مسائل في الحياة الزوجية
تاليف الدكتور كامل موسى
الاهداء الى الساعين في تكوين الخلايا الصالحة الى المراة الزوجة الامينة الى الاسرة الراعية البناءة اهدي هذا الكتاب والله من وراء القصد
هذه سلسلة رسائل ساكتبها بالتتابع ان شاء الله مسائل في الحياة الزوجية
اختكم فاطمة منتديات مذاب الشهد
www.mathabalshahd.com/vb
المبحث الاول
المسألة رقم-1-
رسالة الزواج
جلب المصالح ودرء المفاسد، منطلق البناء في شرائع الاحكام.
والزواج أمر مرغوب فيه (هو سنة مندوب اليها في حال الاعتدال، والتي هي الاصل في الزواج).
حث الشرع على الاخذ به، قصد ابعاد المفاسد عن الفرد والمجتمع، وقصد جلب المصالح لسعادتي الدنيا والاخرة.
وليس من هدف، او رسالة الزواج الكسب المادي، وانما هو بداية مرحلة لاداء الرسالة الآدمية، بصورة رسمها المشرع وأعطاها الاهتمام الذي افتقدته سائر العقود.
فالزواج لم يشرع اصلا من اجل كسب مالي يعود على الزوج. والمرأة لا تتزوج قصد تامين حاجاتها المادية، اصلا. الرجل لا يتزوج قصد الاستبداد بالمرأة والتحكم بها مزاجيا.
وانما الزواج تعاون في الحياة ورص في البناء
الزواج حاضر وماضي
حاضر لماضي الآباء
وماضي لمستقبل الامتداد
الزواج سكن وهدوء وراحة
به ينخلع الارتباك ويذهب الاضطراب
وبه تستعف الانفس وتقر الاعين
بالزواج نمو الفطر في مسالك الاستقامة
بالزواج يكبر بناء التناسل فيزداد العباد والعباد
الحياة الزوجية رعاية وأمانة، موزعة الادوار فيما بين الزوجين ، هادفة بناء خلية صالحة قوية تنبض صلاحا وتقتل فسادا.
بين المرأة وزوجها حقوق وواجبات، ترفض الجفاء والخشونة، لان هذا الطبع لا يتلائم مع بناء هذه الحياة واستمراريتها المنشودة ، ويوم ان تتسم هذه الحقوق المتبادلة بطابع الجفاء ، يحدث انقلاب في هذه الخلية،
فيتقلص بناؤها ،وخاصة اذا ما وصل الامر بها الى القضاء والمرافعة من اجل كسب القضية.(1/1)
ولا تظنين ايتها الزوجة صلاحا بهذا الاسلوب، ولا انك تتمكنين من دفع هذا البناء الى الامام.
وانت ايها الزوج. فلا تظنن بسعادة تحالفك، اذا شعرت المرأة يوما ما، بأنك مالكها أو قاهرها أو سيدها.
هذه الحياة، لا تقوم الا بالتوازن على نمط الحق والواجب المروي بروح المعاشرة بالمعروف والمعاملة الحسنى الواضح التبيان في قوله تعالى:
( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) سورة البقرة 228
وفي قوله: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) .سورة الروم 21
وربما لاحظ القارىء لتعريف عقد الزواج انه ينصب على تحقيق الاعفاف الجنسي فحسب وانما المقصود المراد تحقيقه اسمى من مادية الاعفاف المذكور واوسع شمولا اذ المقصود الاصلي كامن في ترادف التناسل وتعاقب الخلافة الآدمية بامتداد جذور الذرية
ولان هذا المقصود الاصلي هو تحصيل حاصل ولا يتوقف على ذكرهفي التعريف كحال اعفافها- الزوجة-وان لم يذكر لانه تحصيل حاصل فاعفافه منها اعفافها منه وهذا ما يلاحظ عند عزله عنها دون رضاها.
وللزواج فوائد ترجى ومنها: الضمانة والحماية للآباء والامهات حيث بلوغهم منتهى العمر فتضعف البنية وينعدم الكسب وبوجود الاولاد تتحقق لهم الحماية مما هم فيه وفي هذا يقول الله تعالى:
( والله جعل لكم في انفسكم ازواجا وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات افابالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم كافرون)
ومنها تفاعل الود والتراحم فيما بينهما وما خلت حياة زوجية من هذا التفاعل الا وكانت على شفا حفرة الانهيار
فالحياة الزوجية فوق الماديات كلها وانما هي سكن ومودة ورحمة هي بناء تناسلي هي امتداد وضمان وعون وانظر الى الكلم الرباني
( ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون)
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها)(1/2)
فكمالية الزواج الشعور بكونه ذا رسالة في الحياة وقد تسامى عن طلب الاستمتاع فحسب للرجل وعن طلب الاستحقاق في تامين الحاجيات المادية الحياتية للمراة ليكون مقر راحة وسكن وبناء لا يقوم الا بين يدي الزوجين تعاونا وصدقا والا لم يتحقق الهدف السامي منه وبات آيلا الى التفكك والضياع.
المبحث الثاني
في مرحلة الانتقال:
هذه مرحلة انتقال وجسر عبور بين ضفتي الحياة، بين بيت الأبوة، حيث كانت ابنة، وبين بيت الزوجية، حيث أصبحت زوجة، نقطة تحول في حياة المرأة، من ابنة مرعية الى امرأة راعية، ولا شك، انها بزواجها أصبحت في الشطر الثاني من دنيا الاختبار، وبما ان ثقل المسؤولية والرعاية يشتد على المرء، مطلقا، ذكرا كان أو أنثى، في هذه المرحلة الثانية، حيث تكوين هذه الخلية الجديدة في الكيان الاسري، ومما هو معلوم عادة، أن المرأة غير منفردة في هذه الخلية، بل هي- الخلية- ذات طابع مشترك بينهما، يتحمل- الزوج- العبء الاكبر من كبد هذه المسؤولية .
وبما أن للزواج مقاصد تتمثل بالبقاء التناسلي والاعفاف في كل من الغريزة الفطرية الجنسية، ومن غريزة المودة والرحمة والسكينة، كان لازما أن يعرف كل من الزوجين حقوقه وواجباته فيؤدي ما عليه من واجبات، ويقف عند حدود حقوقه والا دخلتها الاشكالات المؤدية بطبعها الى ضعف هذه الخلية أو الى اماتتها باذن الله سبحانه.
وغالب الناس في هذه الايام، يهملون هذه المرحلة، وكيفية الوصال والربط بين المرأة المرعية والمرأة الراعية، والمشار اليه بقوله صلى الله عليه وسلم:
" والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها"
فاذا ما انتقلت المرأة الى ضفة الحياة الزوجية. لربما اصطدمت بما فيها من وحدات تعاملية، منها ما تتخطاها ومنها ما تجهل، فيؤدي هذا الى بطء النمو والتكامل في هذه الحياة الجديدة ولعلك لاحظت ما أشرت اليه في كتابي(1/3)
" الزواج الاسلامي" " والبنت في الاسلام" الى مدى مسؤولية الآباء والامهات، فيما يخص بناتهم من حسن الرعاية والتنشئة وحسن اختيار الزوج الصالح، نظرا لما يترتب على الاهتمام بهذه الشؤون النسوية من آثار صالحة ومقاصد حسنة.
ورغبت في هذا المبحث أن أضع بين ايدي الاباء والامهات بعض الارشادات والعظات المبينة لما يجب عليهم من تعريف بناتهم بمدى الاهمية في هذه المرحلة وانهن- البنات- مقبلات على معاشرة من ليس بأب أو أم هي حياة تتطلب حسن الرعاية والامانة.
المسألة رقم-2-
عظة الى الرجل الزوج:
عليك أيها الرجل أن تكون صادقا مع زوجتك دون مكر أو خداع، فقد قال رسول الله صلى عليه وسلم:
" أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر ليس في نفسه أن يؤدي اليها حقها. خدعها، فماتت ولم يؤد اليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زان.
وعليك أن تكون محبا لها، لا بغيضا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يفرك( لا يبغض) مؤمن مؤمنة، ان كره منها خلقا رضي منها آخر.
وعليك ان تكون ذا خلق كريم مع أهلك، أي زوجتك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ان من أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله"
وقال : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي "
وقال لمن سأله عن حق زوجته عليه:
" ان تطعمها اذا طعمت وتكسوها اذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر الا في البيت"
انظر، وكأنها نفسك، ليس لها منك ايذاء في بدنها أو نفسها، ولا ما يحل روابط التلاحم ويقدر ما يكرم الرجل زوجته له قدر الخلق والتكريم ، وكما في الحديث:
" أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم" .(1/4)
وانظر الى ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم في شأن النساء والحفاظ عليهن في حجة الوداع، بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ: " الا واستوصوا بالنساء خيرا، فانما هن عوان( اي اسيرات) عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ،الا ان يأتين بفاحشة مبينة، فان فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، الا ان لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون الا وحقهن عليكم أن تحسنوا اليهن في كسوتهن وطعامهن.
المسألة رقم-3-
عظة الى المرأة الزوجة:
فعليك ما ينبغي مراعاته اتجاه زوجك، وفي هذا الجانب كثرت النصوص والشواهد، منها:
قوله صلى الله عليه وسلم:
" اذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها:
" ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شاءت "
وعن حصين بن محصن رضي الله عنهما، ان عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها :
" أذات زوج؟ قالت نعم، قال: " فأين أنت منه؟ قالت: ما آلوه الا ما عجزت عنه، قال: فكيف أنت له؟ فانه جنتك ونارك" وفي قوله صلى الله عليه وسلم لوافدة النساء:
" أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك"
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يحل لامرأة نؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره ولا تخرج وهو كاره، ولا تطيع فيه أحدا، ولا تعزل فراشه ولا تضربه، فان كان هو أظلم فلتأته، فان قبل منها ونعمت، وقبل الله عذرها وأفلج حجتها ولا اثم عليها، وان لم يرض، فقد أبلغت عند الله عذرا"
ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
( والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)(1/5)
وتحت قوله تعالى حافظات للغيب) ذكر ابن العربي في أحكامه: يعني غيبة زوجها، لا تأتي في مغيبه ما يكره أن يراه منها في حضوره، وقد قال الشعبي:-يقول ابن العربي- ان شريحا تزوج امرأة من بني تميم، يقال لها زينب، قال: فلما تزوجتها ندمت حتى أردت أن أرسل اليها بطلاقها، فقلت: لا أعجل حتى يجاء بها، قال: فلما جىء بها، تشهدت ثم قالت: أما بعد فقد نزلنا منزلا، لا ندري متى نظعن منه: فانظر الذي تكره، هل تكره زيارة الأختان؟ فقلت: أما بعد فاني شيخ كبير، لا أكره المرافقة، واني لأكره ملال الاختان: ( جمع ختن يعني الصهر أو كل من كان من قبل المرأة) قال : فما شرطت شيئا الا وفت به، قال: فأقامت سنة ثم جئت يوما ومعها في الحجلة انس، فقلت انا لله، فقالت: ابا امية، انها أمي، فسلم عليها، فقالت: انظر فان رابك شىء منها فأوجع رأسها، قال: فصحبتني ثم هلكت قبلي، قال: فوددت اني قاسمتها عمري، أو مت أنا وهي في يوم واحد . وقال شريح:
رايت رجالا يضربون نساءهم
فشلت يميني يوم اضرب زينبا
وكما ترى في هذا النوع من النساء الصالحات الحافظات لأزواجهن في حضورهم وغيابهم ولم تفقد جزاء احسانها من قبل زوجها.
في هذه المرحلة: مرحلة الانتقال- ينبغي ان تزود المرأة بمعرفة كيفية التعامل مع الرجل الزوج وهذا ما يستلزم بذل النصيحة من قبل الآباء والأمهات نحوها، وكما كان يفعل فيما مضى لدى من شعر بخطورة هذه المرحلة، وقد ذكر لنا الامام ابن الجوزي شيئا من هذا، فقال:
وينبغي لأبوي المرأة خصوصا الأم، أن تعرفها حق الزوج وتبالغ في وصيتها عن عمر بن سعيد، قال:(1/6)
" كان في علي شدة على فاطمة، سلام الله عليهما، فقالت: والله لأشكونك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم،فانطلق علي، فقام يسمع كلامهما فشكت غلظ علي عليها وشدته، فقال: يا بنية، استمعي واسمعي واعقلي فانه لا امرأة بامرأةلا تأتي هوى زوجها وهو ساكت. قال علي: فرجعت، فقال والله لا أتي شيئا تكرهينه أبدا، فقالت: والله لا أتي شيئا تكرهه أبدا"
وقال: أن أسماءبن خارجة زوج ابنته، فلما أراد أن يهديها الى زوجها أتاهان فقال : يا بنية ان النساء أحق بأدبك مني، ولا بد من تأديبك، كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا، ولا تدني منه فيملك ولا تباعدي منه فتثقلي عليه، ويثقل عليك، وكوني كما قلت لأمك:
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنطقي في ثورتي حين اغضب
فان رأيت الحب في القلب والاذى
اذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
وقال : أن ابا الاسود الدؤلي زوج ابنة له، فأتته الجارية، فقالت: يا أبة اني لم أكن أحب أن أفارقك، فأما اذ زوجتني فأوصني، قال: انك لن تنالي ما عنده الا باللطيف.
وروي: أن عوف بن ملحم زوج ابنته من اياس بن الحارث بن عمرو الكندي، فجهزت وحضرت لتحمل اليه،
دخلت عليها أمها لتوصيها، فقالت: يا بنية، ان الوصية لو تركت لفضل في الأدب أو مكرمة في الحسب لتركت ذلك منك ولزويتها عنك، ولكنها تذكرة للغافل ومعرفة للعاقل،
أي بنية لو استغنت المرأة عن زوجها بغنى أبيها وشدة حاجتها اليه،لكنت أغنى الناس عنه، الا انهن خلقن للرجال، كما لهن خلق الرجال أي بنية. انك قد فارقت الجو الذي منه خرجت والعش الذي فيه درجت، الى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه . أصبح بملكه عليك مليكا، فكوني له أمة يكن لك عبدا، احفظي منه خصالا عشرا تكن لك دركا وذكرا:
أما الاولى والثانية: فالصحبة له بالقناعة، والمعاشرة له بحسن السمع والطاعة. فان في القناعة راحة القلب وفي حسن السمع والطاعة رضى الرب.(1/7)
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع انفه والتعاهد لموضع عينه. فلا تقع عينه منك على شىء قبيح، ولا يشم منك الا اطيب ريح.
واما الخامسة والسادسة : فالتعاهد لموضع طعامه، والتفقد له حين منامه فان حرارة الجوع ملهبة وان تنغيص النوم مغضبه.
واما السابعة والثامنة:فالارعاء على حشمه وعياله. والاحتفاظ بماله، فان اصل الاحتفاظ بالمال حسن التقدير،
والرعاء على الحشم والعيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سرا ولا تحصي له في حال امرا فانك ان افشيتي سره لن تامني عذره وان عصيت امره اوغرت صدره ثم اتقي يا بنية الفرح لديه اذا كان ترحا والاكتئاب اذا كان فرحا فان الخصلة الاولى من التقصير والثانية من التكدير وكوني اشد ما يكون لك اكراما اشد ما تكونين له اعظاما واشد ما تكونين له موافقة واطول ما تكونين له مرافقة. واعلمي يا بنية انك لن تصلي الى ما تحبين منه حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك فيما احببت وكرهت. والله يخير لك ويحفظك. فحملت اليه فعظم موقفها منه فولدت له الملوك الذين ملكوا من بعده .
انها لمرحلة تعريف بكيفية الانتقال والتلاقي بينك ايتها المرأة وبين من رضيت به شريك حياتك الزوجية فلا عجب ان تتزودي بهذه الوصايا والنصائح والتي لا تبخل بها أم على ابنتها بغية الفوز بحياة هنيئة معمرة بالخير والصلاح .
فهل من أم أو أب في هذه الايام يتقدم بما تنتفع به الابنة وتسعد مع سكنها ؟ هذا يتوقف على ما تمثل هذه الابنة لدى ابائها من نعمة او نقمة فان كانت بنظرهم نقمة فليس هناك ما يستلهم شعورهم ولو عظة واحدة ، وأما ان كانت نعمة، فأوصالها لا تتقطع بزواجها، وتبقى شعائر المحبة تتدفق بسيل العظة والارشاد قصد استمرارية السعادة والهناء لفلذة أكبادهم.
المبحث الثالث
مرحلة الوفاق والتفاهم(1/8)
واعلم أن عقد الزواج هو عقد اختياري النشأة، يترتب على وجوده حقوق وواجبات، يلتزم بها كل من الطرفين، الزوج والزوجة، ويطالبان بابعاد ما يتنافى مع العقد ومقتضياته.
وحتى يبقى العقد في حفظ من التخبط، فقد شرع الاسلام لحفظه نظاما معينا، له ارتباطه المحدود، في ذمة كل منهما، من حيثية الالتزام القضائي والالتزام الدياني.
وضرورة التطبيق تقتضي معرفة ما يجب على كل من الزوجين اتجاه بعضهما البعض ضمن المعروف شرعا، والا افتقد التطبيق المنشود وجوده، ولذا، فلا بد من تبيان هذه الواجبات وهذه الحقوق . والتي هي متعددة ومتنوعة منها ما كان على- صورة واجب وسنرى تعدد هذه الحقوق والواجبات من خلال هذه الانواع وصورها في التطبيق الفقهي فيما قرره الفقهاء الائمة - رضي الله عنهم- على ضوء الكتاب والسنة .
المسألة رقم-4-
النفقة ومدى الالتزام بها:
قضت الشريعة الاسلامية ان يكون الرجل الزوج ملتزما بتامين الجانب المادي للمرأة الزوجة واعتبر النفقة حقا من حقوقها الزوجية سواء في ذلك الغنية والفقيرة وبهذا شهدت النصوص من القران الكريم والسنة النبوية وعلى هذا اطباق المذاهب الفقهية.
ومن النصوص الشاهدة لهذا الحكم قوله تعالى.
( لينفق ذو سعة من سعته) وقوله تعالى.
( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وقوله تعالى .( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم)
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:(1/9)
" استوصوا بالنساء خيرا فانما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك الا أن يأتين بفاحشة مبينة فان فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فان أطعنكن فلا تبغوا عليهن سبيلا ان لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا اليهن في كسوتهن وطعامهن وروى معاوية القشيري : ان النبي صلى الله عليه وسلم ، سأله رجل: ما حق المرأة على الزوج؟ قال:
" تطعمها اذا طعمت وتكسوها اذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر الا في البيت.
وعلى ضوء هذه النصوص وغيرها من الشواهد فقد ذهب الاحناف الى وجوب النفقة للمرأة الزوجة أي وجوب تأمين الحاجات المادية، شرط أن تسلم المرأة نفسها الى الرجل الزوج في منزله وشرط ان تكون هذه المرأة قادرة
على المباشرة اي المجامعة وسواء في ذلك اكان الرجل قادرا ام عاجزا كبيرا ام صغيرا اذ العجز من جهته لا من جهتها .
وفي بعض كتب الاحناف: ان النفقة تجب لها حتى ولو لم تزف ونسب هذا الراي الى ظاهر الرواية
وما دامت الزوجة غير ممانعة للزفاف فلا يظهر هناك من تعارض وكذلك اذا مانعت لحق لها.
وذهب المالكية الى ربط النفقة بتسليمها نفسها حال كونها ممكنة اياه من المباشرة.
وذهب الشافعية الى ربط النفقة بتمكينها من الاستمتاع وكذلك الحنابلة الا اذا كان لا يوطأ مثلها فلا نفقة لها لانه لم يحصل تمكين من الاستمتاع.(1/10)
وخالف الظاهرية ما ذهبت اليه المذاهب الاربعة فقالوا- الظاهرية- بربط النفقة الزوجية بذات عقد النكاح لا بالتسليم والتمكين بل بمجرد وجود العقد دعيت الى البناء ام لا كبيرة كانت ام صغيرة ناشزا كانت ام طائعة غنية كانت ام فقيرة بكرا كانت ام ثيبا حرة كانت ام امة وهي مرتبطة بوجود العقد الزوجي وليست متوفقة او مشروطة بالتمكين كما ذهب اليه الاخرون وفي الفقه الجعفري ما يفيد عما لا يخرج عن مضمون الربط لدى المذاهب الاربعة اذ قالوا : ان النفقة واجبة على الزوج لزوجته بالعقد الدائم شرط عدم النشوز والنشوز هو التمرد على الزوج بمنعه عن حقوقه او بفعل المنفرات له عنها ولا يشك عندهم بعدم وجوب النفقة فيما اذا منعته من الاستمتاع ودون ان يكون لديهما عذر شرعي
وكما رايت فان الرجل الزوج ملزم بتقديم وتامين الجانب المادي الذي لا تتمكن المرأة الزوجة من العيش دونه كتامين الطعام والكسوة والمشرب والمسكن وكذا كل ما يعتبر من باب الحاجات والضروريات الاساسية وهذا ما شهدت له النصوص والاثار وعليه اطبقت الامة
وللنفقة تذكرة معينة تتمثل بتبيان مقتضياتها من متنوع الحاجات وهي.
المسألة رقم-5-
في الطعام والكسوة والمداواة:
ذهب الأحناف الى الزام الرجل الزوج بتقديم كل ما تحتاجه الزوجة من السكن، والنزل المريح، وكذا كل ما تحتاج من طعام وشراب وكسوة، وان كانت مريضة القياس لها الزام، وخاصة اذا كان مرضا يمنع المباشرة لعدم الفائدة من الاحتباس أي القرار في البيت. وانما وجب استحسانا لكون الاحتباس قائما ومداومة الاستئناس بها ومسها وما يحقق من حفظ البيت بوجودها والمانع من المجامعة لعارض كالحيض وعند بعضهم ان مرضت بعد التسليم وجبت لها النفقة وان مرضت قبل التسليم ثم سلمت لا تجب قالوا: هذا حسن.
وذهب المالكية الى اعتبار نفقة الطعام والكسوة وتوابعها بحالها- المرأة - فيجتهد الحاكم بغرض كفايتها مما لا غنى لها عنه.(1/11)
وهي - النفقة- كامنة في القوت والادام والكسوة والمسكن مع مراعاة العادة وقدر وسع الرجل وحالها والمشهور في المذاهب : اعتبار حال الزوجين معا وعرفت النفقة لديهم: بما يقتات به الانسان ويتخذه للمعيشة ويعيش به غالبا ولا يعتبر مرضها تسقط لنفقتها حتى ولو كان مانعا من المعاشرة الزوجية.
وذهب الشافعية الى: ان الواجب على الزوج لزوجته الطعام والادام والكسوة والة التنظيف ومتاع البيت .
ويجب لها من الادام والكسوة ما جرت به العادة مع مراعاة حال الزوج وقوت البلاد وعاداتهم ووجب عليه تقديم الات الاكل والشرب والطبخ كالصحون والملاعق والكوز وكذا سائر وسائل تامين الحاجة ضمن البيت.
ويؤخذ مما مضى ما يعتبر ملفتا للانتباه حول ما يحدث في هذا الزمن مما تقدمه المرأة الزوجة من تجهيز ادوات مطبخية واثاث بيتي ليس من باب الواجب عليها وانما هو من باب التعاون والمعروف.
ويورد الشافعية انه لا يجب عليه- الزوج- تامين اجرة الدواء ولا اجر الطبيب ونحو ذلك وعلة هذا ان هذه الكلفة من اجرة دواء واجرة طبيب تابعة لحفظ الاصل وهذا لا يجب على مستحق النفقة كعمارة الدار المستاجرة بحلاف نفقة الطعام حال مرضها لكونها محبوسة عليه.
وذهب الحنابلة الى: الزامه بتقديم جميع حاجتها من ماكول ومشروب وملبوس ومسكن والى اعتبار ذلك بحال الزوجين واجتهاد الحاكم فيه مع مراعاة مجرى عادة امثالهم وكذلك الكسوة ولها ما تحتاج اليه للنوم من الفراش واللحاف والوسادة حسب العادة.
في تامين السكن:
اوجبت الشريعة الاسلامية على الرجل الزوج ان يهىء لزوجته السكن الحسي بقوله تعالى:
( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم)
وقوله تعالى:
( وعاشروهن بالمعروف)
ومن المعروف ان يسكنها سكنا يكون لها سترا عن الابصار وعونا لها على التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع حتى ان السكنى واجبة للمطلقة فكيف لمن هي زوجة وضمن عصمة النكاح.(1/12)
وينبغي ان تراعى فيه قدر اليسار والاعسار وهو جار مجرى النفقة والكسوة فذهب الاحناف الى الزامه بالمسكن في دار مفردة ليس فيها احد من اهله الا ان تختار ذلك ولان السكن من كفايتها فتجب لها كالنفقة وقد اوجبه الله تعالى مقرونا بالنفقة واذا كان حقا لها فليس له ان يشترك غيرها معه لانها تتضرر به فانها لا تامن على متاعها فضلا عن منعها ذلك من المعاشرة مع زوجها من الاستمتاع الا ان تختار لانها رضيت بانتقاص حقها وذهب المالكية الى ان عليه ان يسكنها مسكنا يليق بها بقدر وسعة وحالها وان يكون مشتملا على جميع ما يحتاج اليه من المنافع اللازمة لعموم قوله تعالى:
( واسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم)
وذهب الشافعية الى الزامه بالمسكن الذي يكيف بها عادة دون مراعاة حال الزوج بخلاف النفقة والكسوة وينظر الى ما يليق بها من سعة او ضيق .
وذهب الحنابلة الى ان من المعروف ان يسكنها سكنا يكون لها سترا عن الابصار وعونا لها على التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع ويراعي فيه قدر اليسار والاعسار وهو جار مجرى النفقة والكسوة.
وفي المذهب الظاهري: عليه ان يسكنها على قدر طاقته وليست هناك من ضرورة تستدعي توضيحا اكثر من المبدا والمنطلق والذي تعرفنا عليه بما ذكر حيث يتمثل بالتزام الرجل والزوج لسائر الحاجات المادية لصالح المراة الزوجة واذا كانت المراة بريئة من الالتزام الخاص مع الرجل الاجنبي ففي وجود عقد الزواج تلتزم لصالح زوجها بواجبات نظير ما لها من حقوق عليه مصداقا لقوله تعالى:
( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)
وقد تبين سابقا مدى الالتزام في ذمة الرجل الزوج الذي امن لها سائر ما تحتاج من الجانب المادي للحفاظ على حياتها من الهلاك طعاما او لباسا او سكنا او تطبيبا ولا يخفى ان هذه الامور هي الركائز الحسية في محيط حاجات المراة المعيشبة وقد الزم الشرع الرجل الزوج
بتامينها وتحمل مسؤولياتها(1/13)
وتامين كفاية هذه الحاجات ليس من باب صلة القرابة وانما هو من باب الصلة الزوجية وجودا وعددا.
المسألة رقم-6-
في التزام الزوجة القرار البيتي:
امام ما وجب عليه من التزامات مادية لصالح زوجته فقد الزم المشرع هذه المرأة بالقرار ضمن بيت الزوجية واعتبر هذا الالتزام حقا من حقوق الرجل الزوج سطلب من المرأة تنفيذه وعدم الاخلال به وهو التزام القرار البيتي- احد الاسباب التي بنيت عليها النفقة الزوجية ان لم نقل هو السبب الرئيسي والعمود الفقري لقيام ودوام التامين المادي لها من قبل الرجل الزوج.
فيجب على المرأة الزوجة أن تلتزم القرار أو البقاء في مسكن الزوجية لكونه حقا من حقوق الزوج عليها مطالبة بتنفيذه والسهر عليه نظير التزامه بكفاية حاجاتها الحياتية والسهر عليها.
واذا أخلت المرأة بواجب القرار البيتي دون رضا زوجها او عذر شرعي فانها تعرض نفسها لتحمل المسؤولية قضاء وديانة قضاء باسقاط النفقة وديانة بتحمل الاثام والاوزار في الاخرة.
وهذا اسقاط النفقة- ما ذهب اليه الائمة الفقهاء من ان خروج المرأة من بيت زوجها دون اذنه او عذر شرعي معتبر مسقط للنفقة وخالف الظاهرية نظرا لاعتبارهم ارتباط النفقة بوجود العقد.(1/14)
وقد استثني من الخروج دون رضاه خروجها لاعذار شرعية لخطر البيت او كرها او لخوف على نفسها لانفراد البيت او كأن تخرج الى القضاء لطلب حقها وعلى هذا كل خروج في حاجة تعتبر من الحوائج التي اقتضى العرف السليم خروج مثلها له لتعود عن قرب للعرف في رضا مثله بذلك وعد من الاعذار خروجها للاستفتاء حيث لا يغنيها زوجها عن الخروج اليه ومنها الخروج لبيت والدها في زيارة او عيادة وستظهر صورة هذه القضية الاستثنائية فيما بعد عندما يعتبر نشوزا من تصرفات المراة الزوجة.ولما كان الالتزام البيتي حقا من حقوق الزوج بحيث لا يجوز لها هدر هذا الحق الا بما يعتبر حقا لها كعذر اضطراري او بتنازله عنه والا فهي محالفة لجانب من جوانب مقتضى" العقد الزوجي" فتتحمل جزاءه الدنيوي وجزاءه الاخروي والجزاء الدنيوي فهو كامن في اعفاء الزوج من الالتزام بالنفقة الزوجية وهذا راي الجمهور واصحاب المذاهب سوى ما ذكر عند الظاهرية من عدمية الاسقاط نظرا لاعتبار التقابل بين النفقة والعقد.
وأما الجزاء الأخروي فهو كما في الاثار والشواهد فقد روى الحاكم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يحل لامراة تؤمن بالله ان تاذن لاحد في بيت زوجها وهو كاره ولا تخرج وهو كاره"
وروى الطبراني عن طريق ابن عباس في حديث عن المراة الخشعمية السائلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن حق الزوج على زوجته ومما ورد في الاجابة
" ولا تخرج من بيتها الا باذنه" وفي رواية عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" ان المراة اذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شىء غير الجن والانس حتى ترجع"(1/15)
فطاعة المراة لزوجها بالالتزام البيتي هو من الواجبات العينية الاساسية عليها وفي وقتنا الحاضر تثار قضية المراة الزوجة والعمل خارج البيت وهي قضية جديرة بالاهتمام تبيانا وتنبيها وخاصة ان العمل مشروع للمراة كما للرجل وبالزواج تحدث عملية تعارض بين حقين اثنين بين عمل المراة الوظيفي وبقائها المطلوب في بيت الزوجية وعمل المراة الوظيفي في المجتمع فرض من فروض الكفاية من ناحية ومن ناحية اخرى هو سبب تامين معيشتها الحياتية.
ويلاحظ ان كفاية المجتمع لا تتوقف على المراة الزوجة فهي مؤمنة دونها.
واما الجهة الاخرى- كفاية الحاجات المادية- كما علم ان الرجل الزوج ملزم بتامينه واما ما طلب منها من القرار البيتي وغيره فليس من يحل محلها ولذا كان عينيا عليها لا كفائيا.
وبناء لما تقدم فلا يحق للمراة الزوجة الخروج للعمل الا باذن زوجها ورضاه وفيما لو خرجت للعمل دون اذنه فهي مقتحمة لحقوق الزوج متحملة بهذا التصرف اسقاط النفقة فضلا عما يلحقها من القضاء الاخروي.
المسالة رقم-7-
وفيما لو اشترطت عند العقد ان تعمل في وظيفة او مهنة ما فهل هذا يجوز ام لا ؟
وجود الشرط في عقد الزواج قضية لها نظر في الفقه الاسلامي وسواء كان هذا الشرط . شرط عمل او طلاق او سكن او نفقة او غير ذلك.
وسنتعرف- بعون الله- على حكم اشتراط المراة العمل على الزوج عند العقد ومدى استمرارية العمل بعد الزواج من حيثية الاباحة والخطر ومدى الاخذ به من حيثية الصحة والفساد هذا التعرف سيكون من خلال مفاهيم الفقهاء للمشرط في الزواج .
اولا: الشرط في عقد الزواج ومدى العمل به عندالاحناف.
لا يعتبر الشرط ملزما للزوج ولا يؤثر على عقد الزواج من حيثية الفسخ او البقاء وانما العقد باق فان وفى
بشرطه عليه كان به وان لم يف يجب الاحتفاظ بمهر(1/16)
مثلها كأن يسمي لها مهرا معينا واشترط لها مالها فيه نفع كأن لا يخرجها من بلدها، أو ألا يتزوج عليها او ان يطلق ضرتها فان وفى فلها ما سمي من المهر والا ينقل الى مهر مثلها.
ثانيا: الشرط عند الشافعية ومدى العمل به:
من مقاصد عقد الزواج يتقرر الحكم في الشرط ومن اوائل القصد فيه الاعفاف الجنسي فضلا عن طبيعة التاييد في هذا العقد. ولذا قالوا : يترتب على عقد الزواج امران:
مقصود ومقتضى والمقصود يتغلب عليه انه من المقتضيات ولا فرق بينهما الا بمقدار ما ينظر الى اهم المقتضيات. فأي شرط يخل بالمقتضيات محظور. فاذا اشترطت عليه عند العقد عدم نقلها من بلدها يعتبر هذا الشرط لاغيا لان التزامها بالسكن التبعي للزوج من مقتضيات هذا العقد فيلغى الشرط ويبقى العقد .
ثالثا: الشرط عند المالكية ومدى العمل به:
للشرط في عقد الزواج عند المالكية يتحدد بالاتي:
1- ما كان من مقتضيات العقد كحسن العشرة والمعاملة بالحسنى وما ماثله لا يؤثر فيه الشرط للالتزام به دون شرط.
2- ما كان مناقضا لمقتضى العقد كشرطه عليها بعدم القسمة لها في البيت مع زوجة اخرى او ايثار غيرها عليها او عدم توريثها او اسقاط النغفة او ان تشترط عليه النفقة على ولدها من غيره او امرها بيدها فامثال هذه الشروط قبل الدخول يفسخ العقد وان كانت بعد الدخول اي حصل دخول عقب اشتراطها يثبت العقد وتلغى الشروط.
3- ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه كشرطها عليه ان لا يتزوج عليها او ان لا يخرجها من مكان او من بلدها فهذه الشروط وامثالها لا تؤثر على العقد قبل الدخول وبعده ولا يلتزم الزوج الوفاء بها وانما يستحب .
رابعا: الشرط عند الحنابلة ومدى العمل به:
1- ما فيه نفع للمراة وفائدة كأن تشترط عليه ان لا يخرجها من بلدها او ان لا يسافر بها او ان لا يتزوج عليها فهذه وامثالها يلتزم الزوج الوفاء بها والا فلها
فسخ النكاح .(1/17)
2- ما كان متناقضا لمقتضى العقد كأن تشترط عليه عدم مباشرتها او ان يعزل عنها فهذه وامثالها باطلة مع بقاء العقد وصحته وكذلك الامر اذا كان الشرط منهيا عنه كاشتراطها طلاق ضرتها.
3- ما كان مبطلا للعقد اصلا كاشتراط التاقيت في العقد او اشتراط الطلاق بوقت معين فهذه وامثالها لا تصح في عقد الزواج ولا يوجد العقد معها فكل ما كان مناقضا لمقتضى العقد لا يصح اجراؤه واذا كان الشرط معتبرا من غير متناقضات عقد الزواج اي مقتضى العقد فلا مانع من الاخذ به.
الجامع في المشرط ومدى العمل به
من خلال نظرة الفقهاء الى هذه القضية-الشرط في العقد-
بالامكان ايجاد جامع للشرط بوجهين الجائز والممنوع فنصل الى :
1- كمل ما كان من مقتضيات عقد الزواج ومشرطه احدهما يلتزم به الطرفان.
2- كل ما كان مبطلا لاصل العقد ابتداء كالتاقيت في العقداو الطلاق بوقت معين فالشرط والعقد باطلان ولا وجود لهما.
3- كل ما كان من متناقضات العقد ومنافاة مقصودة كشرط عدم المجامعة او المعاشرة السيئة لا التزام به مع بقاء العقد ولان هذه الشروط تفاد قضايا تترتب مباشرة على عقد الزواج.
4- ما لا يعتبر من المتناقضات مع المقتضى ولا من المبطلات للعقد كشرطها عليها اسكانها في مكان معين او عدم تزوجه عليها فهذه وامثالها شروط لها فروق عند الفقهاء . فذهب الشافعية والاحناف الى عدم اعتبارها ملزمة للرجل الزوج اذ لا صحة لها ولا تاثير على بقاء العقد وكذلك المالكية الا انه ان وفى بها فهذا من باب الاستحباب.وذهب الحنابلة الى صحة هذه الشروط وامثالها ويلزم الزوج بها والا فلها فسخ النكاح.
وكما لاحظت فان الحنابلة قد وسعوا في دائرة الشرط ما لم يكن متعارضا مع المقصود الاصلي للعقد وكذلك مع مقتضياته كأن يشترط بعد الانفاق عليها. وكذلك الامر ما لم يكن الشرط متعارضا مع شىء منهي عنه كطلاق ضرتها وكالاشتراط على التوارث بقوله:
" لا يتوارث اهل ملتين"(1/18)
وبناء لما تقدم: اذا اشترطت المراة عند العقد على زوجها ان تعمل خارج البيت او ان تستمر في عملها كأن تكون موظفة مثلا فليس له منعها عقب العقد عن عملها هذا
بناء لعدم اخلال هذا الشرط بالمقصود الاصلي للعقد ولعدم معارضته لنهي خاص يمنع بل الشرع فقد اوكل هذا الامر الى الزوج باذنه ورضاه وما دام قد رضي بهذا الشرط سابقا اعتبر وكانه رضا مستمر يلزم الرجل الوفاء به والا فلها فسخ النكاح بناء لوجهة الحنابلة فضلا عن الاستحباب به عند اخرين كالمالكية.
المسالة رقم-8-
في داخل البيت:
من معالم الصلاح في الحياة الزوجية ان المراة تشارك زوجها في تكوين هذه الخلية وكما هو ملاحظ في سائر الحياة الاسرية وسواء اكانت مدنية ام قروية بقطع النظر عن التباين في كيفية هذه المشاركة تبعا لحياة البيئة وان كانت العادة انها- الزوجة- تقوم بما يتناسب وقدرتها البدنية وهذا ما تتغلب عليه متطلبات داخل البيت من طبخ وكنس وغسل او رعاية لسائر شؤون باطن البيت والسهر عليه ونظرا لكون الرجل يقوم بواجبه العملي خارج البيت غالبا وهذا ما اشارت اليه صورة التعايش بين الازواج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد اخرج البخاري: ان اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قالت:" تزوجني الزبير وما له في الارض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه فكنت اعلف
فرسه واستقي الماء واخرز عزبه واعجن ولم اكن احسن اخبز وكان يخبز جارات لي من الانصار وكن نسوة صدق وكنت انقل النوى من ارض الزبير- التي اقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم- على راسي وهي مني على ثلثي فرسخ....
واخرج ايضا عن علي بن ابي طالب :ان فاطمة عليها السلام اتت النبي صلى الله عليه وسلم تساله خادما فقال:
" الا اخبرك ما هو خير لك منه تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين وتكبرين الله
اربعا وثلاثين .(1/19)
مما مضى وغيره من الشواهد يستدل على ان الزوجة كانت متعاونة مع زوجها فعلا في بناء البيت والسهر على مصالحه وخاصة في ايام العسرة والضيق كما هو الحال في هذه الايام ذات المعيشة المعقدة.
وهذا لا يمنع من ان يكفي الرجل زوجته هذا العناء فيما اذا كان الزوج في حال يسر ورخاء نظرا لما تتضمن هذه الحياة من راحة تاملها الزوجة من زوجها ولكي تركز جهدها في عملية البناء الداخلي للبيت رعاية وامانة وتوجيها اذ المسؤولية اكبر من الطبخ والغسل وهذا ما اشير اليه في السنة النبوية( وامراة الرجل راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم هذا ما لزم تبيانه حول هذه المسالة في حاضر هذه الايام والتي لا تستدعي
اكثر من هذا العرض ومن اراد التفصيلات الفقهية فعليه بالعودة الى كتب الفقهاء.
المسالة رقم-9-
الاعفاف الجنسي:
قد تبين مما مضى ان الشرع الحكيم قد الزم الرجل الزوج امورا لصالح المراة الزوجة هي امور تقتضيها الحياة الزوجية في استقرارها المنشود قد الزمه المسكن والملبس والطعام وسائر ما تحتاجها حياتها المعيشية.
واما هذه المسالة- الاعفاف الجنسي- فلا شك انها اساسية بل ولا حرج بان تكون هي المقصود الاولي من عقد الزواج غالبا والاعفاف هو احد اسباب وجوب النفقة بحيث يترتب على فقدانه بامتناعها عن التلبية سقوط نفقتها ان لم يكن هناك عذر معتبر وان تعرض لها سابقا ارى من الحاجة هنا توضيح الربط بينها وبين التزام الرجل.
فقد نص الاحناف على انه يجب على المراة الزوجة تسليم نفسها وان تكون كبيرة بحيث يتحقق الاعفاف الجنسي وانها مسؤولة عن العجز اذا كان من جهتها وذهب المالكية الى اشتراط الدخول او الدعاء اليه وشرط ان تكون مطيقة للوطء حال كونها ممكنة اياه.
وذهب الشافعية الى توقف النفقة على التمكين بحيث لو امتنعت منه سقطت وفي المذهب وجهان: الوجه الاول على القديم: يجب لها النفقة ما دامت لم تمنع عند طلبه بالتسليم.(1/20)
والوجه الثاني على الجديد: لا نفقة لها حتى تسلم نفسها سواء طلبها ام لا وذهب الحنابلة الى اشتراط امرين اثنين هما:
الامر الاول: ان تكون كبيرة يمكن معاشرتها فان كانت صغيرة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها.
الامر الثاني: بذل التمكين التام من نفسها لزوجها في مسكن الزوجية وتمكينه من الاستمتاع.
وما ذكر يفيد بان المراة الزوجة مطالبة بان تمكن زوجها من نفسها نظرا لحقه عليها باعفافه والا يقدر ما تخل بهذه الواجبات يقع الاسقاط من النفقة فضلا عما يلحقها من جزاء وعقاب اخروي كما رواه البخاري عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" اذا دعا الرجل امراته الى فراشه فأبت ان تجىء لعنتها الملائكة حتى تصبح "
ومن رواية ثانية :
" اذا باتت المراة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع"
وروى البخاري عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تصوم المراة وبعلها شاهد الا باذنه"
وسبب هذا الحظر حق الاستمتاع بها في كل وقت.
وروى ابو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" اذا دعا الرجل امراته الى فراشه فابت فلم تاته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"
فاذا كانت المراة الزوجة ملزمة باعفاف زوجها فهل هو ملزم باعفافها ايضا ؟ ام ان هذا حق له فحسب؟
ان الاعفاف الجنسي للزوجة هو من مضامين الحقوق الزوجية المشتركة وخاصة ان هذا الحق هو من المقاصد الاولية للزواج وهذا ما دل عليه ما روي عن عمر بن الخطاب انه قال :
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعزل عن
الحرة الا باذنها وقد ذكر الشوكاني: انه لا خلاف بين العلماء انه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا باذنها لان الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل قال الحافظ : ووافقه في هذا الاجماع ابن هبيرة وورد عند الاحناف انه اذا اراد الرجل العزل عن زوجته الحرة لا بد من اذنها اجماعا(1/21)
وذهب الشافعية الى انه يطلب من الرجل اعفاف زوجته من الناحية الجنسية كي لا تتضرر وتضل
وذهب المالكين الى انه لا يعزل عن المراة الحرة الا باذنها قالوا: وهو قول جماعة الفقهاء وذلك ان للمراة حقا في الاستمتاع ولما لم يكن له ان يمتنع من وطئها لم يكن له ان يمتنه من اكماله
وذهب الحنابلة الى انه لا يعزل عن زوجته الحرة الا باذنها ولان لها في الولد حقا وعليها في العزل ضررا فلم يجر الا باذنها
وان تركه اي ترك الزوج الوطء مضرا بها من غير عذر لاحدهما ضربت له مدته: اربعة اشهر وحكم له بحكمه اي الايلاء لانه تارك لوطئها فاخذت ضررا بها اشبه المولي
وحول هذه القضية- اعفاف المراة ومدى ما لها من حق فيه- فقد ذكر ابن قيم الجوزية انه قال وقد اختلف الفقهاء هل يجب على الزوج مجامعة امراته؟ فقالت طائفة لا يجب عليه ذلك فانه حق له فان شاء استوفاه وان شاء تركه بمنزلة من استاجر دارا ان شاء سكنها وان شاء تركها وهذا من اضعف الاقوال والقران والسنة والعرف والقياس برده فاما القران فان الله سبحانه وتعالى يقول
( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)
فاخبر ان للمراة من الحق مثل الذي عليها فاذا كان الجماع حقا للزوج عليها فهو حق على الزوج بنص القران وايضا فانه سبحانه وتعالى امر الازواج ان يعاشروا الزوجات بالمعروف ومن ضد المعروف ان يكون عنده شابة شهوتها تعدل شهوة الرجل او تزيد عليها باضعاف مضاعفة ولا يذيقها لذة الوطء مرة واحدة ومن زعم ان هذا من المعروف كفاه طبعه ردا عليه والله سبحانه وتعالى انما اباح للازواج امساك نسائهم على هذا الوجه لا على غيره فقال تعالى
( فامساك بمعروف او تسريح باحسان)(1/22)
وقالت طائفة يجب عليه وطؤها في العمر مرة واحدة ليستقر لها بذلك الصداق وهذا من جنس القول الاول وهو باطل من وجه اخر فانما المقصود هو المعاشرة بالمعروف والصداق داخل في العقد تعظيما لحرمته وفرقا بينه وبين السفاح فوجوب المقصود بالنكاح اقوى من وجوب الصداق.
وقالت طائفة ثالثة : يجب عليه ان يطاها كل اربعة اشهر مرة واحتجوا على ذلك بان الله سبحانه وتعالى اباح للمولي اربعة اشهر وخير المراة بعد ذلك ان شاءت ان تقيم عنده وان شاءت ان تفارقه فلو كان لها حق في الوطء اكثر من ذلك لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة وهذا القول وان كان اقرب من القولين اللذين قبله فليس ايضا بصحيح فانه غير المعروف الذي لها وعليها واما جعل مدة الايلاء اربعة اشهر فنظرا منه سبحانه للازواج فان الرجل قد يحتاج الى ترك وطء امراته مدة لعارض من سفر او تاديب او راحة نفس او اشتغال بمهم فجعل الله سبحانه وتعالى له اجلا اربعة اشهر ولا يلزم من ذلك ان يكون الوطء مؤقتا في كل اربعة اشهر مرة
وقالت طائفة اخرى بل يجب عليه ان يطاها بالمعروف كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف بل هذا عمدة المعاشرة ومقصودها وقد امر الله سبحانه وتعالى ان يعاشرها بالمعروف فالوطء داخل في هذه المعاشرة ولا بد.
قالوا: وعليها ان يشبعها وطئا اذا امكنه ذلك كما عليه ان يشبعها قوتا وذهب الجعفرية الى انه لا سجوز للرجل الزوج ان يمتنع عن مباشرة زوجته اكثر من اربعة اشهر ولا يجوز له ان يعزل ما لم يشترط في العقد او تاذن الا اذا كان العقد عقدا منقطعا.
المسالة رقم-10-
العزل بين الزوجة وزوجها:
العزل: هو ان ينزع الزوج بعد الايلاج ذكرهمن فرج المراة لانزال الماء( المني) خارجه.
هذا الفعل عادة يترتب عليه امران اثنان هما:
الامر الأول: عدم استكمال الاعفاف الجنسي لدى المرأة.
الامر الثاني: عدم الحمل نظرا لفقدان السبب والا فانه ليست نفس مخلوقة الا الله خالقها.(1/23)
في المسالة الماضية ذكر حكم مدى ما للمراة من حق في اصل الاعفاف وكان الحكم انه لا يحق للزوج ان يمتنع عن اعفاف زوجته جنسيا وان اختلفت في تحديد الفترة الزمنية بين المباضعة والمباضعة الاخرى.
واما في هذه المسالة فسنتعرف على حكم الشرع في كمالية الاعفاف من ناحية ومن ناحية اخرى على حكم الشرع من مدى حق المراة او الزوجين معا في توقف الانجاب.
فقد وردت نصوص وشواهد لا تفيد بظاهرها القطع بهذه المسالة وخاصة في الامر الثاني ( منع الحمل) مع التحذير من عواقبه على البقاء التناسلي فضلا عما قد يشكل في طياته من معاندة القدر.
فقد روي عن جذامة بنت وهب قالت : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في اناس وهو يقول : لقد هممت ان انهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فاذا هم يغيلون اولادهم فلا يضر ذلك اولادهم شيئا ثم سالوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ذلك الوأد الخفي "
وروي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
" ذكر العزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ولم يفعل ذلك احدكم؟ ولم يقل فلا يفعل ذلك احدكم -
فانه ليست نفس مخلوقة الا الله خالقها.
وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
" كنا نعزل والقران ينزل لو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القران.
وروي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رجلا قال:" يا رسول الله ان لي جارية وانا اعزل عنها وانا اكره ان تحمل وانا اريد ما يريد الرجال وان اليهود تحدث ان العزل المؤودة الصغرى قال:
" قال كذبت اليهود لو اراد الله ان يخلقه ما استطعت ان تصرفه".
هذه النصوص كما رايت لا تفيد بظاهرها الحرمة كما انها تفيد عدم تاثير العزل على نفس قدر الله تعالى خلقها وان كان العزل سببا مانعا عادة ولا يخفاك ان قدر الله تعالى لا يتوقف على الاسباب والخطر يكمن عندما يظن المرء انه بامكانه معاندة القدر.(1/24)
ولذا فقد ذهب المالكية الى منع العزل عن المراة الحرة الا باذنها نظرا لحقها في الاستمتاع وما دام قد حظر عليه منعها اصل الاستمتاع لم يكن له ليمتنع عن اكماله.
وذهب الشافعية الى انه لا يعزل عن الحرة الا باذنها لان الحق لهما وان لم تاذن له ففيه وجهان:
الوجه الاول: لا يحرم لان حقها في الاستمتاع دون الانزال.
الوجه الثاني: يحرم لانه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه.
وذهب الحنابلة الى انه يمنع من العزل الا باذنها لما روي عن عمر قال:
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعزل عن الحرة الا باذنها ولانه في العزل ضرر عليها فلم يجز الا باذنها.
وذكر ابن دقيق العبد حول هذه المسالة فقال:
" اختلف الفقهاء في حكم العزل فاباحه بعضهم مطلقا وقيل فيه: اذا جاز ترك اصل الوطء جاز ترك الانزال ورجح هذا بعض اصحاب الشافعي.
وذهب البعض الى كراهيته في الحرة الا باذنها ويستدل على جوازه مطلقا بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
" كنا نعزل والقران ينزل لو كان شيئا ينهى عنه لنهى عنه القران" .
وكما لاحظت:
1- ان العزل في اصله لا مانع منه ما لم تتضرر الزوجة اذا كانت صاحبة حق في اصل الاعفاف او ان تاذن به ويكون هذا من باب التنازل عن حق لها.
2- للمراة الزوجة حق في التناسل فما لم يكن هناك من ضرر فلا يصح للزوج ان يمنعها من نعمة الاولاد.
3- لو اتفق الزوج والزوجة على عدم الانجاب وكان هناك عذر معتبر شرعا فلا مانع واما لو لم يكن هناك من عذر فلا حرمة وانما فيه الكراهة وعليه تحمل النصوص الناهية وعلى هذا : تعاطي المراة الوسائل المانعة من الحبل من التوقف على رضاهما ما لم يكن هناك مانع.(1/25)
بالامكان تطبيق العزل عند توقع الضرر بالمراة او بالطفل الرضيع ( الغيلة) فيمن كانت من النساء ذات طبع سريع في الحبل وقصد انقطاع فترة زمنيةمن الحبل او تفرغ الام لتربية رضيعها وحتى لا يغال بحمل جديد او انها ترغب في فترة راحة من عناء الحمل ومشقته فلا مانع من العزل بالكيفية التي لا تتعارض مع المحظورات الشرعية.
وبالامكان تطبيقه ايضا لاتخاذ فترة راحة من عبء التكاليف الحياتية والحاجات المادية فعلى سبيل الراحة لفترة لا مانع ما دام هناك تراضي بينهما واما قطع الحبل من اصله والحال انه لا عذر شرعي معتبر وان لم يكن هناك من عذر فان الحكم يتوقف على مدى ما للامة من حق في استمرارية التناسل من باب الحفاظ على ريحها ووجودها في المجتمع ولان اصل التكاثر امر مرغوب في وجود الامة واستمراريتها فان اعطي البعض او افراد محددة الترخيص فيه نظرا لما تحيط بهم من اعذار معتبرة فليس من جواز فيه على شكل حكم عام فهذا غير جائز وعلى المسلمين ان يحذروا دعوات تحديد النسل وعواقبها الوخيمة على الامة وسوادها.
المسألة رقم-11-
العدل في المعاشرة:
من حق المراة على زوجها ان يعدل في معاشرته اذا كانت اخرى في عصمته الزوجية اذ من مقتضى المعاشرة الزوجية المعاشرة بالمعروف كما قوله تعالى:
( وعاشروهن بالمعروف)
والمعاشرة بالمعروف تقتضي العدل عند التعداد في الزوجات وهذا ما بينته السنة الشريفة فقد قال صلى الله عليه وسلم:
" من كان له امراتان فمال الى احدهما جاء يوم القيامة وشقه مائل"
وروي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول:" اللهم هذا قسمي فيما املك فلا تلمني فيما لا املك "
وهذا ما عليه الائمة بالاتفاق اي على وجوب التسوية بين الزوجات في القسمة والعدل بينهن وان هذا حق من حقوقها العالقة في ذمته.(1/26)
والزام الشرع الحكيم الرجل الزوج مراعاة هذا الحق دفعا لما قد يقع من ظلم واجحاف وابعادا للتعسف الذي قد يقع
فيؤدي الى هدر وجود المراة وهذا لا يتوافق مع المعاشرة بالمعروف التي سنها شرع الله الحكيم.
المسالة رقم-12-
صلة الرحم:
من حق الزوجةعلى زوجها الا يعترضها في صلة رحمها لما في قطيعة الرحم من اثم ووزر كما في النصوص والشواهد والتي تحث وتوجب على العبد ذكرا او انثى ان يصل رحمه وان يحذر مقاطعته. فقد قال الله تعالى في شان الرحم :
( يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساء واتقوا الله الذي يتساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا)
واخرج البخاري عن ابي هريرة قال:
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" جعل الله الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعة وتسعين جزءا وانزل الى الارض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه "
واخرج ايضا عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لا يرحم لا يرحم"
فالنصوص حول صلة الرحم كثيرة وشانها عند الله تعالى عظيم.
ولما كان لها الحق- اي الزوجة- في ان تصل رحمها وفي نفس الوقت مدينة للزوج بواجبات تلتزمها كالقرار في البيت فقد نهج الفقهاء الطريق التي تحفظ حق كل منهما دون ضياع.(1/27)
فذهب الاحناف الى : انه لا يجوز للرجل الزوج منع زوجته من زيارة ابويها في كل جمعة وفي زيارة غيرها من المحارم في كل سنة وكذا اذا اراد ابوها او قريبها ان يجىء اليها على هذه الجمعة والسنة وهو الصحيح وعن ابي يوسف : تقييد خروجها بان لا يقدرا على اتيانها فان كانا يقدران على اتيانها لا تذهب وهو حسن فان بعض النساء لا يشق عليها مع الاب الخروج وقد يشق ذلك على الزوج فتمنع وقد اختار بعض المشايخ منعها من الخروج اليهما وقد اشار الى نقله في شرح المختار والحق الاخذ يقول ابي يوسف اذا كان الابوان بالصفة التي ذكرت وان لم يكونا كذلك ينبغي ان ياذن لها في زيارتهما في الحين بعد الحين على قدر متعارف اما في كل جمعة فهو بعيد فان في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصا اذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات بخلاف خروج الابوين فانه ايسر.
ولو كان ابوها زمنا( مريضا) مثلا وهو محتاج الى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده فعليها ان تغضبه مسلما كان الاب او كافرا.
وفي فقه الشافعية: ان خروج الزوجة من بيت الزوج لبيت ابيها او اقاربها او جيرانها في زيارة او عيادة او تعزية غير مسقط للنفقة اي ان هذا الخروج لا يعتبر معصية.
وفي فقه الحنابلة: ان الزوج لا يملك منع الزوجة من كلام ابويها ولا ان يمنعها من زيارتها لانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ما لم يخف منها الضرر بحيث اذا خيف الضرر له المنع ولا يلزمها طاعة ابويها في فراقه ومخالفته بل طاعة زوجها احق لوجوبها عليها.
المسالة رقم-13-
احسان الظن بالزوجة:
من حق المراة على زوجها ان يحسن الظن بها وان لا يتتبع عوراتها لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل الذميم فضلا عن كونه لا يتلاءم والمعاشرة بالمعروف فقد روي عن جابر رضي الله عنه انه قال :
" نهى الرسول صلى الله عليه وسلم ان يطرق الرجل اهله ليلا يتخونهم او يطلب عثراتهم"(1/28)
وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره ان ياتي الرجل اهله طروقا" وفي رواية:" اذا اطال احدكم الغيبة فلا يطرق اهله ليلا"
وروي ايضا :" لا تلجوا على المغيبات فان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم"
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم اذا قدم من غزوة يرسل من يؤذن الناس انهم قادمون ونقل صاحب الفتح : عن ابن ابي حمزة نفع الله به قال فيه النهي عن طروق المسافر اهله على غرة من غير تقدم اعلام منه لهم بقدومه والسبب في ذلك ما وقعت اليه الاشارة في الحديث قال :" وقد خالف بعضهم فراى عند اهله رجلا فعوقب على مخالفته"
واشار الى حديث ابن خزيمة عن ابن عمر قال :
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تطرق النساء ليلا فطرق رجلان كلاهما وجد مع امراته ما يكره"
ووقع في حديث بن محارب عن جابر: ان عبد الله بن رواحة اتى امراته ليلا وعندها امراة تمشطها فظنها رجلا فاشار اليها بالسيف فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم نهى ان يطرق الرجل اهله ليلا اخرجه ابو عوان في صحيحه.
فالليل مظنة المفاجات وقد يلعب الشيطان دورا في وأد البيت في فرن سوء الظن ولا ريب ان هذا شىء بغيض لدى الله سبحانه.
ولما كان من حق الزوج على زوجته ان تتزين له كان ايضا من حقها عليه الا يدخل عليها بعد سفر الا باعلام كي تتزين له من تنظيف وتمشيط وتهيئة وهذا ما اشارت اليه ظاهر النصوص والشواهد الماضية وخاصة فيما ورد عن جابر:
( كنامع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال:" امهلوا حتى ندخل ليلا اي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة"
فقد يجد معها ما يكره من عدم التهيئة والتزين ويؤدي الى النفرة بينهما فينبغي امهالها كي تذهب بعثراتها وهذا من حسن الادب والمعاشرة الزوجية والمطلوب استمرارية وثاقها بازدياد السكينة والقرار النفسي ولن تكون هناك استمرارية البناء ونفوس هادئة الا بمراعاة كل من الطرفين الطرف الاخر.
المسالة رقم-14-(1/29)
حرمة البيت:
ومن حق الزوج على زوجته: ان لا تدخل بيته من يكرهه لقوله صلى الله عليه وسلم:
" لا يحل لامراة ان تصوم وزوجها شاهد الا باذنه ولا تاذن في بيته الا باذنه"
بهذه النصوص وغيرها فقد استدل على حرمة الدخول على من غاب عنها زوجها وعلى عدم الاذن لاحد بالدخول الى بيته الا لعذر اضطراري يقتضي الدخول عليها كأن تكون مريضة تتطلب المعالجة في البيت.
ونقل صاحب الفتح عن النووي في هذا الحديث اشارة الى انه لا يفتات على الزوج الا باذنه وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به اما لو علمت في بيته رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها كمن جرت عادته بادخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا ام غائبا فلا يفتقر ادخالهم الى اذن خاص بذلك وحاصله لا بد من اعتبار اذنه تفصيلا او اجمالا.
المسالة رقم-15-
الترفيه البرىء :
لما كان من حق الزوج على زوجته القرار في البيت والا تخرج منه الا لعذر مقبول كان من حقها عليه ان يهىء لها الترفيه البرىء ترفيه لا يصل الى حد فساد خلقها واسقاط هيبته من نفسها بل عليه ان يكون معتدلا متوسطا فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قال:
" سمعت اصوات اناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اتحبين ان تري لعبهم؟ قالت قلت نعم فارسل اليهم فجاءوا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده فوضعت ذقني على يده وجعلوا يلعبون وانظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسبك؟ واقول: اسكت مرتين او ثلاثة ثم قال يا عائشة حسبك؟ فقلت نعم فاشار اليهم فانصرفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا والطفهم باهله"(1/30)
وليكن ترفيهها البرىء بعيدا عن المحاذير الشرعية فلا يعصي الله بهن وبالامكان الخروج الى امكنة النزهة ذات الهواء الطلق والمناظر الحسنة او الى امكنة الترفيه البرىء المحافظ على العفة والاخلاق والفضيلة كما في تفرج ام المؤمنين رضي الله عنها على لعب الحبشة ولا يقاس عليه ما يوجد اليوم من مسارح وسينمات ونحوها نظرا للاختلاط المحظور ونظرا لحرمة برامجها وفسادها المنتشر ولعدمية العفة والبراءة فيها.
ويوم ان تتحقق العفة والبراءة بمعنى انه يوم ان توجه برامج المسرح او التلفزيون او السينما من قبل ولاة امر مسلمين حاكمين بما انزل الله بشرعه الحكيم مع دراسة وتخطيط وهدف ينضوي لمصلحة الفرد والمجتمع والامة دنيا اخره بان تكون البرامج المقدمة مركزة على اعمدة العفة والفضيلة ومراعاة سائر جوانب الاختلاط والنظر والسمع والحل والحرمة فهذا لا باس به بل قد يكون مطلوبا.
واقرب ما يمكن في شاشة التلفزيون بالشروط الماضية وذلك نظرا لابعاد الاختلاط وشوائبه وليس كما هو الان-
اي التلفزيون- وكأنه لحم خنزير مقدم بطبق من ذهب.
المسالةرقم-16-
الاعتدال في الغيرة:
لما كانت الغيرة من طبائع العبد كان من حق الزوجة على زوجها ان يكون معتدلا في غيرته فلا يتغافل عن مبادىء الامور التي تخشى غوائلها ولا يبالغ في اساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات النساء وفي هذا الشان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" ان من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على اهله من غير ريبة"
فهذه الغيرة الزائدة من سوء الظن الذي نهينا عنه فان بعض الظن اثم ونسب الى الامام علي كرم الله وجهه:
" لا تكثر الغيرة على اهلك فترمى بالسوء من اجلك .
واما الغيرة في محلها فلا بد منها وهي محمودة كما قال عليه الصلاة والسلام:
" ان الله يغار والمؤمن يغار وغيرة الله تعالى ان ياتي الرجل المؤمن ما حرم الله "(1/31)
والطريق المغني عن الغيرة ان لا يدخل عليها الرجال وهي لا تخرج الاسواق.وفي هذا اثر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لابنته فاطمة عليها السلام:
اي شىء خير للمراة؟ قالت : " ان لا ترى رجلا ولا يراها رجل" فضمها اليه وقال:" ذرية بعضها من بعض
المسالة رقم-17-
الاعتدال في النفقة:
ومما ينبغي على الرجل الزوج ان يتخذ الوسطية في الانفاق على زوجته لا اقتار ولا اسراف مع مراعاة التوسع عليها وفي هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
" دينار انفقته في سبيل الله ودينار انفقته في رقية ودينار تصدقت به على مسكين ودينار انفقته على اهلك اعظمها اجرا الذي انفقته على اهلك" .
ولا ينبغي ان يستاثر على اهله بماكول فلا يطعمهم منه فان ذلك مما يوغر الصدور ويبعد عن المعاشرة بالمعروف ويجب ان يراعى اطعامها من الحلال دون ان يدخل مداخل السوء قصد التوسع عليها.
المسالة رقم -18-
حاجات المعرفة:
ومن حق المراة على زوجها ان يعلمها احكام الصلاة واحكام الحيض وان يلقنها ما يذهب عن قلبها البدع والمنكرات بان يبين لها سلامة الاعتقاد والا خرجت لسؤال العلماء ان لم يسال لها وليس له منعها ان ارادت معرفة ضروريات الدين واساسياته الا اذا قام هو بها او سال لها وعليه ان يخرج معها كي تتعلم حاجيات دينها فان رفض ومانع كان شريكها في الاثم.
ولان المراة مكلفة كالرجل فيجب عليها طلب علم الواجبات عليها لتكون من ادائها على يقين فان يكن لها اب او اخ او زوج او محرم يعلمها الفرائض ويعرفها كيف تؤدي الواجبات كفاها ذلك.
وان لم يكن سالت وتعلمت فان قدرت على امراة تعلم ذلك تعرفت منها والا تعلمت من الاشياخ وذوي الاسنان من غير خلوة بها وتقتصد على قدر اللازم ومتى حدثت لها حادثة في دينها سالت ولم تستح فان الله لا يستحي من الحق.
المبحث الرابع
في النشوز والاصلاح
1- مرحلة النشوز والشقاق
2-مرحلة العلاج والاصلاح
3-مرحلة الوفاق او الاغناء
النشوز والشقاق(1/32)
في هذا الجانب من الحياة الزوجية تبرز مسائل من قضايا لا تخلو منها اسرة اذا لم تحسن تطبيق كيفية التفاهم والتوافق ضمن حلقات المسائل التي تعرفت عليها وتفهمت لمدى ما شرع الاسلام في الحياة الزوجية وترابط العلاقات بين الزوجين على قاعدة الحق والواجب ضمن المعروف في هذا الشرع الحكيم
وقد يطرؤ ما يعكر هذه الحياة ويشوبها مما ينشد علاجا لمواجهة هذا الامر الطارىء وبغية اعادة السكينة والمودة والتي بدونها لا يبقى بينهما- الزوجين طعم الحياة واملها المنشود
وقد عالج الاسلام هذه الامور المريبة للحياة الزوجية بطريقة تتناسب وطباع الزوجين فقد قال الله سبحانه :
( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبعوا عليهن سبيلا
ان الله كان عليا كبيرا وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا)
وقال سبحانه:
( وان امراة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا والصلح خير واحضرت الانفس الشح وان تحسنوا وتتقوا فان الله كان بما تعملون خبيرا)
للمراة نشوز وللرجل نشوز سوى ان طبيعة النشوز ليست سواء عند الطرفين ولذا اختلف العلاج نظرا لاختلاف طبيعة النشوز فيما بينهما وان كان يجمع بينهما ان في كل منهما مضايقة للاخر ومكابدته
ولنبدا بما ابتدىء به في كتاب الله تعالى وهو ان نشوز المراة فنعرف النشوز بمعناه العام ثم عند الفقهاء فنتعرف على دائرة النشوز لدى المراة ونعقبها بالتعرف على نشوز الرجل الزوج ومدى دائرته النشوزية
التعريف بالنشوز:
النشوز في اللغة من النشز بفتح النون والشين وهو
المكان المرتفع من الارض ومنه النشز اي بتسكين الشين وهي بمعنى واحد.
وعرف النشوز عند المفسرين بانه اظهار الخشونة في القول او الفعل او نهما ويكون من الزوجين وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه.(1/33)
ونشوز الزوجة يكون في مثل منعها حقه او الخروج من البيت دون رضاه واما نشوز الزوج فيكون في مثل اساءته عشرتها وان يمنعها نفسه ونفقته.
المسالة رقم-19-
نشوز المراة عند الفقهاء:
ذهب الاحناف الى ان نشوز المراة كامن في خروجها من المنزل بغير حق دون اذنه وفي تركها للطهارة المطلوبة وكذا الزينة الشرعية التي تقدر عليها وفي ممانعته الاعفاف الجنسي اذا لم يكن هناك عذر شرعي وفي ايذائها الاولاد وكذلك في زوجها بالدعاء عليه او التمزيق لثيابه او رفع صوتها ليسمعها اجنبي او شتمه او ان تتصرف بلا اذنه فيما يخصه كان تعطي ما لم تجر به العادة.
واما لو تصرفت بما يعتبر معصية لله تعالى فهل يعتبر نشوزا ام لا؟.
في بعض الكتب ليس هذا بنشوز لان المنفعة لا تعود اليه بل اليها كترك الصلاة مثلا ونسب الشارح خلافه الى كتب اخرى.
وفي باب الحظر والاباحة ما يدل على اعتباره نشوزا وهو الاظهر لأحقية الزوج بضرب زوجته على ترك الصلاة.
وقال شارح الكنز اي كنز الدقائق في الفروع للنسفي
في ضرب الولد والزوجة لترك الصلاة روايتان وذكر في جنايات الذخيرة انه ليس له ضربها على ترك الصلاة .
بخلاف الاب فان له ضرب ابنه على تركها بالاجماع.
وذهب المالكية الى تحديد النشوز بالامتناع عن المعاشرة الزوجية او خروجها بلا اذن من الزوج الى مكان لا يجب خروجها له او ترك حق من حقوق الله تعالى كالصلاة بغير عذر شرعي .
وذهب الشافعية الى تحديد النشوز: بخروجها عن طاعته كالخروج من المسكن بغير رضاه او امتناعها عن الاعفاف الجنسي دون عذر شرعي او اعراض وعبوس
بعد لطف وطلاقة في وجه زوجها او خشونة المعاملة وبصورة عامة كل ما فيه معصيته من المعاشرة بالمعروف وتسليم نفسها وكذلك كل ما يعتبر من باب الفساد في دينها وخلقها.(1/34)
وذهب الحنابلة الى تحديد النشوز بعصيانها ومنعها للزوج حقا من حقوقه كالخروج دون استئذان او الامتناع عن الاعفاف الجنسي وكذلك الحال فيما لو كانت المعصية في حق الله سبحانه كترك الصلاة
وذهب الجعفرية الى ان نشوز الزوجة كامن في تمردها على زوجها بمنعه عن حقوقه او بفعل المنفرات له عنها حتى ولو كان مثل سبه وشتمه او بالخروج عن بيتها بغير اذنه من غير عذر شرعي مسوغ.
المسالة رقم-20-
نشوز الزوج عند الفقهاء:
يتحدد نشوز الزوج اتجاه زوجته في اطار المعاملة الخشنة قولا كانت ام فعلا ويدخل فيه كل تصرف من قبل الزوج من شانه ان تتاذى به زوجته من سوء اخلاق وتقتير او منع لما يعتبر من باب الحاجات والضروريات كالطعام والشراب وكذلك الاعفاف الجنسي وقطع الصلة بارحامها وخاصة الابوان ولا مانع من التوسع اكثر بغية الوقوف عند الحق المطلوب في نشوز الرجل ما دام الجفاء والاعراض او ما يدور في فلكه من التصرفات ولو عدنا الى الواجبات اللازمة في ذمة الرجل الزوج قبل زوجته لادركنا معالم النشوز لديه المبتدئة بالتقصير فيما لها عليه والافراط فيما له عليها واعني ان نشوز الزوج كامن في وحدتين اثنتين معا او احدهما فقط .
وشىء معلوم انه قبل الزواج فليس هناك من شىء من الالتزامات المتبادلة والتي- الالتزامات- قد علقت بذمتهما عقب عقد الزواج هذه الالتزامات متمثلة بين حق وواجب كان تقول يحق للزوج منع زوجته من ترك البيت والخروج منه في الحالات العادية ويجب على زوجها تقديم سائر حاجاتها الحياتية اليها ضمن القرار البيتي.(1/35)
اذن للزوج حقوق معينة ومحددة وليس على الاطلاق بان يزيد في الحقوق او ان يتعدى الحد في اي حق من حقوقه المشروعة فما زاد عن الحد هو ارتفاع ونشوز وكما ان له حقوقا فكذلك هي قد شرعت لها حقوق ووجبت لها واجبات في جانبه اي الرجل الزوج وهذه الواجبات لها ايضا حدود مرسومة طولب بتقديمها دون قصور عن الحد المطلوب بمعنى لو انه قصر في كفايته من جهة الكسوة او الطعام لاعتبر معرضا وناشزا.
فالمعتمد في معالم هذا النشوز: هو التعدي في حدود الحق والتقصير في حدود الواجب والاخلال فيما كان من باب الاداب الشرعية ومحاسن الاخلاق وحسن المعاملة.
وعلى هذا لو ادى الزوج ما عليه لكن بطابع الخشونة قولا او فعلا متنافيا مع المعاشرة بالمعروف والتي هي روح الحياة الزوجية فهو معتبر من باب النشوز كأن يعبس في وجهها او ان يعرض بوجهه عنها ما لم يكن هناك سبب مشروع ويدخل فيه ما كان من التجافي ومنعها نفسه ومودته وقلة محادثتها او مؤانستها لطعن في سن او دمامة او ملال.
وهذا ما يتضمنه قوله تعالى:
( وان امراة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا والصلح خير )
وهو ما اشارت اليه المذاهب الفقهية.
فعند الشافعية نشوز اما ان يكون من قبل منعها حقا من حقوقها كنفقة وقسم مثلا واما ان يكون من قبيل اساءة خلقه معها ولكل نوع منهما طريقة في الاصلاح.
وذهب الحنابلة الى ان كل ما اخل بالمعاشرة بالمعروف
كحسن الصحبة بالاساءة وكف الاذى بايذائه والمماطلة باداء الحق مع قدرته عليه وكذلك الامر في ايذاء الكراهة
عند بذل ما يجب عليه بل عليه ان يقدمه ببشر وطلاقة
دون منة او اذى ويجمع نشوزه كل ما كان من باب الجفاء والاضرار بها .
وذهب المالكية الى ان نشوز الزوج كامن بالعدوان عليها بالضرب والاذى سواء كان الاذى بالاعتداء في حقه او بالتقصير في حقها الذي تتاذى منه.(1/36)
وذهب الاحناف الى ان منع الزوج حقا لزوجته ظلم والظلم يعرضه الى ملامة او عقاب حتى يدفع عنها الظلم فهو- النشوز- كامن في الاعتداء في حقه او حقها
وخلاصة الحديث في النشوز بين الزوجين يمكن ضبطه في الشطط عن الحق والواجب فما دام هناك توازن بين الحق والواجب فيما بينهما فلا نشوز والا اذا اختل هذا التوازن فحدث الاعتداء في حدود الحق او التقصير في حدود الواجب فقد ظهر النشوز والاعراض ويترتب عليه ظلم وانتهاك لشرع الله والذي يتطلب اجراءات كي تعود هذه الحياة الى قوام سبيلها المنشود.
مرحلة العلاج والاصلاح
سبق الكلام ان للمراة نشوزا وللرجل نشوزا وهذا يتطلب علاجا في اصلاحه هذا العلاج مضبوط ببيان المشرع ودون ان يترك الامر على غاربه بلا بيان او تحديد ولنبدا بكيفية اصلاح نشوزا المراة فيما بينها وبين الرجل الزوج وبعدها بكيفية اصلاح نشوز الرجل فيما بينه وبين المراة الزوجة.
المسالة رقم-21-
كيفية اصلاح نشوز الزوجة:
يقول سبحانه : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)
وفي هذه المسالة يقول تعالى:
( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)
هذه المراحل كيفية الاصلاح في نشوز المراة فاول مرحلة في العظة والارشاد وهي التذكير بالله في الترغيب لما عنده من ثواب والتخويف لما لديه من عقاب الى ما يتبع ذلك مما يعرفها به من حسن الادب في اجمال العشرة والوفاء بذمام الصحبة والقيام بحقوق الطاعة للزوج والاعتراف بالدرجة التي له عليها فان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لو امرت احدا ان يسجد الى احد لامرت المراة ان تسجد لزوجها"
فاذا لم تفلح هذه المرحلة انتقل الى اسلوب الهجر .
( واهجروهن في المضاجع)
وقد ذكر ابن العربي في احكامه ان فيه اربعة اقوال:
الاول: يوليها ظهره في فراشه قاله ابن عباس(1/37)
الثاني: لا يكلمها وان وطئها قاله عكرمة وابو الضحى
الثالث: لا يجمعها واياه فراش ولا وطء حتى ترجع الى الذي يريد قاله ابراهيم والشعبي وقتادة والحسن البصري ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك وغيرهم.
الرابع: " يكلمها ويجامعها ولكن يقول فيه غلظ وشدة اذا قال لها تعالي قاله سفيان ثم قال فمعنى الاية :
" ابعدوهن في المضاجع فالذي قال: يوليها ظهره جعل المضجع طرفا للهجر واخذ القول على اظهر الظاهر وهو حبر الامة وهو حمل الامر على الاقل وهي مسالة عظيمة من الاصول والذي قال : يهجرها في الكلام حمل الامر على الاكثر الموفي فقال: لا يكلمها ولا يضاجعها ويكون هذا القول كما يقول : اهجره في الله وهذا هو اصل مالك وقد روى ابن وهب عن مالك انه قال في تفسير الاية :
بلغنا ان عمر بن عبد العزيز كان له نساء فكان يغاضب بعضهن فاذا كانت ليلها يفرش في حجرتها وتبيت هي في بيتها فقلت لمالك: ذلك له اوسع قال "نعم وذلك في كتاب الله تعالى: ( واهجروهن في المضاجع)
والذي قال : لا يكلمها وان وطئها فصرفه نظره الى ان جعل الاقل في الكلام واذا وقع الجماع فترك الكلام سخافة
والذي قال:يكلمها بكلام فيه غلط اذا دعاها الى المضجع جعله من باب ما لا ينبغي من القول وقال - ابن العربي-
من احسن ما سمعت في تفسير هذه الاية قول سعيد بن جبير: يعظها فان هي قبلت والا هجرها فان هي قبلت والا ضربها فان هي قبلت والا بعث حكما من اهله وحكما من اهلها فينظران ممن الضرر وعند ذلك يكون الخلع.
وفي تفسير ابن جزي: هذه انواع من تاديب المراة اذا نشزت على زوجها وهي على مراتب: بالوعظ في النشوز الخفيف والهجران فيما هو اشد منه والضرب فيما هو اشد ومتى انتهت عن النشوز بوجه من التاديب لم يتعد
الى ما بعده والهجران هنا ترك مضاجعتها وقبل ترك الجماع اذا ضاجعها والضرب غير مبرح. واذا اطاعت المراة زوجها فليس له ان يؤذيها بهجران ولا ضرب.(1/38)
ومن السنة فقد روى البخاري عن عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يجلد احدكم امراته جلد العبد ثم يجامعها في اخر اليوم.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:
" ايها الناس ان لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا لكم عليهن الا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه وعليهن ان لا ياتين بفاحشة مبينة فان فعلن فان الله تعالى قد اذن لكم ان تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فان انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف "
واخرج ابو داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تضربوا اماء الله" فجاء عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرت النساء على ازواجهن فرخص في ضربهن فاطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون ازواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون ازواجهن ليس اولئك بخياركم"
واخرج ابن ماجة عن اياس بن عبد الله بن ابي ذباب قال
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" لا تضربن اماء الله فجاء عمر الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد ذئر النساء على ازواجهن فامر بضربهن فضربن فطاف بآل محمد صلى الله عليه وسلم طائف نساء كثير فلما اصبح قال :
" لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امراة كل امراة تشتكي زوجها فلا تجدون اولئك خياركم" واخرج- ابن ماجة- ايضا عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما ولا امراة ولا ضرب بيده شيئا)
هذه النصوص وغيرها تشير الى ضبط المرحلة الثالثة- الضرب- الواردة في النص ( واضربوهن) نصوص تشير الى التنفير من الضرب لمدى تاثيره على العشرة المطلوبة ولذا فان صيغة الامر هنا ليست من باب الوجوب وانما هي من باب الاباحة والاذن وهذا ما اشار اليه عطاء بقوله: لا يضربها وان امرها ونهاها فلم تطعه ولكن يغضب عليها.(1/39)
قال ابن العربي: هذا من فقه عطاء فانه من فهمه بالشريعة ووقوفه على قطان الاجتهاد علم ان الامر بالضرب ها هنا امر اباحة ووقف على الكراهية من طريق اخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن زمعة اني لاكره للرجل بضرب امته عند غضبه ولعله ان يضاجعها من يومه)
وروى ابن نافع عن مالك عن يحيي بن سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استؤذن في ضرب النساء فقال:
" اضربوا ولن يضرب خياركم"
فاباح وندب الى الترك وان في الهجر لغاية الادب.
وكان الضرب من باب الاباحة لا من باب الوجوب وان كانت صيغته صيغة امر لكونه قد اقترن بما يدل على اباحته كقوله تعالى:
( واذا حللتم فاصطادوا)
وكقوله سبحانه: ( فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض)
والاقتران الذي اعطاه الاباحة والاذن هو ما ورد من
السنة النبوية المنفرة من الضرب والنادبة الى اللطف بهن واكرامهن.
فاصلاح نشوز الزوجة يبتدىء بالعظة ثم الهجر ثم الضرب بضوابط تمنع الشطط وما مضى على ضوء القران والسنة ثم لنرى مسالك الفقهاء في كيفية اصلاح هذا النشوز حسب فهمهم للنصوص ومدى احتوائها.
اولا: مسلك الاحناف الاصلاحي:
ذهب الاحناف كما هو ظاهر الاية الى ان للزوج ان يصلح نشوز زوجته على الطريقة التي ذكرت في النص ابتداء
بالعظة ثم بالهجر ان لم ينفع علاج العظة والا فله ضربها على سبيل الاباحة لا على سبيل اللزوم وهذا العلاج- اي الاخير- يجب ان يكون غير مبرح والا يقع الزوج تحت طائلة المسؤولية في الدنيا الاخرة فزيادة عما يلحقه من اثم فبامكان المراة ان ترفع امرها الى القضاء فينال الزوج تعزيزه المناسب مع اعتدائه للحد المرسوم له.(1/40)
وقد اشار الاحناف الى الاحوال التي تبيح له ضرب زوجته عليها وهي : ترك الزينة الشرعية ان كانت قادرة عليها وفي حال عدم اجابتها للاعفاف الجنسي ما لم يكن هناك عذر شرعي معتبر كالحيض والنفاس وفي حال خروجها من المنزل بغير حق والا فلا وفي وجهة عند تركها للصلاة .
ثانيا: مسلك المالكية الاصلاحي:
اذا تحقق نشوزها وعظها برفق وذكر لها ما يقتضي رجوعها عما ارتكبته نحو اتقي الله واحذري عقابه فان الرجل له حق على المراة ونحو ذلك فان استمرت على النشوز هجرها في المضاجع بألا ينام معها في فراش واحد ولا يباشرها فان لم يفد ذلك ضربها ضربا غير مبرح ان ظن الافادة.
ومعنى غير مبرح هو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة قال الصاوي وعلى هذا الترتيب واجب واخذوا وجوبه من السنة.
واعلم ان الهجر والضرب لا يسوغ فعلهما الا اذا تحقق النشوز ويزاد في الضرب ظن الافادة فاما الوعظ فلا يشترط فيه تحقق النشوز ولا ظن الافادة قال خليل ووعظ من نشزت ثم هجرها ثم ضربها ان ظن افادته.
ثالثا: مسلك الشافعية الاصلاحي:
ان ظهرت امارات نشوزها فعلا كأن يجد منها اعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة وجه او قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد ان كان بلين: وعظها بلا هجر ولا ضرب فيقول لها مثلا: اتق الله في الحق الواجب لي عليك واحذر العقوبة كما يندب ان يذكرها بما ورد في السنة من سوء العاقبة في عصيانها لزوجها .
وان تحقق النشوز وعظها وهجرها في المضجع والمراد هجر فراشها وقيل غير ذلك اما الكلام فلا يصح لاكثر من ثلاثة ايام نظرا لنهي السنة عن ذلك الا اذا كان هجرها لرد ما عن المعصية واصلاح دينها فلا تحريم كما قال الاذرعي وهذا ماخوذ من جواز هجر المبتدع والفاسق ونحوهما ومن رجا بهجره صلاح دين الهاجر او المهجور(1/41)
ولا يجوز له الضرب في الاظهر والظاهر جواز ذلك وحكاه الماوردي عن الجدير والمتن والاظهر يضرب والضربظاهر عند تكرر النشوز والصرار عليه علما بان جواز الضرب مشروطا بالافادة والا فلا يجوز كما صرح به الامام وغيره مع اشتراط عدم الشدة وان يتقي الوجه والمهالك والاولى العفو.
رابعا: مسلك الحنابلة الاصلاحي:
عند بداية امارات النشوز يعظها مذكرا اياها ما اوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الاثم بالمخالفة من الاثم بالمخالفة .
واذا تجسد النشوز وحدث له هجرها . ويشترط فيه ان يكون في المضجع فقط والا يقاطعها بالكلام اكثر من ثلاثة ايام.
وان اصرت على الامتناع والعصيان كان له ضربها ويشترط في الضرب ان يكون غير مبرح اي غير شديد كما عليه ان يجتنب الوجه والمواضع المخوفة نظرا لكون القصد التاديب لا الاتلاف.
وان كانت المعصية في حق الله تعالى كترك الصلاة مثلا فله تاديبها على فرائض الله تعالى وهذا ما نقل عن احمد ونقل عنه ايضا: اخشى ان لا يحل لرجل يقيم مع امراة لا تصلي ولا تغتسل من جنابة ولا تتعلم القران.
خامسا: مسلك الجعفرية الاصلاحي:
يذهب الجعفرية الى انه متى ظهر من الزوجة امارة
النشوز مثل تقطب في وجهه او تتبرم بحوائجه او تغير عادتها في آدابها جاز له هجرها في المضجع بعد وعظها وصورة الهجر ان يحول اليها ظهره في الفراش.
ولو وقع النشوز في الامتناع عن طاعته فيما يجب له جاز ضربها ولو باول مرة ويقتصر على ما يؤمل منه رجوعها ما لم يكن مدميا ولا مبرحا.
فكما لاحظت ان الضرب جائز قصد الاصلاح شرط الا
يكون مؤذيا ولا زيادة عن الحد المطلوب الذي يؤمل به
الرجوع.
المسالة رقم-22-
خلاصة القول في مسالك الفقهاء الاصلاحية:
ومما مضى نخلص الى نقاط هامة في شان هذه الكيفية الاصلاحية لمدى ما يحدث من نشوز المراة الزوجية.(1/42)
1-لا يجوز للمراة ان تبدي كراهية لزوجها ولا ان تمنعه حقا له مما وجب عليها اتجاهه ولا ان تخالف فيما وجب بينهما ضمن طاعة الله سبحانه.
2- اذا ظهرت امارات النشوز عند المراة يقوم الرجل الزوج بوعظها وارشادها مذكرا اياها فيمااوجبه الله تعالى عليها من الطاعة وحسن المعاشرة .
3- فاذا فرغ من العظة دون نتيجة يقوم بهجرها ضمن
البيت وهو علاج له تاثيره النفسي وبه تعلم المراة مدى تاثر الزوج بنشوزها فتعود عن غيها وتطاولها.
4- فاذا فرغ من الهجر ودون نفع اجيز له معالجتها بضرب غير مدم ولا مبرح شرط ان يغلب على ظنه الاصلاح بهذه الطريقة والا فلا يحق له. وعند اخرين
ليس هذا بشرط مطلوب وانما يطلب عدم الافراط في هذا العلاج.
5- للرجل الزوج تاديب زوجته على ترك طاعة الله تعالى كترك الصلاة مثلا وقد اشير اليه عند كل من الاحناف من خشية عدم حل البقاء مع زوجة لا تصلي ومن كراهية معاشرة هذه المراة وامثالها.
المسالة رقم-23-
كيفية اصلاح نشوز الزوج:
لنشوز الرجل الزوج طريقة معينة في الاصلاح وهذا امر
لا اشكال فيه اذ الاسلام يعالج هذا الاعراض والنفور مع
من احلت له بميثاق غليظ اقتضى حسن المعاملة معها امانة ذات رعاية التزامية يلتزم بها الزوج في اداء الحق وحسن المعاشرة المطلوبة.
وما شرع من اصلاح نشوز الزوجة وضعه المشرع بيد الرجل الزوج وليس من حق القضاء التدخل به الا بمقدار تعدي الحد المرسوم لمراحل الاصلاح من هجر وضرب ونشوز الزوج وان كان اعتداء على حقوق المراة فليس لها ان تتبع ذات ما وضع بيد الرجل من اصلاخ نشوزها ولانه وان كان بامكانها ان تصلح من نشوزه بشىء من طرق المعالجة الماضية كان تستعمل اسلوب العظة والارشاد ولكن ليس بامكانها التدرج في باقي المراحل الاصلاحية.
وحتى لا تقع المراة اسيرة ظلم الرجل فان تسوية الامور
بينهما هي من اختصاص القضاء.(1/43)
فلها الحقوق المتعددة بجانبه تارة تكون مادية كالنفقة وما تتضمن. وتارة تكون شخصية محض كالاعفاف الجنسي وانجاب الذرية وتارة تكون معنوية ادبية كحسن الخلق واستمرارية المودة والرحمة وليس باستطاعتها الزامه بها عن طريق قوتها الذاتية البدنية والفارق بينهما لا يحتاج لدليل او برهان علما ان الرجل قد يعجز عن اصلاح نشوزها بما معه من طرق المعالجة فيقتضي الامر تدخل القضاء كجال المراة وظلم الرجل الزوج.
وانت ترى في امر الطلاق فقد اجيز للرجل الطلاق وكذلك
الحال عندما تريد المراة الطلاق عن طريق المخالعة فبامكانها التطليق لكن دون مباشرتها اياه بذاتها وانما عن طريق القضاء .
فللمراة حقوق كما للرجل انما في بعضها يتولاه القضاء نظرا لاعتبارات اخرى ولكن النتيجة واحدة التعادل في الحقوق وان لم يكن هذا التعادل تماثلا حسيا.
ففي حال منعه حقا لها او اساءته لها بضرب دون مبرر او شتم او مما ينقص من كرامتها ورفعت امرها الى القضاء قصد ازالة هذا الظلم واعادة الزوج عن نشوزه الى قوام العلاقة الزوجية فيتقدم القضاء لاصلاح هذا النشوز بما يلي:
ينظر الى طبيعة النشوز هل هو من قبيل منعها حقا من حقوقها كنفقة مثلا؟ او هو من قبيل اساءة خلقه معها؟
فان كان الاول ترفع الامر الى القاضي وهو يلزمه بذلك
وان كان الثاني كأن يضربها او يشتمها بلا سبب ينهاه
القاضي عن ذلك فان عاد اليه وطلبت من القاضي تعزيره بما يليق لتعديه عليها وانما لم يعزره لاول مرة لان مثل هذه عادة ما تكون بين الزوجين والتعزير عليه لاول مرة يورث وحشة بينهما فيقتصر اولا على النهي لعل الحال يلتئم بينهما فان عاد عزره واسكنه بجنب ثقة يمنع الزوج من التعدي عليها.
هذه الطريقة هي مسلك الشافعية وهذا ما ذهب اليه سائر
الائمة بقطع النظر عن جزيئاتالكيفية ما دام القصد الالتحام بين الزوجين في العلاقة وراب الصدع الذي طرا على هذه العلاقة.(1/44)
فعند المالكية اذا اعتدى الرجل على زوجته فيزجر عن ذلك ويجبر على العود الى العدل والا فعند الاستمرار في
ظلمه تطلق عليه لضرره.
وعند الحناف : ان الزوج اذا ما وقع منه ظلم قبل زوجته يعزر وقد صرحوا بانه اذا ضربها بغير حق وجب عليه التعزير.
وعند الحنابلة اذا جفا الرجل زوجته او اضر بها يمنع منها اي من هذه الاشياء وللقاضي تاديبه حتى يحسن عشرتها ويرفع عنها ظلمه.
المسالة رقم-24-
جهد الزوجة في اصلاح الزوج:
بقاء الاستقامة واستمرارية السلوك في الحياة الزوجية اول من يسال عنها الرجل الزوج نظرا لمدى تحمله من رعاية الاسرة.
اذا من المقرر شرعا في التوجيه الاسري ان الرجل مكلف بهذه المهمة وتبقى قضية قد يتساءل حولها البعض وهي قضية عصيان الزوج فيما بينه وبين الله تعالى وهل تتحمل المراة الزوجة مسؤولية تقويم هذا الاعوجاج؟
كما مر ان الرجل ان قصر فيما عليه اتجاه زوجته فهو ملزم ديانة وقضاء برأب هذا التقصير وان كان التقصير
يعود الى ذاته لا تلزم المراة قضاء باصلاح هذا التقصير
الذاتي للزوج وانما بناء لما للزواج وانما بناء لما للزواج من مودة ورحمة وسكينة فعلى الزوجة ان تبذل جهدها بالعظة والارشاد فان استطاعت اصلاحه وتقويم اعوجاجه فذلك خير يرجى وان كان بمقدورها تقويم هذا الاعوجاج ولم تفعل فانها تأثم وذلك لمبدأ التضامن والاصلاح بين المؤمنات والمؤمنين بصورة عامة فهي ولاية مشتركة مقررة بين المجتمع المؤمن قال تعالى:
( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم) .
فتقرير مبدأ الاصلاح بين المجتمع المؤمن بصورة عامة لم يدع لمسؤولية الاصلاح بين الزوجين حاجة الى برهان.(1/45)
ومن المعلوم ان الزوج هو المسؤول عن بذل الاصلاح وتقويم الاعوجاج والمراة الزوجة وان طولب منها النصح والارشاد وذلك انطلاقا من مبدا الولاية المطلقة المتداخلة بين المؤمنين والمؤمنات فلا يحق لها طلبها الطلاق لهذا التقصير الضار بذاته وان كان لا يخلو من غض لمكانتها وكرامتها ولا يحق لها النشوز المضر بحقه والخروج عن الالتزام بحقه عليه كالاعفاف والالتزام البيتي.
ولو طلب الزوج طلاقها لتقصير في العبادة منها فانه
يلتزم بالجانب المادي كليا وبالتقابل والتماثل .
( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) .
فان اصرت على الطلاق لتقصيره في العبادة ورفض
الزوج الطلاق الا بالمحافظة فلا تستطيع الزامه بالطلاق والجانب المادي.
المسالة رقم-25-
كلمة حول ضرب الزوجة:
هذه مسالة قد يتخذها المغرضون منفذا للطعن حول قضية المراة ولا يجدون كرامتها الا بمشروعية ضرب المراة لزوجها على نمط العمليات الحسابية وظنوا ان العدالة كامنة في هذه المماثلة المادية ولا عجب فانه فكر مادي
هادف سلخ الحياة الزوجية من زوجها ودفع هذه الحياة في بحر من ظلمات الانحلال.
قال صاحب المنار في تفسيره ان مشروعية ضرب النساء
ليست بالامر المستنكر في العقل والفطرة فيحتاج الى التاويل فهذا امر يحتاج اليه في حال فساد البيئة وغلبة الاخلاق الفاسدة وانما يباح اذا راى الرجل ان رجوع المراة عن نشوزها يتوقف عليه.
وقال اخر في جوابه على هذه المسالة.
1- قد علمت ان الله تعالى جعل الرجال قوامين على
النساء فالرجل راعي المراة والرئيس المهيمن عليها
ومن مقتضى ذلك الا يكون للمرؤوس معاقبة رئيسه والا انقلب الامر وضعفت هيمنة الرئيس .
2-ان نشوز الرجل لا يكون الا لسبب قاهر بخلاف النشوز من المراة يوجد لاقل شىء تتوهمه فلا حرج ان جعل لنشوزهن عقوبة حتى يرتدعن.(1/46)
3- في سياق الايتين ما يرشد الى ان النشوز في النساء كثير وفي الرجال قليل ففي نشوز المراة عبر باسم الموصول ( اللاتي) المجموع اشارة الى انه نشوز محقق في جماعتهن وفي نشوز الرجل عبر ب ( ان) التي للشك وبصيغة الافراد (بعلها) وجعل الناشز بعلا وسيدا مهما كان كل ذلك تشير الى ان النشوز في الرجال غير محقق
وانه مبني على الفرض والتقدير وانه اذا فرض وقوعه فانما يكون من واحد لا من جماعة وان ذلك الواحد على كل حال سيد زوجته.
4-نشوز الرجال امارة من امارات الكراهة وارادة الفرقة واذا كان الله قد جعل له حق الفرقة ولم يجعل للمراة عليه سبيلا اذا هو اراد فرقتها فاولى الا يجعل لها عليه سبيلا اذا بدت منه امارات هذه الفرقة.
نعم لقد سمح القران بضرب المراة ولكن متى يكون الضرب؟ ولمن يكون؟ ان هذا الامر علاج والعلاج انما يحتاج اليه عند الضرورة فالمراة اذا اساءت عشرة زوجها وركبت راسها وسارت وراء الشيطان وبقيادته لا تكف ولا ترعوي عن غيها وخلالها. فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحالة.؟ ايهجرها ام يطلقها ام يتركها تصنع ما تشاء؟ لقد ارشد القران الكريم الى الدواء ارشد الى اتخاذ الطرق الحكيمة في معالجة هذا النشوز والعصيان فامر بالصبر والاناة ثم بالوعظ والارشاد ثم بالهجرة في المضاجع فاذا لم تنفع كل هذه الوسائل فلا بد ان تستعمل اخر الادوية وكما يقولون في الامثال اخر الدواء الكي)
واقول:
1-مشروعية الضرب ليس لذات الضرب وانما كعلاج لرتق الشقاق الزوجي وهو يطبق على الطرفين معا زوج وزوجة لكن اجيز للرجل القيام بهذا العلاج دون المراة.
2- قد يصل الرجل بنشوزه الى حد يستوجب علاج الضرب فيقيمه عليه القاضي بعد انذاره بالعودة الى الصواب وعدم استجابته.
3- لقد راعى الاسلام ما في مصلحة المراة اذ ليس من كرامة المراة المثول امام جلاد القضاء لينفذ بها هذا العلاج واي منهما اقرب الى قبول المراة. اضرب جلاد القضاء ؟(1/47)
أم ضرب يسير من شريك حياتها؟ فليس هناك باقرب للمراة من زوجها هو لباسها وهي لباسه فما يوجد بينها وزوجها مفقود عند الاب او الام.
4- الضرب المشروع مشروط بعدم ايذائه وظن افادته والا فلا والاولى تركه وهذا ما تاخذ به خيار الرجال .
" ولن يضرب خياركم"وقدوة هؤلاء المصطفى صلى الله عليه وسلم.
المسالة رقم-26-
الحياة الزوجية بين الوفاق والاغناء:
وقد يبقى النشوز مستمرا بينهما ويعجز القضاء عن الوفاق ورتق هذا الشقاق . وهذه هي الحال الثالثة من الشقاق الزوجي وقد لاقت اهتماما معينا وكيفية مميزة في الاصلاح كما في قوله تعالى:
( وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهلها ان يريد اصلاحا يوفق الله بينهما ان الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا)
ومجمل القول في هذه المسالة على ضوء هذا الذكر المبين:
انه ان استمر الشقاق بين الزوجين ولم تنجح الاجراءات المتبعة سابقا في كل من اصلاح وعلاج نشوز كل منهما فان القضاء الشرعي يكلف حكمين اثنين احدهما من قبل الزوجة اي من اهله واخر من اهل الزوج فينظران في حالهما قاصدين استمرارية حياتهما الزوجية ما دام هذا ممكنا والا فتح باب التفريق حيث يغني الله تعالى كلا من سبيله وهل للحكمين حق التفريق بينهما؟
حتى ولو بغير رضاهما؟ ام انه لا تفريق الا باذنهما ؟.
هذه مسالة للائمة فيها وجهات نظر:
فقد ذهب الشافعية الى: انه ان اشتد الشقاق بينهما بان داما على التساب والتضارب بعث القاضي لكل منهما حكما برضاهما من اهلها لينظر في امرهما بعد اختلاء وحكمه به وحكمها بها ومعرفة ما عندهم في ذلك ويصلحا بينهما او يفرقا ان تعسر الاصلاح.
والحكمان وكيلان لهما لا حاكمان لان الحال قد يؤدي الى الفراق والبضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان فلا يولي عليهما في حقهما. فيوكل الزوج حكمه بطلاق او خلع وتوكل الزوجة حكمها ببذل للعوض وقبول للطلاق به ويفرقان بينهما ان راياه صوابا.(1/48)
فان لم يرضيا ببعثهما ولم يتفقا على شىء ادب الحاكم الظالم واستوفى للمظلوم حقه.
وذهب المالكية الى: انه اذا اشكل الامر وقد ساء ما بينهما وتكررت شكواهما ولم يقدر على الاصلاح بينهما فيبعث حكما من جهة الحاكم او من جهة الزوجين او من يلي عليهما لينظرا في امرهما وينفذ تصرفهما بما راياه من تطليق او خلع من غير اذن الزوج ولا موافقة الحاكم وذلك بعد ان يعجزا عن الاصلاح بينهما.
وذهب الاخرون الى انه ليس للحكمين ان يفرقا الا ان يرضى الزوج وذلك لانه لا خلاف ان الزوج لو اقر بالاساءة اليها لم يفرق بينهما ولم يجبره الحاكم على طلاقها قبل تحكيم الحكمين وكذلك لو اقرت المراة بالنشوز لم يجبرها الحاكم على الخلع ولا على رد مهرها فكذلك بعد بعث الحكمين لا يجوز الا برضاها.
وخلاصة القول في تصرف الحكمين: انه ليس للحكمين ان يفرقا الا برضا الزوجين في وجهة وفي وجهة ثانية للحكمين سلطة التنفيذ باتخاذ القرار المناسب وفاقا او اغناء حسب ما يريانه من مصلحة في حال هذين الزوجين.
المسالة رقم-27-
خلاصة القول في النشوز والاصلاح والاغناء:
النشوز اعتداء او تقصير يحدث بين الزوجين وعادة لا تخلو حياة زوجية منه بقطع النظر عن التفاوت بين واحدة واخرى.
وقد حذر الاسلام الزوجين معا من تعدي الحد فيما بينهما والزمهم تقوى الله في حياتهما ثم شرع علاجا مميزا وكيفية مبينة لابعاد دار النشوز والذي لا تستقر حياة زوجية بوجوده وهو على ثلاث مراحل.
المرحلة الاولى:
1- اذا ظهرت امارات النشوز لدى المراة يقوم الرجل بوعظها وارشادها مذكرا اياها فيما قد اوجبه الله تعالى عليها له من الطاعة وحسن المعاشرة.
2- فاذا فرغ من العظة دون نتيجة يقوم بهجرها ضمن البيت وهو علاج له تاثيره النفسي وبه تعلم المراة مدى تاثير الزوج من نشوزها فتعود عن غيها وتطاولها.(1/49)
3- واذا فرغ من الهجر بالا يزيد عن فترة معينة ابيح له معالجتها بضرب غير مدم ولا مبرح شرط ان يغلب على ظنه الاصلاح بهذه الطريقة والا فلا.
4- للزوج تاديب زوجته على ترك طاعة الله تعالى كترك الصلاة مثلا.
المرحلة الثانية:
اذا كان النشوز من الزوج فاما ان يكون نشوزا في حقها او في حق الله تعالى.
1- ان كان في حقها فانها تذكره بمالها عليه وخاصة بما قد اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وبكونها امانة في عنقه لا يرضى الله تعالى عن التعدي فيها.
2- ان لم يعد عن غيه جاز لها ان تسترضيه بما يعيد به الى الالتزام بالحياة.
3- وان استمر في غيه سواء استرضته ام لا جاز لها رفع امرها الى القضاء طالبة رفع الظلم عنها.
4- يامره القضاء بالالتزام بواجباته اتجاه زوجته ويحرره من مغبة هذا العدوان.
5- ان استمر دون اعتدال جاز للقضاء تاديبه بما يجده مناسبا مع رفع الظلم .
6- ان استجاب فهو المرتجى والا انتقلت هذه الحياة بين الزوجين الى مرحلة حسم النزاع اما بالوفاق واما بالاغناء وكذلك الامر ان استمرت الزوجة بنشوزها ولم تتاثر بعلاج نشوزها.
المرحلة الثالثة:
1-ان لم يصلح حالهما بما تقدم من محاولات يكلف القاضي لجنة من اهلها واهله.
2- يسعيان فيما بينهما قاصدين اصلاح حياتهما ورتق الجراح فيما بينهما.
3- ان تعسر الوفاق والاصلاح رفعا الامر الى القاضي بما قد وصلا اليه.
4- يطلب القاضي منهما الوفاق والا طلب من الزوج الطلاق .
5- فان رفض الزوج الطلاق وكان النشوز من جانبه فرق القاضي عليه.
6- وان كان النشوز من جانبها خالعا .
7- وان اشتركا في هذا النشوز وقعت الفرقة مع تحمل كل واحد منهما بنسبة نشوزه كما يرجع الامر فيه الى القاضي وتقديره.
والطريقة المتبعة في النشوز وكيفية معالجته في المحاكم الشرعية هو ما نصت عليه المادة ( 130) من قانون حقوق العائلة في لبنان.(1/50)
اذا ظهر نزاع وشقاق بين الزوجين وراجع احدهما الحاكم فالحاكم يعين من عائلة الطرفين حكما واذا لم يوجد شخص لتعينه حكما من عائلة الطرفين او احدهما او وجد لكن غير جائز اوصاف الحكم يعين من يناسبهم من الخارج ومجلس العائلة المتشكل على هذه الصورة يدقق افادات ومدافعات الطرفين ويجتهد في اصلاح ذات البين.
واذا لم يمكن الاصلاح فان كان القصور من جهة الزوج يفرق الحاكم بينهما. وان كان من جهة الزوجة يجري المخالصة على تمام المهر او على قسم منه واذا لم يمكن اتفاق الحكمين فالحاكم يعين هيئة حكمية اخرى حائزة الاوصاف المطلوبة او يعين حكما ثالثا ليس له قرابة للطرفين وحكم المحكمين قطعي وغير قابل للاعتراض.
ويترتب على هذا التفريق الطلاق البائن كما اشارت اليه المادة ( 131 ) من نفس قانون حقوق العائلة.
قال سبحانه: ( وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ) ( النساء/130)
الخاتمة
وخاتمة هذا البحث الخاص في شان العلاقات الزوجية وما يتخللها من حقوق وواجبات قد قصدت تبيانها لاصحاب العلاقة . حتى يبقى البيت محفوظا من ويلات الظلم ووساوس الشيطان ورحم الله امرءا عرف حده فوقف عنده على ضوء حكم الله تعالى وشرعه المرتضى ولم يرض بحكم الغبات والشهوات واتباع الميل والهوى وصدق الله تعالى في ايمان العبد حيث قال :
( وما كان لمؤمن ولا لمؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)
ما اصبت فيه فهو بتوفيق من الله العليم الحكيم وما اخطات فيه فهو من نفسي راجيا منه تعالى الاجر والثواب والغفران لما وقع من الزلل والسقطات وان يتفضل علي بالعفو والعافية وحسن الختام.
والله الموفق وهو الهادي الى سبيل الرشاد.
وكتبه كامل موسى
في 1 جمادي الاولى/1405 ه
تمت بحمد الله(1/51)