<ج3/ 10> الوكالة والدين جملة يقضي بالوكالة ويعيد البينة على الدين وقال محمد رحمه الله تعالى إذا أقام البينة على الكل جملة يقضي بالكل ولا يحتاج إلى إعادة البينة على الدين وقول أبي يوسف رحمه الله تعالى مضطرب ظاهر قوله أنه يقبل البينة على الكل إلا أن القاضي يقضي بالوكالة أولا ثم يقضي بالمال ولا يحتاج إلى إعادة البينة على المال ويراعي القاضي الترتيب في القضاء لا في البينة وهذا استحسان* وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: آخذ في هذا بالقياس لظهور وجه القياس فإن البينة على المال لا تقبل إلا من خصم وهو كما ل اشترى شيئا فوجد به عيبا فأراد أن يره لا يقبل البينة على الشراء ما لم يثبت العيب في الحال ومحمد رحمه الله تعالى أخذ بالاستحسان لحاجة الناس والفتوى على قوله* وعلى هذا الخلاف الوصي إذا أقام البينة على الدين والوصاية جملة والوارث إذا أقام البينة على النسب وموت المورث والدين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يشترط إثبات الخصومة أولا ثم يقبل البينة على الحق* رجل اشترى شيئا فوجد به عيبا ووكل غيره بالرد وغاب فقال البائع إن الموكل لا يكون خصما له حتى يحضر المشتري* الوكيل بالطلاق بطلب المرأة لا يجبر على الطلاق في قول نصير بن يحيى وقال محمد بن سلمة رحمها الله تعالى يجبر* رجل وكل رجلا يقبض دينه من فلان فأراد الوكيل إثبات الوكالة بالبينة فشهد شاهدان أن الموكل وكله بقبض دينه من فلان قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يصير وكيلا بالخصومة والقبض* ولو شهد الشهود أن صاحب الدين أرسله في أخذ الدين فإنه لا يكون وكيلا بالخصومة في قولهم* وكذا لو شهدوا أن صاحب الدين أنابه بمناب نفسه في الدين أو جعله نائب عن نفسه في قبض الدين* ولو شهد والد الموكل قال له جعلتك جريا في قبض ديني من فلان أو قال سلطتك على قبض ديني من فلان أو قال جعلتك وصيي في حياتي في قبض ديني من فلان يصير وكيلا بالخصومة وقبض الدين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى* رجل وكل بإثبات السرقة إن كان
<ج3/11 > الموكل يريد القطع كان باطلا وإن كان يريد المال فهو مقبول ويصير وكيلا وهو كما لو طلب المسروق منه أن يحلف السارق يقول له القاضي تريد المال أو القطع إن قال أريد المال حلفه وإن قال أريد القطع لا يحلفه* ولو وكل رجلا بإثبات القصاص في النفس أو ما دون النفس أو بإثبات حسد القذف جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجوز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وقول محمد رحمه الله تعالى مضطرب* وإن وكل باستيفاء القصاص في النفس وما دونها واستيفاء حد القذف إن كان الموكل حاضرا عند استيفاء القصاص صح التوكيل وإن كان غائبا لا يصح* رجل وكل رجلا بطلب حقوقه وقبضها والخصومة فيها لا يكوهن لهذا الكيل أن يوكل لأن الناس يتفاوتون في الخصومة فيها والموكل رضي برأي الأول دون غيره فإن خاصم الوكيل الثاني والوكيل الأول حاضر جاز لأن الأول إذا كان حاضرا يصير كأن الأول خاصم بنفسه وهو كالوكيل بالبيع إذا وكل غيره لا يجوز فإن باع الوكيل الثاني
والأول حاضر جاز* رجل وكل رجلا بالخصومة وقال له ما صنعت من شيء فهو جائز فوكل الوكيل بذلك غيره جاز توكيله ويكون الوكيل الثاني وكيل الأول لا وكيل الثاني حتى لو مات الوكيل الأول أو عزل أو جن أو ارتد أو لحق بدار الحرب لا ينعزل الوكيل الثاني* ولو مات الموكل أو جن أو ارتد أو لحق بدار الحرب ينعزل الوكيلان* ولو عزل الوكيل الأول الوكيل الثاني جاز عزله لأن الموكل رضي بصنع الأول وعزل الأول الثاني من صنع الأول* رجل وكل رجلا بتقاضي دينه أو خصومة أو بيع وقال له ما صنعت من شيء فهو جائز كان للوكيل أن يوكل غيره* ولو كان الوكيل وكل غيره وقال له ما صنعت من شيء فهو جائز لم يكن للوكيل الثاني أن يوكل غيره* وروى أن له أن يوكل غيره* رجل وكل رجلا يقبض ديونه من فلان والخصومة فيها فأحضر الوكيل المديون فأقر المديون بالوكالة وأنكر الدين فأقام الوكيل البينة على الدين لا يقبل بينته لأن البينة على الدين لا تقبل إلا من خصم وبإقرار المديون لم تثبت الوكالة فلم يكن خصما ألا ترى أن المديون لو أقر بالوكالة فقال الوكيل أن أثبت الوكالة بالبينة مخافة أن يحضر الطالب وينكر(3/5)
<ج3/13 > الوكالة قبلت بينته وإن كانت البينة قائمة على المقر* وكذلك الوصي إذا أقر المديون بالوصاية وأنكر الدين فأثبت الوصي الوصاية بالبينة قبلت بينته* وكذا الرجل إذا ادعى دينا على ميت وأحضر وارثا فأقر الوارث بالدين فقال المدعي أنا أثبت الدين بالبينة وأقام البينة قبلت بينته* الوكيل بالتقاضي يكون وكيلا بالقبض في ظاهر الجواب* القاضي إذا وكل رجلا بقبض ديون الغائب لا يكون هذا والوكيل وكيلا بالخصومة في قولهم* رجل وكل رجلا بقبض عين له في يد رجل لا يكون هذا الوكيل وكيلا بالخصومة في قولهم حتى لو غاب الموكل وجحد الذي في يده ملك الغائب لا يكون للوكيل أن يثبت ذلك بالبينة* رجل عليه لرجل دعوى وخصومة فوكل المدعى عليه عند القاضي بطلب خصمه وكيلا في الخصومة والوكيل حاضر فقبل فلما خرجا من عند القاضي قال المدعى عليه للمدعي أخرجت الأول من الوكالة ووكلت فلان بن فلان الفلاني في الخصومة مع هذا الرجل وفلان ذلك غائب كان للطالب أن لا يقبل هذه الوكالة لأن الوكالة الأولى تعلق بها حق الطالب ووكالة الغائب موهومة عسى تقبل وعسى لا تقبل* رجل وكل رجلا في خصومة رجل ثم إن الموكل مع وكيله جاء إلى القاضي مع رجل آخر فقال الموكل للقاضي قد كنت وكلت هذا في خصومة فلان وإن هذا الوكيل يريد السفر أو أنا أتهمه بأن يقر على بشيء يلزمني فأخرجته عن الوكالة ووكلت هذا الآخر في الخصومة فإن القاضي لا يقبل ذلك بأمره حتى يحضر الخصم فيخرج الوكيل بحضرته وينصب القاضي من أعوانه حتى يطلب الخصم فإن لم يجدوه ولم يقدروا عله حينئذٍ يخرج الأول عن الوكالة ويوكل الثني ويستوثق منه* المدعى عله إذا وكل رجلا بالخصومة على أن للوكيل أن يوكل من أحب ثم إن المدعى عليه أشهد قوما بغير محضر من المدعي أنه حجر على الوكيل أن يوكل غيره جاز حجره عند محمد رحمه الله تعالى ولا يجوز عند أبي يوسف رحمه الله تعالى والفتوى على قول محمد رحمه الله تعالى لأنه لا حق للطالب في توكيل الوكيل وغيره* رجل قال لغيره وكلتك في خصومة فلان في كل حق لي قبله يكون توكيلا بالخصومة في كل حق <ج3/13 > واجب له يوم الخصومة* ولو قال وكلتك بالخصومة في كل حق لي قبل أهل هذه البلدة أو أهل قرية كذا يكون توكيلا بالخصومة في كل حق له قبل أهل تلك البلدة وأهل تلك القرية نوم التوكيل وما يحدث له بعد ذلك استحسانا* وكذا لو وكل رجلا يقبض غلاته يدخل فيه الواجب يوم التوكيل وما يحدث بعده استحسانا* رجل وكل رجلا بقبض كل حق له والخصومة فيه جائز أمره فإنه يدخل فه الديون والودائع والعواري وكل حق يملكه الموكل سوى النفقة* عبد في يد رجل يقول أنا عبد فلان ولدت في ملكه قد وكلني بخصومتك في نفسي ليس للذي في يده العبد أن يمنع العبد إذا كان للعبد بينة على الوكالة* ولو قال العبد باعني فلان منك ولم يقبض الثمن فوكلني بقبض الثمن منك كان للذي في يده أن يمنعنه عن الخصومة لأن هاهنا العبد مقر بملك ذي اليد فكان لذي اليد أن يمنع العبد من صرف المنافع إلى غيره وفي الوجه الأول العبد منكر ملك ذي اليد فلا يكون لذي اليد أن يمنعه من الخصومة* رجل وكل رجلا بقضاء ديونه وحبس الغرماء وكيلا مخاصما ومخاصما فحبس الوكيل غريما لموكله ثم أخرجه من الحبس وأخذ منه كفيلا بنفسه ثم مات الوكيل فأراد صاحب المال أن يأخذ الكفيل كان له أن يطلب من القاضي حتى يأمر الكفيل لإحضار نفس المكفول لأن الوكيل إنما أخذ منه الكفيل بوكالة صاحب المال فصار كأن صاحب المال هو الذي كفله* رجل وكل رجلا بقض كل حق له على الناس وعندهم ومعهم وف أيديهم وبقبض ما يحدث له وبالمقاسمة بين شركائه وبحبس من سرى حبسه وبالتخلية عنه إذا رأى ذلك وكتب في ذلك كتابا وكتب في آخره أنه مخاصم ومخاصم ثم إن قوما يدعون قبل الموكل مالا والموكل غائب فأقر الوكيل عند القاضي أنه وكيله وأنكر المال فأحضر الخصوم شهودهم على الموكل لا يكون لهم أن يحبسوا الوكيل لأن الحبس جزاء الظلم ولم يظهر ظلمه إذ ليس في هذه الشهادة أمر بأداء الممال ولا ضمان الوكيل عن موكله فإذا لم يجب على الوكيل أداء المال من مال الموكل لجزاء الظلم ولم يظهر ظلمه إذ ليس في هذه الشهادة أمر بأداء المال ولا ضمان الوكيل عن موكله فإذا لم يجب على الوكيل أداء المال من مال الموكل بأمر موكله ولا بالضمان عن الموكل لا يكون الوكيل ظالما بالامتناع عن أداء المال فلا يحبس* رجل وكل رجلا بخصومة(3/6)
<ج3/ 14> كل أخذ فأحضر الوكيل رجلا يدعي عله مالاً لموكله فأقر المدعى عله فقال الوكيل أنا أقيم البينة على الوكالة ليكون حجة لي على غيره فإن القاضي يقبل بينته فيجعله وكليلا مع المقر ومع غيره, الوكيل يقبض الدين إذا قال قبضت ودفعت إلى الموكل كان القول قوله لأنه أمين يدعي إيصال الأمانة إلى صاحبها فيقبل قوله* ولو وقعت المنازعة بين الوكيل بالاستقراض وبين موكله فقال الوكيل قبضت المال من المقرض ودعت إلى الموكل وأنكر الموكل لا يقبل قول الوكيل لأن الوكيل يريد بهذا إلزام المال على الموكل فلا يقبل قوله في إيجاب المال على الموكل* رجل اكترى حمالا إلى بلخ وحمل الحمولات على الحمال وأمر الحمال بتسليم الحملات إلى وكيله ببلخ وبقبض الكراء منه فجاء الحمال بالحمولات إلى وكيله ببلخ فقبل الوكيل الحمولات وأدى بعض الكراء وامتنع عن أداء الباقي قالوا إن كان لصاحب الحمولات دين على الوكيل وهو مقر بالدين ولأمر يجبر على دفع الباقي من الكراء وإن أنكر الأمر فللحمال أن يحلفه بالله ما تعلم أن صاحب الحمولات أمره بالقبض وإن لم يكن على الوكيل دين لا يجبر* رجل قال لآخر إن فلانا وكلني بقض ماله عليك من الدين فقال المديون صدقت وامتنع عن الدفع ليس له أن يمتنع* بخلاف ما إذا قال إن صاحب الوديعة وكلني بقبض ماله عندك من الوديعة وصدقه فإنه لا يجبر على الدفع والمسألة معروفة* رجل ادعى على رجل أن فلانا وكله بقبض دينه عليه فأنكر ودفع المال إليه على الإنكار ثم أراد أن يسترده ليس له ذلك, وفي المنتقى له أن يسترده* رجل وكل رجلا بقبض وديعة له على إنسان وجعل له أجرا مسمى على أن يقبضها ويأتي بها جاز* وإن وكله بتقاضي دينه وجعل له على ذلك أجرا مسمى لم يجز إلا أن يؤقت لذلك وقتا من الأيام ونحوها لأن قبض الوديعة الإتيان بها عمل معلوم لا يطول بخلاف الخصومة والتقاضي لأن ذلك يقصر ويطول فإن وقت لذلك وقتا جاز وإلا فلا* رجل قال لغيره ادفع هذا الثوب إلى فلان أو أعتق عبدي هذا أو دبر عبدي هذا أو كاتب عبدي هذا أو طلق امرأتي هذه فقبل الوكيل وغاب الموكل فجاء هؤلاء وطلبوا
<ج3/ 15> منه الطلاق والعتاق وما أشبه ذلك لا يجبر الوكيل على شيء منه إلا في دفع الثوب فإن الثوب يحتمل أن يكون ملك فلان فيؤمر بالدفع إليه* واختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في التوكيل بالطلاق بطلب المرأة وقد ذكرنا اختيار شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أنه لا حق للمرأة في طلب الطلاق والتوكيل به وهو والإعتاق والتدبير سواء* رجل له على رجل دراهم فقال لغيره خذ زكاة مالي من الدين الذي لي على فلان فأخذ المأمور به مكان الدراهم الدنانير لم يجز لأن الزكاة إنما تؤخذ من العين لا من الدين فكان المأمور بالقبض نائبا محضا في القبض فلا يملك المبادلة بغير أمر الآمر* ولو قال صاحب الدين وهبت منك الدراهم التي لي على فلان فقبضها منه فقبض نه مكانه دنانير جاز لأن صاحب الدين لو وهب الدين من الأجنبي وسلطه على قبض جاز فكان له حق التصرف والاستبدال* المديون إذا بعث بالدين على يد وكيله فجاء به الوكيل إلى الطالب وأخبره فرضي به الطالب وقال للوكيل اشتر لي به شيئاً فذهب واشترى الوكيل ببعضه شيئا وطر منه الباقي اختلف المشايخ رحمه الله تعالى فيه قال بعضهم يهلك من مال المديون وقال بعضهم يهلك من مال صاحب الدين قال مولانا رضي الله تعالى عنه وهو ظاهر إذا جاء به الوكيل وخلى بين المال وبين الطالب صار قابضا بالتخلية فإذا أمره أن يشتري له به شيئاً صح أمره وإن كان ذلك قبل التخلية فكذلك لأن الطالب لما أمره بأن يشتري له بما في يده فقد رضي بأن يكون يد الوكيل يد نفسه* رجل عيه دين لرجل ثم إن صاحب الدين دفع مالا إلى رجل ووكله بدفع المال إلى الطالب ثم إن الطالب وهب الدين من المديون ثم دفع الوكيل المال إلى الطالب قالوا إن كان الوكيل علم أن الطالب وهب الدين من المديون يضمن بالدفع وإن لم يعلم بذلك لا يضمن ومن جنس هذه المسألة مسائل يفرق بين العلم وعدم العلم* منها رجل دفع مالا إلى رجل ليقضي ما لفلان على الدافع ثم إن صاحب الدين ارتد عن الإسلام والعياذ بالله فقصاه الوكيل في ردته ثم مات الطالب على ردته على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن علم الوكيل بطريق الفقه أن الدفع(3/7)
<ج3/ 16> الطالب بعد ردته لا يجوز كان الوكيل ضامنا لم دفع وإن لم يعلم الوكيل ذلك من طريق الفقه لا يضمن* وعن محمد رحمه الله تعالى في النوادر رجل قال لمديونه ادفع مالي عليك إلى فلان قضاء عن حقه الذي علي ثم إن الآمر قضى دينه ولم يعلم به المأمور فدفع المأمور ما أمره لم يضمن علم المأمور بذلك أم لم يعلم وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى إن لم يعلم المأمور بقضاء الآمر جاز دفعه عن الآمر وإن علم لا يجوز* ومنها متفاوضان أذن كل واحد منهما صاحبه بأداء الزكاة عن صاحبه فأدى أحدهما عن نفسه وعن صاحبه ثم أدرى الثاني عن نفسه وعن صاحبه ضمن الثاني ما أدى عن صاحبه علم الثاني بأداء الأول عنه وعن صاحبه أو لم يعلم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا لم يعلم لم يضم* ومنها ما ذكره هاهنا إن المأمور بقضاء الدين إذا أدى الآمر بنفسه ثم قضى المأمور فإنه لا يضمن إذا لم يعلم بقضاء الموكل قالوا هذا قول أبي يوسف ومحمد رحمه الله تعالى أما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يضمن على كل حال كما في مسألة المتفاوضين* رجل وكل رجلا بشراء شيء بعينه سماه ودفع المال إله وأمره أن يوكل غيره بذلك ثم مات رب المال فاشترى الوكيل الثاني مشتريا لنفسه لا لرب المال ولا للوكيل الأول علم به أو لم يعلم ونظائر هذه المسائل كثيرة بعضها في الزكاة بعضها في الوكالة* رجل وكل رجلا بالخصومة بطلب خصمه ثم جن الموكل أو مات بطلت الوكالة* والراهن إذا سلط العدل على البيع ثم جن الراهن ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أنه لا ينعزل العدل* الموكل إذا جن ذكر في بعض الروايات أنه إذا جن ساعة في القياس يبطل الوكالة ولا يبطل استحسانا* وفي بعض الروايات ذكر القياس والاستحسان في الجنون المتطاول في القياس لا يبطل الوكالة وفي الاستحسان تبطل وهو الصحيح واختلفوا في حد المتطاول كان محمد رحمه الله تعالى أولا قدر المتطاول بشهر ثم رجع وقدره بسنة وأبو يوسف رحمه الله تعالى أولا قدره بأكثر من يوم وليلة ثم رجع وقدره بأكثر السنة* رجل وكل رجلا بالخصومة في دين وفي قبضه فأقام الغريم بينة أن الموكل قد
<ج3/ 17> أبرأه عن الدين أو أنه أوفاه دينه قبلت بينه على الوكيل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعلى ولا تقبل في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى ولا تقبل في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى ولا يصح صلح الوكيل بالخصومة ولا هبته ولا بيعه*
مريض قرب موته فدفع إلى رجل دراهم وقال له اذهب بهذه الدراهم وادفعها إلى أخي وابني ثم مات المريض فأراد الوكيل أن بدفع الدراهم إليهما وقد ظهر على الميت دين وأراد الورثة أخذ المال منه ذكر في فتاوى سمرقند أن الدافع إن كان قال له ادفعها إلى أخي وابني ولم يذكر غير ذلك لا يحل للوكيل أن يدفع المال إلى الورثة لأن الوكالة بطلت بالموت وبقي المال أمانة في يده وهو كالمودع والمودع إذا دفع المال إلى الورثة بغير أمر القاضي والتركة مستغرقة بالدين كان ضامنا* قال مولانا رضي الله تعالى عنه وهذا الجواب صحيح إذا كان الوارث ممن يخاف عليه استهلاك المال* أما إذا لم يكن كذلك يكون له أخذ الودائع وقضاء دين الميت من ذلك* رجل دفع إلى رجل عشرة دراهم وأمره أن يصَّدق بها فأنفقها الوكيل ثم بصدق عن الآمر بعشرة من ماله لا يجوز فكان ضامنا للعشرة* ولو كانت الدراهم قائمة فأمسكها الوكيل وتصدق من عنده بعشرة جاز استحسانا ويكون العشرة له ولو دفع الرجل دينار إلى رجل وأمره أن يبيعه فباع المأمور دينارا من عند نفسه وأمسك دينار الآمر لنفسه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز* ولو دفع إلى رجل دينار ليشتري له به ثوبا فاشترى بدينار من عند نفسه جاز شراؤه للآمر ويكون الدينار له وكذا لو دفع إلى رجل دينار ليقضي غريما له فقضاه من مال نفسه وأمسك الدينار لنفسه جاز* رجل دفع مالا إلى رجل وأمره أن يتصدق بذلك المال فتصدق الوكيل على ابن كبير له جاز في قولهم وليس هذا كالوكيل بالبيع إذا باع ممن لا يقبل شهادته له لأن ثمة الوكيل متهم في البيع من ولده ولا تهمة في الصدقة بدليل أنه لو دفع ماله إلى رجل وقال ضع مالي حيث شئت كان له أن يضعه في نفسه* رجل أمر وكيله بأن يتصدق على فلان بكذا قفيزا من الحنطة التي في يد الوكيل وأمر فلان ذلك الوكيل ببيع الحنطة فباعها يتوقف البيع على إجازة الموكل ولا(3/8)
<ج3/18 > يصح توكيل فلان إياه بالبيع بخلاف ما إذا وهب ماله من رجل وسلطه على القبض لأن الصدقة تمليك من الله تعالى والفقير نائب عنه في القبض فلا يملكها المتصدق عليه قبل القبض فلا يصح توكيله وفي مسألة الهبة لما وهب منه الدين وسلطه على القبض ثبت له ولاية التصرف فيملك الاستبدال* قال رجلان بينهما مال أراد أدهما أن يسافر فقال الذي يريد السفر لشريكه إن أردت القسمة فوكل وكيلا يقاسمك المتاع فغاب فأراد الحاضر أن يوكل وكيلا يقاسمه ذكر في النوادر عن شداد رحمه الله تعالى أنه لا يجوز وذكر في المنتقى عن محمد رحمه الله تعالى روايتين في مسألة*
وقال رجل وكل رجلا ببيع عبده وأجاز له أن يوكل غيره بذلك فوكل بذلك رجلا ثم إن الوكيل الأول اشترى ذلك العبد من الوكيل الثاني جاز شراؤه لأن الوكيل الثاني صار وكيلا لمولى العبد فعلى قياس هذه الرواية إذا وكل الشرك الحاضر وكيلا بالقسمة كان هذا الوكيل وكيلا للشريك الغائب فوجب أن يجوز وذكر هذه المسألة في موضع آخر فقال لو أن رجلا قال لآخر وكل فلانا أن يشتري لم منك ما بدا لك كان جائزا* ولو قال وكل من شئت أن يشتري لي منك ما بدا لك لم يجز لأنه لما سمى فلانا فقد جعل الوكيل رسولا في توكيل فلان فكان الوكيل وكيلا للآمر فعلى قياس تلك الرواية إذا قال له الشريك الغائب وكل فلانا يقاسمك المتاع جاز* ولو قال له وكل من شئت أن يقاسمك لا يجوز كما قال شداد رحمه الله تعالى* امرأة مستورة في دار زوجها بها علة لا يمكنها الخروج من دار زوجها ادعى عليا رجل دعوى من غير شاهدين ليس لذا المدعى أن يخاصم زوجها وليس للزوج أن يمنعه من الخصومة مع وكيل المرأة أو معها* رجل أراد أن يوكل رجلا في ماله فقال الوكيل أنا لو دخلت فيه لا أسلم من أن أتناول من مالك إما شيئا مأكولا وإما شيء غير مأكول فقال الموكل أنت في حل من تناولك من مالي من درهم إلى مائة فدخل فيها قال أبو القاسم رحمه الله تعالى له أن يتناول من المأكولات والمشروبات والدراهم مما لا بد منه فإما أن يأخذ من ماله مائة درهم أو خمسين درهما جملة ليس له ذلك* رجل قال لوكيله رد عليَّ الوكالة فقال رددتها قال
<ج3 19> الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى يخرج من الوكالة* رجل وكل رجلا يتقاضى دينه قالوا بأن الوكيل بالتقاضي يملك القبض* قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى الاعتماد في ذلك على العرف إن كان التوكيل في بلدة كان عرف التجار فيها أن المتقاضي يقبض الدين كان التوكيل بالتقاضي توكيل بالقبض وإلا فلا* قال مولانا رضي الله عنه ينبغي أن ينظر إلى المتقاضي إن كان المتقاضي أمينا يؤتمن عليه في ذلك المال كان التوكيل بالتقاضي توكيلا بالقبض* وكذا لو بعث متقاضيا ن بلد إلى بلد كان له أن يقبض* وإن كان الوكيل بالتقاضي من أعوان السلطان أو من تلميذه الذي لا يؤتمن عليه لا يكون وكيلا بالقبض* وينظر إلى المال أيضا إن كان المال خطيرا لا يؤتمن في مثله على الوكيل بالتقاضي لا يكون للوكيل أن يقبض*
(فصل في التوكيل بالبيع والشراء)*
رجل ولك رجلا بشراء شيء بغير عينه ودفع إيه الثمن فاشتراه الوكيل فهو على وجوه إن كان وكيلا بالشراء بمائة درهم فاشترى بمائة درهم ولم يضف إلى دراهم الآمر ولا إلى غيرها كان البيان إليه إن قال نوت بالدراهم الدراهم التي دفعها الآمر إليّ صدق الوكيل ويلزم الشراء للآمر* وإن قال نويت غيرها لزم الوكيل إذا قال الوكيل نويت الشراء لنفسي* وإن قال نويت الشراء للآمر كان الشراء للآمر وإن كان الوكيل أضاف الشراء إلى دراهم الآمر يكون الشراء للآمر نقد منها الوكيل أو من غيرها ولا يصدق الوكيل أنه اشترى لنفسه إلا إذا صدقه الموكل وإن كان الوكيل أضاف الشراء إلى دراهم نفسه كالشراء له ولا يصدق أنه اشتراه للموكل نقد تلك الدراهم أو غيرها إلا إذا صدقه الموكل* وهذا كله إذا تنازعا فقال الموكل اكتريت لي أو على العكس أو علا الوكيل اشتريت لنفسي أو على العكس وإن تصادقا على أنه لم يحضر النية قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يحكم النقد إن نقد الثمن عن مال الآمر كان الشراء للآمر سواء أضاف العقد إلى مال نفسه أو إلى مال الآمر* وقال محمد رحمه الله تعالى الشراء يكون للوكيل* رجل وكل رجل بشراء شيء بعينه فاشتراه الوكيل لنفسه لا يصح*(3/9)
<ج3 20> ولو وكل الوكيل رجلا غيره بشراء ذلك الشيء له فاشتراه فهو للوكيل الأول وهذا بخلاف الوكيل بنكاح امرأة بعينها إذا تزوجها لنفسه يصح* رجل قال رجلين وكلت أحكما ببيع هذا العبد فأيهما باع العبد جاز* وكذا لو قال لرجل بع هذا العبد أو هذا العبد فباع أحد العبدين جاز بيعه* الوكيل بالبيع إذا وكل غيره بقبض الثم من المشتري صح توكيله* الوكيل بالبيع إذا باع ثم اشتراه من المشتري بيعا جديدا ثم استحق المبيع ذكر في الشفعة أن الوكيل يرجع على المشتري ثم المشتري على الوكيل ثم الوكيل على الموكل* وذكر في الجامع رجل اشترى من رجل جارية وقبضها ثم باعها من غيره وقبضها الثاني ثم إن المشتري الأول اشتراها من الثاني وقبضها ثم وجد بها عيبا كان عند البائع الأول فإن المشتري الأول لا يرد على الباع الأول ولا على المشتري الثاني* وذكر في المنتقى رجل اشترى لنفسه عبدا من ولده الصغير ثم وجد به عيبا فأراد أن يرده على ولده الصغير ليس له بذلك ولكن القاضي ينصب خصما عن الصغير حتى يرد الأب على الخصم* ثم الأب يرده للصغير على البائع الصغير* الوكيل بالبيع إذا لم يقل له الموكل ما صنعت من شيء فهو جائز لا يملك التوكيل فإن وكل غيره فباع الوكيل الثاني بحضرة الأول جاز* حقوق بالعقد ترجع إلى الوكيل الأول عند البعض وذكر في الأصل أن الحقوق ترجع إلى الوكيل الثاني وهو الصحيح* رجل أمر رجلا أن يوكل إنسانا بشراء شيء ففعل المأمور ذلك فاشترى الوكيل فإن الوكيل لا يرجع على الآمر بالتوكيل لكن الوكيل يرجع على المأمور ثم المأمور يرجع على الآمر* الوكيل بالبيع إذا باع وامتنع عن استيفاء الثمن والتقاضي لا يجبر على ذلك ولكن يقال له وكل الموكل باستيفاء الثمن فإن كان الوكيل بالبيع وكيلا بأجر كالبياع والسمسار ونحوهما يجبر على الاستيفاء وكذا المضارب إذا باع مال المضاربة وفي المال ربح يجبر على التقاضي واستيفاء الثمن وإن لم يكن في المال ربح يقال له وكل رب المال باستيفاء الثمن* الوكيل بالبيع إذا أخذ بالثمن رهنا أو كفيلا جاز حتى لو هلك الرهن في يده يصير(3/10)
<ج3 21> مستوفيا ولا يصير ضامنا وله أن يحتال بالثمن أيضا عند الكل إن كان الموكل قال له ما صنعت من شيء فهو جائز* وإن لم يكن الموكل قال له ذلك جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمه الله تعالى ويضمن للآمر وكذا لو أبرأ المشتري عن الثمن أو وهب له صح ويكون ضامنا وكذا إذا حط بعض الثمن بعد العقد بعيب أو غير عيب ولم يذكر التأجيل في الأصل قيل بأنه يجوز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أيضا كما لو باع بثمن مؤجل وقيل بأنه لا يجوز لأن من أصل أبي يوسف رحمه الله تعالى أن كل تصرف يصير به الوكيل ضامنا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعال لا ينفذ في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى* وأجمعوا على أنه لو قبض الثمن ثم وهبه منه لا يصح أما إذا أبرأه قبل القبض أو حطه أو وهبه لا يصح في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى* وأجمعوا على أن الموكل لو وهب الثمن من المشتري أو أبرأه صح هبته وإبراؤه لأن ملك الثمن له حتى لو قبض الموكل الثمن من المشتري صح قبضه استحسانا ولو صالح الوكيل من الثمن على متاع أو أخذ مكان الدراهم الدنانير جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى* ولو أقال الوكيل البيع صحت إقالته عندهما ويكون ضامنا للثمن وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى بالإقالة يصير الوكيل مشتريا لنفسه* والوكيل بالتسليم يملك الإقالة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعال ولا يملك في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى* والوكيل بالشراء لا يملك الإقالة* أما الوكيل بالإجازة إذا ناقض الإجارة مع المستأجر قبل استيفاء المنفعة جازت مناقضته سواء كان الأجر دينا أو عينا إلا أن يكون الوكيل قبض الأجر فحينئذ لا يجوز منا قضته لأن المقبوض صار ملكا للموكل ويثبت عليه يد الموكل فأما قبل القبض إن كان الأجر عينا لا يصير ملكا للموكل بنفس العقد وعند اشتراط التعجيل لا يثبت عليه يد الموكل وبعد استيفاء المنفعة لا يبقى المعقود عليه فلا يتصور المناقضة والوكيل بالإجارة إذا أبرأ المستأجر عن الأجر أو وهبه منه إن أبرأه عن البعض أو وهب له والأجر دين جاز إجماعا وإن أبرأه عن الكل أو <ج3 22> وهب الكل إن كان الأجر دينا لا يصح في قول أبي يوسف الآخر وفي قوله الأول وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يصح اعتبارا لفعل الوكيل بفعل الموكل ولا يبطل الإجارة وإن كان الأجر عينا لا يصح حتى يقبل المستأجر وإذا قبل بطلت الإجارة لأن الأجر بمنزلة المبيع والمشتري إذا وهب المبيع من البائع قبل القبض لا يصح ما لم يقبل الباع وإذا قبل بطل البيع* الوكيل بالبيع إذا كان عليه للمشتري دين على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يصير الثمن قصاصا بما على الوكيل ويضمن الوكيل لموكله وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يصير قصاصا* ولو أن هذا الوكيل لم يسلم ما باع حتى هلك المبيع في يده بطلت المقاصة ولا ضمان على الوكيل لموكله لأن المبيع لما هلك قبل التسليم انفسخ البيع من الأصل وصار كأن لم يكن* ولو كان للمشتري دين على الموكل بالبيع قالوا بأن الثمن لا يصير قصاصا على الموكل عند الكل لأن الموكل يملك إسقاط الثمن بالهبة والإبراء عند الكل إنما الخلاف في إسقاط الوكيل* ولو أقال المشتري مع الموكل صحت الإقالة استحسانا* وكذا البائع إذا أقال مع الموكل بالشراء وذكر الخصاف رحمه الله تعالى رجل له على رجل دين يماطله فيه ولا يقضي دينه فله فيذلك حيلتان إحداهما أن يوكل صاحب الدين عن غيره في شراء عين من مديونه فإذا اشترى الوكيل يصير الثمن قصاصا بما كان للوكيل على مديونه وهو البائع ثم الوكيل يأخذ الثمن من موكله كما لو نقد الثمن من مال نفسه* والثانية أن يوكل صاح بالدين رجلا ليشتري له شيئا من مديونه فإذا اشترى يصير الثمن قصاصا بما كان للموكل على البائع* الموكل بالشراء إذا أبرأ البائع عن العيب صح إبراؤه والوكيل بالشراء يملك إبراء البائع عن العيب عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى* واختلفوا في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى* الوكيل بالشراء إذا لم يكن أخذ الثمن من المشتري يطالب بتسليم الثمن من مال نفسه* والوكيل بالبيع لا يطالب بأداء الثمن من مال نفسه* الوكيل بالبيع إذا باع ممن لا يقبل شهادته له بأقل من قيمته لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وبأكثر من قيمته جاز وإن(3/11)
<ج3 23> باع بمثل القيمة فيه روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى والظاهر أنه لا يجوز* وقال صاحباه رحمه الله تعالى يجوز بمثل القيمة وبأكثر* والمضارب إذا باع أو اشترى ممن لا يقبل شهادته له بالقرابة أو بالزوجية بغبن يسير لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما لا يجوز بيع الوكيل من هؤلاء عنده وإن اشترى بأقل من قيمته جاز أيضا* أما إذا باع بمثل القيمة جاز أيضا بخلا في الوكيل* الوكيل بالبيع المطلق إذا باع بأي ثمن كان أو بأجل اختلفت الروايات فيه في الأجل والصحيح أن عل قوله يجوز على كل حال طال الأجل أو قصر وقال بأي ثمن كان أو بأجل اختلفت الروايات فيه في الأجل والصحيح أن على قوله يجوز على كل حال طال الأجل أو قصر وقال صاحباه رحمهما الله تعالى إن باع بأجل متعارف في تلك السلعة يجوز* وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى إن كان البيع للتجارة فباع إلى أجل تباع تلك السلعة بذلك الثمن إلى ذلك الأجل جاز وإن كان التوكيل بالبيع للحاجة إلى النفقة أو قضاء الدين ليس له أن يبيع بالنسيئة وعله الفتوى* وإذا دفعت المرأة إلى رجل غزلا ليبيعه قالوا هو على النقد وللوكيل بالإجارة أن يؤاجر بالنقد والنسيئة والمكيل والموزون إذا كان معلوما موصوفا وبالمعين من الحيوانات والموصوف من الثياب وهذا على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر وكذا على قول صاحبيه رحمهما الله تعالى لأن الوكيل لأن التوكيل بالبيع إنما تقيد بالأثمان لمكان العرف ولا عرف في الإجارة فإن الأرض قد تدفع مزارعة وهو إجارة بشيء من الخارج إلى أجل* رجل وكل رجلا بأن يبيع له دنانير بدراهم فباع بما لا يتغابن فيه الناس قالوا لا يجوز إجماعا* رجل وكل رجلا ببيع مال ولده الصغير ثم مات الصغير وورثه الأب فقبض وهلك الثمن عند القابض قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى الضمان على الوكيل بالبيع لا على القابض فعنده القابض بمنزلة مودع المودع* الوكيل بالبيع إذا باع من رجلين كل واحد منهما كفيل عن صاحبه بالثمن ثم إن الوكيل أبرأ أحدهما ضمن الوكيل كل المكال للآمر ثم يرجع الوكيل على الآمر بخمسمائة* رجل وكل <ج3 24> رجلا بأن يشتري له ثوبا سماه فاشترى الوكيل وغاب وأمر رجلا أجنبيا يقبض الثوب من البائع فقبض الأجنبي وهلك الثوب عنده قال محمد رحمه الله تعالى ضمن الوكيل لأنه أودعه عند القابض* رجل أمر رجلا ببيع عبد له بألف درهم فباع نصفه بألف درهم ثم باع النصف الآخر بمائة دينار جاز بيع النصف الأول ولا يجوز بيع النصف الثاني* ولو باع كله بألف درهم ومائة دينار جاز البيع في الكل* رجل دفع إلى رجل مائة درهم وأمره أن يشتري له بها ثوبا وسمى جنس الثوب وصفته فأنفق المدفوع إله المائة واشترى له ثوبا بمائة من عنده روى هشام عن محمد وأبي يوسف رحمهم الله تعالى أنه يجوز* وإن ضاع الثوب في يده يهلك من مال الآمر كذا ذكر في المنتقى وهو خلاف ظاهر الرواية* رجل أمر رجلا أن يشتري له جارية بألف درهم أو أمره أن يشتري له جارية بمائة دينار فاشتراها بدراهم قيمتها مائة دينار ذكر في المنتقى أنه يجوز قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى* الوكيل بالبيع إذا باع وكفل بالثمن عن المشتري جازت كفالته* وكذلك الوكيل بقبض الثمن من المشتري إذا أبرأ المشتري عن الثمن لا يصح إبراؤه* الوكيل بالبيع إذا باع فنهاه الآمر عن تسليم المبيع حتى يقبض الثمن لا يصح نهيه فإن سلم الوكيل قبل قبض الثمن ونوى الثمن على المشتري لا ضمان على الوكيل في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى* ولو وكله بالبيع ثم نهاه عن البيع حتى يقبض الثمن فباعه قبل قبض الثمن وسلم المبيع كان البيع باطلا حتى يسترد من المشتري ثم يبيع وكذا لو أمره بالبيع يقد فباعه بنسيئة لا يجوز* ولو وكل ببيع العبد ولم يدفع إليه العبد لم يكن للوكيل أ، يأخذ من بيت الآمر قبل نقد الثمن ويسلمه إلى المشتري* ولو وكل ببيع العبد ولم يدفع إله العبد فباعه الوكيل إلى أجل شهر جاز ويؤمر صاحب العبد بتسليم العبد* ولو وكل ببيع العبد ودفع إليه العبد فباعه الوكيل ولم يسلم حتى أخذه الموكل من بيته ونهى الوكيل عن التسليم قبل(3/12)
<ج3 25> نقد الثمن صح نهيه ولا يكون للوكيل أن يأخذ العبد من بيت الآمر ويدفعه إلى المشتري قبل نقد الثمن* وكذلك رجل في يده عبد وديعة أمره صاحب الوديعة ببيع العبد فباع ولم يلم حتى أخذه الآمر من بيت المأمور كان له أن يمنع العبد حتى يقبض الثمن* رجل وكل رجلا ببيع عبد له ولم يدفع العبد إليه فباعه الوكيل وأخذ العبد من بيت الآمر ليسلمه إلى المشتري فهلك العبد في يد الوكيل ينقض البيع ولا ضمان على الوكيل وإن لم يمت العبد وسلم إلى المشتري قبل قبض الثمن للآمر أن يأخذه من المشتري حتى يقبض الثمن فإن لم يأخذه حتى مات العبد عند المشتري فال ضمان للآمر على أحد لا على الوكيل ولا عل المشتري يريد به ضمان القيم لكم الوكيل يأخذ الثمن من المشتري ويدفع إلى الأمر* الوكيل بالبيع إذا باع فنهاه الآمر عن قبض الثمن إلا بحضرة الشهود أو إلا بمحضر فلان أو نهاه عن قبض الثمن بغير شهود وبغير محضر فلان وكذا لو مات الموكل أو جن بعد البيع بقي للوكيل حق قبض الثمن* ولو ولكله بالبيع ونهاه عن البيع إلا بشهود أو إلا بمحضر فلان لا يملك البيع بغير حضرة الشهود أو بغير محضر فلان* ولو قال وكلتك ببيع هذا العبد بشرط أن لا تقبض الثمن لكان النهي باطلا وله أن يقبض الثمن* ولو قال لغيره بع عبدي هذا وأشهد فباع ولم يشهد كان جائزا* لو قال لا تبع إلا بشهود فباع بغير شهود لم يجز وكذا لو قال وكلتك ببيع هذا العبد على أن تشهد فباع ولم يشهد لا يجوز* وكذا لو قال بع بشهود* ولو وكله بأن يبيع برهن فباع بغير رهن لا يجوز إلا أن يبيع برهن يساويه* ولو قال بعه برهن فباع برهن قليل القيمة جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقي قول صاحبيه رحمهما الله تعالى لا يجوز إلا بنقصان يتغابن فيه الناس* ولو قال بعه من فلان بكفيل ثقة فباع بغير كفيل لم يجز* وكذلك لو قال بعه وخذ كفيلا أو قال بعه وخذ رهنا لا يجوز إلا كذلك* ولو قال الوكيل لم يأمرني بذلك كان القول قول الآمر لأن الأمر يستفاد من قبله ولو وكله أن يبيعه من رجل سماه فباعه منه ومن آخر جاز في النصف الذي(3/13)
<ج3 26> باعه من ذلك الرجل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى* ولا يجوز في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى* القاضي إذا أمر أمينه ببيع العبد المديون المأذون بطلب الغرماء وإن قال القاضي جعلتك أمينا في بيع هذا العبد فباعه لم يكن العهدة على الأمين حتى لو وجد المشتري به عيبا لا يرده عليه لكن المشتري يطلب من القاضي أن ينصب أمينا ليرده عليه إما الأول وإما غيره وإن قال القاضي لأمينه بع هذا العبد ولم يزد عليه اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه والصحيح أنه لا يلحق العهدة على الأمين ولو باع القاضي أو أمينه العبد بإذن الغرماء وأخذ الثمن فضاع عنده ثم استحق العبد رجع المشتري على الغرماء* ووصي الميت إذا باع العبد لغرماء الميت بأمر القاضي ثم استحق العبد أو هلك قبل التسليم أو ضاع الثمن عند الوصي رجع المشتري بالثمن على الوصي ثم الوصي على الغرماء* ولو باع أمين القاضي لأجل الوارث الصغير وقبض الثمن فضاع عنده أو هلك العبد قبل التسليم أو استحق لا يرجع المشتري على الأمين وإنما يرجع على الوارث إن كان الوارث أهلا وإن لم يكن أهلا نصب القاضي عنه خصما فيقضي دين المشتري* ولو باع الأب مال ولده الصغير فبلغ كانت العهدة على الأب فيما باع* رجل وكل رجلا ببيع عبده وقال ما صنعت من شيء فهو جائز فمرض الوكيل وأوصى إلى رجل بذلك جاز وكذا المرأة إذا وكلت رجلا ليتزوجها فمرض الوكيل وأوصى إلى رجل بذلك كان للثاني أن يزوجها* الوكيل بالشراء إذا قال له الموكل ما صنعت من شيء فه جائز فاشترى هذا الوكيل شيئا كان له أن يبيع ما اشترى وهو بمنزلة المضارب* رجل وكل رجلا غائبا في شيء فبلغ الغائب ذلك فرد الوكالة ولم يعلم به الموكل ثم قبل الوكيل الوكالة قالوا يصح قبوله* رجل وكل رجلا بأن يشتري له جارية بألف درهم فاشترى ثم إن البائع وهب كل الألف للوكيل صحت الهبة وكان للوكيل أن يرجع بالألف على الموكل كما لو ادعى الوكيل الثمن من مال نفسه كان له أن يرجع* ولو وهب البائع للوكيل خمسمائة لا يرجع الوكيل على الموكل بشيء لأنه حط وفي الحط لا يرجع* ولو وهب البائع <ج3 27> منه خمسمائة ثم وهب منه الخمسمائة الباقية لا يرجع الوكيل علا الموكل بالخمسمائة الأولى ويرجع بالخمسمائة الثانية لأنه هبة* ولو وهب منه تسعمائة ثم وهب منه المائة الباقية فإنه لا يرجع على الموكل إلا بمائة وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى* الوكيل بشراء جارية بألف درهم إذا اشترى ونقد الثمن من مال نفسه وقض الجارية ثم نقد له الموكل خمسمائة وطلب منه الجارية فمنها فهلكت وإن كان الوكيل طلب منه الجارية قبل أن ينقد شيئا فمنع الوكيل ثم نقد الموكل خمسمائة وهلكت الجارية كان على الوكيل أن يرد الخمسمائة المقبوضة على الموكل وبطل الباقي* رجل وكل رجلا ببيع عبده هذا بألف درهم وقيمته ألف فازدادت قيمته بحكم السعر إلى ألفي درهم قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا يكون للوكيل أن يبيعه بألف* رجل وكل رجلا بشراء جارية بألف وقال له ما صنعت من أمر في شيء فهو جائز فوكل الوكيل رجلا آخر بهذا الشراء ثم عزل الموكل الوكيل الأول فاشترى الوكيل الثاني الجارية قال محمد رحمه الله تعالى يجوز شراؤه على الموكل الأول علم الوكيل الثاني بذلك أو لم يعلم كان الموكل دفع الدراهم إلى الوكيل الأول أ, لم يدفع* وكذا لو مات الوكيل الأول واشتراه الوكيل الثاني من الوكالة صح إخراجه كان الوكيل الأول حيا أو ميتا* ولو أن الوكيل الأول بعد ما أخرج الموكل الوكيل الثاني عن الوكالة اشترى جارية جاز شراؤه للموكل فإن اشترى الثاني بعد ذلك لزمه دون الموكل الأول علم بشراء الأول أو لم يعلم دفع إله الدراهم أو لا كمن قال لاثنين ليشتر لي أحدكما جارية بألف درهم فاشترى أحدهما ثم اشترى الثاني لزم ما اشترى الثاني لنفسه ولو اشترى كل واحد منهما جارية للآمر على حدة ووقع شراؤهما في وقت واحد كانت الجاريتان للموكل* خمسة وكلوا رجال ليشتري لهم حمارا فاشترى لهم ثم قبض من كل واحد منهم حصة من الثمن فضاعت حصة أحدهم قبل أن يدفع إلى الباع قال نصير رحمه الله تعالى(3/14)
<ج3 28> يضمن الوكيل ولا يرجع على أحد قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إنما قال ذلك لأنه لما قبض منهم الثمن بعد الشراء صار مستوفيا ما وجب له عليهم بعقد الشراء فيكون المستوفي مضمونا عليه* رجل وكل رجلا ليشتري له من فلان عبده فداء الوكيل إلى صاحب العبد وأخبره بذلك فقال صاحب العبد بعت هذا العبد من فلان بن فلان يعني الأمر بكذا فقال الوكيل قبلت قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يكون الوكيل مشتريا لنفسه لأن الموكل أمره بعقد كانت العهدة فيه على الوكيل فإذا قال صاحب العبد بعت هذا العبد من فلان بن فلا فقد باشر عقدا كانت العهدة فيه على الموكل فلما قال الوكيل قبلت صار المشتري هو الوكيل فيصير الوكيل مخالفا للموكل قال مولانا رضي الله تعالى عنه فيما قال أبو القاسم رحمه الله تعالى نظري ينبغي أن لا يصير مشتريا لنفسه بل يلزم الآمر أو يتوقف على إجازته لأن الوكيل لما صار مخالفا صار صاحب العبد قال ابتداء بعت عبدي من فلان بن فلان بكذا فإذا قال الوكيل قبلت يتوقف على الموكل ولا يصير الوكيل مشتريا لنفسه* رجل قال لآخر اشتر لي جارية بألف درهم أو قال اشتر جارية بألف درهم من مالي أو قال اشتر جارية بهذه الألف وأضاف إلى مال نفسه يكون توكيلا حتى لو اشترى المأمور يكون مشتريا للآمر* ولو قال اشتر لي جارية بألف درهم أو قال اشتر هذه الجارية بألف لا يكون توكيلا ويكون المأمور مشتريا لنفسه* رجل دفع إلى رجل ألف درهم وأمره أن يشتري له بها عبدا فوضع الوكيل الدراهم في منزله وخرج إلى السوق واشترى له عبدا بألف درهم وجاء العبد إلى منزله وأراد أن يأخذ الدراهم ليدفعها إلى البائع فإذا الدراهم قد سرقت وهلك العبد في منزله فجاء البائع يطلب منه الثمن وجاء الموكل يطلب منه العبد كيف يفعل قالوا يأخذ الوكيل من الموكل ألف درهم ويدفعها إلى البائع والعبد والدراهم هلكا في يده على الأمانة* قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا إذا علم بشهادة الشهود أنه اشترى العبد وهلك في يده أما إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله فإنه يصدق في نفي الضمان عن نفسه ولا يصدق في إيجاب الضمان على الآمر* رجل وكل رجلا أن يبيع له هذا الثوب بعشرة دراهم
<ج3 29> فوكل الوكيل الأول بذلك غيره فباعه الثاني بحضرة الأول روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوز هذا البيع كان الوكيل الأول حاضرا أو غائبا ولا يتوقف على الإجازة وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يجوز إلا أن يكون الأول حاضرا وقال زفر رحمه الله تعالى لا يجوز كان الوكيل الأول حاضرا أو غابا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يجوز كان الأول حاضرا أو غائبا لأن الموكل رضي بزوال ملكه بالثمن المقدر* رجل وكل رجلا ببيع عبد بعينه ووكل وكيلا آخر ببيع هذا العبد فباعه أحدهما ثم باعه الوكيل الثاني من المشتري بأكثر من ذلك الثمن قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى بيع الثاني لأن الثاني لم يخرج عن الوكالة ببيع الأول ألا ترى أن الموكل لو باعه بنفسه ثم رد عليه بعيب بقضاء قاض كان للوكيل أن يبيعه فكذا هذا وبيع الثني لا يكون فسخا لبيع الأول قصدا حتى لا يجوز الفسخ* التوكيل بالبيع نسيئة ينصرف إلى التوكيل بالبيع إلى شهر وما فوقه لأن مادون الشهر عاجل* فلو أن هذا الوكيل باعه بالنقد اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد ابن الفضل رحمه الله تعالى إن باعه نقدا بما يباع بالنسيئة جاز وإن باع بالنقد بأقل مما يباع نسيئة لا يجوز وقال غيره يجوز مطلقا لأن العاجل خير من الأجل* وكذا لو قال لا تبعه بالنقد* ولو قال خذ عبدي هذا وبعه بالنقد كان له أن يبيع بالنسيئة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى* وكذا لو قال بعه وبع من فلان كان له أن يبيعه من غيره* ولو قال بعه من فلان فباعه من غيره لا يجوز* ولو أمره أن يشتري له عبد فلان منه وعين العبد كان له أن يشتري ذلك العبد من فلان ومن وكيله وممن هو اشتراه من فلان* رجل قال بعني هذا العبد بألف درهم فقال بعت لا يتم البيع ما لم يقل الآمر قبلت أو اشتريت وكذا لو باع شيئا ثم قال للمشتري أقلني هذا البيع فقال أقلت لا تتم الإقالة في أظهر الروايتين وهي بمنزلة البيع* الواحد لا يتولى العقد من الجانبين إلا في مسائل* منها الأب إذا اشترى مال ولده الصغير لنفسه أو ببيع ماله من ولده فإنه يكتفي بلفظ واحد وقال الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى هذا(3/15)
<ج3 30> إذا أتى بلفظ يكون أصلا في ذلك اللفظ بأن باع ماله فقال بعت هذا من ولدي فإنه يكتفي بقوله بعت إذا أتى بلفظ لا يكون هو أصلا في ذلك اللفظ بأن أراد أن يبيع ماله من ولده فقال اشتريت هذا المال لولدي لا يكتفي بقوله اشتريت ويحتاج إلى قوله بعت وهو في الوجهين يتولى العقد من الجانبين* ومنها الوصي إذا باع ماله من اليتيم أو يشتري مال اليتيم لنفسه وكان ذلك خير لليتيم* ومنها الوصي إذا اشترى مال اليتيم للقاضي بأمر القاضي* ومنها العبد يشتري نفسه ممن مولاه بأمر المولى* الوكيل بالبيع والشراء إذا اختلط علقه بالنبيذ إلا أنه يعرف البيع والقبض قال أبو سليمان الجوزجاني رحمه الله تعالى جاز بيعه وشراؤه على الموكل كما لو باشر ذلك لنفسه وإن اختلط علق الوكيل بالبنج لا يجوز بيعه وشراؤه على الموكل لأنه بمنزلة المعتوه وقال غيره في شرب النبيذ أيضا لا يجوز عقده على الموكل لأن بيع السكران إنما جاز زجرا عله فلا يجوز عقده على موكله* رجل وكل رجلا ببيع عبده بألف فباع نصفه بألف جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعن محمد رحمه الله تعالى أنه قال يجوز وقد أحسن* وإن باع العبد بألف وكر من طعام بعينه كان الآمر بالخيار إن شاء أجاز البيع ويصير الكر للوكيل وعله حصة من قيمة العبد ون باعه بألف ثم زاده المشتري كرا بعنه أو بغير عينه جاز من غير خيار والكر للآمر لأن العقد في الكر وقع شراء وشراء الفضولي لا يتوقف بل ينفذ عليه وإذا نفذ العقد على المشتري صار الوكيل مشتريا للكر ببعض العبد فإذا أجاز صاحب العبد كان على المشتري قيمة ذلك البعض من العبد* رجل وكل رجلا ببيع عبده بألف درهم فباعه وقبض الثمن وسلم العبد إلى المشتري ثم إن الوكيل زاد للمشتري دارا وكانت الدار والعبد للمشتري فيكون الوكيل متبرعا في الزيادة وكان للشفيع أن يأخذ الدار بحصتها من الألف فإن استحق الدار رجع المشتري على الوكيل بحصة الدار من الألف ولا يرجع الوكيل على الموكل بشيء وإن استحق العبد رجع الوكيل بجميع الألف على الموكل م يدفع الوكيل إلى المشتري وتبقى حصة الدار للوكيل* الوكيل ببيع العبد إذا باع نصفه جاز في قول أبي <ج3 31> حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجوز في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى* ولو باع يصفه من رجل ثم باع يصفه لآخر من رجل آخر جاز عندهم* ولو وله بأن يشتري له هذا العبد فاشترى يصفه لا يلزم الآخر أن يشتري النصف الآخر قبل أن يتفاسخا البيع الأول ولو أمر رجلا أن يشتري له عبدين بأعيانهما ولم يذلك الثمن فاشترى أحدهما بمثل القيمة أو بما يتغابن فيه الناس جاز وإلا يجوز بالغبن الفاحش* ولو أره أن يشتر بهما بألف فاشترى أحدهما بخمسمائة أو أقل جاز وإن اشترى أحدهما بأكثر من خمسمائة لا يلزم الآمر إلا أن يشتري الآخر بما بقي من الألف قبل أن يختصما قلت الزيادة أو كثرت*وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا اشترى أحدهما بما يتغابن فيه الناس وبقي من الألف ما يشتري به الآخر جاز* رجل دفع إلى رجل دراهم وقال اشتر لي بها شيئا لم يجز التوكيل إلا أن سكون على وجه البضاعة* ولو قال اشتر لي بها شيئا على ما ترى وتختار به جاز التوكيل* ولو وكله بشراء ثوب أو دابة أو حيوان لا يصح التوكيل بين الثمن أو لم يبين* ولو أمره بشراء ثوب وبين جنسه فقال ثوب هروي أو ما أشبه ذلك صح التوكيل وإن لم يبين الثمن* ولو قال اشتر لي أثوابا لا يصح وإن بين الثمن* ولو قال اشتر لي حمارا أو قال فرسا صح وإن لم يبين الثمن وينصرف ذلك إلى ما يليق بحال الموكل حتى إن الموكل لو كان مكاريا فاشترى له حمارا مصريا أو قال واحد من العوام اشتر لي فرسا تليق بالملوك لا يلزم الآمر ولو قال اشتر لي دارا لا يصح ما لم يبين الثمن وعند بيان الثمن ينصرف التوكيل إلى دار في المصر الذي هما فيه وقيل مع بيان الثمن لا بد من بيان المحلة ولو قال اشتر لي دارا ببغداد ولم بين الثمن لا يصح وإن سمى الثمن جاز* ولو قال بغدادي في محلة كذا جاز وإن لم يبن الثمن* ولو قال اشتر لي عبدا وجارية ولم يبين الثمن ولا الصفة لا يصح التوكيل وإن بين الصفة فقال جارية هندية أو حبشية صح التوكيل وإن لم يبين الثمن* وكذا لو بين الثمن وقال اشتر لي جارية بألف درهم صح التوكيل وإن لم يبين الصفة* ولو قال: اشتر لي حنطة لا يصح التوكيل ما لي يبين القدر فيقول كذا قفيزا* ولو قال اشتر لي هذا العبد صح التوكيل(3/16)
<ج3 32> في عرفهم فإن في عرفهم أسم الطعام إذا كان مقرونا بالشراء ينصرف إلى الحنطة والدقيق أما في عرفنا اسم الطعام ينصرف إلى المطبوخ كاللحم المطبوخ والمشوي وما يؤكل مع الخبز أو وحده* والتوكيل بشراء الأضحية يتقيد بشراء الأضحية في تلك السنة في أيام النحر أو قبلها* وكذا التوكيل بشراء الجمد يتقيد بأيام الصيف في تلك السنة حتى لو اشترى ذلك في أيام التضحية من السنة الثانية أو الجمد في السنة الثانية لا يجوز* وقيل هذا قولهما أما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يجوز لأنه يعتبر إطلاق اللفظ* رجل وكل رجلا ببيع جارية وقيمتها ألف درهم فباعها الوكيل بألف على أنه بالخيار ثلاثة أيام فزادت قيمة الجارية إلى ألفين ليس للوكيل أن يمضي البيع في قول أبي يوسف ومحمد رحمه الله تعالى أن يمضي لأن عنده ابتداء البيع بعد ما زادت قيمتها جائز فلو أن هذا الوكيل لم يمض البيع ولكنه سكت حتى مضت مدة الخيار قال محمد رحمه الله تعالى بطل البيع* وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى جاز البيع كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى كقولهما* ولو كان هذا البائع وصيا كان قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى كقولهما* ولو مات الموكل قبل مضي مدة الخيار ولو وكيل وارثه قال محمد رحمه الله تعالى بطل البيع وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يبطل* الوكيل بالبيع إذا باع على أنه بالخيار ثلاثة أيام فمات الوكيل أو الموكل في مدة الخيار ثم البيع في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وقال زفر رحمه الله تعالى إن مات الوكيل يتم البيع وإن مات الموكل ينقض* وصي اليتيم و أبوه إذا باع جارية اليتيم على أن الوصي بالخيار ثلاثة أيام فمات الوصي في مدة الخيار ثم البيع* ولو مات اليتيم أو أدرك في مدة الخيار تم البيع عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى إن مات اليتيم ينقض البيع* ولو باع الأب أو الوصي شيئا لليتم على أنه بالخيار ثلاثة أيام فبلغ الصبي في مدة الخيار فبلغ الصبي في مدة الخيار ذكر في الزيادات أن على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى تم البيع وبطل الخيار* وقال محمد رحمه الله تعالى إن رد اليتيم ينقض البيع وإن أجاز جاز سواء كان في مدة الخيار أو بعدها
<ج3 34> وعن محمد رحمه الله تعالى فيها ثلاث روايات إحداهما هذه* والثانية ما روى أبو سليمان رحمه الله تعالى عنه أنه إن أجاز في المدة جاز وإن مضت المدة ولم يجز بطل البيع* والثالثة ما روى ابن سماعة أنه ينتقل العقد إلى اليتيم بصفته* والصحيح من قول ممد رحمه الله تعالى ما ذكر في الزيادات أن العقد يبقى موقوفا على إجازة الصبي ويكون الثابت له خيار الإجازة في العقد الموقوف حتى لا يتوقت بوقت* ولو باع المكاتب عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم عجز المكاتب تم البيع وبطل الخيار كما لو مات أو جن* وكذا العبد المأذون إذا باع على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم حجر عله المولى في مدة الخيار قال محمد رحمه الله تعالى لا يبطل خياره ولو أجاز البيع لا يجوز* وكذا لو مات العبد لا يتم البيع* ولو مضت مدة الخيار ولعبد حينئذٍ جاز البيع* ولو أجاز المولى بيعه إن ملم يكن على العبد دين جاز وإن كان عليه دين لا يجوز إلا أن يقضي الدين* رجل وكل رجلا بأن يشتري له جارية وسمى له الثمن فاشترى له جارية هي ذات رحمهما الله تعالى محرم من الموكل أو جارية حلف الموكل بعتقها إن ملكها جاز وتعتق* وكذا العبد المأذون إذا اشترى قريب مولاه صح ويعتق* وكذا الصبي المأذون إذا اشترى قريب نفسه صح ويعتق له* وأما الأب أو الوصي إذا اشترى قريب الصبي أو قريب ابن معتوه له لا يجوز ذلك على الصبي والمعتوه وينفذ على الأب والوصي* وإن اشترى للمعتوه أمة قد استولدها بالنكاح ذكر في الزيادات أنه لا يلزم المعتوه ويلزم الأب قال وإن استحسن مستحسن فقال لزم المعتوه صح والأول أصح* رجل تزوج أمة قد ولدت منه أولادا ثم ملكها مكاتبها ثم إن هذه المكاتبة شرت بعض أولادها صح شراؤها وعتق الولد المشتري على المولى* رجل قال لغيره اشتر لي درية بكذا فأطأها فاشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها من رضاع أو نسب لا يلزم الآمر وكون الوكيل مشتريا لنفسه* وكذا لو اشترى جارية لها زوج أو في عدة زود من طلاق بائن أو رجعي أو وفاه لا يلزم الآمر وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن كانت العدة بالشهور لزم الآمر* وذكر في العيون عن محمد رحمه الله تعالى لو اشترى أخت امرأة الموكل لا يلزم الموكل وإن اشترى أخت(3/17)
<ج3 35> أمة الموكل قد وطئها يلزم الآمر قال وهما في القياس سواء غير أني أستحسن هذا لأن في أخت الأمة يمكنه أن يبيع الموطوءة من ساعته فيطأ التي اشتراها الوكيل وفي أخت المرأة لا يمكنه ذلك إلا أن يطلق المنكوحة وتنقضي عدتها فيطول* ولو اشترى صغيرة لا يوطأ مثلها أو مجوسية لا يلزم الآمر* ولو اشترى نصرانية أو يهودية لزم الآمر* وكذا الصابئة في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قياس قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الصابئة لا يلزم الآمر ولو اشترى رتقاء فإن لم يعلم به الوكيل جاز على الآمر وله حق الرد وإن كن الوكيل علم بذلك لا يلزم الآمر وكذا لو لم يعلم وشرط البراءة عن كل عيب لا يلزم الآمر* ولو قال لغيره اشتر لي جاريتين أطؤهما فاشترى أختين في عقد واحد أو أشتري جارية وعمتها أو خالتها من رضاع أو نسب في عقد واحد لا يلزم الآمر عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى يلزم الآمر ولو اشتراهما في صفقتين لزم الآمر عندهم وذكر في المنتقى لو اشترى هذا الوكيل له جارية وابنتها لزم الآمر لأنه قادر على وطء كل واحدة في الحال إنما يحرم عليه وطء الأخرى بعد وطء الأولى* رجل ولك رجلا وقال اشتر لي جارية بكذا أعتقها عن ظهاري فاشترى عمياء أو مقطوعة اليدين أو الرجلين ولم يعلم بذلك لزم الآمر3 كان له أن يرد* ولو علم الوكيل بذلك لا يلزم* ولو ولك رجلا بأن يشتري له جارية بكذا فاشترى جارية فاستحقت لا يضمن الوكيل* وإن اشترى جارية وظهر أنها حرة ضمن الوكيل* رجل أمر رجلا أن يشتري عبدا بعينه بينه وبين الآمر فقال المأمور نعم ثم ذهب واشتراه وأشهد أنه اشتراه لنفسه خاصة فالعبد بينهما على الشرط لأه وكله بشراء يصف عبد بعينه والوكيل بشراء شيء بعينه إذا اشتراه لنفسه بمثل الذي أمره به حال غيبة الآمر كان مشتريا بالموكل* ولو أمر رجل رجلا أن يشتري له عبدا بعينه بينه وبين الآمر فقال المأمور نعم فذهب المأمور ليشتريه فلقيه رجل آخر وقال له اشتر هذا العبد بيني وبينك فقال المأمور نعم فاشترى المأمور ذلك العبد فالعبد بين الآمرين نصفين ولا شيء للمأمور هذا إذا قبل المأمور الوكالة من الثاني بغي محضر من الأول فأما إذا قبلها بمحضر من الأول كان العبد
<ج3 36> بين المأمور بين الموكل الثاني نصفين لأنه تقبل الوكالة من الثاني وقبول الوكالة من الثاني على هذا الوجه إخراج نفسه عن وكالة الأول والوكيل بشراء شيء بعينه إذا أخرج نفسه عن الوكالة لا يملك إلا بمحضر من الموكل* وكذا لو أشهد الآمر على إخراج الوكيل عن الوكالة عند غيبة الوكيل لا يصح إخراجه* فلو لم يشتر المأمور حتى ليه ثالث وقال له مثل ذلك فقال نم عند غيبة الأولين ثم اشتراه فهو للآمرين الأولين لأنه لم يخرج عن وكالتهما وإن علم الأولان بقبوله من الثالث ثم اشتراه فهو بين المشتري والثالث يصفين ولا شيء للأولين* رجل قال لآخر اشتر لي عبد فلان فقال ننعم ثم وكله آخر بأن يشتري ذلك العبد له فاشتراه الوكيل وأشهد أنه اشتراه للثاني إن كان قبل الوكالة من الثاني بحضرة الأول كان العبد للثاني وإن لم يكن بحضرته فهو للأول* ولو كان الأول قال له اشتره لي بألف درهم وقال الآخر اشتره لي بمائة دينار فهو للثاني لأن الثاني لأن الوكيل بشراء شيء بعينه بألف درهم يملك الشراء لنفسه بمائة دينار أو بثمن آخر فإذا ملك الشراء لنفسه بثمن آخر ملك الشراء لغيره بخلاف ما إذا اشتراه بما وكله الأول* الوكيل بالسلم إذا أضاف العقد إلى دراهم الموكل كان العقد للموكل وإذا أضاف إلى دراهم نفسه كان العقد للوكيل* وإن أطلق العقد ولم يضف يعتبر نية الوكيل فإن قال لم تحضر لي نية قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يحكم النقد صدقة الآمر فيما نوى أو كذبه أو قال نويت لي وقال محمد رحمه الله تعالى إن كذبه أو قال نويت لي وقال محمد رحمه الله تعالى إن كذبه فكذلك وإن صدقه فالعقد يكون للوكيل سواء نقد دراهم نفسه أو دراهم الآمر* وأما الوكيل بشراء شيء بغير عينه اختار المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال بعضهم هذا والسلم سواء* وقال بعضهم الجواب فيه عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كجواب محمد رحمه الله تعالى في السلم وفرقوا لأبي يوسف رحمه الله تعالى بين الوكيل في السلم وبين الوكيل بشراء شيء بغير عينه وقالوا للنقد في باب السلم أخر في تنفيذ العقد فكان من نفس العقد ويكون بمنزلة الإضافة إلى المال بخلاف الشراء* رجل وكل عبد مأذونا بالشراء بالنقد فاشترى المأذون(3/18)
<ج3 37> صح استحسانا ويكون المشتري للآمر والعهدة للآمر والعهدة على العبد* ولو وكله بشراء شيء نسيئة ففعل كان المشتري للعبد قياسا واستحسانا لأن الأول في حكم معاوضة جرت بين العبد والموكل فإن البيع إذا كان بالنقد كان للعبد أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن وفي الوجه الثاني لو وقع العقد للموكل لا يكون للعبد أن يحبسه لاستيفاء الثمن فكان تبرعا من العبد بمنزلة الكفالة وهو لا يملك التبرع إلا بإذن المولى* وللوكيل بالشراء أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن عندنا فإن هلك المبيع في يده إن هلك قبل الحبس يهلك على الموكل ولا يضمن الوكيل وإن هلك بعد الحبس يهلك بالثمن وسقط الثمن عن الموكل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبي يوسف رحمه الله تعالى يهلك بأقل من قيمته ومن الثمن حتى لو كان الثمن أكثر من قيمته رجع الوكيل بذلك الفضل على موكله وقال زفر رحمه الله تعالى يهلك على الوكيل هلاك المغصوب لأن عنده الوكيل لا يملك الحبس من الموكل فيصير غاصبا بالحبس* الوكيل بالشراء إذا اشترى بالنسيئة فمات الوكيل حل عليه الثمن ويبقى الأجل في حق الموكل* الوكيل بشراء عبد بعينه بألف إذا اشتراه بألف ومائة ثم إن البائع حط مائة عن المشتري كان العبد للوكيل لأن العقد وقع للوكيل لأن العقد وقع للوكيل فلا يتغير بالحط* البائع إذا وهب الثمن للوكيل بشراء كان للوكيل أن يرجع على موكله بالثمن وإن أبرأه عن الثمن كذلك فرق بينه وبينه الكفيل بأمر إذا وهب الطالب الدين من الكفيل رجع الكفيل على الأصل ولو أبرأ الكفيل لا يرجع لأن الكفيل إنما يرجع على الأصيل إذا ملك ما في ذمته وفي هذه الهبة يملك لأنها تمليك فيرجع أما إبراء الكفيل إسقاط محض حتى لا يبطل بالرد فإذا لم يملك ما في ذمته لا يرجع* أما الوكيل بالشراء إنما يرجع على الموكل لأنه في الحكم كأنه اشتراه لنفسه ثم إن باعه من الموكل فيرجع على موكله بالثمن في الوجهين* رج قال لغيره اشتر لي جارية بهذه آلاف درهم وأشار إلى الدنانير كان التوكيل بالدنانير حتى لو اشتراه بالدراهم كان مشتريا لنفسه* رجل وكل رجل بشراء عبد بعينه وسمى الثمن فوكل الوكيل رجلا آخر فاشتراه الثاني ذكر في الأصل أن المشترى يكون للموكل
<ج3 38> الثاني دون الأول ولو اشتراه الثاني بحضرة الوكيل الأول لزم الموكل الأول وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أنه إذ وكل غيره ببيع عبده ولم يبين الثمن ولم يقل له ما صنعت من شيء فهو جائز فوكل الوكيل غيره فباع الثاني لا بحضرة الأول لا يجوز إلا أن يجيزه الوكيل الأول أو الموكل وذكر في الجامع الصغير لو باعه الوكيل فبلغ الوكيل فأجاز جاز وإن باع الثني بحضرة الوكيل الأول هل يجوز من غير إجازة الوكيل فيه روايتان ذكر في الجامع الصغير أنه يجوز ولم يشترط إجازة الوكيل وهكذا ذكر في كتب في الأصل في موضع وذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى أن الوكيل بالبيع أو الإجارة إذا وكل غيره فباع الثاني أو آجر والأول حاضر أو غائب فأجاز الوكيل الأول في الحالين وذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى حكى عن الكرخي رحمه الله تعالى أنه كان يقول ليس في المسألة اختلاف الروايتين لكن ما ذكر في بعض المواضع أن الثاني إذا باع بحضرة الوكيل الأول جاز محمول على ما إذا أجاز الوكيل الأول وعليه عامة المشايخ رحمهم الله تعالى لأن الموكل الأول إذا لم يقل لوكيله ما صنعت من شيء فهو جائز لم يكن الثاني وكيلا وكان بمنزلة الفضولي إذا باع مال غيره بحضرة المالك لا يجوز بيعه إلا بالإجازة قال الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى وعى هذا أحد وكيلي البيع والإجارة إذا أمر صاحبه فباع أو آجر بحضرته جاز في رواية وكما ذكر في الجامع الصغير ولا يجوز في رواية ما لم يجزه الآمر أو المالك وذكر شمي الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى في شرح الرهن أن العدل في باب الرهن إذا وكل وكيلا ببيع الرهن فباعه بحضرة العدل جاز عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى* ولو كان العدل غائبا لا يجوز إلا أن يخبره العدل بعد ذلك قال وكذا لو بين العدل للوكيل بذلك الثمن جاز أما إذا كان بمحضر من العدل فهو يوافق رواية الجامع الصغير وإن كان بغير محضر من العدل إذا بين الثمن للوكيل بالبيع فوكل الوكيل غيره فباع الثاني بذلك الثمن ذكر في رواية أنه(3/19)
<ج3 39> يجوز كما ذكر في كتاب الرهن لأن الموكل إذا بين الثمن فقد رضي بزوال ملكه بذلك الثمن* وفي عامة الروايات لا يجوز وإن بين الوكيل الثمن ما لم يجز المالك أو الوكيل الأول لأن تقدير الثمن يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة ولو باعه الوكيل الأول ربما يبيعه بأكثر من ذلك الثمن لحذاقته* رجل وكل رجلا ببيع عبده بألف درهم وقيمته ألف فتغير سعره قبل البيع إلى ألفي درهم لا يكون للوكيل أن يبيعه بألف لأن أمره بالبيع وقيمته ألف بمنزلة توكيله بالبيع بمثل القيمة فلا يملك البيع بغبن فاحش* رجل أمر رجلا أن يبيع غلامه بمائة دينار فباع المأمور للآمر بعت الغلام فقال المولى قد أجزت ذكر ذلك في المنتقى أنه يجوز بيع المأمور بألف درهم لأن بيع المأمور بالثمن الذي أمره به يجوز من غير إجازة فانصرفت الإجازة إلى كل بيع باعه* ولو قال الآمر أجزتك ما أمرتك به لا يجوز بيعه بالدراهم* وكذا الوكيل بالتزويج على هذا* رجل وكل رجلا ببيع ماله حمل ومؤنه فهو على البلد الذي فيه الوكيل والموكل إذا كانا في بلدة واحدة* فإن خرج الوكيل بذلك إلى بلدة أخرى فسرق أو ضاع كان ضامنا لأن الظاهر من حال الموكل أنه لا يلتزم المؤنة فإذا خرج به إلى بلدة أخرى ربما لا يتفق البيع فيحتاج إلى النقل إلى المكان الأول فيلزمه العهدة ولو لم يخرج به الوكيل إلى مكان آخر وخرج هو فباعه في ذلك المكان كان عله تسليمه في مكان البيع وإن لم يكن له حمل ومؤنة لا يتقيد الآمر بتلك البلدة* رجل وكل رجلا ببيع ضيعة له فباعها الوكيل وظهر فيها قطة أرض موقوفة فأراد المشتري أن يردها على الوكيل فأقر الوكيل بذلك كان له أن يردها على الوكيل ثم الوكيل لا يرد على موكله وإن ردت على الوكيل بالبينة كان للوكيل أن يردها على الموكل وهو والرد بالعيب سواء ثم هل يفسد العقد في الباقي قال بعضهم يفسد كما لو جمع ين حر عبد وباعهما بصفقة واحدة وقال عامة المشايخ رحمه الله تعالى لا يفسد البيع في الباقي وهو الصحيح لأن الوقف باق على ملكه بمنزلة المدبر لا بمنزلة الحر ذكر في المنتقى انه لو جمع بين ملك ووقف وباعهما صفقة واحدة جاز بيع الملك قال ولو جمع بين ملك
<ج3 40> ومسجد إن كان المسجد عام فسد البيع في الملك وإن كان مسجد خاص لا يفسد* رجل وكل رجلا بأن يشتري له عبد فلان بألف درهم فقطعت يده فاشتراه الوكيل لا يلزم الآمر وهو بخلاف ما لو وكله بأن يشتري له عبدا بألف دهم فاشترى عبدا مقطوع إحدى اليدين يلزم الآخر لأن في الأول وكله بشراء عبد معين وهو صحيح فلا يكون راضيا بشرائه بعد القطع أما إذا لم يعين العبد فإنما أمره بشراء عبد يساوي ألفا فإذا اشترى عبدا وهو مع القطع يساوي ألفا وأق مما يتغابن فيه الناس كان ممتثلا أمره* رجل وكل رجل بأن يشتري له دارا بعينها فاشترى نصفها ثم اشترى الموكل النصف الباقي لا يلزم الآمر النصف الذي اشتراه الوكيل* ولو كان الموكل اشترى نصف الأرض أولا ثم اشترى الوكيل النصف الباقي جاز لأن في الوجه الأول تصرف الوكيل وقع للوكيل بحكم الخلاف فلا يصير بعد ذلك للموكل إلا بتمليك جديد أما في الوجه الثاني تصرف الوكيل لم يقع تشقيصا بل وقع تتميما فلا يعد خلافا فإن استحق النصف الذي اشتراه الموكل أولا كان له أن يرد الباقي لأن شراء الوكيل كشراء الموكل* ولو اشترى الموكل كل الدار ثم استحق نصفها كان له أن يرد الباقي* رجل أمر رجلا أن يشتر له دارا بألف فاشترى نصف دار ورثها الموكل مع أخيه جاز لأنه إذا كان النصف للموكل لا يضرر هو بشراء النصف الباقي بل يزول عيب الشركة* ولو أمر رجلا بأن يشتر له نصف دار غير مقسومة بألف فاشترى وقاسم الوكيل البائع جاز شراؤه وبطلت قسمته وإن كان ذلك فيما يكال أو يوزن يجوز الشراء والقسمة فيما يكال ويوزن إفراز محض فكانت القسمة تتميما للقبض وفيما لا يكال ولا يوزن مبادلة فلا يجوز* رجل دفع إلى رجل عشرة دراهم وأمره بأن يشتري له بها حنطة يزرعها أو دفع إليه دراهم ليزرع الحنطة فاشترى المأمور حنطة فزرعها في وقت لا يخرج الزرع قالوا إن كان اشتراها الوكيل في أوان الزراعة فزرعها في غير أوانها يجوز الشراء على الآمر وعلى المأمور ومثل تلك الحنطة لأنه صار مستهلكا بإلقائها في الأرض في غير أوان الزراعة وإن كان المأمور اشترى(3/20)
<ج3 41> الحنطة في غير أوان الزراعة كان المأمور مشتريا لنفسه فيضمن دراهم الآمر لأن الأمر بالشراء للزراعة يتقيد بأوان الزراعة كالآمر بشراء الجمد والفحم* رجل وكل رجلا بأن يشتري له أخاه فاشترى الوكيل فقال الموكل ليس هذا بأخي كان القول قوله مع يمينه يكون الوكيل مشتريا لنفسه وعتق العبد على الوكيل لأنه زعم أنه أخو الموكل وتق على موكله* رجل تحته أمة لرجل فوكل الزوج رجلا ليشتري له امرأته من مولاها فاشتراها الوكيل فإن لم يكن الزوج دخل بها بطل النكاح وسقط المهر عن الزوج لأن هذا فرقة جاءت من قبل من له المهر فيبطل المهر كما لو قبلت الحرة ابن زوجها قبل الدخول أو كانت أمته فأعتقها مولاها فاختارت نفسها قبل الدخول أو قتلها المولى قبل الدخول فإنه يسقط المهر عن الزوج في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى* هذا إذا علم المولى أن الوكيل يشتريها لزوجها* ولو باعها المولى من رجل ثم إن الزوج اشتراها من الثاني قبل الدخول بها كان على الزوج يصف مهرها لمولاها الأول لأن الفرقة ما جاءت من قبل من له المهر هاهنا لأن المهر لم يصر ملكا للبائع من الزوج بخلاف الأول هذا إذ أقر المولى أن المشتري كان وكيلا من قبل زوجها أو عرف ذلك بالبينة فإن لم يعرف وكالته إلا بإقرار الوكيل بعد الشراء كان القول قول البائع مع يمينه على العلم إلا أن يقيم الزوج البينة على الوكالة* رجل أمر رجلا بأن يشتري له عبد فلان بعبد المأمور صح هذا التوكيل فإن اشترى الوكيل كان العبد المشترى للآمر وعلى الآمر للمأمور قيمة عبده وهو كما قال في الكتاب * رجل قال لغيره بع عبدك هذا من فلان غريم بماله علي أو قال صالحه على عبدك هذا عما له علي ففعل المأمةر ذلك كان على المديون قيم العبد لصاحب العبد* وكذلك رجل قال لغيره تزوج لي فلانة بعدك هذا ففعل صار العبد مهرا للمرأة ويكون للمأمور قيمة عبده على الآمر لما عرف8 رجل دفع إلى رجل ألفا وأمره أن يشتر يله بها جارية فقال ما صنعت من شيء فهو جائز فوكل الوكيل رجلا آخر بذلك ثم إن الآمر عزل الوكيل الأول فاشترى الوكيل الثاني جاز شراؤه على الموكل
<ج3 42> الأول علم الوكيل الثاني بعزل الوكيل الأول أم لم يعلم دفع الوكيل الأول للألف إلى الوكيل الثاني أو لم يدفع * وكذا لو مات الوكيل الأول ثم اشترى الثاني جاز شراؤه على الموكل الأول ولو أن الموكل الأول أخرج الوكيل الثاني من الوكالة صح إخراجه كان الوكيل الأول حيا أو ميتا لأن الوكيل الثاني يوكل الموكل الأول لا وكيل الوكيل الأول فلا ينعزل بانعزال الوكيل الأول إلا أن الوكيل الأول لو عزل الوكيل الثاني صح عزله لأن رب المال رضي بصنع وعزل الثاني من صنيعه* ولو أن الوكيل الأول إذا اشترى جارية قبل انعزاله وقبل أن يشتري الأول الثاني جاز شراؤه على ربا المال فإن اشترى الكل اثنان بعد ذلك كان مشتريا لنفسه علم بشراء الأول أو لم يعلم دفع الوكيل الأول المال إليه أو لم يدفع لأن الوكالة انتهت بشراء الأول فإنهما كانا وكيلين بشراء جارية واحدة كرجل قال لرجلين وكلت أحدكما بشراء جارية لي بألف درهم فاشترى أحدهما ثم اشترى الآخر فإن الأخير يكون مشتريا لنفسه* ولو اشترى كل واجد منهما جارية ووقع شراؤهما في وقت واحد كان الجاريتان للموكل كذا ذكر في النوازل * وذكر في المنتقى أنه إذا كل رجلا بأن يشتري له جارية بألف درهم وأجاز صنعه فوكل الوكيل رجلا آخر أن يشتري للموكل جاري بألف درهم فاشترى كل واحد منهما جاري ووع شراؤهما معا كان كل جاري لم اشترها لا للآمر * وجه رواية النوازل أن الثاني وكيل رب بالمال بمنزلة الوكيل الأول * ولو وكل الوكيل الآمر رجلين كل واجد منهما على حدة أن يشتري له جارية بألف درهم فاشتريا ووقع شراؤهما معا كانت الجاريتان للموكل * وجه رواية المنتقى أن الموكل لم يلتزم إلا جارية واحدة فليست إحداهما بالالتزام أولى من الأخرى فيلزمه واحدة منهما * بخلاف ما إذا وكل رجلا كل واحد منهما على حدة بشراي جاري لأن ثمة لما وكل واحد منهما على حدة لم يتعلق توكيل أحدهما بالآخر فكان ملتزما بتوكيل كل واحد منهما على جارية والفتوى على ما ذكر في النوازل * رجل دفع إلى رجل درهما صحيح وأمره أن يشتري له ببعضه لحما(3/21)
<ج3 43> وببعضه خبزا كيف يصنع الوكيل إن كسر الدرهم يضمن وإن اشترى به مشير أيضا صرفا وهو غير مأمور بذلك * قالوا الحيل في ذلك أن يأمر القصاب ليشتري لنفسه خبزا بنصف درهم ثم يشتري الوكيل منه بنصف درهم لحما وبنصف درهم خبزا ويدفع إليه الدرهم الصحيح أو يأمر الخباز أن يشتري لنفسه بنصف درهم لحما ثم يفعل الوكيل ما قلنا * رجل وكل رجلا بأن يشتري له غلاما بألف درهم فاشترى الوكيل بالألف غلاما يساوي ألفا على أن الوكيل بالخيار ثلاثة أيام ثم تراجعت قيمة الغلام إلى خمسمائة فاختار الوكيل الغلام كان الغلام للوكيل في قول محمد رحمه الله تعالى وكذا في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقد ذكرنا مثل هذا في الوكيل بالبيع إذا باع جارية للموكل تساوي ألفا بألف فباعها الوكيل بألف على أنه بالخيار ثلاثة أيام فازدادت قيمتها إلى ألفي درهم في مدة الخيار فإنه ليس للوكيل أ يمضي البيع في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى اعتبارا للإمضاء بالابتداء * رجل أمر رجلا أن يشتري له ثوبا بعشرة دراهم فاشترى ثم إن الآمر باع مت بائع الثوب دينارا بلك العشرة جاز ما فعل فإن قال الوكيل إنك تطوعت عني بأداء الثمن فلي أن أرجع عليك بعشرة دراهم ودبت في عليك بشراء الثوب بأمرك لا يلتفت إليه لأن قرار الثمن يكون على الموكل فلا يكون الآمر في أداء الثمن متطوعا* رجل أمر رجلا بأن يشتري له كرا من طعام بمائة درهم ففعل المأمور ذلك وأدى المائة ثم إن المأمور دفع إلى البائع خمسين درهما على أن زاده البائع كرا من الطعام ففعل البائع ذلك قالوا الكر الأول يكون للأمر والكر الزاد للمأمور يضمن المأمور للآمر خمسا وعشرين درهما لأن البائع لما زاد الكر بخمسي فقد حط عن المشتري خمسين وصار الكران جميعا بمائة وخمسين فكل كر بخمسة وسبعين لأن الحط ينصرف إلى الكرين جميعا فيصير الكر الأول بخمسة وسبعين فيجب على المأمور أن يدفع إلى الآمر خمسة وعشرين لأن الحط ينصرف إلى الكرين جميعا فيصير الكر الأول بخمسة وسبعين فيجب على المأمور أن يدفع إلى الآمر خمسة وعشرين لأنه جعل هذا القدر ثمنا للكر الثاني* رجل اشترى عبد أو أشهد أن يشتريه لفلان وقال فلان رضيت كان للمشتري أن يمنع العبد منه لأن
<ج3 44> المشتري إذا لم يكن وكيلا صار مشتريا لنفسه فلا يتغير عقده بالإجازة لأنه تعمل في الموقوف دون النافذ فإن دفع المشتري الجارية إله وأخذ منه الثمن كان ذلك بيعا بينهما بالتعاطي* رجل وكل رجلا أن يشتري له أمه بألف درهم فاشترى أمه بألفي درهم وبعث بها إلى الآمر فاستولدها الآمر ثم قال الوكيل بعد ذلك اشتريتها بألفي درهم فإن كان الوكيل حين بعث بها إلى الآمر قال هي هذه الجارية التي أمرتني بشرائها فاشتريتها لك قال اشتريتها بألفي درهم لا يصدق وإن أقام البينة على ذلك لم تقبل ولو كان الوكيل حين بعث بها إلى الآمر لم يقل شيئا ثم قال اشتريتها بألفي درهم قبل قوله وله أن يأخذا الجارية من الآمر وعقرها وقيمة ولدها لأن الآمر صار مغرورا من جهة * رجل وكل رجلا ببيع عبده ثم قال الموكل قد أخرجتك عن الوكالة فقال الوكيل قد بعته أمس لا يصدق الوكيل ولو أقر الوكيل أولا بالبيع لإنسان بعينه فقال الآمر قد أخرجتك عن الوكالة جاز البيع ويقبل قول الوكيل إذا ادعى المشتري ذلك * رجلان وكلا رجلا ببيع عبدا لهما فباع الوكيل نصفه وقال الوكيل هو نصف فلان فهو جائز وإن لم يبين عند البيع أي النصفين يبيع جاز بيعه في يصف شائع للآمرين فيقاس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجوز في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى * رجل وكل رجلا ببيع عبده ثم باعه بنفسه فرد عليه بعيب بقضاء قاض كان للوكيل أن يبيعه عند محمد رحمه الله تعالى * وكذا الوكيل بالبيع إذا باع فرد عليه بعيب بقضاء قاض كان للوكيل أن يبيعه ثانيا * ولو أن رجلا وكل رجلا بالهبة ثم وهب نفسه ثم رجع في الهبة لا يكون للوكيل أن يثب* رجل وكل رجلين بشراء شيء ودفع دراهم إليهما فدفع أحدهما إلى صاحبه فضاع قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يمن النصف وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يضمن شيئا * رجل قال لغيره بع مالي بمثل ما باع فلان فقال فلان بعت بكذا فباع الوكيل بذلك ثم ظهر أن فلانا باع بأكثر لا يجوز بيع الوكيل على الآمر وإن كان فلان باع ماله بما قال وباع الوكيل بأكثر جاز بيع الوكيل(3/22)
<ج3 45> استحسانا* رجل وكل رجلا بيع شيء ثم قال لم أوكله ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن جحوده لا يكون عزلا وكذا لو قال اشهدوا أين لم أو كهل لا يكون عزلا وغيره من المشايخ قال جحوده الوكالة يكون عزلا * وذكر في الجامع رجل أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال اشهدوا أيني لم أوص لفلان بقليل ولا كثير لا يكون ذلك رجوعا عن الوصية وذكر في الوصايا من الأصل أنه يكون رجوعا* فعلى رواية الجامع جحوده الوصي إلا لم يكن رجوعا عن الوصية لا يكن عزلا عن الوكالة * وعلى رواية الوصايا إذا كان رجوعا عن الوصية يكن عزلا عن الوكالة قال بعضهم في المسألتين روايتان* وقال بعضهم جحود الوكالة عزل وجحود الوصية رجوع أما قوله اشهدوا أني لم أوص لا يكن رجوعا ولا عزلا لأن هذا أمر بالشهادة الباطلة ولا حكم للباطل فلا يكون رجوعا ولا عزلا * وأجمعوا على أن جحود المودع يكون فسخا للوديعة إذا كان في وجه المودع وإن كان في غير وجهه لايكون فسخا * وكذلك جحود أحد المتبايعين في البيع يكن فسخا وجحود أحد الشريكين للشركة يكون فسخا* رجل وكل رجلا بشراء شيء سماه وكالة جائزة وفي ملك الموكل شيء من جنس ما أمهر بشرائه فباع الموكل ما كان عنده فاشتراه الوكيل للموكل لا يلزمه الموكل * الوكيل بالشراء إذا فبضا لثم فهلك عنده إن كان قبض الثمن من الموكل قبل الشراء يهلك أمانة سواء هلك قبل شراء الوكيل أو بعده وإن قبض الثمن من الموكل بعد الشراء يهلك مضمنا علي * رجل أمر رجلا أن ويوكل غيره أن يشتري جارية للآخر فوكل المأمور رجلا فاشترى الوكيل فإن الوكيل يرجع بالثمن على المأمور بالتوكيل ثم المأمور يرجع على الآمر وليس للوكيل أن يرجع على الآمر * الوكيل بيع العبد إذا باع ثم أمر الوكيل أن موكله قبض الثم من المشتري كان القول قبل الوكيل مع يمينه ويبرأ المشتري عن الثمن فإن حلف الوكيل لا يضمان عليه وإن نكل ضمن الثمن للموكل * الوكيل بقبض الدين والخصومة إذا قال قبضت الدين ودفعت إلى الموكل صح إقراره وبرأ الغريم * وإن قال فبض الطالب حقه بنفسه من الغريم لا سيصح إقراره على الموكل * الوكيل بالبيع إذا
<ج3 46> باع ثم اشتراه لنفسه من المشتري بعد القبض ثم استحق المبيع رجع الوكيل على المشتري ثم المشتري يرجع الوكيل ثم الوكيل على الموكل كذا في الشفعة * الوكيل باستئجار الدار استأجر الموكل دارا سنة بمائة درهم وشرط التعجيل أو لم يشترط وقبض الوكيل الدار فحبسها من الموكل بالأجر لا يكون له أن يحبسها فإن حبسها حتى مضت المدة ذكر في بعض الروايات أن الأجر يكون على الوكيل فيرجع على الموكل ولا يسقط الأجر عن الموكل بحبس الويل بخلاف ما إذا غصبها غاصب فإن ثمة لا يجب الأجر على الموكل ولا على الوكيل وذكر في بعض الروايات أن الوكيل إذا حبس الدار سقط الأجر عن الموكل استحسانا *
( فصل في التوكيل بالنكاح والطلاق والعتاق)*
رجل وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأة قد أبانها الموكل قبل التوكيل جاز إذا لم يكن الموكل قبل التوكيل جاز إذا لم يكن الموكل شكا إليه من سوء خلقها أو غير ذلك * ولو زوجه الوكيل امرأة فارقا الموكل بعد التوكيل لا يجوز * ولو زوجه امرأة بأكثر من مهر مثلها جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجوز في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى إذا زوجه بأكثر من مهر مثلها بما لا يتغابن الناي فيه * ولو زوجه امرأة رتقاء أو مقعدة أو مجنونة قيل بأنه يجوز عند الكل والصحيح أنه على الاختلاف أيضا ولو زوده صبية جاز وكذا لو زوجه امرأة حلف الموكل بطلاقها ثلاثا إن تزوجها يجوز النكاح ويقع الطلاق ولو وكله بأن يزوجه امرأة ولم يسمها فزوجه امرأة ليست بكفء له جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لإطلاق اللفظ كما هو الأصل عنده وعندهما في القياس جاز وفي الاستحسان لا يجوز * ولو وكلت المرأة رجلا أن يزوجها من غير كفء الصحيح أنه لا يجوز في قولهم* ولا يجوز للكيل أن يزوجها صبيا أو مجبوبا أو مجنونا * الوكيل بالتزويج ليه له أن يوكل غيره فإن فعل فزوجه الثاني بحضرة الأول جاز * رجل وكل رجلا أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوج ثلاثا في عقدة ذكر في بعض الروايات أن ذلك يتوقف على الإجازة * وكذا لو أمره أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين ف يعقد وكذا لو أمره أن(3/23)
<ج3 47> يزوجه ثلاثا في عقدة فزوجه أربعا في عقدة * وفي بعض الروايات لا يجوز ذلك وهو الظاهر وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال أولا جاز ويختار الآمر واحدة * رجل وكل رجلا أن يزوجه هده المرأة فتزوجها الموكل بنفسه ثم طلقها لم يكن للوكيل أن يزوجها من الموكل ولو تزوجها الوكيل بنفسه بعد التوكيل جاز فإن طلقها كان له أن يزوجها من الموكل * ولو وكل رجلا أن يزوجه هذه المرأة فارتدت ولحقت بدار الحرب والعياذ بالله ثم سبيت فأسلمت فزوجها الوكيل من موكله جاز* رجل وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه حرة لا يجوز * وإن زوجه مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد جاز * رجل وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأة على أن أمرها بيدها جاز النكاح ويبطل الشرط * إذا وكلت امرأ رجلا أن يزوجها وأجازت ما صنع فأوصى الوكيل إلى رجل أن يزوجها ثم مات الوكيل كان للوصي أن يزوجها وكذا في سائر الوكالات * رجل وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه الوكيل ابنته لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا أن يرضى الموكل وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى إن كانت كبيرة فرضيت جاز وإن كانت صغيرة لم يجز * رجل قال لغيره زوجني فلانة على مائة درهم فإن أبت فأعطها مائتين فأبت المائة فزوجها إياه على مائتين لزم الموكل * رجل وكل رجلا أن يزوجه امرأة من بلدة فلان أو من قبيلة فلان فزوجه من بلدة أخرى أو من قبيلة أخرى لا يجوز* رجل وكل رجلا أن يجوزه امرأة ووكل رجلا آخر بذلك فزوجه كل واحد منهما امرأة فإذا هما أختان فإن وقع النكاحان على التعاقب جاز الأول وبطل الآخر وإن وقعا معا بطل النكاحان جميعا* ولو أن فضوليا زوج رجلا أختين في عقدتين أو خمسا في عقود متفرقة كان للزوج أن يختار إحدى الأختين والأربع منهن * ولو وكل رجلا أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجه امرأ واجدة جاز * ولو ولك رجلا أن يزوجه فلانة فإذا لها زوج فمات زوجها أو طلقها وانقضت عدتها فزوجها للموكل جاز * ولو وكل رجلا أن يزوجه فلانة ثم تزوج الموكل أمها أو ذات رحم محرم منها أن أربعا سواها خرج الوكيل من الوكالة * امرأة قالت لرجل إني أختلع من زوجي فإذا فعلت ذلك وانقضت عدتي
<ج3 48> فزوجني فلانا جاز لأن التوكيل يحتمل الإضافة * رجل وكل رجلين بنكاح امرأة أو خلع أو وكلت امرأة بذلك رجلين ففعل أحد الوكيلين لا يجوز وإن سمى الموكل المهر ولو وكل رجلين بطلاق أو عتاق بغير مال ففعل ذلك أحد الوكيلين جاز لأن هذا أمر بالعبارة فينفرد به أحدهما كالوكيلين بالخصومة عندنا * وكذا لو وكل رجلين بهبة شيء من إنسان فوهب أحدهما كالوكيلين بالخصومة عندنا وكذا لو وكل رجلين بهبة شيء من إنسان فوهب أحدهما جاز *
(مسائل التوكيل بالطلاق والعتاق)*
رجل وكل رجلا أن يطلق امرأته ثم طلق الموكل امرأته بائنا ورجعيا وانقضت عدتها فطلقها الوكيل لا يقع وكذا لو تزوجها الموكل بعد ذلك لم يكن للوكيل أن يطلقها * ولو كان الزوج طلقها واحدة بعد التوكيل ثم طلقها الوكيل في العدة وقع طلاقه عليها* السلطان إذا أكره رجلا ليوكله بطلاق امرأته فقال الرجل مخافة الضرب أو الحبس أنت وكسلي فطلق الوكيل امرأته فقال الرجل لم أرد بقولي أنت وكيلي بالطلاق لا يصدق وتطلق امرأته لأن كلام الرجل خرج جوابا لكلام السلطان وكلني بطلاق امرأتك * رجل قال لامرأة الغير إذا دخلت الدار فأنت طالق فبلغ الزوج ذلك فأجاز فدلت طلقت ولو دخلت بعد كلام الفضولي قبل الإجازة لا تطلق فإن عدت بعد الإجازة فدخلت طلقت لأن كلام الفضولي يصير يمينا بعد الإجازة فلا يقع الطلاق بدخول الدار قبل الإجازة* وكذا لو تزوج امرأة زوجها منه فضولي بغير أمرها ظاهر منها ثم أجازت المرأة عقد الفضولي كان الظهار باطلا * رجل وكل رجلين بالطلاق وقال لا يطلقها أحد كما دون صاحبه فطلقها أحدهما ثم طلقها الآخر أ طلقها أحدهما فأجاز الآخر لا يقع* وكذا الوكيلان بالعتق ولو قال للوكيلين طلقاها ثلاثا فطلقها أحدهما واحدة ثم طلقها الآخر تطليقتين لم يقع شيء حتى يجتمعا على ثلاث تطليقات* وكذا لو قال جعلت أمر امرأتي بيد فلان وفلان لا ينفرد أحدهما * وكذا لو وكل رجلين بالطلاق يبدل* رجل قال لامرأتيه طلقا لأنفسكما ثلاثا فطلقت إحداهما نفسها وصاحبها ثلاثا طلقت بشرط أن سكون تطليقها نفسها في المجلس أما تطليق صاحبتها لا يقتصر على المجلس * ولو قال لهما(3/24)
<ج3 49> طلقا أنفسكما ثلاثا إن شئتما فطلقت إحداهما لا يقع ما لم يجتمعا على الثلاث في المجلس* رجل وكل رجلا بطلاق امرأته فخلعها الوكيل اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال بعضهم لا يقع سواء كان ذلك قبل الدخول بها أو بعده لأنه وكيل بإرسال الطلاق والخلع تعليق الطلاق بقبول المرأة والوكيل بالإرسال لا يملك التعليق* وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقع الطلاق سواء كان دخل بها أو لم يدخل وبه أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لأنه لما رضي بالطلاق بغير بدل كان أرضى ببدل* وقال بعضهم إن كان ذلك قبل الدخول بها يقع وإن كان بعد الدخول لا يقع وهذا ظاهر لأن الطلاق قبل الدخول بائن فإذا رضي بالبينونة بغير بدل كان أرضى ببدل * أما الطلاق بغير بدل بعد الدخول لا يوجب البينونة وبالبدل يوجب والرضا بالرجعي لا يكون رضا بالبائن* وبه قال أبو القاسم الصفار رحمه الله تعالى وعليه كثير من المشايخ رحمهما الله تعالى * الوكيل بالطلاق إذا وكل غيره لا يصح فإن وكل غيره فطلقها الثاني بحضرة الأول أو طلقها الأجنبي فأجاز الوكيل لا يقع طلاق الفضولي * وكذا الوكيل بالإعتاق بخلاف البيع والنكاح والخلع والكتابة فإن ثمة إذا وكل الوكيل رجلا ففعل الثاني بحضرة الأول وأجاز الوكيل صحت إجازته* ولو ولك رجلا أن يخلع امرأته ثم خلعها الزوج أو بانت بوجه من الوجوه ثم تزوجها في العدة أو بعدها لا يكون للوكيل أن يخلعها* رجل وكل رجلا أن يطلق امرأته واحدة فطلقها الوكيل ثنتين لا يقع شيء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال صاحباه رحمهما الله تعالى يقع واحدة * ولو وكل رجلا أن يعتق يصف عبده فأعتق الكل قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يقع شيء * ولو وكل رجلا أن يعتق كل العبد فأعتق نصفه عتق يصفه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما عتق كله ولو أن رجلين لكل واحد منهما عبد فوكل أحدهما رجلا بأن يعتق عبده وكل الآخر هذا الوكيل أيضا أن يعتق عبده فقال الكيل أعتقت أحدهما ثم مات الكيل قبل البيان في القياس لا يعتق أحدهما وفي الاستحسان عتقا
<ج3 50> جميعا ويسعى طل واحد منهما في يصف قيمته* رجل وكل رجلا بالطلاق فطلقها الوكيل قبل أن يعلم بالوكالة لا يقع طلاقه * رجل ولك رجلا بأن بيع ثلاث تطليقات مت المرأة بألف درهم فباعها الوكيل واحدة بثلاث الألف لا يقع شيء * الوكيل بالخلع لا يملك قبض البدل * رجل وكل رجلين بالخلع فخلعها أحدهما لا يجوز * ولكذا لو خلعها أحدهما أو أجاز الآخر لا يجوز حتى يقول الآخر خلعتها* رجل له أربع نسوة قال لرجل طلق امرأته فقال الوكيل طلقت امرأتك كان الخيار إلى الزوج * وإن طلق الكيل واحدة بعينها فقال الموكل لم أعن هذه لا يصدق * رجل قال لغيره طلق امرأتي فطلقها الوكيل ثلاثا فإن كان الزوج نوى الثلاث يقع الثلاث وإلا =لم يقع شيء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه يقع واحدة * رجل قال لرجل طلق امرأتي فقد جعلت ذلك إليك يقتصر ذلك على المجلس * ولو وكل الرجل إحدى امرأتيه أن تطلق صاحبتها لا يقتصر على المجلس* ولو قال لامرأته وكلتك بطلاقك يقتصر على المجلس وهو تفوض كما لو قال لها طلقي نفسك * إذا كان الرجل وكيلا بالخلع من الجانبين فإنه لا يلي العقد من الجانبين في إحدى الروايتين * رجل أراد سفرا فخاصمته المرأة فوكل الرجل وكيلا بطلاقها إن لم يردع إلى وقت كذا وخرج إلى السفر ثم كتب إلى الوكيل بالعزل اختلف فيه المتأخرون قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الصحيح أنه يصح عزله * رجل قال لغيره اخلع امرأتي فأبت فطلقها فأبت المرأة الخلع فطلقها الوكيل ثم طلبت الخلع فخلعها الوكيل في العدة ذكر في جمع التفاريق أن الطلاق الأول إن كان رجعيا جاز خلع الوكيل وهكذا ذكر في الأصل * رجل وكل رجلا أن يخلع امرأته فخلعها على درهم واحد جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجوز في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى إلا بما يتغابن فيه الناس * ولو وكل الرجل امرأته أن تخلع نفسها منه فخلعت نفسها منه بمال أو عرض لا يجوز ذلك إلا أن يرضى الزوج به* رجل قال لامرأته اشتري طلاقك مني بما شئت فقد وكلتك بذلك فقالت اشتريت بكذا وكذا كان ذلك باطلا* رجل(3/25)
<ج3 51> قال لغيره أنت وكيلي في طلاق امرأتي إن شاءت وأرادت لم يكن وكيلا حتى تشاء هي في مجلسها فإذا شاءت يصير وكيلا وإن قام الوكيل عن المجلس قبل أن يطلق بطلت الوكالة وهو كما لو قال له أنت وكيلي في طلاقها إن شئت فإن طلق في المجلس جاز وإن قام قبل أن يشاء فلا وكالة له* رجل وكل رجلين أن يخلعا امرأتين له بمال معلوم أو يبيعا عبدين له بمال معلوم فخلعا إحدى المرأتين أو باعا أحد العبدين بمال معلوم جاز* رجل وكل غيره أن يطلق امرأته فإن الوكيل إن لم يقبل بطلت الوكالة وإن لم يقل الوكيل قبلت ولا رددت حتى طلقها يقع طلاقه استحسانا* رجل وكل رجلا أن يطلق امرأته للسنة فطلقها الوكيل في غير وقت السنة لا يقع طلاقه ولا تبطل وكالته حتى لو خلعها بعد ذلك في وقت السنة يقع طلاقه* رجل وكل رجلا أن يطلق امرأته تطليقة بائنة فطلقها واحدة رجعية يقع واحدة رجعية* وهذا إذا قال الوكيل طلقتها واحدة بائنة فإن قال أبنتها قالوا لا يقع شيء رجل قال لغيره طلق امرأتي ثلاثا للسنة فقال لها الوكيل في لا جماع فيه أنت طالق ثلاثا للسنة يقع للحال واحدة ثم إذا حاضت وطهرت لا يقع شيء إلا إذا جدد الإيقاع* رجل قال لغيره طلق امرأتي للسنة وقال لرجل آخر مثل ذلك فطلقا معا في طهر واحد لا جماع فيه يقع واحدة ولا خيار للزوج في ذلك ثم لا تطلق في الطهر الثاني حتى يطلقاها ولو طلقها الوكيل والزوج معا في طهر واحد ثم طلقها الوكيل في الطهر الثاني يقع واحدة أخرى* رجل قال لغيره طلق امرأتي بائنا للسنة وقال لآخر طلقها رجعيا للسنة فطلقاها في طهر واحد طلقت واحدة للزوج الخيار في تعيين الواقع* امرأة قالت لزوجها إذا جاء غد فاخلعني على ألف درهم كان ذلك توكيلا حتى ل نهته عن ذلك صح نهيها وكذا لو قال العبد لمولاه إذا جاء غد فأعتقني على ألف درهم * إذا عزل الوكيل بالطلاق لا يثبت العزل من غير علم كما في سائر الوكالات * رجل قال لغيره إذا تزوجت فلانة فطلقها ثم تزوج فلانة فطلقها الوكيل طلقت لأن الوكالة تحتمل التعليق
<ج3 52> والإضافة * رجل ولك غيره بالطلاق ثم طلقها بنفسه ثم طلقها الوكيل يقع طلاق الوكيل ما دامت في العدة *
(كتاب الكفالة والحوالة)*
الكفالة على نوعين كفالة بالنفس وكفالة بالمال وكلا النوعين جائز عندنا * وقال الشافعي رحمه الله تعالى الكفالة بالنفس باطلة ثم الكفالة على وجهين منجزة ومعلقة فالمنجزة جائزة والمعلقة كذلك إن كانت معلقة بشرط متعارف ولا تصح بشرط غير متعارف بخلاف الوكالة فإنها يصح تعليقها بشرط متعارف وبشرط غير متعارف * وألفاظ الكفالة بالنفس أن يقول كفلت بنفس فلان أو برأسه أ, برقبته أو بجسده أو بروحه أ بوجهه أو نصفه أو جزئه أو قال بالفارسية ((بذير فتم تن فلانرا)) أو قال كفلت بيده أو رجله أو نحوه مما لا يصح إضافة الطلاق إليه لا يصح به الكفالة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لو قال هو علي حتى يجتمعا أو قال علي أن أوافيك به أو ألقاك به كانت كفالة بالنفس* ولو قال أنا ضامن حتى تجتمعا أ, حتى تلتقيا لا يكن كفالة لأنه لأنه لم يبين المضمون أنه نفس أو مال ولو قال هو علي أو إلي كانت كفالة بالنفس * ولو قال أشنائي برمن قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يكون كفيلا بالنفس* وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لا يكون كفيلا وما قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى أقرب إلى عرف الناس* وذكر في الأصل لو قال أنا كفيلك بمعرفة فلان أو أنا ضامن بمعرفة فلان لا يكون كفيلا * وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن هذا على معاملات الناس وعرفهم* ولو قال فلان أشنائي منت أو قال فلان أشنائي منست أو قال فلان أشنائي أست قالوا يكون كفيلا بالنفس وقال بعضهم إن قال أشنائي برمن يكون كفيلا بالنفس لمكان العرف وفيه كلمة الإيجاب وقوله فلان أشنا أست لا يكون كفيلا لأنه لم يوجب على نفسه شيئا وعامة المشايخ رحمهم الله تعالى قالوا لو قال أشنائي فلان برمن وقو أشنا أست يكون كفيلا فكأنهم فرقوا بين العربية والفارسية جعلوه كفيلا بالنفس* وقوله أنا كفيل بمعرفة فلان وأنا ضامن بمعرفة فلان لا يكون كفيلا * ولو قال معرفة فلان علي قلا يلزمه أن يدله عليه* ولو علق الكفالة بما هو شرط محض نحو أن(3/26)
<ج3 53> يقول إذا هبت الريح أو إذا جاء المطر أو إذا قدم فلان الأجنبي الدار فأنا كفيل بنفس فلان لا يصير كفيلا÷ وكذا لو علق الكفالة بالمال بهذه الشرائط فإن علق الكفالة بما هو سبب الحق او سبب لإمكان التسليم نحو أن يقول إذا قدم المطلوب البلد فأنا كفيل بنفسه فقدم فلان صار كفيلا بنفسه لأنه متعارف) ولو جعل الكفالة مؤجلة إلى أجل مجهول نحو ان يقول كفلت بنفس فلان إلى وقت الحصاد أو إلى الدياس أو إلى خروج الحاج أو إلى خروج العطايا جاز تأخير الكفالة إلى ذلك الوقت* ولو قال كفلت بنفس فلان إلى أن تمطر السماء أو تهب الريح يصير كفيلا في الحال ويبطل الأجل وكذلك الكفالة بالمال وكل جهالة تتحملها الكفالة بالمال تتحملها الكفالة بالنفس وما لا فلا* رجل كفل لرجل بنفس رجل على أنه إن لم يواف غدا أو قال إن لم يواف به في يوم كذا فهو كفيل له بنفس فلان* آخر للطالب على ذلك الرجل مال ذكر الخصاف رحمه الله تعالى أنه تجوز الكفالة عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى * رجل كفل بنفس رجل إلى ثلاثة أيام ذكر في الأصل أنه يصير كفيلا بعد الأيام الثلاثة وجعله بمنزلة ما لو قال لامرأته أن طالق إلى ثلاثة أيام فإن الطلاق يقع بع ثلاثة أيام وكذا لو باع عبدا بألف إلى ثلاثة أيام لم يصر مطالبا بالثمن بعد الأيام الثلاثة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أه يصير كفيلا في الحال قال في الطلاق يقع الطلاق في الحال أيضا* قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يصير كفيلا في الحال قال ذكر الأيام الثلاثة لتأخير المطالبة إلى ثلاثة أيام لا لتأخير الكفالة ألا ترى أن هذا الكفيل لو سلم نفس المكفول به قبل الأيام الثلاثة يجبر الطالب على القبول كمن عليه الدين المؤجل إذا عجل قبل حلول الأجل يجبر الطالب على القبول وما ذكر في الأصل أنه يصير كفيلا بعد الأيام الثلاثة أراد به أنه يصير الكفيل مطالب بعد الأيام الثلاثة ) وغيره من المشايخ رحمه الله تعالى أخذوا بظاهر الكتاب وقالوا يصير كفيلا في الحال وإذا مضت الأيام الثلاثة قبل تسليم النفس في الأيام يصير كفيلا أبدا لا يخرج عن الكفالة ما لم يسلم* وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى
<ج3 54> أنه يطالب الكفيل بتسليم النفس في الأيام الثلاثة ولا يطالب بعدها أشبه بعرف الناس وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رواية أخرى إذا قال أنا كفيل بنفس فلان عشرة أيام او قال ثلاثة أيام يصير كفيلا في الحال وإذا مضت الأيام الثلاثة يبقى كفيلا* ولو قال أنا كفيل بنفس فلان إلى عشرة أيام يصير كفيلا بعد عشرة أيام كما قال في لأصل قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى كان القاضي الإمام الأستاذ أبو علي النسفي رحمه الله تعالى يقول كان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يعجبه هذه الرواية وكان يقول لو قال بالفارسية بذير فستم تنن فال نراده روز يير كفيلا في الحال وإذا مضت المدة لا يبقى كفيلا* ولو قال بذير قتم فلا نراه تاه وزر ولم يسلم حتى مضت عشرة أيام يرفع الكفيل الأمر إلى القاضي حتى يخرجه عن الكفالة وبه كان يفتي الشيخ الإمام الاجل ظهير الدين رحمه الله تعالى ويحكى ذلك عن جدي رحمه الله تعالى * ولو قال أنا كفيل بنفس فلان من اليوم إلى عشرة أيام يصير كفيلا في الحال وإذا مضت العشرة لا يبقى كفيلا في قولهم لأنه وقت الكفالة بعشرة أيام والكفالة مما يقبل التوقيت* ولو قال أنا كفيل بنفس فلان إلى عشرة أيام فإذا مضت العشرة فأنا منها برئ قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يطالب بهذه الكفالة في العشرة ولا بعدها وذكر في الأصل أنه لو قال كفلت بنفس فلان شهرا يكون كفيلا أبدا* كما لو قال أنت طالق تكون طالقا أبدا* رجل قال لغيره فلان علي نفسه إلى شهر عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال لا سبيل عليه حتى يمضي شهر* ولو قال نفسه علي إلى شهر فإذا مضى شهر فأنا منه بريء قال هذا لا يضمن له شيئا * رجل كفل بنفس رجل إلى أجل على أنه إن لم يواف به فوه وكيل بالخصومة بينهما ولم بين الخصومة فالكفالة بالنفس جائزة ولا يكون وكسلا بالخصومة لأنه لم يبين الخصومة * رجل كفل بنفس رجل على أنه لأن لم يواف به يوم كذا فعليه ما للطلاب على فلان آخر جاز ذلك استحسانا وهو <ج3 55> على قول محمد رحمه الله تعالى وفي القياس لا يجوز وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * رجل كفل بنفس رجل فمات المكفول له كانت الكفالة ميراثا لورثته يأخذون الكفيل*
(مسائل في تسليم نفس المكفول به)(3/27)
*المكفول بالنفس إذا سلم نفسه إلى المكفول له وقال سلمت نفسي إليك عن الكفيل برئ الكفيل وإن لم يقل عن الكفيل لا يبرأ الكفيل* وكذا لو أمر الكفيل رجلا أن يسلم نفس المكفول به إلى الطالب إن قال المأمور به سلمت إليك نفسه عن الكفيل برئ الكفيل* ولو أن رجلا أجنبيا ليس بمأمور سلم المكفول إلى الطالب وقال سلمت عن الكفيل إن قبل الطالب برئ الكفيل وإن سكت الطالب ولم يقل قبلت لا يبرأ الكفيل * ولو أخذ القاضي من المدعى عليه أو أمين القاضي كفيلا بالنفس بطلب المدعي أو بغير طلبه فسلمه الكفيل إلى القاضي برئ وإن سلمه إلى الطالب لا يبرأ هذا إذا لم يضف القاضي أو أمينه الكفالة إلى الطالب فإن أضاف وقال له القاضي أو أمينه إن المدعي يطلب منك كفيلا بالنفس فأعطه كفيلا بنفسك فسلم الكفيل إلى القاضي أو إلى أمينه لا يبرأ وإن سلمه إلى الطالب برئ * ولو كفل رجل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه المال الذي على المدعى عليه وهو ألف درهم فلم يواف به الكفيل ولكن الطالب لقي المدعى عليه وخاصمه ولازمه في المسجد حتى الليل فالمال لا زم على الكفيل لأنه لم يواف به* رجل كفل بنفس رجل فمات المكفول به برئ الكفيل * رجل كفل بنفس رجل إلى الليل وقال إن لم يواف به غدا فعلي المال الذي لك عليه ثم اختلفا فقال الكفيل وافيتك به وقال الطالب لم توافني به كان القول قول الطالب والا لا زم على الكفيل لأن سبب وجوب المال التزام الكال بالكفالة إلى إن الموافاة شرط للبراءة فلا يثبت بفول الكفيل * رجل كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به في وقت كذا فعليه المال الذي عليه فتغيب الطالب عند محل الأجل فطلبه الكفيل فلم يجده ليدفعه إلى الطالب وأشهد على ذلك فالمال لا زم على الكفيل * وكذا لو شرط على الكفيل مكانا فجاء الكفيل بالمكفول به في ذلك المكان وطلب الطالب
<ج3 56> ليدفعه إليه فتغيب الطالب كان المال لازما على الكفيل في قول المتأخرين من المشايخ رحمهم الله تعالى وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا تغيب الطالب يرفع الكفيل الأمر إلى القاضي لينصب القاضي وكيلا للغائب ويسلمه الكفيل إلى الوكيل ونظير هذا ما لو قال فيمن اشترى شيئا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فتوارى البائع يرفع المشتري الأمر إلى القاضي في قول أب يوسف رحمه الله تعالى لينصب وكيل للغائب فيرد المشتري عليه وعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا ينصب القاضي خصما للغائب في المسألتين* وكذا لو حلف الرجل ليقضين دين فلان اليوم فتغيب فلان ينصب القاضي وكيل فيدفع إليه الدين لأن الطالب متعنت قاصد للإضرار إلى الكفيل والغريم والقاضي نصب ناظرا للمسلمين فينصب وكيلا دفعا للضرر * رجل كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به في وقت كذا فعليه المال الذي للطالب على المكفول به وشرط الكفيل في الكفالة على أنه برئ من الكفالة إذا وافاه المسجد الأعظم فوافي به في ذلك المكان يومئذ وأشهد على ذلك وتغيب الطالب برئ الكفيل من الكفالة بالنفس والمال جميعا* وكذا لو كان ذلك في الكفالة بالنفس وحدها لا، الكفيل هاهنا جعل شط البراءة عن الكفالة إحضار المكفول به المسجد في ذلك الوقت دون التسليم إلى الطالب* ولو كفل بنفس رجل إلى الغد على أنه إن لم يواف به غدا في المسجد فعليه المال الذي له عليه وشرط الكفيل على الطالب أنه لأن لم يواف الطالب غدا في المسجد فقبضه منه فهو منه برئ ثم التقيا بعد الغد فقال الكفيل قد تغيبت وقال الطالب قد أوفيت لا يصدق أحدهما على الآمر والكفالة على الكفيل على حالها والمال لازم على الكفيل* إن أقام كل واد منهما البينة على الموافاة في المسجد ولم يشهدوا أن الكفيل دفع المكفول به كانت الكفالة بالنفس على حالها ولا يلزم المال على الكفيل لأن الموافاة شرط البراءة فلا يثبت ذلك عند التجاحد بحجة فإذا أقاما البينة وقع التعارض بين البينتين فلا يثبت ما ادعاه أحدهما والمعنى فيه إن من أنكر فعل غيره كان القول قوله لأنه متمسك بالأصل ومن(3/28)
<ج3 57> ادعى فعل نفسه لا يقل قوله إلا بحجة* ولو أقام الكفيل البينة على الموافاة في المسجد ولم يقم الطالب بينة برئ الكفيل من المال والنفس ولا يصدق الطالب عل الموافاة* وإذا دفع الكفيل بالنفس المطلوب إلى الطالب في غير المصر الذي كانت فيه الكفالة وهناك قاض أو سلطان برئ الكفيل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا لم تكن الكفالة مقيدة وقال صاحباه رحمهما الله تعالى لا يبرأ حتى يدفعه إليه في المصر الذي كانت فيه الكفالة وإن كانت الكفالة مقيدة بأن كفل بنفسه على أن يوافي مجلس القضاء فدفع إليه في السوق أو في محال المصر ذكر في الكتاب أنه يبرأ * وقال مشايخنا في زماننا إذا اشترط عليه التسليم في مجلس القاضي فسلم إليه في غير مجلس القاضي لا يبرأ وإن شرط الكفيل أن يدفعه إليه عند الأمير فدفعه إليه عند القاضي أو شرط أن يدفعه إليه عند القاضي فدفعه إليه عند الأمر أ شرط عليه الدفع عند هذا القاضي فاستعمل قاض آخر فدفعه إليه عند الثاني بر * رجل كفل بنفس رجل والمكفول به محبوس عند القاضي فدفع الكفيل إلى الطالب في السجن بر الكفيل * وإن كلف بنفس رجل وهو محبوس ثم أطلق ثم أعيد إلى الحبس فدفعه إليه قالوا إن كان الحبس الثاني بشيء من التجارة أو غيرها صح الدفع وبرئ الكفيل * وإن كان الحبس بشيء من أمور السلطان لا يبرأ الكفيل ولو كفل بنفس رجل وهو غير محبوس ثم حبس فسلمة إليه في السجن لا يبرأ إلا أن يكن الطالب هو الذي حبسه فسلمه في السجن صح تسليمه* ولو كفل بنفس رجل وهو غير محبوس ثم حبس فخاصم الطالب الكفيل إلى القاضي الذي حبسه فقال الكفيل كفلت به ونت حبسته بدين فلان آخر عليه عن محمد رحمه الله تعالى أن القاضي يأمر بإحضار المطلوب حتى يسلمه الكفيل إلى المكفول له ثم يعاد إلى الحبس * إذا أقر الكفيل بالنفس بالكفالة عند القاضي فإن القاضي لا يحبسه أ, مرة وكذبا في سائر الحقوق فإن أعيد إلى القاضي ثانيا فإن القاضي يحبسه حتى يسلم نفس المكفول به فإن ثبتت الكفالة بالبينة لا بالإقرار كذلك في رواية الخصاف رحمه الله تعالى
<ج3 58> لا يحبسه أو مرة وفي ظاهر الرواية إذا أثبت الحق أو الدين بالبينة يحبسه أو مرة * رجل كفل بنفس رجل فغاب المكفول به إن علم مكانه عند القاضي أنه أين هو بالبينة أو كانت له عادة الخروج إلى تلك البلدة في كل سنة فإن القاضي يمهل الكفيل مدة يذهب ويجيء به إن كان الكفيل يريد أن يذهب وإن أبى الكفيل أن يذهب يحبسه القاضي حتى يأتي به وإن كان المكفول به غائبا لا يعلم مكانه ولا يتوقف على أثره لا يحس الكفيل ويكون بمنزلة الموت* الكفيل بالنفس إذا منع المكفول به عن السفر إن كانت الكفالة حالة ككان له أن يمنعه حتى يخرجه عن عهدة الكفالة وإن كانت الكفالة مؤجلة ليس له أن يمنعه عن الخروج قبل حلول الأجل * رجل كفل بنفس رجل على أ،ه إن لم يواف به غدا فعليه ما ادعى الطالب عليه فلم يواف به الغد وادعى الطالب عليه ألف درهم فصدقه المطلوب وجحد الكفيل مع اليمين على العلم * ولو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعله من المال ما أقر به الغد فأقر المطلوب فلم يواف به الغد فأقر المطلوب أن له عليه ألف درهم كان الكفيل ضامنا ما لما أقر * ولو كفل بنفس رجل على أن يوافي به إذا جلس القاضي فإن لم يواف به فعليه الألف التي للطالب عليه فلم يجلس القاضي أياما وطالب المدعى فلم يأت به فال شيء على الكفيل من المال لأنه علق الكفالة بالمال بعدم الموافاة إذا جلس القاضي * ولو كفل بنفس رجل على أنه متى طلبه الطالب فلم يواف به فعلى المال الذي عليه وهو ألف درهم فطلب منه فم يدفعه فعليه المال لوجود شرطه وهو عدم التسليم في الوقت الذي طلب* وكذا لو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به فعندي له هذا المال لأن عند إذا استعمل في الدين يراد به الوجوب* وكذا لو قال إلى هذا المال* الكفيل بالنفس إذا أعطى الطالب كفيلا بنفسه فمات الأصيل برئ الكفيلان وكذا لو مات الكفيل الأول برئ الكفيل الثاني * رجل كفل بنفس رجل ثم إن المكفول له أخذ من الأصيل كفيلا آخر بنفسه لا يبرأ الكفيل الأول * رجل كفلي بنفسه رجل على أنه إن ملم يدفعه إلى الطالب غدا*(3/29)
<ج3 59> فعليه المال وهو ألف درهم ثم إن الطالب أبرأ الكفيل عن الكفالة قبل أن يدفعه إليه قال محمد رحمه الله تعالى برئ الكفيل ولا تثبت براءة الكفيل بموته فإنه لو مات الكفيل كان وارثه بمنزلة الكفيل إن دفعه إلى الطالب برئ وإن لم يدفعه حتى مضى الوقت كان المال على الوارث * وكذا لو مات الطالب فدفع الكفيل المكفول به إلى الوارث الطالب في الوقت برئ الكفيل وإن لم يدفعه لزمه المال * رجل ادعى على رجل أنه غصبه ثوبا إذا أخذ من المدعى عليه كفيلا بنفسه وقال للكفيل إن لم ترده علي غدا فعليك من قيمة الثوب عشرة دراهم وقال الكفيل لا بل عشرين درهما فسكت المكفول له قال محمد رحمه الله تعالى في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقولنا لا يلزمه إلا عشرة دراهم وفي قول أبي يوسفرح ثو جائز بجب عليه ما شرط على نفسه وإن لم يقبل الطالب * رجل قال لآخر كفلت لك بنفس فلان فإن غاب عنك فأنا ضامن لما عليه فإذا غاب المكفول له8 ثم دفعه الكفيل إليه بعد رجوعه من الكوفة فالكفيل ضامن للمال لأنه علق الكفالة بالغيبة * ولو قال قد كفلت لك بنفس فلان فإن غاب ولم أوافك فأنا ضامن لما عليه فغاب قبل أن يوافي لزمه المال* وهو بمنزلة ما لو قال إن غاب قبل أن أوافك به فأنه ضامن لما عليه هذا على أن يوافيه بعد الغيبة * الطالب إذا علق براءة الكفيل بالنفس بشرط فهو على وجوه ثلاثة في وجه تجوز البراءة ويبطل الشرط نحو أن يكفل رجل بنفس فأبرأه الطالب عن الكفالة على أن يعطيه الكفيل عشرة دراهم جازت البراءة وبطل الشرط * وإن صالح الكفيل المكفول له على مال ليبرئه عن الكفالة لا يصح الصلح ولا يجب المال على الكفيل ولا يبرأ الكفيل عن الكفالة في رواية الجامع وإحدى رواية الحوالة والكفالة وفي رواية أخرى يبرأ عن اكفالة وفي وجه تجوز البراءة والشرط وصورة ذلك رجل كفل بنفس رجل وبمام عليه من المال فشرط الطالب على اكفيل أن يدفع المال إلى الطالب ويبرئة عن الكفالة بالنفس جازت الباءة والشرط * وفي وجه لا يجوز كلاهما * وصورة ذلك رجل <ج3 60> كفل بنفس رجل خاصة فشرط الطالب على الكفيل أن يدفع إليه المال ويرجع بذلك على المطلوب فإنه يكن بالطال والله أعلم.
((فصل في الكفالة بالمال))(3/30)
رجل كفل بعين في يد رجل فهو على وجهين إن كانت العين أمانة في يده كالوديعة والعارية وأموال المضاربة الوشركة والبضاعة والعين المستأجرة وما كان في معناه لا تصح الكفالة به * وإن كانت العين مضمونة على صاحب اليد كاغصب والمبيع ببيع فاسد والمقبوض على سوم الشراء ونحو ذلك تصح به الكفالة فيجب على الكفيل تسليمه ما دام قائما وإذا هلك كان عليه قيمته* وكذا لو ادعى رجل عبدا في يد رجل وكفل رجل بالعبد فمات العبد فأقام المدعى البينة أن العبد كان له وقضى القاضي له بذلك كان له أن يأخذ الكفيل بقيمة العبد* رجل كفل عن رجل بامل فقال الكفيل للمكفول به إن وافيتك بنفسه غدا فأنا برئ من المال فواه جاز وبرئ عن المال لمكان التعامل * ولو قال الكفيل بالنفس إن لم أواف به غدا فعلي ما أقر به المطلوب فلم يواف به غدا فأقر المطلوب أن له عليه خمسمائة كان الكفيل ضامنا لما أقر * وليس هذا كما لو قال إن لم أوافك به غدا فأنا ضامن لما ادعيت عليه فلم يواف به غدا فادعى الطالب عليه مالا لا يلزمه المال * وكذا لو قال إن لم أوافك به غدا فمات ادعيت عليه فهو عليّ فلم يواف به غدا فادعى عليه مالا لا يلزمه* رجل قال لآخر إن لم يعطك فلان مالك فهو علي فتقاضاه الطالب فلم يعطه المطلوب ساعة تقاضاه لزم الكفيل استحسانا رجل قال لآخر بايع فلانا فما بايعته فهو علي فقال الطالب بعد ذلك بعت منه متاعا بألف درهم وصدقه المشتري وكذبهما الكفيل كان القول قول الطالب والمطلوب استحسانا رجل قال لغيره إذا بعت فلانا شيئا فهو علي فباه شيئا ثم باعه شيئا آخر لزم الكفيل المال الأول دون الثاني * ولو قال ما بعته اليوم فهو علي لزمه ما يبيعه اليوم* ولو قال من باع فلانا اليوم فوه لي فباعه رجل لا يلزم الكفيل ولو قال الكفيل لجماعة أنا ضامن لما بايعتموه وغيركم كان ضامنا لما بايعه القوم دون غيرهم * رجل كفل عن رجل بمال بغير أمره ثم أجاز المكفول عنه* <ج3 61> الكفالة فأدى الكفيل شيء لا يرجع على مكفول عنه* رجل قال لغيره ما ذاب لك على فلان فهو علي ورضي به الطالب فقال المطلوب للطالب علي ألف وقال الطالب لي عليه ألفا درهم فقال الكفيل ما للطالب على المطلوب شيء ذكر في الأصل ان القول قول المطلوب فيجب الآلف على الكفيل* رجل قال لغيره ما ذاب لك عليه من حق أو ما قضى لك عليه من حق فهو علي فغاب المكفول عنه فأقام المدعي البينة على الكفيل أو له على المكفول عنه ألف درهم لا تقبل بينته حتى يحضر المكفول عنه* ولو أقام المدعي على الكفيل بينة أن قاضي بلد كذا قضى له على الأصيل بعد عقد الكفالة بألف درهم قبت هذه البينة ويقضى على الكفيل بأمره ويكون ذلك قضاء على الغائب*ولو كفل عن رجل بأمره بما للطالب على المكفول عنه فغاب الأصيل فأقام الطالب البينة على الكفيل أن له على فلان الغائب ألف درهم وأنه كفل له بأمر فلان الغائب ألف درهم وانه كفل له بأمر فلان الغائب قبلت هذه البينة ويكون ذلك قضاء على الحاضر والغائب* رجل كفل عن رجلين على أن فلانا وفلانا يكفلان عنه بكذا وكذا من هذا المال فأبى الآخران أن يكفلا قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى الكفالة الأولى لازمة ولا خيار له في ترك الكفالة * رجل تزوج لابنه امرأة وضمن عنه المهر على أنه إن مات ابنه أو امرأة ابنه قبل أن يبني بها فوه برئ عن الضمان عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال الضمان لا زم والشرط باطل * امرأة قالت لزوجها المريض إن مت من مرضك هذا فمهري عليك صدقة أو قالت فأنت في حل من مهري فمات الزوج من ذلك المرض قال محمد رحمه الله تعالى المهر على الزوج وبطل ما قالت لأنه مخاطرة * وكذلك رجل له دين على رجل فقال الطالب للمطلوب إن لم أقبض مالي عليك حتى تموت فأنت في حل فمات المطلوب كانت البراءة باطلة * ولو قال الطالب إن مت أنا فأنت في حل فهو جائز لأنها وصية * رجلان اشتريا عبدا أو استقرضا مالا من رجل على أن كل واحد منها كفيل عن صاحبه كان للبائع إن يأخذ <ج3 62> أيهما شاء بجميع الألف فإذا أدى أحدهما شيئا لم يرجع على شريكه حتى يكون المؤدى أكثر من النصف* ولو كفلا عن رجل بألف على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فأدى أحدهما شيئا كان بالخيار إن شاء رجع بجميع ذلك على الأصيل إن كانت الكفالة بأمره وإن شاء رجع بنصف ذلك على الكفيل الآخر قل المؤدى أو كثر * رجل كفل عن رجل بألف درهم فصالح الكفيل الطالب من الألف على خمسمائة صح الصلح وبرئ الأصيل والكفيل عن الخمسمائة الأخرى * رجل باع دار أو كفل إنسان بالدرك ثم ادعى الكفيل الدا لم يسمع دعواه * رجل قال لآخر بايع فلانا على أن ما أصابك من خسران فنهو علي أو قال رجل لرجل إن هلك عبد هذا فأنا ضامن به لا تصح هذه الكفالة * الكفالة بالخراج جائزة يرجع على المكفول عنه إن كان الكفالة بأمره* وإن كفل عن رجل بالجنايات اختلفوا فيه والصحيح أنها تصح ويرجع على المكفول عنه إن كان بأمره* وكذا السلطان إذا(3/31)
صادر رجلا فأمر الرجل غيره أن يؤدي عنه المال كل ما هو مطلب به حسابا جازت الكفالة به وإن أمره بذلك إن قال علي أن ترجع علي بكذا كان له أن يرجع عليه ,عن لم يقل على أن ترجع بذلك علي اختلفوا فيه والصحيح أنه يرجع * ذكر في السير المسلم إذا كان أسيرا في يد أهل الحرب فاشتراه رجل منهما إن اشتراه بغير أمره يكون متطوعا لا يرجع بذلك على الأسير فيخلي سبيله* وإن اشتراه بأمره في القياس لا يرجع المأمور على الآمر وفي الاستحسان يرجع سواء أمر الأسير أن يرجع بذلك عليه أو لم يقل علي أن ترجع بذلك علي وهو كما لو فقال الرجل لغيره أنفق من مالك على عيالي أو أنفق في بناء داري فأنفق المأمور كان له أن يرجع على الآمر بما أنفق* وكذا الأسير إذا أمر رجلا ليدفع الفداء ويأخذه منه فهو بمنزلة ما لو أمره بالشراء * رجل يدعي على رجل غائب ألفا فقال رجل للطالب لك علي ألف درهم إذا قدم فلان الغائب جاز* ولو قال إن أقر لك فلان بألف درهم فأنا كفيل بذلك جاز* ولو قال بع عبدك هذا من فلان بألف درهم علي أني ضامن لها فباعه بخمسمائة كان له أن يأخذ الكفيل بخمسمائة * ولو باع <ج3 63> المولى عبده بألفي درهم ضمن الكفيل ألفا* ولو أن رجلين كانا في السفينة فقال أحدهما لصاحبه ألق متاعك على أن متاعي بيننا فألقاه يضمن نصف قيمته* رجل كفل عن رجل بألف يدعيه ثم أقام الكفيل البينة أن الألف التي ادعاها على المكفول عنه ثمن خمر لي يقبل ذلك من الكفيل* رجل قال إن تقاضيت فلانا فلم يعطك فأنا ضامن بمالك فمات المطلوب قبل التقاضي ذكر ابن سماعة رحمه الله تعالى في النوادر أنه يبطل الضمان * رجل كفل عن رجل بمال والطالب غائب والمكفول عنه حاضر فأجاز الغائب بعد ذلك لا تصح الكفالة في قول أبي ح نفية ومحمد رحمهما الله تعالى وتصح في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * ولو كان المكفول عنه غائبا والطالب حاضر فأجاز الطالب جاز * رجل عليه دين لرجل فكفل رجل بالدين بحضرة الطالب والمطلوب بغير أمر المطلبو فرضي به المكفول عنه قال المكفول له رضيت بكفالبتك جاز فإن أدى الكفيل المال رجع به على المكفول عنه* ولو قال المكفول له أولا قد رضيت بكفالتك ثم قال المكفول عنه قد رضيت أو قال قد أجزت وأدى المال لا يرجع على المكفولع عنه لأن الكفالة تمت ونفذت ولزم الكفيل فلا تتغير بإجازة المكفول عنه* مريض قال لورثته إن للناس علي ديونا فاضمنوا عني فضمنوا وأرباب الديون غيب جاز استحسانا * وإن قال الصحيحي ذلك لورثته وأصحاب الديون غيب يجوز ذلك وكذا لو حضر صاحب الدين وقال رضيت لا يجوز أيضا ولو أ، المريض لم يطلب من الورثة ذلك وقال ورثته ضمنا للناس كل دين عليك والغرماء غيب لا يجوز ذلك الضمان ولو قالوا ذلك بعد موت المورث جاز* وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يجوز في لاوجهين وعن أي حنيفة رحمه الله تعالى إذا ضمن الوارث في مرض موته جاز وإن لم يطلب المريض منه ذلك ) رجل كفل عن رجل بمال ثم إن المكفول عنه أعطى الكفيل رهنا ذكر في الأصل أنه لو كفل بمال مؤجل على الأصيل فأعطاه المكفول عنه رهنا بذلك جاز الرهن* ولو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به إلى سنة فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم ثم أعطاه المكفول عنه بالمال رهنا إلى سنة كان الرهن باطلا لأنه لم <ج3 64> يجب المال للكفيل على الأصيل بعده وكذا ولو كان الكفيل قال للطالب في الكفالة إن مات فلان ولم يؤدك المال فهو علي ثم أعطاه المكفول عنه رهنا لم يجزه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر أنه يجوز * ولو أبرأه الطالب عن هذه الكفالة لا يجوز الإبراء قال في الأصل وكل حق ال يجوز الرهن به لا يجوز الإبراء عنه * رجل باع دارا أو كفل رجل المشتري بما أدركه فيها من درك فأخذ المشتري بذلك منه رهنا ذكر في الأصل أن الرهن باطل ولا ضمان على المرتهن والكفالة جائزة * وذكر في النوادر عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز الرهن بالدرك سواء أخذ الطالب أو الكفيل وآخذ الرهن يكون ضامنا * رجل كفل عن رجل بأمره بجياد فأدى الزيوف وتجوز الطالب فإن الكفيل يرجع على الأصيل بما كفل وهو الجياد* ولو أمر المديون رجلا بأداء الجياد عنه فأدى الزيوف فإنه يرجع بالزيوف* ولو اشترى شيئا بالجياد فنقد الزيوف ورضي به البائع رجع المشتري على الشفيع بالجياد * ولو اشترى شيئا بالجياد وأعطاه زيوفا فباعه مرابحة يبيعه مرابحة على الجياد التي وقع عليها العقد* ثم مسائل الأمر بنقد المال عنه أربعة أقسام منها ما يرجع المأمور على الآمر سواء قال له الآمر ادفع عني أو لم يقل ذلك خليطا كان المأمور له أو لم يكن* والثاني ما يرجع فيها إذا كان المأمور خليطا للآمر ولا يرجع إذا لم يكن* ولثالث ما لايرجع في جميع الأحوال إلا إذا شرط الآمر الضمان وقال على أني ضامن * والرابع ما يرجع إذا قال الآمر عني ولا يرجع إ1ا لم يقل ب1لك * أما الأول رجل قال لغيره اكفل لفلان بألف درهم عني أو قال انقد فلانا ألف(3/32)
درهم له علىي أو قال اضمن له عني أو قال ادفع إليه الألف التي له علي أو قال ادفع عني ألف درهم ففعل المأمور فإنه يرجع على الآ/ر في هذه المشسائل بما دفع في رواية الأصل * عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في المجرد إذا قال لآخر اضمن لفلان الألف التي له علي فضمنا وأدى إليه يكون متوعا في الضمان ولا يرجع على الآمر إلا أن <ج3 65> يكون خليطا للآمر فيرجع عليه* وكذا في قوله اضه* وأما القسم الثاني رجل قال لآخر ادفع إلى فلان ألف درهم ولم يقل عني ولا إنها لك علي فدفعها المأمور إن كان خليطا للآمر رجع بما أدى وإن لم يكن خليطا لا يرجع * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يرجع في الوجهين والخليط هو الذي يكون في عياله كالوالد ولاولد والزوجه وابن الأخ الذي في عياله أو أحيره وشريكه عنان كذا في قال في الأصل* وذكر في بعض المواضع الخليط هو الذي يأخذ منه الرجل ويعطيه ويداينه ويضع عنده المال وإن لم يكن في عياله وذكر في لا أصل إذا أمر حريفا له من الصيارفة أن يعطي رجلا ألف درهم قضاء عنه أو لم يقل قضاء عنه ففعل المأمور فإنه يرجع الصيرفي على الآمر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإن لم يكن حريفا له لا يرجع إلا أن يقول عني* وذكر في الأصل رجل قال لغيره وليس بخليط له ادفع إلى فلان ألف درهم فدفع المأمور لا يرجع به على الآمر لكن يرجع به على القابض قال لأنه لم يدفع إليه على وجه يجوز دفعه * ولاقسمن الثالث رجل قال لآخر هب لفلان عني ألف درهم فوهب المأمور كما أمر كانت الهبة من الآمر ولا يرجع المأمور على الآمر ولا على القابض وللآ/ر أن يرجع في الهبة والافع ويكون متوعا* ولو قال هب لفلان ألف درهم على أني ضامن ففعل جازت الهبة ويضمن الآمر للمأمور وللآمر أن يرجع في الثبة ولا يرجع الدافع * ولو قال أقرض فلانا ألف درهم فأقرضه لا يضمن الآ/ر شيئا سواء كان خليطا له أو لم يكن * ولو وهب رجل مالا لأجنيبي ثم إن الموهوب له أمر رجلا ليعوض الواهب عن هبته من مال نفسه ففعل جاز ولا يرجع على آمر إلا إذا قال له الآمر ف يالأمر على أن ترجع بتذكل علي فحينئذ يرجع* وكذا لو قال كفر عن يميني بطعامك أو أد زكاة مالي بمال نفسك أو أحجج عني رجلا بكذا أو أعتق عني عبدا عن ظهاري وعن بأبي يوسف رحمه الله تعالى أن المأمور يرجع على لاآمر في هذه المسائل * ولو أمر رجلا بأن يقضي دينه ولو يقل على أني ضان ولا على أن ترجع* <ج3 66> بذلك علي رجع المأمور على الآمر على كل حال * رجل عليه ألف لرج فأمر المديون رجلا أن يقضي الطالب الألف التي عليه وقال المأمور قضيت فصدقه الآممر وكذبه صاحب الدين لا يرجع المأمور على الآمر لأن المأمور بقضاء الدين وكيل بشراء ما في ذمته له فغذا لم يسلم له ما في ذمته لا يرجع المأمور على الآمر كالوكيل بشراء العين إبذا قال اشتريت ونقدت الثمن من مال نفسي وصدقه الموكل وأنكر البائع لا يرجع الوكيل على الموكل فإن أقام المأمور بيننة على قضاء الدين قبلت بينته ويرجع المأمور على آمر ويبرأ الآمر عن دين الطالب * ولو أن مدييونا قال لغيره ادفع إلى فلان رب ديني ألفا يقبضها من دينه الذي له علي على أني ضامن لها فقال المأمور دفعت وصدقه الآمر ونكر الطالب وحلف رجع المأمور على الآ/ر ولا يبرأ الآمر عن دين الطالب لا، الإقتضاء لم يثبت بقول لامأمور ولو صدق الآمر الطالب فأقام المأمور بية على القضاء رجع المأمور على الآمر ويرجع إليه الطالب أيضا بدينه* ولو أن مديونا قال لرجل ادفع إلى فلان ألف درهم قضاء عن دينه ال…ي له علي على أني ضامن لها فقال المأمور قضيت وصدعه الآمر وأنكر الطالب وحلف أنه لم يقض منه شيا كان القول قول الطالب ولا يبرأ الغريم عن دينه ولا يجع المأمو ر على الآمر ذكر المسائل في الجامع * رجل أمر رجلا ليقضي دينه الذي لفلان عليه فقضى المأمور الدين وأراد أن يرجع على الآمر فقال الآمر ما كان لفلان علي شيء أصلا ولا أمرتك أن تقضيه وإن فلانا لم يقبض منك شيئا وصاحب الدين غائب فأقام المأمور بينة على الدين وعلى أنه أمره بالقضاء وأنه قضاه فإن القاضي يقض بما للغائب على آمر ويقضي بحق الرجوع للمأمور على الآمر لأن حق المأمور تعلق بجميع ذلك فكان خصما في إثباته * رجل قال لجماعة اشهدوا أني قد ضمنت لهذا الرجل بالألف التي له على فلان ثم إن المديون أقام البينة له كان قد قضاه قبل أن يضمنه الكفيل قبلت بينةه ويبرأ المديون عن دين الطالب ولا يبرأ الكفيل عن الطالب لأن قول الكفيل ذلك كان <ج3 67> إقرار منه بالدين عند الكفالة فلا يبرأ الكفيل * ولو أقام المديون بينة على القضاء بعد الكفالة برئ المديون والكفيل جميعا * رجل أمر رجلا أن يقضي دينه من مال نفسه فامتنع المأمور عن القضاء لا يجبر لأن قول المأمور كان وعدا والوعد غير لازم إلا إذا قبل وكفل فحينئذ يجبر على القضاء* رجل دفع إلى صبي محجور عشرة دراهم وقال له أنفقها على نفسك فجاء إنسان وضمن للدافع هذه العشرة(3/33)
لا يصح ضمانه لأنه ضمن عن الصبي ما ليس بمضمون عليه * ولو ضمن قبل الدفع إلى الصبي فقال ادفع إلى هذا الصبي هذه العشرة على أني ضامن لك عنه بهذه العشرة صح ذلك ويكون الضامن مستقرضا العشرة من الدافع آمرا له بدفعها إلى الصبي ويصير الصبي نائبا عه في القبض أولا * وكذلك الصبي المحجور إذا باع شيئا وقبض الثمن فجاء انسان وكفل للمشتري بالدرك إن كفل بعد ما قبض الصبي الثمن لا تصح كفالته وإن كفل قبل ذبلك صحت الكفالة * مكاتب قتل رجلا عمدا فصالح من الدم على عبد بعينه وكفل رجل بالعبد فهلك العبد قبل التسلم كان لولي الم أن يأخذ الكفيل بقيمة العبد وإن شاء طال المكاتب أيضا بقمة العبد لأن الصلح عن دم العمد لا يبطل بهلاك البدل قبل التسلم فإذا عجز عن تسليم العبد مع الموجب للتسليم يطالب بقمة البدل فهو بمنزلة ما لو كفل رجل بالمغصوب فهلك الغصب كان على الكفيل قيمته* وإن كان القاتل حرا فصالح عن الدم على عبد وكفل رجل بالعبد فهلك العبد قبل التسلم كان هذا والاول سواء * وكذا لو كان العبد صداقا بدل خلع لأن هذه العقود لا تبطل بهلاك البدل قبل التسليم وللمصالح أن يبيع العبد قبل القض لأن العبد مضمون بنفسه فجاز فيه التصرف قبل القبض * ولو أن المكاتب صالح عن الدم على مال مؤجل في الذمة والقتل ثابت بإقراره أو بالبينة وكفل إنسان بالبدل ثم عجز المكاتب ورد إلى الرق لم يكن للمصالح أن ياخذ المكاتب حتى يعتق لأنه التزم المال في الذمة عوضا عن الدم فصح ذلك في حقه لا في حق المولى فإذا خلص أكسابه بالحرية يرخذ به وللمصالح أن يأخذ الكفيل قبل عتق المكاتب لأنه كفل <ج3 68> بمال واجب للحال وإنما أخرت المطالبة عن المكاتب قبل العتق لإفلاسه وعجزه فلا تسقط المطالبة عن الكفيل * رجل اشترى عبدا وكفل له رجل بالعهد ذكر في الجامع أن ضمان العهدة باطل وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ضمان العهدة كضمان الدرك لا يجوز ويؤاخذ الكفيل بالثمن عند الاستحقاق واختلفت الروايات في ضمان الدرك قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى الكفيل بالدرك كفيل بالثمن إذا استحق المبيع * رجل باع دارا أو جارية وقبض الثمن ولم يسلم المبيع فكفل له رجل أن يسلمها إليه أو يدفعها إليه فهو سواء وهو ضامن ويحبس حتى يدفع الجارية إلى المشتري فإن ماتت الجارية قبل أن يدفعها إليه برئ عن الضمان* وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر إذا باع دارا أو جارية وقبض المن وضمن رجل قبل القبض ليسلمها أو يرد الثمن أو قال أنا ضامن بتسليمها ولم يرد على ذلك فهو سواء في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى إن ماتت الجارية أو استحقت أو كانت حرة أو مديرة أو أم ولد أو مكاتبة للبائع أو لغيره كان الضامن رد الثمن والمشتري بالخيار إن شاء أخذ البائع بذلك وإن شاء أخذ الضامن * ولو كان البائع دفعها إلى المشتري والمسألة بحالها كان للمشتري الخيار إن شاء رجع بالهمن على البائع وإن شاء رجع على الضامن في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وقال الحسن رحمه الله تعالى من قول نفسه برئ الضامن عما ضمن * ولو كان الضامن بهذه اللفظة ما أجركه فيها من درك أو ما تبعه فيعا من تبعة قال ذلك قبل أن يقبضها المشتري أو بعدما قبضها والمألة بحالها كان للمشتري أن يأخذ البائع أو الضامن بالخمن ر89 رجل أربرأ زوج ابنته عن مهرها أو وهب المهر منه على أنه 1امن فلم تجز الابنة لا يجب على الوالد شيء لأنه لم يضمن شيءا كان له على غيره فلا يصح الضمان إلا إذا قال الوالدان الابنة قد وكلته بالهبة أو الإبراء وأبرأه عن مهرها أو وهبه منه وضمن أنها لو انكرت التوكيل فطالبت زوجها وأخذت منه المهر فالأب ضامن لذلك كان على الأب ضمان ما أخذت من الزوج بغير حق* رجل كفل عن رجل بألف بأمره ثم ادعى الكفيل أن الألف التي كفل بها قمارا وثمن خمر أو ما أشبه ذلك مما لا يكون واجبا لا يقبل قوله* ولو أقام البينة على إقرار المكفول له بذلك ولامكفول له بجحد <ج3 69> لا تقبل بينته ولو أراد أن يحلف الطالب لا يلتفت إليه* ولو كان الكفيل أدى المال إلى الطالب وأراد أن يرجع إلى لامكلفو عنه والطالب غائب فقال المكفول عنه كان المال قمارا أو ثمن ميتة وما أشبه ذلك وأراد أن يقيم البينة على الكفيل لا تقبل بينته ويرمربأداء المال إلى الكفيل ويقال له اطلب خصمك وخاصمه فإن حضر الطالب قبل أن يأخذ المال من الكفيل فأقر الطالب عند القاضي أن المال كان ثم خمر أو ما أشبه ذلك برئ الأصيل والكفيل جميعا * فلو أن القاضي أبرأ الكفيل ثم حضر المكفول عنه فأقر أن المال من قرض أو ثم مبيع وصدقه الطالب لزمه المال ولا يصدقان على الكفيل والحوالة في هذا بمنزلة الكفالة * مريض كفل عن رجل بمال بأمره ثم مات الكفيل وأبت الورثة أن يجيزوا الكفالة فإن لم يكن الكفيل دين محيط بمالله جازت الكفالة من ثلثه وإن أقر المريض أن الكفالة بذلك كانت في صحت(3/34)
ه لزمه جميع ذلك في ماله إذا لم تكن الكفالة لوارث ولا عن وارث لأن إقرار المريض أن الكفالة كانت في صحته إقرار منه بمال كان سببه في لاصحة فيكون بمنزلة الإقرار بالدين فصح إذا كان المكفول له أجنبيا ولم يكن عليه دين محيط بماله* عبد مأذون له دين على رجل فكفل مولاه للعبد إن كان العبد مديونا جازت الكفالة فلو أن هذا العبد قضى دينه الذي كان عليه بطلت كفالة المولى * رجلان لهما على رجل دين فكفل أحدهما لصاحبه بحصته من الدين لا تصح كفالته * ولو تبرع أحدهما بأداء نصيب صاحبه عن الدين كان جائزا * وكذا الرجل إذا مات وله دين عل رجل وترك ابنتين فكفل أحدهما لأخيه عن المدينة بحصة أخيه لا تصح الكالة * ولو تبرع أحدهما فأدى حصة صاحبه من الدين صح تبرعه وهو بمنزلة الوكيل بالبيع إذا كفل بالثمن عن المشتري لا تصح كفالته* ولو تبرع بأداء الثمن عن المشتري صح تبرعه * رجل كفل في صحته فقال ما أقر به فلان لفلان فهو علي ثم مرض الكفيل وعليه دين يحيط بماله فأقر المكفول عهنه أن لفلان عليه ألف درهم لزم الميض جميع ذلك من جميع ماله* وكذا لو أقر المكفول عنه بذلك بعد ما مات الكفيل لزم الكفيل ويحاص <ج3 70> المكفول له غرماء الكفيل * رجل كفل لرجل بألف درهم ثم مات الطالب والكفيل وارثه برئ الكفيل عن الكفالة ويبقى المال على المكفول عنه على حاله وإن كانت الكفالة بغير أمره برئ المطلوب أيضا لأنه لما مات الطالب صار ذلك المال ميراثا عنه لورثته * ولو ملك الكفيل المال في حياة الطالب بالقضاء أو بالهبة يرجع على المكفول عنه إن كانت الكفالى بأمره وإن كانت بغير أمره لا يرجع على المكفول عنه وكذا إذا ملك الكفيل المال بالإرث وهذا إذا مات الطالب والكفيل وارثه فإن مات الطالب والمكفول عنه وارثه برئ الكفيل لأن المطلوب وهو الأصيل ملك ما في ذمته فيبرأ وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل * فإن كان للطالب ابن آخر مع المطلوب برئ الكفيل عن حصة المطلوب ويبقى عليه حصة الابن الآخر * رجل قال للقوم هرجه شمارا أن فلان أيدبر من قالوا هذا كلام باطل لا يلزمه شيء * رجل قال لغيره ادفع إلى فلان كل يوم درهما على أن ذلك علي فدفع إليه كل يوم درهما حتى اجتمع عليه مال كثير فقال الآمر لم أرد جيمع ذلك كان على الضامن جيمع ذلك بمنزلة قول الرجل لغيره ما بايعت فلانا فهو علي يلزمه جيمع ما بايعه وهو بمنزلة قول الرلاجل لامرأة الغير كفلت لك بالنفقة أبدا يلزمه النفقة أبدا ما دامت في نكاحه* ولو قال لها ما دمت في نكاحه * ولو قال لها ما دمت في نكاحه فنفقتك علي فإن مات أحدهما أو زال النكاح لا تبقى النفقة * ولو استأجر رجل دارا كل شهر بدرهم ولم يذكر عدد الشهور كانت الإجارة في شهر واحد فإن شكن المستأدر فيها يوما من الشهر لزمه الإجارة في الشهر الثاني وهكذا في كل شهر فعطاه المستأجر كفيل بالأجرة ما لزم المستأجر لزم الكفيل ذلك فلا تبطلب هذه الكفالة بالمةن كما لا تبطل الكفالة بالدرك وليس للكفيل بالأجر أن يأخذ المستأجر قبل أن يؤدي فإذا أدى الكفيل كان له أن يرجع بذلك على المستأجر إن كان الكفالة بأمره* وكذا لو قال لغيره ما أقر لك فلان فهو علي ثم مات الكفيل ثم أقر لفلان بشء كان ذلك في تركة الكفيل وهو بمنزلة الكفالة بالدرك (( فصل في مسائل السفتجة))(3/35)
<ج3 71> رجل جاء بكتاب السفتجة إلى رجل من شريكه أو خليطه فدفع الكتاب إلى الذي جاء إليه فقرأه المدفوع إليه ثم قال كتبتها لك عندي ذكر محمد رحمه الله تعالى في النوادر أن ذلك لا يكون ضمانا من المدفوع إليه* وكذا لو قال له الدافع اضمنها لي فقال قد أنبتها لك عندي أو قال صحيح يأخذه به صاحب السفتجة * ذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في الشروط إذا قبل المدفوع إليه كتاب السفتجة وقرأ ما فيه لزمه المال* وعن بي يوسف رحمه الله تعالى في الشروط إذا فتح المدفوع إليه كتاب السفتجة ثم أبى أن يضمن له ذلك والاعتماد على الأول أنه لا يلزمه المال ما لم يضمن أو يقول كتبتها لك علي أو قال أثتها لك علي رر رجل أقرض رجلا على أن يكتب له بذلك إلى بلد كذا لا يدوز ذلك وإن أقرض بغير شرط وكتب له بذلك إلى بلد آخر سفتجة جاز* وكذا لو قال الرجل لغيره اكتب لي سفتجة إلى موضع كذا على أن أعطيك هنا إلى أيام فلا خير فيه لأن القرض معاوضة حقيقة وإن كانت في بعض الأحكام إعارة فلشبهه بالمعاوضة يفسده الشرط الفاسد * وعن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى أنفذ أجيرا له إلى مدينة من المدائن ثم أنفذ إلى الأجير بعد خروج الأجير ممن المدينة شيئا من السود ريان ثم كتتب إلى أجيره هذا الرجل سفتجة باسم رجل فلما وصلت السفتجة إىل الأجير قبلها وأدى بعض المال وبذل لصاحب السفتجة خطابا بالباقي ثم ورج على الاجير كتاب من الأستاذ أن لا تقبل السفتجة التي كتبتها إليك باسم فلان وإن كنت قبلتها فال توقها المال ورج عليه كتاب السفتجة فقد بدا لي في ذلك وقد تبدل الامر هل للأجير ا، يمتنع عن أداء الباقي قال رحمه الله تعالى إن كان المكتوب له وهو صاحب السفتجة دقع المال إلى الذي كتب له السفتجة وضمن له المكتوب إليه صح ضمان الأري عنه ولا يكون للأجير أن سمنتنع عن أداء الباقي وإن لم يكن صاحب السفتجة دفع المال إلى الكاب لا يصح ضمان الأجري عنه وكان للأجير عنه ولا يكون للأجير أن يمتنع عن أداء الباقي وإن لم يكن صاحب السفتدجة دقع المال إلى الكاتب لا يصح ضمان الأجري عهنه وكان للأجري أن يمتنع عن أداء الباقي ولا يكون له أن يسترد ما دفع إليه* هذا إذا كان الأجير ضمن المال <ج3 72> لصاحب السفتجة فإن لم يضمن كان له أن يمتنن عن دفع المال إلى صاحب السفتجة في الوجهين * قال وبذل الخط لا يكون ضمانا منه إلا أن يقر باللسان أو يكتب لفلان علي من المال كيت وكيت وسشه
على ذلك شهودا * وسئل رج عن رجل أو رد إلى بعض التجار من رجل سفتجة فأعطاه التار بعض المال وبقي البعض هل يكون لصاحب السفتجة أن يطالب التاجر بأداء ما بقي قال مح مد رحمه الله تعالى إن كان للكاتب مال بقبل المكتوب إليه وكتب إليه أن يدفعه إلى صاحب السفتجة فأقر المكتوب إليه بالكتاب وأقر أن المال دين على المكتوب إليه للكاتب يجبر المكتوب إليه على دفع الباقي فإن لم يقر المكتوب إليه بالكتاب لا يجبر* وكذا إذا لم يقر أن المال دين عليه للكاتب لا يجبر إلا إذا أقر المكتوب إليه ا، لصاحب السفتجة دينا على الكاتب وضمن لصاحب السفتجة يصح ضمانه يؤخذ به * رجل ادعى على غيره أنه ضمن له عن فلان الغائب كذا كاذا درهما فقال المدعي عليه ليس لك علي هذا المال ولم يقل لم أضمن أيحلفه المدعلى بالله أنك لم تضمن عن فلان كذا وكذا درهما قال الشيخ الإمام هذا رحمه الله تعالى يحلفه بالله ما له عليه هذا الال من الوجه الذي يدعي قال رحمه الله تعالى وعن أبي يوسف إن عرض المدعىة عليه للقاضي فإنه يحلفه بالله ما له عليه هذا المال من الوجه الذي يدعي وإن لم يعرض حلفه بالله ما ضمن له والتعريض أن يقول المدعى عليه للقاضي إن الرجل قد يضمن ما لا يؤدي لو لم يبرئه الطالب عنه أو يرديه المضمون عنه فيبرأ عن الضمان* رجل له على رجل مال وبه كفيل فأبرأ الطالب الأصيل إن قبل الأصيل ابراءه برئ الأصيل والكفيل جميعا وإن رد الأصيل ابرائه صح رده في حقه فيبقى المال عليه وهل يبرأ الكفيل اختلف فيه المشايخ رحمه الله تعالى * ولو أبرأ الأصيل فمات الأصيل قبل الرد والقبول كان ذلك قبولا * ولو أبرأ المديون بعد موته فرد الورثة ابراءه بطل الإبراء في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ولا يبطل في قول محمد رحمه الله تعالى
(( مسائل الحوالة ))(3/36)
صحة الحوالة تعتمد قول المحتال له والمحتال عليه ولا تصح الحواله في غيبة المحتال له في قول أبي حنيفة ومحمد رحمه الله تعالى <ج3 73> كما قلنا في الكفالة إلا أن يقبل رجل الحوالة للغائب فحينئذ جاز ولا يشترط حضرة المحتال عليه لضحة الحوالة حتى لو أحاله على رجل غائب ثم علم الفائب فقبل صحة الحةالة وكذا لا تعتبر حضة رالمحيل حتى لو قال رجل لصاحب الدين لك على فلان بن فلان ألف درهم فاحتل بها علي فرضي الطالب بذلك وأجاز صحت الحوالة حتى لا يكون له ان يرجع بعد ذلك * ولو قال رجل للمديون إن لفلان بن فلانن عليك ألف درهم فأحل له بها علي فقال المديون أحلت ثم بلغ الطالب وأجاز لا يجوز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى * والحوالة على نوعين مطلقة ومقيدة وكلتاهما جائزة * وصورة المطلقة ان يحيل على ردل للمحيل عليه دين أو لم يكنن فقال للطالب أحلتك بالألف التي لك على هذا الرجل ولم يقل ليؤديها من المال الذي لي عليه وهذا النوع من الحوالة يوجب براءة المحيل عن دين الطالب إلى أن يهلك المال على المحتال عليه فيعود الدين إلى ذمة المحيل * وهلاك المال على المحتال عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يكون على وجهين * أحدهما أن يموت المحتال عليه مفلسا ولم يدع مالا لا عينا ولا دينا على ردل ولا كفيلا بالمال المحتال به * والثاني أن يجحد المحتال عليه الحوالة ويحلف ولم يكن للمحيل ولا للمحتال عليه الحوالة ويحلف ولم يكن للمحيل ولا للمحتال له بينة على الحولى وهو من جملة هلاك المال على المحتال عليه فتبطل الحوالة ويعود المال على المحيل في ظاهر الرواية وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمه الله تعالى هلاك المال يكون بهذين الطريقين وبتفليس القاضي المحتال عليه * ولو مات المحتال عليه مفلسا وعند المحتال له رهن بالمال لغير المحتال عليه بأن استعار المحتال عليه من آخر عينا ورهنه عند المحتال له رهنا بالمال أو رهنن رجل عند المحتال له رهنا بالمال تبرعا جعل المحتال له مسلطاً على بيعه أو لم يجعل مسلطا على بيعه ثم مات المحتال عليه مفلسا ولم يدع ما لا يعود الدين إلى ذمة المحيل بخلاف ما لو مات المحتال عليه مفلسا وبالمال كفيل فإنه لا يعود الدين إلى ذمة المحيل ثم في الحوالة المطلقة إن كان للمحيل دين على المحتال عليه فأدى المحتال عليه ما الحوالة برئ المحيل والمحتال عليه عن دين <ج3 74> الطالب وإن لم يكن للمحيل دين على المحتال عليه رجع المحتال عليه بذلك على المحيل لأنه قضى دينه بأمره فيرجع بذلك * والحوالة المقيدة صورتها أن يكون للمحيل ما عند المحتال عليه من ودينعة وغصب أو عليه دين فقال أحلبت الطالب عليك بالألف التي له علي على أن تؤديها من المال الذي لي عليك وإذا قبل المحتال عليه برئ المحيل عن دنين الطالب فإن كان الحوالة مقيدة بالألف التي له على المحتال عليه فمات المحتال عليه مفلسا أو جحد المحتال عليه الحوالة وحلف ولم يكن للمحيل ولا للمحتال له بينة على الحوالة بطلت الحوالة وعاد دين الطالب على المحيل * وكذا إذا أفلس القاضي المحتال علهي عندهما * وإن كانت الحوالة مقيدة بوديعة كانت عند المحتال عليه وهلكت الوديعة أو استحقت تبطل الحوالة ويعود الدين على المحيل* وإن كانت الحوالة مقيدة بغصب كان عند المحتال عليه فاستحق الغصب بطلت الحوالة * وإن هلك الغصب لا تبطل الحوالة إذا كان فيه وفاء بمال الحوالة فيكون الضمان قائما مقام الغصب وما دام المال الذي تفيد به الحوالة قائماً لا يكون للمحيل أن يأخذ ماله ولا دنيه من المحتال عليه لأن ذلك المال صار مشغولا بمال الحوالة * وإن كان الحنوالة مطلقة وللمحيل دين على المحتال عليه أو عين في يده كان للمحيل أن يأخذ دينه أو عينه من امحتال عليه * ولو كان الحولة مقيدة بثمن عبد كان للمحيل على المحتال عليه ثم انفسخ بيع العبد بخيار رؤية أو شرط أو عيب قبل القبض أو بعده بقضاء قاض أو هلك العبد المبيع قبل التسليم بطل الثمن عن المحتال عليه ولا تبطل الحوالة استحسانا * وإن استحق العبد المبيع بطلبت الحولاة قياسا واستحسانا في رواية الأصل من الكفالة * وكذا لو كاتب المولى أم ولده ثم أحلا عليه غيرما من غرمائه ببدل الكتابة ثم مات المولى تعتق أم الولد وتبطل الكتابة ولا تبطل الحوالة استحسانا * ولو كانت الحوالة بألف كانت للمحيل على المحتال عليه ثم إن المحتال له أبرأ المحتال عله عن مال الولاة برئ المحيل والمحتال عله عن دين المحتال له المحيل بالحوالة والمحتال علنيه بالإبراء ويرجع المحيل بدنيه على <ج3 75> المحتال عليه* ولو وهب المحتال له مال الحوالة للمحتال عليه تجوز الهبة ويبطل ما كان للمحيل على المحتال عليه ولا يكون للمحيل أن يرجع بدينه على المحتال عليه* ولو كانت الحوالة مقيدة بوديع كان عند المحتال عليه فمرض المحيل فدفع المحتال عليه الودية إلى المحتال له ثم مات المحيل وعيه ديون كثيرة لا يضمن لالمودع شيئا(3/37)
لغرماء المحيل ولا يسلم الوديعة إلى المحتال له بل تكون بينه وبن غرماء المحيل بالحصص ولو أن المحتال عليه أمسك الوديعة لنفسه وقضى دين المحتال له من مال نفسه كنت الوديعة له ولم سكن متبرعا استحسانا* ولو أن صاحب الدين أحال بدينه على رجل بغير أمر المديون على أن يكون المديو برئا از* فإن مات المحتال عليه أو وهب المحتال له المال من المحتال عيه لا يرجع المحتال عليه على المديونه بشء وإن مات المحتال هل وورثه المديون كان للمديون الذي عليه اصل المال أن يرجع على المتال عليه لأن المحتال له مطالبة المحتال علهي فانتقل ذلك إلى وارثه* رجل له على رجل ألف درهم فأحال صاحب الدين رجل على المديون بالألف التي له عليه فقبض المحتال عليه فقال المحيل للقابض ما كان لك علي شيء وإنما أمرتك بقبض المال منه بطريق الوكالة وطالبه بدقع المقبوض ليه وقال القابض بل كان لي عليك ألف فأحلتني بها عليه كان القول قول المحيل لأن القابض يدعي عليه دينا وهو ينكر* ولو أن المحتال عليه أدى مال الحوالة وقال للميل ما كان لك علي شيء وقد قضيت دينك بأمرك فلي أن أرجع علك وقال المحيل لا بل كان لي عليك ألف كان القول قول المحتال عليه * ولو كان المحتال له غائبا فأراد المحيل أن يقبض ماله من المحتال عليه وقال أحلته بوكالة ولم يكن له علي دين قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا أصدقه ولا أقبل بينه لأنه قضاء على الغائب * وقال محمد رحمه الله تعالى يقبل قول المحيل أنه وكله * رجل عليه دين لرجل فأحال صاحب الدين بجمسع ماله وهو ألف على رجل وقبل المحتال عليه الحوالة ثم إن المحيل أحال الطالب على رجل آخر بجميع ماله عله وقبل المحتال عليه الثاني ذكر في الأصل أن الحوالة الثانة تكون نفضا للحوالة الاولى لأنه لا صحة(3/38)
<ج3 76> للثانية إلا بعد نقض الأولى والمحيل والمحتال له يملكان النقض فإذا نقضا الحوالة الأولى انتقضت وبرئ المحتال عليه الأول * وهو بخلاف ما إذا كان لرجل على رجل دين وبه كفيل وأعطاه كفيلا آخر فإن الكفالة الثانية لا تكون ابطلا للكفالة الأولى لأن المقصود من الكفالة التوثق مع بقاء الدين على الأصيل وضم الكفيل إلى الكفيل يزيد في التوثق ولو كانت الحوالة مطلقة ثم إن المحيل قضى دين المحتال يجبر المحتال له على القبول ولا يكون المحيل متبرعا * ولو أبرأ المحتال له المحيل عما كان على المحيل أو وهبه منه لا يصح ولا يكون هذا كالرجل إذا كان له دين مؤجل على رجل فأبرأه عن الدين قبل حلول الأجل أو وهبه منه صح ذلك * رجل عليه ألف حالة لرجل وللمديون على آخر ألف درهم حالة فأحال المدين الأول صاحب دينه على المديون الثاني حوالة مقيدة بما عليه صحت الحوالة * ولو أن المحتال له آخر المحتال عليه سنة لا يكون للميل أن يرجع على مديونه بما كان له عليه لأن ما كان له على مدينهه صار مشغولا بدين الحوالة وبالتأخير أبرأ المحتال عليه عن دين الحولاة كان للميل أن يرجع على مديونه بدينه حالة * رجل أحلا رجلا على رجل بدين وقبل المحتال عليه الحولاةى على أن يعطي المحتلا عليه مال الحوالة من ثمن دار نفسه أو من ثمن عبد نفسه جازت الحوالة ولا يجبر المحتال عليه على بيع داره ولا بيع عبده * وهو بمنزلة ما لو قبل الحوالة على أن يعطي المال عند الحصاد أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجر على أداء المال قبل الأجل * ولو كانت الحوالة بشرط أن يعطي المحتال عليه ما الحوالة من ثمن دار المحيل أو من ثمن عبده كانت الحوالة باطلة لأن هذه حوالة بما لا يقدر على الوفاء بها وهو بيع الدار والعبد فإن الحوالة بهذا الشرط لا تكون توكيلا ببيع دار الميل أو عبده* رجل عليه دين لرجل وبه كفيل فأحال الكفيل الططالب بالمال على رجل فبل المحتال عليه برئ الأصيل والكفيل جميعا إلا أن يشترط الطالب في الحوالة براءة الكفيل خاصة فحينئذ لا يبرأ الأصيل* رجل عليه دين فجاء الطالب يتقاضى دينه فقال <ج3 77> المديون قد أحلتك به على فلان وفلان غائب وقت الخصومة فقال الطالب لم أقبل الحوالة كان القول قول الطالب والبينة على المطلوب وهو المحيل فإن أقام المطلوب بينة على ما ادعى ذكر في الأمالي أن القاضي يقبل البينة ويؤخر الأمر حتى يحضر الغائب فإنه خصم مع الطالب فإذا قدم الغائب وأنكر الحوالة أمر المطلوب بإعادة البينة في وجهه ولا يقضي عليه بتلك البينة وإن لم يكن للمطلوب بينة على ذلك وطلب المطلوب بيمين الطالب قبل حضور الغائب كان له ذلك فإن نكل الطالب برئ المطلوب عن الدين * رجل عليه دين لرجل فأحال الطالب على رجل ليس عليه للميحيل دين فجاء فضولي وقضى المال عن المحتال عليه تبرعا كان للمحتال عليه أن يرجع على المحيل كما لو ادعى المحتال علهي المال بنفسه وليس علهي دنين كان له أن يرجع على المحيل * ولو كان للمحيل دين على المحتال عليه فأحال الطالب على مديونه بذلك المال ثم جاء فضولي وقضى دين المحتال له عن المحيل الذي عليه أصل المال كان للمحيل أن يرجع بدينه على المحتال عليه لأنه قضاء الفضول يعنه كقضائه بنفسه ولو قضى المحيل دين الطال ببمال نفسه بعد الحوالة كان له أن يرجع على المحتال عليه بدينه كذلك هاهنا * وليس للفضولي أن يرجع على الذي عليه أصلا المال لأنه متبرع * ولو اختلف المحيل والمحتال عليه كل واحد منهما يدعي أن الفضولي قضى عنه والفضولي لم يبين عند القضاء أحدهما بعينه يرجع إلى قول الفضولي عن أيهما قضيت فإن مات الفضولي قبل البيان أو غاب كانا القضاء عن المحتال عليه لأن القضاء يكون عن المطلوب ظاهرا* البائع إذا أحال غريما له على المشتري حوالة مقيدة بالثمن لا يبقى للبائع حق الحبس* ولو أحال المشتري البائع على غريم له كان للبائع حق الحبس في ظاهر الرواية وذكر في الطلاق من الإملاء إذا أحال الزوج امرأته بصداقها على آخر كان للزوج أن يدخل بها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * ولو أحالت المرأة زوجها بالمخر غرما له اكان له اان تمنع نفسها لأن غرمها بمنزلة وكليلها فلما لي يل الصداق إلى وكيلها <ج3 78> كان لها حق المننع * رجل عليه ألف لرجل فأحاله بها على رجل ثم إن المتال عليه أحال الطالب بها على الذي عليه الأصل ذكر ف النوادر أن المحتال عليه يبرأ منه وإن نوى المال على الذي عليه الأصل لم يعد المال إلى المحتال عليه الاول وكأنه جعل الحوالة على الأصيل نقضا للحوالة الأولى وبعدما انقضت الأولى لا يعود إليه المال * رجل له على رجل مال فقال الطالب للمديون أحلني بمالي عليك علىفلان على أن ضامن لذلك ففعل فهو جائز ولو أن يأخذه بالمال أيهما شاء لأنه لما شرط الضمان على المحيل فقد حعل الحوالة كفالة لأن الحولة بشرط عدم براءة المحيل كفالة * رجل أحال رجلا على رجل بمال فغاب المحتال عليه بعد ذلك ثم جاء(3/39)
المحتال عله وقال جحدني المتال عليه أن يكون لي عليه شيء قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يصدق المحتال له وإن أقام البية أنه جحده لا تقبل البينة لأن المشهود عليه غائب 8 وإن كان المحتال عليه حاضرا وجحد الحوالة وليس للمحتال له بينة كان جحوده فسخا للحوالة فيكون القول قوله في ذلك * رجل أحال امرأته بصداقها على رجل وقبل الحوالة ثم غاب الزوج فأقام المحتتال عليه بينة أن نكاحها كان فاسدا وبين لذلك وجها لا تقبل بينته* ولو ادعى على المرأة أنه كانت أبرأت زوجها عن صداقها أو أن الزوج أعطاها المهر أو باع بصداقها منه شيئا وقبضت قبلت بينه وإن كان المبيع غير مقبوض لا تقبل بينته* وكذا إذا كان مقبوضا وهو قائم بعينه لا تقبل بينة المحتال عليه وكذلك في الكفيل * رجل اشترى من رجل عبدا بألف درهم وكفل بالثمن كفيل ثم إن الكفيل أحال البائع على رجل ثم إن البائع اراد أن يأخذ المال من المشتر يلم يكن له ذلك لأن الكفيل قائم مقام المشتر * ولو أحال المشتري بالثمن على رجل لا يبقى له مطالة المشتري* اشترى من رجل عبدا وبضه ثم إن المشتري أحال البائع بالثم عل رجل ليس للمشتري عله مال ثم إن المشتري نقد المال من عنده عن المحتال عليه جاز ولم يكن للمتال علييه أن يرجع بذلك على المشتري* <ج3 79> وكذلك لو قضاه أجنبي عن المشتري* إن قضاه أجنبي عن المحتال عليه كان للمحتال عليه أن يرجع على المشري لأن قضاء الأجنبي عن المحتال عليه بمنزلة قضاء المحتال عليه* ولو قضاه الاجنبي ولم يبين كان القول قوله بعد ذلك فإن كان الأجنبي ميتا أو غائبا كان القضاء عن المحتال عليه وهو نظير ما قلنا * رجل اشترى من رجل دابة وقبضها وأحال البائع بالثمن على رجل ثم إن المشتري وجد بالدابة عيبا فردها بقضاء القاضي لم يكن للمشتري أن يرجع بالثم على البائع ولكن البائع يحيله بها على المحتال عليه شاهدا كان المحتال عليه أو غائبا ويكون القول قول البائع أنه لم يأخذ الثم من المحتال عليه وكذا لو كان الرد بغير قضاء فإنه لا يؤخذ المال من البائع وإن كان البيع فاسدا فأبطله القاضي ورد الدابة رجع المشتري بما كان له على المحتال عليه والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
((كتاب الصلح))
(فصل في الصلح عن الميراث والوصية )(3/40)
إذا صولحت المرأة عن ثمنها وصداقها والورثة يعترفون بنكاحها فإن كان من التركة دين على الناس فصولحت عن الكل على أن يكون نصيبها من الدين للورثة أو صولحت عن التركة ولم يقل شيئا كا نالصلح باطلا لأنه تصير مملكة نصيبها من الدجين للورثة وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض باطل وإذا فسد العقد في حصة الدين فسد في الباقي * أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلان من مذهبه أن العقد إذا فسد في البعض لمفسد مقارن يفسد في الكل وأما عندهما فأن الدين لس بمال حقيقة فغذا شرط في العقد تمليك ما ليس بمال بطل في الكل كما لو جمع بين حر وعبد فباعهما صفقة واحدة فإن طلبوا تجويز هذا الصلح على أن يكون نصيبها من الدين للوارث فطريق ذلك ان تشتري المرأة من الوارث عينه من أعيان الوارث بمقدار نصيبها من الدين ثم تحيل الوارث على غريم الميت بحصتها من الدين ثم يعقدون الصلح بينهم من غير أن يون ذلك شرطا في الصلح* وإن صالحت ورثة زوجها عن أعيان التركة خاصة دون الدين فهو على وجوه ثلاثة * أحدها أن يكون بدل الصلح من الدرامن والدنانير وليس <ج3 80> في التركة من جنس ذلك فهو جائز على ك لحال * وإن كان في التركة نقد من جنس بدل الصلح بأن كان في التركة دراهم فصولحت على دراهم إن كان بدل الصلح أكثر من حصتها من دراهم التركة جاز لأنه خلا عن الربا * وإن كانت حصتها من دراهم االتركة منثل بدل الصلح أو أكثر كان باطلا لأن ما سوى بدل الصلح من الأعيان يكون خاليا عن العوض * هذا إذا علم فإن كان لا يعلم أن نصيبها من التركة أقل من بدل اللصلح أو أكثر اختلف المشايخ رحمه الله تعالى فيه* قال بعضهم يفسد العقد على كل حال سواء علم أن في التركة نقدا من جنس بدل الصلح أو لم يعلم لأن هذا عقد يشك في جاز فلا يدوز بالشك والصحيح ما قاله الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى أن الشك إن كان في وجود ذلك في التركة يجوز العقد لأن الثابت هاهنا شبهة للشبهة وشبهة الشبهة لا تعتبر وإن علم ودود ذلك في التركة لكن لا يدري أن بد لال اصلح أقل من حصتها من دراهم التبركة أو أكثر او مثله فسد العقد هاهنا لاأن مقابلة الفضة لا تجوز إلا بشرط التساوي فإذا وقع الشك في التساوي لا يجوز كما لو باع الفضة بالفضة مجازفة * قال الحام الشهيد رحمه الله تعالى إنما يبطل الصلح عن أقل من حصتها من مال الربا في حال التصادق أما في حالة الجحود والمناكرة يجوز الصلح وجه ذلك أن في الة الانكار ما أخذ لا يكون بدلا لا في حق الآخذ ولا في حق الدافع فإن كان في التركة دراهم ودنانير فصالحوها على دراهم ودنانير يجوز الصلح عندنا على كل حال في ظاهر الرواية ويصرف الجنس إلى خلا ف الجنس تحريا للصحة * وإن صالحوها على حيوان معين أو عرض جاز الصلح سواء كان في التركة عرض من جنس ذلك أو لم يكن * وهذا الذي ذكرنا إذا صالحوها وليس على الميت دين فغن كان على الميت دين فصولحت المأرة عن ثمنها على شيء لا يجوز الصلح لا الدين القلي يمنع جاز التصرف في التركة فإن طلبوا الدجاز فطريق ذلك أن يضمن الوارث دين الميت بشرط أن لا يرجع في التركة أو يضمن أجنيبي بشرط براءة الميت أو يؤدوا دين الميت من مال آخر ثم يصالحوها عن ثمنها أو صداقها على نو ما قلنا وغن لم يضم الوارث لغريم الميت ولكن عزلوا عينا لدين الميت أو يؤدوا دين الميت من ما ل آخر ثم يصالحوها عن ثمنها أو صداقها على نحوا ما قلنا وإن لم يضمن الوارث لغريم الميت ولكن عزلو عينا لدين الميت فيه وفاء بالدين <ج3 81> ثم يصالحوها في الباقي على نحو ما قلنا فإن أجاز غريم الميت قسمتهم وصالحهم قببل أن يصل إليه حقه كان له أن يرجع عن ذلك * رجل مات وترك ابنين وعليه دين وللميت أراضي وله دين(3/41)
دراهم على رجل فصاح أحد البنين الآخر على دراهم معلومة على أن تكون الضياع له وعل أن الدراهم التي هي دين على أبيهما هو ضامن لذلك وهو كذا درهما ذكر عن أبي يوسف رحمه الله في الأمال أن الصلح جائز وغن لم يلم ما على الميت من الدين بطل الصلح * رجل أوصى لرجل بعبد أو دار فترك ابنا وابنه فصالح الابن الابنة الموصى له بالعبد على ماسئة درهم قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن كانت المائة من مالهما غير الميراث كان العبد بينهما نصفين وإن تصالحا من المال الذي ورثاه معن أبيهما كان العبد بينهما أثلاثا لأن المائة كانت بينهما أثلاثا وبذكر الخصا رحمه الله تعالى في الحيل أن الصلح إن كان عن إقرار كان العبد الموصى بينهما نصفين * وإن كان عن انكار فعلى قدر الميراث * وعلى هذا بعض المشايخ رحمه الله تعالى وكذلك في الصلح عن الميراث امرأة ادعت قبل ورثة زوها ميراثا وهم جاحدون أنها امرأة الميت فصالحوها على أقل من حصتها من المهر والميراث على دراهم معلومة ونصيبها من الميراث مت تلك الدراهم أكثر من بدل الصلح قال أبو يوسف رحمه الله تعالى الصلح جائز ولا يصلح للورثة إن علموا أنها امرأة الميت فإن أقامت المرأة البينة بعد ذلك أنها امرأة الميت بطل الصلح وهذا يوافق ما ذكرنا عن الحاكم الشهيد رحمه الله تعالى أن الصلح على أقل من حصتا من مال الربا إنما لا يجوز في حالة التصادق ويجوز في حالة الجحود رجل صالح مع امرأة أبيه من ميراثها على ألف درهم ودينار وليس للميت وارث ساواهما وفي الترة دراهم وذهب في يد الابن قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز هذا الصلح إلا أن يكون ما ترك من الذهب والفضة حاضرا عند الصلح أو يكون غصبا مضمونا على لابتن حتى لا يكون افبت1راقا من غير قبض رجل مات وترك ابنا وامرأة وترك ابنا وامرأة وتبرك عقارا وأمتعة ورقيقا فقبض <ج3 82> الابن جميع ذلك واستهلك أو لم يستهلك ثم صالحته المرأة على انكار أوإقرار على دراهم حالة أو مؤجلة جاز لأنه إذا لم يكن في مال التركة شيء من النقود أمكن تجويز العقدد مبادلة كما يجوز بين الأجايت * وإن كان في الميراث نقد ودين على ردل فصالحت المرأة ابن زوجها عن نصيبها من التركة سوى الدين جاز لأنها لما استثنت الدين يجعل كأن المستثنى ليس من التبركة * ولو صالحت عن نثسبها من العروض والعقار خاصة أو عن بعض الأعيان دون البعض جاز * ولو أقرت المأة أنها صاحلت ابن زوجها واستوفت نصيبها من كل مال ومما كان للميت على فلان بن فلان جاز * وكذا لو أقرت أنها أبرأت غريم الميت عن حصتها من الدين الذي كان عليه أو تقول أن ابن الميت فضاني حصتي من الدين من مال نفسه واستوفيت منه كان جائزا * ولو أن دارا في يد ورثة ادعى رجل فيها حقا وبقض الورثة حاضر وبعضهم غائب فصالح المدعي الحاضر منهمت على شيء مسمى من جميع حقه جاز ذلك ويكون متبرعا في هذا الصلح في حصة شركائه وصلح الأجنبي على ماله جائز فهذا أولى ولا يردع على شركائه بشيء وإن كان صالح على أن يكون حق المدعي للوارث الحاضر خاصة دون غيره فهو جائز أيضا لأن هذا الوارث يتملك حق المدعي بهذا العقد ثم هو يقوم مقام المدعهي في إثبات حقه إن أثبت سلم له وإن لم يقدر على إثباته بطل الصلح في حصة الشركاء ويرجع على المدعي بحصة ذلك من البدل * كما لو اشترى عبدا من رجل هو غصب في يد آخر إن أصبت المشتري ملك نفسه على الغاصب يسلم له وإن عجز يرجع على البائع بالثمن* رجل مات وأوصى لرجل بثلث ماله وترك ورثة صغار أو كبار فصالح بعض الورثة الموصى له من الوصية على دراهم معلومة على أن يشم لهذا الوارث حق الموصى له فهذا وما صالح بعض الورثة البعض سواء إن ملم يكن فيت التركة دين ولا شيء من النقود يجوز الصلح وإن كان فيها دين على رجل لا يجوز لأن الموصى له يملك الثلث من الدين بمنزلة الوارث* ولو كان في التركة نقد فإن كان ثلث النقد مثل بدل الصلح أو أكثر لا يجوز * وإن <ج3 83> كان بلد الصلح أكثرم من ثلث النقد جاز إذا قبض الموصى له بدل الصلح قبل الافتراق وإن افترقا قبل القبض بطل في النقد * إذا صاحلت المرأة عن ثمنها وصداقها على دراهم معلومة ولم يكن في التركة دين ظاهر ولا نقد حتى جاز الصلح ثم ظهر للميت دين لم يعلم به الورثة أو ظهر فيها عين لم تعلم بها الورثة هل يكن ذلك الدين أو العين داخلا فيا لاصحل اختلفوا فيه * قال بعضهم لا يكون داخلا ويكون ذلك الدين والعين بين جميع الورثة على حساب موارثهم لأنهم إذا لم يعلموا بذلك كان صلحهم عن الظاهر المعلزمم عند الورثة لا عن المجهول وما لم يكن ظاهرا يكون بمنزلة المستثنى عن الصلح * وقال بعضهم يكون داخلا في الصلح لأنه مصالحوا عن التركة والتركة هي المعلوم عند الورثة فعلى هذا القول إن ظهر دين للميت فسد الصلح ويهل كأن هذا الدين كان ظاهرا وقت الصلح وعلى قول من يقول لا يدخل ذلك في الصلح يكون ذلك الدين والعين بين ا لورثة ولا يبطل الصلح (( باب الصلح عن(3/42)
الدين وفيه بعض مسائل صلح الفضولي)) * رجل ادعى على رجل حقا فصالح رجل أجنبيت فهذا على وجهين أما إن كان المدعى به عينا أو دينا وكل ذلك عى لوجهين أما إن أقر المدعي عله أو أنكر * ولك ذلك على وجهين إما أن صالح الأجنبي بأمر المدعى عليه أو بغير أمره * فإن ادعى دينا فأنكر المدعى عليه فصاح الأجنبي فهو على خمسة أو جه* أحدها أن يوق الأجنبي للمدعي صالح فلانا عن دعواك على ألف درهم * أو يقول صالحتك عن دعواك على فلانت على ألف درهم أو يقول صالحني من دعواك على فلان على ألف درهم أو يقو لصالح فلانا على ألف درهم من مالي أو على ألفي هذه أو على ألف درهم على أني ضامن لها* فإن قال صالح فلانا من دعواك على ألف درهم فقال المدعي صالحت توقف الصلح على إجازة المدعى عليه إن أجاززه جاز ويلزمه البدل وإن رج بطل ويخر <ج3 > الأجنبي من البين لأن الأجنبي لم يضف الصلح إلى نفسه ولا إلى ماله ولم يضمن وصلح الفضولي لا ينفذ عليه إلا بإحدى هذه الأمور فإذا لم يوجد شيء من ذلك يتوقف * كرجل قال لغيره خالع امرأتك على ألف درهم ولم يضف إلى <ج3 84> 00 ولم يضمن يتوقف الخلع على إجازة المرأة إن أجازت نفذ علها ويلزمها المال لا على لااجبي وإن ردت بطل لأنه أضاف الخلع إليها كذلك هاهنا * وأما إذا قال الأجنبي للمدعي صالحتك من دعواك على فلان على ألف دهم اختلف المشايخ رحمه الله تعالى فيه قال بعضهم هذا والاول سواء لأنه وإن أضاف الصلح إلى نفسه فمنفعة الصلح تعةد إلى المدعى عليه والإضافة إلى نفسه محتمة تحتمل النيابة والوكالة وتحتمل غير ذلك فكأن العقد مع المدعى عليه * وقال بعضهم هذا بمنزلة قوله صالحني من دعواك على فلان على ألف درهم فثم ينفذ الصلح عله ويلزمه المال على كل حال لأنه أضاف الصلح إلى نفسه بحرف التاء كفوله ضربتك وما أشبه ذلك وهو بمنزلة قول الوكيل باشراء اشتريت فإنه يكون مضيفا العبد إلى نفسه حتى يرجع إليه الحقوق * ولو قال صالحني على ألف درهم أو قال صالح فلانا على ألف درهم من مالي أو على لأفي هذه أو ألف درهم على أن يضامن في هذهالوجوه الثلاثة ينذ الصلح على الأجنبي ويلزمه المال ولا يرجع بذلكعلى المدعى عليه إذا لم يكن بأمر المدعى عليه * أما في قوله صالحني فإن أضاف الصلح إلى نفسه فينفذ عليه ويكون هذا التزام المال بمقابلة اسقاط اليمين عن المحدعى عليه وكذا في قوله صالح فلانا بألف درهم من مالي لأن إذافة البدل إلى مال نفسه بمنزلة إ1افة العبد إلى نفسه فإ نالرجل يقول لغريه اشتر عبدا بألف درهم من مالي يكون توكيلا* وكذا قوله صالح فلانا على ألف درهم على أني ضامن فهو كقوله صالح فلانا على أن بدله علىي لا على وجه الكفال لأن الكفالة لا تكون إلا بعد وجوب المال على الأصيل وعند انكار المدعى عليه لا شيء على المدعى عليه * عذا الذي ذكرها إذا كان المدعى عليه مسكرا وصالح الفضولي بغير أمره * فإن صالح بأمره وهو منكر فهو على خمسة أوجه أيضا* إن قال المأمور للمدعي صالح فلانا من دعواك على ألف درهم نقدا الصلح على المدعى عله لأن الفضولي إذا لم يكن مأمورا في هذا الوجه كان الصلح مع المدعى عليه فإذا كان بأمر المدعى عليه ينفذ عليه ويجب المال على مدعى عليه ويخرج المأمور من البين * وإن قال المأمور للمدعي صالحتك على ألف درهم اختلف المشايخ(3/43)
<ج3 85> رحمه الله تعالى فيه على نحو ما قلنا إذا كان الصلح بغير امر المدعى علهي عند البعض يكن الصلح مع المدعى عليه فإذا كان مأمورا هاهنا نفذ على المدعى عليه وتم* وعند البعض يكون الصلح مع المدعى كما لو قال صالحني عن دعواك على ألف درهم نفذ الصلح على المأمور ويجب المال على المأمور ثم يرجع به على لاآخر لان أضاف الصلح إلى نفسه وهو مأمور فيكون بمنزلة الوكيل بالشراء * وإن قا لصالح فالنا على ألف درهم على أني ضامن نفذ الصلح على المدعى علهي والمدعي بالخيار إن شاء طالب المدعى عليه بالبدل حكم العقد وإن شاء طالب المصالح بحكم الكفالة بخلاف ما إذا لم يكن مأمرا في هذا الوجه فإن ثمة ينفذ الصلح على المصالح ولا يرجع هو على المدعى عله * هذا كله إذا كان المدعى عله منكرا فإن كان مقرا بالدين فصالح الأجنبي بغير أمره فهو على خمسةى أو جه أيضا * إن قال لأجنبي صالح فلانا على ألف درهم يتوقف الصلح على إدازة المدعى عله وإن قال صالحتك اختلف فيه المشايخ رحمه الله تعالى على الود خ الذي ذكرها * وإن قال صالحني على ألذ1 درهم نفذ الصلح على الأجنبي ويلزمه المال ولا يرجع على المدعى عليه لأنه أوجب المال على نفسه لاسقاط اليمين عن المدعى عليه * بلاف ما لو كان المدعى به عينا والمدعى عليه مقرا بكونه للمدى فصالح الأجنبي بغير أمر المدعى عليه فإن المصالح يصير مشتريا للعين لنفسه * وأما لو كان المدعى به دينا لا يصير مشتري للدين لأن شراء الدين باطل * وإن قال صالح فلانا على ألف درهم من مالي فهو بمنزلة قوله صالحني ينفذ الصلح عليه ويلزمه المال ولا يرجع على المدعي عليه * وإن قال صالح فلانا على ألف درهم على أني ضامن يتوقف ذلك على إدازة المدعى عليه لأنه أضاف الصلح إلى المدعى عليه والمدعهى عليه إذا كان مقرا بالدين أمكن حمل قوله إلا أن يضامن على الكفالة * بخلاف ما إذا كان المدعى عليه منكرا لأن ثمة تعذر حمل قوله على أن يضامن على الكفالة فيجعل ذلك إيجابا على نفسه ابتداء * هذا إذا كان المدعى عليه مقرا بالدين ولاأجنبي غير مأمور بالصلح* فإن كان مأمورا فهو على وجوه خمسة أيضا * إن قا لصالح فلانا نفذ الصلح على المدعى عليه فيجب المال عليه وإن قال <ج3 86> صالحني ينفذ الصلح على المدعى عليه أيضا فيطالب المأمور بالمال ثم هو يرجع بذلك على الآمر كالوكيل بالشراء * وكذا لو قال صالح فلانا على ألف من مالي أو قال على ألف على أني ضامن ينفذ الصلح على المدعى عليه فيجب المال على الأجيبي بحكم الكفالة لا بحكم العقد حتى لا يرجع هو على الآمر قبل الأداء بخلاف ما لو قال من مالي فإن ثمة يلزمه المال بحكم العقد حتى يرجع على الآمر قبل الأداء كالوكيل بالشراء * هذا إذا كان المدعى به دينا فإن كان عينا فهو على وجهين أما إن كان المدعى عله مقرا أو منكرا فإن كان منكرا فصالح الأجنبي بغير أمر المدعى عليه فالجواب فيه كالجواب في الدين إذا صالح عنه بأمره أو بغير أمره أما إذا كان المدعى عليه مقرا فهو على وجهين أما إن صالح بأمره أو بغير أمره فإن صالح بغير أمره فهو على خمسة أوجه إن قال صالح فلانا يتوقف على إجازة المدعى عله ولا ينفذ على الأجنبي لأن شراء الفضولي إنما ينفذ علهي إذا وجد نفاذا على العاقد وها هنا إذا لم يضف الشراء إلى نفسه لا يمكن تنفيذه عله فيتوقف كشراء المحجور يتوفق عند الكل وشراء المرتد يتوفق في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإن قال صالحتك فيه اختلاف المشايخ رحمه الله تعالى على نحو ما سبق وإن قال صالحني أو قال صالح فلانا على ألف من مالي أو على ألفي هذه فإنه ينفذ عليه لأن إضافة الصلح إلى ماله بمنزلة إضافة الصلح إلى نفسه فيصير مشتريا لنفسه وتصير العين له بخلاف الدين * ولو قال صالح فلانا على ألف على أني ضامن يتوق إن أجاز يصير كفيلا
(( فصل في الصلح عن الدين))(3/44)
رجل له على رجل ألف درهم فقضاه دراهم مجهولة لا يعرف وزنها لا يجوز * ولو أعطاه على وجه الصلحم جاز لأن الصلح ينبئ عن الاسقاط فيحمل على أن المدفوع أقل من دينه ولهذا لو كان له على رجل ألف درهم فصالحه منها على خمسائة جاز * ولو باعل ماف يذمته بخمسمائة لم يجز* رجل ادعى على رجل ألف درهم فأنكر فاصطلحا على عشرة دنانير جاز* وإن افترقا قبل القبض يبطل لأن الصلح على غير جنس الحق لا يكون إلا مبادلة والصرف يبطل بالفتراق من غير قبضض* رجل عليه رجل ألف درهم جياد فاصطلحا على <ج3 87> وافترقا قبل القبض يبطل * ولو صالح من الجياد على نبهرجة جاز ولا يكون صرفا بل يكون اسقاطا لصفة الجودة * كذا لو كانت الجياد ألفا حالة فصالحه على ألف نبهرجة إلى أجل جاز إلا أن أصل المال إذا كان قرضا وصالحه إلى أجل لا يصح التأجيل * ولو كان لرجل على رجل مائة درهم ومائة دينار فصالحمن ذلك على خسمين درهما وعشرة دنانير إلى أجل جاز لانه حط * وكذا لو صالحه من ذلك على خمسين درهما حالة أو إلى أجل جاز * وكذا لو صالحه على خمسين درهما فضة بيضاء تبرا حالة أو إلى أجل جاز لأنه صالح على ما هو دون حقه في الوزن والجود ة * ولو ادعى على رجل ألف درهم سوادا فصالحه منها بعد الإنكار على ألف درهم نجينة إلى أجل لا يدجوز لا، النديبة أفضلف من السءد والمدعى عله التزم زيادة الجودة بمقابلة الأجل فلا يجوز * ولو ادعى نجيبة فصالحه على مهل قدها سودا حالة أو إلى أدل جاز لأنه اسقاط * ولو كان لرجل قبل رجل ألف درهم غلة فصالحه منها على خمسمائة نجيبة ونقدها إياه في المجلس لا يجز في قول أبي حنيفة ومجمد وأبي يوسف الآخر رحمه الله تعالى لأنه صالح على أجود من حقه لاسقاط بعضه * ولو كان لرجدل على رجل ألف درهم فضة بيضاء فصالحعلى خمسمائة درهم تبر سود إلى أجل جاز لأن حط * وإن صالحه على خمسمائة درهم مضروبة بوزن سبعة إلى أدل لا يجوز * فالحاصل أنه إذا صالح على أدود من حقه وأنقص قدرا من حقه لا يجوز وإن صالحه على أقل من حقه قدرا وجودة أو على مثل حقه جودة وأنقص عدرا من حقه جاز * رجل له على رجل كر حنطة فصالحه عن إقرار أو انكار على نصف كر حنطة ونصف كر شعير إلى أجل بطل كله* ولو ادعى على رجل ألفا فأنكر المدعى عليه فأراد أن يصالحه على مائة فقال المدعي صالحتك على مائة درهم من الألف التي لي عليك وأبرأتك عن البقية جاز ويبرأ المدعهى عليه عن الباقي قضضاء وديانة وإن قال صالحتك من الألف على مائة ولم يقل وأبرأتك عن الباقي برئ المطلوب عن الباقي قضاء ولا يبرأ ديانة * ولو أن المطلوب قضاه الألف فأنكر الطالب فضاءه وصالحه المطلوب علىمائة درهم جاز قضاؤه ولا يحل للطالب أن يأخذ منه المائة إذا كان يعلم بالقضاء * إذا سرق خفاف الناس من <ج3 88> حانوت الاسكاف فصالح الاسكاف السارق على شيء قالوا إن كان المسروق قائما في يد السارق لا يجوز الصلح إلا بإجازة أرباب السرقة * وإن كان مستهلكا فإن لم يكن الصلح على غبن فاحش جاز الصلح ولا يتوقف على إجازة أربابها لأن للمودع أن يصالح الغاصب ويستوفي منه الضمان إذا لم يكن فيه غبن فاحش * وإن كان فيه غبن فاحش لا يجوز الصلح على صاحب الوديعة * رجل استهلك على رجل إناء فضه وقضى القاضي عله بالقيمة وافترقا بقل قبض القيمة لا يبطل القضاء عندنا * وكذا لو اصطلحا على قيمة من غير قضاء وافترقا قبل القبببض* وكذا لو كاستهلك تبر فضة أو دراهم فصالحه على أقل منها إلى أجل جاز عندنا * رجل على رجل دراهم لا يعلم وزنها فصالحه منها على عرض أو ثوب بعينه جاز لأن الثمن وإن كان مجهولا إلا أن جهالة الثمن إذا لم يكن محتاجا إلى القببض لا تمنع جواز البيع * وإن صالحه على دراهم معلومة في القياس لا يجوز ويجوز استحسانا لأن الصلح ينبئ عن التجوز بدون الحق وكذا إذا جعل لها أجلا جاز ويجعل إبراء عن البعض وتأجيلا للباقي * ولو كان بين رجليب أخذوا عطاء وبيع وقرض وشركة ومضى على ذلك زمان ولا يعرفان ما للطالب على الآخر فصالحه على مائة درهم إلى أجل جاز استحسانا لما ذكرنا في المسألة الأولى * رجل له على رجل ألف درهم فصالحه على مائة وقبض المائة ثم استحقت المائة فإنه يرجلع عليه بمائة ولا يبطل الصلح سواء كان الصلح بعد الإقرار أو بعد الإنكار * وكذا لو وجدها ستوقة أو نبهرجة يردها ويرجع بمائة جياد * وإن صالحه من الدراهم على الدنانير وقبض الدنانير ثم استحقت الدنانير بعد افتراقهما بطل الصلح * وإن استحقت قبل الففتراق يرجع عليه بمثل ذلك الدنانير ولا يبطل الصلح * ولو صالح من الدراهم على فلوس مسماة وقبضها وتفرقا ثم استحقت الفلوس بطل الصلح لا لأنه كان صرفا بل لأنه افتراق عن دين بدين * رجل له على رجل دراهم جيا د فقضاه بوفا وقال أنفقها فإن لم ترجللك فردها علي ففعل فلم ترجلقال أبو يوسف رحمه الله تعالى له أن يرد استحسانا * وهو بخلاف ما لو اشترى شيا فوجده معيبا فأراد أن يرده <ج3 89> فقال له(3/45)
البائع بعه فإن لم يسترده علي فعرضه على البيع فلم يشتر منه لم يكن له أن يرده * وجه الفرق أن ما قبض من الدراهم ليس هو عين حقه بل هو مثل حقه وإنما يصير حقا له إذا رضي به فإذا لم يصر حقا له فيكون القابض متصرفا في ملك الدافع بأمره فلا يبطل حق القابض أما في البيع المقبوض عين الحق القابض إلا أنه معيب فلم يكن قول الباع بعه إذانا له بالتصرف في ملك البائع فبقي متصرفا في ملك نفسه فبطل حقه في الرد* رجل قال لآ×ر لي عليك ألف درهم فقال له المدعى عليه إن حلفت أنها لك علي أدفعها إليك فحلف المدعي ودفع المدعى عليه الدراهم قالوا إن أدى إليه الدراثم بحكم الشرط الذي شرط فهو باطل وللدافع أن يسترد منه لأن هذا شرط باطل * رجل استقرض من رجل دراهم بخارية ببخار أو اشترى سلعة بدراهم بخارية ببخارا فالتقيا في بلدة لا توجد فيها البخاربية قالوا بؤجل قدر المسافة ذاهبا وجائيا يستوثق منه بكفيل لأنه ذو عسرة فكان له النظرة إلى الميسرة * رجل عليه دين لرجل فدفع المديون دينة إلى صاحب دينه بعد ما خرد اللصوص واستولوا عليه وامتنع الدائن عن الأخذ قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ليس للدائن أن يمتنع عن الأخذ لأن المديون أدى ما عليه فلا يكون له أن يمتنع عن القبول * وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى عندي له أن يمتنع عن الأخذ لأن أموالهم صارت في أيدي اللصوص فكان له أن يمتنع كالكفيل بالنفس إذا سلم نفس المكفول به في المفازة أو في موضع لا يقدر الطالب عن العهدة وكذا الغاصب إذا رد المغصوب في موضع يخاف عليه لا يجبر المغصوب منه على القبول كذا هاهنا وإذا لم يأخذ صاحب الدين دينه لا يخرج المديون عن العهدة * رجل غصب من رجل ألفا وأخفاها وغيبها فصالحه المالك على خمسمائة وأعطاه الغاصب من تلك الألف أو من غيرها جاز الصلح قضاء وكان على الغاصب فيما بينه وبين اللع تعالى أن يرد الباقي * وإن كانت الدراهم في يد الغاصب حيث يراها المالك فإن كان الغاصب جاحدا فكذلك الجواب لأن المجحود بمنزلة المستهلك فيجوز الصلح بطريق <ج3 90> الاسقاط فإن وجد المغصوب منه بينة بعد ذلك فأقامها يقضى له ببقية ماله لأنه إذا وجد بينة ظهر أن المغصوب لم يكن مستهلكا هذا إذا كان الغاصب جاحدا * فإن كان معرا بالغصب والدراهم ظاهرة في يده يقدر المغصوب منه على اخذها منه فصالحه على نصفها على أن أبرأه عن الباقي فهو في القياس مثل الأول يجوز الصلح قياسا وفي الاستحسان لا يجوز وعليه أن يردها على مغصوب منه لأنها ليست في معنى المستهلك وتعذر تصحيح الصلح بطريق الاسقاط لا، الإبراء عن الأعيان لا يصح وتذر تجوزه مبادلة لمكان الربا وكذلك كل ما يكال أو يوزن
(( فصل في لاإبراء عن البعض بشرط تعجيل الباقي وتعليق الإبراء عن الثمن والإبراء عن النفقة ))(3/46)
رجل له على رجل أل درهعم فقال حططت عنك منها خمسمائة * وهذه ثلاث مسائل إحداها أن يقول حططت عنك خمسمائة على أن تنقد لي خمسمائة ولم يؤقت لذلك وقتا ففي هذا الوجه إذا قبل الغريم بذلك برئ عن الخمسمائة أعطاه الباقي أو لم يعط في قولهم * والثانية أن يقل حططت عنك خمسمائة على أن تنقد لي اليوم خمسمائة فإن لم تنفذ فالمال عليك على حاله وقبل الغريم إن نقده الخمسمائة في اليوم برئ عن الباقي وإن لم ينقد في اليوم لا يبرأ في قولهم * والثالثة أن يقول حططتت عنك خمسمائة على أن تنقد الباقي اليوم ولم يرد على ذلك وقبل الغريم قال أبو حنيفة ومحمد رحمه الله تعالى هذا بمنزلة لاوجه الثاني إن يقد في اليوم برئ عن الباقي وإن لم ينقد لا يبرأ * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى فهو بمنزلة الوجه الأول أنه يبرأ عن الباقي نقد أو لم ينقد* ولو قال حططت عنك خمسمائة إن يقدت لي خمسمائة لا يصح الحط في قولهم نقد أو لم ينقد* وكذا لو قال للغريم أو للكفيل إذبا أديت إلي منها خمسمائة فأنت برئ عن الباقي* أو قال متى ما أديت إلي منها خمسمائة * أو قال إن دفعت إلاي خمسمائة فهذا كله باطل لا يبرأ عن الباقي إن أدى إليه خمسمائة ذكر لفظ الصلح أو لم يذكر فهو سواء * ولو قال للكفيل بألف حططت عنك خمسمائة على انت تعطيني الخمسمائة كفيلا اليوم أو قال علي أن تعطيني بالخمسمائة <ج3 91> رهنا فقبل ولم يعط بطل الحط* لو كان على رجل ألف درهم وبخمسمائة منها كفيل فقال للكفيل إن توفني رأس الشهر خمسمائة فعليك الألف كلها فقبل الكفيل جاز وهو كما شرط* ولو قال للكفيل بالألف حططت عنك خمسمائة على أن توفيني رأس الشهر خمسمائة فإن لم توفني فالألف عليك على حاله فهو جائز وهو كما شرط * ولو كفل رجل بالمال الحال ثم صالح الكفيل المكفول له على أن يجلع المال منجما على أنه لو أخر نجما عن محله فالمال علهي حال يجوز ويكون كما شرط لأن مثل هذا الصلح لو جرى بين صاحب المال والأصيل جاز فكذلك مع الكفيل * الكفيل بالسلم إذا صالح الطالب على رأس المال لا يصح ذلك في قول أبي حنيفة محمد رحمهما الله تعالى لأن الصلح على رئاس المال إقالة والكفيل لا يملك الإقالة * ولو صالح الكفيل الطالب على طعام من جنس السلم إلا أنه دون السلم في الجودة جاز ويجرع هو المسلم إليه بالجيد* وإن صالح الطالب الكفيل على غير جنس السلم لا يصح * ولو صالح الكفيل الأصيل على غير جنس السلم جاز* رجل ادعى على رجل ألف فانكر فاصطلحا على أن يحف المدعى عليه وهو برئ فهو علىوجهين إن اصطلحا على أن المدعى عيه إن حلف فهو برئ فحلف المدعى عليه ما له قبله قليل ولا كثير فالصلح باطل ويكون المدعى على دعواه إن أقام البينة قبلت بينته ويقضى له وإن لم يكن له بينة وأراد أن يستحلف المدعى عليه عند القاضي كان له ذلك لأن اليمين الأولى كانت عند غير القاضي فالا يقطع الخصومة وإن اصلح على أن يحلف المدعى على دعواه على أنه إن حلف * فالمدعى عليه يكون ضامنا لما يدعي فهذا لاصلح باطل * ولو حلف المدعى لا يجب المال على المدعى عليه وكذا لو قال المدعى عليه إن حلف فلان غير الطالب فالما عليه كان باطلا * وكذا لو قال إن شهد به فلان علي نفهو علي فشهد به فلان لا يلزمه * ولو قال الطالب للمطلوب أنت برئ ممن دعواي هذه8 على أن تحلف مالي قبلك شيء فحل لا يبرأ لأنه علق لابرئا بالخطر وأنه بطال * ولو ادعى على رجل ألفا فأنكر فقال المدعي أقر بالألف على أن أعطيك مائة فأقر لا تلزمه المائة * ولو قال له المدعى أقر لي بها على أن <ج3 92> أحط عن ك مائة فأقر جاز الحط * رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها فجحدت وصالحها على مائة درهم على أن تقر بذلك فأقرت صح ويلزمه المال لأن الإقرار متى قرن بالعوض يجعل ابتداء تمليك فإن الرجل إذا قال لغيره أقر لي بهذا العبد على ان أعطيك مائة درهم فأقر يصير بيعا * ولو ادعى على امراة وقال تزوجتك امس على ألف درهم فجحدت فقال الرجل أزيدك مائة على أن تقري بالنكاح فأقرت جاز النكاح ويكون له ألف ومائة * رجل صالح امرأته المطلقة من نفقتها على دراهم معلومة على أن لا يزيدها عليها حتى تنقضي عدتها وعدتها بالأشهر جاز ذلك وإن كانت عدتها بالحيض لم يجز لأن الحيض غير معلوم قد تحيض ثلاث حيض في شهرين وقد لا تحيض في عشرة أشهر ولو صالحت المرأة زوجها عن نفقة كل شهر على دراهم ثم قال الزوج لا أطيق ذلك فهو لا زم ولا يلتفت إليه إلا إذا تغير سعر الطعام ويعلم أن ما دون ذلك يكفيها* وإن صالحت المبانة زوجها من سكناها على دراهم لا يجوز لأن السكنى كانت حق الشرع وهي لا تقدر على اسقاط حق الشرع بعوض كن أو بغير عوض* ولو ادعت المائة أن زوجها طلقها ثلاثا وأنكر الزوج فصالحها على مائة درهم على أن يبرأ من الدعوى لا يصح وللزوج أن يرجع عليها بما أعطاها من البدل وتكون المرأة على دعواها* وكذا لو ادعت تطليقة أو تطليقتين أو خلقا * قوم دخلوا على رجل بيتا ليلا أو نهارا(3/47)
وشهروا عليه سلاحا وهددوه حتى صالح رجلا عن دعاه على شيء أو أكرهوه على إقراء أو إبراء ففعل قالوا في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يجوز الصلح والإقرار والإبراء لأن عنده الإكراه لا يكون إلا من السلطان وعند صاحبه تحقيق الإكراه من كل متغلب يقدر على تحقيق الإكراه من كل متغلب يقدر على تحقيق ما أوعد والفتوى على قولهما * هذا إذا شهروا عله السلاح فإن لم يشهروا عليه السلاح وضربوه فإن كان ذلك نهارا في المصر فالصلح جائز لأن غير السلاح يلبث فهو بمنزلة السلاح في هذا الحكم * هذا إذا كان في المصر نهارا فإن كان في ذلك في الطري ليلا أو نهارا أو كان في رستاق لا يلحقه الغوث كان الصلح والإقرار <ج3 93> باطلا وإن لم يشهروا عليه السلاح* والزوج إذا هدد امرأته ليصالح من الصداق على شيء أو لترئه فهو بمنزةل الأجنبي وإن هددها بالطلاق أو بالتزود عليه أو بالتسري لم يكن ذلك إكراها * من عله الدين المؤجل إذا صالح صاحب دينه على أن يجعله حالا ن لم يكن ذلك بعوض جاز لأن الأجل حقه فيملك اسقاطه* وكذا لو قال أبطلت الأجل الذي في هذا الدين أو تركت الأجل فهو بمنزلة قوله جعلته حالا و لو قال بئت من الأجل أو قال لا حاجة لي في لاأجل فهو لي بشئ والأجل على حاله وكذا لو قلا أبرأت الطالب من الأجل * من عليه الدين المؤجل إذا قضى لامال قبل حلول الأجل ثم استحق المقبوض أو وجده زوفا أو نبهرجة أو ستوقة فرده عاد عاد المال مؤجلا * وكذا لو باعه به عبدا أو صالح على عبد وقبض العبد فاستحق أو ظهر حرا أو رجه بعيب بقضاء قاض عاد المال مؤجلا * ون طلب أن يقبل الصلح على ما كان قبل الصلح أو رجده بعيب بغير قضاء كان المال مؤجلا وإن لم يسم الأجل في الإقالة والرد بالعيب بغير قضاء فالمال حال * رجلان لهما على رجل ألف درهم إن لم يكن الدين واجبا بعقد أحدهما بأن ورثا دينا مؤجلا من رجل فصاله أحدهما على مائة معجل على أن أخر عنه ما بقي من صحته وهو أربعمائة درهم إلى سنة فالمائة المقبوضة تكون بينهما وتأخير حصته وذلك أربعمائة باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لو قبض الشريك الآخر شيا كان للموهر ا، يشاركه في المقبوض على قول أبي يوسف ومحمد رحمه الله تعالى تأخيره في ثحته جائز وإن كان دينهما واجبا بإدانة أحدعما بأن كانا شريكين شركة عنان فإن أخر الذي ولي الإدانة صح تأجيله في جميع الدين وإن أخر الذي لم يباشر الإدانة على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح تأخيره في حصته وعلى قولهما يصح* وإن كانا متفاوضين فأجل احدهما دينا كان من الفوضة سح تأجيله عن الكل أيهما أجل * والوكيل بالبيع إذا أجل الثمن بعد البيع يصح تأجيله في قول أبي حنيفة ومحمد رحمه الله تعالى وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يصح * وإن حط <ج3 94> أحد الشريكين شيئا عن كان المصالح عاقدا جاز حطه حط الكل أو بعضه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويضمن نصيب شريكه إن حط الكل أم إذا حط البعض فلأنه مال في نصيبه وفي نصيب صاحبه عاقد والعاقد يمك الحط في قول أب يحنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فيصح حطه * وإن لم يكن المصالح عاقدا يجوز الحط في نصيبه عندالكل لأنه مالك وفي نصيب صاحبه لا بجوز عند الكل لأنه ليس بمالك ولا عاقد * وصلح الصبي الناجز جائز فيما يجوز فيه صلح الباقغ إل الحط بغير عيب
(( باب صلح الأعمال والصلح عن الأمانات والمضمونات والجنايات والحدود والحقوق))(3/48)
رجل دفع غزلا إلى حائك فخالف الحائك شرطه بأن أمره أن ينسج له ثوبا سبعا في أربع فنقص ونسج خمسا في أر بع أو زاد على ما شرط كان لصاحب الغزل الخيار إن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله وإن شاء ترك الثوب عليه وضمنه غزلا مثل غزله وهي معروفة فإن صالح عى أن يترك الثوب على الحائك على أن يعطيه الحائك دراهم مسماة إلى أجل ذلكر في الكتاب أنه لا جوز هذا الصح قالوا تأويله إذا ترك صاحب الغزل الثوب على الحائك وضمه غزلا مثل غزله ثم صالحه بعد ذلك على درام إلى أجل لأن الغزل دين في 1مة الحائك فإذا صالحه من ذلك دينا بدين وهو حرام * أما إذا اختار صاحب الغزل الثوب ثم صالح الحائك على أن يكون الثوب للحائك بدراهم معلومة إلى أجل كان جائزا* ولو أنهما تصالحا على أن يأخذ صاحب الغزل الثوب ويعطي الحائك الثوب للقصار أو على دراهم ليكون الثوب للقصار أو على دراهم ليكون الثوب لرب الثوب * فإن صالحه على دراهم مسماة ليكون الثوب للقصار كا جائزا حالة كانت الدراهم أو مؤجلة لأن ما يعطي القصار بدل عن الثوب وكذا لو صالح القصار على أن يدفع القصار الثوب مع الدراهم المسماة إلى صالح الثوب وإن كان الصلح بينهما على أن يأخذ من القصار حنطة مسماة إلى أجل ويحط عنه الخرق كان ذلك جائزا في حصة الثوب ولا يجوز في <ج3 95> حصة الخرق لان حصة الخرق دين على القصار فإذا صالح على حنطة إلى أجل كان ذلك في حصة الخرق سلما برأس مال هو دين فلا يجدز * ويحوز في حصة الثوب لأن فما يصص الثوب يكون القصار مشتريا للثوب بحنطة إلى أجل وذلك جائز* ولو هلك الثوب عند القصار فقال القصار قد هلك ثم صالحه على دراهم لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويجوز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فللو أن القصار رد الثوب على صالحبه وطلب الأجل وادعى صاحب الثوب أنه أوفاه الأجر لا يصدق صاحب الثوب * وإن اصطلحا على أن صاحب الثوب يأخذ من القصار نصف الأجر وهو دراهم على أن يقصر له القصار هذا لاثوب الآخر جاز ذلك * ولو ادعى القصار أنه دفع الثوب إلى صالحبه وطلب الأجر وكذبه رب الثوب فصالحه من الاجر على نصفه جاز لأن القصار أسقط نصف الأجر* الراعي الخاص أو المشترك إذا قال ماتت شاة من الغنم أو أكلها السبع أو سرقت وصالح رب الغنم أو أكلها السبع أو سرعت وصالح رب الغنم على دراهم معلومة لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن عنده الأجير المشترك لا بصنعه بمنزلة المودع وعنده الصلح مع المودع لا يدوز فكذلك مع الأجير الخاص * رجل أودع رجلا شيا فقال المودع ضاعت الوديعة أو قال رددتها عليك وأنكر صاحبها الرد أو الهلاك كان القول قول المودع مع اليمين ولا شيء عليه * فغن صالح صاحب الودينعة بعد ذلك على شيء فهو على وجوه أحدها أن يدعي صالحب المال الإيداع فقال المستودع ما أودعتني شيا ثم صالحه على شيئ معلم جاز الصلح في قولهم لأن الصلح يبني جوازه على زعم المدعي أنه صار غاصبا بالجحود فيجوز الصلح معه * والوجه الثاني إذا ادعى <ج3 96> صاحب المال الوديعة وطالبه بالرد فأقر المستودع بالوديعة أو سكت ولم يقل شيئا وصاحب المال يدعي عليه الاستهلاك ثم صالحه على شيء معلوم جازالصلح في قولهم * والوجه الثالث إذا ادعى صالح بالمال عليه الاستهلاك والمودع يدعي الرجل أو الهلاك ثم صالحه على شيء جاز الصلح في قول محمد وأبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر * واختلفوا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الصلح والصحيح أنه لا يجوز الصلح في قوله وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الاول وعيهل الفتوى وأجمعوا على أنه لو يالح بعد ما حلف المستودع أنه رد أو هلك لا يجوز الصلح إنما الخلاف فما إذا كان الصلح قبل يمين الموجع* والوجه الرابع إذا ادعى المودع الرج أو الهلاك وصاح المال لايصدقه في ذلك ولا يكذبه بل يسكت ذكر الكرخي رحمه الله تعالى أنه يجوز قي قول محمد * ولو ادعى صاحب المال الاستهلاك والمودع لم يصدقه في ذلك ولم يكذبه فصالحه على شيء ذكرنا أنه يجوز هذا لاصلح في قولهم * فإن اختلفا بعد ذلك فقال المودع كنت قلت قبل الصلح إنها قد هلكت أو رددتها فلم يصح الصلح في قول صالحب المال ولا يبطل الصلح * ولو رهن متاعا بمائة درهم وقيمة الرهن مائتا درهم ثم قال المرتهن هلك الرهن وقال الراهن لم يهلك فاصطلحا على أن يرد المرتهن عليه خمسين درهما وأبرأه عن الباقي كان باطلا في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لأن هذا صلح عن الزيادة على الدين والزيادة على الدين أمانة فيكون بمنزلة المودع إذا ادعى هلاك الوديعة وأنكر صاحبها فاصطلحا على شئ كان باطلا * وكذا الجواب إذا ادعى المرتهن رد * الرهن على الراهن وأنكر الراهن* ولو أن الراهن ادعى عليه الاستهلاك فلم يقر به المرتهن ولم ينكر فاصطلحا على شيء جاز الصلح في قولهم والمستعير بمنزلة المودع فيما قلنا* رجل غصب عبدا ثن صالحه من قيمته على ألف حالة أو إلى أجل ثم أقام الغاصب بينة أن قيمته أقل من(3/49)
الألف لا تقبل بينته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول صاحبيه تقبل ويسترد الزيادة * فإن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى <ج3 97> عن المغصوب على أكثر من قيمته جائز وعند صاحبيه باطل قالوا هذا إذا كان المغصوب قائما في ذاته بأن كان المغصوب عبدا آبقا أو ما أشبه ذلك أما إذا كان مستهلكا حقيقة لا يجوز الصلح على أكثر من قيمته في قولهم حتى لو تصادقا على أن الصلح وقع على أكثر من قيمه كان عليه رج الزيادة إنما الخلاف فيما إذا اختلفا في ذلك وأقام الغاصب بيت ةعلى أن الصلح وقع على أكثر من قيمته يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا تقبل هذه البينة الصحيح أن الصلح على أكرثر من قيمته ندوز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإن كان مستهلكا لولو تصادعا على ذلك لم يجب عليه رد الزيادة * وأجمعوا في العبد بين الشريكين إذا أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر فاختار الساكت تضيمنه فصاله على أكثر من نصف القيمة لا يجوز * ولوكا نالمعتق معسرا فصالح الساكت العبد على الاستسعاء في الأكثر من نصف القيمة لا يجوز* والقاضي إذا قضى بالشفعة للشفيع بأكثر من الصمن الذي اشتراه المشتري ورضي به الشفيع لا يجوز * رجل صالح رجلا عن نصف دار على أن يبرأ من النصف الباقي أو قال له أصالحك على نصف هذه الدار على أن لا حق لي في النصف الباقي فصالحه على ذلك ثم أقام المدعي البية على أن كل الدار له قال محمد رحمه الله تعالى يقضى له بجميع الدار إلى أن يكن المدعي قال بعد الصح على وجه الإقرار لا حق لي في اليصف الباقي فحينئذ لا يقضى للمدعي بجيمع الدار * رجل ادعى على رجل سرقة متاع ثم صالحه على مائة درهم يعطيها المدعي لسارق على ان يقر السارق بالسرقة ففعل فهذه على وجوه ثلاثة إما أن تكون السرقة عروضا أو دراهم أو دنانير وكل ذلك على وجهين غما أن تكون السرقة قائمة أو مستهلكة فإن كانت عروضا وهي قائمة بعينها جاز الصلح وتصير السرقة ملكا للمدعي بالمائة التي دفعها إلى السارق لان الإقرار المقرون بالعوض يكون عبارة عن ابتداء التمليك لما قلنا وإن كانت العروض مستهلكة لا يجز الصح لأن السارق يصير مملكا بهذا الصلح قيمة السرقة من المدعي بالمائة التي يدفعها إليه المدعي وذلك باطل لأن القيمة مجهولة وتمليك المجهول <ج3 98> الذي يحتاج إلى التسليم باطل * وغن كانت السقة دراهم ذكر في الكتاب أنه لا يجوز الصلح سواء كانت السرقة قائمة أوة لم تكن قالوا تأويل ذلك إذا كان لا يعلم مقدار الدرامن المسروقة أما إذا علم نها كانت مائة جاز إذا قبض المائة في المجلس لأن الصلح حينئذٍ يكون تمليك المائة بالمائة فيجوز ويشترط قبضها في المجلس فإن كانت السرقة ذهبا فصالح على دراهم ذكر في الكتاب أنه يجوز سوائ كانت السرقة قائمة أو مستهلكة * أما إذا كانت قائمة فجواز الصلح ظاهر لأن تملسك الذهب المشار إليه بالدراهم جائز وإن كان لا يعلم وزن الذهب فيكون صرفا فتعتبر أحكام الصرف* وأما إذا كان الذهب مستهلكا ذكر أنه يجوز الصلح وتأويله إذا علم وزن الذهب أما إذا لم يعلم لا جوز لأن تملك الذهب بالدراهم إذا لم يكن الذهب معلوما ولا مشارا إليه باطل* رجل ادعى على رجل دما أو جارحة فهو على وجهين إما أن يدعي ذلك عمدا أو خطأ فإن ادعى عمدا وأنكر المدعى عله فصلح المدعي على أن يأخذ المدعى عله مائة ويقر بذلك كان الصلح باطلا والإقراؤ باطل ولا يؤاخذ بهذا الإقرار لأ، الإقرار المقرون بالعوض عبارة عن ابتداء التمليك وتمليك القصاص في النفس والطرق باطل فلا يصح الصلح والإقرار * وإن ادعى دم خطا أو جراحة خطأ فكذلك الحواب لأن المدعى عليه يصير مملكا الدية من المدعي بالمال الذي يأخذه من المدعي وتميلك الدية بالمال بالطل لأن الدية محهولة فإنها من الدراهم عشرة آلاف ومن الدنانير ألف دينار ومن الغنم ألف شاةومن الإبل مائة فلا يصح هذا لاصلح* رجل قذف محصنا أو محصنة فأراد المقذوف حد القذف فصالحه القاذف على دارهم مسماة أو على شيء آخر على أن يعفو عنه ففعل لم يجز الصلح حتى لا يجب المال وهو يسقط الحد إن كان ذلك قبل أن يرفع الأمر إلى القاضي بطل الحد وإن ان ذلك بعد ما رفع إلى القاضي لا يبطل الحد وكذلك رجل زنى بإمرأة رجل فعلم الزوج وأراد أحدهما فصالحاه معا أو أحدهما على دراهم معلومة أو شيء آخر على أن يعفو عنهما كان باطلا لا يجب المال وعفوه باطل سواء كان قبل ارفع أو بعده * والرجل باطل إذا قذف امرأته المحصنة حتى وجب اللعان <ج3 99> ثم صالحها علىمال علىأن لا تطلب اللعان كان باطلا ولا يجب المال وعفوها بعد الرفع بالطل وقبل الرفع جائز * ولو أن رجلا أخذ سارقا في دار غيهر فأراد أن يدفعه إلى صالحب السرقة بعدما أخرج السرقة من الدار فصاله السارق على مال معلوم حتى كف عنه كان باطلا وعله أن يرد المال على السارق ولو كان هذا من صاحب السرقة لا يجب المال على السارق ويبرأ عن الخصومة إذا دفع السرقة إلى صاحبها* ولو كان هذا لاصلح من(3/50)
صاحب السرقة بعدما رفع إلى القاضي إن كان ذلك بلفظة العفو لا يصح بالاتفاق وإن كان بلفظة الهبة والبراءة عندنا يسقط القطع * والإمام أو القاضي إذا صالح شارب الخمر على أن يأخذ منه مالا ويعفو عنه لا يصح الصلح ويرد المال على شارب الخمر سواء كان ذلك قبل الرفع أو بعده*
(( باب الصلح عن العقار وعما يتعلق به))*
رجل له شفعة في دار فصالح المشتري فهو على وجوه ثلاثة إن جرى الصلح بينهما على أن يأخذ الشفيع نصف الدار أو ثلثها أو ربعها بحصة من الثمن جاز ذلك قالوا إن كان هذا الاصطلاح بينهما بعد ما تأكد حق الشفيع بطلب المواثبة وطلب الإشهاد فإن الشفيع يكون آخذا ما أخذ بالشفعة لا باشراء المبتدأ ويصير مسلما الشفة فيما بقي حتى لو كان هذا الشفيع شريكا في الدار المشتراة أو في الطريق كان للجار أن ياخذ النصف الذي سلم فيه الشفة * وإن ان هذا الاصطلاح بينهما قبل طلب الشفة يكون المصالح آخذ النصف الذي أخذ بالشراء المبتدأ فيصير ملما للجار أن يأخذ الكل بالشفة إن كان المصالح جار الدار * ولو كان الشفيع المصالح في هذا الوجه شريكا في المبيع أو في الطريق يتجدد له الشفة بهذا الآخذ كأنه اشترى النصف الذي أخذ إذ الاصطلاح على أخذ البعض يكون بمنزلة السكةن عن الطلب في الباقي * فإن كان ذلك قبل بأكد حقه بالطلب بطلت شفعنه وإن كان بعد التأكد لا تبطل* قال رجل اشترى دارا له شفيع فصالح الشفيع على أن يعطي للشفيع دراهم مسماة ليسلم الشفيع الشفة بطلت شفعته ولا يجب المال وإن كان أخذ المال رده على المشتري ولو جرى <ج3 100>(3/51)
الصلح بين الشفيع وبين المشتري على أن يأخذ الشفيع بيتاً معيناً من الدار بحصته من الثمن على أن يسلم الشفعة في الباقي لا يجوز هذا الصلح * بخلاف ما إذا جرى الصلح بينهما على أن يأخذ النصف بنصف الثمن لأن حصة البيت من الثمن غير معلومة لا تعرف إلا بالتقويم فيبطل الصلح وإذا لم يجز الصلح بقيت شفعته في جميع الدار بخلاف ما إذا صالح من الشفعة على أن يعطي المشتري الشفيع دراهم معلومة ليسلم الشفعة فإن ثم إذا لم يجز الصلح ولم يجب المال تبطل شفعته وههنا إذا لم يجز لصلح لا يبطل شفعته لأن ثمة لما أخذ الدراهم وترك الشفة فقد أعرض عن الشفعة وههنا ما أعرض عن الشفعة أصلاً ولو اصطلحا على أن يأخذ الشفيع الدار بأكثر من الثمن الذي اشتراه المشتري جاز ويكون هذا الصلح بمنزلة الشراء المبتدأ يلزمه جميع ما قيل * ولو اشترى رجل داراً فادعى رجل شقصاً ن الدار أنه له وطلب الشفعة في الباقي فصالحه المشتري على أن يأخذ المدعي نصف الدار بنصف الثمن على أن يبرئه عن الباقي جاز * رجل اشترى أرضاً فسلم الشفيع الشفعة ثم إن الشفيع جحد التسليم فصالحه المشتري على أن أعطاه نصف الأرض بنصف الثمن جاز ويكون بيعاً مبتدأ وكذا لو مات الشفيع بعد الطلب ثم إن المشتري صالح ورثة الشفيع على نصف الدار بنصف الثمن جاز ويكون بيعاً مبتدأ * ولو مات المشتري فصالح ورثة المشتري الشفيع على أن يعطوا له نصف الدار بنصف الثمن جاز ويكون أخذاً بالشفعة لا بيعاً مبتدأ لأن الشفعة تبطل بموت الشفيع لا بموت المشتري * ولو ادعى رجل شفعة في دار فصالحه المشتري على أن يعطي المشتري الشفيع داراً له أخرى بدراهم مسماة على أن يسلم الشفيع الشفعة في هذه الدار كان فاسداً * ولو ادعى رجل حقاً في دار في يد رجل أو ادعى كل الدار فصالحه المدعي عليه على دراهم مسماة على أن يترك الخصومة ورجل شفيع هذه الدار التي ادعاها المدعي فأراد أن يأخذها بالشفعة من المدعي عليه بهذا الصلح لا يكون له ذلك * ولو جرى الصلح بين المدعي والمدعى عليه على أن يعطي المدعي المدعى عليه <101>درهم مسماة يأخذ الدار كان للشفيع فيه الشفعة ووجه الفرق ظاهر * رجل له ظلة أو كثيف شارع في الطريق فخاصمه إنسان في رفع الظلة أو طرحها أولاً نقول إذا أراد الرجل أن يجعل على الطريق الأعظم ظلة وما أشبه ذلك كان لكل واحد أن يمنعه عن ذلك وإن يخاصمه في رفعها ووضعها كانت الظلة تضر بالعامة أو لم تضر في قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وقال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى إن كانت تضر بالعامة فكذلك وإن كانت لا تضر كان لكل واحد أن يمنعه عن الوضع وليس له أن يخاصمه في الرفع * وعن أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في رواية لا يكون له حق المنع أيضاً إذا كانت لا تضر بالعامة * أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى جعل الطريق العام بمنزلة الطريق الخاص وفي الطريق الخاص أضر ذلك بالشركاء أو لم يضر كان لكل واحد من الشركاء حق المنع والخصومة في الرفع فكذلك في الطريق العام * وهل يباح بناء الظلة على الطريق العام ذكر الطحاوي رَحِمَهُ اللهُ الله تَعَالَى يباح ولا يأثم بذلك إذا كان لا يضر بالعامة قبل أن يخاصمه فيها أحد فإن خوصم في رفعها فلم يرفع لا يباح له الانتفاع بعد ذلك * وقال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى إن كان لا يضر بأحد كان له الانتفاع به إذ ثبت هذا جئنا إلى المسألة * رجل له ظلة أو كنيف شارع على الطريق فخاصمه إنسان في رفعها فصالحه صاحب الظلة على دراهم معلومة ليترك الظلة في موضعها فهو على وجهين إن كانت الظلة على الطريق الأعظم لا يجوز هذا الصلح وكان لهذا المصالح ولغيره أن يخاصمه في رفعها سواء كانت الظلة قديمة أو حديثة أو لا يعرف حالها لأن صاحب الظلة والمخاصم في الطريق العام شركة وفي الشركة العامة أحد الشركاء لا يملك الاعتياض وإنما يكنن لكل أحد حق الخصومة في الرفع والمنع بطريق الحسبة * قال بعض مشايخ بلخ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى إنما يملك الخصومة إذا لم يفعل هو مثل ذلك أما لو فع مثل ذلك ليس له أن يخاصمه * ثم بطلان الصلح ظاهر فيما إذا كانت الظلة حديثة وإن كانت قديمة كان لصاحب الظلة حق الترك قبل الصلح فلا يصح إعطاء العوض على الترك فيبطل إعطاء العوض * وإن كانت <102> لا يدرى حالها لا يصح الصلح أيضاً لأنها إن كانت قديمة لا يصح الصلح وإن كانت حديثة فكذلك لا يصح الصلح هذا إذا خاصمه واحد من العامة فإن خاصمه الإمام فصالحه على أن يعطي صاحب الظلة مالاً معلوماً على أن يترك الظلة في موضعها فإن كانت حديثة ورأى الإمام مصلحة المسلمين في أن يأخذ مالاً ويضعه في بيت مال المسلمين جاز ذلك إن كانت الظلة لا تضر بالعامة لأن الإمام يملك الاعتياض عما يكون للعامة إذا كان أخذ العوض مصلحة لهم هذا إذا جرى الصلح على أن يترك الظلة على حالها فإن اصطلحا على أن يعطي المصالح لصاحب(3/52)
الظلة جاز لأن فيه منفعة العامة بتفريغ الهواء * ولو كانت الظلة على طريق غير نافذ فصالح واحد من أهل السكة صاحب الظلة على أن يأخذ المخاصم مالاً معلوماً على أن يترك الظلة على حالها إن أضاف الصلح إلى جميع الظلة فقال صالحتك بهذا المال على أن تترك جميع الظلة في موضعها يصح في حصته ويتوقف في حصة الشركاء لن شركتهم شركة ملك إن أجاز الشركاء الصلح جاز في الكل ويكون بدل الصلح بينه وبين الشركاء وإن لم يجيزوا ورفعوا الظلة بطل الصلح في خصة الشركاء ويكون لصاحب الظلة حق استرداد خصتهم من البدل وهل يبطل الصلح في حصة المصالح اختلف فيه المشايخ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى قال بعضهم يبطل ولصاحب الظلة أن يرجع عليه بخص3ته من البدل لأنه لم يحصل له المقصود وقال بعضهم لا يرجع على المصالح بحصته من البدل لأن الصلح صح في حقه حتى لو بنى صاحب الظلة ثانياً لا يكون لهذا المصالح حق الخصومة معه هذا إذا كانت الظلة حديثة فإن كانت قديمة فالصلح باطل لأن الترك حق مستحق لصاحب الظلة ليس لأحد أن يرفعها فلم يستفد بهذا الصلح شيئاً لم يكن * ولإهن اصطلحا على أن يعطي المصالح صاحب الظلة مالاً معلوماً لرفع الظلة إن كان المصالح من أهل السكة والظلة حديثة اختلف فيه المشايخ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى بعضهم جوزوا ذلك كما لو كانت الظلة قديمة لأن فيه تفريغ الهواء وقال بعضهم لا يجوز ذلك والصحيح هو الأول لأن فيه منفعة لأهل الطريق ولو فعل ذلك أجنبي صح الصلح فهذا أولى * رجل له نخلة في ملكه <103> وحرج سعفها إلى أرض جاره كان للجار أن يقع ويفرغ هواء ملكه لأن من ملك أرضاً ملك ما تحته إلى الثلى وما فوقه إلى السماء فكان لهخ أن يقطع وهذا إذا كان لاا يمكنه تفريغ الهواء إلا بالقطع فإن كان يمكنه تفريغ الهواء بدون القطع بالعمد إلى النخلة والشد عليها فإنه لا يقطع بل يأمر صاحب النخلة بالتفريغ فإن قطعه هو كان ضامناً وإن كان لا يمكنه التفريغ إلا بالعقطع إنما لا يضمن إذا قطع هو من موضع لو رفع الأمر إلى صاحبها يقطعها صاحبها من ذلك الموضع فإن قطعها أعلى منه أو أسفل في موضع يتضرر صاحب النخلة بذلك وصاحب النخلة يتمكن من تفريغ الهواء بالقطع في موضع آخر من غير ضرر يكون ضامناً لأنه فوت على صاحب النخلة منفعة مقصوزدة من غير ضرورة * وكذا لو كان لرجعل نخلة أو بالة أو زرع في أرض غيره يغير حق كلان لصاحب الأرض أن يأمره بالتفريغ فإن قلع صاحب الأرض وأتلف عليه ضمن إذا كان صاحب الزرع والشجرة متمكناً من تحويل الشجرة والزرع إلى أرض أخرى من غير أن يهلك عليه ماله ثم في الموضع الذي لا يضمن الجار بقطع السعف إذا قطع فإنه لا يرجع على صاحب النخلة بما أنفق في مؤنة القطع وإن كان مضطراص إلى التفريغ لأنه يتمكن من دفع الضرر برفع الأمر إلى القاضي حتى يجبر صاحب النخلة بالقطع أو يأمر صاحب الأرض بالقطع إن كان صاحب النخلة غائباً فإن قطع بأمر القاضي يرجع على صاحب النخلة غائباً فإذا قطع بأمر القاضي يرجع على صاحب النخلة بما أنفق في القطع فإن كان ذلك في موضع لم يكن هناك قاض فقع هو كان له أن يرجع على صاحب النخلة فلو أن صاحب النخلة صالح جاره على دراهم معلومة ليترك السعف على حاله ولا يقطع لا يجوز هذا الصلح بخلاف الظلة إذا كانت على سكة غير نافذة فخاصمه أهل السكة في ذلك فصالحهم على دراهم معلومة ليتركوا الظلة على حالها فإن يجوز ولا يب4قى لهم حق الخصومة بعد ذلك وكذا لو كانت الظلة على طريق العامة فصالح صاحب الظلة مع الإمام على دراهم معلومة ليترك الظلة على حالها فإنه يجوز ذلك لأن السعف يزداد وينمو كل ساعة ولا يدري أنه كم يأخذ من الهواء بخلاف الظلة * رجل له باب في غرفة أو كوة فخاصمه جاره فصالح<104>على دراهم معلومة يدفعها إلى الجار ليترك الكوة ولا يسدها كان ذلك باطلاً لأن الجار ظالم في منع صاحب الكوة عن الانتفاع بمال نفسه وإنما يأخذ المال ليكف عن الظلم والكف عن الظلم واجب وكذا لو كان الصلح بينهما على أن يأخذ صاحب الكوة دراهم معلومة ليسد الكوة والباب كان باطلاً لأن الجار إنما دفع المال ليمتنع صاحب الكوة عن التصرف في ملكه والانتفاع بمال نفسه لا على وجه الإزالة والتمليك من الغير وذلك باطل {فصل في الصلح عن دعوى العقار} مسائل هذا الفصل لا تخلو من وجوه أربعة إما أن يكون الصلح عن المعلوم على المعلوم أو عن المجهول على المجهول أو عن المعلوم على المجهول أو عن المجهول على المعلوم * أما الأول رجل ادعى شيئاً معلوماً من الدار نصفاً أو ثلثاً أو ما أشبه ذلك أو ادعى كل الدار فأقر المدعي عليه بذلك أو أنكر فصالحه من ذلك على مال معلوم جاز ذلك لأن الصلح أوسع باباً من البيع ثم بيع المعلوم بالمعلوم جائز فالصلح أولى * وإن صالح من المجهول على المجهول ينظر ففي ذلك إن كان لا يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم نحو ما إذا ادعى حقاً في دار في يد رجل فقال لي حق في هذه المدار والمدعي عليه يدعي(3/53)
لنفسه حقاً في أرض بيد المدعي ولم يبين أحدهما شيئاً فاصطلحا على أن يترك كل واحد منهما دعواه ويبرئ صالحه عن الخصومة كان جائزاً لأنهما في هذا الصلح لا يحتاجان إلى التسليم والتسلم * وإن كان الصلح عن مجهول يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم نحوما إذا ادعى حقاً في دار رجل ولم يسم فاصطلحا على مال معلوم يعطيه المدعي ليسلم المدعي عليه ما ادعاه المدعي لا يجوز هذا الصلح لأن المدعي عليه يحتاج إلى تسليم ما ادعاه المدعي فإذا لم يعلم مقدار ذلك لا يدري ماذا يسلم إليه فلا يجوز * وإن اصطلحا على أن يأخذ المدعي مالاً معلوماً ليترك دعواه ويبرئه عن الخصومة جاز ذلك سواء كان المدعي عليه مقراً بما ادعاه المدعي أو منكراً وقال الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لا يجوز هذا الصلح إن كان منكرا والمسألة معروفة * ولو ادعى رجل حقاً في دار في يد رجل ولم يسم فصالحه على بيت معلوم من هذه الدار أو من دار له أخرى جاز لأن هذا صلح عن المجهول الذي لا يحتاج<105> إلى تسليمه على معلوم وإن صالحه على بيت معلوم من الدار التي ادعى فيها الحق ثم أقام المدعي بعد ذلك بينة أن جميع الدار له ليأخذ الباقي في ظاهر الرواية لا تقبل بينته * ولوى ابن سماعة عن مُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى أنها تقبل ويقضى له بجميع الدار ندج لو أن المدعي لم يقم البينة ولكن المدعي عليه أقر أن المدعي للمدعي صح إقرار8 ويؤمر بتسليم الدار إلى المدعي * ولو ادعى رجل حقاً في دار في يد رجل فصالحه على سكنى بيت معين من هذه الدار أبدا أو قال حتى يموت لا يجوز ذلك * ولو صالحه على دار أخرى أو على أرض أخرى جاز باتفاق الروايات * رجل ادعى في حائط رجل موضع جذع أو ادعى في داره طريقاً أو مسيل ماء فجعد المدعى عليه ثم صالحه على دارهم مسماة فهو جائز لأنه صلح عن المجهول على معلوم * ولو ادعى في دار رجل حقاً فصالحه من ذلك على مسيل ماء أو على أن يضع على حائط منها كذا وكذا جذعاً كان ذلك باطلاً إن لم يؤقت لذلك وقتاً وإن وقت لذلك وقتاً معلوماً سنة أو أكثر اختلف فيه المشايخ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى قال الكرخي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يجوز هذا الصلح لأنه لو استأجر حائطاً ليضع عليه جذوعاً معلومة مدة معلومة أو استأجر طريقاً ليمر فيه مدة معلومة جحا ذلك فكذلك الصلح وقال الفقيه أبو جعفر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لا يجوز هذا الصلح * وإن ادعى رجل حقاً في دار فصالحه على طريق فيها جاز أما إذا صالح على أن تكون رقبة الطريق للمدعي فهو جائز باتفاق الروايات لأن بيع رقبة الطريق يجوز باتفاق الروايات فكذا الصلح على الطريق وإن كان الصلح على حق المرور ففيه روايتان لأن في جواز بيع حق المرور اختلاف للروايتين يجوز في رواية ولا يجوز في رواية فكذا الصلح على حق المرور * أما بيع مسيل الماء وبيع حق وضع الجذوع لا يجوز باتفاق الروايات فكذا الصلح على ذلك * ولو ادعى في علو رجل حقاً فصالحه على بيت معين من هذا العلو أو على بيت معين من علو آخر فهو جائز لأنه صالح عن المجهول على المعلوم * ولو ادعى في أرض رجل حقاً فصالحه على شرب نهر شهراً لا يجوز * ولو صالحه على عشر نهر أرضه جاز اعتباراً للصلح بالبيع * ولو ادعى <106> في دار رجل حقاً أو ادعى كل الدار فصالحه على كذا كذا ذراعاً مسماة من الدار لا يجوز في قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لأن عنده لو باع كذا كذا ذراعاً مسماة م الدار لا يجوز فكذلك الصلح عليه * وعلى قول صاحبيه رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى جاز البيع فيجوز الصلح عليه * ولو ادعى أذرعاً مسماة من الدار لرجل فصالحه المدعى عليه على دراهم مسماة جاز عند الكل * ولو صالحه على نصيب المدعى عليه من دار في يد رجل مقر بذلك إن كان المدعي يعلم نصيب المدعى عليه من ذلك جاز عند الكل جميعاً لأنه لو اشترى نصيباً من دار والمشتري يعلم مقدار النصيب جاز * وإن كان المشتري لا يعلم مقدار نمصيب البائع والبائع يعلم أو البائع والمشتري لا يعلمان لا يجوز البيع في قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فكذلك الصلح * وعند أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يجوز البيع فكذلك الصلح وقول مُحَمَّد رَحِمَهُ اللهُ تعالىىمضطرب * ولو ادعى في بيت في يد رجل حقاً فصالحه المدعى عليه من ذلك على أن يبيت المدعي على سطحه سنة ذكلار في الكتاب أنه يجوز * وقال بعض المشايخ هذا إذا كان السطح محجراً فإن لم يكن محجراً لا يجوز الصلح كما لا تجوز إجارة السطح * وقال بعضهم يجوز الصلح على كل حال محجراص كان أو لم يكن وكذا الإجارة * وقال بعض مشايخنا رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى في إجارة السطح للبيتوتة عن أصحابنا روايتان في رواية كتاب الصلح يجوز وفي رواية الإجارات لا يجوز واتفقت الروايات على أنه لو استأجر علواً ليبني عليه لا يجوز * رجل ادعى نصف دار في يد إنسان فصالحه الذي في يده على دراهم مسماة ودفع الدراهم إليه ثم استحق(3/54)
نصف الدار فهل يرجع المدعى عليه على المدعي بشيء من بدل الصلح فهو على وجهين أما إن كان المدعي يدعي نصف الدار شائعاً أو يدعي نصفاً معيناً فإن ادعى نصفاً شائعاً فهو على وجوه ثلاثة أما إن قال المدعي النصف لي والنصف للمدعى عليه أو يقول النصف لي ولا أدري أن النصف الآخر لمن هو أو قال النصف لي والنصف الآخر لفلان غير المدعى عليه قال فإن قال النصف لي والنصف للمدعى عليه فصالحه المدعى عليه على دراهم ثم استحق نصف الدار يرجع المدعى عليه على المدعي بنصف البدل <107> لأنه لو استحق كل الدار يرجع بجميع البدل فإذا استحق النصف يرجع بنصف البدل * ولو قال النصف لي ولا أدري أن النصف الآخر لمن هو أو قال النصف لي وسكت ثم اصتحق نصف الدار شائعاً لا يرع المدعى عليه على المدعي بشيء من البدل لأنه ما اقر بالنصف الآخر للمدعى عليه فلا يرجع بشيء * كما لو ادعى حقاً في دار فصالحه المدعى عليه على شيء ثم استحق شيء من الدار فإن المدعى عليه لا يرجع على المدعي بشيء وإن قال المدعي النصف لي والنصف لفلان آخر غير المدعى عليه ثم صالحه المدعى عليه فاستحق نصف الدار لا يرجع المدعى عليه على المدعي شيء من البدل لأن قوله النصف الآخر لفان باطل لأنه إقرار بما في يد الغير فلا يصح إقراراه فيصير كأنه قال النصف لي وسكت * وإن كان المدعي ادعى نصفاص معيناص فصالحه المدعى عليه ثم استحق النصف الذي كان يدعيه المدعي رجل المدعى عليه بجميع البدل على المدعي نجوإن استحق النصف لاآخر لا يرجع بشيء * وإن استحق نصف شائع من الدار رجع المعى عليه بنصف البدل على المدعي اعتباراً للبعض بالكل * رجل ادعى داراً في يد رجل فانكر المدعى عله فاصطلحا على أن يسكنها اللمدعى عليه سنة ثم يدفعها إلى المدعي جاز ذلك * وكذا لو ادعى أرضاً في يد رل أنها له فاصطلحا على أن يزرعها الذي في يده خس سمين على أن تكون رقبة الأرض للمدعي جاز ذفلك لأن المدعى عليه أبقى منفعة الأرض لنفسه وقتاً معلوماً وجعل رقبة الأرض للمدعي * رجل ادعى أرضاً أو شيئاً فاصطلحا على عبد معين للمدعى عليه يدفعه إلى المدعي ثم أقام العبد البينة أنه حر أو مجبر فقبلت بينة العبد بطل الصلح ويعود المدعي على دعواه * رجل اشترى داراً فاتخذها مسجداً ثم ادعى رجل فيها دعوى فصالحه الذي جعلها مسجداً أو الذي المسجد بين أظهره جاز الصلح * رجلان ادعيا أرضاً أو داراً في يدر رجل وقالاً هي لنا ورثناها من أبينا فجحد الذي في يده فصالحه أحدهما عن حصته على مائة درهم فأراد الابن الآخر أن يشاركه في المائة لم يكن له أن يشاركه لأن الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء ع اليمين في زعم المدعى عليه فلرم يكن معاوضة من كل جه فلا يثبت للشريك حق الشركة <108> في بدل الصلح بالشك * وعن أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في رواية لشريكه أن يشاركه في المائة * رجل ادعى نخلة في أرض رل أنها له بأصلها فجحد المدعى عله ثم صالحه على أن ما يخرج من ثمرة العام يكون للمدعي لا يجوز ذلك لأن هذا صلح وقع على معدوم مجهل يحتاج ف إلى التسليم والتسلم ولو كان على موجود مجهول لا يجوز الصلح فهذا أولى والله أعلم {باب في الحيطان والطرق ومجاري الماء} * هذا الباب مشتمل على فصول * الفصل الأول في استحقاق الحائط والخصومة فيه وما يكون لأحد الشريكين أن يفعل في الجدار المشتري * رجلان تنازعا في حائط بين دارين وهو متصل ببناء أحدهما يقضي به لصاحب الاتصال * وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الدعوى من هذا لاكتاب بفروعها فلا نعيدها * جدار بين رجلين أراد أحدهما أن يزيد في البناء عليه لا يكون له ذلك إلا بإذن الشريك الآخر أضر الشريك بذلك أو لم يضر * جدار بين دارين انهدم ولأحدهما بنات ونسوة فأراد صاحب العيال أن يبينه وأبى الآخر قال بعضهم لا يجبر الآبي وقال الفقيه أبو الليث رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في زماننا يجبر لأنه لا بد أن يكون بينهما سترة قال مولانا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن كان أصل الجدار يحتمل القسمة ويمكن لكل واحد منهما أن يبني في نصيبه سترة لا يجبر الآبي على البناء * وإن كن أصل الحائط لا يحتمل القسمة على هذا الوجه يؤمر الآبي بالبناء * جدار بين رجلين لكل واحد منهما عليه حمولات فوهن الجدار فرفعه أحدهما وبناه بمال نفسه ومنع الآخر عن وضع الحمولات على ما كان عليه في القديم قال الفقيه أبو بكر الإسكاف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ينظر إن كان عرض موضع الجدار بحال لو قسم بينهما أصاب كل واحد منهما موضع يمكنه أن يبني عليه حائطاً يحتمل حمولاته على ما كان في الأصل كان الباني متبرعاً في البناء ليس له أن يمنع صاحبه عن وضع الحمولات عليه * وإن كان بحال لو قسم لا يصيبه ذلك لا يكون متبرعاً وله أن يمنع شريكه عن وضع الحمولات على هذا الجدار حتى يضمن له نصف ما أنفق في البناء * قال الشيخ الإمام أبو نصر مُحَمَّد بن الفضل <109> رَحِمَهُ(3/55)
اللهُ تَعَالَى يرجع عليه بنصف ما أنفق إن بناه بأمر القاضي وبنصف قيمة البناء إن بناه بغير أمر القاضي * وقال الفقيه أبو الليث رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إنما يرجع عليه بنصف قيمة البناء إذا بنى بأمر القاضي أما إذا بنى بغير أمر القاضي لا يرجع عليه بشيء وهو بمنزلة العلو والسفل إذا كان العلو لأحدهما والسفل للآخر فانهدم فبنى صاحب العلو السفل بعير أمر صاحب السفل إن بناه بغير أمر القاضي يكون متطوعاً لا يرجع بشيء إلا إذا كان ذلك في موضع لم يكن هناك قاضفكذلك ههنا وإن هدم صاحب السفل السفل كان لصاحب العلو أن يأمره بالبناء ليبني عليه العلو * وذكر الناطفي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى حائط بين رجلين انهدم فأبى أحد الشريكين البناء ذكر في الأمالي أنه لا يجبر فإن بناه الآخر ليس له أن يرجع على شريكه إذا لم يكن له أن يأخذ شريكه بالبناء لأن لشريكه أن يقاسمه أرض الحائط نصفين وفي العلو مع السفل إذا انهدم فبنى صاحب العلو السفل حين امتنع صاحب السفل من البناء كان له أن يمنع صاحب السفل أن يسكن في سفله حتى يعطي صاحب العلو ما أنفق في السفل ويكون السفل في يده بمنزلة الرهن * قال ولا يشبه هذا الحائط لأن أرض الحائط يقسم والسفل متى انهدم لا يقسم * وعن الفقيه أبي جعفر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى حائط بين رجلين لكل واحد منهما عليه حمولة سقط فبناه أحدهما بماله بغير إذن صاحبه كان له أن يمنع صاحبه عن وضع الحمولة عليه حتى يعطيه نصف قيمة الحائط مبنياً لحق القرار * وإن كان بناه بإذنه ليس له أن يمنعه لكن يرجع عليه بنصف ما أنفق * جدار بين رجلين لأحدهما عليه حمولة وليس للآخر حمولة فأراد الذي لا حمولة له أن يضع عليه حمولة مثل حمولة شريكه اختلفوا فيه قال الفقيه أبو بكر البلخي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن كانت حمولة شريكه محدثة فللآخر أن يضع مثل حمولته وإن كانت حمولة الشريك قديمة ليس للآخر أن يضع * وقال الفقيه أبو الليث رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى للآخر أن يضع عليه مثل حمولة إن كان الحائط يحتمل ذلك وشريكه مقر بأن الحائط بينهما وذكر في كتاب الصلح إن كان لكل واحد منهما عليه <110> جذوع وجذوع أحدهما أكثر فللآخر أن يزيد ف جذوعه إن كان الحائط يحتمله * وعن الفقيه أبي بكر البلخي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى جدار بين رجلين لأحدهما عليه بناء فأراد أن يحول جذوعه إلى موضع آخر قال إن كان يحول من الأيمن إلى الأيسر أو من الأيسر إلى الأيمن ليس له ذلك * وإن أراد أن يسفل الجذوع فلا بأس لأهن هذا يكون أقل ضرراً بالحائط * وإن أراد أن يجعله أراد مما كان لا يكون له ذلك لأن هذا يكون أكثر ضرراً مما كان فإن أساس الحائط يتحمل ما لا يتحمله رأس الحائط وعن مُحَمَّد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إذا كان الحائط المشترك قدر قامة الرجل فأراد أحدد الشريكين أن يزيد في طوله ليس له ذلك إذا أبى شريكه * جدار مشترك بين اثنين انهدم فظهر أنه ذو طاقين متلاصقين فأراد أحدهما أن يرفع الحائط الذي هو في جانبه ويكتفي بالطاق الذي هو في جانب شريكه سترة له وابى الشريك ذلك قال الفقيه أبو بكر البلخي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن كانا أقرا أن كل حائط لمن يليه فلكل واحد منهما أن يحدث فيه ما أحب * حائط بين رجلين لأحدهما عليه جذوع فأراد الآخر أن يضع عليه جذوعاص مثل جذوع صاحب فمنعه الآخر لأن الجدار لا يتحمل ذلك قال الشيخ الإمام أبو القاسم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يقال لصاحب الجذوع إن شئت فحط عنه ما يمكن لشريكه من الحمل وإن شئت فارفع حملك حتى يستويا لأن صاحب الحمل إن كان وضع بغير إذن الشريك فهو ظالم وإن وضع بإذنه فهو عارية والعارية غير لازمة * وهو كدار بين رجلين أحدهما ساكن وأراد الآخر أن يسكن فيها والدار لا تسع سكناهما فإنهما يتهايآن فيها * قال الفقيه أبو الليث رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وعن أبي بكر بخلاف هذا قال وبقول أبي القاسم نأخذ * رجل له سابط قديم فوق سكة غير نافذة وأحد أطراف جذوعه على جدار مسجد يقابله فرفعه وأراد أن يجعله أرفع من غير أن يحدث على بناء المسجد بناءاً ومنعه أهل السكة قال أبو القاسم <111> رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن كان هذا الجدار هو الجدار الذي بين المسجد والسكة فأهل السكة شركاء في ذلك لأنه سترة لهم وإن لم يكن كذلك فلا حق لأهل السكة * جدار بين رجلين لأحدهما عليه حملة وليس لآخر عليه شيء فمال الجدار الذي لا حمولة له فأشهد على صاحب الحمولة فلم يرفعه حتى سقط وأضر بالشريك قال أبو القاسم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إذا ثبت الإشهاد وكان مخوفاً وتمكن من رفعه بعد الإشهاد يضم المشهود عليه نصف قيمة ما فسد من سقوطه * رجل له بيت وحائط هذا البيت بينه وبين جاره فأراد صاحب البيت أن يبني فوق بيته غرفة ولا يضع خشبه على هذا الحائط قال أبو القاسم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن بنى في حد نفسه من غير أن يكون معتمداً على الحائط المشترك لم يكن للجار أن يمنعه * حائط بين رجلين انهدم(3/56)
فبناه أحدهما عند غيب الشريك قال أبو القاسم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن بناه بنقض الحائط الأول يكون متبرعاً لا يكون له أن يمنع شريكه م الحمل عليه وإن بناه بلبن أو خشب من قبل نفسه لم يكن للشريك أن يحمل على الحائط حتى يؤدي نصف قيمة الحائط * حائط بين رجلين لأحدهما عليه جذع واحد وللآخر استحساناً وفي القياس يكون جميع الحائط بينهما وبه كان أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يقول أولاً ثم رجع إلى الاستحسان وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى * حائط بين دارين لأحدهما عليه أزج من لبن أو آجر اختصما في الحائط فهو لصاحب الأزج بمنزلة الجذوع * دار في يد قوم في يد كل واحد منهم ناحية اختصموا في درج منها معقود بآجر وسفلها في يد أحدهم وظهر الدرج طريق للآخر إلى منزله فإنه يقضي بكل الدرج لصاحب السفل غير أن لصاحب العلو طريقه عليه على حاله * جدار بين دارين لرجلين وفي وجه أحدهما طاق في الحائط يريد أن يجعله خوارستاق قال الشيخ الإمام أبو القاسم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن كان الطاق مرتفعاً على الأساس فليس له أ يحدث فيه بغير إذن شريكه * وإن كان فرجة ترك حين بنى الحائط فإن كان الذي في حانبه الطاق مقراً <112> بأن ذلك الموضع بينهما لا يحدث فيه شيئاً بغير إذن صاحبه أيضاً وإن كان و يزعم أن ذلك له خاصة فله أن يفعل ا ئاء ما لم يترض لشيء من البناء * جدار بين رجلين انهدم وأحد الجارين غائب فبنى الحاضر فيم ملكه جداراً من الخشب وترك موضع الحائط على حاله فقدم الغائب وأراد أن يبني الحائط في الموضع القديم ومنعه الآخر قال الفقيه أبو بكر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن أراد الذي قدم أن يبني على طرف موضع الحائط مما يليه جاز وإن جعل ساحة اس الحائط إلى جانب نفسه ليسه ذلك وإن أراد أن بني الحائط كما كان أو أدق منه ويترك الفضل من الجانبين سواء ل ذلك * حائط بين رجلين ليس عليه حمولة لأحدهما انهدم فأراد أحدهما أن يبنيه وأبى الآخر ذلك ذكرنا أن موضع الحائط لو كان عريضاص يمكن لكل واحد منهما أن يبني حائطاً في نصيبه بعد القسمة لا يجبر الآبي على البناء وإن لم يكن كذلك فالمسأل بعد هذا على وجوه أربعة * أحدهما أن ينهدم هذا الحائط وف هذا الوجه لا يجبر الآبي على البناء إلا إذا كان الآخر يحتاج إلى سترة فحينئذ يجبر الآبي وهو اختيار الفقيه أبي الليث رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى هذا إذا انهدم الحائط * ولو كان الحائط مخوفاً فهدمه أحدهما فهو والأول سواء وقد ذكرنا هذا فيما إذا كان لكل واحد منهما عليه حمولات فوهي الجدار فرفعه أحدهما وبناه من ماله كذاك * وإن كان صحيحاً فهدمه أحجدهما يجبر الذي هدمه على البناء وإن هدمه جميعاً فأراد أحدهما أن يبني وأبى الآخر يجبر الآبي أيضاً * حمام بين رجلين غاز قدره أو حوضه أو شيء من واحتاج إلى المرمة فأراد أحدهما المرمة وامتنع الآخر اختلفوا فيه قال بعضهم يؤاجرها القاضي لهما ويرمها بالأجرة أو بإذن لأحدهما في الجاارة والمرمة من الآجرة قيل هذا قول أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى لأن عندهما يجوز الحجر على الحر والفتوى على قولهما * وقال بعضهم القاضي يأذن لغير الآبي بالاتفاق عليه ثم يمنع صاحبه من الاانتفاع به حتى يؤدي حصته والفتوى على هذا القول * دار بين رجلين انهدمت أو بيت بين رجلين انهدم فبناه أحدهما لا يرجع هو على شريكه بشيء لأن الدار تحتمل القسمة فإذا أمكنه أن يقسم يكون متبرعاً لبناء والبيت كذلك إذا كان كبيراً يحتمل القسمة قال وكذلك <113> الحمام إذا خرب كله وصار ساخة وكذلك البئر إذا امتلأت من الحمأة فله أن يطالب شريكه بالبناء فإذا لم يطالبه وأصلحها وفرعها كان متبرعاً * وعن مُحَمَّد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في رحى ماء بين رجلين وأبنية لهما فخربت كلها حتى صارت صحراء لا يجبران على العمارة فتقسم الأرض بينهما وإن كانت الطاحونة قائمة ببنائها وأداتها إلا أنه ذهب شيء منها فإنه يجبر الشريك على أن يعمرها مع شريكه * وإن كان الشريك معسراً قيل لشريكه الآخر أنفق إن شئت ويكون ذلك لك على شريكك * وكذا الحمام إذا صار صحراء يقسم بينهما وإن كان قائماً إلا أنه انكسر شيء منه يجبر على أن يرمه مع الشريك وعن مُحَمَّد في رواية لا يجبر ولكن يقال للشريك الذي يريد الإصلاح إن شئت ابنه أنت إذا انهدم منه بيت أو احتادج إلى المرمة ثم أجره فإذ أخذت غلته فخذ منها نفقتك ثم يستويان فيه بعد ذلك * رجلان اختصما في حائط كل واحد منهما يدعي أنه له وكان مخوفاص فاصطلحا على أن يهدماه ويبنياه على أن يكون لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه جاز ذلك وتكون نفقة البناء والهدم عليهما أثلاثاً قبل الهدم بطريق الصلح * حمام بين رجلين هدم أحدهما كله وغاب فجاء الآخر وبناه ذكر في الأمالي عن أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أن الغائب إذا حضر كان بالخيار إن شاء ضمنه نصف ما كسر وخرب ويغرم له نصف قيمة ما بنى(3/57)
ويكون الحمام بينهما وإن شاء ضمنه نصف قيمة الأول ويقال للذي بنى اهدم بناءك حتى تقسم الأرض بينكما * وعن خلف بن أيوب رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قال سألت مُحَمَّداً رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عن حرث بين رجلين أبى أحدهما أن يسقيه قال يجبر على ذلك قلت فإن فسد الحرث قبل أن يرتفع وأبى أن يسقيه قال لا ضمان عليه وحان ينبغي أن يرفعه إلى السلطان حتى يأمره بالسقي فإن امتنع بعد ذلك ففسد ضمن وهكذا ذكر الناطفي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وقال أصل هذا النوع أن كل من يجبر على أن يفعل مع صاحبه فإذا فعل أحدهما يكون متطوعاً وإن كان لا يجبر ففعل لا يكون متبرعاً * فعلى هذا إذا كان النهر بين رجلين كراه أحدهما أو سفينة تخرقت فيخاف فيها الغرق أو حمام خرب منه شيء قليل <114>أو عبد بين اثنين حنى جناية فقداه أحدهما ففي هذا كله يجبر الشريك أن يفعل معه فإذا فعل أحدهما كان متبرعاً * وفي الغرفة فوق البيت لرجل آخر إذا انهدما فأبى صاحب السفل أن يبني لا يجبر فإن بناه صاحب العلو لا يكون متبرعاً * وذكر الخصاف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى زرع بين رجلين أبى أحدهما أن ينفق عليه لا يجبر لكن يقال للآخر أنفق أنت وارجع بنصف النفقتة في حصة شريكك * ولو أنه أنفق ولم يخرج الزرع مقدار ما أنفق هل يرجع على شريكه بتمام نصف النفقة أ بمقدار الزرع فهو في المزارعة يأتي بعد هذا إن شاء الله تَعَالَى * وذكر الشيخ الإمام أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في طاحنونة بين شريكين أنفق أحدهما في مرمتها بغير إذن الشريك لا يكون متبرعاً لأنه لا يتوصل إلى الانتفاع بها إلا بذلك * جدار بين كرمين لرجلين لكل واحد منهما كرم انهدم فأراد أحدهما البناء وأبى الآخر فرفع الممتنع إلى السلطان فأمر السلطان بناء برضا المستدعى أن يبني الجدار بأجر معلوم على أن يأخذ الأجر منهما جميعاً فبنى كان له أن يأخذ الأجر منهما جميعاً * وذكر في العيون شرب بين قوم امتننع بعضهم عن كرى النهر يأمر الحاكم الآخرين بالكرى فإن امتنع بعضهم كان للشركاء أن يمنعوه من شرب النهر حتى يدفع حصته وهذا في النهر الخاص فأما في النهر العام فكريه يكون في بيت المال * حائط بين رجلين لكل واحد منهما عليه حمولة انهدم فبناه أحدهما قال الفقيه أبو جعفر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن بناه بماله ونفقته بغير إذن صاحبه كان له أن يمنع صاحبه من وضع الحمولة حتى يعطيه نصف قيمة الحائط مبنياً بحق القرار وإن كان بناه بإذن صاحبه ليس له أن يمنعه عن وضع الحمولة لكن يرجع عليه بنصف ما أنفق في البناء وهذا الجواب فيما إذا كان الحائط بعد انهدام أصله لا يتحمل القسمة ولو قسم لا يصيب كل واحد منهما من أصله ما يقدر على أن يبني حائطاً يمكنه وضع الحمولة عليه * فإن كان أصل الحائط يحتمل القسمة على هذا الوجه فإن بناه إذن صاحبه فالجواب كذلك وإن بنى بغير إذنه كان له منعه وضع الحمولة عليه * فإن كان أصل الحائط يحتمل القسمة على هذا الوجه فإن بناه بإذن صاحبه فالجواب كذلك وإن بنى بغير إذنه كان له منعه حتى يصطلحا على شيء من جدار بين رجلين لكل واحد منهما عليه حمولة فوهن الحائط فأراد أحدهما أن يرفعه ليصلحه وأتى الآخر ينبغي لمن <115> أراد أن يرفعه أن يقول لصاحبه ارفع حمولتك باسطوانات وعمد ويخبره أنه يريد رفعه في وقت كذا ويشهد على ذلك فإن فعل ذلك ثم رفع الجدار فسقطت حمولته لا ضمان عليه * وعن الشيخ الإمام أبي القاسم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى جدار بين رجلين لأحدهما عليه حمولة وليس للآخر عليه شيء فمال الجدار إلى الذي لا حمولة له عليه فأشهد عليه ولم يرفعه مع إمكان الرفع بعد الإشهاد حتى انهدم وأفسد شيئاً قال إذا ثبت الإشهاد وكان مخوفاً وقت الإشهاد يضمن المشهود عليه نصف قيمة ما أفسد بسقوطه إذا تمكن من رفعه بعد الإشهاد * حائط مشترك بين رجلين وهن ويخاف ضرر سقوطه فأراد أحدهما النقض وامتنع الآخر قال الشيخ الإمام أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يجبر على نقضه وعنه إذا أراد أحدهما نقض جدار مشترك وأبى الآخر فقال له صاحبه أنا أضمن لك كل ما ينهدم لك من بيتك وضمن ثم نقض الجدار بإذن الشريك فانهدم من منزله المضمون له شيء لا يلزمه ضمان ذلك * وهو بمنزلة ما لو قال رجل لآخر ضمنت لك ما هلك من مالك لا يلزم شيء * ولو هدما جداراً بينهماً ثم بناه أحدهما بنفقته والآخر لا يعطيه النفقة ويقول أنا لا أضع عليه الحمولة كان للذي بناه أن يرجع على شريكه بنصف ما أنفق وإن لم يضع غير الباني عليه حمولة لأنه كان له حق وضع الحمولة في الأصل فلم يكن الباني متطوعاً في البناء وهو كالمأمور من صاحبه بالبناء وهذا بمنزلة العلو والسفل إذا اندهما فبنى صاحب السفل بما أنفق في السفل وإن قال صاحب السفل لا حاجة لي في السفل * علو رجل وسفل لآخر كل واحد منهما مقر لصاحبه بماله فوهن البنيان فاصطلحا على أن ينقض كل واحد منهما بيته ويبنيه كما كان(3/58)
جاز ذلك فيؤخذ صاحب السفل ببناء السفل لأنه هو الذي هدم ولو هدمه من غير صلح كان عليه البناء ففي الصلح أولى وإن سقط البيتان من غير هدم قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لا يجبر صاحب السفل على بناء السفل ويقال لصاحب العلو ابن السفل أنت ولا يكون متبرعاً في بناء السفل ويكون السفل في يده حتى يؤدي قيمة السفل * وقال القاضي الإمام علي السغدي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في مسألة الجدار <116> ليس له أن يرجع على صاحبه لكن له أن يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يوفيه حقه على التفصيل الذي ذكرناه * حائط لرجل عليه جذوع شاخصة في دار جاره فأراد صاحب الدار أن يقطع رؤوس الجذوع قالوا يُنظَر إن كان يمكن البناء عليها لطولها لس للجار أن يقطعها ولا يكون لصاحب الجذوع أن يبني عليها شيئاً * وإن كان رؤوس الجذوع قصيرة لا يمكن البناء عليها كان لصاحب الدار أن يقطعها لأنه لا فائدة لصاحب الجذوع فيها وللجار ضرر في ذلك * حائط لرجل وجهه في دار رجل آخر أراد صاحب الحائط أن يطين حائطه وصاحب الدار يمنعه ن دخول داره ذكر ممحمد بن سلمة ع ابن شجاع رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى أنه ليس له أن يمنعه عن تطيين الحائط وله أن يمنعه عن دخول داره * ولو انهدم الحائط ووقع طينه في دار جارهوصاحب الحائط يريد إخراد الطين ولا سبيل له غير جخول الدار قال له أن يمنعه عن دخول داره وليس لصاحب الدار أن يمنعه عن ماله * رجل له نهر في أرض رجل ولا يمكنه المرور في بطن النهر قال مُحَمَّد بن سلمة رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يقال لصاحب الأرض إما أن تدعه أن يدخل الأرض ويصلك ملك نفسه أو تصلحه أنت قال الفقيه أبو اللليث رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بهذا نأخذ وكذلك في مسألة الحائط * رجل اشترى مشجرة واستأجر أرضاً تحتد المشجرة وقطع الأشجار ووضعها في الأرض التي استأجرها ولهذه الأرض طريق في كرم رجل ذكر في النوازل إن للمستأجر أن يمر في طريق هذه الأرض ويحمل الخشب * دار فيها حجرة لرجل واصطبل لآخر أراد صاحب الإسطبل أن يغلق باب الدار في وقت تغلق الأبواب فيه كان له ذلك * بيتان كل واحد منهما مسقف بسقف واحد وأحدهما لرجل والآخر لرجل آخر فأراد أحدهما أن يجعل لبيته سقفاً آخر وبه ينسد دخول الضوء والشمس في بيت صاحبه قالوا إن كان في القديم كل بيت مسقف بسقف واحد كان لصاحبه أن يمنعه عن ذلك * وحد للقديم أن لا يحفظ أقرانه غير ذلك * دار فيها ساحة بين رجلين اقتسماها فصارت الساحة لأحدهما والبناء للآخر فأراد صاحب الساحة أن يجعل الساحة بيتاً وينسد بها الريح والشمس <117> على صاحب البناء في ظاهر الرواية له ذلك وليس لصاحب البناء حق المنع وقال نصير رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى له أن يمنعه والفتوى على ظاهر الرواية * وعلى هذا لو أراد أن يبني في المساحة إصطبلاً أو تنوراً أو حماماً كان له ذلك * دار بين قوم في سكة غير نافذة اشترى أحدهم بجنبها داراً أخرى باب هذه الدار المشتراة في سكة أخرى غير نافذة أراد أن يفتح باب تلك الدار التي كانت له في هذه الدار ويدخل في هذه السكة كان له ذلك * ولو أراد أن يفتح لتلك الدار التي كانت له طريقاً في هذه السكة لا في الدار الحادثة ليس له ذلك * رجل له دار في سكة ظهر هذه الدار في سكة أخرى غير نافذة أراد أن يجعل لداره باباً في هذه السكة اختلفوا فيه والصحيح أنه يمنع عن ذلك إذا لم يكن له طريق في هذه السكة * دار بين جماعة في سكة غير نافذة اقتسموها وأراد كل احد منهم أن يفتح باباً لما صار له بحكم القسمة في هذه السكة كان له ذلك وليس لأهل السكة أن يمنعوه * سكة غير نافذة أراد أهلها أن يجعلوا على رأس السكة درباً ليس لهم ذلك لأن للعامة فيها حق الدخول عند الزحمة حتى يخف الزحام * سكة غير نافذة قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ليس لأصحاب السكة أن يبيعوها وإن اجتمعوا على بيعها ولا يقسمونها فيما بينهم لأن الطريق الأعظم إذا كثر فيها الزحام كان للناس أن يدخلوا فيه هذه السكة حتى يخف الزحام * رجل له دار في سكة غير نافذة لها باب أراد أن يفتح لها باباً آخر أسفل من بابها اختلفوا فيها والصحيح أنه ليس له ذلك ولو أراد أن يفتح باباص آخر أعلى من بابه كان له ذلكن ج علو لرجل وسفل لآخر قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ليس لصاحب العلو أن يبني في العلو بناءاً أو يتد وتداً إلا برضا صاحب السفل * وقال صاحبه رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى له ذلك إذا لم يضر بالسفل والمختار للفتوى أنه إن أضر بالسفل يمنع وإن لم يضر لا يمنع وعند الاشتباه والإشكال يمنع * رجل له دار في سكة غير نافذة لها باب في هذه السكة وظهر هذه الدار في سكة نافذ أراد أن يهدم حائط داره ويجعل السكة نافذة ليس له ذلك بغير إذن أصحاب السكة <118> والله أعلم {فصل فيما يجوز لأحد الشريكين أن يفعل في المشترك} أرض بين رجلين روى ابن مالك عن أَبِي يُوسُفَ عن أَبِي حَنِيفَةَ ليس أحدهما أن يزرع فيها(3/59)
قدر حصته * وفي الدار المشتركة له أن يسكن * وروى هشام عن مُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى أن له ذلك في الوجهين * ثم في الدار المشتركة إذا كان أحدهما غائباً كان للحار أن يسكن كل الدار بقد حصته وفي رواية أن يسكن من الدار قدر حصته * ولو خاف أن يخرب الدار بترك السكنى كان له أن يسكن كل الدار * دار مشترك بين رجلين لكل واحد أين يربط الدابة وان يتوضأ فيه ويضع الخضب ومن عطب بذلك لا يضمن * وإن حفر فيا بئراً يؤمر أن يطمها * قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى طريق غير نافذة كان لأصحاب الطريق أن يضعوا فيه الخشب وأن يربطوا الدواب وأن يتوضؤوا فيه * وإن عطب إنسان بالوضوء والخشب لا يضمن واضع الخشب * وإن حفر فيها بئراً وبنى فيها بناءاً فعطب إنسان بذلك يضمن فيؤخذ بأن يطم البئر * رجل له دار كان لها طريق وقد سد ذلك الطريق وجعل لها طريقاً آخر فباعها بحقوقها ذكر ابن سماعة عن مُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى أنه لا يكون للمشتري الطريق الأول وله الطريق الثاني فإن لم يكن لها طريق فهو بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك وكذا لو اشترى داراً ولم يقل بحقوقها وليس لها طريق كان له الخيار على نحو ما قلنا * سكة غير نافذة أراد بعض أهلها أن يجعل فيها طيناً قالوا إن ترك من الطريق مقدار ما يمر فيه الناس ويتخذ ذلك في الإجانين ويرفعها سريعاً ولا يتركه في الطريق لا يمنع من ذلك وقال مُحَمَّد بن سلمة رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في سكة غير نافذة لا بأس باتخاذ الآرى وبل الطين والد كان وليس لهم أن يمنعوه وإن أحدث رجل فيه شيئاً نحو الكنيف والميازيب قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إذا خاصم في ذلك واحد من الناس له أن يهدم وإن كانت قديمة ترك * ولو أراد أن يحدث رجل في آخر السكة شيئاً لا يملك ذلك إلا بإذن جميع أهلها الأعلى والأسفل * نخلة لرجل أوصى بشجرها لرجل وبثمرها الآخر كانت النقةعلى صاحب الثمر فإن لم يثمر <119>سنة فأبى صاحب الثمر الإنفاق فأنفق صاحب الرقبة بقضاء أوبغير قضاء م أثمر في سنة أخرى كان لصاحب الرقبة أن يرجع بما أنفق في الثمر ولا يكون متبرعاً * ولو دفع نخلاص معاملة فمات العامل في بعض السنة فأنفق صاحب النخل بغي أم رالقاضي لا يكون متبرعاً ويرجع بما أنفق في الثمر * ولو لم يمت العامل ولكنه غاب فأنفق رب النخل يكون متبرعاً إلا أن ينفق بأمر القاضي * وكذلك الحيوان والدابة بين رجلين حكاه الناطفي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عن المزارعة الكبيرة * طريق غرس فيه رجل شجرة الفرصاد قالوا لا بأس به إذا كان لا يضر بالطريق ويطيب للغارس ورقها وأكل فرصادها * وإن كانت الشجرة في المسجد قال الفقيه أبو جعفر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لا بأس بأكل توتها ولا يجوز أخذ ورقها {فصل في المهايأة} المهايأة في الأملاك المشترك التي يمكن الانتفاع بهال مع بقاء عينها مشروعة ولا يشترط لجوازها ذكر المدة ولا بتطل بموت أحدهما وينفرد أحدهما بنقضها بعذر وبغير عذر في ظاهر الرواية * وروى ابن سماعة عن مُحَمَّد رحمهما اله تَعَالَى أنه لا ينفرد أحدما بنقضها إلا بعذر أو بطلب قسمة عينها * هذا إذا كانت المهايأة بغير أمر القاضي فإن كانت بحكم الحاكم لا ينفرد أحدهما بنقضها مما لم يصطلحا * وتجوز المهايأة في الجنس الواحد وفي الجنسين إلا أن في الجنس الواحد كالدار الواحدة لو تهايآ بأنفسهما زماناً شهراص أو سنة أو يوماص أو تهايآ مكاناً بأن يسكن هذا طائفة من الدار والآخر الطائفة الأخرى أو يزرع أحدهما هذه الطائفة من الأرض والآخر الطائفة الأخرى جاز ذلك على كل حال نجد وإن طلب أحدهما المهيأة من حيث المكان روى الكرخي رحمه اللهتعالى عن أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن القاضي يجبر وفي الجنسين كالدار والارض إذا تهايآ بتراضيهما جاز وإن طلب أحدههما وأبى الآخر لا يجبر القاضي * دار بين رجفلين فيها منازل تهايآ على أن يسكن كل واحد منهما منزلاً معلوماً علواً أو سفلاً <120> ويؤاجره فهو جائز * وإن تهايآ في الدار من حيث الزمان بأن تهايآ على أن يسكن أحدهما هذه الدار سنة وهذا سنة ويؤاجر هذا سنة وهذا سنة فالتهايؤ في السكنى جائز إذا فعلا بتراضيهما * أما إذا تهايآ على أن يؤاجرها هذا سنة وهذا سنة اختلفوا فيه قال الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى الظاهر أنه يجوز إن استوت الغلتان فيها وإن فضلت في نوبة أحدهما يشتركان في الفضل وعليه الفتوى وكذا التهايؤ في الدارين على السكنى والغلة بان تهايآ على أن يسكن هذا هذه الدار وهذا هذه الار أخرى أو يؤاجره هذه هذه الدار وهذا هذه الدار إن فعلا ذلاك بتراضيهما جاز * وإن طلب أحدهما وأبى الآخر ذكر الكرخي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وفي الدار الواحدة يجبر لأن عنده في الدار لا تجري قسمة الجبر فكذا القسمة بطريق التههايؤ * وذكر شمس الأئمة السرخسي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى الأظهر أن القاضي(3/60)
يجبر على التهايؤ إلا أن في الدارين إذا غلت ما في يد أحدهما أكثر مما أغلت الأخرى لا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء وفي الدار الواحدة إذا تهايآ في دارين في مصرين إن فعلا ذك بتراضيهما جاز ولا يجبر القاضي في ظاره الرواية ند ولو تهايآ في نخل أو في شجر على أن يأكل هذا ثمرته سنة ويأكل الآخر سنة أخرى لا يجوز * وكذا الغنام وجميع الحيوانات إذا تهايآ على أن يكون ولدها ولبنها وصوفها سنة لهذا وسنة لآخر لا يجوز ويكون ذلك بينهما ولا يحصل فضل اللبن والصوف والثمر إذا جعل كل واحد منهما صاحبه في حل إن كان اللبن والصوف والثمر قائماص كان ذلك باطلاً * وإن كان صاحب الفضل استهلك الفضل فجعله صاحبه في حل بريء لأنه إذا جعله في حل والفضل قائم كانت هذه هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وبعد الاستهلاك يكو إبراء عن الضمان وذلك جائز * ولو كان العبد بين شريكين فتهايآ في الخدمة جاز في قولهم وإن طلب أحدهما وأبى الآخر يجبره القاضي وفي العبدين لو تهايآ في الخدمة جاز في قولهم <121> وإذا طلب أحدم وأبى الآخر لا يجربر الآبي ند ولو تهايآ في غلة العبد بأن تهايآ على أن يؤاجدره أحدهما سنة أو شهراص فتكون الغلة له والآخر يؤاجره يوماص أو سنة فتكون الغلة له لا يجز ذلك في قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لا في العبد لواحد ولا في العبديو وفي قول صاحبيه يجوز العبد الواحد ول يجوز في العبدين * وفي الدابتين والدابة الواحدة لا تجوز المهيأة في قول أَبِي حَنِيفَةَ رحهمه الله تَعَالَى لا ركوباص ولا ساتغلالاً وعندهما يجوز في الدابتين ركوباً واستغلالاً * وفي الدابة الواحدة إذا تهايآ استغلالاً لا يجوز وإن تهايآ ركوباص قال الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ينبغي أن لا يجوز لا ركوباص ولا استغلالاً * وإذا جازت المهايأة في العبد الواحد في الخدمة إن شرطاص أن تكون نفقته وكسوته عليه في نوبته فإذا فرغ من خدمته تكون نفقته وكسوته على الآخر في نوبته جاز ذلك في الطعام ولا يجوز في الكسوة فتكون الكسوة عليهما * إذا تهايآ في رعي الغنم على أن يرغى أحدهما بنفسه أو بأجزائه شهراص جاز ذلك * ولو كانت الجارية بين رجلين فخاف أحدهما عليها من صاحبفه في نوبته فإن القاضي يأمرهما بالمهايأة ولا يضعها على يدي عدل لأن في ذلك تعطيل المنفعة على أحدهما * ولو كان بين رجلين عبد وأمة وتهايآ على أن تخدم الأمة أحدهما والعبد يخدم الآخر على أن طعام الأمة وطعام العبد على الآخر جاز ذلك استحساناً * وكذا لو سكتا عن الطعام كان طعام الأمة على من تخدمه الأمة وطعام العبد على الآخر وكسوتهما تكون عليهما كما في العارية فإن النفقة تم تكون على المستعير والكسوة على المالك {فصل في ذكر ألفاظ تكون إقراراً بالملك للمخاطب وما لا يكون} ذكر مُحَمَّد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في الكتابة ستة ألفاظ * سلم إلى هذه الدار وأعطنيها وابرأ منها واتركها ودعها واخرج منها * رجل في يديه دار يدعيها غيره فقال الذي في يديه للمدعي سلم ليه هذه الدار أو قال أعطنيها أو ذكر غيرها من الألفاظ الستة فهو على وجهين إما أن ذكرها مقرونة بالبدل أو غير مقرونة بالبدل <122> * وكل ذلك على وجهين إما أن تقدمها ذكر الصلح أو لم يتقدم فإن ذكرها مقرونة بالبدل ولم يتقد ذكر الصلح فإنه يكون غقراراص من القائل بالملك للمخاطب سواء كانت الدار في يد القائل ا في يد المخاطب حتى لو قال الآخر لا أسلم كان له أن يأخذ الدار من القائل لأنها إذا ذكرت مقرونة بالبدل ولم يتقدمها ذكر الصلح يكون للسوم عادة فإن الرجل إذا قال لغيره سلم لي هذا الثوب بعشرة دراهم يكون طلباً للبيع كأنه قال يعني بألف أو ملكني بألف * وأما إذا تقدمها ذكر الصلح بأن قال اصطلحنا على أن أسلم لك هذه الدار على أن تسلم لي ألف درهم أو هذا العبد وأبى الآخر لا يكون ذلك إقراراً في الألفاظ السنة لأنهاجعلت إقراراً وسوماً بحكم العرف وفيما إذا تقدمها ذكر الصلح يراد به ترك الخصوم والإبراء عن الدعوى * ولو قال بعد ذكر الصلح سلم لي خصومتك أو دعوا في هذه الدار بألف لا يكون ذ1لك إقارارً بالملك للمخاطب * وإن لم يكن شيء من هذه الألفاظ مقروناص بالبدل قد تقدم فإن كانت الدار في يد المخاطب لا في يد القائل في الألفاظ كلها لا يكون ذلك إقراراً بالملك للمخاطب لأن قوله سلم لي وقوله أعطني هذه الدار إذا لم يكن مقروناص بالبدل يكون عبارة عن الدفع ولو قال ادفع إلي لا يكون إقارارًوكذا لو قال ابرأ منها أو اخرج نها أو دعها لي * فأما إذا كانت الدار في يد القائل وذكر الألفاظ غير مقورنة بالبدل لا يكون إقراراً بالملك للمخاطب إلا قوله سلم لي هذه الدار وقوله أعطني هذه الدار فإنه يكون غقراراً لأنه قوله سلم لي طلب التمليك لا طلب الدفع فإن في الدفع يقال سلم إلي وقوله أعطني طلب التمليك * ولو أن رجلاً قال لغيره سلم لي شراء هذه الدار بألف يكون مساومة * ولو اشترى(3/61)
رجل داراص بألف ثم قال لغير البائع سلم لي شراءها بكذاأو لم يذر المال لا يكون غقارراص له بالملك وإنما يراد بهذا سلم لي مالك فيها من المانع لنفاذ البيع من رهن أو إجارة لأنه لما اشترى أولاً؟ فقد أقر بالملك لبائع فلو صار مقراً لغيره يكون مكذباً لنفسه فيما أقر * وهو بمنزلة ما لو قال الرجل لغيره أشتري منك هذه الدار بألف على أن تسلمها إلى فلان لا يكون إقراراً بالملك لفلان والله أعلم بالصواب <123> وإليه المرجع والمآب.
{كتاب الإقرار}(3/62)
(فصل فيما يكون إقراراً) * الأصل فيه أن يكون الكلام إذا خرج على وجه الكناية عن المال الذي ادعاه المدعي يكون إقراراً * رجل قال لغيره اقض الالف التي لي عليك فقال سأعطيكها أو غداً أو أعطيكها أو سوف أعطيكها أو اقعد فاتزنها أو انتقدها كان إقراراً بالمال * ولو قال اتزن أو انتقد لا يكون إقراراً * ولو قال غداً يكون إقراراً * ولو قال أحل الغرماء عليّ بها أو قال ائتني برجل من الغرماء أضمنها عنك كان إقراراً وكذا لو قال أبرأتني منها أو وهبتها لي أو تصدقت بها علي أو حبستها لك كان إقراراً * ولو قال لغيره لي علي ألف درهم فقال المدعى عليه غير واحد أو قال لا تعجل فأنا أدفع إليك أو قال حتى أفتح صندوقي أو قال المدعى عليه كرامة كان إقراراً * ولو قال تعال غداً أو قال فسوف تأخذها لا يكون إقراراً * ولو قال لي عليك ألف درهم فقال المدعى عليه أما خمسمائة منها فلا أعرفها يكون إقراراً بخمسمائة * ولو قال لي عليك ألف درهم (1) فقال كيسه بدون أو تزار أو بيار تابكني لا يكون إقراراً * ولو قال لي عليك ألف درهم فقال المدعى عليه مع مائة دينار قال الفقيه أبو بكر رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لا يكن إقراراً * وقال الفقيه أبو الليث رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن صدقه في الدنانير صح إقراراه بالمالين وإن كذبه في الدنانير صح إقراراه بالدراهم * رجل ادعى داراص في يد رجل فقال المدعى عليه أبرأتني عن هذه الدار لا يكون إقراراً * ولوادعى مائتي درهم فقال المدعى عليه قد قضيتك مائة بعد مائة فلا حق لك علي لم يكن إقراراً * وكذا لو ادعى مائة درهم فقال المدعى عليه قد قضيتك خمسين درهماً لا يكون إقراراً * ولو قال قضيتكها كان إقراراً وعليه إثبات القضاء ولو قال لرجل لي عليك ألف درهم فقال المدعى عليه لي عليك ألف درهم عن أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أنه لا يكون إقراراً * وكذا <124> لو قال المدعى عليه ولي عليك ألف درهم أو قال علك مثلها أو قال ولي عليك مثلها * وكذا لو قال المدعى عليه ولي عليك أيضاً ألف درهم أو قال لرجل أعتقت عبدك فقال المخاطب وأنت أيضاً أعتقت عبدك أو قال قتلت فلاناً فقال المخاطب أنت أيضاً فتلت فلاناً لا يكون إقراراً في شيء من ذلك * وقال مُحَمَّد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يكون إقراراً في جميع ذلك * ولو أن رجلاً في يديه دار أقر أنه كان يدفع غلتها إلى فلان لم يكن إقراراً بالدار لفلان * ولو ادعى رجل على رجل مالاص فقال المدعى عليه كل ما يوجد في تذكرة المدعي بخطه فقد التزمته قال الشيخ الإمام أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لم يكن ذلك إقراراً قال لأنه روي عن أصحابنا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أن رجلاً لو قال كل ما أقر فلان علي فأنا مقر به لا يلزمه شيء * رجل قال لامرأته بين يدي الناس غفر الله لك حيث وهبت لي مهرك فقالت أرى بخشيدم فقال القوم هل نشهد على هبتك فقالت هزارتن كواه باشند قالوا هذا الكلام يحتمل الرد ويحتمل التصديق فإنما يصير إقراراً بقرينة إن قالت المرأة أرى بتثقيل الراء لا يكون إقراراً * رجل قال لفلان على ألف في كتابي كان باطلاص * ولو قال في حسابي ذكر في المنتقى أنه إقرار وقال أبو الفضل رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قوله في حسابي إقرار بخلاف ما ذكر في الأصل * رجل ادعى على رجل ألفاص فقال الدعى عليه قد أعطيتك دعواك لم يكن إقراراً * وكذا لو قال المدعى عليه أخّر عني دعواك شهراصأو قال أخّر الذي ادعيت لم يكن إقراراً * ولو قال أخّر عني دعواك حتى يقدم مالي أعطيكها يكون إقراراً * ولو قال حتى يقدم مالي فأعطيتك عن دعواك فليس بإقرار * رجل قال لآخر لي ليك ألف درهم فقال المدعى عليه لك علي ألف درهم ما أبعدك من ذلك عن مُحَمَّد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أنه قال لا يلزمه شيء قال لأن آخر كلامه ما أبعدك دليل على أنه لم يرد به التصديق فقيل له لو قال ما أبعدك من الثريا قال ههنا يلزمه لأنه <125> لم يضف ذلك إلى الألف * رجل قال لغيره أقرضتك مائة درهم فقال لا أعود بها أو قال لا أعود بعد ذلك فهو إقرار * ولو قال ما استقرضت من أحد سواك أو قال من أحد غيرك أو قال ما استقرضت من أحد قبلك أو قال لا استقرضت من أحد بعدك لم يكن إقرار * ولو ادعى على رجل أنه غصب منه مائة درهم فقال لم أغصبك مع هذه المائة شيئاً * أو قال لم أغصب من أحد قبلك أو أحد بعدك أو أحد سواك أو أحد معك فكل ذلك إقرار * ولو أن رجلاً في يديه عبد فقال له رجل استأجره مني أو ادفع إلى غلة عبدي فقال الآخر نعم كان ذلك إقراراً * ولو أن رجلاً قال لقسام اقسم هذه الدار ثلثاً لفلان وثلثاً لي وثلثاص لفلان آخر لم يكن ذلك إقراراً للآخرين بثلثي الدار حتى يقول لفلان ثلثها ولفلان وثلثها * ولو قال هذه الدار ليست لي ثم أقام البينة أها له
__________
(1) قوله فقال كيسه .. إلخالذي في بعض النسخ الخط فقال كيسه بدوزاوكش بدوزاوتراذو بيادتا بركشي لا يكون .. إلخ وليخزر أو ليحزر(3/63)
قبلت بينته لأنه لم يقر لرجل معروف * ولو أن رجلاً قال لغيره أخبر فلاناً أن له علي ألف درهم كان إقراراً * وكذا لو قال لا تخبر فلاناً أنه له على ألف درهم بحقه أو من حقه كان ذلك إقراراً * ولو أن رجلاً قال اشهدوا أن لفلان علي ألف درهم كان إقراراً ولو قال لا تشهدوا أن لفلان على ألف درهم لا يكون إقراراً * رجل قال لغيره لي عليك ألف رهم فقال حقاً يقيناً أو صدقاً أو قال الحق أو اليقين أو الصدق أو قال حقاً حقاً أو يقيناً يقيناً أو صدقاً صدقاً كان ذلك إقراراً * ولو قال الحق حق أو اليقين يقين أو الصدق صدق لا يكون إقراراً * رجل قال لفلان علي ألف درهم إن شاء فلان فقال فلان شئت كان باطلاً * وكذلك كل إقرار علق بالشرط أو الخطر نحو أن يقول لفلان علي ألف درهم إن دخلت الدار وإن هبت الريح أو إن قضى الله تَعَالَى أو قال إن يسر الله لي أو قال إن أصبت مالاً أو قال إن كان حقاً كان كله باطلاً * ولو أن رجلاً قال اشهدوا أن لفلان علي ألف درهم إن مت كان عليه ألف عاش أو مات وكذا لو قال لفلان علي ألف درهم إذا جاء رأس الشهر أو إذا أفطر الناس كان ذل إقراراً ودعوى الأجل باطل إلا أن ينبت الأجل بالبينة أو بإقرار الطالب * وعلى قول الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى المال عليه إلى أجله * ولو قال <126> له على ألف درهم إلا أن يبدو لي غير ذلك أو قال إلا أن أرى غير ذلك فإنه لا يلزمه شيء بدا له أو مات قبل أن يبدو له * ولو قال لفلان على ألف دره فيما أعلم كان باطلاً في قول أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى * وكذا لو قال لفلان على ألف درهم في علمي ولو قال قد علت أن لفلان على ألف درهم كان إقراراً في قولهم * ولو قال له على ألف درهم فيما أن أو فيما أحسب أو فيما ظننت أو حسبت كان باطلاً في قولهم * ولو قال له على ألف درهم في شهادة فلان أو في علم فلان لا يلزمه شيء * ولو قال بشهادة فلان أو بعلم فلان كان إقراراً لأن حرف الباء للإلصاق فيقتضي وجود لنلصق به * ولو قال في قول فلان أو بقوله أو في حساب فلان أو بحسابه أو في كتاب فلان أو بكتابه لا يلزمه شيء * ولو قال لفلان على ألف درهم في صك فلان أو بصكه أو قال بصك أو في صك ولم يضف إلى أحد يلزمه المال وكذا لو قال يسجل أو في سجل أو بكتاب أو في كتاب أو من كتاب بيني وبينه أو من حساب بيني وبينه أو من حساب بيني وبينه كل ذلك إقرار * وكذا لو قال له على صك بألف درهم أو كتاب أو حساب بألف يلزمه المال * وكذا لو قال له على ألف درهم من شركة بيني وبينه أو من تجارة بيني وبينه أو من خلطة لزمه الألف * ولو قال له على ألف درهم في فتيا فلان الفقيه أو بفتياه أو في فقهه لا يلزمه شيء كما لو قال بقول فلان * ولو قال له على ألف درهم بقضاء فلان وفلان قاضٍ يلزمه المال * كما لو قال بشهادة أو بعلم فلان وإن لم يكن فلان قاضياً فقال الطالب تحاكمناه إليه فقضى لي عليه بألف يلزمه شيء وقد يكون الإقرار بالبيان كما يكون باللسان * رجل كتب على نفسه ذكر حق بحضرة قوم أو أملاه على إنسان ليتب ثم قال اشهدوا علي بهذا الألف لفلان كان إقراراً ويحل لهم إن يشهدوا عليه بالمال المكتوب فيه وإن لم يقرأ الصك على الشهود وإن لم يقرؤه عليه لأن الكتاب وإن كان محتملاً إلا أنه لما أمرهم بالشهادة لم يبق الاحتمال * وإن كتب الصك بنفسه بين قوم ولم يقرأ عليهم ولم يقل اشهدوا علي ذكر في الكتاب أنه لا يكون إقراراً <127> حتى لا يحل للهم أن يشهدوا بذلك المال عليه * وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن كان المكتوب مصدراً مرسوماً نحو أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أقر فلان بن فلان على نفسه لفلان بألف درهم وعلم الشاهد بما فيه وسعه أن يشهد عليه بالمال المكتوب وإن لم يقرأ علهم ولم يشهدهم * ولو أنه كتب الصك وقرأ على الشهود حل لهم أن يشهدوا بذلك المال وإن لم يقل اشهدوا * ولو أن غير الكاتب قرأ عليه الكتاب بين يدي الشهود فقال الكاتب اشهدوا علي بما فيه كان ذلك إقراراً وإن لم يقل اشهدوا لا يكون إقراراً * ولو كتب بين يدي قوم أميين كتاباً وقال للشهود اشهدوا علي بما فيه إن علموا ما فيه حل لهم أن يشهدوا عليه وإلا فلا سواء كان الكتاب مختوماً أو لم يكن * وإن كتب على وجه الرسالة بان يكتب هذا من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان أما بعد فإن لك علي ألف درهم من قبل فلان يكون إقراراً حل لهم أن يشهدوا عليه بذلك المال إذا علموا ما فيه وإن لم يقرأ عليهم ولم يشهدهم * وإن كتب على وجه الرسالة في ثوب أو خرقة أو نحوها لم يكن ذلك إقراراً ولا يحل لهم أن يشهدوا عليه بذلك المال إلا أن يقول لهم اشهدوا علي بهذا المال وكل ما عرف في الإقرار فهو في الطلاق والعتاق كذلك إلا في الحدود والقصاص * ولو ككتب الرجل في صحيفة حسابه لفلان علي ألف درهم ثم أقر أنه كتب وأنكر المال أو شهد الشهود على أنه كتب وهو ينكر المال(3/64)
ذكر في الكتاب أنه لا يلزمه شيء ولو قال وجدت في كتابي أن لفلان علي ألف درهم أو عقال وجت في ذكري أو حسابي أو بخطي أن لفلان علي ألف درهم أو قال كتبت بيدي أن لفلان علي ألف درهم كان ذلك باطلاً لا يلزمه شيء لأنه محتمل * ولو قال لفلان علي ألف درهم في حسابي أو في كتابي ثم قال أردت بذلك الخبر بالباطل يلزمه المال في القضاء * وقال مشايخ بلخ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى ما كان مكتوباً بخط البائع في ياد كاره لزمه لأنه لا يكتب في ياد كاره إلا ما كان له على الناس وللناس عليه * رجل قرأ على رجل صكاً بمال وقال له أشهد عليك بهذا المال الذي في الصك فقال نعم كان ذلك <128> إقراراً حل له أن يشهد عليه * رجل كتب على نفسه صكاً عند قوم ثم قال اختموا عليه ولم يقل اشهدوا عليه لم يكن ذلك إقراراً لا يحل لهم أن يشهدوا عليه بذلك المال * وكذا لو قال الشهود أنشهد عليك بهذا فقال اختموا عليه * ولو قالوا أنختم هذا الصك فقال اشهدوا عليه كان إقراراً حل لهم أن يشهدوا عليه * وكذا الإشارة المعهودة من الأخرس تكون إقراراً وكذا لو كتب الأخرس * ولو كان قادراً على الكتابة فأشار جازت إشارته * والمريض الذي اعتقل لسانه لا تعتبر إشارته * رجل قال لآخر أخذت منك ألفاً وديعة وألفاً غصباً فضاعت الوديعة وهذه ألف غصب وقال المقر له لا بل هلك الغصب وبقيت الوديعة كان القول قول المقر له يأخذ هذه الألف ويغرم المقر ألفاً أخرى وكذا لو قال المقر له لا بل غصبتني الألفين كان الجواب كذلك * لو قال المقر أودعتني ألفاً وغصبت منك ألفاً وهلكت الوديعة وبقي الغصب وقال المقر له لا بل هلك الغصب كان القول قول المقر له يأخذ المقر له الألف ولا يضمنه شيئاً * رجل قال لغيره هذه الألف وديعة لك عندي فقال المقر له ليست بوديعة ولي عليك ألف من قرض أو ثمن بيع ثم جحد المقر الدين والوديعة وأراد المقر له أن يأخذ الوديعة قضاء عن الدين الذي يدعي لم يكن له ذلك لأن إقراره بالوديعة أولاً بطل بالرد * ولو قال المقر له ليست بوديعة لكني أقرضتكها بعينها وجحد المقر القرض كان للمقر له أن يأخذ الألف بعينها إلا أن يصدقه المقر في القرض فحينئذ لا يكون للمقر له أن يأخذ الألف بعينها * ولو قال رجل لرجل لك علي ألف درهم من قرض فقال المقر له ليس لي عليك قرض ولكنه ثمن بيع فجحد المقر القرض وثمن البيع كان للمقر له أن يأخذ الألف عوضاً عما يدعي لأنهما اتفقا على الدين * ولاو قال هذه الألف اخذتهاا منك غصباص وقال المقر له لم تأخذها مني ولكن لي عليك ألف من ثمن بيع وجحد المقر الدين والغصب ليس للمقر له على الألف الغصب سبيل وله أن يأخذ من المقر ألفاً لنهما اتفقا على وجوب الألف * رجل ساكن داراً أقر أنه كان يدفع إلى فلان غلة هذه الدار ثم قال الدار داري كان القول قوله وقوله الأوّل لا يكون إقراراً بأن الدار <129> لمن يأخذ منه الأجرة * وذكر الناطفي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أن هذا رواية ابن سماعة عن مُحَمَّد رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى * وفي رواية هشام عنه يكون إقراراً بالملك لمن كان يدفع إليه الغلة * رجل قال لغيره ابتع مني عبدي هذا أو قال استأجره مني أو قال أعرتك داري ذه فقال نعم كان قوله نعم إقراراً له بالملك * وكذا لو قال له ادفع إلي غلة عبدي هذا أو أعطني ثوب عبدي هذا فقال نعم فقد أقر بالثوب والعبد له * وكذا لو قال افتح باب داري هذه أو قال أسرج دابتي هذه أو قال أعطني سرج بغلتي هذه أو بغلي هذا أو لجا بغلي هذا فقال نعم كان إقراراً * ولو قال المخاطب في جميع ذلك لا لا يكون إقراراً * رجل قال لغيره لم يأغصبك إلا هذه المائة كان إقراراً له بالمائة * وكذا لو قال مالك عليّ إلا مائة درهم أو سوى مائة درهم أو أكثر من مائة درهم كان إقراراً بالمائة * ولو قال مالك عليّ أكثر من مائة درهم ولا أقل لم يكن إقراراً * المقر له إذا أقر أن الدين لفلان الآخر وصدقه الثاني صح ذلك ويكون حق القبض للأول فإذا أدى المقر إلى الثاني يبرأ * رجلقال لامرأته بقرتي هذه لك قال أبو القاسم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن قال بالفارسية ابن كاومن ترا يكون هبة فلا بد من التسليم وإن قال تراست أو قال أن تواست يكون إقراراً * رجل قال لابنه الصغير أين مال ترا كردم أو بنام توكردم أو أن تركردم يكون تمليكاً * وقال الشيخ الإمام الأجل الأستاذ ظهير الدين رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بنام توكردم لا يكون تمليكاً ولا إقراراً * وذكر في المنتقى إذا قال أرضي هذه وذكر حدودها لفلان أو قال الأرض التي حدودها كذا لولدي فلان وهو صغير كان جائزاً ويكون تمليكاً * وذكر في المنتقى رجل قال لفلان صف غلة هذا البستاني أو قال نصف غلة هذا العبد جاز إقراره بالغلة * ولو قال نصف داري هذه أو نصف بستاني هذا لا يجوز ولا يلزمه بهذا الإقرار شيء * قالوا إذا أضاف المال إلى نفسه أولا بأن قال عبدي هذا لفلان يكون هبة على كل حال * وإن لم يضف إلى نفسه بأن قال(3/65)
هذا المال لفلان يكون إقراراً * وذكر في المنتقى رجل قال داري هذه لأولادي الأصاغر يكون باطلاً لأنها هبة فإذا <130> لم يبين الأولاد كان باطلاً وإن قال هذه الدار للأصاغر من أولادي فهو إقرار وهي لثلاثة من أصغرهم لأنه لم يضف الدار إلى نفسه وكذا لو قال ثلث داري هذه لفلان كانت هبة * ولو قال ثلث هذه الدار لفلان يكون إقراراً * رجل أقر بعين لرجل ثم أنكر اختلف المشايخ فيه قال أبو نصر الدبوسي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يحلف بالله ما أقررت له بكذا وقال أبو القاسم الصفار رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لا يحلف على الإقرار إلا أن في الدين يحلف بالله ماله عليك كذا وفي العين يحلف على العين * عين في يد رجل أقر أنها لرجل ولم يكن بينهما بيع ولا سبب من أسباب الملك قال الشيخ الإمام أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى صح إقراره حكماص ولا يحل للمقر له * وإن أراد المقر بهذا الإقرار تمليكاً مبتدأ قال لا يملكه لأن الإقرار إخبار وليس بتمليك * رجل قال في صحته جميع ما هو داخل منزلي لامرأتي هذه ثم مات صح إقراره قضاء فإن علمت المرأة بسبب من أسباب الملك من بيع أو هبة كان لها ذلك وإلا بنفس الإقرار لا تملك * رجل ادعى على رجل ألفاً خمسمائة منها مؤجلة وخمسمائة منها معجلة وقال المدعى عليه(1) مرابتو جيزي دداني نيست قال الشيخ الإمام الأجل الأستاذ ظهير الدين رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى هذا جواب في المعجل دون المؤجل * وقال الشيخ الإمام الأجل نجم الدين عمر النسفي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قال رج مرا بفلان ده درم دادني است لا يلزمه شيء بهذا الكلام ما لم يقل عليّ أو في ذمتي * قالف رضي الله تَعَالَى عنه وينبغي أن يكون هذا إقراراً منه لمكان العرف ننج رجل أقر في صحته وكمال عقله أن جميع ما هو داخل منزله لامرأته غير ما عليه من الثياب ثم مات الرجل وترك ابناً فادعى الابن أن ذلك تركة أبيه قال أبو القاسم الصفار رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إن علمت المرأة أن جميع ما أقر به الزوج كان لها ببيع أو هبة كان لها أن تمنع ذلك عن الابن بحكم إقرار الزوج * وإن علمت أنه ل يكن بينهما بيع ولا هبة لا يصير ملكاً لها بذلك الإقرار * رجل قال جميع ما يعرف مني أو جميع ما ينسب إلي فهو لفلان قال أبو بكر الإسكاف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى هذا إقرار * ولو قال جميع مالي أو جميع ما أملك لفلان فهو هبة لا يجوز إلا بالتسليم <131>
(يوجد نقص إلى الصفحة151)
<151> وقالوا على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجمع نصيب أحدهما في دار واحجة سواء كانتا فيمصرين أوفي مصر واحد متصلين كانتا في مصر أو منفصلين * وروى هلال ع أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يجمع في المصرين* والدور المختلفة بمنزلة أجناس مختلفة* وإن كان بين الرجلين بيتان له أن يجمع يصيب احدهما في منزل واحد ولكنه يقسم كل منزل قيمة على حدة * ولو كانا متصلين فهما كالبيتن له أن يجمع نثيب أحدهما في واحد* وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * وقال صاحباه رحمهما الله تعالى الدار والبين سواء والرأي فيه للقاضي * راد رين رجلين في أحد جانبيه بناء ولا بياء في الجانب الآخر وقال أحدهما اجعل قيمة البناء بذراع امت الأض وآخذ حقي من البناء مت ذرعان الدار وقا لاآخر لا بل أجعل البناء بدراهم وأعطيك حقك في البناء مت الدارهم فالأول أولى وأحسن * وغ، كانت الدار بين رجلين وفيها طريق لغيرهما فأرادا هما قسمة الدار وأراد صاحب الطريق أن يمنعهما عن القسمة لم يكن له ذلك ويترك الطريق عرضه عرض باب الدار الأعظم وطلوه من باب الدار إلى باب الدار التي لها الطريق ويقسم بقية الدار بين الرجلين على حقوقهما * وإن كان في الدار مسيل ماء لرجل فأراد أصحاب الدار قسمة الدار لم يكن لصاحب المسيل منعهم فالمسيل بمنزلة الطريق لما تقدم والله أعلم
(( فصل فيما يدخل في القسمة ))
__________
(1) قوله مرابتو ..إلخ الذي في بعض نسخ الخط في ابتو جيري دادني نيست فحرر(3/66)
قوم اقتسما ضيعة فأصاب بعضهم بستان وكرم وبيوت وكتبوا في القسمة بكل حق هو له أو لم يكتبوا فله ما فيها من الشجر والبناء ولا يدخل فيه الزرع والثمر * وإن كتبوا بكل قليل أو كثير هو فيها أو منها من حقوقها لا يدخل فيه الزرع والثمر * أرض بين اثنين لهما نخل في غير أرضهما فاقتسما على أن يأخذ أحدهما الأرض والآخر النخل بأصلها جاز * وإن اقتسمةا ضيعة فجعلوا للأحدهم النخل ولم يذكر بأصلها فله النخل بأصلها * وكذلك لو أقر لإنسان بنخلة كان للمقر له النخلة بأصلها * ولو باع نخلة ذكر في النوادر أن على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يستحق النخلة بأصلها وعند محمد رحمه الله تعالى لا يستح الأصل إلا بالذكر وقيل الجاوب في الإقرار عن د أبي يوسف رحمه الله تعالى كالجواب في البيع يدخل أصل النخلة في الإقرار والبيع جميعا وعند محمد رحمه الله تعالى في القسمة يدخل أصل النخلة وفي البيع لا يدخل * ثم في كل موضع يستحق النخلة بأصلها فإن قلعها كان له أن يغرس مكانها أخرى رجل مات وطلب ورثته من القاضي القيسمة وأقاموا البينة على الموت والميراث كما هو الشرط وعلى الميت دين لغائب فإن القاضي لا يقسم شيا من أجناس التركة فإن كان الدين أقل من التركة فسألوا من القاضي أن يعزل شيئا لأجل الدين ويقسم الباقي قال ابو حنيفة رحمه الله تعالى في القياس لا يفقل وهو قوله الأول ثم استحسن وقال إن القاضي
<152> يفعل ذلك فإن فعلوا ذلك وقسموا الميراث فهلك ما عزل لأجل الين ردت القسمة إلا أن يقضوا الدين من حصصهم * وكذا لو لم يكن الدين ظاهرا وقت القسمة ثم ظهر بعد القسمة كانت القسمة مردودة إلا أن قضوا الدين من مالهم * وكذا لو ظهر بالتركة وصة بالثلث أو ببعين من أعيان المال فالوصية بمنزلة الدين* دار بين قوم اقتسمةها فوقع في نصيب أحدهم بيت فيه حمامات إن لم يذكروا الحمامات في القسم فهي بينهم كما كانت وإن ذكروها فإن كانت لا تؤخذ إلا بصيد فالقسمة فاسدة * أرض بين قوم اقتسمةها فوقع في نصبي أحدهم شحرة أغصانها متدلية في نصيب الآخر عن محمد رحمه الله تعالى فيه روايتان في رواية لصاحب الأررض أن يجبر صاحب الشجرة على قطع الأغصان وفي رواية لا يجبر كما لو وقع في قسم أحدهما حائط عله حذوع للآخر فإنه لا يؤمر صاحب الجذوع برفع الجذوع وإذا طلب الورثة لا يجبر كما لو وقع في قسم أحدهما حائط عليه جذوع للآخر فغنه لا يؤمر صاحب الجذوع برفع الجذوع وإذا طلب الورثة القسمة من القاضي هل عليه دين إن قالوا لا كان القول قولهم * وإن أقر أحد الورثة بدين على الميت وجحد الباقون قسمت التركة بينهم ويؤمر المقر بقضاء كل الدين من نصيبه عندنا إذا كان نصيبة يفي بكل الدين * إذا حرت القسمة في دارين أو أرضين وأخذ كل واحد منهما دارا ثم استحق احدى الدارين بعد ما بنى فيها صاحبها كان للمستحق عله أن يرجع على صاحبه بنصف قيم البناء قيل هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن عنده قسمة الجبر لا تجري في الدارين فكانت القسمة في معنى البينع والأصح أن هذا قول الكل لأن عند صاحبيه إنما تحري قسمة الجبر في الدارين إذا رأى القاضي ذلك * مراث بين قوم لم يكن هناك دين ولا وصية فمات بعض الورثة وعلى الميت الثاني دين أو أوصى بوصية أو كان له وارث غائب أو صغير فاقتسم الورثة ميراث الميت الأول بغير قضاء كان لغرماء الميت الثاني أن يبطلوا القسمة وكذلك لصاحب الوصية والوارث الغائب والصغير لأن ورثة الميت الثاني قاموا مقام اليمت الثاني ولو كان هو حيا غائبا لم تنفذ قسمتهم عله فكذا إذا كان ميتا * ميراث بين قوم اقتسمةا وأشهدوا على أنفسهم بالقسمة ثم ادعت امراةى الميت المهر على الميت وأقامت البينة كان لها أن تبطل القسمة ويكون دينها كدين أجنبي فاقدامها على القسمة لا يمنعها من دعوى الدين لأن إجازة الغريم القسمة قبل أن يصل إليه الدين باطلة ويكون وجودها كعدمها فكان له أن يبطل القسة وكذا إذا كان الغريم هو الوارث ولا يشبه دعوى الدين دعوى الشركة في العين فإن لو ادعى الشركة في العين بأن ادعى وصية بالثل بعد القسة يكون ساعيا في نقض ما تم به فلا يصح دعواه * ولو ادعى ابن الابن بعد القسمة أنه كان اشترى نصيب أبيه من الأب حال حياته بثم مسمى ونقده الثمن وأقام البيت على ذلك فذاك لا يبطل(3/67)
<153>قسمته لأنه خصم في نصيب أبيه سواء كان يستحق نصيب الأب بالشراء أو بالميراث * أرض ميراث بين قوم اقتسمةها وتقابضوا ثم اشترى أحده ممن الآخر قسمه ونصيبه ثم أقام البينه بدين على الأب كانت القسمة والشراء باطلة وكذا إذا اشتراه غيرا الوارث لأن القسمة والشراء كلاهما تصر من الوارث في التركة فلا ينفذ مع قسام الدين على المورث * ثلاثة نفر ورثوا دارا عن أبيهم واقتسمتها أثلاثا وتقابضوا ثن إن رجلا غريبا اشترى من أحدهم قسمته وقبضه ثم جاء أحد الوارثين وقال إنا لم نقسم واشترى هذا المشتري منه الثلث شائعا من جميع الدار ثم جاء البن الثالث وقال إنا قد اقتسمناها وأقام البينة على ذلك وصدقه البائع الأول وكذبه البائع الثاني وقال المشتري لا يأدري اقتسمتهم أم لا فالقسمة جائزة لأن القسمة ثبتت بحجة قام من الخصم والقسمة بعد تمامها لا تبطل بجحود بعض الشركاء فيظره أن الأول باع نصيبه خاصة فجاز بيعه وأما الثاني إنما باع ثلث الدار شائعا ثلث ذلك من قسمة وثلثا ذلك من نصيب غيره فينفذ بيعه في نصيب نفسه خاصة ويتخير المشتري فيه إن شاء أخذ ثلث قسمه بثلث الثمن وإن شاء ترك لتفرق الصفقة عليه* قو اقتسمةا دارا مييراثا عن رجل والمرأة مقرة بذلك فأصابها الثمن فعزل لها ثمنها على حدة ثم ادعت المعزول له أن زوجها أصدقها إياها أو أنها اشترت منه بصداقها لم يقبل ذلك منها لأنه لما ساعتهم على القسمة فقد أقرت أنها كانت لزوجها عند موته فلا تسمع دعواها * وكذلك لو قسموا دارا أو أرضا وأصاب كل واحد منهم طائفة بميراثة عن أبيه ثم ادعى أحدهم في قسم الآخر بناء أو نخلا زعنم أنه هو الذي بناه أو غرس لم يقبل بينع على ذلك * ومما ينقض به القسمة الغلط * وإذا ادعى أحد الشركاء غلطا في القسمة لا تعاد القسمة بمجرد دعواه ولا يعاد ذرع شيء من ذلك ولا مساحته ولا كيله ولا وزنه إلا بحجة لأن الظاهر وقوع القسمة على وجه المعادلة فلا تنقض القسمة إلا إذا أقام البينة على ذلك وإن لم يكن له بينة وطلب استحلاف الشركاء فإنه يستحلف لرجاء النكونل * ثم الغلط في القسمة على وجه * أحدها أن يقول حقي في النصف وقد أخذت الربع أو الثلث وقال الآخر لا بل حقك الثلث وقد أخذته وفي هذا يتحالفان ويترادان اللقسة * ومها أن يكون الخصومة ي القبض فقال أحدهما لا أقبض حقي وقال الآخر قبضته فإنهما يتحالفان ويترادان القسة أيضا لا، القبض له شبه بالعقد* ولو اختلفا في العقد يتحالفان * ومها أن يكون المنازعة بينهما في الزيادة فيقول أحدهما أخذت أنت يافلان أكثر من حقك أو غصبت الزيادة غصبا بعد ما قبضته ويقول الآخر أخذت حقي وما أخذت الزيادة كان القول قول الآخر والبينة بينة صاحبه ولا يتحالفان ولا يترادان القسمة * ومها أن يكون المنازع بينهما بعد ما أشهد كل واحد منهما على القبض واستيفاء الحق بصفة التمام ثم يقول أحدهما حقي الذي في يدك(3/68)
<154> وحقك الذي في يي أو يقول قد قسمنا ذلك ولكن أخذت أنا بعض حقي دوهن بقض لا يسمع دعواه ولا الخصومة منه بعد ما أشهد على القبض والاستيفاء * ومنها أن يقع المنازع بينهما في التقويم فيقول أحدهما قيمتها أكثر مما قومته وينكر الآخر ففي هذا الوجه لا يقبل قوله ولايسمع دعواه كذا ذكره في الأصل* وقال الفقيه أبو بكر البلخي إن كان التفاوت يسيرا فهو كما قال في الكتاب وإن كان التفاوت كثيرا يرجى أن يسمع دعواه وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يسمع دعواه* رجلان اقتسما دارين وأخذ كل واحد منهما دارا ثم ادعى أحدهما غلطا أن له كذا كذا ذراعا في الدار التي في يد صاحبه فضلا في القسمة وأقام البينة على ذلك ذكر في الأصل أنه يقضي له بذلك الذرع ولا يعاد القسمة وليس هذا كالدار الواحدة * قيل هذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى * أما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى القسمة فاسدة والداران بينهما نصفان لأن عنده لا يجري قسمة الجبر في الدارين فيكون هذه القسمة بمنزلة البيع ولو باع كذا كذا ذراعا من الدار التي في يده عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز * فكذا إذا شرط ذلك لأحدهما في القسمة في دار صاحبه كانت القسمة فاسدة وعندهما بيع كذا كذا ذراع من الدار جائزة * فكذا إذا شرط ذلك في القسمة * وأما في الدار الواحدة معنى التميز في القسمة غالب على معنى المعاوضة ولهذا يجري فيه الجبر فإذا شرط لأحدهما كذا كذا ذراعا في نصيب صاحبه يبقى الشيوع والشركة * رجلان اقتسما أقرحة فأصاب أحدهما قرحة والأخر أربعة أقرحة ثم ادعى صاحب القرحين أحد الأقرحة التي في يد صاحبه وأقام البينة أنه أصاحبه في القسمة فإن يقضي له لأنه أثب الملك لنفسه في ذلك بالحجة وكذا هذا في الأثواب فإن لم يكن له بينة كان له أن يستحلف الذي في يده* وإن أقام كل واحد منهما البينة أن ذلك أصابه في القسمة فإنه يقضى لبينة الخارج لأن دعواهما دعوى الملك فترجع بينة الخارج لأنه هو المحتاج إلى إقامة البينة وكذا هذا في بيوت الدار ودعوى الغلط إنما تسمع إذا لم يقر بالاستفتاء أما إذا أقر بالاستفتاء لا تسمع دعوى الغلط والغبن إلى إذا ادعى الغصب فحينئذ تسمع دعواه* وإذا ادعى أحد الشركاء القسمة وأبى الباقون فاستأجر الطالب قساما كان الأجر عليه خاصة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * وقال صاحباه رحمهما الله تعالى يكون على الكل * وإذا أنكر بعض الشركاء القسمة فشهد قاسم القاضي على القسمة مع غيره جازت شهادته في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى * وقال محمد لا تقبل شهادته* إذا اقتسم القول شيئا ميراثا أو غير ذلك ثم ظهر الغبن الفاحش في القسمة إن كان القسمة بقضاء القاضي يبطل عند الكل وإن كانت بالتراضي اختلفوا فيه * قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن قال قائل بأن للمغبون أن يبطل القسمة وإن قال قائل ليس له أن يبطل
<155> فله وجه * وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى له أن يسمع دعوى الغلط والغبن الفاحش وله أن يبطل القسمة لو كانت القسمة بقضاء القاضي وهو الصحيح وإن اقتسما محدودا ثم اختلفا في الحد فقال أحدهما هذا الحد لي وقد دخل في نصيب صاحبي وقال الآخر هذا الحد له وقد دخل في نصيب صاحبي فإن قامت البينة لهما جميعا قال في الكتاب أخذت بينة هذا وبينة ذلك لأن كل واحد منهم يثبت الملك لنفسه في جزء بعينه مما في يد صاحبه واجتمع في ذلك الجزء بينة في اليد والخارج فيقضي ببينة الخارج * وللقاسم أن يستعمل القرعة وقاسم القاضي وقاسم غيره فيه سواء ثم إن كان القاضي هو القاسم أو نائبه فليس لبعض الشركاء أن يرد ذلك بعد خروج السهام كما لا يلتفت إلى إباء البعض قبل خروج القرعة * وإن كان القاسم يقسم بينهم بالتراضي فرجع البعض بعد خروج بعض السهام كان له ذلك إلا إذا خرج السهام كلها إلا واحد الآن بخروج بعض السهام لا تتم القسمة فكان الرجوع فيها كرجوع البائع قبل قبول المشتري أما إذا خرجت السهام إلا واحدا تمت القسمة فلا يملك الرجوع* وذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن القرعة أنواع ثلاث* الأولى لإثبات حق البعض وإبطال حق البعض وإنها باطلة كما لو أعتق أحد عبديه بغير عينه ثم يقرع * والأخرى لتطييب النفس وإنها جائة كالقرعة بين النساء للسفر والقرعة بين النساء في البداءة في القسم * والثالث لإثبات حق واحد في مقابلة مثله فيفرز حق كل واحد منهما وهي جائزة
(( فصل في قسمة الوصي والأب))(3/69)
قسمة الأب عن الصبي والمعتوه جائزة في كل شيء إذا لم يكن فيها غبن فاحش ووصي الأب في ذلك قائم مقام الأب بعد موته * وكذا الجد أبو الأب إذا لم يكن هناك وصي الأب وتجوز قسمة وصي الأم فيما تركت إذا لم يكن أحد من هؤلاء فيما سوى العقار لأنه قائم مقام الأم وتصرفها فيما هو ملك ولدها الصغير صحيح البيع فيما سوى العقار فكذلك في القسمة * ويحوز قسمة الأم والأخ والعم والزوج على امرأته الصغيرة والكبيرة الغائبة وإن لم يكن لأحد منهم أب ولا وصي وليس لوصيي الأم ولاية القسمة على الصغير في غير ما تركت الأم * وتجوز قسمة وصي الأب على الابن الكبير الغائب فيما سوى العقار لأنه قائم مقام الأب فيما يرجع إلى الحفظ وبيع ما سوى العقار من الحفظ ولا يجوز قسمة الملتقط ولا قسمة المملوك على ولده الحر* والمعتوه بمنزلة الصغير أما المبرسم والمغمى عليه والذي يجن ويفيق لا يجوز عليه قسمة أحدهم إلا برضاه أو بوكالته في حال إفاقته * والذي جعله القاضي وصيا لليتيم فهو بمنزلة وصي الأب إذا جعله وصيا في كل شيء * وإن جعله القاضي وصيا في كل شيء خاص نحو الإنفاق أو حفظ ماله لا تجوز قسمته لأن نصب القاضي إياه وصيا قضاء والقضاء يقبل التخصيص * بخلاف وصي الأب في شيء خاص فإنه يكون وصيا في جميع الأشياء لأنه قائم مقام الأب * إذا اقتسم الورثة
<156>التركة فيما بينهم بغير أمر القاضي وفي الورثة صغير أو غائب أو شريك الميت لا تصح القسمة إلا بإجازة الغائب و ولي الصغير أو بإجازة الصبي بعد البلوغ أو بإجزة القاضي قبل البلوغ* فإن مات الغائب أ الصبي قبل الا<ازة فأجازت ورثته نفذت القسمة في قول أبي حنييفة وأبي يوسف ولا تنفذ في قول محمد رحمه الله تعالى كذا في مختصر عصام رحمه الله تعالى * وإن كانت هذه القسمة بأمر القاضي صحت القسم * وذكر الخصاف رحمه الله تعالى إذا كان في الورثة صغير أو غائب ولم يكن في يد الغائب ولا في يد أم الصفي رشيء من التركة بل كان الكل في يد الحضور الكبار فطلبوا القسمة من القاضي فإن القاضي يجعل للصغير وصيا يقزم بالقسمة ويقبلض حقه ويجل للفائئب وكيل ويأمرهم بالقمة * وإن كان في يد الغائب شيء من التركة لا يقسم حتى يحضر الغائب أو تقوم البية على أن ذلك ميراث بينهم وعلى عدد الورثة فحينئذ يقسم وذكر في الجامع أنه لا يقسم حتى يحضر الغائب أو تقوم البية على أن ذلك ميراث بينهم وعلى عدد الورثة فحينئذ يقسم وذكر في الجامع أنه لا يقسم وإن قامت البينة ما لم يحضر الغائب * ولو كان شيء من التركة في يد أن الصغير فالجواب فيه كالجواب فيما إذا كان شيء من التركة في يد الغائب وثم لا يقسم * إذا اقتسمت التركة وعل الميت دين فأجاز الغريم قسمة الورثة ثم أراد نفض القسة كان له أن ينقها * وكذا ذا ضمن بعض الورثة دين الميت كان للغريم أن ينقض القسمة إلى أن يكون الضمان مشروطا في قسم الميراث فسدت القسمة * وإن لم يكن مشروطا في القسمة بل ضمن بعد القسم فهو على وجوه إن ضمن على أن لا يرجع على الشركاء وأدى جازت القسمة * وإن ضمن على أن يرجع أو ضمن وكان له أن ينقض القسمة لأنه قائم مقام الغريم * وللغريم أن ينقض القسمة ما لم يصل إليه حق ه فكذذا لمن قام مقامه * إذا كان المكيل والموزون بين حاضر وغائب أو صغير وبالغ وأخذا الحاضر ا, البالغ نصيبه فهلك الباقي إن هلك قبل أن يصل ذلك إليهما لا يكون الهلاك على الصغير والغائب وهو كالصبرة إذا كانت مشتركة بين الدهقان والمزارع فقال الدهقان للمزارع قتسمها وفرز نصيبي فقسم المزارع والدهقان غائب فحمل نصيب الدهقان إلى الدهقان فلما رجع فإذا قد هلك ما أفرز لنفسه كان الهلاك عليهما * وإن قسم الصبرة وأفرز نصيب الدهقان وحمل نصيب نفسه إلى بيته أولا فلما رجع وإذا قد هلك ما أفره للدهقان كان الهلاك على دهقان خاصة كذا قاله بعض المشايخ * ثلاثة نفر بينهم أراضي لأحدهم عشرة أسهم وللثان يخمسة أسهم وللثالث سهم واحد فأرادوا قسمتها وأراد صاحب العشرة الاسهم أن تقع سهامه متصلة في موضع احد ولا يرضى بذلك الذي له سهم واجد قسم الأراضي بينهم متصلة كانت أو متفرقة على قدر سهامهم عشرة لواحد وخمسة للآخر وسهم(3/70)
<157> للثالث وتجعل الأراضي عدد سهامهم بعد أن عدلت وسويت ثم يجعل بنادق سهامهم على عدد سهامهم ويقرع بينهم فأول بندقة تخرج توضع على طرف من أطراف السهام ثم ينظر إلى البندقة لم هي * فإن كانت لصاحب العشرة من البنادق العشرة يعطى له ذلك وتسعة أسهم متصلة بالسهم الذي وضعت البندقة عليه فتكون سهام صاحبها على الاتصال ثن يقرع بين الستة كذلك فأول بندقة تخرج توضع على طرف من أطراف التة الباقية ثم ينظر إلى الالبندقة لمن هي فإن كانت لصاحب الخمسة من البنادق الخمسة يعطى له ذلك السهم وأربعة أسهم متصلة بذلك السهم ويبقى السهم الواحد لصاحب الواحد وإن كانت هذه البندقة لصاحب الواحد كان له الطر الواح كان له الطرف الي وضع عليه البندقة ويكون الخمسة الباقية لصاحب الخمسة * رجل مات وترك ثلاث بنين وترك خمس عشرة خابية خمس منها مملوؤة خلا وخمس منها إلى نصفها وخمس منها خالية والكل مستوية فأرا البنون أن يقسموا الخاوبي على السواء من غير أن يزيلوا عن مواضعها قالوا الوجه فيه أن يعطي أحد اليني فيه أي يعطى أحد البنين خابيتين مملوءتين وخابية إلى إلى نصفها وخابيت خاليتين ويعطى الثاني كذلك يبقى خمس خواب احاها مملوؤو واحداها خالية وثلاث إلى نصفها خلا فيعطى للابن الثالث ذلك فيقع المساواة بذلك * رجلان بينهما خمسة أرغفة لأحدهما رغيفان وللآخر ثلاثة فدعوا رجلا ثالثا وأكلوا جميعا مستتوين ثم ن الثالث أعطاهما خمسة دراهم وقال اقتسما على قدر ما أكلت من أرغفتكما قال الفقيه أبو الليث رحمة الله تعالى يكون لصاحب الرغيفين درهمان ولصاحب الثلاثة ثلاثة دراهم لأن كل واحد منهم أكل رغيفا وثلثي رغيف مشاعا ثلثان من ذلك لصاحب الرغيفين ورغيف تام من نصيب صاحب الثلاثة فاجعل كل ثلث سهما فيصيب كل واحد مهم سهم سهمان من نصيب صاحبالرغيفين وثلاثة أيصم من نصيب صاحب الثلاثة وذلك خمسة فيقسم البدل كذلك فيكون لصاحب الرغيفين درهمان ولصاحب الثلاثة ثلاثة دراهم * وقال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى عندي لصاحب الرغيفين درهم من البدل لأنه أكل من رغيفة رغيفا وثلثي رغيف ولم يأكل الثالث من رغيفه إلا ثلث رغيف وكل واحد مهم أكل رغيفا وثلثيي رغيف فالثالث أكل من الأرغفة الثالثة رغيفا وثلث رغيف فكان لصاحب الثلاثة أربعة دراخم من خمسة دراهم * شريكان بينهما عنب أرادا قسمته يجوز قسمته بالوزن بالبالقبان أو الميزان * وقال بعض المشايخ يجوز قسمته بالشرجلة أيضا لقلة التفاوت * وقال مولانا رحي الله عنه وهذا غير صحيح لأنه وزني فال يجوز قسمته بدون الوزن إما بالقبان(3/71)
<158> أو بالميزان فلا يجوز قسمته بالشرجله لأنها مجازفة * وقسمة التبن بالحبال ذكر ذكر في النوادر أنه يجوز لقلة التفاوت لأنه لس بوزني * رجلان تواضعا في بقرة في بقرة بينهما على أن تكون عند كل واحد منها خمسة عشر يوما يحلب لبنها كان بالطا * ولا يحل فضل اللبن لأحدهما وإن جعله صاحبه في حل لأنه هبة المشاع فيما يقسم إلا أن يكون صاحب الفضل استهلك الفضل فإذا جعله صاحبه في حل كان ذلك إبراء له عن الضمان فيجوز أما حال قيام الفضل يكون هبة أو إبراء عن العين وأنه باطل * أهل قرية غرمهم السالطان فقال بعضهم يقسم ذلك على قدر الأملاك * وقال بعضهم يقسم على عدد الرؤوس * وقال الفقيه أبو جعفر أبو بكر رحمه الله تعالى إن كانت الغرامة لتحسين الأملاك يقسم على قدر الأملاك لأنها مؤنة الأملاك يقسم على قدر الأملاك لأنها مؤنة الملك وإن كانت لتحصين الأبدان يقسم على قدر الرؤوس الذين يتعرض لهم لأنها مؤنة الرأس* ولا شيء من ذلك على النساء والصبيان لأنه لا يتعرض لهم * دار بين اثنين انهدمت فأراد أحدهما البناء وأبى الآخر يقسم الدار بينهما * ولو كان جدار بين رجلين لأحدهما عليه جذوع وليس للآخر عليه شيء فانهدم الحائظ فأخذ صاحب الجذوع صاحبه بلابناء وأبى صاحبه فإنه لا يجبر عليه وقال لهما إن شئتما فاقسما أرض الحائظ فإن أراد صاحب الجذوع أن يبني وأراد الآخر القسمة فإنه يقسم بينهما نصفين* رجلان بينهما مملوك صغير أو جارية فإهما يجبران على نفقتهما فإن أراد أحدهما النفاق وقال الآخر ليس لي شيء ذكر الكرخي أبو بكر رحمه الله تعالى إن الحاكم يبيعهما ممن ينفق عليهما فإن لم يجد استدان عليه فإن لم يجد أنفق من بيت المال فإن قال أحد الكشرين أنا أنفق عله دينا على مولاه وقال أمرته من غير إجبار وإن بل أكثر من قسمته أضعافا كان ذلك له على المولى ولا يسقط عنه بموت المملوك * ولو كانت دار أو نخل بين رجلين لا يجبر عل الإنفاق* شريكان اقتسما على أن لأحدهما الصامت وللآخر العروض وقماشات الحانوت والديون التي على الناس على أنه إن نوى شيء من الديون يرد آخذ الصامت على شريكه نصفة كانت القسمة فاسدة لأن القسمة في معنى البينع والبيع على هذا الوجه فاسد وعلى آخرذ الصامت أن يرد على شريكه نصف ما أخذ من الصامت وعلى الشريك الآخر إن يرد على آخذ الصامت نصف ما أخذه أيضا * درا بين شريكين رفعا بابا من الدار ووضعاه في الدار ثم اقتسما الدار فإن الباب الموضوع في الدار يكون بينهما ولا يكون داخلا في القسمة بمنزلة متاع في الدار * ولو اقتمسا كرما وفي الكرم أعناب فوقع الأعناب في النصف الذي اصاب أدهما إن ذكر العنب في القسمة يكون العنب لمن
<159> أخذ النصف الذي فيه العنب وإلى فلا * وكذا لو اقتما دارا فوقع في نصيب أحدهما بيت فيه حمامات إن لم يذكروا الحماما في القسمة لا تدخل وإن ذكروها في القسمة وجعلوها لصاحب البيت فإن كانت لا تؤخذ إلا بصيد فالقسمة فاسدة وإن كانت تؤخذ بغير صيد جازت القسمة وتكون الحمامات لصاحب البيت لأن حكم القسمة حكم البيع * أرض بين رجلين فطلب أحدهما القسمة من القاضي وبى الآخر وقال بعت نصيبي منفلان الغائب وأقام البينة على ذلك لا تقبل بينته لأنه يريد بهذا دقع القسمة عن نفسه بدعوى الفعل على الغائب وذلك باطل * دار بن شريكين انهدمت فقال أحدهما نبيها وأبيى الآخر فإن القاضي يقسم الدار بينهما * ولو كان مكان الدار رحا أو حمام أو شيء لا يحتمل القسمة كان لطالب البناء أن يبني ثم يؤاجر ثم يأخذ يصف ما أنفق في البناء من الغلة * وفي الأراي المشتركة إذا بناها أحدهما فقال له صاحبه ارفع بنائك فإن القاضي يقسم الأراضي بينهما(3/72)
فما وقع من البناء في نصيب الذلملم يبن فله أن يرفع ذلك أو يأخذ البناء بالقيمة إذا رض صابه بذلك * وعن محمد أبو بكر رحمه الله تعالى في طاحونة مشتركة بين اثنين أنفق أحدهما في مرمها ا يكون متطوعا * طاحونة أو حما بين اثنين استأجر نصيب كل واحد منهما رجل ثم أنفق أحد المستأجرين في مرمة الطاحونة أو الحمام بإذن من آجره هل يكون له أن يرجع بذلك على الشريك الذي لم يؤاجر نصيبه من هذا المستأجر قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل أبو بكر رحمه الله تعالى يحتمل أن يقوم المستأجر مقام من آجره فيما أنفق ويرجع بنصف ما أنفق على الرواية التي رويت عن محم أبو بكر رحمه الله تعالى * ويحتمل أن يقال إن هذا المستأجر يرجع على من آجره ثم من آجره يرجع على من آجره ثم من آخره يرجع على شريكه * ويحتمل أن يقال إن هذا المستأجر يكون متزعا والمختار للفتوى أن لا يرجع هذا المستأجر على شريك من آجره * رجل مات وترك ضيعة وخمسة بنين أحدهم صغير والباقي كبار اثنان منهم حاضران واثنان غائبان فاشترى رجل نصيب أحد الحاضرين فطالب هذا المشتري شرك بائعه بالقسمة عند القاضي وأخبراه بالقصة فإن القاضي يأمر الشريك الحاضر بالقسمة ويجعل رجلا وكيلا عن الغائبين وخما عن الصغير ل، المشتري قام مقام بائعه وكان للبائع أن يطالب الشريك الحاضر بالقسمة إذا كانت الضيعة ميراثا لأنه المشتري يقوم مقام البائع فيما كان الأصل ميراثا * صبي أقر أنه بالغ وقاسم وصى الميت قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل أبو بكر رحمه الله تعالى إن كان الصبي مراهقا قبل قوله وتجوز قسمه وإن لم يكن مراهقا ويقلم أن مثله لا يحتلم لا تجوز قسمته ولا يقبل قوله لاه مكذب ظاهر أو تبين بهذا أن ابن ثنتي عشرة سنه إذا كان بحال لا يحتلم مثله إذا أقر بالبلوغ لا يقل قوله* رجل باع من رجدل شيءا وضمن رجل بالدرك ثم مات الضام وطلب ورثة الضام قسمة(3/73)
<160>ميراثه فإن القاضي يقسم لأن الدين غير ثابت للحال* فإن قسم وباع كل واحد من الورثة نصيبه ثم أدرك المشتري دركا كان للمشتري أن يرجع على ورثة الضامن وينقض قسمتهم لأن هذا بمنزلة دين مقارث للموت لأن سبب هبذا الدين كان في حياة المست ولو كان الدين ظاهرا وقت القسمة لا تجوز القسمة فكذا إذا وجب بسبب كان قبل الموت * رجل مات عل امرأة وابنين والمرأة تدعي أنها حام قال الشيخ الإما أبو بكر محمد بن الفضل أبو بكر رحمه الله تعالى تعرض ثي على المرأأة ثقة أو امرأتين حتى تمس جنبها فإن لم تقف على شيء من علامات الحمل يقسم المسراث * وإن وقفت على شيء من علامات الحمل تربصوا حتى تلد فإنه لا يقسم * وكذا لو مات الجر وترك امرأة حاما وابنا فإن القاضي لا يقسم المسراث حتى تلد * فإن كان الوارث أكثر من واحد ولم ينتظروا الولادة إن كانت الولا دة بعيدة يقسم وإن كانت قرية لا يقسم * ومقدار القرب والبعد مفوض إلى رأي القاضي وإذا قسمت التركة يقف نصيب الحمل واختلفوا في مقدار ما يوقف للحمل قال الفقيه أبو جعفر أبو بكر رحمه الله تعالى يوفق يصيب ابني ويقسم الباقي وهو رواية عن أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف أبو بكر رحمه الله تعالى * وقال بعضهم يوقف نصيب أربعة بنين وهو رواية عن أبي حنيفة أبو بكر رحمه الله تعالى أيضا وذكر اخصاف عن أبي يوس أبو بكر رحمه الله تعالى أنه يوقف نصيب ابن واحد وعليه الفتوى * هذا إذا كانت الورثة ممن يرثون مع الحمل إن كان ابا فإن كانوا لا يرثون مع الابن بأن مات عن اخوة وامرا’ حام يوقف جميع التركة ولا يقسم لأن في حق الأخوة في طلب القسمة شكا فلا يقسم * رجل مات عن امرأة حامل وابنين وبنتين فطلب الأولاد قسمة الميراث قال الفقيه أبو جعفر أبو بكر رحمه الله تعالى لها ثمن الميراث خمسة من أربعين سهما وللابنتين سبعة أسهم وللابنين أربعة عشر* ويوقف لأجل الحمل أربعة عشر وعلى ما اختير للفتوى يوقف للحمل نصيب ابن واحد فتخرج المسألة من أربعة وستين ثمانية أسهم للمرأة وأربعة عشر للبنتين وثمانة وعشرون للابنين ويوقف للحمل نصيب ابن واحد أربعة عشر * حامل ماتت وفي بطنها ولد يتحرك مقدار يوم وليلة فقال بعض الناس مات الولد وقال بعم لم يمت فدفنت المرأة كذلك ثم نبش قرها فإذا معها ابنة ميتة وتكرت المأة زوجها وأبوي هل يكن لهذه البنت التي وجد شيء من المال قال مشايخ بلخ أبو بكر رحمه الله تعالى إن أقر الورثة كلهم أنه هذه ابنتها خرجت بعد وفاتها حية ورثت الابنة ثم ترث من الابنة ورثتها * وإن جحدوا لم يقض لها بالميراث إلى أن يشهد عدل أنها ولدتها حية وإنما يسعهم الشهادة عل هذا الوجه إلا لم يفارقوا قبرها منذ دفنت إلى أن نبش وقد سمعوا وت الولد من تحت القبر حتى يحصل له العلم بذلك وإن لم يكن هناك شهود سحلف الورثة على العلم إلن حلفوا لا يكون لها الميراث * وإذا خرج رأي الول وهو حي ثم مات قبل أن يخر ج الباقي لا ميراث له وإن استهل ولا يصلي<161> عليه إلا أن يخرج أكثر البدن وهو حي ولله أعلم بالصواب
(( كتاب المضاربة ))(3/74)
المضاربة لا تجوز بغير الدراهم والدنانير مكيلا كان أو موزونا أو عروضا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى* وقال محمد أبو بكر رحمه الله تعالى تجزو بالفلوس الرائجة عددا ولا تجوز بالذهب الفضة إذا لم تكن مضروبة في رواية الأصل* وتجوز بالدراهم النبهرجة والزيوف * ولا تجوز بالستوقة فإن كانت تروج فهي كالفلوس * رجل دفع عرضا وقال بعه واعمل بثمنه مضاربة بنصف الربح فباع بأحد النقدين وتصر في الثم جازت المضاربة لأنه أضافها إلى الثمن لا إلى العروض وإن باع العرض بمكيل أو موزون جاز البيع والمضاربة فاسدة في قول أبي حنيفة أبو بكر رحمه الله تعالى * وقلا ضاحباه أبو بكر رحمه الله تعالى لا يجوز البيع أيضا وإنما فسدت المضاربة عند أبي حنيفة أبو بكر رحمه الله تعالى لأنها صارت مضافة لى العروض* ولو دقع إلى رجل دراهم لا يعرف قدرها مضاربة جازت المضاربة ويكون القول في قدرها وصفتها قول المضارب مع يمسنه ولو كانت الدراهم وديعو فأمر المودع بأن يعلم لبها مضاربة بالنصف أو بالصلث أو ما أشبه ذلك جازت المضاربة ولو كان الدراهم غصبا فقال للغاصب اعمل بما في يدك مصاربة بالنصف جازت المضاربة عندنا خلافا لزفر أبو بكر رحمه الله تعالى * ولو كانت الدراهم دينا فأمر المديون أن يعمل لما معله مضاربة لا تجزو ويكون الربح للعام ولا شيء لرب الدين في قول أبي حنيفة أبو بكر رحمه الله تعالى وقال أبيو يوسف ومحمد أبو بكر رحمه الله تعالى م الربح لرب الدين ويبرأم المضارب عن الدين * ولو قال لرجل اقبض ملاي على فلان من الدين واعلم به مضاربة جاز * ولو دفع إلى رجل ثمانمئة درهم وقال إذا تم لي ألف دره شاركتك ثم قال بعد أيام تصرف بما عندك ليحصل لنا شيء قالوا هذه مضاربة فاسدة لجهالة الربح بينهما فيكون أصل المال وربحه للآخر وللمأمور أجر مثله * رجل دفع إلى رجل أفا مضاربة لم يكن للمضارب أن يشتري شيا للضاربة بأكثر من ذلك المال قال له رب المال اعمل فيه برأيك أو لم يقل * فإن اشترى سلعة بأكثر من ألف كانت حصة الألف مضاربة وما زاد فهو للمضارب له ربحه وعليه وضيعته وثمن الزيادة دين عله خاصة ولا يضمن المضارب بذلك الخلط* رجل دفع إلى رجل دنانير مضاربة فاشترى بالدراهم أو على العكس جازت المضاربة عندنا وإن اشترى بخلاف صفة رأس المال بأن كانت بيضا فاشترى بالسود جازت المضاربة في قول أبي حنيفة وأي يوسف أبو بكر رحمه الله تعالى وضاخر قول محمد أبو بكر رحمه الله تعالى * المضاربة تفسد بأشياء منها إذا شرط لأحدهما من الربح ما يقطع الشركة نحو أن يجعل له من دراهم مسماة ماءة أو أقل أو أكثر فسدت المضاربة * ومها إذا شرط على المضارب ضمان ما هلك في يده* ومنها إذا شرط في المضاربة علم رب المال مع المضارب لأن ذلك يمنع التخلية بين المال والمضارب * وكذا لو وكل(3/75)
<162> رجلا ليدفع ماله مضاربة فدفع الوكيل وشرط عمل نفسه مع المضارب وشيئا معلوما لنفسه من الربح كان ذلك فاسدا * ولو فقع ذلك الأب أو الجد أبو الأبي أو وصي الأب وشرط لنفسه شئا من اربح والعمل فعلم مع المضارب جازت المضاربة والشرط جميعا * ولو دفع أحد المتفاوضين ألف درهم من مال المفاوضة مضاربة إلى رجل وشرط علم نفسه مع المضارب وشررط لنفسه شيا من اربح فسدت المضاربة * ومنها إذا دفع الأبي او الجد أو وصي الأب مال الصغير إلى رجل مضاربة وشرط عمل اليتيم مع المضارب كانت المضاربة فاسدة* ولاصل في هذا أن كل م يجوز له أن يأخذ لنفسه مال اليتيم مضاربة إذ شرط علم نفسه مع مالمضارب جازت المضاربة * وكل من لا يجوز له أن ياخذ لنفسه مال اليتيم مضاربة إذا شرط عمل نفسه مع المضارب وشيءا لنفسه من الربح لا تجوز المضاربة وإذا علم المضارب في المضاربة الفاسدة وربح كان كل الربح لرب المال وللمضارب أجر المثل تاما لأن المضاربة إذ افسدت تبقى إجارة وفي الإجارة الفاسدة إذا علم الأجير كان له أجر مثله تاما ولو هلك المال في يد المضارب لا بفعله والمضاربة فاسدة ذكر في الأصل أنه لا ضمان عليه وذكر الطحاوي أبو بكر رحمه الله تعالى فيه خلافا فال لا يضمن في قول أبي حنيفة رضي الله عنه ويضم في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى وجعله على الخلاف في الأجير المشترك إذا هلك المال في يده لا بفعله ÷ رجل دفع إلى رجل ما لا مضاربة وبين نصيب أحدهما من اربح وسكت عن نصيب الآخر إن سكت عن بيان نصيب رب المال جازت المضاربة وإن سكت عن بيان نصيب المضارب لا تجوز المضاربة قياسا وتجوز استحسانا وما وراء المشروط لرب المال يكون للمضارب على أن لي نصف الربح ولك ثلثه كان للمضارب ثلث الربح ولاباقي لرب المال* ولو قال رب المال على أن ما رزق الله تعلاى من الرح يكون بيننا جاز ويكون اربح بينهما على السواء * ولو دفع ألفا مضاربة على أنهما شريكان في الربح جاز ويكن الربح بينهما على السواء * ولو قال على أن يكون للضارب شريكا في الربح جاز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ويفسد في قول محمد رحمه الله تعالى ولو شرطا بعض الربح لثالث إن كان ما شرط للثالث يستحقه المضارب كما لو شرط الثلث لبعد المضارب وليس عله دين أو لقضاء دين المضارب جاز ويصير كأنه شرط ذلك للمضارب وإن كان ما شرط للثالث لا يستحقه المضارب كما لو شرط الابن المضارب أو زوجته كان ذلك لرب المال وإن شرطا الثلث لعبد المضارب وعليه دين إن شرطا عمل العبد مع المضارب جازت المضاربة وسكون المشروط للعبد وإن لم يشترطا عمل العبد فهو لرب المال * وعند صاحبه رحمه الله تعالى يجوز على كل حال لأن عندهما مولاه يملك كسب العبد على كل حال* ولو دفع مالا مضاربة على أن جيع الربح يكون لرب المال كا نذلك بضاعة * ولو دفع إلى رجل ألفا نصفها قرضا على المضارب(3/76)
<163>ونصفها مضاربة جاز * فإن تصرف المضارب وربح ما نصف الربح له خاصة وعليه وضيعته والنصف الآخر يكون على ما شرطا ولو قال خذ هذه الألف على أن نصفها قرض على ان تعمل بالنصف الآخر على أن يكون الربح لي جاز وولا يكره * فإن تصرف بالألف وربح كان اربح بينهما على السواء والوضيعة عليهما لأن نصف الألف صار ملكا للمضارب بالقرض والنصف الآخر بضاعة فييده * رجل قال لغيره خذ هذه الألف نصفها مضاربة بنصف الربح ونصفها هبة فقبضها غير مقسومة كانت المضاربة فاسدة فإن هلك المال في يده قبل العمل أو بعده يضمن قدر الهبة لأنه هبة المشاع فيما يقسم * ولو دفع ألفا نصها بضاعة ونصفها مضاربة بنصف اربح فعمل وربح فنصف الربح يكون لرب المال لأن ربح البضاعة والنصف الآخر بنينها على السواء لأه ررح المضاربة * رجل باع نصف متاعه من رجل بخمسمائة ودفع كل المتاع إليه وأمره أن يبيع النصف الباقي ويعمل بكل الثم مضاربة بالنصف فباع الكل بألف وتصرف بيه فعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الربح والوضيعة بينهما نصفان وعند صاحبيه رحمه الله تعالى ربح نصف الدين لرب المال وربح النصف الذي أمره بييعه على ما شرطا بناء على أن م أمر المديون بأن يشتري له بما عليه من الدين شيا فاشترى يكون مشتريا للآر وإنما فسدت المضاربة لأنها وقعت بالعروض فكانت فاسدة ي النصف وصحيحة في النصف* ولو أن الداع في هذه المسألة شرط لنفسه ثلث الربح وثلثي للمضارب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثلثا الربح يكون للمضارب كأن رب المال قال له شرطا فاسدا فهو على أن يكون الربح لك واعمل في نصيبي على أن يكون ثلثا الربح لي وثلثه لك* رجل دفع إلى غير مضاربة وشرط فيها شرطا فاسدا فهو على وجهين إن كان شرطا يؤدي إلى جهالة الربح مثل أن يشترطا على أن يدفع المضارب داره إلى ربي المال ليسكنها أو أرضه ليزرعها رب المال كانت المضاربة فاسدة لأه جعل نصف الربح عوضا عن عمله وعن أجرة الأرض أو الدار فكانت حصة العمل مجهولة * فإن شرط ذلك على رب المال على أن يدفع أرضه إلى المضارب أو داره لا تفسد المضاربة يبطل الشرط لأن المضاربة لا تبطل بالشروط الفاسدة وتبطل بجهالة حصة المضارب من اربح * وفي المسألة الثانية هذا شرط لا يؤدي إلى جهالة الربح لأن رب المال ما شرط على المضارب شيا سوى العلم * لو مات المضارب وعليه دين فرب المال أحق برأس ماله وحصته من اربح إن كانت المضاربة معروفة * المضارب(3/77)
<164> إذا قال هذه الألف مضاربة في يدي ولس عله دين صح إقراره من جمي المال لانعدام التهمة * وإن كان عليه دين الصحة لا يدق في حق غريم الصحة * وإن كان عليه دين المرض إن بدأ بالمضارب ثم بالدين كان المال لصاحب المضاربة * وإن بدأ بالدين ثم بالمضاربة تحاصا * المضارب إذا أقر في مرضه أنه ربح ألفا ثم مات من غير بيان لا ضما عليه لأن لم يقر بوصول المال إلى نفسه ولو أقر أنه ررح ألفا ووصل إليه ثم ممات يؤخذ ذلك من تركته لأنه مات مجهلا للأمان * إذا أخذ رب المال من المضارب مثلا العشرين أو الخمسن والمضارب يعمل ببقية المال إن كان المضارب كلما دفع إلى رب المال شيءا ولو يقل هذا ربح روي عن أبي يوسف ر أن رب المال يأخذ رأس ماله يوم الحساب ويكون الباقي بينهما ولا يكون ما أخذ رب المال من المضارب قبل الحساب نقصانا من رأس المال لأنا لو جعلناه من رأي المال كان استرجاعا لبعض رأس المال فتبطل المضاربة بقدر ذلك وهما لم يقصدا إبطال المضاربة * قال رضي الله تعالى عنه فعلى هذا إذا أخذ المستأجر في الإجارة الطويلة شيئا من المال لا يكون ذلك للإجارة الطوية بقدر ذلك * المضارب مع رب المال إذا اقتسما الرح ثم هلك المال في يد المضارب أو لحقه خسران تنتقض تلك القسم وما قبض رب المال يكو من رأس ماله وما قبض المضارب يرجه على ربي المال حتى يستوفي رب المال تمام رأس ماله فإن فضل شيء عن رأس المال كان ذلك بينهما لا يسلم للضارب شيء من الربح حتى يسلم لرب المال رأس ماله * ولو اختلف المضارب مع رب المال بعد قسمة الربح فقال المضارب قسمناه بعد قبض رأس المال وأنكر رب المال قبض رأس المال كان القول لرب المال ولو أقاما البينة كانت البينة بنة لامضارب ولو اختلف رب المال والمضارب فقال رب المال شرطلت لك ثلث الربح وزسادة عشرة دراهم وقال المضارب بل ثلث الربح كان القول قول المضارب لأن رب المال متعنت ليس في دعواه إلا فساد العقد * ول أقام رب المال البينة قبل بينته لأنه أقام البين على فساد العقد * ولو قال رب المال شرطت لك ثلث الربح إلا عشرة وقال المضارب لا بل شرطت لي ثلث الربح كان القول قول بر المال وإن كان فيه فساد العقد لأن ينكر زيادة يدعيها المضارب والبينة بينة المضارب لأنها قامت على إثبات الزيادة * ولو قال رب المال شرطت لك نصف الربح وقال المضارب شرطت لي مائة درهم أو لم تشترط لي شيئا ولي أحر المثل كان القول لرب المال لأن المضارب يدعي أجرا في ذمة رب المال وربي المال ينكر وإن أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لأنها قامت على إثبات الدين في ذمة الآخر * ولو وقع مثل هذا في المزارعة كانت البينة للدافع لأن المزارعة لازمة فإن مت لا بذر منه يجبر على العمل فكانت البينة المجوزة أولى أما المضاربة ليست بلازمة فترجح بالضمان لا بالتصحيح <165> ولو قال رب المال دفعت إليك بضاعة وقال المضارب لا بل مضاربة بالنصف أو بسائة درهم كان القول قول رب لأن الربح يستح عليه من جهته* وكذا لو قال المضارب أقرضني وقال رب المال مضاربة أو بضاعة كان القول لرب المال لأن المضارب يدعى عليه تمليك المال والبينة للمضارب يجعل كأنه أعطاه المال مضاربة ثم أقرضه* ولو قال رب المال أقرضتك وقال المدفوع إليه لا بل مضاربة كان القول للمضارب لأن رب المال يدعي عليه الضمان بع م اتفقا أنه أخذ المال بإذنه والبينة لرب المال* ولو قال رب المال كان رأس المال ألفي درهم وشرطت لك ثلث الربح وقال المضارب لا بل رأس المال ألف لا بل رأس المال ألف وشرطت لي نصف الربح وفي يد المضارب بثلاثة آلاف فقال ألف منها وديعة أو بضاعة لرجل أو عليّ دين لرجل كان القول قوله لأن القول يكون قول ذي اليد فيما في يده إلى إذا أقر به أنه لغيره* ولو دفع رجل ألف إلى وقال نصفها مضاربة بنصف الرب ونصفها وديعة فقسم المضارب المال بنصفين فعمل بأحد النصفين ورب فنصف الربح يكون للمضارب والنصف الآخر بين المضارب ورب المال نصفين والديعة تكون عليهما نصفين * ولو دفع ألفا مضاربة فقال له اعمل فيه برأيك كان للضارب ان يدفعها إلى غيره مضاربة فإن دفعها وشرط أن يعلم المضارب الأول مع الثاني أو شرط عمل رب المال مع الني كانت المضاربة الثانية فاسدة كما لو دفع المضارب إلى رب المال ماربة بالثلث ويكون الربح بين المضارب الأول ورب المال على ما شرطا في المضاربة الأولى ولا أجر لرب المال وإن علم رب المال * ولامضارب إذا علم ل في المضاربة الفاسدة وربح يكون جميع الربح لرب المال وللمضارب أجر مثله فيما علم للا يراد علىالممسىفي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإن لم يربح المضارب كان له أجر مثله أيضا * ولو كانت المضاربة صحيحية في يربح المضارب لا شيء له * ولو هلك المال في المضاربة الفاسدة عند المضارب لا يضمن المضارب وعن محمد رحمه الله تعالى أنه يضمن * رجل دفع إلى غيره مالا مضاربة وقال له اعممل فيه برأيك على أن ما رزق الله تعالى من الربح(3/78)
يكون بيننا أو قال يكون بيننا نصفين فدفع الأول إلى غيره مضاربة وشرط للثاني ثلث الربح جاز ويكون للثاني ثلثث الربح ولرب المال نصف الربح وللمضارب الأول سدس الربح* وإن شرط الأول للثاني نصف الربح كان نصف الربح لرب المال والنصف للمضارب الثاني ولا شيء للأول * ولو شرط الأول للثاني ثلثي الربح كان الربح بين المضارب الثاني روب المال نصفين ويغرم الأول للثاني مل سدس الربح * ولو كان رب المال قال للمضارب على أن ما رزقك الله تعالى من شيء أو قال ما ربحت من شيء فهو بيننا فشرط المضارب الاول للثاني نصف الربح أو أقل أو أكثر كان للثاني ما شرط والباقي بين رب المال والمضارب الأول على ما شرطا ولو لم يقل رب المال للمضارب
<166>اعمل فيه برأيك فدفع المضارب إلى غيره مضاربة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن هلك المال لا يضمن الأول حتى يعمل به الثاني ويربح * وإن عمل الثاني ولم يربح لا يضمن الأو لوقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا علم الثاني يضمن الأول رحمه الله تعالى الثاني أو لم يربح وقال زفر رحمه الله تعالى ضمن الأول بالدفع إلى الثاني علم الثاني أو لم يعمل وفي كل موضع يضمن الأول خير رب المال إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني في قولهم فإن ضمن الأول صحت المضاربة الثاني بين المضاربين ويكون الربح بينهما على ما شرطا وإن ضمن الثاني رجع الثاني على الأول وتصح المضاربة الثانية ويطيب الربح للمضارب الثاني ولا يطيب للأول في ياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
((فصل فيما يجوز للمضارب علىالمضاربة وما لا يجوز))
رجل دفع ما لا إلى رجل مضاربة بالنصف فهي مضاربة مطلقة له أن يشتري ما بدا له من سلع التجاربة بالنقد والنسيئة* وإن اشترى بما لا يتغابن فيه الناس يكن مخافا ققال ه رب المال اعمل فيه برأيك أو لم يقل لأن الغبن الاش تبرع وهو مأمور بالتارة لا بالتبرع* ولو باع مال المضاربة بما لا يتغابن فيه الناس أو بأجل غير متعارف جاز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خالفا لصاحبيه رحمهما الله تعالى كالوكيل بالبيع * وللمضارب أن يعمل ما هو منعادات التجاربة وهو الاتضاع والإيداع واستجار الإجراي لحفظ الملا واستئجار المكان والسفر * وما جاز له أن يعلم بنفسه جاز له أن يوكل غيره بذلك * وله أن يرهن مال المضاربة وأن يرتهن به وأن يحتال بمال المضاربة وإن كان لاثاني أعسر من الأول * وله أن يؤجل الثمن بعد العقد عند الكل * ولي له أن يستدين على المضاربة نحو أن يشتري بأكثر من مال المضاربة كان قال له رب المال اعمل فيه برأيك لو يقل إلا أن يأذن له بالإستدانة نصا وليس للمضارب فيالمضاربة المطلقة أن يدفع إلى غيره مضاربة ولا أن يشارك شركة عنان أو مفاوضة ولا أن يخلط مال المضاربة بماله أو بمال غيره ولو كان رب المال قال له في المضاربة اعمل فيه برأيك كان له أن يدفع المال إلى غيره مضاربة ويشارك ويخلط ملاه بمال المضاربة * وفي المضاربة المطلقة له أن يأذن لعبد المضاربة في التجاربة في ظاهر الراية ولا يقرض مال المضاربة * ولا يأخذ سفتجة بمال المضاربة ولا يدفع مال المضاربة سفتجة وإن كان رب المال قال له اعمل فيءه براأيك إلى أن يأذن له باسفتجة نصا* ولا يعتق المضارب عبد المضاربة بمال أو بغير مال ولا يكاتب وله أن يبيع عبد المضاربة إذا لحقه دين حاضرا كان رب المال أو غائبا * وليس له أن يزوج عبدا لوا أمة للمضاربة * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى له أن يزوج الأمة * ولو تزوج المضارب أمة للمضاربة فإن كان في المال ربح لا يجوز له نكاحها أذن له رب المال أو لم يأذن وإن لم يكن في المال ربح فإن تزوجها بإذن رب المال جاز وتخرج الأمة عن المضاربة وتصير محسوبة عن(3/79)
<167> رأس مال المضاربة عل رب المال * وللمضارب في المضاربة المطلقة أن يسافر بمال المضاربة في الروايات الظاهرة برأ ا, بحرا وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يسافر * وإن سافر فهلك المال في الطريق كان ضامنا فهذه الرواية * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى من عنده له أن يسافر إلى موضع يقدر على الرجوع إلى أهله في يومه ويبيت عندهم نحو فرسخي أو ثلاثة وليس له أن يسافر سفرا مخوفا يتحامى الناس عنه في قولهم * ولو تصرف المضارب وصار مال المضاربة دينا على الناس وامتنع المضارب عن التقاضي فإن لم يكن في المال ربح كان للللله أن يمتنع عن التقاضي ويقال له أحل رب المال علىالغرماء أي وكله وإن كان في المال ربح ليس له أن يمتنه علة التقاضي بل يؤمر بالتقاضي ليصير بالمال ناضا* وإذا صار مال المضاربة دينا على الناس فهناه رب المال عن التقاضي وقال أن ا أتقاضى مخافة أن يأكل المضارب فإن كان في المل ربح فالتقاضييكون اللمضارب وإن لم يكن فيه ربح فلرب المال أن يمنعه عن التقاضي ويجبر المضارب على أن يحيل رب المال على الغرماء 8ولو كانت المضاربة مطلقة فخصها رب المال بعد عقد المضاربة نحو إن قال له لا بتبع بالنيسئة ولا تشتر دقيقا ولا طعاما أو لا تشتر من فلان او التسافر وإن كان التخصيص قيل أن يعتل المضارب أو بعدما علم فاشترى وباع وقبض النثمن وصار المال ناضا جاز تخصيصه لأنه في هذه الحالة يملك عزله وإخراجه عن المضاربة بيصح تخصيصه* وإن كان التخصيص بعد ما عمل وصار المال عرضا لا يصح تخصيصه لأنه لو نهاه عن البيع في هذه الحالة أو أراد عزله لا يصح فلا يصح تهصيصهوكذا لو نهاه عن السفر فعلى الرواية التي يملك السفر في المضاربة المطلقة إن كان المال عرضا لا يصح نهيه* وكذا لو كانت المضاربة عامة بأن قال رب المال له اعمل فيه برأيك ثم نهاه عن الشركة وخلط المال يص نهيه* وتبطل المضاربة بموت رب المال علم المضارب بذلك أو لم يعلم حتى لا يملك الشراء بعد ذلك بمال المضاربة ولا يملك السفر ويملك بيع ما كان بيع ما عرضا لينض المال لأنه عزل حكمي ولو عزله قصدا يملك بيع ما كان اشترى من العروض * ولو خرج المضارب بعد ما مات رب المال إلى مصر رب المال لا يضمن استحسانا* رجل دفع مالا مضاربة وقال له اعمل فيه برأيك ثم قال له لا تعلم برأيك صح نهيه * رجل دفع مالا مضاربة وقال له اعمل فيه برأيك أو أ لم يقل فاشترى المضارب بالمال خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو مديرا أو مكاتبا أو أم ولد وهو يعلم بذلك أو لا يعلم ونقد الثمن من مال المضاربة كان مخالفا ضضامنا لأنه لا يمك بيع ما اشترى * وإن اشترى شيءا شراء فاسدا وقبضه ونقد الثمن من مال المضاربة لا يضمن لأنه يملك بيع ما اشترى بعد القبض * رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف مضاربة على أن يشتري يها شيئا سماه فاشترى المضارب شيءا غير ذللك وربح فالربح بينهما يكون على الشط إلا أن يكون قال له اشر بهذا
<168>اعمل فيه برأك فدفع المضارب إلى غريه مضاربة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن هلك المال لا يضمن الأول حتى يعلم به الثاني ويربح * وإن عمل الثاني ولم يربح لا يضم الأول وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله تعالى إذا علم لاثاني ويضمن الأول ربح الثاني أو لم يربح وال زفر رحمه الله تعالى يضمن الأول بالدفع إلى الثاني علم الثاني أو لم يعلم وفي كل موضع يضمن الأول خير رب المال إن شاء ضمن الثاني رجع الثاني على لأول وتصح المضارة الثانية ويطيب الربح للمضارب الاني ولا يطيب للأول في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
(( فصل فيما يجوز للضارب على المضاربة وما ل يجوز))(3/80)
رجل دفع مالا إلى رجل مضابة بالنصف فهي مضاربة ملفة له أن يشتري ما بدا له من سلع التجارة بانقد والنسيءة * وإن اشترى بما لا يتغابن فيه الناس يكون مخالفا قال له رب المال اعمل فيه برأيك أو لم يقل لأن الغبن الفاحش تبرع وهو مأمور بالتجارة لا بالترع * ولو باع مال المضاربة بما لا يتغابن فيه الناس أو بأجل غير متعارف جاز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لصاحبيه رحمهما الله تعالى كالوكيل بالبيع* وللمضارب أن يعمل ما هو من عادات التجارة وهو الاتضاع والإيداع واستئجار الأجراء لحفظ المال واستئجار الدواب للحمل واستئجار المكان والسفر * وما جاز له أن يعلم بنفسه جاز له أن يوكل غيره بذلك * وله أن يرهن ما المضاربة وأن يرتهن به ون يحتال لمال المضاربة وإن كان الثاني أعسر من الأول* وله أن يرجل الثمن بعد العقد عند الكل* وليس له أن يستدين على المضاربة نحو أن يشري بأكثر من مال المضاربة كان قال له رب المال اعمل فيه برأيك أو لي مقل إلا أن يأذن له بالستانه نضاا ولس للمضارب في المضاربة المطلقة أن يدفع إلى غيرهمضاربة ولا أن سشارك شرك عنان أو مفاوضة ولا أن يخلط مال المضاربة بماله أو بمال غريه * ولو كان رب المال قال له في المضاربة إمل فيه برأكك كان له أن يدفع المال إلى غيره ويشارك ويخلط ويخلط ماله بمال المضاربة * وفي المضاربة المطلقة له أن يأذن لعبد المضاربة في التجاربة في ظاهر الرواية ولا يقر مال المضاربة* ولا يأخذ سفتجة بمال لامضارة* ولا يدفع مال المضاربة سفتجة وإن كان رب الملا قال له اعمل فيه برأيك إلا أن يأذن له بالسفتجة نصا* ولا يعتق المضارب عبد المضاربة بمال أو بغير مال ولا يكاتب وله أن يبيععبد المضاربة إذا لحقه دين حاضرا كان رب المال أو غائبا* وليس له أن يزوج عبدا ولا أمة للمضاربة* وقال ابو يوسف رحمه الله تعالى له أن يزوج الأمة ولو تزوج المضرب أمة للمضاربة فإن كان في المال ربح لا يجوزله نكاحهاأذن له رب المال أو لم يأذن وإن لم يكن في المال ربح فإن تزوجها بإذن رب المال جاز وتخرج الأمة عن المضاربة وتصير محسوبة(3/81)
<167> رأس مال المضاربة على رب المال * وللمضارب في المضاربة المطلقة أن يسافر بمال المضاربة في الروايات الضارهرة برا أو بحرا وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يسافر* وإن سافر فهلك المال في الطريف كان ضامنا في هذه الرواية * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى من عنده له أن يسافر إلى موضع يقدرعلى الرجوع إلى أهله في يومه ويبيت عندهم نحو فرسخين أو ثلاثة وليس له أن يسافر سفرا مخوفا يتحامى الناس عنه في قولهم* ولو تصرف الصارب وصار مال المضاربة دينا على الناس وامتنع المضارب عن التقاضي فإن لم يكن في المال ربح كان له أن يمتنع عن التقاضي وقال له أحل رب المال علىالغرماء أي وكله وإن كان في المال ربح ليس له أن يمتنع عن التقاضي وقال له أل رب المال على الغرماء أي وكله وإن كان في المال ربح ليس له ن يمتنع عن التقاضي بل يرمر بالتقاضي ليصير المال ناضا * وإذا صار مال المضاربة دينا على الناس فنهاه رب المال عن التقاضي وقال أنا أتقاضى مخافة أن يأكل المضارب فإن كان في المال ربح فاتقاضي يكون للمضارب وإن لم يكن فيه ربح فلرب المال أن يمنعه عن التقاضي ويجبر المضارب على أن يحيل رب المال على اغرماء 8 ولو كانت المضاربة نحو أن قال له لا تبع بالنسة ولا تشتر دقيقا ولا طعاما أو لا تشتر من فلان أو لا تسافر وإن كان التخصيص قبل أن يعمل المضارب أو بعدما علم فاشترى وباع وقبض الثمن وصار المال ناضا جاز تخصيصه لأنه في هذه الحالة يملك عزله لا يصح فلا يصح تخصيثه *وكذا لو نهاه عن السفر فعلى الرواية التي يملك السفر في المضارب ة المطقلة إن كان المال عرضا لا يصح نهيه * وكذا لبو كانت المضاربة عامة بأن قال رب المال له اعمل فيه برأيك ثم نهاه عن الكركة وخلك المال يصح نهيه * وتبطل المضاربة بموت رب المال علم المضارب بذلك أو لم يعلم حتى لا يملك الشارء بعد ذلبك بمال المضرة ولا يمك السفر ويملك بيع ما كان عرضا لينض المال لأنه عزل حكمي * ولو عزله قصدا يملك بيع ما كان اشترى من اعروض ولو خرج المضارب بعد ما مات رب المال إلى مصر بر المال لا يضم استحسانا لا يضمن استحسانا* رجل دفع مال مضاربة وقال له اعمل فيه برأيك ثم قال له لا تعمل برأيك صح نهيه* رجل دفع مالا مضاربة وقال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل فاشتري المضارب بالمال خمرا أو خنزيرا او ميتة أو مدبرا أو مكابا أو أم ولد وهو يعلم بذلك أو لا يعلم ونقد الثمن من مال المضاربة كان مخالفا ضامنا لأنه لا يمكل بيع ما اشتى بعد القبض* رجل دقع إلى رجل عشرة آلاف مضاربة على أن يشري بها شيا سماه فاشترى المضارب شيءا غير ذلك وربح فالربح بينهما يكن على الرط إل أن يكون قال له اشتر بهذا <168>ذلك ولا تشتر غير ذلك كذا ذكره في بعض المواضع * وذكر في الأصل إذا قال خذ هذا مضاربة بالنصف عل أن تشرتي به الطعام أو قال فاشتر به الطعام أو قال خذ هذا في الطعام فهذا كله تفيسر وتقييد للمضاربة بها ولو عطف بالوار بقيت المضاربة على الإطلاف وعلبه الفتوى * ولو دلع ما لا مضاربة وقال تخرج إلى الري فما ربحت في ذهابك فهو بيننا نصفان وما ربحت في رجوعك فبينا أثلاثا ثلثه لك وثلثاه لي او قال ربح هذا الرهر بننا نصفين والشهر الثاني أثلاثا فالمضاربة جائزة والربح بينهما على ما شرطا لأن كل شرط من هذذذذه الشروط صحيح عند الأنفراد فكذا إذا جمعه مع غيره * ولو دفع إله دراهم وقال له اعمل فيه بشركتي ولم يزد على ذلك فما ربح المدفوع إليه فهو بينهما نصفان لأن لفظة الشركة تقتضي المساواة * ولو دفع مالا مضاربة إلى رجل ولم يقل اعمل فيه برأيك إلىا أن معلملة التجار ف تلك البلاد أن المضربين يخلطون المال ولا ينهاهم رب المال عن ذلك فعمل في ذلك قالوا إن غلب التعارف بينهم في مثل هذا نرجو أن لا يضمن وتكون المضاربة بينهما على العرف * رجل دفع إلى غيره مالا مضاربة ثم إن المضارب شارك رجلا آخر بدارهم من غير مال المضاربة ثم اشترى المضارب وشريكه عصيرا من شركتهما ثم جاء المضارب بدقيق من المضاربة فاتخذ منه ومن العصير فلا ييج قلاو إن اتخذ الفلايج بإن الشرك ينظر إلى قيمة العصير فما أصاب حصة الدقيق فهو على المضارب وما أصاب حصة العصير فهو بين المضارب وبين الشرك لكن هذا إذا كان رب المل قال له اعمل فيه برأيك * فإن لم يكن قال ذلك وفقل المضارب ذلك بغير إذن الشريك فالفلايج تكون للمضارب وهو ضامن مثل الدقيق لرب المال ومثل حصة الشريك من العصي رللشريك فإن كان رب المال أذن له في ذلك والشريك لم يأذن فالفلايج تكون بينه وبين الشريك وهو ضامن لرب المال مثل الدقيق * ولو اشترى المضارب دقيقا بمال المضاربة فأعطاه رب المال دقيقا آخر وقال له اخلطهه بهذا الدقيق على سبيل ما تواضعنا فخلط ثم باع الكل قالوا مقدار ثم دقيق المضاربة يكون على ما اشترطا ف عقد المضاربة ومقدار ثمن الدقيق الآخر كله لرب المال بربحه وعليه وضيعته وللمضارب أجر مثله فيما تصرف(3/82)
في ذلك من بيعه هكذا قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى وقال الفقيه ابو الليث رحمه الله تعالى إنما يكو للمضارب أجر مثله إذا لم يكن خلط الدقيق بمال المضاربة أما إذا خلط فال أجر له لأنه عمل في شيء هو شريك فيه* إذا أرد رب المال أن يكون مال المضاربة دينا على المضارب وتحصل له منفعة الاسترباح قالوا يقرض المال من المضارب ويلم إليه ثم يأخذ منه مضاربة ثم يبضع المضارب بعد ذلك
<169> فيعمل فيه المضارب * إذا دفع المضارب مال المضاربة إلى رب المال على أن يبيع ويشتري جاز عندنا* وقال زفر رحمه الله تعالى لا يجوز ويكون نقضا للمضاربة * ولو أمر رب المال أن يشتري له أو يبيع جاز في قولهم جميعا * ولو اشترى المضارب شيا فباعه م رب المال أ اشترى رب المال فباعه من مضاربه واشتراه المضارب للمضاربة جاز* وقال محمد وزفر رحمه الله تعالى البيع باطل يريد به إذا لم يكن في المال ربح لانه إذ لم يكن في المال ربح كان رب المال مشتريا ملا نفيه* مضارب نزل خانا مع ثلاثة من رفقائه فخر ج المضارب مع اثنين منهم وبقي الرابع في الحجرة ثم خرج الرابع وترك الباب غير مغلق فهلك مال المضاربة قالوا إن كانل الربابع يعتمد عله في حفظ المتاع لا يضمن المضارب ويضمن الرابع وإن كان لا يعتمد عله يضمن المضارب * وهو نظير ما قال محمد بن سلز رحمه الله تعالى في أهل السوق إذا قاموا واجد بعد واحد وتركوا السوق فضاع شيء من السوق يضمن الأخير منهم لئأنهم ائتمنو به * المضارب إذا قال لرب المال لم تدفع إلي شيا ثم قال لي قد دفعت إلي ثم اشترى بالما ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن المشتري يكون على المضاربة * وإن ضاعر المال في يده بعد الجحو قبل اشراء فهو ضامن والقيس إن يضمن على كل حال وفي الاستحسان إذا جحد ثم أقر ثم اشترى برئ عن الضاما* وغن جحد ثم اشترى ثم أقر فهو ضامن والمتاع له * وكذا الوكيل بشراء شيء بغير عينه بألف درهم ودفع المال إلى الوكيل * وإن كان العبد معينا فاشتراه في حالة الجحود أو بعد ما أقر فهو للآخر * ولو دفع رجل عبدا إلى رجل ليبيعه فحجد المأمور ثم أقر به فباعه قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى جاز ويبرأ عن الضامن * وقال غيره من امشايخ في قياس قوله لو باعه بعد الجحود ثم أقر ججاز أيضا ÷ رج لدفع إلى رجل عرضا مضاربة فادعى المضارب بعد ذلك وقال رددت العرض عليك قال الشسخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يكون القول قوله في ذلك إذا اختلف المضارب مع رب المال فقال رب المال أمرتك بالنقد وقال المضارب أمرتني بالنقد والنسيئة أو قال رب المال أمرتك أن تعمل بالكونفة أو تشتري وقال المضارب دفعت إلي المال مطلقا كان القول قول المضارب عندنا لانه يدعي الإطلاف والأصل في الماضربة هو ه الإطلاق * وقال زفر حر القول لرب المال لأن الإذن بالتصرف يستفاد من جهته * إذا اشرى المضارب بمال المضاربة أرضا للمضاربة ثم دفعها إلى غيره مزارعة على أن يكون البذر من قبل المزارع جا وتكون حصة المضارب من الخارج بينه وبين رب المال على ما شركا في المضاربة لأنه ربح مال المضاربة * لو استأجر المضارب أرضا بيضاء ثمن ما اشترى(3/83)
المضارب مادام يعمل في <170> مصره كانت نفقته في ماله لا فيمال المضاربة وفي سفره مطعومه ومشروبه وركوبه وكسوته تكون في مال المضاربة من غير إسراف والدواء وأجرة الحجام إذا احتجم لا تكون في مال المضاربة * ولو شرط عليه رب المال في عقد المضاربة أن لا يسافر أو لا يعمل في مصر كذا لم يكن له ان يخالفه فإن خالفه كان ضامناً والشريك شركة عنان أو غيره إذا سافر بمال الشركة وأنفق على نفسه من المال المشترك لم يذكر هذا في الكتاب وذكر الناطفي رحمه الله تعالى رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن المضارب أو الشريك إذا سافر ينفق على نفسه في ركوبه وطعامه وكسوته * وعن محمد رحمه الله تعالى أن أحد شريكي العنان إذا سافر له أن ينفق من المال بمنزلة المضارب * المضارب إذا سافر بمال المضاربة ومال نفسه توزع النفقة على المالين سواء خلط المالين أو لم يخلط أو كا قال له رب المال اعمل فيه برأيك أو لم يقل له ذلك والسر وما دون السفر في ذلك سواء إذا كان لا يبيت في أهله * إذا فسخ رب المال عقد المضاربة بعد ما صار رأس المال عروضاً لا ينفذ فسخه فإن صار رأس المال دراهم بعد ذلك وقد كانت دنانير نفذ ذلك الفسخ والله أعلم {كتاب المزارعة} المزارعة فاسدة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقالا صاحباه رحمهما الله تعالى تجوز ذا استجمعت شرائطها المعاملة على هذا الخلاف أيضاص * والفتوى على قولهما لتعامل الناس في جميع البلدان * وشرائط جواز المزارعة ستة * منها بيان الوقت فإن دفع أرضه مزارعة ولم يذكر الوقت قال في الكتاب لا تصح المزارعة * وإنما قال ذلك لأن المزارعة إجارة فإن البذر لو كان من قبل صاحب الأرض كانت المزارعة استئجاراً للعامل * وإن كان البذر من قبل العامل فهي استئجار للأرض * ولهذا لو قال لغيره استأرتك لتزرع أرضي هذه ببذري على أن يكون الخارج بيننا نصفين كانت مزارعة * وكذا لو قال العامل ذلك لصاحب الأرض والمنافع لا تصير معلومة إلا ببيان الوقت * وقال مشايخ بلخ رحمهما الله تعالى لا يشترط بيان المدة وتكون المزارعة على أول السنة يعني على أول زرع يكون في تلك السنة * قالوا إنما أجاب بفساد المزارعة في الكتاب إذا لم يبين الوقت لأن أول وقت المزارعة في بلادهم غير معلوم وفي بلادنا معلوم لا يتقدم ولا يتأخر إلا يسيرا ألا ترى أن وقت المعاملة لما كان معلوما لايشترط فيها بيان الوقت استحسانا * والفتوى في بيان الوقت على جواب الكتاب * ولو أنهما ذكرا في المزارعة وقتا لا يتمكن فيها من المزارعة لا يجوز كما لو دفع أرضا لا تصلح للزراعة * وكذا لو شرطا وقتاً لا يعيش إلى ذلك الوقت عادة لا يجوز لأن فيه شرط بقاء العقد بعد الموت * ولو ذكر للمزارعة سنة فزرع واستحصد الزرع وبقي إلى تمام السنة مالا يتمكن فيه من المزارعة لا تبقى المزارعة لأنه لا فائدة في بقاء المزارعة * والشرط الثاني بيان من كان البذكر من قبله لان البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كانت المزارعة استئجارا للعامل <171> وإن كان البذر من قبل العامل كانت المزارعة استئجار للأرض فكان المعقود عليه مجهولاً.وأحكامهما تختلف أيضاً فإن العقد في حق من لا بذر منه يكون لازماً في الحال وفي حق صاحب البذر لا يكون العقد لازماً قبل إلقاء البذر ولهذا لو دفع إلى رجل أرضاً وبذراً مزارعة كانت جائزة ثم إن رب الأرض أخذ الأرض والبذر وزرعها كان ذلك نقضاً للمزارعة ولا يكون إعانة. وقال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى يحكم فيه العرف إن كان في موضع يكون البذر من قبل العامل أو من قبل صاحب الأرض يعتبر فيه عرفهم ويجعل البذر على من كان البذر منه في عرفهم إن كان العرف مستمرأ وإن كان مشتركاً لا تصح المزارعة. وهذا إذا لم يذكرا لفظاً يعلم به صاحب البذر فإن ذكرا لفظاً يدل عليه بأن قال صاحب الأرض دفعت إليك الأرض لتزرعها لي أو قال استأجرتك لتعمل فيها بنصف الخارج يكون بياناً أن البذر من قبل صاحب الأرض وإن قال لتزرعها لنفسك كان بياناً أن البذر من قبل العامل. والشرط الثالث بيان جنس البذر لأن الإجارة لا تصح عند جهالة الأجر ولا أجر ههنا سوى الخارج فيشترط بيان جنس البذور لأن بعض الزرع يضر بالأرض فلا بد من بيانه ولا يشترط بيان مقدار البذر لأن ذلك يضير معلوماً بإعلام الأرض فإن لم يبينا جنس البذر إن كان البذر من قبل صاحب الأرض جاز لأن في حقه المزارعة لا تتأكد قبل إلقاء البذور عند إلقاء البذر يصير الأجر معلوماً والإعلام عند المتأكد يكون بمنزلة الإعلام وقت العقد كما لو استأجر دابة للركوب ولم يبين الراكب أو للحمل ولم يبين للحمل لا تصح الإجارة ثم تنقلب جائزة عند الركوب وعند الحمل. وإن كان البذر من قبل العامل ولم يبينا جنس البذر كانت المزارعة فاسدة لأنها لازمة بحق صاحب الأرض قبل إلقاء البذر فلا تجوز إلا إذا فوض الأمر إلى العامل على وجه العموم بأن قال له رب الأرض على أن تزرعها ما بدا لك أو ما بدا(3/84)
لي لأنه لما فوض الأمر إليه فقد رضي بالضرر وإن لم يفوض الأمر إليه على وجه العموم وكان البذر من قبل العامل ولم بينا جنس البذر فسدت المزارعة فإذا زرعها شيء تنقلب جائزة لأنه لما خلى بينه وبين الأرض وتركها في يده حتى ألقى البذر فقد تحمل الضرر فيزول المفسد فتجوز كما في مسئلة استئجار الدابة للركوب. ولو أنهما بينا البذر من جنس أو من جنسين أو من أجناس مختلفة وصورة ذلك رجل دفع إلى رجل أرض على أن يزرعها ببذره سنة هذه على أنه إن زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وإن زرعها شعيراً فلصاحب الأرض ثلثه وإن زرعها سمسماً فالصاحب الأرض ربعه جاز على ما اشترطا لأن المزارعة في حق صاحب الأرض تتأكد عند إلقاء البذر وعند ذلك البذر معلوم. ولو زرع بعضها شعيراً وبعضها حنطة وبعضها سمسماً جاز أيضاً على ما شرطا في كل نوع. وكذا لو دفع إلى رجل أرضاً ثلاثين سنة على أن ما زرع فيها من حنطة أو شعير أو شيء من غلة الضيف والشتاء فهو بينهما نصفان وما غر س فيها من شجر أو كرم أو نخل فهو بينهما <172>أثلاث لصاحب الأرض ثلثه وللعامل ثلثاه فهو جائز على ما شرطا سواء زرع الكل على أحد النوعين أو زرع بعضها وجعل في بعضها كرماً فهو جائز أيضاً في ظاهر الرواية. ولو دفع أرضاً مزارعة على أن يزرعها ببذره ويقره على أن يزرع بعضها حنطة وبعضها شعيراً وبعضها سمسماً فما زرع منها من حنطة فهو بينهما نصفان وما زرع منها شعيراً فلرب الأرض منا ثلثه وما زرع منها سمسماً فلرب الأرض منها ثلثاه فهو فاسد كله بخلاف ما تقدم لأن ههنا نص على التبعيض فقال على أن تزرع بعضها حنطة وبعضها شعير وههنا ليس له أن يزرع كلها أحد الأصناف وإنما يزرع كل نوع في بعض الأرض وذلك البعض مجهول في الحال وعند إلقاء البذر في الأرض أيضاً لأنه إذا زرع بعضها حنطة لا يدري ماذا يزرع في ناحية أخرى وليس عليه أن يزرع فكان العقد فاسد وإذا فسد العقد كان الخارج كله لصاحب البذر. وكذا لو قال خذ هذه الأرض على أن ما زرعت منها حنطة فالخارج بيننا نصفان وما زرعت منها شعيراً فلي ثلثه ولك ثلثاه وما زرعت منها سمسماً فلي ثلثاه ولك ثلثه فهو فاسد في ظاهر الرواية لما قلنا. ولو دفع إلى رجل أرضاً ليزرعها ببذره على أنه إن زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وإن زرعها شعيراً فالخارج كله للعامل جاز لأنه خيره بين الزراعة عند إلقاء الحنطة وبين إعارة الأرض عند إلقاء الشعير وأحدهما غير مشروط في الآخر فجاز. وإن سمى الخارج من الشعير لنفسه جاز العقد في الحنطة لأنها مزارعة الأرض ببعض الخارج ولا تجوز في الشعير لأن في الشعير يصير دافعاً للأرض مزارعة بجميع الخارج وكذا لو دفع إلى رجل أرضاً على أنه إن زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وإن زرعها شعيراً فالخارج كله للعامل وإن زرعها سمسماً فالخارج كله لصاحب الأرض جاز العقد في الحنطة والشعير ولا يجوز في السمسم لأن الحنطة انعقدت مزارعة الأرض بنصف الخارج وفي الشعير إعارة الأرض من العامل من غير أن يكون أحدهما شرطاً في الآخر فجاز أما في السمسم يكون العقد مزارعة الأرض بجميع الخارج لصاحب الأرض. ولو دفع إلى رجل أرضاً ليزرعها خمس سنين ما بدا له على أن ما خرج في السمة الأولى فهو بينهما نصفان وفي السنة الثانية ثلث الخارج لرب الأرض فهو جائز لأنه سمى لكل سنة شيئاً معلوماً ولو دفع إلى رجل أرضاً سنة هذه على أن يزرعها ببذره قرطماً فما خرج منها من عصفر فهو للمزارع وما خرج من قرطم فهو لرب الأرض أو على العكس كان العقد فاسداً سواء كان البذر من قبل صاحب الأرض أو من قبل المزارع لأن العصفر والقرطم كل واحد منهما مقصود في المزارعة فاشتراط أحدهما لأحد العاقدين خاصة يفوت الشركة في المقصود لاحتمال أن يحصل أحدهما ولا يحصل الآخر وكذا لو دفع أرضاً ليزرعها حنطة وشعير على أن <173>الحنطة تكون لأحدهما بعينه والشعير للآخر بعينه كان فاسداً. وكذا كل شيء له نوعان من الريع كل واحد منهما مقصود كبذر الكتان والكتان إذا شرط لأحدهما بعينه الكتان والآخر بعينه البذر ولو شرطا القرطم لأحدهما بعينه والعصفر بينهما نصفان أو على العكس من أيهما كان البذر لا يجوز لما قلنا. وكذا الرطبة وبذرها لا يجوز تخصيص أحدهما بشيء من المقصود بخلاف الحب مع التبن لأن التبن تبع على ما نذكره ولو دفع إلى رجل أرضاً وكر حنطة وكر شعير على أنه إن زرع فيها الحنطة فالخارج بينهما نصفان والشعير مردود على صاحب الأرض ولو زرع فيها الشعير فالخارج لصاحب الأرض ويرد الحنطة فهو جائز على ما شرطا لأنه استعان بالعامل في أحدهما واستأجر العامل بنصف الخارج من غير أن يكون أحدهما شرطاً في الآخر واشتراط يذر البطيخ والقثاء لأحدهما بمنزلة اشتراط التبن لأن ذلك غير مقصود بل هو تبع بمنزلة التبن بخلاف بذرة الرطبة مع الرطبة والعصفر مع القرطم أن كل واحد منهما مقصود في المزارعة فلا يجوز تخصيص أحدهما. رجل دفع أرضاً إلى رجل ثلاث سنين على أن(3/85)
يزرعها في السنة الأولى ببذره ما بدا له على الخارج بينهما نصفان وعلى أن يزرعها في السنة الثانية ببذره وعمله على أن الخارج للعامل وعلى العامل أجر مثله مائة درهم لصاحب الأرض وعلى أن يزرعها في السنة الثالثة ببذر صاحب الأرض على أن يكون الخارج لصاحب الأرض للمزارع عليه أجر مائة درهم لعمله جاز جميع ذلك لأن العقد بينهما في السنة الأولى مزارعة صحيحة بنصف الخارج كان البذر من قبل صاحب الأرض أو من قبل العامل وفي السنة الثانية العامل استأجر الأرض بأجرة معلومة لمنفعة معلومة وفي السنة الثالثة صاحب الأرض استأجر العامل ببدل معلوم ليزرع له في أرضه وكل واحد من هذه العقود جائز عند الانفراد فكذلك عند الجمع إذا لم يكن البعض شرطاً في البعض. ولو دفع رجل أرضاً إلى رجل وقال له اعمل في أرضي ببذري بنفسك وببقرك وأجرائك فما خرج فهو كله لي جاز لأنه إذا لم يجعل له شيئاً من الخارج ولم يلتزم له أجراً كان ذلك استعانة ولو قال على أن يكون الخارج كله لك جاز أيضاً لأن صاحب الأرض أعار أرضه وأقرض بذره حيث جعل كل الخارج للعامل. وإنما كان قرضاً للبذر لأن لتمليك البذر طريقين الهبة والقرض و القرض أدناهما فيحمل عليه وإنما صار معيراً للأرض لأن المنفعة لا تتقوم إلا بالعقد فتسمية البدل ولم يوجد. ولو دفع أرضاً إلى رجل وقال ازرع في أرضي كراً من طعامك على أن الخارج كله لي لا يجوز ذلك لأن هذا دفع الأرض مزارعة بجميع الخارج ولا يكون هذا من صاحب البذر تمليكاً للبذر من صاحب الأرض لأن الأصل في إلقاء بذره أن يكون عاملً لنفسه وقول<174>صاحب الأرض على أن الخارج لي محتمل يحتمل أن يكون خارج بطريق استقراض البذر فلا يثبت تمليك البذر بالمحتمل ويمون الخارج لصاحب البذر وعليه أحر الأرض لأن صاحب الأرض ابتغى لمنفعة أرضه عوضاً ولم يسلم له فكان له أجر الأرض أخرجت الأرض شيئاً أم لم تخرج. ولو دفع رجل بذراً إلى صاحب الأرض ليبذره صاحب الأرض في أرضه ويعمل في ذلك سنة على أن ما أخرج الله تعالى من ذلك يكون بينهما نصفان لا يجوز و ويكون الزرع كله لصاحب البذر ولا أجر عليه لأرضه ولا لعمله. ولو قال ازرعه لي في أرضك على أن الخارج كله لك فما خرج يكون كله لصاحب البذر وعليه أجر الأرض وأجر عمله لأنه نص استئجار الأرض والعامل بجميع الخارج فكان الخارج كله لصاحب البذر وعليه للعامل أجر أرضه وأجر عمله ولو قال ازرعه في أرضك لنفسك على أن ما خرج كله لي فكان الخارج كله لصاحب الأرض وعليه بذر مثل طعامه لأن قوله ازرعه لنفسك تنصيص على قرض البذر من صاحب الأرض ثم شرط جميع الخارج لنفسه عوضاً عن القرض وأنه شرط فاسد إلا أن القرض لا يبطل بالشروط الفاسدة والشرط الرابع بجواز المزارعة بيان نصيب من لا بذر منه لأن ما يأخذ من لا بذر منه يأخذه أجراً إما لعمله أو لأرضه فيشترط إعلام الأجر فإن بينا نصيب العامل وسكتا عن نصيب صاحب البذر جاز العقد لأن صاحب البذر يستحق الخارج بحكم أنه نماء ملكه لا بطريق الأجر وإن بينا نصيب صاحب البذر وسكتا عن نصيب العامل لا يجوز قياساً لأن ما يأخذ يأخذه أجراً فيشترط إعلام الأجر. وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لأنه لما بين نصيب صاحب البذر كان ذلك بياناً أن الباقي للآخر وقد مر مثل هذا في المضاربة والشرط الخامس لجواز المزارعة التخلية بين العامل والأرض فكل ما يمنع التخلية كاشتراط عمل صاحب الأرض مع العامل يمنع جواز المزارعة و التخلية أن يقول صاحب الأرض للعامل سلمت إليك الأرض ومن التخلية أن تكون الأرض فارغة عند العقد فإن كان فيها زرع قد نبت يجوز العقد وتكون معاملة ولا تكون مزارعة وإن كان زرعها قد أدرك لا يجوز العقد لأن الزرع بعد الإدراك لا يحتاج إلى العمل فكما تعذر تجويز هذا العقد مزارعة تعذر تجويزه معاملة. وينبغي أن يكون العامل يعرف الأرض لأنه إذا لم يعلم والأراضي متفاوتة لا يصير العمل معلوماً وإن اشترط مع العامل عمل عبد العامل جاز العقد على كل حلا كما لو شرطا عليه البقر. والمشروط للعبد يكون لمولاه إن لم يكن عليه دين وإن شرطا مع العامل عمل عبد صاحب الأرض على أن يكون للعامل ثلث الخارج إن كان البذر من قبل صاحب الأرض يجوز العقد ويكون <175>للعامل ثلث الخارج لأن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كان اشتراط عمل عبده بمنزلة اشتراط البقر على صاحب الأرض واشتراط البقر على صاحب الأرض جائز إذا كان البذر منه فكذا إذا شرط عمل عبد صاحب الأرض ويكون المشروط للعبد لمولاه إن لم يكن عليه دين وإن كان عليه دين فكذلك في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى المولى من كسب عبده المديون بمنزلة الأجنبي فكأنه دفع الأرض والبذر مزارعة إلى عاملين على أن يكون لكل واحد منهما ثلث الخارج وإن كان البذر من قبل العامل وشرط عمل عبد صاحب الأرض مع العامل لا يجوز كما لو شرطا البقر على صاحب الأرض والبذر من قبل العامل فإنه يكون(3/86)
فاسداً والشرط السادس لصحة المزارعة أن يكون الخراج مشتركاً بينهما فكل ما يخرج فهو على الشركة فإن شرطا أن يكون لأحدهما أقفزة معلومة من الخارج أو شرطا أن ما يخرج في هذه الناحية لأحدهما والباقي للآخر أو شرطا أن يكون لأحدهما مع شيء من الخارج دراهم معلومة على الآخر لا يجوز وكذا لو شرطا أن يرفع صاحب البذر بذره من الخارج والباقي يكون بينهما كان فاسداً من أيهما كان البذر ولو شرطا أن يرفع صاحب البذر لنفسه عشر الخارج والباقي بينهما نصفان جاز لأن هذا الشرط لا يوجب قطع الشركة في الخارج فإن ما من قدر تخرجه الأرض إلا ويبقى بعد رفع العشر منه تسعة أعشاره فهو بمنزلة ما لو شرط لنفسه من الخارج خمسة ونصفاه من عشرة وكذا لو شرطا العشر لمن لا بذر من قبله والباقي بينهما نصفان جاز أيضاً لو شرطا أن يرفع الخراج من الخارج والباقي بينهما نصفان كان فاسداً لأن هذا الشرط يوجب قطع الشركة في الخارج لاحتمال أن تخرج الأرض إلا قدر الخراج لو كانت الأرض عشرية تشرب بماء السماء فشرطا رفع العشر من الخارج أو نصف العشر من الخارج إن كانت الأرض تسقى بغرب أو دالية والباقي بينهما نصفان جاز لأن هذا الشرط لا يوجب قطع الشركة في الخارج فإن ما من قدر تخرجه الأرض إذا رفع منه عشر أو نصف عشر يبقى له منه شيء يكون بينهما فيجوز ويكون الخارج بينهما على ما شرطا ولو أن السلطان لم يأخذ حقه في هذه السنة العشر أو نصف العشر وهما رفعا بعض الخارج سراً من السلطان فما شرطا للسلطان من العسر أو نصف العشر يكون لصاحب الأرض في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى على قياس قول من يجيز المزارعة وعلى قول صاحبيه رحمهما الله تعالى ما شرطا للسلطان يكون بينهما نصفين لأن في المزارعة إن كان البذر من قبل صاحب الأرض يكون هو مستأجر للعامل وإن كان البذر من قبل العامل كان صاحب الأرض مؤآجراً أرضه ومن أصل أبا حنيفة رحمه الله تعالى أن من آجر الأرض العشرية يكون العشر على صاحب الأرض فعلى قياس قوله في المزارعة يكون العشر على صاحب الأرض وما شرطا للسلطان تكون <176> مشروطاً لصاحب الأرض فإذا لم يأخذ السلطان حقه يكون المشروط للسلطان لصاحب الأرض وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى العشر يكون في الخارج على كل حال فإذا لم يأخذ السلطان حقه أو أخذ بعض الطعام سراً كان الخارج بينهما نصفين ويكون ذلك مشروطاً لهما هذا إن كانت الأرض يعلم أنها تسقى بماء السماء أو بالدلاء فإن كانت أرضاً تكتفى بماء السماء عند كثرة المطر ويحتاج إلى أن تسقى بالدلاء عند قلة المطر وفي مثلها السلطان يعتبر الأغلب فإن كان الأغلب ماء السماء يأخذ العشر وإن كان الأغلب الدلاء يأخذ نصف العشر فإن قال صاحب الأرض في هذه الصورة للعامل لا أدري أيأخذ السلطان في هذه السنة العشر أو نصف العشر فأعاقدك على أن يكون لي نصف ما بقي من الخارج بعدما يأخذ السلطان حقه فتعاقدا على هذا الشرط كان فاسداً في قياس أبا حنيفة رحمه الله تعالى لأن عنده المشروط للسلطان يكون لصاحب الأرض فإذا شرطا ذلك فقد شرطا لصاحب الأرض من الخارج جزأ مجهولاً وهو العشر أو نصف العشر فيفسد العقد وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى العشر أو نصف العشر يكون في الخارج فيكون هذا في معنى اشتراط جميع الخارج بينهما نصفين فجاز. ولو شرطا في المزارعة أن ما خرج من حنطة بينهما نصفان وما خرج من شعير فهو لأحدهما بعينه أو شرطا أن تكون الحنطة لأحدهما بعينه والشعير للآخر من أيهما كان البذر لا يجوز وإن شرطا أن يكون الحب والتبن بينهما نصفين جاز ويكون الحب والتبن بينهما كما شرطا وكذا لو شرطا أن يكون الريع أو الزرع أو الخارج بينهما جاز ويكون الكل بينهما على ما شرطا وإن شرطا أن يكون الحب لأحدهما والتبن للآخر فهي على ثمانية أوجه ستة منها فاسدة واثنتان جائزتان أما الفاسدة إحداها إذا شرطا أن يكون الحب للدافع والتبن للعامل والثانية أن يكون التبن للدافع والحب للعامل والثالثة إذا شرطا أن يكون التبن بينهما والحب للدافع والرابعة إذا شرطا أن يكون التبن بينهما والحب للعامل والخامسة إذا شرطا أن يكون الحب بينهما والتبن للدافع وفي هذا الوجه إن شرطا التبن لصاحب البذر جاز وإن شرطا لغيره لا يجوز وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز أصلا وعن بعض المشايخ رحمهم الله تعالى إذا شرطا أن يمون الحب بينهما وشكتا عن التبن كان الحب والتبن بينهما لمكان العرف والسادسة إذا شرطا أن يكون التبن بينهما وسكتا عن الحب لا يجوز ففي هذه الوجوه إنما لا تصح المزارعة لأن هذا شرط يؤدي إلى قطع الشركة في المقصود لاحتمال أن يحصل أحدهما دون الآخر ولو شرطا أن يكون الحب بينهما وسكتا عن التبن جاز ويكون الحب بينهما والتبن لصاحب البذر وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يجوز وعن محمد رحمه الله تعالى أنه رجع إلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فصار هذا من الوجوه الفاسدة ولو دفع أرضاً <177>فيها زرع صار بقلاً(3/87)
مزارعة وشرطا أن يكون الحب بينهما نصفين والتبن لصاحب الأرض أو شرطا أن يكون الحب بينهما وسكتا عن التبن جاز ويكون التبن لصاحب الأرض ولو شرطا التبن للعامل كان فاسداً لأن بدفع الزرع الذي صار بفلاً مزارعة كدفع الأرض والبذر مزارعة وثمة لو شرطا التبن لصاحب البذر جاز وإن شرطا للآخر لا يجوز وكذا لو دفع القصيل مزارعة. ثم إن المزارعة على قول من يجوز على نوعين أحدهما أن تكون الأرض لأحدهما والثاني أن تكون الأرض لهما فإن كانت الأرض لأحدهما فهو على وجهين أحدهما أن يكون البذر من أحدهما والثاني أن يكون البذر منهما فإن كانت الأرض لأحدهما والبذر من أحدهما فهو على وجود ستة ثلاثة منها جائزة وثلاثة منها فاسدة أما الثلاثة الأولى أحدها أن تكون الأرض من أحدهما والبذر والبقر والعمل من الآخر وشرطا لصاحب الأرض شيئاً معلوما من الخارج جاز لأن صاحب البذر يكون مستأجراً الأرض بشيء معلوم من الخراج والوجه الثاني أن يكون العمل من أحدهما والباقي من الآخر فهو جائز لأن صاحب البذر يصير مستأجراً للعامل بشيء معلوم من الخارج ليعمل في أرضه ببقره وبذره والوجه الثالث أن تكون الأرض والبذر من أحدهما والعمل والبقر من الآخر وذلك جائز لأن صاحب الأرض يصير مستأجر العامل ليعمل العامل ببقره لصاحب الأرض والبذر وأما الثلاثة الفاسدة فمنها أن تكون الأرض والبقر من أحدهما والباقي من الآخر فذلك فاسد لأن صاحب البذر يصير مستأجراً الأرض والبقر بشيء من الخارج وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى يجوز لمكان العرف والفتوى على ظاهر الرواية لأن منفعة الأرض لا تجانس منفعة البقر فإن منفعة الأرض إنبات البذر لقوة في طبعها ومنفعة البقر العمل فإذا لم تكن منفعة البقر من جنس منفعة الأرض لا يكون البقر تبعاً للأرض فيبقى استئجار البقر مقصوداً بشيء من الخارج وذلك فاسد كما لو كان من أحدهما البقر فقط والوجه الثاني من هذا النوع أن يكون البذر من أحدهما والباقي من الآخر وذلك فاسد لأن دفع البذر وحده مزارعة إنما لا يجوز ذلك لأن صاحب البذر يكون مستأجر الأرض فلا بد من التخلية بينه وبين الأرض والأرض ههنا في يد العامل لا في يد صاحب البذر وعلى هذا لو اشترك ثلاثة أو أربعة ومن البعض البقر وحده أو البذر وحده كان فاسداً لما قلنا والوجه الثالث من الفاسدة أن يكون البذر والبقر من واحد والعمل والأرض من الآخر وإنه فاسد أيضاً لما قلنا في الوجه الثاني من هذا النوع وكذا لو اشترك ثلاثة أو أربعة والبذر من أحدهم فقط أو البقر من أحدهم فقط كان فاسداً لما قلنا هذا إن كانت الأرض لأحدهما والبذر من أحدهما فإن كانت الأرض لأحدهما وشرطا أن يكون البذر منهما إن شرطا العمل <178>على غير صاحب الأرض وشرطا أن يكون الخارج بينهما نصفين كانت فاسدة لأن صاحب الأرض يصير قائلاً للعامل ازرع أرضي ببذري على أن يكون الخارج كله لي أو ازرع أرضي ببذرك على أن يكون الخارج كله لك كان فاسداً لأن هذه المزارعة بجميع الخارج بشرط إعارة نصف الأرض من العامل وكذا لو شرطا أن يكون الخارج بينهما أثلاثاً ثلثاه للعامل وثلثه لصاحب الأرض أو على العكس كان فاسداً لأن فيه إعارة الأرض وإذا فسدت المزارعة كان الخارج بينهما على قدر بذرهما ويسلم لصاحب الأرض ما أخذ من الخارج لأنه نماء ملكه حصل في أرضه وله على الآخر أجر نصف الأرض لأن الآخر استوفى منفعة أرضه بعقد فاسد وما أخذ من الخارج يطيب له مقدار بذره ويرفع من الباقي أجر نصف الأرض وما أنفق أيضاً ويتصدق بالفضل لأن الزيادة حصلت لته من أرض الغير بعقد فاسد ولو كانت الأرض لأحدهما والبذر منهما وشرطا العمل عليهما على أن يكون الخارج بينهما نصفين جاز لأن كل واحد منهما عامل في نصف الأرض ببذره فكانت هذه إعارة نصف الأرض لا بشرط العمل له بخلاف الأول ولو كانت الأرض بينهما وشرطا أن يكون البذر والعمل من أحدهما ةالخارج بينهما نصفان لا يجوز لأن من لا بذر منه يكون قائلاً للآخر ازرع أرضك ببذرك على أن يكون الخارج كله لك وازرع أرضي ببذرك على أن يكون الخارج كله لي فكان العقد في حقه مزارعة بجميع الخارج لا يجوز. ولو كان البذر من الدافع والعمل على الآخر والخارج بينهما نصفان لا يجوز أيضاً لأن صاحب البذر شرط لصاحبه هبة نصف البذر أو إقراض نصف البذر بمقابلة العمل له في نصف الأرض وذلك باطل. وكذا لو شرطا ثلثي الخارج للعامل والثلث للدافع أو شرطا ثلثي الخارج للدافع والثلث للعامل لأن الدافع شرط لنفسه زيادة شيء من الخارج بمجرد البذر لو كان البذر للعامل وشرطا ثلثي الخارج للعامل جاز لأن من لا بذر منه صار دافعاً أرضه مزارعة ليزرعها العامل ببذر العامل على أن يكون ثلث الخارج للعامل وذلك جائز ولو كانت الأرض والبذر منهما وشرطا العمل على أحدهما على أن يكون الخارج بينهما نصفين جاز ويكون غير العامل مستعيناً في نصيبه ولو كانت الأرض والبذر منهما فشرطا للدافع ثلث الخارج والثلثين للعامل لا يجوز(3/88)
في أصح الروايتين لأن الخارج نماء بذرهما فإذا كان البذر منهما كان الخارج مشتركاً بينهما فصاحب الثلثين إنما يأخذ الزيادة بحكم العمل ومن عمل في محل مشترك لا يستوجب الأجر ولو شرطا ثلثي الخارج الدافع لا يجوز أيضاً لأن الدافع شرط لنفسه شيئاً من نصيب العامل من غير أرض ولا بذر ولا عمل ولو كانت الأرض لهما وشرطا ثلثي البذر على الدافع على أن يكون الخارج بينهما نصفين لا يجوز لأن الدافع شرط لصاحبه بمقابلة عمله إقراض سدس البذر ولو شرطا <179>ثلثي البذر على العامل على أن يكون الخارج بينهما نصفين لا يجوز لأن الدافع في التقرير يصير كأنه قال للعامل ازرع أرضك ببذرك على أن يكون الخارج لك وازرع أرضي ببذري وبذرك على أن يكون كل الخراج لي وإنها مزارعة بجميع الخارج فلا يجوز رجل له أرض أراد أن يأخذ من آخر بذر ليزرعها ويكون الخارج بينهما نصفين قالوا الحيلة في ذلك أن يشتري نصف البذر من صاحب البذر بثمن معلوم ويبرئه البائع عن الثمن فيصير البذر مشتركاً بينهما ثم إن باع البذر يأمره أن يزرع كل البذر في أرضه على أن يكون الخارج بينهما نصفين فإذا فعل ذلك يكون الزرع بينهما لأنه نماء ملكهما ولا يكون هذا دفع البذر وحده مزارعة رجل دفع إلى رجل أرضاً وبذراً وباع نصف البذر من المدفوع إليه فزرع المدفوع إليه بعض البذر في أرض نفسه وبعضه في يأرض الدافع فما زرع المزارع في أرض نفسه يكون الكل له لأنه صار مستهلكاً حصة الدافع من ذلك فصار ملكاً له وما زرع في أرض الدافع يكون مشتركاً بينهما على ما شرطا رجل دفع إلى رجل أرضه ليزرعها ببذرهما جميعاً على أن يكون البقر من المزارع والخارج بينهما نصفان فشارك الأكار في نصيبه رجلاً ليعمل معه فسدت هذه الشركة والمزارعة أما فساد المزارعة لأن صاحب الأرض جعل منفعة نصف الأرض للأكار ليعمل له في النصف الباقي فإذا شرط عليه العمل بمقابلة نصف الأرض كانت هذه إجارة بأجر مجهول ولم تكن إعارة فتفسد المزارعة وأما فساد الشركة فلأنها بناء على المزارعة ويكون الزرع بين الدافع والمدفوع إليه على قدر بذرهما لأنه نماء ملكهما ولصاحب البذر على المزارع الأول أجر مثل نصف الأرض لأنه استعمل نصف أرضه بعقد فاسد وعلى المزارع الأول للعامل الثاني أجر مثل عمله لأنه عمل له بإجارة فاسدة وليس للمزارع الأول على رب الأرض أجر عمله لأنه عمل في محل مشترك وما أصاب الدافع من الزرع يطيب له وما أصاب المدفوع إليه يرفع من ذلك قدر بذره ومقدار ما أنفق وما غرم ويتصدق بالزيادة لما عرف وإذا أراد أن ترتفع الشبهة في المزارعة الفاسدة عند الكل أو فيما فسد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وجازت عند صاحبيه رحمهما الله تعالى فالحيلة في ذلك ما حكي عن الشيخ الإمام اسمعيل الزاهد رحمه الله تعالى قال يميز النصيبان نصيب رب الأرض ونصيب المزارع ثم يقول رب الأرض للمزارع هذا نصيبي وقد وجب لي عليك أجر مثل الأرض أو نقصان الأرض ووجب لك علي أجر مثل عملك وأجر ثيرانك فهل صالحتني على هذه الحنطة وعلى أجر مثل الأرض أو نقصانها الذي لي عليك فيقول المزارع صالحت ثم يقول المزارع لصاحب الأرض وجل لك على أجر مثل أرضك أو نقصانها ولي عليك أجر مثل عملي وثيراني وبذري فهل صالحتني بما وجب لك علي على ما وجب لي عليك وعلى هذه الحنطة فيقول رب الأرض صالحت فإذا قالا ذلك وتراضيا على هذا الوجه يزول <180> الخبث لأن الحق لهما لا يعدوهما فيطيب لكل واحد منهما ما أصاب. رجل سقى أرضه أو كرمه بماء مشترك في نوبة الغير بغير إذن صاحب النوبة قال محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يطيب له الخارج كمن غصب علفاً أو أعلف دابته حتى سمنت فإنه يضمن العلف ويطيب له ما زاد فيا لدابة وعن بعض الزهاد رحمهم الله تعالى أنه وقع الماء في كرمه في غير نوبته فأمر بقطعه. وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أنا لا آمره بقطع الكرم إذا شرب ماء بغير حق لأنه إفساد المال بغير ضرورة خصوصاً إذا وقع ذلك في الكرم والزرع بغير اختيار صاحب الكرم والزرع لكن لو تصدق به كان حسناً قال مولانا رضي الله والأفضل أن يتصدق بالخارج لأن الماء الحرام يبقى في الخارج بخلاف مسئلة العلف لان العلف لايبقى فيها بل يصير شيئا آخر ( فصل فيما يفسد المزارعة من الشروط ومالا يفسد )الأصل فيه أنه إذا شرط في المزارعة على العامل ما يحصل به الخارج أو يتربى كالحفظ والسقي إلى أن يدرك الزرع لا تفسد المزارعة لأن ذلك مستحق عليه بمطلق العقد فالشرط لا يزيد إلا وكادة وكذا لو شرط على العمل ما لا يخرج الأرض بدونه زرعاً معتاداً كشرط الكراب لا يفسد العقد وإن شرط على العامل ما له أثر في زيادة على المعتاد ينظر في ذلك إن كان لا يبقي منفعته بعد انتهاء الزراعة كشرط الكراب لا يلزمه من غير شرط فإذا شرط عليه يلزمه الوفاء به. وإذا شرط على العامل ما يبقي أثره بعد انقضاء المدة كما لو شرط على العامل كري الأنهار الصغار واصلاح المسنات الثنيان وتفسيره(3/89)
عند البعض أن يردها مكروبة على صاحب الأرض وعند البعض زيادة الكراب لا يحتاج إليه لخروج الزرع المعتاد يفسد العقد سواء كان البذر من العامل أو من صاحب الأرض وإن شرط على صاحب الأرض إصلاح المسنيات وكري الأنهار وتقريب الماء حتى يمكنه الشرب جاز سواء كان البذر من العامل أو من صاحب الأرض لأن ذلك من عمارة الأرض فيكون على صاحب الأرض بدون الشرط فالشرط لا يزيده إلا وكادة وهو نظير ما لو استأجر داراً بدرهم وشرط المستأجر على صاحب الدار أن يطين سطحها ويصلح ميازيبها لمسيل الماء جاز لأن ذلك على صاحب الدار من غير شرط فشرطه لا يفسد العقد. وإذا شرط الحصاد والدياس والتذرية على العامل كان مفسداً للعقد في ظاهر الرواية لأن هذه الأعمال تكون بعد الإدراك وانتهاء العقد وما كان بعد انتهاء العقد إذا شرط على العامل أن يكون مفسداً. فلو أن العامل حصد الزرع وداس وجمع من غير أن كان شرطاً عليه فهلك ذلك يضمن حصة الدافع وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن شرط هذه الأعمال على العامل لا يفسد العقد وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر أنه لا يفسد لكن إن لم يشترطا يكون عليهما وإن شرطا لزم المزارع بحكم العرف وهو كما لو اشترى حطباً في المصر لا يجب على البائع أن يحمله إلى منزل المشتري وإذا شرط عليه يلزمه بحكم <181>العرف ولو شرط الجذاذ على العامل في المعاملة يفسد العقد عند الكل لأنه لا عرف فيه وعن نصير بن يحيى ومحمد بن سلمة رحمهما الله تعالى أنهما قالا هذا كله يكون على العامل شرط عليه أم لا بحكم العرف وقال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى هذا هو الصحيح في ديارنا أيضاً وعن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى أنه كان إذا استفتي عن هذه المسئلة يقول فيه عرف ظاهر ومن أراد أن لا يتعطل فليعمل بالمعروف ولا يمتنع عنه ثم في الموضع الذي يكون الحصاد على العامل عرفاً لو آخر وتغافل عن الحصاد حتى هلك قال الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله تعالى يضمن ذلك وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن أخر تأخيراً فاحشاً لا يؤخر الناس إلى مثله كان ضامناً وإلا فلا هذا إذا شرط هذه الأعمال على العامل فإن شرطا شيئاً من ذلك على صاحب الأرض فسد العقد عند الكل لأنه لا عرف فيه. ولو شرط على العامل كري الأنهار واصلاح المسنيات حتى فسد العقد إن كان البذر من قبل العامل كان الخارج للعامل لأنه نماء بذره ولصاحب الأرض عليه أجر الأرض وللعامل على صاحب الأرض أجر عمله على كري الأنهار فيتقاصان ويترادان الفضل. ولو لم يكن كري الأنهار مشروطاً على العامل في العقد فكرى العامل الأنهار بنفسه كانت المزارعة جائزة ولا أجر له في كري الأنهار فإنه متبرع فلا يرجع كما لو حوط الأرض. ولو كان البذر من قبل صاحب الأرض فشرط على العامل كري الأنهار واصلاح المسنيات فسد العقد ويكون الخارج كله لصاحب الأرض وللعامل أجر عمله في جميع ذلك ولو شرط رب الأرض كري الأنهار واصلاح المسنيات حتى يأتيه الماء كانت المزارعة جائزة على شرطهما سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل صاحب الأرض لأن هذا العمل يكون على صاحب الأرض من غير شرط لأنه من باب التمكين من الانتفاع وهو نظير ما ذكرنا من مسئلة الآجار إذا آجر داره وشرط المستأجر على صاحب الدار تطيين السطح جازت الإجارة لأن ذلك مستحق على صاحبا لدار بغير شرط ولو شرط رب الدار ذلك على المستأجر فسدت الإجارة كذلك هذا. ولو أن المزارع ترك سقي الأرض مع القدرة عليه حتى يبس الزرع بذلك قالوا يضمن قيمة الزرع نابتاً إن كان له قيمة في ذلك الوقت وإن لم يكن للزرع قيمة في الوقت الذي ترك السقي فيه يقوم الأرض مزروعة وغير مزروعة فيضمن نصف ما فضل بينهما لأنه صار مضيعاً بترك السقي فيضمن كما لو استأجر خباز ليخبز فترك الخبز في التنور حتى احترق هذا إذا ترك السقي مع القدرة عليه وكان الشيخ الإمام الأجل الأستاذ ظهير الدين المرغيناني رحمه الله تعالى يقول تقريب الماء بحيث يتمكن من السقي يكون على الدافع ثم السقي على العامل قال مولانا رحمه الله تعالى وعندي إن كان متمكناً من فتح فوهة النهر الصغير من الوادي يجب السقي على العامل وإن كان لا يقدر على ذلك لظالم يمنعه من ذلك كان تيسير الفتح على الدافع بحكم <182>العرف ثم إنما يجب السقي على المزارع إذا كانت الأرض لا تخرج زرعاً معتاداً إلا بالسقي فإن كانت تخرج ذلك لا يجب ولو شرطا على رب الأرض كرابها أو الكراب الثنيان فإن كان البذر من قبل العامل فالمزارعة فاسدة لأن هذا من أعمال الزراعة فاشتراطها على صاحب الأرض يكون بمنزلة اشتراط الحفظ عليه فيفسد العقد ويكون الخارج كله للعامل لأنه صاحب بذر ولصاحب الأرض عليه أجر الأرض مكروبة أو مكروبة مثناة لأن العمل استوفى منفعة هذه الأرض بعقد فاسد ولو كان البذر من قبل صاحب الأرض فشرط عليه الكراب والثنيان لا يفسد العقد لأن الكراب الثنيان يكون(3/90)
بالبقر واشتراط البقر على صاحب الأرض إذا كان البذر من قبله لا يفسد العقد. رجل دفع أرضه إلى رجل سنة بالنصف على أن يكون البذر من قبل العامل فقال صاحب الأرض اكربها أو ازرعها وقال العامل بل أزرعها بغير كراب فإن كانت الأرض تخرج بغير كراب زرعاً معتاداً إلا أن بالكراب أجود كان العامل بالخيار إن ساء كرب وإن شاء لم يكرب. وإن كانت لا تخرج بغير كراب أصلاً أو لا تخرج إلا قليلاً لا يقصده الناس بالزراعة ليس له أن يزرعها بغير كراب ويمون الكراب مستحقاً بحكم العقد فالعامل بالخيار إذا كان البذر من قبله إن شاء أمضى العقد بالكراب وإن شاء ترك وإن كانت الأرض تخرج بغير كراب خرجاً قليلاً أدنى ما يقصده الناس بالزراعة كان للعامل أن يزرعها بغير كراب وكذا لو زرع الأرض ثم قال لا أسقي وادعه حتى يسقيها السماء فإن كانت تكتفى بماء السماء إلا أن السقي أجود للزرع لا يجبر على السقي وإن كانت لا يسقيه سقي السماء يجبر على السقي. وكذا لو كان البذر من صاحب الأرض في جميع ذلك إلا أن البذر إذا كان من قبل رب الأرض والأرض لا تخرج بغير كراب يجبر العامل على الكراب ولا يمون له أن يترك الزراعة هذا إذا لم يكن الكراب شرطاً في العقد ولو دفع إليه أرضاَ وبذراً على أن يكربها ويزرعها سنة هذه بالنصف فأراد أن يزرعها بغير كراب ليس له ذلك ويجبر على الكراب سواء كان البذر من قبل صاحب الأرض أو من قبل العامل لأن أصل الزرع وإن كان يحصل بغير كراب فمع الكراب يكون أجود وصفة الجودة تستحق عند الشرط وإن كان لا يستحق بمطلق العقد كما لو شرط في السلم الإفاء في المصر كان له أن يوفيه في إي ناحية من نواحي المصر وإن شرط عليه أو يوفيه في منزله في المصر لم يكن له أن يوفيه إلا في منزله وإن كان الزرع يحصل بالكراب وبغير الكراب على صفة واحدة لا يلزمه الكراب بحكم الشرط لأنه لا فائدة في اعتبار هذا الشرط وكذا لو كان الكراب يضر بالأرض وقد يكون ذلك عند قوة الأرض فإن الكراب عند قوة الأرض يحرق الزرع فإن كان بهذه الصفة لا يلزمه الكراب وإن شرطا في المزارعة التثنية على المزارع فسدت المزارعة وقد ذكرنا أن الناس تكلموا في <183>تفسير الثنية قال بعضهم تفسير التثنية أن يكربها مرتين ثم يزرع وإنما يفسد العقد لأن منفعتها تبقى بعد انتهاء العقد قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى في ديارنا شرط التثنية لا يفسد العقد أن منفعتها لا تبقى بعد مضي السنة وفي الديار التي تبقى منفعتها بعد مضي السنة إنما يفسد العقد إذا كانت المزارعة بينهما سنة واحدة وقيل معنى التثنية أن يكربها بعد الفراغ ويردها على صاحبها مكروبة وقد ذكرنا هذا القول وقيل معنى التثنية أن يجعل الأرض جداول كما يفعل بالمبطخة فيزرع ناحية منها ويبقى ما بين الجداول مكروبة فينتفع بها صاحب الأرض بعد انتهاء المزارعة إن كانت المزارعة بينهما سنة واحدة وإن كانت المزارعة خمس سنيين لا يفسد العقد إذا كان لا يبقى أثر التثنية بعد انتهاء العقد وإن شرطا على أحدهما بعينه أن يسرقنها أو يعيرها فإن كان البذر من العامل فالمزارعة فاسدة لأنه إذا شرط ذلك على العامل فقد شرط عليه ما يبقى منفعته في الأرض بعد انتهاء مدة المزارعة وفيه اشتراط إتلاف ما له عليه فيفسد العقد وإن شرط ذلك على صاحب الأرض فذلك بمنزلة شرط الكراب الثنيان عليه وقد ذكرنا أن ذلك يفسد العقد إذ كان البذر من العامل ويكون الخارج كله للعامل لأنه نماء بذره ولصاحب الأرض عليه أجر مثل أرضه وأجر مثل عمله فيما عمل وقيمة سرقينه إذا كان السرقين من قبله وإن كان السرقين من قبل العامل لم يكن له على صاحب الأرض من قبل ذلك شيء وإن كان فيه منفعة لصاحب الأرض فيما بقي لأن العامل عمل لنفسه وما بقي لصاحب الأرض أثر عمله فإذا لم تتقوم أصل عمله على صاحب الأرض فكذلك أثر عمله وإن كان البذر من صاحب الأرض وشرطا عليه إلقاء السرقين ونحوه كانت المزارعة جائزة كما لو شرطا عليه الكراب والثنيان والبذر من قبله لأن إلقاء السرقين والعرة في الأرض يكون قبل الزراعة وقبل الكراب أيضاً ولزوم العقد على صاحبا لبذر يكون عند إلقاء البذر وكأن صاحب الأرض استأجر العامل بنصف الخارج بعدما فرغ من إلقاء السرقين والعرة فلا يفسد العقد وإن شرطاه على العامل في هذه الصورة كانت المزارعة فاسدة لأنهما شرطا على العامل ما يبقى منفعته بعد انتهاء مدة المزارعة فكان الخارج لصاحب الأرض وللعامل أجر عمله فيما عمل وقيمة ما ألقى من السرقين لأن صاحب الأرض استوفى ذلك بعقد فاسد فكان عليه ضمانه كمن استأجر صباغاً إجارة فاسدة ليصبغ ثوبه بصبغ من عنده ففعل كان على صاحب الثوب أجر مثل عمله وقيمة صبغه ولو شرطا على العامل أن لا يعرها ولا يسرقنها كانت المزارعة جائزة الشرط باطل سواء أكان البذر من قبل العامل أو من صاحب الأرض لأن شرط الترك إلقاء السرقين في الأرض شرط لا طالب له لأنه ليس فيه جلب منفعة ولا دفع(3/91)
مضرة بل هذا شرط ترك المنفعة فلا يفسد به العقد كما لو شرطا على العامل أن لا يدخلها كلباً كان ذلك باطلاً ويتخير العامل إن شاء<184>أدخلها كلباً وإن شاء لم يدخل ولو شرط العامل على صاحب الأرض دولاباً وأو دالية بأداتها وكان ذلك عند صاحب الأرض أو لم يكن عنده فاشتراه وأعطر العامل فإن كان البذر من العامل كانت المزارعة فاسدة كما لو شرط الكراب على صاحب الأرض والبذر على العامل ولو أن صاحب الأرض هو الذي شرط ذلك على العامل جاز وكان ذلك على العامل لأنها آلة الاستقاء والسقي على العامل فهذا شرط تقرر بمقتضى العقد ولا كذلك الأول لأن السقي لا يكون على صاحب الأرض فاشتراط ذلك على صاحب الأرض يكون بمنزلة اشتراط السقي على صاحب الأرض فيكون مفسداً وكذا لو شرطا الدولاب والدواب على العامل وشرطا علف الدواب على صاحب الأرض كل شهر مختوماً من الشعير وكذا منامن القت والتبن فسدت المزارعة فإن حصل الخارج في هذا العقد كان الخارج كله لصاحب البذر ولصاحبا لأرض عليه مثل أرضه ومثل ما أخذ منه المزارع من الشعير والقت والتبن ولو شرطا أن يكون كل ذلك على العامل جازت المزارعة لأن علف دوابه يكون عليه بغير شرط فالشرط لا يزيده إلا وكادة ولو كان البذر من صاحب الأرض فإن شرطا ذلك على العامل حازت المزارعة لأن ذلك من آلات العمل ولو شرطا ذلك على صاحب الأرض والبذر من قبله جاز لأنه لو شرط عليه البقر و الكراب جاز فكذا إذا شرط عليه الدواب والدولاب للسقي جاز كمن استأجر أجيراً ليعمل له بآلات نفسه وإن شرطا الدولاب والدواب على صاحب الأرض وعلف الدواب على المزارع شيئاً معلوماً كانت المزارعة فاسدة لأن اشتراط علف دواب الغير على المزارع بمنزلة اشتراط طعام غلام صاحب الأرض على المزارع وذلك مفسد للعقد سواء سمى طعاما معلوماً أو لم يسم وكذا لو شرط الدواب أو الدولاب على المزارع وعلف الدواب على صاحب الأرض ولو شرطا الدابة وعلفها على أحدهما بعينه والدولاب على الآخر جاز لأن علف الدابة مشروط على صاحب الدابة وذلك يكون عليه بغير شرط وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضاً بيضاء مزارعة سنين معلومة فيها نخيل على أن يزرع الأرض ببذره وبقره على أن ما خرج من ذلك يكون بينهما نصفين وهو فاسد لأن في حق الأرض العامل يكون مستأجراً للأرض بنصف الخارج على أن يزرعها بذره وفي بحق النخيل صاحب النخيل يكون مستأجراً للعامل ليعمل فيها بنصف الخارج فهما عقدان مختلفان لاختلاف المعقود عليه وقد جعلا أحد العقدين شرطاً في الأخر فيفسد العقد لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن إدخال الصفقتين في صفقة ثم ما خرج من الأرض كان كله لصاحب البذر وعليه لصاحب الأرض أجر مثل الأرض ويتصدق المزارع بالزيادة الخارج من النخيل كله لصاحب النخيل وعليه للعامل أجر عمله في النخيل ويطيب الخارج كله لصاحب النخيل وكذا لو شرطا أن يكون الخارج من النخيل على الثلث <185>الثلثين أو من الزرع على الثلث الثلثين ولو كان البذر من صاحب الأرض المسئلة بحالها جاز العقد لأنه مستأجر للعامل في أرضه ونخله وكان المعقود عليه منفعة العامل فيهما جميعاً فلم يختلف العقد وكذا لو شرطا للعامل في النخيل عشر الثمار وفي الزرع النصف لأن العقد واحد لاتحاد المعقود عليه وهو منفعة العامل وإنما يختلف العقد باختلاف المعقود عليه وكذا لو دفع أرضاً وكرماً كان الجواب فيه على نحو ما قلنا في النخيل ولو دفع أرضاً بيضاء مزارعة سمين معلومة وفيها نخيل وقال للعامل أدفع إليك هذه الأرض تزرعها ببذرك وبقرك على أن الخارج بيني وبينك نصفان وأدفع إليك ما فيها من النخيل معاملة على أن تقوم عليه وتسقيه وتلقحه فما خرج فهو بيننا نصفان أو قال لك منها الثلث ولي الثلثان ووقتا لذلك سنين معلومة جاز لأنه جعل أحد العقدين عطفاً على الآخر بحرف العطف ولم يجعل أحدهما شرطاً في الآخر بخلاف الأول فإنه ثمة جعل أحد العقدين شرطاً في الآخر لأن كلمة على للشرط ولهذا لو قال أبيعك هذه الدار بألف على أن تستأجر مني هذه الدار الأخرى شهراً بخمسة دراهم كان فاسداً ولو قال أبيعك هذه الدار وأؤاجرك هذه الدار الأخرى شهراً بخمسة جاز لأنه لم يجعل أحدهما شرطاً في الآخر وكذا لو قال أبيعك هذه الدار بألف على أن أبيعك هذه الأمة بمائة دينار كان فاسداً ولو قال وأبيعك هذه الأمة كان جائزاً وفي المسئلة اختلاف الروايات وتمامها في الزيادات ولو دفع إليه أرضاً وكرماً وقال أزرع هذه الأرض ببذرك وقم على هذا الكرم فاكسحه واسقه كان جائزاً لا يفسد واحد منهما رجل دفع إلى رجل أرضاً خراباً ليعمرها المزارع ويزرعها العامل مع صاحب الأرض ببذرهما ثلاث سنين كانت المزارعة فاسدة لأن شرط عمارة الأرض على العامل مفسد للعقد فإن زرعها صاحب الأرض والعامل ببذرهما سنة فلصاحب الأرض أن يأخذ والأرض ويكون الزرع بينهما على قدر بذرهما لأنه نماء ملكهما وللعامل على صاحب الأرض فيما عمل من عمارة الأرض أجر عمله ولصاحب(3/92)
الأرض على العامل أجر مثل قدر الأرض الذي اشتغل ببذر المزارع رجل زرع أرضه ثم قال لغيره أقلع هذا الزرع وازرعه في أرض وكذا على أن الخارج بيننا نصفان كان فاسداً لأنه لا منفعة للعامل في القلع فإذا شرط عليه عملاً لا ينتفع به العامل فسد العقد وبعدما قلع لا ينقلب جائز لأنه جعل بعض البدل بمقابلة القطع وذلك مجهول وجهالة البدل فساد في صلب العقد والله أعلم (باب في مسائل مختلفة)الباب مشتمل على فصول (فصل في اختلاف العاقدين) رجل دفع أرضاً وبذراً مزارعة جائزة فزرعها المزارع وأخرجت زرعاً فقال المزارع شرطت لك نصف الخارج وقال رب الأرض شرطت لك الثلث كان القول لصاحب الأرض مع يمينه لأنه ينكر زيادة الأجر ولا يتحالفان عندنا لأن فائدة التحالف الفسخ وبعد استيفاء <186>المنفعة لا يمكن الفسخ وأيهما أقام البينة قبلت وإن أقاما البينة يقضى ببينة المزارع لأنها تثبت الزيادة وإن اختلفا قبل الزرع تحالفا وترادا المزارعة ويبدأ بيمين المزارع وأيهما نكل يقضى عليه وأيهما أقام البينة قبلت وإن أقاما البينة يقضى ببينة المزارع وإن كان البذر من قبل العامل قد أخرجت الأرض زرعاً فاختلفا على هذا الوجه كان القول قول العامل مع يمينه ولا يتحالفان وأيهما أقام البينة قبلت وإن أقاما البينة يقضى ببينة من لا بذر منه وإن اختلفا قبل الزرع تحالفا وترادا رجل دفع إلى رجل أرضاً ليزرعها المزارع ببذره وبقره على أن الخارج بينهما فلما حصل الخارج قال صاحب البذر شرطت لك عشرين قفيزاً من الخارج وقال الآخر شرطت لي نصف الخارج كان القول قول صاحب البذر والبينة بينة الآخر وإن لم تخرج الأرض شيئاً بعد الزرع فقال صاحب البذر شرطت لك مصف الخارج وقال صاحب الأرض شرطت لي عشرين قفيزاً ولي عليك أجر الأرض كان القول قول المزارع لأن ربا لأرض يدعي عليه أجر الأرض وهو ينكر فإن أقاما البينة كانت البينة بينة المزارع أيضاً لأن بينته تثبت ما شهد به الشهود وهو اشتراط نصف الخارج وببينة الآخر لا تثبت ما شهد به الشهود وهو عشرون قفيزاً وإن اختلفا على هذا الوجه قبل أن يزرع كان القول قول صاحب الأرض وإن كان مدعياً فساد العقد لأن الآخر يدعي عليه استحقاق منفعة الأرض وهو ينكر رجل زرع أرض غيره فلما حصد الزرع قال صاحب الأرض كنت أجيري زرعتها ببذري وقال المزارع كنت أكاراً وزرعت ببذري كان القول قول المزارع لأنهما اتفقا على أن البذر كان في يده فيكون القول فيه قول ذي اليد. مزارع سنة زرع الأرض فأكلها الجراد أو أكل أكثره وبقي شيئاً قليل فأراد المزارع أن يزرع فيها شيئاً آخر فيما بقي من المدة فمنفعة صاحب الأرض قالوا ينضر إن كانت المزارعة بينهما على أن يزرع فيها نوعاً معيناً ليس له أن يزرع غير ذلك وإن كانت المزارعة عامة على أن يزرع فيها ما شاء أو مطلقة كان له أن يزرع فيما بقي من الوقت ما شاء كمن استأجر أرضاً للزراعة كان له أن يزرع فيها في مدة الإجارة ما شاء قال مولانا رضي الله عنه وعندي إن كانت المزارعة بينهما في نوع ينبغي أن يكون له أن يزرع فيها ما هو مثل الأول أو دونه في الضرر بالأرض كمن استأجر دابة ليحمل عليها شيئاً معلوماً كان له أن يحمل عليها ما هو مثل الأول أو دونه في الضرر (فضل في زراعة الأرض بغير إذن صاحبها)رجل دفع إلى رجل أرضاً مزارعة سنة ليزرعها المزارع ببذره فزرعها ثم زرعها بعد مضي السنة بغير إذا صاحبها فعلم صاحبها بذلك قبل نبات الزرع أو بعده فلم يجز قالوا إن كانت العادة في تلك القرية أنهم يزرعون مرة بعد أخرى من غير تجديد العقد جاز وكان الخارج بينهما على ما شرطا في العقد فيما مضى حكي<187>عن الشيخ الإمام اسمعيل الزاهد رحمه الله تعالى أنه قال ذكر في الكتاب هذه المسئلة وقال بأنه لا يجوز على المزارع أن يرفع من الخارج مقدار أجر عمله وثيرانه وبذره ويتصدق بالباقي كما في الغصب قال مشايخنا رحمهم الله تعالى كانوا يفتون بجواب الكتاب إلا أني رأيت في يبعض الكتب أ،ه يجوز وهو كما لو دفع أرضه إلى رجل وقال دفعت إليك هذه الأرض على ما كانت مع فلان عام أول فإنه يجوز فهذا أولى قال رحمه الله تعالى وعندي إن كانت الأرض معدة لدفعها مزارعة ونصيب العامل من الخارج معلوم عند أهل ذلك الموضع لا يختلف فزرعها رجل جاز استحساناً وإن لم تكن معدة لدفعها مزارعة أو لم يكن نصيب العامل من الخارج واحد عند أهل ذلك الموضع بل كان مختلفاً فيما بينهم لا يجوز فيكون الزارع غاصباً وإنما ينضر إلى العادة إذا لم يعلم أنه زرعها غصباً فإن علم أنه زرعها غصباً بأن أقر الزارع عند الزرع أنه يزرعها بنفسه لا على المزارعة أو كان الرجل ممن لا يأخذ الأرض مزارعة ويأنف عن ذلك يكون غاصباً ويكون الخارج له وعليه نقصان الأرض وكذا لو أقر بعد ما زرع وقال زارعت غصباً كان القول قوله لأنه ينكر استحقاق شيء من الخارج لغيره. مزارع زرع ثوماً فقلع البعض بعدما أدرك وترك الباقي في الأرض على حاله أو لم يقلعه فنبت(3/93)
الذي لم يقلع بعد انتهاء مدة المزارعة فإن النابت يكون بينهما على شرطهما وإن قلع الكل إلا أنه أخرج البعض من الأرض وترك الباقي مقلوعاً فنبت ما ترك إن نبت بسقيه كان النابت له وعليه ضمان ما استهلك لأن المزارعة الأولى انتهت بقلع الكل وإن نبتت لا بسقي أحد يكون بينهما لأنه نماء ملكهما.أكار رفع الخارج وبقي في الأرض حبات حنطة قد تناثرت فنبتت وأدرك فهو بين الأكار وصاحب الأرض على قدر ما كان نصيبهما من الخارج لأنه نبت من بذر مشترك بينهما وينبغي للأكار أن يتصدق بالفضل من نصيبه ولو كان رب الأرض سقاه وقام عليه حتى نبت كان له ذلك لأنه لما سقاه فقد استهلكه فإن كان في تلك الحبات قيمة كان عليه ضمانها وإلا فلا وإن سقاه أجنبي تطوعاً كان النابت بين الأكار وصاحب الأرض. شجرة تنبت في أرض إنسان من عروق شجرة أخرى في أرض أخرى إن نبتت بنفسها لا بسقي أحد كان النابت لصاحب الأصل وإذا صدقه له. رجل زرع أرض الغير لنفسه كان الزرع له وعليه لصاحب الأرض نقصان الأرض إن انقصت بزراعته وطريق معرفة النقصان عند البعض أن ينظر إلى قيمة الأرض قبل الزرع وإلى قيمتها بعد الزرع فيضمن الفضل وعند البعض ينظر بكم تستأجر الأرض قبل الزرع وبكم تستأجر بعد الزرع فيضمن الفضل.رجل زرع أرض الغير بغير إذن صاحبها فانتقصت الزراعة ثم زال النقصان قال بعضهم إن <188> زال النقصان قبل أن يرد الأرض إلى صاحبها يبرأ عن الضمان وإن زال بعد الرد لا يبرأ . وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى وقد قيل يبرأ في الوجهين وجعلوا هذه المسئلة نظير مسئلة العيب المشتري إذا وجد بالمبيع عيبا" ثم زال العيب قبل القبض أو بعده لايبقى له حق الخصومة وكذا المشتري لذا صالح البائع عن باض العين عن شيء ثم زال البياض كان على المشتري أن يرد على البائع ما قبض من بدل الصلح رجل زرع أرض الغير فعلم صاحبها بعدما استحصد الزرع فرضي به قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يطيب الزرع للزارع فأن قال رب الأرض مرة لا أرضى ثم قال رضيت قال يطيب له قال أبو الليث رحمه الله تعالى هذا استحسان وبه نأخذ. أرض بين رجلين فغاب أحدهما عن محمد رحمه الله تعالى أن لشريكه أن يزرع نصف الأرض ثم في السنة الثانية إن أراد أن يزرع فإنه يزرع النصف الذي كان زرع أولاً قالوا إن كانت الأرض تنفعها الزراعة أو لا تنفعها ولا تضرها ولا تنقصها فله أن يزرع النصف وله أن يزرع الكل فإذا حضر الغائب كان له أن ينتفع بالأرض مثل تلك المدة لأن ف مثل هذا يكون الغائب راضياً دلالة وإن علم أن الزرع ينقص الأرض أو كان ترك الزراعة ينفعها ويزيدها قوة لا يكون للحاضر أن يزرع شيئاً منها أصلاً وفي الدار المشتركة إذا غاب أحدهما وخاف الحاضر أنه لو لم يسكن لخربت الدار عن محمد رحمه الله تعالى أن للحاضر أن يسكن في الكل لأن فيه صيانة مال الغائب قال مولانا رضي الله عنه وعندي له أن يسكن كل الدار وإن كان لا يخاف خراب الدار بترك السكنى إذا كان يعلم أن السكنى لا تنقصها لأن في السكنى تحصين منفعة الغائب والحاضر أما منفعة الحاضر فظاهرة وكذلك منفعة الغائب لأن الحاضر إذا سكن فإذا حضر الغائب كان له أن يسكن مقدار ما سكن الحاضر هذا كما روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الثمر إذا كان بين اثنين للحاضر أن يأخذ نصيبه ويبيع نصيب الغائب ويمسك الثمن فإذا حضر الغائب وأخذ الثمن جاز وإن لم يجز يضمن الحاضر قيمة نصيب الغائب إن كانت من ذوات القيم أو المثل إن كان مثلياً ولم ينقطع وإن انقطع فمنه القيمة وهكذا روي عن محمد رحمه الله تعالى واستحسن مشايخنا رحمهم الله تعالى هذا وعليه الفتوى وإن لم يحضر الغائب يتصدق وهو بمنزلة اللقطة. ثلاثة أخذوا أرضاً بالنصف ليزرعوها ببذرهم بالشركة فغاب واحد منهم فزرع الثنان بعض الأرض حنطة ثم حضر الثالث وزرع البعض شعيراً قالوا إن فعلوا ذلك بإذن الشركاء فالحنطة بينهما ويرجع الأولان على الثالث بثلث الحنطة التي بذرها والشعير بينهما ويرجع صاحب الشعير عليهما أيضاً بثلثي الشعير الذي بذره بعد ما دفعوا حصة صاحب الأرض وإن فعلوا ذلك بغير إذن الشركاء فالحنطة ثلثها لصاحب الأرض وثلثاها لهما فيغرمان نقصان ثلث الأرض ويطيب لهما ثلث الخارج وأما الثلث الآخر فيرفعان منه نفقتها ويتصدقان بالفضل لأن ثلثي الحنطة نصيبهما قد <189>زرعاه فيكون على الشرط النصف من ذلك لهما والنصف لصاحب الأرض وهو الثلث وفي الثلث الآخر صارا غاصبين فصار هذا الثلث لهما فيحصل لهما ثلثا الحنطة ولصاحب الأرض ثلثها وأما صاحب الشعير فله خمسة أسداس ولرب الأرض السدس لأن صاحب الشعير كان غاصباً في ثلثي ما زرع فيكون له وفي الثلث زرع بحق فيكون له نصف الثلث ونصف الثلث لصاحب الأرض فيصير له خمسة أسداس الشعير ولرب الأرض السدس وعليه نقصان ثلثي ما زرع ويتصدق بالفضل. أرض مشتركة بين اثنين زرعها أهدهما بغير إذا صاحبها وسقاها ولم يدرك بعد فلشريكه أن يقاسمه الأرض ثم ما وقع من(3/94)
الزرع في نصيب الزارع من الأرض أقره وما وقع في نصيب الآخر يأمر بقلعه وعليه نقصان ما حصل للشريك في الأرض بقلعه وإن كان الزرع قد أدرك أو قرب من الإدراك يغرم الزارع لشريكه نقصان نصف الأرض إن انتقصت لأنه غاصب في النصف أرض بين رجلين زرعها أحدهما بغير إذن صاحبه ثم تراضيا بعد أن يعطى غير الزارع للزارع نصف البذر ويكون الزرع بينهما نصفين ذكر في النوادر أنه إن كان ذلك بعدما نبت الزرع جاز وإن كان قبل النبات لا يجوز وإن كان الزرع قد نبت وأراد الذي لم يزرع أن يقلع الزرع فإن القاضي يقسم الأرض بينهما فما أصاب الذي لم يزرع من الأرض بقلع ما فيه من الزرع ويضمن له الزارع ما يدخل الأرض من النقصان بسبب القلع أكار ترك السقي متعمداً حتى يبس الزرع قالوا يضمن قيمة ما يبس نابتاً في الأرض وإن لم يكن للنابت قيمة حين يبس تقوم الأرض مزروعة وغير مزروعة فيضمن فضل ما بينهما . رجل دفع أرضه مزارعة فدفعها العامل إلى غيره مزارعة فإن كان صاحب الأرض قال للعامل اعمل فيه برأيك يجوز دفع العامل إلى غيره على كل حال وإن لم يقل صاحب الأرض ذلك فإن كان البذر من قبل صاحب الأرض كان للعامل أن يزرعها بنفسه واجرائه وليس له أن يدفعها إلى غيره مزارعة وإذا دفع يصير غاصباً للأرض والبذر جميعاً ومن غصب أرضاً وبذراً ودفعها مزارعة كان للزارع بين الغاصب والعامل على ما اشترطا ولصاحب الأرض على الغاصب مثل بذره ونقصان الأرض إن انتقصت بالزراعة يضمن أيهما شاء وإن كان البذر من قبل العامل كان له أن يدفع الأرض إلى غير ه مزارعة لأن البذر إذا كان من قبل العامل يكون هو مستأجراً للأرض وللمستأجر أن يدفع الأرض مزارعة ولو كان البذر من قبل صاحب الأرض قد كان قال للعامل اعمل فيه برأيك على أن الخارج نصفه لي ونصفه لك فدفعه العامل إلى غيره مزارعة بنصف الخارج كان نصف الخارج للعامل الثاني والنصف لصاحب ا لبذر ولا شيء لزارع الأرض. رجل دفع أرضه مزارعة على أن يكون الخارج بينهما أنصافاً أو أثلثاً ثم زاد أحدهما للآخر في نصيبه قالوا إن كانت الزيادة قبل انتهاء المزارعة جازت الزيادة من أيهما كانت وإن كانت الزيادة بعد إدراك الزرع جازت من الذي لا بذر منه ولا تجوز من الآخر لأن صاحب <190>البذر يكون مستأجراً الآخر فإذا زاد من لا بذر منه كان ذلك حط من أجره والحط جائز سواء كلن في أول العقد أو في آخره كحط البائع شيء من الثمن جاز حال قيام السلعة وبعده أما المشتري إذا زاد في الثمن يجوز حال قيام السلعة ولا يجوز بعد هلاكها والمنافع المستوفاة بمنزلة الهالك رجل استأجر أرضاً ليزرعها فزرع ولم يجد الماء ليسقيه فيبس الزرع وصاحب الأرض يطالبه بالأجر قالوا إن استأجر الأرض بغير شرب ولم ينقطع ماء النهر الذي يرجى منه السقي فأجر الأرض واجب على المستأجر وإن انقطع ماء النهر كان للمستأجر الخيار إن كان استأجرها بشربها فانقطع الشرب فمن يوم الذي فسد الزرع بانقطاع الماء يسقط أجر الأرض كما لو استأجر رحا ماء واستأجر بيت الرحا وانقطع الماء. رجل استأجر أرضاً ليزرع فخرب النهر الأعظم فلم يستطع السقي قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن شاء المستأجر رد الأرض وإن شاء أمسك فإن لم يرد حتى مضت المدة فعليه الأجر وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إنما يجب الأجر إذا كان بحال يمكنه أن يحتال بحيلة فيزرع فيها شيئاً أما إذا كانت الأرض بحال لا يمكنه أن يزرع فيها بغير ماء بوجه من الوجوه فلا أجر عليه بمنزلة من استأجر رحا ماء فانقطع الماء لا يلزمه الأجر ولو أن هذه الأرض لم ينقطع عنها الماء ولكن سال فيها الماء حتى لا يتهيأ له الزراعة فلا أجر عليه مبطخة أخذ صاحبها البطاطيخ وبقي فيها شيء قد تركها صاحبها فانتهبها الناس قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إذا تركها أهلها ليأخذها من شاء فلا بأس به بمنزلة من حصد زرعه ورفع وبقي فيها شيئاً فإنه لا بأس بالتقاطها. وكذا لو استأجر أرضاً ليزرع فزرعها ورفع الزرع وبقي فيها سنابل فسقاها صاحب الأرض فتبتت السنابك كان ذلك لصاحب الأرض واد على شط الجيحون يجتمع فيه الماء أيام الربيع ثم يذهب الماء ولم يبقى فزرع فيه قوم فأدرك الزرع فجاء قوم يدعون الوادي والزرع قال أبو القاسم رحمه الله تعالى الزرع يكون لصاحب البذر لا حق لغيره فيه وإما رقبة الأرض المزروعة إن علم أن ذلك كان ملكاً لقوم ثم غلب الماء عليها فهو لهم وإن لم بعرف رقبتها ملكاً لأحد فهي للذي أحياها بالزراعة قال مولنا رصي الله عنه وعندي هذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يكون لمن زرعها إذا لم يزرعها بإذن الإمام قال أبو سليمان رحمه الله تعالى أرض الموات إذا بنى الرجل حولها حائطاً فهي له وكذلك إذا كربها قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أرض الموات إنما تملك بأحد أشياء ثلاثة إما أن يبنى حولها أو يكربها أو يجري الماء عليها كذا روي عن(3/95)
عبد الله بن محمد بن شجاع البلخي رحمه الله تعالى وعن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى أنه قال إنما يملكها إذا جرى الماء عليها وعن الحسن البصري عن سمرة بن جندب رحمهما الله تعالى عن النبي <191>صلى الله عليه وسلم أنه قال من أحاط حائطاً على أرض فهي له. وصي اليتيم إذا أخذ أرض اليتيم مزارعة أو يشتري أرض اليتيم من اليتيم أو يبيع أرضه لليتيم قال أبو النصر رحمه الله تعالى أما إذا أخذ أرض اليتيم مزارعة على سبيل ما يأخذه الناس أرجو أن يكون جائزاً وأما البيع والشراء فإنه لا يعجبني وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى جوابه في البيع والشراء قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وبه نأخذ وأما المزارعة فهي ليست فيها رواية عن أصحابنا رحمهم الله تعالى إنما رواية عن أصحابنا في الوصي إذا أخذ مال اليتيم مضاربة فهو جائز كأنه قاس المزارعة على المضاربة. وعن شداد رحمه الله تعالى أنه قال إن كان البذر من قبل الوصي جاز وإن كان من قبل اليتيم لا يجوز وبه نأخذ. دابة لرجل دخلت زرع إنسان فسقاها رب الزرع قال أبو نصر رحمه الله تعالى لا ضمان عليه إذا ساقها إلى مكان يأمن منها على الزرع. رجل زرع أرضه شعيراً فجاء آخر وزرع عليه الحنطة بغير أمر صاحب الشعير فنبتا جميعاً قالوا الخارج يكون للزارع الثاني ولا حظ لصاحب الشعير فيه ويضمن الثاني للأول ما زاد الشعير في أرضه تقوم مزروعة وغير مزروعة فيضمن له فضل ما بينهما لأنه أتلف عليه زرع الشعير قبل النبات فيضمن وضمانة ما قلنا وفي موضع آخر من النوازل قال رجل زرع أرض نفسه حنطة فجاء آخر وزرع فيها شعيراً روي عن محمد رحمه الله تعالى أنه زارع الشعير يضمن للأول قيمة الحنطة مبذورة. وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا إذا رضي صاحب الحنطة أن يضمنه قيمة الحنطة المبذورة أما إذا لم يرض بذلك فإن هي خير بين أن يترك حتى ينبت فإذا نبت يأمره بقلع الشعير لأن تمييز زرع الشعير من زرع الحنطة ممكن بعد الإنبات. وإن اختار صاحب الحنطة أن يبرئ صاحب الشعير عن الضمان فإذا إدرك الزرع وحصداه يكون بينهما على مقدار نصيبهما من البذر لأنه لما أبرأه عن الضمان سقط اعتبار صاحب الشعير ويصير كأن الحنطة اختلطت بالشعير لا بفعلهما قال مولنا رضي الله عنه وينبغي أن يكون هذا الجواب على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أما على قول أبي حنيفة الجواب كما روي عن محمد رحمه الله تعالى أولاً أن الثاني يضمن قيمة بذر الأول مبذوراً. رجل دفع أرضه إلى غيره مزارعة جائزة ثم أراد أحدهما أن يرجع ويمتنع قبل الزرع إن أراد ذلك من كان البذر منه كان له ذلك أنه لا يمكنه المضي في العقد إلا بإتلاف بذره والإنسان لا يجبر على إتلاف ماله فلا يجبر كمن استأجر رجلاً ليهدم له حائطاً كان له أن يفسخ الإجارة ولا يهدم. وإن أراد الفسخ من لا بذر منه ليس له ذلك ويجبر على العمل إلا بعذر وعذره أ، يمرض ويعجز عن العمل ولو كان البذر من العامل فأراد صاحب الأرض أن يفسخ المزارعة قبل أن يعمل العامل فيه شيئاً أو بعدما كربها وحفر أنهارها وسوى المسنيات لم يكن له ذلك كما لو آجر أرضه بدنانير لم <192>يكن له أن يفسخ الإجارة إلا بعذر ومن الأعذار أن يكون العامل سارقا خائناً والعذر في جانب صاحب الأرض ، يلحقه دين لا وفاء له إلا من ثمن الأرض فعند ذلك كان له أن يفسخ المزارعة ويبيع الأرض في الدين قبل إلقاء البذر فإذا باعها لم يكن للعامل عليه شيء لأنه لم يوجد من العامل إلا صرف المنفعة والمنفعة لا قيمة لها. وإن كان العامل زرعها ونبت الزرع وحبس صاحب الأرض بالدين قبل أن يستحصد الزرع فأراد صاحب الأرض أن يبيع الأرض لم يكن له ذلك لأن الشركة قد انعقدت بينهما فيا لخارج فلا يجوز إبطال حق العامل وإن كان فيه تأخير حق الغرماء فضرر التأخير دون ضرر الإبطال فإن عل م القاضي بحاله أخرجه من السجن حتى يستحصد الزرع لأنه مفلس فإذا استحصد الزرع أعاده إلى الحبس حتى يبيع الأرض ويقضي الدين ولو إن صاحب الأرض باع أرضه من غير عذر إن باعها قبل إلقاء البذر فإن كان البذر من فيل صاحب الأرض جاز بيعه ويكون للمشتري أن يمنع الأكار من الزراعة لأن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كان له أن يفسخ المزارعة قبل إلقاء البذر ويكون على رب الأرض فيما بينه وبين الله تعالى أن يرضي العامل في بشيء أنه عمل له في أرضه بحكم الوعد وإن كان البذر من قبل العامل لا ينفذ بيعه على العامل ولا يكون للمشتري أن يمنع المزارعة من الزراعة لأن البذر إذا كان من قبل العامل يكون هو مستأجراً للأرض ومن آجر أرضاً ثم باعها لا ينفذ بيعه على المستأجر فكذلك ههنا ولو أن رجلاً دفع أرضه مزارعة سنة فزرعها العامل ونبت ثم باع صاحب الأرض أرضه برضى المزارع جاز البيع ويقسم الثمن على الأرض والزرع فما أصابا لأرض من الثمن يكون لصاحب الأرض خاصة وما أصاب الزرع فهو بين صاحب الأرض والمزارع لأنه بدل ملكهما. ,إن باع(3/96)
الأرض بعد الزرع قبل النبات بإذن المزارع جاز البيع أيضاً وتكون الأرض مع الزرع للمشتري ويقسم الثمن على قيمة الأرض مبذورة وعلى قيمتها غير مبذورة فما أصاب قيمتها غير مبذورة يكون للبائع خاصة وما أصاب فضل ما بين قيمتها مبذورة وغير مبذورة يكون بين البائع والمزارع. قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى هذا إذا باع برضى العامل فإن باع بغير رضاه فإن باع بعد نبات الزرع يتوقف البيع على إجازة المزارع لأن صاحب الأرض لو باع الأرض بعد نبات الزرع لأجل الدين بأن كان محبوساً بدين لا وفاء له إلا من ثمن الأرض لا يجوز إلا برضى المزارع فإذا باع بغير عذر أولى أن يتوقف وإذا باع بغير عذر قبل إلقاء البذر فإن كان البذر من قبل العامل لا يجوز بيع صاحب الأرض لأنه باع المستأجر بغير عذر وإن باع بعذر الدين جاز فكذلك ههنا وإن باع الأرض بغير عذر بعد إلقاء البذر قبل النبات قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يتوقف البيع على إجازة العامل سواء <193>كان البذر من قبل صاحب الأرض أو من قبل العامل لأن الشركة قد تأكدت بينهما بإلقاء البذر فلا ينفذ البيع إلا بإجازة الشريك فإن أجاز العامل جاز وإن لم يجز لم يجز ولم يفسخ حتى استحصد الزرع أو مضت مدة المزارعة فإن كان باع الأرض مع الزرع فللمشتري أن يأخذ الأرض ونصف الزرع بحصتهما من الثمن يقسم الثمن على الأرض والزرع كما لو باع الأرض مع الزرع ابتداء بعدما استحصد فإنه يحوز ويقسم الثمن على قيمة الأرض وقيمة الزرع كذلك هذا إذا ذكر البائع الزرع في البيع وإن لم يذكر لا يدخل الزرع في البيع. وكذا لو باع الأرض بكل حق هو لها أو بمرافقها لا يدخل الزرع والثمر في البيع وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى إذا باع الأرض بحقوقها وبمرافقها ليدخل الزرع والثمر في البيع ولو قال لكل قليل وكثير هو فيها أو منها يدخل فيه الزرع و الثمر.رجل دفع أرضه مزارعة أو كرمه ونخله معاملة فعمل العامل في الكرم عملاً قليلاً أو زرع الأرض ثم باع رب الأرض أرضه أو كرمه برضى العامل والمزارع قالوا أن كان قبل نبات الزرع وكان البذر من صاحب الأرض فلا شيء للعامل من الثمن في الحكم وإن كان البذر من المزارع فله من الثمن حصة بذره مبذوراً في الأرض و أما الكرم والنخل فإن لم يخرج منه شيء لا شيء للعامل من الثمن لأن الموجود منه العمل ومجرد العمل لا قيمة له. وإن باع صاحب الأرض أرضه مع نصيب نفسه من الزرع بعدما نبت الزرع وخرج الكرم والثمر فإن أجاز المزارع جاز ويكون نصيب البائع من الزرع والثمر للمشتري ونصيب العامل للعامل وإن هذا البيع قبل خروج الثمر وقبل نبات الزرع فإن كان البذر من صاحب الأرض فلا شيء للمزارع بالحكم لأنه لا يملك شيئاً قبل النبات وإنما يملك بعده وإن كان البيع بغير رضى المزارع بجميع هذا لكن بعذر فكذلك الجواب لأن المزارعة بشرط البذر من العامل إجارة للأرض وبيع المستأجر يجوز بعذر فكبلك بيع الأرض المدفوعة مزارعة وإن كان بغير عذر فقد مر قبل هذا. رجل باع أرضاً وفيها حنطة مبذورة ولم تنبت بعد قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن كان البذر قد عفن في الأرض فهو للمشتري وإن كان لم يعفن فهو للبائع وإنما قال ذلك لأن البذر إذا عفة في الأرض لا يكون متقوماً فيدخل في البيع بمنزلة أجزاء الأرض أما إذا لم يعفن يكون بمنزلة الزرع فلا يدخل في البيع من غير ذكر وكذا لو نبت ولم يكن له قيمة وقت البيع وقيل إن سقاه المشتري حتى نبت قالوا هو للبائع على حاله والكشري يكون متطوعاً فيما فعل وهكذا قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى وقال أبو القاسم رحمه الله تعالى هو للبائع في الأحوال كلها وعن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى مثل ما قال أبو نصر وأبو بكر الاسكاف رحمهما الله تعالى. رجل دفع إلى رجل أرضاً مزارعة وفيها قوائم القطن قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد <194>ابن الفضل رحمه الله تعالى إن كان لا يمنعه قوائم القطن عن الزراعة فالمزارعة جائزة وإن كان يمنع فالمزارعة فاسدة إلا إذا أضاف إلى وقت فراغ الأرض فحينئذ يجوز وإن سكت عن ذلك لا يجوز. أرض لرجل ولجاره دار أسفل من أرضه في قعر فأراد صاحب الأرض أن يزرع في أرضه أرزاً ولا يشك في خراب الأرض إن فعل ذلك قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى إن علم صاحب الأرض أنه ليس له في أرضه مستقر الماء فليس له أن يزرع هناك زرعاً لا يحتمل الماء الذي يسقى وإن كان قد يتحمل إلا أن في أرضه حجراً قد يخرج الماء منه أو تصل الندوة إلى دار جاره فليس له أن يمنعه من الزراعة. رجل دفع أرضه مزارعة سنة أو ثلاث سنيين فمات أحدهما قبل الشروع في العمل أو قبل الزراعة فأراد الآخر أن يمتنع كان له ذلك لأن المزارعة إجارة والإجارة تنفسخ بموت أحد العاقدين وإن مات بعد الشروع في العمل عندنا تنفسخ المزارعة خلافاً للشافعي رحمه الله تعالى فإن مات رب الأرض قبل أن(3/97)
يستحصد الزرع فأراد وارثه أن يأخذ الأرض من العامل في القياس له ذلك لأن المزارعة إجارة فتفسخ بموت أحدهما أيهما كان. وفي الاستحسان ليس له ذلك وتترك الأرض في يد العامل حتى يستحصد الزرع كما لو انتهت مدة الإجارة والزرع يقل فإنها تترك بأجر المثل إلى وقت الإدراك لأن المزارع كان محقاً في الزرع فيترك الأرض في يده إلى وقت الإدراك وتكون نفقة الزرع بعد ذلك عليهما وكذا لو أعار أرضه من رجل للزراعة فزرعها ثم بدأ المعير أ، يسترد الأرض فإنها تترك في يد المستعير بأجر المثل إلى وقت الإدراك وكذا لو كان المكاري قي طريق الحج أو مات الملاح في لج البحر فإن الإجارة تبقى بأجر المثل وكذلك في المزارعة يبقى العقد بعد موت صاحب الأرض حتى يستحصد الزرع فإذا استحصد يقسم الخارج بينهما على شرطهما وتنتقض المزارعة فيما بقي من المدة فإن مات المزارع والزرع بقل فإن قال ورثة المزارع نحن نعمل كان لهم ذلك ويبقى المزارعة على شرطهما إلا إن يستحصد الزرع ولا يكون لصاحب الأرض أن يأخذ الأرض من ورثته قبل أن يستحصد الزرع. وإن قال وارث العامل لا أعمل ولكن أقلع الزرع ونقسم بيننا لا يجبر الوارث على العمل لأنه لم يلتزم العمل ويخير صاحب الأرض إن شاء اختار القلع فيكون الزرع بينهم وإن شاء أعطى الوارث قيمة حصة العامل ويكون كل ازرع لصاحب الأرض وإن شاء ينفق على الزرع إلى أن يستحصد ثم يرجع بما أنفق على الوارث في حصته ليندفع الضرر من الجانبين.مزارع مخر الأرض ثم نقضت المزارعة لفساد المزارعة بسبب قالوا إن كان البذر من المزارع لا شيء له على صاحب الأرض لأنه مخرها لنفسه وإن كان البذر من صاحب الأرض فللعامل أجر مثله لأنه أجير صاحب الأرض عمل لصاحب الأرض بإجارة فاسدة وفي الإجارة الفاسدة إذا كان البذر من صاحب الأرض لا يستحق العامل شيء من الخارج فكان<195>له أجر مثله لأن أجير صاحب أجر المثل.رجل دفع أرضاً وبذراً إلى رجل مزارعة على أن يزرعها هذه السنة بالنصف فبذر العامل وسقاه فلما نبت قام عليه صاحب الأرض بنفسه أو بإجرائه وسقاه حتى استحصد الزرع بغير أمر المزارع كان صاحب الأرض متطوعاً فيما فعل ويكون الخارج بين صاحب الأرض والعامل على ما شرطا لأن الشركة تأكدت بينهما بإلقاء البذر بحيث لا يملك صاحب الأرض فسخها فكان صاحب الأرض في العمل كأجنبي آخر ولو عمل ذلك أجنبي يكون متطوعاً ويكون الخارج بين العامل وصاحب الأرض على ما شرطا وكذلك ههنا فإن كان صاحب الأرض استأجر أجيراً فعمل أجيره لا يرجع هو بذلك على العامل لأنه استأجر لنفسه فلا يرجع على غيره وفيما إذا انقضت مدة المزارعة والزرع بقل ذكرنا أنه يترك في الأرض حتى يستحصد لأنه كان محقاً في المزارعة فإن أنفق أحدهما على الزرع بغير أمر صاحبه وبغير أمر القاضي يكون متطوعاً لأن كل واحد منهما غير مجبر على الإنفاق فكان المنفق متطوعاً كالدار المشتركة بين اثنين استرمت فأنفق أحدهما في المرمة بغير إذن صاحبه يكون متطوعاً. رجل دفع أرضاً وبذراً إلى رجل مزارعة على أن يزرعها سنة هذه على أن يكون الخارج بينهما نصفين فزرعها ولك يستحصد الزرع حتى هرب العامل فأنفق صاحب الأرض على الزرع بأمر القاضي حتى استحصد الزرع ثم قدم المزارع فلا سبيل له على الزرع حتى يعطي صاحب الأرض جميع ما أنفق أولاً بقول القاضي لا بأمر صاحب الأرض بالإنفاق حتى يقيم البينة على ما يقول لأن القاضي لا يعلم فيكلفه بإقامة البينة ويقبل هذه البينة بغير خصم لكشف الحال كما لو طلب من القاضي الأمر بالإنفاق على الوديعة واللقطة ولو لم يهرب العامل ولكن انقضت مدة المزارعة والزرع بقل والمزارع غائب فإن القاضي يقول لصاحب الأرض إن شئت انفق ولك أن تحبس من المزارع حصته حتى يعطيك نفقتك فإن أبى أن يعطيك نفقتك أبيع عليه حصته وأعطيك النفقة من ثمن حصته فإن لم يف بثمن حصته بذلك فلا شيء لك عليه لأن بعدما انقضت مدة المزارعة لا يجبر العامل على العمل لو كان حاضراً فإن كان غائباً لا ينفذ أمر القاضي إلا بطريق النضر وذلك بما قلنا. قيل هذا قولهما أما على قول أبي حنيفة رضي الله عنه لا يبيع حصة الغائب وقيل هذا قول الكل لأن حق الغائب في الزرع يحيا بهذه النفقة فيكون بمنزلة المرهون والقاضي يبيع الرهن والتركة مستغرقة بالدين فيبيع حصته من الزرع. ولو دفع أرضاً وبذراً إلى رجل على أن يزرعها هذه السنة بالنصف فبذره العامل وسقاه حتى نبت فقام صاحب الأرض بنفسه أو بإجرائه وسقاه حتى استحصد الزرع بغير أمر المزارع كان الخارج بينهما نصفين ويكون رب الأرض متطوعاً فيما فعل لأن الشركة<196>تأكد بينهما في الخارج بعد النبات ولزم العقد على وجه لا يملك صاحب الأرض فسخه فكان صاحب الأرض بمنزلة الأجنبي ولو فعل ذلك أجنبي يكون متطوعاً فكذلك صاحب الأرض ولو أن العامل بذر الأرض ولم ينبت ولم يسقه فسقاه رب الأرض قبل النبات وقام عليه حتى نبت استحصد كان الخارج بينهما على ما شرطا استحساناً ويكون رب(3/98)
الأرض متطوعاً وفي القياس يكون الخارج لصاحب الأرض لأن الحنطة قبل النبات في الأرض بمنزلة ما لو كانت في الجوالق قبل إلقاء البذر والفتوى على جواب الاستحسان لأن إلقاء البذر سبب للنبات ولهذا لا يملك رب الأرض فسخ العقد قصداً فيقام ذلك مقام حقيقة النبات ويكون صاحب الأرض عاملاً في محل مشترك. ولو أن رجلاً بذر أرضاً له ولم ينبت وسقاه أجنبي فنبت في القياس يكون الزرع للذي سقاه وفي الاستحسان يكون الزرع لصاحب الأرض لأن صاحب الأرض يرضى بهذا السقي دلالة بخلاف ما قبل إلقاء البذر. رجل دفع إلى رجل أرضاً وبذراً مزارعة ثم إن صاحب الأرض بذر الأرض ولم يسقه ولو ينبت حتى سقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد كان الخارج بينهما على ما شرطا أما إذا فعل ذلك بأمر المزارع فهو ظاهر لأنه لو بذر وسقاه كان معيناً للمزارع فهذا أولى وإما إذا فعل بغير أمر المزارع فلان بمجرد إلقاء البذر في الأرض لم يحصل الخارج وإن ما حصل حصل بالسقي والعمل بعده وما فعل صاحب الأرض محتمل يحتمل أن يكون على وجه الفسخ ويحتمل أن يكون على وجه النظر لنفسه وللعامل كيلا يفوت الوقت بمرض العامل أو بانشغاله بعمل آخر فلا ينفسخ العقد بالشك ولو أن رب الأرض بذر وسقاه حتى نبت ثم إن المزارع قام عليه وسقاه حتى استحصد فإن الخارج يكون لصاحب الأرض ويكون المزارع متطوعاً ولا أجر له لأنه لم يوجد من المزارع ما يكون سبباً للخارج فلا يبقي المزارعة وإن كان البذر من قبل المزارع فبذره ولم يسقه ولم ينبت فسقاه رب الأرض وقام عليه حتى استحصد كان الخارج بينهما على ما شرطا ولو أن صاحب الأرض بذره وسقاه حتى نبت ثم قام عليه المزارع وسقاه كان الخارج كله لصاحب الأرض وهو ضامن لمثل ما أخذه من بذر المزارع ويكون المزارع متطوعاً في عمله لأن صاحب الأرض صار غاصباً لم أخذ من البذر وقد استحكم ذلك بنبات الخارج على ما ملكه فكانت زراعته فت هذه الأرض وفت أرض أخرى له سواء ولو أن صاحب الأرض فعل مل فعل نأمر المزارع كان الخرج بينهما على ما شرطا لأن المزارع لما أمر بذلك فقد استعان منه رجل وكل رجلا بأن تدفع أرضه مزارعة هذه السنة فآجرها الوكيل من رجل بكر حنطة أو بكر شعيراً وسط أو سمسم أو أرزاً وغير ذلك مما تخرجه الأرض ليزرعها <197>المستأجر حنطة أو شعيراً جاز استحساناً لأنه أمره بإجارة الأرض وقد أجر وإن أجرها الوكيل بدراهم أو بشيء لا يزرع لا يجوز ذلك. وكذا لو أمره بأن يدفع هذه الأرض مزارعة هذه السنة في الحنطة خاصة فآجرها بكر حنطة وسط جاز ويزرعها المزارع ما بدا له مما يكون ضرره على الأرض مثل ضرر الحنطة أو دون ذلك وإن آجرها الوكيل بغير حنطة كان مخالفاً لا ينفذ تصرفه على الموكل ولو وكله بأن يدفعها مزارعة بالثلث فآجرها من رجل بكر حنطة وسط كان مخالفاً فإن زرعها المستأجر كان الخارج للزارع وعليه كر حنطة وسط للوكيل لأن الوكيل صار غاصباً للأرض ولرب الأرض أن يضمن نقصان الأرض إن شاء ضمن الوكيل وإن شاء ضمن المزارع في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول وهو قول محمد رحمه الله تعالى فإن ضمن المزارع رجع المزارع على الوكيل بحكم الغرور ولو وكل رجلاً بأن يؤجر أرضه سنة بكر حنطة وسط فدفعها مزارعة بالنصف على أن يزرعها حنطة فزرعها كان الوكيل مخالفاً لأن ما أتى به الوكيل أضر على الموكل مما أمره به لأن الموكل أمره بعقد يسلم له الأجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع بها وإن لم ينتفع وفي المزارعة لا يسلم له الأجر على كل حال. ولو وكل رجلاً بأن يأخذ له هذه الأرض مزارعة فستأجرها الوكيل بكر حنطة لا يجوز على الآمر ولو وكله بأن يأخذها له مزارعة بالثلث فأخذها الوكيل على يزرعها الموكل ويكون للموكل ثلث الخارج و لرب الأرض ثلثاه لا يجوز ذلك على الموكل لأن الموكل أمره بأن يأخذها مزارعة على أن يكون لرب الأرض ثلثه وللموكل ثلثاه وقد أتى بضده. رجل أمر رجلاً أن يدفع أرضه هذه السنة مزارعة فدفعها مزارعة بالثلث أو بأقل أو بأكثر جاز لأن الموكل إذا لم يقدر حصة من الخارج كان مفوضاً الأمر إلى رأي الوكيل فيجوز أن يدفعها بشيء لا يتغابن فيه الناس فلا يجوز ذلك في قول من يجيز المزارعة لأن مطلق التوكيل ينصرف إلى التعارف. ولو أن الوكيل حابى محاباة فاحشة فزرعها المزارع وخرج الزرع كان الخارج بين المزارع والوكيل على ما شرطا ولا شيء لصاحب الأرض من الخارج لأن الوكيل صار عاصباً والغاصب إذا دفع المقصود مزارعة كان الخارج بينه وبين المزارع على ما شرطا ولرب الأرض أن يضمن المزارع نقصان الأرض خاصة في يقول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر ثم يرجع المزارع على الوكيل بحكم الغرور لأن قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر العقار لا يضمن بالغصب وفي قول محمد وأبي يوسف رحمهما الله تعالى الأول العقار يضمن بالغصب فيضمن رب الأرض أيهما شاء وإن لم تكن المحاباة فاحشة كان الخارج بين المزارع وصاحب الأرض على ما شرطا والوكيل هو الذي يقيض حصة(3/99)
الموكل من الخارج ولا يقبضه الموكل إلا بوكالة الوكيل. ولو كان البذر من صاحب الأرض كان هذا على أن يدفعه بما يتغابن الناس فيه لأن البذر إذا كان من صاحب الأرض كان هو <198>مستأجراً للعامل و التوكيل بالاستئجار يكون بمنزلة التوكيل بالشراء لا يتحمل الغبن الفاحش من الوكيل فإن كان الغبن يسيراً فصاحب الأرض هو الذي يلي قبض حصته ههنا دون الوكيل وليس للوكيل أن يقبض ههنا إلا بأمر الموكل لأن صاحب الأرض لا يستحق الخارج ههنا وإنما يستحقه لأنه نماء ملكه ولو أن الوكيل دفعها بما لا يتغابن به بالناس كان الخارج بين الوكيل والمزارع على ما شرطا لأن الوكيل إذا حاباه محاباة فاحشة صار غاصباً الأرض والبذر جميعاً فيكون الخارج بين الوكيل والمزارع فإن تمكن في الأرض نقصان بالزراعة كان لرب الأرض أن يضمن المزارع نقصان الأرض في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر وفي قول محمد وأبي يوسف رحمهما الله تعالى الأول له أن يضمن نقصان الأرض أيهما شاء. رجل أمر رجلاً أن يدفع أرضه مزارعة ولم يسم وقتاً كان للوكيل أن يدفعها مزارعة في السنة الأولى فإن لم يدفع في السنة الأولى ودفعها بعد هذه السنة لا يجوز استحساناً لأن دفع الأرض مزارعة يكون في وقت مخصوص لا في كل وقت فيتقيد في وقت المزارعة في تلك السنة كالتوكيل بشراء الأضحية يتقيد بأيام الأضحية من السنة الأولى وكذا التوكيل بإكراء الإبل إلى مكة للحج يختص بأيام الموسم من تلك السنة بخلاف إجارة الدور والرقيق فإن ذلك لا يختص بوقت. رجل وكل رجلاً بأن يأخذ له أرض فلان هذه السنة مزارعة على أن يكون البذر من قبل الموكل كان للوكيل أن يأخذها بما يتغابن فيه الناس لا بما يتغابن الناس فيه لا ينفذ على الموكل إلا أن يرضى به الموكل ويزرعها لأنه وكله باستئجار الأرض فيكون بمنزلة الوكيل بالشراء فلا ملك الغبن الفاحش إلا أن يرضى به الموكل فإن زرعها الموكل بعدما علم بعقد الوكيل كانت زراعته رضا فإن زرع وحصل الخارج كان الخارج مشتركاً بين رب الأرض والمزارع ويكون الوكيل مطالباً بحصة رب الأرض يستوفيه من الموكل ويسلمه إلى رب الأرض لأن رب الأرض استحق الخارج بحكم العقد وحقوق العقد ترجع إلى العاقد فلو أن رب الأرض أخذ حصته من الموكل بغير أمر الوكيل برئ الوكيل عنه ولو كان الوكيل أخذ الأرض لموكله بما لا يتغابن فيه الناس ولم يخبر الموكل بذلك حتى زرعها الموكل بأمر الوكيل كان الخارج للمزارع ولرب الأرض على الوكيل أجر مثل أرضه ولا شيء للوكيل على الموكل لأن استئجار الوكيل كان نافذاً على الموكل فإذا زرعها الموكل بأمر الوكيل كانت هذه الأرض بمنزلة أرض مملوكة للوكيل دفعها إليه وأمره ، يزرعها من غير شرط فيكون الخارج للزارع ولو كان الوكيل دفع الأرض إلى الموكل ولم يخبره بما أخذها به ولم يأمره بزراعتها فزرعها الموكل كان الخارج للزارع لأنه نماء بذره ولا شيء لرب الأرض على الوكيل لأن الزارع حين زرعها بغير أمر الوكيل صار بمنزلة الغاصب ومن استأجر <199>أرضاً وغصبها منه غاصب وزرعها لم يكن لصاحب الأرض على المستأجر أجر ثم نقصان الأرض ههنا لرب الأرض على الزارع لأنه زرعها غصباً ولا يرجع به على الوكيل لأنه إذا زرع ولم ينكشف الحال إنه بماذا أخذ الأرض لا يصير مغروراً من جهة الوكيل رجل دفع إلى رجل أرضاً يزرعها ببذره هذه السنة بالنصف وضمن رجل لرب الأرض الزراعة من الزارع فإن كان الضمان شرطاً في المزارعة كانت المزارعة فاسدة لأن صاحب الأرض إذا كان البذر من قبل الزارع فهو مؤاجر أرضاه ليزرعها العامل لنفسه فلا يستحق عليه العمل فكان شرط الضمان شرطا فاسداً في الإجارة فيفسد الإجارة فإن لم يكن الضمان شرطا في المزارعة جازت المزارعة وبطل الضمان وإن كان البذر من صاحب الأرض تجوز المزارعة والضمان سواء كان الضمان شرطا في المزارعة أم لم يكن لأن صاحب الأرض يصير مستأجراً للعامل ههنا فيستحق عليه العمل فصحت الكفالة وإن تغيب المزارع فأخذ الكفيل في العمل فعمل وأدرك الزرع ثم ظهر المزارع كان الخارج بين صاحب الأرض والمزارع على ما شرطا ويكون عمل الكفيل بأمر المزارع كعمل المزارع وللكفيل أجر مثل عمله على المزارع إن كانت الكفالة بأمره وإن كانت المزارعة بشرط أن يعمل الزارع بنفسه وكفل إنسان بالعمل فإن كانت الكفالة شرطا في المزارعة فسدت المزارعة والضمان جميعاً والمعاملة في جميع هذا بمنزلة المزارعة. ولو دفع رجل أرضه مزارعة وكفل إنسان لرب الأرض بحصته مما يخرج من الأرض لا تصح الكفالة حتى لا يضمن الكفيل ما هلك عند العامل بغير صنعه سواء كان البذر من صاحب الأرض أو من العامل لأن حصة رب الأرض أمانة عند الزارع فلا تصح به الكفالة ثم تفسد الزارعة إذا كانت الكفالة شرطا فيها والمعاملة في هذا كالمزارعة. ولو كفل رجل أحدهما عن صاحبه بحصته مما تخرج الأرض إن استهلكها صاحبها فإن كان ذلك شرطا في المزارعة فسدت المزارعة وإن لم تكن شرطا فيها جازت(3/100)
المزارعة والكفالة لأن الكفالة أضيفت إلى سبب وجوب الضمان وهو الاستهلاك وإنما تفسد المزارعة إذا كانت الكفالة شرطا فيها لأن دين الاستهلاك دين يجب لا بعقد المزارعة يفسد المزارعة كمن باع من رجل شيء وكفل إنسان للبائع على المشتري بما يجب على المشتري لا بعقد البيع ولو كانت المزارعة فاسدة بسبب ما والبذر من قبل العامل وكفل رجل لصاحب الأرض بحصته مما يخرج من الأرض كان الضمان باطلاً لأن المزارعة إذا كانت فاسدة والبذر من العامل لا يستحق صاحب الأرض شيء من الخارج وإنما يستحق أجر مثل الأرض وأجر المثل لا يجب على الكفيل لأنه لم يلتزم ذلك والله أعلم (كتاب المعاملة) المعاملة جائزة عند أصحابنا رحمهم الله تعالى بشرائطهما في جميع الأشجار والكروم والرطاب وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا تجوز إلا في الكروم والنخيل خاصة<200> وشرائطهما أربعة. منها بيان نصيب العامل فإن بينا نصيب العامل وشكتا عن نصيب الدافع جاز استحساناً كما قلنا في المزارعة ومنها الشركة في الخارج كما في المزارعة ومنها التخلية بين الآجار والعامل ومنها بيان الوقت فإن شكتا عن الوقت جاز استحساناً ويقع العقد على أول ثمرة تكون في تلك السنة فإن لم تخرج في تلك السنة ثمرة تنتقض المعاملة رجل دفع أصول رطبة في أرض إلى رجل معاملة ولم يسم الوقت يكون فاسداً لأن الرطبة ليس لها غاية تنتهي إليها بل ما كان في الأرض ينمو ساعة فساعة على مرور الزمان فإن كانت رطبة لنباتها غاية تنتهي إليها ثم يقطع ثم يخرج بعد ذلك جازت المعاملة من غير بيان الوقت فتكون المعاملة على أول جزة تكون ولو دفع نخلاً فيه طلع معاملة بالنصف ولم يسم وقتاً أو دفع معاملة بعدما صار بسراً أخضر أو أحمر غير أنه لم تنته عظمه جازت المعاملة لأنه في الزيادة فكان محتاجا إلى العمل ونهايته معلومة. ولو دفع إليه بعد تناهي عظمه لا يزيد بعد ذلك لا قليلاً ولا كثيراً إلا أنه لم يرطب بعد كانت المعاملة فاسدة لأن بعدما تناهي عظمه لا يزداد بعمله فإن عمل فيه العامل كان له أجر مثله ولو دفع إلى رجل رطبة قد انتهى جزازها على أن يقوم عليها العامل ويسقيها حتى يخرج بذرها على أن ما رزق الله تعالى من بذر فهو بينهما نصفان جاز استحساناً وإن لم يسميا وقتاً له لأن إدراك البذر له وقت معلوم فيجوز فيكون البذر بينهما والرطبة لصاحبها ولو شرطا على أن تكون الرطبة بينهما نصفين فسدت المعاملة لأنهما شرطا الشركة فيما لا ينمو بعمله فالرطبة للبذر بمنزلة الاستئجار للثمار فكما أن اشترطا الشركة في الأشجار المدفوعة إليه مع الثمار يكون مفسداً للعقد فكذلك ههنا ولو دفع إلى رجل غرائس نخل أو شجر أو كرم قد علق في الأرض ولم يبلغ الثمر على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقح النخل فما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان كانت فاسدة إذا لم يسم سنين معلومة لأن الكرم والشجر يختلف باختلاف المواضع في الضعف والقوة ولا يدري في كم يحمل النخل والشجر والكرم بقوة الأرض وضعفها فإن بينها لذلك وقتاً معلوماً جاز وإلا فلا ولو دفع إلى رجل نخلاً أو كرماً أو شجراً قد أطعم وبلغ سنسن معلومة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقح نخله ويكسح كرمه على أن النخل والكرم والشجر والخارج كل ذلك بينهما نصفان فهو فاسد لإشتراطهما الشركة فيما هو حاصل بغير عمله وهو الشجر فلا يجوز كما لو دفع أرضاً المزارعة على أن تكون الأرض والزرع بينهما نصفين. ولو دفع نخلاً أو كرماً أو شجراً معاملة أشهراً معلومة يعلم أنه لا تخرج الثمر في تلك المدة بأن يدفعها أول الشتاء إلى أول الربيع كان فاسداً ولو شرطا لذلك وقتاً قد يبلغ الثمر في تلك المدة وقد يتأخر عنها جاز لأنا لم نتيقن بفوات المقصود بهذا الشرط وإنما نتوهم فإن خرج الثمر في تلك المدة كان بينهما على ما شرطا وإن تأخر عن تلك المدة فللعامل أجر مثل عمله فيما عمل إن لم يكن <201>تأخر الخروج لآفة تحدث في تلك السنة وإن لم يخرج أثمر لآفة سماوية حدثت في تلك السنة كانت المعاملة جائزة ولا اجر للعامل ههنا ولا شيء له لأن عند حدوث الآفة لا يتبين أن الثمرة ما كانت تخرج في تلك المدة فلا يظهر فساد العقد. رجل دفع إلى رجل كرماً معاملة وفيها أشجار لا تحتاج إلى عمل سوى الحفظ قالوا إن كان الحال لو لم يحفظ يذهب ثمرتها قبل الإدراك جازت المعاملة ويكون الحفظ هنا للنماء والزيادة فإن كان بحال لا يذهب ثمرتها قبل الإدراك لو لم تحفظ لا تجوز المعاملة في تلك الأشجار ولا يكون للعامل نصيب من تلك الثمار. ولو دفع شجرة الجوز إلى رجل المعاملة قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى جاز دفعها معاملة وللعامل حصة منها لأنها تحتاج إلى السقي الحفظ حتى لو لم تحتج إلى أحدهما لا يجوز رجل دفع إلى رجل نخلاً معاملة سنين معلومة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما أخرج الله تعالى من شيء فهو بينهما نصفان وعلى أن لرب الأرض على العامل مائة درهم أو شرطا للعامل مائة درهم(3/101)
على رب الأرض كان فاسداً.رجل دفع إلى رجل أرضاً بيضاء سنيين معلومة على أن يغرسها نخلاً أو شجراً أو كرماً على أن ما أخرج الله تعالى من نخل أو شجر أو كرم فهو بينهما نصفان وعلى أن تكون بينهما نصفين أيضاً فهو فاسد فإن قبضها وغرسها غرساً من عنده فأخرجت ثمراً كثيراً كان جميع الثمر والأشجار لصاحب الأرض وللغارس على رب الأرض قيمة غراسه وأجر مثله فيما عمل و المسئلة في كتاب الأجارات وكذا لو لم يشترط من الأرض شيئاً ولكنه قال على أن يكون لك علي مائة درهم أو شرط كر حنطة أو نصف أرض أخرى له وكذا لو كان الغراس من قبل صاحب الأرض وشرطا أن ما خرج من ذلك يكون بينهما نصفين وعلى أن للعامل على رب الأرض مائة درهم أو كر حنطة وسط أو شرطا أن تكون الأرض بينهما نصفين وكذا لو كان الغراس من قبل العامل وشرطا أن الخارج بينهما نصفان وعلى أ، لرب الأرض على العامل مائة درهم يكون فاسداً ثم الخارج كله يكون للعامل ولرب الأرض أجر مثل أرضه لأن العامل ههنا استأجر الأرض حيث شرط لرب الأرض على نفسه مع بعض الخارج مائة درهم ولو كان الغارس من صاحب الأرض على أن الخارج بينهما نصفان وعلى أن لرب الأرض على العامل مائة درهم كان فاسداً ثم أن الخارج كله للعامل ولرب الأرض أجر مثل أرضه وقيمة غراسه لأن العامل يصير مشترياً الغراس ببعض المائة رجل دفع إلى رجل أرضاً على أن يغرس المدفوع إليه لنفسه ما بدا له من الغراس على أن يكون الخارج بينهما نصفين وعلى أن يكون للعامل على رب الأرض مائة درهم أو يسمي شيئاً غير المائة فهو فاسد فيكون الخارج كله للغرس ولرب الأرض أجر مثل أرضه. رجل استأجر أرضاً وقبضها ودفعها إلى الآخر المزارعة على أن يكون البذر من المستأجر كان جائزاً<202>وإن كان من صاحب الأرض فهو فاسد في الإجارة الطويلة إذا اشترى المستأجر الأشجار والكرم كما هو الرسم ثم دفعها معاملة إلى الآجر كان جائزاً ولو استأجر رجل أرضاً من امرأة وقبضها ثم دفعها معاملة إلى زوجها أو مزارعة أو مقاطعة كان جائزاً ولو أخذها من الزوج ثم دفعها إلى امرأة الآجر مزارعة إن كان البذر من المرأة كان فاسداً.رجل دفع إلى رجل أرضاً ليغرس فيها الأشجار والكروم بقضبان من قبل المدفوع إليه ولم يوقت لذلك وقتاً فغرس المدفوع إليه وأدرك الكرم وكبرت الأشجار واستأجر الأرض من صاحبها كل سنة بأجر مسمى ثم إن صاحب الأرض أخذ المدفوع إليه وقت الربيع قبل النيروز أن يرفع الأشجار قالوا إن أخذه في ذلك في وقت قبل خروج الثمار كان له ذلك لأن الغارس لا يتضرر بقلع الأشجار في ذلك الوقت ضرراً زائداً قال مولانا رضي الله عنه وعندي إن كان ذلك قبل تمام السنة وقد استأجر الأرض مسانهة لا يجبر المستأجر على قلع الأشجار إن أبى. رجل دفع أرضاً له إلى ابنه ليغرس فيها الأشجار على أن تكون الأشجار بينهما نصفين فغرس الابن ثم مات الأب وترك أولاداً سوى هذا الابن فأراد بقية الورثة تكليف الغارس بقلع الأشجار كلها لتقسم الأرض بينهم قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كانت الأرض تحتمل القسمة تقسم الأرض بينهم فما أصاب حصة الغارس فله بما فيها من الأشجار وما وقع من الشجر في حصة غيره يؤمر بقلعة وبتسوية الأرض إذا طلب ذلك الغير دفعاً للضرر بقدر الإمكان وإن لم تكن الأرض تحتمل القسمة يأمر الغارس بقلع كل الأشجار إلا إذا جرى بينهم صلح لأنه لا وجه لدفع الضرر ههنا إلا بقلع الأشجار. رجل دفع إلى رجل أرضاً مدة معلومة على أن يغرس المدفوع إليه فيها أغراس على أن ما يحصل من الأغراس والثمار يكون بينهما جاز فإن غرس المدفوع إليه ثم لحق رب الأرض دين لا وفاء له إلا من ثمن الأرض قالوا إن لم يكن في الأشجار ثمر فإن القاضي ينقض هذه المعاملة وإن لم تكن معاملة وكانت إجارة تنتقض الإجارة ويخير صاحب الأرض إن شاء ضمن نصف قيمة الأشجار للغرس ليصير كل الأشجار له ثم يبيع بالدين وإن شاء قلع الأشجار وكذا لو انقضت مدة المعاملة والأشجار مشتركة بينهما ولو كان مكان المعاملة إجارة وانقضت مدة الإجارة كان لرب الأرض أن يطالب المستأجر بتفريغ الأرض وليس له أن يتملك الأشجار على المستأجر بالقيمة بغير رضاه إذا لم يكن قلع الأشجار يضر بالأرض ضرراً فاحشاً لأن الأشجار تبع الأرض من وجه لأن قيامها بالأرض وتدخل في بيع الأرض من غير ذكر وأصل من وجه لأنه مال متقوم بمنزلة الأرض يجوز بيعه بدون الأرض فلمكان جهة الأصالة لا يتملكها صاحب الأرض على الغارس بالقيمة بغير رضاه إذا لم تكن الأشجار مشتركة ولأجل التبعية كان لصاحب الأرض أن يتملك على الغارس حصته بالقيمة إذا كانت<203>الأشجار مشتركة بينهما لأن في هذا الوجه يتضرر صاحب الأرض بقلع الأشجار المشتركة رجل دفع إلى رجل أرضاً ليغرس فيها ودفع إليه التالة فغرس فقال صاحب الأرض أنا دفعت إليك التالة والأشجار وقال الغارس قد سرقت في تلك التالة وأنا غرست بتالة من عندي والشجر لي قالوا في الأشجار يكون القول قول(3/102)
صاحب الأرض لأن الأشجار متصلة بأرضه والقول في سرقت التالة التي دفعها إليه قول الغارس حتى لا يكون ضامناً لأنه كان أميناً فيها. رجل دفع إلى رجل كرماً معاملة فأثمر الكرم وأخرج العنب وأصحاب الكرم يدخلون الكرم ويأكلون الثمار قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن أكلوا بغير إذن صاحب الكرم لا ضمان على صاحب الكرم ويكون الضمان على من أكل وإن أخذوا وأكلوا بإذنه فمن كان منهم ممن تجب نفقته على صاحب الكرم فصاحب الكرم يكون ضامناً نصيب العامل ويصير كأنه هو الذي قبض ودفع إليه ومن لا تجب نفقتهم عليه لكن أخذوا بإذنه لا يضمن صاحب الكرم وإن أذن لهم بالدخول كمن دل سارقاً على السرقة أو غاصباً على إتلاف مال الغير.رجل دفع تالة إلى رجل ليغرسها على حافة نهر لأهل قرية فلما أدرك وغرس الشجر قال الدافع للغارس كنت خادمي وفي عيالي دفعت إليك التالة لتغرسها لي فتكون الأشجار لي قالوا إن علم أن التالة كانت للغارس كان الشجر له وإن كانت التالة للدافع فإن كان الغارس في عيال الدافع يعمل مثل هذا العمل له كان الشجر للدافع لأن الظاهر شاهد له وإن لم يكن الغارس يعمل له مثل هذا العمل ولم يغرسها بإذنه فهي للغارس وعليه قيمة التالة وكذا لو كان الغارس قلع التالة من أرض رجل وغرسها فهي للغارس وعليه لصاحب الأرض قيمة التالة يوم قلعها. أكار غرس في الكرم أشجاراً بغير أمر صاحب الكرم فلما كثرت الأشجار اختصما قالوا إن كان صاحب الكرم مقراً بأن الأغراس كانت للغارس حولها من أرض الغارس أو من أرض غيره كانت الأشجار للغارس لكن لا يطيب له الزيادة إذا غرسها بغير إذا صاحب الكرم وإن كان غرس بأمره بغير شرط الشركة كانت الأشجار للغارس و تطيب له الزيادة.أرض لرجل له فيها شجرة ذهبت عروقها إلى أرض غيره ونبتت ثم إن صاحب الشجرة وهب ما نبت من عروق شجره لرجل وسلم قالوا إن كانت التالات التي نبتت تيبس بقطع الشجرة لا تجوز هذه الهبة تكون بمنزلة الغصن بل تكون كشجرة له أخرى في أرض غيره شجرة لرجل نبت من عروقها في أرض جاره قالوا إن كان صاحب الأرض سقاه حتى نبت بإنباته فهو له وإن نبت بنفسه لا بسقي أحد فهي لصاحب الشجرة إذا صدقه صاحب الأرض أنها نبتت من عروق شجرته وإن كذبه كان القول لصاحب الأرض لأنها متصلة بأرضه. <204>والريح إذا هبت بنواة رجل وألقتها في كرم رجل آخر فنبتت منها شجرة كانت الشجرة لصاحب الكرم لأن النواة لا قيمة لها. وكذا لو وقعت خوخة في أرض غيره فنبتت لأن الخوخة لا تنبت إلا بعد ذهاب لحمها فتكون بمنزلة شجرة في أرض إنسان لا يعرف غارسها فتكون لصاحب الأرض كالسيل إذا جاء بالتراب في أرض رجل واجتمع كان التراب لصاحب الأرض بخلاف الصيد إذا فرخت في أرض إنسان أو باضت فإن ذلك لا يكون لصاحب الأرض ويكون لمن أخذها لأن الصيد ليس من جنس الأرض وغير متصل بالأرض. نهر بين رجلين على طرفيه أشجار كل واحد من الرجلين يدعي الأشجار قالوا إن عرف غارسها فهي له وإن لم يعرف فما كان من الأشجار في موضع هو ملك أحدهما خاصة يكون له وما كان في الموضع المشترك يكون بينهما. رجل له حائط وله شجر على ضفة نهر عام فنبتت من عروقها أشجار في الجانب الآخر من النهر ولرجل آخر في ذلك الجانب كرم وبين الكرم والنهر طريق فادعى صاحب الكرم أن الأشجار له وأدعى صاحب الحائط أنها نبتت من عروق الشجرة التي على ضفة النهر قالوا إن عرف أنها نبتت من عروق تلك الشجرة فهي لصاحب الحائط وإن لم يعرف ذلك ولم يعرف غارسها ولا أنها من نبتت بسقيه ولا ملك لأحد فيها لا يسقيها صاحب الحائط ولا صاحب الكرم. ضيعة متلازقة على نهر عام وعلى ضفة النهر أشجار لا يعرف غارسها أراد صاحب الضيعة أن يبيع الأشجار قالوا إن كانت تلك الأشجار من الأشجار التي نبتت من غير إنبات وأرباب النهر قوم لا يحصون فالأشجار لمن أخذها وقلعها ولا يستحب لصاحب الضيعة أن يبيعها قبل أن يقلعها وإن كانت الأشجار من الأشجار التي لا تنبت من غير إنبات فهي كاللقطة لأنها إذا كانت تنبت بغير إنبات ولا يعلم لها مالك أصلاً فتكون لصاحب الأرض وإن كانت لا تنبت إلا بإنبات كانت مملوكة لمن أنبتها فإذا لم يعلم المنبت تكون بمنزلة اللقطة ولا تكون مباحاً. أشجار على ضفة نهر لا قوام مجرى ذلك النهر في سكة غير نافذة وبعض الأشجار في ساحة هذه السكة فادعى بعض أهل السكة أن فلاناً غرس هذه الأشجار وأنا وارثه وأنكر أهل السكة دعواه قالوا إن أقام الدعي البينة يقضى له وإن لم يكن له بينة فما كان من الأشجار خارجاً عن حريم النهر يكون ذلك لجميع أهل السكة وما كان على حريم النهر فهو لأرباب النهر لأن مالا يعرف له مالك يكون لصاحبا لأرض. طاحونة لها مشجرة وبعض ذلك على شط الوادي الذي فيه مصب الماء وبعضه أبعد منه فأرباب الطاحونة لا يستحقون المشجرة تبعاً للطاحونة لأن المشجرة لا تكون من توابع الطاحونة بل هي أصل بنفسها فملك الطاحونة لا يدل على ملك المشجرة فإذا لم تكن تبعاً(3/103)
للطاحونة فإذا اختصم فيها قوم فمن عرف أنها في يده فهي له والبينة على غيره. مسناة بين أرضين أحدهما أرض من الآخر وعلى المسناة <205>أشجار لا يعرف غارسها قال الإمام الشيخ أبو محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان الماء يستقر بالأرض السفلى بدون المسناة ولا يحتاج في إمساك الماء إلى المسناة كان القول في المسناة قول صاحب الأرض العليا مع يمينه وإذا كان القول في المسناة قوله كانت الأشجار له ما لم يقيم الآخر البينة. وإن كانت الأرض السفلى تحتاج في إمساك الماء إلى المسناة كانت المسناة وما عليها من الأشجار بينهما. رجل دفع كرمه إلى رجل معاملة فالغرس على من يكون حكى الشيخ الإمام اسمعيل الزاهد عن أستاذه الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى أنه قال إنا نقيس هذه المسئلة بمسئلة أخرى وهي أن الرجل إذا دفع تخلية معاملة فأراد العامل أن يضع الوصل على الأشجار على من يكون ذلك ذكر في الكتاب أن أصل القضيب الذي يوضع في الشجرة يكون على صاحب الشجرة ثم العمل في الوصل من إصلاح القضيب وشق الشجرة وإدخال القضيب في الشجر يكون على العامل كذلك في هذه المسئلة القضيب الذي يكون منه الغرس على صاحب الكرم والعمل يكون على العامل وكذا الدعائم تكون على صاحب الكرم ووضع الدعائم في الكرم يكون على العامل وكذلك في تغطية الأشجار في الخريف ما كان من باب العين كالشوك الذي يوضع على الكرم يكون على صاحب الكرم وعمل التغطية يكون على العامل حتى لو انقضت مدة معاملة فما يبقى من ذلك يكون لصاحب الكرم لا للعامل ويجب على العامل حفظ نفسه عن الحرام لا يجوز له أن يحرق له شيئاً من الأشجار والقضبان لطبخ القدر ولا من الدعائم والغريس وإذا رفع القضبان وقت الربيع وأخرج الكرم لا يحل له أن يأخذ من القضبان يعني من مدفيج خشك وشاخ درخت مرخدا وندباغ رابود ولا يجوز للعامل أن يخرج شيئاً من العنب والثمار للضيف وغيره إلا بإذن صاحب الكرم. رجل دفع أرضه معاملة على أن يكو نعليها العامل يشد منها ما يحتاج إلى الشد ويشدد ما يحتاج إلى التشديد وأخر العامل تغطية الكرم وأشجار الرمان في الخريف كما هو عادة أهل بخارى فإن أصابها البرد وفسد قال الشيخ الإمام أبو نصر الدبوسي رحمه الله تعالى يضمن الأكار ذلك لأن ذلك من باب الحفظ فيكون على العمل حال بقاء العقد فإذا ترك ذلك كان ضامناً(كتاب الشرب)الأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلا لم يرد به شركة الملك إنما أراد به الإباحة في الماء الذي لم يحرز نحو الماء في الحياض والعيون الآبار والأنهار لكل أحد أن يشرب منها ويسقي دوابه وإن كان فيه انقطاع ذلك الماء ولا يستسقي بها أرضه ولا زرعه فإما الماء المحرز بالأواني لا ينتفع به إلا بأن من أحرزه فمن سبق بأخذ الماء في وعاء أو غيره يصير مملوكاً له بملك تمليكه بسائر أنواع التمليك نحو البيع والهبة والوصية وغير ذلك فلو مات يورث عنه وكذا الحشيش<206>والكلا إذا نبت في أرض إنسان بغير إنبات يكون مباحاً لكل من يأخذ إلا أنه لا يدخل أرضه إلا بإذنه فإن كان لا يجد ذلك في موضع آخر يقول لصاحب الأرض إما أن تحتش وتدفع إلي وإما أ، تأذن لي بالدخول بخلاف الشجر فإن الشجر إذا نبت في أرض إنسان بغير إنبات يكون لصاحب الأرض والشجر ما له ساق محو السوسن والشوك والكلا والحشيش ما لا ساق له إذا نبت ينبسط على وجه الأرض وتعنى الشركة في النار الشركة في الاصطلاء والاستضاءة وإذا أراد أن يصطلي بنار غيره أو يأخذ سراجاً من نار غيره كان له ذلك وليس له أن يأخذ عين النار والجمرة فإن أراد ذلك كان لصاحبه أن يمنعه إلا أن يأخذ شيئاً لا قيمة له ولا يضمن به وكان له أن يأخذ بغير استئذان (فصل في الأنهار )نهر لقوم ولرجل أرض بجنبه ليس له شرب من هذا النهر كان لصاحب الأرض أن يشرب ويتوضأ ويسقي دوابه من هذا النهر وليس له أن يسقي منه أرضاً أو شجراً أو زرعاً ولا أن ينصب دولاباً على هذا النهر بأرضه فإن أراد أ، يرفع الماء بقرب والأواني ويسقي زرعه أو شجره اختلف المشايخ فيه والأصح أ،ه ليس له ذلك ولأهل النهر أن يمنعوه. وإن أراد قوم ليس لهم شرب من هذا النهر أن يسقوا دوابهم من هذا النهر قالوا إن كان الماء لا ينقطع بسقي الدواب ولا يفنى ليس لأهل النهر أن يمنعوهم وإن كان ينقطع الماء بسقيهم بأن كان الإبل كثيراً كان لهم حق المنع وقال بعضهم إن كان ينكسر ضفة النهر ويخرب بالسقي كان لهم حقا لمنع وإلا فلا وكذا العين والحوض الذي دخل فيه الماء بغير إحراز واحتيال فهو بمنزلة النهر الخاص واختلفوا في التوضىء بماء السقاية جوز بعضهم وقال بعضهم إن كان الماء كثيراً يجوز وإلا فلا. وكذا كل ماء اعد للشرب حتى قالوا في الحياض التي أعدت للشرب لا يجوز فيها التوضؤ ويمنع منه وهو الصحيح ويجوز أن يحمل ماء السقاية إلى بيته ليشرب هو وأهله وليس لأحد أن يسقي أرضه أو زرعه من نهر الغير أو عينه أو(3/104)
قناته اضطر لذلك أو لم يضطر وإن سقى أرضه أو زرعه بغير إذا صاحب النهر فلا ضمان عليه فيما أخذ من الماء وإن أخذ مرة بعد أخرى يؤدبه السلطان بالضرب الحبس إن رأى ذلك. رجل له أرض على شط الفرات أو على ضفة نهر عام كان للعامة المرور في هذه الأرض للشفه وإصلاح النهر وما أشبه ذلك وليس لصاحب الأرض أن يمنعهم من المرور في أرضه إذا لم يقم لهم طريق في غير ذلك. رجل ادعى في أرض رجل لنفسه نهراً وصاحب الأرض ينكر فإن كان الماء جارياً إلى أرض المدعي وقت الخصومة كان القول قول المدعي وإن لم يكن جارياً إلى أرض الدعي وقت الخصومة كان القول قول صاحب الأرض الذي فيه النهر إلا أن يقيم الدعي البينة وكون النهر محفوراً إلى أرض المدعي لا يصلح حجة للمدعي لأن ذلك مجرد شبهة والأول استعمال. ساقية بين قوم لهم عليها أرضون لكل واحد منهم عشرة. <207>أجربة فأخذ كل واحد منهم نصيبه وساقه إلى أرضه وكان في نصيب أحدهم فضل ما يحتاج إليه فاحتاج أصحابه إلى ذلك فشركاؤه أولى بذلك الفضل لأنه لو استغنى عن جميع نصيبه من الماء كان نصيبه لشركائه فلو أن هذا الذي فضل نصيبه من الماء أراد أن يسوق ذلك الفضل إلى أرض له أخرى سوى تلك الأرض لم يكن له ذلك إلا برضى شركائه في النهر فإن لم يرضوا كان بينهم على قدر أنصبائهم ولا يشبه هذا لو كان له سدس الماء من نهر بين قوم أو عشر الماء أو أقل أو أكثر فأخذ نصيبه من ذلك النهر كان له أن يسوق نصيبه إلى حيث شاء من الأرضين لأن ذلك ليس بشرب لأحد معين ولو استغنى عنه لا سبيل لشركائه عليه. رجل له نهر خاص من الوادي الأرض له خاصة وليس له في هذا النهر شريك خربت أرضه وأراد ا، يسوق الماء إلى أرض له أخرى سوى ذلك قالوا إن كان ماء الوادي كثيراً لا يحتاج إليه سائر الناس الذين لهم أنهار من هذا الوادي إلى هذا الماء ولا يضرهم ذلك كان لصاحب النهر أن يسوق ماء نهره إلى حيث شاء وإن كان ذلك يضر بأهل الأنهار أو هم تحتاجون إلى ذلك لم يكن له أن يسوق ذلك الماء إلى غير تلك الأراضي. نهر خاص لقوم ليس لغيرهم ا، يسقي بستانه أو أرضه إلا بإذنهم فإن أذن القوم إلا واحداً أو كان فيهم صبي أو غائب لا يسع لهذا الرجل أن يسقي زرعه أو أرضه من ذلك النهر. رجل له أرض فيه نهر لرجل أراد صاحب النهر أن يدخل أرضه ليعالج نهره كان لصاحب الأرض أن يمنعه من الدخول في أرضه إلا أن يمضي في بطن النهر وكذا القناة البئر والعين لأنه لا ضرورة له في التطرق في أرضه مع التمكن من تحصيل مقصوده بأن يمضي في بطن النهر بخلاف ما إذا كان أرضه على شط فرات أو على ضفة نهر عام فإن ثمة ذكرنا أن للعامة الدخول في أرضه لإصلاح النهر العام إذا لم يكن لهم طريق غير ذلك لأن ثمة الضرر عام وقد يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام وههنا ضرر صاحب النهر والقناة ضرر خاص فلا يتحمل لأجله ضرر صاحب الأرض بالدخول في أرضه. رجل اتخذ في داره خضرة أو شجرة وأرد أن يسقي ذلك بالأواني من نهر لغيره اختلفوا فيه قال مشايخ بلخ رحمهم الله تعالى ليس لهم ذلك إلا بإذن صاحب النهر كما ليس له أن يسقي زرعه وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الأصح أنه لا يمنع من هذا المقدار لأن الناس يتوسعون فيه والمنع من ذلك يعد من الدناءة نهر بين قوم على حصص معلومة فصرف الوالي حصة بعضهم بعينه إلى رجل كان نقصان ذلك على الجميع نهر بين اثنين تهايآ فيه بالأيام جازت المهايأة ولو كان لأحدهما نهر وللآخر نهر أخر فتهايآ لا يجوز رجل باع أرضاً بشربها فللمشتري قدر ما يكفيها وليس له جميع ما كان للبائع. قوم لهمن أراض على نهر لا يعرف كيف كان بين أهلها في الماضي فاختصموا في الشرب فهو على قدر أراضيهم لكل إنسان بحصته بخلاف الطريق إذا كان بين جماعة ودار <208>أحدهم أوسع من دار الباقين فإنه لا يستحق بتلك الزيادة من الطريق لأن الاستطراق إلى الدار الكبيرة نحو الاستطراق إلى الدار الصغيرة لا يتفاوت ذلك بخلاف الشر. نهر لقوم يمر في أرض رجل كان لصاحب الأرض أن يسقي منه أرضه إن كان لا يضر بأصحاب النهر ولهم أن يمنعوه. رجل له شرب من نهر لأرض اشترى أرضاً أخرى ليس لها شرب من هذا النهر بجنب أرضه الأولى ليس له أن يجري الماء من الأولى إليها أو يجعلها مكان الأولى وليس له أن يسقي نخيلاً له وزرعاً له في أرض أخرى إلا أن يملأ الأولى ويسد عنها الماء ثم يفتحه إلى الأخرى يفعله مرة بعد أخرى. أرض على نهر شربها منه أدعى رجل أرض وأقام شاهدين أن الأرض له ولم يذكر الشرب فإنه يقضى له بالأرض بحصتها من الشرب ولو شهدا بالشرب دون الأرض لا يقضى له بشيء من الأرض. نهر عظيم لأهل قرى لا يحصون ادعى قوم سواهم أن هذا النهر لقرى معلومة لا يحصى أهلها وأقام البينة على ما ادعى والمدعى عليهم لا يحصون وفيهم الصغير والكبير وإنما حضر واحد منهم قال محمد رحمه الله تعالى إذا كان النهر بهذه الصفة يجوز القضاء بدعوى واحد من المدعين على واحد من المدعى عليهم ويخرج(3/105)
النهر من أن يكون نهر جماعة المسلمين ويصير لأهل تلك القرى خاصة بمنزلة طريق نافذ من طريق المسلمين أقام قوم البينة على أنه لهم دون غيرهم فإنه يقضى بتلك البينة كذلك النهر لقوم لا يحصون وأن كان النهر لقوم يحصون معروفين لم يقضى عليهم عند حضرة أحدهم وإنما يقضى على من حضر منهم خاصة. نهر بين قوم أراضي البعض في أعلى النهر وأراضي البعض في أسفله ومن كان أرضه في أعلى النهر لا يشرب أرضه حتى يسكر ذكر في الكتاب أنه لم يكن له أن يسكر النهر على الأسفل ولكنه يشرب بحصته لأن في السكر قطع منفعة الماء عن أهل الأسفل في بعض المدة وفيه تصرف في بطن النهر المشترك وبعض الشركاء لا يملك التصرف في المحل المشترك إلا برضاهم فإن تراضوا على أن أهل أعلى النهر يسكر النهر حتى تشرب أرضه جاز وكذا لو اصطلحوا على أن يسكر كل واحد منهم في نوبته جاز أيضاً لأن الماء قد يقل في النهر فيحتاج كل واحد منهم إلى ذلك إلا أنه إذا تمكن من الشرب بأن يسكر بلوح أو باب أو حشيش لم يكن له أن يسكر بالطين أو بالتراب لأن السكر يكون عند الضرورة فيتقدر بقدر الضرورة ورضى الشركاء بتقييد بما يكفيه وإن اختلفوا لم يكن لأحد أن يسكر على أصحابه وكذا لو كان الماء في النهر بحيث لا يجري إلى أرض كل واحد منهم إلا بالسكر فإنه يبدأ بأهل الأسفل حتى يروا ثم بعد ذلك بأهل الأعلى أن يسكروا ليرتفع الماء إلى أراضيهم وأن أراد أحدهم أن يكري من النهر الخاص نهراً آخر لنفسه لم يكن له ذلك وكذا لو أراد أ، ينصب عليه رحى لم يكن له ذلك إلا برضى الشركاء إلا أن يكون رحى لا تضر بالنهر ولا بالماء بأن يكري في أرض <209>خاص له فلا يغير الماء عن سنته ولا يمتنع جريان الماء بالرحى بل يجري على ما كان يجري فبل ذلك فإذا كان بهذه الصفة كان له أ، يفعل ذلك بغير إذا الشركاء لأن تصرف في خاص ملكه ولا ضرر لغيره في ذلك فمن منعه منه يكون متعنتاً فلا يلتفت إلى ذلك وكذا لو أراد أ، ينصب على النهر دالية ولا يضر ذلك بالنهر ولا بأصحابه بأن فعل ذلك في ملكه كان له أ، يفعل. ولو أن رجلاً له نهر خاص يأخذ الماء من الوادي الكبير كالفرات والدجلة والسيحون و الجيحون شر بالأرض له خاصة ليس له في هذا النهر شريك وعلى الوادي الكبير أنهار وجفف الرجل أرضه ذلك وأراد أن يسوق الماء إلى أرض له أخرى قال في الكتاب إن كان ذلك في أيام المد أو كان ماء الوادي كثيراً لا يحتاج أهل الأنهار التي على الوادي إلى هذا الماء ولا يضر بهم كان لصاحب هذا النهر أ، يسوق الماء إلى حيث شاء وإن كان يضر ذلك بأهل الأنهار أو هم محتاجون إلى هذا الماء لم يكن له يسوق الماء إلى غير تلك الأراضي ولو أن رجلاً له كوة على نهر لقوم فأراد أن يكريها فيسفلها عن موضعها ليكون أكثر أخذاً من الماء ذكر في الكتاب أن له ذلك لأن هذا الكري تصرف في ملك نفسه وهو الكوة وعن الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى ،ه قال هذا إذا علم أنها كانت متسفلة في الأصل وارتفعت بإنكباس ذلك فهو بالتسفيل يعيدها إلى الحالة الأولى أما إذا علم أنها كانت في الأصل بهذه الصفة فأراد أن يسفلها فإنه يمنع عن ذلك لأنه يريد بهذا أن يأخذ زيادة على ما كان له من الماء وكذا لو أراد أ، يرفعها وكانت متسفلة ليقل ماؤه في أرضه حتى لا ينز أرضه كان له ذلك ولو أراد أن يوسع فم النهر ليخل الماء في كوته أكثر مما كان لم يكن له ذلك لأن فيه أخذ زيادة على ما كان له من الماء وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه سئل عن رجل له نهر خاص يأخذ الماء من الفرات أو الدجلة أو النبيل وهو نهر في الروم أو يأخذ الماء من نهر مرو وهو واد عظيم قريب من الفرات والدجلة يسقي بهذا النهر الخاص زرعه أو كرمه أن نخله فأجراه إنسان آخر إلى أرضه قبل أن يصل الماء إلى أرض صاحب النهر كان لصاحب النهر ، يمنعه وإذا استغنى صاحب النهر عن هذا الماء لا أرى له أن يمنعه من ، يسقي أرضه أ, نخله وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه سؤل عن نهر مرو وهو عظيم إذا دخل مرو كان ماؤه بين أهلها كوي بالحصص لكل قوم كوة معروفة فحيا رجل أرضاً ميتة لم يكن لها شرب من هذا النهر فكري لها نهراً من فوق مرو في موضع لا يملكه أحد فساق الماء إليها من ذلك النهر العظيم قال إن كان هذا النهر الحادث يضر بأهل مرو ضرراً بينناً في مائهم ليس له ذلك ويمنعه السلطان عن ذلك وكذا لكل أحد أن يمنعه لأن ماء النهر العظيم حق العامة ولكل واحد من العامة دفع الضرر <210>وإن كان ذلك لا يضر بأهل مرو فله أن يفعل ذلك ولا يمنع لأن الماء في الوادي العظيم على أصل الإباحة لا يصير حقاً للبعض ما لم يدخل في المقاسم ولهذا وضع المسئلة فيما إذا كري نهراً من فوق مرو أما إذا أضر بهم فلكل واحد يكون ممنوعاً عن إلحاق الضرر بالغير قال محمد رحمه الله تعالى سألت أبا يوسف رحمه الله تعالى هل لأحد من أهل هذا النهر الخاص أن يتخذ عليه رحى ماء أ, يكري لها منه نهراً في أرضه فيسيل فيه(3/106)
ماء النهر ثم يعيده إلى النهر الخاص وذلك لا يضر بأهل النهر الخاص قال ليس له ذلك لأن النهر الخاص من أعلاه إلى أسفله مشترك بينهم فلا يكون لأحد أن يحدث فيه حدثاً ولا أن يتخذ عليه جسراً ولا قنطرة الجسر اسم لما يتخذ من الألواح والخشب يوضع ثم يرفع القنطرة ما يتخذ من الآجر الحجر بعدما اتخذ في موضع لا يرفع عن ذلك الموضع . وكذا البئر والعين بين قوم فالشركة فيه خاصة وكذلك نهر بين رجلين لهذا النهر خمس كرى من النهر الأعظم وأرض أحد الرجلين في أعلى هذا النهر الخاص وأرض الآخر في أسفله فقال صاحب الأعلى إني أسد بعض هذه الكوى لأن ماء النهر يكثر فيفيض في أرضي وتتزمنه أرضي ولا يصل إليك الماء إلا بعد أن يقل فيأتيك من الماء ما ينفعك قال ليس له ذلك لأنه يقصد الإضرار بشريكه بسد بعض الكوى فلا يكون له ذلك كما لا يكون له أن يسكر النهر وكذا لو قال اجعل لي ينصف هذا النهر ولك نصفه إذا كان في حصتي سددت منها ما بدا لي وأنت في حصتك تفتح كلها ليس له ذلك لأن القسمة تمت بينهما بالكوى فلا يملك أحدهما نقض تلك القسمة إلا أن يتراضيا على ذلك فإن تراضيا على ذلك وأقاما على هذا التراضي زماناً ثم بدا لصاحب الأسفل أن ينقض كان له ذلك لأن ذلك كان إعارة الإعارة غير لازمة وكذا لو مات أحدهما كان لوارثه أن ينقض ما تراضيا عليه وسئل أبي يوسف رحمه الله تعالى عن نهر بين قوم يأخذ الماء من هذا النهر الأعظم فلكل واحد من هذا القوم في هذا النهر الخاص كوى مسماة فأراد أحدهم أن يسد كوة له ويفتح كوة أخرى أعلى من الأخرى في هذا النهر قال ليس له ذلك لأنه يكسر ضفة النهر المشترك ويريد به أن يزيد الماء في حقه لأن دخول الماء في أعلى النهر في كوة يكون أكثر من دخوله في أسفل النهر في يمثل هذه الكوة فرق بين هذا وبين الطريق. رجل له دار في سكة غير نافذة وأراد أن يجعل باب الدار في أعلى السكة كان له ذلك لأن ثمة له حق المرور والدخول في السكة وبذلك لا يزيد حقه سواء أكان بابه في أعلى السكة أو في أسفلها أما ههنا حقه في الماء يزداد بفتح الكرة في أعلى الدار ولو أن من له طريق في سكة غير نافذة أراد أن يجعل بابه في أسفل السكة اختلفوا فيه قال بعضهم ليس له ذلك لأنه يزداد طريقه ومروره في السكة وفي الكتاب قال له ذلك وسوى بين الفصلين وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى وسئل أبو يوسف رحمه الله تعالى أيضاً عن رجل جعل به أمير خراسان <211>شربا من النهر لم يكن له ذلك فيما مضى أو كان له شرب كوتين فزاد له مثر ذلك وأقطعه إياه وجعل مفتحه من أرض يملكه أو في أرض لا يملكه قال إن كان ذلك يضر بالعامة لم يجز ويجوز إذا لم يضر كما لا يجوز للإمام أن يأخذ شرب أحدهم ويعطي غيره وسئل أيضاً عن نهر بين قوم يأخذ الماء من النهر الأعظم فمنهم من له فيه كوتان ومنهم من يكون له ثلاث كوى فقال صاحب الأسفل لصاحب الأعلى إنكم تأخذون من الماء أكثر من نصيبكن لأن كثرة الماء ورفعه يكون في أعلى النهر فيدخل في كواكم شيء كثير ونحن لا نرضى بهذا ونجعل لكم أياماً معلومة ونسد في أيامكم كوانا ولنا أياماً معلومة وأنتم تسدون فيها كواكم قال ليس له ذلك ويترك على حاله كما كان قبل اليوم. وكذا لو اختصم أهل النهر فادعى بعضهم زيادة لم يكن له أن يتعرض لأصحابه إلا بحجة ويترك على حاله والأصل في جنس هذا أن ما كان قديماً يترك على حاله ولا يغير إلا بحجة. نهر في سكة غير نافذة أراد رجل من أهل السكة أن يدخل الماء في داره من ذلك النهر ويسقي بستانه وتمنعه الجيران عن ذلك قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن كان حديثاً كان له المنع وإن كان قديماً كان له ذلك بمنزله الظلة فوق السكة. نهر بين قوم غطى رجل مجرى الماء قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إذا لم يكن ذلك قديماً فالأرباب المجرى أن يأخذوه بالكشف ورفع الغطاء بالوعة قديمة لرجل على شفة النهر يدخل في سكة غير نافذة قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا عبرة للقديم والحديث في هذا ويأمر برفعه فإن لم يرفع برفع الآمر إلى صاحب الحبسة ليأمره بالرفع. نهر لقوم حفروه وألقوا التراب في أرض رجل فيها هذا النهر قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يأخذون برفع ما جاوزا لحريم وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في سكة غير نافذة فيها نهر حفروها ألقوا التراب فيها قال يأخذون برفع التراب. نهر بين قوم لهم عليه أراضي لبعضهم عليه سواق وللبعض عليه دوال وللبعض عليه أرض ليس لأرضه على هذا النهر دالية ولا سائية وليس لها شرب معروف من هذا النهر ولا من غيره اختصموا فادعى صاحب الأرض أن لها شرباً من هذا النهر وهذه الأرض على شاطئ النهر ذكر في الكتاب أن النهر في القياس يكون بين أصحاب السواقي والدوالي لا لصاحب الأرض وفي الاستحسان يكون النهر بينهم على قدر أراضيهم التي تكون على شط النهر. وإن كان يعرف لهم شرب قبل ذلك فهو على ذلك المعروف وإن لم يتم النهر بينهم على قدر أراضيهم(3/107)
وإن كان لهذا الأرض شرب معروف من غير هذا النهر فلها شربها من ذلك النهر وليس لها من هذا النهر شرب لأن الأرض الواحدة لا يكون شربها من نهرين عادة فإن لم يكن لها شرب معروف من غير هذا النهر وقضى القاضي لها بالشرب من هذا النهر بحكم الظاهر وكان لصاحبها أرض أخرى بجنب هذه الأرض ليس لها شرب معروف ففي القياس لا يكون لهذه الأرض الأخرى شرب من هذا النهر لأن الأرض الأخرى غير متصلة بهذا النهر بل الأرض الأولى <212>حائلة بين الأرض الأخرى وبين النهر وفي الاستحسان يكون لأرضه شرب من هذا النهر لأن الأراضي إذا كانت متصلة بعضها ببعض فإذا جعل لبعضها شرب من هذا النهر كان شرب الكل من هذا ظاهراً. رجل ادعى أرضاً بشربها من نهر وأنكر أهل النهر دعواه الأرض والشرب فأقام شاهدين فشهدا أن الأرض له ولم يذكر الشرب فإن القاضي يقضي له بالأرض وبحصتها من الشرب لأن الشرب تبع واستحقاق التبع يكون باستحقاق الأصل وإن شهدا له بالشرب دون الأرض فإن القاضي لا يقضي له بشيء من الأرض لأنهما شهدا بالتبع والأصل لا يستحق باستحقاق التبع. بهر لرجل في أرض رجل فادعى رجل شرب يوم من النهر لكل شهر وأقام البينة على ذلك فإنه يقضى له وكذلك مسيل الماء لأن الجهالة في الشرب ومسيل الماء لا يمنع قبول الشهادة ولو شهدوا أن له شرب يوم ولم يسموا عدداً ولم يشهدوا أن له في رقبة النهر شيء لا تقبل شهادتهم. ولو ادعى عشر نهراً وعشر قناة فشهد أحدهما بالعشر والآخر بأقل من العشر في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل شهادتك وإن شهدا بالإقرار وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى جازة شهادتهما على الأقل استحساناً. رجل له أرض ونهر خاص لهذه الأرض فباع النهر من رجل ذكر في الأصل أنه لا يدخل الحريم في البيع كما لو باع الأرض لا يدخل فيه الطريق إلا بالذكر فلو أن مشتري النهر أراد أن يمر في هذه الأرض على جوانب النهر لأصلاح النهر لم يكن له ذلك إلا برضى صاحب الأرض وله أن يمر في بطن النهر ولو كانت الأرض على شط فرات أو على شط نهر عام كان للعامة حق المرور في هذه الأرض للشفه ولإصلاح النهر وليس لصاحب الأرض أن يمنعهم إذا لم يكن لهم طريق إلا في هذه الأرض أرض وبئر بين رجلين باع أحدهما نصيبه من البئر من غير شريكه في غير أن يكون له طريق في الأرض جاز وإن باعه على أن يكون للمشتري طريق في هذه الأرض لم يجز ولو كان بين ثلاثة ورع باع أحدهم نصيبه من أحد الباقين لا يجوز وإن باعه منهما جاز رجل اشترى شرباً بغير أرض وفي تلك القرية يباع الماء بغير أرض في ظاهر الرواية لا يجوز هذا البيع فإن باع وشرط أن يكون الخراج على المشتري فسد العقد في الروايات كلها لأن الخراج يكون على صاحب الأرض فلو أنه باع الماء بدون أرض وقبض المشتري الشرب ثم باع الشرب نع أرض له قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا يجوز البيع في الشرب إلا أن يجيزه البائع الأول لأن المشتري الأول لم يملك الشرب بالشراء والقبض لأن بيع الشرب بيع لا يقع على موجود ألا ترى أنه لو باع الأرض والشرب جاز البيع وإن كان الماء منقطعاً وقت البيع وإنما يقع البيع في الماء على ما يحدث وقتاً بعد وقت فإذا لم يشتر شيئاً موجوداً لا يملكه بالقبض فلا يجوز بيعه ثانياً لأنه على ملك البائع الأول قال مولانا<213>رضي الله عنه وعندي هذا الجواب مشكل وينبغي أن يكون حكم البيع الأول ف الشرب حكم بيع فاسد لا حكم بيع باطل لأن بيع الشرب وحده وإن كان لا يجوز في ظاهر الرواية يجوز في رواية وبه أخذ بعض المشايخ وقد جرت العادة ببيع الشرب في بعض البلدان فكان حكمه حكم البيع الفاسد والمبيع بيعاً فاسداً يملك بالقبض فإذا باعة بعد القبض وجب أن يجوز ويؤدي هذا ما ذكر في الأصل رجل باع الشرب لعبد وقبض العبد واعتقه جاز عتقه ولو لم يكن الشرب محلاً للبيع لما جاز عتقه كما لو اشترى عبداً بميته أو دم وقبضه لا يجوز عتقه ولو باع الأرض بشرب أرض أخرى اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه.نهر مشترك بين رجلين باع أحدهما أرضه التي بجنب هذا النهر ووراء هذا النهر طريق وذكر في الصك البيع حد الأرض التي باعها للطريق قال أبو النصر رحمه الله تعالى لا يدخل النهر في البيع وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى يدخل وعليه الفتوى كرمان مجرى مائهما واحد بيع أحدهما ثم الآخر قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى لا يستحق أحدهما على الآخر مجرى بغير شرط وإن كان كل كرم لرجل آخر فباع كل واحد منهما كرمه من رجل بكل حق هو له يدخل فيه المجرى هكذا قال وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا إذا باع العليا أولاً ثم السفلى وهما لواحد وأما إذا باع السفلى أولاً بكل حق هو له يدخل فيه الشرب والمسيل قالوا هذا الجواب غير مجمع وإنما الجواب الظاهر أ، يقال إن كان كل كرم لمالك آخر فإن لم يذكرا في البيع الحقوق والمرافق لا يدخل فيه الشرب والمسيل وإن ذكرا ذلك في البيع كان لكل مشتر حق إجراء(3/108)
الماء إلى أرضه ويكون كل مشتر قائماً مقام بائعه ولا يعتبر فيه التقدم والتأخر وإن كانا لمالك واحد فإن لم يذكرا الحقوق في البيع لا يدخل فيه الشرب وإن ذكرا ذلك فإن باع العليا أولاً بكل حق هو له لم يكن لصاحب السفلى حق إجراء الماء إلى كرمه إلا إذا ذكر وقت البيع الأول أن يكون له حق إجراء الماء إلى كرمه السفلة داران لرجل مسيل ماء سطح أحدهما على الآخر فباع التي عليها المسيل لكل حق هو لها ثم باع الدار الأخرى من رجل آخر فأراد المشتري الأول أن يمنع المشتري الثاني عن إسالة الماء على سطحه ذكر في الأصل أن له ذلك إلا أن يذكر البائع وقت البيع الأول أن مسيل ماء التي لم تبع يكون له في الدار التي باعها رجل له داران متلاصقتان إحداهما عامرة و الأخرى خراب فباع الخراب ومسل ماء سطح العامرة وملقى ثلجها إلى الخراب قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى إن استثنى البائع لنفسه مسيل الماء إلى الخراب جاز لأن المعاملة جرة لذلك ولو استثنى ملقى طرح الثلج لا يجوز لأنه لا عرف فيه وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كان ميزاب سطح العامرة في الخراب ومسل ماء سطحه إلى هذا الجانب عرف ذلك في القديم كان المسيل على حاله وإن لم يشترط وكذلك لو كان مسيل سطح رجل إلى دار رجل آخر وله فيها ميزاب قديم ليس لصاحب <214>الدار منعه عن إسالة الماء وهذا جواب الاستحسان فيهما وفي القياس ليس له ذلك إلا ن يقيم البينة ، له مسيل الماء في داره والفتوى على جواب الاستحسان . كرم بين أربعة اخوة وبجنب الكرم حائط لعمتهم فاشترى أحد الاخوة الحائط من عمته وأراد أ، يسوق الماء إلى الحائط المشترى فأراد أحد الأخوة منعه عن ذلك قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى إن أراد أن يجري الماء في مجرى مشترك كان له المنع وإن أراد أ، يجري الماء في مجرى خاص هل لا يمنع إذا كان للمشتراة شرب من هذا النهر. رجل له مسيل ماء في دار غيره فباع صاحب الدار داره مع المسيل ورضي به صاحب المسيل كان لصاحب المسيل أن يضرب بذلك في الثمن وإن كان له حق إجراء الماء دون رقبة النهر لا شيء له من الثمن ولا سبيل له على المسيل بعد ذلك كرجل أوصى لرجل بسكنى داره فمات الموصى فباع الوارث الدار ورضي به الموصى له جاز البيع وبطل سكناه ولو لم يبيع صاحب الدار داره ولكن قال صاحب المسيل أبطلت حقي في المسيل فإن كان له حق إجراء الماء دون الرقبة بطل حقه قياساً على حق السكنى وإن كان له رقبة المسيل لا يبطل ذلك بالإبطال لأن ملك العين لا يبطل بالإبطال وذكر في الكتاب إذا أوصى لرجل بثلث ماله ومات الموصى فصالح الوارث الموصى له من الثلث على السدس جاز الصلح وذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى أن حق الموصى له وحق الوارث قبل القسمة غير متأكد يحتمل السقوط بالإسقاط. حائط بين رجلين عليه حمولاتهما فرفع أحدهما الحائط برضى صاحبه ثم بناه صاحبه بماله برضى الآخر على أ، يعيره صاحبه مجرى ماء في داره يجري مائه فيها إلى داره ويسقي بستانه ففعل وأعاره المجرى ثم بدا له أن يمنع المجرى كان له ذلك لأن الإعارة غير لازمة إلا أن صاحب الدار الذي يمنع المجرى يرغم لباني الحائط نصف ما أنفق في بناء الحائط رجل له أشجار الفرصاد على ضفة نهر له في دار رجل فدخل الماء من عروق الشجرة من هذا النهر إلى دار جاره وتداعت الدار إلى الخراب قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن لم يغرسها في حريم النهر لا يأمر الغارس يقلعها فأما ما دخل من عروق الشجر في دار الجار فللجار قطعها. وذكر في الأصل رجل خرج سعف شجره إلى ملك إنسان كان لصاحب الملك ، يأمره بقطع السعف وكذلك الجذوع الشاخصة للإنسان إلى دار جاره كان لصاحب الدار أن يأمره بالقطع فإن أبى أن يقطع يرفع الأمر إلى القاضي حتى يجبره على القطع فلو أنه لم يرفع الأمر إلى القاضي وقطع بنفسه ففي الجزع التي انقطع على وجه الجدار لا يضمن وأما في السعف قال القاضي الإمام أبو الحسن علي السغدي رحمه الله تعالى عندي ينظر إن كان السعف بحيث يمكن مدها إلى بيت صاحب النخلة ليس لصاحب الملك أن يقطع وإن قطع ضمن سواء كان السعف نبت على حد أرضه أو في ملك صاحب النخلة وإن كان لا يمكن مده إلى ملك صاحب النخلة كان لصاحب الأرض أن<215>يقطع إذا كان منبت السعف في ملكه وإن كان منبت السعف في ملك صاحب النخلة فطال السعف حتى مال إلى هواء صاحب الأرض فإن كان يمكنه المد ليس له أن يقطع على ما ذكرنا وإن كان لا يمكن مده ينظر إن كان السعف هو القوائم كان له أ، يقطع ولا يضمن بالقطع لأن موضع قطع قوائم الخلاف معلوم لا يختلف وإن كان الأشجار مثمرة أو غير مثمرة لكن موضع القطع غير متعين نحو العرعر والصنوبر وكان منبت السعف في ملك صاحب النخلة لم يكن لصاحب الأرض أن يقطع ولو قطع كان ضامناً قال القاضي الإمام هذا رحمه الله تعالى ههنا مسئلة أخرى لم تذكر في الكتاب إذا نبت الشجر في ملك إنسان أو غرس رجل تالة في(3/109)
أرضه فكبر وأخذ من أرض جاره قال لأنه يضمن لجاره الموضع الذي أخذ الشجر من أرض جاره. رجل ساباط قديم فوق سكة غير نافذة وأحد أطراف جذوع الساباط على جدار مسجد فرفع صاحب الساباط جذوعه عن موضعه وأراد أن يضعه على هذا الجدار أرفع مما كان من غير أ، يبني على جدار المسجد بناء فمنعه أهل السكة عن ذلك قالوا إن كان هذا الجدار بين المسجد والسكة فأهل السكة يكونون بمنزلة الشركاء في الجدار إذا كان الجدار سترة لهم فلا يكون لصاحب الساباط أن يحدث فيه شيئاً لم يكن وإن لم يكن كذلك كان له أن يفعل ذلك نهر للشفة في مدينة أراد بعض أهل المدينة أن يتخذ بساتين يسقيها من هذا النهر قالوا إن كان ذلك لا يضر بأهل المدينة لا بأس به وإن أضر بهم بأن كان لا يصل إليهم من الماء إلا شيء قليل لا يسعهم ذلك ولو كان النهر في الطريق فأرادوا أن يغرسوا الأشجار على ضفته إن كان لا يضر بالطريق لا بأس به وللناس حق المتع وإن كان لا يضرهم ذلك نهر لقوم يجري في بستان رجل كان لصاحب البستان أن يغرس على حافته لأن فيه أحكام حافتي النهر فإن ضاق نهرهم بذلك فحينئذ يأمر بقلعها غلا أن يوسع صاحب البستان عليهم الطريق من وجه آخر لا يتفاوت حق أصحاب النهر حينئذ لا يقلع نهر يجري في دار رجل وصاحب الدار يسقي بستان من هذا النهر فغرس شجرة على شط النهر فدخل الماء من هذا النهر في عروق الشجرة إلى دار جاره فتداعت الدار إلى الخراب قالوا إن لم يغرس الشجرة في حريم النهر لا يأمر بقلع الشجرة فإن كانت عروق الشجرة قد دخلت دار جاره فعليه قطعها فإن لم يقطعها كان للجار قطعها من غير أن يرفع الأمر إلى القاضي. حوض في بستان رجل وهو مستنقع للماء أقوام فامتلئ الحوض وذلك يضر ببناء صاحب البستان هل يكون لصاحب البستان أن يمنع من إجراء الماء في هذا الحوض إلى أن يصلح الحوض. قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان صاحب البستان مقراً بالحوض لأرباب النهر وإن اسنقاع الماء فيه قديم كان لصاحب البستان أن يمنعهم عن إجراء الماء إلى أن يصلحوا الحوض وليس على صاحب البستان إصلاح الحوض رجل له مجرى ماء في دار رجل فخرب المجرى فأخذ<216> صاحب الدار صاحب المجرى بإصلاحه قال أبو نصر رحمه الله تعالى لا يجبر صاحب المجرى على إصلاحه قال وهذا كرجل له مجرى ماء على سطح رجل فخرب السطح لم يكن لصاحب السطح أن يأخذ صاحب المجرى بإصلاح سطحه فكذلك ههنا. فإن كان النهر ملكاً لصاحب النهر أخذ بإصلاحه قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى وقد قال بعضهم إن إصلاح النهر يكون على صاحب المجرى وليس هذا كالسطح لأن الماء الذي في النهر يكون ملكه وحقه وهو الذي يستعمل النهر بملكه فكان إصلاحه عليه وهكذا عن أبي بكر البلخي رحمه الله تعالى في مثل هذا وهو المختار جدار بين رجلين وبيت أحدهما أسفل وبيت الآخر أعلى بذراع أو بذراعين فانهدم الجدار فقال صاحب الأعلى لصاحب الأسفل ابن أنت إلي حدبتي ثم بنى جميعاً قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى ليس له ذلك ولكن يبنيانه جميعاً من أعلاه إلى أسفله وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كان بيت أحدهما أسفل بأربعة أذرع أو نحوها مقدار ما يكون أن يتخذ بيتاً فأصلحه على صاحب الأعلى ينتهي إلى موضع بيت الآخر لأنه بمنزلة سفل وعلو. حائط للرجل باع نصفه فإراد المشتري أن يتخذ لنفسه في النهر العام مفتحاً كان له ذلك إذا فعل ذلك في ملكه لا يضر بالعامة وإن أضر بأن ينكسر النهر ليس له ذلك والله أعلم
<216\3>
فصل في كري الأنهار وعمار المجاري والمسالك(3/110)
الأنهار ثلاثة منها ما يكون كريه على السلطان، ومنها ما يكون كريه على أصحاب النهر فإذا امتنعوا يجبرون على ذلك، ومنها ما يكون كريه على أصحاب النهر وإذا امتنعوا لا يجبرون، أما الأول فهو النهر العظيم الذي لم يدخل في المقاسم كالفرات والدجلة والجيحون والسيحون والنيل وهو نهر في الروم، وإذا احتاج إلى الكري فإصلاح شطه يكون على السلطان من بيت المال فإن لم يكن في بيت المال مال يجبر المسلمين على كريه ويخرجهم لأجله فإن أراد واحد من المسلمين أن يكري منها نهراً لأرضه كان له ذلك إذا لم يضر بالعامة فإن أضر بالعامة بأن ينكسر شط النهر ويخاف منه الغرق يمنع من ذلك، وأما الذي يكون كريه و إصلاحه على أهل النهر وإذا امتنعوا أجبرهم الإمام على ذلك وهو الأنهار العظام التي دخلت في المقاسم عليها قرى فإن فسد واحتاج إلى الكري والإصلاح كان ذلك على أهل النهر وإذا امتنعوا أجبرهم الإمام لأن فساد ذلك يرجع إلى العامة وفيه تقليل الماء على أهل الشفة وعسى أن يؤدي ذلك إلى عزة الطعام فإذا كان منفعة الماء تعود إليهم وضرر ترك الكري يرجع إلى العامة أجبرهم على الكري وليس لأحد أن يكري من هذا النهر نهراً لأرضه أضر ذلك بأهل النهر أو لم يضر ولا يستحق بهذا الماء الشفة، وأما النهر الذي يكون كريه على أهل النهر وإن امتنعوا لا يجبرون فهو النهر الخاص وتكلموا في النهر الخاص قال بعضهم إن كان النهر لعشرة فما دونها أو عليه قرية واحدة يفئ <217\3>ماؤه فيها فهو نهر خاص يستحق به الشفعة، وإن كان النهر لما فوق العشرة فهو نهر عام وقال بعضهم إن كان النهر لما دون الأربعين فهو نهر خاص وإن كان لأربعين فهو نهر عام، وقال بعضهم إن كان لما دون المائة فهو خاص وقال بعضهم إن كان لما دون الألف فهو خاص وأصح ما قيل فيه أن يفوض إلى رأي المجتهد حتى يختار أي الأقاويل شاء، ثم في النهر الخاص لو أراد بعض الشركاء الكري وامتنع الباقون قال أبو بكر بن سعيد البلخي رحمه الله تعالى لا يجبرهم الإمام ولو حفره الذين طلبوا الحفر كانوا متطوعين وقال أبو بكر الإسكاف رحمه الله تعالى يجبرون على ذلك، وذكر الخصاف رحمه الله تعالى في النفقات أن القاضي يأمر الذين طلبوا الكري بالكري فإذا فعلوا ذلك كان لهم منع الآخرين من الانتفاع به حتى يدفعوا إليهم حصصهم من مؤنة الكري، وهكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى، وإن أراد كلهم ترك الكري في ظاهر الرواية لا يجبرهم الإمام ،وقال بعض المتأخرين يجبرهم الإمام وإذا أجمعوا على كري النهر قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى البداءة بالكري من أعلاه فإذا جازوا أرض رجل رفع عنه مؤنة الكري وكان على من بقي، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يكون الكري عليهم جميعاً من أول النهر إلى آخره بحصص الشرب والأراضي وليس على أهل الشفة من الكري شيء لأنهم لا يحصون، لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إنّ صاحب الأعلى كما ينتفع بكري الأعلى ينتفع بكري الأسفل بصب الماء ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الكري مؤنة الملك فيكون على المالك ولا ملك لصاحب الأعلى فيما جاوز ملكه وإنما ينتفع بملك الغير فلا يلزمه المؤنة بحكم المنفعة كمن له مسيل ماء على سطح جاره لا يكون عليه عمارة سطح الجار ولهذا لا يجب الكري على أصحاب الشفة بحكم المنفعة وبقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أخذوا في الفتوى، فإن كان فوهة النهر لأرضه في وسط أرضه فكرى إلى فوهة النهر هل يسقط عنه الكري في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى اختلفوا فيه قال بعضهم يسقط ويرفع عنه الكري وقال بعضهم لا يسقط ما لم يجاوز أرضه وهو الصحيح لأن له أن يفتح الماء في أرضه في أوله وفي آخره واختلفوا أيضاً أن الكري إذا جاوز أرضه هل له أن يفتح الماء لأرضه أو لا يفتح حتى يفرغ الكل عن الكري قال بعضهم له أن يفتح، وقال بعضهم لا يفتح حتى يفرغ الكل لأنه لو فتح قبل ذلك يختص بالماء قبل شركائه ولهذا اختار المتأخرون البداءة بالكري من أسفل النهر، نهر يجري في سكة يحفر في كل سنة مرتين ويجتمع تراب كثير في السكة قالوا إن كان التراب على حريم النهر لم يكن لأهل السكة تكليف أرباب النهر بنقل التراب، وإن كان التراب جاوزحريم النهر كان لهم ذلك ، نهر لقوم يجري في أرض رجل حفروا النهر وألقوا التراب في أرضه إن كان التراب في حريم النهرلم يكن لصاحب الأرض أن يأخذ أصحاب <218\3>النهر برفع التراب لأن لهم حق إلقاء التراب في حريم النهر فإن ألقوا التراب في غير حريم النهر كان له أن يأخذهم برفع التراب، بئر لماء المطر في سكة عند باب دار رجل امتلأ ولصاحب الدار ضرر بذلك قال بعضهم له أن يكبس البئر، قال مولانا رحمه الله تعالى وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن كان البئر قديماً لم يكن له ذلك وإن كان محدَثاً كان له ذلك، بئر لرجل في دار غيره لم يكن لصاحب البئر حق إلقاء الطين في داره إذا حفر البئر، امرأة لها تسعة أجربة من الأراضي فجاء السيل وخرب مجرى هذه(3/111)
الأراضي فاستأجرت أقواماً ليعمروا المجرى على أن تعطيهم ثلاثة أجربة من هذه الأراضي قال بعضهم أرجو أن تكون الإجارة جائزة وعليها ثلاثة أجربة من الأراضي، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا الجواب يوافق قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تجوز هذه الإجارة فإنّ عنده لو باع كذا ذراعاً من هذا الأراضي لا يجوز فكذلك الإجارة والفتوى على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعلى هذا لو عيَّنت للآجر الأجربة الثلاثة في العقد جاز عند الكل، نهر كبير ينشعب منه نهر صغير فخربت فوهة النهر الصغير وأرادوا إصلاحه بالآجر والجص قالوا إصلاح الدرقة على أصحاب النهر الصغير لأن منفعة الدرقة تعود إليهم خاصة، مزرقة يخرج منها الماء فيسيل في مجريين وبين المجريين حائل من خشب يفسد أحياناً فقال أهل المجرى الذي لا يبقى فيه الماء عند فساد الحائل لأهل المجرى الآخر نحن نريد أن تجعلوا مجراكم من النورة والآجر ليمسك الماء قالوا ليس لهم تعيين آلة إصلاح المجرى إنما الواجب عليهم تحصين الموضع الذي يفسد حتى يمتنع تحول حق غيرهم إليهم وما زاد على ذلك فهو تشهّ وتمن، مسناة بين نهر صغير وكبير فخربت واحتاجت إلى الإصلاح قالوا إصلاح المسناة يكون على أهل النهرين ونفقة ذلك عليهم نصفان إن كان كل المسناة حريماً للنهرين ولا يعتبر في ذلك قلة الماء وكثرته كجدار بين جارين حمولة أحدهما عليه أكثر كانت نفقة الجدار عليهما نصفين، بخلاف المزرقة إذا خربت فإن نفقتها تكون على قدر مياههم لأنهم يستعملون المزرقة لمياههم فكان إصلاحها على قدر مياههم ليكون مؤنة الملك على قدر الملك، رجل له مسيل ماء السطح على سطح جاره فخرب سطح الجار فقال صاحب السطح لصاحب المسيل ضع ناوقة في موضع المسيل حتى يسيل الماء إلى مصبه كان إصلاح المسيل على صاحب السطح الذي عليه المسيل، نهر في دار رجل يتعدى ضرر مائه إلى دهليز الدار ثم يتعدى من الدهليز إلى دار رجل آخر ويتضرر بذلك ضرراً فاحشاً قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن لم يكن النهر ملكاً لصاحب الدار بل الماء لأهل الشفة يجري في هذه الدار فكل من يتضرر بالماء كان عليه إصلاح النهر ودفع الضرر عن نفسه وقال أبو القاسم رحمه الله تعالى إصلاح النهر يكون على <219\3>أصحاب المجرى وبه أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لأنه لا ملك ههنا لأحد فقام صاحب المنفعة مقام المالك، وقف على مرمة نهر سكة كذا وكان الماء ينصب من النهر الأعظم في درقة ثم يسيل إلى سكة ثم يسيل من تلك السكة إلى السكة التي الوقف عليها فاحتاج النهر إلى المرمة في السكة الأولى قالوا لا تجوز مرمة النهر في السكة الأولى من غلة الوقف وإنما يرم من تلك الغلة الموضع الذي يكون من النهر في السكة الموقوف عليها، ولو كان الماء ينصب من النهر الأعظم في فضاء ليس فيه شفة ولا شاربة ثم يسيل من الفضاء إلى السكة الموقوف عليها فإنه يرم من غلة الوقف من أعلى النهر إلى أن يخرج من السكة الموقوف عليها لأن في الوجه الأول النهر ينسب إلى السكتين جميعاً وفي الوجه الثاني النهر من أعلاه إلى أسفله ينسب إلى السكة الموقوف عليها، ولو احتاج النهر إلى الحفر لا يحفر من غلة الوقف لأن الحفر ليس من المرمة، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كان يخاف تخريب المسناة لو لم يحفر النهر يجوز أن يجفر من غلة الوقف لأن عند خوف تخريب المسناة يكون حفر النهر من المرمة.
فصل في إحياء الموات(3/112)
إذا أحيا أرضاً ميتة إن كان بإذن الإمام ملكها، وإن أحياها بغير إذن الإمام لا يملك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال صاحباه يملكها، واختلفوا في الموات عن محمد رحمه الله تعالى أرض الموات أرض لا يملكها أحد وانقطع عنها الماء و ارتفاق أهل المصر والقرية بها سواء كانت قريبة من العمران أولم تكن وسواء كانت من أرض العرب أو من غيره في المفاوز أو بقرب من الجبال، وأصح ما قيل فيه أن يقف الرجل على طرف عمران القرية فينادي بأعلى صوته فإلى أي موضع ينتهي إليه صوته يكون من فناء العمران لأن أهل القرية يحتاجون إلى ذلك الموضع لرعي المواشي وغيره وما ورواء ذلك يكون من الموات إذا لم يعرف لها مالك، وتفسير الإحياء عن محمد رحمه الله تعالى في النوادر أن إحياء الأرض لا يكون بالسقي و الكراب وإنما يكون بإلقاء البذر والزراعة حتى لو كربها ولم يسقها أو سقاها ولم يكرب لم يكن إحياء وفي ظاهر الرواية إذا حفر لها النهر وسقاها يكون إحياء، وكذا إذا حوطها أو سنهما بحيث يعصم الماء يكون إحياء، وإن وضع الأحجار حولها أو حصد ما فيها من الحشيش والشوك وجعلها حول الأرض يريد إحياءها يكون ذلك تحجيراً ولا يكون إحياء فإذا فعل ذلك كان هو أحق بإحيائها ما لم رجع عن ذلك لقول عمر رضي الله عنه ليس للمتحجر بعد ثلاث سنين حق فبعد التحجر لا يكون لغيره أن يشتغل بإحيائها بل ينتظر إلى أن يعلم أنه ترك إحياءها والتقدير بثلاث سنين عرف بقول عمر رضي الله عنه وإذا مضت تلك المدة عرف بطريق الظاهر أنه ترك إحياءها فكان لغيره إحياؤها وهذا بطريق الديانة لأنه سبق غيره فكان هو أولى به من غيره كمن سبق بمكان في المسجد أو في الرباط أو في المفازة كان هو أولى به من الغير، أما في الحكم <220\3>إذا أحياها غيره بعد التحجير بإذن الإمام كانت له، ولو حفر بئراً في المفاوز أو في موضع لا يملكه أحد بإذن الإمام كان له وله ما حول البئر أربعون ذراعاً حريماً للبئر لما روى الزهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعاً وحريم الناضح ستون ذراعاً، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه حريم بئر الناضح لا يزداد على الأربعين وقال صاحباه رحمهما الله تعالى ستون ذراعاً، ولو حفر نهراً في مفازة أو في موضع لا يملكه أحد بإذن الإمام قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يستحق النهر حريماً، وقال صاحباه رحمهما الله تعالى يستحق مقدار عرض النهر حتى إذا كان مقدار عرض النهر ثلاثة أذرع كان له من الحريم مقدار ثلاثة أذرع من الجانبين من كل جانب ذراع ونصف في قول الطحاوي رحمه الله تعالى وعن الكرخي رحمه الله تعالى مقدار عرض النهر من كل جانب، ولو حفر رجل بئراً في أرض موات لا يملكه أحد بإذن الإمام ثم جاء غيره وحفر في حريم الأول بئراً كان للأول أن يسده ويكبسه لأن الثاني تصرف في ملك الأول فكان للأول أن يأخذه بكبس ما احتفر، وكذا لو بنى الثاني في حريم الأول بناء أو زرع زرعاً كان للأول أن يمنعه عن ذلك وما عطب في البئر الأول لا ضمان على الأول وما عطب في البئر الثاني يضمن الثاني لأن الثاني متعد، ولو كان الثاني حفر بئراً بإذن الإمام في غير حريم الأول لكنها قريبة من الأول فذهب ماء البئر الأولى وعرف ذهابه بحفر الثاني فلا شيء للأول على الثاني لأنه غير متعد بل هو محق فيما صنع فلم يكن له أن يخاصمه كمن اتخذ حانوتاً ثم جاء آخر واتخذ حانوتاً بجنب الأول لتلك التجارة فكسدت تجارة الأول بذلك لم يكن له أن يخاصم الثاني، ولو حفر رجل قناة بغير إذن الإمام في مفازة وساق الماء حتى أتى به أرضاً فأحياها فإنه يجعل لقناته ولمخرج مائه حريماً بقدر ما يصلح، وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وأما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا فعل ذلك بإذن الإمام يستحق الحريم للموضع الذي يقع الماء فيه على وجه الأرض، وإن كان بغير إذن الإمام لا شيء له لأن عند أبي حنيفة رضي الله عنه من احتفر نهراً لا يستحق له الحريم والقناة إلى أن يقع الماء على وجه الأرض بمنزلة النهر إلا أن في القناة يجري الماء تحت الأرض فإذا وقع على وجه الأرض يصير ذلك الموضع بمنزلة العين لأن في العين يخرج الماء من الأرض ويسيل على وجه الأرض ومن استخرج عيناً بإذن الإمام يستحق الحريم، ولهذا قال يستحق الحريم للموضع الذي يقع الماء فيه على وجه الأرض إلا أن في الكتاب لم يبين مقدار ذلك لكن قال يستحق حريماً على قدر ما يصلح لأنه لم يجد في هذا نصاً، ولو كان القناة على وجه الأرض بين رجلين والأرض بينهما ثم استحدث أحدهما أرضاً أخرى وأراد أن يسقيها بهذه القناة لم يكن له ذلك بمنزلة نهر بين رجلين إذا استحدث أحدهما أرضاً لا شرب له لم يكن له أن يسقيها إلا بإذن الشريك <221\3>
فصل في ضمان ما يتولد من المباح والمملوك(3/113)
رجل سقى أرضاً أو زرعاً له سقياً معتاداً من مجرى له وتعدى إلى أرض جاره ذكر في الأصل أنه لا يضمن وإن سقاه غير معتاد ضمن، قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى هذه المسألة على وجوه إن أجرى الماء في أرضه إجراءً لا يستقر الماء في أرضه بل يستقر في أرض جاره ضمن وإن كان يستقر في أرضه ثم يتعدى إلى أرض جاره فإن كان جاره يتقدم إليه بالسكر والإحكام فلم يفعل ضمن استحساناً ويكون ذلك بمنزلة الإشهاد في الحائط المائل، وإن لم يتقدم إليه جاره بالسكر والإحكام فتعدى إلى أرض جاره لا يضمن، وإن كان أرضه في صعدة وأرض جاره في هبطة وهو يعلم أنه إذا سقى أرضه يتعدى إلى أرض جاره ضمن ويؤمر بوضع المسناة حتى يحول بينه وبين التعدي فيمنع عن السقي، وإن كان في أرضه ثقب أو حجر إن علم بذلك ولم يسده حتى فسد أرض جاره أو كرابه ضمن وإن كان لا يعلم لا يضمن كمن صب الماء في الميزاب ويعلم أن تحت الميزاب متاع رجل يفسد بذلك ضمن وإن لم يعلم لا يضمن وذكر في الأصل أن في الثقب لا يكون ضامناً ولم يفصّل، والصحيح أنه على التفصيل الذي ذكرنا، رجل أراد سقي أرضه أو زرعه من مجرى له فجاء رجل ومنعه الماء ففسد زرعه قالوا لا شيء عليه كما لو منع الراعي حتى ضاعت المواشي، رجل له نوبة ماء في يوم معيّن من أسبوع فجاء رجل وسقى أرضه في نوبته ذكر الشيخ الإمام علي بن محمد البزدوي رحمه الله تعالى أن غاصب الماء يكون ضامناً، وذكر في الأصل أنه لا يكون ضامناً، رجل له مجرى ماء بقرب دار رجل فأجرى الماء في النهر فدخل الماء من حجر إلى دار جاره قالوا إن أجرى ما يحتمله النهر وكان الثقب خفياً ولولا الثقب لا يدخل الماء في دار جاره لا يضمن، وإن أجرى ماء لا يحتمله النهر فتعدى إلى دار جاره ضمن، وكذا لو كان الثقب ظاهراً وهو يعلم أن الماء يتعدى منه إلى دار جاره أو أرضه كان ضامناً، ولو سقى أرضه فامتلأ أرضه وخرج الماء من أرضه إلى أرض جاره كان ضامناً وإن كان غائباً أو لم يعلم به كما لو صبّ الماء في أرض جاره، رجل أوقد النار في أرضه فذهبت النار إلى حصائد غيره فاحترق قال الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى هذا وما لو سقى أرضه سواء، إن أرسل ماء أو أوقد ناراً يحتمله أرضه لا يضمن وإلا ضمن، ومن المشايخ من قال إن أوقد النار في يوم ريح ضمن وإن لم يكن كذلك لا يضمن، ومنهم من فرّق بين الماء والنار وقال في النار لا يضمن على كل حال لأن من طبع النار الخمود فلم يكن الغالب فيه التعدي ومن طبع الماء السيلان فإن أرسل ما لا يحتمله الأرض كان ضامناً، وإذا وقع الحريق في محلة فهدم رجل دار غيره بغير أمره حتى ينقطع الحريق قالوا يكون ضامناً كمن ذبح شاة لغيره كي لا تموت كان ضامناً، ولو أن هذا الذي هدم الدار عند وقوع الحريق هدم بإذن الإمام لا يضمن، رجل سقى أرضه من نهر العامة وعلى نهر العامة أنهار صغار مفتوحة الفوهات فدخل الماء في الأنهار الصغار ففسد بذلك <222\3>كراب غيره أو مبطخة غيره قال الشيخ الإمام الأجل الأستاذ ظهير الدين رحمه الله تعالى يكون ضامناً كأنه أجرى الماء فيها، قال مولانا رحمه الله تعالى وينبغي أن يفصّل بين العلم والجهل إن علم بذلك كان ضامناً وإلا فلا، رجل سقى أرضه ثم أرسل الماء في النهر حتى جاوز عن أرضه وقد كان رجل أسفل منه طرح في النهر تراباً فمال الماء عن النهر حتى غرق قصر إنسان قالوا لا يضمن المرسل لأنه أرسل الماء في النهر وهو غير متعد في ذلك ويجب الضمان على من طرح التراب في النهر ومنع الماء عن السيلان لأنه متعد، رجل رمى شاة ميتة في نهر طاحونة فسال الماء بها إلى الطاحونة فخربتها قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان النهر غير محتاج إلى الكري فلا ضمان عليه وإلا فعليه الضمان إذا علم أنها خربت من ذلك، رجل سقى أرضه فملأ أرضه بقدر ما تحتمله فنزّ الماء وانشق أرضه فتعدى إلى أرض جاره لا يضمن وقيل إذا علم بذلك ولم يخبر جاره ضمن، ولو فتح الماء لأرضه قدر ما يحتمله النهر وترك فازداد الماء بعد ذلك لا يضمن وكذا لو فتح النهر وليس فيه ماء ثم جاء ماء بعد ذلك لا يضمن إن فتح مرسوماً يعتاد وإن زاد على الفتح المعتاد بحيث لو جاء الماء لا يحتمله النهر كان ضامناً، ولو سقى أرضه ثم انقطع الماء ولم يرفع السكر الذي كان عند أرضه إن كان الرسم أن يسكر لا ضمان عليه، ولو فتح فوهة النهر وأرسل ماء قدر ما يحتمله النهر فدخل الماء من فوره في أرض غيره قبل أن يدخل في أرضه ذكر في جمع التفاريق أنه لا يكون ضامناً، رجل بنى في الطريق الأعظم بناء بغير إذن الإمام فإن كان ذلك يضر بالطريق يكون آثماً بما صنع، وإن كان لا يضر لا يكون آثماً إلا أنه لو عثر به إنسان أو دابة فعطب كان ضامناً ويكون لكل واحد من آحاد الناس حق المنع والمطالبة بالرفع، وكذا لو نصب على نهر العامة طاحونة بغير إذن الإمام فإن كان لا يضر بالنهر لم يكن آثماً كما في الطريق ولكل واحد حق المنع والرفع وإن كان يضر(3/114)
بالنهر يكون آثماً فيما صنع، ولو جعل على نهر العامة بغير إذن الإمام قنطرة أو على النهر الخاص بغير إذن الشركاء واستوثق في العمل ولم يزل الناس والدواب يمرون عليه ثم انكسر أو وهن فعطب به إنسان أو دابة ضمن، وإن مر به إنسان متعمداً وهو يراه أو ساق دابة عليه متعمداً لا يضمن الذي اتخذ القنطرة لأن ما فعل كان حسبة وقد رضي به الناس حيث اتخذوا ذلك ممراً فكأنه فعل بإذن الإمام فلا يضمن ما تلف بذلك، ولو وضع رجل في طريق المسلمين باباً فمشى عليه إنسان متعمداً فانكسر الباب وعطب الماشي فضمان الباب يكون على الذي كسره ولا يجب ضمان الماشي على الذي وضع الباب لأن الواضع وإن كان متعدياً في الوضع لكن الماشي لما تعمد المرور عليه فقد طرأت المباشرة على التسبب كمن حفر بئراً في طريق المسلمين فجاء رجل وألقى فيه نفسه لا يضمن الحافر وكذا لو رش ماء في الطريق فجاء إنسان ومشى عليه متعمداً فزلق رجله وعطب لا يضمن الذي رش الطريق قيل هذا إذا رش بعض الطريق أما إذا <223\3> رش الكل فمشى إنسان متعمداً وهو يراه فعطب كان ضمانه على الذي رش، ولو مشى أحد على ذلك الموضع ولا يبصر فإن كان أعمى أو كان ليلاً فعطب كان ضمانه على الذي لأن الذي رش كان متعدياً بما فعل أو كان سباحاً بشرط السلامة ولم يطرأ عليه المباشرة فيضمن المسبب.
كتاب الأشربة
هذا الكتاب مشتمل على فصول ثلاثة، فصل في معرفة الأشربة وأحكامها وفي هذا الفصل شيء من مسائل طبخ العصير، وفصل في حد الشرب، وفصل فيما ينفذ من تصرفات السكران وما لا ينفذ
فصل في معرفة الأشربة(3/115)
قال رضي الله عنه الأعيان التي يتخذ منها الأشربة أربعة العنب رطبه و يابسه وهو الزبيب والتمر والحبوب نحو الحنطة وشعير والدخن، والفواكه نحو الفرصاد والأجاص و الفانيد والشهد والألبان ونحو ذلك جعلوا هذه الأشياء نوعاً واحداً وإن اختلف أجناسها لاتحاد حكمها، أما المتخذ من العنب الرطب ستة الخمر و الباذق والمنصف والبختج والجمهوري والحميدي ويسمى أبا يوسف، أما الخمر فهي التي من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد وصار أسفله أعلاه فهو خمر بلا خلاف، وإن غلا واشتد ولم يقذف بالزبد فليس بخمر في قول أبي حنيفة رضي الله عنه حلواً كان أو حاضاً وفي قول صاحبيه رحمهما الله تعالى يصير خمراً وعن الشيخ الإمام أبي حفص الكبير النجاري رحمه الله تعالى أنه أخذ بقولهما وإذا صار خمراً ثبت أحكامها لا يحل شربها ويحد بتناول قطرة منها طائعاً، وإن شربها في نهار رمضان يحد بشربها ويعزر بالجناية على الصوم، ومن أحكامها أن يكفر مستحلها ولا يضمن متلفها إذا كان لمسلم ويبطل بيعها إذا باعها لمسلم لا يملك ثمنها، وهي نجسة نجاسة غليظة إذا أصابت الثوب أكثر من قدر الدرهم منعت جواز الصلاة وإذا صبت في ظرف تنجس الظرف، وإن خرجت الخمر من الظرف يغسل الظرف ثلاثاً فيطه ر إن كان الظرف عتيقاً، وإن كان خزفاً جديداً صب فيه الخمر اختلفوا فيه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يغسل ثلاثاً ويجفف في كل مرة فيطهر، وقال محمد رحمه الله تعالى لا يطهر أبداً، وقال بعض المشايخ على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى إن لم يجفف في كل مرة لكن ملأه بالماء مرة بعد أخرى فما دام الماء يخرج منه متغير اللون لا يطهر وإذا خرج الماء صافياً غير متغير اللون يحكم بطهارته وعليه الفتوى، وإن لم يغسل الظرف وبقي الخمر فيه حتى صار خلاً لم يذكر محمد رحمه الله تعالى في الكتاب حكم الظرف، وحكي عن الحاكم أبي نصر المهرويه أنه قال ما يوازي الإناء من الخل يطهر أما أعلى الحب الذي انتقص من الخمر قبل أن يصير خلاً يكون نجساً فيغسل أعلاه بالخل حتى يطهر الكل، وإن لم يفعل كذلك حتى صب العصير فيه وملأه تنجس العصير لا يحل شربه لأنه عصير خالطه خمر، وحكي عن الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى أنه قال إذا صار ما فيه من الخمر خلاً يطهر الظرف كله فلا يحتاج إلى هذا <224\3>التكلف، وبه أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى واختاره الصدر الشهيد رحمه الله تعالى وعليه الفتوى لأن بخار الخل يرتفع إلى أعلى الظرف فيطهر كله، ولو ألقى في الخمر سمكاً وملحاً واتخذ من ذلك مربى ذكر في الكتاب أنه لا بأس به إذا تحولت الخمر فصارت خلاً لأن ما يدخل السمك من أجزاء الخمر صار خلاً فيطهر السمك لأنه سمك ربي بالخل، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في غير رواية الأصول الجواب فيه على التفصيل إن كان السمك والملح مغلوباً بالخمر وصار الخمر خلاً يطهر، وإن كان السمك والملح هو الغالب لا يطهر وإن صارت حامضة هكذا جعل الجواب على التفصيل (1)في الأمكسة وهو الرشتاق إذا صار خلاً قالوا إن كان الماء هو الغالب يكون نجساً وإن صار خلا وإن كان العصير هو الغالب يطهر إذا صار خلاً، فالصحيح ما قال محمد رحمه الله تعالى أنه يطهر في الحالين لأن ما ألقي في الخمر صار نجساً لمجاورة الخمر فإذا طهر ذلك وصار خلاً صار الماء طاهراً، وإذا وقعت فأرة في حب الخمر فماتت ورميت الفأرة ثم صارت الخمر خلاً كان طاهراً، وإن تفسخت الفأرة فيها كان الخل نجساً لأن ما فيها من أجزاء الفأرة لم يصر خلاً، مرقة وقعت فيها خمر لا يباح أكلها لأنها تنجست بوقوع الخمر كما لو وقع فيها بول فلو أنه حسا هذه المرقة قال لا يحد ما لم يسكر لأنها ليست بخمر حقيقة بل هي مطبوخة حال ماشرب والخمر هي التي من ماء العنب ويكره شرب درديّ الخمر لأن فيه أجزاء الخمر فلا ينتفع بشيء منه وإن جعل ذلك في خل فلا بأس به لأن ما فيه من أجزاء الخمر يصير خلاً ولا بأس ببيع العصير ممن يتخذه خمراً في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقال صاحباه يكره، وقيل على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما لا يكره إذا باعه من ذميٍّ بثمن لا يشتريه المسلم بذلك أما إذا وجد مسلماً يشتريه بذلك الثمن يكره إذا باعه ممن يتخذه خمراً وهو كما لو باع الكرم وهو يعلم أن المشتري يتخذ العنب خمراً لا بأس به إذا كان قصده من البيع تحصيل الثمن، وإن كان قصده تحصيل الخمر يكره، و أغراس الكرم على هذا إذا كان يغرس بنية تحصيل الخمر يكره وإن كان لتحصيل العنب لا يكره، والأفضل أن لا يبيع العصير ممن يتخذه خمراً، خابية من خمر صبت في نهر عظيم مثل الفرات أو أصغر منه ورجل أسفل منه يتوضأ بذلك الماء أو يشرب منه إن كان لا يوجد من الماء طعم الخمر ولا لونها ولا ريحها يباح الشرب والتوضؤ، وإن كان يوجد شيء من ذلك لا يباح كما لو وقعت نجاسة أخرى في ماء جار إن كانت النجاسة غالبة على الماء بأن تغير لونه أو طعمه أو ريحه يكون نجساً لقوله عليه السلام(3/116)
الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه وإن لم يجد شيأَ من ذلك كانت النجاسة مغلوبة، ولو صب الخمر في قدح من الماء أو في ماء راكد يخلص بعضه إلى بعض لا يحل شرب ذلك الماء لأنه ماء قليل وقعت فيه النجاسة فيتنجس كما لو وقع فيه بول فإن شربه فإن كان لا يوجد فيه طعم الخمر ولا يوجد لونها <225\3> ولا ريحها لا يحد وإن كان يوجد شيء من ذلك يحد لأن الماء مغلوب فكان هو شارب الخمر ولأن الفسقة يشربون الخمر هكذا فلو لم يحد يمتنع حد الشرب في عادة الفسقة، ولو طرح في الخمر ريحان يقال له سوسن حتى يأخذ الخمر رائحته ثم يباع فإنه لا يدَّهن بها ولا يتطيب بها ولا يجوز بيعها وإن لم يبق رائحة الخمر لأنه خمر فلا ينتفع بها ولا يجوز بيعها ولا يملك ثمنها، ويجوز بيع ورق الريحان كما يجوز بيع الثوب النجس ويكره للمرأة أن تمتشط بخمر لأن الإنتفاع بالخمر حرام بجميع الوجوه قال عليه الصلاة والسلام إن الذي حرم شرب الخمر حرم بيعها والإنتفاع بها وكذا لا يسقى الدواب بها ولا يبل بها الطين لأنها انتفاع بها فإن سقى شاة وذبحها من ساعته أُكِلَ لحمها لأن الخمر في مثل هذا لا يؤثر في اللحم، ولو اعتادت بشرب الخمر وصارت بحال يوجد ريح الخمر في لحمها أو تكون جلاّلة فتحبس عشرة أيام والدجاجة ثلاثة أيام والبعير شهراً والبقر عشرين يوماً ثم يذبح فيؤكل، وذكر في بعض الروايات أن الشاة إذا كانت تأكل النجاسات تحبس أربعة أيام والبقر والبعير عشرة أيام، وذكر الكرخي رحمه الله تعالى عن أصحابنا أنه لا يحل للإنسان أن ينظر إلى الخمر على وجه التلهي وأن يبل منها الطين ويسقي بها الحيوان، وكذلك الميتة لا يطعمها كلابه لأن ذلك انتفاع بها، قطرة من خمر وقعت في خابية فيها ماء ثم صب ذلك الماء في دنّ من الخل قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله تعالى يفسد الخل بوقوع الماء النجس والماء لا يتخلل فيبقى نجساً، وقال بعضهم لا يفسد الخل وهو الصحيح لأن الماء ما كان نجساً لعينه بل لمجاورة الخمر فإذا تخلل الخمر بوقوعه في الخل زالت المجاورة فيعود الماء طاهراً كالرغيف إذا وقع في خمر ثم في خل يطهر، وكذا الرغيف إذا خبز بخمر ثم وقع في الخل، الثوب إذا وقع في خمر ثم في خل فإنه يطهر بخلاف الدقيق إذا عجن بخمر وخبز فإنه يكون نجساً ولا يطهر لأن ما في العجين من أجزاء الخمر لم يصر خلاً بالخبز فلا يطهر، رجل خاف على نفسه من العطش يباح له أن يشرب الخمر بقدر ما يندفع به ذلك العطش عندنا إن كان الخمر يردُّ ذلك العطش كما يباح للمضطر تناول الميتة والخنزير، وكذا لو أكره على شرب الخمر يباح له أن يشرب ولو صبر ولم يشرب الخمر حتى قتل كان آثماً وكذا لو غص وخاف على نفسه من ذلك ولا يجد ما يزيله إلا الخمر يباح له شربها، وكذا إذا شرب للعطش المهلك يباح له لدفع العطش وإن كان يزيد به العطش في الثاني إلا أنه لا يشرب إلا مقدار ما يكفيه ويرويه ولا يشرب الزيادة على الكفاية كالمضطر إذا وجد ميتة يباح له منها مقدار ما يسد رمقه ولا يأكل الزيادة على ذلك فلو أن المضطر يشرب من الخمر مقدار ما يرويه فسكر لاحدّ عليه لأن السكر حصل بالمباح لأن الشرب منها مقدار ما يكفيه مباح فلا يجب به الحد فإن شرب مقدار ما يرويه وزيادة ولم يسكر قالوا ينبغي أن يلزمه الحد كما لو شرب هذا القدر حالة الاختيار ولم <226\3>يسكر، رجل خاف على نفسه من العطش ومع رفيقه ماء كثير فأبى أن يعطيه فإنه يقاتله بما دون السلاح ولا يقاتله بالسلاح كما لو منع منه الطعام حالة المخمصة هذا إذا كان الماء مع الرفيق كثيراً فإن لم يكن كثيراً فهو على وجهين أحدهما أن يكون الماء مقدار ما يردّ رمقهما أو كان لا يكفي إلا لرمق أحدهما فإن كان يكفي لردّ رمقهما كان للمضطر أن يأخذ منه البعض ويترك البعض وإن كان لا يكفي إلا لأحدهما فإنه يترك الماء على المالك، رجل عليه دين فقضاه من ثمن الخمر إن كان الغريم مسلماً لا يحل أخذ ذلك منه وإن كان الغريم ذمياً يحل لأن الغريم إذا كان مسلماً لا يملك ثمن الخمر فلا يحل به قضاء الدين وأما إذا كان ذمياً ملك ثمن الخمر فيصح به قضاء الدين، خمر وقع في حنطة كره أكلها قبل أن تغسل لأنها تنجست فإن غسلت وطحنت إن كان لا يوجد فيه طعم الخمر ولا ريحها لا بأس بأكلها هذا إذا لم تكن الحنطة منتفخة فإن كانت منتفخة قال أبو يوسف رحمه الله تعالى تغسل ثلاث مرات وتجفف كل مرة فتطهر، وقال محمد رحمه الله تعالى لا تطهر أبداً، واللحم إذا تنجس قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يغلى ثلاث مرات بماء طاهر ويبرد في كل مرة فيطهر، وقال محمد رحمه الله تعالى لا يطهر أبداً ويكره الاحتقان والاكتحال بالخمر وكذا الإقطار في الإحليل وأن يجعل في السعوط فالحاصل أن لا ينتفع بالخمر إلا أنها إذا تخلل فينتفع به سواء صار خلاً بالمعالجة أو بغير المعالجة عندنا خلاًفا للشافعي رحمه الله تعالى.
وأما الشراب الثاني من العنب فهو الباذق(3/117)
وهو ماء العنب إذا طبخ أدنى طبخة يحل شربه مادام حلواً عند الكل وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد يحرم قليله و كثيره ولا يفسّق شاربه ولا يكفر مستحله ولا يحد شاربه ما لم يسكر منه، وقال الشافعي رحمه الله تعالى يحد بشرب قطرة منها واختلفت الروايات عن أصحابنا رحمهم الله تعالى في نجاسته أنها غليظة أم خفيفة قال محمد رحمه الله تعالى كل ما يحرم شربه إذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم منع جواز الصلاة فيكون الباذق نجساً نجاسة غليظة، وهكذا روى هشام عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وحكي عن الشيخ الإمام محمد بن الفضل رحمه الله تعالى أنه قال على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يكون نجساً نجاسة خفيفة يعتبر فيه الكثير الفاحش وهكذا روى المعلى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى، وأما بيع الباذق يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى والله أعلم.
والثالث من أشربة العنب المنصف
وهو ماء العنب إذا طبخ حتى ذهب نصفه ما دام حلواً يحل شربه وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد لا يحل شربه عندنا، وقال أصحاب الظواهر يحل وحكمه حكم الباذق، و كذا إذا زاد على النصف فحكمه حكم المنصف في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف <227\3> رحمه الله تعالى في النوادر إذا كان الذاهب أكثر من النصف فحكمه حكم المثلث.(3/118)
والشراب الرابع من العنب هو عصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ما دام حلواً يحل شربه عند الكل وإذا غلى واشتد يحل شربه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر لاستمراء الطعام و التدواي و التقويّ لطاعة الله تعالى دون اللهو واللعب، ويحرم القدح المسكر منه وهو الذي يعلم يقيناً أو بغالب الرأي أنه يسكره وعلى قول محمد والشافعي رحمهما الله تعالى لا يحل شربه إلا أن عند محمد رحمه الله تعالى لا يحد ما لم يسكر منه وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يحد بشرب قطرة منها كما في الخمر، لمحمد والشافعي رحمهما الله تعالى قوله عليه السلام كل مسكر حرام وقوله عليه السلام ما أسكره كثيره فقليله حرام، ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ما روي أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه بمثلث قال عمر رضي الله عنه ما أشبه هذا بطلاء الإبل كيف تصنعونه قال الرجل يطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فصب عمر رضي الله عنه عليه الماء وشرب ثم ناول عبادة بن الصامت ثم قال عمر رضي الله عنه إذا رابكم شرابكم فاكسروه بالماء، وعن عمر رضي الله عنه إذا ذهب ثلثا العصير ذهب حرامه وريح جنونه وما روي من الحديثين روي عن إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى ما يرويه الناس كل مسكر حرام خطأ لم يثبت إنما الثابت كل سكر حرام وكذا ما يرويه الناس ما أسكر كثيره فقليله حرام ليس بثابت وإبراهيم النخعي رحمه الله تعالى كان صيرفي الحديث، ولو طبخ العصير حتى ذهب ثلثه وبقي ثلثاه ثم قطع عنه النار حتى يبرد ثم أعاد عليه الطبخ حتى ذهب نصف ما بقي فصار الذاهب من العصير ثلثاه قال في الأصل إن عاد عليه الطبخ قبل أن يغلي العصير ويغير لا بأس به لأنه ذهب ثلثاه بالطبخ وتم الطبخ قبل ثبوت الحرمة، ولو أنه قطع عنه النار بعدما ذهب ثلثه فغلى العصير وتغير ثم أعاد عليه الطبخ لا خير فيه لأن الطبخ الثاني وجد بعد ثبوت الحرمة فلا يفيد الطبخ كما لو طبخ الخمر، ولو طبخ العصير حتى ذهب ثلاثة أخماسه وبقي خمساه فقطع عنه النار فلم يبرد حتى نقص تمام الثلثين فلا بأس به، قال الشيخ الإمام الزاهد المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى لأن ما ذهب بعد قطع النار قبل أن يبرد ذهب بحرارة النار ومادتها، ولو ذهب بحرارة الشمس لا بالنار يحل فإنهم قالوا بإباحة المشمس وهو أن يجعل العصير في طست أو آنية ويوضع في الشمس حتى ينتقص منه الثلثان بحرّ الشمس يجوز شربه لأن المقصود ذهاب الثلثين ولا فرق فيه بين أن يذهب ثلثاه بحر النار أو بحر الشمس، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا طبخ العصير حتى ذهب منه أقل من ثلثه فقطع عنه النار وبرد ثم طبخ حتى تم ذهاب الثلثين لا خير فيه، وقال محمد رحمه الله تعالى لا بأس به وعن محمد رحمه الله تعالى إذا طبخ العصير فلم يذهب ثلثاه فقطع عنه النار وبرد ثم أعيد الطبخ إن كان بعدما قطع عنه النار زمان يغلي العصير من غير نار فلا خير فيه وإن كان لا يغلي <228\3> في ذلك القدر من الزمان فلا بأس به، والصحيح ما قال في الكتاب أنه إذا أعيد النار بعدما غلى العصير وحرم لا يحل شربه العصير إذا طبخ بعد ما غلى واشتد وقذف بالزبد فذهب ثلثاه بالطبخ وبقي ثلثه لا خير فيه لأن هذا طبخ بعد ثبوت الحرمة فلا يفيد فإن شربها ولم يسكر قالوا ينبغي أن لا يحد لأنه لم يشرب الخمر حقيقة، وذكر في الكتاب أن فيما سوى الخمر من الأشربة لا يحد ما لم يسكر، إذا صب الماء على المثلث حتى رق ما دام حلواً يحل شربه في قولهم فإن غلى واشتد وقذف بالزبد فإن طبخ أدنى طبخة بعدما صب عليه الماء ثم غلى واشتد حل شربه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى بلا خلاف بين المشايخ وإن لم يطبخ أدنى طبخة بعدما صب عليه الماء اختلف المشايخ فيه حكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى أنه قال يشترط أن يطبخ أدنى طبخة، وغيره من المشايخ قال لا يشترط ذلك والأفضل أن يطبخ أدنى طبخة ليكون قول كل المشايخ رحمهم الله تعالى، رجل صب عشرة دوارق عصير في قِدْرٍ وطبخ فغلى وقذف بالزبد فجعل يأخذ ذلك الزبد وجمعه في قدر آخر فكان دورقاً ثم يطبخ الباقي بعد ذلك حتى يحل قال في الكتاب يطبخ الباقي حتى يبقى ثلاثة دوارق وهو ثلث الباقي بعد الدورق الذي أخذ من الزبد لأن ما أخذ من الزبد جعل كأن لم يكن لأن الزبد ليس بعصير فصار كأنه صب فيه دورقاً من ماء وثمة لا يعتبر الماء وإنما يعتبر أن يذهب من العصير ثلثاه فيطبخ حتى يذهب ثلثاه كما لو كان الملقى تسعة دوارق عصير ويطبخ حتى يذهب ثلثا التسعة ويبقى ثلاثة دوارق كذلك ههنا وهكذا إن أخرج منه دورقين ثم طبخه حتى يذهب ثلثا الباقي وذلك خمسة وثلث ويبقى دورقان وثلثا دورق لأن ما أخرج من الزبد جعل كأن لم يكن فكأنه لم يصب في القدر من العصير إلا ثمانية دوارق عصير ولو كان كذلك يطبخ حتى يذهب ثلثا ثمانية دوارق وذلك خمسة وثلث فيبقى دورقان وثلثا دورق وإن خرج دورقا من الزبد وذهب في غليانه دورق عصير فإنه يطبخ(3/119)
إلى ذهاب ثلثي ما بقي بعد إخراج الزبد وذلك ثلاثة دوارق لأن ما ذهب من الزبد يصير كأن لم يكن فيبقى تسعة ويطبخ حتى يذهب ثلثاه وذلك ستة ويبقى ثلثه وهو ثلاثة لأن ما ذهب بالغليان من العصير معتبر وما أخذ من الزبد غير معتبر عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، رجل صب في قدره عشرة دوارق عصير وعشرين دورقاً ماءً وأراد طبخه فإنه ينظر إن كان يعلم أن الماء يذهب أولاً وقد يكون الماء أسرع ذهاباً من العصير بالنار لأنه أرق وألطف من العصير فإن كان كذلك يطبخ حتى يذهب كل الماء أولاً ثم يذهب ثلثا العشرة وذلك ستة وثلثان وبقي ثلثه وهو ثلاثة وثلث فذلك تسع الجملة وإنما يعرف ذلك بأن يجعل كل عشرة دوارق من الماء على ثلاثة أسهم لحاجتنا إلى أن يجعل عشرة دوارق عصير على ثلاثة أسهم لحاجتنا إلى الثلث والثلثين فيكون الماء ستة أسهم والعصير ثلاثة والكل تسعة أسهم فإذا ذهب الماء أولاً فقد ذهب ستة من تسعة فيجعل ذلك كأن لم يكن بقي الباقي من العصير وهو ثلاثة أسهم <229\3> فيطبخ حتى يذهب ثلثاه فقد ذهب من الجملة مرة ستة ومرة اثنان فقد ذهب ثمانية أسهم وبقي سهم واحد وهو تسع الجملة وهو في الحاصل ثلاثة دوارق وثلث لأن العصير صار على ثلاثة أسهم كل سهم منه ثلاثة دوارق وثلث، وإن كان العصير والماء يذهبان معاً يجب أن يطبخ حتى يذهب ثلثاه وذلك عشرون ويبقى ثلثه وذلك عشرة لأنه متى بقي عشرة كان ثلثاه ماءً وثلثه عصيراً إذا كانا يذهبان معاً فيكون ثلاثة وثلث عصيراً وقد كان العصير عشرة ولم يبق إلا ثلاثة فيحل، فكأن محمداً رحمه الله تعالى علم أن العصير على نوعين منه ما لو صب فيه الماء ويطبخ يذهب الماء أولاً ومنه إذا صب فيه الماء يذهبان معاً ففصّل الجواب تفصيلاً، وحاصل الجواب أن الماء متى كان أسرع ذهاباً بالنار يطبخ حتى يبقى ثلث العصير وإن كانا يذهبان معاً فإنه يطبخ حتى يبقى ثلث الكل وبهذا يخرّج أكثر مسائل طبخ العصير، وإذا طبخ الرجل عصيراً حتى ذهب ثلثه وبقي ثلثاه ثم جعل منه مشمساً فإن كان جعل قبل أن يغلي ويتغير بأن كان حلواً أو قارصاً لا بأس بذلك لأن الطبخ وجد قبل ثبوت الحرمة، وإن كان طبخ بعدما صار خمراً لا يحل لأن الطبخ وجد بعد ثبوت الحرمة وقد ذكرنا أن الطبخ بعد ثبوت الحرمة لا ينفع، والمشمّس هو الذي وضع في الشمس حتى ذهب ثلثاه بالشمس فهو بمنزلة المثلث الذي ذهب ثلثاه بالنار عندنا، ولو طبخ العنب حتى نضج ثم عصر وترك حتى اشتد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا بأس بشربه، وقال الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى العنب بمنزلة الزبيب إذا طبخ أدنى طبخة لا بأس به، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يحل شرب المشتد منه حتى يذهب ثلثا الماء الذي كان في العنب وعليه الفتوى.
والمتخذ الخامس من العنب البختج واختلفوا في تفسيره قال الحاكم أبو محمد الكعبي رحمه الله تعالى هو عصير العنب يصب فيه الماء ثم يطبخ قبل الغليان حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فيكون الذاهب من العصير أقل من الثلثين يحل شربه ما دام حلواً وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد يحرم قليله و كثيره وهو والجمهوري سواء، وقال بعضهم البختج هو الحميدي وهو أن يصب الماء على المثلث ويترك حتى يشتد ويقال له أبا يوسفي لكثرة ما استعمله أبو يوسف رحمه الله تعالى وهل يشترط لإباحة هذا أن يطبخ أدنى طبخة بعدما صب عليه الماء قبل الغليانِ والشدةِ اختلفوا فيه على نحو ما ذكرنا في المثلث فإن غلى واشتد حل شربه ما لم يسكر منه فإن سكر منه يحد، وقال الشافعي رحمه الله تعالى يحد بتناول قطرة منها.
وأما الجمهوري فهو النيء من ماء العنب إذا صب عليه الماء وطبخ أدنى طبخة ما دام حلواً يحل شربه عند الكل وإن غلى واشتد وقذف بالزبد فهو و الباذق سواء في الحكم فإن صب الماء على ثفوله بعد ذلك وعصر واستخرج الماء فغلى واشتد قال بعضهم هو يكون بمنزلة الخمر في جميع الأحكام وقال بعضه حكمه لا يكون حكم الخمر.(3/120)
وأما المتخذ من الزبيب شيئان نقيع ونبيذ أما نقيع الزبيب أن ينقع في الماء ويترك أياماً حتى يستخرج <230\3> الماء حلاوته ما دام حلواً يحل شربه بلا خلاف وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد فحكمه عندنا حكم الباذق في جميع الأحكام، وأما نبيذ الزبيب فهو النيء من ماء الزبيب يطبخ أدنى طبخة ما دام حلواً يحل شربه عند الكل وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد فحكمه حكم المثلث من العنب في جميع الأحكام، وإن طبخ نقيع الزبيب أدنى طبخة فما دام حلواً يحل شربه وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد يحرم قليله و كثيره في قول محمد والشافعي رحمهما الله تعالى وهو كالعصير، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يحل شربه ما لم يسكر فإذا أسكر يحرم القدح المسكر وليس هذا كالعصير بدليل أنه لا يفسق شارب النقيع ولا يحد ما لم يسكر، وروى هشام عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى أن نقيع التمر والزبيب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ لا يحل، قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يحتمل أن يكون في المسألة روايتان ويحتمل أن يكون فيها رواية واحدة وإنما يختلف الجواب لاختلاف الموضوع وموضوع ما ذكر في ظاهر الرواية إذا كان الماء الذي ألقي فيه الزبيب والتمر قليلاً ويكون في الغلظة قبل الطبخ مثل المنصف فإذا طبخ أدنى طبخة يلتحق بالمثلث، وموضوع ما ذكر في النوادر إذا كان ذلك الماء كثيراً فيكون في اللطافة والرقة قبل الطبخ مثل العصير فيشترط فيه ذهاب الثلثين.
وأما المتخذ من التمر ثلاثة السكر و الفضيخ والنبيذ، فالسكر هو النيء من ماء التمر، والفضيخ هو النيء من ماء البسر المذنب ما دام حلواً يحل شربه بلا خلاف وإذا غلى واشتد وقذف بالزبد فحكمه حكم الباذق في جميع ما قلنا، وأما النبيذ فهو ماء التمر أو البسر المذنب طبخ أدنى طبخة ما دام حلواً يحل شربه بلا خلاف فإذا غلى واشتد وقذف بالزبد فحكمه حكم المثلث في جميع ما قلنا، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر يحل شربه للتداوي و التقوي واستمراء الطعام دون اللهو واللعب والسكر وعلى قول محمد والشافعي رحمهما الله تعالى لا يحل لأنه مسكر ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى الآثار التي وردت في إباحة النبيذ الشديد قولاً وفعلاً ذكرها محمد رحمه الله تعالى في الكتاب وعن أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه أنه قال من شرائط السنة والجماعة أن لا يحرم النبيذ الحر لأن في تحريمه تفسيق كبار الصحابة رضي الله عنهم وعنه أنه قال لا أحرم النبيذ الشديد ديانة ولا أشربه مروءة أجمع كبار الصحابة رضي الله عنهم على إباحة النبيذ واحتاطوا في شربه لأجل الاختلاف وكذا السلف بعدهم كانوا يشربون النبيذ الحر بحكم الضرورة لاستمراء الطعام، وأما المتخذ مما سوى التمر والعنب نحو الثمار والسكر و الفانيذ والحبوب والعسل كالشعير والحنطة والذرة وما أشبه ذلك ما لم يشتد يحل شربه بلا خلاف فإذا غلى واشتد وقذف بالزبد فإن كان طبخ أدنى طبخة يحل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، واختلف المتأخرون في قول محمد <231\3> رحمه الله تعالى منهم من قال يحل شربه ما دون السكر ومنهم من قال لا يحل أصلاً، وحكي عن القاضي الإمام أبي جعفر رحمه الله تعالى أنه قال وجدت رواية عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال أكرهه هذا إذا طبخت هذه الأشربة أدنى طبخة، فإذا لم يطبخ وغلى واشتد فيه روايتان عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى في رواية يشترط للإباحة أدنى طبخة وفي رواية لا يشترط ذلك فإن سكر من هذه الأشربة فالسكر والقدح المسكر حرام بالإجماع، واختلفوا في وجوب الحد إذا سكر قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا يحد فيما ليس من أصل الخمر وهو التمر والعنب كما لا يحد من البنج ولبن الرماك وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى وقال بعضهم يحد وقيل هو قول الحسن بن زياد رحمه الله تعالى وأما الألبان فلبن المأكول حلال ولبن الرماك كذلك في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، ويكره في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، واختلفوا في كراهته قال بعضهم مكروه كراهية التنزيه لا كراهية التحريم، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى في أثناء الكلام أنه مباح كالبنج، وعامة المشايخ رحمهم الله تعالى قالوا هو مكروه كراهية التحريم إلا أنه لا يحد وإن زال عقله بذلك كما لو تناول البنج وارتفع إلى رأسه حتى زال عقله يحرم ذلك ولا يحد فيه.
فصل في حد الشرب(3/121)
إذا شرب قطرة من الخمر أو سكر من الأشربة التي ذكرنا أنه يوجب الحد فإنه يحد ثمانين سوطاً في إزار واحد والمرأة تحد في ثيابها ويضرب العبد في الشرب والسكر نصف ما يضرب الحر وإذا شهد شاهدان على رجل أنه شرب الخمر ورائحة الخمر توجد منه فإن القاضي يقبل شهادتهما ويسألهما عن ماهية الخمر وعن كيفية الشرب وعن زمان الشرب وعن مكانه، أما يسأل عن ماهية الخمر حتى يعلم أنها خمر حقيقة فإن كل مسكر يسمى خمراً مجازاً، ويسأل عن كيفية الشرب حتى يعلم أنه شرب طائعاً أو مكرهاً وعن زمان الشرب حتى يعلم أن العهد لم يتقادم فإنه لو مضى شهر من وقت الشرب لا يقبل شهادتهما على الشرب إلا إذا أتوا به من مكان بعيد فإنّ تقادمَ العهدِ وانقطاعَ الرائحةِ لا يمنع قبولَ الشهادة، ويسأل عن المكان لأنه لو شرب في دار الحرب لا يقام عليه الحد فيستقصي القاضي في السؤال عما ذكرنا احتيالاً لدرء الحد فإذا بينوا ذلك حبسه القاضي حتى يسأل عن العدالة ولا يقضي بظاهر العدالة في حدٍ ما ويحبسه إلى أن تظهر عدالة الشهود فإذا ظهرت عدالتهم يقيم عليه الحد هذا إذا أتى به وريح الخمر يوجد منه فإن لم يوجد وقد أتي به من مكان قريب لا يقام عليه الحد في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لأن عندهما قيام الرائحة شرط، وعند محمد رحمه الله تعالى ليس بشرط لقبول الشهادة وإن أتي به من مكان بعيد تنقطع الرائحة في تلك المسافة لا يشترط الرائحة، وإذا <232\3> أتي برجل وهو عاقل فقال شربتُ الخمر أو قال سكرتُ من الشراب لا يحد في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ولا يصح إقراره لأن عندهما وجود الرائحة شرط وعند محمد رحمه الله تعالى ليس بشرط، ولا يحد الأخرس سواء شهد عليه الشهود أو أشار هو بإشارة معهودة يكون ذلك إقراراً منه في المعاملات لأن الحد لا يثبت بالشبهات، ويحد الأعمى، ولو قال المشهود عليه بشرب الخمر ظننتها لبناً أو قال لم أعلم أنها خمر لا يقبل ذلك منه لأنه يعرفها بالرائحة والذوق من غير ابتلاع، وإن قال ظننتها نبيذاً قبل منه لأنه غير الخمر بعد الغليان والشدة يشارك الخمر في الذوق والرائحة، ولو قال أكرهت عليها لا يقبل منه لأن الشهود شهدوا عليه بالشرب طائعاً ولو لم يشهدوا بذلك لا تقبل شهادتهم فلو قبلنا قوله لكان لكل من يشهد عليه الشهود بالشرب أن يقول كنت مكرهاً فيرتفع الحد، ولا يقام الحدّ على المريض ما لم يبرأ ويحبس إلى أن يبرأ فإذا برأ يقام عليه الحد فإن كان ميؤوسَ البرء يقام عليه الحد للحال على وجه لا يخاف منه التلف، ولا يقام الحد على الحامل ما لم تضع حملها وتخرج عن النفاس، وإذا أقر السكران أنه سكر عن الشرب لا يصح إقراره وإن كان يوجد منه رائحة الخمر لأن إقرار السكران بالحدود الخاصة لله تعالى باطل وتكلموا في السكران، وأصح ما قيل فيه ما ذكر محمد رحمه الله تعالى في الكتاب أنه إذا كان كلامه مختلطاً لا يستقيم مطلقاً لا جواباً ولا ابتداءً فهو سكران وبه أفتى المشايخ، وإن كان بعض كلامه مستقيماً وبعضه غير مستقيم فإن كان النصف مستقيماً والنصف غير مستقيم لا يقام عليه الحد لأن السكر لم يتم وإن كان أكثر كلامه غير مستقيم لم يذكر محمد رحمه الله تعالى هذا في الكتاب، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال هو سكران يقام عليه الحدّ واعتبر الغالب ظناً كما قال في المجنون إذا كان أكثر كلامه غير مستقيم يحكم بجنونه، وإذا شهد أحد الشاهدين أنه سكران من الخمر وشهد الآخر أنه سكران من السكر أو من النبيذ لا تقبل شهادتهما، ولا حدّ على الصبي والمجنون إذا شرب الخمر أو سكر إذا كان يجن ويفيق إن شرب في حال جنونه لا حدّ عليه كالصبي، وإن شرب في حال إفاقته يحدّ، قوم يشربون النبيذ فأتي بهم فسكر البعض دون البعض فشهد عليهم الشهود بذلك فمن كان منهم سكران يحبس حتى يصحو ثم يقام عليه الحد، ومن لم يكن سكران لا حدّ عليه ولكنه يعزر وذكر في الكتاب رجل من أهل الكوفة يوجد في بيته الخمر وهو فاسق أو يوجد القوم مجتمعين على الشرب ولم يرهم أحد يشربونها غير أنهم قد جلسوا مجلس من يشربها <233\3> أو كان يوجد معه ركوة من خمر فإنه يعزر لأنه ظهر منهم أمارات العزم على الفساد وإنه معصية لا حد فيه فيعزر وكذا المقيم إذا أفطر في رمضان متعمداً يعزر ويحبس بعد ذلك إذا كان يخاف منه عوده إلى الإفطار ثانياً وكذا المسلم يبيع الخمر أو يأكل الربا ولا يرجع عنه فإنه يعزر ويحبس، وكذا المغني والمخنث والنائحة تعزر وتحبس حتى تحدث توبة وكذا المسلم إذا شتم ذمياً يعزر لأنه ارتكب معصية لم يجب فيها الحد فيعزر، وإذا شرب المسلم الخمر أو سكر من غير خمر ثم ارتد والعياذ بالله ثم أسلم فإنه يقام عليه حد الزنا وحد السرقة وجميع أنواع الحد إلا حد الشرب لأن الكفر لو كان مقارناً للشرب يمنع حد الشرب فإذا اعترض أولى بخلاف سائر الحدود وإن باشر أسباب الحد في ردته لا يقام عليه حد الشرب والسكر لما قلنا وما سوى(3/122)
حد الشرب والسكران باشر سبباً في ردته قبل أن يأخذه الإمام لا يقام عليه حد ما إلا حد القذف وإن باشر أسباب الحدود في ردته بعدما أخذه الإمام وصار بحال لا يمكنه الذهاب إلى دار الحرب يقام عليه الحدود إلا حد الشرب والسكر لأنه كافر لا يمكنه الذهاب إلى دار الحرب فكان بمنزلة الذمي ويقام على الذمي سائر الحدود إلا حد الشرب والسكر في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يقام عليه حد ما إلا حد القذف.
فصل في تصرفات السكران
السكران من الخمر و الأشربة المتخذة من التمر والزبيب نحو النبيذ والمثلث وغيرهما عندنا ينفذ تصرفاته كالطلاق و العتاق والإقرار بالدينِ والعينِ وتزويج الابنة الصغيرة و الابن الصغير والإقراض و الاستقراض والهبة والصدقة إذا قبضها الموهوب له والمتصدق عليه وبه أخذ عامة المشايخ رحمهمالله تعالى، وقال مالك رحمه الله تعالى وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح تصرفاته وبه أخذ الطحاوي و الكرخي رحمهما الله تعالى، وعن أبي بكر بن أحمد رحمه الله تعالى أنه قال ينفذ من السكران كل تصرف ينفذ مع الهزل ولا يبطله الشروط الفاسدة فلا ينفذ منه البيع والشراء وينفذ منه الطلاق و العتاق والإقرار بالدينِ والعينِ والهبة والصدقة والوصية وتزويج الصغير والصغيرة، وأما ردته فلا تصح عندنا استحساناً وتصح قياساً لأن الكفر واجب النفي والإعدام لا واجب التحقيق ولهذا لو جرى على لسانة كلمة الكفر خطأً لا يكفر هذا إذا كان السكر من الشراب المتخذ من أصل الخمر نحو التمر والعنب والزبيب، فأما السكران من المتخذ من العسل والثمار والحبوب اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه وهو كاختلافهم في وجوب الحد من قال يجب الحد بالسكر عن هذه الأشربة يقول تنفذ تصرفاته ليكون زجراً له ومن قال لا يجب الحد في هذه الأشربة وهو الفقيه أبو جعفر وشمس الأئمة السرخسي رحمهما الله تعالى يقول لا تنفذ تصرفاته لأن نفاذ التصرف كان للزجر فإذا لم يجب الحد عندهما زجراً <234\3> لا ينفذ تصرفاته، وإن زال عقله بالبنج أو لبن الرماك لا تنفذ تصرفاته، وعن أبي حنيفة وسفيان الثوري رحمهما الله تعالى في الذي زال عقله بالبنج فطلق إن كان علم حين تناول البنج أنه بنج يقع الطلاق وإن لم يكن عالماً لا يقع وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يقع من غير فصل وهو الصحيح، وكذا لو شرب شراباً حلواً فلم يوافقه فذهب عقله فطلق قال محمد رحمه الله تعالى لا يقع طلاقه وعليه الفتوى، هذا كله في السكران إذا شرب طائعاً، وإن شرب مكرهاً فطلق اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه والصحيح أنه لا يقع كما لا يجب عليه الحد، وعن محمد رحمه الله تعالى أنه يقع والصحيح هو الأول، والذي ضرب على رأسه حتى زال عقله فطلق وأعتق لا تنفذ تصرفاته وإن زال عقله بالمعصية لأنه لا يحتاج إلى شرع الزاجر فكما لا يجب عليه الحد لا تنفذ تصرفاته.
كتاب الغصب
فصل فيما يصير به المرء غاصباً وضامناً(3/123)
ثوب لرجل في يده تشبث به رجل فجذبه صاحب الثوب فتخرق قال محمد رحمه الله تعالى يضمن المتشبث نصف قيمته وإن كان الذي جذبه هو المتشبث الذي ليس له الثوب يضمن جميع القيمة، ولو عض رجل ذراع إنسان فجذب صاحب اليد يده فسقط أسنان ذلك الرجل وذهب لحم ذراع هذا فديه الأسنان هدر ويضمن العاض أرش ذراع هذا، ولو جلس رجل على ثوب رجل وصاحب الثوب لا يعلم به فقام صاحب الثوب فانشق الثوب من جلوس الجالس كان على الجالس نصف ضمان الشق وعن محمد رحمه الله تعالى في رواية يضمن نقصان الشق والاعتماد على ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رواية لا يضمن نقصان الشق، رجلان وضع كل واحد منهما جرة في الطريق فتدحرجت إحداهما على الأخرى فانكسرتا جميعاً قال يغرم كل واحد منهما جرة صاحبه، وعن محمد رحمه الله تعالى رجل وضع جرة في الطريق فيها زيت أو ليس فيها شيء ورجل آخر وضع جرة أخرى في الطريق فتدحرجت إحداهما فأصابت الأخرى فانكسرتا جميعاً قال يضمن صاحب الجرة القائمة التي لم تتدحرج قيمة الجرة التي تدحرجت ومثل ما كان فيها من الزيت لأنها بمنزلة حجر وضع في الطريق فما عطب به يضمن، فأما التي تدحرجت فإنها حين زالت عن موضعها فقد خرج صاحبها عن الضمان، رجل في يده دراهم ينظر إليها وقع بعضها في دراهم غيره واختلطت كان الذي وقع الدراهم من يده غاصباً ضامناً وهذه جناية منه وإن لم يتعمد، رجل غصب من رجل بيضة وأودعه المغصوب منه بيضة فحضنت دجاجة عليهما فخرجت فرختان ففرخ الوديعة لصاحب الوديعة وفرخ الغصب للغاصب وعليه ضمان البيضة التي غصب، رجل جاء إلى خمر إنسان وصب فيها خلاً فصار الخمر خلاً وهما نصفان قال لصاحب الخمر أن يأخذ نصف الخل، وعن أي القاسم رحمه الله تعالى رجل غصب خمراً وجعلها في حبه وصب فيها خلاّ من عنده حتى صار الخمر خلاً قال يكون الخل للغاصب قياساً، وقال الفقيه <235\3> أبو الليث رحمه الله تعالى قيل بأن الخل يكون بينهما على قدر خلهما لأنه صار كأنهما خلطا خلهما قال وبه نأخذ، ولو تخلل خمر الغصب في يد الغاصب قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى الخل يكون للغاصب، ولو أن رجلاً أراد أن يصب خمر نفسه فأخذها آخر فتخلل في يده كان الخل للآخر، رجل قعد على ظهر دابة رجل ولم يحركها ولم يحولها عن موضعها حتى جاء رجل آخر وعقر الدابة فالضمان على الذي عقر دون الذي ركب إذا لم تهلك من ركوبه وإن كان الذي ركب الدابة جحدها ومنعها من صاحبها قبل أن يعقر ولم يحركها فجاء آخر وعقرها فلصاحب الدابة أن يضمن أيهما شاء وكذا إذا دخل رجل دار إنسان وأخذ متاعاً وجحد فهو ضامن وإن لم يحوله ولم يجحد فلا ضمان عليه إلا أن يهلك بفعله أو يخرجه من الدار، وإن أخذ المتاع من بيت وحوله إلى بيت آخر من تلك الدار أو إلى صحن الدار وصاحب الدار مع غلمانه يسكن في تلك الدار فهلك المتاع في القياس يكون ضامناً وفي الاستحسان إن كان هذا الموضع في الحرز مثل الأول لا يضمن، رجل نام على فراش إنسان أو جلس على بساط إنسان لا يكون غاصباً لأن في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى غصب المنقول لا يتحقق بدون النقل والتحويل فلا يضمن إذا لم يهلك بفعله، وكذلك رجل استأجر أرض إنسان بحنطة فزرع المستأجر الأرض حنطة وحصدها وداسها فمنعها الآجر أنْ يرفعها حتى يعطيه الأجر فهلكت الحنطة في موضعها لا يضمن الآجر لأنه لم يحولها عن مكانها، وذكر الناطفي رحمه الله تعالى رجل ركب دابة رجل بغير إذنه ثم نزل فماتت قال يضمن في رواية الأصل، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يضمن وعنه أنه يضمن، قال الناطفي رحمه الله تعالى الصحيح أن على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يضمن حتى يحول عن موضعها، رجل غصب عجّولاً فاستهلكه ويبس لبن أمِّه قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى يضمن الغاصب قيمة العجّول ونقصان الأم لأن هلك الولد أوجب نقصان الأم وإن لم يفعل الغاصب في الأم فعلاً، رجل جز صوف غنم إنسان غصباً قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن لم ينقص قيمة الغنم شيئاً كان على الغاصب مثل صوفه وإن نقص كان للمالك الخيار إن شاء أخذ نقصان الغنم والصوف للغاصب وإن شاء أخذ مثل صوفه وقدر نقصان الغنم لا من جهة الصوف، رجل حمل على ظهر دابة إنسان بغير إذنه حتى تورم ظهر الدابة فشقها صاحبها قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى يتلوم إن اندمل لا ضمان على واحد وإن نقص فإن كان من الشق فكذلك وإن كان من الورم يضمن الغاصب وكذا إذا ماتت وإن اختلفا فالقول قول الذي استعمل الدابة مع يمينه إن حلف برء عن ضمان الدابة ولا يبرأ عن ضمان النقصان، رجل صلى فوقعت قلنسوته بين يديه فنحّاه رجل من بين يديه إن وضعه حيث يناله فسرق لم يضمن وإن كان أكثر من ذلك ضمن، رجل بعث رجلاً إلى ماشيته ليأتي بها فركب المأمور دابة الآمر فعطبت الدابة قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله <236\3> تعالى إن كان بينهما انبساط في أن يفعل في ماله مثل هذا لا يضمن وإن(3/124)
لم يكن ضمن، رجل وجد في زرعه ثورين فساقهما إلى مربطه يظن أنهما لأهل قريته فإذا هما لغير أهل قريته فأراد أن يربطهما فدخل أحدهما المربط وهرب الآخر فتبعه فلم يظفر به قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن لم يقدر على أن يشهد على نفسه أنه أخذهما ليردّهما على صاحبه لا يضمن إلا أن يكون نيته عند الأخذ أنه يمنعه عن صاحبه فيضمن، هذا إذا كان في الليل، فإن كان ذلك في النهار إن كان الثور لغير أهل قريته كان حكمه حكم اللقطة إن ترك الإشهاد مع القدرة على أنه يأخذه ليردّه على صاحبه ضمن وإن عجز عن الإشهاد كان معذوراً، وإن كان الثور لأهل القرية فأخرجه من زرعه وساقه ضمن لأن ما يكون لأهل القرية لا يكون له حكم اللقطة في النهار وإنما يكون له حكم اللقطة في الليل أما في النهار فحكمه حكم الغصب فيضمن أشهد أو لم يشهد قال ومقدار ما يخرجه عن ملكه لا يكون مضموناً عليه وإن ساقه ما وراء ذلك بنفس السوق يصير غاصباً ويصير مضموناً عليه إلا إذا ساقه إلى موضع يأمن فيه، رجل وجه جارية له إلى النخاس ليبيعها فبعثتها امرأة النخاس إلى حاجة لها فهربت قال الشيخ الإمام أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى الضمان يكون على امرأة النخاس لا غير في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى صاحب الجارية بالخيار إن شاء ضمّن النخّاس وإن شاء ضمن امرأته لأن النخاس أجير مشترك ومن مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنّ الأجير المشترك لا يصير ضامناً لما تلف في يده بغير فعله، وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى يكون ضامناً، رجل قلع تالة من أرض رجل وغرسها في ناحية أخرى في تلك الأرض قال الشيخ الإمام أبو نصر رحمه الله تعالى الشجر يكون للغارس وعليه قيمة التالة للمالك يوم قلع فإن كان قلع الشجرة يضر بالأرض كان لصاحب الأرض أن يعطي قيمة الشجرة للغاصب قيمة شجرة ليس لها حق القرار، رجل وطئ امرأة أبيه كرهاً وقال علمت أنها علي حرام وتعمدت إفساد النكاح وكان ذلك قبل أن يدخل الأب بالمرأة فوجب للمرأة على الأب نصف المهر قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يرجع الأب على الابن بما ضمن لأنه وجب عليه حد الزنا فلا يغرم شيئاً، ولو أن الابن قبلّها بشهوة وقال تعمدت إفساد النكاح على الأب وجب على الأب نصف المهر ثم يرجع بذلك على الابن لأنه أكد ما كان على شرف السقوط تعدياً فيرجع به عليه، رجل بعث غلاماً صغيراً في حاجة له بغير إذن أهل الغلام فرأى الغلام غلماناً يلعبون فانتهى إليهم وارتقى سطح بيت فوقع ومات ضمن الذي بعثه في حاجته لأنه صار غاصباً بالاستعمال، رجل قال لعبد الغير ارتق هذه الشجرة وانثر المشمش لتأكله أنت ففعل ووقع من الشجرة فمات لا يضمن الآمر لأنه ما استعمله في أمر نفسه، وإن كان الآمر <237\3> قال له ارتق الشجرة وانثر المشمش لآكل أنا ففعل ووقع ومات ضمن الآمر لأنه استعمله في أمر نفسه، المرتهن إذا جعل خاتم الرهن في خنصره فضاع ضمن لأنه لبس لبساً معتاداً فيصير غاصباً وخنصر اليمنى و اليسرى فيه سواء لأن من الناس من يجعلونه في اليمنى، وإن جعله في البنصر لا يضمن لأن ذلك حفظ وليس بلبس، وإن جعله في خنصره فوق خاتم آخر لا يضمن قالوا لمحمد رحمه الله تعالى إن بعض السلاطين يجعلون الخاتم فوق الخاتم فقال محمد رحمه الله تعالى إنما يلبس للختم أشار إلى أن هذا ليس بمعتاد يقصد به التزين، فالحاصل أن الرجل إذا كان معروفاً بلبس خاتمين للتزين يكون ضامناً، رجل رفع قلنسوة من رأس إنسان ووضعها على رأس رجل آخر فطرحها رجل من رأسه فضاعت قالوا إن كانت القلنسوة بمرأى العين من صاحبها بحيث أمكنه رفعها من ذلك الموضع لا يضمن الطارح لأن ذلك بمنزلة الرد على المالك وإن لم يكن كذلك يكون ضامناً وقد مر قبل هذا في مثله أنه إذا كان في موضع يتمكن صاحبها من أن يمد يده فيأخذها لا يضمن، رجل دخل منزل رجل بإذنه وأخذ إناء من بيته بغير إذنه لينظر فيه فوقع من يده فانكسر قال الناطفي رحمه الله تعالى لا يضمن ما لم يحجر عليه صاحب البيت لأنه مأذون دلالة، ولو أنه أخذ كوزاً ليشرب منه فسقط من يده وانكسر لا يضمن، ولو أن سوقياً يبيع إناء فأخذه إنسان بغير إذنه لينظر فيه فسقط من يده وانكسر كان ضامناً لأنه غير مأذون بذلك دلالة بخلاف الأول لأن الإذن بدخول المنزل إذن بذلك دلالة، ولو أن رجلاً تقدم إلى خزاف يبيع الخزف فأخذ غضارة بإذنه لينظر فيها فوقعت من يده على غضارات أخرى لا يضمن قيمة المأخوذة لأنه أخذها بإذنه ويضمن قيمة ما سواها لأنها تلفت بفعله بغير إذنه، زق انشق فمر به رجل فأخذه ثم تركه قالوا إن لم يكن المالك حاضراً يكون ضامناً لأنه التزم الحفظ فإذا ترك ضمن وإن كان المالك حاضراً لا يضمن لأن هذا ليس بتضييع هذا إذا أخذ الزق فإذا لم يأخذه ولم يدن منه لا يضمن وإن لم يكن المالك حاضراً، وعلى هذا إذا سقط شيء من إنسان فرآه رجل، ولو شق رجل زق غيره وفيه سمن جامد(3/125)
فأصابته الشمس فذاب اختلفوا فيه ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أنه لا يضمن، رجل قال لغيره كل هذا الطعام فإنه طيب فأكل فإذا هو مسموم فمات لا يضمن كما لو قال لغيره اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلك فأخذه اللصوص فإنه لا يضمن، رجل أقام البيّنة على رجل أنه غصب مني هذه الجارية اليوم وأقام رجل آخر البيّنة أنه اغتصبها مني منذ شهر قال محمد رحمه الله تعالى في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى هي للذي أقام البينة على الوقت الآخر ويضمن المدعى عليه قيمتها للأول وفي قياس قول أبي يوسف رحمه الله تعالى هي للذي أقام البيّنة على الوقت الأول و لا يضمن للآخر شيئاً، رجل عليه عشرة دراهم لرجل فأوفاه فوجدها القابض اثني عشر ذكر في النوادر أن على قول أبي حنيفة وأبي <238\3> يوسف رحمهما الله تعالى الزيادة أمانة إذا هلكت لا يلزمه ضمانها وعلى قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى تكون مضمونة وهو القياس فلو أن القابض دفع منها درهمين ليردهما على صاحبهما فهلكا في الطريق قالوا أن المديون يشارك القابض فيما بقي فيكون له سدس ما بقي وذلك درهم وثلثا درهم لأن كل درهم من المقبوض سدسه للدافع وخمسة أسداسه للقابض، رجل دفع الدراهم إلى ناقد لينقد فغمز الدراهم وكسر قالوا يكون ضامناً إلا إذا قال له المالك إغمز وهذا إذا كان المكسور لا يروج رواج الصحاح وينقص بالكسر، رجل أتلف على رجل أحد مصراعي باب أو أحد زوجي خف أو مكعب كان للمالك أن يسلم إليه المصراع الآخر ويضمن قيمتهما، رجل أخذ من أرض إنسان تراباً قالوا إن كان لذلك التراب قيمة في ذلك الموضع يضمن قيمة التراب سواء تمكن به النقصان بالأرض أو لم يتمكن وإن لم يكن للتراب قيمة في ذلك الموضع ينظر إن انتقص به الأرض ضمن النقصان وإلا فلا ولا يؤمر بالكبس وقال بعضهم يؤمر بذلك، الراعي إذا خاف على شاة فذبحها ذكر في الأصل أنه يضمن قيمتها يوم الذبح وقال الشيخ الإمام الزاهد المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى إنما يضمن إذا ذبح شاة يرجى حياتها وإليه أشار في الكتاب فإنه قال وخاف الراعي على شاة ولم يقل تيقن بموتها ولا يرجى حياتها فأما إذا تيقن بموتها ولا يرجى حياتها لا يضمن لأنه مأمور من المالك بحفظها وذبحها في هذه الحالة حفظه وهو بمنزلة القصاب إذا شد رجل شاة وأضجعها فجاء إنسان وذبحها لا يضمن، ولو مر رجل بشاة لغيره وقد أشرفت على الهلاك فذبحها يكون ضامناً لأنه غير مأمور بالحفظ، وذكر في النوازل شاة لإنسان سقطت وخيف عليها الموت فذبحها إنسان كي لا تموت لا يضمن استحساناً لأنه مأذون دلالة وهو كما لو قدّم شاة للأضحية وربط رجلها للذبح فجاء آخر وذبحها عنه جاز استحساناً، وكذا لو طحن رجل جوالق غيره في الطاحون، وكذا لو سد الورع (1) ليسقي به زرعه فجاء رجل وفتح فوهة أرضه وسقى الأرض لا يضمن، وكذا الرجل إذا جعل اللحم في القدر وصب فيه الماء فجاء آخر و أوقد النار وطبخ لا يضمن، ولو كان اللحم في المعلاق فجاء آخر وألقاه في القدر وطبخه كان ضامناً، الغاصب إذا استهلك المغصوب وهو من ذوات القيم حتى ضمن قيمته فإنه ينظر إن كان ذلك الشيء يباع في السوق بالدراهم يقوَّم بالدراهم وإن كان يباع بالدنانير يقوّم بالدنانير وإن كان يباع بهما كان الرأي فيه إلى القاضي قضى عليه بما كان أنظر للمغصوب منه، رجل غصب جارية فزنى بها ثم ردها على المولى فظهر بها حبل عند المولى فولدت وماتت في الولادة أو في النفاس فإن على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن كان ظهور الحبل عند المولى لأقل من ستة أشهر من وقت رد الغاصب ضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب، بخلاف ما لو زنى بحرّة فحبلت وماتت في الولادة أو في النفاس فإن ثم لا يضمن الزاني شيئاً، رجل غصب من <239\3> رجل عبداً ثم إن المغصوب منه قال للغاصب إذهب به إلى موضع كذا فبعه فذهب به الغاصب إلى ذلك الموضع فعطب في الطريق كان الغاصب ضامناً على حاله، ولو أن الغاصب استأجر العبد من المغصوب منه ليبني له حائطاً معلوماً فإن العبد يكون في ضمانه حتى يأخذ في عمل الحائط وإذا أخذ في عمل الحائط برئ عن الضمان وكذا إذا استأجره من المالك ليخدمه، رجل له كرّان من حنطة غصب رجل أحدهما وذهب به ثم إن المغصوب منه أودع الغاصب الكرّ الثاني فخلطه الغاصب بكرّ الغصب ثم ضاع الكلُّ ذكر في النوادر أن الغاصب يضمن الكرّ الذي غصب ولا يضمن الوديعة، وكذلك رجل أخذ من كيس رجل فيه ألف درهم خمسمائة فذهب بها ثم ردها بعد أيام ووضعها في الكيس الذي أخذها منها فإنه يضمن الخمسمائة التي كان أخذها لا غير، رجل غصب دابة ثم ردها إلى مربط المالك لا يبرأ عن الضمان وقال زفر رحمه الله تعالى يبرأ، ولو ركب دابة غيره ثم نزل وتركها في مكانها كان ضامناً في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ولا يكون ضامناً في قول زفر رحمه الله تعالى، ولو أخذ لقطة ليعرّفها ثم أعادها إلى المكان الذي أخذها منه برئ عن الضمان حتى لو هلكت لا يضمن ولم(3/126)
يفصّل في الكتاب بين ما إذا تحول عن ذلك المكان ثم أعاده إلى ذلك المكان وبين ما إذا لم يتحول وذكر الحاكم الجليل تأويله إذا أعادها قبل التحول فأما بعد التحول لا يبرأ من الضمان، وإليه مال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى هذا إذا أخذ اللقطة ليعرّفها فإن كان أخذها ليأكلها ثم أعادها لا يبرأ من الضمان ما لم يردها إلى صاحبها، رجل نزع خاتماً من إصبع نائم ثم أعاده إلى إصبعه قبل أن ينتبه النائم برئ من الضمان في قولهم ولو انتبه النائم ثم نام وأعاده إلى إصبعه لا يبرأ في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ويبرأ في قول زفر رحمه الله تعالى، ولو رفع اللقطة وهي ثوب فلبسها عند غيبة المالك ثم أعادها إلى مكانها فهو على هذا الخلاف أيضاً هذا إذا لبس لبساً معتاداً فأما إذا كان قميصاً فوضعه على عاتقه ثم أعاده إلى موضعه لا يضمن في قولهم وكذا الخاتم إذا أدخله في خنصره يكون استعمالاً فيكون ضامناً اليسرى واليمنى فيه سواء فإن أدخله في إصبع أخرى لا يكون ضامناً وإن أدخله على خاتم في خنصره فهو على ما قلنا من أنه إذا كان معروفاً بلبس خاتمين للتزين يكون ضامناً وإلا فلا، ولو تقلد السيف ثم نزع وأعاده ضمن عند أبي يوسف رحمه الله تعالى، وكذا لو كان متقلداً بسيف فتقلد بهذا السيف، وإن كان متقلداً بسيفين فتقلد بهذا السيف أيضاً ثم أعاده لا يكون ضامناً، وعن محمد رحمه الله تعالى في المنتقى إذا أخذ رجل خاتماً من إصبع نائم أو درهما من كيسه أو خفاً من رجله ثم أعاده إلى مكانه وهو نائم أو لم يعد حتى انتبه من نومه ثم نام نومة أخرى فأعاده إلى موضعه إن أعاد في مجلسه ذلك استحسنْتُ أن لا أضمِّنه وإلا ضمنّته، وكذا لو أعاد الخاتم إلى إصبع أخرى ولم يذكر في هذه المسائل قول أبي حنيفة <240\3>رحمه الله تعالى، قالوا الصحيح من مذهبه أنه لا يضمن إلا بالتحويل، وذكر في جمع التفاريق إذا نزع من إصبع نائم خاتماً ثم أعاده فيها عند أبي يوسف رحمه الله تعالى يعتبر النومة الأولى وعند محمد رحمه الله تعالى يعتبر المجلس استحساناً، سكران لا يعقل وهو نائم وقع ثوبه في الطريق فأخذ رجل ثوبه ليحفظه لا يضمن، وإن أخذ الثوب من تحت رأسه أو أخذ خاتماً من يده أو كيساً من وسطه أو درهماً من كمّه ليحفظه لأنه خاف ضياعه ضمن لأن المال كان محفوظاً بصاحبه، السلطان الجائر إذا هدد المودع بحبس شهر أو ضرب لا يتلف عضواً منه ليدفع إليه الوديعة فدفع ضمن وإن خوّفه بتلف عضو لا يضمن، ولو سعى رجل إلى سلطان ظالم وقال له إن لفلان مالاً كثيراً أو أنه وجد مالاً أو أصاب ميراثاً أو قال عنده مال فلان الغائب أو أنه يريد الفجور بأهلي فإن كان السلطان ممن يأخذ المال بهذه الأسباب كان ذلك سعياً موجباً للضمان إذا كان كاذباً فيما قال، وإن كان صادقاً فيما قال إلا أنه لا يكون متظلماً ولا محتسباً في ذلك فكذلك، وإن قال إنه ضربني أو ظلمني وهو كاذب في ذلك كان ضامناً، رجل تعلق برجل وخاصمه فسقط من المتعلق به شيء وضاع قالوا يضمن المتعلق، وقال رضي الله تعالى عنه وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن سقط بقربٍ من صاحب المال وصاحب المال يراه ويمكنه أن يأخذ لا يكون ضامناً، رجل أخذ غريماً له فجاء إنسان وانتزعه من يده حتى هرب الغريم فإنه يعزَّر بحكم الجناية ولا يضمن المال الذي على المديون، رجل خرق صك رجل أو دفتر حسابه تكلموا فيما يجب عليه وأصح ما قيل أنه يضمن قيمة الصك مكتوباً، رجل صب ماء على حنطة رجل فنقصت ثم جاء آخر وصب عليها الماء أيضاً حتى زاد في النقصان روي عن محمد رحمه الله تعالى أن الثاني يضمن قيمتها يوم صب الماء عليها ويبرأ الأول، رجل أحرق كدساً لرجل قال رحمه الله تعالى إن كان قيمة البر في السنبل أقل من قيمتها لو كان خارجاً عن السنبل كان عليه قيمة الكدس، وإن كانت قيمة البر في السنبل أكثر كان عليه مثل البر وعليه قيمة الحل، وإن غصب كدساً فداسه ثم أقام المغصوب منه البينة على الغصب فإنه يقضى له بالبر وقيمة الحل، ولو أن رجالاً غصبوا من رجل حبة حبة من الحنطة فبلغ ذلك قفيز حنطة قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا غصب قوم رجلاً شيئاً له قيمة أضمِّنهم قيمته ولو جاء برجل منهم بعد رجل لم أضمِّنه شيئاً، رجل أحمى تنّوره بقصب أو حشيش وأنفق فيه فجاء رجل وصب فيه الماء قالوا ينظر إلى قيمة التنور مسجوراً وغير مسجور فيغرّم فضل ما بينهما، وقيل ينظر إلى أجرته مسجوراً وغير مسجور فيضمن الفضل، وكذا الرجل إذا فتق قميص إنسان ينظر إلى قيمته مخيطاً وغير مخيط ويضمن الفضل، وكذا إذا نزع باب دار إنسان عن موضعه أو بال في بئر ماء الوضوء <241\3> أو حل سرج إنسان وكذا كل ما كان مؤلفاً مركباً إذا نقض تأليفه، ولو أفسد على آخر تأليف حصيره قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن أمكن إعادته أمر بإعادته كما كان وإن لم يمكن سلّم إليه المنقوض ويأخذ منه قيمة الحصير صحيحاً، وكذلك في النّعل وكل ما كان يمكن إعادته(3/127)
على ما كان، ولو حلّ سلسلة ذهب كان عليه قيمتها من الفضة، وكذا الرجل إذا شد أسنان عبده بذهب فرمى بها رجل، ولو حلّ سدى حائك ونشره ينظر إلى قيمته سدى وإلى قيمته غير سدى فيضمن الفضل وكذا إذا أخذ نعل رجل من نعال العرب فحلّ شاركه يقوم النعل مشرّكة وغير مشركة فيضمن الفضل، فصار أوقف دابة في الطريق وعليها ثياب فمر عليها راكب ومزق بعض الثياب التي كانت على الدابة قال الشيخ الإمام أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن رأى الراكب الدابة الواقفة ضمن وإن لم يبصر لا يضمن، ولو مر رجل على ثوب موضوع في الطريق وهو لا يبصر وتخرق لا يضمن وكذا الرجل إذا جلس على الطريق فوقع عليه إنسان وأصاب الجالس إن لم ير الجالس لا يضمن قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى قد روي عن بعض أصحابنا رحمهم الله تعالى خلاف هذا ولكن إذا أفتى مفتٍ بما قال أبو بكر رحمه الله تعالى لا بأس به، ميت كفن بثوب الغير قالوا إن شاء أخذ صاحب الثوب قيمة الثوب وإن شاء نبش القبر فأخذ ثوبه قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كان الميت ترك مالاً يعطى قيمة الثوب من ذلك المال وكذا لو ضمن متبرع قيمة الثوب لا يكون لصاحب الثوب أن ينبش وإن لم يكن شيء من ذلك فإن ترك صاحب الثوب لآخرته فهو أفضل وإن نبش كان له ذلك، فإن كان الثوب قد انتقص بالتكفين يضمن الذي كفن الميت ودفنه، قال رضي الله تعالى عنه وعندي هذا إذا كفن من غير خياطة وإن خيط فليس لصاحب الثوب أن ينبش ويأخذ ثوبه، جمّال أراد أن يعبر بجماله في نهر كبير يجري فيه الجمد كما يكون في الشتاء فركب بعيراً وأدخله في النهر وسائر الجمال عقيبه فسقط بعيره وتلف ما عليه قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان الناس يسلكون النهر في مثل هذا الوقت لا يضمن الجمّال، رجل بنى حائطاً في أرض الغصب من تراب هذه الأرض قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى الحائط لصاحب الأرض لا سبيل للباني عليه لأنه لو أمر بنقض الحائط يصير تراباً كما كان وهكذا قال أبو القاسم رحمه الله تعالى، وعن غيرهما رجل بنى حائطاً في كرم رجل بغير أمر صاحب الكرم فإن لم يكن للتراب قيمة فإن الحائط يكون لصاحب الكرم ويكون الباني متبرعاً بعمله، وإن كان للتراب قيمة فإن الحائط يكون للباني وعليه قيمة التراب، وعن محمد رحمه الله تعالى رجل هدم لآخر بناء مبنياً وقيمة البناء سوى أرضه مائة درهم وقيمة أرضه سوى البناء مائة درهم <242\3> وقيمة التراب المهدوم ثلاثون درهماً قال صاحب البناء بالخيار إن شاء ضمّنه مائة درهم ويصير تراب البناء ونقضه للهادم وإن شاء ضمنه سبعين درهماً وليس للهادم من ترابه شيء، وعن أبي مقاتل رحمه الله تعالى هدم رجل حائط رجل قال يقوّم الحائط مبنياً فإن كانت قيمة الحائط مائة درهم وقيمة ترابه عشرة يضمن الهادم تسعين درهماً والتراب لصاحب الحائط، ولو قال صاحب الحائط لا أريد أخذ تراب الحائط وأدفعه إلى الهادم كان له ذلك ويضمّنه مائة درهم، رجل غصب ساجة وأدخلها في بنائه فإنه يتملك الساجة وعليه قيمتهما فإن كانت قيمة الساجة والبناء سواء فإن اصطلحا على شيء جاز فإن تنازعا يباع البناء عليهما ويقسم الثمن بينهما على قدر مالهما، وكذا المودع إذا خلط حنطة الوديعة بشعير رجل وغاب المودع كان الجواب كذلك، وكذا لو هبت الريح بثوب إنسان وألقته في صبغ آخر حتى انصبغ وقيمة الثوب والصبغ سواء، وكذا الدجاجة إذا ابتلعت لؤلؤة وقيمتهما سواء وإن كانت قيمة اللؤلؤة أكثر كان لصاحب اللؤلؤة أن يتملك الدجاجة بقيمتها ولو أراد صاحب الدجاجة أن يعطي قيمة اللؤلؤة كان له ذلك،و كذا البعير إذا ابتلع لؤلؤة وقيمة اللؤلؤة أكثر كان لصاحب اللؤلؤة أن يدفع إليه قيمة البعير فإن كان ثمن اللؤلؤة شيئاً يسيراً فلا شيء على صاحب البعير، وكذا لو أدخلت دابة رجل رأسها في قدر رجل ولا يمكن الإخراج إلا بالكسر كان لصاحب الدابة أن يتملك القدر بقيمته ونظائرها كثيرة لصاحب أكثر المالين أن يتملك الآخر بقيمته فإن كان قيمتهما على السواء يباع عليهما ويقتسمان الثمن، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لؤلؤة وقعت في دقيق رجل إن كان في قلب الدقيق ضرر لا أقلّبه وأنتظر حتى يباع الدقيق الأول فالأول وإن لم يكن في قلبه ضرر أمرته بقلبه وقال بشر رحمه الله تعالى يقلبه الذي يطلب اللؤلؤة، رجل غصب عبداً وشدّ يد العبد فحل العبد يده وقتل نفسه ضمن الغاصب قيمة العبد كما لو قتله غير العبد عند الغاصب كان له أن يضمن الغاصب، رجل غصب سفينة فوجدها المالك في وسط البحر فإن المالك لا يستردّها من الغاصب ولكن يؤاجرها منه إلى الساحل، وكذا الرجل إذا غصب دابة فوجدها المالك مع الغاصب في المفازة فإن المالك لا يستردها منه ولكن يؤاجرها إلى المأمن، رجل غصب عبداً فابيضت عينه عند الغاصب فاسترده المالك وضمن الغاصب أرش العين ثم انجلى البياض عند المالك كان للغاصب أن يسترد من المالك ما ضمن من أرش العين، رجل غصب(3/128)
عبداً قارئاً أو خبّازاً أو نحو ذلك فنسي العمل عند الغاصب قالوا يقوّم العبد خبازاً أو قارئاً ويقوّم غير خباز أو غير قارئ فيضمن الغاصب فضل ما بينهما، <243\3> رجل غصب من رجل عبداً أو دابة وغاب المغصوب منه فطلب الغاصب من القاضي أن يقبل منه المغصوب أو يأذن له بالانفاق ليرجع بذلك على المالك لا يجيبه القاضي إلى ذلك ويتركه عند الغاصب ونفقته تكون على الغاصب، ولو قضى القاضي بالإنفاق على المغصوب منه لا يجب على المغصوب منه شيء وإن رأى القاضي المصلحة في أن يبيع العبد أو الدابة بأن كان الغاصب مخوفاً ويمسك الثمن لصاحب الدابة فعل ذلك، رجل خدع صبية وذهب بها إلى موضع لا يعرف قال محمد رحمه الله تعالى يحبس الرجل حتى يأتي بها أو يعلم أنها قد ماتت، مديون دفع الدراهم إلى صاحب دينه وأمره بأن ينقدها فهلكت في يده هلكت من مال المديون على حاله، ولو دفع الدراهم إلى صاحب الدين ولم يقل شيئاً ثم إن الطالب دفع الدراهم إلى المديون لينقدها فهلكت في يده هلكت من مال الطالب كما لو دفعها الطالب إلى أجنبي لينقدها، رجل دفع إلى رجل عشرة دراهم فقال ثلاثة منها لك والباقي سلّمها إلى فلان وفلان فهلكت العشرة في يده ضمن الثلاثة لأنها مقبوضة بهبة فاسدة والباقي أمانة في يده، وعن محمد رحمه الله تعالى رجل دفع إلى آخر عشرة دراهم خمسة منها هبة له وخمسة منها وديعة عنده فاستهلك القابض منها خمسة وهلكت الخمسة الباقية قال على القابض سبعة دراهم ونصف لأن الخمسة الموهوبة مضمونة عليه والخمسة التي استهلكها نصفها كانت من المضمونة ونصفها من الأمانة فلهذا يضمن سبعة ونصفا، رجل عليه درهم لرجل فدفع المديون إلى الطالب درهمين أو درهماً ثم درهماً فقال خذ درهمك منهما فضاع الدرهمان قبل أن يعين درهماً قالوا يهلك من مال المديون، رجل كسر درهم رجل فوجد داخله فاسداً أو كسر جوز رجل فوجد داخله فاسداً قالوا لا يضمن شيئاً، رجل غصب من رجل دراهم أو دنانير في بلدة فطالبه المالك في بلدة أخرى كان عليه تسليمها وليس للمالك أن يطالبه بالقيمة وإن اختلف السعر، ولو غصب عيناً فلقيه المغصوب منه في بلدة أخرى والمغصوب في يد الغاصب فإن كانت القيمة في هذا المكان مثل القيمة في مكان الغصب أو أكثر فللمالك أن يأخذ الغصب وليس له أن يطالبه بالقيمة وإن كان السعر في هذا المكان أقل من السعر في مكان الغصب كان المالك بالخيار إن شاء أخذ القيمة على سعر مكان الغصب وإن شاء انتظر حتى يأخذ الغصب في بلدة الغصب، ولو أن المالك وجد الغاصب في بلدة الغصب وقد انتقص سعر العين فإنه يأخذ العين وليس له أن يطالبه بقيمته يوم الغصب، ولو كان العين المغصوب قد هلك وهو من ذوات الأمثال فإن كان السعر في المكان الذي التقيا مثل السعر في مكان الغصب أو أكثر فإنه يبرأ برد المثل، وإن كان السعر في هذا المكان أقل فالمالك بالخيار إن شاء أخذ قيمة العين في مكان الغصب وقت الغصب وإن شاء انتظر ولو كانت القيمة في مكان الخصومة أكثر يخيّر الغاصب إن شاء أعطاه مثله في مكان الخصومة وإن شاء <244\3> أعطاه قيمته حيث غصب إلا أن يرضى المغصوب منه بالتأخير، وإن كانت القيمة في المكانين سواء كان للمغصوب منه أن يطالبه بالمثل، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى رجل غصب من رجل حنطة بمكة وحملها إلى بغداد قال عليه قيمتها بمكة، ولو غصب غلاما بمكة فجاء به إلى بغداد قال إن كان صاحبه من أهل مكة عليه قيمته وإن كان من غير أهل مكة أخذ غلامه، ولو أن رجلاً حمل رجلاً إلى بعض البلاد كرهاً كان على الحامل كراؤه إلى الموضع الذي حمله منه، الغاصب إذا أتى بقيمة المغصوب المستهلك فأبى المالك أن يقبل قال أبو نصر رحمه الله تعالى يرفع الأمر إلى القاضي حتى يأمره بالقبول وقال نصير رحمه الله تعالى كانوا يقولون في الغصب والوديعة إذا وضع بين يدي المالك برئ وفي الدين لا يبرأ حتى يضعه في يده أو في حجره فإن رماه فقد برئ ولو لم يعلم صاحب الثوب أنه ثوبه فرماه ثم جاء آخر فرفعه قال أبو بكر رحمه الله تعالى أخاف أن لا يبرأ لأنه ربما يقع عند صاحب الثوب أنه وديعة ولم يعلم أنه ثوبه والمختار للفتوى أنه يبرأ لأنه رد عليه عين ماله فإنّ الغاصب لو أطعم المغصوب منه برئ من الضمان وإن كان لا يعلم، وإن وضع عين الغصب والوديعة بين يدي المالك يبرأ من الضمان، ولو كان المغصوب مستهلكا فآتاه القيمة فلم يقبل ولم يرفع الأمر إلى القاضي ووضع القيمة بين يدي المالك لا يبرأ، وإن وضعه في يد المالك أو في حجره يبرأ عن الضمان، ولو وضع الغصب أو الوديعة بين يدي المالك برئ فإن غصب من صبي شيئاً ثم دفعه إليه فإن كان الصبي من أهل الحفظ صح الرد عليه وإلا فلا ويكون بمنزلة ما لو رفع السرج عن ظهر دابة الغير ثم أعاده إلى ظهر الدابة لا يصح فإن كان الغاصب استهلك الغصب حتى ضمن القيمة فدفع القيمة إلى الصبي إن كان الصبي مأذوناً في التجارة صح وبرئ وإن لم يكن مأذوناً لا يبرأ الغاصب(3/129)
عن الضمان لأن دفع القيمة يتضمن معنى التمليك، رجل غصب ثوباً أو دابة أو دراهم وهي قائمة بعينها فأبرأه منها صح ويصير المغصوب أمانة في يده، وكذا إذا حلله من ذلك برئ الغاصب عن الضمان سواء كان قائماً أو مستهلكاً إن كان مستهلكاً فهو إبراء عن الدين وإن كان قائماً فهو إبراء عن ضمان الغصب فيصح ويصير العين أمانة عند الغاصب، رجل ابتلع درة رجل ومات فإن ترك مالاً يعطى الضمان من تركته وإن لم يدع مالاً لا يشق بطنه، بخلاف ما إذا ماتت الحامل وفي بطنها ولد حي يضطرب فإنه يشق بطنها لأن في ذلك صيانة الآدمي عن الهلاك فيجوز بخلاف المسألة الأولى، ولو ابتلع درة غيره وهو حي يضمن قيمتها ولا ينتظر إلى أن يخرج منه، شجرة القرع إذا نبتت في ملك رجل فصارت في حب رجل آخر وعظم القرع فتعذر إخراجه من غير كسر الحب فهي بمنزلة اللؤلؤة إذا ابتلعتها دجاجة ينظر إلى أكثر المالين قيمة فيقال لصاحب الأكثر إن شئت أعطيت الآخر <245\3> قيمة ماله فيصير لك فإن أبى يباع الحب عليهما على نحو ما قلنا فيكون الثمن بينهما وكذا الجواب في الأترجة إذا دخلت في قارورة رجل، ولو أدخل رجل أترجة غيره في قارورة رجل آخر وتعذر إخراجها فإن الذي فعل ذلك يضمن لصاحب الأترجة قيمة الأترجة ولصاحب القارورة قيمة القارورة وتصير القارورة والأترجة ملكاً له بالضمان، ولو اختلط نورة رجل بدقيق آخر بغير صنع أحد يباع المختلط ويضرب كل واحد منهما بقيمته مختلطة لأن هذا نقصان حصل لا بفعل أحد فليس أحدهما بإيجاب الضمان عليه بأولى من الآخر، ولو أودع رجل فصيلاً فأدخله المودع في بيته فعظم ولم يقدر على إخراجه إلا بقلع الباب فله أن يعطي صاحب الفصيل قيمة فصيله يوم صار الفصيل بحال لا يمكن إخراجه إلا بقلع الباب وإن شاء قلع بابه ورد الفصيل إلى صاحبه قال مولانا رضي الله عنه وينبغي أن يكون هذا الجواب فيما إذا كان نقصان البيت بإخراج الفصيل أكثر من قيمة الفصيل أما إذا كانت قيمة الفصيل أكثر من النقصان الذي يدخل في البيت وأبى المودع قلع الباب فإنه يؤمر صاحب الفصيل أن يدفع نقصان البيت إلى المودع ويخرج الفصيل وهذا إذا أدخل المودع الفصيل في بيته، ولو استعار المودع من غيره بيتاً وأدخل فيه الفصيل فإنه يقال لصاحب الفصيل فإنه يقال لصاحب الفصيل إن أمكنك إخراج الفصيل فأخرجه وإلا فانحره واجعله إرباً إرباً دفعاً للضرر عن صاحب البيت، ولو كان مكان الفصيل حمار أو بغل فإن كان ضرر قلع الباب فاحشاً فكذلك وإن كان يسيراً كان لصاحب الحمار والبغل أن يقلع الباب ويلتزم ضمان نقصان البيت لتصل الدابة إلى صاحبها ويندفع الضرر عن صاحب البيت بإيجاب الضمان، قصّار بسط ثوب القصارة على حبل فألقته الريح في إجانة صبّاغ و انصبغ بصبغه ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أنه ليس على القصار ولا على رب الثوب شيء لأجل الصبغ ولكن يباع الثوب فيضرب الصباغ بقيمة صبغه وصاحب الثوب بقيمة ثوبه، رجل ذبح شاة إنسان ظلماً فصاحبها بالخيار إن شاء ترك المذبوح عليه وضمنه قيمتها وإن شاء أخذ المذبوح وضمنه النقصان، وكذا إذا سلخها وجعلها عضواً عضواً أو، وعن الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى أنه إذا أخذها ليس له أن يضمنه النقصان والفتوى على ظاهر الرواية، ولو قطع يد حمار أو بغل قطع رجله فصاحبه بالخيار إن شاء ضمنه القيمة ودفع إليه الدابة وإن شاء أمسكها ولا يرجع على الغاصب بشيء بخلاف ما لو كان المغصوب عبداً أو جارية فقطع يدها أو رجلها كان لصحبها أن يضمن الغاصب قيمتها ويدفع إليه المغصوب وإن شاء ضمنه النقصان ويأخذ المقطوع لأن الآدمي بقطع اليد والرجل لا يصير مستهلكاً من كل وجه، أما العوامل فبقطع اليد والرجل يصير مستهلكاً فلهذا كان له الخيار في الآدمي إن شاء ضمنه النقصان وإن شاء ضمنه جميع القيمة كما لو خرق ثوب إنسان خرقاً فاحشا هذا إذا كانت الدابة مما لا تؤكل كالحمار والبغل فإن <246\3> كانت مما تؤكل كالشاة و الجزور في ظاهر الرواية هذا والأول سواء للمالك أن يضمنه جميع القيمة وليس له أن يضمنه النقصان ويمسك الدابة، وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى، وكذا إذا ذبح شاة فلصاحبها أن يدفع المذبوحة ويضمنه قيمتها وإن شاء أخذ المذبوحة ولا شيء له، ولو ذبح حمار غيره ليس له أن يضمنه النقصان في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولكن يضمنه جميع القيمة، وعلى قول محمد رحمه الله تعالى إن ذبح حمار غيره فللمالك أن يمسك الحمار ويضمنه النقصان وإن شاء ضمنه كل القيمة ولا يمسك المذبوح، وإن قتله فليس له أن يضمنه النقصان، وقال محمد رحمه الله تعالى إن كان له قيمة بعد قطع اليد أو الرجل فإن شاء ضمنه جميع القيمة وإن شاء أمسك الدابة وضمنه النقصان والاعتماد على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، ولو فقأ عيني حمار قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن شاء سلّم الجثة وضمنه جميع القيمة وليس له أن يمسك الجثة ويضمنه النقصان وهي مسألة الجثة العمياء وفي عين(3/130)
واحد من الفصيل أو الجحش وما يعمل به كالثيران ربع القيمة والبقرة إن كانت يعمل بها فكذلك، ولو قطع رجل حمار أو يده ثم ذبحه صاحبه لا شيء لصاحبه على القاطع في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في المنتقى إذا قتل إنسان ذئباً مملوكاً أو أسداً مملوكاً لا يضمن شيئاً بخلاف القرد لأن القرد يكنس البيت ويخدم، رجل غصب مصحفاً فنقطه قالوا هي زيادة فصاحب المصحف بالخيار إن شاء أعطاه ما زاد ذلك فيه وإن شاء ضمنه قيمته غير منقوط، وذكر المعلّى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن صاحبه يأخذه بغير شيء، رجل اغتصب أرضاً فبذرها حنطة ثم اختصما قبل أن ينبت قال محمد رحمه الله تعالى إن شاء صاحب الأرض تركها حتى ينبت ثم يقول للغاصب اقلع زرعك وإن شاء أعطاه ما زاد الزرع فيه يقوّم الأرض وفيها البذر وتقوّم وليس فيها البذر فأعطاه فضل ما بينهما، رجل اغتصب غلاماً قيمته خمسمائة فخصاه فبرئ وصار يساوي ألف درهم قال صاحبه بالخيار إن شاء ضمنه خمسمائة قيمته يوم خصاه ودفع إليه الغلام وإن شاء أخذ الغلام ولا شيء له ولا عليه، رجلان مع أحدهما سويق ومع الآخر زيت أو سمن فاصطدما فانصب سمن هذا و زيته في سويق ذلك قال صاحب السويق يضمن لصاحب الزيت أو السمن مثل زيته أو سمنه لأن صاحب السويق استهلك سمن هذا أو زيته ولم يستهلك صاحب الزيت سويق ذلك لأن هذا زيادة في السويق، دابة رجل في مربطه مشدودة والباب مغلق فجاء إنسان وحلّ الدابة ثم جاء آخر وفتح الباب فذهبت الدابة قال محمد رحمه الله تعالى الضمان على الذي فتح الباب وكذلك الغنم، ولو أن رجلاً أخذ مملوكه الآبق وقيده وأغلق عليه الباب فحل رجل قيده وفتح الباب فذهب المملوك قال لا ضمان على الذي فتح الباب وحل القيد لأن بني آدم <247\3> لهم عزيمة في الذهاب فهو الفاعل، والبهيمة ليس لها عزيمة فإن كان المملوك ذاهب العقل لا يؤمن أن يلقي نفسه في البئر ونحو ذلك قال هو ضامن له لأنه لا يعقل (هامش:في نسخة أبو جعفر) وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لا يضمن في البهائم أيضاً، رجل غصب من آخر كراً من حنطة ثم دفعه إلى المغصوب منه وقال للمغصوب منه اطحنه لي فطحنه ثم علم أنها كانت حنطته قال للمغصوب منه أن يمسك الدقيق، وكذا لو غصب غزلاً ثم دفعه إلى المغصوب منه وقال انسجه لي فنسجه ثم علم به، وكذا لو غصب دابة ثم مات المغصوب منه فجاء وارثه واستعار من الغاصب دابة ليركبها فأعارها الغاصب إياه فعطبت تحته برئ الغاصب عن ضمانها، أرض بين رجلين زرعها أحدهما كلها بغير أمر الشريك قال محمد رحمه الله تعالى إن كان الزرع قد طلع فتراضيا أن يعطي الذي لم يزرع الذي زرع نصف بذره ويكون الزرع بينهما نصفين جاز، وإن لم يتراضيا بذلك ولم ينبت الزرع بعد لم يجز، وإن كان قد نبت فأراد الذي لم يزرع أن يقلع الزرع فإن الأرض تقسم بينهما نصفين فما أصاب الذي لم يزرع من الأرض يقلع ما فيه من الزرع ويضمن الذي زرع له ما دخل أرضه من نقصان القلع، رجل أضاف رجلاً فنسي الضيف عنده ثوباً فاتبعه به صاحب البيت فغصبه غاصب قال إن اغتصبه غاصب في المدينة فليس عليه ضمان وإن أخرجه عن المدينة ضمن، رجل غصب ثوباً فقطعه قميصاً ولم يخطه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى صاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمته وترك الثوب عليه وإن شاء أخذ الثوب وأخذ معه نقصان الثوب، رجل غصب عبداً فأبق من الغاصب ولم يكن أبق قبل ذلك قط فرد على الغاصب من مسيرة ثلاثة أيام فالجعل على المولى ولا يرجع به على الغاصب ولكنه يرجع على الغاصب بما نقص الإباق من قيمته قال ألا ترى أن المولى لو وجده فرده كان على الغاصب نقصان الإباق، رجل غصب جارية وغيّبها واختلفا في القيمة فقال صاحبها كانت قيمتها ألفين وقال الغاصب قيمتها ألف فحلف على ذلك فقضى القاضي على الغاصب بألف لا يحل للغاصب أن يستخدمها ولا يطأها ولا يبيعها إلا أن يعطيه قيمتها تامة فإن أعتقها الغاصب بعد القضاء بالقيمة الناقصة يجوز عتقه وعليه تمام القيمة كما لو أعتقها في الشراء الفاسد، ولو ادّعى رجل على رجل أنه وهب له هذه الجارية وأنه قبضها منه وأقام على ذلك شهود زور فقضى القاضي له بها لا يحل أن يطأها ولا يستخدمها، ولو أن رجلاً استودع جارية فجحد المودع ثم أتاه بجارية أخرى وقال هذه أمتك التي استودعتنيها وترافعا الأمر إلى القاضي فإن أخذ رب الوديعة هذه الأمة يحل لكل واحد منهما وطء التي أخذها ولو لم يأخذ كان على دعواه، رجل غصب من رجل جارية وغيبها فأقام المغصوب منه بينة أنه غصب منه جارية له ولو يذكروا صفة الجارية ولا قيمتها قال في الكتاب يحبس حتى يجيء بها ويردها على صاحبها، وقال أبو بكر <248\3> البلخي رحمه الله تعالى تأويل المسألة أن الشهود شهدوا على إقرار الغاصب بذلك لأن الإقرار الثابت بالبينة كالإقرار معاينة فأما الشهادة على فعل الغصب لا تقبل مع جهالة المغصوب لأن المقصود إثبات الملك للمدعي في المغصوب(3/131)
ولا وجه للقضاء في المجهول، وكذا لا بد من الإشارة إلى ما هو المقصود بالدعوى في الشهادة، وقال الشيخ الإمام الزاهد شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الأصح أن هذه الدعوى والشهادة صحيحتان لمكان الضرورة فإن الغاصب يكون ممتنعاً عن إحضار المغصوب عادة والشهود على الغصب قلّما يقفون على أوصاف المغصوب وإنما يتأتى منهم معاينة فعل الغصب فسقط اعتبار علمهم بأوصاف المغصوب لمكان الضرورة فيثبت بشهادتهم فعل الغصب في محل هو مال متقوّم ويصير ثبوت ذلك بالبينة كالثبوت بإقراره فيحبس حتى يجيء بها ويردها على صاحبها، فإن قال الغاصب قد ماتت الجارية أو بعتها ولا أقدر عليها فإن القاضي لا يعجل بالقضاء بالقيمة لأن القضاء بالقيمة ينقل حق المغصوب منه عن العين إلى القيمة فيتلوم زماناً وذلك مفوّض إلى رأي القاضي، وهذا إذا لم يرض المغصوب منه بالقضاء بالقيمة له، فأما إذا رضي فإنه يقضي ولا يتلوم، فإن اختلفا في قيمتها كان القول قول الغاصب مع يمينه فإذا قضى القاضي بالقيمة ثم ظهرت الجارية فإن كان القضاء بالقيمة بالبينة أو بنكول الغاصب أو بإقرار الغاصب بما ادعى المالك من قيمة الجارية كانت الجارية للغاصب لا سبيل للمغصوب منه عليها وإن كان القضاء بالقيمة بزعم الغاصب بعدما حلف الغاصب يخير المغصوب منه إن شاء استرد الجارية ورد ما قبض على الغاصب وإن شاء أمسك تلك القيمة ولا سبيل له عليها، وقال الكرخي رحمه الله تعالى هذا إذا كانت قيمتها بعد ما جاءت الجارية أكثر مما قال الغاصب أما إذا كانت قيمتها مثل ما قال الغاصب لا سبيل له على الجارية وفي الكتاب أطلق الجواب، وقال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الأصح ما قال في الكتاب وهذا مذهبنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى الجارية باقية على ملك مولاها يستردها مولاها فيرد القيمة المقبوضة، رجل عليه دين لرجل فلم يؤد حتى مات الطالب إن أدى إلى الورثة برئ وإن لم يؤد كان ذلك للميت في الدار الآخرة.
فصل فيما يُضّمن بإرسال الدابة(3/132)
رجل أرسل كلباً أو دابة أو طيراً فأتلف مال إنسان في فوره ضمن المرسل في الدابة إن كان سائقاً لها ولا يضمن في الكب والطير عند محمد رحمه الله تعالى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يضمن في الكلب، وذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا أرسل كلبه على رجل لا يضمن في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويضمن في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى، ولو ألقى بعض الهوام على رجل يكون ضامناً، وإن أرسل كلبه على شاة إن وقف الكلب ثم سار فأتلفها لا يضمن وإن أخذ يميناً أو شمالاً إن لم يكن لها طريق غير ذلك <249\3> ضمن وإلا فلا، وذكر في الأصل لو أرسل كلباً ولم يكن سائقاً له فأصاب إنساناً لا يضمن، وقيل ينبغي أن يكون ضامناً، ولو أرسل حماره فدخل زرع إنسان وأفسده إن ساقه إلى الزرع ضمن وإن لم يسقه بأن لم يكن خلفه إلا أنّ الحمار لم ينعطف يميناً ولا شمالاً فأصاب الزرع إن كان له طريق آخر لا يضمن وإن لم يكن ضمن، وإن ردّه إنسان فأفسد الزرع فالضمان على الرادّ، رجل أوقف دابته في غير ملكه وربطها فجالت في رباطها فأتلفت إنساناً أو شيئاً ضمن في أي موضع كان ما دامت في ربطها إلى منتهى حبلها، ولو أن رجلاً في داره كلب عقور أو دابة مؤذية فدخل إنسان داره بإذنه أو بغير إذنه فعقره الكلب أو أتلف مال إنسان لا يضمن صاحب الدار، وكذا إذا أكلت هرة رجل دجاجة غيره لا يضمن صاحب الهرة، ولو أخذ هرة وألقاها إلى حمامة أو دجاجة فأكلتها قالوا إن أخذت برميه ضمن وإن أخذت بعد الرمي والإلقاء لا يضمن، رجل ألقى شيئاً من الهوام في طريق المسلمين فأصابت إنساناً في ذلك الموضع ضمن الذي طرحها ما لم تبرح عن ذلك المكان فإذا برحت ثم أصابت لا يضمن طارحها وكذا إذا وضع جمراً في الطريق فاحترق بذلك شيء فهو ضامن، وإن ذهب به الريح عن ذلك الموضع فأصابت شيئاً لا يضمن كمن أوقف دابة في الطريق فتحولت الدابة من ذلك الموضع، ولو ربط دابة في الطريق ثم باعها فقال للمشتري خليتك وإياها فاقبضها كان ذلك قبضاً فإن جنت الدابة في رباطها فالضمان على البائع، وإن جالت في رباطها عن موضعها لا يبرأ البائع عن ضمانها ما لم يحلّ الرباط وتنتقل عن موضعها فقبل ذلك كل ما تلف بها كان ضمان ذلك على البائع، إذا سقط ميزاب رجل من سطحه فأصاب إنساناً فقتله قالوا إن أصابه بطرفه الخارج عن السطح يضمن صاحب الميزاب وإن أصابه بطرفه الذي كان في الحائط لا يضمن، وإن كان لا يدري بأيّ الطرفين أصابه في القياس لا يضمن وفي الاستحسان يضمن النصف، سكة غير نافذة ألقى واحد من أهلها في فناء دارة تراباً أو أوقف دابته على بابه أو وضع حجراً ليضع قدمه عليه في الخروج والدخول أو ما أشبه ذلك فما كان من باب السكنى إذا فعل ذلك في فناء داره لا يضمن، وإن فعل ذلك في طريق المسلمين ضمن، ولو أن سكة فيها دور لقوم فرمى بعض أصحاب السكة بثلجهم فزلق بها إنسان أو دابة فهلكت قال محمد رحمه الله تعالى إن لم تكن السكة نافذة لا ضمان فيه، وإن كانت نافذة وجب الضمان، قالوا هذا جواب القياس وفي الاستحسان لا يضمن لعموم البلوى كانت السكة نافذة أو لم تكن، ولو وضع شيئاً في طريق المسلمين فنفرت منه دابة فأتلفت إنساناً لا ضمان فيه على الذي وضع، رجل ربط حماراً على سارية فجاء آخر وربط حماراً له على تلك السارية فعض أحد الحمارين الآخر قال أبو بكر الإسكاف <250\3> رحمه الله تعالى إن لم يكن ذلك الموضع ملكاً ولا طريقاً لأحد لا ضمان على صاحب الحمار بعد أن يكون في المكان سعة، وإن كان ذلك في طريق المسلمين أو في موضع هو ملك غيرهما ولم يكن لهما أن يربطا الحمار كان ضامناً لما أصاب الحمار، ولو كان ذلك الموضع ملكاً للأول ضمن الثاني للأول ما أفسد حمار الثاني وإن كان ملكاً للثاني لا يضمن الثاني ما أفسده حماره، ولو أرسل دابة في المرعى المباح ثم جاء آخر وأرسل دابته فعض دابة الثاني دابة الأول إن عضّه على الفور ضمن وإلا فلا، وإن كان ذلك في مربط لأحدهما لا يضمن صاحب المربط ويضمن الآخر، وإن أدخل في دار رجل بعيراً مغتلماً وفي الدار بعير صاحب الدار فوقع عليه المغتلم اختلفوا فيه قال بعضهم لا يضمن صاحب المغتلم، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن أدخله بإذن صاحب الدار لا يضمن وإن أدخله بغير إذنه ضمن وعليه الفتوى لأن صاحب المغتلم وإن كان مسبباً فإذا أدخله بإذنه لم يكن متعدياً وإن أدخله بغير إذنه كان متعدياً فيضمن كمن ألقى حية على إنسان فقتله كان ضامناً، وهذا بخلاف ما إذا دفع سكينا إلى صبي فقتل الصبي به نفسه أو قتل رجلاً بغير أمر الدافع فإنه لا يضمن الدافع لأن فعل الصبي معتبر فلا يضاف إلى الدافع وفعل الدابة والهامّة هدر فيضاف إلى المرسل، رجل أذن غيره أن يدخل داره وهو راكب فدخل فوطئت دابته شيئاً ضمن الداخل فإن كان الداخل سائقاً أو قائداً لا يضمن.
فصل فيما يضمن بالنار وما لا يضمن(3/133)
رجل أراد أن يحرق حصائد أرضه فأوقد النار في حصائده فذهبت النار إلى أرض جاره وأحرق زرعه لا يضمن إلا أن يعلم أنه لو حرق حصائده تتعدى النار إلى زرع جاره لأنه إذا علم ذلك كان قاصداً إحراق زرع الغير، قالوا إن كان زرع غيره يبعد من حصائد الذي أحرق وكان يؤمن أن لا يحرق زرع جاره ولا يطير شيء من ناره إلا شرارة أو شرارتان فحمل الريح ناره من أرضه إلى أرض جاره فأحرقت زرع الجار وكدسه لا يضمن فأما إذا كان أرض جاره قريباً من أرضه بأن كان الزرعان ملتفين أو قريباً من الالتفاف على وجه يعلم أن ناره تصل إلى زرع جاره يضمن صاحب النار زرع الجار، وكذلك رجل له قطن في أرضه وأرض جاره لصيقة بأرضه فأوقد النار في طرف أرضه إلى جانب ذلك القطن ويعلم أن مثل هذه النار تحرق هذا القطن فأحرقت ذلك القطن كان ضمان القطن على الذي أوقد النار لأنه إذا كان يعلم أن ناره تتعدى إلى القطن كان قاصداً إحراق القطن، رجل له هدف في داره فرمى إلى الهدف فجاوز سهمه داره فأفسد شيئاً في دار رجل آخر أو قتل نفساً كان ضامناً ويكون ضمان المال في مال الرامي ودية القتيل على عاقلة الرامي، رجل أوقد في تنوره ناراً فألقى فيه من الحطب ما لا يحتمله التنور <251\3> فاحترق بيته وتعدى إلى دار جاره فاحترق يضمن صاحب التنور كما لو أرسل في أرضه ماء لا تحتمله أرضه فتعدى إلى أرض غيره فأفسد ما فيه من الزرع كان ضامناً، وإن كان يعلم أن أرضه تحتمل ذلك الماء لا يضمن، رجل مرّ بنار في ملكه أو في غير ملكه فوقعت شرارة من النار على ثوب إنسان قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يضمن لأنه لم يتخلل بين حمل النار والوقوع على الثوب واسطة فيكون مضافاً إليه حتى لو طارت الريح بشرارة النار فألقته على ثوب إنسان لا يضمن لأنه غير مضاف إليه وهكذا ذكر في النوادر عن أبي يوسف رحمه الله تعالى، وقال بعض العلماء إن مرّ بالنار في موضع له حق المرور فوقعت شرارة في ملك إنسان أو ألقتها الريح لا يضمن وإن لم يكن له حق المرور في ذلك الموضع فالجواب فيه يكون على التفصيل إن وقعت منه شرارة يضمن وإن هبت به الريح لا يضمن وهذا أظهر وعليه الفتوى، وكذا لو وضع جمرة في الطريق فاحترق بذلك شيء ضمن ولو هبت به الريح إلى موضع آخر فأحرقت شيئاً في غير الموضع الذي وضعها فيه قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى إذا وضع الجمرة في الطريق في يوم ريح يكون ضامناً، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى في كتاب الشرب إذا وضع جمرة في الطريق أو مر بنار في ملكه أنه لا يضمن وأطلق الجواب فيه، وذكر الناطفي رحمه الله تعالى رجل أوقد ناراً في طريق العامة فجاء الريح ونقلها إلى دار رجل آخر وأحرقها لا يضمن وعلل وقال لأن جنايته قد زالت، وذكر في الجنايات من الأصل مسألة تدل على صحة ما قال الناطفي رحمه الله تعالى أن جنايته قد زالت، حدّاد ضرب حديداً على حديد محمى فانتزعت شرارة من ضربه فوقعت على ثوب رجل يمر في الطريق وأحرقت ثوبه ضمن الحداد، وذكر الناطفي رحمه الله تعالى حداد يجلس في دكانه اتخذ في حانوته كيراً يعمل به والحانوت إلى جانب طريق العامة فأوقد الحداد في كيره ناراً على حديدة له ثم أخرج الحديد فوضعه على علانه وضربها بمطرقة فتطاير ما يتطاير من الحديدة المحماة وخرج ذلك من حانوته وقتل رجلاً أو فقأ عين رجل أو أحرق ثوب إنسان أو قتل دابة كان ضمان ما تلف بذلك من المال أو الدابة في مال الحداد ودية القتيل والعين تكون على عاقلته لأن ما طار من دقّ الحداد وضربه فهو كجنايته بيده لا عن قصد ولو لم يدق الحداد لكن احتملت الريح بعض النار من كيره أو الحديدة المحماة وأخرجته إلى طريق المسلمين فقتلت إنساناً أو أحرقت ثوب إنسان أو قتلت دابته كان هدراً، ولو هبت الريح بعمامة رجل فأوقعته على قارورة رجل فانكسرت القارورة لا يضمن صاحب العمامة، رجل مر في الطريق وهو يحمل حملاً فوقع الحمل على إنسان فأتلفه ضمن، ولو عثر إنسان بذلك الحمل الواقع في الطريق وعطب ضمن <252\3> أيضاً لأنه هو الذي وضع الحمل في ذلك الموضع إذا لم يتخلل بين وقوع الحمل في ذلك الموضع فعل غيره، ولو وضع جرّة على حائط فسقطت على رجل فأتلفته لا يضمن الواضع إذا كان له حق الوضع على الحائط لأنه لا يكون متعدياً، ولو وضع جرة في طريق المسلمين ورجل آخر وضع جرة في ذلك الطريق فتدحرجت إحداهما فكسرت الأخرى ذكر في الأصل أنه لا ضمان على الذي تدحرجت جرته لأن جنايته قد زالت فبرئ عن الضمان، وإن انكسرت التي تدحرجت كان ضمانها على صاحب الجرة القائمة لأنه كان متعدياً في الوضع ولم تزل جنايته، ولو أوقف رجل دابته في الطريق ورجل آخر كذلك فنفرت إحداهما وهربت فأصابت الأخرى لا يضمن صاحب الهاربة لأن جنايته قد زالت، ولو تلفت الهاربة بالأخرى كان ضمان الهاربة على صاحب الأخرى لما قلنا في الجرتين وقال الشيخ الإمام أبو بكر البلخي رحمه الله(3/134)
تعالى في مسألة الجرتين إن كانت الجرتان على جادة الطريق ضمن كل واحد منهما قيمة جرة صاحبه إذا تدحرجت إحداهما فأصابت الأخرى فانكسرتا، ولو أن رجلاً اغترف من الحوض الكبير بجرة فوضعها على الشط ثم جاء آخر وفعل مثل ذلك فتدحرجت الأخيرة وصدمت الأولى فانكسرتا قال بعضهم يضمن صاحب الجرة الأخيرة قيمة الجرة الأولى لصاحبها، وقال بعضهم يضمن كل واحد منهما جرة صاحبه، والأصل في هذه المسائل أن في كل موضع كان للواضع حق الوضع في ذلك المكان لا يضمن على كل حال إذا تلف بذلك الموضوع شيء سواء تلف به وهو في مكانه أو بعد ما زال عن مكانه وفي كل موضع لم يكن للواضع حق الوضع في ذلك المكان إذا عطب بالموضوع شيء إن عطب والموضوع في مكانه لم يزل يضمن الواضع وإن عطب به بعدما زال الموضوع عن مكانه إن زال بمزيل نحو أن يضع جمرة في الطريق فهبت بها الريح وأزالتها عن مكانها فأحرقت شيئاً لا يضمن الواضع وكذا لو وضع حجراً في الطريق فجاء السيل ودحرجه فكسر شيئاً لا يضمن الواضع لأن جنايته زالت بالماء والريح، وإن كان الزوال عن الموضع الذي كان فيه لا بمزيل بأن وضع جرّة في الطريق ثم جاء آخر ووضع جرة أخرى في الطريق فتدحرجت إحداهما على الأخرى فانكسرتا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يضمن كل واحد منهما جرة صاحبه، وعنه في رواية يضمن صاحب الجرة القائمة في موضعها قيمة الجرة التي زالت عن موضعها لأن جناية صاحب الأولى قد زالت، وإن دحرجتها الريح ونحّتها عن موضعها فعطب بها شيء لا يضمن صاحب الجرة التي دحرجتها الريح لما قلنا بخلاف ما لو تدحرجت بنفسها، وكذا لو وضع حجراً في الطريق فعثر به إنسان وأزاله ومات الذي عثر ضمن الواضع، وإن عثر بالميت إنسان وهلك كان على عاقلة الميت دية من عثر بالميت لأن جنايته قد زالت حيث زال الحجر عن ذلك الموضع <253\3> فلا يجب ضمان من عثر بالميت على الواضع، ولو وضع رجل في الطريق جرة مملوءة من الزيت أو غيره ثم جاء آخر ووضع بجنب هذه الجرة جرة أخرى فسال من الأولى شيء وابتل المكان فوقعت على الأخرى فكسرت الأولى قال محمد رحمه الله تعالى أولاً لا أدري هذا ثم قال لا يضمن صاحب الأولى، وذكر ابن رستم رحمه الله تعالى رجل وضع في الطريق جرة فيها زيت أو ليس فيها شيء فوضع رجل آخر في الطريق جرة أخرى فتدحرجت إحداهما فأصابت الأخرى فانكسرتا قال يضمن صاحب القائمة التي لم تتدحرج قيمة الجرة التي تدحرجت ويضمن مثل ما فيها من الزيت أيضاً لأن كل واحد منهما كان متعدياً بالوضع في الطريق إلا أن جناية صاحب القائمة لم تزل وجناية صاحب التي تدحرجت قد زالت فما تلف بالجرة القائمة يضمن صاحبها وما تلف بالجرة التي تدحرجت لم يضمن صاحبها، وهذا يرافق ما قلنا لشمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى في المسألة الأولى، رجل أوقف دابة في سوق الدواب فأتلفت الدابة شيئاً لا يضمن صاحبها لأن إيقاف الدواب في سوق الدواب يكون بإذن الوالي فلا يكون موجباً للضمان، وكذلك أرباب السفن إذا أوقفوا السفينة على الشط فجاءت سفينة فأصابت السفينة الواقفة فانكسرت الواقفة كان ضمان الواقفة على صاحب السفينة الجائية فإن انكسرت الجائية لا يضمن صاحب الواقفة لأن الإمام أذن لأرباب السفن بإيقاف السفن على الشط فلا يكون فعلهم تعدياً، رجل وضع شيئاً في الطريق فنفرت عنه دابة رجل وأتلفت شيئاً لا يضمن الواضع إذا لم يصبها الموضوع في الطريق، وكذلك رجل أشهد على حائط مائل إلى طريق المسلمين فسقط الحائط فنفرت عنه دابة رجل فقتلت رجلاً لا يضمن صاحب الحائط المائل إنما يضمن صاحب الحائط إذا سقط الحائط على إنسان أو دابة فقتله، رجل مر في سوق المسلمين فتعلق ثوبه بقفل حانوت رجل فتخرّق قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان القفل في ملكه لا يضمن وإن كان في غير ملكه ضمن، ثم قال و ههنا شيء آخر أنه إذا تعلق ثوبه بذلك فجر ثوبه فتخرق بجره لا يضمن صاحب القفل وإن لم يعلم أن ثوبه تعلق بالقفل لأنه إذا جر الثوب فهو الذي خرق، رجل دق في داره شيئاً فسقط من ذلك في دار جاره شيء وتلف كان ضمان ذلك على من دق في داره، رجل دخل بيت رجل فأذن له صاحب البيت بالجلوس على وسادة فجلس عليها فإذا تحتها قارورة فيها دهن لا يعلم به فاندقت القارورة فذهب الدهن فضمان الدهن وضمان ما تخرق من الوسادة والقارورة على الجالس، ولو كانت القارورة تحت ملاءة قد غطاها فأذن له بالجلوس على الملاءة لا يضمن الجالس، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى في الوسادة لا يضمن عند البعض أيضاً وهو أقرب إلى القياس لأن الوسادة لا تمسك الجالس كما لا تمسكه الملاءة وعليه الفتوى <254\3> وإن أذن له بالجلوس على سطح فانخسف به فوقع على سطح مملوك للآذن ضمن الجالس، قال مولانا رضي الله تعالى عنه هذه المسائل من مسائل الجنايات وإنما ذكرناها هنا لأنها سبب لضمان المال فكان بمنزلة الغصب، رجل قلع تالة من أرض رجل وغرسها في ناحية أخرى من تلك(3/135)
الأرض فكبرت كانت الشجرة للغارس وعليه قيمة التالة يوم قلع التالة ويؤمر الغاصب بقلع الشجرة فإن كان القلع يضر بالأرض كان لصاحب الأرض أن يعطيه قيمة الشجرة المقلوعة، رجل قطع أشجار كرم لإنسان كان عليه قيمتها، وطريق معرفة القيمة أن يقوّم الكرم مع الأشجار القائمة ويقوّم مقلوع الأشجار فما بينهما يكون قيمة الأشجار فإذا عرفت قيمة الأشجار بعد ذلك يخير صاحب الكرم إن شاء دفع الأشجار المقلوعة إلى الغارس وضمنه تلك القيمة وإن شاء أمسك المقلوعة ويرفع من قيمة الأشجار قيمة الأشجار المقلوعة ويضمنه الباقي، رجل قطع شجرة في دار رجل بغير أمره يخير صاحب الدار إن شاء ترك الشجرة على القاطع وضمنه قيمة الشجرة قائمة لأنه أتلف عليه شجرة قائمة، وطريق معرفة تلك القيمة أن تقوّم الدار مع الشجرة وتقوم بغير شجرة فيضمنه فضل ما بينهما، وإن أمسك الشجرة وضمنه قيمة النقصان كان له ذلك لأنه أتلف عليه القائم، وطريق معرفة ذلك أنه إذا ظهرت قيمة الشجرة القائمة بالطريق الذي قلنا فيما تقدم فبعد ذلك ينظر إلى تلك القيمة وإلى قيمة الشجرة المقطوعة ففضل ما بينهما قيمة نقصان القطع، فإن كانت قيمة المقطوعة وقيمة غير المقطوعة سواء فلا شيء على القاطع لأنه لم يتلف شيئاً، رجل له شجرة الجوز أخرجت الشجرة جوزاً صغاراً رطبة فأتلف إنسان تلك الجوزات كان عليه نقصان الشجرة لأن تلك الجوزات وإن لم تكن لها قيمة وليست بمال حتى لا تضمن بالإتلاف إذا لم تكن على الشجرة فبإتلافها وقطعها تنقص قيمة الشجرة فينظر إلى إن الشجرة بدون تلك الجوزات بماذا تشترى ومع تلك الجوزات بماذا تشترى فيضمن فضل ما بينهما، وكذلك رجل كسر غصناً من أغصان الشجرة القائمة تقوّم الشجرة مع الغصن وتقوم بدون الغصن فيضمن فضل ما بينهما، رجل استأجر فأساً ودفع إلى أجير له ليعمل به فذهب به الأجير قال بعضهم يضمن المستأجر قيمة الفأس وقال بعضهم ينظر إن استأجر الأجير أولاً لا يضمن، قال مولانا رحمه الله تعالى وينبغي أن لا يضمن على كل حال لأن المستأجر يملك الإجارة فيملك الإعارة والإيداع، رجل غصب دابة فهلكت وأقام صاحبها البينة أنها هلكت عند الغاصب من ركوبه وأقام الغاصب بينة أنه ردها وماتت عند صاحبها كانت بينة صاحبها أولى ويقضى على الغاصب بالقيمة، وكذا لو شهد شهود صاحبها أن الغاصب قتلها أو كان المغصوب داراً فأقام البينة أن الغاصب هدم الدار وأقام الغاصب بينة أنه ردها على صاحبها كانت بينة صاحبها أولى لأن القتل وهدم الدار يتصور بعد الرد فيجعل كأن الغاصب ردها ثم هدم الدار وقتل الدابة فكانت بينة صاحبها أولى لأنها <255\3> تثبت سبباً حادثاً للضمان، ولو أقام صاحبها البينة أنها ماتت عند الغاصب وأقام الغاصب بينة أنه ردها فماتت عند صاحبها قال أبو يوسف رحمه الله تعالى بينة صاحبها أولى لما قلنا، وقال محمد رحمه الله تعالى يقضى ببينة الغاصب لأنها قامت على الإثبات وهو إثبات فعل الرد وليس في بينة صاحبها إثبات فعل على الغاصب ولا إثبات سبب الضمان بعد الغصب بخلاف الأول، رجل غصب حنطة وطحنها فإن الدقيق يكون للغاصب وعليه حنطة لصاحبها ثم في القياس للغاصب أن يأكل هذا الدقيق وهو قول زفر رحمه الله تعالى وفي الاستحسان وهو قولنا ليس له أن ينتفع بالدقيق ما لم يؤد الضمان بالتراضي أو بقضاء القاضي أو يقضي القاضي عليه بالضمان لأن أجزاء الحنطة تفرقت بالطحن ولم تتبدل فلا يحل له أن يأكل وينتفع به ما لم يتحول المغصوب إلى الغاصب بالضمان وذلك باستيفاء الضمان أو بقضاء القاضي بالضمان، وقيل هذا قول محمد رحمه الله تعالى أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يحل له أن يأكل الدقيق وينتفع به لأن ملك المغصوب منه قد تبدل، وكذا إذا غصب لحماً وطبخه، وعن هذا قالوا إذا غصب طعاماً فمضغه وأكله حل له ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه صار مستهلكاً بالمضغ فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى شرط الطيب ثبوت الملك بالبدل، وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى أداء البدل وقولهما أقرب إلى الاحتياط، وذكر في الأصل إذا غصب حنطة فزرعها أو نوى فغرسه أو تالة فأنبتها أو غصب غزلاً فنسجه لا يحل للغاصب أن ينتفع بها قبل أداء الضمان أو يقضي القاضي بالضمان، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في التالة إذا أنبتها الغاصب لا يحل له أن ينتفع بها قبل أداء الضمان وفيما سوى ذلك يحل، رجل غصب جارية فزنت عنده ثم ردها على المالك فولدت عند المالك وماتت في نفاسها ومات الولد أيضاً كان على الغاصب قيمتها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ليس عليه إلا نقصان الحبل، كما لو غصب جارية صحيحة فحُمّت عنده فردها محمومة وماتت عند المالك من ذلك فإنه لا يضمن إلا نقصان الحمّى في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، ولو غصب جارية فحمّت عنده أو ابيضت عينها أو حبلت فردها وأدى معها أرش العين ونقصان الحمّى ثم ذهب بياض عينها أو ولدت وسلمت(3/136)
فإن المولى يرد ما أخذ من أرش البياض ونقصان الحمى، أما في الحبل ينظر إن كان من الزنا فإنه ينظر إلى أرش الحبل ونقصان عيب الزنا فإن كان عب الزنا أكثر لا يرد شيئاً وإن كان أرش الحبل أكثر يرد الفضل عن نقصان عيب الزنا لأن عيب الزنا قائم وعيب الحمل قد زال، ولو كان الحبل من زوج لا ضمان على الغاصب فيه على كل حال وإن ماتت عنده من ذلك، ولو كان المولى هو الذي أحبلها ثم ماتت عند الغاصب من ذلك الحبل أو من غيره لا ضمان على الغاصب فيها، ولو أن رجلين اختصما رجلاً في جارية وأقام أحد <256\3> المدعيين البينة أنّ ذا اليد غَصَبَ منّي هذه الجارية في وقت كذا وأقام المدعي الآخر البينة أن ذا اليد غصب منّي هذه الجارية و وقَّت لذلك وقتاً بعد الوقت الأول قال هي للثاني في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى الغاصب قيمتها للأول وفي قياس قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الجارية للأول ولا يضمن الغاصب للثاني شيئاً، غاصب الغاصب إذا استهلك الغصب أو هلك عنده فأدى القيمة إلى الأول برئ عن الضمان وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يبرأ، ولو ردّ عين الغصب على الأول برئ من الغصب ولو أقر الغاصب الأول أنه أخذ القيمة من الثاني لم يصح إقراره على المغصوب منه وكان للمغصوب منه أن يضمن الثاني إلا أن يقيم الثاني البينة على ما ادعى، وكذا لو كان مكان الثاني غاصب المودع، الغاصب إذا تزوج بدراهم الغصب امرأة أو اشترى بها شيئاً عن محمد رحمه الله تعالى أنه يحل له الوطء و الإنتفاع، ولو كان الغصب عرضاً فاشترى بالعرض شيئاً لا يحل له أن ينتفع بالمشترى قبل أداء الضمان، ولو تزوج امرأة بالعرض المغصوب حل له وطؤها، رجل كسر عصا لرجل أو خرق ثوبه ضمن النقصان، ولو كان الكسر فاحشاً بأن صار حطباً أو وتداً لا ينتفع به منفعة العصا أو كان الخرق فاحشاً كان له أن يضمنه القيمة والخرق الفاحش عند البعض ما ينقص به أكثر من نصف القيمة، ولو شق الثوب بنصفين كان له الخيار إن شاء ضمنه النقصان وإن شاء ترك الثوب عليه وضمنه القيمة، رجل غصب عبداً حسن الصوت فتغير صوته عند الغاصب كان له النقصان، ولو كان العبد مفتياً فنسي ذلك عند الغاصب لا يضمن الغاصب شيئاً، رجل غصب خمراً فخلله بغير شيء أخذه صاحبه بغير شيء، ولو غصب عصيراً فصار خلاً عنده كان لصاحبه أن يضمنه، وإذا غزلت المرأة قطن زوجها فهو على وجوه أما إن أذن لها بالغزل أو نهاها عن الغزل أو لم يأذن ولم ينهَ ولكنه سكت ولم يعلم بغزلها فإن أذن لها بالغزل فهو على وجوه أربعة، أحدها أن يقول لها اغزليه لي أو يقول اغزليه لنفسك، أو يقول اغزليه ليكون الثوب لي ولك أو قال اغزليه ولم يزد ففي الوجه الأول وهو ما إذا قال اغزليه لي كان الغزل للزوج وإن كان قال اغزليه لي بأجر كذا كان الغزل للزوج وعليه الأجر المسمى للمرأة، وإن لم يذكر الأجر كان الغزل للزوج ولا شيء عليه لأنها متطوعة من حيث الظاهر، وإن اختلفا فقالت المرأة غزلت بأجر وقال الزوج لم أذكر الأجر كان القول قول الزوج مع اليمين، ولو كان قال لها اغزليه لنفسك كان الغزل لها ويكون الزوج واهباً للقطن منها، وإن اختلفا فقال الزوج إنما أذنت لك لتغزليه لي وقالت المرأة لا بل قلت اغزليه لنفسك كان القول قول الزوج مع اليمين، ولو كان الزوج قال لها اغزليه ليكون الثوب لي ولك كان الغزل للزوج ولها عليه أجر المثل لأنه استأجرها ببعض الخارج فتفسد الإجارة ويجب أجر المثل كما لو دفع غزلاً إلى حائك لينسجه <257\3> بالنصف فإن الثوب يكون لصاحب الغزل وعليه أجر المثل، ولو كان الزوج قال لها اغزليه ولم يذكر شيئاً كان الغزل للزوج ولا شيء لها عليه لأنها غزلت تبرعاً من حيث الظاهر وهذا كله إذا كان أذن لها بالغزل، فإن نهاها عن الغزل فغزلت بعد النهي كان الغزل لها وعليها للزوج مثل قطنه لأنها صارت غاصبة مستهلكة فيضمن كمن غصب حنطة وطحنها فإن الدقيق يكون للغاصب في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعليه مثل الحنطة، وإن لم يأذن لها ولم ينه فغزلت فهو على وجهين إن كان الزوج بائع القطن كان الغزل لها وعليها القطن للزوج لأنه يشتري القطن للتجارة فكان النهي ثابتاً من حيث الظاهر، وإن لم يكن الزوج بائع القطن فاشترى قطناً وجاء به إلى منزله فغزلت المرأة كان الغزل للزوج ولا شيء لها من الأجر لأنه إنما حمل القطن إلى منزله لتغزل له المرأة تطوّعاً فهو بمنزلة ما لو خبزت من دقيق الزوج أو طبخت قدراً بلحم جاء به الزوج فإن الطعام يكون للزوج وتكون المرأة متطوّعة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في المنتقى رجل اشترى قطناً وأمر امرأته أن تغزله فغزلت كان الغزل للزوج، وإن وضع القطن في بيته ولم يقل شيئاً فغزلت كان الغزل لها ولا شيء عليها وهو بمنزلة طعام وضع في بيته فأكلته المرأة، وذكر هشام رحمه الله تعالى في نوادره رجل غزل قطن غيره ثم اختلفا فقال صاحب القطن غزلتَ بإذني الغزل لي وقال الآخر غزلتُ بغير إذنك فالغزل(3/137)
لي ولك عليّ مثل قطنك كان القول قول صاحب القطن وإن كان الأصل عدم الإذن إلا أنه يتمسك بهذا الظاهر لاستحقاق ملك الغير فلا يقبل قوله، رجل غصب ذهباً أو فضة فجعلها دراهم أو دنانير أو آنية عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا ينقطع حق المالك بهذه الصنعة، وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى ينقطع، وكذا النحاس إذا كان المعمول منه يباع وزناً، رجل نقش باباً مقلوعاً لرجل إن نقشه بالنقر فإنه يملك الباب بقيمته لأن صاحب الباب لو أخذه لم يعطه شيئاً، ولو أخذ إناء فضة فنقشه بالنقر فهو كالباب لما قلنا ولو غصب نخلاً أو زرعاً فسقاه وأنفق عليه حتى انتهى أو عبداً جريحاً فداواه فلا شيء له وكذا لو قصّر الثوب المغصوب أو فتله لا شيء له، ولو خرق ثوباً فرفاه يقوّم صحيحاً ويقوّم مرفوّاً فيضمن فضل ما بينهما، ولو شق زقاً فيه خمر لمسلم من هؤلاء الفسقة الذين يحملون للشرب إن فعل بإذن الإمام لا يضمن وبغير إذن الإمام يضمن الزق.
فصل في براءة الغاصب والمديون(3/138)
رجل باع أثواباً ومات قبل استيفاء الديون ولم يدع وارثاً ظاهراً فأخذ السلطان ديونه من الغرماء ثم ظهر له وراث كان على الغرماء أداء الديون إلى الوارث ثانياً لأنه لما ظهر الوارث ظهر أنه لم يكن للسلطان حق الأخذ، رجل مات وعليه دين وله دين على رجل آخر فأخذ صاحب دين الميت من المديون مثل حقه اختلف المشايخ فيه قال الشيخ الإمام أبو نصر رحمه الله تعالى صاحب دين <258\3> الميت يكون غاصباً ويصير ما أخذ قصاصاً بدينه لأنه أخذ مال الميت بغير إذنه وقال بعضهم لا يكون غاصباً وهو الصحيح لأنه أخذ بإذن الشرع إلا أن المأخوذ يصير مضموناً عليه فيكون قصاصاً بدينه كما لو ظفر بمال المديون في حياته من جنس دينه، ولو كان على رجل دين لرجل فأخذ غير صاحب الدين من المديون ودفع إلى صاحب الدين اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى المديون بالخيار إن شاء ضمن الآخذ وإن شاء ضمن صاحب الدين لأن الأول غاصب والثاني غاصب الغاصب فإن اختار تضمين الآخذ لم يصر قصاصاً بدينه وإن اختار تضمين صاحب الدين يصير قصاصاً وقال نصير بن يحيى رحمه الله تعالى لا خيار له ويصير قصاصاً لأن الآخذ بمنزلة المعين له على أخذ حقه والفتوى على هذا القول، رجل غصب مالاً فغصب من الغاصب المغصوب رجل له على المغصوب منه دين من جنس الغصب كان المغصوب منه بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني لأن كل واحد منهما غاصب فإن ضمن الأول لا يبرأ المغصوب منه عمّا عليه من الدين وإن ضمن الثاني برئ الأول، رجل عليه دين فجاء المديون إلى صاحب دينه ليقضي دينه فدفع المال إلى الطالب لينتقده فهلك المال في يد الطالب يهلك من مال المطلوب والدين على حاله لأن الطالب وكيل المديون في الانتقاد فكان يده كيد المديون، ولو أن المطلوب دفع المال إلى الطالب ولم يقل شيئاً فأخذ منه الطالب ثم دفع إلى المديون لينتقده فهلك في يده يهلك من مال الطالب لأن الطالب أخذ حقه فإذا دفع إلى المديون لينتقده صار المطلوب وكيل الطالب في الانتقاد وكان الهلاك في يد المطلوب بعد ذلك كالهلاك في يد الطالب، رجل له على رجل مال لا يقدر على استيفائه قالوا الإبراء أفضل من أن يدع عليه لأن في الإبراء تخليص المديون عن نار الآخرة، رجل مات وعليه قرض ذكر الناطفي رحمه الله تعالى يرجى أن لا يكون مؤاخذاً في دار الآخرة إذا كان من نيته قضاء الدين، رجل مات وعليه دين نسيه و وارثه يعلم ذلك فإن الوارث يقضي دينه من مال الميت، ولو أن هذا الوارث نسي أيضاً حتى مات لا يؤاخذ الوارث بذلك في الدار الآخرة لأن الوارث لم يباشر سبب الدين في الابتداء فلم يكن ظالماً والنسيان لم يكن منه، رجل مات وله على رجل حق ولم يخلّف وارثاً قالوا يتصدق المديون بما عليه عن الميت ليكون ذلك وديعة عند الله تعالى فيوصله إلى خصمه يوم القيامة، مسلم غصب من ذمي مالاً أو سرق منه فإنه يعاقب به يوم القيامة لأنه أخذ مالاً معصوماً والذمي لا يرجى منه العفو ويرجى ذلك من المسلم فكانت خصومة الذمي أشد وعند الخصومة لا يعطى ثواب طاعة المسلم الكافر لأنه ليس من أهل الثواب ولا وجه أن يوضع على المسلم وبال كفر الكافر فيبقى في خصومته، وعن هذا قالوا إن خصومة الدابة تكون أشد من خصومة الآدمي على الآدمي، رجل سرق من أبيه مالاً ثم مات الأب والسارق وارثه <259\3> قالوا لا يؤاخذ به السارق في دار الآخرة لأن الدين انتقل إلى الابن فسقط عنه إلا أنه يأثم إثم السرقة بالجناية على المسروق منه، قالوا هذه المسألة تدل على أن صاحب الدين إذا طلب الدين من مديونه فماطل المديون مع القدرة عليه ومات الطالب اختلفوا فيه قال أكثر المشايخ حق الخصومة في الدار الآخرة لا يكون للأول لأن الدين انتقل إلى الوارث والخصومة تكون بسبب الدين، وقال بعضهم حق الخصومة يكون للأول، واختلفوا أن الدين لمن يكون قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى الدين يكون للميت إلا أن وارثه لو أخذ المال من المديون أو أبرأه برئ المديون، وقال بعضهم الدين يكون للوارث والخصومة له أيضاً في الدار الآخرة وهو الصحيح، رجل مات وترك ديناً على رجل أو غصباً في يد غيره ولم يصل ذلك إلى الوارث لمن يكون ثواب ذلك في الدار الآخرة قالوا في القياس يكون للوارث لأنه انتقل ذلك إلى الوارث، وفي الاستحسان إن نوى المال قبل الموت فالثواب يكون للميت وإن نوى بعد الموت فالثواب يكون للوارث لأن في الوجه الأول إذا هلك المال قبل الموت لم ينتقل إلى الوارث لأن الإرث لا يجري في الهالك وفي الوجه الثاني لم يكن هالكاً عند الموت فصار للوارث، المديون إذا جحد الدين هل يستحلفه الطالب أم يتركه من غير يمين قال الشيخ الإمام نصير بن يحيى رحمه الله تعالى استحلفه الطالب أو لم يستحلفه كان الأجر للطالب دون وارثه إذا مات الطالب قبل القبض إن طلب فإن دفع المديون إلى وارث الطالب برئ عن الدين ويبقى عليه وزر المماطلة لا مخلص عن ذلك،(3/139)
رجل له على رجل دين فبلغه أن المديون قد مات فقال جعلته في حل أو قال وهبته منه ثم ظهر أنه حي ليس للطالب أن يأخذ منه لأنه وهبه منه بغير شرط، رجل غصب عبداً أو ثوباً أو دابة أو دراهم وهي قائمة فأبرأه منها برئ الغاصب عن ضمان الغصب ويصير المغصوب أمانة في يده، وكذا لو قال المغصوب منه حللته من الغصب برئ الغاصب عن الضمان، وإن كان المغصوب مستهلكاً برئ الغاصب عن ضمان القيمة لأنه أبرأه عن الدين والدين يقبل الإبراء، فأما إذا كان المغصوب قائماً كان التحليل إبراء له عن سبب الضمان فتصير العين أمانة في يده عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يبرأ عن ضمان الغصب، رجل خاصم رجلاً في دار ثم قال للمدعى عليه قد أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي في هذه الدار أو عن دعواي في هذه الدار ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن جميع ذلك باطل وله أن يخاصمه فيقيم البينة فيأخذه، ولو قال قد برئت من هذه الدار أو قال برئت من دعواي في هذه الدار صح ذلك ولا حق له فيها ولو أقام البينة لا تقبل، ولو قال أنا بريء من هذا العبد أو قال خرجت من هذا العبد ليس له أن يدعي بعد ذلك لأنه أخبر عن البراءة فيثبت البراءة، أما في الوجه الأول صرح بالإبراء عن العين أو عن الدعوى والخصومة وذلك باطل، رجل قال لآخر حللني من كل حق لك علي ففعل وأبرأه فإن كان صاحب الحق عالماً بما عليه برئ <260\3> المديون حكماً وديانة وإن لم يكن عالماً يبرأ في الحكم ولا يبرأ ديانة في قول محمد رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يبرأ وعليه الفتوى لأن الإبراء إسقاط والجهالة لا تمنع صحة الإسقاط فإن المشتري إذا أبرأ البائع عن العيوب صح إبراؤه عند الكل وإن كان لا يعلم بالعيوب، وذكر في النوازل رجل له على رجل دين وهو لا يعلم بجميع ذلك فقال له المديون أبرئني مما لك علي فقال صاحب الدين أبرأتك قال نصير رحمه الله تعالى لا يبرأ إلا عن مقدار ما يتوهم أنه له عليه، وقال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى يبرأ عن الكل، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى حكم القضاء ما قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى وحكم الآخرة ما قال نصير رحمه الله تعالى لأن القضاء بناء على الظاهر وظاهر اللفظ عام وحكم الآخرة بناء على الرضا فلا يبرأ عما لا يتوهم أنه له عليه، رجل قال أبرأت جميع غرمائي ولم يسمهم بلسانه ولم يتوهم واحداً منهم بقلبه قال أبو القاسم رحمه الله تعالى روى ابن مقاتل عن علمائنا رحمهم الله تعالى أنهم لا يبرؤن لأن الإبراء إيجاب الحق للغرماء ولا يجوز إيجاب الحقوق إلا لقوم بأعيانهم، ولو قال كل غريم لي فهو في حل قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى لا يبرأ غرماؤه في قول علمائنا رحمهم الله تعالى، وكذا لو قال ليس لي بالريّ شيء ثم جاء في الغد وادعى أن هذه الدار له منذ عشرين سنة وهو بالري كان له ذلك في قول علمائنا رحمهم الله تعالى، قال ابن مقاتل وأما عندي في المسألتين جميعاً يبرأ غرماؤه ولا يسمع دعواه، ولو قال أبرأت جميع غرمائي لم يكن ذلك براءة إذا لم ينص على أقوام معينين، ولو قال قبيلة فلان فإن كانوا لا يحصون فهو مثل ذلك وإن كانوا يحصون فالبراءة جائزة وكذلك الإقرار، رجل له على الناس ديون وهم غيب عنه فقال من كان لي عليه شيء فهو في حل ذكر الناطفي رحمه الله تعالى فيه خلافاً قال محمد رحمه الله تعالى له أن يأخذهم بما له عليهم، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو جائز وهم في حل إذا كان عليهم دين أما إذا كان ثوب قائم في يد رجل أو عبد قائم في يده فله أن يأخذه منه ولا يكون الذي في يده في حل منه، ولو كان له على آخر حق فأبرأه على أنه بالخيار صح الإبراء وبطل الخيار لأن الإبراء في كونه تمليكاً دون الهبة، ولو وهب عيناً على أنه بالخيار صحت الهبة وبطل الخيار فالإبراء أولى، رجل قال لآخر جعلتك في حل في الدنيا أو قال جعلتك في حل في ساعة قالوا يصير في حل في الدارين وفي الساعات، ولو قال لا أخاصمك أو قال لا أطلبك مالي قبلك فهذا ليس بشيء وحقه على حاله، رجل قال إذا تناول فلان من مالي فهو له حلال فتناول فلان من غير أن يعلم بإباحته قال نصير رحمه الله تعالى يجوز ذلك ولا ضمان عليه، وإن قال كل إنسان تناول من مالي فهو له حلا قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لا يجوز ومن تناول ضمن وقال أبو نصر محمد بن سلام رحمه الله تعالى <261\3> هو جائز فأبو نصر رحمه الله تعالى جعل هذا إباحة والإباحة للمجهول جائزة ومحمد بن سلمة رحمه الله تعالى جعله إبراء عما تناول والإبراء للمجهول باطل والفتوى على قول أبي نصر رحمه الله تعالى، ولو قال لآخر جميع ما تأكل من مالي فقد جعلتك في حل فهو حلال له في قولهم ولو قال جميع ما تأكل من مالي فقد أبرأتك ذكر عن بعضهم أنه لا يصح هذا الإبراء، والصحيح أنه يبرأ أما على قول أبي نصر رحمه الله تعالى فلأن هذه إباحة وإباحة المجهول جائزة وأما على قول محمد بن سلمة رحمه الله تعالى فلأن(3/140)
هذا إبراء للمعلوم عن ضمان ما تناوله فيكون إبراء عن الدين الواجب لا عن العين، رجل قال لآخر أنت في حل مما أكلت من مالي أو أخذت أو أعطيت حل له الأكل ولا يحل له الأخذ والإعطاء لأن إباحة الطعام المجهول جائزة فإن من قدم مائدة بين قوم حل لهم الأكل منها وتمليك المجهول باطل، رجل قال أذنت الناس في تمر نخيلي فمن أخذ شيئاً فهو له فبلغ الناس وأخذوا من ذلك شيئاً فهو لهم لأن هذه إباحة، رجل قال أبحت لفلان أن يأكل من مالي وفلان لا يعلم بذلك قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا يباح له الأكل لأن الإباحة إطلاق والإطلاق لا يثبت قبل العلم كالتوكيل، وعند البعض الإباحة تثبت قبل العلم، رجل قال لآخر أُدْخُلْ كرمي وخذ من العنب فله أن يأخذ مقدار ما يشبع به إنسان واحد لأن هذا إذن بقدر ما يحتاج إليه في الحال، رجل أراد أن يوكل غيره في أملاكه فقال الوكيل أنا إذا دخلت فيها لا آمن من أن أتناول شيئاً من مالك فقال الموكل أنت في حل من تناولك من مالي من درهم إلى مائة درهم فدخل فيها له أن يتناول من ماله من المأكول والمشروب والدراهم ما لا بد منه أما أن يقصد فيأخذ من ماله جملة مائة أو خمسين درهماً فليس له ذلك والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
فصل فيما يكون هبة من الألفاظ وما لا يكون(3/141)
رجل قال لغيره هذه الأمة لك قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هذه هبة جائزة يملكها إذا قبض، ولو قال هي لك حلال لا يكون هبة إلا أن يكون قبله كلام يُسْتَدَّلُ به على أنه أراد به الهبة، ولو قال وهبت لك فرجها فهي هبة يملكها إذا قبض، رجل في يديه ثوب وديعة لرجل فقال لصاحب الثوب أعطنيه فقال أعطيتك عن محمد رحمه الله تعالى أنها تكون هبة، رجل قال لآخر قد متعتك بهذا الثوب أو قال بهذه الدراهم فقبضها منه قال محمد رحمه الله تعالى هي عندي هبة، رجل قال لآخر أنت في حل من مالي حيثما أصبت فخذ منه ما شئت عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن هذا على الدراهم والدنانير خاصة، ولو أخذ من أرضه فاكهة أو لوزة أو حلب بقره أو غنمه لا يحل له ذلك، رجل دفع إلى رجل طعاماً قال هذا لك منحة أو دفع إليه شاة وقال هذه لك منحة فله أن يشرب لبنها ويأكل الطعام، وكذا لو أعطاه درهماً وقال هذا لك منحة، وكذا الدينار وما يؤكل <262\3> ويشرب وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى هو على الهبة وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، رجل قال لغيره داري هذه لك رقبى وقبضها قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى هي عارية وهو قول محمد رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى هي هبة جائزة وقوله رقبى باطل، ولو قال هذه الدار لك فإن مت قبلي فهي لي وإن مت قبلك فهي لك ذكر عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في النوادر أنه لو قال هكذا كانت الهبة جائزة ويبطل الشرط، وعن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى لو قال أرقبتك داري هذه فهي عارية وإن قال أرقبتك داري هذه وهي لك فهي هبة، وأما في العمري كلاهما سواء وهي هبة، وعن محمد رحمه الله تعالى رجل قال أرضي فلان وحدّ الأرض أو قال الأرض التي هي لي وحدها لولدي فلان وهو صغير قال محمد رحمه الله تعالى هو جائز وهي هبة و إشهاده قبض للصغير، وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا قال الرجل لغيره قد جعلت هذه الدار لك عمري أو قال عمرك أو حياتك أو هي لك حياتك فإذا مت فهو ردّ عليّ قال هذه هبة جائزة والشرط باطل، وتفسير العمري أن يقول وهبته منك على أنك إن مت قبلي فهي لي وإن مت قبلك فهي لك فهذه هبة جائزة والشرط باطل، ولو قال هذه الدار لك حبيس فدفعها إليه كان باطلاً في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى هي هبة جائزة وقوله حبيس أو رقبى باطل، رجل منح رجلاً بعيراً أو شاة أو ثوباً أو غير ذلك قال كل شيء منحه مما ينتفع به للسكنى أو اللبس مثل الدار والثوب ولبن الشاة وظهر البعير فهو عارية يرده وفي الطعام والدراهم واللبن وما لا ينتفع به إلا بالاستهلاك يكون قرضاً في ظاهر الرواية كإعارة الدراهم وفي النوادر يكون هبة، ولو وضع سكراً بين قوم وقال خذوه فمن أخذ فهو له، ولو نثره فوقع في حجر رجل أو كفه فأخذه آخر منه فهو جائز وهذا إذا لم يبسط كفه أو ذيله لذلك فأما إذا بسط لذلك فما وقع فيه فهو له، وقال الشيخ الإمام الزاهد المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى الدراهم المنثورة في هذا بمنزلة السكر، ولو وقع السكر أو الدراهم على رأس رجل ثم سقط عن رأسه فأخذه آخر فهو للثاني، ولو أخذه رجل بيده ثم سقط منه فأخذه آخر فهو للأول، قال محمد رحمه الله تعالى النهبة عندنا جائزة إذا أذن بها صاحبها، ذكر محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير رجل قال لقوم إني وهبت جاريتي هذه لأحدكم فيأخذها من شاء فأخذها واحد منهم كانت له، رجل رمى ثوبه لا يجوز لأحد أن يأخذه حتى يقول حين رماه من أراد أن يأخذه فليأخذه، رجل سيّب دابته لعلة فأخذها إنسان وتعاهدها قال أبو القاسم رحمه الله تعالى لصاحبها أن يستردها إلا أن يقول عند التسييب من شاء فليأخذها فحينئذٍ تكون الدابة لمن تعاهدها قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى الجواب كذلك إذا قال صاحبها لقوم معلومين ويكون هبة استحساناً <263\3> لأن الموهوب له وإن كان مجهولاً فعند القبض يصير معلوماً، ولو سيب دابة وقال لا حاجة لي إليها ولم يقل هي لمن أخذها فأخذها إنسان لا تكون له ولو أرسل طيراً مملوكاً له فإرسال الطير بمنزلة تسييب الدابة قالوا في الطير لا ينبغي أن يرسلها إذا كان وحشي الأصل إذا لم يقل هي لمن أخذها لأنه إذا لم يقل ذلك فمن أخذها لا تكون له فيكون آكلاً مال الغير، رجل قال أذنت الناس جميعاً في تمر نخلتي هذه فمن أخذ شيئاً منها فهو له فبلغ ذلك ناساً من الناس وأخذوا من ذلك شيئاً كان لهم، رجل رفع عيناً ساقطاً فزعم أن الملقي قال من أخذ فهو له وصاحب العين ينكر ذلك القول قال الناطفي رحمه الله تعالى إن أقام الرافع بينة على ما ادعى أو حلف صاحب العين فأبى أن يحلف فإن العين يكون للرافع، ولو أن الرافع لم يسمع ذلك من صاحب العين لكن أخبر بما قال صاحب العين عند الإلقاء وسعه أن يأخذه بالخبر، رجل عنده دراهم لغيره فقال له صاحب الدراهم اصرفها في حوائجك كان قرضاً، وإن كانت حنطة فقال(3/142)
له صاحب الحنطة كلها كانت هبة له، رجل قال لآخر هب لي هذا الشيء مزاحاً فقال وهبت وسلّم قال أبو نصر رحمه الله تعالى يجوز ذلك، رجل قال لختنه بالفارسية اين زمين ترا فاذهب وازرعها فقال الختن قبلت وزرع قال أبو القاسم رحمه الله تعالى كان الأرض للختن وإن لم يقل الختن قبلت لم تكن له، رجل قال لآخر وهبت عبدي هذا منك والعبد حاضر بحيث لو مد يده ناله فقال قبضته قال أبو بكر رحمه الله تعالى جازت الهبة من غير قوله قبلت ويصير قابضاً في قول محمد رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يصير قابضاً ما لم يقبض، وإن كان العبد غائباً فقال له وهبت منك عبدي فلاناً فاذهب واقبضه فقبضه جاز وإن لم يقل قبلت وبه نأخذ، ولو قال هو لك إن شئت ودفعه إليه فقال شئت عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوز، رجل قال لغيره وهبت لك هذا العبد أمس ولم تقبل كان القول قول الواهب، رجل قال لآخر كسوتك هذا الثوب أو أعطيتك أو قال جعلت لك هذه الدار أو قال هذه لك فاقبضها أو قال هي لك هبة تسكنها فهو هبة، ولو قال هبة سكنى أو سكنى هبة أو سكنى صدقة أو قال أخدمتك هذه الجارية فهي عارية في جميع ذلك، وكذلك لو قال حملتك على هذه الدابة يكون عارية إلا أن ينوي الهبة، وقيل هي من السلطان تكون هبة، ولو قال في الدار هي لك هبة إجارة كل شهر بدرهم أو قال إجارة هبة فهي إجارة، ولو وهب لرجل غائب دراهم وأرسل بها على يد رسول فقال الموهوب له للرسول تصدقت بها عليك لا يجوز، ولو قال للرسول تصدق بها عني لا يجوز فإن تصدق الرسول عنه ضمن الرسول للواهب، رجل قال جميع ما أملكه لفلان يكون هبة حتى لا يجوز بدون القبض، ولو قال جميع ما يعرف بي أو ينسب إلي لفلان فهو إقرار لأن في الوجه الأول <264\3> صرح بإضافة الملك إلى نفسه ثم أضافه إلى فلان ومثله يكون هبة وفي المسألة الثانية لم يصرح بملك نفسه لأن ما يعرف به أو ينسب إليه قد يكون لغيره، ولو قال بالفارسية اين غلام تراست يكون إقراراً، ولو قال اين غلام ترا يكون هبة لا يملكه إلا بالقبض، وذكر في الزيادات إذا قال لجماعة من المسلمين هذا المال لكم يكون هبة، رجل قال لآخر خذ هذا المال واغز في سبيل الله تعالى يكون قرضاً لأن الكلام محتمل يحتمل القرض ويحتمل الهبة والقرض أدناهما فيحمل عليه ولأن الأخذ المطلق سبب للضمان في الشرع، ولو دفع إليه دراهم فقال أنفقها ففعل فهو قرض وهو كما قال اصرفها في حوائجك، ولو دفع إليه ثوباً فقال اكس به نفسك ففعل يكون هبة لأن قرض الثوب باطل فإذا تعذر حمله على القرض يجعل هبة تصحيحاً للتصرف، رجل غرس كرماً وله ابن صغير فقال جعلته لابني فلان يكون هبة لأن الجعل عبارة عن التمليك، وإن قال أغرسه باسم ابني لا يكون هبة وإن قال جعلته باسم ابني يكون هبة ظاهراً لأن الناس يريدون بهذا التمليك والهبة، رجل اتخذ وليمة للختان فأهدى الناس هدايا وضعوا بين يديه قالوا إن كانت الهدية مما يصلح للصبيان مثل ثياب الصبيان أو يكون شيئاً يستعمله الصبيان فهي للصبي لأن مثله يكون هبة للصبي عادة، وإن كانت الهدية دراهم أو دنانير أو غير ذلك يرجع إلى المهدي فإن قال المهدي هي هبة للصغير كانت للصغير، وإن تعذر الرجوع إليه ينظر إن كان المهدي من معارف الأب أو أقاربه فهي للأب وإن كان من قرابة الأم أو من معارفها فهي للأم، وكذا إذا اتخذ وليمة لزفاف الابنة إلى بيت زوجها فأهدى الناس هدايا فهو على ما ذكرنا من قرابة الأب أو من قرابة الأم، وكذا لو كان المهدي من معارف الزوج أو من أقاربه أو من معارف المرأة أو أقاربها إلا إذا بيّن المهدي وقال أهديت لهذا أو لهذا فيكون القول له، وقال بعضهم في الأحوال كلها تكون الهدية للوالد لأن الوالد هو الذي اتخذ الوليمة، وقال بعضهم تكون للولد لأن الوالد اتخذ الوليمة لأجل الولد، ولا يعتبر قول المهدي عند الإهداء أهديت للولد لأن الوالد أو صاحب الوليمة إذا كان رجلاً عظيماً محترماً يقول المهدي هذا لخدمكم والإعتماد على ما قلنا أولاً، رجل قال لآخر وهبت لك هذه الغرارة الحنطة أو هذا الزق السمن كانت الهبة هي الحنطة والسمن دون الغرارة والزق، ولو قال وهبت منك غرارة الحنطة وزق السمن كانت الهبة في الزق والغرارة ولا يدخل فيه الحنطة والسمن لأن في الوجه الثاني أضاف الهبة إلى الغرارة والزق لا إلى الحنطة والسمن فلا يدخل فيه الحنطة والسمن كثياب العبد، وفي الوجه الأول أضاف الهبة إلى الحنطة والسمن، رجل أهدى إليه جاره شيئاً من المأكولات في إناء هل له أن يأكل في إنائه قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان ثريداً أو نحو ذلك لا بأس به لأنه لو <265\3> جعله في آنية أخرى تذهب لذته وإن كان شيئاً من الفواكه لا يسعه أن يأكل فيه إلا أن يكون بينهما انبساط، قوم أجلسوا على أخونة هل لأهل الخوان أن يناول شيئاً من على خوان آخر و من هو ليس بجالس معه على خوانه، قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى ليس لهم ذلك ومن(3/143)
ناول من معه على خوانه فإنه لا بأس به وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى القياس ما قال ابن مقاتل، وفي الاستحسان كل من كان في تلك الضيافة إذا أعطاه جاز قال وبه نأخذ، رجل وهب عبد إنسان بغير إذن المولى وسلمه ثم ادعى مولاه أنه عبده وأقام البينة وقضى القاضي له ثم أجاز المولى هبة العبد ذكر الخصاف رحمه الله تعالى أنه لا تجوز إجازته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهذا على الرواية التي تروى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن قضاء القاضي للمستحق يكون فسخاً للعقود الماضية أما في ظاهر الرواية لا يكون فسخاً كذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى فإذا لم ينفسخ البيع بالاستحقاق لا تنفسخ الهبة فتصح إجازة المستحق والفتوى في البيع على ظاهر الرواية، رجل قال لآخر كنتَ وهبتَ لي ألف درهم ثم قال بعد ما سكت لم أقبضها كان القول قوله لأن الإقرار بالهبة لا يكون إقراراً بالقبض، رجل أقر أنه وهب لفلان هذا العبد قال بعضهم يكون إقراراً بالهبة والقبض جميعاً لأن الإقرار بالهبة المطلقة إقرار بهبة صحيحة تامة وذلك لا يكون إلا بالقبض، والأصح أن الإقرار بالهبة لا يكون إقراراً بالقبض، رجل قال لآخر أعرتك هذه القصعة من الثريد فأخذها وأكلها كان عليه مثلها أو قيمتها لأن إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاستهلاك يكون قرضاً، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا إذا لم يكن بينهما دلالة الهبة ولا تَهادي وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى أنه مر بقوم يضربون الطنبور فوقف عليهم وقال هبوه مني حتى تروا كيف أضرب فدفعوا إليه فضربه على الأرض وكسره وقال رأيتم كيف أضرب قالوا أيها الشيخ خدعتنا وإنما قال لهم ذلك احترازاً عن قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن عنده كسر الملاهي يوجب الضمان وهذا دليل على ما مر أن هبة المازح جائزة ،قال رجل لآخر وهبت عبدي هذا منك والعبد حاضر فقبضه الموهوب له جازت الهبة لأن القبض في المجلس بحضرة الواهب دلالة القبول بخلاف ما مر من مسألة هبة الأرض من الختن لأنه ثم لم يكن القبض بحضرة الواهب في المجلس، رجل أمر شريكه بأن يدفع إلى ولده مالاً فامتنع الشريك عن الأداء قالوا إن كان أمره بالدفع إلى ولده على وجه الهبة للولد لم يكن للولد أن يخاصم الشريك لأن حقه في الهبة لا يثبت قبل القبض وإن لم يكن الأمر بالدفع على وجه الهبة للولد كان للولد أن يخاصم الشريك لأنه يخاصمه لأبيه بحكم الوكالة لا لنفسه وحق الأب ثابت على الشريك فتسمع دعواه، رجل وهب أمة لرجل وسلّمها إليه وعليها حلّي وثياب جازت الهبة، وكذا الصدقة <266\3> ويكون الثياب والحلي للواهب لا للموهوب له والمتصدق عليه لمكان العرف والعادة، قال مولانا رحمه الله تعالى فإن كان الثوب عليها قدر ما يستر عورتها ينبغي أن يكون ذلك للموهوب له، ولو وهب الحلي الذي له على الجارية والثوب ولم يهب الجارية لم تجز الهبة حتى ينزعه ويدفع الثوب والحلي إلى الموهوب له لأن الحلي والثوب ما دام على الجارية يكون تبعاً للجارية مشغولاً بالأصل فلا تجوز هبته كجوالق الحنطة وخوان الطعام، رجل قال لغيره وهبت لك هذا البيت فقال الموهوب له قبلت جاز قالوا ولا يدخل في الهبة الغلق والسرر والسلاليم المغرزة لأنها بمنزلة متاع موضوع في البيت، ولو قال وهبت لك هذا البيت بمرافقه قالوا تدخل هذه الأشياء في الهبة، قال مولانا رحمه الله تعالى عندي الغلق لا يدخل في بيع البيت بذكر المرافق فلا يدخل في الهبة، رجل وهب لآخر أرضاً على أن ما يخرج منها من زرع ينفق الموهوب له ذلك على الواهب، وقال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان في الأرض كرم وأشجار جازت الهبة ويبطل الشرط وإن كانت الأرض قراحاً فالهبة فاسدة قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لأن في الثمر شرط على الموهوب له رد بعض الهبة على الواهب فتجوز الهبة ويبطل الشرط لأن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة وفي الأرض القراح شَرَطَ على الموهوب له عوضاً مجهولاً لأن الخارج من الأرض نماء ملكه فيكون له فكان مفسداً للهبة، رجل أضل لؤلؤة فوهبها لآخر وسلطه على طلبها و قبضها متى وجدها قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هذه هبة فاسد لأنها هبة على خطر والهبة لا تصح مع الخطر، وقال زفر رحمه الله تعالى تجوز هذه الهبة، رجل له على رجل ألف درهم نقد بيت المال وألف غلة وقال للمديون وهبت لك أحد المالين قال محمد رحمه الله تعالى جازت الهبة والبيان إليه مادام حياً و لوارثه بعد موته إن مات قبل البيان لأن هبة الدين إسقاط والجهالة لا تمنع صحة الإسقاط ويكون البيان إلى المسقط، رجل دفع إلى رجل ثوبين وقال له أيهما شئت فلك والآخر لابنك فلان والابن صغير إن بيَّن الموهوب له قبل أن يتفرقا جاز لأن ارتفاع الجهالة في المجلس بمنزلة البيان وقت العقد وإن تفرقا قبل البيان لا يجوز لتقرر الجهالة، وعلى هذا لو وهب غلاماً أو شيئاً على أن الموهوب له بالخيار ثلاثة أيام إن أجاز(3/144)
قبل الافتراق جاز وإن لم يجز حتى افترقا لم يجز، ولو وهب شيئاً على أن الواهب بالخيار ثلاثة أيام صحت الهبة وبطل الخيار لأن الهبة عقد غير لازم فلا يصح فيها شرط الخيار، أحد الشريكين إذا قال لشريكه وهبت لك حقي من الربح قالوا إن كان المال قائماً لا تصح لأنها هبة المشاع فيما يقسم وإن كان الشريك استهلك المال صحت الهبة لأنها صارت ديناً بالاستهلاك والدين لا يقسم فيكون هذا هبة المشاع فيما لا يقسم فتصح، رجل وهب لآخر ما في بطن غنمه وأمره بقبضه إذا وضعت لا تصح وإن قبض بعد الوضع لأنها هبة المعدوم، وكذلك الدهن في السمسم والزيت في الزيتون قبل أن يعصر <267\3> ودقيق الحنطة قبل الطحن، رجل وهب الدين ممن عليه الدين ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أنها لا تصح من غير قبول المديون عندنا خلافاً لزفر رحمه الله تعالى، وهكذا ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى وفي أكثر الكتب أنها تصح من غير قبول وهكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى أنها تصح من غير قبول إلا أنها تبطل بالرد، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها لا تصح من غير قبول كما قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى، ولو كان الدين بين شريكين فوهب أحدهما نصيبه من المديون جاز وإن وهب نصف الدين مطلقاً ينفذ في الربع ويتوقف في الربع كما لو وهب نصف العبد المشترك.
فصل في هبة المشاع(3/145)
رجل وهب نصيبه مما يقسم كالدار والأرض والمكيل والموزون من غير شريكه لا يجوز عند الكل وإن وهب من شريكه لا يجوز عندنا، وقال ابن أبي ليلى رحمه الله يجوز، ولو وهب داره من رجلين لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وكذلك كل ما يقسم، وقال صاحباه رحمهما الله تعالى جاز، ولو رهن داره من رجلين جاز عند الكل، وكذا لو آجر داره من رجلين، ولو وهب نصف داره من رجل ووهب النصف الآخر من رجل آخر وسلم الدار إليهما معاً جاز، وإن تقدم تسليمه إلى أحدهما لا يجوز وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز في الوجهين وفيما لا يقسم كالعبد والدابة والثوب والحمام يجوز هبة المشاع من الشريك وغيره في قولهم، ولو وهب درهماً صحيحاً من رجلين اختلفوا فيه قال بعض المشايخ رحمهم الله تعالى لا يجوز لأن تنصيف الدرهم لا يضر فكان مما يحتمل القسمة والصحيح أنه يجوز وبه قال القاضي الإمام أبو الحسن علي السغدي والشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمهما الله تعالى لأن الدرهم الصحيح لا يكسر عادة فكان مما لا يحتمل القسمة حتى لو كان من الدراهم التي تكسر عادة ولا يضرها الكسر والتبعيض كانت بمنزلة المشاع الذي يحتمل القسمة فلا يجوز والدينار الصحيح قالوا ينبغي أن يكون بمنزلة الدرهم الصحيح، رجل معه درهمان فقال لرجل وهبت منك درهماً منهما قالوا إن كان الدرهمان مستويين في الوزن والجودة لا يجوز لأن الهبة تناولت أحدهما وهو مجهول، وإن كانا متفاوتين جاز لأن في الوجه الأول الهبة تناولت أحدهما وفي الوجه الثاني تناولت وزن درهم منهما وهو مشاع لا يحتمل القسمة وفيما إذا فسدت الهبة بحكم الشيوع إذا هلكت الهبة عند الموهوب له هل تكون مضمونة عليه ذكر ابن رستم رحمه الله تعالى رجل دفع درهمين إلى رجل وقال أحدهما هبة لك والآخر أمانة عندك فهلكا جميعاً يضمن درهماً وهو في الآخر أمين قال وإنما يضمن لأنه أخذه بهبة فاسدة نص أنها تكون مضمونة، وذكر في مضاربة الكبير رجل دفع إلى رجل ألف درهم وقال نصفها هبة لك ونصفها مضاربة عندك لا يجوز فإن هلك المال عند القابض يضمن خمسمائة <268\3> درهم، ولو وهب نصف الدار أو تصدق وسلم ثم إن الواهب باع ما وهب أو تصدق ذكر في وقف الأصل أنه يجوز بيعه لأنه لم يقبض، ولو باعها الموهوب له لا يجوز بيعه لأنه لم يملك نص أن هبة المشاع قيما يقسم لا تفيد الملك وإن اتصل به القبض وبه قال الطحاوي، وذكر عصام رحمه الله تعالى أنها تفيد الملك وبه أخذ بعض المشايخ رحمهم الله تعالى، رجل دفع تسعة دراهم إلى رجل وقال ثلاثة لك قضاء من حقك وثلاثة لك هبة وثلاثة تصدقتُ بها عليك قال محمد رحمه الله تعالى ثلاثة قضاء جائزة وثلاثة صدقة لم تجز ولم يضمن وثلاثة هبة لم تجز وضمن نص أن الهبة الفاسدة مضمونة، رجل أعطى رجلاً درهمين وقال نصفهما لك وهما في الوزن والجودة سواء عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال لم يجز، وإن كان أحدهما أثقل وأجود أو أردأ جاز ويكون مشاعاً لا يحتمل القسمة، وإن قال وهبت لك ثلثهما وهما في الوزن والجودة سواء ودفعهما إليه جاز، وإن قال أحدهما لك هبة لم تجز كانا سواء أو مختلفين، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر إذا قال وهبت لك نصفاً من هذه الدار ولهذا الآخر نصفها لم تجز، وإن قال وهبت لكما لهذا نصفها ولهذا الآخر نصفها جاز، رجل تصدق بعشرة دراهم على رجلين فقيرين قال في الجامع الصغير جاز وإن تصدق بها على غنيين لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال صاحباه رحمهما الله تعالى جاز كان فقيرين أو غنيين، وذكر في هبة الأصل إذا وهب لرجلين شيئاً يحتمل القسمة لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وكذلك الصدقة فصار في الصدقة على رجلين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى روايتان ووجه الفرق بين الهبة والصدقة معروف فيحتمل أن تكون الصدقة على غنيين بمنزلة الهبة والهبة من الفقيرين بمنزلة الصدقة، ولو وهب داراً من رجل فوكل الموهوب له رجلين بقبض الدار فقبضاها جاز، عبد بين رجلين وهب له أحد الموليين شيئاً يحتمل القسمة لا تصح أصلاً لأنها لم تصح في نصيب الواهب لأنه يكون واهباً لنفسه فبقي في نصيب صاحبه شيء يحتمل القسمة فإن كان الموهوب شيئاً لا يحتمل القسمة جازت الهبة في نصيب صاحبه لأنه وقع في نصيب صاحبه شيء لا يحتمل القسمة، رجل وهب داراً لرجل وسلم وفيها متاع الواهب لا يجوز لأن الموهوب له مشغول بما ليس بهبة فلا يصح التسليم، امرأة وهبت دارها من زوجها وهي ساكنة فيها ومتاعها فيها وزوجها ساكن معها في الدار جازت الهبة ويصير الزوج قابضاً للدار لأن المرأة ومتاعها في يد الزوج فصح التسليم، رجل وهب داراً فيها متاع الواهب أو جوالق أو جراباً فيها طعام الواهب وسلم لا يجوز لأن الموهوب مشغول بما ليس بهبة، ولو وهب المتاع والطعام دون الجوالق والدار وسلم جاز لأن الموهوب غير مشغول بغيره بل هو شاغل غيره، ولو وهب أرضاً فيها <269\3> زرع أو نخل أو نخلاً(3/146)
عليها تمر أو وهب الزرع بدون الأرض أو النخل بدون الأرض أو نخلاً بدون التمر لا تجوز الهبة في هذه المسائل لأن الموهوب متصل بغير الهبة اتصال خلقة مع إمكان القطع والفصل فقبض أحدهما بدون الآخر غير ممكن في حالة الاتصال فيكون بمنزلة المشاع الذي يحتمل القسمة، ولو وهب داراً فيها متاع الواهب وسلم الدار بما فيها ثم وهب المتاع جازت الهبة في المتاع لأن الدار مشغولة بالمتاع فصحت هبة المتاع، ولو وهب المتاع أولاً وسلم الدار مع المتاع ثم وهب الدار صحت الهبة فيهما جميعاً، ولو وهب الدار دون المتاع أو الأرض دون الزرع والنخل أو النخل دون التمر أو التمر دون النخل ولم يسلم حتى وهب المتاع والزرع والنخل والتمر وسلم الكل صحت الهبة في الكل لأنه لم يوجد عند القبض والتسلم ما يمنع القبض فصار كما لو وهب الكل هبة واحدة وسلم، أما إذا فرق التسليم والقبض ففرق العقد فيفسد كل عقد بحكم فساد القبض كما لو وهب نصف الدار وسلم ثم وهب النصف الآخر وسلم فإنه يفسد العقدان جميعاً ولو وهب زرعاً بدون الأرض أو تمراً بدون النخل وأمره بالحصاد و الجذاذ ففعل الموهوب له ذلك جاز لأن الموهوب له إذا قبض الهبة بإذن الواهب صح قبضه في المجلس وبعده و إن قبض بدون إذنه إن قبض في المجلس قبل الافتراق جاز استحساناً لأن القبض في الهبة بمنزلة القبول فصح في المجلس ما لم ينهه، وإن قام الواهب وخرج قبل قبض الموهوب فقبضه الموهوب له إن كان بأمر الواهب صح وإلا فلا، وإن كان الموهوب غائباً عن حضرة الموهوب له فإن قبضه بأمر الواهب صح وإلا فلا والصدقة في هذا بمنزلة الهبة وكذلك القرض والبيع الفاسد والرهن إن قبض بعد الافتراق عن المجلس إن قبض بحكم الإذن صح قبضه وإلا فلا، و التخلية في الهبة الفاسد لا تكون قبضاً عند الكل كما في البيع الفاسد، وفي الهبة الجائزة التخلية قبض عند محمد رحمه الله تعالى، والموهوب إذا كان غائباً عن حضرة الواهب والموهوب له فالقبض فيها أن يأمره بالقبض، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يكون قبضاً فيما ينقل حتى يزيله عن مكانه، والتخلية أن يخلّي بين الهبة والموهوب له ويقول اقبضه، رجل وهب داراً فيها متاع ووهب متاعها وخلى بين الكل والموهوب له ثم استحق المتاع بقيت الهبة جائزة في الدار لأن الكل كان في يده فصح التسليم وهو كما لو استعار داراً أو غصب متاع رجل ووضعه في الدار ثم إن المعير وهب الدار منه صحت الهبة لأن المتاع والدار كانت في يده، وكذا لو أودعه المتاع والدار ثم وهب الدار صحت الهبة فإن هلك المتاع ولم يحوله ثم جاء مستحق واستحق المتاع كان له أن يضمن الموهوب له جعل الموهوب له غاصباً ضامناً للمتاع بمجرد التخلية لانتقال يد الواهب إلى الموهوب له، وكذا لو وهب جوالق بما فيه من المتاع وخلى بين الكل ثم استحق الجوالق صحت الهبة فيما كان فيه، ولو باع متاعاً في دار <270\3> وخلى بينه وبين المتاع ثم وهب الدار صحت الهبة، ولو وهب الدار وفيها متاع الواهب فسلم الدار بما فيها ثم وهب المتاع جازت الهبة في المتاع دون الدار لأنه حين سلم الدار أولاً بحكم الهبة لم يصح تسليمه فإذا وهب المتاع بعد ذلك كانت الدار مشغولة بمتاع الواهب فصحت هبة المتاع، ولو وهب المتاع أولاً وسلم الدار مع المتاع ثم وهب الدار صحت الهبة فيهما جميعاً، رجل وهب داراً لرجلين لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثاها لا يجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ويجوز في قول محمد رحمه الله تعالى ولو تصدق بدار على فلانة معينة وعلى ما في بطنها والعلم محيط بأنه لا ولد في بطنها حين تصدق بالدار لا يجوز، ولو تصدق عليها وعلى هذا الحائط جازت الصدقة، ولو وهب داراً لابنين له أحدهما صغير في عياله كانت الهبة فاسدة عند الكل، بخلاف ما لو وهب من كبيرين وسلم إليهما جملة فإن الهبة جائزة لأن في الكبيرين لم يوجد الشيوع لا وقت العقد ولا وقت القبض، وأما إذا كان أحدهما صغيراً فكما وهب يصير الأب قابضاً حصة الصغير فتمكن الشيوع وقت القبض، رجل وهب من رجل داراً وسلمه فاستحق نصفها بطلت الهبة في الباقي، ولووهب داراً في مرضه وليس له مال سوى الدار ثم مات ولم يجز الوارث هبته بقيت الهبة في ثلثها وتبطل في الثلثين، ولو وهب داراً بما فيها من المتاع وسلم ثم استحق المتاع ذكر في الزيادات أن الهبة لا تبطل في الدار، وذكر ابن رستم رحمه الله تعالى أن هذا قول محمد رحمه الله تعالى أما في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لو استحق وسادة منها تبطل الهبة في الدار لأن موضع الوسادة من الدار لم يقبض، ولو وهب أرضاً فيها زرع بزرعها ثم استحق الزرع بطلت الهبة في الأرض عند الكل والزرع لا يشبه المتاع ولو وهب سفينة فيها طعام بطعامها ثم استحق الطعام بطلت الهبة في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى قال ابن رستم وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقال محمد رحمه الله تعالى لا تبطل الهبة في السفينة لأبي يوسف رحمه الله تعالى أن(3/147)
موضع الطعام من السفينة لم يقبض فلم تصح هبة السفينة، ولو وهب لابنه الصغير أرضاً فيها زرع للأب أو وهب لابنه داراً والأب ساكن فيها لم تجز الهبة، وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في المجرّد رجل تصدق على ابنه الصغير بدار والأب فيها ساكن أو له فيها متاع أو فيها قوم يسكنون بغير أجر جازت الصدقة ويصير الأب قابضاً لابنه، ولو كان فيها ساكن بأجر كانت الصدقة باطلة، رجل وهب لرجل جارية واستثنى ما في بطنها فقال على أن يكون الولد لي ذكر في الأصل أن الهبة جائزة وتكون الجارية مع ولدها للموهوب له لأنه لو لم يستثن الولد كانت الجارية وولدها للموهوب له فيكون الولد داخلاً في الهبة فكان استثناء الولد شرطاً مبطلاً والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد على حيوان بدون الولد في هذا يكون بمنزلة الهبة، والبيع الإجارة والرهن يبطل باستثناء الولد، ولو أعتق ما في بطن <271\3> جاريته ثم وهب الجارية جازت الهبة في الأم، وذكر في عتاق الأصل لو دبر ما في بطنها ثم وهب الأم لم يجز قيل فيها روايتان في رواية لا تجوز الهبة في الإعتاق والتدبير جميعاً، وقيل جازت الهبة فيهما والصحيح هو الفرق بين الإعتاق والتدبير في الإعتاق تجوز الهبة وفي التدبير لا تجوز لأن التدبير لا يزيل الجارية عن ملكه فيكون الموهوب متصلاً بغير الهبة من ملك الواهب والإعتاق يزيل الملك فلا يصير الموهوب بعد إعتاق الولد متصلاً بغير الهبة فيجوز كما لو وهب لرجل داراً فيها ابن الواهب فصار استثناء الولد على ثلاثة أقسام، في قسم استثناء الولد يفسد التصرف وهو البيع والإجارة والرهن لأن استثناء الولد بمنزلة شرط فاسد وهذه التصرفات لا تتحمل الشرط الفاسد، وفي قسم يجوز التصرف ويبطل الاستثناء وهو النكاح والخلع والصلح عن دم العمد لأن الشرط الفاسد لا يفد هذه العقود، وفي قسم يجوز التصرف والاستثناء جميعاً وهو الوصية لأن في حكم الوصية ما في البطن لشخص على حدة يجوز إقراره بالوصية فجاز استثناؤه والله أعلم.
فصل في جنس مسائل لا يصح فيها الشرط(3/148)
ذكر ابن رستم رحمه الله تعالى في النوادر رجل قال لآخر أعرني جوالقك أو ثوبك على أنه إن ضاع فأنا ضامن لك قال يلغو هذا الشرط ولا يكون ضامناً، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر رجل دفع زجاجة إلى رجل يقطعها بأجر فقال له ضمان عليك إن كسرتها فكسرها قال إن كان مثلها ربما يسلم وربما لا يسلم يكون ضامناً وإن كان لا يسلم لا يضمن ويبطل الشرط، ومنها رجل استأجر دابة فقال له صاحبها لا تؤاجرها كان له أن يؤاجرها، ولو رهن عند إنسان فقال المرتهن للراهن آخذه على أنه إن ضاع ضاع بغير شيء فقال الراهن نعم فالرهن جائز والشرط باطل إن ضاع ضاع بالمال، وعن محمد رحمه الله تعالى رجل دفع إلى قصّار ثوباً ليقصره فقال له لا تضع من يدك حتى تفرغ عنه كي تضمنه فليس ذلك بشيء ولا يضمن، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى رجل رهن عند إنسان عبداً بألف درهم وقيمته ألفان على أن المرتهن يضمن الفضل إذا هلك المرتهن أو اشترط المرتهن أنه لو مات العبد لا يبطل دينه كان الرهن فاسداً، وعن محمد رحمه الله تعالى في السير الإمام إذا أودع غنيمة في دار الحرب وشرط على المودع أنه لو استهلكها يضمن لا يصح هذا الشرط ولو استهلكها لا يضمن، وذكر في الحيل رجل آجر داراً وأمر المستأجر أن ينفق الأجر على الدار وشرط أن يكون مقبول القول في الإنفاق كان الشرط باطلاً ولا يقبل قوله ونظائر هذا تأتي في كتاب الوديعة والعارية إن شاء الله تعالى، الشيوع الطارئ لا يبطل الهبة إلا رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى، مريض وهب داره لإنسان والدار لا تخرج من ثلث ماله ولم يجز الوارث هبته فإن الهبة تنقض في الثلثين وتبقى في الثلث، ولو اشترى رجل داراً وهو شفيعها وقبضها ووهبها ولها شفيع آخر ثم إن الشفيع الثاني أخذ نصف الدار بالشفعة بطلت الهبة في الباقي لأن الشفيع الثاني <272\3> أخذ الشفعة بحق سابق على الهبة فيكون الشيوع مقارناً للهبة، أما في فصل المريض الشيوع مقصور على الحال لم يكون للوارث حق الفسخ في حياة المورث وإنما يثبت ذلك بعد موته فإنما يبطل الملك في الثلثين عند القبض لا قبله، ألا ترى أن الهبة لو كانت جارية فوطئها الموهوب له ثم انتقضت الهبة برد الورثة أو برجوع الواهب في الهبة لا يلزمه العقد، رجل عليه دين فمات قبل القضاء فوهب صاحب الدين الدين لوارث المديون صح سواء كانت التركة مستغرقة أو لم تكن فلو أن الوارث ردّ الهبة صح دره في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وتبطل الهبة، وقال محمد رحمه الله تعالى لا تصح، وقيل لا خلاف بينهما فيصح رده عندهما إنما الخلاف بينهما فيما إذا وهب الدين من الميت فرد الوارث فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصح وعند محمد رحمه الله تعالى لا يصح، رجل له على عبد إنسان دين فوهب صاحب الدين الدين من مولاه صحت الهبة، ولو أن المولى رد هبته قيل هو على هذا الخلاف عند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصح رده سواء كان على العبد دين محيط أو لم يكن، وقيل يصح رده عند الكل وهو الصحيح، مريض وهب شيئاً ولم يسلم حتى مات بطلت هبته لأن هبة المريض هبة حقيقة وإن كانت وصية حتى يعتبر فيها الثلث والثلثان فلا تتم بدون القبض، رجل جعل داره مسجداً ثم استحق شيء منه خرج الباقي من أن يكون مسجداً لأن المستحق استحق البعض بحق سابق فكان شيوعاً مقارناً فيبطل والله أعلم.
فصل في الرجوع في الهبة(3/149)
للواهب أن يرجع في هبته من غير المحارم ما لم يعوض أو ازدادت الهبة في بدنها وزيادة السعر لا تمنع الرجوع، ولو ولدت الهبة ولدا كان للواهب أن يرجع في الأم في الحال، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يرجع فيها حتى يستغني الولد عنها ثم يرجع في الأم دون الولد، ولو ازدادت الهبة في بدنها ثم ذهبت الزيادة كان للواهب أن يرجع في هبته، ولو خرجت الهبة عن ملك الموهوب له إلى غيره أو هلكت لا يرجع الواهب، وكذا لو هلك الواهب أو الموهوب له، ولو ادعى الموهوب له الهلاك كان القول قوله من غير يمين، ولا يرجع في الهبة من المحارم بالقرابة كالآباء والأمهات وإن علوا والأولاد وإن سفلوا أولاد البنين وأولا البنات في ذلك سواء، وكذا الأخوة والأخوات والأعمام والعمات، و المحرمية بالسبب لا بالقرابة لا تمنع الرجوع كالآباء والأمهات والأخوة والأخوات من الرضاع وكذا المحرمية بالمصاهرة كأمهات النساء والربائب وأزواج البنين والبنات، إذا وهب العبد المديون من صاحب دينه بطل دينه، وكذا لو كان على العبد جناية خطأ فوهبه لولي الجناية بطلت الجناية ويكون للواهب أن يرجع في هبته استحساناً، وإذا رجع مولى العبد في هبة العبد لا يعود الدين والجناية في قول محمد رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وفي القياس لا يصح رجوعه في الهبة وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة والمعلى عن أي يوسف وهشام عن محمد رحمهم الله تعالى، وفي الاستحسان يصح رجوعه <273\3>، ولو وهب الأمة من زوجها بطل النكاح فإن رجع في الهبة بعد ذلك صح رجوعه ولا يعود النكاح كما لا يعود الدين والجناية وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا رجع المولى في الهبة يعود الدين والجناية وأبو يوسف رحمه الله تعالى استفحش قول محمد رحمه الله تعالى وقال أرأيت لو كان على العبد دين لصغير فوهب المولى عبده من الصغير فقبل الوصي وقبض يسقط الدين فإن رجع الواهب في الهبة بعد ذلك لو قلنا بأنه لا يعود الدين كان قبول الوصي الهبة تصرفاً ضاراً على الصغير وإنه لا يملك ذلك، وأما مسألة النكاح ففيها روايتان عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رواية إذا رجع الواهب يعود النكاح، رجل وهب شيئاً من ذي الرحم المحرم وأحدهما مسلم والآخر كافر لا يرجع الواهب في الهبة لأن المانع من الرجوع القرابة، الموهوب له إذا علّم الموهوب القرآن أو الكتابة أو كانت أعجمية فعلمها الكلام أو شيئاً من الحرف لا يرجع الواهب في الهبة لحدوث الزيادة في العين وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تعليم الحرف و ما أشبه ذلك لا يمنع الرجوع في الهبة، وعن محمد رحمه الله تعالى في المنتقى أنه لا يبطل حق الواهب في الرجوع كما هو قول زفر رحمه الله تعالى وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان، ولو وهب عبداً كافراً فأسلم عند الموهوب له لا يكون للواهب أن يرجع في الهبة لأن الإسلام زيادة، ولو وهب شيئاً له حمل و مؤنة ببغداد فحمله الموهوب له إلى بلدة أخرى لا يكون للواهب أن يرجع في الهبة، قيل هذا إذا كانت قيمة الهبة في المكان الذي انتقل إليه أكثر وإن استوى قيمتها في المكانين كان للواهب أن يرجع في هبته، ولو وهب جارية في دار الحرب فأخرجها الموهوب له إلى دار الإسلام ليس للواهب أن يرجع في هبته، رجل وهب ثوباً فقصره الموهوب له لا يرجع الواهب في الهبة بخلاف ما لو غسله لأن القصارة زيادة بخلاف الغسل، وفي الإملاء إذا غسله أو قصره له أن يرجع في الهبة وإن فتله لا يرجع إذا كان يزيد ذلك في الثمن، رجل وهب لآخر دراهم وسلمها إلى الموهوب له ثم إن الواهب استقرضها من الموهوب له وأقرضه جاز ولا يكون للواهب أن يرجع في الهبة أبداً لأنها صارت مستهلكة وديناً على الواهب، رجل وهب تراباً قبله الموهوب له بالماء بطل حق الواهب في الرجوع لأن اسم التراب قد زال وصار شيئاً آخر، بخلاف ما إذا وهب سويقاً فبله الموهوب له بالماء فإنه لا يبطل حق الواهب في الرجوع لأن اسم السويق لا يبطل ولم يحدث فيه زيادة بل حدث فيه نقصان فلا يبطل حق الواهب في الرجوع كما لو وهب حنطة فبلها الموهوب له بالماء، رجل وهب عبداً فقطعت يده عند الموهوب له فأخذ الموهوب له أرش اليد كان للواهب أن يرجع في الهبة فيأخذ العبد ولا يأخذ الأرش في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، رجل وهب لرجل ثوباً فسلمه إليه ثم اختلسه منه فاستهلكه <274\3> ضمن الواهب قيمة الثوب للموهوب له لأن الرجوع في الهبة لا يكون إلا بقضاء أو رضا، وذكر في المنتقى عند محمد رحمه الله تعالى رجل وهب جارية وسلمها إلى الموهوب له ثم رجع فيها بغير قضاء ولا رضا وأعتقها لم يجز عتقه قال وليس له أن يرجع فيها إلا بقضا أو رضا، ولو تصدق على رجل بشيء ثم استقال من المتصدق عليه فأقاله لم يجز حتى يقبض لأنها هبة مستقلة، وكذا إذا وهب لذي رحم وكل شيء لا يفسخه القاضي إذا رفع إليه لو اختصما إليه كان الرجوع فيها بمنزلة الهبة المستقلة وكل شيء(3/150)
يفسخه القاضي لو اختصما إليه فأقاله الموهوب له فهلك يهلك من مال الواهب وإن لم يقبضه، مريض وهب له عبد ثم رجع الواهب في الهبة بغير قضاء فرده المريض عليه برضاه جاز ذلك من الثلث فإن كان الرد بقضاء يجوز ولا شيء لورثة المريض على الواهب، وكذلك رجل اشترى عبداً وقبضه ثم وهبه لإنسان وسلم ثم رجع في الهبة بغير قضاء ثم وجد بالعبد عيباً كان له أن يرده على بائعه جعل الرجوع في هذا بغير قضاء بمنزلة الرجوع بقضاء القاضي، رجل وهب عبداً فمرض العبد عند الموهوب له فداواه حتى صح كان للواهب أن يرجع فيه، رجل وهب داراً فبنى الموهوب له في بيت الضيافة التي سميت بالفارسة كاشانه تنوراً للخبز كان للواهب أن يرجع في هبته لأن مثل هذا يعد نقصاناً ولا يعد زيادة، وكذا لو جعل فيه أرياً، ولو وهب عبداً صغيراً فشب فصار رجلاً طويلاً لا يرجع الواهب فيه لأن الزيادة في البدن تمنع الرجوع وإن كانت تنقص القيمة، وكذا لو كان نحيفاً فسمن أو كان قبيحاً فحسن لا يرجع الواهب، رجل وهب لرجل جارية فأراد الواهب أن يرجع فيها فقال الموهوب له و هبتنيها صغيرة فكبرت وازدادت خيراً وقال الواهب لا بل وهبتها لك كذلك كان القول للواهب وكذا في كل زيادة متولدة، وأما في البناء والخياطة ونحوهما كان القول قول الموهوب له، رجل في يده دار قال لرجل آخر تصدقت بها عليّ وأذنت لي في قبضها فقبضتها وقال المتصدق لا بل قبضتها بغير إذني كان القول للمتصدق، ولو قال الذي في يده الدار كانت في يدي فتصدقت عليّ فأجزت وقال المتصدق لا بل كانت حينئذ في يدي وقبضتها بغير إذني كان القول للمتصدق عليه، ولو ادعى رجل عبداً في يد غيره وزعم أنه كان وهبه للذي في يده وكان العبد غائباً عنهما فقبضه الموهوب له بغير إذنه وقال الموهوب له وهبته لي وقبضته بإذنك كان القول قول الموهوب له وإن قال الموهوب له حين وهبته لي كان في منزلك لا بحضرتنا فأمرتني بقبضه فقبضته لا يصدق، ولو قال المدعي وهب لك والدي ولم تقبضه إلا بعد موته وقال الموهوب له قبضته في حياته فإن كان العبد في يد الذي يدعي القبض في حياته كان القول للوارث، رجل وهب لرجل مصحفاً فنقطه الموهوب له بإعراب لا يرجع الواهب في هبته، وإذا وهب أحد الزوجين لصاحبه لا يرجع في الهبة وإن انقطع <275\3> النكاح بينهما، ولو وهب لأجنبية ثم تزوجها أو وهبت لأجنبي ثم تزوجت نفسها منه كان للواهب أن يرجع في الهبة لأن النكاح بعد الهبة لا يمنع الرجوع، ولو وهبت المرأة شيئاً لزوجها وادعت أنه استكرهها في الهبة يسمع دعواها، وإذا مات الواهب أو الموهوب له يبطل حق الرجوع، ولو وهب أحد لقريبه شيئاً لا يرجع في الهبة وإن كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، ولو وهب لأخيه ولأجنبي عبداً فقبضاه كان له أن يرجع في نصيب الأجنبي، ولو وهب لأخيه وهو عبد لأجنبي كان له أن يرجع في الهبة لأن الهبة وقعت لمولى الأخ، وإن وهب لعبد أخيه كان له أن يرجع في الهبة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقال صاحباه رحمهما الله تعالى لا يرجع، ولو وهب لعبد هو ذو رحم محرم منه ومولاه أيضاً ذو رحم محرم منه بأن كان أخوه لأبيه عبداً لأخيه لأمّه ذكر الكرخي عن محمد رحمه الله تعالى أن في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى له أن يرجع في الهبة، وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا يرجع هو الصحيح لأن المقصود من هذه الهبة صلة الرحم في جانب العبد والمولى جميعاً، وكذا لو كان العبد عمّاً للواهب ومولاه خاله فوهب شيئاً للعبد قال محمد رحمه الله تعالى في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى للواهب أن يرجع في هبته وقال محمد رحمه الله تعالى وهذا قبيح، إذا وهب لذي الرحم المحرم وهو مكاتب لا يرجع ما دام مكاتباً في قولهم فإن عجز وردّ في الرق كان للواهب أن يرجع في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى، وقال محمد رحمه الله تعالى لا يرجع، ولو أدى الكتابة فعتق لا يرجع الواهب في قولهم، والصدقة إذا تمت بالقبض لا يرجع المتصدق فيها سواء كانت للقريب أو للأجنبي وللواهب أن يرجع في هبته قبل أن يقبضه الموهوب له سواء كان الموهوب له حاضراً أو غائباً أذن له في قبضه أو لم يأذن ينفرد الواهب في الرجوع قبل القبض، وبعد القبض لا يرجع إلا بقضاء أو رضا، وللموهوب له أن يتصرف في الهبة ما لم يقض القاضي بالرجوع وينقض الهبة وبعدما قضى لا يجوز تصرفه، ولا رجوع في الصدقة ولا في الهبة على المحتاج، وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يرجع في الصدقة على غني أو فقير استحساناً، رجل وهب داراً وبنى فيها أو جصصها أو طينها أو جعل فيها مغتسلاً أو أرضاً فبنى في طائفة منها بناء أو غرس شجراً فلا رجوع في شيء من ذلك عندنا، وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى له أن يرجع في جميع ذلك وهذا إذا كان البناء يعدّ زيادة وإن كان لا يعدّ زيادة كالآريّ في البيت والتنور في الكاشانه لا يمنع الرجوع، ولو وهب داراً فهدم الموهوب له بناءها كان له أن يرجع في(3/151)
الأرض، وكذا في غير الدار إذا استهلك البعض بهدم أو بيع كان له أن يرجع في الباقي وإن كانت الهبة ثوباً فصبغه أحمراً أو أصفراً أو خاطه لا يرجع الواهب، ولو قطعه ولم يخطه كان له أن يرجع، ولم يذكر في الكتاب إذا صبغه <276\3> أسود قالوا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى له أن رجع فيه وقال صاحباه رحمهما الله تعالى لا يرجع كما لو صبغه بشيء آخر، وأبو يوسف رحمه الله تعالى كان يقول أولاً بقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثم رجع وقال ربما ينفق على السواد أكثر مما ينفق على صبغ آخر وقيل هذا إذا كان السواد لا يعد زيادة فإن كان يعد زيادة تزداد قيمته بذلك لا يرجع عند الكل، رجل وهب لرجل هبة فقبضها الموهوب له ووهبها لآخر ثم رجع الواهب الثاني في هبته بقضاء أو رضا كان للواهب الأول أن يرجع في هبته لأن الرجوع في الهبة فسخ عند الكل فإذا عاد إلى الواهب الثاني ملكه عاد بما كان متعلقاً به، وعلى قول زفر رحمه الله تعالى إذا كان الرجوع بغير قضاء لا يجوز للواهب أن يرجع لما عرف، الواهب إذا رجع في هبته في مرض الموهوب له بغير قضاء يعتبر ذلك من جميع مال الموهوب له أو من الثلث فيه روايتان ذكر ابن سماعة رحمه الله تعالى أن في القياس يعتبر من جميع ماله، رجل وهب شجرة وأذن له بقطعها فقطعها وأنفق في القطع كان للواهب أن يرجع فيه، ولو وهب شجرة بأصلها فقطها الموهوب له كان للواهب أن يرجع فيها وفي مكانها من الأرض وهو الصحيح لأن القطع نقصان والنقصان لا يمنع الرجوع فلو أنه جعل الشجرة أبواباً أو جذوعاً لا يرجع الواهب فيه، روى أنه يرجع في الجذوع كما لو جعلها حطباً فإنه يرجع في الحطب، ولو وهب شاة أو بقرة فذبحها الموهوب له كان للواهب أن يرجع فيها وإن ذبحها عن هديٍ أو أضحية عند محمد رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، إذا وهب هبة كان له أن يرجع في بعضها إن شاء، وكذا لو وهب عبداً لرجلين كان له أن يرجع في حصة أحدهما إن شاء، وكذا لو وهب نصف العبد لأحدهما وتصدق بالنصف على الآخر كان له أن يرجع في الهبة دون الصدقة، وإذا وهب داراً فرجع في نصفها لا تبطل الهبة في الباقي، ولو اختلف الواهب والموهوب له عند رجوع الواهب فقال الواهب كانت هبة وقال الموهوب له كانت صدقة فلا رجوع لك كان القول قول الواهب، رجل وهب يحتمل القسمة ثم قسم ما وهب وسلم إلى الموهوب له جاز، رجلان وهبا عبداً لرجل وسلما ثم أراد أحدهما أن يرجع في حصته والآخر غائب كان له ذلك لأن كل واحد منهما منفرد بهبة نصيبه حكماً فينفرد بالرد كما لو انفرد بهبة نصيبه نصاً، رجل وهب عبده لرجلين أو رجلان وهبا عبداً لرجلين أو وهب أحدهما نصيبه لشريكه أو لأجنبي وسلم جاز، وإن قال أحدهما لرجل وهبت لك نصيبي من هذا العبد فاقبضه ولم يبين النصيب ولم يعلم الموهوب له نصيبه لا يجوز، رجل وهب نصف عبدين أو نصف ثوبين مختلفين هروي ومروي أو نصف عشرة أثواب مختلفة زطي ومروي ونحو ذلك جاز، وكذا الدواب المختلفة لأن العبيد <277\3> والثياب المختلفة والدواب المختلفة من أجناس مختلفة من جملة ما لا يحتمل القسمة فالشيوع فيها لا يمنع جواز الهبة أما الدواب والثياب من نوع واحد من جملة ما يحتمل القسمة فالشيوع فيها يمنع جواز الهبة، رجل وهب لرجل شيئاً ثم قال الواهب أسقطت حقي في الرجوع لا يسقط حقه، رجل وهب لرجلين ألف درهم فقال لأحدكما الثلث والثلثان لآخر لا يجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، ويجوز في قول محمد رحمه الله تعالى، وكذا لو قال لأحدكما منها ستمائة وللآخر أربعمائة، وصي اليتيم إذا وهب عبده للصغير وللصغير عليه دين صحت الهبة وسقط دينه فإن أراد الواهب أن يرجع في هبته كان له ذلك في ظاهر الرواية، وروى هشام عن محمد رحمه الله تعالى أنه ليس له ذلك، رجل وكل رجلاً بهبة ماله فوهب الوكيل وسلم جاز ويكون التوكيل بالهبة توكيلاً بالتسليم، إذا وهب الدين من المديون ليس له أن يرجع فيه لأن الدين سقط بالهبة فلا يحتمل العود، الواهب إذا اشترى الهبة من الموهوب له قالوا لا ينبغي له أن يشتري لأن الموهوب له يستحي عن المماكسة فيصير مشترياً بأقل من قيمته إلا الوالد إذا وهب لولده شيئاً لأن شفقته على ولده تمنعه من الشراء بأقل من قيمته، ومما يمنع الواهب من الرجوع وصول العوض إليه.
فصل في العوض(3/152)
الموهوب له إذا عوض الواهب بعد الهبة وقال هذا عوض هبتك أو ثواب هبتك أو بدل هبتك أو مكان هبتك أو قال كافأتك أو أثبتك أو تصدقت بها عليك بدلاً عن هبتك يكون عوضاً لا يبقي للواهب حق الرجوع ولا للمعوض أن يرجع على الواهب في العوض وإن لم يقل شيئاً من هذه الألفاظ كان لكل واحد منهما الرجوع فيما أعطى، ويشترط شرائط الهبة في العوض بعد الهبة من القبض والإفراز لأنه تبرع، ويجوز تعويض الأجنبي كان بأمر الموهوب له أو بغير أمره ولا يبقي للواهب حق الرجوع في الهبة بعد ذلك ولا للأجنبي أن يرجع في العوض، وليس للأجنبي المعوض أن يرجع على الموهوب له سواء عوض بأمره أو بغير أمره إلا أن يقول الموهوب له عوض فلاناً عني على أني ضامن وهو كما لو قال لغيره أطعم عن كفارة يميني أو قال أدِّ زكاة مالي أو قال هب لفلان عبدك هذا عني فإن المأمور لا يرجع على الآمر إلا أن يقول له الآمر على أني ضامن بخلاف ما لو قال لغيره اقض ديني لفلان فقضاه كان للمأمور أن يرجع على الآمر وإن لم يقل على أني ضامن، وموضع هذه المسائل هبة الأصل، ولو أن الموهوب له تصدق على الواهب أو نحله أو أعمره وقال هذا عوض هبتك وسلم جاز ويكون عوضاً، إذا وجد الواهب في العوض عيباً لم يكن له أن يرجع في شيء من الهبة كان العيب فاحشاً أو لم يكن، رجل وهب عبده لرجلين فعوضه أحدهما عن حصته كان للواهب أن يرجع في حصة الآخر <278\3> ويصح رجوعه في النصف الشائع، ولو عوضه أحدهما عن نفسه وعن صاحبه لا يكون للواهب أن يرجع في شيء من العبد لما قلنا أن التعويض يصح من الأجنبي، إذا وهب للصغير هبة فعوض الأب أو الوصي للواهب من مال الصغير لا يجوز لأنه تبرع فإذا بطل التعويض كان للواهب أن يرجع في هبته وهو كما لو استحق العوض كان للواهب أن يرجع في الهبة إذا كانت قائمة ولم تزدد خيراً فإن استحق نصف العوض لا يرجع الواهب في شيء من الهبة ويصير كأنه عوضه الباقي والعوض وإن كان يسيراً يبطل حق الواهب في الرجوع، فإن قال الواهب أردّ ما بقي من العوض وأرجع في الهبة لم يكن له ذلك، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى له أن يرد ما بقي من العوض ويرجع في الهبة إن شاء، وعلى قول زفر رحمه الله تعالى إذا استحق نصف العوض كان للواهب أن يرجع في نصف الهبة، وعندنا ليس له ذلك لأنها ليست بمعاوضة ولهذا يصح التعويض بشيء يسير أو كثير من جنس الهبة أو من غير جنسها فإن استحقت الهبة كان للمعوض أن يرجع في العوض وإن استحق نصف الهبة كان للمعوض أن يرجع في نصف العوض لأنه إنما عوضه لتسلم له الهبة، رجل وهب لرجل ألف درهم فعوضه الموهوب له درهما من تلك الدراهم لم يكن ذلك عوضاً عندنا وكان للواهب أن يرجع في هبته، وقال زفر رحمه الله تعالى يكون عوضاً، وكذا لو كانت الهبة داراً فعوضه بيتاً منها، ولو وهب نصراني لمسلم هبة فعوضه المسلم خمراً أو خنزيراً لم يكن عوضاً وللنصراني أن يرجع في هبته، وكذا الرجل إذا عوض الواهب شاة مسلوخة ثم ظهر أنها ميتة رجع الواهب في هبته، وكذا العبد المأذون إذا وهب لرجل هبة فعوضه الموهوب له كان لكل واحد منهما أن يرجع فيما دفع لأن هبة العبد باطلة مأذونا كان أو محجوراً وإذا بطلت الهبة بطل التعويض، وكذا الصغير إذا وهب ماله لرجل فعوضه الموهوب له لا يصح لأنه عوض عن هبة باطلة، رجل وهب لرجل ثوباً لغيره وسلمه إليه فأجازه المالك جازت الهبة من المالك وله أن يرجع فيها ما لم يعوض أو يكون الموهوب له ذا رحم محرم من المالك فحقوق الهبة تكون لصاحب الهبة لا للذي باشرها، فلو أن الموهوب له عوض الذي باشر الهبة أو كان بينهما قرابة فذلك لا يمنع صاحب الهبة عن الرجوع في الهبة، رجل وهب لرجل ثوباً وخمسة درهم فسلم الكل إليه ثم عوضه الثوب أو الدراهم لم يكن عوضاً عندنا استحساناً لأن الكل هبة واحدة فلا يكون البعض عوضاً، ولو وهب لرجل هبتين مختلفتين يعني في عقدين في مجلس واحد أو مجلسين فعوضه إحداهما عن الأخرى كان عوضاً، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يكون عوضاً كما لو كان العقد واحداً لأن ماله لا يكون عوضاً عن ماله، ولو كانت إحداهما صدقة والأخرى هبة فعوضه الصدقة عن الهبة كان عوضاً، رجل وهب لرجل حنطة فطحن الموهوب <279\3> له بعضها وعوضه دقيقاً من تلك الحنطة كان عوضاً، وكذا لو وهب ثياباً وصبغ ثوباً منها بعصفر أو خاطه قميصاً ثم عوضه كان عوضاً، وكذا لو وهب سويقاً ولتّ بعضه ثم عوضه كان عوضاً لأنه صار شيئاً آخر ولهذا لا يكون للواهب أن يرجع في الهبة بعدما فعل ذلك فإن كانت الهبة بشرط العوض يشترط لها شرائط الهبة في الابتداء حتى لا يصح في المشاع الذي يحتمل القسمة ولا يثبت بها الملك قبل القبض ولكل واحد منهما أن يمتنع من التسليم وبعد التقابض يثبت لها حكم البيع فلا يكون لأحدهما أن يرجع فيما كان له ويثبت بها الشفعة، ولكل واحد منهما أن يرد بالعيب ما قبض وإن استحق ما في يد أحدهما يرجع على صاحبه بما في يده إن كان قائماً(3/153)
وبقيمته إن كان هالكاً، والصدقة بشرط العوض بمنزلة الهبة بشرط العوض وهذا استحسان والقياس أن تكون الهبة بشرط العوض بيعاً ابتداء وانتهاء ألا ترى أن المكره على البيع إذا وهب بشطر العوض كان مكرها فيه والمكره على الهبة بشرط العوض إذا باع يكون مكرهاً والإكراه بأحدهما يكون إكراهاً بالآخر، رجل وهب لرجل عبداً بشرط أن يعوضه ثوباً إن تقابضا جاز وإن لم يتقابضا لم يجز والله أعلم.
فصل في هبة الوالد لولده والهبة للصغير
رجل له ابن وابنة أراد أن يهب لهما شيئاً و يفضّل أحدهما على الآخر في الهبة أجمعوا على أنه لا بأس بتفضيل بعض الأولاد على البعض في المحبة لأن المحبة عمل القلب وذلك غير مقدور قال عليه الصلاة والسلام حين سوّى بين النساء في القسم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك، ولو وهب رجل شيئاً لأولاده في الصحة وأراد تفضيل البعض في ذلك على البعض لا رواية لهذا في الأصل عن أصحابنا رحمهم الله تعالى روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا بأس به إذا كان التفضيل لزيادة فضل له في الدين فإن كانا سواء يكره وروى المعلى رحمه الله تعالى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا بأس به إذا لم يقصد به الإضرار وإن قصد به الإضرار سوّى بينهم يعطي للابنة مثل ما يعطي للابن، وقال محمد رحمه الله تعالى يعطي للذكر ضعف ما يعطي للأنثى والفتوى على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى، رجل وهب في صحته كل المال للولد جاز في القضاء ويكون آثماً فيما صنع، رجل قال جعلت هذا لولدي فلان كانت هبة ولو قال هذا الشيء لولدي الصغير فلان جاز ويتم من غير قبول كما لو باع ماله من ولده الصغير جاز ولا يحتاج إلى القبول، رجل وهب لابنه الصغير داراً هي مشغولة بمتاع الأب قال أبو نصر رحمه الله تعالى جاز ولا يحتاج إلى التفريغ لأنها مشغولة بمتاع القابض وهو الأب، ولو تصدق على ابنه الصغير بدار والأب ساكن فيها لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويجوز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وعليه الفتوى لما قلنا في الهبة، ولو وهب عبده الآبق لولده الصغير لا يجوز وإن باع جاز، رجل اتخذ ثياباً لولده الصغير ثم أراد أن يدفع <280\3> إلى ولد له آخر لم يكن له ذلك لأنه لما اتخذ ثوباً لولده الأول صار ملكاً للأول بحكم العرف فلا يملك الدفع إلى غيره إلا إذا بيّن عند اتخاذه للأول أنه عارية فحينئذ يملكه لأن الدفع إلى الأول يحتمل الإعارة فإذا بيّن ذلك صح بيانه، وكذا الرجل إذا أخذ ثياباً لتلميذه فأبق التلميذ بعدما دفع إليه فأراد أن يدفع إلى غيره فهو على هذا إن بيّن وقت الاتخاذ أنه إعارة يمكنه الدفع إلى غيره، رجل جهّز ابنته بماله فوجه الابنة مع الجهاز إلى زوجها فماتت الابنة فادعى الأب أنه كان عارية وزوجها يدّعي الملك اختلفوا فيه، قال بعضهم القول قول الزوج والبينة على الأب وبه قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى، وقال بعضهم القول قول الأب لأنه هو الدافع والمملك، قال مولانا رحمه الله تعالى وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن كان الأب من الكرام والأشراف لا يقبل قول الأب لأن مثله يأنف عن الإعارة وإن كان من أوساط الناس يكون القول قول الأب لأنه هو الدافع وليس بمكذب فيما قال من حيث الظاهر، امرأة لها مهر على زوجها ووهبت المهر لابنها الصغير الذي من هذا الزوج الصحيح أنه لا تصح هذه الهبة لأن هبة الدين من غير من عليه الدين لا تجوز إلا إذا وهبت وسلطت ولدها على القبض فيجوز ويصير ملكاً للولد إذا قبض ولا يجوز للأب أن يهب شيئاً من مال ولده الصغير بعوض وغير عوض لأنها تبرع ابتداء، ولو وهب أجنبي للصغير هبة فقبض الهبة يكون للأب كان الصغير في عياله أو لم يكن والله أعلم.
فصل في قبض الهبة للصغير(3/154)
إذا وهب أجنبي لصغير هبة فحق قبض الهبة والقبول للأب فإن مات الأب أو غاب غبية منقطعة كان ذلك لوصي الأب لأنه بمنزلة الأب وهو أولى من الجد فإن لم يكن له وصي ولا أب فحق القبض يكون للجد أبي الأب ثم بعده وصي الجد ولا يجوز قبض غير هؤلاء الأربعة إلا أن يكون الصغير في عياله فإن كان الصغير في حجر العم وعياله فوهب للصغير هبة ووصي الأب حاضر فقبض العم قيل لا يجوز قبضه لأن الوصي بمنزلة الأب وإن قبض الأخ أو العم أو الأم والصبي في عيال أجنبي لا يجوز وإن قبض ذلك الأجنبي الذي الصغير في عياله جاز، ولو كانت الصغيرة في بيت زوجها فوهب أجنبي لها هبة فقبض الزوج جاز وإن كان الأب حاضراً، ولو قبض الأب يجوز أيضاً وإن كانت هي في بيت زوجها، ولو كان الصغير في عيال الجد أو الأخ أو الأم أو العم فوهب له هبة فقبض الهبة من كان الصغير في عياله والأب حاضر اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال بعضهم لا يجوز والصحيح هو الجواز كما لو قبض الزوج وأبو الصغيرة حاضر، وإن كان الصغير يعقل القبض فقبض الهبة جاز قبضه ويبيعه القاضي حتى لا يرجع الواهب في الهبة، ولو قبض الملتقط هبة للقيط واللقيط في عياله وليس له أحد سواه جاز قبضه، وكذا لو كان الصغير في عيال أجنبي كان لذلك الأجنبي حق القبض وللملتقط <281\3> أن يسلم اللقيط إلى غيره في تعليم الأعمال ولا يكون لأجنبي آخر أن يسترد منه.
فصل في هبة المرأة مهرها من الزوج(3/155)
رجل قال لامرأته قولي وهبت لك مهري فقالت وهي أعجمية لا تحسن العربية قالوا لا تصح هذه الهبة فرّقوا بين هذا والطلاق والعتاق، إذا أمر الرجل امرأته حتى قالت طلقت نفسي أو قيل لرجل قل طلقت امرأتي أو أعتقت عبدي فقال ذلك وقع الطلاق والعتاق، والفرق أن الرضا شرط جواز الهبة وليس بشرط الوقوع الطلاق والعتاق ولهذا لو طلق مكرها أو أعتق يقع الطلاق والعتاق، ولو أكره على الهبة فوهب لا تصح وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى عندي لا يقع العتاق أيضاً إذا كان معروفاً بالجهل، ولو قال لعبده أنت حر وهو لا يعلم أن هذا إعتاق عتق في القضاء ولا يعتق فيما بينه وبين الله تعالى، امرأة تريد أن تهب مهرها من الزوج ولا تصح هبتها ولا يبرأ زوجها قالوا تصالح سراً عن زوجها مع أجنبي من المهر على عوض لم تره ولا تنظر إلى بدل الصلح حتى تهب مهرها من زوجها ثم تنظر إلى البدل فترده بخيار الرؤية فيعود المهر على الزوج كما كان وتبطل الهبة، رجل مات فوهبت مهرها منه امرأته صحت هبتها وبرئ الزوج لأن الدين لا يسقط بالموت وقبول المديون ليس بشرط لجواز الهبة فصحت الهبة، مريضة وهبت مهرها من زوجها ثم ماتت قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كانت عند الهبة تقوم لحاجتها وترجع من غير معين لها على القيام فهي بمنزلة الصحيح تصح هبتها، امرأة قالت لزوجها وهبت مهري منك على أن كل امرأة تتزوجها تجعل أمرها بيدي فإن لم يقبل الزوج ذلك بطلت الهبة وإن قبل ذلك في المجلس جازت الهبة ثم إن فعل الزوج ذلك فالهبة ماضية وإن لم يفعل فكذلك عند البعض كمن أعتق أمته على أن لا تتزوج فقبلت عتقت تزوجت أو لم تتزوج، امرأة قالت لزوجها اتخذ الوليمة وقت الجهاز فما أنفقتها فانقص ذلك من مهري قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى الأمر كما قالت، رجل منع امرأته المريضة من المصير إلى أبويها فقال الزوج إن وهبت لي مهرك بعثتك إلى أبويك فقالت المرأة أفعل ثم قدّمها إلى الشهود فوهبت بعض مهرها وأوصت بصدقة البعض على الفقراء أو غير ذلك فمنعها ولم يبعثها إلى أبويها قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى الهبة باطلة لأنها بمنزلة المكرهة في الهبة، امرأة قالت لزوجها وهبت مهري إن لم تظلمني فقبل الزوج ذلك ثم ظلمها بعد ذلك قال أبو بكر الإسكاف وأبو القاسم الصفار رحمهما الله تعالى الهبة فاسدة لأنها تعليق الهبة بالشرط، وهذا بخلاف ما لو قالت وهبت منك مهري على أن لا تظلمني فقبل الزوج صحت الهبة بالقبول لأن هذا تعليق الهبة بالقبول فإذا قبل تمت الهبة فلا يعود المهر بعد ذلك وهو نظير ما لو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار لا تطلق ما لم تدخل، ولو قال أنت طالق على دخولك الدار فقالت قبلت <282\3> وقع الطلاق، وقال محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى في مسألة الظلم مهرها عليه على حاله إذا ظلمها لأن المرأة لم ترض بالبهة إلا بهذا الشرط فإذا فات الشرط فات الرضا أما الطلاق فالرضا فيه ليس بشرط، والدليل على هذا ما ذكر في كتاب الحج إذا تركت المرأة مهرها على الزوج على أن يحج بها وقبل الزوج ذلك ولم يحج بها كان المهر عليه على حاله والفتوى على هذا القول، قال مولانا رحمه الله تعالى ويمكن الفرق بين مسألة الحج وبين مسألة الظلم ووجه ذلك أن في مسألة الحج لما شرطت الحج بها فقد شرطت نفقة الحج عليه فيكون هذا بمنزلة الهبة بشرط العوض فإذا لم يحصل العوض لا تتم الهبة أما في مسألة الظلم شرطت عليه ترك الظلم وترك الظلم لا يصلح عوضاً قال مولانا رحمه الله تعالى ذكر في بعض النسخ إذا شرطت عليه أن لا يظلمها فقبل الزوج ثم ضربها وأجاب كما ذكر وعندي إنما يعود المهر إذا ضربها بغير حق أما إذا ضربها بتأديب مستحق عليها لا يعود المهر لأن ما كان حقاً لا يكون ظلماً، امرأة وهبت مهرها من زوجها ليقطعها في كل حول ثوباً مرتين وقبل الزوج ذلك فمضى حولان ولم يقطع قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان ذلك شرطاً في الهبة فمهرها عليه على حاله لأن هذا بمنزلة الهبة بشرط العوض فإذا لم يحصل العوض لا تصح الهبة وإن لم يكن ذلك شرطاً في الهبة سقط مهرها ولا يعود بعد ذلك، وكذا لو وهبت مهرها على أن يحسن إليها ولم يحسن كانت الهبة باطلة وتكون بمنزلة الهبة بشرط العوض، رجل قال لامرأته أبرئيني من مهرك حتى أهب لك كذا وكذا فأبرأته ثم أبى الزوج أن يهب منها ما قال كان المهر عليه كما كان، امرأة وهبت مهرها من زوجها على أن يمسكها ولا يطلقها فقبل الزوج ذلك ثم طلقها قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن لم يكن وقّتَ للإمساك وقتاً لا يعود مهرها على الزوج وإن وقّت وقتاً فطلقها قبل ذلك الوقت كان المهر عليه على حاله فقيل له إذا لم يوقت لذلك وقتاً كان قصدها أن يمسكها ما عاش قال نعم إلا أن العبرة الإطلاق في اللفظ فإنه ذكر في كتاب الوصايا رجل أوصى لأم ولده بثلث ماله إن لم تتزوج(3/156)
فقبلت ذلك ثم تزوجت بعد انقضاء عدتها بزمان فإنها تستحق الثلث بحكم الوصية، امرأة وهبت مهرها من زوجها على أن لا يطلقها فقبل الزوج قال خلف رحمه الله تعالى صحت الهبة طلقها أو لم يطلق لأن ترك الطلاق لا يكون عوضاً بقيت هذه هبة بشرط فاسد والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، وذكر في النوازل إذا قالت المرأة لزوجها تركت مهري عليك على أن تجعل أمري بيدي ففعل الزوج ذلك قال مهرها عليه ما لم تطلق نفسها، ولو قالت المرأة كابين ترابخشيدم جنك أزمن بازدار إن لم يطلق لا يبرأ من المهر لأنها جعلت المهر عوضاً عن الطلاق فما لم يطلق لا يبرأ المرأة إذا أرادت أن يتزوجها الذي طلقها فقال لها المطلق لا أتزوجك حتى تهبيني مالك علي فوهبت مهرها الذي عليه على أن يتزوجها ثم أبى أن يتزوجها قالوا مهرها عليه <283\3> على حاله تزوجها أو لم يتزوجها لأنها جعلت المال على نفسها عوضاً عن النكاح في النكاح والعوض لا يكون على المرأة، امرأة تقول لزوجها إنك تغيب عني كثيراً فإن مكثت معي ولا تغب فقد وهبت منك الحائط الذي لي في مكان كذا فمكث معها زماناً ثم طلقها قالوا هذه المسألة على خمسة أوجه، إن كان كلامها عدة منها لا هبة للحال لا يكون الحائط للزوج لأن بالوعد لا يملك، وإن كانت وهبت منه وسلمت إليه والزوج وعدها أن يمكث معها يكون الحائط للزوج لأنها وهبت للحال ولم تعلقها بشرط وإنما شرطت عليه شرطاً فاسداً والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، والوجه الثالث أن تقول المرأة وهبت منك الحائط إن مكثت معي فقبل الزوج ذلك كانت باطلة لأنها علقت الهبة بالشرط والهبة لا تحتمل التعليق بالشرط، والوجه الرابع أن تقول المرأة وهبت منك على أن تمكث معي قال أبو القاسم الصفار رحمه الله تعالى في هذا الوجه يكون الحائط للزوج، وعلى ما قال محمد بن مقاتل ونصير رحمهما الله تعالى فيما تقدم لا يكون للزوج والاعتماد على ما قالا لأنها ما رضيت إلا بهذا الشرط، والوجه الخامس أن تصالح المرأة زوجها على أن يمكث معها على أن يكون الحائط هبة للزوج وفي هذا الوجه لا يكون الحائط للزوج أيضاً فالصلح باطل، رجل وهب لرجل أرضاً وسلمها إليه وشرط أن ينفق الموهوب له على الواهب من الخارج كانت الهبة فاسدة، بخلاف ما إذا كانت الهبة كرماً وشرط أن ينفق الموهوب له على الواهب من ثمرته فإن ثمة تصح الهبة ويبطل الشرط وقد ذكرنا، رجل قال لمديونه إن لم تقض مالي عليك حتى تموت فأنت في حل فهو باطل لأنه تعليق و البراآت لا تحتمل التعليق، ولو قال رب الدين إذا مت فأنت في حل فهو جائز لأن هذه وصية، ولو قالت لزوجها المريض إن مت من مرضك هذا فأنت في حل من مهري أو قالت فمهري عليك صدقة فهو باطل لأن هذه مخاطرة وتعليق، ولو قال الطالب مديونه إذا مت فأنا بريء من الدين الذي لي عليك جاز ويكون وصية من الطالب للمطلوب، ولو قال إن مت فأنا بريء من ذلك الدين لا يبرأ وهو مخاطرة كقوله إن دخلت الدار فأنت بريء مما لي عليك لا يبرأ، ولو قالت المريضة لزوجها إن مت من مرضي هذا فمهري عليك صدقة أو قالت فأنت في حل من مهري فماتت من ذلك المرض كان مهرها على زوجها لأن هذه مخاطرة فلا يصح.
فصل في الصدقة(3/157)
رجل محتاج أراد أن يتصدق بالدراهم التي معه على الفقراء قالوا إن كان لو تصدق على الفقراء يصبر على الشدة فالصدقة أفضل لآية نزلت فيه وهو قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وإن كان لا يصبر على الشدة فالإنفاق على نفسه أفضل لما روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عندي دينار يا رسول الله فماذا أصنع به قال له عليه السلام أنفق على نفسك فقال الرجل عندي آخر فقال عليه السلام أنفق على عيالك فقال عندي آخر <284\3> فقال تصدق به، رجل في يده دراهم فقال لله علي أن أتصدق بهذه الدراهم فتصدق بغيرها قال نصير رحمه الله تعالى جاز وإن لم يتصدق حتى هلكت تلك الدراهم في يده فلا شيء عليه، رجل أخرج كسرة إلى مسكين فلم يجده قال الحسن البصري رحمه الله تعالى يضعها حتى يجيء آخر فإن أكلها أطعم مثلها، وعن إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى مثل هذا، وقال عامر الشعبي رحمه الله تعالى هو بالخيار إن شاء قضاها وإن شاء لم يقضها و ما أخرجه للصدقة لا يكون صدقة إلا بالدفع إلا الفقير، وقال مجاهد رحمه الله تعالى هو بالخيار متى أخرج صدقة إن شاء أمضى وإن شاء لم يمض، وعن عطاء مثل هذا، وبه أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى وسئل عن المكدين الذين يسألون الناس إلحافاً ويأكلون إسرافاً قالوا ما لم يظهر أن ما يتصدق عليه ينفقها في المعصية أو هو غني لا بأس بالتصدق عليه وهو مأجور في نيته أنه يسد خلته، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل قد كثر السؤال فلمن نعطي قال عليه السلام من رق قلبك عليه، وعن محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى مثل ذلك، رجل قال لآخر كل منفعة تصل إليّ من مالك فعلي أن أتصدق به قال محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى إن وهب له شيئاً وجب عليه أن يتصدق به وإن أذن له أن يأكل من طعامه لا يحل له أن يتصدق به وإنما يحل له أن يأكل من طعامه، رجل تصدق على امرأة معسرة لها زوج موسر قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى إن كان الزوج يوسع عليها في النفقة فهي موسرة بغناء الزوج، رجل قال مالي في المساكين صدقة إن فعلت كذا وله على الناس ديون قال نصير رحمه الله تعالى قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يدخل فيه إلا الصامت وأموال التجارة، رجل تصدق عن الميت ودعا له قالوا يجوز ذلك ويصل إلى الميت لما جاء في الأخبار أن الحي إذا تصدق عن الميت بعث الله تعالى تلك الصدقة إليه على طبق من النور، إذا فعل الصغير شيئاً من الحسنات لمن يكون ثواب ذلك اختلفوا فيه قال أبو بكر الإسكاف رحمه الله تعالى حسناته تكون له دون أبويه لقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وإنما يكون لوالده من ذلك أجر التعليم والإرشاد إذا فعل ذلك، وقال بعضهم حسناته تكون لأبويه لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال من جملة ما ينتفع به المرء بعد موته أن يترك ولداً علمه القرآن والعلم فيكون لوالده أجر ذلك من غير أن ينقص من أجر الولد شيء واختلفوا في التصدق على سائل المسجد قالوا لا ينبغي أن يتصدق على السائل في المسجد الجامع لأن ذلك إعانة على أذى الناس، وعن خلف بن أيوب رحمه الله تعالى قال لو كنت قاضياً لم أقبل شهادة من تصدق على سائل المسجد، وعن أبي بكر بن إسماعيل قال هذا فلس واحد يحتاج إلى سبعين فلساً لتكون تلك السبعون كفارة لذلك الفلس الواحد ولكن يتصدق قبل أن يدخل المسجد أو بعد ما يخرج منه، وعن أبي مطيع <285\3> البلخي رحمه الله تعالى لا يحل للرجل أن يعطي سؤال المسجد لما فيه من الوعيد المروي عن الحسن البصري رحمه الله تعالى فإن كان السائل لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين يدي المصلين ويسأل لأمر لا بد منه ولا يسأل إلحافاً لا بأس له بالسؤال والتصدق عليه، روي أن السؤَّال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى روي أن علياً رضي الله عنه تصدق بخاتمه وهو في الركوع فمدحه الله تعالى بقوله ويؤتون الزكاة وهم راكعون وإن كان السائل يتخطى رقاب الناس ويمر بين يدي المصلي ولا يبالي فالتصدق على مثله مكروه، وعن ابن المبارك رحمه الله تعالى أنه قال يعجبني أن السائل إذا سأل لوجه الله تعالى لا يعطى له شيء لأن الدنيا خسيس فإذا سأل لوجه الله تعالى فقد عظم ما حقره الله تعالى فلا يعطى له زجراً، الوالد إذا احتاج إلى مال ولده الصغير فإن كانا في المصر كان للوالد المحتاج أن يأكل مال ولده بغير القيمة وإن كانا في المفازة واحتاج الأب إلى مال ولده فإن كان الأب له مال في بلده ولم يكن معه مال كان له أن يأكل مال الولد بالقيمة وإن كان فقيراً يأكل بغير عوض، وللأب الفقير أن يبيع مال ولده لأجل نفقته، رجل وولده في الصحراء أو في المفازة ومعهما من الماء ما يكفي لأحدهما من كان أولى منهما بهذا الماء كان الابن أولى به لأن الأب لو كان أحق بهذا الماء كان على الابن أن يسقي أباه ومتى سقى أباه يموت هو من العطش فيصير قاتلاً نفسه وإن شرب هو لم يكن هو(3/158)
معيناً للأب في قتل نفسه هذا بمنزلة رجلين أحدهما قتل نفسه والآخر قتل غيره كان قاتل النفس أعظم وزراً وإثماً، إذا أراد الأب أن يأمر ولده بشيء ويخاف أنه لو أمره لا يفعل قالوا ينبغي للوالد أن يقول للولد على سبيل المشورة خوب ايدان يسيرا كر فلان كاركني لأنه لو أمره بذلك ربما يصير عاقاً فيلحقه عقوبة العقوق ولا بأس للأب أن يغضب على ولده إذا فعل ما يكره لأن الإنسان مجبول على ذلك طبعاً، قال عليه الصلاة والسلام إنما أنا بشر مثلكم أرضى بما يرضى به البشر وأغضب بما يغضب به البشر والله أعلم.
كتاب الوقف
الوقف جائز عند علمائنا أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد رحمهم الله تعالى ، وذكر في الأصل كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يجيز الوقف وبظاهر هذا اللفظ أخذ بعض الناس فقال عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز الوقف وليس كما ظن بل هو جائز عند الكل إلا أن عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا صح الوقف يزول عن ملك الواقف لا إلى مالك، وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يزول بمجرد قول الواقف ولا يجوز بيعه ولو مات لا يورث عنه وعند محمد رحمه الله تعالى لا يزول ملك الواقف إلا بالتسليم إلى المتولي أو إلى الموقوف عليه، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يجوز الوقف جواز الإعارة تصرف المنفعة إلى جهة الوقف ويبقى العين على ملك الواقف له أن يرجع عنه ويجوز بيعه وإن مات يورث عنه، ولا يلزم إلا <286\3> بطريقين، أحدهما قضاء القاضي بلزومه لأنه مجتهد فيه يسلم الواقف ما وقفه إلى المتولي ثم يرد أن يرجع عنه فينازعه بعلة عدم اللزوم ويختصمان إلى القاضي فيقضي بلزومه وإن حكََما رجلاً فحكم بلزوم الوقف بينهما اختلفوا فيه والصحيح أن بحكم الحكم لا يرتفع الخلاف وللقاضي أن يبطله، والوجه الثاني للزوم الوقف عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن يخرجه مخرج الوصية فيقول أوصيت بغلة داري هذه أو بغلة أرضي هذه أو يقول جعلت هذه الدار وقفا فتصدقوا بغلتها على المساكين، وكذا لو أوصى بأن يوقف يجوز من الثلث في قولهم، وعندهما الوقف لازم بغير هذه التكلفات، و الناس لم يأخذوا بقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في هذا للآثار المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رحمهم الله تعالى وتعامل الناس باتخاذ الرباطات والخانات أولها وقف الخليل صلوات الله وسلامه عليه.
فصل في ألفاظ الوقف(3/159)
أحدها أن يقول أرضي هذه صدقة ولم يزد على هذا قالوا جميعاً ينبغي لهذا الواقف أن يتصدق بأصلها على الفقراء ولو باعها وتصدق بثمنها جاز أيضاً كما لو باع مال الزكاة وأدى الزكاة من الثمن ولا يجبره القاضي على الصدقة لأن هذا بمنزلة النذر بالصدقة عند الكل ولو قال أرضي وبيّن حدودها موقوفة ولم يزد على هذا لا يجوز عند عامة مجيزي الوقف وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يجوز ويكون وقفاً على المساكين، ولو قال داري هذه موقوفة صدقة أو صدقة موقوفة ولم يزد على ذلك جاز في قول أبي يوسف ومحمد وهلال المرادي رحمهم الله تعالى ويكون وقفاً على الفقراء، وقال يوسف بن خالد التيميّ رحمه الله تعالى لا يجوز ما لم يقل وآخرها للمساكين أبداً والصحيح قول أصحابنا رحمهم الله تعالى لأن محل الصدقة في الأصل الفقراء فلا يحتاج إلى ذكر الفقراء ولا انقطاع للفقراء فلا يحتاج إلى ذكر الأبد أيضاً، ولو قال صدقة موقوفة مؤبدة جاز عند عامة العلماء رحمهم الله تعالى إلا أن عند محمد رحمه الله تعالى يحتاج إلى التسليم وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يكون نذراً بالصدقة بغلة الأرض ويبقى ملك الواقف على حاله لو مات يكون ميراثاً عنه، ولو قال صدقة موقوفة مؤبدة في حياتي وبعد وفاتي جاز عندهم إلا أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ما دام حياً كان هذا نذراً بالتصدق بالغلة فكان عليه الوفاء بما نذر وله أن يرجع عنه ولو لم يرجع حتى مات جاز من الثلث ويكون سبيله سبيل من أوصى بخدمة عبده لإنسان فإن الخدمة تكون للموصى له والرقبة تكون على ملك المالك حتى لو مات الموصى له بالخدمة يصير العبد ميراثاً لورثة المالك إلا أن في هذا الوقف لا يتوهم انقطاع الموصى لهم وهم الفقراء فتتأبد هذه الوصية، ولو قال أرضي هذه وقف ولم يزد على ذلك قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى كان أبو القاسم الصفار رحمه الله تعالى يقول هو على الاختلاف الذي ذكرنا في قوله موقوفة، ولو قال أرضي هذه محرمة صدقة <287\3> جاز ويكون هذا بمنزلة قوله موقوفة صدقة لأن المحرمة بمنزلة قوله موقوفة في لغة أهل المدينة، ولو قال حبست أرضي هذه أو أرضي هذه حبيس لا يكون وقفاً في قولهم ولو قال حرمت أرضي هذه أو هي محرمة قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى هذا على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى كقوله موقوفة، ولو قال حبيس موقوف أو حبيس وقف فهو باطل، ولو قال حبيس صدقة قال الفقيه هذا رحمه الله تعالى ينبغي أن يكون بمنزلة قوله صدقة موقوفة، ولو قال هي موقوفة لله تعالى أبداً جاز وإن لم يذكر الصدقة ويكون وقفاً على المساكين، وكذا لو قال صدقة موقوفة على المساكين ولم يقل أبداً، وكذا لو قال موقوفة لوجه الله تعالى أو موقوفة لطلب ثواب الله تعالى، ولو أوصى بأن يوقف ثلث أرضه بعد وفاته لله تعالى أبداً يكون وصية بالوقف على الفقراء، ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على فلان صح ويصير تقديره صدقة موقوفة على الفقراء لأن محل الصدقة الفقراء إلا أن غلتها تكون لفلان ما دام حياً، وكذا لو قال صدقة موقوفة على فلان أبداً أو قال على ولدي أبداً كان الجواب كذلك لأنه يصح من غير ذكر الأبد فمع ذكر الأبد أولى، وعلى قول يوسف بن خالد لا يصح وإن ذكر أبداً لأن ذكر لفظ أبداً مضاف إلى الصدقة على فلان وفلان لا يتأبد فيلغو هذا اللفظ، وكذا لو قال أرضي هذه موقوفة على وجه البر أو على وجه الخير أو على وجوه الخير والبر يكون وقفاً صحيحاً على الفقراء لأن البر عبارة عن الصدقة، ولو قال أرضي هذه موقوفة على الجهاد أو في الجهاد أو في الغزو أو في أكفان الموتى أو في حفر القبور أو غير ذلك من سبيل البر مما يتأبد فإنه يصح ويكون وقفاً على ذلك السبيل قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى متى ذكر موضع الحاجة على وجه يتأبد فذلك يكفي عن ذكر الصدقة وكذا لو قال موقوفة على أبناء السبيل لأنهم لا ينقطعون ويكون الفقراء أبناء السبيل دون أغنيائهم بمنزلة خمس الغنيمة تصرف إلى فقراء أبناء السبيل دون أغنيائهم، وكذا لو قال على الزمنيّ أو على المنقطع صح لأنهم يتأبدون ويكون لفقرائهم، ولو قال أرضي موقوفة على فقراء قرابتي لا يصح، وكذا لو قال على ولدي لأنهم ينقطعون فلا يتأبد الوقف وبدون التأبد لا يصح إلا أن يجعل آخره للفقراء، ولو قال على فقراء بني فلان أو على يتامى بني فلان فإن كانوا يحصون وكان ذلك في الصحة لا يصح لأنه لا يتأبد، وإن كانوا لا يحصون صح ويصير بمنزلة الوقف على اليتامى مطلقاً أو على الفقراء مطلقاً، فرق أبو يوسف رحمه الله تعالى بين قوله أرضي موقوفة وبين قوله أرضي موقوفة على ولدي فإن الأول يصح والثاني لا يصح لأن مطلق قوله موقوفة ينصرف إلى الفقراء عرفاً فإذا ذكر الولد صار مقيداً فلا يبقى العرف، ولو وقف أرضه على مسجد قوم بأعيانهم ولم يجعل آخره للمساكين اختلف المشايخ فيه قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى ينبغي أن يكون هذا على الاختلاف بين أصحابنا رحمهم(3/160)
الله تعالى <288\3> وعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا يصح وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يصح لأن عند محمد رحمه الله تعالى إذا خرب حول المسجد واستغنى الناس عنه يعود إلى ملك الباني فلا يتأبد وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يبقى المسجد بعد خراب ما حوله مسجداً فيكون مؤبداً، قال أبو بكر الإسكاف رحمه الله تعالى ينبغي أن لا يصح هذا عند الكل لأن الوقف على المسجد يكون وقفاً على عمارة المسجد والمسجد يكون مسجداً بدون البناء فلا يكون عمارة البنا مما يتأبد فلا يصح الوقف وقال أبو بكر بن أبي سعيد البلخي رحمه الله تعالى ينبغي أن يصح هذا عند الكل لأن البناء وإن لم يكن مسجداً يصير تبعاً للمسجد عند الاتصال فيصير من المسجد حكماً ألا ترى أن البناء حالة الاتصال يستحق بالشفعة تبعاً للبقعة فيكون بناء المسجد بمنزلة جزء من المسجد فكان الوقف على عمارة المسجد بمنزلة جعل الأرض مسجداً أو بمنزلة زيادة في المسجد، قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى هذا القول أصح وأحب إليّ ولو قال أرضي هذه صدقة لا تباع يكون نذراً بالصدقة ولا يكون وقفاً لأن قوله صدقة عبارة عن النذر وإذا أراد الرجل أن يقف أرضه على المسجد في عمارة المسجد وما يحتاج إليه من الدهن والحصير وغير ذلك على وجه لا يرد عليه الإبطال يقول وقفت أرضي هذه ويبيّن حدودها بحقوقها ومرافقها وقفاً مؤبداً في حياتي وبعد وفاتي على أن يستغل ويبدأ من غلاتها بما فيه عمارة الوقف وأجر القوّام عليها وأداء مؤنها فما فضل من ذلك يصرف إلى عمارة المسجد ودهنه وحصيره وما فيه مصلحة المسجد على أن للقيّم أن يتصرف في ذلك على ما يرى، وإذا استغنى هذا المسجد يصرف إلى فقراء المسلمين فيجوز ذلك لأن جنس هذه القربة مما لا ينقطع ويبقى ما بقي الإسلام وإن أراد زيادة احتياط يؤكده بحكم الحاكم حتى يقضي القاضي بلزوم الوقف وبطلان رجوعه لأن الوقف وإن كان مضافاً إلى ما بعد الموت عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يكون لازماً للحال له أن يبيعه لأن عنده الوقف المضاف إلى ما بعد الموت بمنزلة الوصية بالغلة بعد الموت والوصية لا تلزم حالة الحياة وإنما تلزم بعد الموت كالوصية بخدمة العبد تلزم بعد الموت لا قبله فإذا قضى القاضي بلزومه في الحال وبطلان رجوعه يصير لازماً عند الكل، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى إذا خاف الواقف أن يبطل وقفه بعض القضاة فللتحرز عن ذلك طريقان، أحدهما ما ذكرنا من حكم القاضي بلزومه وذلك أن الواقف بعد الوقف والتسليم إلى المتولي يخاصمه إلى قاض يرى لزوم الوقف ويطلب منه حتى يقضي بلزوم الوقف فإذا قضى نفذ قضاؤه لأنه صدر عن اجتهاد في محل الاجتهاد وسواء كتب قضاء القاضي بلزوم الوقف في سجل على حدة ويشهد الشهود على ذلك أو يكتب ذلك في آخر صك الوقف، والوجه الثاني أن يذكر الواقف بعد الوقف والتسليم فإن أبطله قاض أو غيره بوجه من الوجوه فهذه الأرض بأصلها وجميع ما فيها وصية من فلان الواقف <289\3> يباع فيتصدق بثمنه على الفقراء والمساكين لأن القاضي إنما يبطل الوقف بعد موت الواقف عند خصومة الوارث أو الغريم ليصل منفعة الوقف إليهم وبما ذكر الواقف وكتب ينعدم ذلك فلا يشتغل أحد بإبطاله لعدم الفائدة، والوصية مما يحتمل التعليق بالشرط فإذا أبطله قاض من القضاة يصير وصية يعتبر من جميع ماله هكذا ذكر في آخر وقف الأصل، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى والذي جرى الرسم به في زماننا أنهم يكتبون إقرار الواقف إن قاضياً من القضاة قضى بلزوم هذا الوقف فذلك ليس بشيء ولا يحصل به المقصود لأن إقراره لا يصير حجة على القاضي الذي يريد إبطاله ولو لم يكن القاضي قضى بلزوم الوقف فإقراره يكون كذباً محضاً ولا رخصة في الكذب وبه لا يتم المقصود أيضاً فربما يذهب اجتهاد هذا القاضي أن القضاء والإمارة من المجهول لا يصح فلا يحصل به المقصود وعن المتأخرين من المشايخ رحمهم الله تعالى أنه قال إذا كتب في آخر الصك وقد قضى بصحة هذا الوقف ولزومه قاض من قضاة المسلمين ولم يسم القاضي يجوز وتمسك هذا القائل بلفظ محمد رحمه الله تعالى في الكتاب إذا خاف الواقف أن يبطله القاضي فإنه يكتب في صك الوقف وإن حاكماً من الحكام قضى بلزوم هذا الوقف ولم يذكر الكاتب اسم القاضي ونسبه ويمكن معرفة ذلك بالرجوع إلى صك الوقف فإذا علم تاريخ الصك يصير القاضي في ذلك الزمان معلوماً فترتفع الجهالة، قال مولانا رحمه الله تعالى والصحيح ما قاله شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أنّ ما يكتب في صك الوقف إن قاضياً من القضاة قضى بلزوم هذا الوقف وبطلان حق الرجوع ليس بشيء فإن محمداً رحمه الله تعالى ذكر في الزيادات رجل أقام شاهدين شهدا أن هذا المدعي وارث فلان الميت لا وارث له سواه ثم مات الشاهدان أو غابا قبل أن يسألهما القاضي عن سبب الميراث فإن القاضي لا يقضي بهذه الشهادة لأن أسباب الوراثة مختلفة فلا يدري القاضي بأي سبب يقضي، ولو أن هذا(3/161)
المدعي أقام شاهدين بأنه وارث فلان الميت لا وارث له سواه أو أن قاضي بلد كذا فلان بن فلان قضى بأنه وارثه لا وارث له سواه وأشهدنا على قضائه ولا ندري بأي سبب قضى القاضي بوراثته فإن القاضي يسأل المدعي عن السبب الذي قضى به فإن بيّن سببه يقضي له بالميراث فوجه الاستدلال بتلك المسألة أنه لما أراد أن يثبت قضاء القاضي شرط تعريف القاضي بالاسم والنسب ولم يكتف بقوله وإن قاضياً من القضاة قضى له بالوراثة كذلك في هذه المسألة وقوله إن قاضياً من القضاة قضى بلزوم هذا الوقف لا يكفي، رجل قال جعلت غلة داري هذه للمساكين يكون نذراً بالتصدق بالغلة، ولو قال جعلت هذه الدار للمساكين كان نذراً بالتصدق بعين الدار للمساكين للحال والله أعلم.
باب الرجل يجعل داره مسجداً أو خاناً أو سقاية أو مقبرة(3/162)
قال محمد رحمه الله تعالى <290\3> وهو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يزول ملكه قبل التسليم وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى، ثم التسليم في المسجد أن يصلي فيه بالجماعة بإذنه، وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان في رواية الحسن عنه يشترط فيه أداء الصلاة بالجماعة بإذنه اثنان فصاعداً وقال محمد رحمه الله تعالى في رواية أخرى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا صلى واحد بإذنه يصير مسجداً إلا أن بعضهم قالوا إذا صلى فيه واحد بأذان وإقامة وفي ظاهر الرواية لم يذكر هذه الزيادة، وإنما يكتفى بصلاة الواحد لأن المسجد حق الله تعالى أو حق عامة المسلمين والواحد في استيفاء حق الله تعالى وحق العامة يقوم مقام الكل والصحيح رواية الحسن رحمه الله تعالى لأن قبض كل شيء وتسليمه يكون بحسب ما يليق به وذلك في المسجد بأداء الصلاة في الجماعة أما الواحد يصلي في كل مكان وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى التسليم ليس بشرط لا في المسجد ولا في غيره من الأوقاف فإذا قال جعلت هذا مسجداً وأذن الناس بالصلاة فيه يتم ذلك ثم على الرواية التي لا يشترط أداء الصلاة بالجماعة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا بنى مسجداً وصلى هو فيه وحده هل يصير مسجداً اختلفوا فيه قال بعضهم يصير مسجداً لأن محمداً رحمه الله تعالى ذكر في الكتاب أن على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصير مسجداً حتى يصلى فيه، وقوله يصلى فيه فعل ما لم يسمَ فاعله فيدخل فيه الباني وغيره، وقال بعضهم صلاته لا تكفي وهو الصحيح لأن الصلاة إنما تشترط لأجل قبض العامة وقبضه لا يكفي فكذلك صلاته، ولو بنى مسجداً وسلم إلى المتولي هل يصير مسجداً قبل أداء الصلاة لا رواية فيه عن أصحابنا رحمهم الله تعالى واختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال بعضهم يصير مسجداً ويتم كما يتم سائر الأوقاف بالتسليم إلى المتولي، وقال بعضهم لا يصير مسجداً بالتسليم إلى المتولي وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى لأن قبض كل شيء يكون بما يليق به كقبض الخان يكون بنزول واحد من المارة فيه بإذنه، ولو جعل أرضه سقاية في حياته كان له أن يرجع فيها وتسليمها يكون بالاستقاء منها وكذلك الحوض والبئر، ولو هدم داره وجعلها مقبرة كان له أن يرجع فيها إلا في البقعة التي دفن فيها بإذنه فإنه لا يرجع فيها، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا رجوع في جميعها، وقال محمد رحمه الله تعالى إن دفن فيها اثنان فلا رجوع فيها نأخذ في ذلك بقول أبي يوسف رحمه الله تعالى وإن لم يدفن فيه فله فيه الرجوع كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وإذا بنى خاناً لأبناء السبيل وأذن للناس بالدخول فيه فنزل واحد فلا رجوع فيه، رجل له ساحة لا بناء فها أمر قوماً أن يصلوا فيها بجماعة قالوا إن أمرهم بالصلاة أبداً أو أمرهم بالصلاة فيها بجماعة ولم يذكر الأبد إلا أنه أراد به الأبد ثم مات لا يكون ميراثاً عنه، وإن أمرهم بالصلاة شهراً أو سنة ثم مات يكون <291\3> ميراثاً عنه لأنه لا بد من التأبيد والتوقيت ينافي التأبيد، ولو جعل داره مسجداً وجعل رجلاً واحداً مؤذناً وإماماً فإن أذن هذا الرجل وأقام وصلى وحده كان تسليماً لأن أداء الصلاة بأذان وإقامة كإقامة الجماعة ولهذا قالوا لو صلى واحد من أهل المسجد بأذان وإقامة لا يكون لمن يجيء بعده من أهل المسجد أداء الصلاة فيه بالجماعة عند البعض، متولي المسجد إذا جعل المنزل الموقوف على المسجد مسجداً وصلى الناس فيه سنين ثم ترك الصلاة فيه وأعيد منزلاً مستقلاً جاز لأن المتولي وإن جعله مسجداً لا يصير مسجداً، مسجد اتخذ لصلاة الجنازة أو لصلاة العيد هل يكون له حكم المسجد اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه قال بعضهم يكون مسجداً حتى لو مات لا يورث عنه، ولو قال بعضهم ما اتخذ لصلاة الجنازة فهو مسجد لا يورث عنه وما اتخذ لصلاة العيد لا يكون مسجداً مطلقاً وإنما يعطى له حكم المسجد في صحة الاقتداء بالإمام وإن كان منفصلاً عن الصفوف وأما فيما سوى ذلك ليس له حكم المسجد وقال بعضهم له حكم المسجد حال أداء الصالة لا غير وهو والجبانة سواء ويجنب هذا المكان عما يجنب المسجد احتياطاً، رجل قال جعلت حجرتي هذه لدهن سراج المسجد ولم يزد على ذلك قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى تصير الحجرة وقفاً على المسجد إذا سلمها إلى المتولي وعليه الفتوى وليس للمتولي أن يصرف الغلة إلى غير الدهن، وعن محمد رحمه الله تعالى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا جعل أرضه وقفاً على المسجد وسلم جاز ولا يكون له أن يرجع، ولو قال هذه الشجرة للمسجد قال الفقيه أبو القاسم رحمه الله تعالى لا تصير للمسجد، رجل تصدق بداره على المسجد أو على طريق المسلمين تكلموا فيه والفتوى على أنه يجوز، وذكر الناطفي رحمه الله تعالى أنه لا يجوز ويكون ميراثاً عنه، رجل أعطى دراهم في عمارة المسجد أو مصالح المسجد أو نفقة المسجد قيل بأنه يصح ويتم(3/163)
بالقبض، رجل أوصى بشيء لعمارة المسجد في أي شيء يصرف ذلك المال قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يصرف فيما كان من البناء دون التزيين قيل له أيصرف ذلك المال في المنارة قال ذلك من بناء المسجد، وعن أبي بكر البلخي رحمه الله تعالى أنه سئل عن الوقف على المسجد أيجوز لهم أن يبنوا منارة من غلة المسجد قال إن كان ذلك من مصلحة المسجد بأن كان أسمع لهم فلا بأس به وإن كان بحال يسمع الجيران الأذان بغير منارة فلا أرى لهم أن يفعلوا ذلك، وليس للقيّم أن يتخذ من الوقف على عمارة المسجد شرفاً أو ينتقش المسجد من ذلك ولو فعل يكون ضامناً، رجل أوصى بثلث ماله لأعمال البر هل يجوز أن يسرج المسجد من ذلك قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى يجوز ولا يجوز أن يزاد على سراج المسجد لأن ذلك إسراف سواء كان في رمضان أو في غيره ولا يزين المسجد بهذه الوصية، ولو قال <292\3> أوصيت بثلث مالي للمسجد قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو باطل حتى يقول ينفق على المسجد وقال محمد رحمه الله تعالى هو جائز وذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا وقف ماله لإصلاح المساجد يجوز وإن وقف لبناء القناطر أو لإصلاح الطريق أو لحفر القبور أو اتخاذ السقايات والخانات للمسلين أو لشراء الأكفان لهم لا يجوز وهو جائز في الفتوى، ولو جعل أرضاً له صدقة موقوفة على مرمة المسجد كذا وثمن بواريه وزيت قناديله وما يحتاج إليه ذكر الخصاف رحمه الله تعالى أنه باطل لأنه قد تخرب المحلة فيبطل المسجد ولا يحتاج إلى المرمة فإن زاد على ذلك وقال فإن استغنى عنه المسجد كانت الغلة للمساكين جاز لأنه مما يتأبد، ولو كانت الأرض وقفاً على عمارة المساجد أو على مرمة المقابر جاز لأن ذلك مما لا ينقطع، أرض هي وقف على عمارة المسجد على أن ما فضل من عمارته فهو للفقراء فاجتمعت الغلة والمسجد غير محتاج إلى العمارة قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى تحبس الغلة لأنه ربما يحدث بالمسجد حدث وتصير الأرض بحال لا تغل، وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى الجواب كما قال وعندي لو علم أنه لو اجتمع من الغلة مقدار ما لو احتاج المسجد والأرض إلى العمارة يمكن العمارة بها ويفضل تصرف الزيادة إلى الفقراء على ما شرط الواقف، مسجد انهدم وقد اجتمع من غلته ما يحصل به البناء قال الخصاف رحمه الله تعالى لا تنفق الغلة في البناء لأن الواقف وقف على مرمتها ولم يأمر بأن يبنى هذا المسجد والفتوى على أنه يجوز البناء بتلك الغلة، ولو كان الوقف على عمارة المسجد هل للقيّم أن يشتري سلماً ليرتقي على السطح لكنس السطح أو تطيينه أو يعطي من غلة المسجد أجر من يكنس السطح ويطرح الثلج ويخرج التراب المجتمع من المسجد قال أبو نصر رحمه الله تعالى للقيم أن يفعل ما في تركه خراب المسجد، مسجد انكسر حائطه من ماء بجنب المسجد في الشارع وهو ماء الشفة أو انكسرت ضفته هل يصرف من غلة المسجد إلى عمارة النهر و مرمته قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان ما يصرف إلى عمارة النهر ومرمته لا يزيد على عمارة القائم فيه جاز ولأهل المسجد أن يمنعوا أهل النهر من الانتفاع بالنهر ومرمته حتى يعطوهم قيمة العمارة فيصرف ذلك إلى عمارة المسجد وإن شاء أهل المسجد تقدموا إلى أهل النهر بإصلاح النهر فإن لم يصلحوا حتى انهدم حائط المسجد وانكس ضمنوا مرمة ما هدم، ولو أن مسجداً بابه على مهب الريح يصب المطر على باب المسجد فيفسده ويبتل داخل المسجد من ذلك وخارجه و يشق على الناس الدخول في المسجد أيجوز أن يتخذ ظلة من غلة المسجد قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان لا يضر ذلك بأهل الطريق جاز، طريق للعامة هي واسع فبنى فيه أهل المحلة مسجد للعامة ولا يضر ذلك بالطريق قالوا لا بأس به، وهكذا روي عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى <293\3> لأن الطريق للمسلمين والمسجد لهم أيضاً، وإن أراد أهل المحلة أن يدخلوا شيئاً من الطريق في دورهم وذلك لا يضر بالطريق لا يكون لهم ذلك ولأهل المحلة تحويل باب المسجد من موضع إلى موضع آخر، قوم بنوا مسجداً واحتاجوا إلى مكان ليتسع المسجد فأخذوا من الطريق وأدخلوه في المسجد إن كان يضر ذلك بأصحاب الطريق فلا يجوز وإلا فلا بأس به، ولو ضاق المسجد على الناس وبجنبه أرض لرجل يؤخذ أرضه بالقيمة كرهاً ولو كان بجنب المسجد أرض وقف على المسجد فأرادوا أن يزيدوا شيئاً في المسجد من الأرض جاز ذلك بأمر القاضي، ولو أن قيّم المسجد أراد أن يبني حوانيت في حريم المسجد وفنائه قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لا يجوز له أن يجعل شيئاً من المسجد مسكناً أو مستغلاً، ولو أن سلطاناً أذن لقوم أن يجعلوا أرضاً من أراضي البلدة حوانيت موقوفة على المسجد أو أمرهم أن يزيدوا في مسجدهم قالوا إن كانت البلدة فتحت عنوة وذلك لا يضر بالمارة والناس ينفذ أمر السلطان فيها وإن كانت البلدة فتحت صلحاً لا ينفذ أمر السلطان لأن البلدة إذا فتحت عنوة تصير ملكاً للغانمين(3/164)
فينفذ أمر السلطان وإذا فتحت صلحاً تبقى على ملك ملاكها فلا ينفذ أمر السلطان فيها وبلدة بخارا فتحت عنوة بدليل وضع الخراج عليها وإن كان بعض أراضيها عشرية كأراضي مرسان فإنها عشرية لأن الإمام أعطى ذلك لمرسان، رجل بسط من ماله حصيراً في المسجد فخرب المسجد ووقع الاستغناء عنه فإن ذلك يكون له إن كان حياً و لوارثه إن كان ميتاً وإن بَلِيَ ذلك كان له أن يبيع ويشتري بثمنها حصيراً آخر وكذا لو اشترى حشيشاً أو قنديلاً للمسجد فوقع الاستغناء عنه كان ذلك له إن كان حياً و لوارثه إن كان ميتاً وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يباع ويصرف ثمنه إلى حوائج المسجد فإن استغنى عنه هذا المسجد يحول إلى المسجد الآخر والفتوى على قول محمد رحمه الله تعالى، ولو كفن ميتاً فافترسه سبع فإن الكفن يكون للمكفن إن كان حياً ويكون لوارثه إن كان ميتاً، ولو أن أهل المسجد باعوا حشيش المسجد أو جنازة أو نعشاً صار خلقاً ومن فعل ذلك غائب اختلفوا فيه، قال بعضهم يجوز والأولى أن يكون بإذن القاضي وقال بعضهم لا يجوز إلا بإذن القاضي وهو الصحيح، وديباج الكعبة إذا صار خلقاً يبيعه السلطان ويستعين به في أمر الكعبة لأن الولاية فيه للسلطان لا لغيره ويجوز الإنفاق على قناديل المسجد من وقف المسجد ذكره الناطفي رحمه الله تعالى، مسجد بجنبه فارقين يضر بحائط المسجد ضرراً بيناً فأراد القيّم أو أهل المسجد أن يتخذ من مال المسجد حصناً بجنب حائط المسجد ليمنع الضرر عن المسجد قالوا إن كان الوقف على مصالح المسجد جاز للقيّم ذلك لأن هذا من مصالح المسجد وإن كان الوقف على عمارة المسجد لا يجوز لأن هذا ليس من عمارة المسجد، متولي المسجد إذا أمر المؤذن أن يخدم المسجد سنة أو أكثر بأجر معلوم جازت الإجارة فبعد ذلك إن كان ما سمى له من الأجر <294\3> مثل أجر عمله أو زيادة يتغابن فيه الناس كانت الإجارة للمسجد ولا يضمن القيّم بدفع الأجر من مال الوقف ويحل للمؤذن أن يأخذ ذلك وإن كان ذلك أكثر من أجر عمله بما لا يتغابن الناس فيه كانت الإجارة للمتولي وعليه الأجر في ماله، فإن دفع ذلك من مال الوقف يكون ضامناً، وإن علم المؤذن أن ما أخذ من مال الوقف لا يحل له ذلك، متولي المسجد إذا اشترى بالغلة التي اجتمعت عنده من الوقف منزلاً ودفع المنزل إلى المؤذن ليسكن فيه إن علم المؤذن ذلك كره له أن يسكن في ذلك المنزل لأن هذا المنزل من مستغلات المسجد فهذه المسألة دليل على أن متولي المسجد إذا دفع إلى المؤذن أو إلى الإمام ما هو من مستغلات المسجد لا يجوز ذلك للمتولي ويكره للإمام والمؤذن أن يسكن في ذلك المنزل، متولي المسجد ليس له أن يحمل سراج المسجد إلى بيته وله أن يحمل من البيت إلى المسجد، رجل ادعى في مسجد أو مقبرة حقاً وقضى القاضي للمدعي بالبينة على بعض أهلها كان ذلك قضاء على جميعهم لأن كل واحد منهم خصم عن الباقين كالوارث عن الميت وعن بقية الورثة وفي الخان لا يقضي حتى يحضر نائب قيم الوقف، إذا اشترى شيئاً لمرمة المسجد بدون إذن القاضي قالوا لا يرجع بذلك في مال المسجد وله أن ينفق على المرمة من ماله كالوصي في مال الصغير ولو أدخل المتولي جذعاً من ماله في الوقف جاز و له أن يرجع في غلة الوقف، رجل اشترى أرضاً فوقفها ثم جاء مستحق واستحقها وأجاز البيع بطل الوقف في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولو ضمّن المستحق البائع جاز الوقف في قول محمد رحمه الله تعالى، رجل اشترى موضعاً وزاده في طريق المسلمين وجعله طريقاً لهم وأشهد على ذلك صح ويشترط لذلك مرور واحد من الناس بإذنه على قول من يشترط القبض في الأوقاف وسوّى في الكتاب بين الطريق والمقبرة وسائر الأوقاف وقال على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يكون له الرجوع فيها إلا في المسجد خاصة وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يرجع في المقبرة في الموضع الذي دفن فيه ويرجع فيما سوى ذلك لأن النبش قبيح، وحكي عن الحاكم المعروف بمهرويه أنه قال وجدت في النوادر عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه أجاز وقف المقبرة والطريق كما أجاز وقف المسجد و كذا القنطرة يتخذها الرجل للمسلمين ويتطرقون بها ولا يكون بناؤها ميراثاً لورثته خص بناء القنطرة في بطلان الميراث قالوا تأويل ذلك إذا لم يكن موضع القنطرة ملك الباني وهو المعتاد، والظاهر أن الإنسان يتخذ القنطرة على النهر العام، وهذه المسألة دليل على جواز وقف البناء بدون الأصل، وذكر في الأصل أن وقف البناء بدون أصل الدار لا يجوز ولا يجوز وقف البناء في أرض هي عارية وإجارة فإن كانت ملكاً لواقف البناء جاز عند البعض، وعن محمد رحمه الله تعالى إذا كان البناء في أرض وقف جاز على الجهة التي تكون الأرض وقفاً عليها، وقف ضيعة <295\3> ولم يذكر حكمها إذا خلت عن أهلها قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان الواقف جعلها وقفاً في صحته وحياته وقال وقفت هذه الضيعة على مسجد كذا ولم(3/165)
يزد على هذا ولم يجعل الوقف بلفظ الصدقة صح وتصرف غلته إلى الفقراء ولم يكن للورثة حق، وإن جعله وقفاً في الحياة وبعد الموت أو بعد الممات بلفظ الصدقة صح وتصرف أيضاً غلتها إلى الفقراء وإن لم يذكر لفظة الصدقة كان الوقف صحيحاً، رجل وقف أرضاً على جهة ولم يشترط الولاية لنفسه ولا لغيره ذكر هلال و الناطفي رحمه الله تعالى أن الولاية تكون للواقف، وذكر محمد رحمه الله تعالى في السير أنه إذا وقف ضيعة وأخرجها إلى القيم لا تكون له الولاية بعد ذلك إلا أن يشترط الولاية لنفسه، وكذا لو مات الواقف وله وصي فالولاية تكون للقيّم دون الوصي ومن المشايخ من قال الواقف أحق بالولاية وله أن يأخذها من المتولي ما لم يقض القاضي يعني ما لم يقض القاضي بلزوم الوقف وهذا المسألة بناء على أن عند محمد رحمه الله تعالى التسليم إلى المتولي شرط لصحة الوقف فلا يبقى له ولاية بعد التسليم إلا أن يشترط الولاية لنفسه، أما على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى التسليم إلى المتولي ليس بشرط فكانت الولاية للواقف وإن لم يشترط الولاية لنفسه، ومشايخ بلخ رحمهم الله تعالى أخذوا بقول أبي يوسف رحمه الله تعالى ومشايخنا أخذوا بقول محمد رحمه الله تعالى، ولو أن رجلاً وقف وقفاً وأخرجه من يده وسلمه إلى المتولي ذكر الناطفي رحمه الله تعالى ليس له أن يعزل المتولي إلا أن يشترط أن له عزله، فلو أن الواقف شرط الولاية لنفسه وشرط أن ليس للسلطان والقاضي عزله فإن لم يكن هو مأموناً في ولاية كان الشرط باطلاً وللقاضي أن يعزله ويوّلي غيره ويكون هو كرجل أوصى إلى رجل في ولده وهو غير مأمون كان للقاضي أن يعزله، ولو أن رجلاً جعل أرضه صدقة موقوفة فلما مرض مرض الموت أوصى إلى رجل وجعله وصي نفسه ولم يذكر من أمر الوقف شيئاً فإن ولاية الوقف تكون إلى وصيه، ولو قال الواقف أنت وصي في أمر الوقف خاصة قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو كما قال وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى هو وصي في الأشياء كلها، ولو أن هذا الواقف جعل ولاية الوقف إلى غيره ثم مات الواقف بطلت ولاية المتولي في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لأنه وكيله إلا أن يقول ولاية الوقف إليه في حياته وبعد وفاته فحينئذ إذا مات الواقف لا تبطل ولاية المتولي لأنه وصيه بعد موته ولو شرط الواقف أن تكون الولاية له ولأولاده في تولية القوّام وعزلهم والاستبدال بالوقف وما هو من أنواع الولاية وأخرجه من يده إلى المتولي جاز ذلك ذكره في السير وإن لم يشترط لنفسه ولاية على عزل المتولي فبعد ما أخرجه إلى المتولي لا يكون له أن يعزله في قول محمد رحمه الله تعالى وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى له أن يعزله، ولو أن الواقف جعل ولاية الوقف إلى رجلين بعد موته ثم إن أحد الرجلين أوصى إلى صاحبه في أمر الوقف ومات جاز تصرّف الحي منهما في <296 /3>جميع أمر الوقف ،وروى يوسف بن خالد التيمي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجوز لأن الواقف رضي برأيهما ولم يرض برأي أحدهما، ولو أن الواقف جعل رجلاً متولياً وشرط أنه إن مات هذا المتولي ليس له أن يوصي إلى غيره جاز هذا الشرط، ولو أن رجلاً جعل أرضاً له وقفاً على الفقراء والمساكين أو على قوم سماهم ثم بعدهم على الفقراء ثم إن الواهب زرعها بعدما أخرجها إلى المتولي وقال زرعتها لنفسي وقال أهل الوقف زرعتها للوقف كان القول قول الواقف ويكون الزرع له فإن سأل أهل الوقف من القاضي أن يخرج الوقف من يده بذلك فإن القاضي لا يخرج، ولو كان فعل هذا متولي الوقف فإن القاضي يخرج الوقف من يده بذلك وعلى الواقف والمتولي في هذا ضمان نقصان الوقف وليس عليهما أجر مثل الأرض ثم يقول القاضي للواقف ازرعها للوقف فإن قال ليس للوقف مال أزرع للوقف ولا لأهل الوقف فإن القاضي يقول له استدن على الوقف بثمن البذر والنفقة ثم يرجع بذلك في غلة الوقف فإن قال الواقف لا يمكنني ذلك يقول القاضي لأهل الوقف استدينوا أنتم فإن قالوا لا يمكننا ذلك بل نحن نزرع لأنفسنا فإنه لا ينبغي للقاضي أن يطلق لهم ذلك لأن الوقف في يد الواقف فهو أحق بالقيام به إلا أن يكون الواقف مخوفاً على الوقف فيخرجه من يده، رجل وقف ضيعة في صحته على الفقراء وأخرجها من يده إلى المتولي ثم قال لوصيه عند الموت أعط من غلة تلك الضيعة لفلان كذا ولفلان كذا وقال لوصيه افعل ما رأيت من الصواب فجعله لأولئك باطل لأنها صارت حقاً للفقراء أولاً فلا يملك إبطال حقهم إلا إذا كان شرط الواقف أن يصرف غلتها إلى من شاء، رجل طلب التولية في الأوقاف قالوا لا يعطى له التولية وهو كمن طلب القضاء لا يقلد، رجل وقف وقفاً في حياته ولم يجعل له قيّماً حتى حضرته الوفاة فأوصى إلى رجل قالوا بأن هذا الوصي يكون وصياً وقيّ ماً على أوقافه أيضاً في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لأن عنده التسليم ليس بشرط فيصح الوقف في حياته بغير تسليم، ولو كان هذا الواقف جعل للوقف قيّ ماً فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رجل(3/166)
فإن هذا الوصي لا يكون قيّماً على أوقافه يعني لا يكون متولياً، وقف صحيح على مسجد بعينه وله قيّم فمات القيّم فاجتمع أهل المسجد وجعلوا رجلاً متولياً بغير أمر القاضي فقام هذا المتولي بعمارة المسجد من غلات وقف المسجد اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في هذه التولية والأصح أنها لا تصح ويكون نصب القيم إلى القاضي ولا يكون هذا المتولي ضامناً لما أنفق في العمارة من غلات الوقف إن كان هذا المتولي أجّر الوقف وأخذ الغلة وأنفق لأنه إذا لم تصح التولية يصير غاصباً والغاصب إذا آجر الغصب كان الأجر له، وقف على أرباب معلومين يحصي عددهم فنصب الأرباب متولياً من غير رأي القاضي صح ذلك منهم إذا كان هذا المتولي من أهل الصلاح ولا يكون فاسقاً، والأولى أن يرفع <297\3> الأمر إلى القاضي حتى ينصب قيماً، قالوا في زماننا الأولى أن لا يرفع الأمر إلى القاضي لأن في زماننا ظهر الأطماع الفاسدة من القضاة ومع هذا لا يكون لأهل المسجد نصب القيّم والمتولي بدون استطلاع رأي القاضي، رجل بنى مسجداً في سكة فاحتاج إلى العمارة فنازعه أهل السكة في العمارة كان الباني بالعمارة أولى من أهل السكة ولا يكون لأهل السكة منازعة في ذلك وكذلك لو نازعه أهل السكة في نصب الإمام والمؤذن كان ذلك إليه إلا إذا عين هو لذلك رجلاً وعين أهل السكة رجلاً آخر أصلح ممن عينه الباني فحينئذ لا يكون الباني أولى، وقف له متول ومشرف لا يكون للمشرف أن يتصرف في مال الوقف لأن ذلك مفوض إلى المتولي والمشرف مأمور بالحفظ لا غير، رجل قال في مرضه اشتروا من غلة داري هذه بعد موتي كل شهر بعشرة دراهم خبزاً وفرقوا على المساكين قالوا تصير الدار وقفاً كما لو قال وقفت داري بعد موتي على المساكين، المتولي إذا اشترى من غلة المسجد حانوتاً أو داراً أو مستغلاً آخر جاز لأن هذا من مصالح المسجد، فإذا أراد المتولي أن يبيع ما اشترى وباع اختلفوا فيه قال بعضهم لا يجوز هذا البيع لأن هذا صار من أوقاف المسجد وقال بعضهم يجوز هذا البيع وهو الصحيح لأن المشتري لم يذكر شيئاً من شرائط الوقف فلا يكون ما اشترى من جملة أوقاف المسجد، مسجد له مستغلات وأوقاف أراد المتولي أن يشتري من غلة الوقف للمسجد دهناً أو حصيراً أو حشيشاً أو آجراً أو جصاً لفرش المسجد أو حصى قالوا إن وسع الواقف ذلك للقيم وقال تفعل ما ترى من مصلحة المسجد كان له أن يشتري للمسجد ما شاء، وإن لم يوسع ذلك ولكنه وقف لبناء المسجد وعمارة المسجد ليس للقيم أن يشتري ما ذكرنا لأن هذا ليس من العمارة ولا من البناء وإن لم يعرف شرط الواقف في ذلك ينظر هذا القيم إلى من كان قبله فإن كانوا يشترون من أوقاف المسجد الدهن والحصير والحشيش والآجر وما ذكرنا كان للقيم أن يفعل ذلك وإلا فلا، وقف ومستغل ذكر الواقف في كتاب الوقف أن القيم يشتري جنازة لا يجوز للقيم أن يشتري جنازة من غلة الوقف، ولو اشترى ونقد الثمن من غلة الوقف يكون ضامناً لأن مستغل المسجد يكون وقفاً على مصالح المسجد وشراء الجنازة ليس من مصالح المسجد، ولو اشترى القيم بغلة المسجد ثوباً ودفع إلى المساكين لا يجوز وكان عليه ضمان ما نقد من مال الوقف لأن شراء الثوب وقع للقيم فيصير ناقد الثمن من مال الوقف كثوب اشتراه لنفسه فيضمن، قيم الوقف إذا طلب منه الخراج والجباية وليس في يده من غلة الوقف شيء قال الفقيه أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان الواقف أمره بالاستدانة كان له أن يستدين وإن لم يأمره بالاستدانة فاستدان كان ذلك في ماله ولا يرجع في غلة الوقف، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا استقبله أمر ولم يجد بداً من الاستدانة فينبغي أن يستدين بأمر الحاكم <298\3> ثم يرجع في الغلة لأن للقاضي ولاية الاستدانة على الوقف وذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا أراد القيم أن يستدين ليجعل ذلك في ثمن البذر للزراعة في أرض الوقف إن فعل ذلك بأمر القاضي كان له ذلك عند الكل لأن القاضي يملك الاستدانة فإذا أمر القيم بذلك صح أمره أما القيم لا يملك الاستدانة قال مولانا رضي الله عنه وتفسير الاستدانة أن يشتري للوقف شيئاً وليس في يده شيء من غلات الوقف ليرجع بذلك فيما يحدث من غلة الوقف، فأما إذا كان في يده شيء من غلات الوقف فاشترى للوقف شيئاً فنقد الثمن من مال نفسه ينبغي له أن يرجع بذلك في غلة الوقف وإن لم يكن ذلك بأمر القاضي كالوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه كان له أن يرجع بذلك على الموكل ولو أن القيم أراد أن يرهن الوقف بدين لا يصح لأن في ذلك تعطيل الوقف وكما لا يصح ذلك من المتولي لا يصح من أهل المسجد أيضاً، فإن رهن القيم داراً للوقف وسكن المرتهن فيها قالوا يجب عليه أجر المثل سواء كانت الدار معدة للاستغلال أو لم تكن احتياطاً لأمر الوقف، وكذلك متولي المسجد إذا باع الدار الموقوفة وسكنها المشتري ثم إن القاضي عزل هذا المتولي وجعل غيره متولياً فادعى المتولي الثاني على المشتري واستحق(3/167)
الوقف واسترده كان على المشتري أجر مثل هذه الدر، قال مولانا رضي الله عنه وهذا شيء يخالف ظاهر الرواية وإنما قال ذلك بعض المشايخ رحمهم الله تعالى احتياطاً لأمر الوقف، أكار تناول من مال الوقف فصالحه المتولي على شيء إن وجد المتولي بينة على ما ادعى أو كان الأكار مقراً لا يملك المتولي أن يحط شيئاً منه إن كان الأكار غنياً وإن كان محتاجاً جاز ذلك إذا لم يكن ما على الأكار فاحشاً، متولي الوقف إذا مرض مرض الموت وفوض أمر الوقف إلى غيره جاز لأن المتولي بمنزلة الوصي وللوصي أن يوصي إلى غيره، متولي المسجد إذا أخذ من غلات المسجد ومات من غير بيان لا يكون ضمناً ذكر الناطفي رحمه الله تعالى الأمانات تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل إلا في ثلاث، إحداها هذه والثانية السلطان إذا خرج إلى الغزو وغنموا وأودع بعض الغنيمة عند بعض الغانمين ومات ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه، والثالثة القاضي إذا أخذ مال اليتيم وأودع عند غيره ثم مات ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه، وأحد المتفاوضين إذا كان المال عنده ولم يبين حال المال الذي عنده فمات ذكر بعض الفقهاء أنه لا يضمن وأحاله إلى شركة الأصل وذلك غلط بل الصحيح أنه يضمن نصيب صاحبه، ولو أن قاضياً قبض مال اليتيم ووضعه في بيته فمات القاضي ولم يبين ذكر هشام عن محمد رحمهما الله تعالى أنه يضمن، ولو أن القاضي أخذ مال اليتيم وأودع عند غيره وعرف ذلك منه ثم مات ولا يدري إلى من دفع لا يضمن، وذكر ابن رستم رحمه الله تعالى لو قال القاضي في حياته ضاع مال اليتيم عندي أو قال أنفقته على اليتيم لا ضمان عليه <299\3> ولو مات قبل أن يقول شيئاً كان ضامناً، حشيش المسجد إذا طرح في أيام الربيع عن المسجد قالوا إن لم يكن له قيمة لا بأس بطرحه وإذا طرح فمن أخذه كان له أن يصنع به ما شاء وإن كان متقوّماً لا يجوز طرحه وإذا طرح فرفعه إنسان كان ضامناً، ولو أخذ إنسان من حشيش المسجد وجعله قطعاً قطعاً بالسوط كان ضامناً، جنازة أو نعش للمسجد فَسَدَ فباعه أهل المسجد قالوا الأولى أن يكون البيع بأمر القاضي والصحيح أن بيعهم لا يصح بغير أمر القاضي ولا بأس بأن يترك سراج المسجد في المسجد من وقت المغرب إلى وقت العشاء ولا يجوز أن يترك فيه كل الليل إلا في موضع جرت العادة فيه كمسجد بيت المقدس ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والحرم فإن أراد إنسان أن يدرس الكتاب بسراج المسجد إن كان السراج موضوعاً في المسجد للصلاة قيل لا بأس به، وإن كان موضوعاً في المسجد لا للصلاة بأن فرغ القوم عن صلاتهم وذهبوا إلى بيوتهم وبقي السراج في المسجد قالوا لا بأس بأن يدرس به إلى ثلث الليل لأنهم لو أخروا الصلاة إلى ثلث الليل لا بأس بأن يدرس به فلا يبطل حقه بتعجيلهم وفيما زاد على ثلث الليل ليس لهم تأخير الصلاة فلا يكون لهم حق الدرس، قوم بنوا مسجداً وفضل من خشبهم شيء قالوا يصرف الفاضل إلى بنائه ولا يصرف إلى الدهن والحصير وهذا إذا سلم أصحاب الخشب الخشب إلى المتولي ليبني به المسجد، فلوا أنهم قطعوا الخشب فما فضل من خشبهم يكون لهم يفعلون به ما شاءوا، رجل جمع مالاً من الناس لينفقه في بناء المسجد وأنفق من تلك الدراهم في حاجة نفسه ثم رد بدلها في نفقة المسجد لا يسعه أن يفعل ذلك وإذا فعل إن كان يعرف صاحب المال رد الضمان عليه أو يسأله ليأذن له بإنفاق الضمان في المسجد، وإن لم يعرف صاحب المال يرفع الأمر إلى القاضي حتى يأمره بإنفاق ذلك في المسجد فإن لم يقدر على أن يرفع الأمر إلى القاضي قالوا نرجو له في الاستحسان أن ينفق مثل ذلك من ماله في المسجد فيجوز ويخرج عن الوبال فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء يكون ضامناً فيكون ذلك ديناً عليه لصاحب المال، وهو نظير ما ذكر في الأصل الوكيل بقضاء الدين إذا صرف مال الموكل في حاجة نفسه ثم قضى بمال نفسه دين الموكل يكون متبرعاً في قضاء دين الموكل، المذكر إذا سأل للفقير شيئاً وخلط ما أخذ بعضها ببعض إن لم يأمره الفقير بالسؤال والأخذ يكون ضامناً فإن أدى ذلك المال بعد ذلك إلى الفقير يكون متصدقاً لنفسه من مال نفسه ولا يجزي ذلك عن أرباب الأموال، وإن كانوا دفعوا إليه بنية الزكاة لا تسقط زكاتهم وإن كان الفقير أمره أن يسأل له فأخذ المال وخلط البعض بالبعض ثم دفع إلى الفقير لا يضمن وهو الرجل الذي يقال له بأي مرد إذا قام وسأل للفقير شيئاً وخلط المال بعضه ببعض ثم دفع إلى الفقير إن لم يكن الفقير أمره بذلك كان ضامناً ولا يسقط عن أرباب الأموال زكاة مالهم إذا دفعوا بنية الزكاة، وينبغي أن يأمره <300\3> الفقير بالسؤال فيصير قائماً مقام الفقير مأذوناً بالخلط فيسقط عن الدافع زكاة ماله، حوانيت مال بعضها إلى بعض والأول منها وقف والباقي ملك والمتولي لا يعمر الوقف قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان للوقف غلة كان لأصحاب الحوانيت التي هي ملك أن يأخذوا القيم ليسوي ذلك الحائط المائل من غلة الوقف وإن(3/168)
لم يكن للوقف غلة في يد القيم رفعوا الأمر إلى القاضي ليأمر القاضي القيم بالاستدانة على الوقف في إصلاح الوقف وليس للقيم أنه يستدين بغير أمر القاضي وتفسير الاستدانة أن لا يكون للوقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة، أما إذا كان للوقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف كان له أن يرجع بذلك في غلة الوقف، حائط بين دارين أحدهما وقف الآخر ملك فانهدم الحائط فبناه صاحب الملك في حد دار الوقف قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يرفع القيم الأمر إلى القاضي حتى يجبر صاحب الملك بأن ينقض الحائط الذي بناه في حد دار الوقف ثم يبنيه حيث كان في القديم، ولو أن القيم قال للباني أعطيك قيمة بنائك وأقر الحائط حيث بنيت وأنت تبني لنفسك حائطاً في حدك قال أبو القاسم رحمه الله تعالى ليس للقيم ذلك بل يأمر صاحب الدار لينقض حائطه ثم يبنيه في الموضع الذي كان في القديم، رجل جعل أرضه وقفاً على المساكين وقفاً صحيحاً ولم يذكر العمارة فعمارتها تكون في غلة الأرض يبدأ من الغلة بالعمارة وبما يصلحها وبخراجها وبمؤنها ثم يقسم الباقي على المساكين، فإن كان في الأرض الموقوفة نخل وخاف القيّم هلاكها كان للقيم أن يشتري من غلة الوقف فسيلاً ويغرسه كي لا ينقطع، ولو كانت قطعة من هذه الأرض سبخة لا تنبت شيئاً فيحتاج إلى رفع وجهها وإصلاحها حتى تنبت كان للقيم أن يبدأ من جملة غلة الأرض في ذلك ويصلح القطعة، وإن أراد القيم أن يبني في الأرض الموقوفة قرية لأكرتها وحفاظها ليجمع فيها الغلة كان له أن يفعل ذلك، وكذا لو كان الوقف خاناً على الفقراء واحتاج إلى خادم يكسح الخان ويقوم بفتح بابه وسده فسلم بعض البيوت إلى رجل أجرة له ليقوم بذلك كان له ذلك، وإن أراد قيم الوقف أن يبني في الأرض الموقوفة بيوتاً يستغلها بالإجارة لا يكون له ذلك لأن استغلال أرض الوقف يكون بالزرع، ولو كانت الأرض متصلة ببيوت المصر يرغب الناس في استئجار بيوتها ويكون غلة ذلك فوق غلة الزرع والنخل كان للقيم أن يبني فيها بيوتاً ويؤاجرها لأن الاستغلال بهذا الوجه يكون أنفع للفقراء، وروي عن محمد رحمه الله تعالى ما هو فوق هذا قال إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال والقيم يجد بثمنها أرضاً أخرى هي أنفع للفقراء وأكثر ريعاً كان له أن يبيع هذه الأرض ويشتري بثمنها أرضاً أخرى جوّز رحمه الله تعالى استبدال الأرض بالأرض، بخلاف ما إذا كانت الأرض الموقوفة تبعد من بيوت المصر فإن ثمة لا يكون للقيم أن يبني فيها بيوتاً يؤاجرها <301\3> لأن ثمة لا يرغب الناس في استئجار البيوت بأجرة تربى منفعتها على منفعة الزراعة، وعن هشام رحمه الله تعالى قال سمعت محمداً رحمه الله تعالى يقول إذا صار الوقف بحيث لا ينتفع به المساكين للقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره وليس ذلك إلا للقاضي، وعن الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى قال إذا لم يشترط الواقف في وقف الأرض دفعها مزارعة أو إجارة فما كان أنفع للفقراء يفعل قال إلا أنه في الدور لا يؤاجرها أكثر من سنة لأن المدة إذا طالت تصرّف المستأجر فيها تصرف المالك على طول الزمان فكل من يراه يزعم أنه يتصرف بحكم الملك فيؤدي ذلك إلى إبطال الوقف فأما في الأرض إن كانت تزرع كل سنة فكذلك، وإن كانت تزرع في كل سنتين مرة أو في كل ثلاث سنين مرة يزرع فزرع في كل سنة طائفة منها ينبغي أن يشترط من المدة القدر الذي يمكّن المستأجر من زراعة الكل على سبيل العادة، فإن كان الواقف شرط أن لا يؤاجر أكثر من سنة والناس لا يرغبون في استئجارها وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فليس للقيم أن يؤاجرها أكثر من سنة ولكنه يرفع الأمر إلى القاضي حتى يؤاجرها القاضي أكثر من سنة لأن للقاضي ولاية النظر على الفقراء وعلى الميت أيضاً فإن كان الواقف شرط في الوقف وكتب في صك الوقف أن لا يؤاجر أكثر من سنة إلا إذا كان ذلك أنفع للفقراء كان للقيم أن يؤاجرها بنفسه أكثر من سنة إذا رأى ذلك خيراً ولا يحتاج إلى القاضي، وسيأتي مسائل إجارة الوقف بعد هذا وإذا اجتمع من غلة أرض الوقف في يد القيم فظهر له وجه من وجوه البر والوقف محتاج إلى الإصلاح والعمارة أيضاً ويخاف القيم أنه لو صرف الغلة إلى المرمة يفوته ذلك البر فإنه ينظر إن لم يكن في تأخير إصلاح الأرض ومرمتها إلى الغلة الثانية ضرر بيِّنٌ يخاف خراب الوقف فإنه يصرف الغلة إلى ذلك البر ويؤخر المرمة إلى الغلة الثانية، وإن كان في تأخر المرمة ضرر بيّن فإنه يصرف الغلة إلى المرمة فإن فضل شيء يصرفه إلى ذلك البر، والمراد من وجه البر ههنا وجه فيه تصدق بالغلة على نوع من الفقراء نحو فك أسارى المسلمين أو إعانة الغازي المنقطع لأن هؤلاء من أهل التصدق عليهم فجاز صرف الغلة إليهم، فأما عمارة المسجد والرباط ونحو ذلك مما ليس بأهل للتملك لا يجوز صرف الغلة إليه لأن التصدق عبارة عن التمليك فلا يصح إلا ممن هو من أهل التملك، رجل وقف ضيعة على مواليه وقفا صحيحاً فمات الواقف(3/169)
وجعل القاضي الوقف في يد قيم وجعل للقيم عشر الغلات وفي الوقف طاحونة في يد رجل بالمقاطعة لا حاجة فيها إلى القيم وأصحاب هذه الطاحونة يقبضون غلتها لا يجب للقيم عشر غلة هذه الطاحونة لأن القيم ما يأخذ يأخذ بطريق الأجر فلا يستوجب الأجر بدون العمل، رجل وقف ضيعة وشرط الواقف أن يعطى القيم غلتها من شاء جاز وللقيم أن يعطي الأغنياء والفقراء، رجل جاء إلى المفتي وقال إني أريد أن أتقرب إلى الله <302\3> تعالى أبني رباطا للمسلمين أو أعتق العبيد و أراد أن يتقرب إلى الله تعالى بداره فسأل أبيعها و أتصدق بثمنها أو أشتري بثمنها عبيدا فأعتقهم أو أجعلها دار للمسلمين أيّ ذلك يكون أفضل قالوا يقال له إن بنيت رباطاً و تجعل لها وقفا لعمارتها فالرباط أفضل لأنه أدوم و أعمّ نفعاً و إن لم تجعل للرباط مستغلا للعمارة فالأفضل أن تبيع و تتصدق بثمنه على المساكين (* فصل في وقف المشاع وفيما يدخل في الوقف تبعا بدون ذكر وفى الشروط في الوقف ما يبطل و ما لا يبطل *) أما فصل المشاع أرض بين شريكين وقف أحدهما نصيبه مشاعا جاز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى و به أخذ مشايخ بلخ رحمهم الله تعالى و به أخذ مشايخنا و أفتوا به ثم فرّع على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى قال لو أنهما اقتسما الأرض بعد ذلك و وقعت قطعة في نصيب الواقف تتعين تلك القطعة للوقف و لا يحتاج إلى إعادة الوقف فيها و إن وقف المقسوم كان أحوط هذا إذا كانت الأرض مشتركة فإن كانت الأرض كلها له و وقف نصفها ينبغي أن يبيع النصف بعد لك ثم يقتسمان فإن لم يبع ولكن رفع الأمر إلى القاضي فأمر القاضي رجلا بالقسمة معه جاز * ولو وقف مشاعا و لم يجز في قول محمد رحمه الله تعالى و رفع الأمر إلى القاضي وقضى بجواز الوقف جاز لأن قضاء القاضي في المجتهد يرفع الخلاف * فإن طلبوا القسمة من القاضي قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يقسم القاضي ويأمرهم بالمهايأة * و قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقسم القاضي هذا إذا كان بعض الأرض ملكا و البعض وقفاً * فإن كان الكل وقفا على أرباب فأراد الأرباب قسمة الأراضي بينهم لا يقسم القاضي * و لو أن قرية بعضها وقف على قول من يرى وقف المشاع و بعضها سلطاني يعني المملكة و بعضها ملك فأرادوا قسمة بعضها ليتعين الملك فيجعلوها مقبرة قالوا إن أرادوا قسمة موضع من هذه القرية لا يجوز لأن المقصود من القسمة تمييز الوقف من غيره و بهذه القسمة لا يتعين الملك عن الوقف فإن أرادوا قسمة كل القرية على مقدار نصيب كل فريق جازت القسمة لأن هذه القسمة تفيد التمييز بين الوقف و غيره * حانوت بين شريكين وقف أحدهما نصيبه و أراد الواقف أن يضرب لوح الوقف على بابه فمنعه الشريك ليس له أن يضرب اللوح لأن ذلك تصرف في محل مشترك فإن رفع الأمر إلى القاضي فأذن له القاضي بذلك جاز صيانة للوقف عن البطلان * رجل وقف نصف الحمام جاز عند الكل لأنه مما لا يحتمل القسمة فجاز وقفه كهبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة * امرأة وقفت دارا في مرضها على ثلاث بنات لها و أخرها للفقراء و ليس لها ملك غير الدار و لا وارث لها غيرهن قالوا ثلث الدار وقف و الثلثان لهن يصنعن ما شئن * وهذا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لأن عنده وقف المشاع جائز * و على قول محمد رحمه الله تعالى لا يجوز * و الفتوى على قول محمد رحمه الله تعالى * ثم على قول محمد لو أن الأرض بين رجلين فتصدقا بها صدقة موقوفة على المساكين أو على وجه من وجوه البر التي يجوز الوقف عليها و دفعاها إلى قيم يقوم عليها كان جائزا لأن عند محمد رحمه الله تعالى المانع من الجواز هو الشيوع وقت القبض لا وقت العقد و ههنا لم يوجد الشيوع وقت العقد لأنه ما تصدقا بالأرض جملة ولا وقت القبض سلّما الأرض جملة و لو تصدق كل واحد منهما بنصف هذه الأرض مشاعا صدقة موقوفة و جعل كل واحد لوقفه متوليا على حدة لا يجوز لوجود الشيوع وقت العقد لأن كل واحدا منهما باشر عقدا على حدة و يمكن الشيوع وقت القبض أيضا لأن كل واحد من المتوليين قبض نصفا شائعا فإن قال كل واحد منهما للذي جعله متوليا في نصيبه اقبض نصيبي مع نصيب صاحبي جاز * و لو تصدق أحدهما بنصف الأرض صدقة موقوفة على المساكين ثم تصدق الآخر بنصفه صدقة موقوفة على المساكين و جعلا لذلك قيما واحدا جاز لأنه إن وجد الشيوع وقت العقد لم يوجد وقت القبض لأن المتولي قبض الأرض جملة و هما سلما إليه جملة * و كذلك لو جعلا التولية إلى رجلين معا لأنهما صارا كمتول واحد * و كذلك ولو اختلفت جهة الوقف بأن وقف أحدهما على ولده و ولد ولده أبدا ما تناسلوا فإن اقرضوا كانت غلتها على المساكين و جعل الآخر نصف الأرض وقفا على أخوته و آل بيته فإذا انقرضوا كانت غلتها في الحج يحج في كل سنة و سلماها إلى رجل واحد جاز * و كذا لو كان الواقف واحدا فجعل نصف الأرض وقفا على الفقراء مشاعاً و النصف الآخر على أمر آخر فهو جائز و هذا كله قول محمد رحمه الله(3/170)
تعالى * أما على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يجوز الوقف في جميع الوجوه لأن عنده يجوز الوقف غير مقبوض فيجوز غير مقسوم * رجل قال جعلت هذه الأرض صدقة موقوفة أو هذه الأرض الأخرى و بين وجه الصرف كان باطلا لمكان الجهالة * ولو قال جعلت نصيبي من هذه الدار وقفا و هو ثلث جميع الدار فوجدت حصته نصف الدار أو ثلثي الدار كان جميع ذلك وقفا و كذلك في الوصية إذ قال أوصيت لفلان بثلث مالي وهو ألف درهم فوجد ثلث ماله أربعة آلاف كان الكل للموصى له * و لو كان هذا في البيع كان للمشتري القدر المسمى * دور بين اثنين أو أراض بين اثنين وقف أحدهما نصيبه على جهة البر ثم أراد القسمة فقسم القاضي بينهما فجمع الوقف كله في دار واحدة أو أرض واحدة جاز في قول هلال و هو قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى كما لو كان بينهما داران و طلبا القسمة فجمع القاضي نصيب أحدهما في دار و نصيب الآخر في دار جاز ذلك فكذلك ههنا إلا أن ثمة يجوز سواء كان في مصر واحد أو في مصرين و ههنا في المصر الواحد يقسم القاضي و في مصرين لا يقسم * و على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى القاضي يقسم كل دار على
حدة وأرض على حدة إلا أن يرى القاضي الصلاح في الجمع فيجمع الوقف كله في أرض واحدة و دار واحدة فتصير عند جمع القاضي في الحكم كأن الشريكين اقتسما بأنفسهما و ذلك جائز * و لو أن رجلين بينهما أرض فوقف أحدهما نصيبه جاز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * فلو أن الواقف مع شريكه اقتسما و أدخلا في القسمة دراهم معلومة إن كان الواقف هو الذي يأخذ الدراهم مع طائفة من الأرض لا يجوز لأن الواقف يصير بائعا شيأ من الوقف بالدراهم وذلك فاسد * و إن كان الواقف هو الذي أعطى الدراهم جاز ويصير كأنه أخذ الوقف و اشترى بعض ما ليس بوقف من نصيب شريكه بالدراهم فيجوز ثم حصة الوقف وقف و ما اشترى بالدراهم فذلك ملك له و لا يكون وقفا حتى لا يتصدق بشيء فإن احتاج إلى تمييز الوقف عن الملك رفع الأمر إلى القاضي حتى ينصب قيما فيقاسمه * رجل وقف جريبا شائعا من أرض ثم انقسم فأصاب الوقف أقل من جريب بجودة هذه الطائفة التي وقعت في الوقف و زيد في ذرعان الطائفة الأخرى أو على العكس جاز لأن مثل هذه القسمة يجوز في الملك كذلك في الوقف إذا كان فيه صلاح الوقف لتحقق المعادلة * رجل له دور أو أراض و وقف من تلك الأراضي أرضا بعينها أو دارا من تلك الدور ثم أراد أن يصرف الوقف إلى أرض أخرى أو إلى دار أخرى و يجعل الأرض التي وقفها لنفسه فهذه منه مناقلة الوقف إلى غير الوقف إن لم يكن الواقف شرط لنفسه الاستبدال في أصل الوقف لا تجوز هذه المناقلة و إن كان شرط الاستبدال جاز و هو و ما لو شرط لنفسه الاستبدال في أصل الوقف سواء * رجل قال وقفت من هذه الأرض شيأ و لم يسم كان باطلا لأن الشيء يتناول القليل و الكثير * و لو بين بعد ذلك ربما بين شيأ قليلا لا يوقف عادة *
فصل في مسائل الشرط في الوقف
رجل وقف أرضا أو دارا و شرط لنفسه الخيار ثلاثة أيام قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن بين للخيار وقتا معلوما يجوز الوقف و الشرط كما في البيع و إن كان الوقف مجهولا لا يجوز الوقف * و قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى ينبغي أن يجوز الوقف و يبطل الشرط و قال هلال رحمه الله تعالى لا يصح الوقف كان الوقت معلوما أو مجهولا و هو قول محمد رحمه الله تعالى و قال يوسف بن خالد التيمي رحمه الله تعالى الوقف جائز و الشرط باطل على كل حال كما لو شرط الخيار في العتق فإنه يصح العتق و يبطل شرط الخيار و كما جعل داره مسجدا على أنه بالخيار(3/171)
ثلاثة أيام يصح اتخاذ المسجد و يبطل الخيار * رجل وقف داره يوما أو شهرا أو وقتا معلوما و لم يزد على ذلك جاز الوقف و يكون الوقف أبدا * و لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة شهرا فإذا مضى شهر فالوقف باطل كان الوقف باطلا في الحال في قول هلال رحمه الله تعالى لأن الوقف لا يجوز إلا مؤبد فإذا كان التأبيد شرطا لا يجوز مؤقتا * و لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على فلان سنة بعد موتي فإذا مضت السنة فالوقف باطل كان وصية لفلان سنة بعد موته ثم يصير وصية للمساكين فيصرف غلتها إلى المساكين * و لو قال أرضي موقوفة على فلان سنة بعد موتي و لم يزد على ذلك فإن الغلة تكون لفلان سنة ثم بعد سنة تصير إلى الورثة * و لو قال إذا جاء غد أرضي صدقة موقوفة أو قال إذا ملكت هذه الأرض فهي صدقة موقوفة لا يجوز لأنه تعليق و الوقف لا يحتمل التعليق بالخطر لأنه لا يحلف به فلا يصح تعليقه كما لا يصح تعليق الهبة بخلاف النذر لأنه يحتمل التعليق و يحلف به * ول لو قال أرضي بعد وفاتي موقوفة سنة جاز و تصير الأرض موقوفة أبدا لأنه في معنى الوصية * بخلاف إذا لم يضف إلى ما بعد الموت فقال أرضي موقوفة سنة لأن ذلك ليس بوصية بل هو محض تعليق أو إضافة * فالحاصل أنه على قول هلال رحمه الله تعالى أنه إذا شرط في الوقف شرطا يمنع التأبيد لا يصح الوقف * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على أن لي إبطالها كان الوقف باطلا على قول هلال رحمه الله تعالى و قال يوسف بن خالد رحمه الله تعالى الوقف جائز و الشرط باطل وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وقت الخيار ليس بمعلوم فينبغي ألا يجوز الوقف(1) * ولو قال أرضي صدقة موقوفة على أن أصلها لي أو على أنه لا يزول ملكي عن أصلها أو على أن أبيع أصلها و أتصدق بثمنها كان الوقف باطلا * و كذا لو قال أرضي صدقة موقوفة إن شئت أو أحببت أو هويت كان الوقف باطلا في قولهم لأن هذا تعليق و تعليق الوقف بالشرط باطل في قولهم * ولو قال أرضي صدقة موقوفة أن شئت ثم قال شئت كان الوقف باطلا لما قلنا أنه تعليق * و لو قال شئت و جعلتها صدقة موقوفة صح لأنه ابتداء وقف * و إذا شرط الخيار في الوقف لم يصح الوقف في قول هلال رحمه الله تعالى فلو أنه أبطل الخيار بعد ذلك لا يصير الوقف جائزا * بخلاف ما لو شرط الخيار في البيع أكثر من ثلاثة أيام ثم أبطل الخيار قبل الأيام الثلاثة ينقلب البيع جائزا لأن الوقف لا يجوز إلا مؤبدا و شرط الخيار يمنع التأبيد فكان شرط الخيار شرطا فاسدا في نفس العقد أما الخيار لا يمنع جواز البيع إنما يفسد البيع إذا شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام لامتناع لزوم العقد بعد الأيام الثلاثة فلم يكن الفساد في صلب العقد * ولو أن رجلا قال إن كانت هذه الأرض في ملكي فهي صدقة موقوفة فإنه ينظر إن كانت في ملكه وقت التكلم صح الوقف و إلا فلا لأن التعليق بشرط كائن تنجيز * رجل وقف أرضا لرجل آخر في بر سماه ثم ملك الأرض لم يجز و إن أجاز المالك جاز عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى * رجل قال أرضي صدقة موقوفة لله تعالى أبدا على أن أبيعها و أشتري بثمنها أرضا أخرى فتكون وقفا على شروط الأولى قال هلال رحمه الله تعالى وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الوقف والشرط جائزان * و قال يوسف بن خالد رحمه الله تعالى الوقف صحيح و الشرط باطل * و قال بعضهم هما فاسدان و الصحيح قول هلال و أبي يوسف رحمهما الله تعالى لأن هذا شرط لا يبطل حكم الوقف فإن الوقف مما يحتمل الانتقال من أرض إلى أرض أخرى و يكون الثاني قائما مقام الأول فإن أرض الوقف إن غصبها غاصب و أجرى الماء عليها حتى صار بحرا لا يصلح للزراعة يضمن قيمتها و يشتري بقيمتها أرضا أخرى فتكون الثانية وقفا على وجه الأولى * و كذلك أرض الوقف إذا قل نزلها لآفة و صارت بحيث لا تصلح للزراعة أو لا تفضل غلتها عن مؤنها يكون صلاح الوقف في الاستبدال بأرض أخرى فيصح شرط ولاية الاستبدال و إن لم يكن للحال ضرورة داعية إلى الاستبدال و إن كان الواقف قال في أصل الوقف على أن أبيعها على ما بدا لي من الثمن من قليل أو كثير أو قال على أن أبيعها و أشتري بثمنها عبدا أو قال أبيعها ولم يزد على ذلك قال هلال رحمه الله تعالى هذا الشرط فاس يفسد به الوقف لأن هذا شرط ولاية إبطال الوقف كأنه قال على أن أبطلها و إنما لا يبطل الوقف إذا شرط الاستبدال بأرض أخرى لأن ذلك نقل و تحويل * و أجمعوا على أن الواقف إذا شرط الاستبدال لنفسه في أصل الوقف يصح الوقف و الشرط و يملك الاستبدال * أما بدون الشرط أشار في السير أنه لا يملك الاستبدال إلا القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك * و لو قال الواقف في الوقف على أن أبيعها و أشتري بثمنها أرضا أخرى و لم يزد على هذا القياس يبطل الوقف لأنه لم يذكر إقامة أرض أخرى مقام الأولى و في الاستحسان يصح الوقف لأن الأرض الأولى
__________
(1) قوله فينبغي أن لا يجوز الوقف في بعض النسخ فينبغي أن يجوز الوقف و يبطل الشرط كتبه مصححه(3/172)
تعينت للوقف فيكون ثمنها قائما مقامها في الحكم و كما لو اشترى الثانية تصير الثانية وقفا بشرائط الأولى و قائمة مقام الأولى ولا يحتاج إلى مباشرة الوقف بشروطه في الثانية كالعبد الموصى بخدمته لإنسان إذا قتل خطأ و أخذت قيمته و اشترى بها عبدا آخر ثبت حق الموصى له بخدمته فيه من غير تحديد * و كذلك المدبر إذا قتل خطأ و أخذ المولى قيمته يؤمر أن يشتري عبدا آخر فيدبره و ينتقل حكم الأول إلى بدله كذلك ههنا ثم ليس له أن يستبدل الثانية بأرض ثالثة لأن هذا حكم ثبت في الشرط و الشرط وجد في الأولى دون الثانية * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على أن لي أن أستبدلها بأرض أخرى لم يكن له أن يستبدلها بدار لأنه لا يملك تغير الشرط و له أن يشتري بثمنها أرض الخراج لأن أرض الوقف لا تخلو عن وظيفة إما العشر أو الخراج * ولو قال أن لي أن أستبدلها بدار لم يكن له أن يستبدلها بأرض * و لو قال أن لي أن أستبدلها بأرض من أراضي البصرة لم يكن له أن يستبدلها بأرض من غير أرض البصرة لأن أراضي البلدان تتفاوت في الغلة و المؤنة فلا يغير شرطه و ليس له أن يستبدلها بأرض من أرض الحوز لأن من في يده أرض الحوز الاكار لا يملك الأرض و البيع فإن أرض الحوز هي ما عجز صاحبها عن زراعتها و أداء مؤنها فدفعها إلى الإمام لتكون منفعتها للمسلمين مقام الخراج و الرقبة ملك لصاحبها و منفعتها للمسلمين * و لو شرط الاستبدال و لم يذكر أرضا ولا دارا فباع الأرض الأولى كان له أن يستبدلها بجنس العقارات ما شاء من دار أو أرض و كذا إذا لم يقيد الاستبدال على بلد كان له أن يستبدلها بأي بلد شاء لإطلاق اللفظ * ولو باع أرض الوقف بثمن فيه غبن فاحش لا يجوز بيعه في قول أبي حنيفة و هلال رحمهما الله تعالى لأن القيم بمنزلة الوكيل فلا يملك البيع بغبن فاحش و لو كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجيز الوقف بشرط الاستبدال يجيز بيع القيم إذا باع بغبن فاحش كالوكيل بالبيع عنده * ولو باع أرض الوقف و قبض الثمن ثم مات ولم يبين حال الثمن يكون الثمن دينا في تركته * و لو كان الوقف مرسلا لم يذكر فيه شرط الاستبدال لم يكن له أن يبيعها و يستبدل بها و إن كانت أرض الوقف سبخة لا ينتفع بها لأن سبيل الوقف أن يكون مؤبدا لا يباع و إنما تثبت ولاية الاستبدال بالشرط و بدون الشرط لا تثبت فهو كالبيع المطلق عن شرط الخيار لا يملك المشتري رد ه و إن لحقه في ذلك غبن * و لو أنه شرط الاستبدال في الوقف فباعها و وهب الثمن صحت الهبة و يضمن الثمن في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا تصح الهبة و إن باع أرض الوقف بعوض ففي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يصح البيع ثم يبيع العروض بالدراهم أو بالدنانير فيشتري بها أرضا أو يشتري بالعروض أرضا و قال أبو يوسف و هلال رحمهما الله تعالى لا يملك البيع إلا بالدراهم أو بالدنانير و هو كالوكيل بالبيع * و لو باع أرض الوقف و قد شرط له ولاية الاستبدال ثم عادت الأرض إليه إذا عادت الأرض بما هو فسخ من كل وجه كان له أن يبيعها ثانيا لأن البيع الأول صار كائن لم يكن * و إن عادت إليه بما هو عقد جديد لا يملك بيعها ثانيا لأنه صار كأنه اشتراها شراء جديدا فتصير وقفا كما لو اشترى أرضا أخرى و العقد الجديد و الفسخ من كل وجه معروف في الكتب * ولو باع أرض الوقف و اشترى بثمنها أرضا أخرى ثم ردت الأولى عليه بعيب بقضاء قاض كان له أن يصنع بالأرض الأخرى ما شاء و الأرض الأولى تعود وقفا لأن الأرض الثانية بدل عن الأولى فإذا انفسخ البيع في الأولى من كل وجه انتقلت الوقفية عن البدل إلى الأصل فإذا لم تبق الثانية بدلا عن الوقف كان له أن يصنع بالثانية ما شاء و لو ردت عليه الأولى بعيب بغير قضاء لم ينفسخ البيع في الأولى فبقيت الثانية بدلا عن الأولى فلا تبطل الوقفية في الثانية و يصير مشتريا الأولى لنفسه و لا يصير مشتريا الأرض الثانية و واقفا لنفسه لأنها كانت وقفا بدلا عن الأولى فلا تتغير بعود الأولى إليه بعقد جديد * ولو باع أرض الأولى و اشترى بثمنها أرضا أخرى ثم استحقت الأرض الأولى في القياس تبقى الثانية وقفا * و في الاستحسان لا تبقى الثانية وقفا لأن الثانية كانت وقفا بدلا من الأولى و بالاستحقاق انتقضت تلك المبادلة من كل وجه فلا تبقى الثانية وقفا * و لو كان الواقف قال في الوقف على أن لي أن(3/173)
أستبدل بها ثم مات و أوصى له وصيه بالاستبدال فإن وصيه لا يملك الاستبدال لأنه شرط في الوقف ولاية الاستبدال لنفسه و هذا أمر يحتاج فيه إلى الأمر و المشورة * بخلاف ما إذا وكل الواقف في حياته بالاستبدال حيث التوكيل لأن رأي الموكل قائم لو يمكنه الخلل يمكنه التدارك و لو شرط الواقف في الوقف الاستبدال لكل من ولي هذا الوقف صح ذلك و لكل من ولي الوقف ولاية الاستبدال * أما إذا قال الواقف على أن لفلان ولاية الاستبدال فمات الواقف لا يكون لفلان ولاية الاستبدال بعد موت الواقف إلا أن يشترط الولاية بعد وفاته * و هذا كله قول أبي يوسف و هلال رحمهما الله تعالى لأن عندهما الواقف إذا ولى غيره كان له أن يعزله بعد ذلك فكان القيم بمنزلة الوكيل و الوكالة تبطل بالموت * و على قول محمد رحمه الله تعالى لا تبطل ولاية المتولي بوفاة الواقف لأن عنده لو أراد الواقف أن يعزل المتولي لا يملك لأن المتولي وكيل الفقراء لا وكيل الواقف و لو أن الواقف شرط الاستبدال لرجل آخر مع نفسه على أنم يستبدلا معا فتفرد ذلك الرجل لم يجز لأنه اشترط رأيه مع رأي غيره *
و لو تفرد الواقف في الاستبدال جاز لأن الواقف هو الذي شرط لذلك الرجل وما شرط لغيره فهو مشروط لنفسه ولو أن قيمين في الوقف أقام كل قيم قاضي بلدة غير بلدة أخرى هل يجوز لكل واحد منهما أن يتصرف بدون الآخر قال الشيخ الإمام اسمعيل الزاهد رحمه الله تعالى ينبغي أن يجوز كل واحد منهما * ولو أن واحد من هذين القاضيين أراد أن يعزل القيم الذي أقامه القاضي الآخر قال إن رأى القاضي المصلحة في عزل الآخر كان له ذلك وإما فلا * متولي الوقف إذا مات و إن كان الواقف حيا فالرأي في نصب القيم للواقف و إن مات القيم بعد موت الواقف إن أوصى القيم إلى وصي فوصيه أولى من القاضي و إن لم يكن أوصى إلى رجل فالرأي فيه إلى القاضي و الله أعلم
فصل فيما يدخل في الوقف من غير ذكر وما لا يدخل
رجل قال أرضي صدقة موقوفة لله تعالى أبدا و لم يزد على ذلك و فيها ثمرة قائمة فإن الثمرة لا تدخل في الوقف ووقف الأرض جائز وهو كالبيع لو باع أرضا و فيها
زرع أو باع شجرا و فيها ثمر لا يدخل الزرع و الثمر في البيع بدون الذكر كذلك الوقف و يدخل الأشجار و البناء في وقف الأرض كما يدخل في البيع ولو أقر بأرض في يده لرجل فيها ثمرة قائمة كانت الثمرة للمقر له بالأرض إذا كانت متصلة في الأرض دون الهبة قال هلال رحمه الله تعالى لا تدخل الثمرة في الهبة و الهبة باطلة لمكان الشيوع قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى هذا الحكم في الهبة إنما عرف بقول هلال رحمه الله تعالى ليس فيها رواية ظاهرة عن أصحابنا رحمهم الله تعالى(3/174)
وفي رهن الأرض يدخل الشجر و الثمر و الكرم و البناء و الزرع في قول أصحابنا رحمهم الله تعالى و يجوز الرهن فيها * رجل قال أرضي صدقة موقوفة على الفقراء و لم يذكر الشرب و الطريق فإنه يدخل فيه الشرب و الطريق استحسانا لأن الأرض لا توقف إلا للاستغلال و ذلك لا يكون إلا بالماء و الطريق يدخل ذلك في الوقف كما يدخل في الإجارة * و لو قال وقفت أرضي هذه صدقة موقوفة بحقوقها و جميع ما فيها و منها و فيها ثمرة قائمة يوم الوقف قال هلال رحمه الله تعالى في القياس يكون الثمر للواقف و لا يدخل في الوقف * و في الاستحسان يلزمه أن يتصدق بالثمرة القائمة على الفقراء و المساكين لا على وجه الوقف بل على وجه النذر و ما يحدث من الثمر بعد الوقف فإنه يصرف إلى الوجه الذي سمى في الوقف أما الثمر لا يدخل في الوقف لما قلنا و لكن لما قال صدقة موقوفة بجميع فيها و منها فقد تكلم بما يوجب التصدق به فيلزمه أن يتصدق بالثمرة القائمة * و لو قال أرضي صدقة موقوفة بعد وفاتي على أن ما أخرج الله تعالى من غلاتها فهي لعبد الله ثم مات الواقف و فيها ثمرة قائمة لا تكون الثمرة القائمة لعبد الله لأن الأرض إنما تصير وقفا بعد وفاته فصار كأنه وقف الأرض و فيها ثمرة قائمة فلا تدخل الثمرة الموجودة في الوقف * ثم قال هلال رحمه الله تعالى ههنا إذا كان لم تدخل الثمرة الموجودة في الوقف في القياس تكون الثمرة لورثة الواقف و في الاستحسان يتصدق على الفقراء و قال بالاستحسان تأخذ و تأمر بالتصدق على الفقراء * قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان لفظ الواقف في الوقف هذا القدر الذي ذكر في الكتاب ينبغي أن تكون الثمرة القائمة بعد الموت لورثة الواقف قياسا و استحسانا لأن بهذا اللفظ لا تصير الأرض وقفا قبل الموت و كأن له أن يبيعها بالثمرة القائمة فعند الموت تكون الثمرة على ملك الواقف ثم يبتدأ الوقف و عليها ثمرة قائمة فلا تدخل الثمرة القائمة في الوقف إلا أن يكون قال الواقف هذه الأرض بجميع ما فيها و منها صدقة موقوفة بعد وفاتي على أن ما أخرج الله تعالى من غلاتها فهي لعبد الله فحينئذ تصير الأرض هذه وقفا و يتصدق بالثمرة القائمة على الفقراء استحسانا و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى رجل قال جعلت أرضي هذه وقفا على الفقراء و لم يقل بحقوقها يدخل البناء الذي هو
فيها و يكون وقفا مع الأرض و لا يدخل الزرع النابت و هو للواقف و كذا البقل و الآس و الرياحين و الزروع كلها من الحنطة و الشعير وغيرهما و الخلاف و الطرفاء و ما في الأجمة من الحطب يقطع في كل سنة فكلها يكون للواقف و ما كان يقطع من الشجر في سنتين أو في ثلاث سنين فهو داخل في الوقف و كذا ما يثمر في المستقبل و لو قال بحقوقها فالثمرة التي تكون على الأشجار تدخل في الوقف وفي البيع لا تدخل و لو قال بكل قليل أو كثير يدخل في البيع * و الورد و ورق الحناء و الياسمين يكون للواقف و كذا كل مل كان من الأرطاب و الباذنجان و القطن يكون للواقف و ما كان من أصولها فهو داخل في الوقف * و ليس لمتولي الوقف أن يقطع الأشجار المثمرة و لا يبيعها وما لا ثمر لها فللمتولي قطعها و لو وقف دارا فيها حمامات يطرن و يرجعن قالوا الحمامات تكون داخلة في الوقف كما لو وقف ضيعة فيها مماليك بأزواجهم و أولادهم يعملون فيها فوقف الضيعة و ما فيها من الثيران و العبيد و سماهم جاز ذلك * و لو وقف بيتا فيها كوارات عسل جاز و يصير النحل تبعا للعسل * و لو وقف أرضا و له فيها أشجار و قال وقفتها بعد أن يقلع الأشجار هذه على كذا و كذا و سمى من وجوه الخير قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى أن وقف بهذا اللفظ كان باطلا لأن هذه الإضافة للوقف لا على وجه الوصية فيبطل ولا يصح الوقف * و إن كان وقفها قبل أن يقطع الأشجار و استجمع شرائط الوقف كان جائزا * و يجوز بيع الأشجار الموقوفة في أرض الوقف إذا لم تكن مثمرة بعد القلع ولا يجوز قبل القلع لأنها قبل القلع متصلة فتكون تبعا للأرض * وبيع أرض الوقف لا يجوز فكذلك ما كان تبعا له
فصل في الأشجار
رجل غرس شجرا على حوض القرية أو في الطريق العامة أو على شط نهر للعامة كانت الشجرة للغارس له أن يرفعها فإن قطعها ثم نبت من عروقها أشجار كانت للغارس أيضا لأنها تولدت عن ملكه * أشجار على حافتي النهر في الشارع اختصم فيه الشربة و لم يعرف الغارس و هذا النهر يجري أمام باب رجل في الشارع قالوا إن كان موضع الشجر ملكا للشربة فما نبت في ملكهم و لم يعرف غارسه يكون لهم وإن لم تكن أرض الأشجار ملكا للشربة بل هي للعامة و للشربة فيها حق تسييل الماء إن علم أن صاحب الدار حين اشترى الدار كانت هذه الأشجار في هذا الموضع فإن الأشجار لا تكون لصاحب الدار و إن لم يعلم ذلك كانت الأشجار له لأن ما نبت(3/175)
في فناء داره كان له ظاهرا * رجل وقف ضيعة على جهة معلومة أو على قوم معلومين ثم إن الواقف غرس فيها شجرا قالوا إن غرس من غلة الوقف أو من مال نفسه لكن ذكر أنه غرس للوقف يكون للوقف و إن لم يذكر شيئا و قد غرس من مال نفسه يكون له و لورثته من بعده ولا يكون وقفا * و لو غرس في المسجد يكون للمسجد لأنه لا يغرس لنفسه في المسجد * أراض موقوفة على الفقراء استأجرها
رجل من المتولي و طرح فيها السرقين و غرس الأشجار ثم مات المستأجر فإن
الأشجار تكون لورثته و يؤمر الورثة بقلعها و ليس للورثة الرجوع بما زاد السرقين في هذه الأراضي عندنا * رجل وقف شجرة بأصلها على مسجد فيبست الشجرة أو يبس بعضها يقطع اليابس من أغصانها و يترك الباقي لأن اليابس لا ينتفع به و ينتفع بغير اليابس * رجل وقف شجرة بأصلها والشجرة مما ينتفع بأوراقها أو بأثمارها قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى الوقف جائز فإن كان ينتفع بأوراقها أو أثمارها فإنه لا يقطع أصلها إلا أن يفسد أغصانها و لو كان لا ينتفع بأوراقها ولا بأثمارها فإنه يقطع و يتصدق بها * رباطي غرس شجرة في أرض موقوفة على الرباط وقام عليها في سقيها و تعاهدها حتى كبرت و لم يذكر وقت الغرس أنها للرباط قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان هذا الرباطي يلي تعاهد الأرض الموقوفة على الرباط فالشجر يكون وقفا و إن لم يكن إليه ولاية الوقف فالشجر يكون للغارس و له أن يرفعها * مسجد فيه شجرة التفاح قال بعضهم يباح للقوم أن يفطروا بهذا التفاح و الصحيح أنه لا يباح لأن ذلك صار للمسجد يصرف إلى عمارة المسجد * شجرة على طريق المارة جعلت وقفا للمارة يباح تناول ثمرها للمارة و يسوى فيه الفقير و الغني و كذا الماء الماء الموضوع في الفلوات و ماء السقاية و سرير الجنازة و ثيابها و مصحف الوقف يستوي الفقير و الغني في هذه الأشياء و لو كانت الثمار على أشجار رباط للمارة قال أبو القاسم رحمه الله تعالى أرجو أن يكون النزال في سعة من تناولها إلا أن يعلم أن غارسها جعلها للفقراء و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا لم يكن الرجل من ساكني الرباط فالأحوط له أن يحترز في أكلها إلا أن تكون ثمارا لا قيمة لها كالتوت * مقبرة فيها أشجار عظيمة و كانت الأشجار فيها قبل اتخاذ الأرض مقبرة فإن كانت الأرض يعرف مالكها فالأشجار بأصلها للمالك يصنع بالأشجار و أصلها ما شاء و إن كانت الأرض مواتا ليس لها مالك فاتخذها أهل القرية مقبرة فالأشجار بأصلها تكون على ما كانت قبل جعل الأرض مقبرة * هذا إذا كانت الأشجار فيها قبل جعلها مقبرة و إن نبتت الأشجار فيها بعد اتخاذ الأرض مقبرة فإن علم غارسها كانت للغارس و إن لم يعلم الغارس فالرأي فيها يكون للقاضي إن رأى أن يبيع الأشجار و يصرف ثمنها إلى عمارة المقبرة فله ذلك و يكون في الحكم كأنها وقف * رجل جعل أرضه مقبرة و فيها أشجار فأراد ورثته أن يقطعوا الأشجار كان لهم ذلك لأن موضع الأشجار كانت مشغولة فلا تدخل في الوقف كما لو جعل دارا مقبرة لا يدخل موضع البناء في الوقف *
فصل في وقف المنقول
قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى في وقف المنقول مقصود اخلاف بين أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى ذكره في السير الكبير قال و الصحيح من الجواب أن ما فيه عرف ظاهر بين الناس بوقفه كالجنازة و ثيابها و(3/176)
ما يحتاج إليه من القدور و الأواني لغسل الميت و المصاحف و الكراع و السلاح و الفرس للجهاد يجوز وقفه * و اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في وقف الكتب جوزه الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى و عليه الفتوى * و نصير رحمه الله تعالى وقف كتبه * رجل وقف بقرة على رباط على أن ما يخرج من لبنها و سمنها و شيرازها يعطى لأبناء السبيل إن كان ذلك في موضع تعارفوا ذلك جاز كما يجوز ماء السقاية * رجل وقف دابة على رباط فخرب الرباط و استغنى الناس عنه فإنها تربط في أقرب الرباط إليه * رجل وقف ثورا على أهل قرية لإنزاء بقرهم لا يصح لأنه ليس بقربة مقصودة و ليس فيه عرف ظاهر * رجل وضع حبا في المسجد أو علق قنديلا كان له أن يرجع فيه لأن ذلك لا يترك في المسجد دائما * رجل وقف بناء بدون أرض قال هلال رحمه الله تعالى لا يجوز ذلك * و عن زفر رحمه الله تعالى رجل وقف الدراهم أو الطعام أو ما يكال أو يوزن قال يجوز وقيل له كيف يكون قال تدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بفضلها في الوجه الذي وقف عليه وما يكال و يوزن فيباع و يدفع ثمنه بضاعة أو مضاربة كالدراهم * قالوا على هذا القياس لو قال هذا الكر من الحنطة وقف على شرط أن يقرض من الفقراء الذين لا بذر لهم فيزرعوها لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض ثم يقرض لغيرهم من الفقراء على هذا أبدا جاز على هذا الوجه * مريض أوصى أن يدفع إلى فلان ألف درهم يمسكها سنة و يتجر بها ثم يردها على الورثة ذكر في بعض نسخ الوصايا أنه يجوز من الثلث * و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في النوادر لا يجوز الوقف في الحيوان و الرقيق و المتاع و الثياب ما خلا الكراع و السلاح إلا على وجه التبع كالرقيق و الثيران و آلات الزراعة * رجل وقف بستانا بما فيه من البقر و الغنم و الرقيق فإنه يجوز * رجل وقف موضعا في صحته و أخرجه عن يده فاستولى عليه غاصب و حال بين الوقف و بينه قال الشيخ الإمام محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يأخذ من الغاصب قيمتها و يشتري بها
موضعا آخر فيقفه على شرائط الأول قيل له أليس بيع الوقف لا يجوز فقال إذا كان الغاصب جاحدا و ليس للوقف بينة يصير مستهلكا و الشيء المسبل إذا صار مستهلكا يجب به الاستبدال كالفرس المسبل إذا قتل و العبد الموصى بخدمة الكعبة إذا قتل *
متولي الوقف إذا صرف دراهم الوقف في حاجة نفسه ثم أنفق من ماله مثل تلك الدراهم في الوقف قال الشيخ الإمام هذا رحمه الله تعالى جاز و يبرأ عن الضمان * قال ولو خلط من ماله مثل تلك الدراهم بدراهم الوقف كان ضامنا للكل * إذا اجتمع من مال الوقف على الفقراء أو على المسجد الجامع ثم نابت الإسلام نائبة بأن غلبت جماعة من الكفرة فاحتيج في ذلك إلى مال لدفع شرهم قال رحمه الله تعالى ما كان من غلة المسجد الجامع يجوز للحاكم أن يصرف ذلك على وجه القرض إذا لم يكن(3/177)
للمسجد حاجة إلى ذلك المال و يكون ذلك دينا * رباط فيه دواب مربوطة لأجل المرابطين كثرت و عظمت مؤنتها قالوا للقيم أن يبيع الدواب التي كبر سنها و خرجت من أن تكون صالحة لما ربطت و ما هي صالحة لما ربطت يمسك منها في هذا الرباط مقدار ما يحتاج إليها و ما زاد على ذلك يربط في أدنى الرباط إلى هذا الرباط * أهل مسجد أو بعضهم باغوا غلة المسجد أو نقض المسجد إذا استغنى المسجد عن ذلك أو أمروا ببيع ذلك رجلا قالوا إن فعلوا ذلك بأمر القاضي جاز وإن فعلوا بغير أمره قال بعضهم يرجى أن يجوز * و الصحيح هو أنه لا يجوز إلا أن يكون في موضع لم يكن هناك قاض * متولي المسجد إذا اشترى بغلة المسجد دارا أو حانوتا لأجل المسجد ثم باع ذلك اختلف المشايخ فيه و الصحيح أنه يجوز بيعه لأن المشترى بمال المسجد لا يكون من أوقاف المسجد لانعدام شرائط الوقف فيه * مسجد له غلة ذكر الواقف في وقفه أن القيم يشتري بتلك الغلة جنازة لا يجوز للقيم أن يشتري ولو اشترى يكون ضامنا * قرية فيها بئر مطوية بالآجر خربت القرية و انقرض أهلها و بقرب هذه القرية قرية أخرى فيها حوض يحتاج إلى الآجر فأرادوا أن ينقلوا الآجر من القرية التي خربت و يجعلوها في هذا الحوض قالوا إن عرف باني تلك البئر لا يجوز صرف الأجر إلا بإذنه لأنه عاد إلى ملكه * و إن لم يعرف قالوا الطريق في ذلك أن يتصدق بها على فقير ثم ذلك الفقير ينفقها في ذلك الحوض لأنه بمنزلة اللقطة * و الأولى أن ينفق القاضي في هذا الحوض ولا حاجة فيه إلى التصدق على فقير * رجل وقف بناء أرض له قال هلال رحمه الله تعالى لا يجوز * وقيل إن كان البناء في أرض وقف جاز و عن زفر رحمه الله تعالى إذا وقف الدراهم و الطعام و ما يكال أو يوزن يجوز * إذا وقف جنازة أو نعشا أو مغتسلا و هو التور العظيم الذي يقال له بالفارسية حوض مسين في محلة إذا خرجت المحلة ولم يبق أهلها قالوا لا يرد إلى ورثة الواقف بل يحول إلى محلة أخرى أقرب إلى هذه المحلة * فرقوا بين هذا وبين المسجد إذا خرب ما حوله على قول محمد رحمه الله تعالى يصير ميراثا لأن المسجد مما لا ينقل إلى مكان آخر وهذه الأشياء مما ينقل *
فصل في المقابر و الرباطات(3/178)
رجل جعل أرضه مقبرة و فيها أشجار عظيمة قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى وقف الأشجار لا يصح فتكون الأشجار لورثته للواقف إن مات * وكذا البناء في الدار التي جعلها مقبرة * أرض لأهل قرية جعلوها مقبرة و أقبروا فيها ثم إن واحدا من أهل القرية بنى فيها بيتا لوضع اللبن و أداة القبر و أجلس فيها من يحفظ المتاع بغير رضا أهل القرية أو رضى بذلك بعضهم قالوا إن كان في المقبرة سعة بحيث لا يحتاج على ذلك المكان لا بأس به وبعد ما بنى لو احتاجوا على ذلك المكان رفع البناء حتى يقبر فيه * رجل حفر لنفسه قبرا في مقبرة هل يكون لغيره أن يقبر فيه ميته قالوا إن كان في المقبرة سعة فالمستحب أن لا يوحش الذي حفر و إن لم يكن في المكان سعة كان لغيره أن يدفن ميته فيه و هو كرجل بسط المصلى في المسجد أو نزل في الرباط فجاء آخر فإن كان في المكان سعة لا يوحش الأول * و لو أن الثاني دفن ميته في هذا القبر قال أبو نصر رحمه الله تعالى يكره ذلك و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لا يكره لأن هذا الذي حفر لنفسه لا يدري بأي أرض يموت و في أي أرض يدفن * مقبرة كانت للمشركين أرادوا أن يجعلوها مقبرة للمسلمين قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كانت آثارهم قد اندرست لا بأس بذلك و إن كانت عظامهم باقية لا بأس أن تنبش و يقبر فيها المسلمون فإن موضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقبرة للمشركين فنبشت و اتخذت مسجدا * امرأة جعلت قطعة أرض لها مقبرة وأخرجتها من يدها و دفنت فيها ابنها و هذه الأرض غير صالحة للقبر لغلبة الماء عليها قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كانت الأرض بحال يرغب الناس عن دفن الموتى فيها لفسادها لم تصر مقبرة و كان للمرأة أن تبيعها و إذا باعت كان للمشتري أن يرفع الميت عنها أو يأمر برفع الميت عنها * ميت دفن بأرض إنسان دون أخذ إذن المالك كان المالك بالخيار إن شاء رضي بذلك و إن شاء أمر بإخراج الميت و إن شاء سوّى الأرض و زرع فوقها لأن الأرض ظهرها و بطنها مملوكة له * ميت دفن في مكان ثم أراد أهله إخراجه عن ذلك المكان و دفنه في مكان آخر بعد مدة طويلة أو قليلة قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا يباح إخراجه بعد ما دفن إلا بعذر و العذر أن يكون مدفونا في أرض مغصوبة أو نحو ذلك * ذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا حفر الرجل قبرا في موضع يباح له الحفر في غير ملكه فدفن غيره لا ينبش القبر و لكن يضمن قيمة حفره ليكون جمعا بين الحقين و مراعاة لهما * مقبرة قديمة لمحلة لم يبق فيها آثار المقبرة هل يباح لأهل المحلة الانتفاع بها قال أبو نصر رحمه الله تعالى لا يباح قيل و إن كان فيها حشيش قال يحتش منها و يخرج إلى الدواب فذلك أيسر من إرسال الدواب فيها * رجل جعل أرضه مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا سقط الخراج عنها إن كانت خراجية و قيل لا يسقط و الصحيح هو الأول * منزل هو وقف صحيح على مقبرة معلومة فخرب هذا المنزل وصار بحيث لا ينتفع به فجاء رجل و عمره و بنى فيه بيتا من ماله بغير إذن أحد قالوا الأصل يكون للواقف أن كان حيا و لورثته إن كان ميتا * و كذلك وقف صحيح على أقوام مسمين خرب و لا ينتفع به و هو بعيد من القرية لا يرغب أحد في عمارته و لا يستأجر أصله يبطل الوقف و يجوز بيعه و إن كان أصله يستأجر بشيء قليل يبقى أصله واقفا و كذلك علو وقف انهدم و ليس في الغلة ما يمكن به عمارة العلو يبطل الوقف و يرجع حق البناء إلى الواقف إن كان حيا و إلى ورثته إن كان ميتا * و كذلك حانوت وهو وقف صحيح في سوق احترق السوق و الحانوت بحيث
صار لا ينتفع به و لا يستأجر أصله يخرج من أن يكون وقفا و كذا الرباط إذا احترق(3/179)
يبطل الوقف و يصير ميراثا * و بواري المسجد إذا صارت خلقا و استغنى أهل المسجد عنها فإن كان الذي طرحها في المسجد حيا تكون له لأنها لم تزل عن ملكه و إن كان ميتا و لم يترك وارثا قالوا لا بأس لأهل المسجد أن يدفعوا إلى فقير أو يبيعوه و يشتروا بثمنه حصيرا و يكون حكمه حكم اللقطة و قد ذكرنا أن الصحيح من الجواب بأن بيعهم بغير أمر القاضي لا يصح إلا أن يكون في موضع لا قاضي هناك * رجل جاء إلى فقيه و قال إني أريد أن أصرف مالي إلى خير أعتق العبيد أفضل أم اتخاذ الرباط للعامة قال بعضهم الرباط أفضل * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن جعل للرباط مستغلا يصرف غلته إلى عمارة الرباط فالرباط أفضل و إن لم يجعل إلا رباطا فالإعتاق أفضل و لو تصدق بهذا المال على المحتاجين فذاك أفضل من الإعتاق * رجل بنى رباطا على أن يكون ذلك الرباط في يده ما دام حيا قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يقر في يده ما لم يستوجب الإخراج عن يده و متى جاء منه في الرباط فساد من شرب أ و فسق مما ليس فيه رضى الله تعالى لا يترك في يده رباط للمختلفة فيها سكان انهدم الرباط فلما بني أراد الساكنون الذين كانوا فيها قبل الانهدام أن يسكنوا فيها قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إذا انهدم الرباط كله و لم يبق هناك بيت لم يكونوا هم أولى من غيرهم و لو لم يتغير ترتيبه بل هو على حاله إلا أنه زيد فيه أو نقص كانوا هم أولى بالسكنى من غيرهم * قوم عمروا أرض موات على شط نهر جيحون و كان السلطان يأخذ منهم العشر لأن على قول محمد رحمه الله تعالى ماء الجيحون ليس ماء الخراج و بقرب ذلك رباط فقام متولي الرباط إلى السلطان فأطلق له السلطان ذلك العشر هل يكون للمتولي أن يصرف ذلك العشر إلى مؤذن يؤذن في هذا الرباط يستعين بهذا في طعامه و كسوته هل يجوز له ذلك و هل يكون للمؤذن أن يأخذ من ذلك العشر الذي أباح السلطان للرباط قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لو كان المؤذن محتاجا يطيب له و لا ينبغي أن يصرف ذلك العشر لعمارة الرباط و إنما يصرف للفقراء لا غير * و لو صرف للمحتاجين ثم أنهم أنفقوا في عمارة الرباط جاز و يكون ذلك حسنا * رباط على بابه قنطرة على نهر عظيم خربت القنطرة ولا يمكن الوصول إلى الرباط إلا بمجاوزة النهر و بدون القنطرة لا يمكن المجاوزة هل يجوز عمارة القنطرة بغلة الرباط قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان الواقف وقف على مصالح الرباط لا بأس به و إلا فلا لأن الرباط للعامة و القنطرة كذلك فهو كطريق بجنب مسجد و ضاق على أهل المسجد مسجدهم فإن الطريق يلحق بالمسجد كذا هذا * متولي الرباط إذا صرف فضل غلة الرباط في حاجة نفسه قرضا قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا ينبغي له أن يفعل و إن فعل ثم أنفق في الرباط رجوت أن يبرأ و إن أقرض ليكون أحرز من الإمساك عنده
قال رجوت أن يكون واسعا له ذلك * رباط استغنى عنه المارة و بقربه رباط آخر
قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يصرف غلة الرباط الأول إلى الثاني و إن لم يكن بقربه رباط يعود الوقف إلى ورثة من بنى الرباط * رجل أوص بثلث ماله إلى الرباط فإلى من يصرف قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان هناك دلالة أنه أراد به المقيمين يصرف إليهم و إلا يصرف إلى عمارة الرباط * رباط في طريق بعيد استغنى عنه المارة و بجنبه رباط آخر قال السيد الإمام أبو شجاع رحمه الله تعالى يصرف غلته إلى الرباط الثاني كالمسجد إذا خرب و استغنى عنه أهل القرية فرفع ذلك إلى القاضي فباع الخشب و صرف الثمن إلى مسجد آخر جاز * و قال بعضهم إذا خرب الرباط و المسجد استغنى الناس عنهما يصير ميراثا و كذلك حوض العامة إذا خرب * رجل اشترى مصحفا فجعله في المسجد الحرام أو في مسجد آخر وقفا أبدا لأهل ذلك المسجد و لجيرانه و لمارة الطريق و أبناء السبيل أن يقرؤوا هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى و إن بدا له أن يرجع في ذلك كان له ذلك و يكون لورثته بعد موته و به أخذ الحسن رحمه الله تعالى و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى جاز وقفه و ليس له أن يرجع فيه و لو رجع كان لأهل المسجد وغيرهم من المسلمين مخاصمته في ذلك
فصل في وقف المريض(3/180)
قال الشيخ الإمام محمد بن الفضل رحمه الله تعالى الوقف على ثلاثة أوجه إما أن يكون في الصحة أو في حالة المرض أو وقف ما بعد الموت فما كان في الصحة فالقبض و الإفراز يكون شرطا لصحته كالهبة و ما كان بعد الموت فالقبض و الإفراز ليس بشرط لصحته لأنه وصية إلا أنه يعتبر من الثلث و ما كان في حالة المرض فحكمه حكم الوقف في الصحة و إن كان يعتبر من الثلث كالهبة في المرض يعتبر من الثلث و يشترط فيها ما يشترط في الهبة من القبض و الإفراز كذلك الوقف في المرض و ذكر الطحاوي رحمه الله تعالى إن الوقف المنفذ في المرض كالمضاف إلى ما بعد الموت حتى يعتبر من الثلث لأن تصرف المريض مرض الموت في الحكم بمنزلة المضاف إلى ما بعد الموت حتى يعتبر من الثلث * و ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الصحيح أن وقف المريض مرض الموت بمنزلة المباشر في الصحة حتى لا يمنع الإرث في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و لا يتعلق به اللزوم كالعارية إلا أن يقول في حياتي و بعد وفاتي فحينئذ يكون لازما إذا كان مؤبدا و يصير لابد فيه كعمر الموصى له بالخدمة في لزوم الوصية بعد الموت * مريض وقف دارا في مرض موته فهو جائز إن كان يخرج من ثلث ماله و إن لم يخرج فأجازت الورثة فكذلك و إن لم يجيزوا بطل فيما زاد عن الثلث و إن أجاز البعض دون البعض جاز بقدر ما أجاز و بطل الباقي إلا أن يظهر للميت مال غير ذلك فينفذ الوقف في الكل فإن كان الوارث الذي لم يجز الوقف باع نصيبه قبل أن
يظهر للميت مال آخر لا يبطل بيعه و يغرم قيمة ذلك يشتري بذلك أرض و توقف على ذلك الوجه * مريض وقف دارا و عليه دين محيط بماله فإنه يباع الدار و ينقض الوقف كما لو اشترى دارا و وقفها ثم جاء الشفيع كان له أن يأخذ الدار بالشفعة و ينقض الوقف * و لو اشترى رجل دارا شراء فاسدا و قبضها ثم وقفها على الفقراء و المساكين جاز ويصير وقفا على ما وقف عليه و عليه قيمتها للبائع ولو اتخذها مسجدا قال هلال رحمه الله تعالى تصير مسجدا في قول علمائنا رحمهم الله تعالى * وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى ذكر محمد رحمه الله تعالى في كتاب الشفعة أنه لا يصير مسجدا فإنه ذكر لو اشترى أرضا شراء فاسدا و اتخذها مسجدا أو بناها بناء المسجد جاز وعليه قيمتها للبائع عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى و في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى ينقض البناء و يرد الأرض على البائع لفساد البيع فاشتراط البناء ثم دليل على أنه لا يصير مسجدا قبل البناء عند الكل فكان في المسجد روايتان عن أصحابنا رحمهم الله تعالى في رواية الوقف لهلال يصير مسجدا عند أصحابنا و في رواية كتاب الشفعة لا يصير مسجدا * قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لقائل أن يقول في الوقف أيضا روايتان عن أصحابنا رحمهم الله تعالى قال و لقائل أن يقول في الوقف يصير وقفا في الروايتين جميعا * و يفرق هذا القائل بين المسجد و الوقف على إحدى الروايتين * و وجه الفرق أن في الوقف حق العباد فيكون بمنزلة البيع و الهبة و البيع و الهبة يبطل حق البائع في الاسترداد * و أما المسجد خالص حق الله تعالى لا حق للعباد فيه و ما هو خبيث لا يصلح حقا لله تعالى و لهذا قالوا لو اشتروا دارا لها شفيع فجعلها مسجدا كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة * و كذا إذا كان للبائع فيها حق الاسترداد كان للبائع أن يبطل المسجد * رجل اشترى أرضا فوقفها قبل القبض جاز إن نقد الثمن و إن لم ينقد الثمن فالوقف موقوف لأن الوقف بشبه العتق فإنه لا يبطل بالشروط الفاسدة * و لهذا لو وقف أرضا على رجل على أن يقرضه دراهم جاز الوقف و يبطل الشرط* قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إعتاق المشتري قبل القبض جائز و قبل نقد الثمن موقوف فكذلك الوقف و الله أعلم
فصل في رجل يقر بأرض في يده أنها وقف
رجل أقر بأرض في يده أنها صدقة موقوفة و لم يزد على ذلك جاز إقراره و تصير الأرض وقفا على الفقراء لأن الأوقاف عادة تكون في يد القوام فلو لم يصح الإقرار ممن في يده يبطل الوقف و لا يجعل المقرّ هو الواقف إلا أن يشهد الشهود أن الأرض كانت للمقرّ حين أقر فحينئذ يكون المقر هو الواقف و قبل شهادة الشهود كان الرأي فيه للقاضي إن شاء تركه في يده و إن شاء أخذه من يده و تأويل قبول هذه البينة لو جاء رجل غير المقرّ و ادعى أنه هو الواقف و أراد أن يأخذه من يد المقرّ فيقيم المقرّ(3/181)
بينة أنه هو الواقف فيدفع خصومة المدعي و يثبت لنفسه ولاية لا يرد عليها العزل أبدا * وهذا كرجل في يده عبد أقر أنه حر صح إقراره و لا يكون له الولاء إلا أن يقيم البينة أن العبد كان له حين أقر بعتقه فيصير الولاء له فكذلك هذا المقر بالوقف إذا أقام البينة على ذلك قبلت بينته و قبل إقامة البينة لا يكون له الولاية قياسا وفي الاستحسان يتركها القاضي في يده وهو الذي يقسم الغلة على الفقراء * و لو أن هذا المقر بعد هذا الإقرار أقر أن الواقف فلان لا يقبل منه ذلك * و لو قال أن واقفها قبل قوله لأنها في يده يقبل قوله * و لو أقر بعبد في يده أنه حر ثم قال أنا أعتقه لا يثبت له الولاء إلا أن يقيم البينة على ذلك لأن العبد بعد الإقرار بالحرية لا يبقى في يده بخلاف الأرض * و لو قال رجل هذه الأرض صدقة موقوفة من أبي و قد مات أبوه صح إقراره فإن كان على الأب دين و ليس للميت مال آخر فإنه يباع من هذه الأرض مقدار الدين و ما بقي يكون وقفا و إن كان مع المقرور وارث آخر يجحد ذلك كان نصيب الجاحد من هذه الأرض يفعل به ما شاء و نصيب المقر يكون وقفا على ما أقرّ به * و لو أ قر رجل بأرض في يده أنها وقف على قوم معلومين و سماهم ثم اقر بعد ذلك أن الوقف على غيرهم أو زاد معهم أو نقص عنهم لا يلتفت إلى قوله الآخر و يعمل بقوله الأول * و لو أ قر رجل بأرض في يده أنها وقف و سكت ثم قال أنها وقف على فلان و فلان وسمى عددا معلوما في القياس لا يقبل قوله الآخر لأن بكلامه الأول صارت الغلة للفقراء فلا يملك الإبطال * و في الاستحسان يقبل قوله لأنفي العادة قد يقر بالوقف ثم يبين الموقوف عليه * و لو أ قر بأرض في يده أن القاضي فلانا ولاه هذه الأرض وهي صدقة موقوفة في القياس لا يقبل قوله في التولية و في الاستحسان يتلوم القاضي زمانا فإن لم يظهر عنده غير ما أقر به جوز إقراره على سبيل ما أقر * أرض في يد ورثة أقروا أن أباهم وقفها و سمى كل واحد منهم وجها غير ما سمى صاحبه فإن القاضي يقبل إقرارهم و يصرف غلة حصة كل واحد منهم إلى الوجه الذي أقر لأن هذا إقرار لا تهمة فيه فيكون ولاية هذا الوقف للقاضي يوليها من شاء * أرض في يد رجل شهد شاهدان على إقراره أنها موقوفة على فلان بن فلان و نسله و شهد آخران على أنه أقر أنها موقوفة على فلان بن فلان رجل آخر و على نسله ذكر في الكتاب إن عرف أي الإقرارين كان الأول جاز الأول و يبطل الثاني و إن لم يعرف الأول من الآخر يقضي بجميع ذلك و تكون الغلة بين الفريقين نصفين * رجل أقر بوقف صحيح و أقر أنه أخرجه من يده و وارثه يعلم أنه لم يكن أخرجه من يده قالوا إقراره على نفسه جائز و ليس للورثة أن يأخذوه و لا تسمع دعواهم في القضاء *
باب الرجل يقف أرضه على نفسه و أولاده و أقربائه و جيرانه(3/182)
رجل قال أرضي هذه صدقة موقوفة على نفسي قال هلال رحمه الله تعالى لا يجوز هذا الوقف وقال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى ينبغي أن يجوز في قياس قول أبي يوسف رحمه الله تعالى و إنما قال ذلك بناء على أن الواقف إذا شرط في الوقف أن يؤكل و يأكل منه مادام حيا لا يجوز ذلك في قول هلال رحمه الله تعالى و يجوز في قول أبي يوسف و مشايخ بلخ رحمهم الله تعالى أخذوا بقول أبي يوسف رحمه الله تعالى و قالوا يجوز الوقف و الشرط جميعا * و ذكر الصدر الشهيد رحمه الله تعالى أن الفتوى على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ترغيبا للناس في الوقف و قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى و ليس في هذا عن محمد رحمه الله تعالى رواية ظاهرة إلا شيء ذكره في كتاب الوقف قال إذا وقف على أمهات أولاده جاز * و قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى الوقف على أمهات أولاده بمنزلة الوقف على نفسه لأن ما يكون لأم الولد في حياة المولى يكون للمولى * رجل وقف على الفقراء و شرط لنفسه الأكل وقال على أن لي أن آكل منها قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى يجوز ذلك * و لو قال وقفت على نفسي لا يجوز * وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال يجوز ذلك و إذا مات يصير للمساكين * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على أن غلتها لي ما عشت قال هلال رحمه الله تعالى لا يجوز هذا الوقف و في وقف الأنصاري رحمه الله تعالى قال أرضي صدقة موقوفة لله تعالى تجري غلتها علي ما عشت و لم يزد على ذلك جاز و إذا مات يكون للفقراء و ذكر الخصاف رحمه الله تعالى لو قال أرضي صدقة موقوفة تجري علي غلتها ما عشت ثم بعدي على ولدي و ولد ولدي و نسلهم أبد ما تناسلوا فإذا انقرضوا فهي على المساكين جاز ذلك عن ما روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى و في بعض الروايات إذا شرط الواقف مع نفقته أن يقضي منه دينه يجوز هذا الشرط * رجل وقف على أمهات أولاده في حال وقفه ومن يحدث منهن بعد ذلك في حياته وما بعد وفاته ما لم يتزوجن فهو جائز أما على أصل أبي يوسف رحمه الله تعالى فلان عنده يجوز الوقف على نفسه كذلك على أمهات أولاده و على قول محمد رحمه الله تعالى إنما جاز الوقف على أمهات أولاده لأنه لابد من تصحيح هذا الوقف بعد موته لأنهن أجنبيات و إذا جاز بعد الموت جاز في حياته تبعا و كم من شيء يجوز تبعا ولا يجوز أصلا *
ولو وقف وقفا و استثنى لنفسه أن يأكل منه مادام حيا ثم مات و عنده من هذا الوقف معاليق عنب أو زبيب فذلك كله مردود إلى الوقف و لو كان عنده خبز من بر ذلك الوقف كان ميراثا عنه لأن ذلك ليس من الوقف حقيقة *
(* فصل في الوقف على الأولاد و الأقرباء و الجيران *)
رجل قال أرضي هذه صدقة موقوفة على ولدي كانت الغلة لولد صلبه يستوي فيه الذكر و الأنثى لأن اسم الولد مأخوذ من الولادة و الولادة موجودة في الذكر و الأنثى(3/183)
إلا أن يقول على الذكور من ولدي فلا يدخل فيه الإناث فإذا جاز هذا الوقف فمادام يوجد واحد من ولد الصلب كانت الغلة له لا غير و إن لم يبق واحد من البطن الأول تصرف الغلة إلى الفقراء و لا يصرف إلى ولد الولد شيء و إن لم يكن له وقت الوقف ولد لصلبه و له ولد الابن كانت الغلة لولد الابن لا يشاركه في ذلك من دونه من البطون و يكون ولد الابن عند عدم الصلب بمنزلة ولد الصلب و لا يدخل فيه ولد البنت في ظاهر الرواية و به أخذ هلال رحمه الله تعالى و ذكر الخصاف عن محمد رحمه الله تعالى أنه يدخل فيه أولاد البنات أيضا و الصحيح ظاهر الرواية لأن أولاد البنات ينسبون إلى آبائهم لا إلى آباء أمهاتهم بخلاف ولد الابن * و ذكر في السير إذا قال أهل الحرب أمنونا على أولادنا فأمنهم يدخل في الأمان أولادهم لاصلابهم من الذكور و الإناث و أولاد أولادهم من قبل الرجال فأما أولاد البنات فليسوا بأولادهم * ذكر في السير ما يوافق ظاهر الرواية * و لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على ولدي و ولد ولدي ولم يزد على هذا يدخل فيه ولده لصلبه و أولاد بنيه يشتركون في الغلة ولا يقدم ولد الصلب على ولد الابن لأنه سوّى بينهما في الذكر * و هل يدخل فيه ولد البنت قال هلال رحمه الله تعالى يدخل * و كذا لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على ولدي و ولد ولدي الذكور قال هلال رحمه الله تعالى يدخل فيه الذكور من ولد البنين و البنات * و قال علي الرازي رحمه الله تعالى إذا وقف على ولده و ولد ولده يدخل فيه الذكور و الإناث من ولده فإذا انقرضوا فهو لمن كان من ولد ابن الواقف * و لو قال على أولادي و أولادهم كان ذلك لكلهم يدخل فيه ولد الابن و ولد البنت * و الصحيح ما قال هلال رحمه الله تعالى أن اسم ولد الولد كما يتناول أولاد البنين يتناول أبناء البنات فإنه ذكر في السير إذا قال أهل الحرب أمنونا على أولاد أولادنا يدخل فيه أولاد البنين و أولاد البنات * قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى لأن ولد الولد اسم لمن ولده ولده و ابنته ولده فمن ولدته ابنته يكون ولد ولده حقيقة * بخلاف ما إذا قال على ولدي فإن ثمة ولد البنت لا يدخل في الوقف في ظاهر الرواية لأن اسم الولد يتناول ولده لصلبه و إنما يتناول ولد الابن لأنه ينسب إليه عرفا و عن محمد رحمه الله تعالى أن ولد الولد يتناول ولد البنت عند أصحابنا رحمهم الله تعالى و ذكر هلال رحمه الله تعالى في الوقف إذا قال وقفت على ولدي و ولد ولدي الذكور فالذكور من ولد البنين و البنات سواء يدخلون في الوقف * رجل قال وقفت أرضي هذه على ولدي وقفا و آخره للمساكين فمات ولده قال أبو القاسم رحمه الله تعالى تصرف الغلة إلى الفقراء * و لو قال على ولدي و ولد ولدي و آخره للمساكين قال يصرف الغلة إلى ولده و ولد ولده فإذا ماتوا و لم يبق واحد منهم و وجد البطن الثالث تصرف الغلة إلى الفقراء و لا تصرف إلى البطن الثالث و إن قال على ولدي و ولد ولدي و ولد ولد ولدي ذكر البطن الثالث فإنه تصرف الغلة إلى أولاده أبد ما تناسلوا ولا يصرف إلى الفقراء ما بقي أحد من أولاده وإن سفل * قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى في وقفه إذا ذكر ثلاث بطون يكون الوقف عليهم وعلى من(3/184)
أسفل منهم الأقرب و الأبعد فيهم سواء إلا أن يذكر الواقف في وقفه الأقرب فالأقرب أو يقول على ولدي ثم بعدهم على ولد ولدي أو يقول بطنا بعد بطن فحينئذ يبدأ بما بدأبه الواقف لأنه لما ذكر البطن الثالث فقد فحش فتعلق الحكم بنفس الانتساب لا غير و الانتساب موجود بحق من قرب و بعد بخلاف البطن الثاني لأن الواسطة له واحد * ولو وقف رجل ضيعة على ولديه قال هذه صدقة موقوفة فإذا انقرضا فهي على أولادهما أبدا ما تناسلوا قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إذا انقرض أحد الولدين و خلف ولدا يصرف نصف الغلة إلى الولد الباقي و النصف إلى الفقراء فإذا مات الولد الآخر يصرف جميع الغلة إلى أولاد أولاد الواقف لأن مراعاة شرط الواقف لازم في الوقف و الواقف إنما جعل لأولاد الأولاد بعد ما انقرض البطن الأول فإذا مات أحدهما يصرف النصف إلى الفقراء * رجل وقف ضيعة على ولده و ليس له ولد لصلبه و له ولد الابن فإن الغلة تصرف إلى ولد الابن فإن حدث للواقف بعد ذلك ولد لصلبه قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى تصرف الغلة إلى الولد الحادث و ينظر في كل غلة إلى مستحقها يوم الإدراك و لا يعتبر ما مضى سواء حدث بعد الوقف أو كان موجودا وقت الوقف * و لو قال هذه الضيعة صدقة موقوفة على المحتاجين من ولدي وليس في ولده إلا محتاج واحد قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يصرف نصف الغلة إلى هذا المحتاج و النصف إلى الفقراء لأنه لم يجعل لأحد المحتاجين من ولده إلا النصف * ولو وقف أرضا على أولاده و آخره للفقراء فمات بعض الأولاد فإن الغلة تصرف إلى الباقي و إن ماتوا صرفت الغلة إلى فقراء المسلمين لأن ههنا وقف على أولاده و قد بقي بعد موت واحد منهم أولاده فلا تصرف إلى الفقراء ما بقي أولاده * و لو وقف ضيعة على امرأته و أولاده فماتت المرأة و أحد الورثة ولد المرأة لم يكن نصيب المرأة لولدها خاصة بل يكون مردودا إلى جميع الورثة إذا لم يكن الواقف قد شرط في الوقف أنها إذا ماتت كان نصيبها لولدها خاصة * و لو وقف ضيعة له نصفها على امرأته و نصفها على ولد له بعينه على أنه إن ماتت المرأة يصرف نصيبها إلى أولاده و آخره إلى الفقراء ثم ماتت المرأة كان نصف الغلة للابن الذي عينه و نصيب المرأة يكون لسائر الورثة و الابن الذي عينه جميعا لأن الواقف جعل نصيب المرأة بعد موتها لأولاده و الابن المعين من أولاده أيضا * مريض قال وقفت هذه الضيعة على ولدي و ولد ولدي أبد ما تناسلوا و مات قالوا ما كان من حصة الوارث لا يجوز فيه الوقف و ما كان من حصة غير الوارث جاز فيه الوقف من الثلث في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و زفر و الحسن رحمهم الله تعالى لأن وقف المريض وصية فلا يجوز للوارث و يجوز فيما كان لغير الوارث رجل وقف ضيعة على فقراء أولاده فادعى أحد منهم الفقر قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا(3/185)
يعطى له شيء من الوقف ما لم يثبت فقره عند القاضي * رجل وقف ضيعة له على ابن له و أولاده و أولاد أولاده أبدا ما تناسلوا قال أبو القاسم رحمه الله تعالى تقسم الغلة بينهم على من كان من ولد ابنه على عدد الرؤوس يستوي فيه الذكر و الأنثى فقيل له أولاد البنت قال مولانا رحمه الله تعالى تدخل لأنهم أولاد أولاده * قال رضي الله عنه و هذا يوافق ما مر أن في ولد الولد يدخل أولاد البنات كما يدخل أولاد البنين *رجل قال أرضي هذه صدقة بعد وفاتي على المساكين و هو يخرج من الثلث ثم مات فاحتاج ولده قال هلال رحمه الله تعالى لا يعطى لولده من الغلة شيء إلا إذا كان الوقف في صحته و لم يضف إلى ما بعد الموت ثم مات وفي ولد الواقف فقراء فحينئذ يكون للمتولي أن يدفع إلى كل واحد منهم سهما أقل من مائتي درهم و هو أحق بذلك من سائر الفقراء و إن لم يعطهم شيئا لا يضمن المتولي لأنه لم يمنع حقا واجبا لهم * و كذا قالوا في الذي وقف ضيعة في صحته على الفقراء ثم مات و له بنت ضعيفة كان الأفضل للقيم أن يصرف إليها مقدار حاجتها * رجل وقف ضيعة على الفقراء في صحته و أخرجها من يده ثم قال لوصيه عند الموت أعط من غلة الضيعة لفلان الفقير خمسين درهما و لفلان الفقير مائة درهم ثم مات و له ابن محتاج و قد قال لوصيه افعل ما رأيت قالوا جعله لأولئك باطل و هو لتفقير * و لو دفع إلى ولده المحتاج كان ذلك أفضل إذا كان الوقف في صحته * ولو وقف ضيعة على ابنه و ابنته فأراد أحدهما قسمة الضيعة ليدفع نصيبه مزارعة قال أبو القاسم رحمه الله تعالى قسمة الوقف لا تجوز يدفع القيم كل الأرض مزارعة و لا يدفع واحد من الأرباب شيئا مزارعة وإنما يكون ذلك للقيم * و أراد الواقف أن يقسم أرض الوقف و يعطي كل واحد من الذين الوقف عليهم يزرعونها ويكون له دون سائر شركائه لم يكن له ذلك إلا أن يرضى أهل الوقف بذلك و لو قسم و فعل ذلك كان لأهل الوقف إبطاله و كذا للواحد منهم * و لو فعل أهل الوقف ذلك فيما بينهم جاز ذلك و لمن أتى بعد ذلك إبطاله و ليس للواقف أن يسكن أحدا بغير أجر * رجل قال أرضي صدقة موقوفة على المحتاجين من ولدي و ليس في ولده إلا محتاج واحد قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لولده المحتاج نصف الغلة والنصف للفقراء قيل له و إن أعطى القيم نصف الغلة فقيرا واحدا قال يجوز على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لأن الفقراء لا يحصون فيكون للجنس * رجل وقف منزلا له على ولديه و على أولادهما ما تناسلوا ثم إن أحد الولدين طلب من الآخر المهايأة و أبى الآخر إلا أن يضربا وسط المنزل حائطا فيسكن هذا ناحية و الآخر ناحية قال الشيخ الإمام رحمه الله تعالى إن لم يوص الواقف لهما بالسكنى لم يكن لهما حق السكنى و إن كان الواقف أوصى لهما بالسكنى كان لكل واحد منهما أن يسكن نصف المنزل بغير مهايأة * رجل جعل أرضه وقفا على أقوام معينين فأرادوا المهايأة فيأخذ كل واحد منهم(3/186)
بعضها يزرعها لنفسه قال إن كانت التولية إلى غيرهم فدفع المتولي إليهم مزارعة جاز وإن كانت التولية إليهم أو إلى غيرهم فأخذ واحد منهم بعضا يزرعها لنفسه لا يجوز لأن حق الوقف مقدم على حقهم و حق الوقف في أن يبدأ بغلة الوقف للعمارة و المؤنة فلا يجوز إلا أن يدفعوها إلى غيرهم مزارعة إن كانت التولية لهم * امرأة وقفت منزل في مرضها على بناتها ثم من بعدهن على أولادهن و على أولاد أولادهن أبدا ما تناسلوا فإذا انقرضوا فعلى مصالح المسجد ثم ماتت من مرضها ذلك و خلفت ابنتين و أختا و الأخت لا ترضى بهذا الوقف و لا يخرج المنزل من الثلث قال الشيخ الإمام رحمه الله تعالى جاز الوقف بقدر الثلث و يبطل فيما زاد على الثلث و ما زاد على الثلث يصير ملكا للورثة على سهامهم و قدر الثلث يصير وقفا فما خرج من غلة المنزل يقسم بين الورثة جميعا على فرائض الله تعالى ما عاشت البنتان فإذا ماتتا صرفت الغلة كلها إلى أولادهما و أولاد أولادهما و لا شيء للأخت من ذلك قال لأن الوقف في المرض وصية و إذا لم تجز الأخت بطلت الوصية للورثة و تجوز لأولادهم و أولاد أولادهم غير أن الواقف إنما رضي لأولاد الأولاد بعد موت الورثة فكأنه قال أوصيت لأولاد أولادي بغلة هذا المنزل بعد خمس سنين و ذلك جائز و الوصية بالغلة لابنتين وإن بطلت فالمنزل وقف على حاله فإذا جاءت نوبة أولاد الورثة صرفت الغلة لهم * و لو كانت هذه المرأة قالت على ولدي و ولد ولدي يكون نصيب الولد مصروفا إلى الورثة إذا لم يجيزوا ذلك و الوصية بنصيب ولد الولد جائزة * رجل وقف أرضا على أولاده و جعل آخره للفقراء فمات بعضهم قال هلال رحمه الله تعالى يصرف الوقف إلى الباقي فإن ماتوا يصرف إلى الفقراء لا إلى ولد الولد * و لو وقف على أولاده فسماهم فقال على فلان وفلان و فلان و جعل آخره للفقراء و مات واحد منهم فإنه يصرف نصيب هذا الواحد إلى الفقراء بخلاف المسألة الأولى لأن في المسألة الأولى وقف على أولاده و بعد موت أحدهم بقي أولاده و ههنا وقف على كل واحد منهم و جعل آخره للفقراء فإذا مات واحد منهم كان نصيبه للفقراء * رجل قال أرضي صدقة موقوفة على نفسي و على فلان صح نصفه وهو حصة فلان و بطل حصة نفسه لأنه لو أفرد الوقف على نفسه فسد كله و لو أفرد على فلان صح كله فإذا جمع بينهما يثبت لكل واحد حكم نفسه * ولو قال على نفسي ثم على فلان أو قال على فلان ثم علا نفسي لا يصح شيء منه لأنه جعل الكل لنفسه في زمان و الكل لفلان في زمان و شرط الكل لنفسه مفسد للوقف في أي زمان كان * و لو قال على عبدي و على فلان صح بالنصف و بطل بالنصف لأن الوقف على عبده أو على مدبره كالوقف على نفسه * و لو قال على نفسي و ولدي و نسلي فالوقف كله باطل لأن حصة النسل مجهولة لا يدري كم هم و وقف المجهول باطل * رجل جعل أرضه صدقة موقوفة على ولده ومن بعدهم على المساكين جاز هذا الوقف * و
اختلفوا في الولد الذي يستحق هذا الوقف قال هلال رحمه الله تعالى المستحق هو الولد الموجود عند وجود الغلة سواء كان موجودا وقت الوقف أو حدث بعده و به أخذ مشايخ بلخ رحمهم الله تعالى * و قال يوسف بن خالد السمني رحمه الله تعالى المستحق هو الموجود وقت الوقف و من حدث بعد الوقف لا يدخل في الوقف * و كذا ولد الولد لا يدخل في الوقف إن كان له ولد وقت الوقف أو حدث قبل وجود الغلة لأنه خص ولده بالذكر فلا يدخل فيه ولد الولد مع وجود الولد فإن لم يكن له ولد وقت وجود الغلة كانت الغلة لأولاد بنيه * و لو قال على ولدي و ولد ولدي دخل الفريقان جميعا و يعتبر ولده و ولد ولده يوم وجود الغلة فيستحق واحد منهم كل الغلة و وقت وجود الغلة الوقت الذي ينعقد الزرع فيه حبا * و قال بعضهم يوم يصير الزرع منقوما * و لو قال وقفت على أولادي و له ولد واحد وقت وجود الغلة كان نصف الغلة له و النصف للفقراء و يدخل فيه الذكر و الأنثى من أولاده و يدخل فيه ولد الابن أيضا لما قلنا أن ولد الابن بمنزلة ولده * و لو قال وقفت أرضي على ولدي و نسلي و له ولد و ولد الولد دخلوا في الوقف لأن النسل يتضمن القريب و البعيد القريب بحقيقته و البعيد بحكم العرف * ثم اتفقت الروايات على أن أولاد البنين يدخلون في لفظة النسل * و في أولاد البنات روايتان كما ذكرنا في اسم الولد * و لو قال وقفت على ولدي و نسلي وله ولد و ولد ولد ثم حدث له ولد صلب بعد الوقف دخلوا في الاستحقاق أما ولده و ولد ولده لأن لفظة الولد يتناولهم * و كذا لو قال على ولدي المخلوقين و نسلي يدخل الولد الحادث بلفظ النسل لأن الولد الحادث من نسله *(3/187)
ولو قال على ولدي المخلوقين و نسلهم لا يدخل الولد الحادث لأنه أثبت الاستحقاق للأولاد المخلوقين و المعدوم لا يكون مخلوقا هكذا قالوا فلا يدخل فيه الولد الحادث ويدخل فيه الأولاد المخلوقون و أولاد أولادهم أبدا ما تناسلوا لأن أولاده المخلوقين ثبت لهم الاستحقاق بلفظ الولد و يثبت الاستحقاق لمن بعدهم من البطون بلفظ النسل لأنهم من نسلهم * و كذا لو قال على ولدي المخلوقين وعلى أولادهم فحدث له ولد من صلبه فلا يكون لهذا الولد الحادث شيء و لو قال أرضي صدقة موقوفة على من يحدث لي من الولد وليس له ولد يصح هذا الوقف فإذا أدركت الغلة تقسم على الفقراء فإذا حدث له ولد بعد القسمة تصرف الغلة التي توجد بعد ذلك إلى هذا الولد ما بقي هذا الولد فأن لم يبق له ولد صرفت الغلة إلى الفقراء لأن قوله صدقة موقوفة على الفقراء و ذكر الولد الحادث للاستثناء كأنه قال أرضي صدقة موقوفة على الفقراء إلا إذا حدث لي ولد فغلتها له ما بقي * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على بني وله ابنان أو أكثر كانت الغلة لهم فإن لم يكن له إلا ابن واحد وقت وجود الغلة كان نصف الغلة له و النصف للفقراء * و لو كان له بنون و بنات قال هلال رحمه الله تعالى كان لهم الغلة بالسوية لأن اسم البنين يتناول البنين و البنات و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية تكون الغلة للبنين خاصة و الصحيح هو الأول و هو كما قال أرضي موقوفة على أخوتي و له أخوة و أخوات اشتركوا جميعا و لو قال موقوفة على بني فلان و له بنون و بنات روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه على الذكور من ولده دون الإناث و روى يوسف بن خالد السمني عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنهم يدخلون جميعهم فإن كان بنو فلان قوما لا يحصون يكون ذلك على الذكور و الإناث في الروايات كلها * و لو قال أرضي موقوفة على بني وله بنات ليس معهن ابن كانت الغلة للفقراء و لا شيء للبنات لأن اسم البنين لا يتناول البنات عند الانفراد * و كذا ولو وقف على بناته و له بنون لا بنات له كانت الغلة للفقراء * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على ولدي الذين يسكنون في البصرة فالغلة لساكني البصرة دون غيرهم لأنه خصهم بوصف و يعتبر ساكن البصرة يوم وجود الغلة * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على ولدي العور أو العميان كان الوقف لهم خاصة دون غيرهم لأته علق الاستحقاق بوصف و يعتبر العور أو العميان من ولده يوم الوقف لا يوم الغلة * و كذا لو قال أرضي موقوفة على أصاغر ولدي يعني صغار ولدي كان الوقف على الصغار خاصة و يعتبر في الاستحقاق من كان صغيرا عند الوقف لا عند وجود الغلة لأن الصغر و إن كان يزول لكن يزول زوالا لا يعود فكان ذكره بمنزلة اسم العلم بخلاف الفقر و سكنى البصرة لأن الفقر و سكنى البصرة يحتمل العود بعد الزوال فلا يكون بمنزلة اسم العلم * ولو جعل أرضه صدقة موقوفة على ولده و له ولد فجاءت امرأته الحرة بولد لأقل من ستة أشهر من وقت وجود الغلة فإن هذا الولد يشارك الولد الأول في الغلة لعلمنا أنه كان موجودا وقت وجود الغلة و لو جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يشاركه لأن الولد الأول كان مستحقا كل الغلة ظاهرا و الولد الحادث مشكوك أن كان موجودا وقت وجود الغلة أو علق بعد ذلك فلا يزاحم الولد الأول بالشك و هكذا لو لم يكن للواقف ولد أصلا وقت وجود الغلة فجاءت امرأته بولد لستة أشهر فصاعدا كانت الغلة للفقراء و لا شيء لهذا الولد * و لو كان للواقف ولد عند وجود الغلة ثم جاءت أم ولده بولد بعد مجيء الغلة لأقل من ستة أشهر فإن هذا الولد يشارك الولد الأول في هذه الغلة و إن جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يشاركه * و لو كانت له أمة و جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت وجود الغلة فادعاه المولى يثبت نسبه و لا يشارك الأول في هذه الغلة لأنه لا يصدق على الولد الأول الذي كان مستحقا للغلة في اشتراك الولد الحادث و يصدق على نفسه في النسب فيثبت نسب هذا الولد * و إن مات الواقف ساعة جاءت الغلة فجاءت امرأته بولد ما بينها و بين سنتين من الساعة التي جاءت فيها الغلة فإن هذا الولد يشارك الولد الأول في الغلة لأن المتوفى عنها الزوج إذا جاءت بولد ما بينها و بين سنتين من وقت الموت يثبت النسب * و كذا لو كان مكان الموت طلاق بائن و لم يقر بانقضاء العدة حتى جاءت بولد ما بينها و بين سنتين كان الجواب كذلك * و لو كان الطلاق رجعيا فالجواب في الولد الحادث بعد الطلاق الرجعي ما هو الجواب في منكوحة غير مطلقة لأن الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء و إن عاش الواقف بعد وجود الغلة من الوقف ما يمكنه الوصول إليها ثم مات فجاءت امرأته بولد ما بينها و بين سنتين من وقت وجود الغلة لا حق لهذا الولد في هذه الغلة لتوهم علوق هذا الولد بعد مجيء الغلة إلا أن تكون الولادة لأقل من ستة أشهر من وقت وجود الغلة فيشارك الولد الأول * و لو كان موت الواقف قبل مجيء الغلة بيوم أو يومين ثم جاءت امرأته بولد ما(3/188)
بينها و بين سنتين من وقت الموت كان لهذا الولد حصة من هذه الغلة لأن الموت لو كان وقت مجيء الغلة كان لهذا الولد حصة فإذا كان قبله كان أولى لأنه أدل على وجود الولد عند مجيء الغلة *
(* فصل في الوقف على القرابات *)
رجل قال أرضي صدقة موقوفة على أقاربي أو على قرابتي أو على ذوي قرابتي قال هلال رحمه الله تعالى يصح الوقف و لا يفضل الذكر على الأنثى و لا يدخل فيه والد الواقف ولا جده و لا ولده في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى و في الزيادات يدخل فيه الجد و الجدة و ولد الولد إلا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يكون استحقاق الوقف لذي الرحم المحرم من الواقف و يعتبر أيضا الأقرب فالأقرب و على قول صاحبه رحمه الله تعالى لا يعتبر الرحم المحرم من الواقف و يدخل فيه الجد و الجدة من قبل الآباء و الأمهات أقصى آبائهما في الإسلام * رجل قال أرضي صدقة موقوفة على أقرب قرابتي و له أخت لأب و أم و ابنة ابنة الابنة قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى ابنة ابنة الابنة أولى و إن سفلت لأنها من صلبه فتكون أقرب من التي من صلب أبيه * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على فقراء قرابتي أو قال على فقراء ولدي يصح الوقف و استحق الغلة من كان فقيرا وقت وجود الغلة في قول هلال رحمه الله تعالى و عليه الفتوى * و لو قال على من افتقر من ولدي قال محمد رحمه الله تعالى تكون الغلة لمن كان غنيا ثم افتقر و قال غيره يدخل كل من كان فقيرا وقت وجود الغلة سواء كان غنيا ثم افتقر أو كان غنيا أصلا * ولو قال على من احتاج من قرابتي فهو على من كان محتاجا وقت وجود الغلة سواء كان غنيا ثم احتاج أو كان محتاجا أصلا * أما الفقير فمن له مسكن لا غير فهو فقير في الوقف و الزكاة جميعا و كذا من كان له مسكن و خادم و كذا من كان له ثياب كفاف لا فضل فيها فإن كان له مع ذلك من متاع البيت ما لا غنى عنه فكذلك * و إن كان له فضل من متاع البيت أو الثياب و ذلك الفضل يساوي مائتي درهم فهو غني لا تحل له الزكاة ولا أخذ الوقف * و كذا لو كان له مسكنان أو خادمان و أحدهما يساوي مائتي درهم فهو غني في حكم الوقف و لا يكون غنيا في وجوب الزكاة في قول أصحابنا رحمهم الله تعالى * و قال يوسف بن خالد السمني رحمه الله تعالى إذا كان الفضل(3/189)
خمسين درهما أو ما يساوي خمسين فهو غني لا يحل له أخذ الزكاة و الوقف * و إن كان فضل من الثياب و فضل من متاع البيت و فضل مسكن و فضل من كل صنف بانفراده لا يساوي مائتي درهم و إذا جمعت كانت مائتي درهم كان غنيا * و إن كانت له أرض تساوي مائتي درهم ولا يخرج من غلتها ما يكفيه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو غني و به أخذ هلال رحمه الله تعالى لا يعطى له شيء من الوقف و لا من الزكاة و قال محمد بن سلمة و محمد بن مقاتل الرازي رحمهما الله تعالى هو فقير و قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان لا يخرج من غلتها ما يكفيه بنقصان في الأرض فهو فقير و إن كان نقصان الغلة لقلة تعاهده و القصور في القيام عليها فهو غني * و ما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى أحوط و ما قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى أوسع * و إن كان له مال كثير غائب عنه أو ماله يكون دينا على الناس لا يقدر على الأخذ يعطى له من الوقف و الزكاة جميعا لأنه بمنزلة ابن السبيل م إن كان ماله غائبا عنه أو كان دينا على الناس لا يقدر على الاستقراض كان الاستقراض خير له من قبول الصدقة فلو أنه لم يستقرض و أخذ الزكاة لا بأس به و يجعل ماله الغائب في حق حل الأخذ كالمعدوم * و لو لم يكن له مال و قدر على الاستقراض و لم يستقرض و أخذ الصدقة لا بأس كذلك هذا * و يعطى الوقف للفقير الكسوب و لا بأس به و يكره له أخذ الزكاة * رجل وقف وقفا على حفدته و مواليه من كان منهم فقيرا و لحفدته أو لمولاه فرس قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان في ثغر من الثغور يرتبطه لمجاهدة أعداء الله تعالى فهو فقير و إن كان له زمانة يركبها فكذلك و إن لم يكن به ذلك و إنما يمسكه تشرفا به و الدابة تساوي مائتي درهم و ليس عليه دين أو مهر فإن هذا غني ليس بفقير و من كان له دين على مفلس لا يقدر على أخذه فهو فقير * و إن كان على مليء مقر فهو غني و لو كان المديون المليء منكر فإن كانت له بينة فهو غني و إن لم يكن له بينة فهو فقير لأن الجاحد إذا استحلف يحلف ظاهرا * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على فقراء قرابتي و كان في قرابته يوم مجيء الغلة فقير فاستغنى قبل أن يأخذ حصته من غلة الوقف كان له حصته لأن الملك ثبت له وقت مجيء الغلة فإنه لو مات بعد مجيء الغلة قبل أن يأخذ حصته تصير حصته ميراثا و لو ولدت امرأة من قرابته بعد مجيء الغلة لأقل من ستة أشهر لا يستحق هذا الولد شيئا من هذه الغلة لأن مستحق الغلة هو الفقير من قرابته و الحمل لا يعد فقيرا لأن الفقر هو الحاجة و الحمل لا يحتاج إلى شيء فالحمل في هذه الغلة بمنزلة من كان غنيا من قرابته وقت مجيء الغلة ثم افتقر بعد ذلك فإنه لا يستحق شيئا من هذه الغلة و يستحق ما يستقبل من الغلات بخلاف ما لو وقف على ولده أو قرابته فجاءت المرأة بولد لأقل من ستة أشهر من يوم مجيء الغلة يكون لهذا الولد حصة من هذا الوقف لأن ثمة الاستحقاق تعلق بالنسب * و لو قال أرضي(3/190)
صدقة موقوفة على من كان فقيرا من نسل فلان أو من آل فلان و ليس في نسل فلان أو في آل فلان إلا فقير واحد كان جميع الغلة له لأن كلمة من نصلح كناية عن الواحد و عن الجماعة بخلاف ما لو قال أرضي صدقة موقوفة على فقراء آل فلان أو على فقراء نسل فلان و ليس فيهم إلا فقير واحد كان له نصف الغلة لأن ثمة نص على الجمع فلا يستحق الواحد كل الغلة * و لو قال أرضي صدقة موقوفة على المساكين من قرابتي أو على المحتاجين من قرابتي كان الجواب فيه ما هو الجواب في قوله على فقراء قرابتي لأن الحاجة و المسكنة و الفقر تنبئ عن معنى واحد * و لو قال أرضي صدقة موقوفة لفقراء قرابتي أو في فقراء قرابتي فهو كما قال على فقراء قرابتي لأن حروف الصلات يقام بعضها مقام بعض * و لو قال على أيتام قرابتي فكذلك لأن اليتيم ينبئ عن الحاجة * و اليتيم صغير أو صغيرة مات أبوه و حياة الأم و الجد لا تزيل اليتم إذا كان الأب ميتا و إذا أدرك الصغير أو الصغيرة يزول عنه اليتم * و إدراك الغلام يكون بالاحتلام و إدراك الجارية يكون بالحيض أو بالحبل فإن لم يكن شيء من ذلك فهو أن يتم خمس عشرة سنة في الغلام و الجارية في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى * و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الغلام حتى يحتلم أو يبلغ ثماني عشرة سنة و في الجارية حتى تحيض أو حتى تبلغ سبع عشرة سنة * و قال زفر رحمه الله تعالى هما سواء و الإدراك فيهما ثماني عشرة سنة فإن احتلم الغلام بعد مجيء الغلة فله حصته من هذه الغلة لأنه كان يتيما يوم مجيء الغلة فلا يزول استحقاقه بزوال اليتم كما لا يزول بزوال الفقر فإن وقع بينه و بين غيره من أهل المستحقين خصومة في هذه الغلة فقال غيره من المستحقين إنما احتلمت قبل مجيء الغلة فلا حصة لك و قال هو إنما احتلمت بعد مجيء الغلة كان القول قوله مع اليمين و كذلك حيض الجارية لأن الاستحقاق تعلق باليتم و صفة اليتم كانت ثابتة له فكان القول في إنكاره زوال الاستحقاق قوله كالمديون إذا ادعى الإبراء و صاحب الدين منكر كان القول قول المنكر * و أن مات واحد من القرابة بعد مجيء الغلة و ترك أولادا صغارا لا يكون لهؤلاء الأولاد حصة في هذه الغلة لأن صفة اليتم إنما ثبتت لهم بعد مجيء الغلة رجل قال أرضي صدقة موقوفة على فقراء ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه و رجل آخر وقف أرضه على مثل ذلك و في أولاد عمر بن الخطاب فقراء فأي الغلتين أدركت فهي لهم و إن أدركت إحدى الغلتين أولا فأصاب أحدهم من تلك الغلة مائتي درهم فصاعدا ثم أدركت الغلة الثانية و عنده الغلة الأولى فلا حق له من الغلة الثانية لأن صفة الفقر قد بطلت قبل مجيء الغلة الثانية * فإن أدركت الغلتين معا كانتا لهم و إن كانت حصة كل واحد منهم مائتي درهم لأن مجيء الغلتين كان قبل زوال الفقر فهو كما لو أدى من الزكاة مائتي درهم إلى فقير واحد و ذلك جائز عندنا * رجل وقف وقفا على أهل الحاجة من قراباته فمات الواقف فهل(3/191)
يكون للقيم أن يعطي ابن ابن الواقف إذا كان فقيرا قال بعض المشايخ له أن يعطي ابن الابن إذا كان فقيرا لأنه من قرابة الواقف * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا قول محمد رحمه الله تعالى في الزيادات أما في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى لا يعطى ابن ابن الواقف لأن ولد الولد عندهما ليس من القرابة * رجل وقف ضيعة له على فقراء أقربائه و في بعض القرابات موسر لكن خفى اليسار هل يكون لفقراء القرابة منهم أن يحلفوهم ما هم أغنياء فإن كان القيم يميل إليهم هل يحلف القيم على العلم قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن ادعوا لهم مالا صاروا به أغنياء وجبت اليمين على المدعي عليهم ولا يقبل قول القيم ولا يمين عليه * و عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله تعالى أنه أجاب بمثل هذا الجواب * رجل أوصى أن يخرج ثلث ماله فيعطى ربع الثلث لفلان و ثلاثة أرباعه لأقربائه و للفقراء ثم قالوا لا تتركوا حظ الرباطين من الثلاثة الأرباع ماذا يجب للرباطين قال أبو القاسم رحمه الله تعالى ينظر إلى القرابة إن كانوا يحصون يؤخذ عدد رؤوسهم و يجعل كل واحد منهم جزء و يجعل للمساكين جزء فإن كانت القرابة عشرة أنفس يجعل ثلاثة أرباع الثلث على اثني عشر جزء عشرة من ذلك و جزء من ذلك للفقراء و جزء للرباطين * و إن كانت القرابة لا يحصى عددهم يجعل ثلاثة أرباع الثلث أثلاثا ثلث للقرابة و ثلث للمساكين و ثلث للرباطين * أخوان لأب و أم وقفا كل واحد منهما وقفا على فقراء قرابته فجاء فقير واحد من القرابة ينظر إن كانا وقفا أرضا مشتركا بينهما يعطى للفقير قوت واحد لأن هذا وقف واحد * و ‘ن وقف كل واحد منهما دارا على حدة يعطى لهذا الفقير من كل دار قوته على حدة * و المراد في القوت في مثل هذه المسائل الكفاية * فإن كان الوقف أرضا يعطى كفاية سنة بلا إسراف و لا تقتير لأن غلة في الأرض تحصل في كل سنة و إن كان الوقف حانوتا يعطى كفاية شهر لأن غلة الحانوت تحصل في كل شهر * دار موقوفة سقط من بناء الدار شيء إن أمكن إعادة الساقط إلى موضعه يعاد و إلا يباع و يصرف ثمنه إلى المرمة و لا يجوز أن يصرف شيء من ثمن النقض إلى الفقراء لأنه بدل النقض و لا حق للفقراء فيه إنما حقهم في غلته فيمسك الثمن إلى وقت الحاجة إلى المرمة * دار موقوفة قال بعضهم لا يكون للموقوف عليه أن يسكن الدار و هو قول الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى و استدل في ذلك بجواز إجارة هذه الدار الموقوفة للموقوف عليه و لو كان له حق السكنى لما جازت الإجارة للموقوف عليه لأنه مستأجرا سكنى دار له حق السكنى و ذلك باطل فلما جازت الإجارة دل ذلك على أنه في سكنى الدار بمنزلة الأجنبي * رجل وقف وقفا على أقاربه المقيمين في بلدة كذا و آخره للفقراء ثم أراد أقاربه الانتقال من تلك البلدة هل يحرمون عن نزل هذا الوقف قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن كان أقاربه في تلك البلدة يحصون و يحاط بهم فإن وظيفتهم و(3/192)
حقهم من الوقف يدور معهم أينما داروا * و إن كانوا لا يحصون و لا يحاط بهم فكل من انقطع عن تلك القرية انقطعت وظيفته من الوقف و يعطى من كان مقيما في تلك القرية وإن لم يبق أحد منهم مقيما يصرف إلى الفقراء * قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى فإن رجعوا إلى القرية و أقاموا بها رجعت إليهم الغلة من المستقبل * رجل وقف ضيعة في صحته و أمر القيم أن يعطي أقرباءه كفايتهم وهم قوم لا يحصون و لم يذكر أولاد الأقرباء يدخل فيه أولادهم و أولاد أولادهم لأنهم أقربائه * و إن كان الواقف ذكر أولاد الأقرباء فقال ثم من بعدهم لأولادهم لا يدخل أولاد الأقرباء في حال حياة الآباء لأنه لما قال من بعدهم لأولادهم بين أنه لم يرد باسم الأقرباء أولادهم * ثم قدر الكفاية قدر ما يحتاج لنفسه و لمن يكون من أهله و ولده و خادم واحد لأن كفايتهم من كفايته * رجل أوصى بوصايا و وقف ضيعة على الفقراء و قال هو موسع على الوصي أن يعطي حيث شاء و أين شاء فإنه يحل للوصي أن يعطي من الوقف والديه و امرأته و قراباته و أحبته إن كانوا فقراء و هو وقف على الفقراء * رجل وقف في صحته أرضا على الفقراء فاحتاج بعض ورثة الواقف قالوا يجوز صرف الوقف إليه و هو أولى من سائر الفقراء بأحد شرطين أحدهما أن يصرف البعض إليهم و البعض إلى الأجانب أو الكل إلى ورثة الواقف في بعض الأوقات لأنه لو صرف الكل إليهم على الدوام يظن الناس أنها وقف عليهم فربما يتخذونه ملكا * وقف في يد صاحب الأوقاف وجد في صك ذلك الوقف أن الفاضل من غلته يصرف إلى فقراء أهل السكة التي فيها الوقف و غيرهم من فقراء المسلمين قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يصرف الفاضل من عمارة الوقف و مرمته إلى فقراء السكة الذين كانوا موجودين يوم الوقف و يجعل كل واحد منهم سهما و لسائر الفقراء سهما و كل من مات منهم سقط سهمه و يقسم ذلك السهم بين الباقين منهم على ما وصفنا فإذا انقرض فقراء السكة الذين كانوا موجودين يوم الوقف كان فقراء أهل السكة و من سواهم من فقراء المسلمين في ذلك سواء لأن فقراء السكة الذين كانوا موجودين يوم الوقف استحقوا بأعيانهم فصار لكل واحد منهم سهم و غيرهم من الفقراء ما استحقوا بأعيانهم و كان للكل سهم واحد * ضيعة موقوفة على مسجد على أن ما يفضل من عمارة المسجد فهو للفقراء فاجتمعت الغلة و المسجد لا يحتاج إلى العمارة للحال هل يصرف شيء من تلك الغلة إلى الفقراء تكلموا في ذلك * و الصحيح ما قال الفقيه أبي الليث رحمه الله تعالى أنه ينظر إن اجتمع من الغلة ما لو احتاج الضيعة و المسجد إلى العمارة بعد ذلك يمكن العمارة منها و يبقى شيء يصرف تلك الزيادة إلى الفقراء * رجل وقف في صحته وقفا على الفقراء فالصرف إلى أي فقير أفضل ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن الصرف إلى ولد الواقف أفضل ثم إلى قرابة الواقف ثم إلى موالي الواقف ثم إلى جيرانه ثم إلى
أهل المصر من كان أقرب إلى الواقف منزلا * وقف كان في يد الواقف و كان الواقف يفرق الإنزال على أقربائه و مواليه و يفضل البعض على البعض و يضع فيمن شاء فمات الواقف وأوصى إلى آخر و لم يبين كيف كان سبيل الوقف قالوا بأن الوصي يصرف إلى من كان يصرف إليه الأول لأن الظاهر أن الأول كان يصرف إلى المصرف فإن أشكل على الثاني أن الأول إلى من كان يصرف الزيادة على أقربائه و مواليه فهو يصرف إلى الفقراء * رجل وقف ضيعة على رجل و شرط أن يعطى كفايته كل شهر و ليس له عيال فصار له عيال فإنه يعطى له و لعياله كفايتهم لأن كفاية العيال من كفايته * رجل وقف على فقراء جيرانه في القياس و هو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يكون الوقف لفقراء جيرانه الملاصقين و في الاستحسان و هو قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى يكون الوقف لكل فقير يجمعه مسجد المحلة يستوي فيه الساكن و المالك فإن كان الساكن غير المالك كان الوقف للساكن دون المالك و يدخل فيه المكاتب و لا يدخل فيه العبيد و أمهات الأولاد و المدبر و يدخل فيه الصبيان و النسوان و لو كان للواقف جيران وقت الوقف فانتقل بعضهم إلى محلة أخرى و باعوا دورهم و انتقل قوم أخر بعد إدراك الغلة قبل الحصاد إلى جواره فالمعتبر فيه من كان جاره وقت قسمة الغلة * ولو وقعت الخصومة في الوقف فشهد شاهدان أنها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه و الشاهدان من فقراء جيرانه جازت شهادتهما و لو شهد شاهدان في ضيعة أنها صدقة موقوفة على فقراء قرابته و هما من فقراء قرابته لا تقبل شهادتهما * قال الناطفي رحمه الله تعالى في الفرق أن القرابة لا تزول و يزول الجوار فلم تكن شهادة الجار شهادة لنفسه لا محالة *
قال رضي الله عنه فعلى هذا شهادة أهل المدرسة بوقف المدرسة جائزة *(3/193)
و لو وقف على فقراء جيرانه و هو من البصرة ثم خرج إلى مكة و مات بمكة فإن اتخذ بمكة دار للإقامة قال هلال رحمه الله تعالى ينبغي أن يكون الوقف لجيرانه بمكة و إن لم يتخذ بها دارا فجوار البصرة قائم لم ينقطع و يكون الوقف للأولين * و لو وقف على مواليه و له موال أعتقهم و أولاد الموالي و موالي الموالي كان الوقف لمواليه و أولاد مواليه و لا يكون لموالي الموالي شيء فإن مات مواليه و أولاد مواليه و بقي موالي الموالي كانت الغلة لموالي الموالي استحسانا *ولو كان للواقف موال أعتقهم و موالي الابن أعتقهم ابنه كانت الغلة لمواليه لا شيء لموالي الابن و إن لم يكن له موال و له موالي الابن قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يعطى الغلة لموالي الابن و به أخذ هلال رحمه الله تعالى و إذا لم يكن للواقف أحد من مواليه و لا من أولاد مواليه يعطى لموالي الابن استحسانا * و لو كان له موليان كانت الغلة لهما * و إن لم يكن له إلا مولى واحد كان نصف الغلة لمولاه و النصف للفقراء * و لو كان له موال و مواليات كانت الغلة لهم بالسوية * و لو كان له مواليات ليس معهن رجل كان
للمواليات كل الغلة فإن محمدا رحمه الله تعالى ذكر في السير حربي طلب الأمان لمواليه و له مواليات ليس معهن رجل دخلن جميعا في الأمان * و لو أن رجلا وقف ضيعة على مواليه و أولادهم و نسلهم دخل الكل في الوقف دخولا على السواء سواء كانوا أولاد البنين و أولاد البنات * و لو قال أرضي صدقة موقوفة بعد وفاتي على موالي فإنه يعطى من الوقف لأمهات أولاده و مدبريه لأنه أضاف الوقف إلى ما بعد الموت وهم أحرار بعد موته * و لو أقر الواقف لرجل مجهول النسب أنه مولاه و صدقه المقر له و ليس للمقر له نسب معروف و لا ولاء معروف كان له الوقف *
و لو كان له موالي العتاقة و أيضا موالي الموالاة أسلموا على يديه و والوه كان الوقف لموالي العتاقة * و إن لم يكن له إلا موالي الموالاة كان الوقف لهم * رجل وقف وقفا صحيحا على ساكني دار المحلة يعطى كل واحد منهم شيئا معلوما كل يوم كذا فسكن فيها إنسان و لكن لا يبيت فيها و يشتغل بالحراسة ليلا لا يحرم عن الوقف إن كان يأوى من بيت من بيوت المدرسة لأنه يعد من ساكني المدرسة إذا كان له بالمدرسة ما تقام به السكنى * و لو اشتغل في الليل بالحراسة و في النهار يقصر في التعلم إن اشتغل في النهار في عمل آخر حتى لا يعد من طلبة العلم لا وظيفة له من الوقف و إن لم يشتغل حتى يعد من جملة الطلبة فله الوظيفة هذا إذا وقف على ساكني مدرسة كذا من طلبة العلم * أما إذا وقف على ساكني مدرسة كذا و لم يقل من طلبة العلم فكذلك الجواب لا يكون لساكني المدرسة من غير طلبة العلم شيء من الوظيفة لأنه هو المفهوم فإن كان المتعلم لا يختلف إلى الفقهاء للتعلم فإن كان في المصر و قد اشتغل بكتابة شيء من الفقه لنفسه مما يحتاج إليه لا بأس له أن يأخذ من الوظيفة لأنه مشتغل بالتعلم فإن هذا من جملة التعلم و إن كان في المصر و قد اشتغل بغير ذلك لا يأخذ الوظيفة وإن كان خارج المصر خرج إلى مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا لا يأخذ الوظيفة لأته صار مسافرا و إن خرج لبعض القرى دون مسيرة ثلاثة أيام فإن أقام هناك خمسة عشر يوما فصاعدا لا يأخذ الوظيفة * و إن كان أقل من ذلك إن كان خرج خروجا له منه بد لا لخروج للتنزه لا يأخذ الوظيفة أيضل و إن كان خروجا لا بد منه كالخروج لطلب القوت يكون ذلك عفوا ليس لغيره أن يأخذ بيته * رجل وقف على العلوية الساكنين ببلخ و جعل لهم شيئا من الوظيفة و منهم من يغيب عن البلد سنة أو نحو ذلك قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى من غاب منهم و لم يبع مسكنه و لم يتخذ مسكنا آخر فهو من سكان بلخ و لم تبطل وظيفته و لا وقفه قال رضي الله تعالى عنه و دلت المسئلة على جواز الوقف على بني هاشم كما تجوز الوصية لهم ولا يجوز صرف الزكاة إليهم و هكذا قال الشيخ الإمام القاضي أبو زيد الدبوسي رحمه الله تعالى *
(* فصل في إجارة الأوقاف و مزارعتها *)(3/194)
قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إذا لم يذكر الواقف في صك الوقف إجارة الوقف فرأى القيم أن يؤاجرها و يدفعها مزارعة كان أدر على الوقف و أنفع للفقراء فعل إلا أن في الدور لا يؤاجر أكثر من سنة لأن المدة إذا طالت تؤدي إلى إبطال الوقف فإن من رآه يتصرف فيه تصرف الملاك على طول الزمان يزعمه مالكا فلا يؤاجر الدور أكثر من سنة * أما في الأرض فأن كانت الأرض تزرع في كل سنة لا يؤاجرها أكثر من سنة * و إن كانت تزرع كل سنتين مرة أو في كل ثلاث سنين مرة كان له أن يؤاجرها مدة يتمكن المستأجر من الزراعة هذا إذا لم يكن الواقف شرط أن لا يؤاجر أكثر من سنة فإن كان شرط ذلك و الناس لا يرغبون في استئجارها سنة و كانت إجارتها أكثر من سنة أدر للوقف و أنفع للفقراء فليس للقيم أن يخالف شرطه و يؤاجرها أكثر من سنة إلا أنه يرفع الأمر إلى القاضي حتى يؤاجرها القاضي أكثر من سنة لأن هذا أنفع للوقف و للقاضي ولاية النظر للفقراء و الغائب و الميت فإن كان الواقف ذكر في صك الوقف أن لا يؤاجر أكثر من سنة إلا إذا كان ذلك أنفع للفقراء كان للقيم أن يؤاجرها بنفسه أكثر من سنة إذا رأى ذلك خيرا و لا يحتاج إلى المرافعة إلى القاضي لأن الواقف أذن له بذلك * و لو أن القيم آجر دار الوقف خمس سنين قال الشيخ الإمام أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى لا تجوز إجارة الوقف أكثر من سنة إلا لأمر عارض يحتاج إلى تعجيل الأجرة بحال من الأحوال و قال الفقيه أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إنا لا نقول بفساد هذه الإجارة إذا أجر مدة طويلة لكن الحاكم ينظر فيه فإن كان ضررا بالوقف أبطلها * و هكذا قال الإمام أبو الحسن علي السغدي رحمه الله تعالى و عن الفقيه أبي الليث رحمه الله تعالى أنه كان يجيز إجارة الوقف ثلاث سنين من غير فصل بين الدار و الأرض إذا لم يكن الواقف شرط أن لا يؤاجر أكثر من سنة و عن الإمام أبي حفص البخاري رحمه الله تعالى أنه كان يجيز إجارة الضياع ثلاث سنين فإن آجر أكثر من ثلاث سنين اختلفوا فيه قال أكثر مشايخ بلخ رحمهم الله تعالى لا يجوز * و قال غيرهم يرفع الأمر إلى القاضي حتى يبطله و به أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى فإن احتاج القيم أن يؤاجر الوقف إجارة طويلة قالوا لوجه فيه أن يعقد عقودا مترادفة كل عقد على سنة و يكتب في الصك استأجر فلان بن فلان أرض كذا أو دار كذا ثلاثين سنة بثلاثين عقدا كل عقد سنة بكذا من غير أن يكون بعضها شرطا في بعض فيكون العقد الأول لازما لأنه ناجز و الثاني غير لازم لأنه مضاف * قال رضي الله عنه و كان فيما قالوا نظر فإنهم قالوا الأول لازم و الثاني غير لازم لأنه مضاف * وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى إن الإجارة المضافة تكون لازمة في إحدى الروايتين * و هو الصحيح و ذكروا أيضا القيم إذا احتاج إلى تعجيل الأجرة بعقد عقودا مترادفة على نحو ما قالوا و أجمعوا على أن الأجرة لا تملك في الإجارة المضافة باشتراط التعجيل فكان فيما قالوا نظر من هذا الوجه * وصي اليتيم أو متولي الوقف إذا آجر وقفا أو منزلا لليتيم بدون أجر المثل قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى على أصل أصحابنا ينبغي أن يكون المستأجر غاصبا إلا أن الخصاف رحمه الله تعالى ذكر في كتابه أنه لا يصير غاصبا و يلزمه أجر المثل و هما لا يملكان الإبطال فيجب أجر المثل فقيل له أتفتي بهذا قال نعم و وجه ما قال ذلك أن المتولي و الوصي أبطلا بتسميتهما ما زاد على المسمى إلى تمام أجر المثل و هما لا يملكان الإبطال فيجب أجر المثل كما لو آجر أو لم يسميا شيئا * و قال بعضهم بأن المستأجر يصير غاضبا عند من يرى غصب العقار فإن لم ينتقض شيء من المنزل و سلم كان على المستأجر الأجر المسمى لا غير و الفتوى على ما ذكرنا أولا أنه يجب أجر المثل على كل حال * و عن القاضي الإمام أبي الحسن علي السغدي رحمه الله تعالى في هذا قال رجل غصب دار صبي أو غصب وقفا كان عليه أجر المثل فإذا وجب أجر المثل ثمة فما ظنك في الإجارة بأقل من أجر المثل * رجل استأجر أرض وقف ثلاث سنين بأجرة معلومة هي أجر مثلها فلما دخلت السنة الثالثة كثرت رغائب الناس فزاد أجر الأرض قالوا ليس للمتولي أن ينقض الإجارة لنقصان أجر المثل إنما يعتبر وقت العقد و وقت العقد كان المسمى أجر المثل فلا يعتبر التغيير بعد ذلك * وقف على أرباب و أحدهم متول فآجره من رجل ثم مات هذا المتولي لا تبطل الإجارة لأن الإجارة وقعت للوقف فلا تبطل بموت العاقد كما لا تبطل بموت الوكيل في الإجارة * متولي الوقف إذا تقبل أراضي الوقف لنفسه من نفسه لا يجوز لأن الواحد لا يتولى طرفي العقد إلا إذا تقبلها من القاضي لنفسه فيتم العقد باثنين * رجل استأجر أرضا موقوفة و بنى فيها حانوتا ثم جاء آخر و زاد في غلة الأرض و أراد أن يخرج الباني من الحانوت ينظر إن كانت أجرة المتولي مشاهرة فإذا جاء رأس الشهر كان للمتولي أن(3/195)
يفسخ الإجارة لأن الإجارة إذا كانت مشاهرة يتجدد انعقادها عند رأس كل شهر فإذا فسخ الإجارة إن كان رفع البناء لا يضر بالأرض كان لصاحب البناء أن يرفع بناءه و إن كان رفع البناء يضر بالوقف ليس له أن يرفع البناء فبعد ذلك إن رضي المستأجر أن يأخذ قيمة البناء و يترك البناء على المتولي كان للمتولي أن يدفع إليه القيمة ينظر إلى قيمة البناء مبنيا و إلى قيمته منزوعا أيهما كان أقل يتملكه المتولي بذلك فيصير البناء وقفا مع الأرض و إن كان رفع البناء يضر بالأرض فأبى المتولي أن يدفع إليه القيمة و يتملك البناء لا يجبر المتولي بل يتربص صاحب البناء إلى أن يتخلص ماله فيأخذ * متولي الوقف إذا آجر ضيعة من رجل سنين معلومة ثم مات المؤاجر ثم المستأجر قبل انقضاء المدة فزرع ورثة المستأجر الأرض ببذرهم قال الشيخ الإمام الأجل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى الغلة تكون لورثة المستأجر و عليهم نقصان الأرض إن انتقصت(3/196)
الأرض بزراعتهم بعد موت المستأجر و يصرف ذلك النقصان إلى مصالح الوقف لا حق للموقوف عليهم الأرض في ذلك لأن الضمان بدل عن نقصان الأرض و حق الموقوف عليهم في منفعة الأرض لا في عين الأرض * متولي الوقف إذا قرب موته و فوض التولية إلى غيره جاز لأنه بمنزلة الوصي و للوصي أن يوصي إلى غيره * المتولي إذا استأجر رجلا في عمارة المسجد بدرهم و دانق و أجر مثله درهم فاستعمله في عمارة المسجد و نقد الأجر من مال الوقف قالوا يكون ضامنا جميع ما نقد لأنه لما زاد في الأجر أكثر مما يتغابن الناس فيه يصير مستأجرا لنفسه دون المسجد فإذا نقد الأجر من مال المسجد كان ضامنا * المتولي إذا أمر المؤذن أن يخدم المسجد و سمى له أجرا معلوما لكل سنة قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى تصح الإجارة لأنه يملك الاستئجار لخدمة المسجد ثم ينظر إن كان ذلك أجر عمله أو زيادة يتغابن فيها الناس كانت الإجارة للمسجد فإذا نقد الأجر من مال المسجد يحل للمؤذن أخذه و أن كان الأجر زيادة على ما يتغابن فيه الناس كانت الإجارة للمتولي لأنه لا يملك الاستئجار للمسجد بغبن فاحش و إذا أدى الأجر من مال المسجد كان ضامنا * وإن علم المؤذن بذلك لا يحل له أن يأخذ من مال المسجد * رجل جعل أرضه أو منزله وقفا على كل مؤذن يؤذن أو يؤم في مسجد بعينه قال الشيخ الإمام اسمعيل الزاهد رحمه الله تعالى لا يجوز هذا الوقف لأن هذه قربة وقعت لغير المعين و ذلك المؤذن و الإمام قد يكون غنيا و قد يكون فقيرا فلا يجوز و إن كان المؤذن فقيرا تجوز القربة و الصدقة للفقير لكن الوقف على هذا الوجه لا يجوز أيضا و إن كان فقيرا و الحيلة في ذلك أن يكتب في صك الوقف وقفت هذا المنزل على كل مؤذن فقير يكون في هذا المسجد أو المحلة بعد ذلك تصرف الغلة إلى فقراء المسلمين أما إذا قال وقفت على كل مؤذن فقير فهو مجهول فلا يجوز كما لو قال أوصيت بثلث مالي لواحد من عرض الناس لا يجوز * فقير سكن دارا موقوفة على الفقراء بأجرة و ترك المتولي ما عليه من الأجر بحصته من الوقف على الفقراء جاز كما لو ترك الإمام خراج الأرض على من له حق في بيت المال بحصته متولي الوقف إذا آجر دار الوقف كان له أن يحتال بالغلة على مديون المستأجر إذا كان المديون مليا و إن أخذ كفيلا بالأجر فهو أولى بالجواز * القاضي إذا آجر الدار الموقوفة ثم عزل قبل انقضاء المدة لا تبطل الإجارة كما لا تبطل بموت المتولي أو الوكيل في الإجارة * و كذا لو مات بعض الموقوف عليهم قبل تمام المدة لا تبطل الإجارة * ثم ما وجب من الغلة إلى أن مات هذا الموقوف عليه يصرف إلى كل واحد منهم حصته و حصة الميت تصرف إلى وارثه و ما وجب من الغلة بعد موت هذا فهو يكون لمن بقي و كذا لو مات بعضهم بعد موت الأول بمدة فهو على هذا القياس * رجل وقف دارا على قوم بأعيانهم و جعل آخره للفقراء ثم إن المتولي آجر الدار من الموقوف عليهم جازت الإجارة لأن حق الموقوف عليهم في الغلة لا في رقبة الدار * رجل بنى في أرض الوقف بناء أو نصب بابا إن نوى عند البناء أنه يبنى للوقف يصير وقفا و إن لم ينو لا يصير وقفا * حائط بين دارين إحداهما وقف انهدم الحائط فبناه صاحب الدار في حد دار الوقف كان للقيم أن يأمره بالنقض فإن أراد القيم أن يعطيه قيمة البناء ليكون البناء للوقف لا يجوز و لا يكون للقيم أن يجبره على أخذ القيمة * وكذا لو أعطاه قيمة البناء برضاه لا يجوز لأنه لو جاز ذلك يضيع ما تحت البناء من دار الوقف * حانوت من الوقف مال على حانوت لرجل و مال الثاني على الثالث و تعطلت الحوانيت و أبى القيم أن يعمر الوقف قالوا إن كان للوقف غلة يمكن عمارة الحانوت بتلك الغلة كان لصاحبي الحانوتين أن يأخذا القيم بإقامة المائل و رده إلى موضعه من الوقف و إزالة الشاغل عن ملكهما و إن لم يكن للوقف غلة يمكن عمارة المائل بتلك الغلة كان للمالكين أن يرفعا الأمر إلى القاضي ليأمر القيم بالاستدانة * حانوت أصله وقف و عمارته لرجل فأبى صاحب العمارة أن يستأجر أصل الحانوت بأجر المثل قالوا إن كانت العمارة و لو رفعت يستأجر الأصل بأكثر مما يستأجره صاحب البناء يكلف صاحب البناء برفع البناء و يؤجر الأصل من غيره و إن كان لا يستأجر بذلك يترك بيد صاحب البناء بذلك الأجر دار لرجل فيها موضع مقدار بيت واحد وقف و ليس في يد الموقوف عليه شيء من غلة الوقف فأراد صاحب الدار أن يستأجر ذلك الموضع مدة طويلة قالوا إن كان لهذا الموضع مسلك إلى الطريق الأعظم لا يجوز للقيم أن يؤاجر الوقف مدة طويلة لأن فيه إبطال الوقف * و إن لم يكن لذلك الموضع مسلك إلى الطريق الأعظم جازت إجارة الوقف لصاحب الدار مدة طويلة * رجل باع أشجارا من أرض الوقف ثم آجر الأرض من مشتري الأشجار قالوا إن باع الأشجار بعروقها دون الأرض ثم آجر الأرض مدة جازت الإجارة و إن باع الأشجار من وجه الأرض ثم آجر الأرض لم تصح إجارة الأرض لأن(3/197)
موضع الأشجار مشغول بملك الآجر و هذا لا يختص بالوقف * المتولي إذا آجر الوقف بشيء من العروض و الحيوان بعينه قيل أنه يجوز بلا خلاف بخلاف بيع الوكيل * و كذا الوكيل بالإجارة إذا آجر بكيل أو موزون أو عروض أو حيوان قيل أنه لا يجوز بلا خلاف قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى في زماننا تكون الإجارة على الاختلاف أيضا لأن المتعارف الإجارة بالدراهم و الدنانير * الموقوف عليه إذا آجر الوقف قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى في كل موضع يكون كل الأجر له بأن لم يكن الوقف محتاجا إلى العمارة و لم يكن معه شريك في الوقف كان له أن يؤاجر الدور و الحوانيت * و إن كان الوقف أرضا إن كان الواقف شرط البداءة بالخراج أو العشر و جعل للموقوف عليه ما فضل من العمارة و المؤنة لم يكن للموقوف عليه أن يؤاجر لأنه لو جازت إجارته كان جميع الأجر له بحكم العقد فيفوت شرط الواقف و لو لم يكن الواقف شرط البداءة بما ذكرنا فأجر الموقوف عليه الأرض أو زرعها لنفسه ينبغي أن يجوز و يكون الخراج و المؤنة عليه و كذا لو كان الموقوف عليهم في أرض الوقف اثنين فتهايآ أو ثلاثة فتهايؤا و أخذ كل واحد أرضا ليزرعها لنفسه لا يجوز * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إن كانت الأرض عشرية جازت مهايأتهم و إن كانت خراجية لا تجوز لأن العادة في الأراضي الخراجية الموقوفة أنهم يشترطون البداءة بالخراج فلو جاز فيه التهايؤ لم يكن الخراج في الغلة و يكون في ذمة الموقوف عليه فكان فيه تغيير شرط الواقف و عن الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى أنه قال احتال بعض الناس في زماننا أن يكتب في صك إجارة الوقف إن الواقف وكل فلانا بإجارة هذه الضيعة من فلان في كل سنة و متى ما أخرجه من الوكالة فهو وكيله و أراد بذلك بقاء الوقف في يد المستأجر أكثر من سنة قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إلا أنا نبطل هذه الوكالة كما نبطل الإجارة الطويلة صيانة للوقف عن البطلان و قد اختلف نصير بن يحيى و محمد بن سلمة رحمهما الله تعالى في الرجل إذا وكل وكيلا على أنه متى أخرجه عن الوكالة فهو وكيله قال نصير رحمه الله تعالى تجوز الوكالة بهذا الشرط و قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لا تجوز و إنما اختلفا لاختلاف تفسير هذا الشرط فمحمد بن سلمة رحمه الله تعالى فهم من هذا الكلام أنه متى أخرجه عن هذه الوكالة فهو وكيله بهذه الوكالة و هذا مخالف للشرع لأن حكم الوكالة في الشرع أن لا تكون لازمة و يرد عليها العزل * و نصر رحمه الله تعالى فهم من هذا الكلام أنه متى أخرجه عن هذه الوكالة فهو وكيله وكالة مستقبلة و لو صرح بذلك كان جائزا * قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى و لو صرح بذلك إنما تجوز الوكالة في غير الواقف أما في الوقف و إن صرح بذلك فإنا نبطله صيانة للوقف عن البطلان ثم في غير الوقف إذا جازت الوكالة بهذا الشرط فإن أراد أن يخرجه عن الوكالة ينبغي أن يقول رجعت عن قولي متى ما أخرجتك عن الوكالة فأنت وكيلي فيصح رجوعه عن الوكالات المعلقة ثم يقول أخرجتك عن الوكالة * أ رض موقوفة في قرية يزرعها أهل القرية بالثلث أو بالنصف و فيها حاكم من جهة قاضي البلدة فاستأجر رجل من الحاكم هذه الأرض سنة بدراهم معلومة فلما أدرك الزرع جاء المتولي و طلب حصة الوقف من الخارج قال بعضهم للمتولي أن يأخذ حصة الوقف من الخارج على عرف أهل القرية لأن قاضي البلدة إن كان جعل المتولي متوليا قبل تقليد الحاكم أو كان متوليا من جهة الواقف لا تدخل تولية الحاكم في تقليده * و إن كان قاضي البلد جعل المتولي متوليا بعدما قاد الحاكم الحكومة فقد أخرج الحاكم عن الولاية على تلك الأرض فلا تصح إجارة الحاكم و يجعل وجودها كعدمها فمتى زرعها المستأجر يصير كأن المتولي دفعها مزارعة على ما هو المتعارف في تلك القرية فكان للمتولي أن يأخذ ذلك من الخارج * رجل غصب أرضا موقوفة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر كان للقيم أن يستردها من الغاصب فإن كان الغاصب زاد في الأرض من عنده إن لم تكن(3/198)
الزيادة مالا متقوما بأن كرب الأرض أو حفر النهر أو ألقى فيها السرقين و اختلط ذلك بالتراب فصار بمنزلة المستهلك فإن القيم يسترد الأرض من الغاصب بغير شيء * و إن كانت الزيادة مالا متقوما كالبناء و الشجر يؤمر الغاصب برفع البناء و قلع الأشجار و رد الأرض إن لم يضر ذلك بالوقف و إن أضر بالوقف بأن تخربت الأرض بقلع الأشجار و الدار برفع البناء لم يكن للغاصب أن يرفع البناء و يقلع الأشجار إلا أن القيم يضمن قيمة الغراس مقلوعة و قيمة البناء مرفوع إن كان للوقف غلة في يد المتولي تكفي لذلك الضمان و إن لم يكن للوقف غلة يؤاجر الوقف فيعطى الضمان من ذلك * و إن اختار الغاصب قطع الشجر من أقصى موضع لا يخرب الأرض فله ذلك و لا يجبر على أخذ القيمة ثم يضمن القيم ما بقي في الأرض من الشجر إن كانت له قيمة * وقف استولى عليه غاصب و حال بينه و بين المتولي و عجز المتولي عن الاسترداد و أراد الغاصب أن يدفع قيمتها كان للمتولي أن يأخذ القيمة أو يصالحه على شيء ثم يشترى بالمأخوذ من الغاصب أرضا أخرى فيجعلها وقفا على شرائط الأول لأن الغاصب إذا جحد الغصب يصير بمنزلة المستهلك فيجوز أخذ القيمة * رجل غصب أرضا موقوفة قيمتها ألف ثم غصب من الغاصب رجل آخر بعدما ازدادت قيمة الأرض و صارت تساوي ألفي درهم فإن المتولي يتبع الغاصب الثاني إن كان مليا على قول يرى جعل العقار مضمونة بالغصب لأن تضمين الثاني أنفع للوقف * و إن كان الأول أملأ من الثاني يتبع الأول لأن تضمين الأول يكون أنفع للوقف و إذا اتبع القيم أحدهما برئ الآخر عن الضمان كالمالك إذا اختار تضمين الغاصب الأول أو الثاني برئ الآخر * المتولي إذا رهن الوقف بدين لا يصح * و كذلك أهل الجماعة إذا رهنوا فإن سكن المرتهن الدار قال بعضهم عليه أجر المثل سواء كانت الدار معدة للاستغلال أو لم تكن نظرا للوقف * و كذلك متولي المسجد إذا باع منزلا موقوفا على المسجد فسكنه المشتري ثم عزل هذا المتولي و ولى غيره فادعى الثاني المنزل على المشتري و أبطل القاضي بيع المتولي و سلم الدار إلى المتولي الثاني فعلى المشتري أجر المثل * أرض وقف في يد أكار فيه قطن فسرق القطن فوجده الأكار في منزل رجل و أخذ صاحب المنزل و خاصمه إلى القاضي فقال صاحب المنزل ضمنت لك أن أعطيك مائة منّ من القطن قالوا إن كان صاحب المنزل أعطاه خوفا من هتك الستر لا يحل له أن يأخذ لأن ذلك رشوة و إن علم أنه سرق ذلك المقدار أو أكثر جاز له أن يأخذ فإن علم أنه سرق أقل من مائة منّ لا يجوز له أن يأخذ إلا مقدار ما يعلم يقينا أنه سرق * أكار تناول من مال الوقف فصالحه المتولي على شيء و الأكار غني لا يجوز له الحط من مال الوقف و إن كان فقيرا جاز ذلك و الله تعالى أعلم *
(* فصل في دعوى الوقف و الشهادة عليه *)(3/199)
رجل غصب ضيعة موقوفة فخاصمه المغصوب منه فأقام البينة قبلت بينته و يرد عليه الضيعة إجماعا أما عند أبي يوسف رحمه الله تعالى فلأنه يصير وقفا قبل الإخراج إلى المتولي فكان له ولاية الاسترداد * و عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى إن لم يصر وقفا قبل التسليم إلى المتولي كان هم أولى بها * صاحب الأوقاف إذا أراد أن يسمع الدعوى في أمر الوقف فيقضي بالبينة أو بالنكول إن كان السلطان ولاه ذلك نصا أو كان معلوما ذلك دلالة جاز لأنه بمنزلة القاضي في ذلك و إن لم يكن شيء من ذلك لا يكون خصما * وقف على نفر استولى عليه ظالم لا يمكن الانتزاع منه فادعى أحد الموقوف عليهم على واحد منهم أنه باع الوقف من الغاصب و سلمه إليه فأنكر المدعى عليه فأراد المدعي تحليفه قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى له ذلك فإن نكل عن اليمين أو قامت عليه البينة يقضى عليه بقيمتها ثم يشتري بتلك القيمة ضيعة أخرى فتكون على سبيل الوقف الأول لأن العقار يضمن بالبيع و التسليم عند الكل لأن البيع و التسليم استهلاك * رجل باع أرضا ثم ادعى أنه كان وقفها قبل البيع فإذا أراد تحليف المدعى عليه ليس له ذلك عند الكل لأن التحليف بعد صحة الدعوى و دعواه لم تصح لمكان التناقض * و إن أقام البينة على ما ادعى اختلفوا فيه قال بعضهم لا تقبل بينته لأنه متناقض و قال بعضهم تقبل بينته لأن التناقض لا يمنع الدعوى و على قول الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى الدعوى لا تشترط لقبول البينة على الوقف لأن الوقف حق الله تعالى و هو التصدق بالغلة فلا تشترط فيه الدعوى كالشهادة على الطلاق و عتق الأمة إلا أنه إن كان هناك موقوف عليه مخصوص و لم يدّع لا يعطى له من الغلة شيء و يصرف جميع الغلة إلى الفقراء لأن الشهادة قبلت لحق الفقراء فلا تظهر إلا في حق الفقراء * قال رضي الله عنه و ينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن كان الوقف على قوم بأعيانهم لا تقبل البينة عليه بدون الدعوى عند الكل * و إن كان الوقف على الفقراء أو على المسجد على قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى تقبل البينة بدون الدعوى و على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل * رجل جاء إلى بلد من البلدان قاضيا فوجد في ديوان الذي كان قاضيا قبله ذكر أوقاف و هي في أيدي الأمناء و وجد لها رسوما في ديوانه قال الخصاف رحمه الله تعالى هذا القاضي يحمل الأمر على ما كان عليه في ديوان من قبله فإن تنازع في ذلك قوم قال فريق هو لنا وقفه فلان بن فلان علينا و قال فريق هو لنا وقفه فلان ذلك علينا و ليس لهم بينة قال الخصاف رحمه الله تعالى إن كان للواقف ورثة فأقروا أن صاحبهم وقف ذلك على هؤلاء جاز و إلا فالأمر موقوف فإن اصطلحوا و أرادوا أخذ ذلك كان للقاضي في الاستحسان أن يقسم ذلك بينهم * شاهد الوقف إذا شهد بوقف على نفسه أو على أحد من أولاده أو أولاد أولاده و إن سفلوا و آبائه و إن علوا لا تقبل شهادته لأنه شهد لنفسه * و كذا لو شهد بوقف على نفسه و على أجنبي لا تقبل شهادته لا في حقه و لا في حق الأجنبي و ليس هذا كالشاهدين إذا شهد أحدهما أنه وقفه على زيد صدقة موقوفة و شهد الآخر أنه وقفه على عمر و صدقة موقوفة فان ثمة تقبل شهادتهما و يصرف الغلة إلى الفقراء لأن ثمة اتفقا على أن رقبة الأرض وقف و إنما اختلفا فيمن استثنى له الغلة فتقبل شهادتهما على ما اتفقا عليه و هو أصل الوقف فيكون للفقراء * و لو شهد شاهدان أنه وقفها على فقراء جيرانه و هما من جيرانه جازت شهادتهما لأن الجوار ليس بلازم * و كذا لو شهد أنه وقفها على فقراء مسجد كذا و هما من فقراء ذلك المسجد جازت شهادتهما * و كذا لو شهد أهل المدرسة بوقف المدرسة جازت شهادتهم * و لو شهد شاهدان أنه وقف أرضه و لم يحدها لنا و لكنا نعرف أرضه لا تقبل شهادتهما لعل للواقف أرضا أخرى سوى التي يعرف الشاهدان * و كذا لو قالا لا نعرف له أرضا أخرى لم تقبل شهادتهما لعل له أرضا أخرى و هما لا يعلمان و لو قالا أشهدنا على وقف أرضه و هو فيها و لم يذكر لنا حدودها جازت شهادتهما لأنهما شهدا على وقف أرض بعينها و هو فيها إلا أنهما لم يعرفا حدا من الحدود فلم يتمكن الخلل في شهادتهما و لو شهد أن الواقف وقف أرضه و ذكر حدود الأرض و لكنا لا نعرف تلك الأرض أنها في أي مكان هي جازت شهادتهما و يكلف المدعي إقامة البينة أن الأرض التي يدعيها هذه الأرض * و لو شهد أحدهما أنه جعل أ رضه موقوفة بعد وفاته و شهد الآخر أنه وقفها وقفا صحيحا باتا كانت الشهادة باطلة لأنهما اختلفا في التصرف أحدهما شهد بالتنجيز و الآخر بالإضافة و التعليق بالموت فلم يتفقا على شيء * و لو شهد أحدهما أنه وقفها في صحته و شهد الآخر أنه وقفها في مرضه جازت شهادتهما لأنهما شهدا بوقفه باتا إلا أن حكم الوقف في المرض ان ينقض فيما لا يخرج من الثلث و هذا لا يمنع الشهادة * كما لو شهد أحدهما على أنه وقف ثلث الأرض و الآخر على أنه وقف ربع الأرض و(3/200)
ثم تقبل شهادتهما على الأقل في قول من يجيز وقف المشاع * و لو شهد أحدهما أنه جعلها وقفا على المساكين و شهد الآخر أنه جعلها وقفا على الفقراء جازت شهادتهما لأنهما اتفقا على وقف يصرف إلى الله تعالى * رجل مات و ترك ابنين و في يد أحدهما ضيعة يزعم أنها وقف عليه من أبيه و الابن الآخر يقول هي وقف علينا قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى القول قول الذي يدعي الوقف عليهما لأنها تصادقا أنها كانت في يد أبيهما و قال غيره القول قول ذي اليد و الأول أصح * رجل ادعى كرما في يد رجل أنه له فزعم المدعى عليه أنه وقف و ليس للمدعي بينة و أراد تحليف المدعى عليه قالوا إن أراد تحليفه ليأخذ القيمة إن نكل عن اليمين كان له أن يحلفه * و إن أراد تحليفه ليأخذ الكرم إن نكل عن اليمين ليس له أن يحلفه لأن النكول بمنزلة الإقرار * و لو أقر المدعي بعد ما أقر أنه وقف لا يصح إقراره * ضيعة في يد حاضر و ضيعة أخرى
في يد غائب فادعى رجل على الحاضر أن هاتين الضيعتين وقف عليه وقفهما جده على أولاده و أولاد أولاده قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن شهد الشهود أن هاتين الضيعتين كانتا ملك الواقف وقفهما جميعا وقفا واحدا يقضى بوقف الضيعتين جميعا * و إن شهدوا على وقفين متفرقين لا يقضى إلا بوقف الضيعة التي في يد الحاضر * رجل وقف في صحته ضيعة و مات فجاء رجل و ادعى أن الضيعة له فأقر به بعض الورثة و استحلف فنكل قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا يصدق الوارث على إبطال الوقف و يضمن هذا الوارث للمقر له قيمة حصته من الضيعة من تركة الميت في قول من يرى العقار مضمونة بالغصب * أرض في يد ورثة أقروا جميعا أن أباهم وقفها و سمى كل واحد منهم وجها غير ما سمى صاحبه قالوا القاضي يقبل إقراره و يصرف حصة كل واحد منهم من الغلة إلى الوجه الذي أقر و ولاية هذا الوقف تكون للقاضي يولي من يشاء فإن كان في الورثة صغير أو غائب لا يقضي القاضي في حصصهم حتى يدرك الصغير و يحضر الغائب * دار موقوفة على أخوين أحدهما غائب و قبض الحاضر غلتها تسع سنين ثم مات الحاضر و ترك وصيا ثم حضر الغائب و طالب الوصي بنصيبه من الغلة قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن كان الحاضر الذي قبض الغلة هو القيم لهذا الوقف كان للغائب أن يرجع في تركة الميت بحصته من الغلة و إن لم يكن الحاضر قيما لهذا الوقف إلا أن الأخوين آجراه جميعا فكذلك و إن أجره الحاضر كانت الغلة كلها للحاضر في الحكم و لا يطيب له بل يتصدق بما قبض من حصة الغائب * رجل ادعى دارا في يد رجل أنها بأصلها و بنائها له وقال المدعى عليه لا بل هي وقف على مصالح مسجد كذا فأقام المدعي بينة على دعواه و قضى القاضي له و كتب السجل ثم أقر المدعي أن أصل الدار كان وقفا و البناء له قالوا يبطل دعواه و يبطل قضاء القاضي و السجل * إذا شهد الشهود على وقف بالتسامع قال عامة مشايخ بلخ رحمهم الله تعالى إن كان الوقف مشهورا متقادما نحو أوقاف عمرو بن العاص رضي الله عنه وما أشبه ذلك جازت الشهادة عليها بالتسامع * و قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا يجوز و إن كان الوقف مشهورا فأما الشهادة على شرائط الوقف و جهاته ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أنه لا تجوز الشهادة على الشرائط و الجهات بالتسامع و هكذا قال الشيخ الإمام الأجل الأستاذ ظهير الدين رحمه الله تعالى * و إن ادعى وقفا أو شهدوا على وقف و لم يذكروا الواقف ذكر الخصاف رحمه الله تعالى في باب قبض المحاضر من ديوان القاضي المعزول على أن دعوى الوقف و الشهادة على الوقف تصح من غير بيان الواقف * رجل في يده ضيعة فجاء رجل و ادعى أنه وقف و أحضر صكا فيه خطوط العدول و القضاة الماضية و طلب من القاضي القضاء بذلك الصك قالوا ليس للقاضي أن يقضي بذلك الصك لأن القاضي إنما يقضي بالحجة و الحجة هي البينة أو الإقرار أما الصك لا يصلح حجة لأن الخط يشبه الخط و كذا لو كان على باب الدار لوح مضروب ينطق بالوقف لا يجوز للقاضي أن يقضي بالوقف ما لم يشهد الشهود و الله تعالى أعلم
(* فصل فيما يتعلق بصك الوقف *)(3/201)
رجل وقف ضيعة و أشهد على ذلك جماعة و كتب صكا فأخطأ في كتابة الحدود فكتب حدين كما كان و حدين بخلاف ما كان قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى إن كان الحدان اللذان غلط في ذكرهما في ذلك الجانب لكن بين ما جعله حدا و بين ضيعة الوقف أرض غيره أو كرم غيره أو دار لغير الواقف فالوقف جائز و لا يدخل ملك غيره في الوقف * و إن كان الحد الذي سماه في الصك لا يوجد في ذلك الموضع و لا بالبعد منه فالوقف باطل إلا أن يكون في الوقف ضيعة مشهورة مستغنية عن التحديد فيجوز الوقف * رجل وقف ضيعة له و كتب صكا و أشهد الشهود على ما في الصك ثم قال الواقف أني وقفت على أن بيعي فيه جائز إلا أن الكاتب لم يكتب ذلك الشرط و لم أعلم بالذي كتب في الصك قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى أن كان الواقف رجلا فصيحا يحسن العربية فقرأ عليه الصك فأقر بجميع ما فيه فالوقف صحيح كما كتب و لا يقبل قوله و إن كان الواقف أعجميا لا يفهم العربية و لم يشهد الشهود على تفسيره فالقول قول الواقف إني لم أعلم ما في الصك و أشهدت الشهود على ما في الصك من غير أن أعلم ما في الصك * و إن قال الشهود قرئ عليه الكتاب بالفارسية و أقر به و أشهدنا عليه لا يقبل قوله و هذا لا يختص بالوقف بل بالبيع و سائر التصرفات يكون كذلك * رجل أراد أن يقف جميع ضيعة له في قرية من القرى على قوم و أمر بكتابة الصك في مرضه فنسي الكاتب أن يكتب بعض أقرحة من الأراضي و الكروم ثم قرئ الصك على الواقف و كان المكتوب أن فلان بن فلان وقف جميع ضيعة له في هذه القرية و هو كذا وكذا أقراحا على فلان و فلان و بين حدودها و لم يقرأ عليه القراح الذي نسي الكاتب فأقر الواقف بجميع ذلك قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن كان الوقف في صحته و أخبر الواقف أنه أراد به جميع ماله في هذه القرية المذكورة و غير المذكورة فذلك على الجميع الذي أراده * و كذا لو مات الواقف و قد أخبر الواقف عن نفسه قبل الموت فالأمر على ما تكلم قيل له أرأيت لو كان في هذه القرية برج الحمام مع الحمامات و لم يكتب هل يدخل ذلك في الوقف و هل يجوز وقف ذلك قال أما برج الحمام أرجو أن يجوز وقفه و تكون الحمامات تابعة لبرجها * امرأة قال لها جيرانها اجعلي هذه الدار وقفا على المسجد على أنك متى احتجت إليها تبيعيها فكتبوا الصك بغير هذا الشرط و قالوا قد فعلنا قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن قرئ عليها الصك بالفارسية و هي تسمع فأقرت بالوقف جاز الوقف و إن لم يقرأ عليها لا يصير وقفا * متولي الوقف إذا آجر الوقف أو تصرف تصرفا آخر و كتب في الصك آخر و هو متول لهذا الوقف
و لم يذكر أنه متول من أي جهة قالوا يكون فاسدا و كذا الوصي إذا لم يذكر أنه وصي من أي جهة لأن الجهة إذا لم تذكر لا يعرف أنه متول من جهة القاضي أو من جهة الواقف و كذا الوصي لا يعرف أنه وصي من جهة الأب أو القاضي أو الأم أو الجد و أحكامهم تختلف فإن كتب و هو متول أو وصى من جهة الحكم و لم يسم القاضي الذي ولاه قالوا يجوز ذلك لأن جهة التولية صارت معلومة و يعرف ذلك القاضي بالنظر في التاريخ فيعرف القاضي في ذلك الوقف فيجوز * رجل استأجر من متولي الوقف على أرباب معلومين أرضا و كتب لذلك كتابا فنكتب فيه استأجر فلان بن فلان من فلان بن فلان المتولي على الأوقاف المنسوبة إلى فلان المعروف بكذا و لم يكتب اسم الواقف و لم يعرف قالوا يجوز ذلك لأنه لو كتب من فلان بن فلان المتولي في كذا و هو وقف على أرباب معلومين و لم يذكر الواقف جاز فهذا أولى * مسائل الوصية ذكروها في كتاب الوقف * مريض قال إني كنت متولي حانوتا وقف على الفقراء و كنت استهلكت من غلته أو قال لم أؤد زكاة مالي فأدوا ذلك من مالي بعد موتي قالوا إن صدقته الورثة في ذلك ففي غلة الوقف يعطى من جميع ماله و في الزكاة من الثلث لأن في الوقف لو ثبت ذلك بالبينة يؤخذ جميع ذلك من تركته من غير إقراره فلا يكون الأخذ مضافا إلى إقراره * أما في الزكاة لو ثبت ذلك لا يؤخذ من تركته فيكون الأخذ مضافا إلى إقراره * و إن كذبته الورثة فالكل من الثلث و لوصي الميت أن يحلف الورثة على العلم بالله ما يعلمون أن ما أقر به المريض حق لأنهم لو أقروا بذلك يلزمهم فإذا أنكروا حلفوا على العلم فإن حلفوا بقي إقرار الميت و ينفذ من الثلث و الوقف من جميع المال كما لو أقر الوارث ابتداء *(3/202)
رجل أوصى أن يوقف من ماله كذا و كذا درهما لدين يظهر عليه كانت الوصية باطلة وقت لذلك وقتا أو لم يوقت لأنه بهذا الكلام لم يقر بدين واجب عليه للحال فيكون ماله للوارث إذا لم يكن عليه دين أو وصية * ولو قال إن رأى الوصي ذلك يوقف من ثلث ماله لأنه لما قال إن رأى الوصي ذلك فكأنه قال يعطي الوصي ذلك القدر من مالي من شاء و لو نص على ذلك يصح و يؤخذ من ثلث ماله * رجل أوصى بأن يخرج ثلث ماله فيعطى ربع الثلث لفلان و ثلاثة أرباعه لأقربائه و للفقراء ثم قال لا تتركوا حظ الرباطين و في الرباطين فقراء يسكنون فيهما و قد مرت المسألة قبل هذا * مريض قال أخرجوا نصيبي من مالي و لم يزد على ذلك يخرج الثلث من ماله لأن ثلث ماله نصيبه قال صلى الله عليه و سلم إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم * رجل أوصى لابن فلان من أهل الحرب ثم أسلم ابن فلان قبل موت الموصي قالوا إن كان الموصي قد سمى الابن لا يجوز لأن الوصية وقعت للحربي فتبطل و إن لم يكن سماه و لكنه قال لابن فلان جازت الوصية لأن هذه وصية لابن فلان عند موت الموصي * رجل عين
أشجارا له في ضيعة فقال لامرأته في صحته إذا مت أنا فبيعي هذه الأشجار و اصرفي ثمنها في كفني و ثمن الخبز للفقراء و ثمن الدهن في سراج مسجد بعينه ثم مات و ترك امرأته هذه و ورثة كبار ا فاشترى الورثة الكفن من الميراث و جهزوه قال تباع الأشجار فيحط من ثمن الأشجار مقدار الكفن و تصرف المرأة الباقي إلى ثمن الخبز و دهن السراج لأن الزوج أمر بصرف ثمن الأشجار إلى ثلاثة أشياء فيقسم الثمن على هذه الأشياء الثلاثة * وصي عجز عن القيام بأمر الميت فأقام الحاكم قيما آخر لا ينعزل الأول لأن للقاضي أن يضم الثاني إلى الأول فإن أقام القاضي قيما آخر مقام الأول ينعزل الأول لأن الثاني لا يقوم مقام الأول إلا بعد عزل الأول و للقاضي أن يعزل الوصي إذا عجز عن القيام بأمر الميت كي لا يضيع مال الميت و الله أعلم *
(* كتاب الأضحية *)
هذا الكتاب مشتمل على فصول
(* فصل في صفة الأضحية و وقت وجوبها و من تجب عليه *)
أما صفتها فهي واجبة في ظاهر الرواية على الرجل و المرأة الموسر المقيم في الأمصار دون المسافر * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها سنة و هو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى و في أحد قوليه تطوع * و روى ابن زياد عن أبي حنيفة و ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى أنها فريضة * و أما شرائطها فهي ثلاثة * أولها الغني و الغني فيها هو من له مائتا درهم أو عرض يساوي مائتي درهم سوى مسكنه و خادمه و ثيابه التي يلبسها و أثاث البيت فالغني في الأضحية ما هو الغني في صدقة الفقر و قد ذكرنا و المرأة تكون موسرة بمالها على الزوج من الصداق إذا كان الزوج مليا في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى و في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تكون موسرة بذلك و هذا إذا كان المهر معجلا * فإن كان مؤجلا لا تكون موسرة بذلك في قولهم جميعا * و الشرط الثاني الوقت و وقت الأداء لمن كان في المصر بعد فراغ الإمام من صلاة العيد فإن ضحى قبل صلاة الإمام أو قبل أن يقعد الإمام قدر التشهد لا تتم أضحيته * وإن ضحى بعد ما قعد قدر التشهد قبل السلام في ظاهر الرواية لا يجوز * و قال بعضهم يجوز و يكون مسيأ و هو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى * وقال الحسن ابن زياد رحمه الله تعالى ينبغي أن لا يضحي حتى يفرغ الإمام عن الخطبة * و عندنا إذا ضحى قبل الخطبة جاز ولو ضحى بعدما سلم الإمام ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا ان تذكر الإمام قبل أن يتفرق الناس جازت الأضحية و يعيد بهم الصلاة لأن هذه تضحية بعد صلاة معتبرة فإن عند الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان الإمام محدثا أو جنبا جازت صلاة القوم فجازت أضحيته * وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يجوز أضحيته و عليه إعادتها *(3/203)
و إن تذكر بعد ما تفرق الناس عن المصلى جازت الأضحية و لا يعيد الصلاة * و روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يجوز الأضحية و يعيد بهم الصلاة غدا أو بعد غد و في عيد الفطر لا يعيد الصلاة إلا في اليوم الأول و قد مرت و قال نصير بن يحيى رحمه الله تعالى إن علم الإمام قبل الزوال و قبل الذبح يعيد بهم الصلاة ثم يضحون بعد الصلاة و إن علم ذلك بعد الزوال جازت الأضحية و لا شيء عليهم و قال بعضهم يعيد التضحية في الأحوال كلها * و لو ضحى بعدما سلم الإمام تسليمة واحدة جازت الأضحية عند الكل * و لو خرج الإمام بطائفة إلى الجبانة و أمر رجلا ليصلي بالضعفة في المصر و ضحى بعد ما صلى أحد الفريقين يجوز استحسانا و في القياس ينتظر صلاة الفريقين جميعا * و لو اشتبه يوم النحر فصلى بهم و ضحى ثم علموا في الغد أن أمس كان يوم عرفة كان عليه إعادة الصلاة و الأضحية جميعا * و لو وقع الشك إن هذا اليوم عاشر ذي الحجة أو تاسع ذي الحجة الأحوط أن يضحى في الغد بعد الزوال * و إن كانت بلدة لا يصلى فيها صلاة العيد إما لعدم السلطان أو لغلبة أهل الفتنة فإنهم يضحون في اليوم الأول بعد الزوال و يجوز في اليوم الثاني و الثالث قبل الزوال و بعده * و قال بعضهم في سائر الأيام تجوز التضحية في هذا المكان في أي وقت كان لوقوع اليأس عن الصلاة و هذا هو الحكم في أهل الأمصار * فأما أهل السواد و القرى و الرباطات عندنا يجوز لهم التضحية بعد طلوع الفجر الثاني من اليوم العاشر من ذي الحجة * وأما أهل البوادي لا يضحون إلا بعد صلاة أقرب الأئمة إليهم * و قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا من مضى من اليوم العاشر من ذي الحجة بعد طلوع الشمس مقدار ما لو صلى الإمام صلاة العيد يقدر عليها جازت لهم الأضحية و عنده لا يجوز الأضحية لأهل السواد قبل طلوع الشمس من اليوم العاشر و عندنا يجوز بعد طلوع الفجر الثاني من هذا اليوم فإن كانت الأضحية في المصر و صاحبها في السواد فوكل رجلا ليضحي في المصر فذبح الوكيل قبل صلاة العيد عندنا لا يجوز و لو كانت الأضحية في السواد و صاحبها في المصر فأمر أهله بالتضحية فذبح الأهل قبل صلاة العيد يجوز عندنا و يعتبر مكان المذبوح لا مكان المالك و في صدقة الفطر يعتبر مكان المولى لا مكان العبيد في قول محمد و أبي يوسف الأول رحمهما الله تعالى فرجع أبو يوسف رحمه الله تعالى و قال يعتبر مكان العبيد * و لو كان هو في مصر وقت الأضحية و أهله في مصر آخر فكتب إلى الأهل و أمرهم بالتضحية في ظاهر الرواية يعتبر مكان الأضحية * و لو أ خرج أضحيته من المصر وذبح قبل صلاة العيد قالوا إن أخرج من المصر مقدار ما يباح للمسافر قصر الصلاة في ذلك المكان يجوز الذبح قبل صلاة العيد و إلا فلا * و لو ضحى يوم عرفة بعد الزوال ثم أظهر أنه كان يوم النحر ذكر الزعفراني رحمه الله تعالى أنه يجوز * و كذا لو ذبح قبل صلاة العيد من يوم(3/204)
النحر ثم ظهر أن ذلك اليوم كان هو اليوم الثاني من أيام النحر جاز * هذا كله في بيان أول الوقت للتضحية ثم يمتد وقت الأداء من بعد صلاة العيد من اليوم العاشر من ذي الحجة لأهل الأمصار إلى غروب الشمس من اليوم الثاني عشر فيكون ثلاثة أيام و لا تجوز التضحية في الليلة العاشرة من ذي الحجة لأنها تضحية قبل الوقت و تجوز في الليلتين الحادي عشر و الثاني عشر و يكره التضحية و الذبح في الليالي * و أفضل أيام التضحية اليوم الأول و أدونها اليوم الآخر * و قال الشافعي رحمه الله تعالى أيام التضحية أربعة العاشر من ذي الحجة و ثلاثة أيام بعده إلى وقت العصر من اليوم الرابع * و ليس على الرجل أن يضحي عن أولاده الكبار و امرأته إلا بإذنهم و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوز بغير أمرهم استحسانا و في الولد الصغير عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى روايتان في ظاهر الرواية يستحب ولا يجب بخلاف صدقة الفطر و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يجب أن يضحي عن ولده الصغير و ولد ولده الذي لا أب له و الفتوى على ظاهر الرواية فإن كان للصغير مال قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يجب على الأب و الوصي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن يضحي من مال الصغير قياسا على صدقة الفطر و لا يتصدق بلحمه بل يأكله الصغير فإن فضل شيء لا يمكن ادخاره يشترى بذلك ما ينتفع بعينه * و على الرواية التي لا يجب في مال الصغير ليس للأب و الوصي أن يفعل ذلك فإن فعل الأب لا يضمن في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و عليه الفتوى و يضمن في قول محمد و زفر رحمهما الله تعالى فإن فعل الوصي يضمن في قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى * و اختلف المشايخ في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال بعضهم لا يضمن كما لا يضمن الأب * و قال بعضهم إن كان الصبي يأكل لا يضمن و إلا يضمن * و المعتوه و المجنون في هذا بمنزلة الصبي * أما الذي يجن و يفيق فهو كالصحيح * و لو كان الرجل مسافرا و له ولد صغير في وطنه لا يجب على المسافر أن يضحي عن نفسه * و على الرواية التي يجب على الأب أن يضحي عن ولده الصغير يجب على هذا المسافر أن يضحي عن ولده الصغير فإن مات ولده في أيام النحر سقطت أضحيته و يعتبر آخر أيام النحر في الفقر و الغنى و الولادة و الموت * موسر اشترى شاة للأضحية في أول أيام النحر فلم يضح حتى افتقر قبل مضي أيام النحر أو أنفق حتى انتقص النصاب سقطت عنه الأضحية و إن افتقر بعد ما مضت أيام النحر كان عليه أن يتصدق بعينها أو بقيمتها و لا يسقط عنه الأضحية * و كذا لو اشترى شاة للأضحية عن نفسه أو عن ولده فلم يضح حتى مضت أيام النحر كان عليه أن يتصدق بتلك الشاة أو بقيمتها و قال الحسن رحمه الله تعالى لا يلزمه شيء و لو أنه ذبحها بعد أيام النحر و تصدق بلحمها جاز فإن كانت قيمتها حية أكثر يتصدق بالفضل * و إن أكل(3/205)
منها شيئا يغرم قيمتها و إن لم يفعل شيئا من ذلك حتى أيام النحر من السنة القابلة و ضحى بها عن العام الأول لا يجوز لأن إراقة الدم عرف قرية أداء لا قضاء * و إن اشترى شاة يريد بها الأضحية لا تصير أضحية * و كذا لو كانت الشاة عنده فأضمر بقلبه لا تصير أضحية في قولهم * و لو اشترى شاة للأضحية ثم باعها و اشترى أخرى في أيام النحر فهذه على وجوه ثلاثة * الأول إذا اشترى شاة ينوي بها الأضحية * و الثاني أن يشتري بغير نية الأضحية ثم نوى الأضحية * و الثالث أن يشتري بغير نية الأضحية ثم يوجب بلسانه أن يضحي بها فيقول لله على أن أضحي بها عامنا هذا ففي الوجه الأول في ظاهر الرواية لا تصير أضحية ما لم يوجبها بلسانه و عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنها تصير أضحية بمجرد النية كما لو أوجبها بلسانه و به أخذ أبو يوسف رحمه الله تعالى و بعض المتأخرين * و عن محمد رحمه الله تعالى في المنتقى إذا اشترى شاة ليضحي بها و أضمر نية التضحية عند الشراء تصير أضحية كما نوى * فإن سافر قبل أيام النحر باعها وسقطت عنه الأضحية بالمسافرة * و أما إذا اشترى شاة بغير نية الأضحية ثم نوى الأضحية بعد الشراء لم يذكر هذا في ظاهر الرواية و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا تصير أضحية لو باعها يجوز بيعها و به نأخذ * فأماإذااشترىشاةثم أوجبها أضحية بلسانه وهو الوجه الثالث تصير أضحية في قولهم ولو ولدت ولدا يكون ولدها للأضحية ولو باعها يجوز بيعها في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إلا أنه يكره * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز بيعها وهي كالوقف عنده وإن اشترى شاة أخرى بعد ما باع الأولى إن اشترى الثانية بجميع ثمن الأولى جاز ولاشيء عليه وإن اشترى الأخرى بأقل مما تباع الأولى يتصدق بما بقي عنده من ثمن الأولى ولو باع الأولى بعشرين فزادت الأولى عند المشتري فصارت تساوي ثلاثين على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى بيع الأولى جائز وكان عليه أن يتصدق بحصة زيادة حدثت عند المشتري وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى بيع الأولى باطل تؤخذ الأولى من المشتري * رجل اشترى أضحية وأوجبها على نفسه بلسانه ثم مات قبل أن يضحي بها كان ميراثا عنه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى * وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز بيعه ولاهبته ولا يكون ميراثا ويكون كالوقف إلا أن يموت صاحبها قبل دخول أيام النحر فيكون ميراثا* رجل اشترى شاة للأضحية وأوجبها بلسانه ثم اشترى أخرى جاز له بيع الأولى في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فإن كانت الثانية شرا من الأولى وذبح الثانية فإنه يتصدق بفضل ما بين القيمتين لأنه لما أوجب الأولى بلسانه فقد جعل مقدار مالية الأولى لله تعالى فلا يكون له أن يستفضل لنفسه شيأ فلهذا يلزمه التصدق بالفضل قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى هذا إذا كان الرجل فقيرا فإن كان غنيا فليس عليه أن يتصدق بفضل القيمة لأن الأضحية واجبة على الغني من غير إيجاب ولهذا لو هلكت تلك الشاة لا تسقط عنه الأضحية فلا يفيد إيجابه فإذا كان ما ضحى به محللا للأضحية لا يلزمه شئ آخر * أما الفقير فليس عليه الأضحية بدون الإيجاب وإيجابه أوجب التضحية بالأولى ولهذا لو هلكت الأولى سقط عنه الواجب فلا يجوز له أن يستفضل شيأ من الأولى لنفسه فيلزمه التصدق بالزيادة قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الصحيح أن الجواب فيهما سواء يلزمه التصدق بالفضل فقيرا كان أو غنيا لأن الأضحية وإن كانت واجبة على الغني فهي واجبة في الذمة وإنما يتعين المحل بتعيينه فيتعين هذا المحل في قدر المالية لأن التعيين مفيد في ذلك إذا اشترى الغني أضحية فضلت فاشترى أخرى ثم وجد الأولى في أيام النحر كان له أن يضحي بأيتهما شاء * ولو كان معسرا فاشترى وأوجبها بلسانه فضلت ثم اشترى أخرى فأوجبها ثم وجد الأولى قالوا عليه أن يضحي بهما * الفقير إذا نوى أن يشتري شاة للأضحية لا يلزمه بهذه النية شئ * ولو اشترى شاة للأضحية فماتت أو باعها لا يلزمه أخرى وكذا لو ضلت * ولو أن رجلآ اشترى شاة للأضحية فضلت ثم اشترى شاة أخرى ثم وجد الأولى قبل أن يذبح الثانية كان له الخيار إن شاء ضحى الأولى وإن شاء ضحى الثانية ولو أنه ضحى الثانية ثم وجد الأولى هل عليه أن يضحي الأولى قال بعضهم إن كان الرجل فقيرا عليه أن يضحي الأولى وإن كان غنيا لا يجب عليه وقال الشيخ الإمام أبو حفص السكردري والشيخ الإمام اسماعيل الزاهد رحمهما الله تعالى ليس الجواب كذلك في الغني لا يجب عليه أن يذبح الأولى بعدما ذبح الثانية وإن كان فقيرا أوجبها على نفسه بأن قال لله على أن أضحي شاة عامنا * إذا اشترى شاة للأضحية فضلت ثم اشترى أخرى فضحاها ثم وجد الأولى ينظر إن كان هذا الفقير قال اكرا بيشين كم شداينك ديكرى لا يلزمه * ولو قال اكرابيشين كم شداينك ديكرى بدل و ى يلزمه أن يذبح(3/206)
الثانية لأنها صارت بدلا عن الأولى * إذا شك الإمام في يوم الأضحى فالمستحب أن لا يؤخر الذبح إلى اليوم الثالث لاحتمال أن يقع الذبح في غير وقته فإن أخر كان المستحب أن يتصدق بجميع ذلك ولا يأكل * ولو اشترى أضحية في اليوم الثالث والمسألة بحالها ليس عليه شئ لأنه وقع الشك في الوجوب * رجل له مائتا درهم اشترى بعشرين درهما أضحية يوم الثلاثاء مثلا فهلكت الأضحية يوم الأربعاء فجاء يوم الخميس وهو يوم الأضحى قالوا ليس عليه الأضحية لأن الأضحية إنما تجب في يوم الأضحى وهو فقير في يوم الأضحى * إذا شهد عند الإمام شهود على هلال ذي الحجة وصلى صلاة العيد وضحى ثم ظهر أن ذلك اليوم كان يوم عرفة قالوا جازت الصلاة والأضحية لأن الاحتراز عن هذا الخطأ غير ممكن فتجوز الصلاة وإذا جازت الصلاة تجوز الأضحية ضرورة وإن لم يشهد الشهود عنده على هلال ذي الحجة لم تجز الصلاة ومتى لم تجز الصلاة لم تجز الأضحية
(*فصل فيما يجوز في الضحايا وما لا يجوز *)
الأضحية تجوز من أربع من الحيوان الضأن والمعز والبقر والإبل ذكورها وإناثها وكذلك الجاموس لأنه نوع من البقر الأهلي * وإن ندت الأهلية وتوحشت فرماها عن الأضحية جاز * ولا يجوز البقر الوحشي * والذي تولد من الأهلي والوحشي إن كانت الأم أهلية جاز * ويشترط الكامل فلا يجوز الناقص سواء كان النقصان من حيث السن أو من حيث الذات فلا يجوز من الإبل والبقر والمعز إلا الثني * والثني من الإبل ما أتى عليه خمس سنين وطعن في السنة السادسة يقال له سديس وبازل عام * والثني من البقر ما أتى عليه سنتان وطعن في الثالثة * والثني من الغنم والمعز ما تمت له سنة وطعن في الثانية * ويجوز من الإبل والبقر والمعز الثنيان * ولا يجوز الجذعان إلا الجذع العظيم من الضأن وهو عند الفقهاء الذي أتى عليه أكثر السنة ستة أشهر وشئ من الشهر السابع فيجوز إذا كان عظيما سمينا بحيث لو رآه إنسان يحسبه ثنيا * والثني من الضأن أفضل من الجذع والأنثى من الإبل والبقر أفضل من الذكر والذكر من المعز أفضل * وكذا الذكر من الضأن إذا كان موجودا أي خصيا واختلف المشايخ رحمهم الله تعالى أن البدنة أفضل أو الشاة الواحدة قال بعضهم إذا كانت قيمة الشاة أكثر من قيمة البدنة فالشاة أفضل لأن الشاة كلها تكون فرضا والبدنة سبعها يكون فرضا والباقي يكون نفلا وما كان كلها فرضا كان أفضل وقال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى البدنة تكون أفضل لأنها أكثر لحما من الشاة وما قالوا بأن البدنة يكون بعضها نفلا فليس كذلك بل إذا ذبحت عن واحد كان كلها فرضا * و شبه هذا بالقراءة في الصلاة و لو اقتصر على ما تجوز به الصلاة جازت و لو زاد عليها يكون الكل فرضا * و قال الشيخ الإمام أبو حفص الكبير رحمه الله تعالى إذا كانت قيمة الشاة و البدنة سواء كانت الشاة أفضل لأنها أكثر لحما * و الشاة أفضل من سبع البقرة إذا استويا في القيمة و اللحم لأن لحم الشاة أطيب * فإن كان سبع البقرة أكثر لحما فسبع البقرة أفضل *(3/207)
فالحاصل أنهما إذا استويا في القيمة و اللحم فأطيبهما لحما أفضل و إن اختلفا في القيمة و اللحم فالفاضل منهما أولى و الفحل الذي يساوي عشرين أفضل من خصي بخمسة عشر و إن استويا في القيمة و الفحل أكثرهما لحما فالفحل أفضل * و الأنثى من البقر أفضل من الذكر إذا استويا لأن لحم الأنثى أطيب * و البقرة أفضل من ست شياه إذا استويا و سبع شياه أفضل من البقرة * الشاة في الأضحية لا تجوز إلا عن واحد * و الإبل و البقر يجوز عن سبعة إذا أراد الكل القربة اختلفت جهة القربة أو اتحدت * وإن أراد بعض الشركاء اللحم لا يجوز عنهم ولا تسقط الأضحية عنهم * سبعة اشتروا بقرة للأضحية فنوى أحدهم الأضحية عن نفسه لهذه السنة و نوى أصحابه الأضحية عن السنة الماضية قالوا تجوز الأضحية عن هذا الواحد و نية أصحابه للسنة الماضية باطلة و صاروا متطوعين و وجبت الصدقة عليهم بلحمها و على الواحد أيضا لأن نصيبه شائع * و لو اشترى بقرة للأضحية و نوى السبع منها لعامه هذا و ستة أسباعه عن السنين الماضية لا يجوز عن الماضية و يجوز عن العام * و لو ولدت شاة الأضحية ولدا كان عليه أن يذبح ولدها أيضا فإن ترك الولد إلى العام القابل و ضحاه عن السنة القابلة لا يجوز فإن كانت قيمة الولد في السنة الأولى درهمين فتصدق بدرهمين بعد ما مضت أيام النحر من السنة الأولى و كبر الولد في العام القابل فصارت قيمته عشرين و ضحى بها عن القابل جاز لأنه لما تصدق بقيمة الولد فقد أدى ما وجب عليه * غني ضحى شاتين كانت الزيادة على الواحدة تطوعا عند عامة العلماء و قال بعضهم الزيادة على الوحدة تكون لحما و لا تصير أضحية تطوعا * رجل اشترى للأضحية شاتين بثلاثين درهما كان ذلك أفضل من شاة واحدة بثلاثين * و إن اشترى شاتين بعشرين و شاة واحدة بعشرين كانت الشاة الواحدة أولى و لو وجد بعشرين شاتين على ما يجوز في الأضحية في السن و غيره كانت التضحية بشاتين أفضل و يكون كلاهما أضحية لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يضحي كل سنة بشاتين و عام الحديبية ضحى ببدنة * سبعة اشتروا بقرة بسبعين درهما و سبعة آخرون اشتروا سبعة شياه بمائة درهم تكلموا في الأفضلية و الصحيح أن الثاني أفضل لأنه أكثر ثمنا و أظهر نفعا للفقراء و لو أن رجلا موسرا أو امرأة موسرة ضحى بدنة عن نفسه خاصة كان الكل أضحية واجبة عند عامة العلماء و عليه الفتوى و قد ذكرنا * و لو ضحى غني بدنة عن نفسه و عن ستة من أولاده ليس هذا في ظاهر الرواية * و قال الحسن بن زياد رحمه الله تعالى في كتاب الأضحية له إن كان أولاده صغارا جاز عنه وعنهم جميعا في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و إن كانوا كبارا إن فعل بأمرهم جاز عن الكل في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و إن فعل بغير أمرهم أو بغير أمر بعضهم لا يجوز لا عنه و لا عنهم في قولهم جميعا لأن نصيب من لم يأمر صار لحما فكان الكل لحما * و في قول الحسن بن زياد رحمه الله تعالى إذا ضحى بدنة عن نفسه و عن خمسة من أولاده الصغار و عن أم ولده بأمرها أو بغير أمرها لا يجوز لا عنه و لا عنهم و قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يجوز عن نفسه * و لو اشترك سبعة في بدنة و واحد منهم مشرك كان الكل لحما و إن نوى بعض الشركاء التطوع و بعضهم يريد الأضحية للعام الماضي الذي صار دينا عليه و بعضهم الأضحية الواجبة عن عامه ذلك جاز عن الكل و يكون الواجب عمن نوى الواجب عن عامه ذلك و يكون تطوعا عمن نوى القضاء عن العام الماضي و لا يجوز عن قضائه بل يتصدق بقيمة شاة وسط لما مضى و لو نوى بعض الشركاء الأضحية و بعضهم هدى المتعة و بعضهم هدى القران و بعضهم جزاء الصيد و بعضهم دم العقيقة لولادة ولد ولد له في عامه ذلك جاز عن الكل في ظاهر الرواية عن محمد رحمه الله تعالى في النوادر كذلك * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الامالي أنه قال الأفضل أن يكون الكل من جنس واحد فإن اختلفوا و كل واحد متقرب إلى الله تعالى جاز * و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال اكره ذلك فإن فعلوا جاز و قال زفر رحمه الله تعالى لا يجوز و يكون الكل لحما * أضحية خرج من بطنها ولد حي قال عامة العلماء رحمهم الله تعالى يفعل بالولد ما يفعل بالأم فإن لم يذبحه حتى مضت أيام النحر يتصدق به حيا * فإن ضاع أو ذبحه و أكله يتصدق بقيمته فإن بقي عنده حتى كبر و ذبحها للعام القابل أضحية لايجوز و عليه أخرى لعامه الذي ضحى و يتصدق به مذبوحا مع نقصان قيمته بالذبح و الفتوى على هذا و قال بعضهم إن كان غنيا يضحي بالشاة و لا يضحي بالولد و إن كان معسر ضحى بها و بأولادها * رجل اشترى بدنة و أوجبها أضحية بلسانه ثم اشترك فيها ستة جملة أو واحد بعد واحد حتى صاروا سبعة في القياس لا يجوز الاشتراك و لو فعل ذلك و ضحوا بها يكون لحما و هو قول زفر رحمه الله تعالى و في الاستحسان يجوز و هو قول علمائنا رحمهم الله تعالى و إذا جاز عندنا لا يجب(3/208)
التصدق بشيء من الثمن و إذا لم يجز على قول زفر رحمه الله تعالى كان عليه أن يشتري أخرى ما بقى وقت النحر و يتصدق بالثمن إذا مضت أيام النحر * و هكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى هذا إذا كان غنيا فإن كان فقيرا فكذلك الجواب * و قال بعضهم لا يجوز له الاشتراك عندنا * بدنة بين اثنين ضحيا بها فإن كان لأحدهما سبع أو سبعان و الباقي للآخر جاز و إن كان بينهما نصفان اختلفوا فيه قال بعضهم لا يجوز لأن لكل واحد منهما ثلاثة أسباع و نصف سبع و نصف السبع لا يجوز في الأضحية فإذا صار ذلك القدر لحما صار الباقي لحما * قال بعضهم جاز ذلك و به أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لأن نصف السبع و إن كان لا يجوز أضحية مقصودة يجوز تبعا لثلاثة أسباع فيجعل تبعا و إن كان لا يجوز مقصودا عند الانفراد * سبعة ضحوا بقرة و اقتسموا لحمها وزنا جاز لأن بيع اللحم باللحم وزنا مثلا بمثل جائز فكذلك القسمة فإن اقتسموا اللحم جزافا لا يجوز اعتبارا بالبيع و لو أنهم اقتسموا لحمها جزافا و حلل كل واحد منهم لأصحابه الفضل لا يجوز بخلاف ما إذا باع درهما بدرهم و تربح أحد الدرهمين مقدار ما لا يدخل تحت الوزن فحلل صاحبه الآخر فإنه يجوز ذلك * و الفرق أن تحليل الفضل هبة و في مسئلة اللحم هبة المشاع فيما يحتمل القسمة و هو اللحم فلم يجز و في مسئلة الدرهم , الدرهم الواحد لا يحتمل القسمة فجازت الهبة و لو اقتسموا اللحم الجزور المشترك في الأضحية جزافا و في نصيب كل واحد منهم شيء مما لا يوزن كالرجل و الرأس و نحو ذلك لا بأس به إذا حلل بعضهم بعضا * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى أكره ذلك * و قال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى إذا أخذ كل واحد منهم كراعا و قطعة لحم و أخذ الرأس و قطعة لحم و أخذ بعضهم الكل من اللحم إن سبع اللحم أو أقل لم يجز و إن أصابه أكثر حتى تكون الزيادة بإزاء الرجل و الرأس جاز إذا كانوا سبعة * رجل ضحى عن نفسه و عن أربعة من عياله خمس شياه و لم يعين كل واحد عن صاحبها عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوز عن الكل استحسانا * سبعة نحروا ناقة عن سبعة و أحد الشركاء وارث ميت يذبح عن مورثه قال محمد رحمه الله تعالى الستة يأكلون أنصباءهم من اللحم و يتصدق بنصيب الميت و لا يأكله الوارث * قال رضي الله عنه هذا إذا كان الوارث ضحى من مال الميت بأمر الميت * سبعة اشتركوا في تضحية البقرة و معهم صبي ضحى عنه أبوه أو معتوه ضحى عنه وليه أو أم ولد مسلمة ضحى عنها مولاها جاز عن الكل * و لو مات واحد منهم قبل أن ينحر قال وارثه انحروها عن الميت قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز أن يضحي عن الميت ابتداء إلا أن يكون الميت أوجب ذلك على نفسه في حياته فيجب على الوارث أن يذبح عنه شاء أو أبى و ذكر الزعفراني رحمه الله تعالى إن أمرهم الميت أن يضحى عن الميت ففعل الوارث يقع عن الوارث نفلا و للميت أجر الذبح إن فعل الوارث بمال نفسه و يكون هو بمنزلة ما لو نوى واحد من الشركاء السبعة بنصيبه التطوع * رجل اشترى بقرة للأضحية عن نفسه ثم اشترك فيها ستة ذكرنا أنه يجزيهم استحسانا فإن فعل ذلك قبل الشراء كان أحسن و ذكر في مناسك الأصل لا يسعه أن يشركهم بعد الشراء إلا أن يريد عند الشراء أن يشركهم فيها فلا بأس به و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال أرى بأسا فيما إذا نوى عند الشراء أن يشركهم و لا أحفظ رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى و لو لم ينو عند الشراء أن يشركهم ثم أشركهم فقد كرهه أبو حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى و هذا دليل على أن بمجرد النية عند الشراء للأضحية لا تصير أضحية * ذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أنها تصير أضحية بمجرد النية حتى لو مضت أيام النحر و لم يضح بها يتصدق بها حية و إن ذبحها يتصدق بجميع اللحم و إن أكل منه يتصدق بقيمة ما أكل * رجلان ذبحا شاتين بينهما عن نسكهما أجزأهما * بخلاف ما لو أعتقا عبدين بينهما عن كفارتهما فإن ذلك لا يجوز كذا قال محمد رحمه الله تعالى * رجل اشترى أضحية ثم مات إن كان الميت أوجبها على نفسه بلسانه يجبر الورثة على أن يضحوا عنه و لو ضحى عن ميت من مال نفسه بغير أمر الميت جاز و له أن يتناول منه و لا يلزمه أن يتصدق به لأنها لم تصر ملكا للميت بل الذبح حصل على ملكه و لهذا لو كان على الذابح أضحية سقطت عنه * و إن ضحى عن ميت من مال الميت بأمر الميت يلزمه التصدق بلحمه و لا يتناول منه لأن الأضحية تقع عن الميت * رجل ضحى بشاة نفسه عن غيره لا يجوز ذلك سواء كان بأمره أو بغير أمره لأن لا وجه لتصحيح الأضحية عن الآمر بدون ملك الآمر و الملك للآمر لا يثبت إلا بالقبض و لم يوجد القبض لا من الآمر و لا من نائبه * إذا ضحى الرجل عن أبويه بغير أمرهما و تصدق به جاز لأن اللحم ملكه و إنما للميت ثواب الذبح و الصدقة *
(* فصل في العيوب ما يمنع الأضحية و ما لا يمنع *)(3/209)
لا يجوز في الهدايا و الضحايا العمياء و العوراء و إن كانت بيضاء بعض العين الواحدة أو ذاهبة بعض العين الواحدة أو بعض أذنها الواحدة أو بعض ذنبها فإن كان البياض أو الذهاب أكثر من النصف لا يجوز عند الكل و إن كان أقل من الثلث جاز عندهم و إن كان قدر الثلث يجوز في ظاهر الرواية * و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجوز و لو علم المشتري بذلك بعد الذبح جازت الأضحية و إن كان أقل من الثلث و يرجع على البائع بنقصان العيب و يتصدق بارش النقصان أيضا و إن كان لا يجوز معه الأضحية يرجع على البائع بنقصان العيب و يطيب له ارش النقصان * و إن كان الذاهب من العين أو غيرها أكثر من الثلث و أقل من النصف في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز و هو قول زفر رحمه الله تعالى و جاز في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال ذكرت قولي لأبي حنيفة فقال قولي مثل قولك و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن كانت الأضحية مقطوعة الأذن الواحدة أكثر من الثلث لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و يجوز في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى إذا كان الباقي أكثر من النصف * و شق الأذن و الكي لا يمنع جواز الأضحية * و لو كانت الأضحية صحيحة العينين عنده فاعورت بعدما أوجبها على نفسه أو كانت سمينة فصارت عجفاء أو عرجاء ذكر في رواية أبي سليمن رحمه الله تعالى إن كان الرجل موسرا لا يجوز له أن يضحى بها و إن كان معسرا جاز له ذلك * و في رواية أبي حفص يجوز موسرا كان أو معسرا لما جاء عن علي رضي الله عنه أنه أجاز ذلك * و لو ذهب عينها الواحدة أو كسر رجلها الواحدة في معالجة الذبح ينظر إن لم يرسلها جاز و إن أرسلها بعد ما أصابتها آفة و ضحى بها بوقت آخر في يومه ذلك أو يوم آخر من أيام النحر لم يذكر هذا في الأصل و اختلفوا به روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوز و به أخذ الزعفراني رحمه الله تعالى قال و قد قال بعض العلماء أنه لا يجوز و لا نأخذ به و لا يجوز العرجاء التي لا تقدر على القيام و المشي إلى المذابح و إن قدرت جاز * و الشاة إذا لم يكن لها أذن و لا ذنب خلقة يجوز قال محمد رحمه الله تعالى لا يكون هذا و لو كان لا يجوز * و ذكر في الأصل عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يجوز * و إن لم يكن لها عينان خلقة لا يجوز * و يجوز الجماء و هي التي لا قرن لها خلقة و كذلك مكسورة القرن و يجوز الثولاء و الجرباء إذا كانتا سمينتين و إن كانتا مهزولتين لا نبقى لا يجوز إذا ذهب مخ عظمها * و إن كانت مهزولة فيها بعض الشحم جاز مروي ذلك عن محمد رحمه الله تعالى * فإن كانت مهزولة عند الشراء فسمنت بعد الشراء جاز و التي لا أسنان لها و هي تعتلف أو لا تعتلف لا يجوز * و إن بقي لها بعض الأسنان إن بقي من الأسنان قدر ما تعتلف جاز و إلا فلا * و يجوز السكاء في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و هي صغيرة الأذنين بعد أن يسمى أذنا * و إن كان لها ألية صغيرة مثل الذنب خلقة جاز أما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فظاهر لأن عنده لو لم يكن لها أذن و لا ألية أصلا جاز فصغيرة الأذنين أولى و أما على قول محمد رحمه الله تعالى صغيرة الأذنين جائزة * و إن لم يكن لها إلية و لا أذن خلقة لا يجوز و إن كانت صغيرة الأذنين جاز * و مشقوقة الأذنين من قبل وجهها و هي المقابلة جاز * و كذلك المدابرة و هي التي تكون على العكس و كذا الشرقاء و هي التي قطع من وسط أذنيها فنفذ الخرق إلى الجانب الآخر و كذا الحولاء و هي التي في عينها حول و كذا المجزوزة و هي التي جز صوفها و لا تجوز الجلالة و هي التي تأكل العذرة و لا تأكل غيرها فإن كانت الجلالة ابلا تمسك أربعين يوما حتى يطيب لحمها و البقر تمسك عشرين يوما و الغنم عشرة أيام و الدجاجة ثلاثة أيام * و العصفور يوما * و لا يجوز المريضة البين مرضها في الأضحية و لا التي يبس ضرعها أو قطع ضرعها * و إن ذهب بعض ضرعها فهو على الخلاف الذي ذكرنا في الأذن و العين و الألية إذا كان الذاهب أكثر من الثلث و أقل من النصف لا يجوز في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى و عند أبي يوسف و محمد رحمه الله تعالى إذا كان الذاهب أقل من النصف جاز و هو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان * و الصحيح أن الثلث و ما دونه قليل و مازاد عليه كثير و عليه الفتوى
(* فصل في الانتفاع بالأضحية *)(3/210)
لا بأس بأن ينتفع باهاب الأضحية أو يشترى بها الغربال و المنخل * و إن باعه بدراهم أو فلوس يتصدق بثمنه في قول أصحابنا رحمهم الله تعالى و في قول الحسن البصري رحمه الله تعالى يكره أن يشترى بها غربالا أو منخلا * و لا يجوز الانتفاع به و التصدق و لا بأس أن يتخذ من جلد الأضحية فروا أو بساطا أو متكأ يجلس عليه أو يبيع جلد الأضحية بشيء من متاع البيت و الثوب لنفسه يلبسه أو كساء أو خفا أو نحو ذلك و قال بعضهم لو باع الجلد بالثوب لا يجوز و ليس له أن يبيع الجلد لينفق الثمن على نفسه أو عياله * و لا يبيع لحم الأضحية ليتصدق بل يأكله أو يطعم و لو ولدت الأضحية يضحى بالأم و الولد إلا أنه لا يأكل من الولد بل يتصدق به فإن أكل منه يتصدق بقيمة ما أكل * و المستحب أن يتصدق بولدها حيا و لو حلب اللبن من الأضحية قبل الذبح أو جز صوفها يتصدق بها و لا ينتفع بها و عن محمد رحمه الله تعالى إذا نذر ذبح شاة لا يأكل منها الناذر فإن أكل كان عليه قيمته و لا يعطى جلد الأضحية و لا لحمها بأجرة الذابح و السلاخ و لو اشترى بجلد الأضحية جرابا جاز و إن اشترى به شيئا من الحبوب لا يجوز * و لو اشترى بلحم الأضحية حبوبا جاز * و كذا لو اشترى لحما بلحم جاز و لو اشترى بلحم الأضحية جرابا لا يجوز * و لو اشترى بجلد الأضحية لحما للأكل لا يجوز إلا في رواية و عن محمد رحمه الله تعالى أنه يجوز الكل قالوا و الأصل في هذا أنه يجوز بيع غير المأكول بغير المأكول * و يجوز بيع المأكول بالمأكول و لا يجوز بيع غير المأكول بالمأكول و لا بيع المأكول بغير المأكول * و لو أدخل جلد الأضحية في الكوارة أو جعله جرابا إن استعمل الجراب في أعمال منزله جاز و لو آجر لا يجوز و عليه أن يتصدق بالأجر و أما الكوارة إن استعملها في منزله أو أعار جاز و لو آجر تلك الكوارة هل يطيب له الأجر قالوا ينظر فيه إن كانت الكوارة جديدة لا يلزمه التصدق بالأجر و إن كانت خلقا منخرقا يلزمه التصدق بنصف الأجر دون نصفه نحو ما إذا آجره بدانقين يتصدق بدانق واحد لأن الكوارة إذا كانت جديدة لا يحتاج في الانتفاع بها إلى الجلد فيكون الجلد تبعا للكوارة و يكون كل الأجر بإزاء الكوارة فيطيب أما إذا كانت الكوارة خلقا يحتاج في الانتفاع إلى الجلد لامساك ما فيه كان نصف الأجر للكوارة و النصف للجلد * و إذا أخذ شيئا من الصوف في طرف من أطراف الأضحية للعلمة في أيام النحر لا يجوز له أن يطرح ذلك الصوف و الشعر على الفقراء * عشرة نفر اشتروا من رجل عشر شياه جملة فقال البائع بعت هذه العشرة لكم كل شاة بعشرة دراهم قالوا اشترينا فصارت العشرة مشتركة بينهم فأخذ كل واحد منهم شاة و ضحى عن نفسه جاز * فإن ظهر منها شاة عوراء فأنكر كل أحد من الشركاء أن تكون العوراء له لا تجوز تضحيتهم لأن تسع شياه عن عشرة نفر لا تجوز لأنه منقوص كل أضحية في التسع
(* فصل في مسائل متفرقة *)(3/211)
رجل اشترى أضحية و أمر رجلا بذبحها و قال تركت التسمية عمدا ضمن الذابح قيمة الشاة للآمر ليشتري الآمر بقيمتها شاة أخرى و يضحي و يتصدق بلحمها و لا يأكل * هذا إذا كان أيام النحر باقية فإن مضت أيام النحر يتصدق بقيمتها على الفقراء * رجل دعا قصابا ليضحي عنه فضحى القصاب عن نفسه فهي عن الآمر * رجل اشترى خمس شياه في أيام النحر و أراد أن يضحي بواحدة منها لكن لم يعينها فذبح الرجل واحدة منها يوم الأضحى بغير أمر صاحبها بنية الأضحية عن صاحبها كان ضامنا لأن صاحبها لم يأذن له بذبح هذه الشاة * شاة ندت فرماها صاحبها و نوى الأضحية فأصابها السهم و قتل جازت الأضحية لأنها التحقت بالوحشية * و الأفضل للرجل إذا أراد التضحية أن يضحي بيده إن قدر * فإن لم يقدر يفوض إلى غيره لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذبح بنفسه * و هكذا جاء عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى * رجل قال إن فعلت كذا فعلي أن أضحي لا يكون يمينا وقيل إن كان فقيرا يكون يمينا رجل أوجب على نفسه عشر أضحيات قالوا لا يلزمه إلا أضحيتان لأن الأثر جاء باثنتين * رجل ضحى و لم ينو الأضحية قالوا يجوز لأنه لما اشتراها للأضحية فقد تعينت الأضحية * رجل ضحى و ذبح و قال بسم الله بنام خداي و بنام محمد عليه السلام قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن أراد الرجل بذكر اسم النبي عليه السلام تبجيله و تعظيمه جاز و لا بأس به * و إن أراد به الشركة مع الله تعالى لا تحل الذبيحة و لو قال الحمد لله أو سبحان الله عند الذبح إن نوى بذلك التسمية جاز * و إن لم ينو يكون شكرا و لا يكون تسمية * رجل غصب شاة و ضحى بها ثم ضمن قيمتها جاز * و لو كانت الشاة رهنا عنده أو وديعة فضحى بها ثم ضمن قيمتها لا يجوز * رجل وكل غيره بشراء أضحية فوكل الوكيل غيره ثم و ثم فاشترى الآخر يكون موقوفا على إجازة الأول إن أجاز جاز و إلا فلا * و الوكيل يدفع الزكاة إذا وكل غيره ثم و ثم فدفع الآخر جاز و لا يتوقف * ثلاثة نفر اشتروا ثلاثة شياه ثم اختصموا و قالوا أن هاتين الشاتين ليستا لنا و ادعى كل واحد الشاة الثالثة قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى تصرف الشاتان إلى بيت المال و الثالثة تباع و يتصدق بثمنها و إن اشترى ثلاثة نفر ثلاث شياه ثم أشكل عليهم عند الذبح قال الشيخ الإمام هذا رحمه الله تعالى ينبغي أن يوكل كل واحد أصحابه بالذبح حتى لو ذبح شاة نفسه جاز * و لو ذبح عنه غيره بأمره جاز أيضا * رجل أراد أن يضحي فوضع صاحب الشاة يده مع يد القصاب في المذبح و أعانه على الذبح حتى صار ذابحا مع القصاب قال الشيخ الإمام هذا رحمه الله تعالى يجب على كل واحد منهما التسمية حتى لو ترك أحدهما التسمية لاتحل الذبيحة * و كذا لو علم صاحب الشاة أن التسمية شرط إلا أنه ظن أن تسمية أحدهما تكفي لا يحل أكله * و كذا لو نظر إلى جماعة من الغنم فقال بسم الله و أخذوا واحدة و أضجعها و ذبحها و ترك التسمية و ظن أن تلك التسمية تجزيه لا يحل * رجل وهب لرجل شاة فضحى بها الموهوب له أو ذبحها لمتعة أو جزاء صيد ثم رجع الواهب في الهبة جازت الاضحية و المتعة * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يصح رجوع الواهب فيها و في ظاهر الرواية صح رجوعه * وليس على الموهوب له في الأضحية و المتعة أن يتصدق بشيء و في جزاء الصيد عليه أن يتصدق بقيمة المذبوح و يسقط عنه الجزاء * رجل اشترى شاة بشراء فاسد فذبحها عن الأضحية جاز و للبائع خيار فإن ضمنه قيمتها حية فلا شيء على المضحى و إن اخذها مذبوحة قيل على المضحي أن يتصدق قيمتها حية لأن القيمة سقطت عن المضحي حيث أخذها البائع مذبوحة فكأنه باعها بالقيمة التي وجبت عليه * و قال بعضهم ليس على المضحي أن يتصدق بأكثر من قيمتها مذبوحة و هو الصحيح لأن البائع لما أخذ الشاة مذبوحة فقد أبرأ المضحي عن الفضل بين القيمتين و إن لم يأخذها البائع مذبوحة لكن المشتري صالحه عليها مذبوحة عن القيمة التي وجبت عليه أو باعها منه بتلك القيمة لا يتصدق بشيء * رجل اشترى شاة و ضحى بها ثم وجد بها عيبا لا يمنع التضحية كان له أن يرجع على البائع بنقصان العيب * و ليس عليه أن يتصدق بشيء فإن قال البائع أنا أرضى بأخذها مذبوحة كان له ذلك فإن أخذها و رد الثمن على المشتري كان على المشتري أن يتصدق بما استرد من البائع إلا حصة نقصان العيب فإن نوى الثمن على البائع فلا شيء على المشتري * و إن نوى البعض و حصل البعض فإنه يتصدق بما وصل إليه من حصة الشاة و لا يتصدق بقدر حصة نقصان العيب من ذلك حتى الثمن عشرة و نقصان العيب درهم يتصدق بتسعة أعشار ما وصل إليه * رجل أمر رجلا أن يشتري له بقرة بعشرة دنانير فاشترى الوكيل بمائتي درهم و قيمة الدنانير مثل الدراهم أو كان على العكس لزم الآمر استحسانا في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى * و عن الحسن بن زياد و زفر و محمد رحمهم الله تعالى لا يلزم(3/212)
الآمر إلا أن يشتري بمثل ما سمى له من الثمن * و أجمعوا على أنه لو اشترى بعروض قيمته مثل الدراهم لا يلزمه * و أن وكله بأن يشتري له بقرة سوداء للأضحية فاشترى بيضاء أو حمراء لزم الآمر * و إن وكله بأن يشتري له بقرة أنثى فاشترى ذكرا لا يلزم الآمر و كذا الشاة * و إن قال بقرة و لم يقل أنثى فاشترى ذكرا لزم الآمر * و إن وكله بأن يشتري كبشا أقرن أعين للأضحية فاشترى كبشا ليس بأعين و لا أقرن لا يلزم الآمر و إن وكله أن يشتري له الثنى من الضأن للأضحية فاشترى جذعا من الضأن لا يلزم الآمر و كذا لو أمره أن يشتري له الضأن للأضحية و لم يقل الثنى فاشترى جذعا من الضأن لا يلزم الآمر * و إن وكله بأن يشتري له بقرة مسنة للأضحية فاشترى له الثنى لا يلزم الآمر و إن كانت المسنة و الثنى من البقر عند الفقهاء واحد و هو ما تم عليه سنتان و طعن في الثالثة * و إن وكله بأن يشتري له الثنى من البقر و لم يسم له الثمن فاشترى له مسنة فهو على وجهين * إن كان الثنى يشترى بأقل من مسنة لا يلزم الآمر * و إن كانت المسنة و الثنى بثمن واحد لزم الآمر * و لو وكله بأن يشتري له شاة للأضحية فاشترى عنزا تجزى في الأضحية جاز لأن الشاة اسم جنس يتناول الضأن و المعز * و لو وكله أن يشتري معزا فاشترى شاة من الضأن لا يلزم الآمر * و لو وكل إنسانا بأن يشتري له شاة للأضحية فاشترى الوكيل شاة و استأجر إنسانا بدرهم يقودها لا يلزم الأجر الآمر *
(* كتاب الصيد و الذبائح *)
الصيد هو الحيوان المتوحش الممتنع من الا دمى مأكولا كان أو غير مأكول أما المأكول فهو الأنعام كلها الإبل و البقر و الغنم و المعز حلال * و كذلك ما سوى الأنعام من غير السباع كالظبي و الأرنب و حمار الوحش و بقر الوحش و الطير الذي ليس له مخلب كالدجاج والحمام و الإوز و الغراب الأسود الذي يأكل الحب يقال له غراب الزرع * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى عن العقعق فقال لا بأس به فقلت إنه يأكل النجاسات فقال أنه يخلط النجاسة بشىء آخر ثم يأكل فكان الأصل عنده أن ما يخلط النجاسة بشىء آخر كالدجاج لا بأس به * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يكره العقعق كما يكره الدجاجة المخلاة * ولا يؤكل الخفاش لأنه ذو ناب ولا بأس بالخطاف والقمرى والسوداني والزرزور والعصافير والفاختة والجراد وكل ما ليس له مخلب يختطف بمخلبه ولا بأس بدود الزنبور قبل أن ينفخ فيه الروح لأن ما لا روح له لا يسمى ميتة * والكلب إذا نزا على شاة فولدت ولدا رأسه رأس الكلب وما سوى الرأس من الأعضاء يشبه الشاة أو العنز قالوا يقدم عليه العلف واللحم فإن تناول اللحم ولم يتناول العلف لا يؤكل لأنه كلب وإن تناول العلف ولم يتناول اللحم يرمى رأسه ويؤكل ما سوى الرأس إذا ذبح * وإن تناولهما جميعا يضرب إن ذبح لا يؤكل شيء منه لأنه كلب وإن ثغا يرمى رأسه ويؤكل ما سوى الرأس *(3/213)
فإن أتى بالصوتين جميعا يذبح فإن خرج منه الكرش يؤكل ما سوى الرأس وإن خرج منه الأمعاء لا يؤكل منه شيء لأنه كلب * ولا بأس بسائر أنواع السمك نحو الجريت والمارماهي* ولا يؤكل ما في البحر سوى السمك وطير الماء عندنا * وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس بأكل ما في البحر * وله في الضفدع قولان * وإذا أخذ سمكة فوجد في بطنها سمكة أخرى لا بأس بأكلها * وإن أكلها كلب فشق بطنه فخرجت السمكة تؤكل إذا كانت صحيحة ولا تؤكل إذا ذرقها طائر * ولو ضرب سمكة فقطع بعضها لا بأس بأكلها * فإن وجد الباقي منها يؤكل أيضا والأصل أن السمك متى مات بسبب حادث حل أكله * وإن مات حتف أنفه لا بسبب ظاهر لا يحل أكله عندنا لأنه طاف* والجراد يؤكل وجد حيا أو ميتا * فإن ألقى سمكة في جب ماء فماتت فيه لا بأس بأكلها إلا أنها ماتت بسبب حادث وهو ضيق المكان * وكذا إذا جمع السمك في حظيرة لا يستطيع الخروج منها وهو يتمكن من أخذها بغير صيد فتى مات فيها لا بأس بأكلها وإن كان لا يؤخذ بغير صيد لاخير في أكلها * ولو وجد سمكة بعضها في الماء وبعضها على الأرض وقد ماتت قال محمد رحمه الله تعالى إن كان رأسها على الأرض لا بأس بأكلها لأنها ماتت بلآفة وإن كان رأسها في الماء ينظر إن كان ما على الأرض منها أقل من النصف أو النصف لا تؤكل لأن موضع النفس في الماء فلا يكون الموت بلآفة فيكون بمنزلة الطافي * وإن كان الأكثر من نصفها على الأرض أكل لأن للأكثر حكم الكل فصار كما لو كان الكل على الأرض * وإن ماتت السمكة في الماء بحر الماء أو برده لم يذكر هذا في الكتاب قال عامة المشايخ رحمهم الله تعالى لابأس بأكلها لأنها ماتت بآفة فتحل كما لو وجدها في بطن سمكة * وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنها لاتؤكل كالطافي وعن محمد رحمه الله تعالى أنها لا تؤكل لأنها ماتت بآفة * وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى ما قاله المشايخ أعجب إلى * ولو إنجمد الماء فماتت الحيتان تحت الجمد قال رضي الله عنه ينبغي أن تؤكل عند الكل * رجل اشترى سمكة في خيط مشدود في الماء وقبضها ثم دفع الخيط إلى البائع وقال احفظها وجاءت سمكة أخرى وابتلعت المشتراة قال محمد رحمه الله تعالى المبتلعة للبائع لأنه هو الذي صادها فإن الخيط كان في يده فما تعلق بالخيط يصير في يده فيكون له فيخرج السمكة المشتراة من بطن المبتلعة ويسلم إلىالمشتري ولا خيار للمشتري وإن انتقصت المشتراة بالابتلاع لأن هذا نقصان حصل بعد القبض * ولو أن المشتراة هي التي ابتلعت الأخرى فهما جميعا يكونان للمشتري لأنه إنما صادها في ملك المشتري فيكون للمشتري * ولو لدغت حية سمكة في الماء فقتلتها أونضب الماء عنها ثم ماتت أوماتت في الشبكة أكلت إلاما ماتت حتف انفها بغير سبب لأنه طاف * ولايؤكل الحمار والبغل * ويكره لحم الخيل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لصاحبيه رحمهما الله تعالى واختلف المشايخ في تفسير الكراهية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الصحيح أنه أراد به التحريم * و لبنه كلحمه * و يحرم كل ذي ناب من السبع و هو الأسد و الذئب و النمر و الفهد و الثعلب و الضبع و الكلب و السنور الأهلي و الوحشي و السنجاب و الفنك و السمور و الدلف و الدب و القرد و اليربوع و الضب و ابن عرس و ابن آوى و الفيل و الخنزير و جميع الهوام مما يكون سكناه في الأرض كالفأرة و الوزغة و سام أبرص و القنفذ و الحية و الضفدع و كل ما لا دم له كالزنبور و البرغوث و الذباب و البعوض و القمل و القراد و كل ذي مخلب من الطير كالصقر و البازي و النسر و العقاب و الباشق و الشاهين و البغاث و الحدأة و ما يأكل الجيف من الطيور كالغراب الأبقع * و جنين الناقة إذا خرج ميتا بعد ذبحها حرام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف و محمد و الشافعي رحمهم الله تعالى لا بأس بأكله إذا تم خلقه فإن لم يتم لا يؤكل * و لا تؤكل الجلالة و لا يشرب لبنها * و الجلالة هي التي تعتاد أكل الجيف و النجاسات ولا تختلط فيتغير لحمها فيكون منتنا و أما ما يختلط فيتناول النجاسة و الجيف و يتناول غيرها على وجه لا يظهر أثر ذلك في لحمه لا بأس بأكله * روي أن جديا غذي بلبن الخنزير لا بأس بأكله لأن لحمه لا يتغير و ما غذى به يصير مستهلكا لا يبقى له أثر * فعلى هذا قالوا لا بأس بأكل الدجاج لأنه يختلط و لا يتغير لحمه * و ما روي أن الدجاج يحبس ثلاثة أيام ثم يذبح فذلك على سبيل التنزه لا لأن ذلك شرط * روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأكل الدجاج و إنما يحبس ما يتناول الجيف و غير الجيف على وجه لا يظهر أثر ذلك في لحمه على وجه التنزه و الشاة أو الإبل إذا سقي خمرا فذبحت من ساعتها حل أكلها * ثم الاصطياد قد يكون بالرمي و ارسال الجوارح المعلمة كالكلب و الفهد و البازي و الباشق و الصقر و نصب الشبكة و حفر البئر و غرز القصب و السكين و ما أشبه ذلك فإن أراد الرمي ينبغي أن يكون(3/214)
السهم جارحا و يسمى عند الرمي حتى لو قتله السهم جرحا حل أكله ومن شرطه أن يرمى إلى صيد * رجل رمى سهما إلى صيد فأصابه و أثخنه بحيث لا يستطيع البراح ثم رماه آخر فقتله لا يحل أكله لأن السهم الأول لما أثخنه فقد أخرجه من أن يكون صيدا فلا يحل إلا بذكاة الاختيار * و إن رمى سهما إلى صيد فأصابه السهم فأثخنه ثم رماه آخر فقتله ذكرنا أنه لا يؤكل و يضمن الثاني للأول قيمته مجروحا لأنه صار ملكا للأول و قد حرمه الثاني فيضمن قيمته * و إن رماه الثاني قبل أن يصيبه السهم الأول فقتله لا يحرم أكله و لا يضمن الثاني شيئا * و إن كان الصيد بعد ما أصابه السهم الأول يتحامل و يطير فرماه الثاني فقتله يكون للثاني و يحل أكله * و لو رمى صيدا فأصابه فلما انتهى إليه ليأخذه مات قبل أن يقع في يده فلا بأس بأكله * و لو أن صيدا ألف دار إنسان و كان يأوي مكانا في تلك الدار حتى فرخ فأخذ رجل فراخه فهو للذي أخذه لا لصاحب الدار إذا لم يكن صاحب الدار اتخذ مكانا له فإن اتخذ مكانا له فإن اتخذ صاحب الدار وكرا أو موضعا و فرخ فيه فالفرخ يكون لصاحب الدار * و هو نظير ما ذكر محمد رحمه الله تعالى رجل حفر في أرضه حفيرة فوقع فيها صيد فجاء رجل و أخذه قال الصيد يكون للأخذ * و إن كان صاحب الأرض اتخذ تلك الحفيرة لأجل الصيد فهو أحق بالصيد * و كذا لو أن رجلا اتخذ حظيرة في أرضه فدخل فيها الماء فاجتمع فيها السمك و كان بحال يقدر على أخذه بغير صيد و شبكة فأخذها رجل فإن اتخذ ذلك ليجتمع فيها السمك فهو أحق بها و إن كان لغير ذلك فهو للآخذ * رجل رمى صيدا فانكسر الصيد ثم أصابه السهم أو رماه رجلان فأصابه سهم أحدهما فوقذه ثم أصابه سهم الآخر فقتله حل أكله * و قال رحمه الله تعالى لا يحل و هو للأول و لا يضمن الثاني شيئا للأول * و إن وقذه الأول ثم رماه الآخر فمات منها يضمن الثاني نصفه حيا و نصفه لحما * و إن مات من الأول أكل و يضمن الثاني مجروحا بجراحة الأول * و إن مات من الثاني لا يؤكل و يضمن الثاني قيمته حيا مجروحا * و إن كان التحريم بترك الذكاة يضمن النقصان و نصف قيمته و به جراحتان * و كذا لو رماه أحدهما قبل الآخر فوقعت الرميتان معا فإنه يؤكل و هو لهما جميعا * و لو رمى سهما إلى صيد و سمى فمر السهم في سننه فأصاب ذلك الصيد أو غيره أو أصاب ذلك الصيد و نفذ إلى غيره فأصابه حل جميع ذلك لا فرق بين أن يصيب سهمه صيدا أو صيدين إذا مر السهم في سننه و إن رد السهم ريح إلى ورائه فأصاب صيدا لم يؤكل * و هو كما لو وضع سيفا في موضع فحمله الريح و ضربه على صيد فمات فإنه لا يؤكل * و لو رمى سهما إلى صيد فرده الريح يمنة أو يسرة فأصاب صيدا لا يحل فإن لم يرده عن جهته حل صيده فمادام السهم في سننه فمضيه يكون مضافا إلى الرامي * أما إذا رده الريح يمنة أو يسرة تنقطع الإضافة إلى الرامي * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا رده الريح يمنة أو يسرة فأصاب صيدا يحل أيضا لأنه لا يمكن الاحتراز عن ذلك إذا كان الاصطياد في يوم ريح و كذا لو أصاب السهم حائطا أو شجرة أو شيئا آخر فرده فهو و رد الريح سواء لأن مضيه إلى وراء يكون من صلابة الشجرة و الحائط لا بقوة الرامي * و كذا لو أصابه سهم آخر قبل أن يصيب الصيد فرده عن وجهه فأصاب صيدا لم يؤكل قالوا هذا إذا كان الرامي بالسهم الثاني مجوسيا أو لم يكن قصده الاصطياد و إنما كان قصده الرمي إلى ذلك السهم * فأما إذا كان الثاني مسلما أو كتابيا و كان قصده الاصطياد و سمى يحل الصيد و يكون للثاني إذ لا فرق بين أن يصيبه سهمه و بين أن يرد سهمه سهما آخر فيصيبه * و قيل لا يحل على أي حال لأن السهم الثاني لم يجرح الصيد و لم يصب و سهم الأول خرج من أن يكون مضافا إلى الأول فهو بمنزلة ما لو رمى سهما إلى صيد فأصاب السهم قصبة محددة منصوبة على حائط فأصابت تلك القصبة الصيد بحدها فجرحته فذلك غير مأكول فكذا هذا * و لا يحل صيد البندقة و الحجر و المعراض و العصا و ما أشبه ذلك و إن خرق ذلك لأنه لا يخرق إلا أن يكون شيء من ذلك قد حدد و طوله كالسهم و أمكن أن يرمي به فإن كان كذلك و خرقة بحده حل أكله * فأما الجرح الذي يدق في الباطن ولا يخرق في الظاهر لا يحل لأنه لا يحصل انهار الدم * و كذا لو رمى الصيد بسكين فأصابه بحده فخرقه حل أكله فإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يؤكل * و المزارق كالسهم لأنه يخرق و يعمل في تسييل الدم * و مثقل الحديد و غير الحديد في ذلك سواء إن خرق حل و إلا فلا * و إن حدد مروة فذبح بها صيدا حل لحصول المقصود * و ما توحش من الأهليات يحل بما يحل به الصيد من الرمي * و عن محمد رحمه الله تعالى في البعير و البقر إذا ند في المصر أو خارج المصر فرماه إنسان حل أكله * أما الشاة إذا ندت في المصر لا تحل بالرمي و إذا ندت خارج المصر فرماه إنسان حل أكله * و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا ند البعير أو الثور في المصر إن علم أنه لا(3/215)
يقدر على أخذه إلا أن يجتمع له جماعة كثيرة فله أن يرميه لأنه عجز عن الذكاة الاختيارية بنفسه لأن البعير يصول و الثور ينطح * أما الشاة إذا ندت في المصر لا يرمي لأنه يقدر على الذكاة الاختيارية عادة * و إن رمى صيدا فغشى الصيد من غير جرح ثم زال عنه فرماه آخر فأصابه كان الصيد للثاني * بخلاف ما إذا رمى صيدا فجرحه جراحة لا يستطيع الذهاب معها فلبث كذلك زمانا ثم برئ فرماه آخر فإن الصيد يكون للأول لأن في المسئلة الثانية لما جرحه جرحا عجز عن الذهاب بجرحه فقد أخذه الرامي فصار له و في المسئلة الأولى لم يأخذه إذا لم يعجز عن الذهاب بجرحه فهو كمن نصب شبكة فوقع فيها صيدا و المالك غائب ثم تخلص عن الشبكة فرماه رجل آخر و أخذه فإنه يكون للثاني * دجاجة لرجل تعلقت بشجرة و صاحبها لا يصل إليها فإن كان لا يخاف عليها الفوات و الموت فرماها لا تؤكل و إن خاف الفوات فرماها تؤكل و الحمامة إذا طارت من صاحبها فرماها صاحبها أو غيره قالوا إن كانت لا تهتدي إلى المنزل حل أكلها سواء أصاب السهم المذبح أو موضعا آخر لأنه عجز عن الذكاة الاختيارية * و إن كانت تهتدي إلى المنزل فإن أصاب السهم المذبح حل و إن أصاب موضعا آخر اختلفوا فيه و الصحيح أنه لا يحل أكلها مروي ذلك عن محمد رحمه الله تعالى لأنها كانت تهتدي إلى المنزل يقدر على الذكاة الاختيارية * و الظبي إذا علم في البيت فخرج إلى الصحراء فرماه رجل و سمى فإن أصاب المذبح حل و إلا فلا إلا أن يتوحش فلا يؤخذ إلا بصيد * و لو رمى صيدا فانكسر الصيد بسبب آخر ثم أصابه السهم فتله حل أكله لأنه حين رماه كان صيدا و العبرة بوقت الرمي * وكذلك رجلان رميا معا إلى صيد فأصابه سهم أحدهما وأوقذه ثم أصابه سهم الآخر وقتله حل لأن الرمي كان إلى الصيد * والمتردى في البئر إذا رماه فأدماه حل أكله وهو مالو ند سواء * ولو رمى سهما إلى صيد فأصاب السهم ظلفه أوقرنه فقتله حل أكله إذا رماه وخلصت الرمية إلى اللحم لأن المقصود تسييل الدم وقد حصل * ولو رمى صيدا فأصابه السهم فانحنه ثم رماه سهما آخر فأصاب الصيد ومات لايؤكل لأنه بالسهم الأول خرج من أن يكون صيدا * ولو رمى صيدا بسيف فأبان منه عضوا ومات أكل الصيد كله إلا ما بان منه * كانوا في الجاهلية يقطعون بعض الإلية من الشاة أو يقطعون بعض لحم الفخذ منها فيأكلون منها هم و رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك * وإن لم يكن بان ذلك العضو منه أكل ذلك العضو منه أيضا * وإن كان تعلق ذلك العضو منه بجلده فإن كان بحيث لا يتوهم إتصاله بعلاج فهو و المبان سواء *وإن كان بحيث يتوهم ذلك لم يكن ذلك إبانة فيؤكل كله * و إن قطعه بنصفين طولا يؤكل كله لأنه لا يتوهم بقاء الصيد حيا بعد ذلك فكان ذلك بمنزلة الذبح * و إن قطع الثلث منه مما يلي العجز فأبانه فإنه يؤكل الثلثان مما يلي الرأس و لا يؤكل الثلث الذي يلي العجز * و إن قطع الثلث مما يلي الرأس فإنه يؤكل كله لأن ما بين النصف إلى العنق مذبح لأن الأوداج تكون من القلب إلى الدماغ * أما إذا أبان الثلث مما يلي العجز لم تتم الذكاة لأنه لم يقطع الأوداج * بخلاف ما إذا أبان …الثلث مما يلي الرأس لأنه قطع الأوداج فيتم فعل الذكاة بقطع الأوداج فيؤكل لحمه * وكذا إذا قده بنصفين يتم فعل الذكاة بقطع الأوداج فيؤكل كله* وإن أبان طائفة من رأسه فإن كان أقل من النصف لم يؤكل ما أبان منه لأن الرأس ليس بمذبح فهو كما لو أ بان جزأ من الذنب وإن كان نصفا أو أكثر أكل الكل لأنه ينقطع الأوداج به فيكون فعله ذكاة * مسلم عجز عن مد قوسه بنفسه فأعانه على مده مجوسي لا يحل أكله لإجتماع المحرم والمحلل فيحرم كما لو أخذ مجوسي بيد المسلم فذبح والسكين في يد المسلم لايحل أكله * ولو رمى صيدا فأصابه السهم فجرحه فوقع على الأرض ومات حل أكله استحسانا لأن هذا مما لايستطاع الإمتناع عنه * وإن أصابه السهم فوقع في ماء أو على جبل ثم وقع منه على الأرض فمات لايؤكل لعل أن وقوعه في الماء قتله * ويستوي في ذلك طير الماء وغير طير الماء لأن طير الماء إنما يعيش في الماء غير مجروح وكذا لو وقع الصيد على شجرة بعد ما أصابه السهم ثم وقع منها على الأرض أو وقع على سطح ثم وقع منه على الأرض لايؤكل * وإن مات على ذلك الشيء ولم يقع منه حيا على الأرض فهو حلال * وكذا لو مات قبل وقوعه في الماء وإن رماه في الهواء فوقع على جبل فمات أو على سطح فمات حل أكله لأن الموقع الذي وقع فيه بمنزلة الأرض وهذا إذا كان ما وقع فيه مما لا يقتل وإن كان مما يقتل عادة مثل حد القصبة المنصوبة وحد الآجرة أو اللبنة القائمة أو الرمح ونحوها لايؤكل لأن ذلك سبب لموته * وذكر في الأصل لو وقع على آجرة موضوعة على الأرض ومات يؤكل بمنزلة ما لو وقع على الأرض أراد بذلك أنه لا يصيبه من الآجرة إلا ما يصيبه من الوقوع على الأرض فإن ذلك مما لايستطاع الإمتناع عنه فيكون عفوا* وذكر في المنتقى لو وقع على شجرة فانشق(3/216)
بطنه ومات فإنه لايؤكل لأن ذلك سبب لموته * وعن بعض المشايخ رحمهم الله تعالى إذا رمى صيدا فجرحه ووقع في الماء ومات قالوا ينظران إن كان يرجى حياته حين وقع في الماء لايحل لإحتمال أنه مات بالماء وإن كان لايرجى حياته حل أكله لأن موته في هذا الوجه لايضاف إلى الماء * هذا كله إذا لم يدرك ذكاته فإن أدرك فذبحها حل لقوله تعالى الاماذ كيتم * وروي أن رجلا جاء إلى سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه فقال كانت لبعض الحي نعامة فضربها إنسان فوقذها فألقاها على كناسة وهي حية فقال سعيد رضي الله تعالى عنه ذكوها وكلوها هذا يدل على أن النعامة من المأكولات * رجل رمى إلى خنزير أوأسد أوذئب أوما أشبه ذلك يقصد به الاصطياد وسمى فأصاب صيدا مأكول اللحم وقتله حل أكله عندنا * وقال زفر رحمه الله تعالى لايحل * ولو رمى إلى جراد أوإلى سمكة وترك التسمية فأصاب طائرا أو صيدا آخر وقتله حل أكله * وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى روايتان * روى ابن رستم رحمه الله تعالى عنه أنه لايحل لأن ما أصابه لا يحل بدون التسمية والصحيح أنه يؤكل * ولو رمى إلى آدمى أو بقر أو شاة أو إبل أو معز أهلي و سمى فأصاب صيدا مأكولا لا رواية لهذا في الأصل و لأبي يوسف رحمه الله تعالى فيه قولان في قول يحل و في قول لا يحل * و إليه أشار في الأصل * و لو رمى إلى صيد معين و سمى فأصاب غيره حل عندنا * و قال مالك رحمه الله تعالى لا يحل * و لو رمى إلى صيد و هو يظن أنه شجرة أو إنسان و سمى فإذا هو صيد مأكول أكل هذا إذا اصطاد بالرمي فإن اصطاد بإرسال الجوارح المعلمة جاز * و هذا الاصطياد مختص بشرائط * أحدها أن يكون ما يصطاد به معلما * و الثاني أن يكون جارحا بناب أو مخلب * و الثالث أنه لا بد من الإرسال لتصير الآلة نائبة عن الآدمي في الذبح * و الرابع التسمية إلا أن في الرمي يشترط التسمية عند الرمي و في إرسال الكلب و البازي و ما أشبه ذلك يشترط التسمية وقت الإرسال و لا يشترط تعيين الصيد في الإرسال عندنا حتى لو أرسل كلبا أو بازيا على صيد فأخذ ذلك الصيد أو غيره أو أخذ عددا من الصيود يحل الكل بتلك التسمية ما دام في وجه الإرسال * و على قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى أن التعيين ليس بشرط و لكن إذا عين يصح تعيينه حتى لو ترك ذلك الصيد و أخذ غيره و قتله لا يحل عنده * و لو ترك التسمية عند الرمي أو عند إرسال الكلب عامدا لا يحل أكله * و إن ترك ناسيا حل أكله و إن أرسل الكلب و ترك التسمية عامدا فلما مضى الكلب سمى و جزر فانزجر أو لم ينزجر و قتل الصيد لا يحل لأن وقت التسمية عند الإرسال فلا تعتبر التسمية بعد الإرسال * و الشرط الخامس الإمساك لصاحبه * و السادس أن يكون الصيد مأكولا متوحشا ممنوعا * و السابع أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه فيكون في طلبه و لا يشتغل بعمل آخر لأنه إذا غاب عن بصره ربما يكون موت الصيد بسبب آخر فلا يحل لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه كل ما أصميت و دع ما أنميت و الإصماء ما رأيته و الإنماء ما توارى عنك * و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لعدي بن حاتم و إن وقعت رميتك في الماء فلا تؤكل فإنك لا تدري أن الماء قتله أم سهمك و يشترط أن يكون السهم جارحا فإن كان معراضا إن خرق يؤكل و إن لم يخرق لا يؤكل و المعراض سهم لا نصل له يدق و لا يجرح فلا يؤكل صيده إلا إن يكون رأسه محددا فأصاب الصيد بحده و جرحه يؤكل * و لو أرسل فهده أو كلبه إلى صيدو سمى و أخذ الصيد و جرحه و قتله و أكل منه لا يؤكل الصيد * و البازي إذا أخذ الصيد و قتله و أكل منه يؤكل لأن الكلب يقبل التعليم على وجه يمسك الصيد لصاحبه و لا يأكل و البازي لا يقبل التعليم على وجه يدع الأكل بل تعليم البازي بأن يجيبه إذا دعاه فيكتفى بذلك و تعليم الكلب أن لا يأكل و يمسك لصاحبه فإن أخذ الصيد و قتله جرحا و أكل منه شيئا يحرم هذا الصيد و يخرج الكلب من أن يكون معلما و هو كالبازي المعلم إذا فر منه و امتنع من إجابته لا يبقى معلما فيحرم هذا الصيد و يحرم به أيضا ما كان عند صاحبه من الصيود قبل ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا تحرم تلك الصيود و قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى إنما تحرم تلك الصيود في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان العهد قريبا * فأما إذا تطاول العهد بأن أتى عليه شهرا أو نحو ذلك و صاحبه قد قدد تلك الصيود لا تحرم تلك الصيود في قولهم لأن في المدة الطويلة يتحقق النسيان فلا يعلم أنه لم يكن معلما في الزمان الماضي و في المدة القصيرة لا يتحقق النسيان فيظهر أنه لم يكن معلما حين اصطاد تلك الصيود فتحرم تلك الصيود * و قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الصحيح أن الخلاف في الفصلين واحد لأن الحرفة لا تنسى و لا يحل صيده بعد ذلك حتى يعلم أنه صار معلما بأن يصيد ثلاثا و لا يأكل منها فيحل الرابع في(3/217)
قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى * و أبو حنيفة رحمه الله تعالى لم يوقت لذلك وقتا و قال هو مفوض إلى رأي صاحبه إن كان في أكثر رأيه أنه صار معلما فهو معلم * وقيل يرجع في ذلك إلى أهل العلم من الصيادين فإذا قالوا صار معلما فهو معلم * وكذلك على هذا الخلاف تعليمه في الإبتداء على قولهما يحصل ذلك بأن يجيبه إذا دعاه ويرسله على الصيد فيصيد ولا يأكل منه ثلاث مرات وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لم يوقت لذلك وقتا وقال وهو مفوض إلى رأي صاحبه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى مثل قولهما إلا أن على رواية الحسن رحمه الله تعالى يؤكل الصيد على ثلاث * وعلى قولهما لايؤكل الثالث وإنما يؤكل الرابع * رجل أرسل كلبه المعلم إلى صيد فأخذ الصيد وقتله وأمسك حتى جاء صاحبه وأخذ الصيد من الكلب ثم وثب الكلب عليه وانتهش منه قطعة فرمى بها صاحبه إلى فأكلها لايحرم أكل هذا الصيد لأنه لما أمسكه حتى وصل إلى يد صاحبه فقد تم امساكه فلا يحرم بعد ذلك كما لو أخذ لحما آخر من مخلاة صاحبه وأكل فإنه لا يخرج من أن يكون معلما ولو انتهش الكلب من الصيد في اتباعه الصيد وأكله ثم اتبع الصيد وأخذه أ وأخذ غيره وقتله لايحل أكله لأنه لما أكل ا لقطعة التي انتهشها خرج من أن يكون معلما وإن كان ألقى تلك القطعة واتبع الصيد وأخذه وقتله ولم يأكل حتى أخذ صاحبه ثم عاد وأخذ تلك القطعة لم يضره لأنه أمسك الصيد على صاحبه حين لم يأكل منه مع حاجته ولو شرب من دم الصيد في الاصطياد لايحرم الصيد ويحل عندنا * وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لايحل * ولو أكل جناحه أو منقاره أوظفره حرم في قولهم * ولو أرسل الكلب المعلم إلى صيد وسمى فأصاب الصيد وكسر عنقه ولم يجرحه أوجثم عليه وخنقه لا يؤكل لأنه لا بد من الجرح في أي موضع كان و من الإدماء * و عن أبي يوسف و الشافعي رحمهما الله تعالى لا يشترط الجرح * و البازي إذا قتل الصيد حل أكله و إن لم يجرح و إن شارك الكلب المعلم في أخذ الصيد كلب غير معلم و قتله لا يحل أكله لاجتماع المحرم و المحلل * و كذا لو أرسل كلبه إلى صيد فأعانه كلب مجوسي أو كلب غير معلم * حتى رد الصيد على المعلم فأخذه المعلم و قتله لا يحل أكله * و لو رد عليه مجوسي فأخذه الكلب المعلم لمسلم حل أكله لأن الكلبين و لا تقع بين الكلب و المجوسي * و لو أرسل كلبه على صيد و سمى فأخذ في إرساله ذلك صيودا كثيرة واحدا بعد واحد حل الكل * و كذا لو رمى صيدا فأصابه السهم و نفذ و أصاب آخر و نفذ و أصاب آخر حل الكل عندنا * و قال مالك رحمه الله تعالى يحل الأول و لا يحل الثاني لأن عنده التعيين شرط في الرمي و الإرسال و ذلك وجد في الذي عينه دون غيره * و إذا انفلت الكلب المعلم أو جارحة أخرى غير الكلب و أخذ صيدا لا يحل فلو أن صاحبه صاح بعد الانفلات إن لم يزدد في الطلب و لم ينزجر بزجره لا يحل و إن انزجر و زاد في الطلب حل أكله لأن ذلك بمنزلة الإرسال و لو أرسل كلبه المعلم على صيد و لم يسم عمدا ثم زجره و سمى فانزجر و أخذ الصيد و قتل لا يحل لأن الإرسال من تارك التسمية عمدا فعل محرم فلا ينتسخ إلا بمثله و لو أن المرسل أدرك صيد الكلب أو البازي أو الرمية حيا و لم يذبحه حتى مات ذكر في الكتاب أنه لا يحل * و قال الشيخ الإمام أبو عبدالله الخيزاخزى رحمه الله تعالى هذا على ثلاثة أوجه * أما إن وصل إليه مع موته أو يموت قبل وصوله إليه أو يصل إليه و يموت من ساعته و لم يجد زمانا يذبحه فإن مات قبل وصوله إليه حل أكله لأنه لم يقدر على الذكاة الاختيارية * و إن مات بعد وصوله إليه بلا فصل و لم يجد زمانا يذبحه قال في الكتاب لا يحل وقال الحسن بن زياد و محمد بن مقاتل رحمهما الله تعالى حل أكله * قالوا ما قال في الكتاب قياس و ما قالا استحسان و به نأخذ و إذا توارى الكلب و الصيد عن المرسل ثم وجده المرسل و قد قتله و ليس فيه أثر غيره حل أكله * و كذا إذا رمى إلى صيد فوجده بعد ذلك ميتا و فيه سهمه و ليس فيه جرح آخر حل أكله إذا لم يترك الطلب لأنه لا يستطيع الامتناع عن التواري عن البصر خصوصا إذا كان الاصطياد في الغياض و المشاجر فيكون عفوا * فإن ترك الطلب و اشتغل بعمل آخر حتى إذا كان قريبا من الليل فطلبه فوجد الصيد ميتا و الكلب أو البازي عنده و به جراحةلا يدري أنه جرحه الكلب أو غيره لا يحل أكله عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى * مسلم أرسل كلبه المعلم على صيد و سمى فزجره مجوسي أو مرتد أو محرم فانزجر ثم قتل الصيد حل أكله * و لو كان المرسل ممن لا تحل ذبيحته و الزاجر ممن تحل ذبيحته لا يؤكل لأن المعتبر هو الإرسال و هو كما لو ذبح مجوسي ثم أمر المسلم سكينه بعده لا يؤكل * مسلم أرسل كلبه على صيد فضربه الكلب أولا فوقذه ثم ضربه ثانيا فقتله حل أكله لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه في صيد الكلب * و لو رمى صيدا فأصابه و خرقه فوقع في الماء فمات قال بعضهم إن كان يرجى حياته حين(3/218)
وقع في الماء لا يحل أكله لاحتمال أنه مات بالماء و إن كان لا يرجى حياته حين وقع في الماء حل أكله لأنه مات بغير الماء و إن رمى صيدا فوقع عند مجوسي مقدار ما يقدر على ذبحه فمات لا يحل أكله لأن المجوسي قادر على ذبحه بتقديم إسلامه فلا تحل ذكاة الاضطرار * و إن أرسل كلبا على صيد فعقره فوقع عندنا ثم أو رمى صيدا فأصابه فوقع عند نائم و النائم بحال لو كان مستيقظا يقدر على ذكاته فمات لا يؤكل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن عنده النائم بمنزلة المستيقظ في جملة مسائل مرت في كتاب الصلاة من هذا الكتاب منها هذه المسئلة * و لو أرسل كلبه على صيد فأخطأ ثم عرض له صيد آخر فقتله حل أكله * و إن فاته ذلك الصيد فرجع فعرض له صيد آخر في رجوعه فقتله لا يحل أكله لأن الإرسال بطل بالرجوع و بدون الإرسال لا يحل * رجل أرسل كلبه المعلم على صيد فجرحه و بقي فيه من الحياة ما يبقى في المذبوح بعد الذبح فأخذه المالك و لم يذكه حل أكله * و كذا لو رمى صيدا فأصابه و جرحه و بقي فيه من الحياة ما يبقى في المذبوح بعد الذبح فأدركه المالك و لم يذبحه حل أكله * و لو رماه آخر في هذه الحالة فأصابه السهم الثاني لا يحرم لأنه في حكم المذبوح * فرق أبو حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى بين هاتين المسئلتين و بين الشاة إذا مرضت أو بقر ذئب بطنها و بقي فيها من الحياة ما يبقى في المذبوح بعد الذبح فإن على قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا تعتبر هذه الحياة فلا تكون المريضة و التي بقر الذئب بطنها محلا للذكاة حتى لو ذبحت لا تحل * و على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى تكون محلا للذكاة حتى لو ذبحت حل أكلها و في مسئلة الصيد لا تعتبر هذه الحياة حتى لو أخذ المالك الصيد و فيه من الحياة ما يبقى من المذبوح بعد الذبح و لم يذبح حل أكله * و قيل على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في التي مرضت و التي بقر الذئب بطنها و بقي فيها من الحياة ما يبقى في المذبوح بعد الذبح إذا ذبحت لا يحل أكلها و هو قولهما * و الصحيح أنها تؤكل عنده لأن في مسئلتي الصيد وجد ما هو ذكاة حكما فلا تعتبر هذه الحياة * و في المريضة و نحوها لم يوجد فعل الذكاة فاعتبرت هذه الحياة هذا وجه الفرق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
(* باب في الذكاة *)(3/219)
الأصل في اعتبار الذكاة قوله تعالى إلا ما ذكيتم و محل الذكاة في المقدور ذبحه أهليا كان أو وحشيا الحلق كله لقوله عليه الصلاة و السلام الذكاة ما بين اللبة و اللحيين و الذكاة الكاملة فرى الأوداج الأربعة و هي الحلقوم و المرئ و العرقان اللذان بينهما الحلقوم و المرئ لأن المقصود تسييل الدم و الرطوبات النجسة و ذاك يحصل بما قلنا * فإذا قطع ثلاثة منها حل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أي ثلاث كان و في قول أبي يوسف الآخر لا يحل حتى يقطع الحلقوم و المرئ و أحد الودجين * و عن محمد رحمه الله تعالى يشترط قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة * و ذكر الكرخي رحمه الله تعالى أن هذا قول أبي حنيفة و عند الشافعي رحمه الله تعالى يعتبر قطع الحلقوم و المرئ دون العرقين الآخرين و المسئلة معروفة * ثم السنة في الإبل النحر و هو قطع العروق في أسفل العنق عند الصدر * و السنة في الشاة و البقر الذبح فإن ذبح الإبل أو نحر الشاة و البقر جاز أيضا لقوله عليه الصلاة و السلام ما أنهر الدم و أفرى الأوداج فكل و إن ضرب بالسيف من قبل القفا فإن قطع العروق المشروطة قبل الموت حل و يكون مسيأ * و إن مات قبل أن يقطع العروق لا يؤكل * و يكره سلخ الجلد بعد الذبح قبل أن يبرد و لا يحرم لأن ذلك فعل بعد تمام الذبح * و لو ذبح شاة أو إبلا أو بقرا فتحركت بعد الذبح و خرج منها دم مسفوح تؤكل * و لو لم تتحرك و لم يخرج منها دم مسفوح لا تؤكل لأن محل الذكاة هو الحي و لم توجد علامة الحياة عند الذبح * و إن لم تتحرك و خرج منها دم مسفوح أو تحركت و لم يخرج منها دم أكلت لأن الحركة و خروج الدم المسفوح علامة الحياة و إن لم يعلم حياته عند الذبح لا يؤكل * و إن علم حياته عند الذبح و لم تتحرك و لم يخرج منها الدم أصلا أكلت * و لو ذبح شاة مريضة و لم يتحرك منها إلا فوها قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى إن فتحت فاها فلا تؤكل و إن ضمت فاها أكلت * و إن فتحت عينها لا تؤكل و إن غمضت عينها أكلت و إن مدت رجلها لا تؤكل و إن قبضت رجلها تؤكل * و إن نام شعرها لا تؤكل و إن قام شعرها أكلت * و هذا كله إذا لم يعلم حياتها وقت الذبح * و إن علم حياتها وقت الذبح أكلت على كل حال * شاة أو بقرة خرج منها جنين حي و لم يكن من الوقت ما يقدر على ذبحه حتى مات يؤكل لأن موته يكون بذبح الام و هذا في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لأن عندهما الجنين يتذكى بذكاة الأم * شاة أو بقرة أشرفت على الولادة قالوا يكره ذبحها لأن فيه تضييع الولد هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن عنده الجنين لا يتذكى بذكاة الأم * بقرة أو شاة تعثرت عليها الولادة فأدخل رجل يده في موضع الولادة و ذبح الولد حل أكله لوجود الذكاة الاختيارية * و إن جرحه في غير موضع الذبح حل أيضا إن كان لا يقدر على ذبحه لأنه عجز عن الذكاة الاختيارية فيحل بالذكاة الاضطرارية و هو الجرح في أي موضع كان و إن كان يقدر على ذبحه لا يحل لأنه لم يعجز عن الذكاة الاختيارية * رجل شق بطن شاة و أخرج الولد حيا و ذبح الولد ثم ذبح الشاة * قالوا إن كانت الشاة لا تعيش من ذلك لا تحل لأن الموت يكون بالأول و ذلك ليس بذكاة * و إن كانت تعيش من ذلك حلت لأن الذكاة من الثاني * شاة مريضة بقر الذئب بطنها و بقي فيها من الحياة ما بقي في المذبوح بعد الذبح على قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا تعتبر تلك الحياة حتى لو ذكاها لا تحل * و اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ذكر الطحاوي و الفقيه أبو الليث رحمهما الله تعالى أن تلك الحياة معتبرة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لو ذكاها تحل * و ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى إذا علم أنها كانت حية حين ذبحت حل أكلها كانت الحياة فيها يتوهم بقاؤها أو لا يتوهم * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن كان يتوهم أنها تعيش يوما أو أكثر من يوم تحل بالذكاة و روى عنه 'ن كان يتوهم بقاء الحياة فيها أكثر من نصف يوم تحل و إلا فلا لأن ما دون ذلك اضطراب المذبوح و روى عن محمد رحمه الله تعالى إذا بقر ذئب بطن شاة و أخرج ما فيها ثم ذبحت لا تحل لأنه لا يتوهم أن تعيش بما بقي فيها من حياة * و الفتوى على ما ذكرنا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى أولا * المرأة المسلمة أو الكتابية كالرجل و كذا الصبي الذي يعقل التسمية و يضبط لأنه من أهل التسمية فتصح تسميته كما يصح إسلامه و إن كان لا يعقل لا يحل لأنه لا يتحقق منه التسمية على الخصوص و تؤكل ذبيحة الأخرس مسلما كان أو كتابيا لأنه أعذر من الناسي و كذا ذبيحة اليهودي و النصراني حلال و إن كان الكتابي حربيا إلا أن يسمع منه أن يسمى عليه المسيح فإذا سمع منه ذلك لا يحل لأنه أهل به لغير الله و قال بعض أصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى إنها لا تحل و ذبيحة المرتد لا تحل و إن ارتد إلى دين أهل الكتاب و ذبيحة المجوسي حرام و إن تهود المجوسي أو تنصر يؤكل صيده و(3/220)
ذبيحته لأنه يقر على ما انتقل إليه و لو تمجس اليهودي أو النصراني لا يحل صيده و لا يؤكل ذبيحته * و الغلام إذا كان أحد أبويه نصرانيا و الآخر مجوسيا و هو يعقل الذبح يؤكل صيده و ذبيحته عندنا * و قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يؤكل لاجتماع المحرم و المحلل فلا يحل * كما لو اشترك المسلم و المجوسي في الذبح فإنه لا يؤكل * و تكره ذبيحة الصابئ إلا أنه يحل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا يحل و ذكر الكرخي رحمه الله تعالى أنه لا خلاف بينهم في الحقيقة * و إنما اختلفوا لأنهم صنفان صنف منهم يقرون بنبوة عيسى عليه السلام و يقرؤن الزبور فهم صنف من النصارى * و إنما أجاب أبو حنيفة بحل ذبيحة الصابئ إذا كان من هذا الصنف و صنف منهم ينكرون النبوة و الكتب أصلا و يعبدون الشمس فهم كعبدة الأوثان لا يؤكل صيدهم و لا تحل ذبيحتهم * و إنما أجاب أبو يوسف و محمد رحمهما الله تعالى بحرمة الصيد و الذبح بحق هؤلاء * رجل أراد أن يذبح عددا من الذبائح لا تجز به تسمية واحدة على واحدة لما بعدها و إن أضجع الرجل شاة ليذبح و سمى ثم ألقى تلك السكين و أخذ غيرها فذبح بها حلت بخلاف الرمي إذا أخذ سهما و سمى ثم ألقى ذلك السهم و أخذ سهما آخر فإنه يشترط وجود التسمية على السهم الثاني لأن في الرمي الشرط هو التسمية على فعل الرامي و الثاني غير الأول و ههنا الشرط هو التسمية على الذبيحة دون السكين و ذلك لا يختلف باختلاف السكين و إنما يختلف باختلاف المذبوح و لهذا لو ترك تلك الشاة و أخذ أخرى و ذبحها بتلك التسمية لا تحل * و لو أضجع شاة و سمى ثم كلم إنسانا أو شرب ماء و أخذ سكينا أو ما أشبه ذلك من عمل لا يكثر ثم ذبح بتلك التسمية جاز لوجود التسمية على الذبح و العمل اليسير لا يفصل بين التسمية و الذبح * و لو أطال الحديث أو أطال العمل ثم ذبح لا تؤكل لوقوع الفصل بين التسمية و الذبح و لهذا يتبدل المجلس بالعمل الكثير و لا يتبدل بالعمل اليسير * و لو قال مكان التسمية الحمد لله أو قال سبحان الله أو قال الله أكبر يريد به التسمية جاز و إن أراد به التحميد دون التسمية لا تحل لأن الشرط ذكر اسم الله تعالى على الذبح و ذلك إنما يتحقق بالقصد * و لو عطس و قال الحمد لله يريد به التحميد على العطاس فذبح لا تحل بخلاف الخطيب إذا عطس على المنبر فقال الحمد لله فإنه تجوز به الجمعة في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن المأمور به في الجمعة ذكر الله تعالى مطلقها و ههنا الشرط ذكر اسم الله تعالى على الذبح * و لو قال بسم الله و لم تحضره النية و أراد التسمية على الذبيح أكل أما إذا نوى التسمية على الذبيح فظاهر وأما إذا لم تكن له نية فكذلك عند العامة و هو الصحيح و إن لم يرد التسمية على الذبيح و إنما أراد شيئا آخر لا يحل له لأنه نوى غير ما أمر به و يكره أن يسمى مع اسم الله تعالى سواه فيقول اللهم تقبل من فلان و ما أشبه ذلك * و لو قال بسم الله و باسم محمد قال أبو القاسم الصفار رحمه الله تعالى لا تحل * ولو قال بسم الله وصلى الله على محمد يحل أكله * و لو قال بسم الله و اسم فلان قال ابراهيم بن يوسف رحمه الله تعالى تكون ميتة و هو الصحيح و قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لا تصير ميتة لأنها لو صارت ميتة يصير الرجل كافر قال رضي الله عنه و ما سوى ذلك من مسائل التسمية قد مرت في الأضاحي و الله أعلم
(* كتاب الوديعة *)(3/221)
الكتاب مشتمل على فصول منها ما يكون إيداعا و ما لا يكون * رجل جاء بثوب إلى رجل و وضعه بين يديه و قال هذا وديعة عندك و ذهب صاحب الثوب ثم غاب الآخر بعده و ترك الثوب فضاع الثوب كان ضامنا لأن هذا قبولا منه للوديعة عرفا * و كذا لو وضع صاحب الثوب ثوبه بين يديه و لم يقل شيئا و المسئلة بحالها كان ضامنا لأن هذا إيداع عرفا * و لو قال الجالس لا أقبل الوديعة فوضع بين يديه و ذهب فضاع الثوب لا يضمن لأنه صرح بالرد فلا يصير مودعا بدون القبول * رجل جاء إلى خان بدابة و قال لصاحب الخان أين أربطها فقال صاحب الخان اربط هناك فربط و ذهب ثم جاء صاحب الدابة و لم يجد الدابة فقال صاحب الخان إن صاحبك أخرج الدابة ليسقيها و لم يكن لصاحب الدابة صاحب كان صاحب الخان ضامنا لأن قول صاحب الدابة أين أربط الدابة استداع منه عرفا و كلام صاحب الخان هناك قبول للوديعة * و كذلك رجل دخل الحمام و قال لصاحب الحمام أين أضع الثياب فقال صاحب الحمام في ذلك الموضع فهو و الأول سواء و إن كان صاحب الحمام جالسا لأجل الغلة فوضع صاحب الثوب ثوبه برأى العين منه و لم يقل باللسان شيئا و دخل الحمام فإن لم يكن للحمام ثيابي يضمن صاحب الحمام لأن وضع الثياب برأى العين منه استحفاظ و إن كان للحمام ثيابي فإن كان الثيابي حاضرا لا يضمن صاحب الحمام شيئا لأن هذا استحفاظ من الثيابي إذا لم يقل لصاحب الحمام أين أضع الثياب و إن كان الثيابي غائبا فوضع الثياب بمرأى العين من صاحب الحمام كان استحفاظا من صاحب الحمام فحينئذ يضمن صاحب الحمام بالتضييع * رجل دخل الحمام فوضع ثيابه بمحضر من صاحب الحمام فلما خرج من الحمام لم يجد ثيابه و وجد صاحب الحمام نائما قالوا إن كان نائما قاعدا لا يكون ضامنا لأنه مستيقظ حكما فلم يكن تاركا للحفظ و إن كان نائما مضطجعا أو واضعا جنبه على الأرض كان ضامنا لأنه تارك للحفظ * رجل دخل الحمام و وضع ثيابه عند صاحب الحمام فخرج رجل من الحمام و لبس ثيابه و لم يدر أنها ثيابه أو ثياب غيره ثم خرج صاحب الثياب و قال ليست هذه ثيابي و قال الحمامي خرج رجل من الحمام و لبس الثياب فظننت أنها ثيابه كان ضامنا لأنه ترك الحفظ * قوم جلوس في مكان فقام واحد منهم و ترك كتابه ثم قام الباقون معا فهلك الكتاب ضمنوا جميعا لأن الأول لما ترك الكتاب عندهم فقد استحفظهم فإذا قاموا و تركوا الكتاب فقد تركوا الحفظ الملتزم فضمنوا جميعا فإن قام القوم واحد بعد واحد كان الضمان على آخرهم لأن الآخر تعين للحفظ فيتعين للضمان * سوقي قام من الحانوت للصلاة و في الحانوت ودائع فضاعت الوديعة لم يضمن صاحب الحانوت لأنه حافظ بجيرانه فلم يكن مضيعا و لا يكون هذا منه إيداعا للوديعة بل هو حافظ بنفسه في حانوته و حانوته محرز * رجل دفع إلى رجل عشرة دراهم قال خمسة منها هبة لك و خمسة منها وديعة عندك فاستهلك القابض منها خمسة و هلكت الخمسة الباقية ضمن القابض سبعة و نصف لأن الخمسة الموهوبة مضمونة على القابض لأنها هبة فاسدة والخمسة التي استهلكها نصفهامن الهبة ونصفها من الأمانة فيضمن هذه الخمسة والخمسة الأخرى التي ضاعت نصفها من الهبة فيضمن نصفها فلهذا يضمن سبعا ونصفا *
( * فصل فيما يضمن المودع *)(3/222)
إذا قال المودع وضعت الوديعة في مكان حصين فنسيت قال بعضهم كان ضامنا لأنه جهل الأمانة فيضمن كما لو مات مجهلا وهو كرجل عنده غنم لقوم اختلطت ولا يعرفها فإنه يكون ضامنا * وقال انتقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إنقال وضعت الوديعة في داري فنسيت المكان لا يكون ضامنا * ولو قال لاأدري وضعتها في داري أو في موضع آخر كان ضامنا وهكذا روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى * ولو قال وضعت الوديعة في مكان بين يدي ثم قمت فنسيتها أو قال سقطت مني قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى يضمن * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن قال سقطت مني لا يضمن * و لو قال بالفارسية بيغكندم يكون ضامنا و إن قال بيفتاد أزمن لا يضمن * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى قد قال بعض أصحابنا إذا قال ذهبت الوديعة و لا أدري كيف ذهبت كان القول قوله مع يمينه و لا ضمان عليه و به نأخذ قال رضي الله عنه و في عرفنا لا فرق بين قوله بيفكندم و قوله بيفتاد أزمن لا يكون ضامنا على كل حال * و لو قال لا أدري كيف ذهبت قال بعضهم يكون ضامنا بخلاف ما لو قال ذهبت و لا أدري كيف ذهبت * و قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الأصح أنه لا يضمن على كل حال سواء قال ذهبت و لا أدري كيف ذهبت أو قال لا أدري كيف ذهبت و لم يزد عليه * رجل دفع إلى دلال ثوبا ليبيعه ثم قال الدلال وقع الثوب من يدي و لا أدري كيف ضاع قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا ضمان عليه * و لو قال نسيت و لا أدري في أي حانوت وضعت يكون ضامنا * نجار أودع عند رجل زنبيلا فيه آلات النجارين ثم ادعى أنه كان فيه قدوم و طلب منه فقال المودع لا أدري ما كان فيه قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا ضمان عليه و لا يمين حتى يدعى عليه أنه رفعه أو ضيعه فحينئذ يحلف فإن حلف برئ و إن نكل ضمن * رجل أودع كيسا فيه دراهم عند رجل و لم يزن عليه ثم ادعى صاحب الوديعة الزيادة قالوا لا ضمان عليه و لا يمين حتى يدعى عليه التضييع أو الخيانة أو نحو ذلك * و عن نصير رحمه الله تعالى أنه كتب إلى ابن شجاع رحمه الله تعالى في مودع بقول دفنت الوديعة و نسيت موضعها فأجاب و قال إن دفنها في داره لم يضمن و إن دفنها في غير داره ضمن قيل فإن دفنها في كرمه فسرق قال إن كان له باب فليس بتضييع و إلا فهو تضييع * و كذا الدار إذا لم يكن لها باب * رجل عنده وديعة فقال لا أدري أضيعت أم لم تضيع قالوا يكون ضامنا * و لو قال لا أدري أضاعت أم لم تضع لا يكون ضامنا * و لو قال هلكت الوديعة عندي ثم قال رددت عليك يكون ضامنا و لا يقبل قوله في الرد لأنه متناقض * رجل دفع جواهر إلى رجل ليبيع فقال القابض أنا أريها تاجرا لأعرف قيمتها فضاع الجوهر قبل أن يريه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن ضاعت أو سقطت بحركته يكون ضامنا * و إن سرقت منه أو بمزاحمة أصابته من غيره لا يضمن * رجلان ادعى كل واحد منهما على رجل وديعة و يقول أودعت عنده كذا فقال المودع لا أدري أيكما استودعني فإنه يحلف لكل واحد منهما أنه ما أودعه عنده فإن أبى أن يحلف أعطى الوديعة لهما و يضمن لهما مثلها لأنه أتلف الوديعة بالتجهيل * بخلاف ما لو قال ذهبت الوديعة و لا أدري كيف ذهبت فإنه لا يضمن لأن ذهاب الوديعة ليس بفعله و جهله عائد إليه * إذا مات المودع و اختلف صاحب الوديعة مع الورثة فقال صاحب الوديعة مات مجهلا للوديعة فصارت الوديعة دينا في تركته و قالت الورثة كانت الوديعة قائمة بعد ما مات قال ابن شجاع رحمه الله تعالى على قياس قول أصحابنا رحمهم الله تعالى يجب أن يكون القول قول الطالب و يجب الضمان في مال الميت و على قياس قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يجب أن يكون القول قول الورثة مع اليمين لأن الوارث قائم مقام المورث * إذا انشق كيس الوديعة في صندوق المودع و اختلطت الوديعة بدراهمه لا يضمن المودع و يكون المختلط مشتركا بينهما بقدر ملكهما فإن هلك بعضها بعد ذلك هلك من مالهما جميعا و يقسم الباقي بينهما على ما كان * و إن فعل ذلك أحد ممن هو في عيال المودع لا يضمن المودع حرا كان الخالط أو عبدا صغيرا أو كبيرا و يضمن الذي خلط يستوي فيه الصغير و الكبير * الوديعة إذا كانت دراهم أو دنانير أو شيئا مما يكال أو يوزن فأنفق المودع طائفة منها ضمن ما أنفق و لا يضمن الباقي فإن جاء المودع بمثل ما أنفق فخلطه بالباقي كان ضامنا للكل لأن ما جاء به ماله فصار خالطا ماله بالوديعة * و لو أخذ المودع بعض الوديعة لينفقها في حاجته ثم بدا له أن لا ينفق فرده إلى موضعه ثم ضاعت الوديعة لا يضمن المودع * إذا قال بعثت بالوديعة إليك مع رسولي و سمى بعض من في عياله فهو كقوله رددتها عليك فيمون القول قوله مع اليمين * و إن قال بعثت بها إليك مع أجنبي كان ضامنا إلا أن يقر صاحب الوديعة أنها وصلت إليه * و لو قال المودع بعثت بها إليك مع هذا(3/223)
الأجنبي أو استودعتها إليه ثم ردها علي فضاعت عندي لا يصدق و يصير ضامنا إلى أن يقيم البينة على ذلك فيبرأ عن الضمان * إذا طلب صاحب الوديعة وديعته فجحد و قال لم تودعني يكون ضامنا فإن جحدها لا في وجه المودع بأن قال له إنسان ما حال وديعة فلان عندك فجحد أو جحد في وجه المودع من غير أن يطالبه بالرد بأن قال ما حال وديعتي عندك فجحد قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى فيه خلاف بين أبي يوسف و زفر رحمهما الله تعالى * على قول زفر رحمه الله تعالى يكون ضامنا و على قول أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يكون ضامنا * و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا جحد المودع الوديعة بحضرة صاحبها يكون ذلك فسخا للوديعة حتى لو نقلها المودع من الموضع الذي كانت فيه حالة الجحود و يضمن و إن لم ينقلها عن ذلك المكان بعد الجحود فهلكت لا يضمن * صاحب الوديعة إذا طالب المودع بالرد جحد فأقام صاحب الوديعة بينة أنه استودعه كذا ثم أقام المودع البينة أنها ضاعت عنده لا تقبل بينته و يكون ضامنا * و كذا لو أقام المودع البينة أنها كانت ضاعت قبل الجحود و ذكر في المنتقى إذا جحد المودع الوديعة ثم ادعى أنه رد الوديعة بعد ذلك فأقام البينة قبلت بينته * و كذا لو أقام البينة أنه ردها قبل الجحود و قال إنما غلطت في الجحود أو نسيت أو ظننت أنني رددت حين دفعتها إلي و أنا صادق في قولي هذا قبلت بينته في قياس قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى * و لو طالب المودع برد وديعته فقال لم تودعني شيئا ثم قال بل أودعتني و لكنها هلكت ذكر في الكتاب أنه يكون ضامنا و إن قال المودع أولا قد أعطيتكها ثم قال بعد أيام لم أعطكها و لكنها ضاعت لا يقبل قوله و يكون ضامنا * و قال عيسى بن أبان رحمه الله تعالى لا يضمن و الصحيح ما ذكر في الكتاب * و لو قال بعد موت المودع رددتها على الوصي كان القول قوله مع اليمين و لا يضمن * و لو قال الرجل لغيره استودعتني ألفا فضاعت و قال الطالب كذبت بل غصبتها مني كان القول قول المستودع و لا ضمان عليه * و لو قال المستودع أخذتها منك وديعة و قال صاحب المال بل غصبتني كان ضامنا * و لو قال رب المال أقرضتكها قرضا و قال المستودع بل وضعتها عندي وديعة أو قال أخذتها منك وديعة و قد ضاعت قبل قوله و لا ضمان عليه * رجل أودع رجلا ألف درهم و له على المستودع ألف درهم دين فأعطاه ألف درهم ثم اختلفا بعد أيام فقال الطالب أخذت الوديعة و الدين غليك و قال المستودع أعطيت القرض و ضاعت الوديعة كان القول قول المستودع و لا شيء عليه لأنه هو الدافع * رجل أقام البينة على مودع أن صاحب الوديعة وكله بقبض الوديعة منه و وقت لذلك وقتا ثو إن المودع أقام البينة أن صاحب الوديعة أخرجه من الوكالة قبلت بينته * و كذا لو أقام البينة أن شهود الوكيل عبيد قبلت بينته * رجل استقرض من رجل عشرين درهما فآتاه المقرض مائة درهم و قال خذ منها عشرين قرضا و الباقي عندك وديعة ففعل ثم أعاد العشرين التي أخذها في المائة ثم دفع إليه رب المال أربعين درهما فقال اخلطها بتلك الدراهم ففعل ثم ضاعت الدراهم كلها فإنه لا يضمن الأربعين و يضمن بقيتها أما البقية فلأن العشرين قرض و القرض مضمون على المستقرض فإذا خلط العشرين التي هي ملكه بالوديعة فصار مستهلكا للوديعة و لا ضمان عليه في الأربعين لأنه خلط الأربعين بإذن مالكها * و لو استقرض من رجل خمسين درهما فأعطاع ستين غلطا فأخذ منه العشرة ليردها على صاحبها فهلكت في الطريق كان على المستقرض خمسة أسداس العشرة لأن ذلك القرض و الباقي وديعة و كذا لو هلك الباقي يضمن خمسة أسداسه * و لو دفع إلى رجل عشرة دراهم و قال ثلاثة من هذه العشرة لك و السبعة الباقية سلمها إلى فلان فهلكت الدراهم في الطريق يضمن الثلاثة لأنها كانت هبة فاسدة * و لو كان مكان الهبة وصية من الميت لم يضمن لأن وصية المشاع جائزة و لا يضمن السبعة في الوصية و الهبة جميعا لأنها أمانة في يده * إذا دفع المودع الوديعة لإلى من ليس في عياله أو وضعها فيما لا يحرز فيه ماله أو كانت الوديعة دابة فركبها أو حمل عليها أو كانت الوديعة عبدا فاستخدمه أو ثوبا فلبسه أو شيئا يفترش فافترشه ثم أعادها إلى يده و ردها إلى الحالة الأولى برئ من الضمان عندنا * و إن أخرجها عن يده عند الضرورة بأن وقع الحريق في داره فخاف عليها الحرق أو كانت الوديعة معه في سفينة فلحقه غرق أو خرج اللصوص و خاف عليها و ما أشبه ذلك فدفعها إلى غيره لا يكون ضامنا و للمودع أن يسافر بمال الوديعة عندنا إذا لم يكن لها حمل و مؤنة * و قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ليس له ذلك فإن نهاه أن يسافر بالوديعة فسافر بها فهلكت كان ضامنا عند الكل * و أجمعوا على أن للأب و الوصي أن يسافرا بمال اليتيم و لا يصيران ضامنين و الوكيل بالبيع إذا سافر بما وكل ببيعه إن قيد الوكالة بمكان بأن قال بعه بالكوفة فأخرجها من الكوفة يصير ضامنا و إن(3/224)
أطلق الوكالة فسافر به إن كان شيئا له حمل أو مؤنة يكون ضامنا و إن لم يكن له حمل و مؤنة فلا يصير ضامنا عندنا إذا لم يكن له بد من السفر و إذا كان له بد من السفر لا يكون ضامنا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى طال الخروج أم قصر و قال محمد رحمه الله تعالى يكون ضامنا طال الخروج أم قصر * و قال ظابو يوسف رحمه الله تعالى إن طال الخروج يكون ضامنا و إن قصر لا يكون ضامنا * هذا إذا كان الطريق آمنا فإن كان مخوفا و له بد من السفر يكون ضامنا عند الكل * و كذا الأب والوصي * و إن لم يكن له بد من السفر إن سافر بأهله لا يضمن و إن سافر بنفسه يكون ضامنا * و للمودع أن يدفع الوديعة إلى من كان في عياله إذا لم يكن المدفوع إليه متهما بأن كان المدفوع إليه زوجته أو ولده أو والده إذا لم يكن متهما يخاف منه على الوديعة و له أن يدفع إلى أجيره الخاص و هو الذي استأجره مشاهرة أو مسانهة ليسكن معه و تفسير من في عياله في هذا الحكم أن يكون ساكنا معه كان في نفقته أو لم يكن فإن الابن إن كان ساكنا مع والديه و لم يكن في نفقتهما فخرجا من المنزل و تركا المنزل على الابن فضاعت الوديعة التي كانت في المنزل لا يضمنان و من تجري عليه نفقته لا يكون في عياله إذا لم يكن ساكنا معه *(3/225)
و كذا لو دفعت المرأة الوديعة إلى زوجها لا ضمان عليها * وكذا المودع إذا دفع الوديعة إلى من يعول المودع لا يضمن * ولو دفع المودع الوديعة إلى عيال المودع ذكر القدوري والفقيه أبو الليث وشمس الأئمة السرخسي رحمهم الله تعالى أنه يكون ضامنا وذكر الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى في شرح الجامع الكبير أنه لا يضمن لأن الرد إلى من في عيال المالك يكون ردا على المالك من وجه و الضمان لم يكن واجبا فلا يجب بالشك بخلاف الغاصب إذا رد المغصوب إلى من في عيال المالك فإنه لا يبرأ لأن ثم الضمان كان واجبا و الرد على من كان في عيال المالك رد على المالك من وجه فلا يبرأ بالشك * و إذا دفع المودع الوديعة إلى أجنبي فهلكت عند الثاني ضمن الأول دون الثاني في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى للمالك أن يضمن أيهما شاء فإن ضمن الثاني رجع الثاني على الأول و إن ضمن الأول لا يرجع على الثاني و هو و مودع الغاصب سواء * عشرة أشياء إذا ملكها إنسان ليس له أن يملك غيره لا قبل القبض و لا بعده * منها المرتهن لا يملك الرهن بغير إذن الراهن فإن فعل فهلك عند الثاني كان للراهن أن يضمن أيهما شاء قيمة الرهن فإن ضمن الأول لا يرجع على أحد و إن ضمن الثاني يرجع على الأول * و منها المودع لا يملك الإيداع عند الأجنبي * و منها الوكيل بالبيع لا يملك أن يوكل غيره إذا لم يقل له الموكل اعمل فيه برأيك فإن وكل غيره فباع الثاني إن باع بحضرة الأول أو أجاز الأول وجاز إلا فلا وإن قال له الموكل اعمل فيه برأيك فوكل غيره جاز وليس للموكل الثاني أن يوكل غيره وإن قال له الوكيل الأول اعمل فيه برأيك * ومنها إذا استأجر دابة ليركبها بنفسه لا يؤاجر غيره لا للركوب ولا للحمل * وكذا مستأجر الثوب ليلبسه لا يؤاجر غيره * ومنها إذا استعار دابة للركوب لا يعير غيره * ? مستعير الثوب للبس لا يعير غيره * ? منها رجل أخذ أرضا ? بذرا ليزرعها ? لم يقل له صاحب الأرض اعمل فيه برأيك لا يدفع إلى غيره مزارعة فإذا كان البذر من قبل الآخذ كان له أن يدفع إلى غيره مزارعة على كل حال * ? منها المضارب لا يدفع إلى غيره مضاربة فإن قال له اعمل فيه برأيك كان له أن يضارب ? له أن يشارك شركة عنان ? لا يملك المفاوضة ? له أن يبضع * ? المستبضع لا يملك إلا بضاع فإن أبضع ? هلك فلرب المال أن يضمن أيهما شاء ? إن سلم ? حصل الربح كان الكل لرب المال ? المستبضع لا يملك الإيداع ? الأب ? الوصي ? القاضي يملكون الإيداع * عبد أودع رجلا ? غاب لم يكن لمولاه أن يسترد الوديعة سواء كان العبد مأذونا أو محجورا عليه دين أو لم يكن * رجل أودع عند أحد شريكي المفاوضة وديعة ثم مات المودع من غير بيان كان الضمان عليهما فإن قال الشريك الحي ضاعت في يد شريكي في حياته لم يكن مصدقا * رجل وضع عند رجل وديعة ? وضعها المودع في حانوته ? ذهب إلى الجمعة ? ترك باب الحانوت مفتوحا ? أجلس صبيا صغير الحفظ حانوته ? ذهبت الوديعة من الحانوت قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان الصبي ممن يضبط الأشياء ? يحفظها لم يضمن المودع ? إن كان ممن لا يضبط ضمن * ? قال القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى لم يضمن على كل حال لأنه ترك الوديعة في حرزه لم يضيع * رجل دفع إلى آخر مرا ? قال اسق به أرضي ? لا تسق أرض غيري فسقى الرجل أرض الآمر ثم سقى أرض غيره فلما فرغ من السقي سرق المر قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يضمن الرجل لأن الساقي أجير أو معين ? كيفما كان فالمر غير مستأجر ? لا مستعار بل هو وديعة عنده فلما سقى به أرض غيره صار مخالفا فإذا ترك الاستعمال عادت وديعة كما كانت * ? من حكم الوديعة ? الرهن أنه يخرج عن الضمان إذا عاد إلى الوفاق بخلاف الإجارة ? الإعارة فإن فيهما لا يخرج عن الضمان بترك الاستعمال * مودع غاب عن بيته فقال له رجل أجنبي إن لي في بيتك شيئا فادفع إلي المفتاح حتى أرفعه فسلم إليه المفتاح فلما عاد الرجل إلى بيته لم يجد الوديعة في موضعها قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يضمن المودع لأن يدفع المفتاح إليه لم يصر جاعلا بيته في يد الأجنبي * رجل جهز ابنته بما يجهز مثلها ثم قال كنت أعرتها الأمتعة قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يصدق بالإعارة لا أن يشهد عند التجهيز أنها إعارة *(3/226)
وقال القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى يصدق في ذلك لأنه هو الدافع فما لم يقر بالتمليك يكون القول قوله * قال رضي الله عنه ? عندي إن كان الأب من كرام الناس ? أشرافهم لا يقبل قوله في الإعارة ? إن كان من أوساط الناس كان القول قوله * رجل جاء إلى رجل برسالة من رجل آخر أن ادفع إلى هذا خمسمائة درهم فقال لا أدفعها إليك حتى ألقاه فيأمرني مواجهة ثم قال للرسول بعد ذلك لقيته فأمرني بدفعها إليك ثم أبى أن يدفع قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى له أن لا يدفع إلا أن يكون المال دينا عليه للآمر فيلزمه الدفع في الدين و لا يصدق في النهي بعد الإقرار بالأمر و هذا يرجع إلى صحة التصديق في الدين و فساده في الوديعة * رجل أجلس عبده في حانوته و في الحانوت ودائع فسرقت ثم وجد المولى بعضها في يد عبده و قد أتلف البعض فباع المولى العبد فإن كان لصاحب الوديعة بينة على أن الغلام سرق الوديعة و أتلفها فصاحب الوديعة بالخيار إن شاء أجاز البيع و أخذ الثمن و إن شاء نقض البيع ثم يبيعه في دينه لأنه ظهر أن المولى باع عبدا مديونا * و إن لم يكن له بينة له أن يحلف مولاه على العلم فإن حلف لا يثبت الدين و إن نكل فهو على وجهين إن أقر المشتري بذلك كان هذا و ما لو ثبت الدين بالبينة سواء * و إن أنكر المشتري ليس لصاحب الوديعة أن ينقض البيع و لكن يأخذ الثمن من المولى لأن الدين ظهر في حق المولى دون المشتري * رجل أودع عند إنسان خمسمائة درهم فأنفق المودع منها ثلاثمائة درهم ورد على صاحب الوديعة مائتي درهم ثم حلف أنه لم يحبس من الوديعة شيئا قالوا لا يكون حانثا في يمينه لأن ما أنفق صار دينا عليه بالإنفاق فلا يكون حابسا للوديعة * رجل استعار من رجل ذهبا فقلد به صبيا فسرق قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان الصبي ممن لا يضبط حفظ نفسه و حفظ ما عليه و تركه المستعير بغير حافظ كان المستعير ضامنا قال الشيخ الإمام هكذا ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى في النوادر * رجل استعار من رجل دابة فحضرت الصلاة فدفعها إلى غيره ليمسكها فضاعت قال إن كان اشترط في أصل العارية ركوب نفسه يضمن لأنه لو أعار غيره يضمن * و إن لم يشترط في العارية ركوب نفسه لا يضمن لأنه لو أعار غيره لا يضمن * و كل من له أن يعير كان له أن يودع * و من لم يكن له أن يعير لم يكن له أن يودع و ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أن المستعير لا يملك الإيداع مطلقا و لو فعل كان ضامنا * رجل غاب فجاءت امرأته إلى القاضي و أحضرت والد زوجها و ادعت عليه أن للغائب وديعة في يد أبيه و طلبت النفقة من ذلك المال قال الشيخ الإمام أبو بكر رحمه الله تعالى إن كان في يد والد الزوج دراهم أو ما يصلح لنفقة الزوجات من طعام أو كسوة و الأب مقر بأن ذلك في يده كان للمرأة أن تطالبه و للقاضي أن يأمره بدفع ذلك و ليس للأب أن يدفع ذلك إليها بغير أمر القاضي فإن دفع بغير أمره كان ضامنا و إن أنكر الأب كون ذلك المال في يده كان القو لقوله ولا يمين لها عليه لأنها تريد أن تثبت ما لا لزوجها عنده و إنها ليست بوكيلة عن زوجها و إنما يستحلف من كان خصما * و إن لم تكن الوديعة مما يصلح لنفقة الزوجات فلا خصومة بينهما * و لو كان للغائب دين على رجل و الغريم مقر بالمال و النكاح فالدين بمنزلة الوديعة * ثلاثة أودعوا رجلا مالا و قالوا لا تدفع إلى رجل منا حتى نجتمع كلنا فدفع نصيب أحدهم إليه كان ضامنا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه لا يتعين نصيبه إلا بالقسمة و المودع لا يملك القسمة *(3/227)
رجلان أودعا رجلا ثوبا و قالا لا تدفع إلا إلينا جميعا فدفع إلى أحدهما كان ضامنا * فإن أراد المودع أن يخرج نفسه عن الضمان قالوا الحيلة له في ذلك أن يقول للحاضر الذي يطالبه بعد ما دفع إلى الأول أحضر خصمك حتى أدفعه إليكما و لا يقر بالدفع إلى الأول * مودع مات فقالت ورثته قد رد الوديعة في حياته وجب الضمان في تركته و لا يقبل هذا من الورثة لأنه مات مجهلا فإن أقامت الورثة البينة على إقرار الميت أنه قال في حياته رددت الوديعة قبلت بينتهم لأن الثابت بالبينة كالثابت عيانا * و لو قال المودع لرب الوديعة قد رددت بعض الوديعة و مات كان القول قول صاحب الوديعة في مقدار ما أخذ مع يمينه لأن الوديعة صارت دينا من حيث الظاهر فيكون القول قول صاحب الوديعة في مقدار ما أخذ بيمينه * رجل تناول مال إنسان بغير أمره في حياته ثم رد المال إلى ورثته بعد موته قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يبرأ الظالم من الدين و يبقى حق الميت في مظلمته إياه و لا يرجى الخروج عنها إلا بالتوبة و الاستغفار للميت و الدعاء له * رجل عنده وديعة لإنسان و له امرأتان لكل واحدة منهما ابن من غيره ينفق عليهما و يسكنان معه فهما في عياله * قوم دفعوا إلى رجل دراهم ليدفع الخراج عنهم فأخذها و شدها في منديله و وضعه في كمه فدخل المسجد فذهبت منه الدراهم و لا يدري كيف ذهبت و أصحاب المال لا يصدقونه قالوا لا يكون ضامنا * و هو كما لو قال ذهبت الوديعة و لا أدري كيف ذهبت و ثمة القول قوله مع اليمين و لا ضمان عليه * مودع قال وضعت الوديعة بين يدي ثم قمت فنسيتها فضاعت كان ضامنا * و لو قال وضعت بين يدي في داري قالوا إن كان مالا لا يحفظ في عرصة الدار وعرصة الدار لا تعد حرزا له كالجواهر و الذهب يكون ضامنا * و لو قال دفنت في داري أو في كرمي و نسيت موضعها لا يضمن إذا كان للدار و الكرم باب لأن ذلك لا يعد تضييعا * و فيما إذا وضع الوديعة في مكان حصين فنسي موضعها اختلف فيه المشايخ رحمهم الله تعالى و الصحيح أنه لو قال وضعت في داري لا يضمن و إن قال لا أدري وضعت في داري أو في مكان آخر كان ضامنا * امرأة أودعت صبية من بنات سنة فاشتغلت المرأة بشيء فوقعت الصبية بالماء لا ضمان عليها * و لو كانت الصبية غصبا عند غاصب و المسئلة بحالها كان ضامنا و الله أعلم
(* فصل فيما يعد تضييعا *)(3/228)
الوديعة إذا كانت شيئا من الصوف و المودع غائب فخيف عليها الفساد فإن رفع إلى القاضي ليبيعه جاز و ينبغي أن يرفع فإن لم يرفع حتى فسد لا ضمان عليه و لو كانت الوديعة حنطة فأفسدتها الفأرة و قد اطلع على ثقب معروف فإن أخبر صاحب الحنطة أن ههنا ثقب الفأرة لا يضمن و إن لم يخبر بعدما اطلع على ذلك و لم يسده كان ضامنا * و لو كانت الوديعة دابة فأصابها شيء فأمر المودع رجلا ليعالجها فعالاجها فعطبت من ذلك فصاحب الدابة بالخيار يضمن أيهما شاء فإن ضمن المستودع لا يرجع المستودع على الذي عالجها بأمره * و إن ضمن الذي عالجها إن كان المأمور علم وقت الأمر بالمعالجة أن الدابة لغير الذي في يده و علم أن صاحبها لم يأمر المودع بذلك لا يرجع و إن لم يعلم أنها لغيره أو ظن أنها له كان له أن يرجع على المودع لأنها كانت في يد المودع و اليد دليل الملك من حيث الظاهر * رجل أودع عند فامى ثيابا فوضعها الفامى في حانوته و كان السلطان يأخذ الناس بمال في كل شهر جعلها وظيفة عليهم فأخذ السلطان ثياب الوديعة من جهة الوظيفة و رهنها عند غيره فسرقت قالوا إن كان الفامى لا يقدر على منع السلطان من دفعها لا يضمن لأنه أمين و يضمن المرتهن لأنه مودع الغاصب و يخير صاحب الثوب إن شاء ضمن السلطان و إن شاء ضمن المرتهن * و كذا الرجل الذي يقال له بالفارسية بايكار إذا أخذ شيئا هنا و هو طائع كان ضامنا و كذا لو أخذ بالجناية دراهم و هو طائع كان ضامنا * و كذا الصراف إذا كان طائعا يكون ضامنا و يصير مردود الشهادة * رجل في يديه مال إنسان فقال له السلطان الجائر إن لم تدفع إلي هذا المال حبستك شهرا أو ضربتك ضربا لا يجوز له أن يدفع المال إليه فإن دفع كان ضامنا * و إن قال له إن لم تدفع إلي المال أقطع يدك أو أضربك خمسين سوطا فدفع إليه لا يكون ضامنا لأن دفع مال الغير إلى الجائر لا يجوز إلا أن يخاف تلف عضو و الضرب المتوالي يخاف منه التلف و سيأتي أجناس هذا في كتاب الإكراه * المودع إذا قال دفعت الوديعة إلى ابنى و أنكر الابن ثم مات الابن فورث الأب مال ابنه كان ضمان الوديعة في تركة الابن * إذا غاب المودع فطلبت امرأة الغائب النفقة من الوديعة فجحد الوديعة ثم أقر بها و قال قد ضاعت كان ضامنا و كذلك وصي الأيتام إذا اجتمع أولياء الأيتام و الجيران و قالوا للوصي أنفق مما عندك على هؤلاء الأطفال من مالهم فجحد و قال ما لهم في يدي شيء ثم أقر بشيء و قال قد ضاع بعد الطلب كان ضامنا * و لو جحد المودع الوديعة ثم أقام البينة على هلاكها قبل الجحود إن قال ليس لك عندي وديعة قبلت بينته و يبرأ عن الضمان * و لو قال نسيت في الجحود أو قال غلطت ثم أقام البينة أنه دفعها إلى صاحبها قبل الجحود برئ * و لو قال كنت في السفينة فغرقت فناولت الوديعة إنسانا لا يصدق إلا ببينة و كذا لو قال وقع الحريق في بيتي فناولت الوديعة إنسانا لا يصدق إلا ببينة * رجل دفع إلى رجل ألف درهم و قال له ادفعها إلى فلان بالرى ثم مات الدافع فدفع المودع المال إلى رجل آخر ليدفعها إلى فلان بالرى فاخذ في الطريق فلا ضمان على المودع لأنه وصي الميت و لو كان الدافع حيا ضمن المودع لأنه وكيل إلا أن يكون الآخر في عياله فلا ضمان عليه * إذا سرقت الوديعة من دار المودع و باب الدار مفتوح و المودع غائب عن الدار قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى كان ضامنا * قيل لو أن صاحب الدار دخل كرمه أو بستانه و هو متلازق بالدار قال إن لم يكن في الدار أحد و لا في موضع يسمع الحس أخاف أن يكون ضامنا لأن هذا تضييع و قال أبو نصر رحمه الله تعالى إذا لم يكن أغلق الباب فسرقت منه الوديعة لا يضمن يعني إذا كان في الدار حافظ *
رجل دفع الوديعة فلم يمنعه المودع قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن أمكنه دفعه فلم يدفع ضمن و إن لم يقدر على دفعه بأن كان يخاف من دعارته أو ضرره لا يضمن * المودع إذا ربط السلسلة على باب حزانته في خان بحبل و لم يقفله فخرج فسرقت الوديعة قالوا إن عد هذا إغفالا و إهمالا كان ضامن و إلا فلا * رجل آجر بيتا من داره من رجل فدفع الوديعة إلى الذي استأجر البيت قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن كان لكل واحد مفتاح و مغلاق على حدة ضمن كما لو دفع إلى أجنبي يسكن خارج الدار * و إن لم يكن كذلك و كل واحد منهما يدخل على صاحبه بغير استئذان لا يكون ضامنا لأنه يكون بمنزلة من في عياله * امرأة عندها وديعة لإنسان فحضرتها الوفاة فدفعت الوديعة إلى جارتها فهلكت الوديعة عند الجارة قال الشيخ الإمام أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن لم يكن بحضرتها عند الوفاة أحد ممن(3/229)
يكون في عيالها لا تضمن كما لو وقع الحريق في دار المودع كان له أن يدفع الوديعة إلى الأجنبي * المودع إذا بعث الوديعة إلى صاحبها على يد ابنه الكبير الذي ليس في عياله فهلكت يكون ضامنا و إن لم يكن الابن الكبير إلا أنه لا يكون في عيال الأب فهلكت الوديعة لا يضمن الأب لأن الابن الصغير و إن لم يكن في عيال الأب فتدبير الابن يكون إلى والده فلا يضمن بالدفع إليه كما لو بعث الوديعة إلى صاحبها على يد عبده الذي آجره من غيره فإنه لا يضمن و إن كان العبد في عيال المستأجر يسكن معه *
فصل في هلاك الوديعة بعد الطلب من صاحبها
صاحب الوديعة إذا طلب الوديعة و قد هاجت الفتنة فقال المودع لا أصل إليها الساعة فأغير على تلك الناحية فقال المودع أغير على الوديعة أيضا قال الشيخ الإمام أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن كانت الوديعة تبعد من المودع لا يقدر على دفعها لذلك أو لضيق الوقت فلا ضمان عليه و يكون القول قوله * رجل له على رجل دين فأرسل رب الدين رجلا إلى مديونه ليقبض دينه فقال المديون دفعت إلى الرسول و صدقه الرسول و قال دفعت المال إلى المرسل و صاحب الدين ينكر وصول المال إليه قال أبو القاسم رحمه الله تعالى القول قول الرسول مع يمينه رجل أودع عند إنسان وديعة و قال له في السر من أخبرك بعلامة كذا و كذا فادفع إليه الوديعة فجاء رجل و بين تلك العلامة فلم يصدقه المودع حتى هلكت الوديعة قال أبو القاسم رحمه الله تعالى لا ضمان على المودع * رجل أودع وديعة و قال للمودع لا تضع وديعتي في حانوتك فإنه مخوف فوضع في الحانوت فسرقت الوديعة في الليل قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن لم يكن منزله أحرز من الحانوت و ليس له مكان آخر أحرز من الحانوت فلا ضمان عليه * و إن كان غير ذلك يكون ضامنا *(3/230)
رجل دفع إلى رجل بضاعة و قال للمستبضع ضعها في هذا العدل و أشار إلى العدل فوضعها في الحقيبة فضاعت كان ضامنا و إن قال ضعها في الجوالق من غير إشارة فوضعها في الحقيبة لا يضمن * امرأة أودعت كتاب وصيتها عند رجل بحضرة زوجها و أمرته أن يسلم الكتاب إلى زوجها بعد وفاتها فبرأت و أرادت استرداد كتاب الوصية قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن كان في الكتاب إقرار منها للزوج بمال أو بقبض مهرها من الزوج فللمودع أن لا يدفع الكتاب إليها و إن كانت المرأة تسترد ملك نفسها بأن كان القرطاس ملكا للمرأة لما في رد الكتاب من ذهاب حق الزوج وفيه إعانة لها على الظلم قال ألا ترى أن الوديعة لو كانت سيفا فأرادت المرأة أن تأخذ من المودع لتضرب به رجلا ظلما فإنه لا يدفع إليها لما قلناه * و لو أن رجلا وضع كتابا في يد متوسط و أمره أن يسلم الصك إلى غريمه إن دفع إليه دراهمه قبل ثلاثة أشهر فلم يدفع المديون إليه دراهمه إلا بعد سنة فجاء الطالب يريد أن يسترد الصك قالوا إن علم المتوسط أن الغريم أو في حق الطالب قبل مضي المدة أو بعدها فإنه يدفع الصك إلى المطلوب دون الطالب * ثلاثة أودعوا رجلا مالا و قالوا لا تدفع المال إلى أحد منا حتى نجتمع فدفع نصيب أحدهم قال محمد رحمه الله تعالى في القياس يكون ضامنا و به قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى * و في الاستحسان لا يضمن و هو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * امرأة قالت لاكارها لا تطرح أنزالي في منزلك فوضع الاكار في منزله فجنى الاكار جناية و هرب فرفع السلطان ما كان في منزله قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن كان منزله قريبا من موضع البيدر فلا ضمان على الاكار لأن حفظ الكدس وتحصينه بكون على الاكار فإذا طرحه في موضع الكدس قريبا من البيدر و خفت مؤنه لا يضمن * رجل خاصم رجلا و ادعى عليه ألف درهم فأنكر المدعى عليه ثم أن المدعى عليه أخرج ألفا و وضعها في يد إنسان حتى يأتي المدعي بالبينة فلم يأت بالبينة فاسترد المدعى عليه الدراهم و أبى الأمين أن يرد عليه ثم أغير على تلك الناحية فأغير على الألف قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى إن وضع المدعي و المدعى عليه الألف عنده لا يضمن الأمين لأنه ليس له أن يدفع إلى أحدهما فإن كان صاحب المال هو الذي وضع ضمن المودع لأنه صار غاصبا بالمنع عنه * عبد جاء بوقر من الحنطة إلى بيت رجل و صاحب البيت غائب و سلم الوقر إلى امرأته و قال هذا لمولاي بعثه إلى زوجك وديعة و غاب العبد فلما أخبرت المرأة زوجها بذلك لامها على القبول و أرسل إلى مولى ذلك العبد أن ابعث من يحمل هذا الوقر فإني لا أقبل فأجاب مولى العبد و قال إنه يكون عندك أياما ثم أحمله فلا تدفع إلى عبدي ذلك ثم طلب المولى و أراد أن يأخذ فقال الزوج لا أدفعه إلا إلى العبد الذي حمله إلى بيتي ثم سرق الوقر قالوا إن كان صاحب البيت صدق العبد فيما قال العبد إنه لمولاي بعثه إليك وديعة و يضمن بالمنع عن المولى و إن لم يصدقه أو قال لا أدري أهو لمولى العبد أم هو غصب في يد العبد أو وديعة لإنسان آخر توقف في الرد ليعلم ذلك لا يضمن بمنعه عن المو لى * رجل أودع عند إنسان ألف درهم ثم أن صاحب الوديعة أقرض الوديعة من الذي في يده قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تخرج الألف من الوديعة حتى تصير في يد المستودع حتى لو هلكت قبل أن تصل يده إليها لا يضمن * و كذلك في كل ما كان أصله أمانة * و كذا لو قال المودع لصاحبها إئذن لي أن أشتري بالوديعة شيئا و أبيعه لأنه مؤتمن * مودع جعل دراهم الوديعة في جيبه و حضر مجلس فسق فضاعت الدراهم بعد ما سكر بسرقة أو سقوط أو غيره قال بعضهم لا يضمن لأنه حفظ الوديعة في موضع يحفظ مال نفسه و هو جيبه * و قال بعضهم هذا إذا لم يزل عقله أما إذا زال عقله بحيث لا يمكنه حفظ ماله يصير ضامنا لأنه عجز عن الحفظ بنفسه فيصير مضيعا أو مودعا غيره * رجل حمل ثياب الوديعة على دابته و نزل عن دابته في الطريق فوضع الثياب تحت جنبه و نام عليها فسرق الثياب قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن اراد به الرفق يكون ضامنا * و إن نام عليها لأجل الحفظ لا يضمن * و لو كان مكان الثياب كيس فيه دراهم لا يضمن لأنه لا يضع الكيس تحت جنبه إلا للحفظ * مودع قال له رب الوديعة إذا جاء أخي فرد عليه الوديعة فلما طلب أخوه منه قال له المودع عد إلي بعد ساعة لأدفعها إليك فلما عاد إليه قال أنه كان هلكت لا يصدق لأنه متناقض و يكون ضامنا * و قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إذا طلب المودع وديعته فقال اطلبها غدا فأعيد الطلب في الغد فقال قد ضاعت روي عن أصحابنا رحمهم الله تعالى أنه يسأل المودع متى ضاعت إن قال ضاعت بعد إقراري لا يضمن فإن قال كانت ضائعة وقت إقراري لا يقبل قوله لأنه متناقض و يكون ضامنا لأن قوله اطلبها غدا إنما يقال للشيء القائم * و لو أن صاحب الوديعة طلب الوديعة فقال المستودع لا(3/231)
يمكنني أن أحضرها الساعة فترك و رجع ثم هلك لا يضمن لأنه لما طلب منه الوديعة فقد عزله عن الحفظ ثم لما ترك و رجع كان ذلك ابتداء إيداع * و لو قال احمل إلى اليوم وديعتي فقال افعل و لم يحمله إليه اليوم حتى مضى اليوم و هلك عنده لا يضمن لأنه لا يجب على المودع حمل الوديعة إلى صاحبها * رجل دفع إلى دلال ثوبا ليبيعه فقال الدلال وقع مني الثوب و ضاع و لا أدري كيف ضاع قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لا يضمن * و لو قال نسيت و لا أدري في أي حانوت وضعت يكون ضامنا * رجل أودع عند إنسان جارية فمات المستودع قال الناطفي رحمه الله تعالى رأوها حية بعد موته لا ضمان عليه و إن لم يروها حية بعد موته فقالت ورثته قد ماتت أو ردها عليه في حياته أو هربت لا يقبل قولهم لأنهم يدفعون الضمان عن أنفسهم و روى ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى رجل دفع إلى رجل ألفا ليشتري له و يبيع كل شهر بأجر عشرة دراهم فمات الرجل و لا يدري ما فعل و ترك رقيقا يصير المال دينا في مال الميت و لا يقبل قوله الورثة إن أباهم قد ردها إلى صاحبها * و كذلك رجل دفع أرضه مزارعة و البذر منهما أو من أحدهما فمات المزارع و في الأرض زرع قد حصد و لم ير بعد موته قال محمد رحمه الله تعالى قيمة الزرع يوم مات و مثل الطعام الذي كان في يده يوم مات دين في مال الميت و لا يصدق الورثة أن أباهم قد رد عليه إلا ببينة * و ذكر في الجامع الكبير في باب ما يقر صاحب الوديعة بقبض بعضها ما يؤيد هذا و الله أعلم بالصواب *
كتاب العارية
قال علماؤنا رحمهم الله تعالى للمستعير أن يعير ما لا يتفاوت فيه الناس * و قال الشافعي رحمه الله تعالى ليس له ذلك لأن عنده الإعارة إباحة و المباح له لا يملك الإباحة * وعندنا الإعارة تمليك و لهذا لو قال لغيره ملكتك منفعة هذه الدار شهرا أو لم يقل شهرا بغير عوض كانت إعارة المالك يملك التمليك * و لو قال لغيره آجرتك هذه الدار شهرا من غير شيء أو لم يقل شهرا لا تكون إعارة * رجل استعار من رجل شيئا فسكت المالك ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى أن الإعارة لا تثبت بالسكوت * رجل استعار من رجل دابة للحمل قال الشيخ الإمام علي بن محمد البزدوي رحمه الله تعالى له أن يعير غيره للحمل لأن الناس لا يتفاوتون في الحمل * رجل استعار من رجل دابة للركوب أو ثوبا للبس و لم يذكر اللابس كلن له أن يعير غيره للركوب و يعير غيره للبس و يكون ذلك أيضا تعيينا للراكب و اللابس فإن ركب هو بعد ذلك أو لبس بعد ذلك قال الشيخ الإمام علي بن محمد البزدوي رحمه الله تعالى إذا هلكت تكون ضامنا * و ذكر شمس الأئمة السرخسي و الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمهما الله تعالى إنه لا يضمن و كذلك كل ما لا يتفاوت الناس في الانتفاع إن استعار مطلقا كان له أن يعير غيره * رجل استعار من آخر دابة غدا إلى الليل فأجابه صاحب الدابة بنعم استعار آخر غدا إلى الليل فأجابه بنعم فإن الحق يكون للسابق منهما فإن استعارا معا فهي لهما جميعا * رجل استعار من آخر ثورا غدا إلى الليل فأجابه بنعم فجاء المستعير غدا و لم يجد صاحب الثور فأخذ الثور من بيته و استعمله فعطب قال ابراهيم بن يوسف رحمه الله تعالى لا يكون ضامنا * رجل استعار من آخر ثورا غدا إلى الليل فأجابه بنعم ثم جاء و لم يجد المستعير صاحب الثور فأخذ الثور من امرأته فعطب قالوا يكون ضامنا لأن إعارة الدواب لا تكون إلى النساء و إنما لهن ما كان من متاع البيت * رجل استقرض من آخر ثورا يعني استعاره ليستعمله يوما فيعيره ثوره أيضا فهلك الثور في الاستعمال لا يكون ضامنا لأن هذه إعارة و ليست باستقراض للحيوان بل استقرض الحيوان أن يأخذ منه حيوانا ليستهلكه و ينتفع به ثم يرد عليه مثله فذاك فاسد و هو مضمون بالقيمة* رجل أرسل رجلا ليستعير له دابة من فلان إلى الحيرة فجاء الرسول إلى صاحب الدابة و قال إن فلانا يقول لك أعرني دابتك إلى المدينة فدفعها إليه فجاء بها الرسول و دفعها إلى المرسل ثم بدا للمرسل أن يركبها إلى المدينة و هو لا يعلم بما قال الرسول لصاحب الدابة فركبها إلى المدينة فهلكت لا يضمن لأن المعتبر إذن صاحب الدابة و هو أعار إلى المدينة * و لا يقال بأن المعير و إن أذن بالركوب إلى المدينة إلا أن المستعير لا يعلم بذلك فلا يثبت الإذن كما لو أذن لعبده في النجارة و لم يسمع العبد لانا نقول إن لم يعلم المرسل فقد سمع رسوله و سماع الرسول كسماع المرسل * وأن ركبها إلى الحيرة فعطبت يكون ضامنا لأن المعير لم يأذن للركوب إلى الحيرة * وإذا ضمن المستعير لايرجع هو على الرسول لأنه ضمن بفعل باشره لنفسه
(* فصل فيما يضمن المستعير *)(3/232)
رجل استعار من آخر دابة ليحمل عليها مائة منّ من الحنطة ثم أن المستعير بعث الدابة مع وكيله ليحمل عليها مائة منّ من الحنطة له فحمل الوكيل طعاما لنفسه مثل طعام الموكل ذكر في الشركة لا يكون ضامنا * رجل استعار دابة ليذهب إلى مكان معلوم فذهب إلى مكان آخر بتلك المسافة كان ضامنا * و لو أمسك الدابة في بيته و لم يذهب فهلكت الدابة كان ضامنا لأنه أعارها للذهاب لا للإمساك في البيت * و لو استعار من آخر ثور ليكرب أرضا له و عين الأرض فكرب أرضا أخرى فهلك الثور في الاستعمال كان ضامنا لأن الأراضي تتفاوت في الكراب فصح التعيين * صبي استعار من صبي آخر فأسا أو نحو ذلك فأعطاه و كان الفأس لغير الدافع فهلك في يد الصبي المستعير قالوا إن كان الدافع مأذونا لا يجب الضمان على المستعير و إنما يجب على الدافع * و إن كان الدافع محجورا فصاحب الفأس بالخيار يضمن أيهما شاء * رجل استعار من آخر دابة على أن يذهب بها حيث شاء و لم يسم مكانا و لا وقتا و لا ما يحمل عليها و لا ما يعمل بها فذهب المستعير إلى الحيرة أو أمسكها بالكوفة شهرا يحمل عليها فعطبت الدابة لا يضمن في شيء من ذلك لإطلاق الإعارة * و إن استعار دابة يوما إلى الليل و لم يسم ما يحمل عليها لا يضمن إذا هلكت في اليوم و إن أمسكها بعد اليوم فهلكت ذكر في الكتاب أنه يكون ضامنا و اختلف فيه المشايخ رحمهم الله تعالى * قال بعضهم إنما يضمن إذا انتفع بها في اليوم الثاني * و إن أمسكها و لم ينتفع بها لا يضمن * و قال بعضهم هو ضامن على كل حال * و إطلاق الكتاب دليل عليه و به أخذ الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى لأن الإذن بالقبض موقت فبعد الوقت يكون ممسكا مال الغير بغير إذنه * المستعير إذا قضى حاجته بالدابة المستعارة فردها مع عبده أو مع بعض من كان في عياله فهلكت لا يكون ضامنا * و كذا لو ردها إلى عبد صاحبها عبد يقوم على الدابة * و قال الشيخ الإمام الزاهد المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى على قياس هذا يجب أن يقال إذا رد الغاصب الدابة المغصوبة إلى عبد صاحبها عبد يقوم على الدابة و يحفظها صح رده * و للمعير أن يسترد العارية و يرجع فيها متى شاء كانت الإعارة مطلقة أو مؤقتة لأنها غير لازمة * رجل استعار من آخر أرضا ليبني فيها أو يغرس فيها نخلا فأعارها صاحب الأرض بذلك ثم بدا للمالك أن يأخذ الأرض كان له ذلك سواء كانت الإعارة مطلقة أو مؤقتة إلى عشر سنين أو ما أشبه ذلك لأنها غير لازمة * ثم إذا كانت الإعارة مطلقة فرجع المعير لا يضمن للمستعير شيئا و يكون للمستعير غرسه و بناؤه على قول ابن أبي ليلى و الشافعي رحمهما الله تعالى يضمن المعير قيمة البناء و الغرس قيمتها قائمة يوم الاسترداد * و لو كانت الإعارة مؤقتة بأن قال صاحب الأرض أعرتك هذه الأرض عشرين سنة لتغرس فيها أو تبني فيها ثم رجع عن الإعارة قبل مضي الوقت كان ضامنا للمستعير قيمة البناء و الأغراس قائمة يوم الاسترداد عندنا إلا أن يشاء المستعير أن يرفع البناء و الأغراس ولا يضمنه القيمة فيكون له ذلك إذا كان قلع الأشجار و رفع البناء لا يضر بالأرض فإن كان يضر ذلك كان لصاحب الأرض أن يمتلك البناء و الأغراس بالقيمة * و على قول زفر رحمه الله تعالى للمستعير أن يرفع البناء و الأغراس و لا يضمن صاحب الأرض كما لو كانت الإعارة مطلقة * رجل قال لغيره ابن في أرضي هذه على أن أتركها في يدك أبدا أو قال إلى وقت كذا فإن لم أتركها فأنا ضامن لك ما تنفق في بنائك و يكون البناء لي فإذا أخرجه من الأرض يضمن قيمة البناء و الغرس و يكون جميع ذلك لصاحب الأرض * و لو أن رجلا أعار أرضا ليزرعها و وقت لذلك وقتا أو لم يوقت فلما تقارب الحصاد أراد أن يخرج المستعير في القياس يكون له ذلك و في الاستحسان لا يكون ذلك حتى يحصد الزرع لأن المستعير لم يكن مبطلا في الزراعة فيترك الأرض في يده إلى الحصاد بالأجر و تصير الإعارة إجارة * و لو أن رجلا أعار أرضا ليبني المستعير فيها أو يسكن ما بدا له على أني إن أخرجتك فالبناء يكون لي فهذه إجارة فاسدة لأنه شرط البناء لنفسه عند الإخراج فكان تمليك المنفعة تمليكا بعوض فتكون إجارة بمنزلة ما لو قال لغيره وهبتك منك هذه الدار بألف يكون بيعا و إنما فسدت الإجارة لجهالة المدة * و إذا مات المستعير أو المعير تبطل الإعارة كما تبطل الإجارة بموت أحد المتقاعدين * رجل استعار من رجل دابة عارية موقتة فلم يردها على صاحبها بعد مضى الوقت حتى هلكت يضمن قيمتها لأن رد العارية يكون على المستعير و مؤنة الرد تكون عليه و في الوديعة تكون على صاحبها و في الغصب تكون على الغاصب و في الإجارة تكون على الآجر * رجل أعار دابة و سمى مكانا معلوما فجاوز بها ثم ردها إلى المكان المأذون فهلكت في يده كان ضامنا و في الوديعة إذا لبس الوديعة حتى ضمن ثم خلع فهلكت في يده بعد ذلك برئ عن الضمان * رجل أعار شيئا و شرط أن يكون المستعير ضامنا(3/233)
لما هلك في يده لم يصح هذا الضمان و لا يكون ضامنا عندنا * رجل قال لغيره أعرتني دابتك فنفقت فقال رب الدلبة لا بل غصبتها فإن لم يكن ركبها كان القول قول المقر ولا ضمان عليه وإن كان قد ركبها لا يقبل قوله ويكون ضامنا لوجود سبب الضمان وهو استعمالدابة الغير * وإن قال رب الدابة آجرتكها وقال لا بل أعرتني كان القول قول الراكب مع يمينه ولاضمان عليه لأنهما تصادقا على ان الركوب كان بإذن المالك * رجل استعار حمار في الرستاق إلى البلد فلما أتى البلد لم يتفق له بالرجوع إلى الرستاق فوضع الحمار في يد الرجل ليذهب به إلى الرستاق ويسلم إلى صاحبه فهلك الحمار في الطريق قالوا إن كان شرطا في الإعارة أن يركب المستعير بنفسه كان ضامنا بالدفع إلى غيره * و إن استعار مطلقا لا يكون ضامنا لأن في الإعارة المطلقة للمستعير أن يعير غيره سواء كانت الإعارة فيما يتفاوت الناس فيه في الانتفاع كالركوب و اللبس أو لا يتفاوت كسكنى الدار و الحمل * و إن كانت الإعارة ليركب المستعير بنفسه فدفع إلى غيره كان ضامنا لأن في هذا الوجه ليس له أن يعير غيره فلا يكون له أن يدفع إلى غيره * و هذا على قول من يقول أن المستعير لا يملك الإيداع * و لو قال المعير لا تدفع إلى غيرك كان ضامنا على كل حال إذا دفع إلى غيره * رجل استعار دابة ليشيع جنازة إلى موضع كذا فلما انتهى إلى المقبرة دفعها إلى إنسان و دخل ليصلي فسرقت الدابة قال محمد رحمه الله تعالى لا يكون ضامنا * رجل استعار سترا للاذين فسرق الستر من الاذين لا يكون ضامنا لأنه لم يترك الحفظ فإن لم ينصبه في الحائط كان ضامنا * رجل استعار دابة فنام في المفازة و مقودها في يده فجاء إنسان فقطع المقود و ذهب بالدابة لا يضمن المستعير لأنه لم يترك الحفظ * و لو أن السارق فك المقود من يده و ذهب بالدابة و لم يعلم به المستعير كان ضامنا لأنه إذا نام على وجه يمكن فك المقود من يده و هو لا يعلم به يكون مضيعا * قيل هذا إذا نام مضطجعا فإن نام جالسا لا يضمن على كل حال لأنه لو نام جالسا و لم يكن المقود في يده و لكن الدابة تكون بين يديه لا يضمن فههنا أولى * رجل استعار حمار إلى الطاحونة فأدخله المربط الذي يكون ثمة و جعل على الباب خشبا كي لا يخرج الحمار فسرق الحمار لا يضمن لأن ذلك حفظ و ليس بتضييع * و لو استعار بقرا و استعمله ثم تركه في المسرح للرعي فضاع إن علم ان صاحبه يرضى بكون البقر في المسرح وحده لا يضمن و إن لم يعلم بذلك يضمن *
رجل استعار من آخر ثورا فأعاره ثورا يساوي خمسين فجمع المستعير بين هذا الثور و بين ثور له يساوي مئة و قرنهما فعطب المستعار قالوا إذا فعل مثل ما يفعله الناس لا يضمن و إلا يكون ضامنا لأنه إذا فعل ما لا يفعله الناس لا يكون المعير راضيا * رجلان يسكنان في بيت واحد كل واحد منهما يسكن في زاوية منه فاستعار أحدهما من صاحبه شيئا ثم طلب العارية فقال المستعير قد كنت وضعته في الطاق الذي يكون في زاويتك قالوا إن كان البيت في أيديهما لا يكون المستعير رادا و لا مضيعا فلا يكون ضامنا * رجل دخل الحمام فسقطت قصعة الحمام من يده و انكسرت في الحمام أو انكسر كوز الفقاعة من يده عند الشرب قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا يكون ضامنا * قيل هذا إذا لم يكن من سوء إمساكه فإن كان من سوء إمساكه يكون ضامنا * رجل بعث أجيره أو تلميذه و استعار حمار فسقطت العباءة عن الحمار في الطريق قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن سقطت من عنف الأجير كان الأجير ضامنا و إن لم يعنف الدابة لا يكون ضامنا * رجل استعار من رجل دابة فحضرت الصلاة فدفعها إلى غيره ليمسكها فضاعت قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان المستعير شرط في العارية ركوب نفسه كان ضامنا لأنه لا يملك الإعارة في هذا الوجه فلا يملك الإيداع و إن لم يكن كذلك لا يضمن لأنه يملك الإعارة في هذا الوجه فيملك الإيداع و ذكر محمد رحمه الله تعالى في السير أن المستعير إذا أودع عند من ليس في عياله كان ضامنا و الله أعلم
(*فصل في المستعير إذا لم يدفع بعد الطلب *)
رجل استعار من رجل ثوبا ثم طلب المعير أن يرد فقال المستعير نعم هو ذا أدفعه إليك ثم فرط في الدفع حتى مضى شهر فسرق من المستعير قالوا إن كان عاجزا عن الرد وقت الطلب لا ضمان عليه * و إن كان المستعير قادرا على الرد فإن أظهر المعير السخط و الكراهة في الإمساك ضمن المستعير * و كذا إذا لم يظهر السخط و لا الرضا لأن الرضا لا يثبت بالشك و إن صرح بالرضا لا يضمن المستعير * و لو استعار كتابا فضاع ثم جاء صاحب الكتاب و طالبه بالرد فلم يخبره بالضياع و وعد له الرد ثم أخبره بالضياع قال بعضهم إن لم يكن آيسا من وجوده لا ضمان عليه و إن كان آيسا من وجوده يكون ضامنا *(3/234)
وفي الكتاب قال يكون ضامنا و لا تقبل دعوى الضياع منه لأنه مناقض * امرأة استعارت سراويل للبس فلبست و هي تمشي فزلقت رجلها فتخرق السراويل لا ضمان عليها لأنها غير مضيعة * رجل باع من آخر عصيرا فأعاره البائع حماره ليحمل العصير فلما حمل و أراد سوق الحمار قال له البائع خذ عذاره و سقه كذلك و لا تخل عنه فإنه لا يستمسك إلا هكذا فقال المشتري نعم فأخذ عذاره ثم خلا عنه بعد ساعة و ترك العذار فأسرع في المشي فسقط و انكسر الحمار كان ضامنا لأنه شرط شرطا معتدا فإذا خالفه صار غاصبا *
وكذا لو أعار رجلا شيئا و قال له لا تدفع إلى غيرك فدفع و هلك عند الثاني قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى ضمن المستعير لأنه دفع بغير إذنه * و قال بعضهم إن كان شيئا لا يختلف الناس في الانتفاع به لا يضمن * و ليس لوالد الصغير أن يعير شيئا من مال ولده الصغير المأذون فإن فعل فهلك كان ضامنا * والصبي المأذون إذا أعار ماله صحت الإعارة *رجل استعار من رجل ثورا و قال له المعير أعطيك غدا فلما كان الغد أخذ المستعير الثور من بيته عند غيبته و استعمله و مات في يده كان ضامنا لأنه أخذ بغير إذنه و قد مر من قبل هذا إذا استعار من آخر ثورا غدا فأجابه صاحب الثور بنعم ثم جاء المستعير غدا و لم يجد صاحب الثور فأخذ الثور من بيته و استعمله فهلك قال ابراهيم بن يوسف رحمه الله تعالى لا يضمن لأنه ثمة أخذ الثور من بيته غدا و كان صاحب الثور أجابه بنعم غدا و ههنا قال صاحب الثور أعطيك غدا و وعد له الإعطاء و ما أعاره * رجل رهن عند رجل خاتما و قال للمرتهن تختم فتختم فهلك الخاتم عنده لا يهلك بالدين و يكون الدين على حاله لأنه صار عارية * و لو أنه تختم ثم أخرج الخاتم من إصبعه ثم هلك يهلك بالدين لأنه عاد رهنا قالوا هذا إذا أمره أن يتختم في خنصره * و إن أمره أن يتختم في السبابة فهلك حالة التختم يهلك بالدين لأن هذا أمر بالحفظ لا بالانتفاع به فلا بخرج من أن يكون رهنا * و لو أمره أن يتختم به في الخنصر و يجعل الفص من جانب الكف فجعل الفص من الخارج على ظهر الإصبع كان إعارة و هو و ما لو أمره بأن يتختم به في الخنصر و لم يأمره أن يجعل الفص في جانب الكف سواء و يكون إعارة هو الصحيح *(3/235)
رجل قال لغيره من غير أن يستعيره خذ عبدي هذا و استخدمه يكون ذلك وديعة و يكون طعام العبد على مولاه * و لو استعار رجل من رجل عبدا فطعام العبد يكون على المستعير لأن نفقة المستعار تكون على المستعير * رجل استمد من محبرة رجل بغير إذنه قال الفقيه عبد الله أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى رأيت عبدان المروزي قال رأيت عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى يستمد من محبرة غيره و لا يستأذنه * و عن ابن المبارك رحمه الله تعالى أن رجلا استأذنه أن يستمد من محبرة غيره فقال ما هذا الورع البادر * و عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى سئل عن هذا فقال هو مال غيره فليستأذنه * قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن استأذنه فحن و إن لم يستأذنه و لكنه يعلم أنه يريد أن يستمد من محبرته فإن لم يأذن و لم ينه فلا بأس ولو أنه استمد منه من غير أن يتكلم ولا أشار إليه بشيء فلا أحب له ذلك إلا أن يكون بينهما انبساط فلا بأس به * رجل دفع إلى رجل سكرا لينثره في عرس قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى ليس له أن يحبس لنفسه شيئا و لا أن يدفع إلى غيره لينثره فإن نثره كما أمره ليس له أن يلتقط منه * و هو كما لو دفع إلى رجل درهما ليفرقه على الفقراء ليس له أن يأخذ منه لنفسه و إن كان فقيرا قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا هو القياس و لكن لا نأخذ بهذا لأن النثر للإباحة و بناء الإباحة على السهولة لا على الاستقصاء فلما أمره أن ينثره صار كأنه أباح له أن يلتقط و أن يحبس لنفسه مقدار ما يحبسه الناس * رجل قال لغيره جعلتك في حل في ساعة أو قال جعلتك في حل في الدنيا قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى يصير في حل في الدارين و لو قال لا أخاصمك و لا أطالبك ليس هذا بشيء و حقه على حاله * رجل بنى في دار العارية حائطا بالرهص و استأجر الأجراء بعشرين درهما للبناء ثم أراد أن يسترد الدار و كان بناه من تراب صاحب الدار و للحائط قيمة ما دام قائما و إذا هدم لم يكن للتراب قيمة فإذا أراد المعير أن يسترد الدار فقال له المستعير رد على نفقتي في هذا الحائط و إلا أهدمه قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى ليس للمستعير هدمه و لا له أن يرجع بما أنفق في العمارة أراد به إذا أنفق بغير إذن صاحب الدار فليس له أن يهدمه إذا كان بناه من تراب صاحب الدار لأنه لو هدم يكون حقه في التراب والتراب ملك صاحب الأرض * رجل دخل كرم صديق له وتناول شيئا بغيرأمره قال نصير رحمه الله تعالى إنه كان يعلم أن صاحب الكرم لو علم بذلك لا يبالي ولايمنعه أرجو أن لا بأس به * رجل استعار كتابا ليقرأه فوجد في الكتاب خطأ أن علم أن صاحب الكتاب يكره اصلاحه ينبغي له أن لا يصلحه لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه وإن علم أنه لا يكره اصلاحه فإن أصلحه جاز لأنه مأذون دلالة ولو لم يصل لا يكون آثما لأن الاصلاح ليس بواجب عليه * رجل قال لغيره أعرني دابتك فرسخين أو قال إلى فرسخين عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال له فرسخان ذاهبا و جائيا استحسانا * قال و كذلك كل عارية تكون في المصر نحو التشييع في الجنازة * و في القياس هو على الذهاب خاصة و ليس له أن يرجع عليها * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا استعار دابة إلى موضع كذا كان له أن يذهب عليها و يجيء و يعيرها غيره * و إن لم يسم لها موضعها ليس له أن يخرج بها من المصر * رجل استعار من رجل أمة لترضع ابنا له فأرضعته فلما صار الصبي لا يأخذ إلا منها قال له المعير اردد علي خادمتي قال يوسف رحمه الله تعالى ليس له ذلك و له أجر مثل خادمته إلى أن يطعم الصبي * و كذا لو استعار من رجل فرسا ليغزو عليه فأعاره إياه أربعة أشهر ثم لقيه بعد شهرين في بلاد المسلمين فأراد أخذه كان له ذلك * و إن لقيه في بلاد الشرك في موضع لا يقدر على الكراء و الشراء كان للمستعير أن لا يدفعه إليه لأن هذا ضرر بين و على المستعير أجر مثل الفرس من الموضع الذي طلب إلى أدنى الموضع الذي يجد فيه كراء أو شراء * رجل قال لغيره قد حملتك على هذه الدابة قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو إعارة و كذا لو قال حملتك عليها في سبيل الله تعالى * رجل استعار محلا أو فسطاطا و هو في المصر فسافر به فهلك عن أبي يوسف رحمه الله تعالى هو إعارة و إنه لا يكون ضامنا * و لو استعار ثوبا أو عمامة أو سيفا فسافر به كان ضامنا رجل قال لغيره هذه الدار لك منحة و دفعها إليه عن محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن هذه إعارة و إنما المنحة سكناها * و كذلك منحة الأرض زراعتها و كل شيء يحتاج إلى منفعة كخدمة العبد و زراعة الأرض و لبس الثورب و ركوب الدابة * و لو استعار ثوبا ليبسطه فوقع عليه من يده شيء أو عثر فوقع عليه فتخرق لا يكون ضامنا و الله أعلم بالصواب و صلى الله على سيدنا محمد و آله و أصحابه أجمعين
كتاب اللقطة
رفع اللقطة لصاحبها أفضل من تركها عند عامة العلماء رحمهم الله تعالى * و قال بعضهم(3/236)
يحل رفعها و تركها أفضل * و قالت المتقشفة لا يحل رفعها * و الصحيح قول علمائنا رحمهم الله تعالى خصوصا في زماننا سواء كانت اللقطة دراهم أو دنانير أو عروضا أو شاة أو حمارا أو بغلا أو فرسا أو إبلا و قال الشافعي رحمه الله تعالى في البغل و الحمار والفرس و الإبل الترك أفضل * وهكذا إذا كان في الصحراء * وإن كان في القرية فترك الدابة أفضل * وإذا رفع اللقطة يرفعها فيقول التقطت لقطة أو وجدت ضالة أو عندي شيئ
فمن سمعتموه يطلب دلوه علي * واختلفت الروايات في مدة التعريف قال محمد رحمه الله تعالى في الكتاب يعرفها حولا ولم يفصل بين ما إذا كانت اللقطة قليلة أو كثيرة * وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى روايتان في رواية في مائتي درهم أو ما يساوي مائتي درهم فما فوقها يعرفها حولا * وإن كانت أقل من مائتي درهم عشرة دراهم فما فوقها يعرفها شهرا *
وإن كانت أقل من عشرة دراهم يعرفها ثلاثة أيام * وعنه في روايةإن كانت عشرة فما
فوقها يعرفها حولا * وإن كانت أقل من عشرة يعرفهاعلى حسب مايرى * وقال بعضهم
إلى خمسة يحفظها يوما واحدا ومن الخمسة إلى العشرة يحفظها أياما وفي عشرة إ لى
خمسين يحفظها جمعة * وفي الخمسين إلى مائة يعرفها شهرا وفي المائة إلى إلى المائتين
يحفظها ستة أشهر * وفي المائتين إلى ألف أوأكثر يحفظها حولا وقال بعضهم في الدرهم
الواحد يحفظ ثلاثة أيام * وفي الدانق فصاعدا يحفظ يوما يعرفه * وإن كانت دون ذلك
ينظر يمنة ويسرة ثم يتصدق به * وقال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة أبو بكر محمد بن
اسمعيل السرخسي رحمه الله تعالى ليس في هذا تقدير لازم بل نفوض ذلك إلى رأي الملتقط
يعرف إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه بعد ذلك * فبعد ذلك في القليل إن جاء
صاحبها دفعها إليه * وإن لم يجئ فهو بالخيار إن شاء أمسكها حتى يجئ صاحبها وإن شاء
تصدق بها * فإن تصدق بها ثم جاء صاحبها كان صاحبها بالخيار إن شاء أجاز الصدقة
ويكون الثواب له * وإن لم يجز الصدقة فإن كانت القطة قائمة في يد الفقير يأخذها من
الفقير *وإن لم تكن قائمة كان له الخيار ان ضمن الفقير وإن شاء ضمن الملتقط
وايهماضمن لايرجع على صاحبه بشيء *فإن ضمن الملتقط ملكها من وقت الأخذ فيكون
الثواب له وإن أراد الملتقط صرف القطعة إلى نفسه فهو على وجهين *ان كانت القطعة شيأ
لا يطلبها صاحبها كالنوى وقشور الرمان فهو على وجهين * إن وجدها الملتقط غير
مجتمعة كان له أن ينتفع بها * وإن أراد صاحبها أن يأخذها من الملتقط بعد ما جمعها كان له
أن يأخذها لأنه وجد عين ماله *وإن كان الملتقط وجدها جملة مجتمعة ليس له أن ينتفع بها
قبل التعريف لأن الظاهر أنها سقطت من صاحبها ولم يلقها *ولو كانت اللقطة شيأ يطلبها
صاحبها فأراد الملتقط أن يصرفها إلى نفسه بعد ما عرفها مدة التعريف فهو على وجهين *
إن كان الملتقط غنيالا يحل له ذلك عندنا سواء فعل ذلك بأمر القاضي أو بغير أمره *وإن
كان الملتقط فقيرا ان أذن له القاضي بأن ينفقها على نفسه يحل له أن ينفق ولا يحل بغير
أمر القاضي عند عامة العلماء رحمهم الله تعالى * وقال بشر رحمه الله تعالى يحل * فإن
كانت اللقطة شيأ إذا مضى عليها يوم أو يومان يفسد فإن كان قليلا نحو حب العنب ومثلها
يأكلها من ساعته غنيا كان أو فقيرا *وإن كان كثيرا يبيعها بأمر القاضي ويحفظ ثمنها *وإن
كانت اللقطة مما يحتاج إلى النفقة إن كان شيأ يمكن إجارته يؤاجره بأمر القاضي وينفق
عليها من الأجر * وإن كان مما لايمكن إجارتها يبيعها بأمر القاضي وينفق عليها من الثمن
فإن أنفق عليها من مال نفسه فإن فعل ذلك بأمر القاضي يرجع على صاحبه وبغير أمر
القاضي لايرجع * وينبغي للملتقط أنيشهد عند رفع اللقطة أنه يدفعها إلى صاحبها فإن أشهد
كانت اللقطة أمانة في يده وإن لم يشهد كان غاصبا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى * وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى هي أمانة على كل حال إذا لم يكن من
قصده الحفظ لنفسه ولايضمن الملتقط إلا بالتعدي عليها أو بالمنع عند الطلب هذا إذا أمكنه
أن يشهد *فإن لم يجد أحدا يشهده عنده الرفع أو خاف أنه لو أشهد عند الرفع يأخذ منه ظالم
فترك الاشهاد لايكون ضامنا وإن وجد من يشهده فلم يشهده حتى جاوزه ضمن لأنه ترك
الاشهادة مع القدرة عليه *رجل رفع لقطة وأشهد فجاء رجل وادعى أنها له وذكر وزنها
وكيلها وعددها وكل علامة كانت لها فأصاب جميع ذلك فلم يدفع إليه الملتقط وطلب البينة
عندنا لايجبر الملتقط على الدفع إليه *وعلى قول مالك رحمه الله تعالى يجبر على الدفع إلى
المحلى * فلو دفعها إليه بالحلية ثم جاء آخر فأقام البينة أنها له فإن كانت اللقطة قائمة في يد
الأول يأخذها صاحبها منه إذا قدر ولا شيء على الآخذ وإن كانت هالكة أولم يقدر على
أخذها فصاحبها بالخيارات شاء ضمن الآخذ وإن شاء ضمن الدافع * وذكر في الكتاب إن(3/237)
كان الملتقط دفع بقضاء القاضي لا ضمان عليه وإن كان الدفع بغير قضاء في ضمن
*رجل مات في البادية كان لرفيقه أن يبيع متاعه وحماره ويحمل ثمن ذلك إلى أهله *غنم
أوبقر تجتمع في مكان ويجتمع من بعرها وأخثائها في ذلك المكان فجاء إنسان ورفع ذلك
قالوا إن كان أرباب الغنم هيؤا المرابض ليجتمع بعرها وأحثاؤها ويشحون في ذلك فكل ذلك
يكون لهم ولا يجوز لغيرهم أن يرفعوا ذلك * وروى هشام عن محمد رحمه الله تعالى إذا
اجتمع سرقين الدابة في الخان وترك صاحب الدابة و ذهب فإن ذلك يكون لمن أخذها لا
لصاحب الخان * حطب وجد في الماء إن لم يكن له قيمة فهو حلال لمن أخذه * و إن كانت
له قيمة يكون لقطة و حكم اللقطة يكون معلوما * التفاح أو الكمثرى إذا كان في نهر جار
قالوا يجوز أخذه و إن كثر لأن هذا مما يفسد إن ترك * و لو وجد جوزة ثم أخرى ثم أخرى
حتى بلغ عشرة و أخذ و لها قيمة فإن وجد الكل في موضع واحد فهي لقطة لأن لها قيمة *
و إن وجدها في مواضع متفرقة تكلموا فيه * و الصحيح أنها بمنزلة اللقطة * بخلاف النواة
إذا وجدها متفرقة و يكون لها قيمة فإنها يجوز أخذها لأن النواة مما يرمى عادة فيصير
بمنزلة المباح و لا كذلك الجوز حتى لو وجد الجوز تحت الأشجار و يتركها صاحبها فإنها
تكون بمنزلة النواة * رجل مر في أيام الصيف بثمار ساقطة تحت الأشجار قالوا إن كان
ذلك في المصر لا يسعه أن يتناول شيئا منها إلا أن يعلم أن صاحبها أباح ذلك نصا أو دلالة
لأن في المصر لا يكون مباحا ذلك عادة * و إن كان في الحائط فإن كانت الثمار مما تبقى و
لا تفسد كالجوز و اللوز لا يسعه أن يأخذ ما لم يعلم بالإذن * و إن كانت الثمار مما لا تبقى
اختلفوا فيه قال بعضهم لا يسعه أن يأخذها ما لم يعلم أن صاحبها أباح ذلك * و قال بعضهم
لا بأس به إذا لم يعلم النهي صريحا أو دلالة أو عادة و عليه الاعتماد * و إن كان ذلك في
الرساتيق التي يقال لها بيراسته فإن كان ذلك من الثمار التي تبقى لا يصح أن يأخذ إلا أن
يعلم الإذن * و إن كان من الثمار التي لا تبقى اتفقوا على أنه يسعه أن يأخذ ما لم يعلم النهي
* هذا في الثمار الساقطة تحت الأشجار * و إن كانت على الأشجار فالأفضل أن لا يأخذ
في موضع ما لم يأذن له إلا أن يكون ذلك في موضع كثير الثمار يعلم أنه لا يشحون في ذلك
فيسعه أن يأكل و لا يسعه أن يحمل * و إذا وجد في الطريق أوراق شجرة ينتفع به نحو
ورق التوت و نحو مما يربي به دود القز فإن كان كثيرا له قيمة ليس له أن يأخذه و إن أخذ
كان ضامنا * و إن كان ورقا لا ينتفع به كان له أن يأخذ * المزارع إذا التقط السنابل بعد ما
حصد الزرع و جمعه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يكون ذلك
له خاصة لأنه لو لم يلتقطها المزارع لا يلتقطها صاحب الأرض و إنما يلتقطها الفقراء فهو
بمنزلة الثوب الخلق إذا رماه صاحبه أو النواة و ثمة إن رفعها الرامي كان هو أولى و إن لم
يرفع كان لغيره أن يرفع لو رفع الزرع و ترك في الأرض سنابل ليلتقطها الناس * رجل
سيب دابته فأخذها غيره و أصلحها قال الناطفي رحمه الله تعالى إن كان المالك قال عند
التسييب جعلتها لمن يرغب فيها لم يكن لصاحبها أن يأخذها لأنه أباح التملك * و إن لم يكن
قال ذلك كان له أن يستردها لأنه لم يبح التمليك * و كذا الرجل إذا أرسل صيدة فهو بمنزلة
الدابة التي سيبها * و إن اختلف الآخذ و الصاحب فقال الآخذ لصاحبها قد قلت عند التسييب
هي لمن أخذها و أنكر صاحبها ذلك القول كان القول قول صاحبها مع اليمين لأنه ينكر
إباحة التملك * و لو سيب دابته فأخذها إنسان و أصلحها و لم يقل صاحبها عند التسييب هي
لمن أخذها كان لصاحبها أن يأخذ * و إن قال صاحبها عند التسييب من شاء فليأخذها فإن لم
يقل ذلك لقوم معلومين قالوا كان لصاحبها أن يأخذ و لا يملكها الآخذ * و إن قال ذلك لقوم
معلومين فهي لمن أخذها استحسانا * و نظير هذا ما ذكر محمد رحمه الله تعالى في السير
الكبير رجل قال لجماعة جاريتي هذه لمن أخذها منكم فمن شاء فليأخذ يكون ذلك تمليكا منه
لمن أخذها * رجل التقط لقطة ليعرفها ثم أعادها إلى المكان الذي وجدها فيه ذكر في الكتاب
أنه يبرأ عن الضمان * و لم يفصل بين ما إذا تحول عن ذلك المكان ثم أعادها إليه و بين ما
إذا أعادها قبل أن يتحول * قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إنما يبرأ إذا إعادها قبل
التحول أما إذا أعادها بعد ما تحول يكون ضامنا * و إليه أشار الحاكم الشهيد رحمه الله
تعالى في المختصر هذا إذا أخذ اللقطة ليعرفها * فإن أخذها ليأكلها لا يبرأ عن الضمان ما لم
يدفع إلى صاحبها لأنه إذا أخذها ليأكلها كان غاصبا و الغاصب لا يبرأ إلا بالرد على المالك
من كل وجه * و قيل على قول زفر رحمه الله تعالى يبرأ عن الضمان و هو كما لو كانت
دابة فركبها ثم نزل عنها و تركها في مكانها على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يكون(3/238)
ضامنا * و على قول زفر رحمه الله تعالى لا يكون ضامنا * و كذا لو نزع خاتما من إصبع
نائم ثم أعاده إلى إصبعه بعد ما انتبه ثم نام فهو على هذا الخلاف * و لو عاد إلى إصبعه
قبل أن ينتبه من تلك النومة برأ عن الضمان في قولهم * و منها إذا كانت اللقطة ثوبا فلبسه
ثم نزع و أعاده إلى مكانه فهو على هذا الخلاف * و هذا إذا لبس كما يلبس ذلك الثوب عادة
* فأما إذا كان قميصا فوضعه على عاتقه ثم أعاده إلى مكانه لا يكون ضامنا لأنه حفظ و
لبس باستعمال * و كذا الاختلاف في الخاتم فيما إذا لبسه في الخنصر يستوي فيه اليمنى و
اليسرى * أما إذا لبسه في إصبع أخرى ثم أعاده إلى مكانه لا يكون ضامنا في قولهم و إن
لبس في خنصره على خاتم فإن كان الرجل معروفا يتختم بخاتمين فهو على هذا الخلاف و
إلا فلا يكون ضامنا في قولهم إذا أعاده إلى مكانه قبل التحول و منها إذا تقلد بسيف ثم
نزعه و أعاده إلى مكانه فهو على هذا الخلاف * و كذا لو كان متقلدا بسيف فتقلد بهذا
السيف كان ذلك استعمالا * و إن كان متقلدا بسيفين فتقلد بهذا السيف أيضا ثم أعاده إلى
مكانه لا يكون ضامنا في قولهم * رجل فتح باب القفص فطار الطير أو فتح باب الاصطبل
فذهبت الدابة أو حل قيد دابة فذهبت الدابة أو حل قيد عبد فأبق العبد قال أبو حنيفة و أبو
يوسف رحمهما الله تعالى لا ضمان عليه كيفما كان ذهبت في فور ذلك أو بعد ذلك * و قال
محمد رحمه الله تعالى يضمن في الأحوال كلها * و قال الشافعي رحمه الله تعالى إن ذهبت
في فوره يضمن و إن ذهبت بعد ما مكثت ساعة لم يضمن * و السارق إذا فتح باب المربط
فخرجت الدابة لا بسوقه لا يقطع * و لو ساق الحمار يقطع * و لو قطع حبل قنديل فسقط
القنديل و انكسر أو فتح زق إنسان أو شقه فسال ما فيه ضمن في قولهم * و كذا لو كان ما
فيه جامدا فذاب و سال بعد ما شق كان ضامنا * سكران هو ذاهب العقل نام في الطريق
فوقع ثوبه في الطريق فجاء رجل و أخذ ثوبه ليحفظه لا ضمان عليه لأن ذلك الثوب بمنزلة
اللقطة * و إن أخذ الثوب من تحت رأسه أو الخاتم من يده أو كيسا من وسطه أو درهما من
كمه و هو يخاف ضياعه فأخذه ليحفظه كان ضامنا لأن السكران حافظ لما معه لأن الناس
يخافون منه * إذا اجتمع في الطاحونة من دقاق الطحين قال بعضهم يكون ذلك لصاحب
الطاحونة * و قال بعضهم ليس له ذلك و هذا أحسن و يكون ذلك لمن سبق يده إليه بالرفع *
و ما اجتمع للدهانين في إنائهم من الدهن يقطر من الأوقية فهو على وجهين إن كان الدهن
يسيل من خارج الأوقية فذلك يكون للدهان لأن ذلك ليس بمبيع * و إن كان الدهن يسيل من
داخل الأوقية أو من الداخل و الخارج أو لا يعلم فإن زاد الدهان لكل مشتر شيئا فما يقطر
يطيب للدهان و إن لم يزد لا يطيب و يتصدق به و لا ينتفع به إلا أن يكون محتاجا لأن ذلك
بمنزلة اللقطة فيكون حكمه حكم اللقطة * قوم أصابوا بعيرا مذبوحا في طريق البادية إن
وقع في ظنهم أن صاحبه أباحه للناس لا بأس بأخذه و أكله * رجل ذبح بعيرا له و أذن
بانتهابه جاز ذلك * روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل كذلك * رجل نثر سكرا
فوقع في حجر رجل فأخذه رجل آخر منه جاز له أن يأخذ إذا لم يكن صاحب الحجر فتح
الحجر ليقع فيه السكر فأخذه غيره لا يكون المأخوذ للآخذ لأنه صار ملكا لمن وقع في
حجره * و لو دفع إلى رجل دراهم و أمره أن ينثرها في عرس أو نحوه فنثرها ليس له أن
يلتقطها * و لو دفع المأمور إلى غيره لينثره لم يكن للمأمور أن يدفع إلى غيره و لا أن
يحبس شيئا لنفسه و في السكر له أن يحبسه و له أن يدفع إلى غيره لينثره و بعد ما نثر الثاني
كان للمأمور أن يلتقط * رجل وضع طستا على سطح فاجتمع فيه ماء المطر فجاء رجل و
رفع ذلك الماء فإن كان صاحب الطست وضعته بذلك كان الماء له و ليس لغيره أن يرفع
كمن نصب شبكة فتعلق بها صيد فإن الصيد يكون لصاحب الشبكة و إن لم يكن صاحب
الطست وضع الطست ليجتمع فيه الماء فمن رفع ذلك الماء يكون له * رجلان لكل واحد
منهما مثلجة فأخذ أحدهما من مثلجة صاحبه ثلجا فوضعه في مثلجة نفسه فإن كان صاحب
المثلجة الأولى اتخذ موضعا ليجتمع فيه الثلج من غير أن يحتاج إلى أن يجمع فيه كان ذلك
لصاحب المثلجة الأولى و له أن يأخذ من مثلجة الآخذ إن لم يكن الآخذ خلطه بغيره فإن كان
الآخذ خلطه بغيره كان للمأخوذ منه أن يأخذ قيمة المأخوذ و إن كان المأخوذ منه لم يتخذ
موضعا ليجتمع فيه الثلج بل كان في ملكه موضع يجتمع فيه الثلج لا يصنع أحد فإن أخذ
الآخذ الثلج من الحيز الذي في حد صاحبه لا من المثلجة فهو له * و إن أخذه من المثلجة
يكون غاصبا فيرد على المأخوذ منه عين ثلجه إن لم يكن خلط بثلجه و إن كان خلطه كان
عليه قيمته * رجل دخل أرض أقوام يجمع السرقين و الشوك قال الفقيه أبو جعفر هذا شيء
تجري فيه الإباحة دون الشح و الضنة أرجو أن لا بأس به * و كذا الرجل إذا دخل أرض(3/239)
رجل للاحتشاش و التقاط السنابل إن تركها لصاحبها لأن تركه يكون للإباحة * قيل له فإن
كانت الأرض لليتامى أيجوز أن يترك هناك فيلتقطه الناس قال إن كانت السنابل بحيث لو
استأجر على جمع ذلك أجيرا يبقى للصبي بعد أجرة الأجير شيء ظاهر لا يجوز تركه و إن
كان لا يفضل منه أو يفضل منه شيء قليل لا يقصد به لا بأس بتركه و لا بأس لغيره أن
يلتقط * رجل قاطع دارا سنين معلومة فسكنها و اجتمع فيها سرقين كثير وقد جمعها
المقاطع قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يكون السرقين لمن هيأ
مكانه فإن لم يفعل ذلك واحد منهما فهي لمن سبق برفعها * وقال القاضي الإمام علي
السعدي رحمه الله تعالى هي لمن سبقت يده إليها وإن لم يهيأ مكانا حتى قال لو أن رجلا
ضرب حائطا وجعل موضعا يجتمع فيه الدواب فسرقينها لمن سبقت يده إليها * بخلاف من
نصب شبكة فإن صاحب الشبكة فإن صاحب الشبكة يكون أولى لأن هناك ما اعترض على
فعل صاحب الشبكة فعل معتبر لأنه لا عبرة بفعل الصيد أما هنا اعترض على فعله فعل
معتبر وهو ادخال صاحب الدواب دوابه في هذا الموضع وكان ينبغي أن يكون صاحب
الدواب أولى بسرقين الدواب إلا أن الناس ما تعارفوا بملكها فيكون لمن سبقت يده إليها
بالرفع * رجل له دار يؤاجرها فجاء انسان بابل وأناخ فيداره واجتمع من ذلك بعر كثير
قالوا إن ترك صاحب الدار على وجه الإباحة ولم يكن من رأيه أن يجمع فكل من أخذه فهو
أولى به لأنه مباح وإن كان من رأى صاحب الدارأن يجمع السرقين والبعر فصاحب الدار أولى لأنه أعد الدار للإحراز قد ذكرنا رواية هشام رحمه الله تعالى في سرقين الدابة إذا
اجتمع في الخان * ساحة بيضاء يطرح أصحاب السكة فيها التراب والسرقين والرماد حتى اجتمع من ذلك شيء كثير قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان أصحاب السكة طرحوها على وجه المى والإباحة وكان صاحب الساحة هيأ الساحة لذلك يكون ذلك له وإن كان لم يهيئ الساحة لذلك فهي لمن سبقت يده إليها بالرفع * وقال القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى هي لمن رفع وما قال من تهيئة المكان فليس بشيء * حمام بري دخل دار رجل فرخ فيها فجاء آخر و أخذه قالوا إن كان صاحب الدار رد الباب و سد الكوة فهو لصاحب الدار لأنه أحرزه فملكه و إن لم يفعل صاحب الدار ذلك فهو لمن أخذه لأنه مباح لم يملكه صاحب الدار و لو كان له حمام فجاء حمام آخر و فرخ فالفرخ يكون لصاحب الأنثى لأنه تبع لملكه * و يكره إمساك الحمامات إن كان يضر بالناس * روي أن بعض الخلفاء رأى بمكة حماما كثيرا فأمر بأخذ الجملة و أخرج إلى الحل وذبح الكل و تصدق بلحمها و أعطى لكل حمام ذبحها درهما * رجل اتخذ برج الحمام في قرية ينبغي أن يحفظها ويمسكها ويعلفها ولا يتركها بغير علف كي لا يتضرر به الناس * وإن اختلط بها حمام أهلي لغيره لا ينبغي له أن يأخذ فإن أخذ يطلب صاحبه و يرده لأنه بمنزلة اللقطة و الضالة و إن لم يأخذه و فرخ عنده فإن كانت الأم غريبة لا يتعرض لفرخه لأنه ملك الغير و إن كانت الأم لصاحب البرج و الغريب ذكر فإن الفرخ يكون له * و كذا البيض * و إن لم يعلم أن في برجه غريبا قالوا لا شيء عليه إن شاء الله لأن الأصل عدم الغريب * رجل وجد عرضا لقطة فعرفها و لم يجد صاحبها و هو فقير فباعها و أنفق الثمن
على نفسه ثم أصاب مالا قالوا لا يجب عليه أن يتصدق على الفقراء بمثل ما أنفق على نفسه
* امرأة وضعت ملاءتها فجاءت امرأة أخرى و وضعت ملاءتها ثم جاءت الأولى و أخذت
ملاءة الثانية و ذهبت لا ينبغي للثانية أن تنتفع بملاءة الأولى لأنه انتفاع بملك الغير فإن
أرادت أن تنتفع بها قالوا ينبغي أن تتصدق هي بهذه الملاءة على ابنتها إن كانت فقيرة على
نية أن يكون الثواب لصاحبتها إن رضيت ثم تهب الابنة الملاءة منها فيسعها الانتفاع بها
لأنها بمنزلة اللقطة فكان سبيلها التصدق * و إن كانت غنية لا يحل لها الانتفاع بها * و كذا
الجواب في المكعب إذا سرق و ترك له عوض * رجل التقط لقطة فضاعت منه فوجدها في
يد غيره فلا خصومة بينه و بين ذلك الرجل * بخلاف الوديعة فإن في الوديعة يكون للمودع
أن يأخذه من الثاني لأن في اللقطة الثاني كالأول في ولاية أخذ لللقطة و ليس الثاني كالأول
في إثبات اليد على الوديعة * رجل أخذ شاة أو بعير فأمره القاضي بأن ينفق عليها ثم هلكت
الدابة كان له أن يرجع على صاحبها بما أنفق عليها لأن الإنفاق بأمر القاضي كالإنفاق بأمر
المالك * رجل غريب مات في دار رجل و ليس له وارث معروف و خلف ما يساوي
خمسة دراهم و صاحب الدار فقير لم يكن له أن يتصدق بهذا المال على نفسه لأنه ليس
بمنزلة اللقطة * رجل غاب و جعل داره في يد رجل ليعمرها و دفع إليه مالا ليحفظه ثم فقد
الدافع فله أن يحفظ المال و ليس له أن يعمر الدار إلا بإذن الحاكم لأن حال الغائب غير
معلوم يحتمل أنه مات فينعزل الوكيل و لا يكون الرجل وصيا * رجل التقط لقطة فهلكت(3/240)
عنده فإن كان الملتقط حين أخذها قال إنما أخذتها لأردها على أهلها و شهد شاهدان على
مقالته لا يكون ضامنا وإن لم يكن له على ذلك بينة وصدقه صاحبها في ذلك فكذلك * وإن
كذبه اختلفوا فيه * قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى هو ضامن * وقال أبو يوسف
رحمه الله تعالى لايكون ضامنا وعليه اليمين بالله ما أخذها إلا ليعرفها هذا إذا إتفقا على
كونها لقطة * وإن اختلفا في كونها لقطة فإن قال صاحب المال أخذتهاغصبا وقال الملتقط
كانت لقطة وقد أخذتها لك كان الملتقط ضامنا في قولهم جميعا * الملتقط إذا أقر بلقطة
لرجل وأقام رجل آخرالبينة أنها له يقضى بها لصاحب البينة فإن أقر بها لرجل و دفعها إليه
فاستهلكها ثم أقام آخر البينة أنها له فإن كان دفع إلى الأول بقضاء أو بغير قضاء كان
لصاحب البينة أن يضمن القابض لأنه قبض ماله بغير إذنه عن اختيار فيكون بمنزلة
غاصب الغاصب و إذا ضمنه صاحب البينة لا يرجع هو على المقر كغاصب الغاصب إذا
ضمن لا يرجع على الغاصب * و إن اختار صاحب البينة تضمين الدافع فإن كان الدفع
بغير قضاء كان له أن يضمنه * و إن كان الدفع بقضاء لم يذكر في الكتاب قالوا ينبغي أن
تكون المسئلة على الاختلاف على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ليس له ذلك و على قول
محمد رحمه الله تعالى له ذلك
(* كتاب اللقيط *)
* رجل وجد لقيطا إن كان يعلم أنه لو لم يلتقطه لا يهلك يستحب له أن يلتقطه * و إن كان
يعلم أنه لو لم يلتقطه يهلك لا محالة يفترض عليه أن يلتقطه * و إن التقطه يكون أمانة في
يده و يكون اللقيط حرا مسلما حتى لو مات قبل أن يعقل يصلى عليه و يستحق نفقته من بيت
المال * و ينبغي للملتقط إذا كان لا يريد الإنفاق من مال نفسه يرفع الأمر إلى الإمام فيعطي
الإمام نفقته من بيت المال و إذا جنى اللقيط جناية تكون جنايته في بيت مال المسلمين * فإن
مات اللقيط و ترك مالا يصرف ماله إلى بيت المال * إن أنفق الملتقط عليه من مال نفسه
يكون متطوعا لا يرجع بذلك على اللقيط * وإن امره القاضي أن ينفق عليه من ماله على أن
يكون ذلك دينا على اللقيط فما أنفق يكون دينا على اللقيط * كما لو أمر البالغ رجلا أن ينفق
عليه من ماله كان للمأمور أن يرجع على الآمر بما أنفق * و إن أمره القاضي أن ينفق على
اللقيط و لم يقل على أن ترجع بذلك على اللقيط أشار في الكتاب إلى أنه لا يرجع عليه بما
أنفق بعد البلوغ * و قال الطحاوي رحمه الله تعالى له أن يرجع عليه إذا أنفق بأمر القاضي
و إن لم يشترط له الرجوع كالبالغ إذا أمر رجلا بأن ينفق عليه و لم يشترط له الرجوع كان
له ان يرجع * و إن أمره القاضي بالإنفاق و شرط أن يكون له الرجوع على اللقيط فادعى
الملتقط بعد بلوغه أنه أنفق عليه بأمر القاضي كذا إن صدقه اللقيط رجع بذلك عليه و إن
كذبه في الإنفاق لا يرجع إلا ببينة * و حكم اللقيط بعد بلوغه في شهاداته و جناياته و
الجنايات عليه و حدوده حكم الحر المسلم تجوز شهادته في كل ما تجوز شهادة الحر المسلم
عندنا * و لو ادعى رجل أن اللقيط ابنه بعد ما بلغ اللقيط و هو صغير يعبر عن نفسه صح
تصديقه استحسانا و إن أبى الملتقط أن ينفق على اللقيط و سأل من القاضي أن يأخذ منه
اللقيط فإن القاضي لا يقبل منه اللقيط إلا ببينة * فإن أقام البينة أنه لقيط كان القاضي بالخيار
إن شاء قبل منه اللقيط و إن شاء لم يقبل لأنه لما التقطه فقد التزم حفظه و تربيته فلا يمكن
له أن يعزل نفسه و لا يصير معزولا إلا بعزل القاضي * و الأولى للقاضي أن يقبل منه إذا
علم أنه عاجز عن الحفظ بنفسه فإن قبله القاضي و وضعه في يد آخر و أمر الثاني أن ينفق
عليه على أن يكون ذلك دينا على اللقيط ثم إن الملتقط سأل من القاضي أن يرده عليه كان
القاضي بالخيار إن شاء رده عليه و إن شاء لم يرده * رجل التقط لقيطا فجاء آخر و انتزعه
منه فاختصم الأول و الثاني إلى القاضي فإن القاضي يدفعه إلى الأول لأن الأول أحق
بحفظه * و لو كان الملتقط دفع اللقيط إلى غيره باختياره لا يكون له أن يأخذه من الثاني لأنه
أبطل حق نفسه عن اختياره * فلو أدرك اللقيط و والى رجلا جاز ولاؤه فإن كان جنى
جناية فعقله بيت المال ثم والى رجلا لا يصح ولاءه * و لا يملك الملتقط على اللقيط ذكرا
كان اللقيط أو أنثى تصريفا من بيع أو شراء أو نكاح أو غيره و إنما له ولاية الحفظ لا غير
* و ليس له أن يختنه فإن فعل و هلك من ذلك كان ضامنا و للملتقط أن ينقل اللقيط حيث
شاء * و لو ادعى الملتقط أن اللقيط عبده بعد ما عرف أنه لقيط لا يقبل قوله إلا بحجة لأن
اللقيط محكوم بالحرية ظاهرا * و لو وجد الرجل لقيطا معه مال كان المال للقيط * و إن
وضعه القاضي في يد الملتقط و قال أنفق عليه من هذا المال جاز أمره و يصدق الملتقط
في نفقة مثله و ما اشترى الملتقط بذلك المال من طعام أو كسوة كان جائزا * و إذا مات(3/241)
اللقيط و ترك مالا و لم يترك وارثا فادعى رجل بعد موته أنه ابنه لا يصدق إلا بحجة * و
لو أدرك اللقيط كافرا فإن كان الملتقط وجده في مصر من أمصار المسلمين فإنه يحبس و
يجبر على الإسلام استحسانا * و اختلفوا في موضع القياس و الاستحسان قال بعضهم
القياس و الاستحسان في قتله إذا لم يسلم في القياس يقتل و في الاستحسان لا يقتل و قال
بعضهم القياس و الاستحسان في الجبر على الإسلام في القياس لا يجبر على الإسلام و
يترك على الكفر بالجزية * و في الاستحسان يجبر على الإسلام ولا يترك على الكفر و هو
الصحيح * و إذا مات اللقيط قبل أن يعقل دينا من الأديان إن كان الملتقط وجد في مكان
المسلمين يصلى عليه كان الملتقط مسلما أو ذميا و إن وجده في بيعة أو كنيسة أو في قرية
ليس فيها إلا المشرك لا يجبر على الإسلام مادام حيا و إن مات قبل أن يعقل في رواية
كتاب اللقيط لا يصلى عليه و اعتبر المكان في هذه الرواية و لم يعتبر الواجد * و هذه
المسئلة على وجوه أربعة * إن وجده مسلم في مكان المسلمين كالمسجد و نحوه يكون مسلما
حكما * و إن وجد كافر في مكان الكفر كالبيعة و الكنيسة يكون اللقيط كافرا حكما * و إن
وجد كافر في مكان المسلمين أو وجده مسلم في مكان الكفر اختلفت الروايات في هذين
الوجهين في رواية كتاب اللقيط يعتبر المكان و لا يعتبر الواجد و في كتاب الدعوى من
رواية أبي سليمن رحمه الله تعالى يعتبر الواجد * و في بعض الروايات يعتبر ما يوجب
الإسلام أيهما كان لأن الإسلام يعلو و لا يعلى عليه كالولد بين أبوين أحدهما مسلم و الآخر
كافر يجعل مسلما تبعا للمسلم * و في بعض الروايات يعتبر الزي إن كان على اللقيط زي
الكفرة بأن كان في عنقه صليب أو عليه ثوب ديباج تلبسه الكفرة أو كان مجزوز وسط
الرأس يحكم بكفره * و لو وجد لقيطا على دابة كانت الدابة للقيط كما لو وجد معه مال آخر
* و إذا وجد اللقيط في مكان الإسلام فادعى رجل من أهل الذمة أنه ابنه في القياس لا تصح
دعوته إلا ببينة * و في الاستحسان يصدق في دعوى النسب دون الميراث * و إن ادعى
مسلم أن اللقيط عبده فاقام البينة فإنه يقضى له به و إنما تقبل البينة على رقه لأن الملتقط
خصم باعتبار اليد فكأن البينة قائمة على خصم * و إن أقام ذمي بينة من أهل الذمة أنه ابنه
ذكر في الكتاب أنه لا تجوز شهادتهم على المسلمين قيل أراد به إذا أقام الذمي بينة من أهل
الذمة أنه ابنه و أقام مسلم بينة من المسلمين أنه عبده فلا تقبل شهادة أهل الذمة في إبطال
بينة المسلم * و قال بعضهم أراد به أن الذمي إذا أقام بينة من أهل الذمة ابتداء أنه ابنه لا
تقبل بينته لأن الذمي إذا ادعى النسب صح دعواه في حكم النسب من غير بينة إلا أنه يكون
مسلما حكما فلا يبطل الحكم بإسلامه بهذه البينة * و لا يحكم بكفره بهذه البينة لأن هذه
شهادة قامت في حكم الدين على مسلم فلا تقبل * و إن كان شهود الذمي مسلمين يقضى له
به و يصير تبعا له في الدين * و لو وجد اللقيط مسلم و ذمي فتنازعا في كونه عند أحدهما
يقضى به في يد مسلم و نصراني فيدعي المسلم أنه عبده و ادعى الذمي أنه ابنه ادعيا ذلك
معا فإن الصغير يصير حرا و هو ابن النصراني فترجح دعوى النصراني لأن فيه إثبات
الحرية و لا ترجح دعوى المسلم باعتبار الإسلام لأته لو جعل نصرانيا تبعا للنصراني
فالإسلام يكون في يده و لو جعل رقيقا لا يمكنه تحصيل الحرية * و لو ادعت امرأة اللقيط
أنه ابنها قال لا يقبل قولها إلا بشهادة القابلة أراد به امرأة لها زوج فادعت المرأة أنه ابنها
من الزوج و أنكر الزوج الولادة فإن الولادة لا تثبت إلا بشهادة القابلة و إن لم يكن لها زوج
فقالت في صغير هو ابني لا يثبت النسب إلا بشهادة رجلين و إن ادعى رجل اللقيط أنه ابنه
يقبل قوله من غير بينة لأن في قبول قول الرجل دفع العار عن اللقيط و ليس ذلك في دعوى
المرأة فلا يقبل قولها إلا ببينة * و لو أقامت امرأة رجلا و امرأتين على الولادة يثبت النسب
منها لأنها لو أقامت امرأة واحدة بأن شهدت القابلة أنها ولدته يثبت النسب منها و إن ادعت
امرأتان فأقامت كل امرأة أنها والدته و هو ابنها فهو ابنهما جميعا في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى و في رواية أبي سليمن رحمه الله تعالى لا يكون ابن واحدة منهما إلا أن تقيم كل
واحدة منهما رجلين أو رجلا و امرأتين على الولادة فحينئذ يثبت النسب منهما في قول أبي
حنيفة رحمه الله تعالى و في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا يثبت النسب من
واحدة * و إن أقامت إحداهما رجلين و الأخرى امرأتين يجعل إنما التي شهد لها رجلان *
و لو ادعت امرأتان اللقيط أنه ولدهما كل واحدة منهما تقيم البينة على رجل على حدة بعينه
أنها ولدته منه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يصير ولدهما من الرجلين جميعا * و قالا لا
يصير ولدهما ولا ولد الرجلين * و لو ادعى رجلان معا كل واحد منهما يقول هو ولدي من(3/242)
جارية مشتركة بينهما يثبت نسبه منهما و يصير ولدهما يرثهما و يرثانه * و لو كانت
الجارية بين ثلاثة نفر فجاءت بولد فادعوه جميعا ذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أنه
يثبت نسبه منهم جميعا * و كذا إذا كانوا أربعة أو خمسة * و قال أبو يوسف رحمه الله
تعالى إذا كانت بين رجلين يثبت و في أكثر من ذلك لا يثبت * و لو أن لقيطا ادعاه رجل أنه
ابنه من زوجته و هي أمه فصدقه مولى الجارية يثبت النسب من الملتقط الذي ادعاه في
قولهم * و اختلفوا أن هذا الولد هل يكون رقيقا لمولى الأمة قال أبو يوسف رحمه الله تعالى
يصير رقيقا لمولى الأمة و قال محمد رحمه الله تعالى هو حر * و لو أن عبدا وجد لقيطا
ولا يعرف ذلك إلا بقوله و قال مولاه كذبت بل هو عبدي فإن كان العبد محجورا كان القول
قول المولى * و إن كان مأذونا في التجارة كان القول قول العبد لأن للمأذون يد معتبرة في
أكسابه * إذا وجد اللقيط قتيلا في مكان عند غير الملتقط فإن القسامة و الدية تكون على أهل
ذلك المكان لبيت المال كالحر إذا وجد قتيلا في مكان * رجل التقط لقيطا ثم قتله هو أو
غيره خطأ كانت ديته على عاقلة القاتل لبيت المال و إن قتله عمدا فإن شاء الإمام قتل القاتل
و إن شاء صالحه على الدية في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و ليس له أن
يعفو * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى تجب الدية في مال القاتل * و الحربي إذا أسلم في
دار الحرب و خرج إلينا ثم قتله رجل عمدا كان على القاتل القصاص في قول أبي حنيفة و
محمد رحمهما الله تعالى * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى فيه روايتان * لقيط قذفه
إنسان بعد البلوغ وجب الحد على قاذفه * و لو قذف إنسان في أمه لا يجب الحد على
القاذف فاللقيط في وجوب حد القذف و القصاص كغيره من الأحرار * إذا أدرك اللقيط
فأقرأنه عبد فلان و ادعاه فلان صح إقراره فيصير عبدا للمقر له و هذا إذا أقر بذلك قبل أن
يتأكد حريته بالقضاء أما بعد قضاء القاضي بما يؤكد الحرية بأن قضى القاضي عليه بحد
كامل أو بالقصاص في الطرف لا يصح إقراره بالرق بعد ذلك و إذا صح إقراره بالرق قبل
ذلك فأحكامه بعد ذلك في الجنايات و الحدود و القصاص أحكام العبيد * و لو كان اللقيط
امرأة فأقرت بالرق لرجل فصدقها ذلك الرجل كانت أمة له إلا أنها إذا كانت تحت زوج لا
يقبل قولها في إبطال النكاح * بخلاف ما لو أقرت أنها ابنة أبى الزوج و صدقها أبو الزوج
فإنه يثبت النسب و يبطل النكاح لأن الأختية تنافي النكاح ابتداء و الرق لا ينافي فإن أعتقها
المقر له و هي تحت زوج لم يكن لها خيار العتق * و لو كان الزوج طلقها واحدة فأقرت
بالرق يصير طلاقها اثنتين لا يملك الزوج عليها بعد ذلك إلا طلقة واحدة و لو كان طلقها
اثنتين ثم أقرت بالرق كان له أن يراجعها و كذلك في حكم العدة إذا أقرت بالرق بعد ما
مضت حيضتان كان له أن يراجعها في الحيضة الثالثة * و إذا إدرك اللقيط فتزوج امرأة ثم
أقر أنه عبد لفلان ولا مرة أنه عليه صداق فصداقها لازم و لا يصدق على إبطاله و كذا لو
استدان دينا أو بايع إنسانا أو كفل بكفالة أو وهب هبة أو تصدق بصدقة و سلم أو كاتب عبدا
أو دبره أو أعتقه ثم أقر أنه عبد لفلان لا يصدق على إبطال شيء من ذلك و الله أعلم
بالصواب
(* كتاب الحظر و الإباحة و ما يكره أكله و ما لا يكره و ما يتعلق بالضيافة *)
رجل اشترى بالدراهم المغصوبة طعاما أن لم يضف الشراء إلى الغصب و لكنه نقد الثمن
منها حل له أن يأكله و يؤكل غيره و إن أضاف الشراء إلى الدراهم المغصوبة و نقد الثمن
منها يكره له أن يأكل و يؤكل غيره * و عن شداد رحمه الله تعالى أنه سئل عن قول أبي
حنيفة رحمه الله تعالى فيمن اشترى بالغصب و دفع غيره أو اشترى بغير الغصب و نقد
الثمن من الغصب قال لا يتصدق بشيء إلا أن يشتري بالغصب و يدفع الغصب * و لو
اشترى بالدراهم التي كانت وديعة عنده و ربح بها قال نصير رحمه الله تعالى إن أضاف
الشراء إلى الوديعة و نقد الثمن منها يتصدق بالربح في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله
تعالى و إن لم يضف الشراء إلى الوديعة و دفع الثمن من الوديعة أو أضاف الشراء إلى
الوديعة و نقد غيرها لا يتصدق بالربح في قولهم * قالوا لا بأس للقاضي أن يقبل الصلة من
والي البلدة التي هو عليها قلده هذا الوالي أو غيره * رجل دخل على السلطان فقدم إليه شيء
من المأكولات قالوا إن أكل منها لا بأس به اشتراه بالثمن أو لم يشتر إلا أن هذا الرجل إن
كان يعلم أنه غصب بعينه فإنه لا يحل له أن يأكل من ذلك * أما الذي اشتراه بالثمن إذا لم
يكن الشراء مضافا إلى الغصب فظاهر وأما الذي اشتراه بالثمن و أضاف العقد إليه فالعقد لم
يقع على الثمن المشار إليه فلا يتمكن الخبث في المبيع و أما غذا أضاف الشراء إلى الغصب(3/243)
إلا أن الرجل إذا لم يعلم أن الذي قدم إليه من الغصب بعينه فلأنه لم يعلم بالحرمة * والأصل في الأشياء الإباحة * و إن علم أنه مغصوب بعينه لا يحل أن يأكل لأنه علم بالحرمة * و مشايخنا رحمهم الله تعالى قالوا ينبغي أن لا يأكل من طعام الوالي ليكون تسيرا
على الغاصب * قال الناطفي رحمه الله تعالى إذا أهدى الرجل إلى إنسان أو أضافه إن كان
غالب مال المهدي من الحرام ينبغي له أن لا يقبل الهدية ولا يأكل من طعامه ما لم يخبر أنه
حلال ورثه أو استقرضه من غيره * و إن كان غالب مال المهدي من الحلال لا بأس بأن
يقبل الهدية و يأكل ما لم يتبين عنده أنه حرام لأن أموال الناس لا تخلو عن قليل حرام فيعتبر
الغالب * و إذا مات عامل من عمال السلطان و أوصى أن يعطي الحنطة للفقراء قالوا إن
كان ما أخذه من الناس مختلطا بماله لا بأس به و إن كان غير مختلط لا يجوز للفقراء أن
يأخذوا إذا علموا أنه مال الغير * فإن كان ذلك الغير معلوما رده عليه و إن لم يعلم الآخذ أنه
من ماله أو من مال غير فهو حلال حتى يتبين أنه حرام * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله
تعالى إن كان مختلطا بماله على قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى هو على ملك
صاحبه لا يجوز أخذه إلا ليرده على صاحبه * و على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يملك
المال بالخلط و يكون للآخذ أن يأخذ إذا كان في بقية مال الميت وفاء بمقدار ما يؤدى به حق
الخصماء * مسلم دعاه نصراني إلى داره ضيفا و ليس بينهما صداقة و لا مخالطة غير ما
بينهما من التجارة قال بعضهم يحل له أن يذهب إلى ضيافة النصراني لأن هذا نوع من البر
و إنه ليس بحرام بل هو مندوب * و قال بعضهم إذا دعاه المجوسي أو النصراني إلى
طعامه يكره للمسلم أن يأكل و إن قال اشتريت اللحم من السوق لأن المجوسي يبيح المنخنقة
و الموقوذة و النصراني لا ذبيحة له * و إنما يأكل هو ذبيحة المسلم أو يخنق * و إن كان
الداعي إلى الطعام يهوديا فلا بأس للمسلم أن يأكل طعامه لأن اليهودي لا يأكل إلا من ذبيحة
اليهودي أو المسلم * رجل مات و كسبه كان من بيع الباذق قالوا إن تورع الورثة عن أخذ
ذلك المال كان أولى فإن عرفوا أربابها ردوها على أربابها لأنه لا يخلو عن نوع خبث و إن
لم يعرفوا أربابها تصدقوا بها لأن هذا مال حصل بسبب خبيث فكان سبيله التصدق إذا عجز
عن الرد إلى صاحبه * و كذلك الحكم فيما أخذ رشوة أو ظلما إن تورع الورثة عن ذلك كان
أولى * و أما الذي يأخذه المغني و القوال و النائحة قالوا حكم ذلك يكون أخف لأن صاحب
المال أعطاه اختيار بغير عقد * و أما الذي أخذ المعلم قالوا لا بأس للمعلم أن يأخذ الأجرة
على تعليم القرآن في هذا الزمان * و حكي عن أبي الليث الحافظ رحمه الله تعالى قال كنت
أفتي بثلاثة أشياء فرجعت عنها كنت أفتي أن لا يحل للمعلم أخذ الأجرة على تعليم القرآن و
كنت أفتي أن لا ينبغي للعالم أن يدخل على السلطان وكنت أفتي أن لا ينبغي لصاحب العلم
أن يخرج إلى القرى فيذكرهم ليجمعوا له شيئا فرجعت عن ذلك كله * و إذا أهدى أبو
الصبي إلى معلم الصبي أو إلى مؤدبه شيئا في الأعياد إن لم يسأل و لم يلح عليه لا بأس به
بل هو مستحب لأنه بر و إن طلب ذلك قالوا في زماننا له أن يطلب أجر مثله * و الرجل إذا
كان مطربا مغنيا أن أعطي بغير شرط قالوا يباح له ذلك و إن كان يأخذ على شرط رد المال
على صاحبه إن كان يعرفه و إن لم يعرفه يتصدق به * و عن أبي بكر الاسكاف رحمه الله
تعالى أنه قال إذا أكل عين الغصب عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يأكل حلالا لأنه
استهلكه بالمضغ فيصير ملكا له قبل الابتلاع * قال رضي الله عنه و ينبغي أن لا يؤخذ بهذا
كي لا يتجاسر الغاصب و الظلمة إلى أكل أموال الناس و فيه ترك قوله تعالى إن الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا و هذا مخالف
ظاهر مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن عنده المستهلك يكون على ملك المالك حتى لو
صالح من المغصوب على أضعاف قيمته بعد الاستهلاك جاز عنده * قال نصير رحمه الله
تعالى المكروه إلى الحلال أقرب و به قال خلف بن أيوب رحمه الله تعالى * و عن أبي
يوسف رحمه الله تعالى المكروه و الشبهة إلى الحرام أقرب و هكذا روى الحسن عن أبي
حنيفة رحمه الله تعالى * رجل غصب لحما فطبخه أو حنطة فطحنها قال أبو بكر البلخي
رحمه الله تعالى يحل له أكله و عليه الضمان في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و هذا
ظاهر قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه على قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى
إذا غصب حنطة فطحنها أو لحما فطبخه ينقطع حق المالك و يصير ملكا للغاصب * قال
أبو يوسف رحمه الله تعالى أكله حرام قيل أن يرضى صاحبه * من لا يحل له أخذ الصدقة
قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى الأفضل له أن لا يقبل جائزة السلطان فإن كان للسلطان(3/244)
مال ورثه عن آبائه يجوز أخذ جائزته فقيل له لو أن فقيرا يأخذ جائزة السلطان مع علمه أن
السلطان يأخذها غصبا أيحل له ذلك قال إن كان السلطان خلط الدراهم بعضها ببعض فإنه
لا بأس به * و إن دفع عين الغصب من غير خلط لم يجز أخذه قال الفقيه أبو الليث رحمه
الله تعالى هذا الجواب يستقيم على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن عنده إذا غصب
الدراهم من قوم و خلط بعضها ببعض يملكها الغاصب * أما على قول أبي يوسف و محمد
رحمهما الله تعالى أنه لا يملكها الغاصب و يكون على ملك صاحبها * و سئل علي الرازي
عن بيت المال هل للأغبياء فيه نصيب قال لا إلا أن يكون عاملا أو قاضيا و ليس للفقهاء
فيه نصيب إلا فقيه فرغ نفسه لتعليم الناس الفقه أو القرآن * رجل اتخذ أرض الحور
مزارعة من متصرفها قال أبو القاسم رحمه الله تعالى نصيب الاكرة يطيب لهم إذا أخذوا
الأرض مزارعة أو استأجروها فإن كان الحور كروما وأشجارا إن كان يعرف أربابها لا
يطيب للاكرة غن لم يعرف أربابها طاب لهم لأن تدبير هذه الأرض التي لا يعرف مالها
يكون إلى السلطان ويكون بمنزلة أرض الموات و ينبغي للسلطان أن يتصدق بنصف
الخارج على المساكين فإن لم يفعل ذلك يكون آثما و أما نصيب الاكرة يطيب لهم و يطيب
لمن يأكل من ذلك برضاهم و إن كان لا يخلو ذلك عن نوع شبهة إلا أنهم قالوا ليس زماننا
زمان الشبهات فعلى المسلم أن يتقي الحرام المعاين * امرأة زوجها في أرض الحور أو له
مال يأخذه من قبل السلطان و هي تقول لا أقعد معك في أرض الحور قال الفقيه أبو بكر
البلخي رحمه الله تعالى إن أكلت من طعامه و لم يكن عين ذلك الطعام غصبا فهي في سعة
من أكله * و كذا لو اشترى لها طعاما أو كسوة من مال ليس أصله بطيب فهي في سعة من
تناول ذلك الطعام و الثياب و يكون الإثم على الزوج * و أرض الحور أرض لا يقدر
صاحبها على زراعتها و أداء خراجها فيدفعها إلى الأمام لتكون منفعتها للمسلمين مقام
الخراج و تكون الأرض ملكا لصاحبها * شجرة في مقبرة قالوا إن كانت نابتة في الأرض
قبل أن يجعلها مقبرة فمالك الأرض يكون أحق بها يصنع بها ما شاء و إن كانت الأرض
مواتالا مالك لها فجعلها أهل تلك المحلة أو القرية مقبرة فإن الشجرة و موضعها من الأرض
على ما كان حكمها في القديم * و إن نبتت الشجرة بعد ما جعلت مقبرة فإن كان الغارس
معلوما كانت له و ينبغي أن يتصدق بثمرها * و إن كانت الشجرة تنبت بنفسها فحكمها
يكون للقاضي إن رأى قلعها و إنفاقها على المقبرة فعل * رجل وجد حوزة ثم أخرى حتى
بلغت عشرا و صار لها قيمة قال الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن وجدها في
موضع واحد فهي لقطة * و إن وجدها في مواضع متفرقة حل له ذلك لكن جمع نواة من
أماكن متفرقة فصار لها قيمة فإنها تطيب له و قد مرت المسئلة في اللقطة * قال الفقيه أبو
الليث رحمه الله تعالى و عندي إن وجد الجوزات في موضع واحد أو في مواضع فهي
كاللقطة لا يحل له إن كان غنيا * بخلاف النواة لأن النواة ترمى فتصير مباحة بالرمي و
الجوز لا يرمى إلا إذا وجدها تحت أشجار الجوز يلتقطها كالسنابل إذا بقيت في أرض * و
عن محمد بن سلمة رحمه الله تعالى شجرة مثمرة في أرض و أغصانها خارجة إلى الطريق
فتناثر من ثمارها في الطريق قال قد وسع في هذا من العلماء السلف من لا يشك في زهدهم
و علمهم فلا نخالفهم * و يكره أكل الطين لأن ذلك يضره فيصير قاتلا نفسه * امرأة تأكل
الفتيت و أشباه ذلك لأجل السمن قال أبو مطيع البلخي لا بأس به ما لم تأكل فوق الشبع و
يكره الأكل فوق الشبع و كذا الرجل إذا أكل مقدار حاجته لمصلحة بدنه لا بأس به إذا لم
يأكل فوق الشبع * و يكره ألبان الاتن للمريض و غيره و كذا لحومها * و كذا التداوي بكل
حرام لقوله عليه السلام إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم * و إن أدخل مرارة في
إصبعه للتداوي قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى
أنه كره ذلك * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إنه كان لا يكره و هو على الاختلاف في
شرب بول ما يؤكل لحمه للتداوي * و بقول أبي يوسف رحمه الله تعالى أخذ الفقيه أبو الليث
رحمه الله تعالى * و يجوز الحقنة للتداوي للمرأة و غيرها و كذا الحقنة لأجل الهزال لأن
الهزال إذا فحش يقضي إلى السل * و يجوز للرجل النظر إلى فرج الرجل للحقنة ذكره
شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى و عن ابن مقاتل رحمه الله تعالى البطنة بطنتان
إحداهما أن ينوي بها الرجل السمن و عظم البطن فذاك مكروه أما من رزق بطنا عظيما
كان ذلك خلقة له من غير أن يتعمد به السمن فلا شيء عليه * و إذا أكل الرجل أكثر من
حاجته ليتقيأ قال الحسن رحمه الله تعالى لا بأس به قال رأيت أنس بن مالك رضي الله تعالى
عنه يأكل ألوانا من الطعام و يكثر ثم يتقيأ و ينفعه ذلك * رجل استطلق بطنه أو رمدت عينه(3/245)
فلم يعالج حتى أضعفه ذلك و مات منه قالوا لا إثم عليه * و لو أنه جاع و لم يأكل و هو قادر على الأكل كان آثما و فرض عليه أن يأكل مقدار قوته * و لو أن رجلا ظهر به داء فقال له الطبيب عليك الدم فأخرجه فلم يفعل حتى مات لا يكون آثما لأنه لم يتيقن أن شفاء فيه * رجل برجله جراحة قالوا يكره له أن يعالجه بعظم الإنسان و الخنزير لأنه محرم الانتفاع * و لو وضع العجين على الجروح إن عرف بها الشفاء قالوا لا بأس به لأنه دواء * و الذي رعف و لا يرقأ دمه فأراد أن يكتب بدمه على جبته شيئا من القرآن قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى يجوز قيل لو كتب بالبول قال لو فيه شفاء لا بأس به * قيل لو كتب على جلد ميتة قال إن كان فيه
شفاء جاز * و عن أبي نصر بن سلام رحمه الله تعالى معنى قوله عليه السلام أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم إنما قال ذلك في الأشياء التي لا يكون فيها شفاء فلا بأس به قال ألا ترى أن العطشان يحل له شرب الخمر في الاضطرار * الجدي إذا ربى بلبن الاتان قال ابن المبارك رحمه الله تعالى يكره أكله *قال و أخبرني رجل عن الحسن رحمه الله تعالى أنه قال إذا ربى جدي بلبن الخنزير لا بأس به قال معناه إذا اعتلف أياما بعد ذلك كالجلالة * رجل آجر نفسه من النصارى
لضرب الناقوس كل يوم بخمسة دراهم و يعطى في عمل أخر كل يوم درهم قال إبراهيم بن يوسف رحمه الله تعالى لا ينبغي أن يؤاجر نفسه منهم إنما عليه أن يطلب الرزق من موضع آخر * وكذا لو آجر نفسه منهم لعصر العنب للخمر لأن النبي صلى الله عليه و سلم لعن العاصر * و كذا لو آجر نفسه منهم لعصر العنب للخمر لأن النبي صلى الله عليه و سلم لعن العاصر * و كذا الاسكاف أو الخياط إذا استؤجر على خياطة شيء من زي الفساق و يعطى له في ذلك كثير أجر لا يستحب له أن يعمل لأنه إعانة على معصية * و يكره للجنب رجلا كان أو امرأة أن يأكل طعاما
أو يشرب شرابا قبل غسل الفم و اليدين و لا يكره ذلك للحائض * و المستحب تطهير الفم في جميع المواضع * المستقرض إذا أهدى إلى المقرض شيئا ذكر في الكتاب أنه لا بأس بقبول هديته لأن هذه منفعة لم تكن مشروطة في القرض و إن تورع و لم يقبل كان أفضل قالوا إنما يتورع إذا علم أنه(3/246)
أهدى لأجل الدين أو أشكل عليه أنه أهدى لأجل الدين فإن تورع كان أفضل * أما إذا علم أنه أهدى لا أجل الدين فإنه لا يتورع لأن قبول الهدية من حقوق المسلم على المسلم فلا يمتنع عن القبول * و السبب الظاهر القائم مقام العلم أن يكون بينهما مهاداة قبل القرض بقرابة أو صداقة أو غيرها * أو كان المهدى رجلا معروفا بالجود و السخاوة فإن ذلك يقوم مقام العلم إنه أهدى إليه لا لأجل الدين * مضطر لم يجد ميتة و خاف الهلاك فقال له رجل اقطع يدي و كلها أو قال اقطع مني قطعة فكلها لا يسعه أن يفعل ذلك و لا يصح أمره به كما لا يسع للمضطر أن يقطع قطعة من لحم نفسه فيأكل * رجل بنى بامرأة قالوا ينبغي أن يتخذ وليمة و يدعو الجيران و الأقرباء و الأصدقاء و يصنع لهم طعاما و يذبح لقوله عليه الصلاة و السلام أولم و لو بشاة * و إذا اتخذ وليمة و دعاهم كان عليهم أن يجيبوا فمن لم يجب كان آثما و لا بأس بأن يدعو لذلك اليوم و غدا و بعد غد ثم ينقطع العرس و الوليمة * و لا بأس بأن يكون حمل الطعام إلى أهل المصيبة وهو في اليوم الأول غير مكروه لشغلهم بجهاز الميت وفي اليوم الثاني مكروه إذا اجتمعت النياحة لأنه إعانة لهم على الإثم والعدوان * ولا بأس في ليلة العرس بضرب دف للتشهير والإعلان * و يكره اتخاذ الضيافة في أيام المصيبة لأنها أيام تأسف فلا يليق بها ما يكون للسرور و إن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا إذا كانوا بالغين * فإن كان في الورثة صغير لم يتخذوا ذلك من التركة * و لا بأس بالأكل يوم الأضحى قبل الصلاة في رواية و في رواية يكره و الصحيح هو الأول لأن الإمساك مستحب و ليس بواجب * رجل أكل متكئا تكلموا فيه قال بعضهم يكره * و الصحيح أنه لا يكره لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل متكئا * و يكره وضع المملحة على الخبز كذا قال أبو القاسم الصفار رحمه الله تعالى * و يوضع الملح وحده على الخبز لأن في وضع المملحة على الخبز استخفاف بالخبز * و قال رحمه الله تعالى لا أجد نية الذهاب إلى الضيافة سوى أن أمر برفع المملحة عن الخبز * و كذا يكره تعليق الخبز بالخوان وإنما يوضع بحيث لا يتعلق كرامة للخبز وكذلك لو وضع الخبز تحت القصعة لأجل التسوية * ويكره مسح الأصابع والسكين بالخبز وقال أبو جعفر الهندواني رحمه الله تعالى يكره مسح الأصابع بالكاغد على المائدة لأنه تشبه بالفراعنة وإنما عليه أن يلحس * ولو غسل رأسه أو يده بالنخالة أو أحرقها إن لم يبق فيها شيء من الدقيق وهي بحالة يعلف بها الدواب لا بأس به لأنها صارت بمنزلة التبن والعلف * وعن أبي يوسف وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى لا بأس بغسل اليد بعد الأكل بالسويق والدقيق بمنزلة الاشنان وهو قول محمد رحمه الله تعالى * والسنة غسل اليد قبل الطعام وبعده * والأدب في غسل اليد قبل الطعام أن يبدأ بالشبان ثم بالشيوخ وبعد الطعام على العكس * وإذا غسل قبل الطعام لا يمسح يده بالمنديل بل يترك حتى يجف ليكون أثر الغسل قائما عند الأكل * إذا كان الرجل على مائدة فناول غيره من طعام المائدة إن علم أن صاحبه لا يرضى به لا يحل له ذلك و إن علم أنه يرضى به فلا بأس به * و إذا اشتبه عليه لا يناول و لا يعطي سائلا * و إن ناول الضيف شيئا من الطعام إلى من كان ضيفا معه على الخوان تكلموا فيه قال بعضهم لا يحل له أن يفعل ذلك و لا يحل لمن أخذ أن يأكل ذلك بل يضعه على المائدة ثم يأكل من المائدة و أكثرهم جوزوا ذلك لأنه مأذون بذلك عادة * و لا يجوز لمن كان على المائدة أن يعطي إنسانا دخل هناك لطلب إنسان أو لحاجة أخرى و كذلك لا يدفع إلى ولد صاحب المائدة و عبده و كلبه و سنوره * رجل دعا قوما إلى طعام و فرقهم أخونة ليس لأهل هذا الخوان أن يتناول من طعام خوان آخر لأن صاحب الطعام إنما أباح لأهل كل خوان أن يأكل ما كان على خوانه لا غير * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى القياس كذلك و في الاستحسان إذا أعطى من كان في ضيافته تلك جاز * و إذا أعطى بعض الخدم هناك جاز أيضا * و كذلك لو ناول الضيف من المائدة شيئا من الخبز أو قليلا من اللحم جاز استحسانا * و إن ناول الطعام الفاسد أو الخبز المحترق فذلك جائز عندهم لأنه مأذون بذلك عادة * و لا يباح رفع الزلة بل هو حرام ما لم يقل صاحب الدار ارفعوا * رجل أكل خبزا مع أهله فاجتمع كسر الخبز و لا يشتهيها أهله فله أن يطعم الدجاجة و الشاة و البقر و هذا أولى من الإلقاء في النهر أو الطريق إلا إذا وضع في الأرض ليأكلها النمل * رجل اتخذ ضيافة للقرابة أو وليمة و اتخذ مجلسا لأهل الفساد فدعا رجلا صالحا إلى الوليمة قالوا إن كان هذا الرجل بحال لو امتنع عن الإجابة منعهم عن فسقهم لا يباح له الإجابة بل يجب عليه أن لا يجيب لأنه نهى عن المنكر و إن كان بحال لو لم يذهب لا يتركون الفسق و يتركون عند حضوره كان عليه أن يذهب لأنه نهى عن المنكر و إن لم يكن الرجل بحال لو لم يجب لا يمنعهم عن الفسق لا(3/247)
بأس بأن يجيب و يطعم و ينكر معصيتهم و فسقهم لأن إجابة الدعوة واجبة أو مندوبة فلا يمتنع لمعصية اقترنت بها *أما استماع صوت الملاهي كالضرب بالقضيب و غير ذلك حرام و معصية لقوله عليه الصلاة و السلام استماع الملاهي و الجلوس عليها فسوق و التلذذ بها من الكفر إنما قال ذلك على وجه التشديد و إن سمع بغتة فلا إثم عليه و يجب عليه أن يجتهد كل الجهد حتى لا يسمع لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أدخل إصبعيه في أذنيه * أمل قراءة أشعار العرب ما كان فيها من ذكر الفسق و الخمر و الغلام فمكروه لأنه ذكر الفواحش * إذا رأى الرجل منكرا من قوم و هو يعلم أنه لو نهاهم عنه قبلوا منه فإنه لا يسعه أن يسكت * و إن كان يعلم أنه لو نهاهم لا يمتنعون وسعه أن يترك و النهي أفضل * و إن علم أنهم يضربونه أو يشتمونه لو نهاهم وسعه أن يترك * قوم خرجوا إلى الغزو و فيهم من الفسقة و أصحاب الملاهي قالوا إن أمكن للصلحاء أن يتفردوا بالخروج فعلوا ذلك و إلا ففسقهم عليهم و لهؤلاء خالص نياتهم * و حكى أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى شهد طعاما و فيه لعاب فلم يدع الأكل لأجله * و قال محمد رحمه الله تعالى إن كان الرجل ممن يقتدى به فأحب إلى أن يخرج * رجل أظهر الفسق في داره ينبغي للإمام أن يتقدم إليه ابلاء للعذر فإن كف عن ذلك لا يتعرض له و إن لم يكف فالإمام بالخيار إن شاء حبسه و إن شاء أدبه سياطا و إن شاء أزعجه عن داره * و يكره للرجل المعروف الذي يقتدى به أن يختلف إلى رجل من أهل الباطل و أن يعظم أمره بين أيدي الناس * رجل معه خرقة يمسح بها العرق يكره له ذلك لأثر جاء فيه * هذا إذا كان متقوما * فإن لم يكن فلا بأس به لأن ذلك لا يكون للتجبر و التكبر * و المكروه ما كان على وجه التجبر أما ما كان لحاجة و ضرر فلا يكره و هو كالتربع في الجلوس و الاتكاء قالوا إن كان ذلك على وجه التجبر يكره و إن كان لحاجة و ضرورة لا يكره و كذا لا بأس للرجل أن يربط خيطا في إصبعه أو خاتمه للحاجة و الله أعلم بالصواب *
(* باب فيما يكره من النظر و المس للأقارب و الأجانب و ما لا يكره *)(3/248)
لا بأس للرجل أن ينظر من أمه و ابنته البالغة و أخته و كل ذات محرم منه كالجدات و أولاد الأولاد و العمات و الخالات إلى شعرها و صدرها و رأسها و ثديها أو عضدها و ساقها * و لا ينظر إلى ظهرها و بطنها و لا ما بين سرتها إلى أن يجاوز الركبة * و كذا إلى كل ذلت محرم برضاع و صهرية كزوجة الأب و الجد و إن علا * و زوجة الابن و أولاد الأولاد و إن سفلوا * و ابنة المرأة المدخول بها فإن لم يكن دخل بأمها فهي كالأجنبية و إن كانت حرمة المصاهرة بالزنا اختلفوا فيها قال بعضهم لا يثبت فيها إباحة المس و النظر و قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى تثبت إباحة المس و النظر لثبوت الحرمة المؤبدة * و ما لا يكره النظر إليها من ذوات المحارم لا بأس بأن يمسها بلا حائل بلا شهوة إلا الأجنبية فإنه لا بأس بالنظر إلى وجهها و يكره المس * و لا ينظر إلى بطن ذات رحم محرم منه و لا إلى ظهرها و لا ما بين صرتها * و إنما يباح النظر و المس إلى هذه المواضع بغير شهوة * فإن كان بحال لو نظر إلى ذلك يشتهي أو كان أكبر رأيه أنه يشتهي فإنه يغض بصره و لا يمسها * و في كل موضع جاز المس و النظر جاز له أن يسافر بها و يخلو إذا أمن على نفسه * فإن خاف عليها أو على نفسه لا يفعل ذلك فإذا سافر بها و احتاج إلى حملها و إنزالها لا بأس بذلك فيأخذ بطنها و ظهرها بثوب لا يصف و إن خاف أن يشتهي إذا مس فليجتنب ما أمكن * و يجوز النظر من أمة الغير ما يجوز من ذوات المحرم و ما جاز النظر إليها جاز مسها من غير شهوة * فإن خاف على نفسه فليجتنب * و للمرأة أن تنظر من الرجل الأجنبي من قرنه إلى قدمه سوى ما بين السرة إلى أن يجاوز الركبة * و الحرة لا تسافر ثلاثة أيام بغير محرم * و تسافر مع المحرم عبدا كان أو حرا مسلما كان أو كافرا و الصبي و المجنون لا يصلح محرما * و للأمة و المدبرة و المكاتبة و أم الولد و معتقة البعض أن تسافر بغير محرم في رواية الأصل و في زماننا كره المشايخ لها المسافرة بغير محرم * و العبد في النظر إلى مولاته الحرة التي لا قرابة بينه و بينها بمنزلة الرجل الأجنبي الحر ينظر إلى كفها و وجهها و لا ينظر إلى ما لا ينظر الأجنبي الحر من الحرة الأجنبية سواء كان العبد خصيا أو فحلا إذا بلغ مبلغ الرجال * و أما المجبوب الذي جف ماؤه فبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى رخصوا اختلاطه بالنساء و الأصح أنه لا يرخص و يمنع و للعبد أن يدخل على مولاته بغير إذنها إجماعا * و في أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى يباح للعبد من سيدته ما يباح للمحرم من ذوات المحارم و أجمعوا على أن العبد لا يسافر بسيدته و للزوج أن ينظر إلى سائر بدن امرأته و كذلك للمرأة من الزوج و للمولى من أمته و للأمة من مولاها * و إذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إلى وجهها فإن كان بحال يشتهي إذا نظر إلى وجهها أو كان أكبر رأيه أنه يشتهي فلا بأس بأن ينظر إلى وجهها مكشوفا و كذا لو دعي إلى شهادة عليها أو كان حاكما فأراد أن ينظر إلى وجهها عند الإقرار كان له أن ينظر إليها و إن كان يشتهي * و لا بأس للرجل بصافحة العجوز التي لا تشتهى و أن تغمز رجله * و كذا لو كان الرجل شيخا يأمن على نفسه و عليها لا بأس بأن يصافحها و إن كان لا يأمن لا يحل * و يحل للرجل أن ينظر من الرجل سوى ما تحت السرة إلى أن يجاوز الركبة و نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى الرجل * و الركبة عندنا عورة * و السرة ليست بعورة * و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا بأس للأجنبي أن ينظر إلى قدم الحرة الأجنبية بغير شهوة كما ينظر إلى قدم أمة الغير و مع الشهوة لا يحل و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا حلف الرجل بطلاق امرأته أن لا ينظر إلى حرام فنظر إلى وجه حرة أجنبية أو نظر إلى كفها لا تطلق امرأته * و لا بأس بالنظر إلى الصغيرة التي لا تشتهى و أن يمسها * و يكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى * و لا بأس بالمصافحة * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بالتقبيل و المعانقة في إزار واحد فإن كانت المعانقة من فوق قميص أو جبة أو كانت القبلة على وجه المسرة دون الشهوة جاز عند الكل * رجل ظاهر من امرأته قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يباشرها و لا يقبلها و لا ينظر إلى فرجها عن شهوة حتى يكفر * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يباح له المس و القبلة و النظر إلى الفرج حتى يكفر و يحل له النظر إلى الشعر و الصدر و الظهر * و إذا ملك أمتين لا يحل الجمع بينهما بعقد النكاح لو كانتا حرتين فوطئهما ثم أراد أن يطأ إحداهما لا ينبغي له أن يطأ إحداهما قبل أن تخرج الأخرى عن ملكه فإذا فعل ذلك كان له أن يطأ الأخرى قال أبو يوسف كما لا يطأ إحداهما قبل أن تخرج الأخرى عن ملكه لا ينظر إلى فرج إحداهما و لا إلى ظهرها و بطنها و لا يقبلها ما لو تزوج الأخرى أو يملكها أو يملك بعضها *(3/249)
و كذا قال في رجل تزوج أخت امرأته و دخل بها ففرق القاضي بينهما فإنه لا يقرب امرأته و لا يقبل و لا ينظر إلى فرجها عن شهوة حتى تنقضي عدة التي فرق القاضي بينهما * و جماع الحائض حرام * ثم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى له أن يستمتع بها فوق المئزر و ليس ما تحته * و قال محمد رحمه الله تعالى يجتنب شعار الدم يعني الجماع و له ما سوى ذلك * و بين العلماء اختلاف فيما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن يستمتع بها فوق المئزر قال إبراهيم رحمه الله تعالى يراد به الاستمتاع بالسرة و ما فوقها و قال الحسن رحمه الله تعالى يتدفأ بالإزار و يقضي حاجته فيما دون الفرج فوق الإزار * إذا حرم جماع الحائض لا يحرم الدواعي * و كذلك في الصوم * و في الاستبراء يحرم الوطء و الدواعي في الجارية المملوكة بملك حادث * و عن محمد رحمه الله تعالى في المسبية لا تحرم الدواعي حالة الاستبراء * و يكره للرجل أن يجامع امرأته و معها في البيت من يعلم ذلك * و يكره لجارية الرجل و عبد المرأة النظر إليهما حالة المباضعة و لا بأس للرجل أن يمس فرج امرأته * و كذلك المرأة لا بأس أن تمس فرج زوجها لكي يتحرك * قال أبو يوسف رحمه الله تعالى سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى عن هذا فقال لا بأس به و أرجو أن يعطم أجرهما * امرأة أصابتها قرحة في موضع العورة لا يحل للرجل أن ينظر إليها و لكن يعلم امرأة لتداويها فإن لم يجدوا امرأة تداويها و لا امرأة تتعلم ذلك إذا علمت و خيف عليها البلاء و الوجع و الهلاك فإنه يستر منها كل شيء إلا موضع تلك القرحة ثم يداويها الرجل و يغض بصره ما استطاع إلا عن ذلك الموضع * و لا فرق في هذا بين ذوات المحارم و غيرهن لأن النظر إلى العورة لا يحل بسبب المحرمية * و للقابلة أن تنظر إلى فرج المرأة عند أخذ الولد لمكان الضرورة * و كذا للحجام أن ينظر إلى فرج البالغ عند الختان * و إذا أراد الرجل أن يشتري جارية يحل له أن ينظر إلى شعرها و صدرها و ثديها و عضدها و ساقها و قدمها و إن كان يشتهى * و لا يحل له أن يمس إذا كان يشتهى و الجارية المرأة أن تغمز رجل زوج سيدتها * و ينبغي أن يختن الصبي إذا بلغ تسع سنين فإن ختنوه و هو أصغر من ذلك فحسن * و إن كان فوق ذلك قليلا قالوا لا بأس به * و أبو حنيفة رحمه الله تعالى لم يقدر وقت الختان قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى وقت الختان من حين يحتمل الصبي ذلك إلى أن يبلغ * و للرجل أن يختن ولده الصغير و يحجمه و يداويه و يبط قرحه و جراحته و يقبض له الهبة و يشتري و يبيع و يؤاجر داره و يزوج أمته * و لا يزوج عبده و الجد و وصي الأب و وصي الجد بمنزلة الأب * و لا يجوز ذلك لوصي العم و الخال و وصي الأم و إن كان في حجره إلا أنه يقبض له الهبة و يؤاجر دابته و أمته و عبده في الاستحسان إن لم يكن أقرب منه و لا من يعوله غيره * و كذا الأم * و الملتقط إذا حجم اللقيط أو ختنه أو بط جرحه كان ضامنا إذا هلك لأنه ليس بولي
(* فصل في الختان *)(3/250)
إذا ختن الغلام و لم يقطع كل جلده قالوا إن قطع أكثر من النصف يكون ختانا و إن كان نصفا أو دونه لا يكون ختانا * و إذا لم يكن مد جلدة الصبي ليقطع إلا بتشديد و حشفته ظاهرة لو رآها إنسان يراه كأنه ختن قالوا ينظر إليه الثقات و أهل البصر من الحجامين فإن قالوا هو على خلاف ما يمكن الإختتان فإنه لا يشدد عليه و لا يتعرض بل يترك و يكون ذلك عذرا و الواجبات تسقط بالأعذار فالسنة أولى * و كذا المجوسي إذا أسلم و هو شيخ ضعيف أخبر أهل البصر إنه لا يطيق الختان يترك و إذا اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام كما يقاتلهم في ترك سائر السنن * و إذا اغتسل الأقلف من الجنابة قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى يجب عليه إيصال الماء تحت الجلدة كما تجب المضمضة و الاستنشاق على الجنب و لو توضأ و لم يوصل الماء تحت الجلدة جاز و لا بأس للمرأة أن تحلق رأسها إن فعلت ذلك لعذر أو وجع * و يكره الخصاء في بني آدم * و لا بأس بدخول الخصي على النساء ما لم يبلغ حد الحلم و قدروا ذلك بخمس عشرة سنة * و لا بأس بخصاء السنور إذا كان فيه ضرر و لا بأس بخصاء البهائم و كي الأغنام و كذا لا بأس بكي الصبي لداء أصابه * و لا بأس بثقب أذن الطفل لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية و لم ينكر عليهم ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم * و إذا اعترض الولد في بطن الحامل و لم يجدوا سبيلا لاستخراج الولد إلا بقطع الولد إربا إربا و لو لم يفعلوا ذلك يخاف هلاك الأم قالوا إن كان الولد ميتا في البطن لا بأس به * و إن كان حيا لم يجز أن يقطع الولد إربا إربا لأنه قتل النفس المحترم لصيانة نفس أخرى من غير تعد منه و ذلك باطل * و إذا جومعت البكر فيما دون الفرج و دخل الماء فرجها فحبلت فدنا أوان ولادتها قالوا يزال عذرتها ببيضة أو بحرف درهم لأن خروج الولد بدون ذلك لا يكون و إذا أسقطت الولد بالعلاج قالوا إن لم يستبن شيء من خلقه لا تأثم قال رضي الله عنه و لا أقول به فإن المحرم إذا كسر بيض الصيد يكون ضامنا لأنه أصل الصيد فلما كان مؤاخذا بالجزاء ثمة فلا أقل من أن يلحقها إثم إذا أسقطت بغير عذر إلا أنها لا تأثم إثم القتل * و إن أسقطت بعد ما استبان خلقه وجبت الغرة * المرضعة إذا ظهر بها الحبل و انقطع لبنها و ليس لأبي الصغير ما يستأجر به الظئر و يخاف هلاك الولد قالوا يباح لها أن تعالج في استنزال الدم ما دام الحمل نطفة أو علقة أو مضغة لم يخلق له عضو و قدروا تلك المدة بمائة و عشرين يوما و إنما أباحوا لها إفساد الحمل باستنزال الدم لأنه ليس بآدمي فيباح لصيانة الآدمي و إذا عزل الرجل عن امرأته بغير أمرها ذكر في الكتاب أنه لا يباح * قالوا في زمننا يباح لسوء الزمان * و لا بأس بقتل الجراد لأنه صيد يحل قتله لأجل الأكل فلدفع الضرر أولى * و عن محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لا بأس بقتل النمل لأنها من أهل الأذى * و يكره إيقاعها بالماء * و قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى إن آذتك فاقتلها و إلا فلا تقتلها * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لا يباح قتلها ما لم تبتدئ بالأذى و روي أن نملة قرصت نبيا فأحرق بيت النملة فأوحى الله تعالى إليه هلا نملة واحدة يعني هلا قتلت النملة التي آذتك خاصة * و لا بأس بشق المثانة إذا كان فيها حصاة و في الكيسانيات في الجراحات المخوفة و القروح العظيمة و الحصاة الواقعة في المثانة و نحوها من العلل إن قيل قد ينجو و قد يموت أو ينجو و لا يموت تعالج * و إن قيل لا ينجو أصلا لا تداوى بل تترك و يباح قطع اليد للاكلة * رجل له سلعة أو حجر فأراد أن يستخرجه و يخاف منه الموت قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن كان فعله أحد فنجا فلا بأس بأن يفعل لأنه يكون معالجة و لا يكون تعريضا للهلاك * و في الفتاوي إذا أراد أن يقطع إصبعا زائدة أو شيئا آخر قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن كان الغالب على من قطع مثل ذلك الهلاك فإنه لا يفعل لأنه تعريض النفس للهلاك * و إن كان الغالب هو النجاة فهو في سعة من ذلك * رجل أو امرأة قطع الإصبع الزائدة من ولده قال بعضهم لا يضمن لأنه معالجة و لهما ولاية المعالجة * و لو فعل ذلك غير الأب و الأم فهلك كان ضامنا لعدم الولاية * و قال بعضهم ليس للأب و الأم أن يقطع و إن قطع و أوجب وهنا في يده كان ضامنا * و المختار هو الأول إلا أن يخاف التعدي أو وهنا في اليد * رجل وقت لتقليم أظافيره أو لحلق رأسه يوم الجمعة قالوا إن كان يرى جواز ذلك في غير يوم الجمعة و أخره إلى يوم الجمعة تأخيرا فاحشا كان مكروها لأن من كان ظفره طويلا يكون رزقه ضيقا فإن لم يجاوز الحد و أخره تبركا بالاخبار فهو مستحب لما روت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من قلم أظافيره يوم الجمعة أعاذه الله تعالى من البلايا إلى الجمعة الأخرى و زيادة ثلاثة أيام * و إذا قلم أظافيره أو جز شعره ينبغي أن يدفن ذلك الظفر و الشعر المجزوز فإن(3/251)
رمى به فلا بأس * و إن ألقاه في الكنيف أو المغتسل يكره ذلك لأن ذلك يورث داء و ينبغي أن يأخذ الرجل من شاربه حتى يوازي الطرف العليا من الشفة العليا و يصير مثل الحاجب * و إن اضطرب الولد في بطن امرأة حامل قد ماتت يشق بطنها من الجانب الأيسر * و إذا ابتلع الرجل درة إنسان و مات و ليس له مال غير ذلك كان عليه قيمته و لا يشق بطنه لأن حرمة المال دون حرمة النفس * رجل له كلب عقور يعض كلما مر عليه فلأهل القرية أن يقتلوا هذا الكلب وهل يجب على صاحبه ضمان ماعض * قالوا إن لم يتقدموا عليه قبل العض لايضمن * وإن كانوا تقدموا إلى صاحب الكلب قالوا يكون ضامنا بمنزلة الحائط المائل * قال مولانا رضي الله تعالى عنه وينبغي أن لا يكون ضامنا فإن الدابة إذا دخلت أرض الغير و أفسدت الزرع لا يضمن صاحبها إذا لم تدخل بإرسال صاحبها في الزرع ولا يضاف فعل الدابة إلى صاحبها إلا بالإرسال فينبغي أن لا يضمن إذا لم يكن من صاحبه أشلاء * قرية فيها كلاب كثيرة يتضرر بها أهل القرية يؤمر أرباب الكلاب بقتل الكلاب فإن أبو ارفعوا الأمر إلى القاضي حتى يأمرهم بذلك لأنه منصوب لدفع الضرر * ولا ينبغي للرجل أن يتخذ في داره كلبا إلا كلبا يحرس ماله أو يصيد به فإن أمسكه في داره بغير حاجة لم يكن للجيران حق المنع وإن أرسله في السكة كان لهم حق المنع * فإن امتنع عن ذلك رفعوا الأمر إلى القاضي * وكذا إذا أمسك دجاجة أو جحشا أو عجولا في الرستاق فهو على هذا * والهرة إذا كانت مؤذية لا تضرب ولا يقطع أذنها ولا يعرك ولكنها تذبح بالسكين * ويباح قتل القملة بكل حال * ويكره إحراقها وإحراق العقرب بالنار فإن طرح القملة حية لابأس به * والأدب أن يقتلها * ولا بأس بإلقاء الفيلق في الشمس ليموت الديدان لأن فيه منفعة الآدمي فهو بمنزلة إلقاء السمك في الشمس * ومما يتصل بقبله المحارم ابن كبير قبل امرأة أبيه عن شهوة وهي ابنة خمس سنين أو ست سنين قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى لا تحرم على أبيه لأنها غير مشتهاة وإن اشتهاها الابن لا يعتبر * فقيل له لو كانت المرأة كبيرة خرجت عن حد الشهوة والمسألة بحالها قال تحرم على أبيه * والمرأة إذا أدخلت ذكر صبي في فرجها والصبي من أهل الجماع قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى هذا لا يكون إلا عن انتشار يعني تحرم على أبيه * رجل قدم من السفر فأراد أن يقبل أخته وهي شيخة قالوا إن كان يخاف على نفسه لا يجوز * رجل مس شعر امرأة عن شهوة قال أبو نصر رحمه الله تعالى لا تثبت حرمة المصاهرة أراد به الشعر المسترسل والله أعلم بالصواب (* باب ما يكره من الثياب والحلي والزينة وما لا يكره وما يقبل فيه قول الواحد في الحل والحرمة وما لا يقبل *) * لبس الحرير المصمت حرام على الذكور في الحرب وغيره * وكما يكره في حق البالغ يكره إلباس الصبيان الذكور ويكون الإثم على من ألبسهم * وإنما حرم لبس الحرير لما روى أبو هريرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الحرير لباس أهل الجنة فمن لبسه في الدنيا فلا يلبس منه في الآخرة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا بأس بلبس الحرير في الحرب فإن كان الثوب سداه غير حرير كالخز والقطن ونحو ذلك ولحمته حرير يكره لبسه في غير الحرب عندهم وجاز لبسه في الحرب * وأما ما كان سداه حرير أو لحمته غير حرير كالعتابى والخز والملحم جاز لبسه في كل حال عندهم وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا بأس بافتراش الحرير والديباج والنوم عليهما * وكذا الوسائد والمرافق والبسط والستور من الديباج والحرير إذا لم يكن فيها تماثيل * وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يكره جميع ذلك * وروى بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى أنه لابأس بالعلم في الثوب من الحرير إذا كان أربعة أصابع أو دونها ولم يحك فيه خلافا * وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمة الله تعالى في السير أنه لا بأس بالعلم لأنه تبع ولم يقدر * وعن أبي حنيفة رحمة الله تعالى أنه قال لابأس بالفراء كلها من سباع أو غيرها الذكية والميتة فيه سواء قال دباغه ذكائه وكذا الصوف والشعر والعظم والظلف والعصب والحافر * والخضاب بالحناء والوسمة حسن * ولا يخضب يد الصبي ولا رجله ولابأس به للنساء * ولا بأس بلبس الخز للرجل إذا كان لحمته غير حرير * ويكره للرجل أن يلبس الثوب المصبوغ بالعصفر والزعفران والورس * ويكره الشرب والادهان في آنية الذهب والفضة * وكذا المجامر والمكاحل والمداهن * وكذا الاكتحال بميل الذهب والفضة * وكذا السرر والكراسي إذا كانت مفضضة أو مذهبة * وكذا السرج إذا كان مفضضا أو مذهبا * وكذا الركاب واللحام * وقال أبو حنيفة رحمة الله تعالى لا بأس بالشرب في الآنية المفضضة والمذهبة إذا وضع فاه على العود * وفي الكرسي والسرير يقعد على العود والخشب دون الذهب والفضة * ولا بأس بأن يجعل الذهب والفضة في سقف الدار والمسجد وأن ينقش المسجد(3/252)
بماء الذهب والفضة من ماله فإن الكعبة مزخرفة بماء الذهب والفضة مستورة بألوان الديباج والحرير * ولا بأس بأن يجعل المصحف مذهبا أو مفضضا أو مضببا * وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه كره جميع ذلك * واختلفوا في قول محمد رحمه الله تعالى * ولا بأس بحلية المنطقة والسلاح وحمائل السيف بالفضة في قولهم * ويكره ذلك بالذهب عند البعض * وهذا إذا كان يخلص منه الذهب والفضة * أما التمويه الذي لا يخلص منه الذهب والفضة لا بأس به عند الكل * ولا بأس بمسامير ذهب أو فضة * ويكره الباب منه * ولا بأس بأن يشرب من كف في خنصره خاتم ذهب أو فضة * والنساء فيما سوى الحلي من الأكل والشرب والادهان من الذهب والفضة والقعود بمنزلة الرجال * ولا بأس لهن بلبس الديباج والحرير والذهب والفضة واللؤلؤ * ويكره الأكل على خوان من ذهب أو فضة ولا رخصة للرجل فيما يتخذ من الذهب والفضة مفضضا أو مذهبا ما خلا الخاتم من الفضة وحلية السيف والسلاح لرخصة جاءت فيه * ويكره أن يتوضأ في طست من الذهب أو الفضة * وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا ينبغي للرجل أن يلبس ثوبا فيه كتابة من ذهب أو فضة ولا بأس بمسمار الذهب في فص خاتم رجل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا بأس بأن يستر حيطان البيت باللبود ونحوها للحر والبرد * وإذا تحركت ثنية الرجل ولم تسقط إلا أنه يخاف سقوطها فشدها بذهب أو فضة لا بأس به وليس هذا كالحلي * وإن سقطت ثنية الرجل قال أبو حنيفة رحمة الله تعالى يكره أن يعيدها ويشدها ولكن يأخذ من شاة ذكية ويشدها مكانها وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بأن يشد ثنية في موضعها وليس هذا كسن ميت * وذكر في الجامع الصغير إذا تحرك سن الرجل فشدها بذهب قال محمد رحمه الله تعالى لا بأس به * وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأول وقال آخرا يشدها بالفضة لا بالذهب * واختلفوا في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * وكان أبو حنيفة لا يرى بأسا بشدها بالفضة * وكذا إذا سقطت سنه لا بأس بأن يتخذ سنا من فضة * ويكره أن يتخذ من ذهب * ولا يتختم الرجل إلا بفضة * أما لا يتختم بالذهب للحديث المعروف * وكذا التختم بالحديد لأنه خاتم أهل النار * وكذا الصفر لقوله عليه السلام تختم بالورق ولا تزده على مثقال فظاهر هذا للفظ يقتضي كراهة التختم بالحجر الذي يقال له يشم والصحيح أنه لا بأس به لأنه ليس بذهب ولا حديد ولا صفر بل هو حجر * وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم بالعقيق ثم التختم بالفضة إنما يباح لمن يحتاج إلى الختم كالقاضي والسلطان ونحوهما * أما عند عدم الحاجة فالترك أفضل * وإذا تختم بالفضة ينبغي أن يكون الفص إلى بطن الكف لا إلى ظهر الكف * ثم يجعله في اليد اليسرى في زماننا * رجل هدم بيتا مصورا من تماثيل الطيور والآدمي بالأصباغ قال محمد رحمه الله تعالى يضمن قيمة البيت وأصباغه غير مصور بمنزلة ما لو أحرق بربط الإنسان فإنه يضمن قيمة العود وإن كسره لا يضمن شيأ لأنه لم يستهلك الحطب والخشب ولا بأس للمرأة أن تجعل في قرونها وذوائبها شيأ من الوبر ويكره أن تصل شعرها بشعر غيرها * ولا بأس للتاجر حلق شعر جبهة الغلام لأنه يزيد في الثمن فإن كان العبد للخدمة ولا يريد به التجارة لا يستحب أن يفعل ذلك * وروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال حلقت رأسي بمكة فخطأني الحجام في ثلاثة منها أني جلست مستدبرا فقال استقبل القبلة وناولته الجانب الأيسر فقال الأيمن وأردت أن أذهب بعد الحلق فقال ادفن شعرك فرجعت ودفنته * ولا بأس بدخول النساء في الحمام إذا دخلن بمئزر * ويكره غمز الأعضاء في الحمام لأن الخادم ربما يفعل ذلك عن شهوة * وإن كان ذلك لضرورة فلا بأس به * ولا بأس بأن يكون المولى راكبا والغلام يمشي معه إذا كان الغلام يطيق ذلك فإن كان لا يطيق يكره * الرجل إذا كان في بيت أخذته الزلزلة لا يكره له أن ينتقل إلى الفضاء ويفر خلافا لما قاله بعض الناس * بل يستحب الفرار لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على هدف مائل فأسرع المشي قيل له أتفر من قضاء الله قال عليه الصلاة والسلام فراري من قضاء الله تعالى بقضائه * ولا بأس بالاكتحال يوم عاشوراء بل هو مستحب لقوله عليه الصلاة والسلام من اكتحل يوم عاشوراء بالإثمد المروح لم ترمد عيناه أبدا * وإذا ماتت المرأة في رجال ليس معهم امرأة لم يغسلوها وإن كانوا محارم ولكنها تيمم بالصعيد فإن كان من ييممها محرما لها يممها بغير خرقة * وإن لم يكن لها محرما ييممها بخرقة يلفها على كفه * و الرجل إذا مات في نساء ليس معهن رجل ييمم على ما بينا إلا أن من تيممة إن كانت حرة تيممه بخرقة تلفها على كفها و إن كانت مملوكة تيممه بغير خرقة و أمته و أمة غيره في ذلك سواء * و إن كان معهن رجل إلا أنه كافر علمنه الغسل ليغسله * و كذا إذا كان مع الرجال امرأة كافرة علموها الغسل لتغسلها و إن كان معهن صبي لم يبلغ حد الشهوة و علمنه غسل الميت ليغسل الرجل *(3/253)
فصل فيما يقبل فيه قول الواحد و ما لا يقبل *)
مسافر حضرته الصلاة و لم يجد ماء إلا في إناء و أخبره رجل أنه نجس قال في الكتاب إن كان المخبر عدلا ليس له أن يتوضأ بذلك الماء و إن كان فاسقا فله أن يتوضأ بذلك الماء لأن الطهارة في الماء أصل فيتمسك بالأصل فلا يبطل حكمه كما لا يثبت الخبر برواية الفاسق * بخلاف ما إذا أخبره فاسق في المعاملات فإن ثم يجوز الأخذ بقول الفاسق لمكان الضرورة و إن كان المخبر بنجاسة الماء مستورا فالمستور فيه بمنزلة الفاسق في ظاهر الرواية لأن العدالة شرط و ما كان شرط لا يكتفى بوجوده من حيث الظاهر كمن قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فقال العبد لم أدخل و قال المولى دخلت كان القول قول المولى و إن كان الظاهر شاهد للعبد فإن كان المخبر بنجاسة الماء عبدا ثقة فالعبد بمنزلة الحر العدل كما في رواية الاخبار * و إن كان المخبر بنجاسة الماء امرأة حرة فالمرأة بمنزلة الرجل كما في رواية الاخبار و الأمة الثقة بمنزلة الحرة فإن أراق الماء ثم تيمم كان ذلك أحوط و إن كان أكبر رأيه أن المخبر بنجاسة الماء كاذب فإنه يتوضأ به و لا يتمم و إن كان المخبر بنجاسة الماء رجلا من أهل الذمة لا يقبل قوله فإن وقع في قلبه أنه صادق في هذا الوجه قال في الكتاب أحب إلى أن يريق الماء ثم يتمم و لو توضأ به و صلى جازت صلاته * و في خبر الفاسق إذا وقع في قلبه أنه صادق فإنه يتمم ولا يتوضأ به لأن الفاسق من أهل الشهادة على المسلم أما الكافر ليس من أهل الشهادة على المسلم * و لو كان المخبر بنجاسة الماء صبيا أو معتوها يعقلان ما يقولان قال فهو كذلك * من أصحابنا من قال المراد بهذا العطف أن الصبي كالبالغ * إذا كان مرضيا و يسقط اعتبار البلوغ كما يسقط فيه اعتبار الذكورة و الحرية و يكون هو كالبالغ كما في المعاملات * و الأصح أن مراده العطف على الذمي فإن خبر الصبي و المعتوه في هذا كخبر الذمي لأنه ليس لهما ولاية الإلزام * و لو أن رجلا دخل على قوم من المسلمين يأكلون طعاما و يشربون شرابا فدعوه إليه فقال له رجل ثقة منهم عرفه هو هذا اللحم ذبيحة المجوسي و هذا شراب خالطه خمر فقال الذين دعوه إلى ذلك ليس الأمر كما قال بل هو حلال فإنه ينظر في حالهم فإن كانوا عدولا لا يلتفت هو إلى قول ذلك الواحد الذي أخبره بالحرمة و إن كانوا متهمين فإنه يأخذ بقول ذلك الواحد و لا يسعه أن يتناول شيئا من ذلك سواء كان المخبر بالحرمة حرا أو مملوكا ذكرا أو أنثى لأن قول الواحد الثقة مقبول في الديانات * و لو كان في القوم رجلان ثقتان فإنه يأخذ بقولهما * و إن كان في القوم ثقة واحد فإنه يعمل بذلك بأكبر رأيه * فإن لم يكن في ذلك رأي له و استوى الحالان عنده فلا بأس بأن يأكل في ذلك و يشرب و يتوضأ منه * و إن كان الذي أخبره بأنه حلال مملوكين ثقتين و الذي يزعم أنه حرام واحد فلا بأس بأكله لأنه في الخبر الديني الحر و المملوك سواء فيترجح قول المثنى * و إن كان الذي يزعم أنه حرام مملوكين ثقتين و الذي يزعم أنه حلال حرا واحدا فإنه لا ينبغي له أن يأكل لترجح قول المثنى * رجل تزوج امرأة فأخبره مسلم ثقة رجل أو امرأة أنهما ارتضعا من امرأة واحدة قال في الكتاب أحب إلى أن يتنزه فيطلقها و يعطيها نصف المهر إن لم يكن دخل بها و لا تثبت الحرمة بخبر الواحد عندنا ما لم يشهد به رجلان أو رجل و امرأتان * و على قول الشافعي رحمه الله تعالى تثبت حرمة الرضاع بشهادة الأربع من النساء و إنما يتنزه احتياطا لمكان حرمة الوطء فيطلقها كي لا تبقى معلقة و يعطيها نصف المهر قبل الدخول و الكل بعده و إن كان المسمى أكثر من مهر المثل يستحب أن لا تأخذ منه شيئا قبل الدخول و بعد الدخول يستحب لها أن تبرئ الزوج عما زاد على مهر المثل إذا كان المسمى أكثر من مهر المثل لأن الزيادة إنما تجب بحكم النكاح و ذلك محتمل * و إن لم يطلقها و لم يتنزه وسعه ذلك لأن ملك النكاح لم يبطل بهذه الشهادة * و كذلك رجل اشترى جارية فأخبره عدل ثقة أنها حرة الأبوين أو أنها أخته من الرضاع فإن تنزه عن وطئها فهو أفضل و إن لم يتنزه وسعه ذلك لأن ملك اليمين لم يبطل بهذه الشهادة * مسلم اشترى لحما و قبضه فأخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي فإنه لا ينبغي للمشتري أن يأكل و لا يطعم غيره لأن المخبر أخبره بحرمة العين و بطلان الملك و حرمة العين حق الله تعالى فيثبت بخبر الواحد * و أما بطلان الملك لا يثبت بخبر الواحد و ليس من ضرورة ثبوت الحرمة بطلان الملك فتثبت الحرمة مع بقاء الملك * بخلاف ما تقدم لأن بقاء النكاح لا يتصور مع ثبوت الحرمة المؤبدة * فإذا لم يبطل النكاح بخبر الواحد لا تثبت الحرمة و إذا ثبتت الحرمة مع بقاء ملك اليمين ههنا لا يمكنه الرد على بائعه و لا أن يحبس الثمن عن البائع إذا لم يبطل البيع * و لو أنه لم يشتر اللحم و لكن الذي كان اللحم في يده أذن له بالتناول فأخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي لا يحل(3/254)
له أن يأكل لأنه أخبره بما هو حق الله تعالى فتثبت الحرمة * و لو أنه أذن له بالتناول ثم باعه منه بعد الإذن أو ملكه لسبب آخر بميراث أو هبة ثم أخبره مسلم ثقة أنه حرام العين لا يحل تناوله * و لو أن رجلا ملك طعاما أو جارية بميراث أو بيع أو هبة أو سبب من الأسباب ثم أخبره مسلم ثقة أن هذا الفلان بن فلان الفلاني غصبه منه البائع أو الواهب أو الميت قال أحب إلى أن يتنزه فلا يأكل و لا يشرب و لا يتوضأ و لا يطأ جارية لأن بخبر الواحد العدل تثبت الريبة فيتنزه و إن لم يتنزه كان في سعة من ذلك لأن المخبر ما أخبره بحرمة العين و إنما أخبره أن من يملك منه كان غاصبا و هو مكذب في هذا الخبر شرعا لأن اليد دليل الملك فلهذا قال إن تنزه كان أفضل و إن لم يتنزه كان في سعة من ذلك و كذلك لو أن رجلا في يده طعام فأذن لغيره بالتناول و أخبره ثقة أن هذا الطعام و الشراب غصب في يده من فلان و الذي في يده ينكر و يزعم أنه له إن تنزه كان أفضل و إن لم يتنزه كان في سعة من ذلك * و كذا إذا لم يكن الذي في يده ثقة لأن اليد دليل الملك فالمخبر إنما أخبره بالحرمة حقا للمغصوب منه و قول الواحد جعل حجة في حقوق العباد في حكم التنزه لا في حكم بطلان الملك * و كذا لو كان ماء و هو في سفر و لم يجد ماء غير ذلك فإنه يتوضأ به و لا يتيمم هذا إذا لم يكن الذي في يده ثقة * فإن كان عدلا ثقة و زعم أنه لم يغصبه من أحد اختلف المشايخ فيه * قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى ههنا لا يتنزه بخلاف ما لو كان فاسقا * و غيره من المشايخ قال هذا و الأول سواء يتنزه و هو الصحيح لأن ذا اليد و إن كان عدلا فهو يدفع الغصب عن نفسه فلا يعارض قوله قول المخبر في حكم التنزه * و لو أن رجلا أراد أن يشتري لحما فقال له رجل عدل لا تشتر فإنه ذبيحة مجوسي و قال له القصاب إنه ذبيحة مسلم و القصاب عدل قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إن السامع يتحرى فإن لم يقع تحريه على شيء يسقط الخبران فتبقى الإباحة الأصلية * و على قول المشايخ رحمهم الله تعالى لا يشتري و يأخذ بقول من أخبره أنه ذبيحة مجوسي لأن البيع صار حراما على البائع بقول المخبر أنه ذبيحة مجوسي و البائع يدفع الضرر عن نفسه فيكون متهما فلا يأخذ بقول البائع و قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى كان شيخنا الإمام رحمه الله تعالى يقول إذا أتى الصبي بقالا بفلوس ليشتري منه شيئا و أخبره أن أمه أمرته بذلك فإن طلب الصابون و نحو ذلك لا بأس للبقال أن يبيع منه و إن طلب الزبيب و الجوز و ما يأكله الصبيان عادة ينبغي ألا يبيع منه لأنه كاذب فيما يقول ظاهرا و إن قال الصغير هذا لي و قد أذن لي أبي أن أهبه لك أو أتصدق به عليك لا ينبغي للسامع أن يقبل ذلك منه لأن الأب لو أذن للصغير بهذا التصرف لا يصح إذنه * بخلاف ما لو قال هو لأبي بعثه إليك على يدي هبة أو صدقة فإنه يجوز للسامع أن يقبل ذلك منه * و كذا الفقير إذا أتاه عبد أو أمة بصدقة من المولى * و لو أن رجلا عرف جارية لرجل يدعيها و يزعم أنها له و الأمة تصدقه في أنها له ثم رأى الجارية في يد رجل آخر يقول هذا الذي في يده كانت الجارية في يد فلان و فلان ذلك كان يدعي أنها له و الجارية تصدقه في ذلك إلا أن الجارية كانت لي و إنما أمرت فلانا بذلك لأمر خفية و صدقته الجارية في قوله هذا و المدعي مسلم ثقة لا بأس للسامع أن يشتر بها منه لأنه أخبر بخبر يحتمل الصحة * و إن كان في أكبر رأى السامع أن الذي في يديه الجارية كاذب فيما يقول لا ينبغي للسامع أن يشتريها منه و لا يقبل هبته و لا صدقته لأن الإقرار ذي اليد أنها كانت في يد فلان و فلان يدعي أنها له إقرار منه بملك فلان فإذا كان في أكبر رأيه أنه كاذب فيما يقول أنها لي لا يقبل قوله و لا يشتري منه الجارية و لو لم يقل ذو اليد ذلك و لكنه قال هي لي ظلمني فلان و غصبها مني فأخذتها منه لا ينبغي للسامع أن يشتري منه ولا يقبل هبته و لا صدقته كان الذي في يديه ثقة أو لم يكن ثقة * بخلاف ما إذا لم يدع الغصب و إنما أقر بالتلجئة لأن الغصب أمر مستنكر فلا يقبل قوله في ذلك أما في التلجئة ما أخبر بخبر مستنكر فيقبل قوله إذا كان ثقة * فإن قال الذي في يديه كان فلان ظلمني و غصبها مني ثم رجع عن ظلمه فأقر بها لي و دفعها إلي فإن كان ثقة فلا بأس أن يقبل منه و يشتري منه الجارية لأنه أخبر بخبر مستقيم و هو الرجوع عن الظلم و ما أقر على نفسه سبب الضمان و هو الأخذ * و كذا لو قال غصبها مني فلان فخاصمته إلى القاضي فقضى القاضي لي بها ببينة أقمتها أو بنكوله عن اليمين فإنه يجوز للسامع أن يقبل قوله إذا كان ثقة لأنه أخبر بخبر مستقيم و هو إثبات الملك بالحجة و إنما شرط أن يكون ثقة لأن كلامه أنها كانت في يد فلان إقرار لفلان بالملك ظاهرا و إن كان المخبر كاذبا في أكبر رأي السامع فإنه لا يشتريها منه في جميع هذه الوجوه و لا يقبل قوله * و إن قال قضى لي بها القاضي(3/255)
فأخذها منه و دفعها لي أو قال قضى القاضي بها لي فأخذتها من منزله بإذنه أو بغير إذنه إن كان ثقة كان له أن يقبل قوله * و إن قال قضى لي بها فجحد القضاء فأخذتها منه لا ينبغي له أن يقبل قوله و إن كان ثقة لأنه لما جحد القضاء كان أخذه في حالة المنازعة فلا يقبل قوله كما لو قال اشتريت هذه الجارية من فلان و نقدته الثمن ثم جحد البيع فأخذتها منه فإنه لا ينبغي له أن يقبل قوله لأن القول قول الجاحد في الشرع * و لو أن رجلا قال اشتريت هذه الجارية من فلان و نقدت الثمن و قبضتها بأمره و هو مأمون ثقة عند السامع و قال له رجل آخر أن فلانا ذلك جحد هذا البيع و زعم أنه لم يبع منه شيئا و القائل الثاني مأمون ثقة أيضا فإنه لا ينبغي للسامع أن يقبل قوله و أن يشتريها منه لأن الأول أخبر أن فلانا جحد الشراء لا يكون للسامع أن يشتري منه فكذا إذا أخبره غيره بالجحود * و إن كان المخبر الثاني غير ثقة إلا أن في أكبر رأي السامع أن الثاني صادق فكذلك * و إن كان في أكبر رأيه أنه كاذب فلا بأس بأن يشتريها منه إذا لم يكن المخبر الثاني ثقة * و إن كانا جميعا غير ثقة و في أكبر رأي السامع أن الثاني صادق لا ينبغي له أن يشتريها منه و لا يقبل قوله و هو بمنزلة ما لو كان الثاني ثقة * رجل رأى عينا في يد رجل و قد علم أنه لغيره فقال له ذو اليد أنا ملكته من فلان ذلك بسبب من الأسباب أو قال فلان ذلك وكلني ببيعه فإنه يحل له أن يشتري منه و القياس أن لا يحل لأنه متهم في جر المنفعة إلى نفسه و إنما حل له أن يشتري منه استحسانا لمكان الضرورة فإنا لو شرطنا لإباحة الشراء منه و قبوله قول إقامة الشاهدين يضيق الأمر على الناس * و هذه الضرورة معدومة فيما إذا أخبره عدل على خلاف ذلك * و لو أن رجلا في يديه جارية تقر بالرق لذي اليد فشهد مسلم عند رجل آخر أن الجارية التي في يد فلان أمة لفلان آخر غصبها منه الذي في يديه و الذي في يديه يجحد ذلك و يقول هي لي و الذي في يديه غير مأمون قال في الكتاب أحب إلي أن لا يشترى منه و إن اشتراها و وطئها كان في سعة من ذلك لأن المخبر فيما أخبر بالغصب مكذب شرعا فكان للسامع أن يشتري * و الأحوط أن لا يشتري * و لو أخبره مسلم ثقة أنها حرة الأصل أو أخبره أنها كانت أمة لذي اليد أعتقها فهذا و الأول سواء و إن اشتراها كان في سعة من ذلك لأن ملك الإنسان لا يزول بقول الواحد * و إن لم يشتر كان أولى * و لو كانت الجارية لرجل فأخذها رجل آخر و أراد بيعها قال في الكتاب لا ينبغي لمن عرفها للأول أن يشتري من الذي في يديه حتى يعلم أنها خرجت من ملك الأول و انتقلت إلى ذي اليد بسبب صحيح أو يعلم أن الأول وكله ببيعها فإن سأل ذا اليد فقال ذو اليد اشتريتها منه أو وهبها لي أو تصدق بها علي أو قال وكلني ببيعها فإن كان ذو اليد ثقة فلا بأس بأن يقبل قوله و يشتري و يطأ و إن كان غير ثقة إلا أن في أكبر رأيه أنه صادق فكذلك لأن قول المخبر مقبول في المعاملات إذا لم يعارضه قول آخر * و إن لم يكن عدلا و كان في أكبر رأيه أنه كاذب لا ينبغي له أن يقبل قوله و لا أن يشتري منه * و كذا لو لم يعلم أن ذلك الشيء لغير الذي في يديه إلا أم الذي في يديه أخبره أنه لغيره و أن ذلك الغير وكله بالبيع أو باعه منه أو وهب له لأن إقرار ذي اليد بالملك لغيره بمنزلة العلم إن كان المخبر ثقة * و إن كان غير ثقة لكن في أكبر رأيه أنه صادق فكذلك * و إن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يقبل قوله فلا يشتري منه * و إن كان الذي في يديه لم يخبره أن ذلك الشيء لغيره فلا بأس بشرائه منه و أن يقبل هبته و إن لم يكن ثقة لأن اليد دليل الملك يستوي فيه الفاسق و العدل إلا أن يكون الذي في يديه ممن كان مثله لا يتملك مثل ذلك العين * كما لو رأى درة متقومة في يد فقير و رأى كتابا في يد جاهل لم يكن في آبائه من هو أهل لذلك فيكون الأفضل أن يتنزه و لا يشتري * و إن اشتراه أو قبل هبته و هو لا يعلم أنه لغيره قال رجوت أن يكون في سعة في ذلك لأن اليد دليل الملك شرعا كان المشتري معتمدا على دليل شرعي و إنما علقه بالرجاء لأن في وهم كل واحد أن مثله لا يملك هذا العين * و إن كان الذي أتاه به عبدا أو أمة لا ينبغي له أن يشتري منه حتى يسأله عن ذلك لأن الرق مانع من الملك * فإن سأله فأخبره بأن مولاه قد أذن له فيه و هو مأمون ثقة لا بأس بأن يشتري منه * و إن كان غير ثقة فإن كان أكبر رأيه أنه صادق فيما يقول يقبل قوله * و إن كان في أكبر رأيه أنه كاذب ببل يقبل قوله * و إن لم يكن له رأي في ذلك لا يشتري منه و لا يقبل قوله لأن المانع من التصرفات ظاهر و هو الرق فلا يقبل قوله ما لم يترجح جانب الصدق * و كذا الصبي الذي لم يبلغ و هو مملوك أو حر إن أخبره أنه مأذون له في بيعه أو أن فلانا بعث على يديه هبة أو صدقة فإن كان أكبر رأيه أنه صادق وسعه أن يصدقه لأن بعث الهدايا على يد المماليك و الصبيان معتاد و الرجل يبعث(3/256)
الهدايا إلى المعلم على يد الصبي * و إن كان في أكبر رأيه أنه كاذب لا ينبغي له أن يقبل قوله * رجل قدم بلدا بأعيان و طعام و جوار و قال أنا مضارب فلان و أنا مفاوضه أو وكيله كان للناس أن يشتروا منه * و كذا العبد إذا قدم بلدا فادعى أن مولاه أذن له في التجارة كان للناس أن يقبلوا قوله و يعاملوا معه * و لو أن رجلا تزوج امرأة لم يرها فأدخلها عليه إنسان و قال أنها امرأته وسعه أن يقبل قوله و يطأها إذا كان ثقة عنده أو كان في أكبر رأيه أنه صادق * و كذا رجل دخل على غيره ليلا و هو شاهر سيفه أو ماد رمحه يسدد نحوه و صاحب المنزل لا يدري أنه لص أو هارب من اللصوص فإنه يحكم رأيه فإن كان في أكبر رأيه أنه لص دخل عليه ليأخذ ماله و يقتله إن منعه و صاحب المنزل يخاف أنه لو زجره أو صاح به بادره بالضرب كان لصاحب المنزل أن يقتله * و إن كان في أكبر رأيه أنه هارب من اللصوص لا ينبغي له أن يعجل فلا يقتله جوز العمل في هذه المسائل بأكبر الرأي عند الحاجة و إنما يتوصل لأكبر الرأي بالداخل عليه بأن يحكم بزيه و هيئته أو كان عرفه قبل ذلك بالجلوس مع أهل الخير يستدل بذلك على أنه هارب من اللصوص و إن عرفه بالجلوس مع اللصوص و أهل الشر يستدل بذلك على أنه سارق * رجل قال لغيره إن فلانا أمر بي ببيع جاريته التي في منزله و دفعها إلى مشتريها كان للسامع أن يشتريها منه و أن يقبض الجارية من منزل مولاها إذا دفع المشتري الثمن إلى بائعها إن كان البائع ثقة أو غير ثقة وقع في قلبه أنه صادق فإن وقع في قلبه أنه كاذب إن وقع في قلبه ذلك قبل الشراء لا ينبغي له أن يشتري حتى يسأل مولاها * و إن وقع في قلبه ذلك بعد الشراء لا يتعرض للجارية لأن أكبر الرأي في حقه بمنزلة اليقين * و إن قبضها و وطئها ثم وقع في أكبر رأيه أن البائع كاذب فيما قال فإنه يترك وطأها حتى يتعرف خبرها و إن كان المشتري حين اشتراها شهد عنده شاهد أعدل أن مولى الجارية أمر ببيعها ثم حضر المولى و جحد الأمر بالبيع كان المشتري في سعة من إمساكها و كان له أن يتصرف فيها حتى يخاصمه المولى إلى القاضي لأن شهادة الشاهدين حجة تامة و لو شهدا عند القاضي يقضي القاضي بالوكالة و صحة البيع * و كذا إذا شهدا عند المشتري * و لو أن القاضي قضى لمولاها لا يسع للمشتري بشهادة الشاهدين اللذين شهدا عنده أن يمسكها لأن شهادتهما لم تكن ملزمة و قضاء القاضي ملزم * رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها حتى غاب عنها فأخبره مخبر أنها قد ارتدت فإن كان المخبر عنده ثقة و هو حر أو مملوك أو محدود في قذف وسعه أن يصدق المخبر و يتزوج أربع نسوة سواها لأن هذا خبر بأمر ديني و هو حل نكاح أربع سواها و هذا خبر غير ملزم إياه شيئا فلا يعتبر فيه العدالة * و إن لم يكن المخبر ثقة و في أكبر رأيه أنه صادق فكذلك و إن كان في أكبر رأيه أنه كاذب لم يتزوج أكثر من ثلاث لأن خبر الفاسق لا يعارض أكبر الرأي * و لو أن مخبرا أخبر المرأة أن زوجها قد ارتد ذكر في الاستحسان من الأصل أن لها أن تتزوج بزوج آخر و سوى بين الرجل و المرأة * و ذكر في السير الكبير ليس لها أن تتزوج بزوج آخر حتى يشهد عندها رجلان أو رجل و امرأتان لأن ردة الزوج أغلظ من ردة المرأة * و ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى الصحيح أن لها أن تتزوج آخر لأن المقصود من هذا الخبر وقوع الفرقة بين الزوجين * و في هذا لا فرق بين ردة الزوج و المرأة قال ألا ترى أن الفرقة تثبت بشهادة رجل و امرأتين و إن كان لا يثبت به القتل * و كذا لو كانت المرأة صغيرة فأخبره إنسان أنها ارتضعت من أمه أو أخته صح هذا الخبر * و لو أخبره إنسان أنه تزوجها و هي مرتدة يوم تزوجها أو كانت أخته من الرضاع و المخبر ثقة لا ينبغي له أن يتزوج أربعا سواها ما لم يشهد بذلك عنده شاهدا عدل لأنه أخبر بفساد عقد كان محكوما بصحته ظاهرا فلا يبطل ذلك بخبر الواحد و هذا خبر مستنكر و هو مباشرة النكاح بصفة الفساد * بخلاف الأول فإن ثمة أخبر بأمر عارض غير مستنكر فإن شهد عنده شاهدا عدل بذلك وسعه أن يتزوج أربعا سواها * و كذا لو أن امرأة غاب عنها زوجها فأخبرها مسلم ثقة أن زوجها طلقها ثلاثا أو مات عنها أو كان غير ثقة فأتاها بكتاب من زوجها بالطلاق و هي لا تدري أن الكتاب كتاب زوجها أم لا إلا أن أكبر رأيها أنه حق لا بأس بأن تعتد و تتزوج * و لو أتاها رجل و أخبرها أن أصل نكاحها كان فاسدا و أن زوجها كان أخا لها من الرضاع أو كان مرتدا لم يسعها أن تتزوج بقوله و إن كان ثقة لأنه أخبرها بخبر مستنكر * و كذلك امرأة قالت لرجل طلقني زوجي ثلاثا و انقضت عدتي و وقع في قلبه أنها صادقة لا بأس للرجل أن يتزوجها بقولها * و كذا المطلقة ثلاثا إذا قالت لزوجها انقضت عدتي و تزوجت بزوج آخر و دخل بي الزوج ثم طلقني و انقضت عدتي و كان ذلك في مدة يتصور فيها نكاح الزوج الثاني و انقضاء العدتين فإنه لا بأس لزوجها الأول أن يتزوجها إذا كانت ثقة(3/257)
عنده أو وقع في قلبه أنها صادقة لأنها أخبرت بأمر محتمل و ما أخبرت بأمر مستنكر * قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى في هذا بيان أنها لو قالت لزوجها الأول حللت لك لا يحل له أن يتزوجها ما لم يستفسرها لأن العلماء اختلفوا في أنها هل تحل للزوج بمجرد النكاح الثاني * قال بعضهم تحل و لا يكون له أن يعتمد على قولها حللت لك حتى تفسر * جارية صغيرة لا تعبر عن نفسها في يد رجل يدعي الرجل أنها له فلما كبرت لقيها رجل في بلد آخر فقالت أنا حرة الأصل لا يسعه أن يتزوجها لأنه علم أنها كانت مملوكة لذي اليد لأن اليد فيمن لا يعبر عن نفسه دليل الملك فلا يقبل قولها * و لو قالت كنت أمة له فأعتقني فإن كانت ثقة عنده أو وقع في قلبه أنها صادقة لا بأس بأن يتزوجها لأنها أخبرت بأمر محتمل لم يعلم هو بخلاف ذلك * و كذا المرأة الحرة إذا تزوجت رجلا ثم قالت لرجل آخر إن نكاحي كان فاسدا أو كان زوجها على غير الإسلام لا يسع لهذا أن يقبل قولها و لا أن يتزوجها لأنها أخبرت بأمر مستنكر * و لو قالت طلقني بعد النكاح أو ارتد عن الإسلام وسعه أن يعتمد على خبرها و يتزوجها لأنها أخبرت بأمر محتمل فإذا أخبرت ببطلان النكاح الأول لا يقبل قولها * و إن أخبرت بالحرمة بأمر عارض بعد النكاح من رضاع طارئ أو غير ذلك فإن كانت ثقة عنده أو لم تكن عنده ثقة و وقع في قلبه أنها صادقة فلا بأس أن يتزوجها و الله أعلم
(* فصل في التسبيح و التسليم و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و التعاويذ و ما يرجع إلى الأمور الدينية *)(3/258)
رجل أراد أن يتعوذ قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى أحب إلى أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ليكون موافقا للقرآن * و لو قال أعوذ بالله العظيم أو قال أعوذ بالله السميع العليم يجوز * و ينبغي أن يكون التعوذ موصولا بالقراءة * رجل سمع رجلا يقرأ القرآن و يلحن في القراءة فإنه لا ينبغي للقارئ أن يلحن و يتعلم الصواب * فأما السامع إن علم أنه لو منعه عن اللحن و يعلمه الصواب يغضب القارئ أو يدخل عليه وحشة فإنه ينبغي للسامع أن يمنعه عن اللحن و يعلمه الصواب إلا أن يخاف أن يقع بينهما عداوة فحينئذ وسعه أن لا يتعرض له * الحارس في الحراسة إذا قال لا اله إلا الله أو ما أشبه ذلك أو الفقاعي يقول عند فتح الفقاع للمشتري صلى الله على محمد قالوا يكون آثما * بخلاف العالم إذا قال في المجلس صلوا على النبي عليه الصلاة و ا لسلام فإنه يثاب على ذلك * وكذا الغازي إذا قال كبروا يثاب عليه لأن الفقاعي والحارس يأخذ بذلك عوضا * رجل جاء إلى تاجر ليشتري منه ثوبا فلما فتح المتاع قال سبحان الله أو قال اللهم صلي على محمد إن أراد بذلك إعلام المشتري بجودة ثوبه ومتاعه كره * رجل دعا بدعاء و قلبه ساه فإن كان دعاؤه على الرقة فهو أفضل وكذا لو كان لا يمكنه أن يدعو إلا وهو ساه فالدعاء أفضل من ترك الدعاء * ويكره أن يقرأ القرآن في الحمام لأنه موضع النجاسات * وذكر في كتاب الآثار أنه لابأس به * ولا يقرأ في بيت الخلاء * وإن قرأ القرآن عند القبور إن نوي بذلك أن يؤنسهم صوت القرآن فإنه يقرأ * فإن لم يقصد ذلك فالله تعالى يسمع قراءة القرآن حيث كانت * قوم يقرؤون القرآن من المصاحف أو يقرأ رجل واحد فدخل عليهم واحد من الأجلة والأشراف فقام القارئ لأجله قالوا إن دخل عليه عالم أو أبوه أو أستاذه الذي علمه العلم جاز له أن يقوم لأجله وما سوى ذلك لا يجوز * رجل شرب الخمر فقال الحمد لله لا ينبغي له أن يقول في هذا الموضع الحمد لله ولو أكل شيأ غصبه من إنسان فقل الحمد لله قال الشيخ الإمام اسماعيل الزاهد لا بأس به * رجل يمسح وجهه إذا فرغ من الدعاء قال بعضهم ذلك ليس بشيء * والصحيح أنه لا بأس به لورود الأثر فيه * رجل سمع رجلا يذكر اسما من أسماء الله تعالى يجب عليه أن يعظمه و يقول سبحان الله وما أشبه ذلك * و لو سمع اسم النبي صلى الله عليه و سلم فإنه يصلي عليه * فإن سمع مرارا في مجلس واحد اختلفوا فيه * قال بعضهم لا يجب عليه أن يصلى إلا مرة * و قال بعضهم يصلي في كل مرة * رجل يقرأ القرآن فسمع اسم النبي صلى الله عليه و سلم ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أنه لا يجب عليه الصلاة و التسليم لأن قراءة القرآن على النظم و التأليف أفضل من الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم فإذا فرغ من القرآن صلى الله عليه و سلم كان حسنا و إن لم يصل فلا شيء عليه * و لو سمع القارئ الآذان فالأفضل له أن يمسك عن القراءة و يسمع الآذان * إذا سلم رجل على القارئ لا ينبغي له أن يسلم على القارئ كي لا يشغله ذلك عن القراءة * فإن سلم عليه قال بعضهم لا يجب رد السلام على القارئ * و قال بعضهم يجب و هو اختيار الفقيه أبي الليث رحمه الله تعالى * و يكره أن يصلي على غير النبي وحده فيقول اللهم صلي على فلان * و لو جمع في الصلاة بين النبي و غيره فيقول اللهم صل على محمد و على آله و أصحابه جاز لأن فيه تعظيم النبي صلى الله عليه و سلم * رجل سلم على من كان في الخلاء يتغوط و يبول لا ينبغي أن يسلم عليه في هذه الحالة فإن سلم عليه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يرد عليه السلام بقلبه لا بلسانه * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يرد لا بالقلب و لا باللسان و لا بعد الفراغ أيضا * و قال محمد رحمه الله تعالى عليه رد السلام بعد الفراغ من الحاجة * و لا يسلم على أحد وقت الخطبة و لا يشمت العاطس * و إذا سلم وقت الخطبة لا يجب على السامع رد السلام * السائل إذا أتى باب دار إنسان فقال السلام عليكم لا يجب رد السلام عليه * و كذا إذا سلم على القاضي في المحكمة * و إذا أتى الرجل باب دار إنسان يجب أن يستأذن قبل السلام * ثم إذا دخل سلم أولا ثم يتكلم * و إن كان في الفضاء يسلم أولا ثم يتكلم * رجل كان جالسا في قوم فسلم عليه رجل و قال السلام عليك يا فلان فرد عليه السلام بعض القوم سقط عمن سلم عليه * و قيل إن سمى رجلا فقال السلام عليك يا زيد مثلا فرد عليه عمر و لا يسقط رد السلام عن زيد * و إن لم يسم و قال السلام عليك و أشار إلى رجل فرد عليه غيره سقط السلام عن المشار إليه * رجل سلم على رجل فرد عليه السلام فلم يسمع قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى أخاف أن لا يسقط عنه فرض الرد فقيل له لو كان المردود عليه أصم ماذا يصنع قال ينبغي أن يريه تحريك شفتيه * إذا سلم اليهودي أو النصراني أو المجوسي على مسلم قال محمد رحمه الله تعالى يقول المسلم و عليك ينوي بذلك السلام لحديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه و(3/259)
سلم أنه قال إذا سلموا عليكم فردوا عليهم * وإنما يكره أن يبتدئهم بالسلام * أما إذا ابتدأ الكافر فلا بأس بأن يرد عليه ولكن لا يزيد على قوله وعليك * وبعض المشايخ لم ير بأسا بالسلام على أهل الذمة * والصحيح هو الأول * هذا إذا لم يكن للمسلم حاجة إليه فإن كان فلا بأس بالسلام عليه * ويكره للمسلم أن يصافح الذمي * وإذا قال المسلم للذمي أطال الله بقاءك قالوا إن نوى بقلبه أنه يطيل لعله يسلم أو يؤدي الجزية عن ذل وصغار فإنه لا بأس به لأن هذا دعاء له إلى الإسلام أو المنفعة للمسلمين * الفارس مع الراجل إذا التقيا ينبغي للفارس أن يسلم أولا * وكذا الرجل مع المرأة إذا التقيا يسلم الرجل أولا * وإن سلمت المرأة الأجنبية على رجل إن كانت عجوزا رد السلام عليها بصوت يسمع * وإن كانت شابة رد عليها في نفسه * والرجل إذا سلم على امرأة أجنبية فالجواب فيه يكون على العكس * متعلم معه خريطة فيها كتب من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أو من كتب الفقه فنام وتوسد بالخريطة قالوا إن قصد به التوسد كره وإن فعل ذلك لأجل الحفظ لا يكره * ويكره تصغير المصحف وأن يكتب بقلم دقيق مروى ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو قول أبي يوسف وزفر رحمهما الله تعالى * وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يكره النقط و التعاشير في المصحف * ومشايخنا رحمهم الله تعالى لم يروا في زماننا بأسا بذلك و لو كتب القرآن على الحيطان و الجدران بعضهم قالوا يرجى أن يجوز ذلك * و بعضهم كرهوا ذلك مخافة السقوط تحت أقدام الناس * رجل أمسك المصحف في بيته و لا يقرأ قالوا إن نوى به الخير و البركة لا يأثم بل يرجى به الثواب * و لو أمسك الخمر في بيته للتخليل جاز ولا يأثم * و لو أمسك شيئا من هذه المعازف و الملاهي يكره و يأثم و إن كان لا يستعملها لأن إمساك هذه الأشياء تكون للهو عادة * كاغد فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم جعل فيه شيء قال أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى يكره سواء كانت الكتابة في ظاهره أو باطنه * بخلاف الكيس إذا كتب عليه اسم الله فإنه لا بأس به لأن الكيس يعظم و هذا الكاغد لا * و يكره لمن لا يكون على الطهارة أن يأخذ فلوسا عليها اسم الله تعالى * و لو كتب على خاتمه اسمه أو اسم أبيه أو ما بدا له من أسماء الله تعالى نحو قوله حسبنا الله و نعم الوكيل أو ربي الله أو نعم القدير الله فإنه لا بأس به * رجل يذكر الله تعالى و يسبح في مجلس الفسق قالوا إن نوى أن الفسقة يشتغلون بالفسق و أنا أشتغل بالتسبيح فهو أفضل و أحسن كمن سبح الله تعالى في السوق و ينوى به أن الناس يشتغلون بأمور الدنيا و أنا أسبح الله تعالى في هذا الموضع فهذا أفضل من أن يسبح الله تعالى وحده في غير السوق * و إن سبح على وجه الاعتبار يؤجر على ذلك و إن سبح على أن الفاسق يعمل الفسق كان إثما * و ينبغي للمصلي أن يدعي في صلاته بالدعاء المحفوظ و لا يتكلف لئلا يجري على لسانه ما يشبه كلام الناس * أما في غير الصلاة يدعو بما يحضره و لا يستظهر الدعاء لأن حفظ الدعاء يذهب بالرقة * رجل عطس خارج الصلاة ينبغي أن يحمد الله تعالى فيقول الحمد لله رب العالمين أو يقول الحمد لله رب العالمين أو يقول الحمد لله على كل حال * و ينبغي لمن حضره أن يقول يرحمك الله ثم يقول العاطس غفر الله لي و لكم أو يقول يهديكم و يصلح بالكم و لا يقول غير ذلك * و لو عطس رجل في غير الصلاة فقال رجل في الصلاة الحمد لله قالوا تفسد صلاته إن أراد به الجواب و لو قال يرحمك الله فسدت صلاته لأنه خطاب و جواب * و لو عطس المصلي فقال رجل يرحمك الله ثم قال المصلي غفر الله لي و لكم كان جوابا تفسد صلاته * و ينبغي لمن كان بحضرة العاطس أن يشمت العاطس إذا تكرر عطاسه في مجلس إلى ثلاث مرات فإن عطس أكثر من ثلاث مرات فالعاطس يحمد الله تعالى في كل مرة و من كان بحضرته و إن شمته في كل مرة فحسن و إن لم يشمته بعد الثلاث فحسن أيضا * رجل رأى رؤيا أعجبته ينبغي أن يحمد الله تعالى لأن ذلك نعمة فيشكر ثم إن شاء قصها على من يثق به و إن شاء لم يقص * و لو قال رجل رأيت الله تعالى في المنام قال الشيخ الإمام رئيس أهل السنة أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى هذا الرجل شر من عابد الوثن * و هذه المسئلة اختلف فيها مشايخ بخارا و سمرقند * قال مشايخ سمرقند رحمهم الله تعالى رؤية الله تعالى في المنام باطلة لا تكون لأن ما يرى في المنام لا يكون غير المرئي بل هو خياله و الله تعالى متنزه عن ذلك و ترك الكلام في هذه المسئلة أحسن * و إذا ماتت المرأة حاملا فدفنت و رؤيت في المنام أنها قالت ولدت لا ينبش قبرها * و لا بأس بتقبيل يد العالم و السلطان * و تكلموا في تقبيل يد غيرهما * قال بعضهم إن أراد به تعظيم المسلم لإسلامه فلا بأس به * و الأولى أن لا يقبل * و تكره المعانقة أما إذا سجد للسلطان إن كان قصده التعظيم و التحية دون العبادة لا يكون ذلك كفرا * أصله أمر الملائكة(3/260)
بالسجود لآدم صلاة الله عليه و سجود أخوة يوسف عليه السلام * و لو قال لمسلم أسجد للملك و إلا قتلناك قالوا إن أمروه بذلك للعبادة فالأفضل له أن لا يسجد كمن أكره على أن يكفر كان الصبر أفضل و إن أمروه بالسجود للتعظيم و التحية لا للعبادة له أن يسجد * رجل دعاه الأمير فسأله عن أشياء فإن تكلم بما يوافق الحق يصيبه مكروه فإنه لا ينبغي له أن يتكلم بما يخالف الحق * و هذا إذا كان لا يخاف على نفسه القتل و لا إتلاف عضو و لا يخاف على ماله فإن خاف ذلك فإنه لا بأس به * و إذا سأل الرجل غيره الأخبار المحدثة في البلد قال بعضهم يكره الإخبار و الاستخبار * و قال بعضهم لا يكره الاستخبار و يكره الإخبار * و الصحيح أنه لا بأس بالإخبار أيضا ليكون عالما بالمصالح * امرأة أرادت أن تصنع تعويذا ليحبها زوجها بعدما كان يبغضها ذكر في الجامع الصغير أن ذلك حرام لا يحل * ولا بأس بوضع الجماجم في الزرع والمبطخة لدفع ضرر العين لأن العين حق تصيب المال والآدمي والحيوان ويظهر أثره في ذلك عرف ذلك بالآثار * وإذا خاف العين كان له أن يضع فيه الجماجم حتى إذا نظر الناظر إلى الزرع يقع بصره أولا على الجماجم لارتفاعها فنظره بعد ذلك إلى الحرث لا يضر لما روي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه و سلم و قالت نحن من أهل الحرث و إنا نخاف عليه العين فأمرها النبي صلى الله عليه و سلم أن تجعل فيه الجماجم و يكره كتابة الرقاع في أيام النيروز و إلصاقها بالأبواب لأنه فيه إهانة اسم الله تعالى و إهانة اسم النبي صلى الله عليه وسلم * بساط أو مصلى كتب عليه في النسج الملك لله يكره استعماله أو بسطه و القعود عليه * ولو قطع الحرف من الحرف أو خيط على بعض الحروف حتى لا تبقى الكلمة متصلة لا تزول الكراهة لأن للحرف المفرد حرمة * و كذا لو كان عليها الملك لا غير أو كان الألف وحدها أو كان اللام وحدها * وحكى أن بعض الأئمة رأى شبانا يرمون إلى الهدف و قد كتب على الهدف أبو جهل فنهاهم عن ذلك ثم مر بهم و قد فصلوا الحروف فنهاهم أيضا و قال ما نهيتكم في الابتداء لأجل الكلمة و إنما نهيتكم لأجل الحروف * خرقة فيها درهم روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى في النوادر أنه لا بأس للرجل إمساك تلك الخرقة و إن لم يكن على وضوء و لا بأس ببيع الزنار من النصارى و لا القلنسوة من المجوسي لأن في ذلك إذلالا بهم * اسكاف أمره إنسان أن يتخذ له خفا مشهورا على زي المجوس أو الفسقة وزاد له في الأجرة قيل لا ينبغي له أن يفعل ذلك * وكذا الخياط إذا أمره أن يخيط ثوبا على زي الفساق * و يكره بيع المكعب المفضض من الرجال إذا علم أنه يشترى للبس * فقير آجر نفسه من كافر ليعصر له العنب فيتخذه خمرا يكره له ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن العاصر * ولو أن مسلما آجر نفسه ليعمل في الكنيسة و يعمرها لا بأس به لأنه لا معصية في عين العمل * فإن آجر نفسه من نصراني ليضرب الناقوس كل يوم بخمسة دراهم وفي عمل آخر يعطيه كل يوم درهما قالوا لا ينبغي له أن يؤاجر نفسه منهم و يطلب الرزق من عمل آخر * و إذا استؤجر لغسل الميت قالوا لا أجر له * و كذا لو استؤجر لحمل الميت * ولو استؤجر لحفر القبر أو لدفن الميت كان له الأجر قالوا إنما لا يجب الأجر لحمل الميت إذا لم يوجد ثمة أحد يحمل الجنازة بغير أجر فإن وجد جازت الإجارة لأن الحمل لا يجب عليه خاصة و إن استؤجر لضرب الطبل فإن كان للهو لا يجوز لأنه إعانة على معصية و إن كان للغزو والقافلة جاز لأنه طاعة * و ما أخذ المطرب و المغني إن أخذ من غير شرط يباح له * و إن أخذ على شرط رده على صاحبه إن قدر و إن لم يقدر على الرد على صاحبه تصدق به * رجل يبيع التعويذ في المسجد و يكتب في التعويذ التوراة و الإنجيل و القرآن و يأخذ عليه مالا و يقول إني أدفع التعويذ هدية أو هبة لا يحل له ذلك المال لأن أخذ المال على الهدية حرام و إن أخذ الأجرة على تعليم القرآن قالوا لا بأس به في زماننا * رجل أراد أن يتعلم النجوم قالوا إن كان يتعلم مقدار ما يعرف به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به * و ما سوى ذلك حرام * كافر من أهل الذمة أو من أهل الحرب طلب من مسلم أن يعلمه القرآن و الفقه قالوا لا بأس بأن يعلمه القرآن و الفقه في الدين لأنه عسى أن يهتدي إلى الإسلام فيسلم إلا أن الكافر لا يمس المصحف * رجل أراد أن يقرأ القرآن ينبغي أن يكون على أحسن أحواله يلبس صالح ثيابه و يتعمم و يستقبل القبلة لأن تعظيم القرآن و الفقه واجب * و أما تعليم الكلام و المناظرة فيه قالوا وراء قدر الحاجة مكروه و حكي أن حماد بن أبي حنيفة رحمه الله تعالى كان يتكلم في الكلام فنهاه الأب عن ذلك فقال له حماد قد رأيتك و أنت تتكلم فما بالك تنهاني فقال يا بني كنا نتكلم و كل واحد منا كأن الطير على رأسه مخافة أن يزل صاحبه و أنتم اليوم تتكلمون و كل واحد منكم يريد أن يزل صاحبه ومن أراد أن يزل صاحبه يكفر فقد كفر(3/261)
قبل أن يكفر صاحبه * و أما التمويه و الحيلة في المناظرة قالوا إن كان من كان يناظره يكلمه متعلما مسترشدا أو يكلمه على الأنصاف بلا تعنت لا يحل له التمويه والحيلة والتلبيس وإن كان من يكلمه يريد التعنت و يريد أن يطرحه يحل له التمويه و الحيلة بل يحتال كل حيلة ليدفع التعنت عن نفسه * رجل تعلم بعض القرآن ثم وجد فراغا فإنه يتعلم تمام القرآن لأن تعلم تمام القرآن أفضل من صلاة التطوع * وتعلم الفقه أولى من تعلم تمام القرآن * رجلان تعلما علما كعلم الصلاة أو نحوها أحدهما يتعلم ليعلم الناس والآخر يتعلم ليعمل به فالأول أفضل لأن منفعة تعليم الخلق أكثر فكان هو أفضل و جاء في الأثر أن مذاكرة العلم ساعة خير من إحياء ليلة * رجل خرج في طلب العلم بغير إذن والديه فلا بأس به و لم يكن هذا عقوقا * قيل هذا إذا كان ملتحيا فإن كان أمرد صبيح الوجه فلأبيه أن يمنعه من الخروج * ولو أراد أن يخرج للحج و أبوه كاره لذلك قالوا إن كان الأب مستغنيا عن خدمته لا بأس بأن يخرج * و إن لم يكن مستغنيا لا يسعه الخروج لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من رجل ينظر إلى والديه نظر رحمة إلا كانت له بها حجة مقبولة قيل يا رسول الله وإن نظر في اليوم مائة مرة قال وإن نظر إليه في اليوم مائة مرة فإن كان أبواه يحتاجان إلى النفقة ولا يقدر أن يخلف لهما نفقة كاملة أو يمكنه ذلك إلا أن الغالب على الطريق هو الخوف فلا يخرج بغير إذنهما وإن كان الغالب هو السلامة فله أن يخرج * و ذكر في بعض الروايات أن الرجل لا يخرج إلى الجهاد إلا بإذن والديه فإن أذن له أحدهما و لم يأذن له الآخر لا ينبغي له أن يخرج وهما في سعة من أن يمنعاه إذا دخل عليهما مشقة لأن مراعاة حق الوالدين فرض عين و الجهاد فرض كفاية * و إن لم يكن له أبوان و له جدان و جدتان فأذن له أبو الأب و أم الأم و لم يأذن له الآخران فلا بأس بأن يخرج لأن أبا الأب قائم مقام الأب و أم الأم قائمة مقام الأم * ولو أذن له الأبوان كان له أن يخرج ولا يلتفت إلى غيرهما * هذا إذا كان السفر سفر جهاد فإن كان السفر سفر تجارة أو حج لا بأس بأن يخرج بغير إذن والديه إذا استغنى الأبوان عن خدمته لأنه ليس قي هذين السفرين إبطال حق الوالدين إذا لم يكن الطريق مخوفا فإن كان مخوفا مثل البحر لا يخرج إلا بإذن والديه وإن كانا مستغنيين عن خدمته * رجل ليس له مال و له عيال واحتاج الناس في حفظ الطريق إلى البذرقة فإن قدر على أن يعمل هذا العمل ولا يضيع عياله كان له أن يفعل وإن كان لا يمكنه هذا العمل مع القيام بمراعاة العيال فالقيام بأمر العيال أولى * وكذا لو خرج للتعلم يضيع عياله يراعي حق العيال * طلبة العلم إذا اختصموا في السبق فمن كان أسبق يقدم سبقه فإن اختلفوا في السبق إن كان لأحدهم بينة تقام بينته وإن لم تكن يقرع بينهم و يجعل كأنهم أتوا معا كما في الحرقى و الغرقى إذا لم يعرف الأول فيجعل كأنهم ماتوا معا * صاحب العلم إذا خرج إلى القرى ليذكرهم فيجمعوا له شيأ حكي عن أبي الليث الكبير رحمه الله تعالى أنه قال كنت أفتي أنه لا يخرج إلى القرى ثم رجعت عن ذلك * رجل أصاب مالا حراما فمات و أوصى بأن يتصدق به عن أرباب الأموال قالوا إن عرف أرباب الأموال رد عليهم أموالهم و إن لم يعرفوا ينبغي أن يتصدق عنهم فإن قالت الورثة هو كاذب فيما يقول يريد بذلك إضرار الورثة فإنه يتصدق بمقدار ثلث المال * ولو قال في مرضه هذا المال لقطة و كذبته الورثة قال محمد رحمه الله تعالى لا يلزمه شئ * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يتصدق بمقدار الثلث * و يجوز السبق في أربعة أشياء في الخف يعني البعير و في الحافر يعني الفرس و النضل يعني الرمي و المشي بالأقدام يعني به العدو * و يجوز إذا كان البدل من جانب واحد بأن قال إن سبقتك فلي كذا و إن سبقتني فلا شئ لك * و إن كان البدل من الجانبين فهو حرام لأنه قمار إلا إذا أدخلا محللا بينهما فقال كل واحد منهما إن سبقتني فلك كذا و إن سبقتك فلي كذا و إن سبق الثالث فلا شئ له فهو جائز و حلال و المراد من الجواز الحل و الطيب دون الاستحقاق فإنه لا يصير مستحقا * و ما يفعله الأمراء فهو جائز أيضا بأن يقولوا لاثنين أيكما سبق فله كذا * و إنما جوز السباق في هذه الأشياء الأربعة لورود الآثار فيها و لا أثر في غيرها * و قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى يجوز أيضا في الفقيهين إذا تكلما في مسألة إن كان البدل على أحدهما جاز و إن كان البدل من الجانبين لا يجوز * و إنما يجوز السباق في الدواب إذا كان فرسه قد يسبق و قد لا يسبق * قالوا و الجوز الذي يلعب به الصبيان يوم العيد يؤكل روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يشتري الجوز لصبيانه يوم العيد يلعبون بها و كان يأكل منه و هذا إذا لم يكن على وجه المقامرة * و إن كان على وجه المقامرة فهو حرام * مرضعة انقطع لبنها بظهور الحبل و ليس(3/262)
للأب شئ يستأجر به الظئر فعالجت لاستنزال الدم قالوا يباح لها ذلك ما دام نطفة أو علقة أو مضغة لم يخلق له عضو لأنه ليس له حكم الآدمي و قدروا تلك المدة بأربعة أشهر * امرأة حبلت ومضى على حملها شهر فأرادت إلقاء العلق على الظهر لأجل الدم فإنها تسأل أهل الطب إن قالوا يضر بالحمل لا تفعل و كذا الفصد و الحجامة و قيل لا ينبغي لها أن تفعل ما لم يتحرك الولد فإذا تحرك لابأس بإلقاء العلق و الحجامة ما لم تقرب الولادة فإذا أقربت لا تفعل و أما الفصد فالامتناع عن الفصد أولى في حالة الحمل كي لا يلحق الولد آفة * صبي سمع الأحاديث وهو لا يفهم ثم كبر جاز له أن يروي عن المحدث * و كذا البالغ إذا سمع الحديث و لم يفهم جاز له أن يروي عن المحدث * ولو قرئ على صبي صك و لم يفهم ثم كبر لا يجوز له أن يشهد * و كذا البالغ إذا قرأ صكا و لم يفهم ما فيه لا يجوز له أن يشهد بما فيه * رجل يتخذ لعبة ليفرق بين المرأة و زوجها بتلك اللعبة قالوا هو مرتد يحكم بردته و يقتل إذا كان يعتقد لها أثرا و يعتقد التفريق من اللعبة لأنه كافر * الساحر إذا تاب فهو على وجوه إن كان يعتقد نفسه خالقا لما يفعله فإن تاب عن ذلك و قال خالق كل شئ هو الله تعالى و تبرأ عما كان يقول تقبل توبته و لا يقتل * و إن كان الساحر يستعمل السحر للتجربة و الامتحان و لا يعتقد لذلك لا يقتل لأنه ليس بكافر * ساحر يجمد السحر و لا يدري كيف يفعل و لا يقربه قالوا لا يستتاب هو بل يقتل إذا ثبت أنه يستعمل السحر و ذكر في بعض المواضع و الاستتابة أحوط * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إذا تاب الساحر قبل أن يؤخذ تقبل توبته و لا يقتل و إن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته و يقتل و كذا الزنديق المعروف الداعي * و الفتوى على هذا القول * كافر دعا بدعاء اختلفوا فيه * قال بعضهم لا يجوز أن يقال يستجاب دعاؤه * و قال بعضهم يجوز أن يقال يستجاب دعاؤه فإن إبليس لعنه الله دعا حيث قال رب أنظرني إلى يوم يبعثون فقال الله تعالى إنك من المنظرين * رجل يعمل أعمال الرد يقع في قلبه أنه ليس بمؤمن قالوا إن وقع في قلبه أنه ليس بمؤمن لأن بعض أعماله لا توافق أعمال المؤمنين فهذا مؤمن صالح * و قال عليه السلام المؤمن من أمن جاره بوائقه * و قال عليه السلام المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه فهو يريد بهذا أنه ليس من جملة هؤلاء المؤمنين * و إن كان يقع في قلبه أنه ليس بمؤمن لأنه لا يعرف الله تعالى فإن استقر قلبه على ذلك فهو كافر * و إن خطر بباله ووجد من نفسه إنكاره فهو مؤمن لأن هذا مما لا يمكن التحرز عنه * و هذا من صدق إيمانه فيكون عفوا كمن هم بسيئة ولم يعزم عليها لا يكون آثما و إن عزم عليها كان آثما * رجل تمنى الموت إن تمنى الموت لضيق عيشه أو لشر أصابه من ظالم أو عدو أو نحوه كره * وإن تمنى لتغير زمانه فيتمنى الموت مخافة الوقوع في المعاصي لا يكره * رجل قال لا أحب القرع قالوا إن أراد به أني لا أحبه لما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه فهو كافر * و إن قال ذلك لمرض أصابه من القرع لا يكفر * ولو قال أنا لا أعمل بفتوى الفقهاء أو ليس كما قال العلماء فإنه يعزز و لا يكفر * رجل مات و كسبه كان من بيع الباذق فإن تورع الوارث و لم يأخذ ذلك المال كان أولى و يرد على أربابها إن عرف أربابها * و إن لم يعرف يتصدق * و كذا الجواب فيما إذا أخذ رشوة أو ظلما * ولو كان الوارث يعلم أن مورثه كان يكسب من حيث لا يحل إلا أنه لا يعلم ذلك المال الذي أخذ مورثه ظلما كان المال ميراثا له في الحكم يتصرف به ما شاء و إن تصدق به كان أولى و لا يلزمه * و ينبغي أن يتصدق عن خصماء المورث * رجل رأى من رجل منكرا وهو أيضا يرتكب ذلك كان عليه أن ينهي غيره و يمتنع هو أيضا * رجل علم أن فلانا يتعاطى من المنكر هل له أن يكتب إلى أبيه بذلك قالوا إن كان يعلم أنه لو كتب إلى أبيه يمنعه الأب عن ذلك و يقدر عليه يحل له أن يكتب * و إن كان يعلم أن أباه لو أراد منعه لا يقدر عليه فإنه لا يكتب كي لا تقع العداوة بينهما و كذلك فيما كان بين الزوجين و بين السلطان والرعية و الحشم إنما يجب الأمر بالمعروف إذا علم أنهم يسمعون * رجل اغتاب أهل قرية فقال أهل هذه القرية كذا لم يكن ذلك غيبة لأنه لا يريد جميع أهل القرية و كان المراد هو البعض وهو مجهول * الرجل إذا كان يصوم و يصلي و يضر بالناس باليد و اللسان فذكره بما فيه لا يكون غيبة إن أخبر السلطان بذلك ليزجره فلا إثم عليه * رجل يذكر مساوئ أخيه المسلم على وجه الاهتمام لم يكن ذلك غيبة إنما الغيبة أن يذكر على وجه الغضب يريد به السب * امرأة ترضع صبيا بغير إذن زوجها يكره لهل ذلك إلا إذا خافت هلاك الرضيع فحينئذ لا بأس * رجل وجد في بيته امرأة و وطئها و قال ظننت أنها امرأتي روى زفر عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال إن كان نهارا يحد و إن كان ليلا لا يحد و به أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله(3/263)
تعالى و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية أخرى عليه الحد ليلا كان أو نهارا قال مولانا رضي الله عنه و ينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن لم تكن امرأته تزف إليه لا يحد و إن زفت قبل ذلك لا يصدق * رجل على رجل دين فمات الطالب و لم يؤد المديون الدين إلى وارثه قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى أرجو أن يكون الدين يوم القيامة للطالب * رجل له على رجل دين فبلغه أن الغريم قد مات فقال جعلته في حل أو قال وهبت منه الدين فإذا هو حي قال نصير رحمه الله تعالى يصير في حل و ليس له أن يأخذه منه * رجل عليه دين و نسي حتى مات قال شداد رحمه الله تعالى إن كان الدين ثمن بيع أو قرض لا يؤاخذ به يوم القيامة و إن كان غصبا فهو مأخوذ * رجل مات و له ديون على الناس و لم يدع وارثا قال أبو القاسم رحمه الله تعالى يصدق المديون على صاحب الدين مقدار دينه * رجل مات و عليه دين و لم يعلم الوارث بدينه فأكل ميراثه قال شداد رحمه الله تعالى لا يؤاخذ الوارث بدينه * و إن علم الوارث بدين المورث كان عليه أن يقضي دينه من تركة المورث * و إن نسي الابن بعد ما علم فإنه لا يؤاخذ به في دار الآخرة * و كذا لو كانت وديعة فنسيها حتى مات لا يؤاخذ بها في دار الآخرة * رجل له على رجل دين و هما في الطريق فخرج اللصوص عليهما و قصدوا أخذ أموالهما فأعطى المديون صاحب المال دينه في تلك الحالة قال بعضهم له أن يؤدي دينه و ليس للطالب أن لا يأخذ * و قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى عندي للطالب أن لا يأخذ في تلك الحالة كمن كفل بنفس رجل فسلم الكفيل المكفول به في المفازة أو في موضع لا يقدر المكفول له على استيفاء حقه لا يصح تسليمه * رجل له أرض بجنب نهر للعامة فشق الماء حريم النهر حتى صار النهر في أرض الرجل فأراد الرجل أن ينصب في ذلك رحى في أرضه كان له ذلك * و إن أراد أن ينصب على نهر العامة لم يكن له ذلك * رجل مر في الطريق المحدث قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إن علم أن صاحب الأرض أحدث الطريق في ملكه يباح له المرور في الطريق المحدث و إن لم يعلم يجوز فيه المرور حتى يعلم أنه غصب و قال نصير رحمه الله تعالى ليس للرجل أن يمر في أرض الغير إذا كان له طريق آخر و إن لم يكن له طريق آخر فله أن يمر فيها ما لم يمنعه فإذا منعه فليس له أن يمر فيها * و قال بعضهم إن كانت الأرض مزروعة أو مكروبة ليس له أن يمر فيها لأن المرور إذا كان يضر بالأرض لا يرضى به صاحب الأرض * و عن بعض المشايخ رحمهم الله تعالى قال رأيت في بعض الكتب عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الرجل إذا مر في أرض إنسان و لها حائط أو حائل لا يحل له فيها المرور و لا النزول فيها و إن لم يكن لها حائط أو حائل لا بأس بالمرور فيها * و عن أبي القاسم رحمه الله تعالى رجل خفى عليه الطريق فأراد أن يمشي في الأرض المزروعة قال يمشي فيها و لا يطأ الزرع و لا يفسد * رجل رش الماء في السوق قال أبو بكر رحمه الله تعالى لا رخصة فيه و إن كثر الغبار و قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله تعالى لا بأس بذلك لتسكين الغبار و الزيادة على ذلك لا يحل * رجل رفع الطين أو التراب من طريق المسلمين قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن رفع في أيام الوحل لتنقية الطريق رجوت أن يكون محتسبا بمنزلة إماطة الأذى عن طريق المسلمين * و إن أضر رفعه بالمارة لا يسعه ذلك * و إن كان لا يضر فلا بأس به * رجل وطئ بهيمة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إن كانت البهيمة للواطئ يقال له اذبحها و احرقها * و إن لم تكن البهيمة للواطئ كان لصاحبها أن يدفعها إلى الواطئ بالقيمة ثم يذبحها الواطئ و يحرق إن لم تكن مأكولة * فإن كانت مما يؤكل يذبح و لا يحرق * الهرة إذا كانت مؤذية قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى لا بأس أن يذبحها من غير أن يضربها و لا يؤذيها * صاحب البهيمة إذا لم ينفق على البهيمة يؤمر بالإنفاق عليها و يجبر * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يقال إلى صاحبها إما أن تنفق عليها أو تبيعها * رجل يتصدق على السؤال في المسجد الجامع قال أبو نصر العياضي رحمه الله تعالى من أخرجهم عن المسجد أرجو أن يغفر الله تعالى له بإخراجهم عن المسجد * و قال بعض العلماء رحمهم الله تعالى من تصدق بفلس في المسجد يوم الجمعة ثم تصدق ذلك بأربعين فلسا لم يكن كفارة الفلس الواحد * و عن خلف رحمه الله تعالى أنه قال لو كنت قاضيا لا أقبل شهادة من تصدق على السؤال في المسجد الجامع * رجل بنى في أرض الغصب مسجدا أو حماما أو حانوتا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بالصلاة في هذا المسجد و لا يستأجر منه الحمام و الحانوت * رجل حفر بئر في فناء قوم روى ابن رستم رحمه الله تعالى أنه يؤمر بتسويته و لا يضمن النقصان * و لو هدم حائط المسجد أمر بتسويته و لا يضمن النقصان * و لو هدم حائط الدار رجل ملكا له أو حفر فيها بئر يضمن النقصان و لا يؤمر بالتسوية و لا ببناء الحائط * جنب اختضب(3/264)
أو اختضبت امرأة بذلك الخضاب قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا بأس و لا تصلي فيه * و إن كان الجنب قد غسل موضع الخضاب فلا بأس بأن يصلي فيه * ذكر ابن رستم رحمه الله تعالى رجل حفر قبرا في غير ملكه ليدفن فيه ميتا له فدفن غيره فإنه لا ينبش القبر و لكن يضمن قيمة حفره حتى يحفر فيها حفيرة أخرى فيدفن فيها و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إذا دفن الميت في أرض غيره بغير إذن المالك إن شاء المالك أمر بإخراج الميت و إن شاء سوى الأرض فيزرع فوقها * رجل أم قوما و هم له كارهون ذكر الحسن البصري رحمه الله تعالى عن أصحاب رسول الله صلى عليه و سلم و رضي عنهم أنهم قالوا من أم قوما و هم له كارهون لا تجاوز صلاته ترقوته * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هذا إذا لم يكن الإمام مستحقا للإمامة لفساد فيه * و إن كان أهلا فلا بأس به و إن كرهه قومه * أهل قرية جمعوا بذورا من أناس و زرعوا لأجل الإمام قالوا النزل الحاصل من ذلك لأرباب البذور إذا لم يسلموا البذور إلى الإمام * رجل وقعت له ألف درهم في دار إنسان و خاف أنه لو علم صاحب الدار يمنعه و لا يرد عليه هل يدخل داره بغير إذنه * قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى ينبغي أن يعلم بذلك أهل الصلاح إن كان ثمة أهل الصلاح فإن لم يكن ثمة أهل الصلاح إن أمكنه أن يدخل و يأخذ ماله من غير أن يعلم به أحد فعل * هذا إذا خاف على صاحب الدار فإن لم يخف لا يحل له أن يدخل بغير إذنه بل يعلم صاحب الدار حتى يأذن له بالدخول أو يخرج المال إليه * رجل اتخذ في بيته خراسا لم يكن في القديم و يتعدى ضرر ذلك إلى دار جاره قال الشيخ الإمام أبو القاسم رحمه الله تعالى له أن يمنعه عن ذلك * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إن كان الضرر بينا ظاهرا بأن كان دورانه يوهن حائط الجار فإنه يمنع من ذلك رجل أراد أن يجعل داره اصطبلا و لم يكن في القديم و جاره يتضرر بذلك قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كان وجه الدواب إلى حائط الجار ليس له أن يمنعه * و إن كان حوافرها إلى حائط الجار له أن يمنعه * رجل أراد أن يتخذ داره حظيرة الغنم في سكة غير نافذة و يتأذى الجيران بنتن السرقين و لا يأمنون على الرعاة قال أبو القاسم رحمه الله تعالى ليس للجيران منعه عن ذلك * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى رجل اتخذ داره حماما و بدخانه يتضرر الجار له أن يمنعه عن ذلك إلا أن يكون دخان الحمام مثل دخان الجيران * سكة غير نافذة ربط أحدهم على باب داره دابة و اتخذ لها آريا قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى لكل واحد من أهل السكة أن يأخذه بنقضه لأن هذه السكة كدار بينهم * و إن كانت السكة نافذة له أن يمسك الدابة على باب داره بشرط السلامة * و في الجنايات قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا بأس للرجل بأن ينتفع بجناح يشرعه في الطريق وبدكان يأخذه في الطريق فإن خاصمه إنسان هدمه * ذكر ابن رستم رحمه الله تعالى دار مشتركة بين قوم لبعضهم أن يربط الدابة و أن يتوضأ و أن يضع الخشبة فيها و من عطب بذلك لا يضمن * و لو حفر بئرا يؤخذ بأن يستوي فإن نقص الحفر يؤخذ بنقصان الحفر * و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا حفر الرجل في سكة غير نافذة بئرا أو بنى بناء فعطب به إنسان ضمن و يؤخذ بأن يطم البئر و لا يؤخذ بما نقصت البئر * رجل هدم داره و امتنع من العمارة و ذلك يضر بالجيران قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله تعالى إن قدر على بنائه فلهم أخذه ليرد الضرر عنهم * و في المبسوط صاحب الدار إذا رفع بناءه فانسد الريح و الشمس على جاره أو ثقب جداره أو فتح أبوابا لا يمنع و إن تضرر به الجار لأنه متصرف في ملك نفسه * رجل اتخذ طينا في زقيقة غير نافذة قال الفقيه أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى إن ترك مقدار الممر للناس و ذلك يكون في الاحايين و يرفعه سريعا لا يمنع منه * و قال محمد بن سلمة رحمه الله تعالى يجوز فيها بل الطين و اتخاذ الآري و الدكان و غير ذلك و لو غرس في سكة غير نافذة فأراد واحد من الشركاء قطع ذلك و لم يتعرض لغيرها من الأشجار في هذه السكة قال أبو القاسم رحمه الله تعالى ليس له القطع لأن متعنت * و كذا في نقض جناح على الطريق الجادة * رجل غرس أشجارا على شط النهر بحذاء باب داره و بين داره و الأشجار طريق الجادة * قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن كانت الأشجار لا تضر بالنهر و أهله رجوت أن يكون غارسها في سعة و يطيب قوائمها له و لخلفه من بعده * رجل اتخذ بستانا و غرس فيها أشجار بجنب دار جاره قال أبو القاسم رحمه الله تعالى ليس في هذا تقدير و يجب أن يتباعد من حائط جاره قدر ما لا يضر بدار جاره * شعير وجد في بعر الإبل أو الشاة فغسله ذكر في نوادر ابن رستم رحمه الله تعالى أنه يؤكل و يجوز بيعه و إن كان في أخثاء البقر لا يؤكل * أهل قرية داسوا بالحمر فتبول و تروث قال الحسن ابن زياد رحمه الله تعالى لا أضيق عليهم في أبوالها و ذكر ابن رستم رحمه الله(3/265)
تعالى أنه لا بأس به ما لم يستنقع حتى ينتفخ من ذلك * بعرة من بعر الفأرة وقعت في حنطة فطحنت قال ابن مقاتل رحمه الله تعالى لا يؤكل * و قال الخصاف رحمه الله تعالى لا أحفظ فيه قول أصحابنا رحمهم الله تعالى و عندي لا يفسد إلا أن يكون كثيرا فاحشا ينفر عنه الطبع * رجل ينظر في كتب الأهاجي و الأشعار قالوا لا بأس به إذا كان لا يتحرك به لسانه و هو ينظر فيه للتأدب *
(* كتاب الجنايات *)
الجنايات على نوعين * أحدهما يوجب القصاص و هو العمد * و الآخر لا يوجب * و ما يوجب القصاص فهو على نوعين * أحدهما في النفس و الآخر فيما دون النفس * ففيما دون النفس تعتبر المساواة في البدل * فلا يقطع اليمنى باليسرى * و لا اليسرى باليمنى * و لا الصحيحة بالشلاء * و لا يد المرأة بيد الرجل * و لا يد الرجل بيد المرأة * و لا يقطع يد الحر بيد العبد و لا يد العبد بيد الحر و لا يد العبد بيد العبد * و يقطع يد المرأة بيد المرأة لأن في المرأة لا يختلف البدل و هو نصف دية الرجل * و في العبد يختلف البدل فإن الواجب في يد العبد نصف قيمته و القيمة مختلفة * و الجنايات فيما دون النفس شجاج و غير شجاج * أما الشجاج إحدى عشرة شجة * الحارصة و هي التي تخدش البشرة و لا يخرج منها شيء و تسمى خادشة * و الدامعة و هي التي يخرج منها ما يشبه الدمع * و الدامية و هي التي يخرج منها الدم * و الباضعة و هي التي تبضع اللحم * و المتلاحمة و هي التي تدق و لا تقطع و السمحاق و هي التي تقطع اللحم و يبقى بين اللحم و بين العظم جلدة رقيقة * و الموضحة و هي التي توضح العظم * و الهاشمة و هي التي تهشم العظم * و المنقلة و هي التي تنقل العظم و يخرج * و الآمة و هي التي تبلغ أم الرأس و هي الجلدة التي تكون فوق الدماغ * و الدامغة و هي التي تخرق الجلدة التي تكون فوق الدماغ * و الجائفة و هي التي تصل إلى الجوف * ففي الموضحة في العمد القصاص في قولهم و لا قصاص فيما بعد الموضحة في قولهم * و اختلفت الروايات فيما قبل الموضحة ذكر في الأصل أنه يجب القصاص * و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يجب * و عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه قال ما دون الموضحة خدوش فيها حكومة العدل و ما لا يوجب القصاص منها بعضها يوجب دية كاملة * و بعضها يوجب بعض الدية و بعضها يوجب حكومة العدل و اختلفوا في تفسير حكومة العدل * قال بعضهم ينظر إلى المجني عليه أنه لو كان مملوكا كم ينتقص من قيمته بهذه الجناية إن كانت تنقص عشر قيمته ففي الحر يجب عشر ديته * و على هذا الاعتبار في النصف و الثلث و نحو ذلك * و قال بعضهم ينظر إلى ما يحتاج إليه في هذا من النفقة و أجرة الطبيب فهي حكومة العدل * و قال بعضهم ينظر إلى أدنى جراحة لها أرش مقدر و هي الموضحة * فإن كانت هذه الجراحة نصف الموضحة يجب فيها نصف أرش الموضحة قال مولانا رضي الله عنه و الفتوى على الأول * و الجناية فيما دون النفس على نوعين * منها ما يوجب القصاص * و منها ما يوجب المال فما تعمد منها بأي آلة تعمد يوجب القصاص عند المساواة في المنفعة * رجل قطع لسان إنسان ذكر في الأصل أنه لا قصاص فيه * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا قصاص في بعض اللسان حتى يقطع الكل * و إن قطع بعض اللسان فمنع الكلام يجب فيها الدية * و إن منع بعض الكلام دون البعض تقسم دية اللسان على الحروف التي تتعلق باللسان فتجب الدية بقدر ما فات * و إن كانت الجناية فيما دون النفس خطأ فبعضها يوجب دية كاملة و لا قصاصا * ففي الدامية و الدامعة و الباضعة و المتلاحمة و السمحاق إن كانت خطأ ففيها حكومة عدل و في الموضحة نصف عشر الدية إذا كانت خطأ و في المنقلة عشر الدية ألف درهم * و كذلك في الهاشمة و في الآمة ثلث الدية * و في الجائفة ثلث الدية إذا وصل إلى الجوف و لم ينفذ وراءه فإن نفذ من ورائه ففيها ثلثا الدية * إن كانت عمدا تكون في ماله * و إن كانت خطأ تكون في عاقلته * و موضع الجائفة ما بين اللبة و العانة * و لو شج موضحة فذهب سمعه و بصره يجب أرش الموضحة في الموضحة و دية النفس في السمع و البصر و لا يدخل فيه أرش الموضحة * و لو شج موضحة فذهب بها شعر رأسه يجب دية كاملة للشعر و يدخل فيه أرش الموضحة * و لو أوضحه بالعصا ثم ضربه أخرى إلى جنبها فتأكلتا حتى صارتا واحدة فهما موضحتان لا يجب القصاص في ذلك في ظاهر الرواية و إن أوضحه فذهب بها عقله كان عليه دية النفس لأجل العقل و يدخل فيه أرش الموضحة * و في شعر الرأس و اللحية إذا ذهب و لم ينبت دية النفس * و إن حلق لحية إنسان فنبت بعضها دون بعض ففيه حكومة عدل * و كذلك في لحية الكوسج إذا كانت الشعور طاقات متفرقة و إن سترت و هي رقيقة ففيها دية و إن كانت شعرات على الذقن لا شيء فيها و إن حلق الشارب فلم ينبت يجب حكومة عدل و في قطع الأنف من العظم دية النفس و كذلك إذا قطع المارن و هو ما لان من الأنف و إن قطع نصف قصبة(3/266)
الأنف لا قصاص فيه و فيه دية النفس * و لو ضرب أنف رجل و لم يجد شم ريح طيب و لا نتن ففيه حكومة عدل * و في بعض الروايات فيها الدية و ذهاب الشم بمنزلة ذهاب السمع و في قطع كل الذكر دية كاملة * و كذلك في الحشفة وحدها * و إن ضرب على الظهر ففاتت منفعة الجماع أو صار أحدب يجب دية النفس * و لو طعن برمح أو غيره في الدبر فلا يستمسك الطعام في جوفه فعليه دية كاملة * و كذلك لو ضربه فسلس بوله و لا يستمسك البول ففيها الدية * و إن أفضى امرأة و لا تستمسك البول ففيها الدية * و إن كانت تستمسك فهي جائفة يجب فيها ثلث الدية * و في العينين و الحاجبين و الشفتين و ثديي المرأة و حلمتيها الدية * و كذلك في اليدين و الرجلين و الأذنين و اللحيين و الإليتين إذا لم يبق على عظم الورك لحم فإن بقي من اللحم شيء ففيه حكومة عدل * و في الأنثيين الدية و في أحدهما نصف الدية و في أرنبة الأنف حكومة عدل و في أشفار العينين الدية و في كل شفر ربع الدية و في أصابع اليدين الدية و كذلك في أصابع الرجلين الدية و في كل إصبع عشر الدية و في كل مفصل ثلث عشر الدية إلا الإبهام * و في كل مفصل من الإبهام نصف عشر الدية * و في كل سن نصف عشر الدية و إذا كانت الأسنان اثنتين و ثلثين فذهب الكل ففيها دية و ثلاثة أخماس الدية * و دية النفس تجب على العاقلة * و كذلك دية العقل و السمع و البصر و الشم و الكلام و الذوق و الإنزال و الحدب و شعر الرأس و اللحية و الأذنين و الحاجبين و أهداب العينين و أصابع اليدين و الرجلين و حلمتي المرأة و الإفضاء إذا لم يستمسك البول أو الغائط * و في الحشفة و المارن و الشفتين و الأنثيين و اللحيين و الإليتين و اللسان و اعوجاج الوجه و قطع فرج المرأة إذا منع الوطء أو ضرب على الظهر فانقطع ماؤه ففي جميع ذلك دية كاملة إذا كانت خطأ و إذا قطع نصف الذكر فلا قصاص فيه * و لا قصاص في الشعر أي شعر كان * و فيما يجب القصاص لا يعتبر المساواة بين الأعضاء في الصغر و الكبر فيقطع الطويل بالقصير و يد الكبير بيد الصغير * و إذا شج رجل رجلا موضحة عمدا يستوفي القصاص من الموضع الذي وقع الفعل الأول * و إن كانت الشجة الأولى في مقدم الرأس أو مؤخره أو وسطه يقتص منه في ذلك الموضع لا في غيره * و لو كسر سن إنسان من الأصل عمدا أو نزعه من الأصل يجب القصاص * و كذا إذا قلعه * قال بعض العلماء يؤخذ سنه بالمبرد إلى أن ينتهي إلى اللحم ويسقط ما سواه * و إن كسر بعض السن و لم يسود الباقي يجب القصاص بقدر ما كسر بالمبرد * و إن كسر بعض السن و اسود ما بقي لا يجب القصاص * فإن قال المجني عليه أنا أستوفي القصاص في المكسور و أترك ما اسود لا يكون له ذلك * و في ظاهر الروايات إذا كسر السن لا قصاص فيه * و لو ضرب سن إنسان فتحرك ينتظر حولا * فإن سقطت لا ينتظر حولا إلا أن يكون صبيا فينتظر حولا لأن سن البالغ لا ينبت إلا نادرا و سن الصبي ينبت فينتظر حولا فإن لم تنبت كان عليه أرشها * و قال الحسن رحمه الله تعالى تجب حكومة عدل و به أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى * لو حلق رأس شاب فنبت أبيض لا شيء عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى فيه حكومة عدل و به أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى و في حلق الشارب حكومة عدل * و إن شج موضحة فبرأت و نبت عليه الشعر حتى لا يرى موضع الشجة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا شيء عليه * و قال محمد رحمه الله تعالى عليه أجرة الطبيب * فإن كان الرجل أصلع فضرب على رأسه مقدار الموضحة كان عليه أرش الشجة دون أرش الموضحة * و كذا لو شجه هاشمة كان عليه أرش الشجة دون أرش الهاشمة * و إذا قطع يد رجل عمدا حتى وجب القصاص فقطعت يد القاطع بأكلة أو ظلما بغير حق يبطل القصاص و لا ينتقل إلى الأرش و لو قطع يد القاطع بقصاص رجل آخر أو في سرقة كان على من عليه القصاص الأرش لصاحب القصاص الأول * و لو قطع يميني رجلين عمدا فجاء أحدهما و اقتص كان للآخر دية اليد * و لو جاآ جميعا معا فقطعت يمينه لهما كان عليه نصف الدية لهما * و لو قتل رجلين عمدا فقتل بأحدهما لا شيء عليه للآخر * و لو قطع يميني رجلين فقضى القاضي لهما بالقطع و بخمسة آلاف درهم فقبضا خمسة آلاف درهم ثم عفا أحدهما كان للذي لم يعف ألفان و خمسمائة درهم تمام دية يده * و إذا قطع اليد الشلاء كان عليه حكومة عدل * و كذا في قطع الرجل العرجاء حكومة عدل * و لو قطع اليد من نصف الساعد كان عليه في الكف مع الأصابع دية اليد * و في نصف الساعد حكومة عدل * و لو قطع أظفار اليدين أو الرجلين روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا قصاص فيه و فيه حكومة عدل * و لو كسر عظما من ساعد أو ساق أو ترقوة أو غيره فيه حكومة عدل * و في قطع الذكر من الأصل قصاص * و إن قطعه من وسطه فلا قصاص فيه * هذا في ذكر الفحل * أما في ذكر الخصي العنين حكومة عدل * و في ذكر المولود إن(3/267)
تحرك يجب القصاص إن كان عمدا و الدية إن كان خطأ * و إن لم يتحرك كان فيه حكومة عدل * و لا قصاص في قطع اللسان * و تجب الدية في لسان الصبي إذا استهل و إن لم يستهل كان فيه حكومة عدل * و إن فقأ عيني الصبي عمدا إن كان له بصر ينظر كان فيه القصاص * و إن كان خطأ ففيه الدية * و لا قصاص في عين الأحول و لا في موضحة الأصلع الذي ذهب شعره إلا أن يكون الشاج كذلك * و في لحية العبد في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يجب ما نقص العبد * و إن حلق الرأس و اللحية من رجل أو الشارب يؤجل سنة فإن لم ينبت تجب الدية في الرأس و اللحية و الشارب ليس من اللحية و فيه حكومة عدل فإن أجل في الرأس و اللحية فمات المجني عليه قبل الحول و قبل النبات لا شيء عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى فيه حكومة عدل * و في لسان الأخرس حكومة عدل * و إذا قطع أنف الصبي من أصل العظم عمدا كان عليه القصاص في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى كان يجد الريح أو لا يجد * و في الخطأ الدية * و إن فقأ عين الصبي قبل أن ينظر كان فيه حكومة عدل * و إذا دفع امرأة و هي بكر فسقطت و ذهبت عذرتها كان عليه مهر مثلها * و لو ضرب سن إنسان فتحرك فأجل فإن اخضر أو احمر يجب دية السن خمسمائة * و إن اصفر اختلف المشايخ فيه * و الصحيح أنه لا يجب شيء و إن اسود تجب دية السن إذا فاتت منفعة المضغ و إن لم تفت إلا أنه من الأسنان التي ترى حتى فات جماله فكذلك فإن لم يكن واحد منها فيه روايتان * و الصحيح أنه لا يجب شيء * و في سن المملوك إذا اصفر تجب حكومة العدل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى في الاصفرار تجب حكومة العدل حرا كان أو مملوكا * و إن قلع سن بالغ فنبت فلا شيء عليه * و لو نزع سن رجل فنزع المنزوع سنه سن النازع قصاصا ثم نبت سن الأول كان على النازع الثاني أرش النازع الأول خمسمائة لأنه لما نبت سن الأول تبين أن القصاص لم يكن * و لو نبت سنه معوجا كان فيه حكومة العدل * و لو نبت نصف السن كان عليه نصف أرشها * و لو قلع سن رجل أو قطع أذنه فأنبت المقلوع سنه أو أذنه بعد القلع و القطع يجب أرش السن و ضمان الأذن على عاقلة الجاني إن كان خطأ لأنه لا يعود كما كان حتى لو عاد يرتفع الضمان * و لو عض يد رجل فانتزع صاحب اليد يده فقلع سن العاض لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و قال ابن أبي ليلى عليه دية سن العاض * و لو عض ذراع رجل و جذبه من فيه فسقط بعض أسنان العاض و ذهب لحم ذراع المجني عليه قال محمد رحمه الله تعالى لا يضمن الأسنان و يضمن العاض أرش ذراع المجني عليه * و لو تشبث بثوب إنسان فجذب صاحب الثوب ثوبه فتخرق الثوب كان على المتشبث نصف ضمان الثوب * و لو جذبه المتشبث يضمن جميع النقصان * و لو تنازع رجلان في حبل و أخذ كل واحد منهما أحد طرفيه يجذبان فجاء رجل و وضع السكين على الوسط و قطع الحبل فسقط كل واحد من جانب فمات لا يجب على القاطع لا القصاص و لا الدية لأنه قصد الصلح دون الهلاك * رجل شج رجلا موضحة مستوعبة من الجبهة إلى القفا أو من الأذن إلى الأذن عمدا فإن كان رأسهما سواء كان له أن يقتص من أي جانب شاء لكن مقدار شجته فإن كان رأس أحدهما أعظم يتخير المشجوج إن شاء شج مقدار شجته من أي جانب شاء إن كان رأس الشاج أعظم و إن كان رأس الشاج أعظم و إن شاء استوفى الأرش * و لو قطع إصبع رجل من المفصل فسقط ما بقي من الكف يجب القصاص * و إن كان القطع من غبر المفصل فلا قصاص فيه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى * رجل ضرب سن رجل فاسود فجاء آخر و نزعها كان على الأول أرش تام خمسمائة و على الثاني حكومة عدل * و لو ضرب سن إنسان فاسود و سن الجاني سوداء أو صفراء أو حمراء أو خضراء كان المجني عليه بالخيار إن شاء ضمنه الأرش و إن شاء استوفى القصاص ناقصا * رجل كسر ربع سن رجل و ربع سن الكاسر مثل سن المكسور ذكر ابن رستم رحمه الله تعالى أنه يكسر سن الكاسر و لا يعتبر فيه الصغر و الكبر بل يكون على قدر ما كسر * و كذلك لو قطع أذن إنسان و أذن القاطع أطول أو قطع يد إنسان و يد القاطع أطول * و لو قطع رجل رجل عبد مقطوع اليد فهو على وجهين إن قطع رجله من جانب اليد المقطوعة كان على الجاني ما انتقص من قيمته مقطوع اليد لأنه إتلاف فيجب عليه ضمان ما ينتقص و لا يجب الأرش المقدر للرجل * و إن قطع الرجل لا من جانب اليد المقطوعة كان عليه نصف قيمة العبد المقطوعة يده * و لو كان العبد مقطوع اليد فقطع إنسان يده الأخرى كان على قاطع اليد الثانية نقصان قيمته مقطوع اليد و كذا البائع إذا قطع يد عبده قبل التسليم إلى المشتري يسقط نصف الثمن عن المشتري * و لو كان العبد مقطوع اليد قبل البيع فقطع البائع يده الأخرى قبل التسليم يسقط عن المشتري قدر ما انتقص من قيمته مقطوع اليد إن انتقص الثلث يسقط ثلث الثمن * و كذا لو كان مكان قطع اليد(3/268)
فقء العين إذا فقأ عين عبد مفقوء العين يجب عليه بفقء العين الأخرى ما انتقص من قيمته مفقوء العين * رجل فقأ عين رجل عمدا قال محمد رحمه الله تعالى كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لا قصاص في العين إلا في صورة واحدة إذا ضرب عين رجل فذهب البصر و بقيت المقلة كان فيه القصاص إذا تعمد * و طريق استيفاء القصاص ما ذكر في الكتاب توقد النار على المرآة حتى تلتهب ثم يقرب من العين التي يريد القصاص و يجعل على وجهه و عينه الأخرى خرقة فإذا سالت ناظرته تم القصاص و يكف عنه * و عن محمد رحمه الله تعالى إذا قور عين رجل فبرأ لا يقتص بمثله * و عن الحسن رحمه الله تعالى إذا فقأ العين اليمنى من رجل و اليسرى من الفاقئ ذاهبة و عينه اليمنى صحيحة يقتص له من عينه اليمنى و يترك أعمى * و عن الحسن رحمه الله تعالى إذا فقأ عين رجل و كانت عينه حولاء إلا أن ذلك لا يضر ببصره و لا ينقص منه شيئا ففقأها إنسان عمدا يقتص منه * و إن كان الحول شديدا يضر ببصره ففقئت كان فيها حكومة عدل * و لو كان عين الفاقئ شديد الحول يضر ببصره ففقأ عينا ليس بها حول كان المجني عليه بالخيار إن شاء اقتص و رضي بالنقصان * و إن شاء ضمنه نصف الدية في ماله * رجل فقأ عين صبي ساعة ولد أو بعد أيام فقال الفاقئ إنه لم يبصر بعينه التي فقأتها أو قال لا أعلم لم يبصر بها أو لم يبصر كان القول قول الفاقئ و عليه حكومة عدل * و لو شهد شاهدان أنها كانت صحيحة لم نر بها علة و كان يطرف بها كان عليه نصف دية النفس * رجل ضرب عين إنسان فأنكر الضارب ذهاب البصر و العين قائمة قال بعضهم إذا أخبر رجلان من أهل العلم أنه قد ذهب بصره يؤخذ بقولهما * و قال محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يقام المضروب مستقبل الشمس مفتوحة العين إن دمعت عينه علم أن بصره قائم و إن لم تدمع علم أنه ذهب بصره * و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن ضمان العين على مراتب ثلاثة * إحداها أن يكون في إحداهما نصف بدل الذات و هو الآدمي في الحر نصف الدية و في المملوك نصف القيمة * و الثانية أن يكون إحداهما ربع بدل الذات كالبهائم التي يحمل عليها و يركب نحو الفرس و الإبل و البقر و الحمار و البغل * و الثالثة أن يكون الواجب في إحدى العينين ما انتقص من قيمته كالشاة و الكلب و السنور و الطير و غير ذلك قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في غير البرذون و الإبل و الحمار و البغل ربع القيمة و كذا في عين بقرة الجزار و جزور الجزار ربع القيمة و كذا في عين الفصيل و الجحش و في إحدى عيني الشاة و الجمل و الطير و الكلب و السنور ما ينقص من قيمته * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى عليه النقصان في جميع البهائم
باب القتل و في الباب فصول(3/269)
فصل فيمن يقتل قصاصا و فيمن لا يقتل و فصل في الآلة التي توجب القصاص وفصل في المستوفى أما الأول يقتل المملوك بالحر و الحر بالمملوك عندنا * و الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر و الكافر بالمسلم و المسلم بالذمي * و لا يقتل المسلم بالمستأمن و يقتل البالغ بالصغير * و يقتل الولد بالوالد و الوالدة و الجد و إن علا و الجدة و إن علت من قبل الآباء والأمهات * و لا يقتل الوالد و الوالدة بالولد و لا بولد الولد و إن سفل و لا الأجداد والجدات وإن علوا و يقتل العبد بمولاه * و لا يقتل المولى بعبد ملك كله أو بعضه و يقتل الصحيح وسليم الأطراف بالمريض و ناقص الأطراف صورة أو معنى كالأشل و نحوه والعاقل بالمجنون * ولا يقتل المجنون بالعاقل و لو جن القاتل بعد القتل ذكر هشام رحمه الله تعالى في النوادر أنه لا يقتل به و ينقلب مالا * و لو جن القاتل بعدما قضى القاضي بالقصاص و دفع إلى الولي يقتل * و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يقتل على كل حال * و يقتل الواحد بالجماعة اكتفاء حتى لا يجب مع القتل شيء من المال * وتقتل الجماعة بالواحد * أما الآلة التي توجب القصاص إذا حصل القتل عمدا بآلة جارحة كالسيف و السكين و الرمح و السهم حديدا كانت الآلة أو غير حديد كما لو ذبح بليطة القصب و الرمح الذي لا سنان له بعد أن يكون محددا و الجرز و العمود و النشابة و السهم الذي لا نصل فيه إذا رماه فأصابه فجرحه أو ضربه بعمود حديد أو ما يشبه الحديد كالنحاس و الشبه و الرصاص و الذهب و الفضة إذا ضربه فجرحه أو شق بطنه بخشب محدد أو رماه بصنجة ألف درهم فجرحه أو لم يجرحه فمات من ذلك يقتل * و كذا لو ضربه بصنجة خمسين أو عشرة أو خمسة ما يكون قدر وزن خمسة يقتل به جرحه أو لم يجرحه ذكر هذه الجملة في جنايات الحسن رحمه الله تعالى * و إن ضربه بالمسلة فمات منها قتل * و إن ضربه بالإبرة متعمدا أو ما يشبه الإبرة فمات لا يجب القصاص * و ذكر في الأصل إذا ضربه بحديد لا حد له كصنجة الميزان و العمود يجب القصاص و إن لم يجرحه * و روى الطحاوي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجب القصاص إذا لم يجرح * كما لو ضربه بالعصا الكبير أو بحجر مدور و لم يجرح لا يجب القصاص في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في ظاهر الرواية في الحديد و ما يشبه الحديد كالنحاس و غيره لا يشترط الجرح لوجوب القصاص * و لو أحرقه بالنار عمدا يجب القصاص * و لو ألقاه في الماء فغرق من ساعته لا قصاص فيه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى يجب القصاص إذا كان لا يتخلص منه غالبا * و كذا لو ألقاه من جبل أو سطح فهو على هذا الخلاف * و لو ألقاه في النار ثم أخرج و به رمق فمكث أياما لم يزل صاحب فراش حتى مات قتل و إن كان يجيء و يذهب ثم مات لم يقتل * و في المجرد لو قط رجلا و ألقاه في البحر فرسب و غرق كما ألقاه تجب الدية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و لو سبح ساعة ثم غرق لا يجب فيه شيء لأنه غرق بعجزه و في الأول غرق بطرحه في الماء * و لو خنق رجلا لا يقتل إلا إذا كان الرجل خناقا معروفا خنق غير واحد فيقتل سياسة * و لو سقاه سما حتى مات فهو على وجهين إن دفع إليه السم حتى أكل و لم يعلم به فمات لا قصاص فيه و لا دية لكن يحبس و يعزز * و لو أوجره إيجارا تجب الدية على عاقلته و إن دفع إليه في شربه فشرب فمات لا تجب الدية لأنه شري باختياره إلا أن الدافع خدعه فلا يجب فيه إلا التعزيز و الاستغفار * أخوان لأب و أم قتل أحدهما أباهما عمدا و الآخر أمهما روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال لا قصاص على واحد منهما * و على كل واحد منهما دية قتيله في ثلاث سنين إذا لم يكن للمقتولين وارث سواهما * رجل قال أنا ضربت فلانا بالسيف فقتلته قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هو خطأ حتى يقول عمدا * رجل قال ضربت فلانا بالسيف عمدا و لا أدري أنه مات منها و لكنه مات فقال ولي القتيل بل مات بضربك فإنه لا يقتل به و إن قال القاتل مات منها و من حية نهشته أو من ضرب رجل آخر ضربه بالعصا فقال الولي بل مات بضربك كان القول قول الضارب و عليه نصف الدية * رجل جرح رجلا جراحة عمدا و جرحه آخر جراحة عمدا ثم صالح المجروح أحدهما من الجرح و ما يحدث منه على مال ثم مات منهما جميعا كان للولي أن يقتل الذي لم يصالح * رجل ضرب سن إنسان فتحرك فأجله القاضي سنة فجاء في السنة و قد سقط سنه فقال المضروب سقط من ضربك و قال الضارب من ضرب رجل آخر كان القول قول المضروب * و إن جاء بعد السنة كان القول قول الضارب * رجل قتل رجلا عمدا و هو في النزع بعد فإنه لا يقتل به القاتل إذا كان يعلم أنه لا يعيش منه * رجل ضرب رجلا بالعصا فجرحه ثم ضربه المجروح بالسيف فماتا جميعا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى دية المقتول بالعصا تكون على عاقلة قاتله و لا دية للمقتول بالسيف لأن حقه كان في القصاص و قد مات قاتله * رجل رأى(3/270)
رجلا يزني بامرأته أو بامرأة رجل آخر و هو محصن فصاح به فلم يهرب و لم يمتنع عن الزنا حل لهذا الرجل قتله فإن قتله لا قصاص عليه * و كذلك رجل رأى رجلا يسرق ماله فصاح به فلم يهرب أو رأى رجلا ينقب حائطه أو حائط غيره و هو معروف بالسرقة فصاح به و لم يهرب حل له قتله و لا قصاص عليه * وكذلك الرجل يقتل قاطع الطريق حل قتله و لا قصاص عليه * رجلان اجتمعا في قتل رجل عمدا ولم يجب القصاص على أحدهما كالأجنبي إذا شارك الأب في قتل ولده لا يجب القصاص على الشريك و كذا الصحيح العاقل مع المجنون و البالغ مع الصغير * و شريك الحية والسبع * والأجنبي إذا شارك الزوج في قتل زوجته و له ولد منها و الخاطئ مع العامد * مسلم قتل مرتدا أو مرتدة لا قصاص عليه * وكذا المسلم إذا قتل مسلما و هما دخلا دار الحرب بأمان لا يجب القصاص عندنا * و لو قتل المسلم أسيرا مسلما في دار الحرب لا يجب القصاص عند الكل و لا دية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * وقال صاحباه رحمهما الله تعالى عليه الدية في ماله * و إذا شهد الشهود على رجل بالزنا و الإحصان فزكى الشهود فحبسه القاضي ليرجمه غدا أو بعد أيام فقتله رجل عمدا لا قصاص عليه * رجل قتل عمدا فعفا بعض ورثته عن القاتل ثم قتله باقي الورثة إن علموا أن عفو البعض يقط القصاص يلزمهم القود و إن لم يعلموا بهذا الحكم لا قود عليهم و إن علموا بالعفو * رجل حبس إنسانا و طين عليه الباب حتى مات جوعا قال محمد رحمه الله تعالى يعاقب الرجل و تجب الدية على عاقلته * رجل قال لآخر بعتك دمي بفلس أو بألف فقتله كان عليه القصاص * وإن قال اقتلني فقتله كان عليه الدية * و لو قال اقتل أبي فقتله كان على القاتل ديته لابنه * وإن قال اقطع يده فقطع يده كان عليه القصاص * رجل شج رجلا موضحة بالعصا عمدا يجب القصاص بالموضحة فإن مات منها لا يجب القصاص * و لو هشم رجلا بالحديد لا يجب القصاص في الهاشمة فإن مات منها يجب القصاص يقتل به * و لو جرح رجلا بالخشب فمات لا يجب القصاص * ولو شج رجلا موضحة بالحديد يجب القصاص فإن مات منها يقتل به و الله أعلم
(*فصل فيمن يستوفي القصاص *)(3/271)
للأب استيفاء القصاص لابنه الصغير في النفس * و له أن يستوفي فيما دون النفس * و له أن يصالح عنهما * و ليس للوصي أن يستوفي القصاص في النفس * و له أن يستوفي القصاص فيما دون النفس و له أن يصالح فيما دون النفس و اختلفت الروايات في الصلح عن النفس ذكر في الجامع الصغير أن له ذلك * و ذكر في الصلح عن النفس أنه ليس له ذلك * و أما القاضي ذكر في بعض الروايات عن محمد رحمه الله تعالى أن القاضي لا يستوفي القصاص للصغير لا في النفس و لا فيما دون النفس ولا أن يصالح * و ذكر في الصلح إذا قتل رجلا لا ولي له عمدا للإمام أن يقتله و له أن يصالح و ليس له أن يعفو * و يستحق القصاص من يستحق ميراثه على فرائض الله تعالى يدخل فيه الزوج و الزوجة و كذا الدية * و ليس لبعض الورثة استيفاء القصاص إذا كانوا كبارا حتى يجتمعوا و ليس لهم و لا لأحدهم أن يوكل باستيفاء القصاص * و لو كانت الورثة صغارا و كبارا كان للكبار ولاية استيفاء القصاص قبل بلوغ الصغار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول صاحبيه و الشافعي رحمهم الله تعالى ليس لهم ذلك حتى يبلغ الصغار * عبد قتل عمدا يجب القصاص و يكون الاستيفاء إلى المولى * و لو كان العبد بين رجلين أو ثلاثة فولاية الاستيفاء لهم جميعا لا ينفرد بها أحدهم فإن عفا أحدهم ينقلب حق الباقين مالا إلى القيمة كما ينقلب الحر إلى الدية * و لو صالح أحد الورثة مولى العبد على مال جاز الصلح و يجب على القاتل ما شرط في الصلح في ماله * و لو قتل رجلان رجلا فعفا الولي عن أحدهما كان له أن يقتل الآخر * و كذا لو قتل رجل رجلين فعفا أحد ولي المقتولين فلولي الآخر أن يقتله * و لو كان في ورثة المقتول ولد للقاتل أو ولد ولده و إن سفل بطل القصاص و تجب الدية * و لمولى المدبر و أم الولد و ولديهما استيفاء القصاص في القن * و لو قتل المكاتب إن لم يترك وفاء فلمولاه ولاية استيفاء القصاص * و معتق البعض إذا قتل عاجزا ذكر في المنتقى أنه لا يجب القصاص في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * إذا قتل المكاتب و ترك وفاء و ورثة أخرى سوى المولى لا يجب القصاص لجهالة المستوفي * و إن اجتمع المولى و الوارث على استيفاء القصاص لا يقتل أيضا لأن قبل اجتماعهما المستوفي ليس بمعلوم * و إن قتل المكاتب و ترك وفاء و ليس له وارث سوى المولى يجب القصاص في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و قال محمد رحمه الله تعالى لا يستوفي المولى و هو رواية عن أبي يوسف * و لو أن عبدا للمكاتب قتل المكاتب عمدا إن كان المكاتب ترك وفاء ببدل الكتابة و له وارث آخر سوى المولى لا يكون لمولى المكاتب استيفاء القصاص إجماعا * و إن مات عاجزا كان لمولاه استيفاء القصاص إجماعا * و إن مات عن وفاء و ليس له وارث سوى المولى كان لمولاه حق استيفاء القصاص في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال محمد رحمه الله تعالى ليس له ذلك * و العبد المبيع إذا قتل عمدا عند البائع خير المشتري إن أجاز البيع صحت إجازته و له أن يستوفي القصاص و إن نقض البيع و لم يجز كان استيفاء القصاص إلى البائع * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا نقض المشتري البيع كان للبائع قيمة المبيع دون القصاص * و لو قتل العبد الرهن عند المرتهن لا ينفرد أحدهما بالقصاص * فإن اجتمعا كان استيفاء القصاص إلى الراهن * و العبد الصداق إذا قتل عند الزوج قبل القبض فهو بمنزلة العبد المبيع * و كذلك بدل الصلح عن دم العمد و بدل الخلع بمنزلة العبد المبيع * و لو قتل العبد المبيع عند المشتري و له خيار الشرط أو خيار الرؤية فالقصاص للمشتري * و لو كان الخيار للبائع فقتل عند المشتري يخير البائع إن شاء اتبع القاتل فيقتله و إن شاء ضمن المشتري قيمته * و بعد التضمين لا قصاص للمشتري * و العبد الغصب إذا قتل عند الغاصب إن اختار المالك تضمين الغاصب لا قصاص للغاصب * و العبد الموصى برقبته لإنسان و بخدمته لآخر إذا قتل عمدا لا ينفرد أحدهما بالقصاص * فإن اجتمعا على القصاص يبطل حق الموصى له بالخدمة و يستوفيه الآخر * و لو أوصى بعبده لإنسان فقتل عمدا قبل أن يقبل الموصى له الوصية و قد مات الموصي و ترك وارثا و لا يدري أن العبد قتل قبل موت الموصي أو بعده لا يكون لأحدهما استيفاء القصاص * و إن اتفقا أن الموصي مات أولا ثم قتل العبد لا يكون لأحدهما استيفاء القصاص لجهالة المالك لأنه قبل القبول لا يدخل في ملك الموصى له و لا يصير للوارث أيضا ثم ينظر بعد ذلك إن قبل الموصى له الوصية كان له على القاتل قيمة العبد و إن رد الوصية كانت قيمة العبد لورثة الموصي * و إذا قتل الرجل عبده أو مدبره أو أم ولده فإنه يعزر و لا يجب القصاص و لا الدية
(* فصل في القتل الذي يوجب الدية *)(3/272)
القتل ثلاثة عمد و خطأ و شبه العمد * فالعمد ما تعمد ضربه بالسلاح كالسيف و السكين و الحديد المحدد و غير المحدد و المحدد من غير الحديد ففيه يجب القصاص و لا تجب الكفارة على القاتل * و الخطأ هو أن يرمي صيدا فأصاب إنسانا أو قصد أن يرمي حربيا أو مرتدا فأصاب مسلما ففيه الكفارة على القاتل و الدية على عاقلته * و أما شبه العمد فهو أن يتعمد قتله بغير سلاح كالسوط و الحجر و الوكزة و اللطمة ففيه الدية المغلظة على عاقلته و عليه الكفارة * منديل أو حبل طرفاه في يد رجلين يتجاذبان فانقطع المنديل أو الحبل و سقطا و ماتا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن سقطا مستلقيين على قفاهما فدمهما هدر فلا دية لأحدهما على الآخر لأن كل واحد منهما مات بفعل نفسه * و إن سقط كل واحد منهما على وجهه تجب الدية لكل واحد منهما لأنه مات بفعل صاحبه و إن سقط أحدهما مستلقيا و الآخر على وجهه فدية الذي سقط على وجهه على عاقلة المستلقي و لا شيء للمستلقي لأنه مات بفعل نفسه * و إن قطع أجنبي هذا الحبل فوقعا على قفاهما و ماتا لا يضمنان شيئا و يضمن القاطع ديتهما و قيمة الحبل * و لو وقعا على وجوههما قال محمد رحمه الله تعالى فذاك لا يكون من قطع الحبل * و إن وقعا على قفاهما ذكر ابن رستم رحمه الله تعالى أنه لا ضمان على قاطع الحبل * و لو اصطدم الفارسان و قتلا تجب الدية لكل واحد منهما على عاقلة الآخر * و كذا لو كانا ماشيين فاصطدما * و لو جاء راكب خلف سائر فصدمه فعطب الجائي لا ضمان على السائر * و لو عطب السائر فضمانه على من جاء خلفه * و كذا في السفينتين * و لو أن دابتين استقبلتا و اصطدمتا فعطبت إحداهما و لكل واحدة منهما سائق فضمان التي عطبت على الآخر * و لو أن فارسين أحدهما يسير و الآخر واقف أو رجلين أحدهما يمشي و الآخر واقف فاصطدما فعلى السائر و الماشي الكفارة * رجل عثر بنائم في الطريق فكسر إصبعه و إصبع النائم قال في المجرد إن هذا كوضع الحجر في الطريق تجب الكفارة على الماشي و لا كفارة على النائم إذا وقع ذلك في النفس لأن النائم ليس بفاعل و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن النائم يرث من الماشي ولا يرث الماشي من النائم إذا كانا وارثين * رجلان مدا شجرة فوقعت عليهما و ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر * و لو مات أحدهما كان على عاقلة الآخر نصف الدية * رجل دفع سكينا إلى صبي فضرب الصبي نفسه أو غيره بغير إذن الدافع لا يضمن الدافع شيئا * و في جنايات الحسن رحمه الله تعالى إن قتل الصبي غيره كان على عاقلة الصبي دية المقتول ثم ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الدافع بالدية * رجل ضرب ولده الصغير في أدب فمات أبو حنيفة رحمه الله تعالى يضمن الدية و عليه الكفارة * و قال أبو يوسف لا كفارة عليه * و لو ضربه المؤدب بإذن والده لا ضمان على المؤدب و عليه الكفارة * و قال محمد رحمه الله تعالى لا كفارة عليه * و كذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى * رجل ضرب امرأته في أدب فماتت قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى عليه الدية و الكفارة * رجل رأى صبيا على حائط أو شجرة فصاح به الرجل و قال لا تقع فوقع الصبي و مات لا يضمن الرجل القائل * و لو قال له قع فوقع الصبي و مات يضمن القائل ديته * حر بالغ أمر صبيا بقتل رجل فقتله كان على عاقلة الصبي الدية ثم ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الآمر علم الصبي بفساد الأمر أو لم يعلم * و ذكر في المنتقى رجل أعطى صبيا عصا أو شيئا من السلاح و قال أمسكه لي فعطب الصبي بذلك فدية الصبي على عاقلة الدافع * و لو دفع السلاح إلى صبي و لم يقل أمسكه لي فعطب الصبي بذلك اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى فيه * و لو أمر صبي صبيا بقتل إنسان فقتله وجبت الدية على عاقلة القاتل و لا ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الآمر * و لو أمر صبي بالغا بقتل شخص فقتل المأمور لا يضمن الصبي الآمر * و لو أمر بالغ بالغا بذلك كان الضمان على القاتل و لا شيء على الآمر * و لو أن بالغا أمر صبيا بحرق مال إنسان أو بقتل دابته فضمان ذلك في مال الصبي ثم يرجع بذلك على الآمر * و لو أن عبدا مأذونا أمر صبيا بتخريق ثوب إنسان أو أرسل صبيا في حاجته فعطب الصبي قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يضمن الآمر * و لو أمره بقتل رجل ففعل لا يضمن الآمر * و في الزيادات لو أن عبدا محجورا بالغا أمر عبدا مثله بقتل رجل أو كان الآمر بالغا و المأمور صغيرا ففعل لا يرجع على الآمر إلا إذا عتق الآمر بعد ذلك * و لو أن صغيرا حرا أمره عبد صغير محجور بذلك ففعل الصغير ضمن الصبي ثم لا يرجع الصبي على العبد الآمر ههنا و إن عتق الآمر * و لو أن رجلا قال لصبي محجور و اصعد هذه الشجرة فانفض لي ثمارها فصعد الصبي و سقط و هلك كان على عاقلة الآمر دية الصبي * و كذا لو أمره بحمل شيء أو كسر حطب * و لو قال للصبي اصعد هذه الشجرة و انفض الثمار و لم يقل لي ففعل الصبي ذلك و عطب اختلف فيه المشايخ رحمهم الله تعالى * و(3/273)
الصحيح أنه يضمن سواء قال انفض الثمن لي أو قال انفض و لم يقل لي * رجل جذب ولدا صغيرا من يد والده و الأب يمسكه حتى مات الصغير قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى دية الصغير على الجاذب و يرثه والده * و إن جذباه حتى مات كانت ديتهما عليهما و لا يرثه والده * رجل ضرب ولده الصغير في تعليم القرآن و مات قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يضمن الوالد ديته و لا يرثه * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يرثه الوالد و لا يضمن * و إن ضربه المعلم بإذن الوالد لا يضمن المعلم * و إن ضرب امرأته في المضجع و ماتت ضمن إجماعا * إذا أقر القاتل أنه قتله خطأ فادعى ولي القتيل العمد كانت الدية في مال القاتل لورثة المقتول * و لو أقر القاتل بالعمد و ادعى ولي المقتول الخطأ لا شيء لورثة المقتول * و روى زفر عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وجوب الدية في الوجهين جميعا * رجل زنى بامرأة فكسر رجلها بالزنا كان عليه أرش الرجل في ماله لأنه يشبه العمد فما يجب به الضمان ثلاثة عمد و خطأ و شبه عمد * في العمد المحض إذا وجبت الدية في النفس و فيما دون النفس تكون في مال الجاني إلا أن دية النفس أو جزء منها تجب في ثلاثة سنين * و في الخطأ في النفس و فيما دون النفس تكون على العاقلة إلا أن يكون الواجب دون أرش الموضحة فيجب في مال الجاني * و كذا لو وجب الضمان بإقرار القاتل * و في شبه العمد في النفس تجب الدية على عاقلة الجاني و فيما دون النفس تكون في مال الجاني و إن بلغ الواجب دية كاملة * رجل زنى بامرأة فأقضاها كان عليه الدية في ماله في رواية الأصل * و في الجامع الصغير تكون على العاقلة * و لو أزال عذرة أجنبية بحجر أو غيرها كان عليه مهر مثلها * و لو دفع بكرا أجنبية فسقطت و ذهبت عذرتها كان عليه المهر في ماله لأنه يشبه العمد و عليه التعزيز أيضا كانت المرأة كبيرة أو صغيرة * و لو دفع امرأته قبل الدخول بها فذهبت عذرتها ثم طلقها قبل الدخول بها كان عليه نصف المهر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و إحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله تعالى * و في قول زفر ومحمد رحمهما الله تعالى و إحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله تعالى عليه جميع المهر * و لو دفع امرأة أجنبية فذهبت عذرتها ثم تزوجها و دخل بها حكي عن أبي حفص و أبي نصر الدبوسي رحمهما الله تعالى أن عليه مهرين مهر بالدخول بحكم النكاح و مهر بإزالة العذرة بالدفع * و لو أن بكرا دفعت بكرا أخرى فزالت عذرتها قال محمد رحمه الله تعالى على الدافعة مهر مثل الأخرى * و لو وطئ جارية إنسان بشبهة و أزال بكارتها على قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى ينظر إلى مهر مثلها غير بكر و إلى نقصان البكارة أيهما كان أكثر يجب ذلك و يدخل الأقل في الأكثر * و لو أن صبيا زنى بصبية فذهبت عذرتها كان عليه المهر بإزالة البكارة * و لو كانت المرأة بالغة مستكرهة فكذلك * و إن كانت مطاوعة لا يجب المهر لأن المهر لو وجب على الصبي كان لولي الصبي أن يرجع بذلك عليها كما لو أمر صبيا بشيء فلحقه غرم كان لولي الصبي أن يرجع على الآمر فلا يفيد تضمين الصغير * و لو أن أمة بالغة دعت صبيا فزنى بها و أذهب عذرتها كان على الصبي مهرها لأن أمر الأمة لم يصح في حق مولى الأمة
(* فصل في إتلاف الجنين *)(3/274)
إذا أسقطت المرأة الولد بعلاج أو شربت دواء تعمدت به إسقاط الولد وجبت الغرة على عاقلتها * و إن شربت دواء و لم تتعمد به إسقاط الولد فسقط الولد لا شيء عليها * شرط لوجوب الغرة في شرب الدواء تعمد إسقاط الولد * و في حق غيرها لا يشترط تعمد إسقاط الولد فتكون الغرة للزوج و الغرة عندنا خمسمائة درهم نصف عشر الدية أو عبد أو فرس قيمته خمسمائة درهم ذكرا كان الولد أو أنثى * و في الجنين المملوك نصف عشر قيمته إن كان و عشر قيمتها إن كانت أنثى و هما في القدر سواء * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في جنين الأمة يجب نقصان الأم كما في سخلة الشاة * رجل ضرب بطن امرأة فألقت جنينين أحدهما ميت و الآخر حي فمات الحي بعد الانفصال من ذلك الضرب كان على الضارب في الميت منهما الغرة و في الحي الذي مات دية كاملة * و إن ماتت الأم من ضربه فخرج منها جنين ميت كان على الضارب دية الأم و لا شيء للجنين * رجل غصب صبيا حرا فغاب الصبي عن يده فإن الغاصب يحبس حتى يجيء بالصبي أو يعلم أنه مات * و لو غصب صبيا و قربه إلى المهالك فهلك كان عليه ديته إن كان حرا * صبي هو ابن تسع سنين سقط من سطح أو غرق في ماء قال بعضهم لا شيء على الوالدين لأنه ممن يحفظ نفسه و إن كان لا يعقل أو كان أصغر سنا قالوا يكون على الوالدين أو على من كان الصبي في حجره الكفارة لتركه الحفظ * و قال بعضهم ليس على الوالدين شيء إلا الاستغفار و هو الصحيح إلا أن يسقط من يده فحينئذ كان عليه الكفارة * صبيان اجتمعوا في موضع يلعبون و يرمون فأصاب سهم أحدهم عين امرأة فذهبت و الصبي ابن تسع سنين أو نحو ذلك قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى أرش عين المرأة يكون في مال الصبي و لا شيء على الأب * و إن لم يكن له مال فنظرة إلى ميسرة * قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى إنما أوجب الدية في مال الصبي لأنه كان لا يرى للعجم عاقلة و إنما وجبت الدية إذا ثبت رميه بشهادة الشهود لا بإقرار الصبي و لا بوجود سهمه فيها لأن إقراره على نفسه باطل * امرأة وضعت صبيها بين يدي أبيه و الولد يقبل ثدي غيرها فلم يتخذ الأب للولد ظئرا حتى مات من الجوع قال نصير رحمه الله تعالى يكون الأب آثما و عليه التوبة و الاستغفار و الكفارة * و إن كان الصبي لا يقبل ثدي غيرها و الأم تعلم بذلك كان الإثم عليها و عليها الكفارة لأنها هي التي ضيعت الولد * رجل بعث غلاما صغيرا في حاجة نفسه بغير إذن أهل الصغير فرأى الغلام غلمانا يلعبون فانتهى إليهم و ارتقى فوق بيت فوقع و مات قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى ضمن الذي أرسله في حاجته * و كذا لو غصب صبيا فقتل الصبي أو أكله سبع أو سقط من حائط ضمن الغاصب * و إن مات الصبي من مرض أو من حمى لا يضمن الغاصب * رجل أمر ختانا ليختن صبيا له فختن و مرت الحديدة فقطعت الحشفة و مات الصبي قال محمد رحمه الله تعالى يكون على عاقلة الختان نصف الدية لأنه مات بفعلين أحدهما مأذون و الآخر غير مأذون * و إن عاش الصبي فعلى عاقلة الختان كل الدية لأنه خالف بقطع الحشفة * رجل حمل صبيا على دابة و قال له امسكها لي و لم يكن له تسيير فسقط عن الدابة ومات كان على عاقلة الذي حمله ديته سواء كان الصبي ممن يركب مثله أو لا يركب و إن سير الصبي الدابة فأوطأ إنسانا فقتله و الصبي مستمسك عليها فدية القتيل تكون على عاقلة الصبي و لا شيء على عاقلة الذي حمله عليها لأن الصبي أحدث السير بغير أمر الرجل * و إن كان الصبي ممن لا يسير على الدابة لصغره و لا يستمسك عليها فدم القتيل هدر لأن الصبي إذا كان لا يستمسك عليها كانت الدابة بمنزلة المنفلتة فإن سقط الصبي عن الدابة و الدابة تسير فمات الصبي كانت دية الصبي على عاقلة من حمله على كل حال سواء سقط الصبي بعدما سارت الدابة أو قبل ذلك و سواء كان الصبي يستمسك على الدابة أو لا يستمسك * و لو كان الرجل راكبا فحمل صبيا مع نفسه على الدابة و مثل هذا الصبي لا يصرف الدابة و لا يستمسك عليها فوطئت الدابة إنسانا و قتلته و كانت الدية على عاقلة الرجل خاصة لأن الصبي إذا كان لا يستمسك يكون بمنزلة المتاع فكان سير الدابة مضافا إلى الرجل فتجب الدية على عاقلة الرجل و عليه كفارة لأنه بمنزلة المباشر * و إن كان هذا الصبي يصرف الدابة و يستمسك عليها فدية القتيل تكون على عاقلتهما جميعا لأن سير الدابة يضاف إليهما * و لا ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الرجل لأن هذا بمنزلة جناية الصبي بيده * و إن سقط الصبي و مات فدية الصبي على عاقلة الرجل سواء سقط بعدما سير الدابة أو قبله و هو يستمسك على الدابة أو لا يستمسك * و لو أن عبدا حمل صبيا حرا على دابة فوقع الصبي منها و مات فدية الصبي تكون في عنق العبد يدفعه المولى بها أو يفدى لأنه سبب الهلاك و العبد يضمن بالجناية كانت الجناية سببا أو مباشرة * و إن كان العبد مع الصبي على الدابة فسارا عليها فأوطأت الدابة إنسانا و مات فعلى عاقلة الصبي نصف(3/275)
الدية و في عنق العبد نصفها * و لو أن حرا كبيرا حمل عبدا صغيرا على دابة و مثله يصرف الدابة و يستمسك عليها ثم أمره أن يسير عليها فأوطأها إنسانا ومات بذلك يكون في عنق العبد لأنه لما سير الدابة انقطع فعل الأول في حكم الإتلاف فيؤخذ مولى العبد بالدفع أو الفداء ثم يرجع مولى العبد على الآمر لأنه يستعمل عبد الغير فيصير غاصبا فإذا لحقه غرم يرجع بذلك على الغاصب *
(* فصل في المعاقل *)
ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى و قال هذا فصل اختلف فيه المتأخرون * قال بعضهم لا عاقلة للعجم و هو قول الفقيه أبي بكر البلخي و أبو جعفر الهندواني رحمهما الله تعالى لأن العجم لم يحفظوا أنسابهم فلا يتناصرون فيما بينهم و ليس لهم ديوان و تحمل الجناية على الغير عرف بخلاف القياس في حق العرب و إنهم لم يضيعوا أنسابهم و يتناصرون فيما بينهم فلا يلحق بهم العجم * و قال بعضهم للعجم عاقلة عند التناصر و المقاتلة مع البعض لأجل البعض نحو الاساكفة و الصفارين بمرودرب الخشابين و كذا بأذربيجان * و إذا قتل واحد خطأ ووجبت الدية فأهل محلة القاتل و رستاقه عاقلته * و كذلك طلبة العلم * و هو اختيار شمس الأئمة الحلواني و كثير من المشايخ رحمهم الله تعالى* و قال مولانا رضي الله عنه و كان الشيخ الإمام الأجل الأستاذ ظهير الدين رحمه الله تعالى يأخذ بقول الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لأن العبرة بالتناصر فاجتماع الأساكفة و طلبة العلم و نحوها لا يكون للتناصر فلا يلزم التحمل عن غيرهم * و ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن دية القتيل تكون على عاقلته في ثلاث سنين و لا تكون على كل واحد من العاقلة أكثر من ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم * فإن كان القاتل من أهل ديوان أمير من الأمراء و للقاتل بنو أعمام فدية القتيل تكون على من جمعهم ديوان ذلك الأمير دون غيرهم * فإن كان القاتل غازيا و له ديوان فعاقلته من يرتزق من ديوانه * و إن كان كاتبا فعاقلته من يرتزق من ديوان الكتاب إذا كانوا يتناصرون * و كذلك عاقلة أهل كل صناعة أهل صناعته إذا كانوا يتناصرون * و إن لم يكن القاتل من أهل ديوان فعقل قتيلته على عصبته من النسب و إن لم يكن له عصبة فعقل قتيله ذكر في الجامع و الزيادات أن عقل قتيله يكون في بيت المال و به أخذ الصدر الشهيد رحمه الله تعالى * و ذكر عصام روى عن محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى أن من لا عاقلة له إذا قتل رجلا خطأ فإن دية القتيل تكون في مال الجاني * و ذكر في كتاب الولاء من الأصل أن بيت المال لا يعقل من له وارث معروف سواء كان مستحقا للميراث بأن كان حرا مسلما أو لم يكن مستحقا بأن كان كافرا أو عبدا و قالوا لو أن حربيا مستأمنا اشترى عبدا مسلما في دار الإسلام و أعتقه ثم عاد المستأمن إلى دار الحرب ثم أسر و أخرج إلى دار الإسلام ثم مات معتقه فميراثه يكون لبيت المال لأن معتقه رقيق في الحال * و لو جنى هذا المعتق فعقل جنايته يكون عليه و لا يكون على بيت المال لأن له وارثا معروفا و هو المعتق و إن كان المعتق لا يستحق ميراثه لأجل الرق و هو الصحيح * ذكر على الجواب على التفصيل في كتاب الولاء من الأصل * و ما ذكر في الجامع و الزيادات محمول على ما إذا لم يكن للقاتل وارث معروف بأن كان لقيطا أو من يشبه اللقيط * رجل قتل ولده عمدا لا يجب عليه القصاص و تجب الدية في ماله في ثلاث سنين و لا كفارة عليه لأن قتل العمد لا يوجب الكفارة * و كذا الأجداد و إن علوا* و إن كان القتل خطأ وجبت الدية على عاقلته و عليه الكفارة * القاتل إذا أقر بالخطأ أو صالح من دم العمد على مال يكون المال على الجاني في ماله إلا أن في الإقرار تجب الدية في ثلاث سنين و في الصلح عن العمد يجب المال حالا إلا إذا شرط الأجل في الصلح فيكون مؤجلا و كل جزء من الدية إذا وجبت على العاقلة و في مال الجاني يجب في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها * عشرة قتلوا واحدا خطأ وجبت الدية على عواقلهم على عاقلة كل واحد منهم عشر الدية في ثلاث سنين في كل سنة ثلث عشر الدية فإن كان أحد العشرة والد المقتول فكذلك و لا يجب على كل واحد من العاقلة إلا ثلاثة دراهم أو أربعة في ثلاث سنين عندنا * فإن قلت العاقلة يضمن أقرب القبائل إليهم في النسب حتى لا يجب على كل واحد من العاقلة أكثر من ثلاثة دراهم و ليس النساء من العاقلة و كذا الصبي و المجنون و الرقيق و القاتل واحد من العاقلة * و الدية مقدرة بألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائة من الإبل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى* و دية المرأة على النصف من دية الرجل * و دية الذمي عندنا مثل دية المسلم * و إذا وجبت الدية من الإبل تقسم على خمسة أنواع من الإبل عشرون ابن مخاض و عشرون بنت مخاض و عشرون بنت لبون و عشرون حقة و عشرون جذعة * و دية شبه العمد أرباع خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقة و خمس و عشرون جذعة * و شبه العمد القتل(3/276)
بالمثقل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و في قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى و هو القتل بآلة لا يقتل بمثلها في الغالب * و يدخل الآباء و الأبناء في العاقلة * و لا يكون الزوج عاقلة المرأة بحكم الزوجية * و جناية الصبي و المجنون و المعتوه عمدا أو خطأ إذا بلغت خمسمائة درهم تكون على العاقلة و ما كان أقل من خمسمائة يكون في مال الجاني حالا و لا يحرم الصبي عن الميراث بقتل مورثه و كذلك المجنون * و ما زاد على خمسمائة درهم إلى ثلث الدية فيكون على العاقلة في سنة واحدة فإن زاد على الثلث فالزيادة إلى الثلثين تكون في السنة الثانية و ما زاد على الثلثين إلى تمام الدية يكون في السنة الثالثة * و لا يعقل الكافر عن مسلم و لا مسلم عن كافر * امرأة قتلت رجلا خطأ حتى وجبت الدية على عاقلتها هل يجب عليها شيء من تلك الدية اختلف فيه المشايخ * قال بعضهم لا يلزمها و كذا لو كان الجاني صبيا أو مجنونا فإن جميع الدية تكون على عاقلته في قول هؤلاء * و الصحيح أن القاتل يشارك العاقلة كان القاتل امرأة أو صبيا أو مجنونا * صبي قتل رجلا حتى وجبت الدية على العاقلة ذكر في المعاقل أن الخصم في ذلك هو الجاني إذا كان الجاني بلغ مبلغ الرجال * و كذلك في غير الصبي الخصم في إثبات القتل هو الجاني لأن الحق عليه إنما يجب على العاقلة بطريق التحمل * و إن لم يمن الصبي القاتل بلغ مبلغ الرجال كان الخصم في ذلك أباه * ذكر ما قيل في الولاء المنتقل * و ذكر فيه أيضا رجل أقر عند القاضي أنه قتل فلانا خطأ فأقام ولي القتيل بينة أن المدعي عليه قتله عمدا تقبل هذه البينة و يقضى بالدية على العاقلة و إقرار المدعى عليه بالقتل لا يمنع قبول هذه البينة لأن البينة تثبت ما ليس بثابت بإقرار المدعى عليه و نظائر هذا كثيرة قال مولانا رضي الله عنه و تأيد بهذه المسئلة ما قاله الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى أن البينة على القتل تقبل عند حضرة الجاني لأنه هو القاتل و العاقلة يتحملون عنه و حضرة الكفيل لا تشترط لوجوب المال على الأصيل إذا قامت البينة فإنه جعل القاتل ههنا خصما و لم يذكر حضرة العاقلة فلأن يكون خصما حالة الإنكار أولى * و من قال أنه يشترط حضرة العاقلة فذلك قول مخالف للمذهب فلا يقبل * و دلت المسئلة على أن الدية تجب أولا على القاتل ثم يقضي على العاقلة بطريق التحمل لأن الدية لو وجبت ابتداء على العاقلة كان إقرار القاتل إقرارا على العاقلة * المولى إذا قتل مملوكه عمدا كان عليه الكفارة * و كذا لو كان الولد مملوكا كالإنسان فقتله الوالد عمدا لا يجب القصاص على الوالد و عليه الكفارة * رجلان اشتركا في قتل رجل واحد أحدهما بعصا و الآخر بحديد عمدا لا قصاص على واحد منهما و تجب الدية عليهما نصفها على صاحب الحديد في ماله و نصفها على صاحب العصا * و كذا لو قتلاه بسلاح و أحدهما صبي أو معتوه لا قصاص عليهما عندنا و هو بمنزلة الخاطئ مع العامد و الله أعلم
(* باب الشهادة على الجناية *)(3/277)
رجل ادعى على رجل أنه قتل أباه خطأ و جاء بشاهدين فشهد أحدهما أن المدعى عليه قتله خطأ و شهد الآخر على إقرار القاتل بالقتل لا تقبل شهادتهما لأن أحدهما شهد بالفعل و الآخر عل الإقرار بالفعل و الآخر على الإقرار بالفعل فلا نقبل * كما لو شهد أحدهما بالغصب و الآخر على إقرار الغاصب بالغصب * و كذا لو اختلف الشاهدان في مكان القتل أو في زمانه * و كذا لو اختلفا في الآلة فشهد أحدهما أنه قتله بالحجر و شهد الآخر أنه قتله بالعصا * و كذا لو شهد أحدهما أنه قتله عمدا و شهد الآخر أنه قتله خطأ * و كذا لو شهد أحدهما أنه قتله بالعصا و قال الآخر قتله و لا أحفظ بماذا قتله * و إن قالا جميعا قتله و لا ندري بماذا قتله في القياس لا تقبل شهادتهما * و في الاستحسان تقبل شهادتهما و يقضى عليه بالدية في ماله لأنهما اتفقا على القتل و القتل غالبا يكون بآلة القتل و إنما لم تذكر الآلة إسقاطا للقصاص * و لو شهد رجل و امرأتان بقتل الخطأ و بقتل لا يوجب القصاص تقبل شهادتهم * و كذا الشهادة على الشهادة و كتاب القاضي إلى القاضي لأن موجب هذه الجناية المال فتقبل فيه شهادة الرجال مع النساء * رجل شهد عليه شاهد عدل بالقتل فإن القاضي يحبسه أياما فإن جاء المدعي بشاهد آخر و إلا خلى سبيله * و كذا لو شهد شاهدان مستوران على رجل بقتل عمد فإنه يحبس حتى تظهر عدالة الشهود لأنه صار متهما فيحبس لأجل التهمة * و إن شهد رجلان بقتل الخطأ ذكر الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى أنه لا يحبس قبل الحكم * و إلا ظهر أنه يحبس * رجل ادعى على رجل أنه قتل أباه خطأ و ادعى أنه له بينة حاضرة في المصر و طلب أخذ الكفيل من المدعى عليه ليقيم البينة فإن القاضي يأمره بإعطاء الكفيل إلى ثلاثة أيام * و لو قال المدعي شهودي غائبة و طلب أخذ الكفيل إلى أن يأتي بالشهود فإن القاضي لا يحبسه في أخذ الكفيل * و إن ادعى العمد و أراد أخذ الكفيل لا يحبسه القاضي لا قبل إقامة البينة و لا بعدها إلا أن المدعي قبل إقامة البينة يلازمه و بعد إقامة البينة يحبسه القاضي زجرا * ثم إذا عدلت البينة و شهدوا بقتل يوجب القصاص يقضي القاضي بالقصاص بطلب المدعي * صبي قتل أباه عمدا لا يجب عليه القصاص و يجب الدية على عاقلته و يرث الصبي منه و كذلك المجنون * قتيل وجد في محلة قوم كانت القسامة على أهل المحلة و الدية على عواقلهم و لولي القتيل أن يختار للتحليف خمسين رجلا من المشايخ الصلحاء * و إن شاء اختار للقسامة الشبان و الخيار فيه لولي القتيل دون الإمام لأن الحق له فإن لم يكن عددهم خمسين رجلا كررت الأيمان عليهم حتى يتم خمسون يمينا فيحلفون بالله ما قتلناه و لا علمنا له قاتلا * و إن امتنعوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا * و إن وجد القتيل بين قريتين أو سكتين كانت القسامة و الدية على أقرب القريتين أو السكتين إلى القتيل هذا إذا كان يبلغ صوت القريتين إلى الموضع الذي وجد فيه القتيل * و إن لم يبلغ فلا شيء على واحدة من القريتين * و إن وجد القتيل في مكان مملوك كانت القسامة على الملاك و الدية على عواقلهم * و إن وجد القتيل في موضع مباح نحو الفلاة إلا أنه في يد المسلمين كانت الدية في بيت المال * و إن وجد القتيل في دار امرأة كانت القسامة عليها تحلف هي خمسين يمينا في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و الدية على عاقلتها * و إن وجد القتيل في سوق المسلمين أو في مسجدهم ذكر في موضع أن الدية تكون في بيت المال و لا قسامة فيه و ذكر في موضع آخر أن فيه الدية و القسامة و إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع موضوع ما ذكر أن الدية تكون في بيت المال و لا قسامة فيه إذا لم يكن السوق ملكا لهم بل كان للسلطان فإن كان السوق ملكا لهم كان وجود القتيل في السوق أو في مسجدهم كوجود القتيل في مسجد المحلة و ثم تجب القسامة على أهل المحلة و الدية على عواقلهم * و إن وجد القتيل في المسجد الجامع كانت الدية في بيت المال و لا قسامة فيه * و إن وجد القتيل في محلة فيها أصحاب الخطة و فيها من اشترى كانت القسامة و الدية على أصحاب الخطة مادام في المحلة واحد من أصحاب الخطة كانت القسامة عليه و الدية على عاقلته لا على السكان و المشترين في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى المشتري و صاحب الخطة سواء * و إن لم يكن فيها أحد من أصحاب الخطة و فيها سكان و مشترون كانت القسامة على المشترين دون السكان و هو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ثم رجع و قال هي عليهم * و لو وجد القتيل في سجن كانت الدية على بيت المال في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى هي على أهل السجن * و إن وجد القتيل في دار رجل قد اشتراها و هو ليس من أهل الخطة فأصحاب الخطة برآء من ذلك و تكون القسامة على صاحب الدار و الدية على عاقلته و إن كانت الدار بين رجلين و أحدهما أكثر نصيبا من(3/278)
الآخر كانت الدية على عواقلهما نصفين * و إن وجد الرجل قتيلا في دار نفسه لا تجب القسامة فتكون الدية على عاقلته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى لا شيء عليهم * و لو وجد المكاتب قتيلا في دار اشتراها لا يجب فيه شيء في قولهم جميعا * و لو وجد واحد من أهل المحلة قتيلا في المحلة كان فيه الدية و القسامة * و القتيل عندنا كل ميت به أثر الضرب و الجرح بأن كان الدم يخرج من بعض مخارقه إن كان يخرج من موضع يخرج منه الدم عادة من غير ضرب كالأنف و الدبر و الذكر فلا قسامة فيه و لا يكون هو قتيلا * و إن كان لا يخرج عادة إلا بضرب و جرح في الباطن كالعين و الأذن فهو قتيل و إن كان الدم يخرج من الفم إن كان يعلو من الجوف يكون قتيلا * و إن كان ينزل من الرأس لا يكون قتيلا * قتيل وجد في محلة فادعى ولي القتيل القتل على رجل بعينه من أهل المحلة لا تبطل القسامة و الدية من أهل المحلة * و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية يكون ذلك إبراء منه لأهل المحلة ثم لو أقام ولي القتيل شاهدين من غير أهل المحلة على ذلك الرجل فقد أثبت القتل عليه بالحجة فيقضي بموجبه * و إن أقام ولي القتيل على ذلك شاهدين من أهل المحلة لا تقبل شهادتهما * ثم على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يحلف شاهدان بالله ما قتلناه قط * و على قول محمد رحمه الله تعالى يحلف شاهدان بالله ما قتلناه و ما علمنا له قاتلا * و إن ادعى ولي القتيل القتل على رجل من غير أهل المحلة كان ذلك إبراء منه لأهل المحلة حتى لا تسمع دعواه بعد ذلك القتل على أهل المحلة * و لو أقام ولي القتيل شاهدين بذلك من أهل المحلة لا تقبل شهادتهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و تقبل في قول صاحبيه * ثم القسامة إنما تجب على أهل المحلة في قتيل المحلة و القرية و غير ذلك إذا وجد بدن القتيل أو أكثر من النصف أو النصف مع الرأس * و إن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من النصف مع الرأس أو وجد اليد أو الرجل أو الرأس فلا شيء فيه * و إن وجد السقط فلا شيء فيه * فإن كان بدنه تاما و به أثر القتل فهو قتيل كان فيه القسامة و الدية * و إن وجدت البهيمة أو الدابة مقتولة فلا شيء فيها و إن وجد المكاتب أو المدبر أو أم الولد قتيلا في محلة وجبت القسامة و القيمة على عواقلهم في ثلاث سنين و لو وجد العبد قتيلا في دار مولاه فلا شيء فيه إلا أن يكون عليه دين فحينئذ كانت القيمة على مولاه لغرمائه حالة كما لو قتله المولى و لو وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه كانت قيمته على المولى مؤجلة في ثلاث سنين يقضي منه كتابته و يحكم بحريته و ما بقي يكون ميراثا منه لورثته * و لو وجد الرجل قتيلا في دار عبده المأذون كانت القسامة و الدية على عاقلة المولى كان العبد مديونا أو لم يكن * و لو وجد الحر قتيلا في دار أبيه أو أمه أو المرأة في دار زوجها ففيه القسامة و الدية على العاقلة و لا يحرم الميراث * و لو وجد القتيل في نهر عظيم يجري به الماء فلا شيء فيه * و إن كان النهر صغيرا لقوم معروفين فهو عليهم و الفرق بين الصغير و العظيم ما عرف في الشفعة كل نهر يستحق به الشفعة فهو صغير و ما لا يستحق به الشفعة نحو الفرات و الجيحون فهو عظيم * و لو كان القتيل محتبسا في جانب من النهر كانت القسامة و الدية على أقرب الأراضي و القرى إلى الموضع الذي احتبس فيه القتيل إذا كان يصل صوت الأراضي و القرى إلى ذلك الموضع و إلا فلا * و إن وجد القتيل في فلاة فليس فيه شيء * و قال الكرخي رحمه الله تعالى هذا إذا لم يكن ذلك الموضع قريبا من العمران فإن كان قريبا بحيث يبلغ صوت أهل العمران إلى ذلك الموضع فهو عليهم و الله اعلم
(* باب الوكالة في الدم *)(3/279)
الوكالة في إثبات الدم من جانب المدعي و المدعى عليه مقبولة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى آخرا لا تقبل * و قول محمد رحمه الله تعالى مضطرب و أجمعوا على أنه لا تقبل فيه الشهادة على الشهادة و لا كتاب القاضي إلى القاضي و لا شهادة رجل و امرأتين * و إن وكل باستيفاء القصاص في النفس و فيما دون النفس لم يكن للوكيل أن يستوفي إلا بمحضر من الموكل عندنا و على قول الشافعي رحمه الله تعالى له أن يستوفي * الوكيل بإثبات الدم إذا أقر في مجلس القاضي أن الطالب قد عفا صح إقراره و كذلك وكيل المطلوب إذا أقر بوجوب القود على موكله في القياس يصح إقراره و لا يصح استحسانا * و لو مات أحد ورثة المقتول و القاتل وارثه سقط القصاص عن القاتل و تصير حصة الباقين مالا * و الوكالة بإثبات قتل الخطأ و العمد من الجراحة التي لا قصاص على القاتل فيها بمنزلة الوكالة بالمال * رجل قتل عمدا فأقام أخو المقتول بينة أنه وارثه و لا وارث له غيره فأقام القاتل بينة أن له ابنا فإن القاضي لا يقضي ببينة الأخ و يتأنى في ذلك * و إن أقام القاتل بينة أن له ابنا و أنه قد صالحه على الدية و قبضها منه و أقام بينة أن الابن قد عفا عنه قبلت بينة القاتل لأنه أثبت ببينته أنه لا حق للمدعي في استيفاء القود فإن جاء الابن بعد ذلك و أنكر العفو أو الصلح يكلف القاتل أن يعيد البينة على الابن و لا يقضي على الابن بالبينة التي أقامها القاتل على الأخ لأن الأخ لا يكون خصما عن الابن * و لو كان للمقتول أخوان و أقام القاتل بينة على أحدهما أن الأخ الغائب صالحه على خمسة آلاف جاز ذلك * فإن حضر الغائب و أنكر الصلح لا يكلف القاتل إعادة البينة بخلاف الأول لأن في الأول الأخ لا يكون وارثا مع الابن بل يكون أجنبيا * أما الأخوان كل واحد منهما يستحق القصاص على القاتل فهذه بينة قامت على الخصم فلا يكلف إعادة البينة و إذا لم يكلف القاتل إعادة البينة ههنا يكون للحاضر نصف الدية و لا شيء للغائب * و إذا ادعى بعض ورثة الرجل دم أبيه على رجل و أقام البينة فإن القاضي يحبس القاتل لأنه صار متهما و لا يعجل باستيفاء القصاص فإن حضر الغائب بعد ذلك لا يكون الغائب بعد ذلك لا يكون للغائب الذي حضر أن يستوفي القصاص ما لم يعد هو البينة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن عنده القصاص يجب للوارث ابتداء فلم يكن كل واحد من الورثة خصما من غيره في إثبات حق الغير فلم يكن من ضرورة ثبوت القصاص الذي أقام البينة به ثبوته لغيره * بخلاف ما إذا كان القتل خطأ لأن الدية تجب للمقتول أولا حتى يقضى منها ديونه و تنفذ وصاياه و كل واحد من الورثة يكون خصما فيما يدعى للميت فلا يحتاج في الغائب إلى إعادة البينة * و بخلاف العفو و الصلح لأن ذلك مما يثبت بالشبهات و القصاص لا يثبت * رجل ادعى على رجل أنه قتل أباه خطأ فأنكر المدعى عليه ثم إن المدعي مع المدعى عليه حكما رجلا فحكم الحكم بالقتل لا يظهر حكمه في حق العاقلة * رجل ادعى على رجل أنه قتل أباه عمدا و أقام شاهدين فشهدا أنه ضرب فلانا بالسيف فلم يزل صاحب فراش حتى مات قبلت هذه الشهادة و يقضى بالقصاص إذا شهد أنه لم يزل صاحب فراش حتى مات * و لا ينبغي للقاضي أن يسأل من الشهود مات من ذلك أم لا في العمد و لا في الخطأ * و لو قالا ذلك لا تبطل شهادتهما * و لو شهد أنه ضربه بالسيف حتى مات و لم يذكر العمد جازت شهادتهما و يقضى بالقصاص * و كذا إذا شهدوا أنه طعنه برمح أو رماه بسهم أو نشابة و كل ذلك يكون عمدا و يقضي بالقصاص كما لو شهدوا أنه ذبحه و شق بطنه بالسكين و الله أعلم (* باب جناية البهائم و ما يهلك بالحيطان أو الآبار *) * رجل أرسل حماره فدخل زرع إنسان و أفسده فإن أرسله و ساقه إلى الزرع بأن كان خلفه كان ضامنا * و إن لم يكن خلفه إلا أن الحمار ذهب في فوره و لم يعطف يمينا و شمالا و ذهب إلى الوجه الذي أرسله فأصاب الزرع كان ضامنا * و إن ذهب يمينا و شمالا ثم أصاب الزرع فإن لم يكن اطه فدخل في المربط أحدهما و فر الآخر فتبعه فلم يقدر عليه و جاء صاحب الثور فأراد تضمينه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن كان نيته عند الأخذ أن يمنعه من صاحبه كان ضامنا * و إن كان نيته أن يأخذه ليرده على صاحبه إلا أنه لم يقدر على الإشهاد و لم يجد من يشهده لا يكون ضامنا فقيل له إن كان ذلك في النهار قال إن كان الثور لغير أهل قريته كان حكمه حكم اللقطة * فإن ترك الإشهاد مع القدرة عليه ضمن * و إن لم يجد من يشهده يكون ذلك عذرا * و إن كان الثور لأهل قريته فكما أخرجه من زرعه يكون ضامنا لأن ما يكون لأهل قريته من الثيران لا يكون حكمه حكم اللقطة في النهار لأنه لا يخاف عليه الضياع في النهار إنما يخاف عليه في الليل فإذا إخرجه يكون غاصبا * و قال القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى إذا وجد في زرعه دابة فمقدا رما يخرجها من(3/280)
ملكه لا يكون مضمونا عليه * و إذا ساقها وراء ذلك القدر يصير ضامنا بنفس السوق * و هكذا قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله تعالى إلا أنه قال إن ساقها إلى موضع يأمن فيها لا يكون ضامنا * و قال بعضهم إذا وجد الرجل دابة في زرعه فأخرجها فقتلها سبع كان ضامنا لأنه لا ينبغي له أن يخرجها و لكن ينبغي أن يستعدي على صاحبها حتى يخرجها صاحبها و الصحيح ما قاله القاضي الإمام علي السغدي رحمه الله تعالى أن له أن يخرجها عن ملكه و لا يسوقها وراء ذلك فإن ساقها بعد ما أخرجها عن ملكه يصير غاصبا ضامنا * و إن ساقها ليردها على صاحبها فعطبت في الطريق أو انكسرت رجلها كان ضامنا * و لو أن صاحب الزرع لم يخرجها و لكنه أمر صاحبها أن يخرجها فأفسدت شيئا في إخراجها قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى لا يكون ضامنا لما أفسدت لأنه أخرجها بأمره * و لو أنه قال لصاحب الدابة إن دابتك في الزرع و لم يقل أخرجها فأخرجها صاحبها فأفسدت شيئا في إخراجها كان ضامنا * و قال أبو نصر رحمه الله تعالى في الوجه الأول يكون ضامنا أيضا لوجود السوق من صاحبها و صاحب الزرع لم يرض بالفساد و إنما طلب منه الصيانة * و لو أن دابة رجل انفلتت ليلا أو نهارا من غير إرسال فأفسدت زرع إنسان لا يجب الضمان على صاحبها لأن فعل العجماء هدر * رجل يسوق حمارا لحطب في الطريق كوست كوست و قدامه رجل لم يسمع ذلك حتى أصاب ثوبه و تخرق ضمن السائق * و كذا إذا سمع صوته إلا أنه لم يتهيأ له التنحي لضيق المدة و لا فرق في هذا بين الأصم و غيره و إن أمكنه التنحي فلم يتنح بعد ما سمع لا يضمن السائق * رجل وضع خشبا في طريق المسلمين أو حجرا أو حديدا فمرت به دابة من سوق أحد فعطبت يضمن واضع الخشب و الحجر و الله أعلم
(* فصل فيما يحدث في الطريق فيهلك به إنسان أو دابة *)(3/281)
رجل وضع في الطريق حجرا أو جذعا أو بنى فيه بناء أو أخرج من حائط جذعا أو صخرة شاخصة أو أشرع كنيفا أو جناحا أو ميزابا أو ظلة فعطب به إنسان كان ضامنا فإن عثر بما أحدث في الطريق رجل فوقع على آخر فماتا كان الضمان على الذي أحدثه في الطريق كأنه دفع الذي عثر بيده على غيره و لا يضمن الذي عثر به لأنه مدفوع في هذه الحالة و المدفوع كالآلة * و لو نحى رجل شيئا من ذلك عن موضعه فعطب بذلك رجل كان الضمان على الذي نحاه و يخرج الأول من الضمان و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الطريق غير نافذ فلكل واحد من أصحاب الطريق أن يضع فيه الخشب و يربط فيه الدابة و يتوضأ فيه و إن عطب بذلك إنسانا لا يضمن * و إن بنى فيه بناء أو حفر بئرا فعطب إنسان كان ضامنا * و لكل من صاحب الدار الانتفاع بفناء داره من القاء الطين و الخشب و ربط الدابة و بناء الدكان و التنور بشرط السلامة * و ذكر الشيخ الإمام الزاهد المعروف بخواهر زاده رحمه الله تعالى إذا أحدث في سكة غير نافذة ينظر إن أحدث ما لا يكون من جملة السكنى فتلف به إنسان وجب الضمان يسقط من ذلك حصة نفسه و يضمن حصة الشركاء * فإن أحدث ما يكون من جملة السكنى كوضع المتاع و ربط الدابة لا يكون ضامنا له أن يفعل ذلك * لو كانت الدار بين رجلين ففعل أحدهما فيها ما كان من جملة السكنى كوضع المتاع و ربط الدابة جاز كما لو سكن * و أما إذا أخرج ميزابا إلى الطريق فسقط على رجل فقتله ينظر إن أصابه الطرف الذي كان في الحائط لا ضمان فيه لأنه وضع ذلك الطرف في ملكه و لم يكن تعديا * و إن أصابه الطرف الخارج من الحائط ضمن صاحب الميزاب لأنه متعد في ذلك الطرف حيث شغل به هواء الطريق * و إن لم يعلم أيهما أصابه في القياس لا شيء عليه لوقوع الشك في الضمان * و في الاستحسان يضمن النصف * رجل كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان أو دابة لا يضمن شيئا لأنه لم يحدث في الطريق شيئا * و إنما كنس الطريق كي لا يتضرر المارة بالغبار * و لو رش الطريق فعطب إنسان بذلك كان ضامنا * هذا إذا رش كل الطريق فإن رش بعضه و مر إنسان في الموضع الذي رش و لم يعلم بذلك فعطب كان ضامنا * و إن علم بذلك فمر فيه مع العلم لا يكون ضامنا * هكذا قال مشايخنا رحمهم الله تعالى و في الكتاب أطلق الجواب و أوجب الضمان على الذي رش * و إن مرت دابة فعطبت يضمن على كل حال * و لو أن رجلا أمر أجيرا أو سقاء برش فناء دكان فعطب به إنسان ضمن الآمر و لا يضمن الراش * و حارس السوق إذا رش يضمن بماء عطب به على أي كل حال هذا كله في طريق العامة * و أما في سكة غير نافذة إذا ألقى فيها من هو من أهل السكة خشبا أو طينا أو ترابا أو رش لا يكون ضامنا * رجل مر في الطريق و هو يحمل حملا فوقع الحمل على إنسان فأتلفه كان ضامنا * و لو عثر إنسان بالحمل الواقع في الطريق ضمن أيضا لأنه هو الذي وضع الجمل في الطريق * و لو وضع في الطريق جمرا فاحترق به شيء كان ضامنا لأنه كان متعديا بوضع النار في الطريق و إن حركته الريح فذهبت به إلى موضع آخر ثم احترق به شئ لا يكون ضامنا لأنه لما تحول عن ذلك المكان انتسخ حكم الفعل الأول * قالوا هذا إذا لم يكن اليوم ريحا فإن كان ريحا كان ضامنا لأنه علم حين ألقاه في الطريق أن الريح تذهب به إلى موضع آخر فيضاف التلف إليه فيكون ضامنا كالدابة المربوطة إذا جالت في رباطها أفسدت شيأ * ولو أن رجلا مر في ملكه أو في غير ملكه وهو يحمل نارا فوقعت شرارة منها على ثوب إنسان فاحترق ذكر في النوادر أنه يكون ضامنا لأنه لم يتخلل بين الحمل و السقوط واسطة فكان التلف مضافا إليه * ولو طارت الريح بشرر ناره وألقته على ثوب إنسان لا يضمن لأن الاحتراق حصل بالريح ههنا * وذكر الزندويسي رحمه الله تعالى إذا مر بالنار في موضع له حق المرور فهبت به الريح فوقعت على ثوب إنسان فاحترق لا يكون ضامنا * فإن لم يكن له حق المرور في ذلك الموضع كان ضامنا * ولو هبت الريح بعمامة رجل وألقتها على قارورة إنسان فكسرت لا يضمن صاحب العمامة * ولو أن حدادا ضرب الحديد على حديد محمى فانتزعت شرارة من ضربه على ثوب رجل يمر في الطريق فاحترق ضمن الحداد كأنه ألقى النار على ثوبه * رجل وضع جرة في الطريق ورجل آخر وضع جرته في ذلك الطريق أيضا فتدحرجت إحداهما على الأخرى فانكسرت الأخرى لا يضمن صاحب الجرة التي تدحرجت لأنها لما زالت عن ذلك الموضع انتسخ حكم فعل الأول * وإن انكسرت التي تدحرجت يضمن صاحب الأخرى لأن فعله لم يزل * وكذلك رجل أوقف دابة في الطريق وآخر كذلك فنفرت إحداهما وأصابت الأخرى لا يضمن صاحب التي نفرت * ولو عطبت التي نفرت بالأخرى يضمن صاحب الواقفة لبقاء جنايته * رجل وضع في الطريق خشبة ثم باع الخشبة من رجل وبرئ إليه منها فتركها المشتري في مكانها حتى عطب بها إنسان أو دابة كان الضمان على البائع الذي وضع لا على المشتري لأن البائع كان متعديا في الوضع وخروج الخشبة عن ملكه لا(3/282)
يكون فوق عدم الملك في الخشبة وذلك لا يمنع وجوب الضمان فإن من ألقى خشبة لغيره في الطريق فعطب بها إنسانا كان ضامنا * وكذلك الرجل إذا أشرع جناحا من داره إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله يضمن بائع الدار * رجل استأجر إنسانا ليشرع له جناحا في فناء داره أو حانوته ففعل فهلك بالجناح شئ إن كان المستأجر أخبر الأجير أن له حق إشراع الجناح يضمن الأجير سواء سقط الجناح قبل الفراغ عن العمل أو بعده ثم الأجير يرجع بما ضمن على المستأجر * وإن أخبره المستأجر أو الآمر أنه ليس له حق الإشراع في القديم أو لم يخبره بذلك إلا أن الأجير علم بذلك إن سقط الجناح قبل فراغ الأجير من البناء يضمن الأجير لما عطب به ولا يرجع هو على المستأجر قياسا أو استحسانا فإن سقط الجناح بعدما فرغ الأجير من البناء ضمن الأجير لما عطب به ثم هو لا يرجع على المستأجر قياسا * وفي الاستحسان يرجع * وهو كما لو أمر رجلا بذبح شاة ففعل ثم ظهر أن الشاة كانت لغيره يضمن الذابح وهي كمسألة الجناح * رجل وضع قنطرة على نهر خاص لأقوام مخصوصين فمشى عليها إنسان فانخسفت به أو تعقل به فمات إن تعمد المرور عليها لا يضمن واضع القنطرة * وإن لم يعلم المار به ضمن كما لو وضع خشبا في طريق المسلمين أو حديدا فمرت به دابة لا بسوق أحد فعطبت به كان ضامنا * قالوا إن كانت الخشبة صغيرة بحيث لا يوطأ على مثلها لا يضمن واضعها لأن الوطء على مثل هذه الخشبة بمنزلة تعمد الزلق أو التعقل بالحجر الموضوع في الطريق عمدا وذلك لا يوجب الضمان * وإن كانت الخشبة كبيرة يوطأ على مثلها يضمن واضعها هذا إذا كان النهر خاصا لأقوام مخصوصين فإن كان النهر لعامة المسلمين ففي ظاهر الرواية يكون ضامنا وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يكون ضامنا * رجل حفر بئرا في المفازة في موضع ليس ممرا ولا طريقا لإنسان بغير إذن الإمام فوقع فيها إنسان لا يضمن الحافر وكذا لو قعد إنسان في المفازة أو نصب خيمة فعثر بها رجل لا يضمن القاعد ولو كان ذلك في الطريق ضمن وإن حفر بئرا في الطريق ثم كبسها إن كبسها بالتراب أو بالحصى أو بما هو من أجزاء الأرض ثم جاء آخر وفرغها ثم وقع فيها إنسان ومات ضمن الثاني * ولو كان الأول كبس البئر بالطعام أو بما ليس من أجزاء الأرض يضمن الأول لأن في الوجه الأول بعد الكبس بما هو من أجزاء الأرض لا يبقي بئرا وفي الوجه الثاني يبقي بئرا وكذا لو حفر بئرا في الطريق وغطى رأسها ثم جاء آخر ورفع الغطاء ثم وقع فيها إنسان ضمن الأول * ولو حفر الرجل نهرا في ملكه فعطب به إنسان أو دابة لا يضمن وكذا لو جعل عليه جسرا أو قنطرة في أرضه * ولو حفر نهرا في غير ملكه فهو بمنزلة البئر يكون ضامنا * وكذا لو جعل عليه جسرا أو قنطرة في غير ملكه * وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يضمن وإن أحدثه في غير ملكه إذا كان بحيث لا يتضرر به غيره لأنه محتسب ينتفع الناس بما أحدثه وفي ظاهر الرواية يكون ضامنا إلا إذا فعل ذلك بإذن الإمام كما لو حفر بئرا في الموضع الذي يحتاج الناس إليه يكون ضامنا لما عطب به إذا لم يفعل بإذن الإمام * وإن مشى على جسره إنسان متعمدا فانخسف به لا يضمن واضع الجسر لأنه لما مر متعمدا كان التلف مضافا إليه * ولو حفر نهرا في غير ملكه فانبثق من ذلك النهر ماء وغرق أرضا أو قرية كان ضامنا لأنه سيل الماء في غير ملكه فيضمن كما لو مشى أو سار على الدابة في الطريق * ولو كان ذلك الحفر في ملكه لا يضمن لأنه مباح له مطلقا * ولو سقى أرضه فخرج الماء منها إلى غيرها وأفسد متاعا أو زرعا أو كرابا لا يكون ضامنا لأنه متصرف في ملكه فيباح له مطلقا وكذا لو أحرق حشيشا في أرضه أو في حصائده أو أجمته فخرجت النار إلى أرض غيره وأحرقت شيأ لا يكون ضامنا لأنه متصرف في ملكه قيل هذا إذا كانت الرياح ساكنة حين أوقد النار فأما إذا كان اليوم ريحا يعلم أن الريح تذهب بالنار إلى أرض جاره كان ضامنا استحسانا كمن صب الماء في ميزاب له وتحت الميزاب متاعا لغيره ففسد به كان ضامنا * ولو أوقد النار في داره أو تنوره لا يضمن ما احترق به * وكذا لو حفر نهرا أو بئرا في داره فنزت من ذلك أرض جاره لا يضمن ولا يؤمر في الحكم أن يحول ذلك عن موضعه وفيما بينه وبين الله تعالى عليه أن يكف عن ذلك إن كان يتضرر به غيره * وإن صب الماء في ملكه فخرج من صبه ذلك إلى ملك غيره فأفسد شيأ في القياس لا يكون ضامنا لأن صب الماء في ملكه مباح له مطلقا * ومن المشايخ من قال إذا صب الماء في ملكه وهو يعلم أنه يتعدى إلى أرض غيره يكون ضامنا لأن الماء سيال فإذا كان يعلم عند الصب أنه يسيل إلى ملك جاره يكون ضامنا كما لو صب الماء في ميزا به وتحت الميزاب متاع غيره * وذكر الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى إذا سقى أرض نفسه فتعدى إلى أرض جاره قال هذه المسألة على وجوه * إن أجرى الماء في أرضه إجراء لا يستقر في أرضه و إنما يستقر في أرض جاره كان ضامنا(3/283)
* وإن كان الماء يستقر في أرضه ثم يتعدى إلى أرض جاره بعد ذلك إن تقدم إليه جاره بالسكر والإحكام فلم يفعل كان ضامنا استحسانا ويكون هذا بمنزلة الإشهاد على الحائط المائل * وإن لم يتقدم إليه جاره بالسكر والإحكام حتى تعدى الماء إلى أرض جاره لا يضمن * وإن كانت أرضه في صعدة وأرض جاره في هبطة يعلم أنه إذا سقى أرضه يتعدى إلى أرض جاره كان ضامنا ويؤمر بوضع المسناة حتى يصير مانعا ويمنع من السقي قبل أن يوضع المسناة وفي الفصل الأول لا يمنع من السقي * وإن كان في أرضه ثقب و جحر فأرة إن علم بذلك ولم يسده حتى فسدت أرض جاره كان ضامنا * وإن كان لا يعلم لا يكون ضامنا * وذكر الناطفي رحمه الله تعالى إذا سقى أرض نفسه فخرج الماء إلى أرض غيره لا يضمن * ولو صب الماء في أرضه صبا وخرج من أرضه إلى أرض غيره كان ضامنا * رجل سقى أرضه من نهر العامة وكان على نهر العامة أنهار صغار مفتوحة فوهاتها فدخل الماء في الأنهار الصغار وفسد بذلك أرض…قوم قال الشيخ الإمام الأجل ظهير الدين رحمه الله تعالى يكون ضامنا لأنه أجرى الماء فيها * رجل احتفر بئرا في ملكه ثم سقط فيها شخص وفيها إنسان أو دابة فقتل الساقط ذلك الإنسان أو الدابة كان الساقط ضامنا دية من كان فيها * وإن كان البئر في الطريق كان الضمان على حافر البئر فيما أصاب الساقط والمسقوط عليه لأن الحافر إذا كان متعديا في الحفر كان بمنزلة الدافع لمن سقط في البئر والساقط بمنزلة المدفوع فيكون تلف الكل مضافا إلى الحافر * أما إذا حفر في ملك نفسه فسقوطه لا يكون مضافا إلى غيره فكان تلف المسقوط عليه مضافا إلى الساقط كرجل تردى من جبل على رجل فقتله يضمن دية القتيل * رجل حفر بئرا في الطريق فجاء إنسان وألقى فيها نفسه متعمدا لا يضمن الحافر * وإن لم يوقع فيها نفسه فسقط فسلم من الوقوع ومات فيها جوعا أو غما لا يضمن الحافر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى إن مات فيها جوعا فكذلك * و إن مات غما بأن أثر الغم في قلبه من الوقوع فمات من ذلك ضمن الحافر و قال محمد رحمه الله تعالى يضمن الحافر في الوجوه كلها لأن الموت حصل بسبب الوقوع في البئر رجل حفر بئرا في الطريق فجاء آخر و حفر منها طائفة في أسفلها ثم وقع فيها إنسان و مات في القياس يضمن الأول و به أخذ محمد رحمه الله تعالى لأن الأول كالدافع لمسن سقط في القعر الذي حفره صاحبه في أسفله و في الاستحسان يجب الضمان عليهما لأن كل واحد منهما متعد في الحفر * و لو حفر رجل بئرا في الطريق ثم جاء آخر و وسع رأسها فسقط فيها إنسان و مات كان الضمان عليهما أثلاثا * قالوا تأويل المسئلة أن الثاني وسع رأسها بحيث يعلم أن الواقع إنما وضع قدمه في موضع بعضه من حفر الأول و بعضه من حفر الثاني فأما إذا وسع الثاني رأسها بحيث يعلم أنه إنما وضع قدمه في الموضع الذي حفره الثاني كان الضمان على الثاني * رجل حفر بئرا في الطريق و عند البئر حجر وضعه إنسان في الطريق فجاء إنسان و تعقل بالحجر و مت فيها كان الضمان على من وضع الحجر لأنه بمنزلة الدافع * و إن لم يضع الحجر إنسان و جاء به سيل عند البئر كان الضمان على حافر البئر * رجل حفر بئرا في الطريق فجاء رجل فسقط فيها فتعلق هذا الرجل برجل آخر و تعلق الثاني بآخر و وقعوا فيها جميعا و ماتوا إن لم علم كيف ماتوا و لم يقع بعضهم على بعض فدية الأول تكون على الحافر لأنه ليس بموته سبب سوى الوقوع في البئر و دية الثاني تكون على الأول لأن الأول هو الذي أوقعه حيث جره على نفسه و دية الثالث تكون على الثاني لهذا المعنى * و إن كان بعضهم وقع على بعض في البئر و لا يعلم كيف حالهم ففي القياس و هو قول محمد رحمه الله تعالى دية الأول تكون على عاقلة الحافر و دية الثاني على عاقلة الأول و دية الثالث على عاقلة الثاني و ذكر في الكتاب أن فيها قولا آخر قيل ذلك قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى قالا دية الأول تكون أثلاثا ثلثها على الحافر و ثلثها على الثاني و ثلثها هدر * و دية الثاني نصفها هدر و نصفها على الأول * و دية الثالث كلها على الثاني و وجهه مذكور في الكتاب * رجل حفر بئرا في الطريق فسقط فيها إنسان و مات فقال الحافر أنه ألقى نفسه فيها فكذبته الورثة في ذلك كان القول قول الحافر في قول أبي يوسف الآخر و هو قول محمد رحمه الله تعالى لأن الظاهر أن البصير يرى موضع قدمه و إن كان الظاهر أن الإنسان لا يوقع نفسه فإذا وقع في الشك لا يجب الضمان بالشك * رجل استأجر أربعة رهط يحفرون له بئرا فوقعت عليهم من حفرهم و مات أحدهم كان على كل واحد من الثلاثة الباقين ربع دية الميت و يسقط ربعها لأن البئر وقع بفعلهم و كانوا مباشرين و الميت مباشر أيضا فتوزع الدية عليهم أرباعا فيسقط ربعها و تجب ثلاثة أرباع و الله أعلم
(* فصل فيما يحدث في المسجد *)(3/284)
أهل المسجد احتفروا بئرا في المسجد لماء المطر أو وضعوا فيه حبا يصب فيه الماء أو طرحوا فيه البواري أو الحشيش أو الحصى أو ركبوا بابا أو علقوا فيه القناديل أو ظللوه فعطب شيء لا ضمان عليهم لأن أهل المسجد فيما هو من تدبير المسجد بمنزلة الملاك * و كذا لو فعل ذلك غيرهم بأمرهم و إن فعل بغير أمرهم كان ضامنا لما عطب بذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى لا يضمن استحسانا إذا كان المسجد للعامة إلا في حفر البئر و ما لا يكون من باب التمكن لإقامة الصلاة * لهما أن كل مسلم مندوب إلى عمارة المسجد و إلى ما كان من باب التمكن لإقامة الصلاة و إنما يختص أهل المسجد بالبناء و حفر البئر لا فيما كان من باب التمكن لإقامة الصلاة * و لأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن أهل المسجد يختص بالتدبير في هذه البقعة و لهذا كان فتح الباب و الإغلاق و نصب المؤذن و الإمام إليهم لا إلى غيرهم * و لو قعد الرجل في المسجد للحديث أو نام أو قام لغير الصلاة فمر به إنسان فعطب كان ضامنا لما عطب في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما لو قعد في الطريق و على قول صاحبيه رحمهما الله تعالى لا يكون ضامنا كما لو كان جالسا في الصلاة * و قيل على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما يضمن إذا كان الجالس مشغولا بعمل لا يكره في المسجد كدرس الفقه و قراءة القرآن و الحديث * أما إذا كان معتكفا أو جالسا لانتظار الصلاة لا يكون ضامنا عند الكل * و قيل إذا لم يكن في الصلاة يكون ضامنا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى و هو الصحيح لأن المنتظر للصلاة لا يكون في الصلاة فكان جلوسه مباحا مفيدا بشرط السلامة كالمشي في الطريق و نحو ذلك * و لو أن رجلا حفر بئرا في سوق العامة أو بنى فيه دكانا فعطب به شيء إن فعل ذلك بإذن الإمام لا يكون ضامنا و بغير إذنه يكون ضامنا * كما لو أوقف دابة في السوق فإن كان في السوق موضع لإيقاف الدابة فأوقف الدابة في ذلك الموضع إن عينوا ذلك الموضع بإذن السلطان فما عطب به لا يكون ضامنا * و إن لم يكن ذلك بإذن السلطان كان ضامنا لأن السلطان إذا أذن بذلك يخرج ذلك الموضع من أن يكون طريقا فتعين لإيقاف الدواب و بغير إذن السلطان لا يخرج من أن يكون طريقا و الله أعلم
فصل في جناية الحائط(3/285)
رجل مال حائط داره إلى الطريق أو إلى ملك إنسان فسقط و أتلف إنسانا أو مالا إن سقط قبل الإشهاد فلا ضمان عليه و إن سقط بعد الإشهاد ضمن إذا لم يفرغ ذلك الموضع عن الحائط مع القدرة عليه يصير جانيا إن تلف به إنسان كانت الدية على عاقلته و إن أتلف مال إنسان كان ضمانه على صاحب الحائط في ماله و تعتبر القدرة على التفريغ من وقت الإشهاد إلى وقت السقوط من غير زوال القدرة فيما بين ذلك و صورة الإشهاد إذا كان مائلا إلى الطريق أن يقول له واحد من الناس إن حائطك هذا مائل إلى الطريق أو مخوف أو متصدع فاهدمه * و إن كان مائلا لملك الغير يقول له ذلك صاحب الدار * و شرط وجوب الضمان على صاحب الحائط المطالبة بالإصلاح و التفريغ و لا يشترط الإشهاد حتى لو طولب بالتفريغ و لم يفعل مع القدرة عليه كان ضامنا * و لو قيل له أن حائطك مائل ينبغي لك أن تهدمه كان ذلك مشورة و لا يكون طلبا و إشهادا * و تصح المطالبة بالتفريغ عند القاضي و عند غيره أو لم يكن هناك أحد * و إنما ذكر الإشهاد حتى لو أنكر صاحب الحائط الطلب يمكنه إثباته بالبينة * و إن شهد بالطلب رجلان أو رجل و امرأتان يثبت الطلب و يثبت أيضا بكتاب القاضي إلى القاضي * و لو أن صاحب الحائط باع الحائط بعد ما أشهد عليه برئ عن الضمان لأنه لا يبقى قادرا على الهدم بعد البيع * بخلاف ما إذا شرع كنيفا أو جناحا أو ميزابا أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الدار أو باع الخشبة فتلف بذلك إنسان أو مال إنسان كان ضامنا لأن ثمة مجرد إخراج الكنيف و وضع الحجر في الطريق جناية فلا يبطل البيع * و لو كان صاحب الحائط المائل عاقلا بالغا مسلما فأشهد عليه ثم جن جنونا مطبقا أو ارتد والعياذ بالله و لحق بدار الحرب و قضى القاضي بلحاقه فجاء مسلما فردت عليه الدار فسقط الحائط بعد ذلك و أتلف إنسانا كان هدرا لأنه لم يبق له ولاية الإصلاح بعد الردة و الجنون فلا تعود بعد ذلك * و كذا لو أفاق المجنون * و كذا لو باع الدار بعد أن أشهد عليه ثم ردت عليه بعيب بقضاء أو بغيره أو بخيار رؤية أو بخيار شرط للمشتري ثم سقط الحائط أو أتلف شيئا لا يجب الضمان إلا بإشهاد مستقبل بعد الرد * و لو كان الخيار للبائع فإن نقض البيع ثم سقط الحائط و أتلف شيئا كان ضامنا لأن خيار البائع لا يبطل ولاية الإصلاح فلا يبطل الإشهاد * و لو أسقط البائع خياره و أوجب البيع بطل الإشهاد لأنه أزال الحائط عن ملكه * و في إخراج الكنيف و الجناح و الميزاب لا يبطل الضمان بشيء من هذه الأسباب * و لو كان الحائط المائل رهنا فأشهد على المرتهن ثم سقط الحائط فأتلف شيئا كان هدرا لأن المرتهن لا يملك الإصلاح و المرمة * و لو أشهد على الراهن و سقط الحائط و أتلف شيئا كان ضامنا لأن الراهن لا يملك الإصلاح بأن يقضي دينه و يسترد الرهن * و لو كان الحائط المائل ميراثا لورثة فأشهد على بعض الورثة القياس أن لا يجب الضمان بسقوط الحائط لأن أحد الشركاء لا يملك نقض الحائط * و في الاستحسان يضمن هذا الوارث الذي أشهد عليه بحصة نفسه لأنه متمكن من أن يطلب من الشركاء ليجتمعوا على هدمه * و لو أشهد على من كان ساكنا في الدار التي حائطها مائل لا يصح الإشهاد عليه سواء كان ساكنا بأجر أو بغير أجر لأنه لا يتمكن من نقض الحائط * و لو أشهد على رب الدار صح الإشهاد حتى يضمن ما تلف بسقوط الحائط لأنه متمكن من النقض * و لو كانت الدار لصغير فأشهد على الأب او الوصي صح الإشهاد لأنهما يملكان الإصلاح فإن سقط الحائط أو أتلف شيئا كان الضمان على الصغير لأن الأب و الوصي يقومان مقامه و كان الإشهاد عليهما كالإشهاد على الابن بعد البلوغ فإن مات الأب أو الوصي بعد الإشهاد عليهما بطل الإشهاد حتى لو سقط الحائط بعد ذلك و أتلف شيئا كان هدرا لأن ولايتهما انقطعت بالموت * و في المنتقى رجل مات و ترك دار حائطها مائل إلى الطريق و لم يترك الميت شيئا سوى هذه الدار و عليه دين أكثر من قيمة هذه الدار و ترك ابنا لا وارث له سواه فإن الإشهاد في الحائط المائل يكون على الابن و إن لم يملكها الابن * و إن سقط الحائط بعد أن أشهد على الابن و أتلف شيئا إن أتلف إنسانا كانت الدية على عاقلة الأب لا على عاقلة الابن * و إن أشهد الرجل على حائط من دار في يده فلم يهدمه حتى سقط على رجل فقتله و أنكرت العاقلة أن تكون الدار له أو قالوا لا ندري أن الدار له أو لغيره فلا شيء عليهم حتى يقيم البينة على أن الدار له لأن قيام اليد على الدار و إن كان دليلا على الملك له ظاهرا إلا أن الظاهر لا يصلح حجة لوجوب المال على العاقلة فلا يجب المال على العاقلة إلا بإثبات ثلاثة أشياء * أحدها أن تكون الدار له * و الثاني أنه أشهد عليه في هدم الحائط * و الثالث أن المقتول مات بسقوط الحائط عليه * فإن أقر ذو اليد أن الدار له لم يصدق على العاقلة و لا يجب الضمان عليه قياسا لأنه أقر بوجوب الدية على العاقلة و المقر على الغير إذا كان مكذبا(3/286)
في إقراره لا يضمن شيئا * و في الاستحسان عليه دية القتيل إن أقر بالإشهاد عليه لأنه أقر على نفسه بالتعدي فإذا تعذر الإيجاب على العاقلة بطريق التخمل يجب عليه كمن أخرج جناحا من دار في يده فوقع الجناح على إنسان فقتله فقالت العاقلة ليست الدار له و إنه إنما أخرج الجناح بأمر صاحب الدار و ذو اليد يقر أن الدار له فإنه يضمن الدية في ماله و كذلك هنا * و إذا كان الرجل على حائط له و الحائط مائل أو غير مائل فسقط الحائط بالرجل من غير فعله و أصاب إنسانا فقتله كان ضامنا لما هلك بالحائط إن كان أشهد عليه في الحائط و لا ضمان عليه فيما سواه و إن كان هو سقط من الحائط على إنسان من غير أن يسقط به الحائط و قتل إنسانا كان ضامنا دية المقتول بمنزلة نائم انقلب على إنسان فقتله فإنه يكون ضامنا * و إن مات الساقط بمن كان في الطريق فإن كان ذلك يمشي في الطريق فلا ضمان عليه لأنه غير متعد في المشي في الطريق و لا يمكنه التحرز عن سقوط غيره عليه * و إن كان ذلك الرجل واقفا في الطريق قائما كان أو قاعدا أو نائما كان دية الساقط عليه لأنه متعد في الوقوف في الطريق و القعود و النوم فيكون ضامنا لما تلف به * و إن كان ذلك في ملكه لا ضمان عليه لانه لا يكون متعديا في الوقوف و القعود و النوم في ملكه و على الأعلى ضمان الأسفل إن مات الأسفل به في الأحوال كلها لان الأعلى مباشر قتل الأسفل و في المباشرة الملك و غير الملك سواء كمن نام في ملكه فانقلب على إنسان فقتله كان ضامنا لأنه باشر قتله * إذا شهد على الحائط المائل عبدان أو كافران أو صبيان ثم أعتق العبدان و أسلم الكافران و بلغ الصبيان ثم سقط الحائط المائل فأصاب إنسانا فقتله يضمن صاحب الحائط * و كذا لو سقط الحائط قبل عتق العبدين و إسلام الكافرين و بلوغ الصغيرين ثم شهدا جازت شهادتهما لأنهما من أهل الأداء * لقيط له حائط مائل فأشهد عليه فسقط الحائط و أتلف إنسانا كانت دية القتيل في بيت المال لان صاحب الدار كان متمكنا من الهدم و الإصلاح فإذا لم يفعل ضمن و يكون ضمان جنايته في بيت المال لان ميراثه يكون لبيت المال فجنايته تكون في بيت المال * و كذا الكفر إذا أسلم و لم يوال أحد فهو كاللقيط * حائط مال إلى دار قوم فأشهد عليه القوم أو أحدهم ثم سقط الحائط و أتلف شيئا من القوم أو من غيرهم كان ضامنا * و كذا العلو إذا وهى أو تصدع فأشهد أهل السفل على أهل العلو * و كذلك الحائط أعلاه لرجل و أسفله لآخر * و هذا بخلاف الحائط إذا كان مائلا إلى الطريق في حكمين أحدهما إن الإشهاد على الحائط المائل إلى ملك إنسان يكون من المالك لا من غيره و في الطريق يصح من كل واحد * و الثاني أن في الحائط المائل إلى ملك إنسان لو أخره صاحب الملك بعد الإشهاد أو أبرأه يصح و في الحائط المائل إلى الطريق لا يصح التأخير و الإبراء من الذي أشهد * حائط مائل لشريكين أشهد على أحدهما فهو بمنزلة الحائط المشترك بين الورثة إذا أشهد على أحدهم و قد ذكرنا ثم القياس و الاستحسان فهنا كذلك * حائط لرجل بعضه مائل إلى الطريق و بعضه مائل إلى دار قوم فأشهد عليه أهل الدار فسقط ما كان مائلا إلى الدار على أهل الدار كان صاحب الحائط ضامنا لأن الحائط واحد فصح الإشهاد من أهل الدار فيما كان مائلا إلى ملكهم و فيما كان مائلا إلى الطريق فأهل الدار من جملة العامة فصح(3/287)
إشهادهم * و إن كان الذي أشهد على صاحب الحائط من غير أهل الدار صح إشهاده فيما كان مائلا إلى الطريق و إذا صح الإشهاد في البعض صح في الكل * حائط بعضه صحيح و بعضه واه فأشهد عليه فسقط الواهي و غير الواهي و قتل إنسانا يضمن صاحب الحائط إلا أن يكون الحائط بحيث وهي بعضه ولم يه البعض فحينئذ يضمن ما أصاب الواهي منه ولا يضمن ما أصاب الذي لم يه لأن الحائط إذا كان بهذه الصفة يكون بمنزلة حائطين أحدهما صحيح و الآخر واه فالإشهاد يصح في الواهي لا في الصحيح * حائطان أحدهما مائل و الآخر صحيح فأشهد على المائل فلم يسقط وسقط الصحيح وأتلف شيأ كان هدرا * عبد تاجر له حائط مائل فأشهد عليه فسقط الحائط فأتلف إنسان كانت الدية على عاقلة مولاه كان على العبد دين أو لم يكن * وإن أتلف الحائط مالا فضمان المال يكون في عنق العبد يباع فيه * وإن أشهد على المولى صح الإشهاد أيضا لأنه إن لم يكن على العبد دين فالحائط يكون لمولاه وإن كان عليه دين كان لمولاه ولاية الاستخلاص بأن يقضي الدين من مال نفسه فيكون المولى بمنزلة المالك * سفل لرجل و علو لآخر و هى الكل فأشهد عليهما ثم سقط العلو و قتل إنسانا كان الضمان على صاحب العلو لأن العلو غير مدفوع بل سقط بنفسه فصح الإشهاد فيه على صاحبه فما هلك بالعلو يضمن صاحبه * رجل أشهد على حائط مائل له إلى الطريق فسقط الحائط على إنسان و قتله ثم عثر رجل بنقض الحائط و عطب و عثر رجل بالقتيل و عطب كان ضمان القتيل الأول و ضمان من هلك بنقض الحائط و ضمان من هلك بالقتيل الأول لا يكون على صاحب الحائط لأن رفع القتيل من الطريق يكون إلى أوليائه لا إلى صاحب الحائط و رفع النقض يكون على صاحب الحائط * و لو كان جناحا أخرجه إلى الطريق أو كنيفا فسقط و قتل إنسانا ثم عثر رجل بنقض الجناح و رجل بالقتيل فعطبا كان ضمانهما على صاحب الجناح و الكنيف لأن إخراج الكنيف و الجناح مباشرة للجناية فيجعل كأنه ألقى عليهما * و من ألقى شيئا في الطريق كان ضامنا لما هلك به و إن كان لا يملك رفعه * حائط لرجل فسقط قبل الإشهاد ثم أشهد على صاحبه في رفع النقض من الطريق فلم يرفع حتى عثر به آدمي أو دابة وعطب كان ضامنا * رجل أشهد عليه في حائط مائل له و سقط ذلك الحائط على حائط رجل آخر فهدمه ثم عثر رجل بنقض الحائط الأول و رجل بنقض الحائط الثاني فعطبا فضمان الحائط الثاني على صاحب الحائط الأول و له الخيار إن شاء ضمنه قيمة الحائط و ترك النقض عليه و إن شاء أخذ النقض و لا شيء له فيكون النقض لصاحبه فمن عثر بنقض الحائط الثاني فدمه هدر لأن نقض الحائط الثاني ملك لصاحبه و لا يملك صاحب الأول رفعه * و لو كان الأول أخرج جناحا يضمن الأول من عثر بالثاني و عطب و إن كان لا يملك رفعه * و لو كان الحائط الثاني ملك صاحب الحائط الأول يضمن أيضا صاحب الحائط من عثر بالثاني لأنه لا يملك رفعه عن الطريق و الله أعلم
(* كتاب الحدود *)(3/288)
الحدود خمسة حد الزنا و حد الشرب و حد القذف و حد السرقة و حد قطع الطريق * أما الزنا فهو إيلاج الذكر في قبل الأجنبية إن تمحض حراما يجب الحد و إن تمكنت فيه الشبهة لا يجب * و الشبهة ثلاثة * منها ما يمنع الحد إن قال علمت أنها علي حرام * و الثانية منها ما لا يمنع الحد و إن قال ظننت أنها تحل لي * و الثالثة تمنع الحد إن قال ظننت أنها تحل لي و يجب الحد إن قال علمت أنها علي حرام * أما الأول فرجل زنى بجارية ابنه أو ابن ابنه و إن سفل لا حد عليه و إن قال علمت أنها لا تحل لي * و منها إذا أبان امرأته بشيء من الكنايات ثم جامعها في العدة لا يجب الحد و إن قال علمت أنها علي حرام * و كذا لو جعل أمر امرأته بيدها فاختارت نفسها ثم جامعها في العدة لا يجب الحد و إن قال علمت أنها علي حرام * و كذا لو ارتدت المرأة و حرمت عليه أو حرمت بجماع أمها أو ابنتها أو بمطاوعتها ابن الزوج ثم جامعها و إن قال علمت أنها علي حرام لا حد عليه * و كذا لو تزوج أمة على حرة أو تزوج مجوسية أو خمسا في عقدة أو تزوج الخامسة في نكاح الأربعة أو تزوج بأخت امرأته أو بأمها أو تزوج امرأة لها زوج فجامعها و قال علمت أنها علي حرام أو تزوج امرأة بغير شهود أو تزوجها متعة أو تزوج أمة بغير إذن مولاها أو العبد تزوج امرأة بغير إذن مولاه و وطئها لا يجب الحد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في هذه الوجوه كلها و إن قال علمت أنها علي حرام * و كذلك لو تزوج بذات رحم محرم نحو البنت و الأخت و الأم و العمة و الخالة و جامعها لا حد عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و إن قال علمت أنها علي حرام * عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى العقد و إن كان حراما عند الكل فوطئها لا يجب الحد * و عند صاحبيه رحمهما الله تعالى إن علم بالحرمة يجب الحد و إن لم يعلم لا يجب * و لو استأجر امرأة ليزني بها و زنى بها لا يحد في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و إن استأجرها للخدمة فزنى بها يحد * و لو تزوج امرأة لها زوج فوطئها لا حد عليه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى و إن لم يدع الحل * و لو طلق امرأته ثلاثا ثم وطئها في العدة إن كان طلقها ثلاثا جملة لا حد عليه * جارية الرجل إذا جنت جناية عمدا ثم زنى بها ولي الجناية لا حد عليه عند الكل * و إن كانت الجناية خطأ فزنى بها ولي الجناية قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى عليه الحد اختار مولاها الدفع أو الفداء * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى إن اختار الدفع لا حد عليه و إن اختار الفداء عليه الحد * و إذا قبل الرجل أجنبية عن شهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة ثم تزوج أمها أو ابنتها فدخل بها لا حد عليه و إن قال علمت أنها علي حرام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و لا يبطل إحصانه بهذا الوطء حتى يجب الحد على قاذفه * و لو وطئ امرأته أو مملوكته و هي حائض أو نفساء أو صائمة صوم الفرض أو محرمة أو آلى منها أو ظاهر منها أو حرمت عليه امرأته بوطء الغير عن شبهة فوطئها في العدة لا حد عليه * و كذا لو وطئ أمة و هي حرام عليه برضاع أو صهرية أو كانت الأمة مجوسية أو مرتدة أو وطئ مكاتبته أو معتقة البعض و قال علمت أنها علي حرام لا حد عليه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و كذا لو وطئ جارية مكاتبه أو جارية عبده المأذون و عليه دين أو لا دين عليه علم بالحرمة أو لم يعلم * و الجد من قبل الأم إذا وطئ جارية ولد ولده حال قيام الأب لا حد عليه و إن علم أنها حرام * و الواحد من البالغين إذا وطئ جارية من الغنيمة قبل القسمة لا حد عليه و إن علم أنها حرام * و البالغة العاقلة إذا دعت صبيا فجامعها لا حد عليها علمت بالحرمة أو لم تعلم و عليها العدة و لا مهر لها * و البالغ الصحيح إذا زنى بصبية أو مجنونة أو نائمة عليه الحد و لا حد عليها * و لو أكرهت المرأة على الزنا لا حد عليها عند الكل * و الرجل إذا اكره على الزنا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى آخرا و هو قول صاحبيه رحمهما الله تعالى لا حد عليه * و كان يقول أولا و هو قول زفر رحمه الله تعالى عليه الحد * و الحربي المستامن إذا زنى في دارنا بمسلمة أو ذمية قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يحد الرجل و تحد المرأة * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يحدان جميعا * و قال محمد رحمه الله تعالى لا يحدان * و لو كانت المرأة حربية مستأمنة فزنى بها مسلم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يحد الرجل و لا تحد المرأة و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يحدان جميعا * إذا وطئ الرجل أم ولد ابنه فقال علمت أنها علي حرام لا حد عليه و لو وطئ امرأة ابنه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في المجرد إن قال ظننت أنها تحل لي لا يحد * و إن قال علمت أنها علي حرام يحد * و إن وطئ الابن امرأة أبيه حد و إن قال ظننت أنها تحل لي * و لو تزوج الرجل امرأة أبيه بعد موت الأب فولدت منه قال أبو بكر البلخي رحمه الله تعالى إن أقر بالوطئ أربع مرات في مجالس مختلفة حدا جميعا(3/289)
و لا يثبت نسب الولد قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا قول أبي يوسف و محمد رحمهما الله تعالى و به نأخذ * رجل زنى بامرأة ميتة اختلفوا فيه * قال أهل المدينة يحد * و قال اهل البصرة يعزر و لا يحد * قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى و به نأخذ * رجل زنى بصغيرة لا تحتمل الجماع فأفضاها لا حد عليه في قولهم ثم ينظر في الإفضاء إن كانت تستمسك البول كان عليه المهر بالوطء و ثلث الدية بالإفضاء * و إن كانت لا تستمسك البول كان عليه جميع الدية و لا مهر عليه في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و قال محمد رحمه الله تعالى عليه الدية و المهر أيضا * و لا يحرم عليه أمها و لا ابنتها بهذا الوطء في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى تحرم * رجل زنى بجارية مملوكة و قتلها بالجماع ذكر في الأصل أن عليه قيمتها و لم يذكر فيه خلافا * و ذكر أبو يوسف رحمه الله تعالى في الامالي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن عليه القيمة و الحد أيضا * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى عليه القيمة و لا حد عليه و هو الصحيح * رجل زنى بحرة و قتلها بالجماع كان عليه الدية و الحد * و لو جامع أجنبية في دبرها او غلاما في دبره قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يعزر أشد التعزير و لا حد عليه * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى عليهما الحد و الغسل في قولهم * رجل زفت إليه غير امرأته و لم يكن رآها قبل ذلك فوطئها كان عليه المهر و لا حد عليه * و ذكر في الرضاع أخوان أحدهما تزوج امرأة و تزوج الآخر أخت تلك المرأة ثم زفتا في ليلة واحدة فدخل كل واحد منهما بامرأة اخيه غلطا قال لا حد على واحد منهما و ترد كل امرأة إلى زوجها و لا يحل لزوجها أن يطأها ما لم تحض ثلاث حيض و على كل واحد منهما مثل مهر التي جامعها فإن أراد كل واحد منهما أن يمسك التي جامعها تزوجها بعد أن يطلقها زوجها و عليه للتي تزوجها مهران مهر بالدخول غلطا و مهر بالعقد و التي لم يجامعها نصف مهر مهرها بالطلاق قبل الدخول * رجل وجد على فراشه في ليلة مظلمة امرأة و له امرأة قديمة فجامع التي وجدها في فراشه و قال ظننت أنها امرأتي قالوا لا يقبل قوله و عليه الحد لانه ادعى الإشتباه فيما لا يشتبه ظاهرا * الأعمى إذا وجد امرأة في بيته فجامعها و قال ظننت أنها امرأتي كان عليه الحد و لو ان الأعمى دعا امراته فأجابته غيرها فجامعها قال محمد رحمه الله تعالى عليه الحد * و لو أجابته أجنبية فقالت أنا فلانة تعني امرأته فجامعها لا يحد و لو كان بصيرا لا يصدق على ذلك * الأعمى إذا وجد على فراشه أو في حجرته امرأة فجامعها و قال ظننتها امرأتي قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يحد و لا يعزر * و قال زفر رحمه الله تعالى لا حد عليه * رجل أعتق جارية مشتركة بينه و بين غيره ثم وطئها أحدهما ينظر إن كان المعتق موسرا و اختار الساكت تضمينه ثم زنى بها المعتق لا حد عليه * و إن زنى بها الذي لم يعتقها كان عليه الحد و إن كان الساكت اختار استسعاء الجارية بحكم الإعتاق ثم زنى بها الذي لم يعتقها لا حد عليه * و إن زنى بها المعتق كان عليه الحد * و هذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و قال صاحباه رحمهما الله تعالى يحد الواطئ بعد الإعتاق في الأحوال كلها * أربعة شهدوا على رجل بالزنا فأقر الرجل بعد شهادتهم بالزنا ثم أنكر و لم يقر أربع مرات فلا حد عليه * رجل قال زنيت بهذه المرأة فأنكرت المرأة الزنا لا حد عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى يحد * و كذا لو أقرت المرأة بالزنا و قالت زنيت بهذا الرجل فأنكر الرجل لا حد على واحد منهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و قالا تحد المرأة * و لو أقر الرجل و قال زنيت بهذه و قالت المرأة لا بل تزوجني فإنه لا يحد و لها عليه المهر * و كذا لو أقرت بالزنا أربع مرات في مجالس مختلفة و قال الرجل لا بل تزوجتها لا حد عليهما و لها عليه المهر * أربعة شهدوا على رجل بالزنا فنظروا إليها فإذا هي بكر فإنه لا حد عليه و لا على الشهود حد القذف * أربعة شهدوا على رجل أنه زنى بامرأة لا يعرفونها ثم قالوا بفلانة لا يحد الرجل و لا الشهود و لا المرأة * و لو أقر الرجل أربع مرات في مجالس مختلفة أنه زنى بامرأة و لم يعين المرأة حد الرجل * إذا أقر المجبوب بالزنا أو شهد عليه شهود لا يحد * و إن أقر الخصي بالزنا أو شهد عليه شهود يحد * و كذلك العنين و لو أقر الأخرس بالزنا أربع مرات في كتاب كتبه و إشارة لا يحد * الأعمى إذا أقر بالزنا فهو بمنزلة البصير في حكم الإقرار * عبد أقر بالزنا أربع مرات حد قال زفر رحمه الله تعالى إذا كذبه المولى لا يحد * و الذي يجن و يفيق إذا أقر بالزنا في حال إفاقته فهو بمنزلة الصحيح و كذلك إذا شهد عليه الشهود فهو كالصحيح * و لو أقر الرجل أربع مرات في مواضع مختلفة أنه زنى بفلانة يحد استحسانا في قول(3/290)
أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر و هو قول صاحبيه رحمهما الله تعالى * رجل باع جارية فوطئها قبل التسليم إلا المشتري أو كان البيع فاسدا فوطئها المشتري قبل القبض أو بعده لا حد عليه * و لو باع جارية على أنه بالخيار فوطئها المشتري أو كان الخيار للمشتري فوطئها البائع فإنه لا يحد علم بالحرمة أم لم يعلم * رجل زنا بأمة الغير ثم اشتراها أو بحرة ثم تزوجها فإنهما يحدان في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رواية لا يحدان و في رواية يحدان * و الحرة إذا زنت بعبد ثم اشترته فإنهما يحدان جميعا * أربعة شهدوا على رجل أنه زنى بهذه المرأة و شهد اثنان منهم أنه زنى بها في البصرة و شهد اثنان منهم أنه زنى بها في الكوفة لا حد على الرجل و لا على المرأة في قولهم * و لا يحد الشهود عندنا استحسانا * و القياس أن يحد الشهود حد القذف و هو قول زفر رحمه الله تعالى * و لو شهد أربعة على رجل أنه زنى بهذه المرأة فشهد اثنان منهم أنه استكرهها و شهد آخران أنها طاوعته لا حد على الرجل و لا على المرأة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و قال صاحباه رحمهما الله تعالى يحد الرجل و لا تحد المرأة * و لو شهد أربعة على رجل انه زنى بهذه المرأة عند طلوع الشمس بالحيرة و شهد آخران أنه زنى بها عند طلوع الشمس بدار هند فإنه لا حد على الرجل و لا على المرأة و لا على الشهود في قولهم * و لو شهد أربعة على رجل انه زنى بهذه المرأة و شهد اثنان منهم أنه زنى بها في هذا البيت من الدار و شهد آخران منهم أنه زنى بها في هذا البيت الآخر من الدار لا تقبل شهادتهم * و لو شهد أربعة على رجل بالزنا فشهد اثنان منهم أنه زنى بها يوم الجمعة و شهد آخران منهم أنه زنى بها يوم السبت أو شهد اثنان منهم أنه زنى بها في علو هذه الدار و شهد آخران أنه زنى بها في سفل الدار أو شهد أربعة على رجل بالزنا فشهد اثنان منهم أنه زنى بها في دار فلان و شهد آخران أنه زنى بها في دار هذا الرجل الآخر فإنه لا حد على المشهود عليه في هذه المسائل و لا على الشهود عندنا * و لو شهد أربع فشهد اثنان أنه زنى بهذه المرأة في هذه الزاوية من هذا البيت و شهد آخران انه زنى بها في زاوية أخرى من ذلك البيت يحد الشهود عليه و المرأة في قول أصحابنا رحمهم الله تعالى استحسانا * و في القياس لا يحد و قول زفر رحمه الله تعالى * و لو شهد أربعة على رجل أنه زنى بفلانة و فلانة غائبة ذكر في الجامع الصغير أنه يحد الرجل * أربعة شهدوا على رجل أنه زنى بامرأة و قالوا لا نعرفها ثم قالوا بفلانة فإنه لا يحد لا الرجل و لا الشهود * أربعة شهدوا على رجل بالزنا و هم عميان أو محدودون في قذف لا يحد المشهود عليه و يحد الشهود حد القذف و إن كانوا فساقا لا يحد الشهود أيضا * الشهادة على الزنا لا تقبل إذا كان الشهود أقل من أربعة * فإن كانوا أقل من أربعة حد الشهود حد القذف إذا طلب المشهود عليه * و لو جاء أربعة متفرقين فشهدوا على الزنا واحدا بعد واحد لا تقبل شهادتهم و يحدون حد القذف و إن كثروا و عن محمد رحمه الله تعالى إذا كانوا قعودا في موضع الشهود فقام واحد بعد واحد فشهدوا فالشهادة جائزة و إن كانوا خارجين من المسجد فدخل واحد فشهد و خرج ثم دخل آخر و شهد إذا دخل واحد بعد واحد و شهد تقبل
472
473
474(3/291)
و قال زفر رحمه الله تعالى لا حد على أحد و تكون الدية على الفريقين نصفين * و لو شهد أربعة بالزنا و الإحصان جميعا و عدلهم نفر فرجم ثم رجع المزكون عن التزكية قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى تجب الدية في أموالهم * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى لا يجب الضمان على المزكين و لو لم يرجع المزكون عن التزكية و لكن ظهر أن الشهود كانوا عبيدا أو كفارا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى تجب الدية على المزكين في أموالهم * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى تكون الدية في بيت المال * و لو شهدوا على رجل بالزنا و هو غير محصن فضربه الإمام فجرحته السياط أو مات ثم رجع الشهود أو ظهروا عبيدا لا شيء على أحد في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و قال صاحباه رحمهما الله تعالى إن رجعوا كان عليهم ضمان ما انتقص بالسياط * و إن ظهروا عبيدا فضمان النقصان يكون في بيت المال و كذا الدية إذا مات لأنه خطأ القاضي * و لو شهد أربعة بالزنا و الإحصان ثم رجع واحد إن رجع قبل القضاء حد الراجع في قولهم حد القذف * و يحد الباقون عندنا * و قال زفر رحمه الله تعالى لا يحد الباقون * و إن رجع بعد القضاء قبل الإمضاء حد الراجع في قولهم و يحد الباقون عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى في قوله الآخر * و قال أولا و هو قول محمد و زفر رحمهما الله تعالى لا يحد و لا حد على الباقين في قولهم * و إن رجع بعد القضاء و الإمضاء حد الراجع عندنا * و قال زفر رحمه الله تعالى لا يحد و لا حد على الباقين في قولهم * و على الراجع بعد القضاء ربع الدية في ماله في سنة واحدة في قولهم * و لو رجعوا جميعا بعد القضاء و الإمضاء حدوا جميعا عندنا و الدية في أموالهم * و من قضى القاضي عليه بالرجم إذا قتله قاتل لا قصاص عليه* و يرجم الرجل قائما و لا يمسك و لا يربط له و في المرأة إن شاء الإمام حفر لها و إن شاء لم يحفر * و يجرد الرجل في الحد و التعزير في سراويل واحد * و كذلك في حد الشرب في ظاهر الرواية و عن محمد رحمه الله تعالى لا يجرد في حد الشرب و لا يجرد في حد القذف و لكن ينزع عنه الحشو و الفرو * و المرأة لا ينزع عنها ثيابها في سائر الحدود و لكن ينزع عنها الحشو و الفرو * و تضرب المرأة قاعدة و حيضها لا يمنع إقامة الحد عليها إلا أنها إذا كانت حاملا لا ترجم حتى تضع حملها * و في الزنا إذا ضرب و بقي سوط واحد و رجع واحد من الشهود ضربوا جميعا حد القذف و يدرأ عن المشهود ما بقي من الحد * و لو رجمه الناس و لم يمت حتى رجع بعضهم يحد الشهود حد القذف * و يفرق الضرب على الأعضاء في الحد ما خلا الفرج و الوجه و الرأس وقال أبو يوسف يتقى الصدر و البطن أيضا * و ضرب التعزير يفرق على الأعضاء * و لا يبلغ التعزير أربعين سوطا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و المولى لا يقيم الحد على مملوكه و لا على مملوكته عندنا * و لا يقام الحد على النفساء حتى ينقضي النفاس و لا على مريض حتى يبرأ * و يقام الرجم في الأحوال كلها إلا الرجم على الحامل فإن ادعت أنها حبلى لا يقبل قولها إلا أن القاضي يريها لنساء فإن قلن هي حبلى حبسها إلى ان يستبين فراغ رحمها ثم يرجمها لأنه تيقن بكذبهن * و لا يضرب الحد بسوط له ثمرة * و إذا حكم القاضي على رجل بالزنا و الرجم بشهادة الشهود دون أذن للناس بالرجم ذكر في الكتاب أنهم يسعهم إن يرجموه و إن لم يعاينوا أداء الشهادة * و روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يسعهم ذلك ما لم يعاينوا أداء الشهادة أو يشهد به عدل آخر سوى القاضي عندهم و قال الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى الجواب فيه على التفصيل إن كان القاضي فقيها عدلا حل للسامع أنه يرجمه و إن لم يعاين شهادة الشهود و إن لم يكن عدلا فقيها أو كان عدلا غير فقيه أو فقيها غير عدل لا يسعهم حتى يعاينوا أداء الشهادة * و للمولى ان يضرب مملوكه و مملوكته ضرب التعزير * و لا يقام حد و لا قود و لا تعزير في المسجد و لكن القاضي يخرج من المسجد إذا أراد إقامة الحد بين يديه * رجل أقر عند القاضي بالزنا أربع مرات و أمر القاضي برجمه فقال و الله ما أقررت بشيء يدرأ عنه الحد و الله أعلم
(* فصل في حد القذف *)(3/292)
حد القذف يفارق حد الزنا فإن حد القذف لا يسقط بالتقادم و حد الزنا و الشرب يسقط * و لا يقام حد القذف إلا بطلب المقذوف و لا تقبل البينة عليه إلا بعد الدعوى * و لا يسقط هذا الحد بالعفو و لا بالإبراء بعد ثبوته * و كذا إذا عفا قبل الرافع إلى القاضي * و كذا لو صالح عن القذف على مال يكون باطلا يرد المال عليه و له أن يطالب بالحد بعد ذلك عندنا * و لو قذف حيا ثم مات المقذوف يبطل الحد و لا يورث عندنا * و لو مات المقذوف بعد ما أقيم عليه بعض الحد و بقي سوط يسقط الباقي * و لو قذف ميتا محصنا يحد بطلب الوارث * و يجوز التوكيل في إثبات القذف بالبينة في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يجوز * و لا يجوز التوكيل باستيفاء حد القذف و لو صدق المقذوف القاذف في القذف أو أقام القاذف بينة على صدق مقاله جاز و سقط الحد عن القاذف * و يثبت القذف بشهادة رجلين و لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال و لا بالشهادة على الشهادة و لا بكتاب القاضي إلى القاضي * و او ادعى المقذوف ان له بينة حاضرة على القذف في مصره يحبسه القاضي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلى قيام القاضي عن مجلسه يريد به أن يلازمه و لا يأخذ منه كفيلا بنفسه في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و لو أقام المقذوف شاهدا واحدا عدلا على القذف و قال لي شاهد آخر في المصر قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يحبسه القاضي * و كذا لو أقام المدعي شاهدين مستورين لا يعرفهما القاضي بالعدالة فإنه يحبسه * و قال أبو يوسف رحمه الله تعالى
لا يحبس بقول الواحد العدل * و لو قال مدعي القذف شهودي خارج المصر أو أقام شاهدا واحدا و ادعى أن بينته خارج المصر و طلب من القاضي حبس القاذف فإنه لا يحبسه * و لا يجب حد القذف إلا أن يكون المقذوف حرا ثبتت حريته بإقرار القاذف أو بالبينة إذا أنكر القاذف حريته * و كذا لو أنكر القاذف حرية نفسه و قال أنا عبد و علي حد العبيد كان القول قوله * و يشترط أن يكون المقذوف حرا مسلما عاقلا بالغا غير محدود في الزنا و يكون القاذف عاقلا حرا بالغا و أن يكون القذف صريحا و لا يكون كناية
(* فصل في الألفاظ التي توجب الحد و ما لا توجب و ما توجب التعزير و ما لا توجب *)(3/293)
* رجل قال لرجل يا زانية لا يكون قاذفا في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و قال محمد يكون قاذفا * و لو قال لامرأته يا زانية يجب الحد في قولهم * و لو قال للرجل يا ابن الزاني و الزانية يكون قاذفا لأبيه و أمه إن كانا حيين و إن كانا ميتين فطلب الحد يكون له * و لو قال لرجل يا ابن الزنا يكون قذفا * و لو قال يا ابن القحبة يعزر و لا يحد * و لو قال لامرأته يا خليلة فلان لا يحد و لا يعزر * و لو قال لرجل جدك زان لا حد عليه * و لو قال يا ابن ألف زان فهو قذف يحد و لو قال لأهل قرية ليس فيكم زان إلا واحد أو قال لرجلين أحدكما زان فقيل له هذا لأحدكما بعينه فقال لا لا حد عليه * و لو قال لرجل يا زاني فقال له غيره صدقت حد المبتدئ دون المصدق * و لو قال صدقت هو كما قلت فهو قاذف أيضا * و لو أن جماعة قالوا رأينا فلانا يزني بفلانة فيما دون الفرج لا حد على أحد لا على المقذوف و لا على الجماعة * و لو أن الجماعة قالوا رأينا فلانا يزني بفلانة و قطعوا الكلام ثم قالوا فيما دون الفرج كان عليهم حد القذف * رجل قاتل لامرأته يا زانية فقالت زنيت بك حدت المرأة دون الرجل و لو قال لامرأة يا زانية فقالت لا بل أنت الزاني حدا جميعا * و لو قال لامرأته أنت زانية فقالت أنت أزنى مني حد الرجل وحده * رجل قال لغيره أنت أزنى الناس أو قال أزنى من فلان كان عليه الحد * و لو قال أنت أزنى مني لا حد عليه * و لو أن رجلين استبا فقال أحدهما ما أنا بزان و لا أمي بزانية لا حد عليه * رجل قال من قال كذا و كذا فهو ابن الزانية فقال رجل قلت لا حد على المبتدئ * رجل قال لرجل يا لوطي لا حد عليه * و لو نسبه إلى اللواطة صريحا لا حد عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و قال صاحباه رحمهما الله تعالى يحد * و لو قال لغيره يا أخا الزانية أو يا عم الزانية لم يكن ذلك قذفا للمخاطب * رجل قال لغيره أنت تزني و أضرب أنا لا حد عليه * رجل قال لغيره يا زاني فقال عنيت الصعود في الجبل كان عليه الحد و نيته باطلة * و لو قال زنأت في الجبل و قال عنيت به الصعود حد في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و لا يحد في قول محمد رحمه الله تعالى * رجل قال لامرأته ما رأيت زانية خيرا منك لا حد عليه * رجل قال لامرأة زنى زوجك بك قبل أن يتزوجك كان قاذفا * رجل قال لغيره زنى فخذك أو ظهرك أو يدك لا حد عليه * و لو قال لامرأة وطئك فلان * و لو قال زنى فرجك كان قاذفا * و لو قال لامرأة زنيت و أنت مستكرهة أو معتوهة أو مجنونة أو نائمة لا حد عليه * و لو قال لامرأة وطئك فلان وطأ حراما أو فجر بك فجورا أو جامعك جماعا حراما لا حد عليه * و لو قال لأمة قد أعتقت زنيت و أنت أمة أو قال لكافرة بعد أن أسلمت زنيت و أنت كافرة كان عليه الحد * رجل قذف رجلا بغير العربية كان عليه الحد * رجل قال لغيره أخبرت أنك زان أو قال أشهدت على ذلك لا حد عليه و لو قال لغيره زنيت و فلان معك يكون قاذفا لهما * و لو قال عنيت و فلان معك شاهد لا يصدق * رجل قال لرجل يا ابن الزانيين و أمه التي ولدته مسلمة كان عليه الحد و إن كانت كافرة لا حد عليه * و لو قال يا ابن أم زانية يعتبر فيه حال الأم * رجل قال لرجل لست لابيك عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قذف كان ذلك في غصب أو رضا * و لو قال ليس هذا أبوك لأبيه المعروف فإن قال ذلك في حالة الرضا أو على وجه الاستهزاء لا يكون قاذفا * و لو قال ذلك في غضب أو كان على وجهه التعيير كان قذفا * و لو قال لست لأبويك فليس بقذف * و لو قال أنت ابن فلان لرجل أجنبي في الغضب فهو قاذف لأم المخاطب * و كذلك للرجل الأجنبي أيضا * و لو قال لست لأبيك و لا لأمك لا حد عليه * و لو قال أنت ابن فلان لعمه أو لخاله أو لزوج أمه لا حد عليه و كذا لو قال لجده لا حد عليه * و لو قال لعربي يا نبطي أو يا ابن الأقطع أو يا ابن الأعور أو لست لإنسان أو لست لرجل لا يكون قاذفا * رجل قذف ولده أو ولد ولده لا حد عليه * و إن قذف أباه أو أمه أو أخاه أو عمه حد * و لو قال لابنه يا ابن الزانية و أمه ميتة و لها ابن من غيره كان لذلك الابن أن يطلب الحد لأمه * و كذا لو قذف ميتا و للميت ابنان صدقه أحدهما كان للآخر أن يطلب الحد * رجل قال لمن وطئ امرأته الحائض أو أمته المجوسية يا زاني كان عليه الحد * و لو وطئ امرأة في نكاح فاسد أو وطئ جارية مشتركة بينه و بين غيره أو اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فقذفه إنسان و قال يا زاني لا يحد * و لو وطئ مجوسي أمه بنكاح ثم أسلم فقذفه إنسان حد قاذفه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و لو وطئ جارية أبيه فقذفه إنسان فقال له يا زاني عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يحد قاذفه * و لا رواية فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى * رجل تزوج أمة على حرة فوطئها أو وطئ أختين بملك اليمين فقذف إنسان حد قاذفه * رجل قال لغيره قل لفلان يا زاني فإن قال الرسول(3/294)
للمرسل إليه إن فلانا يقول لك يا زاني لا حد على أحد لا على الرسول و لا على المرسل * و لو أن الرسول لم يخبر عن المرسل و لكن قال للمرسل إليه يا زاني حد الرسول * رجل قال لمسلم لست أنت لأبيك و أبواه كافران لا يحد * رجل قال لعبده لست لأبيك و أبواه مسلمان و قد عتقا لا حد على المولى و إن عتق العبد بعد ذلك * رجل قذف ميتة لها ابن واحد فقال الابن صدقت ليس للابن أن يطلب الحد بعد ذلك * رجل قال لامرأة زنيت ببعير أو حمار أو بغل أو ثور حد القاذف و لو قال ذلك لرجل لا حد عليه * رجل قال لغيره يا ابن الحجام أو يا ابن الحائك لا حد عليه * و لو قال لرجل يا ابني لا حد عليه لأنه لطف * و لو قال يا يهودي أو يا نصراني أو يا مجوسي لا يحد * و كذا لو قال يا عابد الوثن أو يا ابن اليهودي أو يا ابن النصارى أو يا ابن المجوسي لا حد عليه * امرأة قدمت من بعض البلاد و معها أولاد صغار أو ولد واحد لا يعرف لهم أب فقال لها إنسان يا زانية لا حد عليه * رجل لاعن امرأته بولد ثم قذفها إنسان لا يحد و كذا لو قذفها إنسان لا يحد و كذا لو قذفها بعد موت الولد * و لو لاعن امرأته بغير ولد ثم قذفها إنسان يحد قاذفها * امرأة تحت زوج جاءت بولد فقال زوجها ليس هو ابني حد و لو قال هو ابني ثم قال ليس بابني ثم قال هو ابني لا يحد و الولد ولده * و لو قال ليس بابني و لا لأمه لا حد عليه و لا لعان * رجلان شهدا على رجل بأنه قذف فلان و اختلفا في الوقت أو في المكان جازت شهادتهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و يحد القاذف و قال صاحباه رحمهما الله تعالى لا تقبل شهادتهما و لا يجب الحد * و لو شهد أحدهما أنه قذف يوم الخميس و شهد آخر أنه أقر أنه قذفه يوم الخميس لا يجب الحد على القاذف في قولهم * و لو شهد أحدهما أنه بالعربية و شهد الآخر أنه قذفه بالفارسية أو بلغة أخرى لا تقبل شهادتهما * رجل قال لغيره أما أنا فلست بزان يريد به أنك زان لا حد عليه عندنا و قال مالك رحمه الله تعالى عليه الحد نوى القذف بالزنا أو لم ينو * و قال الشافعي رحمه الله تعالى إن قال نويت القذف بالزنا حد و إلا فلا * رجل قال لعبد الغير يا زاني فقال العبد لا بل أنت حد العبد لأنه قذف محصن و لا يحد الحر لأنه قذف غير محصن * رجل قال لغيره أشهد أنك زان فقال رجل آخر و أنا أشهد أيضا لا حد على الثاني إلا أن يقول و أنا أشهد عليه بمثل ما شهدت به فحينئذ يكون قاذفا * و لو قال لجل يا ابن الزنا أو يا ولد الزنا كان قاذفا أمه إن كانت محصنة حد * و لو قال لست لأبيك و أمه حرة و أبوه عبد و قد ماتت أمه يضرب الحد لأمه * رجل قال لآخر يا ابن الميزيقيا أو يا ابن ماء السماء لا حد عليه لأن العرب يذكرون هذا على وجه الثناء * رجل قال لغيره يا ابن الزانيين و قد مات أبواه و كان عليه حد واحد لأنه لو قذف حيين أو قذف جماعة لا يلزمه إلا حد واحد سواء قذف جماعة بكلمة واحدة أو قذف كل واحد بكلام على حدة سواء حضروا جميعا أو حضر واحد * و قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا قذف كل واحد منهم على حدة كان كل واحد منهم حد على حدة * و لو قذف رجلا فحد ثم قذف آخر حد للثاني * رجل قذف ميتا فلولده و ولد ولده و والده أن يأخذ القاذف بحده * و ولد الابن و ولد البنت فيه سواء في ظاهر الرواية * و لا يأخذ بذلك أخ و لا عم و لا جد أبو الأم و لا أم الأم و لا عمه و لا مولاه * و قال محمد رحمه الله تعالى لكل من يرثه و يورث منه أن يأخذ القاذف و يحده * و يجوز للأبعد أن يطالبه بالحد مع بقاء الأقرب فيكون ابن الابن أن يطالبه بالحد و إن كان الابن حيا عندنا * و قال زفر رحمه الله تعالى ليس للأبعد حق الطلب مع وجود الأقرب * و ليس لوصي الميت أن يطالبه بالحد و الوالد عبدا كان أم كافرا أو ذميا أو قاتلا للمقذوف له أن يأخذ القاذف بالحد إذا كان المقذوف حرا مسلما * و ليس للابن أن يطالب أباه و جده و إن علا * و لو قذف القاذف بعدما أقيم عليه حد القذف رجلا آخر يحد الثاني فإن ضرب بتسع و سبعين سوطا * ثم قذف آخر يضرب السوط الأخير لا غير *
(* فصل فيما يوجب التعزير و ما لا يوجب *)(3/295)
رجل قال لصالح يا فاسق يا فاجر يا خبيث يا خنزير يا حمار يا لص يا كافر يا مقبوح يا ابن القحبة يا ابن قرطبان يا من يعما عمل قوم لوط يا لوطي * أو قال أنت تلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر و هو بريء منه يا ديوث يا مخنث يا خائن يا مأوى الزواني أو يا مأوى اللصوص ذكر الناطفي رحمه الله تعالى أن عليه التعزير في هذه الألفاظ * و لو قال يا كلب يا تيس يا قرد يا ذئب يا حية يا ابن الحجام و أبوه ليس بحجام أو يا ابن الأسود و أبوه ليس كذلك أو يا حجام أو يا رستاقي او يا مؤاجر أو يا بغي يا ولد الحرام يا عيار و هو الذي يتردد بغير عمل يا مقامر يا ناكس يا منكوس يا سخرة يا ضحكة يا أبله يا كشخان يا موسوس ففي هذه كلها لا يجب التعزير * و لو قال الفاسق يا فاسق أو قال اللص يا لص لا يجب شيء * و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في بعض الروايات إذا قال يا بغل عليه الحد لأنه بلغة أهل عمان يا زاني * و عن محمد رحمه الله تعالى في رجل يشتم الناس و هو محترم له مروءة يوعظ و لا يحبس * و إن كان دون ذلك يؤدب و إن كان شتاما يضرب و يحبس * و ذكر الإمام القاضي الإسبيجابي رحمه الله تعالى إذا قال لامرأة يا روسبى يحد حد القذف و عن إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى إذا قال لامرأة يا روسبيج يكون قاذفا و التعزير حق العبد كسائر حقوقه يجوز فيه الإبراء و العفو و الشهادة على الشهادة و يجري فيه اليمين * رجل ادعى قبل إنسان شتيمة فاحشة و ادعى أنه ضربه و قال لي بينة حاضرة في المصر و طلب منه كفيلا بنفسه فإنه يؤخذ منه كفيل بنفسه إلى ثلاثة أيام فإن أقام على ذلك شاهدين أو رجلا و امرأتين أو شاهدين على شهادة رجلين يؤخذ منه كفيل بنفسه حتى يسأل عن الشهود و لا يحبس فإذا عدل الشهود يضرب أسواطا أدناه ثلاثة و أكثره تسعة و ثلاثون في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و عند أبي يوسف رحمه الله تعالى في ظاهر الرواية خمس و سبعون و في نوادر هشام تسع و سبعون و إن رأى الحاكم أن لا يضربه و يحبسه أياما عقوبة فعل * و إن كان المدعى عليه ذا مروءة و كان ذلك أول ما فعل يوعظ استحسانا و لا يعزر * و إن عاد إلى ذلك و تكرر منه روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يضرب * و ينبغي للحاكم أن يجتهد فيه * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن التعزير على قدر عظم الجريمة و صغرها على ما يرى الحاكم و على قدر احتمال المضروب * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى الرجل إذا كان يبيع الخمر و يشتري و يترك الصلاة يحبس و يؤدب ثم يخرج * و من يتهم بالقتل و السرقة و ضرب الناس يحبس و يخلد في السجن إلى أن يظهر التوبة * و أسباب التعزير منقسمة إن كان من جنس ما يجب به حد القذف يبلغ أقصى التعزير نحو أن يقول لذمية أو لأم ولد الغير يا زانية و إن كان من جنس ما لا يجب به حد القذف نحو أن يقول يا خبيث يا فاسق يا سارق لا يجب فيه أقصى التعزير و يكون ذلك مفوضا إلى رأي القاضي * و يضرب في التعزير قائما عليه ثيابه و ينزع عنه الحشو و الفرو * و لا يمد في التعزير * و ضرب التعزير أشد من ضرب الزاني * و ضرب الزاني أشد من ضرب الشارب و ضرب الشارب أشد من ضرب القاذف * و يفرق الضرب على الأعضاء إلا الرأس و الفرج و الوجه في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يتقي الوجه و الفرج و البطن و الصدر * و يضرب على الرأس و الكتفين و الذراعين و العضدين و الساقين و القدمين * و عن أبي بكر الاسكاف رحمه الله تعالى رجل له عبد أساء الأدب قال لا ينبغي له أن يضربه و لكن له أن يرفع الأمر إلى القاضي حتى يؤدبه القاضي * و هذا قول يخالف قول أصحابنا رحمهم الله تعالى * و عندنا المولى لا يقيم الحد على مملوكه و له أن يعزره * و كذا الزوج يضرب المرأة * رجل قبل امرأة أجنبية أو أمة أو عانقها أو مسها بشهوة يعزر * و كذا لو جامعها فيما دون الفرج فإنه يعزر و كذا إذا تلوط في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى إذا تلوط حد حد الزنا * و إن كان المفعول به بالغا عزر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و في قول صاحبيه يحد * و إن كان صبيا فلا شيء عليه * و لو قال لغيره يا كلب ذكرنا أنه لا يعزر * و عن الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى أنه يعزر لأنه يعد شتيمة في عرفنا * و الصحيح أنه لا يعزر لأنه كاذب قطعا فلا يلحق المقذوف شين بكلامه * و في قوله يا حمار يا خنزير يا بقر ذكرنا أنه يعزر و هو رواية الامالي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى * و في رواية محمد رحمه الله تعالى أنه لا يعزر لما قلنا في الكلب و هو الصحيح * و من أتى بهيمة يعزر فإن لم ينزل لا غسل عليه و عليه غسل الآلة إن كان متوضأ و لو أنزل كان عليه الغسل و لا يحد و لا كفارة عليه إن كان صائما في رمضان * و الذي يستعمل السحر فهو على وجوه إن كان يقول أنا أخلق و أفعل ما أريد ثم تاب و تبرأ عن ذلك و قال الله تعالى(3/296)
خالق كل شيء قبلت توبته و لا يقتل * و إن كان يستعمل السحر و يجحد و لا يدري كيف يفعل فإن هذا الساحر يقتل إذا أخذ و ثبت ذلك منه و لا تقبل توبته و ساحر يستعمل السحر للتجربة و الامتحان و لا يعتقده فإنه لا يكون كافرا * و حكي أنه كان ببغداد نصرانيان مرتدان إذا أخذا تابا و إذا تركا عادا إلى الردة قال أبو عبد الله البلخي رحمه الله تعالى يقتلان و لا تقبل توبتهما * و الحد الرابع حد شارب الخمر و حد السكران من سائر الأنبذة مثل الزبيبى و التمرى * فمن شرب من الخمر قطرة يحد ثمانين سوطا إن كان حرا و إن كان عبدا يضرب أربعين سوطا * و الخمر هي التي من ماء العنب إذا غلا و اشتد و قذف بالزبد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى إذا غلا و اشتد يصير خمرا و إن لم يقذف بالزبد * و إنما يجب الحد بشرب الخمر إذا شرب طائعا و يكفر مستحلها و لا يضمن بالإتلاف على مسلم و لا يجوز بيعها * و هي نجس العين مثل العذرة إذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم لا تجوز فيه الصلاة * و إن خلط الخمر بشيء من المائعات مثل الماء و اللبن و الدهن و غير ذلك و شرب إن كانت الخمر غالية و شرب منها قطرة حد و إن كانت الخمر مغلوبة لا يحل شربها و لا يحد ما لم يسكر * و فيما سوى الخمر من الأشربة المتخذة من التمر و العنب و الزبيب لا يحد ما لم يسكر * و اختلفوا في معرفة السكران * قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى السكران من لا يعرف الأرض من السماء و لا الرجل من المرأة و قال صاحباه إذا اختلط كلامه و صار غالب كلامه الهذيان فهو سكران * و الفتوى على قولهما * إذا شهد الشهود عند القاضي على رجل بشرب الخمر يسألهم القاضي عن الخمر ما هي ثم يسألهم كيف شرب لاحتمال أنه كان مكرها ثم يسأل متى شرب لاحتمال التقادم ثم يسألهم أنه أين شرب في دار الحرب * و لا يحد السكران حتى يصحو * و يشترط لإقامة الحد على شارب الخمر وجود الرائحة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و يثبت الشرب بالإقرار أو بالبينة إلا أن يتقادم و التقادم مقدر بشهر من يوم شرب في ظاهر الرواية فلا يشترط وجود الرائحة عند التقادم * و كذا لو أخذ السكران و حمل من مكان بعيد حتى ذهبت عنه الرائحة فلا يشترط وجود الرائحة في قولهم * و عند محمد رحمه الله تعالى لا يشترط وجود الرائحة أصلا * و إذا شهد شاهد على شرب الخمر و شاهد على الإقرار بالشرب لا يحد * و لو أقر بشرب الخمر مرة واحدة يحد في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و لا يحد في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى حتى يقر مرتين و لا يجب الحد على ثلاثة من السكارى في قولهم * إذا سكر من البنج اختلفوا في وجوب الحد عليه * و الصحيح أنه لا يحد * و لا يصح طلاقه و لا إعتاقه و لا بيعه و لا إقراره و لا إنكاره و لا ردته * و السكران مما سوى الخمر من الأشربة المتخذة من التمر و العنب و الزبيب يحد و يصح عنه هذه التصرفات إلا الردة فأنها لا تصح استحسانا * و التي من ماء العنب إذا غلا و اشتد و لم يقذف بالزبد فشربه إنسان و سكر لا يحد في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و حكمه حكم العصير عنده و على قول صاحبيه رحمهما الله تعالى حكمه حكم الخمر * و أما المتخذة من الحبوب و الفواكه كالحنطة و الشعير و الذرة و الأجاص و نحوها ما دام حلوا يحل شربه و إذا غلا و اشتد و قذف بالزبد فإن كان مطبوخا أدنى طبخة حل شربه في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى بمنزلة نقيع الزبيب إذا طبخ أدنى طبخة * و اختلف المشايخ في قول محمد رحمه الله تعالى عند البعض يحل شربه إلا القدح المسكر و الصحيح من قول محمد رحمه الله تعالى أنه يكره شربه * هذا إذا كان مطبوخا أدنى طبخة و إن لم يطبخ فغلا و اشتد و قذف بالزبد عن أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى فيه روايتان * و الصحيح أنه يحل شربه إلا القدح المركز * و السكر حرام بالإجماع * و اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في وجوب الحد عند السكر من هذه الأشربة حكى عن الفقيه أبي جعفر رحمه الله تعالى أنه قال لا يحد كما لا يحد من زال عقله بالبنج و لبن الرماك * و أما تصرفات السكران من هذه الأشربة فالصحيح أنها لا تنقذ كما لا تنقذ من الذي زال عقله بالبنج و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية فمن زال عقله بالبنج إن علم أنه بنج حين أكل يقع طلاقه و عتاقه و إن لم يعلم لا يقع و الصحيح أنه لا يقع على كل حال و ما زاد على هذا من مسائل الأشربة فهو مذكور في كتاب الأشربة * و إذا ألقى السمك في الخمر فصار مربى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الامالي إن كانت الغلبة للخمر فلا بأس به و إن كانت الغلبة للسمك فلا خير فيه * و إنما قال ذلك لان الغلبة إذا كانت للخمر حتى صار خلا أو مربى تحولت إلى الخل أو المربى بقوة نفسه و طبعه * فيصير السمك تبعا أما إذا كانت الغلبة للسمك يصير حكمه حكم الغالب فيكون السمك نجسا * الحد الخامس حد السرقة *(3/297)
و حدها قطع اليد اليمنى في المرة الأولى و الثانية الرجل اليسرى ثم لا يقطع بعد ذلك عندنا و يحبس حتى يتوب * و في أي قدر من المال يقطع و من أي حرز يقطع فهي مذكورة في السرقة * و أما حد قطاع الطريق فهو على ثلاثة أوجه إن أخذ المال و قتل أبو حنيفة رحمه الله تعالى تقطع يده و رجله من خلاف ثم يصلب حيا و يطعن تحت يده اليسرى حتى يموت و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله تعالى يصلب حيا و لا يفعل به شيئا آخر و إن أخذ المال و لم يقتل يقطع يده و رجله من خلاف دفعة واحدة ويخلى سبيله * و إن قتل و لم يأخذ المال يقتل قصاصا و لا يفعل به غير ذلك * و إن خرج على القافلة في الطريق و أخاف الناس و لم يأخذ المال و لم يقتل فإنه يعزر و يخلى سبيله و الله أعلم
كتاب الإكراه *)
لا يتحقق إلا من السلطان في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى يتحقق من كل متغلب يقدر على تحقيق ما هدد به و عليه الفتوى * و إن غاب المكره على بصر من أكرهه يزول الإكراه * و نفس الأمر من السلطان من غير تهديد يكون إكراها * و عندهما إن كان المأمور يعلم انه لو لم يفعل ما أمره به يفعل به ما يفعل السلطان كان أمره إكراها * ثم الإكراه على نوعين أما إن هدده بوعيد قيد أحبس أو هدده بقتل أو إتلاف عضو كالسمع و البصر و اللسان و ما أشبه ذلك نحو الأصابع و الأعضاء فالإكراه بوعيد الحبس و القيد يظهر في الأقوال نحو البيع و الإجارة و الإقرار و نحو ذلك * و لا يصح منه هذه التصرفات * و لا يظهر في الأفعال حتى لو أكره بوعيد قيد أو حبس على أن يطرح ماله في الماء أو في النار أو يدفع ماله إلى فلان ففعل المأمور ذلك لا يكون مكرها و الإكراه بوعيد القتل و إتلاف العضو يظهر في الأقوال و الأفعال جميعا * و تصرفات المكره على نوعين منها ما يصح منه و منها لا يصح * أما الأول إذا أكره على النكاح فتزوج صح نكاحه عندنا * و قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح * و كذا لو أكره على الطلاق و العتاق فطلق أو أعتق يقع طلاقه و عتاقه عندنا * و لو أكره ليقر بالطلاق فأقر لا يقع كما لو أقر بالطلاق هازلا أو كاذبا * و كذا لو أكره ليقر بعتاق أو نذر أو حد أو قطع أو نسب فأقر بذلك لا يلزمه شيء * و لو أكره ليجعل طلاق امرأته و عتق عبده بيد امرأته أو بيد عبده أو بيد غيرهما فطلق المفوض إليه أو أعتق يقع الطلاق و العتاق و يرجع المأمور على الآمر في الطلاق قبل الدخول بنصف المهر و بقيمة العبد و قال زفر رحمه الله تعالى لا يرجع * إذا أكره الرجل أن يراجع امرأته المطلقة ففعل صحت الرجعة و يعود النكاح * و على قول الشافعي رحمه الله تعالى لا تصح الرجعة * و لو أكرهت المرأة على إرضاع صغير أو أكره الرجل على أن يرضع من لبن امرأته صغير ففعل ثبت أحكام الرضاع * و لو أكره الرجل على أن يحلف أن لا يدخل دار فلان فحلف ينعقد اليمين حتى لو دخل كان حانثا * و كذا لو أكره على مباشرة شرط الحنث بأن كان حلف أولا أن لا يدخل دار فلان أو لا يكلم فلانا أو نحو ذلك ثم أكره على الدخول و الكلام ففعل كان حانثا * و إذا تزوج الرجل امرأة و لم يدخل بها فأكره على الدخول بها ثبت أحكام الدخول من تأكد المهر و وجوب العدة و حرمة نكاح بنتها و غير ذلك * و لو كان لرجل على رجل قصاص فأكره على أن يعفو عن دم العمد ففعل قيل بأنه يصح عفوه * و إذا أجبر الكافر على الإسلام فأسلم صح إسلامه فإن ارتد بعد ذلك يجبر على الإسلام و لا يقتل * و أما ما لا يصح من المكره من التصرفات * إذا أكره الرجل أن يزوج ابنته الصغيرة من رجل ليس بكفء لها أو بأقل من مهر مثلها ففعل فإن كان النكاح بأقل من مهر مثلها لا ينفذ النكاح إلا أن يبلغ مهر مثلها و إن لم يكن كفؤا لا يصح النكاح * وإن كانت المرأة بالغة فأكرهت هي ووليها على النكاح ففعلا إن لم يكن الزوج كفؤا كان للمرأة أن ترد*وان رضيت المرأة كان للولى أن يرد وان كان النكاح بمهر قاصر للمرأة أن تردّ *فان رضيت(3/298)
فللولى أن يرد في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى خاصة*وعند صاحبيه رحمهما الله تعالى ليس للولى أن يرد*وعندهما للولى حق الرد لعدم الكفاءة وليس له ولاية الرد بنقصان المهر*اذا اكره الرجل بوعيد قيد أو حبس على قتل مسلم ففعل لا يصح الاكراه وعلى القاتل القصاص فى قولهم فان اكره بقتل أو اتلاف عضو ففعل قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يصح الاكراه ويجب القصاص على المكره دون المأمور*وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يصح الاكراه ولا يجب القصاص على أحد وكان على الآمر دية المقتول فى ماله ثلاث سنين*وقال زفر رحمه الله تعالى الاكراه باطل ويجب القصاص على القاتل وهو المأمور*وقال مالك والشافعى رحمهما تعالى يقتلان جميعا*السلطان اذا قال لرجل اقطع يد فلان هذا والا قتلتك وسعه ان يقطع*واذا قطع كان على الآمر القصاص فى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى*ولا رواية فبها عن أبى يوسف رحمه الله تعالى*ولو قال السلطان لرجل ألق نفسك في هذه النار والا قتلتك ينظر ان كانت النار قد ينجو منها وقد لاينجو وسعه أن يلقى نفسه فيها*وان ألقى فيها ومات كان على الآمر القصاص في قول أبى حنبفة ومحمد رحمهما الله تعالى*وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى فى رواية قال يجب القصاص وفى رواية لايجب*وتجب الدية فى ماله وان كانت النار بحيث لا ينجو منها لكن فى القاء النفس قليل راحة كان له أن يلقى فيها نفسه فيها فقيل بأن هذا قول أبىيوسف رحمه الله تعالى*وان ألقى نفسه فيها فهلك كان على الآمر القصاص في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قول أبى يوسف رحمه الله تعالى تجب الدية في مال الآم ولا قصاص ولا يغسل هذا الميت *وان لم يكن له فى القاء النفس قليل راحة ولا ينجو منها لايسعه أن يلقى نفسه فان ألقى نفسه فيها فهلك يهدر دمه فى قولهم*ولو قال السلطان لرجل لتلقين نفسك من شاهق الجبل والاقتلتك فان لم يكن له فى الالقاء أدنى راحة لايسعه الالقاء*فان ألقى يهدر دمه*وان كان له فيه أدنى راحة وسعه أن يلقى نفسه فى قياس أبى حنيفة رحمه الله تعالى فان ألقى نفسه فهلك فديته على عاقلة الآمر*وفى قول صاحبيه رحمهما الله تعالىلا يسعه أن يلقى نفسه*فان فعل وهلك كان على الآمر القصاص*وهى فرع مسئلة القصاص بالمثقل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ذلك لايوجب القصاص ويوجب الدية وعندهما يوجب وفعل المأمور كفعل الآمر*ولو ألقاه الآمر عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يجب القصاص وتجب الدية وعندهما يجب القصاص وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى فى رواية على الآمر ديته فى ماله فان كان يخاف منه الهلاك ويرجو النجاة فألقى نفسه فهلك كانت الدية على عاقلة الآمر فى قولهم لانه كقاتل الخطأ*ولو قال السلطان لرجل ألق نفسك فى هذا الماء وإلا قتلتك ان كان يعلم انه لا ينجو لا يسعه أن يفعل فان فعل يهدر دمه*وان كان له فيه أدنى راحة وسعه ذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا يسعه فان هلك كانت الدية على عاقلة الآمر في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما لو ألقاه الآمر بنفسه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ديته على الآمر في ماله ولا قصاص وقال محمد رحمه الله تعالى علبه القصاص وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في رواية مثل قول محمد رحمه الله تعالى*واذا أكره على شراء شئ من الأشياء أو بيع بوعيد قتل أو تلف عضو أو قيد او حبس فباع او اشترى ان باع مكرها وسلم طائعا جاز البيع عندنا*ولو أكره على هبة أو صدقة ان وهب مكرها أو تصدق وسلم طائعا كان باطلا وان باع مكرها وسلم مكرها لا يجوز البيع ويملكه المشترى اذا قبض عندنا حتى لو أعتقه ينفذ إعتاقه*وكذا لو تصرف المشترى تصرفا لا يحتمل النقض ينفذ تصرفه وكان عليه قيمة المبيع*ولو أجاز البائع البيع بعد زوال الإكراه والمبيع قائم صحت إجازته*ولو تصرف المشترى تصرفا لا يحتمل النقض ثم أجاز البيع لا تصح إجازته ويضمن المشترى قيمته*ولو كان المشترى مكرها دون البائع فهلك المشترى عند المشترى ان هلك من غير تعد يهلك أمانة*ولو كان البائع مكرها والمشترى غير مكره فقال المشترى بعد القبض نقضت البيع لا يصح نقضه*وان نقض قبل القبض صح نقضه *ولو كان المشترى مكرها والبائع غير مكره فلكل واحد منهما حق الفسخ قبل القبض وبعد القبض يكون الفسخ الى المشترى دون البائع*ولو باع مكرها فقبضه المشترى وباعه من غيره وترادفت عليه العقود فللبائع أن يفسخ فان أجاز واحدا من العقود كلها ما قبله وما بعده*ولو أعتق المشترى الآخر قبل اجازة البائع جاز العتق على الذي أعتق قبض أو لم يقبض*وان أجاز البائع البيع الاول بعد ذلك لاتصح إجازته وكان له الخياران شاء ضمن المشترى الاول وان شاء ضمن غيره فان ضمن المشترى الاول جازت البياعات كلها وان ضمن غيره يجوز كل بيع بعد ذلك ويبطل كل بيع كان قبله*ولو أكره السلطان رجلا على الشراء والقبض ودفع الثمن والبائع غير مكره فلما اشترى المكره وقبضه أعتقه أو دبره أو(3/299)
كانت أمة فوطئها أو قبلها بشهوة كان اجازة للشراء*ولو أن المشترى اشترى ولم يقبض حتى أعتقه البائع نفذ عتقه وبطل البيع وان أعتقه المشترى قبل القبض نفذ اعتاقه استحسانا*ولو أعتقا معا قبل القبض كان اعتاق البائع أولى*ولو كان البائع مكرها والمشترى غير مكره لا يصح اعتاق المشترى قبل القبض ويصح بعد القبض فان أجاز البائع بعدما أعتقه المشترى ينفذ البيع ولا ينفذ العتق قبل القبض ولو كان البائع والمشترى جميعا مكرهين فان أجازا البيع بغير اكراه جاز وان أجاز أحدهما بطل خياره ويبقى خيار الآخر ولو أكره على بيع جازيته ولم يسم أحدا فباعها من انسان كان فاسدا ولو أكره على البيع فوهب جازه ولو أكره على هبة جاريته لعبد الله وزيد جازت الهبة فى حصة زيد وبطلت فى حصة عبد الله*رجل أكره على شراء جارية بعشرة آلاف درهم وقيمتها ألف فاشتراها بأكثر من عشرة آلاف أو أكره صاحب الجارية على بيعها بألف وقيمتها عشرة آلاف فباعها بأقل من ألف جاز استحسانا وهو قول علمائنا رحمهم الله تعالى ولا يجوز قياسا وهو قول زفر رحمه الله تعالى*ولو أكره على بيع جارية بألف درهم فباعها بدنانير قيمتها ألف درهم فسد البيع في قول علمائنا رحمهم الله تعالى وجاز في قول زفر رحمه الله تعالى*ولو أكره على البيع بألف درهم فباعها بعرض أو حيوان قيمته ألف درهم أو أكره على أن يقر بألف درهم فأقر بمائة دينار قيمتها ألف درهم نفذ البيع والاقرار في قولهم*ولو أكره على البيع بألفي درهم جاز بيع الكل لانه يخالف المكره لفظا وقصدا*ولو أكره الرجل على أن يقر لفلان بألف درهم فأقر بخمسمائة درهم لا يصح استحسانا ولا يلزمه المال*ولو أقر بألفي درهم أو بألف وخمسمائة لزمته الزيادة على ما كان مكرها ولا يلزمه قدر ما كان مكرها فيه*ولو اكره على أن يقر لفلان هذا ولفلان الغائب بألف درهم فأقر فان حضر الغائب وادعى الشركة فى المال المقر به فالإقرار باطل فى قولهم*وان انكر شركة الحاضر الذى كان الإكراه لأجله كان الإقرار باطلا فى قول أبي حنيفة وابى يوسف رحمهما الله تعالى*وقال محمد رحمه الله تعالى يصح فى حصة الغائب*ولو أكره السلطان رجلا أن يقطع يد رجل فقطع ثم قطع رجله أو يده الاخرى بغير اكراه فمات من ذلك كله قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يقتل الآمر والمأمور جميعا*وقال أبو يوسف رحمه الله لا قصاص على أحد وتجب الدية عليهما في مالهما*ولو أكره الرجل بهبة نصف داره فوهب كلها لا تجوز الهبة استحسانا*وكذا لو أكره على بيع نصف داره فباع الكل لا يجوز عندنا استحسانا*ولو أكره على أن يبرئ الغريم من الدين ففعل لا يصح الإبراء*ولو أكره على أن يخرج الكفيل بالنفس أو بالمال من الكفالة لا يصح ذلك لان هذا مما يتعلق بالرضا فانه لو قال للكفيل أخرجتك عن الكفالة فقال الكفبل لا أخرج لم يصر خارجا عن الكفالة*ولو أكره الشفيع على أن يسكت عن طلب الشفعة فسكت لا تبطل شفعته*ولو أكره ليقر بغصب أو اتلاف الوديعة فأقر لا يصح اقراره*ولو أكره القاضي رحلا ليقر بالسرقة أو بقتل رجل عمدا أو قطع يد رجل عمدا فاقر بالسرقة أو بقطع يده أو بقتله فقطعت يده أو قتل ان كان المقر موصوفا بالصلاح معروفا به فانه يقتص من القاضي وان كان متهما بالسرقة والقطع والقتل القياس يقتص من القاضي ولا يقتص استحسانا* و إذا أكره الرجل على أن يودع ماله عند فلان أو أكره المودع على الأخذ صح الإيداع و يكون أمانة عند الآخذ * و إن أكره القابض على القبض ليدفعها إلى الآمر المكره فقبضها و ضاعت في يد القابض إن قال القابض قبضتها حتى أدفعها إلى الآمر المكره كما أمرني به فهو داخل في الضمان * و إن قال قبضتها حتى أردها إلى مالكها كانت أمانة عنده لو تلفت لا ضمان عليه و يكون القول قوله في ذلك * و كذا القول في الهبة إذا أكره الواهب على الهبة و أكره الموهوب له على القبض فتلف المال عند الموهوب له كان القول قول الموهوب له و إذا أكرهت المرأة لتقبل من زوجها تطليقة بألف فقبلت يقع تطليقة رجعية و لا يلزمها المال كالصغيرة أو المجنونة إذا اختلعت من زوجها بمال يقع الطلاق و لا يلزمه المال ثم ينظر إن كان الطلاق بائنا و إن كان بلفظة الطلاق بعد الدخول يكون رجعيا فلو أن المرأة أجازت الطلاق بعد ذلك بالمال الذي أكرهت عليه صحت إجازتها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و يلزمها المال و يصير الطلاق بائنا * و في قول محمد رحمه الله تعالى الإجازة باطلة و الطلاق رجعي * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى فيه روايتان في رواية كما قال محمد رحمه الله تعالى و في رواية كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى و هذا بناء على أن الرجل إذا طلق امرأته رجعيا ثم جعله بائنا يصير بائنا عند أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و على قول محمد رحمه الله تعالى لا يصير * و لو جعله ثلاثا يصير ثلاثا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و في قولهما لا يصير * و لو قال لامرأته أنت طالق على(3/300)
ألف درهم على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت يقع الطلاق و لها الخيار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى * و لو شرط الخيار للزوج لم يكن له الخيار في قولهم * و إذا أكره الرجل امرأته بضرب متلف لتصالح من الصداق أو تبرئه كان إكراها لا يصح صلحها و لا إبراؤها في قول أبي يوسف و محمد رحمه الله تعالى لأن عندهما يتحقق الإكراه من غير السلطان في أي مكان يقدر الظالم على تحقيق ما هدد به * و عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يتحقق الإكراه من غير السلطان في المفاوز و القرى ليلا كان أو نهارا و في المصر يتحقق في الليل و لا يتحقق في النهار * و إن أكره الزوج امرأته و هددها بالطلاق أو بالتزوج عليها أو بالتسري لا يكون إكراها * و إن أكره الرجل على أن يقر بالمال قال بعضهم إذا أكرهه و هدده بما يخاف منه الضرر البين يكون إكراها و لم يذكر محمد رحمه الله تعالى في ذلك حدا * قالوا وهو مفوض إلى رأي الحاكم * أما الضرب بسوط واحد أو بحبس يوم أو قيد يوم لا يكون إكراها في الإقرار بألف * رجل أكره على أن يجامع امرأته في رمضان نهارا أو يأكل أو يشرب ففعل لا كفارة عليه و عليه القضاء * و لو أفطر الرجل متعمدا في رمضان بغير إكراه ثم أكرهه السلطان على السفر في ذلك اليوم روى ابن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه تسقط عنه الكفارة * و إذا ألزم المكره بمباشرة ما أكره عليه هل يرجع بذلك على المكره فهو على قسمين في قسم يرجع و في قسم لا يرجع * أما القسم الأول إذا أكره ليطلق امرأته قبل الدخول بها فطلق يقع الطلاق و يرجع بنصف المهر على المكره إن كان المهر مسمى و بالمتعة إن لم يكن المهر مسمى * و كذا لو أكره ليقر لفلان بمال فأقر و أخذ فلان منه المال فغاب المقر له بحيث لا يقدر عليه أو مات مفلسا كان للمكره أن يرجع بذلك على المكره * و كذا لو أكره على إتلاف مال الغير فأتلف و ضمن كان له أن يرجع على المكره * و كذا لو أكره على أن يقطع يد نفسه بوعيد قتل أو بما يخاف به إتلاف عضو ففعل كان للمكره أن يرجع على المكره بالدية فيما لا يجب فيه القصاص و بالقصاص فيما يجب فيه القصاص * و كذا لو أكره على قتل عبده بقتل أو غيره لا يسعه أن يفعل لأنه مظلوم فلا يظلم غيره * و إن فعل كان له أن يرجع بقيمة العبد على المكره * و كذا لو أكره على إعتاق عبده فأعتق كان له أن يرجع على المكره بقيمة العبد و لا يرجع بذلك على العبد و لا سعاية عليه و ولاء العبد يكون له * كما لو شهد شاهدان على رجل بإعتاق عبده ثم رجعا بعد القضاء بالعتق كان الولاء للمولى دون الشاهدين * و لو كان العبد بين رجلين فأكره أحدهما على إعتاق نصيبه ففعل و هو معسر و اختار الشريك الساكت تضمين المكره كان للمكره أن يرجع على العبد * و لو أكره الرجل ان يهب عبده لفلان فوهب و سلم وغاب الموهوب له بحيث لا يقدر عليه كان للواهب أن يرجع على المكره بقيمة العبد * و كذلك في الصدقة * وكذا الرجل إذا أكره على بيع عبده و تسليمه إلى المشتري ففعل و غاب المشتري بحيث لا يقدر عليه كان للمكره أن يرجع على المكره بقيمة العبد * و إذا أكره الرجل أن يدبر عبده ففعل صح التدبير و يرجع بنقصان التدبير على المكره في الحال و إذا مات المولى يعتق المدبر و ترجع ورثة المولى بثلثي قيمته مدبرا على الآمر أيضا * و أما ما لا يرجع المكره فيه بما غرم على المكره * منها إذا أكره الرجل أن يعفو عن دم العمد ففعل صح عفوه * و لا يرجع على المكره و كذا إذا أكره الرجل أن يتزوج امرأة فتزوجها و دخل بها يجب المهر على الزوج و لا يرجع على المكره * و لو تزوج امرأة و دخل بها ثم أكره على طلاقها فطلق كان المهر على الزوج و لا يرجع على المكره فإن كان النكاح بأكثر من مهر مثلها لا يلزمه الزيادة * و كذا المرأة إذا أكرهت على النكاح ففعلت صح النكاح و لا ترجع على المكره * و كذا الرجل إذا أكره على بيع عبده بمثل قيمته ففعل لا يرجع * و كذا إذا أكره على الهبة بعوض يعد له فوهب و قبض العوض لا يرجع على المكره * و لو أكره على قبول الهبة بعوض ففعل لا يرجع * و لو أكره الرجل على قتل مورثه بوعيد قتل فقتل لا يحرم القاتل عن الميراث * و له أن يقتل المكره قصاصا لمورثه في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى * و لو كان المكره صبيا أو معتوها فحكمها في الإكراه حكم البالغ العاقل * و لو كان المكره غلاما أو معتوها له تسلط كان القاتل هو المكره لا المباشر للقتل فتكون الدية على عاقلة المكره في ثلاث سنين * و لو أكره الرجل على أن يشتري عبدا ذا رحم محرم منه أو أكره على شراء عبد حلف بعتقه إن ملكه و قد أكره على أن يشتريه بعشرة آلاف و قيمته ألف درهم فاشترى و قبض العبد يعتق العبد و يجب على المشتري ألف درهم لأنه مضمون عليه بقيمته و لا يرجع على المكره لأنه دخل في ملكه مثل ما وجب عليه من البدل فلا يرجع * كما لو قال إن تزوجت امرأة فهي طالق فأكره على أن يتزوج امرأة بمهر(3/301)
مثلها جاز النكاح و تطلق و لها نصف المهر و لا يرجع بذلك على المكره * و لو أكره الرجل على أن يقول كل مملوك أو ملكه فيما استقبل فهو حر فقال ذلك ثم ملك عبد أعتق و لا يرجع على المكره بشيء * و إن ورث عبدا بهذه الصورة عتق و يرجع على المكره بقيمة العبد استحسانا * و لو أكره الرجل على أن يقول لعبده إن شئت فأنت حر أو إن دخلت الدار فأنت حر ثم شاء العبد أو دخل الدار عتق و يرجع على المكره بقيمة العبد * و لو أكره على أن يعلق عتق عبده بفعل نفسه و ذلك الفعل أمر لا بد منه كصلاة الفرض و نحوها أو كان فعلا يخاف بتركه الهلاك على نفسه كالأكل و الشرب ففعل ذلك الفعل كان له أن يرجع على المكره * و إن أكره على أن يعلق عتق عبده بتقاضي دينه أو ما أشبه ذلك مما له منه بدلا يرجع على المكره و يكون ذلك بمنزلة الإكراه بوعيد الحبس * و لو أكره الرجل على أن يوجب على نفسه نذرا أو صدقة أو حجا أو شيئا من القرب ففعل ذلك لزمه المنذور و لا يرجع على المكره بشيء * و لو أكره على أن يظاهر امرأته ففعل كان مظاهرا * و كذا لو أكره على الإيلاء ففعل صح الإيلاء * و لو أكره على الطلاق و طلق يقع الطلاق فإن كان أكره على التكفير بعد ذلك من الظهار ففعل فإن كانت قيمة العبد مثل قيمة عبد وسط لا يرجع على المكره بشيء و إن كانت قيمته أكثر من قيمة الوسط يضمن المكره ما زاد على قيمة الوسط و الله أعلم *
(* فصل فيما يحل للمكره أن يفعل و ما لا يحل *)(3/302)
و مسائل هذا الفصل على أربعة أقسام * أحدها أن يكون الإقدام على الفعل أولى من تركه و بالترك يصير آثما كما لو أكرهه أهل الحرب أو اللص الغالب الذي هو غير متأول على أكل ميتة أو لحم خنزير أو شرب خمر و قال له لتفعلن هذا و إلا قتلتك أو قطعت يدك أو أذنك و أضربك مائة سوط فامتنع عن ذلك و لم يفعل حتى قتل مع علمه أنه لو امتنع عن ذلك قتل يكون آثما و إن كان لا يعلم أنه يقتل يسعه أن يفعل قال رجوت أن لا يكون آثما * و كذا الرجل إذا كان يموت جوعا و عنده لحم ميتة أو خنزير أو يموت عطشا و عنده خمر فهو على هذين الوجهين * و القسم الثاني ما يكون بالامتناع عن ذلك الفعل مأجورا و بالإقدام عليه لا يكون آثما و الترك أولى له * و صورة ذلك إذا أكره بقتل أو تلف عضو على أن يكفر بالله تعالى فأبى حتى قتل مع علمه أنه يسعه إجراء كلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان و لا يأثم فهو مرخص في ذلك و إن لم يفعل يكون أفضل * و لو كان الإكراه على هذا بقيد أو حبس لا يسعه إجراء كلمة الكفر و إن كان قلبه مطمئنا بالإيمان * و اما القسم الثالث ما يكون مأجورا بترك الفعل و بالإقدام عليه يصير آثما * و صورة ذلك إذا قال لآمر لأقتلنك أو لتقتل هذا المسلم أو تزني بهذه المرأة لا يسعه أن يفعل فإن فعل يصير آثما و إن لم يفعل و قتل يكون مأجورا * و أما القسم الرابع أن يكون الإقدام على الفعل و الامتناع عن الفعل سواء نحو الإكراه على إتلاف مال الغير * و لو قبل له لتشربن هذا الخمر أو لتأكلن هذه الميتة و إلا لأقتل أباك و أمك لا يسعه أن يشرب و لو شرب لا يحد * و لو قبل له لتكفرن بالله و إلا لأقتلن هذا الرجل لا يسعه ‘جراء كلمة الكفر و إن خاف القتل على غيره و يسعه ذلك إذا خاف القتل على نفسه أو تلف عضو منه و في جميع ما ذكرنا إنما يتحقق الإكراه إذا كان يعلم يقينا او يكون في غالب رأيه أنه لو لم يفعل ما أمره به أجرى عليه ما هدده به * و إن كان في غالب رأيه أن ذلك تخويف و تهديد و ليس بتحقيق لا يكون مكرها * و عن الحسن بن أبي مالك رحمه الله تعالى إذا قال الحربي لمسلم لو دفعت إلي هذه الجارية لأزني بها دفعت إليك ألف نفس من المسلمين تخلصهم من أسرنا لا يحل لهذا المسلم أن يدفع الجارية * و عن ابن شجاع رحمه الله تعالى أنه قال لو قال أهل الحرب لنبي من الأنبياء عليهم السلام و أخذوه إن قلت لست بنبي تركناك و إن قلت أنا نبي قتلناك لا يسعه سوى ان يقول أنا نبي الله و رسوله * و إن قالوا لغير النبي إن قلت ليس هذا بنبي تركنا نبيك و إن قلت إنه نبي قتلنا نبيك له أن يقول ليس بنبي حتى يدفع القتل عن النبي لأن في حق النبي لست بنبي كذب و قول النبي حجة على الخلق فلا يباح الكذب في حق الأنبياء أما قول غير النبي ليس بنبي ليس بحجة على الخلق لذلك يسعه إظهار ذلك عند الإكراه * و إذا أكره الرجل بوعيد حبس أو ضرب لا يخاف تلف عضو منه على أن يكفر بالله فتلفظ بالكفر يصير كافرا و تبين منه امرأته * و إن قال كان قلبي مطمئنا بالإيمان لا يصدق * و إذا أكره الرجل على الكفر فقال كفرت بالله و قال نويت به الخبر عن كفر سابق في الماضي أو كذبا تبين منه امرأته في القضاء * و إن قال كفرت بالله و لم يرد به الإخبار عن الماضي و إنما قصد تحقيق الكفر تبين منه امرأته قضاء و ديانة و يصير كافرا لانه يقدر على الخلاص عن الإكراه بإجراء كلمة الكفر من غير تحقيق * و لو قال كفرت بالله و قلبه مطمئن بالإيمان لا تبين منه امرأته * و لو أكره على سب محمد النبي عليه السلام فسب محمد و خطر بباله محمد آخر و نواه بانت منه امرأته قضاء فإن لم يرد محمد آخر تبين منه امرأته قضاء و ديانة * و إن لم يخطر بباله غير النبي فسب محمد و قلبه مطمئن بالإيمان لا تبين منه امرأته لأنه مكره * و الإكراه في هذه المسائل بوعيد القيد و الحبس لا يكون إكراها و في البيع الإكراه بوعيد القيد و الحبس يكون إكراها * و كذا في كل تمليك يحتمل الفسخ كالإجارة و الهبة و غير ذلك * و كذا لو كان على رجل مال أو كفالة او حق شفعة فأكره بقيد أو ضرب او سجن كانت البراءة باطلة و يكون مكرها * و كذا لو أكره بحبس أو قيد حتى يقر على نفسه بمال أو قصاص أو يقر بحد أو نكاح أو طلاق أو عتاق كان الإقرار باطلا * و لو أكره على هذا بحبس يوم أو قيد يوم أو بضرب سوط فجميع ذلك يكون جائزا و هذا الإكراه لا يمنع جواز شيء من هذه التصرفات و المراد من الضرب الذي يكون إكراها في مثل هذا الضرب الذي يجد منه الألم الشديد لا أصل الألم و أمل القيد و الحبس الذي يكون الإكراه به إكراها أن يجيء منه الاغتمام البين فالحبس المؤبد و القيد المؤبد يكون إكراها و كذا لو لم يكن مؤبدا و لكن يلحقه كثير ضرر و اغتمام شديد فهو بمنزلة المؤبد * و إذا أكره السلطان رجلا بوعيد قيد أو حبس على أن يقتل فلانا لا يكون مكرها فإن قتل فلانا ذلك كان على المأمور القصاص في قولهم * و إن أكرهه بوعيد(3/303)
قتل أو تلف عضو يكون إكراها * فإن قتل المأمور ذلك الرجل يقتل الآمر قصاصا في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و لا يقتل المأمور * و لو قال السلطان لرجل اقطع يد فلان و إلا قتلتك وسعه أن يقطع يد فلان * و إذا قطع كان القصاص على الآمر في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى
(* فصل في الإكراه على أحد فعلين *)
رجل أكره رجلا بوعيد قتل أو تلف عضو أو قيد أو حبس على أن يطلق امرأته التي لم يدخل بها أو يعتق عبده ففعل المكره أحدهما غرم المكره الأقل قيمة من قيمة العبد و من نصف مهر المطلقة أيهما كان أقل يرجع المأمور على الآمر بذلك لأن المأمور كان يتخلص عن أكثر الضررين بالتزام الأقل فلا يرجع على الآمر بالزيادة * و إن كان الزوج دخل بها لا يجب على الآمر شيء * أما إذا طلق فلأنه لم يجب عليه بالطلاق شيء لم يكن * و أما إذا أعتق فلأنه كان يتخلص عن الإعتاق بالتزام ما لم يجب فيه شيء لم يكن فيكون مختارا في الإعتاق * و لو أكره على أن يكفر بالله تعالى أو يقتل هذا المسلم بوعيد قتل أو تلف عضو فقتل المسلم في القياس يقتل المأمور و الاستحسان لا يقتل و تجب الدية في ماله في ثلاث سنين إذا لم يعلم المأمور أنه يرخص له في إجراء كلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان * و إن علم بالرخصة اختلفوا فيه * قال بعضهم يقتل المأمور قصاصا * ة قال بعضهم لا يقتل لأن إجراء كلمة الكفر رخصة و ليس بمباح * و لهذا لو صبر حتى قتل كان شهيدا * و لو أكره على أكل ميتة أو لحم خنزير أو قتل مسلم فقتل المسلم يقتل المأمور قصاصا لأن أكل الميتة مباح عند الضرورة وليس برخصة ولهذا لو صبر حتى قتل ولم يأكل الميتة يكون آثما مؤاخذا بدمه ولو أكره على أن يقتل مسلما أو يزني ليس له أن يفعل أحدهما لأن قتل المسلم و الزنا لا يباح عند الضرورة فان زنى حد قياسا ولا يحد استحسانا وعليه مهرها وان قتل المسلم يقتل الآمر لأن كل واحد منهما حرام فلا يخرج من أن يكون مكرها ولو كان الإكراه في هذه المسائل بوعيد حبس أو قيد أو حلق لحية لا يكون إكراها فان قتل المسلم يقتل القاتل قصاصا ولا يقتل الآمر لعدم الإكراه بل يعزر ولو أكرهت المرأة على الزنا بقيد أو حبس لا حد عليها لأنها وان لم تكن مكرهة فلا أقل من الشبهة ولو أكره الرجل على أن يقتل فلانا المسلم أو يتلف مال الغير كان له أن لا يأخذ مال الغير ولا يتلفه سواء كان ذلك المال أقل من الدية أو أكثر لأن إتلاف مال الغير مرخص وليس بمباح ولهذا لو اضطر حالة المخمصة وأراد أن يأخذ مال الغير فمنعه صاحبه ولم يأخذ حتى مات لا يأثم فان قتل ذلك المسلم ولم يتلف مال الغير يقتل القاتل لأن إتلاف مال الغير مرخص وقتل المسلم ليس بمرخص وان أتلف مال الغير يضمن الآمر ولو أكره بوعيد القتل على الإطلاق أو العتاق فلم يفعل حتى قتل لا يأثم لأنه لو صبر على القتل ولم يتلف مال نفسه يكون شهيدا فلأن لا يأثم إذا امتنع عن إبطال ملك النكاح على المرأة كان أولى والله أعلم
فصل في التلجئة
التلجئة على ثلاثة أوجه أحدها التلجئة في نفس المبيع وصورتها أن يقول الرجل لغيره أني أريد أن أبيع منك عبدي هذا في الظاهر لأمر أخافه ولا يكون ذلك بيعا في الحقيقة فقال فلان نعم وأشهد على مقالته تلك ثم باعه في مجلس آخر بألف درهم وتصادقا على ما كان بينهما من المواضعة كان البيع باطلا وهو بيع الهازل ذكر محمد رحمه الله تعالى في كتاب الاقرار من الأصل أن هذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقولنا وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية أن البيع جائزة هذا إذا تصادقا على أن البيع كان على تلك المواضعة فان ادعى أحدهما أن البيع كان تلجئة(3/304)
وأنكر الآخر لا يقبل قول من يدعي التلجئة ويستحلف الآخر وان أقام مدعي التلجئة البينة على ما ادعى قبلت بينته ولو تصادقا على أن البيع كان تلجئة ثم أجاز البيع بعد ذلك صحت الإجازة كما لو تبايعا هزلا ثم جعلاه جدا يصير جدا وان أجاز أحدهما لا تصح اجازته وإذا أكرهت المرأة على قبول الخلع فقبلت ثم رضيت أن كان الخلع بلفظة الخلع لا يلزمها المال والطلاق بائن وان كان بلفظة الطلاق على قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى يصير بائنا ويلزمها المال إذا رضيت وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يكون رجعيا ولا يلزمها المال وفي بيع التلجئة إذا قبض المشتري العبد المشترى وأعتقه لا يجوز اعتاقه وليس هذا كبيع المكره فان المشترى هناك إذا أعتقه بعد القبض ينفذ اعتاقه لأن بيع التلجئة هزل وذكر في الإقرار من الأصل أن بيع الهازل باطل وبيع المكره فاسد هذا إذا كانت التلجئة في نفس البيع فان كانت في الثمن وصورته أن يتفقا في السر أن الثمن ألف درهم وباعا في الظاهر بألفي درهم قال محمد رحمه الله تعالى الثمن ثمن السر ولم يذكر فيه خلافا وروى المعلى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الثمن ثمن العلانية ولو اتفقا في السر أن يكون الثمن ألف درهم وأشهدا على ذلك ثم تبايعا في الظاهر بمائة دينار قال محمد رحمه الله تعالى في القياس يبطل البيع وفي الاستحسان يجوز بمائة دينار ولو اتفقا أن يقرا ببيع لم يكن فأقرا ثم أجازا لا يجوز والله أعلم (كتاب الوصايا) إذا أراد الرجل أن يوصي وله أولاد في صغار عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى أن ترك المال لأولاده يكون أفضل ولو كان الأولاد كبارا أو المال قليل قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا ينبغي له أن يوصي وان كان المال كثيرا والورثة أغنياء يبدأ بالواجبات فان لم يكن عليه شيء من الواجبات يبدأ بالقرابة فان كانوا أغنياء فبالجيران
فصل فيما يكون وصية وفيما لا يكون(3/305)
مريض أو صحيح كتب بيده كتاب وصية وقال للشهود اشهدوا بما فيه ولم يقرأ عليهم الكتاب قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى لا يجوز لهم أن يشهدوا بذلك في قول علمائنا المتقدمين إلا أن يقرأ عليهم الكتاب أو يقرؤا عليه وقال نصير رحمه الله تعالى يجوز لهم أن يشهدوا وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كتب الرجل وصية بيده ثم قال اشهدوا علي بما في هذا الكتاب فهو جائز استحسانا وان كتبها غيره وقال هو اشهدوا علي بما في هذا الكتاب لم يجز قال نصير رحمه الله تعالى كتب علي بن أحمد وصية وكنا عنده فحضر هناك عدول فقرأ عليهم وكتبوا شهادتهم ثم دخل جماعة من المشايخ فأمرهم بأن يكتبوا شهادتهم ولم يقرأ عليهم وعن أبي نصر الدبوسي رحمه الله تعالى مريض أشهد على كتاب الوصية من غير أن يقرأ على الشهود قال لا يسع للشهود أن يشهدوا حتى يقرأ هو على الشهود أو يقرؤا عليه وكذلك كتاب الاقرار وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا كتب الرجل صكا بخط يده إقرارا بمال أو وصية ثم قال اشهد عليها من غير أن يقرأها أو يقرأ عليه وسعك أن تشهد ويجب على كل من يشهد أن يحتاط فلا يشهد على صك لم يقرأ أو يقرأ عليه فان فعل ذلك كان لجهله أو لقلة عنايته في أمر الدين وذلك لا يجوز في الديانة ولو أوصى رجل أن ما وجد مكتوبا من وصية والدي ولم أكن نفذتها فنفذوها أو أقر بذلك على نفسه إقرارا في مرضه قالوا هذا وصية إن صدقه الورثة صح تصديقهم وان كذبوه كان ذلك من الثلث ولا يكون ذلك من جميع المال بخلاف الدين لأنه لا طالب له إلا الله تعالى فكان حكمه كم الزكاة والكفارة رجل قال ثلث مالي وقف ولم يزد على هذا قال أبو نصر رحمه الله تعالى إن كان ماله نقدا فهذا القول باطل بمنزلة قوله هذه الدراهم وان كان ماله ضياعا يصير وقفا على الفقراء ولو أن مريضا قال أخرجوا ألفا من مالي أو قال أخرجوا ألف درهم ولم يزد على هذا ومات قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى إن قال ذلك في ذكر الوصية جاز ويصرف إلى الفقراء وإذا قرئ صك الوصية على رجل فقيل له أهو هكذا فأشار برأسه بنعم لا يجوز ذلك وكذا إذا امتنع عن الكلام لأجل المرض وهو يقدر على الكلام وأشار برأسه لا يجوز ذلك وليس هذا كالأخرس لأن الأخرس لا يرجى منه الكلام وأما الذي اعتقل لسانه بالمرض فانه يرجى منه الكلام فلا تجعل إشارته بمنزلة العبارة ولو قيل لمريض أوصي بشئ قال ثلث مالي ولم يزد على هذا قال الفقيه أبو بكر رحمه الله تعالى إن كان هذا على أثر السؤال يصرف ثلث ماله إلى الفقراء وعن محمد بن سلمة رحمه الله تعالى أنه أطلق الجواب وقال يصرف إلى الفقراء ولم يفصل تفصيلا وعن محمد ابن مقاتل رحمه الله تعالى رجل أوصى بأن يعطي الناس ألف درهم قال الوصية باطلة ولو قال تصدقوا بألف درهم فهو جائز ويصرف إلى الفقراء وروى هشام عن محمد رحمه الله تعالى رجل قال ثلث مالي لله تعالى قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى هي باطلة كما لو قال لعبده أنت لله لا يعتق وقال محمد رحمه الله تعالى الوصية جائزة ويصرف إلى وجوه البر وفي مسألة العتق إن أراد به العتق عتق وان أراد به الصدقة بالعبد يتصدق به وان أراد به أن كلنا لله تعالى لا يلزمه شئ مريض قال بالفارسية صددرم ازمن بخشش كنيد قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى هي باطلة لأن هذا يكون للأغنياء والفقراء جميعا ولو قال صددرم ازمن روان كنيد كانت الوصية جائزة لأن هذا اللفظ يراد به القربة وقال القاضي الإمام علي بن الحسين السغدي رحمه الله تعالى قوله روان كنيد ليس من لساننا فلا أعرف هذا رجل أوصى بأن يدفن في داره قال أبو القاسم رحمه الله تعالى هذه الوصية باطلة ميت دفن في قبر دفن فيه ميت آخر قال أبو القاسم رحمه الله تعالى إن بليت عظام الأول ولم يبق من عظامه شئ يدفن الثاني وان بقي من عظامه فانه يهال عليه التراب ولا يحرك العظام ويدفن الثاني بجنب الأول وان شاؤا يجعلوا بينهما حاجزا من الصعيد ولو أوصى بأن يحمل بعد موته إلى موضع كذا ويدفن هناك ويبنى هناك رباطا من ثلث ماله فمات ولم يحمل إلى ذلك الموضع قال أبو القاسم رحمه الله تعالى وصيته بالرباط جائزة ووصيته بالحمل باطلة ولو حمله الوصي يضمن ما أنفق في الحمل إذا حمله الوصي بغير إذن الورثة وان حمله بإذن الورثة لا يضمن وما يلقى في القبر تحت الميت مثل المضربة ونحوها قال أبو نصر رحمه الله تعالى لا بأس به وهو كالزيادة في الكفن وبعضهم أنكروا ذلك ولو أوصى بعمارة قبره للتزيين فهي باطلة ولو أوصى باتخاذ الطعام للمأتم بعد وفاته ويطعم اللذين يحضرون التعزية قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يجوز ذلك من الثلث ويحل للذين يطول مقامهم عندهم وللذي يجيء من مكان بعيد يستوي فيه الأغنياء والفقراء ولا يجوز للذي لا يطول مسافته ولا مقامه فان فضل من الطعام شئ كثير يضمن الوصي وان كان قليلا لا يضمن وعن الشيخ الإمام أبي بكر البلخي رحمه الله(3/306)
تعالى رجل أوصى بان يتخذ الطعام بعد موته للناس ثلاثة أيام قال الوصية باطلة وعن أبي القاسم رحمه الله تعالى في حمل الطعام إلى أهل المصيبة والأكل عندهم قال حمل الطعام في الابتداء غير مكروه لاشتغال أهل المصيبة بتجهيز الميت ونحوه فأما حمل الطعام في اليوم الثالث لا يستحب لأنه في اليوم الثالث يجتمع النائحات فإطعامهن في ذلك اليوم يكون إعانة على المعصية إذا أوصى الرجل أن يطين قبره أو يضرب على قبره قبة كانت باطلة رجل قال اشهدوا أني قد أوصيت لفلان بألف درهم وأوصيت أن لفلان في مالي ألف درهم قال محمد رحمه الله تعالى الألف الأولى وصية والأخرى إقرار ولو قال أوصيت بأن له ألفا في مالي فهو إقرار ولو قال قد أوصيت له بألف في مالي كانت وصية رجل قال في صحته أو مرضه إن حدث بي حدث فلفلان كذا عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال سمعت أبا حنيفة رضي الله عنه يقول إن هذه وصية والحدث عندنا الموت وان لم يقل حدث الموت وكذا لو قال لفلان ألف درهم من ثلثي فهو وصية وان لم يذكر فيها الموت ولو قال لفلان ألف درهم من مال أو نصف مالي أو من ربع مالي فهو باطل قال ذلك في صحته أو مرضه إلا أن يكون ذلك عند ذكر الوصية رجل قال في مرضه أوصيت لفلان بكذا و لفلان بكذا وجعلت ربع داري صدقة لفلان قال محمد رحمه الله تعالى أجيز هذا على وجه الوصية ولو قال في مرضه الذي مات فيه إن مت في مرضي هذا ففلانة لأمة حرة وما كان في يدها شئ فهو عليها صدقة قال أرى ذلك جائزا على وجه الصدقة ولها م كان في يدها يوم مات وعليها البينة أن هذا كان في يدها يوم مات وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى مريض قال أعطوا فلانا وصية كذا أو قال أعطوا بعد موتي أو قال أعطوا ثلثي فهو جائز لأن الثلث محل الوصية وان قال الربع أو الخمس أو شيئا آخر ما خلا الثلث لا يكون وصية إلا أن يكون ذكر الوصية أو الموت وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى مريض قال فيما أوصى تصدقت على فلان بداري ووهبت لفلان عبدي فلانا وجعلت لفلان كذا من مالي قال أما الصدقة والهبة فلا يجوز شئ منهما فهو على الصدقة والهبة فان قبض الموهوب له والمتصدق عليه جاز من الثلث وأما قوله جعلت فهو وصية لا يشترط فيها القبض والإقرار
(* فصل فيمن تجوز وصيته وفيمن لا تجوز *)(3/307)
لا تجوز وصية الصبي عندنا إذا لم يكن مراهقا و كذا إذا كان مراهقا * و لا تجوز وصية العبد و المدبر و أم الولد و المكاتب مات عن وفاء أو غير وفاء و معتق البعض كذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه بمنزلة المكاتب عنده و المجنون بمنزلة الصبي * و وصية الحر العاقل رجلا كان أو امرأة جائزة * و وصية الذمي بما يتقرب به المسلمون و أهل الذمة نحو العتق و الصدقات في قولهم جائزة * و إن أوصى الذمي بما يتقرب به أهل الذمة دون أهل الإسلام نحو الوصية ببناء البيعة و الكنيسة و السراج فيهما جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى و لا يجوز في قول صاحبيه رحمهما الله تعالى * و الذمي إذا بنى بيعة في حياته ثم مات تكون ميراثا عنه و لا تجوز وصية الصبي المحجور الذي بلغ غير رشيد قياسا و تجوز استحسانا * و وصية ابن السبيل الذي غاب عن ماله جائزة و لا تجوز الوصية للوارث عندنا إلا أن يجيزها الورثة * و لو أوصى لوارثه و لأجنبي صح في حصة الأجنبي و يتوقف في حصة الوارث على إجازة الورثة إن أجازوا أو جاز و إن لم يجيزوا أبطل * و لا تعتبر إجازتهم في حياة الموصي حتى كان لهم الرجوع بعد ذلك * و لو أوصى لأخيه و هو غير وارث ثم مات الموصي و أخوه ذلك صار وارثا بطلت وصيته عندنا * و كذا لو أوصى لأجنبية ثم تزوجها ثم مات لا تصح الوصية إلا بإجازة الورثة * و لو أوصى لابنه و هو عبد أو كافر ثم أسلم أو عتق ثم مات الموصي لا تصح وصيته و لو أوصى لقاتله إن أجازت الورثة جاز و إلا فلا في قول أبي حنيفة و محمد رحمه الله تعالى * و قال أبو يوسف و زفر رحمهما الله تعالى لا يجوز و إن أجازت الورثة * و لو كان القاتل صبيا أو مجنونا جازت له الوصية و إن لم تجز الورثة * و لو أوصى لقاتله و ليس له وارث سوى القاتل جازت الوصية في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و لا تجوز في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى * و لو أوصى لمكاتب قاتله أو لمدبر قاتله أو لأم ولد قاتله لا تجوز إلا بإجازة الورثة * و لا تجوز وصية المسلم للمرتد و لا وصية المسلم بخمر * و لو أوصى لإنسان بثلث ماله ثم مات الموصي له قبل موت الموصي بطلت وصيته * و لو أوصى لفلان و فلان و أحدهما ميت وقت الوصية ذكر في الأصل أن جميع الوصية تكون للحي منهما * و عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال إن لم يعلم الموصي بموته كان للحي نصف الوصية و تبطل الوصية في النصف * و إن علم بموته كان جميع الوصية للحي * ولو أوصى لرجلين بثلث ماله ثم مات أحدهما قبل موت الموصي بقي نصف الوصية للحي منهما و يعود النصف إلى ورثة الموصي * و لو أوصى مسلم لحربي مستأمن بثلث ماله ذكر في الأصل أنه يجوز * و قيل هذا قول محمد رحمه الله تعالى و عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في رواية لا تجوز هذه الوصية * و إن لم يكن الحربي مستأمنا لا تجوز في قولهم * و في بعض الروايات لا تجوز الوصية للحربي مستأمنا كان أو لم يكن أجازت الورثة أم لم تجز * و لو أوصى رجل بثلث ماله لأخيه و هو وارثه ثم ولد للموصي ابن ثم مات الموصي صحت الوصية * و لو أوصى لامرأته بثلث ماله ثم أبانها بثلاث أو بواحدة و انقضت عدتها ثم مات الموصي صحت الوصية لها * و لو أوصى لابن وارثه جاز * و كذا لو أوصى لمكاتب نفسه أو لأم ولد نفسه أو لمدبر نفسه جاز الكل استحسانا * و لو أوصى لعبده القن أو لأمته القنة ثم مات جازت الوصية في قولهم إلا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الوصية للقن يعتق القن ثلثه مجانا و يجب عليه ثلثا قيمته و له ثلث ماله من سائر التركة فيتقاصان و يترادان الفضل و عند صاحبيه رحمهما الله تعالى يعتق العبد كله و تصرف الوصية أولا إلى العتق فإن فضل من الثلث شيء كان الفضل للعبد * و تجوز الوصية لوالد قاتله و إن علا * و كذا لولد قاتله و إن سفل و لمكاتب هؤلاء و عبيدهم و مدبريهم * و لو أوصى لأخوته الثلاث المتفرقين و له ابن جازت الوصية لهم بالسوية أثلاثا لأنهم لا يرثون مع الابن و إن كان له بنت جازت الوصية للأخ لأب و الأخ لأم و تبطل الوصية للأخ لأب و أم لأنه يرث مع البنت و إن لم يكن له ابن و لا بنت كانت الوصية كلها للأخ لأب لأنه لا يرثه و تبطل الوصية للأخ لأب و أم و للأخ لأم لأنهما يرثانه * إذا ماتت المرأة و تركت زوجا و أوصت بنصف مالها لأجنبي كان للأجنبي نصف مالها و للزوج ثلث المال و السدس لبيت المال لأن الأجنبي يأخذ ثلث المال أولا بلا منازعة يبقى ثلثا المال فيأخذ الزوج نصف ما بقي و هو الثلث يبقى ثلث المال فيأخذ الأجنبي تمام وصيته و هو السدس فيكون لبيت المال * و لو أوصت لقاتلها بنصف مالها ثم ماتت و تركت زوجا يأخذ الزوج نصف مالها لأن الميراث مقدم على الوصية للقاتل ثم يأخذ القاتل نصف المال و لا شيء لبيت المال * و لو أوصت المرأة بنصف مالها لزوجها و لم توص بوصية أخرى كان جميع مالها للزوج النصف بحكم الميراث و النصف بحكم الوصية * و كذا لو أوصت لزوجها بأحد(3/308)