الفقهاء في تحريمه .
... _ المجيزون لنكاح التأقيت وأدلتهم والرد عليها .
... _ موقف ابن عباس من نكاح المتعة .
تعريف نكاح التأقيت لغوياً وفقهياً
... يعرف هذا الضرب من النكاح في عرف الفقهاء بنكاح المتعة ، اشتقاقاً من المتاع ، قال في القاموس : (المتعة بضم الميم ) وحكي كسرها : اسم للتمتع كالمتاع ، وأن تتزوج امرأة تتمتع بها أياماً ثم تخلي سبيلها ، وأن تضم حجاً إلى عمرتك(1) .
... وقال الزمخشري : ( سميت متعة لاستمتاعه بها ، أو لتمتعه بها بما يعطيها(2) ) .
... وعلى كلا المعنيين فالمادة (( متع )) تدور على معنى التلذذ والانتفاع ولما كان نكاح التأقيت ليس المقصود به ديمومة النكاح واستمراره ، بل مجرد التلذذ والانتفاع وإرواء الغريزة الجنسية ، سمي نكاح متعة .(1/72)
... وتطلق المتعة (( على المال الذي يجب على الزوج لامرأته المفارقة بطلاق ، وما في معناه بشروط مذكورة في كتب الفروع(3) ومنه قوله تقدست أسماؤه : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ }(4) وتطلق المتعة أيضاً على متعة الحج ، أي الإحرام في أشهر الحج ، ثم الحج من عامه وفي التنزيل : { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }(5) .
... ونكاح التأقيت في اصطلاح الفقهاء . قال القرطبي : قال (أبو عمر : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق(6) .
ــــــــــــ
1 _ الفيروز أبادي : القاموس المحيط 3/86 .
2 _ الكشاف : 1/385 .
3 _ الشربيني : مغني المحتاج 3/241 .
4 _ سورة البقرة آية / 236 .
5 _ سورة البقرة آية / 196 .
6 _ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 5/132 .
... وعرفه الشيخ محمد الحامد بقوله : ( هو أن ينكح الرجل المرأة بشيء من المال مدة معينة ، ينتهي النكاح بانتهائها من غير طلاق ، وليس فيه وجوب نفقة وسكنى ، وعلى المرأة استبراء رحمها بحيضتين ، ولا توارث يجري بينهما إن مات أحدهما قبل انتهاء النكاح(1) .
... ومن هذين التعريفين :
... نستنج أن المتعة تخالف النكاح الشرعي فيما يلي :
... أولاً : أن المتعة مؤقتة بزمن ، بخلاف النكاح الشرعي فإنه نكاح مؤبد لا تنفك عقدته إلا بالطلاق ونحوه .
... ثانياً : إن المتمتع بها لا ترث المتمتع إن مات في خلال زمن التمتع ، بخلاف النكاح الشرعي فإن الزوجة ترث زوجها ، ما لم يقم بها مانع من موانع الإرث المعروفة(2) .
... ثالثاً : أنه لا طلاق يلحق المرأة المتمتع بها ، بل تقع الفرقة بانقضاء المدة المتفق عليها بخلاف النكاح الشرعي فإنه لا يطوي قيد عصمته إلا بالطلاق وما جرى مجراه .(1/73)
... رابعاً : أن المتمتع بها لا يجب لها نفقة إلا القدر المتراضى عليه ، بخلاف الزوجة فإن نفقتها لازمة على الزوج ، ما لم تكن ناشزة .
... خامساً : إن الولي والشهود ليسا شرطي صحة فيها ، بخلاف النكاح الشرعي ، فإن الشهود شرط في صحته ، وكذا الولي عند الأكثر كما سبق(3) .
ــــــــــــ
1 _ محمد الحامد : نكاح المتعة حرام في الإسلام / 5 .
2 _ يجمعها قول الناظم :
... ... ... ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث
... ... ... رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين
3 _ انظر صفحة / 32 _ 34 من هذه الرسالة .
... سادساً : إن للمتمتع التمتع بأي عدد شاء عند المجيزين(1) بخلاف النكاح الشرعي ، فإنه لا يجوز للحر الجمع بين أكثر من أربع .
حكم نكاح المتعة
... يتفق الفقهاء على تحريم نكاح المتعة ، ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة الإمامية كما سيأتي في موضعه .
... وتحريم نكاح المتعة ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول : فمن الكتاب : قوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(7) }(2) .
... وجه الدلالة من الآية أن من صفات المؤمنين المفلحين ، أنهم حافظون فروجهم ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم لا لوم عليهم في ذلك .
... والمرأة المستمتع بها في نكاح التأقيت "ليست زوجة ولا مملوكة ، أما كونها غير مملوكة فواضح .
... وأما الدليل على كونها غير زوجة ، فهو انتفاء لوازم الزوجية عنها ، كالميراث والعدة والطلاق والنفقة ، ونحو ذلك ، فلو كانت زوجة لورثت واعتدت ووقع عليها الطلاق ووجبت لها النفقة ، فلما انتفت عنها لوازم الزوجية ، علمنا أنها ليست بزوجة ، لأن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم بإجماع العقلاء .(1/74)
... فتبين بذلك أن مبتغي نكاح المتعة من العادين المجاوزين ما أحل الله إلى ما حرم(3)"
ــــــــــــ
1 _ هم الشيعة الإمامية . انظر المختصر النافع لجعفر المحلي 181 ، 182 ، 183 وأصل الشيعة وأصولها لمحمد الحسين 169 ، 170 .
2 _ سورة المؤمنون آية 5 ، 6 ، 7 .
3 _ محمد الأمين الشنقيطي : أضواء للبيان 5/772 .
... وبهذه الآية الكريمة استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، على تحريم نكاح المتعة عندما سئلت عنه ، فقد أخرج الحاكم عن ابن الجمحي قال : (( سمعت عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة يقول سألت عائشة رضي الله عنها عن متعة النساء فقالت : بيني وبينكم كتاب الله ، وقرأت هذه الآية الكريمة { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} . فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا(1) ) .
... وفي مصنف عبد الرزاق عن الزهري عن القاسم بن محمد(*) قال : إني لأرى تحريمها في القرآن ، قال فقلت أين ، فقرأ علي هذه الآية : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ }(2) .
ــــــــــــ
1 _ الحاكم المستدرك 2/ 393 تفسير سورة المؤمنون : وأقره الذهبي في تلخيصه .
2 _ المصنف 7 / 502 ، 503 .
* _ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أبو محمد ، روى عن أبيه ، وعمته عائشة وعن العبادلة وغيرهم ، وروى عنه الزهري والشعبي وسالم بن عبد الله بن عمر وآخرون . قال البخاري في الصحيح : حدثنا علي حدثنا ابن عيينه حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، وكان أفضل أهل زمانه ، أنه سمع أباه ، وكان أفضل أهل زمانه وقال أبو الزناد : ما رأيت أحداً أعلم بالسنة منه ، توفي سنة (102) انظر تهذيب التهذيب 7/333 ، 335 .
الدليل من السنة(1/75)
... عن الربيع بن سبرة الجهني(*) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة وقال : ( ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ، ومن كان أعطي شيئاً فلا يأخذه)(1) .
... وفي رواية أخرى عن الربيع بن سبرة الجهني(**) أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً(2) .
... قال النووي : وفي هذا الحديث التصريح بالمنسوخ والناسخ في حديث واحد من كلام رسول - صلى الله عليه وسلم - كحديث : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) وفيه التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة ، وأنه يتعين تأويل قول جابر بن عبد الله أنهم كانوا يتمتعون إلى عهد أبي بكر وعمر ، على أنه لم يبلغهم الناسخ ) والأحاديث في تحريم هذا النكاح متعددة ، حتى قال ابن رشد :
ــــــــــــ
1 _ صحيح مسلم 9/189 مع النووي .
2 _ أخرجه مسلم في صحيحه 9/189 مع النووي .
* _ هو الربيع بن سبرة بن معبد الجهني المدني ، روى عن أبيه ، وله صحبة ، وعمر ابن عبد العزيز
ويحي بن سعيد بن العاص ، وعنه عبد الملك وعبد العزيز ابنا الربيع بن سبرة وعمر بن عبد
العزيز ومات قبله ، انظر تهذيب التهذيب 3/244 .
** _ هو سبرة بن معبد بن عوسجه الجهني ، أبو ثرية ويقال : أبو الربيع له صحبة ، وقع ذكره في
حديث علقه البخاري في أحاديث الأنبياء ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنه ابنه الربيع المتقدم ذكره ،
مات في خلاقة معاوية .
... (( وأما نكاح المتعة فقد تواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحريمه ))(1) .(1/76)
... ويلاحظ القارئ لألفاظ الحديث : ( أذنت لكم في الاستمتاع ) أن هذا الإذن قد سبقه تحريمها ، وهذا هو أصح قولي أهل العلم ، أي إنها تكرر نسخها لأنه ثبت في الصحيحين تحريمها في غزوة خيبر(2) . من حديث علي بن أبي طالب ونصه (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر )) (3)
... ويؤيده ما أخرجه أبو عوانة ، وصححه من طريق سالم بن عبد الله(*) أن رجلاً سأل ابن عمر عن المتعة ، فقال حرام ، فقال : إن فلاناً يقول فيها قال : والله لقد علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرمها يوم خيبر ، وما كنا مسافحين(4) .
ــــــــــــ
1 _ ابن رشد : بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/48 ، وقد استقصى هذه الأدلة مع بيان درجة كل حديث من حيث الصحة والضعف صاحب رسالة (مرويات نكاح المتعة جمع وتحقيق ) وهي رسالة ما جستير في السنة المطهرة للشيخ محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل فراجعه إن شئت .
2 _ خيبر تقع في الشمال الشرقي للمدينة المنورة وعلى بعد سبعين ميلاً منها أ هـ ياقوت الحموي
معجم البلدان 2/202 .
3 _ البخاري 9/166 مع الفتح ، مسلم 9/189 مع النووي .
4 _ البيهقي السنن الكبرى 7/207 مجمع الزوائد 4/265 ، ابن حجر فتح الباري 9/169 قال
محمد شمس الحق أبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود 6/82 إسناده قوي ، قوله وما كنا
مسافحين أي : لم نكن لنقدم على فعلها بعد علمنا بالنهي عنها ، فنكون بذلك مسافحين .
* _ سالم بن عبد الله بن الخطاب العدوي ، أبو عمر ، الفقيه المدني ، روى عن أبيه وأبي هريرة وأبي
رافع وروى عنه ابنه أبو بكر والزهري وصالح بن كيسان وغيرهم قال الإمام مالك لم يكن أحد
في زمان سالم بن عبد الله أشبه من مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه . توفي
سنة 106 في ذي القعدة أ هـ تهذيب التهذيب 3 / 437 ، 438 .(1/77)
... وهذا الحديث يرد قول من رأى أن نكاح المتعة لم يحرم عام خيبر ، وقالوا في حديث علي : إن فيه تقديماً وتأخيراً ، وتقديره : نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر وعن متعة النساء ، ورجحه السيد سابق في فقه السنة (1) .
... وهذا الاحتمال ممكن لو ساعده النقل ، إلا أن هذه الرواية التي انفردت بالنهي عن المتعة ، خاصة تبطل هذا الاحتمال وتثبت تكرر نسخها .
... فهي كانت مباحة قبل خيبر لعزوبة بالناس كانت شديدة ، ثم حرمت زمن خبير ، ثم أبيحت عام الفتح ، ثم نهى عنها إلى يوم القيامة والدليل على إباحتها قبل خيبر ثم تحريمها فيها ، حديث علي السابق ، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما .
... والدليل على إباحتها عام الفتح ثم تحريمها على وجه التأبيد ، أحاديث الباب السابقة المصرحة بتحريمها إلى يوم القيامة ، ولما روى مسلم في صحيحه عن سبرة بن معبد الجهني قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة(2) ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها(3) .
... لذا قال الشافعي : ليس في الإسلام شيء أحل ثم حرم ، ثم أحل ثم حرم إلا المتعة(4) .
... وقال ابن العربي(*) أما هذا الباب يعني باب نكاح المتعة فقد ثبت على غاية البيان ونهاية الإتقان في الناسخ والمنسوخ والأحكام ، وهو من غريب الشريعة
ــــــــــــ
1 _ فقه السنة 2 / 36 .
2 _ كان فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة .
3 _ أخرجه مسلم 9/187 مع النووي .
4 _ حكاه ابن حجر عن العبادي في طبقاته : انظر تلخيص الحبير 3/154 .
* _ هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن العربي ، أبو بكر ، الحافظ المشهور ، من أئمة المالكية ، وله مصنفات عديدة منهما أحكام القرآن ، توفي سنة 543هـ في مدينة فاس المغربية انظر : الفتح المبين 2 / 28 ، 30.
فإنه تداوله النسخ مرتين ثم حرم (1) .(1/78)
... وقال ابن برهان الدين : ( والحاصل أن نكاح المتعة كان مباحاً ، ثم نسخ يوم خيبر ، ثم أبيح يوم الفتح ، ثم نسخ أيام الفتح ، واستمر تحريمه إلى يوم القيامة(2)) .
... وكل روايات الترخيص في هذا النكاح قبل التحريم المؤبد تذكر أن الترخيص إنما كان في أسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم النساء (مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل )(3) .
... وفي صحيح مسلم : ( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لنا نساء ، فقلنا ألا نستخصي؟(4) فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل(5) .
... قال في الاعتبار : ( هذا طريق حسن صحيح ، وهذا الحكم كان مباحاً مشروعاً في صدر الإسلام ، وإنما أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود ، وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم , ولم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباحه لهم وهم في بيوتهم ، ولهذا نهاهم عنه غير مرة ، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة ، حتى حرمها عليهم في آخر أيامه - صلى الله عليه وسلم - وذلك في حجة الوداع(6) وكان تحريم تأبيدٍ لا تأقيتٍ ...
...
...
ــــــــــــ
1 _ ابن العربي المالكي : عارضة الأحوذي 5/48 طبع دار العلم .
2 _ علي بن برهان الدين : السيرة الحلبية 3/119 .
3 _ النووي : شرح مسلم 9/179 ،180 .
4 _ الاختصاء : من خصيت الفحل إذا سللت خصيته .
5 _ صحيح مسلم 9/179 ، 180 ، 181 ، 182 مع النووي .
6 _ سيأتي أن التحريم المؤبد كان في أيام الفتح وأن ما ورد من النهي عنها في حجة الوداع إنما هو
تأكيد واشاعة للنهي الأول .
فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة المذاهب ، إلا شيئاً ذهب إليه بعض الشيعة(1) .(1/79)
... وقال أبو حاتم البستي في صحيحه : ( قولهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ألا نستخصي ) دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن يبيح لهم الاستمتاع ، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى ، ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهى عنها عام خيبر ، ثم أذن فيها عام الفتح ، ثم حرمها بعد ثلاث فهي محرمة إلى يوم القيامة(2) .
... وهناك روايات أخرى ذكرت إباحتها وتحريمها في عمرة القضاء ، وعام أوطاس وحجة الوداع .
فعن الحسن(*) قال لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرته تزين أهل المدينة(3) فشكى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله قال : تمتعوا منهن ، واجعلوا بينكم وبينهن ثلاثاً ، فما أحسب رجلاً يتمكن من المرأة ثلاثاً إلا ولاها الدبر(4) .
... وفي رواية عند عبد الرزاق عن الحسن بلفظ ( ما حلت المتعة قط إلا ثلاثاً في عمرة القضاء ، ما حلت قبلها ولا بعدها(5) .
ــــــــــــ
1 _ محمد بن موسى الهمذاني : الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 177 .
2 _ أبو حاتم البستي : في صحيحه انظر أحكام القرآن للقرطبي 5/130 .
3 _ قال الأعظمي في تحقيقه لسنن سعيد بن منصور : ولعل كلمة المدينة سهو والصواب مكة ولكن استدراكه غير متعين إذ المراد بنساء أهل المدينة مكة لتقدم ذكرها فالسياق واضح . .
4 _ أي فارقها : والحديث أخرجه سعيد بن منصور في سننه 3 / 208 .
5 _ المصنف لعبد الرزاق 7/503 رقم / 1440 .
* _ هو الصحابي الجليل ، الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته من الدنيا وأحد سيدي شباب أهل الجنة ، وكان أشبههم وجها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي رضي الله عنه سنة 49 وقيل سنة 50 وقيل غير ذلك .
تهذيب التهذيب 2/295 / 301 .(1/80)
... فرواية عبد الرزاق عن الحسن تقصر الترخيص والتحريم على عمرة القضاء(*) فقط ويدفعها ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من الترخيص فيها بعد فتح مكة ، وهي بعد عمرة القضاء اتفاقاً كما يدفعها الترخيص فيها قبل خيبر ثم تحريمها فيها ، وهي قبل عمرة القضاء(1) .
... قال ابن حجر : أما عمرة القضاء فلم يصح الأثر فيها لضعف مراسيل الحسن ، لأنه كان يأخذ عن كل أحد ، وعلى تقدير ثبوته ، فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة(2) .
... وعن إياس سلمة عن أبيه(**) قال : ( رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها(3) ) .
... قال البيهقي : ( وعام أوطاس وعام الفتح واحد ، وإن كانت بعد الفتح فكانت في عام الفتح بعده بيسير ، فما نهى عنه لا فرق أن ينسب إلى عام أحدهما ، أو إلى الآخر(4) .
... وعن الزهري قال : كنا عند عمر بن عبد العزيز (***) فتذكرنا متعة النساء ،
ــــــــــــ
1 _ النووي : انظر ص 97 .
2 _ فتح الباري : 9/170 .
3 _ البيهقي : السنن الكبرى 7/104 .
4 _ البيهقي : السنن الكبرى 7/104 .
* _ كانت عمرة القضاء في ذي القعدة من السنة السابعة .
** _ هو الصحابي الجليل ، سلمة بن عمرو بن الأكوع ، واسمه سنان بن عبد الله الأسلمي أبو مسلم ويقال أبو إياس ويقال أبو عامر ، شهد بيعة الرضوان . وكان يسبق الفرس شداً على قدميه ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه خلق . توفي سنة (74) انظر تهذيب التهذيب ، 4/150 ، 151 .
*** _ هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي أبو حفص الفقيه الحافظ المجتهد
العادل الزاهد ، أخذ عن كثير من التابعين ، توفي سنة 101هـ انظر الفتح المبين 1/94 .(1/81)
فقال له رجل يقال له : الربيع بن سبرة أشهد على أبي(*) أنه حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها في حجة الوداع(1) والرواية عن الربيع بن سبرة بأنها في غزوة الفتح أصح وأشهر، فإن كان حديثاً محفوظاً فليس فيه أنه وقع الترخيص في حجة الوداع ثم نهى عنها ، بل مجرد النهي فلعله - صلى الله عليه وسلم - أراد تقرير النهي وتأكيده ، ليشيع ويسمعه من لم يبلغه ذلك .
... ويؤيد ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم حجوا فيها بنسائهم ، بعد أن وسع عليهم ، فلم يكونوا في شدة يحتاجون معها إلى المتعة(2) .
وخلاصة : ما قيل حول هذه الروايات قد أشار إليها الإمام النووي في شرح مسلم ، ووجه ما صح منها ، وبين شذوذ ما عارض الصحيح وهذا نص كلامه : ( قال القاضي _ يعني عياض(**) لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء ويوم فتح مكة ويوم أوطاس ، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم للضرورة بعد التحريم ، ثم حرمها تحريما مؤبدا فيكون حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء ثم أباحها يوم الفتح للضرورة ،ثم حرمها يوم الفتح أيضاَ تحريماً مؤبداً ، وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع ،لأنها مروية عن سبرة الجهني ، وإنما روى الثقات الإثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة ، والذي في حجة الوداع إنما التحريم ، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة ، ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم ، من النهي عنها يوم الفتح ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيداً وإشاعه له ، وأما قول الحسن إنما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها ، فترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر ، وهي قبل عمرة القضاء وما جاء في إباحتها يوم فتح مكة ويوم أوطاس ، مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة الجهني ، وهو راوي الروايات الأخرى وهي أصح ، فيترك ما خالف الصحيح ، وقد قال بعضهم : هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين .
ــــــــــــ(1/82)
1 _ أبو داود : 2/558، 559 رقم 2072 .
2 _ الروض النضير 4/216 .
* _ تقدمت ترجمته .
** _ هو الإمام الجليل _ عياض بن موسى بن عياض السبتي المالكي ، أبو الفضل كان إمام أهل
الحديث تفقه وصنف توفي سنة 544هـ انظر طبقات الحفاظ .
... والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين ، وكانت حلالاً قبل خيبر ، ثم حرمت يوم خيبر ، ثم أبيحت يوم فتح مكة ، ويوم أوطاس لاتصالهما ، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة ، واستمر التحريم(1) .
... عن عمر بن الخطاب(*) رضي الله عنه إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لنا في المتعة ثلاثاً ، ثم حرمها ، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة(2) .
... وعن أبي هريرة (**) رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( هدم المتعة الطلاق والعدة و الميراث ))(3) .
... وعن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير(***) قام بمكة فقال : (( إن أناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم ، يفتون بالمتعة ، يعرض برجل ، فناداه فقال : إنك لجلف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة على عهد إمام المتقين ، يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك ، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك(4) )) .
ــــــــــــ
1 _ النووي : شرح مسلم 9/181 عمدة القاري 8/312 .
2 _ أخرجه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح 1/631 رقم 1963 .
3 _ أخرجه الدار قطني في سننه 3/259 ، وأشار الحافظ إلى أن له شاهداً صحيحاً أخرجه البيهقي وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 4/264 .
4 _ صحيح مسلم 9/188 .(1/83)
* _ عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي أبو حفص أمير المؤمنين ، وكان إسلامه عزا ظهر به الإسلام بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد شهد بدراً والمشاهد كلها ، وكان نقش خاتمه كفى بالموت واعظاً ، ومناقبه لا تعد ولا تحصى وقتل سنة 23 وهو ابن ثلاث وستين سنة رضي الله عنه . تهذيب التهذيب 7/441 .
** _ أبو هريرة الدوسي اليماني صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحافظ الصحابة واختلف في اسمه واسم ابيه. والصحيح أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي وكان من أوعية العلم قال الشافعي : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره . توفي سنة 58 .
... انظر تذكرة الحفاظ 1/32 . وتهذيب التهذيب 12/263 وطبقات الحفاظ / 9 .
*** _ تقدمت ترجمته ص 62 .
بعض من ذكر الإجماع على تحريم نكاح التأقيت
... ذكر بعض أهل العلم أنه قد انعقد الإجماع ممن يعتد بهم في انعقاد الإجماع من علماء الدين على تحريم نكاح المتعة على وجه التأبيد ، استناداً إلى ما سبق من الأدلة ، التي ذكرناها ، واعتماداً على الأدلة التي لم نذكرها إذ لم نستقص الأدلة كما نوهنا بذلك .
... ومعلوم أن اتباع أهل الإجماع في أمر من أمور الدين واجب بنص القرآن ، والعدول عن سبيلهم ضلال وخسران ، قال الله عز و جل :{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } (1).
... وفي الحديث : ( ومن شذ شذ في النار ) (2) .
... قال ابن العربي : ( وقد كان ابن عباس يوقل بجوازها ، ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها ، فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب(3) ، يعني : المذهب المالكي .
... وقال النووي : ( قال المازري ، ثبت أن نكاح المتعة كان جائزاً في أول الإسلام ، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه نسخ ، وانعقد الإجماع على تحريمه .(1/84)
... ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة ، وتعلقوا بأحاديث منسوخة لا دلالة لهم فيها(4) .
... وقال القاضي عياض : ( اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل لا ميراث فيها ، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق ، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض(5) .
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 115 .
2 _ أخرجه الترمذي في الفتن رقم 2168 .
3 _ ابن العربي / انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/132 ، 133 .
4 _ النووي : شرح مسلم 9/179 .
5 _ النووي شرح مسلم 9/181 .
... وقال في الفتح : قال ابن بطال : ( وأجمعوا على أنه _ يعني نكاح المتعة _ متى وقع الآن بطل ، سواء كان قبل الدخول أو بعده(1) ) .
... وقال القسطلاني : ( وقع الإجماع على تحريمها _ يعني المتعة _ إلا الروافض(2) ) .
... وفي بدائع الصنائع ما نصه : ( وأما الإجماع فإن الأمة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة ، مع ظهور الحاجة لهم إلى ذلك(3) ) .
... وقال ابن حجر : قال ابن المنذر : ( جاء عن الأوائل الرخصة فيها _ يعني المتعة_ ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها ، إلا بعض الروافض(4) ) .
... وقال ابن برهان الدين : ( وكان فيه _ يعني نكاح المتعة _ خلاف في الصدر الأول ، ثم ارتفع ، وأجمعوا على تحريمه وعدم جوازه(5) ) .
... هذا جزء من النقول إلا أن الشيعة الإمامية يرون حلها ، ويتمسكون بشبهة داحضة ، وأدلة ترزح في الوهن سوف تطرح على بساط المناقشة لمعرفة زيفها ، وكلها أو معظمها تدور على أن آل البيت ينادون بحلها ، بالرغم من أن المنقول عنهم ... ضد ذلك تماماً .
الدليل من المعقول
... وأما المعقول فهو أن النكاح ما شرع لإشباع الغريزة فحسب ، بل لأغراض ومقاصد يتوسل به إليها ، وإرواء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة إلى المقاصد فلا يشرع .
ــــــــــــ
1 _ ابن حجر : فتح الباري 9/173 .(1/85)
2 _ القسطلاني لأحمد بن محمد القسطلاني 8/44 وبهامشه صحيح مسلم مع النووي .
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1420 .
4 _ ابن حجر : الفتح 9 / 173 ، التعليق المغني على الدار قطني 3/259 ، المجموع شرح المهذب 15/410 .
5 _ علي بن برهان الدين الحلبي : السيرة الحلبية / 119 .
... وأيضاً فإن الشريعة الإسلامية كلها عدل ورحمة ونور ، ونكاح المتعة فيه حيف وظلم للمرأة ، وذلك أن المرأة التي أعدت نفسها لهذه المهنة الوضيعة ، يرغب فيها ما دامت شابة جميلة ، فإذا كبرت رغبوا عنها ، وتخلوا عن القيام بشأنها فتضيع .
... إذاً فمن المعقول أن تمنع الشريعة العادلة هذا النوع من النكاح ، لئلا تظلم المرأة وتهان ، وليس في الشريعة ظلم ولا امتهان ، فتلاءم تحريم نكاح المتعة مع أهداف ديننا الحنيف .
آراء الفقهاء في تحريم نكاح المتعة
... وإليك الآن نقولاً من نصوص أئمة الدين من كتب المذاهب الفقهية ، وتضافر آرائهم على تحريم نكاح المتعة ، تثبيتاً لما قلنا ، وتدعيماً لما أسلفنا وتتميماً للفائدة .
مذهب الحنفية رحمهم الله
... قال ابن الهمام(*) في شرح فتح القدير ما نصه :
... ( ونكاح المتعة باطل ، وهو أن يقول لامرأة : أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال ، وقال مالك رحمه الله : هو جائز ، لأنه كان مباحاً ، فيبقى إلى أن يظهر ناسخه ، قلنا : ثبت النسخ بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وابن عباس رضي الله عنهما صح رجوعه إلى قولهم ، فتقرر الإجماع(1) ) .
... وقال في حاشيته:(2) ( أي لما ثبت بإجماعهم على المنع علم معه النسخ ، وأما دليل النسخ بعينه ، فما في صحيح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - حرمها يوم خيبر ، والتوفيق أنها نسخت مرتين ) .
ــــــــــــ
1 _ فتح القدير (2) 2 /384 ، 385 .
2 _ أي حاشية فتح القدير 2/385 .(1/86)
* _ هو محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد الفقيه الحنفي الأصولي المتكلم المشهور بابن الهمام ، كان حجة في الفقه وأصول الدين ، توفي سنة 861هـ انظر الفتح المبين 3/36/39 .
قلت : أما نسبة إباحتها إلى الإمام مالك رحمه الله فخطأ ظاهر وقد نبه المحشي على ذلك ، لأن رواية سحنون عن الإمام مالك تخالف ما نسبه الشارح إليه ، ففي المدونة قطع ببطلان نكاح المتعة ، وأسند ذلك إلى التحريم الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وسيأتي نص ما في المدونة عند ذكر مذهب المالكية .
... ورجوعاً إلى مذهب الحنفية ، فإنهم يرون كغيرهم من العلماء ، انعقاد الإجماع على تحريمها بعد ثبوت نسخها عنه - صلى الله عليه وسلم - ، وصفتها عندهم أنها نكاح إلى أجل بشيء من المال ، إلا أنهم يخصونه بلفظ التمتع ، ولذا يفرقون بينه وبين النكاح المؤقت .
... والنكاح المؤقت عندهم هو أن يعقد بلفظ النكاح ، أو التزويج وما يقوم مقامهما من الألفاظ مدة محدودة غير مبهمة ، كأن يقول : أتزوجك عشرة أيام بكذا ، فتقول : زوجت نفسي منك ، ويكون هذا بحضور شاهدين مستكملين لشروط الشهادة(1) )) .
... وإن كان كلاهما باطل عندهم ، إلا أن نكاح المتعة له لفظه الخاص به ، وبعضهم لم يفرق بينهما اعتباراً بالغاية ، وذلك أن النكاح المؤقت سواء كان بلفظ التمتع أو بغيره مما يؤدي هذا المعنى ، هو في معنى النكاح المؤقت ، لأن الغاية واحدة من جهة أن كلاً منهما نكاح إلى أجل ، لأن العلة في بطلانه ، والله أعلم _ توقيته بزمن محدود ، وكونه بانقضائه تحصل الفرقة بدون طلاق )) .
... ونلاحظ من تعريف النكاحين عندهم أن صورة نكاح المتعة عار عن الإشهاد ، بخلاف النكاح المؤقت .
... ولذا نازع في بطلانه الإمام زفر(2) فإنه قال : ( النكاح المؤقت جائز وهو مؤبد والشرط باطل ، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة(3) ) .
ــــــــــــ
1 _ السرخسي : المبسوط 3/152 .(1/87)
2 _ هو أبو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري البصري الإمام ، صاحب أبي حنيفة ، ولد سنة عشر ومائة
وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائة ، وكان جامعاً بين العلم والعبادة ، وكان صاحب حديث ثم
غلب عليه الرأي ، قال ابن معين : زفر صاحب الرأي ثقة مأمون . أ هـ النووي تهذيب
الأسماء 1 / 197.
3 _ فتح القدير لابن الهمام 3/249 ، بدائع الصنائع للكاساني 3/ 1421 .
... أي يلغو الشرط وينعقد النكاح مؤبدا ، ولكن العلماء من الحنفية وغيرهم تعقبوه ولم يعتبروا خلافه في هذه المسألة .
... وخلاصة ردهم عليه أنهم قالوا (إن هذا النكاح وإن لم يعقد بلفظ التمتع ، لكنه في معنى المتعة للتوقيت المذكور فيه ، قالوا : والعبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني(1) .
... وهنا جواب نفيس لابن حزم رحمه الله ونصه :
... أما قول زفر ففاسد ، لأن العقد لم يقع إلا على أجل مسمى ، فمن أبطل هذا الشرط وأجاز العقد ، فإنه ألزمهما عقداً لم يتعاقداه قط ولا التزماه قط لأن كل ذي حس سليم يدري بلا شك أن العقد المعقود إلى أجل ، هو غير العقد الذي إلى غير أجل .
... فمن الباطل إبطال عقد تعاقداه ، وإلزامهما عقداً لم يتعاقداه ، وهذا لا يحل البتة ، إلا أن يأمرنا به الذي أمرنا بالصلاة والزكاة(2) ) .
... وقال ابن حجر : ويرده أي : قول زفر _ قوله - صلى الله عليه وسلم - من كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها(3) .
... ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل : فليستدم عشرتها ، حتى يقال : ألغي التوقيت وانقلب دائماً ، ولكن أمره بفراقهن دليل على بطلان هذا النكاح من أصله منذ طرأ حكم النهي .
ــــــــــــ
1 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1421 .
2 _ ابن حزم : المحلى : 11/143 .
3 _ ابن حجر : فتح الباري : 9/173 .
مذهب المالكية رحمهم الله(1/88)
... قال في المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس من رواية سحنون ما نصه : (قال: قلت أرأيت إن قال : أتزوجك شهراً أيبطل النكاح ، أم يجعل صحيحاً ويبطل الشرط ؟ قال : قال مالك : النكاح باطل ويفسخ ، وهذه المتعة ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحريمها(1) )
... ومن هذا النص الجلي يتبين أن مالكاً رحمه الله كغيره يقول بتحريمها وبطلانها ، لأنه الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونعلم أيضاً أنه لا فرق عنده بين تسمية النكاح المؤقت متعة ، وبين أن يعقد بلفظ التمتع أو بلفظ التزوج ، لأن العبرة في العقود بالمعاني والمدلولات لا بالألفاظ .
... وفيه أيضاً رد لقول زفر رحمه الله المتقدم ، وذلك لأن مناط البطلان هو التأقيت ، المنافي للعقد الشرعي ، فمتى وجد التأقيت صح إطلاق لفظ التمتع عليه ووسم بالبطلان .
مذهب الشافعية رحمهم الله
... قال في المهذب : فصل ولا يجوز نكاح المتعة ، وهو أن يقول : زوجتك ابنتي يوماً أو شهراً ، لما روى محمد بن علي رضي الله عنهما ، أنه سمع أباه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وقد لقي ابن عباس(*) وبلغه أنه يرخص في متعة النساء ، فقال له علي : إنك امرؤ تائه ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الإنسية ، ولأنه عقد يجوز مطلقاً ، فلم يصح مؤقتاً كالبيع ، ولأنه نكاح لا يتعلق به الطلاق والظهار والإرث وعدة الوفاة فكان باطلاً كسائر الأنكحة الباطلة(2) . ...
ــــــــــــ
1 _ الإمام مالك : المدونة الكبرى 2/196 .
2 _ أبو اسحق _ الشيرازي المهذب 2/46 .
* _ تقدمت ترجمته .(1/89)
... قال في الشرح (حديث علي أخرجه أحمد والبخاري ومسلم ، وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم ابن خلف القاضي المعروف بوكيع في كفاية الغرر بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال(*) : (ولا يصح عندنا نكاح المتعة ، وبه قال جميع الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والفقهاء ، ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها إلا بعض الروافض(1) )
... فنكاح المتعة عند الشافعية كغيرهم هو النكاح المؤقت ، وهو باطل عندهم اتفاقاً ، وآل البيت هم سفن النجاة قد رووا تحريمها عن الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام .
... والأحاديث في الصحيحين اللذين تلقاهما الأمة سلفاً عن خلف بالقبول ، فلا كلام في صحتها ، بل وفي غيرها من كتب السنة .
... ومن روي عنه الترخيص كابن عباس رضي الله عنهما روي عنه الرجوع كما سيأتي .
مذهب الحنابلة رحمهم الله
... قال الخرقي في مختصره في الفقه : ( مسألة : ولا يجوز نكاح المتعة ) قال ابن قدامة في الشرح : معنى نكاح المتعة : أن يتزوج المرأة مدة ، مثل أن يقول : زوجتك ابنتي شهراً أو سنة ، أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج ، وشبهه ، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة ، فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد ، فقال نكاح المتعة حرام ، وقال أبو بكر : فيها رواية أخرى الكراهة ، لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال : تجنبها أحب إلي ، قال : فظاهر هذا الكراهة دون التحريم ، وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا ، ويقول : في المسألة رواية واحدة في تحريمها ، وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء ، وممن روي عنه
ــــــــــــ
1 _ المجموع شرح المهذب 15/410 .(1/90)
* _ هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي ، الوالبي مولاهم أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفي ، روى عن ابن عباس وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وغيرهم وروى عنه ابناه عبد الملك وعبد الله ويعلى بن حكيم وغيرهم قال عمرو بن ميمون عن أبيه لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه ، قتله الحجاج سنة 95 وهو ابن 49 سنة .
تحريمها عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير ،قال ابن عبد البر : وعلى تحريم المتعة مالك في أهل المدينة ، وأبو حنيفة في أهل الكوفة ، والأوزاعي في أهل الشام ، والليث في أهل مصر ، والشافعي وسائر أصحاب الآثار ، وقال زفر : يصح ويبطل الشرط(1) .
... ثم أورد أدلة الشيعة الإمامية المجيزين ، وردها بالأحاديث التي سبق أن أوردناها .
... وأما رواية التحريم عن الإمام أحمد رحمه الله فهي المشهورة والمعتمدة في كتب المذهب ، لأنها المؤيدة بالأدلة الثابتة .
... أما رواية أبي بكر عنه بأنه قال لما سئل عن المتعة : تجنبها أحب إلي ، وقال هذا يقتضى كراهته لها فقط .
... فالجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه :
... الأول : إن هذه الرواية لم تصح أبداً ، لأن جميع أرباب المذهب ، وهم أقعد به ، لم يذكروا عنه إلا رواية التحريم لا غير ، وأنكروا الرواية التي ذكرها أبو بكر فبطلت .
... الثاني : لو سلمنا جدلاً أن هذه الرواية صحيحة وثابتة ، فليس في العبارة ما يفيد أنها مكروهة ، لأن أفعل التفضيل كثيراً ما يأتي على غير بابه وهذا منه ، ويكون المعنى تجنبها حبيب إلى قلبي ، ولا شك أن ما جاء به شرعنا الحنيف حبيب إلى أهل التقى والعلم مثل الإمام أحمد .
... الثالث : أن الرواية الصحيحة التي اعتمدها كافة أرباب المذهب هي التي يشهد لها القرآن الكريم ، وتدعمها السنة النبوية وإجماع علماء الأمة الإسلامية ، والإمام أحمد هو
أحد المخرجين لحديث النهي عن المتعة(2) ، فوجب المصير إليها قطعاً .
ــــــــــــ(1/91)
1 _ ابن قدامة : المغني 7/571 .
2 _ الإمام أحمد . المسند 5/236 حديث رقم 3650 بشرح أحمد شاكر .
... وأما نقل ابن قدامة عن الإمام زفر أنه من المجيزين للمتعة ، فليس كذلك ، لأن زفر لم يحل نكاح المتعة ، بل هو من جملة القائلين بالحرمة ، وإنما هو يرى أن المتعة هي ما عقدت بلفظ التمتع خاصة ، أما ما عقد بلفظ النكاح ، وكان بحضور شاهدين وشرط فيه التوقيت فهو الجائز عنده ، لأنه يرى إلغاء شرط التأقيت وانعقاد النكاح مؤبداً ، وقد سلف تعقيبات العلماء على ذلك مما يغني عن إعادته هنا(1) .
مذهب الظاهرية رحمهم الله
... قال ابن حزم الظاهري(2) :
... (مسألة ولا يجوز نكاح المتعة ، وهو النكاح إلى أجل ، وكان حلالاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم نسخه الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، نسخاً باتًّا إلى يوم القيامة(3) ثم ذكر أدلة التحريم .
مذهب الزيدية رحمهم الله
... قال في البحر الزخار :
... ( مسألة : ويحرم نكاح المتعة ، وهو المؤقت لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عنه(4) ) وقال في مسند الإمام زيد المسمى المجموع الفقهي ما نصه : (حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام ، قال : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدين ليس بالدرهم ولا الدرهمين ولا اليوم واليومين ، شبه السفاح ولا شرط في نكاح ) .
ــــــــــــ
1 _ انظر ص : 77 من هذا الرسالة .
2 _ هو الإمام العلامة الحافظ الفقيه المجتهد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي الأصل الأموي اليزيدي القرطبي الظاهري صاحب التصانيف العديدة قال صاعد بن أحمد كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام ، وأوسعهم معرفة ولد سنة 384 وتوفي سنة 456هـ انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 2/1148 وما بعدها .
3 _ ابن حزم : المحلى 11/141 ، 142 بتحقيق محمد منير .
4 _ أحمد بن يحيى المرتضى : البحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار 3/22/23 .(1/92)
... وحدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة عام خيبر(1) .
قال الشارح رحمه الله : (قوله : خيبر ، بالمعجمة أوله والراء آخره ، وشذ بعض الرواة فزعم أنه بمهملة أوله ونونين . أخرجه النسائي والدار قطني ونبها على أنه وهم ، والحديث يدل على تحريم نكاح المتعة للنهي عنها ، وهو النكاح المؤقت إلى أمد معلوم أو مجهول ، وقد كانت مباحة في صدر الإسلام ثم نسخت وورد ما يدل على تكرير الإباحة والنسخ مرتين ، قال الشافعي وغيره ، أما ابن عباس فقد صح القول عنه بذلك ، ولكنه رجع ، فأخرج الترمذي بسنده إليه أنه قال : إنما كانت المتعة في أول الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفه ، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم فتحفظ له متاعه ، وتصلح له شيئه ، حتى إذا نزلت الآية : {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال ابن عباس : فكل فرج سوى هذين فهو حرا م(2) .
... وأخرجه الحازمي وقال : إسناده صحيح ، لولا موسى بن عبيدة الربذي _ يعنى أنه ضعيف _ لكنه أخرجه البخاري في باب النهي عن نكاح المتعة ، عن أبي جمرة أنه سأل ابن عباس عن متعة النساء ، فرخص له ، فقال له مولى له : إنما ذلك في الحال الشديد ، وفي النساء قلة ، قال : نعم(3) .
... وأخر البيهقي عن ابن شهاب قال : ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتيا ، وذكره أبو عوانة في صحيحه ، وبهذا يتضح أن جميع ما روي عنه من القول بها إما أن يكون رجع عنه ، أو خصه بحال الضرورة الشديدة في السفر وقد روي عن الباقر ولد الصادق إجماع آل البيت على تحريم هذا النكاح ... والله أعلم(4) .
ــــــــــــ
1 _ مسند الإمام زيد / 304 .
2 _ الترمذي : في سننه 3/421 رقم 1122 .
3 _ صحيح البخاري 9/167 .
4 _ الحسين بن أحمد السياغي : الروض النضير شرح مسند زيد 4/213 ، 214 .
أدلة المجيزين لنكاح التأقيت ومناقشتها(1/93)
... استدلوا على جواز نكاح المتعة بالكتاب والسنة وإجماع آل البيت ، أما الكتاب فقوله تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } (1) واستدلالهم بالآية من وجوه :
... الأول : أنه عبر سبحانه وتعالى بلفظ التمتع دون لفظ النكاح ، والاستمتاع والمتعة بمعنى واحد(2) .
... الثاني : أنه سبحانه وتعالى أمر بإيفاء الأجر ، وفي هذا إشارة إلى أن العقد عقد إيجار ، ونكاح المتعة استئجار لمنفعة البضع(3) .
... الثالث : أنه سبحانه علق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع ، وذلك يقتضي أن يكون معناه هذا العقد المخصوص دون الجماع والاستلذاذ لأن المهر لا يجب به(4) .
... الرابع : أن الآية تدل على أن مجرد الابتغاء بالمال يجوز الوطء ، وهذا لا يكون إلا في المتعة ، فأما في النكاح المطلق فهناك الحل ، إنما يحصل بالعقد ، ومع الولي والشهود ومجرد الابتغاء بالمال لا يفيد الحل ، فدل هذا على أن هذه الآية مخصوصة بالمتعة (5) .
... خصوصاً وهناك قراءة لهذه الآية رويت عن ابن عباس وجابر ابن عبد الله وابن مسعود وأبي بن كعب : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) .
... وهذه القراءة بينت معنى الآية على التفسير الذي سمعوه من الرسول - صلى الله عليه وسلم -(6) .
... وقالوا أيضاً : إن المتعة ثبتت بقطعي الحديث ، أما الأخبار الواردة في نسخها فهي ظنية لتعارضها ، وما ثبت بيقين لا ينسخ بالظن .
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 24 .
2 _ الفكيكي : المتعة وأثرها ص 116 .
3 _ الحصرى : النكاح والقضايا المتعلقة به / 175 .
4 _ الفكيكي : المتعة وأثرها / 62 .
5 _ الفخر الرازي : التفسير الكبير 9/52 .
6 _ محمد الحسين آل كاشف الغطاء : أصل الشيعة وأصولها /167 ، 168 .
أدلة المجيزين للمتعة في الميزان(1/94)
... استدلالهم بقوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } على جواز نكاح المتعة ، باطل يأباه سياق الآية ويرده كل من ذاق طعم العربية .
... فقولهم : عبر سبحانه وتعالى في الآية بلفظ الاستمتاع دون لفظ النكاح ، والاستمتاع والمتعة بمعنى واحد غير مسلم .
... أولاً : لأن الاستمتاع مصدر استمتع ، ومعناه التلذذ ، والمتعة : اسم مصدر ، وجعلت علماً على النكاح المؤقت ، فمتى كانا شيئاً واحداً .
... ثانياً : أن لفظ استمتع ورد في غير هذا الموضع ، ولم يرد به المتعة اتفاقاً ، وذلك في قوله تعالى { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا }(1) يعني : تعجلتم الانتفاع بها .
... وقوله تعالى { فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ }(2) يعني : انتفعتم بحظكم ونصيبكم .
... قال الزجاج : ( ومعنى قوله { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }: فما نكحتموه على الشرائط التي جرت ، وهي قوله تعالى : { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } أي عاقدين التزويج(3).
... وقال ابن الجوزي وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة ، لأنه تعالى قال فيها : { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } فدل ذلك على النكاح الصحيح(4) .
وأما زعمهم أن في ذكر إيفاء الأجر إشارة إلى أنه عقد إيجار ، فهذا من الجهل العظيم بكتاب الله تعالى ، لأنه سبحانه قد سمى المهر أجراً في قوله تقدست أسماؤه : { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }(5) وقوله تعالى :
ــــــــــــ
1 _ سورة الأحقاف آية / 20 .
2 _ سورة التوبة آية 69 .
3 _ الخازن : لباب التأويل 1/507 .
4 _ زاد المسير : 2/53 ، 54 .
5 _ سورة النساء آية / 25 .(1/95)
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ }(1) فكيف يدعون أن المعنى عقد إيجار ، وشتان ما بينهما!؟ .
... وسياق الآية الكريمة يمنع ما أرادوه ، ويبطل ما قصدوه ، وإيضاح ذلك أنه تعالى فصل لنا أحكام النكاح فقال : { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ } أي النكاح الشرعي _ وهذا موضع اتفاق إلى قوله _ {غليظاً}(2) .
... ثم شرع يبين لنا ما يحرم علينا نكاحهن فقال تعالى { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } .
... وسرد سبحانه وتعالى ما يحرم علينا التزويج بهن ، وكان آخر المحرمات المتزوجات من النساء إلا ما ملكت اليمين ثم قال تعالى { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } أي : تلذذتم به منهن في النكاح الصحيح { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن .
... فالسياق يبين هذا ويحتمه ، ويؤكد ذلك ما بعدها ، فإنه تعالى قال : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ } .
... إلى آخر الآيات التي توضح أن المعنى بهذه الآيات إنما هو النكاح الدائم لا المتعة .(1/96)
... قال ابن منظور : ( وأما قوله عز وجل عقب ما حرم من النساء : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } أي : عاقدين النكاح الحلال غير زناة { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } فإن الزجاج ذكر أن هذه الآية غلط فيها قوم غلطاً عظيماً لجهلهم باللغة ، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام وإنما معنى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } على عقد التزويج الذي جري ذكره
ــــــــــــ
1 _ الأحزاب آية / 50 .
2 _ {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20 ) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) } سورة النساء آية 20/21 .(1/97)
{ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } أي: مهورهن ، ومن زعم أن في قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } التي هي الشرط في التمتع الذي يفعله الرافضة ، فقد أخطأ خطأ عظيماً ، لأن الآية واضحة بينة(1) وأما قولهم : إن الله تعالى علق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع ، وذلك يقتضي أن يكون معناه هذا العقد المخصوص فغير مسلم أيضاً لأن الآية الكريمة تبين حكم المرأة المدخول بها التي سمى لها الصداق ولم تستلمه ، فقال تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } أي بالدخول فعلاً بموجب العقد ، وقد سميتم لهن الصداق ولكن لم تسلموه إليهن ، { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } لازمة لا يحق لكم أن تنقصوهن منه شيئاً { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا }(2) .
... فتكون الآية مبينة لحكم صداق المدخول بها المسمى لها المستمتع منها(3) .
... وقولهم إن الآية تدل على أن مجرد الابتغاء بالمال يجوز الوطء ولا يكون إلا في المتعة فأما في النكاح المطلق فهناك الحل إنما يحصل بالعقد والولي والشهود ، فهذا كلام باطل.
وذلك أن مجرد الابتغاء بالمال لا يفيد حل الاستمتاع بالاتفاق مع المخالفين ، لاشتراطهم الصيغة في نكاح المتعة كركن من أركان هذا النكاح .
... وأما الصيغة إلا العقد ، فلا بد عندهم أن يعقد بلفظ زوجتك أو أنكحتك أو متعتك ، فوجب الإضمار عند الطرفين بعد قوله تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } أي بعقد النكاح .(1/98)
... وأما ذكر الولي والشهود فليس شرطاً في صحة العقد الدائم عندهم وإن كان مستحباً . وإنما فسرناه بلفظ النكاح ، لأنه لما قال تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } الخ ثم قال : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } فكان المراد بهذا التحليل ، ما هو المراد هناك بهذا التحريم ، فلما كان المراد هناك بالتحريم هو النكاح ، فالمراد بالتحليل ههنا أيضاً يجب أن يكون هو النكاح(4) .
ــــــــــــ
1 _ ابن منظور لسان العرب / 205 .
2 _ سورة النساء آية 21 .
3 _ عطية سالم في مقدمة تحريم نكاح المتعة ص 61 .
4 _ الفخر الرازي : التفسير الكبير 9/53 .
... وحيث لم يجروا المتعة مجرى النكاح ، فلا حجة لهم في هذا النص(1) .
... وأما استدلالهم بالقراءة المروية عن ابن عباس و جابر بن عبد الله وابن مسعود وأبي بن كعب : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) فلا تنهض هذه القراءة دليلاً لما يأتي:
... أولاً : أن بعض العلماء ذكر أن هذه الرواية عن ابن عباس وغيره شاذة ، لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً ، ولا يلزم العمل بها(2) . ...
... وإن صححها الحاكم ، فمعروف أنه واسع الخطا في التصحيح ، قال السيوطي وقد تقرر أنه لا يقبل تفرد الحاكم بالتصحيح .
... ثانياً : أنها ليست رواية متواترة حتى تفيد القطع ، والقرآن من شرط ثبوته التواتر كما هو مقرر ، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : ( وكتاب الله هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلاً متواتراً(3) .
... ثالثاً : على فرض صحة هذه الرواية فهي معارضة بأن إجماع أهل السنة على خلاف ذلك ، ولأن الأحاديث الصريحة الصحيحة قاطعة بكثرة بتحريم نكاح المتعة ، ويكون معنى رواية ابن عباس حينئذ ( إلى أجل مسمى ) تأخير المهر وتأجيله ، وهو يجوز تأخيره إلى أجل ، كما نبه على هذا صاحب الروض النضير(4) وأبو عبد الله القرطبي(5) .(1/99)
... وأما قولهم: إن المتعة تثبت بقطعي الحديث ، وأما الأخبار الواردة في نسخها فهي ظنية ، وما ثبت بيقين لا ينسخ بالظن ، فإن كان المقصود ثبوتها بقوله تعالى{ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } على زعم أن في ذكر إيفاء الأجر إشارة إلى أنه عقد إيجار .. الخ فغير سديد ، وقد سبق إيضاح بطلانه ، وإن كان المقصود
ــــــــــــ
1 _ لأن المتمتع بها عندهم لا يلحقها طلاق ، ولا تجب لها نفقة إلا ما شرط ، ولا توارث بينهما وللمرء أن يتمتع بأي عدد شاء : انظر ص 88 / 89 من هذه الرسالة .
2 _ النووي شرح مسلم 9/179 .
3 _ مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر ص 55 .
4 _ شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي 4/121 .
5 _ الجامع لأحكام القرآن 5/134 .
ثبوتها بالقراءة المروية عن ابن عباس وغيره .. فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، فباطل أيضاً وقد سبق بيانه آنفا على أن من روى عنهم قراءة هذه الآية : { إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} قد روى عنهم في المتعة ما يلي :
... أولاً : ابن عباس رويت عنه روايات مختلفة سيأتي الحديث عنها ، أصحها أنه كان يرخص فيها للمضطر ، وقد روي عنه الرجوع عن ذلك ، وانتقده جماعة من الصحابة وغيرهم على الترخيص فيها عند الضرورة ، ولم يسلم له رأيه(1) .
... ثانياً : جابر بن عبد الله قد صح رجوعه عن ذلك حين بلغه النسخ ، ففي صحيح مسلم عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله(*) فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين(2) ، فقال جابر فعلناها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم نهانا عنهما عمر ، فلم نعد لهما(3) وفي رواية لأحمد : فلما كان عمر نهانا عنها فانتهينا(4) .(1/100)
... وأما ابن مسعود ، فلعل مستندهم في ذلك حديث الصحيحين السابق ، ( ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل(5) لكن هذا الحديث له تتمة جاءت في مصنف عبد الرزاق ، وأشار إليها ابن حجر في الفتح ، ولفظها عند الإسماعيلي من رواية أبي معاوية : ( ففعله ثم ترك ذلك ) ولابن عيينة عن إسماعيل : ( ثم جاء تحريمها بعد) وفي رواية معمر : ( ثم نسخ (6) وفي رواية (ثم حرمها بخيبر وما كنا مسافحين(7) ) .
ــــــــــــ
1 _ انظر ص 98 .
2 _ متعة النساء ومتعة الحج .
3 _ صحيح مسلم 9/184 .
4 _ مسند الإمام أحمد / 3/366 .
5 _ انظر ص 95 من هذه الرسالة .
6 _ تفسير ابن جرير الطبري 8/185 .
7 _ ابن أبي شيبة المصنف 7/506 .
* _ هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي صحابي ابن صحابي ، غزا تسع عشرة غزوة توفي بالمدينة بعد السبعين ، وهو ابن أربع وتسعين سنة التقريب (52) .
... ويقرب من المستحيل أن يفتي بإباحتها ، بعد أن يعلن أنها بمنزلة السفاح ، ونحن لا ننكر الترخيص فيها قبل خيبر ، ثم تحريمها كما سبق . وأما أبي بن كعب(*) فقد روي عنه الحرف الذي قرأ به ابن عباس (إلى أجل مسمى ) وهو كما سبق لا يحتج به قرآناً ولا خبراً ولا يلزم العمل به ، وقد أوردنا عن العلماء ، أجوبة عن ذلك ، وقال ابن جرير :
... ( وأما ما روى عن ابن عباس وأبي بن كعب من قرآءتهما: ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين ، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئاً لم يأت الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه(1) وإن كان المقصود أن من روى إباحتها من الصحابة رضوان الله عليهم بلغوا حد التواتر دون رواة تحريمها فغير مسلم .(1/101)
... لأن الراوين لإباحتها هم أنفسهم الراوون لتحريمها ، قال محمد ابن إسماعيل(**) الأمير : (والقول بأن إباحتها قطعي ، ونسخها ظني غير صحيح لأن الراوين لإباحتها رووا نسخها ، وذلك إما قطعي في الطرفين ، أو ظني في الطرفين جميعاً(2) ) .
... ومن هذه الأجوبة تبين بطلان ما زعموه ، من أن إباحتها ثبتت بالدليل القطعي . والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ تفسير ابن جرير الطبري 8/185 .
2 _ سبل السلام 3/126 .
* _ هو الصحابي الجليل ، أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد أبو المنذر ، ويقال أبو الطفيل ، سيد القرآء ، شهد بدراً والعقبة الثانية قال عمر بن الخطاب : سيد المسلمين أبي بن كعب ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وآخرون .
... توفي سنة 19 وقيل غير ذلك ، انظر تهذيب التهذيب 1/187 / 188 .
** _ هو محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني خطيب جامع صنعاء باليمن ، وكان لا يخشى في الله لومة لائم وله مصنفات حافلة منها : سبل السلام ومنحة الغفار ، توفي رحمه الله سنة 1182هـ عن 123 سنة .
واستدلوا من السنة بما يلي :
... 1 _ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( كنا نغزوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي ، فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ علينا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1) فاستشهاده - صلى الله عليه وسلم - بالآية يتضمن إنكاره لقول من يقول بالتحريم .
... 2 _ وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث(*)(2) .(1/102)
... 3 _ وعن جعفر الصادق(**) الصادق أنه كان يقول : (ثلاث لا أتقي فيهن أحداً متعة الحج ، ومتعة النساء ، والمسح على الخفين .
... قالوا وهذا وارد من طرق المجوزين والقائلين بحليتها(3) .
ــــــــــــ
1 _ صحيح مسلم 9/182 .
2 _ صحيح مسلم 9/184 .
3 _ الفكيكي : المتعة وأثرها ص 46 .
* _ هو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي القرشي رضي الله عنه من صغار الصحابة ، توفي سنة خمس وثمانين روى له الجماعة .
... انظر : ابن حجر تقريب 2/67 ط دار المعرفة .
** _ هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أبو عبد الله المدني الصادق ، روى عن أبيه ، ومحمد بن المنكدر ونافع وغيرهم وروى عنه يحيى بن سعيد ، ويزيد بن الهاد ، قال مالك : اختلفت إليه زماناً ، فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال ، إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن ، وما رأيته يحدث إلا على طهارة ، أنظر تهذيب التهذيب 2/103، 104 .
... 4 _ إجماع آل البيت عليهم السلام على إباحة هذا العقد ، ورويتهم به مشهورة مذكورة في كتب أحاديثهم(1) .
دفع هذه الشبهات :
... أولاً : استدلالهم بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، فالحديث صحيح ، ولكن أخرج عبد الرزاق في مصنفه زيادة فيه تحدد زمن التحريم ولفظها : ثم حرمها بخيبر وما كنا مسافحين(2) .
... وقد سبق أن ذكرنا أن الترخيص فيها قبل خيبر ، ثم تحريمها بها(3) وأما قولهم : إن استشهاد الرسول عليه الصلاة والسلام بالآية يتضمن إنكاره للقائلين بالتحريم .
... فالجواب أن الآية الكريمة إنما استدل بها ابن مسعود على ما ذكر ، وليس الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد صرح مسلم بذلك فقال : ثم قرأ عبد الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ }(4) .(1/103)
... قال في الفتح : وصرح بذلك الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري(5) ولا دليل لهم أيضاً في الآية المذكورة ، إذ أن المتعة في زمن الترخيص فيها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت من الطيبات ، ثم لما وقع الحظر منها صارت محرمة .
... علماً بأن الآية لا تعلق لها بموضوع نكاح المتعة ، وسبب نزولها يوضح معناها ، قال ابن جرير :
... ( التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون ، تحريم النساء والطيب وكل ما يلتذ به ، فلهذا أنزل في حقه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ } فالآية
ــــــــــــ
1 _ الفكيكي : المتعة وأثرها ص 66 .
2 _ المصنف 7/506 .
3 _ انظر ص : 97 من هذه الرسالة .
4 _ صحيح مسلم 182 .
5 _ ابن حجر : فتح الباري 9/119 .
أدل على تحريم المتعة منها على تحليلها ، لأن المباشر لها بعد تحريم الله تعالى لها على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - معتد ، مجاوز لما حده الله سبحانه وتعالى ، وقد قال في آخرها : { وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . ...
... وأما استدلالهم : بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : فقد سبق أن ذكرنا أنه رجع عنها لما بلغه تحريمها ، على لسان عمر رضي الله عنه ، ولأن فعله للمتعة كان قبل أن يطلع على الناسخ ، فلما اطلع عليه ترك ، كما صرح بذلك مسلم في صحيحه(1) .
... وأما ما يروى عن جعفر الصادق أنه كان يقول : ثلاث لا أتقي فيهن أحداً ..الخ.
... فهو معارض بما أخرجه البيهقي عنه من طريق إسماعيل بن إبراهيم قال : اخبرنا الأشجعي عن بسام الصيرفي قال : سألت جعفر بن محمد عن المتعة ، ووصفتها له ، فقال لي : ذاك الزنا (2) .
... ولأنه قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحريمها إلى يوم القيامة ، فلزم الأخذ به .(1/104)
... وأما استدلالهم بإجماع آل البيت على حلية هذا العقد ، فهذا قول غير صحيح ،إذ سبق النقل عن علي عليه السلام بالتحريم ، بل إنه يراها شبيهة بالزنا ، وأجراها مجراه روي عنه أنه قال : ( لا أجد أحداً يعمل بها إلا جلدته(3) ) .
... ونقل عن الباقر ولد الصادق أنه قال : (أجمع آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وصداق بلا شرط في النكاح(4) ) .
... وقد حكى شرف الدين إجماع آل البيت على النهي عن المتعة(5) ، وهو كذلك ،لأن آل البيت هم سفن النجاة ، فحاشا أن يخالفوا هدي النبوة ونور القرآن ، فدعوى المبيحين للمتعة أنهم تابعون فيها آل البيت ، دعوى مردودة وحجة منقوضة .
...
ــــــــــــ
1 _ انظر ص : 92 من هذه الرسالة .
2 _ البيهقي : السنن الكبرى 7 / 207 .
3 _ الروض النضير 4/213 ، 214 .
4 _ الروض النضير 4/213 ، 214 .
5 _ الروض النضير 4/213 ، 214 .
... والدعاوى مالم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
... وقد أخرج البيهقي عن الزهري عن سالم عن أبيه(*) قال : سئل عن متعة النساء ، فقال لا نعلمها إلا السفاح(1) ... .
... وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن الوليد قال لي ابن أبي ذئب : سمعت ابن الزبير يخطب وهو يقول : إن الذئب يكنى أبا جعدة ، والمتعة هي الزنا(2) .
... وأخرج أيضاً عن هشام بن الغاز قال : سمعت مكحولاً يقول في الرجل تزوج المرأة إلى أجل ، قال : ذلك الزنا(3) .
... وأخرج سعد بن منصور عن هشام بن عروة أن عروة بن الزبير(**) كان ينهي عن المتعة ويقول : هي الزنا الصريح .
... فالله نسأل أن يهدينا لأقوم طريق ، إنه سميع مجيب .
ــــــــــــ
1 – البيهقي السنن الكبرى 7/207 .
2 _ 4/293 .(1/105)
3 _ ابن أبي شيبة : المصنف 4/293 ،294 قال أبو بكر الحصاص : فإن قيل لا يجوز أن تكون المتعة زناً لأنه لم يختلف أهل النقل أن المتعة كانت مباحة في بعض الأوقات،ولم يبح الله الزنا قط. قيل له لم تكن زناً في وقت الإباحة ، فلما حرمها الله تعالى جاز إطلاق اسم الزنا عليها كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر ) .
... أخرجه الترمذي 3/410 وحسنه _ وإنما معناه التحريم لا حقيقة الزنا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - (العينان تزنيان والرجلان تزنيان فزنا العين النظر ، وزنا الرجلين المشي ، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه ) أخرجه أحمد في مسنده 2/276 . فأطلق اسم الزنا على وجه المجاز إذ كان محرماً ، فكذلك من أطلق الزنا على المتعة فإنما أطلقه على وجه المجاز وتأكيد التحريم أ هـ . أحكام القرآن 2/178 ، 179 .
* _ تقدمت ترجمته .
** _ هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي ، أبو عبد الله المدني ، روى عن أخيه عبد الله وأمه أسماء وخالته عائشة وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، وروى عنه أولاده ، عبد الله وعثمان وهشام ومحمد ويحيى وأبو سلمة وآخرون ، كان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً وكان رجلاً صالحاً لم يدخل في شيء من الفتن مات سنة 91 أو 92 انظر تهذيب التهذيب 7/180/181 .
موقف ابن عباس من نكاح المتعة
لابن عباس مسلك خاص في نكاح المتعة :
... إذ هو يرى أن المرء الذي اشتدت غلمته ، وخشي على نفسه العنت ، فليركب هذا الضرب من النكاح اضطراراً حسب تعبيره .
... لأنه لما قيل له في شأنها ، قال كما في صحيح البخاري : ( عن أبي جمرة الضبي قال : سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء ، فرخص ، فقال له مولى له : إنما ذلك في الحال الشديد ، وفي النساء قلة ، أو نحوه ، فقال ابن عباس : نعم(1) .(1/106)
... قال ابن حجر : وفي رواية الإسماعيلي : ( إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل (ورواية أخرى ) صدق (أي : بدل نعم(2) ) .
... وروى البيهقي عن ابن عباس قال في المتعة هي حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير(3).
... قال الخطابي : (تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين ، وقد كان ذلك مباحاً في صدر الإسلام ، ثم حرمه في حجة الوداع ، وذلك في آخر أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأئمة ، إلا شيئاً ذهب إليه بعض الروافض ، وكان ابن عباس يتأول في إباحته للمضطر إليه بطول الغربة ، وقلة اليسار والجدة ، ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به ، حدثنا ابن السماك قال : حدثنا الحسن بن سلام السواق قال : حدثنا الفضل بن دكين قال : حدثنا عبد السلام عن الحجاج عن أبي خالد عن المنهال عن سعيد بن جبير(*) قال : قلت لابن عباس : هل تدري ما صنعت ، وبما أفتيت ؟ قد سارت بفتياك الركبان ، وقالت فيه الشعراء ! قال : وما قالت ؟ قلت قالوا :
... قد قلت للشيخ لما طال محبسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
... هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس
ــــــــــــ
1 _ صحيح البخاري 9/167 مع الفتح .
2 _ فتح الباري 9/167 .
3 _ السنن الكبرى 7/208 .
* _ تقدمت ترجمته .
فقال ابن عباس : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما بهذا أفتيت ، ولا هذا أردت ، ولا حللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما تحل إلا للمضطر وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير ، قال الخطابي فهذا يبين لك أنه _ يعني : ابن عباس _ إنما سلك فيه مذهب القياس وشبهه بالمضطر إلى الطعام ، وهو قياس غير صحيح ، لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق كهي في باب الطعام ، الذي به قوام الأنفس وبعدمه يكون التلف ، وإنما هذا من باب غلبة الشهوة , ومصابرتها ممكنة ، وقد تحسم بالصوم والعلاج ، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر(1) .(1/107)
... ومن هنا يدرك مسلك ابن عباس في هذه المسألة ، فهو إنما قاس مقايسة ، وليس استناداً إلى دليل صريح ، وكما عرفنا أن القياس غير صحيح ، فإن قيل : لقد علم ابن عباس تحريم النكاح المتعة من ابن عمه علي من أبي طالب حين قال له : إنك رجل تائه(2) نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية(3) وحين اشتد عليه ابن الزبير وقال له : فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك(4) .
... فالجواب عن ذلك أن ابن عباس علم تحريمها في غزوة خيبر ، كما بلغه الإذن فيها بعد ذلك ، فارتأى أن ذلك يدور مع العلة التي هي الغربة وقلة النساء والسفر للجهاد ، ومن هنا جاءت مقايسته ، ولو أنه بلغه تحريم الرسول لها على وجه التأبيد ، كما في حديث سبرة ابن معبد الجهني : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة ، وقال : ألا إنها حرام من يومكن هذا إلى يوم القيامة(5) ) لما سار على النهج القياسي .
ــــــــــــ
1 _ الخطابي : معالم السنن 2/558 ، 559 .
2 _ التائه هو الحائر الذاهب عن الطريق المستقيم ، أي : المتحير عن الحق ، يقال : تاهت السفينة عن بلد كذا ، أي : تحيرت عن المقصد فلم تهتد له ، ويقال : تاه في الأرض إذا ذهب متحيراً قال الله تعالى : { يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ } ويقال أيضاً : تاه يتيه إذا تكبر .
3 _ صحيح مسلم 9/189 مع النووي .
4 _ صحيح مسلم 9/188 .
5 _ صحيح مسلم 9/189 مع النووي .
... على أن هناك آثاراً لا تخلو من ضعف ، كالحديث الذي رواه الترمذي عنه أنه قال (إنما كانت المتعة في أول الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة ، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم ، فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه ، حتى إذا نزلت الآية : { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } فكل فرج سوى هذين فهو حرام(1) .(1/108)
... وعن سعيد بن جبير قال : قلت لا بن عباس : ما تقول في المتعة ، فقد أكثر الناس فيها حتى قال فيها الشاعر وذكر البيتين السابقين ؟
... قال : فكرهها ، أو نهى عنها(2) .
... قال أبو بكر الجصاص : ( والصحيح ما روي عن ابن عباس من حظرها وتحريمها وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها(3) ) والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ الترمذي في سننه 3/421 رقم / 1122 .
2 _ تلخيص الحبير لابن حجر 2/158 .
3 _ أحكام القرآن 2/180 .
المبحث الثاني
جعل البضع صداقاً في مقابلة البضع الآخر ويسمى ((نكاح الشغار))
ويشتمل على النقاط التالية :
1 _ مدخل إلى نكاح الشغار .
2 _ تعريف نكاح الشغار .
3 _ حكم نكاح الشغار في المذاهب الفقهية ودليل كل مذهب .
4 _ منشأ الاختلاف .
5 _ الرأي المختار .
1 _ مدخل إلى نكاح الشغار
... المهر هو حق من حقوق الزوجة على زوجها ، فهو يدفع المال إبانة لشرف عقد الزواج(1) .
... وقد أمر الله جل وعلا الأزواج بأن يدفعوا المهور للنساء ، فقال : { وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً }(2) .
... وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل لما كان لديه من الإمكانيات والطاقة ما تؤهله للتكسب ، والعمل والضرب في الأرض ابتغاء الرزق المقسوم ، تناسب أن يطلب إليه الشارع ويكلفه بدفع المهر ، نحلة للمرأة ليحصل التوافق ، ويرتبطا برباط المودة والرحمة .(1/109)
... إذاً فالمهر حق للمرأة وعطية لها ، وهذا من رحمة الله تعالى بها وتكريمه لذاتها ، وإلا فلو أمرت هي أيضاً بدفع مال للزوج لتحملت ما لا قدرة لها عليه ، وربما يدفعها حادي الحب للزوج للتدلي إلى حمأة الرذيلة ، روماً للحصول على ذلك المال المطلوب منها ، ولكن حكمة الشارع اقتضت أن يبقى هذا المخلوق الضعيف الساذج في البيت مكرماً يدبر شئون مملكته في البيت ، ويقوم على مصالحه فيها ، وألزم الزوج بالواجبات ، لأنه أقدر على التكسب من المرأة ومع أن المهر حق لازم للزوجة وأثر من آثار العقد الصحيح إلا أنه ليس شرط صحة ، فلو خلا العقد من ذكر المهر صح ووجب لها مهر المثل ، لكن إن كان هناك اتفاق على نفي المهر ، فما الحكم في مثل هذا الحال ؟ ومن صور هذه المسألة نكاح الشغار الذي نحن بصدد الكلام عليه ، ولنبدأ بتعريفه .
2 _ تعريف نكاح الشغار
... الشغار بكسر الشين المعجمة : أصله في اللغة الرفع ، يقال : شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول ، وفي القاموس : (الشغار بالكسر : أن تزوج الرجل إمرأة على أن يزوجك أخرى بغير مهر ، صداق كل واحدة بضع الأخرى(3) .
ــــــــــــ
1 _ كمال الدين ابن الهمام شرح فتح القدير 3/316 .
2 _ سورة النساء آية / 4 .
3 _ القاموس المحيط 2/62 ، المصباح المنير 1/338 .
... قيل إنما سمي شغاراً لقبحه ، تشبيها له بقبح الكلب حين يرفع رجله ليبول(1) .
... أو كأنه قال : ( لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك ، وقيل : هو من شغر البلد إذ خلا ، لخلوه عن الصداق(2) ) .
... وسواء قلنا هو مأخوذ من شغر الكلب أو البلد ، فإن التسمية لها وجهها في كل منهما ، فهو خال عن الصداق والرفع فيه موجود .
... ومن نظر إلى أن التسمية بالشغار إنما هي دليل على قبحه ، فقد نظر إلى معنى فيه ، وهو نهي الشرع عنه ، وكل ما نهى عنه الشرع فهو قبيح لا حسن فيه ولا خير .
... وقيل : الشغار هو البعد ، كأنه بعد عن طريق الحق(3) .
صورة الشغار(1/110)
للشغار صورتان :
... الأولى : أن يزوج الرجل الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته ، وليس بينهما صداق(4) أو أن بضع كل واحد منهما صداق الأخرى(5) .
... والملحوظ من هذا التفسير الأثري أن العقد خال من الصداق وقد جعل البضع مقابلاً للبضع الآخر .
... وليس المقتضى للبطلان عند من يراه خلو العقد من تسمية المهر ، فإن النكاح يصح وإن لم يسم المهر ، ولكن المقتضى للبطلان جعل البضع صداقاً .
ــــــــــــ
1 _ ابن قدامة : المغني 7/176 .
2 _ النووي : شرح مسلم 9/200 ، 201 .
3 _ البهوتي : كشاف القناع 5/100 .
4 _ هذا التفسير مأثور عن الإمام مالك أو نافع فقد روى الجماعة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار الخ . ما ذكر في أعلا الصفحة وهو إدراج من الراوي نافع أو مالك كما نبه عليه العلماء . أنظر الشوكاني نيل الأوطار 6/150 ، 151 والمدونة الكبرى للإمام مالك 2/153 ، وسنن الترمذي 2/153 .
5 _ البيهقي السنن الكبرى 7/198 ، ابن حجر فتح الباري 9/193 مصنف عبد الرزاق 6/183.
... الثانية : أن يشرط كل من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته ، وعليه فإن المقتضى للنهي هو التعليق والتوقيف ، فكأنه يقول له : لا ينعقد نكاح ابنتي عليك حتى ينعقد نكاح ابنتك علي(1) .
... إلا أن هذه الصورة أعني الثانية ليست موضع اتفاق ، على أنها نوع من الشغار ، والصورة الكاملة لنكاح الشغار ( هي أن يقول : زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ، على أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقاً للأخرى و مهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك ، ولا يكون مع البضع شيء آخر(2) .
3 _ حكم نكاح الشغار في المذاهب الفقهية ودليل كل مذهب
... أجمعوا على ثبوت النهي عن هذا الضرب من الأنكحة ، ولكن دار الخلاف بينهم في كون النهي هل يقتضي البطلان أم لا يقتضيه ؟
مذهب الحنفية(1/111)
... صورة الشغار عندهم هي أن يزوج الرجل أخته لآخر على أن يزوجه الآخر أخته أو يزوجه ابنته على أن يزوجه ابنته(3).
... فأساس الشغار عندهم خلوه من التسمية ، أما إذا وجدت فلا شغار ، وقالوا في حكمه : (العقد صحيح ، لأن النكاح مؤبد ، أدخل فيه شرطاً فاسداً ،حيث شرط فيه أن بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى ، والبضع لا يصلح مهراً فيبطل ذلك الشرط ويصح عقد الزواج ، ويجب لكل واحدة منهما مهر المثل ، ولا موجب لإبطاله لأنه شرط فاسد اقترن به ، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة(4) .
ــــــــــــ
1 _ الشوكاني نيل الأوطار 6/151 .
2 _ قاله الغزالي في الوسيط ما عدا قوله ( لا يكون مع البضع شيء فانه من زيادة شيخ ابن حجر ) انظر فتح الباري 9/163 .
3 _ الكاساني بدائع الصنائع 3/1430 .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع .
... وحكى عن عطاء وعمرو بن دينار ومكحول والزهري والثوري أنه يصح ، وتفسد التسمية ويجب مهر المثل ، لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد ، كما لو تزوج على خمر أو خنزير(*) وهذا كذلك(1) .
مذهب المالكية
... يقسم المالكية الشغار إلى قسمين ، ولكل ضابطه :
الأول : يسمى وجه الشغار . والثاني : يسمى صريح الشغار .
وضابط الأول : أن يذكر المهر والشرط ، كأن يقول : زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة ، وحكم العقد بهذه الصيغة الفساد ، هذا إن وقع على وجه الشرط أعني تزويجاً مشروطاً بتزويج ، أما إذا لم يقع على وجه الشرط ،بل على وجه المكافأة ، من غير توقف أحدهما على الآخر ، فذلك جائز .
كأن زوجه أخته أو ابنته فكافأه الآخر بمثل ذلك ، من غير أن يفهم توقف أحدهما على الآخر .
وضابط صريح الشغار : هو أن لا يذكر المهر ويذكر الشرط ، مثاله : زوجني أختك أو ابنتك على أن أزوجك أختي أو ابنتي .
ووجه التسمية للقسم الثاني صريحاً ، لخلوه عن الصداق وهو فاسد أيضاً(2) .(1/112)
ويلاحظ أن الفساد عندهم ليس منشؤه خلو النكاح من الصداق ، ولكن منشأ الفساد وجود شرط في صيغة العقد .
مذهب الشافعية
... قال في المنهاج : ( ولا يصح نكاح الشغار ، وهو : زوجتك بنتي على أن تزوجني
ــــــــــــ
1 _ ابن قدامة : المغني 7/176 .
2 _ الخرشي على مختصر خليل 3/267 ، 268 مع حاشية العدوي .
* _ أي على أن يكون المهر حراماً كالخمر والخنزير .
بنتك ، وبضع كل واحدة منهما صداق للأخرى ، فيقبل ، فإن لم يجعل البضع صداقاً فالأصح الصحة(1) .
... ونلاحظ أن الشافعية رأوا أن الصورة الثانية الخالية من ذكر جعل البضع صداقاً صحيحة ، لأن الفساد ناشئ عن التشريك في البضع ، أي جعله مهراً للبضع الآخر ومورداً للنكاح .
... قال في التحفة : (وعلة البطلان التشريك في البضع ، لأن كلاً جعل بضع موليته مورداً للنكاح وصداقاً للأخرى ، فأشبه تزويجها من رجلين ، فإن لم يجعل البضع صداقاً بأن قال : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ولم يزد ، فقبل كما ذكر ، فالأصح الصحة للناكحين بمهر المثل ، لعدم التشريك في البضع ، وما فيه من شرط عقد في عقد لا يفسد النكاح(2) .
... على أن البيهقي قد روى بإسناد صحيح إلى الشافعي ما يخالف المنقول هنا ، ولفظه : (( إذا زوج الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها الرجل ، على أن ينكحه الرجل الآخر ابنته ، أو المرأة يلي أمرها ، على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، أو على أن ينكح الأخرى ، ولم يسم لكل واحدة منهما صداقاً ، فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مفسوخ ، قال البيهقي : وهو الموافق للتفسير المنقول في الحديث(3) .
مذهب الحنابلة
... يرون أن الصيغتين اللتين أسلفنا ذكرهما في تعريف الشغار كلتاهما تفسدان العقد ، قال الخرقي في مختصره :
ــــــــــــ
1 _ النووي : المنهاج ص 363 قال البلقيني ما صححه النووي مخالف للأحاديث الصحيحة ونصوص الشافعي ، انظر مغني المحتاج 3/143 .(1/113)
2 _ ابن حجر الهيثمي : التحفة 7/225 مع الشرواني وابن قاسم العباد .
3 _ البيهقي : السننن الكبرى 7/200 الشافعي الأم 8/184 .
... ... ( وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته فلا نكاح بينهما(1) زاد في كشاف القناع ) ولو لم يقل : وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى(2) لأنه قد اشترط في نكاح إحداهما تزويج الأخرى ، وهذا معناه أنه قد جعل بضع كل واحدة منهما صداق الأخرى ففسد .
... وقد ثبت النهي عن هذا الضرب من النكاح والصيغتان مأثورتان :
... 1 _ عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق(3) ) .
... 2 _ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشغار زاد ابن نمير : والشغار أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي ، أو زوجني أختك وأزوجك أختي(4) ) .
... قال ابن قدامة : ( فهذا يجب تقديمه لصحته ، فيفسد النكاح بأي ذلك كان(5) ) .
ــــــــــــ
1 _ أبي القاسم عمر بن حسين الخرقي : المختصر في الفقه 7/76 مع المغني .
2 _ البهوتي : كشاف القناع 5/101 .
3 _ صحيح البخاري 9/162 مع الفتح ، ومسلم 9/200 مع النووي قال أبو عيسى : والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا يرون نكاح الشغار ، وذكر حديث ابن عمر ، سنن الترمذي 3/223 .
4 _ صحيح مسلم 9/200 مع النووي ، سبق أن مذهب الشافعية أن النكاح على هذه الصورة صحيح ، ولكل منهما مهر المثل ، وإنما الشغار عندهم أن يزيد على ذلك فيقول : وبضع كل واحدة منهما صداقاً للأخرى .
5 _ المغني 7 / 177 .
... 3 _ وعن جابر بن عبد الله قال : ( نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الشغار ، والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه(1) ) .(1/114)
... 4 _ وروى الأثرم بإسناده عن عمران بن حصين(*) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا جلب(2) ولا جنب(3) ولا شغار في الإسلام(4) ) .
... 5 _ وعن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا شغار في الإسلام(5) ) فالحنابلة يرون أن النهي مقتض للفساد ، والنهي ليس بسبب خلو العقد من المهر ولكن بسبب توقف النكاح على شرط فاسد .
... وهم يدفعون رأي الحنفية فيقولون : (وقولهم إن فساده من قبل التسمية ، قلنا بل فساده من جهة أن وقفه على شرط فاسد .
... أو لأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج ، فإنه جعل تزويجه إياها مهراً للأخرى ، فكأنه ملكه إياه بشرط انتزاعه منه ، إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول : على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، أو لم يقل ذلك(6) .
... فالحنابلة يرون أن موجب البطلان توقف النكاح على شرط فاسد ، وهذا موجود في الصورتين المذكورتين ، ففسد العقد بهما .
ــــــــــــ
1 _ البيهقي : السنن الكبرى 7 / 200 مع الجوهر النقي .
2 _ الجلب في سباق الخيل أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه حثاً له على الجري ، وفي الصدقة بأن ينزل المصدق على أهل الزكاة في موضع ، ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها فيأخذ صدقتها .
3 _ والجنب في السباق : أن يجنب فرساً إلى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب ، وفي الصدقة : أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصداقة ، ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه ، والمشروع في الصدقة أن يأخذها من أماكنها .
4 _ أخرجه الترمذي في سننه 4/422 وقال : حسن صحيح .
5 _ صحيح مسلم 9/200 .
6 _ ابن قدامة : المغني 7/176 ، 177 .
* _ تقدمت ترجمته .
مذهب الظاهرية(1/115)
... يرى الظاهرية أن نكاح الشغار ( هو أن يتزوج هذا ولية هذا على أن يزوجه الآخر وليته ، سواء ذكرا في كل ذلك صداقاً لكل واحدة منهما ، أو لإحداهما دون الأخرى ، أو لم يذكرا في شيء من ذلك صداقاً كل ذلك سواء(1) .
... فمعنى الشغار عندهم يدور على الزواج بالزواج ذكر فيه صداقاً أو لم يذكر ، ويستدلون بحديث أبي هريرة السابق وبحديث أنس ولفظه :
... قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لا شغار في الإسلام )(2) .
... والشغار : أن يبدل الرجل الرجل أخته بأخته بغير ذكر صداق ، فهذان الخبران فيهما تحريم الشغار الذي لم يذكر فيه الصداق فقط وليس فيه ذكر الشغار الذي ذكر فيه الصداق لا بتحريم ولا بإجازة ، ووجدخبر أبي هريرة قد ورد بعموم الشغار وبيان أنه الزواج بالزواج ، فكأنه زائد على خبر ابن عمر وخبر أنس زيادة عموم لا يحل تركها .
... قالوا : وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل(*)) والشغار ذكرا فيه صداقاً أم لم يذكرا قد اشترطا فيه شرطاً ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل بكل حال .
... واستدلوا بما رواه أبو داود ( أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته ، وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقاً ، فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما ،وقال معاوية في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(3) ) .
ــــــــــــ
1 _ ابن حزم : المحلى 11/131 .
2 _ البيهقي : السننن الكبرى 7/200 .
3 _ أبو داود : في سننه 3/561 حديث رقم 2075 مع معالم السنن .
* _ هو الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب ، أسلم يوم الفتح ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وروى عنه جرير بن عبد الله البجلي وابن عباس وأبو أمامة بن سهل وآخرون توفي في رجب سنة 60 ، انظر تهذيب التهذيب 10/207.(1/116)
... قال ابن حزم : ( فهذا معاوية(*) بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف ، يفسخ هذا النكاح وإن ذكرا فيه الصداق ، ويقول : إنه الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فارتفع الاشكال جملة(1) .
... وهو يشتد على الحنفية في تصحيحهم النكاح بمهر المثل ويتعقب الشافعية في تفريقهم بين ما لم يذكر فيه البضع صداقاً فيجيزونه ، وبين ما ذكر فيه البضع صداقاً فيفسدونه(2) .
4 _ منشأ الاختلاف
... نشأ اختلاف الفقهاء في حكم الشغار من الاختلاف في علة النهي ، فمن رأى أن علة النهي عدم تسمية الصداق ، قال : النكاح يصح بمهر المثل ، مثل العقد على خمر وخنزير .
... ومن رأى أن علة النهي التشريك في البضع ، أي جعله صداقاً ومورداً للنكاح في آن واحد ، اعتبر النكاح فاسداً .
... ومنهم من رأى أن علة النهي الاشتراط ، أي اشتراط الزواج مقابل الزواج ، وهؤلاء قالوا بفساد العقد مطلقاً(3) .
ــــــــــــ
1 _ ابن حزم : المحلى 11/135 .
2 _ ابن حزم : المحلى 11/133 ، 134 ، 135 ، قال ابن القيم في الزاد 4/7 ما نصه : ( وأما من
فرق فقال : إن قالوا مع التسمية : إن يضع كل واحدة مهر الأخرى فسد ، لأنها لم ترجع
إليها مهرها ، وصار لغير المستحق وإن لم يقولوا ذلك صح ، والذي يجيء على أصله أنهم متى
عقدوا على ذلك وإن لم يقولوه بألسنتهم أنه لا يصح ، لأن المقصود في العقود معتبرة
والمشروط عرفاً كالمشروط لفظاً ، فيبطل العقد بشرط ذلك والتواطؤ عليه ونيته فإن سمي لكل
واحدة مهر مثلها صح وبهذا يظهر حكمة النهي ، واتفاق الأحاديث في هذا الباب أ هـ .
3 _ ابن رشد : بداية المجتهد 2/49 .
* _ متفق عليه .
... وأرى أن عدم تسمية الصداق لا تأثير له في فساد العقد ، إذ الفقهاء متفقون على أنه إذا لم يذكر الصداق في العقد فإنه ينعقد صحيحاً وتستحق المعقود عليها مهر المثل .(1/117)
... وعليه فنكاح الشغار فاسد بنوعيه ، أي : سواء قال زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي ، وبضع كل واحدة منهما صداق الأخرى ، أو لم يقل : وبضع كل واحدة صداق الأخرى .
... لأن موجب البطلان هو توقف النكاح على شرط فاسد ، ولأنه ظلم لكل واحدة من المرأتين ، وإخلاء لنكاحها عن مهر تنتفع به .
... قال الخطابي : وقد كان أبو هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة واستثنى عضواً من أعضائها ، وهو ما لا خلاف في فساده ، فكذلك الشغار ، لأن كل واحد منهما قد زوج وليته واستثنى بعضه ، حتى جعله مهراً لصاحبتها(1) .
... ولا نذهب إلى قول من رأى أن العقد يصح ويثبت مهر المثل ، لأنه لو كان كذلك لم يكن للنهي معنى .
... وقد فرق معاوية رضي الله عنه بين من نكح شغاراً مع تسمية الصداق(2) ، مما يؤيد فساد هذا النكاح . والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ معالم السنن : 2/561 .
2 _ سنن أبي داود : 2/561 .
المبحث الثالث
نكاح المحلل _ ويتضمن نقاطاً هي :
_ تعريفه .
_ حكمه عند الفقهاء وأدلتهم .
_ الرأي المختار .
_ الحكمة في كون المطلقة ثلاثاً لا تحل لمطلقها إلا بعد أن تنكح زوجا غيره .
تعريف نكاح المحلل
... هو عقد على المرأة مطلقة ثلاثاً بقصد إحلالها لهذا المطلق(1) .
أي أن المرء إذا طلق زوجته ثلاثاً حرمت عليه ، فلا تحل له حتى تنكح زوج غيره ، كما نص على ذلك التنزيل(*) ، وفسرته السنة النبوية .
... فإذا تزوجها رجل ، وفي نيته أن يطلقها بعد إصابتها لتحل لزوجها الأول ، كان الثاني محللاً ، ولا يخلو الأمر من حالات أربع :
... الأولى : أن يشترط عليه في صلب العقد أن يطلقها بعد الدخول بها .
... الثانية : أن يحصل التواطؤ على ذلك من الطرفين قبل العقد ولا يذكر لفظاً في صلب العقد ، ولكنه منوي ومعلوم .(1/118)
... الثالثة : أن ينوي المحلل ذلك بقلبه ، ويتزوج هذه المرأة البائنة بعد انقضاء عدتها ، وفي نيته أنه متى دخل بها طلقها لتحل لزوجها الأول ، من غير أن تعلم المرأة ولا وليها شيئاً من ذلك .
... الرابعة : أن يشرط عليه الطلاق بعد الإصابة ، لكنه يغير رأيه في نفسه ويعقد عليها وفي نيته أنه نكاح رغبة ، فلا ينوي تحليلها لزوجها الأول ، ولا تطليقها بعد الدخول بها (2).
ــــــــــــ
1 _ وعرفه ابن تيمية بقوله : ( هو عقد على امرأة مقيد بزمن أقصاه إصابة المرأة لتحل لزوجها الأول ) ، انظر إقامة الدليل على إبطال التحليل ضمن الفتاوى 3/19 .
2 _ بدائع الصنائع 4/1989 الدسوقي على الشرح الكبير 2/258 ، تحفة المحتاج للهيثمي 7/312 ابن قدامة : المغني 7/181 المحلى لابن حزم 483 .
* _ قال الله تعالى : { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } البقرة / 230 .
حكم نكاح التحليل عند الفقهاء وأدلتهم
مذهب الحنفية
... قال أبو حنيفة وزفر : ( إن اشترط ذلك عند إنشاء العقد ، بأن صرح أنه يحلها تحل للأول ويكره(1) ) .
... لأن عقد الزواج لا يبطل بالشروط الفاسدة ، فتحل للزوج الأول بعد طلاقها من الزوج الثاني أو موته عنها وانقضاء عدتها ، ولأن عمومات النكاح تقتضى الجواز من غير تفصيل بين ما إذا شرط فيه الإحلال أو لا ، فكان النكاح بهذا الشرط صحيحاً ، فيدخل تحت قوله تعالى { حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }(2) فتنتهي الحرمة عند وجوده ، إلا أنه كره النكاح بهذا الشرط ، وهو أنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهو السكن والتعفف ، لأن ذلك يقف على البقاء والدوام على النكاح ، وهذا والله أعلم معنى إلحاق اللعن بالمحلل ، في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لعن الله المحلل والمحلل له(3) ) .(1/119)
... وأما إلحاق اللعن بالزوج الأول ، وهو المحلل ، إما لأنه سبب لمباشرة الزوج الثاني هذا النكاح ، لقصد الفراق والطلاق دون البقاء وتحقق ما وضع له ، والمسبب شريك المباشر في الإثم والثواب ، في التسبب للمعصية والطاعة .
... أو لأنه باشر ما يفضي إلى الذي تنفر منه الطباع السليمة وتكرهه ، من عودها إليه من مضاجعة غيره إياها ، واستمتاعه بها وهو الطلاق الثلاث ، إذ لولاها لما وقع فيه ، فكان إلحاقه اللعن لأجل الطلقات(4) والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ الكاساني : بدائع الصنائع 4/1989 .
2 _ سورة البقرة آية / 230 .
3 _ سنن الترمذي 3/419 وقال حديث حسن صحيح .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 4/1989 .
... ومقتضى ذلك أن بقية الصور الثلاث تحل المطلقة أيضاً لزوجها الأول من باب أولى .
... وهذه الصورة التي نص عليها الإمام أبو حنيفة وزفر يخالفهما فيها أبو يوسف(*) ومحمد بن الحسن(**) .
... إذ يرى الأول أنه عقد فاسد ، لأن النكاح بشرط الإحلال في معنى النكاح المؤقت وشرط التوقيت في النكاح يفسده ، والنكاح الفاسد لا يقع به التحليل .
... ويرى الثاني صحة العقد ، ولكنه لا يحلها للزوج الأول ، لأن النكاح عقد مؤبد ، فكان شرط الإحلال استعجال ما أخره الله تعالى لغرض الحل ، فيبطل الشرط ويبقى النكاح صحيحاً ، لكن لا يحصل به الغرض كمن قتل مورثه ، فإنه يحرم الميراث لما قلنا وكذا هذا (1) .
مذهب المالكية
... قالوا : إن تزوج امرأة أبتها زوجها بنية إحلالها ، أو بنية الإحلال مع نية الإمساك إن أعجبته ، بأن نوى التحليل إن لم تعجبه وإمساكها إن أعجبته ، فإن نكاحه يفسخ قبل الدخول وبعده ، ولا تحل بوطئه لمبتها ، لانتفاء نية الإمساك للمطلقة المشترطة شرعاً في الإحلال ، لما خالطها من نية التحليل إن لم تعجبه ، فلما انتفت نية الإمساك على الدوام المقصود من النكاح ، وجب التفريق بينهما قبل البناء وبعده(2) .
ــــــــــــ(1/120)
1 _ الكاساني : بدائع الصنائع 4/1989 .
2 _ الدسوقي على الشرح الكبير 2/258 ، الخرشي على مختصر خليل 3/216 .
* _ هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري ، أبو يوسف كان فقيهاً مجتهداً ، ويلقب بالقاضي ، توفي سنة 182 هـ انظر الفتح المبين 1/108 .
** _ هو محمد بن الحسن الشيباني أبو عبد الله ، كان إماماً في الفقه والأصول وجميع العلوم النافعة ، توفي سنة 186هـ الفتح المبين 1/110 .
... وأما لو شرط عليه أن يحلها لزوجها الأول ، ووافق على ذلك ظاهراً ، ونوى إمساكها على التأبيد فالنكاح صحيح(1) لحصول المقصود منه وهو الإمساك على الدوام .
... فالحاصل أن المالكية يرون أنها لا تحل حتى يتزوجها بالغ زواج رغبة ، لم يقصد به التحليل ، فإن قصده فسخ قبل الدخول وبعده ولم يحل ، ولا أثر لنية المطلق البات التحليل كما لا أثر لنيتها ذلك ، لأن القصد المؤثر هو قصد المحلل .
... ويؤخذ من ذلك أنه لا فرق بين أن يذكر شرط التحليل في صلب العقد وقبله ، إذ الحكم يدور على نية المتزوج فإن كان نكاح رغبة فصحيح ، وإلا وجب الفسخ قبل الدخول وبعده .
مذهب الشافعية
... قال الإمام الشافعي بعد أن ساق الكلام عن المتعة ما نصه : ( ونكاح المحلل الذي يروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعنه والله تعالى أعلم ، ضرب من نكاح المتعة لأنه غير مطلق ، إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الإصابة(2) .
... قال الأصحاب : ولو نكح مريد التحليل واشترط عليه في صلب العقد أنه إذا وطئ أو أنه إذا وطئ بانت منه ، أو أنه إذا وطئ فلا نكاح بينهما ، أو نحو ذلك بطل النكاح ، لمنافاة الشرط فيهن لمقتضى العقد ، وعلى ذلك حمل الحديث الصحيح : ( لعن الله المحلل والمحلل له ) وهذه هي الصورة الأولى من الصور التي ذكرناها . ...
... أما إذا تواطأ العاقدان على التطليق بعد الدخول بها قبل العقد ، ثم عقدا بذلك القصد بلا شرط ، كره خروجاً من خلاف من أبطله(3) وهذه هي الصورة الثانية .(1/121)
ــــــــــــ
1 _ حاشية الشيخ علي العدوي على الخرشي 3/216 .
2 _ الشافعي : الأم 3/71 .
3 _ الشربيني الخطيب : مغني المحتاج 3 / 183 ، ابن حجر الهيثمي : التحفة 7/312 .
... كما يرون أن المحلل إذا لم يشترط عليه طلاقها بعد إصابتها ، ولكنه أضمر في نفسه أنه متى دخل بها طلقها لتحل لزوجها الأول ، فإن هذا الإضمار لا يؤثر في صحة العقد ، وحلت بوطئه للأول مع الكراهة قالوا : لأن كل ما لو صرح به أبطل يكره إضماره كما نص عليه(1) .
... وهذه هي الصورة الثالثة من الصور التي سبق ذكرها .
... واستدلوا على ذلك بما رواه أبو حفص العكبري بإسناده عن محمد بن سيرين قال: (قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار ، وعليه إزار من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة ، فسأل عمر فلم يعطه شيئاً ، فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها ثلاثا ، فقال لها : هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئاً ويحلك لي ؟ قالت نعم إن شئت ، فأخبروه بذلك ، قال : نعم ، فتزوجها فدخل بها ، فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار فجاء القرشي يحوم حول الدار ويقول : يا ويله غلب على امرأته ، فأتى عمر فقال : يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتي ، قال : من غلبك ؟ قال : ذو الرقعتين ، قال ارسلوا إليه ، فلما جاءه الرسول قالت المرأة : كيف موضعك من قومك ؟ قال ليس بموضعي بأس ، قالت : إن أمير المؤمنين يقول لك : أتطلق امرأتك ؟ فقل : والله لا أطلقها فإنه لا يكرهك ، وألبسته حلة ، فلما رآه عمر من بعيد قال : الحمد لله الذي شرف ذا الرقعتين فدخل عليه فقال له : أتطلق امرأتك ؟ قال : لا والله لا أطلقها ، قال عمر : لو طلقتها
ــــــــــــ
1 _ ابن حجر الهثمي : التحفة 7/312 ، مغني المحتاج 3/183 ، ابن قاسم العباد على التحفة 7/312 .
لأوجعت رأسك بالسوط )(1)(*) .
فهذا الأثر يفيد أنه قد تقدم فيه شرط التحليل على العقد ، ولم ير عمر رضي الله عنه فيه بأساً ، وأجاز العقد .
مذهب الحنابلة(1/122)
... قالوا إن نكاح المحلل حرام باطل في قول عامة أهل العلم ، منهم الحسن والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وابن المبارك والشافعي(**)(2) ومن صوره الباطلة لديهم أن يقول الولي للرجل :
... 1 _ زوجتكها إلى أن تطأها .
... 2 _ إذا اشترط عليه أنه إذا حلها فلا نكاح بينهما .
... 3 _ إذا اشترط عليه أنه إذا حلها للأول طلقها هذا إذا لم يرجع عن نيته عند العقد (3) كما سيأتي .
واستدلوا على بطلان هذا العقد وحرمته بما يلي :
ــــــــــــ
1 _ ابن تيمية : إقامة الدليل على إبطال التحليل 3/199 ، 100 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 7/209 مختصراً ونصه : ( عن ابن عمرو بن سيرين قال : جاءت امرأة إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها الأول ، فأمره عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقيم عليها ولا يطلقها وأوعده أن يعاقبه إن طلقها ) أ . هـ .
2 _ البهوتي : كشاف القناع 5/102 .
3 _ البهوتي : كشاف القناع 5/102 .
* _ إلا أن الحديث غير متصل فابن سيرين لم يذكر سنده إلى أمير المؤمنين عمر فالأثر مرسل ، لأن جميع طرقه تدور على محمد بن سيرين ومجاهد بن جبر وكلاهما لم يدركاه ، لذا قال الإمام أحمد إنه ليس له إسناد قائم : انظر الرسالة ص 150 .
** _ إلا أن الشافعية يفرقون بين ما إذا كان الشرط مقترناً بالعقد فيبطلونه ، وبين ما إذا حصل التواطؤ قبله فيجيزونه مع الكراهة كما سبق نقل المؤلف عن أصحاب الشافعي ، وهو مفهوم نصوص الشافعي في الموضوع .
... ( عن علي رضي الله عنه قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لعن الله المحلل والمحلل له(1) ) .
... ( وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحلل والمحلل له(2) ) .(1/123)
... قال أبو عيسى : حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم ، وهو قول الفقهاء من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحق وغيرهم(3) .
... وعن قبة بن عامر(*) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : هو المحلل لعن الله المحلل ، والمحلل له(**)(4) .
ــــــــــــ
1 _ سنن الترمذي 3/418 رقم 1119 ، وأبو داود 2/562 ، 563 رقم 2076 ، 2077 .
2 _ سنن الترمذي 3/420 قال ابن حجر في التلخيص 3/170 والشوكاني في النيل 6/148 وحديث ابن مسعود صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري .
3 _ سنن الترمذي 3/420 .
4 _ سنن ابن ماجه 1/622 ، سنن الدار قطني 3/351 .
* _ هو الصحابي الجليل عقبة بن عامر بن عيسى الجهني ، أبو حماد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر بن
الخطاب ، وروى عنه أبو أمامة ، وابن عباس وقيس بن أبي حازم وآخرون ، وهو أحد من
جمع القرآن ، وكانت له السابقة والهجرة توفي سنة 58 ثمان وخمسين ، تهذيب التهذيب
7/242 .
** _ وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/198) والبيهقي في سننه (7/208) وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، ولعن المحلل والمحلل له ثابت من طريق ابن مسعود أخرجه النسائي (2/98) والترمذي (1/209) وقال حديث حسن صحيح .
... وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( والله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما(1) ) .
... فسئل ابنه عن ذلك فقال : كلاهما زان(*)(2) .
... قالوا ولأنه نكاح إلى مدة ، أو فيه شرط يمنع بقاءه ، فأشبه نكاح المتعة(3) .
... ومن صوره الباطلة لديهم أيضاً أن يشترط عليه التحليل قبل العقد ، ولم يذكر في صلبه ، أو ينوي التحليل من غير شرط ولكن الدافع له على تزوجها ليس نكاح الرغبة ولكنه التحليل(4) .(1/124)
واستدلوا على ذلك بما يلي :
... 1 _ عن نافع عن أبيه(**) قال : جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً ، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه ، قال : لا ، إلا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(5) .
... 2 _ عن نافع(***) مولى ابن عمر أن رجلاً سأل ابن عمر فقال :
ــــــــــــ
1 _ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7/207 .
2 _ عبد الرزاق في مصنفه .
3 _ ابن قدامة : المغني 7/181 .
4 _ ابن قدامة : المغني 7/181 .
5 _ الحاكم : في المستدرك 2/199 وقال عقبة صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي _ ذيل المستدرك (2/199) .
* _ وأخرجه الطبراني في الأوسط (174/2) بسند صحيح .
** _ وقال الهيثمي في جمع الزوائد (4/267) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح .
*** _ هو نافع الفقيه مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني ، أصابه ابن عمر في بعض مغازيه ، روى عن مولاه وأبي هريرة وأبي لبابة وغيرهم وروى عنه عبد الله بن دينار ، وصالح بن كيسان ومالك بن أنس ، وآخرون قال البخاري أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر ، توفي سنة 117هـ انظر تهذيب التهذيب 10/412/414 .
... إن خالي فارق امرأته ، فدخله من ذلك هم وأمر وشق عليه ، فأردت أن أتزوجها ولم يأمرني بذلك ولم يعلم به ، فقال ابن عمر ، لا إلا نكاح غبطة ، إن وافقتك أمسكت وإن كرهت فارقت ، وإلا كنا نعد هذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (*) سفاحاً(1) .
... 3 _ جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه ، فقال له : إن عمي طلق امرأته ثلاثاً أيحلها له رجل ، قال : من يخادع الله يخدعه(2) .
... قال ابن قدامة : ( وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وقتادة وبكر المزني والليث ومالك والثوري ، وقال أبو حنيفة والشافعي : العقد صحيح(3) .(1/125)
... وأجاب الحنابلة عن قصة ذي الرقعتين التي استدل بها المخالفون (بأنها ليس لها إسناد _يعنون أن ابن سيرين لم يذكر اسناده إلى عمر _ وقال أبو عبيد هو مرسل ، ولأنه ليس فيه أن ذا الرقعتين قصد التحليل ولا نواه وإذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع(4) .
... أما إذا شرط عليه أن يحلها قبل العقد ، فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبة .
... فقالوا في هذه المسألة : إن العقد صحيح(5) وهو مذهب المالكية كما سبق(6) ، واستدلوا بما يلي :
...
ــــــــــــ
1 _ مجمع الزوائد 4/267 .
2 _ عبد الرزاق في مصنفه 6/266 حديث رقم 10780 .
3 _ المغني لابن قدامة 7/181 ، 182 .
4 _ المغني لابن قدامة 7/181 ، 182 .
5 _ ابن قدامة : المغني 7/182 .
6 _ انظر ص 138 /139 من هذه الرسالة .
* _ أخرجه الطبراني في الأوسط ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/267) ورجاله رجال الصحيح
... أولاً : لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه فصح .
... ثانياً : إن قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد ، لأن الزوج هو الذي إليه المفارقة والإمساك ، فمتى نوى نكاح رغبة صح(1) .
... ولهم أن يجيبوا عن حديث : ( لعن الله المحلل والمحلل له ) بأن الزوج الثاني في هذه الصورة لم ينو التحليل ، فلا يقع عليه اللعن .
... وهذه هي الصورة الرابعة من صور التحليل .
... وللإمام ابن تيمية رسالة مستقلة في هذا الموضوع استوعب الأدلة فيها استيعاباً وأشبع المسألة تفصيلاً وسماها : (إقامة الدليل على إبطال التحليل(*) ) .(1/126)
... ولنذكر شيئاً مما ذكره في هذه الرسالة يوضح رأيه فيها ولفظه : "مسألة" نكاح المحلل حرام باطل لا يفيد الحل ، وصورته أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره ، كما ذكره الله تعالى في كتابه ، وكما جاءت به سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأجمعت عليه أمته ، فإذا تزوجها بنية أن يطلقها لتحل لزوجها الأول ، كان هذا النكاح حراماً باطلاً ، سواء عزم بعد ذلك على إمساكها أو فارقها ، وسواء شرط عليه ذلك في عقد النكاح ، أو شرط عليه قبل العقد ، أو لم يشترط عليه لفظاً ، بل كان ما بينهما من الخطبة وحال الرجل والمرأة والمهر نازلاً بينهم منزلة اللفظ بالشروط ، أو لم يكن شيء من ذلك بل أراد الرجل أن يتزوجها ثم يطلقها لتحل للمطلق ثلاثاً ، من غير أن تعلم المرأة ولا وليها شيئاً من ذلك ، سواء علم الزوج المطلق ثلاثاً أو لم يعلم ، مثل أن يظن المحلل أن هذا فعل خير ومعروف مع المطلق وامرأته بإعادتها إليه لما أن الطلاق أضر بهما وبأولادهما وعشرتهما ونحو ذلك ، بل لا يحل للمطلق ثلاثاً أن يتزوجها حتى ينكحها رجل مبتغياً لنفسه نكاح رغبة لا نكاح دلسة ، ويدخل بها بحيث تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها ، ثم بعد هذا إذا حدث بينهما فرقة بموت أو طلاق أو فسخ ، للأول أن يتزوجها ، ولو أراد
ــــــــــــ
1 _ ابن قدامة : المغني 7/182 .
* _ والرسالة مطبوعة ضمن فتاواه الكبرى في المجلد الثالث .(1/127)
هذا المحلل أن يقيم معها بعد ذلك استأنف النكاح ، فإن ما مضى عقد فاسد لا يباح المقام به معها ، هذا هو الذي عليه الكتاب والسنة ، وهو المأثور عند أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعامة التابعين لهم بإحسان ، وعامة فقهاء الإسلام مثل سعيد بن المسيب والحسن البصري وإبراهيم النخعي(1) وعطاء بن أبي رباح وهؤلاء الأربعة أركان التابعين ومثل أبي الشعثاء جابر بن زيد والشعبي وقتادة وبكر بن عبد الله المزني ، وهو مذهب مالك بن أنس وجميع أصحابه والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان الثوري(2) وهؤلاء الأربعة أركان تابعي التابعين ، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل في فقهاء الحديث ، منهم إسحاق بن راهويه وأبو عبيدة القاسم بن سلام وسليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبه وأبو اسحق الجوزجاني وغيرهم(3) .
مذهب الظاهرية
... يرى الإمام ابن حزم أن المطلق ثلاثاً لو طلب من رجل أن يتزوج مطلقته المبتوتة ويطأها لتحل له فذلك جائز ، إذا تزوجها بغير شرط لذلك في نفس عقده ، لنكاحه إياها فإذا تزوجها فهو بالخيار إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها ، فإن طلقها حلت للأول .
... أما إذا كان الشرط المذكور في صلب العقد _ أي أن يطلقها إذا وطئها فهو عقد فاسد ، ولا تحل له به(4) .
... واستدل لذلك بما يلي :
ـــــــــــ
1 _ قال الخطابي : قال إبراهيم النخعي لا يحلها لزوجها الأول إلا أن يكون نكاح رغبة فإن كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الثاني أو المرأة أنه محلل فالنكاح باطل ، ولا تحل للأول . أ هـ معالم السنن 2/562 .
2 _ قال الترمذي ( قال سفيان الثوري : إذا تزوجها وهو يريد أن يحلها لزوجها ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارقها ، ويستأنف نكاحاً جديداً أ هـ . سنن الترمذي 3/420 .
3 _ ابن تيمية : إقامة الدليل على إبطال التحليل 3/54 ضمن الفتاوى الكبرى .
4 _ ابن حزم : المحلى : 11/483 ، 484 .(1/128)
... 1 _ روى عبد الرزاق من طريق ابن سيرين قال : أرسلت امرأة إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها ، فأمره عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقيم عليها ولا يطلقها ، وأوعد أن يعاقبه إن طلقها(*) .
... 2 _ عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يرى بأساً بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين به .
... 3 _ عن الليث بن سعد(**) إن تزوجها ثم فارقها لترجع إلى زوجها ، ولم يعلم المطلق ولا هي بذلك ، وإنما كان ذلك احتساباً فلا بأس بأن ترجع إلى الأول ، فإن بين الثاني للأول بعد دخوله بها لم يضره ذلك ، قال : وهو قول سالم بن عبد الله بن عمر القاسم ابن محمد بن أبي بكر .
... 4 _ وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة عامداً محللاً ، ثم رغب فيها فأمسكها قال لا بأس بذلك .
... 5 _ وعن الشعبي : لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج(1) ، وقد أجاب ابن حزم عن أدلة الآخرين بما يأتي :
ــــــــــــ
1 _ ابن حزم : المحلى 11/484 ، 485 .
* _ أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7/209) إلا أن في سنده انقطاعاً ، فإن ابن سيرين لم يسمع من عمر بن الخطاب .
** _ الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي ، أبو الحارث ، الإمام المصري روى عن نافع وابن أبي مليكة والزهري وهشام وغيرهم وروى عنه شعيب ومحمد بن عجلان وهشام بن سعد وهما من شيوخه وآخرون ، وعن عبد الله بن صالح أن مالك بن أنس كتب إلى الليث فقال في رسالته ، وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك وحاجة من قبلك إليك وذكر باقي الرسالة ، وكان الشافعي يقول ما فاتني أحد فأسفت عليه ما أسفت على الليث ، وابن أبي ذئب ، توفي سنة 175هـ انظر تهذيب التهذيب 8/464 .
... أولاً : ما روي عن عمر رضي الله عنه ( لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمته ) فسئل ابنه عن ذلك فقال : كلاهما زانيان .(1/129)
... فإنه لم يأت عن عمر بيان من هو المحلل الملعون الذي يستحق الرجم ، فليسوا أولى به من غيرهم ، ثم قد خالفوا عمر في ذلك فلا يرون فيه الرجم ، ثم قد أوردنا عن عمر إجازة طلاق المحلل فبطل تعلقهم به .
... وأما ابن عمر فقد خالفوه في أنه _ يعني التحليل _ زنى .
... ثانياً : الرواية عن علي وابن مسعود ليس فيهما عنهما أي المحللين(*) هو الملعون ، ونحن نقول إن الملعون هو الذي يعقد نكاحه معلناً بذلك فقط ، وأما ابن عباس فليس عنه بيان أن النكاح فاسد ، ولا أنها لا تحل به .
... أما حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه ( لعن المحلل والمحلل له ) فنعم كل ما قاله عليه الصلاة والسلام فهو حق ، إلا أننا وجميع خصومنا لا نختلف في أن هذا اللفظ منه عليه الصلاة والسلام ليس عموماً لكل محل ولكل محلل له ، ولو كان ذلك _ وأعوذ بالله وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك ، للعن كل واهب وكل موهوب له ، وكل بائع وكل مبتاع له وكل ناكح ومنكح .
... لأن هؤلاء كلهم محلون لشيء كان حراماً ، ومحلل لهم أشياء كانت حراماً عليهم فصح يقيناً أنه إنما أراد - صلى الله عليه وسلم - بعض المحلين وبعض المحلل لهم ( إلى أن قال _ فوجدنا كل من يتزوج مطلقة ثلاثاً فإنه بوطئه لها محل ، والمطلق محلل له نوى ذلك أو لم ينوه ، فبطل أن يكون داخلا في هذا الوعيد ، ولم ينعقد النكاح إلا برياً من كل شرط(1) أي فاشتراط الطلاق قبل العقد لغو .
... والذي نلحظه أن ابن حزم خرج عن أصله الظاهري في هذه المسألة ، إذ مقتضى قواعد الظاهرية إجراء النص على ظاهره ، وهو يقتضى تعميم إبطال نكاح التحليل سواء
ــــــــــــ
1 _ ابن حزم المحلى 11/483 ، 484 ، 485 ،486 ، 487 ، 488 ، 489 .
* _ بالتثنية : أي هل الملعون المحلل أو المحلل له .(1/130)
كان الاشتراط في صلب العقد أو قبله تواطأ عليه الطرفان أم نوياه قصد التحليل ، إلا أنه في هذه المسألة أعمل النظر في العلل والمفاهيم حتى وإن كانت بعيدة .
... وهو مع ذلك شديد المنازعة ساطع الحجة يرحمه الله .
الرأي المختار
... والذي يبدو لي بعد استعراض المذاهب الفقهية وأدلتها في نكاح التحليل ما يأتي :
... الصورة الأولى : إذا اشترط عليه في صلب العقد أن يطلقها بعد إصابتها لتحل لزوجها الأول ، فهذه والله أعلم ظاهرة البطلان لما يأتي :
... 1 _ الأحاديث السابقة في لعن المحلل والمحلل له ، إذ المحلل في هذه الصورة استعير لينزو على المرأة ليس إلا .
... 2 _ ولأنه شرط في صلب العقد ما ينافيه ، وإيضاح ذلك أن النكاح إنما يقصد منه الدوام والاستمرار ، فاقتران العقد بما ينافيه يلبسه ثوب الفساد ، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة(1) ، وبه قال أبو يوسف من الحنفية .
الصورة الثانية :
وهي فيما إذا حصل التواطؤ على ذلك قبل العقد ولا يذكر لفظاً في صلب العقد، ولكنه منوي ومعلوم .
... فهذه أيضاً ظاهرة البطلان ، للأحاديث السابقة في لعن المحلل .. الخ .
... ولأنه نكاح شرط انقطاعه دون غايته ، فشابه نكاح التأقيت ، ولأن الألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على المعاني ، فإذا ظهرت المعاني والمقاصد فلا عبرة بالألفاظ إذ هي وسائل إليها(2) .
ــــــــــــ
1 _ ابن تيمية : إقامة الدليل على إبطال التحليل 3/198 ضمن الفتاوى .
2 _ ابن تيمية : إقامة الدليل على إبطال التحليل 3/189 ضمن الفتاوى .
... قال في الزاد : بعد ذكر أدلة تحريم نكاح المحلل ما نصه :(1/131)
... ( ولا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك _ يعني اشتراط الطلاق بعد الدخول لتحل لزوجها الأول _ بالقول أو بالتوطؤ والقصد ، فإن القصود عندهم معتبرة والأعمال بالنيات ، والشرط المتواطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عندهم ، والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على المعاني ، فإذا ظهرت المعاني والمقاصد فلا عبرة بالألفاظ لأنها وسائل ، وقد تحققت غايتها فترتبت عليها أحكامها(1) .
... يؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه حين جاءه رجل ، فقال له ، ( إن عمي طلق امرأته ثلاثاً أيحلها له رجل ؟ قال : من يخادع الله يخدعه(2) .
... وأي خديعة أعظم من أن يتفقوا فيما بينهم قبل العقد على طلاقها بعد إصابتها لتحل لزوجها الأول ، وعند إبرام العقد كأن لم يكن شيء من هذا الاتفاق .
... وفيه أيضاً دناءة ورذالة ، لذا شبهه - صلى الله عليه وسلم - بالتيس المستعار ، وأما المحلل له فلأنه عرض الغير لوطء منكوحته ، والنفوس الشريفة تأباه .
... وأما حديث ذي الرقعتين الذي استدل به المجيزون ، فضعيف لأنه من جميع طرقه ليس له إسناد متصل .
... ذلك أن جميع طرقه تدور على محمد بن سيرين ، ومجاهد بن جبير كلاهما عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وكلاهما لم يدركاه ، لذا قال الإمام أحمد حديث ذي الرقعتين ليس له إسناد(3) فإن قيل : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به (4) ) .
ــــــــــــ
1 _ ابن قيم الجوزية زاد المعاد 4/8 .
2 _ عبد الرزاق في مصنفه 6/266 رقم 10780 .
3 _ ابن قدامة : المغني 7 .
4 _ صحيح مسلم 1/147 وأحمد في مسنده 6/106 قال النووي : ضبط العلماء أنفسها بالنصب
والرفع وهما ظاهران إلا أن النصب أظهر وأشهر .(1/132)
... فالجواب أن التواطؤ بينهما قبل العقد ، لم يكن حديث نفس فحسب ولكنه كان بالكلام ، وإلا كيف سيفهم المحلل من المحلل له الشرط المذكور(1) إن لم يكن هناك ألفاظ تبين القصد والمراد .
... قال أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي في تفسيره : ( المقصود من الزوج الثاني أن يكون راغباً في المرأة ، قاصداً لدوام عشرتها ، كما هو المشروع من التزويج ، ثم قال : أما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحللها للأول ، فهذا هو المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه(2) .
... وقال ابن القيم : ( كيف تكون المتعة حراماً نصاً مع أن المستمتع له غرض في نكاح الزوجة إلى وقت لكن لما كان غير داخل في النكاح المؤبد كان مرتكباً للمحرم ، فكيف يكون نكاح المحلل الذي إنما قصده أن يمسكها ساعة من زمان أو دونها ، ولا غرض له في النكاح البتة ، بل قد شرط انقطاعه وزواله إذا أخبثها بالتحليل ، فكيف يجتمع في عقل أو شرع تحليل هذا وتحريم المتعة(3) ) .
... وإلى بطلان هذه الصورة(4) ذهب المالكية والحنابلة وغيرهم(5) .
... وأما الصورة الثالثة : فباطلة أيضاً .
... وهي أن ينوي المحلل بقلبه أن يتزوج المرأة البائنة بعد انقضاء عدتها ، وفي نيته أنه متى دخل بها طلقها لتحل لزوجها ، من غير أن تعلم المرأة ولا وليها بذلك .
... لأن هذا الإضمار يؤثر في صحة النكاح ويبطله ، لأنه من التحليل الملعون صاحبه .
ــــــــــــ
1 _ يعني أن يتزوجها بشرط أن يطلقها بعد الاصابة لتحل للأول .
2 _ ابن كثير : تفسير القرآن العظيم 1/278 ، 279 .
3 _ أعلام الموقعين : 3/48 .
4 _ يعني _ الصورة الثانية وهي إذا حصل التواطؤ قبل العقد .
5 _ انظر ص : 138 ، 141 من هذه الرسالة .
... ولأن من شرط النكاح أن يكون نكاح رغبة في الزوجة ، كما هو المقصود من النكاح والدافع لهذا على النكاح ليس الرغبة ولكنه التحليل .(1/133)
... قال الشوكاني : ( عند تفسير قوله تعالى { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } في الآية دليل على أنه لا بد وأن يكون ذلك نكاحاً شرعياً مقصوداً لذاته ، لا نكاحاً غير مقصود لذاته ، بل حيلة للتحليل وذريعة إلى ردها إلى الزوج الأول فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذم فاعله(1) .
... وقال صاحب المنار: ( ألا فليعلم كل مسلم أن الآية صريحة في أن النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثاً ، هو ما كان زواجاً صحيحاً عن رغبة وقد حصل به مقصود النكاح لذاته ، فمن تزوجها بقصد الإحلال كان زواجاً صورياً غير صحيح ، ولا تحل به المرأة للأول ، بل هو معصية لعن الشارع فاعلها ، فإن عادت إليه كانت حراماً ، ومثال ذلك مثال من طهر الدم بالبول وهو رجس على رجس ، ونكاح التحليل شر من نكاح المتعة ، وهو أشد فساداً وعاراً(2) ) .
... يؤيد ذلك ما روي عن نافع عن ابن عمر(*) رضي الله عنه : ( أن رجلاً قال له : امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم .
... قال : ( لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكها وإن كرهتها فارقها .
... قال : وإن كنا نعده على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفاحاً(3) .
... قال في الروض النضير : ( وقد ورد مثل هذا عن علي وعثمان وابن عباس ، وهي
ــــــــــــ
1 _ الشوكاني : فتح القدير 1/239 .
2 _ محمد رضا تفسير المنار 2/394 .
3 _ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7/208 .
* _ وأخرجه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/267) : ورجاله رجال الصحيح وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/199) عن نافع عن ابن عمر وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
نصوص فيما إذا قصد الزوج التحليل من غير مواطأة بينه وبين المطلق ولا المرأة ، وأنه من
التحليل الملعون صاحبه ، وأن من شرط النكاح أن يكون نكاح رغبة في الزوجة(1) .(1/134)
... وأما قول ابن حزم ( إننا وجميع خصومنا لا نختلف أن حديث لعن الله المحلل والمحلل له ليس عموماً لكل محلل ولكل محلل له ، وإلا للعن كل واهب وموهوب وبائع ومبتاع وناكح ومنكح ، لأن هؤلاء كلهم محلون لشيء كان حراماً ومحلل لهم ما كان حراماً عليهم ، فصح أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد بعض المحلين وبعض المحلل لهم ، وهو الذي يعقد نكاحه معلنا بذلك فقط(2) .
... فالجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد أمراً خاصاً وهو تحليل النكاح لأجل البينونة ولذا شبهه - صلى الله عليه وسلم - بالتيس المستعار وليس المراد به العموم حتى يلزم ما ذكر .
... وبهذا يترجح جانب التحريم ، وبطلان هذا العقد على هذه الصورة ، وهو مذهب المالكية والحنابلة ومن وافقهم .
... وأما الصورة الرابعة : وهي إذا شرط عليه الطلاق بعد الإصابة لكنه غير رأيه في نفسه وعقد عليها ، وفي نيته أنه نكاح رغبة فلا ينوي تحليلها لزوجها الأول ولا تطليقها بعد الدخول ، فإن هذا العقد صحيح ، وهو قول جمهور الفقهاء منهم الأئمة الأربعة وذلك لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه ، ولأن الزوج هو الذي إليه المفارقة والإمساك ، فمتى كان الدافع له على النكاح إنما هي الرغبة صح .
... ولأنه لم ينو التحليل ، فلا يقع عليه اللعن ، يؤيد ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه ( لا إلا نكاح رغبة ) لمن سأله أن يحلل امرأة لزوجها دون علم أحد(3) . والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ الحسين بن أحمد السياغي : الروض النضير 4/390 .
2 _ ابن حزم : المحلى 11/483 ، مختصراً وانظر النص كاملاً من هذه الرسالة ص 138 / 139 .
3 _ انظر ص 141 / 142 من الرسالة .
الحكمة من كون المطلقة ثلاثاً لا تحل إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره
... قال أهل التفسير :
... والحكمة في ذلك أنه إذا علم المطلق أنه لا يستطيع مراجعة المبتوتة إلا بعد أن يفترشها غيره إن طلقها أو مات عنها فإنه يرتدع ، لأنه مما تأباه غيرة الرجال وشهامتهم .(1/135)
... ولصاحب المنار كلام حسن جداً في هذا الشأن يحسن إيراده هنا ونصه : ( إن الذي يطلق زوجته ، ثم يشعر بالحاجة إليها فيرتجعها نادماً على طلاقها ، ثم يمقت عشرتها بعد ذلك فيطلقها ، ثم يبدو له ويترجح عنده عدم الاستغناء عنها فيرتجعها ثانية ، فإنه يتم له بذلك اختبارها ، لأن الطلاق الأول ربما جاء عن غير روية تامة ، ومعرفة صحيحة منه بمقدار حاجته إلى امرأته ، ولكن الطلاق الثاني لا يكون كذلك ، لأنه لا يكون إلا بعد الندم على ما كان أولاً والشعور بأنه كان خطأ .
... لذلك قلنا إن الاختبار يتم به فإذا هو راجعها بعده كان ذلك ترجيحاً لإمساكها على تسريحها ، ويبعد أن يعود إلى ترجيح التسريح بعد أن رآه بالاختبار التام مرجوحاً ، فإذا هو عاد وطلق ثلاثة كان ناقص العقل يستحق التأديب ، فلا يستحق أن تجعل المرأة كرة بيده يقذفها متى شاء ، ويرتجعها متى شاء هواه ، بل يكون من الحكمة أن تبين منه ويخرج أمرها من يده لأنه علم أن لا ثقة بالتآمهما ,إقامتهما حدود الله تعالى ،فإن اتفق بعد ذلك أن تزوجت رجلاً آخر عن رغبة ، واتفق أن طلقها الآخر أو مات عنها ، ثم رغب فيها الأول وأحب أن يتزوج بها ، وقد علم أنها صارت لغيره ورضيت هي بالعودة إليه ، فإن الرجاء في التآمهما وإقامتهما حدود الله تعالى فإن اتفق بعد ذلك أن تزوجت رجلا آخر عن رغبة واتفق أن طلقها الآخر أو مات عنها ثم رغب فيها الأول وأحب أن يتزوج بها وقد علم أن صارت لغيره ورضيت هي بالعودة إليه فإن الرجاء في التآمهما وإقامتهما حدود الله يكون حينئذ قوياً جداً ، ولذلك أحلت له بعد العدة(1) ) والله سبحانه وتعالى أعلم .
ــــــــــــ
1 _ محمد رضا : تفسير المنار .
المبحث الرابع
نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي وينتظم النقاط التالية :
1 _ حكمة تعدد الزوجات .
2 _ تقييد التعدد .
3 _ حكم نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي .
4 _ حكم العقد على خامسة في أثناء عدة الرابعة .
حكمة تعدد الزوجات(1/136)
... لقد اختلف نظام التعدد في الشرائع وتباين ، فمنها ما أحل التعدد مطلقاً ولم يقيده بعدد معين ، ومنها من لم يشرع التعدد ورأى منعه مطلقاً(1) .
... وجاء نظام شرعنا الحنيف بين ذلك قواماً ، فراعت شريعتنا مصلحة النوعين .
... هذا وإن من حكم جواز التعدد الملموسة ما يلي :
... أولاً : الإعفاف _ فقد يكون من الرجال من هو شديد الغلمة ، ميال إلى النكاح تواق إلى الممارسة الجنسية ، وهو مع ذلك قوي الجسم ، فلا تندفع حاجته بمن تحته ، وهو قادر على الإنفاق ويأنس من نفسه العدل بينهما أو بينهن ، وليس أمامه إلا طريقان : إما أن يسقط في بؤرة الزنى ، فيتخذ له عشيقات لإرواء شهوته ، وإما أن يتزوج أخرى ويتحرى العدل بين المرأتين .
... فإن أقفلنا عليه باب التعدد سلك الطريق الأخرى طريق العشيقات ، فيضيع النسب ويهتك العرض ، وقد تنتج هذه العلاقة أولاداً لا عائل لهم ولا ولي حتى في عرف القانون الوضعي . وذلك نهاية الشر وغاية الحيف ، أفلا يكون من العدل والحكمة أن يتزوجها ليسعدها وأسرتها وهي محمية في ظل القانون الشرعي .
... قال بدران ( وإن الأمم التي لا تجيز تشريعاتها الوضعية تعدد الزوجات ، نجدها قد اضطرت إلى إتيان ما هو شر من التعدد ، وهو اتخاذ الخليلات والأخدان من غير تقيد من الرجل للمرأة بأي حق من الحقوق ، بل تكون عرضة في أي وقت شاء للطرد والإبعاد هي وأولادها(2) .
... يقول جوستاف لبون : ( إن تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين أحسن من تعدد الزواج الريائي عند الأوربيين ، وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين(3) ) .
ــــــــــــ
1 _ محمد أبو زهرة : الأحوال الشخصية 103 ، 104 تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي 7/310 .
2 _ بدران أبو العينين : الفقه المقارن للأحوال الشخصية 1/130 .
3 _ محمد كرد : الإسلام والحضارة الغربية 1/81 .(1/137)
... ثانياً : خصوبة النسل البشري ، فقد تذهب الحرب بالرجال القادرين على الإنجاب ، وتبقى النسوة الكثرة الكاثرة ، فيكون التعدد في هذه الحالة مطلوباً ، لتنمو الأمة وتعتاض ما فقدته من رجالها ، وقد يكون التعدد أمراً لا بد منه ، فهناك حالات قد تلم بالمرأة فتجعلها غير صالحة للممارسة الجنسية لا بتلائها بمرض خطير ، أو عقم محقق مثلاً ، وقد تكون هذه المرأة بلغت من السن طوراً لا يرغب في مثلها ، فالرجل إما أن يتزوج أخرى مع قيامه بشئون الأولى ورعايتها والعدل بينهما ، وهذا هو عين الوفاء ، وإما أن يطلقها ويكلها إلى المضيعة ، وليس هذا خلق الأكرمين ، لاسيما في الحالة التي لا تقدر فيها على مفارقته بعد مضي فترة طويلة عليها .
... ثالثاً : استعداد الرجل أكثر إذ هو مهيأ بطبيعة تكوينه للعملية الجنسية منذ البلوغ إلى سن متأخرة ، قد تصل إلى ما فوق الستين ، وفي هذه الفترة الطويلة لا مانع يحول بينه وبين ما يريد .
... بينما المرأة تعترضها شهرياً الدورة الدموية ، تصل بها أحياناً إلى خمسة عشر يوماً ، وتعترضها ، ظروف الحمل وصعوبة الإرضاع ، وفترة النفاس والولادة التي قد تمتد لأربعين يوماً ، بالإضافة إلى أن استعداد المرأة للولادة ينتهي بين الخامسة والأربعين والخمسين ، ولا بد من رعاية مثل هذه الحالات ووضع الحلول السليمة لها(1) .
... وفي مثل هذه الظروف وفيما إذا عجزت المرأة عن أداء وظيفتها الجنسية ، فما الذي يفعله الزوج في هذه الفترة لا شك أن الأفضل أن يضم إليه حليلة تعف نفسه وتحفظ فرجه ، في مثل هذا الحال حتى لا يقع في شراك السوء ، وخليلات الشيطان المسافحات .
ــــــــــــ
1 _ راجع فقه السنة للسيد سابق 2/102 إلى 106 فقد وفى الموضوع حقه وأتى بما يثلج صدور أهل الحق والإنصاف .
تقييد التعدد(1/138)
... إن الشريعة الإسلامية لم تأمر أمر إيجاب بالتزوج بأكثر من واحدة ، بل لم تندب إليه ، ولكنها أجازت ذلك لمن قدر عليه بشروط ، عند مقتضيات الأحوال ومتطلبات الظروف ، في إطار المصلحة وعند وجود الكفاية فآية التعدد(1) .
... الأول : العدل بين الزوجات :
... والعدل بينهن يكون فيما هو مادي من مطعم ومسكن وملبس ومبيت وغير ذلك ومن لم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل كما ورد في الحديث(2) .
... أما العدل القلبي الذي هو الميل والحب ، فهذا ليس في مقدور المرء وإليه أشار التنزيل بقوله تعالى { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ }(3) .
... ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول : (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك(4) ) .
... فإذا علم الإنسان أو غلب على ظنه أنه سيجور إن تزوج أخرى ، حرم عليه التعدد ، ووجب الاقتصار على الواحدة ، فذلك أقرب للتقوى وأدعى إلى البعد عن الظلم .
ــــــــــــ
1 _ هو قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } النساء آية /3 .
2 _ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) أخرجه أبو داود في سننه 2/600 ، 601 قال الخطابي في معالم السنن 2/601 المراد ميل العشرة الذي يكون معه بخس الحق دون ميل القلوب . أ هـ .
3 _ سورة النساء آية / 129 .
4 _ أخرجه أبو داود 2/601 والنسائي 7/64 وابن ماجه حديث رقم 1971 .(1/139)
... القيد الثاني : القدرة على الإنفاق عليهن مع قيامه بواجباته الأخرى ، كالإنفاق على من تجب عليه نفقته من ذوي رحمه .
... وهذا الشرط مفهوم من قوله تعالى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } فسر الشافعي (ألا تعولوا) ألا تكثر عيالكم(1) أي : فتعجزون عن الإنفاق والقيام عليهم بشئونهم .
... والحاصل أن من كان لا يستطيع الإنفاق على أكثر من زوجة واحدة ، حرم عليه أن يتزوج بأخرى .
حكم نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي
... العدد الشرعي :
... أجمع أهل العلم أن الحر ليس له أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات(2) ودليل الإجماع ما يلي :
... 1 _ قوله عز وجل : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (3)} فالآية تفيد التخيير بين اثنتين أو ثلاث أو أربع فكأنه قال عز وجل : مثنى أو ثلاث أو رباع ، واستعمال الواو مكان ( أو ) جائز قال بعضهم في قول الشاعر :
ــــــــــــ
1 _ وقد أنكر الثعالبي وابن العربي على الشافعي هذا التفسير ، قال الشوكاني : ويجاب عن إنكار الثعالبي وابن العربي لما قاله الشافعي بأنه قد سبق الشافعي ، إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد وهما إمامان من أئمة المسلمين ، لا يفسران القرآن هما والإمام الشافعي بما لا وجه له في العربية . وقد أخرج ذلك عنهما الدار قطني في سننه 3/314 ، 315 / اهـ فتح القدير 1/421 .
... وذكر القرطبي عن القاسم بن حبيب قال : سألت أبا عمر الدوري عن هذا ، وكان إماماً في اللغة غير مدافع فقال : هي لغة حمير وأنشد :
... ... ... ... وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشى وعالا
... أي : وإن كثرت ماشيته وعياله / اهـ الجامع لأحكام القرآن 5/22 .
2 _ علي بن أحمد بن سعيد بن حزم : مراتب الإجماع / 63 .
3 _ سورة النساء آية / 3 . ...(1/140)
... وقالوا نأت فاختر لها الصبر والبكا فقلت : البكا أشفى إذا لغليلي
... معناه أو البكاء ، إذا لا يجتمع مع الصبر(1) .
... 2 _ وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لغيلان بن أمية الثقفي ، وقد أسلم وتحته عشر نسوة : (اختر منهن أربعاً وفارق سائرهن(2) ) .
... 3 _ عن الحارث بن قيس(*) قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( اختر منهن أربعاً )(3) .
... 4 _ وأسلم صفوان بن أمية(**) وعنده ثمان نسوة ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك أربعاً ويفارق سائرهن(4) .
... 5 _ وفي مسند الشافعي : قال نوفل بن معاوية(***) : أسلمت وتحتي خمس ،
ــــــــــــ
1 _ ابن هشام : مغني اللبيب 2/358 بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد .
2 _ سنن الترمذي 3/426 حديث رقم 1128 ، سنن الدار قطني 3/269 ، 270 ، ومسند الإمام الشافعي / 274 .
3 _ سنن أبي داود 2/277 ، 278 ، حديث رقم 2221 ، والدار قطني 3/270 ، 271 .
4 _ سنن الدار قطني 3/269 .
* _ هو الحارث بن قيس بن الأسود ويقال قيس بن الحارث ، يعد في الكوفيين وهذا الحديث رواه عنه حميضة بن الشمردل ، انظر تهذيب التهذيب 8 / 386 حرف القاف .
** _ هو الصحابي الجليل صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجمحي ، أبو وهب أسلم بعد الفتح ، وكان من المؤلفة وشهد اليرموك ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه أولاده ، أمية وعبد الله وعبد الرحمن وآخرون وكان من أشراف قريش في الجاهلية والإسلام مات سنة / 41 وقيل 42 ، انظر تهذيب التهذيب 4/424 .(1/141)
*** _ هو الصحابي الجليل ، نوفل بن معاوية بن عروة ، أبو معاوية الديلي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه عوف بن الحارث وعراك بن مالك ، وآخرون وكان قد شهد بدراً مع المشركين ثم أسلم وشهد الفتح وحنيناً والطائف قيل عمر في الجاهلية 60 سنة وفي الإسلام 60 سنة ومات في خلافة يزيد ، تهذيب التهذيب 10/492 . وأخرجه ابن ماجة رقم (1953) وابن حبان (1377) والحاكم (2/192/193) وأحمد (2/44) من طرق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشرة نسوة الحديث .
فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : فارق واحدة وأمسك أربعاً(1)(*) فلو كانت الزيادة على الأربع حلالاً لما أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بمفارقة البواقي ، فدل على أن منتهى العدد الشرعي هو أربع .
... قال الشافعي : ( وقد دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة(2) .
... وهناك طائفة من الرافضة قالوا : إن قوله تعالى { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } يدل على إباحة تسع نسوة ، لأنه تعالى ذكره هذه الأعداد بحرف الواو ، وأنه للجمع ، وجملتها تسعة فيقتضي إباحة نكاح تسع(3) :
... وعضدوا ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نكح تسعاً ، وجمع بينهن في عصمته .
... بل وذهب بعضهم إلى أقبح من هذا ، فقالوا بإباحة الجمع بين ثمان عشرة ، قالوا لأن الصيغ في الآية يفيد التكرار ، فالمثنى ضعف الاثنين بمعنى اثنين اثنين والثلاث ضعف الثلاثة والرباع ضعف الأربعة ، والواو للجمع فجملتها ثمانية عشر(4) وهذا خرق للإجماع(5) .
... قال أبو عبد الله القرطبي : وهذا كله جهل باللسان والسنة ومخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته بين أكثر من أربع(6) .
... وأما الآية فإنها تفيد التخير كما سبق .(1/142)
ــــــــــــ
1 _ مسند الشافعي / 274 .
2 _ البيهقي : السنن الكبرى 7/149 .
3 _ ابن حزم المحلى : 11/5 ، الكاساني : بدائع الصنائع 3/1404 مغني المحتاج للشربيني 3/181.
4 _ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 5/17 ، بدائع الصنائع للكاساني 3/1404 .
5 _ ابن قدامة : المغني 7/85 ، الشربيني مغي المحتاج 3/181 .
6 _ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 5/17 .
* - وأخرجه البيهقي (7/184) من طريق الشافعي إلا أن الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد ، فلم يسم شيخه .
... قال الموزعي : ( والحال لا يتعدد مع واو العطف الموضوعة للجميع ، وإنما يتعدد بدونها ، ومتى دخلت الواو على الأحوال المتعددة كان من باب النعت ، كقوله تعالى { أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } والنعت لا يتصور في الآية(*) فتعيين مجيء الواو للتخير(1) .
... وكقوله تعالى { أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }(2) لم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة ، ولو أراد ذلك لقال : تسعة ، ولم يكن للتطويل فائدة .
... ولأن في الزيادة على الأربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام بحقوقهن ، لأن الظاهر أنه لا يقدر على الوفاء بحقوقهن ، وما روي أن أحداً من الصحابة جمع بين أكثر من أربع زوجات ، وأما ما أبيح من ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك من خصوصياته ، لأن خوف الجور منه غير موهوم لكونه مؤيداً بالقيام بحقوقهن بالتأييد الإلهي .
واختلفوا في العبد هل له أن ينكح أربعاً أم لا ؟(1/143)
... الجمهور على أنه لا يجوز له الجمع إلا بين اثنتين فقط(3) ، وهو قول عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء والحسن والشعبي وقتادة والثوري(4) وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يجوز للعبد أن ينكح أربعاً(5) ، وهو قول أبي الدرداء والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ومجاهد والزهري وربيعة وأبي ثور(6) وهو مذهب أهل الظاهر(7) .
ــــــــــــ
1 _ الروض النضير للحسين بن أحمد السياغي 4/250 .
2 _ سورة فاطر آية / 1 .
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1340 ، الشربيني مغني المحتاج 3/181 ، ابن قدامة المغني 7/185 ، علي بن أحمد بن حزم : مراتب الإجماع / 63 .
4 _ ابن قدامة : المغني 7/85 .
5 _ ابن رشد: بداية المجتهد 2/35 ، الخرشي على مختصر خليل 3/210 مع حاشية العدوي .
6 _ ابن قدامة : المغني : 7/86 ، الحسين بن أحمد السياغي 4/449 .
7 _ ابن حزم : المحلي 11/11 .
* _ هي قوله تعالى { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } .
استدل الجمهور بما يلي :
... 1 _ إن من قال به من الصحابة لم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً .
... 2 _ روى الليث بن أبي سليم بن عتيبة(*) عن عطاء قال : ( أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن العبد لا ينكح من اثنتين(1) .
... 3 _ روى الإمام أحمد بإسناده عن محمد بن سيرين أن عمر(**) رضي الله عنه سأل الناس : كم يتزوج العبد ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : باثنتين(2) فدل هذا على أن ذلك كان بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر .
... قالوا : وهذا يخصص عموم الآية { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } على أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار(3) وهو قوله تعالى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (4)} .(1/144)
... ولأن مالكية النكاح تشعر بكمال الحال ، لأنها من باب الولاية والعبد أنقص حالاً من الحر ، فيظهر أثر النقصان في عدد المملوك في النكاح ، كما ظهر أثره في الطلاق والحدود وغير ذلك(5) .
ــــــــــــ
1 _ البيهقي : السنن الكبرى 7/158 .
2 _ البيهقي : السنن الكبرى 7/158 .
3 _ ابن قدامة : المغني 7/86 .
4 _ سورة النساء آية / 3 .
5 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1341 .
* _ هو الليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي مولاهم ، أبو بكر الكوفي ، واسم أبي سليم ، أيمن ، ويقال أنس ، روى عن طاووس ومجاهد وعطاء وعكرمة وغيرهم ، وروى عنه الثوري الحسن بن صالح وشعبة بن الحجاج ، وآخرون ، وقال فيه ابن سعد كان صالحاً عابداً وكان ضعيفاً في الحديث توفي سنة (148) انظر تهذيب التهذيب 8/465/468 .
** _ تقدمت ترجمته .
واستدل المالكية ومن وافقهم على أن للعبد الجمع بين أربع نسوة بما يلي :
... 1 _ أنه لا حجة في كلام أحد دون كلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }(1) وقال تعالى { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ }(2) فيتناول الخطاب ، الأحرار والعبيد ، كما هو مقرر في الأصول إلا ما خصه الدليل ، كنكاح العبد بغير إذن سيده ، وسائر تصرفاته(3) .
... 2 _ إن النكاح من العبادات ، والعبد والحر فيهما سواء ، بخلاف الطلاق فهو من معنى النكاح ، فكان طلاقه نصف طلاق الحر كما في الحدود(4) .
... 3 _ ولأن هذه طريق اللذة والشهوة ، فساوى العبد الحر كالمأكول(5) .
4 _ الإجماع المدعى ممنوع لخلاف أبي الدرداء من الصحابة ومن معهم من التابعين فمن بعدهم .
والمتأمل في أدلة الفريقين يرى أن أدلة الجمهور أولى وأحرى بالترجيح .(1/145)
ذلك لأن في النكاح ملكاً والعبد ينقص ملكه عن الحر ، ولأنه يصعب عليه العدل بينهن لكونه مملوك المنافع ، يقوي ذلك ما رواه الدار قطني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( ينكح العبد امرأتين(6) ) .
... وروى البيهقي بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( ينكح العبد اثنتين لا يزيد علهيما ) (7) .
ــــــــــــ
1 _ النساء آية / 3 .
2 _ سورة النور / 32 .
3 _ ابن حزم المحلى 11/11 ، الحسين بن احمد السياغي : الروض النضير 4/249 .
4 _ الخرشي على مختصر خليل 3/210 .
5 _ ابن قدامة : المغني 7/86 .
6 _ 3/ 308 .
7 _ السنن الكبرى 7 .
... وفي مسند زيد عن علي عليه السلام قال : ( لا يتزوج العبد أكثر من امرأتين ولا الحر أكثر من أربع )(1) .
... وقد مر بنا إجماع الصحابة على ذلك
ثم العبد لا يصح نكاحه بغير إذن المولى :
... لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل(*)(2) ) .
... وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر(**)(3) والعاهر الزاني .
... قال الخطابي : وإنما بطل نكاح العبد من أجل أن رقبته ومنفعته مملوكتان لسيده ، وهو إذا اشتغل بحق الزوجة لم يتفرغ لخدمة سيده ، وكان في ذلك ذهاب حقه ، فأبطل النكاح إبقاءه لمنفعته على صاحبه(4) .
... ويصح منه بإذن المولى لأنه لما أبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - نكاحه بغير إذنه ، دل على أنه يصح بإذنه ، ولأن المنع لحق المولى فزال بإذنه ، وعلى هذا جمهور العلماء(5) . والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ مسند زيد بن علي 4/249 ، مع الروض النضير .
2 _ أبو داود 2/63 ، حديث رقم / 2079 .
3 _ أبو داود 2/63، حديث رقم / 2078 .
4 _ الخطابي معالم السنن 2/63 .
5 _ المجموع شرح المهذب 16/130 .(1/146)
* _ وقال أبو داود عقبة : هذا الحديث ضعيف ، وهو موقوف ، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما انظر سنن أبي داود الحديث رقم (2079) .
** _ وأخرجه الترمذي (1_207) والدارمي (2_152) وابن ماجة (1959) والحاكم 2/194، والبيهقي (7_127) وأحمد (3/301/377/382) من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر به وقال الترمذي : حديث حسن ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد .
حكم العقد على خامسة في أثناء عدة الرابعة
... الحر إن كان تحته أربع نسوة حرمت الخامسة تحريم جمع إجماعاً ، فإذا طلق إحدى الأربع طلاقاً رجعياً ، فالتحريم باق على حاله ، وهذا موضع اتفاق بين الأئمة(1) أما إذا طلق الرابعة طلاقاً بائناً ، فاختلفوا في ذلك على مذهبين :
... الأول : أنه لا يجوز أن يعقد على الخامسة حتى تنقضي عدة الرابعة البائن ، وهو مذهب الحنفية(2) والحنابلة(3) ومعهم سلف من الصحابة(4) استدلوا على ذلك بما روي عن عبيدة السلماني أنه قال : ( ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر ولا تنكح امرأة في عدة أختها)(5) لأنه لا فرق في الحكم بين نكاح المرأة في عدة أختها الثانية ، أو نكاح خامسة في أثناء عدة الرابعة )
... وروي عن أبي الزناد(*) قال : كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة ، فطلق واحدة البتة ، وتزوج قبل أن تحل ، فعاب عليه كثير من الفقهاء وليس كلهم عابه ، قال سعيد بن منصور : ( إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شيء بقي؟!(6) قالوا ولأنها
ــــــــــــ
1 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1399 .
2 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1399 .
3 _ ابن قدامة : المغني 7/88 ، 89 .
4 _ منهم علي وابن عباس وزيد بن ثابت انظر الكاساني بدائع الصنائع 3/1399 ، 1400 .
5 _ ذكره ابن قدامة في المغني 7/89 .(1/147)
6 _ ابن قدامة : المغني 7/88 وقد روى الدار قطني عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأساً إذا بت طلاق امرأته أن يتزوج خامسة ، حامل كانت امرأته أو غير حامل . ورواية الدار قطني هذه تخالف ما نقله سعيد بن منصور عنه : انظر الدار قطني 3/308 .
* _ هو عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الرحمن المدني ، المعروف بأبي الزناد روى عن أنس وعائشة بنت سعد وأبي أمامة ابن سهل بن حنيف وغيرهم ، وروى عنه ابناه عبد الرحمن وأبو القاسم وصالح بن كيسان وآخرون قال الليث عن عبد ربه بن سعيد ، رأيت أبا الزناد دخل المسجد النبوي ومعه من الاتباع مثل ما مع السلطان ، مات سنة (31) تهذيب التهذيب 5/204 .
محبوسة عن النكاح لحقه أشبه ما لو كان الطلاق رجعياً ، ولأنها معتدة في حقه أشبهت الرجعية(1) .
... المذهب الثاني : أنه يجوز العقد على الخامسة أثناء اعتداد الرابعة المبتوتة ، وهو مذهب المالكية(2) والشافعية(3) ومن وافقهم ، قالوا : لأن الزواج قد انتهى ، فلا يوجد جمع في أثناء العدة ، والتحريم إنما هو للجمع بينهن ، والبائن ليست في نكاحه ، فأشبهت المطلقة قبل الدخول يؤيد ذلك ما روي أن القاسم بن محمد(*) وعروة بن الزبير(**) كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة ، فيطلق إحداهن البتة أنه يتزوج إذا شاء ولا ينظر أن تنقضي عدتها(4) .
... والذي تميل إليه النفس هو جواز العقد على خامسة ، أثناء اعتداد الرابعة المبتوتة ، لانقطاع سلطنة الزوج بانتهاء الزواج بينهما .
... بخلاف المعتدة بطلاق رجعي فهي زوجة أو في معناها .
... ولانتفاء آثار النكاح إذ لا يرث أحدهما من الآخر إن مات أحدهما في أثناء اعتدادها ، وطريق الاحتياط لا تخفى ، وهي في هذا الباب أولى .(1/148)
... وهذا الخلاف يجري في حكم نكاح العبد ثالثة في أثناء اعتداد الثانية المبتوتة كما هو مذهب الجمهور ، أو خامسة في أثناء اعتداد الرابعة البائنة على نحو ما ذكرنا في الحر ، وهو مذهب أهل الظاهر ومشهور مذهب مالك ، والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ ابن قدامة : المغني 7/88 .
2 _ الخرشي على مختصر خليل 3/12 .
3 _ الشربيني : مغني المحتاج 3/182 .
4 _ سنن الدار قطني 3/308، مالك : الموطأ 2/548 حديث رقم 54 كتاب النكاح .
* _ تقدمت ترجمته .
** _ تقدمت ترجمته .
المبحث الخامس
نكاح المعتدة من الغير : ويشمل النقاط التالية :
1 _ الحكمة من تحريم نكاح المعتدة .
2 _ الآراء الفقهية في نكاح المعتدة من الغير .
3 _ آثار التزوج من المعتدة من الغير .
4 _ كيفية اعتداد من تزوجت أثناء العدة .
5 _ الزواج من الحامل بالزنا .
الحكمة من تحريم نكاح المعتدة
... شرع الله العدة على النساء لمعرفة براءة أرحامهن ، لئلا يؤدي عدم الاعتداد إلى اختلاط المياه في الأرحام وامتزاج الأنساب ، ولما كانت العدة أثراً من آثار الزواج السابق وفترة يفكر فيها المطلق ليراجع نفسه إن كان الطلاق يقبل الارتجاع ، أي في حق من لم يكمل الثلاث ، فإن الشارع الحكيم منع التزوج من معتدة الغير ، بل نهى عن التصريح بخطبتها حرصاً على نشر المحبة بين الناس ، ونبذ أسباب الشحنة والبغضاء لأنه لو أبيح تزويج المعتدة من الغير لأدى ذلك إلى استشراء العداء بين مطلقها الأول ومتزوجها الثاني وتحل المشاحنة والكراهية محل الحب والائتلاف ، وذلك ما لا يحبذه ديننا الحنيف ، بل يحذر منه ويكرهه .
... وقد تكون العدة للتعبد فقط كالمتوفى عنها زوجها قبل الدخول ، فإنها تعتد عدة الوفاة مع أن رحمها متحقق براءته .
الآراء الفقهية في نكاح المعتدة من الغير
... الأصل في تحريم نكاح المعتدة من الغير قول الله عز وجل : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } (1) .(1/149)
... والتربص : هو الانتظار بدون تزوج من غير مطلقها الأول ، وهذا خبر لكن معناه الأمر(2) .
... وقوله عز وجل { وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } (3) أي ما كتب عليها من التربص ، فبلوغ الكتاب أجله كناية عن انقضاء العدة .
ــــــــــــ
1 _ البقرة آية /228 ، وقروء : جمع قرء ، ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال وهو لفظ مشترك في اللغة بين الطهر والحيض ، فحمله مالك والشافعي على الطهر ، وحمله أبو حنيفة النعمان على الحيض لأنه الدليل على براءة الرحم ، وذلك مقصود العدة ، فعلى قول مالك والشافعي تنقضي العدة بالدخول في الحيضة الثالثة إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه ، وعند أبي حنيفة بالطهر منها أ هـ : انظر كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي 1/81 .
2 _ ابن الجزي الكلبي : التسهيل 1/81 .
3 _ سورة البقرة آية / 235 .
... فحرم الله تعالى عقدة النكاح في العدة حتى تنقضى ، والآية وإن كانت واردة في عدة الوفاء ، لكن دلالتها على تحريم نكاح المعتدة من طلاق بالطريق الأولى ، لأن بالوفاة انقطعت الزوجية فيها انقطاعاً لا يمكن عودتهما معه بخلاف الطلاق .
... وعلى هذا فإنه لا يحل لأحد أن يتزوج المعتدة من الغير سواء أكانت العدة عدة وفاة أو طلاق ، أو شبه نكاح أو دخول في نكاح فاسد(1) .
... فتحرم المعتدة من ذلك ، فلا يجوز ولا ينعقد النكاح إن تزوجها في أثناء العدة ، وهو ما لا خلاف فيه بين فقهاء المسلمين ، لأن الاعتداد مانع من موانع صحة العقد .
... ولأنها وجبت لحفظ النسب ، فلو جوزنا فيها النكاح اختلط النسب وبطل المقصود .(1/150)
... هذا الحكم في حق الغير ، أما بالنسبة لصاحب العدة وهو الزوج المفارق ، فإن له أن يتزوجها وهي في العدة ، إذا لم يكن طلاقه مكملاً للثلاث ، ولم يكن هناك مانع آخر غير العدة ، إذ العدة حقه ومضافة إليه ، ففي التنزيل : { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا (2)} .
... فإضافة العدة إلى الأزواج دليل على أنها حق الزوج ( وحق الإنسان لا يجوز أن يمنعه من التصرف ، وإنما يظهر أثره في حق الغير(3) ) .
ــــــــــــ
1 _ بدائع الصنائع للكاساني 3/1410 .
2 _ سورة الأحزاب آية / 49 وهذه الآية في الزوجة التي طلقت قبل الدخول .
3 _ بدائع الصنائع 3/1410 ، 1411 .
آثار زواج المعتدة من الغير
... إذا تزوج المرأة في أثناء العدة وكلاهما عالمان أن العدة لم تنته بعد ، وعالمان بتحريم هذا النكاح وبطلانه ، فإنهما زانيان ، لأن عقدة النكاح لم تنعقد لوجود المانع الشرعي ، وهو عدم انتهاء العدة ، وحيث اعتبرا زانيين فإن عليهما الحد ، ولا يلحق النسب فيه(1) لأن ماء الزاني لا يثبت نسباً إذ لا حرمة له .
... ويرى ابن حزم كالحنابلة(2) أن الجهل مسقط للحد ، وإن كان الزوج هو الجاهل فالولد به لاحق ونص كلامه : ( مسألة : ولا يحل لأحد أن يخطب امرأة معتدة من طلاق أو وفاة ، فإن تزوجها قبل تمام العدة فسخ أبداً ، دخل بها أو لم يدخل ، طالت مدته معها أو لم تطل ، ولا توارث بينهما ولا نفقة لها عليه ولا صداق ولا مهر لها ، فإن كان أحدهما عالماً فعليه حد الزنى من الرجم والجلد(*) وكذلك إن علما جميعاً ، ولا يلحق الولد به إن كان عالماً ، وإن كانا جاهلين فلا شيء عليهما ، فإن كان أحدهما جاهلاً فلا حد على الجاهل ، فإن كان هو الجاهل فالولد به لا حق ، فإذا فسخ النكاح وتمت عدتها ، فله أن يتزوجها إن أرادت ذلك كسائر الناس(3) .
... وخلاصة القول في هذه المسألة :(1/151)
... 1 _ أن الذي يتزوج المرأة في عدة من طلاق أو وفاة عالماً بالتحريم فهو زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد وله أن يتزوجها ، إذا انقضت عدتها ، وبه أخذ أبو حنيفة والشافعي وأحمد والظاهرية(4) واستدل هؤلاء بإجماع العلماء على أنه لو زنى بهالم يحرم عليه تزويجها ، فكذلك وطؤه إياها في العدة ، قالوا : وهو قول علي ذكره عبد الرزاق ، وذكر عن ابن مسعود مثله وعن الحسن أيضاً(5) .
ــــــــــــ
1 _ ابن قدامة المغني : 7/13 ، 8/124 .
2 _ ابن قدامة المغني : 7/13 ، 8/124 .
3 _ ابن حزم : المحلى 11/70 .
4 _ ابن قدامة : المغني 8/127 .
5 _ المرجع السابق ص 8/127 .
* _ أن من الرجم إن كان محصناً ، والجلد إن كان لم يسبق له الزواج .
... وترى طائفة أن من عقد بها في العدة ، ودخل بها وجب التفريق بينهما ، ولا تحل له أبداً حتى ولا بملك يمين ، وبه قال مالك والليث والأوزاعي(1) ، وبه قال أحمد في رواية(2) .
... واحتج هؤلاء بأن عمر بن الخطاب قال : (لا يجتمعان أبداً(3) ) .
... إلا أن ابن عبد البر أسند إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بلغه أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها ، فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما ، وقال : لا تنكحها أبداً ، وجعل صداقها في بيت المال ، وفشا ذلك في الناس ، فبلغ ذلك علياً ، فقال : يرحم الله أمير المؤمنين ما بال الصداق وبيت المال ، إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة ، قيل : فما تقول أنت فيهما ؟ فقال : لها الصداق بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الأول ، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء ، ثم يخطبها إن شاء ، فبلغ ذلك عمر فخطب الناس فقال : أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة(4) ففي هذا النص تلميح برجوع أبي حفص إلى رأي أبي الحسن رضي الله عن الجميع .
ــــــــــــ(1/152)
1 _ ابن رشد : بداية المجتهد 2/40 ، الخرشي على مختصر خليل 3/169، أما إذا لم يدخل بها فلا يتأبد تحريمها عليه .
2 _ ابن قدامة : المغني 8/125 .
3 _ مالك : الموطأ 2/536 حديث رقم /27 من حديث طويل سيأتي قريباً .
4 _ الروض النضير 4/375 ، وفي رواية للبيهقي من طريق الشعبي قال : أتي عمر رضي الله عنه بامرأة تزوجت في عدتها ، فأخذ مهرها فجلعه في بيت المال ، وفرق بينهما وقال : لا يجتمعان وعاقبهما ، قال : فقال علي رضي الله عنه : ليس هكذا ، ولكن هذه الجهالة من الناس ولكن يفرق بينهما ثم تستكمل بقية العدة من الأول ، ثم تستقبل عدة أخرى ، وجعل لها علي رضي الله عنه المهر بما استحل من فرجها ، فحمد الله عمر وأثنى عليه ، ثم قال : ( يا أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة ، قال البيهقي أيضاً : وروى الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق عن مجاهد عن عمر أنه رجع فقال : لها مهرها ، ويجتمعان ما شاء أ هـ .
... والخلاصة : أن الزوجين لا يخلو أمرهما من إحدى حالات أربع :
... الأولى : إذا تزوج بمعتدة ، وهما عالمان بأن العدة لم تنته بعد وعالمان بتحريم النكاح فيها ووطئها ، فهما زانيان عليهما حد الزنى ، ولا مهر لها ولا يلحقه النسب .
... الحالة الثانية : إذا كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم ، ثبت النسب وانتفى الحد ووجب المهر .
... الحالة الثالثة : إن علم بالتحريم دونها ، فعليه الحد والمهر ، ولا يلحقه نسب الولد.
... الحالة الرابعة : إن علمت هي دونه فعليها الحد ، ولا مهر لها والنسب لا حق به.
... قال ابن قدامة : (وإنما كان كذلك لأن هذا النكاح متفق على بطلانه فأشبه نكاح ذوات محارمه(1) .
كيفية اعتداد من تزوجت أثناء العدة
... المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها إجماعاً كما مر .(1/153)
... ويجب أن يفرق بينه وبينها إن حدث مثل هذا الجهل أو غيره ، ثم إن لم يدخل بها فالعدة بحالها ، ولا تنقطع بالعقد الثاني ، لأنه غير صحيح فلا تصير به المرأة فراشاً .
... وإن وطئها ففي كيفية اعتدادها أقوال :
... أولاً : ذهب الحنفية إلى أن العدتين تتداخلان فتأتي بثلاثة قرؤ تكون عن بقية الأول وعدة الثاني(2) وهي رواية عن مالك(3) .
... قالوا : لأن القصد معرفة براءة الرحم ، وهذا تحصل به براءة الرحم منهما جميعاً .
... ثانياً : ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب عليها أن تكمل عدة الأول ، لأن حقه أسبق ، وعدته وجبت عن وطء في نكاح صحيح ، فإذا أكملت عدة الأول وجب عليها أن تعتد من الثاني ، ولا تتداخل العدتان ، لأنهما من رجلين وهي رواية عن مالك .
ــــــــــــ
1 _ المغني 8/127 .
2 _ الكاساني : بدائع الصنائع .
3 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج مع حواشيها 8/246، ابن قدامة : المغني 8/124 .
... واستدلوا بما يلي :
... روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان ابن يسار أن طليحة الأسدية(1) كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ، فنكحت في عدتها ، فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة(2) ضربات وفرق بينهما ، ثم قال عمر بن الخطاب : أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ، ثم كان الآخر خاطباً من الخطاب ، و"إن كان دخل بها فرق بينهما ، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ، ثم اعتدت من الآخر ، ثم لا يجتمعان أبداً(3) .
... وروي عن علي رضي الله عنه أنه قضى في التي تتزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ، ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر(4) .
... ولأن العدتين حقان مقصودان لآدميين ، فلم يتداخلا كالديتين واليمينين ، ولأنه حبس يستحقه الرجال على النساء ، فلم يجز أن تكون المرأة في حبس رجلين كحبس الزوجة(5) .(1/154)
... وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس لقوة دليله كما ترى . والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ ففي القرطبي (وأما طليحة هذه فهي طليحة بنت عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التيمي وفي بعض نسخ الموطأ من رواية يحيى : طليحة الأسدية وذلك خطأ وجهل ولا أعلم أحداً قاله ، انظر القرطبي الجامع لأحكام القرآن 3/195 ، 196 .
2 _ المخفقة : الدرة .
3 _ مالك : الموطأ 2/536 حديث رقم / 27 بتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي ، وقد سبق أن عمر بن الخطاب رجع إلى قول علي رضي الله عنهما في أنها لا تحرم على التأبيد ، وقال : ردوا الجهالات إلى السنة .
4 _ ابن حجر : التلخيص الحبير 3/236 .
5 _ ابن قدامة : المغني 8/124 ، 125 .
الزواج من الحامل بالزنا
... اختلف الفقهاء في المرأة الزانية إن كانت حاملاً ، هل يكون حكمها حكم المعتدة من الغير ، فيحرم العقد عليها حتى تضع ما في بطنها أم لا ؟
... فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا عدة عليها إذ الزنا لا يثبت حقاً من الحقوق التي يثبتها النكاح الشرعي ، ولأن العدة إنما شرعت لحفظ النسب ، ولحرمة ماء الوطء ، ولا حرمة لماء الزنا ، بدليل أنه لا يثبت به النسب قال - صلى الله عليه وسلم - : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر )(*) .
... فإذا لم يكن له حرمة لا يمنع العقد عليها لأنها حلال ، ولا يوجد ما يثبت التحريم إلا أنه لا يدخل بها إلا بعد الوضع(1) .
... وقال مالك وأحمد : عليها العدة : ولا يصح العقد عليها لحق الحمل ، ولا يحل نكاحها قبل وضعه(2) وبه قال أبو يوسف وزفر(3) لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره(4) ) يعني إتيان الحبالى .
ــــــــــــ
1 _ بدائع الصنائع للكاساني : 3/1412 ، تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي 8/230 ، المجموع شرح المهذب 16/242 .
2 _ المغني لا بن قدامة 7/140 .
3 _ بدائع الصنائع 3/1412 .(1/155)
4 _ أخرجه أبو داود عن رويفع بن ثابت 2/615 حديث رقم 2158 وأخرجه الترمذي مختصراً في كتاب النكاح : باب الرجل يشتري الجارية وهي حامل ، وقال : حديث حسن .
* _ أخرجه البخاري في الوصايا برقم 2745 والفرائض والحدود والأحكام ، ومسلم في الرضاع 1457 وأبو داود في الطلاق والترمذي في الرضاع والنسائي في الطلاق وابن ماجه في النكاح وأحمد 1/59 .
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا توطأ حامل حتى تضع(1) قالوا : ولأنها حامل من غيره ، فحرم عليه نكاحها كسائر الحوامل ، ولأن هذا الحمل يمنع الوطء فيمنع العقد أيضاً كالحمل الثابت من النسب ، لأن المقصود من النكاح هو حل الوطء ، فإذا لم يحل له وطؤها لم يكن النكاح مفيداً فلا يجوز ، ولهذا لم يحز إذا كان الحمل ثابت النسب كذلك إذا كان غير ثابت النسب .
... وهذا هو الرأي المختار ..... والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ أخرجه "أبو داود في سننه 2/614 حديث رقم / 2157 .
المبحث السادس
نكاح المسلم غير الكتابية(1) ويشتمل على النقاط التالية :
1 _ أدلة تحريم نكاح المشركات وحمل الكتابيات والكلام في ذلك .
2 _ العلة في تحريم نكاح المشركة دون الكتابية .
3 _ حرمة تزويج الكافر بالمسلمة وعلة ذلك .
4 _ زواج الصابئة .
5 _ حكم التزوج بالمجوسيات .
6 _ أهل الكتاب من غير اليهود والنصارى(2) .
ــــــــــــ
1 _ غير أهل الكتاب هم المشركون والمجوس والصابئة وغيرهم .
2 _ كالمتمسكين بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود .
أدلة تحريم نكاح المشركات وحل الكتابيات(1/156)
... للمسلم أن يتزوج الحرة الكتابية(1) يهودية(2) أو نصرانية(3) وقد نص التنزيل على حل ذلك حين قال تعالى : {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }(4) .
... فالآية صريحة في حل نساء أهل الكتاب .
... قال أبو عبيد : (نكاح الكتابيات جائز بالإجماع إلا عن ابن عمر رضي الله عنه(5) ) وأهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل ، قال تعالى { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } (6) .
ــــــــــــ
1 _ التقييد بالحرة يخرج الأمة الكتابية ، وسيأتي الخلاف فيها قريباً .
2 _ اليهود قيل مأخوذة من الهود بمعنى : التوبة على حد قول موسى عليه السلام ، { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } وقيل : مأخوذة من التهويد ، وهو الترجيع بالصوت في اللين والتطريب ، وقد كان اليهود إذا قرؤا على العامة أتو بنغمات صوتية خاصة مع غنة شديدة ومد الخياشيم ، على حد قوله تعالى فيهم { يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ } وقيل غير ذلك واليهود هم الزاعمون بأنهم أتباع موسى عليه السلام ، ولم يحدد بالضبط التأريخ الذي أطلقت فيه هذه الكلمة على هذه الطائفة من الناس ، ويطلق عليهم كذلك : قوم موسى كما يطلق عليهم أهل الكتاب ، أ هـ الأديان والفرق : لعبد القادر شيبة الحمد ص / 15 .(1/157)
3 _ النصرانية في الأصل نسبة إلى نصرانة ، وهي قرية المسيح عليه السلام من أرض الجليل ، وتسمى هذه القرية ناصرة ونصورية ، وأما في الاصطلاح ... فالنصرانية دين النصارى وهم المنتسبون للإنجيل ،و المسيحية كذلك تطلق على أتباع المسيح عليه السلام ، على أنه لا ينبغي إطلاقها الآن على النصارى ، لأن هؤلاء في الواقع لا يتبعون المسيح ، ولذلك لم نجد في الكتاب ولا في السنة تسميتهم مسيحين ، وقد أطلق عليهم القرآن أنهم نصارى أ هـ انظر الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة لعبد القادر شيبة الحمد ص 30 ، 41 .
4 _ سورة المائدة آية / 5 .
5 _ ابن حجر : تلخيص الحبير 3/174 .
6 _ الأنعام آية / 156 .
... فأهل التوراة هم اليهود ، وأهل الإنجيل هم النصارى ومن وافقهم في أصل دينهم ، وأما غير الكتابيات فالتزوج بهن غير جائز ويقع العقد باطلاً .
تحريم نكاح المشركات
... أما تحريم نكاح المشركات فمنصوص عليه في القرآن قال عز من قائل { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }(1) .
... نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي(*) وقيل : مرثد بن أبي مرثد ، واسمه كناز حصين الغنوي ، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة سراً ليخرج رجلاً من أصحابه ، وكانت له امرأة يحبها في الجاهلية ، يقال لها عناق ، فجاءته ، فقال لها : إن الإسلام حرم ما كان في الجاهلية ، قالت : فتزوجني قال : حتى استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه فنهاه عن التزوج بها ، لأنه كان مسلماً وهي مشركة(2) والمشرك في عرف الشرع كل من عبد غير الله . والمشركة هنا هي التي لا تؤمن بنبي ولا تقر بكتاب إلهي .
... فيشمل هذا التعريف الملحدة ، وهي التي تنكر الأديان ، ولا تعترف بوجود الله تعالى ، والوثنية وهي التي تعبد الأصنام والأوثان ، وليس لها دين سماوي وكذلك البوذية(3)
ــــــــــــ
1 _ سورة البقرة آية / 221 .
2 _ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 3/67 .(1/158)
3 _ تنسب البوذية لرجل أصله من الهندوس قد لقب ببوذا ، وينتمي هذا الرجل إلى قبيلة ساكيا الواقعة بين مدينة بنارس وجبال الهملايا نهراً لكنج ، ومعناه : بوذا العارف المستيقظ والعالم المتنور ، ومن أفكار بوذا أنه لا يقرر عقائد ولا يؤسس مذاهب فلسفية ، بل يقرر أن العقائد حاجز دون الوصول إلى المعرفة والإشراق ، ثم صار يحارب معتقدي الألوهية ، ثم تطورت البوذية فدخلتها مسائل الألوهية ، وأصبح بوذا نفسه معبوداً / أهـ ملخصاً من الأديان والفرق لشيبة الحمد : انظر ص 70 إلى 76 .
* _ هو الصحابي الجليل ، كناز بن الحصين بن يربوع بن عمر ، أبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب شهد بدراً آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبادة بن الصامت ، توفي سنة (12) تهذيب التهذيب 8/448 .
أو البرهمية(1) ونحوها من مذاهب الملاحدة(2) .
... ويخرج هذا التعريف أهل الملتين (اليهود والنصارى) فهم مؤمنون بنبي ومقرون بكتاب سماوي ، وهذا قول جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة ، والآية المحرمة لنكاح المشركات لا تتناول أهل الكتاب ، لأن الله تعالى قد غاير بينهما حين قال تقدست أسماؤه { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ (3)} .
... وقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ (4)} وفي قوله تعالى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ (5)} وسائر القرآن يفصل بينهما(6) .
... وهناك رأي يخالف هذه الطريقة ، ويختلف في الحكم عما سبق ، فيرى أن الكتابيات مشركات ، إذ هم يؤلهون المخلوقات ويشركونهم في العبادة .(1/159)
... وعليه فالكتابيات داخلات في لفظ المشركات ، فتكون آية تحريم نكاح المشركات شاملة لتحريم نكاح الكتابيات ، وناسخة لآية المائدة : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ }(7) التي تفيد حل الكتابيات .
ــــــــــــ
1 _ البرهمية : نسبة إلى برهما ، وهو في اللغة السنسكريتية ، معناه : (الله) وهم يعتقدون أنه الإله الموجود بذاته ، الذي لا تدركه الحواس ، وإنما يدرك بالعقل ، ومن عقائدهم أن رجال هذا الدين يتصلون في طبائعهم بعنصر البرهما ، ولذلك أطلق عليهم البراهمة / أهـ المرجع السابق ص 58 .
2 _ السيد سابق :فقه السنة 2/89 ، بدران أبو العينين : الفقه المقارن للأحوال الشخصية 1/115.
3 _ سورة البينة آية / 1 .
4 _ سورة البينة آية / 6 .
5 _ سورة المائدة آية / 82 .
6 _ ابن قدامة : المغني 7/130 .
7 _ سورة المائدة آية / 5 .
... وإلى هذا ذهب الإمامية وبعض الزيدية(1) . واحتج أصحاب هذا الرأي بقوله تعالى {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }(2) واليهودي مشرك لقوله : { عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ } وكذا النصراني لقوله : { الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ } وبقوله تعالى : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }(3) . قالوا والمراد بقوله تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } بعد الإسلام لأنهم كانوا يتأنفون عن نكاحها جمعاً بين الآيتين(4) .
واحتجوا بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما (كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال : حرم الله المشركات على المؤمنين ، ولا أعرف شيئاً من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى ، أو عبد من عباد الله(5) .(1/160)
... قال النحاس : وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة ، لأنه قد قال بتحليل نساء أهل الكتاب جماعة من الصحابة والتابعين ، منهم طلحة وعثمان وابن عباس وجابر وحذيفة ، ومن التابعين : سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ، ومجاهد وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك ، وفقهاء الأمصار عليه(6) ، وآية المائدة متأخرة النزول فلا تنسخ بالمتقدم(7) قال : ( وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه ، لأن ابن عمر كان رجلاً متوقفاً ،فلما سمع الآيتين في واحدة التحليل وفي أخرى التحريم ، ولم يبلغه النسخ توقف ، ولم يؤخذ عنه ذكر النسخ ، وإنما تؤول عليه وليس يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتأويل(8) .
ــــــــــــ
1 _ الحسين بن أحمد السياغي : الروض النضير 4/272 ، المجموع شرح المهذب 16/233 ، روائع
البيان في تفسير آيات الأحكام للصابوني 1/287 .
2 _ سورة البقرة آية / 221 .
3 _ سورة الممتحنة آية / 10 .
4 _ الحسين بن أحمد السياغي : الروض النضير 4 .
5 _ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/68 .
6 _ منهم الأئمة الأربعة انظر ص 141 .
7 _ هذا موضع اتفاق بين العلماء .
8 _ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 3/68 .
... وأما الآية التي استدلوا بها فهي عامة في كل كافر(1) والآية التي استدل بها الجمهور(2) خاصة في حل أهل الكتاب والخاص يجب تقديمه(3) .
... والمجوزون لنكاح الكتابيات يرون صحته وإن كان مكروهاً أو خلاف الأولى ، وكراهة تزويج الحرة الكتابية في دار الحرب أشد من كره تزويجها في بلد الإسلام ، لأنه يؤدي إلى ترك ولده بها ، ولأنه لا يأمن من تربيته على دينها .
... والدليل على كراهية هذا النكاح أو أنه خلاف الأولى :
... ما روى أن حذيفة(*) تزوج يهودية ، فكتب إليه عمر رضي الله عنه اخل سبيلها فكتب إليه : إن كانت حراماً فعلت ، فكتب عمر : إني لا أزعم أنها حرام لكن أخاف أن تكون مومسة(4) .(1/161)
... فدل على أن عمر رضي الله عنه لم يحرم نكاح الكتابيات ، وما فعله إنما هو من باب الحيطة والحذر .
ــــــــــــ
1 _ هي قوله تعالى { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } .
2 _ هو قوله تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }.
3 _ ابن قدامة : المغني 7/130 .
4_ تلخيص الحبير لابن حجر 3 / 174 ، والمومسة : الزانية .
* _ هو الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان ، واسم اليمان حسيل ابن جابر العبسي ، هرب إلى المدينة فخالف بني الأشهل ، فسماه قومه اليمان ، لأنه حالف اليمانية ، أسلم هو وأبوه ، وشهدا أحداً فقتل اليمان بها ، روى حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر ، وروى عنه جابر بن عبد الله وأبو الطفيل وآخرون ومناقبه كثيرة وصح في مسلم عنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ، توفي سنة ست وثلاثين في أول خلافة علي رضي الله عنهما . انظر تهذيب التهذيب 2/219 ، 220 .
الأمة الكتابية
... واختلفوا في الأمة الكتابية :
... فذهب الثلاثة(1) إلى أنه لا يصح نكاحها بالعقد ، ويحل وطؤها بملك اليمين(2) ، وذهب أبو حنيفة إلى جواز نكاح الأمة الكتابية(3) .
... واستدل الفريق الأول بقوله تعالى {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } (4) قالوا والكتابية مشركة على الحقيقة ، لأن المشرك من يشرك بالله في الألوهية ، وأهل الكتاب كذلك قالوا : عزير ابن الله والمسيح ابن الله(5) فعموم النص يقتضي حرمة نكاح جميع المشركات إلا أنه خص منهن الحرائر من الكتابيات بقوله تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ }(6) وهن الحرائر فبقيت الإماء منهن على ظاهر العموم .(1/162)
... ولأن جواز نكاح الإماء في الأصل ثبت بطريق الضرورة ، والضرورة تدفع بنكاح الأمة المسلمة .
... واستدل أبو حنيفة بعمومات الآيات الواردة في النكاح ، نحو قوله تعالى { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } (7) وقوله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }(8)
ــــــــــــ
1 _ مالك والشافعي وأحمد .
2 _ الخرشي على مختصر خليل 3/226 ، المجموع شرح المهذب 16/237 ، التحفة لابن حجر الهيثمي 7/319 ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة لمحمد بن عبد الرحمن الدمشقي ص 208 ، ابن قدامة المغني 7/134 ، 135 ونقل عن أحمد أنه قال : لا بأس بتزويجها إلا أن الخلال رد هذه الرواية وقال : إنما توقف فيها أحمد ولم ينفذ قوله ومذهبه أنها لا تحل أهـ ابن قدامة : المغني 7/135 .
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1414 .
4 _ سورة البقرة آية / 221 .
5 _ إِشارة إلى قوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ }.
6 _ سورة المائدة آية / 5 .
7 _ سورة النساء آية / 24 .
8 _ سورة النساء آية / 3 .
وقوله تعالى : { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } وغير ذلك ، من غير فصل بين الأمة المؤمنة والأمة الكافرة الكتابية إلا ما خص الدليل .
... قالوا وأما قوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } فإنه في غير الكتابيات من المشركات ، لأن أهل الكتاب وإن كانوا مشركين على الحقيقة لكن هذا الاسم في متعارف الناس يطلق على المشركين غير أهل الكتاب .
... قال تعالى : {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ }(1) .(1/163)
... وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (2)} فإنه سبحانه وتعالى فصل بين الفريقين في الاسم على أن الكتابيات وإن دخلن تحت عموم اسم المشركات بحكم ظاهر اللفظ خصصن عن العموم بقوله تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } (3) ، والإماء الكتابيات إذا كن عفائف يستحققن هذا الاسم ، لأن الإحصان في كلام العرب عبارة عن المنع ومعنى المنع يحصل بالعفة والصلاح كما يحصل بالحرية والإسلام والنكاح ، لأن ذلك مانع المرأة عن ارتكاب الفاحشة فيتناولهن اسم المحصنات(4) .
... والذي تميل إليه النفس هو القول بتحريم نكاح الأمة الكتابية لقوله تعالى : { فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ } (5) .
... فشرط في إباحة نكاحهن الإيمان ولم يوجد ، ولأنه عقد اعتوره نقصان : نقص الكفر والملك ، فإذا اجتمعا منعا .... والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ سورة البقرة آية / 105 .
2 _ سورة البينة آية / 6 .
3 _ بدائع الصنائع للكاساني : 3/1415 .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1415 .
5 _ سورة النساء آية 25 .
العلة في تحريم نكاح المشركة دون الكتابية
... العلة في تحريم ذلك على سبيل الإجمال التنافر الشديد بين الإسلام والأديان الوثنية.(1/164)
... ولصاحب المنار أضواء بيانية ألقى أشعتها على العلة فأجاد ، ونص كلامه : (والمشركة ليس لها دين يحرم الخيانة ويوجب عليها الأمانة ، ويأمرها بالخير وينهاها عن الشر فهي موكلة إلى طبيعتها وما ترتبت عليه في عشيرتها ، وهو خرافات الوثنية وأوهامها وأماني الشياطين ، وأحلامها ، تخون زوجها وتفسد عقيدة ولدها ، فإن ظل الرجل على إعجابه بجمالها كان ذلك عوناً لها على التوغل في ضلالها وإضلالها ، وإن نبا طرفه على حسن الصورة ، وغلب على قلبه استقباح تلك السريرة ، فقد تنغص عليه التمتع بالجمال على ما هو عليه من سوء الحال .
... وأما الكتابية فليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة ، فإنها تؤمن بالله وتعبده وتؤمن بالأنبياء والحياة الأخرى وما فيها من الجزاء ، وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشر .
... والفرق الجوهري العظيم بينهما هو الإيمان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والذي يؤمن بالنبوة العامة لا يمنعه من الإيمان بنبوة خاتم النبيين إلا الجهل بما جاء به .
... وكونه جاء بما جاء به النبيون وزيادة اقتضتها حال الزمان في ترقيته واستعداده لأكثر مما هو فيه ، أو المعاندة والمجاحدة في الظاهر مع الاعتقاد في الباطن وهذا قليل والكثير هو الأول .
... ويوشك أن يظهر للمرأة من معاشرة الرجل أحقية دينه وحسن شريعته ، والوقوف على سيرة من جاء بها وما أيده الله تعالى به من الآيات البينات ، فيكمل إيمانها ويصح إسلامها و تؤتى أجرها مرتين إن كانت من المحسنات في الحالين(1) .
ــــــــــــ
1 _ محمد رضا : تفسير المنار 2/356 ، 357 .
حرمة تزويج الكافر بالمسلمة وسبب ذلك
... أما تزويج الكافر بالمسلمة فقد نص القرآن الكريم على حرمة ذلك قال تعالى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ } وقال تعالى { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }(1) .(1/165)
... والمراد بالمشرك هنا كل كافر لا يدين بدين الإسلام ، فيشمل الوثني والمجوسي واليهودي والنصراني والمرتد عن الإسلام .
... فكل هؤلاء يحرم تزويجهم بالمسلمة ، فللمسلم أن يتزوج اليهودية والنصرانية كما سبق ، وليس لليهودي أو النصراني ومن سبق ذكرهم من الكفار أن يتزوجوا بالمسلمة(2) لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه(3) .
... ولأن الشرع قطع ولاية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(4) .
... فلو جاز إنكاح الكافر المؤمنة لثبت عليها سبيل ، وهذا لا يجوز(5) ولأن في تزويج المؤمنة بالكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر ، لأن الزوج له سلطة وولاية على زوجته ، فربما يؤدي ذلك إلى إجبارها على ترك دينها ، وحملها على أن تكفر ، والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ، ويقلدونهم في الدين ، وإليه وقعت الإشارة في
ــــــــــــ
1 _ سورة البقرة آية / 221 .
2 _ قال محمد علي الصابوني (سألني طالب غير مسلم كان قد حضر عندي في درس الدين في مدينة حلب ، لماذا يتزوج المسلم بالنصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة يقصد التعريض والغمز بالمسلمين بأنهم متعصبون فقلت له : نحن المسلمون نؤمن بنبيكم عيسى وكتابكم الإنجيل فإذا آمنتم بنبينا وكتابنا نزوجكم من بناتنا فمن منا المتعصب فبهت الذي كفر ) أ هـ روائع البيان في تفسير آيات الأحكام 1/290 .
3 _ سنن الدار قطني 3/252 .
4 _ سورة النساء آية / 141 .
5 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1417 ، روائع البيان للصابوني 1/189 .
آخر الآية بقوله تعالى : { أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }(1) لأنهم يدعون المؤمنات إلى الكفر ، والدعاء إليه دعاء إلى النار ،فكان نكاح الكافر المسلمة سبباً داعياً إلى الحرام فكان حراماً.(1/166)
... ( ولأن المسلم يعظم موسى وعيسى عليهما السلام ، ويؤمن برسالتهما ويعتقد بالتوراة والإنجيل التي أنزلها الله ، ولا يحمله إيمانه على إيذاء زوجته اليهودية أو النصرانية بسبب العقيدة ، لأنه يلتقي معها على الإيمان بالله وتعظيم رسله ، فلا يكون اختلاف الدين سبب الإيذاء والاعتداء ، بخلاف غير المسلم الذي لا يؤمن بالقرآن ولا برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن عدم إيمانه يدعوه إلى إيذاء المسلمة والاستخفاف بدينها(2) .
زواج الصابئة(3)
... اعتبر أبو حنيفة طائفة الصابئة من أهل الكتاب الذين يؤمنون بدين نبي يقرون بكتاب سماوي ، ولا يعبدون الكواكب ، ولكنهم يعظمونها كتعظيم المسلمين الكعبة في الاستقبال إليها ، إلا أنهم يخالفون غيرهم من أهل الكتاب في بعض دياناتهم ، وهذا لا يمنع المناكحة ، فأحل للمسلم أن يتزوج بالصابئة .
... وخالفه الصاحبان أبو يوسف ومحمد فقالا : لا يجوز(4) لأنهم قوم يعبدون الكواكب ، وعابد الكواكب كعابد الوثن ، فلا يجوز للمسلمين مناكحتهم ، ووافق أبا يوسف الشافعي(5) وأحمد(6) وسر الاختلاف اشتباهم في مذهبهم قال في (التحفة) .
ــــــــــــ
1 _ قبل الآية {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } سورة البقرة آية / 221 .
2 _ الصابوني : روائع البيان تفسير آيات الأحكام 1/289 ، 290 .
3 _ قال في الصباح المنير 1/356 صبأ من دين إلى دين يصبأ خرج فهو صابئ ثم جعل هذا اللقب علماً على طائفة من الكفار يقال إنها تعبد الكواكب في الباطن ، وتنسب إلى النصرانية في الظاهر ، وهم الصابئة والصابئون ، ويدعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم ) أ هـ .(1/167)
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1416 .
5 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج شرح المنهاج 7/326 .
6 _ ابن قدامة : المغني 7/130 .
... وقد تطلق الصابئة أيضاً على قوم أقدم من النصارى كانوا في زمن إبراهيم عليه السلام ، منسوبين لصابئ عم نوح - صلى الله عليه وسلم - يعبدون الكواكب السبعة ، ويضيفون الآثار إليها ، ويزعمون أن الفلك حي ناطق ، وليسوا مما نحن فيه إذ لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم مطلقاً(1) . والصحيح فيهم ما قاله ابن قدامة : ( إنهم إن وافقوا اليهود أو النصارى في أصول الدين من تصدق الرسل والإيمان بالكتب كانوا ممن وافقوه ، وإن خالفوهم في أصول الدين فليسوا منهم(2) ) والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج 7/326 .
2 _ ابن قدامة : المغني 7/130 ، والمجموع شرح المهذب 16/235 .
حكم التزوج بالمجوسيات(1)
... عامة الفقهاء متفقون على تحريم نكاح المجوس(2) .
... وخالفهم أبو ثور فقال بإباحته ، وبه أخذ أهل الظاهر(3) استدل المانعون بأن المجوس ليسوا من أهل الكتاب ، لأن الله تبارك وتعالي يقول : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ _ إلى قوله تعالى _ أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا (4)} .
... ولو كان المجوس أهل كتاب لكان أهل الكتاب ثلاث طوائف ، فيؤدي إلى الخلف في خبره عز وجل ، وذلك محال على أن هذا لو كان حكاية عن قول المشركين لكان دليلاً على ما قلنا ، لأنه حكى عنهم القول ولم يعقبه بالإنكار عليهم وتكذيبهم ، والحكيم إذا حكى عن منكر غيره .
... وبقوله تعالى {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ }(5) وقوله : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ (6)} وجه الدلالة من الآيتين على تحريم نكاحهن أنه سبحانه وتعالى رخص لنا نكاح أهل الكتاب ، فمن عداهم يبقى على العموم ، ولم يثبت أن للمجوس كتاباً فيدخلون في دائرة النهي .(1/168)
... وقد سئل الإمام أحمد : أيصح عن علي أن للمجوس كتاباً ؟ فقال : هذا باطل ، واستعظمه جداً(7) .
ــــــــــــ
1 _ المجوس هم عبدة النار .
2 _ انظر : الكاساني بدائع الصنائع 3/1415 ، 1416 الخرشي على مختصر خليل 3 / 226 المجموع الشرح المهذب 16 / 233 ، 235 ، تحفة المحتاج 7 / 322 ، ابن قدامة : المغني 7/131 ، الروض النضير شرح مسند زيد 4/273 .
3 _ ابن حزم : المحلى 8/189 ، 11/17 .
4 _ الأنعام آية : 155 _ 156 .
5 _ البقرة آية : 221 .
6 _ الممتحنة آية : 10 .
7 _ ابن قدامة : المغني 7/131 .
... ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - (سنوا بهم سنة أهل الكتاب(1)) إذ يدل على أنه ليس لهم كتاب .
... واستدلوا أيضاً بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - ( كتب إلى المجوس هجر يعرض عليهم الإسلام ، فمن أسلم قبل ومن أصر ضربت عليه الجزية ، على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح لهم امرأة ، وفي رواية . غير ناكحي نساءهم ، ولا آكلي ذبائحهم(2) ) .
... وفي مسند زيد عن علي عليه السلام أنه قال : يتزوج المسلم اليهودية والنصرانية ، ولا يتزوج المجوسية والمشركة(3) .
... واستدل أبو ثور ومن وافقه على حل التزوج بالمجوس بما يأتي :
... أولاً : قوله - صلى الله عليه وسلم - : (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ولما كان أهل الكتاب يباح التزوج منهم ، فنسن بالمجوس سنتهم ونتزوج منهم .
... ثانياً : روي أن حذيفة بن اليمان(*) تزوج مجوسية .
... ثالثاً : لأنهم يقرون بالجزية ، فأشبهوا اليهود والنصارى(4) .
ــــــــــــ
1 _ أخرجه البزار عن عبد الرحمن بن عوف ، انظر تلخيص الحبير لابن حجر 3/172 .
2 _ قال ابن حجر في التلخيص 3/172 ، هذا مرسل ، وفي إسناده قيس بن الربيع ، وهو ضعيف قال البيهقي : واجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده ، ونقل الإجماع على المنع ، إلا عن أبي ثور أ هـ .
3 _ مسند زيد 4/370 مع الروض النضير .(1/169)
4 _ قال في شرح المهذب 16 ، 134 وذهب ابن حزم إلى نكاح حرائر المجوس بناء على وجوب
الجزية عليهم ، أخذ بالقياس الذي يرفضه ويحمل عليه في جميع كتبه التي تدور كلها على ذم
القياس وتزييفه ودحضه / أ هـ .
* _ تقدمت ترجمته ص 182 .
مناقشة دليل أبي ثور وموافقيه
... استدلالهم بالحديث فيه نظر ظاهر ، وذلك أنه ورد بزيادة توضح المقصود وتنص في المسألة وهذه الزيادة هي قوله : (غير أنكم ليسوا ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم(1) ) .
... وهذه الزيادة تدفع ما تعلقوا به ، ولأن قوله : (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) دليل على أن المجوس لا كتاب لهم .
... وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - حقن دمائهم وإقرارهم على الجزية لا غير ، وأما استدلالهم بتزوج حذيفة بن اليمان بمجوسية فغير مسلم من وجهين :
... أولاً : إن أحمد بن حنبل إمام الحديث ضعف هذه الرواية وقد روى أبو وائل عن حذيفة أنه تزوج يهودية وهو أوثق ممن روى عنه أنه تزوج مجوسية .
... وقال ابن سيرين : (كانت امرأة حذيفة نصرانية ، قال ابن قدامة ومع تعارض الروايات لا يثبت حكم إحداهن إلا بالترجيح(2) ) .
... ثانياً : لو سلمنا جدلاً صحة الرواية التي تذكر أن حذيفة تزوج مجوسية ، فلا يحتج به مع مخالفة الكتاب وقول سائر العلماء ، وأما استدلالهم على جواز نكاح المجوس بإقرارنا لهم على الجزية : قال ابن قدامة ما نصه :
... ( وأما إقرارهم بالجزية ، فلأننا غلبنا حكم التحريم لدمائهم ، فيجب أن يغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم(3) وما قاله ابن قدامة غير ظاهر ، إذ لا ارتباط ولا تلازم بين تحريم دمائهم وتحريم التزوج منهم ، فليس تحريم دمائهم دليلاً على تحريم التزوج منهم .
... بل ربما يتبادر إلى الذهن العكس ، فلقائل أن يقول ما دامت محرمة دماؤهم فهذا يشعر بجواز التزوج منهم .
ــــــــــــ
1 _ ابن حجر : التلخيص الحبير 3/172 .
2 _ ابن قدامة : المغني 7/131 .
3 _ ابن قدامة : المغني 7/131 .(1/170)
... والأولى في الجواب على تعليل أبي ثور وموافقيه أن يقال : لا يلزم من دفع الجزية لنا إباحة التزوج منهم ، لاسيما وقد قام الدليل العام من الكتاب على حرمة نكاح المشركات والكوافر .
... والظاهر تحريم نكاح المجوسيات كما هو مذهب عامة الفقهاء ، منهم الأئمة الأربعة لقوله تعالى : {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } (1) وقوله تعالى :{ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } (2) .
... وهذا عام في كل مشركة إلا ما قام عليه الدليل وهم أهل الكتاب .
... وهؤلاء المجوس غير متمسكين بكتاب فلم تحل مناكحتهم . والله أعلم .
أهل الكتاب من غير اليهود والنصارى
... أما المتمسكون بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود ، فاختلف أهل العلم فيهم على قولين :
... الأول : صحة الزواج منهن وأكل ذبائحهم وهو مذهب الحنفية(3) ووجه للحنابلة(4) .
... قالوا لأنهم متمسكون بكتب من كتب الله فأشبهوا اليهود والنصارى .
... الثاني : حرمة التزوج منهم وهو مذهب الشافعية(5) ورواية عن أحمد وبه قال أبو يوسف ومحمد من الحنفية(6) .
ــــــــــــ
1 _ البقرة آية / 221 .
2 _ الممتحنة آية / 10 .
3 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1416 .
4 _ ابن قدامة : المغني 7/130 .
5 _ المجموع شرح المهذب 16/234 ، 235 .
6 _ ابن قدامة : المغني 7/130 ، الكاساني : بدائع الصنائع 3/1416 .
... قالوا : لأن الله تعالى يقول : { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } (1) فلو كانت هذه الصحف تشريعات وأحكاماً لذكرها الله تعالى مع الكتابين التوراة والإنجيل .
ولأن تلك الكتب كانت مواعظ وأمثالاً وحكماً لا أحكاماً وشرائع ، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الأحكام(2) .
... ولأنه أوحي إليهم معانيها لا ألفاظها(3) .
نكاح المرتدة(1/171)
... أما المرتدة من دين الإسلام إلى دين آخر أو انتقالها من دين لآخر فلا يجوز التزوج منها ولا يصح(4) ، والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ سورة الأنعام آية / 156 .
2 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج 7/303 ، ابن قدامة : المغني 7/131 .
3 _ أي فشرفها دون شرف ما أوحي بألفاظها ومعانيها أ هـ : حاشية الشرواني على التحفة 7/223 .
4 _ المجموع شرح المهذب 16/232 ، البهوتي : كشاف القناع 5/92 .
المبحث السابع
الجمع بين المحارم(1) ويشتمل على النقاط التالية :
_ دليل تحريم الجمع بين المحارم وبيان المعنى الذي من أجله حرم هذا الجمع .
_ الجمع بين المرأة وإحدى محارمها .
_ الجمع بين محرمين بملك اليمين .
_ الجمع بين قريبتين لا تحرم إحداهما على الأخرى لو قدرت ذكرا .
ــــــــــــ
1 _ المقصود بالجمع بين المحارم : هو الجمع في النكاح بين امرأتين لو قدرت إحداهما ذكراً حرمت الأخرى ، كأن يتزوج رجل امرأة ثم يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها ليجمع بينهما في عصمته .
دليل تحريم الجمع بين المحارم وبيان المعنى الذي من أجله حرم هذا الجمع
...
... الأصل في تحريم الجمع بين محرمين قوله عز وجل : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ }(1) معطوف على قوله عز وجل : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين ، إلا ما كان منكم في جاهليتكم فقد سلف ، فلا تؤاخذون به (فهذه الآية تفيد بنصها حرمة الجمع بين الأختين ، وتفيد بمعناها حرمة الجمع بين سائر المحارم ، وذلك لأنه إذا كان الجمع بين الأختين حراماً خشية إيحاش قلبهما بالعداوة بينهما فأولى أن يحرم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، لأن كلتيهما بمنزلة الأم والرحم بينهما قريبة الصلة(2) .
... والدليل من السنة ما يأتي :
... عن ابن عباس رضي عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تزوج المرأة على عمتها أو على خالتها(3) ) .(1/172)
... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ، ولا المرأة على خالتها ، ولا الخالة على بنت أختها ولا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى(4) ) .
ــــــــــــ
1 _ النساء آية / 23 ومعنى { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } أن ما كان منكم في الجاهلية ولم يدركه الإسلام هو في موضع العفو لا يحاسبكم الله عليه في الإسلام .
2 _ أبو زهرة محاضرات في عقد الزواج وآثاره ص 127 / 128 .
3 _ أخرجه الترمذي في سننه 3/323 حديث رقم 1125 .
4 _ سنن الترمذي 3/424 رقم 1126 سنن أبي داود 2/553 ، 554 رقم 2065 .
... قال أبو عيسى : حديث ابن عباس وأبي هريرة حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم ، لا نعلم بينهم اختلافاً أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، فإن نكح امرأة على عمتها أو خالتها أو العمة على بنت أخيها فنكاح الأخرى منهما مفسوخ ، وبه يقول عامة أهل العلم(1) .
... وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها(2) ) .
... وعن أبي فيروز الديلمي(*) عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله أسلمت وتحتى أختان قال : (اختر أيتهما شئت(3) ) .
... كما ورد في بعض الروايات للتصريح بالمعنى الذي من أجله حرم الجمع بين المحارم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أ ن يتزوج الرجل المرأة على العمة أو على الخالة ، وقال : إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم(4) ) .
ــــــــــــ
1 _ سنن الترمذي 3/424 .
2 _ صحيح مسلم 9/190 مع النووي وأخرجه البخاري أيضاً 3/423 .(1/173)
3 _ سنن الترمذي 3/427 رقم 1129 وحسنه ، 1130 سنن أبي داود 2/679 رقم 2242 ، سنن الدار قطني 3/273 ولفظ أبي داود والدار قطني ، ( طلق أيتهما شئت ) وابن فيروز اسمه الضحاك .
4 _ أخرجه ابن حبان في صحيحه وفي إسناده أبو حريز بالحاء المهملة والراء ثم الزاي اسمه عبد الله بن حسين وقد ضعفه جماعة ، ولكن قد علق له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة ، وقال ابن حجر : وهو حسن الحديث عندي انظر تلخيص الحبير 3/168 .
* _ هو الصحابي الجليل فيروز الديلمي ، أبو عبد الله اليماني وفيروز هو الذي قتل الأسود العنسي ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه بنوه الضحاك وعبد الله ، وسعيد وآخرون ، توفي سنة (53) وله في كتب السنن ثلاثة أحاديث ، تهذيب التهذيب 8/305 .
... وعن حسين بن طلحة(*) قال : (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة(1) ) .
... فلما كانت الضرائر قلما تسكن عواصف الغيرة بينهن ونار العداوة والبغض تعترضهن والمشاحنة والمخاصمة من طبيعتهن ، نهى الشارع الحكيم عن الجمع بين محرمين لئلا يفضى هذا الجمع إلى قطيعة الرحم ، وتقطع العلائق بين الأقربين ، وقد قال عز وجل: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(2).
... وعن جبير(**) بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يدخل الجنة قاطع رحم(3) ) .
... فلذلك منع هذا الجمع ، حتى وإن رضيت الأولى بنكاح قريبتها ، فإنه لا يحل له أيضاً لأن الطبع يتغير(4) .
ــــــــــــ
1 _ أخرجه أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة في مسنده كما في تلخيص الحبير لابن حجر 3/168 .
2 _ سورة محمد آية / 22 .
3 _ أخرجه أبو داود 2/323 حديث رقم 1696 .
4 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج 7/307 .(1/174)
* _ الحسين بن طلحة ، روى عن خالد بن يزيد أثراً موقوفاً وروى عنه ، أبو توبة الربيع بن نافع ، قال ابن حجر في التهذيب : قرأت بخط الذهبي لا يعرف ، وقال في التقريب ، الحسين بن طلحة مجهول من الثامنة . انظر تهذيب التهذيب 2/341 ، تقريب التهذيب / 74 .
** _ هو الصحابي الجليل جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي ، النوفلي ، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسرى بدر ، ثم أسلم بعد ذلك ، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه سليمان بن صرد وسعيد بن المسيب وإبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف وآخرون ، حكى ابن عبد البر أنه أول من لبس الطيلسان بالمدينة ، وتحاكم إليه عثمان وطلحة في قضية ، مات سنة (56) انظر تهذيب التهذيب 2/63/64 .
الجمع بين المرأة وإحدى محارمها
... لا خلاف بين أهل الملة في أن الجمع بين الأختين في النكاح حرام لقوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } عطفاً على قوله تعالى :{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } لأنه يفضي إلى القطيعة كما سبق .
... وسواء كانتا شقيقتين من أب ، أم من أم ، وسواء النسب والرضاع ، ولا يجوز الجمع بين المرأة وأمها في العقد ، لأن الأم إلى ابنتها أقرب من الأختين ، فتحريم الجمع بينهما بطريق الأولى .
... ولا يجوز الجمع بين المرأة وبين عمتها وبينها وبين خالتها ، سواء كانت العمة والخالة حقيقة أو مجازاً كعمات أبائها وخالاتهم وعمات أمهاتها وخالاتهن وإن علت درجتهن من نسب أو رضاع لأن العمة بمنزلة الأم لبنت أخيها والخالة بمنزلة الأم لبنت أختها .
... وتحريم الجمع بين من ذكر موضع اتفاق بين جمهور أهل العلم منهم الأئمة الأربعة والشرط عندهم في تحقيق الجمع أن تكون الحرمة ثابتة من الجانبين ، وهو أن يكون كل واحد منهما لو قدرت ذكراً حرمت الأخرى(1) .(1/175)
... فإن فرضت الصغرى ذكراً حرمت العمة أو الخالة ، وإن فرضت الكبرى ذكراً حرمت عليه البنت ، لأنها ابنة أخيه أو ابنة أخته .
ــــــــــــ
1 _ بدائع الصنائع 3/1398 الخرشي على مختصر خليل 3/210 المجموع شرح المهذب 16/225 226 ابن قدامة : المغني 7/115 ، النووي شرح مسلم 9/190 فتح الباري 9/160 ، نيل الأوطار للشوكاني 6/157 ، الروض النضير لأحمد بن الحسين السياغي 4/241 رحمة الأمة في اختلاف الأئمة لمحمد عبد الرحمن الدمشقي ص 207 .
... وتخرج من هذه القاعدة صورتان :
... الأولى : ما إذا كان فرض إحداهما يحرم الأخرى دون العكس .
... الثانية : هي عدم تأتي افتراض الذكورية في الشق الثاني ، فلا يحرم الجمع بينهما(1).
... وخالفهم زفر في الصورتين(2) .
... مثال الصورة الأولى : المرأة وبنت زوجها الأول ،فلو افترضنا أن بنت الزوج ذكر لما جازت له المرأة لأنها زوجة أبيه فتحرم ولا يتأتى اقتراض العكس فتنعدم هذه الصورة .
... وقد روى البيهقي بسنده إلى الشافعي قال : حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن عبد الله بن صفوان(*) جمع بين امرأة رجل من ثقيف وابنته(3) أي من غيرها .
... قال البخاري : (وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي(4)) ورواه الدار قطني عن قثم(**) مولى ابن عباس قال : تزوج عبد الله بن جعفر ابنة علي وامرأة علي النهشلية(5) .
ــــــــــــ
1 _ السرخسي : المبسوط 4/211 ، المجموع شرح المهذب 16/226 ، ابن قدامة المغني 7/128 .
2 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1398 .
3 _ البيهقي : السنن الكبرى .
4 _ ذكره البخاري تعليقاً في كتاب النكاح باب ما يحل من النساء وما يحرم 9/153 مع فتح الباري .(1/176)
5 _ سنن الدار قطني 3/220 ، واسم ابنه علي زينب والمرأة اسمها ليلى بنت مسعود النهشلية وفي رواية سعيد بن منصور أن ابنة علي هي أم كلثوم بنت فاطمة ، قال الشوكاني : ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم ، لأنه تزوجهما ، عبد الله بن جعفر واحدة بعد الأخرى ، مع بقاء ليلى في عصمته أ هـ نيل الأوطار 6/158 .
* _ هو عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، أبو صفوان المكي ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبيه صحبة مشهورة قتل مع ابن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة . انظر التقريب (177) .
** _ هو قثم بن لؤلؤة ، مولى ابن عباس روى عن علي بن أبي طالب وعبد الله ابن جعفر ، وروى عنه مغيرة بن مقسم الضبي والوليد بن جميع أ هـ تهذيب التهذيب 8/362 .
... وروى أيضاً بسنده عن أيوب عن محمد أن رجلاً من أهل مصر كانت له صحبة يقال لها جبلة (جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها(1) ) .
... ومثال الصورة الثانية :
... الجمع بين المرأة وزوجة أبيها ، فإننا لو فرضنا المرأة رجلاً لما جاز له أن ينكح زوجة أبيه هذا هو الشق الأول .
... والشق الثاني : زوجة الأب ، فلا يمكن افتراضها ذكراً ، لأنا لو افترضناها ذكراً لا يمكن أن نعتبرها في هذه الحالة زوجة أب .
... ومثل ذلك المرأة وزوجة ابنها ، فلو افترضنا أن المرأة ذكر لحرم عليه زوجة ابنه ولا يتأتى افتراض زوجة الابن ذكراً ، لأنه يخرجه عن كونه زوجة ابن .
... وزفر يرى حرمة الجمع بينهما في هاتين الصورتين ، لأنه اكتفى من القاعدة في تحقيق المحرمية بوجود التحريم افتراضاً في شق واحد(2) ، فيحرم الجمع بين المرأة وزوجة أبيها ، والمرأة وبنت زوجها الأول ونحو ذلك .(1/177)
... ويرى الآخرون كما سبق جواز الجمع ، لأن علة منع الجمع بين المحارم هو خشية القطيعة بينهم إذا كانت إحداهما ضرة ، وهذا المعنى غير موجود في هذه الصور إذ لا قرابة بين المرأة وزوجة أبيها ولا بين المرأة وبين بنت زوجها الأول ولا بين المرأة وبين زوجة الابن .
... وشذ قوم ممن لا تعد مخالفته خلافاً وهم الخوارج(3) ، فأباحوا الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها(4) وطرحوا السنة الثابتة واحتجوا بأن القرآن لم يصرح إلا بتحريم
ــــــــــــ
1 _ سنن الدار قطني 3/220 .
2 _ بدائع الصنائع 3/1398 .
3 _ الخوارج : جمع خارج أي : منفصل واصطلاحاً من خلع طاعة الإمام الحق ، والمراد هنا طائفة مخصوصة ، كان أول خروجهم على أمير المؤمنين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أهـ انظر الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة لعبد القادر شيبة الحمد .
4 _ النووي : شرح مسلم 9/191 ابن قدامة المغني 7/115 نيل الأوطار للشوكاني 6/157 .
الجمع بين الأختين ، فما عداهما داخل في عموم قوله تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }(1) .
... مع أنَّا خصصناه بما ثبت في السنة وعليه جمهور العلماء(2) ، قال ابن قدامة (وبلغنا أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز(*) فكان مما أنكرا عليه رجم الزانيين ، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، وبينها وبين خالتها ، وقالا :ليس هذا في كتاب الله تعالى ، فقال لهما : كم فرض الله عليكم الصلاة ؟ قالا : خمس صلوات في اليوم والليلة وسألهما عن عدد ركعاتها فأخبراه بذلك وسألهما عن مقدار الزكاة ونصابهما فأخبراه فقال: فهل تجدان أن ذلك في كتاب الله ؟ قالا : لا نجده في كتاب الله ، قال : فمن أين صرتما إلى ذلك ؟ قالا : فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بعده ، قال : فكذلك هذا(3) .
... ومن صور الجمع المحرم الجمع بين خالتين ، وصورتها :(1/178)
... أن ينكح كل واحد من الرجلين ابنة الآخر ، فيولد لكل واحد منهما بنت ، فكل من البنتين خالة للأخرى ، لأنها أخت أمها لأبيها .
... ويحرم الجمع أيضاً بين عمتين :
... بأن ينكح كل واحد منهما أم الأخرى ، فيولد لكل واحد منهما بنت فكل من البنتين عمة للأخرى لأنها أخت أبيها لأمها ويحرم الجمع بين عمة ، وخالة : بأن ينكح
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 24 .
2 _ انظر ص : 198 .
3 _ ابن قدامة : المغني 7/115 .
* _ هو أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولي إمرة المدينة للوليد ، وكان مع سليمان كالوزير وولي الخلافة بعده فعد مع الخلفاء الراشدين ، من الرابعة مات في رجب سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ، ومدة خلافته سنتان ونصف : روى له الجماعة ابن حجر : تقريب التهذيب (2/60) ط دار المعرفة .
الرجل امرأة ، وينكح ابنة أمها فيولد لكل واحد منهما بنت ، فبنت الابن خالة بنت الأب وبنت الأب عمة بنت الابن(1) .
الجمع بين محرمين بملك اليمين
... أجمع أهل العلم على جواز جمع الأختين في الملك لا في الوطء(2) واختلفوا في الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين على أربعة مذاهب :
... 1 _ فريق توقف .
... 2 _ فريق أحلهما .
... 3 _ وفريق فصل فقال : من اجتمع في ملكه أختان أو عمة وبنت أختها أو خالة وبنت أختها ، فهما جميعاً حرام حتى يخرج إحداهما عن ملكه بموت أو هبة ، أو غير ذلك من الوجوه(3) .
... 4 _ والفريق الرابع قال : يطأ أيتهما شاء فإذا وطئها حرمت عليه الأخرى ، ولا يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج الأولى بإخراجها من ملكه ببيع أو عتق أو غير ذلك .
... أولاً : الطائفة المتوقفة :
... عمر وعثمان ورواية عن علي ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس(4) في رواية .(1/179)
... 1 _ سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل توطأ إحداهما بعد الأخرى ؟ فقال : إني لا أحب أن أجيزهما ، ونهاه(5) .
ــــــــــــ
1 _ البهوتي : كشاف القناع 5/80 .
2 _ الخرشي على مختصر خليل 3/210 ، المنهاج للنووي /181 ، مع مغني المحتاج ، المجموع شرح المهذب 16/228 وابن تيمية : الفتاوى الكبرى 5/124 ، ابن قدامة المغني 7/124 .
3 _ ابن حزم : المحلى 11/145 .
4 _ ابن حزم : المحلى 11/146 .
5 _ سنن الدار قطني 3/282 .
... 2 _ عن قبيصة بن ذؤيب أن عثمان بن عفان(*) رضي الله عنه سئل عن الأختين مما ملكت اليمين ، فقال : لا آمرك ولا أنهاك ، أحلتهما آية(1) وحرمتهما آية(2) .
... 3 _ عن أبي إسحق عن عريب(**) قال : قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : (إن عندي جارية وأمها ، وقد ولدتا لي كلتاهما فما ترى ؟ قال : آية تحل وآية تحرم ، ولم أكن لأفعله أنا ولا أهل بيتبي(3) ) .
... عن عبد العزيز بن رفيع قال : سألت ابن الحنفية عن الأختين المملوكتين ، فقال : حرمتهما آية وأحلتهما آية(4) .
... 5 _ قال ابن حزم : وروينا التوقف عن ابن عباس رضي الله عنهما(5) وروى الدار قطني بسنده عن طارق عن قيس قال : قلت لابن عباس : أيقع الرجل على الجارية وابنتها تكونان مملوكتين له ؟ قال : حرمتهما آية وأحلتهما آية ، ولم أكن لأفعله(6) . ...
... قال ابن كثير : وقد روى مثل هذا عن طائفة من السلف ، ولكن اختلف عليهم ، ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار والحجاز والعراق ، ولا ما وراءهما من المشرق ولا بالشام والمغرب إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس ، وقد ترك ، من
ــــــــــــ
1 _ هي قوله تعالى : { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } سورة المعارج آية /30 .(1/180)
2 _ هي قوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } عطفاً على قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } النساء آية / 23 ، الحديث رواه الدار قطني 3/281 .
3 _ سنن الدار قطني 3/282 .
4 _ ذكره ابن حزم بسنده المحلى 11/146 .
5 _ المحلى لابن حزم : 11/146 .
6 _ ابن كثير : تفسير القرآن العظيم 1/473 .
* _ هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص الأموي ذو النورين ، أحد السابقين الأولين وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، استشهد في ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة (35) وعمره 80 سنة انظر التقريب (235) .
** _ عريب بفتح أوله وكسر الراء ابن حميد ، أبو عمار الدهني روى عن علي وحذيفة وأبي ميسرة وعنه أبو اسحق الهمداني والأعمش وعمارة بن عمير وآخرون . تهذيب التهذيب 7/191 .
يعمل ذلك ظاهراً ما اجتمعنا عليه ، وجماعة الفقهاء على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء : كما لا يحل ذلك في النكاح ، وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } إلى آخر الآية أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء(1) .
ثانيا : الطائفة المحللة للجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين هم :
ابن عباس وعكرمة مولى ابن عباس وداود الظاهري وأصحابه(2) وخالفهم ابن حزم كما سيأتي :
... عن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول لا تحرمهن عليك قرابة بينهن إنما يحرمهن عليك القرابة بينك وبينهن .
... وعن عكرمة مولى(*) ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يجمع بين أختين ، والمرأة وابنتها ، يعني بملك اليمين(3) .(1/181)
... قال أبو عبد الله القرطبي : (وشذ أهل الظاهر ، فقالوا : يجوز الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما يجوز الجمع بينهما في الملك ، واحتجوا بروايات عثمان السابقة إلى أن قال : ((ولم يلتفت أحد من أئمة الفتوى إلى هذا القول ، لأنهم فهموا من تأويل كتاب الله خلافه(4) )) .
ــــــــــــ
1 _ ابن كثير : تفسير القرآن العظيم 1/473 .
2 _ ابن حزم : المحلى 11/145 ، 146 .
3 _ ابن حزم : المحلى 11/145 ، 146 .
4 _ القرطبي : الجامع لأحكام القرآن 5/117 .
* _ عكرمة البربري ، أبو عبد الله المدني مولى ابن عباس روى عن مولاه وعن علي ابن أبي طالب والحسن بن علي وخلق وعنه إبراهيم النخعي وأبو الشعثاء جابر ابن زيد والشعبي وقتادة وآخرون توفي سنة (104) تهذيب التهذيب 7/263 ، وبعدها .
أما الطائفة الثالثة :
التي حرمت إحدهما ما دامتا في ملكه حتى تخرج الأخرى من يده ببيع أو موت أو غيره ، فمذهب ابن حزم(1) وأتباعه .
واستدلوا بما يلي :
... 1 _ عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه سئل عن الأمة يطؤها سيدها ، ثم يريد أن يطأ أختها ، قال حتى يخرجها عن ملكه(2) .
... 2 _ وعن الشعبي قال : قيل لعبد الله بن مسعود : إن ابن عامر قال : لا بأس أن يجمع بين الأختين المملوكتين فقال ابن مسعود : لا يقربن واحدة منهما(3) .
... 3 _ وعن إبراهيم النخعي قال : إذا كان عند الرجل مملوكتان أختان ، فلا يغشين واحدة منهما حتى يخرج الأخرى عن ملكه(4) .
... 4 _ عن عبد الله بن أبي مليكة(*) أن رجلاً سأل عائشة أم المؤمنين عن أمة له قد كبرت ، وكان يطؤها ولها ابنة : أيحل له أن يغشاها ؟ فقالت له أم المؤمنين : أنهاك عنها ومن أطاعني(5) .
... وناقش أبو محمد أدلة الآخرين على طريقته المعهودة يرحمه الله ، ثم قال : (فصح قولنا يقيناً وبطل ما سواه(6) ) .
ــــــــــــ
1 _ المحلى 11/145 .
2 _ المحلى 11/145 .
3 _ المحلى 11/145 .
4 _ المحلى 11/145 .
5 _ المحلى 11/145 .(1/182)
6 _ المحلى لابن حزم 11/150 .
* _ هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة بالتصغير التيمي المدني ، أدرك ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثقة فقيه من الثالثة ، مات سنة سبع عشرة بعد المائة ، وروى له الجماعة ابن حجر: تقريب (1/431) دار المعرفة .
... أما الطائفة الرابعة :
... التي أجازت للرجل أن يملك أختين ، ولكن ليس له أن يطأهما معاً بالتسري أو بالنكاح ، أو إحداهما بالملك والأخرى بالعقد ، ولكن إذا كانتا مملوكتين ، فله أن يطأ أيتهما شاء ، ومتى وطئها حرمت الأخرى ، فهم الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة(1) ولهم سلف من الصحابة رضوان الله عليهم ، ودليل هؤلاء الكتاب والسنة :
... أما الكتاب فقوله تعالى :{ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ }(2) والجمع بينهما في الوطء جمع فيكون حراماً .
... وأما السنة : فما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمن أسلم وتحته أختان : طلق أيتهما شئت(3) .
... إذ مفهوم الحديث النهي عن الجمع بين الأختين في الوطء بالنكاح ، فيدخل في هذا النهي عن الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
... يؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين(4) ) .
... وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد(5) قال هؤلاء : وأما قول عثمان وغيره أحلتهما آية وحرمتهما آية ، فالأخذ بالمحرم أولى عند التعارض احتياطاً للحرمة ، لأنه يلحقه المأثم بارتكاب المحرم ، ولا مأثم في ترك المباح(6) .
ــــــــــــ
1 _ انظر بدائع الصنائع : للكاساني 3/1401 الخرشي على مختصر خليل 3/210 ، المجموع شرح المهذب 16/228 ، ابن قدامة : المغني 7/124 .
2 _ عطفاً على قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } .(1/183)
3 _ سنن أبي داود 2/279 رقم 2242 ، الدار قطني 3/273 .
4 _ ابن حجر : تلخيص الحبير 3/166 .
5 _ سنن الدار قطني : 3/282 .
6 _ الكاساني : بدائع الصنائع 2/1401 .
ولأن الأصل في الأبضاع الحرمة ، والإباحة لا تثبت إلا بدليل يزيل هذا الأصل .
... وقالوا : إذا وطئ إحدهما ، فليس له أن يطأ الأخرى بعد ذلك ، لأنه لو وطئ لصار جامعاً بينهما في الوطء حقيقة ، وما ذهبوا إليه هو الذي تميل إليه النفس ويطمئن إليه القلب لقوة أدلتهم ، وقد مر بنا قول ابن كثير .
... وقد أجمع العلماء المسلمون على أن معنى قوله تعالى :{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ } إلى آخر الآية ، أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء(1) . والله أعلم ..
الجمع بين قريبتين لا تحرم إحداهما على الأخرى لو قدرت ذكراً
... عامة أهل العلم متفقون على عدم حرمة الجمع بين ابنتي العم أو الخال ونحوهما ، من كل قريبتين لو قدرت إحداهما ذكراً لحلت له ، لأنه لم يرد نص محرم للجمع بينهما(2) ولأنهما داخلتان في عموم الآية { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }(3) وهل في ذلك كراهة على الأقل ؟ قولان لأهل العلم :
... أولهما : يكره الجمع بينهما : وهو مروي عن ابن مسعود ، وبه قال جابر بن زيد وعطاء والحسن وسعيد بن عبد العزيز(4) .
... ودليلهم : ما رواه عيسى بن طلحة(*) قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يزوج المرأة على ذي قرابتها كراهة القطيعة(5) .
ــــــــــــ
1 _ انظر ص : 204 .
2 _ ابن قدامة : المغني 7/115 ، 116 .
3 _ سورة النساء آية / 24 .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1398 ، ابن قدامة 7/116 .
5 _ أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود في المراسيل كما في تلخيص الحبير لابن حجر 3/168 .(1/184)
* _ عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ، أبو محمد المدني روى عن أبيه ، ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم وروى عنه ابنا أخيه طلحة واسحق ابنا يحي بن طلحة والزهري وآخرون كان ثقة كثير الحديث ،وكان من أفاضل أهل المدينة وعقلائهم توفي سنة (100) في خلافة عمر بن عبد العزيز ، انظر تهذيب التهذيب 8/215 .
قالوا : فلما كان هذا الجمع قد يفضي إلى القطيعة ، فأقل أحواله الكراهة . ...
... ثانيهما لا يكره : وهو قول سليمان بن يسار والشعبي والأوزاعي وإسحق وأبي عبيد(1) والشافعي قالوا : لأنه ليست بينهما قرابة تحرم الجمع فلا كراهة في ذلك ، والأخذ بالكراهة أولى لما ذكر في الحديث وهو لكراهة القطيعة بينهما .
... تنبيه :
... يجوز للأخ أن يتزوج امرأة أخيه التي مات أخوه عنها ، أو طلقها بعد انقضاء عدتها .
... وكذلك للعم وللخال أن يتزوج أيهما كان ، إمرأة مات عنها ابن الأخ أو ابن الأخت ، أو طلقاهما بعد انقضاء العدة .
... وكذلك لابن الأخ ولابن الأخت أن يتزوجا امرأة العم أو الخال بعد موتهما ، أو طلاقهما بعد تمام العدة .
... لأنه لا نص في تحريمه وكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال .
... قال عز وجل:{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } بعد ذكره ما حرم علينا من النساء(2).
... والله أعلم ،، .
ــــــــــــ
1 _ المغني لابن قدامة : 7/116 .
2 _ المحلى : لابن حزم 11/151 .
المبحث الثامن
نكاح المحرم(1)
ويضم البحث النقاط التالية :
_ خطبة المحرم وخطبة المحرمة .
_ نكاح المحرم وإنكاحه .
_ إشهاد المحرمين على نكاح المحللين .
ــــــــــــ
1 _ يعني هذا العنوان : بيان حكم نكاح من أحرم بحج أو عمرة أو بهما معاً ، أو أحرم إحراماً مطلقاً .
خطبة المحرم وخطبة المحرمة(1)
رأى الجمهور من أهل العلم أنه يكره للمحرم أن يخطب المرأة وإن كانت حلالاً ، كما يكره أن يخطب المحرمة وإن كان حلالاً(2) .(1/185)
واستدلوا بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب(3) ففي الحديث النهي عن الخطبة في حال الإحرام ، وهو نهي تنزيه ليس بحرام(4) ) .
ورأي أهل الظاهر حرمة ذلك(5) ودليلهم حديث عثمان بن عفان(*) فإن فيه : (ولا يخطب )) والنهي للتحريم على الأصل ولا صارف يصرفه عن التحريم .
قال النووي : ( فإن قيل : كيف قلتم يحرم التزوج والتزويج ، وتكره الخطبة وقد قرن بين الجميع في الحديث ، قلنا : لا يمتنع مثل ذلك ، كقوله تعالى { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ }(6) والأكل مباح والإيتاء واجب(7) .
ــــــــــــ
1 _ الخطبة بالكسر هي التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة ، قال في المصباح المنير 1/173 خطب الرجل المرأة إلى القوم ، إذا طلب أن يتزوج منهم ، واختطبها والاسم الخطبة بالكسر فهو خاطب وخطاب مبالغة .
2 _ المجموع شرح المهذب 7/284 ، والمغني لابن قدامة 3/308 .
3 _ أخرجه مسلم في صحيحه 9/195 ، مع النووي اللفظ الأول بفتح أوله _أي لا يتزوج ، والثاني بضم أوله ، أي لا يزوج غيره .
4 _ النووي شرح مسلم 9/195 .
5 _ المحلى : لابن حزم 7/290 .
6 _ سورة الأنعام آية /141 .
7 _ النووي : المجموع 7/284 . ...
* _ تقدمت ترجمته ص 203 .
نكاح المحرم وإنكاحه
... اختلف العلماء في نكاح المحرم أي : في إبرامه عقد النكاح ، هل يحل له العقد وينعقد ، وهل يلي العقد كولي ، وهل تزوج المرأة محرمة ؟
... ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة وأهل الظاهر إلى أنه متى تزوج المحرم ، أو زوج موليته وهو محرم ، أو زوجت محرمة ، فالنكاح فاسد لا يصح .
... فإحرام أحد الثلاثة مانع من صحة العقد ، ولا يصح أن يوكل الزوج أو الولي المحرمان الحلال ، في مباشرة العقد بالوكالة ، ولا أن يتوكل المحرم فيه(1) .
... واستدلوا بما يلي :(1/186)
... عن عثمان رضي الله عنه : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب(2) ) .
... أي : لا يقبل النكاح لنفسه ، ولا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة ، والنهي في الحديث نهي تحريم يبطل العقد لو عقد ، فلا يعتد به .
... قالوا : وماروي عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج وهو محرم ، مردود بما روي عن ميمونة(*) نفسها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال ، كما سيأتي .
ــــــــــــ
1 _ الخرشي على مختصر خليل 3/188 ، المهذب 1/283 ، 284 النووي شرح مسلم 9/194 ، ابن قدامة : المغني 3/306 .
2 _ أخرجه مسلم 9/193 ، مع النووي وأخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح ، والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وابن عمر وهو قول بعض فقهاء التابعين وبه يقول مالك والشافعي وأحمد واسحق لا يرون أن يتزوج المحرم ، قالوا : فإن نكح فنكاحه باطل أ هـ : سنن الترمذي 3/190 ، 191 حديث رقم 840 وأخرجه أيضاً أبو داود في سننه 2/421 ، 422 حديث رقم 1841 ، 1842 .
* _ هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث العامرية الهلالية ، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورضي عنها روت عنه - صلى الله عليه وسلم - وروى عنها ابن أختها عبد الله بن عباس ويزيد بن الأصم ومولاها عطاء بن يسار وآخرون كان اسمها برة ، فسماها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ميمونة . توفيت بسرف حيث بنى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو بين مكة والمدينة سنة (61) وصلى عليها عبد الله بن عباس ، انظر : تهذيب التهذيب (12/453) .
ويرى بعض الشافعية أنه يجوز أن يزوج المحرم بالولاية العامة ، لأنها يستقاد بها ما لايستفاد بالخاصة(1) .
وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى صحة نكاح المحرم .(1/187)
واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم(2) ) .
... وأجابوا عن حديث عثمان بأن المراد به الوطء ، وعن حديث ميمونة بأنه قد يخفى على ميمونة إحرام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قالوا : ولأنه عقد يملك به الاستمتاع ، فلا يحرمه الإحرام ، كشراء الإماء ، ولأن الإحرام لا يمنع صلاحية المرأة للعقد عليها ، وإنما يمنع الجماع لا صحة العقد .
وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة أصحها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تزوجها حلالاً ، هكذا رواه أكثر الصحابة رضوان الله عليهم .
... فعن ميمونة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال ، وبنى بها حلالاً وماتت بسرف(3) ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها(4) .
وعن يزيد بن الأصم(*) قال : حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال ، قال : وكانت خالتي وخالة ابن عباس(5) .
ــــــــــــ
1 _ شرح المهذب 7/283 ، شرح النووي 9/195 .
2 _ سنن الدار قطني 3/263 ، 264 .
3 _ سرف بفتح السين وكسر الراء موضع قرب التنعيم مكان قريب من مكة .
4 _ سنن الترمذي 3/194 رقم 845 .
5 _ صحيح مسلم 9/196 ، 197 مع النووي .
* _ هو يزيد بن الأصم بن عبيد بن معاوية بن عبادة بن البكاء الكوفي ، أمه برزة بنت الحارث ، أخت ميمونة أم المؤمنين يقال لها رؤية ، روى عن خالته ميمونة بنت الحارث وعائشة وأبي هريرة وغيرهم ، وروى عنه ابنا أخيه عبيد الله وعبد الله ابنا عبد الله بن الأصم ، وآخرون . توفي سنة (101) وقيل غير ذلك . تهذيب التهذيب 11/313 ، 314 .
... وعن أبي رافع (*) قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكنت أنا الرسول بينهما(1) .(1/188)
... قال النووي (إن رواية : تزوجها حلالاً من جهة ميمونة ، وهي صاحبة القصة وأبو رافع كان السفير بينهما ، فهما أعرف فاعتماد روايتهما أولى(2) ) .
... وقال الخطابي : (قلت : وميمونة أعلم بشأنها من غيرها وأخبرت بحالها وبكيفية الأمر في ذلك العقد ، وهو من أدل الدليل على وهم ابن عباس(3) ) .
... وعن سليمان بن يسار(**) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال(4) وقال سعيد بن المسيب : وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم(5) .
... وفي مسند الشافعي عن ابن المسيب أيضاً : ( ما نكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة إلا وهو حلال(6) ) .
ــــــــــــ
1 _ سنن الترمذي 3/191 حديث رقم 841 وحسنه .
2 _ النووي : المجموع شرح المهذب 7/289 .
3 _ معالم السنن 2/423 .
4 _ سنن الترمذي 3/192 وقال الترمذي رواه مالك مرسلاً ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلاً أيضاً .
5 _ سنن أبي داود 2/424 حديث رقم 1845 ووهم بكسر الهاء أي غلط .
6 _ مسند الشافعي ص 180 .
* _ هو أبو رافع القبطي مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسمه إبراهيم وقيل : اسمه أسلم أو ثابت أو هرمز ، مات في أول خلافة علي بن أبي طالب على الصحيح ، وروى له الجماعة ، انظر ابن حجر تقريب 1/421 ط دار المعرفة .
** _ هو سليمان بن يسار الهلالي ، أبو أيوب المدني مولى ميمونة ، روى عن ميمونة وأم سلمة ، وعائشة وغيرهم وعنه عمرو بن دينار وعبد الله بن دينار وأبو الزناد وآخرون ، وكان أهل فقه وصلاح قال مالك كان سليمان من علماء الناس بعد ابن المسيب توفي سنة (107) وهو ابن (73) سنة انظر تهذيب التهذيب 4/228 .
... وأما الجواب عن حديث ابن عباس فمن أوجه :
... الأول : أن الروايات اختلفت في نكاح ميمونة ، وإذا تعارضت الروايات تعين الترجيح ، فرجحنا رواية الأكثر أنه تزوجها حلالاً .(1/189)
... الثاني : أن الروايات تعارضت فتعين الجمع ، وطريق الجمع تأويل حديث ابن عباس أن قوله _محرماً_ أي : في الحرم ، فتزوجها في الحرم وهو حلال ، لأنه يقال لمن هو في الحرم : محرم ، وإن كان حلالاً وهي لغة شائعة معروفة(1) ومنه البيت المشهور :
... قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ودعا فلم أر مثله مخذولا
... أي : قتلوه في حرم المدينة .
... الثالث : أنه إذا اجتمع قول وفعل يرجح القول ، لأنه يتعدى إلى الغير ، والفعل قد يكون مقصوراً عليه ومن خصائصه ، وهذا هو الصحيح عند الأصوليين ، وأما تأويلهم حديث عثمان بن عفان بأن المراد به الوطء فمتعقب بالتصريح فيه بقوله : (لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب) لأن الخطبة تراد للعقد ، وكذلك النكاح .
... وقد ثبت عن قتيبة بن وهب أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة ابن عمر ابنة شيبة بن جبير ، فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان فأنكر ذلك عليه أبان ، وقال : سمعت عثمان بن عفان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب(2) ) .
... وهذا السبب والاستدلال منهم وسكوتهم عليه دليل على سقوط هذا التأويل .
... ثانياً : أن اللفظ إذا اجتمع فيه عرف اللغة وعرف الشرع قدم عرف الشرع ، لأنه
ــــــــــــ
1 _ النووي المجموع 7/289 وقال النووي ولو ثبت أنه تزوجها - صلى الله عليه وسلم - محرماً لم يكن لهم فيه دليل ، لأن الأصح عند أصحابنا أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج حال الإحرام ، وهو قول أبي الطيب بن سلمة وغيره / أ هـ .
2 _ صحيح مسلم 9/195 مع النووي .
طارئ وعرف الشرع أن النكاح العقد لقوله تعالى :{ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ }(1) وقوله تعالى : { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ }(2) .
... وقوله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }(3) .(1/190)
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - ( انكحي أسامة(4) ) المراد بالنكاح في هذه المواضع العقد دون الوطء وقد تقدم الكلام على (لفظة ) النكاح بما فيه الكفاية ، فراجعه إن شئت(5) .
... وأما احتمالهم خفاء إحرام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة ، فيعارضون بمثل احتمالهم بأن يقال لهم : ( قد يخفى على ابن عباس إحلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إحرامه ، فالمخبرة عن كونه حلالاً زائدة علماً فحصلنا على ما قد يخفى وقد لا يخفى(6) ) .
... وبالغ ابن حزم في التشديد في المعارضة حين ناقش قياسهم بجواز شراء الأمة حال الإحرام فقال :
... (ثم اعترضوا بوساوس من القياس عورضوا بمثلها(7)) والجواب الملزم أن يقال : إن هذا القياس يعارض ما ثبت في السنة ، فلا يعتبر به ، إذ لا قياس مع النص .
ــــــــــــ
1 _ سورة النساء آية / 25 .
2 _ البقرة آية / 232 .
3 _ سورة النساء آية / 3 .
4 _ هذا جزء من حديث فاطمة بنت قيس حيث جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية بن أبي سفيان خطباها ، فقال : أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، ولكن انكحي اسامة . أخرجه الترمذي 3/432 حديث رقم 1135 .
5 _ ص 19 .
6 _ ابن حزم : المحلى 11/292 .
7 _ ابن حزم : المحلى 11/292 .
والذي اختاره هو عدم صحة تزوج المحرم وتزويجه ، وعليه جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وهو مذهب عمر ابن الخطاب(1) وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب(2) وسليمان بن بشار والزهري وإسحق وداود وغيرهم(3) والله أعلم . ...(1/191)
وأما إن أراد المحرم أن يراجع مطلقته في العدة فإن ذلك جائز ، ولو كانت غير حلال(4) لأن المنهي عنه إنشاء العقد أما الرجعة فلا لأنه ليس فيها ابتداء النكاح ، بل استدامته واستمراره . كما يجوز أيضاً أن تزف المحرمة لزوجها المحرم إن كان العقد سابقاً على الإحرام ، لأنه لم ينشأ عقد إلا أنه يحرم عليه الوطء حتى يتحلل(*) .
ــــــــــــ
1 _ ففي الموطأ عن أبي غطفان بن طريف المزني ( أن أباه طريفاً تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه ) .
2 _ روى البيهقي بإسناده عن سعيد بن المسيب (أن رجلاً تزوج وهو محرم فأجمع أهل المدينة على أن يفرق بينهما ) .
3 _ النووي : المجموع شرح المهذب 7/287 ، 288 .
4 _ ابن حجر الهيثمي تحفة المحتاج 7/258 مع حواشيها .(1/192)
* _ فإن كان المحرم الذي زفت إليه زوجته المعقود عليها قبل الإحرام لم يتحلل التحلل الأول للحاج أو قبل فراغه من عمرته ، حرم عليه الوطء وكذلك المباشرة فيما دون الفرج بشهوة قبل التحللين ، فإن باشر وأنزل فعليه دم ، ولا يفسد حجه ، لأنه إذا حرم دواعي الوطء كالطيب والعقد ، فهذا يحرم من باب أولى فإن جامع قبل التحلل الأول في الحج ، أو قبل التحلل من العمرة _ إذ ليس لها إلا تحلل واحد فسد حجه أو عمرته ، ويجب عليه المضي في فاسده لإطلاق الآية : {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } ووجب عليه القضاء الفوري وإن كان نسكه تطوعاً وعليه بدنة لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بذلك ، وشرطها أن تكون في سن الأضحية أما إذا جامع الحاج بين التحللين ، فإنما يلزمه شاة ، ويحصل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة الحلق أو التقصير ورمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة المتبوع بالسعي إن لم يكن فعل قبل فإن فعل الاثنين حل التحلل الأول ، وحل له كل شيء إلا عقد النكاح والوطء وكذا المباشرة فيما دون الفرج لما روى النسائي بإسناد جيد : (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النكاح . النووي : في المنهاج مع شرحه مغني المحتاج 1/505 الحصني : كفاية الأخبار ( 1/142) .
إشهاد المحرمين على عقد النكاح
... ذهب الجمهور إلى أنه يكره للمحرم أن يكون شاهداً في نكاح عقده المحلون ولا يفسد ، لأنه معاونة على النكاح فأشبه الخطبة .
... وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى بطلان هذا العقد(1) وتمسكوا بما يأتي :
... 1 _ أنه قد جاء في بعض روايات الحديث ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد ) . والنهي يقتضي الفساد .
... 2 _ ولأن الإشهاد ركن في عقد النكاح كالولي .
... أي : فلما تقرر بطلان نكاح الولي المحرم ، فكذلك الشاهد المحرم ، لأن الشهادة ركن في عقد النكاح .(1/193)
... لكن الجمهور من الشافعية يرى صحة هذا النكاح ، ويضعف القول المقابل ، والزيادة في حديث : ( لا ينكح المحرم ) التي استند إليها المخالفون لم تثبت بسند صحيح(2) وإلا وجب العمل بها .
... وقالوا عن قياس الشاهد على الولي : إن الفرق بينهما من وجهين :
... أحدهما : أن الولي متعين كالزوج بخلاف الشاهد .
... ثانيهما :أن الولي له فعل في العقد بخلاف الشاهد(3) والله أعلم .
ــــــــــــ
1 _ منهم أبو سعيد الاصطخري : انظر المجموع للنووي 7/284 .
2 _ ذكره النووي : في المجموع 7/284 .
3 _ المجموع للنووي : 7/284 .
المبحث التاسع
عقد وليين بامرأة
ويشتمل على النقاط التالية :
_ الشروط التي يجب توفرها في الولي وتعطيه حق الولاية .
_ الاختلاف في اشتراط العدالة في الولي .
_ اشتراط الولي في عقد النكاح .
_ ذكر الأولياء مرتبين .
_ عقد الوليين إذا كانا في درجة واحدة .
... قبل أن نشرع في الشروط التي يجب أن تتوفر في الولي ، فلنبدأ بتعريف الولاية :
... الولاية حق شرعي ينفذ بمقتضاه الأمر على الغير جبراً عنه .
... والمقصود بالولاية هنا الولاية على النفس في الزواج فليس للمرأة مباشرة العقد بنفسها ممن تريده زوجاً بدون اطلاع أوليائها والعقد بها ، وهذا العنوان يضم مسائل عدة:
الشروط التي يجب توفرها في الولي وتعطيه حق الولاية
... 1 _ كمال الأهلية : بأن يكون الولي ذكراً(1) بالغاً عاقلاً حراً ، فلا تثبت الولاية للصبي ولو كان مميزاً , ولا للمجنون وألحقوا به مختل النظر بهرم أي كبر في السن أو فساد العقل وهو الخبل ، لعجزه عن اختيار الأكفاء قيل : وفي معناه ، من شغلته الأسقام والآلام عن ذلك .(1/194)
... قال ابن قدامة : ( فأما العقل فلا خلاف في اعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظراً للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ، ومن لا عقل له يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره أولى، وسواء في هذا من لا عقل له لصغره كطفل ، ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كشيخ أفند(2) .
... كما يشترط في الولي الحرية ، لأن العبد لا يستقل بالولاية على نفسه فعلى غيره أولى .
... وكذلك المحجور عليه بسفه ، فلا يزوج موليته لأنه لا يلي أمر نفسه ، فغيره أولى .
ــــــــــــ
1 _ فلا تلي المرأة العقد بنفسها أو لغيرها بالوكالة لأنه يعتبر فيها الكمال ، والمراة ناقصة قاصرة نثبت عليها الولاية لقصورها عن النظر فلا تثبت لها ولاية على غيرها وخالف في ذلك أبو حنيفة : انظر ص : 32 .
2 _ أفند : من الفند بالتحريك ، وهو إنكار العقل لهرم أو مرض والخطأ في الرأي ، وقالوا للشيخ إذا هرم : قد أفند ، لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة / أهـ تاج العروس 2/454 .
... وهذا بخلاف المحجور عليه بفلس(1) فيلي أمر موليته ويعقد بها ، لأنه كامل التصرف نافذ العقود ، وإنما الحجر عليه لحق الغير .
... وتنتقل الولاية للولي الأبعد في هذه الصورة(2) .
... والاتحاد في الدين بين الولي وموليته(3) فإذا كانت المرأة مسلمة ووليها كافر فلا يلي أمرها لقوله تعالى{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }(4) وقوله : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }(5) .
... وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت مسلمة وأبو سفيان لم يسلم ، وكل النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري(*) فتزوجها من ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص وكان مسلماً(6) .
... وإن كان الولي مسلماً والمرأة كافرة ، فلا يلي أمرها إلا إذا كان إماماً أو نائبه(7)
ــــــــــــ(1/195)
1 _ الخرشي على مختصر خليل 3/187 ، المجموع شرح المهذب 16/157 ، تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب لزكريا الأنصاري 2/228 ، مع حاشية الشرقاوي ، ابن قدامة : المغني 7/22 .
2 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج مع حواشيها 7/253 ، 254 حاشية الشرقاوي 2/228 ، البهوتي كشاف القناع على متن الاقناع 5/55 ، 56 .
3 _ الخرشي على مختصر خليل 3/188 ، تحفة المحتاج للهيثمي 7/256 ، ابن قدامة : المغني 7 .
4 _ سورة التوبة آية / 71 .
5 _ سورة النساء آية / 141 .
6 _ تلخيص الحبير لابن حجر 3/50 .
7 _ الخرشي على مختصر خليل 3/188 ، التحفة لابن حجر الهيثمي 7/256 المغني لابن قدامة 7/21 .
* _ هو الصحابي الجليل : عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله أبو أمية الضمري صحابي مشهور ، أول مشاهده بئر معونة بالنون _توفي في خلافة معاوية رضي الله عنهما ، روى له الجماعة ، ابن حجر : تقريب التقريب (1_65) ط . دار المعرفة .
لقوله عز وجل : { وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }(1) وقوله تعالى { مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ }(2) .
... فالآيتان تدلان على أنه لا ولاية للمسلم على الكافرة فإن كان لها ولي كافر زوجها للآيتين .
... وإن لم يكن لها ولي كافر زوجها الحاكم لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (فالسلطان ولي من ولي له(3)) .
... ولأن ولاية السلطان عامة فدخل فيها المسلم والكافر(4) .
الاختلاف في اشتراط العدالة في الولي
... العدالة هي عدم الفسق حالة العقد(5) ويتحقق الفسق بارتكاب كبيرة ، أو إصرار على صغيرة ، ولم تغلب طاعته على معاصيه(6) .
... واختلفوا في اشتراطها في الأولياء :(1/196)
... ذهب أبو حنيفة ومالك في المشهور عنه إلى عدم اشتراط العدالة في الولي(7) وهي إحدى الروايتين عن الشافعي(8) ، وأحمد(9) فلا تسلب الولاية من الفاسق ، لأن الخطاب عام للمكلفين في قوله - صلى الله عليه وسلم - (تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم(10) ).
ــــــــــــ
1 _ سورة الأنفال آية / 73 .
2 _ سورة الأنفال آية / 72 .
3 _ أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن 3/398 رقم 1102 .
4 _ المجموع شرح المهذب 16/161 .
5 _ لأنه لو تاب زوج حالاً ، بدليل أن للصبي أن يزوج إذا بلغ وكذلك الكافر إذا أسلم .
6 _ حاشية الشرقاوي 2/229 .
7 _ الخرشي على مختصر خليل 3/187 .
8 _ المجموع شرح المهذب 16/195 .
9 _ ابن قدامة : المغني 7/22 ، وقد نقل عن مثنى بن جامع أنه سأل أحمد إذا تزوج بولي فاسق وشهود عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح شيء .
10 _ أخرجه ابن ماجه 1/633 حديث رقم 1968 .
... وهذا الأمر يدخل فيه العدل والفاسق ، ولأن مناط الولاية القرابة والنظر بالمصلحة والإشفاق على المرأة من التغرير بها أو خديعتها وهما متوافران في الفاسق أيضاً .
... ولأنه يلي نكاح نفسه ، فثبتت له الولاية على غيره كالعدول .
... وذهب الشافعي في المشهور عنه ، ومالك وأحمد في رواية عنهما إلى اشتراط العدالة في الولي ، وأنه لا ولاية لفاسق(1) .
... لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ، وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل(2)) .
... وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : (لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل(3)) .
... ولما كان الفاسق ليس بمرشد فلا يكون ولياً ، ولأن المرشد من أسماء المدح والفاسق ليس بممدوح (ولأنه نقص يقدح في الشهادة ، فيمنع الولاية كالرق(4) ، ولأنها ولاية نظرية فلا يستبد بها الفاسق كولاية المال .(1/197)
... وعلى هذا فإن الأخذ باشتراط العدالة أولى وأحرى ، قال في المجموع : (ولأن الولي إنما اشترط في العقد لئلا تحمل المرأة شهوتها على أن تلقي نفسها في أحضان غير كفء وتزوج نفسها في العدة ، فيلحق العار بأهلها ، وهذا المعنى موجود في الفاسق ، لأنه لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يضع المرأة في أحضان غير كفء ويزوجها في العدة فيلحق العار بأهلها ، فلم يجز أن يكون ولياً(5) .
ــــــــــــ
1 _ الخرشي على مختصر خليل 3/187، المجموع شرح المهذب 16/159 المغني لابن قدامة 7/22.
2 _ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كما في التلخيص لابن حجر 3/162 .
3 _ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كما في التلخيص 3/162 وقال أحمد أصح شيء في هذا الباب قول ابن عباس رضي الله عنه ، انظر المغني لابن قدامة 7/22 .
4 _ الشربيني الخطيب : مغني المحتاج 3/154 .
5 _ المجموع شرح المهذب : 16/159 .
تنبيه : لا يعد العمى مانعاً من الولاية ، لقدرته عن البحث عن الأكفاء(1) لأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة ، فلا يفتقر إلى النظر ، ولأن شعيباً عليه السلام زوج ابنته من موسى عليه السلام وكان أعمى .
... فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى : { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا } قال : كان مكفوف البصر(2) .
ومثله الأخرس إذا كان مفهوم الإشارة ، لأن إشارته تقوم مقام نطقه في سائر الأحكام ،فكذلك النكاح(3) ويستثنى من ذلك ثلاث صور لا تقوم إشارته مقام نطقه ، وقد نظمها بعضهم بقوله :
إشارة الأخرس مثل نطقه(4) فيما عدا ثلاثة لصدقه
في الحنث والصلاة والشهادة(5) تلك ثلاثة بلا زيادة
ونظم بعضهم أيضاً سوالب الولاية فقال :
وعشرة سوالب الولاية كفر وفسق والصبا لغاية
رق جنون مطبق أو الخبل وأخرس جوابه قد اقتفل
ذو عته(6) نظيره مبرسم(7) وأبله لا يهتدي وأبكم(8)
ــــــــــــ
1 _ تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي 7/255 ، المغني لابن قدامة 7/22 .(1/198)
2 _ تلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني 3/162 .
3 _المغني لابن قدامة 7/22 ، 80 وإن كان الأخرس كاتباً يكون الولاية له ، فيوكل بها من يزوج موليته أو يزوجه .
4 _ قوله : إشارة الأخرس ، أي سواء كان الخرس أصلياً أو طارئاً ، ومنه من اعتقل لسانه ولم يرج برؤه وأما من يرج برؤه بعد ثلاثة أيام فأكثر ، فلا يلحق به / أ هـ حاشية البجيرمي على المنهج 4/8 .
5 _ في الحنث : كأن حلف لا يكلم فلاناً ، فأشار إليه فإنه لا يحنث بها ، وكذلك إِشارته في حال صلاته لا تبطلها ، ولا يعتد بإشارته في الشهادة ولا تصح .
6 _ المعتوه ناقص العقل ، مختار الصحاح ص 412 .
7 _ علة يهذي فيها ، ويقال :مرسام ، القاموس المحيط 4/80 .
8 _ قال في القاموس 4/82 البكم محركة : الخرس كالبكامة ، أو مع عي وبله ، أو أن يولد ولا ينطق ولا يسمع . أ هـ .
اشتراط الولي في عقد النكاح
... سبق القول على هذه المسألة في مقدمة الرسالة في الدراسة الإجمالية وخلاصة القول فيها :
... أنه ذهب الأكثر من أهل العلم ومنهم الثلاثة ، إلى أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها ، وأن الولاية شرط في صحة العقد ، وهي من اختصاص الرجال .
... وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن المرأة إذا كانت بالغة عاقلة فإن لها الحق في مباشرة العقد لنفسها ، بكراً كانت أم ثيباً ، إلا أنه يستحب لها أن تكل عقد زواجها لوليها صوناً لها عن التبذل .
... واستدل الجمهور بالآيات والأحاديث المتقدمة فراجعها ، وراجع أدلة الآخرين ومناقشتها في مقدمة الرسالة(1) .
ذكر الأولياء مرتبين
... مذهب جمهور أهل العلم أن الأولياء في تزويج المرأة هم عصبتها(2) ، ولكنهم اختلفوا في ترتيب هؤلاء الأولياء .
... فالشافعية قالوا إن أحق الأولياء بالتزويج :
... 1 _ الأب ثم الجد أبو الأب ، ثم أبوه وإن علا .
... 2 _ ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب .(1/199)
... 3 _ ثم العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب .
... 4 _ فإن لم يوجد نسب زوج المعتق ، ثم عصبته كالإرث ، فإن فقد المعتق وعصبته زوج السلطان(3) . ...
ــــــــــــ
1 _ انظر ص : 32 .
2 _ خلافاً لأبي حنيفة ، فإنه يثبت الولاية لذي الرجم استحساناً كما سيأتي .
3 _ ابن حجر الهيثمي : تحفة المحتاج 7/247 .
... ويدخل الحنابلة أبناء المرأة ، ثم أبناءهم بين مرتبة الآباء والأخوة(1) أما المالكية فإنهم يقدمون الأبناء على الأب ، ويقدمون الأخ وابنه على الجد(2) وابن حزم يقدم الأب ثم الأخوة ثم الجد ثم الأعمام ثم بنيهم(3) .
... والحنفية يرتبون الولاية الحتمية في حق الصغير والصغيرة والمجنون الكبير والمجنونة الكبيرة كما يلي :
... الأب فالجد أبو الأب وإن علا ، فالأخوة فالعمومة ، إلا أن أبا يوسف يسوي بين الأخوة والجدودة(4) .
عقد الوليين إذا كانا في درجة واحدة
... لا يخلو أمر الوليين من حالتين :
... إما أن تكون المولية قد أذنت لكل منهما في العقد بها أم لا ولا يخلو العقدان بعد الإذن من إحدى حالات ثلاث :
... إما أن يتقدم أحدهما ويتأخر الثاني ، وإما أن يقعا في آن واحد ، وإما أن يجهل السابق منهما ولا يعلم .
... ولا تخلو الحالة بعد العقد من حالتين : إما أن يكون قد دخل بها أحدهما ، أم لا .
... الحالة الأولى :
... أن تكون المولية قد أذنت لكل منهما في العقد بها ، من معين أو مطلقا ، بأن قالت قد أذنت لكل واحد من أوليائي في تزويجي من أراد .
ــــــــــــ
1 _ ابن قدامة : المغني 7/15 .
2 _ محمد بن أحمد الشنقيطي : فتح الرحيم على فقه مالك بالأدلة 2/35 .
3 _ المحلى : 11/23 .
4 _ الكاساني : بدائع الصنائع 3/1370 ، 1371 .(1/200)
... فإذا زوجها الوليان المأذون لهما لرجلين ، فإن علم المتقدم منهما فهو الصحيح والثاني باطل ، وهو مذهب الحنفية(1) والشافعية(2) والحنابلة(3) ولهم سلف(4) سواء دخل بها الثاني أم لم يدخل .
... واستدلوا بما يلي :
... عن سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (أيما امراة زوجها وليان فهي للأول منهما(5) ) .
... فعموم هذا الحديث الثابت يدل على أنها للأول مطلقاً ، دخل بها الثاني أم لا ، ولأن الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج فكان باطلاً .
... قال أبو عيسى : حديث سمر حديث حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم في ذلك اختلافاً ، إذا زوج أحد الوليين قبل الآخر فنكاح الأول جائز ونكاح الآخر مفسوخ(6) .
... وذهب مالك إلى التفصيل في المسألة فقال :
... إن عقد بها وليان ، وعلم السابق منهما فهي للأول في صورتين :
... الأولى : إن لم يلتذ الثاني منها أصلاً بمقدمات وطء فما فوقهما .
... الثانية : إن تلذذ بها الثاني عالماً بأنه ثان .
ــــــــــــ
1 _ بدائع الصنائع 3/1374 .
2 _ المجموع شرح المهذب 16/190 ، 191 .
3 _ المغني لابن قدامة 7/59 .
4 _ منهم علي بن أبي طالب والحسن والزهري وقتادة وشريح وإسحق ابن سيرين والأوزاعي والثوري وأبو عبيد ، انظر المغني لابن قدامة 7/59 ، والمجموع شرح المهذب 16/191 .
5 _ سنن الترمذي 3/409 حديث رقم 1110 ، وسنن أبي داود 2/570 رقم / 2088 .
6 _ سنن الترمذي 3/410 .
وهي للثاني في صورة واحدة ، بأن تلذذ بها الثاني بمقدمات وطء فما فوقها بلا علم منه أنه ثان(1) ، فلما دخل بها الثاني أو تلذذ صار أولى .
... واستدلوا بحديث عمر رضي الله عنه موقوفاً عليه (إذا نكح الوليان .. فالأول أحق مالم يدخل بها الثاني(2)) .(1/201)
ولأن الثاني اتصل بعقد القبض فكان أحق ، وأجاب أهل المذهب الأول عن قول عمر رضي الله عنه بأنه لم يصححه أصحاب الحديث ، فلا تقوم به حجة ، وقد خالفه قول علي رضي الله عنه .
ولأنه نكاح باطل لو عري عن الدخول ، فكان باطلاً وإن دخل بها ، كنكاح المعتدة والمرتدة والمجرمة(3) .
وما ذكروه من القبض لا معنى له ، فإن النكاح يصح بغير قبض ، فإن كان العقدان في آن واحد ، ولم يعلم أيهما كان سابقاً ، أو علم سبق أحدهما ولم يتعين وأيس من تعيينه .
فالحكم في جميع هذه الصور واحد وهو البطلان ، لأنه لا سبيل إلى الجمع بينهما ، إذ المرأة لا يجوز أن يكون لها زوجان ، لاختلاط النسب وفساده ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، لأنه يتعذر علينا والحالة هذه إمضاء أحد العقدين .
ولأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح ، وحيث لم يتحقق فالرجوع إلى الأصل .
وبالبطلان قال أبو حنيفة(4) والشافعي(5) .
ــــــــــــ
1 _ الخرشي على مختصر خليل 3/191 .
2 _ الشافعي : المسند ص 276 دون قوله ما لم يدخل بها الثاني .
3 _ المجموع شرح المهذب 16/191 ، 192 ابن قدامة المغني 7/59 .
4 _ بدائع الصنائع : 3 / 1374 .
5 _ ابن حجر الهيثمي :تحفة المحتاج 7/269 ، 270 قالوا ويسن للحاكم أن يقول إن كان قد سبق أحدهما فقد حكمت ببطلانه ، لتحل يقيناً .
... ويرى المالكية(1) والحنابلة(2) بأن الحكم في جميعها الفسخ ، فيفسخ الحاكم النكاحين جميعاً .
... ورواية أخرى عن أحمد بأنه يقرع بينهما ، فمن تقع له القرعة أمر الحاكم صاحبه بالطلاق ، ثم يجدد القارع نكاحه(3) .
... وقال الثوري وأبو ثور يجبران من قبل السلطان على الطلاق ، فإن أبيا فرق بينهما(4) .(1/202)
... وهناك قول رابع مروي عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد ابن سلمة ، بأنها تخير ، قال ابن قدامة : وهذا غير صحيح ، فإن أحدهما ليس بزوج لها فلم تخير بينهما ، إلا أن يريدوا بقولهم إنها إذا اختارت أحدهما فرق بينها ، وبين الآخر ثم عقد المختار نكاحها فهذا حسن(5) .
... ويؤخذ من تقييدهم عقد الوليين بأن تكون المولية فقد أذنت لكل منهما :
... أنه لو أذنت لواحد منهما دون الآخر ، فإن عقد غير المأذون له غير معتبر تقدم أم تأخر أم وقعا معاً .
والله أعلم
ــــــــــــ
1 _ الخرشي على مختصر خليل 3/192 .
2 _ المغني لابن قدامة 7/61 .
3 _ قال في المغني لابن قدامة : لأنه إن كانت زوجته لم يضره تجديد النكاح شيئاً،وإن كانت زوجة الآخر بانت منه بطلاقه ، وصارت زوجة من وقعت له القرعة بعقده الثاني أ هـ 7/61 .
4 _ ابن قدامة : المغني 7/61 .
5 _ ابن قدامة المغني 7/61 .
المبحث العاشر
... أسلفنا حكم تزويج الوليين امرأة إذا كانا في مرتبة واحدة كالأخوين والعمين .
... وهنا نعرض بعض الآراء في حكم تزويج الأبعد مع وجود الأقرب ، يعني : أن يأتي أحد أقرباء المرأة فيذهب ويعقد بها على من يرضاه ، ويترك الأقرب منه صلة بها كان يتولى عقدها العم مع وجود الأب أو الجد أو الأخ ، أو يعقد بها الأخ مع وجود الأب وما أشبه ذلك .
... فإن زوجها الأبعد مع عدم قيام مانع شرعي بالأقرب ، فاختلف في هذه المسألة ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة(1) إلى أنه لاحق للأبعد في العقد بها ما دام هناك من هو أقرب منه ، وأن هذا العقد فاسد لأن الأقرب مستحق بالتعصيب ، فلم يثبت للأبعد مع وجوده كالميراث(2) .
... فإن قام بالأقرب مانع شرعي من مباشرة العقد ، ككفره أو صباه أو لجنونه المطبق أو قام به مانع الرق ، أو كان مختل النظر بهرم .
... فتنتقل الولاية في كل هذه الصور إلى الأبعد ، فيصح تزويجه ، لأن وجود الأقرب كعدمه .
... وأما مالك رحمه الله :(1/203)
... فمرة قال إن زوجها الأبعد مع وجود الأقرب فالنكاح مفسوخ ، ومرة قال للأقرب أن يجيز أو يفسخ .
... وهذا الخلاف عنده فيما عدا الأب في ابنته البكر ، والوصي في محجورته فإنه لا يختلف قوله أن النكاح في هذين مفسوخ(3) .
ــــــــــــ
1 _ أبو حنيفة والشافعي وأحمد .
2 _ بدائع الصنائع 3/1370 ، حاشية الشرقاوي على التحفة 2/269 .
3 _ الخرشي على مختصر خليل 3/182 ، 183 بداية المجتهد لابن رشد 2/12 ، 13 .
... وعند عدم العصبات لا تثبت الولاية لذوي الرحم عند الجمهور ، ومنهم الأئمة الثلاثة(1) .
... وقال أبو حنيفة تثبت الولاية لذوي الرحم استحساناً(2) .
والله علم بالصواب وإليه المرجع والمآب .
ــــــــــــ
1 _ مالك والشافعي وأحمد .
2 _ المبسوط للسرخسي 4 / 223 ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..... .
خاتمة
... تناولت في هذه الرسالة موضوع النكاح الفاسد وأحكامه وعرضته في قسمين رئيسيين وتمهيد .
فالتمهيد
... دراسة إجمالية عن النكاح وأركانه وشروطه وحقيقة النكاح الفاسد ، وانتهيت فيه إلى ما يأتي :
... 1 _ أن لفظة النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء ويكون المقصود به في الشرع حينئذ عند إطلاقه عقد التزويج ، ما لم يصرفه عنه دليل وعليه جمهور العلماء .
... 2 _ إن النكاح مستحب إلا في حالة الخوف من الوقوع في محظور ، فيجب وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة وأوجبه أهل الظاهر مطلقا .
... 3 _ أن الإيجاب والقبول ركنان في النكاح باتفاق العلماء .
... 4 _ أن الولي شرط في صحة النكاح وبدونه يكون فاسداً وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة . خلافاً لأبي حنيفة القائل باستحباب الولاية في حق المرأة البالغة إذا كانت حرة عاقلة .
ووجوبها في حق الصغيرة أو المجنونة ، وخلافاً أيضاً لداود الظاهري حيث اشترطها في البكر دون الثيب .(1/204)
... 5 _ أن الإشهاد شرط لصحة النكاح ، وأن محله وقت إبرام العقد ، وعليه جمهور العلماء .
... خلافاً للقائلين باستحبابها . وللمالكية القائلين بأنه شرط لتمام العقد لا لصحته حيث يكون العقد فاسدا ، إذا لم يقع الإشهاد عليه قبل الدخول .
... 6 _ أن النكاح الفاسد هو ما ورد الشرع بتحريمه أو اختل ركن من أركانه .
****
القسم الأول
النكاح الفاسد لذاته
... وقد انتهيت فيه إلى ما يأتي :
... 1 _ إن المحرمات بالنسب جميع نساء القرابة غير ولد العمومة والخؤولة .
... 2 _ تحريم نكاح البنت من السفاح على الزاني ، كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد ومشهور مذهب مالك ، خلافاً للشافعي القائل بعدم التحريم .
... 3 _ إن كل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع ، وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت على نحو ما ذكرنا في النسب ، إلا أربع نسوة استثناهن العلماء يحرمن في النسب مطلقاً وفي الرضاع قد لا يحرمن : يجمعهن قول الناظم :
أربع هن في الرضاع حلال وإذا مانسبتهن حرام
جدة ابن وأخته ثم أم لأخيه وحافد والسلام
4 _ أن القدر المحرم من لبن المرضعة خمس رضعات ، كما هو مذهب الشافعي ، والصحيح من مذهب أحمد .
خلافاً لأبي حنيفة ومالك والقائلين بعدم تحديد القدر المحرم ، وأن قليل الرضاع وكثيره سواء .
وخلافاً أيضاً لأبي ثور ومن وافقه القائلين بأن التحريم لا يثبت إلا بثلاث رضعات .
5 _ إن شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين ، ولا يحرم بعد ذلك وهو مذهب الأئمة الثلاثة ، وقال أبو حنيفة :إن التحريم يكون في ثلاثين شهراً ولا يحرم بعده .
وروي عن عائشة رضي الله عنها أن رضاع الكبير يحرم .
وقال ابن تيمية : إن الرضاع يعتبر فيه الصغر ، إلا ما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير ، الذي لا يستغنى عن دخوله إلى المرأة .(1/205)
6 _ إن لبن الفحل يحرم ، وهو أن ترضع المرأة طفلاً بلبن جاءها بسبب حمل من رجل ، فيحرم الطفل على الرجل وأقاربه ، كما يحرم ولده من النسب ، وبه قال جمهور العلماء ، منهم الأئمة الأربعة ، خلافاً لسعيد بن المسيب ومن وافقه القائلين بأن لبن الفحل لا يحرم .
7 _ إن المحرمات بالمصاهرة تنحصر في أربعة أصناف :
الأول : زوجة الأب والجد وإن علا ، من نسب أو رضاع دخل الأب أو الجد بها أو لم يدخل ، ولا خلاف في ذلك .
الثاني : زوجة الابن وابن الابن وابن البنت وإن نزلوا ، دخل الفرع بزوجته أو لم يدخل ، سواء كان الابن من نسب أو رضاع قريباً كان أو بعيداً ، وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة .
وخالف في ذلك ابن تيمية وابن القيم فأجازا للرجل أن يتزوج بحليلة ابنه من الرضاع .
الثالث : أم الزوجة وجداتها من جهة الأب أو من جهة الأم ، من نسب أو رضاع فإنهن يحرمن بمجرد العقد على البنت ، وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة .
خلافاً لبعض الفقهاء القائلين بأن أم الزوجة لا تحرم حتى يدخل بها وهو مروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وزيد بن ثابت .
الصنف الرابع :
بنات الزوجة وبنات بناتها وبنات أبنائها مهما نزلن ، من نسب أو رضاع على حسب ما ذكرنا في البنات إذا دخل بالأم ، ولا خلاف في هذا ، واشترط أهل الظاهر أن تكون البنت في حجر الرجل والإجماع على خلاف هذا الرأي .
****
القسم الثاني
النكاح الفاسد لسبب مقترن بالعقد
وقد انتهيت فيه إلى ما يأتي :
1 _ أن نكاح المتعة حرام وأنه كبير من كبائر الآثام ،وهو النكاح إلى أجل لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند قضاء الأجل من غير طلاق ، وسواء عقد بلفظ التمتع أو بلفظ النكاح أو التزويج وما يقوم مقامهما(1) فهو باطل ومبتغيه من العادين المجيزين ما أحل الله إلى ما حرم ، لإجماع السلف والخلف على تحريمه ، إلا من لا يلتفت إليه من الشيعة الإمامية بحليته .(1/206)
2 _ إن نكاح الشغار فاسد ، وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، وليس بينهما صداق سواء جعل البضع صداقاً أو لم يجعله .
خلافاً للشافعية القائلين بصحة النكاح إن لم يجعل البضع صداقاً وبطلانه إن جعل صداقاً(2) .
وخلافاً للحنفية القائلين بصحة النكاح في الصورتين وثبوت مهر المثل .
3 _ نكاح المحلل حرام وباطل ، سواء اشترط عليه في صلب العقد أن يطلقها بعد إصابتها لتحل لزوجها الأول ، أو حصل التواطؤ على ذلك قبل العقد ، أو نوى بقلبه أن يتزوجها وفي نيته أن يطلقها إذا دخل بها لتحل للأول ، وعليه جمهور العلماء منهم الإمام مالك وأحمد ، وخالف في ذلك أبو حنيفة ، فقال بصحة النكاح ، لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة(3) .
ــــــــــــ
1 _ الحنفية يفرقون بين ما عقد بلفظ التمتع ، وبين ما عقد بلفظ التزويج ، فيسمون الأول نكاح متعة ، والآخر نكاح التأقيت وكلتا الصورتين عندهم باطلتان ونازع زفر في الصورة الثانية ، وهي العقد بلفظ النكاح أو التزويج فقال : النكاح جائز ، والشرط باطل انظر ص : 103 من هذه الرسالة .
2 _ وقد روى البيهقي بإسناده عن الشافعي ما يخالف المنقول انظر ص : 129 .
3 _ انظر ص : 137 .
... وقال الشافعي ببطلان الصورة الأولى فقط ، وهي اشتراط الطلاق في صلب العقد لتحل لزوجها الأول ، وبه أخذ أهل الظاهر .
... وأما إذا اشترط عليه الطلاق ، ولكنه غير رأيه ، وعقد على المرأة راغباً فيها قاصداً لدوام عشرتها ، كما هو المشروع من النكاح ، فإن هذا العقد صحيح ، وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة .
... 4 _ أن الحر ليس له أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات بإجماع العلماء ، وخالف في ذلك بعض أهل الظاهر ، فأجازوا له أن يجمع بين تسع نسوة وذهب بعضهم إلى أقبح من هذا ، وهو جواز الجمع بين ثمانية عشر وهو خرق للإجماع .(1/207)
... 5 _ العبد لا يجوز له الجمع إلا بين اثنتين فقط ، لإجماع الصحابة على ذلك ، خلافاً لمالك في المشهور عنه أنه يجوز للعبد أن ينكح أربعاً ، وهو مذهب أهل الظاهر .
... 6 _ إذا طلق الرجل إحدى زوجاته الأربع طلاقاً رجعياً ، حرم عليه العقد على خامسة ، باتفاق العلماء منهم ، ويجوز العقد على خامسة أثناء اعتداد الرابعة المبتوتة(*) وبه قال مالك والشافعي .
... خلافاً للحنفية والحنابلة القائلين : لا يجوز ذلك حتى تنقضي عدتها .
... وهذا الخلاف يجري في حكم نكاح العبد ثالثة ، في أثناء اعتداد الثانية المبتوتة وعليه الجمهور .
... أو خامسة على رأي المالكية وأهل الظاهر ، القائلين هو كالحر في جواز نكاح أربع نسوة .
... 7 _ أنه لا يحل لأحد أن يتزوج المعتدة من الغير ، سواء كانت عدة وفاة أو طلاق أو شبهة نكاح أو دخول في نكاح فاسد .
... لأن الاعتداد مانع من موانع الصحة ، أما الزوج المفارق أعني صاحب العدة ، فله أن يتزوجها إذا لم يكن طلاقه مكملاً للثلاث .
ــــــــــــ
* _ أي المطلقة ثلاثاً .
... 8 _ إذا تزوج المرأة المعتدة فإن كانا عالمين بالتحريم وعدم انتهاء العدة ووطئها فهما زانيان عليهما حد الزنا ، ولا مهر لها ولا يلحقه النسب ، وإن كانا جاهلين بالعدة أو التحريم ثبت النسب .
... وانتفى الحد ووجب مهر المثل ، وإن علم بالتحريم دونها فعليه الحد والمهر ، ولا يلحقه النسب ، وإن علمت هي دونه فعليها الحد ولا مهر لها ، والنسب لا حق به ، فإذا انقضت عدتها فله أن يتزوجها ، وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة ، وقال مالك : لا تحل له أبدا وهي رواية عن أحمد .(1/208)
... 9 _ أن المرأة لو نكحت في أثناء عدتها ، فإن لم يدخل بها فالعدة على حالها ، وإن دخل بها فيجب عليها أن تكمل عدة الأول ، فإذا أكملتها وجب عليها أن تعتد من الثاني . ولا تتداخل العدتان لأنهما من رجلين ، وعليه الجمهور منهم الشافعي وأحمد ورواية عن مالك ، وقال أبو حنيفة : إن العدتين تتداخلان ، فتأتي بثلاثة قروء تكون عن بقية الأول ، وعدة الثاني وهي رواية عن مالك .
... 10 _ لا يجوز العقد على الحامل من الزنا ، كما هو رأي المالكية والحنابلة وزفر وأبو يوسف من الحنفية ، وقال أبو حنيفة والشافعي : يجوز العقد عليها ويحرم عليه وطؤها حتى تضع .
... 11 _ أن للمسلم أن يتزوج الحرة الكتابية ، يهودية أو نصرانية ، ولكنه خلاف الأولى . وأن المشركة لا يجوز نكاحها للتنافر الشديد بين الإسلام والأديان الوثنية وعليه جمهور العلماء ، منهم الأئمة الأربعة ، وخالف في ذلك بعض الإمامية والزيدية ، فقالوا بتحريم الكتابيات لأنهن مشركات .
... 12 _ بطلان العقد على الأمة الكتابية ، وجواز وطئها بملك اليمين ، وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة .
... وقال أبو حنيفة : يجوز نكاحها ، أي العقد عليها .
... 13 _ تحريم تزويج الكافر بالمسلمة لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه .
... 14 _ أن الصابئة إن وافقوا اليهود أو النصارى ، في أصول الدين من تصديق الرسل والإيمان بالكتب ، كانوا ممن وافقوه(*) ، وإن خالفوهم في أصول الدين فليسوا منهم .
... 15 _ تحريم نكاح المجوسيات ، وبه قال عامة الفقهاء ، منهم الأئمة الأربعة ، وخالفهم أبو ثور وأهل الظاهر ، فقالوا بإباحة نكاحهن .
... 16 _ المتمسكون بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود يحرم التزوج منهم ، وهو رأي الشافعية ورواية عن أحمد ، وذهب أبو حنيفة إلى صحة الزواج منهم وهو وجه للحنابلة .
... 17 _ المرتدة من دين الإسلام إلى دين آخر ، أو انتقالها من دين لآخر .. لا يجوز التزوج منها ولا يصح(**) .(1/209)
... 18 _ الجمع بين محرمين في النكاح حرام ، كجمع الأختين أو المرأة وعمتها ، أو المرأة وخالتها ، وإن علت درجتهن من نسب أو رضاع ، وتحريم من ذكر موضع اتفاق بين العلماء بشرط أن تكون المحرمية ثابتة من الجانبين .
... وهو أن يكون كل واحدة منهما لو قدرت ذكراً حرمت على الأخرى . أما إذا كان فرض إحداهما يحرم الأخرى دون العكس ، أو لم يتأت افتراض الذكورية في الثاني ، فلا يحرم الجمع بينهما عند الجمهور خلافا لزفر إذ يقول بتحريم الجمع بينهما لأنه اكتفى من القاعدة في تحقيق المحرمية بوجود التحريم افتراضاً في شق واحد ، وشذ قوم ممن لا تعد مخالفتهم خلافاً ، وهم الخوارج ، فأباحوا الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها .
... 19 _ يجوز للرجل أن يملك أختين ، ولكن ليس له ان يطأهما معا بالتسري ، أو بالنكاح أو أحداهما بالتسري والأخرى بالعقد ، ولكن إذا كانتا مملوكتين له ، فله أن يطأ أيتهما شاء ومتى وطئها حرمت الأخرى ، وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة .
ــــــــــــ
* _ أي : فإن وافقوا اليهود فهم منهم ، وإن وافقوا النصارى فهم منهم .
** _ لأنها في حكم المرتدين .
... وروي التوقف عن بعض الصحابة منهم عمر وعثمان رضي الله عنهما ، وقال داود الظاهري :يجوز الجمع بينهما في الوطء بالملك ، وهو مروي عن ابن عباس وعكرمة مولاه . وخالف ابن حزم فقال : يحرم وطء إحداهما ما دامتا في ملكه ، حتى تخرج إحداهما من يده ببيع أو موت أو غير ذلك .
... 20 _ يجوز الجمع في النكاح بين ابنتي العم أو الخال من كل قريبتين لو قدرت إحداهما ذكراً لحلت له إلا أنه يكره ، خلافاً للشافعية القائلين بعدم الكراهة .
... 21 _ يكره للمحرم أن يخطب المرأة وإن كانت حلالاً كما يكره أن يخطب المحرمة وإن كان حلالاً ، وعليه جمهور العلماء ، خلافاً لأهل الظاهر القائلين بحرمة ذلك .(1/210)
... 22 _ أنه متى تزوج المحرم أو زوج مولاته وهو محرم أو زوجت محرمة فالنكاح فاسد .
... ولا يصح أن يوكل الزوج أو الولي المحرمان الحلال في مباشرة العقد بالوكالة ، ولا أن يتوكل المحرم فيه ، وعليه جمهور العلماء ، منهم الأئمة الثلاثة ، وقال أبو حنيفة بصحة نكاح المحرم ، وقال بعض الشافعية يجوز أن ، يزوج المحرم بالوكالة العامة .
... 23 _ يجوز للمحرم أن يراجع مطلقته في العدة ولو كانت محرمة ، كما يجوز أن تزف المحرمة لزوجها المحرم إن كان العقد سابقاً على الإحرام .
... 24 _ يجوز إشهاد المحرمين على عقد النكاح مع الكراهة ، خلافاً لبعض الشافعية القائلين ببطلان هذا العقد .
... 25 _ الشروط التي يجب توفرها في الولي وتعطيه حق الولاية هي : كمال الأهلية بأن يكون الولي ذكراً ، فلا تلي المرأة نفسها ، وعليه الجمهور منهم الأئمة الثلاثة .
... وقال أبو حنيفة لها أن تلي نفسها إذا كانت بالغة عاقلة كما يشترط في الولي أن يكون بالغاً عاقلاً حراً .
ويشترط فيه العدالة ، وبه قال الشافعي في المشهور عنه ، وهي رواية عن مالك وأحمد .
... وقال أبو حنيفة : لا تشترط العدالة ، وهي رواية عن الأئمة الثلاثة .
... تنبيه : لا يعد العمى مانعاً من الولاية ، والأخرس إذا كان مفهوم الإشارة لا يمنع من الولاية أيضاً .
... 26 _ ترتيب الأولياء في تزويج المرأة كالتالي :
... الأب فالجد أب الأب ثم أبوه وإن علا ، ثم الأخ الشقيق فالأخ لأب ، ثم ابن الأخ الشقيق فابن الأخ لأب ،ثم العم الشقيق فالعم لأب ،ثم ابن العم الشقيق فابن العم لأب ، فإن لم يوجد نسب زوج المعتق ثم عصبته ، فإن لم يوجد زوج السلطان ، وبه قال الشافعي ، وأما مالك فيجعل الولاية لأبناء المرأة ويقدمهم على الأب ، ويقدم الأخ وابنه على الجد ، والحنابلة يدخلون أبناء المرأة ثم أبناءهم بين مرتبة الآباء والأخوة والظاهرية يقدمون الأخوة على الجدودة .(1/211)
... 27 _ إذا زوج المرأة وليان مأذون لهما وكانا في درجة واحدة ، فإن علم المتقدم منهما فهو الصحيح والثاني باطل ، دخل بها الأول أو لم يدخل وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة خلافاً لمالك فإنه قال : هي للأول إن لم يتلذذ بها الثاني بمقدمات وطء ، أو تلذذ بها عالماً أنه ثان ، أما إن تلذذ بها الثاني بلا علم أنه ثان فهي له .
... 28 _ إن عقد بالمرأة وليان في آن واحد ، ولم يعلم أيهما كان سابقاً أو علم ولم يتعين وأيس من تعيينه فالنكاح فاسد ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وقال مالك بفسخ الحاكم النكاح ، وهي رواية عن أحمد ، وهناك رواية أخرى عن أحمد أنه يقرع بينهما ، فمن تقع له القرعة أمر الحاكم الآخر بالطلاق ، ويجدد القارع نكاحه .
... وقال أبو ثور والثوري يجبران على الطلاق فإن أبيا فرق بينهما .
... وروي عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد بن سليمان أنها تخير ، هذا فيما إذا أذنت للوليين معاً في تزويجها ، أما لو كانت أذنت لواحد دون الثاني ، فنكاح غير المأذون له غير معتبر تقدم أو تأخر .
... 29 _ إذا زوج الولي الأبعد امرأة ،وهنالك من هو أقرب منه صلة بها ، كأن تولى عقدها العم مع وجود الأب ، ولم يكن هناك مانع شرعي ، ككفره مثلاً ، فالنكاح فاسد وعليه الجمهور ، منهم الأئمة الثلاثة ، وقال مالك : النكاح مفسوخ ، ومرة قال : للأقرب أن يجيز أو يفسخ هذا فيما عدا الأب في ابنته البكر ، والوصي في محجورته فلا يختلف قوله: إن النكاح في هذين مفسوخ .
... 30 _ إن الولاية لا تثبت لذوي الرحم عند عدم العصبات ، وعليه جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث أثبتها لهم .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين ،،
*********************************
*******************************
***********************
*************
****
أهم المراجع(1/212)
أولاً : القرآن الكريم وتفسيره :
1 _ القرآن الكريم .
2 _ الجامع لأحكام القرآن الكريم : لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي المتوفى سنة 671هـ / دار الكتاب العربي الطبعة الثالثة .
3 _ تفسير أبي الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة 774هـ مطبعة دار إحياء التراث العربي / 1388 هـ .
4 _ التفسير الكبير للإمام محمد الرازي : المتوفي سنة 606 طبع دار الكتب العلمية طهران .
5 _ الكشاف لمحمود بن عمر الزمخشري المتوفي سنة 528هـ مطبعة الاستقامة الطبعة الثانية 1373هـ بتصحيح مصطفى حسين أحمد .
6 _ كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي المتوفى سنة 792هـ مطبعة دار الفكر .
7 _ فتح القدير لمحمد بن علي الشوكاني : المتوفي سنة 1250هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي / الثالثة 1383هـ .
8 _ تفسير المنار لمحمد رشيد رضا الطبعة الثانية الناشر دار المعرفة بيروت .
9 _ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي مطبعة المدني .
10 _ روائع البيان تفسير آيات الأحكام لمحمد علي الصابوني / طبع منشورات مكتبة الغزالي الطبعة الثالثة 1400 هـ .
ثانياً : كتب الحديث :
1 _ صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي المتوفي سنة 256هـ المطبعة السلفية بتصحيح محب الدين الخطيب مع الفتح .
2 _ صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري المتوفي سنة 261هـ المطبعة المكدية ومكتبتها _ مع النووي .
3 _ سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي / المتوفى سنة 297هـ مطبعة البابي الحلبي / الثانية 1388هـ بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
4 _ سنن أبي داود _ سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفي سنة 275هـ مطبعة دار الحديث الطبعة الأولى 1389هـ بتعليق عزت عبيد الدعاس وبذيله معالم السنن / الخطابي .(1/213)
5 _ سنن النسائي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي المتوفى سنة 303هـ المطبعة المصرية بالأزهر ، الطبعة الأولى 1338هـ بشرح جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي .
6 _ سنن ابن ماجه لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفى سنة 375هـ مطبعة دار إحياء التراث العربي بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
7 _ الموطأ للإمام مالك بن أنس المتوفى سنة 179هـ بمطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي بتعليق .. وتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي .
8 _ المستدرك لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405هـ مطبعة مكتبة المطبوعات الاسلامية مع تلخيص الذهبي .
9 _ سنن علي بن عمر الدار قطني المتوفى سنة 385هـ مطبعة دار المحاسن وبذيله التعليق المغني لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي بتحقيق السيد عبد الله هاشم يماني .
10 _ السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى سنة 458هـ مطبعة دار صادر بيروت وبذيله الجوهر النقي لعلي بن عثمان المارديني .
11 _ مسند الإمام أحمد بن حنبل المتوفي سنة 241هـ .
12 _ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لعلي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة 807 هـ مطبعة / ومكتبة القدسي الطبعة الثالثة 1353 هـ .
13 _ تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852هـ .
14 _ مسند الإمام أبي عبد الله بن محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204هـ مطبعة دار الكتب العلمية _ الأولى 1400 هـ .
15 _ المصنف لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة .
مطبعة درا العلوم الشرفية الهند الطبعة الأولى 1390هـ .
16 _ مسند الإمام زيد بن علي بن الحسين المتوفي سنة 132هـ منشورات مكتبة الحياة 1966م .
17 _ فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 857هـ المطبعة السلفية بتصحيح محب الدين الخطيب .(1/214)
18 _ شرح صحيح مسلم لأبي زكريا يحي بن شرف النووي المتوفى سنة 676هـ المطبعة الكدية ومكتبتها .
19 _ عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي المطبعة المصرية بالأزهر الطبعة الأولى 1350هـ .
20 _ معالم السنن لحمد بن محمد الخطابي المتوفى سنة 388 هـ مطبعة دار الحديث الطبعة الأولى 1388هـ بتحقيق الدعاس .
21 _ الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لشرف الدين الحسين بن أحمد السياغي المتوفى سنة 1221 مطبعة مكتبة المؤيد الطبعة الثانية ولم تؤرخ .
22 _ نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار لمحمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1380هـ .
23 _ سبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن اسماعيل الصنعاني المعروف بالأمير المتوفى سنة 1182هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي الطبعة الرابعة 1379هـ بتعليق محمد عبد العزيز الخولي .
24 _ فقه السنة للسيد سابق أطال الله في عمره _ دار الفكر الطبعة الأولى سنة 1397هـ .
ثالثاً : فقه المذاهب :
1 _ المبسوط لشمس الدين أبي بكر محمد بن سهيل السرخسي المتوفى سنة 483هـ دار المعرفة الطبعة الثالثة 1398هـ بتصحيح راضي الحنفي .
2 _ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي المتوفي سنة 587هـ مطبعة العاصمة بالقاهرة .
3 _ شرح فتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام المتوفى سنة 861هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي .
4 _ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لشمس الدين محمد عرفه الدسوقي مع تقريرات الشيخ محمد عليش مطبعة دار إحياء الكتب العربية .
5 _ الخرشي على مختصر خليل لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي المتوفى سنة 1101هـ مع حاشية العدوى .
6 _ فتح الرحيم على فقه المالكية بالأدلة لمحمد بن أحمد الملقب بالداه .. الشنقيطي مطبعة دار القومية العربية الطبعة الأولى 1389هـ .(1/215)
7 _ بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد المتوفى سنة 595هـ مطبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر .
8 _ الأم للإمام الشافعي المتوفى سنة 204هـ شركة الطباعة الفنية المتحدة الطبعة الأولى 1381هـ .
9 _ المجموع شرح المهذب للنووي المتوفى سنة 676هـ مطبعة المكتبة السلفية بالمدينة المنورة مع تكملة المجموع .
10 _ تحفة المحتاج بشرح المنهاج لشهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي المتوفى سنة 974هـ مع حاشية الشرقاوي وابن قاسم العباد .
11 _ مغني المحتاج شرح المنهاج لمحمد الشربيني الخطيب المتوفى سنة 977هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي .
12 _ المغنى لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المتوفى سنة 620هـ مطابع سجل العرب الطبعة الأولى 1389هـ بتحقيق محمد عبد الوهاب فايد وعبد القادر أحمد عطاء .
13 _ كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي المتوفى سنة 1050هـ مطبعة الحكومة بمكة 1394هـ .
14 _ منتهى الإرادات لتقي الدين محمد بن أحمد التنوخي الحنبلي الشهير بابن النجار بتحقيق عبد الخالق .
15 _ إقامة الدليل على إبطال التحليل لأبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتوفى سنة 728هـ / مطبعة كردستان العلمية 1328هـ ضمن الفتاوى الكبرى .
16 _ المحلى لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456هـ دار الإتحاد العربي لصاحبها عبد الرزاق بتصحيح حسن زيدان .
17 _ المختصر النافع في فقه الإمامية لأبي القاسم نجم الدين الحلي المتوفى سنة 771هـ طبع دار الكتاب العربي .
رابعاً مراجع أخرى :
1 _ تدريب الراوي لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ .
دار الكتب الحديثة الطبعة الثانية 1385هـ .
2 _ القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادى المتوفى سنة 817هـ وقيل 816هـ مطبعة المؤسسة العربية .
3 _ لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت .(1/216)
4 _ المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المتوفي سنة 770 مطبعة مصطفى البابي الحلبي بتصحيح مصطفى السقا .
أ . فهرس الآيات مرتبة ترتيباً ألفبائياً
حسب ورودها في الكتاب
الصفحة ... الآية
22 ... {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً }
22 ... {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً }
23 ... {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً }
30 ... { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }
85 ... { اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ }
109 ... { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ }
123 ... { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ْ}
{ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }
111 ... { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا }
111 ... { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }
159 ... { أَلاَّ تَعُولُواْ}
162 ... { أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا }
162 ... { أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }
163 ... { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
178 ... { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }
178 ... { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا }(1/217)
189 ... { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا }
193 ... { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا }
180 ... { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ }
184 ... {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ }
181 ... { الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ }
187 ... { أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }
195 ... { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ }
21 ... { حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }
137 ... { حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }
52 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ }
54 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ }
55 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ }
80 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ }
83 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
84 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
85 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
113 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
198 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
195 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
203 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }(1/218)
206 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
204 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ }
207 ... {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ }
181 ... { عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ }
112 ... { غَلِيظًا }
4 ... { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
21 ... { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ }
184 ... { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ }
215 ... { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ }
111 ... { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }
36 ... { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }
38 ... { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }
136 ... { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }
152 ... { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }
28 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }
28 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }
45 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }
163 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }
183 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }
215 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }
159 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }
164 ... { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }
30 ... { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }(1/219)
31 ... { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا }
34 ... { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ }
38 ... { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }
215 ... { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ }
67 ... { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }
82 ... { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا }
88 ... { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }
110 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }
112 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }
111 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }
114 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }
111 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }
112 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }
112 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }
113 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }
113 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }
113 ... { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }
111 ... { فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ }
112 ... { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }
113 ... { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }
113 ... { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }
159 ... { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}
170 ... { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا }
184 ... { فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ }
197 ... { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }(1/220)
210 ... { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ }
70 ... { لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ }
88 ... { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ }
180 ... { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ }
180 ... { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ }
28 ... { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }
161 ... { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }
221 ... { ْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ }
111 ... { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }
184 ... { مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ }
22 ... {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ }
22 ... { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم }
7 ... { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً }
112 ... { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً ( 22 ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }
25 ... { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
25 ... { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ }
45 ... { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ }(1/221)
32 ... { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ }
164 ... { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ }
37 ... { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ }
33 ... { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }
186 ... { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }
47 ... {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
179 ... {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
181 ... {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
183 ... {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
184 ... {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
192 ... {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }
187 ... { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }
189 ... { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ }
27 ... { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }
33 ... { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }
36 ... { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }
35 ... { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ }(1/222)
113 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }
183 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }
201 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }
207 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }
208 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }
55 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }
80 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }
112 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }
112 ... { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }
169 ... { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }
47 ... { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }
37 ... { وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ }
54 ... { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ }
61 ... { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ }
67 ... { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ }
58 ... { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ }
62 ... { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ }
63 ... { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ }
73 ... { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ }
58 ... } وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ }
64 ... { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم }
65 ... {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }(1/223)
66 ... {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }
67 ... {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }
69 ... {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }
70 ... {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }
66 ... { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }
66 ... { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }
67 ... { وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ }
112 ... { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ }
78 ... { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ }
79 ... { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ }
81 ... { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ }
81 ... { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ }
85 ... { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }
85 ... { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }
85 ... { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }
85 ... { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }
83 ... { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }
83 ... { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }
85 ... { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ }
84 ... { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }(1/224)
90 ... {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
91 ... {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }
91 ... {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ }
100 ... { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا }
112 ... {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ }
113 ... { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}
119 ... { وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
125 ... { وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً }
158 ... { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ }
169 ... { وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ }
181 ... ... { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ...
182 ... ... { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ...
189 ... ... { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ...
192 ... ... { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ...
181 ... { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ }(1/225)
182 ... { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }
180 ... { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ }
183 ... { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ }
183 ... { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ }
186 ... { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }
220 ... { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }
189 ... {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }
195 ... { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ }
198 ... { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ }
203 ... { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ }
206 ... { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ }
220 ... {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }
121 ... { وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }
223 ... { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا }
54 ... {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ }
117 ... { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }
118 ... { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ }
118 ... { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ }
122 ... { يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ }
112 ... { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ }
فهرس الأحاديث والآثار المرويّة(1/226)
فهرس الأحاديث والآثا
الصفحة
النص
حرف الهمزة
11
إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس
26
النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني
29
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التبتل
35
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل
37
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل
40
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل
43
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل
44
أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل
37
الأيم أحق بنفسها من وليها
37
الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن
38
الأيم أحق بنفسها من وليها
38
الأيم أحق بنفسها من وليها
39
الأيم أحق بنفسها من وليها
39
الأيم أحق بنفسها من وليها
43
البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة
46
إذهب فقد انكحتكها بما معك من القرآن
48
إني لفي القوم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قامت امرأة
54
أنظروه _يعني ولدها_ فإن جاءت به على صفة كذا .
59
إنها ابنة اخي من الرضاعة
61
أن قليل الرضاع وكثيره سواء يحرم في المهد : أثر .
61
الرضعة الواحدة تحرم : أثر
65
أن رضاع الكبير يحرم : أثر
232
أن رضاع الكبير يحرم : أثر
85
أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فلا تحل له أمها
91
استدلال عائشة على تحريم المتعة بقوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } : أثر
91
استدلال القاسم بن محمد على تحريم المتعة بقوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } : أثر
92
أذنت لكم في الاستمتاع
93
أن رجلا سأل ابن عمر عن المتعة فقال حرام : أثر
94
أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة
98
أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها _يعني المتعة .
99
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لنا في المتعة ثلاثا
99
أن أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة
109(1/227)
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها _ يعني المتعة يوم خيبر
109
إنما كانت المتعة في أول الإسلام
123
إنما كانت المتعة في أول الإسلام
115
ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين
120
إن الذئب يكنى أبا جعدة والمتعة هي الزنا : أثر .
196
أختر أيتهما شئت
120
إن عروة بن الزبير كان ينهى عن المتعة : أثر .
165
أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر
120
أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر
120
العينان تزنيان والرجلان تزنيان
122
إنك رجل تائه نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن متعة النساء يوم خيبر
122
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة
131
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار
130
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار
142
ألا أخبركم بالتيس المستعار
146
إذا تزوجها وهو يريد أن يحلها لزوجها ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني
147
أرسلت امرأة إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها : أثر
150
إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها : أثر
158
اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك
160
اختر منهن أربعاً وفارق سائرهن
160
اختر منهن أربعا
160
أمره - صلى الله عليه وسلم - لصفوان بن امية وعنده ثمان نسوة أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن
163
إن عمر سأل الناس كم يتزوج العبد فقال عبد الرحمن بن عوف باثنتين : أثر
165
إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل
172
أؤتى عمر بامرأة تزوجت في عدتها فأخذ مهرها فجعله في بيت المال وفرق بينهما : أثر
174
أيما امرأة نكحت في عدتها : أثر
175
الولد للفراش وللعاهر الحجر : أثر
182
إن حذيفة تزوج يهودية فكتب إليه عمر حل سبيلها : أثر
186
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
190
أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام
199
أن عبد الله بن صفوان جمع بين امرأة رجل من ثقيف وابنته : أثر
200(1/228)
أن رجلا من أهل مصر جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها : أثر
201
أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز فكانا مما انكرا عليه رجم الزاني : أثر .
203
آية تحل وآية تحرم ولم أكن لأفعله أنا : أثر
203
أيقع الرجل على الجارية ابنتها تكونان مملوكتين له : أثر .
205
إذا كان عند الرجل مملوكتان فلا يغشين واحدة منهما : أثر
205
أنهاك عنها ومن أطاعني : أثر .
211
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج وهو محرم .
211
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها _ وهو حلال .
212
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها _ وهو حلال .
213
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال .
215
انكحى اسامة
116
أن طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه : أثر .
226
أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما .
227
إذا نكح الوليان فالأول أحق .
حرف الباء
48
بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أتته امرأة
حرف التاء
20
تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الامم يوم القيامة .
26
تنكاحوا تكثروا
199
تزوج عبد الله بن جعفر ابنة علي وامرأة علي النهشلية : أثر
212
تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم
213
تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال
221
تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء
106
ترخيص ابن عباس في المتعة .
115
ترخيص ابن عباس في المتعة .
حرف الثاء
95
ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل .
117
ثلاث لا أتقي فيهن أحد متعة الحج : أثر .
119
ثلاث لا أتقي فيهن أحداً متعة الحج : أثر .
115
ثم حرمها بخيبر وما كنا مسافحين
118
ثم قرأ عبد الله _ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ }
118
ثم حرمها بخيبر وما كنا مسافحين
حرف الجيم
141
جاءت امرأة إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها : أثر .
143(1/229)
جاء رجل إلى ابن عباس فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ ليحلها : أثر .
حرف الحاء
21
حديث رفاعة وفيه _أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة .
23
حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك
38
حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك
63
حديث سهلة في سالم وفيه _ أرضعيه خمس رضعات
65
حديث سهلة في سالم وفيه _ أرضعيه خمس رضعات
72
حديث عائشة أنه جاء أفلح يستأذن عليها بعدما نزل الحجاب
73
حرموا من الرضاع ما تحرموا من النسب : أثر .
181
حرم الله المشركات على المؤمنين الخ : أثر
203
حرمتهما آية وأحلتمها آية : أثر
حرف الدال
69
دخل رسول - صلى الله عليه وسلم - يوما على عائشة فوجد عندها رجلا .
حرف الراء والزاي
29
رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مطعون التبتل
97
رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أوطاس في المتعة .
33
زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها
220
زواجه - صلى الله عليه وسلم - من أم حبيبة
حرف السين
119
سئل جعفر الصادق عن المتعة فقال هي الزنا : أثر .
120
سمعت مكحولا يقول في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل ذلك الزنا : أثر
153
سئل عمر عن التحليل فقال لا إلا نكاح رغبة : أثر .
190
سنو بهم سنة أهل الكتاب
190
سنو بهم سنة أهل الكتاب
191
سنو بهم سنة أهل الكتاب
202
سئل عمر عن المرأة وابنتها من ملك اليمن هل توطأ أحدهما بعد الأخرى فقال إني لا أحب أن أجيزهما ونهاه : أثر .
205
سئل عمر عن الأمة يطأها سيدها ثم يريد أن يطأ أختها : أثر
حرف الطاء
196
طلق أيتهما شئت
206
طلق أيتهما شئت
حرف العين والغين
73
عن زينب بنت أبي سلمة ، أنها أرضعتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها : أثر .
211
عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي حلال .
191
غير أنكم ليسوا ناكحي نسائهم .
حرف الفاء
66
فما كان من رضاع في الحولين حرم : أثر .
110
فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى : أثر
114(1/230)
فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى : أثر
115
فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى : أثر
116
فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى : أثر
99
فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك .
161
فارق واحدة وأمسك أربعا .
54
فهو لشريك بن سحماء
221
فالسلطان ولي من لا ولي له .
حرف القاف
61
قليل الرضاع وكثيره سواء : أثر .
174
قضى علي في التي تتزوج في عدتها أنه يفرق بينهما : أثر .
حرف الكاف
29
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالباءة .
48
كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - جلوسا فجاءته امرأة .
62
كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن .
95
كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس شيء فقلنا ألا نستخصي
117
كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق .
123
كراهية ابن عباس للمتعة : أثر .
132
كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
204
كان لا يرى بأسا أن يجمع بين اختين والمرأة وابنتها .
204
بملك اليمين : أثر .
117
كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا نساء .
حرف اللام
11
لا يشكر الله من لا يشكر الناس
35
لا نكاح إلا بولي
37
لا نكاح إلا بولي
39
لا نكاح إلا بولي
39
لا نكاح إلا بولي
39
لا نكاح إلا بولي
42
لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
42
لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
222
لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
41
لا تزوج المرأة المرأة
36
لا تزوج المرأة المرأة
37
لا يزوج النساء إلا الأولياء
43
لا نكاح إلا ببينة : أثر .
43
لا نكاح إلا بشهود : أثر
55
لا يحرم الحلال الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح
56
لا يحرم الحلال الحرام .
58
لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي .
108
لا نكاح إلا بولي وشاهدين وليس بالدرهم ولا الدرهمين : أثر .
62
لا تحرم الرضعة والرضعتان : أثر .
63
لا تحرم المصة ولا المصتان
63
لا تحرم المصة ولا المصتان
63
لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان
64
لا تحرم الرضعة أو الرضعتان
36
ليس للولي مع الثيب أمر .
66(1/231)
لا رضاع إلا ماكان في الحولين .
67
لا رضاع إلا ما كان في الصغر : أثر .
69
لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء
70
لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم
70
لا رضاع بعد حولين كاملين : أثر .
70
لا رضاع إلا في الحولين في الصغر : أثر .
71
لا يحرم من الرضاعة إلا مافتق الأمعاء .
74
لا اللقاح واحد : أثر
96
لما قدم رسول الله مكة في عمرته تزين أهل المدينة .
119
لا أجد احد يعمل بها _يعني المتعة_ إلا جلدته : أثر .
131
لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام .
132
لا شغار في الإسلام .
131
لا شغار في الإسلام .
137
لعن الله المحلل والمحلل له
139
لعن الله المحلل والمحلل له
142
لعن الله المحلل والمحلل له
142
لعن الله المحلل والمحلل له
145
لعن الله المحلل والمحلل له
144
لا إلا نكاح غبطة إن وافقتك امسك : أثر .
147
لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج : أثر .
148
لا أؤتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمته : أثر .
152
لا الإنكاح رغبة إن أعجبتك أمسكها : أثر .
165
لا يتزوج العبد من اثنتين : أثر .
172
لا يجتمعان أبداً _ يعني المتزوج بها في العدة : أثر .
172
لها الصداق بما استحل من فرجها ويفرق بينهما : أثر .
176
لا توطأ حامل حتى تضع .
195
لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها .
196
لا يجمع بين المرأة وعمتها .
197
لا يدخل الجنة قاطع رحم .
203
لا آمرك ولا أنهاك أحلتهما آية وحرمتهما آية : أثر .
204
لا تحرمهن عليك قرابة بينهن : أثر .
205
لا بأس أن يجمع بين الأختين المملوكتين : أثر .
210
لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب
211
لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب
214
لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب
214
لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب
217
لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد
141
لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط : أثر
حرف الميم
20
ملعون من نكح يده
70
ما كان من رضاعة بعد الحولين فلا رضاع : أثر .
96(1/232)
ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء
104
من كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها .
109
ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتيا : أثر .
150
من يخادع الله يخدعه : أثر
144
من يخادع الله يخدعه .
158
من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما .
175
من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره : أثر .
206
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين .
213
ما نكح رسول الله ميمونة إلا وهو حلال : أثر .
حرف النون
92
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المتعة وقال ألا إنها حرام
93
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية
109
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المتعة عام خيبر
130
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشغار
131
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشغار
179
نهيه - صلى الله عليه وسلم - كناز بن حصين أن يتزوج مشركة .
195
نهي أن تزوج المرأة على عمتها أو خالتها .
196
نهى رسول الله أن يتزوج الرجل المرأة على العمة .
197
نهى رسول الله أن تنكح المرأة على قرابتها .
207
نهى رسول الله أن تنكح المرأة على قرابتها .
حرف الواو
24
ولدت من نكاح لا من سفاح
38
وإذنها صماتها
41
وكنا نقول التي تزوج نفسها هي الفاجرة : أثر .
100
ومن شذ شذ في النار .
143
والله لا أؤتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما : أثر .
199
وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي .
223
وإنا لنراك فينا ضعيفا : قال ابن عباس مكفوف البصر : أثر .
حرف الهاء
56
هي بضعة مني .
99
هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث
121
هي حرام _ يعني المتعة _ كالميتة والدم ولحم الخنزير : أثر .
132
هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أثر .
حرف الياء .
26
يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج
28
يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج
28
يا معشر الشباب
58(1/233)
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
59
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
61
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
63
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
75
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
80
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
58
يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة
79
يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة .
63
يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي فضل .
64
يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة قال لا .
164
ينكح العبد امرأتين : أثر .
164
ينكح العبد اثنتين لا يزيد عليهما : أثر .
190
يتزوج المسلم اليهودية والنصرانية ولا يتزوج المجوسية : أثر .
206
يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر : أثر .
فهرس
الموضوع ... الصفحة
كلمة الناشر ... 4
المقدمة : وتشتمل على باعث الاختيار وكلمة شكر . ... 8
لمحة عن تاريخ الفقه الإسلامي ... 13
تمهيد : ويشتمل هذا التمهيد على دراسة إجمالية عن النكاح ورأكانه وشروطه وتحديد مفهوم النكاح الفاسد . ويحتوى على النقاط التالية : ... 18
_ تعريف النكاح وبيان آراء الفقهاء في المقصود به ... 19
_ الدليل على مشروعية النكاح ... 25
_ حكمة مشروعيته ... 27
_ حكمه ... 27
_ أركانه وشروطه ... 31
_ ولاية عقد النكاح ... 32
_ الإشهاد عليه ... 41
_ تحديد مفهوم النكاح الفاسد ... 50
القسم الأول : النكاح الفاسد لذاته وبيان أسباب فساده وفيه ثلاثة مباحث
_ المبحث الأول : المحرمات بالنسب وينتظم النقاط التالية
_ مدخل إلى تحريم النسب ... 52
_ المحرمات من جهة النسب ... 52
_ البنت من السفاح ... 53
_ المبحث الثاني : المحرمات بالرضاع وينتظم النقاط التالية :
_ أدلة تحريم الرضاع . ... 58
_ القدر المحرم من اللبن واختلاف الفقهاء في ذلك . ... 60
_ سن الرضاع المحرم ... 65
_ لبن الفحل . ... 71
_ المبحث الثالث : المحرمات بالمصاهرة ويشتمل على :
_ المحرمات بالمصاهرة وحكمة التحريم . ... 77(1/234)
_ تحريم أم الزوجة بمجرد العقد على ابنتها . ... 84
_ تحريم الربيبة وإن لم تكن في حجر الرجل . ... 86
القسم الثاني : النكاح الفاسد لسبب مقترن بالعقد وينتظم عشرة مباحث :
_ المبحث الأول : اشتراط التأقيت ويسمى _نكاح المتعة ويشتمل على النقاط التالية :
_ تعريف نكاح المتعة لغويا وفقهيا . ... 88
_ حكم نكاح المتعة . ... 90
_ آراء الفقهاء في تحريمه . ... 102
_ المجيزون لنكاح التأقيت وأدلتهم والرد عليها . ... 110
_ أدلة المجيزين للمتعة في الميزان . ... 111
_ موقف ابن عباس من نكاح المتعة . ... 121
_ المبحث الثاني : جعل البضع صداقا في مقابل البضع الآخر ويسمى _نكاح الشغار_ ويشتمل على النقاط التالية :
_ مدخل إلى نكاح الشغار ... 125
_ تعريف نكاح الشغار ... 125
_ حكم نكاح الشغار في المذاهب ودليل كل مذهب . ... 127
- منشأ الاختلاف . ... 133
_ المبحث الثالث : نكاح المحلل ويتضمن نقاطا هي :
_ تعريف نكاح المحلل . ... 136
_ حكمه عند الفقهاء وأدلتهم . ... 137
_ الرأي المختار . ... 149
_ الحكمة في كون المطلقة ثلاثا لا تحل لمطلقها إلا بعد أن تنكح زوجا غيره ... 154
_ المبحث الرابع : نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي / وينتظم النقاط التالية :
_ حكمة تعدد الزوجات ... 156
_ تقييد التعدد ... 158
_ حكم نكاح ما زاد فوق العدد الشرعي ... 159
_ حكم العقد على خامسة في اثناء عدة الرابعة ... 166
_ المبحث الخامس : نكاح المعتدة من الغير / ويشتمل على النقاط التالية :
_ الحكمة من تحريم المعتدة . ... 169
_ الآراء الفقهية في نكاح المعتدة من الغير . ... 169
_ آثار التزوج من المعتدة من الغير . ... 171
_ كيفية اعتداد من تزوجت أثناء العدة . ... 173
_ الزواج من الحامل بالزنا . ... 175
_ المبحث السادس : نكاح المسلم غير الكتابية / ويشتمل على النقاط التالية :
_ أدلة تحريم المشركات وحل الكتابيات . ... 178
_ الأمة الكتابية . ... 183(1/235)
_ العلة في تحريم نكاح المشركة دون الكتابية . ... 185
_ حرمة تزويج الكافر بالمسلمة والسبب في ذلك . ... 186
_ زواج الصابئة . ... 187
_ حكم التزوج بالمجوسيات . ... 189
_ أهل الكتاب من غير اليهود والنصارى ... 192
_ المبحث السابع : الجمع بين المحارم ويشتمل على النقاط التالية :
_ دليل تحريم الجمع بين المحارم وبيان المعنى الذي من أجله حرم هذا الجمع ... 195
_ الجمع بين المرأة وإحدى محارمها . ... 198
_ الجمع بين محرمين بملك اليمين ... 202
_ الجمع بين قريبتين لا تحرم إحداهما على الأخرى لو قدرت ذكرا ... 207
_ المبحث الثامن نكاح المحرم ويعني هذا العنوان بيان نكاح من أحرم بحج أو عمرة أو بهما معا أو أحرم إحراما مطلقا ويضم البحث النقاط التالية :
_ خطبة المحرم وخطبة المحرمة . ... 210
_ نكاح المحرم وإنكاحه . ... 211
_ اشهاد المحرمين على عقد النكاح . ... 217
_ المبحث التاسع : انكاح المرأة وليان ويشتمل على النقاط التالية :
_ الشروط التي يجب توفرها في الولي وتعطيه حق الولاية . ... 219
_ الاختلاف في اشتراط العدالة في الولي ... 221
_ اشتراط الولي في عقد النكاح . ... 224
_ ذكر الأولياء مرتبين . ... 224
_ عقد الوليين بالمرأة إذا كان في درجة واحدة . ... 225
_ المبحث العاشر : تزويج الأبعد مع وجود الولي الأقرب .
_ الخاتمة : وتتناول نتائج البحث وقد ذكرت القول الراجح في أول كل فقرة .
_ أهم المراجع . ... 241
_ الفهارس الفنية وتشمل ما يلي :
_ فهرس الآيات الكريمة . ... 246
_ فهرس الأحاديث الشريفة . ... 256
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين
*********************************
*******************************
***********************
*************
****(1/236)
المبحث الثالث : الأنكحة المختلف فيها
وفيه المطالب الآتية :
المطلب الأول : نكاح المحُرِم
المطلب الثاني : نكاح المحلل
المطلب الثالث : نكاح الزانية
المطلب الرابع : نكاح المتعة
المطلب الخامس : نكاح الربائب
المطلب الأول : نكاح المحرم
اختلف اهل العلم في من احرم بالحج هل يجوز له ان يعقد النكاح لنفسه او لغيره على قولين :
القول الاول :
إذا نكح المحرم لنفسه أو أنكح غيره فان ذلك جائز لابأس به ولكنه لا يدخل حتى يحل من الإحرام 0 نقله عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) مسندا ابو بكر بن أبى شيبة والإمام الطحاوي وغيرهما0 وصححه عنه ابن حزم 0(1)
وهو قول أبى بكر الصديق وابن مسعود وانس بن مالك ومعاذ ( رضي الله عنهم ) 0 وقال به عطاء والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعكرمة وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري 0 وبه يقول أبو حنيفة 0(2)
واحتجوا بالأدلة الآتية:
1 . ما رواه ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( تزوج ميمونة وهو محرم )(3)0
2 . اثر محمد بن سيرين أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) تزوج وهو محرم 0(4)
__________
(1) المصنف،ابن أبي شيبة 4/226 شرح معاني الآثار،الطحاوي3/273 المحلى،ابن حزم 7 /198 التمهيد،ابن عبدالبر3/156 0
(2) التمهيد3/ 156 شرح المعاني 2/273 ،المنتقى شرح الموطأ ، الباجي2/238 ،البحر الرائق ، ابن نجيم 3/184 ،الجوهر النقي7/213 0
( ) صحيح البخاري – بشرح الفتح 7 /510 و9/165، صحيح مسلم – بشرح النووي 9 /194 ، سنن النسائي الصغرى6/87 ، سنن أبى داود 2/169 ، سنن الترمذي 3/201 ،صحيح ابن حبان 9/439و441 ، المعجم الأوسط ، الطبراني 3/125 و5/46 ،6/169 و7/82 0
(4) مصنف ابن ابي شيبة 4/226 ، ونحوه عن عطاء بن ابي رباح اخرجه النسائي في سننه الكبرى 2/230 مرسلا ،ومراسيل عطاء لا يلتفت إليها 0 ينظر: ميزان الاعتدال ، الذهبي 5/89-90 0(2/1)
3 0 ما روي عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم(1) 0
4 . روى مسروق عن عائشة( رضي الله عنها ) أنه عليه السلام تزوج وهو محرم واحتجم وهو محرم(2) 0
5. وبالقياس على استدامة النكاح على الخلع والرجعة والشهادة على النكاح وشراء الجارية وتزويج السلطان في إحرامه (3) .
0 ولأنه عقد يملك به الاستمتاع فلا يحرمه الإحرام 0(4)
7 .ولان حرمة الجماع بالإحرام كحرمته بالصيام سواء فإذا كانت حرمة الصيام لا تمنع عقد النكاح فكذلك حرمة الإحرام لا تمنع عقدة النكاح أيضا (5)0
مناقشة أدلة هذا القول :
أما اثر ابن عباس ( رضي الله عنهما ) فقد أجيب عنه بأقوال :
__________
(1) قال الزيلعي في نصب الراية 3/171 :طريق ضعيف 0 ونسبه إلى الدارقطني ،قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/267 :" عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم واحتجم وهو محرم رواه البزار0 وروى لها الطبراني في الأوسط أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ورجال البزار رجال الصحيح "0 وهو عند ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 3/38 و6/81 0
(2) 0 قال في مجمع الزوائد 4/267:"عن أبي هريرة قال:تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم0 رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبدالله بن محمد بن المغيرة0 وهو ضعيف" 0والحديث أخرجه: الطحاوي في شرح المعاني 2/269،صحيح ابن حبان 9/440 ، ناسخ الحديث ومنسوخه ،ابن شاهين ص 399 0 من طريق اخرى 0 وينظر: الجوهر النقي 7/210 0
(3) المجموع شرح المهذب 7/288 0
(4) المغني 3/312 .
(5) شرح المعاني 2/272 0(2/2)
أحدها : أن الروايات اختلفت في نكاح ميمونة( رضي الله عنها ) فروى يزيد بن الأصم عن ميمونة وهو ابن أختها:( أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال ) رواه مسلم 0 وعن أبى رافع ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وبني بها حلالا وكنت الرسول بينهما ) رواه الترمذي وقال حديث حسن(1) 0
وإذا تعارضت الروايات تعين الترجيح فرجحنا رواية الاكثرين انه تزوجها حلالا 0
قال حافظ المغرب ابن عبد البر القرطبي : " وما أعلم أحدا من الصحابة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم إلا عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما ) ورواية من ذكرنا معارضة لروايته والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد أقرب إلى الغلط0
وأكثر أحوال حديث ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أن يجعل متعارضا مع رواية من ذكرنا فإذا كان كذلك سقط الاحتجاج بجميعها أنه نهى عن نكاح المحرم وقال : لا ينكح المحرم ولا ينكح 0 فوجب المصير إلى هذه الرواية التي لا معارض لها لأنه يستحيل أن ينهى عن شيء ويفعله مع عمل الخلفاء الراشدين لها وهم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم "(2) 0
الوجه الثاني : إن الروايات تعارضت فتعين الجمع وطريق الجمع تأويل حديث ابن عباس( رضي الله عنهما ) ان قوله :( محرما ) أي في الحرم فتزوجها في الحرم وهو حلال أو تزوجها في الشهر الحرام وهذا شائع في اللغة والعرف ويتعين التأويل للجمع(3) 0
قال الشوكاني :"وهذا بعيد " 0(4)
__________
(1) ينظر:نصب الراية 3/172 ، الجوهر النقي 7/213 ، المجموع 7/289 ، غاية السول في خصائص الرسول ، ابن الملقن ص 205 ، تحفة الاحوذي ،المباركفوري 3/493 0
(2) التمهيد 1/153 .وينظر :صحيح ابن حبان5/484 0
(3) المجموع 7/289 ، المغني 3/ 312 ، الانتصار ص 246،نصب الراية 3/173، صحيح مسلم –شرح النووي 9/194 .
(4) نيل الاوطار5/81 0(2/3)
الوجه الثالث : الترجيح من وجه آخر وهو ان رواية تزوجها حلالا من جهة ميمونة وهى صاحبة القصة وأبى رافع وكان السفير بينهما فهما أعرف فاعتماد روايتهما أولى 0(1)
قال العلامة ابن الملقن :" وروت ميمونة وأبو رافع ( رضي الله عنهما ) وغيرهما أنه تزوجها حلالا وهم أعرف بالقصة من ابن عباس ( رضي الله عنهما ) لتعلقهم بها0 ولأنهم أضبط من ابن عباس ( رضي الله عنهما ) وأكبر 0
قال ابن المسيب : ووهم ابن عباس ( رضي الله عنهما ) في ذلك 0 كذا رواه عنه أبو داود وابن عدي 0(2)
ويؤيده أن الدارقطني روى من حديث ابن عباس( رضي الله عنهما ) انه تزوجها وهو حلال0
رواه من حديث محمد بن عثمان بن مخلد عن أبيه عن سلام أبي المنذر وعن مطر الوراق عن عكرمة عنه0 ثم قال: تفرد به محمد بن عثمان عن أبيه عن سلام وهو غريب عن مطر0 ورواه أبو الأسود عن عكرمة أيضا0
وترجح رواية أبي رافع أيضا لأنه كان بالغا إذ ذاك بخلاف ابن عباس( رضي الله عنهما ) 0
وبأنه عليه الصلاة والسلام تزوجها في عمرة القضاء كما ذكره البخاري وغيره ولم يكن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) معه "(3) 0
الوجه الرابع : قال ابن قدامة :" ثم لوصح الحديثان كان تقديم حديثنا أولى لانه قول النبي( صلى الله عليه وسلم ) وذلك فعله والقول اكد لانه يحتمل أن يكون مختصا بما فعله" 0(4)0
__________
(1) المجموع 7/289 ، تحفة الطالب ،ابن كثير ص 473 –475 ،شرح العمدة 3/193-194 0
(2) الكامل في ضعفاء الرجال ،ابن عدي 3/ 379 .ونقل شيخ الإسلام في شرح العمدة 3/195:"قال أحمد في رواية أبي الحارث وقد سئل عن حديث ابن عباس : هذا الحديث خطأ 0وقال في رواية المروذي :أذهب إلى حديث نبيه بن وهب "0 قلت :يعني حديث عثمان بن عفان 0
(3) غاية السول ص 205-206 ،المحلى 7/199 ،عون المعبود،شمس الحق العظيم ابادي 5/208 ،شرح العمدة 3/205 0
(4) المغني 3/313 ،نيل الاوطار 5/81 ،تحفة الاحوذي 3/493 0(2/4)
قال ابن القيم : " ولو قدر تعارض القول والفعل هاهنا لوجب تقديم القول لأن الفعل موافق للبراءة الأصلية والقول ناقل عنها فيكون رافعا لحكم البراءة الأصلية وهذا موافق لقاعدة الأحكام ولو قدم الفعل لكان رافعا لموجب القول والقول رافع لموجب البراءة الأصلية فيلزم تغيير الحكم مرتين وهو خلاف قاعدة الأحكام"(1) 0
الوجه الخامس : قال شيخ الإسلام : "إن حديث عثمان ( رضي الله عنه ) حاضر وحديث ابن عباس( رضي الله عنهما ) مبيح والأخذ بالحاضر أحوط من الأخذ بالمبيح" (2) 0
وأما الجواب عن أقيستهم كلها فهو إنها كلها ليست نكاحا وإنما ورد الشرع بالنهي عن النكاح 0وعن قياسهم على الإمام فان الأصح أنه لا يصح تزويجه لعموم الحديث 0(3)
القول الثاني :
نقل الإمام النووي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) رواية ثانية يوافق فيها جمهور أهل العلم من أن المحرم لا ينعقد نكاحه لنفسه ولا لغيره سواء كان الزوج محرما أو المرأة أو الولي فان فعل ذلك فالنكاح باطل 0(4)
__________
(1) زاد المعاد ، ابن قيم الجوزية 3/374 ،شرح العمدة 3/205 0
(2) شرح العمدة 3/205 0
(3) فتح الباري 4/45 ،المجموع 7/289 ،سبل السلام ،الصنعاني2/192-193 ، عون المعبود 5/208 0
(4) المجموع 7/287 0 وفي مجمع الزوائد 4/267-268 :"عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال0 رواه الطبراني وفيه عثمان بن مخلد الواسطي 0 ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه 0وبقيةرجاله ثقات ،وفي بعضهم كلام لا يضر"0وفي ترجمة عثمان بن مخلد ينظر:الجرح والتعديل ، ابن ابي حاتم 6/170 ، الثقات ، ابن حبان 8/453 ،تاريخ واسط ،اسلم بن سهل بحشل ص 174 ، العلل ، الدارقطني 3 /244 0(2/5)
وبه قال : عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعلي وزيد بن ثابت وعثمان ( رضي الله عنهم ) 0وهو قول الحسن وقتادة وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار ونافع 0 وأبي بكر بن عبد الرحمن وابن شهاب وجمهور علماء المدينة 0والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل ومالك واصحابه والظاهرية والزيدية والإمامية (1) 0
قال الشريف المرتضى منهم:" ومما انفردت به الإمامية القول : بأن من تزوج امرأة وهو محرم عالما بأن ذلك محرم عليه بطل نكاحه ولم تحل له المرأة أبدا . وهذا مما لم يوافق فيه أحد من الفقهاء "(2) 0
ثم استدل بإجماع الامامية عليه .
وقال مالك :إن المحرم إذا نكح فالعقد مفسوخ بطلقة لانه نكاح مختلف فيه فيرفع بطلقة واحدة احتياطا للفروج 0
وقال الشافعي واحمد في رواية :العقد مفسوخ بلا طلاق 0
وفي الرواية الأخرى عن الإمام احمد :إن المحرم إذا قام بتزويج غيره لم يفسخ النكاح0
وقال الإمام احمد بن المرتضى - من أئمة الزيدية- : إن كان عالما بالتحريم بطل النكاح وان كان جاهلا فسد النكاح 0 (3)
احتج جمهور العلماء :
__________
(1) السنن الكبرى ، البيهقي 5/65-66 و 7/ 213شرح المعاني2/272 ،التمهيد3/ 152 – 153و156 ، المحلى 7/ 198 الانتصار، الشريف المرتضى ص246 ، المجموع 7/287 ، مغني المحتاج ، الخطيب الشربيني3/156،شرح الأزهار ،احمد المرتضى 2/85-86 و196 .
(2) الانتصار ص246 0
(3) السنن الكبرى ، البيهقي 5/65-66 و 7/ 213شرح المعاني2/272 ،التمهيد3/ 152 – 153و156 ، المحلى 7/ 198 الانتصار، الشريف المرتضى ص246 ، المجموع 7/287 ، مغني المحتاج ، الخطيب الشربيني3/156،شرح الأزهار ،احمد المرتضى 2/85-86 و196 . ،شرح الزرقاني 2/366 .(2/6)
1 0 بما رواه عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يَنكح المحرم ،ولا يخطب ،ولا يُنكح "(1) .
قال الإمام محمد بن علي الشوكاني : " قوله :" لا ينكح المحرم ولا ينكح " الأول : بفتح الياء وكسر الكاف أي لا يتزوج لنفسه ، والثاني : بضم الياء وكسر الكاف أي لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة في مدة الإحرام . قال العسكري : ومن فتح الكاف من الثاني فقد صحف .
قوله : ولا يخطب أي لا يخطب المرأة وهو طلب زواجها . وقيل : لا يكون خطيبا في النكاح بين يدي العقد ، والظاهر الاول " (2) 0
و الحديث ظاهر في النهي ،والنهي يفيد التحريم ،قال الحافظ ابن عبد البر : "وكل خبر جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نهي فالواجب استعماله على التحريم إلا أن يأتي معه أو في غيره دليل يبين المراد منه أنه ندب وأدب فيقضى للدليل فيه ألا ترى إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار وعن نكاح المحرم وعن نكاح المرأة على عمتها أو خالتها وعن قليل ما اسكر كثره من الأشربة وعن سائر ما نهى عنه من أبواب الربا في البيوع وهذا كله نهي تحريم " (3) 0
واعترض على هذا التوجيه الحافظ المارديني الحنفي فقال : "هو- أي حديث لا ينكح المحرم 000 - محمول على الوطء أو الكراهة لكونه سببا للوقوع في الرفث لا أن عقده لنفسه أو لغيره بأمره ممتنع ولهذا قرنه بالخطبة ولا خلاف في جوازها أن كانت مكروهة فكذا النكاح والانكاح وصار كالبيع وقت النداء "(4)0
وأجاب الإمام النووي وغيره بما حاصله :
__________
(1) مسلم-شرح النووي 9 /193،سنن أبي داود 2/169،سنن النسائي 5/192 ،سنن الترمذي 3/199 وقال :حسن صحيح ،المسند ،الإمام احمد 1/ 64و69 ، موارد الظمآن، ابن حبان ص 310 وغيرهم 0
(2) نيل الاوطار ،الشوكاني 5/81 ،وينظر: شرح الزرقاني 2/366 0
(3) التمهيد 1/140 0
(4) الجوهر النقي ، المارد يني 7/ 210 0(2/7)
أن اللفظ إذا اجتمع فيه عرف اللغة وعرف الشرع قدم عرف الشرع لانه طارئ . وعرف الشرع أن النكاح العقد لقوله تعالى:( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن)(البقرة: من الآية232 ) وقوله : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ )(النساء: من الآية3 ) وفى الحديث الصحيح :" ولا تنكح المرأة على عمتها"(1) والمراد بالنكاح في هذه المواضع وشبهها العقد دون الوطء0
وأما قوله تعالى :( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ )(البقرة: من الآية230) وقوله تعالى :(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَة)(النور: من الآية3) فإنما حملناه على الوطء بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :( حتى تذوقي عسيلته )(2) 0
وانه ثبت عن قتيبة بن وهب أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فارسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان فانكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" وهذا السبب والاستدلال منهم 0(3)
__________
(1) مسلم –شرح النووي 9 /190 ،سنن ابي داود 2/224 ،سنن الترمذي 3/432 ،سنن النسائي 6/97 ، سنن ابن ماجه 1/621 ، المسند 2/423 ، صحيح ابن حبان 9/376 و427 ،السنن الكبرى للبيهقي 7/110 كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
(2) صحيح البخاري – شرح الفتح 9/465-469 ، صحيح مسلم-شرح النووي 10/2 ،الموطأ-مع التمهيد 3/223 ،شرح الزرقاني على الموطأ 3/179 0
(3) المجموع 7/289 0قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة 3/186 :إسناده صحيح 0(2/8)
ولو تيقنا أنه تزوجها محرما لكان حديث عثمان ( رضي الله عنه ) هو الذي يجب أن يعمل به لأوجه : أحدها أن حديث عثمان ( رضي الله عنه ) ناقل عن الأصل الذي هو الإباحة وحديث ابن عباس( رضي الله عنهما ) مبق على الأصل فإن قدرنا حديث ابن عباس( رضي الله عنهما ) متأخرا لزم تغيير الحكم مرتين وإن قدرنا حديث عثمان( رضي الله عنه ) متأخرا لكان تزوج ميمونة( رضي الله عنها ) قبل التحريم فلا يلزم إلا تغيير الحكم مرة واحدة فيكون أولى (1) 0
0 بما رواه يزيد عن ميمونة ( رضي الله عنها ) :" أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) تزوجها حلالا وبنى بها حلالا"0(2)
وهو ظاهر في المراد 0
واعترض عليه من أجاز نكاح المحرم:
بأنه لا يعدل يزيد بن الأصم بعبد الله بن عباس 0( رضي الله عنهما ) (3) 0
قال الامام الطحاوي:"والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أهل علم وأثبت أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما سعيد بن جبير وعطاء وطاووس ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد وهؤلاء كلهم أئمة فقهاء يحتج برواياتهم وآرائهم الذين نقلوا عنهم فكذلك أيضا منهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني وعبد الله بن أبي لحيج فهؤلاء أيضا أئمة يقتدى بروايتهم"(4) 0
وقالوا قد يخفى على ميمونة( رضي الله عنها ) كون رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما0 فالمخبر عن كونه عليه السلام محرما زائدا علما 0و خبر ابن عباس( رضي الله عنهما ) وارد بحكم زائد فهو أولى 0(5)
والجواب:
__________
(1) شرح العمدة 3/205 0
(2) صحيح مسلم –شرح النووي 9/194 ،سنن ابن ماجه 1/632 صحيح ابن حبان 9/442 سنن الدار قطني 3/184 السنن الكبرى 3/288 ،صحيح ابن حبان9/442 ،المستدرك على الصحيحين ، الحاكم 4/35 0
(3) ينظر: المستدرك 4/34 0
(4) شرح المعاني 2/271 0
(5) المحلى7/199 0(2/9)
إن قولهم قد يخفى على ميمونة إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوجها فانه يعارض بأن يقال لهم: قد يخفى على ابن عباس( رضي الله عنهما ) إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من إحرامه فالمخبرة عن كونه قد أحل زائدة علما 0
أما قولهم: خبر ابن عباس( رضي الله عنهما ) وارد بحكم زائد فليس كذلك بل خبر عثمان( رضي الله عنه ) هو الوارد بالحكم الزائد 0فبقي أن نرجح خبر عثمان وخبر ميمونة على خبر ابن عباس رضي الله عن جميعهم 0 فخبر يزيد عن ميمونة هو الحق وقول ابن عباس( رضي الله عنه ) وهم منه بلا شك 0(1)
فكان خبر عثمان( رضي الله عنه ) هو الزائد الوارد بحكم لا يحل خلافه لأن النكاح منذ أباحه الله تعالى حلال في كل حال للصائم والمحرم والمجاهد والمعتكف(2) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وكون يزيد بن الأصم لا يعدل ابن عباس( رضي الله عنه ) فليس بشيء0 فإنه قد روي مسندا من وجوه مرضية مخرجة في الصحاح والحسان0 والقصة إذا أسندها من يحدثها تارة وأرسلها أخرى كان أوكد في ثبوتها عنده وثقته بحديث من حدثه، فإنه إنما يخاف في الإرسال من ضعف الواسطة فمتى سماه مرة أخرى زال الريب 0
__________
(1) قال الحافظ ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق ": "وميمونة أخبرت أن هذا ما وقع ،والإنسان اعرف بحال نفسه " أ0هـ نقله عنه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل 4/226-227 وقال ابن حبان في صحيحه 9/445-446 :" هذان خبران تضادا في الظاهر وعول أئمتنا في الفصل فيهما بأن قالوا إن خبر بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم وهم كذلك قاله سعيد بن المسيب وخبر يزيد يوافق خبر عثمان بن عفان رضوان الله عليه في النهي عن نكاح المحرم وإنكاحه وهو أولى بالقبول لتأييد خبر عثمان إياه والذي عندي أن الخبر إذا صح جائز ترك استعماله إلا أن تدل السنة على إباحة تركه000 " 0أ0هـ المراد من كلامه 0
(2) المحلى 7/200 0(2/10)
وابن عباس رضي الله عنه لم يعارض به يزيد بن الأصم في شيء يكون ابن عباس( رضي الله عنه ) أعلم به منه وإنما هو أمر نقلي العالم والجاهل فيه سواء 0
ثم ابن عباس( رضي الله عنه ) لم يسند روايته إلى أحد ويزيد قد أسند روايته إلى خالته المنكوحة أم المؤمنين( رضي الله عنها ) ولا ريب أنها أعلم بحالها من ابن أختها ابن عباس"( رضي الله عنه ) (1) 0
وهذا الجواب من شيخ الإسلام يرد على الإمام أبي جعفر الطحاوي في قوله : " ومن حجتنا عليهم : أن هذا الأمر إن كان يؤخذ من طريق صحة الإسناد واستقامته وهكذا مذهبهم فإن حديث أبي رافع الذي ذكروا فإنما رواه مطر الوراق ، ومطر عندهم ليس هو ممن يحتج بحديثه ، وقد رواه مالك وهو أضبط منه وأحفظ فقطعه " (2)أي أرسله 0
بل قال ابن عبد البر : إن رواية" تزوجها وهي حلال" متواترة 0(3)
3 0 ما رواه أبو رافع ( رضي الله عنه ) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما" (4)0
4 0 وعن ابن عباس ( رضي الله عنه ) في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ)(البقرة: من الآية198)0فهو لا حرج علكيم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده 0فأما الإحرام فان رسول الله صلى الله عليه وسلم :"نهى أن يتزوج أو يزوج أو ينحر حتى يخلو من إحرامه "رواه الطبراني 0
إلا أن فيه :على بن أبي طلحة ،لم يسمع من ابن عباس ( رضي الله عنه ) ، بينهما مجاهد 0وبقية رجاله ثقات ، وفي بعضهم كلام0(5)
__________
(1) شرح العمدة 3/204 0
(2) شرح المعاني 2/270 0
(3) التمهيد 1/153 ،وينظر:صحيح ابن حبان 9/442 0
(4) صحيح ابن حبان 9/442و438 ، سنن الترمذي 3/ 200 ، شرح المعاني 2/270 ،الموطأ –تنوير الحوالك ،السيوطي 1/254،السنن الكبرى 5/66 ، موارد الظمآن ص 310 0
(5) ينظر: مجمع الزوائد 4/268 0 والحديث أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 12/195 0(2/11)
5 0القياس لان عقد النكاح معنى تصير به المرأة فراشا فوجب أن يكون محظورا على المحرم كوطء الأمة (1).وأيضا فإن المقصود بالنكاح حل الاستمتاع فمن حقه ألا يصح إلا في حل يقبل الاستمتاع وأن لا يتأخر حل الاستمتاع عن العقد لأن السبب إذا لم يفد حكمه ومقصوده وقع باطلا كالبيع في محل لا يملكه والإجارة على منافع لا تستوفى0(2)
6 0ولان هذه عبادة تمنع الوطء والطيب فوجب أن يمنع عقد النكاح كالعدة(3)فإن الإحرام تحريم جميع دواعي النكاح تحريما يوجب الكفارة مثل القبلة والطيب ويمنع التكلم بالنكاح والزينة وهذه مبالغة في حسم مواد النكاح عنه 0 وعقد النكاح من أسبابه ودواعيه فوجب أن يمنع منه(4)0
7 0 الاثارعن الصحابة والتابعين :
وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو الوليد الباجي: " اكثر مالك من إدخال الآثار في هذه المسالة لان المخالف فيها عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) وهو من فقهاء الصحابة فاظهر قوة الخلاف عليه وكثرته من الصحابة والتابعين والحكم من الأئمة بخلافه وان هذه المسالة مما تهمم بها الناس في زمن الصحابة والتابعين وسألوا عنها وخاضوا فيها كثيرا "(5)0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهؤلاء أكابر الصحابة لم يقدموا على إبطال نكاح المحرم والتفريق بينهما إلا بأمر بين وعلم اطلعوه ربما يخفى على غيرهم بخلاف من نقل عنه إجازة نكاح المحرم فإنه يجوز أن يبني على استصحاب الحال" (6)0
وقال : " إن أكابر الصحابة قد عملوا بموجب حديث عثمان( رضي الله عنه ) وإذا اختلفت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون ولم يخالفهم أحد من الصحابة فيما بلغنا إلا ابن عباس ( رضي الله عنه ) وقد علم مستند فتواه0
__________
(1) المنتقى 2/238 0
(2) شرح العمدة 3/207 .
(3) المغني 3/213 0
(4) شرح العمدة 3/207 0
(5) المنتقى 2/239 0
(6) شرح العمدة ، ابن تيمية 3/190 0(2/12)
وعلم أن من حرم نكاح المحرم من الصحابة يجب القطع بأنه إنما فعل ذلك عن علم عنده خفي على من لم يحرمه فإن إثبات مثل هذه الشريعة لا مطمع في دركه بتأويل أو قياس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وأخشى من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون بخلاف من أباحه فإنه قد يكون مستنده الاكتفاء بالبراءة الأصلية0 وإن كان قد ظهر له في هذه المسألة مستند آخر مضطرب" 0(1)
وفي ضوء ما تقدم سوقه من أدلة ومناقشات يتبين لي رجحان مذهب القائلين بأن المحرم لا ينكح ولا يُنكح ولا يخطب لنفسه أو لغيره ، والله اعلم بالصواب 0
المطلب الثاني : نكاح المحلل
وصورته:ان الرجل اذا طلق امرأته ثلاثا فانها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 0فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) 0 (سورة البقرة : 229-230)وكما جاءت به سنة نبيه صلى الله عليه واله وسلم واجمع عليه امته (2) 0
وقد اختلف الفقهاء على قولين :
القول الاول :
__________
(1) شرح العمدة 3/190 0
(2) إقامة الدليل:ابن تيمية6 /8 (مطبوع مع الفتاوى الكبرى) 0(2/13)
اذا تزوجها رجل بنية ان يطلقها لتحل لزوجها الاول كان هذا النكاح حراما باطلا0 عزم بعد ذلك على إمساكها او فارقها اشترطه في العقد ام لم يفعل0
والى ذلك ذهب ابن عباس(رضي الله تعالى عنهما)0 فقد اخرج ابن ماجة بسنده عنه ان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال:(لعن الله المحلل والمحلل له) (1) 0
وروى عبد الرزاق الصنعاني ان رجلا سأل ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عمن طلق امرأته ثلاثا كيف ترى في رجل يحلها له ؟ فقال ابن عباس:من يخادع الله يخدعه 0(2)
وهو قول جماعة من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابو هريرة وعقبة بن عامر ( رضي الله عنهم ) وغيرهم (3)0
ومن التابعين وأتباعهم:سعيد بن المسيب والحسن البصري وابراهيم النخعي وعطاء ابن ابي رباح والشعبي وقتادة والاوزاعي والليث ابن سعد والثوري واسحاق ابن راهويه وخلائق غيرهم (4) 0
وبه قال مالك : انه لا يقيم على نكاحه حتى يستقبل نكاحا جديدا،وكذا الشافعي واحمد وابو يوسف من الحنفية والامام الهادي من الزيدية (5) 0
القول الثاني :
__________
(1) سنن ابن ماجة 1/622 رقم 1934 0 في اسناده زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام وكلاهما ضعيف0 ينظر : علل الحديث ابن ابي حاتم1/411، التلخيص الحبير3 /170 ، نيل الاوطار6/275 ، تحفة الاحوذي4 /263_ ،264 إرواء الغليل:الالباني6/307 ، وقوى الحافظ ابن كثير هذا الحديث بشاهدين مرسلين كما في تفسيره 1/286 0
(2) مصنف عبد الرزاق6/266 وينظر إقامة الدليل6/244 0
(3) جامع الترمذي – التحفة 4/262 ، نيل الاوطار6/275 ، الروض النضير4/143 0
(4) ينظر إقامة الدليل6/ 8 ،مختصراختلاف العلماء 2/323 ، التمهيد لابن عبد البر13/232 ، بداية المجتهد2/66 ،تفسير القرطبي3/0149
(5) مصنف عبد الرزاق6/265_266 ،المهذب2/46 ، تكملة المجموع 16/ 251 ،المبدع 7/86 ، الفروع 5/165،فتح الوهاب:2 /272،المنتقى3/199،حاشيةالدسوقي2/258،جامع الترمذي4/265،الروض النضير4/144،الهدايه2/11 0(2/14)
خالفهم في ذلك داود الظاهري وحكى الماوردي عن الامام الشافعي انه ان اشترط التحليل قبل العقد صح النكاح واحلها للاول،وان اشترطاه في العقد بطل النكاح ولم يحلها للاول 0
واليه ذهب ابن حزم،وعند الحنابلة رواية اخرى انه يكره ويصح0
واجاز التحليل من غير شرط المؤيد بالله من الزيديه والهادوية وهو قول عروة بن الزبير وسالم ابن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد،وابي ثور وهو قول الامامية (1)0
بل قال بعض الفقهاء : انه اذا تزوجها ليحلها من غير ان يعلم الزوجان فانه مأجور بذلك وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد (2) 0
الادلة
نورد هنا ادلة المذهب الاول ومن خلالها يتبين لنا ما استدل به اصحاب المذهب الاخر :
1 0 حديث عبد الله بن مسعود(رضى الله عنه)قال:(لعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)المحلَ والمحلل له ) (3) 0
والمحلل اسم فاعل من الإحلال،والمحلل اسم مفعول من التحليل والمراد من الحل هو من تزوج المرأة المطلقة ثلاثا بقصد الطلاق او شرطه لتحل هي لزوجها الاول والمراد من المحلل له الزوج الاول (4) 0
__________
(1) مختصر اختلاف العلماء 2/323فتح القدير، الكمال4/182،اعانة الطالبين4/25،المبدع7/86 ،مصنف عبد الرزاق6/267 _270،نيل الاوطار6/276 ،الروض النضير4/143 ،المحلى10/ 183 ، المبسوط ، الطوسي 4/247 0
(2) تفسير القرطبي3/150 ، تحفة الاحوذي 4/ 224 0
(3) جامع الترمذي – تحفة 4 /264 وقال حسن صحيح، سنن النسائي الصغرى 6 /149 ،المسند 1/450 سنن الدارمي2/211 ،السنن الكبرى ، البيهقي7/208 وصححه ابن القطان والذهبي وابن دقيق العيد على شرط البخاري واصل الحديث في البخاري 0 ينظر :نصب الراية 3/485 ، التلخيص الحبير 3/170 0 الدراية 1/73 جامع الاصول11/501 ، فيض القدير 5/346 ، الروضة الندية2/37 (الهامش) ، الارواء 6/307 0
(4) عون المعبود6/62 ،تحفة الاحوذي4/ 262 ، حاشية السندي على سنن النسائي 6/150 ، الفائق في غريب الحديث 1/268 0(2/15)
2 0 حديث جابر بن عبد الله وعلي بن ابي طالب (رضي الله عنهما)قالا :(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم)لعن المحل والمحلل له) (1) 0
قال الامام الترمذي: " وهذا حديث ليس اسناده بالقائم،لان مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض اهل العلم منهم:احمد بن حنبل 0 وروى عبد الله بن نمير هذا الحديث عن مجالد عن عامر عن جابر بن عبد الله عن علي وهذا قد وهم فيه ابن نمير والحديث الاول اصح " (2)0
3 0حديث عقبة بن عامر( رضي الله عنه ) قال:(الا اخبركم بالتيس المستعار؟قالوا : بلى يا رسول الله0 قال:هو المحلل0 لعن الله المحلل والمحلل له) (3)0
__________
(1) جامع الترمذي – تحفة 4/262 _263 وفيه مجالد عن جابر وهو ضعيف 0 والحارث عن علي وهو ضعيف ايضا 0 واخرجه من طريق الحارث عن علي : ابو داود في سننه 2/227 رقم 2076 ،ابن ماجة في سننه 1/622 رقم 1935 ،المسند1/83و87 ،البيهقي في السنن الكبرى 7/207و208 وصححه ابن السكن والمحدث الالباني ،ينظر التلخيص الحبير 3/170 ،نيل الاوطار 6/275 0 صحيح سنن ابن ماجة1/326 رقم 1571 0
(2) جامع الترمذي 4/264 0
(3) سنن ابن ماجة 1/623 رقم 1936 ، المستدرك : الحاكم 2/199 0السنن الكبرى ، البيهقي 7/208، المعجم الكبير 17/299، وفي اسناده يحيى بن عثمان وهو ضعيف وقد اعل بالارسال وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ووثق رواته الحافظ ابن حجر وحسٌن اسناده عبد الحق الاشبيلي وشيخ الاسلام ابن تيمه وتلميذه ابن القيم والمحدث الالباني،ينظر: نصب الراية 3/487 ، التلخيص الحبير 3/170 ، الدراية 1/73،اعلام الموقعين 3/57 0 اقامة الدليل 6/195 ،الدر المنثور 1/ 284، تحفة الاحوذي 4/ 221 ، صحيح ابن ماجة 1/326 رقم1572 0(2/16)
4 0 حديث ابي هريرة ( رضي الله عنه ) قال:قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : (لعن الله المحلل والمحلل له) (1) 0
5 0حديث ابن عمر ( رضي الله عنهما ) : " انهم كانوا يعدون التحليل سفاحا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (2) 0
قال شيخ الاسلام ابن تيمية : (وهذه سنن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)بينة في انه لعن المحلل والمحلل له وذلك من ابين الادلة على ان التحليل حرام باطل لانه لعن المحلل فعلم ان فعله حرام لان اللعن لايكون الا على معصية بل لايكاد يلعن الا على فعل كبيرة اذ الصغيرة تقع مكفرة بالحسنات،اذا اجتنبت الكبائر 0 واللعنة هي الاقصاء والابعاد عن رحمة الله ، ولن يستوجب ذلك الا بكبيرة، وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال:"كل ذنب ختم بغضب أو لعنة ،أو عذاب،أو نار فهو كبيرة000 وهذا دليل على بطلان العقد) (3) 0
__________
(1) المسند 2/323 ، السنن الكبرى ،البيهقي7/208 ، المنتقى :ابن الجارود ص رقم(684)،ابن ابي حاتم في علل الحديث1/413 والترمذي في العلل،واسحاق،والبزار ،وحسنه البخاري وابن القيم وجوُده شيخ الاسلام ابن تيمية ينظر:إقامة الدليل6/194 ،اعلام الموقعين3/56 ،زاد المعاد4/5، نصب الراية 3/487 -488 ، التخيص الحبير 3 /170 ، الدر المنثور 1/284 ، تحفة الاحوذي 4/221 ، ارواء الغليل 6/ 308 0
(2) أخرجه :الحاكم في مستدركه وصححه 2/99 ،البيهقي في سننه الكبرى7/208 ،قال الهيثمي في المجمع4/267 :"رواه الطبراني،ورجاله رجال الصحيح"وينظر:اعلام الموقعين3/59 ، نصب الراية 3/488 ، الدراية1/73 0
(3) إقامة الدليل 6/195 ،وينظر:اعلام الموقعين 3/59_60 ، مجمع البيان 9/299 0(2/17)
وقال تلميذه العلامة المحقق شمس الدين ابن القيم:(ولافرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطىء والقصد،فان القصود في العقود عندهم معتبرة،والاعمال بالنيات،والمشترط المتواطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدون كالملفوظ عندهم ،والألفاظ لاتراد بعينها، بل للدلالة على المعاني فان ظهرت المعاني والمقاصد فلا عبرة بالالفاظ لانها وسائل وقد تحققت غايتها فترتبت عليها أحكامها) (1) 0
ولما كان نكاح المحلل نكاحا فاسدا لمنافاته مقتضى عقد النكاح،ومقصوده،لأن المقصود منه إباحة البضع لغير الناكح فوجب أن يفسخ ،ولانه عقد وقع على وجه محظور ، استحق به عاقده اللعن فوجب ان يكون باطلا (2) 0
والأحاديث المتقدمة تدل على تحريم التحليل للوعيد عليه باللعن ،لأنه إما خبر عن الله تعالى،فهو خبر صادق،0000واما دعاء مستجاب قطعاً،وعلى الوجهين فهو من الكبائر الملعون فاعلها (3)0
قال العلامة محمد بن اسماعيل الامير الصنعاني:"الحديث دليل على تحريم التحليل،لانه لا يكون اللعن الا على فاعل المحرم ،وكل محرم منهي عنه،والنهي يقتضي فساد العقد،واللعن وان كان ذلك للفاعل لكنه علل بوصف يصح أن يكون علة الحكم)) (4)0
ولافرق بين صور التحليل جميعاً،فلو قال في العقد:اذا أحللتها فلا نكاح ،فهذا النكاح ، نكاح المتعة لأجل التوقيت0
أو ان يقول في العقد:اذا أحللتها طلقتها،أو ان يكون مضمراً في العقد بأن يتواطئا على التحليل ،ولا يكون النكاح الدائم هو المقصود (5)0
وقد أجاب الحنفية عن الادلة المتقدمة بما يأتي:
__________
(1) زاد المعاد 4/6 0
(2) ينظر المنتقى:الباجي3/300 0
(3) ينظر:الروض النضير4/143 0
(4) سبل السلام3/ 148 0 وينظر:المبدع7/86 ،تحفة الأحوذي4/264 0
(5) سبل السلام3/ 148 0(2/18)
أن القران الكريم قد دل على صحة نكاح التحليل بقوله تعالى:((000 حتى تنكح زوجاًغيره))(البقرة : 230 ) وهذا عموم في كل ناكح،وليس في تحريم قصد التحليل ما يدل على ان عدمه شرط في صحة النكاح، واذا لم يدل النهي على فساد عقد النكاح فأحرى أن لا يدل على بطلان التحليل (1)0
قال الامام الشوكاني: " وفي الاية دليل على انه لابد من أن يكون ذلك نكاحاً شرعياً مقصودا لذاته ،بل حيلة للتحليل،وذريعة الى ردها الى الزوج الاول (2) 0
وحملوا أحاديث التحريم على ما اذا وقع التحليل مقرونا بالشرط المؤقت:
قال الحافظ ابن حجر:"استدلوا بهذه الاحاديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج انه اذا نكحها بانت منه،أو شرط انه يطلقها،أو نحو ذلك00)) (3) 0
وقال العلامة جمال الدين الزيلعي: " استدل بهذا الحديث_ يعني لعن الله المحلل والمحلل له - على كراهة النكاح المشروط به التحليل،وظاهره يقتضي التحريم كما هو مذهب أحمد000 لكن يقال:لما سماه محللا دل على صحة النكاح لان المحلل هو المثبت للحل،فلو كان فاسدا لما سماه محللا)) (4)0
وهذا الذي ذهب اليه الحافظ الزيلعي من تأويل النص ، رده غير واحد من العلماء منهم:
1 0 العلامة أبو الوليد بن رشد فقال بعد ايراده لاحاديث النهي : ((وذلك يدل على النهي،والنهي يدل على فساد المنهي عنه،واسم النكاح الشرعي لايطلق على النكاح المنهي عنه)) (5)0
2 0 قال العلامة صديق حسن خان : ((حديث لعن المحلل مروي من طريق جماعة من الصحابة بأسانيد بعضها صحيح،وبعضها حسن،واللعن لا يكون الإ على أمر غير جائز في الشريعة المطهرة،بل على ذنب هو من اشد الذنوب0
__________
(1) ينظر:بداية المجتهد 2/66 ،فتح القدير:الشوكاني 1/239 ،تفسير السعدي ص 118 0
(2) فتح القدير:الشوكاني1/239 0
(3) التلخيص الحبير3/171 0
(4) نصب الراية3/ 489 ،وينظر:فتح القدير:الكمال4/181 ،تحفة الاحوذي4/265 0
(5) بداية المجتهد2/66 0(2/19)
فالتحليل غير جائز في الشرع،ولو كان جائزا لم يلعن فاعله،والراضي به،واذا كان لعن الفاعل لايدل على تحريم فعله،لم تبق صيغة تدل على التحريم قط0
واذا كان هذا الفعل حراما غير جائز في الشريعة،فليس هو النكاح الذي ذكره الله في قوله :"حتى تنكح زوجا غيره))(البقرة :230 )0 كما انه لو قال:لعن الله تعالى بائع الخمر،لم يلزم من لفظ بائع،انه قد جاز بيعه،وصار من البيع الذي أذن فيه بقوله((وأحل الله البيع )) (البقرة :275 )، والأمر ظاهر)) 0
ويؤيد هذا ما ذكره الإمام الطبري (1)في تفسير الاية : ((حتى تنكح زوجا غيره)) عن ابن عباس( رضي الله عنهما ) انه قال : ((اذا تزوجت بعد الأول فدخل الاخر بها فلا حرج على الاول ان يتزوجها إذا طلق الاخر ،أو مات، فقد حلت له )) (2) 0
3 0 قال شارح الترمذي أبو العلى المبار كفوري:((سماه محللا على حسب ظنه فإن من تزوج المطلقة ثلاثا بقصد الطلاق،أو شرطه،ظن أن تزوجه إياها،ووطأها يحلها لزوجها الاول،وليست تسميته محللا على انه مثبت للحل)) (3)0
واعتذر ابن حزم الظاهري عن دلالات الاحاديث المتقدمة بقوله :
(واما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لعن المحلل والمحلل له، فنعم كل ما قاله حق،الا أننا وجميع خصومنا لانختلف في ان هذا اللفظ منه ،ليس عموما لكل محلل،ولكل محلل له،وقد أعاذ الله من اللعن كل واهب وموهوب له ،وكل بائع ومبتاع،وكل ناكح،وكل منكح،لان هؤلاء كانوا محلين لشيء كان حراما ، ومحلل لهم ما كان حراما عليهم،فصح أنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد بعض المحلين،وبعض المحللين لهم ، وهو الذي يعقد نكاحه محللا بذلك فقط) (4) 0
__________
(1) تفسير الطبري2/478 ،واسناده حسن ،ينظر:تفسير ابن عباس ورواياته في التفسير من كتب السنة :الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الحميدي 1/0131
(2) الروضة الندية2/38 _039
(3) تحفة الاحوذي4/0265
(4) المحلى 10/183 0(2/20)
قال السياغي:(وفيما قال تعسف،إذا من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم أراد أمرا"خاصا،وهو تحليل النكاح المحرم لأجل البينونة،ولذا شببهه صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار،فليس المراد به العموم حتى يلزم ما ذكر،وقصر أحاديث اللعن على صورة خاصة محتاج الى دليل لان ظاهرها يعم جميع صوره) (1)0
ونحوه قول الصنعاني:(وظاهر شمول اللعن،وفساد العقد لجميع الصور،وفي بعضها خلاف بلا دليل ناهض،فلا يستعمل بها) (2)0
واجاب الحنفية :
ان اللعن قد يكون لخسة الفعل وهتك المروءة ،وتسميته محللا يقتضي صحة العقد ليترتب عليه التحليل،وليس في الحديث تصريح بعد الشرط أو اثباته فالتوفيق بينهما:أن يحمل اللعن على انه للخسه لا للتحريم لئلا يعارض قوله محللا"،فلا دلالة فيه على بطلان النكاح بمجرد أن يكون من نيته الاحلال(3)0
فالجواب:
ان اللعن قد يكون لخسة الفعل،وهتك المروءة،إدعاء محض لا دليل عليه،بل لعنة الله لاتكون الا للتحريم (4)0
ورحم الله الامام المحقق محمد بن علي الشوكاني،حيث يقول ردا على ما تقدم :ولا يخفاك أن هذا كله بمعزل عن الصواب،بل هو من المجادلة بالباطل البحت،ودفعه لايخفى على عارف)) (5)0
وبه يتبين رجحان مذهب ابن عباس ( رضي الله عنهما ) _ومن وافقه _ من القائلين بحرمة هذه النوع من النكاح ، والله تعالى أعلم بالصواب0
المطلب الثالث: زواج الزانية
… اختلف الفقهاء في من زنى بامرأة أو زنى بها غيره،على قولين هما روايتان عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) 0
القول الاول :
__________
(1) الروض النضيبر4/145 0
(2) سبل السلام 3 /148 0
(3) نقله المباركفوري عن ابي الطيب السندي الحنفي ينظر:تحفة الاحوذي4/266 وونحوه في الوسيط:الغزالي 5/115
(4) تحفة الاحوذي4/266 0
(5) نيل الاوطار6/277 0(2/21)
جواز نكاحها ، وهو الرواية الأولى عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) نقل ذلك عنه ابن قدامه وغيره(1) 0
…وهو قول ابي بكر، وعمر، وابن مسعود ( رضي الله عنهم ) ، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وسعيد بن جبير.
…قال شيخ الاسلام ابن تيمية: " وذهب كثير من الخلف والسلف الى جوازه وهو قول الثلاثة، لكن مالك يشترط الاستبراء، وابو حنيفة يجوز العقد قبل الاستبراء، اذا كانت حاملاً، لكن اذا كانت حاملاً لا يجوز له وطأها حتى تضع، والشافعي يبيح العقد، والوطء مطلقاً، لان ماءه محترم "(2). وهو قول الامامية(3)، والظاهرية يوافقون الحنفية(4).
القول الثاني :
انها تحرم على الزاني وغيره، حتى تتوب وتنقضي العدة ، وهو الرواية الثانية عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) 0 نقله عنه الامام عبدالرزاق الصنعاني ، وابن عطية ، وابن قدامة المقدسي ، والامام القرطبي (5).
وهو المروي عن علي وعائشة والبراء ـ واحدى الروايتين عن ابن مسعود ( رضي الله عنهم ) ، وبه قال الحنابلة(6).
__________
(1) المغني 7/108، المحرر الوجيز ص1345، تحفة الاحوذي 9/18-19، السنن الكبرى 7/154و155.
(2) مجموع الفتاوى 32/110. وينظر: المحلى 10/28، احكام القرآن، الجصاص 5/108، التاج والاكليل 3/418، المدونة 2/394، الفروع 5/205، كشاف القناع 5/83، شرح النيل 6/46، فتح القدير، الكمال 3/221.
(3) المسائل المنتخبة، السيستاني ص 368-369.
(4) المحلى 10/28، الاحكام في اصول الاحكام، ابن حزم 7/907.
(5) المغني 7/108، المحرر الوجيز ص1345، المصنف، عبد الرزاق 7/202، تفسير القرطبي 5/-115114.
(6) الكافي 3/53، الروض المربع ص348، منار السبيل 2/145، المغني 7/108، المحرر 2/21 المجموعة 32/109، احكام القرآن، الجصاص 5/108، حاشية ابن القيم 6/19، التحقيق، ابن الجوزي 2/274، السنن الكبرى 7/156، الانصاف 9/269، البحر الزخار 4/37.(2/22)
…قال ابن رشد: " وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قولة تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (النور:3). هل خرج مخرج الذم، أو مخرج التحريم؟ وهل الإشارة في قوله: وحرم ذلك على المؤمنين إلى الزنا أو النكاح؟.
…وانما صار الجمهور لحمل الآية على الذم، لا على التحريم، لما جاء في الحديث أن رجلاً قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) في زوجته انها لا ترد يد لامس. فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : " طلقها. فقال له: اني احبها. فقال: امسكها " (1).
__________
(1) بداية المجتهد ص425 وينظر: الروضة الندية 2/45 حاشية السندي على النسائي 6/67.
والحديث أخرجه: أبو داود في سننه 2/541 رقم (2049)، والنسائي في سننه الصغرى 6/67 وفي سننه الكبرى 6/ 67 وقال هذا خطأ، والصواب مرسل، وقال المنذري: رجال اسناده محتج بهم في الصحيح. وابن ابي شيبة في المصنف 3/ 316و 490، والبيهقي في السنن الكبرى 7/154 مسند الشافعي ص290 كلهم من حديث ابن عباس ( رضي الله عنهما ) 0ورواه الطبراني في الاوسط من حديث جابر ( رضي الله عنه ) 5/73و6/279 0 قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/335 : " رجاله رجال الصحيح " وينظر : تحفة الاحوذي 9/18 ، عون المعبود 6/32 0وقد انكر هذا الحديث ايضا يحيى بن سعيد القطان ، وقال : انما هو مرسل كما في المحدث الفاصل ، الرامهرمزي ص : 240 0(2/23)
…قال الامام الشوكاني: " فعلى تقدير ثبوته وصلاحيته للحجة، وان المراد بقوله: لاترد يد لامس، كناية عن الزنا، يكون دليلاً على جواز الإمساك، مع مزيد محبة الزوج لها، وعدم صبره على فراقها.. ثم جمع بين الحديث والاية باحد وجهين: اما حمل الاية على ابتداء النكاح دون الاستمرار عليه. واما تخصيص تحريم الامساك، بمن لا ينفع فيها هجر، ولا ضرب، ولا تتبعها نفس زوجها " (1).
الأدلة :
استدل اصحاب القول الاول :
1 0 قوله تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (النور:3).
وهي قبل التوبة في حكم الزنا، فاذا تابت زال ذلك عنها، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) (2).
قال القرطبي : " وأجمعت الامة على أن التوبة تمحو الكفر ، فيجب أن يكون ما دون ذلك أولى ، والله أعلم . قال أبو عبيد : الاستثناء يرجع إلى الجملة السابقة ، قال : وليس من نسب إلى الزنى بأعظم جرما من مرتكب الزنى ، ثم الزانى إذا تاب قبلت شهادته ، لان ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) (3) .
__________
(1) السيل الجرار 2/266 وينظر: حاشية السندي على سنن النسائي 6/67.
(2) المغني 7/108، منار السبيل 2/ 145 0
والحديث اخرجه: ابن ماجة في سننه رقم (4250 ) 2/1419، المعجم الكبير 10/ 150 ، مسند الشهاب 1/97 ، وساق طرقه البيهقي في سننه الكبرى 7/154 وحسنه الحافظ في الفتح لشواهده 13/ 393 ، وينظر : مجمع الزوائد 10/200 ، كنز العمال 4/ 207 ، فيض القدير 3/ 363-365 ، كشف الخفاء 1/296 .
(3) تفسير القرطبي 12/181 0(2/24)
2 0 حديث مرثد انه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم): أتزوج عناقاً ، وكانت بغياً ؟. فأنزل الله تعالى: (الزانية لا ينكحها..)، فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتلا عليه الآية وقال: لا تنكحها " .(1).
فقوله: لا تنكحها.. دليل على انه لا يحل للرجل ان يتزوج بمن ظهر منها الزنا. ويدل على ذلك الآية المذكورة في الحديث، لأن في آخرها (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وهو صريح في التحريم(2).
…قال العلامة ابن القيم: " واما نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه بتحريمه في سورة النور، واخبر ان من نكحها فهو اما زان، او مشرك فانه اما ان يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه او لا. فان لم يلتزمه ولم يعتقدة فهو مشرك، وان اعتقد وجوبه وخالفه فهو زان. ثم صرح بتحريمه فقال: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) .
وايضاً فانه سبحانه قال (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ). والخبيثات: الزواني. وهذا يقتضي ان من تزوج بهن فهو خبيث مثلهن.
وايضاً فان من اقبح القبائح ان يكون الرجل زوج بغي، وقبح هذا مستقر في فطر الخلق، وهو عندهم غاية المسبة.. والبغي لا يؤمن ان تفسد على الرجل فراشه وتعلق عليه اولاداً من غيره، والتحريم يثبت بدون هذا(3).
__________
(1) اخرجة: ابو داود في سننه 2/542 رقم (2051)، جامع الترمذي ـ تحفة 9/ ؟، النسائي في سننه الصغرى 6/66 ، وفي سننه الكبرى 3/270 رقم ( 5338 ) ، المسند 2/159 المستدرك 2/194 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/154 . وقال الترمذي: حديث حسن غريب، لا نعرفه الا هذا من الوجه. ووثق رواته الهيثمي في المجمع 7/74 وصحح اسناده الحاكم والالباني في ارواء الغليل 6/296 ـ 297.
(2) عون المعبود 6/ 34 ، قواعد التفسير 2/603 0
(3) زاد المعاد 4/7. وينظر: تفسير الطبري 18/93 تفسير القرطبي 12/167 بعدها، تفسير ابن كثير 2/273.(2/25)
3 0 واستدل ـ رضي الله عنهما ـ على ذلك بقوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى:25).
ثم قال: اعلم ان الله يقبل التوبة منهما جميعاً، كما يقبل منهما وهما متفرقان(1) 0
4 0 قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:119). وبهذه الآية استدل ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ على ذلك(2) 0
واستدل اصحاب القول الثاني :
… عموم الآية الكريمة: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (النور:3) (3).
ويجاب:
بان هذا العموم مخصص بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في التوبة، فإنها لم تستثن ذنباً من الذنوب لا تلحقه التوبة، والله تعالى اعلم.
المطلب الرابع :نكاح المتعة :
لم يختلف العلماء من السلف والخلف في مدلول المتعة وعناها ، وانها نكاح الى أجل لا ميراث فيه ،والفرقة تقع عند انقضاء الأجل ، كذا قال الحافظ ابن عبد البر القرطبي 0(4)
وبعد اتفاقهم على إباحتها في أول الأمر ، الا انهم اختلفوا في نسخها ، على ما سيأتي بيانه – ان شاء الله تعالى – 0
وللفقها ء في هذه المسالة ثلاثة اقوال :
القول الاول : ان المتعة مباحة غير منسوخة 0
وهو الرواية الأولى : وهي المشهورة عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) ، ألا وهي القول بإباحتها 0
__________
(1) السنن الكبرى، البيهقي 7/100.
(2) السنن الكبرى، البيهقي 7/100.
(3) المغني 7/108، تفسير ابن كثير 3/273.
(4) ينظر : المعونة 2/ 552 ، بدائع الصنائع 2/ 273 ، تفسير القرطبي 5/ 13 ، كفاية الطالب 2/67 ، جواهر العقود 2/22 ، حاشية البجيرمي 3/ 332 ، المغني 7/ 136 0(2/26)
فعن عمار مولى الشريد قال : سألت ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عن المتعة أسفاح هي أم نكاح ؟ قال : لا سفاح ، ولانكاح 0 قلت : فما هي ؟ قال : المتعة كما قال الله تعالى 0 قلت : هل عليها عدة ؟ قال : نعم 0 حيضة 0قلت : يتوارثان ؟ قال : لا 0(1)
وقال ابن عباس( رضي الله عنهما ) : " ما كانت المتعة الا رحمة من الله رحم بها عباده ، ولولا نهي عمر عنها ما زنى الا شقي "0(2)
وقرأ ابن عباس ( رضي الله عنهما ) : " فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى فأتوهن أجورهن "0(3)
وافتى بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين منهم : عبد الله بن مسعود ، وجابر بن عبد الله الانصاري ، وسلمة بن الاكوع ، وابو سعيد الخدرى ،( رضي الله عنهم ) وسعيد بن جبير ومجاهد ، ونقل عن : على بن الحسين زين العابدين ، وابى جعفر الباقر وابى عبد الله الصادق، وابى الحسن موسى الكاظم وعلى بن موسى الرضا (4)
__________
(1) ينظر : التمهيد 10/ 115 ، تفسير القرطبي 5/132 ،نيل الاوطار ص1167 0
(2) ينظر تفسير القرطبي 5/ 130 بداية المجتهد ص440 ، شرح معاني الاثار 3/27 ، ونحوه عن علي بن ابي طالب عند الطبري في تفسيره 5/13 ، وسنده منقطع ، لانه من رواية الحكم وهو لم يسمع من علي –رضي الله عنه – ورواه عبد الرزاق في مصنفه 7/ 500 ، وهو ضعيف أيضا ، وينظر : خلاصة الايجاز ص : 28 ، شرح نهج البلاغة 12/253 و 20/25 ، فقه القرآن ، الراوندي 2/106 ، الاستبصار 3/141 ، الحدائق الناضرة 24/ 117 ، وسائل الشيعة 1/19 ، كنز العمال 16/522 0
(3) ينظر : تفسير الطبري 5/ 12و13 ، تفسير القرطبي 5/ 130 ، تفسير ابن عباس 1/224 0 وهي قراءة أبي بن كعب ، وابن مسعود ، وسعيد ابن جبير ، والسدي وغيرهم وينظر : بداية المجتهد ص440 0
(4) ينظر : فقه الرضا ص : 28 ، المقنع ص : 337 ، الهداية ، الصدوق ص : 264 ، المقنعة ص : 498 ، رسالة المتعة ، المفيد ص : 10 ، شرح نهج البلاغة 12/ 253 -254 ،(2/27)
القول الثاني : انها لا تحل الا كما تحل الميتة للضرورة 0 وهو الرواية الثانية عن ابن عباس( رضي الله عنهما ) 0
قال الحافظ ابن كثير : " روي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة " 0(1)
قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس ( رضي الله عنهما ) : هل تدري ما صنعت ؟ وبم افتيت ؟ وقد سارت بفتياك الركبان ، حتى قال فيها الشاعر ، قال : وما قالوا ؟ 0قال سعيد : قالوا :
أقول وقد طال الثواء بنا معا ياصاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال : انا لله ، وانا اليه راجعون ، والله ما بهذا أفتيت ، ولا هذا أردت ، ولا أحللت الا مثل ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما يحل للمضطر ، وما هي الا كالميتة ، والدم ، ولحم الخنزير 0(2)
قال العلامة شرف الحق العظيم أبادي : " وكان ابن عباس يتأول في اباحته للمضطر اليه بطول العزوبة ، وقلة الجدة واليسار 000 0"0(3)
فهذا يبين انه سلك فيه مسلك القياس ، وشبهه بالمضطر الى الطعام وهو صحيح ، لان الضرورة في هذا الباب لاتتحقق كما تتحقق في باب الطعام الذي به قوام الانفس ، وبعدمه يكون التلف ، وانما هذا من باب غلبة الشهوة ، ومصابرتها ممكنة ، وقد تحسم مادتها بالصوم ، فليس أحدهما في حكم الضرورة 0(4)
القول الثالث : ان المتعة محرمة تحريما مؤبدا 0
وهو الرواية الثالثة عن ابن عباس( رضي الله عنهما ) : الرجوع عن الاباحة الى التحريم 0
__________
(1) تفسير ابن كثير 1/ 128 وينظر : الروضة الندية 2/ 34 0
(2) ينظر : المغني 7/ 137 ، فتح الباري 9/ 171 ، عون المعبود 6/ 59 0
(3) ينظر : عون المعبود 6/ 59 ، الروض النضير 4/ 25 0
(4) عون المعبود 6/ 59 ، الروض النضير 4/25 0(2/28)
روى الامام الترمذي عنه انه قال : " انما كانت المتعة في أول الاسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ، ليس له بها معرفة ، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه ، وتصلح له شيئه ، حتى اذا نزلت الاية : " الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " "المؤمنون :6" 0قال : فكل فرج سواهما حرام " 0(1)
قال الزهري : " ما مات ابن عباس( رضي الله عنهما ) حتى رجع عن هذه الفتيا "0(2)
__________
(1) جامع الترمذي – تحفة 4/ 269 السنن الكبرى : البيهقي 7/205 0 قال الحافظ في التلخيص الحبير 3/ 158 وفتح الباري 9/172 : ضعيف ، في اسناده موسى بن عبيد الربذي 0 وقال في الدراية 2/58 : لا يصح ، موسى ضعيف جدا وينظر : تفسير ابن عباس ومروياته 1/225 – 227 ، ارواء الغليل 6/316 ، ولهذا الاثر تخريج مطول في : القراءات واثرها في التفسير 2/514-515 0
(2) ينظر: التلخيص الحبير 3/158 ، تفسير القرطبي 5/133 ، نيل الأوطار ص1167 ، الرسائل التسع ، المحقق الحلي ص : 169 0(2/29)
والى التحريم ذهب عامة الصحابة والفقهاء ، وممن روي عنه تحريمها ، عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير( رضي الله عنهما ) 0 وهو قول الامام مالك واهل المدينة ،(1) وابي حنيفة ، وأهل الكوفة،(2) والاوزاعي في أهل الشام ، والليث في أهل مصر ، والشافعي ،(3) وسائر أصحاب الاثار ، والامام أحمد ،(4) وهو قول داود وابن حزم ،(5) ، والزيدية ،(6) والاباضية 0(7)
وقال زفر : يصح النكاح ، ويبطل الشرط 0(8)
وفي جواهر العقود عنه : ان الشرط يسقط ويصح النكاح على التأبيد ، اذا كان بلفظ التزويج ، وان كان بلفظ المتعة فهو موافق للجماعة0(9)
__________
(1) ينظر : أحكام القرآن ، ابن العربي 1/ 496 ، التمهيد 10/ 114 ، حاشية الدسوقي 2/ 239 ، منح الجليل 3/ 304 ، شرح الزرقاني 3/197-200 ، بداية المجتهد ص440 0
(2) ينظر : شرح المعاني 3/24 ، فتح القدير ، ابن الهمام 3/ 247 ، بدائع الصنائع 2/274 ، العناية شرح الهداية 3/ 247 ، البحر الرائق 3/ 116 0
(3) ينظر : السنن الكبرى : البيهقي 7/ 207 ، تحفة المحتاج 7/ 224 ، نهاية المحتاج 6/ 215 ، اختلاف الحديث الشافعي ص216 0
(4) ينظر : المغني 7/ 137 ، المبدع 7/87، كشاف القناع 5،97 ، مطالب اولي النهى 5/133 0
(5) ينظر : المحلى 9/ 130 ، الاحكام : ابن حزم 4/481 0
(6) ينظر : البحر الزخار 4/ 22 ، الروض النضير 4/ 22- 31 ، نيل الاوطار 6/ 268
(7) ينظر : شرح النيل 6/ 319 و7/422 0
(8) المغني 7/ 137 ، المحلى 9/520 ، بدائع الصنائع 2/ 273 ، اعانة الطالبين 3/ 278 و4/144-145 0
(9) جواهر العقود 2/22 0(2/30)
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الاجماع على تحريمها من غير استثناء كالقاضي ابي بكر بن العربي ، ومنهم استثنى الروافض كالقاضي عياض ، وابن المنذر ، والخطابي الذي يقول : تحريم المتعة كالاجماع الا بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات الى علي( رضي الله عنه ) ، وآل بيته ، فقد صح عن علي( رضي الله عنه ) انها نسخت ، ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد انه سئل عن المتعة فقال : هي الزنا بعينه 0(1)
وجزم جماعة من الائمة بتفرد ابن عباس( رضي الله عنهما ) بإباحتها ، فهي من المسائل المشهورة في ندرة المخالف 0 (2)
قال ابن قدامة :" وحكي عن ابن عباس رضي الله عنه انها جائزة ، وعليه اكثر أصحابه عطاء ، وطاووس ، وبه قال ابن جريج ، وحكي عن أبي سعيد وجابر واليه ذهب الشيعة " 0(3)
وقال ابن بطال : روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس( رضي الله عنهما ) اباحة المتعة ، وروي عنه الرجوع بأسانيد فيها مقال ، واجازة المتعة عنه أصح ، وهو مذهب الشيعة 0(4)
قال ابن عبد البر : " وقد كان العلماء قديما وحديثا يحذرون الناس من مذهب المكيين في المتعة والصرف " 0(5)
__________
(1) ينظر : تفسير القرطبي 5/133 ، فتح الباري 9/173 ، عون المعبود 6/ 59 ،جواهر العقود 2/ 22 ، نيل الاوطار ص : 1168 0
(2) ينظر : فتح الباري 9/173 0
(3) المغني 7/137 ، وسائل الشيعة 14 / 441 0
(4) ينظر : الفتح 9/ 173 ، نيل الاوطار ص1167 0
(5) التمهيد 10/ 113 0(2/31)
وممن حكي عنه جواز المتعة : جابر بن عبد الله ، واسماء بنت أبي بكر ، وابن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وابن الزبير ، ومعاوية وغيرهم ( رضي الله عنهم ) وفي ثبوت استمرارهم على القول بحلها نظر كثير 0(1)
الادلة لما ذهب اليه ابن عباس –رضي الله عنهما – من الجواز :
1 0 قراءته وطائفة منهم ابي بن كعب وسعيد بن جبير قوله تعالى :" فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى فأتوهن أجورهن " (2)0
معنى هذه القراءة : جواز متعة النساء ، فالرجل اذا استمتع بالمرأة فلها اجرها ، ثم لا جناح عليكم اذا انقضى اجل المتعة ان يزدنكم في الاجل ، وتزيدون في الاجر من غير استبراء (3) 0
وأجيب عنها :
بان هذه القراءة ، قراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين ، ولايجوز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا ، لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه 0(4)
قال ابو الفتح نصر بن ابراهيم المقدسي : " ان قوله : " الى اجل مسمى " ليس بقرآن ، وليس بمنزل من الله تعالى ، لانه ليس بين الدفتين ، ولو كان من القرآن لوجدناه فيه ولجازت قراءته في المحاريب ، وبين اظهر الناس ، ولما لم يجز ذلك بحال ، علم انه ليس من القرآن ، وكفانا بالمصحف واجماع الصحابة ، الا ترى انا اجمعنا على ان سورتي القنوت ليستا من القرآن ، وان كانتا في قراءة أبي ، فكذلك هذا مثله " (5) 0
__________
(1) ينظر : التمهيد 10 / 111 – 113 ، المحلى 9/ 519 ، شرح مسلم ، النووي 9/159 فتح الباري 9/ 174 ، التلخيص الحبير 3/ 158 –160 ، الدراية 2/ 57 –59 ، نيل الاوطار ص1167 –1168 ، فقه الامام علي بن أبي طالب ، د 0 أحمد الباليساني ص511 –515 0
(2) معاني القرآن ، النحاس 2/61 0
(3) ينظر : القراءات واثرها في التفسير والاحكام ، د0 محمد بن عمر بازمول 2/513 0
(4) ينظر : تفسير الطبري 5/ 13 ، شرح النووي 9/ 159 0
(5) تحريم نكاح المتعة ، المقدسي ص : 179 نقلا عن : القراءآت واثرها في التفسير والأحكام 2/517 0(2/32)
قال الامام الشوكاني : " واما قراءة ابن عباس( رضي الله عنهما ) 000 فليس بقرآن عند مشترطي التواتر ، ولا سنة لأجل روايتها قرآنا ، فيكون من قبيل التفسير للاية ، وليس ذلك بحجة 0(1)
وقال العلامة ابن الجوزي :" وقد تكلف قوم من مفسري القراء ، فقالوا: المراد بهذه الاية نكاح المتعة ، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء ، وهذا تكلف لايحتاج اليه ، لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ، ثم منع منها فكان قوله منسوخا بقوله 0وأما الاية ، فانها لم تتضمن جواز المتعة ، لان الله تعالى قال : " أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين " 0 فدل ذلك على النكاح الصحيح 0 قال الزجاج : ومعنى قوله : " فما استمتعتم به منهن " فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت ، وهو قوله : "محصنين غير مسافحين " أي : عاقدين التزويج 0 " فآتوهن أجورهن " أي : مهورهن 0 ومن ذهب في الآية الى غير هذا فقد أخطأ، وجهل اللغة "0(2)
2 0 أحاديث الاباحة :
فقد ثبت اباحة النبي صلى الله عليه وسلم لها في مواطن متعددة ، منها : عمرة القضاء ، ومنها في خيبر ، ومنها عام الفتح ، ومنها يوم حنين 0(3)
الا انه قد ثبت النسخ من حديث جماعة من الصحابة0(4) منهم :
__________
(1) نيل الاوطار ص 1169 0 وينظر : منتهى الوصول والأمل ، ابن الحاجب ص 46 ، علم اصول الفقه ، خلاف ص21 ، أصول الاحكام ، استاذنا صبحي محمد جميل ص :38 0
(2) زاد المسير ص272 وينظر : القراءات واثرها 2/ 516-517 0
(3) ينظر : نيل الاوطار ص1168 ، الروض النضير 4/24 0
(4) بل قال ابن رشد المالكي بأن روايات التحريم متواترة 0 ينظر : بداية المجتهد ص : 440 0(2/33)
سبرة الجهني ( رضي الله عنه ) :" انه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة فأذن لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في متعة النساء 0 قال : فلم يخرج حتى حرمها رسول الله – صلى الله عليه وسلم " وفي لفظ من حديثه :" وأن الله حرم ذلك الى يوم القيامة "0(1)
وفي الصحيحين من حديث علي( رضي الله عنه ) :" ان النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن متعة النساء يوم خيبر "0(2)
ففي النصين المتقدمين دليل لمن قال بالتحريم ، اذ صرح في هذا الحديث بنسخ حلها ، وممن نقل النسخ الامام الطحاوي وابن شاهين والعلامة المازري (3) 0
قال الحافظ ابن حجر : " قوله : (الى يوم القيامة ) اشارة الى ان التحريم الماضي كان مؤذنا بان الاباحة تعقبه بخلاف هذا التحريم فانه تحريم مؤبد لا تعقبه اباحة اصلا " (4) 0
وقال الامام الخطابي : " تحريم نكاح المتعة كالاجماع بين المسلمين ، وقد كان ذلك مباحا في صدر الاسلام ، ثم حرمه في حجة الوداع ، وذلك في آخر ايام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الائمة " (5) 0
__________
(1) صحيح مسلم 2/1023 ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي 0
(2) صحيح البخاري – فتح 7/481، صحيح مسلم 2/ 1027 ، جامع الترمذي تحفة 4/ 267 – 268 ، سنن النسائي الصغرى 6/ 126 و 7/ 203 ، سنن النسائي الكبرى 3/160 و328 رقم 4883 و 5548 ، سنن ابن ماجة 1/630 رقم 1931 ، المسند 3/404 ، سنن الدارمي 2/86 ، صحيح ابن حبان 9/ 450 ، الاستبصار الطوسي 3/ 142 ، وسائل الشيعة ، الحر العاملي 21/ 12 0
(3) معالم السنن 2/558 ، شرح معاني الاثار 3/26 ، ناسخ الحديث ومنسوخه ص : 354 ،شرح صحيح مسلم 9/189 0
(4) فتح الباري 9/212 0
(5) معالم السنن 2/558-559 0(2/34)
وقال الامام الشوكاني :" وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع ، وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد ، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به "(1)0 والله تعالى اعلم 0
المطلب الخامس : نكاح الربائب(2)
ذهب ابن عباس رضي الله عنهما الى جواز نكاح الربيبة يشرط عدم الدخول بأمها . نقله عنه الطبري، وابن عبد البر ، وابن حزم ، والسرخسي ، وغيرهم(3).
__________
(1) نيل الأوطار ص1169 0وبين المانعين والمجيزين لنكاح المتعة أبحاث طويلة أعرضنا عن ايراد ما فيها لشهرتها ، وكثرتها فليراجع : تحريم نكاح المتعة ، ابي الفتح نصر بن ابراهيم المقدسي ، ت: حماد الانصاري ، مكتبة دار التراث ، المدينة المنورة ، ط1/1408 هـ ، المفصل في احكام المرأة ، 6/163 –188 ، الروض النضير 4/ 26 – 31 0
ومن كتب الامامية يراجع :رسالة في المتعتين ، السيد علي الحسين الميلاني ص 11/36 اصدارات مركز الابحاث العقائدية – طهران ، بلا تاريخ ولاطبعة ، زواج المتعة في كتب اهل السنة ، السيد أمير محمد القزويني 0 اصدارات مركز الابحاث العقائدية – طهران
مسائل فقهية : عبد الحسين شرف الدين الموسوي ص 60 – 73 اصدارات مركز الابحاث العقائد - طهران ، الرسائل التسع ، المحقق الحلي ص : 169 – 172 ، تفسير الميزان 4/295- 312 0
(2) الربيبة: هي بنت زوجته من غيره، ينظر: إعانة الطالبين: 3/336، الثمر الداني ص:447، تكملة المجموع: 16/218، تفسير الطبري: 4/426.
(3) المغني: 7/473، مصنف عبد الرزاق: 6/276، مصنف ابن أبي شيبة: 3/308، المحلى: 9/528، المبسوط: 4/199، الثمر الداني ص:447.(2/35)
وبه قال : عمر ، وعلي ، وجابر، وزيد بن ثابت ، وابن الزبير من الصحابة رضي الله عنهم ، ومجاهد، والزهري، وسالم، وربيعة، والقاسم، وداود وابن حزم(1).
واستدلوا :
1 0 قوله تعالى: ((رَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ))(النساء: من الآية23).
فلم يحرم الله عز وجل الربيبة بنت الزوجة أو الأمة إلا بالدخول بها، وأن تكون هي في حجره، فلا تحرم الا بالأمرين معاً، لقوله تعالى بعد ان ذكر ما حرم من النساء: ((وأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ )) وما كان ربك نسيا(2).
والمقصود بالدخول الجماع كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما وغيره(3).
2 0 قوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: ((والله لو لا أنها ربيبتي في حجري ما حلت لي)) (4).
قال الإمام النووي : " أنه حرام على بسببين كونها ربيبة وكونها بنت أخي فلو فقد أحد السببين حرمت بالآخر " (5) 0
__________
(1) كشاف القناع: 5/78، تفسير القرطبي: 5/106، المحلى: 9/527، الأم5/5و26 و 7/29، حواشي الشرواني: 1/262، تكملة المجموع: 16/217، مختصر المزني ص: 168، شرح الأزهار: 1/410، المبسوط: 30/292.
(2) المحلى: 9/527، تفسير القرطبي: 5/112.
(3) تفسير القرطبي: 5/106، تفسير الطبري: 4/426، تفسير الثعالبي: 2/200، الدر المنثور:2/136، مصنف عبد الرزاق: 6/277، السنن الكبرى، البيهقي: 7/162.
(4) صحيح البخاري- فتح:9/ 107 ، صحيح مسلم – شرح النووي 10/ 25 ، سنن ابي داود – عون المعبود 6/ 40 ، النسائي في سننه الكبرى:3/290 رقم(5415)وفي سننه الصغرى: 6/94 ، سنن ابن ماجة 1/624 رقم ( 1939 ) المسند6/309 ، صحيح ابن حبان 9/ 422 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/ 75
(5) شرح مسلم:10/26 0(2/36)
وقال الإمام النووي: ((فيه حجة لداود الظاهري، ان الربيبة لا تحرم إلا اذا كانت في حجر زوج أمها، فأن لم تكن في حجره فهي حلال له، وهو موافق لظاهر قوله تعالى: ((رَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)) (1).
ثم رد النووي هذا الاستدلال بقوله: ((والتقييد اذا خرج على سبب لكونه الغالب، لم يكن له مفهوم يعمل به، فلا يقصر الحكم عليه، ونظيره قوله تعالى: (ولا تقتلوا اولادكم من إملاق)) 0 ومعلوم أنه يحرم قتلهم بغير ذلك أيضا، لكن خرج التقييد بالإملاق، لأنه الغالب)) (2).
فالآية لم تخرج مخرج الشرط، وإنما وصفها بذلك تعريفا لها، كأن العادة ان الربيبة تكون في حجره(3).
وخالف هذا القول جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة، والزيدية والأمامية، فرأوا حرمة نكاح الربيبة، سواء كانت في حجره أم في حجر غيره(4).
واستدلوا:
1 0 قوله تعالى ((وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن))فاشترط الدخول بالأم لحرمة الربيبة(5).
0عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نكح امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها حرمت عليه أمها، ولم تحرم عليه ابنتها)). أخرجه الطبري وقال: في اسناده نظر(6).
__________
(1) شرح مسلم:10/26، تفسير القرطبي: 5/112.
(2) شرح مسلم: 10/26، وينظر: البرهان، الزركشي: 2/39.
(3) ينظر: المغني: 7/473، الشرح الكبير: 7/476، شرح معاني الآثار: 4/359و 364، تكملة المجموع: 16/218، البرهان: 2/23.
(4) الأم:5/26، المغني: 7/473، المدونة:2/473، المبسوط: 30/292، شرح الأزهار: 1/410، منهاج الصالحين، الخوئي: 2/260.
(5) تحفة الفقهاء: 2/123، المبسوط:4/199، الثمر الداني ص:447.
(6) تفسير الطبري: 4/225، وينظر المغني:7/473، الشرح الكبير:7/476، تكملة المجموع: 16/218.(2/37)
0قوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: (( لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)) (1)
0واستدل ابن المنذر بإجماع علماء الأمصار على هذا القول، وقال ابن عبد البر بعد ان ذكر من اجازه : ((وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى، ولا من تبعهم)) (2).
والجواب عنه ظاهر، كيف يكون إجماعاً ومن القائلين بخلافه من هم من خيار فقهاء الصحابة: عمر، وعلي، وزيد( رضي الله عنهم ) وغيرهم.
0 ان التربية لا تأثير لها في التحريم كسائر المحرمات (3).
والذي يظهر لي بعد عرض أدلة القولين هو رجحان مذهب جمهور العلماء، والله تعالى اعلم.
المبحث الرابع : من أسباب التحريم في النكاح ( الرَّضاع )
وفيه المطالب الآتية :
المطلب الأول : من أحكام الرضاع وفيه الفروع الآتية :
الفرع الأول : لبن الفحل
الفرع الثاني : مقدار الرضاع المحرم
الفرع الثالث : سن الرضاع
الفرع الرابع : رضاع الكبير
الفرع الخامس : شهادة امرأة واحدة على الرضاع
المطلب الثاني :الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من الرَّضاع
المطلب الأول : من أحكام الرضاع وفيه :
الفرع الأول : لبن الفحل
__________
(1) صحيح البخاري- فتح 9/ 107 ،صحيح مسلم – شرح النووي:10/26، سنن ابي داود- عون: 6/40، صحيح ابن حبان: 9/422، النسائي في سننه الصغرى: 6/94و95،سنن ابن ماجه: 1/624 رقم_1939)، المسند 6/309و428، السنن الكبرى البيهقي: 7/75، مسند الشافعي ص:272 0
(2) المغني: 7/473، الشرح الكبير:7/476، تفسير القرطبي: 5/106.
(3) المغني: 7/473، الشرح الكبير:7/476، تفسير القرطبي: 5/106، أحكام القرآن، الجصاص: 2/162.(2/38)
معناه: أن المرأة إذا أرضعت طفلاً بلبن ثاب من وطء رجل، حرم الطفل على الرجل وأقاربه، كما يحرم ولده من النسب، لأن اللبن من الرجل كما هو من المرأة فيصير الطفل ولداً للرجل، والرجل أباه، وأولاد الرجل أخوته، سواء كانوا من تلك المرأة ، أو من غيرها، وأخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته، وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته(1) .
وللفقهاء قولان هي هذا :
القول الاول : انه يثبت به التحريم
وإليه ذهب ابن عباس( رضي الله عنهما ) فيما نقله عنه الأئمة ، البخاري، والشافعي، وعبد الرزاق وأبن أبي شيبة وغيرهم.
سئل ابن عباس( رضي الله عنهما ) عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاماً، وأرضعت الأخرى جارية، هل يتزوج الغلام الجارية؟ قال: لا، اللقاح واحد(2) .
وإليه ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة، والتابعين، والمذاهب المتبوعة المشهورة(3) .
الأدلة:
1 0 استدل ابن عباس( رضي الله عنهما ) بحديث عائشة ( رضي الله عنها ) أن افلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها بعد الحجاب قال: فأبيت أن أذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعته فأمرني أن آذن له علي، وقال: انه عمك.
__________
(1) ينظر: المحلى: 10/2، الكافي، ابن قدامة:3/399، زاد المعاد:4/168، أحكام الزواج:ص246.
(2) البخاري، فتح 9/ 124 ، الأم:5/ 24 و7/237 ، المصنف، ابن أبي شيبة:4/17، مختصر المزني ص : 226 ، المبسوط 30/ 293 ، جامع الترمذي، تحفة:4/306، المغني 9/ 200 ،المحلى 10/4 ، زاد المعاد:4/167.
(3) المحلى:10/4، مختصر اختلاف العلماء:2/318، الكافي، ابن عبد البر ص:243، المعونة:2/691، شرح الزرقاني:3/308، الخلاف، الطوسي:5/93-94، المبسوط، الطوسي:4/204، المبدع:8/161، نيل الأوطار ص:1284و1285، الروض النضير:4/88، مغني المحتاج:3/418، روضة الطالبين ص:1544، بداية المجتهد ص:424، زاد المعاد :4/171.(2/39)
وفي رواية: ((دخل عليّ أفلح فاستترت منه، فقال: اتسترين مني، وأنا عمك؟ قلت: ومن أين؟ قال: أرضعتك امرأة’ أخي ، قلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل...)) (1) .
فدلالته صريحة على أن زوج المرضعة وأقاربه كالمرضعة، وذلك من تنبيهها على ذكر المرأة وأن الرجل لا مدخل له في ذلك، فأعلمها أن اللبن للرجل أيضا وأنهما مشتركان فيه(2) .
2 0أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة فقال: انها لا تحل لي، انها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم .وفي لفظ: ((من النسب)) (3) .
فأفاد الحديث أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وذلك بالنظر إلى أقارب المرضع، لأنهم أقارب للرضيع(4) 0.
ولأنهما يشتركان في اللبن، ولأنه أحد الأبوين، فلم يعتبر اجتماعهما فيه، ولأنه تحريم يثبت بالنسب فيثبت بالرضاع(5) .
القول الثاني :
__________
(1) ينظر: مختصر اختلاف العلماء: 2/318، والحديث أخرجه: البخاري في صحيحه - فتح : 9/124 ، احمد في المسند 1/275، الترمذي في جامعه – تحفة 4/304، ابو داود: في سننه 2/ 191رقم(2057)، النسائي في سننه الصغرى 6/103، ابن ماجه في سننه رقم(1949) ، وينظر: المنتقى للمجد ص: 1284، بلوغ المرام – بشرحه سبل السلام 3/216.
(2) الروض النضير: 4/88، نيل الأوطار ص:1284، سبل السلام 3/216.
(3) رواه: البخاري في صحيحه - فتح:5/253، مسلم في صحيحه 2/1071، احمد في المسند 1/275.
(4) ينظر: نيل الأوطار ص:1284، سبل السلام 3/217.
(5) ينظر: المعونة:2/691، السبل 3/216.(2/40)
روي عن عائشة، وأبن عمر وأبن الزبير، ورافع بن خديج، وزينب بنت أم سلمة( رضي الله عنهم ) ، وسعيد بن المسيب، وأبي سلمة، والقاسم بن محمد، وسالم، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والشعبي، والنخعي، وأبي قلابة، وأياس بن معاوية، أنه لا يثبت حكم الرضاع للزوج. وهو قول لبعض الامامية(1) .
والحجة لهم:
أن الرضاع إنما هو للمرأة التي اللبن منها يدل عليه قوله تعالى: ((وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)) 0
وأجيب:
بأن الآية ليس فيها ما يعارض الحديث، فأن ذكر الأمهات لا يدل على أن ما عداهن ليس كذلك(2)
ولأجل ما تقدم ذكره فان الراجح هو قول ابن عباس ( رضي الله عنهما ) ، وذلك لاعتماده على السنةالنبويةالصحيحة،والله تعالى أعلم 0
الفرع الثاني : مقدار الرَّضاع المحرِّم
اختلف الفقهاء في القدر الذي يقع به التحريم على اقوال :
القول الاول :
ان التحريم يتعلق بالرضعة الواحدة أي انهم لم يحددوا مقداراً معيناً له، وهو الرواية الاولى عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) فيما نقله عنه ابن أبي شيبة، وابن حزم، وابن الجوزي وغيرهم(3) 0
__________
(1) ينظر: المحلى:10/3-4، الموسوعة الفقهية22/249، مختصر اختلاف العلماء2/318، المغني8/88، الخلاف- الطوسي 5/93-94، نيل الأوطار ص:1284، عون المعبود 6/42، الروض النضير4/88.
(2) ينظر: بداية المجتهد ص:424، سبل السلام 3/216.
(3) المصنف، ابن ابي شيبة 3/548، زاد المسير ص:269، المغني 8/138، سبل السلام 3/213، بداية المجتهد ص:421، زاد المعاد 4/174، المحلى 10/12.(2/41)
وهو المنقول عن: عمر وعلي، وابن عمر ( رضي الله عنهم ) ، والحسن، وطاوس، والشعبي، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة وأصحابه، ورواية عن أحمد، وبعض الزيدية(1) .
والحجة لهم:
1 0 عموم قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( النساء : 23 ) وهذا الإطلاق يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير(2) .
وأجيب:
بأن الآية مجملة بينها الشارع بالعدد، وضبطه به، وبعد البيان لا يقال أنه ترك الاستفصال(3) .
2 0 عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " يحرم من الرضاعة، ما يحرم من الولادة"(4) .
__________
(1) ينظر: المغني 8/138، المبدع 8/166، المعونة 2/687،الروض النضير 4/88، جامع الترمذي 4/309، الكافي، ابن عبد البر ص:242، شرح الزرقاني 3/309، المحلى:10/4، أحكام القرآن ، الجصاص 2/178، زاد المسير ص:269، بداية المجتهد ص: 421، فتح القدير، الكمال: 3/440.
(2) ينظر: المدونة 2/688، سبل السلام 3/213، نيل الأوطار ص:1281، الشرح الممتع 5/188، فقه الامام علي ص :553.
(3) ينظر: سبل السلام 3/213.
(4) صحيح مسلم 2/1068، صحيح البخاري - فتح 9/338.(2/42)
3 0 عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الرضاعة من المجاعة"(1) .
4 0 قوله صلى الله عليه وسلم لزوجة أبي حذيفة (رضي الله عنه) : " أرضعيه تحرمي عليه"(2) .
من غير تحديد لعدد الرضعات(3) .
وأجيب:
بأن التحديد ثابت، كما سيأتي ذكره- ان شاء الله تعالى- 0
القول الثاني :
ان التحريم يثبت بخمس رضعات مشبعات معلومة، حكاه ابن المنذر عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) وغيره وهو الرواية الثانية عنه (4) .
وإليه ذهب ابن مسعود، وعائشة، وابن الزبير ( رضي الله عنهم ) ، وعطاء ، وطاووس، وسعيد بن جبير، وعروة، والليث، وإسحاق، ومالك، وهو المذهب عند الحنابلة، وابن حزم،والشافعي، وغيرهم(5) .
والحجة لهذا المذهب:
1 0 ما روته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها -قالت: " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمسٍ معلومات، فتوفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وهن فيما يقرأ من القرآن"(6) .
__________
(1) صحيح البخاري- فتح 9/146، صحيح مسلم 2/1078، المسند 6/94، سنن الدارمي 2/158، سنن أبي داود 2/548 رقم(2058)، سنن النسائي الصغرى 6/102، سنن ابن ماجه 1/626 رقم ( 1945 ) 0
(2) رواه: مسلم في صحيحه 2/1077.
(3) ينظر: الشرح الممتع 5/188.
(4) تحفة الأحوذي 4/309، نيل الأوطار ص: 1280، المحلى 10/12.
(5) المحلى 10/9، الأم:/31، المغني 8/138، نيل الأوطار ص:1280، الروض النضير 4/93-94، تحفة الأحوذي 4/308-309، الروضة الندية 2/180، بداية المجتهد ص: 421، روضة الطالبين ص: 1541، الكافي، ابن قدامة 3/342، مغني المحتاج3/416، الروض المربع ص:411.
(6) صحيح مسلم 2/1075، سنن الدارمي 2/157، سنن ابي داود 2/551 رقم(2062)، جامع الترمذي – تحفة 4/308، سنن النسائي الصغرى: 6/100، سنن ابن ماجه 1/625 رقم(1492)، السنن الكبرى ، البيهقي 7/454.(2/43)
وفي رواية: " فتوفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، والأمر على ذلك " (1) .
2 0 وفي حديث سهلة بنت سهيل( رضي الله عنها ) : " أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أمرها أن ترضع سالماً مولى حذيفة خمس رضعات" (2) .
وقد استدل بحديث عائشة على أن التحريم لا يتحقق إلا بخمس رضعات فما فوقها معلومات ، والرضعة هي المرة ، فمتى التقم الصبى الثدى فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة فالرضعة الواحدة والرضعتان والثلاث والاربع (3) 0
فان قيل: كيف تكون هذه الخمس من كتاب الله ولا توجد فيه؟ وكيف تقول: فتوفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، وهي في ما يتلى من القرآن، والقرآن محفوظ، ولو كان هذا الحديث ثابتاً، لوجب أن تكون الآية باقية ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفى وهي فيما يتلى من القرآن ؟
فالجواب: -
أن قولها: " وهي فيما يتلى من القرآن، معناه: أن نسخها كان أخيراً عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فكان من لم يعلم بالنسخ يتلوها، ومن علم بالنسخ ما كتبها في المصاحف، ولا تلاها.
__________
(1) جامع الترمذي- تحفة 4/308.
(2) رواه مسلم في صحيحه 2/1076.
(3) شرح مسلم 10/27 ، فتح الوهاب 2/195 ، حواشي الشرواني 8/189 ، تكملة المجموع 18/216 0(2/44)
ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة (1)، كالرجم في الزنا، حكمه باق مع ارتفاع التلاوة في القرآن، أو أن الحكم يثبت بأخبار الآحاد، ويجب العمل به، والقرآن لا يثبت بأخبار الآحاد فلم يجز كتبه بين الدفتين(2) .
القول الثاني :
ذهب بعض أهل العلم منهم: علي، وزيد بن ثابت( رضي الله عنهم ) ، وأبو ثور، وأبن المنذر، ورواية عن أحمد، وداود الظاهري، وأبو عبيد أن التحريم يقع بثلاث رضعات(3) .
والحجة لهم:
قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تُحرّم المصة ولا المصتان"(4) .
__________
(1) في نسخ التلاوة دون الحكم ينظر : الفصول في الاصول 2/253 ، اصول السرخسي 2/75 ، رد المحتار 3/ 233 ،المحصول 3/322 ، الاحكام في اصول الاحكام ، الامدي 3/141 ، سبل السلام 3/216 ، التبيان 1/ 394 ، البيان ، الخوئي 1/ 196 – 207 0
(2) ينظر: الروضة الندية: 2/175، سبل السلام: 3/216، الشرح الممتع:5/189، زاد المسير ص:269 الهامش، أحكام الزواج ص:247، الروض النضير:4/95، تحفة الأحوذي:4/308 ، تكملة المجموع 18/216 ، الديباج على مسلم بن الحجاج 4/ 59 ، تفسير الميزان 4/ 283 ، الاحكام في اصول الاحكام ، الامدي 3/141 0
(3) ينظر: المغني:8/138، المبدع:8/166، المحلى:10/10، سبل السلام:3/213، نيل الأوطار ص:1279، زاد المسير ص: 269، الروض النضير:4/95، روضة الطالبين: 1541، بداية المجتهد ص:421، الكافي، ابن قدامة:3/342، منار السبيل:2/262، المنتقى:4/152، زاد المعاد:4/174 0
(4) صحيح مسلم 2/1073، مسند أحمد6/31، سنن أبي داود – عون المعبود 6/ 48 ، سنن النسائي الصغرى 6/101، سنن ابن ماجه 1/ 624 (1941)، جامع الترمذي- تحفة 4/307 ، صحيح ابن حبان 10/39 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/ 455 ، وينظر : نصب الراية 3/413 ، ارواء الغليل 7/219 0(2/45)
قوله صلى الله عليه وسلم: " لاتحرم الرضعة أو الرضعتان، أو المصة أو المصتان"وفي لفظ:"لا تحرم الإملاجة والإملاجتان"(1) .
قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تحرم من الرضاعة المصة والمصتان"(2) .
وجه الدلالة:
أن الرضعة الواحدة والرضعتين، والمصة الواحدة والمصتين، والاملاجة والاملاجتين لا يثبت بها حكم الرضاع الموجب للتحريم.
وتدل بمفهومها على أن الثلاث من الرضعات أو المصات يقتضي التحريم(3) .
القول الثالث :
ذهب الامامية على أن القدر المحرم هو عشر رضعات متواليات، لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى، وعندهم قول اخر: ان المعتبر في التحريم هو خمس عشرة رضعة ، او رضاع يوم وليلة ، أو ما انبت اللحم وشدَّ العظم ، اذا لم يتخلل بينهن رضاع امرأة أخرى ، والقول بالرضعات العشر هو المذهب (4) .
قال الطوسي : " دليلنا : ان الاصل عدم التحريم ، وما ذكرناه مجمع على أنه يحرم ، وما قالوه ليس عليه دليل .
وأيضا : عليه إجماع الفرقة إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بقوله .
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال :( الرضاعة من المجاعة) يعني : ما سد الجوع .
__________
(1) رواه عن أم الفضل: مسلم في صحيحه 2/1074، أحمد في المسند 6/339 – 340، ابن ماجة في سننه 1/624 رقم ( 1940 ) ، ابن حبان في صحيحه 10/42 ، البيهقي في سننه الكبرى 7/455 ، الطبراني في معجمه الكبير 25/23 0
(2) رواه عن ابن الزبير: أحمدفي مسنده 4/4و5، النسائي في سننه الصغرى /101، الترمذي في جامعه – تحفة 4/307 ، الشافعي في مسنده ص : 221 ، ابن الجعد في مسنده ص : 184 ، الطبراني في المعجم الاوسط 6/224 ، والمعجم الكبير 1/ 124 0
(3) منار السبيل: 2/262، نيل الأوطار ص:1279، الشرح الممتع: 5/188.
(4) المقنعة، المفيد ص:502-503، الخلاف، الطوسي 5/95، شرائع الإسلام 2/508، الحدائق الناضرة، البحراني 23/334، بداية المجتهد ص:422، المحلى 10/9-10.(2/46)
وقال عليه السلام : (الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم) .
وعن عبدالله بن الزبير : أن النبي عليه السلام قال :( لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان) .
وروي عن عائشة أنها قالت : (كان فيما أنزل الله في القرآن أن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وهي مما يقرأ من القرآن ) .
ووجه الدلالة : أنها أخبرت أن عشر رضعات كان فيما أنزله ، وقولها : ( ثم نسخن بخمس رضعات ) قولها ، ولا خلاف أنه لا يقبل قول الراوي أنه نسخ كذا لكذا إلا أن يبين ما نسخه ، لينظر فيه هل هو نسخ أم لا ؟ " (1) 0
القول المختار:
تبين لنا مما تقدم أن الأحاديث متعارضة في إثبات القدر المحرم للرضاع الا أنها راجعة إلى قسمين:
القسم الأول: ما ورد من الرضاع مطلقاً، من دون تقييد له بعدد معين،فالأحاديث الواردة بذكر العدد تفيد التقييد كما هو الشأن في المطلق والمقيد.
القسم الثاني: ما ورد من الأحاديث بذكر العدد
أما الأحاديث التي أفادت التحريم لما سوى المصة والمصتين والرضعة والرضعتين، فهذا مفهومه أن الثلاث تفيد التحريم، وهذا يسلم لو لم يأت ما يعارضه من حديث سهلة في سالم مولى أبي حذيفة انه قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " أرضعي سالماً خمس رضعات تحرمي عليه"، فهذا كالنص الصريح في ذلك بمعنى أنك أذا ارضعتيه خمسا حرم عليك.
وهو متأيد بالرواية الأخرى عن أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ): " أُنزل في القرآن عشر رضعات معلومات، فنسخ من ذلك خمس، وصار إلى خمس..." والله تعالى أعلم بالصواب.
الفرع الثالث: سن الرَّضاع
اختلف العلماء في السن التي تعتبر في الرضاع على قولين للعلماء هما روايتان عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) :
القول الاول : لا رضاع الا في الحولين وهو الرواية الأولى عن ابن عباس ( رضي الله عنهما )0
__________
(1) الخلاف 5/97-98 ، والاحاديث التي استدل بها تقدم تخريجها 0(2/47)
روى الدار قطني ، وغيره، عن ابن عباس( رضي الله عنهما ) قال: " لا رضاع الا في الحولين " (1) .
وبه قال عمر، وابنه، وابن مسعود، وابو هريرة ( رضي الله عنهم ) ، والزهري، وقتادة، والشعبي، والثوري، وإسحاق، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وابن شبرمة، وإليه ذهب الزيدية والامامية(2) .
والحجة لهم:
1 0 قوله تعالى: " والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرَّضاعة" 0
2 0 قوله تعالى: " وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" 0
وجه الدلالة من الآيتين :
فالحمل ستة أشهر، والرضاع حولان كاملان. فجعل الله تعالى الحولين كليهما زمنا للرضاع، فمتى رضع الطفل في هذا الوقت فالرضاع مؤثر، وأن رضع بعد الحولين فالرضاع غير مؤثر(3) .
3 0 قوله صلى الله عليه وسلم: " لا رضاع الا في الحولين" وهو من رواية ابن عباس ( رضي الله عنهما ) (4) .
__________
(1) سنن الدار قطني:4/174، قال ابن القيم في زاد المعاد:4/167، اسناد صحيح، سبل السلام 3/218، ورجح الدار قطني، وابن عدي ، والبيهقي الموقوف على المرفوع 0
(2) شرح الزرقاني:3/313، المغني:8/143، الكافي:2/341، الروض النضير:4/91، أحكام القرآن، الجصاص:1/562، مشكل الآثار:4/295، المصنف، ابن أبي شيبة:3/55، المعونة:2/689، المنتقى:4/151، شرائع الإسلام:2/283، المقنعة ص:503، المبسوط، الطوسي:5/293، جواهر الكلام:29/298، روضة الطالبين ص:1540.
(3) ينظر: المعونة:2/689،الكافي، ابن قدامة:3/341، الشرح الممتع:5/191، زاد المعاد 4/177 ، فقه الإمام علي ص:554.
(4) سنن الدار قطني:4/174، السنن الكبرى، البيهقي:7/462، الكامل، ابن عدي:7/2562، وقال:"وهذا يعرف بالهيثم بن جميل، عن ابن عقبة مسنداً، وغير الهيثم يوقفه على ابن عباس.. والهيثم بن جميل يسكن انطاكية ، ويقال: البغدادي، ويغلط الكثير على الثقات كما يغلط غيره، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب " 0(2/48)
وهذا يفيد الحصر ، للرضاع المعتبر في العامين فقط ، كما هوظاهر من الحديث 0
4 0 قوله صلى الله عليه وسلم:" لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام" وهو من رواية جابر(رضي الله عنه) (1) 0
فالحديثان : دالان على اعتبار الحولين(2) 0
القول الثاني : ان الرضاع الذي يقع به التحريم ، هو ما كان قبل الفطام 0 وهو الرواية الثانية عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) فيما نقله عنه الجصاص(3) .
وإليه ذهبت أم سلمة( رضي الله عنها ) ، وبه قال الحسن والزهري، وعكرمة وقتادة، ونقل عن مالك(4) .
والحجة له:
ان زمن الرضاع هو على اسمه لأنه يتغذى باللبن، فهذا زمن الرضاع، فإذا تعدى إلى الطعام، واستغنى به عن اللبن، فقد انتهى زمن الرضاع، يدل عليه حديث أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحرم من الرضاع، الا ما فتق الامعاء في الثدي، وكان قبل الفطام"(5)
__________
(1) رواه :أبو داود الطيالسي في مسنده ص:243 رقم(1767)، والبيهقي في السنن الكبرى 7/320 ، وضعفه المنذري ، وابن حزم في المحلى 8/49 ، على أن للحديث شواهد فحسنه من أجلها الزرقاني، كما في مختصر المقاصد الحسنة ص: رقم(1207)، وينظر: مجمع الزوائد 4/ 262 ، نصب الراية 3/329، الدراية 2/68، فتح الباري 9/314 ، نيل الأوطارص :1283، ارواء الغليل 5/97، الروضة الندية 2/178 الهامش ، تحفة الاحوذي 4/ 298 0
(2) سبل السلام 3/ 218 ، من لايحضره الفقيه 3/360 ، وسائل الشيعة 11/507 ،
(3) أحكام القرآن: 1/565.
(4) أحكام القرآن:1/565، نيل الأوطار ص:1282، المعونة:2/689، الكافي ابن عبد البر ص:242، الروض النضير:4/91، بداية المجتهد ص:423.
(5) الحديث اخرجه:
الترمذي في جامعه – تحفة :4/313، وقال: حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر اهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ان الرضاعة لا تحرم الا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فانه لا يحرم شيئاً" ، النسائي في سننه الكبرى 3/301 رقم ( 5465) ، وصححه الحاكم، واعله ابن حزم في المحلى: 10/20 والشوكاني في النيل ص:1283، بالانقطاع، لأن فاطمة بنت المنذر لم تسمع من أم سلمة شيئاً لصغر سنها ، والحديث صححه الشيخ الالباني في ارواء الغليل:7/221: وينظر: تحفة الاحوذي:4/314.(2/49)
.
وحديث ام سلمة رضي الله عنها فيه : تثبيت قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع عن الطعام باللبن ويعتضد بقوله تعالى لمن أراد أن يتم الرضاعة فإنه يدل على أن هذه المدة أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعا فما زاد عليه لا يحتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعا إذ لا حكم للنادر (1) 0
ثم ان الحكمة من تأثير الرضاع، هو أن الجسم ينمو عليه، ولذلك فرضاع الكبير لا يؤثر، لأن الجسم لا ينمو عليه، فإذا كان كذلك فهو بعد الفطام لا يؤثر فيه، وأما قبله فيؤثر(2) .
ولا يظهر لي كبير اختلاف بين القولين يدل على ذلك ما ذكره غير واحد من أهل التفسير في قوله تعالى" والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن اراد أن يتم الرضاعة"(البقرة:233) ، من ان ذلك ليس حتماً- أي الارضاع لحولين- بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما دونه، ويجوز الزيادة على الحولين (3).
وقد روي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما )أنه قال: " هي في الولد الذي يمكث في البطن ستة أشهر، فان مكث سبعة أشهر، فرضاعه ثلاثة وعشرون شهراً، فان مكث ثمانية أشهر فرضاعه اثنان وعشرون شهراً، فان مكث تسعة أشهر فرضاعه أحد وعشرون شهراً(4) .
فاذا وقع الرضاع في هذه المدة أفاد التحريم على كلا الروايتين والله تعالى اعلم.
الفرع الرابع :رضاع الكبير
للعلماء قولان في رضاع الكبير :
القول الاول :
ذهب ابن عباس ( رضي الله عنهما )إلى أن رضاع الكبير لا يحصل به التحريم(5) .
__________
(1) فتح الباري 9/121 0
(2) ينظر: نيل الاوطار ص:1283، الشرح الممتع:5/192 0
(3) ينظر : تفسير الطبري 5/32 ، قواعد التفسير 1/298-299 0
(4) ينظر: المحرر الوجيز ص:206-207، فتح القدير، الشوكاني:1/244-245، تحفة الأحوذي: 4/314.
(5) المحلى: 10/18و19، بداية المجتهد، ص422.(2/50)
وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، الا عائشة( رضي الله عنهم ) ، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وداود، ومالك، وأحمد، والامامية، والزيدية(1) .
واستدلوا :
1 0 قوله تعالى: " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرَّضاعة" ( البقرة :233 ) 0
وجه الدلالة :
قال الطوسي : " فيه دليلان : الاول : أنه جعل الحولين تمام الرضاعة ، ومعلوم أنه لم يرد الاسم واللغة ولا الجواز ، فانه ينطلق على بعد الحولين ، ثبت أنه أراد الرضاع الشرعي الذي يتعلق به الحرمة والتحريم . والثاني : حده بالحولين ، فلا يخلو إما أن يريد جواز الرضاعة ، أو الكفاية ، أو التحريم ، فبطل أن يريد الجواز ، لانه جائز بلا خلاف ، وبطل أن يريد الكفاية لانه قد يكتفي بدون الحولين . فلم يبق إلا أنه حده بهذه المدة لان الحكم بها يتعلق لا غيره " (2).
وقال العلامة الصنعاني: " والقول بأن الآية لبيان الرضاعة الموجبة للنفقة لا ينافي أيضا أنها لبيان زمان الرضاعة، بل جعله الله تعالى زمان من أراد إتمام الرضاعة، ليس بعد التمام ما يدخل في حكم ما حكم الشارع بأنه قد تم"(3) .
2 0 قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام"(4) 0
فانه يعني حالة الحاجة إلى الغذاء واللبن(5) .
القول الثاني :
__________
(1) ينظر: المدونة 2/407 ، الأم:5/28، مغني المحتاج:3/416، الكافي:3/341، زاد المسير: ص141 ، الروض النضير:4/93، المحلى:10/17، أحكام القرآن، الجصاص:1/560، تحفة الفقهاء 2/236 ، المعونة:2/689، مواهب الجليل 8/ 145 ، المقنعة:ص503، جواهر الكلام:29/298، المحلى:10/19.
(2) الخلاف 5/98-99 0وينظر : جامع الخلاف والوفاق ص : 430 0
(3) سبل السلام:3/215، وينظر: منار السبيل:2/263.
(4) تقدم تخريجه، وينظر أيضا: بلوغ المرام:3/217.
(5) ينظر: منار السبيل:2/262.(2/51)
ذهبت أم المؤمنين عائشة، ويروى عن علي ( رضي الله عنهم ) ، وعروة، والليث، وهو قول ابن حزم الظاهري، وعزاه ابن رشد وغيره إلى داود الظاهري فما أصاب بل هو موافق للجمهور كما نقله عنه ابن حزم(1) .
الأدلة:
1 0 قوله تعالى:" وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة" 0 ( النساء : 23 ) 0
فانه مطلق غير مقيد بوقت(2) .
0عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " جاءت سهلة بنت سهيل فقالت: يا رسول الله أن سالماً مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يبلغ الرجال، فقال: أرضعيه تحرمي عليه" وفي رواية: " فأرضعيه خمس رضعات"(3) .
فكان هذا الحديث تخصيصا لحديث: " الرضاعة من المجاعة"(4) .
3 0 ومن جهة المعقول:
بأن رضاع الكبير يؤثر في دفع مجاعته قطعاً، كما يؤثر في دفع مجاعة الصغير أو قريباً منه(5) .
وأجيب:
بأنه من كان يأكل ويشرب فهو لا تسد جوعته إلا بالطعام والشراب(6) .
وللعلماء في هذا الحديث مسالك:
المسلك الأول: أن الحديث منسوخ، وهذا مسلك كثير من العلماء، ولم يأتوا على النسخ بحجة بينة، فإنه لا يمكنهم اثبات التاريخ المعلوم التأخر بينه وبين تلك الأحاديث.
المسلك الثاني: أنه مخصوص بسالم دون من عداه، وهذا مسلك أم سلمة ( رضي الله عنها ) وعليه نص الشافعي.
__________
(1) ينظر: المحلى:10/17، بداية المجتهد:ص422، نيل الأوطار:ص1283، الروض النضير:4/93، الروضة الندية:2/180، إعلام الموقعين:4/346، زاد المعاد:4/177، جواهر العقود 2/ 163 ، تفسير القرطبي 3/163 0
(2) سبل السلام: 3/215.
(3) تقدم تخرجه، وينظر: بلوغ المرام:3/214.
(4) سبل السلام:3/214.
(5) نيل الأوطار: ص1283.
(6) الشرح الممتع:5/193.(2/52)
المسلك الثالث: أن حديث سهلة ليس بمنسوخ، ولا مخصوص، ولا عام في حق كل واحد، وإنما هو رخصة للحاجة لمن لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها عنه كما حصل لسالم مع امرأة أبي حذيفة فمثل هذا الكبير اذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه فلا يؤثر إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
والأحاديث النافية للرضاع في الكبير أما مطلقة فتقيد بحديث سهلة أو عامة في الأحوال فتخصص هذه الحال من عمومها، وهذا أولى من النسخ، ودعوى التخصيص لشخص بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين وقواعد الشرع(1) .
قال العلامة الصنعاني: " وهذا جمع بين الأحاديث حسن، واعمال لها من غير مخالفة لظاهرها بالاختصاص، ولا نسخ، ولا إلغاء لما اعتبرته اللغة، ودلت له الأحاديث"(2) .
وهذا الذي نقله الامام ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية قد نص عليه في" الاختيارات الفقهية" فقال: " ورضاع الكبير تنتشر به الحرمة من حيث الدخول والخلوة اذا كان قد تربى في البيت بحيث لا يحتشمون منه للحاجة، لقصة سالم مولى أبي حذيفة، وهو مذهب عائشة( رضي الله عنها ) 0 وعطاء والليث، وداود، ممن يرى أنه ينشر الحرمة مطلقاً" (3) .
قال العلامة شمس الحق العظيم ابادي : " وقد جمع بين حديث الباب وبين هذه الأحاديث بأن الرضاع يعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يستغني عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها منه ويجعل حديث الباب مخصصا لعموم هذه الأحاديث " (4) 0
__________
(1) ينظر: الأم:5/28، اعلام الموقعين:4/346- 347، زاد المعاد:4/180-182، الروضة الندية:2/180-181، الروض النضير:4/93، الشرح الممتع:5/194و196، المحلى:10/23، فتح الباري: 9/149، شرح مسلم:10/30، نيل الأوطار:ص1283.
(2) سبل السلام:3/215- 216.
(3) الاختيارات العلمية، مطبوع ضمن: الفتاوى الكبرى: 5/75 0
( ) نيل الأوطار : ص1283. 0
(4) عون المعبود 6/47 0(2/53)
وقال الامام المحقق محمد بن علي الشوكاني: " وهذا هو الراجح عندي، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث0 ويؤيد هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب، وهي مصرحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من ذكر في الآية، فلا يخصص منها غير من استثناه الله تعالى الا بدليل كقضية سالم، ومن كان مماثلاً له في تلك العلة وهي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أن يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجة المقتضية لرفع الحجاب، ولا لشخص من الأشخاص، ولا بمقدار من عمر الرضيع معلوم" (1) . والله تعالى اعلم 0
الفرع الخامس : شهادة امرأة واحدة على الرضاع
لما كان الرضاع سببا من اسباب التحريم ، فانه يحتاج الى وسيلة اثبات ، ومن وسائل الاثبات الشهادة ، فهل يثبت حكم الرضاع بشهادة امرأة واحدة ، للعلماء في ذلك قولان :
القول الاول :
نقل الامام الترمذي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ): " تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع، ويؤخذ يمينها" (2) .
وأخرج عبد الرزاق عنه: " شهادة المرأة الواحدة جائزة في الرضاع، إذا كانت مرضية، وتستحلف مع شهادتها"(3) .
وإليه ذهب عثمان بن عفان( رضي الله عنهما ) ، وإسحاق، والزهري، والحسن، والأوزاعي ، وأبو عبيد، وطاووس، وحماد، ويحيى بن ربيعة، وهو رواية عن أحمد، وروي عن مالك، وبه قال ابن حزم(4) .
__________
(1) نيل الأوطار : ص1283.
(2) جامع الترمذي- تحفة: 4/312.
(3) المصنف:7/482، المحلى:9/399، الطرق الحكمية: ص71.
(4) المغني: 8/153، تبيين الحقائق:2/188، الغرة المنيفة: ص195، كشاف القناع: 6/436، الأنصاف:12/86، المبدع: 10/260، جواهر العقود: 2/351، سبل السلام: 3/218، المصنف، عبد الرزاق:7/283-285، نيل الاوطار: ص285، تحفة الاحوذي: 4/312.(2/54)
قال ابن حزم: " وصح عن ابن عباس، وروي عن عثمان وعلي، وابن عمر والحسن والزهري، وروي عن ربيعة، ويحيى بن سعيد، وأبي الزناد، والنخعي، وشريح، وطاووس، والشعبي، الحكم في الرضاع بشهادة امرأة واحدة"(1) .
ويستدل له:
1 0بحديث عقبة بن الحارث ان يحيى تزوج بنت ابي إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما، قال: فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم- فأعرض عني. قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، فقال: كيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما منها"وفي لفظ:" دعها عنك" وفي لفظ آخر: " كيف وقد قيل ففارقها عقبة" (2) 0
وهذا يدل على الاكتفاء بواحدة (3) 0
0 وقال الزهري : فرق بين اهل ابيات في زمن عثمان رضي الله عنه بشهادة امرأة في الرضاع ، وقال الاوزاعي : فرق عثمان بين اربعة وبين نسائهم بشهادة امرأة في الرضاع . وقال الشعبي : كانت القضاة تفرق بين الرجل والمرأة بشهادة امرأة واحدة في الرضاع (4) 0
0ولان هذا شهادة على عورة فقبل فيها شهادة النساء المنفردات كالولادة 0
القول الثاني : انه لا يثبت الرضاع بشهادة امراة واحدة
وبه قال جمهور أهل العلم فلم يقبلوا شهادة المرأة في الرضاع اذا انفردت به، وذلك على التفصيل الآتي :
قال الحنفية : لا يثبت الرضاع الا بشهادة رجلين ، او رجل وامرأتين ، ولا يقبل اقل من ذلك ، ولا شهادة للنساء منفردات على الرضاع 0
وقال مالك : تقبل شهادة امرأتين ، بشرط فشو قولهما قبل ذلك 0
__________
(1) المحلى:9/399-400.
(2) رواه: البخاري في صحيحه - فتح :9/152، أحمد في المسند 4/7، أبو داود في سننه 4/27: رقم(3603) جامع الترمذي:4/311، النسائي في سننه الصغرى 6/109، وفي سننه الكبرى 3/ 306 رقم ( 5484 ) ، سنن الدرامي: 2/157، أبو داود الطيالسي في مسنده: ص190 رقم(1337)، السنن الكبرى، البيهقي:7/463 ، وينظر: الروضة الندية: 2/179 الهامش.
(3) المغني 9/224 0
(4) المغني 9/ 224 0(2/55)
وقال الشافعي ورواية عن احمد ، وبه قال عطاء والامامية : لا يقبل فيه الاشهادة شاهدين عدلين ، او شهادة اربع نسوة ، او شهادة امرأتين ورجل (1) 0
قال ابن رشد: " وأما اختلافهم في قبول شهادة المرأة الواحدة فمخالفة الأثر الوارد في ذلك للأصل المجمع عليه- أي انه لا يقبل من الرجال أقل من اثنين - وأن حال النساء في ذلك أما أن يكون أضعف من حال الرجال، وأما أن تكون أحوالهم في ذلك مساوية للرجال 0
والإجماع منعقد على انه لا يقضى بشهادة واحدة، والأمر الوارد في ذلك هو حديث عقبة بن الحارث، وحمل بعضهم هذا الحديث على الندب، جمعاً بينه وبين الأصول، وهو أشبه، وهي رواية عن الامام مالك" (2) 0
والحجة لهذا المذهب:
1 0القياس على الشهادة في الأموال، إذ لا يقبل فيها شهادة رجل واحد، وعدم قبول شهادة المرأة الواحدة هنا أولى، لأن الرجال أقوم من النساء، ولأن الرضاعة وما يترتب عليها اعظم شأنا من الاموال (3) .
ويرد عليه:
أن الواجب بناء العام على الخاص، ولا شك أن الحديث أخص مطلقاً فيكون هذا الحكم مخصوصاً من عموم الشهادة المعتبر فيها العدد على ذلك. فالضرورة داعية الى اعتباره وقد اعتبرتم ذلك في عورات النساء، فقلتم يكتفى فيها بشهادة امرأة واحدة، والعلة عندهم: انه قلما يطلع الرجال عليها، فكذا هنا(4) .
__________
(1) بداية المجتهد ص : 424-425، روضة الطالبين ص:1552، مغني المحتاج 3/424، كشاف القناع6/439، تحفة الأحوذي 4/312، الأم 5/34، التاج والاكليل 6/182، جواهر العقود 2/350، الطرق الحكمية ص :119و189و227-228، المبسوط 5/137، المدونة 6/45، اختلاف العلماء، محمد بن نصر ص287-288، الغرة المنيفة: ص 195، تذكرة الفقهاء، الحلي2/630 ، هداية العباد 2/337 ، منهاج الصالحين ، السيستاني 3/56 0
(2) بداية المجتهد: ص425.
(3) فتح الباري 5/198 ، تحفة الاحوذي 4/ 262 ، فقه الامام علي: ص557.
(4) نيل الأوطار : ص1285، سبل السلام:3/218.(2/56)
واستدل العلامة الكاساني لقول الحنفية :
بما روى عن عمر رضى الله عنه انه قال : لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يظهر النكير من أحد فيكون اجماعا (1)0
ولان هذا باب مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد كالمال وانما قلنا ذلك لان الرضاع مما يطلع عليه الرجال أما ثدى الامة فلانه يجوز للاجانب النظر إليه وأما ثدى الحرة فيجوز لمحارمها النظر إليه فثبت ان هذه الشهادة مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد لان قبول شهادتهن بانفرادهن في أصول الشرع للضرورة وهى ضرورة عدم اطلاع الرجال على المشهود به فإذا جاز الاطلاع عليه في الجملة لم تتحقق الضرورة بخلاف الولادة فانه لا يجوز لاحد فيها من الرجال الاطلاع عليها فدعت الضرورة إلى القبول (2) 0
قال الامام الشوكاني: " والحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرة كانت أو أمة، حصل الظن بقولها أم لم يحصل، لما ثبت في رواية أن السائل قائل: " وأظنها كاذبة" فيكون هذا الحديث الصحيح هادماً لتلك القاعدة المبنية على غير أساس، أعني، قولهم: لا تقبل شهادة فيها تقرير لفعل الشاهد، ومخصصاً لعموم الأدلة" (3) .
وقال السيد صديق حسن خان : " وأما دفع الحجة بأنها شهدت على تقرير فعلها، فهذه قاعدة فقهية لم يرد بها كتاب الله، ولا سنة رسوله( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ). وهذا الحديث أول حجة يبطلها، فكيف يكون الأمر بالعكس"(4) .
ويؤيد هذا القول الذي ذهب اليه ابن عباس ( رضي الله عنهما )، ما اخرجه ابن حبان في صحيحه مبوبا عليه : ذكر البيان بان عقبة فارقها وتزوجت اخر غيره حين قال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " دعها عنك " :
__________
(1) بدائع الصنائع 4/14 0
(2) بدائع الصنائع 4/14 0
(3) نيل الأوطار : ص1285، سبل السلام:3/218. وينظر: تحفة الأحوذي: 4/313.
(4) الروضة الندية: 2/179 ، وينظر : عون المعبود 10/9 0(2/57)
عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت له : قد أرضعت عقبة والتي تزوج فقال لها عقبة :ما أعلم أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني فأرسل إلى آل أبي إهاب فسألهم فقالوا :ما علمناها أرضعت صاحبتنا فركب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمدينة فسأله فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) :كيف وقد قيل ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره " (1) والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني : الجمع بين المرأة وعمتها، أو المرأة وخالتها من الرضاع
العمة هي كل أنثى، هي أخت لذكر له عليك ولادة، اما بنفسه، واما بواسطة ذكر أخر.
أما الخالة فهي كل أنثى، هي أخت لكل شيء لها عليك ولادة، اما بنفسها، واما بواسطة أنثى غيرها(2) .
قال ابن قدامة: ((ولا فرق بين الخالة والعمة حقيقة أو مجازاً كعمات أبائهم، وخالاتهم، وعمات أمهاتهن وخالاتهن، وان علت درجتهن من نسب كان ذلك، أو من رضاع)) (3) .
وللعلماء في هذا قولان :
القول الاول : عدم مشروعية الجمع بينهما 0
واليه ذهب ابن عباس ( رضي الله عنهما ) من كراهة الجمع بين المرأة والعمة والخالة من الرضاع(4) 0
__________
(1) صحيح ابن حبان 10/32 ، وينظر : الاصابة 6/321 ، سبل الهدى والرشاد 9/ 293 0
(2) ينظر : بداية المجتهد:2/31.
(3) المغني: 7/88، وينظر: الأم:5/5، التمهيد: 18/277، شرح النووي: 9/190، عون المعبود: 6/50، الروض النضير: 4/43.
(4) ينظر: التمهيد: 18/283.(2/58)
نقل القرطبي عنه( رضي الله عنهما ) قال: ((حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع، ثم تلا قوله تعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )(النساء:23 ) (1) .
وإليه ذهب ابن مسعود - رضي الله عنه- وهو قول عطاء- رحمه الله تعالى- فيما نقله عنه الامام القرطبي، وانه مثل الولادة(2) 0
وبه قال أكثر أهل العلم ، بل عده بعض أهل العلم اجماعاً ، منهم ابن عبد البر وابن حزم ، والقرطبي، والنووي، واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة، واستثنى القرطبي وابن المنذر الخوارج، ونقل ابن دقيق العبد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء، ولم يبين المخالف، ونقل ابن رشد الاتفاق، ولم يذكر مخالفاً(3) .
القول الثاني :
__________
(1) تفسير القرطبي: 5/105 0
(2) بداية المجتهد: 2/31، شرح الزرقاني: 3/181، التاج والأكليل: 6/293، الروضة الندية: 2/50، الفواكه الدواني: 2/18، المدونة: 4/284، فتح الباري:9/161، المبدع: 7/63، سبل السلام: 3/124.
(3) ينظر: الأحكام في أصول الأحكام، ابن حزم: 2/210و217.(2/59)
ذهب عثمان البتي الى جوازه (1) ، ووافقه عليه الشيعة الامامية مشترطين رضا عمتها وخالتها(2) وهو قول الأباضية 0
والحجة لهم:
العموم(3) في قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: ((وأحل لكم ما وراء ذلكم)) 0
واستدل الجمهور :
حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)) (4) .
الا ان الجمهور اختلفوا في اثبات الحجة به:
فقال الإمام الشافعي: ((ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا عن أبي هريرة، وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث.. الا أن العامة إنما أتبعت في تحريم أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، الا قال بحديث أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فأذا أثبت بحديث منفرد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) شيئاً فحرمه بما حرمه النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا علم له أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قاله الا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- إلا وجب عليه)) (5) 0
__________
(1) ينظر: المسائل المنتخبة، السيد محمد الروحاني ص:343، مكتبة الأيمان - بيروت 1417هـ ، المبسوط، الطوسي:4/196 و 250و 3/82و89 ، المكتبة المرتضوية 1387هـ تحقيق محمد الباقر البهبودي، ايضاح الفوائد، فخر المحققين ابن العلامة ، ط 1/1389هـ تحقيق الكرماني وأخرين
(2) ينظر: الروض النضير: 4/42، تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة ص: 181.
(3) ينظر: شرح النووي على مسلم: 9/191، عون المعبود :6/51، الروض النضير: 4/42.
(4) رواه البخاري في الصحيح - فتح: 9/160، مسلم في صحيحه 2/1028.
(5) الأم 5/5و161 ، وينظر: الروض النضير: 4/42.(2/60)
وعده الكمال بن الهمام مشهوراً فجاز تخصيص عموم الكتاب به فقال: ((وهذا مشهور، وتلقاه الصدر الأول بالقبول من الصحابة والتابعين، ورواه الجم الغفير منهم: أبو هريرة، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأبو سعيد الخدري ( رضي الله عنهم ) ، فتجوز الزيادة له على الكتاب، ويعني بالزيادة تخصيص عموم قوله تعالى: ((وأحل لكم ما وراء ذلكم)) فلو كان من أخبار الآحاد ما جاز التخصيص به)) (1) 0
وقال ابن عبد البر، متعقباً الإمام الشافعي: ((وقد كان بعض أهل الحديث يزعم أن الحديث لم يرو الا عن أبي هريرة، وقد رواه علي بن أبي طالب ، وابن عباس(2) ، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر كما رواه أبو هريرة ( رضي الله عنهم ) (3) 0
وقال القرطبي: ((وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح، وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين ، وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يعتد بخلافهم، لأنهم مرقوا من الدين، وخرجوا منه ، لأنهم مخالفون للسنة الثابتة)) (4) 0
__________
(1) فتح القدير: 3/216-217، ينظر: الروض النضير: 4/41.
(2) أخرجه أبن حبان في صحيحه - الإحسان: 9/426 وضعفه بأبي حريز مولى الزهري، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد: 18/283.
(3) التمهيد:18/277، وينظر تخريج هذه الأحاديث في: مجمع الزوائد:4/263، نصب الراية: 3/169، السنن الكبرى، البيهقي: 7/165، الأم: 7/166و 180، مسند الشافعي: 1/273، الرسالة الأصولية ص: 227-229، سنن سعيد بن منصور:1/208-209،صحيح ابن حبان: 9/424و425، سنن النسائي الكبرى: 3/292-294 ، السنن الصغرى، النسائي: 6/96، التمهيد:18/276-278، الفتح:9/161، المصنف عبد الرزاق: 6/261
(4) تفسير القرطبي: 5/125، المحرر الوجيز ص: 420.(2/61)
وقال أبو المظفر السمعاني: ((وأخبار الآحاد ضربان: أحدهما: ما اجتمعت الأمة على العمل به كقوله عليه السلام: (( لا ميراث لقاتل)) ، ((ولا وصية لوارث))و((كنهيه عن الجمع بين المرأة وعمتها، وخالتها وابنة أخيها، فيجوز تخصيص العموم به، كتخصيص هذا للعموم بالسنة المتواترة، لأن هذه الأخبار بمنزلة المتواترة لانعقاد الإجماع على حكمها، وان لم ينعقد الإجماع على روايتها)) (1) 0
وهو ما صححه الإمام النووي أيضا، ونقله عنه جمهور الأصوليين، من جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، لأنه صلى الله عليه وسلم مبين للناس ما انزل إليهم من كتاب الله(2) . والله تعالى أعلم بالصواب.
المبحث الخامس: إسلام احد الزوجين قبل الآخر
قال الحافظ ابن عبد البر: " اجمع العلماء ان الزوجين اذا اسلما معاً في حال واحدة فان لهما المقام على نكاحهما، الا ان يكون بينهما نسب او رضاع يوجب التحريم، وان كل من كان له العقد عليها كانوا كفاراً فأسلموا بعد التزويج، واقروا على النكاح الاول، ولم يعتبر في اصل نكاحهما شروط الاسلام. وهذا اجماع وتوقيف " (3)0
وقد ذهب ابن عباس ( رضي الله عنهما ) الى ان المرأة اذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر نقله عنه ابن التركماني ، والشوكاني وغيرهم (4)0
ووافقه عليه: عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله ( رضي الله عنهم ) ، وطاووس، والثوري، واهل الكوفة، وابو ثور، وابن المنذر، واليه جنح الإمام البخاري(5)0
وفي المسألة خلاف:
قال احمد-في رواية- ان الفرقة تقع بمجرد الاسلام، من غير توقف على مضي المدة.
__________
(1) قواطع الأدلة، السمعاني:1/185، وينظر: عون المعبود: 6/51، المحرر الوجيز ص : 420.
(2) شرح صحيح مسلم : 9/191.
(3) التمهيد 12/23 .
(4) الجوهر النقي 7/189 ، نيل الاوطار ص 1185 ، تكملة المجموع 19/299 .
(5) صحيح البخاري – فتح الباري 9/ 346 ، نيل الاوطار ص1185 0(2/62)
وعن ابراهيم النخعي: ان الفرقة اذا جاءت من قبل الزوج فهي طلاق، وان جاءت من قبل المرأة فهي ليست بطلاق.
وعند ابي حنيفة: لا عدة عليها، وان الفرقة تقع باختلاف الدارين.
وعند الشافعي: تستبرأ بحيضة(1).
استدل لابن عباس ومن معه :
ما رواه رضي الله عنهما:" ان النبي (صلى الله عليه وسلم) رد ابنته زينب على زوجها ابي العاص بن الربيع بالنكاح الاول، ولم يحدث شيئاً " 0
وفي لفظ: " رد ابنته زينب على ابي العاص زوجها، بنكاحها الأول، بعد سنتين ولم يحدث شهادة، ولا صداقاً " 0
وفي لفظ: " ردَّ ابنته زينب على ابي العاص، وكان اسلامها قبل اسلامه بست سنين، على النكاح الاول، ولم يحدث شيئاً، ولا صدقاً " 0 وقوله: وكان اسلامها يعني به هجرتها (2) 0
الا ان هذا الحديث عورض:
__________
(1) ينظر: الحجة، محمد بن الحسن 4/19، فتاوى السغدي 1/310، الام7/359 زاد المسير ص1427، الشرح الممتع5/291-292، نيل الاوطار ص1185، الثمر الداني ص : 458 ، الجوهر النقي 7/189 .
(2) رواه: احمد1/217 و261و351، ابو داود2/ 191 رقم(2240)، جامع الترمذي – تحفة 4/248 وقال: حديث ليس بإسناده بأس، سنن ابن ماجه1/ (2009) ، الحاكم وصححه 2/ 200 و3/237 ، شرح معاني الاثار3/256، والحديث صححه احمد، وقال الخطابي: هو اصح من حديث عمرو بن شعيب، وقال ابن كثير: حديث جيد وقوي، وقال ابن تيمية: هذا هو الثابت. وينظر: احكام اهل الذمة2/657و659 حاشية ابن القيم6/192 و233، وانفرد ابن عبد البر في التمهيد12/ 24 فقال: خبر متروك لا يجوز العمل به .(2/63)
بما رواه عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده: " ان النبي (صلى الله عليه وسلم) ردَّ ابنته على ابي العاص بمهر جديد " (1).
لكن هذا الحديث ضعفة عامة اهل الحديث.
قال عبدالله بن الامام احمد : " قال ابي : هذا حديث ضعيف أو قال : واه ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب انما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمى والعرزمى لا يساوى حديثه شيئا والحديث الصحيح الذى روى ان النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما بالنكاح الاول " (2) 0
وقال البيهقي : قال أبو الحسن الدارقطني الحافظ : " هذا لا يثبت وحجاج لا يحتج به والصواب حديث ابن عباس رضى الله عنهما - وبلغني عن أبى عيسى الترمذي انه قال سألت عنه البخاري رحمه الله فقال : حديث ابن عباس اصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب - وحكى أبو عبيد عن يحيى بن سعيد القطان ان حجاجا لم يسمعه من عمرو وانه من حديث محمد بن عبد الله العرزمى عن عمر وهذا وجه لا يعبأ به احد يدرى ما الحديث " (3) 0
فلم يبق إلا التماس وجوه الجمع بين روايات حديث ابن عباس ( رضي الله عنهما ) المتعارضة:
__________
(1) المسند 2/207-208، جامع الترمذي – تحفة 4 /248 وقال: في إسناده مقال، الام 7/359 وضعفه ابن تيمية، والامام احمد، وقال الدارقطني: لا يثبت والصواب حديث ابن عباس ( رضي الله عنهما ) وقال ابن عبد البر في التمهيد 12/24: حديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول، وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد، والاخذ بالصريح اولى من الاخذ بالمحتمل، ويؤيده مخالفة ابن عباس وينظر: أحكام أهل الذمة2/659.عون المعبود 6/ 231 ، ضعيف سنن الترمذي ص : 131 ، ارواء الغليل 6/341 0
(2) المسند 2/208، ونقله عنه أيضا الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق 67/19 ، وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 521 0
(3) السنن الكبرى ، البيهقي 7/188 0(2/64)
قال الحافظ ابن حجر: " المراد بالست ما بين هجرة زينب واسلامه، وبالسنتين او الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: ( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ )(الممتحنة: من الآية10) وقدومه مسلماً فان بينهما سنتين واشهراً " (1).
وقال الامام الترمذي: انه لا يعرف وجهه (أي حديث ابن عباس)، أي انه مشكل لا ستبعاد ان تبقى في العدة هذه المدة(2) 0
ونقل ابن عبد البر الاجماع على ذلك، الا عن بعض الظاهرية، الذين قالوا بجوازه، وردَّ قولهم ذلك بالاحتجاج بوقوع الاجماع(3) 0
واجيب :
بأن هذا اجماع- غير ثابت، والخلاف فيه اشهر من ذلك، والحجة هي التي تفصل بين الناس، بل الخلاف في المسألة قديم، اخرجه ابن ابي شيبة عن علي ( رضي الله عنه ) ، وابراهيم النخعي بطرق قوية، وافتى به حماد بن ابي سليمان(4) 0
وقال محمد بن الحسن:" لم يجيء اختلافهم من هذا الوجه، وانما جاء اختلافهم ان الله انما حرم ان ترجع المؤمنات الى الكفار في سورة الممتحنه بعدما كان ذلك جائزاً حلالاً، فعلم عبد الله بن عمرو. ثم رأى ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد رد زينب على ابي العاص بعدما كان علم حرمتها عليه بتحريم الله المؤمنات على الكفار، فلم يكن ذلك عنده الا بنكاح جديد، فقال: ردها عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بنكاح جديد، ولم يعلم ابن عباس بتحريم الله عز وجل المؤمنات على الكفار، حتى علم بردّ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زينب على ابي العاص فقال: ردها عليه بالنكاح الاول، لانه لم يكن عنده بين اسلامه واسلامها فسخ للنكاح الذي كان بينهما " (5) 0
__________
(1) فتح الباري9/ 346 .
(2) جامع الترمذي 4/ 248 .
(3) التمهيد 12/23.
(4) حاشية ابن القيم6/231، الفتح9/ 346 0
(5) الحجة4/18 .(2/65)
قال الامام الطحاوي: " وقد أحسن محمد في هذا، وتصحيح الاثار في هذا الباب على هذا المعنى الصحيح يوجب صحة ما قال عبد الله بن عمرو، والدليل على ان ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قد كان يقول في النصرانية اذا اسلمت في دار الاسلام وزوجها كافر، قال: يفرق بينهما، الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه " (1) 0
وهذا التوجيه ردَّه العلامة ابن القيم، بانه لا يمكن اثبات دعوى النسخ بالاحتمال، وان هذا القول فاسد غلط محض(2) 0
ثم قال ما خلاصته:
ان اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الاحاديث، ولا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يسأل المرأة هل انقضت عدتها، ام لا ؟ ولو كان الاسلام بمجرده فرقة لكانت طلقه بائنة، ولا رجعة فيها، فلا يكون الزوج احق بها اذا اسلم.
وقد دل حكمه (صلى الله عليه وسلم) ان النكاح موقوف، فان اسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته، وان انقضت عدتها، فلها ان تنكح من شاءت، وان احبت انتظرته، واذا اسلم كانت زوجته من غير حاجة الى تجديد النكاح.
ولا نعلم احداً جدد بعد الاسلام نكاحه البتة ، بل كان الواقع احد الامرين اما افتراقها، ونكاحها غيره، واما بقاؤهما على النكاح الاول، اذا اسلم الزوج، واما تجيز الفرقة، او مراعاة العدة، ولم يعلم ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى بواحد منها مع كثرة من اسلم في عهده(3)، واختارة الخلال، وابن المنذر، وابن حزم، والحسن وطاووس، وقتادة، وعكرمة، والحكم، وهذا هو الذي ذهب اليه ابن عباس، ونقل عن عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله (رضي الله عنهم) (4).
__________
(1) شرح المعاني3/256، الفصول في علم الأصول، الجصاص2/283 ، أصول السرخسي 2/22 0
(2) زاد المعاد4/145 0 وينظر: حاشية ابن القيم6/232، أحكام أهل الذمة2/679 0
(3) زاد المعاد4/145 وينظر: نيل الاوطار ص1284-1285.
(4) نيل الاوطار ص : 1285 0(2/66)
قال الشوكاني بعد ايراده لما تقدم: وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة(1). والله تعالى اعلم بالصواب.
المبحث السادس : كيفية خطبة المعتدة من وفاة:
اتفق العلماء على ان المعتدة من الوفاة، لا تحل خطبتها تصريحاً، ولكن تعريضاً(2).
اما كيفية التعريض:
فاخرج الإمام البخاري في جامعه الصحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما- في قوله تعالى: (فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)(البقرة: من الآية235). : يقول: اني اريد التزويج، ولوددت ان ييسر لي امراة صالحة(3).
واخرج الإمام عبد الرزاق الصنعاني عنه في قوله تعالى: (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً)(البقرة: من الآية235). قال: يقول:" انك لجميلة، وانك لإلى خير، وان النساء لمن حاجتي" (4).
واخرج الإمام الطبري عنه انه قال: " التعريض ان يقول للمرأة في عدتها: اني اريد ان اتزوج غيرك ان شاء الله، ولوددت اني وجدت امرأة صالحة، ولا ينصب لها مادامت في عدتها(5) 0 يعني لا يقصد الى خطبتها قصداً.
واخرج الامام الطبري عنه في قول الله تعالى : (ولكن لا تواعدوهن سراً) قال: يقول: لا تقل لها اني عاشق وعاهديني ان لا تتزوجي غيري، ونحو هذا(6).
وعنه قال:" لا يقاصها على كذا وكذا، ان لا تتزوج غيره " (7).
__________
(1) نيل الاوطار ص1285.
(2) ينظر: الشرح الكبير 7/359 ، نيل الاوطار ص :1151 ، عون المعبود 6/286 0
(3) صحيح البخاري – فتح الباري9/ 146 ، السنن الكبرى: البيهقي7/187، وينظر: زاد المسير ص144، نصب الراية 3/537 ، تكملة المجموع 16/ 258 ، ارواء الغليل 6/217 0
(4) المصنف: عبد الرزاق7/53، الا ان اسناده ضعيف جداً. وينظر: تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير1/143.
(5) تفسير الطبري 2/517، وينظر: زاد المسير ص144 .
(6) تفسير الطبري2/523، وينظر: معاني القرآن ، النحاس 1/224 ، تفسير ابن عباس1/146، زاد المسير ص144.
(7) تفسير الطبري 2/527، وينظر: تفسير ابن عباس1/146.(2/67)
وبنحو هذا الذي قاله ابن عباس- رضي الله عنهما- قال غير واحد منهم:
سعيد بن جبير، وعطاء، والقاسم بن محمد، والشعبي، ومجاهد، وابراهيم، وقتادة، والسدي(1).
واليه ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والزيدية، والامامية، والاباضية(2)0
واستدلوا :
1 0 ما روت فاطمة بنت قيس ان زوجها طلقها ثلاثاً، فلم يجعل لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سكنى ولا نفقة. قالت: وقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم):اذا حللت فآذنيني،فاذنته فخطبها معاوية، وابو جهم، واسامة بن زيد..الحديث(3).
وقد وقع في رواية ابي داود: ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لها : "لاتفوتينا بنفسك."
فيستدل بقوله: اذا حللت فآذنيني، ولا تفوتينا بنفسك، ان هذا تعريض بالنكاح.
__________
(1) زاد المسير ص144.
(2) المعونه2/576-577.
(3) رواه: البخاري في صحيحه – فتح الباري 9 / 147 ، مسلم في صحيحه – شرح النووي 10/97 ، احمد في المسند 2/580- 851 و 6/412 ، ابو داود2/ 188رقم (2284)، الترمذي في سننه2 / 301 ط : احمد شاكر ، والنسائي في سننه الصغرى6/75-76 وفي سننه الكبرى 3/273 رقم ( 5352 ) ، ابن ماجه في سننه 1/ 601 رقم (1869)، صحيح ابن حبان 9/356 ، الحاكم في المستدرك 4/55 ، البيهقي في سننه الكبرى 7/136 0(2/68)
2 0 روى الدار قطني، عن سكينة بنت حنظلة قالت: استاذن علي محمد بن علي، ولم تنقضِ عدتي من زوجي، فقال: قد عرفت قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقرابتي من علي، وموضعي من العرب. قلت: غفر الله لك يا ابا جعفر، انك رجل يؤخذ عنك، وتخطبني في عدتي. فقال: انما اخبرتك بقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن علي، وقد دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ام سلمة وهي متأيمة من ابي سلمة فقال: لقد علمت اني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وخيرته من خلقه، وموضعي من قومي، فكانت تلك خطبته(1).
فهذا من محمد بن علي تعريض(2)0
3 0قوله تعالى:( ولا جناح عليكم في ما عرضتم به من خطبة النساء ) ..
منطوق الآية نفي الجناح في التعريض، ومفهومها ثبوت الجناح بالتصريح، والتعريض ان يبدي لها الرغبة، بدون أن يصرح بالرغبة في الخطبة(3).
قال القرطبي : " قوله تعالى : ( ولا جناح ) أي لا إثم ، والجناح الاثم ، وهو أصح في الشرع .
وقوله : ( عليكم فيما عرضتم ) المخاطبة لجميع الناس ، والمراد بحكمها هو الرجل الذى في نفسه تزوج معتدة لا وزر عليكم في التعريض بالخطبة في عدة الوفاة . والتعريض : ضد التصريح ، وهو إفهام المعنى بالشئ المحتمل له ولغيره وهو من عرض الشئ وهو جانبه ، كأنه يحوم به على الشئ ولا يظهره . وقيل ، هو من قولك عرضت الرجل ، أي أهديت إليه تحفة 000فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه " (4) 0
المبحث السابع : من أحكام الرقيق ، وفيه المطالب الآتية :
المطلب الاول : نكاح العبد
__________
(1) رواه الدارقطني 3/224، واسناده منقطع، الباقر، وهو محمد بن علي، لم يدرك النبي(صلى الله عليه وسلم) ، ينظر: نيل الاوطار ص1151.
(2) نيل الاوطار ص1151.
(3) ينظر: تفسير الطبري 2/ 701 ، زاد المسير ص: 144، الشرح الممتع5 /128 ، مجمع البيان 2/218 ، تفسير الميزان 2/ 229 0
(4) تفسير القرطبي 3/187-188 0(2/69)
المطلب الثاني : نكاح الأمة
المطلب الثالث : تسري العبد
المطلب الرابع : بيع الأمة
المطلب الخامس : عتق الأمة المزوجة
المطلب السادس : الجمع بين الأختين بملك اليمين
المطلب السابع : الجمع بين الحرة والأمة في نكاح واحد
المطلب الثامن : كم يتزوج الحر من الإماء
المطلب الأول : نكاح العبد
اختلف الفقهاء في العدد الذي يجوز نكاحه للعبد على قولين :
القول الاول :
لايجوز للعبد ان يجمع بين اكثر من اثنتين ، عند ابن عباس ( رضي الله عنهما ) ، نقله عنه السياغي الحيمي 0(1)
وروي ذلك عن ابن عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف ( رضي الله عنهم ) ، وهو قول عطاء والحسن والشعبي وقتادة والثوري والليث ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، واحمد والزيدية 0(2)
والحجة لهم :
ان تنصيف العقوبة على العبد يقتضي تنصيف الحقوق له ، عملا بقاعدة الغرم بالغنم ، وكذلك اجماع الصحابة ( رضي الله عنهم ) الذي لا يخلو من وقوفهم على شيء من ذلك ، من النبي (صلى الله عليه وسلم ) وهذا الاجماع نقله الامام ابن المنذر ، وشيخ الاسلام ابن تيمية وغيرهم 0(3)
القول الثاني :
__________
(1) الروض النضير 4/ 48 0
(2) احكام القران ، الجصاص 2/ 70 ، المنتقى ، المجد ص 1176 ، الدراية 2/ 71 نيل الاوطار ص1176، الام 5/41 ، مسند الشافعي ص : 298 ، المحلى 9/ 444 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/ 158 ، مصنف عبدالرزاق 7/221 ، مصنف ابن ابي شيبة 3/ 284 ، فقه الامام علي ص559 ، الروض النضير 4/ 47 -48 ، تكملة المجموع 16/ 244 ، الدر المنثور 1/ 283 0
(3) مراتب الاجماع ، ابن تيمية ص63 ، الاجماع ، ابن المنذر ص :97 ، فقه الامام علي ص559 0(2/70)
ذهب بعض أهل العلم الى ان العبد يجوز له ان ينكح أربعا كالحر 0 روي ذلك عن ابي الدرداء ( رضي الله عنه ) ، ومجاهد ، وربيعة ، وابي ثور ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، والزهري ، ويحيى بن سعيد، والقاسمية ومالك ، وداود وابن حزم (1) 0
قال الامام الشوكاني : " والأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى :" فانكحوا ما طاب لكم من النساء " 0 "النساء :3 " والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم ، الا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة ، كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما "(2) 0
ولان النكاح طريقه الملاذ والشهوات ، فكان العبد مساويا فيه للحر كالأكل واللباس الطيب (3) 0
ويرد عليه :
ان قوله تعالى : " فانكحوا " منصرف الى من يملك النكاح ، والعبد لا يملك ذلك بنفسه ، وقال في سياقها : " فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " والعبد لا ملك له ، فلا يباح الجمع الا بين اثنتين 0(4) والله تعالى اعلم 0
المطلب الثاني : نكاح الأمة :
اختلف العلماء في حكم تزوج الأمة على قولين :
القول الاول :
__________
(1) المدونة 2/199 ، زاد المسير ص255 ، نيل الاوطار ص : 1176 ، المعونة 2/541 ، الكافي ، ابن عبد البر ص :245 0
(2) نيل الاوطار ص :177 وينظر : الروضة الندية 2/ 59 ، المحلى 9/444 0
(3) المعونة 2/541 ، المنتقى 3/ ،336 المحلى 9/ 441 0
(4) زاد المسير ص255 0(2/71)
كره ابن عباس( رضي الله عنهما ) نكاح الأمة 0 نقل عنه ابن ابي شيبة والطبري وابن حزم وابن عطية قوله :"ما ازلحفَّ(1) ناكح الأمة عن الزنا الاقليلا "0(2)
قال ابن عطية :" وهذا ندب الى الترك ،وعلته ما يؤدي اليه نكاح الاماء من استرقاق الولد ، ومهنتهن"0(3)
وهو قول جمهور العلماء الذين ذهبوا الى جوازه بشروط هي :
الشرط الاول : ان لايكون تحته حرة يتيسر الاستمتاع بها مسلمة أو كتابية 0
الشرط الثاني : أن لا يقدر على نكاح حرة لعدم الحرة ، أو عدم صداقها ، ولو قدر على حرة كتابية ، لم تحل الأمة ، على خلاف بين العلماء ، لقوله تعالى :"ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات "0 "النساء :4" 0
الشرط الثالث : خوف العنت ، والمراد به هنا الزنا 0
الشرط الرابع : كون الأمة المنكوحة مسلمة 0(4)
القول الثاني :
ذهب الحنفية والامامية الى جواز نكاح الإماء ،ولو وجد طولا لنكاح الحرة (5) 0
__________
(1) قال الزمخشري في الفائق في غريب الحديث 2/92 : " ازحلف عن كذا وازلحف إذ تنحى . وازلحف من ازحلف كاطمأن من اطأمن . لقولهم : زحلفته فتزحلف . كما قالوا : طامنه فتطامن وزعموا أن الرواية بتخفيف الفاء وهى من أوضاع العربية على مراحل والصواب : ازلحف كاقشعر أو ازحلف على أن الأصل تزلحف قلب تزحلف فأدغمت التاء في الزاى " .
(2) مصنف ابن ابي شيبة 3/286 ، تفسير الطبري 5/35 ، المحلى 9/441 ، المحرر الوجيز ص425 ، الدر المنثور 2/ 143 0
(3) المحرر الوجيز ص425 0
(4) ينظر : الام 5/ 9-10 و158 ، الوسيط 5/122 ، روضة الطالبين ص : 1214 – 1216 ، الروض النضير 4/ 45 ، المغني 7/ 104 ، المبسوط 5/109 ، الروض المربع ص : 348 ، المحلى 9/ 441 ، المنتقى 3/ 322 فتح القدير ، الشوكاني 1/ 450 ، تفسير الطبري 6/104 ، المهذب ، ابن البراج 2/215 مسالك الافهام 7/ 324 0
(5) ينظر : المبسوط 5/ 109 ، أحكام القرآن ، الجصاص 3/ 112، السرائر 2/548 0(2/72)
واستدل الامام ابو بكر الجصاص للجواز ، بقول الله تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (البقرة :221 ) 0
فقال :" ومحال ان يخاطب بذلك الا من قدر على نكاح المشركة الحرة 0 ومن وجد طولا الى الحرة المشركة ، فهو يجد طولا الى الحرة المسلمة فاقتضى ذلك جواز نكاح الأمة مع وجود الطول الى الحرة المسلمة "0(1)
وقال الطبري : " يعني تعالى ذكره بقوله : ولامة مؤمنة بالله وبرسوله ، وبما جاء به من عند الله خير عند الله ، وأفضل من حرة مشركة كافرة وإن شرف نسبها وكرم أصلها . يقول : ولا تبتغوا المناكح في ذوات الشرف من أهل الشرك بالله ، فإن الاماء المسلمات عند الله خير منكحا منهن " (2) 0
وقال ابن العربي نقلا عن ابي بكر الشاشي : " ووجه الدليل من الآية أن الله سبحانه خاير بين نكاح الامة المؤمنة والمشركة ، فلولا أن نكاح الامة المشركة جائز لما خاير الله تعالى بينهما ، لان المخايرة إنما هي بين الجائزين لا بين جائز وممتنع ، ولا بين متضادين " (3) 0
ويرد عليه :
1 0 ان تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرة المشركة ، يستفاد منه تفضيل الحرة المؤمنة ، على الحرة المشركة بالأولى 0(4)
__________
(1) أحكام القرآن ، الجصاص 3/ 112 وينظر : السرائر 2/548 0
(2) تفسير الطبري 2/ 515 ،
(3) تفسير القرطبي 3/70 0
(4) ينظر : فتح القدير 1/ 224 0(2/73)
2 0 أن المخايرة بين الضدين تجوز لغة وقرآنا (1): لان الله سبحانه قال : ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) 0 ( الفرقان : 24 ) 0
المطلب الثالث : تسري العبد :
أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) :" لا بأس ان يتسرى العبد "0(2)
وهو قول ابن عمر( رضي الله عنهما ) ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، والاوزاعي ، وابي ثور واليه ذهب مالك ، واحمد في المنصوص عليه في مذهبه ، والظاهرية 0(3)
وهو مبني على ان للعبد أهلية الملك ، كما ذهب اليه مالك وداود 0(4) وتقدم ذكر ذلك قريبا في نكاح العبد 0
واستدل ابن حزم وابن قدامة لهذا القول بانه قول ابن عباس وابن عمر ( رضي الله عنهم ) ، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة 0
ولأن العبد يملك النكاح فملك التسري كالحر 0(5)
وخالف في هذا ابو حنيفة ، وهو قول للشافعي ، ورواية عن أحمد ، والزيدية ،ونقل عن ابراهيم ، والحكم ، وحماد ، وسفيان الثوري ،ومحمد بن سيرين ، كراهية ان يتسرى العبد ، ولو اذن له سيده بذلك 0(6)
واستدلوا :
1 0 قوله تعالى :" والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين "0" المؤمنون :6"
وجه الدلالة :
__________
(1) تفسير القرطبي 3/70 0
(2) المصنف ، عبد الرزاق 7/ 215 ، المصنف ابن ابي شيبة 3/ 485 ، كنز العمال 16/ 547 0
(3) المحلى 9/ 444 ، المغني 7/ 66 ، الكافي ابن قدامة 3/ 46 ، المصنف ابن ابي شيبة 3/ 485 0
(4) الروض النضير 4/54 0
(5) المحلى 9/445 ، الشرح الكبير 9/305 0
(6) بدائع الصنائع 2/234 ، مختصر المزني ص : 167 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/149 ، المغني 7/ 66 ، كشاف القناع 5 /470 ، المحلى 9/ 444 ، الروض النضير 4/ 54 ، مصنف عبدالرزاق 7/214 0(2/74)
ان التسري فرع على صحة الملك ، والعبد مملوك لا يقدر على شيء فليس فيه أهلية الملك ، كما قال تعالى :" ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء "0"النحل :75 " يعني ليس له شيء ، ولايملك شيئا 0(1)
واجيب :
بأن الآية لم تخص حرا من عبد فبقي على عمومه (2) 0
2 0واستدل الكاساني (3) بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يتسرى العبد ولا يسريه مولاه " (4)0
وجه الدلالة منه ان العبد ليس اهلا للملك ، فلا يصح التسري منه (5) 0
المطلب الرابع: بيع الأمة
اذا باع السيد أمة ، فهل يعتبر هذا طلاقا لها ، عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) روايتان :
الرواية الاولى :
نقل الحافظ ابن كثير أن بيع الأمة ليس طلاقا لها 0(6) قال ابن الجوزي : وهذا أصح 0(7)
واليه ذهب جمع من الصحابة منهم : " علي ، وعبد الرحمن وابن عمر0(8)رضي الله عنهم وهو قول المالكية 0والزيدية (9) 0
واستدلوا :
__________
(1) الروض النضير 4/54 ، الكافي ، ابن قدامة 3/6 0
(2) المحلى 9/445 0
(3) بدائع الصنائع5/254 و 2/234 0وينظر : البحر الرائق 3/187 0
(4) لم أجد له اصلا في كتب الحديث والرجال والعلل 0
(5) بدائع الصنائع5/254 ، الشرح الكبير 9/ 305 0
(6) تفسير ابن كثير 1/475 0
(7) زاد المسير ص 271 0
(8) ينظر : المعونة 2/630 ، الكافي ،ابن عبد البر ص275-276 ، الدراية 2/64 ، تفسير ابن كثير 1/ 474و475 0
(9) الاحكام ، الامام يحيى 1/436، شرح الازهار 2/326 0(2/75)
1 0 ان عائشة أم المؤمنين اشترت بريرة ، واعتقتها ، ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ، حيث خيرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين الفسخ والبقاء فاختارت الفسخ ، ولو كان بيعها طلاقا ، ما خيرها النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما خيرها دل على بقاء النكاح ، وان المراد من قوله تعالى :" والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم " المسبيات فقط 0(1)
2 0 انه عقد على منفعة فلا يبطل بيع الرقبة كما في العين المؤجرة ، ولاية نزلت في المسبيات ، فهن المراد بملك اليمين 0(2)
3 0 ولأن المشتري نائب عن البائع ، والبائع كان قد أخرج من ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنه 0(3)
الرواية الثانية :
أخرج ابن جرير الطبري عنه( رضي الله عنهما ) قال :"طلاق الأمة ست :بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ،وبراءتها طلاقها ، ونكاح الحرة على الامة طلاق لها ، وطلاق زوجها طلاقها "0(4)
واليه ذهب ابن مسعود وانس بن مالك وابي بن كعب وجابر ( رضي الله عنهم ) ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ومسروق ، وهو قول الامامية (5) 0
واستدلوا :
__________
(1) زاد المسير ص271 ، تفسير ابن كثير 1/ 475 ، شرح الزرقاني 3/ 324 ، التلخيص الحبير 3/177 السبل 3/131 0
(2) شرح الزرقاني 3/ 324 0
(3) تفسير ابن كثير 1/ 475 0
(4) تفسير الطبري5 /7 ، مصنف عبدالرزاق 7/268 ،مصنف ابن ابي شيبة 3/ 289 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/ 176 ، تفسيرابن كثير 1/475 ، زاد المسير ص271 ، أحكام القران ، الجصاص 2/170 ،شرح مسلم 10/ 143 ،الدر المنثور 2/138 0
(5) تفسير الطبري 5/7 ، تفسيرابن كثير 1/475 ، عمدة القاري 20/266 ، شرح الزرقاني 3/ 196 ، الخلاف ، الطوسي 4/ 352 0(2/76)
قوله تعالى :"والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم " 0 يعني : الا ماملكت ايمانكم من الاماء ذات الازواج ، بسبي أوبغير سبي ، وعلى هذا تأول الاية ، ابن مسعود ،وأبي بن كعب ، وجابر ،وانس( رضي الله عنهم ) ، وكان هؤلاء يرون بيع الأمة طلاقا 0(1)
قال الطوسي : " قوله تعالى : " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم " والمحصنات زوجات الغير ، فحرمهن علينا إلا ما ملكت اليمين ، فالظاهر أنه متى ملك زوجة غيره حلت له بملك اليمين ، فإذا حلت له ثبت أنها حرمت على زوجها " (2).
واجيب :
بما قاله الجصاص : " يريد بقوله (بيع الأمة طلاقها ) إذا اشتراها الزوج ولا يبقى النكاح مع الملك والنظر يدل على أن بيع الأمة ليس بطلاق ولا يوجب الفرقة وذلك لأن الطلاق لا يملكه الزوج ولا يصح إلا بإيقاعه أو بسبب من قبله فلما لم يكن من الزوج في ذلك سبب وجب أن لا يكون طلاقا ويدل أيضا على ذلك أن ملك اليمين لا ينافي النكاح لأن الملك موجود قبل البيع غير ناف للنكاح فكذلك ملك المشتري لا ينافيه " (3) 0
المطلب الخامس : عتق الأمة المزوجة
اختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال :
القول الاول :
يرى الامام عبدالله بن عباس (( رضي الله عنهما ) : ان الامة اذا اعتقت وزوجها حر ، او بعضه ، فلا خيار لها ، فان كان عبدا فلها الخيار 0
روى ابوداود والترمذي والامام احمد عن ابن عباس (( رضي الله عنهما )) ان : " زوج بريرة كان عبدا يسمى مغيثا ، فخيرها النبي (( صلى الله عليه وسلم ) ) ،وامرها ان تعتد " 0 (4)
__________
(1) زاد المسير ص272 0
(2) الخلاف 4/ 352-353 0
(3) احكام القران ، الجصاص 2/172 0
(4) سنن أبي داود – عون 6/ 87 ، جامع الترمذي – تحفة 4/317 ، المسند 1/281 ، شرح معاني الاثار 3/ 82 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/221 ، مجمع الزوائد 4/341 وقال : رجاله رجال الصحيح ، فتح الباري 9/336 ، سبل السلام 3/130 ، مصنف ابن ابي شيبة 3/ 505 و 7/15 ، المغني 7/147 0(2/77)
وحكى ابن المنذر ، وابن عبد البر الاجماع على ان لها الخيار في فسخ النكاح ، ان كان زوجها عبدا 0 (1) وبه قال : ابن عمر (( رضي الله عنهما ) ) (2) 0 واليه ذهب مالك والشافعي واحمد 0 (3)
واستدلوا:
ما تقدم عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) 0
ما رواه القاسم عن عائشة ( رضي الله عنها ) ان بريرة كانت تحت عبد ، فلما اعتقتها قال لها رسول الله ( ( صلى الله عليه وسلم )) : اختاري ،فان شئت ان تمكثي تحت هذا العبد ، وان شئت ان تفارقيه " 0 (4)
وهذا نص منه صلى الله عليه وسلم على ان المعتقة اذا كانت تحت العبد فانها تخير، ان شاءت ان تبقى عنده فالامر اليها ، وان شاءت ان تفارقه فالامر بيدها ، ومفهوم الحديث انها اذا كانت عند زوج حر فلا خيار لها 0 (5)
القول الثاني :
ان المعتقة لها الخيار بكل حال ولو كان زوجها حرا 0 واليه ذهب : ابو حنيفة ، وهو رواية عن احمد ، وبه قال بعض الزيدية ، منهم الهادي 0 (6)
واستدلوا :
__________
(1) الانصاف 8/178 ، المبدع 6/97 ، سبل السلام 3/130و131 0
(2) المبدع 6/97 ، جامع الترمذي 4/317 0
(3) المعونة 2/63 ، كفاية الطالب 2/146 ، الام 5/90 و122، تكملة المجموع 16/ 188 ، المبدع 6/97 ، كشاف القناع5/ 114 ، الشرح الممتع 5/258 ، التمهيد 3/49- 51 ، نيل الاوطار ص : 1178 ، تحفة الاحوذي 4/318 ، الروضة الندية 2/62 0
(4) مسند احمد 6/45 ، سنن الدارقطني 3/288 –289 ، وينظر : المنتقى ، المجد ابن تيمية ص: 1177 0
(5) المعونة 2/63 ، المبدع 6/97 0
(6) المبسوط 5/99 ، فتح القدير ، الكمال بن الهمام 3/402 ، بدائع الصنائع 2/328 ، المبدع 6/97 ، الانصاف 8/178 ، نيل الاوطار ص : 1177 0(2/78)
بما روى الاسود عن عائشة ( رضي الله عنها ) ان النبي (( صلى الله عليه وسلم ) خير بريرة ، وكان زوجها حرا " 0 (1)
وأجيب :
بان هذا الخبر وهم ، والصواب انه كان عبدا 0
فقد روى عروة بن القاسم ، عن عائشة ( رضي الله عنها ) ، ان زوج بريرة كان عبدا ، وهما اعلم بحديث ام المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) من غيرهما 0
وام المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) هي صاحبة القصة ، فهي اعلم بها ، وقد نصت على ان زوج بريرة كان عبدا 0 (2)
ويتأكد ذلك :
أ- برواية ابن عباس ، وابن عمر (رضي الله عنهم) 0 (3)
ب- انه رواه علماء المدينة ، واذا روى علماء المدينة شيئا ، ورأوه فهو أصح 0 (4)
ج – والنظر والمعقول شاهد له ايضا، فانها بعتقها قد كافأت زوجها في الكمال ، فلم يثبت لها خيار ، كما لو أسلمت الكتابية تحت المسلم 0 (5)
القول الثالث :
إن الزوجة المعتقة لها الخيار مطلقا إذا أعتقت ، واليه ذهب بعض الحنابلة 0 (6)
__________
(1) مسند احمد 6/42 ، سنن ابي داود – عون 6 / 87 ، جامع الترمذي – تحفة 4/318 ، سنن النسائي الصغرى 6/163 ، سنن ابن ماجه 1/670 رقم ( 2074) ، المعجم الاوسط 2/223 0وينظر : المنتقى ص : 1177 ، قال الشيخ الالباني في ارواء الغليل 6/272-278 : ( شاذ بلفظ " حرا " والمحفوظ " عبدا " ) ، ونحوه في ضعيف سنن الترمذي ص : 134 0
(2) ينظر : الام 5/122 ، شرح الزرقاني 3/324 ، المبدع 6/97 ، فتح القدير ، الكمال 3/402 ، الدراية 2/64 ، سبل السلام 3/130 ، نيل الاوطار ص : 1178 0
(3) جامع الترمذي 4/319 ، التلخيص الحبير 3/178 ، سبل السلام 3/130 ، نيل الاوطار ص ، 1178 0
(4) سبل السلام 3/130، نيل الاوطار ص : 1178 0
(5) المعونة 2/630 ، المبدع 6/97 ، الفواكه الدواني 2/54 0
(6) الشرح الممتع 5/258 0(2/79)
فجعلوا الموجب للخيار هو العتق ، لا انها ساوت الزوج ، وذلك لانه حين كانت امة كانت مغلوبة على امرها بسيدها فهو الذي يزوجها ، فاما اذا عتقت فانها تحررت فتملك كل ما كان لسيدها من التصرف من قبل 0 (1)
والراجح من هذه الاقوال ماذهب اليه ابن عباس (رضي الله عنهما) ومن وافقه من اهل العلم ، والسنة النبوية الصحيحة من حديث ام المؤمنين عائشة ، وابن عمر (رضي الله عنهم) بالاضافة الى مارواه ابن عباس(رضي الله عنهما) قاضية بترجيح هذا القول على غيره ، بثبوت الخيار لها ان كان الزوج عبدا 0
واما ماذهب اليه الحنفية : فتلك رواية حكم عليها ائمة النقد بالوهم والغلط ،فهي لا تقوى على معارضة الروايات الصحيحة ، والله تعالى اعلم بالصواب 0
المطلب السادس : الجمع بين الاختين بملك اليمين
اختلف اهل العلم في حكم الجمع بين الاختين في ملك اليمين على ثلاثة اقوال :
القول الاول :
جواز الجمع بينهما0 واليه ذهب ابن عباس (رضي الله عنهما) فراى جواز الجمع بينهما ، وكذلك الجمع بين المراة وابنتها في ملك اليمين ، وكان يقول : " لا تحرمهن عليك قرابة بينهن ، انما تحرمهن عليك القرابة بينك وبينهن " ثم تلا :" الا ما ملكت ايمانكم " ( النساء : 24 )0 قال : " هي مرسلة " (2) يعني : غير مقيدة بقيد 0 (3)
واخرج عبدالرزاق الصنعاني عن ابن عباس (رضي الله عنهما) : " انه كان يعجب من قول علي رضي الله عنه في الاختين يجمع بينهما : حرمتهما اية ، واحلتهما اية اخرى ، ويقول : " الا ماملكت ايمانكم " : هي مرسلة " 0 (4)
واليه ذهب داود الظاهري 0 (5)
استدل ابن عباس (رضي الله عنهما) :
__________
(1) الشرح الممتع 5/ 258 0
(2) المصنف ، عبدالرزاق 7/192 0
(3) تفسير ابن عباس 1/122 0
(4) المصنف ، عبدالرزاق 7/ 192 ، المحلى 9/522 0
(5) المحلى 9/ 522 ، وينظر : المغني 7/95 ، تفسير القرطبي 5/116 0(2/80)
بالظاهر من قوله تعالى : "الا ماملكت ايمانكم " ، فانه لا يخصص عموم قوله تعالى : " وان تجمعوا بين الاختين " ، لان المراد بقوله : " الا ما ملكت ايمانكم " استثناء المملوكات المتزوجات من عموم تحريم نكاح النساء المتزوجات المبين في قوله تعالى : " والمحصنات من النساء " فيجوز الاستمتاع بالمملوكة ، وان كانت ذات زوج ، بعد استبرائها ، وليس فيها اشارة للجمع بين الاختين 0 (1)
القول الثاني :
كراهة الجمع بينهما 0 وهو الرواية الثانية عن ابن عباس رضي الله عنهما (2) 0
وبه قال علي بن ابي طالب (رضي الله عنه) ،فانه نقل عنه :"حرمتهما اية ، واحلتهما اية " 0والمراد باية التحريم قوله تعالى : " وان تجمعوا بين الاختين " ( النساء : 23 ) ، حيث يدخل في عمومها الاماء0
والمراد باية التحليل قوله تعالى : " والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم " وامثالها كقوله تعالى"الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم " ( المؤمنون : 6 ) 0
واليه ذهب عمر وابنه عبدالله ، وعثمان وعمار بن ياسر (رضي الله عنهم)0 (3)
القول الثالث :
حرمة الجمع بينهما 0 قال ابن مسعود (رضي الله عنه) : " يحرم من الاماء ما يحرم من الحرائر ،الا العدد "0(4) ونقل عن علي وعمار رضي الله عنهم (5) 0
__________
(1) زاد المسير ص: 271 ،تفسير ابن عباس 1/224 0
(2) مصنف ابن ابي شيبة 3/ 305 ، سنن الدارقطني 3/196 0
(3) تفسير القرطبي 5/117 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/164 ، زاد المعاد 4/11 ، كنز العمال 16/ 514 ، تفسير ابن عباس 1/122 0
(4) مصنف عبدالرزاق 7/ 195 ، تفسير ابن كثير 1/474 ، التلخيص الحبير 3/174 ، فقه الامام علي ص : 560و561 0
(5) المحلى 9/523 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/ 163 0(2/81)
واليه ذهب ابو حنيفة ، ومالك ،والشافعي ، واحمد ، والظاهرية والزيدية والامامية 0 (1)
واستدلوا بما يلي :
1 0 قال الحافظ ابن كثير : " وقد اجمع المسلمون على ان معنى "حرمت عليكم امهاتكم 000 " ( النساء : 23 ) ان النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء ، وكذلك يجب ان يكون نظرا ، وقياسا الجمع بين الاختين ، وامهات النساء ، والربائب " 0 (2)
ولا يخفاك ان هذه الدعوى الاجماعية منقوضة بمخالفة ابن عباس (رضي الله عنهما)، الا اللهم ان اراد ان خلاف الواحد والاثينن من المجتهدين لايقدح في الاجماع ، وبه يقول بعض الائمة منهم الطبري والجصاص وابن المنذر ، وهو خلاف المشهور عند الاصوليين 0
2 0ان الجمع بين الاختين المملوكتين في الوطء ، بمعنى الزواج ، فيتحقق فيه ما يتحقق بالزواج ، من النفرة والكراهية وغيرها ، فيتم تعدية الحكم اليه لاتحاد العلة 0 (3)
3 0 يؤيده ان سبب النزول يدل على التحريم 0
قال ابن عباس (رضي الله عنهما) : " كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله الا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين فنزلت هذه الآية " 0 (4) أي : "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف ، وان تجمعوا بين الأختين " ( النساء : 22-23 )0
وما استدل به جمهور العلماء هو الذي يتبين لي رجحانه ، والله تعالى اعلم بالصواب 0
المطلب السابع : الجمع بين الحرة والأمة في نكاح واحد
__________
(1) بدائع الصنائع 2/264 ، المنتقى 3/301 ، شرح الزرقاني 3/192 ، المغني7/96 ، المبدع 7/65 ، الشرح الممتع 5/227 ، المحلى 9/133 ، الروض النضير 4/40و43 ، شرائع الاسلام 2/291 0
(2) تفسير ابن كثير 1/474 وينظر : المحرر الوجيز ص :419 –420 ، زاد المعاد 4/11 ،فتح القدير ، الشوكاني 1/447 0
(3) زاد المعاد 4/11 ، فقه الامام علي ص : 561 0
(4) تفسير الطبري 8/133 ، وسنده حسنه الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على زاد المسير ص : 268 ، وينظر : تفسير ابن كثير 1/474 ، الدر المنثور 2/134 0(2/82)
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول :
كراهة الجمع بينهما ، واليه ذهب عبدالله بن عباس (رضي الله عنهما) 0 (1)
أخرج عبدالرزاق الصنعاني ، وابن ابي شيبة ، والبيهقي وغيرهم عنه انه قال : " نكاح الحرة على الامة طلاق الأمة " 0 (2)
وممن كره ذلك جابر بن عبدالله ، وعبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن عمر (رضي الله عنهم) ، ومسروق والزهري وابراهيم النخعي 0 (3)
واليه ذهب الشافعية في رواية ، والحنابلة ، والزيدية ، انه يثبت نكاح الحرة ، ويفارق الأمة 0 (4)
القول الثاني :
يصح نكاح الحرة 0 وهو قول مالك ، والثوري ، والأظهر عند الحنابلة 0 (5) وقال الحسن البصري ، وسعيد بن المسيب ، وعثمان البتي : لا يفرق بينهما ، واليه ذهب الحنفية والظاهرية 0 (6)
الأدلة :
__________
(1) ينظر : السنن الكبرى ، البيهقي 7/176 0
(2) المصنف ، عبدالرزاق 7/268 ، المصنف ، ابن ابي شيبة 3/468 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/176 ، المحلى9/ 422 وقال : صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما 0
(3) السنن الكبرى 7/175 ، المحلى 9/441-442 ، مختصر اختلاف العلماء 2/306 ، المصنف ، عبدالرزاق 7/268 ، المصنف ، ابن ابي شيبة 3/ 268 ، المدونة 2/204 0
(4) السنن الكبرى 7/175 ، المحلى 9/441-442 ، مختصر اختلاف العلماء 2/306 ، المصنف ، عبدالرزاق 7/268 ، المصنف ، ابن ابي شيبة 3/268، الام 7/ 269 ، روضة الطالبين ص : 1214 مغني المحتاج 3/ 184 ، المغني 7/95 ، الاحكام ، الامام يحيى 1/355، شرح الازهار 2/317 ،الروض النضير 4/44 0
(5) المدونة 2/204 ،السنن الكبرى 7/175 ، المحلى 9/441-442 ، مختصر اختلاف العلماء 2/306 ، المصنف ، عبدالرزاق 7/268 ، المصنف ، ابن ابي شيبة 3/268، روضة الطالبين ص : 1214 ، المغني 7/95 ، الروض النضير 4/44 0
(6) مختصر اختلاف العلماء 2/306 ، احكام القران ، الجصاص 3/111 ، الهداية 1/194 ،المبسوط 4/197 ،تحفة الفقهاء 2/ 127 ، المحلى 10/109 0(2/83)
استدل اصحاب القول الأول :
1 0 بما رواه الحسن البصري قال : " نهى رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) ان تنكح الأمة على الحرة " 0 (1)
والدلالة منه ظاهرة على المنع من الجمع بين الحرة والامة 0
واعترض :
بان الحديث مرسل، (2) مع وروده من طريقين في احدهما مجهول ، وبالتالي فهو حديث ضعيف ، لايمكن الاحتجاج به 0 (3)
2 0بما روته عائشة (رضي الله عنها) ان رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال : " 000 ولا تتزوج الأمة على الحرة " 0 (4)
واجيب :
بان الحديث ضعيف ، فيه اسلم بن مظاهر ، ضعفه جماعة من اهل العلم بالرجال 0
واستدل اصحاب القول الثاني :
1 0 بان الحرة محل قابل للنكاح ، اضيف اليها عقد صادر عن كامل الأهلية ، لم يجتمع معها فيه مثلها ، فيصح كما لو انفردت به 0 (5)
2 0 قال الجصاص : " قوله تعالى : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " فيه : جواز تزوج الأمة مع القدرة على نكاح الحرة ،من وجهين :
الوجه الأول : اباحة النكاح على الاطلاق في جميع النساء من العدد المذكور من غير تخصيص لحرة من امة 0
__________
(1) المصنف ، عبدالرزاق 7/267و268 ، مصنف ابن ابي شيبة 3/288 ، تفسير الطبري 5/25 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/175 ، المحلى 9/342 ، الدر المنثور 2/ 142 ، كنز العمال 16/517 0
(2) السنن الكبرى ، البيهقي 7/175 0
(3) نصب الراية 3/ 330 0
(4) سنن الدارقطني 4/26 ، السنن الكبرى ، البيهقي 7/370 ، كنزالعمال 9/660 وفيه: اسلم بن مظاهر ، ضعيف ، كما في نصب الراية 3/ 330 0
(5) المدونة 2/204 ، السنن الكبرى 7/175 ، المحلى 9/441-442 ، مختصر اختلاف العلماء 2/306 ، المصنف ، عبدالرزاق 7/268 ، المصنف ، ابن ابي شيبة 3/268، روضة الطالبين ص : 1214 ، المغني 7/95 ، الروض النضير 4/44 ، المبدع 7/75 ، الفروع 5/208، الانصاف 7/143 0(2/84)
الوجه الثاني : قوله في نسق الخطاب " او ما ملكت ايمانكم " ، ومعلوم ان قوله : "او ما ملكت ايمانكم " غير مكتف بنفسه في افادة الحكم وانه مفتقر الى ضمير ، وضميره ما تقدم ذكره مظهرا في الخطاب ، وهو عقد النكاح فكان تقديره فاعقدوا نكاحها على ما طاب لكم من النساء او ما ملكت ايمانكم 000 (1) 0
وهذا القول هو الذي يتبين رجحانه ، لافتقار القول الأول الى دليل يؤيده ، فرجع حكمه الى الأصل العام ، من اباحة النكاح ، من غير تقييده بقيد ، والله تعالى اعلم 0
المطلب الثامن : كم يتزوج الحر من الاماء
اختلف الفقهاء في العدد الذي يجوز للحر ان يتزوجه على قولين :
القول الأول : لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة 0 وبه قال ابن عباس (رضي الله عنهما) فيما نقله عنه الامام البيهقي وغيره 0 (2) وهو مروي عن : جابر بن عبدالله الانصاري (رضي الله عنه) ، والحسن البصري 0 (3)
واليه ذهب : الشافعي ، واحمد ، والامامية ، وبعض الزيدية ، وجعلوا النكاح مفسوحا ان وقع باثنتين او اكثر 0 (4)
القول الثاني : يجوز للحر ان يتزوج اربعا 0
وبه قال : ابراهيم النخعي ،والحارث العكلي ، وعطاء بن ابي رباح ، والزهري 0 (5) واليه ذهب ابو حنيفة ، ومالك، وجمهور الزيدية 0 (6)
الادلة :
__________
(2) السنن المكبرى 7/175 0 الدر المنثور 2/142 ، ضعف سنده الحافظ المارديني في الجوهر النقي 7/175 0
(3) تفسير الطبري 5/23 ، الدر المنثور 2/142 0
(4) الأم 5/11 ، كشاف القناع 5/ 396 ،الحدائق الناضرة ، البحراني 23/620 ، جواهر الكلام ، الشيخ الجواهري 30/7 ، البحر الزخار 4/43 ، الروض النضير 4/45 0
(5) تفسير الطبري 5/23 ،المدونة 2/199 ، الجوهر النقي 7/175 ، الدر المنثور 2/142 0
(6) احكام القران ، الجصاص 2/242 ، المبسوط 5/124 ، الجوهر النقي 7/175 ، المدونة 2/199 ، المنتقى 3/322 ، حاشية الدسوقي 3/412 0(2/85)
استدل اصحاب القول الاول بالقياس ، لان الحر اذا كانت تحته امة ،فقد زالت خشية العنت عنه ، لقوله سبحانه وتعالى :
( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النساء:25) 0 (1)
واستدل اصحاب القول الثاني :
1 0 بعموم قوله تبارك وتعالى : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)(النساء: من الآية 3 ) 0
2 0وبعموم قوله تعالى :( فمن مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)(النساء: من الآية25 )0
لأن الأمة المنكوحة زوجة ، يجري عليها احكام الزوجات ، فوجب جواز الاربع منهن 0 (2)
0 واذا جاز تعريض النسل للرق في الواحدة ، جاز في غيرها ، فلا فرق بين واحدة واكثر 0 (3)
قال الامام ابو جعفر الطبري :
__________
(1) الام 5/11 ، الروض النضير 4/45 0
(2) المبسوط 5/124 ، الجوهر النقي 7/175 ، حاشية الدسوقي 3/412 0
(3) الروض النضير 4/ 45 0(2/86)
: " وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى الطول في هذا الموضع: السعة والغنى من المال ، لاجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرم شيئا من الاشياء سوى نكاح الاماء لواجد الطول إلى الحرة ، فأحل ما حرم من ذلك عند غلبته المحرم عليه له لقضاء لذة . فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الاماء لواجد الطول ، فمثله في التحريم نكاح الاماء لواجد الطول : لا يحل له من أجل غلبة هوى سره فيها ، لان ذلك مع وجوده الطول إلى الحرة منه قضاء لذة وشهوة وليس بموضع ضرورة تدفع ترخصه كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه فيترخص في أكلها ليحيى بها نفسه ، وما أشبه ذلك من المحرمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه ما حرم عليهم منها في غيرها من الاحوال . ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة ، وفي إجماع الجميع على أن رجلا لو غلبه هوى امرأة حرة أو أمة أنها لا تحل له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به ، ما يوضح فساد قول من قال : معنى الطول في هذا الموضع : الهوى ، وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الاماء . فتأويل الآية إذ كان الامر على ما وصفنا : ومن لم يجد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر ، فلينكح مما ملكت أيمانكم (1) "
والله تعالى اعلم بالصواب 0
المبحث الثامن : من أحكام الكتابيات
وفيه المطالب الآتية :
المطلب الاول :نكاح المشركة والمشرك
المطلب الثاني : نكاح الكتابية
المطلب الثالث : نكاح الكتابية الحربية
المطلب الرابع : نكاح الكتابية من نصارى العرب
المطلب الخامس : نكاح الامة الكتابية
المطلب السادس : نكاح كتابية على مسلمة
المطلب السابع : نكاح الصابئية
المطلب الاول : نكاح المشركة والمشرك وفيه فرعان :
الفرع الأول : نكاح المشركة
__________
(1) تفسير الطبري 5/23-24 0(2/87)
لا يجوز عند ابن عباس ( رضي الله عنهما ) نكاح المشركات ، ما لم تكن كتابية يهودية أو نصرانية 0 نقله عنه ابن الجوزي 0 (1)
وهو قول عثمان ، وطلحة ، وحذيفة ، وجابر وعلي ( رضي الله عنهم ) ، ونقله بعض العلماء اجماعا 0 (2)
والدليل :
0 قوله تعالى :"ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ "0"البقرة :221"0
فحرم الله تعالى نكاح المشركات عقدا ووطءاً ، وهي عامة في جميع المشركات ، وما أخرج عن عمومها من اباحة كافرة فلدليل خاص ، وهو قوله تعالى :"َ والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " "المائدة:5 "
فهذه خصصت عموم تلك من غير نسخ (3) 0
0قوله تعالى :" ولا تمسكوا بعصم الكوافر "0 " (الممتحنة :10 ) 0
فنهى الله تعالى المؤمنين عن المقام على نكاح الكافرات ، وامرهم بفراقهن 0 قال الزجاج : اذا كفرت فقد زالت العصمة بينها وبين المؤمن ، أي قد انبتَّ عقد النكاح 0 (4)
__________
(1) زاد المسير ص131 ، فتح القدير ، الشوكاني 1/224 0
(2) الام 5/6 ، بداية المجتهد ص428 ، المحرر ، المجد بن تيمية 2/21 ، المغني 7/500 ، الروضة الندية 2/43 تكملة المجموع 16/232 ، شرائع الاسلام 2/294 ، المسائل المنتخبة ، السيستاني ص 368 ، شرح الازهار 2/209 ، الروض النضير 4/63 ، البحر الرائق 3/373 ، الثمر الداني ص : 458 ، روضة الطالبين ص1217 ، مغني المحتاج 3/186 0
(3) ينظر : المحرر الوجيز ص193- 194 ، زاد المسير ص130 ، فتح القدير 1/224 ، الروض المربع ص348 0
(4) ينظر : المحرر الوجيز ص1849 /زاد المسير ص1427 لا، الفقه الاسلامي وادلته 6652 ، الكافي ، ابن قدامة 3/46– 47 ، منار السبيل 2/146 0(2/88)
قال الامام الطبري : " ولا تمسكوا بعصم الكوافر يقول جل ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لا تمسكوا إيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهن ، والكوافر : جمع كافرة ، والعصم : جمع عصمة ، وهي ما اعتصم به من العقد والسبب ، وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الاقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الاوثان ، وأمر لهم بفراقهن " (1) 0
وقال ابن الجوزي : " المراد بالكوافر الوثنيات ثم لو قلنا إنها عامة كانت إباحة الكتابيات تخصيصا لها لا نسخا " (2) 0
الفرع الثاني : نكاح المشرك :
لا يجوز نكاح المشرك للمسلمة عند ابن عباس – رضي الله عنهما – 0
اخرج عبد الرزاق الصنعاني عنه ( رضي الله عنهما ) :" لا يعلو النصراني المسلمة " (3) 0
واخرج الامام الطحاوي عنه( رضي الله عنهما ) : " اذا اسلمت الزوجة النصرانية وكانت تحت النصراني قال :"يفرق بينهما الاسلام يعلو ، ولا يعلى عليه " (4) 0
واخرج عبد الرزاق عنه ( رضي الله عنهما ) قال :" يفرق بينهما ، ولا صداق " (5) 0
وبه قال : الزهري ،والحسن 0 وقال قتاده : لها نصف الصداق ، وقد اجتمعت عليه الأمة 0 (6)
وتقدم قريبا نقل ادلة التحريم في نكاح المشركة فأغنى عن تكراره هنا 0 (7)
المطلب الثاني : نكاح الكتابية :
اختلف الفقهاء في حكم نكاح الكتابية على قولين :
القول الأول :
يرى ابن عباس – رضي الله عنهما – مشروعية نكاح المسلم للكتابية اليهودية او النصرانية اذا كانت حرة ، مع الكراهة 0 (8)
__________
(1) تفسير الطبري 28/91 0
(2) نواسخ القرآن ، ابن الجوزي ص : 241 0
(3) المصنف 6/83 0
(4) شرح معاني الاثار 3/257 0
(5) المصنف 6/83
(6) المصنف 7/81 ، المحرر الوجيز ص 195 ، فتح القدير 1/ 224
(7) ينظر الفقه الاسلامي ص6652 ، الكافي 0 ابن قدامه 3/47 ،منار السبيل 2/146 تحفة المحتاج 7/336
(8) زاد المسير ص:360 ،المحرر الوجيز ص :194 0(2/89)
وعليه جماهير الفقهاء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية، والحنابلة ، وجمهور الزيدية ، ورواية عند الامامية 0 بل حكى ابو عبيد الاجماع عليه الا عن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) 0 (1)
واستدلوا :
1 0 قول الله تعالى :"اليوم احل لكم الطيبات ،وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لهم ، والمحصنات من المؤمنات ،والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ، اذا اتيتموهن اجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذين اخدان"0 "المائده :5 " 0
فأباحت الاية نكاح الكتابية 0 والمراد بالمحصنات : العفائف ، ويقصد بها حمل الناس على التزوج بالعفائف ، لما فيه من تحقيق الود والالفة بين الزوجين وإشاعة السكون والاطمئنان 0 (2)
وقد روي عن عثمان ( رضي الله عنه ) انه تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه ، وهي نصرانية ، وعن طلحة بن عبيد الله( رضي الله عنه ) انه تزوج يهودية ، وتزوج حذيفة( رضي الله عنه ) يهودية ، وقال جابر ( رضي الله عنه ) :تزوجنا بهن زمان الفتح في الكوفة ، مع سعد بن ابي وقاص ( رضي الله عنه ) 0 (3)
القول الثاني :
__________
(1) المعونة 2/ 581 –582 ، المحرر 2/21 ، روضة الطالبين ص : 1217 0مغني المحتاج 3//187 ، تكملة المجموع 16 /240 ، الشرح الممتع 5/218 ، الروض النضير 4/64 شرائع الاسلام 2/294 ، المسائل المنتخبة ،السيستاني ص368 ، المفصل 7/13 ، الكافي ، ابن قدامة 3/47 0
(2) ينظر : زاد المسير ص: 360 ، المحرر الوجيز 516-517 ، الفقه الاسلامي وادلته ص :6653 ، المنتقى 3/328 ، حاشية الدسوقي 2/267 ،التاج الاكليل 3/477 0
(3) ينظر :بداية المجتهد ص :428 ، زاد المسير ص360 ، التلخيص الحبير 3/174 الروض النضير 4/64 ، الفقه الإسلامي وادلته ص : 6653 0(2/90)
ذهب بعض الزيدية منهم القاسم ، والهادي ، الى تحريم نكاح الكتابية وغيرها من المشركات 0 وهو مروي عن عمر ، وابنه( رضي الله عنهم ) وهو الرواية الأخرى عن الامامية 0وهي المشهورة في المذهب (1) 0
واستدلوا :
1 0قوله تعالى : " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " ( الممتحنة : 1 ) 0
واليهودية والنصرانية كافرتان باتفاق المسلمين ، كذا قال الشيخ المفيد (2) 0
2 0 قوله تعالى : ( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ) 0 ( الحشر : 20 ) 0
قال الشريف المرتضى : " والظاهر من ذلك نفي التساوي في سائر الاحكام التي من جملتها المناكحة " (3) 0
0 قوله تعالى :(وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) 0 ( البقرة : 221 ) 0
ولا شبهة في ان النصرانية مشركة (4) ، واليهودي مشرك لقوله "عزير ابن الله "0"التوبة :30" 0وكذا النصراني لقوله :" المسيح ابن الله ""التوبة :30 " 0وقوله :"اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله "0 "التوبة :31" 0 (5)
__________
(1) ينظر : شرائع الاسلام 2/294 ، المقنعة ص : 500 ، الانتصار ص : 279 ، الخلاف 4/312 وينظر : الروض النضير 4/63و64 ، بداية المجتهد ص : 428 0
(2) المقنعة ص : 500 0
(3) الانتصار ص : 279 وينظر : الخلاف 4/312 ، المبسوط 4/156 ، السرائر 2/353 ، شرائع الاسلام 3/495 0
(4) الانتصار ص : 279 0
(5) ينظر : الروض النضير 4/64 ، المحرر الوجيز ص836 0(2/91)
واجيب عن ادلتهم بما قاله ابن قدامة المقدسي : " فأما قوله سبحانه ( ولا تنكحوا المشركات ) فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الاخرى لانهما متقدمتان والآية التى في آخر المائدة متأخرة عنهما 0
وقال آخرون ليس هذا نسخا فان لفظ المشركين باطلاقه لا يتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ) وقال ( ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) وقال ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) وقال ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) وسائر آي القرآن يفصل بينهما فدل على أن لفظة المشركين باطلاقها غير متناولة لاهل الكتاب 0 وهذا معنى قول سعيد بن جبير وقتادة ولان ما احتجوا به عام في كل كافرة وآيتنا خاصة في حل أهل الكتاب والخاص يجب تقديمه 0 إذا ثبت هذا فالاولى أن لا يتزوج كتابية لان عمر( رضي الله عنه ) قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب طلقوهن فطلقوهن إلا حذيفة( رضي الله عنه ) فقال له عمر( رضي الله عنه ) طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي خمرة طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي خمرة قال قد علمت أنها خمرة ولكنها لي حلال فلما كان بعد طلقها فقيل له ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال : كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي 0 ولانه ربما مال إليها قلبه فقالته وربما كان بينهما ولد فيميل إليه " (1) 0
المطلب الثالث : نكاح الكتابة الحربية :
اختلف العلماء في نكاح الكتابية الحربية على قولين :
القول الأول :
ذهب ابن عباس( رضي الله عنهما ) الى ان الكتابية الحربية لا يحل نكاحها للمسلم 0 (2)
__________
(1) المغني 7/500-501 0
(2) أحكام القران ، الجصاص ،ط الحققة 1/455 و2/462 ، زاد المسير ص360 الروض النضير 4/65(2/92)
نقل الامام ابو جعفر الطبري وابن عطية عنه( رضي الله عنهما ) قال: " من أهل الكتاب من يحل لنا ، وهم كل من أعطى الجزية ، ومنهم من لا يحل لنا وهم أهل الحرب 0 ثم قرأ : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية) فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه "0 (1) وهو قول علي – ر ضي الله عنه - وهو وجه عند الحنابلة 0 (2)
القول الثاني :
يرى جمهور العلماء الكراهة 0 وبه قال : مالك ، وابو حنيفة ، والشافعية ، والزيدية 0 (3)
الأدلة :
استدل ابن عباس( رضي الله عنهما ) :
بقوله تعالى :"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " 0 "التوبة :29 "0
وجه الاستدلال :
ان هذه الآية أمرت بقتال الكفار من اليهود والنصارى ، من الذين لا يدينون الدين الصحيح ، وانما دينهم اما مبدل لم يشرعه الله ، واما دين منسوخ قد شرعه ، ثم غيره بشريعة محمد ،صلى الله عليه وسلم ، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز ، فأمر بقتالهم ، وحث على ذلك ،لانهم يدعون الى ما هم عليه ،وعين ذلك القتال :"حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (4) 0
__________
(1) تفسير الطبري 6/145 ،المحرر الوجيز ص517 0، الدر المنثور 3/229 0
(2) ينظر : المحرر 2/21 ، المغني 7/100 ، المبدع 7/71 ، الروض النضير 4/65 0
(3) ينظر : روضة الطالبين ص1217 ، مغني المحتاج 3/187 ، البحر الزخار 4/41 ، المغني 7/100 أحكام القران ، ابن العربي 2/46 ، الروض النضير 4/64 ، المعونة 2/82 0
(4) ينظر : تفسير السعدي ص499 ، أحكام القران ، الجصاص 3/326 0(2/93)
ومعلوم ان المناكحة توجب المحبة والمودة، ومحبتهم تقدح في صحة الايمان وقد قال تعالى :"خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة "" فينبغي ان يكون الزواج بالحربيات محظورا 0 (1)
أما الجمهور :
فكرهوا ذلك لقوله تعالى :"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " "المجادلة :22"0
بينت الاية ان مودة الكفار قادحة في صحة الايمان ، وان من كان مؤمنا ، لم يوال كافرا ،وان كان أبا ،او ابنا ، أو احدا من عشيرته 0 (2)
قال الخطيب الشربيني :"وتكره حربية ليست بدار الاسلام لما في الاقامة بدار الحرب من تكثير سوادهم ، ولانها ليست تحت قهرنا ، وقد تسترق وهي حامل منه ، فلا تصدق في انها حامل من مسلم ، ولما في الميل اليها من خوف الفتنة"0 (3)
بالإضافة الى ما في ذلك من المضار الاجتماعية ، والدينية ، فقد ينقلن لبلادهن أخبار المسلمين ، وقد يرغبن الاولاد في عقائد وعادات غير المسلمين فضلا عما يؤدي الزواج بهن الى الحاق الضرر بالمسلمات من الاعراض عنهن 0 (4)
وهذا هو الراجح ، لإطلاق أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من جواز نكاح الكتابيات ، من غير تقييد ذلك بشيء معين ، والله تعالى اعلم 0
المطلب الرابع : نكاح الكتابية من نصارى العرب :
للعلماء في نكاح النصرانية العربية قولان :
القول الأول :
__________
(1) زاد المسير ص : 1411 و 360 ، أحكام القران 3/326 0
(2) زاد المسير ص : 1411و360 ، المحرر الوجيز ص : 1838 ، المحرر 2/21 ، المعونة 2/582 0
(3) مغني المحتاج 3/187 ، وينظر : حواشي الشرواني 7/322 ، الفقه الإسلامي وادلته ص : 6655 0
(4) الفقه الاسلامي وادلته ص :6654 0(2/94)
اخرج ابن ابي شيبة عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال :"كلوا ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا نساءهم ، فان الله تعالى يقول :"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض " فلو لم يكونوا منهم الا بالولاية لكانوا منهم " (1) 0
وهو رواية عن الامام أحمد – وهي اصح الروايتين - ، وبه قال الحسن وعكرمة والزهري ومالك وغيرهم 0 (2)
القول الثاني :
ذهب علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) الى حظر هذا النكاح ، وبه قال جابر بن زيد ، والنخعي ، وعطاء بن ابي رباح ، وهو رواية عن احمد ، وهو قول الزيدية 0 (3)
الحجة للقول الأول :
1 0 ان الله تعالى أباح نكاح الكتابيات ، وهن داخلات في عموم الآيات التي احلت نكاح الكتابيات0 ومنها قوله تعالى : (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) وهم : اليهود والنصارى 0 (4)
2 0 اما وجه استدلاله بالآية : فانه يدل على ان حكم نصارى بني تغلب حكم نصارى بني إسرائيل 0 (5)
والحجة للقول الثاني :
__________
(1) ابن ابي شيبة في المصنف 3/ 300 ، مصنف عبدالرزاق 6/ 73 ، تفسير الطبري 6/100و 101 و 137، أحكام القران، الجصاص 3/322 و326 و4/286 ، التلخيص الحبير 3/173 ، زاد المسير ص360 0
(2) مصنف عبدالرزاق 6/ 74 ، تفسير الطبري 6/101 ، زاد المسير ص360 ، الكافي ، ابن قدامة 3/74 ، الشرح الكبير 7/511 ، المحرر الوجيز ص : 517 ، المجموع 9/79 0
(3) تفسير الطبري 6/101 ، تفسير القرطبي 6/78 ، أحكام القرآن ، الجصاص 3/322 ، 326 ، المغني 10/87 ، شرح الأزهار 4/543 ، الروض النضير 4/ 66 ، مصنف ابن ابي شيبة 4/161 ،مصنف عبدالرزاق 6/72 ، فتح الباري 9/ 524 ، وسائل الشيعة 7/ 0410
(4) ينظر : الكافي ، ابن قدامة 3/74 ، الشرح الكبير 7/511 0
(5) ينظر : أحكام القرآن ، الجصاص 4/100 و286 0(2/95)
ان نصارى العرب لم يتمسكوا بدين النصرانية ، فهم ليسوا من أهل الكتاب ، انما اهل الكتاب بنو اسرائيل ، والذين جاءتهم التوراة والانجيل فاما من دخل فيهم من الناس فليسوا منهم 0 (1)
والظاهر ما ذهب اليه ابن عباس( رضي الله عنهما ) فان اطلاقات القرآن الكريم في نكاح أهل الكتاب ، لم يأت فيها التقييد بكونه من غير العرب 0
واما قولهم : بأنهم لا يتمسكون من دين النصرانية الا بشرب الخمر ، ونحوها فهذا ليس بشيء لان النصارى عموما يفعلون ذلك ، مع كون الجميع يدينون بهذا الدين المحرف المبدل ، لافرق بين النصراني العربي وغيره في ذلك والله تعالى أعلم 0
المطلب الخامس : نكاح الأمة الكتابية:
ذهب ابن عباس( رضي الله عنهما ) إلى عدم جواز نكاح الأمة الكتابية( (2) ) .
وهو قول الحسن، ومجاهد، والأوزاعي، والليث، وإسحاق ، والزهري ومكحول ، والثوري 0
واليه ذهب : مالك والشافعي، وأحمد في ظاهر المذهب ، والامامية ، والزيدية ، وهو قول عمر، وابنه، وابن مسعود من الصحابة( رضي الله عنهم ) ( (3) ) 0
وخالف في هذا طائفة من أهل العلم:
منهم الشعبي، وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد( (4) ) .
__________
(1) ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 190 ، الروض النضير 4/66 ، تفسير الطبري 6/102 ، المحرر الوجيز ص517 ، فقه الامام علي ص : 543 0
(2) ينظر: زاد المسير ص:360.
(3) ينظر: المغني 7/509 ، الكافي، ابن عبد البر ص:234، المعونة:2/582، الروض النضير:4/65، المحرر: 2/21، الأم: 5 /9، مختصر المزني ص : 170 ، المحرر الوجيز ص:517، زاد المسير ص:361، المنتقى: 3/328، الموطأ- المنتقى: 3/328، المبسوط ، الطوسي 4/ 215 ، الخلاف 4/ 319 ، فقه ابن ابي عقيل ص : 441 0
(4) ينظر: بدائع الصنائع:2/270، المحرر:2/21، زاد المسير ص61، تفسير الطبري: 6/107، المفصل:7/30،(2/96)
وسبب الخلاف، اختلافهم في تأويل قوله تعالى((والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)). فمن تأول((المحصنات))بالحرائر جعل الإباحة مقصورة على نكاح الحرائر من الكتابات، ومن تأوله بالعفة، أباح نكاح الإماء الكتابات( (1) ) 0
استدل لابن عباس ( رضي الله عنهما ) :
1. العموم في قوله تعالى: ((ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن))( البقرة: 221) ، وهذا عام فيحمل على عمومه( (2) ) 0
2. قوله تعالى: ((فمن ما ملكت أيمانكم من فتيايتكم المؤمنات)).(النساء:25) 0
فعلقه بشرط الأيمان، ولأن ذلك يؤدي إلى أشياء ممنوعة، لأن الأمة، قد تكون ملكاً للكافر، فيستلزم أن يكون أولاده أرقاء مماليك يباعون ويشترون وهو حر( (3) ) .
أما أبو حنيفة فله :
عموم قوله تعالى: ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء...)(النساء:3 )
فهو يشمل الحرة والأمة، ولا يوجد دليل على التخصيص( (4) ) 0
ولأنها تحل بملك اليمين، فتحل بالنكاح كالمسلمة( (5) ) 0
واجيب :
بما قاله ابن قدامة المقدسي : " اشترط في إباحة نكاحهن الايمان ولم يوجد ، وتفارق المسلمة لانه لا يؤدي إلى استرقاق الكافر ولدها لان الكافر لا يقر ملكه على مسلمة والكافرة تكون ملكا لكافر وبقر ملكه عليها وولدها مملوك لسيدها 0
__________
(1) ينظر: تفسير القرطبي 5/140 ، المحرر الوجيز ص:517، أحكام القرآن، الجصاص: 3/326، بداية المجتهد ص:429.
(2) ينظر: المعونة: 2/582، المنتقى:3/328، زاد المعاد:4/12.
(3) ينظر: المنتقى:3/328، المعونة: 2/582، الروض النضير: 4/65، فتح القدير -الشوكاني:1/450، الشرح الممتع: 5/220، بداية المجتهد ص:429 ، الخلاف 4/319 0
(4) بدائع الصنائع:2/271، البحر الرائق:3/112.
(5) المحرر:2/21، زاد المسير ص:361.(2/97)
ولانه عقد اعتوره نقصان نقص الكفر والملك فإذا اجتمعا منعا كالمجوسية لما اجتمع فيها نقص الكفر وعدم الكتاب لم يبح نكاحها ، ولا فرق بين الحر والعبد في تحريم نكاحها لعموم ما ذكرنا من الدليل ولان ما حرم على الحر تزويجه لاجل دينه حرم على العبد كالمجوسية " (1) 0
المطلب السادس : نكاح كتابية على مسلمة
كره أبن عباس( رضي الله عنهما ) للمسلم أن يتزوج الكتابية على المسلمة، أخرجه ابن أبي شيبة عنه قال: ((لا تزوج اليهودية على المسلمة)) ( (2) ) وإليه ذهب الزيدية( (3) )
وخالفه في ذلك عثمان( رضي الله عنه ) فنكح نائلة بنت الفرافصة الكلبية، وهي نصرانية على نسائه، ثم أسلمت على يديه( (4) ) ونقله ابن ابي شيبة عن الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي( (5) ).
المطلب السابع : نكاح الصابئية
أخرج عبد الرزاق الصنعاني بسنده عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه سئل عن الصابئيين فقال: ((هم قوم بين اليهود والنصارى، لا تحل ذبائحهم، ومناكحتهم)) ( (6) ) وهو قول مجاهد( (7) ) 0
وقد اختلف السلف في الصابئة في مسألتين:
الأولى: ماهية معتقدهم.
الثانية: ما ينبني على عقائدهم من حل المناكحة، والذبائح أو حرمتها.
أما المسألة الأولى:
فقال قتادة، وأبو الزناد، وأبو جعفر الرازي: الصابئة قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرؤن الزبور( (8) )
__________
(1) المغني 7/ 509 ، الشرح الكبير 7/512 0 وينظر : كشاف القناع 5/ 91 0
(2) المصنف، ابن أبي شيبة:3/468.
(3) الروض النضير: 4/46.
(4) ينظر: الروض النضير: 4/63.
(5) المصنف، ابن أبي شيبة: 3/469.
(6) المصنف، عبد الرزاق: 6/125، وينظر: فتح القدير، الشوكاني: 1/94.
(7) المصنف: 6/125، تفسير الطبري: 1/319، فتح القدير: 1/94.
(8) المصنف:6/124، تفسير الطبري:1/320، تفسير ابن كثير:1/105و2/81.(2/98)
وعن مجاهد- في رواية أخرى- : ليسوا بيهود، ولا نصارى، ولا دين لهم( (1) )
وعنه: بين المجوس واليهود، لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم.
وهو قول الحسن البصري، وابن جريج، وابن أبي نجيح،والأوزاعي، وعطاء، وسعيد بن جبير، والإمام مالك( (2) ) .
وقال أبو العالية، والسدي، وجابر بن زيد: هم فرقة من أهل الكتاب، طعامهم،ونساؤهم حل للمسلمين، وبه قال ايضا: الربيع بن انس، وأبو الشعشاء، والضحاك، وإسحاق بن راهويه( (3) ) 0
وقال وهب بن منبه، وعبد الرحمن بن زيد: الصابئ الذي يعرف الله وحده، وليست له شريعة يعمل بها، ولم يحدث كفراً( (4) ) .
وأظهر الأقوال- كما يقول الحافظ ابن كثير- هو قول مجاهد ومتابعيه، ووهب بن منبه، أنهم قوم ليسوا على دين اليهود، ولا النصارى، ولا المجوس، ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم، ولا دين مقرر لهم يتبعونه، ويقتفونه، ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي أنه قد خرج عن سائر الأديان إذ ذاك( (5) ) .
وفي ضوء ما تقدم نبحث المسألة الثانية:
فمذهب ابن عباس ان الصابئة، لا تحل مناكحتهم، ولا تحل ذبائحهم، وإليه ذهب الامام مالك، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن( (6) ) .
وخالف في ذلك الامام ابو حنيفة فذهب إلى جواز مناكحتهم .
__________
(1) المصنف:6/124، تفسير الطبري:1/320، تفسير ابن كثير:1/105و2/81.
(2) تفسير الطبري:1/319، أحكام القرآن، الجصاص: 4/283 ط المحققة، تفسير ابن كثير:1/105و2/81.
(3) تفسير الطبري:1/319، أحكام القرآن، الجصاص: 4/283 ط المحققة، تفسير ابن كثير:1/105و2/81.
(4) تفسير ابن كثير: 1/105.
(5) تفسير ابن كثير: 1/105.
(6) ينظر: أحكام القرآن، الجصاص:4/283 ط المحققة، تكملة المجموع: 9/76، فتح القدير، الكمال:6/84، بدائع الصنائع: 7/111.(2/99)
قال الفقيه أبو بكر الجصاص: ((وكان أبو الحسن الكرخي يقول: الصايئون الذين هم عنده- أي أبي حنيفة- من أهل الكتاب، قوم ينتحلون دين المسيح، ويقرؤن الانجيل، فأما الصابئون الذين يعبدون الكواكب، وهو الذين بناحية حران، فأنهم ليسوا بأهل كتاب عندهم جميعا أبي حنيفة وصاحبيه-.
قال الجصاص: الصابئون الذين يعرفون بهذا الأسم في هذا الوقت ليس فيهم أهل كتاب، وانتحالهم في الأصل واحد، أعني الذين بناحية حران، والذين بناحية البطائح في واسط، وأصل اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة، وعبادتها، واتخاذها آلهة، وهم عبدة الأوثان في الأصل..)) ( (1) ) .
واختلف كلام الامام أحمد فيهم:
فعنه: أنهم من جنس النصارى، وعنه قال: بلغني أنهم يسبتون فهم من جنس اليهود، وذكر القاضي أبو يعلى فيهم وجهاً، أنهم من أهل الكتاب، فتحل ذبائحهم، وتصح مناكحتهم، ويقرون بالجزية، لأنهم متمسكون بكتاب 0
قال ابن قدامة: ((والصحيح فيهم: انهم ان كانوا يوافقون النصارى واليهود، في أصل دينهم، ويخالفونهم في فروعه، فهم ممن وافقوه، وأن خالفوهم في أصل الدين، فليس منهم)) ( (2) ) 0
__________
(1) أحكام القرآن، الجصاص:3/328و 4/283، وينظر: الفقة الإسلامي وأدلته ص: 6657.
(2) المغني: 7/100، وينظر: الكافي، ابن قدامة: 4/347.(2/100)
وهذا الذي صححه ابن قدامة، هو الذي نص عليه الامام الشافعي في الأم فقال: (ان كان الصابئون، والسامرة، من بني اسرائيل، ودانوا دين اليهود، والنصارى، فلأصل التوراة، ولأصل الأنجيل، نكحت نساؤهم، وأحلت ذبائحهم، وان خالفوهم في فرع من دينهم، لأنهم فروع قد يختلفون بينهم. وان خالفوهم في أصل التوراة لم تؤكل ذبائحهم، وتنكح نساؤهم)) ( (1) ) 0 وهو قول الشيعة الامامية( (2) ) 0
الأدلة لمذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
قوله تعالى: ((ولا تمسكوا بعصم الكوافر))( الممتحنة:10))
قال أبن الجوزي: ((والكوافر جمع كافرة، والمعنى: أن الله تعالى نهى المؤمنين عن المقام على نكاح الكوافر، وأمرهم بفراقهن، وقال الزجاج: المعنى أنها أذا كفرت فقد زالت العصمة بينها وبين المؤمن، أي: قد انبت عقد النكاح)) ( (3) ) .
ونقل ابن رشد الاتفاق على عدم جواز نكاح الوثنية( (4) ) .
قوله تعالى: ((ولا تنكحوا المشركات حنى يؤمن، ولأمة مؤمنة خيرٌ من مشركة ولو أعجبتكم، أولئك يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بأذنه))((سورة البقرة:221).
فحرم الله نكاح المشركات عقداً ووطء( (5) ) . والله تعالى اعلم.
__________
(1) الأم:4/183، وينظر: أحكام القرآن، والشافعي: 2/57-59، الوسيط:5/128، روضة الطالبين ص: 1219، تكملة المجموع: 9/76.
(2) ينظر: منهاج الصالحين‘ علي السيستاني: 6812، هداية العباد، الكلبايكاني:2/347، دار القرآن الكريم، ط1/1413هـ ، إيران.
(3) زاد المسير ص:1427، وينظر: المحرر الوجيز ص: 1894، تفسير السعدي ص :1207-1208.
(4) ينظر: بداية المجتهد ص : 428.
(5) زاد المسير ص:130، بداية المجتهد ص: 428، المحرر الوجيز ص:194-195، تفسير السعدي ص:113-114.(2/101)