التصحيف والتحريف
التصحيف والتحريف من الأمور الطارئة الَّتِيْ تقع في الْحَدِيْث سنداً أو متناً عِنْدَ بعض الرُّوَاة ، وَهُوَ من الأمور المؤدية إلى الاختلاف في الْحَدِيْث . فيحصل لبعض الرُّوَاة أوهام تقع في السند أَوْ في الْمَتْن بتغيير النقط أو الشكل أو الحروف .
وهذا النوع من الخطأ يسمى عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ بـ ( التصحيف والتحريف ) .
والتصحيف هُوَ : تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط (1) .
والتحريف : هُوَ العدول بالشيء عن جهته ، وحرَّف الكلام تحريفاً عدل بِهِ عن جهته ، وَقَدْ يَكُوْن بالزيادة فِيْهِ ، أو النقص مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُوْن بتبديل بعض كلماته ، وَقَدْ يَكُوْن بجعله عَلَى غَيْر المراد مِنْهُ ؛ فالتحريف أعم من التصحيف (2) .
ولابد من الإشارة إلى أن المتقدمين كانوا يطلقون المصحف والمحرف جميعاً عَلَى شيء واحد ، ولكن الحافظ ابن حجر جعلهما شيئين وخالف بينهما ، فَقَدْ قَالَ : (( إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كَانَ ذَلِكَ بالنسبة إلى النقط فالمصحف ، وإن كَانَ بالنسبة إلى الشكل فالمحرّف )) (3) .
وعلى هَذَا فالتصحيف هُوَ الَّذِيْ يَكُوْن في النقط ؛ أي في الحروف المتشابهة الَّتِيْ تختلف في قراءتها مثل : الباء والتاء والثاء ، والجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة ، والدال المهملة والذال المعجمة ، والراء والزاي .
__________
(1) تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ 1/39 .
(2) تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ 1/39 .
(3) نُزهة النظر : 127 ، وانظر : تدريب الرَّاوِي 2/195 ، وألفية السيوطي : 203 ، وتوضيح الأفكار 2/419 مع حاشية محيي الدين عَبْد الحميد .
وَقَالَ الدكتور موفق بن عَبْد الله في كتابه " توثيق النصوص " : 166 : (( وسبق الحافظ ابن حجر في هَذَا التفريق الإمام العسكري في كتابه " شرح ما يقع فِيْهِ التصحيف والتحريف " )) .(1/1)
ومعرفة هَذَا الفن من فنون علم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة (1)
__________
(1) ولأهمية هَذَا الفن من فنون علم الْحَدِيْث فَقَدْ صنف فِيْهِ العلماء عدة كَتَبَ مِنْهَا :
تصحيف العلماء : لأبي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُسْلِم بن قتيبة الدينوري ( ت 276 ه ) .
التنبيه عَلَى حدوث التصحيف : لحمزة بن الحسن الأصفهاني ( ت 360 ه ) ، وَهُوَ مطبوع .
التنبيهات عَلَى أغاليط الرُّوَاة : لأبي نعيم علي بن حمزة البصري ( ت 375 ه ) .
شرح ما يقع فِيْهِ التصحيف والتحريف : لأبي أحمد الحسن بن عَبْد الله العسكري ( ت 382 ه ) .
تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ : لأبي أحمد الحسن بن عَبْد الله العسكري ، وَهُوَ مطبوع .
تصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ : للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ ( ت 385 ه ) .
إصلاح خطأ الْمُحَدِّثِيْنَ : لأبي سليمان حمد بن مُحَمَّد الخطابي ( ت 388 ه ) .
الرد عَلَى حمزة في حدوث التصحيف : لإسحاق بن أحمد بن شبيب ( ت 405 ه ) .
متفق التصحيف : لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني ( ت 456 ه ) .
تلخيص المتشابه في الرسم ، وحماية ما أشكل مِنْهُ عن بوادر التصحيف والوهم : للخطيب البغدادي
( ت 463 ه ) .
تالي التلخيص : لأبي بكر أحمد بن علي الْخَطِيْب ( ت 463 ه ) .
مشارق الأنوار عَلَى صَحِيْح الآثار : لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي ( ت 544 ه ) .
ما يؤمن فِيْهِ التصحيف من رجال الأندلس : لأبي الوليد يوسف بن عَبْد العزيز المعروف بابن الدباغ
( ت 546 ه ) .
مطالع الأنوار : لأبي إسحاق إِبْرَاهِيْم بن يوسف بن إِبْرَاهِيْم المعروف بابن قرقول ( ت 569 ه ) .
التصحيف والتحريف : لأبي الفتح عثمان بن عيسى الموصلي ( ت 600 ه ) .
تصحيح التصحيف وتحرير التحريف : لخليل بن أيبك الصفدي ( ت 764 ه ) .
تحبير الموشين فِيْمَا يقال لَهُ بالسين والشين : للفيروزآبادي ( ت 817 ه ) .
التطريف في التصحيف لأبي الفضل السيوطي ( ت 911 ه ) .
التنبيه عَلَى غلط الجاهل والتنبيه : لابن كمال باشا ( ت 940 ه ) .
وَقَدْ ساق هَذِهِ الكتب ورتبها موفق بن عَبْد الله في كتابه " توثيق النصوص " : 174-178 .(1/2)
؛ وذلك لما فِيْهِ من
تنقية الأحاديث النبوية مِمَّا شابها في بعض الألفاظ سواء كَانَ في متونها أم في رجال أسانيدها .
وعندما كثر التصحيف والتحريف بَيْنَ الناس شرع الحفاظ من أهل الْحَدِيْث بتصنيف كتب : ( التصحيف والتحريف ) وكتب ( المؤتلف والمختلف ) (1)، وهذا الفن فن جليل لما يحتاج إِلَيْهِ من الدقة والفهم واليقظة ، وَلَمْ ينهض بِهِ إلا الحفاظ الحاذقون قَالَ
ابن الصَّلاَحِ : (( هَذَا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ )) (2) .
__________
(1) الْمُؤْتَلِف لغة : اسم فاعل من الائتلاف بمعنى الاجتماع والتلاقي ، وَهُوَ ضد النفرة ، قَالَ ابن فارس : الهمزة واللام والفاء أصل واحد يدل عَلَى انضمام الشيء إلى الشيء ، والأشياء الكثيرة أَيْضاً . مقاييس اللغة 1/131 (ألف)، وانظر: شرح علي القاري عَلَى النخبة:224، وتيسر مصطلح الْحَدِيْث: 208.
والمختلف لغة : اسم فاعل من الاختلاف ، وَهُوَ ضد الاتفاق ، يقال : تخالف الأمران ، واختلفا إذا لَمْ يتفقا . وكل ما لَمْ يتساوَ فَقَدْ تخالف واختلف . لسان العرب 9/91 ( خلف ) ، وانظر : شرح علي القاري عَلَى النخبة : 224 ، وتيسر مصطلح الْحَدِيْث : 208 .
والمؤتلف والمختلف في اصطلاح الْمُحَدِّثِيْنَ : هُوَ ما يتفق في الخط دون اللفظ . فتح المغيث 3/213 .
وَهُوَ فن مهم للغاية ، وفيه عدة مؤلفات سردها الدكتور موفق في كتابه " توثيق النصوص " : 183-194 فبلغ بِهَا ستين .
(2) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 252 ، وطبعتنا : 448 .(1/3)
والسبب في وقوع التصحيف والإكثار مِنْهُ إنما يحصل غالباً للآخذ من الصحف وبطون الكتب ، دون تلق للحديث عن أستاذ من ذوي الاختصاص ؛ لِذَلِكَ حذر أئمة الْحَدِيْث من عمل هَذَا شأنه ، قَالَ سعيد بن عَبْد العزيز التنوخي (1) : (( لا تحملوا العلم عن صحفي ، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي )) (2).
أقسام التصحيف
للتصحيف بحسب وجوده وتفرعه أقسام . ينقسم إِلَيْهَا وَهِيَ ستة أنواع :
القسم الأول : التصحيف في الإسناد :
مثاله : حَدِيْث شعبة ، عن العوام بن مراجم (3)، عن أبي عثمان النهدي (4)، عن عثمان بن عفان، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: (( لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها…الْحَدِيْث ))(5).
وَقَدْ صحف فِيْهِ يحيى بن معين ، فَقَالَ : (( ابن مزاحم )) – بالزاي والحاء – وصوابه : (( ابن مراجم )) – بالراء المهملة والجيم – (6).
ومنه ما رواه الإمام أحمد (7) ، من طريق شعبة ، قَالَ : حَدَّثَنَا مالك بن عرفطة
__________
(1) هُوَ سعيد بن عَبْد العزيز التنوخي الدمشقي : ثقة إمام ، لكنه اختلط في آخر أمره ، توفي سنة (167 ه) ، وَقِيْلَ : ( 163 ه ) ، وَقِيْلَ : ( 164 ه ) .
سير أعلام النبلاء 8/32 ، والكاشف 1/440 ( 1926 ) ، والتقريب ( 2358 ) .
(2) الجرح والتعديل 2/31 ، وتصحيفات الْمُحَدِّثِيْنَ 1/71 ، وشرح ما يقع فِيْهِ التصحيف : 13 ، والتمهيد 1/46 ، وفتح المغيث 2/232 .
(3) انظر : الإكمال 7/186 .
(4) بفتح النون وسكون الهاء . التقريب ( 4017 ) .
(5) أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في العلل 3/64-65 س287 ، وفي المؤتلف والمختلف 3/2078-2079 .
(6) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 252 ، وطبعتنا : 448 .
(7) في مسنده 6/244، وكذلك أخرجه الطيالسي (1538)، وإسحاق بن راهويه (1229) و (1249).(1/4)
– قَالَ (1) : وإنما هُوَ خالد بن علقمة – قَالَ : سَمِعْتُ عَبْد خير يحدّث ، عن عائشة ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أنه نهى عن : الدباء (2) ، والحنتم (3) ، والمزفت (4) )) .
وَقَدْ أخطأ الإمام شعبة بن الحجاج فصحف في هَذَا الاسم فَقَالَ : (( مالك بن عرفطة )) ، وصوابه: (( خالد بن علقمة )) كَمَا نبه عَلَى ذَلِكَ الإمام أحمد –كَمَا سبق–(5) وَقَدْ رَوَاهُ أبو عوانة ، عن شعبة ، فأخطأ فِيْهِ كذلك فِيْمَا أخرجه الْخَطِيْب في موضح أوهام الجمع والتفريق (6).
ثُمَّ رجع إلى الصواب فِيْمَا أخرجه عَنْهُ الْخَطِيْب في " تاريخ بغداد " (7) وَقَالَ :
(( عن شعبة ، عن خالد بن علقمة ، عن عَبْد خير ، بِهِ )) .
القسم الثاني : التصحيف في الْمَتْن :
__________
(1) القائل هُوَ : عبد الله بن الإمام أحمد راوي المسند عن أبيه .
(2) الدباء:القرع،واحدها دُباءة،كانوا ينتبذون فِيْهَا فتسرع الشدة في الشراب،وتحريم الانتباذ في هَذِهِ الظروف كَانَ في صدر الإِسْلاَم ثُمَّ نسخ،وَهُوَ المذهب،وذهب الإمام مالك وأحمد إلى بقاء التحريم. النهاية 2/96.
(3) الحنتم: جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فِيْهَا إلى الْمَدِيْنَة ، ثُمَّ اتسع فِيْهَا فقيل للخزف كله حنتم ، واحدها حنتمة ؛ وإنما نهي عن الانتباذ فِيْهَا لأنها تسرع الشدة فِيْهَا لأجل دهنها. وَقِيْلَ : لأنها كانت تعمل من طين يعجن بالدم والشعر فنهي عَنْهَا من عملها . والأول أوجه . النهاية 1/448 .
(4) المزفت : هُوَ الإناء الَّذِيْ طلي بالزفت ، وَهُوَ نوع من القار ثُمَّ انتبذ فِيْهِ . النهاية 2/304 .
(5) وكذا نبه عَلَى هَذَا الوهم في " علله " برواية ابنه 2/33-34 .
(6) 2/61 .
(7) تاريخ بغداد 7/400 .(1/5)
ومثاله حَدِيْث أنس مرفوعاً: (( ثُمَّ يخرج من النار من قَالَ : لا إله إلا الله ، وَكَانَ في قلبه من الخير ما يزن ذرة )) (1).
قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( قَالَ فِيْهِ شعبة : (( ذُرَةً )) – بالضم والتخفيف – ونسب فِيْهِ إلى التصحيف )) (2)
ومثّل ابن الصَّلاَحِ لتصحيف الْمَتْن بمثال آخر فَقَالَ : (( وفي حَدِيْث أبي ذر :
(( تعين الصانع )) ، قَالَ فِيْهِ هشام بن عروة – بالضاء المعجمة – وَهُوَ تصحيفٌ ، والصواب ما رواه الزهري: (( الصانع )) – بالصاد المهملة – (3) ضد الأخرق (4)
__________
(1) أخرجه أحمد 3/116 و173 و276، وعبد بن حميد (1173)، والبخاري 1/17 ( 44 ) و 9/149
( 7410 ) ، ومسلم 1/125 ( 193 ) ( 325 ) ، وابن ماجه ( 4312 ) ، والترمذي ( 2593 ) .
(2) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 253 ، وفي طبعتنا : 450 .
(3) قَالَ الحافظ العراقي في شرح التبصرة :2/296 ، وطبعتنا 2/423 : (( وكقول هشام بن عروة في حَدِيْث أبي ذر : (( تعين ضايعاً )) بالضاد المعجمة ، والياء آخر الحروف ، والصواب بالمهملة والنون )) ، ومثله في تدريب الرَّاوِي 2/114 .
وهذا جزء من حَدِيْث أخرجه البخاري 3/188 ( 2518 ) ، ومسلم 1/62 ( 84 ) من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي مُراوح ، عن أبي ذر ، قَالَ : قلت : يا رَسُوْل الله … وفيهما : (( تعين صانعاً ))، وعند مُسْلِم أَيْضاً بلفظ : (( فتعين الصانع )) ، هكذا في الأصول المطبوعة لـ " الصحيحين ": ( (صانعاً ) – بالصاد المهملة والنون – ومثل ذَلِكَ في مسند الحميدي ( 131 ) ، ومسند الإمام أحمد 5/150 و5/171 ، وفي فتح الباري 5/148 : (( ضائعاً )) ، وفي عمدة القارئ 13/79 : ( (ضايعاً )) . وانظر تفصيل ذَلِكَ في شرح مُسْلِم للنووي 1/271 ، وفتح الباري 5/149 ، وعمدة القاري 13/80 .
(4) الأخرق : هُوَ الَّذِيْ ليس بصانع ولا يحسن العمل ، يقال : رجل أخرق : لا صنعة لَهُ ، والجمع خرق
– بضم ثُمَّ سكون – وامرأة خرقاء ، كذلك . انظر : فتح الباري 5/149 .(1/6)
)) (1).
القسم الثالث : تصحيف البصر :
وَهُوَ سوء القراءة بسبب تشابه الحروف والكلمات وهذا يحصل في الأعم لِمَنْ يأخذ من الصحف دون تلقٍ .
مثاله: ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إِلَيْهِ بإسناده عن زيد بن ثابت: (( أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في المسجد )) قَالَ ابن الصَّلاَحِ: (( إنما هُوَ بالراء: (( احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فِيْهَا )) (2) فصحّفه ابن لهيعة ؛ لكونه أخذه من
كتاب بغير سَمَاع )) (3).
وَقَالَ الإمام مُسْلِم : (( هَذِهِ رِوَايَة فاسدة من كُلّ جهة . فاحشٌ خطؤها في الْمَتْن والإسناد ، وابن لهيعة المصحف في متنه ، المغفل في إسناده )) (4).
وَقَدْ وصف السخاوي تصحيف البصر بأنه الأكثر (5).
القسم الرابع : تصحيف السمع :
ويحدث بسبب تشابه مخارج الكلمات في النطق فيختلط الأمر عَلَى السامع فيقع في التصحيف أَوْ التحريف .
نحو حَدِيْث لـ : (( عاصم الأحول )) ، رَوَاهُ بعضهم فَقَالَ : (( عن واصل
الأحدب )) وَقَدْ ذَكَرَ الإمام الدَّارَقُطْنِيّ أنَّهُ من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( كأنه ذهب – والله أعلم – إلى أن ذَلِكَ مِمَّا لا يشتبه من حَيْثُ الكتابة ، وإنما أخطأ فِيْهِ سمع من رَوَاهُ )) (6) .
القسم الخامس : تصحيف اللفظ
__________
(1) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 254 ، وفي طبعتنا : 45 .
(2) أخرجه البخاري 8/34 (6113) ، ومسلم 2/188 (781) ، وفي التمييز (57) ، وأخرجه البخاري أَيْضاً 1/186 (731) و 9/117 (7290) ، ومسلم 2/188 (781) بلفظ : (( اتخذ حجرة )) .
(3) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 449 .
(4) التمييز : 140 .
(5) فتح المغيث 3/71 .
(6) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 256 ، وفي طبعتنا : 453 .(1/7)
ومثاله ما ورد عن الدَّارَقُطْنِيّ : أن أبا بكر الصولي (1) أملى في الجامع حَدِيْث أبي أيوب : (( من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال )) (2) ، فَقَالَ فِيْهِ : (( شيئاً ))
– بالشين والياء – (3) .
قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( تصحيف اللفظ وَهُوَ الأكثر )) (4) .
القسم السادس : تصحيف المعنى دون اللفظ :
__________
(1) هُوَ محمد بن يحيى بن عَبْد الله بن العباس بن محمد بن صول، أبو بكر المعروف بالصولي، كَانَ أحد العلماء بفنون الآداب، حسن الْمَعْرِفَة بأخبار الملوك وأيام الخلفاء، ومآثر الأشراف، وطبقات الشعراء ، توفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة.. انظر: تاريخ بغداد 3/427 ، ومعجم الأدباء 19/109 ، والسير 15/301 .
والصولي : بضم الصاد المهملة ، وفي آخرها اللام ، هَذِهِ النسبة إلى صول ، وهم اسم لبعض أجداده . الأنساب 3/572 .
(2) حَدِيْث أبي أيوب : أخرجه الطيالسي (594) ، وعبد الرزاق (7918) ، والحميدي (381) و(382) ، وابن أبي شيبة (9723) ، وأحمد 5/417 و419 ، وعبد بن حميد (228) ، والدارمي (1761) ، ومسلم 3/169(1164) ، وأبو داود(2433) ، وابن ماجه(1716) ، والترمذي(759) ، والطحاوي في شرح المشكل (2337) و(2338) ، وابن حبان (3634) ، والبيهقي 4/392 ، والبغوي (1780).
(3) تاريخ بغداد 3/431 ، ومعرفة أنواع علم الْحَدِيْث : 255 ، وفي طبعتنا : 452 .
(4) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 256 ، وفي طبعتنا : 453 .(1/8)
مثاله: قَوْل مُحَمَّد بن المثنى (1): (( نحن قوم لنا شرف، نحن من عَنَزة )) (2) قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( يريد ما روي : (( أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عنزة )) (3) فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم ، وإنما العنزة هاهنا حربة نصبت بَيْنَ يديه فصلى إليها )) (4) .
__________
(1) هُوَ مُحَمَّد بن المثنى بن عبيد العنَزي –بفتح النون والزاي– أبو موسى البصري المعروف بالزمن: ثقة ثبت توفي (252ه). تهذيب الكمال 5/493 (6170) ، والكاشف 2/214 (5134) ، والتقريب(6264).
(2) بفتح العين المهملة والنون . انظر : الأنساب 4/221 ، وتاج العروس 15/248 .
(3) هَذِهِ إشارة إلى حَدِيْث ورد عن جَمَاعَة من الصَّحَابَة . انظر مثلاً : مسند الإمام أحمد 4/308 ، وصحيح البخاري 2/25 ( 973 ) ، وصحيح مُسْلِم 2/55 ( 501 ) ( 246 ) ، وابن ماجه ( 1304 ) .
(4) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 254-255 ، وفي طبعتنا : 451 ، وانظر في معنى العنزة : الصحاح 3/887 ، وتاج العروس 15/247 .(1/9)
الكشف عن الاختلاف
الكشف عن الاختلافات الحديثية الواقعة في الأسانيد والمتون ليس بالأمر الهيّن اليسير ، بَلْ هُوَ أمر شاق للغاية ، ولا يتمكن لَهُ إلا من رزقه الله فهماً واسعاً واطلاعاً كبيراً . ومعرفة الاختلافات الواقعة في المتون والأسانيد لا يمكن الوصول إليها إلا بجمع الطرق والنظر فِيْهَا مع الْمَعْرِفَة التامة بالرواة والشيوخ والتلاميذ ، وكيفية تلقي التلاميذ من الشيوخ والأحوال والوقائع وطرق التحمل وكيفية الأداء من أجل مَعْرِفَة الخطأ من الصواب وكيفية وقوع الخلل والخطأ في الرِّوَايَة . وهذا يستدعي جهداً جهيداً ، قَالَ الحافظ ابن حجر : (( هَذَا الفن أغمض أنواع الْحَدِيْث وأدقها مسلكاً ، ولا يقوم بِهِ
إلا مَنْ منحه الله تَعَالَى فهماً غائصاً ، واطلاعاً حاوياً وإدراكاً لمراتب الرواة ومعرفة
ثاقبة )) (1) .
وَقَالَ ابن رجب الحنبلي : (( حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كُلّ واحد مِنْهُمْ ، لَهُمْ فهم خاص يفهمون بِهِ أن هَذَا الْحَدِيْث يشبه حَدِيْث فُلاَن ، ولا يشبه حَدِيْث فُلاَن فيعللون الأحاديث بِذَلِكَ )) (2) .
ويشترط فيمن يتكلم في العلل ويكشف عن اختلافات المتون والأسانيد أن يَكُوْن ملماً بالروايات مطالعاً للكتب واسع البحث كثير التفتيش ، لذا قَالَ ابن رجب الحنبلي : (( ولابدَّ في هَذَا العلم من طول الممارسة ، وكثرة المذاكرة ، فإذا عدم المذاكرة بِهِ فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين كيحيى القطان ، ومن تلقى عَنْهُ كأحمد وابن المديني(3)
__________
(1) النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/711 .
(2) شرح علل الترمذي 2/861 .
(3) هُوَ علي بن عَبْد الله بن جعفر السعدي ، أبو الحسن البصري ، إمام العلل الناقد الهمام ، قَالَ البخاري :
(( ما استصغرت نفسي عِنْدَ أحد إلا عِنْدَ علي بن المديني )) ، له : " العلل " ، توفي سنة (234 ه ) .
الجرح والتعديل 6/193 ، وتهذيب الكمال 5/269 (4685) ، وتاريخ الإِسْلاَم وفيات سنة (234 ه) : 276 فما بعدها(2/1)
وغيرهما ، فمن رزق مطالعة ذَلِكَ ، وفهمه وفقهت نفسه فِيْهِ وصارت لَهُ فِيْهِ قوة نفس وملكة ، صلح لَهُ أن يتكلم فِيْهِ )) (1) . ويشترط فيمن يريد الكشف عن الاختلافات الحديثية أن يعرف الأسانيد الصحيحة والواهية . والثقات الذِيْن ضعفوا في بعض شيوخهم ، والثقات الَّذِيْنَ تقوّى أحاديثهم بروايتهم عن بعض الشيوخ ؛ لأنه مدار الترجيح وبه يعرف تعيين الخطأ من الصَّحِيْح .
وبالإمكان تنظير نقاط ندرك من خلالها الاختلافات سواء أكانت في المتون أم في الأسانيد ، يستطاع من خلالها كشف الوهم والاختلافات ، وكيفية التعامل مع ذَلِكَ تصحيحاً أَوْ تضعيفاً وكما يأتي :
أولاً. مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِ الإسناد من الرُّوَاة (2) :
إنّ مَعْرِفَة من يدور عليهم الإسناد من الرُّوَاة المكثرين الَّذِيْنَ يكثر تلامذتهم وتتعدد مدارسهم الحديثية ، فِيْهِ فائدة عظيمة لناقد الْحَدِيْث الَّذِيْ من همه مَعْرِفَة الاختلافات وكيفية التوفيق بينها ؛ لأن هَذَا يعطي صورة واضحة للأسانيد الشاذة أَوْ المنكرة ، واختلاف الناقلين عن ذَلِكَ المصدر .
وإنا نجد علماء الْحَدِيْث الأجلاء يهتمون بهذا أيما اهتمام ، فَقَدْ سأل عَبْد الله بن الإمام أحمد (3)
__________
(1) شرح علل الترمذي 2/664 .
(2) الْحَدِيْث المعلل : 50 .
(3) هُوَ عَبْد الله بن أحمد بن حَنْبَل الشيباني ، أبو عَبْد الرحمان البغدادي ، مولده سنة ( 213 ه ) ، قَالَ الْخَطِيْب : كَانَ ثقة ثبتاً فهماً ، وَهُوَ راوي المسند والمسائل عن أبيه ، توفي سنة ( 290 ه ) .
تاريخ بغداد 9/375 ، والمنتظم 6/39 ، وتهذيب الكمال 4/84 ( 3145 ) .(2/2)
أباه: (( أيما أثبت أصحاب الأعمش ؟ فَقَالَ:سُفْيَان الثوري أحبهم إليَّ ، قلت لَهُ : ثُمَّ من ؟ فَقَالَ : أبو معاوية (1) في الكثرة والعلم – يعني : عالماً بالأعمش – قلت لَهُ : أيما أثبت أصحاب الزهري ؟ فَقَالَ : لكل واحد مِنْهُمْ علة إلا أن يونس (2) وعقيلاً (3) يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة (4)، وليس هم مثل معمر ، معمر يقاربهم في الإسناد . قلت : فمالك ؟ قَالَ : مَالِك أثبت فِي كُلّ شيء … )) (5) .
وَقَدْ اهتم الإمام عَلِيّ بن المديني بهذا الباب ، فذكر فِي علله من يدور عَلَيْهِمْ
__________
(1) هُوَ مُحَمَّد بن خازم أبو معاوية الكوفي الضرير ، عمي وَهُوَ صغير : ثقة من أحفظ الناس لحديث الأعمش، وإذا حدّث عن غيره وهم ، توفي سنة ( 195 ه ) .
التاريخ الكبير 1/74 ( 191 ) ، ونكت الهميان : 247 ، والتقريب ( 5841 ) .
(2) هُوَ يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد مولى آل أبي سفيان،أحد الأثبات عن الزهري وغيره ، مات في سنة ( 159 ه ) .
الجرح والتعديل 9/247 ، والكاشف 2/404 (6480) ، وتهذيب التهذيب 11/450.وقارن بتقريب التهذيب ( 7919 ) .
(3) هُوَ عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي ، أبو خالد الأموي مولاهم ، روى عن الزهري فأجاد ، قَالَ يونس بن يزيد : ما أحد أعلم بحديث الزهري من عقيل ، توفي سنة ( 142 ه ) .
الكامل في التاريخ 5/528 ، وسير أعلام النبلاء 2/301 ، وتهذيب التهذيب 7/255 .
(4) هُوَ شعيب بن أَبِي حمزة – واسم أبيه دينار – الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي : ثقة عابد ، قَالَ ابن معين : هُوَ مثل عقيل ويونس في الزهري ، مات سنة (162ه) عَلَى الأصح .
الجرح والتعديل 4/344 ، ومشاهير علماء الأمصار : 182 ، وتهذيب الكمال 3/396 ( 2733 ) .
(5) العلل للإمام أحمد برواية عَبْد الله 1/382-383 ( 2451 ) .(2/3)
الإسناد (1)، وبهذا الاهتمام البالغ استطاع الْعُلَمَاء مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِمْ الإسناد ، ومَنْ أَكْثَر الناسُ عَنْهُمْ جمعاً ورواية ، وَقَدْ طبقوا هَذَا المنهج عَلَى الرُّوَاة كافة حَتَّى تعرَّفوا عَلَى أوثق النَّاس فِيْهِ وأدناهم ، كَمَا ثبَّتوا حماد بن سَلَمَة (2) فِي ثابت
البناني (3)، وهشام بن حسان (4) في ابن سيرين (5) . وهذه الأمور تعين الناقد عَلَى مَعْرِفَة الاختلافات ، ثُمَّ كيفية الترجيح والتوفيق بَيْنَ الروايات .
ثانياً. مَعْرِفَة الرُّوَاة (6) :
__________
(1) انظر : العلل ، لابن المديني : 36-39 .
(2) هُوَ حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة البزاز . وَهُوَ ابن أخت حميد الطويل ، قَالَ ابن معين : أثبت الناس في ثابت البناني حماد بن سلمة ، توفي سنة ( 167 ه ) .
الطبقات الكبرى 7/282 ، وتاريخ الإسلام وفيات سنة (167 ه ) :144 ، وبغية الوعاة 1/548 .
(3) هُوَ ثابت بن أسلم البناني – وبنانة بطن من العرب – أبو مُحَمَّد البصري : ثقة كَانَ من أعبد أهل البصرة، أدرك عدداً من الصَّحَابَة ولازم أنس بن مالك وأكثر عنه ، توفي سنة ( 127 ه ) ، وَقِيْلَ : (126 ه) . الأنساب 1/418 ، وتهذيب الكمال 1/402 ( 797 ) ، وتقريب التهذيب ( 810 ) .
(4) هُوَ هشام بن حسان الأزدي أبو عَبْد الله البصري ، الإمام محدث البصرة ، قَالَ ابن المديني : هشام أثبت من خالد الحذّاء في ابن سيرين ، توفي سنة ( 146 ه ) وَقِيْلَ : ( 147 ه ) .
تاريخ خليفة : 424 ، وتهذيب الكمال 7/397 ( 7167 ) ، وسير أعلام النبلاء 6/355 .
(5) هُوَ مُحَمَّد بن سيرين بن أبي عمرة الأنصاري أبو بكر البصري: ثقة ثبت عابد فقيه ، كَانَ مولى لأنس بن مالك ، ولد في خلافة عثمان أدرك عدة من الصَّحَابَة ، مات سنة (110 ه ) .
الْمَعْرِفَة والتاريخ 2/54 ، وتذكرة الحفاظ 1/73 ، والنجوم الزاهرة 1/268 .
(6) الْحَدِيْث المعلل : 50 .(2/4)
وهذه النقطة تتفرع إلى صور :
أ. مَعْرِفَة وفيات الرُّوَاة ومواليدهم : وهذه الصورة لها خصيصة كبيرة ؛ إِذْ بمعرفة الولادة والوفاة تتضح صورة اتصال التلميذ بالشيخ ، وإمكانية المعاصرة من عدمها .
ب. مَعْرِفَة أوطان الرُّوَاة : وهذه الصورة لها أَيْضاً خصيصة عالية إذ إن بعض الرُّوَاة ضُعِّفُوا في روايتهم عن بعض أصحاب المدن خاصة كَمَا في إسماعيل بن عياش فهو
غاية في الشاميين (1)، مخلط عن المدنيين (2) ، وَقَالَ الْحَاكِم في " مَعْرِفَة علوم
الْحَدِيْث " (3) : (( الكوفيون إذا رووا عن المدنيين زلقوا )) .
ج. مَعْرِفَة شيوخ الرُّوَاة وتلاميذهم (4) : وهذه الصورة لها أهمية بالغة ؛ إذ بِهَا يعرف السند المتصل من المنقطع من المدلس.ويستطاع من خلال ذَلِكَ التمييز بَيْنَ المجملين(5)في السند.
__________
(1) قَالَ إمام الصنعة مُحَمَّد بن إسماعيل البُخَارِيّ : (( إنما حَدِيْث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام )) . الجامع الكبير للترمذي 1/175 عقيب ( 131 ) .
(2) انظر : الكاشف 1/249 ( 400 ) . وتقدم الْحَدِيْث عَنْهُ .
(3) الصفحة : 115 .
(4) الْحَدِيْث المعلل : 51 .
(5) المجمل: هُوَ أن يَكُوْن في السند راوٍ يروي عن شيخ ولا يصرح باسم أبيه أَوْ بلقبه أو ما يميزه من غيره من الرُّوَاة الَّذِين رووا عن هَذَا الشيخ ، وَقَدْ عقد الذهبي فصلاً بديعاً في التمييز بَيْنَ السفيانيين والحمادين= =وغيرهما في كتابه " السير " 7/463-467 ، وهذا ما رأيناه في تعريفنا للمجمل وقارن في ذَلِكَ الإحكام في أصول الأحكام ، لابن حزم 1/42 ، والتعريفات ، للجرجاني : 114 .(2/5)
د. مَعْرِفَة السابق واللاحق من الرُّوَاة (1) : وحقيقته مَعْرِفَة من اشترك في الرِّوَايَة عَنْهُ راويان متقدم ومتأخر تباين وقت وفاتيهما تبايناً شديداً فحصل بينهما أمد بعيدٌ ، وإن كَانَ المتأخر منهما غَيْر معدود من معاصري الأول وذوي طبقته (2) . ومعرفة هَذَا النوع من علوم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة حَتَّى لا يظن انقطاع ما ليس بمنقطع ولا يجعل الصواب خطأً .
ه. مَعْرِفَة الثقات ودرجاتهم ومراتبهم وضبطهم وأيهم الَّذِيْ يقدم عِنْدَ الاختلاف (3) : وهذا الأمر مهم للغاية ومن خلاله يتم الترجيح بَيْنَ الرُّوَاة .
و. مَعْرِفَة المتشابه من الأسماء وكذا الكنى : وهذا الأمر لَهُ أهمية بالغة في مَعْرِفَة الاختلافات . ومن خلال مَعْرِفَة المتشابه يتنبه الناقد إلى عدم الخلط بَيْنَ الرُّوَاة إِذْ قَدْ تتفق الأسماء ويختلف الشخص وعدم الْمَعْرِفَة والتمييز يؤدي إلى الخلط .
ز. لابد من مَعْرِفَة من اشتهر بالتدليس من الرُّوَاة : وكذلك من يرسل ، وكذا من ضعِّف حديثه لآفة صحية أَوْ تَغَيَّرَ اوِ اختلط (4) .
ثالثا. جمع الأبواب (5) :
__________
(1) الْحَدِيْث المعلل : 52 .
(2) انظر : مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 286 طبعة نور الدين ، وطبعتنا : 424 ، وانظر في هَذَا النوع من علوم الْحَدِيْث : الإرشاد 2/640-642 ، والتقريب : 171 ، وفي طبعتنا : 235 ، واختصار علوم الْحَدِيْث: 205 ، والشذا الفياح 2/570-572 ، ومحاسن الاصطلاح: 491 ، والمقنع 2/547-548 ، وشرح التبصرة والتذكرة طبعة دار الكتب العلمية 3/101 ، وفي طبعتنا 2/193، ونُزهة النظر : 162 وطبعة عتر : 62 ، وفتح المغيث 3/183-186 ، وتدريب الرَّاوِي 2/262-263 ،وفتح الباقي 2/232 ، وتوضيح الأفكار 2/480-481 .
(3) الْحَدِيْث المعلل : 52 .
(4) الْحَدِيْث المعلل : 53 .
(5) الْحَدِيْث المعلل : 54 .(2/6)
لا يمكن للبصير الناقد أن يكشف عن الاختلافات ويقارن بينها إلا بَعْدَ جمع طرق حَدِيْث الباب والموازنة والمقارنة والنظر الثاقب ، قَالَ علي بن المديني : (( الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه )) (1).
... ... ... ... ... ... ... ... ...
الدكتور
ماهر ياسين الفحل ...
... ... ... ... ... ... العراق /الأنبار/الرمادي/ص .ب 735
... ... ... ... ... ... al-rahman@uruklink.net ... ... ... ... ... ...
__________
(1) الجامع لأخلاق 2/212 ( 1641 ) .(2/7)
المضطرب
أخرج الإمام أحمد (1) ، وابن خزيمة (2) ، والخطيب في تاريخه (3) من طريق : روح (4) ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابن جريج (5) ، قَالَ : أخبرني عَبْد الله بن مُسافع (6) ، أن مصعب بن شَيْبَة (7) أخبره ، عن عُقْبَة بن مُحَمَّد بن الحارث (8)، عن عَبْد الله بن
__________
(1) في المُسْنَد 1/204 .
(2) في صَحِيْحه (1033) .
(3) تأريخ بغداد 3/53 وحصل في هذِهِ الطبعة سقط في هَذَا الموضع، نبه عَلَيْهِ ناشر طبعة دار الغرب4/86.
(4) هُوَ روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي ، أبو مُحَمَّد البصري : ثقة فاضل ،توفي سنة (205 ه)، وَقِيْلَ : ( 207 ه ) . سير أعلام النبلاء 9/402 ، ومرآة الجنان 2/23 ، والتقريب ( 1962 ) .
(5) هُوَ عَبْد الملك بن عَبْد العزيز بن جريج ، ثِقَة ، وَقَدْ سبقت ترجمته .
(6) هُوَ عَبْد الله بن مسافع بن عَبْد الله بن شيبة بن عثمان العبدري المكي ، الحجبي : سكت عَنْهُ المزي والذهبي وابن حجر ، توفي سنة ( 99 ه ) .
تهذيب الكمال 4/283 ( 3550 ) ، والكاشف 1/597 ( 2978 ) ، والتقريب ( 3611 ) .
(7) هُوَ مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة العبدري المكي الحجبي : لين الْحَدِيْث .
تهذيب الكمال 7/121 ( 6578 ) ، والكاشف 2/267 ( 5465 ) ، والتقريب ( 6691 ) .
(8) هكذا في هَذَا السَّنَد :((عُقْبَة)) ، وَالصَّوَاب : عتبة ، كَمَا سماه حجاج شيخ الإمام أحمد ، وَقَدْ قَالَ الإمام أحمد – فِيْمَا نقله عَنْهُ المزي في تهذيب الكمال 5/98 :(( و أخطأ فِيهِ روح ، إنما هُوَ عتبة )). وَقَالَ ابن خزيمة (1033):(( هَذَا الشَّيْخ يختلف أصحاب ابن جريج في اسمه ، قَالَ حجاج بن مُحَمَّد
وعَبْد الرزاق : عن عتبة بن مُحَمَّد وهذا الصَّحِيْح حسب علمي )). وَقَدْ قَالَ عَنْهُ النسائي : عتبة لَيْسَ بمعروف ، وَقَالَ ابن عيينة: (( أدركته لَمْ يَكُنْ بِهِ بأس )). انظر:التأريخ الكبير للبخاري 6/523(3192). وتهذيب الكمال 5/98 (4373) .(3/1)
جَعْفَر(1)، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ:(( من شك في صلاته ، فليسجد سجدتين ، وَهُوَ جالس)). فهذا الحَدِيْث اختلف في لفظه الأخير ، فَقَدْ أخرجه النَّسَائِيّ (2) من طريق حجاج (3) وروح مقرونين ، عن ابن جريج ، عن عَبْد الله بن مسافع ، عن مصعب بن شَيْبَة ، عن عتبة بن مُحَمَّد ، عن عَبْد الله بن جَعْفَر ، بِهِ : قَالَ النَّسَائِيّ : (( قَالَ حجاج : (( بعدما يسلم )) ، وَقَالَ روح : (( وَهُوَ جالس )) ))(4).
__________
(1) هُوَ عَبْد الله بن جعفر بن أبي طَالِب الهاشمي ، أحد الأجواد ، ولد بأرض الحبشة ، وله صحبة ، توفي سنة (80 ه) ، وَقِيْلَ : توفي سنة ( 90 ه ) .
تهذيب الأسماء واللغات 1/263 ، وتهذيب الكمال 4/101 ( 3190 ) ، والتقريب ( 3251 ) .
(2) المجتبى 3/30 ، و الكبرى (1174) .
(3) هُوَ حجاج بن مُحَمَّد المصيصي الأعور ، أبو مُحَمَّد ، ترمذي الأصل ، نزل بغداد ثُمَّ المصيصة : ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قَبْلَ موته ، توفي سنة ( 206 ه ) .
تهذيب الكمال 2/64-65 ( 1112 ) ، والكاشف 1/313 ( 942 ) ، والتقريب ( 1135 ) .
(4) المجتبى 3/30 ، و الكبرى عقيب (1174) .(3/2)
وأخرجه النَّسَائِيّ (1) أيضاً من طريق الوليد بن مُسْلِم وعبد الله بن المبارك فرّقهما؛ كلاهما (الوليد ، وابن المبارك) عن ابن جريج ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسافع ، عن عتبة (2) بن مُحَمَّد ، عن عَبْد الله بن جَعْفَر (3)، بِهِ بلفظ : (( بعدما يسلم )) ، وَفِي بعضها : (( بَعْدَ التسليم )) . أخرجه أحمد (4) ، وأبو دَاوُد (5) ، و النَّسَائِيّ (6) ، و البَيْهَقِيّ (7) ، والمزي(8) من طريق حجاج ، و أخرجه أحمد (9) عن روح .
كلاهما ( حجاج وروح ) عن ابن جريج ، عن عَبْد الله بن مسافع ، عن مصعب ابن شَيْبَة ، عن عتبة بن مُحَمَّد ، عن عَبْد الله بن جَعْفَر، به بلفظ: (( بعدما يسلم )) وَفِي بعضها : (( بَعْدَ أن يسلم )).
فهذا الحَدِيْث اضطرب في لفظه:(( وَهُوَ جالس)) . ويفهم مِنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ التسليم ، والرِّوَايَة الأخرى : (( بعدما يسلم )).
__________
(1) المجتبى 3/30 ، والكبرى (593) و (1171).
(2) في المجتبى (عُقْبَة) وَفِي الكبرى ( عتبة ) وانظر مَا سبق .
(3) هَذَا السَّنَد لَيْسَ فِيهِ ذكر :(( مصعب بن شَيْبَة )) .
(4) في المُسْنَد 1/205 .
(5) في سننه (1033) .
(6) في المجتبى 3/30 وَفِي الكبرى (1173) .
(7) في السُّنَن الكبرى 2/336 .
(8) في تهذيب الكمال 4/283(3550) .
(9) في المُسْنَد 1/205-206.(3/3)
المقبول .
المقبول لغةً : ضد المردود ، وهو المأخوذ المرضي (1) .
وهو بنفس المعنى في اصطلاح المحدثين ، قال الحافظ ابن حجر : (( المقبول : وهو ما يجب العمل به عند الجمهور )) (2) .
هذا فيما يخص الحديث : نعني متنه ، أما لفظة : (( المقبول )) من حيث إطلاقها كحكم على أحد رجال السند ، فتختلف تبعاً لاختلاف مناهج الأئمة النقاد في جرح الرواة وتعديلهم ، واختلاف اصطلاحاتهم بخصوص هذا .
إلا أن الذي يهمنا من هذا معناها عند الحافظ ابن حجر ، وهو أمر ميسور لنا إذ أن الحافظ بيّن مراده فقال : (( السادسة : مَن ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله ، وإليه الإشارة بلفظ : مقبول ، حيث يتابع ، وإلا فلين الحديث )) (3)
من هذا يتضح أن الحافظ ابن حجر يضع ثلاثة شروط للمقبول عنده وهي :
1 – قلة الحديث .
2 – عدم ثبوت ما يترك حديث الراوي من أجله .
3 – المتابعة .
فالأصل في المقبول عند الحافظ أنه ضعيف ، إذ (( لين الحديث )) من ألفاظ التجريح (4) ، فإذا توبع الراوي رفعته المتابعة إلى مرتبة القبول ، فالمتابعة شرط لارتقاء الراوي من الضعف إلى القبول عند الحافظ ابن حجر ، و (( المقبولية )) أول درجات سلّم القبول بمعناه الأعم .
ولكن ينبغي لنا أن لا نَغْفل عن أن الحافظ ابن حجر يضع أصلاً آخر للمقبول عنده ، وهو كونه (( قليل الحديث )) ، وهنا سؤال يطرح نفسه : لماذا قلة الحديث ؟
__________
(1) لسان العرب ( 11 / 540 ) مادة ( قبل ) .
(2) نزهة النظر ( ص 71 ) مع نكت علي الحلبي .
(3) تقريب التهذيب ( 1 / 24 طبعة مصطفى ) .
(4) أنظر : شرح التبصرة والتذكرة ( 2 / 12 ) . فقد جعلها من المرتبة الخامسة .(4/1)
نقول : إن الراوي إذا كان قليل الحديث كان من السهل عليه ضبط حديثه وإتقان حفظه ، إلا أنه لم يكن ذا شهرة تجعله محط رحال المحدثين ، فيشتهر بينهم وتنطلق ألسنتهم بمدحه والثناء عليه ، أو ذمه والحط منه ، لذا بقي هذا الراوي دائراً في فلك خاص به ، فليس هو بالحافظ المشهور فيرتقي إلى مصافهم وليس بالضعيف المعروف فينزل إلى سننهم ، ولما كان هو خالياً عن كل حكم من النقاد ، وكان حديثه قليلاً ليس فيه ما يدل على خطئه ، وتوبع على أحاديثه القليلة ، خرج عن حيز الضعف ، وصار إلى مرتبة القبول ، فإذا اختل شرط من هذه الشروط عدنا إلى الأصل فيه وهو الضعف . ولذا كان من منهجه – رحمه الله – أن الراوي إذا كان بهذه الصورة ، إلا أنه قد وجد جرح لأحد النقاد فيه قُدِّمَ الجرح ؛ لأنه صار بمثابة مرجح لأحد الطرفين (1) .
والشيء الملاحظ على هؤلاء الرواة المقبولين عند الحافظ ابن حجر ، أن كثيراً منهم وصف بالجهالة ، وهذه فائدة عزيزة يجب التنبه لها ، إذ الغالب على هؤلاء – كما سبق – عدم الشهرة ، لذا فإن كل راوٍ منهم لم يكن له نصيب وافر من التلامذة الذين حدثوا عنه ، وكثير منهم لم يكن له إلا راوٍ واحد ، فوصف أحد من الأئمة لأحد هؤلاء الرواة بـ ( الجهالة ) لا يقدح في اشتراطنا : عدم ثبوت ما يترك حديثه لأجله .
__________
(1) أنظر : لسان الميزان ( 1 / 15 ، 16 ) ، ونزهة النظر ( ص 193 ) .(4/2)
وهذا المنحى من الحافظ قائم على أساس تصحيحه لاختيار أبي الحسن القطان في أن من زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبلَ وإلا فلا (1). خلافاً للقاعدة المشهورة عند جمهور المحدثين في اشتراط راويين لرفع الجهالة (2) فإذا انتفى التعديل عدنا بالراوي إلى الأصل فيه وهو جهالته ، وقد نص الحافظ على هذا ، فقال في مقدمة التقريب : (( التاسعة : مَن لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق ، وإليه الإشارة بلفظ : مجهول )) (3) ، فتعديل واحد من النقاد لهؤلاء " الوحدان " – كما هو معروف في اصطلاح أهل الحديث – قائم عند الحافظ مقام الراوي الثاني ، المشترط عند الجمهور في رفع الجهالة .
فإذا علمنا هذا وجب علينا أن نجعل اصطلاح الحافظ نصب أعيننا إذا ما رمنا تعقبه ، وكذلك الحال مع كل إمام له اصطلاح على أمر خاص به ، ولا يصح بحال من الأحوال محاكمته إلى غيرها ، وإن كانت قواعد مشهورة قال بها الجمهور ، وإلا كان هذا من باب المشاحة في الاصطلاح ، وهي مسألة غير مقبولة عند الجميع .
وهذا الفهم الصحيح السديد – إن شاء الله – كان حظه الغياب من ذهن المحررين ، لذا نجدهما تخبطا إزاء الموقف ممن يقول فيه الحافظ : (( مقبول )) فتارة يوثقانه ، وأخرى يجهلانه ، وثالثة يصفاه بالصدوق الحسن الحديث ورابعة يضعفانه ، فكان هذا الموقف المتصلب من الحافظ وأحكامه من أدل الأدلة على أن المحررين لم يكونا ذوي منهج واحد ، متصف بالأصالة والإنصاف ، فكانت النتيجة أن جاء تحريرهما مشحوناً بألوان التناقض ، ويتضح لك هذا جلياً من خلال الإحصائية الآتية :
__________
(1) أنظر : بيان الوهم والإيهام ( 4 / 139 و 285 ) ، تدريب الراوي ( 1 / 317 ) وشرح ألفية العراقي في الحديث للسيوطي ( ص 245 ) .
(2) أنظر : الكفاية ( ص 150 ) .
(3) تقريب التهذيب ( 1 / 25 ) .(4/3)
1 – من قال فيه الحافظ ابن حجر : (( مقبول )) . وقالا : (( حسن الحديث )) أو : (( صدوق حسن الحديث )) ، ومجموع هذا ( 260 ) ترجمة ، وإليك أرقامها في تحريرهما :
11 ، 19 ، 525 ، 713 ، 753 ، 764 ، 809 ، 851 ، 857 ، 931 933 ، 995 ، 996 ، 1094 ، 1107 ، 1205 ، 1327 ، 1368 1448 ، 1664 ، 1694 ، 1797 ، 1786 ، 1874 ، 1832 ، 1905 1949 ، 2005 ، 2023 ، 2053 ، 2173 ، 2193 ، 2211 ، 2310 2375 ، 2385 ، 2596 ، 2693 ، 2731 ، 2751 ، 2880 ، 2882 2886 ، 2912 ، 2956 ، 3016 ، 3167 ، 3174 ، 3244 ، 3261 3273 ، 3321 ، 3362 ، 3368 ، 3386 ، 3423 ، 3451 ، 3595 3599 ، 3610 ، 3685 ، 3689 ، 3719 ، 3732 ، 3752 ، 3785 3802 ، 3818 ، 3845 ، 3864 ، 3916 ، 3920 ، 3970 ، 3988 4019 ، 4026 ، 4037 ، 4038 ، 4071 ، 4072 ، 4089 ، 4097 4112 ، 4135 ، 4153 ، 4155 ، 4173 ، 4177 ، 4202 ، 4207 4220 ، 4226 ، 4243 ، 4265 ، 4284 ، 4302 ، 4304 ، 4337 4338 ، 4383 ، 4441 ، 4460 ، 4474 ، 4475 ، 4487 ، 4499 4505 ، 4514 ، 4524 ، 4533 ، 4538 ، 4556 ، 4567 ، 4572 4749 ، 4780 ، 4788 ، 4824 ، 4852 ، 4868 ، 4879 ، 4921 4930 ، 4931 ، 4938 ، 4970 ، 5005 ، 5029 ، 5047 ، 5058 5166 ، 5216 ، 5225 ، 5245 ، 5289 ، 5293 ، 5304 ، 5313 5330 ، 5339 ، 5349 ، 5356 ، 5359 ، 5436 ، 5442 ، 5519 5525 ، 5527 ، 5560 ، 5562 ، 5571 ، 5587 ، 5599 ، 5608 5619 ، 5622 ، 5626 ، 5825 ، 5832 ، 5858 ، 5915 ، 5920 5928 ، 5929 ، 5960 ، 5991 ، 5994 ، 6012 ، 6024 ، 6047 6063 ، 6073 ، 6119 ، 6205 ، 6212 ، 6278 ، 6350 ، 6500 6581 ، 6582 ، 6640 ، 6649 ، 6650 ، 6653 ، 6659 ، 6660 6670 ، 6679 ، 6739 ، 6746 ، 6757 ، 6778 ، 6803 ، 6817 6822 ، 6836 ، 6888 ، 6922 ، 6924 ، 6926 ، 6950 ، 6965 6983 ، 6991 ، 7015 ، 7025 ، 7039 ، 7043 ، 7060 ، 7090 7167 ، 7168 ، 7281 ، 7284 ، 7339 ، 7377 ،(4/4)
7448 ، 7506 7547 ، 7553 ، 7597 ، 7621 ، 7673 ، 7693 ، 7732 ، 7739 7742 ، 7746 ، 7765 ، 7771 ، 7787 ، 7832 ، 7857 ، 7944 7947 ، 7956 ، 7983 ، 8070 ، 8073 ، 8092 ، 8106 ، 8132 8137 ، 8168 ، 8180 ، 8229 ، 8230 ، 8232 ، 8233 ، 8252 8287 ، 8295 ، 8349 ، 8366 ، 8379 ، 8452 ، 8551 ، 8578 8680 ، 8729 .
2 – من قال فيه الحافظ ابن حجر : (( مقبول )) . وقالا عنه : (( مجهول )) أو (( مجهول الحال )) ، ومجموع ذلك ( 657 ) ترجمة ، وإليك أرقامها :(4/5)
22 ، 40 ، 462 ، 555 ، 647 ، 651 ، 656 ، 672 ، 719 ، 787 806 ، 815 ، 843 ، 848 ، 855 ، 860 ، 863 ، 892 ، 901 914 ، 949 ، 972 ، 983 ، 986 ، 997 ، 1013 ، 1023 ، 1066 1074 ، 1096 ، 1108 ، 1143 ، 1148 ، 1155 ، 1157 ، 1170 1171 ، 1283 ، 1294 ، 1297 ، 1298 ، 1307 ، 1328 ، 1362 1386 ، 1387 ، 1402 ، 1409 ، 1413 ، 1466 ، 1482 ، 1522 1535 ، 1539 ، 1540 ، 1569 ، 1573 ، 1574 ، 1595 ، 1598 1621 ، 1665 ، 1758 ، 1771 ، 1782 ، 1792 ، 1819 ، 1829 1833 ، 1838 ، 1860 ، 1910 ، 1922 ، 1929 ، 1931 ، 1951 1998 ، 2000 ، 2006 ، 2012 ، 2021 ، 2058 ، 2065 ، 2079 2089 ، 2091 ، 2094 ، 2108 ، 2109 ، 2119 ، 2135 ، 2137 2141 ، 2142 ، 2164 ، 2167 ، 2168 ، 2182 ، 2187 ، 2188 2203 ، 2244 ، 2256 ، 2257 ، 2268 ، 2271 ، 2301 ، 2324 2341 ، 2357 ، 2364 ، 2371 ، 2383 ، 2392 ، 2407 ، 2428 2440 ، 2452 ، 2454 ، 2481 ، 2483 ، 2525 ، 2537 ، 2548 2567 ، 2569 ، 2579 ، 2585 ، 2586 ، 2607 ، 2673 ، 2679 2707 ، 2708 ، 2717 ، 2760 ، 2784 ، 2786 ، 2800 ، 2804 2812 ، 2823 ، 2827 ، 2835 ، 2840 ، 2856 ، 2858 ، 2868 2875 ، 2876 ، 2878 ، 2883 ، 2895 ، 2899 ، 2900 ، 2903 2906 ، 2924 ، 2926 ، 2957 ، 2958 ، 2964 ، 2979 ، 2981 3006 ، 3031 ، 3049 ، 3107 ، 3119 ، 3124 ، 3166 ، 3240 3243 ، 3249 ، 3254 ، 3267 ، 3294 ، 3314 ، 3316 ، 3334 3340 ، 3349 ، 3351 ، 3355 ، 3367 ، 3372 ، 3398 ، 3426 3428 ، 3432 ، 3433 ، 3453 ، 3460 ، 3463 ، 3480 ، 3483 3494 ، 3496 ، 3503 ، 3507 ، 3509 ، 3514 ، 3517 ، 3559 3561 ، 3566 ، 3584 ، 3597 ، 3612 ، 3618 ، 3642 ، 3644 3647 ، 3655 ، 3663 ، 3681 ، 3716 ، 3725 ، 3769 ، 3772 3777 ، 3787 ، 3805 ، 3817 ، 3837 ، 3841 ، 3863 ، 3870 3871 ، 3872 ، 3884 ، 3889 ، 3894 ، 3899 ، 3904 ، 3908 3912 ، 3951 ، 3955 ، 3957 ، 3975(4/6)
، 3976 ، 3979 ، 3998 4003 ، 4004 ، 4052 ، 4076 ، 4084 ، 4093 ، 4123 ، 4128 4157 ، 4188 ، 4203 ، 4212 ، 4222 ، 4232 ، 4250 ، 4311 4333 ، 4340 ، 4342 ، 4352 ، 4363 ، 4381 ، 4391 ، 4396 4405 ، 4406 ، 4413 ، 4420 ، 4447 ، 4453 ، 4454 ، 4456 4465 ، 4470 ، 4486 ، 4512 ، 4557 ، 4570 ، 4581 ، 4596 4607 ، 4609 ، 4610 ، 4611 ، 4619 ، 4632 ، 4637 ، 4658 4659 ، 4676 ، 4683 ، 4712 ، 4746 ، 4767 ، 4772 ، 4774 4778 ، 4782 ، 4789 ، 4822 ، 4825 ، 4827 ، 4831 ، 4854 4869 ، 4899 ، 4901 ، 4916 ، 4932 ، 4957 ، 4985 ، 4987 4998 ، 5000 ، 5006 ، 5018 ، 5023 ، 5027 ، 5037 ، 5038 5056 ، 5061 ، 5068 ، 5069 ، 5076 ، 5080 ، 5116 ، 5124 5149 ، 5151 ، 5173 ، 5176 ، 5193 ، 5257 ، 5261 ، 5264 5279 ، 5316 ، 5324 ، 5352 ، 5353 ، 5363 ، 5386 ، 5414 5464 ، 5467 ، 5478 ، 5480 ، 5493 ، 5500 ، 5516 ، 5563 5592 ، 5595 ، 5612 ، 5623 ، 5634 ، 5654 ، 5659 ، 5662 5672 ، 5699 ، 5702 ، 5746 ، 5838 ، 5839 ، 5857 ، 5879 5891 ، 5941 ، 5946 ، 5955 ، 5959 ، 6000 ، 6004 ، 6008 6015 ، 6026 ، 6037 ، 6041 ، 6042 ، 6059 ، 6061 ، 6096 6099 ، 6102 ، 6111 ، 6147 ، 6148 ، 6155 ، 6166 ، 6191 6240 ، 6273 ، 6280 ، 6283 ، 6292 ، 6317 ، 6406 ، 6428 6431 ، 6438 ، 6447 ، 6449 ، 6450 ، 6452 ، 6462 ، 6514 6515 ، 6518 ، 6522 ، 6532 ، 6536 ، 6546 ، 6556 ، 6560 6568 ، 6569 ، 6578 ، 6585 ، 6592 ، 6593 ، 6618 ، 6630 6631 ، 6636 ، 6639 ، 6645 ، 6651 ، 6654 ، 6668 ، 6677 6680 ، 6697 ، 6711 ، 6717 ، 6731 ، 6754 ، 6780 ، 6786 6792 ، 6810 ، 6831 ، 6841 ، 6847 ، 6865 ، 6866 ، 6881 6891 ، 6892 ، 6902 ، 6906 ، 6913 ، 6914 ، 6919 ، 6928 6961 ، 6974 ، 6981 ، 6990 ، 7008 ، 7012 ، 7041 ، 7052 7058 ، 7085 ، 7091 ، 7096 ، 7101 ، 7102 ، 7106 ، 7117 7134 ، 7138(4/7)
، 7142 ، 7156 ، 7169 ، 7171 ، 7188 ، 7191 7214 ، 7229 ، 7267 ، 7272 ، 7310 ، 7313 ، 7326 ، 7331 7335 ، 7342 ، 7351 ، 7353 ، 7354 ، 7363 ، 7409 ، 7410 7415 ، 7441 ، 7458 ، 7459 ، 7460 ، 7476 ، 7533 ، 7567 7595 ، 7596 ، 7609 ، 7611 ، 7613 ، 7615 ، 7666 ، 7691 7692 ، 7705 ، 7750 ، 7757 ، 7768 ، 7800 ، 7814 ، 7827 7838 ، 7846 ، 7848 ، 7850 ، 7863 ، 7879 ، 7884 ، 7910 7927 ، 7929 ، 7930 ، 7932 ، 7933 ، 7935 ، 7936 ، 7938 7942 ، 7954 ، 7969 ، 7977 ، 7982 ، 8012 ، 8014 ، 8017 8018 ، 8028 ، 8039 ، 8043 ، 8045 ، 8050 ، 8058 ، 8060 8071 ، 8084 ، 8089 ، 8100 ، 8101 ، 8121 ، 8123 ، 8124 8125 ، 8135 ، 8139 ، 8148 ، 8153 ، 8159 ، 8170 ، 8171 8173 ، 8177 ، 8181 ، 8189 ، 8200 ، 8202 ، 8210 ، 8216 8240 ، 8243 ، 8247 ، 8255 ، 8264 ، 8268 ، 8279 ، 8306 8309 ، 8313 ، 8320 ، 8325 م ، 8363 ، 8365 ، 8368 8369 ، 8392 ، 8400 ، 8401 ، 8405 ، 8409 ، 8420 ، 8427 8430 ، 8432 8438 ، 8446 ، 8478 ، 8483 ، 8484 ، 8486 8493 ، 8530 ، 8533 8549 ، 8559 ، 8560 ، 8566 ، 8569 8570 ، 8579 ، 8580 8582 ، 8583 ، 8587 ، 8589 ، 8596 8603 ، 8610 ، 8626 8649 ، 8656 ، 8664 ، 8677 ، 8679 8681 ، 8682 ، 8685 8692 ، 8697 ، 8698 ، 8700 ، 8706 8714 ، 8733 ، 8736 8745 ، 8746 ، 8749 ، 8750 ، 8759 8766 ، 8767 ، 8769 8774 ، 8776 .
3 – من قال فيه الحافظ : (( مقبول )) . وقالا عنه : (( ضعيف )) أو : (( ضعيف يعتبر به )) ، ومجموع ذلك ( 20 ) ترجمة ، وإليك أرقامها :
857 ، 880 ، 922 ، 929 ، 741 ، 1802 ، 1370 ، 1571 ، 1640 1643 ، 1671 ، 1881 ، 1997 ، 2180 ، 2803 ، 3187 ، 3748 4530 ، 4574 ، 5964 .
4 – من قال فيه الحافظ ابن حجر : (( مقبول )) . وقالا عنه : (( مستور )) وذلك ترجمتان : 1301 ، 1309 .(4/8)
5 – من قال فيه الحافظ : (( مقبول )) . وقالا عنه : (( ثقة )) أو : (( ثقة له مناكير )) أو : (( ثقة له أفراد )) ، ومجموع ذلك ( 27 ) ترجمة ، وإليك أرقامها :
256 ، 360 ، 413 ، 774 ، 1419 ، 1626 ، 1722 ، 1009 2351 ، 2773 ، 3050 ، 3154 ، 5091 ، 5329 ، 5485 ، 6323 6396 ، 6678 ، 6759 ، 6814 ، 6880 ، 6911 ، 6929 ، 6946 7015 ، 7036 ، 7056 .
وخلاصة هذا المبحث :
إن مجموع هذه التراجم البالغ تعدادها ( 1139 ) ترجمة ، لا يرد منها شيء على الحافظ ابن حجر البتة ؛ وذلك لأن المحررين بنيا أساس استدراكهما عليه بمحاكمته إلى غير اصطلاحه ، وهي عملية في غاية الضعف ، والثاني أن الحافظ قد بين منهجه في الكتاب ، فمن استشكل شيئاً منه فإنما هو لقصورٍ في فهمه ، لا لتقصير الحافظ ، فالتعقب عليه بهذا النحو : تسويد أوراق لا طائل تحته ، ولم نشأ تعقب المحررين في كل ترجمة مما ذكر خشية الإطالة ، وتضخم الكتاب ، وهذه ومثيلاتها جعلت المحررين يفرحان بازدياد العدد وتكاثره من أجل الحط من صنيع الحافظ ابن حجر ، ولكن يأبى الله إلا أن يحق الحق . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الدكتور ماهر ياسين الفحل(4/9)
المقلوب
المقلوب : اسم مفعول من ( قَلَبَ ) ، ومعناه : تحويل الشيء عن وجهه ، وقَلَبَه يَقلِبُه قَلْباً ، وَقَدْ انقلب وقَلَب الشيء وقَلَّبه .
تقول : قلبت الشيء فانقلب : إذا كببته ، وقلّبه بيده تقليباً ، وكلام مقلوب : ليس عَلَى وجهه ، والقَلْبُ : صرفك إنساناً تَقْلِبُه عن وجهه الَّذِيْ يريد ، وقلّب الأمور : بحثها ونظر في عواقبها ، ومنه قوله تَعَالَى : { وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ } (1) ، وتَقلَّب في الأمور والبلاد : تصرف فِيْهَا كيفما شاء ، وفي التنْزيل : { فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ } (2) .
وَقَالَ ابن فارس : (( القاف واللام والباء أصلان صحيحان : أحدهما يدل عَلَى خالص الشيء وشريفه ، والآخر عَلَى ردِّ شيء من جهة إلى جهة )) .
ومنه المثل العربي : (( (( أَقْلِبْ قَلاّب )) يضرب لِمَنْ تفرط مِنْهُ سقطة ، فيتلافاها بقلبها إلى غَيْر معناها )) (3) .
أما في الاصطلاح : فهو الْحَدِيْث الَّذِيْ أبدل فِيْهِ راويه شَيْئاً بآخر في السند أو في الْمَتْن عمداً أو سهواً (4) .
__________
(1) التوبة : 48 .
(2) غافر : 4 . وانظر : الصحاح 1/205 ، ولسان العرب 1/479 ، والنكت الوفية 190/ب ، وتاج العروس 4/68 ( قلب ) .
(3) انظر : المستقصى في أمثال العرب 1/286 ( 1220 ) .
(4) أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء : 311 .
وانظر في المقلوب :
مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 91 ، وفي طبعتنا: 208 ، والإرشاد 1/266-272 ، والتقريب: 86-87 وفي طبعتنا : 128 ، والاقتراح:236، والمنهل الروي : 53 ، والخلاصة : 76 ، والموقظة : 60 ، واختصار علوم الْحَدِيْث : 87 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/282 ، وطبعتنا 1/319 ، ونزهة النظر : 125 ، والمختصر : 136 ، وفتح المغيث 1/253 ، وألفية السيوطي: 69-72 ، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي : 225 ، وفتح الباقي 1/282 ، وتوضيح الأفكار 2/98 ، وظفر الأماني : 405 ، وقواعد التحديث : 230 .(5/1)
العلاقة بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي :
نلاحظ أن معنى القلب متوافر في المعنى الاصطلاحي ، فهو في اللغة تغيير الشيء عن وجهه ، فسميَ بِهِ هَذَا الفعل في الاصطلاح فكأن الرَّاوِي قلب الْحَدِيْث وأخرجه عن وجهه الصَّحِيْح ، عمداً كَانَ فعله أم سهواً .
المطلب الثاني : أنواعه
القلب يقع تارة في الْمَتْن وتارة في السند وتارة فيهما ، وعليه فيمكننا جعله عَلَى ثلاثة أنواع (1) :
الأول : القلب في الْمَتْن .
الثاني : القلب في الإسناد .
الثالث : القلب في الْمَتْن والإسناد .
النوع الأول : القلب في المتن
وَهُوَ أن يقع الإبدال في متن الْحَدِيْث لا في سنده ، وَهُوَ قسمان (2) :
الأول : أن يبدل في متن الْحَدِيْث بالتقديم والتأخير :
بحيث يَكُوْن التغيير إما بتقديم جملة عَلَى جملة ، أو كلمة عَلَى جملة ، فإما أن يزيد لفظاً من خارج الْحَدِيْث فهو مدرج لا مقلوب .
مثاله : ما روي من طريق علي بن عثمان اللاحقي(3) ، عن حماد بن سلمة ، عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كَانَ قبلكم اختلافهم عَلَى أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه ما استطعتم )) (4) .
__________
(1) انظر : شرح التبصرة والتذكرة 1/319 طبعتنا فما بعدها ، ونزهة النظر : 125-126 ، وفتح الباقي 1/297 طبعتنا ، وتوجيه النظر 2/577 .
(2) انظر : حاشية مُحَمَّد محيي الدين عَلَى توضيح الأفكار 2/101 .
(3) هُوَ عَلِيّ بن عثمان بن عَبْد الحميد اللاحقي الرقاشي : ثقة ، توفي (229ه ) .
الجرح والتعديل 6/196 ، والثقات 8/465 .
(4) هَذِهِ الرِّوَايَة عِنْدَ الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 2736 ) .(5/2)
فهذا الْحَدِيْث مقلوب في متنه . والذي تفرد بقلبه عن حماد بن سلمة هُوَ علي بن عثمان اللاحقي، إذ روي هَذَا الْحَدِيْث من طريق وكيع(1)،وعبد الرحمان بن مهدي(2) كلاهما عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كَانَ قبلكم بسؤالهم، واختلافهم عَلَى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فاتبعوه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )) فالصواب الرِّوَايَة الثانية ، وتابع حماد بن سلمة عَلَى الرِّوَايَة الثانية عن مُحَمَّد بن زياد : شعبة (3)، والربيع بن مُسْلِم(4) القرشي(5) فرووه عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة برواية الثانية .
__________
(1) عِنْدَ أحمد 2/447 .
(2) عِنْدَ أحمد 2/467 .
(3) عِنْدَ ابن الجعد(1172)، وإسحاق بن راهويه (91)، وأحمد 2/456، ومسلم 7/91 (1337)(131).
(4) هُوَ الربيع بن مُسْلِم القرشي الجمحي ، أبو بكر البصري : ثقة ، توفي سنة ( 167 ه ) .
تهذيب الكمال 2/465 ( 1856 ) ، والكاشف 1/392 ( 1540 ) ، والتقريب ( 1901 ) .
(5) عِنْدَ إسحاق بن راهويه ( 60 ) ، وأحمد 2/508 ، ومسلم 4/102 ( 1337 ) ( 412 ) ، والنسائي 5/110 وفي الكبرى ، لَهُ ( 3598 ) ، وابن خزيمة ( 2508 ) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار
( 1472 ) ، وابن حبان ( 3704 ) ( 3705 ) ، والدارقطني 2/281 ، والبيهقي 4/326 .(5/3)
كَمَا أن علي بن عثمان اللاحقي قَدْ قلب الإسناد والمتن في موقع آخر فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث عن حماد بن سلمة ، عن أيوب وهشام ، عن مُحَمَّد بن سيرين ، عن أبي هُرَيْرَة برواية الأولى المقلوبة الْمَتْن فَقَدْ خالف هنا وكيعاً ، وعبد الرحمان بن مهدي اللذِيْنَ روياه عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة ، برواية الثانية كما مَرَّ، فعلي بن عثمان خالف هنا من هم أحفظ مِنْهُ عدداً وحفظاً أَيْضاً وخالفهم هنا في السند والمتن، كَمَا أن هَذَا الْحَدِيْث لَمْ يروَ من طريق مُحَمَّد بن سيرين ، عن أبي هُرَيْرَة ، إلا من رواية علي بن عثمان، فَقَدْ روي من عدة تابعين عن أبي هُرَيْرَة وليس فِيْهِمْ مُحَمَّد بن سيرين(1)
__________
(1) إذ روي من طريق مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا تقدم تخريجه .
وروي من طريق أَبي سلمة بن عَبْد الرحمان وسعيد بن المسيب كَمَا أخرجه مُسْلِم 7/91 ( 1337 )
( 130 ) ، والطحاوي في شرح المشكل ( 548 ) ( 551 ) ( 552 ) ، عن أبي سلمة وحده وروي من طريق أبي صالح عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه أحمد 2/355 و 495 ، ومسلم 7/91 (1337) (131) ، وابن ماجه (1) و (2) ، والترمذي ( 2679 ) ، والطحاوي في شرح المشكل ( 554 ) ( 553 ) .=
= وروي من طريق الأعرج عن أَبِي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه مالك في الموطأ ( 996 ) برواية مُحَمَّد بن الحسن الشيباني ، والشافعي في المسند ( 1802 ) بتحقيقنا ، والحميدي ( 1125 ) ، وأحمد 2/258 ، والبخاري 9/116 ( 7288 ) ، ومسلم 7/91 ( 1337 ) ( 131 ) ، وأبو يعلى ( 6305 ) ، والطحاوي في شرح المشكل ( 549 ) ( 550 ) ، وابن حبان ( 18 ) ( 19 ) ( 20 ) ( 21 ) .
وروي من طريق الحارث عم الحارث بن عَبْد الرحمان بن عَبْد الله ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه أبو يعلى
( 6676 ) .
وروي من طريق عَبْد الرحمان بن أبي عمرة ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه أحمد 2/482 .
وروي من طريق عجلان ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه الشَّافِعِيّ في المسند ( 1801 ) بتحقيقنا ، والحميدي ( 1125 ) ، وأحمد 2/247 و 428 و 517 ، وابن حبان ( 18 ) ( 2106 ) .
وروي من طريق همام بن منبه ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه عَبْد الرزاق ( 20374 ) ، واحمد 2/313 ، ومسلم 7/91 ( 1337 ) ( 131 ) ، وابن حبان ( 20 ) ( 21 ) ( 2105 ) ، والبغوي في شرح السنة ( 98 ) ( 99 ) .
فجميعهم رووه عن أبي هُرَيْرَة وفيه جعلوا إعطاء الاستطاعة عَلَى القيام بالعمل المأمور بالقيام بِهِ ووجوب عدم إتيان العمل المنهي عَنْهُ مطلقاً كَمَا في الرِّوَايَة الثانية وهذا يدل عَلَى خطأ راويه علي بن عثمان .(5/4)
.
ومثاله : ما سبق في نوع المدرج (1) في حَدِيْث عَبْد الله بن مسعود ، إِذْ روي مقلوباً من طريق أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن عَبْد الله بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أخرى، قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من مات لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة )) قَالَ: وقلت أنا : من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار (2).
فَقَدْ خالف أَبُو معاوية بقية الرُّوَاة عن الأعمش ، إِذْ رَوَاهُ عَنْهُ :
أبو حمزة السكري(3) : عِنْدَ البخاري (4).
حفص بن غياث : عِنْدَ البخاري (5) ، وابن منده (6).
شعبة : عِنْدَ الطيالسي (7)، وأحمد (8)، والنسائي (9)، وابن خزيمة (10)، والشاشي (11)، والخطيب (12).
__________
(1) صفحة :
(2) أخرجه من هَذِهِ الطريق مقلوباً : أحمد 1/382 و 425 ، وأبو يعلى ( 5198 ) من طريق أبي خيثمة ، وابن خزيمة في التوحيد : 359 من طريق أبي موسى ، وأيضاً : 359 من طريق سلم بن جنادة ، جميعهم من طريق أبي معاوية بهذه الرِّوَايَة . وخالفهم أبو بكر بن أبي شيبة فرواه عن أبي معاوية عَلَى الصواب أخرجه ابن منده في " الإيمان " ( 69 ) .
(3) هُوَ مُحَمَّد بن ميمون المروزي ، أبو حمزة السكري : ثقة فاضل ، توفي سنة (167ه) ، وَقِيْلَ: (168ه).
تهذيب الكمال 6/536 ( 6244 ) ، والكاشف 2/226 ( 5184 ) ، والتقريب ( 6348 ) .
(4) في صحيحه 6/28 ( 4497 ) .
(5) في صحيحه 2/90 ( 1238 ) .
(6) في الإيمان ( 70 ) .
(7) في مسنده ( 256 ) .
(8) في مسنده 1/443 و 462 و 464 .
(9) في الكبرى ( 11011 ) .
(10) في التوحيد : 346 و 359 .
(11) في مسنده ( 558 ) و ( 560 ) .
(12) في الفقيه والمتفقه : 118 .(5/5)
عَبْد الله بن نمير(1) : عِنْدَ أحمد (2)، ومسلم (3) ، وابن خزيمة (4) ، والشاشي (5)، وابن منده (6).
عَبْد الواحد بن زياد : عِنْدَ البخاري (7) ، وابن منده (8) .
وكيع بن الجراح : عِنْدَ أحمد (9) ، ومسلم (10) ، وابن منده (11) .
جميعهم عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عَبْد الله بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار )) وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة .
__________
(1) هُوَ عَبْد الله بن نمير الهمداني الخارفي ، أبو هشام الكوفي : ثقة صاحب حَدِيْث من أهل السنة ، توفي سنة (199 ه) . تهذيب الكمال 4/306 (3606) ، والكاشف 1/604 (3024) ، والتقريب (3668) .
(2) في مسنده 1/425 .
(3) في صحيحه 1/65 ( 92 ) ( 150 ) .
(4) في التوحيد : 360 .
(5) في مسنده ( 559 ) .
(6) في الإيمان ( 66 ) و ( 67 ) .
(7) في صحيحه 8/173 ( 6683 ) .
(8) في الإيمان ( 71 ) .
(9) في مسنده 1/443 .
(10) في صحيحه 1/65 ( 92 ) ( 150 ) .
(11) في الإيمان ( 67 ) و ( 68 ) . =
= ووقع في رِوَايَة أبي عوانة 1/17 مقلوباً من طريق علي بن حرب عن وكيع وأبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عَبْد الله ، بِهِ .
وعلى هَذَا فيصلح هَذَا مثالاً لما قلب سنده ومتنه ، إلا أن الحافظ ابن حجر قَالَ: (( لَمْ تختلف الروايات في " الصحيحين " في أن المرفوع الوعيد ، والموقوف الوعد ، وزعم الحميدي في " الجمع " وتبعه مغلطاي في شرحه ومن أخذ عَنْهُ ، أن في رِوَايَة مُسْلِم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس … وَكَانَ سبب الوهم في ذَلِكَ ما وقع عِنْدَ أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس ، لَكِنْ بيّن الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع في البخاري )) . فتح الباري 3/111 .(5/6)
أضف إلى ذَلِكَ أن عاصم بن أبي النجود (1) ، وسيار (2) ، والمغيرة (3)، رووا هَذَا الْحَدِيْث عن شقيق ، عن عَبْد الله بن مسعود باللفظ الصَّحِيْح .
وبهذا يَكُوْن أبو معاوية قَدْ خالف الرُّوَاة الأكثر مِنْهُ عدداً في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث مقلوباً ، لذا قَالَ ابن خزيمة : (( وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية وتابعهما أَيْضاً سيار أبو الحكم(4) ، عن أبي وائل ، عن عَبْد الله )) (5) .
وَقَالَ الحافظ ابن حجر نقلاً عن الإسماعيلي: (( إنما المحفوظ أن الَّذِيْ قلبه أبو معاوية وحده ، وبذلك جزم ابن خزيمة في " صحيحه " ، والصواب رِوَايَة الجماعة )) (6). ثُمَّ قَالَ: (( وهذا هُوَ الَّذِيْ يقتضيه النظر ؛ لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن وجاءت السنة عَلَى وفقه ، فلا يحتاج إلى استنباط ، بخلاف جانب الوعد فإنه في محل البحث إِذْ لا يصح حمله عَلَى ظاهره )) (7) .
__________
(1) عِنْدَ أحمد 1/402 و 407 ، وأبي يعلى (5090)، والطبراني في الكبير ( 10410 ) و ( 10416 ) ، وفي الأوسط (2232)، والخطيب في الفصل 1/219-222، وَقَدْ فصّلنا القَوْل فِيْهَا في بحث ( المدرج ).
(2) عِنْدَ أحمد 1/374 . لَكِنْ وقع عِنْدَ ابن منده في " الإيمان " ( 73 ) من طريق أبي الربيع ، عن هشيم ، عن سيار ومغيرة ، عن أَبِي وائل ، عن عَبْد الله ، بِهِ . مقلوباً عَلَى نفس رِوَايَة أبي معاوية . قَالَ ابن منده عقبه : (( فحديث هشيم عن سيار ومغيرة خلاف رِوَايَة الأعمش ورواية أبي عوانة ، عن مغيرة )) .
(3) عِنْدَ أحمد 1/374 ، وابن حبان ( 251 ) ، وابن منده ( 72 ) .
(4) سيار أبو الحكم العَنَزي ، ويقال : البصري : ثقة ، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يروي عن طارق بن شهاب ،توفي سنة ( 122 ه ) .
الثقات 6/421 ، وتهذيب الكمال 3/351 ( 2655 ) ، والتقريب ( 2718 ) .
(5) التوحيد : 360 .
(6) فتح الباري 3/111 .
(7) فتح الباري 3/111 .(5/7)
الثاني : أن يبدل الرَّاوِي عامداً سند متنٍ
بأن يجعله لمتن آخر ، ويجعل للمتن الأول سنداً آخر ، ودافع هَذَا الفعل أحد
أمرين (1) :
1. إما بقصد الإغراب وفاعل ذَلِكَ داخل في صنف الوضاعين ملحقاً بالكذابين (2) .
مثاله : ما رواه عمرو بن خالد الحراني(3) ، عن حماد بن عمرو النصيبي(4) ، عن الأعمش، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً : (( إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام … الْحَدِيْث )) (5) .فهذا حَدِيْث قلبه حماد بن عمرو فجعله عن الأعمش، عن أبي صالح ، وإنما هُوَ مشهور بسهيل بن أبي صالح ، عن أبيه أبي صالح (6) ، هكذا رَوَاهُ الناس ، عن سهيل ، مِنْهُمْ :
أبو بكر بن عياش : عِنْدَ الطحاوي (7) .
جرير بن عَبْد الحميد : عِنْدَ مُسْلِم (8) ، والبيهقي (9) .
خالد بن عَبْد الله(10)
__________
(1) انظر : النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/864 .
(2) انظر : شرح التبصرة والتذكرة 1/320 طبعتنا .
(3) هُوَ عَمْرو بن خالد بن فرّوخ التميمي ، ويقال : الخزاعي ، أبو الحسن الحراني ، نزيل مصر : ثقة ، توفي سنة ( 229 ه ) .
تهذيب الكمال 5/406-407 ( 4945 ) ، والكاشف 2/75 ( 4149 ) ، والتقريب ( 5020 ) .
(4) هُوَ حماد بن عَمْرو ، أبو إسماعيل النصَّيِبيٌّ ، قَالَ ابن حبان : كَانَ يضع الْحَدِيْث وضعاً عَلَى الثقات، وَقَالَ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ : لَيْسَ بشيء .
الضعفاء الكبير 1/308 ، والمجروحين 1/307 ، والكامل 3/10 .
(5) هَذِهِ الطريق المقلوبة عِنْدَ العقيلي 1/308 .
(6) انظر : الضعفاء الكبير ، للعقيلي 1/308 .
(7) في شرح المعاني 4/341 .
(8) في صحيحه 7/5( 2167 ) .
(9) في الكبرى 9/203 .
(10) هُوَ خالد بن عَبْد الله الطحان الواسطي المزني مولاهم ،أبو هيثم : ثقة ثبت ، توفي سنة ( 182 ه ) ، وَقِيْلَ : ( 179 ه ) .
الثقات 6/267 ، وتهذيب الكمال 2/351 ( 1609 ) ، والتقريب ( 1647 ) .(5/8)
: عِنْدَ ابن النجار (1) .
زهير بن معاوية : عِنْدَ أحمد (2) ، وابن الجعد (3) ، وأبي عوانة (4) .
سفيان الثوري: عِنْدَ عَبْد الرزاق(5)، وأحمد (6) ، والبخاري في " الأدب "(7)، ومسلم (8) ، وأبي عوانة (9) ، وأبي نعيم (10) ، والبيهقي (11) .
سليمان بن بلال : عِنْدَ أبي عوانة (12) .
شعبة بن الحجاج: عِنْدَ الطيالسي (13)، وأحمد (14)، ومسلم (15)، وأبي داود (16) ، وأبي عوانة (17) ، والطحاوي (18) ، وابن حبان (19) .
عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي:عِنْدَ مُسْلِم(20)،والترمذي(21)،وأبي عوانة(22).
معمر بن راشد : عِنْدَ عَبْد الرزاق (23) ، وأحمد (24) ، وأبي عوانة (25) ، والبغوي (26).
الوضاح بن يزيد اليشكري أبو عوانة : عِنْدَ أبي عوانة (27) ، وابن حبان(28).
__________
(1) في ذيل تاريخ بغداد 3/196 .
(2) في مسنده 2/263 .
(3) في مسنده ( 2766 ) .
(4) كَمَا في إتحاف المهرة 14/606 ( 18326 ) .
(5) في مصنفه ( 9837 ) .
(6) في مسنده 2/444 و 525 .
(7) في الأدب المفرد ( 1111 ) .
(8) في صحيحه 7/5 ( 2167 ) .
(9) كَمَا في إتحاف المهرة 14/606 ( 18326 ) .
(10) في الحلية 7/140-141 .
(11) في الكبرى 9/203 ، وفي الشعب ( 9381 ) .
(12) كَمَا في الإتحاف 14/606 ( 18326 ) .
(13) في مسنده ( 2424 ) .
(14) في مسنده 2/346 و 459 .
(15) في صحيحه 7/5 ( 2167 ) .
(16) في سننه ( 5205 ) .
(17) كَمَا في الإتحاف 14/606 ( 18326 ) .
(18) في شرح المعاني 4/341 .
(19) في صحيحه ( 501 ) .
(20) في صحيحه 7/5 ( 2167 ) .
(21) في الجامع الكبير ( 1602 ) و ( 2700 ) .
(22) كَمَا في الإتحاف 14/606 ( 18326 ) .
(23) في مصنفه ( 9837 ) .
(24) في مسنده 2/266 .
(25) كَمَا في الإتحاف 14/606 ( 18326 ) .
(26) في شرح السنة ( 3310 ) .
(27) كَمَا في الإتحاف 14/606 ( 18326 ) .
(28) في صحيحه ( 500 ) .(5/9)
وهيب بن خالد : عِنْدَ البخاري في " الأدب " (1) ، وأبي عوانة (2) .
يحيى بن أيوب : عِنْدَ الطحاوي (3) .
يحيى بن سعيد : عِنْدَ أبي عوانة (4) .
2. أن يَكُوْن بقصد الامتحان لمعرفة حفظ الشيخ وضبطه .
مثاله : ما وقع للإمام البخاري – رحمه الله – لما قدم بغداد ، فأراد أهل الْحَدِيْث اختبار حفظه ، فعمدوا إلى مئة حَدِيْث فقلبوا أسانيدها ، وجعلوا أسانيد هَذِهِ لمتون تِلْكَ ، ثُمَّ دفعوها إلى عشرة رجال لكل رجل عشرة أحاديث ، فلما جاء البخاري وجلس للإملاء، وَكَانَ المجلس غاصاً بأصحاب الْحَدِيْث والفقهاء، قام لَهُ رجل من العشرة فسأله عن حَدِيْث من تِلْكَ الأحاديث ، فَقَالَ البخاري: لا أعرفه ، فسأله عن الآخر فَقَالَ : لا أعرفه، إلى تمام العشرة، ثُمَّ قام الثاني فالثالث حَتَّى نهاية العشرة ، والبخاري لا يزيد
عَلَى قوله : لا أعرفه، فكان من حضر المجلس من الفهماء يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقولون: الرجل فهم. ومن كَانَ مِنْهُمْ غَيْر ذَلِكَ يقضي عَلَى البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم .
__________
(1) في الأدب المفرد ( 1103 ) .
(2) كَمَا في الإتحاف 14/606 ( 18326 ) .
(3) في شرح المعاني 4/341 .
(4) كَمَا في الإتحاف 14/606 ( 18326 ) .(5/10)
فلما علم أنهم فرغوا التفت إلى الأول مِنْهُمْ فَقَالَ : أما حديثك الأول فهو كَذَا ، وحديثك الثاني كَذَا حَتَّى أتم العشرة ، ثُمَّ أقبل عَلَى الثاني فالثالث ، ورد المتون كلها إلى أسانيدها ، وأسانيدها إلى متونها ، فأقرّ لَهُ الناس بالحفظ وأذعنوا لَهُ بالفضل (1).
وَكَانَ الحافظ العراقي لا يتعجب من رد البخاري الخطأ إلى الصواب لسعة
معرفته واطلاعه ، وإنما كَانَ يعجب من حفظ الأحاديث المقلوبة عَلَى الموالاة من مرة واحدة (2) .
وَقَدْ وقع نحو هَذَا الامتحان لعدد من الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْهُمْ : أبان بن عياش اختبره
شعبة (3) ، وأبو نعيم الفضل بن دكين امتحنه يحيى بن معين (4) ، وأبو جعفر العقيلي (5) ، ومحمد بن عجلان (6) ، وغيرهم .
__________
(1) انظر القصة في : أسامي من روى عَنْهُمْ البخاري من مشايخه لابن عدي ورقة 2أ ، وتاريخ بغداد 2/120، والبداية والنهاية 2/25 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/321 طبعتنا ، وطبعة العلمية 1/284 ، والنكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/867 ، وهدي الساري : 200 ، وإرشاد طلاب الحقائق 1/298 ، وفتح المغيث 1/254 ، وتدريب الرَّاوِي 1/293 ، وتوضيح الأفكار 2/104 .
وحصل للبخاري نحو هَذَا الامتحان في البصرة وسمرقند . انظر : البداية والنهاية 11/25 ، وطبقات الشافعية الكبرى 2/9 ، وهدي الساري : 486 .
(2) انظر : النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/869-870 .
(3) انظر : شرح التبصرة والتذكرة 1/321 طبعتنا ، والطبعة العلمية 1/284 .
(4) انظر : النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/866-867 .
(5) انظر : سير أعلام النبلاء 15/237 .
(6) انظر : المحدّث الفاصل : 398 ( 408 ) ، وميزان الاعتدال 3/645-646 .(5/11)
وفي جواز قلب الأحاديث لامتحان حفظ المشايخ خلاف ، إِذْ لَمْ يرتضه بعض الْمُحَدِّثِيْنَ مثل : حرمي بن عمارة (1) ، ويحيى بن سعيد القطان (2) ، قَالَ الحافظ العراقي: (( وهذا يفعله أهل الْحَدِيْث كثيراً، وفي جوازه نظر إلا أنه إذا فعله أهل الْحَدِيْث لا يستقر حديثاً )) (3) ، فجوازه إذن مشروط بالبيان (4) .
وَقَدْ يَكُوْن بالتقديم والتأخير في اسم الرَّاوِي مثل: كعب بن مرة(5)، فيجعل : مرة ابن كعب (6) .
3. الثالث : أن يقع في الإسناد والمتن معاً
مثاله: ما رواه الْحَاكِم في "مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث" (7) من طريق المنذر بن عَبْد الله الحزامي، عن عَبْد العزيز بن أبي سلمة الماجشون (8)، عن عَبْد الله بن دينار، عن ابن
عمر ، أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذا افتتح الصلاة قَالَ : (( سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى جدك … )) .
__________
(1) انظر : شرح التبصرة والتذكرة 1/321 طبعتنا ، وطبعة العلمية 1/284 .
(2) انظر : المحدث الفاصل : 399 ، والنكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/871 .
(3) شرح التبصرة والتذكرة 1/321 طبعتنا ، وطبعة العلمية 1/284 .
(4) انظر : نُزهة النظر : 125 .
(5) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل كعب بن مرة ، وَقِيْلَ : مرة بن كعب السلمي البهزي ، سكن البصرة ثُمَّ الأردن ، توفي سنة بضع وخمسين .
أسد الغابة 4/248-249 ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/33 ( 358 ) ، والتقريب ( 5650 ) .
(6) انظر : نُزهة النظر : 125-126 .
(7) الصفحة : 118 .
(8) هُوَ عَبْد العزيز بن عَبْد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني ، نَزيل بغداد ، مولى آل الهدير : ثقة فقيه مصنف، توفي سنة ( 164 ه ) .
طبقات ابن سعد 7/323 ، وسير أعلام النبلاء 7/309 ، والتقريب ( 4104 ) .(5/12)
فهذا الْحَدِيْث مقلوب سنداً ومتناً، أما سنداً فإن عَبْدالعزيز بن أبي سلمة يرويه عن عَبْد الله بن الفضل(1)، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع(2)، عن علي بن أبي طالب.
وأما القلب في الْمَتْن فإن لفظ حَدِيْث عَبْد العزيز : أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذا استفتح الصلاة يكبر ثُمَّ يقول : (( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين … )) .
هكذا رَوَاهُ حجين (3)، وأبو غسان مالك (4) بن إِسْمَاعِيْل (5) عن عَبْد العزيز بن أَبِي سلمة.
ورواه أَيْضاً :
أحمد بن خالد(6)
__________
(1) هُوَ عَبْد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة الهاشمي ، المدني : ثقة .
تهذيب الكمال 4/240 ( 3470 ) ، والكاشف 1/585 ( 2910 ) ، والتقريب ( 3533 ) .
(2) هُوَ عبيد الله بن أبي رافع المدني ، مولى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - ،كَانَ كاتب عَلِيّ - رضي الله عنه - : ثقة .
التاريخ الكبير 5/381 ، وتهذيب الكمال 5/33-34 ( 4221 ) ، والتقريب ( 4288 ) .
(3) حجين – بالتصغير – بن المثنى اليمامي ، أبو عمر ، سكن بغداد ، وولي قضاء خراسان : ثقة ، توفي سنة ( 205 ه ) ، وَقِيْلَ : بعدها .
تهذيب الكمال 2/71 ( 1125 ) ، والكاشف 1/315 ( 955 ) ، والتقريب ( 1149 ) .
وحديثه عِنْدَ أحمد 1/113 .
(4) هُوَ مالك بن إسماعيل النهدي، أَبُو غسان الكوفي، سبط حماد بن أبي سليمان ؛ ثقة متقن صَحِيْح الكِتَاب، عابد ، توفي سنة ( 217 ه ) ، وَقِيْلَ : ( 219 ه ) .
التاريخ الكبير 7/315 ، والثقات 9/164 ، والتقريب ( 6324 ) .
(5) عِنْدَ الْحَاكِم في مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث : 118 .
(6) هُوَ أحمد بن خالد بن موسى الوهبي الكندي ، أبو سعيد الحمصي : صدوق ، توفي سنة ( 214 ه ) .
تهذيب الكمال 1/37 ( 29 ) ، والكاشف 1/193 ( 25 ) ، والتقريب ( 30 ) .(5/13)
: عِنْدَ ابن خزيمة (1) ، والطحاوي (2).
أبو سعيد(3) : عِنْدَ أحمد (4) ، وابن حزم (5).
عَبْد الله بن رجاء : عِنْدَ الطحاوي (6) .
عَبْد الله بن صالح : عِنْدَ الطحاوي (7) .
أربعتهم ، عن عَبْد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عَبْد الله بن الفضل والماجشون كلاهما، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، بِهِ عَلَى الصواب .
ورواه أَيْضاً :
أبو داود الطيالسي : في " مسنده " (8) ، ومن طريقه الترمذي (9).
أَبُو صالح عَبْد الله بن صالح ( كاتب الليث(10) ) : عِنْدَ ابن الجارود (11) ، وابن خزيمة (12).
أبو النضر هاشم بن قاسم : عِنْدَ أحمد (13) ، ومسلم (14) ، وابن حبان (15) .
أبو الوليد : عِنْدَ الترمذي (16) .
__________
(1) في صحيحه ( 463 ) .
(2) في شرح المعاني 1/299 .
(3) هُوَ عَبْد الرَّحْمَان بن عَبْد الله بن عبيد البصري ، أبو سعيد ، مولى بني هاشم ، نزيل مكة ، لقبه جَرْدَقَة : صدوق رُبَّمَا أخطأ ، توفي سنة ( 197 ه ) .
تهذيب الكمال 4/427 ( 3859 ) ، والكاشف 1/633 ( 3238 ) ، والتقريب ( 3918 ) .
(4) في مسنده 1/94 .
(5) في المحلى 4/95 .
(6) في شرح المعاني 1/199 .
(7) في شرح المعاني 1/199 .
(8) 152 ) .
(9) في الجامع الكبير ( 266 ) .
(10) هُوَ عَبْد الله بن صالح بن مُحَمَّد الجهني ، أبو صالح المصري ، كاتب الليث : صدوق كَثِيْر الخطأ ، ثبت في كتابه ، وكانت فِيْهِ غفلة ، توفي سنة ( 222 ه ) ، وَقِيْلَ : ( 223 ه ) .
تهذيب الكمال 4/164 ( 3324 ) ، والكاشف 1/562 ( 2780 ) ، والتقريب ( 3388 ) .
(11) في المنتقى ( 179 ) .
(12) في صحيحه ( 462 ) و ( 612 ) و ( 743 ) .
(13) في مسنده 1/112 .
(14) في صحيحه 2/186 ( 771 ) ( 202 ) .
(15) في صحيحه ( 1773 ) .
(16) في الجامع الكبير ( 3422 ) .(5/14)
حجاج بن منهال : عِنْدَ ابن الجارود (1) ، وابن خزيمة (2) .
حجين : عِنْدَ أحمد (3) ، وابن خزيمة (4) .
سويد بن عمرو الكلبي(5) : عِنْدَ ابن أبي شيبة (6).
عَبْد الرحمان بن مهدي: عِنْدَ مُسْلِم(7)،والنسائي(8)،وأبي يعلى(9)،وابن حزم(10).
معاذ بن معاذ بن نصر : عِنْدَ أبي داود (11) .
يحيى بن حسان : عِنْدَ الدارمي (12) ، والطحاوي (13).
يزيد بن هارون : عِنْدَ الدارقطني (14) .
__________
(1) في المنتقى ( 179 ) .
(2) في صحيحه ( 462 ) و ( 612 ) و ( 743 ) .
(3) في مسنده 1/113 .
(4) في صحيحه ( 612 ) .
(5) هُوَ سويد بن عَمْرو الكلبي ، أَبُو الوليد الكوفي العابد : ثقة ، توفي سنة (204 ه) ، وَقِيْلَ : (203 ه) ، وَقَدْ ذكره ابن حبان في كتابه "المجروحين" فَقَالَ: (( كَانَ يقلب الأسانيد ، ويضع عَلَى الأسانيد الصحاح المتون الواهية ، لا يجوز الاحتجاج بِهِ )) .
المجروحين 1/446-447 ، وتهذيب الكمال 3/340 ( 2631 ) ، والتقريب ( 2694 ) .
(6) في مصنفه ( 2399 ) و ( 2553 ) .
(7) في صحيحه 2/186 ( 771 ) ( 202 ) .
(8) في المجتبى 2/129 و 192 و 220 ، وفي الكبرى ( 637 ) و ( 711 ) و ( 971 ) .
(9) في مسنده ( 285 ) .
(10) في المحلى 4/95 .
(11) في سننه ( 760 ) و ( 1509 ) .
(12) في سننه ( 1241 ) و ( 1320 ) .
(13) في شرح المعاني 1/199 .
(14) في السنن 1/296 .(5/15)
جميعهم ، عن عَبْد العزيز بن أَبِي سلمة ، عن يعقوب الماجشون منفرداً ، عن الأعرج ، عن عبيد الله ، عن علي ، بِهِ (1) .
__________
(1) وأخرج هَذَا الْحَدِيْث أَيْضاً : عَبْد الرزاق في المصنف ( 2567 ) و ( 2903 ) ، وأحمد 1/93و119، والبخاري في رفع اليدين ( 1 ) و ( 9 ) ، وأبو داود ( 744 ) و ( 761 ) ، وابن ماجه ( 864 ) و(1054) ، والترمذي ( 3423 ) ، وابن خزيمة ( 464 ) و ( 584 ) و ( 607 ) و ( 673 ) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/222 و 239 ، وابن حبان ( 1771 ) و ( 1772 ) و ( 1774 ) ، والدارقطني 1/287 ، والبيهقي 2/33 و 74 ، من طرق ، عن موسى بن عقبة ، عن عَبْد الله بن الفضل، عن الأعرج بهذا الإسناد .
وأخرجه مُسْلِم 2/185 ( 771 ) ( 201 ) ، والترمذي ( 3421 ) و ( 3422 ) ، وأبو يعلى
( 575 ) ، وابن خزيمة ( 723 ) ، والبيهقي 2/32 ، والبغوي ( 572 ) من طرق ، عن يوسف بن يعقوب الماجشون ، عن يعقوب بن الماجشون ، عن الأعرج ، بهذا الإسناد . وانظر : النكت عَلَى كتاب ابن الصَّلاَحِ 2/885 .(5/16)
تعارض الاتصال والانقطاع
تقدم الكلام بأن الاتصال شرط أساسيٌّ لصحة الحديث النبوي ، وعلى هذا فالمنقطع ضعيف لفقده شرطاً أساسياً من شروط الصحة ، وقد أولى المحدثون عنايتهم في البحث والتنقير في الأحاديث من أجل البحث عن توافر هذا الشرط من عدمه ؛ وذلك لما له من أهمية بالغة في التصحيح والتضعيف والتعليل . وتقدم الكلام أن ليس كل ما ورد فيه التصريح بالسماع فهو متصل ؛ إذ قَدْ يقع الخطأ في ذلك فيصرح بالسماع في غير ما حديث ، ثم يكشف الأئمة النقاد بأن هذا التصريح خطأ ، أو أن ما ظاهره متصل منقطع، وهذا ليس لكل أحد إنما هو لأولئك الرجال الذين أفنوا أعمارهم شموعاً أضاءت لنا الطريق من أجل معرفة الصحيح المتصل من الضعيف المنقطع .
إذن فليس كل ما ظاهره الاتصال متصلاً ، فقد يكون السند معللاً بالانقطاع .
وعليه فقد يأتي الحديث مرة بسند ظاهره الاتصال ، ويُروى بسند آخر ظاهره الانقطاع ، فيرجح تارة الانقطاع وأخرى الاتصال ، ويجري فيه الخلاف الذي مضى في زيادة الثقة . وأمثلة ذلك كثيرة .
منها : ما رواه أحمد بن منيع (1)
__________
(1) هو أحمد بن منيع بن عبد الرحمان ، أبو جعفر البغوي ، الأصم ، ( ثقة ، حافظ ) ، مات سنة
( 244 ه )، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة . التقريب (114 ) .(6/1)
، قال : حدثنا كثير بن هشام (1) ، قال : حدثنا جعفر بن برقان (2) ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كنت أنا
وحفصة(3) صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني إليه حفصة ، وكانت ابنة أبيها ، فقالت: يا رسول الله ، إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه ، قال : (( اقضيا يوماً آخر مكانه )) .
أخرجه الترمذي (4) ، والبغوي (5) ، وأخرجه غيرهما من طريق جعفر (6).
هكذا روى هذا الحديث جعفر بن برقان، عن الزهري، عن عروة ، عن عائشة، متصلاً .
وقد توبع على روايته ، تابعه سبعة من أصحاب الزهري على هذه الرواية وهم :
__________
(1) هو كثير بن هشام الكلابي ، أبو سهل الرقي ، نزيل بغداد ، ( ثقة ) ، مات سنة ( 207 ه ) ، وقيل : (208ه) ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. التقريب (5633) .
(2) هو جعفر بن برقان الكلابي ، مولاهم ، أبو عبد الله الجزري الرقي ، كان يسكن الرقة ، وقدم الكوفة ، قال عنه الإمام أحمد : (( ثقة ، ضابط لحديث ميمون وحديث يزيد بن الأصم ، وهو في حديث الزهري يضطرب . تهذيب الكمال 1/455،وتذكرة الحفاظ 1/171، وشذرات الذهب 1/236 .
(3) هِيَ أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، زوجة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، توفيت سنة (41ه)، وَقِيْلَ: (45ه).
تهذيب الكمال 8/526 ( 4812 ) ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/259 ، والإصابة 4/273 .
(4) في الجامع ( 735 ) ، وفي العلل الكبير ( 203 ) .
(5) شرح السنة ( 1814 ) .
(6) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده ( 658 ) ، وأحمد بن حنبل 6/263 ، والنسائي في الكبرى (3291)، عن كثير بن هشام ، به .
وأخرجه البيهقي 4/280 من طريق عبيد الله بن موسى عن جعفر ، به .(6/2)
صالح بن أبي الأخضر (1) ، وهو ضعيف يعتبر به عند المتابعة (2) .
سفيان بن حسين (3) ، وهو ثقة في غير الزهري باتفاق العلماء (4) .
صالح بن كيسان (5) ، وهو ثقة (6) .
إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة (7) ، وهو ثقة (8) .
حجاج بن أرطأة (9) ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس (10) .
عبد الله بن عمر العمري (11) ، وهو ضعيف (12) .
يحيى بن سعيد (13) .
فهؤلاء منهم الثقة ، ومنهم من يصلح حديثه للمتابعة ، قَدْ رووا الحديث أجمعهم ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، متصلاً ، إلا أنه قَدْ تبين بعد التفتيش والتمحيص والنظر أن رواية الاتصال خطأ ، والصواب : أنّه منقطع بين الزهري وعائشة ، وذكر عروة في الإسناد خطأ .
لذا قال الإمام النسائي عن الرواية الموصولة : (( هذا خطأ )) (14)، وقد فسّر المزي مقصد النسائي فقال : (( يعني أن الصواب حديث الزهري ، عن عائشة وحفصة
مرسل ))(15) .
__________
(1) عند إسحاق بن راهويه ( 660 ) ، والنسائي في الكبرى ( 3293 ) ، والبيهقي 2/280 ، وابن عبد البر في التمهيد 2/68-69 ، والاستذكار 3/237 .
(2) التقريب ( 2844 ) .
(3) عند أحمد 6/141 و 237 ، والنسائي في الكبرى ( 3292 ) .
(4) التقريب ( 2437 ) .
(5) عند النسائي في الكبرى ( 3295 ) .
(6) التقريب ( 2884 ) .
(7) عند النسائي في الكبرى ( 3294 ) . وانظر : تحفة الأشراف 11/343 ( 16413 ) ، وتهذيب الكمال 1/215 ( 408 ) .
(8) تهذيب الكمال 1/215 ( 408 ) .
(9) عند ابن عبد البر في التمهيد 12/68 .
(10) التقريب ( 1119 ) .
(11) عند الطحاوي في شرح المعاني 2/108 .
(12) التقريب ( 3489 ) .
(13) عند النسائي في الكبرى ( 3295 ) ، وابن عبد البر في التمهيد 12/68 .
(14) تحفة الأشراف 11/343 ( 16413 ) .
(15) تحفة الأشراف 11/343 ( 16413 ) .(6/3)
وقد نص كذلك الترمذي على أن رواية الاتصال خطأ ، والصواب أنه منقطع وذكر الدليل القاطع على ذلك ، فقال : (( روي عن ابن جريج ، قال : سألت الزهري ، قلت له : أَحدَّثَكَ عروة ، عن عائشة ؟ ، قال : لم أسمع عن عروة في هذا شيئاً ، ولكني سَمِعتُ في خلافة سليمان بن عبد الملك(1) من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث )) (2) .
ومن قبل سأل الترمذي شيخه البخاري فَقَالَ : (( سألت محمد بن إسماعيل
البخاري عن هذا الحديث ، فقال : لا يصح حديث الزهري ، عن عروة ، عن
عائشة ))(3) .
وحكم أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان بترجيح الرواية المنقطعة على الموصولة (4) .
قلت: قَدْ رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري منقطعاً ، وهم ثمانية أنفس:
مالك بن أنس (5) ، وهو ثقة إمام أشهر من أن يعرف .
__________
(1) هُوَ الخليفة الأموي أبو أيوب سليمان بن عَبْد الملك بن مروان القرشي الأموي ، توفي سنة ( 99 ه ) .
الجرح ولتعديل 4/130-131 ، ووفيات الأعيان 2/420 ، والعبر 1/118 .
(2) الجامع الكبير ( 735 م ) وأخرجه البَيْهَقِيّ 4/280 .
(3) العلل الكبير للترمذي ( 203 ) .
(4) العلل لعبد الرحمان بن أبي حاتم 1/265 ( 782 ) .
(5) هكذا رواه عامة الرواة عن مالك ، محمد بن الحسن الشيباني ( 363 )، وسويد بن سعيد ( 471 ) ، وأبو مصعب الزهري ( 827 ) ، ويحيى بن يحيى الليثي ( 848 ) ، وعبد الله بن وهب عند الطحاوي في شرح المعاني 2/108 ، والبيهقي 4/279،وعبد الرحمان بن القاسم عند النسائي في الكبرى(3298)،= =وخالف سائر الرواة عن مالك : عبد العزيز بن يحيى عند ابن عبد البر في التمهيد 12/66-67 فرواه عن مالك ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .
وهو خطأ ، قال ابن عبد البر : (( لا يصح ذلك عن مالك )) . التمهيد 12/66 .(6/4)
معمر بن راشد (1) ، وهو ثقة ثبت فاضل (2) .
عبيد الله بن عمر العمري (3) ، وهو ثقة ثبت (4) .
يونس بن يزيد الأيلي (5) ، وهو ثقة أحد الأثبات (6) .
سفيان بن عيينة (7) ، وهو ثقة حافظ فقيه إمام حجة (8) .
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (9) ، وهو ثقة (10) .
محمد بن الوليد الزبيدي (11) ، وهو ثقة ثبت (12) .
بكر بن وائل (13) ، وهو صدوق (14) .
فهؤلاء جميعهم رووه عن الزهري ، عن عائشة منقطعاً ، وروايتهم هذه هي المحفوظة ، وهي تخالف رواية من رواه متصلاً . وهذا يدلل أن المحدّثين ليس لهم في مثل هذا حكم مطرد ، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيحات المحيطة بالرواية .
__________
(1) عند : عبد الرزاق ( 7790 ) ، وإسحاق بن راهويه ( 659 ) ، والنسائي في الكبرى ( 3296 ) .
(2) التقريب ( 6809 ) .
(3) عند النسائي في الكبرى ( 3297 ) .
(4) التقريب ( 4324 ) .
(5) عند البيهقي 4/279 .
(6) الكاشف 2/404 .
(7) عند : إسحاق بن راهويه ( 659 ) ، والبيهقي 4/280 .
(8) التقريب ( 2451 ) .
(9) عند : الشافعي في مسنده (636) بتحقيقنا ، وعبد الرزاق (7791) ، وإسحاق بن راهويه (885) ، والطحاوي في شرح المعاني 2/109 ، والبيهقي 4/280 ، وابن عبد البر في التمهيد 12/69 .
(10) التقريب ( 4193 ) .
(11) ذكر هذا الطريق البيهقي في السنن الكبرى 4/279 .
(12) التقريب ( 6372 ) .
(13) ذكر هذا الطريق البيهقي في السنن الكبرى 4/279 .
(14) التقريب ( 752 ) .(6/5)
وللحديث طريق أخرى (1) ، فقد أخرجه النسائي (2) ، والطحاوي (3) ، وابن حبان (4) ، وابن حزم في المحلى (5) ، من طريق جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عمرة (6) ، عن عائشة .
هكذا الرواية وظاهرها الصحة ، إلا أن جهابذة المحدّثين قَدْ عدوها غلطاً من
جرير بن حازم ، خطّأه في هذا أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، والبيهقي (7) ، قال البيهقي : (( والمحفوظ عن يحيى بن سعيد ، عن الزهري ، عن عائشة ، مرسلاً )) (8) .
ثم أسند البيهقي إلى أحمد بن منصور الرمادي(9) قال: قلت لعلي بن المديني: يا أبا الحسن تحفظ عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين. فقال لي: من روى هذا ؟ قلت: ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد . قال : فضحك ، فقال : مثلك يقول هذا ! ، حدثنا : حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن الزهري : أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين .
وقد أشار النسائي كذلك إلى خطأ جرير (10) .
فهؤلاء أربعة من أئمة الحديث أشاروا إلى خطأ جرير بن حازم في هذا الحديث ، وعدم إقامته لإسناده .
__________
(1) الطريق يذكر ويؤنث ، انظر القصيدة الموشحة لالاسماء المؤنثة السماعية 116.
(2) في السنن الكبرى ( 3299 ) .
(3) شرح معاني الآثار 2/109 .
(4) صحيح ابن حبان ( 3516 ) ، وفي طبعة الرسالة ( 3517 ) .
(5) المحلى 6/270 .
(6) هي : عمرة بنت عبد الرحمان بن سعد بن زرارة الأنصارية ، مدنية أكثرت عن عائشة ، ( ثقة ) .
التقريب ( 8643 ) .
(7) السنن الكبرى 4/281 .
(8) المصدر السابق .
(9) هُوَ أحمد بن مَنْصُوْر بن سيار البغدادي الرمادي أبو بكر : ثقة ، توفي سنة ( 265 ه ) .
تهذيب الكمال 1/83 ( 110 ) ، والعبر 2/36 ، والتقريب ( 113 ) .
(10) انظر : تحفة الأشراف 11/873 ( 17945 ) .(6/6)
ولم يرتض ابن حزم هذه التخطئة، وأجاب عن ذلك فقال: (( لم يتحقق علينا قول من قال أن جرير بن حازم أخطأ في هذا الخبر إلا أن هذا ليس بشيء ؛ لأن جريراً ثقة، ودعوى الخطأ باطل إلا أن يقيم المدعي له برهاناً على صحة دعواه ، وليس انفراد جرير بإسناده علة ؛ لأنه ثقة )) (1) .
ويجاب عن كلام ابن حزم : بأن ليس كل ما رواه الثقة صحيحاً ، بل يكون فيه الصحيح وغير ذلك؛ لذا فإن الشذوذ والعلة إنما يكونان في حديث الثقة ؛ فالعلة إذن هي معرفة الخطأ في أحاديث الثقات ، ثم إن اطباق أربعة من أئمة الحديث على خطأ جرير ، لم يكن أمراً اعتباطياً ، وإنما قالوا هذا بعد النظر الثاقب والتفتيش والموازنة والمقارنة . أما إقامة الدليل على كل حكم في إعلال الأحاديث، فهذا ربما لا يستطيع الجهبذ الناقد أن يعبر عنه إنما هو شيء ينقدح في نفسه تعجز عبارته عنه (2) .
ثم إن التفرد ليس علة كما سبق أن فصلنا القول فيه في مبحث التفرد ، وإنما هو مُلقٍ لِلضوءِ على العِلّة ومواقع الخلل وكوامن الخطأ ، ثم إنا وجدنا الدليل على خطأ جرير ابن حازم ، إذ قَدْ خالفه الإمام الثقة الثبت حماد بن زيد (3) ، فرواه عن يحيى بن سعيد ولم يذكر عمرة (4) .
وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه الطبراني (5) من طريق : يعقوب بن مُحَمَّد الزهري ، قال : حدثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمان ، عن الحارث بن هشام ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .
__________
(1) المحلى 6/270 .
(2) انظر : معرفة علوم الحديث : 112-113 .
(3) هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي ، الجهضمي ، أبو إسماعيل البصري ، ( ثقة ، ثبت ، فقيه ) ، أخرج لَهُ أصحاب الكتب الستة . التقريب ( 1499 ) .
(4) عند الطحاوي في شرح المعاني 2/109 ، والبيهقي 4/281 .
(5) المعجم الأوسط ( 7388 ) طبعة الطحان و ( 7392 ) الطبعة العلمية .(6/7)
قال الطبراني عقب روايته له : (( لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا هشام ابن عكرمة . تفرد به يعقوب بن مُحَمَّد الزهري )) .
قلت : هذه الرواية ضعيفة لا تصلح للمتابعة ، إذ فيها علتان :
الأولى : يعقوب بن مُحَمَّد الزهري ، فيه كلام ليس باليسير ، فقد قال فيه الإمام أحمد : (( ليس بشيء )) ، وَقَالَ مرة : (( لا يساوي حديثه شيئاً )) ، وَقَالَ الساجي :
(( منكر الحديث )) (1) .
والثانية : هشام بن عبد الله بن عكرمة،قال ابن حبان: ((ينفرد عن هشام بن عروة بما لا أصل له من حديثه –كأنه هشام آخر–،لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد ))(2).
وللحديث طريق أخرى ، فقد أخرجه ابن أبي شيبة (3) من طريق خصيف بن
عبد الرحمان ، عن سعيد بن جبير : أن عائشة وحفصة … الحديث . وهو طريق ضعيف لضعف خصيف بن عبد الرحمان ، فقد ضعّفه الإمام أحمد ، وأبو حاتم ، ويحيى القطان ، على أن بعضهم قَدْ قواه (4) .
وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه البزار (5) ، والطبراني (6) من طريق حماد بن الوليد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر … الحديث . وهو طريق
__________
(1) ميزان الاعتدال 4/454 .
(2) المجروحين 2/429 ( 1156 ) . وانظر : ميزان الاعتدال 4/300 .
(3) المصنف ( 9092 ) .
(4) ميزان الاعتدال 1/653-654 .
اضطرب فيه فقد أخرجه النسائي في الكبرى (3301) عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن عائشة وحفصة … ؛ لذا قال النسائي : (( هذا الحديث منكر ، وخصيف ضعيف في الحديث ، وخطّاب لا علم لي ، به )) .
ملاحظة : قول النسائي في هذا جاء مبتوراً في المطبوع من الكبرى ، وهو بتمامه في تحفة الأشراف 4/565 (6071 ) .
(5) كما في مجمع الزوائد 3/202 .
(6) المعجم الأوسط ( 5391 ) طبعة الطحان ، ( 5395 ) الطبعة العلمية ، وسقط من طبعة الطحان ذَكَرَ حماد بن الوليد واستدركته من الطبعة العلمية ومجمع البحرين .(6/8)
ضعيف ، قال الهيثمي : (( فيه حماد بن الوليد ضعفه الأئمة )) (1) .
وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه العقيلي(2)، والطبراني(3) من طريق مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي ، عن مُحَمَّد بن عمرو(4) ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : أهديت لعائشة وحفصة … الحديث. وهو طريق ضعيف، قال الهيثمي: (( فيه مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي ، وقد ضُعِّفَ بهذا الحديث )) (5) .
خلاصة القول : إن الحديث لم يصح متصلاً ولم تتوفر فيه شروط الصحة ؛ فهو حديث ضعيف لانقطاعه ؛ ولضعف طرقه الأخرى (6) .
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ( حكم من أفطر في صيام التطوع )
__________
(1) مجمع الزوائد 3/202 .
(2) الضعفاء ، للعقيلي 4/79 .
(3) في الأوسط ( 8008 ) طبعة الطحان و ( 8012 ) الطبعة العلمية .
(4) هُوَ مُحَمَّد بن عَمْرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني: صدوق لَهُ أوهام ، توفي سنة (144 ه) ، وَقِيْلَ : ( 145 ه ) .
تهذيب الكمال 6/459 و460 (6104)، وميزان الاعتدال 3/673 (8015)، والتقريب (6188).
(5) مجمع الزوائد 3/202 .
(6) هنا مسألة أود التنبيه عليها ، وهو أنه قَدْ يتبادر إلى أذهان بعض الناس أنّ هذا الحديث ربما يتقوى بكثرة الطرق ، والجواب عن هذا :
بأن ليس كل ضعيف يتقوى بمجيئه من طريق آخر ، فالعلل الظاهرة ؛ وَهِيَ الَّتِي سببها انقطاع في السند ، أو ضعف في الرَّاوِي ، أو تدليس ، أو اختلاط تتفاوت ما بَيْنَ الضعف الشديد والضعف اليسير ، فما كَانَ يسيراً زال بمجيئه من طريق آخر مثله أو أحسن مِنْهُ ، وما كَانَ ضعفه شديداً فَلاَ تنفعه كثرة الطرق . وبيان ذَلِكَ : أن ما كَانَ ضعفه بسبب سوء الحفظ أو اختلاطٍ أو تدليسٍ أو انقطاع يسير فالضعف هنا يزول بالمتابعات والطرق ، وما كَانَ انقطاعه شديداً أو كَانَ هناك قدحٌ في عدالة الراوي فلا يزول . وانظر في ذلك بحثاً موسعاً في : " أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء " : 34-43 .(6/9)
وما دمنا قَدْ تكلمنا بإسهاب عن حديث الزهري متصلاً ومنقطعاً ، وذكرنا طرقه وشواهده ، وبيّنا ما يكمن فيها من ضعف وخلل ، فسأتكلم عن أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ، فأقول : من شَرَعَ في صوم تطوع ، أو صلاة تطوع ولم يتم نفله ، هل يجب عليه القضاء أم لا ؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
ذهب بعض العلماء إلى أن النفل يجب على المكلف بالشروع فيه ، فإذا أبطل وجب عليه قضاؤه صوماً كان أم صلاةً أم غيرهما .
وهو مروي عن : ابن عباس (1) ، وإبراهيم النخعي (2) ، والحسن البصري (3) ، وأنس(4) بن سيرين (5) ، وعطاء (6) ، ومجاهد (7) ، والثوري (8) ، وأبي ثور (9) .
وهو مذهب الحنفية (10) ، والمالكية (11)، والظاهرية (12) .
والحجة لهذا المذهب :
__________
(1) المصنف ، لابن أبي شيبة ( 9094 ) ، والسنن الكبرى ، للبيهقي 4/281 .
(2) المصنف لعبد الرزاق ( 7788 ) .
(3) المصنف لعبد الرزاق ( 7789 ) ، والمصنف ، لابن أبي شيبة ( 9096 ) .
(4) هُوَ أنس بن سيرين الأنصاري ، أبو موسى ، وَقِيْلَ : أبو حمزة ، وَقِيْلَ أبو عَبْد الله البصري : ثقة ، توفي سنة ( 118 ه ) .
الثقات 8/48 ، وتهذيب الكمال 1/287 ( 557 ) ، والتقريب ( 563 ) .
(5) المصنف ، لابن أبي شيبة ( 9093 ) .
(6) المصنف ، لابن أبي شيبة ( 9097 ) .
(7) المصنف ، لابن أبي شيبة ( 9097 ) .
(8) الاستذكار 3/238 ، إلا أنه قال بالاستحباب لا الوجوب .
(9) الاستذكار 3/238 ، والتمهيد 12/72 .
(10) بدائع الصنائع 2/102 ، وحاشية رد المحتار 2/430 ، وتبيين الحقائق 1/337 ، والاختيار 1/135 .
(11) الموطأ ( 849 ) و ( 850 ) رواية الليثي ، وبداية المجتهد 1/227 ، والقوانين الفقهية : 120 ، وأسهل المدارك 1/431 ، وشرح منح الجليل 1/400 .
(12) المحلى 6/268 .(6/10)
قوله تَعَالَى : { وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } (1) : قال الجصاص الحنفي : (( يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها ؛ لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره )) (2) .
وللشافعي جواب عن هذا فقال : (( المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض ، فنهي الرجل عن إحباط ثوابه . فأما ما كان نفلاً فلا ؛ لأنه ليس واجباً عليه ، فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه ، ووجه تخصيصه أن النفل تطوع ، والتطوع يقتضي تخييراً )) (3) .
جعلوا عمدة قولهم حديث الزهري السابق ، وكأنهم رجحوا الاتصال على الانقطاع ، أو أخذوا بالحديث لما له من طرق ، وجعل ابن حزم الظاهري عمدة قوله حديث جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة . ودافع عن زيادة جرير(4) . وقد تقدم الكلام بأن جريراً مخطئٌ في حديثه ، وقد ذكرنا كلام ابن حزم وأجبنا عنه .
القول الثاني :
ذهب فريق من الفقهاء إلى استحباب الإتمام ولا قضاء عليه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وهو مروي عن : علي (5) ، وعبد الله بن مسعود (6) ، وعبد الله بن عمر (7) ،
__________
(1) محمد : 33 .
(2) أحكام القرآن 3/393 .
(3) الجامع لأحكام القرآن 7/6075 .
(4) المحلى 6/270-271 .
(5) مصنف عبد الرزاق ( 7772 ) ، وانظر : الحاوي الكبير 3/336 .
(6) مصنف عبد الرزاق (7784) ، ومصنف ابن أبي شيبة (9084) ، والسنن الكبرى ، للبيهقي 4/277 ، وانظر : الحاوي 3/336 .
(7) مصنف ابن أبي شيبة (9088) ، والسنن الكبرى ، للبيهقي 4/277 ، والمحلى 6/270 ، وانظر : الحاوي الكبير 3/336 .(6/11)
وابن عباس (1) ، وجابر بن عبد الله (2) .
وإبراهيم النخعي (3) ، ومجاهد (4) ، والثوري (5) ، وإسحاق (6) .
وهو مذهب الشافعية (7) ، والحنابلة (8) .
والحجة لهم : وهو أن حديث الزهري لم يصح ، فهو ضعيف منقطع ، ولم يروا الآية دليلاً لذلك ، فقد احتجوا بجملة من الأحاديث ، منها :
حديث عائشة بنت طلحة (9)
__________
(1) عند عبد الرزاق في المصنف ( 7767 ) و ( 7768 ) و ( 7769 ) و ( 7770 ) و ( 7778 ) ، ومصنف ابن أبي شيبة ( 9080 ) ، والسنن الكبرى ، للبيهقي 4/277 . وهي إحدى الروايتين عنه ، وانظر : الحاوي الكبير 3/336 ، والاستذكار 3/239 و 240 .
(2) مصنف عبد الرزاق ( 7771 ) ، والسنن الكبرى ، للبيهقي 4/277 ، والمحلى 6/270 ، وانظر : الاستذكار 3/240 .
(3) مصنف ابن أبي شيبة ( 9085 ) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة ( 9086 ) .
(5) انظر : الحاوي الكبير 3/336 ، والمجموع 6/394 .
(6) المصدر نفسه .
(7) انظر : الأم 2/103 ، ومختصر المزني : 59 ، والتهذيب 3/187 ، والمجموع 6/394 ، وروضة الطالبين 2/386 ، ونهاية المحتاج 3/210 .
(8) انظر : المغني 3/89 ، والهادي : 55 ، والمحرر 1/231 ، وشرح الزركشي 2/45 .
ونقل حنبل عن الإمام أحمد : (( إذا أجمع على الصيام ، وأوجب على نفسه فأفطر من غير عذر أعاد
يوماً ، ولكن حمله على الاستحباب أو النذر )) . انظر : المصادر السابقة .
(9) هِيَ أم عمران عَائِشَة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية المدنية : ثقة ، قَالَ أبو زرعة : امرأة جليلة ، حدث الناس عَنْهَا لفضائلها وأدبها .
الثقات 5/289 ، وتهذيب الكمال 8/555 ( 8483 ) ، والتقريب ( 8636 ) .(6/12)
، عن عائشة أم المؤمنين ، قالت : دخل عَلَيَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيءٌ ؟ فقلنا : لا ، قال : فإني إذن صائم . ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : يا رسول الله ، أهدي لنا حيس (1) ، فقال : أَرينيه ، فلقد أصبحت صائماً ، فأكل )) . رواه مسلم (2) .
عن أبي جحيفة (3) قال : (( آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان(4) وأبي الدرداء ، فزار سلمان
أبا الدرداء ، فرآى أم الدرداء(5)
__________
(1) الحيس : هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن ، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت . وقيل : التمر البرني والأقط يدقان ويعجنان بالسمن عجناً شديداً حتى يندر النوى منه نواة نواة ، ثم يسوى كالثريد. انظر : النهاية 1/467 ، ولسان العرب 6/61 ، وتاج العروس 15/568 مادة (حيس).
(2) صحيح مسلم 3/159 ( 4454 ) ( 169 ) ( 170 ) ، وأخرجه مطولاً ومختصراً غيره . انظر : تخريج رواياتهم في تحقيقي للشمائل ( 182 ) .
(3) الصَّحَابِيّ وهب بن عَبْد الله بن مُسْلِم أبو جحيفة السوائي ، توفي سنة ( 64 ه ) .
أسد الغابة 5/157 ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/154 ، والإصابة 3/642 .
(4) الصَّحَابِيّ الجليل مولى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - أبو عَبْد الله سلمان الخير الفارسي ، توفي سنة ( 35 ه ) .
معجم الصَّحَابَة 5/2098 ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/230 ( 2400 ) ، والإصابة 2/62 .
(5) هِيَ هجيمة أو جهيمة،أم الدرداء الأوصابية الدمشقية، وَهِيَ الصغرى: ثقة فقيهة،توفيت سنة ( 81 ه ).
تهذيب الكمال 8/593 و 594 ( 8569 ) ، وسير أعلام النبلاء 4/277 ، والتقريب ( 8728 ) .(6/13)
متبذلة (1)، فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء لَيْسَ لَهُ حاجة في الدنيا . فجاء أبو الدرداء فصنع لَهُ طعاماً ، فَقَالَ : كُلْ ، قَالَ: فإني صائم ، قَالَ: ما أنا بآكل حَتَّى تأكل ، قَالَ: فأكل ، فَلَمَّا كَانَ الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، فَقَالَ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذهب يقوم ، فَقَالَ: نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ من آخر الليل ، قَالَ سلمان : قم الآن ، فصليا ، فَقَالَ لَهُ سلمان : إن لربك عليك حقاً ، ولنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فاعطِ كُلّ ذي حق حقه ، فأتى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فذكر لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( صدق سلمان )) . أخرجه البُخَارِيّ (2)، والترمذي (3)، وابن خزيمة (4) ، والبيهقي (5) .
فهذه أحاديث صحيحة أجازت لصائم النفل الإفطار ، ولم تأمره بقضاء .
حديث أم هانئ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( الصائم المتطوع أمين نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر )). أخرجه الإمام أحمد (6)، والترمذي (7)، والنسائي (8)، والدارقطني (9)،
والبيهقي (10) . قال الترمذي : (( في إسناده مقال )) (11) .
القول الثالث :
__________
(1) التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيأة الحسنة الجميلة. انظر: النهاية 1/111، ولسان العرب 11/50(بذل).
(2) صحيح البخاري 3/49 ( 1968 ) و 8/40 ( 6139 ) .
(3) جامع الترمذي ( 2413 ) .
(4) صحيح ابن خزيمة ( 2144 ) .
(5) في السنن الكبرى 4/275-276 .
(6) في مسنده 6/341 و 343 .
(7) جامع الترمذي ( 732 ) .
(8) السنن الكبرى ( 3302 ) و ( 3303 ) .
(9) سنن الدارقطني 2/175 .
(10) السنن الكبرى 4/276 .
(11) جامع الترمذي عقيب ( 732 ) .(6/14)
التفصيل وهو مذهب المالكية ، قالوا : إن أفطر بعذر جاز ، وإن أفطر بغير عذر لزمه القضاء (1) .
__________
(1) انظر : المدونة 1/25 ، والاستذكار 3/238 ، والبيان والتحصيل 2/342 ، وبداية المجتهد 1/227 ، والمنتقى 2/68 ، وشرح منح الجليل 1/412 .(6/15)
تعارض الوقف و الرفع
الوقف: مَصْدَر للفعل وقف وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول ، أي مَوْقُوْف (1) .
والمَوْقُوْف : هُوَ مَا يروى عن الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - من أقوالهم ، أو أفعالهم ونحوها فيوقف عَلَيْهِمْ وَلاَ يتجاوز بِهِ إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -.(2)
والرَّفْع : مَصْدَر للفعل رَفَعَ ، وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول ، أي : مَرْفُوْع(3) ، والمَرْفُوْع : هُوَ مَا أضيف إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّة (4)
__________
(1) انظر: لسان العرب 9/360 (وقف) .
(2) انظر في الموقوف :
مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث:19 ، والكفاية (58 ت ، 21ه) ، والتمهيد 1/25 ، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 41-42،و117 طبعتنا، والإرشاد 1/158 ، و التقريب: 51 ، 95 طبعتنا ، و الاقتراح 194 ، و المنهل الروي:40 ،و الخلاصة:64،و الموقظة : 41 ، و اختصار علوم الحَدِيْث: 45 ، و المقنع 1/114 ، وشرح التبصرة و التذكرة 1/123،و1/184 طبعتنا، ونزهة النظر:154،و المختصر: 145،وفتح المغيث 1/103، وألفية السيوطي 21 ، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي 146 ، وفتح الباقي 1/123 ، 1/177 طبعتنا ، وتوضيح الأفكار 1/261 ، وظفر الأماني: 325 ، وقواعد التحديث: 130 .
(3) انظر : مقاييس اللغة 2/423 ، مادة ( رفع ) .
(4) انظر: في المَرْفُوْع :
الكفاية (58ت ، 21ه) ، و التمهيد 1/25 ، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 117 طبعتنا وإرشاد طلاب الحقائق 1/157 ، و التقريب 50 ، و 94 طبعتنا ، و الاقتراح: 195 ، و المنهل الروي: 40 ،
والخلاصة :46 ، والموقظة: 41 ، و اختصار علوم الحَدِيْث: 45 ، و المقنع 1/113 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/116 ، و1/181 طبعتنا ، ونزهة النظر: 140 ، و المختصر: 119 ، وفتح المغيث 1/98 ، و ألفية السيوطي: 21 ، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 143 ، وفتح الباقي 1/116 ، و1/171 طبعتنا ، وتوضيح الأفكار 1/254 ، وظفر الأماني: 227 ، وقواعد التحديث 123 .(7/1)
.
والاختلاف في بَعْض الأحاديث رفعاً ووقفاً أمرٌ طبيعي ، وجد في كثيرٍ من الأحاديث ، و الحَدِيْث الواحد الَّذِي يختلف بِهِ هكذا محل نظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ أن المُحَدِّثِيْنَ إذا وجدوا حديثاً روي مرفوعاً إلى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ نجد الحَدِيْث عينه قَدْ روي عن الصَّحَابيّ نفسه موقوفاً عَلَيْهِ ، فهنا يقف النقاد أزاء ذَلِكَ؛ لاحتمال كون المَرْفُوْع خطأً
من بَعْض الرواة و الصَّوَاب الوقف ، أو لاحتمال كون الوقف خطأ و الصَّوَاب الرفع ؛ إذ إن الرفع علة للموقوف و الوقف علة للمرفوع . فإذا حصل مِثْل هَذَا في حَدِيث ما ، فإنه يَكُون محل نظر وخلاف عِنْدَ العُلَمَاء وخلاصة أقوالهم فِيْمَا يأتي:
... إذا كَانَ السَّنَد نظيفاً خالياً من بقية العلل ؛ فإنّ للعلماء فِيهِ الأقوال الآتية :
القَوْل الأول : يحكم للحديث بالرفع
لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم ما خفي ، وَقَدْ عدوا ذَلِكَ أيضاً من قبيل زيادة الثِّقَة، وَهُوَ قَوْل كَثِيْر من المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ قَوْل أكثر أهل الفقه و الأصول(1)، قَالَ العراقي: (( الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أن الرَّاوِي إذا رَوَى الحَدِيْث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع ، لأن مَعَهُ في حالة الرفع زيادة ، هَذَا هُوَ المرجح عِنْدَ أهل الحَدِيْث )) (2) .
القَوْل الثَّانِي: الحكم للوقف(3) .
القَوْل الثَّالِث : التفصيل
__________
(1) شرح التبصرة و التذكرة 1/177 ، و 1/233 طبعتنا ، ومقدمة جامع الأصول 1/170 ،
وفتح المغيث 1/194 ، و المحصول 2/229-230 ، و الكفاية (588ت-417ه) ، شرح ألفية
السيوطي 29 .
(2) فتح المغيث 1/168 ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد عُثْمَان ، و 1/195 ط عويضة .
(3) مقدمة جامع الأصول 1/170 ، فتح المغيث 1/194 ، شرح ألفية السيوطي : 29 .(7/2)
فالرفع زيادة ، و الزيادة من الثِّقَة مقبولة ، إلا أن يوقفه الأكثر ويرفعه واحد ، لظاهر غلطه (1) .
... والترجيح برواية الأكثر هُوَ الذي عَلَيْهِ العَمَل عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأن رِوَايَة الجمع إذا كانوا ثقات أتقن وأحسن و أصح و أقرب للصواب ؛ لذا قَالَ ابن المبارك : (( الحفاظ عن ابن شهاب ثلاثةٌ : مَالِك ومعمر و ابن عيينة ، فإذا اجتمع اثنان عَلَى قولٍ أخذنا بِهِ ، وتركنا قَوْل الآخر )) (2) .
... قَالَ العلائي : (( إن الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حَدِيث كَانَ القَوْل فِيْهِمْ للأكثر عدداً أو للأحفظ و الأتقن... ويترجح هَذَا أيضاً من جهة المَعْنَى ، بأن مدار قبول خبر الواحد عَلَى غلبة الظن ، وعند الاختلاف فِيْمَا هُوَ مقتضى لصحة الحَدِيْث أو لتعليله ، يرجع إلى قَوْل الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط و السهو ، وَذَلِكَ عِنْدَ التساوي في الحفظ والإتقان . فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قَوْل الأحفظ و الأكثر إتقاناً ، وهذه قاعدة متفق عَلَى العَمَل بِهَا عِنْدَ أهل الحَدِيْث )) (3) .
__________
(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/179 ، 1/233 طبعتنا ، وفتح المغيث 1/195، وشرح ألفية السيوطي:29.
(2) نقله عَنْهُ النَّسَائِيّ في السُّنَن الكبرى 1/632 عقيب (2072) ، ونقله عَنْهُ العلائي في نظم الفرائد:
367 بلفظ : (( حُفَّاظ علم الزُّهْرِيّ ثلاثة: مَالِك ومعمر وابن عيينة ، فإذا اختلفوا أخذنا بقول رجلين مِنْهُمْ )) .
(3) نظم الفرائد : 367 .(7/3)
القَوْل الرابع : يحمل المَوْقُوْف عَلَى مَذْهَب الرَّاوِي ، و المُسْنَد عَلَى أَنَّهُ روايته فَلاَ تعارض(1). وَقَدْ رجح الإمام النَّوَوِيّ من هذِهِ الأقوال القَوْل الأول(2) ، ومشى عَلَيْهِ في تصانيفه ، و أكثر من القَوْل بِهِ .
والذي ظهر لي – من صنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ ونقادهم – : أنهم لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث الَّذِي اختلف فِيهِ عَلَى هَذَا النحو أول وهلة ، بَلْ يوازنون ويقارنون ثُمَّ يحكمون عَلَى الحَدِيْث بما يليق بِهِ ، فَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة المرفوعة ، وَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة الموقوفة ، عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالروايات ؛ فعلى هَذَا فإن حكم المُحَدِّثِيْنَ في مِثْل هَذَا لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية مطردة تقع تحتها جَمِيْع الأحاديث ؛ لِذلِكَ فإن مَا أطلق الإمام النَّوَوِيّ ترجيحه يمكن أن يَكُون مقيداً عَلَى النحو الآتي :
الحكم للرفع - لأن راويه مثبت وغيره ساكت ، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم مَا خفي - ، إلا إذَا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح معها الوقف .
وسأسوق أمثلة لأحاديث اختلف في رفعها ووقفها متفرعة عَلَى حسب ترجيحات المُحَدِّثِيْنَ .
فمثال مَا اختلف في رفعه ووقفه وكانت كلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيْحَة :
حَدِيث عَلِيٍّ - رضي الله عنه - : (( ينضح من بول الغلام ، ويغسل بول الجارية )). قَالَ الإمام
التِّرْمِذِي : (( رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، وَلَمْ يرفعه )) (3) .
__________
(1) فتح المغيث 1/168 ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد ، و 1/195 ط عويضة .
(2) مقدمة شرح النَّوَوِيّ عَلَى صَحِيْح مُسْلِم 1/25 ، و التقريب : 62-63 ، و 107-108 طبعتنا ، والإرشاد 1/202 .
(3) جامع التِّرْمِذِي عقب حَدِيث ( 610 ) .(7/4)
وَقَالَ الحافظ ابن حجر : (( إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه ، وَفِي وصله وإرساله ، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته وكذا الدَّارَقُطْنِيّ )) (1) .
والرواية المرفوعة : رواها معاذ بن هشام (2)، قَالَ: حَدَّثَني أبي(3)، عن
قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود (4) ، عن أبيه (5) ، عن عَلِيّ بن أبي طالب ،
__________
(1) التلخيص الحبير طبعة العلمية 1/187 ، وطبعة شعبان 1/50 .
(2) هُوَ معاذ بن هشام بن أبي عَبْد الله الدستوائي ، البصري ، وَقَدْ سكن اليمن ، ( صدوق رُبَّمَا وهم ) ، مات سنة مئتين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة . التقريب ( 6742 ) .
(3) هُوَ هشام بن أبي عَبْد الله :سَنْبَر – بمهملة ثُمَّ نون موحدة ، وزن جَعْفَر – ، أبو بَكْر البصري الدستوائي ، ( ثِقَة ، ثبت )، مات سنة مئة وأربع وخمسين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة.الطبقات لابن سعد 7/279-280 ، وتذكرة الحفاظ 1/164 ، والتقريب (7299).
(4) هُوَ أبو حرب بن أبي الأسود الديلي ، البصري ، ( ثِقَة ) ، قِيلَ : اسمه محجن ، وَقِيلَ : عطاء ، مات سنة ثمان ومئة ، أخرج حديثه مُسْلِم وأصحاب السُّنَن الأربعة . التقريب ( 8042 ) .
(5) هُوَ أَبُو الأسود الديلي – بكسر المُهْمَلَة وسكون التحتانية – ، ويقال : الدؤلي 0 بالضم بعدها
همزة مفتوحة – ، البصري ، اسمه : ظالم بن عَمْرو بن سُفْيَان ، ويقال : عَمْرو بن ظالم ، ويقال : بالتصغير فِيْهِمَا ، ويقال : عَمْرو بن عُثْمَان ، أو عُثْمَان بن عَمْرو : ( ثِقَة ، فاضل ، مخضرم ) ، مات سنة تسع وستين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة . التقريب ( 7940 ) .(7/5)
مرفوعاً (1) .
قَالَ البزار : (( هَذَا الحَدِيْث لا نعلمه يروى عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، إلا من هَذَا الوجه بهذا الإسناد ، وإنما أسنده معاذ بن هشام ، عن أبيه ، وَقَدْ رَواهُ غَيْر معاذ بن هشام ، عن قتادة، عن أبي حرب ، عن أبيه ، عن عَلِيّ ، موقوفاً )) (2) .
أقول : إطلاق البزار في حكمه عَلَى تفرد معاذ بن هشام بالرفع غَيْر صَحِيْح إِذْ إن معاذاً قَدْ توبع عَلَى ذَلِكَ تابعه عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث (3) عِنْدَ أحمد (4) ،
والدارقطني (5) ، لذا فإن قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أدق حِيْنَ قَالَ : (( يرويه قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، رفعه هشام بن أبي عَبْد الله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبدالصمد بن عَبْد الوارث ، عن هشام ، ووقفه غيرهما عن هشام )) (6)
__________
(1) هذِهِ الرِّوَايَة أخرجها : أحمد 1/ 97 و 137 ، وأبو دَاوُد ( 378 ) ، وابن ماجه ( 525 ) ، والترمذي ( 610 ) ، وَفِي علله الكبير ( 38 ) ، والبزار ( 717 ) ، وأبو يعلى ( 307 ) ، وابن خزيمة ( 284 ) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/92 ، وابن حبان ( 1372 ) ، وطبعة الرسالة ( 1375 ) ، والدارقطني 1/129 ، والحاكم 1/165-166 ، والبيهقي 2/415 ، والبغوي ( 296 ) .
(2) البحر الزخار 2/295 .
(3) هو أبو سهل التميمي العنبري عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد ، توفي سنة ( 207 ه ) .
الطبقات الكبرى 7/300 ، وسير أعلام النبلاء 9/516 ، وشذرات الذهب 2/17 .
(4) المُسْنَد 1/76 .
(5) السُّنَن 1/129 ؟
(6) علل الدَّارَقُطْنِيّ 4/184-185 س ( 495 ) .
تنبيه : مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من أن غَيْر معاذ وعبد الصمد روياه عن هشام موقوفاً فإني لَمْ أجد هَذَا في شيء من كتب الحَدِيْث ، ولعله وهمٌ من الدَّارَقُطْنِيّ يفسر ذَلِكَ قوله في السُّنَن 1/129 لما ساق رِوَايَة معاذ : ((تابعه عَبْد الصمد ، عن هشام ، ووقفه ابن أبي عروبة ، عن قتادة )) . فلو كَانَتْ ثمة مخالفة قريبة لما ذهب إلى رِوَايَة ابن أبي عروبة ، والله أعلم .(7/6)
.
والرواية الموقوفة : رواها يَحْيَى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن عَلِيّ ، فذكره موقوفاً (1) .
فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة (2) ، وابن حبان (3) ، والحاكم(4) - وَلَمْ يتعقبه الذهبي – ، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري(5) قَالَ : (( قَالَ البُخَارِيّ : سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه ، وَهُوَ حافظ )) (6) .
__________
(1) وهذه الرِّوَايَة الموقوفة أخرجها عَبْد الرزاق ( 1488 ) ، وابن أبي شَيْبَة ( 1292 ) ، وأبو دَاوُد ( 377)، والبيهقي 2/415 .
(2) صَحِيْح ابن خزيمة ( 284 ) ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يحكم عَلَيْهِ بلفظه ، إلا انا قلنا ذَلِكَ عَنْهُ لالتزامه الصحة في كتابه قَالَ العماد بن كَثِيْر في اختصار علوم الحَدِيْث : 27 ، وطبعة العاصمة 1/109 : (( وكتب أخر التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة ، وابن حبان )) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر في نكته عَلَى كِتَاب ابن
الصَّلاح 1/291 : (( حكم الأحاديث الَّتِي في كِتَاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بِهَا )) . عَلَى أن الكِتَاب فِيهِ بَعْض مَا انتقد عَلَيْهِ .
(3) صحيحه ( 1372 ) ، وطبعة الرسالة ( 1375 ) ، وانظر الهامش السابق .
(4) المستدرك 1/165-166 .
(5) هو أبو مُحَمَّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري الشامي الأصل ، ولد سنة ( 581 ه ) ، من مصنفاته " المعجم " ، واختصر " صحيح مسلم " و " سنن أبي داود " ، توفي سنة ( 656ه ) .
سير أعلام النبلاء 23/319 و 320 ، والعبر 5/232 ، وتذكرة الحفاظ 4/1436 .
(6) عون المعبود 1/145 .(7/7)
أقول : هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً ؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه ، ووقفه ، فإن الحكم عندهم للرفع ، وَلاَ تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ .(7/8)
رابع عشر : ( ص 32 ) : قالا : (( هذا الموقف المضطرب من توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم ، والذي يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه لا يمكن إحالته على سبب من الأسباب ، سوى الابتعاد عن المنهج وخلو الكتاب منه ، ومثله مثل مئات التراجم التي لم يحررها تحريراً جيداً ، بحيث ضعَّف ثقات ، ووثق ضعفاء ، وقبل مجاهيل ، واستعمل عبارات غير دقيقة في المختلف فيهم مما سيجده القارئ الباحث في مئات الانتقادات والتعقبات التي أثبتناها في " تحرير أحكام التقريب " )) .
أما القاعدة الصحيحة في الموقف من توثيق ابن حبان ، فهي كما يلي :
1- ما ذكره في كتابه " الثقات " وتفرد بالرواية عنه واحد – سواء أكان ثقة أم غير ثقة – ولم يذكر لفظاً يفهم منه توثيقه ، ولم يوثقه غيره ، فهو يعد مجهول العين ، وهي القاعدة التي سار عليها ابن القطان الفاسي وشمس الدين الذهبي ، ولهما فيها سلف عند الجهابذة ، فقد قال علي ابن المديني في جري بن كليب السدوسي البصري : (( مجهول لا أعلم روى عنه غير قتادة )) ، وقال في جعفر بن يحيى بن ثوبان : (( شيخ مجهول لم يرو عنه غير أبي عاصم ( الضحاك بن مخلد النبيل ) )) ، وقال أبو حاتم الرازي في حاضر بن المهاجر الباهلي : (( مجهول )) مع أن شعبة بن الحجاج روى عنه .
2- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال .
3- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد .
4- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .
5 - إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدل على التوثيق فمعنى هذا أنه فتش حديثه فوجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل .(8/1)
6- أما تضعيفه ، فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجودين ، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر ، وربما يعترض معترض علينا في عدم اعتبار ذكر ابن حبان لراو تفرد عنه الواحد والاثنان في " الثقات " ، فنقول : إن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدل على توثيق أصلاً ، فقد قال في " الثقات " مثلاً : (( سلمة ، يروي عن ابن عمر ، روى عنه سعيد بن سلمة ، لا أدري من هو ولا ابن من هو )) ! وقال في موضع آخر : (( جميل ، شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة روى عنه عبد الله بن عون ، لا أدري من هو ولا ابن من هو )) وقال في ترجمة الحسن بن مسلم الهذلي : (( يروي عن مكحول روى عن شعبة ، إن لم يكن ابن عمران فلا أدري من هو )) .
أقول مستعيناً بالله : انطوى كلامهما هذا بطوله على جملة من التوهمات والقواعد الباطلة والتناقضات الواضحة ، أقتصر الرد فيها على الأمور الآتية :
أولاً : وصفهما لكتاب ابن حجر بالخلو من المنهج والابتعاد عنه ، تهمة قذفا بها الحافظ وهي بهما أحق ، ومن خلال تتبعي لتراجم تحريرهما وقفت على جملة أشياء ، تثبت بما لا يقبل الشك ، خلو تحريرهما من المنهج ، وافتقارهما إلى سبيل واضحة يسيران عليها ، الأمر الذي نجم عنه ظهور ما يأتي :
1- من بدهيات علم التحقيق : أن المحقق يسير على طريق واضحة ، يتخذها نهجاً له في الكتاب كله ، والمحرران تجردا في تحقيقهما لنص التقريب من أي منهج ، ومن الأمثلة على هذا أنهما اضطربا في مسألة إثبات الصواب في المتن أو الهامش ، وسأجلي لك عظم هذا الاضطراب من الإحصائية الآتية :
أ. أثبتا الصواب في الأصل ، وأشارا إلى الخطأ في الهامش ، في مئة وثمان وعشرين ( 128 ) ترجمة ، وإليك أرقامها :(8/2)
عقيب : 85 ، 395 ، 535 ، 549 ، 558 ، 598 ، 601 ، 609 ، 773 882 ، عقيب : 901 ، 907 ، 1092 ، 1459 ، 1521 ، 1580 1599 ، 1618 ، 1620 ، 1664 ، 1875 ، 1997 ، 2024 ، 2207 2442 ، 2600 ، 2669 ، 2763 ، 2823 ، 2900 ، 2912 ، 2949 3288 ، 3327 ، 3388 ، 3436 ، 3503 ، 3510 ، 3539 ، 3577 3616 ، 3654 ، 3760 ، 3795 ، 4035 ، 4217 ، 4278 ، 4383 4598 ، 4629 ، 4630 ، 4827 ، 4886 ، 4941 ، عقيب : 5262 5531 ، 5735 ، 5746 ، 5822 ، 5862 ، 5913 ، 5934 ، 5992 6019 ، 6065 ، 6098 ، 6139 ، 6140 ، 6225 ، 6229 ، 6241 6312 ، 6412 ، 6440 ، 6448 ، 6491 ، 6498 ، 6499 ، 6546 6576 ، 6592 ، 6648 ، 6673 ، 6700 ، 6722 ، 6750 ، 6777 6778 ، 6822 ، 6926 ، 6954 ، 6988 ، 7070 ، 7081 ، 7241 7349 ، 7359 ، 7386 ، 7427 ، 7472 ، 7497 ، 7603 ، 7626 7627 ، 7639 ، 7682 ، 7756 ، 7783 ، 7883 ، 7888 ، 7932 7946 ، 8049 ، 8102 ، 8148 ، 8174 ، 8237 ، 8239 ، 8327 8339 ، 8349 ، 8421 ، 8447 ، 8685 ، 8801 ، عقيب : 8807 عقيب : 8813 ، 8822 .
ب. أثبتا الخطأ في الأصل ، وأشارا إلي الصواب في الهامش ، في مئة وأربع وأربعين ( 144 ) ترجمة ، وإليك أرقامها :(8/3)
38 ، 44 ، 56 ، 146 ، 176 ، 193 ، 223 ، 262 ، 336 ، 368 418 ، 444 ، 568 ، 573 ، 589 ، 607 ، 643 ، 670 ، 783 815 ، 836 ، 861 ، 894 ، 910 ، 946 ، 952 ، 954 ، 962 967 ، 1007 ، 1028 ، 1070 ، 1124 ، 1150 ، 1154 ، 1591 1619 ، 1628 ، 1859 ، 1974 ، 2059 ، 2108 ، 2466 ، 2490 2589 ، 2602 ، 2802 ، 2833 ، 2964 ، 3044 ، 3136 ، 3264 3303 ، 3314 ، 3325 ، 3348 ، 3396 ، 3398 ، 3454 ، 3457 3486 ، 3491 ، 3500 ، 3517 ، 3524 ، 3534 ، 3585 ، 3607 3615 ، 3648 ، 3667 ، 3677 ، 3689 ، 3724 ، 3728 ، 3766 4060 ، 4127 ، 4277 ، 4300 ، 4304 ، 4314 ، 4315 ، 4333 4336 ، 4378 ، 4384 ، 4397 ، 4416 ، 4417 ، 4440 ، 4482 4491 ، 4817 ، 4879 ، 5004 ، 5329 ، 5465 ، 5679 ، 5970 6079 ، 6114 ، 6178 ، 6314 ، 6569 ، 6867 ، 6890 ، 6993 7110 ، 7150 ، 7162 ، 7203 ، 7224 ، 7226 ، 7244 ، 7304 7334 ، 7347 ، 7354 ، 7414 ، 7456 ، 7532 ، 7553 ، 7565 7616 ، 7680 ، 7749 ، 7847 ، 7859 ، 7872 ، 7873 ، 8013 8275 ، إحالة 4 / 243 ( أبو عمر الندبي ) ، 8283 ، إحالة 4 / 344 ( العائذي ) ، إحالة 4 / 353 ( الهجري ) ، إحالة 4 / 365 ( زوج درة ) إحالة 4 / 366 ( سابق العرب ) ، 8522 ، 8573 ، 8745 ، 8799 .
أفليس هذا من الابتعاد عن المنهج وعدم الالتزام به ؟! .
2 – ومن الأمثلة على فقدان المنهج عند المحررين ، أنهما أضافا ترجمتين ادعيا أنهما من عندهما – ولست أريد هنا أن أدخل في نقاش معهما في ذلك فقد تناولت ذلك مفصلاً في موضعه من كتابي " كشف الإيهام "– ولكن الذي تجدر الإشارة إليه أنهما لما أضافا ترجمة ( زياد بن عمرو بن هند الجملي ) كررا رقم الترجمة التي قبله وأعقباها بحرف ( ب ) ولما أضافا ترجمة ( عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي ) كررا أيضاً رقم الترجمة التي قبله ، وأعقباها بحرف ( م ) .(8/4)
فهل هذا من المنهج في شيء ؟ ولو كان لديهما منهج لظهر هنا ، إذ الأمر في منتهى اليسر فليست سوى ترجمتين ، فأي الكتابين أبعد عن المنهج ؟!
وقس أنت الأمور واحكم ، فلئن أخلا بالمنهجية في هذه الجزئية الصغيرة ، فما بقي كان أعظم ؟!
ثانيا : وضعا جملة من المباحث أسموها (( قاعدة صحيحة )) في الموقف من توثيق ابن حبان ، وهي أمور في المنتهى من الغرابة ، أوجز الرد عليها بما يأتي :
1- إن مَنْ يُنَظِّر شيئاً ينبغي عليه أن يكون أول العاملين به ، وهذا مما أخل به المحرران ، فقد نصا في الفقرة الأخيرة من كلامهما على : (( أن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدل على توثيق أصلاً )) والمحرران بهذا يرميان إلى التفريق بين ذكر ابن حبان للراوي فقط دون النص على توثيقه ، وبين ذكره مع النص على توثيقه ، وهذا أمر نتفق معهم على بعضه ؛ لكن المحررين نسيا هذه القاعدة البتة أثناء عملهما في المجلد الأول من تحريرهما ، ولم تخطر هذه القاعدة لهما على بالٍ إلا في ثلاثة تراجم ( 420 ، 964 ، 1694 ) وستجد الكثير مما أشرت إليه في كتابي" كشف الإيهام " ، وكذلك نسيا هذه القاعدة في كثير من المواضع للمجلدات الأخرى ، عزبت عن التنبيه إليها هنا خشية الإطالة .
2- تكلم المحرران في الفقرة (6) عن تضعيف ابن حبان فقالا : (( أما تضعيفه فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجودين، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر ))
أقول : إن كان ابن حبان في جرحه للرواة في مصاف الجهابذة المجودين ، فهل يصح أن نهمل أو نغمر جرح من هو جهبذ مجود ، كلما عنَّ ذلك لسبب أو لغير سبب ؟! وإليك نماذج لتراجم تركا فيها قول ابن حبان ، فقالا بغير قوله من غير ما التفات إلى ما ذكرا :
أ- الترجمة (2723) لم يعتدا بجرح ابن حبان وغمزا قوله : (( ربما خالف ))
ب- الترجمة ( 3282 ) وصفا جرحه بالتعنت ، وقرعا بالحافظ لاعتداده بجرحه .(8/5)
ج- الترجمة ( 3336 ) غمزا فيها جرح ابن حبان .
د- الترجمة ( 3745 ) ردا فيها جرح ابن حبان .
فكيف سيكون قولك إذا علمت أن ابن حبان لم ينفرد بجرحه ؟ بل جرح المترجمَ سيدُ النقاد الإمام البخاري بالصفة نفسها التي جرحه بها ابن حبان والمحرران يلمحان إلى رد نقدهما فقالا : (( أما قول ابن حبان في " الثقات " : يخطئ ويهم ، فنظنه أخذه من البخاري )) ، فكيف الأمر وقد ردا جهبذين مجودين ؟!!!
هـ- الترجمة ( 4275 ) أقذعا القول فيها لابن حبان ، فقالا : (( فهذا – يردان جرحه للراوي – من قعقة ابن حبان )) .
و- الترجمة ( 5846 ) غمزا ابن حبان ، فقالا : (( وذكره ابن حبان وحده في " الثقات " ، وقال : يخطئ ويخالف ، وهذا من عجائبه ! )) .
فحتى وإن سلمنا جدلاً بأن ابن حبان أخطأ في بعض هذا فلسنا ندعي عصمته ، فقد كان لازماً عليهما أن يتحدثا عنه بكل أدب واحترام .
3- اضطرب موقف المحررين من توثيق ابن حبان – حسب ما يستجد لهما من قرائن ، وليت استقراء القرائن عندهما كان دقيقاً ، فهما يعميان الأمر على القارئ ، فإذا أرادا توثيق الراوي قالا : وثقه ابن حبان ، وحقيقة الأمر أنه إنما ذكره فقط ، وإذا تكلما في الراوي ضربا عن توثيقه صفحاً ، وإليك مثُل ذلك :
أ- الترجمة ( 2906 ) قالا : (( ولم يوثقه سوى ابن حبان ، وتوثيقه شبه لا شيء )) .
ب- الترجمة ( 3343 ) قالا : (( ولم يوثقه سوى العجلي وابن حبان وتوثيقه شبه لا شيء عند انفرادهما )) .
ج- الترجمة ( 3349 ) جهلا الراوي وقالا : (( حينما ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " قال : يخطئ )) .
د- الترجمة ( 3360 ) اعتدا فيها بذكر ابن حبان له في الثقات .
هـ- الترجمة ( 3617 ) ضعفا الراوي ثم قالا : (( وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : يخطئ ويخالف )) وهذا اعتداد منهما بالجرح دون التوثيق .(8/6)
4- بخصوص نص ابن حبان على توثيق الرواة ، قالا : (( إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدل على التوثيق ، فمعنى هذا أنه فتش حديثه ووجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يُوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل )) .
أقول : من أسس قاعدة ثم هدمها بمعول مخالفته لها ، حريٌّ بمن بعده عدم الأخذ بها ، وأكتفي هنا بمثالين ، جاءت إدانتهما فيه من قلميهما ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الترجمة ( 3660 ) : (( عبد الله بن نافع الكوفي ، أبو جعفر الهاشمي مولاهم : صدوق ، من الثالثة . د عس )) .
فتعقباه بقولهما : (( بل مجهول ، تفرد بالرواية عنه الحكم بن عتيبة ، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال : صدوق )) فأين المنزلة الرفيعة ؟ وأين أنزلا توثيق ابن حبان من توثيق الأئمة الكبار ؟؟ وهل الأمر سوى محاولة تعقب الحافظ ابن حجر ؟ نسأل الله السلامة .
والمثال الثاني : قال الحافظ ( 1221 ) الحسن بن جعفر البخاري : (( ثقة )) وقد تعقباه بقولهما : (( بل مقبول ، روى عنه اثنان ولم يوثقه سوى ابن حبان )) .
أقول : وابن حبان قد صرح بتوثيقه ( 8 / 173 ) فقال : (( الحسن بن جعفر من أهل بخارا ، ثقة )) وتصريح ابن حبان في توثيقه للمترجم نقله الإمام المزي في " تهذيب الكمال " ( 6 / 73 ) ، وابن حجر في " تهذيب التهذيب " ( 2 / 260 ) .(8/7)
ثالثاً : مسألة كثرة الرواة عن الشخص هل تعني توثيقاً ؟ أو تحسن من حال الراوي ؟ وهي مسألة أحب الدخول معهم بصددها في نقاش علمي ، ولذا سيتمحور ردي في كل فقرة منه على محورين ، الأول : إبطال ما قعداه ، الثاني إيراد أمثلة عملا فيها بخلاف ما قعداه ؛ ولكنني وقبل الولوج في هذا أود أن أتناول قاعدة لهج بها المحرران كثيراً في كتابهما ، ألا وهي رواية الجمع ، فقد كررا القول مراراً : (( روى عنه جمع )) فهل رواية الجمع تنفع الراوي أم لا ؟ .
أقول : لا بد في كل راوٍ – لكي تقبل روايته – من معرفة حاله ، وخبرة سيرته حتى يتسنى للناقد الحكم بقبول رواية ذلك الراوي أو ردها ، إلا أن بعض الرواة لم يستطع العلماء أن يتعرفوا حالهم ، وهم الذين يدعون ( بالمجاهيل ) وليسوا في طبقة واحدة ، بل المشهور أنهم ثلاثة : مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، ومجهول العدالة باطناً وهو الذي يسمى ( مجهول الحال ) ، ومجهول العين .
وقد نصت كتب المصطلح أن من روى عنه شخص واحد ، ولم يعلم حاله فهو مجهول العين فإن روى عنه آخر صار مجهول الحال ، فزيادة العدد هنا قد حسنت من حال الراوي ، لكن ينبغي التنبه لثلاثة أمور :
الأول : إن هذه الزيادة لم تخرجه عن حيز الجهالة ، بل غاية نفعها أن أزالت عنه شيئاً من جهالته ، فنقلته من مرتبة جهالة إلى مرتبة جهالة أخرى أخف منها .
الثاني : إن هذه الزيادة حتى وإن عظمت فبلغت أكثر من اثنين غير مقتضية لإثبات العدالة ، وقد نص الخطيب البغدادي وغيره على ذلك ، فقال : أقل ما ترتفع به الجهالة – يعني : جهالة العين – أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك ؟ …إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه )) (الكفاية : ص :150 ).(8/8)
الثالث : إن العبرة أصلاً ليست بكثرة الرواة وقلتهم ، بل بالمعرفة والسبر وللحافظ ابن القطان الفاسي كلام نفيس في كتابه " بيان الوهم والإيهام " ( 4 / 13 عقيب 1432 ) حول قبول رواية المستور فقال – رحمه الله - : (( والحق في هذا أنه لا تقبل روايته ، ولو روى عنه جماعة ، ما لم تثبت عدالته ، ومن يذكر في كتب الرجال برواية أكثر من واحد عنه مهملاً من الجرح والتعديل ، فهو غير معروف الحال عند ذاكره بذلك ، وربما وقع التصريح بذلك في بعضهم )) .
وقال الإمام السيوطي في شرحه لألفية العراقي ( ص 244 ) : (( الرواية تعريف له – [ يعني : للراوي ] والعدالة بالخبرة ، وبأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه ))
وقال أحد الباحثين : (( ذكرت في المبحث السابق عن عدد من أئمة النقد أنهم قد يعدون الراوي مجهولاً إذا لم يرو عنه إلا راوٍ واحد ، وقد يعدّونه ثقة ، وقد يجهلون من روى عنه جماعة ، وقد يوثقونه ، أو يذكرون أنه معروف ، وهذا يعني أن العبرة عندهم ليست في عدد الرواة عن الشيخ ، وإنما العبرة بمعرفته واستقامة روايته )) ( رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ص ( 194 ) ) .
والآن حان الوقت للدخول في مناقشة كلام المحررين :
1- إن من ذكره ابن حبان في ثقاته ، وكان له راوٍ واحد ، فهو مجهول العين وهذه قاعدة تكاد تكون محل اتفاق المحدثين ، إلا أن المحررين لم يلتزما ذلك رغم كونها عميقة الأصالة لدى المحدثين ، وسأسوق أمثلة على ذلك :
أ- الترجمة ( 188 ) ، تفرد بالرواية عنه الأوزاعي ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6 / 21 ) ، وقال ابن حجر : مجهول ، تعقباه بأنه : ثقة !!
ب- الترجمة ( 1385 ) ، تفرد بالرواية عنه الزهري ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 4/159 ) وقال ابن حجر : صدوق الحديث ، ولم يتعقباه !!(8/9)
ج- الترجمة ( 1722 ) تفرد بالرواية عنه محمد إسحاق ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6/271 ) وقال ابن حجر : مقبول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
د- الترجمة ( 3569 ) تفرد بالرواية عنه أبو سعيد جعثل بنص الذهبي في الميزان ( 2 / 483 و 499 ) وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 51 ) قال عنه ابن حجر : صدوق ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
هـ- الترجمة ( 3669 ) ، تفرد بالرواية عنه عبد الله بن أبي مليكة بنصهما وذكره ابن حبان في ثقاته ( 5 / 47 ) ، وقال عنه ابن حجر : وثقه النسائي ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
و- الترجمة ( 5091 ) تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي بنصهما وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 180 ) ، قال الحافظ عنه : مقبول فتعقباه بأنه : ثقة !!
ز- الترجمة ( 5214 ) ، تفرد بالرواية عنه عمرو بن دينار ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 281 ) قال الحافظ : ليس بمشهور ، تعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!
ح- الترجمة ( 5878 ) تفرد بالرواية عنه سليمان بن حرب ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 7 / 422 ) ، قال الحافظ : مقبول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
ط- الترجمة ( 7200 ) تفرد بالرواية عنه الأوزاعي ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 7 / 545 ) قال الحافظ : ثقة ، فتعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!
ي- الترجمة ( 7338 ) تفرد بالرواية عنه عبد الله بن عون ، ذكره ابن حبان في الثقات (7/573) قال الحافظ : مجهول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!
ك- الترجمة ( 8349 ) تفرد بالرواية عنه أبو مجاهد سعد الطائي ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 72 ) ، قال الحافظ : مقبول ، فتعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!(8/10)
وبهذا القدر أكتفي خشية الإطالة وإملال القارئ ؛ لكن المحررين ربما اعتذرا عن بعض ذلك بوجود من وثقه ، وهذا العذر لا يسعفهم في شيء ، فقد أكثرا من الذهاب إلى تجهيل من انفرد عنه بالرواية واحد ، وإن وثقه الجمع أما الحافظ ابن حجر فربما عدّل من حاله هكذا لقرينة خاصة كصحة أحاديث الراوي أو غيرها .
2- من ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال ، أود الإشارة هنا إلى أن المحررين لم يعتدا هنا بذكر ابن حبان للراوي في الثقات وذلك لأن رواية الاثنين عن الشيخ رافعة لجهالة العين مبقية على جهالة الحال ، وهو أمر شاع بين المحدثين ، فما قيمة ذكر ابن حبان عندهما هنا ؟!
وقول المحررين قول شاذ غريب ؛ لأننا لم نعهد عن أحد من العلماء المتقدمين إهمال ذكر ابن حبان للراوي في ثقاته بالكلية ، وإنما كانوا يفصلون في ذلك فيفرقون بين شيوخه وبين من عرفهم وبين غيرهم كما سيأتي إيضاحه ، فلا يحكمون لأول وهلة بل يوازنون ويقارنون .
3- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد ، أقول : هذا تنظير غير صحيح ، فكيف يختلف لديهما الحكم من اثنين إلى ثالث ، وقد سبق الكلام على أن رواية الجمع لا تؤثر في التوثيق وكيف يفرقان بين هذه الفقرة وبين التي قبلها في الحكم ، والمحصلة النهائية لحكمهما واحد ، إذ إن كلاً منهما مقبول في المتابعات والشواهد .
وهذا التنظير يعدم بالكلية الفائدة من ذكر ابن حبان للرواة في الثقات بالمرة إذ إن المخشي من توثيق ابن حبان توثيق المجاهيل ، فإذا كان المترجم من شيوخه أو شيوخ شيوخه ، أو ممن عرفهم وجالسهم فما المانع من قبول توثيقه ؟!
4- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .(8/11)
أقول : ما بال زيادة راوٍ واحد نقلت الشيخ من فلك إلى فلك آخر ، ومن رتبة إلى أخرى ، وقد سبق قولي: إن العدد لا يؤثر في توثيق الراوي ، وما يَرِدُ على الفقرة السابقة يَرِدُ هنا ، فقد يكون الراوي من شيوخه أو شيوخ شيوخه أو من أهل بلده أو ممن عرفهم !!
ويحسن بنا ونحن في هذا المقام أن نعرض لما قرره العلامة المعلمي اليماني – رحمه الله – وشاع بين كثير من الناس ، إذ قال في التنكيل ( 2 / 450 – 451 ) ( مجلة الحكمة العدد السابع عشر ص 393 ) : (( والتحقيق أن توثيقه على درجات :
الأولى : أن يصرح به ، كأن يقول : (( كان متقناً )) أو (( مستقيم الحديث )) أو نحو ذلك .
الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم .
الثالثة : أن يكون الرجل من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة .
الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة .
الخامسة : ما دون ذلك .
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة ، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم والثانية قريب منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل – والله أعلم - )) .
وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله - معقباً على كلام المعلمي : (( هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف المعلمي – رحمه الله – وتمكنه من علم الجرح والتعديل وهو مما لم أره لغيره فجزاه الله خيراً .
غير أنه قد ثبت لدي بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يعرف ، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما من المحققين ، فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة ، بل والتي قبلها أحيانا )) .(8/12)
والحق في ذلك أن ما قرره العلامتان المعلمي والألباني إطلاق يفتقر إلى تقييد ، لتصحح هذه القاعدة ، وقد أجاد بعض الباحثين في تفصيل ذلك ، إذ قسم الرجال الذين ترجم لهم ابن حبان في ثقاته إلى قسمين :
القسم الأول : الذين انفرد بالترجمة لهم .
القسم الثاني : الذين اشترك مع غيره بالترجمة لهم ، وهم على قسمين أيضاً :
الأول : الرواة الذين أطلق عليهم ألفاظ الجرح والتعديل ، وهؤلاء الرواة لم يكونوا على درجة واحدة ، بل كان فيهم الحافظ والصدوق والمجروح والضعيف والمجهول .
الثاني : الرواة الذين سكت عنهم ، وفيهم الحافظ والصدوق والمستور والمجهول والضعيف ومنكر الحديث .
وختاماً نص الباحث نفسه فقال : (( والفصل في الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان هو عرضهم على كتب النقد الأخرى ، فإن وجدنا فيها كلاماً أخذنا بما نراه صواباً مما قاله أصحاب كتب النقد ، وإن لم نجد فيها كلاماً شافياً طبقنا قواعد النقاد عليهم ، وقواعد ابن حبان نفسه .
وأغلب الرواة الذين يسكت عليهم ابن حبان ، ويكون الواحد منهم قد روى عنه ثقة ، وروى عن ثقة ، يكونون مستورين ، يقبلون في المتابعات والشواهد ولذلك فإنني قلت في رسالتي عن ابن حبان في الرواة الذين ترجمهم ساكتاً عليهم : بأنهم على ثلاث درجات :
1- فمنهم الثقات وأهل الصدق .
2- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار .
3- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول ، وهؤلاء ذكرهم للمعرفة – والله أعلم - )) ( رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ( ص72 ) ) .(8/13)
والذي أميل إليه : أن ما ذهب إليه المحرران من تقييد ذلك بعدد الرواة خطأ محض نشأ عن تسرع في الأحكام وعجلة كان ينبغي بمن مثلهما أن لا يقع فيها وأن ما ذهب إليه اليماني وتابعه عليه العلامة الألباني وما نظره الباحث جيد ؛ غير أن الأولى أن يقال أن ذلك لا يناط تحت قاعدة كلية مطردة بل الأمر يختلف من راوٍ إلى راوٍ حسب المرجحات والقرائن المحيطة التي تحف الراوي ، فعندها يحكم على ذلك ، وعليه يحمل صنيع الإمامين الجهبذين الذهبي وابن حجر ، إذ إنهما لم يعملا ذلك تحت قاعدة كلية ، بل مرجع ذلك إلى القرائن المحيطة وحال الراوي وقرب عهده من بُعْدِه ، وكونه من المعروفين أو غير المعروفين ، وكونه من أهل بلد ابن حبان من غيرهم ، ولو أدرك المحرران لما وصفا صنيع الحافظ باضطراب المنهج وخلو كتابه من المنهجية ، نسأل الله الستر والعافية .(8/14)
حكم التدليس ، وحكم من عرف بِهِ :
مضى بنا في أنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب ، وليس من معانيه الكذب ، ومع ذَلِكَ فَقَدْ اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله .
فَقَدْ ورد عن بعضهم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ :
(( التدليس أخو الكذب )) (1) ، وَقَالَ أَيْضاً : (( لإنْ أزني أحب إليّ من أن أدلس )) (2) .
ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ كثيراً ، قَالَ أبو بكر البزار : (( التدليس ليس بكذب ، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد )) (3) .
وَالصَّحِيْح الَّذِيْ عليه الجمهور أنه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حَتَّى نرد جميع حديثه، وإنما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ –رحمه الله– فَقَالَ: ((ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه،ولا النصيحة في الصدق،فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق))(4).
ويمكن حمل التشدد الوارد عن شعبة عَلَى (( المبالغة في الزجر عَنْهُ والتنفير )) (5) .
وإذا تقرر هَذَا ، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ ؟ للعلماء فِيْهِ أربعة مذاهب :
__________
(1) رَوَاهُ ابن عدي في الكامل 1/107، والبيهقي في مناقب الشَّافِعِيّ 2/35،والخطيب في الكفاية (508 ت ، 355 ه) .
(2) رَوَاهُ ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل 1/173 ، وابن عدي في الكامل 1/107 ، والخطيب في الكفاية ( 508 ت ، 356 ه) .
(3) نكت الزركشي 2/81 .
(4) الرسالة : 379 الفقرة ( 1033 و 1034 ) .
(5) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 67 ، وطبعتنا 159.(9/1)
الأول : لا تقبل رِوَايَة المدلس ، سواء صرح بالسماع أم لا ، حكاه ابن الصَّلاَحِ عن فريق من أهل الْحَدِيْث والفقه (1) ، وهذا مبني عَلَى القَوْل بأنّ التدليس نفسه جرح تسقط بِهِ عدالة من عُرِف بِهِ (2) . وهذا الَّذِيْ استظهره عَلَى أصول مذهب الإمام مالك القاضي عَبْد الوهاب في الملخص (3) .
الثاني : قبول رِوَايَة المدلس مطلقاً ، وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل (4) ، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية (5) . وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسل ؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة (6) .
الثالث : إذا كَانَ الغالب عَلَى تدليسه أن يَكُوْن عن الثقات فهو مقبول كيفما كانت صيغة التحديث ، وإن كَانَ عن غَيْر الثقة هُوَ الغالب رد حديثه حَتَّى يصرح بالسماع ، حكاه الْخَطِيْب عن بعض أهل العلم (7) ، ونقله الزركشي عن أبي الفتح الأزدي (8) .
الرابع : التفصيل بَيْنَ أن يروي بصيغة مبينة للسماع، فيقبل حديثه، وبين أن يروي بصيغة محتملة للسماع وغيره فلا يقبل. وهذا الَّذِيْ عَلَيْهِ جمهور أَهْل الْحَدِيْث وغيرهم(9) وصححه جمع ، مِنْهُمْ : الْخَطِيْب البغدادي (10) وابن الصَّلاَحِ(11) وغيرهما .
__________
(1) المصدر نفسه . وسبقه بالنقل الْخَطِيْب في كفايته ( 515 ت ، 361 ه) .
(2) شرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي : 174 .
(3) نكت الزركشي 2/87 .
(4) الكفاية ( 515 ت ، 361 ه) .
(5) نكت الزركشي 2/87-88 ، وانظر : تدريب الراوي 1/229 .
(6) انظر : الكفاية ( 515 ت ، 361 ه) .
(7) الكفاية ( 515 ت ، 361 ه) .
(8) نكت الزركشي 2/89 .
(9) جامع التحصيل : 98 .
(10) الكفاية ( 515 ت ، 361 ه)
(11) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 167 ، وطبعتنا : 159 .(9/2)
ثالثاً . حكم الْحَدِيْث المدلس :
لما كَانَ في حَدِيْث المدلس شبهة وجود انقطاع بَيْنَ المدلس ومن عنعن عَنْهُ ، بحيث قَدْ يَكُوْن الساقط شخصاً أو أكثر ، وَقَدْ يَكُوْن ثقة أَوْ ضعيفاً . فلما توافرت هَذِهِ الشبهة اقتضى ذَلِكَ الحكم بضعفه (1) .
الدكتور ماهر ياسين الفحل
__________
(1) انظر : المنهل الروي : 72 ، الشذا الفياح 1/177 ، ونزهة النظر : 113 ، ومنهج النقد في علوم الْحَدِيْث : 383 .(9/3)
دراسات تجديدية فِي أصول الْحَدِيْث : التفرد
التَّفَرُّدُ في اللغة :
مأخوذ من الفعل الثلاثي المزيد بحرفين ( تَفَرَّدَ ) .
يقال : فَرَدَ بالأمر والرأي : انْفَرَدَ ، وفَرَدَ الرجلُ : كَانَ وحده مُنْفرِداً لا ثاني مَعَهُ . وفَرَّدَ برأيه : اسْتَبَدَّ .
وَقَدْ أشار ابن فارس (1) إلى أن تراكيب هَذَا الأصل واشتقاقاته كلها تدل عَلَى الوحدة . إِذْ قَالَ : (( الفاء والراء والدال أصل صَحِيْح يدل عَلَى وحدة . من ذَلِكَ : الفرد وَهُوَ الوتر ، والفارد والفرد : الثور المنفرد … )) (2) .
التفرد في الاصطلاح :
عرّف أبو حفص الميانشي (3)
__________
(1) الإمام العلامة اللغوي المحدّث أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني ، المعروف بالرازي ، المالكي، من مؤلفاته : " المجمل " و " الحجر " و " معجم مقاييس اللغة " ، توفي سنة ( 395 ه ) ، وَقِيْلَ :
( 390 ه ) .
سير أعلام النبلاء 17/103 ، والبداية والنهاية 11/287 ، والأعلام 1/193 .
(2) مقاييس اللغة 4/500 . وانظر : لسان العرب 3/331 ، وتاج العروس 8/482 ، والمعجم الوسيط 2/679 ، ومتن اللغة 4/379 .
(3) هُوَ أبو حفص عمر بن عَبْد المجيد القرشي الميانشي ، له كراس في علم الْحَدِيْث أسماه : " ما لا يسع المحدّث جهله " ، توفي بمكة سنة ( 581 ه ) .
العبر 4/245 ، والأعلام 5/53 .
وَقَدْ وقع في بعض مصادر ترجمته ( الميانشي ) ، نسبة إلى ( مَيّانِش ) قرية من قرى المهدية . انظر : معجم البلدان 5/239 ، والعبر 4/245 ، ونكت الزركشي 1/190 ، وتاج العروس 17/392 .
وفي بعضها ( الميانجي ) وَهِيَ نسبة إلى ( ميانج ) موضع بالشام ، أو إلى ( ميانه ) بلد بأذربيجان . انظر : الأنساب 5/320 ، واللباب 3/278 ، ومعجم البلدان 5/240 ، ومراصد الاطلاع 3/1341 .
وكذا نسبه الحافظ ابن حجر في النُّزهة : 49 ، وتابعه شرّاح النّزهة عَلَى ذَلِكَ . انظر مثلاً : شرح ملا علي القاري : 11 .(10/1)
الفرد بأنه : ما انفرد بروايته بعض الثقات عن شيخه، دون سائر الرُّوَاة عن ذَلِكَ الشيخ (1) .
ويظهر من هَذَا التعريف بعض القصور في دخول بعض أفراد المُعَرَّف في حقيقة التعريف ، إِذْ قَصَرَه عَلَى انفراد الثقة فَقَطْ عن شيخه (2) .
وعرّف الدكتور حمزة المليباري التفرد وبيّن كيفية حصوله ، فَقَالَ : (( يراد بالتفرد: أن يروي شخص من الرُّوَاة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون )) (3) .
وهذا التعريف الأخير أعم من التعريف الأول ، فإنه شامل لتفرد الثقة وغيره ، وعليه تدل تصرفات نقاد الْمُحَدِّثِيْنَ وجهابذة الناقلين ، ولقد كثر في تعبيراتهم : حَدِيْث غريب ، أو تفرّد بِهِ فُلاَن ، أو هَذَا حَدِيْث لا يعرف إلا من هَذَا الوجه ، أَوْ لا نعلمه يروى عن فُلاَن إلاّ من حَدِيْث فُلاَن ، ونحوها من التعبيرات (4) .
ولربما كَانَ الحامل للميانشي عَلَى تخصيص التعريف بالثقات دون غيرهم ، أن رِوَايَة الضعيف لا اعتداد بِهَا عِنْدَ عدم المتابع والعاضد . ولكن من الناحية التنظيرية نجد الْمُحَدِّثِيْنَ عِنْدَ تشخيصهم لحالة التفرد لا يفرقون بَيْنَ كون المتفرد ثقة أو ضعيفاً ، فيقولون مثلاً : تفرد بِهِ الزهري ، كَمَا يقولون : تفرد بِهِ ابن أبي أويس (5).
__________
(1) ما لا يسع المحدّث جهله : 29 .
(2) وأجاب عَنْهُ بعضهم بأن رِوَايَة غَيْر الثقة كلا رِوَايَة . التدريب 1/249 .
(3) الموازنة بَيْنَ منهج المتقدمين والمتأخرين : 15 .
(4) انظر عَلَى سبيل المثال : الجامع الكبير ، للترمذي عقب ( 1473 ) و ( 1480 م ) و ( 1493 )
و( 1495 ) و ( 2022 ) .
(5) هُوَ إسماعيل بن عَبْد الله بن أويس بن مالك الأصبحي ، أَبُو عَبْد الله بن أبي أويس المدني : صدوق ، أخطأ في أحاديث من حفظه ، توفي سنة ( 226 ه ) وَقِيْلَ : ( 227 ه ) .
تهذيب الكمال 1/239 و 240 ( 452 ) ، وسير أعلام النبلاء 10/391 و 395 ، والكاشف 1/247 ( 388 ) .(10/2)
وبهذا المعنى يظهر الترابط الواضح بَيْنَ المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ، إِذْ إنهما يدوران في حلقة التفرد عما يماثله .
والتفرد ليس بعلة في كُلّ أحواله ، ولكنه كاشف عن العلة مرشد إلى وجودها ، وفي هَذَا يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي : (( وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الْحَدِيْث إذا تفرد بِهِ واحد – وإن لَمْ يروِ الثقات خلافه - : إنه لا يتابع عَلَيْهِ .ويجعلون ذَلِكَ علة فِيْهِ ، اللهم إلاّ أن يَكُوْن ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أَيْضاً ولهم في كُلّ حَدِيْث نقد خاص ، وليس عندهم لِذَلِكَ ضابط يضبطه )) (1) .
ومعنى قوله : (( ويجعلون ذَلِكَ علة )) ، أن ذَلِكَ مخصوص بتفرد من لا يحتمل تفرده، بقرينة قوله : (( إلا أن يَكُوْن ممن كثر حفظه … )) ، فتفرده هُوَ خطؤه ، إِذْ هُوَ مظنة عدم الضبط ودخول الأوهام ، فانفراده دال عَلَى وجود خلل ما في حديثه ، كَمَا أن الحمّى دالة عَلَى وجود مرض ما ، وَقَدْ وجدنا غَيْر واحد من النقاد صرح بأن تفرد فُلاَن لا يضر ، فَقَدْ قَالَ الإمام مُسْلِم : (( هَذَا الحرف لا يرويه غَيْر الزهري ، قَالَ : وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويها عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فِيْهَا أحد بأسانيد جياد )) (2) .
وَقَالَ الحافظ ابن حجر : (( وكم من ثقة تفرد بما لَمْ يشاركه فِيْهِ ثقة آخر ، وإذا كَانَ الثقة حافظاً لَمْ يضره الانفراد )) (3) .
وَقَالَ الزيلعي (4)
__________
(1) شرح علل الترمذي 2/406 .
(2) الجامع الصَّحِيْح 5/82 عقب ( 1647 ) .
(3) فتح الباري 5/11 .
(4) الفقيه عالم الْحَدِيْث أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن يوسف بن مُحَمَّد الزيلعي ، من مؤلفاته : " نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " و " تخريج أحاديث الكشاف " ، توفي سنة ( 762 ه ) .
الدرر الكامنة 2/310 ، والأعلام 4/147 .(10/3)
: (( وانفراد الثقة بالحديث لا يضره )) (1).
وتأسيساً عَلَى ما أصّلناه من قَبْل من أن تفرد الرَّاوِي لا يضر في كُلّ حال ، ولكنه ينبه الناقد عَلَى أمر ما ، قَالَ المعلمي اليماني : (( وكثرة الغرائب إنما تضر الرَّاوِي في أحد حالين :
الأولى : أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة .
الثانية : أن يَكُوْن مع كثرة غرائبه غَيْر معروف بكثرة الطلب )) (2) .
وتمتع هَذَا الجانب من النقد الحديثي باهتمام النقاد ، فنراهم يديمون تتبع هَذِهِ الحالة وتقريرها ، وأفردوا من أجل ذَلِكَ المصنفات، مِنْهَا: كتاب " التفرد " (3) للإمام أبي داود ، و " الغرائب والأفراد " (4) للدارقطني ، و " المفاريد " (5) لأبي يعلى ، واهتم الإمام الطبراني في معجميه الأوسط والصغير بذكر الأفراد ، وكذا فعل البزار في مسنده ، والعقيلي (6) في ضعفائه . وَهُوَ ليس بالعلم الهيّن ، فهو (( يحتاج لاتساع الباع في الحفظ ، وكثيراً ما يدعي الحافظ التفرد بحسب علمه ، ويطلّع غيره عَلَى المتابع )) (7) .
__________
(1) نصب الراية 3/74 .
(2) التنكيل 1/104 .
(3) هُوَ مفقود وَكَانَ موجوداً في القرن الثامن ، والمزي ينقل مِنْهُ كثيراً في تحفة الأشراف انظر عَلَى سبيل المثال 4/630 (6249) ، والرسالة المستطرفة : 114 .
(4) وَقَدْ طبع ترتيبه للمقدسي في دار الكتب العلمية ببيروت عام 1998 م .
(5) طبع بتحقيق عَبْد الله بن يوسف جديع في دار الأقصى ، الكويت ، الطبعة الأولى 1985 م .
(6) هُوَ الحافظ الناقد أبو جعفر مُحَمَّد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي الحجازي صاحب كتاب
" الضعفاء الكبير " ، توفي سنة ( 322 ه ) .
سير أعلام النبلاء 15/236 و 238 ، والعبر 2/200 ، وتذكرة الحفاظ 3/833 – 834 .
(7) نكت الزركشي 2/198 .(10/4)
وفي كُلّ الأحوال فإن التفرد بحد ذاته لا يصلح ضابطاً لرد الروايات ، حَتَّى في حالة تفرد الضعيف لا يحكم عَلَى جميع ما تفرد بِهِ بالرد المطلق ، بَلْ إن النقاد يستخرجون من أفراده ما يعلمون بالقرائن والمرجحات عدم خطئه فِيْهِ ، وَهُوَ ما نسميه بعملية الانتقاء ، قَالَ سفيان الثوري : (( اتقوا الكلبي (1) ، فقيل لَهُ : إنك تروي عَنْهُ ، قَالَ : إني أعلم صدقه من كذبه )) (2) .
ومثلما أن تفرد الضعيف لا يرد مطلقاً ، فكذلك تفرد الثقة – وكما سبق في كلام ابن رجب – لا يقبل عَلَى الإطلاق ، وإنما القبول والرد موقوفان عَلَى القرائن والمرجحات. قَالَ الإمام أحمد : (( إذا سَمِعْتَ أصحاب الْحَدِيْث يقولون : هَذَا حَدِيْث غريب أَوْ فائدة . فاعلم أنه خطأ أو دخل حَدِيْث في حَدِيْث أَوْ خطأ من المُحدِّث أَوْ حَدِيْث ليس لَهُ إسناد ، وإن كَانَ قَدْ رَوَى شعبة وسفيان ، فإذا سمعتهم يقولون : هَذَا لا شيء ، فاعلم أنه حَدِيْث صَحِيْح )) (3) .
وَقَالَ أبو داود : (( والأحاديث الَّتِيْ وضعتها في كتاب " السنن " أكثرها مشاهير ، وَهُوَ عِنْدَ كُلّ من كتب شَيْئاً من الْحَدِيْث ، إلا أن تمييزها لا يقدر عَلَيْهِ كُلّ الناس ، والفخر بِهَا : بأنها مشاهير ، فإنه لا يحتج بحديث غريب ، وَلَوْ كَانَ من رِوَايَة مالك
ويحيى بن سعيد و الثقات من أئمة العلم )) (4) .
__________
(1) هُوَ أبو النضر مُحَمَّد بن السائب بن بشر الكلبي، متهم بالكذب، ورمي بالرفض، توفي سنة ( 146 ه ) .
كتاب المجروحين 2/262 ، وسير أعلام النبلاء 6/248-249 ، والتقريب ( 5901 ) .
(2) الكامل 7/274 ، وميزان الاعتدال 3/557 .
(3) الكفاية ( 142 ه ، 225 ت ) . والمراد من الجملة الأخيرة ، أن الْحَدِيْث لا شيء يستحق أن ينظر فِيْهِ ، لكونه صحيحاً ثابتاً .
(4) رسالة أبي داود إلى أهل مكة ( مع بذل المجهود ) 1/36 .(10/5)
ونحن نجد أمثلة تطبيقية متعددة في ممارسة النقاد ، مِنْهَا قَوْل الحافظ ابن حجر في حَدِيْث صلاة التسبيح : (( وإن كَانَ سند ابن عَبَّاسٍ يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر )) (1) .
ويمكننا أن نقسم التفرد – حسب موقعه في السند – إلى قسمين :
الأول : تفرد في الطبقات المتقدمة :
كطبقة الصَّحَابَة ، وطبقة كبار التَّابِعِيْنَ ، وهذا التفرد مقبول إذا كَانَ راويه ثقة
–وهذا الاحتراز فِيْمَا يخص طبقة التَّابِعِيْنَ – ، فهو أمر وارد جداً لأسباب متعددة يمكن حصرها في عدم توفر فرص متعددة تمكّن الْمُحَدِّثِيْنَ من التلاقي وتبادل المرويات ، وذلك لصعوبة التنقل في البلدان ، لا سيما في هذين العصرين .
فوقوعه فيهما لا يولد عِنْدَ الناقد استفهاماً عن كيفيته ، ولاسيما أن تداخل الأحاديث فِيْمَا بينها شيء لا يكاد يذكر ، نظراً لقلة الأسانيد زياد على قصرها . هَذَا فِيْمَا إذا لَمْ يخالف الثابت المشهور ، أو من هُوَ أولى مِنْهُ حفظاً أَوْ عدداً .
وإن كَانَ المتفرد ضعيفاً أَوْ مجهولاً -فِيْمَا يخص التَّابِعِيْنَ- فحكمه بيّن وَهُوَ الرد(2).
الثاني : التفرد في الطبقات المتأخرة
__________
(1) التلخيص الحبير 2/7 ، والطبعة العلمية 2/18-19 . وانظر في صلاة التسبيح : جامع الترمذي
1/491 – 494 ( 481 ) و ( 482 ) .
(2) إلا أن توجد قرائن أخرى ترفع الْحَدِيْث من حيز الرد إلى حيز القبول .(10/6)
فبعد أن نشط الناس لطلب العلم وأداموا الرحلة فِيْهِ والتبحر في فنونه ، ظهرت مناهج متعددة في الطلب والموقف مِنْهُ ، فكانت الغرس الأول للمدارس الحديثية الَّتِيْ نشأت فِيْمَا بَعْد ، فكان لها جهدها العظيم في لَمِّ شتات المرويات وجمعها ، والحرص عَلَى تلقيها من مصادرها الأصيلة ، فوفرت لَهُم الرحلات المتعددة فرصة لقاء المشايخ والرواة وتبادل المرويات ، فإذا انفرد من هَذِهِ الطبقات أحد بشيء ما فإن ذَلِكَ أمر يوقع الريبة عِنْدَ الناقد ، لا سيما إذا تفرد عمن يجمع حديثه أَوْ يكثر أصحابه ، كالزهري ومالك وشعبة وسفيان وغيرهم (1) .
ثم إنّ العلماء قسموا الأفراد من حَيْثُ التقييد وعدمه إلى قسمين :
الأول: الفرد المطلق : وَهُوَ ما ينفرد بِهِ الرَّاوِي عن أحد الرُّوَاة (2) .
الثاني: الفرد النسبي : وَهُوَ ما كَانَ التفرد فِيْهِ نسبياً إلى جهة ما(3) ، فيقيد بوصف يحدد هَذِهِ الجهة .
وما قِيْلَ من أن لَهُ أقساماً أخر ، فإنها راجعة في حقيقتها إلى هذين القسمين .
__________
(1) انظر : الموقظة : 77 ، والموازنة بَيْنَ منهج المتقدمين والمتأخرين : 24 .
(2) انظر : مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث : 80 وطبعتنا : 184 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/217 وطبعتنا 1/286 ، ونُزهة النظر : 78 .
(3) انظر : مَعْرِفَة أنواع علم الحديث : 80 وطبعتنا : 184 ، والتقريب والتيسير : 73 وطبعتنا : 119-120 ، وفتح المغيث 1/239 ، وظفر الأماني : 244 .(10/7)
أما الحكم عَلَى الأفراد باعتبار حال الرَّاوِي المتفرد فَقَطْ من غَيْر اعتبار للقرائن والمرجحات ، فهو خلاف منهج الأئمة النقاد المتقدمين ، إذن فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة ، أو رد تفرد الضعيف ، بَلْ تتفاوت أحكامهما ، ويتم تحديدها وفهمها عَلَى ضوء المنهج النقدي النَّزيه ؛وذلك لأن الثقة يختلف ضبطه باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يحدث في كيفية التلقي للأحاديث أَوْ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سَمعه من بعض شيوخه ، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت أصحابهم وألزمهم ، ولذا ينكر النقاد من أحاديث الثقات – حَتَّى وَلَوْ كانوا أئمة – ما ليس بالقليل .
الدكتور ماهر ياسين الفحل(10/8)