- آيات الفضل وأثرها في التنمية الاقتصادية -
( د . عبد الواحد عثمان مصطفى (1)
مقدمة :
يتناول هذا البحث معاني الفضل الذي ورد في الآيات الكريمة العديدة ، و من ثم سوف يحاول الباحث أن يستنبط المعاني و المفاهيم الاقتصادية التي تحقق التنمية .
يقع البحث في ثلاث مباحث ، الأول سوف يتناول تفسير الآيات التي وردت فيها كلمة الفضل . وسوف يأخذ الباحث في هذا المبحث بأقوال المفسرين لهذه الكلمة .
أما في المبحث الثاني فسوف يتعرض الباحث إلى المفهوم الاقتصادي للفضل و الفضيلة و في المبحث الثالث سوف يتعرض الباحث إلى تجربه السودان في بناء مجتمع الفضيلة من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية ..
المبحث الأول
تفسير آيات الفضل
1/ مقدمه :-
في هذا المبحث سيتم عرض المعنى اللغوي للفضل بالرجوع إلى معاجم اللغة العربية المعروفة . كما إن المبحث سيتعرض إلى تفسير معنى الفضل عند المفسرين .
2/ معنى الفضل في اللغة :-
ورد في القواميس (1) : إن الفضل له هذه المعاني و هي :-
- صاحب القدر و المنزلة .
- صاحب الإحسان .
- المزيه و التمايز بين الناس ، و يقول فضله ، أي مزَّاه .
و التفاضل بين القوم ، أن يكون بعضهم أفضل من بعض . و أفضل عليه : أحسن إليه ، و أناله من فضله ، و أفضل عليه في الحسب ، أي ، حاز الشرف .
كما ورد معنى الفضيلة بأنها :
- الدرجة الرفيعة في الفضل و الخير .
- أما الفواضل من المال : ما يأتيك من غلته و مرافقه .
- أما حلف الفضول : حلف كان بمكة ، عقده بنو هاشم و زهره و تميم ، على أن لا يظلم أحد بمكة ، إلا انتصروا له و انصفوه من ظالمه .
ما سبق ذكره هو المعنى الذي يحتاج إليه في البحث من المعاني العديدة التي وردت في القواميس عن هذه الكلمة ، و فيما يلي يمكن إجمال معاني الفضل لغة على النحو الآتي :-
1- الزيادة و المزيه و التمايز .
__________
(1) ( - ) د. عبد الواحد عثمان مصطفي – عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية الأسبق بالجامعة ..(1/1)
2- الدرجة الرفيعة و القدر و الشرف .
3- الإحسان و المعروف و الجودة .
4- الإنصاف و العدل .
5- الزيادة في العائد المادي .
و مما يجدر ذكره أن هذه المعاني فقط هي المقصودة بذاتها لمعنى الفضل في هذا البحث .
3/ معاني الفضل في القرآن الكريم :-
ورد الفضل في القرآن الكريم بالمعاني الآتية :-
3/1 التمايز :-
قال تعالى :" و لقد كرمنا بنى ادم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ." الإسراء : (70) . " قيل أن الله فضلهم بالتمييز . و قال تعالى على كثير ممن خلقنا ، و لم يقل على كل ، لآن الله تعالى فضل الملائكة . وذكر صاحب لسان العرب في هذا المعنى قوله : " (و لا الملائكة المقربون ، النساء الآية : 171 ) . ... و لكن ابن ادم مفضل على سائر الحيوان الذي لا يعقل .. و قيل في التفسير إن فضيلة ابن ادم ، انه يمشى قائماً و أن الدواب و الإبل و الحمير و ما أشبهها تمشى منكبه . و ابن آدم يتناول الطعام بيديه و سائر الحيوان يتناوله بفيه ." (2) .
و الفضل هنا تمييز الإنسان عن بقية الحيوانات ، و ذلك بالعقل و الكلام و القدرة على التصرف في الأمور التي تعتريه بصوره أفضل عن سائر الحيوان ، مما يجعله أعلى مقاماً و مرتبه .
قال تعالى :" تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ، فمنهم من كلم الله و رفع بعضهم درجات .. " البقرة : (253) .
و بقول تعالى : " و ربك أعلم بمن في السماوات و الأرض ، و لقد فضلنا بعض النبيين على بعض ، و آتينا داود زبوراً . " الإسراء : (55) .
و هنا يفضل الله سبحانه و تعالى الأنبياء بعضهم على بعض في الدرجة و المكانة ، و كذلك يفضل الله الأفراد بعضهم على بعض .(1/2)
وقد ورد هذا التفضيل في حديث الإسراء و المعراج ، " رأى الرسول صلى الله عليه و سلم : الأنبياء في السماوات بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز و جل " (3) . و في تفسير هذه الآية : " يقول البيضاوي : عن هذا التمايز بين الرسل إنه ، بالفضائل النفسانية لا بكثرة الأموال و الأتباع .. كما أن داود شرفه الله تعالى بما أوحي إليه من الكتاب لا بما أوتي من الملك . " (4) .
و هذه التفرقة و التمايز بين الرسل يكون في العلم و الرسالة و الكتاب الذي أوحي إليه و لا يكون بما أوتي من مال أو ملك و سلطة في الدنيا .
كما يكون هذا التفضيل و التمايز في الرزق ، قال تعالى : " و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت إيمانهم فهم فيه سواء، أفبنعمة الله يجحدون . " النحل : (71) . ينكر الله تعالى عليهم : " أنتم لا ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيد له في الإلهية و التعظيم .. و عن الحسن البصري قال : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنة إلى أبى موسى الأشعري يوصيه : واقنع برزقك من الدنيا فان الرحمن فضل بعض عباده على بعض في الرزق ، بلاءا يبتلى به كلا ، فيبتلى من بسط له كيف شكره لله و أداؤه الحق الذي افترض عليه فيما رزقه و خوله . رواه ابن أبي حاتم ." (5) .
و يقول تعالى :" انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ، و للآخرة اكبر درجات و اكبر تفضيلا ." الإسراء : (21) . و في التفسير " انظر يا محمد بنظر الاعتبار كيف فضلنا بعض الآدميين على بعض فيما أمددناهم من العطايا الدنيوية ، فمن وضيع و رفيع ، و مالك و مملوك ، و موسر و صعلوك ، تعرف بذلك مراتب العطايا الأخروية و درجات تفاضل أهلها على طريقة الاستشهاد بحال الأدنى على حال الأعلى . و الآخرة و ما فيها اكبر من الدنيا . " (6) .(1/3)
ما سبق يوضح أن الخلق على درجات و مراتب ، و الإنسان مفضل على سائر الخلق في الدنيا . حيث يتميز الإنسان على الحيوان ، و نفس الإنسان فضل الله فرد على آخر وجماعه على جماعه و امة على امة .. و هكذا .
و هناك مقامات لهذا التمييز وهي ثلاث مقامات . الأول : هو مقام العلم و المعرفة ، أي من ميزه الله سبحانه و تعالى بالعلم و الحكمة فظهر على الناس بهذه الفضيلة يلجا إليه الناس لحل معضلة أو طلب علم أو رأي سديد . و الثاني : السلطة و الملك و الجاه : و يمن الله على عباده بالمال و الجاه في الدنيا و يزيده من فضله . و قد يشكر الله على هذا الفضل مثل أبي بكر الصديق و عثمان بن عفان رضي الله عنهما أو يكفر مثلما فعل قارون و ثعلبه و غيرهم كثير بخلوا بما آتاهم الله من فضله . يجدر بالملاحظة إن هذا الفضل هو في الدنيا ، حيث يتمايز الناس فيما بينهم بالغنى و السلطة ، منهم من عرف فضل الله و نجا و منهم من جحد بهذا الفضل و بخل ثم كفر . الثالث : ثواب الله في الدنيا و الآخرة : من الناس من يعبد الله على حرف و منهم من يكون مخلص النية يقدم الله في كل أموره و يقول بان طاعة الله أولى من كل كنوز الدنيا .
و فيما يلي تفصيل هذه المقامات التي ذكرت إجمالا :-
المقام الأول : التفضيل يكون بالعلم :-
التفضيل والتمييز بين الناس قد يكون بالعلم و المعرفة . قال تعالى : " فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم و لتعلموا عدد السنين و الحساب." الإسراء : (12) . ويقول تعالى : " فهزموهم بإذن الله و قتل داود جالوت و آتاه الله الملك و الحكمة و علمه مما يشاء ." البقرة : (251) . ويقول تعالى : " فوجد عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علما . " الكهف : (65) .(1/4)
جسم الإنسان يشبه المدينة . و ملك هذه المدينة مثل العقل ، لان بالعقل يتم ضبط تصرف الإنسان ، كما يضبط الملك أمور الناس و أحوالهم بقوانينه التي يسنها أو بأوامره و نواهيه التي يصدرها كل حين ، أما الإنسان فإنه يحاول أن يحصل على اكبر منفعة له في هذه المدينة وقد يتعارض ما يريده مع ما يريده الآخرون أو تتعارض منفعته أو مصلحته مع منفعة أو مصلحة الآخرين . و هنا يأتي أهمية جهاد النفس الأمارة بالسوء . " و أعضاء الإنسان وحواسه و النفس الأمارة بالسوء ، فان جاهد الإنسان نفسه الأمارة بالسوء – و هو عدوه – وهزمه و قهره على ما يحب حمد أثره . و أن ضيع ثغره و أهمل ذم أثره ." (7) . إن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر الذي يحتاج إلى سلاح العلم و المعرفة . والعلم وحده لا يكفي بل على الإنسان أن يتذلل إلى الله ويسأله من فضله ليل نهار ، و هكذا يستحق رحمة الله سبحانه و تعالى . وبعد دراسات عميقة في العلم توصل علماء الغرب إلى حقيقة أن العلم يوصل إلى الله و لا يبعد كما توهم الواهمون: " قال البرت انشتين - عالم الذرة المشهور - العلم بدون الدين كسيح ، و الدين بدون العلم أعمى . " (8) . و كثير غيره من علماء الفيزياء و الرياضيات عادوا إلى الدين . و الدين هو في المقام الأول إيمان بالقلب قبل كل شئ ثم يأتي بعد ذلك العلم و المعرفة . " مع ذلك ، مثلما هي الحال دائما فيما يتعلق بقضايا الإيمان ، فكما إن العديد من الناس يجتاحهم القرآن عند أول لقاء ، فهناك منهم من لا يحرك فيه ساكنا ، الإيمان ، هو في الواقع هبه من الله . " (9) . أي فضل من الله يتفضل به على عباده حسب مقاماتهم .(1/5)
وما يكسبه الإنسان من علم أو معرفه هو فتح من الله على أوليائه ، وهذه الرحمة متاحة لكل الناس . و لكن إنما تظهر في القلوب المتعرضة لنفحات رحمة الله تعالى . يقول تعالى : " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ." فاطر: (2) . و كذلك رفع الله نبيه يوسف عليه السلام مكانا عاليا في الدنيا و الآخرة ، و ذلك بسبب علمه الذي أعطاه الله له و استخدمه في الدعوة إلى الله . قال تعالى : " و قال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي ، فلما كلمة قال انك اليوم لدينا مكين أمين . قال أجعلني على خزائن الأرض " يوسف : (55 ، 56) . وبنعمة العلم الذي انعم الله عليه صار يوسف وزيراُ في مصر ونفع الله به أهل مصر حيث وضع أول خطة اقتصادية عرفها الناس وسجلها القرآن الكريم .
المقام الثاني : العصبية :-
يساند الأهل و العشيرة الرجل منهم ليكون ملكا أو رئيسا أو حاكما عليهم أو ممثلا لهم في المجالس . كما يأتي هذا الدعم من العشيرة لتحقيق الأمن لأفراد القبيلة . و هذا أمر طبيعي في البشر . " وذلك لان صلة الرحم طبيعي في البشر ، و الانتساب إلى الآباء و الملة و الأهل يكون طلبا للحماية و الأمان و الشرف .. والملك إنما يحصل بالتغلب و التغلب إنما يكون بالعصبية ." (10) .
و هكذا فان الملك و الأمارة لا تكون إلا بالعصبية ، حتى الدعوة الدينية أيضاً فلا بد له من العصبية . " ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه ." (11) . و إذا كان هؤلاء هم الأنبياء الذين يأتون بالمعجزات و الخوارق من عند الله ، فما ظنك بغيرهم إلا تخرق لهم هذه العادات إلا بالعصبية من عشيرته .(1/6)
و في ظل النظم الديموقراطية المتبعة في الحكم ، فان الرجل ، لا يصل إلى الرئاسة أو مجلس الأمة إلا من خلال سند أهله و عشيرته ، سواء ممثلا لأهل الدائرة الجغرافية التي ينتمي إليها أو ممثلا لقبيلته . قال تعالى : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر و المجاهدون في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجه و كلا وعد الله الحسنى و فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما . " النساء :(95) . أي هؤلاء ساندوا الإسلام بأنفسهم و بأموالهم . و بقول تعالى : " يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم و إني فضلنكم على العالمين ." البقرة : (47) . أي هذا الفضل لبنى إسرائيل ليس لكل الأزمنة ، " على عالم من كان في ذلك الزمان ، فان لكل زمان عالما و يجب الحمل على هذا لان هذه الأمة أفضل منهم ." (12) . قال تعالى : " قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، و الله لا يهدى القوم الفاسقين . " : التوبة : (24) .
المقام الثالث : الجاه و المال :-
يقول تعالى : " و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق ." النحل : (71) . و هذا في الغنى ، فان الله يعطي المال في هذه الدنيا للمسلم و الكافر . و هناك من هو فاحش الثراء يمتلك أموالا كثيره لا بمكن حصرها و هناك من هو غنى بالكاد . " مثل الغنى الذي يملك عشرة دراهم إلى الغنى الذي يملك الأرض من المشرق إلى المغرب . كل واحد منهم غنى و لكن ما أعظم الفرق ، و ما أعظم الغبن على من يخسر حظه من ذلك ."(13) . أيضا هذا التفاوت في المال و الثروة هو هبه و فضل من الله سبحانه و تعالى .(1/7)
هذه هي وسائل التفاوت و التفاضل بين الناس ، و لكن قد يكون هذا التفاضل في الدنيا أو الآخرة . و قد يتمايز العباد ويتفاضلوا في الدنيا ، أي من يكون منهم عالما و من يكون ملكا أو سلطانا في قومه و من يكون ثريا يتباهى على الناس بغناه . و هكذا قسم الله للناس درجاتهم في الدنيا . كما قد يتفاضل الناس في الآخرة منهم من في الدرجات العلا من الجنة و منهم من هم في أدنى الدرجات في الجنة وهذا هو فضل الله يؤتيه من يشاء . و فيما يلي شرح لفضل الله على عباده في الدنيا و الآخرة .
3/2 ثواب الدنيا :-
قد يأتي فضل الله في الدنيا لعباده في مقام العبادة أو في مقام الإحسان و المعروف أو في مقام الغنى أو السلطة .
ا) أما في مقام العبادة :
و ذلك بإرسال الرسل . يقول تعالى : " و لولا فضل الله عليكم و رحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا . " : النساء(83) . أي هذا الفضل هو إرسال الرسل و إنزال الكتاب ، " و كان النبي صلى الله عليه و سلم : فضل من الله و رحمه ، فلولا وجود النبي صلى الله عليه و سلم : لبقوا في الضلال ." (14) .
ويقول تعالى : " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة ، و آتيناهم ملكا عظيما ." النساء : (54) . و يقول تعالى : " و يستبشرون بنعمة من الله و فضل و إن الله لا يضيع اجر المؤمنين . " آل عمران : (171) . و هذا الاستبشار يكون حب الأخوة في الله . " استبشارهم بصلاح و سعادة إخوانهم أكمل عن استبشارهم أنفسهم . لان الفرح بصلاح حال الأخوان أتم و أكمل من فرح و صلاح أحوال النفس . " (15) .(1/8)
توضح الآيات السابقة أن الهداية إلى طريق العبادة هي فضل الله على عباده . مثل الأرض الطيبة التي يخرج نباتها بإذن ربها و تأتى أكلها كل حين . و هكذا أحسن الله إلى عباده في الدنيا بالدرجات قبل الآخرة . عن البراء بن عازب قال : " قال النبي صلى الله عليه و سلم في الأنصار: لا يحبهم إلا مؤمن و لا يبغضهم إلا منافق . من أحبهم فاحنه الله ، و من ابغضهم فابغضه الله ." (16) . و لقد ونال الأنصار هذه الدرجة الرفيعة في الدنيا – كذلك الصحابة جميعهم رضوان الله عليهم – بإخلاصهم و صدقهم و جهادهم بالنفس و المال . و هكذا تاب الله عليهم و انعم عليهم بهذا الفضل الكبير .
ب) أما الفضل في مقام الأمور الحسيه و المادية :-
و هذا قد يأتي في صور و أشكال مختلفة : مثل الرزق ، قال تعالى : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم . " البقرة : (198) . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "كانت عكاظ و مجنة و ذي المجاز أسواقا في الجاهلية ، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ... الآية . في موسم الحج ."(17) . ويقول صاحب الظلال : " ليشعر من يزاولها أنه يبتغى من فضل الله حين يتجر و حين يعمل باجر و حين يطلب أسباب الرزق . أنه لا يرزق نفسه بعمله ، إنما هو يطلب من فضل الله فيعطيه الله . فأحرى ألا ينسى هذه الحقيقة و هي أنه يبتغى من فضل حين يكسب . و متى استقر هذا الإحساس في قلبه و هو يبتغى الرزق فهو أذن في حالة عباده لله لا تتنافي مع عبادة الحج في الاتجاه إلى الله . و متى ضمن الإسلام هذه المشاعر في قلب المؤمن أطلقه يعمل و ينشط كما يشاء . لهذا يجعل الحديث عن طلب الرزق جزء من آية تتحدث عن شعائر الحج ." (18) .(1/9)
و يقول تعالى : " الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء ، و الله يأمركم مغفرة منة و فضلا ، و الله واسع عليم ." البقرة : (268) . أي يخوفكم الشيطان بالفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله .. و في المقابل يعدكم الله مغفرة و فضلا . " (19) . أي الرزق هو من الله فلا تخف من شئ . و عن أبي هريرة رضي الله عنة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه – يعنى شدقيه - يقول أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا هذه الآية .. و لا يحسبن الذين يبخلون ... الآية ." (20) .
يقول تعالى : " ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله و رسوله و قالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله و رسوله إنا إلى الله راغبون ." التوبة : (59) . أي يرضى المؤمن بما قسمه الله له من الرزق . و يؤمن بان ما يصيبه هو تفضل من الله تعالى .و في الآية تأدب عظيم للمؤمن و رضا تام بما آتاه الله له في الدنيا . كما يدل على غاية التوكل على الله تعالى و الامتثال الكامل لأوامره و نواهيه . و ذكر الله سبحانه و تعالى فضله بالمشيئة " إن شاء " و هناك فوائد يمكن إجمالها على النحو الآتي (21):-
الفائدة الأولى :-
أن لا يتعلق القلب بتحقق الموعود بل يتعلق بكرم من وعد به و يتضرع إليه في نيل جميع المهمات و دفع جميع الآفات و البليات .
الفائدة الثانية :-
التنبيه على أن الإغناء الموعود ليس يجب على الله تعالى بل هو متفضل في ذلك ، لا يتفضل به إلا عن مشيئته و إرادته .
الفائدة الثالثة :-
التنبيه على أن الموعود ليس بموعود بالنسبة إلى جميع الأشخاص و لا بالنسبة إلى جميع الأمكنة و الأزمان ، بل الله يعطى حسب المصلحة و هو حكيم فيما يعطى و يمنع .
و يقول تعالى : " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الغرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . " الجمعة : (10) .(1/10)
" و ابتغوا من فضل الله أي من رزقه . و كان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك و صليت فريضتك ، و انتشرت كما أمرتني ، فارزقني من فضلك و أنت خير الرازقين ." (22) .
الفائدة من هذه الآيات و الشرح الذي سبق هو الآتي :-
- إن طلب الرزق في الدنيا عباده مثل الصلاة و تلاوة القرآن الكريم .
- الرزق في الدنيا هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده .
- الفضل المادي في الدنيا يعنى تنوع الوظائف ، و تنوع التكاليف ، و من ثم تنوع المراكز و الدرجات .
- أراد الله بذلك التوازن في الدنيا و العمار للأرض و من ثم تحقق الرفاهية المادية و المعنوية .
وجماع ذلك أن الناس منعوا من التحاسد و التباغض ، و تمنى ما فضل الله به بعض عباده . وعلى المؤمن أن يحسن الظن بالله في توزيع الفضل بين عباده .
3/3 ثواب الآخرة :-
ثواب الآخرة و هو غاية العباد و ما يعملون في هذه الدنيا إلا من اجل رضا الله و الجنة . و ثواب الآخرة قد يكون الجنة أو الشفاعة في أهله وإخوانه . قال تعالى : " فأما الذين امنوا و اعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منة و فضل ، و يهديهم إليه صراطاً مستقيماً. " النساء : (175) . أي يرحمهم فيدخلهم الجنة و يزيدهم ثوابا مضاعفة و رفعا في درجاتهم من فضله إحسانه إليهم . " (23) . و هذا الإحسان لا يستطيع أن يدركه الإنسان حيث لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر .(1/11)
قال تعالى : " ليجزيهم الله أحسن ما فعلوا و يزيدهم من فضله و الله يرزق من يشاء بغير حساب . " النور : (38) . و يزيدهم من فضله قال المفسرون في هذا : " الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة ، لمن صنع المعروف في الدنيا ."(24) . يجعل لهم زيادة في الشرف و يشفعهم في لقاربهم أو عامة الناس حسب درجاتهم و مقاماتهم . " يقولون : الذي أعطانا هذه المنزلة و هذا المقام من فضله ، رحمة منة و منة ، لم تكن أعمالنا تساوى ذلك . كما ثبت في الصحيحين* ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ، قال : و لا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منة و فضل ." (25) .
مما سبق تفضل الله على عباده في الآخرة بالخير و الدرجات كما سبق و تفضل عليه في الدنيا و هكذا فان الآخرة هي حرث الدنيا .
حواشي المبحث الأول
(1) . ابن منظور ، لسان العرب ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1995
كذلك : احمد رضا ، معجم متن اللغة ، دار الحياة بيروت ، 1960 .
كذلك : بطرس البستاني ، محيط المحيط ، مكتبه لبنان ، بيروت ، 1983 .
كذلك : محمد فريد وجدي ، دائرة معارف القرن العشرين ، دار المعرفة ، 1971 .
(2) . ابن منظور ، لسان العرب ، المجلد (11) ، باب فضل ، دار الفكر ، ص 524 .
(3) . ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، المجلد الأول ، ص 298 .
(4) . البروسوي ، تفسير روح البيان ، المجلد الخامس ، ص 173 .
(5) . ابن كثير ، مصدر سبق ذكره ، المجلد الثاني ، ص 579 .
(6) . البروسوي ، مصدر سبق ذكره ، ص 145 .
(7) . الأمام الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج 3 ، دار الحديث ، القاهرة ، 1994 ، ص 11 .
(8) . مراد هوفمان ، تعريب عادل المعلم و آخرون ، خواء الذات و الأدمغة المستعمرة ، مكتبه الشروق الدولية ، القاهرة ، 2002 م ، ص 41 .
(9) . المصدر السابق ، ص 94 .(1/12)
(10) . ابن خلدون ، المقدمة ، الفصل الرابع ، في أن الدولة العامة ... ، دار الجيل ، بيروت ص 174 .
(11) . المصدر السابق ، الفصل السادس ، ص 175 .
(12) . ابن كثير ، مصدر سبق ذكره .
(13) . الغزالي ، مصدر سبق ذكره ، ج 3 ، ص 37 .
(14) . البروسوي ، مصدر سبق ذكره ، ص 247 .
(15) . المصدر السابق ، ص 124 .
(16) . سنن الترمذي ، أبواب المناقب ، باب في فضل الأنصار و قريش .
(17) . ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ج 17 ، كتاب التفسير، ( 4519 ) .
(18) . سيد قطب ، في ظلال القرآن ، المجلد (1) ، جزء 2 ، دار الشروق ، 1980 ، ص 198 .
(19) . ابن كثير ، مصدر سبق ذكره ، ج 1 ، ص 315 .
(20) . البروسوي ، مصدر سبق ذكره ، ج 3 ، ص 412 .
(21) . المصدر السابق .
(22) . الأمام القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، المجلد 9 ، ج 18 .
(23) . ابن كثير ، مصدر سبق ذكره ، ص 580 .
(24) . المصدر السابق ، ص 299 .
المبحث الثاني
اثر الفضل و الفضيلة في التنمية الاقتصادية
1/ مقدمه
يهدف علم الاقتصاد إلى تحقيق السعادة التي تتمثل في الرفاهية المادية . وذلك عن طريق تقليل الشقاء و الألم الإنساني في سعيه للحصول على وسائل العيش و الرفاهية . ولقد بحث العلماء في شتى أنواع المعرفة عن هذه الوسائل التي تحقق السعادة للبشر .
يمكن القول بأنهم اتفقوا على بناء المجتمع الفاضل ، و لكنهم اختلفوا حول الفضل ، و ما هو هذا المجتمع الفاضل الذي يسعون إلى تكوينه . و لقد اختلف فلاسفة الإغريق ، مثل سقراط و أفلاطون و أرسطو و من تبعهم من الفلاسفة عن معنى الفضيلة . و لقد اعترف بذلك سقراط حيث قال :" لا يمكن إعطاء تحديد دقيق و واضح للفضيلة ، و لا يمكن معرفة ماهيتها ."(1) .
و جاء من بعده من يضع شروط و أسس لإقامة هذا المجتمع الفاضل ، و كيف يمكن له أن يقوم . و وضعوا التدرج التالي لبناء المجتمع الفاضل :-
- بناء الفرد الفاضل .(1/13)
- بناء الأسرة الفاضلة .
- بناء المجتمع الفاضل .
- بناء الأمة (الدولة) الفاضلة .
و لتحقيق هذا التدرج ابتدءا من بناء الفرد الفاضل إلى بناء الأمة الفاضلة ، كان لابد من تحديد و تعريف معنى الفضيلة ، و هذا هو الشرط اللازم لمعرفة خصائص و أسس هذا المجتمع .
يقول أفلاطون في تعريف الفضيلة :" إن المحافظة على العدالة و الحكمة و الرحمة يعنى أن تكون حكيما و رحيما . و هذا يتطلب الشجاعة و الحلم .. فالعاقل هو حتما ذلك الإنسان الشجاع الرحوم و الصالح في آن معا . " (2) .
أما أرسطو فقد كان أكثر دقه و أكثر واقعية في فهمه للفضيلة و من ثم في تعريفه لها مما فعل أفلاطون ، حيث قال : " هي ملكة اختيار الوسط العدل – لا الحسابي – بين إفراط و تفريط كلاهما رذيلة . " (3) .
تعريف أرسطو يصل إلى أن الفضيلة هي ملكه و لكنها تكتسب بالتعلم و الممارسة . لهذا فان التقاليد و الأمثال التي تتداولها الشعوب و القدوة و سير الأبطال و القادة ورجال العلم ذلت اثر كبير و فعال في التربية الأخلاقية و من ثم تنشئة الشباب على معاني الفضيلة .
أما الفلاسفة العرب فقد اخذوا من الإغريق مثل : مسكويه الذي قسم الفضيلة إلى رتب و ذلك عندما تناول مفهوم السعادة . و هذه الرتب التي ذكرها هي (4) :-
الرتبة الأولى :-
السعادة : وهي المصالح الدنيوية ، و تتناول أمور النفس و البدن ، و لا ينبغي ان يخرج - أي تحقيق هذه السعادة - عن الاعتدال ، و ذلك و هو يسعى إلى ان يحقق صلاح النفس و البدن .
الرتبة الثانية :-
الفضيلة الإلهية : لا يكون فيها طلب لحظ من حظوظ الإنسانية ، و لا من الحظوظ النفسانية ، و لا ما تدعو إليه من حاجة البدن و النفس ، و لكن يتصرف بتصرف الخير العقلي في أعالي رتب الفضائل . و هو صرف الوقت إلى الأمور الإلهية و معاناتها و محاولاتها بلا طلب عوض . و هذه حالة من حالات التصوف التي تدعو إلى صفاء خالص .
الرتبة الثالثة :-(1/14)
التلاحم : و تكون كل أفعال الإنسان هي أفعال إلهية ، و هي خير محض ، مما يؤدى إلى التلاحم بين الفضائل و السعادة . و هكذا يكون الخير الأقصى . و هذا لا يتم إلا بالعلم و المعرفة و الاجتهاد و التدرج .
ملخص ما سبق ، يوضح أن الفضيلة وسط بين رذيلتين . مثلا ، الشجاعة ، وسط بين التهور و الجبن ، و كذلك الكرم وسط بين البخل و الإسراف .. و هكذا كل الفضائل الأخرى . قال تعالى : " و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ." الإسراء :(29) . و يقول تعالى : " فلما آتاهم من فضله بخلوا به و تولوا وهم معرضون ." التوبة :(76) . و يقول تعالى : " و الذين إذا انفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا وكان بين ذلك قواما ." الفرقان : (67) .
هذه الآيات الكريمة توضح أن البخل رذيلة و كذلك الإسراف رذيلة . و أن الفضل أن يكون الإنسان وسطا .و كان بين ذلك قواما . لهذا فان الإسلام دين الوسطية .
لهذا فان الفضيلة بهذا الفهم تؤدى إلى التناسق بين الدين و الدنيا ، وبين العلم و العمل و بين العبادة و المعاملات . و هذا التوازن هو الذي يؤدى إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا و الآخرة . أي السعادة المادية التي يطلبها الاقتصاديون و يسعى إليها كل الناس . في الدنيا . و كذلك يتحقق الرضا النفسي للمؤمن في نفس الوقت و هكذا تتحقق التنمية الاقتصادية المرجوة
3/المدينة الفاضلة :-
إن بناء المدينة الفاضلة أمر ليس بالسهل ولا البسيط ، لان ذلك يتطلب توفر خصائص معينة في القائد الذي يكون على راس هذه المدينة . كذلك أن يتوفر خصائص أيضا في المجتمع الذي يوجد في هذه المدينة .
و يقول الفارابي في هذا الخصوص . لابد أن تتوفر صفات معينة في حاكم المدينة الفاضلة و هذه الصفات هي (5) :-
- صفات المعرفة و حب العلم .
- جيد الحفظ لكل ما يقرا أو يسمع أو يدرك .
- جيد الفهم و التصور .
- أن يكون محبا للصدق و الأمانة و العدل .(1/15)
- أن يتسم بقوة العزيمة في العمل .
- أن يكون شجاعا .
- ألا يكون شرها و محبا للذات .
- أن يكون سليم الأعضاء .
- أن يكون قدوه حسنة لأمته . قال تعالى :" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيرا ." الأحزاب :(21) .
و الأسوة الحسنة لها تأثير كبير و مباشر و حقيقي على عواطف الناس وقلوبهم . كان سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم : " الصادق الأمين " قبل البعث و بعد البعث ، ولم يمنح هذا اللقب لأحد غيره .
و السؤال الجوهري هو : كيف يصل الناس إلى المستوى العملي لهذه الأسوة ؟
" في سورة الفاتحة : نقرا الإجابة على هذا السؤال . قال تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ، و لا الضالين .) الفاتحة : (6و7) .
و في التفسير ، الذين أنعمت عليهم بالأخلاق الفاضلة ، و عصمهم أن ينهجوا سبيل المغضوب عليهم . يقول تعالى : " وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ." النساء :(67 - 69) .
و لقد جاء الإسلام " يحثنا على التأسي بالأسوة الحسنة المحمدية ، كحد أقصى للسلوك الفاضل ، فلذا قصرنا دون بلوغ هذه الأسوة ، ذاك المثل الأعظم أو النهايات العظمى ، ليس معنى ذلك أننا لسنا – و في نظر الله تعالى - أناسا فاضلين . لا بل إن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها . و المؤمن يعمل حسب طاقته و الإمكانات المتاحة له زمانياً و مكانيا . و لكن عليه أن يجتهد دون ملل .فهو إن لم يبلغ مرتبه النبيين من حيث التطبيق فقد يبلغ مرتبه الصديقين ، وان عجز ، فقد يبلغ مرتبه الشهداء ، وان عجز عن بلوغ مرتبه الشهداء من حيث التطبيق فقد يبلغ مرتبه الصالحين و هي أدنى مرتبه من مرتبات درجات القربى الإلهي . " (6) .(1/16)
قال تعالى ::" و جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ... الآية ." البقرة : (143) .أي الأمة الفاضلة . و هي الأمة الإسلامية التي تستطيع عن طريق تطبيق شرع الله في الأرض وبين عباده تحقيق مجتمع الرفاهية الحقيقية .
ولقد حاول الغرب خلق أسطورة النهضة الأوربية ، و جعل أوربا المثالية التي تحتذى بها كل الدول ، و القدوة لكل العالم في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية . و في هذا قال قس أفريقي مخلص : " إن مأساة المسيحية في أفريقيا هي أنها تعطى انطباعا بان الله لم يتجسد في صورة إنسان ، و لكن في صورة رجل غربي ، حتى إن الرجل المسيحي في أفريقيا لديه شعور بأنه لكي يصبح مسيحيا يجب أن يكون ابيض ."(7) .
و بهذا الشكل القهري و المتعالي حاول الغرب فرض حضارته على العالم . و أن يرى صورة أوربا القديمة في الدول النامية . أو بمعنى آخر أن يتأسى كل الشعوب بتجارب الدول الاوربيه و ذلك قسرا شاء أم أبى . و ذلك عن طريق فرض نظامه الديمقراطي (السياسي ) ، و نظامه الاقتصادي و حتى آلاته الحربية و العسكرية .
4/الفضيلة عند الصوفية :-
اعتبر الصوفية أن الطريق إلى السعادة هو الطريق إلى الله جل و علا . و أنه بذلك اشرف الطرق . و هذا الطريق يتمثل في :-
ا) العلم :-
و هو العلم بالشريعة و العلم بماهية النفس ،" يقول الكلاباذي : في معرض تصنيفه لعلوم الصوفية ، هو معرفة علوم الأحكام الشرعية .. و سائر ما لا غناء به عنة من أمور المعاش و هذه علوم التعلم و الاكتساب .. و كذلك العلم بالنفس و هو مصدر الآثام لأنها مصدر الشهوة و الرغبة و يعرف حتى يجاهد الجهاد الأكبر ." (8)
ب) العمل :-(1/17)
و هو إتباع الصوفية لحياة الزهد في الدنيا . قال تعالى : من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوف إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ." هود :(15و 16) . و يقول تعالى : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب ." الشورى : (20) .
و ينبغي الإشارة إلى أن الزهد لا يعنى الفرار من الدنيا و لكن الإقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم : فيما سلك في هذه الدنيا في الأمور الحسيه و المعنوية دون إسراف و لا تبذير . و الأخذ بنصيب معقول من مباهج الدنيا و عدم التكالب عليها و على ملذاتها .
حواشي المبحث الثاني
(1) . أنجلو شيكوني ، أفلاطون و الفضيلة ، دار الجيل ، بيروت ، 1986 ، ص 64 .
(2) . المصدر السابق ، ص 24 .
(3) . د . محمد أبو ريان و آخرون ، دراسات في الفلسفة القديمة ، دار المعرفة ، الإسكندرية ، 1997 ، ص 181 .
(4) . د . جمال نصار ، مكانة الأخلاق في الفكر الإسلامي ، دار الوفاء ، 2004 ، ص182 - 183 .
(5) . د . جلال مدبولي ، تاريخ التفكير الاجتماعي ، غير منشور . ص 83 – 85 .
(6) . سليم الجابي ، نظرية جذور الأخلاق ، دار الجيل بيروت ، 1995 ، ص 119- 121.
(7) . روجيه جارودي ، كيف نصنع المستقبل ،دار الشروق ، 1999، ص 245
(8) . د . جمال نصار ، مصدر سبق ذكره ، ص 205- 207 .
المبحث الثالث
مجتمع الفضيلة في السودان
1/مقدمه :-
بعد تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان قامت الدولة بوضع خطه عشريه سميت بمسمى الاستراتيجية القومية الشاملة ، خلال الفترة 1992- 2002 . و تضمنت هذه الاستراتيجية جميع مجالات الحياة في السودان ، و بحكم أن السودان يطبق الشريعة الإسلامية كان أولى الخطط التي يجب وضعها و الاهتمام بها هي الجانب الأخلاقي و كيفية إقامة مجتمع الفضيلة . و من ثم كان الباب الأول يتحدث عن الأخلاق .(1/18)
2/الإطار الفكري للاستراتيجية :-
في الباب الأول من الاستراتيجية تم وضع الأصول التالية للنموذج الأخلاقي (1) :- و هذه الأصول هي على النحو الآتي :-
1/ مبدأ التوحيد . الذي هو ركن العبادة و شرطها و مبتدؤها .و هو أساس الحرية و المساواة بين البشر ، وهو المرجع الأخير لكل الأصول ، و المعيار الحاكم لكل السلوك القويم .
2/ مبدأ الجماعة . الفرد فيها للكل و الكل فيها للفرد ، كمثل الجسد الواحد .
3/ الكرامة الإنسانية . الناس خلفاء الذات العلية في الأرض . لا تمييز على أساس من الجنس أو اللون أو العرق .
4/ الفطرة السليمة . الناس يحبون الخير ، و المجتمع صالح .
5/ إرادة الإصلاح و النهى عن الإفساد في الأرض . وذلك بتقدير الفضل و الإحسان .
6/ العالمية و الإنسانية .
7/ القدوة الحسنة . بالقيادة الأخلاقية ، و لابد أن يصدقها السلوك .
8/ الصدق و الإخلاص .الاتساق السلوكي للأداء الفردي و الجماعي .
9/ وظيفية الأخلاق . كإطار للتنمية و سبيلا للرقى الاجتماعي ، و بناء الأمة و استجلاب نفعها .
10/ التجديد الأخلاقي .ترقية الأنموذج الأخلاقي و الاستفادة من تجارب الآخرين .
الأنموذج الأخلاقي :-
يقوم هذا النموذج على الأصول السابقة ، و ذلك لبناء مجتمع الفضيلة . و تحقيق مجتمع الفضيلة يحتاج إلى البيئة الصالحة لنمو الفرد الصالح في مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة و من ثم على مستوى الدولة .(1/19)
و ليس الأمر بهذه البساطة ولا هو أمر هين لان ذلك يحتاج إلى تغيير كبير و شامل لكل جوانب الحياة . في إطار الهدف و الهياكل لكبر تأثير الحضارة الغربية في حياة الناس فتره طويلة من الزمان ." و ما ينطبق على الدولة يسرى على الأجهزة التي تقوم بالشأن العام نيابة عن المجتمع . و الأنموذج الأخلاقي الذي تتوخاه هذه الاستراتيجية ينتظم أجهزة الحكم و السيادة و الأمن و الأجهزة الاقتصادية و الاجتماعية و أجهزة الإعلام و الثقافة و التربية و التعليم و أجهزة الحكم المحلى و المؤسسات الشعبية . كلها تتمثل قيما أخلاقية أوسع من أطرها القانونية تشكل في مجملها روح المجتمع العامة و تكون الدافع و الحافز لاستشراف الأهداف السامية (2) .
كما أشير إلى ذلك فان الأمر يتطلب جهدا كبيرا لأنه ليس بالأمر الهين و لا السهل أن يتم التغيير بين يوم وليله لان التغيير المطلوب كبير و جوهري سواء في إطار الهدف أو في إطار الهياكل لان البنوك مبنى الربا و التجارة الخارجية بنيت على أصول ربوية ، و أسلوب تفكير الناس أيضا تأثرت بالحضارة الغربية بصفه خاصة .
" باتساع سلطان المال و غلبته بدخول كثير من الأنشطة التي يقوم بها المجتمع تكافلا في إطار العمل الاقتصادي و التجاري حتى التعليم و الصحة و غيرها ، إضافة إلى تعاظم حاجات الناس و انقسام المجتمع إلى شرائح متخصصة . مما زاد مظاهر الاعتماد الجماعي . و رفع من شان العوامل الاقتصادية . و بزيادة حاجات المجتمعات و الدول إلى الإنفاق أصبح المال وسيله للتحكم ، وأصبح أرباب المال في وضع اقدر على توجيه السيطرة و توجيه السياسات . هذه الآثار فاقم منها النمط الاستهلاكي المعاصر الذي زاد من اعتماد الفرد و الجماعة على مراكز المال . تنفق الجماعة و الفرد أكثر من دخلها . فتستدين حتى تنتهي بفقدان إرادتها السياسية ." (3) .(1/20)
لهذا فان التغيير لابد أن : " يهدف إلى تحقيق تنميه اقتصاديه تقوم على رؤية و قدره نابعة من الإسلام و تنطوي على الرضي و الإشباع و العدالة . و هذا التغيير الحضاري الذي يسترشد بالقيم الدينية ، و أنماط السلوك القويم و العلاقات الاجتماعية العادلة التي ترتبط بقيم و مثل الأمة العليا . "(4) .
لابد أن يدرك الإنسان في السودان إن التنمية في ظل قيم الإسلام التي تقوم على أساس الأخلاق . تعنى السعادة الحقيقية للفرد و المجتمع في السودان . و بغير هذا الإدراك و من ثم التفاعل مع هذه القيم الدينية و الأخلاقية و آن يتعاطف الناس معها لا يمكن أن تتحقق التنمية الاقتصادية المستهدفة في هذه الاستراتيجية .
تطبيق الاستراتيجية من 1992 إلى 2002 م :-
استطاعت الدولة تحقيق الأهداف الآتية من خلال الاستراتيجية السابقة :
1/ في مجال التعليم :
عندما حكم المستعمر السودان خلال الفترة الممتدة بين 1890 و 1952 ." كان همه وضع نظام تعليم يلائم حاجات البلاد حسب رؤية الحكام .. أن أفضل سياسة تعليمية للسودان تتوافق مع المصالح الإمبريالية هي : تعليم السودانيين في اطر الوظائف التي تحتاجها دواوين الحكومة ." (5) .
و كانت مسالة تدريب عقول الأولاد و البنات على التفكير العلمي بعيده تماما عن دائرة تفكير كرومر ، نظرا إلى خشية النتائج السياسية المترتبة على التعليم ."(6) .
لهذا فان الدولة وضعت في الاستراتيجية القومية الشاملة بعض السياسات المهمة لتطوير التعليم في السودان منها (7) :-
- التوسع في التعليم في كل المراحل .
- استخدام اللغة العربية في الجامعات إلى أقصى حد ممكن .
- تعديل السلم التعليمي القديم بحيث يصبح السلم الجديد ثمانية سنوات للتعليم الأساس و ثلاث سنوات للتعليم الثانوي .
- تطوير المناهج الدراسية و التعليمية .
- التوسع الأفقي في عدد الجامعات ، خاصة الجامعات الإقليمية لخدمة هذه المناطق .(1/21)
و لقد نفذت الدولة هذه الخطط ، بالرغم وجود بعض المشاكل التي صاحبت تنفيذ هذه الخطط إلا أن التغيير كان مهما و مفيدا . و تسعى الدولة إلى إزالة هذه العقبات التي واجهت التنفيذ .
2/ في مجال الأسرة :-
قامت الدولة بتيسير الزواج عن طريق الزواج الجماعي الذي أنتظم البلاد كافة .
3/ في مجال سلوك الفرد :
- قامت الدولة بإزالة كل مظاهر الفساد الظاهرة التي كانت تشجع على ارتكاب المعصية ، مثل شرب الخمر و الزنا ...الخ . مما أدى إلى زيادة عدد الذين يرتادوا المساجد حتى في صلاة الصبح . و زاد مظاهر التمسك بالدين .
ما سبق كله هي محاوله من الدولة لتحقيق مجتمع الفضيلة بالاعتماد على الإنسان بصفه أساسية باعتباره مناط التكليف و هدف التنمية . و هكذا فان التركيز على التنمية البشرية و تطوير قدراتها و من ثم توظيفها و تشغيلها كان الهدف الأول للدولة :"و على ذلك لابد أن تركز السياسات على مفهوم التنمية الاجتماعية أو التنمية البشرية ذلك لان التنمية لابد أن تبدأ و تنتهي بالبشر و بمعارفهم اخذين في الاعتبار خصوصيتنا الحضارية مركزين في ذلك على راس مالنا الاجتماعي المعتمد على الثقة و التعاون و التكافل الذي يمكن اعتباره من أهم موارد التنمية ."(8) .
- كما قامت الدولة في مجال تزكية المجتمع ، عن طريق إزكاء العمل الدعوى و بناء مؤسسات تزكية المجتمع .
- تشجيع العمل الطوعي " و دمجه في خطة التنمية الاجتماعية الشاملة ، معتمدة في ذلك على جهود أفراد المجتمع و جماعاته و مؤسساته الطوعية ، و معنى ذلك أن تعبئة شامله لجهود المواطنين مدعومة من جانب الدولة هي السبيل التي سلكته الإنقاذ لمواجهة أعباء التغيير و التطوير و التنمية المحلية و الاجتماعية ."(9) .
4/ التنمية الاقتصادية :
لعد تحقيق التنمية البشرية في شكل الإنسان الفاضل كان لابد أن تتحقق الخصائص التالية للمجتمع السوداني كما سبق و أن تحققت في مجتمع المدينة المنورة :-(1/22)
1- نكران الذات :
و لقد تم تحقيق درجه من النجاح في هذا الأمر من خلال العمل الطوعي س . وهذا قد ساعد في تحقيق الأخوة الصادقة بين الناس ، قال تعالى في أهل المدينة : " و الذين تبوءوا الدار و الأيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ." الحشر: (9) . ويقول تعالى :"ولا يأتل أولوا الفضل منكم و السعه أن يؤتوا أولى القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل الله ، و ليعفوا و ليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، و الله غفور رحيم ." النور :(22) .
و من تعاليم الإسلام صدق الأخوة حيث لا يؤمن بصدق إلا إذا كان قلبه خاليا من الأنانية و الأثرة و حب الذات .
2- سوق المنافسة الكاملة :
قال تعالى :" محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ." الفتح :(29) .
يعنى أن الجميع متساوون في الالتزام بشرع الله و التوادد و التراحم فيما بينهم ، عليه لن يكون هناك سبب يؤدى إلى انحراف السوق عن الكمال .
في هذه الآية الكريمة زجر من الله للإنسان من أن يقول إذا أكرمه الله و تفضل عليه بالمال و وسع عليه رزقه ، هذا لأنه يستحق ذلك لأنه موضع التكريم . و هكذا فان القرآن أرسى الدعائم الخلقية للتعاون و التعامل بين الناس . عن أبى هريرة رضي الله عنة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » . تحفة 13070 ."(10) .
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال : اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة . و اتقوا الشح فان الشح اهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم و استحلوا محارمهم ."(11) .(1/23)
وكان ابرز مجالات التأصيل في النشاط الاقتصادي هي :-
- المصارف الإسلامية : -
وهكذا تم إلغاء التعامل بالربا و من ثم التعامل بالصيغ الإسلامية في تمويل التجارة والمعاملات المصرفية بصفه عامه مثل المضاربة و المشاركة و المرابحة ... و خلافه .
- قيام ديوان الزكاة و الوقف :
الزكاة من السياسات المالية المهمة في الإسلام للأسباب الآتية (12):
- الزكاة حق المال ، و هي عباده و واجب اجتماعي .
- الزكاة حق الجماعة في عنق الفرد لتكفل لطوائف منها كفايتهم أحيانا .
- يكره الإسلام الفقر و الحاجة للناس ، ليعفيهم ضرورات الحياة .
- يكره الإسلام أن تكون الفوارق بين أفراد الأمة ، بحيث جماعه تعيش في ترف و أخرى في شظف .
- يكره الإسلام أن يكون المال دولة بين الأغنياء في أمة .
لهذه المعاني شرع الزكاة و جعلها فريضة في المال .
قال تعالى :" و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله ." التوبة :(71) . عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، و من كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له
قال : فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل ."(13) .
وهكذا يتعاون المسلمون فيما بينهم ويتناصحون و يحبون بعضهم بعضا .
ملخص ما سبق أن السودان قام بمحاوله جادة لتطبيق شرع الله في البلاد في كافة مناحي الحياة لإقامة مجتمع الفضيلة و من ثم بناء دولة العلم و الإيمان . بالرغم من بعض الإخفاقات التي لازمت التجربة – قد تكون ناتجة من أسباب خارجية و ليست من عوامل داخليه - إلا أن المراجعة و الدراسة المستمرة لهذه التجربة يمكن أن تؤدى إلى الإصلاح و تطوير التجربة و المضي قدما في تحقيق مجتمع الفضيلة .
حواشى المبحث الثالث(1/24)
(1) . مركز الدراسات الاستراتيجية ، الاستراتيجية القومية الشاملة ، 1992 – 2002 م ، المجلد الأول ، سبتمبر 1992 ، ص 17 – 18 .
(2) . المصدر السابق ، ص 18 .
(3) . المصدر السابق ، ص 20 .
(4) . المصدر السابق ، ص 20 .
(5) . ا . د . محمد بشير عمر ، التعليم و مشكلة العمالة في السودان ، دار الجيل ، بيروت، 1980 ، ص 16 .
(6) . المصدر السابق ، ص 16 .
(7) . مركز الدراسات الاستراتيجية ، مصدر سبق ذكره ، ص 83 .
(8) . ا . د . محمد العوض جلال الدين ، إنجاز التنمية المستدامة و مناهضة الفقر ، بدون دار نشر ، بدون تاريخ ، ص 22 .
(9) . دائرة البحوث الاقتصادية و الاجتماعية ، وزارة العلوم و التقانة ، الوعد الحق ، الإصلاح السياسي و الاقتصادي في السودان 1989 – 2004 م ، مطابع السودان للعملة بنك السودان ، بدون تاريخ ، ص 155
(10) . صحيح البخاري ، كتاب الأدب . صحيح مسلم ، الحديث رقم (6418) .
(11) . صحيح مسلم ، كتاب البر و الصلة ، رقم (6471) .
(12) سيد قطب ، العدالة الاجتماعية ، دار الشروق ، 1995 ، ص 114–115 .
(13) . صحيح مسلم ، كتاب المغازي ، (4408) .
النتائج و التوصيات
أولاً : النتائج
1/ يطمح كثير من الناس أن يتمايزوا عن غيرهم باتباع شتى السبل . سواء بجمع المال أو بالحصول على الشهادات العلمية العالية . و لكن التمييز هو فضل الله على عباده يؤتيه من يشاء من عباده .
2/ مجاهدة النفس يرتقى بالإنسان إلى درجات المعرفة بالله ، ثم درجة الحقيقة و عندها و يتلاشى كل أنواع الحب في القلب إلا الحب لله سبحانه و تعالى .و بهذا يستحق فضل الله في الدنيا و الآخرة .
3/ فضل الله تعالى منة و هبه من الله لمن يشاء من عباده .
4/ مجتمع الفضيلة لا يمكن بناؤه إلا بتطبيق شرع الله ، و إقامة المؤسسات الاقتصادية و الاجتماعية و التعليمية التي تقوم على أساس القرآن الكريم و السنة النبوية .(1/25)
5/ وضع السودان استراتيجية لفترة عشره سنوات بهدف بناء مجتمع الفضيلة ، معتمدا في ذلك على تطبيق شرع الله ، و من ثم تم بناء المؤسسات التي تقوم على المبادئ الإسلامية مثل : المصارف الإسلامية ، و الدواوين و البيوتات المالية . كما أنشأت المؤسسات التعليمية و الدينية و الأخلاقية ، كما قامت بإزالة كل وسائل الفساد عن طريق إغلاق هذه الأماكن . واثر ذلك ظهر في زيادة عدد مرتادي المساجد ، وحل كثير من المشاكل الأسرية عن طريق بقاء الآباء في بيوتهم وقت اكبر .
6/ يتطلب الأمر إلى مواصلة تقويم التجربة و إجراء عمليات الاسترجاع حتى يمكن معه تلافي كل المعوقات التي صاحبت التجربة و المشاكل التي وقفت في سبيل مضى التجربة السودانية .
ثانيا : التوصيات
يوصى البحث بما يلي :-
1/ إقامة المراكز التي تعنى بعلوم القرآن و السنة و دعمها ماديا و معنويا بطريق مباشر من الدولة أو بطريق غير مباشر من المؤسسات الخيرية و الشعبية و الطوعية .
2/ التركيز على الدعوة و إصلاح المجتمع المسلم و توعية غير المسلمين بالإسلام و تعريفهم بأوضاعهم .
3/ الاهتمام بالتعليم و الأسرة و الفرد و الثقافة .(1/26)