المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما بعد:
فقد اهتمت الشريعة الإسلامية بأمر الزواج اهتماما بالغا وعنيت به عناية عظيمة وذلك لمكانة الزواج ولما ترتبت عليه من مصالح عظيمة من أهمها: إبقاء النسل البشري وتكثير عدد المسلمين - لإغاظة الكفار - وإعفاف الفروج وإحصانها وصيانتها من الاستمتاع المحرم الذي يفسد المجتمعات ومنها: قيام الزوج على المرأة بالرعاية والإنفاق قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء] فلهذه المصالح وغيرها حثّ الإسلام على الزواج ورغّب فيه قال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء] ولما ذكر النساء اللاتي يحرم التزوج منهن قال تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} [النساء] وامتن الله على عباده بأن خلق أزواجا ليسكنوا إليها قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم] ولما كان هناك أنكحة فاسدة يترتب عليها مفاسد جسيمة فقد جاء الإسلام بتحريمها وبيان مفاسدها ومن جملة تلك الأنكحة التي حرمها الإسلام نكاح الشغار، فقد نهى عنه النبي j وأبطله لما فيه من إهانة للمرأة وظلم لها بمنعها ما استحقت من المهر، ومع كثرة الأحاديث الواردة في النهي عن الشغار فإن هذا النكاح الفاسد لا يزال منتشرا في أوساط المسلمين، فلهذا طلب مني والدنا وشيخنا الشيخ المحدث العلامة/ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله أن أكتب في هذا الموضوع، فجمعت هذه الرسالة التي بين يديك، وبينت فيها بالأدلة حكم هذا النكاح والأسباب التي أوقعت كثيرا من الناس فيه, كما جمعت الأحاديث(1/1)
الواردة في هذه المسألة سواء كانت صحيحة أم ضعيفة واشتملت هذه الرسالة على بعض المسائل الفقهية إلى غير ذلك مما ستراه - إن شاء الله - في هذه الرسالة, وسميتها "إرشاد الأخيار إلى حكم نكاح الشغار"
والله أسأل أن ينفع به الإسلام والمسلمين, وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وكتب/ محمد بن عبد الله الإمام
دار الحديث بمعبر
تعريف الشغار لغة واصطلاحا:
أما في اللغة: فقال ابن منظور في "لسان العرب" 4/417: (الشغر: الرفع، شغر الكلب يشغر شغرا: رفع إحدى رجليه، والشغار بكسر الشين: نكاح كان في الجاهلية، وهو أن تُزوِّج الرجل امرأةً ما كانت، على أن يزوجك أخرى بغير مهر، وخص بعضهم به القرائب)
وقال الفيروزابادي في "القاموس المحيط" 2/60: (شغر الكلب، كمنع: رفع إحدى رجليه، بال أولم يبل، أو فبال، وشغر الرجل المرأة شغورا: رفع رجلها للنكاح كأشغرها فشغرت، والأرض لم يبق بها أحد يحميها ويضبطها فهي شاغرة. والشغار بالكسر: أن تزوج الرجل امرأة على أن يزوجك أخرى بغير مهر، صداق كل واحدة بضع الأخرى)
وقال الجوهري في "الصحاح" 2/700: (والشغار بكسر الشين: نكاح كان في الجاهلية، وهو أن يقول الرجل لآخر: زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك أختي أو ابنتي، على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى، كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع عنه، وفي الحديث: ((لا شغار في الإسلام))
وقال ابن دريد في "جمهرة اللغة" 2/344: (شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول، فهو شاغر... وفي الحديث: ((لا شغار في الإسلام)) وهو أن يتزوج الرجلان كل واحد منهما بأخت صاحبه أو بنته ليس بينهما مهر، وكان من فعل أهل الجاهلية)(1/2)
ونقل الزبيدي في "تاج العروس" 3/307 عن الفراء قوله: (الشغار: شغار المتناكحين، ونهى رسول الله j عن الشغار، قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من العلماء: الشغار المنهي عنه: أن يزوج الرجل كريمته على أن يزوجه المتزوج كريمة له أخرى، ويكون صداق كل واحدة بضع الأخرى، كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع عنه)
وأما في الاصطلاح فهو: أن يزوج الرجلُ الرجلَ وليته على أن يزوجه الآخر وليته وليس بينهما صداق.
ويطلق العوام على الشغار: اسم (الزقار) بالزاي والقاف، وبعضهم يطلق عليه اسم (البدل) واسم (السِّلاع) واسم (السِّداح).
وقد جاء تفسير الشغار عن الصحابة والتابعين وأتباعهم.
تفسير الصحابة:
1- أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (6/184) برقم (10434) عن معمر عن ثابت عن أنس قال: (الشغار أن يبدل الرجل الرجل أخته بأخته بغير صداق) وهذا الأثر عن أنس فيه ضعف، لأن رواية معمر عن ثابت فيها ضعف كما سيأتي إن شاء الله.
2- أخرج أحمد في "المسند" (4/94) وأبو داود في "سننه" (2061) وغيرهما أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقاً، فكتب معاوية بن أبي سفيان ـ وهو الخليفة ـ إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: (هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله j)(1) أخرجه الطبراني في "الكبير" (19/346) من طريق الإمام أحمد.
تفسير التابعين وأتباعهم:
1- تفسير نافع، روى الإمام البخاري في "صحيحه" برقم (6960) ومسلم في "صحيحه" برقم (1415) من طريق عبيد الله قال ثني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله j: ( نهى عن الشغار ) قلت: لنافع ما الشغار؟ قال: ينكح ابنة الرجل وينحكه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير صداق.
__________
(1) - سيأتي أن تفسير الشغار روي عن النبي j في عدة أحاديث لكن لا يصح منها شيء.(1/3)
2- تفسير مالك، تقدم تفسيره من رواية عبد الرحمن بن مهدي وغيره أنه قال بعد روايته لحديث ابن عمر، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق.
3- تفسير عبيد الله بن عمر، أخرج النسائي (6/422) برقم (3838) وفي " الكبرى" (3/309ـ310) برقم (5498) قال: والشغار كان الرجل يزوج ابنته على أن يزوجه أخته.
وهو صحيح عنه وسيأتي الكلام عليه عند ذكر الحديث الثاني من الأحاديث الصحيحة.
تنبيه: جاء في مجلة البحوث الإسلامية (14/26) للجنة الدائمة ما نصه: (... وقد فسره النبي j في حديث أبي هريرة بما تقدم وهو:أن يزوج الرجل ابنته، أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ولم يقل ليس بينهما صداق)أ.هـ
قلت: قد وقع في رواية النسائي التصريح بأنه من قول عبيد الله بن عمر كما سيأتي بيانه.
ولو كان هذا التفسير من النبي j لما تأخرنا عن القول به.
4- تفسير سويد بن غفلة: أخرجه ابن أبي شيبة (4/33) ولفظه: كانوا يكرهون الشغار, والشغار: يزوج الرجل على أن يزوجه بغير مهر. وسنده صحيح.
5- تفسير عطاء بن أبي رباح: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (6/184) برقم (10439) ولفظه قال: الشغار أن ينكح هذا هذا وهذا هذا بغير صداق إلا ذلك. وإسناده صحيح.
للشغار تفسيران:
التفسير الأول: هو أن يزوج الرجلُ الرجلَ على أن يزوجه الآخر وليس بينهما صداق.
التفسير الثاني: هو أن يزوج الرجلُ الرجلَ على أن يزوجه الآخر ابنته وجد الصداق أم لم يوجد. والراجح من هذين التفسيرين: الأول الذي فيه عدم دفع المهر وذلك لوجوه:
1- أن القائلين به أكثر من القائلين بالتفسير الآخر.
2- أن الذين روي عنهم أن الشغار يكون بمجرد وجود الشرط لم يصرحوا أنه إذا سمي لكل من المرأتين صداقا يكون شغارا أيضا، وما روي عن معاوية أنه جعله شغارا مع وجود الصداق فسيأتي أن المراد بالصداق هو إنكاح كل من المرأتين الآخر.(1/4)
3- أن الذين روي عنهم أن الشغار هو مجرد وجود الشرط قد روي عنهم القول الأول أيضا كمالك بن أنس، فقد صح عنه القولان، وبعضهم قد روى التفسير الأول عن شيخه كعبيد الله بن عمر، فهو الراوي عن نافع التفسير ولم يصرح بمخالفته، وإن كان قد روى عنه القول الثاني فإنه لم يصرح فيه بأنه لا يشترط نفي الصداق حتى يكون قد خالف نافعا.
4- أن اشتراط عدم الصداق في تعريف الشغار هو الذي يتفق مع التفسير اللغوي للشغار كما قال ذلك صاحب تاج العروس وصاحب الصحاح وصاحب مقاييس اللغة وابن دريد في جمهرة اللغة، أما بمجرد وجود الشرط فلا يتفق.
5- وجود الشرط ليس هو العلة الحقيقية للشغار ولا المتفق عليها، لأن الذين قالوا إذا وجد الشرط فهو شغار قد قال بعضهم بصحة نكاح الشغار إذا تزوج هذا من هذا وليس بينهما شرط فلو جاء رجل يخطب من فلان فوافق، فجاء الآخر بعد أيام فوافقه الأول على أن يزوجه جاز. فهم توافقوا مع أصحاب القول الأول أن الشغار المتحقق ما كان برفع المهر وإسقاطه.
6- من المعلوم أن الإسلام أوجب دفع المهر للمتزوج بها وجوبا حتميا، فإذا وجد المهر فقد قام المسلم بما أوجبه الله عليه للمرأة.
7- الزواج بطريق الشرط مع وجود المهر هو قائم على الوصول إلى المرأة بنوع حق وباطل. فأما نوع الحق فهو المهر وهذا هو الجانب الأقوى لأنه حق المرأة. وأما الباطل فهو جانب الشرط وهو يتعلق بالرجل ففيه تمصلح الرجل بوليته بدون إذهاب حقها الواجب، مع إدخال الضرر عليها.
8- جعل الشرط علة للشغار لا يستقيم، لأن هذه العلة غير منضبطة لأنه تارة يذكر عند بدء النكاح، وتارة لا يذكر، ولكنه موجود على حسب عادة الناس بخلاف علة المهر لتكون كل واحدة بدل الأخرى، فهذه علة منضبطة وهي مقدمة على غيرها.
فهذه الأمور تدل على أن الراجح في الشغار أن يكون بإلغاء المهر لا بمجرد وجود الشرط وإن كان الشرط باطلا.(1/5)
تنبيه: جعل بعض العلماء الشرط في الزواج أن يزوج كل الآخر ولو كان بينهما صداق هو الشغار بعينه، وهذا غير صحيح وقد اعتمد أصحاب هذا القول على أمور منها:
1- حكموا على أن التفسير المذكور بعد حديث أبي هريرة وهو: (الشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته أو بنته على أن يزوجه الآخر أخته أو بنته) أنه مرفوع إلى النبي j أي أنه من قوله عليه الصلاة والسلام، وسيأتي أن هذا التفسير إنما هو من قول عبيد الله العمري، ولا يصح مرفوعا إلى النبي j.
فسقط هذا الاستدلال. وابن حزم رحمه الله وقع في هذا الخطأ فتبعه من تبعه. ولو كان هذا التفسير عن الرسول j لقلنا به.
2- استدل القائلون بأن الشغار هو الشرط بحديث معاوية رضي الله وهو أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا، فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله j. أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما وقد تقدم.
والرد على هذا من وجوه:
الأول: فسر هذه اللفظة (وكانا جعلا بينهما صداقا) صاحب عون المعبود (6/61) قال: (وكانا جعلا صداقا) مفعول جعلا الأول: محذوف أي: كانا جعلا إنكاح كل واحد منهما الآخر ابنته صداقا)
وبهذا التفسير فسره البنا في الفتح الرباني (16/196)
وفي طرح التثريب 7/27 ما لفظه: (وقوله وكانا جعلا صداقا: هو بضم الجيم مبني للمفعول أي ذلك الفعلان أو النكاحان وقد ضبطناه كما ذكرته بالضم في سنن البيهقي الكبرى) ا.هـ
قلت: وهذا التفسير يتفق مع التفسير الوارد عن كثير من السلف وهو الذي ينبغي المصير إليه، ويؤيد هذا التأويل الروايات الأخرى التي بلفظ: (وكانا جعلاه صداقا) فالضمير في جعلاه يعود إلى النكاح. ولهذا قال بعض العلماء لا يمكن أن يأمر معاوية بالتفريق بينهما إلا لجعل البضع صداقا.(1/6)
الثاني: وقال صاحب "بذل المجهود" (10/67): وأما قول معاوية في كتابه: (هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله j فهو مبني على فهمه وأنت تعلم أن كلام الراوي غير معتبر، ومع هذا فهو مخالف للمعنى اللغوي). وبعضهم قال: إن فعل معاوية هذا من باب الاحتياط. وذكر غير واحد مثل هذا.
ذكر الأحاديث الصحيحة الواردة في الشغار:
الحديث الأول:
عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله j: (نهى عن الشغار) والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق.
هذا الحديث يرويه الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر, ورواه عن مالك جماعة، فوصلوا تفسير الشغار بالمتن المرفوع ومن هؤلاء الرواة:
ـ عبد الله بن يوسف عند "البخاري" (5112).
ـ الإمام الشافعي في " الأم" ( 5/261).
ـ عبد الرحمن بن مهدي عند الإمام أحمد في " المسند " ( 2/62).
ـ يحيى بن يحيى وأبو مصعب الزهري ومحمد بن الحسن كما في "الموطأ" برواية كل منهم (1506، 1157, 533).
ـ عبد الرحمن بن القاسم عند النسائي في " الكبرى" (5497).
ـ سويد بن سعيد عند "ابن ماجة " ( 1883).
ـ معن بن عيسى وعبد الله بن وهب وإسماعيل بن أبي أويس عند الخطيب في " الفصل للوصل في النقل" ( 1/384، 387).
ورواه القعنبي عند الخطيب، وعبد الرحمن بن مهدي عند الإمام أحمد (2/62) ومحرز بن عون عند الإسماعيلي كما في "الفتح" (9/162) وعند أبي يعلى في المسند (10/190) والخطيب (388) وخالد بن مخلد عند الدار قطني كلهم عن مالك به، إلا أنهم فصلوا تفسير الشغار عن المتن المرفوع، وجعلوه من قول مالك, وهذا يدل على أن هذا التفسير ليس من قول النبي j.
قال الشافعي: (لا أدري تفسير الشغار في الحديث عن ابن عمر أو نافع أو مالك) أ.هـ
وقال الخطيب في "الفصل للوصل" ( 1/385): (تفسير الشغار ليس من كلام النبي j، وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع).(1/7)
هذا وقد روى هذا الحديث عبيد الله بن عمر عن نافع، وروى تفسير الشغار عن نافع من قوله، أخرجه البخاري (6960) ومسلم (1415/58) وأبو داود (2074) والنسائي (5494) وأحمد (2/19) عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله j: (نهى عن الشغار) قال عبيد الله: قلت لنافع: ما الشغار ؟ قال: (يزوج الرجل ابنته ويتزوج ابنته، ويزوج الرجل أخته ويتزوج أخته بغير صداق )، وقد رواه عن نافع جماعة، فلم يذكروا تفسير الشغار أصلاً منهم:
1- عبد الرحمن السراج عند مسلم (1415/59) وأبي نعيم في مستخرجه (4/82).
2- أيوب عند مسلم (2998) وأبي نعيم.
فتلخص مما سبق أن تفسير الشغار في حديث ابن عمر ليس من كلام النبي j، وإنما هو من قول نافع ومالك(1).
الحديث الثاني:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( نهى رسول الله j عن الشغار)
أخرجه مسلم (1416/61) وابن أبي شيبة (4/32) (17501) وأبو نعيم في المستخرج (4/82) (330) من طريق ابن نمير وأبي أسامة، وأخرجه أحمد (2/439) عن ابن نمير وحده، كلاهما ـ أي: ابن نمير وأبي أسامة ـ عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال فذكره.
زاد ابن نمير: ( والشغار: أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي) وأخرجه مسلم أيضاً من طريق عبدة بن سليمان، وابن ماجه (1884) من طريق يحيى بن سعيد، كلاهما عن عبيد الله ولم يذكرا هذه الزيادة ـ أعني تفسير الشغار ـ وفي " طرح التثريب " (7/22): ( وكلام ابن حزم يقتضي أن التفسير مرفوع في حديث ابن عمر وفي حديث أبي هريرة تمسكاً بظاهر اللفظ، وهو الحق إلا أن يقوم دليل على الإدراج) أ.هـ
__________
(1) - ولعلّ مالكا أخذه عن شيخه نافع، والله أعلم.(1/8)
قلت: فقد قام الدليل في الحديثين على الإدراج، أما حديث ابن عمر فقد تقدم ذكره، وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه النسائي في الكبرى (5498) من طريق إسحاق الأزرق عن عبيد الله، وجعل هذه الزيادة من قول عبيد الله وهو الصواب.
وللحديث طريق آخر عن أبي هريرة، قال إسحاق بن راهويه في المسند (420) أخبرنا كلثوم، نا عطاء عن أبي هريرة عن رسول الله j قال: ( ثم لا شغار في الإسلام، وهو أن تنكح المرأة بصداق، يقول: أنكحني وأنكحك بغير صداق، فذاك الشغار) وهذا إسناد ضعيف، كلثوم هو ابن محمد بن أبي سدرة، قال أبو حاتم: لا يصح حديثه، وقال ابن عدي: يحدث عن عطاء الخراساني بمراسيل وعن غيره بما لا يتابع عليه. وقال ابن حبان في " الثقات": (يعتبر حديثه إذا روى عن غير عطاء الخراساني) وشيخه في هذا السند هو عطاء الخراساني كما هو مصرح به في كلام الحفاظ والخراساني لم يسمع من أبي هريرة، فحديثه مرسل ضعيف الإسناد.
الحديث الثالث:
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: (نهى رسول الله j عن الشغار) رواه عبد الرزاق (6/183) ومن طريقه أحمد (3/321) ومسلم (1417/62) وأبو نعيم في المستخرج (4/83)
وأخرجه مسلم وأحمد (3/339) وأبو نعيم من طريق حجاج بن محمد، وابن أبي شيبة (4/33) وابن عدي (5/1689) من طريق عمر بن هارون، ثلاثتهم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول وذكر الحديث.
وأخرجه البيهقي في الكبرى (7/200) عن نافع بن يزيد عن ابن جريح به وزاد ( والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق، بضع هذه صداق هذه.
ونافع بن يزيد ثقة لكنه تفرد بهذه الزيادة من دون الثلاثة المتقدمين.
وقد تردد البيهقي في ثبوتها فقال في "معرفة السنن والآثار": (فيشبه إن كانت الرواية صحيحة أن يكون هذا التفسير من قول ابن جريح، أو ممن فوقه، والله أعلم)
الحديث الرابع:(1/9)
عن عمران بن الحصين عن النبي j قال: ((لا جلب، ولا جنب ، ولا شغار، ومن انتهب نهبة فليس منا)) وله عن عمران أربع طرق:
الأولى الحسن عنه:
أخرجه الترمذي (31/431), وأبو داود (2581)، والنسائي (6/111) من طريق بشر بن المفضل.
وأخرجه النسائي (6/227)، وابن ماجه من طريق يزيد بن زريع.
وأخرجه أحمد (4/439) من طريق الحارث بن عمير.
وأحمد (4/443) وابن حبان (8/(61 ـ 62)) وابن أبي شيبة (4/33) من طريق حماد بن سلمة.
والطبراني في الكبير (18/170) من طريق زهير بن معاوية وخالد بن عبد الله الواسطي كلهم عن حميد عن الحسن عن عمران مرفوعاً.
وخالفهم علي بن حجر الساعدي فرواه ـ في حديثه (113) ـ عن حميد عن الحسن عن عمران موقوفاً عليه.
والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد فالمحفوظ هو رواية الجماعة.
وقد تابع حميدا على رفعه جماعة منهم:
1- أبو قزعة ـ وهو سويد بن حجر الباهلي ـ عند أحمد (4/429)والنسائي (6/228) والروياني في مسنده (71) والطبراني في الكبير (18/172) من طريق محمد بن جعفر، وأخرجه الطبراني (18/390) من طريق عبد العزيز بن محمد الفزاري كلاهما عن شعبة عن أبي قزعة عن الحسن بن عمران مرفوعاً، ورواه أبو داود الطيالسي ـ في المسند (838) ـ عن شعبة موقوفاً وقال: لا أحفظه عن شعبة مرفوعاً، فلعل شعبة كان يحدث به على الوجهين، ومحمد بن جعفر من أثبت الناس في شعبة فالخلاصة أن الحديث محفوظ عن أبي قزعة عن الحسن عن عمران مرفوعاً.
2- عنبسة، عند أبي داود (2581) والطبراني (18/165) وعنبسة اختلف في تعيينه فجزم المزي في "التهذيب" أنه ابن سعيد القطان وهو ضعيف، وجزم الدار قطني في "الأفراد والغرائب" ـ أطرافه ـ (4096) أنه ابن أبي رائطة وهو ضعيف أيضاً ـ ولعله الأقرب ـ أما الحافظ فقد ذكر جماعة ممن يسمى بعنبسة في هذه الطبقة وتردد في تعيين من هو الذي يروي عن حميد.
3- قتادة، عند الطبراني في الكبير (18/147،148) .(1/10)
4- إسماعيل بن مسلم، عند الطبراني أيضاً (18/176، 175).
5- عمران القصير، عند ابن عدي (5/1746) وعمران ضعيف لكنه هنا في المتابعات.
وهذه الأسانيد كلها ترجع إلى الحسن ـ كما ترى ـ والحسن لم يسمع من عمران على الراجح من أقوال أهل العلم.
الثانية: ابن سيرين عن عمران، أخرجه أحمد (4/441) فقال: حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا رباح عن معمر عن ابن سيرين عن عمران بن حصين أن رسول الله j قال: ((لا شغار في الإسلام)) وهذا إسناد صحيح, رجاله كلهم ثقات, وابن سيرين قد سمع من عمران وسماعه منه في صحيح مسلم.
الثالثة: رجاء بن حيوة عن عمران, أخرجه الغيلاني في "الغيلانيات" (2/227) من طريق مطر الوراق عن رجاء به, ورجاء لم يسمع من عمران, ومطر ضعيف.
الرابعة: حبيب بن أبي فضالة المالكي، أخرجه الروياني في "مسنده" (116) والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (2/1007) والطبراني في "الكبير" (18/219) من طريق محمد بن بشار نا محمد بن عبد الله الأنصاري، نا صرد بن أبي المنازل قال سمعت حبيب بن أبي فضالة المالكي قال: (لما بني هذا المسجد ـ مسجد الجامع ـ قال وعمران بن حصين جالس، فذكر قصة طويلة وفيها قال عمران: سمعت رسول الله j يقول: ((لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام)). وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، حبيب بن أبي فضالة، قال ابن معين: مشهور, وصرد لم يرو عنه سوى محمد بن عبد الله, وقال الذهبي: فيه جهالة.
والحاصل أن حديث عمران صحيح لذاته من حديث ابن سيرين عنه مقتصراً على قوله: (لا شغار في الإسلام) وأما بقية اللفظ: (ولا جلب ولا جنب) فهو حسن بمجموع هذه الطرق، ويشهد له أيضاً حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الآتي والله أعلم.
الحديث الخامس:(1/11)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله j خطب الناس عام الفتح على درجة الكعبة، فكان فيما قال ـ بعد أن أثنى على الله أن قال: ( يا أيها الناس كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام ولا هجرة بعد الفتح، يد المسلمين واحدة على من سواهم تتكافأ دماؤهم ولا يقتل مؤمن بكافر، ودية الكافر كنصف دية المسلم، ألا ولا شغار في الإسلام ولا جنب ولا جلب وتؤخذ صدقاتهم في ديارهم يجير على المسلمين أدناهم ويرد على المسلمين أقصاهم) ثم نزل وقال حسين إنه سمع النبي j، أخرجه أحمد (2/215) فقال: ثنا إبراهيم بن أبي العباس وحسين بن محمد قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عمرو بن شعيب به.
وهذا إسناد حسن, وقد تابع ابن أبي الزناد محمد بن إسحاق، أخرجه أحمد (2/216) فقال: حدثنا يعقوب وسعد قالا حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله j قال: ( لا شغار في الإسلام) وهذا إسناد حسن أيضاً, وابن إسحاق قد صرح بالتحديث كما ترى.
وقد رواه أحمد ـ قبل هذا ـ من طريق ابن إسحاق قال ذكر عمرو بن شعيب وقوله: ذكر ... فيه دليل على أنه لم يسمعه من عمرو, وإنما سمعه من عبد الرحمن بن الحارث كما في السند المتقدم, وسلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه فعن جده فيها خلاف مشهور بين أئمة الحديث, والذي عليه المحققون الاحتجاج بها.
وراجع إن شئت تعليق الشيخ/ أحمد شاكر على "جامع الترمذي" (2/141ـ144) فقد وفى المسألة حقها من البحث.
الحديث السادس:(1/12)
قال الإمام أحمد (4/94) ثنا يعقوب وسعد قالا ثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الرحمن بن هرمز أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقا، فكتب معاوية بن أبي سفيان ـ وهو الخليفة ـ إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما, وقال في كتابه: (هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله j) ومن طريق أحمد أخرجه الطبراني في الكبير (19/803) وأخرجه أبو داود (2075) ثنا محمد بن يحيى بن فارس ـ وهو الذهلي ـ عن يعقوب عن أبيه، وساقه وفيه: وكانا جعلا صداقا، وهذا إسناد حسن، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
وأخرجه أبو يعلى (13/358، 359) ومن طريقه ابن حبان (9/460) من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يعقوب عن أبيه، وساقه إلا أنه قال: وقد كانا جعلاه صداقا، والضمير في (جعلاه) يعود إلى النكاح، يعني: أنهما جعلا نكاح كل من المرأتين صداقا للأخرى.
وإبراهيم بن سعيد الجوهري من الثقات الحفاظ، إلا أن الإمام أحمد ومحمد بن يحيى الذهلي قد روياه بلفظ: جعلا صداقا، بدون الضمير.
فيحتمل أن المراد برواية أحمد والذهلي (وكانا جعلا صداقا) أي: جعلا إنكاح كل واحدة منهما الآخر ابنته صداقا, فعلى هذا الاحتمال تكون رواية الجوهري موافقة لرواياتهما في المعنى, ويحتمل أنهما سميا لكل واحدة منهما صداقا, فتكون رواية الجوهري مخالفة لروايتهما.
والأقرب هو الاحتمال الأول لموافقتها لسائر الروايات عن السلف في تفسير الشغار.
الحديث السابع:(1/13)
قال الإمام أحمد (4/134) حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الحصين الحميري، عن أبي ريحانة قال: ( بلغنا أن رسول الله j نهى عن الوشر والوشم والنتف والمشاغرة والمكامعة والوصال والملامسة ) وأخرجه الطحاوي في " شرح مشكل الآثار" (3259) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (23/194) عن الليث بن سعد به، وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات وأبو الحصين هو الهيثم بن شفي، إلا أن فيه انقطاعاً، فإن أبا الحصين لم يسمعه من أبي ريحانة، وإنما سمعه من أبي عامر الحجري، فقد روى الإمام أحمد بعد هذا الحديث حديثا آخر عن أبي الحصين قال: خرجت أنا وصاحب لي يسمى أبا عامر ـ رجل من المعافر ـ لنصلي بإيليا، وكان قاصهم رجلاً من الأزد يقال له: أبو ريحانة من الصحابة،قال أبو الحصين فسبقني صاحبي المسجد ثم أدركته، فجلست إلى جنبه فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة ؟ فقلت: لا، فقال: سمعته يقول وساق الحديث، ولكنه لم يذكر المشاغرة.
وأخرجه الطبراني ـ كما في تهذيب الكمال ـ (12/565) من طريق المفضل بن فضالة عن عياش بن عباس عن أبي الحصين، وساقه بالقصة السابقة وذكر فيه المشاغرة.
وأبو عامر هذا هو عبد الله بن جابر، وقيل اسمه عامر تابعي روى عنه اثنان، ولم يذكر المزي في ترجمته جرحاً ولا تعديلا،ولكن قد احتج بحديثه أبو داود والنسائي، وقد صرح الذهبي في مقدمة " المغني " بالاحتجاج بمن هذه حاله، أضف إلى ذلك أن حديثه هذا مستقيم، ولكل فقرة منه شواهد كثيرة .
فهذا الحديث أقل أحواله أن يكون حسناً والله أعلم.
وأخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص179) من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال أخبرني أبو الحسين الأشعري عن أبي ريحانة ـ واسمه شمعون ـ أن رسول الله j: (نهى عن المشاغبة).
قال أبو عبد الله الحاكم: ( هذا حديث غريب الإسناد والمتن وليس في رواة الحديث شمعون غير أبي ريحانة) أ.هـ وابن لهيعة ضعيف،فلعله تصحف على لفظ الحديث.(1/14)
والحديث عزاه الحافظ ابن حجر في "الفتح " (9/204) إلى أبي الشيخ في كتاب "النكاح" وزاد والمشاغرة: ( أن يقول الرجل زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر) وكتاب أبي الشيخ ليس في متناولي.
ذكر الأحاديث الضعيفة الواردة في ذلك:
الحديث الأول:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله j: (لا شغار في الإسلام ـ والشغار أن يبدل الرجل أخته بأخته بغير صداق ـ ولا إسعاد في الإسلام ولا جلب في الإسلام ولا جنب) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6/184) ومن طريقه أحمد في "المسند" (3/165) والطبراني في " الأوسط" (2998) عن معمر عن ثابت وأبان عن أنس.
وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف" (3/560) ومن طريقه أحمد في " المسند " (3/197) وعبد بن حميد في "المنتخب" (1/374) عن معمر عن ثابت عن أنس، ورواية معمر عن ثابت فيها ضعف، قال علي بن المديني: وفي أحاديث معمر عن ثابت أحديث غرائب ومنكرة، وذكر أنها تشبه أحاديث أبان بن أبي عياش ا.هـ
وهذا من جملة تلك المناكير، فقد أنكره الأئمة عن ثابت وبينوا أن الصواب فيه أنه عن أبان فقط لا علاقة لثابت به.
قال ابن رجب في " شرح علل الترمذي " (2/865): ( وقد كان بعض المدلسين يسمع الحديث من ضعيف فيرويه عنه ويدلسه معه عن ثقة لم يسمعه منه، فيظنه أنه سمعه منهما، كما روى معمر عن ثابت وأبان وغير واحد عن أنس عن النبي j أنه نهى عن الشغار، قال أحمد: هذا عمل أبان، يعني: أنه حديث أبان، وإنما معمر يعني لعله دلسة، ذكره الخلال عن هلال بن العلاء الرقي عن أحمد) أ.هـ
وقال الإمام أحمد كما في "العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره ص (150) سؤال رقم (266): (هذا حديث منكر من حديث ثابت) وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر جداً، أ.هـ "العلل" (1096) وله طريق أخرى عن أبان، أخرجها ابن عدي في " الكامل " (1/377) عن حماد بن سلمة عن أبان عن أنس، وأبان - وهو ابن أبي عياش - متروك الحديث، هذا ولحديث أنس طرق أخرى .(1/15)
الأولى: حميد عنه، أخرجه النسائي (6/421) وفي "الكبرى" (3/309) من طريق محمد بن كثير عن الفزاري عن حميد به، وهذا الإسناد ظاهره الصحة, لكن قال الإمام النسائي: هذا خطأ فاحش والصواب حديث بشر. يشير إلى حديث بشر بن المفضل عن حميد عن الحسن عن عمران وقد سبق ذكره.
الثانية: سفيان عمن سمع أنساً، أخرجها عبد الرزاق في " المصنف " (2/162) عن سفيان وهذا معضل وقد سقط سفيان من مطبوعة المصنف فاستدركته من مسند أحمد.
الثالثة: قتادة عنه، أخرجها عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: كان رسول الله j يقول: ( لا شغار في الإسلام) قال معمر: ولا أعلمه إلا عن أنس. وهذا شك من معمر فلعله اختلط عليه حديث أبان بحديث قتادة وفي روايته عن قتادة ضعف، فقد قال ابن معين: قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ عنه الأسانيد. وقال الدار قطني في "العلل": معمر سيء الحفظ لحديث قتادة.
والخلاصة أن هذا الحديث لا يصح عن أنس رضي الله عنه.
الحديث الثاني:
حديث أبي هريرة: (نهى النبي j عن الشغار) أخرجه ابن الأعرابي في " المعجم " (1/165) والطبراني في "الصغير" (1/39) من طريق يزيد بن عياض عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة فذكره، وهذا لفظ ابن الأعرابي، ولفظ الطبراني: (نهى عن المحاقلة والمزابنه والملامسة، ونهى عن الشغار) قال الطبراني: (لم يروه عن صفوان بن سليم إلا يزيد بن عياض تفرد به ابن وهب)أ.هـ
يزيد بن عياض هو ابن جُعدبة الليثي المدني، قال البخاري ومسلم وأبو حاتم: منكر الحديث. ورماه أحمد بن صالح بالوضع، وكذبه مالك والنسائي, فحديثه ضعيف جداً.(1/16)
وللحديث طريق أخرى عند ابن عدي في "الكامل" (2/ 799) - ترجمة حفص بن عمار المعلم - من طريق حفص بن عمار عن المبارك بن فضالة عن رجاء بن حيوة عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة, بنفس لفظ ابن الأعرابي. وقال ابن عدي بعد أن ذكر هذا الحديث وأحاديث أخرى: (ولا أعرف لحفص هذا أنكر من هذه الأحاديث بهذه الأسانيد التي رواها) ا.هـ
وحفص قال فيه البخاري: فيه نظر. وقال الذهبي في الميزان: مجهول. وقد اضطرب حفص في هذا الحديث، فتارة يرويه على النحو الذي سبق، وتارةً يرويه عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس وتارةً عن المبارك عن شملة عن رجاء بن حيوة بالسند المتقدم.
وذكر له ابن عدي (4/1552) طريقاً أخرى في ترجمة عبد الله بن دينار الحمصي، وهو ضعيف أيضا.
الحديث الثالث:
حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله j: ((لا شغار، قالوا: وما الشغار يا رسول الله؟ قال: نكاح المرأة بالمرأة ولا صداق بينهما)) أخرجه الطبراني في "الأوسط " (4/337ـ 338) و"الصغير" (1/441) فقال: حدثنا خلف بن عبيد الله الضبي عن خالد بن يوسف السمتي عن أبيه عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن أبي بن كعب، وساق الحديث.
قال الطبراني في الأوسط: (لا يروى هذا الحديث عن أبي بن كعب إلا بهذا الإسناد، تفرد به يوسف بن خالد السمتي)ا.هـ
ويوسف بن خالد هذا كذبه ابن معين وعمرو بن علي وأبو داود. وإسحاق بن يحيى - هو ابن الوليد بن عبادة بن الصامت - قال الحافظ في التقريب: مجهول الحال ونقل الذهبي في الميزان عن ابن عدي قوله: عامة أحاديثه غير محفوظة.
الحديث الرابع:(1/17)
قال البزار كما في "كشف الأستار" (2/91 ـ 92): حدثنا محمد بن معمر ثنا بهلول ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله j عن الشغار وعن بيع المجر وعن بيع الغرر وعن بيع كالئ بكالئ وعن بيع آجل بعاجل، قال: والمجر ما في الأرحام والغرر أن تبيع ما ليس عندك وكالئ بكالئ دين بدين والآجل بالعاجل أن يكون لك على الرجل ألف درهم فيقول رجل أعجل لك خمسمائة ودع البقية والشغار أن ينكح المرأة بالمرأة ليس بينهما صداق).
قال البزار: (لا نعلم رواه بهذا التمام إلا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) أ.هـ .
وموسى بن عبيدة هو الربذي ضعيف جدا، خاصة فيما يرويه عن عبد الله بن دينار، وقد نص الحفاظ أنه روى عنه أحاديث منكرة، وهذا الحديث من جملة تلك المناكير، فقد قال الإمام أحمد كما في "تاريخ الدوري" (2/593ـ 594): (حدث بأحاديث منكرة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي j في الكالي بالكالي وأشباه هذا)ا.هـ
الحديث الخامس:
عن وائل بن حجر أن النبي j كتب كتاباً: (لا جلب ولا وراط ولا شغار في الإسلام، وكل مسكر حرام)أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/52ـ53) والحارث في "مسنده" كما في بغية الباحث عن زؤائد مسند الحارث (1/388) والبزار (2/166) كما في "كشف الأستار"
من طريق محمد بن حجر بن عبد الجبار، حدثنا سعيد بن عبد الجبار عن أبيه عبد الجبار عن أمه أم يحيى عن وائل بن حجر فذكره، وأخرجه الطبراني في " الكبير" (22/46ـ48) و" الصغير" (2/284-287) ـ ضمن حديث طويل ـ وفيه: فلما أردت الرجوع إلى قومي أمر لي رسول الله j بكتب ثلاثة، ثم سرد كتاب النبي j وفيه: ((لا جلب ولا جنب ولا شغار ولا وراط في الإسلام، لكل عشرة من السرايا ما يحمل القراب من التمر من أجبى فقد أربى، وكل مسكر حرام)).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد " (9/376): (وفيه محمد بن حجر وهو ضعيف)ا.هـ(1/18)
قلت: قال فيه البخاري: فيه بعض النظر. وقال أبو حاتم: شيخ. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وسعيد بن عبد الجبار ضعيف، قال فيه البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن معين: لم يكن بثقة.
الحديث السادس:
قال ابن عدي في "الكامل" (6/2296) حدثني أحمد بن موسى سعدوية حدثنا محمد بن سعيد الأزرق حدثنا هدبة ثنا أبو عوانة عن أبيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله j: (لا شغار في الإسلام) قال ابن عدي: (وهذا الأزرق بارد الوضع أبو عوانة عن أبيه، وأبو عوانة عبد سبي من جرجان إلى البصرة، ويقال له الوضاح بن عبد الله، فمن أين يروي عن أبيه وهو عبد وأبوه كافر)أ.هـ
الحديث السابع:
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال كان نبي الله j يقول: (ليس منا من ينتهب، وقال: لا شغار في الإسلام, والشغار: أن تنكح المرأتان إحداهما بالأخرى بغير صداق) أخرجه الطبراني في " الكبير" (11/358) من رواية أبي الصباح عبد الغفور بن سعيد الأنصاري الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن عكرمة عن ابن عباس وذكر الحديث.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/267): (وفيه أبو الصباح عبد الغفور وهو متروك)ا.هـ
وعبد الغفور هذا قال فيه ابن حبان: كان ممن يضع الحديث. وقال البخاري: تركوه. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال ابن عدي: منكر الحديث.(1/19)
وله طريق أخرى عن ابن عباس، أخرجها الطبراني في "الكبير" ـ أيضاً ـ (12/250) فقال: حدثنا أبو زيد الحوطي ثنا أبو اليمان ثنا إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي عن مسلم بن أبي المحرز عن ابن عباس عن النبي j: (أمر بخمس ونهى عن عشر، أمر بفرق الرأس والسواك وقص الشارب والاستنشاق والمضمضة، ونهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها أو أن يجتمع امرأتان في ثوب واحد، وعن الشغار وعن بيع الكلب، ومهر البغي، وكسب الحجام وجلود السباع ولبس القسيَ وعن عسب الفحل) والحديث فيه: ثعلبة بن مسلم الخثعمي، قال الحافظ في "التقريب": مستور. وقال الذهبي في "المغني": ثعلبة بن مسلم الخثعمي عن كعب(1) وعنه إسماعيل بن عياش بخبر منكر في السواك والشوارب. وشيخ الطبراني: أحمد بن عبد الرحيم أبو زيد الحوطي، قال ابن حجر في "لسان الميزان": قال ابن القطان: لا يعرف حاله.
الحديث الثامن:
عن سمرة بن جندب أن رسول الله j: (كان ينهى عن الشغار بين النساء) أخرجه الطبراني في "الكبير"(7/262) والبزار ـ كما في "كشف الأستار" ـ (2/166) بإسناد مظلم مسلسل بالمجاهيل.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/266): ( رواه البزار والطبراني وإسنادهما ضعيف ).
الحديث التاسع:
__________
(1) - كذا ذكر الذهبي رحمه الله أن الحديث من طريق ثعلبة بن مسلم الخثعمي عن كعب، وهو عند الطبراني - كما ترى - من طريق ثعلبة بن مسلم الخثعمي عن مسلم بن أبي المحرز عن ابن عباس فليحرر.(1/20)
عن الضحاك بن النعمان بن سعد أن مسروق بن وائل ـ رضي الله عنه ـ قدم على رسول الله j فأسلم وحسن إسلامه، وقال: إني أحب أن تبعث إلى قومي رجالاً يدعونهم إلى الإسلام وذكر الحديث بطوله وفيه: ((لا خلاط ولا وراط ولا شغار ولا جلب ولا جنب ولا شناق)) أخرجه ابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (5/173ـ 174) ومن طريقه ابن الأثير في " أسد الغابة" (3/38) والطبراني في " الكبير " (20/336) من طريق كثير بن عبيد الحذاء نا بقية بن الوليد عن عتبة بن أبي حكيم عن سليمان بن عمرو عن الضحاك بن النعمان بن سعد وساق الحديث.
قال الهيثمي في " مجمع الزوائد" (3/75): (رواه الطبراني في "الكبير" وفيه بقية، ولكنه مدلس وهو ثقة)أ.هـ
وعتبة بن أبي حكيم ضعفوه وخاصة فيما يرويه عنه بقية، وهذا منها، وقد قال ابن الأثير: هذا كتاب غريب، والمشهور أن النبي j كتبه لوائل بن حجر.
تنبيه: لا يختص الشغار بالبنات والأخوات، بل يكون شاملاً لكل زواج جعل بضع كل واحدة صداق الأخرى بدلاً عن المهر.
قال الشوكاني في "السيل" (2/267): (ولا يختص الشغار بالبنات والأخوات، بل حكم غيرهن من القرائب حكمهن، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك).
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/56): (ولا خلاف أن حكم غير الابنتين من الإماء والأخوات وسائر النساء حكم البنتين، وقد ذكر مسلم في حديث ابن أبي شيبة الأختين) أ.هـ
وقال ابن رشد في "بداية المجتهد" (2/59): (فأما نكاح الشغار فإنهم اتفقوا على أن صفته هو أن ينكح الرجل وليته رجلاً آخر على أن ينكحه الآخر وليته ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع الأخرى)أ.هـ
لا شغار في الإسلام:
إن الشغار نكاح جاهلي، وكيف لا يكون نكاحا جاهليا والرسول j يقول: ((لا شغار في الإسلام)) جاء عن عدة من الصحابة، وسيأتي تخريجه قريبا.(1/21)
فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا شغار في الإسلام) أي أنه كان في الجاهلية، وأما في الإسلام فقد حرمه، وهذا النفي أبلغ من النهي الوارد بلفظ: (نهى رسول الله عن الشغار).
وقد صرح عامة أهل اللغة بأنه نكاح جاهلي، ومنهم: الزبيدي في "تاج العروس" 3/307 وابن منظور في "لسان العرب" 4/417 والفيروزابادي في "القاموس المحيط" 2/700 وابن دريد الأزدي في "جمهرة اللغة" 2/344
كما صرح بذلك جماعة من العلماء، فقال النووي: (وكان الشغار من نكاح الجاهلية) "شرح مسلم" 6/545
وقال القاضي عياض: (ذكر بعض العلماء أن الشغار كان من نكاح الجاهلية يقول: شاغرني وليتي، أي عاوضني جماعا بجماع) "إكمال المعلم" 4/560
وفي "طرح التثريب" 7/22: (كان الشغار من أنكحة الجاهلية)
وإذا كان الشغار نكاحا جاهليا فكيف يسوِّغ المسلم لنفسه أن يقع فيه، إذ الوقوع فيه إحياء لسنة الجاهلية، وقد قال الرسول j: ((أبغض الرجال إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه)) رواه البخاري وغيره، وإذا كان مبتغي سنة الجاهلية مبغوضا عند الله، لأنه يريد سنة الجاهلية، فكيف لو دعا إليها وأصر عليها؟!
حكم الشغار في الإسلام:
إن الشغار محرم في شرع الله وقد تظافرت الأدلة على تحريمه:
أ- منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا شغار في الإسلام))(1) فإن قوله: (لا شغار) أبلغ من النهي عن الشغار لأنها تفيد أن هذا الشغار نكاح جاهلي, أما في الإسلام فلا وجود له, وإن وقع فيه بعض المسلمين فإنما ذلك خروج عن أحكام الشرع بسبب الجهل بها.
ب- ومنها نهيه عليه الصلاة والسلام عن الشغار، والنهي عند الإطلاق يقتضي التحريم - كما هو مقرر في علم الأصول - ولا يصرف عن التحريم إلى الكراهة إلا بدليل، ولا دليل هنا بل الأدلة قاضية بتحريمه.
__________
(1) - تقدم تخريجه.(1/22)
ج- أجمع العلماء على كراهيته وتحريمه قال النووي في صحيح مسلم (9/545): (... وأجمع العلماء على أنه منهي عنه ...)
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (16/202): (وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه ولا يجوز)
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم في فوائد مسلم (14/): (... لا خلاف بين العلماء في كراهته ابتداء، واختلفوا إذا وقع)
وقال السندي في تعليقه على سنن النسائي: والنهي عنه يعني الشغار محمول على عدم المشروعية بالاتفاق.
والشغار على كلا التفسيرين المذكورين قبل مشتمل على ما يخالف الشرع، فإن كان قائما على الشرط مع المهر فالشرط باطل، وسيأتي الكلام عليه، وإن كان بدون مهر ففيه مصادرة لفرض فرضه الله.
فاتضح من هذا تحريم نكاح الشغار.
وعلى هذا فيجب على المسلمين أن يبتعدوا عن ما حرم الله، فلا يجوز لمخطوبة أن توافق على نكاح هذه صفته, ولا يجوز لعاقد أن يبرم عقد هذا النكاح.
العلة من تحريم الشغار:
قال ابن القيم في الزاد (5/108-109): واختلف في علة النهي فقيل هي جعل كل واحد من العقدين شرطا في الآخر وقيل العلة التشريك في البضع وجعل بضع كل واحدة مهرا للأخرى وهي لا تنتفع به فلم يرجع إليها المهر بل عاد المهر إلى الولي وهو ملكه لبضع زوجته بتمليكه لبضع موليته، وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين، وإخلاء لنكاحهما عن مهر تنتفع به. وهذا هو الموافق للغة العرب.اهـ
وقال ابن حجر في الفتح (9/163): وقال الخطابي: كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة يستثني عضوا من أعضائها وهو مما لا خلاف في فساده، وتقرير ذلك أن يزوج وليته ويستثني بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى.
وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي (3/43): (... وهذا خلاف نكاح الشغار المفسر في الحديث لأنه تزوج بضع أشبه فجعل البضع نكاحا وصداقا فأوجب فيه الاشتراط والتبعيض، وذلك مبطل للنكاح لأنه يجتمع الحل والحرمة فتغلب الحرمة.(1/23)
وقال الحافظ في الفتح (9/163): ورجح ابن تيمية في المحرر أن العلة: التشريك في البضع.
أسباب الوقوع في الشغار:
إن الأسباب المؤدية للوقوع في الشغار كثيرة وسأقتصر على ذكر أبرز تلك الأسباب فإليكها:
1- الجهل بأحكام النكاح الواردة في الشريعة الإسلامية, إذ أن كثيرا من المسلمين لا يهتمون بمعرفة النكاح الشرعي، فلا يفرقون بين النكاح الشرعي وبين غيره من الأنكحة الفاسدة.
2- فعلى كل مسلم ومسلمة يريد أن يتقدم إلى النكاح أن يسأل أهل العلم عن كل ما هو قادم عليه من أمور النكاح التي يجهلها.
3- غلاء المهور, إن غلاء المهور من أعظم أسباب الوقوع في الشغار لأن الذي يريد الزواج يجد نفسه لا قدرة له في الغالب على دفع المهر الذي يطلب منه فيرجع إلى الشغار.
4- عدم اهتمام الخطباء ومن إليهم بالتحذير من الشغار وهذا ناتج إما عن جهل الخطباء بالشغار وإما أنه ناتج عن عدم اهتمام بإصلاح أمور الناس، وكلا الأمرين أحلاهما مر.
5- عدم اهتمام الذين يقومون بالعقد للمتزوجين ببيان حرمة هذا النكاح. وصار همّ كثير من هذا الصنف الحصول على المال إلا من رحم الله, فهو لا يريد أن يجرح شعور المتزوجين ولا يريد أن يشغل نفسه إلا بما يخص مصلحته الشخصية.
6- الذين يتوسطون في أمور الزواج ويسعون في إنجاز هذا الأمر بعضهم يعرف أن هذا شغار وأنه حرام ولكن يقنعون الناس بأن فلانا قد تزوج وفلانا الآخر قد تزوج على هذه الحالة وهؤلاء غاشون، فلا يلتفت إلى ما يزينونه للناس.(1/24)
7- التوسع في الولائم: فالغالب على من يريد الزواج أن ينظر إلى المال الذي سيحتاجه للقيام بالوليمة فيرى أنه سيحتاج إلى مبلغ كبير فإذا تحمل هذا المبلغ الكبير مع المبلغ الكبير في المهر أيضا رأى أنه عاجز عن تحمل ذلك ولا شك فيحتال ويرتكب الحرام ويتزوج بطريق الشغار حتى يظهر أمام الناس بمظهر الكرم والسخاء، فلا سلم من العجب والفخر وهما أمران مذمومان في الشرع ولا سلم من الإسراف والتبذير وهما محرمان في شرع الله فانظر كيف وقع في المحرمات من جهة النكاح ومن جهة الوليمة فإلى الله المشتكى.
8- إهمال النساء لحقهن الشرعي من أخذ المهر, مع العلم أن الواجب دفع المهر للمرأة.
تنبيه: ما يحصل عند المتشاغرين من اشتراط أن يزوج كل منهما الآخر ولا يقوم النكاح إلا بهذا.
هذا الشرط باطل فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله j: ((ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس من كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق)).
ومن حديث ابن عباس عند البزار بلفظ: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط))
ومن حديث رافع بن خديج عند الطبراني قال قال رسول الله j: ((المسلمون عند شروطهم فيما أحل))
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله j: ((المسلمون على شروطهم)) أخرجه أبو داود وابن الجارود والدار قطني والحاكم والبيهقي. وهو حديث حسن.
فهذه الأحاديث قاضية على أن كل شرط مخالف لكتاب الله أو لسنة رسوله j مردود على صاحبه، والشرط المذكور هنا هو من جملة الشروط التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وهذا الشرط باطل, لأنه يؤدي إلى مفاسد كثيرة.
وإليك بعض مفاسد هذا الشرط وهو: (زوجني أزوجك):(1/25)
1- حرمان النساء من الزواج باختيارهن فإن أصحاب الشرط المذكور ينظرون إلى مصلحتهم ويقدمونها على مصلحة النساء، ومن المعلوم من ديننا أنه لا يجوز أن تزوج البالغة إلا باختيارها.
2- حرمان النساء من مهور أمثالهن، قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في مجموع فتاويه 10/158: (وينبغي أن يلاحظ في المستقبل بأن لا يعقد نكاحا فيه مبادلة سواء ذكر فيه مهرا أم لا لقوة القول بفساده لما فيه من فساد عظيم لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه إيثارا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء، وهذا كما لا يخفى لا يجوز، ولأنه يؤدي أيضا إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن كما هو الواقع بين غالب الناس المتعاطين لهذا الأمر، كما أنه يفضي إلى كثير من النزاع والخصومات بعد الزواج)ا.هـ
3- منعهن من الزواج لمدة قد تطول وقد تقصر لا لشيء ولكن من أجل أن يتوصلوا إلى مصلحتهم وهذا لا يجوز.
4- التلاعب بمهرهن إن لم يصادر. فقد يحصل لهن المصادرة في المهر من أجل هذا الزواج وهذا ظلم للقوارير.
5- ما أكثر ما يحصل من النزاع والخصومات بين هؤلاء المتزوجين وربما أجبر أحدهم على الطلاق عدوانا وظلما، فحياة النساء اللاتي يتزوجن بهذه الصورة من أنكد الحياة.
وعلى هذا فلا يجوز أبدا أن يقوم زواج على هذا الشرط.
إذا حصل نكاح الشغار فما الحكم؟
للعلماء في نكاح الشغار قولان مشهوران:
القول الأول: بطلان النكاح وهو قول الجمهور، سئل الإمام مالك كما في "المدونة الكبرى" (2/98): أرأيت نكاح الشغار إذا وقع فدخل بالنساء وأقاما معهما حتى ولدتا أولادا أيكون ذلك جائزا أم يفسخ؟(1/26)
قال مالك: يفسخ على كل حال. وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (5/339): قال الشافعي: فإذا أنكح الرجل ابنته الرجل أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن ينكحه ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى أو على أن ينكحه الأخرى ولم يسم لواحدة منهما صداقا فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله j فلا يحل النكاح وهو مفسوخ ا.هـ
وقال ابن قدامة في المغني 10/42: ولا تختلف الرواية عن أحمد في أن نكاح الشغار فاسد ورواه عنه جماعة. قال أحمد: وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه. وهو قول مالك والشافعي وإسحاق.ا.هـ
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (16/203): ولا يصح عقد هذا النكاح ويفسخ قبل البناء وبعده ا.هـ
وقال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى كما في "الفتاوى الإسلامية" إشراف قاسم الشماعي (2/340) وهو يتكلم عن الشغار: وقد اختلف العلماء في صحته وفساده والصواب أنه نكاح فاسد.اهـ
وقال ابن عثيمين كما في فتاوى منار الإسلام (2/532) عند أن سئل عن نكاح الشغار:
هذا النكاح الذي ذكره السائل نكاح باطل محرم وهو نكاح الشغار فقد نهى عنه النبيj وقال: ((لا شغار في الإسلام))(1)ا.هـ وقال صالح الفوزان كما في "المنتقى من فتاويه" للفريدان (3/233): نكاح الشغار هو أن تزوج موليتك لشخص على أن يزوجك موليته ولا مهر بينكما... وهذا حكمه أنه لا يجوز في الإسلام, وهو نكاح باطل ا.هـ
القول الثاني: جاء عن عطاء عند ابن أبي شيبة (4/44) قال في المتشاغرين: (يُقرَّان على نكاحهما ويؤخذ لكل واحد منهما صداق) وهو قول أبي حنيفة والثوري وغيرهم من العلماء.
والراجح عندي قول الجمهور لأمور منها:
__________
(1) - تقدم تخريجه.(1/27)
1- أن ظاهر النفي والنهي البطلان، فإن الذي عليه جمهور الأصوليين أن النهي إن كان عائدا إلى عين المنهي عنه أو شرطه فإنه يقتضي الفساد، والنهي هنا عائد إلى شرط المنهي عنه، لأن المهر شرط في صحة النكاح. فيكون النكاح فاسدا.
2- أن هذا النكاح نكاح جاهلي كما تقدم.
3- أن هذا القول - فساد النكاح - قد نقل عن بعض الصحابة ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة.
4- أن الأصل في الفروج التحريم والحظر فلا وصول إليها إلا بأمر صحيح مبيح ولا وجود له هنا، بل الموجود نقيضه - وهو النهي عنه - فاتضح من هذا كله أن الشغار باطل.
وهناك قول ثالث: وهو أنه يفسخ قبل الدخول ولا يفسخ بعده. قاله ابن القاسم كما في "المدونة الكبرى" (2/100)
قلت: وهذا تفريق لا دليل عليه.
ماذا يعمل من تزوج عن طريق الشغار؟
الجواب: اعلم أخي المسلم الكريم أنك بحاجة إلى التأكد من الحكم على النكاح بالشغار والتأكد يكون بالآتي:
1- يتقرر الشغار في النكاح إذا حصل عند العقد الاتفاق بين المتزوجين أن كل واحدة من النساء جعل بضعها مهرا للأخرى.
2- إذا حصل عند العقد عدم التصريح بالبدلية والعوض ولكن كل نوى هذا في قلبه فهذا أيضا شغار، وفي هاتين الحالتين يجب التفريق بينهما، أو إذا أراد كل منهما أو أحدهما الرجوع إلى زوجته فبعقد جديد إذا رغبت فيه المرأة ودفع مهر مثلها.
وفي غير هاتين الحالتين لا يكون النكاح شغارا على حسب ما تقدم بيانه ولو لم يدفع مهرا للمرأتين ولو وجد شرط أو شروط فاسدة كما تقدم بيانه. فمن وقع في نكاح الشغار فيلزمه أمران:
الأول: الفسخ, والفسخ في اللغة: نقض الشيء. كما في كتب اللغة.
وفي الاصطلاح: نقض الحياة الزوجية إما بالطلاق من قبل الزوج أو بإلغاء النكاح، وهذا على يدي الحاكم أو بالخلع من قبل المرأة بضوابطه الشرعية.
فإذا اتضح لشخص ما أن نكاحه شغار فالنكاح باطل يفسخ بطلاق كل واحد منهما.(1/28)
الثاني: تجديد العقد, إذا تأكد لدى المسلم الشغار في نكاحه وأراد أن تبقى معه امرأته فعليه أن يطلقها ثم يخطبها ويعقد عليها من جديد حيث إن العقد الأول فاسد، وتجديد العقد يكون عند من له معرفة بذلك وعنده تقوى وصلاح، وإذا رفض ولي المرأة أو من ينوب عنه العقد له بها فعلى من يريد العقد أن يأتي بفتوى من أهل العلم ليقيم الحجة على ولي امرأته، فإذا لم يعقد له ولي المرأة اشتكى به إلى الحاكم، وعلى الحاكم أن يلزمه بذلك. ولا يجوز لمن تأكد أنه مشاغر في نكاحه أن يبقى مع امرأته حتى يجدد له العقد.
وقد أفتى بتجديد العقد الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في مجموع فتاويه (10/160) قال رحمه الله: (الحمد لله, فقد سألني - وذكر اسم السائل - عن زواجه بابنة عمه - وذكر اسم البنت - على أن يزوج أخته - وذكر اسمها - ابن عمه - وذكر اسمه - فعقد له عليها ولم يدفع أحد منهما مهرا وقد أفتيناه بأن النكاح فاسد ويلزم التفريق بينهما ويلزم كل واحد منهما أن يطلق ثم بعد ذلك هو خاطب من الخطّاب إذا رغبته المرأة ودفع لها مهر مثلها جاز له نكاحها بعقد جديد) وشيخنا ووالدنا الشيخ/ مقبل بن هادي الوادعي سمعته أكثر من مرة.
مسائل:
المسألة الأولى: هل يقع الشغار بمجرد أن يقول له: زوجني أزوجك ولا يسمون مهرا، بل يسكتون عنه؟
الجواب: اعلم أنه مما لا خلاف فيه بين العلماء فيما أعلم أن اتفاق المتزوجين على إسقاط المهر وتكون كل واحدة بدلا عن الأخرى أن هذا هو الشغار كما سبق تقريره. وأما السكوت عن المهر، فإن كان عن قصد إسقاطه فيلحق بالشغار، لأن المقصود في العقود معتبرة. قاله ابن القيم في الزاد 1/87
وأما إن لم يقصدوا إسقاطه فالنكاح صحيح.
قال ابن رشد في البداية (02/26): وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز أن يعقد النكاح بدون صداق لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة}(1/29)
وقال التميمي في كتاب "نوادر الفقهاء": أجمعوا على أن من تزوج امرأة على غير صداق ذكره أن النكاح ثابت عليه دخل بها أو لم يدخل إلا مالك بن أنس قال: يفسخ قبل الدخول.
وقال محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ في مجموع فتاويه (10/159) عند أن قدم لسماحته سؤال فأجاب: (فقد جرى الإطلاع على الاستفتاء الموجه إلينا منك بصدد سؤالك أن لك أختا وأن عند رجل بنتا ترغب التزوج بها وأنه قال لك لا بأس تزوجني أختك ولكل واحدة من الزوجتين مهرها الكامل كأمثالها، وأن المرأتين أختك وبنت هذا الرجل راضيتان بهذا الزواج وتسأل عن حكم هذا الزواج هل هو من الشغار المنهي عنه؟ والجواب: الحمد لله, إذا كان الأمر كما ذكرت من أن لكل واحدة من الزوجين مهر مثلها وأن كل واحدة منهما راضية بالزواج من الآخر فلا بأس بالزواج المذكور وليس من الشغار المحرم وبالله التوفيق)ا.هـ
المسألة الثانية: يشترط كل واحد على الآخر أنه إذا طلق هذا يطلق ذاك وهذا الشرط باطل وقد تقدمت الأدلة على بطلانه من خلال سياق الأدلة الدالة على أن أي شرط يحل حراما أو يحرم حلالا أو يمنع من أداء واجب فهو شرط باطل وإذا كان باطلا فلا يجوز اشتراطه أبدا ولا قبوله وإليك بعض أقوال أهل العلم حول هذا الشرط:(1/30)
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (4/90): (مسألة في قوم يتزوج هذا أخت هذا, وهذا أخت هذا أو ابنته وكلما أنفق هذا أنفق هذا وإذا كسا هذا كسا هذا وكذلك في جميع الأشياء وفي الإرضاء والغضب إذا رضي هذا رضي هذا وإذا أغضبها هذا أغضبها الآخر فهل يحل ذلك؟ الجواب: يجب على كل من الزوجين أن يمسك زوجته بالمعروف أو يسرحها بإحسان ولا يحل له أن يعلِّق ذلك على فعل الزوج الآخر فإن المرأة لها حق على زوجها وحقها لا يسقط بظلم أبيها أو أخيها قال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فإذا كان أحدهما يظلم زوجته وجب إقامة الحق عليه ولم يحل للآخر أن يظلم زوجته لكونها بنتا للأول وإذا كان كل منهما يظلم زوجته لأجل ظلم الآخر فيستحق كل منهما العقوبة وكان لزوجة كل منهما أن تطلب حقها من زوجها ولو شُرط هذا في النكاح لكان هذا شرطا باطلا من جنس نكاح الشغار وهو: أن يزوج الرجل أخته أو ابنته على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته فكيف إذا زوجه على أنه إن أنصفها أنصف الآخر وإن ظلمها ظلم الآخر زوجته فإن هذا محرم بإجماع المسلمين ومن فعل ذلك استحق العقوبة التي تزجره عن مثل ذلك)ا.هـ
فاتضح من هذا بطلان هذا الشرط وعلى هذا فلا يجوز اشتراطه ولا يجوز الوفاء به والله المستعان.
مفاسد هذا الشرط كثيرة منها:
1- أن الزواج القائم على شرط الطلاق يشبه نكاح المتعة التي عرف تحريمها.
2- فيه غش للنساء المتزوجات بهذه الصورة ((ومن غشنا فليس منا)) هكذا قال الرسول j.
3- أن هذا الشرط يؤدي إلى إكراه الشخص على الطلاق، وإذا طلق أحدهما أُلزم الآخر بالطلاق، وهذا فيه أضرار كثيرة منها:
أ أن المرأة عند أن تفارق زوجها وهي لا تريد ذلك قد تقتل نفسها، وقد تتعقد من الزواج فتمتنع عن الزواج مرة أخرى، وقد تصاب بمرض نفسي بسبب كثرة الهم والغم والحزن, وقد تصاب بمرض المس الشيطاني.(1/31)
ب أن الأولاد يهانون ويفتقدون حنان أمهم فيصيرون كالأيتام، وهذا من الظلم العظيم حيث يفرق بين المرأة وأولادها بدون حق شرعي.
4- أن هذا الشرط يؤدي في بعض الأوقات إلى العصبيات الجاهلية التي توصل إلى سفك الدماء وقتل الأنفس البريئة، وناهيك عن هذه المفسدة ولكن الجهل يعمي ويصم، فالحذر الحذر من الجري مع من يخالف الشرع بهذه الشروط وغيرها.
المسألة الثالثة: إذا طلقت إحداهما وبقيت الأخرى عند زوجها يشترط عليه أن يدفع مهرا للمطلق.
أقول: وهذا من الشروط الباطلة التي لا يجوز التزامها ابتداء ولا الوفاء بها انتهاءً، لأن الغرض منه أن يتزوج المطلق امرأة جديدة على حساب الذي لم يطلق، وهنا شيء من التفصيل وهو: إن كان الذي لم يطلق قد دفع مهرا لزوجته فقد أدى الواجب الذي أوجبه الله عليه ورسوله j وإن كان لم يدفع مهرا لزوجته فهذا إما أن يكون قد جعلت كل واحدة بدلا عن الأخرى فهذا هو الشغار عند كافة العلماء، فيجب فسخ النكاح, وإذا أراد أن ترجع إليه زوجته فبعقد جديد إذا دفع لها مهر مثلها، وإما أنه لم يدفع المهر لزوجته عجزا عن ذلك مع التزامه بذلك فهنا يجب عليه أن يعجّل بدفع المهر لزوجته قدر المستطاع. فاتضح من هذا أن المهر حق للزوجة على زوجها لا تبرأ ذمته إلا بإعطائه إياها وليس لوليها منه شيء إلا إذا أعطته عن طيب نفس.
[
مسألة: إذا سمي لإحدى المرأتين صداقا ولم يسم للأخرى فما الحكم؟
للعلماء فيه ثلاثة أقوال:
الأول: فسخ النكاح قال أبو بكر القاضي الحنبلي كما في المغني (10/45): يفسد النكاح فيهما لأنه فسد في إحداهما ففسد في الأخرى ...(1/32)
الثاني: النكاح صحيح ويجب لها مهر المثل قال الشافعي رحمه الله في الأم (5/83): (وإذا زوج الرجل ابنته الرجل أو المرأة يلي أمرها على أن يزوجه الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها على أن صداق إحداهما كذا لشيء يسميه وصداق الأخرى كذا لشيء يسميه أقل أو أكثر أو على أن يسمى لإحداهما صداقا ولم يسم للأخرى صداقا أو قال: لا صداق لهما فليس هذا بالشغار المنهي عنه والنكاح ثابت والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إذا دخل بها أو ماتت أو مات عنها، ونصف مهر مثلها إن طلقت قبل أن يدخل بها)ا.هـ
الثالث: يفسخ نكاح التي لم يسم لها صداق.
قال مالك رحمه الله كما في "المدونة" (2/100): (... ويفسخ نكاح التي لم يسم لها صداق دخل بها أو لم يدخل بها)
قلت: الراجح أن النكاح صحيح، ويعطى للتي لم يذكر لها مهر مهر مثلها كما سبق، وأما من قال يفرق بينهما فهذا إنما يتم على قول من يقول بأن شرط التزويج بينهما يبطل النكاح وقد تقدم أنه لا يبطل بمجرد وجوده والله المستعان.
مسألة: إذا قال المتزوجان: (كل يجهز وليته)؟
قال عبد الرزاق في مصنفه (6/185): عن ابن جريج قال قلت لعطاء ينكح هذا ابنته بكرا بصداق وكلاهما يرخص على صاحبه من أجل نفسه؟ قال: إذا سميا صداقا فلا بأس فإن قال: وتُجهز فلا، ذلك الشغار ا.هـ(1/33)
قلت: إذا التزم كل من أولياء النساء أن يجهز وليته بما يقدران عليه فالنكاح هنا صحيح لأنه يجوز أن يقوم بدفع المهر أو الصداق ولي المرأة لها معاونة للخاطب ومسألتنا هذه لا تخرج عن هذا بشرط اجتناب الحيلة التي اعتادها بعض الناس بأن يجعلوا هذا كلاما وفي نيتهم عدم الوفاء بما التزموا به, وعطاء إنما جعله باعتبار البخس للنساء كما في الرواية الأولى عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سئل عطاء عن رجل أنكح كل واحد منهما صاحبه أخته بأن يجهز كل واحد منهما بجهاز يسير، لو شاء أخذ لها أكثر من ذلك، قال: لا, نُهي عن الشغار، قلت: إنه قد أصدقا كلاهما قال: لا قد أرخص كل واحد منهما على صاحبه من أجل نفسه فعلى هذا إذا اتفقا أن كلا منهما يجهز وليته لغرض الإجحاف في مهر النساء فهذا لا يجوز، والواجب أن يلزما بمهر المثل ا.هـ
مسألة: إذا قال فلان لفلان: أزوجك ابنتي أو أختي على أن تطلق زوجتك فماذا؟
جاء في "تكملة المجموع" (16/248) قوله: (وإن قال زوجتك ابنتي على أن تطلق زوجتك ويكون ذلك صداقا لابنتي صح النكاح ولا يلزمه أن يطلق زوجته ويجب للزوجة مهر المثل لأنه لم يسم صداقا صحيحا) ا.هـ
والأمر كما قال, والشرط هذا لا يجوز الموافقة عليه ولا الوفاء به.
مسألة: إذا تساوى مهر المتزوجين من بعضهم بعضا هل يجوز هذا؟
المسألة فيها تفصيل:
إذا كان التساوي في المهر نظرا لحال المتزوجين وكانت حالتهما متقاربة فذلك جائز لا غبار عليه ولم أر أحدا من العلماء صرح أو حكم بتحريمه.(1/34)
أما إذا كانت حالتهما المادية متفاوتة هذا غني وهذا فقير فالأولى أن الغني يعطي امرأته أكثر من الفقير وإن كان التساوي من باب أن الغني تعاون مع الفقير حتى حصل التساوي فهذا أمر طيب بخلاف لو قلت: هذا الشرط باطل أدخل في النكاح وقد تقدم الكلام على الشروط الباطلة فلا يجوز اشتراط هذا أجبر الفقير أن يعطي لامرأته كما يعطي الغني فهذا ظلم وتكليف للمسلم فوق طاقته ولو حصل هذا الظلم فالعقد صحيح.
مسألة: من وقع في نكاح الشغار هل يقام عليه الحد؟
نكاح الشغار شبهة على الراجح من أقوال أهل العلم، وإذا كان كذلك فلا حد ولا تعزير وإنما التفريق وتجديد العقد. والله أعلم.
قال ابن قدامة: ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة والشغار... وهذا قول أكثر أهل العلم لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
مسألة: هل تنعقد المحرمية والصهارة بنكاح الشغار؟
إذا دخل المتشاغران بالنساء تثبت الحرمة. قال ابن المنذر في "الإجماع" ص (365): (وأجمعوا على أن الرجل إذا وطئ امرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على ابنه وأبيه وعلى أجداده وولد ولده)
مسألة: هل على المرأة المنكوحة بالشغار إحداد على زوجها إذا توفي وهي في عصمته؟(1/35)
نعم عليها العدة والاحداد، لأن النكاح مع فساده منعقد ويترتب عليه أكثر أحكام النكاح الصحيح, منها: لزوم عدة الوفاة بعد الموت والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة ووجوب المهر فيه بالعقد. انظر "تقرير القواعد" لابن رجب 1/340. وقال ابن قدامة في المغني 9/355: (وتجب فيه عدة الوفاة بالموت والاحداد كل ذلك احتياطا لها). وقال صاحب المدونة الكبرى (2/101): (قلت: - ولعل القائل سحنون - فإن زوجها تزويجا حراما فدخل بها زوجها فجامعها ثم طلقها أو مات عنها ولم يتباعد ذلك أيكون للأب أن يزوجها كما يزوج البكر في قول مالك؟ قال: أرى أنه ليس له أن يزوجها كما يزوج البكر، لأنها إنما افتضها زوج وإن كان نكاحا فاسدا ألا ترى أنه نكاح يلحق فيه الولد ويدرأ به الحد؟ قال مالك: وتعتد منه في بيت زوجها الذي كانت تسكن فيه وجعل العدة فيه كالعدة في النكاح الحلال)اهـ
مسألة: إذا عقد على المرأة بطريق الشغار ثم توفي عنها قبل الدخول بها فهل عليها عدة؟
ليس عليها عدة على قول بعض العلماء لأن نكاح الشبهة المعتبر فيه الدخول بخلاف النكاح الصحيح فعليها عدة لأنها زوجة بمجرد العقد لأن عقد النكاح الفاسد الأصل فيه عدم الانعقاد بمجرد العقد فلا عدة عليها والحالة هذه ولا ميراث لها ولا إحداد عليها. والله أعلم.
مسألة: هل للمطلقة عن طريق الشغار نفقة وسكنى؟(1/36)
قال الماوردي في الحاوي الكبير (11/467) وهو يتكلم على نكاح الشبهة: (ولا تخلو الموطوءة فيه من أن تكون حائلا أو حاملا، فإن كانت حائلا فلا سكنى لها ولا نفقة لأنها لم تستحقها في حال الاجتماع فأولى أن لا تستحقها بعد الافتراق، وإن كانت حاملا ففي وجوب السكنى والنفقة لها قولان مخرجان من اختلاف قوليه في نفقة الحامل هل وجبت لها أو لحملها؟ فإن قيل بوجوبها لها فلا نفقة لها لأنها لم تستحق النفقة في حال التمكين فأولى أن لا تستحقها بعده، وإن قيل بوجوبها للحمل كان لها النفقة، وقيل في السكنى أيضا تبع للنفقة لأن حملها في اللحوق كمثل ذات النكاح الصحيح فكان له النفقة في الحالين. والله أعلم.اهـ
مسألة: هل يثبت التوارث بين المتزوجين بالشغار؟
اختلف العلماء في ما إذا مات أحد الزوجين قبل الفسخ هل يرث منه الآخر؟
فذهب الحنابلة إلى أنه لا يثبت الإرث، قال ابن قدامة في المغني 9/192: (فأما النكاح الفاسد فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي. اهـ
وقال 9/355: (ويفارق النكاح الفاسد الصحيح في أنه لا يثبت به التوارث ولا تحصل به الإباحة للمتزوج ولا الحل للزوج المطلق ثلاثا بالوطء فيه، ولا يحصل الإحصان بالوطء فيه، ولا يثبت حكم الإيلاء باليمين فيه، ولا يحرم الطلاق فيه في زمن الحيض. اهـ
وهذا مذهب الظاهرية. كما في المحلى 9/514
وأما المالكية فلهم قولان: قال ابن رشد في بداية المجتهد 2/60: (اختلف المذهب في وقوع الميراث في الأنكحة الفاسدة إذا وقع الموت قبل الفسخ وكذلك وقوع الطلاق فيه فمرة اعتبر فيه الاختلاف والاتفاق، ومرة اعتبر فيه الفسخ بعد الدخول أو عدمه. اهـ
يعني أن في المذهب قولين:(1/37)
الأول: التفريق بين النكاح المتفق على فساده والمختلف في فساده، فما اتفق على فساده لا يثبت به التوارث، وما اختلف في فساده فيثبت به التوارث، وهذا هو المشهور عند المالكية. قال عبد الرحمن بن القاسم كما في المدونة 2/98: (كل ما اختلف الناس فيه من النكاح حتى أجازه قوم وكرهه قوم، فإن أحب ما فيه إلي أن يلحق فيه الطلاق ويكون فيه الميراث ا.هـ
وفي حاشية الخرشي على "مختصر خليل" 4/184: (وفي النكاح المختلف فيه الإرث إذا مات أحد الزوجين قبل الفسخ دخل الزوج أم لم يدخل ا.هـ
الثاني: أن النكاح الذي يجب فسخه لا يثبت به الإرث والفسخ فيه ليس بطلاق. قال سحنون: (والذي عليه أكثر رواه مالك أن كل عقد كان مغلوبين على فسخه ليس لأحد إجازته، فالفسخ فيه ليس بطلاق ولا ميراث فيه، وقد ثبت من نهي رسول الله j عن الشغار ما لا يحتاج فيه إلى حجة) المدونة 2/99.
قلت: والراجح أنهما يتوارثان وقد أطلت الكلام على هذه المسألة في كتابي "إعلام النبلاء بأحكام ميراث النساء" فارجع إليه إن شئت.
الخاتمة
بحمد الله وحسن توفيقه تم ما أردت ذكره في هذه الرسالة وقد اشتملت على أمور مهمة وتنبيهات نافعة. والله أسأل أن ينفع بها الإسلام والمسلمين. إنه ولي ذلك والقادر عليه.(1/38)