أحكام
حضور المسجد
عبدالله بن محمد العسكر
السعودية - الخرج
alaskar@islamway.net
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
…الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، ومن استن بسنته وسار على نهجه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:
فنظراً لأهمية المسجد في الإسلام ، وكثرة الأحكام الشرعية المرتبطة به ، والتي لا يستغني عن معرفتها كل مسلم . خاصةً وأن المسجد يرتاده المسلم في كل يوم خمس مرات . فربما عنَّت له جملة من المواقف يحتاج فيها لمعرفة الحكم الشرعي المختص بها . إضافةً إلى أن المسجد له قداسة وخصوصية تختلف عن غيره من الأماكن والبقاع ، فهو مكان مبارك له عند الله حرمة وإجلال . يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أحب البقاع إلى الله مساجدها " .(1)
من هذا المنطلق كان حقاً على أهل العلم وطلابه تخصيص دراسة مستقلة بشؤون المسجد ، وبذل الوسع والطاقة في البحث والدراسة المستفيضة في كل ما يتعلق به من أحكام شرعية ، ومسائل فقهية .
ولقد أعان الله ويسر _ بفضله وجوده _ على إتمام هذا البحث في هذا الموضوع ، والرجوع إلى عدد من المراجع الحديثية والفقهية واللغوية ، وتقليب النظر بين طيات صفحاتها للخروج برؤية واضحة تعين الباحث على إعطاء نتائج وتوصيات يستفاد منها مستقبلا بحول الله وقوّته .ولقد تم البحث في هذا الموضوع عن طريق تقسيمه إلى ثلاثة فصول : تحت كل فصل جملة من المباحث التي يتفرع عن بعضها مطالب متعددة ، وذلك وفق التقسيم التالي :
الفصل الأول : المساجد بيوت الله
وتندرج تحته المباحث التالية :
المبحث الأول : تعريف المسجد
المبحث الثاني: المسجد في الإسلام
__________
(1) صحيح الإمام مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابوري ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، الطبعة ( بدون ) ، 1972م / حديث رقم ( 1076)(1/1)
المبحث الثالث : فضل المشي إلى المسجد واستشعار العبودية في ذلك
المبحث الرابع : حث الشرع على بناء المساجد والعناية بها
المبحث الخامس : مشروعية الإسراع إذا أقيمت الصلاة
المبحث السادس : مشروعية تشبيك الأصابع حين الخروج إلى المسجد
الفصل الثاني : حرمة المسجد وخصوصيته
وتندرج تحته المباحث التالية :
المبحث الأول : المسألة والتبايع في المسجد
المبحث الثاني : دخول الحائض والجنب للمسجد
المبحث الثالث : حضور من أكل البصل والثوم إلى المسجد
المبحث الرابع : حجز الأماكن في المسجد
المبحث الخامس: زخرفة المسجد ونقشه وتلوينه
المبحث السادس : دخول الكافر للمسجد
المبحث السابع : البصاق في المسجد
الفصل الثالث :أحكام المصلي في المسجد
وتندرج تحته المباحث التالية :
المبحث الأول : أحكام المسبوق
المبحث الثاني : مشروعية السترة وأحكامها
المبحث الثالث : تحية المسجد
المبحث الرابع : السلام على المصلي
المبحث الخامس : أداء المصلي لنافلة حال الإقامة
ولقد أفدت – بحمد الله – كثيراً من دراسة وبحث هذا الموضوع ، الذي هو مرتبط بحياتنا اليومية بشكل متكرر ، وإني لأرجو أن أكون قد ساهمت في تقديم ما ينفعني وينفع غيري من طلاب العلم , كما آمل أن أكون قد أسهمت في إثراء المكتبة الإسلامية بجهد المقل ، وعسى الله أن ينفع به من كتبه ومن قرأه .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
وكتبه
عبدالله بن محمد العسكر
21/5/1424هـ _21/7/2003م
الفصل الأول
المساجد بيوت الله
المبحث الأول : تعريف المسجد
المبحث الثاني: المسجد في الإسلام
المبحث الثالث : فضل المشي إلى المسجد واستشعار العبودية في ذلك
المبحث الرابع : حث الشرع على بناء المساجد والعناية بها
المبحث الخامس : مشروعية الإسراع إذا أقيمت الصلاة
المبحث السادس : مشروعية تشبيك الأصابع حين الخروج إلى المسجد
المبحث الأول :تعريف المسجد
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : التعريف اللغوي(1/2)
المطلب الثاني : التعريف الشرعي
المطلب الأول : التعريف اللغوي :
لفظ المسجد يدور في مفهومه ومعناه حول مادة ( سَجَدَ ) ، فلا بد من التعرف على معنى هذه المادة ؛ من أجل الوصول إلى المعنى المراد للمسجد .
جاء في ( مختار الصحاح ) : " سَجَدَ : خضع ومنه سُجُودُ الصلاة وهو وضع الجبهة على الأرض ... والاسم السِّجْدَةُ بكسر السين ،و السَّجَّادَةُ : الخُمْرة... والمَسْجَدُ بفتح الجيم جبهة الرجل حين يصيبه أثر السجود .(1)
وجاء في ( لسان العرب )( (2) ) :
" سَجَدَ يَسْجُدُ سجوداً وضع جبهته بالأَرض ، وقوم سُجَّدٌ سجود... والمَسْجَدُ المسجِد الذي يسجد فيه ، والمِسْجَدَةُ : السَّجَّادَةُ والخُمْرَةُ المسجود عليها. والمَسْجَدُ بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه نَدَبُ السجود . وقوله تعالى :( وأن المساجد للَّه) ؛ قيل : هي مواضع السجود من الإِنسان الجبهة والانف واليدان والركبتان والرجلان . وقال الليث في قوله عز وجل ( وأن المساجد للَّه ) قال: السجود مواضعه من الجسد والأَرض مساجد واحدها مسجَد .وقال : المسجِد اسم جامع حيث سُجد عليه وفيه . فأَما المسجد من الأَرض فموضع السجود نفسه "
وجاء في ( القاموس المحيط ) (3) ) :
__________
(1) مختار الصحاح ، عمر ابن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، دار الحديث ، القاهرة ، رقم الطبعة وتاريخها ( بدون ) ج1ص 121مادة ( سجد )
(2) لسان العرب ، جمال الدين أبو الفضل ابن منظور ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية، 1419هـ ، ج3ص205 مادة ( سجد )
(3) القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز أبادي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ ص 274 مادة ( سجد )(1/3)
سَجَدَ: خَضَعَ، وانْتَصَبَ، ضِدٌّ.( (1).
وأسْجَدَ: طَأْطَأَ رَأسَهُ، وانْحَنَى، وأدامَ النَّظَرَ في إمْراضِ أجْفانٍ .
والمَسْجَدُ، كمَسْكَنٍ: الجَبْهَةُ، والآرابُ السَّبْعَةُ مَساجِدُ.
والمَسْجِدُ: المَسْجَدُ ، وسَجِدَتْ رِجْلُهُ، كفَرِحَ: انْتَفَخَتْ، فهو أسْجَدُ.
والأسْجادُ في قولِ الأسْوَدِ بنِ يَعْفُرَ:
من خَمْرِ ذِي نُطَفٍ أغَنَّ مُنَطَّقٍ وافى بها كدراهِمِ الأسْجادِ
... وعَيْنٌ ساجِدَةٌ: فاتِرَةٌ.
ونَخْلَةٌ ساجِدَةٌ: أمالَها حَمْلُها، وقولُه تعالى:{وادْخُلوا البابَ سُجَّداً}، أي: رُكَّعا
وجاء في ( مفردات القرآن ) (2) ) :
" سجد- السجود أصله : التطامن (التطامن: الانحناء) والتذلل، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان ، والحيوانات، والجمادات، ... والمسجد: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود " .
المطلب الثاني : التعريف الشرعي
هناك تعريفات قصرت مفهوم المسجد على جزء من المعنى المراد الذي يدور عليه هذا البحث .فمن ذلك :
قال الزجاج : "كل موضع يتعبد فيه فهو مَسْجِدٌ. أَلا ترى أَن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال "جعلت لي الأَرض مسجداً وطهوراً " (3)
وهنا نلحظ أن الزجاج عمم مفهوم المسجد بكل ما تقام فيه العبادة ، وعلى هذا فالكنيسة والبيعة والصومعة _ على هذا التعريف _ تعدُّ مسجداً !! لأنها مكان يتعبد فيه . ولاشك أن هذا التعريف غير مراد هنا .
__________
(1) أي من ألفاظ الأضداد ، وألفاظ الأضداد : هي ألفاظ متطابقة في الحروف تأتي بمعانٍ متضادة يوضحها سياق الكلام . مثل "جَلَّ " تأتي بمعنى عَظُمَ وبمعنى هَانَ . ومثل " قسَطَ " تأتي بمعنى : عدل وبمعنى ظلم .
(2) معجم مفردات القرآن ، الراغب الأصفهاني ، مطبعة التقدم العربي ، مكان ورقم وتاريخ الطبعة ( بدون )
(3) لسان العرب ، لابن منظور ، مصدر سابق ، ج3ص205(1/4)
وقد عرفه ابن الأعرابي بقوله :" مسجَد بفتح الجيم محراب البيوت؛ ومصلى الجماعات "(1) )
وهذا المعنى فيه عموم أيضا ، وإن لم يكن كالعموم في تعريف الزجاج . فهنا قد أدخل محاريب البيوت ، وكذلك المصليات التي تقام فيها الجماعات . وهذا ليس هو المراد من هذا البحث ، فإن المصلى له أحكام تختلف عن المسجد ، كما سنذكر ذلك في طيات البحث _ إن شاء الله _
والتعريف الذي يختاره الباحث ويميل إليه مأخوذ من تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للمسجد ؛ وذلك حين أرشد ذلك الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد ( وكان جاهلا لم يعرف حرمة المسجد ولا ماذا يعني ) فقال له صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ " (2)
من خلال ذلك التعريف النبوي يتضح أن المسجد هو :
مكان مخصوص له أحكام مخصوصة بني لأداء عبادة الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن .
ومما يعضد هذا التعريف قول الله تعالى في كتابه الكريم :( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ) (3)
ومن خلال التعريف اللغوي واشتقاقاته يتبين أن تلك الاشتقاقات تعود إلى معنيين :
الأول : أن المسجِد هو مكان العبادة .
الثاني : أن المسجِد هو موضع السجود .
وكلا المعنيين يشتمل عليه التعريف الشرعي: فإن المسجد هو المكان الذي تقام فيه الصلاة ، والصلاة عبادة من العبادات ، فهو مكانها الأصلي الذي تؤدى فيه .
__________
(1) المصدر السابق ، ج 3ص 204
(2) رواه مسلم / حديث رقم ( 429)
(2 ) سورة النور ( الآية 36، 37)(1/5)
وكذلك فإن من أبرز معالم الصلاة وحركاتها السجود . والسجود :هو وضع الجبهة على الأرض ، وهذه الأرض التي يسجد عليها هي المسجد ؛ بناء على ما قرره الباحث من أن الصلاة تقام في الأصل في المسجد .
المبحث الثاني : المسجد في الإسلام
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : مكانة المساجد عموما في الإسلام
المطلب الثاني : المسجد الحرام ( مكانته وخصائصه )
المطلب الأول : مكانة المساجد عموما في الإسلام
لقد كان العرب في الجاهلية أمة ممزقة لا يربطها رابط ، ولا يلمها شعار . فوضى في الحياة ، واضطراب في الموازين ، وخلل في نظم العيش ، حتى أراد لله لهذه الأمة العزة بعد الذل ، والرفعة بعد الانحدار وذلك حين أكرمها بأعظم رسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وحين اختار لها أعظم شريعة ، وهي شريعة الإسلام الخالدة المطهرة من كل نقص وعيب .
…وكان المسلمون في بداية أمرهم ضعفاء يخافون أن يتخطفهم الناس . وجلسوا على تلك الحال ثلاث عشرة سنة حتى أذن الله لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالهجرة فهاجر هو وصحابته إلى المدينة التي كانت تسمى ( يثرب ) . فبدأت بذلك مرحلة جديدة من تاريخ الإسلام ؛ بل هي في الحقيقة البداية لدولة الإسلام الفتية .(1/6)
لقد أدرك الرسول القائد ، والمعلم الحاذق : رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أن أصحابه ومن دخل في دينه يحتاجون إلى تربية وتعليم ، وتوجيه وإرشاد ، وذلك يتطلب مكاناً يجتمعون فيه ، ويتدارسون شرائع الإسلام وأحكامه في رحابه . فكان أول عمل بدأ به _عليه السلام _ أن شرع هو وصحابته الكرام في بناء المسجد كما جاء ذلك عن أنسِ بْنِ مَالِكٍ _ رضي الله عنه _ قَالَ : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ ( بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ) ... وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلأ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ :" يَا بَنِي النَّجَّارِ ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا " قَالُوا : لا وَاللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا من اللَّهِ . فَقَالَ أَنَسٌ : فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ : قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ . فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ . فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إِلا خَيْرُ الآخرهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ (1)
__________
(1) الجامع الصحيح المسند لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ، محمد بن إسماعيل البخاري ، دار القلم ، بيروت ، الطبعة ( بدون ) ، 1987م / حديث رقم ( 410)(1/7)
منذ تلك اللحظة صار المسجد منارة تشع في أرجاء دولة الإسلام الناشئة ، وقبساً يشع في سمائها الوضّاءة : حيث أصبح مكان أداء العبادة من الصلوات والاعتكاف ، كما أصبح ملتقىً للمسلمين ومنتدىً لحواراتهم .وهو المكان الذي يبث من خلاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديثه النورانية فيصلح المعوج ، ويهدي الضال ، ويرشد الحائر ، وينفس عن المكروب ، كما أنه كان أيضاً كان بداية الانطلاقة لجيوش الإسلام التي فتحت مشارق الأرض ومغاربها ، في عهده وعهد من جاء بعده من خلفاء المسلمين .
…بل لقد كان المسجد منتدىً أدبياً ترسل منه الكلمة الصادقة ، ويُفتخر فيه بأمجاد المسلمين ، ويوجه الناس فيه إلى معالي الأمور والبعد عن ساقط القول ورديء الفعال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ مَرَّ حَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ حَسَّان : قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ : فَقَالَ :أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ . (1) .
__________
(1) رواه مسلم / حديث رقم (4539)(1/8)
…كما أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قد استغل المسجد ليجعله مكاناً لسجن الأسرى ، ولهذا مغزىً دعوي وتربوي مهم ، ألا وهو : أن يكون الأسير الكافر على قرب من رؤية مشاهد الصلاة والمصلين وهم يصطفون خلف إمام واحد في انتظام وخشوع وسكينة ، وليلحظ المسلمين وهم يرتادون هذا المسجد خمس مرات كل يوم ، ما بين مصلٍ ، وتالٍ للقرآن ، وداع باكٍ من خشيةِ الله . فإذا رأى الأسير هذه المشاهد كان لذلك أبلغ الأثر في نفسه ، ولعله أن يكون مدعاة لإسلامه ، كما فعل النبي _ صلى الله عليه وسلم _ مع ثمامة بن أثال (1) حين أوثقه في إحدى سواري المسجد ثلاثة أيام لينظر إلى المسلمين وهم يصلون وليسمع الذكر لعله أن يحيي ما مات في قلبه ، وقد حدث ذلك حين أعلن ثمامة إسلامه بعد أن شرح الله صدره للإسلام .(2)
مما سبق يظهر بجلاء مكانة المسجد في الإسلام وأهميته في تاريخ المسلمين ، وكيف عزت الأمة وعلا شأنها حين ارتبطت به روحياً وجسدياً ، أما حين تخلت عنه ، وحصرت مهمته في أداء الصلاة فحسب ؛عند ذلك وصلت إلى ما وصلت إليه من الذلة التي لا تخفى على كل ذي عقل وبصيرة .
__________
(1) هو : ( ثمامة بن أثال بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة بن النعمان بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة ابن الدؤل بن حنيفة بن لجيم الحنفي اليمامي سيد أهل اليمامة . أسره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أطلقه .حسن إسلامه ولم يرتد مع من ارتد من أهل اليمامة ، ولا خرج من الطاعة قط رضي الله عنه ) . ( المرجع : تهذيب الأسماء ، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف بن حزام ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان ، 1996م ، ج1ص 148)
(2) يرجع للحديث بطوله في صحيح البخاري / حديث رقم ( 4023 ) ، وصحيح مسلم / حديث رقم (3310)(1/9)
المطلب الثاني : المسجد الحرام ( مكانته وخصائصه )(1)
البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس في الأرض رفع قواعده إبراهيم عليه السلام .ومن ذلك اليوم رفع إبراهيم صوته في الناس بالحج ، وبلغ الله صوته إلى جميع البشرية فأصبح البيت مثابة للناس وأمنا ، إليه يفدون وله يعودون .
نراه على مدار الساعة لا يخلو من طائف ، أو راكع ، أو ساجد ، أو ذاكر لله ، أو متأمل متفكر. ومع هذا كله فالناس في شوق دائم إليه فلا يكادون يفارقونه حتى تهيم القلوب إلى لقياه والعودة إليه .
وقد خصه الله جل وعلا بخصائص ومميزات تختلف عن غيره من المساجد ، فزاد حبُّ الناس له وتعلقهم به، ومن تلك الخصائص :
1- أنه قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها . وقد أرضى الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال سبحانه: ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون )(2).
2- جعله الله جل وعلا مثابة للناس وأمنا فإليه تتجه قلوبهم ، وبه تتعلق أفئدتهم . ثم إن الحق جل وعلا جعل من دخله آمناً كما قال جل شأنه : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود )(3)
__________
(1) أُفرد هذا المطلب لما يتميز به المسجد الحرام بمكة عن سائر المساجد الأخرى ، ولما اختصه الله به من فضائل وميزات ليست لغيره .
(2) سورة البقرة ( الآية 144)
(3) سورة البقرة ( الآية 125 )(1/10)
3- زيادة أجر الصلاة فيه على غيره بأضعاف مضاعفة . فعن جابر_ رضي الله عنه_ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم _ قال : "صلاة في مسجدي أفضل من ألف فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في سواه " (1)
4- أنه كما تضاعف الأعمال الصالحة فيه فإن السيئات فيه تعظَّم ( ولا نقول : تضاعف ) ؛ لحرمة المكان ، قال الله تعالى: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) (2)
5- تحريم صيد ما به من طائر أو غيره على المحرم وغير المحرم، وهذا بالإجماع (3) )
6- لا يجوز قطع شجره وحشيشه الأخضرين البريين إلا الإذخر(4) )
فقد طلب العباس رضي الله عنه من النبي صلى الله أن يستثنيه نظرا لحاجة أهل مكة الشديدة له فأذن له ( (5) ) .
7- حرمة دخول الكفار له . قال الله جل وعلا : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله ممن فضله إن الله عليم حكيم ) (6)
8- لا يجوز أخذ لقطته إلا لمن أراد أن يعرفها أو يسلمها إلى ولي الأمر ولا يحل تملكها بحال من الأحوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا تحلُّ لقطتها إلا لمنشد " (7)
__________
(1) سنن ابن ماجة ، محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني ، دار الفكر ، بيروت ، رقم الطبعة وتاريخها ( بدون )
حديث رقم (1396).
(2) سورة الحج ( الآية 25)
(3) فقه السنة ، السيد سابق ، مكتبة الرشد، الرياض ، الطبعة الأولى 1422هـ ج1/599 .
(4) الإِذْخِرُ:" حشيش طيب الريح أَطول من الثِّيْلِ ينبت على نِبتة الكَوْلانِ، واحدتها إِذْخِرَةٌ، وهي شجرة صغيرة " ( المرجع : لسان العرب ، مصدر سابق ج 4 ص 303 )
(5) رواه البخاري/ حديث رقم ( 109)
(6) سورة التوبة (الآية 28)
(7) رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما / حديث رقم ( 3971)(1/11)
9- المسجد الحرام أحد المساجد الثلاثة التي يجوز شد الرحال إليها ولا يجوز شد الرحال إلى غيرها لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : " لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى" ( (1) )
10- حرمة القتال فيه إلى يوم القيامة . قال أبو هريرة _ رضي الله عنه _ : ( لما فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنها لن تحل لأحد كان قبلي وإنها أحلت لي ساعة من نهار وإنها لن تحل لأحد بعدي فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يفدى وإما أن يقتل " (2)
المبحث الثالث
فضل المشي إلى المسجد واستشعار العبودية في ذلك
لا إشكال في تفضيل المشي إلى المسجد على الركوب ، لا لذات الخطا وإنما لتكثير الحسنات ؛ لأن _النبي صلى الله عليه و عن سلم _قد بين فضيلة المشي إلى المسجد ورغب في ذلك كثيراً، فمن ذلك :
عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قلنا بلى يا رسول الله . قال : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة إلى الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط )(3)
عن أبي موسى الأشعري _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم )(4)
__________
(1) رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ / حديث رقم (2383)
(2) رواه مسلم / حديث رقم ( 988)
(3) رواه مسلم / حديث رقم ( 369)
(4) رواه البخاري / حديث رقم (614) ، ومسلم / حديث رقم (1064) .(1/12)
عن أبيِّ بن كعب _ رضي الله عنه _ قال : ( كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد إلى المسجد منه وكان لا تخطئه صلاةً ، فقيل له : لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء . قال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي ) .فأخبر النبي عليه السلام بذلك فقال : " قد جمع الله لك ذلك كله "(1) )
عن جابر بن عبدالله _ رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ لبني سلمه حين أرادوا القرب من المسجد لبعد بيوتهم : " يابني سلمة : دياركم تكتب أثاركم ، يابني سلمة : دياركم تكتب أثاركم "(2) .
عن بريدة الأسلمي _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " (3) )
__________
(1) رواه مسلم/ حديث رقم ( 1065) .
(2) رواه مسلم / حديث رقم (1068)
(3) سنن الترمذي ، محمد بن عيسى الترمذي ، دار إحياء التراث العربي ،بيروت ، الطبعة (بدون ) ، 1983م /حديث رقم ( 207) ، وصححه أحمد شاكر والألباني ( المرجع : صحيح سنن ابن ماجة ، محمد ناصر الدين الألباني مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ،الرياض ، الطبعة الثانية ، 1422 هـ ، ج1 ص130).(1/13)
ذكر الشيخ البهوتي أن السنة في حق الماشي إلى المسجد أن يقارب بين خطاه لتكثر حسناته (1) مستدلاً بما رواه عبد بن حميد عن زيد بن ثابت قال : أقيمت الصلاة وخرج رسول الله يمشي وأنا معه فقارب بين الخطا فقال لي : " تدري لم فعلت هذا " ؟ لتكثر خطاي في طلب الصلاة " (2) .
وعلى المسلم حين يخرج من بيته إلى المسجد أن يستشعر تلك الخطوات التي يمشيها ، وأنها عبادة يتقرب بها إلى الله . وحين يطرق سمعه نداء الإيمان ( حي على الصلاة ) فإن الواجب عليه أن يهب سريعاً ملبياً ذلك النداء الذي يخاطب القلوب قبل الأسماع . فيتوضأ ويلبس الجميل من ثيابه لأنه ذاهب ليقابل ربه حين يقف في صلاته . فلا بد له من استشعار ذلك جيداً ، فالذي سيقابله ليس مسئولاً ولا ملكاً من ملوك الأرض ،بل هو سيد الملوك وصاحب الملك والجبروت .
__________
(1) كشاف القناع ، منصور بن يونس البهوتي ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة ( بدون ) 1402هـ ج1ص938
(2) الترغيب والترهيب ، عبدالعظيم بن عبدالقوي المنذري أبو محمد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ،الطبعة ( الأولى ) ، 1417هـ ، ج 1ص131 ولكن قال الهيثمي عن هذا الحديث: " فيه الضحاك بن نبراس وهو ضعيف ، ورواه موقوفاً على زيد بن ثابت ورجاله رجال الصحيح " (المرجع : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، محمد بن أبي بكر الهيثمي ، تحقيق:محمد عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1422 هـ ج 2 115 ) ثم وجدت كلاماً للألباني تعقب فيه الهيثمي في كلامه السابق يضعف فيه حتى هذا الإسناد الموقوف على زيد _ رضي الله عنه _ حيث قال : " في إسناد الموقوف عند الطبراني من يروي البواطيل كما قال ابن عدي ، ومع ذلك تجاوزه الهيثمي فقال : " رجاله رجال الصحيح !! " ( المرجع :سلسلة الأحاديث الضعيفة ،محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف ، الرياض ،الطبعة (الأولى )1421هـ ج1ص 111)(1/14)
فإذا خرج من بيته ردد ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله حين يريد الخروج إلى المسجد بقوله : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَعَظِّمْ لِي نُورًا "(1) ويحتسب عند ذلك خطواته ، فله بكل خطوة حسنة ، وبالأخرى محو سيئة حتى يصل إلى بيت الله ، والشوق يدفعه ، والحنين إلى المسجد يسوقه . فقلبه معلق بذلك المسجد الذي تهوي إليه أفئدة المؤمنين ، وترتاح فيه نفوس الصالحين ، وتطمئن له قلوب المتقين , فهنيئاً له هذا التعلق المحمود ؛ لأن جزاءه الاستظلال بظل عرش الرحمن يوم البعث والنشور حين تدنو الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل . في ذلك الموقف يكون هو من المستظلين بظلال العش الوارف .قال صلى الله عليه وسلم : ( سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ( وذكر منهم ) : ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد )(2).
__________
(1) رواه مسلم من حديث ابن عباس رقم (1274 )
(2) رواه البخاري برقم (6308 ) ومسلم برقم ( 1712) كلاهما من حديث أبي هريرة(1/15)
قال الإمام أحمد _ رحمه الله_ : " واعلموا أن العبد إذا خرج من منزله يريد المسجد يأتي الله الجبار الواحد القهار العزيز الغفار ،وإن كان لا يغيب عن الله تعالى حيث كان ولا يعزب عنه مثقال حبةٍ من خردل ولا أصغر من ذلك ولا أكبر في الأرضين السبع ولا في السموات السبع ولا في البحار السبعة ولا في الجبال الصم الصلاب الشوامخ البواذخ وإنما يأتي بيتا من بيوت الله يريد الله ... فإذا خرج من منزله فليحدث لنفسه تفكراً وأدباً غير ما كان عليه وغير ما كان فيه قبل ذلك من حالات الدنيا وأشغالها وليخرج برغبة ورهبة وبخوف ووجل وخضوع وذل وتواضع لله عز وجل )(1)
المبحث الرابع
حث الشرع على بناء المساجد والعناية بها
لقد حرص الشرع المطهر على بناء المساجد وعمارتها ، ورتب عظيم الأجور لعمّارها ؛ لما لذلك من أثر فعال وإيجابي في حياة المسلمين .
وعمارة المساجد وبناؤها المأمور بها في الشرع تنحصر في جانبين :
الأول : العمارة الحسية
ويعنى بها بناء مكان يأوي إليه الناس ليصلوا فيه ويتعبدوا ربهم تحت جدرانه .
وقد ثبت جملة من النصوص الشرعية تحث على بناء المساجد والعناية بشؤونها وحفظها من الأوساخ والأدران ، ومنع السفهاء والغوغاء من الإضرار بها ، فمن تلك النصوص :
قال تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشى إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المفلحين )(2) .
وحذر من إفسادها فقال: ( ومن أظلم ممن منع مساجد أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزيٌ وفي الآخرة عذابٌ عظيم )(3)
__________
(1) شرح العمدة في الفقه ، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الدمشقي ، دار العبيكان ،الرياض ،الطبعة ( الأولى ) ، 1413هـ، ، ج2 ص 602
(2) سورة التوبة ( الآية 18)
(3) سورة البقرة ( الآية 114)(1/16)
عن عائشة _ رضي الله عنها _ قالت : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب " (1) .
عن جابر بن عبد الله _رضي الله عنهما_ قال : قال _ صلى الله عليه وسلم _ : " من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة (2) بنى الله له بيتاً في الجنة " (3)
قال ابن حجر : " حمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه " (4) )
الثاني : العمارة المعنوية
والمراد بها أداء الصلاة فيها والاعتكاف وقراءة القرآن وذكر الله ، واتخاذا منطلقاً للتوجيه والتربية ونحو ذلك . فالبناءان ( الحسي والمعنوي ) لا ينفكان عن بعضهما .
أما مجرد عمارة المسجد وزخرفته والتباهي بحسن بنائه وتصميمه مع خلوه من العباد والمصلين فليس مراداً في الشرع كما هو حاصل في كثير من بلاد الإسلام اليوم ، ولله درّ القائل :
منائركم علت في كل حيٍّ ومسجدكم من العبّاد خالي
وجلجلة الأذان بكل فجٍّ ولكن أين صوتٌ من بلالِ(5)
ومما جاء من النصوص الشرعية التي تحث وترغب في عمارة المسجد بالمفهوم المعنوي السالف الذكر :
__________
(1) سنن أبي داود ، أبو سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي ، المكتبة العصرية ، بيروت ،الطبعة وتاريخها (بدون ) / حديث رقم ( 384)
(2) قال الأزهري :" مَفْحَصُ القطاة: حيث تُفَرِّخ فيه من الأَرض " ( لسان العرب ، مصدر سابق ج7 ص 63)
(3) رواه ابن ماجة رقم ( 603) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة 1 / 124
(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، دار المعرفة ، بيروت ، رقم الطبعة ( بدون ) ، تاريخها 1379م ج 1ص 545.
(5) البيتان للشاعر محمد إقبال : وهو شاعر هندي الأصل والجنس والمولد ، ولد في البنجاب عام 1877م ( المرجع : مملكة البيان ، عائض القرني ، دار ابن حزم ، الرياض ، الطبعة والتاريخ ( بدون )(1/17)
قال تعالى :( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)(1)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح" (2)
عن أني هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قلنا : بلى يا رسول الله .قال : " إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط " (3)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم :" إذا توضأ أحدكم فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد ، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه ، وتصلي عليه ( يعني الملائكة ) ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه : اللهم اغفر له اللهم ارحمه مالم يحدِث فيه "(4)
والنصوص في هذا الباب متوافرة شهيرة ، وليس المقام مقام تقصٍّ وتتبُّع ؛ وإنما هو إشارة ومَلَْمح .
المبحث الخامس
الإسراع إذا أقيمت الصلاة
حين تقام الصلاة : هل يشرع للمسلم أن يسرع ويسعى في ذهابه للمسجد أم يمنع من ذلك ؟
هذه المسألة فيها خلاف قديم حتى بين الصحابة _ رضي الله عنهم _ :
فالقول الأول: الجواز
__________
(1) سورة النور( الآية 36 ، 37)
(2) رواه البخاري/ حديث رقم ( 622)
(3) رواه مسلم / حديث رقم (369)
(4) رواه البخاري / حديث رقم (457)(1/18)
وبعضهم خص جواز الإسراع فيما إذا كان سيدرك تكبيرة الإحرام . وقد حد شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ إدراك تكبيرة الإحرام في حالة ما إذا كان المأموم خلف الإمام وقت تكبيرة الإحرام، أما إذا لم يدرك المأموم الإمامَ حالة تكبيرة الإحرام فلا يكون مدركا لها.
وهذا القول ( أعني جواز السعي إلى الصلاة طمعاً في إدراك تكبيرة الإحرام ) هو قول ابن عمر ، كما نقله عنه ابن عبد البر (1) ، وروي ذلك عن عمر نفسه وابن مسعود كما ذكره ابن رشد (2) ، وهو قول الإمام مالك _رحمه الله_ إلا أنه اشترط عدم السعي والعدو . وقال بهذا القول شيخ الإسلام ولكن قيده بما إذا كان بإمكانه إدراك تكبيرة الإحرام وبشرط ألا يكون ذلك بعجلة تقبح (3) . وقد حكى ابن قدامة أنه قول الإمام أحمد(4) .
ودليلهم : ما روي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يعجلون إذا تخوفوا فوات التكبيرة الأولى وطمعوا في إدراكها.وبعضهم يستدل بقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )(5)
القول الثاني : منع الإسراع على كل حال :
__________
(1) فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبدالبر، محمد بن عبدالرحمن المغراوي ، مجموعة التحف النفائس الدولية ، الطبعة ( الأولى ) ، 1416هـ ج5 ص 63
(2) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد القرطبي ، تحقيق ماجد الحموي ، دار ابن حزم ، بيروت ، الطبعة (الأولى ) ،1416 هـ ج 1 ص 213
(3) شرح العمدة ، مرجع سابق ج 2ص 596
(4) المغني في الفقه الحنبلي ، عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أبو محمد ،دار هجر، القاهرة ،الطبعة ( الثانية ) 1412هـ ج 2 ص 116
(5) سورة الجمعة ( الآية 9 )(1/19)
وهو مروي عن أنس بن مالك وأبي ذر وزيد بن ثابت. ودليلهم : ما جاء عن أبي هريرة _رضي الله عنه _ قال: قال صلى الله عليه وسلم : " إذا ثوِّب بالصلاة (1) فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة ) (2) ّ
وجاء عن أبي قتادة _ رضي الله عنه _قال :( بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال :" ما شأنكم" ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : " فلا تفعلوا إذا أتيتم إلى الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" (3) ).
وهذا القول فيما يظهر هو القول الصحيح والأقرب لعموم الأحاديث التي تنهي عن الإسراع أو السعي في الإتيان إلى الصلاة ، ولو كان هناك تخصيص في جواز السعي لمن طمع في إدراك تكبيرة الإحرام لذكره النبي صلى الله عليه وسلم للذين أحدثوا جلبة وصوتا . وهذا كثير في أحاديثه عليه السلام كقوله _ صلى الله عليه وسلم _ : " أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (4) . فهنا خص الصلاة المكتوبة .
ومثل ذلك حديث :" لا تفعلوا إلا بفاتحةِ الكتاب " (5) ) فاستثنى هنا الفاتحة .
__________
(1) أي نودي بالإقامة
(2) الموطأ ، مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي ، دار إحياء التراث العربي، القاهرة ، الطبعة وتاريخا ( بدون )
/ حديث رقم ( 137)، ورواه مسلم / حديث رقم (947) .
(3) رواه البخاري / حديث رقم ( 595) ، ورواه مسلم / حديث رقم (636)
(4) المسند ، أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة ، رقم الطبعة وتاريخها ( بدون )/ حديث رقم ( 20637) ، ورواه البخاري / حديث رقم (5648) كلاهما عن زيد بن ثابت رضي الله عنه .
(5) السنن الكبرى ، أحمد بن شعيب أبو عبدالرحمن النسائي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة ( الأولى ) ، 1991م / حديث رقم ( 902) ورواه البخاري / حديث رقم ( 714)كلاهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه .(1/20)
وأما من قال من الصحابة خلاف ذلك فلعله لم يبلغهم الحديث . ولا فرق في ذلك بين صلاة الجماعة : فرضا كانت كالصلوات الخمس ، أو نفلا كالعيدين والكسوف والتراويح ، أو كان ذلك في صلاة الجمعة ؛ فالإسراع منهي عنه على كل حال جملة وتفصيلاً ؛ لعدم تخصيص حال دون حال كما سبق ، والله أعلم .
وأما من استدل بالآية السالفة :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ... ) فيمكن أن يجاب على استدلالهم بأن يقال : إنه ليس المراد بلفظ ( السعي ) في القرآن العدو والركض دائما ؛ بل قد يأتي بغير هذا المعنى .ومما يدل على ذلك : قوله تعالى : ( إن سعيكم لشتى ) (1) ) أي : عملكم . وقوله : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم )(2) ) والسعي حتما لا يراد به هنا الجري والركض ؛ بل المراد الاستمرار في سلوك الفساد ونشره في الأرض . وكذلك الحال في الآية التي استدل بها القائلون بجواز السعي فإن السعي الوارد في الآية يراد به :المبادرة بالعمل ، وليس الجري والعدو . (3)
المبحث السادس
مشروعية تشبيك الأصابع حين الخروج إلى المسجد
تشبيك الأصابع على أربعة أحوال :
الحال الأولى : عند ذهابه إلى المسجد .
الحال الثانية : في المسجد قبل الصلاة .
الحال الثالثة : أثناء الصلاة .
الحال الرابعة : بعد الصلاة في المسجد .
__________
(1) سورة الليل ( الآية 4)
(2) سورة المائدة ( الآية 33)
(3) تفسير القرطبي ، محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ، تحقيق أحمد البردوني ، دار الشعب ، القاهرة ، الطبعة الثانية، 1372هـ ج 18 ص 101(1/21)
أما الحالات الثلاث الأولى فقال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية : " أما التشبيك بين الأصابع فيكره من حين يخرج ، وهو في المسجد أشد كراهة ، وفي الصلاة أشد وأشد" (1).
والدليل على كراهة تشبيك الأصابع حين الخروج من المسجد :
1- ما رواه كعب بن عجرة _ رضي الله عنه _ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكنَّ بين يديه فإنه في صلاة " (2)
2- ما روي عن ابن عمر _ رضي الله عنهما_ أنه قال في الذي يصلي وهو مشبك أصابعه : " تلك صلاة المغضوب عليهم " (3) ).
أما الحالة الرابعة وهي : تشبيك الأصابع بعد الصلاة فلا بأس بذلك . والدليل على ذلك :
مَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رضي الله عنه _ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَوَضَعَ خَدَّهُ الأيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى ، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالُوا : قَصُرَتِ الصَّلاةُ ،... الحديث ). (4)
الفصل الثاني
حرمة المسجد وخصوصيته
المبحث الأول : المسألة والتبايع في المسجد
المبحث الثاني : دخول الحائض والجنب للمسجد
المبحث الثالث : حضور من أكل البصل والثوم إلى المسجد
__________
(1) شرح العمدة ، مرجع سابق ج2 ص 607
(2) رواه أبو داود / حديث رقم ( 2526) وصححه الألباني (المرجع : صحيح سنن أبي داود ،محمد ناصر الدين الألباني ،مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ،الرياض ، الطبعة الثانية ، 1422 هـ ، ج1ص 112 )
(3) رواه أبو داود / حديث رقم ( 842)
(4) رواه البخاري / حديث رقم (460)(1/22)
المبحث الرابع : حجز الأماكن في المسجد
المبحث الخامس: زخرفة المسجد ونقشه وتلوينه
المبحث السادس : دخول الكافر للمسجد
المبحث السابع : البصاق في المسجد
المبحث الأول : المسألة والتبايع في المسجد
وتندرج تحته المطالب التالية :
المطلب الأول : حكم نشدان الضالة
المطلب الثاني : حكم التبايع في المسجد
المطلب الثالث : دخول الغرف المبنية في المسجد في هذا الحكم
المطلب الرابع : حكم السؤال للفقير في المسجد
المطلب الخامس : حكم وضع الملصقات والإعلانات في المسجد
المطلب الأول : حكم نشدان الضالة
لقد حرم الشرع المطهر نشدان المرء ضالته أومفقوداته الشخصية في المسجد ؛ صيانة لحرمته ورفعة لمنزلته ؛ إذ إن المساجد لم تبن لهذا الشيء.
جاء في ( فتاوى اللجنة الدائمة ) " لا يجوز أن يسأل الإنسان عن شئ فقده في المسجد كبطاقته أو مفاتيح أو حيوان له أو حتى طفل ضائع " (1)
…والدليل على ذلك ما جاء عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( من سمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبنَ لذلك ) ( (2)
المطلب الثاني : حكم التبايع في المسجد
التبايع : هو البيع والشراء ، وجاء في لسان العرب : " ابتاعَ الشيء : اشتراه ، وأَباعه : عَرَّضه للبيع " (3) .
وحكم التبايع في المسجد كحكم نشدان الضالة ، وحرِّم لنفس العلة المذكورة ؛ لما جاء عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد
فقولوا : لا أربح الله تجارتك "( (4) )
المطلب الثالث : دخول الغرف المبنية في المسجد في هذا الحكم
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة : جمع وترتيب أحمد بن عبد الرزاق الدويش ، الإدارة العامة للطبع والترجمة ،الرياض، الطبعة الأولى ،1416 هـ ج 6 ص 282
(2) رواه مسلم / حديث رقم (880) .
(3) لسان العرب ،مصدر سابق ، ج 8 ص 25
(4) رواه الترمذي / حديث رقم (1242)(1/23)
أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء بما نصه : " أما الغرف ففيها تفصيل : فإن كانت داخلة في سور المسجد فلها حكم المسجد ... أما إن كانت خارج سور المسجد ولو كانت أبوابها فيه فليس لها حكم المسجد ؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي تسكنه عائشة كان بابه في المسجد ولم يكن له حكم المسجد )(1)
وقال الشيخ ابن عثيمين حين سئل عن الغرفة المبنية لتكون مكتبة للمسجد هل لها حكم المسجد : " إذا كانت هذه المكتبة مقتطعة من المسجد فهي من المسجد وإذا كانت بنيت لا على أنها من المسجد ، مثل أن يكون هذا الرجل اشترى أرضاً وتملكها ثم خطط فقال : هذه للمكتبة وهذا للمسجد فليس لها حكم المسجد سواء كان بابها داخل المسجد أو خارج المسجد ... فإن كانت مقتطعة من المسجد فحكمها حكم المسجد : بمعنى أن الإنسان لو كان معتكفاً ثم دخل فيها فإنه لا يبطل اعتكافه ، ولو أنه كان على جنابة فإنه لا يلبث فيها إلا بوضوء ولا يصح فيها بيع ولا شراء)(2).
المطلب الرابع : حكم السؤال للفقير في المسجد
لا شك أن تكفف الناس وسؤالهم أموالهم مما لا يليق بالمسلم ؛ ولهذا نهى الشرع عن ذلك ونفَّر منه .فعن عَبْداللَّهِ بن عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ "( (3) )
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة، مرجع سابق، ج 6 ص 282
(2) فتاوى في تربية الشباب ( أجاب عنها الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين ) ، جمعها: عادل بن محمد آل عبدالعالي ، الدار ( بدون ) ، الطبعة الأولى 1418 هـ ص 23
(3) رواه البخاري / حديث رقم 1381(1/24)
ولكن لو احتاج إلى ذلك حاجة حقيقية ولم يكن له قدرة على تحصيل المال فلا حرج حينئذٍ .ولا فرق _ والحال ما ذُكِر _ بين أن يكون السؤال في المسجد أو في غيره ؛ حيث لم يرد ما يمنع من ذلك شرعاً .قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ؛ فإن كان به ضرر وسأل في المسجد ولم يؤذِ أحداً بتخطية رقاب الناس ولا غير تخطية ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهراً يضر بالناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب ، أو وهم يستمعون علماً يشغلهم به ونحو ذلك جاز )(1)
المطلب الخامس : حكم وضع الملصقات والإعلانات في المسجد
قال الشيخ ابن جبرين : " أما الإعلانات التجارية فلا يجوز إدخالها إلى المسجد ولا في المكتبة الخيرية التي هي تابعة للمسجد ، وأما الإعلانات التي فيها شيء من الفائدة كإعلانات عن دروس أو عن محاضرات مثلاً أو عن حملة لا يقصد منها إلا النفع العام للذين يسجلون فيها أو عن مميزات كتب أو نشرة علمية أو معرض كتب أو ما أشبه ذلك ، فمثل هذا سيستعان به على الخير فلا مانع أن يعلن عنها " (2)
المبحث الثاني
دخول الحائض والجنب للمسجد
ويندرج تحته المطالبان التاليان :
المطلب الأول : حكم دخول الحائض والجنب المسجد
المطلب الثاني : مرور الحائض والجنب بالمسجد من غير مكث فيه
المطلب الأول : حكم دخول الحائض والجنب المسجد
…يحرم على الجنب البقاء في المسجد ، وذلك لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا )( (3) )
__________
(1) فتاوى للجنة الدائمة ، مرجع سابق ، ج6 ص 282
(2) فتاوى في تربية الشباب ، مرجع سابق ، ص 25
(3) سورة النساء (الآية 43)(1/25)
قال الإمام الشافعي _ رحمه الله_ : " قال بعض أهل العلم بالقرآن معناه : لا تقربوا مواضع الصلاة ... لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد "(1).
…وأما دليل منع الحائض من المكث في المسجد فحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي النبي _ صلى الله عليه وسلم _ : " ناوليني الخمرة ( يعني السجادة ) من المسجد " قالت : إني حائض ، قال : " إن حيضتك ليست في يدك " ( (2) ).
فقولها : ( إني حائض) دليل على أنه قد استفاض عند الصحابة العلم بمنع الحائض من البقاء في المسجد، لكن عائشة _ رضي الله عنها _ ظنت أن دخول المسجد ولو بنية عدم المكث فيه مما تمنع منه الحائض أيضاً، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الفهم غير صحيح .
وأما حديث : ( إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) ( (3) )
فالصحيح أنه حديث لا يثبت عن الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ كما حقق ذلك العلامة الألباني .(4)
لكن ألا يوجد استثناء من هذا الحكم ؟
الصحيح أن الجنب يمكن استثناؤه من هذا الحكم لكن بشرطين :
إذا كان ذلك لحاجة : كحضور درس أو الاحتماء من برد أو غبار ونحو ذلك .
إذا توضّأ وضوءه للصلاة ؛ لأن الوضوء يخفف الجنابة وإن كان لا يزيلها بالكلية .
والدليل على ذلك ما جاء عن عطاء بن يسار قال : " رأيت رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة " (5) )
__________
(1) الأم ، محمد بن إدريس الشافعي ، دار المعرفة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1393هـ ج1 ص 54
(2) رواه مسلم / حديث رقم (450)
(3) رواه أبو داوود/ حديث رقم (201)
(4) ضعيف أبي داود ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، الطبعة الثانية 1421 هـ ص 21
(5) سنن سعيد بن منصور ، سعيد بن منصور ، تحقيق : سعد الحميد ، دار العصيمي ، الرياض ، الطبعة الأولى ،1414هـ/ حديث رقم ( 646 )(1/26)
أما الحائض فهل يجوز لها ذلك أم لا ؟
الذي يظهر أنه يقاس حالها على حال الجنب فيجوز لها ذلك لكن بالشروط التي سلف ذكرها في حق الجنب مضافا إليها شرط ثالث وهو :أن تضع ما تأمن به تلويث المسجد .
المطلب الثاني : مرور الحائض والجنب بالمسجد من غير مكث فيه
الصواب أن ذلك جائز في حقهما إذا احتاجا إلى ذلك بدليل ما ذُكر في نهاية الآية السالف ذكرها وهي قوله تعالى : ( ولا جنباً إلا عابري سبيل ) ،وهذا في حق الجنب .
أما بالنسبة للحائض :فالدليل على إباحة مرورها بالمسجد لحاجة حديث عائشة السابق حين أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار الخمرة من المسجد .(1) )
المبحث الثالث
حضور من أكل البصل والثوم إلى المسجد
…
…لا شك أن المسلم مأمور بأن تكون رائحته طيبة في عموم أحواله ، إلا أن ذلك الأدب الإسلامي يزداد تأكيده إذا أراد الخروج إلى المسجد.
فعلى المسلم أن يبتعد عن كل ما يجلب له كريه الروائح .فهو مأمور بالتنظف ، وأيضا مأمور بترك أكل أو شرب أو استعمال كل ما تنبعث منه روائح كريهة ؛ لأنه بفعله هذا يعطي صورة غير لائقة بالمسلم . إضافة إلى أنه قد يؤذي غيره بهذه الروائح ، ولهذا فإن الشرع قد نهى عن تناول شئ من المأكولات التي تُصدر روائح مستَكرَهه لمن سيحضر الجماعة .
…وبالتالي فلا يجوز حضور الجماعة لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كل ما له رائحة كريهة . والأدلة على ذلك ما يلي :
1- عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكل من هذه الشجرة _ يريد الثوم _ فلا يغشانا في مساجدنا " (2) ).
2 -وعنه رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " من أكل البصل و الثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " (3) .
المبحث الرابع
__________
(1) سبق تخريجه ص 28 من هذا البحث .
(2) رواه البخاري/ حديث رقم ( 806) ، ومسلم / حديث رقم ( 870) .
(3) رواه مسلم / حديث رقم ( 874)(1/27)
حجز الأماكن في المسجد
اعتاد بعض الناس وضع سجادة أو بساط أو عصا في المساجد وهي ظاهرة تكثر في المسجد الحرام على وجه الخصوص بشكل لافت للنظر. وهذا الفعل مخالف لنصوص الشريعة من عدة وجوه :
أولاً : أن المسلم مأمور أن يتقدم إلى المسجد بنفسه لا بسجادته وعصاه .
ثانياً : أنه ربما أحدث فراغاً في الصفوف إذا أقيمت الصلاة ولم يأتِ صاحب هذه الفُرُش ؛ لأن كثيراً من الناس لا يصلي عليها بحجة أنه هناك من حجز هذا المكان !!
ثالثاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يوطِّن الرجل في المكان في المسجد كما يوطِّن البعيرُ (1) ) .
وكثير من هؤلاء الذين يحجزون الأماكن لهم يجعلونها في مواقع ثابتة لا تتغير .
لكن ينبغي أن نذكر ههنا أن النهي عن لزوم مكان واحد في المسجد هو خاص بصلاة الفريضة في المسجد ، أما أداء الفريضة في البيت أو النافلة سواء في المسجد أو البيت فلا حرج في أن يلزم المرء في أدائها مكان ثابتا . ومما يدل على ذلك :
1- ما جاء في حديث عتبان بن مالك الأنصاري وفيه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكاناً أتخذه مصلى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفعل"( (2) )
2- عن يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف ، فقلت : يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة ؟ قال : فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها (3) .
رابعاً : أن صاحب هذه الفرش يجعله يتّكل عليها فلا يحضر مبكراً إلى المسجد ، لأنه قد ضمن المكان سلفا ، وهذا فيه مخالفة للمسارعة والتبكير إلى الطاعات والقُرَب .
__________
(1) رواه أبو داوود / حديث رقم 731 ) ومعنى : " يوطّن في المكان" أي : يتخذ بقعة ثابتة له يعرف بها فكأنها صارت له موطنا .
(2) رواه البخاري / حديث رقم (407 ) .
(3) رواه البخاري / حديث رقم ( 472 ) .(1/28)
لكن يستثنى مما سبق في النهي عن حجز مكان في المسجد أمران :
من تقدم إلى المسجد وفي نيته انتظار الصلاة ثم عرض له عارض من وضوء ونحوه فقام فلا حرج عليه في وضع عصا أو سجادة حتى يرجع لأنه أحق بهذا المكان ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " (1) ) .
من وضع عصاه أو سجادته في مكان في المسجد هو في الأصل موجود فيه كالمعتكف
مثلاً فلما أقيمت الصلاة تقدم وأكمل الصفوف فإن له حق الرجوع إلى مكانه بعد الصلاة .
وأما من جاء ووجد مكاناً محجوزاً فماذا يصنع ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ليس لأحد أن يتحجر من المسجد شيئاً لا سجادة يفرشها قبل حضوره ولا بساطاً ولا غير ذلك ، وليس لغيره أن يصلي عليها بغير إذنه ، لكن يرفعها ويصلي مكانها في أصح قولي العلماء " (2)
المبحث الخامس
زخرفة المسجد ونقشه وتلوينه
…أباح بعض أهل العلم زخرفة المساجد ونقشها وتلوينها ؛ لما فيه من تعظيم المساجد والرفع من شأنها (3) وأغلب أهل العلم يقولون بالكراهية ، بل عدّ الشوكاني ذلك بدعة (4) . وقد وردت نصوص وآثار تدل على أن زخرفة المساجد من الأمور المنكرة في الشرع منها :
__________
(1) رواه مسلم / حديث رقم ( 4047).
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، مطبعة الرسالة ، بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ ج 22 ص 193
(3) أشراط الساعة ، يوسف بن عبدالله الوابل ، دار ابن الجوزي ، الدمام ، الطبعة الثامنة 1418 هـ ص 147
(4) نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار ، محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، تحقيق وضبط د/ كمال الجمل وآخرون، مكتبة الإيمان ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1419 هـ ج 2 ص 448(1/29)
عن أنس رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " (1)
قال ابن عباس _ رضي الله عنهما _ : " لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " وقال أنس _ رضي الله عنه _ : " يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلاً " (2).
3- لما أمر عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ البنَّاء بتجديد المسجد النبوي قال له : " أكنَّ الناس ( أي: استرهم واحفظهم ) من المطر ، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس)(3) .
4- عن أبي الدرداء _ رضي الله عنه _ قال : " إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم ) وفي رواية ( فالدبار عليكم " (4).
قال الشيخ يوسف الوابل تعليقاً على قول عمر : " رحم الله عمر ، فإن الناس لم يأخذوا بوصيته ولم يقتصروا على التحمير والتصفير بل تعدوا ذلك إلى نقش المساجد كما ينقش الثوب ، وتباهى الملوك والخلفاء في بناء المساجد وتزويقها حتى أتوا في ذلك بالعجب ... ولا شك أن زخرفة المساجد علامة على الترف والتبذير وعمارتها إنما تكون بالطاعة والذكر فيها ويكفي الناس ما يكنهم من الحر والقر والمطر )(5).
المبحث السادس
دخول الكافر للمسجد
أما المسجد الحرام بمكة فإن دخول الكافر إياه حرام بإجماع العلماء لصريح الآية التي تنهى عن ذلك قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) (6)
وعلى هذا فإنه يحرم على المسلمين أن يمكنوا أي كافر من دخول المسجد الحرام وما حوله من مما هو داخل في حدود الحرم .
__________
(1) رواه أحمد/ حديث رقم (11938) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة ج1ص 124 .
(2) رواهما البخاري /حديث رقم ( 378 ) .
(3) رواه البخاري تعليقا الباب(29).
(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف - الرياض ( 1415هـ ج 3ص 336
(5) أشراط الساعة ، مرجع سابق ، ص 147
(6) سورة التوبة ( الآية 28)(1/30)
وأما بقية المساجد فلم يرد في الشرع ما يمنع دخول الكافر إياها، بل ورد ما يدل على الجواز خاصة إذا كان هناك مصلحة شرعية أو حاجة تدعو إلى ذلك لسماع ما قد يدعوه إلى الدخول في الإسلام ، أوكان محتاجاً إلى الشرب من ماء المسجد أو ما أشبه ذلك فلا بأس به (1)
وقد كانت وفود المشركين تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ( المسجد النبوي ) ولم يرد في الأحاديث أنه كان يمنع أحداً منهم من الدخول . كما أنه ثبت عنه _ عليه السلام _ أنه كان يوثق بعض الأسرى في المسجد ليسمعوا الذكر والقرآن لعلهم أن يسلموا كما فعل مع ثمامة بن اثال _ رضي الله عنه . (2)
المبحث السابع
البصاق في المسجد
ويندرج تحته مطلبان :
المطلب الأول : حكم البصاق في المسجد
المطلب الثاني : حكم البصاق في أثناء الصلاة
المطلب الأول: حكم البصاق في المسجد
بداية يجوز أن يقال في اللغة : ( بصاق وبزاق وبساق) (3)
أما حكم البصاق في المسجد فالصحيح أنه لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " البصاق في المسجد خطيئة "(4) .ومن كان لا بد فاعلاً فعليه الكفارة ، والكفارة هي دفن هذا البصاق . لما جاء في تكملة الحديث السابق : " وكفارتها دفنها " .
ودفن البصاق أو النخام في المسجد يكون فيما إذا كانت أرضية المسجد ترابا أو حصباءً ، أما إن كانت صلبة أو مبلطة فيمسحها بما يزيلها بخرقة أو نحوها .
والأولى ألا يبصق المسلم في المسجد إلا لحاجة اعترضته فإن احتاج فعل مع كفارتها التي سلف ذكرها .
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة ، مرجع سابق ج6 ص 277
(2) سبق ذكر الحديث وتخريجه ، وترجمة ثمامة ص 10 من هذا البحث .
(3) مختار الصحاح ، عمر ابن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، دار الحديث ، القاهرة ، الطبعة والتاريخ ( بدون) .مادة ( بزق ) ج1 ص21
(4) رواه مسلم عن أنس بن مالك /حديث رقم( 715)(1/31)
أما من تركها بلا إزالة فقد ارتكب خطيئة وذنبا عليه أن يستغفر الله منه . فعن أبي ذر _ رضي الله عنه _ مرفوعاً قال : قال صلى الله عليه وسلم : " ووجدت في مساوئ أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن " (1) )
المطلب الثاني : حكم البصاق في أثناء الصلاة
وهو على حالين :
الحال الأولى :إذا كان يصلي مع جماعة
فإن اعترضه البصاق فإنه يبصق في ثوبه أو عمامته أو ردائه ويحكه ببعضه حتى يذهب أثره . والدليل ما جاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الصحابة إلى ذلك .(2)
الحال الثانية :إذا كان يصلي منفرداً
وقال : "إذا أقام أحدكم في صلاته فلا يبزق قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه ، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ورد بعضه على بعض " .
فهنا جاز له البصاق بشرط ألا يبصق أمامه ( باتجاه القبلة )ولا عن يمينه وإنما يبصق عن شماله أو تحت قدمه .
والدليل على منع المصلي من البصاق أمامه : ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق تجاه القبلة وقال : " إن الله قِبَل وجه المصلي " (3)
وقد عزل النبي صلى الله عليه وسلم إماماً لأنه بصق تجاه القبلة وقال له :" إنك قد آذيت الله ورسوله " (4).
وعن عبدالله بن عمر_ رضي الله عنهما_ مرفوعاً : " يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه "(5) . وحمل بعض أهل العلم هذه الأحاديث على المنع من البصاق تجاه القبلة في الصلاة أو غيرها في المسجد أو غيره كما ذكر ذلك الحافظ بن حجرالعسقلاني (6) .
__________
(1) رواه مسلم / حديث رقم ( 895)
(2) رواه البخاري / حديث رقم (400)
(3) رواه البخاري / حديث رقم (391) .
(4) رواه أبو داوود من حديث السائب بن جلاد / حديث رقم ( 407 )
(5) صحيح ابن خزيمة ، محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ،المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة ( بدون ) ، 1391هـ / حديث رقم ( 1313)
(6) نيل الأوطار، مرجع سابق ج2 ص 626(1/32)
…وأما الدليل على المنع من البصاق عن اليمين فهو حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق عن اليمين وقال : " إن عن يمينه ملكا "(1)
… وقد يورد على حديث أبي هريرة السابق إشكال في قوله : " إن عن يمينه ملكاً " ؛ حيث إنه من المعلوم أن على الشمال أيضا ملكاً فلماذا نهي عن البصاق جهة اليمين وأبيح جهة الشمال ؟
يجاب عن ذلك بأحد جوابين :
…الأول : أن يقال أن البصاق جهة اليسار مقيد بالصفة الآنفة الذكر وهي البصاق في الرداء .
…الثاني : أن يقال إن الملك الذي على اليمين أفضل ممن هو على الشمال لما جاء عن أبي أمامة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا عمل الشخص حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر )(2) .
…
الفصل الثالث
أحكام المصلي في المسجد
المبحث الأول : أحكام المسبوق
المبحث الثاني : مشروعية السترة وأحكامها
المبحث الثالث : تحية المسجد
المبحث الرابع : السلام على المصلي
المبحث الخامس: أداء المصلي لنافلة حال الإقامة
المبحث الأول
أحكام المسبوق
لا بد أن يعلم ابتداء أن على من أتى إلى المسجد والإمام يصلي أن يدخل معه على أية حال وجد الإمام . والدليل على ذلك ما يلي :
__________
(1) رواه البخاري/ حديث رقم(399)
(2) تفسير القرطبي ، مرجع سابق ، ج17ص10(1/33)
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : "إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا "( (1)…. قال ابن حجر : "واستدل به على استحباب الدخول مع الإمام في حالٍ وجد عليها" (2) .
2- عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إذا وجدتم الإمام ساجداً فاسجدوا ، أو راكعاً فاركعوا ، أو قائماً فقوموا ، ولا تعتدوا بالسجود إذا لم تدركوا الركعة " ( (3)
واليوم نرى كثيراً من الناس لا يدخل مع الإمام إلا إذا كان قائماً أو جالساً للتشهد وهذا قد حرم نفسه من خير كثير . فقد حرم نفسه من السجود الذي أجره عظيم وقد نقل عن بعض السلف قوله : ( لعله لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له ) ( (4) .
وأما التفصيل في أحوال المسبوق حين دخوله المسجد فكما يلي :
أولاً : أن يكون الإمام قائماً .
ويجب على المأموم هنا أن يدخل مع الإمام. والصلاة هنا على حالين :
1- إذا كانت الصلاة جهرية : فعلية أن ينصت بعد أن يكبر تكبيرة الإحرام حتى يفرغ الإمام من الفاتحة لأنه مأمور بالاستماع والإنصات لقراءة الإمام . فإذا انتهى الإمام من قراءة الفاتحة فإنه يقرأ دعاء الاستفتاح ثم يتعوذ ويبسمل ويقرأ الفاتحة إن ظن أن ذلك يكفيه قبل شروع الإمام في القراءة بعد الفاتحة . وفي الغالب أنه لا يكفيه ، وإن كان الأمر كذلك فيترك الاستفتاح ويشرع في الفاتحة مباشرةً .
__________
(1) رواه مسلم / حديث رقم (944)
(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني . تحقيق عبد العزيز بن باز ، دار المطبعة السلفية، القاهرة ، الطبعة الثالثة 1407 هـ ، ج2ص140
(3) السلسة الصحيحة ، مرجع سابق ، ج3ص.
(4) المغني ، مصدر سابق ،ج 2 ص 184(1/34)
فإن شرع الإمام في القراءة وهو لا يزال يقرأ الفاتحة فهل يتمُّها أم يقف ؟ الراجح : أنه يتوقف عن القراءة ليستمع لقراءة الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الإمام ليؤتَمَّ به ، فإذا كبّر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا " ( (1)
2) إذا كانت الصلاة سرية: فإنه كذلك يدخل مع إمامه فإن غلب على ظنه أن الوقت سيكفيه للاستفتاح والتعوذ والبسملة وقراءة الفاتحة قبل ركوع الإمام فَعَل ، وإلا اقتصر على الفاتحة لأن قراءتها واجبة والاستفتاح سنة . فإن ركع الإمام قبل أن يتم المأموم الفاتحة ركع معه وسقطت عنه الفاتحة ويكون بذلك مدركاً للركعة .
وينبغي للمأموم في الصلاة السرية أ ن يقرأ بالسور الطوال أو عدداً من القصار إن كان لا يحفظ إلا هي وذلك في حالة إطالة الإمام الصلاة . فلا ينبغي له أن يقرأ سورة قصيرة ثم يسكت . قال ابن تيمية : " من سكت غير مستمع ولا قارئ في الصلاة لم يكن مأموراً بذلك ولا محموداً ؛ بل جميع الصلاة لا بد فيها من ذكر الله تعالى "( (2)
ثانياً : أن يكون الإمام راكعاً :
وهنا يكون المأموم مدركاً للركعة إن لم يستتم الإمام واقفاً ، أما إن استتم واقفاً فلا يعد المأموم مدركاً للركعة معه .
وقد حدد أهل العلم ضوابط يمكن بها معرفة إدراك الركعة من عدم إدراكها :
قال الإمام أحمد :" إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك "(3) .
وقال ابن قدامة :" إذا انتهى إلى قدر الإجزاء من الركوع قبل أن يزول الإمام عن قدر الإجزاء فهذا يعتد له بالركعة ويكون مدركاً لها ، فأما إن كان المأموم يركع والإمام يرفع لم يجزه " (4) )
__________
(1) رواه البخاري/ حديث رقم ( 365)
(2) مجموع الفتاوى ، مرجع سابق ج22 ص 296
(3) ، المغني ، مصدر سابق ج 2 ص 182
(4) السابق ج2 ص296(1/35)
وقال الشيخ ابن باز : " إذا أدرك المأموم الإمام راكعاً أجزأته الركعة ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام . لعموم قوله _ صلى الله عليه وسلم _ : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) خرجه مسلم في صحيحه . ومعلوم أن الركعة تدرك بإدراك الركوع " ( (1) .
إذاً فمن خلال ما سبق نقله من أقوال لأهل العلم يظهر أن المأموم إن ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة . والمقصود بالركوع أن يمكن يديه من ركبتيه كما سبق عن الإمام أحمد . وقد جاء عن أبي هريرة مرفوعاً : " من أدرك ركعة في الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه "(2) .
ومن دخل والإمام راكع فهو بالخيار إن شاء كبر للإحرام ثم كبر للركوع ، وإن شاء اكتفى بتكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع لكنّ هناك شرطا مهما وهو: أن يكبر للإحرام وهو واقف لا وهو راكع ؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة ، وهذه نقطة مهمة يجب الانتباه لها . ولذلك قال الإمام أحمد " على الداخل أن يكبر للإحرام قائماً فإن أتى بها حال انحنائه للركوع لم يصح" ( (3) .
والسبب في إجزاء تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع هو أن حال الركوع يضيق في الغالب عن الجمع بين التكبيرتين ، وكذلك لاجتماع عبادتين من جنس واحد في محل واحد فأجزأ الركن وهو تكبيرة الإحرام عن الواجب وهو تكبيرة الركوع ، فكان كطواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع ( (4) .
وهنا تتبادر إلينا مسألة وهي حكم الركوع دون الصف ثم الدخول فيه ؟
والراجح في هذه المسألة هو جواز ذلك ، وهو قول زيد بن ثابت وقد فعله ابن مسعود وزيد ابن وهب وسعيد ابن جبير وغيرهم ( (5) .
__________
(1) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز، إعداد : عبدالله الطيار وأحمد بن باز، دار الوطن ، الرياض،الطبعة الأولى1416 هـ ج4 ص 434
(2) رواه ابن خزيمة / حديث رقم ( 1595)
(3) المغني ، مصدر سابق ج 2 ص 182
(4) السابق ج2 ص 183
(5) نيل الأوطار ، مرجع سابق ج 3 ص 158(1/36)
ولكن قد يقال : هذا من فعل الصحابي ، وفعله إذا خالف النص فلا يؤخذ به فلعله لم يبلغهم حديث أبي بكرة _ رضي الله عنه _ حين ركع دون الصف ، فقال له عليه السلام : " زادك الله حرصا ولا تعد " (1).
وهذا الرد فيه وجاهة لولا أن هناك حديثاً عن ابن الزبير يعضد القول الأول ، وهو أن عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبر : " إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعاً حتى يدخل في الصف فإن ذلك من السنة " ( (2) فقوله من ( السنة ) له حكم الرفع ، فدل ذلك على أن للداخل إلى المسجد والإمام راكع أن يركع دون الصف ثم
يدخل في الصف ورجح هذا القول من المعاصرين الشيخ الألباني ( (3) والشيخ البسام ( (4)
أما حديث أبي بكرة فلأهل العلم تأويلات في المقصود بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرة ، منها : أنه نهاه عن السعي ، قال ذلك ابن حجر (5) ولذلك روي بلفظ : ( لا تعدُ ) من العدو ، وليس لا تَعُد أي للفعل ، على أنه لو كان المقصود (لا تَعُد ) فإن المراد لا تعد للسعي . وقد ضبطت ( لا تُعِد) أي لا تعد الصلاة فهي صحيحة .(6) وعلى كلٍ فلعل الأقرب أن النهي لسعيه وعدوه ، والله أعلم .
ثالثاً : أن يكون الإمام ساجداً أو بين السجدتين :
__________
(1) رواه البخاري / حديث رقم ( 741) .
(2) مجمع الزوائد ، مرجع سابق ، ج2ص96 وصحح الحديث الألباني في ( السلسلة الصحيحة ) ، مرجع سابق ج1ص453
(3) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الثانية 1405 هـ ج2 ص 265
(4) توضيح الأحكام من بلوغ المرام، عبدالله البسام ، مكتبة النهضة الحديثة ، مكة المكرمة،الطبعة الثالثة 1417 هـ
ج2 ص 272
(5) الفتح ، مرجع سابق ، ج2ص269
(6) السابق ، ج2ص269(1/37)
وهنا أيضاً كما سبق فإنه ينبغي أن يدخل معه و لا يفوت على نفسه الخير والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فكبروا ولا تعدوها شيئاً " (1) .
وهنا مسألتان :
المسألة الأولى :
إذا دخل المصلي مع الإمام وهو ساجد وكبر تكبيرة الإحرام ثم انحط ساجداً فهل يكبر للسجود أم لا ؟
في المسألة قولان : القول الأول : لا يكبر ؛ لأن السجود هنا لا يحسب له به ركعة بخلاف الركوع . قال ابن قدامة : " إن إدراك الإمام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح وينحط بغير تكبير"(2).
والقول الثاني : يكبّر ؛ لأنه ولو لم تحسب له ركعة فقد حسبت له سجدة . وكل سجدة لها تكبير فيكبر حينئذٍ. ولأنه يلزمه متابعة الإمام إذا دخل في الصلاة والإمام قد كبر للسجود فعليه أن يكبر مثله .
المسألة الثانية :
ماذا يصنع لو كبر للصلاة والإمام ساجد ثم لما أراد المأموم أن يتبعه في السجود رفع الإمام رأسه ؟
الذي يظهر أنه يرجع معه و لا يسجد لفوات محل المتابعة حينما رفع الإمام رأسه .
رابعاً : إذا كان الإمام في التشهد الأخير :
على ما سبق ينبغي الدخول معه لعموم الحديث " فما أدركتم فصلوا " (3)
؛ لكن إن كان معه غيره فالأولى له أن ينتظر حتى يسلم الإمام ويصلون جماعة أخرى ، ولا يبدؤون بصلاتهم حتى يفرغ الإمام من صلاته لئلا تكون تقام جماعتان في وقت واحد . والسبب في عدم القول بدخوله معهم إذا كان معه غيرُه أو غلب على ظنه أنه سيأتي غيره أن الجماعة قد فاتته ؛ وهي تُدرك بالركعة كما في حديث أبي هريرة " من أدرك ركعة في الصلاة فقد أدرك "(4)
ويحسن بنا هنا أن ننبه إلى أمرين :
__________
(1) سبق تخريجه ص 39 من هذا البحث
(2) المغني ، مصدر سابق ، ج2 ص 183
(3) سيق تخريجه ص 20 من هذا البحث
(4) رواه البخاري / حديث رقم (545)(1/38)
الأمر الأول : يجوز على الصحيح من أقوال أهل العلم إقامة جماعة ثانية في المسجد وقد فعل ذلك أنس بن مالك وابن مسعود وهو قول عطاء .
وأما ما ورد عن بعض السلف من كراهية إقامة جماعة ثانية في المسجد وأنهم كانوا يصلون فرادى فلعله محمول على ما إذا اعتاد أناس إقامة جماعة دائمة في مسجد له إمام راتب يصلون وحدهم ويخرجون وحدهم فهذا لا يجوز لأنه يؤدي إلى تفريق الكلمة وهو سبب لاختلاف القلوب .
ومما يدل على جواز إقامة جماعة ثانية في المسجد ( أن رجلاً جاء إلى المسجد بعد الفجر …في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انقضت الصلاة فقال عليه السلام : " من يتصدق على هذا " فقال أبو بكر : أنا ) ، ثم صلى معه جماعة( (1) . الأمر الثاني : إذا صلى المسلم الفريضة في مسجد أو في غيره ثم جاء إلى مسجد آخر وهم يصلون فإنه يسن له أن يدخل معهم في صلاتهم ويجعلها له نافلة حتى ولو كان الوقت وقت نهي ، كمن صلى العصر ثم جاء إلى المسجد فوجدهم يصلون صلى معهم . والدليل على ذلك حديث سريع بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما ، ثم جاءا إلى المسجد والناس يصلون ، فجلسوا حت انقضت الصلاة . فرآهما النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما ، فقال لهما : " مالكما لم تصليا معنا ألستما مسلمين ؟ " قالا : بلى يارسول الله ، لكنّا صلينا في رحالنا. قال : " لا تفعلا إذا جئتما إلى المسجد والناس يصلون فصليا معهم فإنها لكم نافلة " ( (2). . والسبب في الأمر لهما بالصلاة : أولاً: لإدراك فضيلة الجماعة ، وثانياً: لكيلا يساء الظن بهما .
المبحث الثاني
مشروعية السترة وأحكامها
ويندرج تحت هذا المبحث المطالب التالية :
المطلب الأول : معنى السترة ومقدارها
المطلب الثاني : مشروعيتها وفائدتها
المطلب الثالث : المسافة التي تكون بين المصلي وبينها
__________
(1) رواه أحمد / حديث رقم ( 10980).
(2) رواه الترمذي / حديث رقم ( 203 )(1/39)
المطلب الرابع : حكم وضع السترة
المطلب الخامس :مشروعية وضع الخط في حال عدم وجود السترة
المطلب السادس : المرور بين يدي المصلي وقطع الصلاة
المطلب السابع : حكم المرور بين يدي المصلي
المطلب الثامن : مشروعية السترة في الحرم وحكم المرور بين يدي
المصلي هناك
المطلب التاسع : الصمود إلى السترة و الانحراف عنها
المطلب الأول : معنى السترة ومقدارها
السترة : هي ما ينصبه المصلي تجاه القبلة أمامه .
وأما مقدارها : فالصواب أنه لا حد لطولها وعرضها إلا أنه ورد في بعض الأحاديث تحديدها بمؤخرة المرحل ( الشداد الذي يوضع على البعير ليجلس فوقه الراكب ) ، فمن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت : سئل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال : " مثل مؤخرة الرحل "(1)
لكنّ هذا ليس ملزماً إنما هو الأفضل ، وذلك لسببين :
أولاً : لأن مؤخرة الرحل تختلف من رحل إلى آخر ، وثانياً : لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى عنَزة وإلى سهم وإلى سرير وإلى حربة بل ورد الصلاة إلى شجرة كما ثبت عن بعض السلف أنهم صلوا إلى غير ما يساوي مؤخرة الرحل فبعضهم صلى إلى حجر في الصحراء وبعضهم إلى قلنسوته (2) .
المطلب الثاني : مشروعية السترة وفائدتها :
أما مشروعيتها فلا جدال أنها مما يشرع للمصلي فعله وقد حكى ابن رشد وابن عبد البر وابن قدامة الإجماع على مشروعيتها.( (3)
وأما فائدتها فمن ذلك :
أنها تقطع نظر المصلي عما أمامه فتجعل بصره محصوراً في موضع سجوده .
__________
(1) رواه مسلم / حديث رقم ( 771)
(2) شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، سلمان بن فهد العودة ، الدار والطبعة والتاريخ ( بدون ) ص 48
(3) التمهيد ، أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر النمري ، وزارةالأوقاف والشؤون الإسلامية ، المغرب ، الطبعة ( بدون ) 1387هـ ج4ص 197.(1/40)
أنها تمنع المرور بين يدي المصلي وتمنع قطع صلاته لأن المصلي إذا وضع لنفسه سترة فكأنه جعل أمامه منطقة محرمة فلا يمر منها الشيطان ولا غيره ، أما إذا لم يفعل فقد يكون من مر بين يديه غير ملوم لأنه لا يعلم أنه يصلي .(1)
المطلب الثالث : المسافة التي تكون بين المصلي وبينها
…اختلف في ذلك على أقوال لعل أرجحها ما جاء ذكره في حديث سهل بن سعد الساعدي قال : " كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر شاةٍ "(2). ومعنى قوله : ( مصلى رسول الله ) أي موضع سجوده . فيكون بين موضع سجوده وسترته قدر ممر شاة ، وهو نصف ذراع تقريباً .
أو يمكن قياسها من موضع القدمين فيكون المقدار ثلاثة أذرع تقريباً . وقد ورد في حديث ابن عمر ما يدل على هذا ، حيث إن النبي _صلى الله عليه وسلم _ صلَّى في جوف الكعبة وبينه وبين الجدار مقدار ثلاثة أذرع(3)
المطلب الرابع : حكم وضع السترة
في المسألة قولان :
…القول الأول : الوجوب : وهي رواية عن الإمام أحمد ( (4) وبه قال الشوكاني ( (5) .
ونصره الألباني (6). ومن أدلتهم :
حديث سبرة الجهني _ رضي الله عنه _ قال : قال صلى الله عليه وسلم : " ليستتر أحدكم ولو بسهم "(7).
__________
(1) شرح بلوغ المرام، مرجع سابق ، ص 48
(2) رواه البخاري / حديث رقم (446)
(3) رواه البخاري / حديث رقم (476 ).
(4) 2 ) الإنصاف ، علي بن سليمان المرداوي ، دار إحياء التراث ، بيروت ، تحقيق : محمد أحمد الفقي ، الطبعة والتاريخ ( بدون ) ج 3ص636
(5) نيل الأوطار ، مرجع سابق ، ج3 ص 9
(6) صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم،محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف ، الرياض 1417 هـ ص 82
(7) أخرجه أحمد / حديث رقم ( 4043) وهو حديث حسن(1/41)
عن عبدالله بن عمر _ رضي الله عنهما_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصلِِ إلا إلى سترة ، ولا تدع أحداً يمر بين يديك فإن أبى فلتقاتله فإن معه القرين "( (1)
عن عبدالله بن عباس _رضي الله عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إذ جاءت شاة تسعى بين يده فساعاها ( أي سابقها ) حتى ألزق بطنه بالحائط ومرت من ورائه " ( (2)
هذه أشهر أدلة القائلين بالوجوب . وحديث ابن عباس الأخير الاحتجاج به على الوجوب احتجاج ضعيف ؛ فإن غاية ما فيه أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ حرص ألا تمر الشاة بيت يديه ، وليس فيه ما يدل على وجوب اتخاذ السترة .
القول الثاني : الاستحباب وهو قول جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين وهو المشهور عن الأئمة الأربعة . لهم أدلة منها :
1- حديث ابن عباس _ رضي الله عنهما_ قال : " أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام ورسول _ صلى الله عليه وسلم _ يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع في الصف فلم ينكر علي ذلك أحد)(3)
فقوله : ( إلى غير جدار) يعني إلى غير سترة ، ولعل مما يؤيد ذلك أن ( منى ) لم يكن لها بناء أو جدران فدل ذكره للجدار على أن المقصود السترة ، وليس جدار البنيان .
2- عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال: " صلى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في فضاء ليس بين يديه شئ" (4)
3- و مما يدل على ذلك أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته أنى اتجهت به(5) . ومعلوم أنه لم تكن أمامه سترة وهو راكب على الراحلة .
__________
(1) رواه ابن خزيمة / حديث رقم ( 800)
(2) السابق / حديث رقم (827)
(3) رواه البخاري / حديث رقم (493)
(4) رواه أحمد / حديث رقم ( 224).
(5) رواه مسلم عن ابن عمر / حديث رقم (700)(1/42)
من خلال هذه الأدلة يتبين أن القول الراجح عدم وجوب السترة ؛ لكون هذه الأدلة قد صرفت أدلة الوجوب فيبقى الحكم على الاستحباب . وإن قيل بتأكيد سنيتها فهو أولى.
وأما القول بالوجوب ففيه مشقة وحرج . فإن الإنسان قد يصلي على راحلته أو في البرية فيصعب وجود السترة معه .
المطلب الخامس : مشروعية وضع الخط في حال عدم وجود السترة
في هذه المسألة خلاف على قولين :
القول الأول : مشروعية ذلك ، وهو مذهب سعيد بن جبير والثوري وأحمد والأوزاعي(1) مستدلين بحديث أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصاً ، فإن لم يكن فليخط خطاً ثم لا يضره من مر بين يديه " (2) .
ثم اختلف القائلون بمشروعية الخط في كيفية رسمه ، فقال بعضهم : يخط خطاً معترضاً مثل الهلال ، وبعضهم يرى أنه خط طولي مستقيم كما ذكر ذلك ابن مفلح (3) .
القول الثاني : عدم مشروعية ذلك وقد ردوا الاستدلال بالحديث السابق لكونه لم يثبت بل هو ضعيف عندهم وهو مذهب الجمهور وهو القول الراجح لضعف الحديث كما بينه الشيخ الألباني (4).
المطلب السادس : المرور بين يدي المصلي وقطع الصلاة
__________
(1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، ابن رشد القرطبي ، تحقيق ماجد الحموي ، دار ابن حزم ، بيروت الطبعة الأ,لى ، 1416 هـ ج1ص82
(2) رواه أحمد / حديث رقم ( 7087) وقال عنه ابن حجر : ولم يصب من زعم أنه مضطرب ( المرجع : سبل السلام شرح بلوغ المرام ، محمد الصنعاني ، تحقيق عصام الدين السبابطي وعماد السيد ، دار الحديث، القاهرة . الطبعة الأولى 2000م ج 1 ص 146
(3) الفروع ، ابن مفلح الحنبلي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1418 هـ ج1 ص 415
(4) ضعيف سنن ابن ماجة ص 71.(1/43)
أما عموماً فلا يقطع الصلاة شيء باستثناء ثلاثة أشياء وهي : المرأة والحمار والكلب ، فهذه وقع فيها الخلاف ، كما وقع الخلاف في جزئياتها ، فالمرأة : هل يقصد بها البالغة أم عموم الأنثى ؟ والحمار : هل يقصد به الأهلي أم عموم الحمير ؟ وكذلك الكلب : هل يقصد به الأسود أم عموم الكلاب ؟
وعلى كلٍ قطع هذه الأشياء للصلاة فيه خلاف بين أهل العلم على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه يقطعها هذه الأشياء الثلاثة وهو قول أبي هريرة وأنس بن مالك ورواية عن ابن عباس وقول عطاء والحسن ومذهب أهل الظاهر ورواية في المذهب ورجحها شيخ الإسلام وانتصر وقرر أنها هي المذهب واختار هذا القول ابن القيم والشوكاني والسعدي وابن باز وابن عثيمين (1). وحجتهم حديث أبي ذر _ رضي الله عنه _ قال صلى الله عليه وسلم : " يقطع صلاة الرجل المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل : المرأة والحمار والكلب الأسود " وفيه " الكلب الأسود شيطان " (2) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أكبر من ذلك فيمن يقطع الصلاة إضافةً إلى ما سبق فذكروا الخنزير واليهودي والمجوسي والنصراني مستدلين بحديث جاء عند أبي داود ، إلا أنه حديث منكر لا يحتج به كما ذكر ذلك أبو داود نفسه( (3) .
القول الثاني : يقطع الصلاة بعض هذه الثلاثة . قال الإمام أحمد :" يقطعها الكلب الأسود ، وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء ، أما المرأة فلحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة ، وأما الحمار فلحديث ابن عباس أنه مر بين يدي بعض الصف"(4).
__________
(1) نيل الأوطار ،مرجع سابق ، ج 3 ص 5
(2) رواه مسلم/ حديث رقم ( 789) .
(3) سنن أبي داود / حديث رقم ( 604)
(4) نقل ذلك عنه الترمذي في سننه ، مصدر سابق ج2 ص 136(1/44)
القول الثالث : أنه لا يقطع الصلاة شيء مما سبق . وهذا هو مذهب جماعة من الصحابة بل هو مذهب أكثرهم كعثمان وعلي وابن عمر وعائشة وابن عباس في الرواية الأخرى عنه وقد سئل _ رضي الله عنه _ عن القطع فقال : " كلا ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه لا يقطع الصلاة شيء ولكن ادرؤوا ما استطعتم " . وهذا القول هو مذهب الجمهور بكل تأكيد كما نص على ذلك الترمذي والنووي وقال به ابن عبد البر (1) وهو القول الراجح للأدلة التالية :
1- حديث عائشة السابق حينما ذُكر لها حديث أبي ذر رضي الله عنه قالت : " ساويتمونا
بالكلاب والحمر ؟ لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة فإذا قام مددت رجلي فإذا سجد غمزني والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح "(2)
وقد أجاب القائلون بالقطع على هذا الحديث فقالوا : إن الحديث المبين للقطع نص على المرور وهذا الحديث ليس مروراً ، بل هو اضطجاع .
ولكن يمكن أن يرد عليهم بأن يقال : ينظر إلى العلة فإن كانت التشويش فهو حاصل في المرور وفي الاضطجاع أكثر . وحتى لو لم تكن العلة تلك فإن هناك رواية صحيحة في البخاري مسلم أن عائشة كانت تنسل بين رجلي السرير يعني تتحرك من أمام الرسول صلى الله عليه وسلم (3). وفي هذا دلالة أنها مرَّت بين يديه ، ولم يثبت عنه أنه أعاد الصلاة .
2- حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم فصلى قال : " فجاءت جاريتان قد اقتتلتا واختصمتا فجاءتا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزع يد إحداهما من الأخرى وما بالا بذلك " (4) أي استمر في صلاته .
3- حديث الفضل بن عباس وهو من أقوى الأدلة لمن ثبت عنده ، قال : جاءنا رسول صلى
__________
(1) فتح البر ، مرجع سابق ، ج4 ص 387
(2) رواه مسلم/ حديث رقم ( 512) .
(3) رواه البخاري / حديث رقم ( 492) ومسلم / حديث رقم ( 512)
(4) رواه ابن خزيمة / حديث رقم ( 882)(1/45)
الله عليه وسلم في بادية لنا فصلى ليس شيء يستره وكلبة لنا وحمارة تعبثان بين يديه )(1) .
4- أن الشيطان الذي هو الكلب الأسود ورد أنه لا يقطع الصلاة لما ورد في حديث أبي الدرداء بسند صحيح أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ اعترض له إبليس بشهاب من نار وهو يصلي يريد أن يضعه في وجهه فتعوذ منه النبي _صلى الله عليه وسلم _ ثلاثا وقال : " ألعنك بلعنة الله " ، ثم أخذه النبي صلى الله عليه وسلم وخنقه حتى وجد برد لسانه على يده ، وقال بعد ذلك " والله لو لا دعوة أخي سليمان لأصبح موثوقاً يلعب به صبيان أهل المدينة " (2)
ففي هذا الحديث لم ينقل عنه عليه السلام أنه أعاد الصلاة بسبب اعتراض الشيطان بين يديه .
5- أنه لا يكاد ينقل عن أحد من الصحابة ولا من التابعين أنه استأنف صلاته ( أعادها ) من مرور أحد بين يديه ، فدل ذلك على أن الأمر عندهم مشتهر بعدم القطع وإنما المقصود بالقطع الوارد في حديث أبي ذر هو نقصان الأجر أو نقصان الخشوع كما ذكر ذلك الإمام الصنعاني ( (3) .
المطلب السابع : حكم المرور بين يدي المصلي
المرور بين يدي المصلي على نوعين :جائز و ممنوع .
فالجائز يكون في حالتين :
__________
(1) رواه أبو داود/ حديث ( 616 ) ، وحسنه النووي والعراقي ( المرجع : المجموع شرح المهذب ، أبو زكريا محيي الدين النووي ، تحقيق محمد المحبب المطيعي ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، الطبعة الأولى 1422هـ ج 3 ص 134 ) ، وقد ضعف الحديث الألباني في ( ضعيف سنن أبي داود ص 68 )
(2) رواه مسلم / حديث رقم ( 843) والنسائي / حديث رقم (1200 )
(3) سبل السلام ، مرجع سابق ،.ج1 ص 276(1/46)
1_ المرور بين يدي المأموم دون الإمام . ودليله حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أقبلت راكباً على أتانٍ وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فمررت بين يدي بعض الصفوف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد " (1)
2) المرور بين يدي المصلي لكن خلف السترة فهذا جائز لا حرج فيه. و الأمر فيه واضح.
ويمنع في حالة واحدة : إذا كان المرور بين يدي المنفرد أو الإمام أي بينه وبين السترة .
والمرور بين يديه من كبائر الذنوب ودليله حديث أبي جهيم بن الحارث _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه (2) لكان أن يقف أربعين "(3). يعني : لو يعلم ماذا عليه من الإثم لوقف قبل أن يمر أربعين ، والمقصود أربعين سنة كما في رواية البزار ( أربعين خريفاً )(4)
فهذا دليل حرمة المرور بين يدي المصلي ، وعظم هذه المعصية التي تساهل فيها كثير من الناس !!
__________
(1) سبق تخريجه ص 48 من هذا البحث
(2) جاء في بعض الكتب زيادة ( ماذا عليه من الإثم ) ونسبوها للبخاري ، وهذا خطأ فهي ليست في البخاري ولا مسلم ولا السنن ولا المسانيد ولا المستخرجات وإنما هي زيادة من أحد رواة البخاري وهو (الكشميهني ) (المرجع : فتح الباري ، مرجع سابق ، ج1ص 585 )
(3) رواه البخاري/ حديث رقم ( 480 )
(4) مسند البزار ، أبوبكر أحمد بن عمر البزار ، دار علوم القرآن ، بيروت ، الطبعة الأولى 1409هـ / حديث رقم (3782).(1/47)
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه يجب على المصلي أن يمنع أحداً يمر بين يديه ، ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ قال : قال _ صلى الله عليه وسلم _ : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ) وفي رواية ( فإن معه القرين )(1) وهذا يؤكد أهمية وضع السترة حتى يعلم المار أن هناك من يصلي فلا يمر بين يديه .
وقد ذكر الشوكاني : ( معنى( المقاتلة ) الواردة في الحديث عن القاضي عياض والقرطبي أنها المدافعة ، وروي عن بعض الشافعية حقيقة القتال ، وقال القاضي عياض :" إن دفعه بما يجوز فهلك فلا قَوَد عليه باتفاق العلماء" وأما إن كان بما لا يجوز فعليه الدية . وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قاد رجلاً دفع آخر يريد المرور بين يديه فكسر أنفه ) . ( (2) .
المطلب الثامن : مشروعية السترة في الحرم وحكم المرور بين يدي المصلي هناك
هاتان مسألتان :
فالمسألة الأولى : مشروعية السترة في الحرم .
والقول الصحيح فيها أنها تشرع في الحرم وغيره ولا فرق في ذلك لجملة من الأدلة منها :
1- حديث أبي جحيفة _ رضي الله عنه _ قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجر فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ونصب بين يديه عنََزة )(3)
2- حديث جابر في وصفه لحجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فجعل المقام بينه وبين البيت(4) .
3- عن صالح بن كيسان قال : " رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحداً يمر بين يديه "(5)
فهذه النصوص صريحة في مشروعية السترة في الحرم .
__________
(1) 5 ) رواه البخاري / حديث رقم ( 509)
(2) نيل الأوطار ، مرجع سابق ،ج 3 ص 9
(3) رواه البخاري / حديث رقم ( 469 )
(4) رواه مسلم / حديث رقم ( 2137) .
(5) رواه مالك / حديث رقم ( 331 )(1/48)
المسألة الثانية : هل يجوز المرور في الحرم بين يدي المصلي ؟ وهل للمصلي منع أحد يمر بين يديه ؟
لاشك أن الأولى وضع السترة كما سبق ، وأما المار بين يدي المصلي في الحرم فالأولى له الاحتراز وتحري عدم المرور لكن هل يحرم مروره ؟ فيه خلاف بين أهل العلم ولعل المترجح في هذه المسأله الترخص في المرور . وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية ، حيث ذكر جواز المرور بين يدي المصلي في مكة رجلا أو امرأة ، وهذا عنده من خصائص مكة (1).
وقد بين الشيخ ابن باز بكلام جزل نافع الرأيَ الوسط في هذه المسألة وهو قول يوافق يسر الشريعة وسماحتها .حيث قال : " المسجد الحرام لا يحرم المرور فيه بين يدي المصلي لكونه مظنة الزحام ويشق فيه التحرز من المرور بين يدي المصلي ، وقد ورد بذلك حديث صريح فيه ضعف لكنه ينجبر بما ورد في ذلك من الآثار عن ابن الزبير وغيره : أنه كان يصلي والناس يطوفون أمامه ، وفي حديثٍ ضعيف آخر ورد أن المرأة كانت تمر بين يديه ، ومثله في المعنى المسجد النبوي وغيره من المساجد إذا اشتد فيها الزحام وصعب التحرز من المارة لقوله عز وجل : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه . وأما المصلي في الحرم فليس له أن يمنع المار بين يديه لما ورد في ذلك من آثار عن السلف تدل على أنهم كانوا لا يمنعون المار بين أيديهم في المسجد الحرام من الطائفين وغيرهم ، فوجب التيسير" ( (2) ..
وعلى كلٍ فالأمر يقدر بقدره : فبعض أجزاء الحرم تختلف عن بعض وأوقاته تختلف عن بعض ، فما كان فيه مشقة وحرج فإنه يُتسامح فيه ، وما ليس كذلك فيبقى الحكم على ما هو عليه .
المطلب التاسع : الصمود إلى السترة و الانحراف عنها
__________
(1) مجموع الفتاوى ، مرجع سابق ،ج 26 ص 122
(2) مجموع فتاوى ابن باز ، مرجع سابق ، ج 4 ص 268 " بتصرف يسير "(1/49)
ذكر بعض أهل العلم كابن قدامة(1).أنه ينبغي للمصلي ألا يصمد إلى السترة بل ينحرف عنها يميناً أو شمالاً مستدلين بحديث ضباعة بنت المقداد ابن الأسود عن أبيها قال : " رأيت رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ إذا صلى إلى سترة جعلها على حاجبه الأيمن أو حاجبه الأيسر لم يتوسطها " (2)، ولكن هذا الحديث ضعيف كما قال ابن القيم والألباني( (3) .
…وبذلك يبقى الحكم على الأصل وهو أن يجعل السترة قبالة وجهه ولا ينحرف عنها . قال ابن عبدالبر : " وأما استقبال السترة والصمد لها فلا تحديد في ذلك عند العلماء ، وحسب المصلي أن تكون سترته قبالة وجهه " ( (4) .
المبحث الثالث
تحية المسجد
وتندرج تحته المطالب التالية :
المطلب الأول : حكم تحية المسجد
المطلب الثاني : أداء تحية المسجد قبل العيد في المصلى
المطلب الثالث : أداء التحية أثناء وقت الآذان الثاني يوم الجمعة
المطلب الأول : حكم تحية المسجد
جمهور أهل العلم على أن تحية المسجد الأمر بها للندب لا للوجوب.
قال ابن حجر: "اتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب " (5) ، وقال النووي إنه : " إجماع المسلمين " (6) ، وفي نقل النووي للإجماع نظر فقد ذكر القاضي عياض وابن بطال أن مذهب أهل الظاهر الوجوب ( (7) . وممن اختار هذا القول الصنعاني و الشوكاني وقال _ رحمه الله_ :" الظاهر ما قاله أهل الظاهر من الوجوب " ( (8) ) .
أدلة أصحاب القول الأول :
__________
(1) المغني ، مصدر سابق ، ج2ص 39
(2) رواه أبو داود / حديث رقم ( 693)
(3) ضعيف سنن أبي داود ، مرجع سابق، ص 57
(4) فتح البر، مرجع سابق ، ج 4 ص 392
(5) فتح الباري ، مرجع سابق ، ج1 ص 646
(6) شرح صحيح مسلم ، أبو زكريا محيي الدين النووي . تحقيق عصام الضبابطي . دار الحديث ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1422 هـ 6 / 340
(7) فتح الباري ، مرجع سابق ، ج1ص646
(8) نيل الأوطار ، مرجع سابق ، ج3ص66(1/50)
1-حديث عبد الله بن بسر _ رضي الله عنه _ قال : جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجلس فقد آذيت " وفي رواية : " أنيت " (1) أي أبطأت وتأخرت .
وأجيب عن هذا الحديث بما يلي :
أ_ أن المراد بقوله : ( اجلس ) أي لا تتخط وليس ترك التحية .
ب_ يحتمل أن هذا الصحابي صلى في أول المسجد ثم جاء يتخطى الناس .
ج _ وقيل كان ذلك قبل الأمر بالتحية .
د - وقيل كان ذلك في نهاية الخطبة الثانية فلو أمره بالصلاة لفاتته تكبيرة الإحرام . ذكر ذلك ابن قدامة (2) .
2) حديث أنس بن مالك _ رضي الله عنه _ في قصة ضمام بن ثعلبة لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يجب عليه من الصلاة قال : " الصلوات الخمس " فقال هل علي غيرها ؟ قال: " لا ، إلا أن تطوع " (3) وأجيب عن هذا الحديث بما يلي :
أ- قوله ( إلا أن تطوع ) ينفي وجوب الواجبات ابتداءً ، أما ما كان لسبب فإنه لا ينفي الوجوب . مثل إتمام الحج والعمرة حتى ولو كانا نفلين فما دام شرع فيهما وجب الإتمام ، ومثل وجوب كفارة النذر والظهار والحلف وغيرها لم يذكر في الحديث ، ومع هذا فهو واجب .
…ب- أن التعاليم الواقعة في مبادئ الشريعة لا تصلح لصرف ما تجدد من الأوامر عن الوجوب لأن الشريعة جاءت شيئاً فشيئاً ، وإلا للزم من ذلك أن الواجبات في الشرع هي ما ذكر فقط ومعلوم أنها أضعاف ذلك بكثير .
…جـ - أن من المتمسكين بحديث ضمام بن ثعلبة من قال بوجوب بعض الصلوات كالعيد وركعتي الطواف والجنازة فما أجابوه من إجابات فهي كذلك إجابات تقال هنا .
__________
(1) رواه النسائي حديث/ رقم (1382 )
(2) المغني ، مصدر سابق ، ج3 ص 193
(3) رواه البخاري / حديث رقم ( 44) ومسلم / حديث رقم ( 12 )(1/51)
3) عن زيد بن أسلم قال : " كان أصحاب رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يدخلون المسجد ويخرجون ولا يصلون " (1)
وهذا الحديث ليس صريحاً في أنهم جلسوا في المسجد ولم يصلوا .
4) حديث أبي واقد الليثي في خبر الثلاثة نفر الذين دخلوا المسجد فجلس أحدهم في حلقة الذكر ، واستحيا الآخر ، وأدبر الثالث (2). فقالوا : إنه جلس ولم يصلِّ . ولكن ليس في الحديث ما ينفي أنه صلّى .
أدلة أصحاب القول الثاني :
1) حديث أبي قتادة قال _ صلى الله عليه وسلم _ : " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " (3) قالوا : الأمر هنا يقتضي الوجوب حيث لا صارف معتبر عندهم
2) حديث جابر _ رضي الله عنه _ قال: ( دخل رجل يوم الجمعة والرسول _ صلى الله عليه وسلم _ يخطب فقال :" صليت " ؟ قال: لا ، قال:" فصل ركعتين "(4).
قالوا :فقطعه للخطبة ليأمر الصحابي بالتحية مع أنه سينشغل بها عن الخطبة ظاهره الوجوب .
وقد استنبط بعض العلماء فوائد من هذا الحديث تخص موضوعنا هذا منها :
قال ابن حجر : " يجوز أداء التحية حتى ولو جلس الداخل إلى المسجد إذا كان الوقت الذي جلسه يسيرا ً" . (5)
ذكر الألباني : أنه لا فرق بين المسجد الحرام وغيره من المساجد في التحية ، فإنه تحيته كغيره من المساجد ، وأما حديث ( من أتى البيت فليحيه بالطواف ) فقال عنه :" لا أعلم في السنة القولية والعملية ما يشهد لمعناه " (6)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة ، أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الأولى ( 1409) حديث / رقم(3428)
(2) رواه البخاري / حديثرقم (64 )
(3) رواه البخاري / حديث رقم ( 1074)
(4) رواه البخاري / حديث رقم ( 878)
(5) فتح الباري 1 / 445
(6) السلسلة الضعيفة ، مرجع سابق ، ج 3 ص 73(1/52)
3) عن أبي قتادة _ رضي الله عنه _ قال :قال _ صلى الله عليه وسلم _ : " أعطوا المساجد حقها " قيل : وما حقها ؟ قال :" ركعتين قبل أن تجلس " (1)
والذي يظهر _ من خلال بحث هذه المسألة _ أن القول بالوجوب قولٌ قوي له وجاهته ، ولكن الذي يدعونا إلى عدم الأخذ به أنه خلاف رأي الغالبية الساحقة من العلماء سلفاً وخلفاً ، ويستبعد أن تخفى عليهم هذه الأدلة التي أوردها أصحاب القول الثاني ؛ بل الذي يظهر أنها معلومة لديهم ، لكن الصارف لها مستفيض عندهم ويكاد يكون أمراً مسلّماً . فالإمام مالك _رحمه الله_ مثلاً روى حديث أبي قتادة في موطأه ثم قال بعيده :" وذلك حسن وليس بواجب "(2) .
وقال ابن عبد البر : " لا يختلف العلماء أن ذلك من السنة وليس بواجب عند أحد إلا أهل الظاهر فإنهم يوجبونهما والفقهاء بأجمعهم لا يوجبونهما" ( يقصد الركعتين ) (3).
من خلال ذلك فالقول الأقرب للصواب أن تحية المسجد سنة مؤكدة جداً لا ينبغي تركها والله أعلم .
وههنا مسألة : هل تؤدى تحية المسجد لمن أداها ثم خرج ودخل والفاصل قصير ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "إذا تكرر منه دخول المسجد يستحب له أن يعيد التحية " ( (4) وقال الشوكاني : " التحية مشروعة إن تكرر دخول المسجد ولا وجه لما قال البعض من عدم التكرار قياساً على المترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عنهم " (5) .
…ويرى الشيخ سلمان العودة عدم فعل ذلك لأن من خرج وعاد بعد وقت يسير يعد في حكم من هو في المسجد(6).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة / حديث رقم ( 3422)
(2) الموطأ ، مصدر سابق ، ج1ص162
(3) فتح البر ، مرجع سابق ، ج4.ص 358
(4) المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ، جمعها: محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن قاسم ، الدار ( بدون) ،الطبعة الأولى 1418 هـ ج 3 ص114
(5) نيل الأوطار ، مرجع سابق ، ج3ص 67 .
(6) جواب لسؤال سألته إياه مشافهةً(1/53)
المطلب الثاني : أداء تحية المسجد قبل العيد في المصلى
هل السنة أداء تحية المسجد أو غيرها من النوافل في مصلى العيد أم أنها تترك ؟ وقع في ذلك خلاف بين أهل العلم على قولين :
لقول الأول : أنها تُصلى ، ولا فرق بين مصلى العيد ولا غيره . وهو مروي من فعل أبي هريرة ، وأنس بن مالك ، والحسن . وقد جاء عن علي بن أبي طالب أنه أتى المصلى فرأى الناس يصلون فقيل له في ذلك ، فقال:" لا أكون الذي ينهى عبداً إذا صلى " وهو قول الشافعي (1).
وقال ابن حزم :" والتنفل قبلهما في المصلى حسن " (2)
وكذلك قال ابن عبد البر (3)واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين (4)
ومن اشهر ما استدلوا به :
1) فعل بعض الصحابة كما سبق .
2) أن المصلَّى له أحكام المسجد بدليل أمر النبي صلى الله عليه وسلم باعتزال الحيَّض له .
3) أن يوم العيد كغيره من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، فالواجب أن يكون كغيره في الإباحة .
4) عدم وجود دليل على المنع .
5) أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة السجود .
__________
(1) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار والأقطار ، أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عبد البر النمري. دار إحياء التراث العربي . الطبعة الأولى 1421 هـ. ج2 ص387
(2) المحلى ، أبو محمد بن حزم الأندلسي،تحقيق أحمد محمد شاكر ،دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى.التاريخ( بدون ) ج5 ص 64
(3) الاستذكار ، مرجع سابق، ج2 ص387
(4) الشرح الممتع شرح زاد المستقنع ، محمد بن صاح العثيمين ، مؤسسة آسام ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1415هـ ج5 ص 25 .(1/54)
القول الثاني : المنع ، وهو قول ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وهو مذهب أهل المدينة ومنهم الإمام مالك وأهل الكوفة والأوزاعي (1) وقال به الإمام أحمد ( (2) وقد ذكر الإمام مالك : " أن ابن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها " (3) . وقال الزهري: " ما علمنا أحداً كان يصلي قبل خروج الإمام يوم العيد ولا بعده " (4)، وقال ابن حجر :" والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت أن لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة "(5). وقال ابن القيم : "ولم يكن هو _ صلى الله عليه وسلم _ ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى قبل الصلاة ولا بعدها " (6) .
واختاره من المعاصرين الشيخ ابن باز (7) والشيخ الفوزان ( (8) . ومن أدلتهم :
1) فعل النبي _ صلى الله عليه وسلم _ كما في حديث ابن عباس قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين ولم يصل قبلها ولا بعدها "(9)وقد اعترض عليهم بأن ذلك معلوم لأن الرسول _صلى الله عليه وسلم _ إمام فمن الطبيعي أنه لم يصل غير صلاة العيد حين خرج للناس .
__________
(1) المغني ،مصدر سابق ،ج 3ص281
(2) مسائل الإمام أحمد بن حنبل ، رواية ابنه عبدالله ،المكتب الإسلامي ، بيروت، الطبعة الثالثة ، 1408هـ ص 128
(3) الموطأ / حديث رقم ( 435 )
(4) المغني ، مصدر سابق ،ج 3 ص 280
(5) فتح الباري ، مرجع سابق ،ج2 ص 476
(6) زاد المعاد في هدي خير العباد،ابن قيم الجوزية تحقيق:شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط مؤسسة الرسالة ومكتبة المنار الإسلامية ، بيروت – الكويت ،الطبعة السابعة والعشرون 1414 هـ ج 1 ص 443
(7) فتاوى اللجنة الدائمة ، مرجع سابق ، ج 7 ص276
(8) الملخص الفقهي .صالح بن فوزان الفوزان . دار ابن الجوزي .الدمام ، الطبعة العاشرة ، 1420 هـ ج1ص190
(9) رواه مسلم / حديث رقم ( 1476)(1/55)
2) فعل بعض الصحابة كابن عمر وكذلك ابن عباس حيث ثبت أنهما لم يصليا كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
3) ما روي عن علي بن أبي طالب أنه رأى قوماً يصلون قبل العيد فقال: " ما كان هذا يفعل في على عهد رسول الله _ صلى الله عليه وسلم " (1)
لكن الحديث ضعيف كما قال العراقي (2)
ويتضح مما سبق : أن الأولى والأكمل ترك الصلاة قبل العيد في المصلى لأنه فيما يظهر فعل عامة الصحابة كما نقله غير واحد من أهل العلم ممن سلف ذكرهم . وأما ما روي عن بعضهم من أنه صلى فهو اجتهاد منهم خالفهم فيه غيرهم من الصحابة ، والصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة في مسألة فلا يكون قوله حجة كما هو مقرر عند أهل الأصول .
…ولكن من فعل وصلى فله سلف في ذلك ، ولا يجب الإنكار عليه .قال ابن عبد البر: " الصلاة فعل خير لا يجب المنع منها إلا بدليل لا معارض له فيه ". وقال داود الظاهري : " لكل واحد منهم سلف فيما ذهب إليه من الصحابة والتابعين "(3).
…وأما الاستدلال على الصلاة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعزل الحيض فقد أجاب الشيخ سلمان العودة : بأن ذل ليس صريحاً في كون العلة لأجل دخول الحائض المصلى بل ربما خشية قطع الحيَّض للصفوف (4).
المطلب الثالث : أداء التحية أثناء وقت الآذان الثاني يوم الجمعة
يحدث كثيرا حينما يأتي المسلم لصلاة الجمعة وقد شرع المؤذن في الأذان الثاني ، فيحتار: هل يردد مع المؤذن ثم يصلي التحية أم يصليها ليستمع إلى الخطبة ؟
وهذه المسألة اختلف فيه أهل العلم على قولين :
__________
(1) مجمع الزوائد ، مصدر سابق ، ج2ص 203
(2) نيل الأوطار ، مرجع سابق ، ج3 ص 373 .
(3) الاستذكار ، مصدر سابق ، ج2ص 87 .
(4) مشافهة في سؤال وجهته إليه.(1/56)
القول الأول : أداء التحية مباشرة ، قال الشافعي: " نقول ونأمر من دخل المسجد والإمام يخطب والمؤذن يؤذن ، ولم يصل ركعتين أن يصليهما ، ونأمره أن يخففهما فإنه روي في الحديث أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أمر بتخفيفهما " (1)
…وهذا هو مذهب الحسن وابن عيينة وأحمد وإسحاق ( (2) )
والذي نقله ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال : " إذا دخل المسجد فسمع المؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ، ويقول مثل ما يقول جمعاً بين الفضيلتين " . (3) وهذا ظاهره أن الإمام أحمد يقول بالترديد مع المؤذن قبل بالتحية ؛ ونقل المرداوي عن بعض الحنابلة هذا القول(4). ورجحه من المعاصرين الشيخ سلمان العودة (5)، والشيخ مشهور حسن (6) .
القول الثاني : تقديم الترديد للأذان على تحية المسجد ؛ لأن كلا الأمرين سنة وبالإمكان الجمع بينهما وإدراك الفضيلتين ، ولو صلى وترك الترديد فقد فاته وقت الترديد ولا يمكن إدراكه بعكس أداء التحية فإنها لا يشترط أن تُصلى على الفور . وهذا ما رجحه الشيخ ابن باز وقال عن الذي صلى ولم يجب المؤذن إن ذلك : " خلاف الأفضل لأنه يفوته بذلك فضل إجابة المؤذن "( (7) . وهذا _ والله أعلم _ هو الأقرب للصواب ، وفيه جمع بين الأدلة .
__________
(1) الأم ، مصدر سابق، ج1ص 227
(2) شرح النووي لمسلم ج 6 ص 164) .
(3) المغني ، مصدر سابق ،ج 2 ص 89 )
(4) الإنصاف ، علي بن سليمان المرداوي ، دار إحياء التراث ، بيروت ، تحقيق : محمد أحمد الفقي ، الطبعة والتاريخ ( بدون ) ج3 ص 109
(5) مشافهة في سؤال وجهته إليه
(6) القول المبين في أخطاء المصلين ،مشهور حسن سلمان ، دار ابن حزم ،بيروت ، الطبعة الرابعة 1416هـ صفحة 366
(7) مجموع فتاوى ابن باز، مرجع سابق ، ج6ص 175(1/57)
أما قول أصحاب القول الأول : ( إن سماع الخطبة واجب فيُقدم ) ، فلا يستقيم ؛ لأن الذي ردد مع المؤذن ثم صلى التحية لا يقال إنه ترك أو أخل بسماع الخطبة ، فحاله كحال من أتى والإمام يخطب فلا يقال له اجلس حتى تستمع وإنما يؤمر بالصلاة وينهى عن الإخلال بسماع الخطبة .
………
المبحث الرابع
السلام على المصلي
ويندرج تحته مطلبان :
المطلب الأول : حكم إلقاء السلام على المصلي .
المطلب الثاني : كيف يرد المصلي السلام
المطلب الأول : حكم إلقاء السلام على المصلي .
لا شك أن السلام على من هم جلوس في المسجد سنة فهو من جملة السلام على القوم . لكن هل يسلم الداخل إلى المسجد على من كان يصلي أم لا ؟
…في مذهب الإمام أحمد روايتان ذكرهما ابن مفلح (1) إحداهما القول بالكراهة ، والثانية عدمها . وهو الراجح لجملة من الأحاديث منها :
ما جاء عن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ قال :" كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فيرد علي فأتيته فسلمت عليه وهو يصلي فلم يرد علي " (2) . وكان _ عليه السلام _ يرد على ابن مسعود في الصلاة باللفظ ثم نُسخ الحكم فمنع من الحديث في الصلاة بغير ما ورد فيها. وهو هنا _ صلى الله عليه وسلم _لم يُنكر على ابن مسعود السلام في كلا الحالين .
2- ومن الأحاديث ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: " خرج رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ إلى قباء يصلي فيه فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي " ( (3) .
3- عن صهيب _ رضي الله عنه _ قال : " مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه " ( (4) .
__________
(1) الآداب الشرعية ، ابن مفلح المقدسي تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعمر القيام ، مؤسسة الرسالة ، بيروت
الطبعة الأولى 1416 هـ1 / 251
(2) رواه النسائي / حديث رقم ( 1250) وأصله في الصحيحين .
(3) صحيح أبي داود ، مرجع سابق ،ج 1 ص 259
(4) صحيح أبي داود ، مرجع سابق ج 1ص 259(1/58)
كل هذه الأحاديث تدل على جواز السلام على المصلي بدليل إقرار النبي _ صلى الله عليه وسلم _ للصحابة في هذا الفعل .
المطلب الثاني : كيف يرد المصلي السلام
علمنا من حديث ابن مسعود حرمة الرد باللفظ ؛ بل حكى ابن مفلح أن من فعل ذلك فعليه أن يعيد صلاته (1) ، فكيف يكون الرد إذاً ؟
هناك عدة طرق لرد السلام لمن كان في أثناء الصلاة ، كلها ثبتت بالأحاديث الصحيحة ، فمنها :
1- بسط الكف بحيث يكون بطنها أسفل وظهرها أعلى . ودليلها ما جاء في حديث ابن عمر السابق قال :" قلت لبلال : كيف رأيت رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يرد حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي ؟ قال : يقول هكذا " وبسط كفه وبسط جعفر بن عون ( أحد الرواة ) كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره فوق .
2- الرد بالإشارة بالإصبع . والأظهر أنها السبابة لأنه أيسر ولأن العادة جرت برفعها . وجاء ذلك في حديث صهيب السابق وقال في آخره : " فرد إشارةً بإصبعه " .
3- الإيماء بالرأس ، ورد ذلك في حديث ابن مسعود السابق حيث قال :" فأومأ برأسه"
قال الشوكاني : " ويجمع بين الروايات أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزا " ( (2) .
ويحسن التنبيه هنا إلى أن الأولى ترك السلام على المصلي إن كان يُظن أنه سيرد بلسانه حتى لا يقع في محذور، ذكر ذلك ابن تيمية _ رحمه الله _ ( (3)
المبحث الخامس
أداء المصلي للنافلة حال الإقامة
ويندرج تحت هذا المبحث المطالب التالية :
المطلب الأول : حكم الشروع في صلاة النافلة بعد سماع الإقامة
المطلب الثاني : من شرع في النافلة قبل الإقامة ثم أقيمت الصلاة
المطلب الثالث : مشروعية السلام في حالة قطع النافلة
المطلب الأول : حكم الشروع في صلاة النافلة بعد سماع الإقامة…
__________
(1) الآداب الشرعية ، مرجع سابق ،ج1 ص 252
(2) نيل الأوطار ، مرجع سابق ، ج2 ص 618
(3) مجموع الفتاوى ، مرجع سابق ج 22 ص 625(1/59)
الراجح من أقوال العلماء أن من دخل المسجد ثم أقيمت الصلاة فإنه يحرم عليه الشروع في النافلة ؛ لورود النهي عن ذلك في حديث أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " (1)
وقد استثنى بعض أهل العلم من ذلك سنة الفجر لعظم أجرها وتأكيد سنيتها . واشترطوا ألا تفوته الجماعة بسبب أدائها ، روي ذلك عن أبي حنيفة والأوزاعي مستدلين بزيادة في حديث أبي هريرة السابق ونصها :" فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر " (2) والصواب أنه لا استثناء من الحكم السابق لا سنة الفجر ولا غيرها ، وأما الزيادة التي استدل بها من قال باستثناء سنة الفجر فهي زيادة على اسمها لا تثبت كما ذكر ذلك البيهقي نفسُه الذي روى هذه الزيادة (3) ، وقد حقق ابن القيم _ رحمه الله _ القول في هذه الرواية وأثبت ضعفها (4) .
قال أبو عمر ابن عبد البر: " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أقيمت الصلاة ...) والحجة عند التنازع :السنة ، فمن أدلى بها فقد أفلح ، ومن استعملها فقد نجا " (5)
وقد ذكر النووي _ رحمه الله_ الحكمة في المنع من الشروع في النافلة بعد سماع الإقامة فقال : " الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام ، والمحافظة
__________
(1) رواه مسلم/حديث رقم (1160) .
(2) سنن البيهقي الكبرى ، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، دار الباز ، مكة المكرمة ، الطبعة ( بدون ) 1414هـ / حديث رقم ( 4328)
(3) المصدر السابق ، ج2ص483
(4) إعلام الموقعين عن رب العالمين ، ابن قيم الجوزية ،المحقق / محمد المعتصم بالله البغدادي ، دار الكتاب العربي ،بيروت الطبعة الأولى 1416 هـ ج 2ص 340
(5) فتح البر ، مرجع سابق ، ج 5 ص 188(1/60)
على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة " (1) ونقل عن القاضي قوله : " وفيه حكمة أخرى : وهو النهي عن الاختلاف على الأئمة " (2).
المطلب الثاني : من شرع في النافلة قبل الإقامة ثم أقيمت الصلاة
هذه المسألة اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يقطع الصلاة ويدخل معهم في الفريضة . مستدلين بعموم الحديث : " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " .(3)
قالوا : الحديث عام يشمل من شرع في النافلة بعد الإقامة أو قبلها ، وليس هناك تخصيص . وقد روي عن بيان قال: " كان قيس بن أبي حازم يصلي يؤمنا ، فأقام المؤذن للصلاة وقد صلى ركعة فتركها ثم تقدم فصلى بنا "(4) .
القول الثاني : لا يقطعها بل يتمها خفيفة ، واشترط بعضهم كابن قدامة ( (5) ) وشيخ الإسلام ابن تيمية ( (6) ) ألا تفوته الجماعة بسببها .
واستدلوا بعموم قوله تعالى : " ولا تبطلوا أعمالكم " (7) . وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأنه محمول على من شرع في النافلة بعد الإقامة . واختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال _ رحمه الله_ :"لا يظهر لي أنه يقطع الصلاة وهو ما درى ( يعني لم يعلم بإقامة الصلاة إلا بعد الشروع في النافلة ) ما يظهر لي أن هناك شيئاً صريحاً عن الرسول - صلى الله عليه وسلم _ أنه يقطعها " ( (8) )
__________
(1) 2 ) شرح النووي لمسلم ، مرجع سابق ، 6ج ص 338
(2) السابق ، 6ج ص 338
(3) سبق تخريجه ص 64 من هذا البحث
(4) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه / حديث رقم ( 4858)
(5) المغني ، مصدر سابق ، ج2ص 120
(6) شرح العمدة ، مرجع سابق ،ج2ص 608
(7) سورة محمد ( الآية 33 )
(8) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، جمع وترتيب محمد عبدالرحمن بن قاسم ، الدار ( بدون )، الطبعة الأولى ، 1399هـ.ج 2 ص 287(1/61)
القول الثالث : التفصيل : فإن كان قد أتم الركعة الأولى وشرع في الثانية فله أن يتمها خفيفة ويسلم ، وإن كان لا يزال في الركعة الأولى فإنه يقطعها.ورجح هذا القول من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين (1).
المطلب الثالث : مشروعية السلام في حالة قطع النافلة
الراجح أن من قطع الصلاة فإنه لا يسلم منها ، وذلك لسببين :
السبب الأول : أن التسليم خاص بالصلاة الكاملة لقوله _صلى الله عليه وسلم _ : " مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " (2)
السبب الثاني : أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أمر من أحدث في صلاته أن يأخذ بأنفه ثم لينصرف ولم يأمره بالسلام ( (3) ) .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
الخاتمة
بعد هذا المشوار في هذا البحث يمكن للباحث أن يخلص إلى أهم النتائج التي توصل إليها في بحثه ، وهي على النحو التالي :
1- التعريف الأدق للمسجد والذي يجمع بين التعريف اللغوي والشرعي هو أنه : مكان مخصوص له أحكام مخصوصة بني لأداء عبادة الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن .
2- مكانة المسجد في الإسلام أشمل من كونه محلا للصلاة والذكر ، بل هو ميدان للتعليم والتربية والإعداد .
3- المشي إلى المسجد يفضل الركوب إليه ؛ وذلك لكثرة الخطا التي يؤجر المسلم عليها .
4- بناء المساجد على نوعين : حسي ومعنوي ، ولكل منهما فضائله وأجوره .
5- الإسراع والعدو إلى المسجد لا يجوز حتى ولو بحجة سماع الإقامة أو إدراك الركعة .
6- تشبيك الأصابع يكره في ثلاث حالات : عند الذهاب إلى المسجد ، وفي المسجد قبل الصلاة
__________
(1) فتاوى أركان الإسلام ، محمد بن صالح العثيمين ، جمع وترتيب : فهد السليمان ،دار الثريا، الرياض ، الطبعة الأولى ،1421هـ ص370
(2) رواه الترمذي عن جابر بن عبدالله / حديث رقم ( 3) .
(3) رواه أبو داود عن عائشة / حديث رقم (940) .(1/62)
وأثناء الصلاة ( وهو أشدها كراهة ) . ويجوز بعد الصلاة في المسجد .
7- تحريم نشدان المرء ضالته أومفقوداته الشخصية في المسجد ؛ صيانة لحرمته ورفعة لمنزلته ؛ إذ إن المساجد لم تبن لهذا الشيء .
8- تحريم التبايع في المسجد ؛ لنفس العله المذكورة في رقم (7) .
9- الغرف المبنية في المسجد إن كانت داخلة في سور المسجد فلها حكم المسجد ، أما إن كانت خارج سور المسجد ولو كانت أبوابها فيه فليس لها حكم المسجد .
10- سؤال الفقير الناس في المسجد لم يرد ما يمنع منه في الشرع بشرط ألا يكذب السائل في دعواه ، ويكون محتاجا وغير قادر على سد حاجته .
11- الإعلانات التجارية لا يجوز إدخالها إلى المسجد ولا في المكتبة الخيرية التي هي تابعة للمسجد ، وأما الإعلانات التي فيها شيء من الفائدة كإعلانات عن دروس أو عن محاضرات أو نحو ذلك فلا بأس بذلك .
12- يحرم على الجنب والحائض البقاء في المسجد ، ويجوز لهما المرور به للحاجة فقط .
13- لا يجوز حضور الجماعة لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كل ما له رائحة كريهة إلا إذا وضع المصلي ما يزيل تللك الرائحة ؛ لما في ذلك من أذى للمصلين وتأثير على خشوعهم .
14- يحرم حجز الأماكن في المسجد بسجادة أو عصا أو نحو ذلك ، ويستثنى من ذلك :
أ- من تقدم إلى المسجد وفي نيته انتظار الصلاة ثم عرض له عارض من وضوء ونحوه فقام فلا حرج عليه في وضع عصا أو سجادة حتى يرجع لأنه أحق بهذا المكان .
ب - من وضع عصاه أو سجادته في مكان في المسجد هو في الأصل موجود فيه كالمعتكف
مثلاً فلما أقيمت الصلاة تقدم وأكمل الصفوف فإن له حق الرجوع إلى مكانه بعد الصلاة .
15- زخرفة المساجد ونقشها وتلوينها والمبالغة في ذلك أقل أحوالها الكراهة ، لما فيها من إشغال المصلين ومشابهة اليهود .
16- لا بأس بدخول الكافر إلى المسجد حيث لم يأت في الشرع ما ينهى عن ذلك ؛ باستثناء المسجد الحرام فلا يجوز دخول الكافر له .(1/63)
17- البصاق في المسجد لا يجوز ، ومن فعل فعليه كفارة وهي دفن ذلك البصاق .وأما من اعترضه البصاق وهو في الصلاة فلا حرج أن يبصق لكن لا يبصق تجاه القبلة ولا جهة اليمين . وإنما جهة شماله أو تحت قدمه . هذا إذا كان يصلي منفردا ، أما إذا كان في جماعة فيبصق في ردائه أو منديل أو نحوهما .
18- المسبوق إلى الصلاة إذا دخل المسجد فليدخل مع الإمام على أية حال كان عليها المصلون
19- قراءة الفاتحة تسقط على من كان مسبوقا ووجد الإمام راكعا .
20- من دخل المسجد والناس في التشهد الأخير فغن كان معه أحد انتظر حتى يسلم الإمام ، ثم يصليان جماعة ، وإن كان منفردا فليدخل مع الإمام .
21- السترة سنة مؤكدة ، ولا حد واجب لطلها ولا عرضها . لكن الأفضل ان تكون بمقدر مؤخرة الركب .
22- مقدار المسافة بين المصلي وسترته من عند مكان سجوده قدر ممر شاة ، وهو نصف ذراع تقريباً .و من موضع القدمين ثلاثة أذرع تقريباً .
23- عدم مشروعية وضع خط في الأرض عند عدم وجود سترة ؛ لضعف الحديث في ذلك .
24- عدم صحة النهي عن الصمود إلى السترة ، لعدم ثبوت حديث يمنع من هذا الأمر .
25- لا يقطع صلاة المسلم مرور أحد بين يديه ، والحديث الوارد في ذلك يحمل على إنقاص الأجر وليس فساد الصلاة .
26- حرمة المرور بين يدي المصلي وأن ذلك من الكبائر ، ووجوب منع المصلي لمن يريد أن يمر بين يديه .ويجوز المرور في حالتين :
أ _ المرور بين يدي المأموم دون الإمام .
ب_ المرور من وراء السترة .
27- السترة تشرع في الحرم وغيره ولا فرق بينه وبين سائر المساجد في هذه المسألة .
28- إذا اشتد الزحام فلا بأس بالمرور بين يدي المصلي ،سواء في الحرم أو في غيره . ولا ينبغي للمصلي أن يمنع أحدا من ذلك للحرج الشديد على الناس .
29- تحية المسجد سنة مؤكدة جدا ، والقول بالوجوب ليس بالبعيد .(1/64)
30- الأولى والأكمل ترك الصلاة قبل العيد في المصلى ، ولكن من فعل وصلى فله سلف في ذلك ، ولا يجب الإنكار عليه.
31- إذا دخل المصلي المسجد يوم الجمعة والمؤذت يؤذن فإنه يردد مع المؤذن أولا ثم يؤدي التحية ؛ لأن كلا الأمرين سنة وبالإمكان الجمع بينهما وإدراك الفضيلتين .
32- السلام على المصلي جائز ، والرد عليه يكون بالإشارة لا باللفظ : إما بالإصبع أوببسط الكف أو إيماء بالرأس .
33- لا يجوز للمصلي الشروع في النافلة بعد سماع الإقامة .
34- من شرع في النافلة ثم أقيمت الصلاة : فإن كان قد شرع في الركعة الثانية أتم الصلاة خفيفة . وإن كان لا يزال في الأولى قطع الصلاة بلا تسليم ودخل مع الإمام .
ثبت المصادر والمراجع
مرتبة حسب الاحرف الأبجدية
الآداب الشرعية ، ابن مفلح المقدسي تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعمر القيام ، مؤسسة الرسالة ، بيروت . الطبعة الأولى 1416 هـ
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الثانية 1405 هـ
الاستذكار . الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار والأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار . تصنيف ابن عبد البر، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع . الطبعة الأولى – تاريخها ( 1421 هـ).
أشراط الساعة ، يوسف بن عبدالله الوابل ، دار ابن الجوزي ، الطبعة الثامنة 1418هـ
إعلام الموقعين عن رب العالمين ، ابن قيم الجوزية ،المحقق / محمد المعتصم بالله البغدادي ، دار الكتاب العربي ،بيروت الطبعة الأولى 1416 هـ
الأم ، محمد بن إدريس الشافعي ، دار المعرفة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1393هـ
الإنصاف ، علي بن سليمان المرداوي ، دار إحياء التراث ، بيروت ، تحقيق : محمد أحمد الفقي ، الطبعة وتاريخها ( بدون )(1/65)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي ، تحقيق ماجد الحموي ، دار ابن حزم ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 1416هـ - 1995م .
تفسير القرطبي ، محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ، تحقيق أحمد البردوني ، دار الشعب ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، 1372هـ
تهذيب الأسماء ، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف بن حزام ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان ، 1996م
توضيح الأحكام من بلوغ المرام، عبدالله البسام ، مكتبة النهضة الحديثة ، مكة المكرمة،الطبعة الثالثة 1417 هـ .
الجامع الصحيح المسند لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ، محمد بن إسماعيل البخاري ، دار القلم ، بيروت ، رقم الطبعة ( بدون ) ، تاريخها 1987م
زاد المعاد في هدي خير العباد،ابن قيم الجوزية تحقيق:شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط مؤسسة الرسالة ومكتبة المنار الإسلامية ، بيروت ، الكويت ،الطبعة السابعة والعشرون 1414 هـ
سبل السلام شرح بلوغ المرام . محمد بن إسماعيل الصنعاني ، تحقيق عصام الدين السبابطي وعماد السيد ، دار الحديث ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2000م .
سلسلة الأحاديث الصحيحة ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف ، الرياض 1415هـ 1995م .
سلسلة الأحاديث الضعيفة ،محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف ، الرياض ،الطبعة الأولى 1421هـ
سنن ابن ماجة ، محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني ، دار الفكر ، بيروت ، رقم الطبعة وتاريخها ( بدون )
سنن أبي داود ، أبو سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي ، المكتبة العصرية ، بيروت ، رقم الطبعة وتاريخها (بدون )
سنن البيهقي الكبرى ، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، دار الباز ، مكة المكرمة ، الطبعة ( بدون ) 1414هـ
سنن الترمذي ، محمد بن عيسى الترمذي ، دار إحياء التراث العربي ،بيروت ، رقم الطبعة (بدون ) ، تاريخ الطبعة 1983م(1/66)
السنن الكبرى ، أحمد بن شعيب أبو عبدالرحمن النسائي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، رقم الطبعة الأولى ، تاريخها 1991م
سنن سعيد بن منصور ، سعيد بن منصور ، تحقيق : سعد الحميد ، دار العصيمي ، الرياض ، الطبعة الأولى 1414هـ
الشرح الممتع شرح زاد المستقنع ، محمد بن صاح العثيمين ، مؤسسة آسام ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1415هـ
شرح بلوغ المرام ، سلمان بن فهد العودة . الدار والطبعة وتاريخها ( بدون )
صحيح ابن خزيمة ، محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ،المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة ( بدون ) ، 1391هـ .
صحيح الإمام مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابوري ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، رقم الطبعة ( بدون ) ، تاريخها 1972م .
صحيح سنن أبن ماجة ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض.الطبعة الثانية 1421 هـ _ 2002 م .
صحيح سنن أبي داوود ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض.الطبعة الثانية 1421 هـ _ 2002 م .
صحيح سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني . مكتبة المعارف للنشر والتوزيع الرياض .الطبعة الثانية 1422هـ _ 2002 م .
صحيح مسلم بشرح النووي . حققه عصام الضبابطي . دار الحديث ، القاهرة .الطبعة الرابعة 1422 هـ _ 2000 م .
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ناصر الدين الألباني . مكتبة المعارف ، الرياض الطبعة ( بدون ) 1417هـ - 1996م .
ضعيف سنن ابن ماجة ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، الطبعة الثانية 1421 هـ
ضعيف سنن أبي داود ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، الطبعة الثانية 1421 هـ
فتاوى أركان الإسلام ، محمد بن صالح العثيمين ، جمع وترتيب : فهد السليمان ،دار الثريا، الرياض ، الطبعة الأولى ،1421هـ(1/67)
فتاوى اللجنة الدائمة : جمع وترتيب أحمد بن عبد الرزاق الدويش ، الإدارة العامة للطبع والترجمة ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1416 هـ ـ 1996 م
فتاوى في تربية الشباب ، ( أجاب عنها الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين ) ، جمعها: عادل بن محمد آل عبدالعالي ، الدار ( بدون ) ، الطبعة الأولى 1418 هـ
فتاوى و رسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، جمع وترتيب : محمد عبدالرحمن بن قاسم - الطبعة الأولى - 1399هـ
فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني . تحقيق عبد العزيز بن باز دارا لمطبعة السلفية ، القاهرة ، الطبعة الثالثة 1407 هـ .
الفروع ابن مفلح الحنبلي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1418هـ 1997 م .
فقه السنة ، الشيخ السيد سابق . دار الفتح للإعلام العربي ، القاهرة . الطبعة الأولى 1418 هـ _ 1998 م .
القاموس المحيط ، محمد بن يعقوب الفيروز أبادي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت لبنان ، الطبعة الأولى 1422 هـ .
كشاف القناع ، منصور بن يونس البهوتي ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة ( بدون ) 1402هـ
لسان العرب ، جمال الدين أبو الفضل ابن منظور ، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان ، الطبعة الثانية 1419هـ .
مجمع الزوائد ، محمد بن أبي بكر الهيثمي ، دار الريان ، القاهرة ، الطبعة ( بدون ) 1407هـ
المجموع شرح المهذب ، أبو زكريا محيي الدين النووي ، تحقيق محمد المحبب المطيعي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 1422 هـ .
مجموع الفتاوى لابن تيمية ، جمع وترتيب : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الأولى 1423 هـ .
مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز، إعداد : عبدالله الطيار وأحمد بن باز، دار الوطن ، الرياض ،الطبعة الأولى1416 هـ
المحلى ، أبو محمد بن حزم الأندلسي ، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار التراث ، القاهرة الطبعة وتاريخها ( بدون ) .(1/68)
مختار الصحاح ، عمر ابن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، دار الحديث ، القاهرة الطبعة وتاريخها ( بدون) .
مسائل الإمام أحمد بن حنبل ، رواية ابنه عبدالله ،المكتب الإسلامي ، بيروت، الطبعة الثالثة ، 1408هـ
المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ، جمعها: محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن قاسم ، الدار ( بدون) ،الطبعة الأولى 1418 هـ
المسند ، أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة ، الطبعة وتاريخها ( بدون )
مفردات القرآن ، الراغب الأصبهاني ،اعتنى به :محمد أحمد خلف الله ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، الطبعة وتاريخها( بدون )
الملخص الفقهي ، تلخيص صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان . دار ابن الجوزي ، الدمام ، الطبعة العاشرة 1420هـ - 1999 م .
الموطأ ، مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي ، دار إحياء التراث العربي، القاهرة ، الطبعة وتاريخها ( بدون )
نيل الأوطار للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، تحقيق وضبط د/ كمال الجمل وآخرون، مكتبة الإيمان ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1419 هـ _ 1999م .
الفهرس
الموضوع … الصفحة…
المقدمة........................................................................ 1…
الفصل الأول : المساجد بيوت الله ......................................... 5
المبحث الأول : تعريف المسجد وبيان مكانته في الإسلام ...........................6
المبحث الثاني: فضل المشي إلى المساجد واستشعار العبودية في ذلك ..............13
المبحث الثالث : حث الشرع على بناء المساجد والعناية بها .......................16
المبحث الرابع : مشروعية الإسراع إذا أقيمت الصلاة .............................19
المبحث الخامس : مشروعية تشبيك الأصابع حين الخروج إلى المسجد ............22
الفصل الثاني : حرمة المسجد وخصوصيته .............................23(1/69)
المبحث الأول : المسألة والتبايع في المسجد .......................................24
المبحث الثاني : دخول الحائض والجنب للمسجد ....................................27
المبحث الثالث : حضور من أكل البصل والثوم إلى المسجد ..........................29
المبحث الرابع : حجز الأماكن في المسجد .........................................30
المبحث الخامس: زخرفة المسجد ونقشه وتلوينه ....................................32
المبحث السادس : دخول الكافر للمسجد ..........................................33
المبحث السابع : البصاق في المسجد ............................................34
الفصل الثالث :أحكام المصلي في المسجد.................................37
المبحث الأول : أحكام المسبوق .....................................................38
المبحث الثاني : مشروعية السترة وأحكامها ..........................................44
المبحث الثالث : تحية المسجد ........................................................54
المبحث الرابع : السلام على المصلي .................................................61
المبحث الخامس: أداء المصلي لنافلة حال الإقامة ......................................63
الخاتمة ...........................................................................66
ثبت المصادر والمراجع .......................................................69(1/70)