|
المؤلف : د. حميد فرحان العفيف
كلية التربية - جامعة صنعاء
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
أثر وسائل السفر الحديثة على رخص السفر
وعلى سفر المرأة بدون محرم
د. حميد فرحان العفيف
كلية التربية – جامعة صنعاء
ملخص البحث
بإمكاننا أن نلخص البحث في النقاط الآتية :
أن الوسيلة في اللغة تطلق على معان كثيرة، منها ما يتوصل بها إلى الشيء، وتطلق في العرف الحديث على السيارات، والطائرات، والبواخر، والقطارات، وغير ذلك من الوسائل التي تنقل المسافرين والبضائع.
أن وسائل السفر الحديثة لها أهمية كبيرة في حياة الناس؛ لأنهم يحتاجون إليها لأغراضهم المختلفة، وقد تطورت تطوراً هائلاً : من حيث النوع والحجم والسرعة.
أن السفر هو الخروج من موضع الإقامة، بقصد السير إلى موضع بينه وبين موضع الإقامة مسافة يطلق عليها عرفاً سفراً.
أن السفر مشروع لأداء العبادة؛ كالحج والجهاد، وكل أمر يحتاجه الإنسان، ولم يكن فيه معصية.
أنه بالرغم من أن السفر قطعة من العذاب، إلا أن فيه فوائد كثيرة.
أنه يرجع إلى اللغة والعرف في مسمى السفر، فما سمي في اللغة سفراً وعد في العرف سفراً فيترخص فيه برخص السفر، وما لا فلا.
أنه لا يجوز الأخذ برخص السفر لمن سافر سفر معصية.
أن المسافر إذا نوى الإقامة في المكان الذي نزل فيه، أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر.
أن المسافر إذا كان ينتظر قضاء حاجة يتوقعها، أو جهاد عدو، أو مرض يرجو شفاءه ، أو نحو ذلك، ولم ينو الإقامة في الموضع الذي نزل فيه جاز له الأخذ برخص السفر ، ومنها قصر الصلاة .
أن من كان السفر عمله ومهنته، كسائق السيارة، وقائد الطائرة والسفينة، جاز له الأخذ برخص السفر،ومنها قصر الصلاة طالما وهو مستمر في عمله.
أن الرخصة اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تخفيفاً على المكلفين ، ودفعاً للحرج عنهم.
(1/1)
أن رخص السفر هي : المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والتيمم عند فقد الماء، وقصر الصلاة الرباعية، والجمع بين الصلاتين، وترك الجمعة، وجواز صلاة النافلة على أي وسيلة من وسائل السفر، ولو كان الاتجاه إلى غير القبلة ، وكذا صلاة الفريضة عند الضرورة ، والإفطار في رمضان، وإباحة أكل الميتة عند الضرورة.
أن الحكمة إذا كانت ظاهرة منضبطة يصح التعليل بها وأما إذا كانت خفيه أو غير منضبطة فلا يصح التعليل بها.
أن وسائل السفر الحديثة لا تؤثر على رخص السفر، طالما وأن رخص السفر متعلقة بالسفر نفسه، وليس بالمشقة.
أن وسائل السفر الحديثة لا تؤثر على تحريم سفر المرأة بدون محرم؛ لأن الخوف على المرأة وتعرضها للفتن، والاختلاط مع الرجال يكون في كل زمان وفي كل مكان، بل أصبح الخوف على المرأة في العصر الحاضر أكثر مما مضى لكثرة الفاسدين، وكثرة الاختطافات للبنات، ولأنه يلزم من القول بتأثير وسائل السفر الحديثة على تحريم سفر المرأة بدون محرم، وأنه يباح لها السفر بدون محرم، كما يقوله بعض علماء العصر الحاضر، يلزم من ذلك إلغاء جميع رخص السفر، وهذا باطل لا يقول به أحد من العلماء.
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، القائل في كتابة العزيز ( ولقد كرمنا بني آدم ، وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) (1)
والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد : فإن الشريعة الإسلامية هي النظام الشامل لجميع شئون الحياة ،
قال تعالى:(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (2) ، وقال سبحانه (وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) (3)
وقال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (4)
__________
(1) سورة الإسراء – آية (70) .
(2) سورة المائدة – آية (3) .
(3) سورة النحل – آية (89) .
(4) سورة الأنعام – آية (38) .
(1/2)
وذلك يقتضي أن تكون أحكام الشريعة الإسلامية في متناول كل البشر ، ولا تختلف باختلاف العادات، والأعراف، والأجناس، والأماكن والأزمان .
فالدين الإسلامي، جاء شاملاً لجميع جوانب الحياة، ولم يغفل شيئاً مما يتعلق بالإنسان، سواءً في حالة إقامته أو سفره، أو صحته أو مرضه .
وقد جعل السفر من أسباب التخفيف في الواجبات الدينية بمجرد حدوثه بنفسه مطلقاً، من غير نظر إلى مشقة أو عدمها .
وسوف أبين في هذا البحث أن تلك التخفيفات ما زالت قائمة في عصرنا الحاضر، بالرغم من قطع المسافات البعيدة بساعات قليلة، بوسائل السفر الحديثة، وذلك لحاجة الكثير من الناس لهذا الموضوع، لكثرة أسفارهم، وظن البعض منهم أنه لا ينبغي الأخذ برخص السفر طالما وأن وسائله أصبحت متطورة، ولا تسبب أي مشقة على المسافرين، عكس ما كان عليه الحال في وسائل السفر القديمة .
وقبل الحديث عن أثر وسائل السفر الحديثة على رخص السفر ، وعلى تحريم سفر المرأة بدون محرم يجدر بنا أن نعرف وسائل السفر ، ونذكر أنواعها ، وأهميتها ، ونعرف السفر ، ونبين مشروعيته ، ووصفة ، وفوائده ، ونستعرض أقوال الفقهاء في المسافة التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر ، ونوع السفر الذي يجوز الترخص فيه ، والمدة التي يجوز للمسافر أن يترخص فيها برخص السفر ، ونذكر رخص السفر ، وهذا يقتضي أن يكون ترتيب المباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول : وسائل السفر .
المبحث الثاني : تعريف السفر وبيان مشروعيته .
المبحث الثالث : وصف السفر، وبيان فوائده .
المبحث الرابع : المسافة التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر .
المبحث الخامس : نوع السفر الذي يجوز الترخص فيه برخص السفر .
المبحث السادس : المدة التي يجوز للمسافر أن يترخص فيها برخص السفر .
المبحث السابع : رخص السفر .
المبحث الثامن : أثر وسائل السفر الحديثة على رخص السفر.
المبحث التاسع : أثر وسائل السفر الحديثة على تحريم سفر المرأة بدون محرم .
(1/3)
المبحث الأول : وسائل السفر
تعريف الوسائل
الوسيلة في اللغة لها معان كثيرة، منها ما يتوصل بها إلى الشيء، وما يتقرب بها إلى الغير، وجمعها وسائل (1) وتطلق في العرف الحديث على السيارات، والطائرات، والبواخر، والقطارات وغيرها من وسائل السفر الحديثة التي تنقل المسافرين والبضائع.
أنواع وسائل السفر
تنوعت وسائل السفر باعتبار مجالاتها إلى ثلاثة مجالات :
ذات المجال البري، وذات المجال البحري، وذات المجال الجوي . وكل مجال له وسائله المناسبة له ، وتفصيل ذلك في الآتي :
أولاً : وسائل السفر البرية :
كانت وسائل السفر البرية مقتصرة على الدواب : كالإبل والخيل وغيرها .
أما في العصر الحاضر فيكاد يكون استخدام تلك الوسائل القديمة نادراً
أو منعدماً .
ووسائل السفر البرية نوعان :
الأول : السيارات بمختلف أحجامها، وأنواعها .
الثاني : القطارات، وهي التي تقوم بنقل الركاب عن طريق السكك الحديدية، أو الأنفاق الأرضية .
ثانياً : وسائل السفر البحرية :
وسائل السفر البحرية، هي السفن بمختلف أنواعها وأحجامها .
ثالثاً : وسائل السفر الجوية :
وسائل السفر الجوية هي الطائرات بمختلف أنواعها وأحجامها .
أهمية وسائل السفر .
إن الحديث عن أهمية وسائل السفر يعني الحديث عن ضرورة من ضرورات الحياة .
فالناس يحتاجون إليها في أسفارهم ، لمختلف الأغراض : التجارية ، والعلمية، والتعبدية ، والسياحة ، وغيرها ، كما يحتاجون إليها لنقل أمتعتهم وبضائعهم ، في أسفارهم ، وترحالهم ، وفيما يأتي نوضح أهمية كل نوع من أنواع وسائل السفر.
1 – أهمية وسائل السفر البرية .
__________
(1) لسان العرب 11/724 مادة وسل ، وتاج العروس 8/154 والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 5/1841، والتعريفات للجرجاني ص 202 .
(1/4)
إن وسائل السفر البحرية والجوية تتحرك في مكان محدد كالميناء بالنسبة للسفن ، والمطار بالنسبة للطائرات فهي كالعاجز ، تحتاج لمن يناولها الأشياء ، وهنا تبرز أهمية وسائل السفر البرية في نقل الركاب ، والبضائع
إلى الميناء ، أو المطار ، فهي المناولة والمعينة للعاجز ، فوسائل السفر البرية يمكنها توفير خدمة النقل إلى أي بقعة من بقاع العالم ، كما أن خدماتها كثيرة جداً، وتتناول كافة مجالات الحياة ، فأهل العلم ، والصناعة ، والزراعة ، والتجارة ، والخدمات العامة ، لاغني لهم عن وسائل السفر البرية.
2 – أهمية وسائل السفر البحرية .
لقد تميزت وسائل السفر البحرية عن وسائل السفر البرية باستغنائها عن الطرق الممهدة ، فقد مهد الله سبحانه وتعالى البحر وجعله مسخراً للإنسان ، فقال تعالى : ( وأية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) (1)
وقال تعالى (والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) (2) ومما أكسب النقل البحري أهميته امتيازه عن غيره بحمل الكميات الكبيرة من البضائع ، والأعداد الكثيرة من الركاب ، وقلة المخاطر ، مقارنة بالوسائل الجوية إلا أنها تقصر عنها في السرعة . (3)
3 – أهمية وسائل السفر الجوية .
ظهور وسائل السفر الجوية أدى إلى انقلاب سريع في تطور العلاقات الدولية وسهولتها ، فبسرعتها أمكن اختصار الزمن ، والمسافات الطويلة في ساعات قليلة وبطريقها الجوي استغنت عن الطرق الممهدة ، ويكفي وسائل السفر الجوية أهمية اختصارها للوقت ، وقد أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة ، لا يمكن الاستغناء عنها (4)
تطور وسائل السفر الحديثة :
تطورت وسائل السفر الحديثة : من حيث النوع ، والحجم ، والسرعة .
__________
(1) يس ، آية 41 و42
(2) الزخرف آية 12
(3) أساسيات النقل البحري والتجارة الخارجية لمختار السويفي ص34.
(4) القانون الجوي ، للدكتور محمد فريد العريني ص39.
(1/5)
أما تطورها من حيث النوع ، فإنه لم تعد تلك الوسائل مقتصرة على الدواب، والسفن البدائية ، بل شملت وسائل لم تكن موجودة من قبل : كالطائرات ، والسيارات بكافة أنواعها ، كما تم تحديث السفن ، وذلك بظهور السفن العملاقة التي تحمل البضائع والركاب.
أما عن تطور تلك الوسائل حسب الحجم ، فإن كبر حجمها أمكن نقل الكميات الكبيرة من البضائع ، والأعداد الكثيرة من الركاب.
وأما عن تطورها حسب السرعة ، فإنه بفضل السرعة التي امتازت بها وسائل السفر الحديثة أمكن اختصار الوقت ، وتوفير حاجات الإنسان بأقرب وقت ممكن ، بدلاً من الانتظار شهور إلى حين وصول البضائع(1)
المبحث الثاني :تعريف السفر ، وبيان مشروعيته
أولاً : تعريف السفر
أ – تعريف السفر في اللغة .
السفر في اللغة مشتق من السَّفِْر ، وهو الانكشاف والجلاء ، لأن المسافر يظهر وينكشف ، وقيل هو قطع المسافة (2)
ب – تعريف السفر في الاصطلاح .
عرف السفر بتعريفات كثرة ، من أشهرها ما يأتي :
هو الخروج عن الوطن أو الظهور.
هو الانتقال من محل الإقامة بمقصد معلوم.
أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن بسير الإبل ومشي الأقدام(3)
وبإمكاننا الجمع بين هذه التعريفات في تعريف واحد وهو : أن السفر في الاصطلاح هو الخروج من موضع الإقامة بقصد السير إلى موضع بينه وبين موضع الإقامة مسافة يطلق عليها عرفاً سفرا .
ثانياً : مشروعية السفر .
السفر مشروع ، والدليل على مشروعيته قوله تعالى ، حكاية عن نبيه إبراهيم عليه السلام ( وقال إني ذاهب إلى ربي سيهد ين ) (4)
__________
(1) الحاويات وأثرها في تنفيذ عقد النقل البحري ، د. عبد القادر العطير ص7.
(2) لسان العرب 6/277 مادة سفر ، وتاج العروس 12/43 مادة سفر ، والتعريفات للجرجاني ص124
(3) بدائع الصنائع 2/142 ،والوسيط للغزالي 2/142 ،والمحلي لابن حزم 5/16 ، والتعريفات للجرجاني ص124
(4) الصافات أية 99 .
(1/6)
قال : القرطبي رحمه الله تعالى ( إن هذه الآية أصل في مشروعية الهجرة والعزلة ، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام وذلك حين خلصه الله من النار التي أدخل فيها من قبل قومه ، عندما كسر أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ) (1)
والإنسان بطبعة يحب الانتقال والارتحال بحثاً عن الرزق أو غير ذلك
من الأمور المشروعة ، فالرزق في الغالب مرتبط بالانتقال والارتحال ،
قال تعالى ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) (2)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في معنى الآية ( فسافروا حيث شئتم في أقطارها وترددوا في أقاليمها وأرجائها للمكاسب والتجارة ) (3)
وقيل لأعرابي : أين منزلك ؟ قال ( حيث ينزل الغيث ) (4)
فالسفر لم يشرع لطلب الرزق فقط ، وإنما شرع أيضاً لكل أمر يحتاجه الإنسان يتطلب سفراً ، بشرط أن يكون هذا الأمر مشروعاً ، يقول الشيخ محمد القاسمي ( اعلم أن كل من سافر وكان مطلبه العلم والدين ، أو الكفاية للاستعانة على الدين كان من سالكي سبيل الآخرة ) (5)
المبحث الثالث : وصف السفر، وفوائده
أولاً : وصف السفر
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن 15/97.
(2) الملك آية 15.
(3) تفسير القرآن العظيم 8/654.
(4) بهجة المجالس ليوسف القرطبي 222.
(5) تهذيب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين لمحمد جمال الدين القاسمي ص136.
(1/7)
إن أفضل وصف للسفر ، هو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم له ،بأنه قطعة من العذاب ، وذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( السفر قطعة من العذاب (1) يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته (2) من وجهه (3) فليعجل إلى أهله ) (4)
فهذا هو الوصف المناسب والملائم للسفر .
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم السفر بهذا الوصف ، وذلك لما يلاقيه المسافر خلال سفره من مشقه، وتعب، وترك المألوف .
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – ( فلا ريب أن الفطر ، والقصر ، يختص بالمسافر ، ولا يفطر المقيم إلا لمرض ، وهذا من كمال حكمة الشارع ، فإن السفر في نفسه قطعة من العذاب وهو في نفسه مشقة وجهد ، ولو كان المسافر من أرفه الناس ، فإنه في مشقة وجهد بحسبه ، فكان من رحمة الله بعباده وبره بهم أن خفف عنهم أداء فرض الصوم في السفر ) (5)
وقد يعترض معترض فيقول إنما كان السفر بهذه الصفة التي وصفه بها الرسول صلى الله عليه وسلم من كونه قطعة من العذاب ، وفيه المشقة والتعب ، عندما كانت وسائل السفر شاقة ، ومتعبة ، يلاقي فيها المسافر خلال سفره أصنافاً من المشاق : من حر الشمس ، وبرد الليل ، وغير ذلك من المشاق.
__________
(1) .أي جزء منه ، والمراد من العذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل من الركوب والمشي من ترك المألوف. انظر فتح الباري 3/623.
(2) النهمة : الحاجة ، وبلوغ الهمة . انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/138، ولسان العرب 16/73 مادة نهم .
(3) من وجهه أي قصده ، انظر فتح الباري 3/623.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الحج ، باب السفر قطعة من العذاب ، فتح الباري3/623 ، وأخرجه مسلم في كتاب الإمارات ، باب السفر قطعة من العذاب . صحيح مسلم يشرح النوري13/70.
(5) إعلام الموقعين 2/100.
(1/8)
أما في عصرنا الحاضر ، فإن وسائل السفر أصبحت مريحة ، وسريعة ، فالمسافة التي كانت تقطع في زمن طويل أصبحت تقطع في زمن قصير ، بل أصبحت تقطع في ساعات قليلة .
ويرد على هذا الاعتراض ، بأن السفر من حيث هو يشعر فيه المسافر بالفرقة عن الأهل تجعله دائماً في تفكير مستمر وهم دائم ، وإن كان يقطع المسافة الطويلة في زمن قصير ، وفي وسيلة مريحة ، وذلك ، لأن مفارقة الإنسان لمن يألفهم ويألفونه يجعله من الصعب أن يألف غيرهم ، وخاصة إذا كان من فارقهم أهله وعشيرته .
وقد سئل إمام الحرمين الجويني حين جلس موضع أبيه ( لم كان السفر قطعة من العذاب ؟ فأجاب على الفور ، لأن فيه فراق الأحباب ) (1) فالسفر أيا كانت وسيلته غالباً ما تصحبه المشقة والتعب ، وقد تكون المشقة بدنية ، وقد تكون نفسيه ، وذهنية ، وكانت المشاق البدنية في الزمن الأول هي الغالبة، وفي العصر الحاضر صارت المشاق النفسية ، والذهنية ، هي الغالبة ، نظراً لما اقتضته ظروف الحياة من صعوبة الإجراءات في الحل والترحال والإقامة، وفي المطارات ، وبوابات الدخول والخروج وحجز الطائرات ، وبيوت الإقامة والفنادق الخ … فما ينتهي المسافر من أمر إلا ويشغل باله أمر أخر بعده ، فاقتضت الحكمة أن يكون له التخفيف من الله تعالى برخص السفر.
ثانياً : فوائد السفر
على الرغم مما قيل في الترهيب في السفر وأنه قطعة من العذاب ، لما يلقاه المسافر من مشاق ومتاعب ، إلا أن فيه فوائد كثيرة ، نذكر أهمها في الآتي:
التعرف على آيات الله في أرض الله الواسعة واختلاف تكوينها ، وحرها وبردها ، وبحارها ، وأنهارها ، وفوارق ليلها ، ونهارها .
قال تعالى ( والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) (2)
وقال تعالى ( أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً ) (3)
__________
(1) فتح الباري لابن حجر العسقلاني 3/624.
(2) سورة الذاريات آية (48).
(3) سورة النمل آية (61).
(1/9)
وقال تعالى ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب ) (1)
التعرف على آيات الله في أجناس الناس ، واختلاف ألسنتهم وألوانهم .
قال تعالى ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)(2)
التعرف على ما لدى الآخرين من علوم ومبتكرات والاقتياس منها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها ) (3)
طلب الرزق الحلال.
قال تعالى ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) (4)
الترويح عن النفس.
فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( روحوا على القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلَّت عميت) (5)
وقد ذكر الأمام الشافعي رحمة الله تعالى بعضا من فوائد السفر في بيتين من الشعر فقال :
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
تفرج هم واكتساب معيشة ... وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
وعلم وآداب وصحبة ماجد (6)
المبحث الرابع :المسافة التي يجوز الترخص فيها برخص السفر
__________
(1) سورة آل عمران آية (190).
(2) سورة الروم آية (22).
(3) أخرجه ابن ماجة في باب الحكمة ، سنن أين حاجة 2/542 ، والسيوطي في الجامع الصغير2/302، ورمز إليه بأنه حسن .
(4) سورة الملك آية (15).
(5) أخرجه الهندي في منتخب كنز العمال في الاقتصاد والرفق في الأعمال انظر منتخب كنز العمال 1/169 والسيوطي في الجامع الصغير 2/19 ، ويشهد له ما في مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم (( يا حنظلة ساعة وساعة )) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 17/16.
(6) ديوان الشافعي ، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ص74.
(1/10)
اختلف الفقهاء في مسافة السفر التي يجوز الترخص فيها برخص السفر على أقوال كثيرة (1) سنقتصر على ذكر خمسة منها خشية الإطالة ، ولكون بقية الأقوال تدور حول هذه الأقوال .
القول الأول : مسافة السفر التي يجوز فيها الترخص برخص السفر هي ثلاثة أيام بلياليهن ، من أقصر أيام السنة في البلاد المعتدلة (2) بسير الإبل ومشي الأقدام ، ولا يشترط سفر كل يوم إلى الليل ، بل أن يسافر في كل يوم منها من الصباح إلى الزوال ، فالمعتبر هو السير الوسط مع الاستراحات العادية ، فلو أسرع وقطع تلك المسافات في أقل من ذلك – كما في وسائل السفر الحديثة – جاز له الأخذ برخص السفر ، فإن لم يقصد موضعاً ، وطاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة ثلاثة أيام لا يترخص برخص السفر .
وهو قول : الحنفية (3) وروى ذلك عن ابن مسعود ، وبه قال الثورى (4)
الأدلة :
استدلوا على ما ذهبوا إليه بالآتي :
__________
(1) إذا عزم المسافر على السفر فلا يجوز له الأخذ برخص السفر قبل أن يخرج من موضع إقامته ، فإذا خرج منه وجاوز البنيان جاز له الأخذ برخص السفر ، وهذا باتفاق جمهور الفقهاء ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ((وإذا ضربتهم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )) سورة النساء آية 101 فالمفهوم من الآية أن من لا يخرج من القرية أو المدينة لا يعتبر ضاربا في الأرض.انظر بدائع الصنائع للكاساني 1/140 ، ومواهب الجليل للحطَّاب 2/143 والبيان للعمراني2/162 والمغني لابن قدامة 3/111
(2) أي التي يكون نهارها مساويا لليلها.
(3) فتح القدير مع الكفاية ، والعناية 2/2 ، وبدائع الصنائع 1/140.
(4) المغني لابن قدامة 3/106 ، والمحلي لاين حزم 5/6.
(1/11)
عن شريح بن هانئ قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه فقال ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم ) (1)
وجه الاستدلال من الحديث :
أنه صلى الله عليه وسلم جعل لكل مسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ، ولن يتصور أن يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن ومدة المسح أقل من هذه المدة(2)
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) (3)
وجه الاستدلال من الحديث:
قال الماوردي : فلما جعل المحرم شرطا في الثلاثة ، ولم يجعله شرطاً فيما دونها علم أن الثلاثة حد السفر وما دونها ليس بسفر (4)
القول الثاني: مسافة السفر التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر هي يوم وليلة، وهو قول الزهري ، والأوزاعي ، (5)واختاره الإمام البخاري (6)
الأدلة :
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الطهارة ، باب التوقيت في المسح على الخفين ، انظر شرح النووي على صحيح مسلم 3/175.
(2) بدائع الصنائع 1/288.
(3) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب في كم يقصر الصلاة ، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/565. وأخرجه مسلم في كتاب الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 9/103.
(4) الحاوي الكبير للماوردي 2/360.
(5) بدائع الصنائع 1/287 ونيل الأوطار 3/253.
(6) قال في الفتح ، وقد أورد البخاري ما يدل على أن اختياره : أن أقل مسافة القصر يوم وليلة ، يعني قولة في صحيحة وسمى النبي صلى الله عليه وسلم السفر يوما وليلة ، بعد قوله : باب في كم يقصر الصلاة ، انظر فتح الباري 2/565.
(1/12)
استدلوا على ما ذهبوا إليه بما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا معها ذو حرم ). (1)
وجه الاستدلال من الحديث :
أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى السفر يوما وليلة ، فدل ذلك على أن مسافة السفر الذي تقصر فيه الصلاة هي يوم وليلة .
القول الثالث : مسافة السفر التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر هي أربعة برد(2) وهو قول المالكية (3)والشافعية (4)وبعض الحنابلة (5) ، وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس. (6)
الأدلة :
استدلوا على ما ذهبوا إليه بالآتي .
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب في كم يقصر الصلاة ، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/566. وأخرجه مسلم في كتاب الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره انظر شرح النووي على صحيح مسلم 9/107.
(2) البرد بضم الباء جمع بريد ، والبريد في الأصل الرسول ، ثم استعمل في المسافة التي يقطعها ، وهي اثنا عشر ميلاً ، انظر المصباح المنير 1/49 مادة برد ، ويقدر البريد بحوالي (24) كيلومتراً ،والبرد الأربعة تعادل (96) كيلو متراً ، انظر هامش البيان للعمراني 2/453.
(3) مواهب الجليل شرح مختصر خليل مع التاج والأكليل 2/140، والتاج والأكليل شرح مختصر خليل مع مواهب الجليل 2/140 ومدونة الفقه المالكي وأدلته للدكتور الصادق الغرباني 1/551.
(4) المجموع شرح المهذب للنووي 4/274 ، والحاوي الكبير 2/360 ، والبيان للعمراني 2/453.
(5) المغني لابن قدامة 3/105 وكشاف القناع للبهوتي 1/595.
(6) المغني لابن قدامة 3/108.
(1/13)
عسفان). (1)
ما ورد أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس كانا يقصران ، ويفطران في أربعة برد. (2)
قالوا : لأنها مسافة تلحق المشقة في قطعها غالباً ، فوجب أن يكون القصر فيها كالثلاث ، ولأنها مسافة تستوفي فيها أوقات الصلوات على وجه التكرار في العادة فجاز القصر فيها كالثلاث ، ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشدَّ ، فجاز القصر فيها كمسافة الثلاث. (3)
القول الرابع : مسافة السفر التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر هي ميل فصاعدا، وهو قول الزيدية (4)والظاهرية (5).
الأدلة :
استدلوا بما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان إذا سافر فرسخا(6) قصر الصلاة ). (7)
القول الخامس : يرجع إلى اللغة والعرف ، فما سمى في اللغة سفراً ، وعد في العرف سفراً فيترخص فيه برخص السفر ، وهو قول جماعة من
أصحاب أحمد ، وبه قال كثير من السلف والخلف . (8)
الأدلة :
__________
(1) أخرجه الدار قطني في كتاب الصلاة ، باب قدر المسافة التي تقصر في مثلها الصلاة ، وقدر المدة سنن الدار قطني 1/387 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، باب السفر الذي تقصر في مثله الصلاة ، سنن البيهقي 3/173.
(2) فتح الباري 2/566.
(3) الحاوي الكبير للماوردي 2/361 ، والمغني لابن قدامة 3/108.
(4) التاج المذهب 1/142.
(5) المحلي لابن حزم 5/5.
(6) الفرسخ : بقدر بثلاثة أميال ، ويعادل حوالي (6) كيلو مترات ، انظر المعجم الوسيط ص681 ، وهامش البيان للعمراني 2/453.
(7) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، في مسيرة كم تقصر الصلاة 2/202 ، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ، باب المسافر متى يقصر إذا كان مسافراً 2/528 .
(8) الفتاوى الكبرى لابن تميمة 2/464 ، وزاد المعاد لابن القيم 1/346.
(1/14)
استدلوا لما ذهبوا إليه فقالوا : لم يحد النبي صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محددة للقصر والفطر ، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض ، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر ، وأما ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاث ، فلم يصح عنه منها شئ البتة ، فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفراً لغة وشرعاً ، ويعرف في العرف سفراً ، مثل أن يتزود له ويبرز للصحراء. (1)
المناقشة والترجيح :
الراجح ما قاله أصحاب القول الخامس ، فما سمى في اللغة سفراً ،
وعد في العرف سفراً فيترخص فيه برخص السفر وما لا فلا ، لأن الأدلة التي استدل بها أصحاب الأقوال السابقة قد اعترض عليها بالآتي :
قال الماوردي في معرض رده على استدلال الحنفية (فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تسافر ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ) فقد روى مسافة يوم ، وروى مسافة يومين ،
فلمّا اختلفت فيه الروايات لم يجز الاستدلال به .
وأما حديث المسح ، فلا حجة فيه ، لأنه يقدر على مسح الثلاث في مسافة يوم وليلة إذا سار في ثلاث ). (2)
وأما الحديث الذي أستدل به أصحاب القول الثالث فهو ضعيف جداً، لأن فيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو مجمع على شدة ضعفه، وفيه إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف لا سيما في روايته عن غير الشاميين كما قاله النووي في المجموع. (3)
__________
(1) انظر المرجعين السابقين .
(2) الحاوى الكبير للماوردي 2/361.
(3) انظر المجموع شرح المهذب 4/277 ، ونيل الأوطار للشوكاني 3/254 .
(1/15)
وأما احتجاج أصحاب القول الثالث والرابع بقول ابن عمر وابن عباس فقد رد عليهما الخرقي بقوله: [ ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة؛ لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الإختلاف ، وقد روى عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين :
أحدهما : أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها، ولظاهر القرآن؛ لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) (1) وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية(2) فبقى ظاهر الآية متناولا كل ضرب في الأرض.
والثاني : أن التقدير بابه التوقيف ، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، سيما وليس له أصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه.
ثم قال مؤيداً رأي أصحاب القول الخامس ( والحجة مع من أباح
القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه ).
ورد على استدلال أصحاب القول الأول بقوله صلى الله عليه وسلم
( يمسح المسافر ثلاثة أيام ) فقال :( إنه جاء لبيان أكثر مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به هاهنا. (3)
__________
(1) سورة النساء آية 101 .
(2) قال يعلى بن أمية قلت لعمر بن الخطاب قال الله تعالى (( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا )) وقد أمن الناس؟ فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )).أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/196
(3) انظر المغنى لابن قدامه 3/108.
(1/16)
قال ابن دقيق العيد : ( والذي أقرب إلى الصواب أن ما يسمى سفراً لغة أو عرفاً تقصر فيه الصلاة، ومالا فلا؛ لأن الأدلة في هذا الباب مختلفة جداً في تحديد ذلك).(1)
وقال الشوكاني : ( ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شيء، فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفراً لغة وشرعاً ). (2)
المبحث الخامس : نوع السفر الذي يجوز الترخيص فيه
بعد أن استعرضنا المسافة التي يجوز الترخص فيها برخص السفر ينبغي أن نوضح نوع السفر الذي يجوز الترخص فيه، فالسفر إما أن يكون سفر طاعة، كالسفر للجهاد، والحج .... أو سفراً مباحاً كالسفر للتجارة أو للنزهة ... أو سفر معصية، كالسفر لقطع الطريق، والاتجار بالمخدرات، ونحو ذلك ...
وقد اتفق الفقهاء على جواز الأخذ برخص السفر في سفر الطاعة والمباح، واختلفوا في جواز الأخذ برخص السفر في سفر المعصية على قولين :
القول الأول : لا يجوز الأخذ برخص السفر لمن سافر سفر معصية وهو قول الجمهور [ المالكية (3) والشافعية (4) والحنابلة (5)]
الأدلة :
استدلوا على ما ذهبوا إليه بالآتي :
قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ) إلى قوله ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) (6)
__________
(1) انظر الإحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العبد 2/105.
(2) انظر الدراري المضيئة للشوكاني 1/206.
(3) مواهب الجليل 2/140 ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2/139، وبداية المجتهد ، تحقيق الدكتور عبدالله العبادي 1/388 ومدونة الفقه المالكي وأدلته للدكتور الصادق الغرباني 1/515.
(4) المجموع للنووي 4/287 والحاوي للماوردي 2/387 والبيان للعمراني 2/451.
(5) المغني لابن قدامة 3/115 ، وكشاف القناع 1/596 .
(6) سورة المائدة آية 3.
(1/17)
قوله تعالى ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) (1) وجه الاستدلال من الآيتين : أن الله تعالى حرم الميتة فيهما تحريماً عاماً واستثنى منه مضطراً غير باغ ولا عاد.
قال ابن عباس : ( غير باغ على المسلمين ، ولا عاد عليهم بسيفه ) (2)
وقال الشافعي : ( غير باغ على الإمام، ولا عاد على المسلمين ) (3)
وقد رد الماوردي على من فسر قوله تعالى ( غير متجانف لإثم ) بغير مرتكب لتناول ما زاد على رمقه، وفسر قوله تعالى ( غير باغ ولا عاد ) بغير طالب لأكل ما لا حاجة له إليه، ولا متعمد سد رمقه بجوابين :
أحدهما : استعماله في الأمرين، وحمل على العموم في الموضعين.
والجواب الثاني : وهو المرض عنده – أن هذا التأويل لا يصح؛ لأن الله تعالى أباح الميتة لمضطر غير باغ ولا عاد فلم يجز حمله على من زاد على سد رمقه؛ لأنه غير مضطر، والإباحة لمضطر على حق، فعلم أن المراد بها عدم المعصية.
ثم قال : ( ومن الدليل على ما ذكرنا : هو أن رخص السفر متعلقة بالسفر ومنوطة به فلما كان سفر المعصية ممنوعاً منه لأجل المعصية وجب أن يكون ما تعلق به من الرخص ممنوعاً منه لأجل المعصية ) (4)
__________
(1) سورة البقرة آية 173 .
(2) تفسير الطبري 1/425.
(3) الحاوي الكبير للماوردي 2/388.
(4) الحاوي الكبير للماوردي 2/388.
(1/18)
قالوا : إن في تجويز الترخص برخص السفر في سفر المعصية إعانة على المعصية وهذا لا يجوز ؛ ولأن الترخص شرع للإعانة على تحصيل المقصد المباح توصيلاً إلى المصلحة فلو شرع ها هنا لشرع إعانة على المحرم، تحصيلا للمفسدة، والشرع منزه عن هذا، والنصوص وردت في حق الصحابة، وكانت أسفارهم مباحة، فلا يثبت الحكم في من سفره مخالف لسفرهم، ويتعين حمله على ذلك، جمعا بين النصين، وقياس المعصية على الطاعة بعيد لتضادهما (1)
القول الثاني : يجوز الأخذ برخص السفر لمن سافر سفر معصية،
وهو قول الحنفية (2) ، والزيدية (3) ، والظاهرية (4) ، وبه قال الثوري، والأوزاعي والمزني (5)
الأدلة :
استدلوا على ما ذهبوا إليه بالآتي :
قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر)(6)
قوله تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) (7)
قوله تعالى ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً ) (8)
وجه الاستدلال من هذه الآيات :
أنها ذكرت رخص السفر ولم تفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية ، فدل ذلك على أن من سافر سفر معصية له الأخذ برخص السفر.
__________
(1) المغني لابن قدامة 3/116 والبيان للعمراني 2/451 والوسيط للغزالي 2/251 .
(2) فتح القدير مع الكفاية والعناية 2/19، وبدائع الصنائع 1/140.
(3) التاج المذهب 1/142 .
(4) المحلى لابن حزم 5/18 .
(5) المغني لابن قدامة 3/115، والحاوي الكبير للماوردي 2/387 .
(6) سورة البقرة أية 184.
(7) سورة النساء أية 101 .
(8) سورة المائدة أية 6 .
(1/19)
عن عائشة – رضي الله عنها قالت : ( أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر ) (1)
ما روي عن على بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال : ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم ) (2)
فالحديثان مطلقان في كل مسافر ولم يرد ما يقيدهما.
قالوا : ولأن السفر ليس بمعصية إذ هو عبارة عن خروج مديد وليس في هذا المعنى شيء من المعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو بجواره ، والرخصة تتعلق بالسفر لا بالمعصية (3).
الراجح :
والراجح ما قاله أصحاب القول الأول، وهو أنه لا يجوز الأخذ برخص السفر لمن سافر سفر معصية؛ لأن الله تعالى شرع هذه الرخص لعباده المؤمنين العاملين بمنهجه الطائعين له، ولأن في تجويز الأخذ برخص السفر للعاصي في سفره، إعانة له على معصيته، ولا يجوز إعانة العاصي على معصيته، كون ذلك يعد تشجيعاً له على الاستمرار في المعصية.
المبحث السادس :المدة التي يجوز للمسافر أن يترخص فيها برخص السفر
اختلف الفقهاء في المدة التي يجوز للمسافر أن يترخص فيها برخص السفر على ثلاثة أقوال :
*القول الأول : يجوز للمسافر الأخذ برخص السفر في أي مدة يمكثها في سفره ولو طالت إذا لم ينو الإقامة في المكان الذي سافر إليه ، أما إذا نوى الإقامة فيه خمسة عشر يوماً فصاعداً ، فلا يجوز له الأخذ برخص السفر. وهو قول الحنفية. (4)
الأدلة :
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب يقصر إذا خرج من موضعه ، انظر فتح الباري 2/569، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، انظر شرح النووي على صحيح مسلم 5/194 .
(2) سبق تخريجه في المسافة التي يجوز فيها الترخص برخص السفر ص 13.
(3) فتح القدير مع الكفاية والعناية 2/20 والعناية على الهداية 2/20 .
(4) انظر فتح القدير مع الكفاية ، وشرح العناية على الهداية 2/10 ، وبدائع الصنائع 1/146 .
(1/20)
استدلوا على ما ذهبوا إليه بما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما أنه
قال : ( إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوماً أكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن (1) فاقصرها ). (2)
وبما ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما أنه قال : ( من أقام خمسة عشر يوماً أتم الصلاة ). (3)
* القول الثاني : إذا نوى المسافر الإقامة في البلد التي وصل إليها أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج أتم الصلاة، ولا يجوز له الأخذ برخص السفر. وهو قول المالكية (4) والشافعية.(5)
الأدلة :
استدلوا لما ذهبوا إليه بما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً ). (6)
وجه الاستدلال من الحديث :
أن المهاجرين حرمت عليهم الإقامة بمكة قبل فتحها، فلما صارت دار إسلام، تحرج المسلمون من الإقامة فيها، ليكونوا على هجرتهم، وكانوا لا يدخلونها إلا لقضاء نسك، فلما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة فيها ثلاثة أيام، دل ذلك على أنها في حكم السفر، وما زاد على الثلاث في حكم الإقامة. (7)
__________
(1) أي ترتحل أو تسافر ، انظر المعجم الوسيط ص576.
(2) ذكره الزيلعي في نصب الراية ، في كتاب الصلاة ، باب صلاة المسافر 2/183 .
(3) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة ، باب في كم تقصر الصلاة ، انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 3/112.
(4) مواهب الجليل شرح مختصر خليل مع التاج والإكليل 2/149 .
(5) البيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني 2/473 ، والحاوي الكبير للماوردي 2/371 .
(6) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب إقامة المهاجر بعد قضاء نسكه، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 7/266 ، وأخرجه مسلم في كتاب الحج باب جواز الإقامة بمكة للمهاجرين منها، انظر شرح النووي على صحيح مسلم 9/121 .
(7) البيان في مذهب الأمام الشافعي للعمراني 2/474.
(1/21)
* القول الثالث : إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم الصلاة وهو قول الحنابلة.(1)
الأدلة :
استدلوا لما ذهبوا إليه بما رواه أنس رضي الله عنه قال : ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلى ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قال : وأقمنا بها عشراً ) .(2)
وجه الاستدلال من الحديث :
أن أنساً حسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ومنى فيكون مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة، وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام إحدى وعشرين صلاة، فهذا يدل على أن من أقام بمكان وصلى فيه إحدى وعشرين صلاة قصر الصلاة، وإن صلى أكثر من ذلك أتم.(3)
الراجح :
والراجح : هو أن المسافر إذا نوى الإقامة في المكان الذي وصل إليه أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر ولا يقصر الصلاة.
قال الإمام الشوكاني : ( والأصل في حق من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فإن عليه أن يتم الصلاة ). (4)
وإذا كان المسافر ينتظر قضاء حاجة يتوقعها كل وقت ، أو جهاد عدو ، أو مرضاً يرجو شفاءه ، أو غير ذلك ولم ينو الإقامة في الموضع الذي نزل فيه ، جاز له الأخذ برخص السفر ، ومنها قصر الصلاة ، مهما طالت المدة، عند الأئمة الأربعة عدا الإمام الشافعي في أحد قوليه ، فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر، أو ثمانية عشر يوماً ، ولا يقصر بعدها (5) .
__________
(1) المغني لابن قدامة 3/147.
(2) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر ، فتح الباري 2/561، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، شرح النووي على صحيح مسلم 5/202.
(3) المغني لابن قدامة 3/150.
(4) نيل الأوطار للشوكاني 3/256.
(5) انظر ، بدائع الصنائع للكاساني 1/145 ، والتاج والإكليل شرح مختصر خليل للمواق 2/150 ، والبيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني 2/476 ، والمغني لابن قدامة 3/149.
(1/22)
ومن كان السفر عمله ومهنته ، كسائق السيارة ، وقائد الطائرة ، والسفينة جاز له الأخذ برخص السفر ومنها قصر الصلاة باتفاق جمهور الفقهاء (1) ، لأنه مسافر، وقد أذن الله تعالى بالقصر للمسافر.
المبحث السابع : رخص السفر
قبل ذكر رخص السفر ، لا بد أن ، نعرف معنى الرخصة .
فالرخصة في اللغة تطلق على معان كثيرة ، منها السهولة ، واليسر. (2)
وعرفت في الاصطلاح بتعريفات كثيرة، من أجودها تعريف محمد الفتوحي، فقد عرفها بقولة : (ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح ).(3)
فقوله (ما ثبت على خلاف دليل شرعي) احتراز عمّا ثبت على وفق الدليل، فإنه لا يكون رخصة ، بل عزيمة ، كالصوم في الحضر ، وقولة : (لمعارض راحج) احتراز عما كان لمعارض غير راحج ، بل إما مساو ، فيلزم التوقف على حصول المرجح ، أو قاصر عن مساواة الدليل الشرعي ، فلا يؤثر ، وتبقى العزيمة بحالها .
أما رخص السفر فهي كالآتي :
الرخصة الأولى : المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن :
لما رواه شريح بن هانيء قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين،
فقالت :عليك بابن أبي طالب فسله ، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه فقال : (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ). (4)
الرخصة الثانية : التيمم عند فقد الماء
__________
(1) انظر : فتح القدير لابن الهمام 2/12 ، ومدونة الفقه المالكي للدكتور الغرباني 1/512 ، والمجموع للنووي 5/301 ، والمغني لابن قدامة 3/119 .
(2) القاموس المحيط 2/467 ، مادة رخص ، والمعجم الوسيط 1/336 ، مادة رخص ، والتعريفات للجرجاني ص115.
(3) شرح الكوكب المنير لمحمد الفتوحي ص150.
(4) سبق تخريجه في المبحث الرابع ، في المسافة التي يجوز الترخص فيها برخص السفر ص 14.
(1/23)
لقولة تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيبا). (1)
ولما رواه عمران بن حصين – رضي الله عنه – قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال : (ما منعك أن تصلى) قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال : (عليك بالصعيد فإنه يكفيك). (2)
الرخصة الثالثة : قصر الصلاة الرباعية .
لقوله تعالى : (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذي كفروا ). (3)
وليس معنى هذا أن القصر هنا مخصوص بالخوف ، وما عداه لا ، فلا عبرة هنا لهذا التخصيص ، لحديث يعلى بن أمية الذي قال فيه : قلت لعمر ابن الخطاب (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) فقد أمن الناس ، فقال : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) (4) .
الرخصة الرابعة : الجمع بين صلاتي : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.
لما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ، ثم نزل فجمع بينهما ، فإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ، ثم ركب). (5)
__________
(1) سورة المائدة آية (6).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التيمم ، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه عن الماء ، فتح الباري 1/457.
(3) سورة النساء ، آية 101.
(4) سبق تخريجه في المبحث الرابع ، مسافة السفر التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر ص18 .
(5) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، صحيح البخاري ، بشرح فتح الباري 2/582، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/214.
(1/24)
ولما رواه عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السير). (1)
الرخصة الخامسة : ترك الجمعة :
لما رواه عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم (ليس على مسافر جمعة). (2)
الرخصة السادسة : صلاة النافلة على الراحلة. (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء ، صحيح البخاري بشرح فتح الباري 2/579 ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/216.
(2) أخرجه البيهقي في كتاب الجمعة ، باب من لا تلزمه الجمعة ، سنن البيهقي 3/184، وقال عنه الألباني في إرواء الغليل ، وفي الباب أحاديث أخرى يتقوى بها الحديث ، انظر إرواء الغليل 3/61.
(3) كيفية الصلاة على الراحلة، أن يومي المصلي بالركوع والسجود ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ويقاس على الراحلة كل وسيلة سفر فيجوز صلاة النافلة عليها ، ولو كان اتجاه المصلى إلى غير جهة القبلة ، وكذلك تصح صلاة الفرض على وسيلة السفر ، إذا حان وقت الصلاة ، ولم يتمكن المسافر من النزول من تلك الوسيلة ، فيصلى فيها على النحو الممكن ، من غير قيام ، ولا اتجاه نحو القبلة ، كأن تكون سفينة ، أو طائرة ، أو قمراً صناعياً ، أو محطة فضائية ، فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة فقال : ((صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق)) رواه الحاكم في المستدرك ، في باب الصلاة على السفينة ، وقال : إنه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، انظر مستدرك الحاكم على الصحيحين 1/275.
(1/25)
لما رواه عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته حيث توجهت به). (1)
الرخصة السابعة : الفطر في رمضان :
لقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات ، فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر). (2)
ولما روته عائشة – رضي الله عنها – أن حمزة بن عمر الأسلمي رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أصوم في السفر – وكان كثير الصيام – فقال: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) (3)
الرخصة الثامنة : إباحة أكل الميتة عند الضرورة (4)
لقوله تعالى (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، فمن اضطر غير باغِ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) (5)
المبحث الثامن :أثر وسائل السفر الحديثة على رخص السفر
وبعد ذكر رخص السفر يحسن بنا أن نستعرض أقوال علماء أصول الفقه في حكم التعليل في القياس بالحكمة المجردة عن الضابط ، لنرى أن وسائل السفر الحديثة لا تؤثر على رخص السفر فقد اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب الإيماء على الدابة ، صحيح البخاري بشرح فتح الباري 2/547 ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب جواز صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/209.
(2) سورة البقرة أية 183 – 184.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصوم ، باب الصوم في السفر والإفطار ، صحيح البخاري بشرح فتح الباري 4/179 ، ومسلم في كتاب الصوم باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ، صحيح مسلم بشرح النووي 7/236.
(4) جعلت الميتة من رخص السفر حيث يكون الاضطرار ناشئاً من السفر في حق من كان بحيث لو أقام في الحضر لم يفطر ، وهكذا التيمم بسبب عدم الماء ، وذلك هو الغالب ، فإن عدم الطعام والماء لا يكاد يقع في الحضر.
(5) سورة البقرة أية 173.
(1/26)
القول الأول: يجوز التعليل بالقياس بالحكمة المجردة عن الضابط مطلقا ، سواء كانت ظاهرة ، أم خفية ، منضبطة أم غير منضبطة .
وهو قول الرازي ، والبيضاوي. (1)
واستدلوا على ما ذهبوا إليه فقال : يجوز التعليل بالحكمة مطلقا لأن الحكمة هي العلة على التحقيق ، والوصف الظاهر الذي اتفق على جواز التعليل به ، لم يكن علة إلا تبعا لتلك الحكمة ، فإذا صح التعليل بالتابع صح التعليل بالمتبوع من باب أولى . (2)
القول الثاني : لا يجوز التعليل بالحكمة مطلقاً .
وهو قول جمهور الأصوليين (3) ودليلهم أن الشأن في الحكمة أن تكون خفية ، كالحاجة بالنسبة لإباحة البيع مثلا فإنها لا يمكن التحقق منها في كل عقد، أو غير منضبطة كالمشقة لإباحة الفطر في السفر ، فإنها تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان ، وإذا كان هذا شأنها فلا يصح إناطة الحكم بها ، لأن الغرض المقصود من وضع العلل هو معرفة الأحكام الشرعية بها ، بحيث تنضبط، فكلما وجدت العلة وجد المعلول وهو الحكم الشرعي ، وكلما انتفت العلة انتفى المعلول ، فلا بد أن تكون العلة أمراً ظاهراً منضبطاً مشتملاً على الحكمة ويكفى في ذلك مظنتها بحيث يترتب على بناء الحكم عليه تحقق غرض الشارع من تحصيل المنافع، ودفع المضار. (4)
القول الثالث : التفصيل، بين ما إذا كانت الحكمة ظاهرة منضبطة فيصح التعليل بها، وبين ما إذا كانت خفية أو غير منضبطة فلا يصح التعليل بها.
__________
(1) المحصول في علم أصول الفقه للرازي 5/287 ، والإبهاج شرح المنهاج للسبكي 3/140.
(2) أصول الفقه الإسلامي ، للدكتور محمد شلبي 1/237 وأصول الفقه الإسلامي، للدكتور حامد محمود 2/174
(3) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/18 ، وأصول الفقه الإسلامي ، للدكتور وهبة الزحيلي 1/650.
(4) أصول الفقه الإسلامي ، للدكتور محمد شلبي 1/236 ، وأصول الفقه الإسلامي ، للدكتور حامد محمود 2/176.
(1/27)
وهو قول الآمدي ، والأسنوي وابن الحاجب. (1)
واستدلوا على جواز التعليل بالحكمة الظاهرة المنضبطة فقالوا : إنا أجمعنا على أن الحكم إذا اقترن بوصف ظاهر منضبط مشتمل على حكمة غير منضبطة بنفسها أنه يصح التعليل به، وإن لم يكن هو المقصود من شرع الحكم ، بل ما اشتمل عليه من الحكمة الخفية.
فإذا كانت الحكمة وهي المقصودة من شرع الحكم مساوية للوصف في الظهور والانضباط كانت أولى بالتعليل بها.
واستدلوا على المنع فيما إذا كانت خفية أو مضطربة بثلاثة أوجه :
الأول : أنها إذا كانت خفية مضطربة مختلفة باختلاف الصور والأشخاص والأزمان والأحوال، فلا يمكن معرفة ما هو مناط الحكم منها والوقوف عليه إلا بعسر وحرج، ودأب الشارع فيما هذا شأنه على ما ألفناه منه إنما هو رد الناس فيه إلى المظان الظاهرة الجلية دفعاً للعسر عن الناس، والتخبط في الأحكام.
ولهذا فإنا نعلم أن الشارع إنما قضى بالترخص في السفر دفعاً للمشقة المضبوطة بالسفر الطويل إلى مقصد معين، ولم يعلقها بنفس المشقة لمًّا كانت مما يضطرب ويختلف فيه، ولهذا فإنه لم يرخص للحمًّال المشقوق عليه في الحضر، وإن ظن أن مشقته تزيد على مشقة المسافر في كل يوم فرسخ ، وإن كان في غاية الرفاهية والدعة، لمًّا كان ذلك مما يختلف ويضطرب .
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/18 وتعليل الأحكام للدكتور/ محمد شلبي ، ص135 وأصول الفقه الإسلامي ، للدكتور/ وهبه الزحيلي 1/650 .
(1/28)
الثاني : أن الإجماع منعقد على صحة تعليل الأحكام بالأوصاف الظاهرة المنضبطة المشتملة على احتمال الحكم، كتعليل وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان، لحكمة الزجر أو الجبر، وتعليل صحة البيع بالتصرف الصادر من الأهل في المحل لحكمة الانتفاع، وتعليل تحريم شرب الخمر وإيجاب الحد به لحكمة دفع المفسدة الناشئة منه ونحوه، ولو كان التعليل بالحكمة الخفية مما يصح لما احتيج إلى التعليل بضوابط هذا الحكم والنظر إليها لعدم الحاجة إليها، ولما فيه من زيادة الحرج بالبحث عن الحكمة، وعن ضوابطها مع الاستغناء بأحدهما.
الثالث : أن التعليل بالحكمة المجردة إذا كانت خفية مضطربة، مما يفضي إلى العسر والحرج في حق المكلف بالبحث عنها، والاطلاع عليها، والحرج منفي بقوله تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) (1) غير أنا خالفناه في التعليل بالوصف الظاهر المنضبط لكون المشقة فيه أدنى فبقينا عاملين بعموم النص فيما عداه. (2)
والراجح القول الثالث الذي يقول : إذا كانت الحكمة خفية ، أو مضطربة، امتنع تعليل الحكم بها ، لأن تعليل الحكم بها يؤدي إلى الاختلاف الواسع بين العلماء ، إذ أن بعضهم يدعي تحقيق الحكمة في مسألة ما ، فيثبت لها حكم ما ، تقتضيه ، بينما ينفيها الآخر فلا يثبت لها ذلك الحكم ، ولنضرب لذلك مثلاً بالترخص في السفر الذي هو مظنة المشقة ، فليس كل سفر فيه مشقة ، ولهذا لم يتعلق الحكم فيه بالحكمة لعدم انضباطها.
__________
(1) سورة الحج أية 78 .
(2) المراجع السابقة .
(1/29)
وبناء على ما سبق فإن وسائل السفر الحديثة ، لا تؤثر على رخص السفر طالما وأن رخص السفر متعلقة بالسفر نفسه ، وليس بالمشقة ، فقد جعل السفر في الشرع من أسباب الخفيف في الواجبات الدينية بمجرد حدوثه ، من غير نظر إلى مشقة أو عدمها ، فمتى كان المسلم مسافراً فله الأخذ برخص السفر ، وإن لم يجد مشقة ، لكونها قد تكون موجودة في أشخاص غير مسافرين ، فقد تكون فيهم من المشقة والتعب أكثر مما هي في المسافرين ، فإذا عللنا الحكم بها فإنه ينطبق من باب أولى على هؤلاء الأشخاص الذين تكون المشقة في جانبهم ، مثل عمال المناجم ، وأصحاب الأعمال الشاقة ، التي تكون مشقتها أكبر من مشقة السفر ، لذا فإنه في هذه الحالة لا يمكن أن نعلل الحكم هنا بالمشقة ، لكونها غير منضبطة، لاختلافها باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان ، وهذا يظهر واضحاً في عصرنا الحاضر ، فإن المشقة في السفر أصبحت شبه منعدمة ، وذلك للتطور الهائل في وسائل السفر التي اختصرت المسافات ، فالمسافة التي كانت تقطع في شهور أصبحت تقطع في ساعات قليلة.
المبحث التاسع :أثر وسائل السفر الحديثة على تحريم سفر المرأة بدون محرم
من المناسب، ونحن نتحدث عن أثر وسائل السفر الحديثة على رخص السفر أن نتحدث عن أثرها على تحريم سفر المرأة بدون محرم.
(1/30)
فقد اتضح لنا سابقاً أن وسائل السفر الحديثة لا تؤثر على رخص السفر، فيلزم من ذلك عدم تأثيرها على تحريم سفر المرأة بدون محرم ، فتحريم سفر المرأة من غير محرم (1) باق إلى قيام الساعة، وإن تغيرت وسائل السفر وطورت؛ لأن الخوف على المرأة، وتعرضها للفتن، والاختلاط مع الرجال يكون في كل زمان وفي كل مكان، بل أصبح الخوف على المرأة في العصر الحاضر أكثر مما مضى؛ لكثرة الفاسدين، وكثرة الاختطافات للبنات؛ ولأنه يلزم من القول بتأثير وسائل السفر الحديثة على تحريم سفر المرأة بدون محرم، وأنه يباح لها السفر بدون محرم كما قال بعض علماء العصر الحاضر، يلزم من ذلك إلغاء جميع رخص السفر؛ كون المشقة التي كان يعانيها المسافر قديماً قد زالت بوسائل السفر الحديثة وهذا باطل، لا يقول به أحد من العلماء.
والإسلام لمًّا حرم على المرأة أن تسافر بدون محرم، ليس في ذلك تقييد لحريتها – كما يدعى دعاة تحرير المرأة – وإنما هو تكريم لها، وحفاظ عليها، وصون لكرامتها، وعفتها.
ولأنها موضع فتنة للرجال، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم
( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ). (2)
ومع كونها فتنة للرجال، فهي ضعيفة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها إذا اعتدى عليها، فلا بد من وجود محرم معها، يدافع عنها، ويحفظها، ويصون كرامتها من عبث العابثين .
__________
(1) ضابط المحرم عند العلماء، من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها ، أي نسب أو رضاع أو مصاهرة ، فخرج بالتأبيد زوج الأخت ، و زوج العمة ، وخرج بالمباح أم الموطوءة بشبهة ، وبنتها، وخرج بحرمتها الملاعنة ، انظر فتح القدير 2/330 ، ومغني المحتاج 1/681، والمغني لابن قدامة 5/32.
(2) أخرجه البخاري في كتاب النكاح ، باب ما يتقي من مشئوم المرأة ، صحيح البخاري بشرح فتح الباري 9/137 ، والبيهقي في باب ما يتقي من فتنة النساء ، سنن البيهقي 7/91.
(1/31)
يقول الإمام الكاساني – رحمه الله – في معرض حديثه عن تحريم سفر المرأة بدون محرم، [ولأنها إذا لم يكن معها زوجها ولا محرم، لا يؤمن عليها، إذا النساء لحم على وضم (1) إلا ما ذب عنه ولهذا لا يجوز لها الخروج
وحدها] .(2)
فالمرأة عند ما تختلط بالرجال الأجانب عنها ، ولا يكون معها محرم ، تتعرض للمضايقات ، وقد تتحدث مع بعضهم ، ويحصل بعد الحديث ما لا يحمد عقباه ،كما قيل : فنضرة فابتسامة فموعد فلقاء .
وقد تساهل بعض علماء عصرنا الحاضر (3)
__________
(1) الوضم : كل ما يوضع عليه اللحم من خشب أو حصير أو نحو ذلك يوقي به من الأرض ، انظر المعجم الوسيط 2/1040، ومعنى كلام الكاساني : أن النساء مثل اللحم أمام الناس فإنه يكون عرضة للأخذ إلا الذي يصان بحمايته والذب عنه ، فالنساء إذا سافرن بدون محارم ، يكنُ عرضة للاعتداء عليهن إلا من وجد معها محرم يذب عنها فلا يعتدى عليها.
(2) بدائع الصنائع 2/187.
(3) كالقرضاوي في كتابه فتاوى معاصرة ص305 ، وفي كتابه شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ص 108، أما العلماء في العصور السابقة فلم يحصل بينهم خلاف في تحريم سفر المرأة بدون محرم إلا للحج الواجب عليها ، فإن بعضهم أجاز سفرها مع نسوة ثقات ،وبعضهم لم يجز سفرها إلا مع محرم ، ذكر هذا الخلاف الزحيلي في كتابه [الفقه الإسلامي وأدلته،ثم عقب عليه بقوله ( وهذا الخلاف بين الشافعية، والمالكية، وبين باقي الفقهاء ، محصور في سفر الفريضة ، ومنه سفر الحج ، فلا يقاس عليه سفر الاختيار بالإجماع ).
انظر الفقه الإسلامي وأدلته 3/2093 . وانظر فيما يتعلق بخلاف الفقهاء في تحريم سفر المرأة بدون محرم للحج الواجب عليها ، بدائع الصنائع 2/187 ، ومدونه الفقه المالكي 2/87 ، ومغني المحتاج 1/681 ، والمغني لأبي قدامة 5/30.
(1/32)
فجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم، وعلل ذلك بأنه لا يخاف على المرأة إذا سافرت بوسائل السفر الحديثة كونها تقل عشرات ، ومئات الركاب ، كالطائرات ، والقطارات وغيرها ، وهذا لا شك فيه مخالفة للنصوص الصحيحة والصريحة التي وردت في تحريم سفر المرأة بدون محرم ، ومن تلك النصوص ما يأتي :
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ). (1)
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا ومعها ذو محرم ). (2)
عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في عزوة كذا وكذا ، قال : انطلق فحج مع امرأتك).(3)
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها ). (4)
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله عليه وسلم
__________
(1) سبق تخريجه في المسافة التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر ص14.
(2) سبق تخريجه في المسافة التي يجوز فيها الأخذ برخص السفر ص15.
(3) أخرجه البخاري ، في كتاب جزاء الصيد ، باب حج النساء ، فتح الباري 4/72 ، ومسلم في كتاب الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره ، شرح النووي على صحيح مسلم 9/108.
(4) أخرجه مسلم ، في كتاب الحج ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره، شرح النووي على صحيح مسلم 9/108 ، وأبن ماجة في كتاب المناسك ، باب المرأة تحج بغير ولي ، سنن بن ماجة 2/211.
(1/33)
( لا تسافر المرأة بر يدا إلا مع زوج أو ذو محرم )(1)
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم)(2)
قال الإمام ابن حجر في الجمع بين ألفاظ الأحاديث السابقة : ( وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق – أي بالأحاديث المطلقة غير المقيدة بمدة معينة – لاختلاف التقييدات). (3)
وقال ابن المنير : ( وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين ).(4)
وقال الإمام النووي : ( إن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً ، أو بريدا ، أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة ، وهي آخر روايات مسلم السابقة ) ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً ). (5)
وبناء على هذه الأدلة ، وبخاصة حديث ابن عباس رضي الله عنهما (... انطلق فحج مع امرأتك) ولا شك أن المرأة التي لم تجد محرماً تعتبر غير مستطيعة لأداء فريضة الحج ، ونحن نعلم ما يحدث من الزحام الشديد في المشاعر المقدسة حتى يصل أحياناً إلى الموت ، والمرأة في حاجة إلى من يحملها ، ويدافع عنها ، ويمسك بها ، ويصونها ، والنساء المرافقات لا يستطعن أن يقمن بهذا . والله أعلم.
مراجع البحث ومصادره
الإبهاج شرح المنهاج ، لعلي بن عبد الكافي السبكي، دار المكتب العلمية بيروت – لبنان.
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ، لتقي الدين أبي الفتح ، الشهير بابن دقيق العيد ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان.
__________
(1) أخرجه البيهقي في كتاب الصلاة باب حجة من قال لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام ، سنن البيهقي 3/139. وقد سبق تعريف البريد في المبحث الرابع ص15
(2) أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد ، باب حج النساء ، فتح الباري 4/73.
(3) فتح الباري 4/75.
(4) فتح الباري 4/75.
(5) شرح النووي على صحيح مسلم 9/103.
(1/34)
الإحكام في أصول الأحكام لسيف الدين على بن أحمد الآمدي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1401هـ – 1981م.
إرواء الغليل ، في تخريج أحاديث منار السبيل ، لمحمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت – لبنان ط ، 1399هـ – 1979م.
أساسيات النقل البحري ، والتجارة الخارجية ، لمختار السويفي ، مطابع مدكور بمصر.
أصول الفقه الإسلامي ، لحامد محمود إسماعيل ، الطبعة الأولى ، 1410هـ – 1990م.
أصول الفقه الإسلامي ، لمحمد مصطفى شلبي ، الدار الجامعية للطباعة والنشر.
أصول الفقه الإسلامي ، وأدلته لوهبة الزحيلي ، دار الفكر.
إعلام الموقعين عن رب العالمين ، للإمام الجليل محمد بن أبي بكر بن سعد المعروف بابن قيم الجوزية ، دار الكتب الحديثة – مصر.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1417هـ – 1996م.
بداية المجتهد ، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ، تحقيق عبد الله العباد ، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ، الطبعة الأولى، 1416هـ – 1995م.
بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذهن والهاجس، ليوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي ، تحقيق محمد الخولي ، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1981م.
البيان في مذهب الإمام الشافعي ، لأبي الحسين يحي بن أبي الخير العمراني، تحقيق قاسم النوري ، دار المنهاج للطباعة والنشر والتوزيع.
تاج العروس من جواهر القاموس ، للسيد محمد مرتضى الزبيدي، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت لبنان.
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار ، للعلامة أحمد بن قاسم العنسي ، دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، 1414هـ – 1993م.
(1/35)
التاج والإكليل شرح مختصر خليل ، لأبي عبد الله محمد بن يوسف العبدري الشهير بالمواق ، مكتبة النجاح طرابلس – ليبيا.
تحفة الأحوذي ، شرح جامع الترمذي لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، مطبعة المدني ، الطبعة الثانية ، 1383هـ – 1963م.
التعريفات ، لعلى بن محمد الشريف الجرحاني ، بيروت – لبنان ، 2000م.
تعليل الأحكام ، لمحمد مصطفى شلبي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت – لبنان.
تفسير القرآن العظيم ، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، دار الفكر للطباعة والنشر بيروت – لبنان 1401هـ 1981م.
تهذيب الصحاح ، لمحمود بن أحمد الزنجاني، دار المعارف – مصر.
تهذيب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ، لمحمد جمال الدين القاسمي، تحقيق محمد مرسي، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة الثانية ، 1981م.
الجامع لأحكام القرآن ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان 1405هـ – 1985م.
جامع البيان عن تأويل القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ، الطبعة الثانية،
1373هـ – 1954م.
الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1401 هـ – 1981م.
الحاويات وأثرها في تنفيذ عقد النقل البحري ، د. عبد القادر حسين العطبر ، مايو 1983م.
الحاوي الكبير شرح مختصر المزني ، لأبي الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق محمد بكر إسماعيل ، وعبد الفتاح أبو سنة ،
دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان.
ديوان الشافعي ، دار الكتب الثقافية صنعاء ، الطبعة الثالثة ،
1420هـ – 1999م.
زاد المعاد ، لمحمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية ، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية ، 1423هـ – 2002م.
(1/36)
سنن الدار قطني ، للحافظ على بن عمر الدار قطني، عالم الكتب بيروت لبنان ، الطبعة الثالثة 1413هـ – 1993م.
سنن الدارمي لأبي عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ،شركة الطباعة الفنية المحددة .
السنن الكبرى – للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي ، دار صادر بيروت ط ، 1344هـ.
سنن المصطفى، للعلامة محمد بن يزيد بن ماجة ،دار الفكر الطبعة الثانية.
سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي ، دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان.
شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير ، لشيخ الإسلام تقي الدين محمد بن الفتوحي ، تحقيق محمد حامد الفقيه ، مكتبة السنة المحمدية 1372هـ – 1955م.
شرح النووي على صحيح مسلم ، للإمام محي الدين بن شرف النووي بدون.
شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ، للدكتور يوسف القرضاوي ، مطبعة المدني بمصر ، الطبعة الخامسة ، 1417هـ – 1997م.
الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية ، لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطاء ، دار العلم للملايين، بيروت لبنان، الطبعة الثالثة 1404هـ – 1984م.
الصفي في أصول الفقه ، لأحمد بن محمد الوزير ، دار الفكر المعاصر، بيروت – لبنان.
العناية على الهداية ، لمحمد بن محمود البابرتي ، دار أحياء التراث العربي ، بيروت لبنان .
الفتاوى الكبرى ،لأبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية ، تحقيق حسين محمد مخلوق ، دار الكتب الحديثة مصر.
الفتاوى المعاصرة للدكتور يوسف القرضاوي ، دار الوفاء مصر.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر، تحقيق محي الدين الخطيب ، المطبعة السلفية ومكتبها ،
القاهرة 1380هـ.
فتح القدير للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد ، المعروف بابن الهمام، دار الحياة للتراث العربي ، بيروت – لبنان.
(1/37)
الفقه الإسلامي وأدلته ، للدكتور وهبة الزحيلي ، دار الفكر المعاصر، الطبعة الرابعة ، 1422هـ – 2002م.
القانون الجوي النقل الجوي ،للدكتور محمد فريد العريني، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت – لبنان 1986م.
القاموس المحيط ، للإمام مجد الدين يعقوب بن محمد بن إبراهيم، الفيروز أبادي الشيرازي ، دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان ، طبعة
1420هـ – 1999م.
كشاف القناع عن متن الإقناع ، لمنصور بن يونس البهوني ، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة.
الكفاية على الهداية ، لجلال الدين الخوارزمي ، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان .
لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين بن منظور، دار صادر بيروت، طبعة 1412هـ 1992.
المجموع شرح المهذب ، لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي ،تحقيق محمود مطرجي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، 1421 – 2000م.
المحصول في علم أصول الفقه ، لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي ، تحقيق طه جابر فياض العلواني، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثالثة، 1418هـ – 1997م.
المحلى شرح المجلى ، تأليف أبي محمد على بن أحمد بن حزم ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان.
مدونة الفقه المالكي وأدلته للدكتور الصادق عبد الرحمن الغرباني، مؤسسة الرياني للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ،1423هـ – 2002م.
المستدرك على الصحيحين ، لأبي عبدالله بن الحاكم النيسابوري ، تحقيق مصطفى عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، لأحمد بن محمد علي المقري الفيومي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
المصنف ، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى،1390هـ – 1970.
(1/38)
المصنف في الأحاديث والآثار ، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبه، تحقيق محمد عبد السلام شاهين ، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى ، 1416هـ.
المعجم الوسيط ، قام بإخراجه إبراهيم مصطفى وآخرون، المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، استانبول – تركيا.
المغنى لموقف الدين أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي ، تحقيق عبد الله التركي ، وعبد الفتاح الحلو ، هجر للطباعة والنشر ، القاهرة ،الطبعة الثانية، 1412هـ – 1992م.
مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج لشمس الدين محمد بن الخطيب الشربيني ، تحقيق محمد خليل ، دار المعرفة بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1418هـ – 1997م.
منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، لعلي بن حسام الدين عبد الملك الشهير بالمتقي الهندي ، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 1410هـ – 1990م.
مواهب الجليل شرح مختصر خليل ، لأبي عبد الله محمد بن محمد عبد الرحمن الطرابلسي ، المعروف بالحطًّاب ، مكتبة النجاح طرابلس – ليبيا.
نصب الراية لأحاديث الهداية ، لأبي محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1418هـ – 1997م.
النهاية في غريب الحديث والأثر ، لمجد الدين المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير ، دار إحياء الكتب العربية لعيسى الحلبي وشركائه، الطبعة الأولى سنة ، 1383هـ – 1963م.
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، للعلامة محمد بن علي بن محمد الشوكاني ،دار الجيل بيروت – لبنان، 1415هـ – 1995م.
الوسيط في المذهب ، لحجة الإسلام محمد بن محمد بن محمد الغزالي، تحقيق أحمد محمود إبراهيم، دار السلام للطباعة والنشر والترجمة.
(1/39)