أول وقت رمي الجمرات أيام التشريق
دراسة مقارنة بين المذاهب في ضوء الظروف المعاصرة
بقلم
هيثم بن جواد بن هاشم الحداد
1421 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم على المسلمين نعمًا لا تعد وتحصى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للورى، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولى النهى، وبعد،
فإن من أعظم نعم الله على عباده أن نوع لهم طرق عبادته، فبعضها عبادات مالية صرفة، وبعضها عبادات بدنية صرفة، ومنها ما يجمع الأمرين، والحج أحد هذه العبادات التي تجمع بين التعبد بالمال، والتعبد بالبدن، وفيه تتجلى مظاهر الوحدانية لله رب العالمين بطرائق مختلفة، كما تتجلى فيه عظمة هذه الملة، ملة الإسلام، وارتباطها التاريخي العقدي بالملل السابقة، فلا غرو أن يكون أحد أركان الإسلام، ولا غرو أن يجعل الله فعله من أعظم القربات التي ينال بها أعظم الحسنات، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) (1) وقال أيضاً (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (2) .
وقد اعتنى علماء الإسلام من فقهاء ومحدثين بهذا الركن العظيم كعنايته بغيره من أركان الإسلام ومبانيه، وما هذا البحث إلا مشاركة لهؤلاء الأعلام في العناية بمناسك هذا الركن العظيم، حيث يتناول حكم رمي الجمرات قبل الزوال أيام التشريق الثلاثة، أسأل الله أن يتقبل مني وأن يوفقني لما يحب ويرضى إنه سميع مجيب.
أهمية الموضوع:
__________
(1) - رواه البخاري: كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور حديث 1424، ، ومسلم: كتاب الحج حديث رقم 2404.
(2) - رواه البخاري: كتاب الحج، باب وجوب العمرة وفضلها حديث رقم 1650، ومسلم: كتاب الحج حديث رقم 2403، والأحاديث في فضل الحج كثيرة مشهورة.(1/1)
مع ازدياد أعداد المسلمين، وازدياد إقبالهم على تعاليم دينهم يزداد عدد حجاج بيت الله الحرام، الأمر الذي يجعل أداء بعض مناسك هذا الركن العظيم يعتريه شيء من الصعوبة وربما المشقة، ذلك أنّ أداء هذه المناسك لابد أن يتم في مكان واحد في وقت واحد.
1- وعليه، فينبغي على أهل العلم بيان ما للناس فيه سعة من أمر مناسكهم، حتى لا يصيبهم حرج ومشقة أثناء أداء هذا الركن العظيم على وجه الخصوص، أو أداء غيره من الشعائر على وجه العموم، كل ذلك عملاً بقوله تعالى { وَمَا جَعَل عَليكم في الدّينِ منْ حَرَج } (1) وما في معناها من آيات وأحاديث.
2- وفي المقابل كذلك، على أهل العلم أن ينبهوا الناس على ما ليس فيه سعة بل هو أمرٌ حتم لا مفر من فعله، وليس هذا مما ينافي يسر الشريعة ورفعها الحرج عن الأمة، فإن من طلق امرأته ثلاث مرات، بانت منه، وهو أمر بالغ الصعوبة عليه، وقد يترتب عليه مفاسد على الأولاد ...، ومع ذلك فلا يجرؤ أحد على القول بنسخ هذا الحكم أو إبطاله أو القول بخلافه طلبًا لرفع المشقة، فـ(ما علم حكمه من الكتاب أو السنة وما يلحق بذلك كإجماع الأمة ونحو ذلك فلا يجوز مخالفته استدلالاً بنصوص يسر الإسلام وبعده عن الحرج) (2) .
ومثل هذا يقال في كثير من الأحكام الذي يظهر لنا –بعلمنا القاصر- حصول المشقة والحرج فيها.
3- هذا، وإن مسألة الوقت الذي يبدأ فيه رمي الجمرات أيام التشريق عمومًا، ويوم النفر الأول خصوصًا، من المسائل الذي حصل بسببها مشقة عظيمة لا تخفى على أحد، فكان الاشتغال ببحثها من الاشتغال بما يهم المسلمين، ومن الاشتغال بما ينفع، سيما في هذه الأيام الذي حدثت فيها تلك المشقة العظيمة.
__________
(1) - سورة الحج آية 78.
(2) - تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ص 9 ط الحكومة ص 9، وص 73 من المجموع.(1/2)
فلذا أحببت أن أبحثها وأقلب النظر فيها، لعلها تكون من المسائل التي فيها سعة، فيسع أهل العلم عندئذ الفتوى بجواز -أو التسهيل في- رمي الجمرات أيام التشريق، أو على الأقل، يوم النفر الأول، قبل الزوال.
فأسأل الله أن أكون بهذا البحث قد شاركت المسلمين في ما يهمهم لا سيما في أمور دينهم، وأن يرزقني السداد والصواب في النية والقول، والعلم والعمل، إنه سميع مجيب.
الدراسات السابقة:
هذه المسألة قد بحثت من قبل، من خلال نوعين من الدراسات:-
1- فقد بحثت كمسألة من مسائل الحج، الذي تناولت مسائله المصنفات الفقهية المعروفة سواء كانت مصنفات مختصة بمذهب من المذاهب الفقهية، أو مصنفات عامة تقارن المذاهب الفقهية، أو مصنفات تعتمد أسلوب فقه الحديث.
فلا يخلو مصنف من المصنفات الفقهية الشاملة إلا وقد تعرض لهذه المسألة، فلا داعي لإطالة هذا البحث بذكر هذه المصنفات الفقهية.
2- وقد أفردت أبحاث أخرى مستقلة لدراسة هذه المسألة، أو لدراستها مع مسائل معدودة من مسائل المناسك، ومن أبرز هذه الدراسات المستقلة التي اطلعت عليها ما يلي:-
1- رسالة في عدم جواز الرمي قبل الزوال، نقلها حسين بن محمد سعيد عبدالغني الحنفي المكي صاحب الحاشية على منسك ملا علي القاري، ومنسك ملا على القاري بحاشية حسين الحنفي المكي مطبوع متداول.(1/3)
2- رسالة للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود (1) رحمه الله تعالى، باسم "يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام " وأخرى له تؤكد ما ذهب إليه في الرسالة الأولى طبعت باسم "أحكام منسك حج بيت الله الحرام".
3- رسالة للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (2) رحمه الله تعالى، في الرد على رسالة الشيخ عبدالله بن محمود السابقة، أسماها "تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك" طبعت في مطابع الحكومة بمكة سنة 1376 هـ ثمَّ نشرت مع مجموع فتاوى ورسائل الشيخ التي جمعها ابن قاسم، ج 6ص 67 ط الأولى 1399 هـ.
4- بحث الدكتور شرف الشريف بعنوان "رمي الجمرات" وما يتعلق به من أحكام دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي إعداد الدكتور شرف بن علي الشريف، طبعت في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1410هـ.
خطة البحث:
اعتمدت الخطة التالية في عرض هذه المسألة:
المقدمة: والتي اشتملت على ما يلي:
? أهمية الموضوع وأسباب اختياره
? الدارسات السابقة
? منهج البحث
? خطة البحث
الفصل الأول:
في ذكر مذاهب العلماء في حكم الرمي قبل الزوال أيام التشريق، وقد جعلته في مطلبين:
__________
(1) - الشيخ ابن محمود هو الشيخ عبداللّه بن زيد آل محمود رئيس محاكم قطر (1319-1417هـ) ولادته في حوطة بني تميم من نجد، اختير لقضاء قطر سنة1359هـ فكتب اللّه علي يديه تأسيس القضاء الشرعي في دولة قطر، وكان له عناية بكثير من الشؤون الإسلامية في ذلك البلد، ألف كثيرًا من الرسائل العلمية، وكانت له ثقافة واطلاع واسع مع اجتهادات فقهية قد يخالف فيها الجمهور.
(2) - هو الشيخ العلامة محمّد بن إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ المجدد محمّد بن عبدالوهاب، رحم اللّه الجميع (1311-1389هـ) مفتي المملكة العربية السعودية في وقته، قعد للتدريس والإفتاء قرابة نصف قرن من الزمان، حتى انتفع به خلائق لا يحصون، له رسائل وفتاوى قيمة جمعها ابن قاسم في 13 جزءًا.(1/4)
المطلب الأول: القائلون بعدم جواز الرمي قبل الزوال، أيام التشريق الثلاث.
المطلب الثاني: القائلون بجواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق كلها، أو يومي النفر.
الفصل الثاني:
في ذكر أدلة كل فريق، وقد جعلته في مطلبين:
المطلب الأول: ما استدل به القائلون بأن الرمي أيام التشريق كلها يبدأ من بعد الزوال.
المطلب الثاني: أدلة القائلين بجواز الرمي قبل الزوال.
الفصل الثالث:
في الترجيح بين الأقوال، أو بيان الصواب، ومناقشة الأدلة والحجج.
الفصل الرابع:
في الضرورة وتأثيرها على هذا الحكم، وما يتعلق بذلك.
ثم أتبعت هذا الفصل بمطلب حول بعض الأمور المتعلقة بهذه المسألة وتأثير الضرورة فيها
الخاتمة:
وقد تعرضت فيها لبعض الحلول والمقترحات لحل مشكلة الزحام حول الجمرات في اليوم الثالث من أيام التشريق قبل اللجوء إلى القول بجواز الرمي قبل الزوال.
ثم أتبعت ذلك بأهم نتائج البحث.
هذا وأسأل الله التوفيق والسداد وإخلاص النية فيما أقول.
الفصل الأول
في ذكر مذاهب العلماء في حكم الرمي قبل الزوال أيام التشريق:
المطلب الأول: القائلون بعدم جواز الرمي قبل الزوال، أيام التشريق الثلاث:
هم جمهور العلماء سلفا وخلفا، فهو المشهور من مذهب الحنفية - على ما سيأتي في تفصيل مذهبهم - وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وغيرهم من العلماء ممن سيأتي ذكرهم.
قال الترمذي :والعمل على هذا الحديث (1) عند أكثر أهل العلم أنه لا يرمى بعد يوم النحر إلا بعد الزوال (2) .
__________
(1) - أي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس، وسيأتي تخريجه، والكلام عليه. -
(2) - سنن الترمذي كتاب الحج، باب ما جاء في رمي يوم النحر ضحى (3/232 رقم 894 شاكر) - .(1/5)
وقال في المغني (ولا يرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال أعاد نصّ عليه، وروي ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن الحسن وعطاء ) (1) .
قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى شارحًا لقول صاحب العمدة ( مسألة: فيرمي بها الجمار بعد الزوال من أيامها ....) قال: في هذا الكلام فصول : أحدها أن الحاج يرمي الجمرات الثلاث أيام منى الثلاثة بعد الزوال، وهذا من العلم الذي تناقلته الأمة خلفا عن سلف عن نبيها صلى الله عليه وسلم ) (2) .
وسأقدم النقل عن مذهب المالكية والشافعية، على مذهب الحنفية والحنابلة، وذلك لورود رواية عن الإمام أحمد في جواز الرمي قبل الزوال وهذا في مذهب الحنابلة، أما تأخير ذكر مذهب الحنفية فلأنه الذي اشتهر عنه جواز الرمي قبل الزوال، فلا بد من تحقيق القول فيه والتوسع في ذكر أقوال أئمته.
أما مذهب المالكية:
__________
(1) - المغني ( 3/476 مع الشرح الكبير).
وعطاء هو بن يسار الهلالي أبو محمد المدني القاضي، من التابعين، مولى ميمونة، ثقة كثير الحديث، وكان من الفقهاء، مات سنة ثلاث أو أربع ومائة وقيل أربع وتسعين وقيل سنة سبع وتسعين عن أربع وثمانين. انظر سير النبلاء (4/448)،طبقات الحفاظ (1/41).
أما الحسن فهو البصري أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري كان من سادات التابعين وكبرائهم وجمع كل فن من علم وزهد وورع عبادة وأبوه مولى زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي وربما غابت في حاجة فيبكي فتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فدر عليه ثديها فشربه، البصرة مات في رجب سنة عشر ومائة. سير أعلام النبلاء (4/563)، وطبقات الحفاظ.
(2) - شرح العمدة في مناسك الحج والعمرة (2/558).(1/6)
فهو-كما تقدم - عدم جواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق مطلقا قولا واحدا (1) .
أما مذهب الشافعية:
فلا شك أن الذي نصت عليه كتبهم المعتبرة عدم جواز الرمي قبل الزوال وجها واحدا (2) ، لكن قد نُقِل عن الإسنوي (3) جواز الرمي في يوم النفر الأول قبل الزوال، قال في تحفة المحتاج ( وَجزْم الرافعي (4) بجوازه قبل الزوال كالإمام ضعيف, وإن اعتمده الإسنوي وزعم أنه المعروف مذهبا وعليه فينبغي جوازه من الفجر نظير ما مر في غسله ) (5) .
__________
(1) - انظر الخرشي على مختصر خليل 2/339، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/50
(2) - الأم للإمام الشافعي (2/180) ط الشعب، المجموع للنووي (8/234 و 282)، نهاية المحتاج على المنهاج للرملي (3/302)، مغني المحتاج (1/507)، فتح العزيز (7/397 المطبوع مع المجموع). وحاشية القليوبي وعميرة 2/121، وفتح الجواد 1/339 ط الحلبي الثانية 1391 .
(3) - نقل هذا صاحب إرشاد الساري إلى مناسك الملاّ علي القاري ص 161، وكذا نقله الشيخ ابن محمود "في رسالته يسر الإسلام"
والإسنوي هو عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم جمال الدين أبو محمد القرشي الشافعي نزيل القاهرة، مؤرخ مفسر فقيه، أصولي علم بالعربية والعروض، توفي بمصر في 772 هـ له مصنفات كثيرة منها : شرح أفية ابن مالك في النحر، الهداية ألة أوهام الكفاية السهيلي في فروع الفقه الشافعي، شرح أنوار التنزيل للبيضاوي، وطبقات الفقهاء، التمهيد في تنزيل الفروع على الأصول. معجم المؤلفين (5/203).
(4) - الرافعي هو عبدالكريم بن محمد بن عبدالكريم الرافعي القزويني الشافعي أبو القاسم فقيه أصولي محدث مفسر مؤرخ، له تصانيف كثيرة منها فتح العزيز على كتاب الوجيز للغزالي في عدة مجلدات انظر معجم المؤلفين (6/3) سير أعلام النبلاء (22/252) طبقات الشافعية (8/281).
(5) - تحفة المحتاج شرح المنهاج 4/138(1/7)
ورأي الاسنوي لا يعدو أن يكون رأيا خاصا به، وليس رواية أو رأيا في المذهب، سيما والمنصوص عن الشافعي إمام المذهب خلاف ذلك.
وأما المذهب الحنبلي:
فقال في المقنع: (ويرمي الجمرات بها أيام التشريق بعد الزوال) قال المرداوي في الإنصاف شارحا (هذا الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، ونص عليه (1) ... ثم قال:
قال الزركشي (2) : وشرط صحة الرمي في الجميع أن يكون بعد الزوال على المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين (3) .
مذهب الأحناف:
اشتهر أن مذهب الأحناف توسع في ابتداء وقت الرمي، لكن كتب ظاهر الرواية، والمختصرات التي اقتصرت على المشهور، نصت على خلاف هذا، فصرحت بأن الرمي قبل الزوال لا يصح (4) ولهذا فلا بد من تحقيق مذهبهم، فلننقل أولا نصوصا من كلام أشهر علمائهم ومحققيهم، لنخلص إلى حقيقة مذهبهم على التفصيل.
__________
(1) - وهي الرواية التي اقتصرت عليها كتب الرواية الواحدة أو المشهورة، انظر شرح المنتهى (2/66)، كشاف القناع (2/508)، حاشية الروض (4/177). -
(2) - الزركشي هو محمد بن عبدالله بن محمد الزركشي المصري (ت 772ه) فقيه حنبلي له مصنفات نفيسة من أهمها شرح على مختصر الخرقي في عدة مجلدات، يدل على تبحره في المذهب انظر مقدمة شرح الزركشي المطبع بتحقيق الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين، والسحب الوابلة على ضرائح الحنابلة ص 966.
(3) - شرح الزركشي 3/279. -
(4) - انظر اللباب شرح الكتاب (1/193)، والاختيار لتعليل المختار (1/154)، والهداية شرح البداية للمرغيناني، (3/499 مع فتح القدير ). -(1/8)
قال السرخسي (1) في المبسوط (وإن رماها في اليوم الثاني من أيام النحر قبل الزوال لم يجزه، لأن وقت الرمي في هذا اليوم من بعد الزوال، عرف بفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يجزئه قبله ... قال وكذلك في اليوم الثالث من أيام النحر وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى إن كان قصده أن يتعجل النفر، فلا بأس بأن يرمي في اليوم الثالث قبل الزوال، لأنه إن كان قصده التعجل فربما يلحقه بعض الحرج في تأخير الرمي إلى ما بعد الزوال بأن لا يصل إلى مكة إلا بالليل، فهو محتاج إلى أن يرمي قبل الزوال، ليصل إلى مكة بالنهار، فيرى موضع نزوله فيرخص له في ذلك، والأفضل ماهو العزيمة، وهو الرمي بعد الزوال وفي ظاهر الرواية يقول هذا نظير اليوم الثاني، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمي فيه بعد الزوال فلا يجزئه قبله ) (2)
ثم قال (قال وإن صبر إلى اليوم الرابع جاز له أن يرمي الجمار فيه قبل الزوال، استحسانا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعلى قولهما لا يجزئه بمنزله اليوم الثاني والثالث، لأنه يوم ترمى فيه الجمار الثلاث فلا يجوز الا بعد الزوال بخلاف يوم النحر ) (3) .
__________
(1) - السرخسي (ت 490هـ) محمد بن أحمد بن أبي بكر السرخسي شمس الأئمة متكلم فقيه حنفي، أصولي، مناظر من طبقة المجتهدين في المسائل له مصنف كبير في فقه الحنفية أسماه المبسوط انظر معجم المؤلفين 8/239. -
(2) - - المبسوط 4/68.
(3) - المبسوط (4/69)، وانظر كتاب المناسك من الأسرار لأبي زيد الدبوسي ص 422.(1/9)
قال الكاساني (1) في بدائع الصنائع : (وأما وقت الرمي من اليوم الأول والثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني والثالث من أيام الرمي فبعد الزوال، حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة أن الأفضل أن يرمي اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، فإن رمى قبله جاز، وجه هذه الرواية أن قبل الزوال وقت الرمي في يوم النحر، فكذا في اليوم الثاني والثالث إذ الكل أيام للنحر، وجه الرواية المشهورة ما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة يوم النحر ضحى ورمي في بقية الأيام بعد الزوال، وهذا باب لا يعرف بالقياس، بل بالتوقيف .
ثمَّ قال : وأما الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال، ولو رمي قبل الزوال يجوز في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف ومحمد لا يجوز (2) .
__________
(1) - الكاساني، (ت 587 هـ) أبو بكر بن مسعود بن أحمد بن الكاساني علاء الدين فقيه حنفي أصولي توفي بحلب من آثاره بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، مصنف بديع في الفقه الحنفي شرح فيه تحفة الفقهاء. انظر معجم المؤلفين، والإعلام للزركلي.
(2) - بدائع الصنائع (2/138) - ، وانظر كذلك الهداية شرح البداية للمرغيناني، وفتح القدير للكمال ابن الهمام (3/499)، وكنز الدقائق (2/374).(1/10)
قال العيني (1) شارح صحيح البخاري في كلامه على حديث جابر الذي أورده البخاري معلقًا ( أن الرمي في أيام التشريق محله بعد زوال الشمس، وهو كذلك وقد اتفق عليه الأئمة، وخالف أبو حنيفة في اليوم الثالث منها، فقال يجوز الرمي فيه قبل الزوال استحسانًا، وقال إنّ رمى في اليوم الأول والثاني أعاد، وفي الثالث يجزيه، ...). (2) .
قال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار (وإن قدم الرمي فيه أي في اليوم الرابع، على الزوال جاز، فإن وقت الرمي فيه من الفجر إلى الغروب، وأما في اليوم الثاني والثالث فمن الزوال لطلوع ذكاء (3) ) قال ابن عابدين في حاشيته معلقا على قول صاحب الدر المختار (فإن وقت الرمي فيه ) أي في اليوم الرابع، من الفجر لغروب شمسه، ولا يتبعه ما بعده من الليل، بخلاف ما قبله من الأيام، والمراد وقت جوازه في الجملة، فإن ما قبل الزوال وقت مكروه، وما بعده مسنون، وبغروب الشمس من هذا اليوم يفوت وقت القضاء اتفاقا ) وقال معلقا على قول صاحب الدر المختار (فمن الزوال لطلوع ذكاء) ... قال في اللباب: وقت رمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر، بعد الزوال، فلا يجوز قبله في المشهور، وقيل يجوز ...) (4) .
__________
(1) - العيني محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود الحنفي (762-855هـ) فقيه أصولي مفسر محدث مؤرخ، شرح الجامع الصحيح في عدة مجلدات، وله رمز الحقائق شرح كنز الدقائق. معجم المؤلفين (12/150) شذرات الذهب -
(2) - عمدة القاري للعيني (6/258)
(3) - في حاشية طبعة الحلبي لحاشية ابن عابدين (قول الشارح لطلوع ذكاء) قال العلامة السندي : أي فجر اليوم اللاحق، فكأنه قدر مضافا في الكلام أي طلوع فجر ذكاء اليوم اللاحق، وبهذا التقدير تستقيم عبارة الشارح ويكون المراد بها بيان وقت الأداء.
(4) - حاشية ابن عابدين 2/554، وانظر اللباب شرح الكتاب (1/193)، والاختيار لتعليل المختار (1/154).(1/11)
وقال الملاّ علي القاري (1) في منسكه (فصل في وقت الرمي في اليومين، أي المتوسطين:
وقت رمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر بعد الزوال فلا يجوز أي الرمي قبله أي قبل الزوال فيهما، في المشهور أي عند الجمهور كصاحب الهداية وقاضيخان والكافي والبدائع، وغيرها) (2) .
وبناء على ما تقدم، نخلص إلى أنّ مذهب الأحناف في ابتداء وقت الرمي أيام التشريق:
أنّ المشهور من المذهب، وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله -وخالفه الصاحبان، والذي رجحه محققوه كابن عابدين والكمال ابن الهمام وغيرهم - عدم جواز الرمي قبل الزوال مطلقا في أيام التشريق الأول والثاني.
وروي عن أبي حنيفة جواز الرمي قبل الزوال مطلقاً، أو في يوم النفر الأول، ومحققو المذهب على ردّ هذا الرأي كما تقدم.
أمّا يوم النفر الثاني -أي اليوم الرابع في اصطلاح الأحناف، واليوم الثالث في اصطلاح غيرهم - فهناك رأيان للأحناف، فرأي أبي حنيفة واختاره طائفة من علمائهم، أن وقت الرمي يبتديء من طلوع فجره، وأما الصاحبان واختارها طائفة كذلك، فيجعلانه كبقية الأيام.
__________
(1) - الملا علي القاري علي بن سلطان محمد الهروي القاري الحنفي (نور الدين) (ت 1014) عالم مشارك في أنواع من العلوم، رحل إلى مكة واستقر بها إلى أن توفي له تصانيف كثيرة منها مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح. انظر معجم المؤلفين (7-100) ، الأعلام للزركلي
(2) - منسك ملا علي القاري ص 161. -(1/12)
هذا وزيادة في تأكيد ما خلصت إليه أنه مذهب الأحناف، لا مانع من ذكر بعض النقول الأخرى الهامة، فقد كتب بعض متأخريهم (1) رسالة في عدم جواز الرمي قبل الزوال، نقلها حسين بن محمد سعيد عبدالغني الحنفي المكي صاحب الحاشية على منسك ملا علي القاري، وقد أكثر صاحب هذه الرسالة النقل عن كثير من علماء الأحناف ما يأيد هذه الخلاصة، حتى أنه قال بعد ذكر طائفة من أقوالهم (2) (فأفاد أن ما قيل من رواية جوازه قبل الزوال في اليومين المتوسطين، ومن رواية جوازه في خصوص ثالث النحر لمن أراد النفر فيه غير صحيحتين، وخلاف ظاهر الرواية وخلاف ما في المتون وخلاف الإجماع، فالعمل بواحدة من تلك الروايتين أو بهما غير جائز، ... ثم قال (والذي يدعي العلم والاجتهاد يرمي قبل الزوال بمجرد تسويل الشيطان لا بسند وإسناد، وهو النفس الغالبة العناد، فإذا لم يصح العمل بالقول المرجوح فكيف يعمل بالقول الغير الصحيح والإفتاء والعمل به أقبح كل قبيح، وضلال وإضلال جهّال عن طريق الحق الصحيح الصريح، وقد تقرر في كتبنا أنه لا يعدل عن ظاهر الرواية إلا إذا صحح خلافه كتاب مشهور، تلقته الفحول بالقبول كالهداية والكافي، وفيما نحن فيه صحح نفس ما في ظاهر الرواية لا خلافه على ما عرفت، وهو أيضا مما اتفق عليه أصحابنا والأئمة الآخرون، وفي الدر المختار رسم المفتي أنّ ما اتفق عليه أصحابنا في الروايات الظاهرة يفتى به قطعا اهـ، سيما أن ظاهر الرواية دليله ظاهر ...
__________
(1) - واسمه دامالا أخون جان، . ولم أعثر له على ترجمة، وقد أرخ كتابته لهذه الرسالة بتاريخ 1314هـ.
(2) - قال صاحب الحاشية بعد أن أثبت هذه الرسالة بتمامها في حاشيته (هذا نص الرسالة بحروفها على ما فيها من كلمات ليست على الأسلوب العربي الفصيح).(1/13)
) وقال أيضا بعد ذكر أثر ابن عمر كنا نتحين،(وحينئذ خلافه يشبه خلاف الإجماع فما يفعله كثير من الناس من الرمي قبل الزوال فهو خطأ موجب للدم ومحل للإنكار والذم لكونه مخالفا لصحيح الرواية ولظاهر الرواية وللمتون والإجماع ).
ثم قال كلاما جيدا ينبغي أن يتنبه له الذين ينقلون أقوال المذاهب لا سيما أقوال متأخريهم (ولا يسوغ الاغترار - سيما للعلماء- بكل ما يوجد في كتاب غير ملتفت إلى ما هو الصحيح والصواب والمعتمد في الكتب المشهورة المعتد بها، ولعل الذي نقل القول الضعيف أو الغير الصحيح إنما نقله للاحتراز عنه، لا ليأخذه كل من سمعه، وإن لم يكن قصده ذلك كان اللائق ترك ذكره لئلا يغتر به الجهال ..) (1) .
وأما ما اشتهر من أن مذهب الأحناف جواز الرمي قبل الزوال في يوم النفر الأول فهو خطأ من وجوه:
الأول: أن ظاهر الرواية عن الإمام أبي حنيفة، وكذا المشهور المعتمد من المذهب، خلاف هذا، حتى وإن روى الحسن عنه جواز الرمي قبل الزوال (2) .
ثانيا: أن يوم النفر الثاني هو الذي وردت فيه روايتان مشهورتان في ابتداء وقت الرمي فيه.
__________
(1) - إرشاد الساري ص 158-159 .
(2) - كما تقدم النقل عن المبسوط(1/14)
ثالثا: لما كان الرمي يوم النفر الأول قبل الزوال خلاف ظاهر الرواية، كما نص على ذلك السرخسي في المبسوط، لم يرتض هذا الرأي كثير من علماء الأحناف، بل ربما أنكر بعضهم أن يكون رأيا لأبي حنيفة، حتى أن صاحب الرسالة التي أوردها صاحب إرشاد الساري إلى مناسك الملاّ علي القاري (1) قال بعد أن نقل كلام العيني المتقدم (فأفاد أن رواية تجويز الإمام الرمي قبل الزوال إنما هو في اليوم الثالث من أيام التشريق فقط) (2) ، والمشهور والذي رأيته منصوصاً عليه في أغلب كتبهم، أنه خص هذا الجواز بيوم النفر الثاني (3) .
المطلب الثاني: القائلون بجواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق كلها، أو يومي النفر:
__________
(1) - والتي تقدمت الإشارة لها قبل قليل.
(2) - إرشاد الساري إلى مناسك الملا علي القاري ص 158.
(3) - في منسك ابن جماعة 2/1211 ط العتر (وجزم المرغيناني بجواز الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال لمن أراد النفر فيه، وحكى الإسبيجابي وغيره ذلك رواية عن أبي حنيفة) وكذا نسبه للمرغيناني الملا علي القاري في منسكه حيث قال (وفي المسألة رواية أخرى هي بينهما جامعة لكنها مختصة باليوم الثاني من أيام التشريق لما في المرغيناني :وأما اليوم الثاني من أيام التشريق فهو كاليوم الأول من أيام التشريق، لكن لو أراد أن ينفر في هذا اليوم له أن يرمي قبل الزوال، وإن رمى بعده فهو أفضل، وإنما لا يجوز قبل الزوال لمن لا يريد النفر، كذا روى الحسن عن أبي حنيفة) لكني رجعت إلى الهداية المطبوع مع فتح القدير لابن الهمام، فوجدت كلام المرغيناني صريحا في كون هذا الجواز المروي، خاصا بيوم النفر الثاني، لا الأول، وهذه عبارته (وإن أراد أن يقيم رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع بعد زوال الشمس .... وإن قدم الرمي في هذا اليوم أي الرابع قبل الزوال بعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة رحمه الله)، وانظر مبحث "القائلون بالمنع".(1/15)
روي القول بجواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق عن عطاء وطاووس (1) وإسحق (2) وعكرمة (3) رحمهم الله تعالى، على اختلاف بينهم في الوقت الذي ينفر فيه (4) .
وهو رواية عن الإمام أحمد، وبها قال بعض الحنابلة.
قال في الإنصاف: (قال في الواضح : ويجوز الرمي بطلوع الشمس إلا ثالث يوم، وأطلق في منسكه أيضا، أن له الرمي من أول يوم، وأنه يرمي في اليوم الثالث، كاليومين قبله، ثمَّ ينفر.
وعنه يجوز رمي متعجل قبل الزوال، وينفر بعده.
ونقل ابن منصور : إن رمى عند طلوعها متعجل ثمَّ نفر، كأنه لم ير عليه دما، وجزم به الزركشي) (5) .
__________
(1) - كما في فتح الباري 3/678، ونيل الأوطار 5/95، لكن اختلف النقل عن عطاء، فهذا الموفق ينقل عنه في المغني أنه يوافق مذهب الجمهور، المغني ( 3/476 مع الشرح الكبير).
وطاووس هو بن كيسان أبو عبدالرحمن اليماني من التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، سمع أم المؤمنين عائشة، وأبا هريرة، وابن عباس، وكان من الفقهاء توفي سنة 106 هـ انظر تذكرة الحفاظ للذهبي (1/90).
(2) - المغني ( 3/476 مع الشرح الكبير). لكن ابن حجر في فتح الباري نسب إليه القول بجواز الرمي قبل الزوال يوم النفر الثاني، ونقل عنه النص على أنه لو رمى في اليومين قبله قبل الزوال أعاد!
وإسحق هو بن إبراهيم بن راهوية أبو يعقوب التميمي (166-238هـ) أخرج له البخاري ومسلم وكان من أوعية العلم ومن المحدثين والفقهاء انظر تذكرة الحفاظ للذهبي (2/434).
(3) - المغني ( 3/476 مع الشرح الكبير).
(4) - المغني ( 3/476 مع الشرح الكبير).
(5) - الإنصاف 4/45، وانظر الفروع 3/518.(1/16)
قال الزركشي :(والرواية الثانية إن رمى في اليوم الآخر قبل الزوال أجزأه ولا ينفر بعد الزوال، والثالثة كالثانية إلا أنه إن نفر قبل الزوال لا شي عليه، قال في رواية ابن منصور : إذا رمى عند طلوع الشمس في النفر الأول ثمَّ نفر، كأنه لم ير عليه دما (1) .
قال في الفروع (2) :(وجوز ابن الجوزي الرمي قبل الزوال) (3) .
وتقدم أن جوازه مطلقا في جميع الأيام رواية مخالفة للرواية المشهورة عن الإمام أبي حنيفة، قال الملا علي القاري (وقيل يجوز الرمي فيهما قبل الزوال، ما روي عن أبي حنيفة أنّ الأفضل أن يرمي فيهما بعد الزوال، فأن رمي قبله جاز، فحمل المروي من فعله صلى الله عليه وسلم على اختيار الأفضل كما ذكره صاحب المنتقى والكافي والبدائع وغيرها، وهو خلاف ظاهر الرواية) .
__________
(1) - شرح الزركشي 3/279، وانظر المغني ( 3/476 مع الشرح الكبير).
(2) - الفروع كتاب في الفقه الحنبلي مجرد عن الدليل مؤلفه هو شمس الدين بو عبدالله محمد بن عبدالله بن مفلح الحنبلي فقيه حنبلي، أصولي، له مصنفات كثيرة، منها هذا، ومنها الآداب الشرعية، توفى سنة 763 هـ.
(3) - ونقله كذلك في الإنصاف 4/45(1/17)
أما جوازه في يوم النفر الأول لمن أراد أن ينفر، فقد نسبه ابن حجر لإسحق، وتقدم أنه نسب إلى الحنفية، وقد تقدم أنه اضطرب النقل عنهم بخصوصه، قال حسين المكي الحنفي (1) في إرشاد الساري حاشية منسك علي القاري (وهناك قول مخصوص بيوم النفر اختاره صاحب الظهيرة (2) ، وعبارته وأما الثاني من أيام التشريق فهو كاليوم الأول من أيام التشريق، ولو أراد أن ينفر في هذا اليوم له أن يرمي قبل الزوال، وإنما لا يجوز قبل الزوال لمن لا يريد النفر، واختار هذا القول كثير من المشايخ في باب النفر الأول، فقالوا إن وقت جواز النفر الأول بطلوع الفجر، منه، قال في البحر العميق وهذا إنما يتأتى على رواية الحسن فهو اختيار منهم لقول الحسن فهو قول مختار يعمل به لا ريب وعليه عمل الناس وبه جزم بعض الشافعية حتى زعم الإسنوي أنه المذهب اهـ (3) .
وتقدم أيضًا أنّ جوازه في يوم النفر الثاني، أي اليوم الثالث عشر، هو رواية في مذهب الأحناف، ومحققوهم على خلافها
ومن المعاصرين ذهب إلى القول بجواز الرمي قبل الزوال الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود (4)
__________
(1) - لم أجد له ترجمة.
(2) - كذا بالأصل، ولم أعرف الكتاب.
(3) - إرشاد الساري ص 161.
(4) - هذا وقد كتب الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى رسالة جامعة ماتعة في الرد على ابن محمود، أسماها "تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك" طبعت في مطابع الحكومة بمكة سنة 1376 هـ ثمَّ نشرت مع مجموع فتاوى ورسائل الشيخ التي جمعها ابن قاسم، ج 6ص 67 ط الأولى 1399 هـ.
والشيخ ابن محمود هو الشيخ عبداللّه بن زيد آل محمود رئيس محاكم قطر (1319-1417هـ) ولادته في حوطة بني تميم من نجد، طلب العلم بجد واجتهاد منذ صغره على مشايخ نجد، ثمَّ اختير لقضاء قطر سنة1359هـ فكتب اللّه علي يديه تأسيس القضاء الشرعي في دولة قطر، وكان له عناية بكثير من الشؤون الإسلامية في ذلك البلد، ألف كثيرًا من الرسائل العلمية، وكانت له ثقافة واطلاع واسع مع اجتهادات فقهية قد يخالف فيها الجمهور.(1/18)
رئيس محاكم قطر، وقد ذكر قوله هذا في رسالته "يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام " ثمَّ لمّا ناقشه فيها علماء الرياض، لم يرجع عن قوله بل أعقبه برسالة أخرى أكد فيها ما ذهب إليه أولا، وطبعت هذه الرسالة الأخيرة باسم "أحكام منسك حج بيت الله الحرام" (1) .
__________
(1) - من العجائب، والعجائب في هذا الزمان جمّه سيما في عالم العلم والفكر، من طباعة وكتابة وتأليف، أن الشيخ أحمد بن محمد المنقور الحنبلي كتب منسكا ذكر فيه القول بعدم جواز الرمي قبل الزوال كما هو المذهب، وطبع هذا الكتاب زهير الشاويش في المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى (لعلها سنة 1379 هـ حيث لم ينص على تاريخ الطبع وهذا التاريخ تاريخ مقدمة الناشر) ، وعلق على هذا الموضع بقوله: وبخط ابن مانع ما يلي: قوله بعد الزوال، هذا هو الحق والصواب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرات الثلاث بعد الزوال، فلا يجوز الرمي قبله، كما لا يجوز الدفع من عرفة قبل الغروب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدفع من عرفة إلى مزدلفة إلا بعد غروب الشمس، فمن أفتى بخلاف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أخطأ وخالف أمر الله ورسوله اهـ، والظاهر أنه يقصد بمن أفتى بالجواز الشيخ عبدالله آل محمود، وذلك لعدة أسباب لتخفى..ثمَّ طبع الكتاب مرة أخرى في المكتب الإسلامي عام 1394 هـ، وعلق زهير الشاويش على نفس الموضع بقوله، بخط ابن مانع مايلي، وذكر كلام ابن مانع المتقدم إلى قوله فلا يجوز الرمي قبله، ثمَّ استبدل الباقي بقوله: غير أن الحرج الذي يعانيه الناس الآن لكثرة الحجاج جعلهم يرمون في غير هذا الوقت، وانظر رسالة (يسر الإسلام للشيخ عبدالله بن زيد المحمود ) فإنها جامعة اهـ مافي الحاشية هكذا بالحرف الواحد، ولم يشر إلى مصدر هذا الكلام الأخير، بل لم يشر إلى انتهاء كلام ابن مانع وأن الكلام الثاني ليس كلام ابن مانع، هذا فضلا عن أنه لم يذكر جميع كلام ابن مانع، ومن يقرأ الحاشية التي في الطبعة الثانية، يظن أن الشيخ ابن مانع يجيز الرمي قبل الزوال لضرورة الزحام، وأن الشيخ ابن مانع يحيل على رسالة ابن محمود، هذا يظنه من يقرأ هذا الكلام دون أن يطلع على الحاشية نفسها في الطبعة السابقة، -ومن الذي سيفعل هذا- أو من لم يعرف الشيخ ابن مانع وأنه ضد الشيخ ابن محمود في كثير من آرائه جملة وتفصيلا، بل قوله ومن أفتى بخلاف ذلك فقد خالف أمر الله ورسوله، تعريض بالشيخ ابن محمود، وعلى كل حال رحم الله الأموات، وغفر الله للإحياء، ورزقنا جميعا الصواب والسداد.(1/19)
الفصل الثاني:
في ذكر أدلة كل فريق.
المطلب الأول: ما استدل به القائلون بأن الرمي أيام التشريق كلها يبدأ من بعد الزوال:
استدل القائلون بأن الرمي أيام التشريق كلها يبدأ من بعد الزوال، بعدة أحاديث وآثار:
1- حديث جابر بن عبد الله الأنصاري في صحيح مسلم، عن جابر قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس (1) .
2- عن ابن عباس رضي الله عنه قال رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمار حين زالت الشمس (2) .
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر يومه حين صلى الظهر ثمَّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس (3) .
4- عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر (4) .
__________
(1) - صحيح مسلم كتاب الحج، باب بيان وقت استحباب الرمي (9/47 نووي)،وأخرجه البخاري تعليقا، كتاب الحج باب رمي الجمار، (3/677الفتح)، والترمذي في الحج باب ما جاء في رمي يوم النحر ضحى (3/232 رقم 894 شاكر)، قال الترمذي وهو حديث حسن صحيح، وأبو داود في الحج باب في رمي الجمار 2/496 رقم 1971 دعاس)، وابن ماجه في المناسك باب رمي الجمار أيام التشريق (ص 1014 رقم 3053 فؤاد عبد الباقي)، والإمام أحمد).
(2) - أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/248، والترمذي في السنن أبواب الحج باب ما جاء في الرمي بعد زوال الشمس (3/234، رقم 898 ط شاكر)، وحسنه، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند حديث رقم 2231.
(3) - رواه الإمام أحمد في المسند 6/90، وأبو داود في الحج باب في رمي الجمار (2/496 رقم 1973 دعاس) وفي سنده محمد بن اسحق صاحب المغازي وهو مدلس وقد عنعن، وهذا على رأي من يرى عدم توثيق ابن اسحق.
(4) - ابن ماجه في المناسك، باب رمي الجمار أيام التشريق ( ص 1014 رقم 3054 طبعة فؤاد عبد الباقي).
- - قلت: في سنده جبارة بن المغلِّس شيخ ابن ماجه: ضعيف كما في التقريب، ثمَّ إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة، أبو شيبة شيخ جبارة متروك كما في التقريب أيضا.(1/20)
5- أثر ابن عمر: عن وبرة قال سألت ابن عمر رضي الله عنهما متى أرمي الجمار، قال إذا رمى إمامك فارمه، فأعدت عليه المسألة، قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا (1) . قال ابن حجر: فهذا إخبار من ابن عمر عما كانوا يفعلونه زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) .
__________
(1) - رواه البخاري كتاب الحج باب رمي الجمار (3/677)، وأبو داود في الحج باب في رمي الجمار 2/496 رقم 1972 ط دعاس )
(2) - كما قال الحافظ في الفتح (فتح الباري 3/678)(1/21)
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ظاهر كل الظهور، فمسألة رمي الجمرات مسألة تعبدية، لا طريق لمعرفتها إلا بالنص، وهذا فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدل دلالة ظاهرة - أو قطعية - على أنه حدد ابتداء وقت الرمي بفعله، حيث قال غير مرة (لتأخذوا عني مناسككم) يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في شرح العمدة والفعل إذا خرج مخرج الإمتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم) ) اهـ ، ولذا قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1) (ورميه صلى الله عليه وسلم الجمرات أيام التشريق يدل على الوجوب، لأنه فعله صلى الله عليه وسلم مشرعا لأمته على وجه الامتثال والتفسير، فكان حكمه حكم الأمر (2) .
وهذا يقال لو رمى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الزوال مرة واحدة، فكيف وقد التزم بالرمي بعد الزوال جميع الأيام، فهذا دليل على أن ابتداء وقت الرمي ليس موسعا، بل هو محدد تحديدا دقيقا لا مناص من الإلتزام به، وهذا هو حقيقة الوجوب.
__________
(1) - هو الشيخ العلامة محمّد بن إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ المجدد محمّد بن عبدالوهاب، رحم اللّه الجميع (1311-1389هـ) مفتي المملكة العربية السعودية في وقته، قعد للتدريس والإفتاء قرابة نصف قرن من الزمان، حتى انتفع به خلائق لا يحصون، له رسائل وفتاوى قيمة جمعها ابن قاسم في 13 جزءًا.
(2) - تحذير الناسك ص 18، والظاهر أن هذا رأي أكثر الأصوليين، انظر المستصفى للغزالي 2/222، البحر المحيط للزركشي 4/486، شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي 2/168، المحصول للرازي 3/381، أضواء البيان 5/203،204، أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام د. العروسي عبدالقادر.(1/22)
ولو خالف أحد في هذا الإستدلال، فإننا نقول إنّ هذا الفعل –كما يقول الشيخ ابن عثيمين – (دلّت القرينه على أنه للوجوب، ووجه ذلك أن كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤخر الرمي حتى تزول الشمس يدل على الوجوب إذ لو كان قبل الزوال جائزا لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، لأنه أيسر على العباد وأسهل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فكونه لم يختر الأيسر هنا وهو الرمي قبل الزوال يدل على أنه إثم، والوجه الثاني مما يدل على أن هذا الفعل للوجوب، كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرمي فور زوال الشمس قبل أن يصلى الظهر فكأنه يترقب الزوال بفارغ الصبر ليبادر بالرمي، ولهذا أخر صلاة الظهر مع أن الأفضل تقديمها في أول الوقت، كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال (1) )
أضف إلى ما قاله الشيخ : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه سيقف وقوفا طويلا للدعاء بعد الجمرة الأولى، وكذلك الثانية، وقد ورد عن ابن عمر أنه كان يقف مقدار ما يقرأ سورة البقرة، ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف، ومعلوم أن هذا وقت ظهيرة، والشمس أشد ما تكون حرارة، ومع ذلك فقد أخر الرسول صلى الله عليه وسلم الرمي الذي يتلوه ذلك الدعاء الطويل واقفا، إلى هذا الوقت الذي تشتد فيه الحرارة، فلو لم يكن هذا التأخير واجبا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو لفعله بنفسه ورفق بأمته فرخص لهم في الرمي قبل الزوال حتى يتمكنوا من الوقوف للدعاء الطويل بيسر وسهولة.
__________
(1) - انظر قول ابن القيم الذي تقدم، حول هل رمى النبي صلى الله عليه ولم قبل صلاة الظهر أم بعدها، وكلام الشيخ ابن عثيمين هذا موجود في فتاوى اسلامية، جمع محمد بن عبدالعزيز المسند (2/281).(1/23)
6- عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يقول لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس (1) .
7- عن عمر رضي الله عنه أنه قال لا ترمى الجمرة حتى يميل النهار (2) .
ووجه الدلالة ظاهر، ويمكن أن يقال إن هذا لا يمكن أن يقوله هذان الصحابيان الجليلان من عند أنفسهما، فهو مما لا مجال للرأي فيه، فحكمه حكم المرفوع (3) .
فائدة: (هل كان رميه صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة، أم بعدها ) : قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (ولم يزل في نفسي هل كان يرمي قبل صلاة الظهر، أو بعدها، والذي يغلب على الظن أنه كان يرمي قبل الصلاة، ثمَّ يرجع فيصلي، لأن جابرا وغيره قالو كان يرمي إذا زالت الشمس، فعقبوا زوال الشمس برميه، وأيضا فإن وقت الزوال للرمي أيام منى كطلوع الشمس لرمي يوم النحر، والنبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر لما دخل وقت الرمي لم يقد عليه شيئا من عبادات ذلك اليوم، وأيضا فإن الترمذي وابن ماجه رويا في سننهما عن ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمي الجمار إذا زالت الشمس، زاد ابن ماجه: قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر، وقال الترمذي حديث حسن، ولكن في اسناد حديث الترمذي الحجاج بن أرطأة، وفي إسناد حديث ابن ماجه إبراهيم بن عثمان بن شيبة، ولا يحتج به، وليس في الباب غير هذا . أهـ
المطلب الثاني: أدلة القائلين بجواز الرمي قبل الزوال:
استدل القائلون بجواز الرمي قبل الزوال بدليل نقلي، وأدلة عقلية :
فأما الدليل النقلي:
__________
(1) - أخرجه مالك في الموطأ كتاب الحج، باب رمي الجمار (1/408 ح رقم 217 عبد الباقي ) والبيهقي في السنن 5/149.
(2) - أخرجه البيهقي في السنن 5/149 .
(3) - وقد ذهب إلى هذا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رده على الشيخ ابن محمود.(1/24)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( إذا انتفخ (1) النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي) أخرجه البيهقي في السنن (5/152)، وقال فيه طلحة بن عمرو المكي، ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر في التقريب : طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي متروك من السابعة مات سنة اثنتين وخمسين، يعني ومائة.
هذا، ولم أقف على دليل نقلي غير هذا في الدلالة على جواز الرمي قبل الزوال.
أما أدلتهم العقلية فيمكن إجمالها بما يلي:
أ ـ أدلة جواز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق كلها دون التفريق بين يومي النفر والتي قبلها:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد بقوله ابتداء وقت الرمي، وغاية ما في الأمر أنه لم يرم قبل الزوال، فما قبل الزوال في حكم المسكوت عنه، والمسكوت عنه معفو عنه.
أن قبل الزوال وقت للرمي في يوم النحر، فكذا في اليوم الثاني والثالث إذ الكل أيام النحر.
أن الرمي قبل الزوال لو كان منهيا عنه لجاء في نهي كما جاء نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس والضعفة الذين معه عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع فجر العيد.
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رمى يوم النحر ضحى، ثمَّ نحر، ثمَّ حلق، ثمَّ طاف، لكنه ما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج، فدل على أن تقديم الرمي في أيام التشريق على الزوال لا بأس به فالكل سواء.
ب- أما حجة القول بجواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث من أيام التشريق (2) فيمكن إجمالها فيما يلي:
__________
(1) - الانفتاخ الارتفاع، والمراد هنا ارتفاع الشمس.
(2) - مع ملاحظة أنه ليس صلب مسألتنا، فأصل البحث يدور على التوسيع في الرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر، من أجل تخفيف الزحام، ومساعدة الناس على النفر قبل غروب الشمس، وإلا فاليوم الثالث عشر ليس فيه زحام وليس فيه إشكال.(1/25)
حديث ابن عباس المتقدم (إذا انفتح النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي)، قالوا : والظاهر أنه قاله سماعا، من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إذ هو باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد، فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث جابر رضي الله عنه بهذا الحديث
أن يحمل فعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الأخير على الاستحباب، وذلك لأن له أن ينفر قبل الرمي ويترك الرمي في هذا اليوم رأسا، فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى.
الفصل الثالث:
المناقشة والترجيح
قبل استعراض أجوبة المانعين للرمي قبل الزوال لحجج المجيزين، نقول جوبا عاما على جميع حججهم:
إنّ من الملاحظ أن هذه الحجج كلها (عدا أثر ابن عباس) عقلية استنباطية في مسألة تعبدية، والأصل في مسائل التعبد أن نلتزم فيها بالنص وبما ورد، ولهذا نجد الكاساني الحنفي يحتج لصاحبي أبي حنيفة (أبي يوسف، ومحمد ) في المنع من الرمي قبل الزوال بقوله (وجه الرواية المشهورة ما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة يوم النحر ضحى ورمي في بقية الأيام بعد الزوال، وهذا باب لا يعرف بالقياس، بل بالتوقيف)، وهذا كاف في دفع رأي لم يوجد ما يعارضه، فما بالك برأي وردت الأدلة الصحيحة العديدة بخلافه، كما هو الحال في مسألتنا هذه.
هذا جواب عام، أما الإجابة المفصلة على كل حجة من الحجج المتقدمة فكما يلي:
1- أما الجواب عن القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد بقوله ابتداء وقت الرمي، وغاية ما في الأمر أنه لم يرم قبل الزوال، فما قبل الزوال في حكم المسكوت عنه، والمسكوت عنه معفو عنه.
فجواب هذا يتضح مما تقدم في حجة الفريق الأول، وخلاصته أن فعله - صلى الله عليه وسلم - هذا محمول على الوجوب لما تقدم من أوجه، وهذا يدل على أن ابتداء وقت الرمي محدد تحديدا فلا يصح قبله.(1/26)
2- ويجاب عن القول بأن قبل الزوال وقت للرمي في اليوم العاشر، فكذا في ما بعده من أيام، إذ الكل أيام نحر، بأن هذا قياس في أمر تعبدي، وقد تقدم مرارا عن الأحناف أنفسهم وعن غيرهم أن مثل هذا لا يعرف بالقياس، وإنما بالنص والتوقيف.
ثمَّ ليعلم أن هناك فوارق بين الرمي في يوم النحر، والرمي في أيام التشريق بعده، فيوم النحر ترمى فيه جمرة واحدة بخلاف أيام التشريق فترمي فيه ثلاث الجمرات، فمن أراد أن يسوي بينهما فليرم جمرة واحدة أيام التشريق.
ثمَّ إن التوقيت مختلف أيضا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يتحين وقتا معينا لرمي جمرة العقبة، بل كان نافرا من مزدلفة قبل طلوع الشمس، ثمَّ وصل منى بعد طلوع الشمس ضحى، فأول ما بدأ به هو الرمي، ولذا اختلف العلماء في أول وقت رمي جمرة العقبة، وليس في رميه ذلك قرينة تدل على أنه قصد ذلك الوقت بعينه، أما الرمي أيام التشريق، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشتغل بمنسك من مناسك الحج قبل الزوال، وهذا دليل واضح أنه قصد تحديد ابتداء الرمي بالزوال أو ما بعده.
وعليه، فلا يصح لأحد أن يقيس رمي يوم النحر على رمي أيام التشريق بحال.
3 - وأما قولهم أن الرمي قبل الزوال لو كان منهيا عنه لجاء في نهي كما جاء نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس والضعفة الذين معه عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع فجر العيد .(1/27)
فقد أجاب الشيخ محمد بن إبراهيم عن هذه الحجة بقوله (إنما جاء ذلك في حق ابن عباس وإغيلمته لعدم إمكان أخذهم مناسكههم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمي جمرة العقبة يوم النحر لعدم حضورهم معه صلى الله عليه وسلم ذلك الحين الذي يصلون فيه إلى جمرة العقبة فكانوا محتاجين لتوقيت رمي الجمرة لهم بالبيان القولي منه صلى الله عليه وسلم بخلاف من لم يدفع إلا معه صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وهكذا هم معه صلى الله عليه وسلم في بقية أعمال الحج، التي تعمل يوم النحر وبعده من رمي الجمرات أيام التشريق بعد الزوال) (1) .
4- وأما قولهم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رمى يوم النحر ضحى، ثمَّ نحر، ثمَّ حلق، ثمَّ طاف، لكنه ما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج، فدل على أن تقديم الرمي في أيام التشريق على الزوال لا بأس به فالكل سواء.
فيقال هذه حجة واهية، إذ تقدم مرارا أن الأصل في العبادات التوقيف، ولولا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أذن للناس بالتقديم والتأخير لكان القول بوجوب ذلك الترتيب متوجها، ثمَّ إنه لا يمكن أن نقيس رمي أيام التشريق على رمي جمرة العقبة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الذي ورد فيه التسامح في التقديم والتأخير هو أفعال ذلك اليوم، والتسامح إنما كان في ترتيبها، أما رمي أيام التشريق فهو فعل واحد، فعلام يقدم أو يؤخر، ثمَّ إن القرائن والأدلة التي تقدمت تدل على أن هذا المنسك موقت بوقت معين، فلا بد من الإلتزام به.
ويجاب عن القول بجواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث عشر بما يلي:
1- أما أثر ابن عباس فقد علمت ضعفه، فلا تقوم به حجة.
__________
(1) - تحذير الناسك ص 25، 88 .(1/28)
2- أما كون فعله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم محمول على الاستحباب فهذا غير صحيح، وقد أجاب الكاساني الحنفي عن هذه الحجة بقوله (وأما الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال، ولو رمي قبل الزوال يجوز في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد لا يجوز احتجاجا بما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر ضحى ورمي في بقية الأيام بعد الزوال، وأوقات المناسك لا تعرف قياسا، فدل أن وقته بعد الزوال، ولأن هذا يوم من أيام الرمي فكان وقت الرمي فيه بعد الزوال كاليوم الثاني، والثالث، من أيام التشريق ).
ونزيد الأمر إيضاحًا بنقل بعض أقوال العلماء المعاصرين، لاسيما علماء بلاد الحرمين، الذين يشاهدون الزحام وهم أقرب إلى أمور الحج ومسائله من غيرهم .
قال الشنقيطي في أضواء البيان ( اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق، إلا بعد الزوال، لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ أورد حديث جابر في صحيح مسلم، [ثمَّ أورد حديث ابن عمر عند البخاري، كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا]، ثمَّ قال : وقال ابن حجر في فتح الباري في قول ابن عمر كنا نتحين ... الحديث، فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو دليل على أن الحافظ ابن حجر يرى قول ابن عمر كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا، له حكم الرفع، وحديث جابر الصحيح المذكور قبله صريح في الرفع .(1/29)
ثمَّ أورد أحاديث أخر ثمَّ قال : وبهذه النصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلم أن قول عطاء وطاووس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال، وترخيص أي حنيفة في الرمي قبل يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحق أن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه، كل ذلك خلاف التحقيق، لأنه مخالف لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه المعتضد بقوله (لتأخذوا عني مناسككم ) ولذلك خالف أبا حنيفة صاحباه محمد وأبو يوسف، ولم ير في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له البتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى (1) .
فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
وجه السؤال التالي إلى فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين: حاج من خارج المملكة لا يعلم عن ظروف السفر وترتيبات التذاكر والطائرات، وسأل في بلده هل يمكنه الحجز الساعة الرابعة عصرا، (13/12/1405 هـ) وقيل يمكن ذلك فحجز على هذا الموعد، ثمَّ أدركه المبيت ليلة ثلاث عشر، اثني عشر، فهل يجوز له أن يرمي صباحا ثمَّ ينفر علما أنه لو تأخر بعد الزوال فات السفر وترتب عليه مشقة كبيرة، ومخالفة لولي الأمر ؟
__________
(1) - انظر منسك الشنقيطي جمع الطيار والحجيلان 2/87 ـ89.(1/30)
أجاب الشيخ بما يلي: لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال، ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحالة للضرورة ونقوله له يلزمك فدية تذبحها في منى أو في مكة، أو توكل من يذبحها عنك وتوزع على الفقراء وتطوف طواف الوداع وتمشي، ونقول: أما قولك إذا كان الجواب بعدم الجواز، أليس هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال (1) ؟
__________
(1) - هذا الجزء من السؤال لم يرد في نص الاستفتاء الموجود في المصدر الذي نقلنا منه السؤال والجواب..(1/31)
الجواب : هناك رأي يجيز الرمي قبل الزوال، ولكنه ليس بصحيح، والصواب أن الرمي قبل الزوال لا يجوز، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (خذوا عني مناسككم) ولم يرم - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد الزوال، فإن قال قائل رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الزوال مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، إما كونه مجرد فعل، فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بأن يكون الرمي بعد الزوال، ولا نهى عن الرمي قبل الزوال، وأما كون الفعل لا يدل على الوجوب، فنعم، لا يدل على الوجوب لأن الوجوب لا يكون إلا بأمر بالفعل أو نهي عن الترك، ولكن نقول هذا الفعل دلت القرينه على أنه للوجوب، ووجه ذلك أن كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤخر الرمي حتى تزول الشمس يدل على الوجوب إذ لو كان قبل الزوال جائزا لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، لأنه أيسر على العباد وأسهل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فكونه لم يختر الأيسر هنا وهو الرمي قبل الزوال يدل على أنه إثم، والوجه الثاني مما يدل على أن هذا الفعل للوجوب كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرمي فور زوال الشمس قبل أن يصلى الظهر فكأنه يترقب الزوال بفارغ الصبر ليبادر بالرمي، ولهذا أخر صلاة الظهر مع أن الأفضل تقديمها في أول الوقت، كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال (1) .
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية :
نص السؤال من الفتوى رقم 2269 .
ما ذا يجب على من رمى الجمار ضحى ثاني يوم العيد، ثم علم بعد ذلك أن وقت الرمي هو بعد الظهر؟
__________
(1) - انظر فتاوى إسلامية جمع وترتيب محمد بن عبدالعزيز المسند 2/281.(1/32)
الجواب : من رمى الجمار ثاني يوم عبد الأضحى قبل الزوال فعليه أن يعيد رميها بعد زوال ذلك اليوم، فإن لم يعلم خطأه إلا في اليوم الثالث أو الرابع أعاد رميها بعد الزوال من اليوم الثالث، أو الرابع بعد الزوال، قبل أن يرمي لذلك اليوم الذي ذكر فيه، فإن لم يعلم إلا بعد غروب شمس اليوم الرابع لم يرم، وعليه دم يذبح بالحرم ويطعمه الفقراء، وبالله التوفيق (1) .
الفصل الرابع:
في الضرورة وتأثيرها على هذا الحكم، وما يتعلق بذلك.
من المعلوم أن هذه الشريعة التي أنزلها الله على أتم وجه وأكمله، صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، بل لا يصلح إلا هي.
ولقد جاءت الشريعة بنظرية متكاملة للضرورة، أو لنقل الأحوال الاستثنائية، فشرعت لها أحكاما خاصة، وقد جهد علماء الإسلام على مر العصور على دراسة ما جاءت به الشريعة مما يخص الضرورة والأحوال الاستثنائية و من ثمَّ صياغته في قوالب أيسر تناولا، فجعلوه في قواعد فقهية كلية كبرى، وأخرى تتفرع عنها وتنزل عن رتبتها.
فنجد من هذه القواعد، الضرورات تبيح المحظورات، الضرر يدفع بقدر الإمكان، الضرورة تقدر بقدرها، والضرر يزال، الضرر لا يزال بالضرر، الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام (2) .
__________
(1) - فتاوى اللجنة الدائمة، طبع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالرياض ط أولى سنة 1417 هـ 11/273 ، والموقعون على هذه الفتوى هم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وفضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، وفضيلة الشيخ عبدالله بن غديان حفظه الله.
(2) - كما هو مبسوط في كتب القواعد الفقهية، كالأشباه والنظائر للسيوطي، وقواعد ابن رجب الحنبلي، وانظر الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية للبورنو.(1/33)
ويمكننا تعريف الضرورة بأنها حالة يصل إليها المكلف، إن لم يفعل المحظور، غلب على ظنه هلاك إحدى الضروريات الخمس (1)
وهذه القاعدة ـ أعني قاعدة الضرورة ـ من أكبر الشواهد على يسر الإسلام وسماحته، ومراعاته لأحوال الناس، والتخفيف على المكلفين، فإذا بلغ الحكم الشرعي المتحتم ـ أو غيره- حدا يكون تطبيقه بالغ المشقة، فضلا عن أن يؤدي ـ ظنا أو يقينا- إلى هلاك أحد الضروريات الخمس، فإن لنا مندوحة في تركه والعدول عنه إلى ما لا تحدث فيه هذه المشقة.
ورمي الجمار ـ كما هو الحال بالنسبة إلى كثير من مسائل الحج ـ سواء في هذا الوقت أو غيره ما هو إلا فرع تنطبق عليه هذه القاعدة انطباقا كليا، فلا معنى لتخصيص هذا الفعل بفتوى مستقلة تبيان جوازه في حال الضرورة، وإلا لزمنا أن نخصص فتوى مستقلة لكل فعل تبيحه الضرورة .
فأي منسك من المناسك ما لم يكن ركنًا، اضطر الإنسان إلى تركه، فليس عليه حرج في تركه، أو ترك بعض شروطه، وحجه صحيح أن شاء الله تعالى، لكن يبقى النظر في ما يجب عليه لجبر ذلك النقص.
وقد تقدم لنا في فتوى الشيخ محمد العثيمين قوله (ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحالة للضرورة ونقوله له يلزمك فدية تذبحها في منى أو في مكة، أو توكل من يذبحها عنك وتوزع على الفقراء وتطوف طواف الوداع وتمشي).
مطلب في أمور هامة يجب التنبه لها والتنبيه عليها:
أولا : أن المشاهد والمعروف من حال عامة الناس أنهم لا يحملون فتاوى العلماء الحمل الذي يجب، خصوصا تلك التي يكون فيها قيود أو شروط، فإنهم لقلة علمهم أو لهوى عند بعضهم، يطرحون القيود والشروط، ويأخذون بالكلام المطلق أو العام مجردا عن أي قيد وشرط.
__________
(1) - وانظر نظرية الضرورة حدودها وضوابطها 21-33 تأليف جميل محمد بن مبارك.(1/34)
فلو صدرت فتوى عامة بجواز الرمي قبل الزوال للضرورة، لحملها الناس على الجواز مطلقا، دون التقيد بقيد الضرورة، وهذا مشاهد في كثير من المسائل، فمثلاً في جواز التوكيل في الرمي عند المشقة لكبر أو عجز ونحوه، ترك الناس هذا القيد وجرى العمل عند كثير الناس على التوكيل حتى ولو لم تكن هناك مشقة، ولا يأخذون بالرخصة الشرعية من جواز الرمي ليلا، بل يتمسكون بجواز التوكيل، بل تعداه لدى بعض الطوائف أن الأصل في النساء أنهن يوكلن، وقد شاهدت بعض الأسر القادمة من بلاد بعيدة، تذهب نساؤهم للطواف بالكعبة كل يوم من أيام التشريق، ومع ذلك لم يرمين جمرة واحدة، لا ليلا ولا نهارا، محتجين بجواز التوكيل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإذا وجد من يفهم قيود الفتوى وشروطها، لكنه يؤتى من باب آخر، وهو إدراك مدلول الضرورة! فلا يقدرها بقدرها الشرعي من ناحية، ثمَّ لا يرجع إلى الأصل بزوال هذه الضرورة، وهو المنع من الرمي قبل الزوال بدون ضرورة.
والمعلوم أن الضرورة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فما يكون ضرورة لشخص قد لا يكون ضرورة لغيره، بل إن ما يكون ضرورة لشخص في وقت ما قد لا يكون ضرورة له في وقت آخر.
وعليه، فإن إصدار فتوى عامة بجواز الرمي قبل الزوال، حتى لو كانت مقيدة بقيد الضرورة، فيه إعانة للناس على التساهل في أمر المناسك خصوصا، وفي أمر الدين عموما، وقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في معرض رده على ابن محمود (فبينت أن رسالته اشتملت من الأغلاط على ما لم يسبقه إليه أحد، ...وأنها أول أساس يتخذ لنقض أحكام الحج، ويسلط أرباب الزيغ والإلحاد أن يسلكوا من طرق نبذ الشريعة ما شاؤوا أن يسلكوه، وأن يصلوا من هدم بنائها القوي المحكم ما قصدوه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره) ص4.(1/35)
ثانيا: على من حمّله الله هذه المهمة العظيمة وهي الإفتاء والتوقيع عن رب العالمين، أن يتقي الله، ويحذر كل الحذر من أن يجعل فتواه طريقا وسبيلا لتتبع رخص الفقهاء، ولا حاجة هنا إلى الإطالة في إيراد أقوال العلماء في ذم هذا الفعل والتحذير منه، قال ابن عبدالبر معقبًا على قول سليمان التيمي (لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله، قال ابن عبدالبر هذا إجماع لا نعلم فيه خلافا (1) ، وروى عبد الله بن الامام أحمد عن ابيه قال سمعت يحيى القطان يقول : لو أن رجلا عمل بكل رخصه، بقول أهل المدينة في السماع ، يعني في الغناء، وبقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في المتعة لكان فاسقا ) (2) .
وبيان ذلك، أن نجنب الفتاوى في هذه المسألة وغيرها من المسائل المشابهة، ذكر بعض من رخص من الفقهاء في المسألة موضوع الفتوى، فإن هذا العمل من شأنه أن يقرر في أذهان العامة أن الفعل إذا رخص فيه بعض الفقهاء، أو ورد فيه خلاف، أن الأمر فيه واسع، فلهم أن يختاروا من الأقوال ما تدعوا الحاجة إليه.
والغالب أنهم لا يقتصرون على الحاجة الداعية لهذا الأمر، بل يتجاوزوه فتراهم يأخذون من الأقوال ما تشتهيه أنفسهم وما يوافق أهواءهم، وهذا هو عين تتبع الرخص المذموم، وهذا هو ما يفعله كثير من العامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فلسان أحدهم يقول: هؤلاء العلماء أجازوا هذا الفعل لأنه ورد فيه ترخيص عن بعض الفقهاء، فلم لا يجوز الأخذ برخص الفقهاء في أي مسألة عرضت علينا ؟
ويصبح هذا مبدأ ودينا مستحكما عند العامة، لضعف الخوف والخشية من الله عزّ وجل، مع غلبة الجهل.
__________
(1) - جامع بيان العلم وفضله (2/91،92)
(2) - المسودة لآل تيمية 463، وانظر إرشاد الفحول ص 272 فقد نسب هذا القول للإمام أحمد نفسه، ومن أرد الزيادة حول ذم تتبع الرخص فليرجع الى رسالة "زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء" لجاسم الدوسري فهي رسالة قيمة.(1/36)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رده على ابن محمود (وكانت فتنة الجهال وأراب الكسل برسالته عظيمة ومفضية إلى أن تبقى البراهين الشرعية ليس لها بين الأمة قيمة ومؤدية الى تضليل الأمة، وفتح باب غث الرخص، وانتهاز الملاحدة واللادينيين في إفساد الدين الفرص، ومفضية ولا بد بالجهال إلى التوثب بجهالاتهم على الشريعة، وإبداء ما لديهم من توهمات فظيعة ..)
ثالثا: ولا يرفعن أحد عقيرته قائلا إنّ الفتاوى تتغير بتغير الأزمان؟ وقد تغير الزمان فتغيرت الفتوى؟
والجواب أن يقال أولا : إنّ تغير الفتوى بتغير الزمان ليست قضية كلية تصدق على كل جزئياتها، فلا يصح أن يقال كل فتوى قابلة للتغير بتغير الزمان والمكان، بل الصواب أن يقال بعض الفتاوى يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان، لكن يبقى النظر هنا في البحث عن الفتاوى أو الأحكام التي تتغير بتغير الزمان أو المكان.
فالأحكام الأصلية -مثلا- لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فلا يمكن أن يكون الوضوء واجبا للصلاة في وقت ثمَّ يزول هذا الوجوب في وقت آخر، لكن يمكن أن يقال لفلان الذي لا يستطيع الوضوء لعارض من العوارض صلِ حسب استطاعتك ولو لم تستطع الوضوء، فحكم الوضوء هنا لم يتغير، لكن الفتوى في حالة هذا الشخص بعينه ناسبت حاله فأبحنا له ترك الوضوء.
وكذلك، فإنّ الفتاوى أو الأحكام التي تتغير هي التي بنيت على ما هو متغير، من عرف أو عادة، أو علة متغيرة.
وكذلك الأمر هنا، فرق بين أن تصدر الفتوى قائلة، لا بأس بجواز الرمي قبل الزوال، حيث ورد في رواية عن الإمام أحمد والإمام أبي حنيفة، ولأنّ الضرورة من زحام وغيره داعية إلى ذلك.
وبين أن نقول لمن يأتي ويسأل وهو مضطر للرمي قبل الزوال، أو حتى ترك الرمي، ارم، أو نقول: من اضطر إلى الرمي قبل الزوال فله ذلك دفعًا لحالة الضرورة، وإلا فلا يجوز له ذلك، والواجب في حقه الرمي بعد الزوال.(1/37)
إنَ الصيغة الأولى أشبه بقاعدة أو حكم عام، بينما الصيغة الأخرى تعالج حالة استثنائية، وليست هي الأصل.
رابعًا: لماذا يكون الدين، وأحكام الشريعة، أول ما نضحي به للخروج من مآزقنا، الذي صنعنا كثيرًا منها بأنفسنا، فإذا عرضت للإنسان مشكلة ما، أو وقع في مأزق، فإنّ أول ما يخطر بباله وبفكره به إسقاط شيء من أحكام الشريعة أو التنازل عنها أو التساهل فيها، فإذا فعل ذلك فكر في حلول أخرى، وهذه مصيبة كبيرة، وهي علامة على ضعف الإيمان في نفوس هؤلاء، وما تمسكهم ببعض أقوال العلماء إلا حجة يبررون بها موقفهم، حتى لا توجه إليهم أصابع الاتهام بخفة ديانتهم.
خامسًا: إنّ إصدار فتوى عامة بخصوص هذا الأمر يفتح الباب على مصراعيه في التساهل في كثير من المناسك التي تشبهه، فالوقوف بعرفة إلى غروب الشمس من أشبه المسائل به، فالرسول صلى الله عليه وسلم، لم ينفر، ولم ينفر أحد من صحابته -فيما بلغنا- إلا بعد الغروب، وتحيّن للغروب لينفر، وبه استدل الجمهور على وجوب الوقوف جزءا يسيرا من الليل، فلم لا يقال أيضا بجواز النفر من عرفة قبل الغروب ؟ لا سيما وأن فريقا لا بأس به من العلماء قالوا بجوازه، سيما وأن دليله أقوى دلالة عليه، من دليل جواز الرمي قبل الزوال عليه.
بل قد يقول قائل إن الحاجة تدعوا إليه أكثر، فمن المشاهد أن كثيرا من الناس يندفعون بعد الغروب مباشرة اندفاعا، ويحدث من الزحام ما يعرفه كل أحد؟
هل ننتظر حوادث خطيرة حتى نبحث الأمر ونقول بجوازه ؟(1/38)
سادسًا: لا أظنّ أنّ المشكلة تكمن في قصر الوقت ما بين الزوال إلى غروب الشمس، وأن سبب الزحام وما يحصل فيه هو خوف الناس من غروب الشمس عليهم وهم في منى الأمر الذي يلزمهم بسببه المبيت إلى اليوم الثالث عشر، ثمَّ الرمي بعد الزوال، لأنهم لو رموا آخر جمرة قبل الغروب بدقائق ثمَّ غادروا منى إلى مكة لطواف الوداع أو للبقاء بها إلى اليوم التالي لم يجب عليهم المبيت بمنى ولا الرمي آخر يوم.
إذا أفتينا بجواز الرمي قبل الزوال، فما هو ابتداؤه؟ قبل الزوال بساعة، أو بعد طلوع الشمس، أو بعد طلوع الفجر، أو ما ذا ؟ أي ذلك قلنا به لا نسلّم أنه سوف يخرجنا مما كنا نفر منه، وهو الزحام وما يحصل فيه، فلو حددنا للناس طلوع الشمس، لتجمهر الناس قبل طلوعها واندفعوا مع طلوعها للرمي، وكما قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رده على الشيخ عبدالله بن محمود (وذلك أن الناس إذا عملوا بغث رخصته، حشدوا جميعا أو أكثرهم أول النهار خشية حر الشمس أو قبل الفجر فحصل ما فر منه من الزحام) (1) .
خاتمة
حلول ومقترحات
أولا: كما قدمنا في "سابعا" أن أكبر أسباب المشكلة هي إلزام أصحاب الحملات حجيجهم بالرمي في أسرع وقت حتى يدركوا الطائرات، فبهذا يظهر أن أحد الحلول المساعدة، والتي تخفف من الزحام شيئا أن يلزم أصحاب الحملات - الداخلية منها بأقل الأحوال - بتأخير حجوزاتهم إلى الليل مثلا حتى يتمكن حجيجهم من الرمي عصرا مثلا ثمَّ طواف الوداع، ثمَّ الوصول إلى جدة .
ثانيا: وكذلك منع أصحاب الحملات التي تسير بالبر، من مغادرة مكة، إلا في وقت متأخر من ليلة الثالث عشر.
__________
(1) - ص 15 تحذير الناسك، و 79 من المجموع.(1/39)
ثالثا: إرشاد عموم الناس وتوعيتهم بأن لهم الرمي إلى قبيل الغروب أن مغادرتهم لمنى تتحقق بالخروج منها بعد رمي جمرة العقبة، وهو أمر لا يستغرق سوى دقائق معدودة، فجمرة العقبة على حدود منى من جهة مكة، فإن غادروا منى فلهم البقاء في مكة إلى الوقت الذي يشاؤونه.
أهم نتائج البحث:
وبعد هذا العرض لهذه المسألة، نخلص بهذه النتائج:
1- أن القول بجواز الرمي قبل الزوال، سواء في أول يوم من أيام التشريق، أو في يوم النفر الأول، أو حتى يوم النفر الثاني، لم يقل به إلا نزر يسير من العلماء، وليس له دليل يسنده، وفوق ذلك هو مخالف ومصادم للأدلة الصحيحة الظاهرة، وعليه فيكون قولا ضعيفا أو شاذا.
2- وبناء على ذلك، فلا يجوز العمل به ولا الإفتاء بمقتضاه، وينبغي الإنكار على من عمل به غير متأول تأولا صحيحا، وكذا الإنكار على يفتي به بإطلاق دون تقييده بالضرورة حسبما تقدم.
3- أن من اضطر إلى الرمي قبل الزوال، أو حتى إسقاط الرمي فليس بحاجة إلى فتوى خاصة بهذه الحالة، بل ينطبق على هذه الحالة ما ينطبق على غيرها.
هذا، وأسأل الله أن أكون بهذا البحث قد عالجت هذه المسألة معالجة بعيدة عن الهوى إلى ما يخالف الحق، وما كنت أظن أن البحث سيطول بهذه الدرجة في هذه المسألة الجزئية، لكني أردت أن استقصي الأقوال والحجج وأحرر مذاهب العلماء الذين نقل عنهم الجواز، حتى أرى هل القول بجواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق له ما يسوغه، وهل هو من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، فوجدت النتيجة التي تقدمت الإشارة إليها، وقد استفرغت فيه جهدي فما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وما كان من صواب فبتوفيق الله ، وأعوذ بالله أن أتعمد المخالفة.
تم البحث، ولله الأمر أولا وآخراً.
الفهارس
أولا: فهرس المراجع
أولاً: التفسير
ـ الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ( 671 هـ) أبو عبدالله ، محمد بن أحمد الأنصاري .
الطبعة الثانية ، مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية .(1/40)
ـ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، للشنقيطي ( 1393 هـ) محمد الأمين بن محمد المختار.
مع تكملة الشيخ عطية سالم ، المطابع الأهلية بالرياض ، 1403 هـ
ثانياً: الحديث الشريف وشروحه
ـ الموطأ ، رواية الليثي ، للإمام مالك بن أنس ( 150هـ ) ، إمام دار الهجرة .
تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، دار إحياء الكتب العربية ، بدون تاريخ .
ـ المصنَّف ، لعبدالرزاق ( 211هـ ) ابن همام الصنعاني .
تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، نشر المجلس العلمي بالهند ، 1403 هـ .
ـ المسند ، للإمام أحمد بن حنبل ( 241هـ ) .
طبعة المكتب الإسلامي ، عن طبعة بولاق ، 1405 هـ .
ـ صحيح البخاري ، = الجامع الصحيح ، للإمام البخاري ( 256هـ ) .
مطبوع مع فتح الباري لابن حجر ، المطبعة السلفية ، تصوير بيروت .
ـ صحيح مسلم ( 261هـ ) الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري .
تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، مطبعة عيسى الحلبي 1374 هـ .
ـ سنن ابن ماجة ( 275هـ) محمد بن يزيد القزويني .
تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، مصور عن مطبعة عيسى الحلبي 1972 م .
ـ سنن أبي داود ( 275هـ ) ، ابن الأشعث السجستاني .
تحقيق عزت عبيد دعاس، دار الحديث الطبعة الأولى 1388 هـ.
ـ سنن الترمذي ( 279هـ ) محمد بن عيسى بن سَوْرة .
تحقيق أحمد شاكر وآخرون، طبعة الحلبي بمصر ، الثانية 1396هـ.
ـ سنن النسائي ( المجتبى ) ، للنسائي ( 303هـ ) أبو عبدالرحمن ، أحمد بن شعيب النسائي .
بحاشية السيوطي والسندي ، بعناية عبدالفتاح أبو غدة ، بيروت ، 1406 هـ .
ـ صحيح ابن خزيمة ، ( 311هـ ) لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة .
حققه وعلق عليه د. محمد مصطفى الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1400 .
ـ السنن الكبرى ، للبيهقي ( 458هـ ) .
دار المعرفة ، بيروت ، تصوير دار المعرفة بلبنان عن طبعة الهند ، 1346 هـ .(1/41)
ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، لابن عبدالبر ( 463هـ ) أبو عمر ، يوسف بن عبدالبر النمري القرطبي .
تحقيق مصطفى بن العلوي وآخرين ، وزارة الأوقاف بالمغرب ، 1387 هـ .
ـ جامع الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لابن الأثير ( 606هـ ) أبو السعادات ، المبارك بن محمد الجزري .
تحقيق عبدالقادر الأرنؤوط ، مكتبة الحلواني والملاّح ، دمشق ، 1389 هـ .
ـ شرح صحيح مسلم ، للنووي ( 676هـ ) أبو زكريا ، يحيى بن شرف النووي الدمشقي .
دار الكتاب العربي ، عن طبعة المطبعة المصرية .
ـ الجوهر النقي في التعليق على سنن البيهقي، لابن التركماني ( 745هـ ) علاء الدين بن علي المارديني .
مطبوع من السنن ـ المتقدم ـ عن طبعة الهند .
ـ تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، لابن حجر ( 852هـ ) أحمد بن علي بن محمد .
عني بتصحيحه وتنسيقه : عبدالله هاشم اليماني ، شركة الطباعة الفنية ، 1384 هـ .
ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، للعيني ( 855هـ ) بدر الدين ، محمود بن أحمد الحلبي المصري .
مصطفى الحلبي بمصر .
ـ نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، للشوكاني ( 1250هـ ) محمد بن علي بن محمد .
مطبعة مصطفى الحلبي . 1391 هـ .
ـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، للألباني ( معاصر ) محمد ناصر الدين .
المكتب الإسلامي ، 1399 هـ .
ثالثاً : الفقه الحنفي
ـ المبسوط ، للسرخسي ( 483هـ) .
دار المعرفة ، بيروت ، عن الطبعة الأولى بمصر .
ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، للكاساني ( 587هـ) علاء الدين ، أبو بكر بن مسعود الحنفي .
الناشر زكريا علي يوسف ، مطبعة الإمام .
ـ الهداية شرح بداية المبتدي ، للمرغيناني ( 593هـ) برهان الدين ، علي بن أبي بكر .
مطبوع مع فتح القدير ، الحلبي 1389هـ.
ـ الاختيار لتعليل المختار ، للموصلي ( 683هـ ) أبو الفضل ، عبدالله بن محمود بن مودود .(1/42)
مصورة عن مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، 1371 هـ .
ـ تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، للزيلعي ( 743هـ ) فخر الدين ، عثمان بن علي .
وبهامشه حاشية الشلبي ، مصورة عن طبعة بولاق 1313 .
ـ فتح القدير على الهداية ، لابن الهُمَام ( 861هـ ) كمال الدين ، محمد بن عبدالواحد السيواسي.
ومعه حاشية قاضي زاده ، الطبعة الثالثة الحلبي 1389هـ.
ـ البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، لابن نُجَيم ( 969هـ ) زين الدين ، إبراهيم الحنفي .
تصوير دار المعرفة.
ـ حاشية ، رد المحتار على الدر المختار ، لابن عابدين ( 1252هـ ) محمد أمين ، الشهير بابن عابدين الدمشقي .
مطبعة مصطفى الحلبي ، 1386 هـ .
ـ اللباب شرح الكتاب ، للميداني ( 1298 ) عبدالغني بن طالب الغنيمي الدمشقي .
بتعليق النواوي ، دار الحديث بسوريا .
رابعاً : الفقه المالكي
ـ شرح على مختصر خليل ، للخرشي ( 1101هـ ) محمد بن عبدالله .
وبهامشه حاشية العدوي ، دار صادر ، بيروت . عن طبعة بولاق
ـ الشرح الصغير على أقرب المسالك ، للدِّردير ( 1201هـ ) أحمد بن محمد بن أحمد .
وبهامشه حاشية الصاوي ، مطبعة عيسى الحلبي .
ـ الشرح الكبير على مختصر خليل ، للدِّردير .
ومعه حاشية الدسوقي ، وبهامشها تقريرات الشيخ عليش ، مطبعة عيسى الحلبي .
ـ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ، للدسوقي ( 1230هـ ) محمد بن عرفة الدسوقي.
مطبعة عيسى الحلبي .
خامساً: الفقه الشافعي
ـ الأم ، للشافعي ( 204هـ ) الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي .
مطبعة الشعب ، عن طبعة بولاق ، 1321 هـ .
ـ مختصر المُزَني ، للمزني ( 264هـ ) أبو إبراهيم ، إسماعيل بن يحيى صاحب الشافعي .
مطبوع مع كتاب الأم للشافعي ، مطبعة الشعب .
ـ المجموع شرح المهذب ، للنووي ( 676هـ ) .
مع تكملة السبكي والمطيعي ، بهامشه فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي تصوير بيروت.
ـ تحفة المحتاج شرح المنهاج ، للهيتمي ( 974هـ ) .(1/43)
مع حواشيها للشرواني والعبادي ، تصوير دار صادر ، بيروت .
ـ نهاية المحتاج شرح المنهاج ، للرَّملي ( 1004هـ ) .
ومعه حاشية الشبراملسي والمغربي ، مطبعة مصطفى الحلبي ، 1386 هـ .
ـ حاشية قليوبي على شرح المحلي على المنهاج ، لقليوبي ( 1069هـ ) أحمد بن أحمد بن سلامة .
مع حاشية عميرة ، مطبعة مصطفى الحلبي ، 1375 هـ .
ـ فتح الجواد ط الحلبي الثانية 1391هـ
سادساً: الفقه الحنبلي
ـ المغني شرح مختصر الخرقي ، لابن قدامة ( 630هـ ) أبو محمد عبدالله بن أحمد .
ومعه الشرح الكبير ، دار الفكر ، بيروت ، 1404 هـ .
ـ الشرح الكبير ، لابن قدامة ( 682هـ ) شمس الدين عبدالرحمن بن أبي عمر .
مطبوع مع المغني على الخرقي ، دار الفكر ، بيروت ، 1404 هـ .
ـ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة ، ابن تيمية ( 728هـ ) .
جمع عبدالرحمن بن قاسم ، تصوير مصر عن الطبعة الثانية .
ـ زاد المعاد في هدي خير العباد ، لابن القيم ( 751هـ ) .
تحقيق شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة .
ـ الفروع ، لابن مفلح ( 763هـ ) أبو عبدالله ، محمد بن مفلح .
أشرف على مراجعته وطبعه الشيخ عبداللطيف محمد السبكي ، دار مصر للطباعة ، 1379 هـ.
ـ شرح الزركشي على مختصر الخرقي محمد بن عبدالله بن محمد الزركشي المصري (ت 772هـ)
تحقيق الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ط 1 1410 هـ
ـ المبدع شرح المقنع ، لابن مفلح ( 884هـ ) أبو إسحاق ، برهان الدين ، إبراهيم بن محمد .
المكتب الإسلامي ، بيروت .
ـ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ، للمرداوي ( 885هـ) .
تحقيق محمد حامد الفقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1400 هـ ، مصور عن طبعة مكتبة السنة المحمدية.
ـ شرح منتهى الإرادات ، للبهوتي ( 1046هـ) منصور بن يونس بن إدريس .
تصوير عالم الكتب ، بيروت .
ـ كشاف القناع ، للبهوتي ( 1046هـ) .
تصوير بيروت عن مطبعة الحكومة بمكة المكرمة ، 1394 هـ .(1/44)
ـ الروض المربع شرح زاد المستقنع ، للبهوتي ( 1046هـ ) .
مطبوع مع حاشية ابن قاسم النجدي ، 1410 .
ـ مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ، للرحيباني ( 1243هـ ) مصطفى بن سعد الدمشقي .
المكتب الإسلامي بدمشق ، 1380 هـ .
ـ حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع ، لابن قاسم ( 1392هـ ) عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي .
الطبعة الرابعة ، 1410 .
سابعاً: مذاهب أخرى
ـ المحلّى ، لابن حزم ( 456هـ ) أبو محمد ، علي بن أحمد بن سعيد .
تحقيق أحمد محمد شاكر ، الطبعة المنيرية 1356 هـ
ثامنًا: الفقه العام والمقارن ، والإجماع والاختلاف
ـ شرح العمدة في مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية (728هـ)
تحقيق صالح بن محمد الحسن ط أولى سنة 1409هـ
ـ هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك لابن جماعة (767هـ) عز الدين عبدالعزيز بن بدر الدين بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني
تحقيق الدكتور نور الدين العتر ط دار البشائر الإسلامية لبنان ط أولى 1414هـ
ـ إرشاد الساري إلى مناسك الملاّ علي القاري تأليف حسين بن محمد بن سعيد عبدالغني المكي الحنفي
تصوير دار الكتاب العربي بيروت
ـ منسك ابن منقور للشيخ أحمد بن محمد المنقور الحنبلي (1125هـ)
تحقيق زهير الشاويش طبع المكتب الإسلامي-بيروت، الطبعة الأولى، والطبعة الثانية
ـ تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك، لآل الشيخ (1389هـ) الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
ط الحكومة بالمملكة العربية السعودية، 1376 هـ ثمَّ نشرت مع مجموع فتاوى ورسائل الشيخ التي جمعها ابن قاسم، ج 6ص 67 ط الأولى 1399 هـ.
ـ منسك الشنقيطي ( 1393 هـ) محمد الأمين بن محمد المختار.
جمع الطيار والحجيلان – ط أولى دار الوطن
ـ يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام تأليف الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود (1417هـ).
ط المكتب الإسلامي ببيروت ضمن مجموعة رسائل ط الثالثة 1412هـ.(1/45)
ـ أحكام منسك حج بيت الله الحرام تأليف الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود بدون ناشر ولا تاريخ.
ـ فتاوى اسلامية، لمجموعة من المشايخ
جمع محمد بن عبدالعزيز المسند ، ط أولى دار الوطن – الرياض
ـ رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي إعداد الدكتور شرف بن علي الشريف، طبعت في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1410هـ.
تاسعاً:أصول الفقه
ـ جامع بيان العلم وأهله لابن عبدالبر ( 463هـ) أبو عمر ، يوسف بن عبدالبر النمري القرطبي .
ط المنيرية الأولى
ـ المستصفى من علم الأصول ، للغزالي ( 505 هـ) أبو حامد ، محمد بن محمد .
تصوير مكتبة المثنى بغداد ، عن طبعة بولاق .
ـ المحصول في علم الأصول للرازي للرازي (604هـ) فخر الدين ، محمد بن ضياء الدين ، المشتهر بخطيب الرَّي .
تحقيق الدكتور طه جابر العلواني ط1 جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
ـ شرح الكوكب المنير ، لابن النجار ( 972 هـ) محمد بن أحمد بن عبدالعزيز الفتوحي .
تحقيق د. محمد الزحيلي ، د. نزيه حماد ، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى ، 1408 هـ .
ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ، للشوكاني ( 1250هـ ) محمد بن علي .
تحقيق الدكتور شعبان بن محمد إسماعيل المكتبة التجارية 1417هـ
ـ أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام د. العروسي عبدالقادر (معاصر)
الطبعة الأولى دار المجتمع للنشر والتوزيع السعودية 1404 هـ
ـ نظرية الضرورة حدودها وضوابطها جميل محمد بن مبارك (معاصر)
دار الوفاء بمصر ط أولى 1408هـ
الفهارس
ثانيًا: فهرس الموضوعات
مدخل ... 2
أهمية الموضوع ... 3
الدراسات السابقة ... 3
منهج البحث: ... 4
خطة البحث: ... 5
الفصل الأول: في ذكر مذاهب العلماء في حكم الرمي قبل الزوال أيام التشريق ... 7
... المطلب الأول: القائلون بعدم جواز الرمي قبل الزوال، أيام التشريق الثلاث ... 7(1/46)
... المطلب الثاني: القائلون بجواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق كلها، أو يومي النفر ... 13
الفصل الثاني: في ذكر أدلة كل فريق. ... 16
المطلب الأول: ما استدل به القائلون بأن الرمي أيام التشريق كلها يبدأ من بعد الزوال ... 16
المطلب الثاني: أدلة القائلين بجواز الرمي قبل الزوال ... 19
الفصل الثالث: المناقشة والترجيح ... 20
الفصل الرابع: في الضرورة وتأثيرها على هذا الحكم، وما يتعلق بذلك ... 24
مطلب في أمور هامة يجب التنبه لها والتنبيه عليها ... 25
خاتمة: حلول ومقترحات ... 28
أهم نتائج البحث ... 29
الفهارس ... 30
فهرس المراجع ... 30
فهرس الموضوعات ... 37(1/47)