أحكام اللقيط
في الفقه الإسلامي
ـ دراسة فقهية مقارنة ـ
إعداد
د. وليد خالد الربيع
قسم الفقه المقارن والسياسة الشرعية
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة الكويت
1425 هـ /2004م
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ..
فهذا بحث موجز في أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي ، تناولت فيه أهم ملامح هذا الجانب المهم من الشريعة الإسلامية ، وذلك أن عناية الشرع المطهر بالضعفاء في المجتمع الإسلامي ـ على وجه العموم ـ واللقطاء والأيتام ـ على وجه الخصوص ـ عناية كبيرة ، وهي بذلك تمثل مظهرا من مظاهر رحمة الإسلام العامة الشاملة كما قال تعالى لرسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - : ] وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ [1]، وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو قسوة قلبه ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - :" أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم وامسحه رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك " [2] ، وعن عياض قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال "[3]، ونصوص كثيرة تدل على تأكيد الشرع المطهر لخلق الرحمة في نفوس المسلمين لما لهذا الصفة النبيلة من أثر عظيم على الفرد والمجتمع .
وعناية الشريعة الغراء بالأيتام واللقطاء لم تقف عند حث المسلمين على رحمتهم والعطف عليهم والإحسان إليهم ، وإنما تجاوزت ذلك إلى سنّ جملة من الأحكام الفقهية التي تمثل نظاما متكاملا لرعاية اللقطاء في المجتمع المسلم بما يحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم المادية والمعنوية ، ويدفع عنهم ضرر التعيير والتحقير وضياع الحقوق والمصالح .(1/1)
ومن هنا يأتي هذا البحث الموجز لتسليط الضوء على بعض تلك الأحكام الفقهية التي ذكرها الفقهاء في مصنفاتهم المختلفة مستندين في تقريرها إلى النصوص الشرعية والقواعد الكلية والمقاصد العامة للشريعة المطهرة .
خطة البحث :
وقد اقتضت طبيعة الموضوع أن أقسمه إلى مقدمة وعشرة مباحث وخاتمة ، وذلك على النحو التالي :
المقدمة : وتتناول سبب اختيار الموضوع وأهميته وخطة البحث ومنهج البحث .
المبحث الأول : تعريف اللقيط .
المبحث الثاني : حكم الالتقاط .
المبحث الثالث : دين اللقيط .
المبحث الرابع : حرية اللقيط .
المبحث الخامس : الإنفاق على اللقيط .
المبحث السادس : الولاية على اللقيط .
المبحث السابع : جناية اللقيط والجناية عليه .
المبحث الثامن : إرث اللقيط .
المبحث التاسع : السفر باللقيط .
المبحث العاشر :ادعاء نسب اللقيط .
الخاتمة : وفيها أهم النتائج والتوصيات .
منهج البحث :
أولاً : بيان مواضع الآيات التي ورد ذكرها في ثنايا البحث بذكر اسم السورة ورقم الآية في الهامش .
ثانياً : تخريج الأحاديث النبوية الواردة في البحث من كتب السنة المعتبرة ما أمكن.
ثالثاً : الرجوع إلى المصادر الأصيلة والمراجع المعتمدة لدى المذاهب الفقهية عند بيان الأحكام الشرعية مع توثيق ذلك بذكر المصدر والجزء والصفحة بالهامش .
رابعاً : سلكت في البحث طريقة الاتجاهات الفقهية ، من خلال ذكر المذاهب المتفقة في اتجاه واحد وذكر المخالفين لهم في اتجاه آخر .
خامساً : حرصت على ذكر أدلة كل اتجاه فقهي بالرجوع إلى المصادر الأصيلة، واتبعت ذلك بذكر ما ورد على تلك الأدلة من مناقشات إن وجدت ، ثم أرجح ما ظهر لي رجحانه مع بيان سبب الترجيح .
سادساً : ختمت البحث بذكر قائمة المصادر والمراجع وفهرس الموضوعات .(1/2)
سابعاً : عند العزو في الهامش فإني أذكر اسم المرجع مع الجزء والصفحة غالبا ، وأما ما يتعلق بمعلومات النشر الخاصة بالناشر وسنة النشر ونحو ذلك فقد اكتفيت بما ورد في قائمة المراجع خشية الإطالة .
وفي الختام أسأل الله - عز وجل - أن يكون هذا البحث موفقا للصواب بعيدا عن الزلل ، وأن يكون مفيدا في موضوعه لمن اطلع عليه من طلبة العلم والباحثين في الفقه الإسلامي وعموم المسلمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المبحث الأول
تعريف اللقيط
يتناول هذا المبحث بيان معنى اللقيط في لغة العرب واستعمالاتهم وفي اصطلاح الفقهاء وإطلاقاتهم ، وذلك لأهمية تحديد حقيقة اللقيط وبيان أهم سماته لما ينبني على ذلك من آثار وأحكام فقهية تتعلق باللقيط كما سيأتي ، وبيان حدّ اللقيط تناوله المطلبان الآتيان :
المطلب الأول
تعريف اللقيط لغة
اللقيط في اللغة : فعيل بمعنى مفعول أي ملقوط كقتيل وجريح وطريح ، مشتق من اللقط وهو أخذ شيء من الأرض ، والتقط الشيء لقطه كما في قوله - عز وجل - : ] فالتقطه آل فرعون [ [4]، واللقيط اسم للطفل الملقى أو الطفل المأخوذ والمرفوع عادة ، فكانت تسميته لقيطا باعتبار العاقبة لأنه يلقط عادة أي يؤخذ ويرفع، وتسمية الشيء باسم عاقبته أمر شائع في اللغة كما قال - عز وجل - على لسان أحد صاحبي السجن : ] إني أراني أعصر خمرا [ [5] فسمى العنب خمرا ، وقال - عز وجل - : ] إنك ميت وإنهم ميتون [ [6] وسمى الحي الذي يحتمل الموت ميتا باسم العاقبة .[7]
فاللقيط في اللغة : هو الطفل ـ ذكرا كان أم أنثى ـ الذي لا يعرف أبواه ويوجد ملقى في الطريق ونحوه .
المطلب الثاني
تعريف اللقيط اصطلاحا
عرف الفقهاء اللقيط بتعريفات متعددة تلتقي في بعض الأمور وتختلف في البعض الآخر ، فمن ذلك :
أولا : تعريف الحنفية :
جاء في تبيين الحقائق :" اسم لمولود حي طرحه أهله خوفا من العيلة أو التهمة " [8].(1/3)
ثانيا : تعريف المالكية :
عرفه ابن عرفة بقوله :" صغير آدمي لم يعلم أبواه ولا رقه "[9] ، وعرفه ابن الحاجب بأنه :" طفل ضائع لا كافل له " وقال القرافي :" اسم للطفل الذي يوجد مطروحا "[10].
ثالثا : تعريف الشافعية :
جاء في مغني المحتاج :" صغير منبوذ في شارع أو مسجد أو نحو ذلك لا كافل له معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد " [11].
رابعا: تعريف الحنابلة :
قال ابن قدامة : " هو الطفل المنبوذ " ، وقال غيره :" طفل لا يعرف نسبه ولا رقه نبذ أو ضل " [12].
ومما يلاحظ على ما تقدم من تعريفات ما يلي :
1-اتفقت على أن اللقيط طفل صغير دون التمييز ، فيخرج بذلك البالغ العاقل لعدم حاجته إلى الرعاية والكفالة .
2-كما اتفقت على أن اللقيط لا يعرف أهله ولا نسبه ، فيخرج بذلك من عرف أهله ، وكذلك من عرفت أمه بأن يكون ولد زنا مثلا فلا يعد لقيطا .
3-اتفقت التعريفات على أن اللقيط محتاج إلى الإلتقاط والأخذ لحاجته إلى الرعاية والقيام بما يحتاج إليه من نفقة وحضانة ونحو ذلك .
4-فرق بعض التعريفات بين اللقيط والمنبوذ باعتبار أن المنبوذ يطلق على ولد الزنا خاصة كما سئل الإمام مالك عمن قال لرجل : يا منبوذ ، فقال : لا يعلم منبوذ إلا ولد الزنا .[13]
وبناء على هذا فاللقيط أعم من المنبوذ مطلقا لأنه يشمل ولد الزنا ومن ضاع من أهله، والمنبوذ أخص مطلقا من اللقيط .
وذهب البعض الآخر إلى اعتبارهما بمعنى واحد من حيث إن النبذ هو الإلقاء والطرح كما نقل عن الجوهري : المنبوذ اللقيط ، وقال ابن قدامة : الطفل المنبوذ، وقال الخطيب الشربيني : ويسمى ملقوطا باعتبار أنه يلقط ، ومنبوذا باعتبار أه ينبذ إذا ألقي في الطريق ونحوه .[14]
وذهب البعض إلى أن الطفل يعد منبوذا ما دام مطروحا ولا يسمى لقيطا إلا بعد أخذه، وقيل : المنبوذ ما وجد بفور ولادته واللقيط بخلافه .[15](1/4)
5- مما يؤخذ على تعريف الحنفية أنه قصر معنى اللقيط على الطفل الذي طرحه أهله خوفا من الفقر أو فضيحة الزنا ، مع أنه يمكن أن يطلق لفظ اللقيط على الطفل الضائع الذي فقده أهله ولا يعرف أبواه .
وعلى هذا فيمكن تعريف اللقيط بأنه " طفل مجهول الهوية نبذه أهله أو ضاع منهم "، لأنه يشمل المعاني السابقة ويسلم من الاعتراضات الواردة على غيره .
المبحث الثاني
حكم الإلتقاط
يتناول هذا المبحث حكم أخذ اللقيط وانتشاله من أسباب الهلاك التي قد يتعرض لها لو أهمل أو أعرض عن التقاطه ، كما سيتعرض لبيان حكم الإشهاد على الإلتقاط وأهميته مع ذكر شروط الملتقط ، وذلك في المطالب التالية :
المطلب الأول
حكم الإلتقاط
فرق الفقهاء بين حالتين من أحوال اللقيط :
الحالة الأولى : إذا خشية على اللقيط الهلاك :
إذا خشي على الطفل من الهلاك بأن كان في بحر يخاف عليه من الغرق أو كان في مفازة منقطعة أو أرض ذات سباع ، فقد ذهب عامة الفقهاء[16] إلى أن التقاطه وأخذه فرض عين إن لم يكن هناك أحد غيره ، لأن ذلك مندرج تحت قاعدة حفظ النفوس المجمع عليها في سائر الملل ، فأخذه فيه إحياء نفس من الهلاك فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر ، وقد قال - عز وجل - : ] ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا [ [17]، قال ابن حزم :" ولا إثم أعظم من إثم من أضاع نسمة مولودة في الإسلام صغيرة لا ذنب لها حتى تموت جوعا وبردا أو تأكله الكلاب هو قاتل نفس عمدا بلا شك ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :" من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " .
الحالة الثانية : إذا لم يخش عليه الهلاك :
اختلف الفقهاء في وجوب أخذ اللقيط إذا لم يخش عليه الهلاك في موضعه الذي هو فيه على مذهبين :
المذهب الأول : التقاط اللقيط مندوب .
وهو مذهب الحنفية [18]، ودليلهم :
1-ما روي أن رجلا أتى علي بن أبي طالب بلقيط فقال : هو حر ، ولأن أكون وليت من أمره مثل الذي وليت أنت كان أحب إلي من كذا وكذا .(1/5)
فقد عدّ جملة من أعمال الخير ورغب في الالتقاط وبالغ في الترغيب حيث فضله على جملة من أعمال الخير على المبالغة في الندب إليه .
2-ولأنه نفس لا حافظ لها بل هي ضعيفة فكان التقاطها إحياء لها معنى .
المذهب الثاني : التقاط اللقيط فرض كفاية .
وهو مذهب الجمهور [19]، ودليلهم :
1-قوله - عز وجل - : ] وتعاونوا على البر والتقوى [ [20] ، ولاشك أن إنقاذ اللقيط وأخذه من البر والعمل الصالح .
2-ولأن فيه إحياء نفس فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر وإنجائه من الغرق .[21]
وهو المذهب الأظهر لقوة أدلتهم ، وما استدل به الحنفية يحمل على فضل الالتقاط وأما حكمه فهو فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين ، فإن تركه الجميع أثموا إذا علموا فتركوه مع إمكان أخذه ، ولا شك أن ترك اللقيط وعدم التقاطه اتكالا على قيام البقية به سبب لضياعه كما قيل :" محرزه غانم ومضيعه آثم " ، وهو مما يتنافى مع مكارم الأخلاق وشيم المروءة التي حثّ الشرع المطهر عليها لإنقاذ النفوس وهذا مما يتوافق مع مقاصد الشريعة الأصلية من حفظ الضروريات الخمس ومن أهمها النفس .
المطلب الثاني
الإشهاد على الإلتقاط
اختلف الفقهاء في حكم الإشهاد على الإلتقاط على مذهبين :
المذهب الأول : وجوب الإشهاد على الإلتقاط وإن كان الملتقط ظاهر العدالة .
وهو مذهب المالكية والشافعية في أصح الوجهين ووجه للحنابلة [22]، وذلك خشية أن تطول المدة فيدعي الملتقط أن اللقيط عبده ، وهو ما عبروا عنه بقولهم :" خوف الاسترقاق " .
المذهب الثاني : يستحب الإشهاد على الإلتقاط ولا يجب .
وهو مذهب الحنابلة ووجه للشافعية مقابل الأصح [23]، ودليلهم :
1-القياس على اللقطة حيث لا يجب الإشهاد على التقاطها اعتمادا على الأمانة ، فكذلك الحكم في الإشهاد على التقاط اللقيط .
2- سدا لذريعة استرقاق اللقيط مع طول الزمان ، فيدفع هذا الاحتمال بالإشهاد .
ونوقش هذا الاستدلال :(1/6)
بأن القياس مع الفارق لأن الغرض من اللقطة حفظ المال ، والإشهاد في التصرف المالي مستحب ، وأما في اللقيط فالغرض حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد كما في النكاح .
كما أن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط [24].
وبهذا يظهر رجحان المذهب الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، وينبغي كذلك أن يشهد على ما مع اللقيط من مال تبعا له ولئلا يتملكه أو يدعيه مع مرور المدة .
المطلب الثالث
شروط الملتقط
لضمان سلامة اللقيط وعدم ضياع حقوقه المادية والمعنوية كالدين والنسب والحرية وما معه من أموال ونحو ذلك فقد ذكر الفقهاء للملتقط شروطا عديدة احتياطا لمصلحة اللقيط ودفعا للضرر عنها ، فمن هذه الشروط :
الشرط الأول : الإسلام :
فرق الفقهاء بين حالتين :
الحالة الأولى : إذا حكم بكفر اللقيط فلغير المسلم التقاطه ويقر بيده لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض .[25]
الحالة الثانية : إذا لم يحكم بكفر اللقيط أو حكم بإسلامه ـ كما سيأتي ـ فهنا اختلف الفقهاء في حكم التقاط غير المسلم على مذهبين :
المذهب الأول : لا يشترط إسلام الملتقط .
وهو مذهب الحنفية [26].
المذهب الثاني : يشترط أن يكون الملتقط مسلما .
وهو مذهب الجمهور [27] ، ودليلهم :
1-قوله تعالى : ] ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ [28]، فدلت هذه الآية على أنه لا ولاية للكافر على المسلم ، والتقاط الكافر للقيط المسلم فيه إثبات ولايته عليه ، مما يتنافى مع ظاهر الآية .
2-أنه لا يؤمن أن يفتن الكافر اللقيط في دينه ويعلمه الكفر ، بل الظاهر أنه يربيه على دينه وينشأ على ذلك كولده .[29](1/7)
وهو الأظهر لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، وذلك لأن الأصل في كل مولود أن يولد على الفطرة ، والقول بجواز أن يلتقط غير المسلم اللقيط فيه تمكين له من تغيير فطرة اللقيط وصرفه عن الإسلام ، وهذا أمر ظاهر ويغلب على الظن وقوعه ، فينبغي منع ذلك بنزع اللقيط من يد غير المسلم وعدم تمكينه من الولاية على اللقيط .
الشرط الثاني : أن يكون بالغا عاقلا :
ذهب عامة الفقهاء إلى أنه يشترط أن يكون الملتقط مكلفا أي عاقلا بالغا ، وذلك لأن أخذ الملتقط للقيط ولاية تثبت على الغير بالاختيار فيشترط فيها ما يشترط في سائر الولايات من العقل والبلوغ ، فإذا التقط الصبي والمجنون لقيطا نزع منهما ولا يقر في أيديهما لعدم أهليتهم للولاية .[30]
الشرط الثالث : العدالة :
العدالة في اللغة : الاستقامة ، وفي الشريعة : صفة تحمل صاحبها على ملازمة الدين والمحافظة على الفرائض ومكارم الأخلاق والمروءات والبعد عن الرذائل واجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر [31].
ولا خلاف في أنه يستحب أن يكون الملتقط عدلا [32]، لأن أخذ الملتقط للقيط فيه إثبات ولاية عليه ، والعدالة شرط ثبوت الولاية ، ولما جاء في الموطأ عن سنين أبي جميلة قال : وجدت ملفوفا فأتيت به عمر - رضي الله عنه - فقال عريفي : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح ، فقال عمر : أكذلك هو ؟ قال : نعم قال : فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته .[33]
واختلف الفقهاء في التقاط الفاسق :
المذهب الأول : يصح التقاط الفاسق .
وهو مذهب الحنفية [34]، ودليلهم : أن الفاسق أحسن حالا من الكافر ، وتقدم أن التقاط الكافر صحيح فالفاسق أولى .
المذهب الثاني : لا يصح التقاط الفاسق .
وهو مذهب الجمهور [35]، ودليلهم :
1-أثر عمر المتقدم ، حيث أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له عريفه : إنه رجل صالح .(1/8)
2-ولأنه سبق إليه فكان أولى به لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " .[36]
وهو الأظهر لأن أخذ اللقيط يلزم منه القيام على تربيته وتنشئته التنشئة الإسلامية المحافظة ، فإذا كان الفاسق مخلا بذلك في نفسه فيبعد أن ينشئ اللقيط على ذلك ، كما أنه لا يؤمن أن يدعي استرقاقه أن يأخذ ما معه من مال ونحوه ، ولهذا لا يقر في يده بل ينزع منه .
فإن كان الملتقط مستور الحال ممن لم يظهر منه فسق ولا إخلال بالعدالة ، أقر اللقيط في يده لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام ، ولأن الأصل في المسلم العدالة كما قال عمر :" المسلمون عدول بعضهم على بعض " [37].
زاد الشافعية : " يوكل القاضي به من يراقبه بحيث لا يعلم لئلا يتأذى ، فإذا وثق به صار كمعلوم العدالة "[38].
الشرط الرابع : الحرية :
ذهب عامة الفقهاء إلى أنه يشترط أن يكون الملتقط حرا ، لأنه أقدر على القيام بمصالح اللقيط وتربيته ، واختلفوا في التقاط العبد :
فإن لم يكن هناك من يلتقط اللقيط غيره وجب التقاطه لأنه تخليص له من الهلاك فأشبه تخليصه من الغرق ، وأما إن لم يتعين عليه التقاطه لوجود غيره فهنا اختلف الفقهاء في التقاط العبد على مذهبين :
المذهب الأول : يصح التقاط العبد .
وهو مذهب الحنفية [39].
المذهب الثاني : يصح التقاط العبد إن أذن له سيده .
وهو مذهب الجمهور [40]، ودليلهم :
1-لأن منافع العبد لسيده فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه .
2-لا يثبت على اللقيط إلا الولاية ، ولا ولاية للعبد .[41]
وهو المذهب الأظهر ، فإن التقطه بغير إذن سيده لم يقر في يده ونزع منه ، وإن أذن له أقر في يده لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه السيد ودفعه إلى العبد ليقوم بشؤونه .(1/9)
وهذا الحكم يشمل القن والمدبر وأم الولد والمكاتب لأنه ليس له التبرع بماله ولا منافعه إلا أن يأذن له سيده في ذلك .[42]
الشرط الخامس : الرشد :
الرشد نقيض الغي والضلال ، وهو حسن التصرف في الأمر ، وفي الاصطلاح : الصلاح في المال وحسن استثماره واستغلاله عند الجمهور .
ولا خلاف في صحة التقاط المكلف الرشيد [43]، واختلفوا في التقاط المحجور عليه للسفه على مذهبين :
المذهب الأول : يصح التقاط المحجور عليه للسفه .
وهو مذهب الحنفية [44].
المذهب الثاني : لا يصح التقاط المحجور عليه للسفه .
وهو مذهب الجمهور [45]، لأن السفيه المحجور عليه لا ولاية له على نفسه ، فأولى أن
لا يكون وليا على غيره .
والأظهر أنه يصح التقاط السفيه المحجور عليه ويقر اللقيط في يده لأنه في نفسه أهل للأمانة والتربية ، والحجر إنما يكون في منعه من التصرف في ماله دون سائر التصرفات ، والالتقاط ليس من التصرفات المالية فيصح منه ويقر اللقيط في يده ما دام عدلا بالغا عاقلا أمينا .
الشرط السادس : الغنى :
اختلفوا في التقاط الفقير على مذهبين :
المذهب الأول : لا يصح التقاط الفقير ولا يقر في يده .
وهو وجه للمالكية ووجه للشافعية ، لأن الفقير قد يشغله طلب القوت عن الحضانة
مما قد يضر اللقيط [46].
المذهب الثاني : يصح التقاط الفقير ويقر اللقيط في يده .
وهو وجه للمالكية والصحيح من مذهب الشافعية [47]، لأن الأمور تجري بضمان الله وكفالته ، وإن الله تكفل بأرزاق العباد ، والمشاهد أن أبناء الفقراء يشبون أصحاء أقوياء ولم يؤثر الفقر فيهم غالبا ، وذلك من رعاية الله لخلقه ، وعلى هذا يقر اللقيط في يد الملتقط ولا يشترط أن يكون غنيا ، وهو الأظهر .(1/10)
ولا يشترط الذكورة في الملتقط عند عامة الفقهاء [48]، فالرجل والمرأة في ذلك سواء، فيصح التقاط المرأة ويقر اللقيط في يدها ، قيد المالكية ذلك بأن تكون المرأة حرة خالية من الأزواج أو كانت ذات زوج فيشترط إذن الزوج في ذلك .
المطلب الرابع
تزاحم الملتقطين
إذا ازدحم اثنان على لقيط ، فإن لذلك أحوالا وصورا :
الحالة الأولى : إذا ازدحما فيه قبل الأخذ وطلب كل واحد منهما أخذه وحضانته :
جعله الحاكم في يد من رآه منهما أو من غيرهما ، إذ لاحق لهما قبل الأخذ .
الحالة الثانية : إذا ازدحما فيه بعد الأخذ ، فإن لذلك صورا :
الصورة الأولى : إن لم يكن واحد منهما أهلا للالتقاط بأن كانا جميعا ممن لا يقر اللقيط في يده ، نزع اللقيط منهما وسلّم لغيرهما .
الصورة الثانية : إن كان أحدهما ممن يقر اللقيط في يده والآخر ليس كذلك ، كأن يتنازع المسلم والكافر واللقيط ممن حكم بإسلامه ، والعدل والفاسق ، والحر والعبد، يقدم من يقر اللقيط في يده وتكون مشاركة الآخر كالعدم ، لأنه لو التقطه وحده لم يقر في يده ، فإذا شاركه من هو أهل للالتقاط كان أولى به .
الصورة الثالثة : إذا كان كل واحد منهما ممن تقر يده على اللقيط فينظر :
1-إن سبق أحدهما إلى أخذه ووضع يده عليه فهو أحق به ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " .
2-وإن تساويا في الأخذ واختص أحدهما بصفة تقدمه على الآخر ، فينظر في الأحظ للقيط ، فإن كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا فيقدم الغني ، وإن كان أحدهما عدلا والآخر مستور الحال يقدم العدل ، والحر أولى من العبد ولو التقطه بإذن سيده .
3-وإن تساويا من جميع الوجوه بأن يكونا مسلمين عدلين حرين مقيمين موسرين ، فهما سواء فيه فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به ، وإن تشاحا أقرع بينهما :
1-لقوله - عز وجل - : ] وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم [ .(1/11)
2-ولأنه لا يمكن أن يكون عندهما في حالة واحدة .[49]
المبحث الثالث
دين اللقيط
الدين من أهم المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية بتقريرها وحفظها والدفاع عنها، وذلك لأن عبادة الله - عز وجل - هي الغاية التي لأجلها خلق الخلق كما قال تعالى : ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ [50] ، وقد تنوعت الأحكام الشرعية بناء على دين الإنسان ، فالأحكام الخاصة بالمسلمين غير أحكام الكتابيين وأحكام المشركين ، ولهذا تناول الفقهاء بيان مسائل المتعلقة بدين اللقيط لما يتبع ذلك من أحكام تتعلق بالطهارة وأحكام الميت من حيث التغسيل والتكفين والصلاة عليه والدفن والديات والجنايات ونحو ذلك من أحكام تختلف باختلاف دين الإنسان ، وسيتناول هذا المبحث بعض هذه المسائل على النحو التالي :
المطلب الأول
دين اللقيط قبل التمييز
إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين ميتا ، فقد قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد ، أن غسله ودفنه في مقابر المسلمين يجب .[51]
أما إذا وجد اللقيط حيا فلذلك أحوال :
الحالة الأولى : إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين وكان الواجد مسلما ، حكم بإسلام اللقيط باتفاق المسلمين وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للإسلام ولظاهر الدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه .[52]
الحالة الثانية : إذا وجد اللقيط في بيعة أو كنيسة أو في قرية من قرى أهل الذمة وكان الواجد ذميا ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ذميا .
وهو مذهب الحنفية والمالكية [53] ، وذلك تغليبا للدار والحكم للغالب .
المذهب الثاني : يعتبر اللقيط مسلما .(1/12)
وهو قول أشهب من المالكية [54]، واشترط الشافعية والحنابلة أن يكون في تلك القرى مسلم ، وذلك لاحتمال أن يكون لمن فيها من المسلمين كما حكمنا بحريته وإن جهلنا حريته ولم نجزم بها للاحتمال لأن الشرع رجح جانبها فكذلك نحكم بإسلامه ، وتغليبا للإسلام كما يقول الشافعية والحنابلة .[55]
الحالة الثالثة : إذا وجد الذمي لقيطا في مساجد المسلمين أو في قراهم وأمصارهم ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر ذميا كدين واجده .
وهو قول محمد بن الحسن [56]، وذلك على وجه التبعية للواجد لقوة اليد ، لأن تبعية الأبوين فوق تبعية المكان ، لأن بين الطفل والأبوين جزئية ولا جزئية بينه وبين المكان ، حتى إذا سبي الصغير مع أحد أبويه يعتبر كافرا فكذلك هنا .
المذهب الثاني : يعتبر مسلما .
وهو مذهب الجمهور [57]، وذلك تغليبا للمكان ، ولأن هذا أنفع للقيط ، وهو الأصل كما سيأتي .
الحالة الرابعة : إذا وجد مسلم لقيطا في بيعة أو كنيسة أو قرية من قرى أهل الذمة ، فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ذميا تبعا للمكان .
وهو مذهب الحنفية والمالكية [58]، وذلك لأن المكان أسبق من يد الواجد فيكون الاعتبار له لأنه عند التعارض يترجح السابق ، ولأن المسلم لا يضع ولده في البيعة .
المذهب الثاني : يعتبر اللقيط مسلما .
وهو قول محمد بن الحسن وأشهب من المالكية ومذهب الشافعية والحنابلة بشرط أن يكون في الموضع مسلم يمكن أن يكون اللقيط منه .[59]
قال محمد بن الحسن : أن العبرة بدين الواجد ، لأن يد الواجد أقوى وإنما يعتبر المكان عند عدم وجود يد معتبرة .
وقال أشهب : لاحتمال أن يكون لمن فيها من المسلمين .
والأظهر في كل المسائل المتقدمة اعتبار اللقيط مسلما وذلك لما تدل عليه الأدلة التالية:
1-قوله تعالى : ] فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها [ [60]، والفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها هي الإسلام .(1/13)
2- ما رواه أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ "ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم ]فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله [ [61]، قال النووي : الأصح أن معناه : أن كل مولود يولد متهيئا للإسلام ، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلما استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا ، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا " ومعنى هذا أن من لم يعرف أبواه يبقى على الأصل وهو الإسلام .
3-ما جاء عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا : كل مال نحلته عبدي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " [62] قال النووي : " أي مسلمين " ، ومعنى ذلك أن الأصل في المولود الإسلام حتى يدل دليل على غير ذلك .
المطلب الثاني
دين اللقيط بعد التمييز
يتناول هذا المطلب حكم اللقيط إذا بلغ سنا يصح فيها إسلامه بأن كان مميزا ، فتكلم بالإسلام أو بالكفر.
قال ابن قدامة : إذا بلغ اللقيط حدا يصح فيه إسلامه وردته فوصف الإسلام فهو مسلم سواء كان ممن حكمنا بإسلامه أو كفره .[63]
وأما إذا نطق بالكفر فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة هل يؤاخذ بذلك أم لا يؤاخذ ؟ على مذهبين :
المذهب الأول : إذا كان ممن حكم بإسلامه فهو مرتد لا يقر على كفره .
وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة[64] ، وقال الحنفية يجبر على الإسلام ولكن لا يقتل لأنه لم إسلامه حقيقة وإنما حكم به تبعا للدار فلم تتحقق ردته فلا يقتل .
وذلك لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :" من بدل دينه فاقتلوه " .
المذهب الثاني : يقر على كفره .(1/14)
وهو قول القاضي من الحنابلة [65]، لأن قوله أقوى من ظاهر الدار ، وبناء على هذا فإن ذكر كفرا يقر أهله عليه بالجزية عقدت له الذمة ، فإن امتنع من التزامها أو وصف كفرا لا يقر أهله عليه ألحق بمأمنه .
ونوقش هذا : بأن دليل الإسلام وجد خاليا عن المعارض وثبت حكمه واستقر قلم يجز إزالة حكمه بقوله كما لو كان ابن مسلم ، وقوله لا دلالة فيه أصلا لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه ، وإنما يقول هذا من تلقاء نفسه .[66]
والذي يظهر رجحانه هو المذهب الأول ، وعلى هذا إذا بلغ استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل ردة .
المبحث الرابع
حرية اللقيط
قال ابن قدامة : " اللقيط حر في قول عامة أهل العلم إلا النخعي ، قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر ، روينا هذا القول عن عمر وعلي - رضي الله عنه - ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والشعبي والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي ومن تبعهم .
وقال النخعي : إن التقطه للحسبة فهو حر ، وإن كان أراد أن يسترقه فذلك له .
قال ابن قدامة : وذلك قول شذّ فيه عن الخلفاء والعلماء ، ولا يصح في النظر فإن الأصل في الآدميين الحرية ، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا ، وإنما الرق للعارض ، فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل ".[67]
وقال القرافي :" هو على الحرية لا يقبل فيه دعوى الحق من أحد إلا ببينة ، ولا يقبل إقراره هو على نفسه بالرق ، لأنه ليس له أن يرق نفسه ، لم يختلف في ذلك مالك وأصحابه وقاله الأئمة ،لأن الأصل في الناس الحرية ، وإنما يطرأ عليهم الرق بجريرة الكفر ، وقاله عمر وقاله علي - رضي الله عنه - وتلا قوله - عز وجل - : ] وشروه بثمن بخس دراهم معدودة [ [68]وجه الحجة : أنه لو كان رقيقا لملتقطه ـ كما قال بعضهم ـ لما احتاجوا إلى شرائه ... والإلتقاط إنما هو للحفظ دون نقل الأملاك " [69].
المبحث الخامس
الإنفاق على اللقيط(1/15)
الأصل أن تكون نفقة كل شخص في ماله ، وعلى هذا فإذا وجد مع اللقيط مال كدراهم أو دنانير أو عروض كثياب ملفوفة عليه أو مفروشة تحته أو دابة مشدود عليها أو خيمة موضوع فيها ونحو ذلك مما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعته فيحكم أنه تحت يده وملكا له .
فإن لم يكن له مال خاص ، كانت نفقته في مال عام وهي الأموال الموقوفة على اللقطاء أو الموصى لهم بها ، وهذا ما عليه عامة الفقهاء [70].
فإن لم يعرف له مال خاص ولم يوجد مال عام ينفق منه على اللقيط ، فهنا اختلف الفقهاء فيمن يلزم بالإنفاق على اللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : تكون نفقته في بيت مال المسلمين .
وهو مذهب الجمهور [71] ، ودليلهم :
1-أثر عمر بن الخطاب في اللقيط الذي وجده سنين بن جميلة فقال له عمر :" اذهب به فهو حر وولاؤه لك وعلينا نفقته وفي رواية من بيت المال " .
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد : وكان عمر إذا أتي باللقيط فرض له مائة درهم وفرض له رزقا يأخذ وليه كل شهر ما يصلحه ، ثم ينقله من سنة إلى سنة ـ أي يغير عطاءه من سنة إلى سنة ـ وكان عمر يوصي بهم خيرا ويجعل رضاعهم ونفقتهم من بيت المال [72].
2-ولأن بيت المال وارثه وماله مصروف إليه فتكون نفقته عليه كقرابته ومولاه ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " الخراج بالضمان " .
3-ولأن بيت المال معد للمصالح والإنفاق على فقراء المسلمين واللقيط من جملتهم .
المذهب الثاني : يقترض الإمام من بيت المال أو بعض الناس .
وهو قول للشافعية [73]، وذلك لأن مال بيت المال لا يصرف إلا فيما لا وجه له غيره ، واللقيط يجوز أن يكون عبدا فنفقته على سيده ، أو حرا له مال أو فقيرا له من تلزمه نفقته فلم يلزم من بيت المال ، فيقترض عليه الإمام فإذا ظهر شيء من ذلك رد ما أنفق عليه على بيت المال أو على من أخذ منه القرض .(1/16)
والأول أظهر لأن احتمال ظهور مال للقيط أو عائل ينفق عليه احتمال ضعيف لا يترك لأجله الواجب المتعين على جماعة المسلمين من خلال بيت المال .
وما ينفق على اللقيط من بيت المال لا رجوع فيه على اللقيط ، لأن عمر - رضي الله عنه - استشار الصحابة في ذلك فأجمعوا على أن نفقته في بيت المال .[74]
فإن لم يكن في بيت المال شيء أو كان فيه ولكن هناك ما هو أهم من الإنفاق على اللقيط ، فهنا اختلف فيمن ينفق على اللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط .
وهو مذهب الحنفية والمالكية [75]، وقيد الحنفية ذلك بأن لا يتبرع الملتقط بالإنفاق ويلزمه القاضي ويرجع بما أنفق على اللقيط إذا أيسر .
ودليلهم :
1-أن العادة تقضي بأن نفقة اللقيط تكون على ملتقطه لأنه أولى الناس به .
2-أن الملتقط بالتقاطه اللقيط ألزم نفسه بالإنفاق عليه .
المذهب الثاني : لا يجب على الملتقط الإنفاق على اللقيط وإنما يلزم الإمام من بحضرته من المسلمين .
وهو مذهب الجمهور [76]، ودليلهم :
1-قوله - عز وجل - : ] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [ [77]ولا شك أن الإنفاق على اللقيط من أعظم البر ، وتركه بلا نفقة من الإثم المنهي عنه .
2-أن في ترك الإنفاق على اللقيط هلاكه ، وحفظه من ذلك واجب كإنقاذه من الغرق
3-وأما عدم تعين ذلك على الملتقط فلما قاله ابن المنذر :" أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط كوجوب نفقة الولد".[78]
والذي يظهر هو رجحان مذهب الجمهور ، وما استدل به المذهب الأول يمكن أن يجاب عنه بما قاله ابن قدامة :" أن أسباب وجوب النفقة ـ وهي القرابة والزوجية والملك والولاء ـ منتفية في حق الملتقط ، والالتقاط إنما هو تخليص له من الهلاك وتبرع بحفظه فلا يوجب ذلك النفقة كما لو فعله بغير اللقيط " [79].(1/17)
وأيضا فإن الملتقط محسن بأخذه اللقيط وإنقاذه من الهلاك ، فلا يصح أن يقابل إحسانه بتغريمه نفقة اللقيط ، وقد قال - عز وجل - : ] ما على المحسنين من سبيل [ [80]، ولو ألزم الملتقط بالإنفاق على اللقيط لامتنع الناس من هذا العمل النبيل خشية تكليفهم بالإنفاق على اللقطاء وفي ذلك سد لباب المعروف بين الناس .
المبحث السادس
الولاية على اللقيط
الولاية سلطة شرعية تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها بحيث تترتب آثارها الشرعية عليها بمجرد صدورها .
والولاية بالنظر إلى محلها تنقسم إلى نوعين :
ولاية على النفس : وهي سلطة الإشراف على الشؤون المتعلقة بالقاصر كالحضانة والتربية والتعليم والتطبيب والتزويج ، وهي تقتضي تنفيذ القول على القاصر .
وولاية على المال : وهي سلطة المرء على مال غيره بالإشراف والحفظ والتصرف على الوجه المشروع بما يحقق مصلحة المولى عليه.[81]
ومن حيث الولاية على اللقيط ، فيفرق الفقهاء بين نوعي الولاية :
فالولاية على نفس اللقيط للسلطان لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " السلطان ولي من لا ولي له " فله أن يزوجه ويتصرف في ماله بالبيع والشراء والإجارة بما يراه يحقق المصلحة وله أن يأذن للملتقط بالإنفاق على اللقيط ، وأما الملتقط فليس أن يفعل شيئا من ذلك لأنه لا ولاية له عليه ، وإنما له على اللقيط ولاية الحفظ والتربية ، وليس له عليه ولاية التزويج لأن ذلك يعتمد الولاية من القرابة والملك والسلطنة ولا يثبت واحد منها للملتقط .
وللملتقط أن يقبض الهبة عن اللقيط لأن ذلك نفع محض وليس فيها احتمال خلافه ، كما له أن يؤاجره وان يسلمه في صنعة لأن ذلك ليس من باب الولاية عليه بل من باب إصلاح حاله وإيصال المنفعة المحضة إليه من غير ضرر فأشبه إطعامه [82].
وأما الولاية على مال اللقيط ، فقد اختلف الفقهاء في ثبوتها للملتقط على مذهبين :(1/18)
المذهب الأول : لا ولاية للملتقط على مال اللقيط ، فلا ينفق إلا بإذن القاضي .
وهو مذهب الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد [83]، ودليلهم :
1-عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :" السلطان ولي من لا ولي له "[84] وهذا يشمل الولاية على النفس والمال .
2-التصرف بالمال لا يجوز إلا بكمال الرأي ووفور الشفقة وذلك يوجد في الأب والجد لا غير ولهذا لا تملكه الأم فالملتقط أولى ، لأنه لم يوجد في كل واحد منهما إلا شطر العلة وهي كمال الشفقة في الأم ، وكمال الرأي في الملتقط فصار كالعم.
المذهب الثاني : للملتقط ولاية على مال اللقيط فلا يتوقف على إذن القاضي .
وهو مذهب الحنابلة [85]، ودليلهم :
1-لأن الملتقط له ولاية على اللقيط في ماله وله أخذه وحفظه وهو أولى الناس به كوصي اليتيم ، فلم يعتبر في الإنفاق إذن الحاكم .
2-ولأن هذا من الأمر بالمعروف فاستوى فيه الإمام وغيره كتبديد الخمر .
ومع هذا فيستحب له أن يستأذن الحاكم لأنه أبعد من التهمة وأقطع للظنة وفيه خروج من الخلاف وحفظ لماله من أن يرجع عليه بما أنفق .
والذي يظهر هو رجحان مذهب الجمهور لقوة أدلتهم ، وما استدل به المذهب الثاني اجتهاد في مورد نص ، ولا شك أن المعول عليه هو النص الشرعي ، والأخذ بهذا القول أحفظ لمال اللقيط وأحوط لدين الملتقط من أن يخوض في مال اللقيط بغير حق.
المبحث السابع
جناية اللقيط والجناية عليه
يتناول هذا المبحث أحكام جناية اللقيط والجناية عليه ، وذلك أن اللقيط فرد كسائر الأفراد في المجتمع المسلم من جهة أنه عرضة للاعتداء عليه في نفسه أو فيما دون النفس ، كما أن قيامه باعتداء على غيرهم بما يوجب القصاص أو الدية أمر محتمل الوقوع ، ونظرا لطبيعة اللقيط من جهة عدم وجود أسرة له تستحق القصاص أو تلزمها الديات ، فقد أشار الفقهاء إلى بعض الأحكام التي اختص بها اللقيط في هذا الباب ، وستناول هذه المبحث هذه الجوانب من خلال المطلبين الآتيين :(1/19)
المطلب الأول
جناية اللقيط
أولاً : جناية العمد :
ذهب عامة الفقهاء[86] إلى أن اللقيط إذا جنى جناية لا تحملها العاقلة ـ وهي العمد ـ فحكمه فيها حكم غيره من المكلفين ، وذلك بأن يقتص منه إن استوفى شروط استحقاق القصاص ، بأن كان عاقلا بالغا متعمدا ونحو ذلك من الشروط .
وإن كانت الجناية موجبة للمال ـ بأن سقط القصاص مثلا ـ ، فإن كان للقيط مال استوفي منه ، وإن لم يكن له مال بقيت ذمته مشغولة بهذا الحق حتى يوسر كسائر الديون وكضمان المتلفات لا تسقط بالإعسار .
ثانياً : جناية الخطأ وشبه العمد :
إذا جنى اللقيط جناية موجبة للمال مما تحمله العاقلة ، فقد ذهب عامة الفقهاء [87]إلى أن بيت مال المسلمين يتحمل دية هذه الجناية ، لأن هذا النوع من الجنايات تتحملها العاقلة ولا عاقلة للقيط فيتحملها بيت المال عنه لأن ميراثه له فتكون نفقته ودياته عليه لأن الغنم بالغرم كالعصبة فيما تتحمله عن الجاني وفيما ترثه عنه .
المطلب الثاني
الجناية على اللقيط
أولاً : جناية العمد :
المذهب الأول : الإمام مخير بين استيفاء القصاص وأخذ الدية أو الصلح على مال وليس له العفو مجانا .
وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعية والحنابلة وابن المنذر[88]، ودليلهم :
1-أما استحقاق القصاص فللعمومات الموجبة للقصاص من القاتل عمدا ، واللقيط في ذلك كسائر المسلمين .
2-أما تخيير الإمام فلأنه ولي اللقيط لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" السلطان ولي من لا ولي له " والولي له الحق في استيفاء القصاص أو طلب الدية أو الصلح على مال .
3-أما قولهم : ( وليس للإمام العفو مجانا ) ، فلأن ذلك خلاف مصلحة المسلمين ، لأن دية اللقيط ستؤول إلى بيت المال وفي العفو مجانا تضييع لهذه المصلحة .
المذهب الثاني : ليس للإمام استيفاء القصاص وإنما له أخذ الدية في مال القاتل عمدا ، وهو قول أبي يوسف من الحنفية [89]، ودليله :(1/20)
أن للقيط في دار الإسلام وليا وإن كنا نجهله ، وحق استيفاء القصاص للولي لقوله - عز وجل - : ] ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [[90] ، فيصير ذلك شبهة تمنع القصاص ، وفي حالة تعذر استيفاء القصاص تجب الدية في مال القاتل .
ونوقش هذا :
بأن القول : بأن للقيط وليا لا نعرفه ، فإن ما لا نعرفه في حكم المعدوم فلا يتعلق به حكم ، ولا يقيد حق السلطان باعتباره وليا للقيط .[91]
وبهذا يظهر رجحان مذهب الجمهور لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة ، ولأن القصاص شرع لحفظ الأنفس ، واللقيط من جملة الأنفس المحترمة التي راعها الشارع، والقول بأن قاتل اللقيط لا قصاص عليه مما يخالف هذا المقصد الأسمى من تشريع القصاص كما قال - عز وجل - : ] ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب [ [92].
ثانياً : جناية الخطأ وشبه العمد :
ذهب عامة الفقهاء [93]إلى أن اللقيط إذا جني عليه في النفس جناية توجب المال فأرشه لورثته إن كان له ورثة ، فإن لم يكن له ورثة فأرشه لبيت المال لأنه وارثه وعليه نفقته فيكون عقله له لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" الخراج بالضمان " .
وإن جني عليه فيما دون النفس جناية توجب الأرش قبل بلوغه فلوليه أخذ الأرش وإن كانت عمدا موجبة للقصاص وللقيط مال يكفيه وقف الأمر على بلوغه ليقتص أو يعفو، سواء كان عاقلا أو معتوها ، وإن لم يكن له مال وكان عاقلا انتظر بلوغه أيضا ، وإن كان معتوها فللولي العفو على مال يأخذه له لأن المعتوه ليست له حال معلومة منتظرة ، فإن ذلك قد يدوم والعاقل له حال منتظرة فافترقا .
وفي الحال التي ينتظر بلوغه فإن الجاني يحبس حتى يبلغ اللقيط فيستوفي بنفسه ، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة ، لأنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على قوله كما لو كان بالغا غائبا .
وذهب أبو حنيفة وهي رواية عن أحمد إلى أن للإمام استيفاء القصاص للقيط ، لأنه أحد نوعي القصاص فكان للإمام استيفاؤه كالقصاص في النفس .(1/21)
وأجيب : بأن هذا قياس مع الفارق ، لأن القصاص في النفس ليس للقتيل وإنما هو للوارث والإمام متولٍّ له[94].
المبحث الثامن
إرث اللقيط
إذا مات اللقيط وكان له وارث معروف كزوجة وأبناء ونحو ذلك فميراثه لورثته كسائر المسلمين ، وأما إذا مات ولم يترك وارثا فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن ميراثه يكون لبيت مال المسلمين ، قال ابن قدامة :" وولاؤه لسائر المسلمين : يعني ميراثه لهم ، فإن اللقيط حر الأصل ولا ولاء عليه ، وإنما يرثه المسلمون لأنهم خولوا كل مال لا مالك له ، ولأنهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط فكذلك اللقيط وهو قول مالك والشافعي وأكثر أهل العلم .
وقال شريح وإسحق عليه الولاء لملتقطه لما روى واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" المرأة تحوز ثلاثة مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " [95]أ.
وقال عمر لأبي جميلة في لقطته : هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته .
ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إنما الولاء لمن أعتق " [96]، ولأنه لم يثبت عليه رق ولا على آبائه فلم يثبت عليه ولاء كالمعروف نسبه ، ولأنه وإن كان ابن حرين فلا ولاء عليه ، وإن كان ابن معتقين فلا يكون عليه ولاء لغير معتقهما .
وحديث واثلة لا يثبت قاله ابن المنذر ، وخبر عمر قال ابن المنذر : أبو جميلة رجل مجهول لا تقوم بحديثه حجة ، ويحتمل أن عمر - رضي الله عنه - عنى بقوله : لك ولاؤه ، أي ثبت لك ولايته والقيام به وحفظه ، لذلك ذكره عقيب قول عريفه :إنه رجل صالح وهذا يقتضي تفويض الولاية إليه لكونه مأمونا عليه دون الميراث .[97]
المبحث التاسع
السفر باللقيط
يختلف حكم السفر باللقيط باختلاف حال الملتقط من حيث الأمانة والعدالة وعدمها ، وذلك من خلال المطلبين التاليين :
المطلب الأول
سفر الأمين العدل باللقيط(1/22)
ذكر الفقهاء أربعة صور لسفر الملتقط ظاهر الأمانة والعدالة باللقيط يختلف الحكم فيها تبعا لاختلاف المكان المقصود ، وذلك على النحو التالي :
الصورة الأولى : السفر باللقيط من البادية إلى الحضر :
لو التقط الأمين العدل اللقيط في البادية فأراد السفر به إلى الحضر فله ذلك ، لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين ، حيث يتيسر للقيط تعلم العلوم والصنائع .
الصورة الثانية : السفر باللقيط من الحضر إلى البادية :
لو أراد الملتقط الانتقال باللقيط من المدينة إلى البادية لم يقر بيده وينزع منه لأمرين :
الأول : أن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له ، وعيش البادية خشن ويفوت على اللقيط العلم بالدين والصنائع .
الثاني : أن وجود اللقيط في الحضر يدل على أن الظاهر أنه ولد في المدينة فبقاؤه فيها أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به .
وهاتان الصورتان مما اتفق على حكمها الشافعية والحنابلة[98].
الصورة الثالثة : السفر باللقيط من المدينة إلى مدينة أخرى :
اختلف الفقهاء في حكم السفر باللقيط في هذه الصورة على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد الملتقط وينزع منه .
وهو وجه للشافعية والصحيح من مذهب الحنابلة [99] ، لأن بقاء اللقيط في بلده أرجى لكشف نسبه فلم يقر في يد المنتقل عنه قياسا على المنتقل به إلى البادية .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يد الملتقط وله أن يسافر به .
وهو أصح الوجهين للشافعية ووجه للحنابلة [100]، لأن ولاية الملتقط ثابتة على اللقيط ، والبلد الثاني كالأول في الرفاهية فيقر في يده كما لو انتقل من أحد جانب البلد إلى الجانب الآخر .(1/23)
والأظهر أنه لا يجوز السفر باللقيط من المدينة التي وجد فيها لأن بقاؤه فيها أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به ، إلا إذا كان في السفر به مصلحة له كأن يكون البلد الذي فيه هو فيه وبيئا أي وخيما فلا مانع من سفره مع الملتقط إلى بلد آخر مناسب له ، أو لا يوجد من يمكن دفع اللقيط إليه ـ عند نزعه من الملتقط ـ ممن تقوم به الكفاية ، فحينئذ يكون إقراره بيد الملتقط أولى من نزعه منه مراعاة لمصلحة اللقيط .
الصورة الرابعة : السفر باللقيط من بادية إلى بادية أخرى :
اختلف الفقهاء في حكم السفر باللقيط في هذه الصورة على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد الملتقط وينزع منه ويدفع إلى صاحب قرية أو مدينة .
وهو وجه للشافعية واحتمال للحنابلة ذكره ابن قدامة [101]، لأن انتقال اللقيط من بادية إلى أخرى فيه إتعاب له ومشقة عليه ، وبقاؤه في المكان الذي وجد فيه أرفه له وأخف عليه .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يد الملتقط وله أن يسافر به .
وهو أصح الوجهين للشافعية واحتمال للحنابلة [102] ، لأن الظاهر أنه ابن بدويين وإقراره في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبه وظهور حاله وأهله .
والأظهر رجحان المذهب الأول ، لأن إبقاء اللقيط في المكان الذي وجد فيه أرجى لانكشاف حاله ونسبه ، وانتقاله مع الملتقط من بادية إلى أخرى فيه تضييع لنسبه .
المطلب الثاني
سفر مستور الحال باللقيط
اختلف الفقهاء في حكم سفر مستور الحال ـ وهو من لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا الخيانة ـ باللقيط على مذهبين :
المذهب الأول : لا يقر اللقيط في يد مستور الحال بل ينزع منه .
وهو مذهب الشافعية ووجه للحنابلة [103]، لأنه لم تتحقق أمانته فلم تؤمن الخيانة منه ، وأن يسترقه إذا غاب أو يدعي نسبه .
المذهب الثاني : يقر اللقيط في يده ويجوز له السفر به .(1/24)
وهو وجه للحنابلة [104]، لأنه يقر في يديه في الحضر من غير مشرف يضم إليه فأشبه العدل ، ولأن الظاهر الستر والصيانة .
والأظهر هو رجحان المذهب الأول لأن في ذلك أخذا بالأحوط ورعاية لمصلحة اللقيط من حيث الاحتياط لنسبه وماله .
المبحث العاشر
ادعاء نسب اللقيط
قبل الشروع في تناول تفاصيل هذا المبحث ، لابد من بيان الفرق بين التبني وادعاء نسب اللقيط وهو الإقرار بنسبه .
فالتبني هو اتخاذ الشخص ولد غيره ابنا له ، وهو بخلاف الإقرار بالنسب ، لأن الإقرار لا ينشئ النسب وإنما هو طريق لإثباته وظهوره فهو إقرار الأب أو الأم بالبنوة دون ذكر السبب ، فالإقرار تصحيح للنسب بعد أن كان مجهولا ، أما التبني فهو تصرف منشئ لنسب ، ولأن البنوة التي تثبت بالتبني تتحقق ولو كان للمتبنى أب معروف ، أما البنوة التي تثبت بالإقرار فلا تتحقق إلا إذا لم يكن للولد أب معروف .[105]
فالتبني محرم ولا يجوز لمسلم أن يتبنى لقيطا بأن يجعله ابنا له وهو يعلم أباه الحقيقي، أما الإقرار بنسب اللقيط وادعاء كونه ابنا له ـ على التفصيل الآتي ـ فليس من قبيل التبني المحرم لأن المدعي يقر بأن اللقيط ابنه حقيقة .
وقد كان التبني معمولا به قبل الإسلام فأبطله الله - عز وجل - بقوله : ] وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [ [106] ، قال ابن كثير :" هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب ـ وهم الأدعياء ـ ، فأمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة ، وأن هذا هو العدل والقسط والبر " ثم ذكر ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنه قال :" إن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن : ] ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله[[107](1/25)
قال القرطبي[108]:" رفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه ، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا ، فيقال : : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه ، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه ، وكان ينسب إليه فيقال : فلان بن فلان ، وقال النحاس : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني ، وهو من نسخ السنة بالقرآن ، فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف ، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه ، فإن لم يكن له ولاء معروف قالوا له :" يا أخي " يعني في الدين قال الله تعالى : ] إنما المؤمنون إخوة[[109]
المطلب الأول
إذا ادعى نسب اللقيط شخص واحد
أولاً : إذا ادعى نسب اللقيط شخص واحد ينفرد بدعواه ، فإن كان المدعي رجلاً مسلماً حراً لحق به نسبه عند عامة الفقهاء ، قال ابن قدامة :" بغير خلاف بين أهل العلم إذا أمكن أن يكون منه " [110] .
واختلف الفقهاء في اشتراط البينة لقبول هذا الادعاء على مذهبين :
المذهب الأول : لا يشترط البينة .
وهو مذهب الشافعية والحنابلة ومقتضى الاستحسان عند الحنفية واختيار أشهب من المالكية حيث قال : يلحق بمجرد الدعوى لعدم المنازع [111] ، ودليلهم :
1-أن الإقرار محض نفع للطفل لاتصال نسبه ولا مضرة على غيره فقبل كما لو أقر له بمال .
2-أن المدعي يخبر بأمر محتمل الثبوت ، وكل من أخبر عن أمر والمخبر به محتمل الثبوت يجب تصديقه تحسينا للظن بالمخبر ، إلا إذا كان في تصديقه ضرر بالغير .
3-أن في إثبات النسب نظرا من جانبين ، من جانب اللقيط بشرف النسب والتربية والصيانة عن أسباب الهلاك وغير ذلك ، وجانب المدعي بولد يستعين به على مصالحه الدينية والدنيوية ، وتصديق المدعي في دعوى ما ينتفع به ولا يتضرر به غيره بل ينتفع به لا يقف على البينة .
4- أن في إقامة البينة على النسب مما يعسر ، ولو لم نثبته بالاستلحاق لضاع كثير من الأنساب .(1/26)
المذهب الثاني : يشترط قيام البينة لقبول ادعاء نسب اللقيط .
وهو مذهب المالكية ، ومقتضى القياس عند الحنفية [112]، وزاد المالكية يشترط أن يكون لدعواه وجه كمن عرف أنه لا يعيش له ولد فزعم أنه رماه لأنه سمع الناس يقولون : إذا طرح عاش ، ونحو ذلك مما يدل على صدقه ، ودليل هذا المذهب :
1-أن المدعي يدعي أمرا جائز الوجود والعدم فلابد لترجيح أحد الجانبين على الآخر من مرجح وذلك بالبينة ولم توجد .
2-أن هذا الادعاء يتضمن إبطال حق ثابت وهو حق الملتقط في اليد والحفظ ، وما لعامة المسلمين من الولاء فلا يقبل من غير بينة .
والمذهب الأول أرجح لأن في ذلك تحقيق مصلحة ظاهرة للقيط وهو أولى من مراعاة حق الملتقط وحق العامة ، لأن النسب من المصالح الملحة للفرد وهو من الضرورات التي راعتها الشريعة المطهرة وإلحاق اللقيط بمن يدعي أنه أبوه يحقق هذا المعنى وتلك المصلحة .
ثانياً : إن ادعته امرأة :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة :
المذهب الأول : يقبل قولها بغير بينة .
وهو وجه للشافعية ورواية عن أحمد وقول أشهب من المالكية [113]، ودليلهم :
1-أنها أحد الأبوين فقبل إقرارها بالنسب كالأب .
2-لأنه يمكن أن يكون منها كما يكون ولد الرجل بل أكثر ، لأنها تأتي به من زوج ووطء بشبهة ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل .
3-ولأن في قصة داود وسليمان عليهما السلام حين تحاكم إليهما امرأتان كان لهما ابنان فذهب الذئب بأحدهما فادعت كل واحدة منهما أن الباقي ابنها وأن الذي أخذه الذئب ابن الأخرى ، فحكم به داود للكبرى وحكم به سليمان للأخرى بمجرد الدعوى منهما [114].
المذهب الثاني : لا يقبل قولها إلا ببينة .
وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية واحتمال للحنابلة وقول ابن المنذر وأبي ثور[115]، ودليلهم :
1-أن في إدعاء المرأة حمل النسب على الغير وهو الزوج ، وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل إلا ببينة .(1/27)
2-لأنه يمكن إقامة البينة على ولادتها من طريق المشاهدة بخلاف الأب فإنه لا يمكن إقامة البينة على ولادته بطريق المشاهدة فقبلت فيه دعواه .
المذهب الثالث : إن كان لها زوج لم يثبت النسب بدعواها لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضاه وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به ، وإن لم يكن لها زوج قبلت دعواها لعدم هذا الضرر ، وهو وجه للشافعية ورواية للحنابلة [116]، وهو الأظهر لأنه القول الذي تجتمع به الأدلة والمذاهب .
ثالثاً : إن ادعاه ذمي :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يلحق اللقيط به في النسب لا في الدين .
وهو مقتضى الاستحسان عند الحنفية ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة[117] ، ودليلهم :
1-أنه أقر بنسب مجهول يمكن أن يكون منه وليس في إقراره إضرار بغيره فيثبت إقراره كالمسلم .
2-ولأن الذمي أقوى من العبد في ثبوت الفراش ، فإنه يثبت له بالنكاح والوطء في الملك .
3-أن ادعاءه يتضمن النسب وهو نفع له ، وإبطال الإسلام الثابت بالدار يضره فصحت فيما ينفعه دون ما يضره ، ولا يلزم من كونه ابنا له أن يكون كافرا كما لو أسلمت أمه .
المذهب الثاني : لا يلحق به .
وهو قول أبي ثور ومقتضى القياس عند الحنفية ومذهب الظاهرية [118]، ودليلهم :
لا تقبل دعواه لأنه حكم للقيط بالإسلام فلو جعل ابنا للذمي صار تبعا له في الدين وهو مما يضره .
والراجح هو المذهب الأول لأن ثبوت مجرد النسب دون التبعية في الدين مصلحة ليس فيها مضرة فيقبل ادعاء الذمي فيها لأن في ذلك تخليصا للقيط من مفسدة تعيير الناس له وما يثبت له من مصالح أخرى ، ولا يقبل دعوى أنه على دين الذمي لأن في ذلك مفسدة تلحقه في الدنيا والآخرة .
رابعاً : إن ادعاه عبد :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يلحق اللقيط بالعبد إن ادعاه .
وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية [119] ، ودليلهم :(1/28)
1-أن لماء العبد حرمة فلحق به النسب كالحر .
2-أن الولادات لا تعرف إلا بقول الآباء والأمهات ، وهكذا أنساب الناس كلهم ما لم يتيقن الكذب .
3-أن ثبوت النسب منفعة للقيط فيثبت له ، ولا يتبع العبد في الرق .
المذهب الثاني : لا يلحقه إلا ببينة .
وهو قول المالكية [120]لأن المدعي يدعي أمرا جائز الوجود والعدم فلابد لترجيح أحد الجانبين على الآخر من مرجح وذلك بالبينة ولم توجد .
والأول أظهر لقوة أدلتهم ولما فيه من تحقيق مصلحة راجحة للقيط ، وبناء على هذا فلا تثبت للعبد حضانة اللقيط لأنه مشغول بخدمة سيده ، ولا تجب عليه نفقته لأنه لا مال له ولا على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فتكون نفقته في بيت المال .
المطلب الثاني
إذا ادعى نسب اللقيط أكثر من شخص
أولاً : إذا كان لواحد منهما بينة :
إذا ادعى نسب اللقيط شخصان وكان لأحدهما بينة فهو ابنه ، لأن البينة حجة في كل خصومة فهي تظهر الحق وتبينه ، وهذا ما عليه عامة الفقهاء .[121]
ثانياً : إذا أقام كل واحد منهما بينة :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يعتبر اللقيط ابنا لهما ، بمعنى أنه يلزمهما ما يلزم الآباء من النفقة وأجرة الحضانة والرضاعة ويرث كلا منهما إرث ابن كامل إذا ماتا قبله وكان أهلا للميراث ، ويرثانه إذا مات قبلهما ويكون الإرث بينهما مناصفة .
وهذا مذهب الحنفية[122] ، لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر وقد روي عن عمر بن الخطاب في مثل هذا أنه قال : إنه ابنهما يرثهما ويرثانه .
المذهب الثاني : تسقط البينتان المتعارضتان ، ويعرض اللقيط مع المدعيين على القافة[123] ويلحق بمن ألحقته به منهما .
وهو مذهب الشافعية والحنابلة [124] ، ودليلهم :(1/29)
1-عن عائشة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال :" ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض " متفق عليه[125] قال ابن قدامة : فلولا جواز الاعتماد على القافة لما سرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا اعتمد عليه .
2-ولأن عمر - رضي الله عنه - قضى به بحضرة الصحابة فلم ينكره منكر فكان إجماعا .
3-ولأنه لا يمكن استعمال البينتين هاهنا ، لأن استعمالهما في المال إما بقسمته بين المتداعيين ولا سبيل إليه هنا ، وإما بالإقراع بينهما ، والقرعة لا يثبت بها النسب .
وهو المذهب الأظهر ، لقوة أدلتهم ولأن ذلك أقرب إلى أصول الشرع المطهر من حيث ثبوت النسب لأب واحد ، ولم يعهد انتساب طفل لأكثر من أب لأن الولد لا ينعقد من رجلين لقوله تعالى : ] إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [ [126]، ولأنه لو جاز أن يلحق بهما لجاز أن يلحق بهما باتفاقهما وتراضيهما وهذا لا يصح .
فإن ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا رقه ، لأن الحرية والإسم ثبتا له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد .[127]
ثانياً : إذا لم يكن لهما بينة ، وكان أحدهما مسلما والآخر ذميا ، أو كان أحدهما حرا والآخر عبدا :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين :
المذهب الأول : يقدم المسلم على الذمي والحر على العبد .
وهو مذهب الحنفية [128]، لأن ذلك أنفع للقيط وفي إلحاقه بالذمي والعبد ضرر فكان في إلحاقه بالحر المسلم أولى كما لو تنازعوا في الحضانة .
ولأن الترجيح بالإسلام عند الاستواء ولا استواء بين المسلم والذمي والحر والعبد .(1/30)
ونوقش هذا : أن ما ذكره من الضرر لا يتحقق فإنا لا نحكم برقه ولا كفره ، ولا يشبه النسب الحضانة ، بدليل أننا نقدم في الحضانة الموسر والحضري ولا نقدمهما في دعوى النسب ، وأيضا فإن الحضانة ولاية يخشى على اللقيط فيها من تعيين الدين وسوء الحال بخلاف النسب .[129]
المذهب الثاني : المسلم والذمي و الحر والعبد سواء في ادعاء نسب اللقيط .
وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة [130] ، ودليلهم :
أن كل واحد منهم لو انفرد صحت دعواه لأن كلا منهما أهل للاستلحاق إذا انفرد فلا مزية ، فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى كالأحرار المسلمين .
وهو الأظهر لقوة دليلهم وسلامته من المناقشة ، ولأن البحث إنما هو في سماع دعوى النسب أو رفضها ، دون النظر في تبعية اللقيط لمدعي نسبه من كفر أو رق ، وعلى هذا إذا ادعى نسب اللقيط مسلم وذمي أو حر وعبد تسمع الدعوى ثم ينظر في المرجحات التي تغلب جانب أحدهما على الآخر .
ثالثاً : لو ذكر أحدهما علامة في جسد اللقيط :
لو ادعاه شخصان وليس لأحدهما بينة أو كانت لهما بينتان تعارضتا وتساقطتا ، وذكر أحدهما علامة في جسد اللقيط ، فهنا اختلف الفقهاء في ترجيح دعواه على مذهبين :
المذهب الأول : الواصف أولى به .
وهو مذهب الحنفية والحنابلة [131]، ودليلهم :
أن الدعوتين متى تعارضتا يجب العمل بالراجح منهما ، وقد ترجح أحدهما بالعلامة ، لأنه إذا وصف العلامة ولم يصف الآخر دل على أن يده سابقة فلا بد لزوالها من دليل .
واعتبار العلامة له أصل في الشرع قال الله - عز وجل - : ] إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين[ الآية [132] ، قال الكاساني :" حكى الله تعالى عن الحكم بالعلامة عن الأمم السالفة في كتابه العزيز ولم يغير عليهم ...فصار الحكم بالعلامة شريعة لنا مبتدأة " [133].
المذهب الثاني : لا يقدم من وصف العلامة .
وهو مذهب الشافعية واختيار أبي بكر وابن قدامة من الحنابلة [134]، ودليلهم :(1/31)
1-لأن ذلك لا يرجح به في سائر الدعاوى سوى الالتقاط في المال ، واللقيط ليس بمال ، فعلى هذا يضيع نسبه ، لأنه لا دليل لأحدهم أشبه من لم يدع نسبه أحد .
والأول أظهر لأن ذكر العلامة وإن لم يكن بينة قاطعة إلا أنها مرجح قوي تؤيد من ذكرها ، وذلك أولى من إهمالها وما يتبع ذلك من سقوط الدعوى وضياع نسب اللقيط.
رابعاً : لو ادعته امرأتان :
فإن كانتا ممن لا تقبل دعواهما لم تسمع دعوتهما ، وإن كانت إحداهما ممن تسمع دعواها دون الأخرى فهو ابن لها كالمنفردة ، وإن كانتا جميعا ممن تسمع دعواهما وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به ، وإن أقامتا بينتين فهنا اختلف الفقهاء :
المذهب الأول : يكون اللقيط ابنا لهما .
وهو قول أبي حنيفة ورواية عن محمد بن الحسن [135] ، لأن الأم أحد الأبوين فجاز أن يلحق باثنين كالآباء .
المذهب الثاني : لا يلحق بهما وإنما يعرض على القافة فمن ألحقته بها لحقها .
وهو مذهب الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ورواية عن محمد بن الحسن [136]، ودليلهم : أن الولد يأخذ الشبه من الأم كما يأخذ من الأب ، فإذا جاز الرجوع إلى القافة في تمييز الأب من غيره بالشبه ، جاز في تمييز الأم من غيرها [137].
وهو الأظهر لأن كون اللقيط منهما محال يقينا فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما ، وإن ألحقته القافة بأمين لم يلحق بهما وبطل قول القافة لأننا نعلم خطأه يقينا .[138]
الخاتمة
وفي الختام أحمد الله تعالى إذ يسر وأعان على إتمام هذا البحث الموجز ، وستتناول هذه الخاتمة أبرز وأهم النتائج التي توصل إليها البحث :
أولاً : اللقيط هو طفل مجهول الهوية نبذه أهله أو ضاع منهم .
ثانياً : التقاط اللقيط فرض عين إن خشي عليه الهلاك ولم يوجد أحد غير الملتقط ، فإن وجد غيره ولم يخش عليه الهلاك فالتقاطه فرض كفاية .(1/32)
ثالثاً : يجب الإشهاد على الإلتقاط وعلى ما مع اللقيط من مال مراعاة لمصلحة اللقيط وحفظا لحريته ونسبه وماله من الضياع .
رابعاً : للملتقط شروط منها : الإسلام ـ إن لم يحكم بكفر اللقيط ولا إسلامه ـ والتكليف والعدالة والحرية ، ويصح التقاط العبد والمحجور عليه للسفه ، ولا يشترط في الملتقط الذكورة ولا الغنى .
خامساً : إذا تزاحم الملتقطين ، فإن كان ذلك قبل الالتقاط فالأمر فيه للحاكم ، وإن كان بعد الأخذ ولم يكن واحد منهما أهلا للالتقاط نزع منهما أوممن ليس بأهل ، وإن تساويا يقر اللقيط بيد من ترجحت يده بأسبقية أو بغنى أو حرية ، وإلا أقرع بينهما عند عدم الترجيح .
سادساً : إن وجد طفل لقيط ميتا وجب غسله وتكفينه ودفنه في مقابر المسلمين بلا خلاف ، وإن وجد حيا حكم بإسلامه مطلقا سواء أكان الواجد مسلما أم ذميا وسواء وجد في مسجد أو كنيسة أو بيعة .
سابعاً : اتفق العلماء على أن اللقيط حر ولو التقطه عبد ، ولا يقبل إقراره على نفسه بالرق .
ثامنا : الأصل أن نفقة اللقيط في ماله ، فإن لم يكن له مال فنفقته في الأموال العامة المرصدة للقطاء من الوقف عليهم أو الوصايا لهم ، فإن لم يوجد كانت نفقته في بيت المال ، فإن تعذر كلف الإمام من حضره من المسلمين بنفقته ولا يلزم بها الملتقط .
تاسعاً : الولاية على نفس اللقيط للسلطان ، وله أن يأذن للملتقط بالإنفاق على اللقيط، وليس للملتقط ولاية على مال اللقيط إلا فيما يتعلق بالحفظ والتربية .
عاشراً : حكم اللقيط في جناية العمد كحكم سائر المكلفين من حيث ثبوت القصاص أو سقوطه وعدم تحمل العاقلة للدية وإنما يتحملها اللقيط في ماله ، وأما الجناية الموجبة للمال مما تحمله العاقلة فإن بيت المال يتحمل مثل هذه الديات .(1/33)
حادي عشر : إذا وقعت جناية عمد على اللقيط فإن الإمام مخير بين استيفاء القصاص وأخذ الدية أو الصلح على مال وليس له العفو مجانا لأنه ولي اللقيط ، وإذا وقعت جناية توجب المال فأرشه لورثته إن وجدوا و إلا كانت لبيت المال .
ثاني عشر : ميراث اللقيط لورثته إن وجدوا وإلا جعل في بيت المال .
ثالث عشر : إن كان الملتقط ظاهر العدالة فله السفر باللقيط من البادية إلى الحضر ، لأن أنفع للقيط ، وليس له السفر به من الحضر إلى البادية ولا من مدينة إلى أخرى ولا من بادية إلى بادية ، وإن كان الملتقط مستور الحال فمصلحة اللقيط تقتضي عدم السفر به احتياطا لنسبه وماله .
رابع عشر : فرق الفقهاء بين التبني وادعاء النسب ، فالتبني محرم لدلالة النصوص الصحيحة الصريحة بذلك ولأنه يقتضي إلحاق ولد الغير بالنفس وفي هذا تغيير للأوضاع الشرعية الثابتة ، وأما ادعاء النسب فهو إظهار للنسب بعد أن كان مجهولا.
خامس عشر : يلحق اللقيط بمن ادعى نسبه إذا كان المدعي رجلا مسلما حرا بغير خلاف ولا يشترط لذلك البينة ، وإن ادعته امرأة فإن كانت خلية قبل قولها بغير بينة ، وإن كانت ذات زوج لم تقبل دعواها إلا ببينة لأن في ذلك إلحاق ضرر بزوجها .
وإن ادعاه ذمي أو عبد يلحق به نسبا لا في الكفر ولا في الرق ، لأن في إثبات نسب اللقيط مصلحة راجحة له ودفعا لضرر ظاهر يلحق به .
سادس عشر : إذا ادعى أكثر من شخص نسب اللقيط يقدم من كانت له بينة ، فإن كان لكل منهم بينة تقدم أرجح البينات وإلا تساقطتا وعرض اللقيط ومن ادعاه على القافة ليعمل بما يحكم به .
فإن لم يكن لمدعي نسب اللقيط بينة أو تعارضت البينات وتساقطت فيستوي في سماع الدعوى المسلم والذمي والحر والعبد ، فإن ذكر أحدهما علامة في جسد اللقيط يقدم على الآخر ، وإن ادعته امرأتان يلحق بمن لها بينة وإلا عرضوا على القافة كالرجال.
والله تعالىأعلم
وصلى الله وسلم وعلى عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين(1/34)
قائمة بأهم المراجع
1-القرآن الكريم
مراجع التفسير
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ـ دار المعرفة بيررت 1982
الجامع لأحكام القرآن ـ محمد بن أحمد القرطبي –دار إحياء التراث ط2سنة1966.
مراجع الحديث الشريف وشروحه
سنن أبي داود – سليمان بن الأشعث السجستاني – دار الفكر .
سنن ابن ماجه –محمد بن يزيد القزويني – دار الفكر .
سنن الترمذي ـ محمد بن عيسى الترمذي ـ دار الفكر بيروت 1980
شرح صحيح مسلم –يحيى بن شرف النووي – دار الفكر .
صحيح البخاري ـ محمد بن إسماعيل البخاري ـ المكتبة العصرية بيروت
صحيح مسلم – مسلم بن الحجاج النيسابوري –مكتبة الرشد الرياض
فتح الباري بشرح صحيح البخاري – أحمد بن حجر العسقلاني – دار الفكر .
المصنف – عبد الرزاق بن همام الصنعاني –المكتب الإسلامي .
مراجع المذهب الحنفي
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع – أبو بكر بن مسعود الكاساني – دار الكتب العلمية.
البناية في شرح الهداية ـ محمود بن أحمد العيني ـ دار الفكر
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق – عثمان بن علي الزيلعي – دار الكتاب الإسلامي.
تكملة شرح فتح القدير – أحمد بن قودر (قاضي زادة )-دار الفكر .
رد المحتار على الدر المختار ( حاشية ابن عابدين ) –محمد أمين ابن عابدين –دار إحياء التراث العربي.
المبسوط – محمد بن أبي سهل السرخسي –دار المعرفة .
مراجع المذهب المالكي
التاج والإكليل – محمد بن يوسف المواق-دار الفكر - ط3 –1992.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – محمد بن عرفة الدسوقي –دار إحياء الكتب العربية.
الخرشي على مختصر خليل – محمد الخرشي – دار صادر.
الذخيرة ـ أحمد بن إدريس القرافي ـ دار الغرب الإسلامي .
شرح حدود ابن عرفة – محمد الأنصاري – وزارة الأوقاف المغربية .
شرح الزرقاني على مختصر خليل – محمد عبد العظيم الزرقاني –دار الفكر .
الفواكه الدواني – أحمد بن غنيم النفراوي – دار المعرفة .(1/35)
مواهب الجليل بشرح مختصر خليل –محمد بن محمد الحطاب – دار الفكر .
مراجع المذهب الشافعي
أسنى المطالب شرح روض الطالب – زكريا الأنصاري –دار الكتاب الإسلامي .
روضة الطالبين وعمدة المفتين –يحيى بن شرف النووي –المكتب الإسلامي
المجموع شرح المهذب ـ للنووي ـ دار الفكر
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج –محمد الخطيب الشربيني –دار الفكر.
المهذب في الفقه ـ لأبي اسحق إبراهيم بن علي الشيرازي ـ مطبعة عيسى الحلبي
مراجع المذهب الحنبلي
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف – علي بن سليمان المرداوي –دار إحياء التراث العربي.
حاشية الروض المربع – عبد الرحمن بن محمد النجدي –الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء – الرياض .
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ـ مصطفى الرحيباني ـ
معونة أولي النهى شرح المنتهى ـ محمد بن أحمد الفتوحي
المغني – عبد الله بن أحمد بن قدامة – دار الكتب العلمية .
مراجع المذهب الظاهري
المحلى بالآثار – علي بن أحمد بن سعيد بن حزم –دار الفكر .
المعاجم اللغوية ومراجع المصطلحات
التعريفات – علي بن محمد الجرجاني – دار الكتاب العربي .
التوقيف على مهمات التعاريف – محمد عبد الرؤوف المناوي –دار الفكر المعاصر .
الكليات أيوب بن موسى الكفوي – مؤسسة الرسالة .
معجم مقاييس اللغة – أحمد بن فارس بن زكريا – دار إحياء التراث العربي.
المغرب في ترتيب المعرب – ناصر الدين المطرزي – مكتبة أسامة بن زيد
مراجع أخرى
الإجماع لابن المنذر ـ دار الدعوة الطبعة الثالثة 1402هـ
الفقه الإسلامي وأدلته ـ د. وهبة الزحيلي ـ دار الفكر الطبعة الثانية .
النظريات الفقهية ـ د. محمد الزحيلي ـ دار القلم والدار الشامية ـ الطبعة الأولى 1993
نظرية الولاية في الشريعة الإسلامية ـ د. نزيه حماد ـ دار القلم والدار الشامية ـالطبعة الأولى
المحتوي ... الصفحة
المقدمة ... 1
المبحث الأول : تعريف اللقيط ... 4
المبحث الثاني : حكم الإلتقاط ... 7(1/36)
المبحث الثالث : دين اللقيط ... 16
المبحث الرابع : حرية اللقيط ... 21
المبحث الخامس : الإنفاق على اللقيط ... 22
المبحث السادس : الولاية على اللقيط ... 25
المبحث السابع : جناية اللقيط والجناية عليه ... 27
المبحث الثامن : إرث اللقيط ... 30
المبحث التاسع : السفر باللقيط ... 31
المبحث العاشر : ادعاء نسب اللقيط ... 34
الخاتمة ... 45
فهرس الموضوعات
[1] سورة الأنبياء آية 107
[2] أخرجه أحمد 2/263
[3] أخرجه أحمد 4/162
[4] سورة القصص آية 8
[5] سورة يوسف آية 36
[6] سورة الزمر آية 30
[7] معجم مقاييس اللغة 5/ 262 ، المغرب 2/ 247 ، بدائع الصنائع
[8] تبيين الحقائق 3/ 297
[9] شرح حدود ابن عرفة ص612
[10] مواهب الجليل 6/80 ، الذخيرة 9/ 129
[11] مغني المحتاج 2/418 ، أسنى المطالب 2/ 496
[12] المغني 6/ 374 ، حاشية الروض المربع 5/ 518
[13] شرح حدود ابن عرفة ص613
[14] شرح حدود ابن عرفة ص613 ، مغني المحتاج 2/418 ، المغني 6/ 374
[15] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 124 .
[16] تبيين الحقائق 3/ 297 ، الذخيرة 9/ 131 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، المغني 6/ 374 ، المحلى 8/ 273
[17] سورة المائدة آية 32
[18] تبيين الحقائق 3/ 297 ، بدائع الصنائع 6/ 198
[19] الذخيرة 9/131 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، حاشية الروض المربع 5/ 518
[20] سورة المائدة آية 2
[21] مغني المحتاج 2/ 418 ، مطالب أولي النهى 4/243 ، المغني 6/ 374
[22] الذخيرة 9/ 131 ، حاشية الدسوقي 4/126 ، مغني المحتاج 2/ 418 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، الإنصاف 6/ 433، معونة أولي النهى 5/ 682
[23] الإنصاف 6/ 433
[24] مغني المحتاج 2/ 418 ، أسنى المطالب 2/ 496
[25] مغني المحتاج 2/ 419 ، أسنى المطالب 2/496 ،المغني 6/ 387
[26] حاشية ابن عابدين 3/ 314
[27] الذخيرة 9/ 131 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، مطالب أولي النهى 4/ 250 ،
[28] سورة النساء آية141
[29] المغني 6/ 387(1/37)
[30] حاشية ابن عابدين 3/314 ، أسنى المطالب 2/496 ، مطالب أولي النهى 4/ 250
[31] الكليات ص639 ، التعريفات ص191 التوقيف على مهمات التعاريف ص505
[32] حاشية ابن عابدين 3/314 ، الذخيرة 9/ 130 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، مطالب أولي النهى 4/250 ، المغني 6/386
[33] أخرجه مالك في الموطأ 2/ 738 ، وعبد الرزاق في المصنف 9/14
[34] حاشية ابن عابدين 3/314
[35] الذخيرة 9/ 130 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، معونة أولي النهى 4/ 250
[36] المغني 6/ 384
[37] المغني 6/ 385
[38] أسنى المطالب 2/ 496 ، روضة الطالبين 5/ 419
[39] حاشية ابن عابدين 3/ 314
[40] الذخيرة 9/ 131 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، مطالب أولي النهى 4/ 250
[41] المغني 6/ 387
[42] الذخيرة 9/ 131 ، روضة الطالبين 5/ 419 ، المغني 6/ 387
[43] حاشية ابن عابدين 3/ 314 ، الفواكه الدواني 2/ 243 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، معونة أولي النهى 5/ 682
[44] حاشية العابدين 3/ 314
[45] روضة الطالبين 5/ 419 ، أسنى المطالب 2/ 496 ، مطالب أولي النهى 4/250
[46] الذخيرة 9/ 131 ،أسنى المطالب 2/ 496 ، روضة الطالبين 5/419 ، المهذب 1/ 436
[47] الذخيرة 9/ 131 ، روضة الطالبين 5/ 419 ، تكملة المجموع 15/ 295 .
[48] الفواكه الدواني 2/243 ، روضة الطالبين 5/419 ، المغني 6/ 389
[49] مواهب الجليل 6/ 82 ، روضة الطالبين 5/ 420 ، المغني 6/ 388
[50] سورة الذاريات آية 56
[51] المغني 6/ 376
[52] تبيين الحقائق 3/ 299 ، الذخيرة 9/ 134 ، روضة الطالبين 5/ 433 ، المغني 6/ 375
[53] تبيين الحقائق 3/ 299 ، البناية 6/ 759 ، الذخيرة 9/ 134 ، مواهب الجليل 6/ 82
[54] الذخيرة 9/ 134 ، التاج والإكليل 6/ 82 .
[55] روضة الطالبين 5/ 434 ، المغني 6/ 376
[56] تبيين الحقائق 3/ 299 ، البناية 6/ 759(1/38)
[57] الذخيرة 9/ 134 ، مواهب الجليل 6/ 81 ، أسنى المطالب 2/ 499 ، روضة الطالبين 5/ 433 ، المغني 6/ 375 ، الإنصاف 6/ 434
[58] تبيين الحقائق 3/ 299 ، البناية 6/759 ، التاج والإكليل 6/ 82 ، مواهب الجليل 6/ 82
[59] تبيين الحقائق 3/ 299 ، الذخيرة 9/ 134 ، التاج والإكليل 6/82 ، روضة الطالبين 5/ 434 ، المغني 6/ 375
[60] سورة الروم آية 30
[61] أخرجه مسلم 4/ 2197 كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة حديث (2685 )
[62] أخرجه مسلم 4/ 2197 كتاب الجنة باب الصفا التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار حديث (2865)
[63] المغني 6/376 ، روضة الطالبين 5/ 430
[64] بدائع الصنائع 6/ 198 ، روضة الطالبين 5/ 434 ، المغني 6/ 376
[65] المغني 6/ 376
[66] المغني 6/ 376
[67] المغني 6/ 374 ، وانظر تبيين الحقائق 3/ 397 ، روضة الطالبين 5/ 442
[68] سورة يوسف آية 20
[69] الذخيرة 9/ 136
[70] بدائع الصنائع 6/198 ،حاشية ابن عابدين 3/ 314 ، الذخيرة 9/ 132 ، الخرشي على خليل 7/ 131 ، أسنى المطالب 2/ 497 ، روضة الطالبين 5/425 ، المغني 6/ 379 ، معونة أولي النهى 5/682 ، المحلى 8/ 276
[71] تبيين الحقائق 3/ 297 ، البناية 6/ 752 ، الذخيرة 9/ 132 ،أسنى المطالب 2/ 498 ، المغني 6/379
[72] الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 214
[73] روضة الطالبين 5/ 425 ، المهذب 1/ 435 ، مغني المحتاج 2/ 421
[74] مغني المحتاج 2/ 421
[75] تبيين الحقائق 3/ 297 ، البناية 6 /754 ، الذخيرة 9/ 132 ، مواهب الجليل 6/ 80
[76] أسنى المطالب 2/ 498 ، روضة الطالبين 5/ 425 ، معونة ألي النهى 5/ 683 ، مطالب أولي النهى 4/ 244 ، المغني 6/ 379 ، المحلى 8/273
[77] سورة المائدة آية 2
[78] الإجماع لابن المنذر ص104
[79] المغني 6/ 379
[80] سورة التوبة آية 91
[81] نظرية الولاية في الشريعة الإسلامية د. نزيه حماد ص59 ، النظريات الفقهية د. محمد الزحيلي ص161(1/39)
[82] تبيين الحقائق 3/ 301 ، البناية 6/ 762 ، حاشية ابن عابدين 3/ 317 ، روضة الطالبين 5/ 421
[83] تبيين الحقائق 3/ 301 ، البناية 6/ 762 ، بدائع الصنائع 6/199 ، روضة الطالبين 5/421 ، الإنصاف 6/ 437
[84] أخرجه أبو داود 2/ 229 كتاب النكاح باب في الولي حديث (2083) ، والترمذي 2/ 281 أبواب النكاح باب لا نكاح إلا بولي حديث (1108 ) وابن ماجه 1/605 كتاب النكاح باب لانكاح إلا بولي حديث ( 1879)
[85] المغني 6/ 382 ، حاشية الروض المربع 5/ 522 ، الإنصاف 6/ 437
[86] المبسوط 10/ 210 ، روضة الطالبين 5/ 435 ، أسنى المطالب 2/ 501 ، المغني 6/ 377 ، مطالب أولي النهى 4/ 254
[87] تبيين الحقائق 3/ 397 ، حاشية ابن عابدين 3/314 ، الذخيرة 9/ 136 ، روضة الطالبين 5/ 435 ، أسنى المطالب / 2/ 501 ، المغني 6/ 377 ، مطالب أولي النهى 4/ 254 .
[88] شرح فتح القدير 6/ 111 ، حاشية ابن عابدين 3/ 314 ، روضة الطالبين 5/ 436 ، أسنى المطالب 2/ 501 ، المغني 6/ 377 ، مطالب أولي النهى 4/ 254
[89] الاختيار 3/30
[90] سورة الإسراء آية 33
[91] المرجع السابق
[92] سورة البقرة آية 179
[93] تبيين الحقائق 3/ 397 ، بدائع الصنائع 6/ 199 ، حاشية ابن عابدين 3/314 ، الذخيرة 9/ 136 ، روضة الطالبين 5/435 ، أسنى المطالب 2/501 ، المغني 6/377 ، مطالب أولي النهى 4/253 .
[94] المغني 6/378 ، روضة الطالبين 5، 436 .
[95] أخرجه أبو داود 3/ 125 كتاب الفرائض باب ميراث ابن الملاعنة حديث ( 2906 ) ، والترمذي أبواب الفرائض باب من يرث الولاء حديث ( 2198 )
[96] أخرجه البخاري كتاب الشروط باب الشروط في الولاء حديث ( 2729 ) ومسلم كتاب العتق باب إنما الولاء لمن أعتق حديث ( 1504 )
[97] المغني 6/ 383 ، تبيين الحقائق 3/397 ، الذخيرة 9/ 136 ، مطالب أولي النهى 4/ 253(1/40)
[98] روضة الطالبين 5/ 422 ، أسنى المطالب 2/ 479 ، المغني 6/ 386 ، الإنصاف 6/ 440 ، حاشية الروض المربع 5/ 522
[99] المجموع 15/ 292 ، روضة الطالبين 5/ 422 ، المغني 6/386 ، الإنصاف 6/441 ، مطالب أولي النهى 4/ 250
[100] المراجع السابقة
[101] روضة الطالبين 5/ 422 ، المجموع 15 / 293
[102] روضة الطالبين 5/423 ، أسنى المطالب 2/ 497 ، المجموع 15 / 293 ، المغني 6/ 386
[103] المجموع 15/ 292 ، مغني المحتاج 2/ 420 ، المغني 6/ 386 ، الإنصاف 6/ 438
[104] المغني 6/ 386 ، مطالب أولي النهى 4/ 251
[105] الفقه الإسلامي وأدلته 7/695 بتصرف .
[106] سورة الأحزاب الآية 4،5
[107] تفسير ابن كثير 3/ 466 ، والحديث أخرجه البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة الأحزاب حديث ( 4782 ) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد حديث ( 2425 )
[108] الجامع لأحكام القرآن 14 /119
[109] سورة الحجرات آية 10
[110] المغني 6 / 391 ، تبيين الحقائق 3/ 398 ، الذخيرة 9/ 135 ، روضة الطالبين 5/ 437
[111] حاشية ابن عابدين 3/315 ، بدائع الصنائع 6/ 199 البناية 6/ 755 ، روضة الطالبين 5/ 437 ، أسنى المطالب 2/ 502 ، مغني المحتاج 2/ 427 ، المغني 6/ 392 ، مطالب أولي النهى 4/258 ، الذخيرة 9/ 135
[112] الذخيرة 9/ 135 ، الزرقاني على خليل 7/119 ، حاشية البناني 7/ 119 ، الشرح الكبير 4/ 126، تبيين الحقائق 3/ 398 ، حاشية جلبي 3/ 398 ، بدائع الصنائع 6/199 ، البناية 6/755
[113] الذخيرة 9/ 135 ، أسنى المطالب 2/502 ، روضة الطالبين 5/428 ، المغني 6/ 394
[114] أخرجه البخاري كتاب الفرائض باب إذا ادعت المرأة ابنا حديث ( 6769) ومسلم كتاب الأقضية باب اختلاف المجتهدين حديث ( 1720 )(1/41)
[115] البناية 6/ 758 ، حاشية الجلبي 3/299 ، الذخيرة 9/ 135 ، أسنى المطالب 2/502 ، روضة الطالبين 5/428 ، المغني 6/ 394 وقال ابن المنذر :" أجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم على أن النسب لا يثبت بدعوى المراة لأنها يمكنها إقامة البينة على الولادة فلا يقبل قولها بمجرده كما لو علق زوجها طلاقها بولادتها .
[116] المهذب 1/437 ، المغني 6/ 394
[117] تبيين الحقائق 3/ 299 ، البناية 6/ 758 ، الذخيرة 9/ 135 ، روضة الطالبين 5/ 437 ، المغني 6/ 392
[118] تبيين الحقائق 3/299 ، المحلى 8/ 276 ، المغني 6/ 392
[119] تبيين الحقائق 3/300 ، روضة الطالبين 5/437 ، المغني 6/ 393 ، المحلى 8/276
[120] الذخيرة 9/ 135
[121] بدائع الصنائع 6/ 199 ، تبيين الحقائق 3/ 298 ، روضة الطالبين 5/ 440 ، المهذب 1/ 437 ، المغني 6/ 395 ، مطالب أولي النهى 4/ 260
[122] بدائع الصنائع 6/ 199 ، تبيين الحقائق 3/ 298
[123] القافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ، ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرف منه المعرفة بذلك و تكررت منه الإصابة فهو قائف ( المغني 6/ 398 )
[124] روضة الطالبين 5/ 440 ، المهذب 1/437 ، المغني 6/ 395 ، مطالب أولي النهى 4/ 260
[125] أخرجه البخاري كتاب الفرائض باب القائف حديث ( 6770) ومسلم كتاب الرضاع باب العمل بإلحاق القائف الولد حديث ( 1459 )
[126] سورة الحجرات آية 13
[127] المغني 6/400
[128] بدائع الصنائع 6/ 199 ، تبيين الحقائق 3/ 298 ، البناية 6/ 761
[129] المغني 6/ 395 ،الذخيرة 9/136
[130] الذخيرة 9/136 ، روضة الطالبين 5/ 438، المغني 6/ 394
[131] تبيين الحقائق 3/ 298 ، بدائع الصنائع 6/ 199 ، الإنصاف 6/ 445 وقال :" هذا المذهب " .
[132] سورة يوسف آية 26
[133] بدائع الصنائع 6/ 199
[134] روضة الطالبين 5/ 441 ، المغني 6/403
[135] بدائع الصنائع 6/ 200 ، حاشية ابن عابدين 3/ 316(1/42)
[136] روضة الطالبين 5/ 441 ، المغني 6/405 ، بدائع الصنائع 6/200 ، حاشية ابن عابدين 3/ 316
[137] المهذب 1/438
[138] المغني 6/ 405(1/43)