عبديها بعينه فإن الزوج يأخذ العبدين جميعا أحدهما بحكم الميراث و الآخر بحكم الوصية * و إذا مات الزوج و ترك امرأة ليس له وارث غيرها و أوصى لأجنبي بجميع ماله يأخذ الأجنبي ثلث المال بلا منازعة و للمرأة ربع ما بقي و هو السدس بحكم الميراث يبقى نصف المال بينها و بين الأجنبي نصفين * و لو أن امرأة ماتت و أوصت بجميع مالها لزوجها و ليس لها وارث سواه و أوصت بجميع مالها لأجنبي أو أوصت لكل واحد منهما بنصف المال يأخذ الأجنبي أولا ثلث المال بلا منازعة يبقى ثلثا المال للزوج نصف ذلك لأن الوصية بقدر الثلث للأجنبي مقدم على الميراث يبقى ثلث المال يكون ذلك بين الزوج و الأجنبي أثلاثا ثلث ذلك يكون للأجنبي و ثلثاه للزوج * مسلم أوصى بأن تجعل أرضه مقبرة للمسلمين أو خانا للمارة أو سقاية للعامة أو أوصى بأن يصرف إلى أكفان موتى المسلمين أو يحفر قبورهم فالوصية باطلة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول محمد رحمه الله تعالى جائزة * و لو أوصى بثلث ماله للمسجد و عين المسجد أو لم يعين فهي باطلة في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * و هي جائزة في قول محمد رحمه الله تعالى * و لو أوصى بأن ينفق ثلثه على المسجد جاز في قولهم * و لو أوصى بثلث ماله لبيت المقدس قال جاز ذلك و ينفق على عمارة بيت المقدس و في سراجه و نحو ذلك * قالوا هذا دليل على أنه يجوز أن ينفق من وقف المسجد على قناديله و سراجه و أن يشتري بذلك الزيت و النفط للقناديل في رمضان * و لو أوصى بعبده يخدم المسجد و يؤذن فيه جاز و يكون كسبه لوارث الموصي * و لو أوصى بثلث ماله لأعمال البر لا يصرف الثلث في بناء السجن لأن إصلاح السجن و عمارته يكون على السلطان * و لو أوصى بأن يحج عنه من ثلث ماله فإنه يحج عنه من منزله * و لو أوصى بأن يحج عنه بمائة و ثلث ماله خمسون فإنه يحج عنه من حيث يبلغ * و لو أوصى بأن يعتق عنه بمائة درهم نسمة و ثلث ماله خمسون لا يعتق عنه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى يشتري عبد يوجد بثلث ماله و يعتق عنه * و لو أوصى بأن يغزى عنه في سبيل الله فإنه يعطى نفقة الغزو رجلا ينفقها على نفسه في ذهابه و رجوعه و حال مقامه في الثغر و لا ينفق منه شيئا على أهله فإن فضل شيء رد ذلك على الورثة * و ينبغي أن يغزو عنه من منزل الموصي و هي كالوصية بالحج فإن كان الذي يغزو عنه غنيا جاز * و يجوز للوصي أن يغزو عنه * وكذلك لابن الموصي * و يجوز للمسلم أن يوصي لفقراء النصارى لأن الوصية لفقرائهم ليست بمعصية * بخلاف بناء البيعة فإن ذلك معصية فمن أعان على بنائها يكون آثما * ولو أوصى بأن يؤاجر أرضه من فلان سنة بكذا جاز فإن كان في الأجر محاباة كانت المحاباة من الثلث * و لو أوصى بأن ينفق ثلثه على المسجد جاز و يصرف إلى عمارته و سراجه * و لو أوصى بأن ينفق لسراج المسجد لا يجوز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى حتى يقول يسرج فيه * و لو أوصى بأن يباع عبده و لم يسم المشتري لا يجوز إلا أن يقول و تصدقوا بثمنه أو يقول بيعوه نسمة و يحط إلى الثلث عن المشتري * و كذا لو قال بيعوا جاريتي ممن يتخذها أم ولد أو يدبرها * و لو أوصى رجل بأن يكفن هو بعشرة آلاف فإنه يكفن كفن الوسط من غير إسراف و لا تقتير * رجل قال ثلث مالي لفلان و فلان أو قال ثلث مالي ما بين فلان و فلان و مات أحدهما قبل موت الموصي فإنه يعود نصف الثلث إلى ملك الموصي * و إن مات أحدهما بعد موت الموصي يكون الثلث بين الحي منهما و بين ورثة الشريك كان الثلث مقبوضا أو لم يكن * رجل قال ثلث مالي لموالي فلان و لفلان موليان أحدهما أسفل و هو الذي أعتقه فلان و الثاني هو المولى الأعلى و هو الذي أعتق فلانا ذكر في الأصل أن الوصية باطلة * و في بعض الكتب عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه ثلاث روايات في رواية الثلث يكون بين الأعلى و الأسفل نصفين * و في رواية الثلث لمولى الأسفل خاصة * و في رواية الوصية باطلة * رجل قال ثلث مالي لفلان و للمساكين قال أبو حنيفة و أبو يوسف رحمهما الله تعالى يكون نصف الثلث لفلان و النصف للمساكين * و قال محمد رحمه الله تعالى لا يجوز الصرف إلى مسكين واحد و يجوز إلى مسكينين * رجل قال إذا مت فصام عبدي يوما فهو حر فصام العبد بعد موته يوما لا يعتق العبد ما لم يعتقه الورثة * رجل أوصى بجميع ماله للفقراء أو لرجل بعينه لا يجوز ذلك إلا من الثلث فإن أجازت الورثة في حياة المورث لا تعتبر إجازتهم و كان لهم الرجوع و إن أجازوا بعد موته صحت الإجازة * رجل قال أوصيت لفلان بثلث غنمي أو قال بشاة من غنمي أو قال بثوب من ثيابي أو قال بقفيز حنطة من حنطتي و لم يكن في ملكه يوم الوصية شيء من ذلك كانت الوصية باطلة * و لو كان له غنم و ثياب و حنطة يوم الوصية ثم مات فلان بطلت الوصية * و لو قال أوصيت بثلث مالي لفلان و ليس له مال ثم استفاد مالا و مات كان للموصى له ثلث ما ترك و لو(3/309)
أوصى بما في بطن جاريته لفلان إن اكن في بطنها ولد يوم الوصية بأن ولدت لأقل من ستة أشهر جازت الوصية و إن ولدت لستة أشهر فصاعدا كانت الوصية باطلة * و لو قال أوصيت بهذا الكفرى في نخلتي لفلان فصار بسرا قبل موت الموصي بطلت الوصية * ولو قال أوصيت بهذا الرطب الذي في نخلتي فصار تمرا قبل موت الموصي في القياس تبطل الوصية و لا تبطل استحسانا * و لو قال أوصيت بعنبي هذا لفلان فصار زبيبا قبل موت الموصى له بطلت الوصية قياسا و استحسانا * و لو قال أوصيت بزرعي هذا لفلان وهو بقل فصار حنطة أو شعيرا قبل موت الموصي بطلت الوصية * و في الوكالة إذا تغير هذا كله بطلت الوكالة وفي البيع بشرط الخيار إذا تغير في أيام الخيار لا يبطل البيع و لا الخيار * و لو أوصى بهذا الحمل فصار كبشا قبل موت الموصي لا تبطل الوصية * و لو قال أوصيت بثلث مالي لفلان أو فلان كانت الوصية باطلة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى صحت الوصية و يكون بينهما نصفين * و قال محمد رحمه الله تعالى جازت الوصية و يكون البيان إلى الوارث و لا يكون البيان إلى وصي الميت * و لو أوصى لرجلين بثلث ماله ثم قال الموصي رجعت عن وصية أحدهما و لم يبين فمات يكون بينهما نصفين و لا يكون البيان إلى الورثة * و روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى أنه يخير الورثة * و عن محمد رحمه الله تعالى لو قال لجاريتين له إحداكما حرة ثم مات قبل البيان يعتق النصف من كل واحدة منهما و لا يكون البيان إلى الورثة * و لو قال أحدكما أم ولدي و مات قبل البيان كان البيان إلى الوارث * جريح أوصى عند موته أن يعفى عن قاتله و القتل عمد كانت باطلة في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * رجل أوصى بأن يعار بيته من فلان كانت باطلة * و كذا لو أوصى بأن يسقى عنه الماء شهرا في الموسم أو في سبيل الله تعالى كان باطلا في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * رجل قال أوصيت بهذا التبن لدواب فلان كان باطلا و لو قال يعلف بها دواب فلان كان جائزا * و لو أوصى بأن ينفق على فرس فلان كل شهر عشرة دراهم قال محمد رحمه الله تعالى جازت الوصي و يكون وصية لصاحب الفرس * فإن هلك الفرس أو باعه بطلت الوصية * و لو أوصى بسكنى داره إلى رجل و ليس له مال سوى الدار جازت الوصية و له سكناها مادام حيا و إن لم يخرج الدار من ثلث ماله * و لا يجوز للوارث أن يبيع ثلثي الدار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى للوارث أن يبيع الثلثين و له أن يقاسم الورثة أيضا و يفرز الثلث للوصية * و لو أوصى بقطنه لرجل و بحبه لآخر أو أوصى بلحم شاة معينة لرجل و بجلدها لآخر أو أوصى بحنطة في سنبلها لرجل و بالتبن لآخر جازت الوصية لهما و على الموصى لهما أن يدوسا و يسلخا الشاة و عن الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى في مسئلة الشاة و القطن أن السلخ و الحلج يكون على صاحب اللحم و القطن * و لو أوصى بقطن في الوسادة لرجل و لآخر بالوسادة كان إخراج القطن من الوسادة على صاحب القطن في قولهم * ولو أوصى بدهن هذا السمسم لأحدهما و بكسبه لآخر كان التخليص على صاحب الدهن * و لو أوصى بزبد هذه الدابة لفلان و بمخيضها لآخر كان إخراج الزبد على صاحب الزبد * و لو أوصى بحلقة الخاتم لرجل و بفصه لآخر جازت الوصية لهما فإن كان في نزعه ضرر ينظر إن كانت الحلقة أكثر قيمة من الفص يقال لصاحب الحلقة اضمن قيمة الفص له و يكون الفص لك * و إن كان الفص أكثر قيمة يقال لصاحب الفص اضمن قيمة الحلقة له * و هي كالدجاجة إذا ابتلعت لؤلؤة إنسان كان الجواب فيه على هذا الوجه * و لو كان له أرض فيها كرم و أشجار فأوصى بأرض الكرم لرجل و بالزراجين و الأغراس و الأشجار لآخر فقطعت الأشجار فخربت الأرض فطلب منه صاحب الأرض تسوية الأرض كما كانت كان عليه تسوية الأرض كما كانت * و كذا لو استأجر الرجل أرضا و غرس فيها الأشجار فمضت مدة الإجارة فقلع الأشجار كان عليه تسوية الأرض * و لو أوصى بعبده لرجل و بخدمته لآخر فنفقة العبد على صاحب الخدمة فإن مرض العبد مرضا و عجز العبد عن الخدمة لزمانة أو غيرها كانت النفقة على صاحب الرقبة * رجل قال عند موته لقوم كانوا عنده انظروا كل ما يجوز أن أوصي به فأعطوه للفقراء قال محمد رحمه الله تعالى تجوز هذه الوصية وهي على الثلث * و لو قال ما يجوز لي أن أوصي به فأعطوه جاز وهي إلى الورثة أي شيء أعطوه جاز قليلا كان أو كثيرا بخلاف قوله كل ما يجوز لي فإن ذلك يكون على الثلث * رجل أوصى بثياب جسده لرجل جاز و يكون للموصى له من الجبات و القمص و الأردية و السراويلات و الأكسية و الطيالسة دون القلانس و الخفاف و الجوارب فإن ذلك ليس من الثياب * رجل أوصى لعبده برقبته روى ابن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يجوز و هو مدبر لا يقدر على بيعه أبدا * و لو قال أوصيت لعبدي هذا بثلث مالي صار ثلثه مدبرا * و لو أوصى(3/310)
بعبده لرجل و على العبد دين فمات الموصي و قال غريم العبد لا أجيز الوصية لم يكن له ذلك و يكون الدين في ذمة العبد * و لو وهب عبده المديون من رجل في حياته كان لغريم العبد أن يبطل الهبة و يبيع القاضي العبد بدينه و ما يفضل من الثمن يكون للواهب * و لم أجاز الغريم هبة العبد جاز و لا حق للغريم حتى يعتق العبد لأن الموصى له بالعبد كأحد الورثة و الموهوب له بمنزلة المشتري * رجل أوصى بأرض فيها زرع بدون الزرع جاز و يترك الزرع فيها بأجر مثلها حت يحصد الزرع و الله أعلم
(* فصل في مسائل مختلفة *)(3/311)
رجل أعطى لأحد أولاده شيئا في صحته قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن فعل ذلك لزيادة خدمة هذا الولد و بره لا بأس به * و إن استووا في ذلك لا ينبغي له أن يفعل ذلك و أن يعطيه مالا يعطي غيره إلا أن يكون الولد محتاجا فيعطيه قدر قوته * الخليفة إذا جعل رجلا ولي عهده قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا يصير الثاني خليفة و لا يجب على الناس أن يعلموا بما أمر الخليفة قال لأن الخليفة لو أراد أن يقيم غيره مقام نفسه في حياته و ينعزل هو لا يكون له ذلك فكذلك بعد موته * و غيره من المشايخ رحمهم الله تعالى قال يجوز له أن ينقل الخلافة إلى غيره في حياته و بعد موته و هو كالوصي له أن يوصي إلى غيره بعد موته * و لو أقام غيره مقام نفسه في حياته و اعتزل هو لا يصح * رجل حلف أن لا يوصي بوصية فوهب في مرضه الذي مات فيه أو اشترى ابنا له في هذه الحالة حتى عتق عليه لا يكون حانثا * و لو وهب شيئا لوارثه في مرضه أو أوصى له بشيء و أمر بتنفيذه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى كلاهما باطلان فإن أجاز بقية الورثة ما فعل و قالوا أجزنا ما أمر به الميت تنصرف الإجازة إلى الوصية لأنها مأمورة لا إلى الهبة * و لو قالت الورثة أجزنا ما فعله الميت صحت الإجازة في الهبة و الوصية جميعا * مريض أوصى بوصايا ثم برئ من مرضه ذلك و عاش سنين ثم مرض فوصاياه باقية إن لم يقل إن مت من مرضي هذا أو قال إن لم أبرأ من مرضي هذا فقد أوصيت بكذا أو قال بالفارسية اكرمرا ازين بيمارى مرك آيدا و قال اكرازين بيمارى بميرم فحينئذ إذا برئ بطلت وصيته * و لو أوصى بوصية ثم جن قال محمد رحمه الله تعالى إن أطبق الجنون حتى بلغ ستة أشهر بطلت وصيته * و إن أفاق قبل ذلك فإيصاؤه و وصيته باقية * و وقت محمد رحمه الله تعالى الجنون المطبق بستة أشهر * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قدر المطبق بشهر و هو قول محمد رحمه الله تعالى أولا ثم قدر بستة * رجل أوصى بوصية ثم أخذه الوسواس و صار معتوها فمكث كذلك زمانا ثم مات بعد ذلك قال محمد رحمه الله تعالى وصيته باطلة * مريض لا يقدر على الكلام لضعفه إلا انه عاقل فأشار برأسه بوصيته * قال محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى جازت وصيته بإشارته و أصحابنا رحمهم الله تعالى لم يجوزوا * و قال الناطفي رحمه الله تعالى ذكر في الكيسانيات رجل أصابه الفالج و ذهب لسانه و عجز عن الكلام بمرض فأشار أو كتب و طال ذلك و تقادم العهد فإن حكمه حكم الأخرس * و قال الناطفي رحمه الله تعالى أراد بقوله طال ذلك أي مضت السنة على ذلك * و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أيضا * المريض الذي به السل بالسنة فإذا تصرفاته من الهبة و نحوها تصرفات المريض ما لم يتطاول * قال و فسر أصحابنا رحمهم الله تعالى تطاول السل بالسنة فإذا تصرف بعد سنة فهو كالصحيح نجوز تصرفاته * و عن الحسن ابن زياد رحمه الله تعالى رجل دفع إلى آخر ألفا و قال هذه الألف لفلان إذا مت أنا فادفعها إليه فمات يدفعها المأمور إلى فلان كما أمره و لو لم يقل هي لفلان و لكن قال ادفعها إليه فمات الآمر فإن المأمور لا يدفعها إلى فلان * و عن أبي نصر الدبوسي رحمه الله تعالى مريض دفع إلى رجل دراهم و قال ادفعها إلى أخي أو قال إلى ابني ثم مات و على الميت ديون قال إن قال ادفعها إلى أخي أو قال ادفعها إلى ابني و لم يزد على هذا فإن المأمور يدفع الألف إلى غرماء الميت * و عن نصير رحمه الله تعالى رجل قال ادفعوا هذه الدراهم أو هذه الثياب إلى فلان و لم يقل هي له و لا قال هي وصية له قال هذا باطل لأن هذا ليس بإقرار و لا وصية * مريض باع من وارثه شيئا و أقر باستيفاء الثمن قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان الغالب من حال المريض المرض و لزوم الفراش و كان قيامه على تكلف و مشقة بسبب المرض لا يجوز بيعه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * رجل أوصى بوصايا و أنفذوا وصاياه بالدراهم الزيفة الرديئة اختلف المشايخ فيه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كانت الوصية لقوم بأعيانهم فرضوا بذلك مع علمهم بذلك جاز و إن كانت الوصية للفقراء بغير أعيانهم جاز ذلك في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و لا يجوز في قول محمد رحمه الله تعالى * و يؤتى الفضل للفقراء في قول محمد رحمه الله تعالى و أصل هذا رجل له مائتا درهم جياد و حال عليها الحول و وجبت الزكاة فأدى خمسة زيوفا جاز عندهم * رجل أوصى بوصايا و النقود مختلفة فإنه تنفذ وصاياه بما هو الغالب في البياعات * مريض أوصى بألف مكسرة و دراهمه صحاح فإنه يشتري بدراهمه الصحاح ثم يباع ذلك الشيء بالدراهم المكسرة و تنفذ وصيته * مريض قالوا له لم لا توصي فقال قد أوصيت بأن يخرج من ثلث مالي ألفان فيتصدق بألف على المساكين و لم يزد حتى مات فإذا ثلث ماله ألفان قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله(3/312)
تعالى لا يتصدق إلا بألف * و لو قال مريض أوصيت بأن يخرج من ثلث مالي و لم يزد عليه قال يتصدق بجميع الثلث على الفقراء * و عن الحسن بن زياد رحمه الله تعالى مريض قال أوصيت لفلان بثلث مالي و هو ألف درهم فإذا الثلث أكثر قال الحسن رحمه الله تعالى له الثلث بالغا ما بلغ * و كذا لو قال أوصيت بنصيبي من هذه الدراهم وهو الثلث فإذا نصيبه النصف قال هو له إن خرج النصف من ثلث ماله * و لو قال أوصيت بألف درهم و هو عشر مالي لم يكن له إلا ألف درهم كان العشر أقل أو أكثر * و كذا لو وجد في الكيس دنانير أو غيرها من الجواهر و غير ذلك * و لو قال أوصيت لفلان بألف درهم و هو جميع ما في هذا الكيس لم يكن له إلا الألف درهم * و لو قال أوصيت لفلان مما في هذا الكيس بألف درهم و هو نصف ما في هذا الكيس فإذا في الكيس ثلاثة آلاف درهم كان له الألف و إن كان في الكيس ألف كانت له و إن لم يكن في الكيس إلا خمسمائة كان له ذلك لا غير و إن كان في الكيس دنانير و جواهر لا شيء له قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى على قياس قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى ينبغي أن يعطى للموصى له مقدار ألف درهم من ذلك لأن عندهما يجوز الاستثناء من غير الجنس * و لو قال لفلان جميع ما في هذا البيت و هو كر طعام فوجدوا فيه أكثر من كر أو وجد فيه كر حنطة و كر شعير كان ذلك للموصى له بعد أن يخرج ذلك من ثلث ماله * رجل وهب لرجل كيسا فيه دراهم فقال جميع ما في هذا الكيس لك و هو ألف درهم و دفعه إليه فإذا في الكيس أكثر من ذلك أو كان فيه دنانير كان الكيس و ما فيه للموهوب له * مريض قال أخرجوا من مالي عشرين ألف فأعطوا فلانا كذا و فلانا كذا حتى بلغ ذلك أحد عشر ألفا ثم قال الباقي للفقراء ثم مات فإذا ثلث ماله تسعة آلاف فقط قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى تنفذ وصية كل واحد منهم على تسعة أجزاء من عشرين جزء و يبطل من وصية كل واحد منهم أحد عشر جزءا * و قوله ما بقي للفقراء كأنه يسمي لهم تسعة آلاف لهؤلاء لأنه ذكر في الابتداء جملة المال فيصير الباقي ما قلنا * بخلاف ما لو قال أعطوا من ثلث مالي لفلان كذا إلى أن قال و الباقي للفقراء و المسئلة بحالها فإن ههنا لا شيء للفقراء و يعطى أصحاب الوصايا كل واحد منهم تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا من وصيته و يبطل سهمان * رجل أوصى بأن تباع داره و يشتري بثمنها عشرة أوقار حنطة و ألف من خبز و قد أوصى بوصية أخرى فبيعت داره فلم يبلغ ثمنها ما يشتري به هذا المقدار من الحنطة و الخبز و له مال سوى ذلك قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن اتسع ثلث ماله لذلك و لغيره من الوصايا يكمل من ثلثه و صار كأنه أوصى بعشرة أوقار حنطة و ألف من خبز و قال اجعلوا ثمن ذلك من مالي كذا فجعلوه من غيره لم يضرهم * إلا أن يكون في ذلك المال دليل بأن يكون سائر أمواله خبيثة و يعرف طائفة من ماله بالطيب و يخص ذلك المال بوصاياه * رجل أوصى بوصايا فبلغ ورثته أن أباهم أوصى بوصايا و لا يعلمون ما أوصى به فقالوا قد أجزنا ما أوصى به ذكر في المنتقى أنه لا تصح إجازتهم و إنما تصح إجازتهم إذا أجازوا بعد العلم * رجل أوصى للمساكين بنزل كرمه ثلاث سنين فمات و لم يحمل كرمه ثلاث سنين شيئا قال نصير رحمه الله تعالى تبطل وصيته * و قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لا تبطل و يوقف ذلك الكرم إن خرج الكرم من ثلث ماله يتصدق بنزل الكرم ثلاث سنين * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى قول محمد بن سلمة رحمه الله تعالى يوافق قول أصحابنا رحمهم الله تعالى فإنهم قالوا فيمن أوصى بخدمة عبده سنة لفلان و فلان غائب فإن العبد يخدمه سنة بعد رجوعه * و لو أوصى لفلان بخدمة عبده في هذه السنة فقدم فلان بعد السنة بطلت وصيته و كذا الغلة و نزل الكرم * رجل أوصى بغلة كرم لإنسان قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى يدخل في هذه الوصية القوائم و الأوراق و الثمار و الحطب فإنه لو دفع الكرم معامله تكون كل هذه الأشياء بينهما كالثمر * و لو أوصى بغلة داره لإنسان قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يؤاجر الدار و يدفع إليه غلتها فإن أراد الموصى له بالغلة أن يسكنها بنفسه قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى يجوز له ذلك و قال أبو بكر بن أبي سعيد و أبو القاسم رحمهما الله تعالى لأنا لو أطلقنا له السكنى ربما يظهر دين على الميت فلا يمكن أن يصرف إلى الدين شيء و في الغلة يمكن قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى الدين موهوم و ليس بمعلوم فلا يعتبر الموهوم * قال ألا يرى أنه تنفذ وصاياه و إن كان يتوهم ظهور الدين و توهم الدين لا يمنع تنفيذ الوصايا فكذلك هذا * رجل أوصى لرجل بمال و أوصى للفقراء بمال و الموصى له محتاج هل يعطى له من نصيب الفقراء اختلفوا فيه قال محمد بن مقاتل و خلف و شداد رحمهم الله تعالى يعطى * و قال إبراهيم النخعي و الحسن بن أبي مطيع رحمهما الله تعالى لا يعطى و الأول أصح * رجل(3/313)
أوصى لرجل بعينه بمائة فباع الوصي شيئا من مال الميت من الموصى له بالمائة قال محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يجوز ذلك إلا أن لا يرضى الموصى له بالمقايضة * و لو صالحه على ثوب قلت قيمته أو كثرت جاز * و لو كانت الوصية بمائة للمساكين فصالحهم على عشرة فعلى الوصي أن يعطي تسعين درهما للمساكين * و لو صالح على ثوب قلت قيمته لا يجوز الصلح و يسترد الثوب * رجل أوصى بثلث ماله لبني فلان و هم ثلاثة فمات أحدهم قبل موت الوصي قال نصير رحمه الله تعالى إن كان أبوهم حيا فالثلث بينهما نصفان * و إن كان مات أبوهم يبطل ثلثا الوصية و الثلثان بينهما نصفان * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى كذلك الجواب لأن أباهم لما مات لا يتوقع ولد سواهم فانصرفت الوصية إلى عددهم و صار كأنه قال ثلث مالي لفلان و فلان فلما مات أحدهم بطلت وصيته * رجل قال أعطوا ابن فلان خمسة دراهم فإني أكلت من ماله شيئا و إن لم تجدوه فأعطوا وارثه و إن لم تجدوا أحد تصدقوا عنه فوجدوا امرأة هذا الابن لا غير قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن ادعت المرأة هذه قبل المتوفى مهرها و لم يعرف وارث سواها يدفع إليها بمهرها و إن لم تدع المهر و قالت لزوجها ولد يدفع إليها الثمن و إن قالت ما كان له ولد يدفع لها الربع * امرأة قالت لزوجها في مرضها اجعل داري هذه لأولاد زوجي حتى يجعلوني في حل قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن أجازت ورثتها تم الأمر و إن أبوا يقال للورثة أقروا لأولاد زوجها بشيء فمتى أقروا يدفع ذلك المقدار من قيمة الدار ثم ينظر إلى الباقي إن خرج ذلك من ثلث مالها بيع منهم أو صولحوا به من الحقوق الواجبة قبلها و إن أبوا الصلح أو الشراء أعطوا ما أقرت به الورثة * و إن ادعى أولاد الزوج أكثر حلف لهم ورثة المرأة على العلم * رجل أوصى بأن يعطى من كفارة صلاته لولد ولده الذي ليس بوارث قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يعطى و لا يجوز عن الكفارة كمن قال في حياته لآخر أعتق عني مدبري فلانا عن كفارة يميني فإنه يعتق و لا يجوز عن كفارة يمينه * رجل أوصى بثلث ماله للشيعة و لمحبي آل محمد ببلدة كذا قال أبو القاسم رحمه الله تعالى هذه الوصية باطلة في القياس إذا كانوا لا يحصون و في الاستحسان تجوز و يكون للفقراء منهم قياسا على اليتامى قال و الشيعة هم الذين يعرفون بالميل إليهم و جعلوا موسومين بذلك دون غيرهم و هذا الذي يقع في وهم الموصي * قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا كانوا لا يحصون كانت الوصية باطلة بخلاف اليتامى لأن لفظة اليتيم ينبئ عن الحاجة و هذا اللفظ لا يدل على الحاجة * رجل أوصى لأهل العلم ببلخ قالوا يدخل في هذه الوصية أهل الفقه و أهل الحديث و لا يدخل فيه من يتعلم الحكمة مثل كلام سفيان و غيره لان هؤلاء يسمون المتفلسفة لا طلبة العلم * رجل أوصى بثلث ماله لجيرانه قال بعضهم إن كانوا يحصون يقسم على أغنيائهم و فقرائهم * و كذا لو قال لأهل مسجد كذا * و لو أوصى بأن يخرجوا ثلث ماله لمجاوري مكة قال الشيخ الإمام أبو نصر رحمه الله تعالى الوصية جائزة فإن كانوا لا يحصون يصرف لأهل الحاجة منهم و إن كانوا يحصون قسمت على رؤوسهم * و حد الإحصاء عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إن كانوا لا يحصون إلا بكتاب أو حساب فإنهم لا يحصون * و قال بشر رحمه الله تعالى ليس لهذا وقت * و قيل إن كان لا يحصيهم المحصي حتى يولد فيهم مولود أو يموت فيهم أحد فإنهم لا يحصون و قال محمد رحمه الله تعالى إذا كانوا أكثر من مائة فهم لا يحصون * و قال بعضهم هو مفوض إلى رأي القاضي و عليه الفتوى * و إلا يسر ما قال محمد رحمه الله تعالى * رجل أوصى بثلث ماله لفلان و لبني تميم قال كل الثلث يكون لفلان و لا شيء لبني تميم لأنه صار كأنه قال لفلان و للموالي إذا كانوا لا يحصون و الوصية لهم باطلة * و لو قال ثلث مالي لفلان و لرجل من المسلمين فنصف الثلث لفلان لا غير * و كذا لو قال ثلث مالي لفلان و لعشرة من المسلمين فجزء من أحد عشر جزءا يكون لفلان و لا شيء للمسلمين * و لو أوصى لرجل بشيء مسمى فقال الوارث هذا الشيء لي قال أبو القاسم رحمه الله تعالى القول قول الوارث فيما كان في يده إذا لم يكن ذلك الشيء معروفا بالميت و على الموصى له البينة * رجل قال برذوني الأشقر وصية لفلان فهذا على ما يملك لا على ما يستفيد * و كذا في قوله عبدي الأعمى أو السندي أو الحبشي لفلان و لو قال عبيدي لفلان أو براذيني لفلان ولم يضف إلى شيء و لم ينسبهم يدخل فيه ما كان له في الحال و ما يستفيد قبل الموت * رجل قال هذه البقرة لفلان قال أبو نصر رحمه الله تعالى ليس للورثة أن يعطوه قيمتها * و لو قال هي للمساكين جاز لهم أن يتصدقوا بقيمتها و به أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لأن الموصى له إذا كان معلوما يشترط لصحة الوصية قبول الموصى له و إاذ قبل الوصية فقد ملكها فليس لهم أن يمنعوه أما في الصدقة فمقصودهم هو القربة و(3/314)
دفع القيمة صدقة و قربة كدفع العين * رجل أوصى بأن يدفن كتبه قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى لا يجوز أن يدفن كتبه إلا أن يكون شيئا لا يفهم أحد منها شيئا أو فيها فساد فينبغي أن يدفن و إن كانت كتب الرسائل و فيها اسم الله تعالى و استغنى عنها صاحبها و يجب ألا تقرأ قالوا أحب إلينا أن يمحي ما كان فيها من اسم الله تعالى ثم يحرقها أو يرميها في الماء الجاري الكثير فإن دفنها في الأرض الطاهرة لا ينالها كان ذلك حسنا و لا أحب أن يحرقها بالنار ما لم يمح ما كان فيها من اسم الله تعالى و الأنبياء و الملائكة * و عن بعض أهل الفضل رجل أوصى بأن يباع من كتبه ما كان خارجا عن العلم و يوقف كتب العلم ففتش كتبه فكان فيها كتب الكلام فكتبوا إلى أبو القاسم الصفار رحمه الله تعالى إن كتب الكلام هل يكون من العلم حتى توقف مع كتب العلم فأجاب أن كتب الكلام تباع لأنه خارج عن العلم * رجل أوصى بأن يتصدق عنه بألف درهم فتصدقوا عنه بالحنطة أو على العكس قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى يجوز ذلك * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى معناه أنه أوصى بأن يتصدق عنه بألف درهم حنطة لكن سقط ذلك عن السؤال فقيل له إن كانت الحنطة موجودة فأعطى قيمة الحنطة دراهم قال أرجو أن يجوز * و إن أوصى بالدراهم فأعطى حنطة لم يجز * قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى و قد قيل بأنه يجوز و به نأخذ * و عن خلف رحمه الله تعالى رجل أوصى بأن يتصدق بهذا الثوب قال إن شاؤا تصدقوا بعينه و إن شاؤا باعوا و أعطوا ثمنه و إن شاؤا أعطوه قيمة الثوب و أمسكوا الثوب * قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى بل يتصدق به كما هو و كذا اللقطة و بعضهم أخذوا بقول خلف رحمه الله تعالى * و لو نذر و قال لله علي أن أتصدق بهذا الثوب جاز له أن يتصدق بقيمته * و لو أوصى بأن يباع هذا العبد و يتصدق بثمنه على المساكين جاز لهم أن يتصدقوا بعين العبد * رجل قال لوصيه بالفارسية يتيم راجامه كن فأعطاه ثمن الكرباس قال أبو القاسم رحمه الله تعالى هذه الكلمة تقع على المخيط * رجل أوصى بأن يتصدق عنه بألف درهم فتصدق بقيمتها دنانير روى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه لا يجوز * و لو قال تصدق بهذا الثوب قال له أن يبيعه و يتصدق بثمنه و ليس له أن يمسك الثوب للورثة و يتصدق بقيمته * و لو قال اشتر عشرة أثواب و تصدق بها فاشترى الوصي عشرة أثواب له أن يبيعها و يتصدق بثمنها * و عن محمد رحمه الله تعالى أيضا لو أوصى بصدقة ألف درهم بعينها فتصدق الوصي مكانها من مال الميت جاز * و إن هلكت الأولى قبل أن يتصدق الوصي بها يضمن للورثة مثلها * و عنه أيضا لو أوصى بألف درهم بعينها يتصدق عنه فهلكت الألف بطلت الوصية * رجل أوصى بأن يتصدق بشيء من ماله على فقراء الحاج هل يجوز أن يتصدق على غيرهم من الفقراء قال الشيخ الإمام أبو نصر رحمه الله تعالى يجوز ذلك لما روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رجل أوصى بأن يتصدق على فقراء مكة قال يجوز أن يتصدق على غيرهم من الفقراء * و قال زفر رحمه الله تعالى لا يجوز * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى رجل أوصى بأن يتصدق على مساكين مكة أو على مساكين الرى فتصدق على غير هذا الصنفان كان الآمر حيا ضمن * و لو قال لله علي أن أتصدق على جنس فتصدق على غيرهم لو فعل ذلك بنفسه جاز * و لو أمر غيره بالتصدق ففعل المأمور ضمن المأمور روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا أوصى الرجل لمساكين الكوفة فصرف الوصي إلى غير مساكين الكوفة يضمن و لم يفصل بين حياة الآمر و بين وفاته * و روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى رجل قال لله علي أن أتصدق بهذا المال على فلان الفقير أو على أهل بلد كذا له أن يعطي غيره * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر إذا أوصى وقال تصدق على المرضى من الفقراء فتصدق على الأصحاء أو قال تصدق على النساء فتصدق على الأيتام أو قال تصدق على الشيوخ فتصدق على الشباب ضمن الوصي في جميع ذلك * و لو قال تصدق بهذه العشرة الدراهم على عشرة مساكين فتصدق على مسكين واحد دفعة واحدة جاز * و لو قال تصدق بها على مسكين واحد فأعطى عشرة مساكين جاز * و عن إبراهيم بن يوسف رحمه الله تعالى رجل أوصى لفقراء أهل بلخ فالأفضل ألا يجاوز بلخ * و لو أعطى فقراء كورة أخرى جاز و كذا لو قال في عشرة أيام فتصدق في يوم واحد جاز * رجل أوصى بأن يفرق ثلاثمائة قفيز حنطة بعد وفاته على الفقراء ففرق الوصي مائتي قفيز في حياة الموصي قال أبو نصر رحمه الله تعالى يغرم الوصي ما فرق في حياة الموصي و يفرقها بعد وفاته بأمر الحاكم حتى يخرج عن الضمان * و إن فرق بعد وفاته بغير أمر الحاكم لا يخرج عن الضمان قيل له فإن فرق بأمر الورثة بعد وفاته قال إن كان فيهم صغير لا يجوز أمرهم و إن لم يكن جاز أمرهم فإذا فرق يخرج عن الضمان * قال رضي الله عنه و ينبغي أن يصح أمر الكبار في حصتهم و لا يجوز في حصة الصغار * رجل أمر(3/315)
رجلا بأن يتصدق بشيء من ماله و دفع إليه فتصدق المأمور على أبى نفسه أو ابنه جاز إجماعا * بخلاف ما إذا باع الوكيل بالبيع ممن لا تقبل شهادتهم له لأن في البيع يكون متهما و لا تهمة في الصدقة * رجل أوصى بأن يشتري بهذه الألف ضيعة في موضع كذا و توقف على المساكين فلم يوجد هناك ضيعة تشترى هل يجوز للوصي أن يشتري ضيعة في موضع آخر * قال أبو نصر رحمه الله تعالى ليس للوصي أن يصرف ذلك إلى مرمة المسجد فإن لم يجد الضيعة في ذلك الموضع يشتري ضيعة في أقرب المواضع التي سمى و يجعله وقفا على ما سمى * فإن أتلف الوصي هذه الألف يغرم الوصي مثلها و يشتري بها الضيعة * الوصي إذا اشترى خبزا أو حنطة ليتصدق بها على الفقراء فأجر حمال الخبز أو الحنطة على من يكون قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن لم يبين الميت لذلك شيئا يتعين الوصي بمن حمل ذلك بغير أجر ثم يدفع ذلك إ ليه على وجه الصدقة * و إن أمر الميت بأن يحمل إلى ذلك المساجد فالأجرة تكون في مال الميت * و لو أمر الوصي بأن يشتري أربعين قفيز حنطة بمائة دينار فيتصدق بها على المساكين فرخصت الحنطة حتى يوجد بمائة ستون قفيزا قال أبو بكر رحمه الله تعالى يجوز أن يشتري بالفاضل حنطة أيضا و يتصدق بها و يجوز أن يرد الفاضل على الورثة قال هكذا رأيت عن أبي يوسف رحمه الله تعالى * رجل أوصى بأن يعطى ثلث ماله للمساكين وهو في بلد و وطنه في بلدة أخرى قالوا يعطى ثلث ماله للمساكين بلدة وطنه فإن أعطى مساكين البلدة التي هو فيها جاز أيضا * رجل أوصى بأن يطعم كفارة عن يمينه عشرة مساكين فغداهم الوصي فماتوا قال محمد رحمه الله تعالى يغدي و يعشي غيرهم و لا ضمان على الوصي * رجل أوصى بأن يتصدق بثلث ماله فغصب رجل المال من الوصي و استهلكه فأراد الوصي أن يجعل المال صدقة على الغاصب و الغاصب معسر قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يجوز ذلك * رجل أوصى بثلث ماله أو بألف درهم للفقراء و كان في حياته رجل غني ثم افتقر بعد موت الموصي ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أنه يجوز ذلك * و لو أوصى بثلث ماله أو بألف درهم لفقراء هذه السكة و المسئلة بحالها لا يجوز أن يعطى لهم * رجل أوصى و قال أعطوه من مالي بعد موت مساكين سكة كذا فلما مات الموصي أتى الوصي بالمال إلى أهل السكة فقالوا لا نريد و ليس بنا حاجة قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يرد المال إلى الورثة * و لو لم يدفع المال إلى الورثة حتى أتى على ذلك سنة مثلا ثم طلب المساكين قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يدفع المال إلى الورثة لأن المساكين لما ردوا بطلت الوصية و صارت ميراثا * رجل دفع المال إلى الوصي و أمره بأن يتصدق بثلث ماله فوضعه الوصي في نفسه لا يجوز * و لو دفع الوصي المال إلى ابنه الكبير أو الصغير الذي يعقل القبض جاز * و إن لم يعقل لا يجوز * عامل السلطان إذا أوصى أن يعطى للفقراء كذا و كذا من ماله قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن علم انه مال غيره لا يحل أخذه * و إن علم أنه مختلط بماله جاز أخذه * و إن لم يعلم جاز أيضا حتى يتبين أنه مال غيره * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كان مختلطا لا يجوز في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لأنه على ملك صاحبه و لا وجه إلا الرد على صاحبه * و في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يملكه بالخلط و يجوز أخذه إذا كان في بقية مال الميت وفاء بمقدار ما يرضي به خصماءه و عن محمد رحمه الله تعالى رجل أصاب متاعا حراما و أوصى بأن يتصدق به عن صاحب المتاع قال إن عرف صاحب المتاع يرد إليه * و عن لم يعرف يتصدق به فإن كذب الورثة مورثهم في هذا الإقرار يتصدق من ذلك بمقدار الثلث * مريض قال هذا المال لقطة وكذبه الورثة ذكر في الإقرار من الأصل أن على قول محمد رحمه الله تعالى لا يصدق و لا يتصدق * و قال أبو يوسف يتصدق من الثلث * و عن محمد رحمه الله تعالى أن النائحة و المغنية إذا أخذت الأجرة على الشرط ترد على أربابها و لا تتصدق بها * رجل أوصى بثلث ماله للفقراء و لقراباته و قال نصير رحمه الله تعالى تكون الوصية بين الفقراء و القرابات نصفين * و قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى إن كان القرابات يحصون فالثلث بين الفقراء و القرابات لكل واحد من القرابات سهم واحد و للفقراء سهم واحد فإن كانوا لا يحصون فالثلث بينهم نصفان * و المشايخ رحمهم الله تعالى أخذوا بهذا القول * رجل أوصى لذوي قرابته من الكفار قال محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى لا بأس به * رجل أوصى بأن يعطى مائة درهم للفقراء و مائة درهم للأقرباء و أن يطعم الفقراء لما ترك من الصلوات فمات و عليه صلوات أشهر و ثلث ماله لا يبلغ جميع وصاياه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يقسم الثلث على مائة للفقراء و على مائة للأقرباء و على قيمة ما يبلغ من قيمة الطعام لكل صلاة منوين من الحنطة فما أصاب الأقرباء أعطوا من ذلك و ما أصاب الفقراء و الطعام أدى الطعام و(3/316)
يجعل النقصان في حصة الفقراء * امرأة قالت في وصيتها خويشان مراياد كارها بدهيداز مال من قالوا تصرف الوصية إلى قريب لها لا يرث منها * و التقدير في ذلك لمن خاطبته في الكلام و يعطى من مالها قدر ما شاء أدنى ما ينطلق عليه اسم التذكرة لأنها إذا لم تبين القدر فوضت التقدير إلى رأي المخاطب * رجل حضرته الوفاة فقال إن لرجل على ألف درهم قال شداد رحمه الله تعالى يدفع كل المال إلى الورثة و لا يوقف شيء و إن سمى المريض و قال لمحمد علي ألف درهم دين و لا يعرف محمد يوقف مقدار الدين * رجل مات و عليه دين محيط بجميع ماله أو أكثر فادعى رجل على الميت دينا و عجز عن إقامة البينة قال أبو نصر رحمه الله تعالى ليس له أن يستحلف أصحاب الديون أو الورثة إن كان له بينة يقيمها على الوصي * و إن لم يكن للميت وصي جعل القاضي رجلا وصيا فإن كان في مال الميت فضل على الديون كان له أن يستحلف الوارث * رجل مات و ترك ضياعا و عليه دين فأراد الورثة أن يقضوا ديونه ليبقى الضياع لهم قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن اتفقوا على ذلك و عجلوا بقضاء الدين و تنفيذ الوصايا من أموالهم كان لهم ذلك * و إن اختلفوا للوصي أن ينفذ الوصايا و يقضي الديون من مال الميت و يبيع ما يحتاج إليه من مال الميت و لا يلتفت إلى قول الورثة * مريض أقر أن لفلان علي كذا و لفلان علي كذا ثم قال و إن جاء أحد و ادعى علي مائة درهم إلى خمسمائة فأعطوه ما ادعى ثم قال فإن لم يقبل فأعطوه ما يدعي برأي فلان لرجل معلوم قال أبو نصر رحمه الله تعالى وصيته بإعطائه هذا فاسدة و لا يعطى إلا ببينة * صحيح قال ما ادعى فلان بن فلان في المال الذي في يدي فهو صادق و مات قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن لم يكن سبق من فلان دعوى في شيء معلوم لا يلزمه بهذا القول شيء * و إن سبق منه دعوى في شيء معلوم فالذي ادعى ثابت له و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى ذكر في الكتاب مريض قال لفلان علي حق و صدقوه فإنه يصدق إلى الثلث * و لو قال فهو صادق فلا رواية فيه عن أصحابنا رحمهم الله تعالى و ينبغي أن يكون الجواب كما قال أبو القاسم رحمه الله تعالى * رجل مات و ترك ورثة صغارا و كبارا أيسع للكبار أن يأكلوا من التركة * قال نصير رحمه الله تعالى سألت بشر بن الوليد عن هذا قال نعم قال نصير قلت لبشر فإن كان على الميت دين ألف درهم و ترك ما لا أيسع للوارث أن يأكل و يطأ الجارية إذا كان في غيرها وفاء بالدين قال نعم قلت عمن هذا قال ما رأيت أحدا امتنع عن ذلك * رجل مات و عليه دين و أوصى بوصايا و غاب الوصي فباع بعض الورثة بعض تركته و قضى دينه و أنفذ وصاياه قال أبو نصر رحمه الله تعالى البيع فاسد إلا أن يبيع بأمر القاضي * رجل قال أبرأت جميع غرمائي و لم يسمهم و لم ينو أحد منهم بقلبه قال أبو القاسم رحمه الله تعالى روى ابن مقاتل عن أصحابنا رحمهم الله تعالى أنهم لا يبرؤن * رجل له دين على رجل فقال لمديونه إذا مت فأنت بريء من ذلك الدين قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يجوز ويكون وصية من الطالب للمطلوب * و لو قال إن مت لا يبرأ لأن هذه مخاطرة فلا يصح * كما لو قال إن دخلت الدار فأنت بريء مما لي عليك * رجل مات و ترك وارثا و عليه دين يحيط بتركته قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى الوارث لا يصير خصما للغرماء لأنه لا يرث * و قال علي بن أحمد رحمه الله تعالى الوارث يصير خصما و يقوم مقام الميت في الخصومة و به نأخذ * رجل مات و عليه دين مستغرق و للميت على رجل مال فطلبت ورثته ذلك من المديون و هو يعلم بدين الميت فصالح الورثة عما عليه أو عما في يده على مال قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يغرم الوارث لغرماء الميت لأن الدين المستغرق يمنع ثبوت الملك للوارث فلا يصح صلح الوارث * قيل إذا لم يثبت الملك فعلى للوارث من يدعي صاحب الدين و على من يقيم البينة قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى على ذي اليد بحضرة الوارث * و الصحيح أن الوارث يكون خصما لمن يدعي على الميت و إن لم يملك شيئا * رجل مات و ترك أولاد صغار فجعل القاضي رجلا وصيا لأولاده الصغار فادعى رجل على الميت دينا و وديعة و ادعت المرأة مهرها قال أبو القاسم رحمه الله تعالى ليس لهذا الوصي أن يؤدي شيئا من الدين و الوديعة ما لم يثبت ذلك بالبينة * و أما المهر فإن ادعت مقدار مهر مثلها يدفع إليها إذا كان النكاح ظاهرا معروفا و يكون النكاح شاهدا لها قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا كان الزوج بنى بها فإنه يمنع منها مقدار ما جرت العادة بتعجيله و يكون القول قول الورثة في تعجيل ذلك القدر و يكون القول قول المرأة فيما زاد على المهر المعجل إلى تمام مهر مثلها * رجل مات و أوصى إلى امرأته و ترك ضياعا و للمرأة مهر على الزوج قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن كان زوجها ترك من الصامت مثل مهرها فلها أن تأخذ من الصامت و إن لم يترك صامتا كان لها أن تبيع ما كان أصلح(3/317)
للبيع و تستوفي مهرها من الثمن * فإن كان في يد المرأة ألف درهم فأخذته بمهرها قالوا كان لها أن تأخذ تلك الدراهم بغير رضا الورثة و بغير علمهم فإن استحلفت بعد ذلك بالله ما في يدها من التركة شيء من الدراهم قالوا كان لها أن تحلف و لا تأثم إذا حلفت لأنها لما أخذت الدراهم بمهرها صارت الدراهم ملكا لها
(* فصل فيما يكون رجوعا عن الوصية و ما لا يكون *)
رجل أوصى لرجل بثلث ماله أو بشيء بعينه ثم قال كل شيء أوصيت به لفلان فهو باطل يكون رجوعا * و لو قال هي حرام أو ربا لا يكون رجوعا * و لو قال كل وصية أوصيت بها لفلان فهو لفلان آخر يكون رجوعا * و لو قال أوصيت بهذه الألف لفلان و فلان و لفلان منها ألف كان رجوعا عن الوصية و تصير وصية للآخر * و لو أوصى بثوب لرجل ثم قطعه و خاطه كان رجوعا * و لو أوصى بصوف أو كتان أو محلوج فغزله الموصي كان رجوعا عن الوصية * و كذا لو أوصى بغزل ثم نسجه كان رجوعا عن الوصية * و كذا لو أوصى بحديد ثم صنع منه سيفا أو دروعا كان رجوعا * و كذا لو أوصى بفضة ثم صنعها خاتما أو أوصى بسويق فلته بزيت أو أوصى بأرض لا بناء فيها أو أوصى بقطن فحشى به ثوبا أو أوصى ببطانة فجعلها بظهارة أو أوصى بظهارة فجعلها بطانة أو أوصى بقميص فنقضه و خاطه قباء أو أوصى بقميص فنقضه و لم يخطه شيئا آخر أو أوصى بعبده لفلان ثم قال العبد الذي أوصيت به لفلان هو لفلان آخر كان رجوعا * و كذا لو أوصى بعبده لفلان ثم أعتقه و أدبره أو كاتبه أو باعه أو أخرجه عن ملكه بوجه من الوجوه كان رجوعا حتى لو عاد إلى ملكه لا يكون وصية * و لو قال العبد الذي أوصيت به لفلان قد أوصيت به لفلان آخر يكون بينهما نصفين * و كذا لو قال قد أوصيت بنصفه لفلان يكون العبد بينهما * و لو أوصى بثلثه لفلان ثم قال الثلث الذي أوصيت بنصفه لفلان آخر أو قال فقد أوصيت بنصفه لفلان لا يكون رجوعا عن الأول و يكون الثلث بينهما نصفين *(1) و لو قال الثلث الذي أوصيت به لفلان و قد أوصيت بنصفه لفلان آخر كان للآخر ثلث الثلث * و لو أوصى بشيء لرجل ثم قال ما أوصيت به لفلان فقد أوصيت بنصفه لفلان آخر يصير بينهما فيكون رجوعا عن نصفه * و لو أوصى بشيء ثم جحد الوصية و قال لم أوص لفلان بشيء يكون رجوعا * و قال محمد رحمه الله تعالى لا يكون رجوعا * و ذكر في الجامع إذا أوصى بوصية ثم قال اشهدوا أني لم أوص بشيء لا يكون رجوعا * و لو أوصى لإنسان بجارية ثم استولدها يكون رجوعا * و كذا لو أوصى بحنطة فطحنها أو أوصى بدقيق فخبزه يكون رجوعا * و لو قيل لرجل أوصيت بعبدك فلان لفلان فقال لا بل أوصيت له بأمتي فلانة يكون رجوعا عن الوصية بالعبد * و لو أوصى بثوب فغسله أو دار فجصصها أو هدمها لا يكون رجوعا و إن طينها يكون رجوعا إذا كان كثيرا * و لو أوصى بشيء ثم رهنه يكون رجوعا و لو آجرها أو كانت جارية فوطئها لا يكون رجوعا * و لو أوصى لرجل بشيء ثم قيل له أنك تبرأ فأخر الوصية فقال قد أخرتها لا يكون رجوعا * و لو قيل له اتركها فقال تركتها يكون رجوعا * فإن صاحب الدين لو قال لمديونه تركت لك دينك كان إبراء * و لو قال أخرت عنك لا يكون إبراء * و لو قال لامرأته تركت طلاقك ينوي به الطلاق كان طلاقا * و لو قال أخرت طلاقك لم يكن طلاقا * و لو أوصى بأرض ثم زرع فيها رطبة لا يكون رجوعا فإن غرس الكرم أو الشجر كان رجوعا * و لو أوصى لرجل ثم قال كل وصية أوصيت بها لفلان فهي لفلان وارثي كان رجوعا و يصير للوارث إن أجاز بقية الورثة جاز و إن لم يجيزوا بطل * و قيل الرجوع في الوصية على أربع أوجه * منها ما يكون رجوعا بالقول و الفعل جميعا نحو أن يوصى لرجل بشيء ثم قال رجعت كان رجوعا * و كذا لو أوصى بعين ثم أخرجه عن ملكه بوجه من الوجوه بطلت الوصية حتى لو عاد إليه بعد ذلك في حياته لا يكون وصية * و منها ما يكون رجوعا بالقول لا بالفعل نحو أن يوصي بثلث ماله ثم قال رجعت يصح رجوعه و لا يكون رجوعا بغير ذلك * و منها ما يكون رجوعا بالفعل لا بالقول نحو أن يقول لعبده إن مت من مرضي هذا فأنت حر فهو مدبر مقيد لو قال رجعت عن ذلك لا يصح و لو باع العبد جاز بيعه و تبطل الوصية * و منها ما لا يكون رجوعا إلا بالقول
----------------------------------------------------------------------------- (1) قوله ولو قال الثلث الذي أوصيت به لفلان إلخ كذا في عدة نسخ و لعله سقط بعد قوله بنصفه لفلان ما معناه قد أوصيت بثلثه لفلان آخر كان للآخر إلخ تأمل كتبه مصححه
ولا بالفعل نحو أن يدبر عبده تدبيرا مطلقا لا يمكنه أن يرجع عنه لا قولا و لا فعلا *
(* باب الوصي *)(3/318)
لا ينبغي للرجل أن يقبل الوصية لأنها أمر على الخطر لمل روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال الدخول في الوصية أول مرة غلط و الثانية خيانة و عن غيره و الثالثة سرقة * و عن بعض العلماء لو كان الوصي عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا ينجو عن الضمان * و عن الشافعي رحمه الله تعالى لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص
(* فصل فيمن يكون قبولا للوصية *)
رجل قال لغيره أنت وكيلي بعد موتي يكون وصيا * و لو قال أنت وصي في حياتي يكون في وكيلا لأن التوكيل و الإيصاء إقامة الغير مقام نفسه في التصرف إلا أن الإقامة بعد الموت أيضا و في الحياة توكيل فينعقد أحدهما بعبارة الآخر * و لا يتم الإيصاء إلا بالقبول كما لا يتم التوكيل إلا بالقبول * رجل أوصى إلى رجل في وجهه فقال الموصي إليه لا أقبل صح رده و لا يكون وصيا * فإن قال الموصي للموصى إليه ما كان ظني بك أن لا تقبل وصيتي فقال الموصى إليه بعد ذلك قبلت كان جائزا * و لو أوصى إلى رجل فقال لا أقبل فسكت الموصي و مات فقال الموصى إليه قبلت لا يصح قبوله * و لو أن الوصي سكت و لم يقل في وجهه لا أقبل ثم قال في غيبته في حياة الموصي أو بعد موته بحضرة الجماعة قد قبلت كان قبوله جائزا و يكون وصيا سواء كان ذلك بحضرة القاضي أو بغير حضرته * و لو أن القاضي حين قال لا أقبل أخرجه ثم قال أقبل لا يصح قبوله * و لو قال في غيبة الموصي لا أقبل وصيته و بعث بذلك كتابا أو رسولا إلى الموصي فبلغ الموصي ثم قال أقبل لا يصح قبوله * و لو قبل في حياة الموصي ثم قال بعد موته لا أقبل لزمته الوصية * و لو سكت في حياة الموصي فمات الموصي كان له الخيار إن شاء قبل و إن شاء لا يقبل * و لو قبل الوصية في وجه الموصي قال الموصي اشهدوا أني قد أخرجته عن الوصية ذكر الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يصح إخراجه و بمثله لو أن الموكل أخرج الوكيل عن الوكالة في حال غيبته لا يصح إخراجه في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يصح إخراجه * و لو أن الوصي رد الوصية حال غيبة الموصي فرده باطل عندنا * و هو نظير ما لو أوصى بثلث ماله لرجل فقال الموصى له في غيبة الموصي حال حياته لا أقبل وصيته ثم قبل بعد موت الموصي صح قبوله عندنا * كذا لو رد الوصية بعد موت الموصي فقال لا أقبل ثم قال قبلت صح قبوله * و لو أن رجلا أوصى إلى رجل و لم يعلم الوصي بذلك فباع شيئا بعد موت الموصي من تركة الموصي جاز بيعه و تلزمه الوصية * رجل أوصى إلى رجل و قال له اعمل برأي فلان فهو على وجهين * أحدهما أن يقول اعمل برأي فلان * و الثاني أن يقول لا تعمل إلا برأي فلان * و اختلف المشايخ فيه * قال بعضهم في الوجهين الوصي هو المخاطب * و قال بعضهم في الوجهين جميعا كلاهما وصيان كأنه أوصى إليهما * و قال بعضهم في قوله اعمل برأي فلان الوصي هو المخاطب و في قوله لا تعمل إلا برأي فلان هما وصيان * و اختار الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا القول فقال و هذا أشبه بقول أصحابنا رحمهم الله تعالى فإنهم قالوا إذا وكل الرجل غيره بالبيع و قال له بعه بشهود فباعه بغير شهود جاز * و لو قال له لا تبع إلا بشهود أو قال لا تبع إلا بمحضر فلان فباع بغير شهود أو بغير محضر فلان لا يجوز كذا هكذا و كذا لو أوصى إلى رجل و قال له اعمل بعلم فلان كان له أن يعمل بغير علمه * و لو قال لا تعمل إلا بعلم فلان لا يجوز له أن يعمل بغير علم فلان و الفتوى على هذا القول * رجل أوصى إلى رجل و جعل غيره مشرفا عليه ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أنهما وصيان كأنه قال جعلتكما وصيين فلا ينفرد أحدهما بما لا ينفرد أحد الوصيين * و قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يكون الوصي أولى بإمساك المال و لا يكون المشرف وصيا و أثر كونه مشرفا أن لا يجوز تصرف الوصي إلا بعلمه * رجل أوصى إلى رجلين فقبل أحدهما و سكت الآخر فمات الموصي ثم قال الذي قبل للذي سكت اشتر كفنا للميت فاشترى له كان قبولا منه للوصية *و كذا لو كان الساكت خادما للذي قبل إلا أنه حر يعمل عنده فأمره القابل أن يشتري للميت كفنا فاشترى كفنا أو قال نعم كان قبولا للوصية * رجل قال أوصيت إلى فلان أن يعفو عمن جرحني قال محمد رحمه الله تعالى لا يصير وصيا * و قال مالك رحمه الله تعالى يصير وصيا * و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان في رواية كما قال مالك رحمه الله تعالى و في رواية كما قال محمد رحمه الله تعالى * مريض قال لغيره اقض ديوني يصير وصيا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن قضاء الدين من أعمال الوصية و الوصايا لا تقبل التخصيص إذا كانت من الميت و قال محمد رحمه الله تعالى لا يصير وصيا بهذا القدر ما لم يقل اقض ديوني و أنفذ وصاياي * رجل أوصى إلى رجل فقال الرجل أني أقبل وصيتك في تنفيذ وصيتك في ثلث المال و لا أقبل في قضاء ديونك فأجابه الموصي إلى ذلك فإن لم يفوض(3/319)
الموصي قضاء ديونه إلى غيره كان الوصي مكلفا بجميع أمور الميت * مريض قال لصاحب له في سفر أنت وصي في أن تشتري لي كفنا و تحمل متاعي إلى ورثتي فإذا سلمت إليهم فأنت خارج عن الوصية أو لم يقل إذا سلمت فأنت خارج عن الوصية ثم مات المريض و عليه ديون و قد أوصى بوصايا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى و هو وصي في كل شيء * رجل أوصى إلى رجل و جعله متى شاء أن يخرج منها قال هو جائز و له أن يخرج منها متى شاء * رجل أوصى إلى رجل و قال إن حدث به حدث الموت ففلان آخر بعده أو قال هو وصي ما لم يبلغ ابني فإذا بلغ هو الوصي فإن الوصي هو الأول أدرك الابن أو لم يدرك و لا يجعل القاضي معه وصيا آخر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو كما أمر و استثناؤه جائز و هكذا قال الحسن رحمه الله تعالى * إذا أوصى الرجل إلى فلان ما دام ابني فلان صغيرا فإذا أدرك فهو الوصي دون فلان جازت * و لو قال أوصيت إلى فلان في جميع تركتي فإن لم يقبل ففلان آخر وصي جاز * و كذا لو قال إن قدم فلان الغائب فهو وصي قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو كما قال و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الوصي هو الأول قدم الغائب أم لم يقدم و لا يكون الثاني وصيا ما لم يجعله القاضي وصيا * و قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إذا أوصى إلى رجل و شرط أن يكون وصيا ما لم يقدم فلان الغائب فإذا قدم كان الوصي هو الغائب ذكر أن الأول يخرج من الوصية بقدوم الغائب * و ذكر الكرخي رحمالله تعالىه في مختصره أن هذا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى هما يشتركان في الوصية و الفتوى على ما قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى * و لو قال إذا قدم فلان فهو وصي فلم يقدم فلان زمانا ينبغي على القاضي أن يجعل مكانه وصيا بعد موت الموصي فإذا قدم فلان يصير فلان وصيا ويخرج الذي جعله القاضي وصيا من الوصية * و عن محمد رحمه الله تعالى رجل أوصى إلى ابنه الصغير فإن القاضي يجعل غيره وصيا فإذا بلغ الابن لم يكن له أن يخرج الوصي إلا بأمر القاضي * و لو قال ابني فلان إذا أدرك وصي جاز و ينبغي للقاضي أن يجعل وصيا ما دام الابن صغيرا فإذا أدرك الابن يصير وصيا و بطلت وصية الذي جعله القاضي وصيا * رجل مات و ترك أولادا صغارا و له مال فقال القاضي جعلت فلانا قيما في تركته لوارثه كان لفلان ذلك أن يحفظ مالهم و ليس له أن يبيع لهم شيئا و لا يشتري لهم شيئا * و لو مات القاضي أو عزل لا تبطل وكالة هذا الرجل * و لو قال القاضي جعلت فلانا وكيلا لورثة فلان يبيع لهم ما رأى و يشتري لهم ما رأى و ينفق عليهم ما رأى جاز ذلك و لهذا الوكيل أن يبيع ويشتري لهم وهو على وكالته إن مات القاضي أو عزل وهو بمنزلة الوصي * ولو قال القاضي جعلت فلانا قيما في تركة فلان الميت كان هو بمنزلة الوصي وهو على حاله إن مات القاضي أو عزل وإن مات الإمام بطلت * ولو قال القاضي جعلت فلانا وكيلا في تركة فلان يبيع ما رأى ويشتري ما رأى لورثته ثم عزل القاضي أو مات بطلت الوكالة فرق بين قوله جعلته وكيلا لي وبين قوله جعلته وكيلا لورثة يبيع لهم ويشتري * وذكر في الأصل إذا وكل الأب وكيلا يبيع ضياع الصغير ومات الإبن وبقي الصغير بطلت الوكالة * رجل أوصى إلى رجل فجن الوصي جنونا مطبقا ينبغي للقاضي أن يجعل مكانه وصيا للميت فإن لم يفعل القاضي ذلك حتى أفاق الوصي كان وصيا على حاله * ولو أوصى إلى صبي أو معتوه أومجنون مطبق لم يجز أفاق بعد ذلك أو لم يفق *وفي وكالة الأصل إذا وكل مجنونا يبيع ماله ثم زال جنونه كان على وكالته * رجل أوصى بنصيب بعض ولده إلى رجل وبنصيب البعض إلى رجل آخر فهما يشتركان في الكل * ولو أوصى إلى رجل بدين وإلى آخر بأن يعتق عبده أو ينفذ وصيته فهما وصيان في كل شيء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى* وقال أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى(3/320)
كل واحد منهما وصى على ماسمي له لايدخل الآخر معه * وكذا لو أوصى بميراثه في بلد كذا إلى رجل وبميراثه في بلدة أخرى إلى آخر قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إذا جعل الرجل رجلا وصيا على ابنه وجعل رجلا آخر وصيا على ابنته أو جعل أحدهما وصيا في ماله الحاضر وجعل رجلا آخر وصيا في ماله الغائب فإن كان شرط أن لايكون كل واحد منهما وصيا فيما أوصى إلى الآخر يكون الأمر على ما شرط عند الكل وإن لم يكن شرط ذلك فحينئذ تكون المسئلة على الاختلاف والفتوى على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * رجل أوصى إلى وارثه جاز فإن مات الوصي بعد موت مورثه وأوصى إلى رجل آخر إن قال هذا الوارث الذي أوصى إليه جعلتك وصيا في مالي وفي مال الميت الأول الذي أنا وصيه فإن الوصي الثاني يكون وصيا في التركتين جميعا * ولو أن هذا الوارث الذي هو وصي قال للثاني أوصيت إليك و لم يزد على هذا كان الثاني وصيا في التركتين عندنا * و لو قال هذا الوارث للثاني أوصيت إليك في تركتك عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه وصي في التركتين جميعا * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى هو وصي في تركة الميت الثاني خاصة * مريض خاطب جماعة و قال لهم افعلوا كذا و كذا بعد وفاتي فإن قبلوا كانوا كلهم أوصياء * و إن سكتوا حتى مات الموصي ثم قبل بعضهم فإن كان القابل اثنين أو أكثر كانوا أوصياء يجوز لهم تنفيذ وصية الميت فإن قبل واحد من الجماعة يصير هو وصيا أيضا إلا أنه لا يجوز له تنفيذ وصية الميت ما لم يرفع الأمر إلى الحاكم فيقيم الحاكم معه آخر و يطلق له الحاكم أن يتصرف بنفسه لأن هذا بمنزلة ما لو أوصى إلى رجلين فلا ينفرد أحدهما بالتصرف * رجل أوصى إلى أعمى أو محدود في قذف جاز ذلك * و لو أوصى إلى فاسق مخوف عليه في ماله ذكر في الأصل أن الوصية باطلة قالوا معناه يخرجه القاضي من الوصية * روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى إذا أوصي إلى فاسق ينبغي للقاضي أن يخرجه عن الوصية و يجعل غيره وصيا إذا كان هذا الفاسق ممن لا ينبغي أن يكون وصيا * و لو أن القاضي أنفذ الوصية فقضى هذا الوصي دين الميت و باع كما يبيع الأوصياء قبل أن يخرجه القاضي كان جميع ما صنع جائزا * و إن لم يخرجه القاضي حتى تاب و أصلح تركه القاضي وصيا على حاله * و لو أوصى مسلم إلى ذمي أخرجه القاضي من الوصية و يجعل مكانه مسلما فإن قاسم الذمي الوصي على الصغير قبل أن يخرجه القاضي جازت قسمته قبل قسمة الوصي المسلم * الأب إذا كان مفسدا قال محمد رحمه الله تعالى يجوز بيعه على الصغير و يؤخذ منه الثمن و يوضع على يدي عدل * رجل أوصى إلى عبد غيره فباع هذا العبد شيئا من التركة أو تصدق جاز بيعه و صدقته * و لو أوصى إلى عبد نفسه فإن كانت الورثة كلهم صغارا جازت الوصية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و لا تجوز في قول صاحبيه رحمهماالله تعالى و لو كانت الورثة كبارا و صغارا فإن القاضي يخرجه عن الوصية * و إن كان الكل كبارا كانت الوصية باطلة * و لو أوصى مسلم إلى حربي ثم أسلم الحربي كان وصيا على حاله و كذا إذا أوصى إلى مرتد فأسلم * و لو أوصى إلى عاقل فجن الموصى إليه جنونا مطبقا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ينبغي للقاضي أن يجعل مكانه وصيا للميت فإن لم يفعل القاضي حتى أفاق الوصي كان وصيا على حاله * و لو أوصى إلى صبي أو معتوه أو مجنون مطبق لم يجز أفاق بعد ذلك أم لم يفق * و لو باع المرتد مال ابنه الصغير المسلم ثم أسلم المرتد روى ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى أنه يجوز بيعه إذا ظهر من الوصي خيانة و قال بعضهم القاضي يجعل معه آخر و لا يعزله * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى القاضي يسأل عنه في السر فإن كان ما ذكر فيه صدقا فإن القاضي يجعل مكانه غيره * رجل أوصى إلى رجل و استأجره بمائة درهم لإنفاذ وصيته قالوا هذا لا يكون إجارة لأن الوصي إنما يصير وصيا بعد موت الموصي و الإجارة تبطل بموت المستأجر * و إذا لم يكن إجارة يكون صلة فيعطى له من الثلث * رجل قال لغيره لك أجر مائة درهم على أن تكون وصيا اختلفوا فيه * قال نصير رحمه الله تعالى الإجارة باطلة و لا شيء له * و قال ابن سلمة رحمه الله تعالى الشرط باطل و المائة تكون وصية له و يكون هو وصيا و به أخذ الفقيه أبو جعفر و أبو الليث رحمهما الله تعالى * و في النوازل رجل قال لآخر استأجرتك على أن تنفذ وصاياي بكذا فهذه ليست بإجارة إنما هي وصية بشرط العمل فإن عمل و أنفذ الوصايا استحق الوصية و إلا فلا * و ليس للوصي أن يؤاجر نفسه من اليتيم لأن تصرف الوصي مع اليتيم إنما يجوز بشرط النظر و الخيرية و لا نظر لليتيم في هذا لأن ما يستحقه اليتيم على الوصي منفعة و ما يجب للوصي بحكم الإجارة عين و العين خير من الدين * و كذا لو آجر الوصي شيئا من متاعه في عمل من أعمال اليتيم لا يجوز * و لو أن الوصي استأجر اليتيم ليعمل للوصي جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن(3/321)
ما يجب على للوصي على اليتيم منفعة و ما يجب للصبي عليه عين و هو الأجر * فرقوا بين الوصي و بين الأب الأب إذا آجر نفسه من ولده الصغير أو استأجر الصغير لنفسه ذكر القدوري رحمه الله تعالى أنه يجوز و به أخذ الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى * و ذكر القاضي الإمام أبو علي السغدي رحمه الله تعالى إذا آجر الأب أو الوصي من اليتيم جاز بالاتفاق و الصحيح ما ذكر القدوري رحمه الله تعالى
(* فصل في تصرفات الوصي في مال اليتيم و تصرف الوالد في مال ولده الصغير *)(3/322)
* وصي الأب إذا باع شيئا من تركة الأب فهو على وجهين * أحدهما أن لا يكون على الميت دين ولا أوصى هو بوصية و الثاني أن يكون على الميت دين أو أوصى بوصية ففي الوجه الأول قال في الكتاب للوصي أن يبيع كل شيء من التركة من المتاع و العروض و العقار إذا كانت الورثة صغيرا * أما بيع ما سوى العقار فيجوز أيضا الآن ما سوى العقار يحتاج إلى الحفظ و عسى يكون حفظ الثمن أيسر و بيع العقار أيضا في جواب الكتاب * قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى ما قال في الكتاب قول السلف * أما على قول المتأخرين لا يجوز للوصي بيع العقار إلا بشرائط * أحدها أن يرغب الإنسان في شرائها بضعف قيمتها أو يحتاج الصغير إلى ثمنها للنفقة أو يكون على الميت دين لا وفاء له إلا بثمنها * أو يكون في التركة وصية مرسلة يحتاج في تنفيذها إلى ثمن العقار * أو يكون بيع العقار خير لليتيم بأن كان خراجها و مؤنها يربو على غلاتها * أو كان العقار حانوتا أو دارا يريد أن ينقض و يتداعى إلى الخراب * فإن وقعت الحاجة للصغير إلى أداء خراجها فإن كان في التركة مع العقار عروض يبيع ما سوى العقار * فإن كانت الحاجة لا تندفع بما سوى العقار حينئذ يبيع العقار بمثل القيمة أو بغبن يسير * و لا يجوز بيع الوصي بغبن فاحش لا يتغابن الناس في مثله * و كذا لو اشترى الوصي شيئا لليتيم لا يجوز شراؤه بغبن فاحش هذا إذا كانت الورثة كلهم صغارا فإن كان الكل كبارا و هم حضور لا يجوز بيع الوصي شيئا من التركة إلا بأمرهم * و إن كان الكبار غيبا لا يجوز بيع الوصي العقار و يجوز بيع ما سوى العقار * و تجوز إجارة الكل لأن الوصي يملك حفظ مال الغائب و بيع العروض يكون من الحفظ * أما العقار محفوظة بنفسها إلا أن يكون العقار بحال يهلك لو لم يبع فحينئذ يصير العقار بمنزلة العروض * و إن كانت الورثة كبارا كلهم بعضهم غائب و الباقي حضور فالوصي يملك بيع نصيب الغائب مما سوى العقار و تجوز إجارة الكل لأن الوصي يملك الإجارة لأجل الحفظ عند الكل * و إذا جاز بيعه في نصيب الغائب عند الكل جاز بيعه في نصيب الحاضر أيضا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و عن صاحبيه رحمهما الله تعالى لا يجوز بيعه في نصيب الحاضر * هذا إذا لم يكن في التركة دين فإن كان عليه دين يستغرق التركة للوصي أن يبيع جميع التركة للدين عروضا كان أو عقارا فإن كان الدين قليلا لا يستغرق التركة ملك الوصي البيع بقدر الدين عند الكل و إذا ملك ذلك يملك بيع الباقي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى و عندهما لا يملك و كذا لو كان في التركة وصية مرسلة فإن الوصي يملك البيع بقدر ما ينفذ الوصية عند الكل و إذا ملك بيع البعض يملك بيع الباقي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى و عندهما لا يملك * و لو كان في الورثة صغيرا واحد و الباقي كبار و ليس هناك دين و لا وصية و التركة عروض فإن الوصي يملك بيع نصيب الصغير عند الكل و يملك بيع الباقي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * فإذا باع الكل جاز بيعه في الكل * و عندهما لا يجوز بيعه في نصيب الكبار * و الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا ثبت للوصي بيع بعض التركة يثبت له ولاية بيع الكل * و وصي وصي الأب يكون بمنزلة وصي الأب و كذلك وصي الجد يكون بمنزلة وصي الأب * و وصي وصي الجد يكون بمنزلة وصي الجد * و وصي وصي القاضي يكون بمنزلة وصي القاضي إذا كان عاما * و أما وصي الأم و وصي الأخ إذا ماتت الأم و تركت ابنا صغيرا و أوصت إلى رجل أو مات الرجل و ترك أخا صغيرا و أوصى إلى رجل يجوز بيع هذا الوصي فيما سوى العقار من تركة هذا الميت و لا يملك بيع العقار لأنه لا يملك إلا الحفظ و بيع ما سوى العقار من الحفظ * و لا يجوز لهذا الوصي أن يشتري شيئا للصغير إلا الطعام أو الكسوة لأن ذلك من جملة حفظ الصغير * و إذا مات الرجل و ترك أولادا صغارا و أبا و لم يوص إلى أحد كان بمنزلة الوصي في حفظ التركة و التصرف فيها أي تصرف كان * فإن كان على الميت دين كثير فإن الأب و هو جد الصغار لا يملك بيع التركة لقضاء الدين * و كذا الرجل إذا إذن لابنه الصغير المراهق الذي يعقل البيع و الشراء فتصرف الابن تصرفا و ركبته الديون ثم مات هذا الابن و ترك أبا فإن الأب لا يملك التصرف في تركته لقضاء الدين * وصي الميت إذا باع التركة لقضاء الدين و الدين غير محيط جاز بيعه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى و لا يجوز عند صاحبيه رحمهما الله تعالى * فإن لم يكن في التركة دين و لكن في الورثة صغير فباع القاضي كل التركة نفذ بيعه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * فرق أبو حنيفة رحمه الله تعالى بين الوصي و أبي الميت فقال لوصي الميت أن يبيع التركة لقضاء الدين وتنفيذ الوصية فأما أبو الميت وهو جد الأولاد الصغار له أن يبيع التركة لقضاء الدين على الأولاد الصغار لولده و ليس له أن يبيع التركة على الأولاد الصغار لولده لأجل قضاء الدين على الميت * قال(3/323)
شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى هذه فائدة تحفظ من الخصاف * و أما محمد رحمه الله تعالى أقام الجد مقام الأب * قال في الكتاب إذا مات الرجل و ترك وصيا و أبا كان الوصي أولى من الأب فإن لم يكن له وصي فالأب أولى ثم و ثم إلى أن قال فوصي الجد ثم وصي القاضي قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى بقول الخصاف نفتي * صغير ورث مالا و له أب مسرف مبذر يستحق الحجر على قول من يجوز الحجر لا تثبت الولاية في المال للأب * ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى في شرح أدب القاضي إذا نصب القاضي وصيا لليتيم الذي لا أب له كان وصي القاضي بمنزلة وصي الأب إذا جعله القاضي وصيا عاما في الأنواع كلها فإن جعله وصيا في نوع واحد كان وصيا في ذلك النوع خاصة بخلاف وصي الأب فإنه لا يقبل التخصيص إذا أوصى إلى رجل في نوع كان وصيا في الأنواع كلها * وصي الميت إذا كان عدلا كافيا لا ينبغي للقاضي أن يعزله و إن لم يكن عدلا يعزله و ينصب وصيا آخر * و لو كان عدلا غير كاف لا يعزله و لكن يضم إليه كافيا و لو عزله ينعزل * و كذا لو عزل العدل الكافي ينعزل كذا ذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى * و عند بعض المشايخ رحمهم الله تعالى(3/324)
لا ينعزل العدل الكافي بعزل القاضي لأنه مختار الميت فيكون مقدما على وصي القاضي * و ذكر القدوري رحمه الله تعالى ليس للقاضي أن يخرج وصي الميت من الوصية ولا يدخل معه غيره إلا إذا ظهرت منه خانة أو كان فاسقا معروفا بالشر فيخرجه و ينصب غيره * و لو كان ثقة ضعيفا أدخل معه غيره هكذا ذكر في الأصل و الطحاوي في شرحه و لم يذكر أنه لو عزله هل ينعزل قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إذا عجز الوصي عن تنفيذ الوصايا للقاضي أن يعزله * و للوصي أن يودع مال اليتيم و يبضع و يتجر بمال اليتيم لليتيم و يدفع مضاربة و له أن يفعل كل ما كان فيه خير لليتيم و كذا الأب * و إذا بلغ الصغير و طلب ماله من الوصي فقال الوصي ضاع مني كان القول قوله لأنه أمين * و إن قال أنفقت مالك عليك يصدق في نفقة مثله في تلك المدة و لا يقبل قوله فيما يكذبه الظاهر * و إن اختلفا في المدة فقال الوصي مات أبوك منذ عشر سنين و قال اليتيم مات أبي منذ خمس سنين ذكر في الكتاب أن القول قول الابن * و اختلف المشايخ فيه قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى المذكور في الكتاب قول محمد رحمه الله تعالى أما على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى القول قول الوصي و هذه أربع مسائل إحداها هذه * و الثانية إذا ادعى الوصي أن الميت ترك رقيقا فأنفقت عليهم إلى وقت كذا ثم ماتوا فكذب الابن قال محمد و الحسن بن زياد رحمهما الله تعالى القول قول الابن * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى القول قول الوصي و أجمعوا أن العبيد لو كانوا أحياء كان القول قول الوصي * و المسئلة الثالثة إذا ادعى الوصي أن غلاما لليتيم أبق فجاء به رجل فأعطيت جعله أربعين درهما و الابن ينكر الاباق كان القول قول الوصي في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * و في قول محمد و الحسن رحمهما الله تعالى القول قول الابن إلا أن يأتي الوصي ببينة على ما ادعى * و أجمعوا على أن الوصي لو قال استأجرت رجلا ليرده فإنه يكون مصدقا * و المسئلة الرابعة إذا قال الوصي أديت خراج أرضك عشر سنين منذ مات أبوك كل سنة ألف درهم و قال اليتيم إنما مات أبي منذ خمس سنين كان القول قول الابن في قول محمد رحمه الله تعالى لأن الوصي يدعي تاريخا سابقا و هو ينكر * و على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى القول قول الوصي لأن اليتيم يدعي عليه وجوب تسليم المال و هو ينكر فيكون القول قوله في هذه المسائل * فإن قال الوصي فرض القاضي لأخيك لزمن هذه النفقة في مالك كل شهر كذا فأديت له كل شهر منذ عشر سنين و كذبه الابن لا يقبل قول الوصي عند الكل فيكون ضامنا * الوصي إذا باع شيئا من التركة نسيئة فإن كان يتضرر به اليتيم بأن كان الأجل فاحشا لا يجوز * و لا يملك الوصي إقراض مال اليتيم فإن أقرض كان ضامنا * و القاضي لا يملك الإقراض * و اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في الأب لاختلاف الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى و الصحيح أن الأب بمنزلة الوصي لا بمنزلة القاضي * و لو أخذ الوصي مال اليتيم قرضا لنفسه لا يجوز و يكون ذلك دينا عليه * و عن محمد رحمه الله تعالى ليس للوصي أن يستقرض مال اليتيم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * قال محمد رحمه الله تعالى و أنا أرجو أنه لو فعل ذلك و هو قادر على القضاء لا بأس به * و لو رهن الوصي أو الأب مال اليتيم بدين نفسه في القياس لا يجوز و يجوز استحسانا * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه أخذ بالقياس * و لو قضى الوصي دين نفسه بمال اليتيم لا يجوز * و لو فعل الأب ذلك جاز لأن الوصي لا يملك أن يشتري مال اليتيم لنفسه بمثل القيمة و الأب يملك و الرهن بمنزلة القضاء * و لو قضى الأب دين نفسه بمال اليتيم جاز و لا يجوز ذلك للوصي و كذلك الرهن * و ذكر في الجامع الصغير إذا رهن الأب مال ولده الصغير بدين نفسه و قيمة الرهن أكثر من الدين فهلك الرهن عند المرتهن كان على الأب مقدار الدين لا قيمة الرهن * و ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أن الأب و الوصي يضمنان مالية الرهن و سوى بين الولد و الوصي * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ليس للوالد و الوصي أن يقضيا دينهما بمال الصغير فلا يكون لهما أن يرهنا * و عن بشر بن الوليد رحمه الله تعالى ليس للأب أن يرهن مال ولده بدين نفسه و الظاهر إن للأب أن يرهن استحسانا و كذلك الوصي و في القياس ليس لهما ذلك و عند هلاك الرهن يضمن كل واحد منهما قيمة الرهن * وصي احتال بمال اليتيم إن كان الثاني أملأ من الأول جاز و إن كان مثله لا يجوز * و للوصي أن يؤدي صدقة فطر اليتيم من مال اليتيم و أن يضحي عنه إذا كان اليتيم موسرا في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى * و في القياس و هو قول محمد و زفر رحمهما الله تعالى لا يملك ذلك فإن فعل كان ضامنا * و الوصي لا يملك إبراء غريم الميت و لا أن يحط عنه شيئا و لا يؤجله إذا لم يكن الدين واجبا بعقده صح الحط و التأجيل و الإبراء في قول(3/325)
أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و يكون ضامنا * و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يصح ذلك ولا يكون ضامنا * و لو صالح الوصي أحدا عن دين الميت إن كان للميت بينة على ذلك أو كان الخصم مقرا بذلك أو كان القاضي علم بذلك الحق لا يجوز صلح الوصي * و إن لم يكن على الحق بينة جاز صلح الوصي لأنه تحصيل بعض الحق بقدر الإمكان * و إن كان الصلح عن دين على الميت أو على اليتيم فإن كان للمدعي بينة على حقه أو كان القاضي قضى له بحقه جاز صلح الوصي لأنه إسقاط بعض الحق و إن لم يكن للمدعي بينة ولا قضى القاضي بذلك لا يجوز صلح الوصي لأنه إتلاف لماله و هو نظير ما لو طمع السلطان الجائر أو المتغلب في مال اليتيم فأخذ الوصي و هدده ليأخذ بعض مال اليتيم قال نصير رحمه الله تعالى لا ينبغي للوصي أن يعطي فإن أعطى كان ضامنا * وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا خاف الوصي القتل على نفسه أو إتلاف عضو من أعضائه أو خاف أن يأخذ كل مال اليتيم فدفع إليه شيئا من مال اليتيم لا يضمن * و إن خاف على نفسه القيد أو الحبس أو علم أنه يأخذ بعض مال الوصي و يبقى له من المال ما يكفيه لا يسعه أن يدفع مال اليتيم فإن دفع كان ضامنا * و هذا إذا كان الوصي هو الذي يدفع إليه المال فلو أن السلطان أو المتغلب بسط يده و أخذ المال لا يضمن الوصي و الفتوى على ما اختاره الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى * وصي من بمال اليتيم على جائر و هو يخاف على نفسه أنه لم يبره ينزع مال اليتيم من يده فبره بمال اليتيم قال بعضهم لا ضمان عليه و كذا المضارب إذا من بالمال قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى ليس هذا قول أصحابنا رحمهم الله تعالى و إنما هذا قول محمد بن سلمة رحمه الله تعالى و هو استحسان * و عن الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه كان يجيز للأوصياء المصانعة في أموال اليتامى و إختيار بن سلمة موافق لأبي يوسف رحمه الله تعالى و به يفتي * و إليه الإشارة في كتاب الله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أبيعها أجاز العيب في مال اليتيم مخافة أخذ المتغلب * وصي أنفق على باب القاضي من مال اليتيم في الخصومات فأعطى على وجه الإجارة لا يضمن * قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يضمن مقدار أجر المثل و الغبن اليسير * و أما ما أعطى على وجه الرشوة كان ضامنا * قالوا بذل المال لدفع الظلم عن نفسه و ماله لا يكون في رشوة في حقه و بذل المال لاستخراج حق له على آخر يكون رشوة * الوصي إذا باع شيئا من مال اليتيم فبلغ اليتيم فأبرأ المشتري عن الثمن اختلف فيه المشايخ * قال بعضهم إن كان اليتيم مصلحا غير مفسد و قال للمشتري أنت بريء مما أدانك الوصي صح * و إن قال أنت بريء مما لي عليك لا يبرأ * و كذلك الموكل بالبيع إذا أبرأ المشتري عن الثمن فهو على هذا التفصيل و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى ليس هذا قول أصحابنا رحمهم الله تعالى بل يصح الإبراء في الوجهين من الصبي بعد البلوغ و من الموكل بالبيع سواء قال أبرأتك مما لي عليك أو قال أنت بريء مما أدانك وصيي و مما باع وكيلي * رجل مات و أوصى إلى امرأته و ترك ورثة صغارا فنزل سلطان جائر في داره فقيل لها إن لم تعطيه شيئا استولى على الدار و العقار فأعطته شيئا من العقار قالوا يجوز مصانعتها * وصي أنفق من مال اليتيم على اليتيم في تعليم القرآن و الأدب إن كان الصبي يصلح لذلك جاز و يكون الوصي مأجورا * و إن كان الصبي لا يصلح لذلك لا بد للوصي أن يتكلف مقدار ما يقرأ في صلاته * و ينبغي للوصي أن يوسع على الصبي في النفقة لا على وجه الإسراف و لا على وجه التضييق و ذلك يتفاوت بقلة مال الصبي و كثرته و اختلاف حاله فينظر في ماله و حاله و ينفق عليه قدر ما يليق به * وصي يخرج من عمل اليتيم و استأجر دابة من مال اليتيم ليركب و ينفق على نفسه من مال اليتيم كان له ذلك فيما لا بد منه استحسانا * و عن نصير رحمه الله تعالى للوصي أن يأكل من مال اليتيم و يركر دوابه إذا ذهب في حوائج اليتيم * قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا إذا كان اتلوصي محتاجا * و قال بعضهم لا يجوز له أن يأكل و يركب دابته و هو القياس * و في الاستحسان يجوز له أن يأكل المعروف إذا كان محتاجا بقدر ما يتعنى في ماله * وصي اشترى لنفسه شيئا من تركة الميت إن لم يكن للميت وارث لا صغير و لا كبير جاز * و لو اشترى مال اليتيم لنفسه إن كان ذلك خيرا لليتيم جاز و كذا إذا باع ماله من اليتيم إن كان خيرا لليتيم جاز * و هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أما على قول محمد رحمه الله تعالى إذا باع ماله من اليتيم أو اشترى مال اليتيم لنفسه لا يجوز على كل حال * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى فيه روايتان كان يقول أولا كما قال محمد رحمه الله تعالى ثم رجع إلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و فسر شمس الأئمة السرخسي(3/326)
رحمه الله تعالى الخيرية فقال إذا اشترى الوصي مال اليتيم لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر يكون خيرا لليتيم و إن باع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة كان خيرا لليتيم * و قال بعضهم إن باع مال نفسه من اليتيم ما يساوي عشرة بثمانية يكون خيرا لليتيم و إن اشترى لنفسه من مال اليتيم ما يساوي ثمانية بعشرة يكون خيرا لليتيم و هذه ثلاثة مسائل * إحداها هذه و الثانية الأب إذا اشترى لنفسه مال ولده الصغير أو باع ماله من ولده الصغير إن كان شر للولد لا يجوز و إن لم يكن شرا للولد جاز و لا يشترط أن يكون خيرا للولد * و الثالثة الوكيل بالبيع أو الشراء إذا اشترى لنفسه من مال الموكل أو باع مال نفسه للموكل لا يجوز عندهم جميعا سواء كان خيرا للموكل أو الوكيل أو شرا * و لو باع أحد الوصيين شيئا من تركة الميت لصاحبه لا يجوز عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى لأن عندهما أحد الوصيين لا ينفرد بالتصرف * إذا أقر الوصي بدين على الميت أو بوصية كان باطلا * و لا يجوز للوصي الإجارة الطويلة في مال اليتيم لمكان الغبن الفاحش في السنين الأول * الأب و الوصي يملك كل واحد منهما تزويج ابنه الصغير و لا يملكان تزويج عبده و لا تزويج أمة الصغير من عبده استحسانا إلا رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى و الصبي المأذون لا يملك تزويج أمته عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى و لا يملك تزويج أمته من عبده عندهم جميعا * و يجوز للوصي أن يكاتب عبد اليتيم استحسانا * و كذا الأب إذا كاتب عبد ولده الصغير جاز استحسانا * و لو أن الوصي أو الأب كاتب عبدا لليتيم ثم وهب المال من المكاتب لا يجوز لأن الوكيل بالكتابة لا يملك قبض بدل الكتابة بطريق الأصالة * و كذلك الأب و الوصي * و لو باع الأب أو الوصي عبدا لليتيم ثم وهب الثمن من المشتري صحت الهبة في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و يضمن مثله و قد مرت المسئلة * و إن أقر الأب أو الوصي بقبض بدل الكتابة صح إقرارهما إن كانت الكتابة ثابتة بالبينة أو كان القاضي يعلم بها و إن عرفت الكتابة بإقرارهما بأن قال الوصي أو الأب كاتبت و أدى إلي البدل لا يصدق لأنه إقرار بالعتق * و لو أن المكاتب أدى المال إلى الوصي بعدما أدرك الصبي لا يصح و لا يعتق إذا أدى و كذا الأب * و لا يجوز للوصي أن يعتق عبد الصغير على مال و كذا الأب * و لا يجوز للوصي أن يكاتب إذا كانت الورثة كبارا غيبا أو حضورا لأن الأب لا يملك ذلك فكذلك الوصي * و كذلك إذا كان بعضهم صغارا و لم يرض الكبار بذلك لأن للكبار حق الفسخ * فلو كان الكل كبارا فكاتبه بعض الكبار كان للباقين حق النسخ * و قيل على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يجوز كتابة الوصي في جميع العبد * كما لو باع الوصي عقارا مشتركا بين الصغار و الكبار صح البيع في الكل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و الأصح هو الفرق بين الكتابة و البيع و يجوز للوصي أن يقاسم الموصى له فيما سوى العقار و يمسك نصيب الصغار و إن كان بعض الورثة كبيرا غائبا * و لو قاسم الوصي الورثة و في التركة وصية لإنسان و الموصى له غائب لا يجوز قسمة الوصي على الموصى له الغائب و يكون للموصى له أن يشارك الورثة * و لو كانت الورثة كلهم صغارا فقاسم الوصي الموصى له فأعطاه الثلث و أمسك الثلثين * جاز ولو هلك ما في يد الوصي للورثة لا ترجع الورثة على الموصى له بشيء * لا يجوز للوصي أن يتجر لنفسه بمال اليتيم أو الميت فإن فعل و ربح ضمن رأس المال و يتصدق بالربح في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى يسلم له الربح و لا يتصدق بشيء * و للوصي أن يأخذ مال اليتيم مضاربة * و ليس له أن يؤاجر نفسه من اليتيم * و ليس للوصي أن يهب مال اليتيم بعوض و بغير عوض و كذلك الأب * و لو وهب إنسان هبة للصغير فعوض الأب من مال الصغير لا يجوز و يبقى للواهب حق الرجوع في الهبة * و كذا لو عوض الوصي من مال اليتيم * الأب و الوصي إذا أذن للصغير أو لعبده في التجارة صح الأذن و سكوتهما عند البيع و الشراء يكون إذنا * و إن مات الأب أو الوصي قبل بلوغ الصبي بطل الأذن * و إن بلغ الصغير و الأب أو الوصي حي لا يبطل الإذن * و لو وكل الأب أو الوصي ببيع مال اليتيم أو الشراء للصغير فمات الأب أو بلغ الصغير ينعزل الوكيل * القاضي إذا أذن للصغير أو للمعتوه أو لعبدهما في التجارة صح * و كذا لو حجر على عبد للمعتوه * و لو رأى القاضي عبدا للمعتوه يبيع و يشتري فسكت لا يكون ذلك إذنا * القاضي إذا رأى أن يأذن للصغير أو عبده في التجارة فأبى الأب أو الوصي فاباؤهما يكون باطلا * فإن حجر الأب أو الوصي بعد إذن القاضي لم يصح حجرهما * و كذا لو مات القاضي لا ينحجر العبد إلا أن يرفع الأمر إلى قاض آخر حتى يحجر عليه فينحجر لأن ولاية هذا القاضي مثل ولاية الأول * وصي باع عقارا ليقضي به دين الميت و في يده من المال ما يفي لقضاء الدين قال(3/327)
الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى جاز هذا البيع لأنه قائم مقام الوصي * رجل أوصى بثلث ماله و خلف صنوفا من العقارات فباع الوصي من العقار صنفا للوصية قالوا للوارث أن لا يرضى إلا أن يبيع من كل شيء الثلث مما يمكن بيع الثلث منه * وصي آجر بعض التركة لقضاء دين الميت قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يجوز لما فيه من الغبن في السنين الأولى * مديون مات و أوصى إلى رجل فغاب الوصي فعمد بعض الورثة و باع بعض التركة فقضى دينه و أنفذ وصاياه قالوا البيع فاسد إلا أن يكون بأمر القاضي * وارث كبير باع شيئا من التركة أو من عقاره و قد بقي عليه دين أو وصايا فأراد الوصي أن يرد بيع الوارث قالوا إن كان في يد الوصي شيء غير ذلك يستطيع أن يبيعه و ينفذ منه وصاياه و يقضي الدين لا يرد بيعه * وصي أنفذ الوصية من مال نفسه قالوا إن كان هذا الوصي وارث الميت يرجع في تركة الميت و إلا فلا يرجع * و قيل إن كانت الوصية للعباد يرجع لأن لها مطالبها من جهة العباد فكانت كقضاء الدين و إن كانت الوصية لله تعالى لا يرجع * و قيل له أن يرجع في التركة على كل حال و عليه الفتوى و هو كالوكيل بالشراء إذا أدى الثمن من مال نفسه كان له أن يرجع * و كذا الوصي إذا اشترى كسوة للصغير أو اشترى ما ينفق عليه من مال نفسه فإنه لا يكون متطوعا * و كذا لو قضى مال الميت من مال نفسه بغير أمر الوارث و أشهد على ذلك لا يكون متطوعا * و كذا بعض الورثة إذا قضى دين الميت أو كفن الميت من مال نفسه أو اشترى الوارث الكبير طعاما أو كسوة للصغير من مال نفسه لا يكون متطوعا و كان له الرجوع في مال الميت و التركة * و كذا الوصي إذا أدى خراج اليتيم أو عشره من مال نفسه لا يكون متطوعا * و لو كفن الوصي من مال نفسه قبل قوله في ذلك * و لو قسم الوصي التركة بين الورثة و كلهم صغار لا يجوز و إن كان البعض كبارا و هم غيب و صغير حاضر فقسم الوصي لا يجوز * و لو كانت الورثة كلهم كبارا و بعضهم غائب فقاسم الوصي مع الحاضر و أمسك نصيب الغائبين جاز * و للوارث أن يقضي دين الميت و له أن يكفنه من غير أمر الورثة و كان له أن يرجع في مال الميت * الوصي إذا اشترى كفنا للميت أو اشترى الوارث ثم علم بعيب في الكفن بعد دفن الميت كان للوارث و الوصي أن يرجعا بنقصان العيب و لو أن أجنبيا اشترى للميت كفنا فعلم بعيب بعدما دفن فيه ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن الأجنبي لا يرجع بنقصان العيب * و في بعض الروايات يرجع الأجنبي أيضا و الصحيح أن الأجنبي لا يرجع لأنه اشترى لنفسه و الوارث و الوصي يشتريان للميت لأنهما يقومان مقام الميت فكان لهما الرجوع بنقصان العيب * غريب نزل في بيت رجل فمات و لم يوص إلى أحد و ترك دراهم قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يرفع الأمر إلى الحاكم فيكفنه بأمر الحاكم كفنا وسطا فإن لم يجد الحاكم كفنه كفنا وسطا * و لو كان على الميت دين لا يبيع هذا الرجل ماله لقضاء دينه * و كذا لو ترك جارية لا يبيعها * و عن محمد رحمه الله تعالى إذا مات الرجل في موضع لم يكن هناك قاض نحو أن يموت في بعض القرى أو مات في الطريق فباع رفقاؤه متاعه جاز البيع * و يجوز للمشتري أن ينتفع بالمبيع فإن جاء وارثه بعد ذلك إن أجاز البيع أخذ ثمنه و إن كان المتاع قائما فإن شاء أخذه و إن شاء أخذ الثمن فإن باعه بوكس كان له أن يضمن قيمته * و لو أن رجلا من أهل السكة تصرف في مال اليتيم من البيع و الشراء و لم يكن له وارث و لا وصي إلا أن هذا الرجل يعلم أنه لو رفع الأمر إلى القاضي فإن القاضي ينصبه وصيا فأخذ هذا الرجل المال و لم يرفع الأمر إلى القاضي و أفسده حكى عن أبي نصر الدبوسي رحمه الله تعالى أنه كان يجوز تصرف هذا الرجل و عن نصير رحمه الله تعالى سألت بشر بن الوليد رحمه الله تعالى عن رجل مات في بعض الأطراف فجاء وارثه و قال مات أبي و عليه دين و ترك صنوف أموال و لم يوص إلى أحد و هو لا يقدر على إقامة البينة لأن الشهود كانوا من أهل القرية و لا يعرفهم القاضي بالعدالة هل يكون للقاضي أن يقول له إن كنت صادقا فبيع المال حتى تقضي الديون قال إن فعل القاضي ذلك فهو حسن * و عن أبي نصر رحمه الله تعالى رجل مات فزعم غرماؤه و ورثته أن فلانا مات و لم يوص إلى أحد و الحاكم لا يعلم شيئا من ذلك أيقول لهم الحاكم إن كنتم صادقين فقد جعلت هذا وصيا قال إن فعل ذلك رجوت أن يكون في سعة و يصير الرجل وصيا إن كانوا صادقين * امرأة أوصت بثلث مالها و أوصت إلى رجل فأنفذ الوصي بعض وصيتها و بقي البعض في أيدي الورثة هل يكون للوصي أن يترك ذلك في أيدي الورثة قالوا إن علم الوصي من ديانة الورثة أنهم يخرجون الثلث جاز له أن يترك في أيديهم و إن علم خلاف ذلك لا يسعه أن يترك في أيديهم إن كان يقدر على استخراج المال منهم * رجل اشترى لولده الصغير شيئا و أدى الثمن من مال نفسه ليرجع به عليه ذكر في النوادر(3/328)
أنه إن لم يشهد عند أداء الثمن ليرجع به فإنه لا يرجع * و فرق بين الوالد و بين الوصي إذا أدى الثمن من مال نفسه لا يحتاج إلى الإشهاد و الأب يحتاج لأن الغالب من حال الوالدين أنهم يقصدون الصلة و التبرع فيحتاج إلى الإشهاد و كذا الأب إذا قضى مهر امرأة ابنه لابنه إن لم يشهد لا يرجع * و كذا الأم إذا كانت وصية لولدها الصغير فهي بمنزلة الأب إن لم يشهد عند أداء الثمن لا يرجع * رجل أوصى إلى رجلين قال أبو حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى لا ينفرد أحد الوصيين بالتصرف و لا ينفذ تصرف أحدهما إلا بإذن صاحبه إلا في أشياء فإن أحدهما ينفرد بها * منها تجهيز الميت و تكفينه و قضاء دين الميت إذا كانت التركة من جنس الدين و تنفيذ وصية الميت في العين إذا كانت الوصية بالعين و إعتاق النسمة و رد الودائع و المغصوب * و لا ينفرد أحدهما بقبض وديعة الميت و لا بقبض الدين لأن ذلك من باب الأمانة * و ينفرد أحد الوصيين بالخصومة في حقوق الميت على الناس * و عندهم ينفرد بقبول الهبة للصغير و بقسمة ما يكال أو يوزن و بإجارة اليتيم بعمل يتعلم * و ينفرد أيضا ببيع ما يخشى عليه التوى و التلف و لا يدخر كالفواكه و نحوها * و لو أوصى الميت بأن يتصدق عنه بكذا و كذا من ماله و لم يعين الفقير لا ينفرد به أحد الوصيين عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ينفرد * و إن عين الفقير ينفرد بذلك أحدهما عند الكل * و على هذا الخلاف إذا أوصى بشيء للمساكين و لم يعين المسكين عندهما لا ينفرد أحدهما بالتنفيذ * و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ينفرد * و إن عين المساكين ينفرد بذلك أحدهما عند الكل * و لو وكل رجل رجلين بأن يهبا هذه العين و لم يعين الموهوب له عندهما لا ينفرد أحدهما بذلك و إن عين الموهوب له ينفرد أحدهما عند الكل * و هذه ثلاث مسائل * إحداها هذه * و الثانية رجلان ادعيا صغيرا ادعى كل واحد منهما أنه ابنه من أمة مشتركة بينهما فإنه يثبت نسبه منهما فإن كان لهذا الولد مال ورث من أخ له من أمه أو وهب له أخوه لا ينفرد بالتصرف في ذلك المال أحد الأبوين عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ينفرد * و المسئلة الثالثة لقيط ادعاه رجلان كل واحد منهما ادعى أنه ابنه فإنه يلحق بهما فإن وهب لهذا اللقيط هبة عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى لا ينفرد أحدهما بالتصرف * و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ينفرد * و هذا إذا أوصى إليهما جملة في كلام واحد * فإن أوصى إلى أحدهما أولا ثم أوصى إلى آخر قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى اختلف المشايخ فيه * قال بعضهم ههنا ينفرد كل واحد منهما بالتصرف و سوى هذا القائل بين هذا و بين الوكيل إذا وكل الرجل رجلا ببيع شيء بعينه ثم وكل آخر ببيع ذلك الشيء فإن كل واحد من الوكيلين ينفرد بالبيع و لو وكلهما جميعا لا ينفرد أحدهما بالبيع * و قال بعضهم لا ينفرد أحد الوصيين بالتصرف في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالىعلى كل حال * و به أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى * رجل جعل رجلا وصيا في شيء بعينه نحو التصرف في الدين و جعل آخر وصيا في نوع آخر بأن قال جعلتك وصيا في قضاء ما علي من الدين و قال لآخر جعلتك وصيا في القيام بأمر مالي أو جعل أحدهما وصيا لهذا الولد في نصيبه و جعل الآخر وصيا في نصيب ولد آخر له أو قال أوصيت إلى فلان يتقاضى ديني و لم أوصي إليه غير ذلك و أوصيت بجميع مالي فلانا آخر فكل واحد من الوصيين يكون وصيا في الأنواع كلها عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى كأنه أوصى إليهما * و عند محمد رحمه الله تعالى يكون كل واحد منهما وصيا فيما أوصى إليه * و لو أن رجلا أوصى إلى رجلين فمات أحد الوصيين على قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى لا يتصرف الحي في ماله فيرفع الأمر إلى القاضي إن رأى القاضي أن يجعله وصيا وحده و يطلق له التصرف فعل * و إن أراد أن يضم إليه رجلا آخر مكان الميت فعل و على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ينفرد الحي منهما بالتصرف كما في حال الحياة * و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية و هو قول ابن أبي ليلى ليس للقاضي أن يجعل الحي وصيا وحده و لو فعل لا ينفذ تصرف الحي بإطلاق القاضي * و هذه ثلاث مسائل * إحداها هذه * و الثانية إذا أوصى إلى رجلين فمات الرجل فقبل أحدهما الوصية و لم يقبل الآخر أو مات أحدهما قبل موت الموصي و قبل الآخر عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى لا ينفرد القابل بالتصرف و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ينفرد * و الثالثة إذا أوصى إلى رجلين ففسق أحدهما كان القاضي بالخيار إن شاء أطلق التصرف للثاني و إن شاء ضم إليه وصيا آخر و استبدل الفاسق * ثم العدل لا يتصرف وحده عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى له أن يتصرف رجل مات وله ديون على الناس و عليه(3/329)
للناس ديون و ترك أموالا و ورثة فأقام رجل شاهدين أن الميت أوصى إليه و إلى فلان الغائب فإن القاضي يقبل بينة هذا الرجل لأنه أقام البينة على حقه و حقه متصل بحق الغائب فينتصب الحاضر خصما عن الغائب فصارا وصيين و لا يكون لهذا الحاضر أن يتصرف في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى ما لم يحضر الغائب إلا في الأشياء التي ينفرد بها أحد الوصيين فإن حضر الغائب بعد ذلك إن صدق الحاضر و ادعى أنه أوصى إليهما لا يكلف إعادة البينة و كانا وصيين جميعا و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يكون الغائب الذي حضر وصيا ما لم يعد البينة و إن حضر الغائب و جحد أن يكون وصيا كان القاضي بالخيار إن شاء جعل الأول وصيا وحده و إن شاء ضم إلى الأول رجلا آخر * رجل أوصى إلى رجلين ليس لأحدهما أن يشتري من صاحبه شيئا من مال اليتيم * و كذا لو كانا وصيين ليتيمين لا يشتري أحدهما من صاحبه شيئا من مال اليتيم الآخر لأن الوصي مأمور بالتصرف على وجه النظر فلو تصرف أحدهما على وجه النظر يتضرر به الآخر و لا يقسمان مال اليتيمين لما قلنا * يتيمان لكل واحد منهما وصي فقسم الوصيان مالهما لا تجوز قسمتهما كما لا يجوز بيع أحد الوصيين المال من الوصي الآخر * رجل مات و أوصى إلى رجلين فجاء رجل و ادعى دينا على الميت فقضى الوصيان دينه بغير حجة ثم شهدا له بالدين عند القاضي لا تقبل شهادتهما و يضمنان ما دفعا إلى المدعي لغرماء الميت * و لو شهدا له أولا فأمرهما القاضي بقضاء الدين فقضيا دينه لا يلزمهما الضمان * و كذا لو شهد الوارث أن على الميت دين جازت شهادتهما قبل الدفع و لا تقبل بعد الدفع * وصي الميت إذا قضى دين الميت بشهود جاز و لا ضمان عليه لأحد و إن قضى دين البعض بغير أمر القاضي كان ضامنا لغرماء الميت فإن قضى بأمر القاضي دين البعض لا يضمن و الغريم الآخر يشارك الأول فيما قبض * رجل أوصى إلى رجلين فمات أحد الوصيين و أوصى إلى صاحبه جاز و يكون لصاحبه أن يتصرف لأن أحدهما لو تصرف بإذن صاحبه في حياتهما جاز فكذلك بعد الموت * و روى أنه لا يجوز و الصحيح هو الاول * رجل أوصى إلى رجلين فمات و في يده ودائع لإنسان فقبض أحد الوصيين الودائع من منزل الميت بغير أمر صاحبه أو قبض بعض الورثة بغير أمر الوصيين أو بدون أمر بقية الورثة فهلك المال في يده فلا ضمان عليه * و لو لم يكن على الميت دين و له عند إنسان وديعة فقبض أحد الوصيين تركة الميت و ضاعت في يده لا يضمن شيئا * و لو قبض أحد الورثة يضمن حصة أصحابه من الميراث إلا ان يكون في موضع يخاف الهلاك على المال فلا يضمن استحسانا * و لو كان على الميت دين محيط و له عند إنسان وديعة فدفع المستودع الوديعة إلى وارث الميت فضاع في يده كان صاحب الدين بالخيار إن شاء ضمن المستودع و إن شاء ضمن الوارث * و ليس هذا كأخذ المال من منزل الميت* و لو كان الميت في يد الغاصب فإن أحد الوصيين لا يملك الأخذ من المودع و الغاصب إلا أن الغصب إن كان في الورثة مأمون ثقة فالقاضي يأخذ المال من الغاصب و يدفعه إلى الوارث و في الوديعة يترك الوديعة عند المودع * وصيان للميت استأجر أحدهما حمالين لحمل الجنازة إلى المقبرة و الآخر حاضر ساكت أو استأجر ذلك بعض الورثة بمحضر الوصيين و هما ساكتان جاز ذلك و يكون ذلك من جميع المال و هو بمنزلة شراء الكفن * و لو كان الميت أوصى بالتصدق بالحنطة على الفقراء قبل رفع الجنازة ففعل ذلك أحد الوصيين قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى لو كانت الحنطة في التركة جاز دفعه و ليس للآخر الامتناع عنه و إن لم تكن الحنطة في التركة فاشترى أحد الوصيين حنطة و تصدق بها كانت الصدقة عن المعطي * قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى أخذ في هذا بقول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى * و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا كان في التركة كسوة و طعام فدفع ذلك أحد الوصيين إلى اليتيم جاز و إن لم يكن ذلك في التركة فاشترى أحد الوصيين و الآخر حاضر لا يشتري أحدهما إلا بأمر الآخر * و لو أن ميتا أوصى إلى رجلين و قد كان باع عبدا فوجد المشتري بالعبد عيبا فرده على الوصيين كان لأحدهما أن يرد الثمن و ليس لأحدهما قبض المبيع من المشتري و لأحد الوصيين أن يودع ما صار في يده من تركة الميت * و لو أن الميت أوصى بشراء عبد و بالإعتاق فأحد الوصيين لا ينفرد بالشراء و بعدما اشتريا كان لأحدهما أن يعتق * رجل مات و ترك ورثة فبلغ الورثة أن أباهم أوصى بوصايا و لا يعلمون ما أوصى به فقالوا قد أجزنا ما أوصى به ذكر في المنتقى أنه لا يجوز و إنما يجوز إذا أجازوا بعد العلم * و في المنتقى إذا دفع الوصي إلى اليتيم ماله بعد البلوغ فأشهد اليتيم على نفسه أنه قد قبض منه جميع تركة والده و لم يبق له من تركة والده عنده من قليل و لا كثير إلا و قد استوفاه ثم ادعى في يد الوصي شيئا و قال هو من تركة والدي و أقام البينة قبلت بينته * و كذا لو أقر الوارث أنه قد(3/330)
استوفى جميع ما ترك والده من الدين على الناس ثم ادعى أن لأبيه دينا على رجل سمع دعواه * رجل وكل رجلا بأن يتصدق عنه بألف درهم بعينها فغصب الوكيل من رجل ألفا و تصدق بها عن الموكل ثم أدى الوكيل ألف الموكل عنها ذكر في المنتقى أنه يجوز ذلك * رجل اشترى لنفسه من مال ولده الصغير أو اغتصب حتى وجب عليه الضمان ذكر الخصاف رحمه الله تعالى أنه لو أفرز من ماله شيئا و أشهد و قال قد قبضت هذا المال من نفسي لابني الصغير جاز و يصير قابضا * و عن محمد رحمه الله تعالى لا يصير قابضا بهذا القدر إلا أن يشتري لابنه شيئا بمال الصغير عليه * و أجمغوا على أن الوصي لا يصير قابضا من نفسه بالإفراز و الإشهاد * و أجمعوا على أن الأب لو وهب لابنه الصغير شيئا فقال قبضت هذا لابني فلإنه يصير قابضا لابنه * وصي أخذ أرض اليتيم مزارعة قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن شرط البذر على اليتيم لا يصير لأن الوصي يصير مؤاجرا نفسه من اليتيم فلا يجوز في قياس أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا أن يكون خيرا لليتيم * و إن كان البذر من الوصي كانت مزارعة * و عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى المزارعة فاسدة * وصي استهلك مال اليتيم قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يخرج من الوصاية و يجعل غيره وصيا فيدفع الضمان إليه ثم يقبضه منه الوصي و عن أبي نصر الدبوسي رحمه الله تعالى إذا باع وصي القاضي ميراثا لليتيم و قبض الثمن و صرفه إلى حاجة نفسه ثم إن الوصي ينفق على اليتيم ويطعمه مع سائر عياله على قدر الدين الذي لليتيم عليه قال هذه كبيرة لا يحل له لأنه استهلك مال اليتيم فلا يسقط عنه الدين بهذا الاطعام * وعن محمد رحمه الله تعالى اذا أخذ الوصي مال اليتيم وأنفقه في حاجة نفسه ثم وضع مثل ذلك المال لليتيم لا يبرأ إلا أن يكبر اليتيم فيدفع المال إليه * رجل أوصى إلى رجلين فقال لهما ضعا ثلث مالي حيث شئتما أو لمن شئتما ثم مات أحد الوصيين قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى بطلت الوصية ويعود الثلث إلى ورثة الميت * ولو قال لهما جعلت ثلث مالي للمساكين فقال لهما ذلك ثم مات أحد الوصيين قال يجعل القاضي وصيا آخر وإن شاء قال للباقي منهما أقسم أنت وحدك * و في قول أبي يوسف الآخر للباقي منهما أن يتصدق وحده * جدار بين داري صغيرين لهما عليه حمولة يخاف عليه السقوط و لكل صغير وصي فطلب أحد الوصيين مرمة الجدار و أبى الآخر قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يبعث القاضي أمينا حتى ينظر فيه فإن علم أن في تركه ضررا لهما أجبر الآبي أن يبني مع صاحبه * قال و ليس هذا كإباء أحد المالكين لأن ثم الآبي رضى بدخول الضرر عليه فلا يجبر أما ههنا أراد الوصي إدخال الضرر على الصغير فيجبر على أن يرم مع صاحبه * رجل أوصى إلى رجلين أن يشتريا له من ثلث ماله عبدا بكذا درهم و لأحد الوصيين عبد قيمته أكثر مما سمى الميت الموصي فأراد الوصي الآخر أن يشتري هذا العبد بما سمى الموصي قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان الموصي فوض الأمر إلى كل واحد منهما جاز شراء هذا الوصي من صاحبه و إن لم يفعل ذلك فباع صاحب العبد عبده من أجنبي و سلمه إليه ثم يشتريان جميعا للميت فهذا أصوب * وصي باع ضيعة لليتيم من مفلس يعلم أنه لا يقدر على أداء الثمن قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن اكن البيع بيع رغبة فالقاضي يؤجل المشتري ثلاثة أيام فإن أوفى الثمن و إلا نقض البيع قال رضي الله عنه ينبغي أن لا يجوز بيع الوصي إذا كان يعلم أن المشتري لا يقدر على أداء الثمن لأن البيع ممن هذا حاله يكون استهلاكا إلا أنه إذا أدى الثمن قبل أن يقضي القاضي ببطلان البيع الآن يصح هذا البيع لأن القاضي نصب ناظرا خصوصا للصغار و تمام النظر فيما قلنا * وصي باع شيئا من مال اليتيم ثم طلب منه بأكثر مما باع فإن القاضي يرجع إلى أهل البصر إن أخبره اثنان من أهل البصر و الأمانة أنه باع بقيمته و أن قيمته ذلك فإن القاضي لا يلتفت إلى من يزيد * و إن كان في المزايدة يشتري بأكثر و بالسوق بأقل لا ينقض بيع الوصي لأجل تلك الزيادة بل يرجع إلى أهل البصر و الأمانة فإن اجتمع رجلان منهم على شيء يؤخذ بقولهما * و هذا قول محمد رحمه الله تعالى * * أما على قولهما قول الواحد يكفي كما في التزكية و نحوها * و على هذا قيم الوقف إذا أجر مستغل الوقف ثم جاء آخر يزيد في الأجر * وصي باع تركة الميت لإنفاذ وصية الميت فجحد المشتري الشراء فحلفه القاضي فحلف و الوصي يعلم أنه كان كاذبا في اليمين فإن القاضي يقول للوصي إن كنت صادقا فقد فسخت البيع بينكما يجوز ذلك و إن كان تعليقا بالخطر و إنما يحتاج إلى فسخ الحاكم لأن الوصي لو عزم على ترك الخصومة كان فسخها بمنزلة الإقالة فيلزم الوصي كما لو تقايلا حقيقة و إذا فسخ القاضي لم يكن إقالة فلا يلزم الوصي * رجل مات و عليه دين مستغرق للتركة فجاء رجل و ادعى على الميت دينا و أحضر الوارث قال(3/331)
بعضهم إن الوارث لا يكون خصما للمدعي لأنه لا يرث شيئا * و عامة المشايخ رحمهم الله تعالى قالوا يكون الوارث خصما في دعوى الدين على الميت و إن لم يرث فتقبل بينة المدعي * و إن لم يكن له بينة و أراد تحليف الوارث أو تحليف غرماء الميت لا يستحلف الغرماء و لا الوارث أيضا و كذا لو أحضر المدعي وصي الميت و ادعى على الميت دينا فإن أقام البينة قبلت بينته على الوصي فإن أراد استحلافه لا يستحلف و إن لم يكن للميت وصي و لا وارث حاضر فإن القاضي ينصب وصيا و يسمع بينة المدعى عليه و لا يستحلف الوصي هذا إذا كانت التركة مستغرقة بالدين حتى لا يبق للوارث شيء بعد الدين فإن كان يبقى بعد الدين شيء يكون الفاضل معلوما ظاهرا في يد الوارث يستحلف الوارث في هذا الوجه * و لو ادعى دينا على الميت بحضرة الوارث فأقر الوارث بالدين فأراد المدعي أن يثبت الدين بالبينة و لا يكتفى بإقراره قبلت بينته * و كذا لو أقر جميع الورثة بالدين و أقام المدعي البينة على الدين قبلت بينته حتى يصير الدين ثابتا بالبينة فيظهر في حق الورثة و في حق غريم آخر لو ظهر بعد ذلك * امرأة قالت لزوجها في مرض موته إلى من تسلم أولادي فقال إليك و أسلمك إلى الله تعالى قال نصير رحمه الله تعالى تصير المرأة وصيا للأولاد و كذلك مريض قال لآخر تيمارادارين قرزندمرايس مرك من كان ذلك وصيا أيضا * رجل مات و عليه دين لرجل فقال صاحب الدين قبضت منه في صحته الألف التي كانت لي و غرماء الميت قالوا لا بل قبضت منه في مرضه الذي مات فيه و لنا حق المشاركة فيما قبضت منه قالوا إن كانت الألف المقبوضة قائمة شاركوه فيها لأن الأخذ حادث فيحال إلى أقرب الأوقات و هي حال المرض * و إن كانت المقبوضة هالكة لا شيء لغرماء الميت قبله إنما صرف إلى أقرب الأوقات بنوع ظاهر و الظاهر يصلح للدفع لا لإيجاب الضمان فحال قيام الألف هو يدعي لنفسه سلامة المقبوض و الغرماء ينكرون ذلك و قد أجمعوا على أن المقبوض كان ملكا للميت فلا يصلح الظاهر شاهدا له و بعد هلاك المقبوض حاجة الغرماء إلى إيجاب الضمان فلا يصلح الظاهر شاهدا لهم * قوم ادعوا دينا على الميت و لا بينة لهم إلا أن الوصي يعلم بالدين قال نصير رحمه الله تعالى يبيع الوصي التركة من الغريم ثم يجحد الغريم الثمن فيصير ذلك قصاصا * و إن كانت التركة صامتا يودع المال عند الغريم ثم يجحد الغريم الوديعة فيصير قصاصا * وصي شهد عنده عدل أن لهذا الرجل على هذا الميت ألف درهم حكي عن أبي سليمان الجرجاني رحمه الله تعالى أنه قال يسع الوصي أن يعطيه المال * و إن خاف الوصي الضمان على نفسه وسعه أن لا يعطيه قيل له فإن كان مال المدعي جارية بعينها يعلم الوصي أنها للمدعي و أن الميت كان غصبها منه قال فإن الوصي يدفعها إلى المغصوب منه لأنه لو منع يصير غاصبا ضامنا * وصي عليه للميت دين و الميت أوصى بوصايا فيريد الوصي أن يخرج عن عهدة ما عليه قالوا ينفذ وصايا الميت أو يقضي ديون الميت من مال نفسه فيصير ذلك قصاصا بما عليه لكن ينبغي أن ينوي القضاء حين يقضي فيقول أقضي من مالي لا رجع في مال الميت حتى يصير ذلك قصاصا * وصي باع دارا ثم ادعى بعد ذلك أن الدار كانت بينه و بين الميت قالوا إن كانت الدار في يد الميت عند موته يتصرف فيها من الإجارة و الإعارة و المرمة لا يقبل قول الوصي إلا ببينة و ينصب القاضي وصيا للميت حتى يقيم هذا المدعي البينة عليه شرطوا لكون اليد دليلا على الملك أن تكون متصرفة و ذلك ليس بشرط في ظاهر المذهب خصوصا إذا شهدوا أنها كانت في يد الميت عند الموت * وصي ادعى على الميت دينا اختلفوا في أن القاضي هل يخرج المال من يده قال بعضهم لا يخرجه إلا أن يدعي عينا أنها له فيخرجه القاضي من يده * و قال بعضهم إن لم يكن له بينة على الدين فإن القاضي يخرجه من الوصاية * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى يقول له القاضي إما إن تبرئه عن الدين الذي تدعي أو تقيم البينة عليه حتى تستوفي الدين و إلا أخرجتك عن الوصاية فإن لم يقم البينة أخرجه القاضي عن الوصاية * و عن محمد بن سلمة رحمه الله تعالى أن الوصي إذا ادعى دينا على الميت و ليس له بينة فإن القاضي يخرجه عن الوصاية و إن كان له بينة فإن القاضي ينصب للميت وصيا حتى يقيم المدعي البينة عليه ثم القاضي بالخيار بعد ذلك إن شاء ترك الثاني وصيا و صار الأول خارجا عن الوصاية و إن شاء رجع الأول إلى الوصية بعد أن قضى دينه * و ذكر الخصاف رحمه الله تعالى أن القاضي يجعل للميت وصيا في مقدار الدين الذي يدعي خاصة و لا يخرج الوصي عن الوصاية * و به أخذ المشايخ رحمهم الله تعالى و عليه الفتوى * القاضي إذا اتهم الوصي قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجعل القاضي معه غيره و لا يخرجه * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يخرجه و هو الظاهر و عليه الفتوى لأن الوصي قائم مقام الميت و لو كان الأب حيا وخيف منه على مال ولده الصغير فإن القاضي يخرج(3/332)
المال من يده فالوصي أولى * ميت له على رجل دين و له وصي و ابن صغير فأدرك الابن ثم قبض الوصي دين الميت جاز قبضه * و لو كان الابن حين بلغ نهاه عن القبض لا يصح قبضه * وصي عجز عن القيام بأمر الميت فأقام القاضي وصيا آخر ثم قال الوصي بعد ذلك صرت قادرا على القيام بأمر الميت قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى هو وصي على حاله لا يحتاج إلى الإعادة لأن القاضي ما أقام الثاني مقام الأول ليتضمن ذلك عزل الأول و إنما ذكر أن القاضي أقام قيما آخر و ذلك لا يتضمن عزل الأول * وصي أخذ مال اليتيم في حجره و أنفق المال على نفسه ثم وضع له مثل ما أنفق فإنه لا يبرأ حتى يكبر اليتيم فيدفع المال إليه و قد مرت المسئلة قبل هذا * و عن ابن مقاتل رحمه الله تعالى لا يجوز للوصي أن يقبض ذلك المال لليتيم * فإن أراد أن يبرأ يشتري لليتيم ما يجوز شراؤه لليتيم ثم يقول للشهود كان لليتيم علي كذا فأنا أشتري هذا المال له فيصير قصاصا و يبرأ من الدين حينئذ * و قال بعضهم لا يبرأ حتى يحضر إلى القاضي و يخبره بما فعله فيضمنه القاضي و يأخذ منه المال فحينئذ يبرأ فإن لم يجد القاضي أو يخاف من القاضي على المال فحينئذ يشتري لليتيم من مال نفسه * وصي في يده مال اليتيم فبلغ اليتيم قالوا إنما يدفع المال إليه إذا بلغ و ظهر رشده في المال فإن ظهر صلاحه و رشده حينئذ يدفع فإن بلغ سفيها غير رشيد لا يدفع إليه المال في قولهم ما لم يبلغ خمسا و عشرين سنة فإذا بلغ هذا المبلغ عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يدفع إليه المال * و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا يدفع المال إليه ما دام سفيها * رجل مات و عليه ألف درهم لرجل و للميت على رجل ألف درهم فقضى مديون الميت دين الميت ذكر في الأصل أنه يبرأ مما عليه و إن قضى بغير أمر الوصي و أمر الوارث و إذا أراد مديون الميت قضاء دين الميت كيف يصنع قال محمد رحمه الله تعالى يقول عند القضاء هذا الألف التي لفلان الميت علي من الألف التي لك على الميت فيجوز ذلك و لو لم يقل ذلك و لكن قضاه الألف عن الميت كان متبرعا و يكون الدين عليه * و لو أن مستودعا قضى دين صاحب الوديعة من الوديعة كان صاحب الوديعة بالخيار إن شاء أجاز قضاؤه و إن شاء ضمن المستودع و يسلم المقبوض للقابض * ميت أوصى إلى امرأته و ترك مالا و للمرأة عليه مهرها إن ترك الميت صامتا مثل مهرها كان لها أن تأخذ مهرها من الصامت لأنها ظفرت بجنس حقها و إن لم يترك الميت صامتا كان لها أن تبيع ما كان أصلح للبيع و تستوفي صداقها من الثمن * مديون مات و رب الدين وارثه أو وصيه كان له أن يرفع مقدار حقه من غير علم الورثة * رجل مات عن أولاده الصغار و لم يوص أحد فنصب القاضي رجلا وصيا في التركة فادعى رجل على الميت دينا أو وديعة و ادعت المرأة مهرها قالوا أما الدين و الوديعة فلا يقضى إلا بعد ثبوتها بالبينة و أما المهر إن كان النكاح معروفا كان القول قول المرأة إلى مهر مثلها يدفع ذلك إليها * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كان ذلك قبل تسليم المرأة نفسها فكذلك و إن كان بعد ما سلمت نفسها إلى الزوج يمنع عنها مقدار ما جرت العادة بتعجيله قبل تسليم النفس لأن الظاهر أنها لا تسلم نفسها إلا بعد استيفاء المعجل * قال رضي الله عنه و فيه نوع نظر لأن كل المهر كان واجبا بالنكاح فلا يقضى بسقوط شيء منه بحكم الظاهر لأن الظاهر لا يصلح حجة لإبطال ما كان ثابتا لكن ينبغي للقاضي أن يحلف المرأة بالله ما قبضت منه شيئا فإذا حلفت يدفع إليها جميع المهر و هذا كما قال أصحابنا رحمهم الله تعالى إن الرجل إذا ادعى دينا على الميت و أثبته بالبينة فإن القاضي يحلفه بالله ما استوفيت منه شيئا و لا أبرأته يحلفه على هذا الوجه نظرا للميت أو الوارث الصغير و كل من عجز عن النظر بنفسه لنفسه * رجل أوصى بأن يخدم عبده والديه سنة بعد موته ثم يعتق قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن كانت الوصية للأب و الأم فالوصية باطلة لأنها لو جازت يستويان في الخدمة فيكون وصية للأم بالزيادة على قدر ميراثها فتبطل * و لو أوصى بذلك لوارثين يستويان في الميراث جاز ويكون سبيله سبيل الميراث دون الوصية * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى و إن تفاضلا في الميراث جاز أيضا و يخدمهما على قدر ميراثهما لأن اللفظ عند الإطلاق يحتمل ذلك و الوصية يجب تصحيحها ما أمكن إلا أن يقول في وصيته يخدمهما على السواء فحينئذ تبطل إلا أن يجيز الوارث فيخدمهما ثم يعتق و الفتوى على هذا * ذكر في الكتاب إذا أوصى بأن يخدم عبده جميع ورثته سنة ثم هو حر قال جائز * رجل أوصى إلى ابنه و إلى أجنبي فأوصى أن يحج عنه فأمر الابن و الوصي رجلا ليحج عن الميت ودفعا إليه المال وخرج المأمور إلى الحج ثم بدا له فرجع من بعض الطريق فإنه يغرم ما أنفق على نفسه من ذلك المال ثم صالح المأمور الابن و الوصي على بعض ما دفعا إليه فأبرآه عن(3/333)
بقية ذلك المال قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى الصلح باطل في قول محمد رحمه الله تعالى و عليه أداء ما حطا علنه * و أما في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن لم يكن له وارث سوى الابن جاز الصلح بعد أن يكون الباقي من المال ما يحج به عن الميت * فإن كان مع الابن وارث آخر جاز الصلح في حصة الابن و لا يجوز في حصة سائر الورثة و قال الشيخ القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى جواب أبي حنيفة رحمه الله تعالى مشكل * و إنما أجاز لأن هذا المال في الحقيقة مال الوارث لزوال ملك الميت و الانتقال إلى ملك الوارث * و إنما بقي على حكم ملك الميت لحاجة الميت فقبل أن يصرف إلى حاجة الميت يكون المال مال الوارث فإذا لم يحصل غرض الميت بقي المال على ملك الوارث * و لهذا لو أفرز الوارث أو الوصي الثلث لتنفيذ وصايا الميت فهلك المال في يد الوصي يهلك من جميع المال فإذا صالح الوارث على بعض ذلك المال كان صلحا عن مال نفسه و الله أعلم
(* كتاب الشفعة *)
الشفعة حق شرع لمن كان شريكا أو جارا عند البيع تثبت في العقار بالبيع و تتأكد بالطلب و تملك بالقضاء أو التسليم أما البيع الذي تثبت به الشفعة هو الجائز الذي يزيل ملك البائع * فإن كان في البيع خيار فإن كان الخيار للمشتري كان فيه الشفعة و إن كان الخيار للبائع أو لهما جميعا فلا شفعة فيه ما لم يسقط الخيار * و خيار الرؤية و العيب لا يمنع ثبوت الشفعة و لا شفعة في البيع الفاسد و إن اتصل به القبض ما لم يبطل حق البائع في الاسترداد * و لا شفعة فيما يملك بغير بدل أو ببدل ليس بمال نحو الميراث و الهبة و النكاح و الإجارة بأن جعل الدار أجرا أو بدل الخلع بأن اختلعت المرأة من زوجها على دار * و لا شفعة في عقار ملك بالصلح عن القصاص في النفس أو فيما دون النفس * و لو وهب دارا بشرط العوض فلا شفعة فيها ما لم يتقابضا فإذا تقابضا وجبت الشفعة فيأخذ الشفيع الدار بمثل العوض إن كان العوض مثليا و إن لم يكن فبقيمته * و إن كانت الهبة بغير شرط العوض ثم عوضه بعد الهبة فلا شفعة فيها و لو بيعت الدار بثمن مؤجل إن أراد الشفيع أن يأخذ الدار في الحال بالثمن المؤجل لم يكن له ذلك و يكون له الخيار إن شاء أخذها بثمن حال و إن شاء ينتظر حلول الأجل فإذا حل الأجل يأخذها بالثمن الحال * و إن أراد الانتظار إلى حلول الأجل و قد كان طلب طلب المواثبة فإنه يطلب طلب الإشهاد فإن لم يطلب و انتظر حلول الأجل بطلت شفعته * و كذا لو بيعت الدار على أن المشتري بالخيار و لم يطلب الشفيع طلب الإشهاد بطلت شفعته * و المسلم و الكافر و الكبير و الصغير و الذكر و الأنثى في الشفعة لهم و عليهم سواء * و كذا العبد المأذون و المكاتب و معتق البعض و الخصم عن الصبيان في الشفعة لهم و عليهم آباؤهم و أوصياء الآباء عند عدمهم و الأجداد من قبل الأب عند عدمهم فإن لم يكن فأوصياء الأجداد فإن لم يكن فالإمام و الحاكم يقيم لهم من ينوب عنهم في الخصومة و الطلب * و الشفعة على عدد الرؤوس عندنا قلت الانصباء أو كثرت * و من باع دارا و هو شفيعها بدار له أخرى فلا شفعة له فيها باعها لنفسه أو كان وكيلا في البيع أو قيما أو وصيا * و لو اشترى الأب دارا لنفسه و ولده الصغير شفيعها ليس للصبي إذا بلغ أن يأخذها بالشفعة * ولو باع الأب داره وولده الصغير شفيعها كان للصبي أن يأخذها بالشفعة إذا بلغ * ولو باع المضارب دارا من المضاربة و رب المال شفيعها لا شفعة له فيها * و لو باع المضارب دارا لغير المضاربة كان لرب المال أن يأخذها بالشفعة بدار من المضاربة و تكون له خاصة * و لو باع رب المال دارا له خاصة و المضارب شفيعها بدار من المضاربة فإن كان فيها ربح فله أن يأخذها لنفسه بالشفعة و إن لم يكن فيها ربح فلا يأخذ * و إذا بيعت الدار بجنب دار مشتركة بين رجلين كان لكل واحد من الشريكين فيها الشفعة و تسليم أحدهما للشفعة يصح في حق نفسه دون صاحبه * و لو باع الرجل دارا و عبده المأذون شفيعها فإن كان على العبد دين فله الشفعة و إن لم يكن و لا شفعة له * و لو باع العبد المأذون دارا و المولى شفيعها فإن لم يكن على العبد دين فلا شفعة للمولى و إن كان عليه دين فلمولاه الشفعة * فلو باع المولى دارا و مكاتبه شفيعها كان له الشفعة * و إن باع المكاتب و مولاه شفيعها كان له الشفعة أيضا * و لو مات الشفيع لا يكون لورثته الشفعة * و إن مات البائع و المشتري و الشفيع حي كان له الشفعة
(* فصل في الطلب *)(3/334)
طلب الشفعة ثلاثة طلب المواثبة و طلب الإشهاد و طلب التملك أما طلب المواثبة فوقته فور علم الشفيع بالبيع إن أخبره بالبيع رجلان أو رجل و امرأتان أو رجل عدل فسكت هنيهة و لم يطلب الشفعة بطلت شفعته * و إن أخبره بالبيع رجل واحد غير عدل أو امرأة أو عبد أو صبي و لم يطلب الشفعة لا تبطل شفعته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى تبطل لأن الشرط هو الطلب فور العلم بالبيع و عندهما الإعلام يحصل بخبر الواحد عدلا كان أو لم يكن حرا كان أو عبدا صبيا كان أو بالغا * و عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يشترط للعلم أحد شرطي الشهادة و هو العدد أو العدالة * و قد مر هذا في البكر إذا زوجت و أخبرت بالنكاح و سكتت * و روى هشام عن محمد رحمه الله تعالى أنه يشترط الطلب في مجلس العلم فإن طلب في مجلسه صح و إن قام عن مجلسه قبل الطلب بطلت شفعته و به أخذ الكرخي رحمه الله تعالى قال و هذا بمنزلة خيار المخيرة و الأمر باليد و قبول البيع و ذلك يبقى إلى أن يوجد الاعراض * و في ظاهر الرواية يشترط الطلب فور العلم * و اختلفوا في لفظ هذا الطلب قال بعضهم يقول طلبت الشفعة و أنا طالبها و أطلبها * و قال بعضهم يطلب بلفظ الماضي أو المستقبل و لا يجمع بينهما * و قال بعضهم يقول أطلب الشفعة و آخذها و لا يقول طلبت الشفعة و أخذتها فإن قال ذلك بطلت الشفعة لأن ذلك كذب محض * و قال بعضهم لا يقول أطلب الشفعة و آخذها لأن ذلك عدة قال و قوله طلبت الشفعة و أخذتها يذكر للحال عرفا كقوله بعت و اشتريت * و الصحيح أنه إذا طلب بأي لفظ طلب بالماضي أو المستقبل يصح طلبه و هو اختيار الفقيه أبي الليث و الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمهم الله تعالى * و حكى عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لو أن قرويا قال شفعة شفعة كان طلبا * و كذا لو قال شفعة مراست خواشتم ويافتم * و قال بعضهم لو قال الشفيع الشفعة لي أطلبها و آخذها بطلت شفعته لأن قوله لي لغو لا يحتاج إليه * و عن بعض المشايخ رحمهم الله تعالى إذا قال الشفيع للمشتري حين لقيه أنا شفيعك آخذ منك الدار بالشفعة تبطل شفعته كما لو قال للمشتري حين لقيه كيف أصبحت أو كيف أمسيت * و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا علم الشفيع بالبيع فقال الحمد لله قد ادعيت شفعتها أو قال سبحان الله لا تبطل شفعته * و كذا لو قال للمشتري حين لقيه السلام عليك و رحمة الله و بركاته طلبت الشفعة أو قال كيف أصبحت أو كيف أمسيت أو قال الله أكبر أو عطس صاحبه فشمته ثم طلب الشفعة صح طلبه * و لو سأله شيئا من الحوائج ثم طلب تبطل شفعته و قال الناطفي رحمه الله تعالى على قياس قوله سبحان الله أو كيف أصبحت أو كيف أمسيت إذا قال للمشتري حين لقيه أطال الله بقاؤك ثم طلب الشفعة لا تبطل شفعته * و عن الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى رجل اشترى دارا فلقيه شفيعها و المشتري واقف مع ابنه فسلم الشفيع على ابنه قبل أن يطلب الشفعة تبطل شفعته و إن سلم على المشتري لا تبطل شفعته قال لأن الشفيع محتاج إلى الكلام مع المشتري فكان محتاجا إلى السلام عليه لأن الكلام قبل السلام مكروه * و لو قال الشفيع للمشتري شفاعت خواهمي قالوا تبطل شفعته لأن هذا اللفظ طلب الشفاعة لا طلب الشفعة * رجلان ورثا عن أبيهما أجمة و أحد الوارثين بعينه لم يعلم بالميراث و لم يعلم بأن له فيها نصيبا فبيعت أجمة أخرى بجنب هذه الأجمة فلم يطلب هو الشفعة فلما علم أن له فيها نصيبا طلب الشفعة في الأجمة المبيعة قالوا تبطل شفعته لأن شرط تأكد الشفعة طلب المواثبة عند العلم بالبيع فإذا لم يطلب و الجهل ليس بعذر فلا تبقى له الشفعة * شفيع ظن أن مشتري الدار فلان فسكت و لم يطلب الشفعة فإذا علم أن المشتري غير فلان كان له الشفعة * و قال بعضهم إذا توهم الشفيع أن المشتري فلان فسكت ثم علم أن المشتري غيره فطلب لا يصح طلبه * و لو قيل للشفيع ابتيعت دار كذا فقال من اشتراها أو قال بكم اشتراها فلما أخبر بذلك قال طلبت الشفعة صح طلبه و كذا لو قيل للشفيع بيعت دار كذا بألف درهم فسكت ثم علم أنمها بيعت بخمسمائة درهم كان له الشفعة * دار بيعت بجنب دار رجل و الجار يزعم أن رقبة الدار المبيعة له و يخاف أنه لو ادعى رقبتها تبطل شفعته لأن مالك الدار لا يكون شفيعا * و إن ادعى الشفعة لا يمكنه دعوى الدار أنها له ماذا يصنع حتى لا تبطل شفعته قالوا يقول هذه الدار داري و أنا أدعي رقبتها فإن وصلت إليها و إلا فأنا على شفعتي فيها لأن هذه الجملة كلام واحد فلم يتحقق السكوت عن طلب الشفعة * صغيرة أدركت و ثبت لها خيار البلوغ و الشفعة إن قالت طلبت الشفعة و اخترت نفسي أو قالت اخترت نفسي و طلبت الشفعة صح الأول و بطل الثاني * فإن قالت طلبت حقين لي الشفعة و الخيار صح كلاهما * إذا سمع الشفيع بيع الدار فسكت قالوا لا تبطل شفعته ما لم يعلم المشتري الثمن كالبكر(3/335)
إذا استؤمرت فسكتت ثم علمت أن الأب زوجها من فلان فردت صح ردها * رجل اشترى دارا و قال للشفيع اشتريها لنفسي فسلم الشفيع الشفعة أو سكت ثم ظهر أنه اشتراها لغيره قال محمد رحمه الله تعالى تبطل شفعته * و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تبطل و عليه الفتوى * رجل صلى الظهر ثم شرع في الركعتين بعد الفرض فأخبر بالبيع فجعلها أربعا روى هشام عن محمد رحمه الله تعالى أنه لا تبطل شفعته و لو جعلها ستا بطلت شفعته * و لو كان في الأربع قبل الظهر فأخبره بالبيع فأتمها أربعا لا تبطل شفعته و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أنه إذا علم بالبيع و هو في التطوع فجعلها أربعا أو ستا لا تبطل شفعته * و الصحيح أنه إذا جعلها أربعا لا تبطل و لو جعلها ستا تبطل و لو افتتح الأربع بعد الجمعة لا تبطل شفعته و إن صلى أكثر من أربع بطلت شفعته * و كذا لو افتتح الركعتين بعد الظهر لا تبطل شفعته * و لو افتتح التطوع بعد الطلب بعد طلب المواثبة قبل طلب الإشهاد تبطل شفعته * و بعدما طلب الشفيع طلب المواثبة فور علمه بالبيع يحتاج إلى طلب الإشهاد * و إنما سمى الثاني طلب الإشهاد لا لان الشهادة شرط بل ليمكنه إثبات الطلب عند جحود الخصم * فإن كان الشفيع حاضرا في مجلس البيع فطلب الشفعة بحضرة البائع و المشتري كفاه ذلك عن الطلب الثاني * و إن لم يكن كذلك فذهب إلى البائع أو المشتري أو إلى الدار لطلب الإشهاد فالمسئلة على وجوه * إن كان البائع أو المشتري و الشفيع و الدار في مصر واحد و الدار في يد البائع فإلى أيهم ذهب الشفيع و طلب الشفعة صح طلبه و لا يعتبر فيه الأقرب و لا الأبعد لان المصر مع تباعد الأطراف كمكان واحد إلا أن يجتاز على الأقرب و لم يطلب الشفعة فحينئذ تبطل شفعته * و إن كان البائع و المشتري و الدار في مصر واحد و الشفيع في بلدة أخرى فإلى أيهم ذهب الشفيع إلى البائع و الدار في يد البائع أو إلى المشتري أو إلى الدار و طلب الشفعة صح طلبه * و إن كان الشفيع في موضع الدار و البائع و المشتري في السواد أو كان الشفيع مع أحد المتبايعين في مصر واحد و أحد المتبايعين و الدار في غير المصر فقصد الشفيع الأبعد لطلب الشفعة و ترك الأقرب إليه بطلت شفعته * و إن كان البائع سلم الدار إلى المشتري فإن طلب الشفيع من المشتري و أشهد صح طلبه * و كذا لو لم تكن الدار في يد المشتري و طلب الشفيع من المشتري صح طلبه * و إن طلب من البائع و أشهد إن كانت الدار في يد البائع صح طلبه و إلا فلا و يصير كأنه لم يطلب * و صورة طلب الإشهاد أن يقول الشفيع للمشتري حين لقيه أطلب منك الشفيع للمشتري حين لقيه أطلب منك الشفعة في دار اشتريتها من فلان التي أحد حدودها كذا و الثاني كذا و الثالث كذا و الرابع كذا و أنا شفيعها بالجوار بدار أحد حدودها كذا و الثاني كذا و الثالث كذا و الرابع كذا فسلمها لي و لا بد أن يبين أنه شفيع بالشركة أو بالجوار أو في الحقوق و يبين الحدود لتصير الدار معلومة * إذا اخبر الشفيع بالبيع في جوف الليل فلم يقدر على أن يخرج للإشهاد فإن أشهد حين أصبح صح طلبه لأنه أخر الإشهاد بعذر و اليهودي إذا أخبر بالبيع يوم السبت فلم يطلب الشفعة بطلت شفعته لأنه غير معذور في التأخير * و كذا لو كان الشفيع في عسكر الخوارج أو أهل البغي فخاف على نفسه أن يدخل في عسكر أهل العدل فلم يطلب بطلت شفعته لأنه غير معذور * و لو كانت الشفعة بالجوار تبطل شفعته فلم يطلب كان على شفعته * و لو علم الشفيع بالبيع و هو في طريق مكة فطلب طلب المواثبة و لم يقدر على طلب الإشهاد بأن لم يكن البائع أو المشتري في الرفقة فإنه يوكل وكيلا لطلب الشفعة فإن لم يوكل و مضى في الطريق فإن وجد من يوكله بالطلب ولو لم يوكل تبطل شفعته و إن لم يجد وكيلا ووجد فيجا بكتب كتابا على يديه ويوكل بالكتاب وكيلا فإن لم يفعل تبطل شفعته *وإن لم يجد وكيلا ولا فيجا لا تبطل شفعته حتى يجد لأنه معذور *دار بيعت ولها شفيعان أحدهما حاضر فطلب الحاضر الشفعة وقضى له القاضي ثم حضر الشفيع الآخر فإن الشفيع الثاني يطلب الفعة من الشفيع الذي قض له القاضي لأن الذي قضى له القاضي قام مقام المشتري هذا إذا طلب الأول جميع الدار ظنا منه أنه لا يستحق إلا النصف بطلت شفعته *وكذا لو كانا حاضرين فطلب كل واحد منهما الشفعة في نصف الدار بطلت شفعتهما لأن السكوت عن النصف الباقي تسليم للشفعة في النصف المسكوت عنه فتبطل شفعته في النصف المسكوت وإذا بطلت في النصف تبطل في الكل كذا ذكر في الكتاب وذكر الناطفي رحمه الله تعالى رجل اشترى دارا في جنب الشفيع فجاء الشفيع وقال سلم لي (540) نصفها بالشفعة فأبى المشتري لا تبطل شفعته و هو الصحيح لأن طلب تسليم النصف لا يكون تسليما للباقي * وكذا لو قال الشفيع أنا شفيع هذه الدار فسلم لي نصفها بالشفعة فأسلم لك النصف الباقي فأبى المشتري لا تبطل شفعته *الوكيل بشراء الدار إذا اشترى وقبض فجاء الشفيع وطلب الشفعة(3/336)
من الوكيل قبل أن يسلم الوكيل الدار لي الموكل قال الشيخ الأمام أبو بكر محمد الفضل رحمه الله تعالى يصح طلبه وإن كان ذلك بعد ما سلم الوكيل الدار إلى الموكل لا يصح طلبه *ولو أن الشفيع سلم الشفعة للوكيل صح تسليمه سواء كانت الدار في أو لم تكن * الوكيل يطلب الشفعة إذا سلم الشفعة للمشتري جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وهو بمنزلة تسليم الأب والجد شفعة الصغير *رجل له شفعة عند القاضي فإنه يقدم القاضي إلى السلطان وإن كانت شفعته عند السلطان وامتنع القاضي عن احضاره كان الشفيع على شفعته لأنه ترك الطلب بعذر * رجل ولو اشترى لأبنه الصغير دارا والأب شفيعها كان للأب أن يأخذها بالشفعة لأن الأب و اشترى مال ولده الصغير لنفسه جاز وإذا أراد أن يأخذ ويطلب يقول اشتريت وأخذت بالشفعة فتصير الدار له ولايحتاج إلى القضاء *ولو كان مكان الأب وصي فالجواب فيه كالجواب في شراء الوصي مال اليتيم لنفسه على قول من يملك ذلك يكون الوصي بمنزلة الأب وعلى قول من لا يملك ذلك فله الشفعة أيضا لكن يقول اشتريت وطلبت الشفعة ثم يرفع الأمر إلى القاضي حتى ينصب القاضي وصيا عن الصبي فيأخذ الوصي منه بالشفعة ويسلم الوصي الثمن إلى القيم ثم بعد ذلك يسلم القاضي إلى الوصي *الشفيع بالجوار إذا باع الدار التي يستحق بها الشفعة إلا شقصا منها لا تبطل شفعته لأن مابقي يكفي للشفعة ابتداء فيكفي لبقائها * الشفيع إذا باع الشفعة بعدما وجبت له الشفعة لانسان أو وهبها لا تبطل شفعته لأن الشفعة لا تحتمل التمليك فلغت الهبة و البيع لأنها لمتصادف محلها * الشفيع إذا ادعى رقبة الدار المشفوعة أنها له بالشفعة تبطل شفعته*وإن طلب الشفعة ثم ادعى رقبة الدار المشفوعة أنها له لا تسمع دعواه لأن طلب الشفعة أولا اقرار منه بعدم الملك فلا يسمع دعواه * ولو تصرف المشتري في الأرض المشفوعة قبل أن يأخذها الشفيع بأن وهبها من انسان وسلم أو تصدق بها أو آجرها أو جعلها مسجد أو صلى فيها أو جعلها مقبرة ودفن فيها أو وقفها وقفا مسجلا لا تبطل شفعة الشفيع وله أن ينقض تصرف المشتري *وإن باعها المشتري من غيره كان الشفيع بالخيار أن شاء أخذها بالبيع الأول وإن شاء أخذها بالبيع الثاني *ولو غرس المشتري فيها كرما أو شجرا أو بنى فيها بناء أو غرس رطبة كان للشفيع أن يقلع ويأخذ الأرض بالشفعة *وإن زرع المشتري فيها زرعا في القياس له أن يقلع الزرع كما في الشجر *وفي الاستحسان يتوقف إلى أن يستحصد الزرع ثم يأخذ بالشفعة *ولو اشترى (541)الرجل دار وزخرفها بالنقوش بشيء كثير كان للشفيع الخيار إن شاء أخذها وأعطاه ما زاد و إن شاء ترك * و إن حط البائع شيئا من الثمن كان للشفيع أن بأخذ بما وراء المحطوط *ولو زاد المشتري البائع بالثمن كان للشفيع أ ن يأخذها بدون الزيادة *ولو تقايل البائع و المشتري لا تبطل الشفعة *وكذلك لو انسلخ البيع بينهما بخيار شرط أو رؤية أو الرد بالعيب بعد القبض بقضاء القاضي *ولو كانت الشفعة بالجوار فباع الشفيع داره التي يستحق بها الشفعة بطلت شفعته * ولو آجر الرجل دار مدة معلومة ثم باعها قبل مضي المدة و المستأجر شفيعها قال أبو نصر رحمه الله تعالى يجوز البيع بين البائع والمشتري ولا يقد البائع على تسليم الدار إلا برضا المستأجر واجازته فإن طلب المستأجر الشفعة كان طلبه أجازة للبيع فتبطل الإجارة وله الشفعة وهو بخلاف ما إذا باع الدار وضمن الشفيع الدرك للمشتري أو ضمن الثمن للبائع فإنه لا يكون له الشفعة لأن ثمة تعلق جواز البيع بضمانه فصار الشفيع بمنزلة البائع فلا يكون له الشفعة * أما ههنا بيع(2) المستأجر جائز قبل إجازة المستأجر فلا تبطل شفعته بإجازته *وإذا طلب الشفيع طلب المواثبة و الإشهاد و أبي المشترى أن يسلم إليه الدار فإنه يرفع الأمر إلى القاضي ويطلب منه التمليك ولا يملكها الشفيع إلا بقضاء أو رضا حتى لو بيعت دار أخرى بجنب الدار المشفوعة ثم القاضي للشفيع بالشفعة ثم دفعها لا يكون لهذا الشفيع أن يأخذ الدار الثانية بالشفعة لأن الشفيع لم يكن جار الدار الثانية قيل قضاء القاضي*وكذا لو جعل الشفيع داره التي يستحق بها الشفعة مسجدا أو وقفها وقفا مسجلا أو جعلها مقبرة ثم قضى له القاضي بالشفعة فإنه لا يكون شفيعا للدار الثانية لأن قيام الملك له في ما يستحق به الشفعة شرط وقت القضاء * والمسجد و الوقف المسجل بمنزلة الزائل عن ملكه * و لو أن الشفيع بعد طلب المواثبة و الأشهاد لم يرفع الأمر إلى القاضي إن لم يتمكن من الرفع بمرض أو حبس أو منع مانع ولم يجد من يوكل بالخصومة لا نبطل شفعته و إن لم يرفع مع التمكن من الرافعة ذكر في الكتاب أنه على شفعته أبدا وإن طال الزمان * قالوا هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و اختلفت الروايات عن محمد رحمه الله تعالى في راوية إذا مضى شهر ولم يرفع مع التمكن بطلت شفعته و في رواية إذا مضى شهر وثلاثة أيام وفي رواية إذا مضت ثلاثة أيام(3/337)
ولم يرفع بطلت شفعته * و اختلفت الروايات فيه عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أيضا و الفتوى على أنه مقدر بشهر *وإذا رفع الأمر إلى القاضي لا يسمع دعواه إلا بحضرة الخصم فإن كانت الدار في يد البائع يشترط لسماع الدعوى حضرة البائع و المشتري لأن الشفيع يطلب القضاء بالملك و اليد جميعا و الملك للمشتري و اليد للبائع فيشترط حضرتهما * وإن كانت الدار في يد المشتري كفته حضرة المشتري فإذا أحضر الخصم وجاء أو أن الدعوى يقول أن هذا اشترى دارا بكذا وأنا شفيعها و يقول له القاضي أين الدار التي تريد شفعتها بين لي موضعها وحدودها لأن القاضي لا يتمكن من القضاء إلا بمعلوم و الدار إذا لم تكن بحضرتهما لا تصير معلومة إلا ببيان الحدود فإذا بين الحدود يقول له القاضي بأي سبب تطلب الشفعة لأن أسباب مختلفة بعضها مقدم على البعض فلا بد من بيان السبب *
(*فصل في ترتيب الشفعاء *)(3/338)
قال في الكتاب الخليط وهو الشريك أراد بالشريك هو الشريك في حقوق الدار و الشريك أحق من الجار و الجار أحق من غيره وصورة هذا الترتيب منزل بين رجلين في دار مشتركة بين أحد هذين الرجلين وبين رجل آخر سواهما وهذه الدار في سكة غير نافذة وعلى ظهر هذا المنزل دار لرجل آخر باب تلك الدار في سكة أخرى فباع أحد الشريكي المنزل في الدار نصيبه من المنزل كان الشريك في كذا المنزل أولىبالشفعة من غيره لأنه شريك في نفس البقعة المبيعة فإن سلم هو الشفعة كان الشريك في الدار أولى بالشفعة من الشركاء في السكة لأنه شريك في الطريق الخاص وهو الطريق في الدار فإن سلم هو فأهل السكة أحق بالشفعة لأنهم شركاء في الطريق فإن سلم أهل السكة كانت الشفعة للجار الملاصق وهو الذي على ظهر المنزل *ولا شفعة في الوقف لا للقيم ولا للموقوف عليه *ولا شفعة في بيع الكردار وهي التي تكون في الأرض على نهر الوالي لأن الكردار نقلي ولا شفعة في المنقولات ولا شفعة في الأراضي التي حازها الإمام لبيت المال*وكذا الأراضي الميان دهية و هي التي يزرعها الأكرة لا يجوز بيعها و لا شفعة فيما كبس المزارع فيها التراب *ويجوز بيع الكردار إذا كان معلوما و لاشفعة فيها لما قلنا *رجل أوصى بغلة داره لرجل وبرقبتها لآخر فبيعت دار بجنب هذه الدار كانت الشفعة للموصى له بالرقبة رجل اخذ أرضا مزارعة وزرع فيها فلما صار الزرع بقلا اشترى المزارع الأرض مع نصيب رب الأرض من الزرع ثم جاء الشفيع فله الشفعة في الأرض وفي نصف الزرع إلا أنه لا يأخذ بالشفعة حتى يدرك الزرع نصف الأرض مشغول بنصيب المزارع *دار فيها ثلاث بيوت بيت في أول الدار ثم البيت الثاني بجنب هذا البيت ثم البيت الثالث بجنب الثاني كل بيت لرجل واحد باع واحد منهم بيته إن كان طريق البيوت في الدار كانت الشفعة للباقين بحكم الشركة في الطريق وإن كان أبواب البيوت في سكة واحدة نافذة لا في الدار فإن بيع البيت الأوسط فالشفعة لصاحب الأعلى والأسفل هما سواء لأنهما جاران متلازمان أحدهما على اليمين والآخر على اليسار *وإن بيع البيت الأعلى كانت الشفعة لصاحب الأوسط لا غير لأنه جار *وإن بيع البيت الأسفل كانت الشفعة لصاحب الأوسط لأنه جار ملازق*سكة غير نافذة فيها سكة أخرى غير نافذة بيعت في السكة السفلى دار كانت الشفعة لأهل السكة السفلى لأن لهم شركة في الطريق الخاص وهي السكة السفلى *ولو بيعت في السكة العليا دار كانت الشفعة لأصحاب السكتين جميعا لإستوئهم في الشركة في الطريق *وكذلك نهر خاص شق منه نهر آخر فبيع أرض على النهر الصغير *ولو بيع أرض على النهر الأول كانت الشفعة لأصحاب النهرين جميعا*دار بيعت ولها بابان في سكتين فإن كانت هذه الدار في القديم دارين باب أحداهما في سكةغير نافذة وباب الأخرى مثلها فاشتراهما رجل ورفع الحائط بين الدارين حتى صارتا دارا واحدة فلأهل كل سكة أن يأخذوا الجانب الذي كان بابه في تلك السكة * وإن كانت هذه الدار المبيعة في الأصل واحدة ولها بابان كانت الشفعة لأهل السكتين في جميع الدار بالسوية وإنما يعتبر في هذه القديم دون الحادث * وكذلك سكة غير نافذة رفع حائطها إلى الطريق الأعظم حتى صارت نافذة وبيع فيها دار كانت الشفعة لأهل السكة بالسوية لأن هذه السكة وإن جعلت نافذة لم تكن نافذة في القديم ولهم أن يسدوا الطريق *وكذلك حين رفع الحائط لو قالوا جعلناها طريقا للعامة لأن لهم أن يسدوا ويجعلوها كما كانت *سكة في أقصاها دار طريق هذه الدار في سكة نافذة بيع هذه الدار فإن كان طريق هذه الدار طريقا للعامة وليس لأهل السكة أن يمنعوهم فلا شفعة لأهل السكة وإنما الشفعة تكون لجار الدار *وإن كان طريق هذه الدار خاصة لأهل السكة أن يمنعوا العامة عن الدخول في سكتهم كانت الشفعة لأهل السكة *وكذلك سائر السكك إن كانت في الخطة النافذة لا شفعة لهم فإن أحدثوا النفاذ فلهم الشفعة *سكة غير نافذة أقصاها مسجد وطرف من أطراف المسجد إلى الطريق الأعظم فهي سكة نافذة وإن كانت جوانب المسجد كلها بيوت الناس كانت الشفعة لأهل السكة وهذا إذا كان المسجد خطة فإن لم يكن خطة وإنما أحداثه أهل السكة وجبت لهم الشفعة *وكذلك حكم السكك التي في أقصاها الوادي بيخارا فهي سكة نافذة لأنهم يخرجون إلى الوادي و الوادي بمنزلة الطريق*علو لرجل وسفل لآخر وطريق العلو في السكة العليا لا في السفلى باع صاحب السفل سفله كان لصاحب العلو أن يأخذ السفل بالشفعة لأن السفل متصل بالعلو فكانا جارين *ولو أنه طلب الشفعة فانهدم العلو قبل أن يأخذ أو كان العلو منهدما حين بيع السفل كان لصاحب العلو أن يأخذ السفل بالشفعة في قول محمد رحمه الله تعالى لأنله حق التعلي على العلو فيأخذ بذلك*وقال أو يوسف رحمه الله تعالى إذا انهدم العلو فلا شفعة له وصاحب السفل بشفعة العلو أحق من الجار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا لم يكن للجار شركة في الطريق والشركة بالخشبة التي تكون(3/339)
له على حائط الغير له حق وضع الخشبة لا غير يكون جارا و لا يكون شريكا *سكة مستطيلة غير نافذة ينشعب منها زائغة مستطيلة غير نافذة بيعت دار من الزائغة كانت الشفعة لأهل الزائغة لشركتهم في طريق خاص *وإن بيعت دار في السكة العليا كانت الشفعة لأهل السكة جميعا لإستوئهم في المرور في السكة العليا * وكذلك نهر لقوم تنشعب منه ساقية لقوم باع رجل من أهل الساقية أرضا تشرب من الساقية كانت الشفعة لأهل الساقية وإن بيع أرض على النهر الأول كانت الشفعة لأهل النهر و الساقية جميعا *قراح في وسط ساقية جارية شرب القراح من الساقية من الجانبين فبيع القراح فجاء شفيعان لهذا القراح أحدهما على يمين الساقية والآخر على شمال الساقية كانت الشفعة لهما جميعا لأن الساقية من القراح وكانت من أجزاء القراح فكل واحد منهما يكون جارا للقراح *رجل له دار فيها مقاصير باع منها مقصورة معينة أو طائفة معلومة وللدار جار على جانب واحد منهما كان لهذا الجار الشفعة وإن لم يكن لتلك المقصورة *إذا رجلا ولا لتلك الطائفة لأن المبيع من جملة الدار فكان جار الدار جار للمبيع* ولو أن الشفيع سلم شفعته ثم إن المشتري باع تلك المقصورة ولم يكن لجار الدار شفعة في المقصورة إذا لم يكن هو جارا لتلك المقصورة لأن المصورة بعد بيعها لم تبق من أجزاء الدار *وكذلك الرجل إذا اشترى بيتا من دار و الدار كلها لرجل واحد كان لجار الدار شفعة في البيت وإن لم يكن هو جارا لذلك البيت فلو أن الشفيع سلم الشفعة ثم باع مشتري البيت ذلك البيت لم يكن لجار الدار شفعة في البيت * ولو أن رجلا اشترى دار في سكة غير نافذة ثم اشترى دارا أخرى في تلك السكة كان لأهل السكة أن يأخذوا الدار الأولى بالشفعة لأن المشتري لم يكن شفيعا وقت الشراء الأول ثم صار هو شفيعا مع أهل السكة في الدار لأن المشتري وقت شراء الدار الثانية هو من أهل السكة * وكذلك دار بين ثلاثة نفر اشترى رجل نصيب أحدهم فلجار الدار أن يأخذ الثلث الأول إذا لم يأخذ الشريكان ذلك الثلث ثم لا شفعة له في الثلثين الآخرين لأن المشتري شريك في الدار وقت شراء الثلث الثاني و الثالث فيكون مقدما على الجار *ولو كانت لأربعة نفر فاشترى رجل نصيب الثلاثة واحدا بعد واحد والشريك الرابع غائب ثم حضر فله أن يأخذ نصيب الأول وهو نصيب في الآخرين شفيع مع المشتري * ولو اشترى أحد الأربعة نصيب الإثنين واحدا بعد واحد ثم حضر الرابع كان شفيعا مع المشتري في النصيبين جميعا لأن في هذه الصورة كان المشتري شريكا وقت شراء النصيبين جميعا* رجل له خمس منازل في سكة غير نافذة فباع هذه المنازل فطلب الشفيع الشفعة في منزل واحد منها إن طلب الشفعة بحق الشركة في الطريق لم يكن له أن يأخذ البعض لما فيه من تفريق الصفقة من غير ضرورة وإن طلب الشفعة بالجوار و جواره في هذا المنزل لا غير كان له ذلك لأنه جار لهذا الواحد خاصة وجنس هذه المألة يأتي بعد هذا في فصل على حدة * رجل له خان في مسجد أفرزه صاحب الخان وأذن للناس بالتأذين وصلاة الجماعة فيه ففعلوا حتى صار مسجدا ثم باع صاحب الخان كل حجرة في الخان من رجل حتى صار دربا ثم بيع منها حجرة قال محمد رحمه الله تعالى الشفعة لجميعهم لإشتراكهم في طريق الخان وقد كان الطريق مملوكا*دار بيعت ولها شفيعان بالجوار فطلبا الشفعة من المشتري ورفع أحدهما المشتري إلى حاكم لا يرى الشفعة بالجوار فقال له الحاكم لا شفعة لك ثم عزل الحاكم عن القضاء وولي آخر يرى الشفعة بالجوار فجاء الشفيع الآخر فقضى هذا القاضي للثاني بالشفعة لم يكن للأول أن يشاركه في الشفعة لأن القاضي الأول قد أبطل شفعته * رجلان اشتريا دارا وأحدهما شفيعها فلا شفعة للشفيع فيما صار للأجنبي لأن شراء الأجنبي لا يتم إلا بقبول الشفيع للبيع لنفسه *نهر فيه شرب لقوم وأرض النهر لغيرهم فباع رجل أرضه والماء منقطع في النهر فلهم الشفعة في قول محمد رحمه الله تعالى وفي قياس قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لاشفعة لهم بحق الشرب إذا كان الماء منقطعا كما في العلو المنهدم *رجل باع دارا و ابنه الصغير شفيعها ليس للوالد أن يطلب الشفعة لولده لأنه بائع و الصغير على شفعته إذا بلغ * إذا ثبت أن الشفعة تثبت بأسباب وبعضها أقوم من البعض فإذا طلب الشفيع القضاء بالشفعة لابد من بيان السبب حتى يعلم القاضي أنه بأي سبب يقضي فإن بين المدعي السبب وقال بدار لي تلازق المبيع ثم دعواه ويطالب المدعى عليه بالجواب فإن قال المدعى عليه ماله قبلي شفعة كان حوابا تاما ثم يقول للمدعي قد انكر ما ادعيت فإن قال المدعي حلفه لي حلفه القاضي ثم قال في الكتاب يحلفه بالله ما لهذا المدعي قبلك شفعة في هذه الدار التي ادعاها المدعي فإن حلف انقطعت الخصومة بينهما إلا أن يقيم المدعي البينة على ما ادعى و إن نكل المدعى عليه لزمته الشفعة *وإن قال المدعى عليه في الجواب أني قد اشتريت هذه الدار التي بين المدعي حدودها إلا أن الدار التي(3/340)
في يد المدعي يطلب الشفعة ليست له كلف المدعي إقامة البينة على أن تلك الدار التي في يديه له فإن أقام البينة على الملك يستحق بها الشفعة و إن لم يكن له بينة على الملك ولكن قال إن المشتري يعلم أنها لي حلف المدعى عليه بالله ما تعلم أن الدار التي في المدعى عليه بجنب الدار التي اشتريتها له فإن حلف لا سبيل له عليه إلا أن يقيم المدعي البينة على الملك وإن نكل لزمته الشفعة *وإن قال المشتري إني قد اشتريت هذه الدار التي يريد أن يأخذها بالشفعة منذ سنة وقد علم هذا المدعي بشرائي ولم يطلب الشفعة يقول القاضي للمدعي متى اشترى هو هذه الدار فإن قال المدعي طلبت الشفعة حين كان صحيحا وكفاه ذلك فإن قال المشتري ماطلبت حين علمت كان القول قول الشفيع وإن قال الشفيع علمت منذ سنة وطلبت و قال المشتري لم تطلب كان القول قول المشتري وهو كالبكر إذا تزوجت فبلغها الخبر فردت فاختصما إلى القاضي فقال الزوج حين بلغها الخبر سكتت وقالت رددت حين علمت كان القول قولها* وإن قالت علمت يوم كذا ورددت لا يقبل قولها * ولو قال الشفيع لم أعلم بالشراء إلا الساعة كان القول قوله وعلى المشتري البينة أنه علم قبل ذلك ولم يطلب * ولو قال المشتري أنه لم يطلب الشفعة حتى لقيني وقال الشفيع طلبت الشفعة كان القول قول المشتري ويحلف بالله أنه لم يطلب الشفعة حتى لقيك *ولو قيل للشفيع متى علمت فقال أمس أو في يومي قبل هذه الساعة لا يقبل قوله إلا ببينة *ولو أن رجلا ادعى شفعة بالجوار فأنكر المدعى عليه وقال لا شفعة له كان القول قوله ويحلف بالله ما لهذا قبلك شفعة في هذه الدار على قول من يرى الشفعة بالجوار و لا يحلف بالله ما لهذا قبلك شفعة في هذه الدار لأنه لو حلف على هذا الوجه و الأموال يحلف بالله بناء على مذهبه فيفوت حق المدعي *ولو أن دارين متلازقين لرجلين فتصدق صاحب احدى الدارين بالحائط الذي يلي جاره على رجل بما تحته من الأرض وقبض المتصدق عليه باع داره من المتصدق عليه ذكر الناطقي رحمه الله تعالى أنه لا يبقى الجار شفيعا فإن طلب الجار يمين المشتري بالله ما فعل صاحب الدار ذلك ضرارا أو فرارا من الشفعة على وجه التلجئة كان له ذلك لأنه ادعى عليه معنى لو أربه لزمه ويحلف فإن حلف لا شفعة له و إن نكل كان له الشفعة لأنه أقر أنه جار ملازق * رجل اشتى من رجل عشر أرض أو دار بثمن كثير ثم اشترىتسعة أعشارها بثمن قليل كان للجار حق الشفعة في البيع الأول دون الثاني لأنه بالبيع الأول صار شريكا في نفس البقعة فيكون هو أولى من الجار في البيع الثاني فإن أراد الشفيع أن يحلفه بالله ما أردت لذلك ابطالا لشفعتي قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يحلفه على هذا الوجه لأنه لو أقر به لا يلزمه شيء لكن لو أراد المشتري يحلفه بالله أن الأول ما كان تلجئة كان له ذلك لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به يلزمه فكان له أن يحلفه على هذا الوجه *قال وما ذكر في الأصل أن الشفيع إذا أراد الاستحلاف أنه لم يرد به إبطال الشفعة كان له ذلك أي إذا ادعى أن البيع كان تلجئة *رجلان تبايعا بيعا فطلب الشفيع الشفعة بحضرة البائع و المشتري فقال كان البيع بيننا بيع معاملة وصدقه المشتري في ذلك قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى فهما لا يصدقان على الشفيع إلا أن يكون البيع بثمن لا يباع مثل ذلك المبيع بذلك الثمن لقلته فحينئذ يكون البيع بيع معاملة ولا يكون للشفيع فيه الشفعة ألا ترى أنه لو جرى هذا الاختلاف بين البائع و المشتري فقال البائع بعته معاملة وقال المشتري لا بل كان البيع بيع رغبة إن كان البيع بثمن لا يباع مثل ذلك المبيع بمثل ذلك الثمن لقلته كان القول قول البائع وإن لم يكن كذلك كان القول قول المشتري وكذلك إذا وقع الاختلاف بينهما وبين الشفيع * وقال الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى وإن باع بما لا يباع بمثله لا يصدقان على الفيع أيضا لأن هذا قول العوام إن الثمن إذا كان بحيث لا يباع بمثله لا يجوز *رجل اشترى دارا لابنه الصغير فأراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة واختلفا مع الشفيع في الثمن كان القول قول الأب لأنه ينكر حق التمليك بما ادعى من الثمن ولا يمين على الأب لأن فائدة الاستخلاف الإقرار بما ادعى الشفيع لا يصح إقراره على الصغير *رجل له دار غصبها منه غاصب و الغاصب يحجد ملك المغصوب منه فبيعت بجنب الدار هذه الدار و المغصوب منه شفيع هذه الدار المبيعة و المشتري يجحد الشفعة ويجحد أن الدار المغصوبة له قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى يطلب المغصوب منه شفعة الدار المبيعة ثم يخاصم المشتري و الغاصب إلى القاضي ويقول هذا الرجل اشترى هذه الدار وقد طلبت منه الشفعة ولي شفعتها بهذه الدار التي غصبني هذا الغاصب فإن أقام البينة أن الدار المغصوبة له قضى القاضي له بالدار المغصوبة و بالشفعة أيضا*وإن لم يكن له بينة حلف الغاصب والمشتري فإن نكل اليمين وحلف المشتري قضى(3/341)
القاضي له بالدار المغصوبة على الغاصب ولا يقضى له بالشفعة حتى لأن نكول الغاصب يكون حجة على الغاصب دون المشتري *وإن حلف الغاصب ونكل المشتري قضى القاضي له بالشفعة ولايقضي له بالدار المغصوبة لأن نكول أحدهما يكون حجة عليه دون الآخر *وإذا توجه القضاء بالشفعة فإن القاضي لا يقضي بالشفعة حتى يحضر الشفيع الثمن فإن قال الشفيع اقض لي بالشفعة ودعها على حالها ولا تسلم حتى اتيك بالثمن قالمحمد رحمه الله تعالى لا يجيبه القاضي إلى ذلك فإن قال الشفيع إن لم أجئ بالثمن إلى ثلاثة أيام فأنا بري من الشفعة فلم يجئ بالثمن إلى ذلك الوقت ذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى أنه تبطل شفعته لأن تسليم الشفعة اسقاط محض ويصبح تعليقه شرط * وقال بعض المشايخ رحمهم الله تعالى لا تبطل شفعته وهو الصحيح لأن الشفعة إذا ثبتت بطلب المواثبة و الإشهاد وتأكدت لا تبطل ما لم يسلم بلسانه * وكذا لو قال المشتري للشفيع هاتي الدراهم وخذ شفعتك فإن امكنه احضار الدراهم في ثلاثة أيام ولم يحضر بطلت شفعته عند محمد رحمه الله تعالى *ولو أن الشفيع أحضر الدنانير و الثمن دراهم اختلفوا فيه* والصحيح أن لا تبطل شفعته * الوكيل بشراء الدار إذا كان شفيعا قالوا هو يطلب الشفعة من الموكل وليس هو كمن اشترى لنفسه وهو شفيع فإن لا يحتاج إلى الطلب قالوا لو قيل بأن الوكيل يقوم مقام الموكل في هذا حتى لا يحتاج إلى الطلب لا يبعد و الأول أعجب * الوكيل بالشراء إذا اشترى فجاء الشفيع يطلب الشفعة من الوكيل قال بعضهم إن كان الوكيل يسلم الدار إلى الموكل لا يصح الطلب منه وهكذا روي عن محمد رحمه الله تعالى أن الوكيل لا يبقى خصما بعد التسليم إلى الموكل و إن كان الوكيل لم يسلم إلى الموكل يصح الطلب منه وهو خصم *وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى و القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى صح الطلب منه سلم أو لم يسلم لأنه في حكم الحقوق عاقل لنفسه فكان بمنزلة المشتري و المشتري يكون خصما في طلب الشفعة كانت الدار في يده أو لم تكن *رجل اشترى دارا بالكوفة بكر حنطة بغير عينه فخاصمه الشفيع إلى القاضي بمرو و الدار في الكوفة أو بمرو وقضى القاضي له بالشفعة ذكر في النوادر أن كانت قيمة الكر في الموضعين سواء أعطاه الشفيع الكر حيث قضى له بالشفعة * وإن كانت القيمة متفاضلة فإن كان الكر في الموضع الذي يريد الشفيع أن يعطي أعلى قيمة كذلك إلى الشفيع يعطيه حيث شاء وإن كان أرخص ورضي المشتري بذلك فكذلك يعطيه الشفيع حيث شاء وإن لم يرض المشتري حياته بذلك أعطاه الشفيع في الموضع الذي تكون قيمة الكر فيه مثل قيمته في موضع الشراء *رجل اشترى أرضا بمائة درهم ورفع منها التراب وباع التراب بمائة درهم ثم جاء الشفيع وطلب الشفعة قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يأخذ الشفيع الأرض بنصف الثمن وهو خمسون درهما يقسم الثمن على قيمة الأرض قبل رفع التراب وعلى قيمة التراب المرفوع ثم يطرح عن الشفيع قيمة التراب وقال القاضي الإمام علي السفدي رحمه الله تعالى لا يطرح عن الشفيع نصف الثمن وإنما يطرح عنه بحصة النقصان *(3/342)
فلو أن المشتري كبس الأرض بعدما رفع منها التراب فأعادها كما كانت قبل أن يحضر الشفيع قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يقال للمشتري ارفع من الأرض بقدر ما أحدثت فيها ثم يكون الجواب فيه على ماقلنا*المشتري إذا شفع إلى الشفيع واستمهله شهرا فأمهله ثم رجع الشفيع وطالبه في الحال كان له ذلك * المشتري مع الشفيع إذا اختلفا في الثمن كان القول قول المشتري مع يمينه * وإن أقاما البينة على ماادعى يقضي ببينة الشفيع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى *وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى البينة ببينة المشتري *الشفيع إذا أخذالدار من البائع كانت عهدته على البائع *وإن أخذها من المشتري كانت عهدته على المشتري *وللشفيع خيار الرؤية وله أن يرد بالعيب وهو بمنزلة المشتري في ذلك * وإن كان المشتري اشترى الدار على أن البائع برئ من كل عيب بها أو كان بها عيب علم المشتري بذلك ورضي كان للشفيع أن لا يرضى بالعيب ويرد * الشفيع إذا أخذ الدار بالشفعة وبنى فيها ثم استحقت الدار رجع الشفيع بالثمن على من أخذ منه الدار و لا يرجع بقيمة البناء على أحد بخلاف المشتري فإن المشتري كما يرجع بالثمن على البائع يرجع بقيمة البناء أيضا *الشفيع إذا وكل رجلا بأخذ الشفعة جاز له توكيله فإن قال المشتري بعدما أثبت الوكيل الشفعة أنا أريد يمين الشفيع أنه لم يسلم الشفعة يقال له سلم الدار إلى الوكيل واتبع الموكل وحلفه وهو كالوكيل يقبض الدين إذا ادعى المديون أن الموكل أبرأه عن الدين فإنه يؤمر بدفع الدين إلى الوكيل ويقال له اتبع الموكل وحلفه على ما تدعي * رجل اشترى دارا بالجياد ونقد الزيوف فتجوز به البائع فإن الشفيع يأخذ بالجياد لأنه اشتراه بالجياد *رجل اشترى أرضا بمائة درهم وقبضها فحضر الشفيع وطلب الشفعة وسلمها إليه المشتري بمائة درهم ثم إن المشتري نقد الثمن للبائع فوهب له البائع منها خمسة بعدما أخذ المائة فعلم الشفيع بالهبة ليس له أن يسترد شيئا من المشتري من الثمن * ولو أن البائع وهب من المشتري خمسة من الثمن قبل قبض الثمن والمسألة بحالها كان للشفيع أن يسترد من المشتري ما وهب له من البائع لأن هبة الشيء من الثمن قبل قبض الثمن حط والحط يلتحق بأصل العقد فكان للشفيع أن يسترد من المشتري بقدر ما حط عنه البائع أما بعد قبض الثمن هبة البعض ليس بحط بل هو تمليك مبتدأ كأنه وهب له مالا آخر * الوكيل بالبيع إذا باع الدار بألف ثم إن الوكيل حط عن المشتري مائة من الثمن صح حطه ويضمن قدر المحطوط للآمر ويبرأ المشتري عن المائة ويأخذ الشفيع الدار بجميع الثمن لأن حط الوكيل لا يلتحق بأصل العقد * رجل اشترى نصفا شائعا من الدار أو جزأ شائعا منها ثم أن المشتري قاسم البائع وحضر الشفيع فإن كانت القسمة بقضاء القاضي فإن الشفيع يأخذ من المشتري ما صار له بعد القسمة وليس له أن يبطل القسمة رواية واحدة * وإن كانت القسمة بغير قضاء هل له أن يبطل القسمة فيه روايتان * والصحيح أنه لا يبطل وله أن يأخذ بالشفعة ما صار للمشتري *ولو أ رجلين اشتريا دارا وهما شفيعان و لهما شفيع ثالث أيضا فاقتسم المشتريان ثم حضر الشفيع الثالث كان له أن يبطل القسمة كانت القسمة قضاء أو بغير قضاء *رجل اشترى دارا ولها شفيعان أحدهما غائب فطلب الحاضر الشفعة فضى له القاضي ثم جاء الشفيع الثاني فإن الشفيع الثاني يطلب الشفعة من الشفيع الحاضر الذي قضى له القاضي لا من المشتري لأن الشفيع الأول قام مقام المشتري هذا إذا طلب الشفيع الحاضر جميع الدار بالشفعة فإن طلب النصف على ظن أنه لا يستحق إلا النصف بطلت شفعته وكذا لو كانا حاضرين فطلب كل واحد منهما الشفعة بالنصف بطلت شفعتهما لأن كل واحد منهما لما يطلب الكل بطلت شفعته في النصف الذي لم يطلب وإذا بطلت شفعته في النصف بطلت في الكل *رجل باع دارا وهي في إجارة رجل و المستأجر شفيعها جاز البيع في حق البائع و المشتري و يتوقف في حق المستأجر فإن أجاز المستأجر البيع نفذ البيع لزوال ما يوجب التوقف ويكون للمستأجر أن يأخذ الدار بالشفعة *وهو بخلاف ما لو باع دارا على أن يكفل فلان بالثمن أو بالدرك وفلان شفيع الدار فكفل الشفيع بطلت شفعته لأن الكفالة إذا شرطت في البيع كان تمام البيع بالكفالة فيصير الكفيل بمنزلة البائع أما ههنا البيع كان تاما جائزا بين البائع والمشتري فلا يصير المستأجر بالإجازة بمنزلة البائع فلا تبطل شفعته *ولو أن المستأجر لم يجز البيع لكنه طلب الشفعة كان طلب الشفعة فسخا للإجارة *رجل اشترى دارا فحضر الشفيع وأراد أن يأخذ الدار فقال المشتري أحدثت فيها هذا البناء وقال الشفيع لا بل اشتريتها مبنية كما هي كان القول قول المشتري وإن أقاما البينة كانت بينة الشفيع أولى *وكذا لو اشترى أرضا فحضر الشفيع فأراد أن يأخذ الدار وفيها أشجار واختلفا على هذا الوجه و إنما يكون القول قول المشتري إذا لم يكن مكذبا ظاهرا وإن كان مكذبا(3/343)
ظاهرا بأن قال أحدثت فيها الأشجار الآن لا يقبل قول المشتري *و إ ن قال اشتريت منذ عشرين يوما و أحدثت فيها الأشجار قبل قوله إذا بين وقتا لا يكذبه الظاهر * وإن قال رجل المشتري اشتريت البناء بخمسمائة درهم ثم اشتريت الأرض بعد ذلك أو قال اشتريت الأرض بدون البناء أولا ثم اشتريت البناء بعقد آخر فلا شفعة لك في البناء لأنه صار مقصودا وقال الشفيع لا بل اشتريتهما معا في صفقة واحدة في القياس يكون القول قول المشتري * وفي الاستحسان يكون القول قول الشفيع لأن المشتري ينكر الشفعة في البناء لتتفرق الصفقة بعد قيام سبب الشفعة ظاهرا فلا يقبل قول المشتري *ولو قال المشتري وهب لي البناء أولا ثم اشتريت الأرض كان القول قول المشتري ويأخذ الشفيع الأرض دون البناء * وكذا لو قال اشتريت النصف ثم النصف وقال الجار وهو الشفيع اشتريت الكل بعقد واحد كان القول قول الشفيع استحسانا * وإن أقاما البينة كانت البينة بينة المشتري في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لأنه هو المحتاج إلى البينة وعلى قول محمد رحمه الله تعالى البينة بينة الشفيع فإن ادعى المشتري أنه اشترى الكل معا بعقد واحد وادعى الشفيع أنه اشترى متفرقا كان القول قول المشتري *وإن قال المشتري وهب لي هذا البيت من الدار بطريقه إلى باب ثم باعني ما بقي من الدار بألف درهم وقال الشفيع بل اشتريت كل الدار بألف درهم كان القول قول المشتري في البيت فيأخذ الشفيع كل الدار غير البيت وطريقه إن شاء بألف فإن جحد البائع هبة البيت كان القول قوله مع يمينه *وإن صدق البائع المشتري فيما قال كان البيت للموهوب له ولا يصدقان على إبطال الشفعة في الدار لأن شركة المشتري قبل شراء الدار لا تظهر في حق الشفيع بقولهما إلا أن يقيم البينة على الهبة قبل سراء الدار فيصير المشتري شريكا في الدار فيتقدم على الجار *رجل اشترى دارا فادعى الشفيع أن المشتري هدم طائفة من الدار وكذبه المشتري كان القول قول المشتري والبينة بينة الشفيع *وإن لم توقت شهود صاحب الشفعة بالبيت بينهما نصفين لاستوائهما في الحجة ويقضى ببقية الدار للذي أقام البينة على شراء كل الدار ولا شفعة لأحدهما على الآخر لأنه لم يثبت سبق شراء أحدهما *ولو اختصما في الدارين المتلازقين فأقام أحدهما البينة أنه اشترى الدار بألف منذ شهر وأقام الآخر البينة أنه اشترى هذه الدار الأخرى منذ شهرين فقضي للثاني بشراء الدار الأخرى منذ شهرين كما شهد شهوده ويقضى له أيضا بالشفعة في الدار الأخرى لأن جواره سبق على بيع الدار الثانية ولو لم يوقت شهوده يقضى لكل واحد منهما بداره ولا شفعة لواحد منهما ويجعل كأن البيعين كانا معا * ولو وقت أحدهما ولم يوقت الآخر يقضى لصاحب الوقت بالشفعة على الآخر *
(*فصل فيما للشفيع أن يأخذ البعض أولا يأخذ*)(3/344)
رجل اشترى أرضا فأجرها من الجار أو دفعها مزارعة أو كان فيها نخل فدفع النخيل معاملة أو ساومه الجار بعدما علم الجار بالشراء بطلت شفعة الجار لأن أقدامه على هذه التصرفات بعد العلم بها رضا منه بقرار ملك المشتري فتبطل شفعته *ولو اشترى نخلا ليقطع ثم اشترى الأرض بعد ذلك قال لا شفعة للشفيع في النخيل لأنه نقلى وكذا لو اشترى الثمر ليجزها أو البناء ليهدمه ثم اشترى الأرض بعد ذلك كان للشفيع الشفعة في الأرض خاصة * ولو اشترى قرية فيها بيوت وأجار ونخيل ثم أنه باع الأشجار و البناء و قطع المشتري بعض الأشجار وهدم بعض البناء ثم حضر الشفيع كان له الأرض وما لم يقطعه من الأشجار وما لم يهدمه من البناء وليس له أن يأخذ ما قطع ويطرح عن الشفيع حصة ما قطع من الشجر وما هدمه من البناء لأنه صار مقصودا فأخذ قسطا من الثمر * رجل اشترى نهرا بأصله ولرجل أرض في أعلى النهر بجنبه ولآخر أرض في أسفل النهر إلى جنبه فلهما الشفعة جميعا في أصل النهر من أعلاه إلى أسفله * وكذا القناة والبئر و العين لأنها من العقارات وتستحق بالشفعة * وكذا القناة نفتحها في أرض وظهر مائها في أرض آخرى فجيران القناة من مفتحها إلى مصبها شركاء في الشفعة* رجل له نصيب في نهر فهو أحق بالشفعة ممن يجري النهر في أرضه لأن الذي يجري النهر في أرضه جار وصاحب النصيب في النهر شريك في المبيع فكان مقدما على الجار*رجل له أرض كثيرة المؤن والخراج لا يشتريها أحد فباعها من انسان مع دار له قيمتها ألف و خمسمائة بألف و خمسمائة وللدار شفيع فأراد الشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة ولا يأخذ الأرض قالوا إن كانت الأرض بحال يشتريها احد من أصحاب السلطان قسم الثمن وهو ألف و خمسمائة على الدار وعلى قيمة الأرض وهي القدر الذي يشتريها احد من أصحاب السلطان فيأخذ الشفيع الدار بذلك إن رغب به المشتري * وإن كانت الأرض بحال لا يشتريها احد من أصحاب السلطان لكنه ينتفع بها ينظر إلى قيمة الأرض في آخر الوقت الذي ذهبت رغبة الناس عنها ثم ينقسم الثمن على ذلك لأنه إذا لم يكن لها قيمة في الحال يعتبر قيمتها في آخر الوقت الذي كانت متقومة وذهبت رغبة الناس عنها * رجل اشترى دارين في موضعين مختلفين احداهما بالشام و الأخرى في العراق في صفقة واحدة فإن كان الشفيع شفيعا في الدارين جميعا بدارين له فإن يأخذ الدارين و ليس له أن يأخذ إحدى الدارين * وإن اشترى الدارين في صفقتين فأراد الشفيع أن يأخذ إحدى الدارين كان له ذلك و كان هو شفيعا للدارين جميعا * رجل اشترى خمس منازل من رجل واحد في سكة غير نافذة بصفقة واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ منزلا واحدا قالوا إن طلب الشفعة بحكم الشركة في الطريق لا يأخذ البعض لأنه تفريق الصفقة من غير*وإن أراد الشفعة بحكم الجوار وجواره بهذا المنزل الذي يريد أخذه لا غير كان له ذلك* فالحاصل أنه إذا اشترى عقارا في أرضين أو بستانين أو دارين في مواضع متفرقة فإن كانت الصفقة متفرقة بأن اشترى كل دار بصفقة على حدا و الشفيع شفيع لهما بدارين له أو بدار واحدة فأراد أن يأخذ بالشفعة أحدهما كان له ذلك وإن اشتراهما في صفقة واحدة فإن كان الشفيع شفيعا لهما جميعا ليس له أن يأخذ بالشفعة أحدهما و لكن يأخذهما أو يدع * وإن كان الشفيع شفيعا لأحدهما و الصفقة واحدة اختلفت الروايات فيه ع أبي حنيفة رحمه الله تعالى في آخر الروايات عنه وهو قول أبي يوسف محمد رحمهما الله تعالى فإنه يأخذ التي هو شفيعها خاصة * وهو كما لو اشترى دار و عبدا صفقة واحدة فإن الشفيع يأخذ الدار بالشفعة دون العبد * هذا إذا كان الشفيع شفيعا لأحدهما * فإن كان شفيعا لهما جميعا والصفقة واحدة فإنه يأخذهما أو يدع * رجلان باعا دار مشتركة بينهما من رجل لم يكن للشفيع أن يأخذ البعض وإن كان البائع واحدا والمشتري اثنين فللشفيع أن يأخذ حصة احدهما يعتبر جانب المشتري لا جانب البائع *وروى السن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن البائع إذا كان اثنين والمشتري واحدا كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين قبل القبض و لا يأخذ بعضه بعد القبض وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأول *أما في قوله الآخر يعتبر جانب المشتري على كل حال قبل القبض وبعده سواء كان المشتري اشتراه لنفسه أو لغيره بالوكالة *رجل اشترى دارين لرجلين فليس للشفيع أن يأخذ نصيب أحد الآمرين * وإن اشترى رجلان دارا لرجل واحد كان للشفيع أن يأخذ النصف * ولو كان البائع اثنين والمشتري واحد فطلب الشفيع نصيب احد البائعين لا تبطل شفعته بذلك وله أن يأخذها كلها مقسومة كانت أو غير مقسومة *(3/345)
<553> (فصل في تسليم الشفعة والحيلة في إبطالها وإسقاطها ) رجل اشترى داراً بمائة دينار وقال للشفيع اشتريت هذه الدار بمائة دينار فسلم لي نصف وأدفع نصفها إليك فقال الشفيع نعم إن قال فعلت ذلك يكون تسليماً للشفعة. وذكر هذه المسئلة في كتاب الشفعة وجعلها على ثلاثة أوجه. أما أن يسلم الشفعة بالدراهم أ, ببعض منها بعينها أو ببعضها بغير عينها أو قال سلمت لك نصف الشفعة بمائة درهم بطلت شفعته في الكل. وإن قال سلمت لك الشفعة في نصف الدار فيه روايتان في رواية تبطل الشفعة في الكل وفي رواية لا تبطل. وذكر في الجامع ما يدل على أن تسليم الشفعة في البعض لا يبطل شفعته في الكل وإن صالح الشفيع من الشفعة على دراهم بطلت شفعته ولا يجب المال. وإن صالح على البعض المعين من الدار صح الصلح ويكون للشفيع نصف الدار ويبقى النصف للمشتري. ولو أن الشفيع قال للمشتري وقد اشترى الدار لغيره بالوكالة سلمت شفعتها أو سلمت الشفعة لك أو قال ذلك للبائع والدار في يد البائع كان تسليماً للشفعة. ولو قال للبائع بعدما سلم الدار إلى المشتري سلمت الشفعة لك صح استحساناً. ولو قال سلمت الشفعة بسببك أو لأجلك صح تسليمه قياساً واستحساناً فإن قال للوكيل بالشراء بعدما دفع الدار إلى الموكل سلمت لك الشفعة صح استحساناً ولو اشترى داراً بالوكالة لغيره فقال أجنبي للشفيع سلم شفعة هذه الدار للموكل فقال الشفيع سلمتها لك أو أعرضت عنها لك صح تسليمه قياساً واستحساناً. ولو قال الشفيع لأجنبي ابتداءً سلمت شفعة هذه الدار لك أو قال أعرضت عنها لك لا يصح تسليمه ولا تبطل شفعته قياساً واستحساناً. ولو قال لأجنبي سلمت الشفعة للموكل أو قال وهبتها للموكل أو قال أعرضت عنها للموكل لأجلك وشفاعتك صح تسلينه للآمر وتبطل شفعته ولو صالح الأجنبي الشفيع من شفعته على دراهم معلومة كان تسليماً ولا يجب المال لأنه لو صالح المشتري يمن الشفعة على مال بطلت شفعته ولا يجب المال وهو بمنزلة ما إذا صالح الكفيل(3/346)
<554>بالنفس الطالب على مال لا يجب المال وهل يبرأ عن الكفالة في رواية عن أبي حفص رحمه الله تعالى يبرأ ولا يبرأ وفي رواية أبي سليمان رحمه الله تعالى ولو أن أجنبياً قال للشفيع أصالحك على كذا من الدراهم على أن تسلم الشفعة ولم يفل لي فقبل الشفيع لا يجب المال على الأجنبي ولا تبطل شفعته.ولو قال الشفيع للبائع سلمت لك بيعك أو قال للمشتري سلمت لك شراءك بطلت شفعته وإن قال لأجنبي سلمت لك شراء هذه الدار لم يكن ذلك تسليماً ولا تبطل شفعته. وإن قال الشفيع للمشتري سلمت هذه الدار لك أو شفعة هذه الدار لك إن كنت اشتريتها لنفسك وقد كان المشتري اشتراها لغيره لا تبطل شفعته لأنه علق التسليم بالشرط وتسليم الشفعة إسقاط يحتمل التعليق والمعلق بالشرط لا ينزل عند عدم الشرط. ولو أن الشفيع قال للمشتري سلم لي نصف الدار بالشفعة فأبى المشتري لا تبطل شفعته وهو الصحيح. وكذا لو قال الشفيع أنا شفيع هذه الدار سلم لي نصفها بالشفعة فأسلم لك النصف الباقي فأبى المشتري لا تبطل شفعته.ولو أن البائع والمشتري قالا للشفيع أبرئنا عن كل خصومة لك قبلنا ففعل وهو لا يعلم ثبوت الشفعة بطلت شفعته قضاءً ولا تبطل فيما بينه وبين الله تعالى. وهو كرجل قال لغيره اجعلني في حل ففعل ولم يعلم بما له قبله في القضاء يبرأ عما له عليه ولا يبرأ فيما بينه وبين الله تعالى.ولو أن رجلاً أوصى بداره لرجل فلم يعلم به الموصى له ومات الموصي وبيعت دار بجنب دار الوصية ثم قبل الموصى له الوصية فلا شفعة للموصى له في الدار الثانية لأنه لم يملك الوصية قبل القبول فلا يكون جار الدار الثانية ولو أن الموصى له مات قبل أن يعلم بالوصية ثم بيعت الدار الثانية بجنبها فادعى ورثة الموصى له الشفعة في الدار الثانية كان لهم ذلك لأن موت الموصى له قبل القبول يكون قبولاً للوصية وصارت الوصية ميراثا عنه لورثته فإذا ثبت الملك للورثة تحقق لهم سبب الشفعة وهو الجوار. وأما الحيل في إبطال الشفعة ذكر الخصاف رحمه الله تعالى فيه منها ما يكون تزهيداً عن طلب الشفعة ومنها ما يكون إبطالا أما ما يكون إبطالاً فمنها أن يهب البائع الدار للمشتري ويشهد على الهبة والمشتري يهب الثمن للبائع ويشهد عليها فلا تثبت الشفعة إذا لم تكن الهبة بشرط العوض إلا أن هذه الحيلة لا يملكها بعض الناس لأنها تبرع ومن الناس من لا يملك التبرع كالأب والوصي وغيرهما. ومنها أن يتصدق بالدار على إنسان ثم المشتري يتصدق بمثل الثمن على البائع وهي والهبة سواء إلا أن في الهبة للأجنبي يملك الرجوع وفي الصدقة لا يملك الرجوع. ومنها أن <555>يهب جزأ شائعاً من الدار ثم يترافعان إلى القاضي الذي يرى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة جائزة فيحكم بجواز الهبة ثم يبيع بقية الدار منه فيكون الموهوب له مقدماً على الجار. ومنها أن يهب الدار بشرط العوض إلا أن هذا على الرواية التي لا تثبت الشفعة في الهبة بشرط العوض أما في الروايات الظاهرة تثبت الشفعة في الهبة بشرط العوض فإن أراد أن لا يأخذ الشفيع في ظاهر الرواية ينبغي أن يأخذ الموهوب له الدار إلا جزأ منها ويأخذ الواهب كل العوض إلا دانقاً فلا تثبت الشفعة للشفيع فإن في الهبة بشرط العوض قالوا إنما يثبت الملك للموهوب له إذا قبض الكل أما إذا لم يقبض الكل لا يثبت له الملك ولا ينقطع حق الواهب وبكون للواهب أن يرجع من غير قضاء ولا رضا روي ذلك عن محمد رحمه الله تعالى نصاً فيكون هذا كالبيع بشرط الخيار للبائع وثم لا تثبت الشفعة للشفيع ما بقي حق البائع. هذا إذا كان الموهوب شيئا يحتمل القسمة فإن كان لا يحتمل القسمة كالبيت الصغير والحانوت إذا وهب منها جزأ معلوماً شائعاً جاز عند الكل ولا يكون للجار أن يأخذ بالشفعة. ومنها أن يشتري البناء أولاً في صفقة ثم يشتري العرصة بثمن غال فلا تثبت الشفعة في البناء لأنه نقلى ولا يرغب الشفيع في أخذ العرصة بثمن غال فكان تزهيداً وكذا لو وهب البناء بأصله ثم يشتري العرصة بثمن غال وكذلك في الكروم والأراضي. وفي هذه الفصول إذا أراد الشفيع أن يحلف البائع أو المشتري بالله ما فعل ذلك فراراً عن الشفعة إن أراد تحليف البائع ليس له ذلك لأن نكوله لا يكون حجة على المشتري.و إن أراد تحليف المشتري فكذلك لأنه يدعي عليه شيئاً لو أقر به لا يلزمه.ومن الحيلة أن يشتري سهماً معلوماً بثمن غال في صفقة ثم يشتري الباقي بثمن يسير فلا يرغب الشفيع فيما باع أولاً لكثرة الثمن وبدونه لا يملك أخذ الباقي لأن المشتري يصير شريكاً فيكون مقدماً على الجار. ومنها أن يشتري الدار بثمن غال ثم يأخذ البائع بذلك الثمن بدلاً آخر فلا يرغب الشفيع أن يأخذ الدار بالثمن لكثرته ولا يكون له أن يأخذها بالبدل الثاني لأن الثاني بدل عن الثمن لا عن الدار. وذكر الخصاف رحمه الله تعالى حيلة لم يرويها عن محمد رحمه الله تعالى وهي أن يدعي إن الدار لأبن صغير له في يد هذا الرجل ثم أن المدعي يصالح الذي في بيده(3/347)
الدار على أن يدفع إليه مائة دينار ولا يقول أنها من مال ابنه على أن يسلم الذي في بيده الدار فيجوز ولا شفعة فيها لأن الأب لا يأخذ الدار بطريق المعاوضة فيقع الملك للابن دون الأب إلا أن هذا كذب فإن أراد إبطال الشفعة على وجه لا يكون كاذباً بأمر الأب مملوكاً له أن يشتري الدار من صاحبها لأبن صغير لمولاه بالثمن الذي اتفقا عليه فيشتري المملوك شراء ثم إن المولى يدعي أن الدار لأبنه الصغير ولا يدعي الشراء فيكون صادقاً إلا أن هذا لا يخلو عن نوع شبهة لأن الملك إنما يثبت للابن بالسبب فإذا ادعى الأب ملكاً مطلقاً كان مدعياً غير ذلك الملك إن الملك<556>المطلق أقوى من الملك بالسبب على ما عرف أن القضاء بالملك المطلق قضاء بالزوائد وفي القضاء بالملك بسبب لا يدخل الزوائد. والشهود إذا تحملوا الشهادة على الملك بسبب فإذا شهدوا بالملك المطلق كانت شهادتهم بالأصل والزيادة واختلف المشايخ رحمهم الله تعالى أن الشاهد إذا تحمل الشهادة على الملك بسبب ثم إن البائع غصب المبيع من المشتري فجاء المشتري بالشهود وأمرهم أن يشهدوا له بالملك المطلق قال بعضهم يجوز لهم أن يشهدوا بالملك المطلق وقال بعضهم لا يجوز وكذا إذا تحملوا الشهادة على الدين بسبب هل يباح لهم أن يشهدوا على الدين مطلقاً هو على هذا الخلاف أيضاً والخصاف رحمه الله تعالى يقول بالجواز. ومن جملة الحيل أن يقر البائع بجزء معلوم من الدار للمشتري ثم يبيع الباقي منه إلا أن هذا يكون على الاختلاف أيضاً فإنهم اختلفوا أن الإنسان إذا أقر لغيره بعين هل يثبت الملك للمقر له بالإقرار قال بعضهم لا يثبت لأن الإقرار ليس من أسباب الملك ولهذا لا يصح من العبد المأذون. ولو كان الإقرار من أسباب الملك كان الإقرار تمليكاً بغير عوض والعبد المأذون لا يملك ذلك. ومن الحيل أن يوكل المشتري رجلاً بالشراء فيشتري الوكيل ويغيب فلا يكون الموكل خصماً للشفيع إلا أن هذا على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يكون الموكل خصماً للشفيع ليطلب منه الشفعة فإنه ذكر في المأذون إذا اشترى الرجل داراً وباع من آخر وغاب المشتري الأول ثم جاء الشفيع وأراد أن يأخذ بالبيع الأول على قول محمد رحمه الله تعالى لا يملك ذلك وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يملك ذلك. وعلى هذا الخلاف العبد المأذون المديون إذا باعه مولاه بغير إذن الغرماء فغاب بحضر الغرماء لا خصومة لهم مع المشتري في قول محمد رحمه الله تعالى وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى للغرماء أن يخاصموا المشتري. ومن الحيلة في الشفعة أن يآجر المشتري من البائع ثوباً ليلبسه يوماً إلى الليل بجزء من مائة جزء من الدار فمضى اليوم ثم يبيع بقية الدار من صاحب الثوب فلا تكون الشفعة للشفيع. أما في الجزء الأول فلان صاحب الثوب ملك الجزء بالمنفعة وأما في بقية الدار فلأن صاحب الثوب صار شريكاً في الدار فكان مقدماً على الجار ومنها أن يستأجر صاحب الدار الذي يريد شراء الدار بعشر الدار على أن يسقيه فإذا سقاه في ذلك المجلس أو في غيره يملك عشر الدار فلا يكون للشفيع حق الشفعة وهو أولى من الجار جعل الأجرة هاهنا بمنزلة المهر. وفي المبسوط جعل الأجرة بمنزلة المبيع فإنه قال لو كانت الأجرة عبداً فباعه قبل القبض لا يجوز. ولو استحق العبد الذي هو أجر الدار بطل العقد. والخصاف رحمه الله تعالى جعل الأجر بمنزلة المهر. ومن الحيلة أنه إذا أراد أن يبيع الدار بعشرة آلاف درهم يبيعها بعشرين ألف ثم يقبض تسعة آلاف وخمسمائة ويقبض بالباقي عشرة دنانير أو أقل أو أكثر. ولو أراد <557>الشفيع أن يأخذها يأخذها بعشرين ألفاً فلا يرغب في الشفعة. ولو استحقت الدار على المشتري لا يرجع المشتري بعشرين ألفاً وإنما يرجع بما أعطاه لأنه إذا استحقت الدار يظهر أنه لم يكن عبه ثمن الدار فيبطل الصرف كما لو باع الدنانير بالدراهم التي للمشتري على البائع ثم تصادقا إنه لم يكن له عليه دين فإنه يبطل الصرف. ومن حيلة إبطال الشفعة أن يقول المشتري للشفيع أني اشتريت الدار من فلان بكذا فأبيعها منك بكذا فاشتر أو يقول زدني في الثمن كذا وخذ أو يقول عاوضها لي بدار أخرى أو يقول أني أوليكها فإن أحببت أن أوليكها بالثمن الذي اشتريتها وليتكها فقال الشفيع فولنيها فإنه تبطل الشفعة. وكذا لو بعث المشتري للشفيع رجلاً يقول للشفيع ذلك فقال الرجل المبعوث للشفيع أن فلاناً اشترى هذه الدار بكذا وهو يقول لك إن أحببت أن أوليكها بما اشتريتها به وليتكها وقال الشفيع نعم وليتها فإنه تبطل شفعته. ولو بعث المشتري إلى الشفيع رجلاً فقال للشفيع قد كنت اشتريت من فلان معني البائع هذه الدار قبل شراء هذا الرجل فقال الشفيع نعم بطلت الشفعة لأن الشفيع أقر أن شراء هذا المشتري لم يصح فلم تثبت به الشفعة. وكذا لو قال ذلك الرجل للشفيع هذه الدار لك ولم يكن لفلان البائع فقال الشفيع نعم بطلت شفعته لأنه لما ادعى الملك لنفسه فقد أقر بأنه لا شفعة له. ولو(3/348)
قال المشتري للشفيع إني اشتريت هذه الدار بمائة دينار فإن أحببت أن أحطك من ثمنها عشرة دنانير فقال نعم بطلت شفعته. قالوا إنما تبطل شفعته في هذه الصورة إذا قال أحط عنك من ثمنها عشرة دنانير وأبيعها منك بتسعين دينار وأما بدون هذه الزيادة لا تبطل شفعته.ولو اشترى داراً وطلب الشفيع الشفعة فصالحه المشتري من ذلك على بيت معين من الدار يدفعه إليه بحصته من الثمن ليس بمعلوم فإن أراد أن يسلم البيت إلى الشفيع ويبقي ما بقي من الدار للمشتري يشتري رجل أجنبي هذا البيت للشفيع بأمره ثم إن الشفيع يسلم الشفعة فيما بقي من الدار فيحصل الغرض لكل واحد منهما يسلم البيت للشفيع وبقية الدار للمشتري. إذا مات الشفيع بعدما قضى القاضي له بالشفعة قبل أن يقبض الدار وقبل أن ينفذ الثمن كانت الدار لورثة الشفيع لأن قضاء القاضي بالشفعة بمنزلة المبيع. ولو مات الشفيع بعدما اشترى الدار كانت ميراثاً لورثته. ولو قضى القاضي بالشفعة للشفيع وطلب المشتري من الشفيع أن يرد الدار على المشتري بزيادة في الثمن والزيادة من جنس الثمن أو من غير جنسه تصير الدار للمشتري بالثمن الأول وتبطل الزيادة عن المشتري لأن رد الدار على المشتري يكون بمنزلة الإقالة والإقالة إنما تكون بالثمن الأول ولا تصح فيها الزيادة. وكذا لو طلب المشتري من الشفيع بعدما قضى القاضي له بالشفعة أن يرد الدار على البائع بزيادة في الثمن ففعل كانت إقالة والإقالة كما تكون بين البائع والمشتري تتحقق بين البائع والشفيع لأن الشفيع بعدما قضى القاضي له قام مقام المشتري<558>ويصير المشتري كالوكيل للشفيع فتصح إقالة الشفيع مع البائع ويكون له حق الحبس إلى أن يستوفي الثمن. ذكر محمد رحمه الله تعالى في الأصل الحيلة في إسقاط الشفعة ولم يذكر الكراهية قالوا على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يكره. وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يكره. وهذا بمنزلة الحيلة لمنع وجوب الزكاة ومنع الاستبراء على قول أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يكره. وقال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يكره الاحتيال لإسقاط الشفعة بعد الوجوب لأنه احتيال لإبطال حق واجب وقبل الوجوب إن كان الجار فاسقاً يتأذى منه لا بأس به. وقال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى لا بأس بالاحتيال لإبطال حق الشفعة على كل حال أما قبل وجوب الشفعة فلا شك كما لو ترك اكتساب المال لمنع وجوب الزكاة وبعد وجوب الشفعة لا يكره الاحتيال أيضاً لأنه احتيال لرفع الضرر عن نفسه لا للإضرار بالغير فظاهر ما ذكرنا دليل على هذا. أبواب الكتاب ستة. الأول في إباحة القتال ومن يباح قتله. والثاني في الأمان. والثالث فيما يصير الكافر به مسلماً. والرابع فيما يصير المسلم به كافراً. والخامس في أحكام أهل الردة وتصرفات الحربي. والسادس في الخراج والجزية. أما الأول فلا بأس بالقتال في الأشهر الحم وهي ذي العقدة وذي الحجة ومحرم ورجب. وترك البداءة بالقتال في الأشهر الحرم أفضل. فإن كان قوم لم تبلغهم الدعوة يدعون إلى الإسلام أولاً فإن أبوا قاتلهم. وإن كانوا قوماُ بلغتهم الدعوة لا بأس بقتالهم قبل تجديد الدعوة والتجديد أفضل. ولا يخرج الرجل إلى الجهاد إلا بإذن والديه جميعاً فإن أذن أحدهما ولم يأذن الآخر لا ينبغي له أن يخرج ولهما أن يمنعاه من الخروج إلى الجهاد إن كان في خروجه لحقتهما المشقة.وإن لم يكن له أبوان وله جدان وجدتان فإذن له الجد من قبل الأب والجدة من قبل الأم ولم يأذن الآخر إن كان له أن يخرج لأن أب الأب قائم مقام الأب عند عدم الأب وأم الأم قائمة مقام الأم عند عدم الأم فاعتبر إذنهما لا غير. وإن كان أحد الأبوين مسلماً والآخر كافراً فإذن له لا مسلم بالجهاد ومنعه الكافر إن كان الكافر يمنعه لشفقة له على الولد لا يخرج إلا بإذنه. وإن كان الكافر يمنعه لأنه يقاتل أهل دينه لا بأس أن يخرج بغير إذنه وإن أراد الولد الخروج للتجارة أو الحج فكره أبواه كان له أن يخرج إلا أن يكون السفر مخوفاً كركوب البحر وخوف العدو فإنه لا يخرج إلا بإذنهما وإن لم يكن السفر مخوفاً لا بأس أن يخرج إن استغنيا عن خدمته وإن احتاجا إلى خدمته لا يخرج إلا بإذنهما والمرأة إذا منعت ابنها عن الجهاد فإن كان قلبها لا يحتمل ألم الفراق وتتضرر بالإطلاق كان لها أن تمنعه عن الجهاد لا إثم عليها و يعتبر أذن المرأة في خروج الزوج إلى الجهاد وغيره وكذلك من يجب عليه نفقته كالبنات والأخوات والعمات والخالات والذكور الصغار والزمنى ا لكبار <559> الذين لا حرفة لهم إلا أن يخاف عليهم الضيعة وإما الذكور الذين لا زمانة بهم فلا بأس أن يخرج وأن يدعهم وإن خاف عليهم الضيعة. وإن أراد أن مخرج إلى الجهاد وعليه دين لا ينبغي له أن يخرج قبل قضاء الدين فإن لم يكن عنده ما يقضي به الدين فإنه لا يخرج إلا بإذن الغريم. وإن كان بالمال كفيل فإن كانت الكفالة بأمر المديون فإنه لا يخرج إلا بإذن الطالب والكفيل جميعاً وإن(3/349)
كانت الكفالة بغير إذن المديون يعتبر إذن الطالب لا غير لأنه لا حق للكفيل على المديون. وإن كان عند الرجل ودائع وأربابها غيّب فإن أوصى إلى رجل إن يدفع الودائع إلى أربابها كان له أن يخرج إلى الجهاد. وإن أراد أن يخرج في طلب العلم بغير إذن والديه لم يذكر هذا في الكتاب وزعم المتأخرون أن له أن يخرج إذا لم يكن السفر مخوفاً واستغنيا عن خدمته. ولا يقاتل العبد بغير إذا مولاه والمرأة بغير إذن زوجها ما لم يقع النفير عاماً فإذا وقع النفير وبلغهم الخبر أن العدو جاء إلى مدينة من مدائن الإسلام كان للرجل أن يخرج بغير إذا الأبوين عند الخوف على المسلمين أو على ذراريهم أو على أموالهم. ولا بأس للغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يقاتل عند النفير إذا أطاق القتال وإن كره أبواه. وإذا وقع النفير من قبل أهل الروم فعلى كل من يقدر على القتال إن يخرج إلى الغزو إذا ملك الزاد والراحلة ولا يجوز التخلف إلا بعذر بين. امرأة سبيت بالمشرق كان على أهل المغرب أن يستنقذوها مالم يدخلوها دار الحرب. وإذا وقع القتال بين أهل البغي وأهل العدل يجب على أهل العدل أن يقاتلوا البغاة ليرجعوا إلى أمر الله . وإن وقعت الفتنة بين فريقين باغيين يقتتلان لأجل الدنيا والملك كان على الرجل أن يلزم بيته ولا يخرج إلى أحدهما. وكذا لو وقع القتال بين محلتين للحمية والعصبية لا ينبغي لأحد أن يعاون أهل المحلتين. قوم من الصلحاء يريدون الغزو ومعهم قوم من أهل الفساد يخرجون إلى الغزو ومعهم مزامير فإن أمكن للصلحاء أن الخروج بدونهم لا يخرجون معهم وإن لم يمكن الخروج إلا معهم يخرجوا معهم وإثم الفساد على المفسدين وللصلحاء أجرهم.ولا بأس بإخراج العجائز في العساكر للقيام بالمرضى دون الخدمة فإذا أرادوا إخراج النساء للخدمة لا محالة فلا بأس بإخراج الإماء. وإذا دخل أهل الإسلام دار الحرب مغيرين لا ينبغي لهم أن يقتلوا النساء إلا إذا قاتلت المرأة وكانت ملكة وكانت ذات رأي في الحرب فتقتل. ولا يقتل الصبيان والشيخ الفاني إلا أن يكون الصبي ملكاً وقد أحضروه موضع القتال وفي قتله يكون كسر الهم فيقتل. وكذلك الشيخ الفاني إذا كان له رأي. ولا يقتل المعتوه ولا الراهب في صومعته لا يخالط الناس وكذا الأعمى ومقطوع اليد والرجل ومقطوع اليمنى خاصة ويابس الشق فإن قاتل واحداً من هؤلاء فلا بأس بقتله.وإذا قاتلت المرأة فأخذها المسلمون لا بأس بقتلها وإن أمكن <560>وكذا الأعمى والمقعد والشيخ الفاني إذا حضروا وحرضوا على القتال. ومن قتل واحداً من هؤلاء فليس عليه شيء. ولهم أن يقتلوا الذي يجن ويفيق والأخرس والأصم وأقطع اليسرى وأقطع أحد الرجلين والقسيس والسياح الذي يخالط الناس والمريض.وأما الصبي والمعتوه ما داما يقاتلان أو يحرضان فلا بأس بقتلهما وبعدما صارا في أيدي المسلمين لا ينبغي لهم أن يقتلوهما وان كانا قتلا غير واحد.وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن قتل أصحاب الصوامع حسن ولا يسبى الشيخ والعجوز لأنه لا يتوهم منهما النسل. ويؤسر الأعمى والمقعد ومقطوع اليد والرجل ويابس الشق ولا يترك في دار الحرب لتوهم النسل من هؤلاء. وللمسلم أن يقتل كل ذي رحم محرم منه من المشركين في دار الحرب إلا الآباء والأجداد والجدات فإنه لا يقتلهم ما لم يقصدوا قتله فإذا قصدوا قتله كان له أن يقتلهم.وأما الأولاد والأخوة والأخوات والأعمام والأخوال والخالات والعمات وأولادهم فلا بأس للمسلم أن يبتدئهم القتل وينبغي أن يكون ألوية المسلمين بيضاً والرايات سوداً. ولا بأس بإدخال المصحف دار الحرب لقراءة القرآن إذا كان العسكر عظيماً فإن لم يمن ينبغي أن لا يسافر به قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أقل السرية مائة وأقل الجيش أربعمائة وقال الحسن ابن زياد رحمه الله تعالى أقل السرية أربعمائة وأقل الجيش أربعة ألاف والحراسة بالليل عند الحاجة إليها أفضل من صلاة الليل ويكره حمل رؤوس الكفار إلى دار الإسلام. وقيل إن كان فيه إلاق الوهن والكبت لهم لا بأس به. ولا يستحب رفع الصوت في الحرب لأنه نوع من الفشل فإن كان في رفع الصوت تحريض على القتال فلا بأس ويكره إخصاء الفرس لأن في صهيله يرهب العدو. ويكره أن يلبس المسلم شيئاً من السلاح فيه صورة إنسان أو طير فأما الشجر ونحو ذلك فلا بأس به.ولا يجوز رد السلاح إلى دار الحرب بعوض أو بغير عوض في قولهم.ولا يفادا الحربي بمسلم ولا بمال في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبى يوسف رحمه الله تعالى يفادى بالمسلم إذا كان خيراً للمسلمين ولا يفادا بالمال بقولهم. ولا بأس بالطبول تضرب في الحرب لاجتماع الناس لأنها ليست بله. ولا بأس بجعل الأجراس على الخيل مع التجافيف التي يقال لها بالفارسية بركستوان لأن فيه إرهاب العدو ويكره الجرس في أعناق الإبل والتي يحمل عليها الأثقال. أما الذي يقال له بالفارسية دراى فذلك لا يسمى جرساً فلا بأس به. حربي وجد فيدار الإسلام فقال أنا رسول الملك لا يصدق(3/350)
ويكون فيأ لجماعة المسلمين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو لمن أخذه. وإن أخرج الحربي كتاباً يشبه كتاب الملك يصدق. ولا بأس بالرجل الواحد من المسلمين أن يحمل ألف من المشركين إن كان يطمع السلامة أو النكاية بهم. وإن كان لا يطمع أحدهما كره لأن فيه إهلاك النفس من غير فائدة. مسلم وقع في أيدي <561> الكفرة وقرب إلى القتل فقيل له مد عنقك فمد عنقه للقتل إن كان يخاف أنه لو لم يمد عنقه قتل أخبث من القتلة الأولى وإن كان يعلم أنه لو لم يمد عنقه لا يقتل كره له أن يمد عنقه ولو أحرق المشركون سفينة بالبحر فيها المسلمون أن صبر في السفينة حتى احترق كان في سعة وإن ألقى نفسه في البحر فغرق كان في سعة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى إن صبر حتى احترق إن كان يعلم أنه لا ينجو من البحر فلا بأس به وإن كان يحسن السباحة ويطمع إن ينجو من البحر كان الواجب عليه إن يلقي نفسه في البحر في قولهم. وإذا قامر المسلم المشركين في يدار الحرب وأخذ منهم الأموال فلا بأس به وكذا لو باع منهم خمراً أو خنزيراً أو درهماً بدراهم فلا بأس به ولا بأس بتعليم القرآن للكفرة. ولا بأس بأن ينبش قبورهم لطلب المال. وإذا قهر ملك أهل الحرب أهل مملكته بالرق صاروا أرقاء له وجاز شراؤهم منه. وإن قهرهم بالولاية والسلطنة لا يملكهم. ويكره للمسلم الواحد القوي أن يفر من الكافرين. وكذا لو فر المائة من المائتين في قول محمد رحمه الله تعالى ولا بأس بأن يفر الواحد من الثلاثة والمائة من ثلثمائة.ولا ينبغي للمسلمين أن يفروا إذا كانوا اثنى عشرة ألفاً وإن كان العدو أكثر لقوله عليه الصلاة السلام خير الجيوش أربعة ألاف ولن يغلب اثنى عشر ألفاً من قلة إذا كانت كلمتهم واحدة والحاصل أنه إذا غلب على ظنه أنه يغلب لا بأس بأن يفر. ولا بأس للواحد أن يفر إذا لم يكن معه سلاح من اثنين معهم سلاح. وذكر في السير أنه رخص الفرار من الزحف إذا كانوا لا يطيقونه. وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو انحاز إلي مصرأ وإلي بعض جيوش المسلمين لم يكن فراراً من الزحف. مسلم هرب من العدو واختبأ في موضع فأصابه العدو فسأله عن اصحابه لا ينبغي له أن يعلم موضع أصحابه وإن اكره بالقتل لأن المكره بالقتل لا يباح له قتل المسلم ولا يرخص له (فصل في معاملة المسلم المستأمن من أهل الحرب في دارهم )قوم من المسلمين جمعوا مالاً ودفعوا إلى رجل ليدخل دار الحرب ويشتري به اسارى المسمين منهم فإن هذا المأمور يسأل التجار في دار الحرب فكل من أخبر أنه حر مسلم أسير في أيديهم يشتريه المأمور ولا يجاوز يمة الحر لو كان عبداً في ذلك الموضع وإنما يشتري بقدر قيمة أربعين أسيراً. فلو أراد المأمور أن يشتري أسيراً فقال له الأسير اشتريني فاشتراه المأمور بالمال المدفوع إليه يضمن المأمور ذلك المال ويرجع به على الأسير لأنه صار مقرضاً إياه فيرجع عليه كمن قضى دين غيره بأمره فإنه يرجع عليه بما أمره به دون غيره وهو بخلاف الوكيل بالشراء إذا اشترى بأكثر مما أمره به فإنه يكون مشترياً لنفسه. ولو أن هذا المأمور بشراء الأسير قال لأسير بعدما قال له الأسير اشتريني بكذا أنا أشتريك بالمال المدفوع إلي حسبة. <562>فاشتراه كان مشترياً لأصحاب الأموال. حربي دخل دارنا بأمان ومعه ابنه أو ابن غيره من أهل الحرب فباع أبن نفسه لا يجوز باتفاق الروايات ويجوز بيع ولد غيره ولو أن ملك أهل الحرب أهدى إلى الخليفة ذكر في المجرد أنه يطيب للمهدى إليه أن لا يكون من محارم المهدى أو أم ولده فإنهم يعتقون وروى هشام رحمه الله تعالى أن الحربي إذا أهدى بنته إلى الإمام فهي حرة وكان لها أن ترجع إلى دار الحرب وروى الحسن عن أبي حنيفة واين سماعة عن محمد رحمهم الله تعالى أن الحربي إذا باع أباه أو ابنه في دار الحرب لا يجوز فإن أخرجه المشتري إلى دار الإسلام ملكه إن لم يكن بيننا أمان فالحاصل أن الحربي إذا باع أباه أو ابنه في دار الحرب من المسلم المستأمن في يدار الحرب يكون باطلاً وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى ورواه هشام عن محمد رحمهما الله تعالى ساء كان يرى البائع جواز هذا البيع أن لا يرى في يقول عامة المشايخ منهم الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمهم الله تعالى وقال أوب الحسن الكرخي رحمه الله تعالى إن كان البائع الحربي يرى جواز هذا البيع جاز وإلا فلا وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أن الحربي إذا باع ولده في دار الحرب من حربي آخر أو من مسلم مستأمن جاز البيع عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجبر المشتري على الرد إذا خوصم في الرد وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا خوصم في الرد يجبر على الرد عليه وعن أبي نصر الدبوسي رحمه الله تعالى أنه إن باعه الحربي من مسلم مستأمن لا يجوز وإن باعه في دار الحرب من حربي آخر وسلمه إليه ملكه المشتري. وغيره من المشايخ(3/351)
قال لا يباح للمشتري أن يشتري وإن اشتراه جاز ويكون رقيقاً للمشتري . وقال بعضهم إن اشتراه المسلم في دار الإسلام لا يملكه وإن اشتراه في دار الحرب أخرجه إلى دار الإسلام ملكه.والصحيح ما قلنا أنه لا يجوز بيع الحربي ولده في دار الحرب. واتفقت الروايات على أنه لا يجوز بيعه في دار الإسلام ومتى لم يجز البيع في دار الحرب على قول العامة فإن أخرجه المشتري إلى دار الإسلام اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يملكه لأن البيع وإن بطل فمتى أخرجه جبراً ملكه بالقهر المبتدأ وفال بعضهم يكون حراً لأن البائع لا يملك التصرف فيه لا بيعاً ولا هبة فلا يملك المشتري وقال بعضهم إن كان البائع يرى جواز هذا البيع لا يملكه المشتري بالإخراج إلى دار الإسلام أخرجه طائعاً أو مكرهاً وإن كان البائع لا يرى جواز هذا البيع إن أخرجه المشتري كرهاً ملكه وإن أخرجه طوعاً لا يملكه والصحيح أنه إن أخرجه كرهاً ملكه وإن جاء به وهو طائع لا يملكه سواء كان البائع يرى جواز هذا البيع أو لا يرى وإن تزوج المسلم المستأمن حربية في دار الحرب ودفع المهر إلى أبيها وفي قلبه أنه يبيعها إذا أخرجها إلى دار الأسلم ذكر في السير <563>الكبير إن خرجت طائعة فهي حرة وإن خرجت مكرهة كما يخرج الأسير فهي مرقوقة. وإن اختلفا فقالت المرأة خرجت طائعة وأنا حرة وقال الرجل أخرجتها مكرهة وهي رقيقة لي فإنه ينظر إليها إن جاء بها مربوطة كما يجاء بالأسير كان القول قول الرجل وإن كانت بخلاف ذلك كان القول قول االامرأة وتكون حرة. بلدة يدعي أهلها الإسلام يصومون ويصلون ويقرؤون القرآن ويعبدون الأوثان مع ذلك فأغار عليهم المسلمون وسبوهم فاشترى رجل منهم مسلم من تلك السبايا قالوا إن لم يكونوا مقرين بالعبودية والرق بملكهم يجوز شراء الصغار والنساء منهم ولا يجوز شراء الكبار الذكور لأنهم لما أقروا بالإسلام ثم عبدوا الأوثان كانوا مرتدين فيجوز استرقاق نسائهم وصغارهم ولا يجوز استرقاق كبارهم كما لا يجوز من أهل الردة. وإن كانوا مقرين بالعبودية بملكهم كانوا أرقاء لملكهم فيجوز سبيهم زاسترقاقهم فإذا ملكهم السابي جاز بيعهم. مسلم دخل دار الحرب بأمان فاشترى جارية مسلمة أو كتابية حل له وطؤها في قولهم وفي بعض الروايات يكره وطؤها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وإن تزوج هذا المسلم امرأة كتابية حل له وطؤها. (فصل فيما يجوز لأمير العسكر أن يفعل في دار الحرب )إذا أهدى العدو إلى أمير العسكر شيئاً فأراد الأمير أن يعوضه من الغنيمة أن كان العوض من الغنيمة أن كان العوض مثل هديتهم أو زيادة على هديتهم بقليل جاز العوض من الغنيمة وتكون الهدية لجميع العسكر. وإن بعث أمير العسكر رسولاً إلى العدو فأجاز أمير العدو لرسول الأمير جائزة أخرجها الرسول كانت الجائزة للرسول خاصة لأن العدو ملكه اختياراً لا عن رهبة. ولو أن أمير العسكر استأجر للعسكر أجيراً بأكثر من أجر المثل قدر ما لا يتغابن الناس فيه فعمل الأجير وانقضت المدة كانت الزيادة على أجر المثل باطلة لأن أمير العسكر يتصرف بطريق النظر كالقاضي. ولو استأجر القاضي لليتيم أجيراً بما لا يتغابن الناس فعمل الأجير وانقضت المدة كانت الزيادة باطلة ولو أن القاضي أو أمير العسكر قال استأجرته وأنا أعلم أنه لا ينبغي لي أن أفعل كان جميع الأجر في ماله كالقاضي إن أخطأ في قضاءه كان خطوؤه على المقضى وإن تعمد الجور كان ذلك عليه. ولو أن أمير العسكر استأجر قوماً مشاهرة لسوق الغنم والرماك حيثما يدور ولم يبين المكان جاز وله أن يزيده غنماً وورماكا بعدد رماكهم وغنمهم قدر ما يحتمله الأجير وحده. ولو قال أمير العسكر لمسلم أو ذمي إن قتلت ذلك الفارس فلك مائة درهم فقتله لا شيء له. ولو استأجر رجلاً بأن يقطع رؤوس القتلى من الكفرة بعشرة دراهم فقطع كان له الأجر عشرة دراهم لأن قتل الكافر طاعة فلا يصح الاستئجار عليه وقطع رؤوس القتلى ليس بطاعة فصح الاستئجار عليه ولو أ، أمير العسكر استأجر مسلماً أو ذمياً ليقتل أسيرا كافراً في أيديهم لا يجب الأجر لما قلنا. رجلان بينهما فرسان أراد أحدهما المهايأة وأبى الأخر لا يجبر(3/352)
<564>الأبي على الممهايأة في الركوب للقتال في قولهم وفي الركوب لغير القتال لا يجبر الآبي على التهايؤ قي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يستحق واحد منهما سهم فارس (فصل في الأمان ) إذا غزا المسلمون دار الحرب اختلفوا أنهم يدعون إلى الإسلام أو يقاتلونهم من غير دعوة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الدعوة أفضل فإن ترك الأمير الدعوة وقاتلهم وأغار عليهم وسبى نساءهم وصبيانهم وأحرق حصونهم جاز وإن ظفر بهم وأخذ دوابهم ولم يقدر على إخراجها كان له أن يقتل دوابهم ويحرق اللحوم ويدفن أسلحتهم تحت الأرض فإن وقع في قلوبهم أن الكفرة يجدون الأسلحة تحرق أسلحتهم وإن طلبوا الأمان أمنهم فإن جاءوا بأمان يدعوهم إلى الإسلام أو إلى قبول الجزية فإن أبوا ردهم إلى مأمنهم ثم يقاتلهم فإن أمنهم غير الإمام إن أمنهم حر مسلم رجل أو امرأة صح أمانه. وكذلك أمان المريض والشيخ الكبير الفاني لأنه من أهل القتال بمال أو برأي. ويصح أمان المكاتب والعبد الذي قاتل مع العسكر. ولا يجوز أمان المسلم التاجر في دار الحرب ولا أمان المسلم الأسير في أيديهم ولا أمان الذي أسلم في دار الحرب ولا أمان العبد الذي يكون مع المولى للخدمة. وقال محمد رحمه الله تعالى يجوز أمانه*ولا يصح أمان الصبي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى يبلغ*وقال محمد رحمه الله تعالى إذا كان مراهقاً صح أمانه* ولا يجوز أمان أهل الذمة إذا استعان المسلون بهم ولا أمان المجنون. إذا أسى العدو جارية للمسلم وأدخلها دار الحرب ثم دخل سيدها بأمان لا يحل له أن يغصبها منهم ويكره له أن يطأها لأنه يكون نقضاً للعهد ولو كان المولى أسيراً في أيديهم كان له أن يسرقها ويأخذ أموالهم وأن يقتلهم*ولو أن صفاً من المشركين قاتلوا المسلمين ومع المشركين أطفال ونساء أو مستأمنون من المسلمين أو من أسلم منهم في دار الحرب جاز للمسلمين أن يرموا إلى المشركين بضرب وبطعن ويقصد بذلك المشركين دون هؤلاء فإن أصاب سهمه هؤلاء وقتل لا تجب الكفارة ولا الدية. وكذا لو تترس المشركون بالصبيان والمسلمين لا بأس بالرمي إليهم ويقصدون به الكافرين دون المسلمين. وكذا لو وقف المشركون على سور مصر حاصره المسلون مع من ذكرنا جاز الرمي إليهم. وإن ظهر المسلمون على بلدة من بلاد أهل الحرب كان الإمام بالخيار إن شاء قتل الرجال إن لم يسلموا وسبى النساء والذرية وإن شاء استرق الكل وإن شاء تركهم أحرار أو ضرب الجزية عليهم وهو في أراضيهم بالخيار إن شاء ترك الأراضي في أيديهم عندنا ويضع الخراج على أراضيهم والجزية على رؤسهم. وليس للإمام أن يقسم الغنائم في دار الحرب عندنا وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى أحب إلى أن لا يقسم فإن قسمها في دار الحرب نفذت قسمته في قولهم*ولا يملك الغنائم قبل الإحراز عندنا*وعند<565> الشافعي رحمه الله تعالى يملك. وقسمة الغنائم في دار الحرب بناء على ذلك. وكذا لو مات واحد من الغانمين قبل إحراز الغنائم بدر الإسلام عندنا لا يورث نصيبه ويكون بين عامة الغانمين وعنده يورث نصيبه. وإذا لحقهم المدد قبل الإحراز عندنا يشاركهم المدد في تلك الغنائم وعنده لا يشاركهم كما لا يشاركهم بعد الإحراز. ولو فتح الإمام بلدة عنوة من بلاد الحرب وقسم فيها الغنائم قبل الإحراز بدار الإسلام جازت قسمته لأنه لما فتحها صارت تلك البقعة من دار الإسلام فإن قسم الأراضي والدور واسترق الرجال والنساء والذرية وقسم الكل بين الغانمين حاز في قولهم. ولو تركهم أحرار وأجر الدور والعقار منهم كل سنة بأجر معلوم جاز في قولهم ولو وضع الخراج على أراضيهم جاز أيضاً والغنيمة التي تقسم بين الغانمين ويجب فيها الخمس ما يصيبها الجيش من المسلمين. وأما ما أصابها اثنان أو ثلاثة على وجه السرقة ودخلوا بغير إذن الإمام يكون فيأ عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجب فيها الخمس عنده. ولا يجب الخمس فيما يأخذ من الكفر إلا بشرطين أحدهما أن يكونوا جماعة والثاني أن يكون دخول دار الحرب بإذن الإمام وعند صاحبيه ما أصابها اثنين أو ثلاثة أو أكثر يكون غنيمة يجب فيها الخمس إذن لهم الإمام أو لم يأذن.قوم من الكفار دخلوا دار الإسلام فلقيهم المسلمون وقاتلوهم وظهروا عليهم وأخذوا ما كان لهم ثم لحقهم قوم آخرون من المسلمين لا يشاركهم المدد فيما أصابوا. وكذا لو دخل المسلمون دار الحرب وفتحوا بلدة وقهروا أهلها ثم لحقهم المدد لا يشاركهم المدد لأن تلك البلدة صارت من بلاد الإسلام فلا يشاركهم المدد. ثلاثة لهم حظ في الغنيمة وإن لم يقاتلوا أحدهم المدد إذا لحق الجيش قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام فإنه يشارك الغانمين في الغنيمة عندنا. والثاني الغازي إذا مرض أو صار مجروحاً قبل شهود الواقعة وقبل الظفر ثم ظفروا فإنه يشارك الجيش في الغنيمة.والثالث إذا أسر الرجل من العسكر ووقع القتال بين العسكريين ولم يكن الأسير معه وغنموا ثم خرج الأسير قبل إحراز الغنيمة بالدار كان له السهم(3/353)
في الغنيمة.كذا لو خرج بعد الإحراز قبل القسمة فإنه يشارك العسكر ومن أسلم من أهل الحرب قبل القتال وقاتل الكفار معنا يضرب له السهم. يجوز له الانتفاع بالغنيمة قبل الإحراز بدار الإسلام بغير إذن الإمام منها تناول الطعام عند الحاجة بقدر حاجته. ومنها السلاح له أن يستعمله إذا لم يكن له سلاح نفسه ثم يرده إلى الغنيمة بعد الاستغناء ولبس الثياب عند الحاجة بمنزلة السلاح ومنها ركوب الدابة ثم يردها بعد الاستغناء. وإن باع شيئاً من هذه الأشياء لا يجوز بيعه ويرد الثمن إلى الغنيمة وإن أخرج طعام الغنيمة إلى دار الإسلام قبل القسمة رده إلى الغنيمة وإن أخرج الطعام وقد قسمت الغنائم فإن كان فقيراً فينتفع به لأنه بمنزلة اللقطة ولا شيء عليه إن كان فقيراً. وإن كان غيناً وانتفع به بعد الإخراج يتصدق به أو بقيمته. ولا بأس أن يدهن بزيت <566>أو سمن من الغنيمة أو يدهن دابته في دار الحرب يباح له ذلك كما يباح أكله. وإن لم يمن مأكولاً كذهن البنفسج ليس له أن ينتفع به في دار الحرب وعليه رده إلى الغنيمة لأنه بمنزلة الطيب. ولا يأخذ سلاح الغنيمة وفرس الغنيمة مع سلاحه وفرسه لأنه لا ضرورة إلى الانتفاع بالغنيمة والخشب يكون ذلك غنيمة ويجب فيه الخمس. وإن لم يكن له قيمة فهي لمن أخذه ولا خمس فيه لأنه بمنزلة الماء والكلا والتراب إذا لم يمن له قيمة فإن أخذ في دار الحرب ما له قيمة كالخشب ونحوه وعمل منه آلة ونحوها فإنه يرد إلى الغنيمة إذا لم تكن الصنعة متقومة لأنه مال متقوم في نفسه بغير عمل. وإن لم تكن للمأخوذ قيمة فعمل منه شيئاً كان المعمول له لأنه صار مالاً بعمله فلا يكون غنيمة. وإن اتلف في دار الحرب من الغنيمة ماله قيمة لا ضمان عليه وإن كان متقوماً لأنه لا يتأكد فيها حق الغانمين قبل الإحراز بدار الإسلام فيكون بمنزلة مال الحربي. ولا يجوز للتجار أن يأخذوا من الطعام والعلف وإن أتلفوا ذلك لا ضمان عليهم. وما يجوز الانتفاع به للمجاهدين عند الحاجة يجوز لصبيتهم الذين كانوا معهم ولنسائهم اللاتي كن معهم لمداوات المرضى والجرحى ويباح لرقيقهم أيضاً فأما الأجير للخدمة يباح له أن يأكل شيئاً من الغنيمة. فإذا ذبح الغازي غنم الغنيمة أو بقرها للأكل عند الحاجة رد جلدها إلى الغنيمة لأن الجلد ليس بمأكول ولا من العلف. فإذا خرجت سرية بغير تنفيل الإمام أو خرجوا في طلب العلف فما أصابوا يكون غنيمة يجب فيها الخمس لا تختص به السرية. وكذا لو قتلوا كافراً فسلبه يكون غنيمة فلا يختص بها القاتل عندنا. ويستحب التنفيل للإمام وأمير العسكر فإن نفل الإمام أو أمير العسكر وجعل له شيئاً من الغنيمة التي وقعت في أيدي الغانمين لا يجوز وإنما يجوز التنفيل مما كان قبل الإصابة. وإذا نفل الإمام وقال من أصاب شيئاً فهو له فأصاب واحد منهم شيئاً في دار الحرب كان له خاصة لا يجب فيه الخمس ولا يشاركه غيره في ذلك وإن مات في دار الحرب فما أصابه يكون ميراثاً عنه. ولو قال من أصاب جارية فهي له فأصاب رجل منهم جارية فاسبرأها بحيضة في درا الحرب لا يحل له وطؤها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يحل له وطؤها. ولو قال من قتل قتيلاً فله سلبه فقتل المسلم كافراً كان له سلبه والسلب دابة المقتول وسرجها وما عليها من الآلات وثياب المقتول وسلاحه وما معه من مال في حقيبته أو على وسطه أو دابته وكان عدا ذلك فليس بسلب. وكذلك ما كان مع غلامه على دابة أخرى فليس بسلب. ويجوز التنفيل بكل مال من الذهب ولا فضة وغير ذلك عندنا. وإن قال المنفق من أصاب شيئاً فله الربع أو النصف كان كما قال ولا خمس فيما سمي لهم. وإن بقي شيئاً مما لم يسم له ففيه الخمس فأربعة أخماسه لسائر الغانمين يشترك فيها المنتفل. ولو قال من أصاب شيئاً <567>فله الربع أو النصف بعد الخمس يجب الخمس فيما سمي له.(3/354)
(فصل في قسمة الغنائم)يبتغي للإمام أن يرفع من الغنية خمسها ويقسم هذا الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل. وإن صرف الخمس إلى صنف واحد من الأصناف الثلاثة جاز عندنا وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس فسقط ذلك عندنا بعد وفاته وعند الشافعي رحمه الله تعالى لم يسقط و يكون ذلك للإمام وسهم ذوي القربى ساقط عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لم يسقط. وعندنا لو صرف هذا السهم إلى ذوي القربى بعلة الفقر جاز ثم يقسم الأربعة الأخماس بين الجند. ولا ينبغي أن يقسم قبل الإحراز بدار الإسلام. فإذا قسم نفذت قسمته عند الكل ولو كانت الغنيمة من النقليات فلم يجد الإمام حمولة ينقلها فقسمها بين الجند جاز يعني يقسمها بينهم ليحملوها ثم يقسمها في دار الإسلام فإن لحقهم المدد في دار الحرب قبل قسمة الغنائم والإحراز وشاركهم في الإحراز شاركهم في الغنيمة ولا يشاركهم بعد الإحراز. ولا تنقطع مشاركة المدد إلا بثلاث أحدها إحراز الغنائم في دار الإسلام والثاني قسمة الغنائم في دار الحرب والثالث أن يبيع الإمام الغنيمة في دار الحرب فإن المدد لا يشارك الجيش في الثمن. إذا أخذ المسلمون غنيمة فلم يحرزوها حتى أتى عليهم العدو وأخذ الغنائم من المسلمين ثم جاء عسكر آخر وأخذوها من العدو كانت الغنيمة للآخرين دون الأولين ولو كان ذلك بعد الإحراز بدار الإسلام وجب على آخرين ردها على الأولين. الإمام إذا قسم الغنيمة ودفع الأربعة الأخماس إلى الجند وهلك الخمس في يده سلم للجند ما كان في أيديهم. وكذا لو دفع الخمس إلى أهله وهلك الأربعة الأخماس في يده سلم الخمس لأهله وهذا كالقاضي إذا عزل الثلث للوصية للمساكين ولم يدفع إليهم حتى هلك كان الهلاك على المساكين ولو أعطى الثلثين للورثة أو الثلث للمساكين فهلك الباقي هلك من مال صاحبه خاصة. ولو أن الإمام أودع بعض الغنيمة بعض الجند قبل قسمة الغنائم ولم يبين ما فعل حتى مات لم يضمن شيئاً .وإذا أراد الإمام قسمة الغنائم بين الغانمين يضرب للفارس سهمين سهم له وسهم لفرسه العربيات والبراذين فيه سواء وهو قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى يضرب للفارس ثلاثة أسهم وفي قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى لا يسهم لأكثر من فرس واحد وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يسهم بفرسين ومن دخل دار الحرب فارساً ثم أنفق فرسه وقاتل راجلاً كان له سهم الفرسان عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى إذا مات فرسه قبل شهود الواقعة لا يستحق سهم الفرسان وإن قتل إنسان فرسه قبل شهود الواقعة فضمنه القيمة فهو فارس. وإن غصبه غاصب وضمنه القيمة فهو راجل. ولو باع فرسه بعد<568>دخوله درا الحرب قبل إصابة الغنيمة فله سهم راجل. ولو باعه بعد الغنيمة فله سهم فارس. وكذا لو أجر فرسه أو وهبه أو أعاره وقاتل راجلاً فهو راجل. وإن استعار فرساً وجاوز دار الحرب وقاتل فله سهم الفرسان. وكذا إن استأجر فرساً ودخل دار الحرب فله سهم الفرسان. ولو دخل دار الحرب راجلاً ثم اشترى فرساً أو استعار أو وهب له وقاتل فارساً فله سهم راجل وقال الحسن رضي الله عنه إذا دخل دار الحرب راجلاً ثم اشترى فرساً أو وهب له أو استأجر أو استعار وقاتل فارساً فله سهم فارس. ولو غزا المسلمون في السفن ومعهم فرس فمن كان له فرس فله سهم فارس فهذا وما لو كانوا في البر سواء. (فصل فيمن يصلح لإمارة الجيش) ينبغي للإمام أن يؤمر على الجيش من كان خبيراً بأمور الحرب وتدبيرها كان من العرب أو الموالي. وإذا وليهم أمير فأمرهم الأمير بشيء لا يدرونه إنهم ينتفعون به أم لا كان عليهم طاعته مالم يأمرهم بالمعصية أو بما يكون فيه الهلاك غالباً فإن اختلفوا في ذلك منهم من يقول فيه الهلاك ومنهم من يقول فيه النجاة فعليهم طاعته لأن مخالفة الأمير حرام إلا إذا اتفق الأكثر أن فيه الهلاك فحينئذ يتبع رأي الأكثر ولو أن الإمام كتب إلى أمير العسكر إنّا ولينا فلاناً أمير العسكر يكون أميراً على حاله يجوز أمره ولا يكون الثاني أميراً قبل أن يصل إلى العسكر.ولو كتب إليه إ،ا قد عزلناك فوصل إليه الكتاب أو لم يصل فإنه يصير معزولاً وهو بمنزلة ما لو كتب الخليفة إلى أمير مصر إنا ولينا فلاناً كان للأول أن يصلي بهم الجمعة مالم يحضر الثاني ولو كتب إليه إ،ا عزلناك فوصل إليه الكتاب فليس له أن يصلي بالناس (فصل في استيلاء أهل الحرب على أموال المسلمين)ولو استولى أهل الحرب على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها عندنا فإن ظهر المسلمون عليهم بعد ذلك فوجده المالك القديم قبل القسمة أخذه بغير شيء وإن وجده بعد القسمة في يد من وقع في سهمه إن كان من ذوات القيم أخذه بقيمته إن شاء . وإن كان مثلياً لا يأخذه بعد القسمة فإن اشتراه مسلم منهم في دارهم وأخرجه إلى دار الإسلام أخذه المالك بالثمن إن شاء. وإن وهبه العدو من مسلم أخذه المالك القديم بالقيمة إن شاء ولو(3/355)
أبقى مملوك المسلم إلى دار الحرب ثم ظهر المسلمون عليهم فإن المالك القديم يأخذه قبل القسمة وبعدها بغير شيء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه رحمهما الله تعالى يأخذه بعد القسمة بالقيمة. ولو أبقى المكاتب أو أم الولد أو المدبر إليهم ثم ظهرنا عليهم ثم اشتراه رجل منهم أخذه المالك القديم بغير شيء على كل حال. وفي الحرب إذا اشتراه رجل منهم بأمره رجع المشتري <569>عليه بالثمن بمنزلة ما لو فداه ولو اشترى المسلم العبد المأسور منهم بخمر أو خنزير أخذه المالك القديم بقيمته إن شاء كما لو ملكه بالهبة. وإن اشتراه رجل مسلم منهم وأخرجه إلى دار الإسلام وباعه من آخر كان للمالك أن يأخذه من الثاني بالثمن الثاني وليس له أن ينقض البيع ويأخذه من المشتري الأول بالثمن الأول ولو أن المالك علم بإخراج مملوكه من دار الحرب فلم يطلب شهراً لا يسقط حقه وعن محمد رحمه الله تعالى أنه يسقط وإن مات المولى المأسور منه بعد إخراج المشتري كان للورثة أن يأخذوه على قول محمد رحمه الله تعالى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى ليس للورثة أن يأخذوه ولو اشترى الجارية المأسورة من العدو رجل فأخرجها إلى درا الإسلام ثم أسرها العدو وأحرزوها بدارهم ثم اشتراها رجل آخر منهم وأخرجها إلى دار الإسلام كان المشتري الأول أحق بالأخذ من المالك القديم حتى لو لم يأخذها المشتري الألو من المشتري الثاني لا يكون للمالك القديم أن يأخذها وإن أخذها المشتري الأول بالثمن الثاني كان للمالك القيم أن يأخذها من المشتري الأول بالثمنين كالموهوب له إذا رهب الهبة من غيره لا يكون للواهب الأول أ، يرجع في الهبة فإن رجع الموهوب له الأول كان للواهب الأول أن يرجع في الهبة.فإذا استولى العدو على أموالنا فظهر المسلمون عليهم قبل الإحراز بدارهم و واستردوا الأموال فإنها تكون لملاكهم بغير شيء ولو أسر الحربي عبداً مسلماً لمسلم وأحرزه بدار الحرب فأعتقه أو دبره أو كاتبه أو كانت جارية فاستولدها ثم ظهر المسلمون عليهم عتقوا جميعاً.
باب ما يكون إسلاماً من الكافر وما لا يكون(3/356)
الوثني أو الذي لا يقر بوحدانية الله تعالى إذا قال لا إله إلا الله يصير مسلما حتى لو رجع عن ذلك يقتل، ولو قال أنا مسلم يصير مسلما فإن قال إني أردت بأني مسلم أني على الحق لم يكن مسلما، واليهودي والنصراني إذا قال لا إله إلا الله لا يصير مسلما مالم يقل محمد رسول الله لأن اليهود والنصارى يقرون بوحدانية الله تعالى إلا أنهم ينكرون رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم فما لم يقر برسالته لا يصير مسلما، قالوا واليهود والنصارى اليوم بين ظهراني المسلمين إذا قال وحد منهم أشهد أن لااله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ عن دينه إن كان نصرانيا يقول أنا بريء من النصرانية وإن كان يهوديا يقول أنا بريء من اليهودية ومع ذلك يقول دخلت في دين الإسلام لأن من اليهود من يقرون برسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يقولون كان رسولاً إلى العرب لا إلى بني إسرائيل فلا يصير مسلما بإقراره برسالته وبوحدانية الله تعالى حتى يتبرأ عن دينه أو يقرّ أنه دخل في دين الإسلام، ولو قال اليهودي أو النصراني أنا مسلم أو قال أسلمت لا يحكم بإسلامه لأنهم <570/3> يقولون المسلم من يكون منقاداً إلى الحق مستسلما ونحن على الحق فإن قال أنا مسلم سئل عنه إن قال أردت به ترك دين النصرانية أو اليهودية والدخول في دين الإسلام يكون مسلما حتى لو رجع بعد ذلك يقتل، وإن قال أردت به أني مستسلم وأني على الحق لم يكن مسلما،فإن لم يسئل عنه حتى صلى بجماعة مع المسلمين يكون مسلما، وإن مات قبل أن يسئل وقبل أن يصلي بجماعة فليس بمسلم، وعن الحسن بن زياد رحمه الله تعالى إذا قال الرجل للذمي أسلم فقال أسلمت كان مسلما لأنه خاطبه بجواب ما كلفه به فكان إسلاما، ولو قال اليهودي أو النصراني لاإله إلا الله محمد رسول الله تبرأت من اليهودية ولم يقل مع ذلك ودخلت في دين الإسلام لا يحكم بإسلامه حتى لو مات لا يصلى عليه لاحتمال أن متبرئا عن اليهودية داخلا في النصرانية ، وإن قال مع ذلك دخلت في دين الإسلام فحينئذ يحكم بإسلامه، وعن بعض المشايخ إذا قال اليهودي دخلت في دين الإسلام يحكم بإسلامه وإن لم يقل تبرأت عن اليهودية لأن قوله دخلت في الإسلام إقرار منه بدخول حادث في الإسلام، أما المجوسي إذا قال أسلمت أو قال أنا مسلم يحكم بإسلامه لأنهم لا يدعون لأنفسهم وصف الإسلام بل يعدونه شتمة فيما بينهم، كافر لم يقر بالإسلام إلا أنه صلى مع المسلمين بجماعة يحكم بإسلامه لأن المشركين لا يصلون بالجماعة على هيئة جماعة المسلمين فيحكم بإسلامه حتى لو أنكر يصير مرتدا وإن صلى وحده لا يحكم بإسلامه، وروى داوود بن رشيد عن محمد رحمهما الله تعالى أنه يكون مسلما إذا صلى إلى قبلة المسلمين، وقال الناطفي رحمه الله تعالى إذا صلى الكافر صلاة في وقتها بجماعة أو وحده متوجها إلى الكعبة يصير مسلما، وإن لم يكن متوجها ولا في وقتها لا يصير مسلما، ولو صلى الجمعة معنا يصير مسلما ولو اقتدى بمسلم وصلى خلفه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يحكم بإسلامه، ولو أمّ الذمي المسلمين لا يحكم بإسلامه ولو شهد قوم على كافر أنه صلى معنا صلاة واحدة في جماعة صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا قال الناطفي رحمه الله تعالى جعلته مسلما قالوا كان إماما أو غير ذلك، وإن شهدوا أنه كان يؤذّن ويقيم قال جعلته مسلما سواء كان الأذان منه في الحضر أو في السفر، وإن قالوا سمعناه يؤذّن في المسجد قالوا لا يحكم بإسلامه حتى يقولوا يؤذّن للمسجد، وإن قالوا رأيناه يصلي سنة ولم يقولوا في جماعة وقال الرجل صليت صلاتي لا تقبل شهادتهم حتى يقالوا صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وعن بعض المشايخ إذا أذّن الكافر في وقت الصلاة يصير مسلما، وكذا لو صلى صلاة في وقت الصلاة في جماعة، فإن أذّن في غير الوقت لا يصير مسلما، وإن صام أو حج أو أدى الزكاة لا يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية، وروى داوود بن رشيد عن محمد رحمهما الله تعالى إن حج البيت على الوجه الذي يفعله المسلمون بأن رأوه تهيأ للإحرام ولبى وشهد المناسك <571/3>مع المسلمين يكون مسلما، وإن لبى ولم يشهد المناسك أو شهد المناسك ولم يلب لم يكن مسلما، وإن شهد واحد وقال رأيته يصلي في المسجد الأعظم في جماعة وشهد آخر وقال رأيته يصلي في مسجد كذا تقبل شهادتهما ويجبر على الإسلام، وإذا قال الوثني أشهد أن محمدا رسول الله يكون مسلما كما لو قال أشهد أن لا إله إلا الله، وكذا لو قال أنا مسلم أو قال أنا على دين محمد صل الله عليه وسلم أو قال أنا على الحنيفية أو أنا على الإسلام يحكم بإسلامه ولو مات يصلى عليه لأن هذه الألفاظ دليل على الإسلام ظاهرا وبناء الأحكام على الظاهر، كافر لقن كافرا آخر الإسلام لم يكن مسلما، وكذا إذا علمه القرآن وكذا إذا قرأ القرآن، صبيّ وقع من الغنيمة في سهم رجل في دار الحرب أو بيع منه ومات يصلى عليه لأنه يصير مسلما حكما تبعا لمولاه وإن(3/357)
سبي الصبي أو الصبية فمات في دار الحرب فهو على دين أبويه وإن أدخل في دار الإسلام فإن كان معه أبواه أو أحدهما فهو على دينهما وإن مات الأبوان بعد ذلك فهو على ما كان عليه، وإن لم يكن معه واحد منهما حين أدخل دار الإسلام يصير مسلما تبعا للدار أو للمولى، ولو أسلم أحد الأبوين في دار الحرب يصير الصبي مسلما تبعا لإسلامه، وكذا لو أسلم أحد الأبوين في دار الإسلام ثم سبي الصبي بعد ذلك من دار الحرب وصار في دار الإسلام كان مسلما، إسلام الصبي العاقل صحيح استحسانا عندنا حتى لا يرث من أقاربه الكفار ويصلى عليه إذا مات وتبين منه امرأته المجوسية، وارتداده ارتداد استحسانا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إلا أنه يجبر على الإسلام على أحسن الوجوه ولا يقتل،حربي أسلم في دار الحرب ولم يعلم بالشرائع كالصلاة والصوم ونحوهما ثم دخل دار الإسلام أو مات لم يكن عليه قضاء الصوم والصلاة قياسا واستحسانا ولا يعاقب عليه إذا مات، ولو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بالشرائع يلزمه القضاء استحسانا ذكره محمد رحمه الله تعالى في صلاة الأصل
باب ما يكون كفرا من المسلم وما لا يكون(3/358)
إذا قال العدو لمسلم لتكفرن وإلا قتلتك فخاف القتل على نفسه وسعه أن يجري كلمة الكفر على لسانه إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، ولو قيل للمسلم اسجد للملك وإلا قتلتك لا بأس أن يسجد للملك سجود التحية و التعظيم لا سجود العبادة لأن سجود التعظيم لا يكون كفرا عرف ذلك بأمر الله تعالى الملائكة سجود آدم عليه السلام والله لا يأمر أحدا بعبادة غيره وكذلك أخوة يوسف سجدوا ليوسف عليه السلام، مسلم دعا على غيره فقال بالفارسية خدايا جان وى بكافرى ستاد، اختلفوا فيه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لم يكن ذلك كفرا، وذكر محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير إذا أدخل المسلم خشبة في فم الكافر الأسير حتى لا يمكنه التكلم بالإسلام قال محمد رحمه الله تعالى قد أساء ولم يقل قد كفر قال الله تعالى ((واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)) ، رجل حلف وقال والله يعلم أني ما فعلت كذا وهو يعلم أنه فعل اختلف المشايخ فيه حكي عن <572/3> الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد رحمه الله تعالى قال وجدت رواية في هذا أنه يكفر وكذا لو صلى إلى غير قبلة عمدا وجدت فيه رواية أنه يكفر، وقال بعضهم إذا قال الله يعلم أني لم أفعل كذا وهو يعلم أنه فعل لا يكون كفرا، والأول أصح، ولو قال إن كان الله يعلم أني قد فعلت كذا فالله غير عالم وقد كان فعل ذلك ويعلم به قالوا يكون ذلك كفرا وهذا أفحش من الأول، وإن قال مسلم هو مجوسي إن كنت فعلت كذا وهو يعلم أنه فعل اختلفوا فيه أيضا على الوجه الذي ذكرنا، ولو صلى بغير طهارة عمدا قال الصدر الشهيد حسام الأئمة يكون كفرا وفي الصلاة إلى غير القبلة عمدا قال لا يكون كفرا، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الصلاة بغير الطهارة عمدا معصية ولم يقل كفرا، وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى يكون كفرا عند أكثر المشايخ قال وهكذا روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى في النوادر وقال في ظاهر الرواية لا يكون كفرا قال رضي الله عنه وإنما اختلفوا إذا لم يكن على وجه الاستخفاف بالدين فإن كان على وجه الاستخفاف بالدين ينبغي أن يكون كفرا عند الكل، إذا لقن الرجل رجلا كلمة الكفر فإنه يصير كافرا وإن كان على وجه اللعب، وكذا إذا أمر الرجل امرأة الغير أن ترتدّ وتبين هي من زوجها فإنه يصير هو كافرا هكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى، وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن من أمر رجلا أن يكفر كان الآمر كافرا كفر المأمور أو لم يكفر، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا علّم الرجل رجلا كلمة الكفر يصير كافرا إذا علّمه وأمره بالارتداد، وكذا فيمن علّم المرأة كلمة الكفر إنما يصير هو كافرا إذا أمرها بالارتداد لأنه رضي بكفر المأمور ومن رضي بكفر الغير يصير كافرا، رجل ضرب امرأته فقالت المرأة لست بمسلم فقال الرجل هب أني لست بمسلم قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يصير كافرا بذلك فقد حكي عن بعض أصحابنا أن رجلا لو قيل له ألست بمسلم فقال لا لا يكون ذلك كفرا لأن قول الناس ليس بمسلم معناه أن أفعاله ليست من أفعال المسلمين، وقال الشيخ الإمام الزاهد رحمه الله تعالى إذا لم يكن ذلك كفرا عند بعض الناس فقوله هب أني لست بمسلم أبعد من ذلك قال إذا طالت المشاجرة بين الزوجين فقال الرجل لامرأته خافي الله تعالى واتقيه فقالت المرأة مجيبة له لا أخافه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان الزوج عاتبها على معصية ظاهرة ويخوفها من الله تعالى فأجابته بهذا تصير مرتدة وتبين من زوجها، وإن كان الزوج عاتبها على أمر لا يخاف فيه من الله تعالى لم تكفر إلا أن تريد بذلك الاستخفاف فتبين من زوجها، رجل أراد أن يضرب غيره فقال له ذلك ألا تخاف الله تعالى فقال لا روي عن محمد رحمه الله تعالى أنه سئل عن هذا فقال لا يكفر لأن له أن يقول التقوى فيما أفعل، وإن كان رآه على معصية فقيل له ألا تخاف الله تعالى قال لا يصير كافرا لا يمكنه<573/3>التأويل وكذا إذا قيل لرجل ألا تخشى الله تعالى فقال له في حالة الغضب لا يصير كافرا، رجل قال هو يهودي أو نصراني أو برئ من الله أو من الإسلام إن فعلت كذا كان يمينا فإن باشر الشرط هل يصير كافرا اختلفوا فيه، و كذا لو حلف على أمر ماض بأن قال هو يهودي أو نصراني أو برئ من الله تعالى أو من الإسلام إن كنت فعلت كذا أمس وقد كان فعل فإن كان ناسيا لا يعلم أنه كان فعل أو لم يفعل لا يصير كافرا عند الكل وإن كان يعلم أنه قد فعل ذلك هل يصير كافرا قال أكثر المشايخ أنه يصير كافرا، وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الأصح أنه إن كان الرجل يعرف هذا يمينا و لا يكفر به لا يكون كافرا لا في الماضي و لا في المستقبل، وإن كان جاهلا أو كان عنده أنه كفر ففي الماضي يكفر في الحال وفي المستقبل إذا باشر الشرط يصير كافرا لأنه لما باشر الشرط وعنده أنه يكفر(3/359)
فقد رضي بالكفر والرضا بالكفر كفر، رجل كفر بلسانه طائعا وقلبه على الإيمان يكون كافرا ولا يكون عند الله تعالى مؤمنا، رجل قال استقبلني أمر أردت أن أكفر يصير كافرا، رجل قال لغيره بالفارسية كبر كي به أزين كاركه تومى كنى قالوا إن أراد به تقبيح ذلك الفعل لا يكفر، رجل قال للمؤذن حين أذن كذبت يصير كافرا، رجل قال إني أحتاج إلى كثرة المال الحرام والحلال عندي سواء لا يحكم بكفره، سكران ضرب امرأته فقالت تو مسلمان نيستى كه مرا جنين مى زنى فقال لا ثم طلقها ثلاثا قالوا يقع الثلاث لأنه إن لم يكن سكرانا فالثلاث واقع وإن كان سكرانا فردّة السكران لا تصح استحسانا فيقع الثلاث على كل حال، امرأة قالت لزوجها إن لم تطلقني تمجست تصير مرتدة وهذا إذا أرادت الحال لأنها لما أرادت الحال فقد باشرت الكفر وعن أبي نصر بن أبي سلام امرأة قالت لزوجها طلقني وإلا كفرت قال يجدد النكاح، نصراني أسلم فمات أبوه بعد ذلك فقال ليتني لم أسلم إلى هذا الوقت حتى أرث منه فإنه يصير مرتدا لأنه تمنى الكفر وذلك كفر، رجل قال لغيره صلّ المكتوبة فقال لا أصليها اليوم اختلفوا فيه ذكر الناطفي عن محمد رحمهما الله تعالى أنه قال قول الرجل لا أصلي يحتمل وجوها أربعة، أحدها لا أصلي فقد صليتها، والثاني لا أصلي بقولك فقد أمرني من هو خير منك، والثالث لا أصلي فسقا ومجانة ففي هذه الوجوه الثلاث لا يكفر، والرابع لا أصلي فليس تجب علي الصلاة ولم أومر بها يعني جحودها يصير كافرا، قال الناطفي رحمه الله تعالى فعلى هذا إذا أطلق وقال لا أصلي لا يكفر لأن هذا اللفظ محتمل، رجل مات غلامه فجزع وقال يارب تأخذ ممن له واحد ولا تأخذ ممن له عشرة وأنا في جمع المال أجتهد وكان لك أن تأخذ قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى أرجو أن لا يصير كافرا لأنه لم يصف الله تعالى بالظلم لأن الظلم أن لا يأخذ ما ليس له والدنيا والآخرة كلها لله تعالى، امرأة مات ولدها فقالت همى يكى دادى بازهمين ستدى قال الشيخ الإمام الزاهد رحمه الله تعالى أنها لا تكفر فإن لله تعالى ما أعطى ولله تعالى ما أخذ، <574/3>مريض امتد مرضه واشتد عليه فقال إن شئت توفني مسلما وإن شئت توفني كافرا قال واحد من العلماء يصير مرتدا، وكذا الرجل إذا ابتلي بمصيبات فقال أخذت مالي وأخذت ولدي و أخذت كذا وكذا فماذا تفعل أيضا وماذا بقي لم تفعله وما أشبه ذلك من الألفاظ أجاب هذا القائل وقال بأنه يكفر قيل له لو كان هذا المريض قال ذلك من غير قصد فأجاب وقال إنما يجري على لسانه حرف واحد ونحو ذلك إنما مثل هذه الكلمات الطويلة لا تجري على لسانه من غير قصد فلا يصدّق، رجل قال بارخداى روزى بر من فرخ كن نابازركنى من روند كن يا بر من جورمكن قال أبو نصر الدبوسي يصير كافرا بالله تعالى لأن الله تعالى لا ينسب إلى الجور فمن فعل ذلك فقد كفر، قيل لامرأة توحيد داني فقالت لا قال بعضهم إن أرادت أن لا تعرف التوحيد الذي يقوله الصبيان في المكتب لا يضرها وإن أرادت أنها لا تعرف وحدانية الله لم تكن مؤمنة فلا يصح نكاحها، وإذا تمنى الرجل لنبي من الأنبياء أن لا يكون نبيا قالوا إن أراد أنه لو لم يبعث نبيا لا يكون خارجا عن الحكمة لا يكون كفرا، وإن أراد به الاستخفاف والعداوة كان كفرا، ولو قال بالفارسية اكر فلان بيغامبر بعدى بوى منكر بودمى لو أراد به أنه لو كان رسول الله لم يؤمن به كان كفرا كما لو قال لو أمرني الله بكذا وكذا لا أفعل أو قال لا أومن به أو قال لو أمرني الله تعالى بعشر صلوات لا أفعل أو قال لو كان القبلة في هذه الناحية لم أصلّ كان كافرا في جميع هذه الكلمات، إذا عاب الرجل النبي عليه السلام في شيء كان كافرا، قال بعض العلماء لو قال شعر النبيّ صلى الله عليه وسلم شعرا فقد كفر وعن أبي حفص الكبير رحمه الله تعالى من عاب النبي عليه السلام بشعرة من شعراته فقد كفر، وذكر في الأصل أن شتم النبيّ صلى الله عليه وسلم كفر، ولو قال جن النبي عليه السلام ذكر في نوادر الصلاة أنه كفر ويجوز أن يقال أغمي على النبي عليه الصلاة والسلام،وعن ابن مقاتل رحمه الله تعالى من أنكر نبوة الخضر عليه السلام وذي الكفل عليه السلام قال كل من لم يجمع الأمة على أنه نبي لا يضره إن جحد نبوته، ومن زعم أن المعوذتين ليستا من القرآن ذكر في النوازل أنه لا يكون كافرا، ومن تمنى أن الله تعالى لا يكون حرم الخمر قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا يكون كافرا لأن الخمر كانت حلالا في الأصل، وكذا الربا ونكاح المحارم، ولو تمنى أن الله تعالى لو لم يفرض صوم رمضان لما شق عليه لا يكون كافرا كذا قال الشيخ الإمام أبو بكر البلخي والشيخ أبو بكر محمد بن الفضل رحمهما الله تعالى أنه لا يكون كفرا إذا نوى أنه لا يمكنه أداء حقوقه، ولو تمنى أن الأكل فوق الشبع لا يكون حراما كان كفرا إلا ِِأن إباحته لا تليق بالحكمة، ولو قال إن هذه الطاعات جعلها الله عذابا علينا(3/360)
إن نوى أن طاعتها مشقة علينا لا يكون كفرا، ولو قال لو لم يفرض الله تعالى علينا هذه الطاعة كان خيرا لا يكون كفرا إن تأوّل ذلك وتأويله ما قلنا، ولو تمنى أنه لم يحرم الزنا أو الظلم أو القتل بغير<575/3> حق أو اللواطة قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى هو كفر لأن إطلاق هذه الأفعال خروج عن الحكمة والعدل، رجلان اختصما في شيء فقال أحدهما لصاحبه يا ابن الزانية وهركه خدئرا يا بن نام است وكان اسم المشتوم محمدا قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى لم يكن كفرا لأن أوهام الناس لم تنصرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يكن كفرا مالم ينوه، رجلان بينهما خصومة فقال أحدهما لصاحبه فردبان بنه وباسمان برو و باخداى جنك كن قال أكثرهم لا يكون كفرا، ولو قال شو و باخداى جنك كن قال بعضهم يكون كفرا وإليه مال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى، وقال الشيخ الإمام أبو بكر بن حامد رحمه الله تعالى لا يكون كفرا و الأحوط تجديد النكاح، ولو أن رجلا طالب رجلا بحق وقال بالفارسية اكروى خداى جهان است ازوى بستانم قال الشيخ أبو القاسم رحمه الله تعالى يصير مرتدا لأنه ادعى أنه يغلب الله تعالى، وقال بعضهم لا يكون كفرا لأن المراد من هذا الكلام في العرف التهويل دون التحقيق ، ولو قال اكر فلان ببغامبر است ازوى بستانم لا يكون كفرا لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم يطالب بأداء الحق ويستوفي منه، رجل قال لغيره أعطني حقي وإلا أخذتك يوم القيامة فقال المخاطب تومر اكجايابى ديها ان ابنوهى قال الشيخ الإمام أبو بكر البلخي لم يكن هذا كفرا، رجلان تخاصما فقال أحدهما الله تعالى يحكم بيني وبينك وقال الآخر بالفارسية خدائرا حاكمى مرابشايد أو قال حاكمى تراشايد قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يصير مرتدا لأن الله تعالى يحكم بين عباده جميعا القوي والضعيف والشريف والدنيء في حكمه واحد، رجل وضع ثيابه في موضع وقال سلمتها إلى الله تعالى وقال غيره سلمتها إلى من لا يمنع السارق إذا سرق قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يصير كافرا، رجل بينه وبين غيره خصومة فقال رجل حكم خدائى جنين است فقال آخر من حكم خدائرا جه دانم قال أبو القاسم رحمه الله تعالى هو كفر لأنه استخفاف بأمر الله تعالى، رجلان بينهما خصومة فقال أحدهما للآخر بياتا بعلم رويم فقال الآخر من علم جه دانم قال أبو بكر القاضي يكفر المجيب لأنه استخف بالعلم، رجلان بينهما خصومة فجاء أحدهما بخطوط الفقهاء والفتوى فقال الخصم ليس كما أفتوا أو قال لا تعمل بهذا وهما من عرض الناس كان عليه التعزير، رجل قال قصعة ثريد خير لي من الله تعالى لا يكون كفرا لأنه يراد بهذا أن هذه نعمة من الله تعالى، رجل قال لعالم إير الحمار في علمك إن أراد به علم الدين كان كافرا، رجل قال اكر ما دروغمى كريم خداى دروغ ميكويد لا يكفر لأن المراد بهذا أن الله تعالى لا يكذب، رجل قال في غضب لامرأته ان روسى كه ترازادو آن بغاكه تراكشت وان خداى كه ترا آفريد قال بعضهم يكون كفرا، وسئل أبو نصر الدبوسي رحمه الله تعالى<576/3> عن هذا فتأمل في ذلك أياما ولم يجب، قال رضي الله عنه الظاهر أنه يكون كفرا، رجل قال لامرأته يا كافرة فقالت أنا كافرة فطلقني قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى هذه ردة وتجبر على الإسلام وتجديد النكاح والعود إلى الزوج، ولو قال لامرأته يا كافرة فقالت لا بل أنت لا يقع بينهما فرقة،رجل تزوج امرأة بغير شهود فقال الرجل والمرأة خدائرا وبيغامبر مراكواه كرويم قالوا يكون كفرا لأنه اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وهو ما كان يعلم الغيب حين كان في الأحياء فكيف بعد الموت، رجل قال أنا أعلم المسروقات قال الشيخ الإمام محمد بي الفضل هذا القائل ومن صدقه يكون كافرا قيل له فإن قال هذا القائل أنا أخبر بأخبار الجن إياي بذلك قال هو ومن صدقه يكون كافرا بالله لقوله عليه السلام من أتى كاهنا فصدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد لا يعلم الغيب إلا الله لا الجن ولا الإنس يقول الله في الإخبار عن الجن ((فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)) ، نصراني أتى مسلما فقال أعرض علي الإسلام حتى أسلم عندك فقال اذهب إلى فلان العالم حتى يعرض عليك الإسلام فتسلم عنده اختلفوا فيه، قيل يكفر لأنه رضي بكفره بعض الأوقات وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا يصير كافرا لأن العالم يهتدي إلى ما لا يهتدي غير العالم، رجل قال لغيره أي بارخدائى من قال بعضهم يكفر وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن أراد به أي مهنز من لا يكفر لأن هذا اللفظ يذكر ويراد به ذلك ولو قال أي خدائى من يكون كافرا، امرأة قالت لزوجها لوسر خداى دانى فقال نعم قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يكفر(3/361)
الرجل لأن السر و الغيب واحد ومن ادعى علم الغيب كان كافرا، وعن شداد بن حكيم رحمه الله تعالى أن امرأته بعثت إلى زوجها السحور في رمضان على يدي الخادم فأبطأت الخادم في الرجوع إلى المرأة فاتهمت المرأة فقال شداد لم يكن بيننا شيء فطال الكلام بين شداد وبين امرأته فقال شداد بن حكيم لامرأته تعلمين الغيب فقالت نعم فكتب به شداد إلى محمد بن الحسن وكان هو من أصحاب زفر رحمه الله تعالى فأجاب محمد أن جدد النكاح فإنها كفرت، رجل استحل الجماع في حالة الحيض قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى استحلال الجماع في الحيض كفر وفي الإستبراء بدعة وضلال وليس بكفر، وعن إبراهيم بن رستم إن استحل الجماع في الحيض متأولا أنّ النهي ليس للتحريم أو لم يعرف النهي لا يكفر لأنه إن عرف أن النهي للتحريم ومع ذلك استحل الجماع فيه كان كافرا وعن شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أن استحلال الجماع في الحيض كفر من غير تفصيل،رجل قال عبد العزيز عبد الخالق عبد الغفار عبد الرحمن بإلحاق الكاف في آخر الاسم قالوا إن قصد ذلك يكفر وإن جرى على لسانه من غير قصد أو كان جاهلا لا يكفر وعلى من سمع ذلك منه أن<577/3> يعلمه الصواب وهذه فصول عشرة، أحدها أن إسلام الصبي العاقل والصبية عندنا صحيح، وكذا إسلام المعتوه الذي يعقل الإسلام ويعرف الحق من الباطل إسلام عندنا، وكذا إسلام المكره إسلام عندنا إن كان حربيا وإن كان ذميا لا يكون إسلام، ومنها كفر المكره إن أكره بقيد أو حبس فكفر يكون كافرا، وإن أكره بالقتل أو إتلاف عضو أو بضرب مؤلم وقلبه مطمئن بالإيمان لا يكون كفرا استحسانا، وأما كفر السكران إن كان يعرف الخير من الشر والأرض من السماء فكفره يكون كفرا في الأحكام، و إن كان لا يعرف الأرض من السماء و الخير من الشر لا يكون كفرا عند علمائنا، وكفر المراهق كفر عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تحرم امرأته و لا تحل ذبيحته و لا يصلى عليه إن مات إلا أنه لا يقتل بالردة وأما ردة المعتوه والمجنون لم تذكر في الكتب المعروفة قال مشايخنا رحمهم الله تعالى هو في حكم الردة بمنزلة الصبي، وأما الجاهل إذا تكلم بكفر ولم يدر أنه كفر اختلفوا فيه قال بعضهم لا يكون كفرا ويعذر بالجهل، وقال بعضهم يصير كافرا و لا يعذر بالجهل، وأما الهازل و المستهزئ إذا تكلم بالكفر استخفافا ومزاحا واستهزاء يكون كفرا عند الكل وإن كان اعتقاده خلاف ذلك، وأما الخاطئ إذا جرى على لسانه كلمة الكفر خطأ بأن كان أراد أن يتكلم بما ليس بكفر فجرى على لسانه كلمة الكفر خطأ لم يكن ذلك كفرا عند الكل بخلاف الهازل لأن الهازل يقول قصدا إلا أنه لا يريد حكمه و الخاطئ من يجري على لسانه من غير قصد كلمة مكان كلمة، قوم اتخذوا الخوارت لأجل النيروز وقدوم الحاج قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى ذلك لهو ولعب فلا يكون كفرا، رجل ذبح لوجه إنسان في وقت الخلعة والتهاني في الخوارات وما أشبه ذلك قال الشيخ الإمام أبو بكر هذا هو كفر والمذبوح ميتة لا تؤكل، وقال الشيخ إسماعيل الزاهد رحمه الله تعالى إذا ذبح الإبل والبقر في الخوارات لقدوم الحاج أو الغزاة قال جماعة من العلماء يكون كفرا وأما أنا فأقول يكره ذلك أشد الكراهة و لا يكون كفرا، رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يشتره في غير ذلك اليوم إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه الكفرة يكون كفرا و إن فعل ذلك لأجل السرف والتنعم لا لتعظيم اليوم لا يكون كفرا وإن أهدى يوم النيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم وإنما فعل ذلك على عادة الناس لا يكون كفرا، وينبغي أن لا يفعل في هذا اليوم ما لا يفعله قبل ذلك اليوم ولا بعده وأن يحترز عن التشبه بالكفرة، وعن الإمام أبي جعفر الكبير رحمه الله تعالى إذا عبد الرجل خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد به تعظيم يوم النيروز فقد كفر بالله وحبط عمله،وإذا اتخذ مجوسي دعوة لحلق رأس ولده وجز ناصيته فأجاب مسلم وحضر دعوته لا يكون كفرا والأولى أن لا يفعل ولا يوافقهم <578/3>على مثل ذلك، مسلم وضع على رأسه قلنسوة المجوس قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يكفر بذلك قال رضي الله عنه وهذا الجواب إنما يصح إذا فعل ذلك ضرورة ولا يعتقد أنه يصير به كافرا فإن فعل ذلك وظن أنه يصير به كافرا أو يقصد به الاستخفاف في الدين فإنه يصير كافرا وعن عبد الله بن أبي حفص رحمه الله تعالى أنه قال إن فعل ذلك يريد به تقبيح فعلهم لا يكون كفرا،(3/362)
ومن ألفاظ الكفر بالفارسية، رجل قال لغيره ويدارتو بر من جنانستكه جون ديدار ملك الموت اختلفوا فيه قال أكثرهم يكون كفرا وقال بعضهم لا يكون كفرا و قال بعضهم إن قال ذلك لعداوة ملك الموت يصير كافرا وإن قال ذلك لكراهة الموت لا يصير كافرا، رجل قال فلان رامصيبت رسيدا قال بعضهم يكون كفرا، وقال بعضهم لا يكون كفرا وهو الصحيح، رجل قال فلان بجشم من جنان أست كه جون جهود بجشم خداى يكون كفرا، رجل قال لصاحب المصيبة هرجه أزجان وفى يكاست بجان وزند كافى توزيادة كناد فهو خطأ عظيم و لا يكون كفرا إلا أن عند أهل السنة والجماعة لا يموت أحد قبل أجله و لا يتأخر موته عن أجله، رجل قال فلان جان نجواجه دار يكون كفرا، رجل قال فلان بيمارنمى شودتن درست مى بأشد وفي فراموش كرده خداست يكون كفرا لأن الله تعالى لا يوصف بالنسيان، رجل قال خدائى براسمان ميدا ندكه من جينرى بدارم يكون كفرا لأن الله تعالى منزّه عن المكان، رجل قال مرابراسمان خدا است وبرزمين تو يكون كفرا لما قلنا، رجل قال دست خداى درأ زاست يكون كفرا عند البعض وعند بعضهم لا يكون كفرا إذا لم يرد به الجارحة مظلوم قال يارب ابن ستم أروى ميسند قال بعضهم يكون كفرا وقال بعضهم لا يكون كفرا لأنه يريد بهذا اللفظ طلب النجاة عن ظلمه والخلاص عنه،ولو قال هداي برنوستم جتانكه توبر من ستم كردى يكون كفرا عند الكل، رجل قال أكردررون حشر خدائى مراد أدوهد من داد أزوى بستانم قالوا يكون كفرا لأنه شك في عدله، رجل توجه عليه اليمين فأراد أن يحلف بالله تعالى فقال المستحلف سو كندم بخدائى مخواهم سوكند بطلاق و عتاق خواهم اختلفوا فيه، قال بعضهم يكفر المستحلف وقال بعضهم لا يكفر فإن قال سوكند مغلظة خواهم لا يكون كفرا، مجوسي طلب من مسلم أن يعرض عليه الإسلام فقال المسلم من نمى دانم قالوا يكون كفرا، وهكذا لو قال ليهودي أو نصراني أي صفت ترسائى جبيست فقال النصراني لا أدري يكون مرتدا، وكذا لو قيل لمسلم صفت مسلما في جيست بكو فقال لا أدري لا يكون مسلما عند عامة العلماء، رجل مات فقال رجل إخر خدائى رابا بسته تربود يكون كفرا،رجل يظلم غيره فقيل له أزخداى نمى ترسى أو يقال له أريقا مت <579/3> نمى ترسى فقال لا يكون كفرا، رجل قال لمن وجبت عليه الزكاة أدّ الزكاة فقال لا أؤدي قالوا يكون كفرا، قيل هذا إذا قال ذلك على وجه الرد و الجحود للزكاة، رجل قال تأسر فلان يسزاست مرا كمى نبنى داو قال تأ أين دو بازوى من بجاى أست مراجيزاى كم نيايد قالوا يكون كفرا، رجل قال خوار باركران مى خواهدا وقال خوار باراز بهرآن خريدم كه كران خواهد شد اختلفوا فيه قال بعضهم يكون كفرا لأنه ادعى علم الغيب، وقال بعضهم لا يكون كفرا لأنه إنما قال ذلك بناء على الدليل لا أنه يدعي علم الغيب، صاحت الهامة فقال أحد يموت رجل أو قال رجل أزمرك كسى خير ميدهد قال بعضهم يكون كفرا، وقال بعضهم لا يكون كفرا لأن هذا إنما يقضي على وجه التفاؤل، رجل خرج إلى السفر فصاح العقعق فرجع فهو على هذا الخلاف أيضا، رجل قال حوش كارى أست في نمازى قالوا يكون كفرا، رجل قال لغيره مرابحق يارى ده قال بحق هركس يارى دهد من بظلم وناحق يارى دهم قال بعضهم يكون كفرا و قال بعضهم لا يكون كفرا، رجل قال لغيره بخانه فلان رو وأمر معروف كن فقال فلان در حق من جه جفا كردة كه ويرا أمر معروف كنم قالوا يكون كفرا، رجل له على رجل عشرة دراهم فقال صاحب الدين للمديون أين ده كانه بدين جهان بده كه بدان دهان ان جهانيانى فقال له المديون ديكر بده تأهر بيست بقيامت يازدهم قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يكفر المديون لأن هذا استخفاف منه بالقيامة، وقال غيره من المشايخ لا يكفر، رجل قال لامرأته خانه جنان باك كمن دون والسماء والطارق قالوا يكون كفرا، وقال الشيخ الإمام أبو اسحاق رحمه الله تعالى إن كان الرجل جاهلا لا يكفر وإن كان عالما يكفر، رجل قال لغيره جهود به أزتو وقال للنصراني مغ به أزتو لا يكون كفرا لأنه يراد بهذا الشتم و تقبيح الأفعال، رجل قال لغيره أي مغ أو قال أي ترسا أو قال أي جهود لا يكون كفرا عند أكثر العلماء وإن قال المخاطب توئى أو سكت المخاطب لا يكفر المخاطب، وإن قال المخاطب هم جنين أم يكفر المخاطب، رجل قال لغيره وراخداى أفريدة أست وأرنيش خويش رانده قال أكثر المشايخ يكون كفرا وقال بعضهم لا يكون كفرا، رجل قال لامرأته يا كافرة فقالت أكر جنين نيمى مراندارى تكفر المرأة ولو قالت أكر جنين أم مرامدار لا يكون كفرا، ولو قالت أكر جنين نين باتو بناشمى فعلى قول من يجعل ردة المرأة ردة وهو قول عامة العلماء تكفر المرأة، وقال بعض مشايخ بلخ ردة المرأة لا تعتبر ردة و لا تبين من زوجها ويعزرها القاضي وعند عامة العلماء ردة المرأة ردة تبين من زوجها إلا أن القاضي يجبرها على الإسلام و تجديد النكاح و العود إلى الزوج، امرأة قالت لولدها أي مغ بجه أو أي(3/363)
كافر بجه أو أي جهود بجه قال أكثر العلماء لا يكون هذا كفرا،<580/3> وقال بعضهم يكون كفرا، ولو قال الرجل هذه الألفاظ لولده اختلفوا فيه أيضا، والأصح أنه لا يكون كفرا إن لم يرد بها كفر نفسه، رجل قال لدابته أي كافر خداوند قالوا لا يكون كفرا لأن الدواب مما تداوله الأيدي ولأن مثل هذا يجري على لسان الجهال ولا يريدون به كفر أنفسهم، رجل قال خدائعا لى برأسمان كواه من أست يكون كفرا لأن الله تعالى برئ عن المكان، رجل قال قولا كذبا فسمع رجل فقال خداى تعالى مراين دروغ تراراست كردانديا كويد خداى برين دروغ توبركت كند قال بعضهم هذا قريب من الكفر، رجل قال لغيره نمازكن فقال أى مردنماز كردن سخت كاركرانست براين قالوا يكون كفرا، رجل قال لغيره حرام مخور فقال يكى حلال خوار بيارتا بوا أيمان آدم و بيس وى سجده كنم يكون كفرا، رجل شرب الخمر فقال شادمى مراتراكه بشادى ما شاد أست وكم وكاست أتراكه بشادى ما شاد نيست يكون كفرا والله الهادي .
باب الرّدة و أحكام أهلها(3/364)
المرتد لا يرث من مسلم ولا من كافر يوافقه في الملة ولا من مرتد آخر،ويرث المسلم من المرتد ما اكتسبه في حالة الإسلام عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يوضع ذلك في بيت مال المسلمين وما اكتسب في حال الردة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى هو بمنزلة الفيء يوضع ذلك في بيت المال،وقال صاحباه يكون ذلك ميراثاً لورثته المسلمين ،وجحود الردة يكون عوداً إلى الإسلام وإذا ارتد يعرض عليه الإسلام في الحال فإن أسلم وإلاّ قتل إلا أن يطلب التأجل فيؤجل ثلاثة أيام لينظر في أمره ولا يؤجل أكثر من ذلك ويعرض عليه الإسلام كل يوم من أيام التأجيل فإن أسلم يسقط عنه القتل وإن أبى أن يسلم يقتل،وإن تصرف تصرفا في ردته فهو على أربعة أوجه، منها ما ينفذ في قولهم نحو قبول الهبة و الاستيلاد إذا جاءت جاريته بولد فادعى النسب يثبت نسب الولد منه ويرث ذلك الولد مع ورثته وتصير الجارية أم ولد له، وينفذ منه تسليم الشفعة والحجر على عبده المأذون،ومنها ما هو باطل بالاتفاق نحو النكاح لا يجوز له أن يتزوج امرأة مسلمة و لا مرتدة و لا ذمية لا حرة و لا مملوكة وتحرم ذبيحته وصيده بالكلب والبازي والرمي،ومنها ما هو موقوف عند الكل وهو المفاوضة فإذا فاوض مسلما يتوقف في قولهم إن أسلم نفذت المفاوضة وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه بطلت المفاوضة وتصير عنانا من الأصل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تبطل أصلا،ومنها ما اختلفوا في توقفه كالبيع والشراء والإجارة و الإعتاق والتدبير والكتابة والوصية وقبض الدين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن هذا التصرفات موقوفة فإن أسلم نفذت <581/3> وإن مات أو قتل أو قضى بإلحاقه بدار الحرب تبطل وعند صاحبيه تنفذ في الحال إلا أن عند أبي يوسف رحمه الله تعالى تنفذ كما تنفذ من الصحيح وتعتبر تبرعاته من جميع المال وعند محمد رحمه الله تعالى تنفذ كما تنفذ من المريض، وتصرّف المكاتب في الردة نافذ في قولهم فإذا أعتق المرتد عبده ثم أعتق هو ابنه المسلم وليس له وارث سواه لا يجوز عتق واحد منهما لأن الابن إنما يرث منه بعد الموت لا قبله فإعتاق الابن سابق على ملكه فلا يعتق،وهو بخلاف ما لو مات الرجل وترك عبدا وتركته مستغرقة بالدين فعتق الوارث عبدا من تركته ثم سقط دين الغرماء فإنه ينفذ إعتاق الوارث لأن ثمة سبب الملك للوارث قائم وإنما يوقف الملك لحق الغرماء فإذا سقط حق الغرماء نفذ إعتاقه فأما في المرتد سبب الملك للوارث إنما يتم بعد موت المرتد،مسلم ارتد أبوه فمات الابن وله معتق مسلم ثم مات الأب وله معتق مسلم كان ميراث الأب لمعتقه لا لمعتق ابنه لأن الابن إنما يرث من أبيه المرتد عن موت المرتد فإذا مات الابن قبل موت الأب لم يرثه الابن، واختلفت الروايات فيمن يرث المرتد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه ثلاث روايات روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يرثه من كان وارثا له وقت الردة و يبقى كذلك إلى أن يموت المرتد حتى لو أسلم بعض قرابته بعد ردته أو ولد له ولد من علوق حادث بعد الردة لا يرثه وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية يرث منه من كان وارثا له وقت الردة وإن لم يبق إلى موته بل يخلفه وارثه منه، وروى محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يرث من المرتد من كان وارثا له عند قتله أو عند موته سواء كان موجودا عند الردة أو حدث بعد ذلك ، وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى إذا تصرف الوارث في مال المرتد قبل أن يقسم القاضي ماله ولم يقضِ بلحاقه حتى رجع المرتد إلى دار الإسلام مسلما كان جميع ذلك له كما كان قبل الردة لأن اللحاق بدار الحرب قبل أن يتصل به القضاء يكون بمنزلة الغيبة وكان هو والمرتد في دار الإسلام سواء،رجل ارتد مرارا وجدّد الإسلام في كل مرة وجدد النكاح على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى تحل له امرأته من غير إصابة الزوج الثاني لأن عنده الردة لا تكون طلاقا وإباء الزوج عن الإسلام يكون طلاقا وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ردته وإباؤه لا يكون طلاقا،وعند محمد رحمه الله تعالى كلاهما طلاق،وردة المرأة وإباؤها لا يكون طلاقا وتقع الفرقة عند عامة العلماء بردتها وعند البعض لا تقع،أجمع أصحابنا على أن الردة تبطل عصمة النكاح وتقع الفرقة بينهما بنفس الردة، وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تقع الفرقة إلا بقضاء القاضي، وردة الرجل تبطل عصمة نفسه حتى لو قتله قاتل بغير أمر القاضي عمدا أو خطأ أو بغير أمر السلطان أو أتلف عضوا من أعضائه لا شيء عليه ولا تُقتل المرأة المرتدة عندنا لكنها تُحبس أبداً إلى أن تتوب، وعند الشافعي رحمه الله تعالى تقتل <582/3>وتصرفاتها نافذة لأنها لا تقتل، والمرأة المرتدة ترث من زوجها المرتد في قولهم جميعا،والرجل المسلم يرث من امرأته المرتدة إذا ماتت قبل انقضاء العدة استحسانا و لا يرث قياسا وهو قول زفر رحمه الله تعالى(3/365)
ولزوج المرتدة أن يتزوج بأختها وأربع سواها إذا لحقت بدار الحرب كأنها ماتت فإن خرجت إلى دار الإسلام مسلمة بعد ذلك لا يفسد نكاح أختها،وإذا ارتدت المعتدة ولحقت بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقها بطلت عدتها لتباين الدارين وانقطاع العصمة كأنها ماتت ،فإن رجعت إلينا بعد ذلك مسلمة قبل انقضاء مدة العدة أو الحيض قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا تعود معتدة،وقال محمد رحمه الله تعالى تعود معتدة كما كانت ،وإذا جنى المرتد جناية خطأ كان أرش الجناية في ماله لا على العاقلة،وفي بعض الروايات يجب ذلك في كسب الإسلام فإن لم يف ذلك يؤخذ الباقي من كسب ردته وإن لم يكن له إلا كسب الردة كان عليه الدية في ذلك المال,وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله تعالى أنه يؤدي ذلك من مال اكتسبه في الردة وإن لم يف يكمل من كسب الإسلام،مسلم قطع يد مسلم ثم ارتد المقطوعة يده ثم مات من ذلك القطع قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى عليه جميع دية النفس وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى عليه دية اليد لا غير قياسا،ولو قطع مسلم يد مسلم ثم ارتد القاطع وقتل على ردته ثم مات المقطوعة يده من ذلك القطع إن كان عمدا فلا شيء وإن كان خطأ فعلى عاقلة القاطع الدية في ثلاث سنين من يوم قضى القاضي عليهم،ولو جنى في حال ردته جناية يبلغ أرشها خمسمائة يجب ذلك في ماله دون عاقلته، الرجل إذا حج حجة الإسلام ثم ارتد والعياذ بالله ثم أسلم كان عليه إعادة حجة الإسلام و لا يترك المرتد على ردته بإعطاء الجزية و لا بأمان مؤقت و لا بأمان مؤبد،و لا يجوز استرقاقه بعد ما لحق بدار الحرب مرتدا ثم أخذه المسلمون أسيرا،و يجوز استرقاق المرتدة بعدما لحقت بدار الحرب، وإذا لحق المرتد بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه عندنا يجوز قسمة ماله، وقال داوود بن علي رحمه الله تعالى لا يقسم ماله بين ورثته وإن قضى القاضي بلحاقه،وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقسم ماله بين ورثته قضى القاضي بلحاقه أو لم يقض و اتفقوا على أنه لا يقسم ماله بين ورثته قبل لحوقه، المرتد إذا لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه وعليه للناس ديون مؤجلة حلت كأنه مات وتعتق أمهات أولاده ومدبروه من الثلث وحلت ديونه فإن رجع المرتد إلينا مسلما لا يملك أن يبطل شيئا منها إلا شيئين، أحدهما الميراث يبطله ويسترد ماله من الورثة إن كان قائما، والثاني إذا كاتب ورثته عبدا من ماله فإن رجع المرتد بعدما أدّى بدل الكتابة لا يملك إبطالها وإن رجع قبل أن يؤدي جميع بدل الكتابة كان له أن يبطل الكتابة،رجل ارتد و العياذ بالله تعالى وعليه قضاء <583/3>صلوات و صيامات تركها في حالة الإسلام ثم أسلم بعد ذلك قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى يقضي ما ترك في الإسلام لأن ترك الصلاة والصيام معصية والمعصية تبقى بعد الردة وما أدى من الصيامات والصلوات في إسلامه ثم ارتد تبطل طاعاته لكن لا يجب عليه قضاؤها بعد الإسلام ، مسلم أصاب مالا أو شيئا يجب به القصاص أو الحد ثم ارتد أو أصاب ذلك وهو مرتد في دار الإسلام ثم لحق بدار الحرب وحارب المسلمين زمانا ثم جاء مسلما فهو مأخوذ بالجميع، ولو أصاب ذلك بعد ما لحق بدار الحرب مرتدا ثم أسلم فذلك كله موضوع عنه لأنه أصاب ذلك وهو كان حربيا في دار الحرب والحربي لا يؤاخذ بعد الإسلام بما كان أصابه حالة كونه محاربا للمسلمين، وما أصاب المسلم من حدود الله تعالى نحو الزنا والسرقة وقطع الطريق ثم ارتد أو أصاب ذلك بعد الردة ثم لحق بدار الحرب ثم جاء مسلما فكل ذلك يكون موضوعا عنه إلا أنه يضمن المال في السرقة، وإن أصاب دما في قطع الطريق كان عليه القصاص لأن ما كان من حقوق العباد كان المرتد مأخوذا بذلك،وما أصاب في قطع الطريق من القتل خطأ ففيه الدية على عاقلته إن أصابه قبل الردة وفي ماله إن أصابه بعد الردة وإن وجب على المسلم حد شرب الخمر أو حد السكر ثم ارتد ثم أسلم قبل اللحوق بدار الحرب فإنه لا يؤاخذ بذلك لأن الكفر يمنع وجوب هذا الحد ابتداء حتى لا يجب على الذمي والمستأمن فإذا اعترض الكفر بعد الوجوب يمنع البقاء، وكذلك لو أصاب ذلك وهو مرتد محبوس في يد الإمام فإنه لا يؤاخذ بحد الخمر والسكر وهو مأخوذ بما سوى ذلك من حدود الله تعالى لأنه يعتقد حرمة سبب ذلك ويتمكن الإمام من إقامة الحد عليه إذا كان في يده فإن لم يكن في يد الإمام حين أصاب ذلك ثم أسلم قبل اللحوق بدار الحرب فذلك موضوع عنه أيضا، رجل تزوج امرأة فغاب عنها قبل الدخول فأخبره مخبر أنها قد ارتدت عن الإسلام والمخبر حر أو مملوك أو محدود في قذف وهو ثقة عنده وسعه أن يصدقه ويتزوج أربعا سواها،وكذا إذا كان غير ثقة وأكثر رأيه أنه صادق وإن كان أكثر رأيه أنه كاذب لا يتزوج أكثر من ثلاث،فإن أخبر المرأة أن زوجها قد ارتد فلها أن تتزوج بزوج آخر بعد انقضاء العدة في رواية الاستحسان، وفي رواية السير ليس لها أن تتزوج، وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله(3/366)
تعالى لا يصح رواية الاستحسان، ولو أن امرأة غاب عنها زوجها فأخبرها مسلم ثقة أن زوجها طلقها ثلاثا أو مات عنها أو لم يكن ثقة فأتاها بكتاب من زوجها بالطلاق ولا تدري أنه كتابه أم لا إلا أن أكثر رأيها أنه حق لا بأس بأن تعتد وتتزوج بزوج آخر والله أعلم،
فصل فيما يبطله الارتداد
إذا استأجر المسلم دارا أو عقارا أو منقولا ثم ارتد و العياذ بالله ولحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه تبطل إجارته كأنه مات،وكذا إذا أجر ثم ارتد، ولو أوصى رجل بثلث ماله ثم ارتد ولحق بدار <584/3>الحرب أو لم يلحق بطلت وصيته،وكذا لو أوصى إلى رجل وجعله قيّما في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب أو لم يلحق بطل إيصاؤه، وإن كان وكّل رجلا ثم ارتد الموكل لحق بدار الحرب ينعزل وكيله في قولهم ، فإن عاد إلينا مسلما هل يعود وكيلا ذكر في الوكالة أنه لا يعود وكيلا وذكر في السير الكبير أنه يعود وكيلا، وإن وكّل رجلا بأمر من الأمور ثم ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب وقضى بلحاقه ثم عاد إلينا مسلما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يعود وكيلا وقال محمد رحمه الله تعالى يعود وكيلا كما كان، قوم ارتدوا عن الإسلام في مدينة من مدائن الإسلام في أرض الحرب وحاربوا المسلمين ومعهم نساؤهم و ذراريهم مرتدون معهم وليس في المدينة مسلم وكانوا يقاتلون المسلمين فيها حتى ظهر المسلمون عليهم فإنه يقتل رجالهم ومن أسلم منهم فهو حرّ و ذراريهم ونساؤهم وأموالهم كانوا فيئا للمسلمين وفيه الخمس، وإن ارتد أهل مدينة من المسلمين وغلبوا عليها غير أن فيها قوما من المسلمين آمنين فارتد نساؤهم معهم أيضا ثم ظهر المسلمون عليها فهم كلهم أحرار و ذراريهم ونساؤهم كذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، هذا إذا كانوا ارتدوا ولم يظهروا فيها أحكام الشرك ثم غلب عليها المسلمون من ساعته فإنّ النساء و الذراري كانوا أحرارا في قولهم وهذه المسألة بناء على معرفة ما تصير به الدار دار الحرب على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تصير إلا بثلاثة أشياء، أحدها أن تكون متصلة بدار الحرب ليس بينها وبين دار الحرب موضع في يد أهل الإسلام، والثاني أن يجري فيها أهل الحرب أحكامهم، والثالث أن لا يبقى فيها مسلم أو ذمي آمن بالأمان الأول حتى لو كان بين هذه المدينة التي ارتد أهلها وبين دار الحرب بلدة فيها المسلمون أو كان في البلدة التي ارتد أهلها مسلم أو ذمي آمن بالأمان الأول لم تصر هذه البلدة دار حرب، وقال صاحباه إذا أجرى أهل الحرب في بلدة من بلاد أهل الإسلام أحكام أهل الحرب تصير دار حرب كيفما كان، وأما السلطان قال علماؤنا رحمهم الله تعالى السلطان يصير سلطانا بأمرين بالمبايعة معهم ويعتبر في المبايعة مبايعة أشرافهم وأعيانهم، والثاني أن ينفذ حكمه في رعيته خوفا من قهره وغلبته فإن بايعه الناس ولم ينفذ حكمه لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطانا وإذا صار سلطانا بالمبايعة فجار إن كان له قهر وغلبة لا ينعزل لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر والغلبة فلا يفيد وإن لم يكن له قهر وغلبة ينعزل، والقاضي إذا قضى بقضايا وهو فاسق أو مرتش ولم يعلم بذلك إلا بعد حين روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه قال أبطلت قضاياه، روى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف رحمهم الله تعالى أنه قال إذا جار القاضي يصير معزولا عزل أو لم يعزل، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كان الذي ولاّه القضاء لم يعلم أنه فاسق أو مرتش فإذا ظهر أنه فاسق أو مرتش فهو معزول لأنه ولاّه وقلده على شرط العدالة ظاهراً فإذا <585/3> كان على خلاف ذلك لم يكن قاضيا، وإن كان الذي ولاه يعلم أنه فاسق أو مرتش لم يصر معزولا إذا فسق وهو بمنزلة الأمير و الأمير إذا جار لا ينعزل ما لم يعزل وكذا القاضي إذا ولِّي وعلم أنه فاسق أو مرتش ، مسلم أسير في دار الحرب وخرج إلى دار الإسلام ومعه امرأته فقالت له المرأة إنك ارتددت في دار الحرب فإن أنكر الزوج ذلك كان القول قوله وإن قال تكلمت بالكفر مكرها وقالت المرأة لم تكن مكرها كان القول قول المرأة فإن صدقته المرأة فيما قال فالقاضي لا يصدقه وهو بمنزلة ما لو قال الرجل لامرأته أنت طالق وقال عنيت به عن وثاق وصدقته المرأة فالقاضي لا يصدقها في ذلك ويأخذ بالاحتياط في أمر الفروج، امرأة ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فإنها تصير فيئاً،رجل وامرأته ارتدّا والعياذ بالله ولحقا بدار الحرب فحبلت امرأته في دار الحرب وولدت ولداً ثم ظهر المسلمون على ولدها فإنه يجبر على الإسلام و لا يقتل و لا يكون فيئاً، وإن مات هذا الولد ولهذا الولد ولد ثم ظهر المسلمون على ولد ولدها فإنه يكون فيئا و لا يجبر على الإسلام، حربي دخل دارنا بغير أمان فأخذه رجل مسلم فإنه يكون فيئا ورقيقا لعامة المسلمين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يباع ويوضع ثمنه في بيت مال المسلمين وقال صاحباه يكون رقيقا للآخذ خاصة وعليه الخمس، ولو أسلم هذا الحربي بعد(3/367)
ما دخل دارنا بغير أمان قبل أن يأخذه أحد فهو حر لا سبيل عليه لأحد في قولهم، عبد حربي لحربي دخل دارنا بأمان بإذن مالكه ثم أسلم عندنا فإنه يباع ويبعث ثمنه إلى مولاه، حربي أخذ في دارنا فقال أنا رسول ملك أهل الحرب إن كان له علامات الرسول من الكتاب ونحوه يكون آمنا حتى يودي الرسالة ويرجع وإن لم يكن معه كتاب يكون فيئا لجماعة المسلمين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه هو للآخذ خاصة، وإن أخذ الحربي في دارنا فقال أنا مستأمن لا يصدق ويكون فيئا لجماعة المسلمين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه هو للآخذ خاصة، فإن أقام بينة من المسلمين كان آمنا، وإن أقام شهودا من أهل الذمة في القياس لا تقبل شهادتهم وتقبل استحسانا، مرتدٌ اكتسب مالا في دار الحرب ثم ظهر المسلمون عليه وعلى ذلك المال يكون فيئا،ولو دخل المرتد دارنا بعد لحوقه بدار الحرب وأخذ مالا من ماله ولحق بذلك المال بدار الحرب ثم ظهر المسلمون عليه وعلى ذلك المال يكون المال مردوداً على الورثة وما اكتسب بعد الردة في دار الإسلام قبل لحوقه بدار الحرب فإن قتل المرتد أو مات أو لحق بدار الحرب كان ذلك المال فيئا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه يكون المال للورثة ولا يكون فيئا، حربي دخل دارنا بأمان وله في دار الحرب امرأة حاملة منه وأولاد صغار وكبار وأموال وديعة عند حربي ومسلم وذمي فأسلم الحربي في دارنا ثم ظهر المسلمون على تلك الدار فهو على ثلاثة أوجه، إن خرج إلينا وأسلم في دار الإسلام ثم ظهر<586/3>المسلمون على دارهم فجميع ذلك يكون فيئا للمسلمين، وإن أسلم هذا الحربي في دار الحرب ثم خرج إلينا وخلف هذه الأشياء في دار الحرب فأولاده الصغار أحرار مسلمون وما كان من ماله وديعة عند مسلم أو ذمي فهو له وأولاده الكبار يكونون فيئا و الديون و الغصوب و الودائع عند الحربي تكون فيئا، ولو أسلم هذا الحربي في دار الحرب ولم يخرج إلينا وظهر المسلمون على الدار فماله المنقول الذي في يده يكون له وداره وعقاره يكون فيئا عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى داره وعقاره لا يكون فيئا وكذا ما كان في يد مودعه الحربي، وأولاده الكبار وامرأته وما في بطنها ومن قاتل من عبيده المسلمين يكون فيئا وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال صاحباه شيء من ماله لا يكون فيئا سوى أولاده الكبار وامرأته ومن لا يقاتل من عبيده فهو له وأولاده الصغار أحرار مسلمون لا سبيل عليهم، الكفار إذا استولوا على أموال المسلمين وأحرزوها بدارهم ملكوا ما كان محلاً لابتداء التملك وما لا يكون محلا لابتداء التملك كالمدبر وأم الولد و المكاتب فإنهم لا يملكونهم، وكذا العبد الآبق إليهم لا يملكونه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال صاحباه رحمهما الله تعالى يملكون الآبق إذا كان قنا ولا يملكون معتق البعض لأن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى هو بمنزلة المكاتب، وعند صاحبيه هو حر مديون، وما ملكه الكفار بعد الإحراز بدارهم إذا خرج إلينا إن أخرجه تاجر اشتراه منهم فمولاه المأسور منه يكون أحق به من المشتري يأخذه من المشتري بالثمن الذي أعطاه، وإن أخرجه الغزاة إن وجده صاحبه قبل القسمة يأخذه بغير شيء، وإن وجده بعد القسمة في يد الغازي يأخذه بالقيمة وإن لم يحضر مولاه حتى وقع في سهم رجل من الغزاة فلم يجده مولاه أيضا حتى باعه الغازي من رجل بثمن معلوم ثم وجده مولاه في ظاهر الرواية ليس للمولى أن ينقض بيع الغازي بل يأخذه من المشتري بالثمن الذي اشتراه، وعن محمد رحمه الله تعالى للمولى أن ينقض بيع الغازي ويأخذه من الغازي بالقيمة قال وهو بمنزلة رجل اشترى داراً و شفيعها غائب فباعها المشتري ثم حضر الشفيع كان للشفيع أن ينقض البيع الثاني ويأخذها بالبيع الأول بالثمن الأول ولو لم يبعه الغازي ولكن قطعت يده عنده وأخذ الغازي أرشها ثم حضر مولاه القديم فإنه يأخذ العبد من الغازي بالقيمة التي وصلت إلى الغازي ولا سبيل له على الأرش، وعن محمد رحمه الله تعالى في رواية تسقط حصة الأرش من الثمن ويأخذ بالباقي، ولو فقأ رجل عين هذا العبد قبل أن يحضر مولاه القديم ودفعه الغازي إلى الفاقئ وأخذ قيمته صحيحا ثم حضر مولاه في ظاهر الرواية كان له أن يأخذه من الذي في يديه بقيمته أعمى في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه يأخذه بقيمته صحيحا، ولو كانت جارية فولدت ولدا عند المشتري ثم ماتت الجارية وبقي الولد ثم حضر المولى فإنه يأخذ الولد بجميع الثمن الذي<587/3>اشتراها التاجر من العدوّ أو من المشتري أو من الغازي في قول أبي يوسف الآخر، ولو كان هذا في يد الغازي كان للمولى القديم أن يأخذ الولد بجميع القيمة، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى أولا وهو قول محمد رحمه الله تعالى يأخذ الولد بحصته من الثمن أو بحصته من القيمة، عبد أبق من بخارى إلى سمرقند فأخذه الكفار واشتراه رجل منهم بدراهم وجاء به إلى(3/368)
مالكه فأخذه مالكه ورده على بائعه بعيب الإباق فإن المشتري من الكفار لا يأخذ المال من واحد منهم
فصل في أهل الذمة وما يؤخذ منهم من الجزية في كل سنة وما يفعل بهم
اختلف العلماء في كيفية الجزية أنها كيف تضرب، قال علماؤنا رحمهم الله تعالى توضع على قدر طاقة الرجل إن كان فقيرا محترفا يعمل بيديه يوضع عليه اثنا عشر درهما في كل سنة، وإن كان متوسط الحال يؤخذ منه أربعة وعشرون وإن كان غنيا مكثرا يؤخذ منه ثمانية وأربعون درهما لأن الجزية تؤخذ من المقاتلة الفقير يقاتل بنفسه لا غير ووسط الحال يقاتل بنفسه وبشيء من ماله والمكثر يقاتل بنفسه وماله وغلمانه وأعوانه، واختلفوا في معرفة الفقير والمكثر والوسط، قال بعضهم الفقير هو المحترف ووسط الحال الذي له ضياع ويعمل بنفسه والغني الذي له ضياع وأموال يعمل بأعوانه دون نفسه، وقال الكرخي رحمه الله تعالى الفقير هو الذي يملك مائتي درهم أو أقل والوسط الذي يملك فوق المائتين إلى عشرة آلاف درهم والمكثر هو الذي يملك فوق عشرة آلاف درهم، وقال عيسى بن أبان رحمه الله تعالى الفقير هو الذي يأكل من كسبه ولا غلّة له يؤخذ منه اثنا عشر درهما فإن كان له غلة إلا أنها لا تزيد على نفقته فهو وسط الحال يؤخذ منه أربعة وعشرون درهما فإذا زادت غلته على نفقته فهو غني يؤخذ منه ثمانية وأربعون درهما، وقال بعضهم الفقير الذي له أقل من مائتي درهم فإن زاد على مائتي درهم إلى أربعمائة درهم فهو وسط فإذا زاد على أربعمائة فهو مكثر، وعن نصر بن أبي سلام رحمه الله تعالى قال يعتبر فيه عرف الناس إن كان الناس يعدونه غنيا فهو غني وإن كانوا يعدونه فقيرا فهو فقير، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال يعتبر فيه الحرف فالبزاز و الصيرفي غني مكثر والفامي وسط والقصار والصباغ والخياط وأشباه ذلك فقير، وعن علي وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا الأربعة آلاف درهم وما دونها نفقته يعني لا يكون غنيا، قال رضي الله عنه الاعتماد في هذا على قول الكرخي رحمه الله تعالى، وتوضع الجزية في بيت مال الخراج وبيوت المال أربعة بيت مال الغنائم والكنوز والركاز يصرف ذلك إلى ما قال الله تعالى في كتابه ((واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه)) الآية، وبيت مال الصدقة يصرف ذلك إلى ما قال الله تعالى في كتابه ((إنما الصدقات للفقراء)) الآية، وبيت مال الخراج<588/3>والجزية والعشور يصرف ذلك إلى المقاتلة فإنه مال حصل بقوتهم فيصرف إليهم، وبيت الأموال الضائعة نحو التركات التي لا وارث لها يصرف ذلك إلى عمارة القناطر والطرق والرباطات التي لا وقف لها، واختلف العلماء في المفتين والأئمة والمعلمين والقضاة هل لهم حق في بيت مال الخراج، قال بعضهم لا حق لهم فيه، وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى وأصحابه لهم حظ في بيت مال المسلمين لأنهم يعلمون في أمر الدين فكانوا كالغزاة، وقال الشيخ الإمام رحمه الله تعالى هذا في يومنا يجوز للمؤذنين والأئمة والمعلمين لأنهم منعوا حقهم من بيت المال، واختلفوا في سهم ذوي القربى وهم أقرباء النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ثابتا لهم في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم سقط بعد وفاته عندنا، وقال بعضهم سقط ذلك في حق أغنياء ذوي القربى و بقي في حق فقرائهم، وقال الكرخي وعامة العلماء سقط في حق الفقراء منهم والأغنياء وقال الشافعي رحمه الله تعالى سهم ذوي القربى باق لهم جميعا للذكر مثل حظ الأنثيين، الوالي إذا وهب لرجل خراج أرضه قال الناطفي رحمه الله تعالى لا يسعه أن يقبل لأنه حق جماعة المسلمين فلا يجوز له أن يختص به ومشايخنا رحمهم الله تعالى جوّزوا ذلك لمصرف الخراج والجزية أن يجعل خراج أرضه له وهو النظر الذي يفعله السلاطين للأئمة، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر أنه إذا ترك السلطان لرجل خراج أرضه جاز تركه ويكون ذلك صلة له من السلطان وللسلطان حق في الخراج فإن وهب والي الخراج وهو الجابي لرجل خراج أرضه لا يسعه أن يقبل إلا أن يكون لوالي الخراج فتجوز الهبة ويسعه أن يقبل، وتؤخذ الجزية من كل كافر سوى مشركي العرب، وأما الصابؤن قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى تؤخذ منهم الجزية، وقال صاحباه لا تؤخذ وقالوا إنما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ذلك لأنه وقع في رأيه أنهم من أهل الكتاب وفي رأيهما أنهم ليسوا من أهل الكتاب، وقال بعض مشايخنا هم قوم أخذوا بعض الدين من التوراة و البعض من الإنجيل، وقال بعضهم هم قوم أخذوا بعض الدين من التوراة والبعض من الزبور،والمصيبة هل تؤخذ منهم الجزية قالوا ينظر إن كانوا حديثا فهم مرتدون لا تؤخذ منهم الجزية بل يقتلون وإن كانوا قديما تؤخذ منهم الجزية، وأما الزنادقة فتؤخذ الجزية منهم بناء على قبول التوبة من الزنادقة، قالوا إن جاء الزنديق قبل أن يؤخذ فأقرّ أنه زنديق فتاب عن ذلك قبلت توبته وإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ويقتل لأنهم باطنية يظهرون الإسلام(3/369)
ويعتقدون في الباطن خلاف ذلك فيقتلون ولا تقبل توبتهم ولا تؤخذ منهم الجزية، ولا تؤخذ الجزية من الصبيان والنسوان والشيخ الفاني والزمن والفقير، وصدقة بني تغلب تؤخذ من نسائهم كما تؤخذ من رجالهم لأن ذلك وجب بالصلح عنهم، وتؤخذ الجزية من الراهبين و القسيسين <589/3>في ظاهر الرواية، عن محمد رحمه الله تعالى أنها لا تؤخذ، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها تؤخذ من الأعمى إذا كان يقاتل بماله، ولا تؤخذ الجزية من عبد ذمي ولا مدبره ولا من مكاتبه، وإذا احتلم الغلام من أهل الذمة في أول السنة قبل أن توضع الجزية وهو موسر وضع عليه الجزية وتؤخذ منه الجزية لتلك السنة، وإن احتلم بعد ما وضعت الجزية على الرجال لا يوضع عليه شيء من الجزية حتى تمضي هذه السنة، وإن أعتق العبد وله مال فإن أعتق قبل أن توضع الجزية توضع عليه الجزية في هذه السنة، وإن أعتق بعد ما وضعت الجزية على الرجال لا توضع عليه الجزية حتى تمضي هذه السنة، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا توضع عليه الجزية حتى تمضي هذه السنة سواء عتق قبل الوضع أو بعده والحربي إذا صار ذميا قبل أن توضع الجزية على الرجال إن صار ذميا توضع عليه لهذه السنة وإن صار ذميا بعد ما وضعت الجزية على الرجال لا توضع عليه الجزية حتى تمضي هذه السنة، والمصاب إذا أفاق لا توضع عليه الجزية ما لم تمض هذه السنة أفاق بعد الوضع أو قبله، والفقير الذي لا يجد شيئا إذا صار غنيا أو وسط الحال إذا صار غنيا مكثرا تؤخذ منه جزية الأغنياء سواء صار غنيا بعد الوضع أو قبله، وتؤخذ الجزية في كل سنة مرة بعد انقضائها وتمامها وإن توالت السنون على الذمي ولم تؤخذ منه الجزية حتى أسلم لا يطالب بالجزية عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يطالب بها فإن لم يسلم الذمي واستقر على الكفر قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يطالب بجزية السنين الماضية وبجزية السنة التي فيها أيضا حتى تمضي هذه السنة، وقال صاحباه يطالب بجزية السنين الماضية وبجزية السنة التي هو فيها أيضا، وتؤخذ الجزية من بني تغلب مضاعفة كالخراج، وتؤخذ من بني نجران الحلة دون الدراهم، ولو حدث بين النجراني والتغلبي ولد ذكر من جارية بينهما وادعياه جميعا معا فمات الأبوان وكبر الولد كم تؤخذ منه الجزية ذكر في السير أنه إن مات التغلبي أولا تؤخذ منه جزية أهل نجران وإن مات النجراني أولا تؤخذ منه جزية بني تغلب فإن ماتا معا يؤخذ النصف من هذا والنصف من ذلك، وإذا مات من عليه الجزية أو أسلم وبقي عليه الجزية لم يؤخذ ذلك الباقي عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يؤخذ لأن عندنا الجزية تسقط بالإسلام والموت وعنده لا تسقط،وكذا إذا عَمِيَ أو صار مقعدا أو زمنا أو شيخا كبيرا لا يستطيع أن يعمل أو صار فقيرا لا يقدر على شيء وبقي عليه من جزية رأسه شيء سقط الباقي، وكيف تؤخذ الجزية ممن عليه قال بعضهم يأخذ الطالب تلابيبه ويهزه هزا ويقول أدّ الجزية يا عدوّ الله، وقال بعضهم يؤخذ بقفاه، ولو بعث الذمي الجزية على يد نائبه لا تقبل منه ما لم يأت بنفسه ويقوم بين يدي الطالب والطالب قاعد، وليس للنصراني أن يضرب في منزله بالناقوس في مصر المسلمين<590/3>ولا أن يجمع فيه بهم وإنما له أن يصلي فيه ولا يخرج الصليب أو غير ذلك من كنائسهم، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يمنعون من إخراج الصليب في يوم عيدهم ويمنعون من ذلك في غيره من الأيام لأنه إنما أعطي لهم الذمة بشرط أن لا يظهروا شيئا من رسومهم،ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات لأن عبيدهم لم يلتزموا بذلك وكستيجات النصارى قلنسوة سوداء من اللبد وزنار من الصوف يجعل ذلك بخيط غليظ مشدود في وسطه، أما لبس العمامة والزنار من الإبريسم فذلك زينة وفيه جفاء لأهل الإسلام فلا يؤذن لهم في ذلك ويؤمرون بما كان استخفافا بهم ويمنعون من التشبه بالمسلمين في لباسهم وركوبهم و الركوب في أسواق المسلمين فإن احتاجوا إلى ذلك ينبغي أن تكون سروجهم على هيئة الإكاف في قربوسه مثل الرمانة ويلبسون الطيالسة والأردية لا مثل طيالس المسلمين و أرديتهم بل يكونون على خلاف ذلك ولو رفعوا أصواتهم بقراءة الزبور والإنجيل إن كان فيه إظهار الشرك منعوا من ذلك وإن لم يقع بذلك إظهار الشرط لا يمنع ويمنعون عن قراءة ذلك في أسواق المسلمين كما يمنعون عن إخراج الصليب وضرب الناقوس لأن الناقوس لهم كالأذان لنا فيقع بذلك إظهار الشرك،وكذا بيع الخمور والخنازير وعن إظهار الخمور والخنازير في المصر وما كان من فناء المصر،ولا بأس بإخراج الصليب وضرب الناقوس إذا جاوزوا أفنية المصر وفي كل قرية أو موضع ليس من أمصار المسلمين فإنهم لا يمنعون عن ذلك وإن كان فيه عدد من المسلمين يسكنون فيها لأن هذا ليس بموضع أعلام الدين لاتقام فيه الجمعة والأعياد كذا قال محمد رحمه الله تعالى في السير، وقال كثير من أئمة بلخ إنما قال محمد رحمه الله تعالى ذلك في قراهم بالكوفة فإن ثمة عامة من(3/370)
يسكنها أهل الذمة والرافضة أما في ديارنا يمنعون عن ذلك في القرى كما يمنعون في الأمصار لأنها موضع جماعات المسلمين وجلوس الواعظين والمدرسين بمنزلة أمصار المسلمين ومشايخنا رحمهم الله تعالى قالوا لا يمنعون من إظهار ذلك وإحداثه في القرى على كل حال، وإن أراد أهل الذمة إحداث البيع والكنائس أو المجوس إذا أرادوا إحداث بيت النار إن أرادوا ذلك في أمصار المسلمين وفيما كان من فناء المصر منعوا عن ذلك عند الكل،وإن أرادوا إحداث ذلك في السواد و القرى اختلفت الروايات فيه ولاختلاف الروايات اختلف المشايخ فيه قال مشايخ بلخ رحمهم الله تعالى يمنعون عن ذلك إلا في قرية غالب سكانها أهل الذمة، وقال مشايخ بخارى منهم الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يمنعون، وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الأصح عندي أنهم يمنعون عن ذلك في السواد وقال في السير إلا في قرية غالب سكانها أهل الذمة فإنهم لا يمنعون عن ذلك وعن عمر رضي الله عنه أنه قال أمنع أهل الذمة عن إحداث شيء من الكنائس في البلاد المفتوحة من خراسان وغيرها <591/3> ولا أهدم بناء وجدته قديما في أيديهم مالم أعلم أنهم أحدثوا ذلك بعد ما صار ذلك الموضع مصرا من أمصار المسلمين، قال مشايخنا رحمهم الله تعالى لا تهدم الكنائس والبيع القديمة في السواد والقرى، أما في الأمصار ذكر محمد رحمه الله تعالى في الإجارات أنها لا تهدم وذكر في كتاب العشر والخراج أنها تهدم في أمصار المسلمين، وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الأصح عندي رواية الإجارات، فإذا انهدمت بيعة أو كنيسة من كنائسهم القديمة فلهم أن يبنوها في ذلك الموضع كما كان، وإن قالوا نحوّلها من هذا الموضع إلى موضع آخر لم يكن لهم ذلك بل يبنوها في ذلك الموضع على قدر البناء الأول ويمنع عن الزيادة على البناء الأول، الذمي إذا اشترى دارا في المصر ذكر في العشر والخراج أنه لا ينبغي أن يباع منه،ولو اشترى يجبر على بيعها من المسلم، وذكر في الإجارات أنه يجوز الشراء و لا يجبر على البيع إلا إذا كثر ذلك فحينئذ يجبر على البيع ولا يترك الذمي أن يتخذ ببيته في المصر صومعة يصلى فيها، إذا أراد الإمام أن ينقل أهل الذمة عن أرضهم لا يجوز له ذلك بغير عذر ويجوز بعذر والعذر في زماننا أن يخاف الإمام على أهل الذمة من أهل الحرب لعجزهم وضعف شوكتهم أو يخاف الإمام منهم على المسلمين بأن يخبروا أهل الحرب بعورات المسلمين، ذمي سأل مسلما عن طريق البيعة لا ينبغي للمسلم أن يدله على ذلك لأنه إعانة على المعصية، مسلم له أم ذمية أو أب ذمي ليس للمسلم أن يقوده إلى البيعة وله أن يقوده من البيعة إلى منزله، وهذا كما لا يحل للمسلم حمل الخمر إلى الخل للتخليل ولكن يحمل الخل إلى الخمر ولا يحمل الجيفة إلى الهرة وله أن يحمل الهرة إلى الجيفة، مسلم له امرأة ذمية ليس له أن يمنعها من شرب الخمر لأن شرب الخمر حلال عندها وله أن يمنعها من اتخاذ الخمر في المنزل، وليس له أن يجبرها على الغُسل من الجنابة لأن ذلك ليس بواجب عليها، وإذا أراق المسلم خمر ذمي أو قتل خنزيره ليس له ذلك ويكون ضامنا إلا أن يكون إماما يرى ذلك فلا يضمن، ولو أن مسلما له خمر في زق فشق مسلم زقه وأراق الخمر على سبيل الحسبة لا يضمن الخمر لأنها ليست بمال متقوم في حق المسلم ويضمن الزق لأنه مال متقوم إلا أن يكون إماما يرى ذلك مباحا فلا يكون ضامنا
فصل في خراج الأرض(3/371)
الوالي لا يزيد في الخراج على وظيفة عمر رضي الله عنه وإن كان أراضيهم تطيق ذلك، وقال محمد رحمه الله تعالى لا بأس أن يزيد، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يزيد وينقص إن عجزوا عن ذلك، أجمعوا أنه يجوز النقصان عند العجز واختلفوا في الزيادة، إذا مات أهل الخراج عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن الإمام يأخذ الأرض فيزرعها أو يؤاجرها ويضع ذلك في بيت المال، وإن لم يموتوا ولكنهم هربوا آجرها الإمام ويأخذ من الأجرة قدر الخراج ويحفظ الباقي وإذا عاد الأهل ردّ عليهم الباقي ولا يؤاجرها حتى تمضي السنة التي هو فيها، وروى الحسن<592/3>عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا هرب أهل الخراج إن شاء الإمام عمّرها من بيت المال وتكون الغلة للمسلمين وإن شاء دفع إلى قوم مقاطعة على شيء وما يأخذ يكون للمسلمين،قال محمد رحمه الله تعالى في الزيادات إذا عجز قوم من أهل الخراج عن عمارة أرضهم لم يكن للإمام أن يأخذها ويدفعها إلى غيرهم ولكن يؤاجرها ويأخذ الخراج من الغلة، وإن لم يجد من يستأجرها باعها الإمام ممن يقوى على خراجها قالوا يبيع الأرض على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يبيع لأنه حجر وهو كما لا يبيع ماله بالدين والنفقة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولكن يأمره البيع، وعندهما له أن يبيع بالدين والنفقة ومنهم من قال يبيع لأجل الخراج عند الكل لأن الخراج حق متعلق برقبة الأرض فيكون كالعبد المديون لتعلق الدين به فكذلك ههنا، رجل اشترى أرض خراج إن بقي من السنة مقدار ما يقدر المشتري على زراعتها ويدرك الزرع فالخراج على المشتري وإلا فعلى البائع، رجل غصب أرض خراج وزرعها كان الخراج على رب الأرض، وذكر في السير الكبير إن انتقصت الأرض بفعل الغاصب من غير زراعة يضمن النقصان لرب الأرض ولا خراج على رب الأرض وإن لم تنقصها الزراعة فالخراج على رب الأرض، رجل له أرض عشرية آجرها من غيره كان العشر على صاحب الأرض في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى قلّ الأجر أو كثر وفي قول صاحبيه يكون العشر في الخارج، وكذا لو كانت خراجية وخراجها مقاسمة فهو على هذا الخلاف فإن كان خراجها وظيفة يكون الخراج على رب الأرض وإن أعار أرضه إن كانت عشرية أو خراجية خراج مقاسمة فالعشر والخراج على المستعير، وإن كان خراجها وظيفة يكون الخراج على رب الأرض،وإذا اغتصب الأرض غاصب إن لم يكن للمغصوب منه بينة ولم تنقصها الزراعة فلا شيء على رب الأرض عشرية كانت أو خراجية خراج مقاسمة أو وظيفة وجميع ذلك يكون على الغاصب، وإن كانت له بينة ذكر هشام في النوادر أن جميع ذلك يكون على رب الأرض فإن نقصتها الزراعة كان جميع ذلك على رب الأرض قلّ النقصان أو كثر كما في الإجارة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهذا على الخلاف المذكور في الإجارة، ولو مات صاحب الأرض بعدما مضت السنة ولزمه خراج أرضه لا يؤخذ خراج الأرض من تركته في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ويؤخذ الخراج ممن عليه الخراج كلما خرجت غلّة ولا يؤخر،ولا يحل لمن عليه خراج الأرض أن يأكل الغلة حتى يؤدي الخراج، ولا يحل لآخذ الخراج أن يخلي بينهم وبين الغلات حتى يستوفي الخراج فإن اجتمع الخراج ولم يؤدّ سنين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يؤخذ<593/3>بخراج هذه السنة ولا يؤخذ بخراج السنة الأولى ويسقط ذلك عنه كما قال في الجزية ومنهم من قال لا يسقط الخراج بالإجماع بخلاف الجزية وهذا إذا عجز عن الزراعة فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل
فصل في استيلاء أهل الشرك على أهل الحرب
إذا استولى أهل الشرك على أهل الحرب من أهل الكتاب فسبوا سبايا صغارا بغير آبائهم قال الناطفي رحمه الله تعالى الصبيان من أهل الكتاب بمنزلة عبيد المسلمين إذا سبوا فإنهم لا يتحولون إلى الشرك بالسبي ولو سبا أهل الإسلام صبيان أهل الحرب وهم بعد في دار الحرب فدخل آباؤهم في دار الإسلام فأسلموا فأبناؤهم صاروا مسلمين بإسلام آبائهم وإن لم يخرجوا إلى دار الإسلام لأن التبعية بالأبوين لم تنقطع، الحربي إذا دخل دار الإسلام ذميا ثم سبي ابنه لا يصير ابنه مسلما بالدار لأن تبعية الأب باقية فصار كالابن سبي مع الأب، رجل دخل دار الحرب بأمان وسرق صبيا فأخرجه إلى دار الإسلام فالصبي يصير مسلما بعد ما أدخل دار الإسلام، ولو اشترى هناك صبيا فأخرجه إلى دار الإسلام كان هو على دينه لأنه قد ملكه قبل أن يدخل دار الإسلام، ولو أن حربيا دخل دارنا بأمان وله عبد صغير فأسلم الحربي فالعبد كافر مالم يسلم وكذا لو لم يسلم المولى ولكن باعه من مسلم فالعبد كافر لأنه كان كافرا في دار الإسلام ولم يوجد منه سبب الإسلام، أهل الحرب إذا أسروا أهل الذمة من بلاد المسلمين لا يملكونهم لأنهم أحرار، قوم من أهل الحرب أخذوا في دار الإسلام فقالوا أسلمنا في دار الحرب كانوا فيئا للمسلمين في قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه والله أعلم(3/372)
كتاب الرهن وأنه مشتمل على فصول
فصل في ألفاظ الرهن
رجل عليه دين لرجل فأعطى المديون صاحب الدين ثوبا وقال أمسك هذا حتى أعطيك مالك قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى هو رهن.وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو وديعة ولا يكون رهنا.ولو قال أمسك هذا بمالك علي يكون رهنا في قولهم جميعا.رجل أراد أن يرهن رهنا بمال عليه فقال المرتهن للراهن آخذه على أنه إن ضاع ضاع بغير شئ فقال الراهن نعم فالرهن جائز والشرط باطل إن ضاع ذهب بالمال .رجل اشترى ثوبا بعشرة دراهم فلم يقبض المشتري الثوب المبيع وأعطاه ثوبا آخر حتى يكون رهنا بالثمن قال محمد رحمه الله تعالى لم يكن هذا رهنا وللمشتري أن يسترد الثوب الثاني فإن هلك الثوب الثاني عند البائع وقيمتهما سواء يهلك بخمسة دراهم لأنه كان مضمونا بخمسة دراهم.رجل دفع إلى آخر جارية وقال بعها ولك أجر ولم يسم الأجر ودفع إليه ثوبا رهنا بالأجر فضاع الرهن روي عن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يضمن .رجل دفع إلى رجل ثوبين وقال خذ أيهما شئت بالمائة التي لك علي فأخذهما فضاعا من يده عن محمد<594\3>رحمه الله تعالى أنه قال لا يذهب من الدين شئ وجعل هذا بمنزلة رجل عليه عشرون درهما فدفع المديون إلى الطالب مائة درهم وقال خذ منها عشرين درهما فقبضها فضاعت من يده قبل أن يأخذ منها عشرين درهما ضاعت من مال المديون والدين عليه على حاله. ولو دفع إليه ثوبين وقال خذ أحدهما رهنا بدينك فأخذهما وقيمتهما على السواء قال محمد رحمه الله تعالى يذهب نصف قيمة كل واحد منهما بالدين إن كان مثل الدين.وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى رجل عليه دين فقضى بعضه ثم دفع إلى الدائن عبدا ًوقال هذا رهن عندك بما بقي من مالك أو قال هذا رهن عندك بشيءٍ إن كان بقي لك فإني لا أدري أبقي لك شيء من المال أولم يبق فهو جائز وهو رهن بما بقي وإن كان لم يبق منه شيء فهلك العبد عند المرتهن فلا ضمان عليه لأنه لم يأخذ العبد بشيء مسمى.ولو أن المديون قضاء الدين ثم دفع إليه مالا وقال خذ هذا رهنا بما كان فيها من زائف أو ستوق فهو رهن جائز بما كان ستوقاً ولا يكون رهنا بما كان زائفا لأن قبض الزيوف استيفاء فلا يتصور الرهن بعد الاستيفاء بخلاف الستوق. رجل عليه ألف درهم غلة لرجل فقال أمسك هذه الألف الوضح بحقك واشهد لي بالقبض قال هذا اقتضاء.وكذا لو قال اشهد لي القبض فقال صاحب الدين أعطني حتى أشهد لك فقال أمسك هذه الألف الوضح واشهد لي بالقبض.ولو قال خذ هذه الألف الوضح حتى أتيك بحقك واشهد لي بالقبض فأخذ فهو رهن ولا يكون اقتضاء. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى رجل له على رجل مائة درهم فأعطاه المديون ثوباً وقال خذ هذا رهناً ببعض حقك فقبض وهلك قال زفر رحمه الله تعالى يهلك بقيمته وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يذهب بما شاء المرتهن ويرجع على الراهن بفضل دينه.رجل رهن عند إنسان ثوباً من غير أن يكون عليه دين فقال أرجع إليك فآخذ منك شيئاً فضاع عند المرتهن ذكر أبو يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي أنه يعطيه المرتهن ما شاء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.وكذلك قولنا.رجل قال لرجل أقرضني وخذ هذا الرهن ولم يسم القرض فأخذ الرهن ولم يقرضه شيئاً فضاع الرهن من يده قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يضمن قيمة الرهن.رجل إستقرض من رجل خمسين درهماً فقال المقرض إنها لا تكفيك ولكن ابعث إلي رجلاً حتى أبعث إليك ما يكفيك فدفع إليه رهنا فضاع في يده عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال على المرتهن الأقل من قيمة الرهن ومن خمسين درهما.رجل أعتق ما في بطن جاريته ثم رهنها عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن الرهن جائز فإن ولدت فنقصتها الولادة لا يذهب من الدين شيء بنقصان الولادة.رجل رهن عند رجل ثوبين على عشرة دراهم وقال أحدهما رهن لك بعشرتك أو قال خذ أيهما شئت رهنا بدينك قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو باطل<596\3> وإن ضاعا جميعا لم يكن عليه شيء ودينه على حاله.و لو كان عليه دينار فدفع إليه دينارين وقال خذ أحدهما قضاء مالك فضاعا في يده قبل أن يأخذ أحدهما بدينه فدينه على حاله ولا يشبه هذا الرهن .ولو ارتهن عند إنسان عبداً بكرِّ حنطة فمات العبد ثم ظهر أن الكرَّ لم يكن على الراهن كان على المرتهن الكرّ لأن الكرَّ كان عليه في الظاهر ووجود الدين من حيث الظاهر يكفي لصحة الرهن فيرجع على المرتهن بالكرّ لا بقيمة الرهن.الرهن المظنون مضمون في قول محمد رحمه الله تعالى وكذلك عند أبي يوسف رحمه الله تعالى في ظاهر الرواية عنه وعنه في رواية لا يكون مضموناً. قالوا هذا لا خلاف فيه إن تصادقا أنه لا دين ثم هلك الرهن لا يكون مضموناً.المشتري إذا رهن بالثمن شيئاً فهلك الرهن ثم استحق المبيع أو ظهر أنه لم يكن مالاً يكون مضموناً وكذلك رجل قتل عبداً ورهن بقيمته شيئاً فهلك الرهن ثم ظهر أن المقتول كان حراً كان الرهن مضموناً.وكذلك استهلك شاة مذبوحة ورهن بالضمان شيئاً ثم ظهر أنها كانت(3/373)
ميتة.ولو رهن عصيراً فتخمر ثم صار خلاًّ كان رهناً على حاله ويطرح من الدين ما نقص.وعند محمد رحمه الله تعالى له تركه بالدين . وشاة الرهن إذا هلكت فدبغ جلدها تكون رهنا بحصته.ولو استحق الرهن عند المرتهن يبطل الرهن بخلاف ما إذا ضمن الراهن فإنه لا يبطل الرهن.العبد الرهن إذا أبق يبطل الدين فإن عاد العبد من الإباق يعود رهناً.وإذا قضى القاضي بعد الإباق فجعل العبد بالدين ثم عاد من الإباق يعود رهنا ًوجعل القاضي العبد بالدين بعد الإباق باطل ويسقط من الدين بقدر نقصان الإباق إن كان ذلك أوّل مرة.ولو رهن شيئين فاستحق أحدهما عند المرتهن أو ظهر حراً يهلك الآخر بحصته من الدين.إذا رهن المديون بالدين متاعاً وتبرع أجنبي فرهن به متاعاً آخر فإن هلك رهن المديون يهلك بجميع الدين وإن هلك رهن الأجنبي يهلك بنصف المال. ولو كان على الرجل دين وبه كفيل فأخذ الطالب من الأصيل رهنا ومن الكفيل رهنا أيضا وبكل واحد من الرهنين وفاء بالدين فهلك أحدهما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن علم الثاني برهن الأول حين رهن يهلك الثاني بنصف الدين وإن لم يعلم هلك بالجميع.وقال زفر رحمه الله تعالى أيهما هلك هلك بجميع الدين وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن هلك الثاني يهلك بنصف الدين ولم يشترط العلم. رجل عليه دين وكفل إنسان بإذن المديون فأعطى المديون لصاحب الدين رهنا بذلك المال ثم قضى الكفيل دين الطالب ثم هلك الرهن عند الطالب فإن ّالكفيل يرجع على الأصيل ولا يرجع على الطالب ويرجع المطلوب على صاحب الدين بدينه.وكذا لو باع شيئاً وأخذ بالثمن كفيلا بإذن المشتري ثم أدّى الكفيل ثم هلك المبيع قبل القبض فإن الكفيل يرجع على المشتري لا على البائع ثم المشتري يرجع على البائع والله أعلم.
فصل فيما يجوز رهنه وما لا يجوز وما يجوز به الرهن وما لا يجوز(3/374)
<596\3>الرهن بأي دين كان جائز.وأما الرهن بالأعيان قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى هو على وجوه ثلاثة. أما الأول لا يجوز الرهن بالأعيان التي هي أمانة كالودائع و العواري ومال المضاربة والبضاعة.إذا رهن المودع بعين الوديعة هنا والمستعير بالعارية يكون باطلاً حتى لو هلك الرهن عند المرتهن يهلك بغير شيء.وكذا لو رهن المستأجر بالعين الذي استأجره وأخذ المستأجر من الأجر بالعين الذي آجره قبل التسليم كان باطلاً.وكما لا يجوز الرهن بالأمانات لا يجوز بالأعيان التي هي مضمونة بغيرها نحو ما إذا باع عيناً و أعطى بالمبيع رهنا ًعند المشتري قبل التسليم كان باطلا كذا ذكر القدوري و الكرخي رحمهما الله تعالى إن هلك عند المرتهن قبل المنع يهلك بغير شيء وإن هلك بعد المنع يهلك بالقيمة كضمان الغصب لأن المبيع غير مضمون على البائع قيل التسليم حتى لو هلك في يده ينفسخ البيع ولا يجب على البائع شيء . وذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا اشترى الرجل سيفاً وأخذ من البائع رهناُ بالسيف فهلك عنده كان عليه الأقل من قيمة الرهن ومن قيمة السيف.أما الرهن بالأعيان التي تكون مضمونة بالقيمة نحو الغصوب جائز عند الكل وكذا الرهن بالمهر وبدل الخلع جائز عينا كان أو ديناً.وإذا ارتهن الرجل دابة بدين له على الراهن و قبضها ثم استأجرها المرتهن صحت الإجارة وبطل الرهن حتى لا يكون للمرتهن أن يعود في الرهن.ولوارتهن الرجل دابة وقبضها ثم آجرها من الراهن لا تصح الإجارة ويكون للمرتهن أن يعود في الرهن و يأخذ الدابة.وإن آجرها المرتهن من أجنبي بإذن الراهن تخرج من الرهن وتكون الأجرة للراهن.وإن كانت الإجارة بغير إذن الراهن يكون الأجر للمرتهن يتصدق به وللمرتهن أن يعيدها في الرهن.وإن آجرها الراهن من أجنبي بأمر المرتهن تخرج من الرهن والأجرة للراهن.وإن آجرها بغير إذن المرتهن كانت الإجارة باطلة وللمرتهن أن يعيدها في الرهن.وإن آجرها أجنبي بغير إذن الراهن والمرتهن ثم أجاز الراهن الإجارة كانت الأجرة للراهن وللمرتهن أن يعيدها في الرهن فإن أجاز المرتهن دون الراهن كانت الإجارة باطلة ويكون الأجر للذي آجرها ويتصدق به وللمرتهن أن يعيدها في الرهن وإن أجازا جميعا كانت الأجرة للراهن ويخرج من الرهن.رحل تزوّج امرأة بألف درهم ورهن عندها بالمهر عينا تساوى ألفا فهلك الرهن عندها يهلك بصداقها.وإن طلقها قبل الدخول بها ثم هلك الرهن عندها لاشيء عليها لأن بالطلاق أولاً قبل الدخول سقط عن الزوج نصف المهر بغير عوض فبقي الرهن رهناً بما بقي وهو نصف الصداق فإذا هلك الرهن بعد ذلك يهلك بما بقي على الزوج فلا يجب على المرأة شيء.ولو تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا ًورهن عندها بمهر المثل رهناً فيه<597\3> وفاء بمهر المثل فهلك الرهن يهلك بمهر المثل وتصير مستوفية بمهر المثل.فإن طلقها قبل الدخول بها بعد ذلك كان عليها رد ما زاد على متعة مثلها كما لو استوفت مهر مثلها ثم طلقها قبل الدخول بها وإن طلقها أولاً قبل الدخول والرهن قائم وجبت لها المتعة في القياس ليس لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر.وفي الاستحسان وهو قول محمد وأبي يوسف الأول لها أن تحبس الرهن بالمتعة.فالحاصل أن الرهن بمهر المثل يصير هنا بالمتعة في الاستحسان وهو قول محمد وأبي يوسف الأول.وفي القياس وهو قول أبي يوسف الآخر لا يصير هنا بالمتعة.وإذا أخذت بصداقها المسمى رهنا يساوي صداقها ثم وهبت صداقها من الزوج أو أبرأته كان عليها رد الرهن إلى زوجها فإن هلك الرهن عندها يهلك بغير شيء.ولو اختلعت المرأة من زوجها بعد ما وهبت مهرها أو أبرأته كان عليها رد الرهن فإن لم ترد حتى هلك يهلك بغير شيء وإذا قبض المرتهن دينه كان عليه رد الرهن فإن لم يمنع الرهن حتى هلك الرهن عنده يهلك بالدين ويجب على المرتهن رد ما قبض.ولولا أقرض الرجل كرّاً من طعام وأخذ من المستقرض رهنا ًبالطعام ثم إن المستقرض اشترى الطعام الذي في ذمته بالدراهم ودفع إليه الدراهم وبرئ من الطعام ثم هلك الرهن عند المرتهن فإنه يهلك بالطعام الذي كان قرضاً إن كانت قيمة الرهن مثل قيمة الطعام ويجب على المرتهن رد ما قبض من الدراهم.وكذا الرجل إذا أسلم إلى رجل في طعام فأخذ المسلم فيه رهنا يساوي الطعام ثم تصالحا على رأس المال ولم يقبض رب السلم رأس المال من المسلم إليه حتى هلك الرهن عنده فإنه يهلك بطعام السلم ويبطل الصلح.(3/375)
وكذا لو وهب له رأس المال بعد الصلح ولم يمنع الرهن حتى هلك فإنه يهلك بالطعام .رجل له على رجل ألف درهم وبها رهن عند صاحب المال فقضى رجل دين الراهن تطوّعا وقبض الطالب سقط الدين وكان للمطلوب أن يأخذ رهنه فإن لم يأخذ حتى هلك الرهن كان على المرتهن أن يرّد على المتطوع ما أخذ منه ويعود ما أخذ من المتطوّع إلى ملك المتطوع لا إلى ملك المتطوع عليه.وكذا رجل اشترى من رجل عبدا ًبألف درهم وقبض العبد فتبرع إنسان بقضاء الثمن ثم استُحِقَ العبد أو رُدَّ بعيب بعد القبض بقضاء أو قبل القبض بقضاء أو بغير قضاء كان على البائع رد الثمن على المتبرع لا على المشتري.رجل له دين على رجل وبه رهن عنده ثم إنهما تناقضا عقد الرهن ولم يأخذ المرتهن دينه وهلك الرهن عنده فإنه يهلك بالدين ويبقى الرهن ما بقي قبض المرتهن.المرتهن إذا أبرأ الراهن عن دينه أو وهب منه ولم يمنع الرهن بعد الإبراء والهبة فهلك الرهن عنده يهلك أمانة استحساناً.رجل له على رجل ألف وبها رهن عنده فأحال الراهن المرتهن المال على رجل فقبل الحوالة وأبرأه منه ولم يرد الرهن ولم يمنع حتى هلك الرهن عنده فإنه يهلك بالدين وتبطل الحوالة.ولا يبطل الرهن بموت الراهن ولا بموت المرتهن ولا بموتهما<598\3> ويبقى الرهن رهناً عند الورثة.رب السلم إذا أخذ بالمسلم فيه رهناً وهلك يصير مستوفيا ًللمسلم فيه. وكذا لو أخذ المسلم إليه من رب السلم برأس المال رهناً يجوز عندنا فإن هلك الرهن في المجلس يصير مستوفيا ًرأس المال ويبقى السلم.فإن يهلك حتى افترقا بطل السلم ويرد الرهن على الراهن. وكذا الرهن ببدل الصرف جائز عندنا فإن هلك الرهن في المجلس يصير مستوفياً ويتم الصرف وإن لم يهلك حتى افترقا بطل الصرف.رجل قتل غيره عمداً فصالح عن القصاص على مال مع ولي العمد وأخذ ببدل الصلح رهناً جاز في قولهم .وكذا لو كان القتل بما لا يوجب القصاص فأخذ الولي بالدية رهناً من القاتل.وكذا لو كان القتل خطأ فأخذ الولي من العاقلة رهنا بالدية بعد قضاء القاضي جاز.وكذا الرجل إذا جرح غيره جراحة لا يستطاع فيها القصاص وقضى القاضي بالأرش للمجروح فأخذ بالأرش رهنا وكذا لو قطع يد رجل خطأ وقضى القاضي بنصف الدية على العاقلة فأخذ المقطوعة يده رهناً من العاقلة جاز.وكذا لو سقط القطع عن السارق وقضى القاضي بضمان السرقة على السارق فأخذ المسروق منه بالمال رهنا وكذا المولى إذا أخذ من مكاتبه رهنا ببدل الكتابة جاز وإن كان لا يجوز أخذ الكفيل ببدل الكتابة.ولو استأجر دارا ًأو شيئاً وأعطى بالأجر رهنا جاز فإن هلك الرهن بعد استيفاء المنفعة يصير مستوفيا للأجر وإن هلك قبل استيفاء المنفعة يبطل الرهن ويجب على المرتهن رد قيمة الرهن .ولو استأجر خياطاً ليخيط له ثوبا و أخذ من الخياط رهنا بالخياطة جاز.وإن أخذ الرهن بخياطة هذا الخياط بنفسه لا يجوز.وكذا لو استأجر إبلاً إلى مكة فأخذ من الحمال بالحمولة رهنا جاز.ولو أخذ بحمولة هذا الرجل بنفسه أو بدابة بعينها لا يجوز.ولو استعار الرجل شيئاً له حمل و مؤنة فأخذ المعي رمن المستعير رهنا برد العارية جاز.وإن أخذ منه رهنا برد العارية بنفسه لا يجوز.ولو أخذ رهنا من المستعير بالعارية لا يجوز لأنها أمانة في يده.ولو استأجر نواحة أو مغنية وأعطاها بالأجر رهنا لا يجوز ويكون باطلاً.وكذا الرهن بدين القمار أو بثمن الميتة والدم أو الرهن بثمن الخمر من المسلم لمسلم أو ذمي بثمن الخنزير باطل.وعن محمد رحمه الله تعالى إذا اشترى المسلم خلاًّ وأعطى بالثمن رهنا فضاع الرهن في يده ثم ظهر أنه كان خمراً يضمن الرهن.ولو اشترى عبد أو رهن بثمنه رهنا فضاع الرهن ثم ظهر أنه كان حراً لا يضمن المرتهن شيئاً لأنه رهنٌ باطلٌ و الأول فاسد.ولو اشترى شيئاً من رجل بدراهم بعينها و أعطى بها رهناً كان باطلاً لأنها لا تتعين وإنما يجب مثلها في الذمة والرهن غير مضاف إلى ما في الذمة.ولا يجوز رهن المدبر و المكاتب وأم الولد لأن الرهن لاستيفاء الدين من المالية و الاستيفاء منها يتعذر.رجل عليه ألف درهم فصالحه على خمسمائة وأعطاه رهناً بخمسمائة فهلك الرهن ثم تصادقا أنه لم يكن عليه دين كان على المرتهن أن يرد على الراهن خمسمائة<599\3>إذا رهن عند إنسان ثوباً وقال للمرتهن إن لم أعطك مالك إلى كذا وكذا فهو بيع لك بمالك علي قال محمد رحمه الله تعالى لا يجوز ذلك.المودع إذا ادّعى هلاك الوديعة وصاحبها يدعي عليه الإتلاف فتصالحا على مال وأعطاه رهنا ًفهلك الرهن لا يضمن المرتهن في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى ويضمن في قول محمد رحمه الله تعالى.(3/376)
ولو ادّعى صاحب المال الوديعة وجحد المودع الإيداع فتصالحا على شيء جاز الصلح في قولهم.وكذا لو ادعى صاحب المال الإيداع والاستهلاك من المودع والمودع يقر بالوديعة ولم يدّع الرد والهلاك وتصالحا على شيء جاز الصلح في قولهم .ولو قال المودع هلكت الوديعة أو قال رددت و سكت صاحب المال و قال لا أدري فاصطلحا على شيء لا يجوز الصلح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ويجوز في قول محمد رحمه الله تعالى.ولو قال المودع ضاعت الوديعة أو قال رددت و قال صاحب المال إنك استهلكتها فاصطلحا على شيء لا يجوز الصلح في قول أبي حنيفة و أبي يوسف الأوّل و يجوز في قول محمد و أبي يوسف الآخر . وفي كل موضع يجوز الصلح إذا أعطى ببدل الصلح رهنا ّجاز الرهن وفيما لا يجوز الصلح لا يجوز الرهن وذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده الفتوى في الصلح على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.رجل قال لآخر ضمنت لك مالك على فلان إذا حلّ الأجل فأعطى بذلك رهناً جاز.ولو قال إذا قدم فلان فأنا ضامن مالك عليه وأعطاه رهناً لا يجوز الرهن و تجوز الكفالة على هذا الوجه.ولو قال لآخر ما بايعت فلانا فثمنه علي وأعطاه به رهنا ًقبل المبايعة لا يجوز.رجل رهن عند إنسان عبداً بألف درهم ثم جاء الراهن بجارية و قال خذ هذه مكان العبد فإنه يصح ذلك إذا قبض وقبل قبض الثاني فالأوّل رهن ما دام في يده يهلك بالدين إن هلك والثاني أمانة يهلك من غير شيء.وإذا قبض الثاني يخرج الأوّل من أن يكون رهناً رد الأوّل على الراهن أولم يرد و يكون الثاني رهناً لو هلك هلك بقيمة نفسه لا بقيمة الأوّل.ولا يجوز رهن المشاع فيما يقسم و فيما لا يقسم لا من الشريك ولا من غير الشريك.ولو ارتهن رجلان من رجل رهنا ًبدين لهما عليه وهما شريكان فيه أو لا شركة بينهما فهو جائز إذا قبلا.ولو قبل أحدهما دون الآخر لا يصح.ولو قضى الراهن دين أحدهما وقد قبلا لا يكون له أن يسترد نصف الرهن.ولو رهن منهما وقال رهنت النصف من هذا والنصف من هذا الآخر لا يجوز وإن قبلا.ولو رهن رجلان بدين عليهما من رجل رهناً واحداً فهو جائز ويكون الرهن رهناً بكل الدين وللمرتهن أن يحبسه حتى يستوفي جميع الدين.والشيوع الطارئ يبطل الرهن في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يبطل.وصورته الراهن إذا وكّل العدل ببيع الرهن مجتمعاً أو متفرقاً كيف شاء فباع بعض الرهن بطل في الباقي.وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يبطل.<600\3>ولو استحق بعض الرهن فإن كان المستحق شائعا ًيبطل الرهن فيما بقي.وإن استحق شيء مفرز يبقى الرهن صحيحاً فيما بقي و يكون الباقي محبوساً بجميع الدين فإن هلك الباقي وفي قيمته وفاء بجميع الدين فإنه يهلك بحصته من الدين لا غير.رجل رهن دارا ًفيها متاع الراهن بشيء كثير أو قليل ينتفع به أو رهن جوالقاً فيها متاع الراهن بدون المتاع وسلم الكل إلى المرتهن لا يجوز ذلك إلا أن يفرغ الدار أو الجوالق ويسلم إليه.ولو رهن ما في الدار من المتاع بدون الدار أو ما في الجوالق من الحبوب دون الجوالق وسلم الكل إليه جاز.والحيلة لجواز الرهن في المسألة الأولى أن يودع ما في الدار أو الجوالق أوّلاً ثم يسلم إليه مارهن فيصح التسليم والرهن.ولو قال رهنتك هذه الدار وفيها زرع أو شجر أو ثمر على الأشجار جاز ويدخل الكل في الرهن ولا يدخل الزرع والثمر في البيع إلا بالذكر وفي الرهن يدخل بغير الذكر لأن الرهن لا يصح بدون ذلك فيدخل الكل تصحيحا. ولو رهن داراً وما فيها وخلّى بينه وبين جميع ذلك وهو خارج من الدار تم الرهن.ولو رهن شيئاً وخلّى بينه وبين الرهن وقال خذه جاز ويصير قابضاً بالتخلية في الروايات الظاهرة.وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا كان الرهن مما ينقل لا يصير قابضاً ما لم ينقل . وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رواية إذا رهن داراً وهو فيها فقال سلّمت إليك لا يتم الرهن ما لم يخرج من الدار ثم يقول سلمت إليك.ولو رهن صوفاً على ظهر غنم لا يصير قابضا حتى يجزّ ويقبض.ولو رهن دابة عليها حمل لا يتم الرهن حتى يلقي الحمل عنها ويدفع الدابة وكذا لو رهن سرجاً على دابة أو لجاماً في رأسها ودفع الدابة مع ذلك لم يكن رهنا حتى ينزع السرج أو اللجام من رأس الدابة ويسلم إليه.ولو رهن بيتا معيّنا من دار أو طائفة معينة من دار وسلم جاز. رجلان عليهما ألف درهم لرجل فرهنا بذلك عبدا مشتركاً بينهما بنصفين ثم غاب أحد الراهنين وحضر الآخر وقال الحاضر منهما للمرتهن أعطيك ما عليّ من الدين وآخذ حصتي من العبد قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى للمرتهن أن يمتنع من ذلك حتى يأخذ جميع الدين فإن أدّى الحاضر جميع الدين لم يكن متطوعا في أداء كل الدين وكان له أن يقبض كل العبد فإن قبض ولم يمنع من الشريك حصته من العبد فهلك العبد في يده فإنه يهلك بجميع الدين إلا أن يكون أكثر من قيمة العبد فيرجع على صاحبه بنصف الفضل أيضا ويكون نصف العبد في هذا الموضع بمنزلة(3/377)
الرهن في يده وهذا قول محمد رحمه الله تعالى أيضا قال رجلان رهنا متاعا بدين عليهما فادّعى المرتهن الرهن عليهما فجحدا فأقام البيّنة على أحدهما على هذا الوجه فإنه يستحلف الآخر بالله ما رهنه فإن نكل ثبت الرهن عليهما على أحدهما بالبينة وعلى الآخر بالنكول.وإن حلف رد المرتهن الرهن عليهما لأن الرهن لم يثبت في نصيب الحالف فيتعذر القضاء بالرهن في نصيب الآخر لأنه شائع.<601\3>ولو كان الراهن واحداً والمرتهن اثنين فقال أحدهما ارتهنت أنا وصاحبي هذا العين منك بمائة درهم وأقام البينة والمرتهن الآخر يجحد فيقول لم أرتهن والراهن يجحد الرهن فعن أبي يوسف رحمه الله تعالى فيه روايتان في رواية يرد الرهن على الراهن وفي رواية كل العين يكون رهنا للمدعي بحصته من الدين ولا يبطل الرهن بجحود صاحبه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.وقال محمد رحمه الله تعالى أقضي ببينة المدعي رهنا وأجعله في يدي الذي أقام البينة أو في يد عدلٍ فإذا قضى الراهن مال الذي أقام البينة أخذ الرهن.وإن هلك الرهن يذهب من الدين نصيب الذي أقام البينة.رجل عليه دين وبه رهن وكفيل كفل بإذن المديون فقضى الكفيل دين الطالب ثم هلك الرهن عند الطالب ذكر في النوازل أن الكفيل يرجع على الأصيل بما كفل لأن الرهن إذا هلك وبه وفاء بالدين يصير الطالب قابضا دينه بقض الرهن فإذا أخذ المال من الكفيل يصير قابضا بعد الاستيفاء إلا أن الكفيل إنما دفع المال إلى الطالب بإذن الأصيل وهو سفير محض في ذلك فلا يكون له أن يخاصم الطالب ولكنه يخاصم الأصيل ويرجع عليه لأنه دفع المال بأمره وهو كما لو باع شيئاً وأخذ بالثمن كفيلاً بأمر المشتري فأدى الكفيل الثمن ثم هلك المبيع عند البائع فإن الكفيل لا يخاصم البائع ولا يرجع عليه إنما يخاصم المشتري ثم المشتري يرجع على البائع بما دفع الكفيل إليه.رجل عليه دين لرجل وبه كفيل فأخذ الطالب من الكفيل رهنا ومن الأصيل رهنا أحدهما بعد الآخر وبكل واحد من الرهنين وفاء بالدين فهلك أحد الرهنين عند المرتهن قال زفر رحمه الله تعالى أيهما هلك يهلك بكل الدين.وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن هلك الرهن الثاني إن كان الراهن الثاني علم بالرهن الأوّل فإن الثاني يهلك بنصف الدين وإن لم يعلم بذلك يهلك بجميع الدين.وذكر في كتاب الرهن أن الثاني يهلك بنصف الدين ولم يذكر العلم والجهل.والصحيح ما ذكر في كتاب الرهن لأن كل واحد منهما يطالب بجميع الدين فيجعل الرهن الثاني زيادة في الرهن فينقسم الدين على الرهن الأوّل والثاني على قدر قيمتهما فإذا استوت قيمتهما فأيهما هلك يهلك بنصف الدين وبعض هذا مر قبل هذا.رجل أراد أن يدخل خانا فلم يدعه صاحب الخان حتى دفع إليه ثوبا فهلك عنده روي عن عصام بن يوسف أنه قال إن رهنه بأجرة البيت فالرهن بما عليه وإن أخذ منه الرهن لخوف السرقة منه فإن صاحب الخان يكون ضامنا.وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى عندي لا يضمن صاحب الخان إذا لم يكن الدافع مكرها في الدفع.
فصل في الانتفاع في الرهن(3/378)
المرتهن إذا ركب الدابة المرهونة بإذن الراهن فعطبت في ركوبه لا يضمن ولا يسقط شيء من الدين.وإن ركبها بغير إذن الراهن فعطبت في ركوبه يضمن قيمتها وإن عطبت بعدما نزل عنها سليمة هلكت رهنا في المسألتين و تهلك بالدين.ولو ركب الراهن<602\3> بإذن المرتهن أو بغير إذنه فعطبت لا يسقط الدين.ولو كان الرهن ثوبا فلبسه المرتهن بإذن الراهن فهلك في استعماله لا يسقط الدين لأن استعمال المرتهن بإذن الراهن كاستعمال الراهن ولو هلك في استعمال الراهن لا يسقط شيء من الدين.وإن استرده المرتهن من الراهن بعدما لبسه الراهن فهلك يهلك بالدين . ولو كان الرهن ثوبا وأذن له بالانتفاع به فجاء الراهن يفتكه وبه خرق فقال الراهن حدث هذا في يد المرتهن قبل لبسه أو بعدما نزع الثوب عن نفسه وقال المرتهن لا بل حدث في اللبس كان القول قول المرتهن والبيّنة بينة الراهن.ولو قال الراهن لم يلبسه المرتهن وتخرق عنده وقال المرتهن لبسته فتخرق كان القول قول الراهن .ولو أعار المرتهن الرهن من الراهن أو آجره أو أودعه كان للمرتهن أن يسترده والإجارة باطلة.ولو كان الرهن مصحفا فأذن له الراهن بالقراءة فيه فهلك قبل أن يفرغ من القراءة لا يضمن المرتهن والدين على حاله.وإن هلك بعد فراغه من القراءة يهلك بالدين.وكذا لو كان الرهن خاتما فأدخله المرتهن في خنصره بإذن الراهن فهلك يكون أمانة لا يسقط شيء من الدين.وإن نزعه من إصبعه فهلك بعد النزع يهلك بالدين.ولو كان المرتهن أعار الرهن من الراهن فمات الراهن وعليه ديون فإن المرتهن يكون أحق بالرهن من الغرماء لأن المرتهن بسبيل من استرداده في حياته فكذلك بعد وفاته.فإن أذن المرتهن للراهن أن يزرع الأرض المرهونة بإذن المرتهن لا يبطل الرهن.وله أن يسترد الرهن فيعود رهناً ومادام في يد الراهن لا يكون في ضمان المرتهن.وولد الرهن وصوفها و لبنها يكون داخلاً في الرهن لما قلنا في الزرع والثمر ولا يسقط شيء من الدين بهلاكها.والغاصب إذا سأل صاحب الغصب أن يعيره إياه لخدمه أو يرسله في حاجة فأذن له في ذلك برئ من الضمان عاد إليه بعد ذلك أو لم يعد.و إن غصب غلاما فأبرأه المالك عنه ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن يبرأ من الضمان ويصير بمنزلة الوديعة في يده.وليس للمرتهن أن يسافر بالرهن ولا للمودع أن يسافر بالوديعة في قول محمد رحمه الله تعالى فإن فعل فهلك يصير ضامناً.وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى.ولو رهن رجل ثوبا يساوي عشرين درهما بعشرة دراهم فلبسه المرتهن بإذن الراهن فانتقص منه ستة دراهم فلبسه مرة أخرى بغير إذن الراهن فانتقص أربعة دراهم ثم هلك الثوب و قيمته عند الهلاك عشرة قالوا يرجع المرتهن على الراهن بدرهم واحد من دينه ويسقط من دينه تسعة دراهم ووجه ذلك أن الدين إذا كان عشرة دراهم وقيمة الثوب يوم الرهن عشرون درهما كان نصف الثوب مضمونا بالدين ونصفه أمانة فإذا انتقص الثوب بلبسه بإذن الراهن ستة لا يسقط شيء من الدين لأن لبس المرتهن بإذن الراهن كلبس الراهن فلا يكون مضمونا على المرتهن وما انتقص بلبسه بإذن الراهن وهو أربعة دراهم<603\3> مضمون على المرتهن فأوجب على المرتهن وهو أربعة دراهم يصير قصاصا بقدرها من الدين فإذا هلك الثوب وقيمته بعد النقصان عشرة يكون نصفها مضمونا ونصفها أمانة بقدر المضمون يصير المرتهن مستوفيا دينه وبقي درهم واحد فلهذا يرجع على الراهن بدرهم واحد.رجل رهن جارية فأرضعت صبيا للمرتهن لا يسقط شيء من دينه لأن لبن الآدمي غير متقوم.ولو كانت شاة فشرب المرتهن من لبنها كان ذلك محسوباً عليه من الدين لأن لبن الشاة متقوم.الراهن إذا أعتق العبد المرهون أو دبره أو كانت جارية فاستولدها نفذ جميع ما صنع موسرا كان الراهن أو معسرا وقال الشافعي رحمه الله تعالى إن كان معسرا لا ينفذ إعتاقه وإذا نفذ إعتاقه عندنا يسعى العبد في الأقل من قيمته ومن الدين وهو حر مادام يسعى ثم المستسعى يرجع بما سعى على مولاه المعتق إلا المدبر وأم الولد فأنهما لا يرجعان على المولى والمرتهن بالخيار في التدبير إن شاء رجع على الراهن وإن شاء رجع على العبد و السعاية في التدبير يخالف السعاية في العتق من وجوه ثلاث.أحدها أن المدبر يسعى في جميع الدين لأنه يؤدي الدين من كسبه وكسبه مال المولى ولهذا لا يرجع على المولى بما يسعى ويسعى أن كان مولاه موسراً.رجل اشترى من رجل عبدا ولم يقبضه ولم ينقد الثمن فأعتق العبد وهو معسر نفذ إعتاقه ولا يسعى العبد للبائع في الثمن في قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأوّل.وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى آخِر اً يسعى في جميع قيمته إذا كانت قيمته أقل من الثمن ثم يرجع بذلك على المشتري.رجل رهن عبدا وغاب ثم إن المرتهن وجد العبد حرا فإن كان العبد أقر بالرق عند الرهن لا يرجع المرتهن بدينه عليه.رجل اشترى من رجل عبدا ونقد الثمن أو قبض العبد وغاب البائع غيبة لا يعرف مكانه ثم ظهر أن العبد كان حرا فإن المشتري يرجع(3/379)
بالثمن على العبد ثم العبد يرجع بالثمن على البائع إذا حضر.وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر لا يرجع كما لا يرجع في الرهن ومحمد رحمه الله تعالى توقف في هذا.رجل رهن جارية ذات زوج بغير إذن الزوج صح الرهن وليس للمرتهن أن يمنع الزوج من غشيانها فإن ماتت من غشيانها صار كأنها ماتت بآفة سماوية فيسقط دين المرتهن استحسانا.وفي القياس أن لا يسقط لأن الزوج إنما وطئها بتسليط المولى فصار كأن الراهن وطئها.ولو رهن جارية ليس لها زوج ثم زوّجها الراهن بإذن المرتهن فهذا والأوّل سواء.وإن زوّجها بغير إذن المرتهن جاز النكاح وللمرتهن أن يمنع الزوج من غشيانها لأنها عند الرهن لم تكن مشغولة بحق الغير لتعلق حق المرتهن بجميع أجزائها فكان له أن يمنع الزوج من غشيانها فإن غشيها الزوج يصير المهر رهنا مع الجارية لأن المهر بدل جزء من أجزائها فيتعلق به حق المرتهن فيكون بمنزلة الولد وقبل الغشيان لا يكون المهر رهناً لأن المهر لا يتأكد قبل الدخول.فإن ماتت الجارية من غشيانها في هذا الوجه كان المرتهن بالخيار إن شاء<604\3> ضمن الراهن لأن الهلاك حصل بتسليطه وإن شاء ضمن الزوج كما لو قتلها الزوج ثم يرجع الزوج على المولى إذا لم يعلم الزوج بالرهن وكتم عنه المولى لأنه صار مغروراً من جهته وإن أعلمه بذلك لا يرجع على المولى لأنه لم يصر مغروراً من جهته.رجل رهن شاة وأباح للمرتهن أن يشرب لبنها كان للمرتهن أن يشرب ويأكل ولا يكون ضامناً فإن هلكت الشاة بعد ذلك عند المرتهن قسم الدين على قيمة الشاة وعلى قيمة اللبن فما أصاب الشاة يسقط ذلك القدر من الدين وما أصاب اللبن يرجع المرتهن بذلك على الراهن لأن شرب المرتهن بإذن الراهن كشرب الراهن ولو شرب الراهن لا يسقط قدر حصته من الدين كما لو أتلف الراهن عضواً من أعضائها كان للمرتهن أن يرجع على الراهن بحصة ذلك من الدين وعلى هذا جميع النماء والزيادة.رجل رهن خاتماً فلبس المرتهن في خنصره اليمنى أو اليسرى فهلك الخاتم كان ضامناً لأنه استعمال وفيما سوى الخنصر من الأصابع لا يضمن لأن ذلك حفظٌ وهو مأمور بالحفظ.وإن رهن طيلساناً فوضعه المرتهن على عاتقه لا يضمن لأنه حفظ وإن لبسه كما يلبس الناس ضمن. ولو رهن سيفين أو ثلاثاً فتقلد المرتهن بالثلاث لا يضمن لأنه حفظ وفي السيفين يضمن إذا كان المرتهن ممن يتقلد بسيفين لأنه استعمال.و إن لبس الخاتم في خنصره اليسرى فوق خاتم له لا يضمن إلا إذا كان اللابس ممن يتجمل بالخاتمين فيضمن لأن ذلك استعمال وتزيين والأول حفظ.وما يتولد من الرهن كاللبن والولد والصوف والثمر و الأرش يكون رهناً مع الأصل عندنا.وللمرتهن أن يمسك الكل إلى أن يستوفي دينه ولا يسقط بهلاك الزيادة شيء من الدين إذا هلك قبل فكاك الأصل حال قيام الرهن.وللمرتهن أن يبيع ما يخاف فساده بإذن القاضي ويمسك ثمنه رهناً.وإن باع بغير أمر القاضي كان ضامناً.
فصل فيمن يرهن مال الغير(3/380)
رجل استعار من آخر عيناً ليرهنه بدينه فأعاره صحت الإعارة وللمستعير أن يرهنه بدينه بقليل أو كثير إذا أطلقه المعير ولم يسم ما يرهنه به وإن سمى المعير قدراً أو جنساً لا يجوز للمستعير أن يخالفه وإن خالفه المستعير فرهنه بأقل مما سمى أو أكثر أو بصنف آخر لا يجوز ويصير ضامناً.وكذا لو استعاره ليرهنه عند فلان بعينه فرهنه عند غيره أو استعاره ليرهنه بالكوفة فرهنه بالبصرة.وللمعير أن يأخذه من المرتهن.فإن هلك في يد المستعير إن هلك في يد المستعير قبل أن يرهنه أو هلك بعد ما رهنه و افتّكه لا ضمان عليه.وإن هلك الرهن فقال المالك هلك عند المرتهن وقال المستعير هلك قبل أن أرهنه أو بعد ما رهنته و افتككته كان القول قول الراهن مع يمينه. وإن رهنه المستعير على الوجه الذي أذن له المعير كان على المستعير قدر ما سقط من دين الراهن برهنه.وكذا لو دخله عيب فسقط بعض الدين يضمن الراهن للمعير قدر ذلك.ولو أن الراهن عجز عن فكاك الرهن فقضى المعير دين الراهن كان للمعير أن يرجع على الراهن بقدر< 605\3>ما سقط من الدين عند الهلاك ولا يرجع بأكثر من ذلك حتى لو كانت قيمة الرهن ألفاً ورهنه بألفين بإذن المعير و افتّكه المالك بألفي درهم لا يرجع على الراهن بأكثر من ألف.وليس للمرتهن أن يمتنع عن قبض الدين من المعير بل يجبر على ذلك حتى يقبض ويسلم إليه الرهن.ولو أن المستعير وكّل رجلاً بقبض الرهن من المرتهن والرد إلى المعير إن كان الوكيل في عيال المستعير جاز ولا يضمن إن هلك المال في يد الوكيل.فإن لم يكن الوكيل في عيال الموكل فهلك المال في يد الوكيل ضمن الموكل وهذا والوديعة سواء.وليس للمستعير أن ينتفع بالرهن ولا أن يستعمله قبل الرد ولا بعد الفكاك فإن فعل ضمن.ولو استعمله قبل الرهن ثم رهنه بمثل قيمته يبرأ عن الضمان وليس هذا كرجلٍ استعار شيئاً لينتفع به فخالف ثم عاد إلى الوفاق فإنه لا يبرأ عن الضمان .رجل غصب من آخر عبداً فرهنه بدينه عند رجل فهلك المال عند المرتهن كان للمالك الخيار إن شاء ضمَّن الغاصب وإن شاء ضمَّن المرتهن.فإن ضمّن الغاصب تم الرهن لأن الغاصب عند أداء الضمان يملكه من وقت الغصب فيصير راهناً مال نفسه.وإن ضمّن المالك المرتهن كان للمرتهن أن يرجع على الراهن بما ضمن ويبطل الرهن لأن سبب ضمن المرتهن هو القبض وعقد الرهن كان قبله فلا ينفذ الرهن بملك متأخر عن العقد.ولو كان الغاصب دفع العبد المغصوب إلى رجل وديعة ثم رهنه بعد ذلك من المدفوع إليه فهلك الرهن ثم جاء صاحب العبد وضمّن الغاصب أو المدفوع إليه فرجع المرتهن على الراهن جاز الرهن في الوجهين. أما إذا ضمّن الغاصب فلأنه ملكه بالغصب السابق على الرهن فينفذ الرهن. وأما إذا ضمّن المرتهن فلأن سبب الضمان في حقه هو القبض بحكم الوديعة وعقد الرهن كان بعده فينفذ الرهن على كل حال.ولو أن رجلاً عنده وديعة لإنسان فرهنه المودع عند رجل فهلك عنده وجاء المالك وضمّن الراهن أو المرتهن لا ينفذ الرهن لأن الأول ضمن بالدفع إلى المرتهن وعقد الرهن كان قبل الدفع فلا يكون مالكاً وقت الرهن فلا يجوز كرجل رهن عند رجل عبداً لغيره فعاقد عقد الرهن ولم يدفع إلى المرتهن ثم إن الراهن اشترى العبد من مولاه ودفعه إلى المرتهن فإنه لا يكون رهناً عند المرتهن لأن الراهن ملكه بعد الرهن فلا يكون مالكاً وقت الرهن. وكذلك رجل غصب عبداً فباعه ثم جاء صاحبه وضمّنه إن ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب جاز البيع وإن ضمنه يوم الدفع إلى المشتري لا يجوز بيعه لأن الغاصب في الوجه الثاني إنما ملك وقت الدفع فلا يجوز بيعه إذ لم يكن مالكاَ وقت البيع.رجل أعار شيئاً له حمل و مؤنة ليرهنه المستعير بدينه فرهنه قالوا إن ردّ العارية يكون على المعير فرق بينها وبين غيرها من العواري في غير هذا يكون الرد على المستعير لأن هذه إعارة فيها منفعة لصاحبها فإنها تصير مضمونة في يد المرتهن وللمعير أن يرجع على المستعير بقيمته فكانت بمنزلة < 606\3> الإجارة وفي الإجارة يكون الرد على الآجر. الرهن إذا جاز للمرتهن أنت يودعه إنساناً أو يعير أو يؤاجر فإن أودع المرتهن إنسانا فهو رهن على حاله إن هلك في يد المودع يسقط الدين بهلاكه وإن أعاره يخرج من ضمان الرهن وللمرتهن أن يعيده رهنا ولو آجره فالأجرة تكون للراهن وليس للمرتهن أن يعيد الرهن إلا برهن جديد.ولو أذن له الراهن أن يرهنه فرهنه من غيره وسلم إليه يخرج من الرهن الأول ولو باع الآجر أو المرتهن أحدهما بإذن الآخر يخرج من أن يكون رهنا ويكون الثمن رهنا مكان الأول قبضه من المشتري أو لم يقبض فإن هلك الثمن على المشتري فإنه يتوى من مال المرتهن وللمرتهن أن يحبس الثمن إذا كان دينه مؤجلاً إلى وقت حلول الأجل .
فصل في العدل في باب الرهن(3/381)
رجل رهن عند إنسان وشرط الراهن والمرتهن في عقد الرهن أن يكون الرهن في يد عدل صح الرهن وقَبْضُ العدل يكون بمنزلة قبض المرتهن ولا يكون للمرتهن أن يأخذه من العدل إلا برضا الراهن.ولو أن رجلاً باع من إنسان شيئاً وتواضعا أن يكون المبيع في يد عدل حتى يقبض الثمن جاز ويكون يد العدل بمنزلة يد البائع حتى لو هلك المبيع في يد العدل ينفسخ البيع ويبطل الثمن.ولو شرط الراهن والمرتهن في عقد الرهن أن يكون العدل مسلطا على البيع جاز أيضاً.وللعدل أن يبيع ويوفي دين المرتهن.وليس للراهن أن يفسخ الوكالة ولا للمرتهن أن يمنعه عن البيع أيضاً.ولو مات الراهن أو المرتهن يبقى العدل على ما كان يمسك الرهن ويبيع.ولو مات العدل تبطل الوكالة ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه وكذا لو جعل الراهن والمرتهن الرهن في يد عدل وسلّطا رجلاً آخر على بيعه جاز وله أن يبيعه وله أن يسلم الثمن إلى المرتهن.وكذا لو سلط الراهن المرتهن على البيع جاز أيضا.ولو لم يكن البيع شرطاً في عقد الرهن ثم سلط المرتهن أو العدل على البيع صح التوكيل وللراهن أن يفسخ هذه الوكالة ويمنعه عن البيع.ولو مات الراهن بطل الوكالة.وليس للمرتهن أن يطالب العدل بالبيع في هذا الوجه.وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن الوكالة لا تبطل كالمشروط في العقد وهو الصحيح ولا يكون للمرتهن ولا للعدل أن يتصرف في الرهن سوى الإمساك إذا لم يكن مسلّطاً على البيع فلا يبيع ولا يؤاجر ولا يستخدم.وللعدل أن يسلم الرهن إلى من كان في عياله من امرأته وخادمه وولده وأجرائه الذين يتصرفون في ماله.ولو باع العدل الرهن يخرج من أن يكون رهناً و يصير الثمن رهناً مكان الأوّل مقبوضا كان الثمن أو لم يكن. وكذا لو قتل العبد الرهن وغرم القاتل قيمته أو قتله عبد آخر ودفع به فإن العبد الثاني يكون رهنا مكان الأول .ولو باع العبد الرهن وسلم الثمن إلى المرتهن ثم استحق العبد أو ردّ بعيب بقضاء قاض فإن المشتري يرجع بالثمن على العدل ثم العدل بالخيار إن شاء رجع على المرتهن بالثمن ويعود دين < 607 \3>المرتهن على حاله وإن شاء رجع على الراهن.ولو أن العدل باع الرهن و لم يسلم الثمن إلى المرتهن فاستحق العبد أو ردّ بعيب بقضاء قاض فإن العدل لا يرجع على المرتهن.هذا إذا كان التسليط على البيع شرطاً في عقد الرهن.فإن كان التسليط على البيع بعد الرهن قالوا العدل ههنا يكون وكيلا للراهن وما يلحقه من العهدة يرجع به على الراهن دفع الثمن إلى المرتهن أو لم يدفع.ولو أن العدل أقر في الوجه الأوّل أنه باع وقبض الثمن أو سلم إلى المرتهن وأنكر المرتهن ذلك كان القول قول العدل ويبطل دين المرتهن.القاضي يجبر العدل على بيع الرهن لقضاء الدين فإن أبى يبيعه القاضي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى.رجل رهن شيئاً ووضعه على يدي عدل وسلط العدل على البيع ثم غاب الراهن فالعدل يجبر على البيع.قيل هذا إذا كان البيع مشروطاً في عقد الرهن.وقيل بأنه يجبر على كل حال.وهو الصحيح الأب إذا رهن مال ولده الصغير بدين نفسه صح الرهن.وكذا الوصي ذكره في الأصل. وذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أن هذا استحسان والقياس أن لا يجوز في الأب والوصي جميعاً.وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه أخذ بالقياس .ولو قضى الوصي دين نفسه من مال اليتيم لا يجوز.ولو فعل الأب ذلك جاز.وهو كالبيع للأب أن يبيع مال ولده من نفسه بمثل القيمة ولو فعل الوصي ذلك لا يجوز إلا أن يكون خيرًا لليتيم وفي بعض الروايات لا يجوز للأب أيضاً قضاء دين نفسه بمال اليتيم والصحيح أنه يجوز.العبد الرهن إذا أبق من المرتهن وقضى القاضي بسقوط الدين ثم عاد من الإباق يعود رهناً على ما كان.والعبد الغصب إذا أبق وقضى القاضي على الغاصب بالقيمة ثم عاد من الإباق فإنه يعود على ملك الغاصب.العدل إذا كان مسلّطاً على البيع كان له أن يبيع بالنقد والنسيئة فإن نهاه الراهن عن البيع نسيئة بعد ذلك لم يصح نهيه وله أن يبيع ما يحدث من الرهن من ولد أو ثمر لأنه تبع للأصل.ولو طلب المرتهن دينه فقال الراهن للعدل بع الرهن وأوف حقه وقال المرتهن لا أريد البيع وإنما أريد حقي كان له ذلك.رجل رهن شيئاً بدين مؤجل وسلّط العدل على بيعه إذا حل الأجل فلم يقبض العدل الرهن حتى حل الدين فالرهن باطل والوكالة بالبيع باقية.ولو رهن شيئاً بدين مؤجل وسلّط العدل على البيع مطلقا ولم يقل عند محل الدين فللعدل أن يبيعه قبل ذلك. ولو رهن شيئاً و وضعه على يد العدل فمات العدل لا يبطل الرهن فيوضع على يدي عدل آخر عن تراض منهما.فإن اختلفا في ذلك وضعه القاضي على يدي عدل وليس للعدل الثاني أن يبيع الرهن وإن كان الأول مسلّطاً على البيع لأن الراهن لم يُوَكِّله البيع.فإن مات الراهن كان للقاضي أن يبيعه بعد موت الراهن وله أن يفوّض البيع إلى هذا العدل الثاني أو عدل آخر.ولو أن ّالعدل باع الرهن في حياته وتصادقوا على بيعه إلا أنّ الراهن يقول <(3/382)
608 \3>باعه بمائة والدين وقيمة الرهن مائة أيضاً وصدقه العدل في ذلك وقال المرتهن لا بل باعه بخمسين درهماً كان القول قول المرتهن مع يمينه والبينة بينة الراهن.ولو رهن مالاً وقيمة الرهن مائة والدين مائة ووكّل المرتهن ببيعه فأقام المرتهن البينة أنه باع بتسعين وأقام الراهن البينة على ثبوت الرهن في يد المرتهن قال محمد رحمه الله تعالى يقضي ببينة المرتهن وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يقضي ببينة الراهن.
فصل في الراهن والمرتهن
رجل رهن عند جارية تساوي ألفا بألف مؤجلة إلى شهر وجعل رجلاً مسلّطاً على بيعها إذا حل الأجل فلما حل الأجل جاء المرتهن بجارية وطلب من العدل بيعها فقال الراهن ليست هذه جاريتي إن تصادق الراهن والمرتهن أن المرهونة كانت قيمتها ألف درهم والدين ألف درهم فإن كانت الجارية التي جاء بها المرتهن تساوي ألف درهم إلا أنّ الراهن أنكر أن تكون هذه الجارية هي المرهونة كان القول قول المرتهن في حق الراهن فبعد ذلك إن أنكر العدل وقال ليست هذه تلك الجارية أو قال لا أدري كان القول قوله مع اليمين على العلم فإن حلف لا يجبر على البيع وإن نكل يجبر على بيعها بخلاف الوكيل بالبيع إذا امتنع عن البيع فإنه لا يجبر لأن بيع العدل تعلق به حق المرتهن فيجبر كالوكيل بالخصومة لطلب الخصم إذا امتنع عن الجواب فإنه يجبر.
وإذا باع العدل كانت العهدة على العدل ويرجع العدل على الراهن. وإن حلف العدل لا يجبر العدل على البيع ويأمر القاضي الراهن بالبيع. فإن امتنع الراهن لا يجبر الراهن ولكن يبيعه القاضي كما لو مات العدل. وإذا بباع القاضي كانت العهدة على الراهن. ولو جاء المرتهن بجارية قيمتها خمسمائة فقال الراهن ليست هذه الجارية جاريتي وقال المرتهن هذه تلك الجارية وانتقص سعرها فالقول قول الراهن ويحلف فإن حلف يجعل الجارية هالكة بالدين في زعمه ثم يرجع إلى العدل إن أقر العدل بما قال المرتهن فقال له بعها للمرتهن فإذا باع دفع الثمن إلى المرتهن فإن كان فيه نقصان لا يرجع المرتهن ببقية دينه على الراهن إلا إذا أقام المرتهن البينة على ما قال فيرجع ببقية دينه على الراهن هذا إذا تصادقا أن قيمة المرهونة كانت ألفا. وإن اختلفا فقال المرتهن ما رهنتني إلا جارية قيمتها خمسمائة وقال الراهن كانت قيمتها ألفا وهذه غير تلك الجارية كان القول قول المرتهن فإن صدقه العدل يجبر على البيع فإن كان الثمن أنقص من الدين يرجع ببقية دينه على الراهن وإن امتنع العدل على بيعها يجبر الراهن على بيعها أو يبيعها القاضي وتكون العهدة على الراهن وبقية الدين كذلك يكون على الراهن. ولو رهن عند إنسان شيئاً ثم اختلفا فقال الراهن هلك الرهن في يد المرتهن وقال المرتهن أنت قبضته مني بعد الرهن وهلك في يدك فالقول قول الراهن مع يمينه والبينة أيضاً بينته ولو قال المرتهن هلك الرهن عند الراهن قبل أن أقبضه كان القول قوله والبينة <609\3>بينة الراهن. ولو قال المرتهن رهنتني هذين الثوبين وقبضتهما وقال الراهن رهنت أحدهما كان القول قول الراهن والبينة بينة المرتهن.ولو رهن عبدا فاعورّ فقال الراهن كانت قيمته يوم العقد ألفا ذهب بالإعورار خمسمائة نصف الدين وقال المرتهن كانت قيمته يوم الرهن خمسمائة وذهب بالإعورار ربع الدين كان القول قول الراهن مع يمينه لأن الظاهر أنه لا يرهن بالألف إلا ما يساوي ألفا أو أكثر والبينة أيضا بينته.رجل عليه ألف فرهن عند الطالب مالاً ثم اختلفا فقال الراهن كان الرهن بخمسمائة وقال المرتهن بألف فالقول قول الراهن لأنه ينكر زيادة تعلق الدين بالرهن.ولو كان الراهن يدّعي الرهن بألف والمرتهن بخمسمائة والرهن قائم يساوي ألفا تحالفا وترادّا فإن هلك الرهن قبل التحالف كان القول قول المرتهن لأنه ينكر زيادة سقوط الدين .
فصل في جناية الرهن والجناية عليه ونفقة الرهن و مؤناته(3/383)
العبد الرهن إذا قُتِلَ عمدا ليس للراهن أن يستوفي القصاص إلا أن يكون المرتهن معه فإذا اجتمعا كان للراهن أن يستوفي القصاص في قول أبي حنيفة وفي قول محمد رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يجب القصاص وإن اجتمعا. وإن اختلف الراهن والمرتهن أحدهما يريد القصاص والآخر يأبى تجب القيمة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وتكون القيمة رهنا مكان العبد.وإن رفع الأمر إلى القاضي فأبطل القاضي القصاص ثم إن الراهن قضى دين المرتهن فلا قصاص له.والعبد الرهن إذا قتل رجلا عمداً أو قتل الراهن أو المرتهن يقتض منه ويبطل الدين.الرهن إذا انتقص عند المرتهن من حيث السعر لا يذهب شيء من الدين عندنا.و إن انتقص بنقصان قدر أو وصف بأن كان قلبا فانكسر و انتقصت قيمته يذهب قدر النقصان من الدين عند الكل.الرهن إذا استهلكه إنسان كان على المستهلك قيمته يوم الاستهلاك ويكون رهنا عنده. ولو كانت قيمته يوم الرهن ألفا ويوم الاستهلاك خمسمائة يسقط من الدين خمسمائة ويبقى رهنا ببقاء القيمة .ولو استهلكه المرتهن والدين مؤجل غرم قيمته ويكون رهنا حتى يحل الدين فإن كانت قيمته يوم الرهن مثل الدين ألفا وتراجعت إلى خمسمائة غرم بالاستهلاك خمسمائة وسقط من الدين خمسمائة.الشاة المرهونة إذا ولدت ولدا عند المرتهن فاستهلكها المرتهن أو ولدها كان عليه قيمة ما استهلك ويكون الضمان رهنا عنده فإن هلكت بعد ذلك يهلك بقسطها من الدين وما وجب على المرتهن باستهلاك الولد يكون رهنا عنده يفتكه الراهن بقسطه من الدين .وإن كان الراهن هو الذي استهلك الولد أو الزيادة يضمن أيضا كما يضمن المرتهن ويكون الضمان محبوسا عند المرتهن. فإن هلك الضمان عند المرتهن يهلك هدرا لأن الضمان قائم مقام الولد.ولو هلك الولد عند المرتهن يهلك هدرا فكذلك الضمان.ولو رهن حيوانا من غير بني آدم <610>فجنى البعض على البعض كان هدرا ويصير كأنه هلك بآفة سماوية.ولو رهن عبدين كل واحد منهما يساوي ألفا بألفين فقتل أحدهما الآخر أو جنى أحدهما على الآخر فيما دون النفس قلّ الأرش أو كثر لا يعتبر الجناية ويسقط دين المجني عليه بقدره.ولو كانا جميعا رهنا بألف فقتل أحدهما الآخر فلا دفع ولا فداء ويبقى القاتل رهنا بتسعمائة وخمسين.ولو رهن عبداً ودابة فجناية الدبة على العبد هدر وجناية العبد على الدابة معتبرة حسب جناية العبد على عبد آخر وجناية العبد الرهن على الراهن في نفسه جناية توجب المال وعلى ماله هدر في قولهم جميعا.وجناية الرهن على المرتهن فيما دون النفس أو في ماله هدر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى قلّت قيمة المجني عليه أو كثرت.وعندهما معتبرة فإن اجتمع الراهن والمرتهن على الدفع دفعاه بالجناية إلى المرتهن ويبطل الدين. وعلف الرهن وطعام الرقيق وأجرة الراعي يكون على الراهن.وأجرة المأوى والمسكن تكون على المرتهن وإصلاح دبر الدابة وجراحة الرقيق والدواء على المرتهن إذا كان الدين وقيمة الرهن سواء.وإن كان الدين أقل من القيمة فالمعالجة على الراهن بقدر الأمانة.وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان والتلقيح والجذاذ والقيام بمصالحه وجعل الآبق يكون على المرتهن.هذا إذا كان كل الرهن مضمونا بالدين فإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين فالجعل ومداواة الجراحات والقروح والأمراض ينقسم على قدر الأمانة والضمان.وللمرتهن أن يبيع الرهن إذا خيف عليه الفساد بإذن القاضي ويكون الثمن رهنا في يده.وإن باع بغير إذن القاضي كان ضامنا.وإذا جنى العبد الرهن فالفداء يكون على المرتهن إن كان كله مضمونا بالدين.وإن كان بعضه مضمونا وبعضه أمانة فالفداء يكون على الراهن والمرتهن بقدر المضمون يكون على المرتهن وبقدر الأمانة يكون على الراهن وما يجب على الراهن إذا فعل المرتهن بغير إذن الراهن يكون متطوعا.وكذا ما يجب على المرتهن يكون متطوعا.ولو أنفق المرتهن على الرهن بأمر القاضي أو بأمر الراهن يرجع على الراهن.وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الراهن غائبا فأنفق المرتهن بأمر القاضي أو بأمر الراهن يرجع على الراهن وإن كان حاضرا ًلا يرجع.وقال أبو يوسف يرجع في الوجهين جميعا.
فصل في إحضار الرهن عند قضاء الدين(3/384)
رجل رهن جارية تساوي ألفا بألف فجاء المرتهن يطلب دينه فإنه يؤمر بإحضار الرهن فإذا أحضر الرهن لا يؤمر بالتسليم ويقال للراهن سلم الدين أولاً كما في البيع يؤمر المشتري بتسليم الثمن أولاً فإن كان الرهن في يد عدل أمر ببيعه كان للعدل أن يبيعه بالنقد والنسيئة في ظاهر الرواية.فإن باعه نسيئة ثم جاء المرتهن يطلب دينه لا يكون للراهن أن يمتنع عن قضاء الدين قبل إحضار الثمن.رجل رهن جارية و وضعها على يد عدل فغاب <611>العدل و أودع الرهن عند زوجته أو عند من هو في عياله والمودع يقول أودعني العدل و لا أدري لمن هو أو غاب العدل مع الرهن و لا يدري أين هو فطلب المرتهن دينه فإنّ الراهن يؤمر بقضاء الدين قبل إحضار الرهن.فإن ادّعى الراهن أن الرهن قد هلك حلف المرتهن على علمه فإن حلف يجبر الراهن على قضاء الدين و إن نكل لم يجبر.وإن كان المودع جحد الوديعة وادّعى أنها له لم يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يثبت الوديعة.ولو كان الرهن عبدا فقتله رجل خطأ و وجبت القيمة في ثلاث سنين وطلب المرتهن دينه ههنا لا يجير الراهن على قضاء الدين فإن حل ثلث القيمة لا يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يسلم له كل القيمة.فإن كانت القيمة من جنس الدين فكلما حل شيء اقتضاه المرتهن بدينه.وإن كانت القيمة من الإبل والغنم وقضى القاضي بذلك كان رهنا بالدين.ولو أن رجلا رهن عند إنسان شيئا فلقي المرتهن الراهن في مصر آخر وطالبه بقضاء الدين فإن كان الرهن شيئا له حمل ومؤنة يجبر الراهن على قضاء الدين و لا يؤمر المرتهن بالإحضار.وإن قال الراهن إن الرهن قد هلك حلف المرتهن بالله ما هلك الرهن فإن حلف يجبر الراهن على قضاء الدين وإن نكل لا يجبر.وإن نكل الراهن شيئا له حمل ومؤنة فلقي المرتهن الراهن في مصر آخر فطالبه بقضاء الدين في القياس يجبر الراهن على قضاء الدين.وفي الاستحسان لا يجبر فيؤمر المرتهن بالإحضار.رجل له على رجل ألف درهم منجما يؤدي كل شهر كذا وبها رهن فحل نجم فطالبه المرتهن بقضاء ذلك القدر فقال الراهن لا أعطيك حتى تحضر الرهن.فإن كانا في غير مصرهما لا يجبر على الإحضار ولكن إذا ادعى الراهن الهلاك حلف المرتهن.وإن كانا في مصرهما في القياس لا يجبر المرتهن على إحضار الرهن وفي الاستحسان يجبر لأن جميع المصر كمكان واحد.وإن شاء القاضي حلفه و لا يكلفه إحضار الرهن.ولم يفصِّل في الكتاب في هذا الفصل بين ماله حمل ومؤنة وبين مالا حمل له والظاهر أنه لا يجبر على الإحضار في غير مصرهما.ولو أن رجلا اشترى شيئا ولم يقبضه ولم ينقده الثمن فلقيه البائع في غير مصرهما وطالبه بالثمن فأبى المشتري أن يدفع إليه الثمن قبل أن يحضر المبيع فإن المشتري لا يجبر على دفع الثمن قيل إحضار المبيع سواء كان له حمل ومؤنة أو لم يكن فرق بين هذا وبين الرهن والفرق أنّ المبيع مع الثمن عوضان من كل وجه فإذا تأخر قبض أحدهما لا بفعل أحدهما يتأخر الآخر.أما الرهن ليس بعوض من كل وجه فتأخر أحدهما لا يوجب تأخر الآخر إلا أن في البيع يؤخذ من المشتري كفيل حتى يحضر ذلك المصر أو يبعث وكيلا ليدفع الثمن ويأخذ المبيع نظراً لهما.
كتاب الشركة(3/385)
الشركة نوعان شركة الأملاك وشركة العقود.أما شركة الأملاك فهي على نوعين. أحدهما أن يصير مال كل واحد منهما مشتركا بينهما بغير اختيارهما<612>بأن اختلط مال أحدهما بمال الآخر من غير اختيارهما خلطاً لا يمكن التمييز بينهما أصلا أو لا يمكن إلا بحرج كخلط الحنطة بالشعير.والثاني أن يصير المالان مشتركا بينهما باختيارهما بأن ملكا مالاً بالشراء أو بالهبة أو بالصدقة أو بالاستيلاء.ففي النوع الأول لو باع أحدهما نصيبه من أجنبي بغير إذن الشريك لا يجوز. وفي النوع الثاني إذا باع أحدهما نصيبه من أجنبي بغير إذن الشريك جاز.وإن باع أحدهما نصيبه من صاحبه يجوز في الوجهين جميعا.ولا يجوز لأحدهما التصرف في نصيب شريكه إلا بإذن الشريك.وأما شركة العقود على نوعين شركة في المال وشركة في العمل . أما شركة المال عنان ومفاوضة وشرط جوازهما أن يكون رأس مالهما من الأثمان من الدراهم والدنانير وأن يكون رأس المال حاضراً في المجلس أو غائبا يحضره عند الشراء و لا يصلح أن يكون رأس المال دينا.ولو كان لأحدهما دراهم وللآخر دنانير أو لأحدهما دراهم بيض وللآخر سود جازت الشركة عندنا.والتبر من الذهب والفضة بمنزلة العروض والمكيل والموزون والحيوان في ظاهر الرواية لا يصلح أن يكون رأس مال الشركة و يجوز في رواية إلا إذا كان في بلد يكون مبايعات الناس بالتبر فيكون التبر بمنزلة الدراهم والدنانير والمصوغ منهما بمنزلة العروض في الروايات كلها.وأما الفلوس النافقة فهي بمنزلة العروض في المشهور عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لا تجوز الشركة بها وتجوز في قول محمد رحمه الله تعالى وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله تعالى.والعروض لا تصلح أن تكون رأس مال الشركة أيّ شركة كانت فإن اشتركا بمكيل أو موزون من جنس واحد على صفة واحدة أو معدودة وخلط المالين فهو بينهما وما ربحا فيه فهو لهما وعليهما وضيعته وتكون هذه الشركة شركة ملك لا شركة عقود.وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أن هذا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أما على قول محمد رحمه الله تعالى فهي شركة عقد.وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا شرطا لأحدهما زيادة ربح على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يستحق الزيادة وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يستحق.ولو اشتركا في العروض وباعا العروض بثمن واحد يقسم الثمن بينهما على قيمة متاع كل واحد منهما يوم البيع لأن الثمن مقابل بهما ينقسم عليهما على قيمة متاع كل واحد منهما يوم البيع فيكون لكل واحد منهما حصة عرضه.وإن كان لأحدهما حنطة وللآخر شعير أو لأحدهما سمن وللآخر زيت وخلطا كانت الشركة فاسدة عندهم يعني شركة العقد بخلاف خلط الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير فإنّ ثمة على قول محمد رحمه الله تعالى يبقى بينهما شركة العقد.
فصل في شركة العنان(3/386)
وصورة هذه الشركة أن يشترك اثنان في نوع خاص من التجارات نحو البر والطعام أو يشتركان في عموم<613> التجارة وموجب هذه الشركة ثبوت الوكالة لكل واحد منهما من صاحبه فيما يبيع ويشتري.والتوقيت ليس بشرط لصحة هذه الشركة والمضاربة.وإن وقّتا لذلك وقتا بأن قال ما اشتريت اليوم فهو بيننا صح التوقيت فما اشتراه اليوم يكون بينهما وما اشتراه بعد اليوم يكون للمشتري خاصة.وكذا لو وقت المضاربة صح التوقيت لأن المضاربة والشركة توكيل والوكالة مما يتوقت .ولو قال أحدهما لصاحبه في العقد بع بالنقد ولا تبع بالنسيئة اختلف فيه المتأخرون بعضهم جوز ذلك.وتجوز هذه الشركة بين الرجال والنساء والبالغ والصبي المأذون والحر والعبد المأذون في التجارة والمسلم والكافر لأنها تعتمد الوكالة ولا تتضمن الكفالة بخلاف المفاوضة.ولا تشترط المساواة في رأس المال في هذه الشركة عندنا.ولا اتفاق الجنس في رأس المال ولا خلط المالين.ويجوز أن يكون رأس مال أحدهما دراهم و مال الآخر دنانير أو كان الكل دراهم أو دنانير فاشترى كل واحد منهما بماله قبل الخلط فجميع المشترى يكون مشتركا بينهما عندنا.وهل يشترط المساواة في الربح عند علمائنا الثلاثة لا يشترط ذلك.فإن شرطا المساواة في الربح أو شرطا لأحدهما فضل الربح إن شرطا العمل عليهما كان الربح بينهما على ما شرطا عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الآخر.وإن شرطا العمل على المشروط له فضل الربح جاز أيضا.وإن شرطا العمل على أقلهما ربحا لا يجوز و لا يكون في شركة العنان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه إذا لم يذكر الكفالة بخلاف المفاوضة.ولو تفاوتا في المال في شركة العنان وشرطا الربح والوضيعة نصفين قال في الكتاب الشركة فاسدة قالوا لم يرد محمد رحمه الله تعالى بهذا فساد العقد وإنما أراد به فساد شرط الوضيعة لأن الشركة لا تبطل بالشروط الفاسدة. وكذا لو شرطا الوضيعة على المضارب كان فاسدا. ولو اشتركا شركة مطلقة كان لكل واحد منهما بيع مال الشركة بالنقد والنسيئة.وإن باعا جميعا كان لكل واحد منهما أن يأخذ رهنا بثمن ما باع.ولو باع أحدهما لا يكون للآخر أن يقبض شيئا من الثمن ولا يخاصم فيما باع صاحبه والخصومة في ذلك إلى الذي ولي العقد.فإن قبض الذي باع أو وكل وكيلا بذلك جاز عليه وعلى شريكه.ولو وكل أحدهما رجلا في بيع أو شراء وأخرجه الآخر عن الوكالة صار خارجا عن الوكالة.وإن وكل البائع رجلا بتقاضي ثمن ما باع فليس للآخر أن يخرجه عن الوكالة.وذكر في الصلح أحد شريكي العنان إذا أخّر دينا من الشركة وجعل المسألة على وجوه ثلاثة.إن وجب الدين بعقد أحدهما لا يصح تأخير الآخر لا في حصته و لا في حصة صاحبة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه رحمهما الله تعالى صح تأخيره في حصنه خاصة.والوجه الثاني إذا وجب الدين بعقد أحدهما فأخر أحدهما فكذلك لا يصح تأخيره أصلا <614>في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.وعندهما يصح تأخيره في حصة الذي أخّر و لا يصير ضامنا.الوجه الثالث إذا وجب الدين بعقد أحدهما فأخّر الذي وليّ العقد صح تأخيره في الكل عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصح في نصيب الذي أخّر خاصة.وذكر في كتاب الشركة أحد ولي الدين إذا أخّر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح تأخيره أصلا إلا بإذن الشريك وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى صح تأخيره في حصته.وفي شركة المفاوضة إذا أخّر أحدهما صح تأخيره في الكل في جميع الوجوه وفي كل موضع صح التأخير لا يكون ضامنا.وليس لأحد الشريكين أن يقرض شيئا من المال المشترك.ولو رهن أحدهما متاعا من الشركة بدين عليهما لا يجوز و يكون ضامنا للرهن.ولو ارتهن أحدهما بدين ولياه وقبض لا يجوز لأن صاحبه لم يسلطه أن يرتهن ولمن ولي المبايعة أن يرتهن بالثمن.ولكل واحد من شريكي العنان أن يبضع ويودع ويدفع إلى غيره مضاربة وأن يوكّل غيره بالبيع والشراء و لا يملك الإعارة.و المستبضع لا يملك شيئا من ذلك لأنه بمنزلة المودع.ولو قال أحد الشريكين لصاحبه إخراج إلى نيسابور و لا تجاوز فجاوز فهلك المال ضمن حصة الشريك.ولو قال أحد شريكي العنان إني استقرضت ألف درهم من فلان للتجارة لزمه خاصة دون صاحبه لأن قوله لا يكون حجة إلا عليه.وإن وكل واحد منهما صاحبه بالإستدانة لا يصح الأمر و لا يملك الإستدانة على صاحبه و يرجع المقرض عليه لا على صاحبه لأن التوكيل بالإستدانة توكيل بالإستقراض والتوكيل بالإستقراض باطل لأنه توكيل بالتكدي إلا أن يقول الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض منك ألف درهم فحينئذ يكون المال على الموكل لا على الوكيل.وشريك العنان إذا سافر بمال الشركة صح ذلك منه في الصحيح في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.وكذا المستبضع والمضارب والمودع.وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية ليس لشريك العنان والمضارب أن يسافر وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى.وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في(3/387)
رواية فرّق بين السفر القريب والبعيد فقال إذا كان لا يغيب ليلا عن منزله كان بمنزلة المصر.وعنه في رواية أنه يجوز المسافرة بما لا حمل له و لا مؤنة و لا يجوز بما له حمل ومؤنة.ولو كان بينهما شركة في مال خلطاه ليس لواحد منهما أن يسافر بالمال بغير إذن الشريك فإن سافر به فهلك إن كان قدرا له حمل ومؤنة ضمن وإن لم يكن له حمل ومؤنة لا يضمن وعلى قول من يجوِّز المسافرة لشريك العنان إن أذن له بالمسافرة نصا أو قال له اعمل فيه برأيك فسافر كان له أن ينفق على نفسه من كرائه ونفقته وطعامه وإدامه من جملة رأس المال في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى.قال محمد رحمه الله تعالى وهذا استحسان فإن ربح يحسب النفقة من الربح وإن لم يربح كانت النفقة من رأس المال.رجل قال لغيره ما اشتريت اليوم من أنواع التجارة<615> فهو بيني وبينك فقال الآخر نعم فهو جائز.وكذا لو قال كل واحد منهما لصاحبه ذلك جاز أيضا لأن هذه شركة في الشراء وليس لأحدهما أن يبيع حصة صاحبه مما اشترى إلا بإذن صاحبه.ولو قال أحدهما لصاحبه ما اشتريت من الرقيق فهو بيني وبينك فكذلك ليس له أن يبيع حصة صاحبه بما اشترى إلا بإذن صاحبه.ولو قال أحدهما للآخر إن اشتريت عبدا فهو بيني وبينك كان فاسدا لأن الأول شركة و الثاني توكيل والتوكيل بالشراء لا يصح إلا أن يسمي نوعا فيقول عبداً خراسانياً أو ما أشبه ذلك.شريكان شركة عنان اشتريا أمتعة ثم قال أحدهما لصاحبه لا أعمل معك بالشركة وغاب فعمل الحاضر بالأمتعة فما اجتمع كان للعامل وهو ضامن لقيمة نصيب شريكه لأن قوله لا أعمل معك بالشركة بمنزلة قوله فاسختك الشركة وأحد الشريكين إذا فسخ الشركة ومال الشركة أمتعة قالوا يصح فسخه وفي المضاربة بعد ما صار المال عروضا لا يصح فسخه.أحد شريكي العنان إذا ارتهن بدين ادّاناه ذكرنا أنه لا يجوز فإن هلك الرهن في يده وقيمته مثل الدين يذهب حصته من الدين والشريك بالخيار إن شاء رجع بحصته على المطلوب ثم يرجع المطلوب بنصف قيمة الرهن على المرتهن وإن شاء ضمن شريكه حصته من الدين.ولكل واحد من شريكي العنان أن يبيع بالنقد والنسيئة ويشتري إذا كان في يده مال ناض من الشركة .وإن كان عنده مكيل أو موزون فاشترى بذلك الجنس شيئا جاز.وإن لم يكن في يده دراهم و لا دنانير فاشترى بالدراهم أو الدنانير كان المشترى له خاصة دون شريكه وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية إذا كان في يده دنانير فاشترى بالدراهم جاز.وقال زفر رحمه الله تعالى لا يجوز.وأحد شريكي العنان إذا ادّعى شيئا من شركتهما على رجل وحلف المدّعى عليه لم يكن للشريك الآخر أن يحلّف المدّعى عليه ثانيا وكذلك المضارب والمستبضع إذا حلف لا يكون لرب المال أن يحلفه ثانيا.وليس لشريك العنان أن يكاتب عبدا من تجارتهما ولا أن يزوج أمة من شركتهما و لا يعتق على مال وإن أقّر أحدهما بجارية في يده من الشركة أنها لرجل لا يجوز إقراره في نصيب شريكه وإن كان صاحبه قال له اعمل فيه برأيك.ولو اشترى أحدهما بشيء من تجارتهما جاز.ولو باع أحدهما فأقال الآخر بيع صاحبه صحت الإقالة.ولو باع أحدهما شيئا فردّ عليه بعيب بغير قضاء جاز عليهما.وكذا لو حطّ من الثمن شيئا لأجل العيب أو أخر وإن حط من غير عيب جاز في حصته خاصة.وكذا لو وهب بعض الثمن.ولو أقّر بعيب في متاع باعه جاز عليه وعلى صاحبه.ولو قال كل واحد منهما لصاحبه اعمل فيه برأيك جاز لكل واحد منهما أن يعمل فيما يقع في التجارات من الرهن والارتهان والدفع مضاربة والسفر به والخلط بماله والمشاركة مع الغير.و لا يجوز على شريكه ما كان إتلافا أو تمليكا بغير عوض إلا أن ينص عليه.ولو شارك أحدهما رجلا شركة عنان فما اشتراه الشريك <616>الثالث كان النصف للمشتري ونصفه بين الشريكين الأولين وما اشترى الشريك الذي لم يشارك فيه فهو بينه وبين شريكه نصفين و لا شيء منه للشريك الثالث.ولو استقرض أحد شريكي العنان مالاً للتجارة لزمهما لأنه تمليك مال بمال فكان بمنزلة الصرف.ولو أقّر أحد الشريكين أنه استقرض من فلان ألفا لتجارتهما يلزمه خاصة.وكذا لو أذن كل واحد منهما لصاحبه بالاستدانة عليه يلزمه خاصة حتى يكون للمقرض أن يأخذه منه وليس له أن يرجع على شريكه لأن التوكيل بالاستقراض باطل فيستوي فيه الإذن وعدم الإذن. رجلان لهما دين مشترك على رجل فأخذ أحدهما حصته من المديون كان لشريكه أن يشاركه فيما قبض.وإن أراد أحدهما أن يأخذ من المديون شيئا و لا يشاركه صاحبه فيما أخذ فالحيلة في ذلك أن يهب المديون منه مقدار حصته من الدين ويسلم إليه ثم هو يبرئ الغريم عن حصته من الدين فلا يكون لشريكه حق المشاركة فيما أخذ بطريق الهبة.أحد شريكي العنان إذا أقّر أنّ دينهما مؤجل إلى شهر صح إقراره بالأجل في نصيبه عندهم جميعا.وكذا لو أبرأ أحدهما يصح إبراؤه عن نصيبه.و لا يجوز لأحد شريكي الملك أن يتصرف في المشترك بغير إذن الشريك تصرفا يتضرر به الشريك.رجلان(3/388)
بينهما بعير حمل أحدهما عليه شيئا من القربة إلى المصر فسقط البعير في الطريق فنحره قالوا إن كان ترجى حياته يضمن حصة شريكه وإن كان لا يرجى لا يضمن لأنه مأمور بالحفظ والنحر في هذه الحالة حفظ.وإن نحره أجنبي كان ضامنا على كل حال في الصحيح من الجواب.وكذا الراعي و البقّار إذا ذبح الشاة أو البقرة إن كان لا يرجى حياته لا يضمن استحسانا لأنه مأمور بالحفظ.وإن كان يرجى حياته يضمن.وإن ذبح الأجنبي كان ضامنا.رجلان بينهما دار غير مقسومة غاب أحدهما كان للآخر أن يسكن مقدار حصته في كل الدار.وكذا الخادم إذا كان مشتركا وأحدهما غائب كان للحاضر أن يستخدم الخادم بحصته. وفي الدابة المشتركة لا يركبها أحدهما لأن الناس يتفاوتون في الركوب فلم يكن الغائب راضيا بركوب الشريك وفي الخادم والدار لا يتفاوت الناس في السكنى والخدمة فكان الغائب راضيا بفعل الشريك.والكرم والأرض إذا كان مشتركا بين رجلين وأحدهما غائب أو كان الأرض بين بالغ ويتيم يرفع الأمر إلى القاضي فإن لم يرفع الأمر إلى القاضي وزرع الأرض بحصته طاب له.وفي الكرم يقوم الحاضر فإذا أدرك الثمر يبيعها و يأخذ حصته من الثمن ويوقف حصة الغائب فإذا قدم الغائب خُيِّر إن شاء ضمَّنه القيمة وإن شاء أخذ الثمن.وإن أدى خراج الأرض قالوا يكون متطوعا في حق الشريك لأنه قضى دين غيره بغير أمره لا عن اضطرار فإنه متمكن من أن يرفع الأمر إلى القاضي ليأمره القاضي بذلك. ولو كان بين الحاضر والغائب دار مقسومة ونصيب كل واحد منهما معزول عن نصيب الآخر ليس للحاضر يسكن <617>في نصيب الغائب لكن القاضي ينظر في ذلك إن خاف الخراب كان للقاضي أن يؤاجر ويمسك الأجر للغائب.وفي غير المقسومة للحاضر أن يسكن قدر حصته.وعن محمد رحمه الله تعالى للحاضر أن يسكن كل الدار إذا خيف عليها الخراب لو لم يسكن.وما كان على الراهن إذا أدّاه المرتهن بغير إذن الراهن ذكرنا أنه متطوّع.وكذا لو أدى الراهن ما يجب على المرتهن فإن أدّى أحدهما ما كان على صاحبه بأمر صاحبه أو بأمر القاضي يرجع عليه.وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى إذا كان الراهن غائبا فأنفق المرتهن بأمر القاضي يرجع عليه وإن كان حاضراً لا يرجع.وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يرجع في الوجهين جميعا والفتوى على أنّ الراهن لو كان حاضرا وأبى أن ينفق فأمر القاضي المرتهن بالإنفاق فأنفق يرجع على الراهن.ومسائل الشركة ينبغي أن تكون على هذا القياس.رجل أمر رجلا أن يشتري له عبداً بعينه فقال المأمور نعم فاشترى ذلك العبد وأشهد أنه اشتراه لنفسه فشراؤه يكون للآمر لا لنفسه.ولو أمره بأن يشتري عبد فلان بيني وبينك فقال المأمور نعم فلما خرج من عنده لقيه رجل آخر وقال اشتره بيني وبينك وقال المأمور نعم فاشترى المأمور ذلك العبد كان للآمر الأول نصف العبد وللآمر الثاني نصف العبد و لا شيء للمشتري.هذا إذا قَبِلَ الوكالة من الثاني بغير محضر من الأول.وإن قال له الثاني ذلك بمحضر من الأول ثم اشترى العبد فإنّ العبد يكون بين المأمور وبين الآمر الثاني نصفين و لا شيء للأول.ولو لقيه ثالث أيضا وقال اشتره بيني وبينك نصفين وذلك بغير محضر من الأول والثاني فقال نعم فهو للأول والثاني وليس للثالث و لا للمشتري شيء.رجل اشترى عبدا وقبضه فطلب رجل آخر منه الشركة فيه فأشركه كان العبد بينهما نصفين وكذا لو أشرك رجلين يصير بينهم أثلاثا.ولو أشرك رجلا بعد ما اشترى العبد ثم أشرك رجلا آخر لم يذكر هذا في الكتاب.وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال للذي أشركه أولاً نصف العبد.وأما الثاني إن علم بشركة الأول كان له الربع وإن لم يعلم فله النصف.ولو كان العبد بين رجلين اشترياه فأشركا فيه رجلاً في القياس يكون للرجل نصف العبد ولكل واحد منهما الربع.وفي الاستحسان يكون العبد بينهم أثلاثا.ولو أن رجلا اشترى متاعا فأشرك فيه رجلا قبل القبض كانت الشركة فاسدة.رجل أمر رجلا أن يشتري عبدا بعينه بينه وبينه فقال المأمور نعم فذهب المأمور واشتراه وأشهد أنه يشتري لنفسه خاصة فإنّ العبد يكون بينهما على الشرط لأنه وكله بشراء نصف عبد بعينه.والوكيل بشراء شيء بعينه إذا اشتراه لنفسه بمثل الثمن الذي أمره به حال غيبة الموكل يكون مشتريا للموكل و لا يملك الشراء فنفسه ما لم يخرج عن الوكالة.وهو يملك إخراج نفسه عن الوكالة عند حضور الموكل لا عند غيبته.وكذا لو اشترك رجلان على أن<618>ما اشترى كل واحد منهما اليوم فهو بينهما لم يستطع أحدهما أن يخرج نفسه عن الشركة إلا بمحضر من صاحبه لأن كل واحد منهما يكون وكيلا عن صاحبه فيما هو من جنس تجارتهما فلا يملك إخراج نفسه عن الشركة إلا بمحضر من صاحبه.وإذا اشتركا شركة عنان بأموالهما فاشترى أحدهما متاعا فقال الشريك الآخر هو من شركتنا وقال المشتري هو لي خاصة اشتريته بمالي لنفسي قبل الشركة كان القول قول المشتري لأنه حر يعمل لنفسه فيما اشتراه فيكون القول قوله مع(3/389)
اليمين بالله ما هو من شركتنا.رجلان اشتركا شركة عنان في تجارة على أن يشتريا ويبيعا بالنقد والنسيئة فاشترى أحدهما شيئا من غير تلك التجارة كان له خاصة لأن كل واحد منهما يصير وكيلا بحكم الشركة والوكالة تقبل التخصيص.وأما في ذلك النوع من التجارة فبيع كل واحد منهما وشراؤه بالنقد و النسيئة ينفذ على صاحبه إلا إذا اشترى أحدهما بالنسيئة المكيل أو الموزون أو النقود فإن كان في يده من ذلك الجنس من مال الشركة جاز شراؤه على الشركة.وإن لم يكن كان مشتريا لنفسه لأنه لو نفذ على شريكه يكون مستدينا على المال.وليس لشريك العنان و لا للمضارب ولاية الاستدانة بمطلق عقد الشركة و إن كان مال الشركة في يده دراهم فاشترى بالدنانير نسيئة في القياس يكون مشتريا لنفسه وفي الاستحسان يكون مشتريا على الشركة.ولو أقّر أحد شريكي العنان بدينٍ في تجارتهما لزم المقر جميع ذلك إن كان هو الذي وليه وإن أقّر أنهما ولياه لزمه نصفه.وإن أقّر أن صاحبه وليه لا يلزمه شيء بخلاف شركة المفاوضة فإنّ ثمة كل واحد منهما يكون مطالبا بذلك.
فصل في شركة المفاوضة(3/390)
شركة المفاوضة أن يكون في جميع التجارات لا يختص أحدهما بتجارةٍ دون صاحبه.وأنّ ما لزم أحدهما من حقوق ما يَتَّجِرانِ فيه لزم الآخر وما يجب لكل واحد منهما يجب للآخر ويكون كل واحد منهما فيما يجب لصاحبه بمنزلة الوكيل له وفيما يجب عليه بمنزلة الكفيل عنه.ويتساويان في رأس المال.فإن تفاوتا في شيء من ذلك تكون عنانا و لا تكون مفاوضة.ويشترط التساوي في الربح أيضا لا يفضَّلُ أحدهما الآخر و لا يختص أحدهما بمال تجوز به الشركة.فإن كان في يد أحدهما مال مما تجوز به الشركة ولم يدخل في شركتهما فسدت المفاوضة.وكذا لو صار في يد أحدهما بعد المفاوضة وإن كان في يد أحدهما سوى الدراهم والدنانير والفلوس فكذلك لا تفسد المفاوضة.وكذا كل مال لا تصح به الشركة.وإذا دفع الرجل إلى رجل ألفا على أن يشتري بها وبألف من عنده ومال الآخر غائب فأحضره قبل أن يشتري شيئا بمال الشركة جازت الشركة.فإن أراد شركة<619>المفاوضة لا بد أن يذكر أحكام المفاوضة إذا لم يذكر لفظة المفاوضة وهو التسوية بينهما في رأس المال والربح وإنَّ الشركة بينهما في كل قليل وكثير.فإذا اختص أحدهما بملك مالٍ تصح فيه الشركة لا تكون الشركة مفاوضة.وإن اختص أحدهما بملك عَرَضٍ أو دين على إنسان كانت الشركة بينهما مفاوضة لأن العرض لا يصلح رأس مال الشركة.وكذلك الدين فإن فضل مال أحدهما بعد الشراء بالمالين وبعد النقد أيضا لا تفسد المفاوضة.وإن حصل الفضل بعد الشراء بالمالين قبل النقد في القياس تفسد المفاوضة.وفي الاستحسان لا تفسد.وإن حصل الفضل في أحد المالين بعد الشراء بأحد المالين إن حصل الفضل بالمال الذي اشترى به لا تفسد المفاوضة.وإن حصل في المال الآخر فسدت المفاوضة.ومن شرط صحة المفاوضة الاستواء في التصرف ويصح من كل واحد منهما من التصرف ما يصح من الآخر وأن يكون كل واحد منهما من أهل الكفالة فلا تصح المفاوضة من الصبي والعبد والمكاتب سواء شارك واحدا من جنسه أو حرا بالغا.وإن فاوض المسلم الحر مرتدا أو ذميا لا تصح المفاوضة.وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى تصح المفاوضة من الذمي.وإن أسلم المرتد قبل الحكم بلحاقه إلى دار الحرب صحت المفاوضة.وتجوز المفاوضة بين الذميين وإن كان أحدهما نصرانيا والآخر مجوسيا.وإذا ورث أحد المتفاوضين دراهم أو دنانير كان له خاصة و لا تبطل المفاوضة حتى يقبض الدين وإذا لم تصح المفاوضة لمعنى من هذه المعاني كانت عنانا.وإن باع أحد المتفاوضين شيئا أو أدان رجلا دينا أو كفل له رجل بدين أو غصب منه مالاً فلشريكه الآخر أن يطالب به.وإن آجر أحدهما عبدا خالصا له من ميراث لم يكن للآخر أن يطالب بالأجر.وكذا كل شيء هو له خاصة باعه لم يكن لشريكه أن يطالب بالثمن و لا للمشتري أن يطالب الشريك بتسليم المبيع.وإن أقر أحدهما بدين أو اشترى أو استأجر أو قبض بعقد فاسد أو غصب مالاً أو استهلك أو خالف في وديعة أو عارية أو إجارة أو كفل لرجل بمال من ثمن بيع أو مهر أو نفقة فرضها الحاكم أو متعة أو جناية فللذي وجب له الحق أن يطالبه ويطالب شريكه وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ما كفل به أحدهما لا يلزم الآخر وما يلزم أحدهما من مهر بنكاح أو وطء بشبهة أو جنى على بني آدم ولزمه الأرش لزمه خاصة دون صاحبه.وما اشترى أحدهما شيء من التجارة يكون بينهما إلا إذا اشترى أحدهما طعاما لأهله أو كسوة أو نفقة أو متعة أو جارية للخدمة أو جارية للوطء بإذن الشريك فذلك له خاصة استحسانا وللبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء.وكذا إذا وطئ أحدهما الجارية المشتراة ثم استحقت فللمستحق أن يأخذ بالعقر أيهما شاء وليس ذلك كالمهر في النكاح وليس لأحدهما أن يشتري جارية للوطء إلا بإذن الشريك فإذا اشترى بغير إذن الشريك تكون بينهما وليس له أن يطأها.وإن أجّر أحد المتفاوضين نفسه<620>في خياطة أو عمل من الأعمال فالأجر يكون بينهما.ولأحد المتفاوضين أن يكاتب عبدا كان بينهما وأن يأذن للعبد في التجارة وأن يدفع المال مضاربة وأن يفاوض غير شريكه عند محمد رحمه الله تعالى .وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يفاوض ويجوز لأحدهما أن يشارك رجلا شركة عنان.وأن يزوج الأمة.ولو زوج أحد المتفاوضين لعبد من تجارتهما أمة من تجارتهما جاز في القياس و لا يجوز استحسانا وهو قول علمائنا رحمهم الله تعالى.وعلى هذا المكاتب إذا زوج عبدا له أمة له من كسبه.وعلى هذا الخلاف الأب والوصي إذا زوجا عبدا لليتيم أمة لليتيم لا يجوز استحسانا عندنا.ولأحد المتفاوضين أن يرهن ويرتهن و ليس له أن يعير استحسانا عندنا و لا أن يعتق على مال و لا يزوج العبد امرأة و لا يقرض فإن أقرض كان ضامنا نصفه.ولأحدهما أن يبضع بضاعة.وله أن يودع وديعة.ولو أبضع بضاعة ثم تفرق المتفاوضان ثم اشترى بالبضاعة شيئا إن علم المستبضع بتفرقهما كان ما اشترى للآمر خاصة.وإن لم يعلم بتفرقهما إن كان الثمن مدفوعا إلى المستبضع جاز شراؤه على الآمر وعلى شريكه وإن لم يكن الثمن(3/391)
مدفوعا إليه كان مشتريا للآمر خاصة.ولو أمر أحد المتفاوضين رجلين يشتريان عبدا لهما وسمى جنس العبد والثمن فاشترياه وقد افترق المتفاوضان عن الشركة فقال الآمر اشترياه بعد التفرق فهو لي خاصة وقال الآخر اشترياه قبل التفرق فهو بيننا كان القول قول الآمر مع يمينه والبينة بينة الآخر إن أقاما البينة و لا تقبل فيه شهادة الوكيلين لأنهما يشهدان على فعل أنفسهما.فإن قال الشريكان لا ندري متى اشترياه فهو للآمر.وإن قال الآمر اشترياه قبل الفرقة وقال الآخر اشترياه بعد الفرقة كان القول قول الذي لم يأمره والبينة بينة الآمر.ولو كان هذا في شركة العنان فهو كذلك.رجل ادّعى على رجل أنه شاركه وجحد المدعى عليه ذلك والمال في يد الجاحد فأقام المدعي بينة فشهد الشهود أنه مفاوضة وأن هذا المال الذي في يده من شركتهما أو قالوا هو بينهما نصفان أولم يقولوا ذلك ولكنهم شهدوا أنه مفاوضة فإنه يقضي للمدعي بنصفه.أما إذا شهدوا أنه مفاوضة وأن المال بينهما أو شهدوا أن المال من شركتهما فظاهر لأن المفاوضة تقتضي المساواة في المال.وأما إذا شهدوا أنه مفاوضة ولم يزيدوا على ذلك قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى هذا والأول سواء يقضى بالمال بينهما لأنهم قالوا هو مفاوضة وقضية المفاوضة المساواة في مال الشركة.وإذا قضى بما في يده بينهما فلو أن المدعى عليه أقام البينة على أن المال له ميراثا من مورثه أو هبة أو صدقة من غير المقضي عليه إن كان شهود المدعي الأول شهدوا أنه مفاوضة وأن المال الذي في يديه من شركتهما أو شهدوا أنه مفاوضة وأن المال الذي<621>في يديه بينهما نصفان لا تقبل بينة المدعى عليه على الميراث والهبة والصدقة وإن كان شهود المدعي شهدوا أنه مفاوضة ولم يزيدوا على ذلك ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى فيه خلافا فقال على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا تقبل بينة المقضي عليه وعلى قول محمد رحمه الله تعالى في هذا الوجه تقبل بينة المقضي عليه بالهبة والصدقة وغير ذلك وفيما إذا شهدوا أن المال الذي في يديه من شركتهما أو هو بينهما لا تقبل بينة المدعى عليه.ولو أن المدعى عليه ادّعى عينا أنه له خاصة وهب شريكه منه حصته وأقام البينة على الهبة والقبض قبلت بينته لأن في هذا تقرير القضاء الأول.ولو كان المدعي الأول حين ادعى أنه شريكه شركة المفاوضة فأقر المدعى عليه له بالمفاوضة وقضى عليه بإقراره ثم إن المقضي عليه ادعى مما كان في يده عينا أنه ميراث له أو هبة له من رجل آخر وأقام البينة على ذلك قبلت بينته ويقضى له بالعين.ولو أن رجلا ادعى عبدا في يد رجل أنه شريك ذي اليد في هذا العبد وأقام البينة وقضى له بنصف العبد فادعى ذو اليد بعد ذلك أنه ميراث له من أبيه لا تقبل بينته إلا أن يدعى التلقي من المقضى له.ولو كان المال في يد رجلين وهما مقران بالمفاوضة فادعى أحدهما شيئا من ذلك المال أنه له ميراث عن أبيه وأقام البينة قبلت بينته.وإذا مات أحد المتفاوضين والمال في يد الباقي منهما فادعى ورثة الميت المفاوضة وجحد الحي وأقام الورثة البينة أن أباهم كان شريكه شركة مفاوضة لا يقضى لهم بشيء مما في يد الحي إلا أن يقيموا البينة أنه من شركة أبيهم أو يقيموا البينة أن المال كان في يد الميت في حياته تقبل بينة الوارث.ولو كان المال في يد الورثة وهم يجحدون الشركة فأقام الحي البينة على شركة المفاوضة وأقام ورثة الميت أن أباهم مات وترك هذا ميراثا من غير شركة بينهما لا تقبل بينة الوارث ويقضى بنصف المال للمدعي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.وفي قول محمد رحمه الله تعالى تقبل بينة الوارث.متفاوضان ادعى أحدهما أن صاحبه شريكه بالثلث وادعى المدّعى عليه الثلثين وكلاهما يقران بالمفاوضة فجميع المال من العقار وغيره يكون بينهما نصفين حكما للمفاوضة إلا ما كان من ثياب الكسوة أو متاع البيت أو رزق العيال أو جارية يطؤها فإنّ ذلك لمن كان في يده خاصة استحسانا إذا كان ذلك بعد الفرقة.ولو لم يفترقا ولكن مات أحدهما ثم اختلفا في مقدار الشركة فهذا وما لو افترقا ثم اختلفا في مقدار الشركة سواء.ولا يلزم المفاوض ما يلزم على شريكه من مهر أو جناية ولا يشاركه فيما يرث من ميراث و لا جائزة يجيزها السلطان و لا الهبة و لا الصدقة.و لا تفسد المفاوضة بذلك إلا أن يكون دراهم أو دنانير وقد قبضه.وكل وديعة تكون عند أحدهما فهي عندهما جميعا.فإن مات المستودع قبل أن يبين لزمهما ضمان ذلك كضمان الاستهلاك من جملة التجارة لأنه يفيد الملك في<622>المضمون.وإعارة المفاوض وأكل طعامه وقبول هديته في المطعوم وإجابة دعوته بغير أمر شريكه جائز.ولو كسا المفاوض رجلا ثوبا أو وهب دابة أو وهب الذهب والفضة والأمتعة والحبوب لم يجز في حصة شريكه وإنما يجوز ذلك استحسانا في الفاكهة اللحم والخبز وأشباه ذلك مما يؤكل.ولو أعار أحدهما دابة من شركتهما فركبها المستعير فعطبت الدابة ثم اختلفا في(3/392)
الموضع الذي ركبها إليه فأيهما صدقه في الإعارة إلى ذلك الموضع برئ المستعير من ضماتها.ولو استعار أحدهما دابة ليركبها إلى مكان معلوم فركبها شريكه فعطبت فإنهما يضمنان جميعا لأن ركوب صاحبه لم يرض به صاحب الدابة فكان هذا ضمان الاستهلاك فيلزمهما.فإن كان ركبها في حاجتهما كان الضمان في مالهما.وإن كان ركب في حاجة نفسه فهما يضمنان لما قلنا إلا أنهما إن أدّياه من مال الشركة رجع الشريك على الراكب بنصيبه من ذلك فإن استعار أحدهما دابة ليحمل عليهما طعاما له خاصة لرزقه إلى مكان معلوم فحمل عليها شريكه مثل ذلك الطعام إلى ذلك المكان من شركتهما أو لخاصته فلا ضمان عليه لأن في الإعارة للحمل لا يفيد التقييد بخلاف الركوب. ولو استعار أحدهما ليحمل عليها حمل عدل زطيّ فحمل عليها شريكه مثل ذلك العدل لا يضمن.ولو حمل عليها طيالسة كان ضامنا لأن الجنس مختلف. وفي الجنس المختلف الذي يتفاوت فيه الضرر على الدابة لو حمل المستعير عليها غير ذلك الجنس كان ضامنا فكذلك شريكه.ولو استعار أحدهما ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها شريكه عشرة مخاتيم شعير من شركتهما لا يضمن لأن هذا أخف على الدابة.وكذا لو كانا شريكين شركة عنان فاستعار أحدهما فالجواب فيه كالجواب في الأول.ولو كان الأول استعارها ليحمل عليها حنطة رزقا لأهله فحمل عليها شريكه شعيرا له خاصة كان ضامنا.ولو باع أحد المتفاوضين جارية من تجارتهما نسيئة لم يكن لواحد منهما أن يشتريها بأقل من ذلك قبل استيفاء الثمن. ولو باع أحدهما شيئا ثم وهب الثمن من المشتري أو أبرأه جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويضمن نصيب صاحبه كالوكيل بالبيع إذا فعل ذلك.ولو باع أحدهما ثم أقال صاحبه صحت الإقالة.ولو اشترى أحدهما طعاما نسيئة كان الثمن عليهما.بخلاف أحد شريكي العنان فإن هناك إنما يملك كل واحد منهما الشراء بالنسيئة إذا كان في يده من مال الشركة جنس ذلك الثمن.أما إذا لم يكن فشراؤه بالنسيئة يكون استدانة على المال وفي مطلق الشركة لا يستفيد ولاية الاستدانة في شركة العنان ويستفيد في شركة المفاوضة.ولو قبل أحد المتفاوضين سلما في طعام جاز ذلك على شريكه لأنه من صنيع التجار.ولو باع أحد المتفاوضين من صاحبه ثوبا من الشركة ليقطعه ثوبا لنفسه جاز<623> لأن هذا العقد مفيد فإن قبل هذا العقد لا يختص المشتري بملك الثوب و يختص بهذا العقد.وكذا لو باعه جارية من الشركة ليطأها أو طعاما ليجعله رزقا لأهله جاز ويكون نصف الثمن له والنصف لشريكه كما لو باع من أجنبي وإن اشترى أحدهما من صاحبه شيئا من ذلك للتجارة كان باطلا لأن هذا البيع لا يفيده فائدة لم تكن قبل البيع.ولو أن أحد المتفاوضين باع شيئا ثم افترقا ولم يعلم المشتري بافتراقهما فلكل واحد منهما أن يقبض كل الثمن من المشتري .وإن علم المشتري بافتراقهما لم يكن للمشتري أن يدفع جميع الثمن إلا إلى الذي ولي البيع.ولو وجد المشتري به عيبا لم يكن له أن يخاصم إلا الذي ولي البيع إن علم بافتراقهما.ولو كان المشتري رده على شريك البائع بالعيب قبل الفرقة وقضى له بالثمن أو بنقصان العيب عند تعذر الرد ثم افترقا كان له أن يأخذ بالثمن أيهما شاء.ولو استحق المبيع بعد الفرقة والمشتري كان نقد الثمن كان له أن يأخذ بالثمن أيهما شاء.بخلاف الرد بالعيب بعد الفرقة لأن ثمة إنما يجب الثمن على البائع وقت الرد فإن كان الرد بعد الفرقة لا يكون للمشتري أن يطالب الآخر به.
فصل في شركة الوجوه(3/393)
وصورتها أن يشترك الرجلان من غير مال على أن يبيعا ويشتريا بوجوههما على أن ما اشترياه كان بينهما أو خصا فقالا على أن ما اشترياه من البر فهو بينهما نصفين أو شرطا لأحدهما الثلثين وللآخر الثلث فهو كما شرطا والربح يكون على قدر الملك.وإن قالا على أن ما اشترياه فلأحدهما الثلثان وللآخر الثلث على أن الربح بينهما نصفان لا يجوز وإنما يكون الربح بينهما على قدر الملك.فإذا شرطا لأحدهما أكثر من ربح ملكه لا يجوز وهما فيما يجب لهما وعليهما بمنزلة شريكي العنان.ولو اشتركا بوجوههما شركة مفاوضة كان جائزاً ويثبت التساوي بينهما فيما يجب لكل واحد منهما وعليه فيما يجب في شركة المفاوضة بالمال.ولو أن رجلا سلم ثوبا إلى خياط ليخيطه بنفسه وللخياط شريك في الخياطة مفاوضة فلصاحب الثوب أن يطالب بالعمل أيهما شاء لأن الشركة إذا كانت في الخياطة مفاوضة فما بقيت المفاوضة بينهما كانا كشخص واحد.ولو أنهما افترقا أو مات الذي قبض الثوب لا يؤاخذ الآخر بالعمل لأن ما يوجب الاتحاد كان الشركة فإذا انقطعت بقيت الكفالة فإذا كان الشرط على الخياط أن يخيط بنفسه لا يطلب الآخر بحكم الكفالة لأن الشرط على الخياط إذا كان خياطة نفسه لا تصح به الكفالة.رجلان اشتركا مفاوضة وليس بينهما مال على أن يشتريا بوجوههما ويعملا بأيديهما جازت الشركة كالعنان إلا أن في المفاوضة لا يجوز أن يشرطا التفاوت في الربح وفي العنان يجوز وفي تقبل الأعمال يصح منهما اشتراط التفاوت في الربح.
فصل في شركة الأعمال
صورتها أن يشترك خياطان أو قصّاران أو خياط وقصار على أن يتقبلا الأعمال جاز<624>عندنا.ولا يشترط لهذه الشركة بيان المدة.وحكم هذه الشركة أن يصير كل واحد منهما وكيلا عن صاحبه بتقبل العمل والتوكيل بتقبل العمل جائز كان الوكيل يحسن مباشرة ذلك العمل أو لا يحسن وهذا النوع من الشركة قد يكون عنانا وقد يكون مفاوضة عند استجماع شرائط المفاوضة فيكون كل واحد منهما مطالبا بحكم الكفالة ما وجب على صاحبه ومتى كان عنانا فإنما يطالب به مَنْ باشر السبب دون صاحبه بقضية الوكالة.فإن أطلقت هذه الشركة كانت عنانا.وإن شرطا المفاوضة كانت مفاوضة فإذا عمل أحدهما دون الآخر والشركة عنان أو مفاوضة كان الأجر بينهما على ما شرطا ولو شرطا لأحدهما فضلا فيما يحصل من الأجرة جاز إذا كانا شرطا التفاضل في ضمان ما يتقبلان به.وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ما جنت يد أحدهما كان الضمان عليهما يأخذ أيهما شاء.وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا مرض أحد الشريكين أو سافر أو بطّل فعمل الآخر كان الأجر بينهما ولكل واحد منهما أن يأخذ الأجر وإلى أيهما دفع الأجر برئ وإن لم يتفاوضا وهو الاستحسان لأنّ تقبّلَ أحد هما العمل جعل تقبل الآخر فصار في معنى المفاوضة في باب ضمان العمل.ولو ادعى رجل على أحدهما أنه دفع ثوبا إليه للخياطة وأقر به الآخر صح إقراره بدفع الثوب ويأخذ الأجر لأنهما كالمتفاوضين فإقرار أحدهما يصح في حق الآخر. وعن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يصدق المقر في حق الشريك وأخذ هو بالقياس.ولو أقر أحدهما بدين من ثمن صابون ونحوه لا يلزم الآخر.قصّار له أداة القصارين و لآخر بيت اشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا على أن يكون الكسب بينهما نصفين كان جائزا.وكذلك كل حرفة لأن الكسب بدل عن العمل والعمل وجب عليهما في هذه الشركة.وهذه الشركة جائزة وإن لم يخصا صنفا لأن هذا توكيل فيجوز خاصا كان أو عاما.
فصل في الشركة الفاسدة(3/394)
رجلان اشتركا في الاحتطاب و الاحتشاش على أن ما أصابا يكون بينهما كان فاسدا وما أخذاه يكون بينهما.وإن أخذاه منفردين وخلطاه و باعاه قسم الثمن بينهما على قدر ملكهما. وإن لم يعرف ملك كل واحد منهما يصدق كل واحد منهما إلى النصف وفي الزيادة على النصف عليه البينة لأن هذه الشركة تعتمد الوكالة.ولو وكّل إنسانا بأن يحتطب لا يصح التوكيل و يكون الحطب للمحتطب دون الموكِّل.وكذا لو استأجر رجلا ليعينه للاحتطاب بنصف المجموع كانت الإجارة فاسدة ويكون للمعين أجر المثل بالغا ما بلغ.وكذا لو اشتركا في الصيد و جواهر المعادن وثمار الجبال نحو الجوز والفستق واستسقاء <625>الماء ونقل الجص والكحل والزرنيخ والملح من الموضع المباح كانت الشركة فاسدة.فإن فعلا وخلطاه وباعا قسّم الثمن بينهما على قدر ما أصابا وفي المكيل والموزون يعتبر الكيل والوزن وفي غير المكيل والموزون يقسم الثمن على قدر قيمة ما أصاب كل واحد منهما.فإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في جميع ما أخذ كان للمعين أجر المثل لا يجاوز نصف ثمنه عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى له أجر مثله بالغا ما بلغ وأجمعوا على أنه يستحق أجر المثل وإن لم يجمع المعين ماله قيمة.وإن اشتركا في الاصطياد ولهما كلب فأرسلاه فما أصاب الكلب يكون بينهما كما لو نصبا شبكة وإن أرسلا كلبا لأحدهما فما أخذ الكلب يكون لصاحبه لأن إرسال غير المالك لا يعتبر مع إرسال المالك وإن كان لكل واحد منهما كلب فأرسل كل واحد منهما كلبه فأخذا صيداً واحداً فهو بينهما.وما أصاب أحدهما فهو لصاحبه خاصة.وإن أصاب أحد الكلبين صيدا فأثخنه ثم أدركه الآخر فالصيد لمن أثخنه كلبه لأنه أخرجه من أن يكون صيدا. وإن أثخناه جميعا كان بينهما نصفين لوجود الاشتراك في السبب.ولو أن رجلين لأحدهما بغل وللآخر بعير اشتركا على أن يؤاجرا ذلك فما رزق الله تعالى من الأجر يكون بينهما كانت الشركة فاسدة يقسّم الأجر بينهما على أجر مثل البغل والبعير أو البغل والحمار كما في بيع العين يقسم الثمن على قيمة العين.ولو تقبّلا حمولة معلومة بأجر معلوم ولم يؤاجرا البغل والبعير وحملا على البغل والبعير وحملا على البغل والبعير الذين أضافا عقد الشركة إليهما كان الأجر بينهما نصفين لأن سبب وجوب الأجر ههنا تقبّل الحمل وقد استويا في ذلك ولو تقبلا الحمل وحملا على أعناقهما كان الأجر بينهما نصفين و لا يكون مضمونا على قدر أجر المثل كذلك ههنا بخلاف الأول.وإن آجر أحدهما بعيرا بعينه وأعانه الآخر على الحمولة والنقل كان للذي أعان أجر مثله لا يجاوز به نصف الأجر في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى.وعلى قول محمد رحمه الله تعالى له أجر مثله بالغا ما بلغ كما في المسألة الأولى.ولو اشترك رجلان لأحدهما دابة ولآخر كاف و جوالق اشتركا على أن يؤاجرا الدابة على أن الأجر بينهما نصفان كانت فاسدة لأنها بمنزلة الشركة بالعروض ولو وكلّه على أن يؤاجر دابة ليكون له نصف الأجر لا يجوز. وكذلك الشركة.ولو دفع دابة إلى رجل ليؤاجرها على أن ما آجرها به من شيء فهو بينهما كانت الشركة فاسدة لأن تقدير هذه المسألة كأنه قال آجر دابتي ليكون الأجر بيننا ولو صرح به كانت فاسدة فإذا فسدت الشركة إن آجر الدابة كان جميع الأجر لصاحب الدابة لأنه آجر الدابة بأمر صاحبها وللآخر أجر مثل عمله لأنه لم يرض بعمله إلا بالأجر.ولو دفع دابة إلى رجل ليبيع عليها البر والطعام على أن الربح بينهما كانت فاسدة بمنزلة الشركة العروض لأن رأس مال أحدهما عَرَضٌ ورأس مال الآخر منفعة فإذا فسدت الشركة كان الربح لصاحب البر <626>والطعام لأنه بدل ملكه ولصاحب الدابة أجر مثلها لأنه لم يرض بمنفعة الدابة بغير عوض والبيت والسفينة في هذا كله كالدابة لما قلنا.
كتاب المأذون(3/395)
المولى إذا أذن لعبده في التجارة في نوع يصير مأذونا في الأنواع كلها.وكذا إذا قال أذنت لك بالتجارة في مكان كذا وفي وقت كذا يصير مأذونا في الأماكن والأزمان كلها.بخلاف التوكيل فإن ذلك يقبل التخصيص والتوقيت وبخلاف إذن القاضي فإنه بمنزلة التوكيل.وإذا رأى المولى عبده يبيع عينا من الأعيان فسكت لم يكن ذلك إذنا.وكذا المرتهن إذا رأى الراهن يبيع المرهون فسكت لا يبطل الرهن.وروى الطحاوي عن أصحابنا أن المرتهن إذا سكت كان راضيا بالبيع فيبطل الرهن.المولى إذا قال لعبده آجر نفسك من فلان للخدمة لا يكون ذلك إذنا في التجارة.ولو قال لعبده بع ثوبي هذا من فلان لم يكن ذلك إذنا لأن بيع ثوب واحد من رجل بعينه وإجارة نفسه من فلان لا يتكرر.ولو قال آجر نفسك ولم يقل من فلان أو قال بع ثوبي هذا ولم يقل بع لفلان يصير مأذونا في التجارة.ولو أمر عبده أن يشتري له ثوبا أو لحماً لا يصير مأذونا استحسانا.وكذا لو قال اشتر ثوبا فأقطعه قميصا أو ما أشبه ذلك.ولو دفع إليه حماراً لسقي الماء لعياله أو لبعض جيرانه بغير أجر لا يكون مأذونا.ولو أمره ببيع الماء كان إذنا.وكذا لو أمر عبده ببيع متاع غيره يصير مأذونا.ولو رأى عبده في حانوته يبيع متاعه فسكت حتى باع متاعا كثيرا من ذلك كان إذنا وينفذ على المولى بيع العبد ذلك المتاع.ولو أن رجلا دفع إلى عبد رجل متاعا له ليبيعه فباعه بغير إذن المولى فرآه المولى ولم ينهه كان إذنا له في التجارة ويجوز ذلك البيع على صاحب المتاع.وتكلموا في العهدة.فقال بعضهم العهدة ترجع على الآمر.وعند البعض ترجع إلى العبد.ولو رأى المولى عبده يشتري شيئا بدراهم المولى أو بدنانيره فلم ينهه يصير مأذونا فإن نقد الثمن من مال المولى كان للمولى أن يسترد و إذا استردّ لا يبطل ذلك البيع.ولو كان مال المولى مكيلا أو موزونا فاستردّ المولى بطل البيع إن كان الشراء بمكيل أو بموزون بعينه.وإن لم يكن بعينه و استردّ المولى لا يبطل البيع.تعليق إذن العبد بالشرط جائز كتعليق الطلاق و العتاق وتعليق الحجر باطل كتعليق الرجعة.وكذا إذا أضاف الحجر إلى وقت في المستقبل باطل كإضافة الرجعة.وإضافة الإذن جائز والمكاتب إذا أذن لعبده في التجارة صح إذنه كما لو كاتب عبده تصح كتابته.والعبد المأذون في التجارة لا يملك الكتابة و يملك الإذن في التجارة.ولو أن معتوها كبيرا أذن له ابنه الكبير في التجارة لا يصح والابن في هذا يكون بمنزلة الأخ يملك التصرف في النفس وهو التزويج و لا يملك التصرف في المال.الأب إذا أذن لابنه في التجارة إن كان الصبي يعقل البيع والشراء ويعرف أن البيع يزيل الملك ويعرف الغبن <627>الفاحش واليسير صح إذنه وإن لم يعرفه لا يصح وإن كان يقدر على التلفظ بالبيع والشراء.القاضي إذا أذن للصغير في التجارة وأبوه يأبى صح إذن القاضي. القاضي إذا رأى عبده يبيع ويشتري فسكت لا يكون إذنا وكذا لو رأى القاضي معتوها أو صغيرا أو عبدا للصغير يبيع ويشتري فسكت لا يكون إذنا.المولى إذا أذن لعبده الغائب لا يصير مأذونا قبل العلم وإذا علم يصير مأذونا.وكذا لو حجر على عبده المأذون الغائب لا يصير محجورا قبل العلم.ولو أذن المولى لعبده الغائب ثم حجر عليه قبل أن يعلم ثم علم العبد بالإذن السابق لا يصير مأذونا وإنما يشترط علم العبد ليصير مأذونا إذا كان الإذن مقصودا فإن لم يكن مقصودا وإنما كان ضمنا بأن قال المولى لأهل السوق بايعوا عبدي هذا يصير العبد مأذونا قبل العلم.وإذا حجر على عبده المأذون إذا كان الإذن عاما مشهورا عند أهل السوق فإنما يصح الحجر إذا كان مشهورا عند أهل السوق أيضا.وإن لم يكن الإذن عامّا وإنما علم به رجل أو رجلان أو ثلاثة فحجر عليه بمحضر من هؤلاء صح حجره.وإن كان الإذن لم يعلم به إلا العبد صح الحجر بمحضر من العبد وكذا يصح الحجر وإن لم يعلم به العبد.ولو أذن لعبده الغائب وأرسل المولى إليه رسولا أو كتب إليه كتابا فوصل إليه الكتاب أو أخبره الرسول يصير مأذونا كان الرسول حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا عدلا أو فاسقا ذكرا كان أو أنثى.فإن أخبره فضولي واحد بإذن المولى يصير مأذونا كيف ما كان المخبر.فرّق أبو حنيفة رحمه الله تعالى بين الحجر والإذن فإنه عنده لا يثبت الحجر بخبر الواحد إلا أن يكون المخبر عدلا أو أخبره اثنان وثبت الإذن بقول الفضولي الواحد على كل حال.وذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله تعالى أنه لا فرق بين الإذن والحجر وإنما يصير مأذونا إذا كان المخبر صادقا عند العبد.وكذا الحجر لا يثبت بخبر الفضولي إلا أن يكون صادقا عند العبد.و الفتوى على هذا القول.المولى إذا باع عبده المأذون إن لم يكن عليه دين يصير محجورا علم أهل السوق به أولم يعلموا.وإن كان عليه دين لا يصير محجورا قبل قبض المشتري وفي الأول يصير محجورا بنفس البيع لأن الثاني فاسد إذا لم يكن بإذن الغرماء أو بأمر(3/396)
القاضي.هذا إذا كان الدين حالّا فإن كان دين العبد مؤجلا لا يحجر المولى عن بيعه.وليس للغرماء أن ينقضوا هذا البيع ولهم أن يضمّنوا المولى قيمته إذا حلّ الدين فإن كان عليه دين حالٌّ فالبيع فاسد إلا أن يكون بالثمن وفاء بالدين فإذا قبض الثمن وقضى دينه نفذ البيع السابق كالراهن إذا باع الرهن وبه وفاء بالدين فقضى دين المرتهن من الثمن نفذ بيع الراهن.ولو حجر المولى على عبده المأذون وعليه دين حالّ لا يجوز للمولى أن يبيع العبد ولا يبيع ما في يده وإنما يبيع القاضي.المولى إذا مات وترك ابنا وعبدا وعلى الميت دين مستغرق فأذن الوارث لهذا العبد في التجارة لا يصح إذنه لأنه لم يملكه.<628>فلو أن الابن استقرض مالا وقضى دين الأب ثم أذن لهذا العبد في التجارة لا يصح إذنه أيضا لأن دين الابن على أبيه يمنع ملك العبد وإنما يملك إذا أبرأ الغريم الميت عن الدين أو قضى الوارث دين أبيه من مال نفسه تبرعا بأن قال عند الأداء أنا أؤدي تبرعا.ولو أنه قضى دين الميت من مال نفسه ولم يذكر عند الأداء أؤدي عنك على وجه التبرع يصير ذلك دينا له على الأب كما لو كفّن الميت من مال نفسه فإنه يرجع في التركة.العبد المأذون إذا أبق يصير محجورا و المدبر إذا كان مأذونا فأبق لا يصير محجورا و العبد المأذون إذا غصبه غاصب لم يذكر في الكتاب.قالوا الصحيح أنه لا يصير محجورا والعبد المأذون إذا أسره العدو لا يصير محجورا قبل الإحراز بدار الحرب وبعد الإحراز يصير محجورا فإن وصل العبد إلى مولاه بعد ذلك لا يعود مأذونا.العبد المأذون إذا أبق يصير محجورا فإن عاد من الإباق الأصح أنه لا يعود مأذونا.المولى إذا أذن لعبده الآبق لا يصح إذنه وإن علم الآبق.وإن أذن له في التجارة مع من كان العبد في يده صح إذنه.وإن أذن لعبده المغصوب في التجارة فإن كان الغاصب مقرا أو كان لمولاه بينة صح الإذن لأنه لو باعه في هذا الوجه جاز بيعه فصح إذنه. المولى إذا قال لعبده أذنت لك في التجارة فلا تبع بغبن فاحش فباع بغبن فاحش جاز بيعه لأن إذن المولى لا يقبل التخصيص. الأب أو الوصي إذا أذن للصغير أو لعبد الصغير في التجارة صح إذنهما وسكوتهما يكون إذنا. والقاضي يملك إذن الصغير ويملك إذن عبد الصغير وسكوته لا يكون إذنا.فإن مات الأب أو الوصي بعد الإذن قبل بلوغ الصغير بطل الإذن.وإن بلغ الصغير والأب أو الوصي حيّ لا يبطل الإذن.الوصي إذا رأى الصغير أو عبد الصغير يبيع ويشتري وسكت قالوا ينبغي أن يصير مأذونا بخلاف القاضي.والقاضي إذا أذن للصغير أو لعبده في التجارة وأبى الأب أو الوصي فإباؤهما باطل وإن حجرا عليه بعد إذن القاضي لا يصح حجرهما.وكذا لو مات هذا القاضي لا ينحجر العبد إلا أن يُرْفَعَ الأمر إلى قاض آخر حتى يحجر عليه لأن ولاية هذا القاضي مثل ولاية الأول. رجل اشترى عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأذن له في التجارة أو رآه يبيع ويشتري فسكت كان ذلك إجازة للبيع يبطل خياره ويصير العبد مأذونا.ولو باع عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أذن البائع العبد في مدة الخيار لم يكن ذلك فسخا للبيع إلا أن يلحق العبد دين بذلك.إذا طلب غرماء العبد المأذون من القاضي بيعه فأمر القاضي مولاه بالبيع فباع جاز بيعه و لا يصير المولى مختارا حتى لا يلزمه قضاء الدين من ماله.وهذا بخلاف المولى إذا باع عبده الجاني بعد العلم بالجناية يصير مختارا للفداء.وهو بخلاف المريض أيضا إذا باع عينا من أعيان ماله بمثل القيمة بغير إذن الغرماء فإنه ينفذ بيعه.المولى إذا أعتق عبده المأذون المديون نفذ عتقه والغرماء بالخيار إن شاؤا ضمّنوه قيمة العبد موسرا كان أو معسرا وإن شاؤا استسعوا العبد بجميع دينهم <629>وهو بخلاف الراهن إذا أعتق العبد المرهون فإنه يضمن قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا استسعى العبد للمرتهن.المولى إذا أعتق عبده المأذون وعليه ضمان الغصب فإنّ المولى يغرّم الأقل من قيمته ومن الفداء علم بذلك أو لم يعلم.وإن أعتق عبده الجاني إن كان عالما بالجناية يصير مختاراً للفداء.وإن لم يكن عالما كان عليه الأقل من قيمة العبد ومن أرش الجناية.عبد اشترى من رجل شيئا فقال البائع لا أسلّم إليك المبيع لأنك محجور وقال العبد أنا مأذون كان القول قول العبد.فإن أقام البائع البينة على أنّ العبد أقر أنه محجور قبل أن يتقدم إلى القاضي بعد الشراء لم تقبل بينته.وهذا بخلاف ما ذكرنا في الزيادات.رجل اشترى عبدا فجاء رجل وادّعى العبد واستُحْلِفَ المشتري فنكل أو أقر أنه للمستحق فإنه يقضى بالعبد للمستحق و لا يرجع المشتري بالثمن على البائع. ولو أن المشتري أقام البينة على إقرار البائع أن العبد للمستحق تقبل بينته و يرجع بالثمن على البائع. وفرّق أيضا بين هذا وبين مسألةٍ ذكرها في الجامع.رجل وهب لعبد إنسان هبة ثم أراد أن يرجع في الهبة فقال العبد أنا محجور وليس لك أن ترجع في الهبة وقال الواهب بل أنت مأذون فأقام البينة على إقرار(3/397)
الواهب أنه محجور تقبل بينته.عبد باع من رجل شيئا فقال هذا الذي بعته لمولاي وأنا محجور وقال المشتري بل أنت مأذون كان القول قول المشتري و لا يقبل قول العبد. العبد المأذون إذا أقر لمولاه بدين لا يصح إقراره كان عليه دين أو لم يكن وإن أقر بعين في يده لمولاه فإن لم يكن عليه دين صح إقراره وإن كان عليه دين لا يصح.العبد المأذون إذا أقر لأجنبي بغصب أو قرض أو استهلاك وديعة أو عارية خالف فيها أو مضاربة استهلكها وزعم أنّ ذلك كان في حالة الحجر إنْ صدّقه المقََّرُ له أنّ ذلك كان في وقت الحجر لا يلزمه شيء في الحال إلا في دين الغصب.ولو قال المقَّرُ له لا بل كان ذلك في حالة الإذن كان القول قول المقَّرُ له.وهو بخلاف الصبي المأذون إذا أقر أني أقررت لفلان بألف درهم في حالة الحجر فإنه لا يؤاخذ به ويكون مصدقا في الإسناد صدّقه المقُّرُ له أو كذبه.وكذلك المعتوه المأذون الكبير وهو كالمتناكحين إذا اختلفا فقالت المرأة تزوجتني وأنا مجوسية أو معتدّة الغير وكونها مجوسية أو معتدة الغير معروف وقال الزوج لا بل تزوّجتك وأنت مسلمة فارغة كان القول قول الزوج. ولو قالت المرأة تزوّجتني وأنا صغيرة وقال الزوج لا بل تزوجتك وأنت بالغة كان القول قول المرأة لأنها بهذه الإضافة تنكر النكاح أصلا بخلاف المسألة الأولى.أما الصبي المأذون والمعتوه المأذون إذا أقر بالغصب أو بالاستهلاك وأضافه إلى حالة الحجر يؤاخذ به للحال صدّقه المقر له في ذلك أم كذبه كما في العبد.وإن أقر بقرض أو وديعة استهلكها في حالة الحجر فكذلك الجواب عند أبي يوسف رحمه الله تعالى.وعندهما إن صدقه المقر له في الإضافة وفي كونه مودعا لا يؤاخذ به لا للحال<630>ولا بعد البلوغ. وإن كذبه في الإضافة يؤاخذ به للحال. العبد المحجور إذا اشترى شيئا بغير أمر مولاه فشراؤه موقوف و كذلك إذا باع شيئا من مال المولى أو مما وهب له أو أقر أنه رهن أو ارتهن أو أقرض أو استقرض فجميع ذلك موقوف.وكذلك الصبي الذي يعقل البيع والشراء إذا فعل شيئا من ذلك يتوقف على إجازة وليّه وفي العبد على إجازة مولاه إن أجازه المولى نفذ وإن لم يجز حتى أذن له المولى في التجارة فأجاز العبد ما باشر قبل الإذن صحت إجازته استحسانا.وإن لم يأذن له المولى في التجارة ولكن أعتقه فأجاز العبد بعد العتق لا تصح إجازته.الفضولي إذا باع مال الغير ثم اشتراه من المالك فأجاز ذلك البيع لا يجوز.ولو أن الفضولي باع مال الغير ثم وكّله المالك ببيعه فأجاز الوكيل بيعه ذلك جاز استحسانا.والعبد المحجور إذا اشترى شيئا بغير إذن المولى حتى توقف على إجازة المولى ثم إنِ المولى باع العبد من رجل فأجاز مشتري العبد ذلك الشراء لم يجز.وكذا لو أجاز بائع العبد. وكذا لو لم يبع المولى العبد ولكنه أعتقه فأجاز المعتق أو المولى لا تصح الإجازة لأنه تعذر تنفيذ العقد على وجه يكون الملك للمولى والعهدة على العبد.العبد المحجور إذا تزوج امرأة فأعتق نفذ ذلك النكاح من غير إجازة.وكذا الأمة المحجورة إذا زوّجت نفسها ثم أعتقت نفذ نكاحها ويكون المهر لها.العبد المحجور إذا اشترى شيئا حتى توقف على إجازة المولى فما دام العين في يده كان البائع أولى به وإن هلك في يده أو استهلكه إن كان البائع حرا كبيرا أو صغيرا مأذونا أو عبدا مأذونا أو مكاتبا لا يضمن المشتري للحال حتى يعتق فإذا عتق كان عليه قيمة المبيع بالغة ما بلغت.وإن كان المشتري صبيا محجورا لا يضمن أصلا لا في الحال و لا بعد البلوغ. وإن كان البائع عبدا محجورا أو صبيا محجورا أو المشتري كذلك ضمن المشتري للحال لأن تسليط البائع لم يصح فيكون متلفا من غير تسليط.بخلاف ما لو كان البائع حرا كبيرا أو صبيا مأذونا أو عبدا مأذونا لأن تسليطهم صحيح فكان متلفا بالتسليط فلا يضمن.وينحجر العبد المأذون المديون بموت المولى وبجنون المولى جنونا مطبقا وإن لم يكن مطبقا لا ينحجر. ومحمد رحمه الله تعالى قدّر المطبق أوّلاً بستة أشهر ثم رجع وقدّره بسنة فصاعدا وأبو يوسف رحمه الله تعالى قدّره بأكثر السنة.فالحاصل أن العبد المأذون ينحجر بثنتي عشرة خصلة. منها إذا حجر عليه في السوق وإذا أبق وإذا أسره المشركون.وإذا مات مولاه.أو جن جنونا مطبقا.أو كان العبد ليتيم فأذن وصيه فمات الوصي أو اليتيم.وإذا خرج من ملك مولاه أو استولدها إن كانت أمة الغير.العبد المأذون إذا كان عليه ديون لقوم فباعه مولاه بطلب بعضهم بغير أمر القاضي لا يجوز بيعه ولبقية الغرماء أن يردّوا بيعه.ولو كان بعض الغرماء غائبا فرفع من كان حاضرا منهم<631> إلى القاضي وطلبوا منه بيعه فباعه للحضور جاز بيعه على جميع الغرماء.فإذا طلب غرماء العبد المأذون من القاضي بيعه فإن كان للعبد مال غائب يرجى حضوره أو دين على الناس فإن القاضي لا يتعجل بيعه بل يتلوّم حتى يحضر ماله أو يحل دينه. وحكي عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله تعالى أنه قال إن كان ماله يحضر لثلاثة أيام أو(3/398)
أقل أو يحل دينه فالقاضي لا يبيعه وإلا يبيعه.وإن باع المولى عبده المأذون المديون وهو يعلم بديونه كان عليه الأقل من قيمته ومن ديونه وكذا لو لم يعلم بديونه.العبد المأذون إذا أقر لحرّ لا تقبل شهادة العبد له لو كان العبد حر الزوجية أو قرابة لا يصح إقراره في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى.وإذا باع المولى عبده المأذون بغير إذن الغرماء فوجد الغرماء العبد فأرادوا نقض البيع ليس لهم ذلك إلا بحضرة البائع والمشتري ولو كان دين العبد مؤجلا فباعه مولاه قبل حلول الأجل جاز بيعه لأن الدين المؤجل لا يحجر المولى عن بيعه فإذا حل دين العبد ليس لصاحب الدين أن ينقض البيع ولكن له أن يضمّن المولى قيمة العبد.العبد المأذون أو الصبي المأذون أو المعتوه المأذون إذا باعوا بغبن فاحش يجوز بيعهم في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.وليس للصبي المأذون أن يزوج أمته في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.و لا يزوج أمته من عبده عند الكل.وللعبد المأذون أن يؤاجر نفسه أو أرضه ويستأجر الأرض ويدفع الأرض مزارعة ويأخذ مزارعة كان البذر منه أو من غيره.وليس له أن يتكفل بمال أو بنفس و لا يقرض ولا يعتق على مال و لا يشارك مفاوضة و لا يزوج عبده و لا أمته.وله أن يأخذ المال مضاربة و يدفع المال مضاربة و يشارك شركة العنان ويوكّل بالبيع والشراء ويعير الدابة والثوب.وله أن يؤجل دينه من غصب أو غيره أجلُه سنة أو أكثر أو أقل.وليس له أن يحط بعض الدين.وله أن يتبرع باليسير ويملك التصدق بما دون الدرهم ولا يملك بالدرهم.ويملك اتخاذ الضيافة والإهداء والصحيح أنه لا يملك ما يعدّه التُّجار سَرْفاً ويملك ما لا يعد سرفاً في المأكولات و لا يملك الإهداء في غير المأكولات ويملك الإهداء بالمأكولات بقدر ما يتخذ الدعوة من المأكولات وإنما يملك اتخاذ الضيافة اليسيرة دون الكبيرة فذلك مقدّرٌ بمقدار ما يكون في يده من مال التجارة. وحكي عن أبي سلمة رحمه الله تعالى أنه قال إذا كان مال التجارة عشرة آلاف درهم فاتخذ بعشرة دراهم دعوة كانت يسيرة.ولو كان مال التجارة عشرة دراهم فاتخذ بدانق كانت كبيرة في العرف.والمعتبر في هذا العرف.وأما التصدق الفلس والرغيف والفضة بما دون الدرهم قالوا في عرفنا يعدُّ يسيرة.والزوجة والأمة إذا تصدقت يرجع إلى العرف إن كان بمقدار المتعارف تكون مأذونة بذلك قال مولانا رضي الله عنه وفي عرفنا المرأة والأمة لا تكون مأذونة بالتصدق بالنقد وإنما تكون مأذونة بالمأكولات. المولى إذا باع ماله من عبده المأذون المديون صح بيعه وله أن <632>يحبس المبيع لاستيفاء الثمن فلو سلّم المبيع إليه قبل استيفاء الثمن بطل دينه كذا قال في كتاب الصرف.وإن أقر المولى على عبده بالدين وليس على العبد دين ظاهر صح إقراره صدّقه العبد في ذلك أم كذبه وكان للمقر له استيفاء ذلك من العبد.وإن كان ذلك أكثر من قيمته فإن عتق العبد قبل الاستيفاء لا يضمن إلا الأقل من قيمته ومن الدين.العبد المأذون إذا ارتد والعياذ بالله فتصرفاته بعد الردة موقوفة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى.وعند صاحبيه نافذة فإن أسلم تبين أنه صح بيعه وإن قُتِلَ تبين أنه بطل بيعه.والوكيل إذا ارتد والعياذ بالله تنفذ تصرفاته.وكذا المكاتب والمجنون جنونا مطبقا.رجل ادّعى على صبي مأذون شيئا فأنكر اختلفوا في تحليفه.ذكر في كتاب الإقرار أنه يحلّف وعليه الفتوى.العبد المأذون خصم فيما كان من التجارة تقبل الشهادة عليه و لا يعتبر حضرة المولى.ولو شهد الشهود على عبد محجور بغصبٍ أو إتلاف وديعة إن شهدوا بمعاينة ذلك لا بالإقرار تقبل الشهادة عليه ويقضى بالغصب إذا حضر المولى وفي ضمان إتلاف الوديعة والمضاربة لا يقضى حتى يعتق في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.وإن شهد الشهود على إقرار العبد بذلك لا تقبل وإن كان مولاه حاضرا.ولو شهدوا على عبد مأذون بالزنا أو القتل عمدا أو بشرب خمر أو قذف وهو يجحد ومولاه غائب لا تقبل في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا لأبي يوسف رحمه الله تعالى.وإن شهدوا على إقرار العبد تقبل شهادتهم في القصاص وحد القذف و لا تقبل فيما سوى ذلك.فإن شهدوا على العبد المأذون بسرقة عشرة دراهم فإن كان مولاه حاضرا تقبل شهادتهم في القطع.ولو شهدوا بسرقة أقل من عشرة تقبل شهادتهم كان مولاه حاضرا أو غائبا.وتقبل الشهادة على الصبي المأذون والمعتوه المأذون بسرقة عشرة دراهم وإن كان الآذن غائبا.و لا تقبل الشهادة على إقرارهما بالسرقة أصلا.ولو شهدوا على العبد المحجور بسرقة عشرة دراهم وهو يجحد لا يقضى حتى يحضر مولاه فيقضى بالقطع وردّ العين إن كانت قائمة و لا يقضى بالضمان لأن المحجور لا يملك الخصومة في المال.و لا تقبل الشهادة عند غيبة المولى.ولو شهدوا على إقراره لا تقبل أصلا وإن كان مولاه حاضرا لأنه لا يقضى بالقطع بهذه البينة فكذلك المال.والشهادة على الإقرار بالسرقة مع جحود السارق لا(3/399)
تُسمَع.رجل وكّل عبدا مأذونا بأن يشتري له شيئا سماه بثمن مسمى ولم ينقد الثمن جاز استحسانا.ولو وكّله بالشراء بالثمن مؤجلا فاشترى فما اشترى يكون للعبد لا للآمر لأنه يتضمن الكفالة وكفالة المأذون باطلة.ولو أمره رجل بأن يبيع ماله نسيئة جاز لأن التوكيل بالبيع لا يتضمن الكفالة.ولو وكّل المأذون رجلا ببيعٍ أو شراء بنقدٍ أو نسيئةٍ جاز لأن المأذون قد يحتاج إلى أن يوكِّل غيره بالتجارة.العبد المأذون المديون<633>إذا خاصمه مولاه في مال في يد العبد فقال العبد المأذون هو مالي وقال مولاه هو لي كان القول قول العبد و لا يصدّق المولى حتى يقضي دين العبد.فإن كان العبد المأذون في منزل مولاه فإن كان المال الذي اختصما فيه من تجارة العبد فهو للعبد.وإن لم يكن من تجارته يكون للمولى.وإن كان المال في يد العبد ويد المولى كان المال بينهما وإن كان معهما أجنبي والمال في أيديهم كان بينهم أثلاثا.وإن كان العبد راكب دابة أو لابس ثوب فاختصما فيه يكون للعبد.وللعبد المأذون أن يؤاجر أمته ظئرا.و الأمة المأذونة لها أن تؤاجر نفسها ظئرا.العبد إذا أودع عند إنسان شيئا لا يملك المولى أخذ الوديعة كان العبد مأذونا أومحجورا فلو أن المودع دفع الوديعة إلى مولاه إن لم يكن على العبد دين جاز.المولى إذا زوج عبده المأذون المديون جاز لأن فيه تحصين العبد.إذا أحرم العبد بغير إذن مولاه كان للمولى أن يحلله فإن باعه بعدما أحرم بإذن المولى كان للمشتري أن يحلله.العبد الآبق لا يُمْلَكُ بالأسر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويُقتل بالردة كالحر.
كتاب الحجر(3/400)
قال رضي الله عنه أسباب الحجر ثلاثة.منها ضرر<634>العامة.والثاني الدين.والثالث السفه والتبذير قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يحجر القاضي على الحر العاقل البالغ إلا على من يتعدى ضرره إلى العامة وهم ثلاثة.المتطبب الجاهل الذي يسقي الناس ما يضره ويهلكه وعنده أنه شفاء ودواء.والثاني المفتي الماجن الذي يعلّم الناس الحيل أو يفتي عن جهل.والثالث المكاري المفلس فلا يحجر على المديون و لا يمنع عنه ماله.وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى يجوز الحجر بما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وبثلاثة أسباب أخر.منها الدين إذا ركب الرجل ديون وطلب غرماؤه من القاضي بأن يحجر عليه كي لا يتلف ما في يده من المال فإن القاضي يحجر عليه ويُشهِدُ على حجره فيقول اشهدوا أني قد حجرت على هذا أو على فلان ابن فلان إن كان ذلك الرجل غائبا لأجل دين فلان ويمنع عنه ماله ويبيع ماله إذا سأله غريمه.وإذا أراد أن يبيع ماله عند بعض العلماء يبيع عليه ما فوق الإزار.وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى يترك له دستا من الثياب ويبيع ما سوى ذلك.وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى يترك له دستين من الثياب ولا يؤاجره القاضي عند علمائنا رحمهم الله تعالى.<635>والسبب الثاني عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى السفه يحجر القاضي على السفيه المبذّر بطلب أوليائه وعلى المغفل الذي لا يهتدي إلى التصرفات و لا يصبر عنها ويُغبن فيها.ولا يحجر على الفاسق الذي يرتكب المعاصي إذا كان لا يبذّر و لا يسرف في ماله.وقال الشافعي رحمه الله تعالى يحجر على الفاسق أيضا و لا يشترط لصحة الحجر حضرة الذي يريد أن يحجر عليه بل يصح حاضرا كان أم غائبا إلا أنّ الغائب لا ينحجر ما لم يبلغه الحجر ويعلم أن القاضي حجر عليه.وإن تصرف قبل العلم بعد الحجر تنفذ تصرفاته وهو بمنزلة ما لو حجر على عبده المأذون الغائب يصح الحجر و لا ينحجر قبل العلم.وإذا حجر على المديون بعد ما حُبس بالدين أو قبله يظهر أثر الحجر في ماله الموجود وقت الحجر لا فيما يكتسب ويحصل له بعد الحجر ويُمنع هذا المحجور عن التبرعات.ولو أقر لإنسان بدين لا يصح إقراره في حق الغريم الذي حجر لأجله فإذا زال دين هذا الغريم يظهر صحة إقراره السابق.وكذا لو اكتسب مالاً ينفذ إقراره فيما اكتسب وحدث وإن كان دين الغريم الأول قائما وتنفذ تبرعاته فيما اكتسب مع بقاء دين الأول.ولو تزوج المحجور امرأة صح نكاحه فإن زاد على مهر<636>مثلها فمقدار مهر المثل يظهر في حق الغريم الذي حجر لأجله تحاص الغريم في ذلك وما زاد على مهر المثل لا يظهر في حق الغريم الذي حجر لأجله فيظهر في المال الذي حدث له بعده.ولو أقر على نفسه بحدٍ أو قصاص صح إقراره.وكذا لو أعتق أو دبَّر صح إعتاقه وتدبيره.والحاصل أن كل ما يستوي فيه الجدُّ والهزل ينفذ من المحجور و ما لا ينفذ من الهازل لا ينفذ من المحجور إلا بإذن القاضي.ولو باع شيئا من ماله بمثل القيمة جاز و بأقل من القيمة لا يجوز.ولو استهلك مال إنسان بمعاينة الشهود لزمه ضمان ذلك ومن له الضمان يحاص الغريم الذي حجر لأجله فيما كان في يده.ولو اشترى المحجور جارية بمعاينة الشهود بأكثر من قيمتها فإنّ بائع الجارية يحاص الغريم الذي حجر لأجله بمقدار قيمتها وما زاد على قيمتها يأخذ من المال الذي يحدث له بعد الحجر.ولو باع المحجور شيئا من عقاره أو عروضه من الغريم الذي حجر لأجله ليصير الثمن قصاصا بدينه جاز بيعه. و ذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى هذا إذا كان الغريم واحدا فإن كان اثنين و حجر لدينهما فباع الغريم من أحدهما شيئا بمثل القيمة جاز البيع كما لو باع من أجنبي فإذا جاز البيع بمثل القيمة لا يصير كل الثمن قصاصا بدين <637>هذا المشتري لأن فيه إيثار بعض الغرماء على البعض ولكن الثمن يكون بين الغرماء بالحصص.ولو حجر القاضي على رجل لقوم لهم ديون مختلفة فقضى المحجور دين بعضهم شاركه الباقون فيما قبض فيسلم له حصته ويدفع ما زاد على حصته إلى غيره من الغرماء.رجل عليه دين ثبت بإقراره أو ببيّنة قامت عليه عند القاضي فغاب المطلوب قبل الحكم وامتنع عن الحضور قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ينصّب القاضي عنه وكيلاً ويحكم عليه بالمال إذا سأل الخصم ذلك فإن سأل الخصم أن
يحجر عليه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يحكم ولا يحجر حتى يحضر الغائب ثم يحكم عليه ثم يحجر عند محمد رحمه الله تعالى لأنه إنما يحجر بعد الحكم لا قبله . المحبوس بالدين إذا كان يسرف في اتخاذ الطعام يمنعه القاضي عن الإسراف ويقدّر له المعروف والكفاف. و كذلك في الثياب يقتصد فيها ويأمره بالوسط ولا يضيّق عليه في مأكوله ومشروبه و ملبوسه .
فصل في الحجر بسبب السفه والتبذير والغفلة(3/401)
اليتيم إذا بلغ بالسن رشيداً وماله في يد وصيّه أو وليّه فإنه يدفع إليه ماله. فإن بلغ غير رشيد لا يدفع إليه حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة فإذا بلغ خمساً وعشرين <638>سنة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يدفع إليه ماله يتصرف فيه ما شاء وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يدفع إليه ماله بل يمنع عنه وإن بلغ سبعين سنة أو تسعين سنة ما لم يؤانَس منه الرشد . وإن بلغ اليتيم سفيها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تنفذ تصرفاته لأنّه لا يرى الحجر على الحر العاقل البالغ .(3/402)
وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى بعدما حجر عليه القاضي لا تنفذ تصرفاته إلا أن القاضي يمضي من تصرفاته ما كان خيراً للمحجور بأن ربح فيما باع والثمن قائم في يده أو حوبى فيما اشترى لأن الأب والوصي يمضي من تصرفات الصبي ما كان خيراً له فكذلك القاضي . وإن بلغ اليتيم سفيهاً غير رشيد فقبل أن يحجر القاضي عليه لا يكون محجوراً في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى حتى تنفذ تصرفاته وعند محمد رحمه الله تعالى يكون محجوراً من غير حجر . و أبو يوسف رحمه الله تعالى جعل الحجر بسبب السفه كالحجر بسبب الدين و ذلك لا يكون إلا بقضاء القاضي و محمد رحمه الله تعالى جعل الحجر بسبب السفه كالحجر بسبب الصبا والجنون وذلك يكون بغير قضاء فيكون محجوراً إلا أن يؤذن له وكذا لو بلغ الصغير <639> مصلحاً فأَتْجَرَ بماله وأقر بديون ووهب وتصدق وغير ذلك ثم فسد وصار بحال استحق الحجر فما صنع من التصرفات قبل الفساد تكون نافذة وما صنع بعدما فسد تكون باطلة عند محمد رحمه الله تعالى حتى إذا رفع إلى القاضي فإن القاضي يُمضي ما فعل قبل الفساد ويُبطل ما صنع بعد الفساد لأن عند محمد رحمه الله تعالى هذا العارض بمنزلة الجنون والصبا. والصبي والمجنون يكون محجوراً بغير حجر. وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يبطل وبالفساد لا يصير محجوراً ما لم يحجر عليه القاضي حتى لو رفع ذلك إلى القاضي يحجر عليه فيُمضي ما فعل قبل الحجر وهو عنده بمنزلة الحجر بسبب الدين قال محمد رحمه الله تعالى المحجور بمنزلة الصبي إلا في أربعة.أحدها أن تصرف الوصي في مال الصبي جائز وفي مال المحجور باطل. والثاني أن إعتاق المحجور وتدبيره وطلاقه ونكاحه جائز ومن الصبي باطل.والثالث المحجور إذا أوصى بوصية جازت وصيته من ثلث ماله ومن الصبي لا تجوز.والرابع أن جارية المحجور إذا جاءت بولد فادّعاه ثبت نسبه ومن الصبي لا يثبت.ثم تصرفات المحجور بسبب السفه على <640> على نوعين مالا يصح من الهازل كالبيع والشراء وغير ذلك لا يصح من المحجور وما يصح من الهازل نحو النكاح والطلاق و العتاق يصح من المحجور ويسعى العبد في قيمته في ظاهر الرواية وعن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يسعى ويصح تدبيره فإذا مات سفيهاً يعتق المدبر ويسعى في قيمته مدبراً فإن كانت قيمته مدبراً عشرة يسعى في عشرة.ولو تزوج امرأة صح نكاحه.وإن زاد على مهر مثلها لا تلزمه الزيادة. ولو طلق امرأته يقع طلاقه.ولو حنث في يمينه وجبت الكفارة ويجزيه الكفارة بالصيام ولا يجزيه بالإطعام لأن التكفير بالإطعام لا يتم إلا بتسليم الطعام إلى الفقير وهو عاجز عن ذلك لأنه لا ولاية له في ماله ولا تجزيه الكفارة بالإعتاق لأنه إذا أعتق كان على العبد أن يسعى في قيمته فيصير إعتاقاً ببدل.وكذا لو ظاهر من امرأته صح ظهاره ويكفِّر بالصوم فإن أعتق عن ظهاره عتق العبد ويسعى في قيمته ولا يجزيه عن الظّهار.وكذا في كفارة القتل وعليه زكاة ماله فيلزمه أن يُخرج قدر الزكاة عن ماله ويلزمه حجة الإسلام إن استطاع لكن لا يدفع إليه ماله لأنه يسرف ويدفع إلى رجل ثقة ممن يحج فينفق عليه في الطريق وما يلزمه <641>في الحج مما لا تهمة فيه نحو كفارة الأذى و الإحصار لا يمنع منه وما وجب عليه بجناية أحدثها في إحرامه مثل الجماع وقتل الصيد فإنه يمنع عنه ماله.ولو أراد العمرة لا يمنع عنها.وكذا إذا أراد القِران وله أن يسوق بدنة.ولو أحرم بحجة تطوعاً أو بعمرة تطوعاً فإن القاضي يعطيه النفقة مقدار ما يكفيه. ولو أوصى بوصية إن كانت موافقة لوصايا أهل الخير والصلاح نحو الوصية بالحج أو للمساكين أو بشيء من أبواب البر الذي يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى فيجوز استحساناً وينفذ من ثلث ماله.وإن كانت مخالفة لوصايا أهل الخير والصلاح لا يجب تنفيذها.واختلف العلماء في وصية الصبي.روي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الغلام.و شريح رحمه الله تعالى أجاز وصية صبي لم يحتلم.فلما كان في صحة وصية الغلام خلاف فوصية المحجور تكون أبعد عن الخلاف ولو أن هذا المحجور طلب من القاضي أن يدفع إليه ماله يصل به قرابته من ذي الرحم المحرم فإن القاضي ينفذ برّه.و المرأة المحجورة بمنزلة الرجل المحجور فإن زوجت المحجورة نفسها من رجل كفء يجوز نكاحها فإن قصرت عن مهر مثلها قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يخيّر الرجل إن شاء كمّلها مهر مثلها وإن شاء فارقها وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز النكاح بما زُوِّجت ولا يخيّر الزوج .ولو أن المحجورة بعدما زوجت نفسها اختلعت من زوجها على مالٍ يقع الطلاق ولا يلزمها المال لأنها لا تملك التزام المال بدلاً عن ما ليس بمال ثم <642> قال في الكتاب ويكون الطلاق رجعياً لأنه طلاق لا يقابله البدل أصلاً فيكون رجعياً وهي كالصغيرة إذا اختلعت من زوجها على مال يكون رجعياً بخلاف الأمة إذا كانت تحت زوج فاختلعت على مال فإنّ الطلاق يكون بائناً لأنها من أهل الالتزام بالمال.فإن فعلت ذلك(3/403)
بإذن المولى يجب المال في الحال وإن كان بغير إذن المولى كان عليها المال بعد العتق.والطلاق ببدل يكون بائناً حتى لو كانت الأمة مفسدة محجورة فاختلعت نفسها على مال يكون الطلاق رجعياً لأنّه لا يجب عليها المال لا في الحال ولا بعد العتق.ولو أن صبياً سفيهاً محجوراً استقرض مالاً ليعطي صداق المرأة صح استقراضه فإن لم يعط المرأة وصرف المال في بعض حوائجه لا يؤاخذ به لا في الحال و لا بعد البلوغ والعبد المحجور إذا استقرض مالاً واستهلكه لا يؤاخذ به في الحال و يؤاخذ به بعد العتق لأن الصبي المحجور ليس من أهل الالتزام فلا يصح التزامه أما العبد من أهل الالتزام إلا أنّه لا يصح التزامه في حق المولى فيصح في حق نفسه والمحجور الحر البالغ بمنزلة الصبي والمجنون.ولو أودع إنسان عند محجور فأقر المحجور أنه استهلك لا يصدق فلو صار مصلحاً بعد ذلك يسأل عمّا أقر فإن قال ما أقررت به كان حقاً يؤاخذ به في الحال وإن قال ما أقررت به كان باطلاً لا يؤاخذ كالعبد المحجور إذا أقر باستهلاك مال إنسان فإنه لا يؤاخذ به في الحال فإن أذن له مولاه في التجارة بعد ذلك يسأل عما أقرّ به فإن قال ما أقررت به كان حقاً يؤاخذ به في الحال وإن قال كان باطلاً لا يؤاخذ به.ولو أن رجلا ًأقرض محجوراً أو أودعه<643> ثم صار مصلحاً فقال لصحاب المال كنت أقرضتني في حال فسادي فأنفقتها أو قال أودعتني في حال فسادي فأنفقتها و قال صاحب المال لا بل أقرضتك في الحال صلاحك كان القول قول صاحب المال ويضمن المحجور وإن قال صاحب المال بل أقرضتك في حال فسادك واستهلكته في حال صلاحك وقال المحجور أقرضتني في حال فسادي واستهلكته فيه كان القول قول المحجور.فإن أقام صاحب المال البينة أنه أقرضه في حال فساده ولكن استهلكه في صلاحه قُبِلت بينته.يتيم أدرك مفسداً غير مصلح وهو في حجر وصيه وحجر عليه القاضي أو لم يحجر فسأل وصيه أن يدفع إليه ماله فدفع إليه فضاع المال في يده ضمن الوصي لأن دفع الوصي المال إليه مع علمه أنه مضيع تضييع فيضمن.ولو أن صبياً مصلحاً غير مفسد لم يدرك فدفع الوصي إليه ماله وأذن له بالتجارة فضاع المال في يده لا يضمن الوصي.ولو أن قاضياً حجر على مفسد يستحق الحجر ثم رفع ذلك إلى قاض آخر فأطلقه ورفع عنه الحجر فأجاز ما صنع جاز إطلاق الثاني لأن قضاء الأول كان في فصل مختلف فيه وهذا اختلاف في نفس القضاء أو لأن حجر الأول لم يكن قضاء لعدم المقضي له و المقضي عليه فينفذ ما قضاه الثاني فهو بمنزلة ما لو قضى القاضي وهو محجور عليه فإذا أطلقه الثاني صح إطلاقه.وليس للقاضي الثالث بعد ذلك أن ينفذ قضاء الأول بالحجر. وذكر الخصاف رحمه الله تعالى أن القاضي إذا حجر على مفسد يستحق الحجر ثم رفع ذلك إلى قاض أخر فأطلقه الثاني وأجاز ما صنع المحجور صح إطلاق <644> الثاني وما صنع المحجور في ماله من بيع أو شراء قبل إطلاق الثاني وبعده كان جائزاً لأن حجر الأول مجتَهد فيه فيتوقف على إمضاء قاض آخر كما لو قضى القاضي وهو محدود في قذف لا يتم قضاؤه ما لم يتصل إليه إمضاء قاض آخر.فإن رفع شيء من تبرعات المحجور إلى القاضي الذي حجر عليه قبل إطلاق القاضي الثاني فنقضها وأبطلها ثم رفع إلى قاض آخر فإن الثاني ينفذ حجر الأول وقضاءه فلو أن الثاني لم ينفذ حجر الأول وأجاز ما صنع المحجور ثم رفع إلى قاض ثالث فإن الثالث ينفذ حجر الأول ويردّ ما قضى الثاني بالإطلاق لأن القاضي الأول حين رفع إليه حجره فأمضاه كان ذلك قضاء منه لوجود المقضى له و المقضى عليه فينفذ هذا القضاء و لا ينفذ إبطال الثاني حجر الأول.وعن أبي بكر البلخي رحمه الله تعالى أنه سئل عن محجور عليه وقف ضيعة له قال وقفه باطل إلا أن يأذن له قاض.وقال أبو القاسم رحمه الله تعالى لا يجوز وقفه وإن أذن له القاضي فهما أفتيا بصحة الحجر على الحر البالغ كما هو مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب هذا آخر فتاوى الشيخ الإمام الأجلّ إمام الأئمة في العالمين محيي السنة قامع البدعة أبي المحاسن الحسن بن القاضي الإمام الأجلّ بدر الدين منصور بن الشيخ الإمام الأجلّ شمس الدين أبي القسم بن عبد العزيز الأوزجندي المعروف بقاضي إمام فخر الدين خان تغمّده الله بالرحمة والرضوان وأسكنهم أعلى الجنان.(3/404)