بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين, قال مولانا شيخ الإسلام وإمام الأنام, الشيخ محمد عليش مفتي السادة المالكية بالجامع الأزهر الشريف:
بسم الله الرحمن الرحيم, وبه نستعين.
حمدا لمن نور قلوب المؤمنين بالإيمان والتيجان, وحبب إليهم الإيمان, وزينه في قلوبهم, وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, وهداهم للطاعات ووفقهم لها وشرفهم (ق2/أ) بالإسلام الناسخ لسائر الأديان.
أما بعد,
فقد وردت كتابة من بعض بلاد العدو مشتملة على رسالة من بعض المسلمين المقيمين بها. نصها بعد التسمية والحمد, يقول سليمان بن علي الحرائري:
سألني جماعة من التلامذة القاطنين في مدينة [بريس] عن حكم لبس قلنسوة النصارى, إذ كلهم يحملونها وهم ما يزيد على ثلاثمائة بين عرب وفرس وترك أتوا من بلادهم لأجل التعلم, واضطروا إلى حملها لأنهم كانوا كلما مروا في الأزقة بدونها توقف الناس يمينا وشمالا, وصاروا ينظرونهم متعجبين من زيهم وإن كان ذلك من غير إهانة ولا سخرية.
وكذلك يقع لهم في الدروس العامة, وهو مما يشوش على المشايخ (ق2/ب)
والطلبة. وأيضا البلاد باردة جدا وامتداد القلنسوة يمنع عيونهم من ضرر البرد.
وقالوا إن الجاري على ألسنة العامة والفقهاء أن حامل قلنسوة النصارى ومن تزيا بزيهم يكفر. وتطلق عليه زوجته فيجب عليه تجديد إسلامه ونكاحه امرأته, ورأينا هذا في بعض كتب الكلام وغيرها وأهمهم كثيرا وألحوا في السؤال فأجبتهم وألفت هذه الرسالة لإنقاذهم من هذه الورطة طلبا للثواب من العزيز الوهاب, وسميتها:
أجوبة الحيارى عن حكم قلنسوة النصارى. إنتهت خطبة الرسالة.
أقول: يا أهل الذكاء, تعجبوا ممن كان عيبه مستورا, ففضح نفسه ونادى به عليها بين الناس وصير عيبه مشهورا. وبيان ذلك:(1/1)
أنه تقرر في شريعة الإسلام (ق3/أ) أن السفر لأرض العدو للتجارة جرحة في الشهادة, ومخل بالعدالة, فضلا عن توطنها وطول الإقامة بها. وهذا الرجل كان مجهولا مستورا فعرف لنفسه بأنه من علماء المسلمين, خرج عن حد الشريعة وتهتك ولم يبال بالجرحة في شهادته ولا باختلال عدالته واختار مساكنة الكافرين في ديارهم, وزهد في مساكنة المسلمين وفسيح بلادهم, فيالها من فضيحة وما أفضعها من وقيحة ولم يشعر بها من شدة حماقته وكثافة جهله وشدة غباوته. فيا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فنادى على نفسه بين الناس وصير عيبه مشهورا. وبيان ذلك: أن قوله: سألوني فأجبت إلخ
من أعظم الفضائح لأنه قد تقرر في شريعة المسلمين أنه لا يفتي ويجيب عن (ق3/ب) المسألة إلا من عرف من نفسه الأهلية لذلك فقد نادى هذا على نفسه بالجهل بهذا الشرط, وبأنه مجروح الشهادة ومختل العدالة وعادم للأمانة وخال من الصيانة فكيف عرف نفسه بأنه أهل للفتوى والتأليف وهو بهذا الوصف الخسيف؟؟. وكيف يعرفه العلماء أهلا لذلك وهو مرتبك بأقبح المسالك؟ يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فنادى على نفسه بين الناس بالفضيحة وصير عيبه مشهورا. وبيان ذلك: أنه قال: سألوني عن حكم لبس قلنسوة النصارى. وقد تقرر في شريعة المسلمين, أن أقسام الحكم عشرة. خمسة تكليفية وخمسة وضعية. فالتكليفية: الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة.
والوضعية: الصحة (ق4/أ) والفساد والسببية والشرطية والمانعية فالسؤال عن أحد هذه الأحكام, وملخص جوابه: أن لبسها لا يخل بالإسلام وهذا ليس أحد الأحكام. وفضح نفسه بأنه لم يفهم الخطاب ولم يحسن رد الجواب, فنادى على نفسه بالإنحطاط عن رتبة التميين. إذ هو فهم الخطاب وحسن رد الجواب. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فأشاعه بين الورى وصيره مشهورا. وبيان ذلك:(1/2)
أن قوله: كلهم يحملونها إلخ فيه هتك لسترهم. إذ كان أمرهم مجهولا للمسلمين الذين في أرض الإسلام فكشف حاله وحال من معه بأنهم لبسوا البرانيط وتزيوا بزي الكافرين. وهذا من أشنع الفضائح عند المسلمين. ياأهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فهتك به نفسه فصيره بين الناس (ق4/ب) منشورا. وذلك:
أن من المعلوم أن ما تجعله النصارى على رؤوسهم له اسم مخصوص مشهور معروف بغاية الخسة والنقيصة , وحرمة اللبس بإجماع المسلمين فعدوله عنه إلى تسميته قلنسوة, يدل على قصد تشريفه والميل له والتمييل للغير إليه, وذلك غاية العار والخسة والنقيصة بإجماع المسلمين. ومع ذلك فالخسة لازمة بالإضافة في قلنسوة النصارى ولم يتنبه لها لغباوته وعماء بصيرته. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فأبى إلا إشاعته وصيرورته مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله: أتوا من بلادهم لأجل التعلم فيه اعتراف بالجهل بما يطلب تعلمه وما لا يطلب. وذلك أنه قد تقرر في شريعة المسلمين أن المطلوب تعلمه من أقسام العلوم :(ق5/أ) الشرعية وآلاتها وهي :علوم العربية وما زاد على ذلك لا يطلب تعلمه بل ينهى عنه. ومن المعلوم أن النصارى لا يعلمون شيئا من العلوم الشرعية .ولا من آلاتها بالكلية, وأن غالب علومهم راجع إلى الحكاية (في الهامش: لعله الحياكة) والقيانة والحجامة وهي من أخس الحرف بين المسلمين وقد تقرر في شريعتهم أنها تخل بالعدالة وهل كذب الرب جل جلاله في قوله (ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) وصدقت أنت في زعمك يا مفتون. فما أقبح حالك وما أفظع مقالك. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فأفشاه وصيره بين الناس مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله: كلما مروا إلخ لا ينتج الإضطرار إلى لبس البرنيطة كما هوظ. ألا ترى أن كثيرا (ق5/ب)(1/3)
من المسلمين المتجرين في بلاد النصارى المتمسكين بدينهم لم يلبسوها ولم يغيروا زي المسلمين ولو طالت إقامتهم في تلك البلاد. وقوله: توقف الناس إلخ
فيه فضيحة لأولئك الناس بالسفاهة وخفة العقول, إذ من المعلوم لكل مميز, أن أهل كل إقليم لهم زي يخصهم فإذا أتاهم غريب بزيه فلا سبب للنظر إليه والتعجب منه إلا الطيش والسفه وخفة العقل خصوصا إذا تكرر مع تكرر مشاهدة الغريب.
وقوله: وإن كان ذلك من غير إهانة إلخ, إحترس به من أن يلحقهم عار بذلك الوقوف, منشأه ميله لهم وهو غير نافع, فإن العار قد لزمهم كما علمت, وأشنع من ذلك, وقوعه في مجالس العلم وتشوبشهم به مع مشاهدتم لذلك مدة مديدة. على أن نفس (ق6/أ) الوقوف والنظر والتعجب هو عين الإهانة والسخرية واختلال الحكم والضبط, فقد فضح نفسه وتلامذته وعامة الناس الذين مال إليهم وعلمائهم وطلبتهم وحكمائهم من حيث لا يدري ولا يشعر, هو ولاهم. يا أهل الذكاء, تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فأشاعه وأذاعه وصيره بين الناس مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله: امتداد القلنسوة يمنع عيونهم من ضرر البرد فيه فضيحة عظيمة ومنقبة وخيمة, إذ لم يلتفت لمنع الإمتداد المذكور من السجود للملك المعبود الذي هو أعظم أركان الصلاة التي هي أعظم أركان الدين بعد الشهادة بإجماع المسلمين. فدل على الخروج من الدين وعدم الإعتناء به. ومن كان كذلك, كيف يؤتمن ويقرب ويعظم ويستحسن كلامه ويتفاخر (ق6/ب) به في البلاد, وقد خان الخالق وعصى الرازق فقد فضح أهل تلك المملكة بأنهم في غاية الجهالة والغباوة وعماء البصيرة. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فنادى به حتى صيره بين الناس مذكورا. وبيان ذلك:(1/4)
حيث كان كفر المتزيي بزي الكفار جاريا على ألسنة العامة والفقهاء ومذكورا في الكتب, فالمؤمن الصادق في إيمانه يحترس منه غاية الإحتراس, أشد من إحتراسه من النار المحرقة والبحر المغرق والسبع المفترس وسائر المهلكات للحياة الدنيوية الفانية خوفا من الوقوع في الهلاك الأخروي المؤبد المؤدي إلى الخلود في النار. فقد فضح هذا الأحمق نفسه بعدم المبالاة بأمر الإيمان والميل إلى الكفر والفسوق والعصيان, (ق7/أ) ولم يقتصر على ذلك في نفسه, حتى زينه لغيره. ففي دينه خان, وعن دين الإسلام بان, فكيف يحتج بكلامه ويرسل إلى البلدان.؟ يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مغمورا فأبى إلا فضيحة نفسه وصيرورة عيبه في البلدان منشورا. وبيان ذلك:
أن قوله: لإنقاذهم من هذه الورطة, فيه نداء على نفسه بعدم التمييز, لأن ملخص كلام السائلين, أن كفر المتزيي بزي الكفار, مشهور على ألسنة العامة والفقاء منصوص في الكتب. وهذا بعينه هو المنصوص في العبارات التي نقلها من كتب المسلمين بإجماع عند بعضهم, وعلى أحد قولين عند تعض آخر بشرط الميل وهو محقق كما تقدم بيانه مرارا, فنفس جوابه تحقيق للورطة, وتقوية لها لا انقاد منها. هل رفع (ق7/ب) بجوابه حكاية الإجماع أو رفع الخلاف أو رفع ما شاع كلا نعم لو أمرهم بخلع زي الكفار والتزيي بزي الإسلام من غير التفات لمن ينظر أو يتعجب أو يتشوش, لكنت منقذا لهم من هذه الورطة وبقيت عليك وعليهم ورطة الإقامة في بلاد الكفار بالإختيار, حيث لا جمعة ولا جماعة ولا آذان ولا إقامة ولا شعيرة من شعائر الإسلام ومحل عبادة الأصنام والأوثان والصلبان. وكيف يرضى بذلك من في قلبه إيمان؟؟ لاسيما وهو معرض للموت في كل نفس وأوان, وقبورهم حفر من النار, فكيف يختار المؤمن دفنه بها فاخلعوا فورا زي الكافرين, وهاجروا لبلاد المسلمبن إن كنتم مؤمنين.(1/5)
وقوله: من العزيز الوهاب.. تمويه بل من عظيم النصارى (ق8/أ) بتمييل المسلمين إلى دينهم وقد عدل العزيز الوهاب باظهار فضيحته وفضيحتهم بترك الصواب. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فسعى في إفشائه حتى أصبح بين النار مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله: البرنيطة حادثة.. إلخ. إن أراد أنهم كانوا لا يضعون على رؤوسهم شيئا أصلا, ناقضه قوله سابقا أن بلادهم باردة جدا, حتى يحتاج فيها إلى ما يقي العينين, فضلا عن الرأس. وإن أراد أن كيفيتها الخاصة حادثة, وأنها كانت بكيفية أخرى فهذا لا يمنع ورود حكم ما اختصوا به وتميزوا به عن غيرهم في الشرع الشريف. وقوله: لم يرد تحريمها لا في الكتاب ولا في السنة ولا في أقوال الأئمة, فيه نداء على نفسه بالجهل والقصور, إذ قد دل الكتاب على تحريهما (ق8/ب) بقوله (واسجدوا) وبقوله (خذوا زينتكم عند كل مسجد ) وبغير ذلك من الآيات ومعلوم أنها مانعة من السجود ودلت السنة على ذلك في قوله (أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء. الحديث) وانعقد الإجماع على تحريمها ولا بد من استناده لكتاب أو سنة وهو معصوم من الخطأ كما هو معلوم. كيف يجوز أحد من المسلمين لبسها وهو كفر إجماعا أو على قول, وسينقل التصريح بتحريمها عن الإمام أحمد. فيا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فأصبح يسعى في إفشاءه حتى أضحى به مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله: لا يحل حراما ولا يحرم حلالا فيه نداء بفضيحة الجهل بعدوله عن الصواب, وهو: لا يحل حلالا ولا يحرم حراما. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا (ق9/أ) فأصبح يفشيه بين الورى حتى غدا مشهورا. وبيان ذلك:(1/6)
أن قوله: التشبه في الصورة لا يضر, فيه فضيحة عظيمة ومنقصة وخيمة لأن التشبه تكلف المشابهة والمماثلة في الصورة لا معنى له إلا ذلك. فكيف لا يضر مع النهي عنه, وترتيب الوعيد الشديد عليه في هذا الحديث وفي حديث: لعن الله المتشبهين والمتشبهات وحديث: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون وحديث: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي أو كما قال. وحديث لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس وغروبها فإنما تطلع على قرني شيطان أي فالساجد في ذلك يشبه الساجد للشيطان. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان (ق9/ب) عيبه مستورا فأصبح يفشيه بين الورى حتى أضحى به مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله في حديث: إن الله لا ينظر إلى صوركم. فيه فضيحة شنيعة ومثلية فظيعة إذ معنى الحديث فيمن أظهر الجيد وأخفى القبيح كما هو ظاهر لا فيمن خرق حد الشريعة وتهتك وتجاهر بالمعاصي, وتزيا بزي أهل الكفر, فإن هذا فسوق وعصيان لا يرضى به الرحمن. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا, فأصبح يذيعه حتى أضحى بين الورى منشورا. وبيان ذلك:
أن قوله: ففي المواهب.. إلخ فضيحة كبيرة, لدلالته على عماء البصيرة .لأن قول أنس: ماأشبههم بيهود خيبر, ذم لا مدح. فلذا فرع عليه الكراهة وأيده بالحديث وهذا في غاية الظهور حتى لمن هو في غاية القصور (ق10/أ) يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فأذاعه بين الورى حتى غدا مشهورا. وذلك:
أن قوله: فانظر.. إلخ يدل على عدم فهم الخطاب فإن قول أنس صريح في ضرر المشابهة في الصورة وإن لم يبلغ الكفر.
وقوله: السلف والخلف لم يروا.. إلخ تهور في الكلام وسينقل عنهم ما يناقضه. وقوله: وإنما كرهوه, يناقض قوله لايضر.(1/7)
قوله: ضعف الحديث فيه, إن من استدل به لا يوافق على ضعفه بل هو عنده صحيح وعلى إرخاء العنان, كيف تصنع يا أحمق في آية القرآن كآية (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولائك هم الفاسقون ) وآية (فمن يتولهم منكم فإنه منهم) وآية (لا تجد قوما يومنون بالله واليوم الآخر(ق10/ب) يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) وآية (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) وآية (ولا تطع الكافرين والمنافقين ) وقوله: إنما في الفضائل والمناقب. دليل على ظلمة سريسرته, وعماء بصيرته, حيث خفي عليه أن لباس المسلمين المتقين من الفضائل ولباس الكافرين الخاسرين من أقبح الرذائل. مع كون ذلك في غاية الشهرة والظهور. فيا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا ففضح نفسه به بين الورى حتى صار مشهورا. وبيان ذلك أن قوله: فهذا نص صريح في أن المشابهة لا تضر وأن لباس النصارى لا يحرم خيانة عظيمة وجهالة قبيحة, فإن النص قيد بما فيه صلاح العباد كجعل المسامير في النعال (ق11/أ) للإستعانة على قطع المغازات الصعبة وإبقاء الشعر في النعل لدفع ألم البرد فأسقط هذا القيد مع أنه معتبر ومعلوم أنه لا مصلحة للعباد في لبس البرنطية التي هي علامة الكفر بل فيه أعظم المفاسد وأقبح العيوب وهي تهمة الكفر ومنع السجود للملك المعبود.(1/8)
قوله: وما يقال في النعال يقال في القلنسوة, جهل شنيع كبير, إذ بينهما فرق ظاهر شهير فإن النعال ذا المسامير أو الشعر لم يصر زيا للكفار والبرنطية صارت زيا لهم قاصرة عليهم, فالقول بأن البرنطية كالنعال واضح البطلان وفاضح الهذيان. يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا فنادى به على نفسه بين الورى حتى غدا مشهورا. وبيانه أن قوله: لأنه لم (ق11/ب) يرد في الشرع تخصيص شيء من اللباس بالحرمة أو الإباحة دون غيره فضيحة واضحة إذ ورد في الشرع وشاع تحريم الحرير والذهب والفضة على الذكور البالغين وتحريم اشتمال الصماء مع انكشاف العورة في الصلاة والحبوة كذلك والنجس كذلك والمخيط على الذكر المحرم والنهي عن جلود السباع وعن التختم بالحديد, إلى غير ذلك مما هو معلوم لعامة الناس فضلا عن خاصتهم. قوله: لبس جبة رومية ضيقة الكمين فاضحة لأن الجبة المذكورة لم يختص بها الكفار ولم تصر شعارا وزيا لهم ومن خفي عليه ذلك فلينظر إلى علماء بخارى ونحوهم وأهل الشام واليمن وأهل الحجاز وليس بعد العيان بيان فكيف تتجاسر ياأحمق يا مفتون يا غبي على نسبة لبس ملبوس (ق12/أ)
النصارى الذي صار زيا لهم وعلامة على ذلهم وإهانتهم وكفرهم إلى شرف الخلق ومنبع الدين الحق. فأي فضيحة أفضح من هذه الفضيحة وأي شنيعة أشنع من هذه الشنعة ياأعمى البصيرة ويا خبيث السريرة شقيت شقاوة لا تسعد بعدها أبدا وصار دمك مهدورا والسعي في سفكه واجبا مشكورا. يا أهل الذكاء تعجبوا من حماقة من كان عيبه مستورا ففضح نفسه به بين الورى حتى صار مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله: ففي كتاب الشمائل أن الرسول إلخ فيه فضيحة فاضحة لأنه اعتبر أول الحديث وعمى عن آخره مع أنه المعتبر. وهو قوله: ثم فرق إلخ فإنه صريح في أنه ترك موافقتهم وانتهى أمره إلى مخالفتهم وذلك أنه كان (ق12/ب)(1/9)
أولا يحب موافقتهم فيما لم ينه عنه تأليفا لهم فلما أصروا على الكفر وعاندوا رجع عن موافقتهم ونهى المؤمنين عنها وأمرهم بمخالفتهم كما هو مشهور, وفي الكتب مسطور وفي آخر كلامه في الدنيا وصيته التي قال فيها: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان في جزيرة العرب خوفا على أمته من التشبه بهم فسياق الحديث على الوجه الذي ذكره هذا المفتون غش وضحك على الأغبياء الذين أقاموه بين أظهرهم, وآووه وتوهموا أن هذيانه نصرة لدينهم وقوية لهم على من خالفهم ولم ينتهوا إلى أن من اختار الدنيا على الدين أخسر الخاسرين فأصبحوا بشدة الجهالة والغباوة بين الورى مفضوحين. يا أهل الذكاء, تعجبوا من حماقة من كان قبحه مستورا فأبى إلا إشاعته وصيرورته (ق13/أ) بين الورى مشهورا. وبيان ذلك:
أن قوله: وإن احتج لتكفير لابسها بسوادها.. إلخ فضيحة فاضحة دالة على غباوته واضحة إذ من قال بالتكفير لم يحتج بذلك أصلا, إنما احتج بكونها زي الكفار وعلامة أهل النار والعلامة السوداء شعار جماعة عظيمة من الصوفية يقال لهم الرفاعية, وهم مشهورون في بلاد المسلمين ومشاهدون بها بين المؤمنين الموحدين فكيف يحتج بسوادها للتكفير مع هذا ومع صحة الحديث بلبسها البشير النذير ومع أن مذهب الحنفية استحباب لبس الأسود يوم الجمعة. فيا أيها المفتون ماهذا الهذيان؟ يا أهل الذكاء تعجبوا من حماقة من كان عيبه مستورا فأبى ستره وفضح نفسه به حتى صار مشهورا. وبيان ذلك:(1/10)
أن قوله: اليوم صار اليهود.. إلخ فضيحة (ق13/ب) جسيمة وذميمة وخيمة فإن العمامة السوداء التي صارت شعار اليهود محرمة على المسلمين بإجماع كبرنطية النصارى فتركها والإستنكاف عنها فرض لازم وركن في الدين فكيف يفسق بها هذا الأحمق المفتون المسلمين وتأمل شدة قبح وتجاري هذا الأحمق المفتون على تفسيق المسلمين أجمعين وعلى جعل زي اليهود الذي لا يرضي النصارى الكافرين سنة في دين المسلمين. يا أحمق يا مفتون ماهذا إلا جنون. ياأهل الذكاء تعجبوا من حماقة من كان عيبه مستورا فأبى ذلك فصيره بين الخلائق مشهورا, وبيان ذلك أن قول الفضلى: لا يكون كافرا بوضع.. إلخ معناه إن كان مضطرا أو مكرها أو لاعبا أو غالطا لا مطلقا ولو راضيا بالكفر فنقله مطلقا خطأ صريح, وأيضا لا يلزم من نفي الكفر القول بالجواز (ق14/أ) وكيف يجوز ما يوجب الكفر إجماعا أو على الخلاف. وقوله: وقد رأينا أكابر العلماء لا يكفرون حامل الزنار والساجد للصنم أو للشمس و غير ذلك إلا بنية أو ميل إلى دينهم.. إلخ فرية ما فيها مرية.(1/11)
كيف يقول مسلم إن السجود للصنم أو للشمس أو نحوهما ليس كفرا إلا بنية وميل مع صراحته في الكفر مع مخالفته لقوله تعالى( واعبدوا الله ولا تشركوا به شئيا ) وقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) وقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) وقوله تعالى( ومن يشرك بالله فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) وقوله تعالى:(لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) وقله تعالى(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وقوله تعالى حكاية عن (ق14/ب) الكافرين (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وقوله تعالى: ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) وغير ذلك من الآيات الصريحة في أن عبادة غير الله تعالى كفر من غير احتياج إلى نية ولا إظهار ميل إنما الإحتياج للنية والميل فيما كان محتملا للكفر وعدمه كلبس البرنطية وشد الزنار. وقول ابن حجر بشرط أن لا تقوم قرينة على عدم استهزائه صادق بقيام القرينة على استهزائه وبعدم القرينة بالكلية فلا يدل على اشتراط قرينة الإستهزاء كما توهمه هذا المفتون. وهذا على تسليم ثبوت كلمة "عدم" في كلام ابن حجر فإن لم تكن في كلامه فكذلك, إذ معناه أن لا تقوم قرينة على استهزائه بالكفار في فعله أفعال دينهم فيصدق بقيامها على استهزائه بالإسلام وعدم القرينة بالكلية فلا يفيد (ق15/أ) اشتراط قرينة استهزائه بالإسلام أيضا كما توهمه هذا المفتون فبطل قوله. فإذا اشترط في تكفير الساجد للصنم أو للشمس الإستهزاء.. إلخ وكلام ابن نجيم معناه أن من شد الزنار يكفر في كل حال إلا حال استهزائه بهم وعدم اعتقاد دينهم خلاف ما توهمه هذا المفتون. فقوله فهذه النصوص كلها مقيدة بالتهاون.. إلخ غير صحيح وخطأ صريح. إنما التقييد به في كلام الخوارزمي وكذلك قوله وبان منها .. إلخ(1/12)
قوله: وكذلك إذا سجد للصنم أو للشمس أو حمل الزنار .. إلخ تسويته بين السجود لغير الله وحمل الزنار في توقف الكفر على نيته باطلة كما سبق بيانه.
وقوله: ونصوص العلماء صريحة بذلك باطل كما سبق بيانه. ياأهل الذكاء تعجبوا من وقاحة هذا المفتون وشدة تجاريه على العيب (ق15/ب) قال: دعوى الإجماع يكذبها ما تقدم.. إلخ فنسب الكذب الذي هو أفحش العيوب ولاسيما في حق العلماء الذين مدار أمرهم على الصدق لإمامين جليلين انعقد الإجماع على إمامتهما وديانتهما, الإمام عياض مؤلف الشفاء وغيره والإمام السيد الجرجاني مع كونه لم يفهم االنصوص المتقدمة على الوجه الصحيح, بل أخطأ في فهمها الخطأ القبيح.
قوله: والعجب من السيد نفسه كيف زعم هذا .. إلخ لا عجب من كلام السيد فإنه في غاية التحرير والتحقيق, إنما العجب من حال هذا المفتون المائل عن قيم الطريق بعماء بصيرته وخبث سريرته وجحده للعيان الذي ليس من بعده بيان وحيث خفي عليك يا مفتون ما شاع وذاع وانعقد عليه الإجماع وعرفه العوام فضلا عن الخواص وملأ البقاع (ق16/أ) فاسأل قومك النصارى عن زي اليهود فهل يرضونه في دينهم أو يصرحون بكفرهم به وبما يناسبه واسأل اليهود عن زي النصارى وقس على ذلك أمر المسلمين إن كنت من المميزين.
ثم يقال: هؤلاء الذين انتقلوا إلى بلاد النصارى وأقاموا بها وتزيوا بزي أهلها, لا يخلو حالهم من أحد أمرين: إما أن يكونوا مالوا بقلوبهم إلى الكفر أو لا. فإن كانوا مالوا إلى الكفر فهم مرتدون عن دينهم ظاهرا وباطنا وهم أخسر الناس لأنهم آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.(1/13)
وإن كانوا لم يميلوا بقلوبهم إلى الكفار فهم كفار في الظاهر مؤمنون في الباطن وحالهم قبيح لإظهارهم خلاف ما في قلوبهم فهم خائنون منافقون فاقرارهم على أي الحالين يدل على تمام الجهالة والغباوة وعماء البصيرة. والعاقل (ق16/ب) النبيه لا يقرهم على أحد هذين ولا يرضى لهم به ويقول لهم: لو كان فيكم خير لتمسكتم بدينكم واستمررتم على زيكم, ولم تبالوا بمن ينظر لكم ولا يتعجب منكم ولو قطعتم إربة بعد إربة. كما اتفق لبعض الأمم أنه جعل في حفرة وجعل المنشار على مفرق رأسه ونشر حتى سقط نصفين ولم يرجع عن دينه فهؤلاء فضحوا أنفسهم ومن أقاموا ببلاده وأقرهم على حالهم واستحسن هذيانهم فأرسل به إلى البلاد فانفضح بالجهالة والغباوة بين العباد. يا أهل الذكاء تعجبوا من حماقة من كان عيبه مستورا ففضح نفسه بين الورى حتى صار عيبه مشهورا. وتقرر في شريعة المسلمين أن حكم الفريقين أمرهم بالتوبة والرجوع إلى دينهم والتزيي بزي المسلمين وإمهالهم لذلك ثلاثة أيام, فإن فعلوا (ق17/أ) ذلك قبلت توبتهم وخلى سبيلهم وإن تمت الأيام الثلاثة ولم يتوبوا قطعت رقابهم بالسيف ولا يغسلون ولا يصلى عليهم لموتهم على الكفر والسلام على من اتبع الهدى حامدا لمن نور قلوب المؤمنين بالإيمان .
إنتهى كلامه على التمام.(1/14)
قد تمت هذه الرسالة الباهية الوضع العديمة النظيرة في السبك و السجع المفردة بالتحرير وحسن التقرير فالق لها السمع إن كنت ذا فطنة مع العقل السليم والطبع لما حوته من جميل الإستدلال وأحكمته من عظيم الإستهلال وأبدعته من بديع بدائع الإنتقال لدى الرد على أهل الفسق والضلال ومنبع الهزات والخرافات والكذب في المقال والجهل والعماء (ق17/ب) في البصيرة والبهتان مع الميل لكل مكفرة ذميمة فلله ذرء مؤلفها حيث اسعجب فأبدع وأخصر فأوجز للسامع فأسجع بقوله: يا أهل الذكاء تعجبوا ممن كان عيبه مستورا إلى أن قال صيره بين الناس مشهورا, ولقد حوت هذه من المقامات الرفيعة ما لم تحوه غيرها من الأسفار الوسيعة وهي للإمام الوحيد فريد العصر عديم النديد من حوى الفضائل والفواضل وكشف نقاب المسائل العواضل شيخي وشيخ مشايخي ومشايخهم الشيخ محمد عليش شيخ مشايخ المالكية الآن بالجامع الأزهر جعله الله عامرا وبأنفاسه زاهرا أطال الله تعالى بقاءه وجعل الجنة متقلبة ومثواه فهو إمام ليس له نظير بالدقة والتحرير ظهر (ق18/أ) إن نظرت تآلفه تجدها فاقت كتب المتقدمين والمتأخرين أدامه الله تعالى حجة ثابتة للمؤمنين وسهما صائبا في قلوب الكافرين بمنه وكرمه آمين وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. تم. (ق18/ب).
إنتهى نسخ رسالة (أجوبة الحيارى عن حكم قلنسوة النصارى) نسخها من موقع مخطوطات الأزهر بمصر أبو يعلى البيضاوي ونسخها على الوورد أبو عبد الله الأكاديري غفرالله لهما .
بيانات المخطوط
اسم الكتاب :اجوبة الحيارى عن حكم قلنسوة النصارى
اسم المؤلف : محمد بن احمد بن محمد عليش
المقدمة : حمداً لمن نور قلوب المؤمنين بالايمان وزين ظواهرهم بلباس التقوى ... فقد وردت كتابة من بعض بلاد العدو مشتملة على رسالة من بعض المسلمين(1/15)
الخاتمة : ولا يغسلون ولايصلى عليهم لموتهم على الكفر والسلام على من اتبع الهدى حامداً لمن نور قلوب المؤمنين بالايمان ... وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى اله وصحبه والتابعين وسلم تسليما كثيراً الى يوم الدين
ملاحظات : على صفحة العنوان فوائد
رقم النسخة: .305297../ فقه عام
عدد الأوراق: 18 ورقة
مصدر المخطوط : موقع مخطوطات الأزهر الشريف مصر
جزى الله القائمين عليه خيرا
المصدر المنزل منه : ملتقى اهل الحديث بارك الله فيه وفي أهله(1/16)